طلعنا عالحرية / العدد 99

Page 1

‫حرية ‪ ،‬كرامة‪ ،‬مواطنة‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬

‫مجلة شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬


‫رسائل غري مواربة‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية العدد‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬

‫بني حني وآخر‪ ،‬تصلنا رسالة رصيحة من‬ ‫النظام الدويل‪ ،‬تخالف النفاق والكالم‬ ‫املعسول الذي تدبجه عادة؛ بأن الدول‬ ‫الكربى تريد تحرر الشعوب‪ ،‬ونرش‬ ‫تهتم لحقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬وهي ّ‬ ‫بل إنها صديقة للشعب السوري! ولن تكون‬ ‫صفقة عودة املجرم رفعت األسد إىل سوريا‬ ‫آخر هذه الرسائل املبارشة الصفيقة‪.‬‬ ‫فرنسا بلد الحقوق والحريات‪ ،‬ال توارب وال‬ ‫الفج أن حامية املجرمني‬ ‫تخجل يف إعالنها ّ‬ ‫بحق الشعب السوري مكفولة‪ ،‬حتى لو‬ ‫مارسوا التجاوزات هنا وهناك للقوانني‬ ‫الفرنسية أو غريها‪ .‬ومن إيطاليا رمبا‬ ‫يستورد النظام السوري املخابرايت أنظمة‬ ‫يراقب بها شعبه ومعارضته‪ ،‬ويف بريطانيا‬ ‫يستثنون عائلة األسد من العقوبات الدولية‪،‬‬ ‫ويتساهلون معها أيضاً كام تساهلت إسبانيا‬ ‫ونصاب دويل مثل رفعت‪.‬‬ ‫وفرنسا مع مجرم ّ‬ ‫وال تفتأ الترسيبات تتدفق عن دول أوربية‬ ‫(غربية) من “األصدقاء” تدعم اإلجرام‬ ‫بالرس أو بالعلن أو تتعامى عنهام‪.‬‬ ‫والفساد ّ‬ ‫وهناك فيتو صيني وآخر رويس؛ يتناوبان‬ ‫أو يرضبان “الرفسة املزدوجة” للدفاع‬ ‫عن إجرام النظام يف سوريا‪ .‬والوساطة‪،‬‬

‫من سمسار رشير ما‪ ،‬حارضة دوماً لعقد‬ ‫الصفقات وإبرام العقود الضامنة لحامية‬ ‫الطغمة الحاكمة يف دمشق وتأبيد حكمها‬ ‫ذراعاً ظاهراً أو خف ّياً الحتالالت متعددة‪.‬‬ ‫وكذا الحال يف مرص‪ ،‬ورمبا يف ليبيا وتونس‬ ‫والسودان والسعودية وبلدان عديدة من‬ ‫ربيع العرب وخريفهم وباقي فصولهم‪..‬‬ ‫فض ًال عن حامية ديكتاتوريات أخرى غري‬ ‫عربية‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫حظ منطقتنا يف هذا هو‬ ‫األوفر‪ ..‬مليلة بختنا!‬ ‫مل يعد خافياً أن هناك قرار (من الكبار)‬ ‫بإيقاف عجلة التاريخ؛ ملا فاجأتهم شعوب‬ ‫املنطقة بدفع هذه العجلة‪ ،‬وبدأت فع ًال‬ ‫بزحزحتها وإزالة الصدأ عنها‪ .‬خافوا لو‬ ‫كرجت العجلة أن تطحن ثرواتهم وتطال‬ ‫فسادهم‪ ،‬فانطلقت عملية اإلجهاز عىل‬ ‫الربيع وقتله‪ ،‬ويف سوريا بالذات‪ :‬قتله تحت‬ ‫التعذيب!‬ ‫ألن ال يزهر العامل كله ربيعاً‪ ،‬تحكمه شعوبه‪،‬‬ ‫وألن ال يصري العامل كله ملكاً للناس! كان ال‬ ‫بد من “مؤامرة” جادة‪ .‬لنتجاوز اآلن للحظة‬ ‫مسألة أننا مقرصون وأننا نرتكب األخطاء‬ ‫و‪ ...‬نحن هنا ال نقول إننا مالئكة يتآمر علينا‬ ‫الشياطني‪ .‬وملسألة لوم ذاتنا وعدم مالئكيتنا‬ ‫مقام ومقاالت أخرى‪.‬‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫افتتاحية‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬ ‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫شهرية ثقافية‪ ،‬اجتامعية‪ ،‬سياسية‪،‬‬ ‫تعنى بالشأن السوري‬ ‫املدير اإلداري‬ ‫معتصم أبو الشامات‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫كل القرارات واملامرسات الجادّة للنظام‬ ‫تصب يف ذات املستنقع؛ مستنقع‬ ‫الدويل‬ ‫ّ‬ ‫األبدية املرسوم للطغاة والسفاحني عىل‬ ‫امتداد البالد العربية‪ ،‬وس ّد املنافذ بوجه‬ ‫رياح التغيري وبوادر الثقافة الدميوقراطية‪.‬‬ ‫الضوء أخرض دامئاً أمام آلة القمع واإلذالل‬ ‫والرسقة‪ ،‬والهدف واضح متاماً‪ ،‬حامية مكانة‬ ‫بشار األسد وترسيخ سطوة النظام كضامن‬ ‫وحامي ألتباعه املجرمني‪ ،‬وتكريس سوريا‬ ‫كبؤرة جاذبة ّ‬ ‫للرش‪ ،‬وبوتقة لتجميع الحثالة‬ ‫واملجرمني من كل أنحاء العامل‪ ..‬أفراداً‬ ‫وتنظيامت وعصابات‪.‬‬ ‫هذه هي رسائل العامل إىل السوريني‬ ‫والحاملني بالربيع من غريهم‪ ..‬وهذا هو‬ ‫املستقبل املرسوم لحلم الحرية الذي انقلب‬ ‫كابوساً أبدياً‪.‬‬ ‫نتلقى رسائل العامل (األول) لنا‪ ،‬والتي منها‬ ‫أنه يجب علينا أن نكون ح ّبابني أليفني غري‬ ‫متطرفني‪ ،‬وأن الصفاقة من طرفهم هم‬ ‫ينبغي أن تكون مقبولة‪ .‬بينام رصاخنا من‬ ‫األمل هو املزعج واملكرر وغري العرصي‪ .‬ثم‬ ‫ال يسعنا إال أن نعود ملهمة أسهل من تغيري‬ ‫العامل الصفيق أو تصليح ما أخطأنا به؛ نعود‬ ‫دوماً لالختالف وتبادل املالمة بدل تقاسمها‪.‬‬ ‫والله املستعان!‬ ‫تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت‬ ‫‪facebook.com/rising4freedom‬‬

‫نصار‬ ‫رئيس التحرير أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫نائب رئيس التحرير ليىل الصفدي‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ /‬هاين ع ّباس‬

‫أمن رقمي ومحاسبة‬ ‫وائل موىس‬

‫زمالء مختطفون يف سوريا‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫‪3‬‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬

‫‪2021 / 10 / 18‬‬

‫كاريكاتري‬


‫‪4‬‬

‫العربي كفيزياء مستحيلة!‬ ‫مرزوق الحلبي‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬ ‫مقاالت‬

‫ليس للعر ّيب أي مكان يف املايض ينسحب إليه‪ .‬ليس‬ ‫لديه إىل أين يعود‪ .‬أقول هذا والثقافة العربية‬ ‫الدينية منها وال َعلامن ّية ال تزال‪ ،‬رغم انكسار الزوارق‬ ‫عند الصخور‪ ،‬ذات نزعة ماضو ّية‪ .‬عب ًثا نحاول‬ ‫تجنيد قوانني الفيزياء لنؤ ّكد أن الزمن الذي مىض‪،‬‬ ‫مىض وانقىض‪ .‬وأنك ال تستطيع أن متكث يف لحظة‬ ‫انتهت مهام كانت ُمضيئة أو ذروة‪ ،‬يف الحقيقة أو‬ ‫املتوسط‪ ،‬ويتف ّوق‬ ‫الوهم‪ .‬ومع هذا يبدو العر ّيب‬ ‫ّ‬ ‫املتوسط‪ ،‬شغو ًفا بالتاريخ ح ّد اإلقامة‬ ‫عليه املسلم‬ ‫ّ‬ ‫فيه‪ ،‬ال س ّيام فيام يعتربه ذرى يف هذا التاريخ أو‬ ‫عرصا ذهب ًّيا ُمتخ ّيال‪ .‬فالعر ّيب عمو ًما‪ ،‬كام الحظ‬ ‫ً‬ ‫مفكرون وباحثون عرب‪ُ ،‬مصاب بالتاريخ يكتبه‬ ‫ويك ّرره و ُيعيده وينسخه بنشوة مبالغ فيها ح ّد أنه‬ ‫أمكننا أن نقول إن التاريخ هو مرض العر ّيب ا ُملزمن‪.‬‬ ‫ّربا ألن الجرح يف الروح والجسد العربيني عميق مع‬ ‫تكرار الهزائم واالنكسارات ال س ّيام يف العرص الحديث‬ ‫إىل يومنا هذا‪ .‬فيأيت التعويض برواية ك ّلها مجد تليد‬ ‫و”أ ّمة خالدة” بل “خري األمم” ً‬ ‫وصول إىل عهد النب ّوة‬ ‫والحكم الرشيد‪ ،‬علام بأن املتأ ّمل يف هذه الحقبة‬ ‫سيكتشف أنها مل تكن مرشقة يف مستوى االجتامع وإن‬ ‫كانت محفوفة بالنرص يف الحروب‪ .‬يتبع ذلك بطبيعة‬ ‫الحال ذكر القداسة والنب ّوة وما انبثق عنها من مد ّونة‬ ‫ال ترتك للعر ّيب أي مجال للشك بالتاريخ ـ تاريخه‪.‬‬ ‫املتوسط عن نفسه وتاريخه‪،‬‬ ‫هذه هي مد ّونة العر ّيب ّ‬ ‫وعليه فهو يسكنها ويستبطنها أينام ذهب حتى‬ ‫إىل ديار الغرب وعواصمه‪ .‬بل تصري هي هي‬ ‫الهو ّية املثىل التي ال يرقى إليها ّ‬ ‫شك مهام تتالت‬ ‫الهزائم واالنكسارات‪ ،‬ومهام كان اإلخفاق ً‬ ‫شامل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وصول‬ ‫من الفشل يف إدخال الخيط يف خرم إبرة‬ ‫إىل اإلخفاق يف سؤال االجتامع عىل أساس العدل‬ ‫املؤسسات ودولة املواطنني وحقوق‬ ‫املعقول وإدارة ّ‬

‫اإلنسان‪ .‬وألنها هذه هي املد ّونة‪ ،‬ال يرتدّد العر ّيب‬ ‫املتوسط‪ ،‬الفرد والجامعة‪ ،‬يف تحويل نقائصه وهزامئه‬ ‫ّ‬ ‫عىل كل الجبهات األخالقية والثقافية والسياسية‬ ‫واالجتامعية إىل فضائل يتفاخر بها أو يستعيل بها‬ ‫عىل شعوب و ُمجتمعات سبقته يف إنجازاتها ال س ّيام‬ ‫يف بناء منوذجها من االجتامع املد ّين املعقول‪ .‬حالة‬ ‫من ّ‬ ‫الغش الذهني التي يتّسم بها العر ّيب أكرث من‬ ‫غريه‪ .‬للحقيقة أشري إىل أن تحويل الجمود والفشل‬ ‫حرصا عىل‬ ‫إىل موضوع مفاخرة ومباهاة ليس‬ ‫ً‬ ‫العرب موضوعنا‪ ،‬بل هي حالة تصيب املجتمعات‬ ‫العاجزة عن نزع جلودها يك تتعاىف وتنهض‬ ‫و ُترشق‪ .‬فالعجز يجعلها تقوم بفعل العاجزين ومنه‬ ‫تحويل العطب إىل مفخرة والتاريخ إىل يوتوبيا‪.‬‬ ‫ال أحد يستطيع أن ينجو من غرق باالتكاء عىل‬ ‫ذهبي متخ ّيل‪ّ .‬إل إذا كان مجبوال‬ ‫مجد غابر أو عرص ّ‬ ‫عىل العاطفة والخيال املجنّح فريكن إىل دغدغات‬ ‫يف أسفل بطنه ويتيه من الخيالء بينام هو يف عوز‬ ‫أو فاقة‪ ،‬أو يف بط ٍر أو وفرة من ريع النفط ُتغنيه‬ ‫عن التفكري والفعل‪ ،‬خاصة إذا كان بإمكانه أن‬ ‫يشرتي املجد املاديّ للتعويض عن خواء املعنى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كل املد ّونة التي يعيش فيها العر ّيب ال تنفعه يف يشء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكل النصوص دون استثناء ينبغي التعامل معها‬ ‫كفولكلور ليس أكرث‪ .‬أ ّما اللغة العرب ّية عىل العموم‬ ‫فمهجورة؛ ال تقرتب من العرص وال من معضالته‪،‬‬ ‫تحتاج إىل عملية تحديث وتطوير عاجلة‪ .‬لغة جامدة‬ ‫عاليي من القداسة‪،‬‬ ‫قارصة‪ُ ،‬تقيم يف أرس من سور ْين ْ‬ ‫شاده اإلسالمويون والقوميون الرومانسيون العرب‪.‬‬ ‫ليس أمام العر ّيب سوى أن يتقدّم من حارضه إىل‬ ‫مستقبله‪ً ،‬‬ ‫حامل مفهو ًما جديداً لالجتامع البرشيّ ‪،‬‬ ‫ومعنى جديدًا لنفسه ولغريه‪ .‬هناك رضورة قصوى‬ ‫كامض‬ ‫يف أن ُيشفى من عُ قدة التاريخ واملكوث فيه ٍ‬

‫مىض وانقىض‪ .‬فال املجد ُيستعار‪ ،‬وال الرفاهية‪ ،‬وال‬ ‫االجتامع املعقول‪ ،‬وال الهو ّية ُتقتبس‪ ،‬وال املجد الغابر‪،‬‬ ‫وال أيام العزّ‪ ..‬ك ّلها ُتصنع صناعة يدو ّية ّ‬ ‫كل يوم‬ ‫من جديد بالفعل والتحدّي‪ ،‬ال بالتم ّعن يف نصوص‬ ‫خطب وإنشاء خطاب ً‬ ‫نقل عنها‪.‬‬ ‫تقادمت‪ ،‬وإلقاء‬ ‫ٍ‬ ‫أما منتهى الهو ّية املعافاة فهو الحفر فيها ونقدها‬ ‫وتطويرها بعد تطبيع العالقة معها ال م ْث َلنَتها‪،‬‬ ‫تصحيحا‬ ‫وال إعفاء النفس من االنكباب عليها‬ ‫ً‬ ‫وإكسابا ملضامني جديدة تتالءم مع الزمن وتحفر‬ ‫طرقها فيه‪ّ .‬‬ ‫وإل مىش الزمن عىل جثثنا وغاب‬ ‫كام هو حاصل اآلن يف مواقع العرب واملسلمني‪.‬‬ ‫النقل واالتباع واقتباس األ ّولني هو الفعل النابع من‬ ‫عُ قدةالتاريخ‪.‬واإلبداع‪-‬إبداعذاتهومعناهومستقبله‪-‬‬ ‫هو ما يحتاجه العريبّ‪ .‬والسؤال؛ سؤال الوعي‬ ‫واإلرادة الساعية إىل صنع التاريخ ال مضغه واجرتاره‪.‬‬ ‫وال يستطيع العر ّيب َم ْوضعة نفسه من جديد‬ ‫مقابل املراكز األخرى ويف رأسها الغرب‪ ،‬ويف مكان‬ ‫عالٍ ضمن حركة التاريخ‪ّ ،‬إل إذا متوضع من جديد‬ ‫ضمن ثقافته من خالل رمي كل أحاملها املعطوبة‬ ‫يف البحر أو يف الصحاري‪ ،‬ال س ّيام أساطريها وغيبياتها‬ ‫وأوهامها‪ ،‬والتفكري بإمكانية العودة إىل املايض أو‬ ‫استحضاره‪ .‬ال ُيكن للاميض يف الفيزياء أن يكون زمنًا‬ ‫ً‬ ‫حارضا أو مستقبل ّيا‪ .‬وهذه هي أزمة فيزياء العريبّ!‬


‫فصل االتصال فيما بني الديين والدنيوي‬ ‫‪5‬‬ ‫ماجد كيالي‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 9 / 18‬‬

‫أم “الشيعي” أم واحد غريهام؟ هل إسالم قم أم‬ ‫النجف أم مكة أم األزهر؟ ثم لدينا إسالم “الويل‬ ‫الفقيه” وآيات الله يف إيران‪ ،‬ولدينا إسالم حزب‬ ‫الله يف لبنان وكتائب أبو الفضل العباس يف العراق‪،‬‬ ‫والحوثيني يف اليمن‪ .‬كام مثة إسالم “داعش” و”جبهة‬ ‫النرصة” واإلخوان وحزب التحرير وحزب النهضة‬ ‫وحزب العدالة والتنمية (الرتيك)‪ ،‬وغري ذلك كرث‪.‬‬ ‫املشكلة‪ ،‬التي ينبغي أن يلحظها بعض اإلسالميني‪،‬‬ ‫أن كل واحدة من هذه الجامعات ترى الجامعات‬ ‫األخرى خارجة عن اإلسالم أو منحرفة عنه‪ ،‬بينام‬ ‫هي التي متثل اإلسالم الصحيح‪ ،‬وأنها وكيلة الله عىل‬ ‫األرض‪ ،‬بل مثة جامعات تكفر غريها وتقاتله‪ ،‬فحتى‬ ‫النرصة تكفرها داعش‪ ،‬وهي تكفر غريها وهكذا‪.‬‬ ‫املشكلة األخرى أن كل جامعة إسالمية تروج ملا‬ ‫تعتربه إسالمها أو صحيح اإلسالم‪ ،‬لديها منظريها من‬ ‫املشايخ‪ ،‬مع صفوف من املفتني الذين ميكن أن يربروا‬ ‫أي ترصف لها‪ .‬حتى بشار األسد له مشايخه ومفتيه‪.‬‬ ‫عىل ذلك‪ ،‬آن للبعض أن يتفحص بطريقة نقدية ما‬ ‫يحصل‪ ،‬بعيداً عن التعصب الديني أو األيديولوجي‪،‬‬ ‫إلدراك أن الله مل يوكل أحداً عنه‪ ،‬وأنه هو ويل‬

‫الحساب‪ ،‬وهو القائل “ال إكراه يف الدين”‪ ،‬و”من‬ ‫شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”‪ .‬وأيضاً إدراك أن‬ ‫الدين واحد يف القرآن‪ ،‬وأنه ال اجتهاد بعد وفاة‬ ‫الرسول وفق النص القرآين “اليوم أكملت لكم دينكم‬ ‫وأمتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم ديناً”‪،‬‬ ‫أي أن كل ما جاء بعد ذلك هو مجرد اجتهادات‬ ‫يفرتض أن تنم عن روح التسامح يف اإلسالم‪ ،‬كام‬ ‫يفرتض أن تعرض للمساءلة والفحص والنقد‪.‬‬ ‫هذا يقودنا إىل عبارة “اإلسالم هو الحل” وهي مجرد‬ ‫شعار تعبوي ينطوي عىل استغالل الدين‪ ،‬واألخطر‬ ‫من ذلك إظهاره كإسالمات متعددة‪ ،‬متطرفة ومعتدلة‬ ‫ومتوسطة‪.‬ينبغيالتمييزبنيالدينياملقدسوالدنيوي‬ ‫املدنس‪ ،‬وتحرير الدين من السلطة ومن التاريخ؛‬ ‫فاإلسالم يشء وتاريخ املسلمني يشء آخر‪ ،‬كام ينبغي‬ ‫منع استغالل الدولة للدين‪ ،‬واستخدامه يف األغراض‬ ‫السلطوية‪.‬أماالحديثعنالحاكميةلله‪،‬فهوليسنصاً‬ ‫مقدساً بل مجرد اجتهاد‪ ،‬واألهم أن الله مل يوكل أحداً‬ ‫عنه يف األرض‪ ،‬وأن مستخدمي هذه املقولة يتوخون‬ ‫استغالل الدين لفرض رؤاهم‪ ،‬وتجنب املساءلة والنقد‬ ‫واملحاسبة باعتبارها من أبجديات العمل السيايس‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫مازال البعض ال يدرك أهمية التمييز بني شؤون الدين‬ ‫وشؤون الدنيا‪ ،‬عىل أساس رؤية مغلقة مفادها أن‬ ‫الدين مل يرتك شيئا مل يقله‪ ،‬وهو قول عمومي‪ ،‬أو‬ ‫شعارايت‪ ،‬ينم عن رؤية بسيطة ومتعسفة ومترسعة‪،‬‬ ‫ترض الدين أكرث مام تتنرص له؛ إذ هي تحمله أكرث مام‬ ‫يحتمل‪ ،‬وتخلط بينه باعتباره مجرد رؤية عامة مقدسة‬ ‫للكون والبرش ومقاصد الخلق‪ ،‬وضمن ذلك العبادات‬ ‫واملسلكيات‪ ،‬وبني شؤون الدنيا التي تتعلق بتفاصيل‬ ‫الحياة بصغريها وكبريها‪ ،‬وضمنها صنع التاريخ وبناء‬ ‫املجتمعات وانتهاج السياسات وصوغ العالقات‬ ‫الدولية‪ ،‬وهي مسائل تخضع للتساؤل واملساءلة‪.‬‬ ‫معلوم أن الرسول الكريم هو الذي قال‪“ :‬أنتم أعلم‬ ‫بشؤوندنياكم”‪،‬وقدعرفعنهاستشارتهكبارالصحابة‬ ‫بخصوص متطلبات الحياة يف املدينة املنورة‪ ،‬وضمنها‬ ‫خوض الحرب أو السلم‪ ،‬فالدين مل يتحدث عن تنظيم‬ ‫املدن أو كيفية بناء الطرق وإدارة الجامعات‪ ،‬وال عن‬ ‫علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء‪ ،‬وإذا كان تحدث‬ ‫عنها فأين؟ وملاذا إذاً ال نتقدم؟ ثم األهم‪ :‬ملاذا مازلنا‬ ‫نعتمد يف حياتنا عىل نتاجات الغرب من إبرة الخياطة‬ ‫إىل الكومبيوترات والسيارات واألدوية والسالح؟‬ ‫القصد أنه آن لنا‪ ،‬بعد هذه التجربة املريرة‪ ،‬أن‬ ‫ندرك أن إقحام الدين يف كل يشء يجعل منه مجرد‬ ‫أداة لالستخدام واالستغالل‪ ،‬وينزع عنه قدسيته‪،‬‬ ‫كام من شأن ذلك ظهور محاوالت تطويعه ألغراض‬ ‫سلطوية‪ ،‬أو تتعلق بتعزيز املكانة وتعظيم املصالح‪.‬‬ ‫ومن أهم انعكاسات إقحام اإلسالم يف السياسة أنه‬ ‫يولد “إسالمات” جديدة‪ ،‬مبعنى ما‪ ،‬متباينة ومختلفة‬ ‫عن بعضها البعض‪ ،‬عىل نحو ما حصل يف التجربة‬ ‫التاريخية وما يحصل يف أيامنا هذه؛ وهذا يختلف متاماً‬ ‫عن اعتامد اإلسالم كمرجعية ألحزاب سياسية معينة‪.‬‬ ‫هذا الوضع يحيلنا إىل سؤال‪ :‬أي إسالم نريد؟ “السني”‬


‫‪6‬‬

‫األمل مبا تبقى من العمل‬ ‫عبد اهلل شاهين‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬ ‫مقاالت‬

‫أبو عبدو مواطن طموح وذو همة‪ .‬لديه روح ريادية‬ ‫فيام يخص العمل‪ .‬قرر خوض تجربة صناعية؛ حيث‬ ‫قرر أن يؤسس مصنع شيبس “زعتور”‪ .‬رقائق من‬ ‫الذرة املقرمشة املغطاة بالزعرت!‬ ‫ً‬ ‫ال يكفي أن يكون أبو عبدو طموحا‪ ،‬بل وال بد له أن‬ ‫ميتلك مهارات تقنية تجعله مل ًام بعمليات التصنيع‬ ‫والتغليف والتخزين والتسويق‪ .‬خربات ال بد لها من‬ ‫تجارب عملية يف أسواق منظمة‪ .‬لكن حتى لو امتلك‬ ‫أبو عبدو كل هذه املهارات‪ ،‬فإنه يظل معتمداً عىل‬ ‫وجود الئحة طويلة من املعطيات التي ال بد من‬ ‫توافرها لقيام العمل‪.‬‬ ‫بداية؛ سوف يحتاج إىل دقيق الذرة‪ ،‬الذي بدوره‬ ‫يتطلب وجود من يزرع الذرة ويحصدها‪ ،‬ووجود‬ ‫من يخزنها ويوزعها‪ ،‬ومن ثم نقلها إىل مصانع ليتم‬ ‫تحضري ذلك املسحوق‪ ،‬والبد من آليات لتخزين‬ ‫هذا املسحوق وبيعه وتوزيعه‪ .‬ومثل هذا سوف‬ ‫تحتاج خامة الزعرت‪ ،‬والزيت الذي سوف يستخدمه‬ ‫يف تصنيع هذا املنتج‪ ،‬وكذلك ‪ 10‬مكونات أخرى‪،‬‬ ‫ومنها ما يتطلب استرياده من الخارج لعدم وجوده‬ ‫يف الئحة التصنيع املحيل‪.‬‬ ‫سوف يحتاج كذلك إىل وجود مصنع ألكياس‬ ‫التغليف‪ ،‬التي لديها هي األخرى خط إنتاجي طويل‬ ‫ومتعدد املراحل‪ ،‬ومعتمد عىل عرشات األشخاص‪.‬‬ ‫وكذلك هو بحاجة إىل معدات صناعية للقيام بهذا‬ ‫العمل يف املكان الذي سوف يخصصه يف املنطقة‬ ‫الصناعية يف مدينته‪.‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬لن يقوم أبو عبدو بكل هذه األعامل وحده‪،‬‬ ‫بل يحتاج إىل عامل مهرة قادرين عىل تشغيل‬ ‫هذه اآلليات وصيانتها‪ ،‬وعىل تغذيتها بالعيارات‬ ‫املطلوبة‪ ،‬والتأكد من إمتام املنتج بطريقة مقبولة‬ ‫ومتسقة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬هنالك عامل سوف يقومون‬ ‫بتخزين البضاعة وتوصيلها إىل املوزعني الذين سوف‬ ‫يأخذونها إىل األسواق‪.‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬مصنع أبو عبدو يعمل عىل الطاقة‬

‫الكهربائية‪ ،‬والعديد من آلياته تحتاج مصادر طاقة‬ ‫أخرى كالغاز واملازوت‪ .‬والبد من توافرها ليك‬ ‫يتمكن من تشغيل املعمل وإنتاج بضاعته‪ .‬كام‬ ‫تقاص واضحة يدفع بها تكاليفه‬ ‫يتطلب وجود آلية ّ‬ ‫ويحدد بها أرباحه‪.‬‬ ‫من املفرتض كذلك وجود عملة مالية منظمة وذات‬ ‫قيمة قليلة التأرجح‪ .‬ونظام مرشيف يرشف عىل‬ ‫التقاص ويحفظ األموال‪ ،‬ونظام اقتصادي يكفل‬ ‫الحقوق ويحمي “أبو عبدو” من الرسقة والنهب‪،‬‬ ‫كام يضمن أن مستحقاته محفوظة‪.‬‬ ‫وأخرياً‪ ،‬سيترضع أبو عبدو بأن يكون لدى من‬ ‫يستسيغون هذا املنتج ما يكفي لرشائه واستهالكه!‬ ‫‪...‬‬ ‫عاش القطاع الصناعي يف سوريا لعقود طويلة رغم‬ ‫غياب عدد من مكونات “الطبخة” التي أوردتها يف‬ ‫قصة أبو عبدو‪ .‬وكان النظام السوري هو السبب‬ ‫األول والوحيد يف غيابها أو عرقلتها‪ .‬استمر القطاع‬ ‫الصناعي ‪-‬واقتصاد البلد عموماً‪ -‬عىل حالة من‬ ‫الرتاقص عىل خيط رفيع بالكاد ينجو من السقوط‪.‬‬ ‫اختار معظم أصحاب النشاطات االقتصادية يف‬ ‫سوريا ّ‬ ‫صف النظام عند انطالق الثورة‪ .‬بالرغم من‬ ‫النهب املتكرر الذي تعرضوا له من قبل النظام‪.‬‬ ‫وتوقع كثريون منهم أن تجازى مواقفهم “الوطنية”‬ ‫عقب “االنتصار عىل املؤامرة”‪ ،‬أو عىل األقل أن‬ ‫يرتكوا يف حال سبيلهم‪.‬‬ ‫لكن نظام األسد اليوم يتوجه إىل “تشليح” ما بقي‬ ‫من القطاعات االقتصادية من أصحابها ومنحها‬ ‫ألمراء الحرب الذين تكونت لديهم رشاهة كبرية‬ ‫للامل الرسيع‪ ،‬فكان عليه أن يوملهم ما تبقى من‬ ‫مصانع ورشكات‪ .‬وهذه الخطوة هي إعالن انتهاء‬ ‫الحلم السوري بالريادة الصناعية‪ ،‬واالستفاقة عىل‬ ‫الواقع املرير‪ .‬واقع أن أمراء الحرب هؤالء ال دراية‬ ‫لهم وال اهتامم يف املجاالت التي استولوا عليها‪،‬‬ ‫وأنهم وإن أرادوا تشغيل هذه املنشآت‪ ،‬فلن يجدوا‬

‫ال املواد الخام وال مصادر الطاقة وال حتى األيدي‬ ‫العاملة‪ .‬فالجهد الجبار الذي كان يقوم به أبو عبدو‬ ‫يف السابق لن يتكرر‪ ،‬حتى وإن تكرر فال ميكن أن‬ ‫يعيد “شيبس زعتور” إىل السوق ويضمن استمرارية‬ ‫هذا املنتج‪ .‬وإن املصري األعىل احتامالً هو قيامهم‬ ‫(أمراء الحرب واألعامل) بالفعل الذي احرتفوه خالل‬ ‫السنوات املاضية؛ وهو تشليح هذه املباين من‬ ‫املعدات واآلليات وحتى األسالك الكهربائية وبيعها‬ ‫“بالكيلو” مقابل أبخس األمثان‪ .‬فال األسد سوف‬ ‫يستطيع إسكات جوعهم‪ ،‬وال االقتصاد استطاع‬ ‫تحصيل بعض من االستقرار واالستمرارية عىل أيدي‬ ‫املتنفذين الجدد‪.‬‬ ‫إن أكرب الخارسين سوف يكون الشعب السوري‬ ‫يف املحصلة‪ ،‬والذي تتضاءل فرص العمل وأدوات‬ ‫اإلنتاج املتاحة أمامه يوماً بعد يوم‪ ،‬وسوف يظل‬ ‫ينشد الهجرة سبي ًال للخالص‪ ،‬فتنزف البلد ما تبقى‬ ‫من األيدي املاهرة الصامدة‪ ،‬وسوف تعاين األسواق‬ ‫الشح والنقص‬ ‫السورية يف مناطق النظام املزيد من ّ‬ ‫يف البضائع التي سوف تختفي من األسواق‪ ،‬ولألسف‬ ‫فإن خيبة األمل ستكون من نصيب املتفائلني بفتح‬ ‫املطارات والحدود‪ ،‬فهذه اإلجراءات لن ينتج عنها‬ ‫سوى انهيار متزايد للعملة التي مل تعد مدعومة بأية‬ ‫صادرات او بضائع‪ ،‬بل سيكون هذا الفتح مرسباً‬ ‫جديداً لخروج العملة الصعبة‪ ،‬اما توفر البضائع فلن‬ ‫يتحسن والقيمة الرشائية للعملة ترتاجع وقنوات‬ ‫التهريب محمية من قبل الحكومة‪ ،‬وسيستفيد‬ ‫أمراء حرب آخرون من خطوط التهريب التي سوف‬ ‫تستمر زيادة الطلب عىل بضائعها‪ ،‬إىل أن يتمكن‬ ‫األسد مجدداً من التصدي لنفوذ أمراء الحرب هؤالء‬ ‫وتلبيس الطربوش للمجرم القادم مقابل بقائه يف‬ ‫السلطة أسبوعاً آخر‪ .‬وما ستخرسه سوريا يف أسابيع‬ ‫سوف يستغرق تعويضه عرشات من السنني الشاقة‪،‬‬ ‫وأما أبو عبدو فليس له اليوم إال “األمل مبا تبقى‬ ‫من العمل”!‬


‫الالجئون السوريون ّ‬ ‫خيفضون معدل‬ ‫اجلرمية يف تركيا‬ ‫دراسة صادمة ألصوات الكراهية!‬

‫‪7‬‬

‫حسن عارفة‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬

‫البلد بنسبة ‪ .8.1%‬ما يعني أن الوجود السوري‬ ‫مل يؤثر برفع مستوى جرائم الرسقة واالعتداءات‬ ‫الجنسية وغريها‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬فيام كان له‬ ‫تأثري عىل نوع واحد من “الجرائم” وهو التهريب‪.‬‬ ‫ومل تغفل الدراسة بعض الفرضيات الطبيعية‪،‬‬ ‫التي قد تصيب أي مجتمع مضيف ملوجات‬ ‫الجئني صادمة وكبرية‪ ،‬مثل ازدياد معدل األنشطة‬ ‫اإلجرامية بسبب تدهور سوق العمل أو املنافسة‬ ‫من قبل الالجئني يف سوق العمل‪ ،‬بسبب‬ ‫انخفاض األجور وتأثريهم عىل العامل املحليني‪.‬‬ ‫إذ من املمكن‪ ،‬أن يكونوا سببوا بعض األنشطة‬ ‫اإلجرامية‪ .‬يف نفس الوقت‪ ،‬تؤكد الدراسة بحسب‬ ‫مصادرها‪ ،‬أن توظيف وأجور املواطنني األتراك‬ ‫يف القطاع الرسمي ازدادت مع وصول الالجئني‬ ‫السوريني‪ ،‬ما حافظ عىل ظروف العمل العامة‪.‬‬ ‫دراسة هامة ومليئة باألرقام‪ ،‬التي تدحض ادعاءات‬ ‫الكثريمناألصواتالكارهةللوجودالسورييفتركيا‪.‬‬ ‫ولألسف‪ ،‬تتفق أطياف املعارضة السورية يف‬ ‫تركيا‪ ،‬مع املعارضة الرتكية الكارهة للسوريني‬ ‫يف تركيا أيضاً! عىل عدم االنتباه لهكذا دراسات‪،‬‬ ‫من شأنها تصحيح معتقدات وأساطري‬ ‫كثرية تحيط باللجوء السوري يف هذا البلد‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫ال يبدو أن التوتر تجاه السوريني يف تركيا يف طريقه لالنحسار؛‬ ‫فالتوسع واالزدياد مستمر‪ ،‬والكراهية كذلك‪ ،‬مع تدفق‬ ‫التحريض من أطراف تركية معارضة‪ ،‬وكذلك غياب املعلومات‬ ‫الكافية والدقيقة حول الوجود السوري يف هذا البلد‪.‬‬ ‫بعد أحداث العاصمة أنقرة‪ ،‬التي اندلعت عىل خلفية قتل‬ ‫شاب سوري ملواطن تريك‪ ،‬وما خلفته من توترات الصيف‬ ‫املايض‪ ،‬شهدت مدينة أزمري يف آخر أيام أيلول املنرصم‪ ،‬أحداثاً‬ ‫مشابهة‪ ،‬أيضاً بسبب مقتل شاب تريك عىل يد شاب سوري‪.‬‬ ‫وبعيداً عن استغالل أطياف من املعارض الرتكية لهذا‬ ‫الحدث‪ ،‬وما دار حوله من رسديات وروايات‪ ،‬وتهديد‬ ‫ووعيد للوجود السوري‪ ،‬قد يقع املحرضون وأشباههم يف وصل إىل ‪ 1.8‬مليون الجئ‪ ،‬وكذلك االتحاد الدويل‬ ‫كثري من املغالطات‪ ،‬بخصوص عالقة السوريني بالجرمية للصليب األحمر والهالل األحمر‪ ،‬حيث يتم توزيع‬ ‫يف تركيا؛ فإما كانوا قلييل االطالع عىل زوايا بعيدة مبالغ نقدية لألرس السورية‪ ،‬إذ يقدر مبلغ الدفع‬ ‫عن منظورهم‪ ،‬أو متغافلني عن الحقائق عن قصد! لألرسة املتوسطة املكونة من ‪ 6‬أفراد بنحو ‪ 720‬لرية‬ ‫معهد “اقتصاديات العمل �‪ IZA - Institute of La‬تركيا شهرياً‪ ،‬وهو املبلغ الذي أثار لغطاً كبرياً‪ ،‬وتدور‬ ‫‪ ”bor Economics‬وهو معهد دراسات غري ربحي حوله أساطري وروايات من األطراف الرتكية الرافضة‬ ‫وشبكة مختصة بدراسات االقتصاد حول العامل‪ ،‬أصدر للوجود السوري‪ ،‬التي وصل بها الحال لتقول إن‬ ‫دراسة أو ما أسامها وفق أدبياته “ورقة مناقشة أو ورقة السوريني يعيشون ويأكلون ويرشبون ويستأجرون‬ ‫بحثية” بعنوان “‪ The Effect of 3.6 Million Refugees‬املنازل والسيارات ويرتفهون يف السواحل‬ ‫‪ on Crim‬تأثري وجود ‪ 3.6‬مليون الجئ عىل الجرمية”‪ .‬واملناطق السياحية عىل حساب الحكومة الرتكية!‬ ‫هذه الدراسة اعتمدت عىل بيانات حول معدالت الجرمية الدراسة التي أكدت أن من مصادر بياناتها‬ ‫عىل مستوى املقاطعات يف تركيا‪ ،‬خالل الفرتة بني ‪ 2008‬هو معهد اإلحصاء الرتيك “‪”TURKSTAT‬‬ ‫و‪ .2019‬والفكرة األهم التي وصلت إليها أنه ال يوجد ‪ ،‬حصلت عىل بيانات مدانني يف السجون‬ ‫عالقة إيجابية بني الهجرة ومعدالت الجرمية‪ ،‬ما يعني حسب نوع الجرمية‪ ،‬متكئة عىل عرشة‬ ‫انعدام أو شبه انعدام وجود عالقة بني السوريني هنا أنواع مختلفة من الجرائم‪“ :‬االعتداء‪ ،‬جرائم‬ ‫وارتفاع معدالت الجرمية؛ إذ تعزو الدراسة ذلك اللتزام األسلحة النارية والسكاكني‪ ،‬القتل‪ ،‬الرسقة‪،‬‬ ‫السوريني بالقوانني‪ ،‬موضحة أن الالجئني السوريني هم التهريب‪ ،‬الجرائم الجنسية‪ ،‬الخطف‪ ،‬التشهري‪،‬‬ ‫الفئات األكرث فقراً هنا يف تركيا‪ ،‬وأن ‪ 79%‬من األرس تعاطي ورشاء املخدرات‪ ،‬وإنتاج املخدرات”‪.‬‬ ‫السورية تقع يف املرتبة األدىن مبؤرش الرثوة يف هذا البلد‪ .‬ووجدت الدراسة إحصائية تقول إن الالجئني قللوا‬ ‫وأشارت الدراسة إىل عدة برامج مساعدات استهدفت الالجئني من معدل الجرمية اإلجاميل‪ ،‬مبينة أن زيادة ‪10‬‬ ‫السوريني يف تركيا‪ ،‬أبرزها “برنامج شبكة األمان االجتامعي نقاط بالنسبة املئوية لالجئني قياساً لعدد السكان‬ ‫يف أوقات الطوارئ ‪ ESSN‬التابع لالتحاد األورويب‪ ،‬الذي يف تركيا‪ ،‬تقلل مقياس معدل الجرمية يف هذا‬


‫طول عمر الثورة‬ ‫ومصطلح “حننا غري”‬

‫‪8‬‬ ‫قصي األحمد‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬

‫انطلقت الثورة السورية مطلع العام ‪ ،2011‬ورسعان‬ ‫ما امتدت من منطقة ألخرى‪ ،‬حتى عمت نقاط‬ ‫التظاهر معظم املحافظات عىل امتداد سوريا‪.‬‬ ‫مل يكن هناك بداية اتصال جغرايف واضح بني نقاط‬ ‫التظاهر‪ ،‬لكن بكل تأكيد كان هنالك اتصال معنوي‬ ‫أشد وثاقاً من االتصال عىل املستوى الجغرايف‪،‬‬ ‫ولذلك أسباب كثرية‪ ،‬منها وحدة الهدف واستقالل‬ ‫الرأي‪ ،‬وأعتقد أن أهمها عىل اإلطالق هو “الشعور‬ ‫الضمني بوحدة املصري” أي أن مصري متظاهري دير‬ ‫الزور مرتبط مبصري متظاهري درعا عىل الرغم من‬ ‫البعد الجغرايف‪ ،‬ومصري متظاهري الغوطة مرتبط‬ ‫مبصري متظاهري حمص‪ ،‬وهكذا‪..‬‬ ‫الجمع التي تخرج‬ ‫كان هناك شبه إجامع عىل أسامء ُ‬ ‫فيها املظاهرات‪ ،‬وال يقترص األمر عىل االسم فقط‪،‬‬ ‫بل يتعداه إىل املضمون من شعارات وهتافات‬ ‫والفتات وغريها‪..‬‬

‫مقاالت‬

‫تعامل نظام األسد بسادية مع املتظاهرين‪ ،‬وتحول‬ ‫الرصاع إىل منحى جديد وهو منحى الرصاع املسلح‪،‬‬ ‫ومل يكن لدى نظام األسد حينها الكثري من األوراق‬ ‫للعبها‪ ،‬فعمل عىل سياسة كسب الوقت وإطالة‬ ‫مدة الرصاع قدر اإلمكان يف مواجهاته مع الثائرين‪.‬‬ ‫وكان لذلك الكثري من العواقب والتأثريات التي ال‬ ‫يتسع املجال لذكرها هنا‪ ،‬لكن ما يهمني منها اآلن‬ ‫هو “ضعف الشعور الضمني بوحدة املصري” الذي‬ ‫كان سائداً يف بداية الحراك الثوري السلمي وبداية‬ ‫الحراك املسلح‪ ،‬وصوالً النتهائه‪ ،‬وال أكون مبالغاً إذا‬ ‫قلت وصوالً النتهائه‪ ،‬فام حدث ويحدث الحقاً يدل‬ ‫عىل ذلك بكل وضوح‪.‬‬ ‫مع بداية العمل الثوري املسلح كان ال يزال ذلك‬ ‫الشعور سائداً يف أوجه‪ ،‬فال غرابة أن ترى ثوار‬ ‫الغوطة يقاتلون يف جنوب دمشق ودرعا مع ثوار‬

‫تلك املناطق وبالعكس‪ ،‬وترى عبد القادر صالح‬ ‫(املارعي األصل) يقاتل يف مدينة القصري جنباً إىل‬ ‫جنب مع ثوارها‪ ..‬واألمثلة عىل ذلك كثرية‪.‬‬ ‫وأعتقد أن سبب ذلك عائد إىل انبثاق تلك الكتائب‬ ‫البسيطة يف تلك الفرتة عن املتظاهرين السلميني‪،‬‬ ‫وكانت تجسيداً واستمراراً لكفاحهم‪ ،‬وحامية لهم‬ ‫يف نضالهم ضد نظام األسد‪ ،‬وهدفها األسايس هو‬ ‫العمل عىل إسقاط النظام وتحقيق العدالة والحرية‬ ‫التي صدحت بها حناجر املتظاهرين مع بداية‬ ‫انطالق املظاهرات‪ ،‬ونتيجة لذلك فقد حظيت‬ ‫بحاضنة شعبية كبرية‪.‬‬ ‫وبالتوازي مع ذلك كله برزت نخبة سياسية سورية‬ ‫يف الخارج جعلت من أولويات أعاملها العمل عىل‬ ‫تحقيق مطالب املتظاهرين أيضاً‪ ،‬ولذلك حظيت‬ ‫هي األخرى بحاضنة شعبية وقبول جامهريي‬ ‫واسع‪ ،‬وشعار “املجلس الوطني ميثلني” الذي رفعه‬ ‫املتظاهرون بداية يدل عىل ذلك‪.‬‬ ‫لكن وبعد مدة من الزمن‪ ،‬تحولت تلك الكتائب إىل‬ ‫فيالق وجيوش وألوية‪ ،‬وتبدلت الكثري من الوجوه‬ ‫يف قياداتها من التي خرجت من رحم املظاهرات‪،‬‬ ‫وأضافت ملهمتها األساسية مهاماً أخرى‪ ،‬وأصبحت‬ ‫بشكل أو بآخر وصية عىل املتظاهرين بدل أن‬ ‫تكون حامية لهم‪ ،‬وبدأ يظهر مصطلح “مدين‬ ‫وعسكري” للتفريق بني العملني اللذين كانا شيئاً‬ ‫واحداً من قبل‪ ،‬وأدخلت تلك الفصائل نفسها يف‬ ‫إدارة املناطق التي سيطرت عليها‪ ،‬بدل أن تكتفي‬ ‫بحامية من يديرونها من الكفاءات‪ ،‬فوقعت بالكثري‬ ‫من الطامات‪ُ ،‬وأدخلت لها األيديولوجيا‪ ،‬فأصبحت‬ ‫تدخل يف تفسريات وتفاصيل للحرية والعدالة‬ ‫املنشودة‪ ،‬وبشكل الدولة بعد إسقاط النظام‪،‬‬ ‫واختلفت الرؤى‪ ،‬وتباينت وجهات النظر‪ ،‬ووصلت‬ ‫االختالفات ح ّد الصدام املس ّلح بني العديد منها‪،‬‬

‫واعتق َد بعضها أنه املمثل األوحد للثورة‪ ،‬وأنه ميلك‬ ‫الحق مبفرده‪ ،‬وباستطاعته العمل “منفرداً” إلسقاط‬ ‫النظام ملجرد امتالكه بضع مئات من العنارص‬ ‫ودبابتني‪.‬‬ ‫هذا عدا عن دخول املال السيايس وتأثريه عىل‬ ‫استقاللية القرار العسكري للعديد منها‪.‬‬ ‫سياسياً مل يكن الحال أفضل‪ ،‬فقد حدثت انقسامات‬ ‫ومحاصصات داخل االئتالف الوطني املنبثق عن‬ ‫املجلس الوطني‪ ،‬ودخل فيه هو اآلخر املال السيايس‬ ‫الذي حرفه عن مهمته األساسية إىل حد ما‪.‬‬ ‫عىل مدار سنوات الثورة السورية مل ينظر نظام‬ ‫األسد وحلفاؤه للمعارضة واملناطق الخارجة عن‬ ‫سيطرته سوى مبنظار واحد “هم أعداء ويجب‬ ‫التخلص منهم واستعادة السيطرة عىل مناطقهم”‪،‬‬ ‫لكنهم تعاملوا مع كل فصيل ومنطقة بطريقة‬ ‫مختلفة عن األخرى؛ فحيدوا مناطق بالهدن‪،‬‬ ‫وأخرى بوعود زائفة‪ ،‬وأخرى باتفاقيات خفض‬ ‫تصعيد‪ ،‬وبعضها بأعامل عسكرية‪ ..‬وهكذا‪ ..‬وأدى‬ ‫ذلك ‪-‬باإلضافة ملا ذكرته سابقاً‪ -‬إىل زيادة تشتيت‬ ‫املعارضة بشكل أكرب وإشعارهم باالستقاللية بعيداً‬ ‫عن املناطق األخرى‪ ..‬والغريب أن املعارضة كانت‬ ‫دامئاً هي األشد التزاماً باالتفاقيات مع النظام‬ ‫وحلفائه‪ ،‬عىل الرغم من خروقات الطرف اآلخر‬ ‫املستمرة‪ ،‬كيف ال وهي الطرف األضعف بها؟!‬ ‫ليس هذا كل يشء‪ ،‬فقد عمل النظام وحلفاؤه عىل‬ ‫تشتيت املعارضة يف املنطقة الواحدة‪ ،‬كام حدث‬ ‫مع الفصائل املسلحة يف الغوطة الرشقية التي ال‬ ‫تتعدى مساحتها بضعة كيلو مرتات‪ ،‬حيث قامت‬ ‫باتفاقيتني مختلفتني مع الجانب الرويس‪ ،‬إحداها‬ ‫يف جنيف مع ممثيل أحد الفصائل واألخرى يف‬ ‫مرص مع ممثيل فصيل آخر‪ ،‬وهي اتفاقية خفض‬ ‫التصعيد التي لطاملا اخرتقها النظام والروس‪ ،‬لكن‬


‫‪9‬‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬ ‫مقاالت‬

‫املفارقة أن الروس أنفسهم عندما قاموا بحملتهم‬ ‫عىل الغوطة الرشقية مطلع العام ‪2018‬م‪ ،‬قاموا بها‬ ‫عىل الجميع!‬ ‫اسرتاتيجية التفريق هذه ‪-‬والتي تتحمل املعارضة‬ ‫الجزء األكرب من املسؤولية فيها‪ -‬مكنت النظام‬ ‫وحلفاؤه من االستفراد بكل منطقة عىل حدى دون‬ ‫شعور “فعيل” من املناطق األخرى بالخطر القادم‬ ‫عليها ال محالة‪.‬‬ ‫“نحنا غري” هو التربير الذي يسوقه بعض قيادات‬ ‫املعارضة لتربير سكوتهم عن نرصة أو مساعدة‬ ‫املناطق الثائرة األخرى التي تتعرض للتقتيل أو‬ ‫التهجري‪ ،‬وتخفيف حدة الشعور بالخطر القادم لدى‬ ‫الناس‪ ..‬لطاملا سمعت هذه الكلمة من بعض القادة‬ ‫يف الغوطة الرشقية أثناء حملة النظام وحلفائه عىل‬ ‫حلب‪ ،‬عندما كانت لدينا مخاوف من أننا سنلقى‬ ‫نفس املصري‪ ،‬كان التربير “نحنا غري”‪ ،‬لكن ما جرى‬ ‫عىل األرض يدل بكل وضوح بأنه ال أحد “غري”‬ ‫فالجميع بنظر النظام وحلفائه سواء‪.‬‬

‫اليوم وعىل الرغم من وجود املعارضة يف منطقة‬ ‫متصلة جغرافياً‪ ،‬إال أننا الزلنا نرى ذلك الشعور‬ ‫سائداً “نحنا غري”‪ .‬شاهدنا ذلك عندما بدأ النظام‬ ‫وحلفاؤه حملتهم عىل ريف حامة الشاميل‪ ،‬وصوالً‬ ‫لرساقب‪ ،‬وخان شيخون ومعرة النعامن وغريها‪..‬‬ ‫وأخرياً درعا التي بقيت تقاوم حتى آخر رمق‪ ،‬ثم‬ ‫رضخت بعد ذلك‪ ..‬مل نر من معارضة باقي املناطق‬ ‫أفعاالً تنم عن إحساس حقيقي بالخطر القادم‪ ،‬هذا‬ ‫عدا عن اإلحساس باملسؤولية تجاه ثائرين آخرين‬ ‫من املفرتض أن لهم نفس أهداف الثورة األوىل‪،‬‬ ‫ومناطق كانت شوكة يف حلق نظام األسد‪ ،‬وهاهي‬ ‫تعود إليه‪ ،‬ليتفرغ بعدها إىل مناطق أخرى‪.‬‬ ‫عىل مدار الثورة السورية كان مصطلح “نحنا غري”‬ ‫سائداً ‪-‬يف الغالب‪ -‬عىل مستوى القيادات‪ ،‬لكنه مل‬ ‫يكن كذلك عىل مستوى الحاضن الشعبي‪ ،‬الذي كان‬ ‫كثرياً ما ينتفض ملا تتعرض له املناطق األخرى من‬ ‫انتهاك‪ ،‬ولطاملا طالب بنقض االتفاقيات املجحفة‬ ‫واملكبلة للمعارضة عن مساندة املناطق األخرى‪،‬‬

‫لكن طول عمر الثورة وكمية الصدمات والخذالن‬ ‫التي تلقاها الناس‪ ،‬وإشغالهم بأزمات اقتصادية‬ ‫وأمنية واجتامعية‪ ..‬أضعف عندهم “التعبري” عن‬ ‫إحساسهم بالخطر القادم‪ ،‬وإن كان ذلك الشعور ال‬ ‫يزال كامناً يف أعامقهم‪ ،‬فهم املعني األول واملترضر‬ ‫األكرب واألكرث تضحية يف كل ماجرى‪ ،‬وما سيجري‬ ‫يف قادم األيام‪.‬‬ ‫ال أدري ملاذا ساد مصطلح “نحنا غري” أو ملاذا‬ ‫باألصل “نحنا غري” ونحن نرى أنفسنا منيش يف نفس‬ ‫الطريق الذي مىش فيه اآلخرون‪ ،‬فلامذا ال نالقي‬ ‫نفس مصريهم؟!‬ ‫أال يشبه حالنا اليوم ‪-‬بشكل أو بآخر‪ -‬حال ماملك‬ ‫الطوائف باألندلس يف أيامها األخرية؟ وحال ماملك‬ ‫الشام إبان الحملة الصليبية الحتالل القدس؟ وحال‬ ‫الكثري من املناطق السورية التي استعادها النظام‬ ‫خالل عرش سنوات من الثورة السورية؟‬ ‫أليست هذه سنن وقوانني الكون التي مل ُتخرق‬ ‫لهم؟ فلامذا ُتخرق لنا نحن دوناً عن كل الناس؟!‬


‫‪96‬‬

‫الصيدالني يف ريف حلب‬ ‫‪10‬‬

‫مهنة تغيب عنها املؤهالت الدراسية والعمل باخلربة فقط‬ ‫حسين الخطيب‬

‫العدد‬ ‫‪99‬‬

‫‪2021 / 10 / 18‬‬ ‫تقارير‬

‫تنترش العديد من الصيدليات يف ريف حلب الشاميل‪،‬‬ ‫ولكل مدينة كفايتها من الصيادلة‪ ،‬لتغطية أعداد السكان‬ ‫التي ازدادت خالل األعوام القليلة املاضية‪ ،‬تزامناً مع غياب‬ ‫الرقابة األمنية‪ ،‬املتخصصة بفرض العديد من القوانني‬ ‫الصارمة التي كانت تحدد صالحيات الصيدالين يف إعطاء‬ ‫األدوية‪ ،‬بحسب الوصفة الطبية‪.‬‬ ‫مع غياب الصيادلة املؤهلني من أصحاب الشهادات‪،‬‬ ‫ألسباب أمنية وهجرة الكثريين منهم خارج البالد‪ ،‬نشطت‬ ‫فئة جديدة من “الصيادلة” الذين أتقنوا مهنة العمل‬ ‫الصيدالين بالتعلم بعد عملهم ملدة عام أو عامني عند‬ ‫صيديل قد يكون هو اآلخر حصل عىل املهنة بالخربة ال‬ ‫بالشهادة‪ ،‬التي تؤهله للعمل كصيديل‪.‬‬ ‫رصدت مجلة “طلعنا عىل الحرية” هذه القضية خالل‬ ‫جولة عىل مختلف املدن والبلدات يف ريف حلب الشاميل‪،‬‬ ‫واطلعت عىل عمل الصيادلة يف املنطقة؛ إذ ال تصل نسبة‬ ‫الصيادلة املتخصصني يف هذه املهنة من أصحاب الشهادات‬ ‫العلمية إىل ‪ % 10‬من عدد الصيدليات املوجودة يف كل‬ ‫مدينة‪.‬‬ ‫ومع قدوم الشتاء والتغريات يف الجو يف مناطق ريف حلب‬ ‫الشاميل‪ ،‬أصيب معظم القاطنني يف املنطقة بنزالت من‬ ‫الربد‪ ،‬والكريب وأيضاً كورونا‪ ،‬ما دفع األهايل إىل طلب‬ ‫األدوية واملضادات الحيوية‪ ،‬من خالل مراجعة الصيادلة ال‬ ‫األطباء‪ ،‬األمر الذي يتسبب بالعديد من الحوادث‪.‬‬ ‫خالد حافظ‪ ،‬من مدينة مارع‪ ،‬ويعمل صيدالين‪ ،‬قال ملجلة‬ ‫“طلعنا عىل الحرية”‪“ :‬بشكل يومي كنت أقوم بحقن‬ ‫املرىض بحقن االلتهاب‪ ،‬ويرتاوح عدد الحقن التي أحقنها‬ ‫للمرىض داخل الصيدلية بني ‪ 75‬والـ ‪ 100‬حقنة‪ ،‬ما عدا‬ ‫الحقن التي يتم بيعها”‪ .‬وأضاف‪“ :‬ازداد الطلب عىل أدوية‬ ‫الرشح والكريب إىل جانب أدوية االلتهابات‪ ،‬حتى إن‬ ‫عدداً من أنواع األدوية املطلوبة مل تعد متوفرة آخر الليل‪،‬‬ ‫ومعظم هذه الحاالت ال تقدم وصفات طبية”‪.‬‬ ‫يف حني‪ ،‬انعكس غياب الصيادلة املتخصصني عىل األهايل‬ ‫الذين بدؤوا يشتكون من املشاكل التي يتسبب بها هؤالء‬ ‫الصيادلة ألبنائهم‪ ،‬إىل جانب وقوع العديد من الحوادث؛‬ ‫منها إعطاء أدوية غري مناسبة للمريض‪ ،‬قد تؤثر عليه دون‬

‫إدراكهم مدى خطورة األمر‪ ،‬كون أغلب األهايل‬ ‫يعتقدون أن الصيدالين طبيب‪ ،‬فيعرضون عليه‬ ‫الطفل ملعاينته ومنحهم الدواء املطلوب‪ .‬بينام‬ ‫هو فعلياً ال ميلك مؤه ًال دراس ّياً عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫محمد صالح‪ ،‬رجل أربعيني قال خالل حديثه‬ ‫ملجلة “طلعنا عىل الحرية”‪“ :‬بعد إصابتي بنزلة‬ ‫برد قاسية تبدو أنها فريوس كورونا‪ ،‬ذهبت إىل‬ ‫أحد الصيادلة ورشحت له حالتي الصحية‪ ،‬إال‬ ‫أن الصيدالين وصف يل دواء كريب‪ ،‬مخصص‬ ‫للتحسس األنفي واالحتقان‪ ،‬األمر الذي تسبب‬ ‫ّ‬ ‫يف ازدياد آثار املرض مع تناويل الدواء‪ ،‬نتيجة‬ ‫اآلثار الجانبية‪ ،‬حيث ساهمت يف تردي وضعي‬ ‫الصحي”‪.‬‬ ‫وأشار إىل أن الصيدالين الحاصل عىل شهادة‬ ‫تخصصية ميكن أن يقدم أدوية تناسب الحالة‬ ‫املرضية ال تفاقمها‪ ،‬مضيفاً‪“ :‬أصبح العمل‬ ‫يف الصيدلية كالعمل يف متجر أو بقالية‪ ،‬ألن‬ ‫الصيدالين مل يعط األدوية بحسب أسامئها بل‬ ‫بحسب املضمون التي تحتويه”‪.‬‬ ‫ويبدو األمر كارثياً عندما تحولت الصيدلية‬ ‫من مركز لبيع املنتجات الدوائية‪ ،‬إىل متجر‬ ‫يبيع املواد الغذائية‪ ،‬يطلب املريض الدواء من‬ ‫الصيدالين دون األخذ بالتعليامت ألن الصيدالين‬ ‫املوجود ليس لديه إمكانية فعلية لذكر‬ ‫التعليامت املناسبة للدواء‪.‬‬ ‫من جهته عيل العايد‪ ،‬قال ملجلة “طلعنا عىل‬ ‫الحرية” إنه تعرض ملوقف يسء للغاية‪ ،‬ومحرج‬ ‫عندما أخذ أحد أطفاله إىل الصيدالين الذي أراد‬ ‫حقنه بإبرة التهاب‪ ،‬وعندما حقن الصيدالين‬

‫اإلبرة يف فخذ الطفل انكرست‪ ،‬مام تسبب يف‬ ‫ضياع كامل الدواء وجروح عند الطفل‪.‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬أخطاء الصيادلة يف ريف حلب ال‬ ‫تغتفر‪ ،‬ألنها فعليها قد تساهم يف تفاقم األمراض‬ ‫ال يف القضاء عليها”‪ ،‬وأوضح‪“ :‬مل يعد يل ثقة‬ ‫بالصيادلة‪ .‬رصت أشرتي الدواء من الصيدالين‬ ‫كأنني أشرتي منتجاً من املواد الغذائية بحسب‬ ‫نوع محدد خضع لتجربتي السابقة”‪.‬‬ ‫تزداد الكارثة مع انعدام الرقابة القانونية عىل‬ ‫األدوية‪ ،‬التي يتم بيعها ملختلف فئات الشباب‬ ‫دون االهتامم بالرضر الذي قد تسببه‪ ،‬بينام‬ ‫يبحث الصيدالين‪ ،‬أو البائع عىل الربح فقط‪،‬‬ ‫ومينح الشخص أي يشء يريده حتى ولو مل‬ ‫ميتلك وصفة طبيب‪.‬‬ ‫ويشتيك األهايل من ارتفاع أسعار املنتجات‬ ‫الدوائية‪ ،‬واختالف سعر الدواء الواحد من‬ ‫صيدلية إىل أخرى قد ال تبعد عن األوىل سوى‬ ‫‪ 50‬مرتاً‪ ،‬وتفاقم أسعارها بشكل غري مسبوق‬ ‫قد ال يتناسب مع الدخل املعييش لدى مختلف‬ ‫سكان املنطقة‪ ،‬يف ظل غياب الرقابة القانونية‬ ‫والطبية‪ ،‬التي يجب أن تعمل عىل تحسني واقع‬ ‫الصيادلة‪.‬‬ ‫وتعاين مختلف املناطق يف ريف حلب الشاميل‬ ‫من تردي الوضع اإلداري والتنظيمي للنقابات‬ ‫يف مختلف القطاعات‪ ،‬األمر الذي تسبب‬ ‫مبزاولة العديد من الشبان ملهنة الصيدلة‪ ،‬دون‬ ‫توفر تأهيل درايس مناسب‪ ،‬يخولهم مزاولة‬ ‫مهنة الصيدلة ضمن أساسيات وقواعد مهمة ال‬ ‫يدركون قيمتها يف الوقت الحايل‪.‬‬


‫هاديا منصور‬

‫متحور دلتا جيتاح إدلب‪ ..‬فهل تنقذنا‬ ‫احلمالت واملبادرات من الكارثة؟‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬

‫تواجه الحملة الكثري من العوائق والصعوبات‬ ‫أهمها قلة الدعم املقدم والذي ال يتناسب مع‬ ‫الحاجة الكبرية لتغطية االحتياجات واالمدادات‬ ‫الطبية العاجلة يف مشايف إدلب والشامل السوري‪.‬‬ ‫وبدوره يحث البكور جميع السكان عىل رضورة‬ ‫تلقي اللقاح‪ ،‬وإتباع اإلجراءات الوقائية بالتباعد‬ ‫االجتامعي وارتداء الكاممات من أجل الحفاظ‬ ‫عىل سالمتهم وسالمة أبنائهم وعوائلهم‪.‬‬ ‫من جهتها تساهم فرق الدفاع املدين يف مواجهة‬ ‫كوفيد‪ -19‬ونقل املصابني بالفريوس بشكل يومي‪،‬‬ ‫من وإىل مراكز ومشايف العزل بشكل متوسط‪،‬‬ ‫أي حوايل ‪ 40‬مصاباً ومصابة‪ ،‬ونقلت حتى اليوم‬ ‫حوايل ‪ 4‬آالف حالة مصابة‪ ،‬كام تقوم بنقل‬ ‫الوفيات ودفنها وفق إجراءات احرتازية مشددة‬ ‫ملنع نقل العدوى لذوي املتوىف‪ ،‬فنقلت حتى‬ ‫اآلن ‪ 900‬وفية منذ بداية انتشار الوباء مؤخراً‪،‬‬

‫‪2021 / 10 / 18‬‬

‫ويشري البكور إىل أن الوضع الراهن “خطري جداً”‬ ‫ومعدل الوفيات يف تزايد يومي وترتاوح معدالتها‬ ‫بحسب إحصائيات أجرتها الحملة بني ‪20 13-‬‬ ‫حالة وفاة يومية‪ ،‬فيام بلغت نسبة اإلصابات‬ ‫اليومية بني ‪ 1500 1200-‬إصابة يومية مبتحور‬ ‫دلتا أخطر املتحورات لفريوس كوفيد‪ -19‬الرسيع‬ ‫االنتشار والذي يصيب كافة الفئات العمرية‪.‬‬ ‫يف حني أكد مركز الرتصد الوبايئ وصول إجاميل‬ ‫عدد اإلصابات يف إدلب وشامل غرب سوريا مؤخراً‬ ‫إىل ‪ 77016‬ولريتفع عدد الوفيات إىل ‪.1410‬‬

‫وذلك وفق ما رصح به أحمد شيخو (‪ 45‬عاماً)‬ ‫مدير املكتب اإلعالمي يف الدفاع املدين السوري‬ ‫املديرية الوسطى‪.‬‬ ‫ويشري الشيخو إىل إجراءات وقائية قامت بها‬ ‫فرقهم‪ ،‬كعمليات التطهري والتعقيم اليومي‬ ‫للمنشآت عىل اختالفها واملخيامت وجميع‬ ‫التجمعات السكنية‪ ،‬مؤكداً أنهم أنجزوا أكرث من‬ ‫‪ 140‬ألف عملية تطهري منذ ‪ 18‬آذار ‪ 2020‬حتى‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫إضافة إىل تقديم سبل التوعية التي قامت بها‬ ‫فرقهم عرب جوالتهم امليدانية وامللصقات واملواد‬ ‫اإلعالمية املوجهة‪ ،‬من أجل توعية األهايل‬ ‫وتعليمهم سبل الوقاية الشخصية‪ ،‬ورضورة أخذ‬ ‫اللقاحات وفض التجمعات والتعقيم والغسيل‬ ‫الدوري لأليدي‪.‬‬ ‫ويتابع شيخو‪“ :‬املراكز النسائية يف الدفاع املدين‬ ‫قدمت مبادرات هي األوىل من نوعها من خالل‬ ‫تقديم الرعاية الطبية املمكنة للمرىض يف منازلهم‬ ‫أو املخيامت‪ ،‬نظراً النشغال املشايف بشكل كبري‬ ‫وعدم القدرة عىل استيعاب أعداد أكرب”‪.‬‬ ‫مديرية الصحة يف إدلب حذرت من “خطر‬ ‫حقيقي” بعد إشغال كل أرسة العناية املركزة‬ ‫وأرسة األجنحة‪ ،‬وحول ذلك يقول الدكتور حسام‬ ‫قره محمد مسؤول ملف كورونا يف مديرية صحة‬ ‫إدلب‪“ :‬الوضع سيئ للغاية‪ ،‬فجميع األرسة امتألت‬ ‫مبرىض كوفيد‪ ،‬ومعظم حاالت الشفاء من اإلصابة‬ ‫كانت ألشخاص تلقوا اللقاح املضاد للفريوس‪ ،‬يف‬ ‫حني أن جميع املتوفني مل يحصلوا عليه”‪.‬‬

‫تقارير‬

‫تصارع الخمسينية خديجة عىل فراش مرضها‪ ،‬بعد‬ ‫إصابتها مبتحور دلتا‪ ،‬وعجز أقربائها عن تأمني رسير لها‬ ‫يف إحدى املشايف املكتظة باملصابني بالفريوس‪ ،‬حيث‬ ‫بلغت اإلصابات اليومية “مستويات خطرة” يف إدلب‬ ‫وشامل غرب سوريا‪ ،‬وتعجز جميع املنشآت الطبية عن‬ ‫استيعاب األعداد الكبرية التي فاقت تصوراتها وطاقتها‬ ‫بعرشات املرات‪.‬‬ ‫يقول خالد وهو االبن األكرب لخديجة إنه مل يدع وسيلة‬ ‫ملساعدة والدته بإيجاد مكان لها يف إحدى املشايف‪،‬‬ ‫ولكن دون جدوى‪“ ،‬املعاناة تفوق الوصف والوضع بدا‬ ‫خارج السيطرة” يوضح خالد‪.‬‬ ‫أكرث ما استطاع خالد تأمينه يف سبيل إنقاذ حياة والدته‪،‬‬ ‫هو جهاز إرذاذ وبعض األدوية التي بدت دون فائدة‬ ‫أمام تدهور وضع والدته الصحي شيئاً فشيئاً‪.‬‬ ‫وعىل الجهة املقابلة تتشارك امرأتان إحداهام يف‬ ‫األربعينات من عمرها واألخرى يف الستني جرة‬ ‫األوكسجني الواحدة‪ ،‬داخل مشفى إدلب الوطني الذي‬ ‫خصص جناحاً الستقبال مرىض كوفيد‪ ، -19‬نتيجة‬ ‫الضعف الواضح بوجود املنافس واألوكسجني‪ ،‬مام‬ ‫قد يساعدهام عىل البقاء والتنفس مع سوء حالتهام‬ ‫الصحية جراء إصابتهام بالفريوس الذي مل يرحم صغرياً‬ ‫أو كبرياً يف إدلب باآلونة األخرية‪.‬‬ ‫وملواجهة الحاجة امللحة للحصول عىل األوكسجني‬ ‫من أجل إنقاذ حياة املصابني‪ ،‬أطلقت مجموعة من‬ ‫الصحفيني واألطباء والفنانني املستقلني وبعض منظامت‬ ‫املجتمع املدين بالتعاون والتنسيق مع مديرية الصحة يف‬ ‫إدلب وفرق الدفاع املدين حملة “نفس” يف ‪ 30‬سبتمرب‪/‬‬ ‫أيلول من أجل تأمني العجز الحاصل يف مادة األوكسجني‪.‬‬ ‫محمود بكور عضو إدارة الحملة يقول ملجلة طلعنا‬ ‫عىل الحرية‪“ :‬الحملة جاءت تلبية لنداء عاجل من‬ ‫قبل األطباء التابعني ملديريات الصحة يف إدلب‪ ،‬والذين‬ ‫أكدوا أن نسبة إشغال األرسة يف العناية املركزة بلغت‬ ‫مئة باملئة”‪.‬‬ ‫حيث بلغت االحتياجات حسب الدراسة التي قدمتها‬ ‫مديرية الصحة يف إدلب ‪ 2156‬جرة أوكسجني‪ ،‬وبلغت‬ ‫نسبة العجز اليومي ‪ 1078‬جرة أوكسجني بحسب بكور‪.‬‬ ‫ويضيف‪“ :‬تقوم الحملة عىل مبدأ جمع التربعات عرب‬ ‫منصات وروابط من قبل أطباء سوريني خارج البالد‪،‬‬ ‫بغية سد العجز الحاصل مبادة األوكسجني الرضورية‬ ‫إلنقاذ املرىض”‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫ّ‬ ‫درامية من مسلسل التعليم السوري‬ ‫مشاهد‬ ‫يوسف صادق‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬ ‫مقاالت‬

‫مسلسل التعليم السوري من إنتاج جهة وحيدة‬ ‫تحتكر إنتاج وصنع العلم ّ‬ ‫وطلبه‪ ،‬وتضع عليهم‬ ‫شارتها كأفضل ُمنتَج قابل لالستهالك! ُيخرجه شخص‬ ‫يهدف لتلميع صورة أسياده‪ ،‬أ ّما ّ‬ ‫الطلب واملع ّلمون‬ ‫واإلداريون فمم ّثلون بارعون‪ ،‬ميارسون أدوارهم‬ ‫يف ّ‬ ‫منظامت السلطة وميادينها بإبداع وإتقان‪ ،‬أ ّما‬ ‫مناهجهم فلنرتك لل َمشاهد الحديث عنها‪.‬‬ ‫بعد عرش سنوات بات لدينا مشاهدُ‬ ‫امي‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫وإنتاج‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ينافس مشاهد بقعة ضوء ومرايا‪ ،‬نختار بعضها‬ ‫ع ّلها تخترص السؤال‪ :‬ماذا يتع ّلم أطفالنا يف سوريا؟‬ ‫وأين هو بناء اإلنسان يف تلك املشاهد؟‬ ‫مشهد رقم (‪ :)1‬تراجيدي قصري‪:‬‬ ‫أطفال يجلسون عىل الحجارة وبقايا األخشاب يف‬ ‫ّ‬ ‫املحطمة‬ ‫مدرسة مهدّمة‪ ،‬وما زالت بعض املقاعد‬ ‫شاهد ًة عىل تالميذ كانوا هنا‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مفتوحة عىل العامل الفسيح‪ ،‬يشرتك الخارج‬ ‫مدرسة‬ ‫مع الكتب بعملية التعليم دون استئذان‪ ،‬فالعلم ال‬ ‫رس هذا اإلرصار‬ ‫يقترص عىل معلومات الكتب‪ ،‬ما ُّ‬ ‫عىل التعليم وسط الدمار؟ يتساءل أحدٌ ما! أليس‬ ‫الدمار الحاصل يف بيوتهم ومرافقهم أوىل باالهتامم؟‬ ‫األطفال يردّدون خلف معلمهم بحامس ٍة‪ :‬نواجه‬ ‫خراب املكان بعامرة القلوب والنفوس‪ ،‬نراجع‬ ‫تاريخنا بعد عرش سنوات‪ ،‬هي عمر سوريا الحديثة‪،‬‬ ‫ال خوف مينعنا من هذا املكان‪ُّ ،‬‬ ‫وكل ما نتع ّلمه‬ ‫منجد أحداً‪ ،‬ونعرف أن ال وظيفة‬ ‫حقيقي‪ ..‬ال ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫نحب التعليم كام‬ ‫تنتظرنا اآلن‪ ،‬حسبنا أ ّننا بدأنا ُّ‬ ‫نحب هذا املكان بحطامه!‬ ‫ُّ‬ ‫مشهد رقم (‪ :)2‬تراجيدي قصري‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫أطفال يفرتشون الرتاب بدفاترهم‪ ،‬و َمن ال ميلك‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫دفرتاً يخط عىل األرض بعصا‪ ،‬يظللهم شبه خيم ٍة‬ ‫تفتح فمها للرياح وللمدى‪ ،‬الرتاب أقرب لدفاترهم‬ ‫للحياة‪ ،‬والشمس شاهد ٌة عىل نداء الحياة‪ ،‬نداء‬ ‫الغد‪ .‬يواجهون عزلة املنفى يف املنفى الكبري‪،‬‬ ‫بانتام ٍء للمستقبل‪ ،‬يعرفون ّأن العلم ميأل ويحيي‬ ‫املكان مثلام يحيي النفوس‪ ،‬وإذا ما تساءل أحدٌ عن‬ ‫جدوى التعليم يف هذا (املنفى)‪ ،‬حسبهم يقولون‪:‬‬ ‫التعليم ال ينتظر وقتاً محدّداً‪ ،‬التعليم إحيا ٌء للروح‪،‬‬ ‫وخلق انتامء للمستقبل‪.‬‬

‫لو كان روبنسون كروزو جاه ًال ملا ف ّكر بتعليم‬ ‫أوالده عىل الجزيرة املهجورة‪ .‬إ ّنه يؤمن مثلام يؤمن‬ ‫أطفال الخيام واملدارس املهدّمة بالغد‪ ،‬وإ ّنه ال‬ ‫يوجد لحظة عدم أو فراغ‪ .‬لحظات العدم والفراغ‬ ‫من صنع اليأس واضمحالل الحياة‪ .‬حسبهم أ ّنهم‬ ‫يه ّيئون أنفسهم لسعاد ٍة قادم ٍة‪ .‬وليس زمن التعليم‬ ‫ٌ‬ ‫لحظة عابر ٌة أو‬ ‫يف الخيمة أو املدرسة املهدّمة‬ ‫ً‬ ‫ينس‬ ‫جامد ٌة يف الزمن‪ ،‬بل لها األثر البالغ غدا‪ ،‬فلن َ‬ ‫األطفال ما ّ‬ ‫خطوه عىل الحجارة وبقايا األخشاب وما‬ ‫حفظها الرتاب من آثار عو ٍد صغ ٍري يشبه املحراث‪.‬‬ ‫أمل يحفظ األقدمون ُج َّل الكتب من رقائم طينية‬ ‫وحجر ّية؟! أمل يحفظ الشعراء قصائدهم بجانب‬ ‫قوم ارتحلوا؟ أمل يرسم كبار الفلكيني حركات‬ ‫آثار ٍ‬ ‫النجوم بأعوا ٍد فوق وجه الرمال؟ حسبهم انتامؤهم‬ ‫للمستقبل‪..‬‬ ‫مشهد رقم (‪ :)3‬طويل تراجيدي وكوميدي‪:‬‬ ‫عىل ُبعد أمتا ٍر من خيام املشهد الثاين‪ ،‬هناك من‬ ‫خيام أخرى‪ ،‬لكن ّمثة فروقات؛‬ ‫يص ّور مشهداً آخر يف ٍ‬ ‫فاملص ّور يف خيام املشهد الثالث ُمك ّلف من ِق َبل‬ ‫ا ُملنتج بإخراج أجمل الصور‪ ،‬تتصدّر الخيام صور‬ ‫الزعيم األكرب يل ّوح ألح ٍد ما!‪ ..‬يرقص املم ّثلون تحت‬ ‫ظالل الصورة محاولني الوصول بظهورهم للرتاب‪،‬‬ ‫فيشت ّد تصفيق الجمهور!‪ ..‬يعيدون املشاهد حتّى‬ ‫يتص ّبب املمثلون عرقاً‪ ،‬وبدل أن يق ّبلوا الرتاب‬ ‫يق ّبلون أحذية الصور!‬ ‫ٌ‬ ‫خيمة عن خيم ٍة‬ ‫ح ّقاً كام قال غسان كنفاين‪:‬‬ ‫تختلف!‪ ..‬خيمة اإلميان باملستقبل غري خيمة‬ ‫ّ‬ ‫والذل من الحارض واملستقبل‪.‬‬ ‫الخوف‬ ‫تعليم وتلقنيٌ‪ ،‬واستمرا ٌر ملسلسل‬ ‫يف خيم الخوف‬ ‫ٌ‬ ‫التدجني منذ الحضانة‪ ،‬فهنا النتيجة والثامر السا ّمة‬ ‫لذاك املسلسل الطويل‪ ،‬هذه الخيمة تخترص ّ‬ ‫كل ما‬ ‫يحاول الطاغية تلقينه ألتباعه‪.‬‬ ‫مشهد رقم (‪:)4‬‬ ‫ليس املشهد األخري‪ ،‬لكن ارتأى املخرج أن يتبعه‬ ‫بأجزاء ال تنتهي‪ ،‬نظراً لإلقبال الشديد عليه‪ ،‬وحتّى‬ ‫ال تكون نهايته تراجيدية‪ ،‬أدخل املخرج عليه‬ ‫الكوميديا‪:‬‬ ‫األطفال يهرعون مرسعني إىل مدارسهم‪ ،‬ليس من‬ ‫أجل التعليم‪ ،‬لكن‪ ..‬حتّى ال يفوتهم االجتامع‬

‫الصباحي وتح ّية العلم‪ ،‬ليس ح ّباً وانتام ًء لرم ٍز‪ ..‬بل‬ ‫ّ‬ ‫حتّى ال يعاقبهم املدير‪ ،‬و ُتوضع ٌ‬ ‫نقاط سوداء يف‬ ‫أهم من املكتوب يف دفاتر‬ ‫صفحات أهاليهم؛ فهي ّ‬ ‫أطفالهم!‬ ‫األ ّمهات واآلباء يشدّون أطفالهم من آذانهم‪ :‬ه ّيا‬ ‫للمدرسة!‪ ..‬يتنافس األطفال بالهتافات‪ ،‬ليعلنوا‬ ‫عن أنفسهم برباء ٍة‪ ،‬أ ّنهم مستعدّون لدو ٍر أكرب يف‬ ‫مرسحية أكرب‪ ،‬يكونون بها ّ‬ ‫الجلد يف املستقبل!‪..‬‬ ‫يجاريهم بعض املع ّلمني املغلوبني عىل أمرهم‪ ،‬بينام‬ ‫يستمرئ البعض اآلخر تلك املرسحية بأ ّنها تؤهّ لهم‬ ‫للعب أدوار أخرى يف مسلسالت أخرى من إنتاج‬ ‫تلك السلطة‪ ،‬فيكسبون الكثري!‬ ‫الجميع يدور يف حلقة مفرغة‪ ،‬يف رقصة املوت لبداية‬ ‫عرس مل يتعلموا الفرح فيه‪ ،‬هل ّ‬ ‫مغلوب عىل‬ ‫الكل‬ ‫ٌ‬ ‫أمره؟ هل خرج التالميذ واملع ّلمون من هذا العدم‬ ‫وكرسوا قيود الطاغية؟ هل هذا التعليم وما يتبعه‬ ‫من وظيفة تؤهل لبناء إنسانٍ ومجتمع؟‬ ‫أسئلة كثرية تطرحها علينا دراما التعليم السوري‪،‬‬ ‫واإلجابة ح ّي ٌة عيان ّي ٌة؛ يكفي أن نقول‪ :‬ملاذا يهجر‬ ‫أبناؤنا مدارسهم وجامعاتهم؟ وملاذا يحلمون‬ ‫بالهجرة‪ ،‬وملاذا ال يعنيهم من ّ‬ ‫كل التعليم سوى‬ ‫النجاح وفقط؟ وملاذا تراجع تصنيف التعليم يف‬ ‫سوريا عاملياً إىل الحضيض! وملاذا انترشت املعاهد‬ ‫ّ‬ ‫و”ملخصات النجاح”‬ ‫الخاصة والدروس الخصوصية‬ ‫إىل ح ّد طغيانها عىل املناهج ذاتها‪ ..‬أليست هذه‬ ‫مؤرشات عىل انحطاط التعليم يف ّ‬ ‫ظل الفوىض التي‬ ‫خلقها الطاغية واستثمر بها‪ ،‬ليرت ّبع عىل عرشه‬ ‫فوقها‪.‬‬ ‫ينتهي املشهد مع عبارة “يتبع يف الجزء اآلخر”‪..‬‬ ‫ويبقى السؤال برباءة ملاذا أطفال سوريا يكرهون‬ ‫املدارس والتعليم؟‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫كل املشاهدين واملمثلني يعرفون اإلجابة‪ ،‬ويعرفون‬ ‫أ ّنهم يكذبون‪ ،‬ويعرفون ّأن َمن يكذب يعلم‬ ‫أ ّنه كذلك‪ ،‬ويعلمون أ ّنه كاذب‪ ..‬لكن تستم ّر‬ ‫املسلسالت‪ ،‬كام يف مرسحية فريوز‪ ،‬عليهم أن‬ ‫يستمروا يف الكذبة أل ّنها الحقيقة الوحيدة التي‬ ‫يعيشونها‪.‬‬ ‫بإنتاج ليس لالستهالك‪،‬‬ ‫نوقف التصوير عىل أملٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بل لصنع الحياة كام تليق بالسوريّ ‪.‬‬


‫‪13‬‬

‫‪.....‬‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬

‫‪2021 / 10 / 18‬‬

‫كاريكاتري‬


‫‪14‬‬

‫قيادة النساء للسيارات يف إدلب‪..‬‬ ‫كسر العزلة والتغلب على الصعوبات‬ ‫دارين الحسن ‪ -‬إدلب‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬

‫تذهب عبري برفقة مدربتها يومياً إىل شارع واسع عىل‬ ‫أطراف مدينة إدلب ملتابعة التدرب عىل قيادة السيارة‪،‬‬ ‫وبعد أيام باتت تجلس بكل ثقة وجرأة وراء مقود‬ ‫السيارة‪ ،‬وتتحىل بقوة القلب وبرودة األعصاب ورسعة‬ ‫البديهة ملواجهة الحوادث الطارئة‪ ،‬مؤكدة أن حالة من‬ ‫القلق اعرتتها يف البداية من ردود فعل املجتمع‪ ،‬لكنها‬ ‫ما لبثت أن القت تشجيعاً من املحيط حسب قولها‪.‬‬ ‫يزداد إقبال النساء عىل تعلم قيادة السيارات بشكل ملحوظ‬ ‫يف إدلب خالل اآلونة األخرية‪ ،‬نتيجة ظروف الحرب من قصف‬ ‫وتهجري‪،‬ورضورةاعتامدالنساءعىلأنفسهنيفقضاءحاجات‬ ‫أرسهن‪ ،‬وكرثة املهام وااللتزامات الواقعة عىل عاتقهن‪.‬‬ ‫عبري األسود (‪ 27‬عاماً) تدرس الطب البرشي يف جامعة‬ ‫إدلب‪ ،‬وتضطر للتنقل بني منزلها والجامعة واملركز‬ ‫الطبي الذي تتلقى به التدريب العميل‪ ،‬وتعترب تعلمها‬ ‫للقيادة أمراً منطقياً وطبيعياً‪ ،‬موضحة‪“ :‬أضطر يومياً‬ ‫للتنقل من مكان آلخر‪ ،‬وأواجه مشكلة يف عدم وجود‬ ‫وسائل للنقل العام يف إدلب‪ ،‬األمر الذي دفعني لتعلم‬ ‫قيادة سيارة والدي‪ ،‬لالعتامد عىل نفيس يف التنقل‪،‬‬ ‫وااللتزام باملواعيد‪ ،‬والتخلص من انتظار سيارات األجرة”‪.‬‬ ‫كذلك حنان السلوم (‪ 35‬عاماً) وهي نازحة من معرة‬ ‫النعامن إىل مدينة معرة مرصين‪ ،‬وأم لخمسة أبناء‪،‬‬ ‫وجدت نفسها مضطرة لتعلم القيادة بعد وفاة زوجها‬ ‫منذ سنتني‪“ ،‬أضطر أحياناً إلسعاف أحد أوالدي‪ ،‬أو النزوح‬ ‫من مكان إىل آخر يف أوقات القصف‪ ،‬ويف كل مرة أجد‬ ‫نفيس مضطرة لطلب املساعدة من اآلخرين‪ ،‬فقررت‬ ‫تعلم القيادة ألمتكن من قيادة سيارة زوجي‪ ،‬وقضاء‬ ‫حاجات أرسيت امللحة دون الحاجة ألحد” تقول حنان‪.‬‬

‫تعليم القيادة‪ ..‬مهنة للنساء أيضاً!‬

‫تقارير‬

‫روان الحاكورة (‪ 35‬عاماً) تعمل مبهنة تعليم‬ ‫النساء عىل قيادة السيارات‪ ،‬لتلبية حاجة املجتمع‬ ‫يف ظل غياب مدارس تعليم القيادة يف إدلب‪.‬‬ ‫تقول لطلعنا عالحرية‪“ :‬أعباء الحياة ومتطلباتها‬ ‫أتاحت املجال واسعاً أمام الرشيحة النسائية لقيادة‬ ‫السيارات وخدمة أغراضهن اليومية‪ ،‬وإتاحة مساحة‬ ‫من حرية الحركة والتنقل إىل أي مكان‪ ،‬دون أن‬ ‫تحمل زوجها عبء التفرغ من أجل إيصالها‪ ،‬ومن‬ ‫ثم العودة ألخذها‪ ،‬مبا فيه مضيعة للوقت و الجهد”‪.‬‬ ‫تالحظ حنان خالل عملها إقباالً متزايداً عىل تعلم‬

‫قيادة السيارات من قبل النساء‪ ،‬ومبا أن قيادة آراء متضاربة!‬

‫النساء تتسم بالهدوء وااللتزام‪ ،‬فهي ال تواجه أي‬ ‫صعوبات يف تدريب النساء عىل قيادة السيارات‪.‬‬ ‫وتوضح أن النساء يف إدلب دخلن مجاالت عمل‬ ‫جديدة كاإلعالم والدفاع املدين واملساعدة يف‬ ‫اإلسعاف وإنقاذ األرواح‪ ،‬تزامناً مع فقدان الكثريات‬ ‫ألزواجهن الذين قضوا يف الحرب أو هاجروا خارج‬ ‫البالد‪ ،‬لذلك‪ ،‬بحسب حنان‪“ :‬كان لزاماً عىل النساء‬ ‫تعلم قيادة السيارات التي تساعدهن عىل النهوض‬ ‫بشكل أفضل بأعبائهن اليومية من تلبية احتياجات‬ ‫العمل واملنزل‪ ،‬وحسن التعامل مع املواقف‬ ‫الطارئة‪ ،‬واالستجابة برسعة ملتطلبات تلك الحاالت”‪.‬‬ ‫تلتزم املدربة بربنامج منظم للتدريب؛ حيث ال‬ ‫تتخطى املتدربة مرحلة ما إال بعد إمتامها وإتقانها‬ ‫بشكل كامل‪ ،‬ويتم التدريب العميل عىل قيادة‬ ‫السيارة بداية يف ساحة أو طريق ال يحوي سيارات‬ ‫أخرى‪ ،‬لتكتسب املتدربة مهارات القيادة األساسية‬ ‫مثل تحريك السيارة‪ ،‬الوقوف بأنواعه‪ ،‬اللف والدوران‬ ‫وخالفها من مهارات مبدئية‪ ،‬ثم تخضع بعدها الختبار‬ ‫تطبيقي يقيس مدى متكنها من هذه املهارات التي‬ ‫تم اكتسابها‪ .‬ويتم بعد ذلك االنتقال إىل التدريب عىل‬ ‫الطرق العامة‪ ،‬والشوارع املأهولة باملركبات األخرى‬ ‫واملشاة‪ ،‬لتتعلم املتدربة من خالل هذا التدريب أسس‬ ‫القيادة والتعامل مع املركبات األخرى‪ ،‬وتقييم مدى‬ ‫التزامها بقواعد املرور وأسس السالمة عىل الطريق‪.‬‬

‫طالت النساء اللوايت يقدن سيارات يف‬ ‫إدلب آراء وردود أفعال متباينة؛ حيث‬ ‫اعترب البعض القيادة حكراً عىل الرجال‪،‬‬ ‫كأحمد العوض (‪ 40‬عاماً) من مدينة معرة النعامن‪،‬‬ ‫“ قيادة السيارات تتطلب الجرأة والخشونة للرد‬ ‫عىل مضايقات اآلخرين‪ ،‬وتجاوز الصعوبات‬ ‫الطرقية والخطرة” يقول أحمد‪ ،‬مضيفاً‪“ :‬املرأة‬ ‫تنقصها الحرفية يف معرفة التخلص من ازدحام‬ ‫الطرقات أو تجاوز صعوبات القيادة والسري”‪.‬‬ ‫ولكن النامذج عىل األرض تخالف هذا الرأي‪،‬‬ ‫وهو ما يأيت يف سياق حديث املرشدة االجتامعية‬ ‫فاطمة العلوش‪ ،‬التي تقول‪“ :‬تعلم قيادة السيارة‬ ‫يشء مهم بالنسبة للمرأة‪ ،‬وﻻ يوجد ما مينعها‬ ‫عن ذلك‪ ،‬فهو يساعدها يف تقوية شخصيتها‪،‬‬ ‫ويعطيها الثقة بنفسها أكرث؛ حيث أن املرأة التي‬ ‫تستطيع قيادة السيارة تكون فاعلة ومؤثرة‬ ‫يف مجتمعها أو محيطها الذي تعيش فيه”‪.‬‬ ‫وتضيف‪“ :‬قيادة النساء للسيارات تتعدّى حدود‬ ‫ملحة؛ فكثرية هي املواقف‬ ‫الرفاهية لتصبح حاجة ّ‬ ‫التي تحتاج املرأة إىل القيادة‪ ،‬ملعالجة الحاالت الطارئة‬ ‫والظروف الصعبة التي قد تتعرض لها األرسة‪ ،‬كمرض‬ ‫األب أو االبن أو أحد أفراد العائلة بصورة مفاجئة‪،‬‬ ‫فقيامها بقيادة السيارة والترصف الرسيع إلسعافهم‬ ‫يساهم يف حاميتهم من حصول أي مكروه”‪.‬‬


‫الشائعات حترم أكثر من نصف سكان إدلب‬ ‫من تلقي لقاح كورونا رغم تفاقم عدد اإلصابات‬

‫‪15‬‬

‫شمس الدين مطعون‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬

‫“ما حدا مبوت ناقص عمر” بهذه الكلامت يعرب‬ ‫الشاب عمر ‪ 26‬عاماً عن رفضه الحصول عىل‬ ‫لقاح كورونا‪ ،‬ويدافع عن رأيه بسؤاله‪“ :‬كيف‬ ‫ميكننا أن نثق بلقاح وباء مل نعرف أصله بعد‬ ‫لنكتشف له عالجه؟!”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويشاطر الحاج عثامن ‪ 59‬عاما الشاب عمر رأيه‪،‬‬ ‫حيث رفض هو األخر أخذ اللقاح‪ ،‬رغم كرب سنه‬ ‫وإصابته بأمراض مزمنة كالضغط والسكري‪.‬‬ ‫يقول الحاج‪“ :‬ما متنا بكورونا‪ ..‬بدهن ميوتونا‬ ‫باللقاح”‪ ،‬ويضيف‪“ :‬إذا الصني صنعت املرض‬ ‫لتقتل املسلمني‪ ،‬كيف بدي صدق إنهن عملوا‬ ‫لقاح حتى يعالجونا؟”‪.‬‬ ‫هشام أبو املهند ممرض يف إحدى مشايف مدينة‬ ‫إدلب‪ ،‬يرى أن السبب الرئييس لعدم إقبال الناس‬ ‫عىل أخذ اللقاح ليس اإلشعاعات والخرافات التي‬ ‫يتم تداولها وحسب‪ ،‬إمنا يرجع السبب األكرب‬ ‫لوجود رشيحة كبرية من األطباء والعاملني يف‬ ‫املجال الصحي واملثقفني ومن يتمتعون مبكانة‬ ‫عالية باملجتمع رفضوا اللقاح وال يشجعون‬ ‫األهايل عىل تلقيه‪.‬‬ ‫يقول أبو املهند سمعت أحد األطباء يف املشفى‬ ‫وهو يجيب أحد مرضاه عن تجربة اللقاح بقوله‪:‬‬ ‫“نصيحتي ال تخالط الناس‪ ،‬وعقم بيتك وعائلتك‪،‬‬ ‫ولكن ال تأخذ اللقاح‪ ،‬ألنه يسبب أرضاراً أكرت‬ ‫من املنفعة”‪ .‬ويربر الطبيب رأيه بحسب أبو‬ ‫املهند بأن “اللقاح ينقصه التأكد من التجارب‬ ‫التي أجريت عىل األشخاص الذين حصلوا عىل‬

‫اللقاح‪ ،‬كام أنه ليس لدنيا الثقة مبصدر اللقاح‬ ‫الحقيقي”‪.‬‬ ‫من جهته يقول عامد زهران مدير املكتب‬ ‫اإلعالمي مبديرية صحة إدلب‪ ،‬إن “نسبة‬ ‫التغطية باللقاح يف إدلب حتى اآلن مل تتجاوز‬ ‫‪ ،٪ 2.75‬وهي نسبة ضعيفة جداً”‪.‬‬ ‫وقد بلغ إجاميل الجرعات املستهلكة خالل حملة‬ ‫اللقاح ضد فريوس كورونا يف محافظة إدلب ‪107‬‬ ‫آالف و‪ 729‬جرعة‪ .‬وعدد األشخاص الذين تلقوا‬ ‫الجرعة األوىل ‪ 536‬ألف و‪ 92‬شخصاً‪ ،‬بينام بلغ‬ ‫عدد الذي تلقوا جرعتني من اللقاح ‪ 298‬ألف‬ ‫و‪ 90‬شخصاً‪ ،‬وفق آخر إحصائية ملديرية صحة‬ ‫إدلب‪.‬‬ ‫ويوضح الزهران أن جرعات اللقاح باتت متوفرة‬ ‫لجميع رشائح املجتمع‪ ،‬مبيناً أن اللقاح قد ال يقي‬ ‫من اإلصابة بفريوس كورونا‪ ،‬ولكنه حت ًام يقي من‬ ‫املضاعفات الخطرية للمرض‪ ،‬كام أنه مينح الجسم‬ ‫مناعة ملدة أطول من املناعة التي تيل اإلصابة‪،‬‬ ‫كام أن مراكز العزل والعناية املشددة مل تسجل‬ ‫حاالت ملن تلقى لقاح كورونا‪.‬‬ ‫يف املقابل فإن إقبال األهايل عىل اللقاح ضعيف‪،‬‬ ‫إثر الشائعات املتداولة عن اللقاح‪ ،‬وتشري‬ ‫إحصائيات الفرق الطبية إىل أن نصف املجتمع‬ ‫ما زال يرفض اللقاح‪ ،‬عىل حني دقت الفرق‬ ‫الطبية يف الشامل املحرر ناقوس الخطر جراء‬ ‫تفاقم أعداد إصابات كورونا‪ ،‬حيث بدأ القطاع‬ ‫الصحي يستنفد جميع إمكانياته املتاحة‪.‬‬

‫تقارير‬

‫مل تجرؤ السيدة باسمة ‪ 54‬عاماً أن تخرب جاراتها أنها‬ ‫تلقت جرعة لقاح كورونا‪ ،‬وبينام كانت النسوة تروي‬ ‫القصص املخيفة عنه قالت إحداهن‪“ :‬سمعت إنو الزم‬ ‫ما نقرب جنب حدا أخد اللقاح‪ ،‬ألنو اللقاح يعني إصابة‬ ‫بكورونا وبتصيري العدوى أكرت”‪ ،‬وردت أخرى‪“ :‬الحمد‬ ‫لله ما أخدنا وال بدنا ناخد‪ ..‬مو ناقصنا مرض”‪.‬‬ ‫ال تخفي السيدة باسمة خالل حديثها لـ”طلعنا‬ ‫عالحرية”‪ ،‬خوفها بعد سامع تلك القصص‪ ،‬السيام أنها‬ ‫تقلت جرعة اللقاح منذ أيام عدة‪ .‬لكنها تقول‪“ :‬بعد‬ ‫أن عانيت من إصابتي بفريوس كورونا العام املايض‪،‬‬ ‫مل أتردد بأخذ اللقاح‪ ،‬ألن زوجي وابنتي وزوجها أيضاً‬ ‫أخذوا اللقاح قبيل‪ ،‬ومل تظهر عليهم أي آثار جانبية”‪.‬‬ ‫وتوضح السيدة أنها مل تعاين بعد تلقي اللقاح من أي‬ ‫أعراض جانبية تذكر‪ ،‬سوى من ارتفاع طفيف بالحرارة‬ ‫وأمل موضعي مكان تلقي إبرة اللقاح وقد زالت آثاره‬ ‫بعد يومني‪.‬‬ ‫وكانت فرق الدفاع املدين يف الشامل املحرر أعلنت يف‬ ‫بيان صادر عنها أن الذروة الجديدة من فريوس كورونا‪،‬‬ ‫التي بدأت قبل نحو شهرين ال تزال مستمرة‪ ،‬دون وجود‬ ‫أي مؤرش عىل تراجعها يف املدى املنظور‪.‬‬ ‫ودعا البيان األهايل لرضورة أخذ اللقاح واتباع إرشادات‬ ‫الوقاية من اإلصابة بفريوس كورونا‪ ،‬مثل ارتداء الكاممة‬ ‫والتباعد االجتامعي وتعقيم اليدين باستمرار‪.‬‬ ‫إال أن رشائح كبرية من املجتمع أبدوا قلقهم‪ ،‬معلنني‬ ‫مقاطعة اللقاح‪ ،‬فلم تكن جارات باسمة هن فقط من‬ ‫تروين الحكايات عن اللقاح وينسجن األرضار من وحي‬ ‫خيالهن أو من صفحات الفيسبوك و مجموعات التواصل‬ ‫عنه‪ ،‬حيث يحجم الناس يف محافظة إدلب بشكل‬ ‫ملحوظ عن تلقي اللقاح‪ ،‬يف ظل ارتفاع عدد اإلصابات‬ ‫يومياً‪.‬‬ ‫يقول حسن إنه بعد تلقيه الجرعة األوىل من لقاح كورونا‬ ‫أخرب أصدقاءه عرب منشور عىل صفحته يف فيسبوك‪،‬‬ ‫ليتفاجأ بطريقة التعليقات التي انهالت عىل منشوره‪،‬‬ ‫أقلها‪“ :‬الله يعافيك ‪ ...‬الله ال يرضك” و”حسبي الله ونعم‬ ‫الوكيل”! ويتابع‪“ :‬قال يل أحد األصدقاء جاداً الحمد لله‬ ‫ييل عندك والد‪ ..‬ألن ع األغلب ما عاد تجيب والد بسبب‬ ‫اللقاح”!‬


‫“وكان امسها سوريا”‬ ‫‪16‬‬

‫رواية ملاجدولني الرفاعي‬ ‫قراءة ‪ /‬حواس محمود‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬ ‫ثقافة‬

‫والقاصة السورية‬ ‫تعترب رواية الكاتبة الروائية‬ ‫ّ‬ ‫ماجدولني الرفاعي “وكان اسمها سوريا” الصادرة‬ ‫عن دار فضاءات للنرش والتوزيع ‪ -‬عامن‪ ،‬والتي‬ ‫ُترجمت مؤخراً لإلنكليزية‪ ،‬رواية الحدث السوري‬ ‫الكبري‪ .‬ماجدولني بأسلوبها األديب الرائع ورسدها‬ ‫الروايئ الجميل‪ ،‬استطاعت نقل األمل السوري‬ ‫الكبري؛ أمل القمع‪ ،‬أمل الهجرة وعمليات التهريب‪،‬‬ ‫أمل املعاناة وأمل الثكاىل واألرامل‪ ،‬والغرق يف البحار‪،‬‬ ‫والحصار والتجويع‪ ،‬واملالحقة والقتل والتدمري‪،‬‬ ‫وركزت عىل موضوع املرأة ومعاناتها قبل الثورة‬ ‫وأثناءها وبعدها‪.‬‬ ‫تتحدث الرواية عرب بطلتها روان عن بدايات‬ ‫الثورة السورية؛ إذ تقول‪“ :‬جاييك الدور يا دكتور‪،‬‬ ‫الشعب يريد إسقاط النظام‪ ،‬بضع كلامت نارية‬ ‫أشعلت ثورة تاريخية سيتحدث عنها أحفاد‬ ‫أحفادنا” ص ‪.39‬‬ ‫“روان” بطلة الرواية التي أنجبت طفلة اسمها‬ ‫“زينة” كانت قد تزوجت زواجاً تقليدياً‪ ،‬ويتم‬ ‫تطليقها من زوجها “عصام” الذي كان ييسء‬ ‫التعامل معها بشكل فظ‪..‬‬ ‫تتعرف روان عىل الناشط “كامل” وتتطور بينهام‬ ‫عالقة حب عرب وسائل التواصل االجتامعي‪ ،‬حتى‬ ‫قبل أن يتقابال‪ .‬تدخل السجن هي وصديقها‪/‬‬ ‫حبيبها كامل نتيجة كمني تنصبه لهام زميلتها‬ ‫“سمر” الناشطة اإلعالمية من مدينتها‪ ،‬والتي‬ ‫يتضح فيام بعد أنها كانت عميلة ملخابرات النظام‪.‬‬ ‫تقول روان‪“ :‬كان هدفها الوحيد اإليقاع بالنشطاء‬ ‫عن طريق الفتيات الساذجات أمثايل‪ ،‬فات األوان‪..‬‬ ‫وها نحن نأكل الطعم ونقع يف املصيدة “ ص ‪.98‬‬ ‫يف املعتقل تلتقي روان مع عدد ال يحىص من‬ ‫النساء‪ ،‬ولكل منهن قصة موجعة‪ ..‬وتتلقى روان‬ ‫يف السجن ‪-‬هي وغريها‪ -‬أبشع أنواع التعذيب‬ ‫املعروف يف سجون النظام السوري‪ ،‬وتتعرض‬ ‫لالغتصاب من قبل السجانني وجالدي السجن‪،‬‬

‫يف هذه الرواية‪ ،‬تنتقد الروائية ماجدولني القيم‬ ‫االجتامعية السائدة يف سوريا‪ ،‬والصمت تجاه‬ ‫استبداد النظام‪ ،‬وبلسان روان تقول‪“ :‬ثم سألت‬ ‫نفيس أين الفضيحة عندما تغتصب املرأة من‬ ‫جالدها؟ ويف مكان ال ميكن ألحد أن يخلصها‬ ‫من براثنه؟ الفضيحة صمتنا الجبان عىل استمرار‬ ‫اغتصاب حريتنا‪ ،‬وتدجيننا أربعني عاماً ونيفاً‪ ،‬مع‬ ‫التصفيق وترديد الهتافات والدعاء ملوالنا يك يطيل‬ ‫الله عمره”‪.‬‬ ‫بعد خروج روان من السجن‪ ،‬تنصحها والدتها‬ ‫بالسفر هي وابنتها خارج سوريا‪ ،‬وتوافق روان عىل‬ ‫طلب أمها‪ .‬أمها التي تحبها كثرياً وال تطيق رحي ًال‬ ‫عنها‪ ،‬لكن ال مناص من ذلك‪ ،‬خوفاً من اعتقالها‬ ‫ثانية من قبل أمن النظام‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ..‬تتعرض لصعوبات شتى يف رحلة متعبة‬ ‫وقاسية إىل اليونان‪ ،‬باإلضافة الستمرار تأنيب‬ ‫الضمري عىل الخطأ الفادح يف حق كامل الشاب‬ ‫الثوري املخلص‪ ،‬والذي أحبته وأحبها‪ ،‬وبقي حرسة‬

‫لديها مصريه‪ ،‬وبقي لها أمل أن يكون قد خرج‬ ‫من السجن‪.‬‬ ‫وتتحقق أمنيتها عندما تكتشف أنه حي يرزق‪،‬‬ ‫من خالل مشاهدة نرشة تلفزيونية تعرض الناجني‬ ‫من غرق سفينة سورية بالقرب من الشواطئ‬ ‫اليونانية‪ ،‬وتتأكد بشكل نهايئ من أنه هو من بني‬ ‫الناجني من تلك السفينة‪ ،‬وتعرب عن فرحتها بهذا‬ ‫النبأ السار بالقول‪“ :‬سعيدة أنا سعيدة مبقدار ما‬ ‫ذقته من عذاب‪ ..‬إذاً أفرجوا عنك أخرياً وكتب‬ ‫لك النجاة‪ ،‬والخروج من عمق املوت‪ ،‬ومن سعري‬ ‫الرساديب حياً‪.‬‬ ‫لقد أنصفتني الحياة ال أحالم لدي بعد سالمتك إال‬ ‫سالمة سوريا” ص‪.112‬‬ ‫لقد أبدعت الروائية ماجدولني يف هذا العمل‬ ‫الرائع حقاً‪ ،‬وهذه الرواية سيكون لها صداها‬ ‫الكبري يف الوسط األديب والثقايف والفكري السوري‪،‬‬ ‫وسيكون لها صدى وتفاعل أكرب بعد أن تتوزع‬ ‫النسخة املرتجمة بني القراء يف أوروبا والعامل‪.‬‬


‫أرواح أفغانستان‬

‫‪17‬‬

‫بشرى البشوات‬

‫العدد‬

‫تحب‬ ‫“إذا مل تعرف كيف ّ‬ ‫ملاذا أيقظت قلبي النائم؟”‬ ‫وهكذا متثل املرأة الباشتونية‪ ،‬صورة للمرأة النقية‪،‬‬ ‫الشفيفة‪ ،‬الساذجة‪ ،‬املاكرة‪.‬‬ ‫هنا تكمن ذروة املرأة املنفية‪ ،‬أمنيتها الوحيدة‬ ‫الرجوع إىل الجبال‪ ،‬إىل القرى‪ ،‬لجلب املاء‪ ،‬واملزيد‬ ‫من األغاين‪..‬‬ ‫وأخ ًريا تقول امرأة باشتونية‪:‬‬ ‫“ًيف يدي وردة تذبل‬ ‫ال أعرف ملن أعطيها يف هذه األرض الغريبة”!‬

‫‪99‬‬

‫“خذين بني يديك ً‬ ‫أول ثم ضمني‬ ‫بعدها أدر وجهي وق ّبل شامايت واحدة تلو األخرى”‬ ‫ال تقول نساء البشتون شع ًرا صوف ًيا‪ ،‬ففي مجتمع‬ ‫قاس‪ ،‬يحتكر فيه الرجال كل السلطات‪،‬‬ ‫ذكوري ٍ‬ ‫وينوء كاهل املرأة بكل األعباء‪ ،‬يصري املتنفس‬ ‫الوحيد هو الغناء‪ ،‬ال تركن النساء إىل فلسفة‪ ،‬أو‬ ‫علوم‪ ،‬بل إىل ما متنحه الجبال والفطرة األوىل‪.‬‬ ‫فالقصيدة القصرية جدًا تقع يف بيتني يأيت األول‬ ‫وفق ‪ 9‬مقاطع لفظية‪ ،‬بينام يأيت الثاين وفق ‪13‬‬ ‫مقط ًعا‪ُ ،‬تخلق من الينابيع وحمل الجرار‪ .‬املقاطع‬ ‫املالصقة للحياة‪.‬‬ ‫يتم ّيز شعر نساء البشتون بعاطفته الصادقة‪ ،‬هو‬

‫مقاالت‬

‫“أزداد جنو ًنا حني أم ّر قرب قرب و ّيل‬ ‫أرمي له الحجارة لكل أمنيايت غري املستجابة”‬ ‫ال يستجيب األولياء ألمنيات نساء البشتون‬ ‫األفغانيات‪ ،‬متيض النساء املنس ّيات بني الجبال‬ ‫الشاهقة‪ ،‬والتضاريس الوعرة إىل الحب والرغائب‬ ‫من خالل الغناء‪ ،‬يتناقلن برس ّية تامة األبيات‬ ‫الشعر ّية مشافهة دون تدوين أو حفظ‪.‬‬ ‫قندهار التي أوجعها املوت‪ ،‬مل تنج نساؤها إال‬ ‫بالشعر‪ ،‬تؤلف نساء البشتون هذه األشعار وهنّ‬ ‫غاديات إىل الحصاد‪ ،‬يجمعن الحطب‪ ،‬يحملن‬ ‫جرار املاء‪.‬‬ ‫يؤ ّلفن الشعر بأجساد تتصبب عرقاً تحت سامء‬ ‫أفغانستان وشمسها امللتهبة‪.‬‬ ‫يكشف كتاب “الالنداي” أو الشعر الشعبي للنساء‬ ‫البشتون‪ ،‬والذي جمعه الكاتب األفغاين “سيد بهاء‬ ‫الدين مجروح”‪ ،‬الذي صارت ذكراه نثا ًرا بعد‬ ‫اغتياله يف بيشاور سنة ‪ .1988‬يكشف “الالنداي”‬ ‫وهو املوجز‪.‬‬ ‫الكتاب الذي ترجم إىل الفرنسية‪ ،‬ثم نقله إىل‬ ‫العربية “جميل صالح” الجانب املـيضء والخالق‬ ‫لروح أفغانستان‪ ،‬بعيدًا عن صوتها املهزوم من‬ ‫الجراح‪ ،‬ينبش أرض كابل الوعرة‪ّ ،‬‬ ‫ليخل سبيل‬ ‫الشهوات التي طمرتها نساء البشتون‪.‬‬

‫تطورت املواضيع يف األغاين الجديدة‪ ،‬لكن ما‬ ‫يالحظ كيف غطت جناح الحرب صوت الشعر‪،‬‬ ‫وصار اليأس مالص ًقا لألنغام‪.‬‬ ‫الحب‪.‬‬ ‫فاملنفى‪ ،‬القتال‪ ،‬البشع الدم ّيم‪ّ ،‬‬ ‫واضحا وجل ًّيا لدى هؤالء النسوة‪.‬‬ ‫هو ما بقي ً‬ ‫َّ‬ ‫حل الربيع‪ ،‬األوراق تنبت عىل الغصون‬ ‫لكن يف بالدي‪ ،‬فقدت األشجار أغصانها تحت وابل‬ ‫رصاص األعداء‪.‬‬ ‫“إذا مل تحمل جرحك يف صدرك‬ ‫لن أبايل حتى إذا ُثقب ظهرك مثل مصفاة”‬ ‫افتح ثغ ًرا يف الحائط‪ ،‬ق ّبلني عىل الشفة‪.‬‬ ‫البشع الدميم‪ ،‬بناه وسيتمكن من ترميمه‪.‬‬

‫‪2021 / 10 / 18‬‬

‫يف حوار مع ليىل أحمد زادي األملانية األفغانية‬ ‫التي فازت عام ‪ 2014‬بالجائزة الثانية لصور‬ ‫الصحافة العاملية عن تقريرها تحت عنوان (ليلة‬ ‫صامتة‪ -‬مذبحة قندهار)‬ ‫تتحدث ليىل عن الصور القادمة من أفغانستان‪،‬‬ ‫وترصد من خالل عدسة الكامريا حياة أربع نساء‬ ‫أفغانيات يحاولن تقرير مصريهن بأنفسهن‪ ،‬تص ّور‬ ‫ليىل النساء العاديات‪ ،‬العاديات جداً‪.‬‬ ‫صورة للخبازة‪ ،‬لأل ّم‪ ،‬لراعية يف الجبال‪ ،‬لنساء مل‬ ‫يغني أغان عارية وحرة‪،‬‬ ‫يسمع بهن أحد‪ ،‬نساء ّ‬ ‫تعرب جبال قندهار وتسكن يف كهوفها‪.‬‬

‫تقول الحكاية‪“ :‬نساء البشتون ال ينتحرن‬ ‫بالرصاص‪ ،‬وال بشنق األنفس‪ ،‬فالحبال والسالح من‬ ‫أدوات الرجال‪ ،‬وأجسادهن العطىش ال تجد راحتها‬ ‫إال يف قاع األنهار؛ قفزة واحدة إىل الهاوية و ُيغرق‬ ‫املاء كل األحزان”!‬ ‫“يا إلهي ماذا تفعل يب؟‬ ‫األخرون زهور تفتحت‪ ،‬وأنا تركتني ً‬ ‫برعم”‬ ‫قندهار حيث تلد النساء نساء أخريات‪ ،‬وتلد‬ ‫الجبال الشاهقة الحب والشهوات‪ ،‬يف الطريق إىل‬ ‫املاء‪ ،‬تضع النساء حملهنّ بعد مخاض م ّْر‪ ،‬يضعن‬ ‫همسا‪ ،‬حيث حياتهن الرس ّية‬ ‫أشعا ًرا‪ ،‬يهمسن بها ً‬ ‫املغلولة‪ ،‬ومخادعهن التي ال يدخلها أحد‪ ،‬املتدفقة‬ ‫لهفة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُيعلنُ عندها الشعر نفسه ح ًرا مرتجل بعيدًا عن‬ ‫الرتاكيب املثقلة‪ ،‬أو اللغة الجافة‪ ،‬ومن هذه الك ّوة‬ ‫الضيقة التي بالكاد تتسع ملرور أجسادهن ينطلقن‬ ‫إىل الرباري بال وزن أو قافية يف كثري من األحيان‪.‬‬ ‫يغيب الوزن كث ًريا‪ ،‬لكن ما يظهر جل ًيا هو الجرس‬ ‫الداخيل الراقص‪ ،‬التناغم الصويت الشفيف الذي‬ ‫خاصا‪.‬‬ ‫مينح هذه املقاطع لحنًا ً‬ ‫“أح ّبه! أح ّبه! ال أخفي ذلك وال أنكره‬ ‫حتى لو قطعوا كل شامايت بالسكني”‬

‫حيس خالص‪.‬‬ ‫شعر ّ‬ ‫يف مدينة مثل كابل ُتس ِدل أمتا ًرا من القامش‬ ‫فوق أجساد النساء‪ ،‬تظل املرأة حبيسة الجسد يف‬ ‫تغريبة حقيقية‪ ،‬لذلك ال تجد بدًا من تعريته ولو‬ ‫حتى بالشعر والغناء‪ ،‬تطلقه من سجنه لريقص ح ًرا‬ ‫خفي ًفا‪ .‬بعيدًا عن الح ّيز املسموح لها بالتحرك من‬ ‫خالله؛ أال وهو الرجل‪.‬‬ ‫“خف ّية أكتوي‪ ،‬خف ّية أبيك‬ ‫أنا امرأة الباشتون التي ال تقدر اإلفصاح عن ح ّبها‪.‬‬ ‫أملك أساور ال ألبسها‬ ‫منذ أن التحقت بحبيبي‪ ،‬ذراعي عار ّية دون ح ّ‬ ‫يل”‬


‫أبطال إبراهيم صموئيل‬ ‫ّ‬ ‫وإنسانية املواقف‬ ‫بني قمع الواقع‬

‫‪18‬‬ ‫ياسمين نهار‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬ ‫ثقافة‬

‫القصة القصرية هي أن يأخذ الكاتب رشيحة‬ ‫ّ‬ ‫من جسد الحياة‪ ،‬أو قطعة منها‪ ،‬ويضعها تحت‬ ‫الخاص بعد أن ينفخ فيها من روحه؛ فتأيت‬ ‫مجهره‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معبة عن الحياة بر ّمتها‪،‬‬ ‫هذه الشيحة ّ‬ ‫الصغرية ّ‬ ‫بأفراحها وأتراحها‪ ،‬بهمومها ومشاغلها‪.‬‬ ‫“اتخذها األدباء يف الغرب للتّعبري عن وحدتهم‬ ‫ووحدة اإلنسان يف غابة الحياة املاد ّية التي ال‬ ‫ترحم‪ ،‬واستخدمها األدباء يف ّ‬ ‫الشق للتّعبري عن‬ ‫تلك ال ّلحظة التي يقرع فيها سوط الظامل ظهر‬ ‫املظلوم‪ ،‬و ُتنزع ال ّلقمة من فم الجائع‪ ،‬وتنشب‬ ‫فيها مخالب الذئب يف صدر ّ‬ ‫الضحية” عىل ح ّد‬ ‫تعبري الدّكتور عبد الكريم الكردي‪.‬‬ ‫حني قرأت “رائحة الخطو الثقيل” وهي املجموعة‬ ‫الصادرة عن‬ ‫القصصية األوىل إلبراهيم صموئيل ّ‬ ‫دار الجندي للنّرش والتّوزيع عام ‪ 1988‬خطر عىل‬ ‫بايل قول شهري لـ”بابلو نريودا” يوجز فيه نظرته إىل‬ ‫الحياة فيقول‪“ :‬أنظ ُر إىل الحياة مبنظار دراماتييك؛‬ ‫ميس عاطفتي ال يعنيني”‪ ،‬وصموئيل‬ ‫اليشء الذي ال ّ‬ ‫قاص برع يف تحريك العواطف وإثارة املشاعر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان ّية؛ ّربا ألن شخوص قصصه يشبهوننا إىل‬ ‫ح ّد بعيد‪ ،‬يتقاسمون معنا الحصص الكربى من‬ ‫القمع والفقر والخوف‪.‬‬ ‫بخاف علينا ّأن العمل األ ّول للمبدع يكون‬ ‫وليس ٍ‬ ‫مبثابة تذكرة عبور تسمح له أن يدخل عامل الكتابة‪،‬‬ ‫أ ّما التّجديد واإلضافة فيأتيان يف األعامل ّ‬ ‫اللحقة‪،‬‬ ‫ّإل ّأن كاتبنا قدّم لنا منذ مجموعته األوىل “رائحة‬ ‫الخطو ال ّثقيل” تجربة ناضجة مكتملة‪.‬‬ ‫الحب واألمل من جهة‪ ،‬واالنكسار‬ ‫يف قصصه يتجاور ّ‬ ‫ودفق العاطفة من جهة ثانية‪ ،‬واملبادئ اإلنسانية‬ ‫السامية وحاالت ّ‬ ‫الضعف اإلنسا ّين من جهة ثالثة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وقاص سوري من مواليد‬ ‫إبراهيم صموئيل كاتب ّ‬ ‫دمشق عام ‪ ،1951‬درس يف جامعة دمشق‬ ‫قسم ال ّدراسات الفلسف ّية واالجتامع ّية‪ ،‬له أربع‬ ‫مجموعات قصص ّية هي “رائحة الخطو ال ّثقيل‪،‬‬ ‫النّحنحات‪ ،‬الوعر األزرق‪ ،‬البيت ذو املدخل‬ ‫الواطئ”‪.‬‬

‫يسع وراء غزارة اإلنتاج ّ‬ ‫ألن ه ّمه نوع ّية الكتابة‬ ‫مل َ‬ ‫ً‬ ‫وليس كم ّيتها‪ ،‬يقول‪“ :‬مازلت مخلصا لوعد قطعته‬ ‫وعاهدت نفيس عليه؛ ّأل أكتب سطراً واحداً يف‬ ‫قصة إذا مل يكن من دمي وروحي وإحسايس‬ ‫ّ‬ ‫ماسة لكتابة‬ ‫وحاجتي للكتابة‪ .‬وإن مل أشعر بحاجة ّ‬ ‫القاص‬ ‫قصة ال أكتب” وبرأيي ال تقاس موهبة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بغزارة إنتاجه؛ ّ‬ ‫وإنا مبا يضيفه لهذا الفنّ القائم‬ ‫ً‬ ‫عل الرتكيز والتّكثيف‪ ،‬وأيضا مبا مي ّيزه عن غريه يف‬ ‫أسلوب معالجته للمواضيع التي يتط ّرق إليها‪.‬‬ ‫املهم اإلشارة إىل تع ّرض كاتبنا لتجربتي اعتقال‪،‬‬ ‫من ّ‬ ‫ّ‬ ‫مع ذلك مل يوثق تجربة االعتقال يف قصصه بشكل‬ ‫مبارش؛ بل تحدّث عن آثارها املتش ّبثة بالروح‬ ‫كأخطبوط‪ ،‬وما تحمله تلك التّجربة من قمع‬ ‫إلنسان ّية اإلنسان‪ .‬ويبدو يل أ ّنه استطاع أن ينفلت‬ ‫من الحديث عن معاناته ال ّذات ّية وتجربته ّ‬ ‫الشخص ّية‬ ‫حني احتضنت كتاباته اإلنسان يف معاناته اليوم ّية‬ ‫السجن وخارجه‪ ،-‬واحتضنت اإلنسان يف‬ ‫داخل ّ‬‫حياته املقنّعة املكبوتة األنفاس‪ ،‬من خالل تكثيف‬ ‫لغويّ كشف الحقائق املؤملة‪ ،‬وهو بذلك يكون قد‬ ‫وضع معاناة أبطال قصصه يف املدار اإلنسا ّين العا ّم‪.‬‬ ‫السلطة ا ُملق ّيدة‬ ‫بهذا البعد اإلنسا ّين يواجه كاتبنا ّ‬ ‫وا ّلرقابة بأشكالها كا ّفة‪ .‬يقول ممدوح عدوان يف‬ ‫تقدميه ملجموعة “رائحة الخطو ال ّثقيل”‪“ :‬ما‬ ‫يلفت االنتباه يف هذه املجموعة من القصص‬ ‫السياسة‪ ،‬أ ّنها تخلو‬ ‫القصرية التي تنزف بفعل ّ‬ ‫ً‬ ‫من كلمة سياسة واحدة‪ .‬أ ّنها خالية أيضا من‬ ‫مشاهد التّحقيق والتّعذيب ّ‬ ‫والضعف‪ ،‬أو البطولة‪،‬‬ ‫أمامهام” فقصص إبراهيم صموئيل أوسع وأعمق‬ ‫قصة‬ ‫من أن ُتحدّد مبذهب أيديولوجي؛ إ ّنها ّ‬ ‫اإلنسان املشغول بال ّراهن‪ ،‬املنصت إىل عمقه‬ ‫اإلنسا ّين‪ ،‬فقد رصدت كتاباته ّ‬ ‫الضيق والخيبات‬ ‫والتّناقضات الحادّة التي يعانيها اإلنسان املقموع‬ ‫السجن وخارجه‪.‬‬ ‫املقهور داخل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫قصة “الزّيارة” مثة طفل كغصن ّ‬ ‫غض ُحكم عليه‬ ‫يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أن يكرب بعيدا عن األب ّ‬ ‫الشجرة‪ ،‬ومثة شوق وكالم‬ ‫مهم لزوجة تو ّد ّأن تقوله لزوجها املحكوم عليه‬ ‫ّ‬

‫بالسجن‪ ،‬وخلف بابني من القضبان يتع ّذر عىل‬ ‫ّ‬ ‫األب إيجاد وسيلة للتواصل مع ابنه؛ فال الفرع‬ ‫يلتحم ّ‬ ‫بالشجرة‪ ،‬وال الحديث ينجو من أسياف‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قصة “سعد”‪ ،‬وهو‬ ‫وميكننا أن نتوقف أيضا عند ّ‬ ‫معتقل أدمن استحضار ال ّذكريات ليبعد عنه‬ ‫وحشة ا ّلزنزانة‪ .‬وخياالته تحمله هذه امل ّرة إىل لقاء‬ ‫“املقربة”! نعم فقد التقى بحبيبته “عناد” يف املقربة‬ ‫الشوق‪ -‬غري آب ٍه بأشباح املوت‪ّ ،‬‬ ‫يوم عصف به ّ‬‫ألن‬ ‫ّمثة أشباحاً كانوا يجوبون مم ّرات املدينة بحثاً عن‬ ‫بالحب والحر ّية‪.‬‬ ‫املطاردين الحاملني‬ ‫ّ‬ ‫ولنئ نجح سعد وعناد يف تدبري لقاء ‪-‬ولو يف‬ ‫املقربة‪ّ -‬‬ ‫فإن وقع الخطوات ال ّثقيلة ألحدهم‪ ،‬أو‬ ‫ّربا املخاوف منعا لقاء سلمى بزوجها ا ُملالحق‬ ‫واملتخفي عن األنظار‪ ،‬والحقيقة ّأن إبراهيم‬ ‫قصة “رائحة الخطو ال ّثقيل” قدّم‬ ‫صموئيل يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫لنا “لوحة قلم ّية” عىل ح ّد تعبري “يحيى حقي”‬ ‫اعتمدت عىل عنرص التّصوير وجعلت الحدث يف‬ ‫خدمته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومن اللفت للنّظر النّزعة اإلنسان ّية يف قصص‬ ‫صموئيل‪ ،‬وتركيزه عىل األشياء البسيطة الحميمة‪،‬‬ ‫ومنها رسالة مكتوبة بخط دقيق اكتشفها بطل‬ ‫قصة “العيون املرشعة” عىل ورقة نقدية أرسلتها‬ ‫ّ‬ ‫السجن‪ ،‬وهنا يقع البطل يف رصاع‬ ‫له زوجته إىل ّ‬ ‫هل ينفق املال من أجل رشاء أبسط مق ّومات‬ ‫املاسة لها‪ ،‬أم‬ ‫النّظافة له ولزمالئه‪ ،‬نظراً للحاجة ّ‬ ‫يحتفظ بالقطعة النّقد ّية أل ّنه رأى زوجته تقطن‬ ‫يف حروف ال ّرسالة املكتوبة عىل القطعة النّقد ّية؟‬ ‫بعبارة أخرى‪ :‬هل تنترص ّ‬ ‫الضورة عىل األحاسيس‬ ‫واملشاعر يف األقبية املعتمة؟!‬ ‫ومن املالحظ ّأن إبراهيم صموئيل ال يص ّور لنا‬ ‫عاملاً متكام ًال‪ ،‬بل يعتمد عىل نقطة ارتكاز واحدة‪،‬‬ ‫قصة “ال ّرجل الذي مل يعد أباً”‬ ‫ونقطة االرتكاز يف ّ‬ ‫هي الفجوة الكبرية التي تركتها ثالث سنوات من‬ ‫االعتقال بني األب وابنه‪ ،‬وكيف ا ّتخذ هذا ّ‬ ‫الطفل‬ ‫صورة والده (أباً بدي ًال) أثناء وجود األب يف املعتقل‬


‫‪.....‬‬

‫العدد‬

‫‪99‬‬ ‫‪2021 / 10 / 18‬‬ ‫ثقافة‬

‫وبعد خروجه أيضاً؛ ّ‬ ‫ألن والدته ع ّودته بعد اعتقال والده‬ ‫الصورة‪ ،‬ويشتيك إليها‪ ،‬ويطلب منها ما يريد‪..‬‬ ‫أن يخاطب ّ‬ ‫والسؤال‪ :‬كم يحتاج األهل من الوقت والجهد لرتميم‬ ‫ّ‬ ‫الفجوة بينهم وبني أبنائهم بعد تجربة االعتقال؟ وهذه‬ ‫القصة كغريها من قصص صموئيل تسقط دالالتها اإليحائ ّية‬ ‫ّ‬ ‫قصة‬ ‫عىل حيوات معظم األبناء ذوي الحاالت املشابهة‪ .‬أ ّما ّ‬ ‫“هذه امل ّرة” تعتمد عىل تكثيف األحاسيس وتتابعها لتأيت‬ ‫الصادمة يف النّهاية وهي موت ابنة بطل‬ ‫لحظة الكشف ّ‬ ‫القصة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املهم اإلشارة إىل ما تحمله قصص صموئيل من‬ ‫ومن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دالالت إيحائ ّية ال تفصيل ّية إل أنها تدل عىل حياة كاملة‬ ‫“الصناديق” التي جعل فيها الكاتب الحلم‬ ‫قصة ّ‬ ‫كام يف ّ‬ ‫قصة شاب انكرست أحالمه‬ ‫امتداداً للواقع امل ّر حني عرض ّ‬ ‫وطن مل يلقَ فيه ّإل االعتقال وصعوبة العمل وتحقيق‬ ‫يف ٍ‬ ‫العيش الكريم‪.‬‬ ‫وليس ذلك فحسب فقد مت ّيزت قصصه بتكثيف قابل‬ ‫لالتساع والتّمدّد بل ُقل لالنفجار يف أعامقنا‪ ،‬والس ّيام حني‬ ‫يتع ّلق املوضوع بضيق العيش؛ فام أقىس الحياة حني تجرب‬ ‫قصة “ليا”!‬ ‫مع ّلمة معطاءة عىل التّفكري برسقة تالميذها يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألن راتبها القليل ال يؤ ّمن الحاجات ّ‬ ‫الضور ّية‪ ،‬أو حني‬ ‫تجعل زوجة تبيع جسدها من أجل تأمني مرصوف األوالد‬ ‫قصة “يا فدوى”‪.‬‬ ‫كام يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومن يقرأ قصص إبراهيم صموئيل املوجزة واملركزة ي َر‬ ‫مخلص لفكرته‪ ،‬متّحدٌ بلغته‪ ،‬وبأحداث قصصه‪،‬‬ ‫ّأن كاتبنا‬ ‫ٌ‬ ‫الخاصة‪ ،‬وهو بذلك يختلف عن‬ ‫تعب عن نربته‬ ‫ّ‬ ‫فكتاباته ّ‬ ‫ال ّروا ّيئ الذي يعتمد تعدد األصوات وفق رأي الفيلسوف‬ ‫والناقد الرويس “باختني”‪.‬‬ ‫القصة القصرية ‪-‬مهام تعدّدت‪ -‬تأيت‬ ‫رغم ّأن شخص ّيات ّ‬ ‫غالباً بدون أسامء رصيحة‪ ،‬وبدون حياة كاملة‪ّ ،‬إل ّأن‬ ‫صموئيل اختار ّ‬ ‫لكل أبطال “رائحة الخطو ال ّثقيل” أسامء‬ ‫رصيحة‪ ،‬أل ّنه أراد لها الحضور الكامل والعميق يف ذواتنا‪،‬‬ ‫ويف وجداننا‪.‬‬ ‫السابق أؤكد عىل براعة‬ ‫وبالعودة إىل قول بابلو نريودا ّ‬ ‫صموئيل يف تكثيف املشاعر واألحاسيس يف قصص اعتمدت‬ ‫لغة مك ّثفة‪ ،‬لذا استطاعت كتاباته أن تطرق باب القلب‬ ‫وتذ ّكرنا بإنسانيتنا املمزّقة يف بالد الحروب والنّكبات‪.‬‬

‫‪19‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.