طلعنا عالحرية / العدد 68

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪68‬‬ ‫‪2016 / 4 / 12‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع‬ ‫داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬


‫‪2‬‬

‫نعم‪ ..‬الثورة أنثى !‬ ‫افتتاحية بقلم ليلى الصفدي‬

‫العدد ‪2016 / 4 / 12 - 68 -‬‬

‫“الثورة أنثى”! الشعار الرومانيس الذي‬ ‫تداوله الناشطون منذ بدايات الثورة‬ ‫ّ‬ ‫محط‬ ‫السورية اليتيمة‪ ،‬والذي أصبح‬ ‫سخرية تراجيدية يف غالب األحيان‪ ،‬يبدو‬ ‫اآلن أكرث راهنية وأكرث صدقاً وحقيقية‪ ،‬بل‬ ‫ميكن القول إنه رشط رضوري والزم لنمو‬ ‫بذرة الحرية أينام وجدت‪.‬‬ ‫نعم “الثورة أنثى”‪ ،‬واألنوثة هي الحامل‬ ‫اإلنساين لكل ميل نحو الحرية‪ ..‬نحو‬ ‫الوالدة‪ ،‬ويف األنوثة تتكثف مفاهيم السعة‬ ‫والتسامح‪ ..‬الرحمة والحب‪ ..‬التمرد وعدم‬ ‫الخضوع لقوانني كل ّية‪ ،‬عسكرية كانت أو‬ ‫مدنية حزبية أو دينية‪ ..‬ذلك أن طبيعة‬ ‫املرأة بالذات وبنيتها النفسية‪ ،‬غري قادرة‬ ‫عىل األرجح عىل إنتاج التعصب‪ ،‬مثلام‬ ‫أنها من الصعب أن تكون قادرة عىل القتل‬ ‫والذبح والتدمري وتعميم الخراب‪.‬‬ ‫وألنها كذلك فهي اليوم الخارس األكرب‬ ‫يف أعاصري الحروب الذكورية الطاحنة‬ ‫التي تخاض عىل األرض السورية‪ ،‬ويف كل‬ ‫حرب أخرى‪ .‬ال تكتفي النزعة الذكورية‬ ‫الظاملة بقتلها بطلقة أو صاروخ أو قذيفة‬ ‫تهدم البيت فوق رأسها ورؤوس أطفالها‪،‬‬ ‫وال بالتهجري القرسي والترشيد يف الرباري‪،‬‬

‫ّ‬ ‫والذل‪ ،‬وال مبعتقالت‬ ‫وال بحصار التجويع‬ ‫القتل واالغتصاب‪ ،‬إمنا تالحقها إىل ساحات‬ ‫اللجوء يف دول العامل‪ ،‬حيث اإلذالل والقهر‬ ‫واالستغالل يف أبشع صوره‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وما ُكشف عنه يف لبنان مؤخرا من اغتصاب‬ ‫جامعي واتجار رصيح بالبرش ألكرث من ‪75‬‬ ‫من الفتيات الالجئات اللوايت جنئ ينشدن‬ ‫الحامية‪ ،‬ال يكشف فقط عن وجه آخر للبنان‬ ‫قبيح‪ ،‬بل يكشف بشاعة العامل وذكوريته‬ ‫القاهرة‪ .‬البشاعة التي تتضح أكرث فأكرث ضمن‬ ‫عادية القتل وعادية االغتصاب وعادية كل‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬

‫الجرائم املتخيلة والتي ال ّ‬ ‫يرف لها جفن هذا‬ ‫العامل املتحرض‪.‬‬ ‫باألمس سمعنا عن الفنانة الجميلة “أنجلينا‬ ‫جويل”‪ ،‬والتي كانت تجوب العامل لتساعد‬ ‫املظلومني ما يف وسعها‪ ..‬يقال إنها عىل شفا‬ ‫املوت‪ ،‬وأن وزنها ‪-‬بطولها الفارع‪ -‬قد تقلص‬ ‫إىل ‪ 35‬كغم‪ ..‬رمبا ُتكثف أنجلينا يف ضمور‬ ‫جسدها حالة األنوثة املنسحبة قرسياً من‬ ‫قاس‪ ،‬لكنها‪ ..‬تلك األنوثة الحانية‪ ،‬بقدر‬ ‫عامل ٍ‬ ‫ما تغيب يف الواقع‪ ..‬بقدر ما تحرض يف أحالم‬ ‫املظلومني الذين سيغريون وجه العامل يوماً‪..‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬

‫معاون رئيس التحرير‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫املحرر الثقايف‬ ‫رامي العاشق‬

‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫“نحن” والدعارة‬ ‫“شــبكة جونيه في سياقها”‬

‫‪3‬‬

‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪- 68 -‬‬ ‫‪2016 / 4 / 12‬‬

‫مقاالت‬

‫ليست فضيحة االتجار بالبرش عرب الدعارة‬ ‫املكتشفة حديثاً يف جونيه بلبنان جديدة‪ ،‬وال‬ ‫فريدة من نوعها يف ظل الحرب السورية وتبعاتها‪.‬‬ ‫وإن كانت املصادفة قد لعبت دوراً يف كشف‬ ‫الجرمية األخرية‪ ،‬وعدد النساء الضحايا فيها‪ ،‬فإن‬ ‫جرائم الخطف واالغتصاب والحبس والتعذيب‬ ‫والتغييب القرسي يف سجون النظام السوري مل تزل‬ ‫راهنة وقامئة‪ ،‬ومل تزل أعداد الضحايا من النساء‬ ‫غري معروفة‪ ،‬والجرائم املرتكبة بحقهنَّ غري معلنة‬ ‫وال قابلة لإلحصاء والتحديد‪ ،‬وال هي مفضوحة‪ ،‬بل‬ ‫مغطاة بسياسة إقليمية ودولية هي أشبه ما تكون‬ ‫بشبكة الدعارة واالتجار بالبرش املكتشفة مؤخراً‪،‬‬ ‫لكن عىل نحو موسع‪.‬‬ ‫ليس بعيداً عن أجواء شبكة جونيه (التي تبدو‬ ‫من حيث األسلوب وطريقة التعامل مع النساء‬ ‫السجينات كحلقة لبنانية صغرية من حلقات‬ ‫النظام الكبري يف سوريا)‪ ،‬ما حصل مع النساء‬ ‫األزيديات واآلشوريات وغريهن من السبايا يف‬ ‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬لكن “بالحالل” هذه املرة‪ ،‬وعىل‬ ‫الطريقة اإلسالمية الخاصة بدولة الخالفة‪.‬‬ ‫ما يجمع النساء الضحايا يف املشاهد الثالثة املتنقلة‬ ‫بني سوريا والعراق ولبنان‪ ،‬هي الحرب‪ .‬وما يجمع‬ ‫الفاعلني يف ذات املشاهد السابقة‪ ،‬هو أنهم أبناء‬ ‫رشعيون أو لقطاء غري رشعيني لنظام إرهايب واحد‪،‬‬ ‫متفرع ومتشابك مع محيطه اإلقليمي‪ ،‬نظام مل‬ ‫يكتف باغتصاب السلطة يف سوريا‪ ،‬وال االتجار‬ ‫بالبرش والقضايا العربية‪ ،‬بل إن العربدة والدعارة‬ ‫السياسية وغري السياسية العابرة للحدود‪ ،‬التي‬ ‫مارسها مر ًة يف لبنان عرب أزالمه (أمثال غازي كنعان‬ ‫ورستم غزالة) أو عرب وكالئه اللبنانيني‪ ،‬ومرة يف‬ ‫العراق أثناء االحتالل األمرييك عرب تصدير اإلرهاب‬ ‫واالتجار به‪ .‬تلك العربدة كانت جزءاً م ِّكوناً من‬ ‫وجوده واستمراره‪ ،‬و جزءاً أصي ًال من ثقافته‬ ‫ودوره التحطيمي يف الثقافة املجتمعية يف سوريا‬ ‫ومحيطها‪.‬‬ ‫تجارة الجنس والبغاء‪ ،‬ليست جديدة وال غريبة‬ ‫عن أي مجتمع فوق هذه املعمورة‪ ،‬لكن الحبس‬ ‫القهري‪ ،‬والتعذيب االستعبادي‪ ،‬وحجز األوراق‪،‬‬ ‫والرضب واإلجبار عىل مامرسة البغاء‪ ،‬هو أكرث‬ ‫ما يثري الغضب والقرف يف الجرمية املكتشفة يف‬

‫جونيه‪ .‬لكن‪ ،‬أليس هذا الغريب هو السائد يف‬ ‫املقسمة واملنقسمة كرهاً وكراهية‬ ‫مجتمعاتنا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫بين َّية‪ ،‬وثقافتنا القامئة عىل التخفيض املزري من‬ ‫قيمة البرش وشيطنة اآلخر‪ ،‬والسيام عندما يكون‬ ‫هذا اآلخر وعىل التوايل‪ :‬من طائفة أو إثنية أخرى‪،‬‬ ‫من طبقة أدىن‪ ،‬من النساء أو املهمشني أو ّ‬ ‫العمل‬ ‫املهجرين أو النازحني! أليس من السائد أيضاً‪،‬‬ ‫أو ّ‬ ‫أن كل من سبق ذكرهم هم ضحايا من جهة‪،‬‬ ‫ومشاركني بجزء كبري منهم يف إعادة إنتاج رشوط‬ ‫قهرهم من جهة أخرى؟ أمل تخرج الثورة السورية‬ ‫أص ًال ض ّد العبودية السياسية التي تعترب الحامل‬ ‫والحاضن األسايس للعبودية الجنسية واالقتصادية‬ ‫واحتقار البرش‪ ..‬أليست السياسة التي طورها‬ ‫النظام السوري وأخوته وتفريعاته يف املنطقة‬ ‫هي الحاكمة ملثل هذا النوع االجتامعي الثقايف‬ ‫املنحط‪ ،‬وهي املثل األعىل لسلوكه؟‬ ‫عندما يغيب الحق والقانون عن املجتمع والدولة‪،‬‬ ‫تفقد األخالق قيمتها وأهميتها يف توجيه سلوك‬ ‫األفراد‪ .‬وعندما ُتعيل السياسة من قيم الفساد‬ ‫املايل واإلداري واالقتصادي والسيايس يف املجتمع‪،‬‬ ‫لن ميتح الناس قيمهم العليا من هواء األوطان‬ ‫املام ِنعة‪ ،‬بل من أرض التوحش والذئبية الراعية‬ ‫للعائشني فوق القانون‪ .‬وعندما يحتمي املجرمون‬ ‫إما بنظام إقليمي ودويل يحتضنهم‪ ،‬أو بسالحهم‬ ‫ومافياتهم‪ ،‬أو بامتيازاتهم الطائفية واملناطقية‪ ،‬أو‬ ‫بوساطاتهم املتسلسلة ضمن النظام الفاسد‪ ،‬لن‬

‫يصيب الناس إال اليأس من قدراتهم عىل التغيري‬ ‫ومحاسبة املجرمني‪ ،‬ولن ُتح ِدث الفضائح الفاقعة؛‬ ‫عىل طريقة شبكة العار يف جونيه‪ ،‬أو جرائم‬ ‫االختالس والرسقة ونهب أموال الدولة وثروات‬ ‫الناس‪ ..‬أي هزات سياسية وال اجتامعية‪ ،‬ولن‬ ‫نسمع عن استقالة مسؤول أو تنحي حتى عنرص‬ ‫أمن‪.‬‬ ‫لذلك نرى األهمية الكبرية للمقاومة املدنية‬ ‫بجميع أشكالها الحاصلة والكامنة‪ ،‬من االعتصام‬ ‫إىل الرأي الفردي‪ ،‬ومن الفضح الصحفي واإلعالمي‬ ‫إىل التظاهر السلمي واالعرتاض القانوين‪ .‬وإن كنّا‬ ‫ال نتوقع أن تؤدي فضيحة جونيه إىل أي محاسبة‬ ‫مجدية للشبكة املتفرعة يف جسم النظام السيايس‬ ‫اللبناين‪ ،‬وال نتوقع أبداً أن تؤدي اختالسات رامي‬ ‫مخلوف وملياراته العرش التي كشفتها وثائق بنام‬ ‫إىل أي مشكلة؛ ولو صحفية‪ ،‬يف سوريا‪ ،‬كام فعلت‬ ‫مع رئيس وزراء أيسلندا املستقيل!‬ ‫إال أن رهان التغيري االجتامعي “من تحت”‬ ‫للسياسة الفاسدة واملتعالية ما زال قامئاً‪ ،‬والنقاط‬ ‫التي تراكمها القوى املدنية والثقافية مازالت قادرة‬ ‫عىل التأثري وخلق الرأي العام‪ ،‬وإن كنا لن نزيح‬ ‫الصخرة دفعة واحدة‪ ،‬إال أن خلخلتها وتفتيتها‪،‬‬ ‫وتليني األرض الصلبة التي وقفت عليها لعقود‪،‬‬ ‫كان قد بدأ منذ خمس سنوات‪ ،‬وما زال مستمراً‬ ‫رغم كل اإلحباط والصعوبات واملط َّبات‪ ،‬وال نعتقد‬ ‫أن أحداً ميلك رفاهية العودة للوراء‪.‬‬


‫‪44‬‬

‫في تشابه مآالت ثورتي‬ ‫الفلسطينيين والسوريين‬ ‫ماجد كيالي‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015 // 48 // 12‬‬ ‫‪2 - 68‬‬

‫ال يوجد تشابه بني قضيتي الفلسطينيني‬ ‫والسوريني؛ فاألوىل هي نتاج مرشوع استعامري‬ ‫تأسس عىل‬ ‫استيطاين عنرصي‪ ،‬إجاليئ وإحاليل‪ ،‬وقد ّ‬ ‫جلب املستوطنني اليهود من الخارج‪ ،‬باالعتامد‬ ‫عىل دعم بعض القوى الغربية‪ ،‬يف حني أن قضية‬ ‫السوريني هي نتاج نظام تس ّلطي‪ ،‬تأسس عىل‬ ‫االستبداد والفساد‪ ،‬ومصادرة الحريات وحقوق‬ ‫املواطنة‪ ،‬منذ قرابة نصف قرن‪.‬‬ ‫لكن هذا التفارق‪ ،‬من حيث املوضوع واألهداف‪ ،‬مل‬ ‫مينع أن هاتني القضيتني العادلتني‪ ،‬أضحتا أكرث قضيتني‬ ‫متشابهتني من حيث املسارات والتحوالت واملداخالت‪،‬‬ ‫إىل درجة تثري الدهشة والتخ ّوف يف آن معاً‪.‬‬

‫مقاالت‬ ‫لقاءات‬

‫هكذا‪ ،‬مث ًال‪ ،‬باتت القضية السورية مستعصية عىل‬ ‫الحل‪ ،‬مثل القضية الفلسطينية‪ ،‬مع أنها واضحة‬ ‫جداً‪ ،‬مع حوايل نصف مليون ضحية‪ ،‬وماليني‬ ‫الالجئني واملرشدين‪ ،‬وخراب مدن بكاملها‪ ،‬إىل‬ ‫درجة أنها أضحت من حيث كونها مأساة أكرب‬ ‫بكثري من مأساة الفلسطينيني‪ ،‬رغم أن هذه بات‬ ‫لها قرابة سبعة عقود‪ ،‬يف حني قضية السوريني‬ ‫عمرها بضع سنوات‪ ،‬مع ذلك فقد دخلت هذه‬ ‫القضية يف متاهة تفاوضية‪ ،‬تشبه متاماً املتاهة‪،‬‬ ‫التفاوضية التي أدخل فيها الفلسطينيون‪.‬‬ ‫ومع وضوحها الشديد‪ ،‬فإن هذه القضية بات‬ ‫يجري حرفها عن طبيعتها‪ ،‬بحيث باتت تطرح‬ ‫باعتبارها قضية إنسانية‪ ،‬أي كقضية الجئني‪،‬‬ ‫ومناطق محارصة‪ ،‬ومساعدات غذائية وطبية‪ ،‬أو‬ ‫تطرح بوصفها مبثابة معركة ضد اإلرهاب‪ ،‬أو مبا‬ ‫يختزل الوضع بكونه يتعلق بحامية بعض األقليات‬ ‫اإلثنية أو الدينية‪ ،‬ال بوصف هذه املسائل كلها‪،‬‬ ‫عىل أهميتها‪ ،‬كأعراض للمرض األسايس‪ ،‬الناجم‬ ‫عن نظام االستبداد‪ .‬ومعلوم أن هذا متاماً ما حصل‬ ‫مع الفلسطينيني‪ ،‬الذين ظلت إرسائيل تشتغل عىل‬ ‫وسم كفاحهم املرشوع ضدها باإلرهاب‪ ،‬واعتبار‬ ‫ذاتها‪ ،‬مبثابة الضحية! ناهيك عن ترويجها لعدم‬ ‫أهلية الفلسطينيني لحكم أنفسهم‪ ،‬واعتبار أن‬ ‫كل مشكلتهم تتعلق مبيلهم للعنف‪ ،‬وعدم إدراك‬ ‫مصالحهم‪ ،‬وضعف قدرتهم عىل إدارة أحوالهم‪،‬‬ ‫وحاجتهم للمساعدات للتمكن من العيش‪.‬‬ ‫مع هذا وذاك‪ ،‬مثة بعد أخر‪ ،‬يتعلق بالوضع‬ ‫الدويل وهو يتمثل بإخراج القضية السورية من‬ ‫أيدي السوريني‪ ،‬وهذا يخدم طمس طبيعتها‪ ،‬أو‬

‫تغطية حقيقتها‪ ،‬إذ أضحت مبثابة قضية إقليمية‬ ‫ودولية‪ ،‬إىل درجة أن التقرير يف ح ّلها‪ ،‬ويف شأن‬ ‫شكل سورية املستقبل‪ ،‬بات يف أيدي الفاعلني‬

‫الدوليني‪ ،‬وهذا ما حصل مع الفلسطينيني‪ ،‬وال زال‪.‬‬

‫وكام نالحظ فإن املفاوضات باتت مبثابة لعبة‬ ‫لتضييع الوقت‪ ،‬أو مبثابة مترين عىل الحوار بني‬ ‫األطراف السوريني‪ ،‬يف حني أن حسم املسائل‬ ‫الرئيسية يجري بني الطرفني الكبريين‪ ،‬أي الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية واالتحاد الرويس‪ ،‬بني رئييس‬ ‫البلدين‪ ،‬ووزيري خارجيتهام‪ ،‬وحتى األطراف‬ ‫اإلقليمية‪ ،‬أو األطراف العربية الفاعلة بات دورها‬ ‫هامشياً يف صوغ مستقبل سوريا‪ ،‬وشكل النظام‬ ‫السيايس السوري القادم‪ ،‬وذات األمر حصل مع‬ ‫قضية الفلسطينيني‪.‬‬ ‫عىل الصعيد الداخيل مثة تشابه كبري‪ ،‬ويف عديد‬ ‫املجاالت‪ ،‬أيضاً‪ .‬مث ًال ال توجد اجامعات سياسية‬ ‫عند السوريني‪ ،‬بعد خمسة أعوام من الثورة‪ ،‬ومثة‬ ‫افرتاقات كثرية فيام بينهم‪ .‬ولعل فكرة الحزب‬ ‫األكرب لدى األكراد عن “الفدرالية”‪ ،‬وإدارته‬ ‫ملناطق الحكم الذايت‪ ،‬وكذلك ظهور الجامعات‬ ‫العسكرية املنتمية إىل اإلسالم السيايس‪ ،‬هي جزء‬ ‫من اللوحة‪ ،‬إذا اخذنا باالعتبار باقي األطياف‬ ‫السورية‪ ،‬غري املحسوبة أو غري املتعاطفة ال مع‬ ‫النظام وال مع الثورة (يف حالها الراهن)‪.‬‬ ‫بيد أن األهم‪ ،‬عىل الصعيد الداخيل‪ ،‬أن الكيانات‬ ‫السورية املعارضة‪ ،‬السياسية والعسكرية‬ ‫واملدنية‪ ،‬باتت تعتمد يف استمرارها عىل الدعم‬ ‫الخارجي‪ ،‬املايل والتسليحي والسيايس‪ ،‬أكرث بكثري‬ ‫من اعتامدها عىل ذاتها‪ ،‬أو عىل شعبها‪ ،‬بل إن‬

‫شعبها بات يعتمد بدوره عىل املعونات الخارجية‪،‬‬ ‫وهذه هي حال الفلسطينيني‪ ،‬منذ عقود‪ ،‬والسيام‬ ‫منذ ما بعد أوسلو وقيام السلطة (‪.)1993‬‬ ‫بالنتيجة فقد حصل مع السوريني ما حصل‬ ‫مع الفلسطينيني قبلهم‪ ،‬بحيث باتت ثورتهم‬ ‫مرتهنة للقوى الخارجية الداعمة‪ ،‬وهذا االرتهان‬ ‫باتت تظهر أعراضه املرضية‪ ،‬يف شكل الخطابات‬ ‫السائدة‪ ،‬ويف أشكال العمل‪ ،‬والعالقات البينية‪،‬‬ ‫والعالقة مع املجتمع‪ ،‬وبشكل خاص يف اإلمالءات‬ ‫أو التجاذبات السياسية التي تطرح من هذا‬ ‫الطرف أو ذاك‪ .‬ولعل مسارات صعود وانحسار‬ ‫العمل العسكري‪ ،‬يف الشامل والجنوب السوريني‬ ‫يوضحان ذلك‪ ،‬كام توضحه مسارات التفاوض‪،‬‬ ‫والخطابات املتاموجة التي تحاول التكيف مع ما‬ ‫يحصل‪ ،‬وباألساس التكيف مع اإلرادات الدولية‬ ‫واإلقليمية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مثة جانب سلبي مهم‪ ،‬أيضا‪ ،‬يجمع التجربتني‬ ‫السورية والفلسطينية‪ ،‬ويتمثل بحرص الرصاع‬ ‫يف بعده العسكري‪ ،‬أي بالوسائل املس ّلحة‪،‬‬ ‫عىل حساب أشكال الكفاح الشعبية األخرى‪،‬‬ ‫وباالعتامد عىل الجامعات العسكرية‪ .‬ومفهوم‬ ‫أن هذا أصبح تحصيل حاصل بعد حال الترشد‬ ‫واللجوء السوريني‪ ،‬ومع القصف بالرباميل‬ ‫املتفجرة عىل املناطق املتعاطفة مع الثورة‪ ،‬لكن‬ ‫هذا ال مينع من قول الحقيقة بأن هذا األمر أرض‬ ‫بثورة السوريني وبطبيعتها ومبساراتها‪.‬‬ ‫يشء مأساوي أن تتشابه مصائر شعوب هذه‬ ‫املنطقة ومآالت ثوراتها‪ ،‬وليس لنا إال أن نبقى‬ ‫مع بقية من أمل لخالص السوريني والفلسطينيني‪.‬‬


‫الذاتية‬ ‫في اإلدارة‬ ‫ّ‬ ‫‪5‬‬

‫شوكت غرزالدين‬

‫العدد ‪2016 / 4 / 12 - 68 -‬‬

‫مقاالت‬

‫ينبثق مفهوم “اإلدارة الذات ّية” للشؤون‬ ‫حقيقي‪،‬‬ ‫الخدم ّية‬ ‫يس وبديلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كنقيض أسا ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ملامرسة “اإلدارة املركز ّية” التي مارسها‬ ‫النظام بواسطة الوزارات عىل مدار عقود من‬ ‫جهة أوىل‪ ،‬وكر ٍّد ف ّعالٍ عىل “إدارة التوحش”‬ ‫التي مارستها التنظيامت اإلرهاب ّية يف بعض‬ ‫املناطق من جهة ثانية‪ ،‬وكتجاو ٍز إلدارة‬ ‫“املجالس املحل ّية” التي مارستها املعارضة‬ ‫(الحكومة املؤقتة) يف بعض املناطق من جهة‬ ‫ثالثة‪.‬‬ ‫ومجتمعي يرفض‬ ‫إ َّنه تعبري عن نضج فرديّ‬ ‫ّ‬ ‫ما تيش به مامرسة مثل هذه اإلدارات من‬ ‫االتكال ّية والرعو ّية والفساد بقصد إعادة‬ ‫اجرتار بقاء النظام‪ .‬وهو ر ٌّد عىل غياب‬ ‫الخدمات وتراجعها واستجابة لضغوطها عىل‬ ‫حياة السور ّيني‪ .‬وهذا االنبثاق جديد ال يأيت‬ ‫من خطة مسبقة كامنة يف املطالب الثور ّية‬ ‫كمفهوم إجرا ٍّيئ‪ -‬يتجاوب‬‫باألساس‪ .‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫ويعب عن عدة‬ ‫مع مفرزات الواقع السوريّ ‪ِّ ،‬‬ ‫مشكالت واقع ّية متداخلة ومتشابكة فيام‬ ‫بينها‪ .‬فام هي الخلف ّية التي انبثق منها هذا‬ ‫املفهوم؟ وما عالقته بالخدمات؟ وما هي‬ ‫عب عنها؟ وما هي‬ ‫هذه املشكالت التي ّ‬ ‫وظيفته؟‬ ‫بداي ًة لنالحظ َّأن الحياة اليوم ّية الخدم ّية‬ ‫ُتا ِرس ضغطاً هائ ًال عىل الشأن اإلداريّ‬ ‫ألفراد املجتمع كافة‪ ،‬أكرث مام متارسه الحياة‬ ‫الثقاف ّية والروح ّية والفكر ّية عليهم‪ .‬اليشء‬ ‫الذي يجعل الفرد واملجتمع يسعى جاهداً‬ ‫وجمع ّية ملثل هذه‬ ‫إليجاد حلول جزئ ّية َ‬ ‫الضغوط باخرتاع إدارة أو إدارات للتخفيف‬ ‫من أعبائها‪ .‬فأي حياة هذه التي بدون‬ ‫خدمات كاملاء والطحني والصحة والتعليم‬ ‫والوقود والكهرباء واالتصاالت بأنواعها؟! إ َّنها‬ ‫ال حياة ويجب التعامل معها ذاتياً وعدم‬ ‫انتظار أحد ليتعامل معها‪ ،‬والس ّيام أن شبح‬

‫املوت ُين ِّكد الحياة مبارشة ويجعل من تجنب‬ ‫املوت قدر اإلمكان مهمة أوىل للسور ّيني‪.‬‬ ‫وبالفعل َيطرح انعدام الخدمات‪ ،‬كلياً أو‬ ‫جزئياً يف بعض املناطق السور ّية كحمص‬ ‫ودير الزور وحلب وحامة ودرعا‪ ،‬وتراجعها‬ ‫بشكل كبري يف مناطق أخرى كدمشق‬ ‫والالذق ّية وطرطوس والسويداء‪ ،‬مهمة كبرية‬ ‫عىل السور ّيني يف حياتهم اليوم ّية الخدم ّية‪.‬‬ ‫وميكن ْأن يكون االعتامد عىل الذات وإدارة‬ ‫الشؤون الخدم ّية ذاتياً‪ ،‬ح ًال لهذه املشكلة‬ ‫بواسطة اإلدارة الذات ّية‪.‬‬ ‫وإذا نظرنا لواقع الحال يف سور ّية نجد َّأن‬ ‫مامرسة النظام لإلدارة الخدم ّية‪ ،‬والتي‬ ‫تقوم بها وزارات متعددة‪ ،‬تتصف باملركز ّية‬ ‫املنهجي الذي بات يشكل‬ ‫الهرم ّية‪ ،‬وبالفساد‬ ‫ّ‬ ‫االجتامعي عىل الفساد‪.‬‬ ‫ما يشبه العقد‬ ‫ّ‬ ‫وتتصف أيضاً بالتصور الرعويّ ‪ ،‬وكأن هذه‬ ‫الخدمات منحة ومنّة من النظام‪-‬الراعي‪،‬‬ ‫اإلدارة الذات ّية‬ ‫يتك ّرم بها عىل البرش من جيوبه‪ ،‬ويعتقد أ َّنه اإلدارة الخدم ّية املركز ّية الرعو ّية‬ ‫يرعى ‪-‬منّة وتكرماً‪ -‬املجتمع واألفراد رعاية‬ ‫تحث عىل االعتامد عىل الذات‬ ‫إدارة تحث عىل االتكال ّية‬ ‫مثىل قياساً برعيان آخرين! وهي مامرسة‬ ‫إدارة تعترب الفرد قارصاً‬ ‫تعترب الفرد راشداً‬ ‫تهدف يف العمق إىل الحفاظ عىل النظام‬ ‫العالقة ند ّية بينهام‬ ‫ ة بني اإلدارة وبني الفرد‬ ‫العالقة أبو ّي‬ ‫أساساً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الخدمات حقوق‬ ‫ونجد أيضا “إدارة التوحش” التي تقوم بها الخدمات هبة من الراعي أو منحة‬ ‫بعض التنظيامت اإلرهاب ّية كداعش والنرصة‬ ‫وظيفتها املحافظة عىل النظام‬ ‫وظيفتها املحافظة عىل الحياة‬ ‫كام يف الرقة وإدلب‪ ،‬فنجد فيها العيوب ‬ ‫نفسها املتعلقة بالنظام‪ ،‬ناهيك عن تسليط‬ ‫إدارة مركز ّية رعو ّية‬ ‫ال مركز ّية حقوق ّية‬ ‫السيف عىل رقاب الناس انطالقاً من قاعدة‬ ‫ترى من يؤ ِّمن الح ّد األدىن من األمن والح ّد وهكذا نجد االعتامد عىل الذات واقع فرضه ضعف النظام يف‬ ‫األدىن من الغذاء للناس يصبح راعياً عليهم‪ .‬تقديم الخدمات األول ّية لألفراد وللمناطق‪ ،‬ومامرسته يف إدارة‬ ‫وكذلك نجد فشل املعارضة يف “املجالس الخدمات كذلك‪ .‬ويضاف لهذا ما أملته إدارة التوحش علينا‬ ‫املحل ّية” ألسباب كثرية أق ّلها التش ّبه بالنظام من دروس إرهاب ّية‪ ،‬وما رأيناه من فشل يف املجالس املحل ّية‬ ‫من حيث املركز ّية والرعو ّية وعدم اعتامد للمعارضة‪ .‬وميكن ْأن يتطور هذا االعتامد عىل الذات إىل اإلدارة‬ ‫الالمركز ّية وعدم تحويل املساعدات الخدم ّية الذات ّية؛ فينقل خدمات السور ّيني من عبء عليهم إىل حقوق‬ ‫ا ُملقدّمة إىل حقوق وبقائها كحسنة مينون لهم‪ .‬فيساهم يف االنتقال من الرع ّية إىل املواطنة‪ ،‬بالتحرر جزئياً‬ ‫بها‪ ،‬و ُتض ِمر االنتقال من االتكال ّية عىل الراعي أو كل ّياً من التبعية لإلدارة الرعو ّية القامئة‪.‬‬ ‫املح ّ‬ ‫إقليمي‪.‬‬ ‫يل إىل االتكال ّية عىل ر ٍاع مختلف دو ّيل أو‬ ‫ّ‬ ‫مام ّ‬ ‫الشك فيه َّأن الحرب التي ميارسها النظام كانت عام ًال‬ ‫أساسياً يف انعدام الخدمات أو تراجعها‪ .‬ولكن هناك عوامل‬ ‫أخرى تكمن يف توظيف هذه الخدمات املختلفة ‪-‬كام يفعل‬ ‫الراعي مع قطيعه عندما يغضب منه‪ -‬للضغط عىل السور ّيني‬ ‫ومعاقبتهم وابتزازهم ألنهم ثاروا عىل النظام‪.‬‬ ‫َّإن اإلدارة الذات ّية بهذا املعنى إدارة خدم ّية وليست سياس ّية‪.‬‬ ‫وظيفتها تقويض مركز ّية إدارة الخدمات بجعلها غري مركز ّية؛‬ ‫وذلك بأن يديرها ويرشف عليها أهايل املناطق مبا يتناسب مع‬ ‫حاجاتهم ال مبا يتناسب مع حاجات النظام‪ .‬وتقويض رعو ّية‬ ‫إدارة الخدمات وتحويلها من كونها هبة ومنحة ومنّة‪ ،‬يقدمها‬ ‫الراعي إىل الرع ّية‪ ،‬إىل حقوق للمواطنني‪ .‬وتقويض فساد إدارة‬ ‫الخدمات بتصغري وحدات اإلدارة و َتخ ُّلل الرقابة األهل ّية إىل‬ ‫هذه الوحدات اإلدار ّية الصغرية واملنترشة‪.‬‬ ‫وميكن لنا إجراء مقارنة بني رسالة ووظيفة اإلدارات الخدم ّية‬ ‫السابقة وبني رسالة ووظيفة اإلدارة الذات ّية الواعدة لتوضيح‬ ‫الصورة أكرث‪:‬‬


‫‪86‬‬

‫حوار مع السياســي الكردي “محمــد صالح جمعة” عن‬ ‫ربيع “الشــرق األوسط” ومســتقبل الكرد في المنطقة‬ ‫جمعة‪ :‬الفيدرالية باتت أمر ًا مفروض ًا وهو مطلب‬ ‫غربي‪ ..‬واتفاقية “سايكس بيكو” انتهت!‬ ‫حاوره سردار مال درويش‬

‫العدد ‪66 -‬‬ ‫‪2016 / 42 / 12‬‬ ‫‪17 - 68‬‬

‫مقاالت‬ ‫لقاءات‬

‫كرس حياته يف السياسية من أجل قضية الشعب‬ ‫الكردي‪ .‬ال يخىش الحديث عن استقالل دولة‬ ‫كردستان الكربى‪ ،‬وأن استقالل كردستان تدعمه‬ ‫ني أن الوحدة ال تبني وطناً‪،‬‬ ‫القوى الدولية‪ ،‬مع يق ٍ‬ ‫دون وجود حلفاء أقوياء‪.‬‬ ‫“محمد صالح جمعة” سيايس كردي حائز عىل‬ ‫درجة الدكتوراه يف تاريخ االقتصاد السيايس‬ ‫ومدرس يف جامعة برلني يف أملانيا‪ .‬انتسب عام‬ ‫‪ 1959‬لصفوف “الحزب الدميقراطي الكردستاين‪-‬‬ ‫العراق” كممثل عن الحزب السوري‪ ،‬وترأس وفد‬ ‫الطلبة الكرد يف لقاء “املال مصطفى البارزاين”‬ ‫عام ‪ ،1970‬كام ُر ّشح عضواً يف اللجنة املركزية ثم‬ ‫املكتب السيايس للحزب الدميقراطي الكردستاين‪-‬‬ ‫العراق عام ‪ ،1979‬وعُ ّي مستشاراً للرئيس مسعود‬ ‫البارزاين رئيس إقليم كردستان قبل أن يتقاعد‪.‬‬ ‫ شبهت الربيع العريب بـ “الشتاء العريب”‪ ،‬واعتربت‬‫أن ّ‬ ‫مشهد الرشق األوسط اليوم؛ مل يحدث منذ‬ ‫اتفاقية “سايكس بيكو”‪ ،‬ماذا تقصد بذلك؟‬ ‫ما يحصل األن ال يسمى ثورة‪ ،‬من وجهة نظري‬ ‫هي انتفاضة وليست ثورة‪ ،‬ألن الثورة كمفهوم‬ ‫أكرب من أن ال تنترص مببادئها‪ .‬ويف سوريا مل تنترص‬ ‫االنتفاضة ألن املفاهيم مل تتغري‪ ،‬السوريون وأدوا‬ ‫ثورتهم قبل نضجها‪ ،‬والنظام لعب دوراً كبرياً يف‬ ‫تسيري الثورة كام يريد‪ ،‬وما يحدث يف سوريا اليوم‬ ‫من كوارث مل يحدث إال يف زمن “هوالكو”‪.‬‬ ‫أيضاً النظام خرج من املشهد بعد تصدر داعش‬ ‫الواقع‪ ،‬ويعود ذلك لعدم إدراك املجتمع العريب‬ ‫عام ًة وليس السوري فقط لجوهر مفهوم الثورة‬ ‫الحقيقي‪ ،‬ومن هنا كانت النتيجة إعادة انتاج‬ ‫رصاع يقارب عمره ‪ 1400‬عام‪.‬‬ ‫لو أرادت االنتفاضة االنتصار‪ ،‬كان يجب أن تنظر‬ ‫لألمام واالستمرار بها بشكل حضاري‪ ،‬ال بالعودة‬ ‫فكرياً إىل الخلف نحو رصاع مذهبي‪.‬‬ ‫ أين ترى مستقبل سوريا من األوضاع القامئة يف‬‫الرشق األوسط؟‬ ‫وضع سوريا ال يختلف عن دول املنطقة عام ًة‪.‬‬ ‫هناك حقيقة أن الشعوب العربية مل تؤسس دولها‬

‫بل أسسها حكام عرب عىل شكل دولة القبيلة أو‬ ‫دولة العشرية أو دولة العائلة‪ .‬لذا فمستقبل سوريا‬ ‫بات غامضاً‪ ،‬النظام وإيران هام من يتحكامن‬ ‫بواقع سوريا وبدعم مبارش من روسيا‪.‬‬ ‫ما يؤسس لسوريا هو رسم فيدرالية قادمة‪ ،‬وبرغم‬ ‫محاربة السوريني لذلك وأيضاً تركيا‪ ،‬لكن هذا‬ ‫الشكل سيتم واألمر محسوم‪ .‬ورفض هذا الشكل‬ ‫سيكرس املزيد من نزيف الدماء‪ ،‬عىل غرار العراق‬ ‫الذي مل تتفق كافة مكوناته عىل أن الفيدرالية‬ ‫هي الحل األنسب‪ .‬طبعا م ّرد هذا الكالم أن األمر‬ ‫خرج من يد السوريني‪ ،‬وبات بيد الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية وروسيا‪ ،‬وهام يعمالن عىل ترسيخ‬ ‫الفيدرالية يف سوريا‪ ،‬وأيضاً ترسيخ الكونفدرالية‬ ‫يف الرشق األوسط بدعم ومطلب من “إرسائيل”‪،‬‬ ‫لذا يتطلب من السوريني التعامل مع هذا الواقع‪،‬‬ ‫ونسيان إعادة مركزية الدولة‪.‬‬ ‫ برأيك أين الكرد من كل الخرائط التي ُترسم يف‬‫املنطقة؟‬ ‫ً‬ ‫الكرد أصدقاء الجميع‪ ،‬ودوما مدّوا يد العون‬ ‫للجميع حتى الدول اإلقليمية‪ ،‬مث ًال كنا نريد‬ ‫العيش مع األتراك منذ عام ‪ 1514‬لكن الجميع‬ ‫خاننا وطعن بنا بل وقاموا مبعاداتنا‪.‬‬ ‫اليوم من حقّ الكرد أن يبحثوا يف مصلحتهم وأن‬ ‫يتحالفوا مع أصدقاء جدد‪ ،‬فهم اليوم يف ض ّفة‪،‬‬ ‫وتركيا وإيران والعرب يف ض ّف ّتي أخريني‪ .‬تركيا‬ ‫تحاول معاداة روسيا وأمريكا والجميع‪“ ،‬واعتقد‬ ‫هذا يخدم الكرد إىل حد بعيد يف تحقيق هدفهم”‪،‬‬ ‫من هنا يجب علينا االعرتاف أن امللف السوري‬ ‫اليوم خرج من أيدي تركيا وإيران‪ ،‬ما يعني أن‬ ‫حدوداً جديدة لسوريا قادمة‪ ،‬وستكون مخالفة‬ ‫لحدود “سايكس بيكو”‪ ،‬األمر يأيت يف صالح الكرد‬ ‫حت ًام ورمبا يف صالح كردستان الكربى‪.‬‬ ‫ ما هو موقف إقليم كردستان العراق من‬‫األوضاع الدائرة يف سوريا منذ بدء الثورة السورية‬ ‫وحتى اليوم؟‬ ‫إقليم “كردستان العراق” رغبته الدامئة هو بناء‬ ‫دولة سوريا الدميقراطية‪ .‬اليوم اإلقليم يرى أن‬

‫مطلب الفيدرالية لسوريا سيساهم يف وقف‬ ‫الدمار والقتل‪ .‬وموقف اإلقليم واضح وال مينع‬ ‫إيجاد كونفدرالية يف الرشق األوسط‪ ،‬املطلب الذي‬ ‫يخيف العرب واألتراك‪ ،‬بحكم أن العقبة الدامئة‬ ‫أمامهم هي دولة “إرسائيل”‪ ،‬وهذه ٌ‬ ‫عقبة لهم‪،‬‬ ‫بالنسبة للكرد ليس بالرضورة أن يفكروا بهذه‬ ‫الطريقة‪ ،‬عىل العكس هم ال ميانعون التآلف‬ ‫مع “إرسائيل” التي تدعم بكل ثقلها السيايس‬ ‫والعسكري إقامة دولة كردستان‪.‬‬ ‫ يف مجمل آرائك تركز عىل مسألة الرصاع الطائفي‬‫يف املنطقة‪ ،‬والحديث عن الدور اإليراين واإلرسائييل‬ ‫والرتيك‪ ،‬ما هي عوامل الربط بني هذه الدول؟‬ ‫الرصاع بني إيران والعرب ال يعود ملسألة طائفية‪،‬‬ ‫بل هو رصاع سيايس قديم بني الفرس والعرب‪،‬‬ ‫لكن إيران تحاول دامئاً إبقاء الرصاع ضمن‬ ‫اإلطار الديني والهدف هو السيطرة عىل منطقة‬ ‫“الرشق األوسط” باسم الدين‪ ،‬وهذا الرصاع لن‬ ‫ينتهي حتى تحل مسألة فصل الدين عن الدولة‬ ‫يف املنطقة برمتها‪ ،‬آنذاك لن يبقى رصاع يسمى‬ ‫(سنة وشيعة)‪ .‬أوربا مل تنته من رصاعاتها إال‬ ‫بفصل الدين عن الدولة‪ .‬أيضاً اليوم يظهر الرصاع‬ ‫اإليراين‪ -‬السعودي يف املنطقة؛ يف حال استمراره‬ ‫سيكون دامياً ولن ينتهي‪ ،‬ولكن باعتقادي أنه يف‬ ‫ظل التحالفات القامئة‪ ،‬وموقف الغرب من إيران‪،‬‬ ‫فالخارس بالنهاية سيكون إيران‪ ،‬يف حال استمرارها‬ ‫بالدفع باتجاه الرصاع الديني‪.‬‬


‫‪97‬‬

‫‪- 68‬‬ ‫العدد ‪66 -‬‬ ‫‪2016 / 42 / 12‬‬ ‫‪17‬‬

‫شهادات‬ ‫لقاءات‬

‫ تقول يف إحدى حواراتك إن دولة “كردستان‬‫الكربى” غدت مطلباً للحلفاء الغربيني‪ ،‬ولن‬ ‫تستطيع أي قوة عرقلة إقامتها‪ ،‬من هم هؤالء‬ ‫الحلفاء‪ ،‬وما هي الركائز التي تؤكد عىل الوصول‬ ‫لهذا املطلب‪ ،‬خاص ًة وأن الكرد شهدوا طعنات‬ ‫تاريخية بخصوص استقاللهم؟‬ ‫ً‬ ‫الدعوة لدولة كردية هي رغبة الكرد جميعا‪ ،‬وال‬ ‫أنكر أن ذلك ال يتحقق باألماين‪ ،‬لكن سأرشح‬ ‫الفكرة‪ :‬الدول املعادية للكرد كرتكيا وإيران‬ ‫ونظامي سوريا والعراق اليوم يقفون عىل الجانب‬ ‫األخر من الحلف الدويل الذي يتكون من الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية وروسيا وأملانيا و”إرسائيل”‬ ‫وبعض دول الخليج العريب‪ ،‬لذا ما يحدث ال يرسمه‬ ‫الكرد يك يلومهم العرب عىل ذلك‪ ،‬فقد قلت يف‬ ‫عام ‪ 2011‬إن “صدام حسني بظلمه للكرد أوصلهم‬ ‫إىل الفيدرالية‪ ،‬واليوم أقول إن بشار األسد بظلمه‬ ‫للكرد سيوصلهم لدولتهم”‪.‬‬ ‫إن مساندة دول الغرب و”إرسائيل” للكرد يأيت‬ ‫ضمن إطار إيجاد حليف يف املنطقة‪ ،‬والكرد أثبتوا‬ ‫عدم عدائهم ألحد‪ ،‬فعندما حاولت تركيا الدخول‬ ‫إلقليم كردستان العراق ومنع إقامة إقليم كردي‪،‬‬ ‫طلب الغرب منهم العودة عن ذلك وقالوا لهم‪:‬‬ ‫“عودوا وإال ما فعلناه يف يوغسالفيا‪ ..‬سيكون‬ ‫مصريكم”‪.‬‬ ‫الكثري من الدول اليوم تدعم تحرر الكرد وإقامة‬ ‫دولتهم‪ ،‬ومن بينها “إرسائيل” والواليات املتحدة‬ ‫وروسيا ودول أخرى‪ ،‬ليكون للكرد دور يف الرشق‬ ‫األوسط‪ ،‬هذه حقيقة فـ”إرسائيل” أحد الداعمني‬ ‫لذلك‪ ،‬وهذا ما يجب أن يقبله الجميع‪“ ،‬أليس من‬ ‫حق الكرد أن يفكروا بدولتهم! وما هدف العرب‬ ‫من معاداة ذلك؟”‪.‬‬ ‫ حديثك الدائم يكون عن كردستان‪ ،‬يف سوريا‬‫املناطق الكردية تخضع لسيطرة حزب االتحاد‬ ‫الدميقراطي الذي يقال إنه يتبع لفكر حزب‬ ‫العامل الكردستاين‪ ،‬فكيف ترى شكل املنطقة‬ ‫الكردية يف حال بقيت املنطقة تحت إدارة سلطة‬ ‫واحدة‪ ،‬وكيف يكون الحل األنسب للحفاظ عىل‬ ‫مكتسبات املنطقة ومستقبل شعبها؟‬ ‫هناك لعبة توازنات يف سوريا‪ ،‬لذا حزب االتحاد‬ ‫الدميقراطي الـ (‪ )PYD‬يختلف عن واقع حزب‬ ‫العامل الكردستاين يف تركيا‪ ،‬فالواليات املتحدة‬ ‫ال تتدخل اليوم يف رصاع تركيا مع حزب العامل‬ ‫الكردستاين‪ ،‬لكن يف سوريا ال يوجد عداء أمرييك‬

‫مع حزب االتحاد الدميقراطي‪ .‬وهذا يدعونا‬ ‫للقول إنه عىل االتحاد الدميقراطي إما اتخاذ قرار‬ ‫الوقوف إىل جانب املجتمع الدويل‪ ،‬ونسيان محور‬ ‫إيران والنظام السوري ‪ -‬برغم أن إيران ستتمسك‬ ‫بدعمها له‪ ،-‬وإما أن يغري الحزب نفسه وفكره يف‬ ‫املستقبل‪ ،‬وإال لن يكون له دور‪ ،‬هذا إن مل يشهد‬ ‫الحزب انقسامات داخلية مستقب ًال بسبب الرؤى‬ ‫الحالية البعيدة عن املطلب الجوهري للكرد‪،‬‬ ‫لكن اعتقد أن الحزب بات يدرك اليوم أن تحالف‬ ‫الغرب مع الكرد هو من أجل فيدرالية املنطقة‪.‬‬ ‫أود اإلضافة أن مستقبل املنطقة الكردية وامللف‬ ‫برمته يقوده إقليم كردستان العراق بقيادة‬ ‫مسعود البارزاين‪ ،‬وهو حليف أسايس للغرب اليوم‪،‬‬ ‫وهذه حقيقة ال ُتخفى‪ ،‬لكن هذا ال يعني بأن تصل‬ ‫األمور لرصاع كردي‪ -‬كردي‪ ،‬فهذا األمر مرفوض‬ ‫وهو خط أحمر‪ ،‬ولن يقبله إقليم كردستان العراق‬ ‫وال أي طرف كردي أخر‪.‬‬ ‫ من وجهة نظرك كسيايس سوري عمل ضمن‬‫تأسيس الباريت يف سوريا وانتقل إىل الباريت‬ ‫الدميقراطي العراقي‪ ،‬ما هو حجم اهتامم إقليم‬ ‫كردستان باملناطق الكردية يف سوريا؟‬ ‫ً‬ ‫هذا السؤال يعيدنا إىل نقطة الفيدرالية مرة أخرى‪،‬‬ ‫صحيح إن إقليم كردستان العراق مل يتدخل بشكل‬ ‫مبارش يف واقع الكرد السوريني‪ ،‬لكن عندما تتطلب‬ ‫الحاجة واملساعدة مل ولن يتواىن‪ ،‬فقد شاهدنا‬ ‫هذا يف “كوباين” عندما ازداد الخطر عىل الكرد‪،‬‬ ‫دخل مقاتلو البيشمركة وساعدوا “وحدات حامية‬ ‫الشعب” ضد داعش‪ ،‬فأينام حل الخطر عىل الكرد‪،‬‬ ‫سيكون اإلقليم داع ًام وسنداً لهم‪ ،‬وهذه حقيقة‬ ‫ال تريض النظام السوري وإيران اللذان يريدان‬ ‫التحكم بـ”حزب االتحاد الدميقراطي”‪.‬‬ ‫هناك أمر أخر أود اإلشارة إليه‪ ،‬بأن النظام السوري‬ ‫مل يعد يستطيع استفزاز املنطقة الكردية يف سوريا‪،‬‬ ‫أو رضبها‪ ،‬وذلك ملعرفته أن املجتمع الدويل لن‬ ‫يسمح بذلك‪ .‬ويف النهاية كرد سوريا هم سيختارون‬ ‫من يقودهم مستقب ًال‪.‬‬ ‫ داعش بات يتصدر املشهد الدويل من بوابتي‬‫العراق وسوريا‪ ،‬واملقاتلون الكرد هزموا التنظيم‪،‬‬ ‫فهل إزالة مرشوع داعش سيخدم الكرد؟‬ ‫حرب داعش ضد الكرد ودفاع الكرد عن أنفسهم‬ ‫كان له رضيبة كبرية‪ ،‬ولكن يف الوقت نفسه‬ ‫كان إيجابياً‪ ،‬فداعش الذي حارب الكرد ويقسم‬ ‫املنطقة‪ ،‬ساهم يف تشكيل بداية طريق للكرد نحو‬ ‫رسم طريقهم ومستقبلهم‪ .‬ومن يدرك رمبا يصبح‬ ‫داعش بعدائه للكرد سبباً بتشكيل دولة الكرد‪.‬‬ ‫ويعود ذلك إىل أن دولتني بحجم العراق وسوريا‬

‫مل تستطيعا الوقوف يف وجه داعش‪ ،‬لكن الكرد‬ ‫استطاعوا‪ .‬لذا فمرشوع “سايكس بيكو” انتهى‪،‬‬ ‫والكرد باتوا محوراً مه ًام يف املنطقة اليوم‪.‬‬ ‫يجب أن يفهم الجميع بأن الكرد مل يعادوا أحداً‪،‬‬ ‫وأنهم يرغبون بالتعايش مع العرب‪ ،‬كان “املال‬ ‫مصطفى البارزاين” يقول “لسنا ضد العرب لكننا‬ ‫ضد الحكام العرب”‪ ،‬وإقليم كردستان العراق‬ ‫اليوم مع مطالب الشعب السوري‪ ،‬لكن هذا ال‬ ‫يعني أن يعادي الكرد الواليات املتحدة وروسيا‬ ‫اللتني تدعامن إقامة دولة أو فيدرالية للكرد‪.‬‬ ‫أيضاً الكرد غري مجربين عىل البقاء مكتويف األيدي‬ ‫عند مهاجمة داعش ملناطقهم دون أن يحموا‬ ‫أنفسهم ومنطقتهم‪ ،‬لذا اعتقد أن العرب يجب‬ ‫أن يكونوا قريبني من الكرد ويعرتفوا بحقوق هذا‬ ‫الشعب‪ ،‬فلن ينفعهم العداء‪ ،‬وعليهم التفكري‬ ‫بشكل منطقي أن هناك خرائط ترسم اليوم‪،‬‬ ‫ويجب السري حسب واقعها يك ال يخرس الجميع‪،‬‬ ‫“لن نستطيع االنجرار والدخول يف أتون حرب‬ ‫(سنية‪ -‬شيعية)‪ ،‬فجميع الدول اإلقليمية كانت‬ ‫عىل عداء مع الكرد عندما مل يكن للكرد أصدقاء‪،‬‬ ‫واليوم أيضاً يعادون الكرد لكن للكرد أصدقاء‬ ‫وداعمني”‪.‬‬ ‫ الشارع الكردي يف سوريا يقال إنه بات ينقسم‬‫التجاهني‪ ،‬أحدهام ميثله “قنديل” واألخر “إقليم‬ ‫كردستان”‪ ،‬إىل أي حد هذا الوصف دقيق‪ ،‬وكيف‬ ‫تستطيع الجهتان التوافق بخصوص كرد سوريا؟‬ ‫هذا األمر صحيح‪ ،‬وليس من السهل إجامع‬ ‫الطرفني‪ ،‬يف الواقع هناك نقطة سياسية مهمة‪،‬‬ ‫هناك طرف لجانب اإلقليم واألخري حليف الواليات‬ ‫املتحدة والغرب سياسياً وعسكرياً‪ ،‬بينام الطرف‬ ‫األخر عىل األقل سياسياً قريب من إيران‪ ،‬وعلينا‬ ‫االعرتاف أن إيران لن تجلب للكرد حقوقهم‪،‬‬ ‫كام أنها ليست طرفاً ُيعتمد عليه‪ .‬من هنا عىل‬ ‫قنديل إدراك أن النظام السوري زائل‪ ،‬وأن إيران‬ ‫ليست من سيحدد شكل سوريا املستقبيل‪ ،‬وإن‬ ‫كان اعتامد قنديل عىل النظام السوري وإيران‬ ‫فمن األفضل أال يبقى يف سوريا‪ ،‬إال يف حال غري‬ ‫من تفكريه وعمل عىل توافق كردي‪ -‬كردي‪ .‬طبعاً‬ ‫هذا الكالم لن يريض الكثريين‪ ،‬لكن حقيقة املسألة‬ ‫أعقد بكثري من األمنيات‪ ،‬ألن ال أمل يف السري‬ ‫خلف محور (إيران والنظام السوري)‪ ،‬كام لن‬ ‫يكون هناك دور مستقبيل كبري ألي طرف كردي‬ ‫لن يرسخ الفيدرالية‪ .‬يف النهاية هناك مساندة‬ ‫عسكرية أمريكية لوحدات حامية الشعب‪ ،‬رمبا‬ ‫تتوج مستقب ًال بدعم سيايس يف حال غريت السلطة‬ ‫الحالية من سياستها‪.‬‬


‫الالجئات الســوريات في لبنان‬

‫أوضــاع اقتصادية تمهد لالســتغالل والتحرش‬ ‫واالســتعباد وصوالً لالتجار بالبشر‬ ‫مع الناشــطة النســوية نوال مدللي‬

‫‪8‬‬ ‫خولة دنيا‬ ‫العدد ‪2016 / 4 / 12 - 68 -‬‬

‫تقارير‬

‫هو غياب الدولة ما يزال يرخي بثقله عىل كاهل‬ ‫لبنان‪ ،‬يشرتك يف تحمل عبئه كل من الالجئني‬ ‫السوريني‪ ،‬واملواطنني اللبنانني‪ .‬ومن فضيحة إىل‬ ‫فضيحة تستمر الحياة‪ ،‬ولكنها ليست نفس الحياة‬ ‫بالنسبة للجميع‪.‬‬ ‫فبينام يتقاسم الالجئون املخيامت يف مناطق‬ ‫متفرقة من لبنان‪ ،‬واألحياء الفقرية للطبقات األكرث‬ ‫تهميشاً من اللبنانني‪ ،‬هناك طبقات أخرى‪ ،‬تحتكر‬ ‫وتتقاسم مناحي الحياة االقتصادية واالجتامعية‬ ‫والسياسية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نعم‪ ،‬لبنان يبدو دولة مناسبة متاما لكل أشكال‬ ‫املافيات التي تنترش وتلقى الحامية وتستطيع بكل‬ ‫بساطة التهرب حتى من القضاء الذي يفرتض أنه‬ ‫األقدر عىل نيل حقوق الفقراء واملهمشني‪.‬‬ ‫الوجه اآلخر للبنان يبدو قبيحاً قبح فضيحة‬ ‫الزبالة التي مل تحسم بعد‪ ،‬وقبح الفضائح التي‬ ‫تظهر بشكل أكرث تسارعاً ودراماتيكية من السابق‪.‬‬ ‫وكأن كل يشء يوحي بانهيار مبطن‪ ،‬وموت مل يتم‬ ‫اإلعالن عنه‪.‬‬ ‫ويف وسط كل هذا تبدو الوجوه األكرث إرشاقاً‬ ‫للبنانني يحاولون ما بوسعهم الدفاع عن قيم‬ ‫األصالة واإلنسانية‪ ،‬وهم من ميكن التعويل عليه‬ ‫اليوم ويف املستقبل‪ ،‬ليس من أجلنا نحن السوريني‬ ‫فقط‪ ،‬ولكن من أجلهم هم أوالً‪ ،‬ومن أجل بلدهم‬ ‫ومستقبل أفضل ألطفالهم‪.‬‬ ‫نوال مدليل هي من تلك الوجوه الرائعة‪ ،‬التي‬ ‫تستطيع بكل بساطة أن تدخل معها شغاف‬ ‫القلب وكل همومه‪ ،‬تشرتك معها بكل اإلنسانية‬ ‫التي تجمعنا‪ ،‬وقيم الحرية والعدالة وحقوق‬ ‫اإلنسان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كانت تداعيات ما جرى مؤخرا‪ ،‬من تحرير ‪75‬‬ ‫امرأة سورية من نري االستعباد الجنيس‪ ،‬والخالص‬ ‫من سجن التعذيب والعنف واالغتصاب والتسليع‪.‬‬ ‫ومشاركة العديد من املنظامت واملؤسسات يف‬ ‫لبنان يف الضجة اإلعالمية التي حصلت ورضورة‬ ‫حامية هؤالء الفتيات‪ ،‬وتأمني ما يلزم لهن من‬ ‫رعاية طبية ونفسية‪ ،‬وحامية أصبحت رضورية‪..‬‬ ‫كل هذا كان مدخ ًال للحديث مع نوال حول طبيعة‬ ‫عملها‪ ،‬ودورها الحايل وما يتم لحامية هؤالء‬ ‫الفتيات‪:‬‬

‫ نوال مدليل‪ ،‬عرفتك يف لبنان ال تك ّلني وال مت ّلني‬‫من تقديم كل ما يلزم للسوريني الالجئني‪ ،‬نجدك‬ ‫يف املخيامت ويف البيوت ويف كل مكان أو مناسبة‬ ‫تتطلب تقديم املساعدة والبحث عن حلول من‬ ‫املمكن أن تساعد بتخفيف املعاناة‪ .‬هل لنا ببعض‬ ‫التعريف عن طبيعة ما تقومني به‪ ،‬متى بدأ‪ ،‬وأين‪،‬‬ ‫وكيف؟‬ ‫منذ بداية اللجوء السوري تداعينا للمساعدة مع‬ ‫مجموعة من الشباب لتأمني مواد غذائية وطبابة‬ ‫ولتأمني ألبسة وأغطية لفصل الشتاء‪.‬‬ ‫عملنا ملدة سنة كمتطوعني ومتطوعات وناشطني‪/‬‬ ‫ات عىل األرض‪ ،‬ثم ُأدخل اسم جمعية سوا للتنمية‬ ‫التي أترأسها؛ والجمعية تاسست سنة ‪ 2006‬أثناء‬ ‫االجتياح اإلرسائييل للبنان‪ ،‬حيث عملنا يف مراكز‬ ‫النزوح ملساعدة النازحني من الجنوب‪.‬‬ ‫بدأت يف العمل التطوعي يف سن مبكرة منذ‬ ‫كنت يف الثانوية‪ ،‬والعمل الكثري الذي نقوم به يف‬ ‫الجمعية تطوعي ومبادرات فردية وبتمويل ذايت‪.‬‬ ‫وعندما بدأ الالجئون السوريون بالتوافد إىل لبنان‪،‬‬ ‫بدأنا بالعمل مع األطفال املتسولني يف شارع‬ ‫الحمرا منذ العام ‪ 2012‬ثم انتقلنا إىل مخيامت‬ ‫اللجوء يف البقاع من عرسال إىل برالياس والدلهمية‬ ‫وجب جنني‪ .‬ثم بدأنا العمل عىل برنامج حامية‬ ‫األطفال والتوعية ض ّد التزويج املبكر للفتيات‬ ‫والعنف املبني عىل أساس الجندر للنساء‪.‬‬ ‫نهتم بالفئات املهمشة ونساعد يف الكثري من‬ ‫األمور وخاصة يف موضوع حقوق اإلنسان‪ ،‬ال‬ ‫نفرق بني البرش‪ ،‬نريد أن نثبت للجميع أن العمل‬ ‫اإلنساين ليس بحاجة للتمويل؛ حيث نستثمر‬ ‫العالقات الشخصية مع أفراد يف مواقع صنع القرار‬ ‫للمساعدة يف تأمني احتياجات الالجئني السيام من‬ ‫الناحية القانونية (اإلقامات وتسوية الوضع) ومن‬ ‫الناحية الصحية والتعليمية‪.‬‬ ‫نضحي يف سبيل كرامة اإلنسان ‪-‬أي إنسان‪ -‬وحقه‬ ‫يف الحياة واملطالبة بحقوقه‪ .‬وعىل البلدان التي‬ ‫تستضيف الالجئني أن تراعي رشعة حقوق اإلنسان‬ ‫وتطبق االتفاقية الخاصة بالالجئني‪.‬‬ ‫ ولكن هل تعتقدين أن هناك خصوصية للمرأة‬‫الالجئة؟ وهل هذه الخصوصية تتطلب نوعاً‬ ‫مختلفاً من العمل ألجلها؟‬

‫بالنسبة لالجئات فإن وضعهن صعب جداً‪ ،‬وهن‬ ‫مضطهدات من قبل القانون الذي ال يحميهن ومن‬ ‫قبل الزوج و(الشاويش) الذي يتحكم بحياتهن‪،‬‬ ‫وهو السلطة املطلقة يف حياة الالجئات‪.‬‬ ‫تهجرن وهنّ عرضة للكثري من أشكال التحرش‬ ‫ومنذ ّ‬ ‫الجنيس واالستغالل؛ فاملرأة هي ر ّبة العائلة وعليها‬ ‫تأمني املواد الالزمة لالستمرار يف الحياة داخل‬ ‫الخيمة أو البيت‪ ،‬واالهتامم باألطفال‪ .‬كام أن‬ ‫البعض منهن يكسنب عيشهن كعامالت يف األرايض‬ ‫الزراعية‪.‬‬ ‫يوجد الكثري من الالجئات اللوايت يحملن شهادة‬ ‫جامعية أو بكالوريا‪ ،‬ولكن غري مسموح لهن‬ ‫بالعمل يف لبنان حيث أن وزير العمل حدّد‬ ‫مجال العمل بالنسبة للسوريني‪ :‬عامل زراعيون‬ ‫مياومون‪ ،‬عامل بناء‪ .‬وما يدفعهم‪/‬ن للقيام بهذه‬ ‫األعامل الشاقة هي الحاجة املاسة للحصول عىل‬ ‫املال الالزم لالستمرار يف الحياة‪ ،‬حيث أن بطاقة‬ ‫مفوضية الالجئني تغطي جزءاً من املواد الغذائية‬ ‫فقط للمسجالت فيها‪.‬‬ ‫إن هشاشة أوضاع النساء الالجئات وإعالة‬ ‫الكثريات منهن ألرسهن مبفردهن‪ ،‬والتشديد عىل‬ ‫أوراق اإلقامة من قبل األمن العام اللبناين‪ ،‬فض ًال‬ ‫والشح يف املساعدات‪ ..‬ساهم يف الشعور‬ ‫عن الفقر‬ ‫ّ‬ ‫بعدم األمان لدى النساء وعدم القدرة عىل التبليغ‬ ‫يف حال حدوث أي إساءة بحقهن بسبب أوضاعهن‬ ‫غري القانونية‪ .‬حيث ُس ّجلت نسبة عالية جداً‬ ‫لالجئات اللوايت ال ميلكن إقامة قانونية يف لبنان‪.‬‬ ‫ وجود الالجئات والالجئني السوريني يف لبنان امتد‬‫لسنوات اآلن‪ ،‬وال أحد يعرف إىل متى سيستمر‬ ‫هذا الوضع‪ ،‬يف غياب أي آفاق قريبة للعودة إىل‬ ‫سوريا‪ .‬هل تعتقدين أن هناك تغريات طرأت عىل‬ ‫أوضاعهن‪ ،‬ميكن التعويل عليها من ناحية الوضع‬


‫العدد ‪- 68 -‬‬ ‫‪2016 / 4 / 12‬‬

‫من خالل تعريضهن للعنف املمنهج لتطويعهن‬ ‫وإخضاعهن وإجبارهن عىل مامرسة الدعارة‪ ،‬بعد‬ ‫أن يتم استدراجهن ومن ثم بيعهن لتجار الدعارة‪..‬‬ ‫كيف تصفني لنا ما حصل؟‬ ‫بالنسبة لشبكة االتجار بالبرش يف منطقة جونية‪،‬‬ ‫والتي تكشفت األسبوع املايض‪ .‬بالفعل كانت‬ ‫صدمة بالنسبة للبنانيني والسوريني‪ .‬فتيات‬ ‫يختطفن وتحتجز حريتهن عىل مدى سنوات‬ ‫ويتعرضن لالغتصاب والتعذيب واالستعباد‬ ‫الجنيس واإلجهاض والدعارة القرسية وذلك تحت‬ ‫أعني الجميع‪ .‬واألفظع أن الشبكة تضم فتيات‬ ‫قارصات ‪.‬‬ ‫تداعينا من اليوم األول للتواصل مع جميع‬ ‫الجمعيات النسوية واملعنية بحقوق اإلنسان‬ ‫للبدء بتحرك ومساعدة الضحايا اللوايت أصبحن يف‬ ‫عهدة بيوت الحامية الخاصة لبعض الجمعيات‪،‬‬ ‫وهن بحاجة لدعم نفيس ومعنوي ومادي وتأهيل‬ ‫للخروج من الصدمة التي عشنها خالل سنوات‪.‬‬ ‫فقد اجتمعت منظامت لبنانية وسورية وفلسطينية‬ ‫للعمل معاً من أجل املطالبة بحقوق الضحايا‬ ‫وحاميتهن‪ .‬وتم االتفاق عىل أهمية تقديم الدعم‬ ‫النفيس والقانوين للنساء الضحايا‪ ،‬وتشكيل لجان‬ ‫للمتابعة مع نقابة املحامني والقضاة لعدم متييع‬ ‫القضية وط ّيها‪ .‬وكذلك لجنة للتواصل مع مفوضية‬ ‫الالجئني لتأمني الدعم املادي والحامية الدولية‬ ‫لهن‪ .‬ورفع دعاوى قانونية للضحايا وجعلها قضايا‬ ‫رأي عام‪ ،‬واملطالبة مبحاسبة الطبيب الذي تسرت‬ ‫عىل املوضوع ومل يخرب الجهات األمنية مبا يحصل‬ ‫تم التوافق عىل‬ ‫داخل الفندق منذ سنوات‪ .‬كام َّ‬ ‫االعتصام الذي جرى يوم الجمعة يف ‪ 8‬نيسان‬ ‫أمام قرص العدل إليصال الصوت لكشف شبكات‬ ‫االتجار بالبرش النشيطة يف لبنان‪.‬‬ ‫ كلنا نعلم الوضع يف لبنان‪ ،‬من حيث تجاذبات‬‫النفوذ والسلطة بني القوى السياسية املختلفة‬ ‫وغياب مرجعية واحدة ميكن التعويل عليها‪ ،‬كيف‬ ‫يتم التعامل لتجاوز هذه العقبات وتأمني ما يلزم؟‬ ‫يف ظل املناخ املوجود يف لبنان من تف ّلت من‬ ‫العقاب وتفكك مجتمعي‪ ،‬ما زالت القضية‬ ‫تتفاعل‪ .‬وال شك أن جهة كبرية تحمي هذا اإلجرام‬

‫وإال ملا استمر كل هذه السنوات يف منطقة‬ ‫مكشوفة للجميع‪ .‬فالقضية فتحت باب العديد‬ ‫من األسئلة عن كيفية عمل الشبكة وغريها من‬ ‫التي مل تكتشف بعد‪ ،‬وعن األسباب الكامنة وراء‬ ‫ما يشاع من تغطية محتملة ملثل هذه الشبكات‪.‬‬ ‫ال حل آنياً للضحايا‪ ،‬الرتكيز اآلن عىل توفري‬ ‫األمان والحامية لهن من قبل الجمعيات املعنية‬ ‫واملطالبة بأن تقوم الدولة مبهامها لكشف العصابة‬ ‫والتعويض للضحايا من كل النواحي كون الجرمية‬ ‫حصلت عىل األرايض اللبنانية ‪.‬‬ ‫ استغالل اقتصادي‪ ،‬واستعباد جنيس‪ .‬بيع ورشاء‬‫للبرش‪ .‬تبدو الصورة قامتة جداً فيام يخص الالجئات‬ ‫السوريات يف لبنان‪ ،‬ولكن ما الذي ميكن القيام به‬ ‫يف ظل هذه األوضاع؟ وما املهام امللقاة عىل عاتق‬ ‫الجميع للتخفيف من هذه املأساة؟‬ ‫هناك مطالبة دامئة بالنظر يف الوضع اإلنساين‬ ‫لالجئات وخاصة مبا يخص اإلقامات؛ حيث ال قدرة‬ ‫عندهن لتأمني اإلقامة يف ظل الرشوط التي وضعتها‬ ‫الدولة‪ ،‬واللغة العنرصية التي يتكلمها البعض ض ّد‬ ‫الالجئات والالجئني‪ .‬فاالنقسام السيايس يف لبنان‬ ‫يطال أيضاً الالجئني‪ ،‬بني من يتفهم وجودهم‬ ‫ويقدم ما يستطيع من مساعدة‪ ،‬وبني فريق آخر‬ ‫ض ّد وجود الالجئني يف لبنان ويدّعي الخوف من‬ ‫توطينهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذا االنقسام السيايس أيضا مل يساعد يف اتخاذ‬ ‫موقف واحد تجاه قضية االتجار بالبرش‪ ،‬فمن‬ ‫املفاجئ أن نقيب األطباء ال َم وزير الصحة عىل‬ ‫إقفال عيادة الطبيب (املشارك يف اإلجرام)‪ ،‬واعترب‬ ‫الشبكة شبكة دعارة!‬ ‫ولكن ما ميكننا التعويل عليه اآلن‪ ،‬أن هذا امللف‬ ‫لن يغلق (كام وعد الحقوقيون‪/‬ات)‪ ،‬وستكون‬ ‫هناك متابعة له مع القضاء‪.‬‬ ‫كام يتم العمل حالياً عىل تفعيل املطالبة بإقرار‬ ‫قانون تجريم العنف الجنيس‪ ،‬وتعديل وتفعيل‬ ‫قانون العنف األرسي واالتجار بالبرش وقانون‬ ‫العقوبات‪ .‬وعىل الدولة وضع اسرتاتيجية لحامية‬ ‫النساء خالل النزاعات‪ ،‬وعىل األرايض اللبنانية‪،‬‬ ‫وتحسني الوضع اإلنساين والقانوين لالجئات وال‬ ‫سيام السوريات‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫القانوين أو املعييش؟ خاصة أننا نسمع دامئاً عن‬ ‫اهتامم املجتمع الدويل واألمم املتحدة بأوضاع‬ ‫الالجئني‪ ،‬وتوفري ما يلزم لهم؟‬ ‫خمس سنوات مرت من حياة الالجئات والوضع‬ ‫عىل حاله‪ ،‬بل ازداد سوءاً يف ّ‬ ‫ظل غياب خطط‬ ‫استجابة وطنية أو دولية لحامية الالجئات‪.‬‬ ‫النساء الالجئات يعانني من صعوبة تأمني تكاليف‬ ‫املعيشة املرتفعة الكلفة يف لبنان‪ ،‬ورشاء الطعام‬ ‫ودفع إيجار البيت أو الخيمة‪ ،‬مام جعلهن عرضة‬ ‫لالستغالل عىل نحو متزايد‪ ،‬وتذكر بعضهن كيف‬ ‫أن أصحاب البيوت أو األرايض الزراعية يحاولون‬ ‫الترصف معهن بطريقة غري الئقة ويحاولون‬ ‫استغاللهن نظراً لهشاشة وضعهن ‪.‬‬ ‫بعض الفتيات واجهن أشكاالً من العنف الظاهر‬ ‫من خالل إرغامهن عىل الزواج من قبل أهلهن‬ ‫بحكم الضائقة االقتصادية‪ ،‬ويف أحيان كثرية هذا‬ ‫الزواج ال يستمر وتعود الفتاة إىل بيت أهلها‬ ‫مكسورة الخاطر‪.‬‬ ‫إن واقع اللجوء يفرض أشكاالً من التفنن يف العنف‬ ‫ض ّد النساء؛ ففي أحد املخيامت يطلب الشاويش‬ ‫وعمره ‪ 45‬عاماً من عائلة أن يتزوج ابنتهن البالغة‬ ‫من العمر ‪ 15‬سنة وإال يطرد العائلة من املخيم‪،‬‬ ‫وهو متزوج من اثنتني قبلها! ترفض العائلة بيع‬ ‫ابنتها وتغادر املخيم إىل مخيم آخر وما من أحد‬ ‫يتدخل لحامية الفتاة والعائلة‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للنساء والفتيات اللوايت يعملن يف‬ ‫األرايض الزراعية فيتم استغاللهن من كل النواحي؛‬ ‫حيث أن بدل يوم عمل مضن مجحف بحقهن‬ ‫ويرتواح بني ‪ 5‬آالف و‪ 7‬آالف لرية لبنانية(‪)3-5$‬‬ ‫بينام اليد العاملة اللبنانية أغىل بكثري‪ ،‬فيستغل‬ ‫صاحب األرض هؤالء‪ .‬ناهيك عن التحرش الذي‬ ‫يتعرضن له من قبل الشاويش أو غريه ‪ .‬ومع‬ ‫تقليص حجم املساعدات اإلنسانية لالجئني‬ ‫اضطرت السيدات للنزول إىل العمل يف األرايض‬ ‫الزراعية‪ ،‬حيث يخضعن لقانون الشاويش وال‬ ‫يحق لهن االعرتاض عىل ما يلحق بهن من غنب‪.‬‬ ‫االتجار بالنساء‪ ،‬وخلفيات شبكة جونية‬ ‫ قضية اليوم‪ ،‬ليس يف لبنان فحسب‪ ،‬ولكن لدى‬‫كل املهتمني بالشأن السوري‪ ،‬هي قضية شبكة‬ ‫االتجار بالنساء‪ ،‬التي تكشفت عن فظائع صادمة‬ ‫ال يتحملها عقل‪ ،‬حول ما يتم من تحويل النساء‬ ‫إىل سلعة للبيع والرشاء‪ .‬نعلم أنك كنت قريبة جداً‬ ‫من ما أثري حول القضية‪ ،‬وهي قضية رأي عام ليس‬ ‫بالنسبة للسوريني فحسب‪ ،‬ولكن بالنسبة للبنانني‪،‬‬ ‫ألنها كشفت عن العامل السفيل للحياة يف لبنان‪،‬‬ ‫عامل ميلء باالستغالل واالستعباد‪ ،‬واستباحة النساء‪،‬‬

‫‪9‬‬


‫ّ‬ ‫الشك اإلبراهيمي كحل‬ ‫لمشكلة االستالب واآلبائية‬

‫‪10‬‬ ‫عماد العبار‬

‫العدد ‪2016 / 4 / 12 - 67 -‬‬

‫مقاالت‬

‫الرس لدخول عامل‬ ‫إن كانت القراءة هي كلمة ّ‬ ‫املعرفة‪ّ ،‬‬ ‫فإن الحضارة ال تبنى بدون النقد وطرح‬ ‫األسئلة الوجودية‪ .‬وكأ ّمة تسعى إىل النهوض‬ ‫بعد قرون من السبات والخمول‪ ،‬ال ب ّد أن تكون‬ ‫الشكوك لدينا أكرب بكثري من اليقين ّيات‪ ،‬إذ لو كان‬ ‫العكس‪ ،‬لكان األوىل بنا ّأن ّ‬ ‫نشك بهذه اليقينيات‬ ‫التي تعايشت طيلة قرون مع أوضاع االنحطاط‪.‬‬ ‫بداي ًة‪ ،‬من الرضوري اإلشارة إىل ّأن النزعة النقدية‬ ‫يف سجاالتنا الثقافية تأثرت بعاملني رئيسني‪ :‬حالة‬ ‫االنحطاط الحضاري عندنا‪ ،‬وهيمنة الحضارة‬ ‫الغربية عىل املشهد اإلنساين‪ ،‬األمر الذي جعل‬ ‫العقلية النقدية تأخذ أحد موقفني‪ :‬املوقف‬ ‫املتأ ّثر بالرؤية الغربية واملتوجه إىل األمة وتراثها‬ ‫مستخدماً األدوات الغربية ذاتها للوصول إىل نفس‬ ‫النتائج التي وصل إليها الغرب‪ ..‬واملوقف املنطلق‬ ‫من صوابية كل ما يحتويه تراث األ ّمة يف مواجهة‬ ‫التهديد الثقايف الغريب‪.‬‬ ‫للوهلة األوىل‪ ،‬قد يبدو هذا التنافس بني نزعتني‬ ‫نقد ّيتني مؤرشاً عىل تفاعل ثقايف نهضوي مطلوب‬ ‫وحاسم يف سبيل النهضة‪ ،‬لكن التدقيق يف جوهر‬ ‫النزعتني يأخذنا نحو مؤرشات ال متنحنا األمل‬ ‫الكايف مبستقبل هذا النقد والنقد املقابل‪ ،‬إذ تح ّول‬ ‫كال املوقفني إىل أيديولوجيا صلبة باتت عص ّية عىل‬ ‫السؤال والتفكيك عند أنصارها؛ فالنزعة النقدية‬ ‫صح الوصف) مل ُتعد النظر يف أصل‬ ‫الرتاثية (إن ّ‬ ‫مشاكلها‪ ،‬ومل ُتعد قراءة الرتاث والتاريخ بعقلية‬ ‫مختلفة‪ ،‬فلم تخرج مبا هو جديد عىل هذا الصعيد‪،‬‬ ‫وتابعت قراءة النص القرآين بعقلية املتقدّمني‪،‬‬ ‫فخرجت بنفس النتائج التي ناسبت واقعهم وال‬ ‫تناسب‪ ،‬بالرضورة‪ ،‬واقعنا الحايل‪ ،‬فبقيت هذه‬ ‫العقلية أسرية لآلبائ ّية والتقليد‪.‬‬ ‫وباملقابل‪ ،‬تح ّررت العقلية املتأثرة بالغرب من‬ ‫قيد الرتاث‪ ،‬بل رمبا أفرطت يف تحررها منه إىل‬ ‫أن وضعت نفسها ض ّداً دامئاً له‪ ،‬ولكنّها أصبحت‬ ‫باملقابل أسري ًة للموقف النقدي الغريب من تراثنا‪،‬‬ ‫فوقعت هذه العقلية يف االستالب للغرب املؤدي‪،‬‬ ‫بالرضورة‪ ،‬إىل العدائية للمجتمع ّ‬ ‫املحل وتراثه‪.‬‬ ‫لب مشكلتنا‬ ‫يقودنا هذا التقديم املخترص إىل ّ‬ ‫الثقافية‪ ،‬وهي تتم ّثل باختصار يف تحول النزعات‬ ‫الحيوية إىل مواقف أيديولوجية جامدة غري قابلة‬ ‫للتطور‪ ،‬وعوضاً عن أن يكون طرح األسئلة عام ًال‬

‫حيوياً صار جزءاً من املشكلة‪ ..‬كيف ذلك؟‬ ‫ً‬ ‫لقد أضحى االستالب للمفاهيم الغربية مرضا ال‬ ‫ّ‬ ‫يقل خطورة عن مرض التبعية والتقليد األعمى‪..‬‬ ‫فاالستالب يالزمه نهج تدمرييّ ال مي ّيز بني اإليجايب‬ ‫والسلبي يف الثقافة‪ ،‬وال بني ما يجب الحفاظ‬ ‫عليه وإزالته من الرتاث‪ ،‬وال بني ما ينبغي احرتامه‬ ‫وما يلزم تغيريه من عادات املجتمع؛ فاملعيار‬ ‫عند املصاب باالستالب هو نظرة اآلخر “الغريب”‬ ‫املتغ ّلب للمسألة‪ ،‬الذي ينقد اآلخرين من موقعه‬ ‫كمتغ ّلب‪ ،‬دون أن يعنيه ما تحتاجه املجتمعات‬ ‫األخرى للنهوض‪ّ ..‬‬ ‫ألن نهوضها ال يعنيه أص ًال‪ ،‬إن مل‬ ‫نقل ّأن ذلك ّ‬ ‫يرض مبصالحه عا ّمة‪.‬‬ ‫نحتاج يف حالتنا املستعصية هذه إىل تفعيل ّ‬ ‫الشك‬ ‫من جديد؛ ليس ّ‬ ‫شك كل منّا بثوابت اآلخر‪ ،‬بل عىل‬ ‫العكس متاماً‪ّ ،‬‬ ‫شك ّ‬ ‫كل منا بثوابته ومس ّلامته هو‪.‬‬ ‫فبقدر ما يحتاج املق ّلد “اآلبايئ” إىل ّ‬ ‫الشك باألصول‬ ‫التي يعتمدها لفهم النصوص‪ّ ،‬‬ ‫فإن املستلب‬ ‫املؤمن بالصوابية املطلقة للنظرة الغربية يحتاج‬ ‫ّ‬ ‫الشك باألصول التي يعتمدها لفهم‬ ‫بدروه إىل‬ ‫العامل وملحاكمة تراث هذه األ ّمة‪ ..‬يحتاج ببساطة‬ ‫إىل ّ‬ ‫الشك مبجمل املفاهيم والتصورات الغربية‪.‬‬ ‫قصة إبراهيم عليه السالم بصورة‬ ‫ير ّكز القرآن يف ّ‬ ‫الفتة عىل تجربة إبراهيم مع ّ‬ ‫الشك‪ ،‬مبا يجعل من‬ ‫ّ‬ ‫الشك “اإلبراهيمي” أص ًال من أصول اليقني القرآين‬ ‫الذي تبدأ رحلته مع األمر “اقرأ”‪.‬‬

‫لقد استطاع النبي أن يتحرر من سلطة املس ّلامت‬ ‫البديه ّية التي كان قد اكتسبها بدون جهد عقيل‬ ‫كبري‪ ،‬وهنا نجد أنفسنا أمام السو ّية األعىل من‬ ‫تحرر الذات‪ ،‬ألن الذات عند هذا املستوى تواجه‬ ‫تحدياً معرفياً مع أصولها املعرف ّية‪ ،‬فتبادر بطرح‬ ‫التساؤالت الجوهرية حول املنهج والتجربة‬ ‫الشخص ّيتني‪.‬‬ ‫والحال ّأن التجربة اإلبراهيمية قدمت النموذج‬ ‫األسمى يف التساؤل والشك‪ ،‬س ّيام وأنها فتحت‬ ‫نقاشاً مع الله حول قدرته‪ ،‬ع ّز وجل‪َ “ :‬وإِ ْذ َق َال‬ ‫يم َر ِّب أَ ِر ِن َك ْي َف ُت ْح ِيي ا ْل َم ْو َت َق َال أَ َولَ ْم‬ ‫إِ ْب َر ِاه ُ‬ ‫ُت ْؤ ِمن َق َال َب َ ٰ‬ ‫ل َو ٰلَ ِكن لِّ َي ْط َم ِ َّئ َق ْل ِبي” يف حني يرتدّد‬ ‫املستلبون للمدارس الفكرية املختلفة يف طرح‬ ‫أسئلة تحمل هذا القدر من التشكيك يف نظريات‬ ‫وضعية‪ ،‬أو تجارب تعود إىل برش عاديني!‬ ‫نحتاج إىل ّ‬ ‫شك من هذا النوع لتحطيم البديهيات‬ ‫التي تحولت إىل أيديولوجيا صلبة‪ ،‬فال سبيل‬ ‫ملواجهة اآلبائية املزمنة والخالص من االستالب‬ ‫املحدَث إال بإخضاع مجمل التص ّورات إىل منهج‬ ‫ّ‬ ‫الشك اإلبراهيمي الصارم‪ ،‬والذي ال ميكن بدونه‬ ‫مواجهة هذا الفشل الحضاري واإلنساين الذي‬ ‫يعاين منه العامل بر ّمته‪.‬‬ ‫القراءة وحدها ليست ّ ً‬ ‫حل‪ ،‬وال ّ‬ ‫تبش بأي يقني‬ ‫يع ّول عليه إلطالق النهضة‪ ،‬فهي تنتهي بتقوقع كل‬ ‫ت ّيار حول بديه ّياته‪ ،‬ما مل يرافقها ّ‬ ‫الشك والتدقيق‪.‬‬


‫محمد هشام‬

‫نظـ ٌ‬ ‫ـرة عن قرب إلى واقع أزمة‬ ‫الكهرباء في ســوريا بالنسبة‬ ‫للمهجر ين‬

‫العدد ‪- 68 -‬‬ ‫‪2016 / 4 / 12‬‬

‫السعر ا ُملرتفع للحلول البديلة‬ ‫تردّد أبو ميان زوجها طوي ًال قبل أن يقرر رشاء‬ ‫الليدات الكهربائ ّية إلنارة جوانب منزله‪ ،‬لتمكني‬ ‫أوالده وبناته من الدراسة وأداء واجباتهم املنزلية‬ ‫تشكل عبئاً‬ ‫ُ‬ ‫بدالً من االعتامد عىل الشموع التي‬ ‫اقتصادياً كبرياً عىل كاهله‪ ،‬عىل ندرة توفرها‬ ‫أيضاً‪ ..‬ليس كرهاً ّ‬ ‫بالضوء‪ ،‬وإمنا أل ّنها تحتاج إىل‬ ‫تجهيزات أخرى معها‪ ،‬باهظة الثمن‪ ،‬وتك ّلف‬ ‫قرابة ‪ 40 – 35‬ألف ل‪.‬س‪ ،‬مثن البطارية وشاحن‬ ‫ومحول كهربا ّيئ؛ ُ‬ ‫حيث مي ّكنهم األخري باإلضافة‬ ‫إىل اإلنارة‪ ،‬من االستفادة من هذه التجهيزات يف‬ ‫شحن هواتفهم النقالة‪ ،‬وحواسيبهم املحمولة‪،‬‬ ‫وملبات توفري الطاقة‪ ،‬وبعض األجهزة الكهربائية‬ ‫ذات االستطاعة الصغرية‪ .‬يقول أبو ميان‪“ :‬كان‬

‫تقارير‬

‫شح الكهرباء التي اكتسحت‬ ‫مل تعد أزمة ّ‬ ‫مختلف األنحاء السورية تعت ُرب معضلة أو عائقاً‬ ‫جديداً من العوائق التي تض ّيق الخناق عىل‬ ‫حياة أبناء الداخل السوري ومعيشتهم‪ ،‬وإمنا‬ ‫وبحسب ما تنطق به صور معاناتهم فإ ّنه قد‬ ‫بات واقعاً علمتهم سنوات الحرب الطويلة أن‬ ‫يتكيفوا معه ويعتادوا عىل مرارته‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫خروج كثري من محطات توليد الكهرباء عىل‬ ‫امتداد األرايض السورية عن الخدمة‪ ،‬بفعل‬ ‫القصف والدمار واملخلفات الدامئة للحرب‪.‬‬ ‫حصة املواطنني من الكهرباء تختلف‬ ‫و ُيذك ُر أن ّ‬ ‫ً‬ ‫من محافظة ومدينة ألخرى‪ ،‬استنادا إىل حجم‬ ‫الدمار والرضر الذي لحقَ مبحطاتها ومؤسساتها‬ ‫الحيوية‪ ،‬أو محطات الوقود والكهرباء املسؤولة‬ ‫عن إمدادها وتغذيتها بالطاقة‪ّ ،‬إل ّأن الرضر‬ ‫األكرب كام هو ُمالحظ بات يرتكز وينترش يف‬ ‫الفرتة األخرية يف األرياف والنواحي بالدرجة‬ ‫ثم مبراكز املدن واملحافظات بالدرجة‬ ‫األوىل‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫الثانية‪ ،‬مؤديا بذلك إىل إصابة كثري من جوانب‬ ‫حياة املواطنني بالشلل‪ ،‬وحرمانهم من التمتع‬ ‫أو االستفادة من كثري من مقومات معيشتهم‬ ‫وحياتهم‪ ،‬والتي تعتمد عىل الطاقة الكهربائية‬ ‫يف فعاليتها ونشاطها‪.‬‬ ‫طلعنا عالحرية دخلت إحدى املناطق (التل)‬ ‫والتي تعيش حالة من املصالحة مع قوات‬ ‫النظام‪ ،‬لتستعرض واقع معاناة املواطن السوري‬ ‫يف أماكن النزوح جراء أزمة الكهرباء‪.‬‬ ‫“هي يشء بتنا نسمع أنه موجود يف بلدان‬ ‫متطورة” هكذا عربت أم ميان التي تنحدر من‬ ‫مدينة عربني‪ ،‬وأ ّم لخمسة أوالد‪ ،‬عند سامعها‬ ‫لكلمة كهرباء‪ ،‬وأردفت مجيبة عند سؤالها عن‬ ‫حصة بلدتها من الكهرباء‪“ :‬ساعتان خالل اليوم‬ ‫بأكمله‪ ،‬يف كل من فصيل الشتاء والصيف‪ ،‬يف‬ ‫الربد الشديد‪ ،‬والحر الشديد”‪.‬‬ ‫وتابعت بسخري ٍة‪“ :‬أما يف الفصول األخرى‬ ‫فالوضع مختلف جداً‪ ،‬فهي أربع أو ُ‬ ‫ثالث‬ ‫ساعات كاملة خالل األربع والعرشين ساعة”‪.‬‬ ‫املشكلة انعكست بدورها عىل طبيعة حياتها‬ ‫كر ّبة أرسة يف تلبية متطلبات أوالدها وأرستها‬ ‫اليومية‪ ،‬يف مجاالت الطهي والتدفئة وغسيل‬ ‫املالبس‪ ،‬حيث قالت عن ذلك‪“ :‬كام هو الحال‬

‫ُ‬ ‫نسيت كيفية‬ ‫املهجرة‪ ،‬فقد‬ ‫بغالبية العوائل‬ ‫ّ‬ ‫الغساالت الكهربائية‪ ،‬لندرة الكهرباء‪،‬‬ ‫استعامل ّ‬ ‫وبت أعتمدُ عىل الغسيل اليدوي للمالبس”‪.‬‬ ‫وبعد استحالة تو ّفر مادة الغاز‪ ،‬وغالء مثنها حال‬ ‫تو ّفرها‪ ،‬وندرة تو ّفر الكهرباء يف النهار باملنازل‪،‬‬ ‫تحدّثت أم ميان عن “نوبات سه ٍر” باتت تتبادلها‬ ‫مع أوالدها يف الليل أمام السخانة الكهربائية يف‬ ‫غرفة الجلوس‪“ ،‬أم ًال بقدوم الكهرباء‪ ،‬وحرصاً‬ ‫عىل عدم إفساد الطبخة التي وضعتها عليها‪ ،‬أو‬ ‫حريق يف املنزل”‪.‬‬ ‫نشوب‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫ع ّ‬ ‫يل أن أستدين ‪ 20‬ألفاً فوق مرتبي الشهري إن‬ ‫أردت أن أن َري أرجاء املنزل وأن ال أبدو كمن ُ‬ ‫ُ‬ ‫يعيش‬ ‫كهف مع أوالده منقطعاً عن العامل”‪.‬‬ ‫يف ٍ‬ ‫ً‬ ‫يقول مؤيد أكرب األوالد يف العائلة س ّنا‪ ،‬والذي‬ ‫يدرس الحقوق يف الجامعة‪ ،‬تعليقاً عىل تذ ّم َر‬ ‫زمالئه الذين يقطنون يف مناطق أخرى مختلفة‬ ‫ُ‬ ‫يجهل ما يدور عىل‬ ‫من العاصمة‪ ،‬من كونه‬ ‫ّ‬ ‫الشاشات من أخبار‪“ :‬ساعتان أو ثالث ّربا يف‬ ‫ُ‬ ‫األسبوع‪ ،‬هي الساعات التي تتاح يل فيها الفرصة‬ ‫للجلوس أمام الشاشة ملطالعة ما يجري يف العامل‬ ‫بشكل رسيع”‪ ،‬وعن استياء أصدقائه واملق ّربني‬ ‫منه من ّأن هاتفه املحمول ُمط َف ٌأ غالب أوقاته‬ ‫يع ّلق مؤيد ساخراً‪“ :‬يف املرات التي أمت ّكن فيها‬ ‫من شحن بطارية هاتفي ‪ ،100%‬فإين أسعدُ‬ ‫سعاد ًة ال يعادلها إال سعادة انتهاء الحرب”!‬ ‫وتحدثنا العائلة عن أن االستغناء عن استخدام‬ ‫املراوح والغساالت واملدافئ الكهربائ ّية باإلضافة‬ ‫إىل بعض تجهيزات املطبخ الكهربائية مل يكن قراراً‬ ‫إراد ّياً‪ّ ،‬‬ ‫واقع وجدوا أنفسهم مضطرين إىل‬ ‫وإنا ٌ‬ ‫ثم إيجاد وسائل وطرق أخرى‬ ‫التك ّيف معه‪ ،‬من ّ‬ ‫بديلة لتلبية حاجاتهم مبعزلٍ عن تلك التجهيزات‪،‬‬ ‫مثل استخدام الحطب يف التدفئة والطهي‪،‬‬ ‫والغسيل يدوياً‪ ،‬واالعتامد عىل شبكات التواصل‬ ‫االجتامعي بشكل رئييس يف معرفة آخر األخبار‬ ‫واملستجدات فيام يخص سوريا والعامل‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫سباق إلى مدينة‬ ‫ّ‬ ‫الرقة‬

‫في يوم من ذات األيام‪...‬‬ ‫قصة ليست لألطفال‬

‫معتصم أبو الشامات‬

‫العدد ‪2016 / 4 / 12 - 68 -‬‬

‫تقارير‬

‫يكتب مارتن أنديك السفري األمرييك األسبق لدى تل أبيب عن نهاية نظام‬ ‫الهيمنة األمرييك يف الرشق األوسط‪ ،‬فالرشق األوسط ‪-‬بحسب ما أظهرته‬ ‫عقيدة أوباما‪ -‬مل يعد مهام بالنسبة ألمريكا وال ميكن إصالحه وال يجب‬ ‫التورط فيه‪ ،‬ويجب عىل أمريكا ترك بوتني ليغرق هناك‪.‬‬ ‫قد يكون اإلعالن الرويس املفاجئ االنسحاب من سوريا هو تجنب لهذا‬ ‫السيناريو‪ ،‬ورسعان ما رست تكهنات تفيد بأن السبب هو محاولة روسية‬ ‫للضغط عىل األسد ليك يتنازل‪ .‬ومع أنه من غري املستبعد أن يكون هناك‬ ‫خالف أجندات بني الطرفني بحكم طبيعة أهدافهم املختلفة يف سوريا‪ ،‬إال‬ ‫أن األحداث تثبت أن النظام السوري وبوتني وإيران ما زالوا جميعاً عىل‬ ‫نفس الصفحة‪ ،‬ومن غري املتوقع بحال من األحوال انفجار النزاعات بني‬ ‫بوتني واألسد ما مل يعلن الروس ‪-‬ولو مداورة‪ -‬عن استعدادهم لرتحيل‬ ‫األسد عن رأس السلطة وهذا أمر مستبعد‪.‬‬ ‫سيكون نرص بوتني الكبري حني تعتمد الواليات املتحدة األسد رشيكاً محلياً‬ ‫ض ّد تنظيم الدولة‪ ،‬وليس من املستبعد أن ترضخ أمريكا لهذه الضغوطات‬ ‫بالنهاية‪ ،‬خاصة مع توجه الروس أكرث فأكرث ملحاربة تنظيم الدولة‪ ،‬والذي‬ ‫أمثر يف نهاية املطاف بالسيطرة عىل مدينة تدمر التاريخية بعد معارك‬ ‫ضارية مع التنظيم امتدت طيلة شهر آذار‪.‬‬ ‫ميثل سقوط تدمر انتصاراً كبرياً عىل الساحة الدولية لكل من الرئيسني‬ ‫بشار األسد وفالدميري بوتني‪ .‬ومكاسبهام الجديدة هذه ستدعم مزاعم‬ ‫املحور الرويس‪-‬اإليراين‪-‬السوري يف أنهم حققوا انتصاراً هاماً ض ّد التنظيم‪،‬‬ ‫وتعزيز مزاعمهم بوصفهم رشيكاً يف الحملة ض ّد تنظيم الدولة‪ ،‬وخاصة‬ ‫بعد حدوث تفجريات بروكسل‪ ،‬كام يقوي هذا التقدم العسكري الرئيس‬ ‫السوري قبل محادثات جنيف ‪ ،3‬ويعيق قدرة التنظيم يف الهجوم عىل‬ ‫غرب سوريا ويوفر منطقة حامية لحقول النفط والغاز الطبيعي الهامة‬ ‫للنظام والتي تؤمن الكهرباء يف غرب سوريا‪ .‬ومن املحتمل أن يستفيد‬ ‫النظام وحلفاؤه من تدمر ومنشآتها العسكرية كموقع متقدم لشن‬ ‫عمليات متابعة ومهاجمة للتنظيم يف دير الزور والرقة‪ ،‬حيث يحدث ما‬ ‫يشبه السباق اليوم بني الروس واألمريكيني للسيطرة عىل الرقة‪.‬‬ ‫متثل جبهات الثوار يف ريف حلب الشاميل وريف دمشق الرشقي مع‬ ‫تنظيم الدولة أهم جبهاتهم عىل اإلطالق؛ فهذه الجبهات هي منفذ‬ ‫املعارضة السورية الوحيد لكسب الرشعية والحامية الدولية‪ .‬أما الجبهات‬ ‫ض ّد األسد فمن الواضح أنها لن تحظى بدعم عىل أي حال‪ ،‬والخيارات‬ ‫املتاحة هي استغالل الحرب ض ّد تنظيم الدولة لتحقيق جزء من أهداف‬ ‫الثورة األخرى‪ ،‬كام يحاول الجميع أن يفعل‪.‬‬

‫يف يوم من ذات األيام‪ ،‬يف أمة ليست من األمم‪ .‬خرج شعب‬ ‫من األبطال مطالباً بإسقاط املطر‪ ،‬هطل الثلج وجاء السيل‬ ‫ووصل العامل إىل حافة الخطر‪ .‬وتفصيل ما جرى‪ ،‬ثار الشعب‬ ‫ض ّد الطغاة فطلب املجنون الدعم من الجناة‪ .‬ورضب الجناة‬ ‫البرش ومل يرتكوا يف البلد حجراً عىل حجر‪ .‬فأعلن األحرار‬ ‫العصيان وطردوا القتلة من أكرث من مكان‪ .‬وتم إنهاء حكم‬ ‫األسد من أجل خري ذاك البلد‪ .‬وأتت رايات من كل األلوان‬ ‫وانترشت الفرحة يف األمصار‪.‬‬ ‫وقف اللون األسود وقال‪ :‬نحن أخوة وال فرق بيننا وبينكم‪،‬‬ ‫أتينا لهذه البالد نرص ًة لكم‪ ،‬سنفعل ما تريدون من أجلكم‪.‬‬ ‫عم الفرح والرسور عىل الرغم من قصف ذاك املجنون‪،‬‬ ‫فكان األمل وكان العزم من أجل التخلص من كل هذا‬ ‫الظلم‪ .‬وكرث النفط وكرث املال وزاد العمل لالستقالل‪.‬‬ ‫وبني ليلة وضحاها اختلفت الرايات وبدأ الحديث عن‬ ‫الغوايات‪ .‬فلم يعد الجهاد لرب البرشية وإمنا من أجل‬ ‫تحكيم رشع الخليفة‪ .‬وبدأ التخويف من يوم عسري وانشق‬ ‫األمري عن األمري‪ .‬وادعى من ُينسب لبغداد العداء مع من‬ ‫ُينسب للجوالن‪ .‬أعلن األمري الوالية ورفع فوقها راية وقال‬ ‫س‬ ‫للناس من هنا سنعلن الخالفة‪ .‬وبدأت حرب رضوس ُ َّ‬ ‫لرؤيتها حتى املنحوس‪ .‬فالتّهم قد ِّ‬ ‫حضت واألرض قد‬ ‫ُق ّسمت‪ .‬قد و ّزعت الرايات عىل املناطق ومل يبقَ حامل إال‬ ‫وأصبح هوسه من الحقائق‪ .‬فعاد القحطاين أبو القبطية إىل‬ ‫سكاته وسلم الدير ألعدائه‪ .‬وبقي ردحاً من الزمن‪ ،‬يدعي‬ ‫أنه يحب هذا الوطن‪ ،‬إىل أن أمعن مدعي املنارصة يف‬ ‫الهجر‪ ،‬فلم نعد نسمع له حساً وال همساً‪ .‬واستعيدت أرض‬ ‫الزيتون و ُترك الجهاد لصالح الحدود‪ .‬وأغلقت املدينة عىل‬ ‫من فيها‪ ،‬فال عمل وال تطوير إال مبوافقة األمري‪ .‬وعاد الربيع‬ ‫إىل البالد‪ ،‬ليأيت بالحرية من جديد للعباد‪ .‬فانزعج صاحب‬ ‫الجاللة وصاحب الجنون ليبدأ رضبه عىل املستضعفني‪.‬‬ ‫وبدأت املعركة وبدأ الهجوم ولكن هذه املرة مع تغيري‬ ‫الخصوم‪ .‬وبدأ االنتقام ُوأخذ القصاص ممن حمل السالح‬ ‫لحامية الناس من الرصاص‪ .‬فنزل الشعب ليعلن وفاءه ملن‬ ‫حمل سالحه دفاعاً عنه‪ .‬وصدحت حناجر النساء أن ال‬ ‫مكان بيننا ملحتجز األبناء ورفرف علم بالدي وعانق السامء‪.‬‬


‫يوميات ياسمين (‪)6‬‬ ‫سالم الغوطاني‬

‫حتى لو قتلك‪ .‬بعد اعتقالك‪ ،‬محمد‪ ،‬بعدة أيام‬ ‫ُسمح لنا بالخروج من مدرسة السواقة حيث كنا‬ ‫محتجزين‪ ..‬أتذكر مدرسة السواقة‪ ،‬أتذكر‪ ...‬كنا‬ ‫نغطي جميلتنا غيداء خوفاً من أن يراها رجال‬ ‫األمن‪“ ..‬إذا رصيل يش ياسمني جوزيها لغيداء”‪.‬‬ ‫بعد أن رأينا كيف تؤخذ النساء عنوة‪“ .‬ياسمني اذا‬ ‫أخذوك أو أخذوا غيداء رح موت أكيد”!‬ ‫رجال األمن بروائحهم الكحولية كانوا يختارون‬ ‫النساء‪ ،‬الجميالت منهن‪ ،‬أحياناً لليلة واحدة وأحياناً‬ ‫لعدة أيام‪ .‬الزوج أو األب أو األخ املعرتض كان مصريه‬

‫العدد ‪- 68 -‬‬

‫لوحة للفنان ديالور عمر بعنوان “قصة الجئة”‬

‫‪2016 / 4 /12‬‬

‫أحدق يف يارا وهي نامئة‪ ،‬أنقل نظري إىل أصابع‬ ‫قدميها وأتذكر أين كنت ُتقبلها‪ .‬أراقب استغراقها‬ ‫بفرح؛ هدوء عينيها الجديد تحت األجفان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫امتزاجي بها وامتزاجها يب يف لحظة انتظارك‪ .‬تنطق‬ ‫بلساين مبا أعجز عن التفكري به‪“ :‬بكونوا عبحمموا‬ ‫لبابا؟” هذا السؤال الدائم أثناء حامم يارا‪.‬‬ ‫“بيكونوا عبيطعموا لبابا؟” أثناء الفطور‪“ ،‬بيكون‬ ‫هلق دفيان بابا؟” قبل النوم‪ .‬هي تخاريفي بلييل‬ ‫الطويل َّأن ما يبقيك حياً هو أسئلة يارا‪.‬‬ ‫أعرف الغمور ببحر حنوك؛ كنت أباً يل يف الشهور‬ ‫األوىل لزواجنا‪ ،‬كام يارا منذ والدتها‪ .‬مل متسني ألكرث‬ ‫من ثالثة شهور بعد تلك الليلة‪ ،‬حميتني من جالفة‬ ‫وقسوة الناس املحيطني بنا‪.‬‬ ‫“ياسمني رح نساوي متثيلية‪ ،‬رح أقفل علييك الباب‬ ‫بس روح عالشغل بحجة (ما بحب مريت تنكشف‬ ‫عىل حدا) منشان ما يشغلويك باملزرعة”‪.‬‬ ‫نزقي املتاليش عىل ضفاف لطف روحك‪ ،‬وضجيجي‬ ‫املحارص بهدوء عينيك‪ ،‬ذوباين بالتدريج داخل‬ ‫شجرة تنمو برسعة‪ ،‬من ال مباالة بقدومك إىل‬ ‫الشوق ملجيئك‪“ :‬تأخرت محمد اليوم” ملحت‬ ‫سعادة بعينيك‪“ :‬اشتقتييل ياسمني؟”‪.‬‬ ‫من عدم التحضري ليشء إىل التعب عىل تحضري‬ ‫ما تحب‪ ،‬من حذر مالمستك إىل الشوق للحظة‬ ‫مصافحتك‪ ،‬من ياسمني إىل شجرة وارفة هي أنا‬ ‫وأنت وما بيننا‪...‬‬ ‫جمعتنا الصدفة وفوىض الحياة ولن يفرقنا طاغية‬

‫الرضب حتى اإلدماء‪ ،‬باأليدي والعيص ُ‬ ‫وخمص‬ ‫البواريد‪ ،‬ثم يقومون بسحبه وج ّر أشالء جسده‬ ‫نصف امليت‪ ،‬يختفي بعد ذلك وال نعود نراه؛‬ ‫اعتقال أو تصفية‪ ،‬وليس هناك خيار ثالث‪.‬‬ ‫النساء العائدات من رحلة ملذات رجال األمن‬ ‫وضباطه‪ ،‬روح متكرسة وعيون ترتجف وبكاء‬ ‫لييل دائم‪ ،‬اتفاق ضمني كان بني الجميع باألعني‬ ‫الخائفة أن ال نتحدث عام جرى هناك‪ ،‬اتفاق‬ ‫بدفن ذاكرة مدرسة السواقة وعدم نكش القرب‪،‬‬ ‫كنت تعرف أنني لن أسكت‪“ .‬ياسمني شو بخاف‬ ‫من قوتك”!‬ ‫فريوز‪ ،‬زوجة طحان البلدة‪ ،‬أخذوها بعد أن‬ ‫اعتقلوا الطحان‪ .‬فريوز‪ ،‬ذات الصوت األنثوي‬ ‫“بصارة‬ ‫الناعم‪ ،‬والعينني الواسعتني‪ ،‬كنا نسميها ّ‬ ‫الفرح”؛ تقرأ لنا الفنجان وتختار منه املفرح‪:‬‬ ‫“فنجانك أبيض‪ ..‬جايييك رزقة‪ ،‬بعد ساعة أو يوم‬ ‫أو شهر أو سنة رح تنفرج أموركن”‪ ،‬أعادوها بعد‬ ‫ستة أيام مبالبس ممزقة ونزيف نسايئ ومصابة‬ ‫بالحمى‪ .‬أتعرف ما قالته قبل وفاتها “والد الحرام‪,‬‬ ‫الله يلعن أبوهن كانوا يتداوروا‪ ...‬أين ميتة من أول‬ ‫يوم”‪.‬‬ ‫ماجدة الصغرية ابنة أبو خلدون تاجر األغنام‪،‬‬ ‫فاطمة جارتنا‪ ..‬و و و‪ ..‬ذاكريت لن متوت‪ ،‬لن‬ ‫أدفنها‪ ..‬اغتصابات بالجملة مع إجبار الرجال عىل‬ ‫الصياح‪“ :‬الله سوريه بشار وبس”!‬ ‫‪ ...................................‬يتبع يف العدد القادم‬

‫‪13‬‬

‫شهادات‬


‫ماهي أوراق بنما؟ وما فائدتها للسوريين؟‬ ‫‪14‬‬ ‫وائل موسى‬

‫العدد ‪2016 / 4 / 12 - 68 -‬‬

‫اقتصاد‬

‫{مصدر مجهول}‪ :‬مرحباً‪ ،‬هل أنتم مهتمون‬ ‫بالوثائق؟‬ ‫{زود دويتيش تسايتونج}‪ :‬نعم‪ ،‬نحن مهتمون جدا‪ً.‬‬ ‫{مصدر مجهول}‪ :‬هناك بعض الرشوط‪ .‬حيايت يف‬ ‫خطر‪ .‬سنقوم فقط بالدردشة عىل محادثة مشفرة‪.‬‬ ‫لن نلتقي أبداً‪.‬‬ ‫اختيار القصص واضح انه مرتوك لكم‪.‬‬ ‫{ زود دويتيش تسايتونج}‪ :‬ملاذا تقوم بهذا؟‬ ‫{مصدر مجهول}‪ :‬أريد أن أجعل هذه الجرائم‬ ‫علنية للعامة‪.‬‬ ‫هكذا حصلت صحيفة زود دويتيش تسايتونج‬ ‫األملانية عىل ما بات يعرف بأوراق بنام‪ ،‬وتعترب‬ ‫من أضخم الترسيبات يف العامل حتى اآلن‪ ،‬بتاريخ‬ ‫‪ 3‬ابريل ‪ 2016‬بدء الكشف عن ستار األوراق‬ ‫املرسبة من رشكة موساك فونسيكا‪ ،‬الرائدة يف‬ ‫مجال الخدمات القانونية عىل مستوى العامل‪،‬‬ ‫ومقرها يف بنام‪ .‬والتي وصفتها صحيفة الجارديان‬ ‫بأنها رابع أكرب مكتب محاماة أوف شور يف العامل‪.‬‬ ‫وملن ال يعرف معنى “أوف شور‪ “ Offshore‬لغوياً‬ ‫يقصد بها (يف الخارج) وتعترب الرشكات ومصارف‬ ‫أوف شور هي الواقعة خارج بلد اإلقامة للعميل‬ ‫وغالباً ما تكون يف دول ذات رضائب منخفضة‪ ،‬أو‬ ‫غري خاضعة لرقابة مالية دولية‪ .‬وكثرياً ما ترتبط‬ ‫الرشكات واملصارف الخارجية بالسوق السوداء‬ ‫والجرائم املنظمة من خالل التهرب الرضيبي‬ ‫وغسيل األموال‪.‬‬ ‫‪ 2.6‬تريا بايت حجم امللفات املرسبة والتي وصل‬ ‫عددها إىل ما يقارب ‪ 11.5‬مليون وثيقة يعود‬ ‫تاريخها ألربعني عاماً‪ ،‬شاركتها الصحيفة األملانية‬ ‫مع أكرث من ‪ 100‬مؤسسة صحفية بالتعاون مع‬ ‫االتحاد الدويل للصحافيني االستقصائيني‪ ،‬حيث‬ ‫توزعت الوثائق عىل ‪ 370‬صحفي من أكرث من ‪70‬‬ ‫دولة‪ ،‬واستمر العمل عىل األوراق عاماً كام ًال‪.‬‬ ‫تضمنت األوراق معلومات حول ‪ 214‬ألف رشكة‬ ‫خارجية‪ ،‬وكشفت عن تورط ‪ 143‬شخصية سياسية‬ ‫بأعامل غري قانونية من تهرب رضيبي وتبييض‬ ‫أموال عرب رشكات عابرة للحدود‪ ،‬ومن بينهم ‪12‬‬ ‫من قادة العامل الحاليني والسابقني‪ ،‬وتضمنت‬ ‫األسامء ‪ 33‬اسم تضعه أمريكا ضمن الالئحة‬ ‫السوداء‪.‬‬ ‫من ضمن رؤوس الدول املتورطني الرئيس‬

‫األرجنتيني ماوريسيو ماكري‪ ،‬رئيس وزراء آيسلندا‬ ‫سيغموندر دافيد غونالوغسون‪ ،‬امللك السعودي‬ ‫سلامن بن عبد العزيز آل سعود‪ ،‬رئيس دولة‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة خليفة بن زايد آل نهيان‪،‬‬ ‫والرئيس األوكراين برتو بوروشنكو‪ ،‬كام تضمنت‬ ‫القامئة رؤساء سابقني مثل رئيس جمهورية مرص‬ ‫العربية السابق محمد حسني مبارك وبعض أفراد‬ ‫عائلته‪ ،‬ورئيس وزراء جورجيا السابق بيدزينا‬ ‫إيفانيشفييل‪ ،‬رئيس الوزراء العراقي السابق إياد‬ ‫عالوي‪ ،‬أمري قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاين‪،‬‬ ‫ورئيس وزراء أوكرانيا السابق بافلو الزارينكو‪،‬‬ ‫ورئيس وزراء األردن السابق عيل أبو الراغب‪.‬‬ ‫كام وتم اتهام أقارب ومعارف عدد من الرؤساء‪،‬‬ ‫مثل زوجة وأبناء وأخت الرئيس األذربيجاين‬ ‫إلهام علييف‪ ،‬والد رئيس الوزراء الربيطاين ديفيد‬ ‫كامريون‪ ،‬إبنة رئيس الوزراء الصيني السابق يل‬ ‫بينغ‪ ،‬أخت امللك االسباين املتنحي خوان كارلوس‬ ‫األول‪ ،‬وأصدقاء الرئيس الرويس فالدميري بوتني‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل ست أعضاء يف مجلس اللوردات‬ ‫الربيطاين وثالثة أعضاء سابقني يف مجلس العموم‬ ‫الربيطاين من حزب املحافظني الربيطاين‪.‬‬ ‫مل تغب صورة بشار األسد عن الوثائق‪ ،‬حيث‬ ‫كشفت األوراق معلومات عن رامي مخلوف‬ ‫وشقيقه حافظ مخلوف أبناء خال بشار األسد‪،‬‬ ‫أصحاب رشكات ممولة للحرب يف سوريا تنتهك‬ ‫قوانني العقوبات‪ ،‬وحصل االخوين عىل ثروة كونهم‬ ‫افراد من العائلة الحاكمة لسوريا‪ ،‬وكانت الرشكات‬ ‫األجنبية واملستثمرون مضطرين للحصول عىل‬ ‫موافقة من رامي مخلوف ومشاركته يف املشاريع‬ ‫داخل سوريا‪ ،‬ورغم انتشار العديد من األحاديث‬ ‫بني السوريني حول سيطرة رامي مخلوف عىل‬ ‫االقتصاد السوري وبشكل خاص لقطاع االتصاالت‬ ‫والنفط‪ ،‬إال أن األوراق توثق بشكل واضح مستوى‬ ‫التورط بداية من السيطرة عىل االقتصاد وصوالً إىل‬ ‫متويل أدوات قتل الشعب السوري‪ .‬وقد توضح‬

‫من خالل األوراق مساهمتهم يف عملية توريد‬ ‫الوقود لسالح الجو السوري الذي يعمل عىل‬ ‫قصف السوريني بالرباميل املتفجرة والصواريخ‪،‬‬ ‫ويف عام ‪ 2014‬عدد من الدول مبا فيها الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية أصدرت قراراً بحظر التعامل مع‬ ‫هذه الرشكات‪ ،‬لكن التحقيقات يف األوراق املرسبة‬ ‫كشفت أن رشكة فونيسكا استمرت بالتعامل معهم‬ ‫كمفتاح للتهرب من العقوبات من خالل انشاء‬ ‫أسامء رشكات وهمية‪.‬‬ ‫مل يستجب رامي وحافظ مخلوف للكثري من‬ ‫الطلبات للتعليق حول الوثائق املرسبة حتى اآلن‪.‬‬ ‫الوثائق التي كشفت عن وجود أنشطة لرشكات‬ ‫يشتبه بأنها مرتبطة بتمويل اإلرهاب‪ ،‬والتهرب‬ ‫الرضيبي وتبييض األموال‪ ،‬طالت العديد من‬ ‫الشخصيات الهامة ومن بينها كويف عنان مبعوث‬ ‫األمم املتحدة لجامعة الدول العربية وسوريا‬ ‫سابقا‪.‬‬ ‫رغم أهمية الوثائق التي كشفت الكثري من‬ ‫الحقائق املوثقة لتورط العديد من املسؤولني‬ ‫حول العامل‪ ،‬إال أن رشكة موساك فونسيكا ليست‬ ‫الوحيدة التي تعمل يف هذا املجال‪ ،‬مام يدل عىل‬ ‫وجود الكثري من الخفايا‪ ،‬وقد علقت رشكة موساك‬ ‫انها ضحية لعملية رسقة بيانات‪ ،‬وبرر العديد‬ ‫من موظفي الرشكة أنه قد يكون هناك أخطاء‬ ‫يف التدقيق حول األسامء الواقع عليهم عقوبات‬ ‫دولية‪.‬‬ ‫رمبا مل تأت الوثائق املرسبة بيشء مفاجئ للشعب‬ ‫السوري بشكل عام‪ ،‬فالسوريون وبدون وجود‬ ‫أي وثائق كانوا عىل علم بأن رامي مخلوف هو‬ ‫مبثابة مستثمر العائلة الحاكمة والذي يسيطر‬ ‫عىل كامل االقتصاد السوري‪ ،‬إال أن الوثائق تدعم‬ ‫بشكل ال لبس فيه هذه الحقائق وتشكل أدلة‬ ‫قاطعة ملحاكمتهم‪ ،‬كام أنها توضح مستوى الخلل‬ ‫يف القوانني السورية التي مكنت شخصاً من امتالك‬ ‫كل يشء بأسامء رشكات خارجية‪.‬‬


‫نشرة اقتصادية‬

‫طلعنا عالحرية ‪ -‬القسم االقتصادي‬

‫اهم املستجدات التي تهم السوريني يف الشتات والداخل‬

‫المركزي يحمل مؤسسات الصرافة‬ ‫مسؤولية تقلب االسعار‬

‫فرص عمل في دمشق‬ ‫براتب شهري يكفي‬ ‫يومين فقط‬

‫هذا الراتب يكفي ملعيشة يومني بشكل اعتيادي‪،‬‬ ‫حيث وصل سعر كيلو اللحم إىل ‪ 5000‬لرية‪ ،‬وبات‬ ‫من الصعب تأمني منزل للسكن بأجرة تقل عن ‪50‬‬ ‫ألف لرية شهرياً‪.‬‬ ‫دخل العديد من النساء إىل سوق العمل‬ ‫للمساهمة يف تأمني الحد األدىن من االحتياجات‬ ‫املعيشية‪ ،‬وتحتاج العائلة الواحدة إىل مساهمة ما‬ ‫ال يقل عن ‪ 3‬موظفني لتتمكن من العيش بالحد‬ ‫األدىن‪ ،‬البعض من العاطلني عن العمل يعتربون أن‬ ‫الفرص املتوفرة ليست مناسبة وفيها ضياع للوقت‬ ‫دون فائدة‪.‬‬

‫اقتصاد‬

‫تتوفر فرص عمل كثرية يف دمشق‪ ،‬بعد‬ ‫أن باتت شوارعها محرمة عىل العديد‬ ‫من الشباب نتيجة تخوفهم من االعتقال‬ ‫تحت ذريعة الطلب لتلبية الخدمة‬ ‫العسكرية يف قوات النظام السوري‪ ،‬فض ًال‬ ‫عن هجرة الكثريين بحثاً عن مالذ آمن‬ ‫ومعيشة كرمية‪.‬‬ ‫وباتت سوق العمل تتضمن الكثري من‬ ‫الفرص التي ال ترتقي إىل أن تسمى‬ ‫بفرصة‪ ،‬حيث ترتاوح الرواتب الشهرية‬ ‫بحدود ‪ 25‬ألف لرية سورية‪ ،‬ونتيجة‬ ‫الرتفاع سعر رصف الدوالر األمرييك‬ ‫مقابل اللرية السورية‪ ،‬وارتفاع أسعار‬ ‫املواد الغذائية وأجور املنازل‪ ،‬مل يعد مثل‬

‫ذكرت وكالة األنباء الرسمية للنظام السوري‬ ‫“سانا” أن دائرة الرقابة التموينية الروسية قد‬ ‫أعلنت عن أسامء ‪ 13‬رشكة من مجمع الصناعات‬ ‫الزراعية الرويس أصبح بإمكانها القيام بتوريد‬ ‫منتجاتها الزراعية إىل سورية مشرية إىل أن هذه‬ ‫الرشكات اجتازت بنجاح اختبارات التفتيش‬ ‫البيطري والصحي والتطابق مع املواصفات‬ ‫املطلوبة يف سورية‪.‬‬ ‫وذكرت الصحيفة بحسب املصدر أسامء‬ ‫الرشكات الداخلة يف سجل الدائرة والتي‬ ‫تنوي تزويد سوريا باألسامك املعلبة ومنتجات‬ ‫الدواجن والحليب املجفف ونخالة القمح‬ ‫وكذلك األعالف الجافة‪ .‬ووفقاً للمصدر يتضمن‬ ‫السجل أيضاً العديد من الرشكات من منتجي‬ ‫اللحوم الجاهزة‪.‬‬ ‫يذكر أنه تم افتتاح قرية الصادرات والواردات‬ ‫الروسية السورية يف خربة الجوزية مبحافظة‬ ‫الالذقية نهاية العام املايض بهدف دعم‬ ‫املشاريع ذات األولوية يف مجال التعاون الرويس‬ ‫السوري االقتصادي وتطوير التجارة بني البلدين‬ ‫«تصدير استرياد» وتطوير الصادرات السورية‬ ‫بشكل عام والبدء باملنتجات الزراعية بشكل‬ ‫خاص وإعطائها شكال ونوعية تستطيع املنافسة‬ ‫يف السوق العاملية بشكل عام والروسية بشكل‬ ‫خاص‪.‬‬ ‫وقد وصل سعر كيلو اللحم يف أسواق دمشق‬ ‫إىل ‪ 5000‬لرية سورية مبا يعادل ‪ 10‬دوالرات‬ ‫أمريكية تقريباً‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 4 / 12 - 68 -‬‬

‫كعادته يعقد مرصف سوريا املركزي جلساته‬ ‫لبحث آخر التطورات يف سوق القطع االجنبي‬ ‫بحضور ممثلني عن مؤسسات الرصافة‪.‬‬ ‫يتساءل الحاكم عن األسباب التي ادت اىل‬ ‫التقلبات الكبرية التي شهدها سوق الرصف‬ ‫خالل الفرتة السابقة‪ ،‬زاعام باستقرار االوضاع‬ ‫الراهنة عىل كافة االصعدة االمر الذي يجب‬ ‫ان يدفع سعر الرصف نحو االستقرار والهبوط‪،‬‬ ‫فقد ح ّمل “ميالة” مؤسسات الرصافة الدور‬ ‫االكرب يف حدوث التقلبات متهام اياها بتجاوز‬ ‫االنظمة والقوانني الناظمة لعملها يف سوق‬ ‫الرصف‪.‬‬ ‫من جهتهم ركز ممثلو رشكات الرصافة عىل ان‬

‫السبب الرئييس وراء تقلبات االسعار يكمن‬ ‫وراء عمليات التهريب اضافة اىل الحواالت‬ ‫الواردة التي تصل اىل السوق السوداء ويتم‬ ‫ترصيفها بأسعار عالية‪ ،‬كام حملوا محالت‬ ‫الصاغة جزء من املسؤولية كونهم ال يلتزمون‬ ‫باألسعار الرسمية وقيامهم باسترياد الذهب‬ ‫تهريبا‪.‬‬ ‫يذكر ان سعر الرصف خالل الفرتة القريبة‬ ‫املاضية شهد قفزات صعود متعددة‪ ،‬حتى بلغ‬ ‫مستويات قياسية مل يبلغها من قبل بعد ان‬ ‫وصل صعر رصف الدوالر الواحد اىل حوايل ال‬ ‫‪ 540‬لرية سورية وسط تحذيرات االقتصاديني‬ ‫من انهيار تام للرية السورية‪.‬‬

‫‪ 13‬شركة روسية ستبدأ‬ ‫بتصدير منتجات الصناعة‬ ‫الزراعية لسورية‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫‪16‬‬

‫غسان الجباعي وسؤال “الثقافة‬ ‫الحقيقية” في آتون اللهب السوري‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 4 / 12 - 68 -‬‬

‫يسعى غسان الجباعي يف مؤلفه “الثقافة‬ ‫واالستبداد” (‪136‬صفحة من القطع املتوسط)‪،‬‬ ‫الصادر يف ‪ 2015‬عن “دار نون للنرش”–اإلمارات‪،‬‬ ‫إىل مناقشة مجموعة من املصطلحات‪ ،‬كثرية‬ ‫االستعامل‪ ،‬مثل الثقافة واملثقف والحرية‬ ‫واالستبداد والثورة‪ ،‬ليس بوصفها مصطلحات‬ ‫أكادميية يريد أن يقدم فيها جديدَا مفاهيم َيا‪،‬‬ ‫بل يريد أن يسائلها يف بلد تغيل يف آتون اللهب‬ ‫و ِمرجل األزمات‪ ،‬ويف ضوء الحراك اليومي‬ ‫الذي تشهده الثقافة العربية يف ظل املتغريات‬ ‫الكثرية‪ ،‬التي نجدها‪ ،‬نتيجة التح ّوالت السياسية‬ ‫واالجتامعية والفكرية التي نعيشها اليوم‪.‬‬ ‫ويضع الجباعي‪ ،‬الذي قىض نحو تسع سنوات‬ ‫من عمره يف سجون األسد األب‪ ،‬كل هذه‬ ‫املصطلحات وغريها‪ ،‬محط اختبار أمام تجربة‬ ‫الثورة السورية‪ ،‬بصفتها تجربة معاشة وضعت‬ ‫املثقف واملسؤول م ًعا‪ ،‬واملواطن كذلك عىل محك‬ ‫املوقف‪ ،‬كأنها تقول له‪ :‬الب ّد من رأي‪ ،‬حيث ييضء‬ ‫عىل تجربة الحراك السوري‪ ،‬ويقدّم ملحة تاريخية‬ ‫عن تاريخ االستبداد يف الخمسني سنة األخرية من‬ ‫تاريخ سوريا (عهد األسد األب واالبن الوريث)‪،‬‬ ‫ويرصد عددًا من القرارات املتعلقة بعسكرة‬ ‫املؤسسات وسلب قراراتها‪ ،‬إذ تح َّو ْ‬ ‫لت “سلطة‬ ‫األب القائد وأجهزته األمنية والعسكرية وتحولت‬ ‫معه الثقافة السورية مثلها مثل كل يشء إىل طائر‬ ‫كريم مقصوص الجناح”‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫دعوة ملعرفة من هو املثقف الحقيقي‬ ‫وبحسب الكاتب السوري‪ ،‬فإن “االستبداد ليس‬ ‫مجرد سلطة سياسية‪ ،‬بل هو سلطة مهيمنة‬ ‫متخ ّلفة‪ ،‬العقالنية‪ ،‬تحتاج إىل مقاربة مختلفة‬ ‫لعالقة الثقافة‪ ،‬ليس بسلطة املستبد فقط‪ ،‬بل‬ ‫بسلطة الحزب وسلطة األمن وسلطة الدين ورأس‬ ‫املال والعقيدة واألخالق والعادات والتقاليد‬ ‫االجتامعية‪ ،‬التي تكتسب دو ًرا ها ًما‪ ،‬يف ظل‬ ‫االستبداد‪ ،‬وكل أنواع السلطات األخرى املعادية‬ ‫للثقافة عمو ًما‪ ،‬التي يحتضنها‪ ،‬أو التي متنع وتح ّد‬ ‫من حرية الثقافة واإلبداع‪.‬‬ ‫متغي يف ذاته‪ ،‬تفاع ّ‬ ‫يل‬ ‫أما الثقافة فهي “مفهوم ّ‬ ‫وانقال ّيب يف عالقته مع السلطات السياسية‬ ‫واملجتمعية املتخلفة” واملثقفون عالمات ورموز‬ ‫ُت َع َّرف بهم املجتمعات‪ ،‬وقسم منهم يصبح رمزًا‬ ‫لـ “جغرافيا‪ ،‬أو تاريخ‪ ،‬أو دولة”‪ .‬من هنا َّ‬ ‫فإن‬ ‫ذكر أملانيا ارتبط بهيغل وبريخت‪ ،‬وفرنسا تذكر‬

‫إبداع أم اخرتاع أم رؤيا؟”‪.‬‬ ‫ومام جاء يف كلمة الغالف الخارجي للكتاب‪:‬‬ ‫“مثة من يقول‪ :‬إن الثقافة ال قيمة فعلية لها‪ ،‬يف‬ ‫مجتمعاتنا املتخلفة وأنظمتنا املستبدة املعادية‬ ‫للحرية‪ .‬وإن دورها تابع للسلطة‪ ،‬وثانوي‪.‬‬ ‫وإن املثقفني مجرد صانعي أوهام ومستهليك‬ ‫حرب! وهم شخصيات ورق ّية‪ ،‬انتهازية‪ ،‬أو مجرد‬ ‫رصخات ميتة عىل موجات األثري! متجاهلني أن‬ ‫الثقافة‪ ،‬يف كل األحوال‪ ،‬هي نشاط اجتامعي‬ ‫وظاهرة تاريخية‪ ،‬نصنعها وتصنعنا‪ .‬وهي قيمة‬ ‫بحد ذاتها‪ ،‬مثلها مثل العلم والجامل واملعرفة‪.‬‬ ‫وأن املثقف قد يكون متطف ًال عىل الثقافة أو بو ًقا‬ ‫منتجا للثقافة‬ ‫للسلطة‪ ،‬وقد يكون مثق ًفا حقيق ًيا‪ً ،‬‬ ‫ومداف ًعا عنها‪ ،‬علينا أوالً أن نحدد‪ :‬عن أية ثقافة‬ ‫نتحدث وعن أي مثقف؟”‪.‬‬

‫الكاتب السوري غسان الجباعي‬ ‫مع بلزاك وفولتري وسارتر‪ ،‬والحضارة العربية ترتبط‬ ‫باملتنبي والجاحظ والفارايب وابن رشد وصوالً إىل جربان‬ ‫ومحمود درويش‪ ..‬لذلك‪ ،‬وقبل هذا وغريه‪ ،‬يدعونا‬ ‫الجباعي هنا ملعرفة من هو املثقف الحقيقي يف بلدنا‬ ‫وعرصنا‪ :‬صاحب املهنة الفكرية؟ أم الذي يعمل عىل‬ ‫إزعاج السلطة والتشويش عليها فقط؟ منتج الثقافة‪ ،‬أم‬ ‫مستهلكها؟ املحرتف أم الهاوي؟ املستقل أم املتحزّب؟‬ ‫التقدمي أم الرجعي‪ ،‬أم الثوري الطليعي؟ بوق السلطة‪،‬‬ ‫أم بوق الجامهري؟ االنتهازي األنا ّين‪ ،‬الذي ال يهتم إال‬ ‫بنفسه‪ ،‬أم املثقف الغيور الذي يهتم بالبرشية كلها؟‬ ‫املثقف الوطني‪ ،‬املحيل؟ أم املثقف العاملي الشمويل‪.‬؟”‪.‬‬ ‫كام يطرح املؤلف بني دفتي الكتّاب جملة من القضايا‬ ‫املهمة ملناقشتها‪ ،‬لعل أهمها ما هو دور الثقافة ووظيفتها‬ ‫أخ ًريا؟ وهل لها وظيفة أص ًال؟ وهل هي فن أم علم؟‬

‫الجباعي يف سطور‬ ‫مخرج مرسحي وكاتب درامي‪ ،‬ولد يف قطنا عام‬ ‫‪ ،1952‬متخصص باألدب العريب‪ .‬ودرس يف املعهد‬ ‫العايل للفنون املرسحية معهد «كاربينكا كاري»‬ ‫الحكومي يف مدينة كييف‪ ،‬حيث حصل عىل‬ ‫شهادة املاجيستري يف اإلخراج املرسحي عام ‪.1981‬‬ ‫درسا يف‬ ‫اشتغل يف املرسح ممث ًال‬ ‫ً‬ ‫ومخرجا ثم ُم ً‬ ‫املعهد العايل للفنون املرسحية بدمشق ملاديت‬ ‫التمثيل ومبادئ اإلخراج‪ .‬وهو عضو نقابة‬ ‫الفنانني السوريني‪.‬‬ ‫وقد أخرج العديد من املرسحيات كام شارك‬ ‫كممثل يف العديد من األفالم السينامئية ومنها‬ ‫فيلم “وثائقي عن تجربة السجن”‪ ،‬حيث اعتقل‬ ‫يف نهاية العام ‪ 1982‬بتهمة االنتامء إىل حزب‬ ‫البعث العراقي‪ ،‬الذي كان محظو ًرا يف سوريا‪،‬‬ ‫ليميض تسعة أعوام من عمره نصفها يف سجن‬ ‫صيدنايا الرهيب‪ ،‬والنصف اآلخر يف سجن تدمر‬ ‫املرعب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كذلك كتب الجباعي أعامال قصصية ومرسحية‬ ‫منها‪“ :‬أصابع املوز”‪ ،‬و”جرناليوس”‪ ،‬و”الشقيقة”‪،‬‬ ‫و”بودي الحارس”‪ ،‬و”الوحل”‪ ،‬و”رغوة الكالم”‪.‬‬ ‫كام صدرت له العام ‪ 2014‬رواية “قهوة الجرنال”‪،‬‬ ‫عن “دار نون للنرش”‪ ،‬حول رحلته الطويلة بني‬ ‫املعتقالت والسجون وبيوت البغاء الرس ّية‪ ،‬التي‬ ‫تتداخل فيها األزمنة والحيوات‪ ،‬كام يتداخل‬ ‫املنطق وما يتجاوزه ً‬ ‫أيضا‪ ،‬والتي حازت املرتبة‬ ‫الثانية يف “جائزة املزرعة” التي ترشف عليها‬ ‫رابطة الكتاب السوريني‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫أمسية في الجوالن‪ ،‬وجائزة في هوليوود‪،‬‬ ‫إبداع في تركيا‪ ،‬وثورة يتيمة في جينيف‪.‬‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫مهرجان اإلبداع الثاين لتكريم األدباء السوريني‬

‫هجوم عىل “الثورة اليتيمة” يف جينيف!‬ ‫تع ّرض معرض “سوريا‪ ،‬الثورة‬ ‫اليتيمة” املقام يف جنيف‬ ‫منذ ‪ 15‬آذار واملستمر حتى‬ ‫‪ 17‬نيسان من العام الجاري‬ ‫بتنظيم من جمعية “يقظة‬ ‫جنيف” وبالتعاون مع مؤسسة‬ ‫“زيتون” ومؤسسة “رسالة إىل‬ ‫سوريا” للتخريب من قبل‬ ‫مؤيدي النظام السوري‪ ،‬حيث‬ ‫قامت مجموعة من املؤيدين‬ ‫بتشوية اللوحات بالطالء‬ ‫إلخفاء رموز الثورة وعلمها‪،‬‬ ‫وإخفاء وجه األسد من الصور‬ ‫التي تدينه‪.‬‬

‫وكانت صفحة مؤسسة زيتون عىل فيسبوك قد نرشت‪“ :‬هذا‬ ‫املشهد ومن مدينة جنيف يف العام ‪ 2016‬يعيد الكثريين من‬ ‫السوريني لذكريات أحداث مشابهة متا ًما حدثت مع مطلع‬ ‫الثورة السورية‪ ،‬حيث أزيلت الشعارات املدنية املطالبة‬ ‫بالحرية والعدل ووضع فوقها (األسد أو نحرق البلد)”‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 4 / 12 - 68 -‬‬

‫أقيم يف مدينة هاتايا الرتكية مهرجان اإلبداع الثاين يف صالة‬ ‫جمعية هاياد يومي السبت واألحد ‪ 2-3‬نيسان الجاري‪،‬‬ ‫وقد شارك يف هذا املهرجان ّ‬ ‫كل من‪“ :‬الشاعر والكاتب يارس‬ ‫األطرش‪ ،‬القاص مصطفى تاج الدين املوىس‪ ،‬الشاعر مصطفى‬ ‫عبد الفتاح‪ ،‬الشاعر حيدر هوري‪ ،‬القاص أمين األحمد‪ ،‬الشاعر‬ ‫محمد طه العثامن” بحضور ضيفي رشف من العراق وهام‪:‬‬ ‫“الشاعر عمر عناز‪ ،‬والشاعر عيل حيدر”‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫أول نشاط لحركة “ضمري” يف الجوالن السوري املحتل‬

‫ي يف ه‬

‫وليوود للمخرج ال‬

‫أفضل وثائق‬ ‫وري غطفان غنوم‪،‬‬ ‫ايب” للمخرج الس‬ ‫سك‬ ‫“مهرجان هوليوود‬ ‫حصد فيلم “قمر يف ضل فيلم وثائقي يف‬ ‫ألف‬ ‫ّ م الجائزة يف شهر‬ ‫حصد الجائزة الكربى وثائقية” كام سيسل‬ ‫ال‬ ‫ي لألفالم املستقلة‬ ‫ن وفنلندا وسوريا‪،‬‬ ‫اليونا‬ ‫العامل‬ ‫ران املقبل‪ .‬الفيلم الذي تم تصويره يف صيات الفيلم وهم‬ ‫ءات واملتابعة لشخ‬ ‫زي‬ ‫ح ىل سلسلة من اللقا‬ ‫يقوم ع‬ ‫جرة وخيبة األمل‪.‬‬ ‫ملهرجان السيناميئ‬ ‫له‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫حل‬ ‫طلق منذ أشهر “ا‬ ‫يف ر‬ ‫قد أ‬ ‫اإلخراج السيناميئ‬ ‫جدير بالذكر أن غ ّنوم صل عىل شهادة يف‬ ‫نايف األول”‪ ،‬وهو حا‬ ‫اإلسكند‬ ‫يف مولدافيا‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫أقامت حركة ضمري الوليدة مؤخ ًرا بالتزامن مع الذكرى السنوية‬ ‫الخامسة للثورة السورية‪ ،‬أقامت نشاطها األول يف الثامن من نيسان‬ ‫الجاري يف قرية مجدل شمس يف الجوالن السوري املحتل‪ ،‬قاعة الجالء‪،‬‬ ‫حيث جرت أمسية أدبية شعرية مع ندوة حوارية مع الفنان سميح‬ ‫شقري املنسق العام لحركة ضمري مع نخبة من الشعراء السوريني من‬ ‫حول العامل وهم‪ :‬رامي العاشق‪ ،‬عارف حمزة‪ ،‬فرج بريقدار‪ ،‬مردوك‬ ‫الشامي‪ ،‬ميسون شقري‪ ،‬وفايئ ليال” وكانت األمسية عرب سكايب‪ ،‬قرأ‬ ‫فيها الشعراء ً‬ ‫بعضا من قصائدهم عن الثورة والحرب والشهيد‪ ،‬وناقش‬ ‫الفنان سميح شقري أهداف الحركة مع السوريني يف الجوالن‪.‬‬

‫وري غطفان غنوم‬ ‫س‬


‫ّ‬ ‫شيء أنا‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫‪4‬‬ ‫‪18‬‬

‫سرى ع ّلوش‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2015 // 48 // 12‬‬ ‫‪2 - 68‬‬

‫ثقافة‬ ‫لقاءات‬

‫كل يش ٍء أنا‪..‬‬ ‫رغبتك القاتلة يف اقتناص األطفال من‬ ‫رحم الوقت‪ ،‬عود الثقاب الذي تشعل به‬ ‫سيجارتك املتأنية وتتذكر أن تطفئه لكيال‬ ‫يتسبب بحريق قد ال يكون عاب ًرا‪ ،‬األحالم‬ ‫التي ال نجد ما يشبهها فنكتفي بظالل‬ ‫بريقها‪ ،‬وجه من وجوه نساء كثريات َ‬ ‫عرفت‬ ‫أنوثتهن لكنك مل تلمسها‪ ،‬املساء الدافئ‬ ‫قرب امرأة تعرف أنها لن ترحل أبدًا‪،‬‬ ‫صمتك الدائم الذي أكرسه بإشارات لحوحة‬ ‫فرتممه بإجابات مقتضبة تعرف أنها لن‬ ‫تلون الفراغات البيضاء يف روحي الباهتة؛‬ ‫فأكتفي بالتذمر عادة وأتركك لصهيلك‬ ‫الداخيل‪ ،‬الدموع الغامضة التي تقهرين حني‬ ‫جفني باحرتاف يك ال‬ ‫نكون م ًعا وأخبئها بني ّ‬ ‫تراها فأخرس مظهر الحب املناسب لفنجاين‬ ‫قهوة أو لصورة النشوة املناسبة لكأسني من‬ ‫النبيذ‪ ،‬فكرة البيت الواحد والرسير الواحد‬ ‫وطاولة الطعام التي نتقاسم جز ًءا صغ ًريا‬ ‫منها ونرتك مساحتها املتبقية لصدفة أو‬ ‫مستقبل‪ ،‬الكذبة التي أغوتك بلغتها حني‬ ‫مللت انتظار الحقيقة‪ ،‬الطفلة التي ستهرم‬ ‫يف يباس حزنك باك ًرا وستبحث عن نفسك‬ ‫قبلها‪ ،‬األغنية التي مل تأرسك موسيقاها يو ًما‬ ‫لكن هزمية ما أوقعت بك يف فخ هذيانها‬ ‫وإذ بك تعيدها مرا ًرا وتحبها دون أن تنصت‬ ‫لها جيدًا‪ ،‬األمومة التي لطاملا متنيتَها طف ًال‬ ‫فاعتقدت اآلن أنها تناسب مقاسك كرجل‬ ‫ثالثيني‪ ،‬البنت التي تكتفي برضب املواعيد‬ ‫وال تسألك ملاذا خلفتها‪ ،‬أنثى الصرب التي‬ ‫أردتها بشدة ليك ال تكرس هدوءك أسئلة‬ ‫نسائية ال معنى لها‪ ،‬قطعة السكر التي ال‬ ‫تكفي لتجعل فنجان شايك حل ًوا كام تحبه‬ ‫البني يف‬ ‫لكنها تستطيع أن تكرس املرار ّ‬ ‫فنجان أبيض‪ ،‬نافذة تفرك زجاجها يف الشتاء‬ ‫لرتى ما تخبئه خلفها من الشوارع واملارة‬ ‫لكنك ال ترى سوى أعمدة النور املرصوصة‬ ‫باتزان تام وأبعاد متساوية تشعرك‬ ‫باالطمئنان‪ ،‬املدينة التي تشرتي فيها بيتًا‬ ‫لتسكن إليه حني تضجر من صخب املدينة‬ ‫التي تهوى‪ ،‬مطر ال يقنع رجولتك باجتياز‬ ‫الباب لتبلل ثيابك وروحك وترصخ عال ًيا‬

‫عم تنطره‬ ‫فادي جومر‬

‫كعاشق متطرف لكنك تحتاج اللون األخرض‬ ‫الذي سيرتكه خلفه لتغطي به يباس العمر‪.‬‬ ‫كل يشء أنا‪ ...‬إال جنون رجل ال يهدأ بامرأة‬ ‫استثنائية!‬ ‫ذاكرتك الصبية التي ال تشيخ‪ ،‬والتي تحفظ‬ ‫تواريخك وأسامء الكتب التي أحببت‬ ‫وتضع عناوين قصائدك وترتب أوراق‬ ‫رشودك الخانق؛ لكنك ما إن تقفل أدراج‬ ‫عقلك وتتأكد من وضع املفاتيح يف مكان‬ ‫تهم بالنسيان‪ ،‬حقل الحزن الذي ال‬ ‫آمن ّ‬ ‫يفارق عينيك بعد أن توقفت عن الفرح‪،‬‬ ‫الوجه اآلخر لعملة املوت الذي يشبه الحياة‬ ‫يضج بأسامء املوىت وصورهم‪ ،‬األسامء‬ ‫لكنه ُّ‬ ‫التي نفكر بها ونكررها لنختار اثنني منها‬ ‫لصغارنا فنختلف كث ًريا ونضحك من غبائنا‬ ‫واستعجالنا‪ ،‬الليل املتكئ عىل جسدينا يف‬ ‫النصف اآلخر من األرض والذي ال ميكن‬ ‫أن يكون ليل دمشق األزرق‪ ،‬الغربة الطيبة‬ ‫التي جعلت منك رج ًال آخر لكنها مل تستطع‬ ‫أن متحو الرجل األول من داخلك بعد‪ ،‬فكرة‬ ‫الدفء التي تراودك عن قدميك وأنت خارج‬ ‫من عملك باتجاه الحياة يف يوم كانوين بارد‬ ‫األصابع فتغري وجهتك وتذهب إىل البيت!‬ ‫كل يش ٍء أنا إال املرأة التي كانت هناك يف‬ ‫َ‬ ‫وارتديت من أجلها كنزتك‬ ‫برد الرصيف‬ ‫َ‬ ‫وكنت ستخون قدميك واملدفأة‬ ‫الصوفية‬ ‫وتذهب باتجاه موعدها!‬ ‫بني بيت تحبه وبيت تسكن فيه آالف‬ ‫البيادر امليتة التي تعجز عن تجاهل يباسها‬ ‫وأعجز عن تخيلها صفراء كذهب العمر‪ .‬لو‬ ‫مرة كتبت يل أغنية تغنيها الريح عىل وقع‬ ‫خطاي حني ال تكون معي‪ ..‬لو أنك صنعت‬ ‫يل طائرة ورقية أتشبث بها حني أقف عىل‬ ‫أطراف أصابعي يك أملس السامء‪ ..‬لو َ‬ ‫ناديت‬ ‫الله بأعىل خوفك من النسيان ليك ال يصدأ‬ ‫قلبك من الحب املالح‪ ..‬لو أغريت الوقت‬ ‫بحبة شوكوال ليكون أكرث كثافة من الفراغ‬ ‫وأكرث اتساعًا من مئذنة ريفية لصالة‪..‬‬ ‫لو‪..‬‬ ‫لو كان كل يش ٍء أنا‪ ..‬إال شجرة خريفية تلوح‬ ‫بيديها العاريتني يف هيبة وداع أبيض!‬

‫عم تنطره‪ ..‬تـ يروح‬ ‫ياخد معو الـ بقيان من أيام‬ ‫من الولدنة‬ ‫من الغنج عا كتفو‬ ‫عم تنطره تـ يروح‬ ‫تلملم أصابيعو‬ ‫من كتافها‪ ،‬من شفافها‬ ‫ّ‬ ‫تحطن مبنقل وقت‬ ‫بيد ّفوا‪...‬‬ ‫عم تنطره‪ ..‬تـ يروح‬ ‫مييش متل ّ‬ ‫كل الـ إجوا‪ ..‬وراحوا‬ ‫يطلع من البال الشقي‬ ‫يسافر ‪ ..‬بعد أبعد‬ ‫يس ّكر شبابيك الوهم‬ ‫يالـ كان فاتحها‬ ‫تـ يقول بكرا بنلتقي‬ ‫يوسع مطارح للعمر‬ ‫ّ‬ ‫للغيم ميرق عا تراب الروح‬ ‫يالـ نشف من شمسو‬ ‫ال شاف بعل‪ ..‬وال َسقي‬ ‫عم تنطره تـ يروح‬ ‫تا ترتاح‬ ‫تب ّلش عمر عم ينرسق بـ نطرتو‬ ‫ّ‬ ‫تضوي الصبح‬ ‫تبدا نهار جديد‬ ‫وتخلص بقا‪ ..‬من سهرتو‬ ‫عم تنطره تـ يروح‬ ‫ياخد معو كل األغاين العالقة بـ بالها‬ ‫كل اليل داخو بفيقتو‬ ‫وكل اليل صحيو بسكرتو‬ ‫‪.‬‬ ‫عم تنطره تـ يروح‬ ‫تعبت من الرجعة معو‬ ‫تعبت من سكوتو اليل ما خال حيك‬ ‫وتعبت وه ّيي تسمعو‬ ‫عم تنطره‪ ..‬تـ يروح‬ ‫وكل ما ميش خطوة‬ ‫بتمد إيديها عىل دربو‬ ‫وبتشد‬ ‫ترجعو‪..‬‬ ‫حتى ّ‬


‫الواتس‪ :‬صديق‬ ‫الســوريين الحميم‬

‫‪19‬‬

‫باسل مطر‪ -‬مشروع سالمتك‬

‫العدد ‪- 68 -‬‬ ‫‪2016 / 4 / 12‬‬

‫تكنولوجيا المعلومات‬

‫بلغت متانة عالقة السوريني مع تطبيق التواصل‬ ‫املعروف واتس‪-‬آب درجة سمحت لهم بتدليعه‪،‬‬ ‫تحبباً أو تخففاً من عبء طول االسم؛ فأصبح يعرف‬ ‫بينهم ب “واتس” أو “الواتس”‪ .‬وغدا التطبيق الذي‬ ‫يستخدمه مليا ٌر من البرش صديقهم املقرب يف‬ ‫ح ّلهم وترحالهم‪ ،‬ليلهم ونهارهم‪ ،‬محادثاتهم صوتاً‬ ‫وكتابة‪ ،‬الجدي منها والهزيل‪ ،‬سمينها وغ ّثها‪ ،‬خطريها‬ ‫وعابرها‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬هذا ماحدث بالفعل‪ ،‬وقد لفت األمر انتباه‬ ‫اإلعالم يف كل مكان‪ ،‬فكتبت الصحف عن شاب و ّثق‬ ‫رحلته الشاقة واملحفوفة باملخاطر إىل بالد اللجوء يف‬ ‫أوربا عرب “الواتس”‪ ،‬مخرباً ذويه وأصدقاءه بتفاصيل‬ ‫الرحلة “عىل الهواء مبارشة”‪ ،‬إىل أن وصل إىل‬ ‫مبتغاه‪ ،‬وأصبح “الواتس” بط ًال لهذه القصص طغى‬ ‫حضوره عىل أبطالها الحقيقيني من البرش الهامئني‬ ‫عىل وجوههم هرباً من حجيم الحرب‪.‬‬ ‫ويف األيام األخرية عرض يف ديب فيلم أعدته املصورة‬ ‫األردنية ليىل حبجوقة عنوانه “سوريا عرب واتس‪-‬‬ ‫آب”‪ ،‬يظهر استخدام السوريني للربنامج يف تبادل‬ ‫الرسائل لالطمئنان عن بعضهم‪ ،‬سيام يف رحالت‬ ‫اللجوء أو بعد أن تتشتت العائالت يف أماكن مختلفة‬ ‫بسبب الحرب‪ ،‬وظهرت بطولة “الواتس” جلية يف‬

‫الفيلم‪.‬‬ ‫مل يحظ برنامج مثل واتس‪-‬أب بحب السوريني‪،‬‬ ‫وهو دون شك يتفوق عىل فيسبوك من حيث‬ ‫اتساع انتشاره وكرثة استخدامه‪ .‬حتى أمي التي‬ ‫تبلغ السبعني من عمرها اتخذت لنفسها هاتفاً ذكياً‬ ‫وطلبت من ابنة شقيقي تنزيل “الواتس” لتتمكن‬ ‫من التواصل مع أبنائها وأحفادها الذين فرقتهم‬ ‫الحرب يف بالد الله الواسعة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حتى وقت قريب كان “الواتس” برنامجا يسء‬ ‫السمعة من النواحي األمنية؛ فقد كانت مكاملاته‬ ‫غري مشفرة‪ ،‬مام يعني أن مزود خدمة االنرتنت‬ ‫يستطيع التنصت عىل محادثاتك ورسائلك‪ ،‬وكان‬ ‫يتعرض بني الحني واآلخر لنقد خرباء التكنولوجيا‬ ‫لضعف مزاياه األمنية‪ .‬إال أن رشاء فيسبوك له‬ ‫ضمن صفقة خياليه بلغت تسعة عرش ملياراً من‬ ‫الدوالرت‪ ،‬كان بداية إلحداث تغيريات ثورية يف‬ ‫التطبيق‪ .‬فمنذ حوايل العام بدأت اإلدارة الجديدة‬ ‫بتطوير التطبيق ليصبح أكرث أماناً‪ ،‬وأدخلت عليه‬ ‫تقينات تشفري ممتازة لكنها مل تشمل سوى التطبيق‬ ‫عىل هواتف أندرويد فقط‪ ،‬مام يعني أن الرتاسل‬ ‫مع أجهزة أخرى مل يطرأ عليه أي تغيري‪ .‬لكن الرشكة‬ ‫مل تتوقف عند ذلك وأعلنت خالل األسبوع املايض‬ ‫بأن جميع االتصاالت والرسائل الثنائية والجامعية‬ ‫وعرب كل املنصات واألجهزة أصبحت مشفرة متاماً‪،‬‬ ‫وأن الرشكة نفسها ال تستطيع التعرف عىل مضمون‬ ‫هذه االتصاالت‪.‬‬ ‫يأيت هذا التطور يف خضم جدل واسع يف الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية حول الخصوصية‪ ،‬بعد رفض آبل‬ ‫فك تشفري هاتف أحد املتورطني يف أعامل إرهابية‬ ‫يف الواليات املتحدة‪ ،‬وتضامن عاملقة التكنولجيا مبا‬ ‫فيهم فيسبوك‪ ،‬املالك لواتس‪-‬أب‪ ،‬معها‪.‬‬ ‫أصبح “الواتس” أكرث أماناً دون ّ‬ ‫شك‪ ،‬لكن األمر‬ ‫ال يخلو من بعض الجوانب التي ينبغي الحذر‬

‫منها‪ .‬فالربنامج مملوك لرشكة أمريكية‪ ،‬وكام تقول‬ ‫الرشكة فإنها‪ ،‬رغم عدم قدرتها عىل معرفة مضمون‬ ‫املراسالت‪ ،‬تقوم باالحتفاظ بسجالت الرتاسل والتي‬ ‫تشمل رقم الهاتف‪ ،‬ومعلومات عن الجهاز أو‬ ‫األجهزة والوقت‪ ،‬وهي معلومات مثينة جداً بالنسبة‬ ‫ألجهزة االستخبارات حني تحصل عليها‪ .‬والربنامج‬ ‫عىل رغم استخدامه لتقنية تشفري مفتوحة املصدر‪،‬‬ ‫إال أن (الكود) الخاص به ليس كذلك‪ ،‬مام يعني عدم‬ ‫قدرة األطراف األخرى عىل تدقيقه ملعرفة حقيقة‬ ‫ما يقوم به‪ .‬وال مي ّكن واتس‪-‬آب مستخدميه من‬ ‫معرفة مفاتيح التشفري أو االحتفاظ بها أو نسخها‪،‬‬ ‫وهو عيب يثري حفيظة الخرباء‪ .‬والزال العيب األكرث‬ ‫وضوحاً يف “الواتس” هو قدرة أي مستخدم من‬ ‫جهات االتصال الخاصة بك عىل إضافتك ملحادثات‬ ‫جامعية (مجموعات) دون معرفتك‪ ،‬مام قد يسبب‬ ‫لك الرضر‪ ،‬حيث سمعنا مراراً عن اعتقال أشخاص‬ ‫بسبب وجودهم يف مجموعات عىل “الواتس” مل‬ ‫يكونواعىل دراية بها ويتحدث من فيها “رشوي‬ ‫غروي” مام اليستنسبه رجال الحواجز التي تفتش‬ ‫هواتف عابريها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الزال باعتقادي أن الربنامج األكرث أمانا هو “سيغنال”‬ ‫والذي يقوم بجميع وظائف واتس‪-‬آب ويتفوق‬ ‫عليه باملزايا األمنية الكاملة التي ال ترتك مجاالً‬ ‫للقلق أو الشك‪ ،‬لكن “الواتس” خطا خطوة جيدة‬ ‫نحو الحفاظ عىل أمن وخصوصية مستخدميه‬ ‫املليار‪ ،‬وهو ما يفرس املبلغ الهائل الذي بيعت‬ ‫به الرشكة‪ ،‬ففيسبوك اشرتى عدد املستخدمني ومل‬ ‫يشرت التطبيق‪ ،‬وهي ثروة من املستخدمني ال تقدر‬ ‫بالنسبة لرشكة يشكل اإلعالن الذي يقوم عىل معرفة‬ ‫بيانات املستخدمني‪ ،‬الجزء األكرب من ريعها‪.‬‬ ‫خالصة الكالم‪ ،‬إن سألتموين‪ ،‬فسيغنال هو الخيار‬ ‫األفضل‪ ،‬والواتس الزال‪ ،‬رغم كل ما تقدم‪ ،‬يف موقع‬ ‫ضبايب بالنسبة يل‪.‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.