طلعنا عالحرية / العدد 69

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪69‬‬ ‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع‬ ‫داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬


‫نهايــة المفاوضات على أرض حلب‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية بقلم محمد العبد اهلل*‬

‫العدد ‪2016 / 5 / 3 - 69 -‬‬

‫سبق النظام السوري الجولة الثالثة ملفاوضات‬ ‫جنيف بقصف عنيف عىل كل من بلديت باال يف‬ ‫الغوطة الرشقية ومعرة النعامن يف إدلب‪ ،‬بهدف‬ ‫واضح ووحيد‪ :‬تدمري املفاوضات السياسية عرب‬ ‫حرش الهيئة العليا للمفاوضات يف مأزق كبري أمام‬ ‫جمهورها وإظهارها مبظهر املفاوض مع قاتل‬ ‫الشعب السوري‪ .‬وعليه‪ ،‬فعىل الهئية مغادرة‬ ‫املفاوضات‪ ،‬ويف حال استمرار مشاركتها‪ ،‬فسيتم‬ ‫رصف اإلنتباه عن املوضوع األسايس للمفاوضات‬ ‫(هيئة الحكم االنتقالية واملرحلة االنتقالية)‬ ‫واالكتفاء بالرتكيز عىل وقف الغارات الجوية‬ ‫للنظام وإجراءات بناء الثقة‪.‬‬ ‫انهارات الجولة الثالثة من املفاوضات بأرسع‬ ‫مام كان ينتظر‪ ،‬وغادرت الهيئة العليا املفاوضات‬ ‫مدينة جنيف‪ .‬لكن غارات النظام الجوية توسعت‬ ‫وامتدت لتشمل غارات روسية تستهدف مدينة‬ ‫حلب القابعة تحت قصف جوي مدمر منذ أكرث‬ ‫من أسبوع‪ .‬فام مغزى هذا القصف وأهمية‬ ‫صمود حلب يف وجه حملة النظام؟‬ ‫يرتبط التصعيد العسكري الدموي يف حلب‬ ‫بتعرقل التوصل إىل اتفاق سيايس بني الواليات‬ ‫املتحدة وروسيا بخصوص عدة ملفات عالقة‬ ‫بني الطرفني‪ ،‬من بينها ‪-‬ولكن ليس أهمها‪-‬‬ ‫امللف السوري‪ .‬تنتظر روسيا اتفاقاً شام ًال مع‬ ‫الواليات املتحدة ينهي العقوبات الغربية عىل‬ ‫روسيا ويعرتف بدور رويس يف أوكرانيا وينهي‬ ‫ملف الدرع الصاروخية األمريكية يف أوروبا‬

‫الرشقية ويحل امللف السوري‪ .‬فشل التوصل‬ ‫إىل توافق شامل (اتفاق رزمة) دفع روسيا إىل‬ ‫التصعيد العسكري يف سوريا‪ :‬من جهة إحراج‬ ‫الرئيس أوباما املغادر للبيت األبيض قريباً عرب‬ ‫إفشال مرشوع أوباما بتوقيع اتفاق سالم سيايس‬ ‫يف سوريا قبل مغادرته البيت األبيض‪ .‬ومن جهة‬ ‫أخرى تعزيز موقع النظام السوري عسكرياً‪،‬‬ ‫وبالتايل سياسياً‪ ،‬استعداداً لجولة املفاوضات‬ ‫القادمة يف جنيف‪.‬‬ ‫الجانب األمرييك مل يكن أفضل من روسيا؛‬ ‫فالواليات املتحدة التي مل تستطع لجم روسيا يف‬ ‫حلب‪ ،‬عمدت إىل مجاراتها يف حملتها العسكرية‬ ‫عىل حلب‪ ،‬مراعاة لصورة الواليات املتحدة التي‬ ‫ستبدو ضعيفة للغاية بعد أن رضبت موسكو‬ ‫باالعرتاض األمرييك عرض الحائط‪ .‬أيضاً‪ ،‬تستثمر‬ ‫الواليات املتحدة القصف الرويس لحلب لتعكري‬ ‫عالقات روسيا بالدول العربية واإلقليمية يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬وتزيد يف تشويه صورة روسيا والرئيس‬ ‫بوتني عاملياً‪ ،‬وبالتايل تعزز املوقف الغريب مبعاقبة‬ ‫روسيا ومحاولة حامية الحلفاء يف أوروبا الرشقية‪.‬‬ ‫لكن األمر الذي مل يحسب له الطرفان الرويس‬ ‫واألمرييك حساباً هو الصمود األسطوري ملدينة‬ ‫حلب وسكانها‪ .‬فاإلرصار الحلبي عىل البقاء يف‬ ‫حلب والتمسك باملناطق املحررة (شبه انعدام‬ ‫لعمليات نزوح جامعية)‪ ،‬والعمل امليداين‬ ‫املنظم لرجال الدفاع املدين‪ ،‬وإعالن استمرارهم‬ ‫يف العمل يف حلب بعد أن تم استهداف أحد‬ ‫مراكزهم بصواريخ أرض‪-‬أرض بشكل مبارش‪،‬‬ ‫والتغطية اإلعالمية املهنية التي رافقت حمالت‬ ‫القصف الجوي مع ما تم خاللها من إظهار‬ ‫الطابع املدين للضحايا والطبيعة العشوائية‬ ‫للهجامت الجوية‪ ،‬كلها ساهمت بتحريك طاولة‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬

‫املفاوضات األمريكية‪-‬الروسية املتعرقلة‪.‬‬ ‫فنظراً لحملة التضامن اإلعالمية وما تبعها من‬ ‫تغطية إعالمية دولية كبرية‪ُ ،‬أجربت األطراف‬ ‫وتليي مواقفها‬ ‫الدولية عىل التواصل فيام بينها ّ‬ ‫قلي ًال‪ ،‬فرتاجعت روسيا عن موقفها األويل برفض‬ ‫إدخال حلب يف الهدنة‪ ،‬إىل هدنة جزئية‪ ،‬ثم إىل‬ ‫وقف إطالق للنار ملدة ‪ 24‬ساعة‪ ،‬وتراجعت‬ ‫الواليات املتحدة عن ترصيحاتها املؤيدة لقصف‬ ‫حلب وعمدت إىل توضيح موقفها الرافض‬ ‫الستهداف املدنيني يف حلب‪ ،‬وانتقل وزير‬ ‫الخارجية األمرييك جون كريي إىل جنيف ليلتقي‬ ‫وزراء خارجية السعودية واألردن لبحث ما‬ ‫يحصل يف حلب‪.‬‬ ‫مل يوقف الصمود الحلبي الغارات الجوية التي‬ ‫تشنّها روسيا برفقة النظام السوري بشكل كيل‪،‬‬ ‫لكنه أرسل رسالة واضحة للجميع بأن استغالل‬ ‫حلب يف معارك كرس العظم السيايس بني الدول‬ ‫العظمى ليس باألمر السهل أوالً‪ ،‬وأن كلفته‬ ‫السياسية ستكون كبرية لكل من الرئيسني أوباما‬ ‫وبوتني‪ ،‬وأيضاً ملبعوث األمم املتحدة ستيفان دي‬ ‫مستورا الذي وجد أن مفاوضاته بدأت باالنهيار‬ ‫بعد القصف الجوي لحلب‪.‬‬ ‫تستعد حلب وسكانها ملواجهات طويلة األمد‪،‬‬ ‫قد تتضمن حملة عسكرية ب ّرية وحصاراً عسكرياً‬ ‫ومحاوالت تجويع وتركيع شبيهة مبا حصل يف‬ ‫مناطق سورية أخرى‪ .‬لكن الناظر إىل سكان‬ ‫حلب ورفضهم املغادرة واإلرصار عىل البقاء يف‬ ‫مدينتهم‪ ،‬والهزمية السياسية التي ألحقتها حلب‬ ‫بروسيا مؤخراً‪ ،‬ميكنه التكهن مبصري حمالت‬ ‫النظام العسكرية‪.‬‬ ‫*محام وناشط سوري مقيم يف الواليات املتحدة‬ ‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬

‫معاون رئيس التحرير‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫املحرر الثقايف‬ ‫رامي العاشق‬

‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫حلب الســورية على خطى غروزني اإلشكيرية‬ ‫محادثات الســام على الطريقة الروسية‪:‬‬ ‫تحديد الموقع فاالغتيال‬

‫‪3‬‬

‫منصور العمري‬

‫العدد ‪- 69 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫أبدت زارميا التي تحمل مأساة وطنها املنسية‬ ‫رأيها فيام يجري بحلب السورية وقالت‪“ :‬حسناً‪،‬‬ ‫لست متفاجئة مبا يحدث يف حلب عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫أعني تجربتنا يف إشكرييا كانت مشابهة جداً‪ .‬نادرا‬ ‫ما كانت روسيا تستهدف املقاتلني أو خطوط‬ ‫الجبهات بالقصف‪ .‬استهدفوا املستشفيات‬ ‫واملدارس واملناطق السكنية واألسواق واملدنيني‬ ‫‪ ...‬قصفوا الحافالت التي ّ‬ ‫تقل الفارين إىل املناطق‬ ‫اآلمنة‪ ،‬وقتلوا األبرياء بقصد إرهاب الناس ودفعهم‬ ‫إىل النزوح بهدف التطهري العرقي‪ .‬وعندما‬ ‫ي َو َاجهون بجرائهم ينكرون استهداف مناطق‬ ‫مدنية‪ ،‬ويدّعون أنهم يستهدفون “قطاع الطرق”‬ ‫و”املتطرفني” و”اإلرهابيني” و”الغزاة العرب‬ ‫لشامل القوقاز”‪ ،‬وما إىل ذلك من األكاذيب التي‬ ‫يعتمدونها رسمياً‪ .‬ويف حال مل تنجح هذه الوسيلة‪،‬‬ ‫يقولون إن ما يحدث يف الشيشان مث ًال هو “شأن‬ ‫داخيل رويس” أي أنه ال ميكن للمجتمع الدويل‬ ‫التدخل”‪ ،‬وهو ما يتفق مع “حامية األمن القومي‬ ‫الرويس” الذي تشن باسمه الحرب عىل السوريني‪،‬‬ ‫لتتحايل عىل رد الفعل األممي‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫ُيحىك أنه قبل نحو ثالثني عام‪ ،‬ز ّودت االستخبارات‬ ‫األمريكية الروس بشفرة الهاتف الفضايئ الذي‬ ‫كان جوهر دوداييف يستخدمه‪ ،‬لتغتاله روسيا‬ ‫بصاروخ موجه‪.‬‬ ‫يف حديث خاص ملجلة “طلعنا عالحرية” أكدّت‬ ‫زارميا أحمدوف من إشكرييا (الشيشان) هذه‬ ‫الرواية‪ .‬زارميا هي ابنة إلياس أحمدوف وزير‬ ‫خارجية إيشكرييا السابق واملطلوب يف روسيا عىل‬ ‫أنه إرهايب ملطالبته باستقالل بالده‪ ،‬ويعيش حالياً‬ ‫يف الواليات املتحدة األمريكية الجئاً سياسياً‪.‬‬ ‫قالت زارميا إن االستخبارات األمريكية قدّمت‬ ‫لروسيا التكنولوجيا الالزمة لتحديد موقع دوداييف‬ ‫من خالل هاتفه النقال‪ .‬ا ّتصل الروس بدوداييف‬ ‫هاتفياً بذريعة محادثات السالم ليحددوا موقعه‪،‬‬ ‫ثم استهدفوه بصاروخ موجه أطلقته مقاتلة‬ ‫روسية من نوع “سوخوي ‪ ”25‬ما أدى إىل مقتله‪.‬‬ ‫أضافت زارميا‪“ :‬أريد أن أقول أيضاً أن بلدي‬ ‫اسمه إشكرييا‪ ،‬وأن استخدام تسمية “الشيشان”‬ ‫الروسية هو إنكار لحريتنا واستقاللنا عن روسيا‪،‬‬ ‫وتدعم هذه التسمية الربوباغاندا الروسية بأن ما‬ ‫يفعله الروس يف بالدنا هو “شأن داخيل رويس”‪،‬‬ ‫وهو ما ينزع املسؤولية عن جميع املجرمني الذين‬ ‫وقفوا متفرجني وقاموا بأعامل تجارية مع روسيا‬ ‫اإلرهابية‪ .‬كان لدينا رئيساً منتخباً دميقراطياً‬ ‫ودستوراً وأمة ّ‬ ‫منظمة قبل أن توجد دولة اسمها‬ ‫روسيا رسمياً يف أعقاب انهيار االتحاد السوفيايت”‪.‬‬ ‫دوداييف مؤسس إشكرييا أو دولة الشيشان‬ ‫الحديثة‪ ،‬وقائدها إىل االستقالل حني ص ّد عام‬ ‫‪ 1994‬نصف مليون جندي رويس تدعمهم‬ ‫املدفعية والراجامت والطائرات‪ ،‬أرسلتهم روسيا‬ ‫بحجة إعادة األمن إىل الشيشان‪ .‬خاض الشعب‬ ‫الشيشاين بزعامة دوداييف‪ ،‬حرباً راح ضحيتها‬ ‫‪ 200‬ألف معظمهم من املدنيني وهزموا روسيا‬ ‫العظمى بعد ‪ 20‬شهراً من املعارك‪.‬‬ ‫عاد الروس عام ‪ ،1999‬ليفرضوا حصاراً مطبقاً‬ ‫عىل غروزين عاصمة الشيشان‪ ،‬ورشعوا بتدمريها‪.‬‬ ‫استخدم الجيش الرويس مختلف أنواع األسلحة مبا‬ ‫فيها املحرمة دولياً والكياموية‪ .‬حجبت الطائرات‬ ‫الروسية سامء غروزين ود ّكتها مبن فيها‪ ،‬واكتفت‬ ‫األمم املتحدة بوصفها بـ “املدينة األكرث دماراً‬ ‫عىل وجه األرض”‪ ،‬بعد أن قتل الروس نحو ربع‬ ‫سكان الشيشان‪ .‬احتل الروس الشيشان حتى‬ ‫‪ 2001‬حني أمر فالدميري بوتني سحب قوات جزيئ‬

‫من الشيشان‪ ،‬بعد أن ش ّكل حكومة تابعة لروسيا‪،‬‬ ‫وأطلق يد االستخبارات الروسية يف البالد‪ ،‬وهو‬ ‫الجهاز الذي كان يرأسه‪ ،‬وك ّلفه بتصفية زعامء‬ ‫نصب الروس أحمد قاديروف‬ ‫املعارضة الشيشان‪ّ .‬‬ ‫رئيساً للبالد بانتخابات مزورة‪ .‬وهو والد رئيس‬ ‫الشيشان الحايل رمضان قاديروف امللقب بـ “صبي‬ ‫بوتني”‪ ،‬الذي طلب من بوتني السامح للقوات‬ ‫الشيشانية بالقتال يف سوريا مع األسد‪ ،‬وأعلن منذ‬ ‫شهر عن عزمه زيارة األسد يف دمشق‪.‬‬ ‫يبدو أن بوتني يكرر يف حلب السورية ما فعله‬ ‫بغروزين‪ ،‬بعد أن ز ّوده جون كريي وزير الخارجية‬ ‫األمرييك بشيفرة اغتيال حلب‪ ،‬حني قال لصحيفة‬ ‫“نيويورك تاميز”‪ :‬إن الروس قد يتحركوا باتجاه‬ ‫حلب ألن أعضاء جبهة النرصة املرتبطة بالقاعدة‪،‬‬ ‫موجودون يف أجزاء من املنطقة‪ ،‬وأنهم إرهابيون‬ ‫وليسوا طرفاً يف اتفاق وقف إطالق النار”‪.‬‬ ‫سبق إشارة كريي التي ب ّررت العدوان الرويس عىل‬ ‫حلب‪ ،‬ترصيحات رسمية سورية وإعالمية روسية‬ ‫عن نوايا ما أسموه “تحرير حلب”‪ ،‬حيث قال‬ ‫وليد املعلم وزير خارجية نظام األسد لوفد من‬ ‫مجلس الدوما الرويس أثناء زيارته دمشق يف ‪10‬‬ ‫أبريل‪/‬نيسان‪“ :‬نستعد مع رشكائنا الروس لعملية‬ ‫تحرير حلب ومحارصة كل املجموعات املسلحة”‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل رئيس وزراء النظام السوري وائل‬ ‫الحلقي الذي رصح أن سالح الجو الرويس والجيش‬ ‫النظامي يعدان عملية مشرتكة لـ “تحرير حلب”‪،‬‬

‫والتصدي لكل الجامعات املسلحة غري القانونية‪.‬‬ ‫ونرشت جميع وسائل الربوباغاندا الروسية هذه‬ ‫الترصيحات وروجت لها مبا يتفق مع فعل التمهيد‬ ‫اإلعالمي املتعارف عليه الستبيان اآلراء الدولية‬ ‫واملحلية‪.‬‬


‫قد نهزم ولو رحل األسد!‬ ‫‪44‬‬

‫نبيل شوفان‬

‫‪- 69‬‬ ‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016 // 85 // 23‬‬ ‫‪2015‬‬

‫مقاالت‬ ‫لقاءات‬

‫عاتبني أحد األصدقاء‪ ،‬وشتمتني إحدى “الثائرات”‬ ‫ببوست ألين قمت مبشاركة شعر غزل ملحمود‬ ‫درويش ليلة محاولة النظام قلع عني حلب‬ ‫مبخرزه‪ ..‬يومها كنت حزيناً جداً؛ فلقد تذكرت‬ ‫أول مظاهرة شاركت فيها أواخر ‪ 2011‬يف هذه‬ ‫املدينة الشجاعة‪ ،‬أول هتاف رصخته حلب يومها‬ ‫كان “بشار والك ما بدنا ياك”‪ ،‬حلب أحببت منها‬ ‫ثالثة صبايا عىل مدى سبعة أعوام‪ ،‬كل أصدقايئ‬ ‫منها‪ ،‬حلب أقرب لقلبي من مدينتي حمص‪ ،‬لكن‬ ‫األخرية علمتني أال أزاود عىل حلب‪ ،‬إما أن أفعل‬ ‫شيئاً أو أن أحزن بصدق‪.‬‬ ‫يف قصف حلب وموتها مل يخرج السوريني من‬ ‫عباءة الشجب والندب والبكاء‪ ،‬ألغى ‪-‬عىل ما‬ ‫يبدو‪ -‬الفيسبوك كل نضاالتنا الحقيقية وأفعالنا‬ ‫وتحركاتنا التي كانت من املمكن أن تغري شيئاً‬ ‫ما يف هذه املعادلة املميتة التي ح ّيدت فينا كل‬ ‫يشء رضوري للنجاح بدءاً من العقل وليس انتهاء‬ ‫بالشعور‪.‬‬ ‫أيها الحلبيون يوجد مليون سوري يف أوروبا‪،‬‬ ‫لكني أشهد لكم أين مل أر أكرث من خمسني شخصاً‬ ‫تجمعوا يوماً ما يف وقفة أو مظاهرة منذ وصويل‬ ‫إىل باريس‪ .‬مل يحارص عرشون ألف سوري السفارة‬ ‫الروسية يف برلني‪ ،‬ومل يعتصم ألف سوري أمام‬ ‫السفارة السورية يف باريس أو يف ستوكهومل أو يف‬ ‫جنيف!‪ ،‬نسبة ‪ 99‬يف املائة من السوريني خارج‬ ‫سوريا واملخيامت ‪-‬وأنا منها‪ -‬تبحث عن خالص‬ ‫شخيص‪ ،‬وتعالج تأنيب ضمريها ببوست عىل‬ ‫الفاسبوك يقول‪“ :‬حلب ستنترص”!‬ ‫إذا مل نتكلم برصاحة عن مشكلة ما فلن نكون‬ ‫قادرين عىل حلها ألننا سنكون يف مرحلة ما‬ ‫قبل تشخيصها‪ .‬أيها الحلبيون إن كل وسائل‬ ‫اإلعالم السورية ومؤسسات الثورة واالئتالف وكل‬ ‫املعارضات وال أستثني أكرث من عدد أصابع اليد‬ ‫الواحدة‪ ..‬ترضب املاء باملاء‪ ،‬وهي مل تختلف عن‬ ‫أي مؤسسة تابعة للنظام بحجم املحسوبيات‬ ‫والفساد والظلم الذي يتعرض له السوريون‬ ‫فيها‪ ،‬ال بل هنالك انضباط و”تكنوقراط” أكرب يف‬ ‫مؤسسات النظام ألسباب منها بطشه ومنها حب‬ ‫املؤيدين لبعضهم واجتامعهم عىل هدف هزميتنا‪.‬‬ ‫ال أقابل هنا يف باريس وخارج باريس سورياً إال‬ ‫والحديث يدور عن انتقاد سوري آخر‪ ،‬الكل‬ ‫“يطقطق براغي” للكل‪ .‬السوريون املنتمون للثورة‬

‫قتلوا السوريني املنتمني للثورة واغتابوهم وأحياناً‬ ‫كثرية قطعوا أرزاقهم‪ .‬الفرقة االجتامعية انترشت‬ ‫لدرجة مل يعد بإمكان العقل تصورها‪.‬‬ ‫نعم ما تعرض له السوري ّ‬ ‫يرشع له فعل الكثري‪،‬‬ ‫ومامرسة ما شاء من أجل االستمرار بالحياة الذي‬ ‫يحاول هذا العامل القذر سلبها منه‪ ،‬كام يقول يل‬ ‫أستاذ احرتمه‪ ،‬ولكن‪ ..‬ليس عىل حساب السوري‬ ‫اآلخر وهو ابن جلدتك وموقفك وثورتك!‬ ‫يحىك أن رج ًال أعمى كان يجلس يف الشارع ويضع‬ ‫أمامه الفتة كتب عليها‪( :‬أنا أعمى ساعدوين) وكان‬ ‫من بني كل مئة شخص يقرأ الالفتة يقف واحد‬ ‫ليضع بضع سنتات يف الطاسة التي وضعها الرجل‬ ‫أمامه‪ ،‬إىل أن وقفت فتاة تناولت اللوحة وشطبت‬ ‫العبارة القدمية وكتب محلها عبارة جديدة ثم‬ ‫أكملت طريقها‪ ،‬وفجأة بدأ رنني اللريات وكمية‬ ‫املتربعني ترعب الرجل األعمى الذي مل يعرف‬ ‫ماذا حصل‪ .‬يف اليوم التايل جاءت الفتاة إىل الرجل‬ ‫وأخربته أنها غريت ما كتبه‪ ،‬فقال لها ماذا كتبت؟‬ ‫فأجابت مل أغري ما كتبته أنت لكن صغته بكلامت‬ ‫جديدة ولقد كتبت‪( :‬يا له من يوم جميل لكني‬ ‫ال أرى شيئاً)‪.‬‬ ‫إذا مل نتغري‪ ،‬إذا بقينا كام نحن‪ ،‬إذا استمر هذا‬ ‫األفيون املسمى ظل ًام وعدواناً بــ “الفيسبوك”‬ ‫يف كونه سبباً لطرح نضاالتنا والشعور باالرتياح‬ ‫بعدها‪ ..‬إذا بقينا نظلم بعضنا‪ ،‬ونستفز هذا‬

‫عب‬ ‫ببوست وذاك باليك‪ ،‬ونحمل عىل فالن ألنه ّ‬ ‫بحرية وخالف رأينا‪ ..‬إذا صار نجاح السوري‬ ‫حتى بتنظيم مظاهرة‪ -‬عدواً لفشل سوري‬‫آخر بتنظيمها‪ ،‬فيقاطعها ومعه جامعته‪ ..‬إذا‬ ‫بقي الكردي املنتمي لحزب االتحاد الدميقراطي‬ ‫يريد أن يعلم العرب الدميقراطية‪ ،‬وحزبه م ّثل‬ ‫واستعرض بجثث خمسني “حمصياً درويشاً” يف‬ ‫شوارع عفرين‪ ..‬إذا بقينا نصدّق أن أحمد طعمة‬ ‫وأحمد جربا وأحمد رمضان سينترصون عىل عيل‬ ‫حيدر وعيل أصالن وعيل دوبا ألن هؤالء يحبون‬ ‫العلم األخرض وأولئك يحبون العلم األحمر‪ ..‬إذا‬ ‫بقينا ‪-‬بعد خمس سنوات من كل هذا الذي‬ ‫يحصل بنا‪ -‬نحرتم العريفي والغامدي ونتمنى أن‬ ‫يعلن الجوالين تربؤه من القاعدة‪ ..‬إذا بقينا نرمي‬ ‫الهم عن أكتافنا ونقول يا الله مالنا غريك يا الله‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫الله يقصف عمرك يا بشار األسد‪ ،‬ثم ننام مطمئنني‬ ‫أننا قمنا بواجبنا؛ فقد نهزم ولو رحل األسد!‬


‫الطائفية السياسية بوصفها نظامًا عالميًا‬ ‫‪5‬‬

‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪- 69 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫ال نقول ذلك لتحريض مظلومية إسالمية ال‬ ‫تنتج إال الديكتاتوريات والظلم‪ ،‬كأي مظلومية‬ ‫يف التاريخ‪ ،‬لكن للقول إنه ال فرق بني دول‬ ‫“حقوق اإلنسان” والدول املتأخرة يف املسألة‬ ‫الطائفية عندما يتعلق األمر بكيانات دولة‬ ‫أخرى‪ .‬فالتمييز يف الطائفية السياسية يبقى‬ ‫ثابتاً مع توسع دائرته أو ضيقها‪ ،‬والشخص‬ ‫ذاته يتم التمييز تجاهه إن كان سنياً أو شيعياً‬ ‫أو من األقليات يف بلده األصيل؛ العريب مث ًال‪،‬‬ ‫وهو مسلم أو مسيحي يف بلد عريب آخر‪ ،‬وهو‬ ‫عريب يف أوروبا‪ ،‬وملون أو أبيض يف أمريكا‪..‬‬ ‫الخ‪ .‬تتسع أو تضيق دائرة التمييز عىل أسس‬ ‫طائفية أو دينية أو عرقية أو جنسية أو‬ ‫طبقية‪ ،‬لكن التمييز يبقى ثابتاً‪.‬‬ ‫كل ما سبق نريد إيصاله إىل سوريا التي تنوس‬ ‫بني حلني ونظرتني وعاملني‪ ،‬كليهام يقف حائ ًال‬ ‫أمام اآلخر ويقف عاجزاً عن التحول لواقع يف‬ ‫املدى املنظور‪.‬‬ ‫وُجد يف صلب أهداف‬ ‫الحل األول داخيل ِ‬ ‫الثورة األوىل؛ وهو حل مبني عىل املواطنة‬ ‫املتساوية للجميع دون متايز أو متييز طائفي‬ ‫أو إثني أو غريه‪ .‬لكن واقعياً‪ ،‬منع وما زال‬ ‫مينع وجود النظام الطائفي أي سبيل لتحقيق‬ ‫هذه الرؤية‪ ،‬بل إن عنفه الجوهري ف َّعل كل‬ ‫أنواع التمييز الطائفي والتطرف الهويايت‪ ،‬وما‬ ‫زال يولغ يف تفريق السوريني لتتدحرج كرة‬ ‫العنف والكره وحدها مع بقاء العنف هو‬ ‫السيد‪.‬‬ ‫والنظرة أو الحل الثاين‪ ،‬هو الحل الخارجي‬ ‫الذي ال يرى يف سوريا سوى مجموعة طوائف‬ ‫أصلية متقاتلة يف حرب أهلية ال ينجح معها‬

‫سوى االنتقال “الواقعي” نحو التقاسم والتفكك‬ ‫والتقسيم عىل أسس أهلية ما قبل وطنية‪ ،‬ولكن‬ ‫هذا الحل “الحيادي” غري قابل أيضاً للتحقيق‪،‬‬ ‫ألنه يغفل ويتغافل عن وجود النظام الطائفي‬ ‫عينه كمحرك أسايس للحرب ومسيطر أسايس‬ ‫عىل قاعدة استمرارها‪ ،‬ولذلك ال يرى هذا‬ ‫الخارج من مشكلة يف الحرب سوى مشكلته‬ ‫هو‪ ،‬أي داعش‪ ،‬وهي مشكلة ال بوصفها الوجه‬ ‫املوضوعي للنظام الطائفي الحاكم ومرآته‪،‬‬ ‫بل يف كونها مشكلة تخرج عن رشوط الحرب‬ ‫األهلية بإيصالها إىل خارج الحدود‪ ،‬وإدخالها‬ ‫ضمن حدوده اآلمنة‪ .‬ومن جهة أخرى فالحرب‬ ‫األهلية هي مشكلة فقط باعتبارها تفرز أفواجاً‬ ‫من الالجئني غري املرغوب بهم يف أوروبا‪،‬‬ ‫والسيام املسلمني منهم‪.‬‬ ‫الداخل السوري إذاً يتجه إىل املنظور الخارجي‬ ‫له‪ ،‬ولكن عىل اعتبار أن املنظور الخارجي‬ ‫طائفي يف العمق‪ ،‬وباعتبار املنظور الداخيل‬ ‫يفتقد للقوة الذاتية ويبقى مشلو ًال بوجود‬ ‫القوة الكربى بيد النظام الطائفي‪ ،‬يصبح‬ ‫الحل السيايس ا ُملركب يف جنيف ليس أكرث‬ ‫من لعب يف الفراغ‪ ،‬لكنه فراغ سيايس معبئ‬ ‫للحريق السوري‪ ،‬ذلك الحريق الذي يظن‬ ‫الطائفيون يف الخارج والداخل أنهم مبنجاة‬ ‫منه‪ ،‬وأنه يجري ملصلحتهم‪ ،‬لكنه ليس سوى‬ ‫البداية التي متيض لتبتلعهم يف مرجل الحريق‬ ‫الطائفي املعومل والقذر‪.‬‬ ‫كيف ميكننا إذاً متييز العامل يف القرن الواحد‬ ‫والعرشين عن ذلك العامل ال َقبيل الذي طرح‬ ‫شعاره القديم “أنا وأخي عىل ابن عمي‪ ،‬وأنا‬ ‫وابن عمي عىل الغريب”!‬

‫مقاالت‬

‫مازالت الدولة كفكرة‪ ،‬وكنظام عام حاكم للسياسة‬ ‫يف العامل‪ ..‬طائفية‪ .‬وما زالت سياسات الدول‪ ،‬الكربى‬ ‫والصغرى‪ ،‬حتى يومنا هذا‪ ،‬سياسات طائفية تجاه بعضها‬ ‫وتجاه أفراد ومكونات الدول األخرى‪ .‬إال أن ما مييز الدول‬ ‫املتقدمة عن الدول املتأخرة‪ ،‬هو أنه يف الوقت الذي‬ ‫متارس فيه الدول الكربى واملتقدمة سياسات طائفية‬ ‫تجاه الدول األخرى‪ ،‬والسيام املتأخرة‪ ،‬وتبقى أكرث التزاماً‬ ‫باملواطنة واملساواة القانونية تجاه أفرادها‪ ،‬نجد الدول‬ ‫املتأخرة متارس الطائفية بشكل مضاعف‪ ،‬تجاه غريها من‬ ‫الدول من جهة‪ ،‬وتجاه أفرادها بالذات من جهة ثانية‪ .‬كام‬ ‫أن الطائفية يف الكيانات املسامة دو ًال واملوجودة واقعياً يف‬ ‫عامل اليوم‪ ،‬ليست شيئاً طارئاً عليها‪ ،‬بل نابعاً من تكوينها‬ ‫الجوهري يف العرص الحديث “ككيان عقالين” تتسم‬ ‫“عقالنيته” بال عقالنية مجاراة الواقع املنقسم أقوامياً‬ ‫ودينياً‪ ،‬وتثبيته يف ما يسمى الدولة‪.‬‬ ‫واملقصود بالطائفية السياسية املوجودة جوهرياً يف الدول‬ ‫والنظام الدويل اليوم‪ ،‬ليس التمييز عىل أسس دينية‬ ‫وثقافية وطائفية فحسب‪ ،‬بل التمييز عىل أسس إما‬ ‫حضارية‪ ،‬أو عرقية‪ ،‬أو جندرية‪ ،‬أو طبقية‪ ..‬الخ‪ .‬وتلك‬ ‫“املرونة” واالستمرارية يف التمييز الطائفي السيايس‪،‬‬ ‫تنفي أي أساس عاملي للعدالة والحق والقانون واملواطنة‪،‬‬ ‫وتعيد إنتاج البدائية املتوحشة القامئة عىل القوة املحضة‬ ‫والرشاسة الرصف‪ ،‬وتطعن النموذج القيمي واملحرز‬ ‫الحضاري وكل كالم عن املساواة أو العدالة‪ ..‬تطعنهم من‬ ‫الخلف‪.‬‬ ‫لقد نوه صموئيل هنتغنتون يف كتابه “صدام الحضارات”‬ ‫يف تسعينيات القرن املايض‪ ،‬إىل أن العامل يدخل يف رصاع‬ ‫ثقافات بعد نهاية الحرب الباردة‪ ،‬وقد كان ذلك مبثابة‬ ‫التنبؤ الذي مىض نحو التحقق ذاتياً‪ ،‬ورمبا كان الرصاع‬ ‫الثقايف هو بديل عاملي يظهر للسطح إلخفاء العمق‬ ‫الطبقي واالقتصادي لالنقسامات العاملية؛ فمن ينظر‬ ‫إىل أحداث ونتائج الحرب البوسنية التي انتهت باتفاقية‬ ‫دايتون يف التسعينيات‪ ،‬سريى كيف تم التعامل الدويل‬ ‫مع مسلمي يوغسالفيا البوسنيني بعد تفكك الدولة‬ ‫الشيوعية القدمية‪ ،‬بحيث تم استيعاب سلوفينيا وكرواتيا‬ ‫الكاثوليكيتني‪ ،‬ومل يطل الوقت حتى تم ضمهام لالتحاد‬ ‫األورويب‪ ،‬بينام ُتركت رصبيا األرثوذكسية األقرب لروسيا‬ ‫ترتكب فظاعاتها تحت قيادة ميلوسوفيتش يف البوسنة‪،‬‬ ‫وحتى اليوم مازال املسيحيون يف االتحاد الفيدرايل‬ ‫البوسني ذاته يحملون جوازات سفر كرواتية وبالتايل هم‬ ‫ضمن االتحاد االورويب بشكل غري رسمي طبقاً لعيشهم يف‬ ‫البوسنة‪ ،‬اإلقليم املسلم التعيس‪.‬‬


‫‪86‬‬

‫ثورة المعرة ضــد تنظيم القاعدة‬ ‫خمســون يومًا والحراك في تصاعد‬ ‫ليلى الصفدي‬

‫العدد ‪66 -‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2016//25//17‬‬ ‫‪3 - 69‬‬

‫مقاالت‬ ‫تقارير‬

‫تستمر مظاهرات معرة النعامن لليوم الواحد‬ ‫والخمسني عىل التوايل يف شكل يعيد لألذهان‬ ‫بدايات الثورة السورية السلمية‪ ،‬والالفت يف هذا‬ ‫الحراك الجريء أنه يعلن عن نفسه بال مواربة‬ ‫كثورة ض ّد كل أشكال الظلم والقهر واالستبداد‪،‬‬ ‫ابتدا ًء بالنظام وليس انتها ًء بتنظيم القاعدة‬ ‫وملحقاته وعىل رأسهم جبهة النرصة‪.‬‬ ‫كام يتسم حراك املعرة بالنزعة السورية الصافية‬ ‫والتي ترفض بوضوح مشاريع التقسيم واالنفصال‬ ‫املطروحة‪ ،‬كام تعكس الالفتات والشعارات‬ ‫املرفوعة رفضاً قاطعاً للنزعات الطائفية املقيتة‬ ‫وتؤ ّكد عىل وحدة الشعب السوري‪ ،‬وعىل‬ ‫مطالب الحرية والكرامة واملواطنة‪.‬‬ ‫عن بدايات هذا الحراك وتطوره تحدث الناشط‬ ‫واإلعالمي ابن املعرة راسم غريب لـ “طلعنا‬ ‫عالحرية”‪“ :‬عندما عاد الشعب السوري إىل‬ ‫ساحات التظاهر مطلع آذار من هذا العام بعد‬ ‫الهدنة املربمة بني القوى الكربى‪ ،‬عادت روح‬ ‫الثورة وخرج املئات يف املناطق املحررة وخاصة‬ ‫املعرة وريفها؛ ففي الرابع من آذار خرجت‬ ‫مظاهرة كبرية يف معرة النعامن كام انضم لها‬ ‫بعض من أهايل القرى والبلدات املجاورة‪ ،‬حملوا‬ ‫أعالم الثورة وجددوا متسكهم بحريتهم وطالبوا‬ ‫برحيل األسد ومحاكمته”‪.‬‬ ‫وتابع راسم‪“ :‬يف ذلك اليوم‪ ،‬شهدت املعرة أحداثاً‬ ‫جديدة؛ فبعد انتهاء مظاهراتها ضد النظام‪ ،‬جاء‬ ‫عنارص من جبهة النرصة إىل ساحة املظاهرة‬ ‫باملدينة‪ ،‬ونددوا باملظاهرة‪ ،‬وأطلقوا شعارات‬ ‫ض ّد الفرقة ‪ 13‬املجودة يف املع ّرة‪ ،‬والتي كانت‬ ‫قد شاركت باملظاهرات األخرية”‪.‬‬ ‫الجمعة التالية وبتاريخ ‪ 11‬آذار خرج أهايل‬ ‫املعرة يف مظاهرة حاشدة أخرى للتأكيد عىل‬ ‫االستمرار بالحراك السلمي حتى إسقاط األسد‪،‬‬ ‫لكنهم فوجئوا هذه املرة باقتحام املظاهرة من‬ ‫قبل عنارص جبهة النرصة بواسطة الدراجات‬ ‫النارية‪ ،‬حيث قاموا باالعتداء عىل املتظاهرين‬

‫بالرضب الذي طال العديدين‪ ،‬وأطلقوا شعارات‬ ‫منددة بالجيش الحر وبالهدنة املربمة‪ ،‬ومل يخف‬ ‫أحد عنارص النرصة حقده عىل الحراك الثوري‬ ‫السلمي وتوعد املتظاهرين قائ ًال‪“ :‬واالله ما‬ ‫جئناكم إال باملفخخات”!‬ ‫يف مساء اليوم التايل استقدمت النرصة تعزيزات‬ ‫وحارصت املعرة مبساعدة جند األقىص وهو تنظيم‬ ‫مقرب من داعش‪ ،‬واقتحمت املدينة مستهدفة‬ ‫مقرات الفرقة ‪ 13‬حيث دارت اشتباكات عنيفة بني‬ ‫مقاتيل الفرقة وجبهة النرصة استمرت إىل منتصف‬ ‫الليل‪ ،‬قبل أن يسلم عنارص الفرقة أنفسهم للقوات‬ ‫املعتدية التي قتلت ستة منهم بعد استسالمهم‬ ‫واعتقلت قرابة ‪ 50‬مقات ًال ونهبت عتاد الفرقة من‬ ‫أسلحة وذخائر”‪.‬‬ ‫ويتابع راسم‪“ :‬لقد ص ّعد ذلك االقتحام‪ ،‬من حدة‬ ‫األحداث يف املعرة‪ ،‬والتي بدأت تشهد مظاهرات‬ ‫يومية‪ ،‬ض ّد نظام األسد بطبيعة الحال‪ ،‬وض ّد جبهة‬ ‫النرصة ذراع تنظيم القاعدة يف سوريا‪ ،‬وض ّد تنظيم‬ ‫جند األقىص‪ ،‬والتهبت وسائل التواصل االجتامعي‪،‬‬ ‫وارتفعت األصوات السورية‪ ،‬ض ّد ظلم النرصة‪،‬‬ ‫وكشف حقيقتها‪ ،‬التي تستغل مظلومية قتال‬

‫الغرب لها‪ ،‬ليك تعتدي عىل الجيش الحر‪ .‬وبدا‬ ‫للناس‪ ،‬أن النرصة أفسدت أكرث من أن تصلح‪،‬‬ ‫وانقلب عليها أهايل املعرة وأعلنوها ثورة ض ّد‬ ‫تنظيم القاعدة حتى تحقيق مطالبهم؛ وهي‬ ‫خروج جبهة النرصة وجند األقىص من املدينة‬ ‫وإطالق رساح املعتقلني وإعادة األسلحة والذخائر‬ ‫ومحاسبة كل من تورط بهذا االعتداء‪ .‬لكن النرصة‬ ‫مل تستجب سوى ملطلب إخراج املعتقلني وذلك‬ ‫تحت ضغط املظاهرات السلمية املستمرة والتي‬ ‫فاقت الخمسني يوماً حتى اآلن”‪.‬‬ ‫يتابع راسم‪“ :‬ال يزال الحراك مستمراً‪ ،‬وهو يقوى‬ ‫رغم كل هذه املامرسات‪ ..‬وبسببها‪ .‬ورغم انفجار‬ ‫سيارة مفخخة بالقرب من ساحة التظاهر يف‬ ‫السوق القديم‪ ،‬والتي أدت إىل مقتل امرأة وطفل‬ ‫وجرح عرشة آخرين‪ .‬نحن نتهم جبهة النرصة‬ ‫بتفجري السيارة‪ ،‬وأنها قد حققت “وعودها” لنا‪،‬‬ ‫يف محاولة منها إلخافة املتظاهرين يك يكفوا عن‬ ‫التظاهر ضدّها”‪.‬‬ ‫وحول ردود الفعل من قبل مختلف األطراف‬ ‫والفصائل العسكرية يف املنطقة‪ ،‬أعرب راسم عن‬ ‫استياء وخيبة أمل كبريين‪ ،‬مشرياً إىل أن أغلب‬


‫‪97‬‬

‫وتراهن عىل أن ّ‬ ‫ميل الناشطون قريباً”‪.‬‬ ‫ويختم غريب حواره بنربة إرصار وأمل رغم اإلحباطات الكثرية‪:‬‬ ‫“مل يجد مترد املع ّرة ض ّد النرصة الصدى الذي يستح ّقه يف املحافل‬ ‫السياسية؛ وأغلب عواصم القرار السيايس ال زالت تصدق رواية النظام‬ ‫بأن من يحاربهم هم مجموعة من إرهابيي تنظيمي داعش والنرصة‪.‬‬ ‫نحن نؤمن بحراكنا السلمي وأنه قادر عىل إسقاط كل الطغاة بدءاً بنظام‬ ‫األسد وليس انتهاء بالتنظيامت اإلرهابية كالنرصة وداعش‪ ،‬وقد حققنا‬ ‫من خالل حراكنا السلمي بعضاً من حقوقنا‪ ،‬مثل إخراج كافة املعتقلني‬ ‫من مقاتيل الفرقة ‪ 13‬من سجون النرصة‪ ،‬وسنستمر بهذا الحراك حتى‬ ‫تحقيق ما خرجنا من أجله وهو خروج التنظيم من املدينة وإرجاع‬ ‫كافة املعدات واألسلحة والذخائر املسلوبة‪ ،‬وتقديم كل من خطط‬ ‫وشارك بهذا العمل إىل محكمة مستقلة‪ ،‬واإلفراج عن كافة املعتقلني من‬ ‫املدنيني من سجون التنظيم وتقدميهم إىل جهة مستقلة”‪.‬‬

‫شهادات‬ ‫تقارير‬

‫تنسيق كبري بني الناشطني يف الداخل والخارج‬ ‫يؤكد الناشط واإلعالمي راسم غريب‪ ،‬والذي يواكب الحراك يف املعرة عىل‬ ‫مدار الساعة‪ ،‬أن هناك تنسيق كبري بني الناشطني يف الداخل والخارج‪،‬‬ ‫وأن هذا التنسيق مستمر يومياً منذ بداية الحراك‪ ،‬حيث تتم مناقشة‬ ‫آخر التطورات يف املدينة وما يقوم به التنظيم من انتهاكات بحق‬ ‫املدنيني كاالعتقال التعسفي والتغييب القرسي وغريهام‪ .‬ويضيف‪“ :‬لقد‬ ‫قمنا بتشكيل غرفة إعالمية تضم ناشطني يف الحراك املدين واإلعالمي‬ ‫من أغلب املناطق يف سوريا كام نتشارك آخر األخبار واملستجدات عىل‬ ‫األرض يومياً‪ ،‬وأود هنا أن أذكر الناشطني عىل مواقع التواصل االجتامعي‬ ‫بالعودة والتفاعل مع الثورة يف املعرة‪ ،‬النرصة تلعب عىل عامل الزمن‬

‫‪2016‬‬ ‫‪2016//25//17‬‬ ‫‪3‬‬

‫االئتالف‪ ..‬بيان خجول ال يشري إىل النرصة‪:‬‬ ‫يبدو أن القيادات السياسية للمعارضة السورية ال تؤمن بجدوى الحراك‬ ‫السلمي‪ ..‬بل يعتقد الكثريون أن العديد من هذه القيادات قد تحولوا‬ ‫إىل أمراء حرب‪.‬‬ ‫حول السؤال عن ردود الفعل وحمالت التضامن والدعم مع حراك املعرة‬ ‫من قبل مختلف الهيئات السياسية املعارضة‪ ،‬يجيب الناشط راسم أنه‬ ‫بعد عرشين يوماً من التظاهر أصدر االئتالف السوري بياناً خجوالً ّمثن‬ ‫فيه الحراك الثوري يف املعرة دون التطرق ألسباب هذا الحراك ودون‬ ‫التطرق النتهاكات جبهة النرصة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفيام يخص اإلعالم البديل عرب راسم أيضا عن استياء عام من طريقة‬ ‫التناول السطحية لثورة املعرة ضد تنظيم القاعدة‪ ،‬مشرياً إىل التقصري‬ ‫الكبري يف مواكبة اإلعالم لهذه الثورة محليا وعربياً وعاملياً‪.‬‬

‫‪- 69‬‬ ‫العدد ‪66 -‬‬

‫الفصائل نأت بنفسها عن املوضوع‪ ،‬فيام رصحت القلة القليلة عىل‬ ‫استحياء بأنها تتضامن مع الفرقة ‪ 13‬ودعت “الطرفني إىل االحتكام‬ ‫لرشع الله”!‬ ‫أما فيام يخص النظام‪ ،‬فيبدو أن املظاهرات املستمرة قد أزعجته مثلام‬ ‫أزعجت النرصة‪ ،‬فقام طريانه الحريب باستهداف سوق الخضار الشعبي‬ ‫املكتظ باملدنيني‪ ،‬ما أدى الستشهاد ‪ 50‬مدنياً وجرح ‪ 90‬آخرين”‪.‬‬ ‫مل تقترص االحتجاجات الشعبية ض ّد مامرسات النرصة عىل مدينة املعرة‬ ‫وحدها‪ ،‬إمنا امتدت إىل العديد من املناطق السورية كـ رسمدا يف ريف‬ ‫إدلب‪ ،‬والتي قام ناشطوها بدهن سيارات “الرشطة اإلسالمية” التابعة‬ ‫لجبهة النرصة بالطالء وقاموا بكتابة عبارات تستخف بها‪.‬‬ ‫كذلك انتفاضة أهايل مرسابا بريف دمشق يف وجه التنظيم الذي قتل‬ ‫أحد املواطنني‪ ،‬فخرج األهايل مبظاهرات وطالبوا التنظيم بالخروج من‬ ‫املدينة‪ .‬ويف مدينة األتارب بريف حلب خرج املواطنون مبظاهرات‬ ‫طالبت التنظيم بالخروج من املدينة عىل أثر قتل التنظيم شقيقني من‬ ‫عائلة واحدة تحت التعذيب‪ .‬ومن املتوقع أن ميتد هذا الحراك نظراً‬ ‫لفقدان النرصة مصداقيتها يف أغلب املناطق‪ ،‬والتي تخرس فيها يوماً بعد‬ ‫يوم حاضنتها الشعبية‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫واألقليات‬ ‫األكثرية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـورنة”‬ ‫من “البلقنة” إلى‬ ‫ّ‬ ‫“السـ َ‬

‫العدد ‪- 69 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫مقاالت‬

‫تندرج عالقة األكرث ّية باألقل ّيات ‪-‬كعالقة هجينة بني‬ ‫نواح ثالث‪:‬‬ ‫حقبتني‪ -‬يف سريورة الثورة السور ّية من ٍ‬ ‫ُ‬ ‫األوىل هي “حامية األكرث ّية” من السلوك املد ِّمر‬ ‫لألكرث ّية واألقل ّيات معاً الذي ميارسه النظام وحلفاؤه‬ ‫الروس واإليرانيون‪ .‬والثانية هي “حامية األقل ّيات”‬ ‫من “الخطر املحتمل” الذي ُت ِّثله األكرث ّية واملستند‬ ‫إىل مامرسة وأطروحات مجموعات إرهاب ّية تدّعي‬ ‫متث ّيل األكرث ّية‪ .‬والثالثة هي خوف األكرث ّية من‬ ‫سلوك هذه األقل ّيات عىل حارض ومستقبل سور ّية‬ ‫يف ظل الفوىض والعوملة والتدخل كرافعني من شأن‬ ‫األقل ّيات عىل حساب الوحدة واألكرث ّية‪.‬‬ ‫فخالل خمس سنوات تحولنا ‪-‬نحن السور ّيون‪ -‬من‬ ‫شعب واحد يريد الحر ّية والكرامة واملواطنة إىل‬ ‫أكرث ّية وأقل ّيات‪ ،‬إىل طوائف ومذاهب وقوميات‬ ‫وإثنيات وفسيفساء وموزاييك وتعدّد وتن ّوع‬ ‫ّ‬ ‫وتشظي وتذ ّرر‪...‬الخ بدون وحدة سور ّية تجمعنا!‬ ‫لقد ُضبت وحدة الشعب السوريّ وإرادته يف‬ ‫آنٍ ‪ ،‬وهذا ينقلنا من “املسألة الرشق ّية” القدمية إىل‬ ‫“املسألة السور ّية” بإيهاب جديد؛ أي من “البلقنة”‬ ‫“السو َرنة”‪ ،‬من تقاسم تركة “الرجل املريض”‬ ‫إىل ّ‬ ‫إىل تقاسم تركة “الرجل املجنون”‪“ .‬البلقنة” أنتجت‬ ‫“حامية األقل ّيات” عندنا و”نظام االمتيازات” عند‬ ‫الدول الغرب ّية للتدخل الغر ّيب يف شؤون الدولة‬ ‫و”السو َرنة” تؤكد هذه العالقة مع‬ ‫العثامن ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تعميمها وتعميقها بحيث َّأن األفراد والجامعات‬ ‫“الوطن ّية” تح ّولت إىل رشاذم ونتف تتبناها دول‬ ‫الوطني‬ ‫كثرية متنافسة وتتالعب بها مانعة اندماجها‬ ‫ّ‬ ‫والسيايس يف كيان قابل للحياة‪ ،‬مع بروز‬ ‫املجتمعي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دعوات االنفصال أو الحكم الذا ّيت أو املحاصصة‬ ‫التمثيل ّية أو مناطق النفوذ‪.‬‬ ‫وتشهد هذه العالقة عىل واقعة التداخل بني طريفّ‬ ‫القومي‬ ‫العالقة‪ :‬تداخل الحدا ّيث مبا قبل الحدا ّيث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واملذهبي‬ ‫بالديني‬ ‫بالقومي‪ .‬فالقوم الكرديّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمي‬ ‫يختلف عن القوم العر ّيب ويتفقان بالدين‬ ‫ّ‬ ‫والطائفة السن ّية‪ .‬أما املسيح ّيون فيختلفون عن‬ ‫املسلمني دينياً ويتفقون بكونهام عرباً‪ .‬وقس عىل‬ ‫ذلك العلو ّيني والدروز والشيعة والرشكس واألرمن‬ ‫والرتكامن والرسيان واآلشوريني‪ ...‬والطا ّمة الكربى‬ ‫أنهم جميعاً سور ّيون‪ .‬و ُي ِرب ُز منطق الحالة وجهاً‬ ‫من وجوه التداخل عىل حساب وجه آخر متداخل‬ ‫قومي‬ ‫معه‪ .‬فمرة يربز وجه عر ّيب‬ ‫قومي أو كرديّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ديني‪ .‬ولدينا‬ ‫إسالمي وثالثة‬ ‫وأخرى‬ ‫مذهبي ورابعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التداخل فيام بني التنظيامت اإلرهاب ّية وبني القوم‬ ‫السني‪ ،‬والتداخل بني النظام اإلرها ّيب‬ ‫األكرثيّ العر ّيب‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمي العلويّ ‪-‬‬ ‫املذهبي‬ ‫وبني املك ِّون األقلويّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشيعي العريبّ‪ ،‬والتداخل بني تنظيم “البي واي‬ ‫ّ‬ ‫السني‪.‬‬ ‫اإلسالمي‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫املك‬ ‫وبني‬ ‫دي”‬ ‫الكرديّ‬ ‫األقلويّ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد عاشت األكرث ّية فيام بينها أساساً وبينها وبني‬ ‫األقل ّيات بالدرجة الثان ّية وفيام بني األقل ّيات بعضها‬ ‫الوطني”‬ ‫البعض بالدرجة الثالثة حالة “التساكن‬ ‫ّ‬ ‫الهجينة‪ ،‬ومل يستطع النظام أو مل يرغب باألحرى‬ ‫الوطني”‪ .‬ورغم بريوقراط ّية النظام‬ ‫يف “اندماجها‬ ‫ّ‬ ‫القائم ومركز ّيته املفرطة بقيت قضايا األحوال‬ ‫الشخص ّية واملرياث والوقف والطقوس والشعائر‬ ‫غري مركز ّية‪َّ ،‬‬ ‫وظل ٍّ‬ ‫لكل قانونه وعاداته ومذهب ّيته‬ ‫وشعائره وطقوسه‪.‬‬ ‫وتتسم العالقة القامئة بالفعل بني األكرث ّية وبني‬ ‫األقل ّيات بأنها عالقة رعو ّية؛ فيها األكرث ّي ة �‪Major‬‬ ‫‪ ity‬راشدة‪ ،‬بينام األقل ّية ‪ Minority‬قارصة‪ .‬وهذا‬ ‫يعني فيام يعنيه َّأن ال “حقوق” لألقل ّيات تكون‬ ‫“واجبات” لألكرث ّية‪ .‬فاألكرث ّية الرعو ّية متارس سلطة‬ ‫“راشدة” بينام األقل ّية الرعو ّية متارس مقاومة‬ ‫“قارصة” إزاء مامرسة السلطة األكرثو ّية! والشفقة‪،‬‬ ‫كأخالق للعبيد‪ ،‬هي ما ُيغ ِّلف مامرسة األكرث ّية‬ ‫واستجابة األقل ّيات لها‪.‬‬ ‫ويف ظل االنفصال الواقع بني والية النظام عىل‬ ‫املجتمع‪ ،‬ووالية غريه مستقبلياً‪ ،‬وبني كينونة‬ ‫املجتمع السوريّ ‪َ ،‬ترب ُز أسئلة ُتش ِّكك يف جدوى‬ ‫ً‬ ‫كحل إلشكال ّية العالقة‪ .‬فهل‬ ‫مقوالت الحداثة‬ ‫تكفي الدميقراط ّية بدون طائف ّية الندماج األكرث ّية‬ ‫باألقل ّيات وطنياً؟! وهل تكفي ال َعلامن ّية بدون‬ ‫الدميقراط ّية الندماجهم؟! وهل تكفي املركز ّية‬ ‫القانون ّية لألحوال الشخص ّية والوقف واملرياث‬ ‫لالندماج؟! أسئلة إشكال ّية تبقى أجوبتها قادمة من‬ ‫كينونة املجتمع السوريّ ال من الوالية عىل هذه‬ ‫الكينونة؛ فكام تكونوا ّ‬ ‫يول عليكم‪.‬‬ ‫َّإن هذه الحالة الهجينة واملتأت ّية من ما قبل الحداثة‬ ‫ومن الحداثة يف ِّ‬ ‫ظل العوملة والفوىض تفرض نفسها‬ ‫ضمن إشكاليات العالقة ومصريها‪ .‬وفيها وجود‬ ‫للمواطنة والرع ّية يف آنٍ ‪ ،‬وللنظام السلطا ّين والنظام‬ ‫اطي معاً‪ .‬فهي تعني عدم إنجاز مستحقات‬ ‫البريوقر ّ‬ ‫الحداثة وتجاوز خلفيات ما قبل الحداثة والدخول‬

‫شوكت غرزالدين‬

‫يف الفوىض والعوملة يف آن‪.‬‬ ‫فنجد النظام ُيارس “ال َعلامن ّية” و”الدميقراط ّية”‬ ‫الشكل ّيتان اللتان تضفيان رشعية مزيفة عىل بقائه‬ ‫يف السلطة واملحسومة سلفاً لصالحه بالتالعب‬ ‫ِّ‬ ‫ويوظف‬ ‫والتزوير والرتهيب والرتغيب‪...‬الخ‪.‬‬ ‫“حامية األقليات” مبا يتناسب مع بقائه ككذبة‬ ‫كبرية يعيشها وأتباعه مبع ّية املجتمع الدو ّيل‪.‬‬ ‫بينام الجهاديون ينظرون إىل مفرزات الحداثة‬ ‫بوصفها صن ًام يجب تحطيمه يف كل مكان وإقامة‬ ‫دولة الخالفة‪ .‬وميثلون خطراً كبرياً يف أطروحاتهم‬ ‫ومامرستهم ضد األقل ّيات أساساً وضد األكرث ّية‬ ‫بشكلٍ غري مبارش‪.‬‬ ‫أ ّمأ اإلسالميون فيفضلون الدميقراطية ألنها وسيلتهم‬ ‫للوصول إىل الحكم عن طريق صناديق االقرتاع؛‬ ‫فاالنتخابات تعتمد عىل عدد الناخبني الذين‬ ‫يحتضنون اإلسالميني‪ .‬فالنتيجة شبه محسومة لكرثة‬ ‫عدد أنصارهم‪ .‬ولكنهم يرفضون العلامنية ويلتفون‬ ‫عليها مبقوالت “الدولة املدنية” و”الدميقراط ّية‬ ‫بدون طوائف”‪ ...‬ألنها تفصلهم عن جمهورهم‬ ‫إذا هم تبنوا ال َعلامنية‪ .‬وينظرون إىل األقل ّيات‬ ‫كمواطنني من الدرجة الثانية وال ينظرون إليهم‬ ‫بوصفهم أنداداً‪ ،‬فاألقل ّيات قارصة وليست راشدة‬ ‫بنظرهم‪.‬‬ ‫ولكن األقل ّيات متيل لل َعلامنية ألنها تعطيهم‬ ‫حقوق مواطنة متساوية وند ّية ولكنهم يرتابون‬ ‫بالدميقراطية ألنهم يعتقدون أنهم لن يتحولوا إىل‬ ‫أكرثية يف يوم من األيام‪ .‬ولذلك نراهم يضعون‬

‫رشوطاً عىل الدميقراطية ليك يحافظوا عىل وجودهم األقلويّ ‪.‬‬

‫الوطني” مصلحة سور ّية‪،‬‬ ‫وأخرياً‪ ،‬يبقى “االندماج‬ ‫ّ‬ ‫وتدمي األكرث ّية مصلحة‬ ‫بينام “حامية” األقل ّيات”‬ ‫ّ‬ ‫دول ّية إقليم ّية محل ّية‪ .‬ولهذا َّ‬ ‫فإن إحدى املهامت‬ ‫امللقاة عىل عاتق ُنخب “الثورة السور ّية” إيجاد‬ ‫تص ّور رضوري وممكن وواجب لكينونة العالقة‬ ‫غي‬ ‫بني األكرث ّية واألقل ّيات يتجاوز املأزق‪ .‬فمر ًة ّ‬ ‫“كوبرنيك” نظرتنا للكون واإلنسان مبجرد تغ ّيري‬ ‫منظور الرؤية‪ .‬فاملجتمع السوريّ ينقصه التواصل‬ ‫والتعامل واالجتامع ذهاباً وإياباً فيام بني أفراده‬ ‫وأكرث ّيته وأقل ّياته وينقصه فتح جميع الطرق أمام‬ ‫فاعلياته ِّ‬ ‫بكل أشكالها؛ َّ‬ ‫ألن البرش تنتج وجودها‬ ‫ً‬ ‫االجتامعي أوال ومن ثم تح ِّوله إىل قوانني ومؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫وأشكالٍ سياس ّية ثانيا‪ً.‬‬


‫أبو علي الوحش‬ ‫طارق فارس‬

‫بعد حصولها عىل عدة جوائز صحافية‬ ‫وحقوقية‪ ،‬تم ترشيح الزميلة املحامية رزان‬ ‫زيتونة ضمن القامئة النهائية لجائزة مارتن‬ ‫إينال لحقوق اإلنسان لعام ‪،MEA 2016‬‬ ‫أمام مجموعة نشطاء ومدونني من أثيوبيا‬ ‫باإلضافة ملفكر وناشط من الصني‪.‬‬ ‫وتعترب جائزة إينال من أرقى الجوائز يف‬ ‫مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬نظراً ألن الرتشيح‬ ‫لها يتم عرب عرشة من أهم منظامت‬ ‫حقوق اإلنسان يف العامل من بينها منظمة‬ ‫العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش‬ ‫والفيدرالية الدولية لحقوق اإلنسان‬ ‫والشبكة الدولية للمعلومات والتوثيق يف‬ ‫مجال حقوق اإلنسان وغريها‪..‬‬ ‫وسبق وحصل ناشطان حقوقيان من‬ ‫سوريا عىل جائزة مارتن إينال هام‬ ‫االحقوقي أكثم نعيسة ‪ 2005‬واملحامي‬ ‫مهند الحسني ‪.2010‬‬ ‫ويأيت ترشيح الزميلة والناشطة رزان‬ ‫للجائزة بعد عامني ونصف من اختطافها‬ ‫من مكتب مركز توثيق االنتهاكات يف‬ ‫سوريا مع زوجها الناشط وائل حامدة‬ ‫واملناضلة واملعتقلة السابقة السيدة‬ ‫سمرية الخليل والزميل املحامي والشاعر‬ ‫ناظم حامدي‪.‬‬ ‫وسيقام حفل تسليم الجائزة يف مدينة‬ ‫جنيف السويرسية يف ترشين األول املقبل‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫أذكر من تلك الغابة التي كنا نعيش فيها كنموذج‬ ‫واضح لذلك املفهوم‪ ،‬أبو عيل‪ ،‬العني الساهرة‬ ‫عىل حامية الغابة الصغرية‪ ،‬أبو عيل كان مساعداً‬ ‫أول يف املخابرات العسكرية‪ ،‬يسيطر عىل الحي‬ ‫بقبضة من حديد‪ .‬يظن نفسه منوذجاً مصغراً‬ ‫لألسد الحاكم‪ .‬له قوانينه الخاصة‪..‬‬ ‫يروي أحد رجال الحي أن أبا عيل كان قائد‬ ‫جامعة مسلحة تواجه جامعة اإلخوان املسلمني‪.‬‬ ‫هذا ما مكن أبا عيل من تكميم األفواه طوي ًال؛‬ ‫لقد كانت تهمة اإلخوان املسلمني ترافق كل من‬ ‫يخالفه الرأي وكانت كافية لتخفيه خلف قضبان‬ ‫السجون املشهورة لسنني طويلة‪.‬‬ ‫ويف منتصف تسعينيات‪ ،‬القرن املايض كان أليب‬ ‫عيل دوراً فعاالً يف تنشيط تجارة املواد املهربة‪،‬‬ ‫التي كانت حكراً عىل رجال الدولة‪ ،‬مستغلني‬ ‫فقر وحاجة املواطنني‪ ،‬مام جعل أليب عيل‬ ‫وأمثاله قوة تتحكم يف اقتصاد العشوائيات التي‬ ‫مل تكن الدولة تعريها أهمية‪ .‬رجال الدولة أو‬ ‫“رجال األسد” كام يسمون أنفسهم‪ ،‬كان لهم‬ ‫دور بتغذية التيارات اإلسالمية الرسية‪ ،‬التي‬ ‫اتخذت من البساتني القريبة من مركز العاصمة‬ ‫مقراً لنرش الدعوة ومفهوم الجهاد‪ .‬كان ذلك‬

‫إ ّبان الحرب األمريكية عىل العراق‪ ،‬ومل نكن نعي‬ ‫التباس موقفهم‪.‬‬ ‫أليب عيل عدة وجوه قد الحظها كل من عرفه؛‬ ‫أبو عيل الطائفي الذي يفضل أبناء طائفته عىل‬ ‫باقي أبناء الحي‪ .‬أبو عيل الوحش رجل الدولة‬ ‫يف املهامت الرسمية‪ .‬أبو عيل التاجرالذي يستغل‬ ‫أبسط الظروف وأكرثها تعقيداً لكسب املال‬ ‫وتحقيق مصالحه‪ .‬أبو عيل القريب من تفاصيل‬ ‫وخبايا بيوت الحيك كافة‪.‬‬ ‫مع انطالقة الثورة‪ ،‬شعر أبو عيل بالخطر املحدق‬ ‫باألسد‪ ،‬وهو ما سيؤثر سلباً عىل غابته الصغرية‪.‬‬ ‫اتخذ موقفه رسيعاً ض ّد الثوار وأهايل الحي‬ ‫عامة‪ ،‬وأخذ يتعامل باملسمى الطائفي‪ .‬هرع‬ ‫لتشكيل جامعة مؤلفة من مجموعة من الشبان‬ ‫لحامية نظامه املرتبط بالنظام العام للدولة‪ .‬بدأ‬ ‫أبو عيل وجامعته بتشكيل املحاكامت العسكرية‬ ‫للمدنيني‪ ،‬دون الرجوع للحكومة‪ ،‬كام بدأ‬ ‫بالهجوم املسلح عىل األحياء القريبة التي كانت‬ ‫تخرج منها املظاهرات‪.‬‬ ‫يعمل أبو عيل عىل مدار الساعات األربع‬ ‫والعرشين‪ ،‬بني التشبيح والتجارة وبناء عامل‬ ‫اقتصادي جديد بقوة السالح واستغالل كل‬ ‫الظروف املربكة يف البالد‪ .‬مل تدم مملكة األسد‬ ‫الصغري طوي ًال؛ حيث كانت طلقات الثوار سبباً‬ ‫يف إنهاء حياته‪ .‬الثورة العفوية تسببت يف تشييط‬ ‫غضب التيار اآلخر القابع يف ظالم العشوائيات‪،‬‬ ‫الذين يظنون أنها من حقهم فقط وال يجب‬ ‫ألحد الخروج عىل الحاكم دون الرجوع لفتواهم‬ ‫الجهادية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أبوعيل وسريته الحافلة باإلجرام والتسلط‪ ،‬كام‬ ‫باقي التيارات الظالمية املتطرفة تعكس تربية‬ ‫األسد لعنارصه املخلصني الذين كان لهم دوراً‬ ‫مه ًام يف تشكيل هوية الدولة والصورة املرعبة‬ ‫للقوة الظالمية التي تتحكم بكل تفصيل صغري‬ ‫عىل الرقعة السورية‪ .‬هي نفسها القوة التي‬ ‫ساهمت طوي ًال بتكميم أفواه الشعب وإشغاله‬ ‫بأمور حياته اليومية‪ ،‬واالكتفاء مبا قسم له وعدم‬ ‫التفكري يف مستقبل أفضل أو ما ستؤول إليه‬ ‫البالد‪.‬‬ ‫لقد أدت الغابة التي خلقها األسد‪ ،‬إىل خلق‬ ‫وحوش ضارية مل يعد يعرف انتامؤها ووالؤها‪،‬‬ ‫إنها ال تدين ملنطق الدين واأليديولوجيا‪ ،‬إمنا‬ ‫تدين مبنطق القوي والضعيف‪.‬‬

‫لجائزة جديدة‬ ‫العدد ‪- 69 -‬‬

‫الضعيف والضعيف يتزلف القوي‪.‬‬

‫رزان زيتونة‬

‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫مل تعرف دمشق‪ ،‬التي عمرها نحو أحد عرش‬ ‫ألف عام‪ ،‬دكتاتوراً مثل حافظ األسد‪ ،‬الذي أصبح‬ ‫رئيساً لسوريا منذ أكرث من أربعني عاماً؛ فباتت‬ ‫املدينة وكأنها مل تحكم من حاكم غريه‪ ،‬فشوارع‬ ‫دمشق تبدأ بدوار الرئيس وتنتهي بدوائر‬ ‫“الرئيس”‪ ،‬مديريات الدولة ومحالت البقالة‬ ‫والصاالت الرياضية واملشايف ودور العبادة‬ ‫اكتظت بصوره‪ .‬عانت دمشق يف السنوات‬ ‫األربعني األخرية من نكسات وتحوالت أضاعت‬ ‫ثقافة املدينة وتراثها وهويتها‪ ،‬حتى أحياؤها‬ ‫الشعبية فقدت هويتها‪ ،‬فقد عملت أذرع نظام‬ ‫األسد عىل تغري دميوغرافية األحياء الشعبية‪ ،‬التي‬ ‫سميت “عشوائيات” وأريد لها أن تكون كذلك‪،‬‬ ‫لقد بدأت تتحول من سكان محليني ومزارعني‬ ‫إىل حارات تحمل أسامء مناطق أخرى حسب‬ ‫ساكنيها الجدد‪ .‬وبهذا كان حافظ األسد باملعنى‬ ‫الحريف ينحو إىل خلق غابة حول املدينة تسيطر‬ ‫وتفرض قواعدها عىل سكان املدن والبلدات‬ ‫كنموذج من املمكن من خالله السيطرة عىل‬ ‫سورية‪ .‬الغابة التي يسود فيها قانون القوي يأكل‬

‫ترشيح الزميلة المحامية‬

‫‪9‬‬


‫بخصــوص الصراع التفاوضي‬

‫‪10‬‬ ‫ماجد كيالي‬

‫العدد ‪- 69 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫مقاالت‬

‫تو ّقفت املفاوضات السورية‪-‬السورية يف جنيف‬ ‫من دون أن تصل إىل أي أفق يسمح باستمرارها‪،‬‬ ‫وذلك بسبب إرصار وفد النظام عىل اعتبار بقاء‬ ‫الرئيس بشار األسد خطاً أحمر ال ميكن مناقشته‪،‬‬ ‫ومع إرصاره عىل رفض أي حديث عن انتقال‬ ‫سيايس يف سوريا‪ ،‬والترصيح بأنه مخول فقط‬ ‫بالحديث عن حكومة وحدة وطنية‪ ،‬مبا يخالف‬ ‫منطوق توافقات جنيف‪ ،1‬ومنطوق القرار األممي‬ ‫رقم ‪ ،2254‬األمر الذي حمل املعارضة عىل تعليق‬ ‫املفاوضات‪.‬‬ ‫عىل أي حال فإن هذا ال يعني انتهاء املفاوضات‪،‬‬ ‫إذ أن املعارضة أظهرت موقفها باعتباره مجرد‬ ‫تعليق للمفاوضات‪ ،‬وليس انسحاباً منها‪ ،‬بهدف‬ ‫إعطاء مهلة لألطراف الدولية املعنية للضغط عىل‬ ‫النظام‪ ،‬أو باألحرى عىل حلفائه‪ ،‬إلعادة املفاوضات‬ ‫إىل السكة الالزمة النتهاء الرصاع السوري‪ ،‬وتحقيق‬ ‫االنتقال السيايس‪.‬‬ ‫ومن الواضح أن هذا املوقف يأيت بسبب غلبة دور‬ ‫الخارج عىل دور الداخل يف الرصاع الدائر‪ ،‬إذ أن‬ ‫أياً من الطرفني‪ ،‬أي النظام واملعارضة‪ ،‬غري قادر‬ ‫عىل حسم األمور لصالحه‪ ،‬فالنظام يستمد قوته‬ ‫من روسيا وإيران‪ ،‬يف حني أن الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية تشتغل يف إدارة الرصاع‪ ،‬بإبقائه مفتوحاً‬ ‫ضمن توازن معني‪ ،‬ما يطيل معاناة السوريني‪،‬‬ ‫ويرتك األمر لروسيا للتحكم يف األوضاع عىل‬ ‫األرض؛ أي أن الواليات املتحدة مبوقفها هذا هي‬ ‫التي تتحمل مسؤولية الحسم وضمنه مسؤولية‬ ‫استمرار الوضع عىل ما هو عليه‪.‬‬ ‫يف الواقع فإن تعليق املشاركة يف املفاوضات‪ ،‬من‬ ‫قبل املعارضة‪ ،‬يبدو طبيعياً بعد أن بدا أن النظام‬ ‫ينتهج اسرتاتيجية تفاوضية‪ ،‬مـن ثالث ركائز‪،‬‬ ‫تتأسس أوالً‪ ،‬عىل تقطيع الوقت من دون الوصول‬ ‫إىل أي نقطة ملموسة‪ .‬ثانياً‪ ،‬استفزاز وفد املعارضة‬ ‫من خالل الحديث عن وفود معارضة أخرى‪ ،‬أو‬ ‫من خالل التقليل من شأنه‪ ،‬أو بث أطروحات غري‬ ‫مقبولة‪ .‬وثالثاً حرف أجندة املفاوضات‪ ،‬بحيث‬ ‫ترتكز عىل تشكيل حكومة وحدة أو عىل نواب‬ ‫للرئيس وعىل ملفات إنسانية وغريها‪ .‬وكل ذلك‬

‫لتضييع املسألة األساسية التي تتعلق مبناقشة‬ ‫قضايا التوافق عىل تحقيق االنتقال السيايس يف‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫طبعاً ال ميكن لوم املعارضة عىل موقفها هذا‪،‬‬ ‫إذ يف هكذا ظروف ومعطيات تفاوضية كان من‬ ‫األنسب للمعارضة‪ ،‬حتى ال تخرس نفسها وتخرس‬ ‫قضيتها وتخرس جمهورها وتخرس مصداقيتها إزاء‬ ‫العامل‪ ،‬أن تأخذ موقفاً كهذا‪ ،‬عل ًام أن التعليق‬ ‫يعني ال انسحاب وال مشاركة‪ ،‬أو ال مقاطعة وال‬ ‫خضوع إلمالءات‪ ،‬ألن املقاطعة كان ميكن أن تعزل‬ ‫املعارضة وتفيد النظام‪ ،‬وألن العكس‪ ،‬أي االستمرار‬ ‫يف هذه اللعبة‪ ،‬كان سيرض باملعارضة ويسمح‬ ‫بالتالعب بأجندة املفاوضات‪.‬‬ ‫منذ بداية هذه الجولة من املفاوضات (جنيف‪)3‬‬ ‫أعلن وفد املعارضة‪ ،‬الذي تشكل يف الرياض‬ ‫أواخر العام املايض‪ ،‬وضمن معظـم تشكيالت‬ ‫الثورة واملعارضة السورية‪ ،‬السياسية والعسكرية‬ ‫واملدنية‪ ،‬أن مشاركته يف املفاوضات ستتوقف عىل‬ ‫عدة مبادئ‪:‬‬ ‫أولها‪ ،‬اعتبار بيان جنيف‪ ،)2012( 1‬والقرار األممي‬ ‫‪ )2015( 2254‬املرجعية للعملية التفاوضية‪.‬‬

‫ثانيها‪ ،‬وقف القصف الجوي والصاروخي‪ ،‬وصوالً‬ ‫إىل وقف شامل إلطالق النار‪.‬‬ ‫وثالثها‪ ،‬إطالق رساح املعتقلني ورفع الحصار عن‬ ‫املناطق املحارصة وإدخال مواد متوينية إليها‪.‬‬ ‫ورابعها‪ ،‬البحث يف تشكيل هيئة حكم انتقالية‪،‬‬ ‫تنقل إليها الصالحيات التنفيذية كاملة‪.‬‬ ‫عىل ذلك فقد كان من املهم للوفد أن يعيد‬ ‫التأكيد عىل هذه املبادئ‪ ،‬لضامن عدم التالعب‬ ‫باملفاوضات‪ ،‬وتضييع تضحيات السوريني‪ ،‬وهذا‬ ‫ما أشار إليه رياض حجاب رئيس الهيئة العليا‬ ‫للتفاوض يف خطاب شـامل‪ ،‬أوضح فيـه أسباب‬ ‫تعليق املفـاوضـات‪ ،‬والقى إجمـاعـاً كبيـراً يف‬ ‫أوساط الثورة واملعارضة واملجتمـع السوري‪.‬‬ ‫قصارى القول‪ ،‬منطقياً وسياسياً وأخالقياً‪ ،‬ال ميكن‬ ‫فهم أي طرف يحاول إطالة عمر نظام بشار‬ ‫األسد‪ ،‬أو تجنيبه العقاب ّ‬ ‫عم حصل من جرائم‬ ‫حرب وانتهاكات لحقوق اإلنسان‪ ،‬طوال السنوات‬ ‫املاضية‪ ،‬إذ ال ميكن لدماء مئات األلوف أن تذهب‬ ‫هدراً‪ ،‬وكأنها مل تكن‪ ،‬كام ال ميكن الصفح عن موت‬ ‫األلوف تحت التعذيب‪ ،‬وال عن ترشيد املاليني من‬ ‫البرش‪ ،‬وال عن دمار عمران مدن سورية كاملة‪.‬‬


‫المعري تنفض‬ ‫مدينة أبي العــاء‬ ‫ِّ‬ ‫غبار التعــب لتحيا من جديد‬

‫‪11‬‬

‫سمير كرم‬

‫العدد ‪- 69 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫باملا ّرة والسكان املحليني وأبناء الريف”‪.‬‬ ‫ويبلغ عدد سكان املدينة وفقاً‬ ‫إلحصائيات تعود‬ ‫ٍ‬ ‫لـ ‪ ،2006‬نحو ‪ 150‬ألف نسمة‪ ،‬فيام يبلغ عدد‬ ‫سكان منطقة املعرة ‪ 400‬ألف نسمة‪ ،‬حيث تتبع‬ ‫ملدينة املعرة أكرث من ‪ 30‬قرية وبلدة‪ ،‬إال أن‬ ‫الحرب أبعدت نصف سكان املدينة وقراها جراء‬ ‫القصف‪ ،‬وتركز معظمهم يف القرى الحدودية‬ ‫واملخيامت‪.‬‬ ‫وكان الحراك الثوري قد بدأ يف املدينة مع بداية‬ ‫الثورة السورية يف العام ‪ ،2011‬حيث خرجت أول‬ ‫مظاهرة من املعرة بتاريخ ‪ ،25/3/2011‬وتستمر‬ ‫املظاهرات يف املدينة حتى يومنا هذا‪ ،‬إذ خرجت‬ ‫مظاهرات يوم الجمعة املاضية‪ ،‬نادت بالحرية‬ ‫وإسقاط نظام األسد وهتفت لرجال “الجيش‬ ‫الحر”‪ ،‬والالفت أن املدينة تحتضن (الفرقة‬ ‫متجد قاداتها ودامئاً ما يتظاهرون يف‬ ‫‪ )13‬حيث ّ‬ ‫الساحات سوية‪ً.‬‬

‫تقارير‬

‫التاسع عرش من نيسان‪/‬أبريل املايض‪ ،‬عقارب‬ ‫الساعة تشري إىل الثانية عرش ظهراً‪ ،‬د َّون تاريخ‬ ‫الثورة السورية مجزر ًة مر ِّوع ًة يف مدينة أيب‬ ‫العالء املع ّري؛ معرة النعامن يف ريف إدلب‬ ‫ٌ‬ ‫قاذفات حرب ّية ُتستخدم‬ ‫الجنويب‪ ،‬عندما قصفت‬ ‫ً‬ ‫يف الحروب الربية‪ ،‬سوقا شعبية يف املدينة التي‬ ‫يزيد عمرها عن آالف السنني‪ ،‬ما أسفر عن‬ ‫سقوط عرشات األبرياء والجرحى من املدنيني‪.‬‬ ‫املجلس املحيل للمدينة أصدر بياناً بخصوص‬ ‫املجزرة املروعة موضحاً خالله أن استهداف‬ ‫السوق الشعبي يف وقت الذروة‪ ،‬إذ تكون‬ ‫حركة املارة شديدة اإلزدحام من سكان املدينة‬ ‫وريفها‪ ،‬يعرب عن مدى الحقد واإلجرام الذي‬ ‫يكنِّه نظام األسد للمناطق املحررة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫غصت باألمل والدموع‪ ..‬أن تخرج‬ ‫“ساعات َّ‬ ‫من منزلك لدقائق حتى تجلب لعائلتك قلي ًال‬ ‫من الطعام‪ ،‬حاملا تنظر خلفك فال تجد شيئاً‬ ‫كام كان؛ هو املستحيل والجنون” هكذا بدأ‬ ‫(سامر أبو محمد) أحد ساكني املدينة‪ ،‬حديثه‬ ‫لـ”طلعنا عالحرية”‪“ ،‬ترتك عائلتك يف منزلك‬ ‫وتخرج لجلب االحتياجات الغذائية من السوق‪،‬‬ ‫ازدحام شديدة‪ ،‬ورسعان ما‬ ‫الذي يشهد حركة‬ ‫ٍ‬ ‫تجد سوقاً تدمرت‪ ،‬وأشالء يف الشوارع‪ ،‬ولكلِّ‬ ‫امرئ لقى حتفه قصة”‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الدكتور (خالد أبو عبدالله) أ ّكد أن “الكارثة ال‬ ‫تتلخص يف سطور أو بضع كلامت”‪ ،‬الفتاً أن ما‬ ‫حدث “أبدل وجه املدينة؛ فبينام كانت تغص‬ ‫شوارعها بالتجار والبائعني وأصوات خطوات‬ ‫املارة واملتجولني‪ ،‬مل يبقَ يف املدينة أحد عقب‬ ‫وقوع املجزرة‪ ،‬وال تسمع سوى سيارات‬ ‫هلع خ َّيمت عىل املدينة”‪.‬‬ ‫اإلسعاف وسط حالة ٍ‬ ‫غصت بالجرحى والضحايا‪،‬‬ ‫وأضاف أن “املشايف َّ‬ ‫فيام نقل آخرون إىل القرى والبلدات املجاورة”‬ ‫موضحاً أن “السوق املستهدف ال وجود‬ ‫ات أو عنارص لـ “الجيش الحر” أو‬ ‫فيه ملقر ٍ‬ ‫الجامعات “اإلسالمية”‪ ،‬بل ملساكني يعملون‬ ‫يف بيع الخرضوات واالحتياجات املنزلية‬ ‫والغذائية”‪ ،‬وأ ّكد “أن الرضبة الجوية موجهة‬ ‫للمدنيني بدون أدىن شك”‪.‬‬

‫وكان للقصف آثا ٌر سلبية عىل البنية التحتية‬ ‫للمدينة‪ ،‬إذ أشار (د‪.‬خالد أبو عبدالله) إىل “تلف‬ ‫خطوط الرصف الصحي وترسب املياه امللوثة‬ ‫إىل املياه املخصصة للرشب‪ ،‬واختالطها‪ ،‬األمر‬ ‫الذي ينذر بأفدح الرشور عىل صحة السكان” ما‬ ‫دفع مجلس املدينة املحيل إلطالق نداء استغاثه‬ ‫للمنظامت الدولية إلنقاذ املدينة من هذه‬ ‫الكارثة‪.‬‬ ‫لكن الجولة امليدانية لـ”طلعنا عالحرية”‪ ،‬كشفت‬ ‫يف األيام التالية‪ ،‬عودة األسواق الشعبية إىل ما‬ ‫كانت عليه؛ فاملدينة مللمت جراحها ونفضت‬ ‫لتدب الحياة من جديد يف‬ ‫غبار التعب عنها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫شوارعها‪.‬‬ ‫حركة املتسوقني وبائعي الخرضاوات وأصداء‬ ‫أصواتهم عادت اىل الشارع‪ ،‬بل عادت أسواق‬ ‫األلبسة وغريها من املحال التي تفتح أبوابها من‬ ‫الصباح وحتى غروب الشمس‪.‬‬ ‫الطالب الجامعي (ملهم العبود) والذي يعمل‬ ‫كبائع خرضوات عىل عرب ٍة صغرية‪ ،‬أكد أن “قصف‬ ‫املدينة من الطريان الحريب واملروحي‪ ،‬أحدث دماراً‬ ‫واسعاً”‪ ،‬الفتاً أن “العديد من السكان نزحوا‪ ،‬يف‬ ‫الوقت الذي يعانون من أوضاع معيشية صعبة‬ ‫جراء تدهور خدمات الكهرباء واملياه والتعليم‬ ‫وغالء األسعار”‪ ،‬لكنه أوضح أن “غالبية السكان‬ ‫تغص‬ ‫عادوا إىل منازلهم؛ فاملدينة عادت كام هي ّ‬


‫‪12‬‬

‫رصد واقع أزمة الــدواء في التل‪ ،‬بعد‬ ‫فــرض النظام حظرًا علــى إدخاله إليها‬ ‫محمد هشام‬

‫العدد ‪- 69 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫لع ّله مل يعد منع دخول الدواء إىل مدينة ما من‬ ‫هذا العامل‪ ،‬يش ّكل حدثاً استثنائ ّياً ووحشياً إىل‬ ‫ح ٍّد يستحقّ من العامل أن يقف عنده ويهتم‬ ‫به؛ خصوصاً إذا علمنا أن النظام السوريّ هو‬ ‫أحد أطراف هذه املامرسة‪ .‬فاملجازر الوحشية‬ ‫واإلرهاب الذي مارسه النظام ض ّد شعبه طوال‬ ‫خمس سنوات‪ ،‬ومل يزل‪ ..‬قد دفع به إىل صدارة‬ ‫األنظمة املجرمة التي استح ّلت ميدان اإلجرام‬ ‫والوحشية ضد شعوبها مطلع هذا القرن‪ ،‬ومل يعد‬ ‫ُيستغ َرب منها أي فعل شنيع تأيت به‪.‬‬ ‫ّإل ّأن مدينة كمدينة التل‪ ،‬وباكتظاظ سكاين بلغ‬ ‫املهجرين الذين‬ ‫من الكثافة ح ّد املليون ونيف مع ّ‬ ‫تحتضهم املدينة من شتى األرجاء السور ّية بحسب‬ ‫بعض املصادر املحلية‪ ،‬فإنها تدفع لتسليط الضوء‬ ‫عىل أي ظاهرة أو سلوك إجرامي قد ميارسه النظام‬ ‫ضد هذه البلدة‪ ،‬التي من املفرتض أنها تعيش‬ ‫حالة من املصالحة معه‪.‬‬ ‫منذ قرابة سبعة شهور‪ ،‬استيقظت املدينة لتجد‬ ‫نفسها خاضعة لحصار جزيئ‪ ،‬بدأ معه مسلسل‬ ‫التضييق عىل إدخال املواد الغذائية والطحني‬ ‫والوقود‪ ،‬باإلضافة إىل بعض مستلزمات الحياة‬ ‫الرئيسية‪ .‬أسهم بدوره يف تضاعف األسعار داخلها‪،‬‬ ‫وارتفاعها بوضوح عن غريها من مناطق العاصمة‪.‬‬ ‫والدواء كان أحد أبرز تلك املواد الرضورية التي‬ ‫حرمت منها املدينة‪.‬‬

‫تقارير‬

‫طلعنا عالحرية‪ ،‬دخلت املدينة لتستطلع واقع‬ ‫أزمة الدواء‪ ،‬وانعكاساتها عىل حياة املدن ّيني‪،‬‬ ‫وكيفية تد ّبرهم لشؤونهم‪ ،‬بعد سبعة أشهر من‬ ‫الحصار الجزيئ املفروض‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫“سبعة من ّ‬ ‫كل عرشة مرىض يدخلون عيل ليطلبوا‬ ‫دوا ًء ما‪ ،‬يخرجون بأي ٍد فارغة”‬ ‫هكذا بدأ د‪.‬ماهر العيل شهادته عن أزمة الدّواء‬ ‫اسم اختاره أحد صيادلة‬ ‫لطلعنا عالحرية‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫املدينة‪ ،‬ليديل عربه بشهادته‪ ،‬وأردف‪“ :‬أنا عينةٌ‬ ‫عن صيادلة آخرين نفدت لديهم أنواع كثري ٌة من‬

‫األدوية واملستحرضات الطبية؛ بعد أول شهرين‬ ‫من فرض الحظر عىل الدواء باملدينة”‪.‬‬ ‫و أضاف‪“ :‬بعد الشهر األول من الحصار‪ ،‬سارعت‬ ‫الناس لرشاء الدواء بكميات كبرية خوفاً من تكرار‬ ‫تجربة الغوطة الرشقية‪ ،‬إال ّان كنت أرفض أن أبيع‬ ‫العائلة الواحدة أكرث من (مظروف) واحد من‬ ‫الدواء‪ ،‬حرصاً عىل عدم حرمان اآلخرين منه”‪.‬‬ ‫وبعد أن قام النظام بحظر دخول املوزعني إليها‪،‬‬ ‫وعىل سبيل التغلب عىل الحظر‪ ،‬فقد غامر كث ٌري‬ ‫الصيادلة وأصحاب محال التجهيزات الطبية‬ ‫من ّ‬ ‫بحياتهم‪ ،‬متعرضني لإلهانة والشتيمة عىل الحواجز‬ ‫املحيطة بالتل‪ ،‬بعد محاولتهم إدخال كميات من‬ ‫الدواء إليها من مدينة معربا املجاورة‪ ،‬برفقة‬ ‫أغراضهم الشخصية‪ .‬وأضافوا عن تع ّرض بعضهم‬ ‫للتهديد باالعتقال والخطف والقتل‪ ،‬إن حاولوا‬ ‫تكرار املحاولة‪.‬‬ ‫الطبيب الصيدالين محمد حامد‪ ،‬تحدّث ملراسل‬ ‫طلعنا عالحرية عن اكتشاف الحواجز ملحاوالته‬ ‫بإدخال الدواء‪ ،‬بعد تفتيشه وتفتيش سيارته‬ ‫واستخراج كيسني من الدواء كان ينوي إدخالهام‬ ‫إىل املدينة‪ ،‬و أضاف‪“ :‬بالرغم من وعودي بعدم‬ ‫تكرار املحاولة‪ ،‬إال أنهم صادروا حمولتي الطبية‬ ‫ورفضوا إعادتها يل‪ ،‬وهددوين باالعتقال والقتل‬ ‫باملرة القادمة”‪.‬‬ ‫الصيدالين ماهر بدوره مل يخف لجوءه برفقة‬ ‫الصيادلة واألطباء اآلخرين يف التل‪ ،‬رغب ًة منهم‬ ‫بتخفيف وطأة األزمة‪ ،‬وس ّد ما أمكن من حاجة‬ ‫املدينة الدوائية‪ ،‬إىل رشاء مواقف بعض الضباط‬ ‫واملجنّدين عىل الحواجز املحيطة‪ ،‬للسامح لهم‬ ‫بإدخال بعض أنواع األدوية الرضورية‪ ،‬مثل أدوية‬ ‫السكر والقلب والضغط‪ ،‬باإلضافة إىل بعض أمراض‬ ‫القصبات والكبد‪ ،‬وااللتهابات العامة‪ ،‬واملضادات‬ ‫الحيوية واألمراض العصبية؛ بعد أن ف َرغت‬ ‫صيدلياتهم إال من بعض مستحرضات التجميل‬ ‫واألدوية الجلدية‪ ،‬وتحدّث عن قيامه بدفع نسبة‬

‫ترتاوح بني ‪ 30% –10‬من قيمة كل فاتورة مقابل‬ ‫السامح بإدخالها‪ ،‬وختم‪“ :‬عىل الرغم من قيامنا‬ ‫بالدفع‪ ،‬مل يكونوا يسمحون بإدخال أكرث من‬ ‫علبتني أو ثالث من كل نوع بأحسن األحوال”‪.‬‬ ‫صعوبة إدخال الدواء‪ ،‬وارتفاعُ سعره حال‬ ‫دخوله‪ ،‬انعكس بدوره سلباً عىل حاجات املدنيني‬ ‫واملهجرين‪ ،‬عىل الصعيد الصحي واالقتصادي‪ .‬عبد‬ ‫ّ‬ ‫الهادي عثامن وثائر مراد وغادة األمري ع ّينات من‬ ‫حاالت مصابة بأمراض مزمنة‪ ،‬تتجاوز أعامرهم‬ ‫الخمسني‪ ،‬تأثروا سلباً بأزمة الدواء‪.‬‬ ‫“ارتفعت النسبة التي صارت تستهلكها أمثان‬ ‫أدوية السكر والضغط من راتبي التقاعدي‬ ‫الشهري من ‪ 25%‬إىل ‪ 40% 35%-‬يف الشهور‬ ‫الخمسة األخرية‪ ،‬عىل ندرة وجودها يف التل؛ ثم‬ ‫بدأت أروض جسدي‪ ،‬وأزيد املدّة الفاصلة بني‬ ‫مواعيد تناول جرع الدواء تدريجياً‪ ،‬وذلك الرتفاع‬ ‫سعره وصعوبة تحصيله” بهذه الكلامت اخترص‬ ‫عبد الهادي عثامن املقيم يف التل‪ ،‬واملنحدر من‬ ‫بيت سحم شهادته ملراسل طلعنا عالحرية‪ .‬عبد‬ ‫الهادي املصاب مبريض السكر والضغط مل يكن‬ ‫بعيداً عن غادة األمري زوجته‪ ،‬وثائر مراد أحد‬ ‫جريانه‪ ،‬باإلضافة إىل عينات أخرى عصية عىل‬ ‫اإلحصاء من أهل املدينة‪ ،‬مصابة بأمراض مزمنة‪،‬‬ ‫انعكست وطأة الحصار وندرة األدوية‪ ،‬وارتفاع‬ ‫وصحتهم‪.‬‬ ‫مثنها حال وجودها عىل حياتهم ّ‬ ‫وعىل سبيل السخرية‪ ،‬وبعد السنة الثالثة للثورة‪،‬‬ ‫بدأت تشيع ٌ‬ ‫أمثال يف الوسط السوري‪ ،‬تفيد ّ‬ ‫بأن‬ ‫املواطن السوري أثبت أن بإمكانه التأقلم مع‬ ‫شح املياه‬ ‫أي وسط صعب يف َرض عليه‪ ،‬بدءاً من ّ‬ ‫والكهرباء وانتهاء بالوقود وارتفاع األسعار‪ .‬السيد‬ ‫عبد الهادي عثامن‪ ،‬ع ّلق عىل هذه الفكرة بأسف‬ ‫وأمل‪ ،‬ساخراً من الح ّد الذي وصلت إليه أحوال‬ ‫املواطن السوري من السوء‪ ،‬فقال‪“ :‬ميكن لإلنسان‬ ‫أن يكمل حياته بغري كهرباء أو وقود‪ ،‬لكن هل‬ ‫بإمكانه إن كان ُمصاباً بأمراض خطرية‪ ،‬أن ير ّوض‬ ‫جسده عىل مواصلة الحياة بغري دواء؟”‪.‬‬


‫مركــز راند يقيم الحملية السياســية‬ ‫ضد تنظيم الدولة اإلســامية‬ ‫العســكرية ّ‬

‫العدد ‪- 69 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫أن يطلب منها أن تحارب التنظيم فحسب‪.‬‬ ‫أما يف حال مل تقم الواليات املتحدة بذلك وقامت‬ ‫بدعم تحالف روسيا مع األسد ملواجهة تنظيم‬ ‫الدولة‪ ،‬فستكون النتيجة خسارة الواليات املتحدة‬ ‫لثقة املعارضة السورية متاماً كام حلفاءها يف‬ ‫املنطقة‪ .‬وحتى يف حال استمرار الواليات املتحدة‬ ‫بالوقوف موقف املتفرج‪ ،‬فستخرس الواليات‬ ‫املتحدة مصداقيتها بينام تقوم روسيا برضب‬ ‫املعارضة املسلحة ذاتها التي تدعمها الواليات‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫متثل املناورات الجريئة التي تقوم بها روسيا تحدياً‬ ‫للواليات املتحدة‪ ،‬ولكنها أيضاً تعطي الفرصة‬ ‫للواليات املتحدة للعمل يف املجال اإلقليمي وضمن‬ ‫منظمة حلف شامل األطليس وكذلك مع املعارضة‬ ‫السورية يف الداخل‪.‬‬ ‫هنالك اجامع موضوعي ومبديئ عىل الحاجة‬ ‫لتوجيه القتال ض ّد تنظيم الدولة وتشكيل حكومة‬ ‫سورية انتقالية‪ .‬وهذا الجهد يتطلب يف الواقع أن‬ ‫تقوم الواليات املتحدة بتأسيس وقائع جديدة عىل‬ ‫األرض وأن تتامىش مع الرغبة الجامهريية يف سوريا‬ ‫لإلطاحة باألسد‪.‬‬ ‫وبذلك فعىل الواليات املتحدة ليك تكسب املقاتلني‬ ‫السوريني مع دعم حلفائها اإلقليميني أن تعاود‬ ‫القتال ض ّد األسد يف ذات الوقت الذي تدفع فيه‬ ‫باتجاه طاولة الحوار‪.‬‬ ‫إن حرباً عىل تنظيم الدولة متزامنة مع الضغط‬ ‫عىل النظام ليتجه إىل املباحثات حول رحيل األسد‬ ‫سيزيد من التزام الواليات املتحدة‪ ،‬وبالتعاون مع‬ ‫فصائل املعارضة (مبا تتضمنه من فصائل إسالمية‬ ‫فيام عدا تنظيم القاعدة) وفيام إذا عملت هذه‬ ‫الفصائل معاً فسوف يؤدي ذلك لخلق الوضع‬ ‫املالئم لهزمية التنظيم واستقرار املنطقة عىل املدى‬

‫تقارير‬

‫نرشت الباحثة ليندا روبنسون يف العرشين من‬ ‫شهر نيسان املنرصم يف مركز راند تقريراً مطوالً من‬ ‫حوايل سبعني صفحة قيمت فيه الحملة العسكرية‬ ‫والسياسية األمريكية ض ّد تنظيم الدولة بعد ‪18‬‬ ‫شهراً من تشكيل التحالف الدويل ض ّد التنظيم‪،‬‬ ‫نلخص فيام ييل أبرز النقاط التي تضمنها التقرير‪.‬‬ ‫رشعت الواليات املتحدة يف مسار لدعم حلفاء عىل‬ ‫األرض يف غرضها لهزمية تنظيم الدولة‪ ،‬يف تصور‬ ‫أن ذلك ينبغي أن يستغرق ثالث سنوات أو أكرث‪.‬‬ ‫وبالرغم من اإلنجازات التي حققتها الحملة ض ّد‬ ‫التنظيم منذ بداية العامل الحايل‪ ،‬إال أن األحداث‬ ‫تدل خالل الـ‪ 18‬شهراً املاضية بأن تنظيم الدولة‬ ‫من يتمتع باملرونة تجعل هذا املسار يستغرق وقتاً‬ ‫أطول من ذلك‪ .‬وتقرتح الدراسة بأنه ميكن القيام‬ ‫مبا هو أفضل من خالل إحداث تعديالت جوهرية‬ ‫عىل اسرتاتيجية مكافحة تنظيم الدولة اإلسالمية‪.‬‬ ‫والتغريات الثالثة املطلوبة هي‪ :‬منهجية‬ ‫للتحالفات والتعاون مع قوى محلية بشكل‬ ‫أكرث متانة وشمولية‪ ،‬ووضع اسرتاتيجية سياسية‬ ‫ملموسة‪ ،‬واملزامنة بشكل أفضل بني الوسائل‬ ‫السياسية والعسكرية للوصول إىل الفائدة القصوى‬ ‫من كليهام‪ .‬ويبدو اتباع ذلك أفضل الخيارات‬ ‫املوجودة حالياً‪.‬‬ ‫ينشد كل من الجيش العراقي واملعارضة السورية‬ ‫املس ّلحة دعم الواليات املتحدة لهام يف قتالهام‬ ‫لتنظيم الدولة‪ ،‬ولكن يف العراق ال يزال الجيش‬ ‫العراقي ضعيفاً‪ ،‬أما املليشيات الشيعية فهي تثري‬ ‫مخاوف أهل السنة‪ ،‬ومازالت الحكومة العراقية‬ ‫مرتددة يف تسليح السنّة ض ّد تنظيم الدولة‪ .‬ويف‬ ‫سوريا تضع مجموعات املعارضة املس ّلحة أولويتها‬ ‫يف إسقاط األسد‪ ،‬كام أن الخالفات تعيق التنسيق‬ ‫فيام بينها‪ ،‬ويزيد تدخل الجهات الخارجية‬ ‫باختالف مصالحها من تعقيد الصورة‪ .‬أما األكراد‬ ‫فكام هي حالهم يف العراق فهم يواجهون يف سوريا‬ ‫صعوبات لدى سيطرتهم عىل املناطق العربية‪ ،‬كام‬ ‫يثري تقدم األكراد ردود أفعال من قبل تركيا‪.‬‬ ‫ومبا أن نجاح الواليات املتحدة يعتمد عىل قوى‬ ‫صديقة تتقدم وتسيطر عىل املناطق من تنظيم‬ ‫الدولة‪ ،‬فالحل الواضح لوضع مزيد من الجهود‬ ‫املحلية ض ّد التنظيم هو بدعم فصائل املعارضة‬ ‫ليك تحارب ك ًال من األسد وتنظيم الدولة عوضاً عن‬

‫الطويل‪.‬‬ ‫فأكرث مقاربة واعدة لتحقيق هزمية نهائية بتنظيم‬ ‫الدولة هي بدعم العراقيني والسوريني ليصبح‬ ‫لديهم القوة لالحتفاظ باملناطق التي ينتزعون‬ ‫سيطرتها من التنظيم‪ .‬وكام توضح الدراسة‬ ‫فالحلفاء عىل األرض املرشحون لذلك هم إما ليسوا‬ ‫عىل القدر الكايف من القدرة‪ ،‬أو أنهم محددون‪،‬‬ ‫أو تعرتيهم املشاكل‪ ،‬ولكن ذلك كله قابل لإلصالح‬ ‫فيام إذا كانت االسرتاتيجية مستدامة ومزودة‬ ‫باملوارد الكافية‪.‬‬ ‫يجب إعادة تفعيل الجهود الدبلوماسية للوصول‬ ‫إىل نظام انتقايل يف سوريا متوافق مع حلف شامل‬ ‫األطليس والحلفاء اإلقليميني‪ ،‬يف الوقت الذي‬ ‫تتم فيه صياغة اسرتاتيجية مشرتكة عرب الحلفاء‬ ‫لزيادة الضغط العسكري عىل نظام األسد وحامية‬ ‫املعارضة السورية املعتدلة من الرضبات الجوية‬ ‫الروسية‪.‬‬ ‫كام يجب الضغط بشكل جدي باتجاه البحث عن‬ ‫ّ‬ ‫حل تفاويض؛ دعم أو مساندة الدعم الذي تقدمه‬ ‫الدول األخرى ملجموعات املعارضة السورية التي‬ ‫ال ترتبط بالقاعدة‪ ،‬وتبني معايري أقل رصامة‬ ‫لدعم املعارضة السورية بحيث يتم القبول بقتالها‬ ‫لنظام األسد‪ ،‬وهذا الدعم يجب أن يكون شام ًال‬ ‫عىل األقل لصواريخ مضادات الطريان ومضادات‬ ‫الدروع فيام إذا مل يكن التحالف راغباً بتقديم‬ ‫الدعم الجوي‪ ،‬ذلك لحاميتهم من غارات الطريان‬ ‫الرويس‪ ،‬وسيكون ذلك رضورياً لخلق الحافز لدى‬ ‫النظام السوري للدخول باملفاوضات‪.‬‬ ‫يف إطار ذلك يجب ّ‬ ‫حث املعارضة السورية‬ ‫املس ّلحة عىل التوحد ملحاربة تنظيم الدولة كجزء‬ ‫من اسرتاتيجيتهم للهجوم‪ ،‬وتوفري دعم إضايف‬ ‫للمجموعات التي تقوم بذلك‪.‬‬ ‫ويبقى الطريق يف سوريا أصعب‪ ،‬ولكن ومن دون‬ ‫وجود سوريني ليحافظوا عىل استقرار أرضهم‬ ‫فليس هناك يف املستقبل سوى الحرب‪ ،‬ولن تزدهر‬ ‫الجهود الدبلوماسية دون وجود االستعداد ملواجهة‬ ‫هؤالء الذين يريدون كسب الرصاع بالقوة‪ ،‬ونهاية‬ ‫اللعبة الصحيحة هي بالحل السيايس‪ ،‬الذي ال‬ ‫يظهر أنه سهل املنال بدون وجود مزيج ذيك‬ ‫من القوة والدبلوماسية والتي ستتطلب بالتأكيد‬ ‫كفاءة سياسية‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫ناقوس الخطر االقتصادي يؤذن بانهيار‬ ‫الدولة السورية‬ ‫وائل موسى‬

‫الليرة السورية تسجل أدنى مستوى قياسي‬ ‫أمام الدوالر‪ ،‬وميالة يدعي ّ‬ ‫ضخ شريحة نقدية‬ ‫“بسقوف مفتوحة ودون ضوابط” !!!؟‬

‫العدد ‪2016 / 5 / 3 - 69 -‬‬

‫يجب عليك عزيزي املواطن السوري أن تقتات‬ ‫بالنذر القليل الذي ترميه لك الحكومة من فتات‬ ‫موائدها املرتعة‪ ،‬حيث يعادل راتب موظف الدولة‬ ‫‪ 50‬دوالراً أي نصف مرتب الخادمة األثيوبية‪ .‬دون‬ ‫أن تخجل الحكومة من ذلك أو ترسع ألخذ أي‬ ‫إجراء‪ .‬ألنها عىل ما يبدو راضية عن هبوط سعر‬ ‫اللرية ما يجعلها تخترص الكثري من نفقاتها كدفع‬ ‫أجور املوظفني الذين يشكلوا أغلبية الشعب‬ ‫السوري‪.‬‬ ‫فمع دخول الثورة السورية عامها الخامس‪ ،‬تشهد‬ ‫العملة املحل ّية انخفاضاً حا ّداً يف قيمتها أمام‬ ‫العمالت األجنب ّية مل تعهده من قبل‪ ،‬حيث تجاوز‬ ‫سعر رصف اللرية السور ّية أمام الدوالر األمري ّ‬ ‫يك‬ ‫مطلع نيسان‪/‬أبريل الجاري ‪ 500‬لرية‪.‬‬ ‫ما أدى الستياء شعبي عام وبلبلة يف أوساط‬ ‫الشارع السوري من جهة وبني التجار واملواطنني‬ ‫من جهة أخرى؛ فتوقف كثري من التجار عن بيع‬ ‫السلع بانتظار استيضاح املستوى الذي سيقف‬ ‫عنده الدوالر‪ ،‬السيام أن أسعار املنتجات املحلية‬ ‫مرتبطة به يف حني يتقاىض املوظفون والعامل‬ ‫أجورهم بالعملة السورية‪.‬‬ ‫لعل تدهور اللرية يعود لعدة أسباب وعوامل أهمها‪:‬‬

‫اقتصاد‬

‫ حرص نظام األسد عىل تكريس خزينة الدولة‬‫لصالح الجيش وعملياته الحربية والفروع األمنية‬ ‫ناهيك عن الحواجز التي غدت جامرك لها حصة‬ ‫ترانزيت ألي شاحنة تنقل سلع أو مواد غذائية‬ ‫وطبية وغري ذلك ما يساهم يف ارتفاع أسعار السلع‬ ‫االستهالكية‪.‬‬ ‫ تهريب األموال إىل دول الخارج إذ نجح املئات‬‫من رجال األعامل واملصارف الخاصة بإخراج‬ ‫أموالهم من سورية‪.‬‬ ‫ املضاربة الداخلية عىل العملة من خالل السوق‬‫السوداء التي تعد ورقة ضغط هامة عىل اللرية‬ ‫السورية عل ًام أن غالبية تجار تلك األسواق إما‬ ‫رجال يف الدولة أو عمالء مدعومني من قبلهم‪.‬‬ ‫ الفجوة بني سعر الدوالر لدى الدولة وسعره يف‬‫تلك األسواق حيث يرتاوح الفارق بني ‪ 30‬إىل ‪50‬‬ ‫ل‪.‬س‪ .‬تعود إىل االنخفاض الرسيع للعملة السيام‬ ‫بعد االنسحاب الرويس بينام يرى املرصف املركزي‬

‫أن سبب هذا التباين “عودة املضاربني يف السوق‬ ‫لتكثيف نشاطهم للضغط عىل سعر الرصف‬ ‫وإعادته إىل مسار التقلب من جديد”‬ ‫يف سياق متصل أكد حاكم مرصف سورية املركزي‬ ‫أديب ميالة أن هناك أطراف “استغلت‬ ‫خرب اتفاق تخفيض عديد من القوات الجوية‬ ‫الروسية يف سورية لجهة التأثري يف معنويات‬ ‫املواطنني والعمل عىل رفع سعر الرصف بشكل‬ ‫غري مربر” والسيام يف ظل املستجدات االقتصادية‬ ‫التي وصفها ب “ اإليجابية “ التي كان من أبرزها‬ ‫فتح معرب جديد بني سورية والعراق وكذلك‬ ‫تشغيل الخط البحري املبارش بني املوانئ السورية‬ ‫والروسية لتسهيل تصدير املنتجات السورية إىل‬ ‫جمهورية روسيا االتحادية‪.‬‬ ‫ الضغط عىل العملة السورية من قبل الدول‬‫اإلقليمية والعربية املحيطة التي تعمد لضخ‬ ‫كميات كبرية من اللرية التي ملكتها قبل األزمة‬ ‫تحقيقا ملصلحة خاصة وألهداف سياسية مرسومة؟‬ ‫ توقف عجلة اإلنتاج يف كثري من القطاعات خاصة‬‫القطاع الصناعي والزراعي مع ضعف التصدير‬ ‫للدول التي طبقت مقاطعة اقتصادية شاملة عىل‬ ‫سورية‪.‬‬ ‫ إضافة للعوامل النفسية حيث تسارع املواطنون‬‫يف الداخل لتحويل أموالهم إىل قطع أجنبي أو‬ ‫ذهب كمالذ آمن لالدخار نتيجة هبوط العملة‬ ‫املحلية وغياب استقرارها‪.‬‬ ‫خصوصا أن البنك املركزي مل يلتزم بالوعود التي‬ ‫أطلقها يف مارس ‪ 2016‬حول ن ّيته ّ‬ ‫ضخ رشيحة‬ ‫األجنبي “بسقوف مفتوحة ودون‬ ‫من النقد‬ ‫ّ‬ ‫ضوابط”‪ ،‬حتى لو قام بذلك فان السوق ستبتلع‬ ‫هذه السيولة وتطالب باملزيد بفعل الحرب‬ ‫ انخفاض إنتاج سوريا للنفط بحكم سيطرة داعش‬‫عىل حقول النفط والغاز يف املنطقة الرشقية‬ ‫ عجز امليزان التجاري بسبب قلة الصادرات‬‫وزيادة الواردات نتيجة الحاجة املاسة للكثري من‬ ‫املواد األولية الالزمة للقطاع الصناعي‪.‬‬ ‫ التمويل بالعجز وهو مفهوم اقتصادي تلجأ إليه‬‫الدول يف حاالت خاصة حيث تطبع كميات من‬ ‫العملة الوطنية دون أن يقابلها رصيد ذهبي رمبا‬ ‫كان هذا سبب هام أثر يف سعر رصف اللرية حيث‬

‫اعتمدت الحكومة السورية عىل هذا الحل لتغطية‬ ‫نفقاتها الحربية األمر الذي زاد من مأساة الشعب‬ ‫السوري الذي يعيش ‪ % 80‬منه تحت خط الفقر‪.‬‬ ‫كام أدى تدهور العملة السورية وفقا لخرباء‬ ‫اقتصاديني إىل تضخم فاق ‪ 500‬يف املئة‪ ،‬ويف بعض‬ ‫الحاالت تجاوز ألفاً يف املئة‪ .‬بينام وصل هذا‬ ‫التضخم داخل املناطق املحارصة إىل ‪-8000 4000‬‬ ‫يف املائة‪.‬‬ ‫يذكر أن الدوالر األمرييك كان يعادل سنة (‪)2010‬‬ ‫‪ 47‬لرية سورية بينام يعادل اليوم ‪ 550‬لرية‬ ‫أي كان املليون ‪ 21‬ألف دوالر يف حني ال يتجاوز‬ ‫اآلن ألفي دوالر‪.‬‬ ‫يف هذا الشأن يرى الخبري االقتصادي الدكتور سامر‬ ‫بعض الحلول التي من املمكن أن تكون مبثابة‬ ‫إسعافات أولية ريثام تنتهي الحرب‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ استخدام وسائل اإلعالم لبث الثقة باالقتصاد‬‫الوطني وباللرية السورية حتى يعود املواطن‬ ‫ملرحلة التوازن من خالل ثقته بالعملة املحلية‬ ‫وعدم إلحاحه بطلب العمالت األجنبية‬ ‫هذا سيؤدي لتخفيض الضغط عىل اللرية يف الوقت‬ ‫الراهن‪.‬‬ ‫ ترشيد االستهالك لألمور الحيوية وخاصة يف‬‫مجال الطاقة‪.‬‬ ‫ ترشيد االسترياد بحيث يكون فقط “للمواد‬‫الحيوية والهامة لحياة املواطن كاملواد الطبية “‬ ‫ تشجيع التصدير وخاصة للمنتجات الصناعية أو‬‫الزراعية املصنعة أي الصناعات الغذائية واالمتناع‬ ‫عن تصدير املواد الخام حاليا الن” زيادة الصادرات‬ ‫تؤدي لوجود دخل من القطع األجنبي يدعم اللرية‬ ‫السورية ويعيد التعادل للميزان التجاري “‬ ‫لكن تبقى تلك الحلول وغريها إن نفذت مثبطات‬ ‫مؤقتة الن واقع الحال يشري إىل انهيار الحياة‬ ‫االقتصادية بسوريا واندثار عملتها يتبعه انهيار‬ ‫سيايس يلحق بنظام األسد الذي نكل ورشد املاليني‬ ‫من شعبه‪.‬‬ ‫أما سورية فلن يبقى منها سوى شبه بلد ممزق‬ ‫معدوم املوارد يسوده التناحر األهيل متهيدا ملرور‬ ‫مرشوع تقسيم سوريا إىل دويالت عىل أساس‬ ‫طائفي عرقي وقومي‬


‫نشرة اقتصادية‬

‫طلعنا عالحرية ‪ -‬القسم االقتصادي‬

‫اهم املستجدات التي تهم السوريني يف الشتات والداخل‬

‫اإلدارة الذاتية في‬ ‫شمال سوريا تحاصر‬ ‫نفسها‪.‬‬

‫فيسبوك‪ ،‬ساحة‬ ‫السوريين للعمل‬ ‫والتجارة‪ ،‬بيع وشراء وأجار‬

‫طويلة يف سيارات الشحن الغري مجهزة لبقاء‬ ‫الخضار ملدة طويلة‪ ،‬مام يؤدي غالباً إىل تلفها‪،‬‬ ‫وقد تناقل العديد من الناشطني صوراً بشكل‬ ‫ساخر حول اكتشاف حبوب يتم تهريبها داخل‬ ‫حبات البندورة‪.‬‬ ‫ويف إطار الحديث عن اغالق معرب سياملكا بوجه‬ ‫الحركة التجارية‪ ،‬قال عبد الكريم ساروخان‬ ‫رئيس اإلدارة الذاتية يف شامل رشق سوريا‬ ‫لرويرتز إن السلطات يف كردستان العراق مل تقدم‬ ‫سببا لصدور القرار بينام املعرب مغلق منذ ‪16‬‬ ‫مارس آذار املايض‪.‬‬

‫كارول معلوف‬ ‫تختلس أموال حملة‬ ‫التبرعات لبائع األقالم‬

‫ومن خالل مكاملة هاتفية مع عبد الحميد اثناء‬ ‫مطالبته بالحصول عىل أمواله‪ ،‬انهالت عليه‬ ‫بالشتائم والتهديدات بالحبس او الرتحيل‪.‬‬ ‫أقرت كارول ضمن املكاملة باحتجازها ‪ 30‬ألف‬ ‫دوالر كضامنة لها‪ ،‬فيام ال تزال ‪ 75‬ألف دوالر‬ ‫عالقة يف حساب باي بال حسب تغريدة ل‬ ‫سيمونارسون‪.‬‬ ‫ً‬ ‫املثري للسخرية أن عددا من املواقع اإلعالمية‬ ‫التي تعترب صديقة لكارول معلوف وبعد اتهامها‬ ‫من قبل عبد الحميد‪ ،‬راحت تروج أنه يتعاطى‬ ‫املخدرات ويروج للدعارة وتنقل عن زوجته استالم‬ ‫كامل املبلغ‪ ،‬إال أن مصدراً موثوقاً أخربنا أن عبد‬ ‫الحميد يريب أطفاله لوحده بعد أن تركته زوجته‬ ‫منذ فرتة بعيدة‪.‬‬

‫اقتصاد‬

‫فلسطيني سوري‪ ،‬اشتهر ببائع األقالم‬ ‫بعد انتشار صوره يف وسائل االعالم نتيجة‬ ‫حملة تربعات غريت حياته‪.‬‬ ‫الصحايف والناشط األيسلندي غيسور‬ ‫سيمونارسون أطلق حملة ملساعدة‬ ‫عبد الحميد‪ ،‬لتتخطى الحملة توقعاته‪،‬‬ ‫فقد وصل مبلغ التربعات إىل ‪ 191‬ألف‬ ‫دوالر أمرييك‪ ،‬إال أن عبد الحميد قال‬ ‫عىل الربنامج التلفزيوين اللبناين “للنرش”‬ ‫أنه عندما كان يبيع األقالم مل يكن عليه‬ ‫ديون‪ ،‬اآلن بات مثق ًال بالديون‪.‬‬ ‫كارول معلوف صاحبة جمعية سوالس‬ ‫واإلعالمية اللبنانية التي برزت من خالل‬ ‫دخولها إىل سوريا وتصويرها مقابلة مع‬ ‫أرسى من حزب الله لدى جبهة النرصة‪،‬‬

‫العدد ‪2016 / 5 / 3 - 69 -‬‬

‫قامت الحواجز العسكرية التابعة لإلدارة الذاتية‬ ‫يف منتصف شهر نيسان بعرقلة عبور الشاحنات‬ ‫املحملة بالبضائع والخضار القادمة عرب بلدة‬ ‫املربوكة غرب رأس العني إىل محافظة الحسكة‪.‬‬ ‫حيث تسببت هذه العرقلة بأزمة كبرية يف‬ ‫الخضار وبشكل خاص البندورة مام رفع أسعارها‬ ‫بشكل خيايل‪ ،‬وقد وصل سعر كيلو البندورة إىل‬ ‫ألف وخمسمئة لرية سورية‪.‬‬ ‫حيث أن اإلجراءات الجديدة املتبعة يف التفتيش‬ ‫بحجة وجود عمليات تهريب ضمن الخضار‬ ‫تسببت يف تلفها‪ ،‬فقد وصل الوقت الالزم لتفتيش‬ ‫شاحنات الخضار إىل ما يزيد عن يوم كامل دون‬ ‫مراعاة حالة الخضار التي ال تتحمل البقاء ملدة‬

‫سنوات عديدة أمضاها ماليني من السوريني‬ ‫يف الرتحال والتنقل بحثاً عن مالذ آمن‪ ،‬حيث‬ ‫ترتكز الكتلة البرشية األكرب يف دول الجوار‪،‬‬ ‫وقد ساهم موقع فيسبوك للتواصل االجتامعي‬ ‫بشكل كبري يف تيسري أمور غالبية الالجئني‪.‬‬ ‫تبدأ رحلة اللجوء يف البحث عن السكن‬ ‫والعمل‪ ،‬ولهذا الغرض أنشئ العديد من‬ ‫السوريني مجموعات وصفحات يتداولون فيها‬ ‫أخبار عن توفر فرص العمل وعروض ايجار‬ ‫املنازل‪ ،‬ويكاد ال يوجد دولة او مدينة يقطنها‬ ‫سوريني ال يوجد مجموعات وصفحات تحمل‬ ‫اسم الجالية السورية يف تلك املنطقة‪.‬‬ ‫يف حال وصولك مكان جديد‪ ،‬ستكون أسهل‬ ‫طريقة إليجاد منزل لإليجار هي البحث‬ ‫عرب صفحات فيسبوك‪ ،‬ولن تقف املسألة‬ ‫عن حدود استئجار املنزل فقط‪ ،‬بل بات‬ ‫هنالك العديد من الصفحات الخاصة لبيع‬ ‫املفروشات واألدوات املنزلية املستعملة‪،‬‬ ‫حيث من املمكن توفري أكرث من ‪ 70%‬من‬ ‫قيمة املفروشات من خالل إيجاد العروض‬ ‫املناسبة عىل فيسبوك‪.‬‬ ‫بات فيسبوك مكان مناسب ملشاركة‬ ‫املعلومات ومناقشتها‪ ،‬حتى تلك املتعلقة‬ ‫باملشاريع‪ ،‬حيث يطرح بعض األشخاص أسئلة‬ ‫ضمن هذه املجموعات حول األفكار املناسبة‬ ‫الستثامر مبلغ معني‪ ،‬ودامئاً ما يحصلون عىل‬ ‫الكثري من الردود املليئة باالقرتاحات واألفكار‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫‪16‬‬

‫حضور قوي لـ”سينما الثورة” في الدورة ‪ 69‬من‬ ‫مهرجان كان السينمائي الدولي‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪- 69 -‬‬ ‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫أعلن القامئون عىل مهرجان كان السيناميئ الدويل يف دورته‬ ‫التاسعة والستني‪ ،‬التي تقام يف الفرتة من ‪ 11‬إىل ‪ 22‬أيار‪/‬‬ ‫مايو القادم‪ ،‬أن فعاليات حفل افتتاح املهرجان الذي يرأسه‬ ‫املخرج األسرتايل “جورج ميلر”‪ ،‬سيقدمها النجم الكوميدي‬ ‫“لوران الفيت”‪ ،‬وأنه تم اختيار فيلم املخرج العاملى‬ ‫“وودي آلن” ( (‪Café Society‬ليكون فيلم االفتتاح مبرسح‬ ‫(‪ )Grand Théâtre Lumière‬يف قرص املهرجانات‪ ،‬وهو‬ ‫الفيلم الذي شارك ىف بطولته عدد كبري من النجوم وأبرزهم‬ ‫“كريستسن ستيوارت” و”بليك ليفىل و”كورى ستول”‬ ‫و”ستيف كاريل” وآنا كامب”‪ ،‬والعمل من تأليف وإخراج‬ ‫“وودي آلن”‪ ،‬ووصلت ميزانية الفيلم إىل ‪ 30‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫كام أعلن رئيس املهرجان “جورج ميلر”‪ ،‬عن اختيار النجمة‬ ‫العاملية ناعومي كاوايس رئيسة للجنة تحكيم ركن( (�‪Ciné‬‬ ‫‪ )fondation‬وركن “األفالم القصرية” الذي يشارك فيه‬ ‫أربعة أفالم سورية‪.‬‬

‫“سينام الثورة” يف كان ‪..‬‬

‫وأعلن القامئون عىل املهرجان أنه وبعد دخول إثني عرش‬ ‫ً‬ ‫فيلم سور ًّيا قص ًريا للسنة املاضية إىل فئة “األفالم القصرية”‪،‬‬ ‫تم قبول أربعة أفالم فقط لهذه السنة بجانب ‪ً 2343‬‬ ‫فيلم‬ ‫من مائة دولة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫و ُيع ّد ركن األفالم القصرية ركنا ترويجيا وليس مسابقة‬ ‫ولكنّه واحدٌ من أهم األسواق السينامئ ّية يف العامل‪ ,‬وهو‬ ‫فضاء يتيح الفرصة ملخرجي األفالم القصرية والتي ال تزيد‬ ‫ُمدّتها عن ثالثني دقيقة‪ ،‬للقاء جميع املهتمني بهذه الصناعة‬ ‫األساسيي‬ ‫من ُمم ّولني ومنتجني ومخرجني وجميع الفاعلني‬ ‫ّ‬ ‫يف صناعة السينام حول العامل‪ ،‬وهو مكان مثايل واسرتاتيجي‬ ‫لبيع ورشاء األفالم‪.‬‬

‫وأما األفالم السورية املشاركة يف هذه الدورة فهي‪:‬‬

‫ثقافة‬

‫فيلم “لون القمر” من إخراج األخوين ملص‪ ،‬الشابان اللذان‬ ‫حصال عىل جائزة أفضل فيلم وثائقي قصري يف مهرجان‬ ‫هوليوود الدويل مؤخ ًرا عن فيلمهام “البحث عن عباس‬ ‫كيارستامي”‪ ،‬نص وإخراج‪ :‬األخوين ملص‪ ،‬متثيل‪ :‬محمد‬ ‫ملص‪.‬‬ ‫والثاين فيلم “شكسبري يف الزعرتي” من إخراج معن موصيل‬ ‫ومتثيل نوار بلبل‪ ،‬وقد تم تصويره يف مخيم الزعرتي‪.‬‬ ‫وأما الثالث فهو فيلم “عمى” وهو انتاج سوري – فرنيس‬ ‫مشرتك عن الثورة السورية‪ ،‬قام بإخراجه الفرنيس يفوين‬ ‫مكدفيت‪.‬‬ ‫وأخ ًريا فيلم “عىل الطرف اآلخر من كوكب األرض” للمخرج‬ ‫سيمون صفية‪،‬‬

‫السينام السورية والعربية يف‬ ‫كان‪ ..‬كان يا ما كان‬ ‫استطاعت السينام السورية وأل ّول‬ ‫مرة يف تاريخها‪ ،‬الوصول إىل املسابقة‬ ‫الرسمية (قسم األفالم القصرية)‪،‬‬ ‫ملهرجان كان يف دورته الـ (‪ )65‬عام‬ ‫‪ ،2012‬وذلك من خالل الفيلم الروايئ‬ ‫القصري «فلسطني‪ :‬صندوق االنتظار‬

‫للربتقال» للمخرج السوري املغرتب بسام شخص (املقيم‬ ‫يف هوالندا)‪ .‬ويدور موضوعه حول الرصاع الفلسطيني –‬ ‫اإلرسائييل‪ ،‬متناوالً قصة اثنني من صناع األفالم الفلسطينيني‬ ‫الشباب‪ ،‬يجدان أن عليهام إعادة صياغة أحالمهام‬ ‫وطموحاتهام أمام حقيقة أعباء امليزانية القاسية التي‬ ‫يواجهانها‪.‬‬ ‫هذا ويعدُّ مهرجان كان يف الجنوب الفرنيس‪ ،‬من أكرب‬ ‫املهرجانات السينامئية يف العامل‪ ،‬بل املهرجان السيناميئ‬ ‫األول عامل ًيا‪ .‬وميكن القول إن عالقة السينام العربية‬ ‫بهذا املهرجان تعود إىل سنوات املهرجان األوىل أواسط‬ ‫األربعينات (أي مبارشة بعد الحرب العاملية الثانية) حينام‬ ‫كانت األفالم املرصية تجد لها فسحة يف التظاهرة الوحيدة‬ ‫املتاحة آنذاك وهي املسابقة‪.‬‬ ‫بعد ذلك تس َّللت أفالم لبنانية ثم تونسية وجزائرية‬ ‫ومغربية‪ ،‬والح ًقا فلسطينية‪ ،‬واتسعت الحلقة يف بعض‬ ‫الدورات لتحتوي عىل أفالم من كل هذه الجنسيات أو يف‬ ‫معظمها م ًعا‪ ،‬وضاقت يف أعوام أخرى‪ ،‬فلم تح ِو إال عىل فيلم‬ ‫أو اثنني‪ ،‬ويف سنوات أخرى مل تحو أي فيلم عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫وقد عرفت جائزته الكربى املسامة “السعفة الذهبية”‬ ‫طريقها إىل السينامئيني العرب عن طريق السيناميئ‬ ‫الجزائري محمد لخرض حامينا‪ ،‬عن فيلمه “وقائع سنني‬ ‫الجمر”‪ ،‬وكان ذلك يف دورة عام ‪.1975‬‬ ‫ومنذ ذلك التاريخ بقي (حامينا) املخرج العريب الوحيد‬ ‫الذي يفوز بـ”السعفة”‪ .‬ذلك أن السيناميئ املرصي الكبري‬ ‫الراحل يوسف شاهني منح “السعفة الذهبية” يف الدورة‬ ‫الخمسني للمهرجان يف سنة ‪ ،1997‬تكر ًميا عن مجمل‬ ‫أعامله السينامئية ال عن فيلم معني‪.‬‬ ‫وباستثناء (حامينا) و(شاهني) مل ينل أي عريب آخر “السعفة‬ ‫الذهبية”‪ ،‬غري أن مخرجني عربيني فازا بجائزة “لجنة‬ ‫التحكيم الخاصة” للمهرجان‪ ،‬و(هي ثاين أكرب جائزة متنح‬ ‫يف كان ويعتربها السينامئيون “الجائزة التقديرية األوىل”‬ ‫ألن لجنة التحكيم تحدّدها عىل مزاجها السيناميئ الفني‬ ‫الخالص)‪ ،‬فيام يعرف يف املقابل أن منح الجائزة األساسية‬ ‫أي “السعفة الذهبية” حتى وإن كان فني البعد غال ًبا‪ ،‬إمنا‬ ‫يخضع لحسابات واعتبارات متنوعة‪.‬‬ ‫وتسجل الذاكرة أن الفائز األول بجائزة “لجنة التحكيم‬ ‫الخاصة”‪ ،‬هو السيناميئ اللبناين مارون بغدادي عن فيلمه‬ ‫“خارج الحياة” يف دورة العام ‪ ،1991‬وقد تقاسم الجائزة مع‬ ‫الفيلم الدامنريك “أوروبا”‪.‬‬ ‫أما الفائز السيناميئ العريب الثاين بهذه الجائزة الكربى‪ ،‬فهو‬ ‫الفلسطيني إيليا سليامن عن فيلمه “يد إلهية” يف دورة‬ ‫العام ‪.2002‬‬


‫نشرة ثقافية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫‪17‬‬

‫معهد الجمهورية لمنهجيات البحث‬ ‫العلمي يعلن عن دورته األولى‬

‫ستعلن عن أسامء املقبولني يف الدورة األوىل يف ‪ 15‬أيار‪/‬‬ ‫مايو ‪ .2016‬كام ذكر املعهد أسامء لجنة إدارة الدورة‬ ‫وهم‪ :‬الدكتور حازم نهار‪ ،‬األستاذ يوسف فخر الدين‪،‬‬ ‫املسؤول التقني‪ :‬الدكتور هيثم خوري‪ ،‬ويديرها الدكتور‬ ‫يوسف سالمة‪.‬‬ ‫وتتضمن موضوعات الدورة‪ :‬معايري وقواعد البحث‬ ‫العلمي‪ ،‬مفهوم “منهج البحث العلمي”‪ ،‬أنواع املناهج‬ ‫البحثية العلمية ومستويات البحث العلمي‪ ،‬املبادئ‬ ‫واألدوات املفهومية الالزمة يف تطبيق منهج البحث‬ ‫العلمي‪ ،‬تطبيق املنهج الوصفي الكمي‪ ،‬مبادئ البحث‬ ‫الوصفيالكيفي‪.‬‬

‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫أعلن مركز حرمون للدر‬ ‫اسات املعارصة عن جائزة سنوية للصحافة‬ ‫باللغة العربية باسم‬ ‫“جائزة حسني العودات للصحافة العربية”‪،‬‬ ‫تقدي ًرا إلسهامات العو‬ ‫دات الكبرية يف العمل الصحايف عىل امتداد‬ ‫الخارطة العربية‪ ،‬وأل‬ ‫خالقياته النبيلة التي أرساها يف اإلعالم العريب‬ ‫بشكل عام‪ .‬وذكر امل‬ ‫ركز أن الجائزة تهدف من جانب آخر إىل‬ ‫املساهمة يف تطوير ال‬ ‫صحافة العربية وتعزيز مسريتها وتشجيع‬ ‫الصحافيني الذين‬ ‫يكتبون بالعربية عىل اإلبداع‪ ،‬خص ً‬ ‫وصا الشباب‪،‬‬ ‫من خالل تكريم املتفوقني واملتميزين منهم‪.‬‬ ‫حيث سيعلن املركز‬ ‫عن اسم الفائز يف ‪ 18‬آذار‪ /‬مارس ذكرى‬ ‫انطالق الثورة السورية‬ ‫يف مدينة درعا‪ ،‬ويتم تسليم الجائزة (شهادة‬ ‫التقدير ودرع الجائزة و‬ ‫املبلغ املايل ‪ 10‬آالف دوالر أمرييك) للفائز يف‬ ‫‪ 7‬نيسان‪/‬‬ ‫أبريل من كل عام‪ ،‬ذكرى رحيل العودات‪.‬‬

‫أعلن معهد الجمهورية‬ ‫ملنهجيات البحث العلمي‬ ‫عن دورته األوىل (عرب‬ ‫شبكة اإلنرتنت)‪ ،‬املستوى‬ ‫األول‪ ،‬التي ستبدأ يف ‪18‬‬ ‫أيار‪ /‬مايو ‪ ،2016‬وستستمر‬ ‫ملدة‪ 12‬أسبوعًا‪ ،‬متضمنة‬ ‫فرتة نظرية مدتها ‪6‬‬ ‫أسابيع‪ ،‬وفرتة تطبيقية‬ ‫مدتها ‪ 6‬أسابيع‪.‬‬ ‫جدير بالذكر أن هذه‬ ‫الدورة مجانية وال يرتتب‬ ‫عىل املشاركني فيها أي‬ ‫التزامات مالية‪ ،‬وسيكون‬ ‫متاحا للراغبني يف املشاركة‬ ‫ً‬ ‫تقديم طلباتهم ابتدا ًء من‬ ‫لحظة اإلعالن عن الدورة‬ ‫حتى ‪ 10‬أيار‪ /‬مايو ‪2016‬؛‬ ‫مع العلم أن لجنة القبول‬

‫العدد ‪- 69 -‬‬

‫جائزة‬ ‫حسين‬ ‫العودات‬ ‫للصحافة‬ ‫العربية‬

‫كتابه القادم‬ ‫ش يعلن عن‬ ‫رائد وح‬ ‫مشاة نفترق”‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ق‬ ‫“مشاة نلت‬ ‫“مشاة نلتقي‪ ،‬مشاة‬ ‫كتابه القادم‬

‫ثقافة‬

‫د وحش عن‬ ‫جموعة قصائد نرثية‬ ‫أعلن الشاعر الفلسطيني السوري رائ سط‪ ،‬ويضم الكتاب م‬ ‫املتو‬ ‫فإن “الكتاب حصيلة‬ ‫نفرتق” الذي سيصدرر قري ًبا عن دار ياب‪ .‬وبحسب الشاعر‬ ‫والغ‬ ‫األول “شوارع تسري‬ ‫مشغولة بهموم الحرب واملنفى واملوت سم إىل أربعة أقسام‪،‬‬ ‫سورية األخرية‪ .‬وهو مق ّ‬ ‫“بريد الغرباء” وهو‬ ‫سنوات العسف ال‬ ‫جوال بال وجهة؛ الثاين‬ ‫مشغول باملنفى‪ ،‬والت‬ ‫الغائبني إىل الغائبني”‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ق‬ ‫فقودة؛ الثالث “من‬ ‫وحدها”‪ ،‬وهو حب وبيت وحياة م‬ ‫ي صنعته هذه الحرب‬ ‫رسائل شعرية عن‬ ‫ملوت هنا هو ذلك الذ‬ ‫مهمومة باملوت‪ ،‬لكن ا‬ ‫ها تحولت إىل حوار مع‬ ‫قصائد هذا القسم‬ ‫ت لشخص غائب‪ ،‬لكن‬ ‫هذه القصائد كمرثيا‬ ‫خري “مجرد إيقاعات”‬ ‫ت‬ ‫والديكتاتورية‪ .‬بدأ‬ ‫ن يف األرض؛ القسم األ‬ ‫مخطوفني أو مرشدي‬ ‫غائبني يف السجون أو‬ ‫لة متفرقة املواضيع”‪.‬‬ ‫ض‪ ،‬ال أحد يحلم كأحد‪،‬‬ ‫قصائد طوي‬ ‫ائد وحش بعد‪ :‬دم أبي‬ ‫عبارة عن ثالث ب هو الرابع شعر ًيا لر‬ ‫صة من سامء دمشق”‪.‬‬ ‫ن الكتا‬ ‫ب الرسدي “قطعة ناق‬ ‫جدير بالذكر أ ب‪ .‬والخامس بعد الكتا‬ ‫عندما مل تقع الحر‬


‫‪4‬‬ ‫‪18‬‬

‫سننام كلما أردنا‬ ‫االستيقاظ‬ ‫حيدر هوري‬

‫‪- 69‬‬ ‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2016 // 85 // 23‬‬ ‫‪2015‬‬

‫ثقافة‬ ‫لقاءات‬

‫رشفات عاطلة عن الشمس‪ ،‬لذا كانت روحي تنكر‬ ‫مشاهد االحتضار تستحيل الرؤى إىل‬ ‫ٍ‬ ‫بالريح الحزينة تحمل إيل رسالةً‬ ‫ُ‬ ‫فشعرت‬ ‫مرسحا كب ًريا للتناقضات‪،‬‬ ‫جسدي يف حيا ٍة صارت‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫خريفية الداللة وما أن وصلت الرسالة حتى امتألت القرية بالنحيب والعويل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لست أدري من أين جاءت كل تلك الغربان‪ ،‬ومن عزف كل تلك األلحان الجنائزية‪ ،‬كأمنا‬ ‫النفوس الواثقة بالحياة تسعى إىل الحقيقة‪ ،‬لكنني أشعر باالختناق والدوار‪ ،‬ملاذا يضيق‬ ‫عيل جسدي؟! بدأت أفقد توازين وأدركت عواملَ أخرى‪ ،‬يشء ما يشدين نحو األعىل وهو‬ ‫يشبه اللوعة‪ ،‬لكن قلة الحيلة يف إدراك الحالة تجعلني أسقط بعنف‪ ،‬فجأة أجدين أمام‬ ‫نافذ ٍة‪ ،‬أملح من خاللها أرسا ًبا من الطيور البيضاء‪ ،‬ليست حام ًما‪ ،‬لكنها تخفف عني أمل‬ ‫السقوط قلي ًال‪ .‬أصوات تلك الطيور تساعدين عىل نسيان باقي األصوات التي اندلقت يف‬ ‫سمعي دون استئذان‪:‬‬ ‫املاء الساخن جاهز‬ ‫ ‬‫أين الدلو؟‬ ‫ ‬‫ال تنسوا املسك والكافور‪ ،‬واألهم من كل ذلك القطن‬ ‫ ‬‫تم تحضري كل يشء‬ ‫ ‬‫البياض‪ ..‬البياض‪ ،‬ارتعشت لدى سامع هذه الكلمة‪ ،‬ورأيت عددًا من األصدقاء الذين‬ ‫أخذهم املوت مني‪ .‬الناس قلقون جدًا‪ ،‬هذه هي املرة األوىل التي أرى فيها الجريان‬ ‫واألقرباء محتشدين ألجيل‪ .‬فيض من املشاعر الغريبة تغزوين‪ ،‬فالح يل من بعيد رجالن‬ ‫يحمالن ً‬ ‫نعشا هادنته الزهور البيضاء ملفوفة برشائط سوداء‪ .‬يبدو أن صاحب النعش‬ ‫رجل ذو منصب وجاه فالحشود الكبرية تدل عىل ذلك‪ ،‬لكن حتى اآلن مل أعرف من هو‪.‬‬ ‫آلة التسجيل تقرأ آيات من القرآن بصوت القارئ (عبد الباسط عبد الصمد) صاحب‬ ‫الصوت الشجي‪ ،‬وبني لحظ ٍة وأخرى ينادي أحدهم‪“ :‬الفاتحة” ألزداد رع ًبا وفزعًا‪.‬‬ ‫أحسست بأنني مراقب لذا كان عيل أن أتسلل من بني الجموع‪ ،‬لكن الهلع والخوف‬ ‫مينعان قلبي ويجربانني عىل استكامل املراسيم‪ ،‬حاولت الهرب أكرث من مرة‪ ،‬عجزت‬ ‫فأطرايف كانت عاجزة ومتشنجة‪.‬‬ ‫غادرت الحشود إىل أن بقيت وحيدًا وابتلع الظالم املكان وساد الهدوء‪ ..‬صوت إمام‬ ‫القرية يرتدد يف سمعي‪“ :‬يا رب إنا نشهد أنه كان من عبادك الصالحني” ‪ ،‬فاطأمن قلبي‬ ‫ُ‬ ‫وشعرت بأنني حر طليق‪ ،‬فهممت بالركض أللحق بالحشود املغادرة‪ ،‬تعرثت وارتطم‬ ‫قلي ًال‬ ‫رأيس بصخرة قرأت عليها بعد الفاتحة اسمي وتاريخ الوفاة ويف األسفل “كل نفس ذائقة‬ ‫املوت” فأيقنت الحقيقة‪.‬‬ ‫ما أن متلكتني الدهشة حتى تذكرت‪ ،‬أنا ال أجيد القراءة‪ ،‬أريد ماء‪ ،‬فاملاء والحلم توأمان‬ ‫حقيقيان ال يفصلهام سوى الحقيقة‪ً ،‬‬ ‫حتم أنا أحلم‪ ،‬ال يشء منطقي يحيط يب حتى اآلن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫غدوت عرضة للرسقة من نفيس‪ ،‬حتام هي عدوى املوت‪،‬‬ ‫رمبا الحرب أفقدتني الكثري حتى‬ ‫قواميسا للذاكرة والعيون والليل ترجامنها‪.‬‬ ‫فاألشالء والجثث صارت‬ ‫ً‬ ‫أيتها الحرب اللعينة‪ ،‬أال يكفيك الواقع حتى تالحقي أحالمنا البسيطة‪ ،‬نريد أن ننىس‪ ،‬أن‬ ‫نزرع يف عيون أبنائنا وأمام خطاهم الفرح والسعادة‪ ،‬نريد للصور امللونة والرباقة أن تنمو‬ ‫كالسنابل يف حقول القلب‪ ،‬ال نريد االشرتاك مع الطغاة يف أحالمهم‪ ،‬نريد الحياة حتى‬ ‫تصبح أحالمنا واقعنا الجديد‪ ..‬عندها سننام كلام أردنا االستيقاظ‪.‬‬

‫ْ‬ ‫لم َع ُّ‬ ‫الزجاج‬ ‫أن ُت َع ِّت َق ُم ِّ‬ ‫عالء عودة‬ ‫مسافة ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ثابتة ب َ‬ ‫ثابتتي”‬ ‫“تفص ُل‬ ‫ني ْ‬ ‫ِ‬ ‫ني حقيق ّيت ِ‬ ‫ني أيِّ ُنقطت ِ‬ ‫ُ‬ ‫أمضيت آخ َر صحو ٍة يل –كامل ًة‪ -‬وأنا‬ ‫زلت هنا؟!‬ ‫هل ما ِ‬ ‫أستطيع أن أرى‬ ‫الخارج ع َّل‬ ‫زجاج نافذيت منَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أمسح َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫بوضوح ما ا ّلذي َ‬ ‫كان ُيبقيني يف ُ‬ ‫الغرفة‪ ،‬أر ِاهنُ‬ ‫–دون‬ ‫ٍ‬ ‫جوع إىل ويكي ِبديا‪َّ -‬أن ا ّلذي اخرتعَ “ ُمل ِّم َع الزُّجاج”‬ ‫ال ّر ِ‬ ‫كان يرتدي ّ‬ ‫نظارات‪ُ ،‬ك ّلام كانت ُغرفتُنا أصغر‪ ،‬ك َّلام‬ ‫الص ُ‬ ‫قيت بعيد ًة كنُقط ٍة ثابتة‪ ،‬ك َّلام‬ ‫مت‪ ،‬ك ّلام َب ِ‬ ‫تك َّث َف ّ‬ ‫مل يؤ ِّثر َ‬ ‫رشقي”‪،‬‬ ‫ذلك باملا ّر ِة يف “بع ِد‬ ‫ِ‬ ‫باب ّ‬ ‫منتصف ليلِ ِ‬ ‫ك َّلام َ‬ ‫تلميع نواف ِذ الغرف ِة –والنّظار ِة ِضمنًا‪ -‬مه ّم ًة‬ ‫كان ُ‬ ‫تعو ُز الكث َري من الجرأ ِة ِّ‬ ‫الشعر ّية‪ ..‬تخ ّييل؛ أك ُرث‬ ‫الحانات قيم ًة شعر ّي ًة ال ُ‬ ‫تفوق غرفتي مساح ًة بكثري‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫تلميع‬ ‫من‬ ‫تعبوا‬ ‫هم‬ ‫ن‬ ‫أل‬ ‫يجيئون‬ ‫الحانات‬ ‫اد‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫لكنَّ ر ّ‬ ‫ِ‬ ‫النّوافذ‪ُ ،‬يغلقُ ال ّل ُ‬ ‫الباب‪�ُ ،‬ث ّل ًة من الوحيدينَ‬ ‫يل علي ِهم َ‬ ‫ني م ًعا آن ًّيا‪ ،‬يذ ِر َ‬ ‫املجتمع َ‬ ‫ات من ُمل ِّم ِع‬ ‫فون قطر ٍ‬ ‫ُّجاج عىل ّ‬ ‫يفرحون َ‬ ‫َ‬ ‫نظارا ِتهم ا ُملغ ّرب ِة‪،‬‬ ‫ذلك النّوعَ‬ ‫الز ِ‬ ‫القلب خو ًفا ّ‬ ‫مم سيلي ِه من‬ ‫الفرح ا ّلذي ُي َق ِّب ُض‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫اك حقيق ِة الوحدة‪ُ ،‬‬ ‫هم أن َ‬ ‫يكون‬ ‫إدر ِ‬ ‫يقول امل َثل‪“ :‬ال ُي ُّ‬ ‫كان ُند َ‬ ‫ّجاج ا ّلذي ترش ُب ُه رديئًا‪ ،‬طاملا َ‬ ‫َماؤك‬ ‫مل ِّم ُع الز ِ‬ ‫َ‬ ‫شبهون ِوح َد َتك‪ُ .‬‬ ‫بوضوح –حينئ ٍذ‪ -‬عىل‬ ‫اك‬ ‫ُي‬ ‫كنت أر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫رف اآلخ ِر منَ املساف ِة الفاصل ِة بيننا؛ املساف ُة‬ ‫الط ِ‬ ‫ا ّلتي ُتح ّب َ‬ ‫وجهي‬ ‫ني واآلخر أن ُتغلقيها يف‬ ‫َ‬ ‫ني بني الح ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫الخط سليمة‪،‬‬ ‫هاتف لتتأ ّكدي َّأن حرار َة‬ ‫كسمع ِة‬ ‫ٍ‬ ‫وأن َّ‬ ‫وجواسيس العاملِ ُير َ‬ ‫َّ‬ ‫اقبون ُمكاملتَنا‪.‬‬ ‫كل ُفضول ِّيي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أنضح سذاج ًة‬ ‫بوضوح و ْمل أ ُكن‬ ‫اك‬ ‫كنت أر ِ‬ ‫ُ‬ ‫أحتاج أن َ‬ ‫ٍ‬ ‫زلت هُ نا؟!”‬ ‫إليك رسال ًة أبدؤها بـ “هل ما ِ‬ ‫َ‬ ‫وأكتب ِ‬ ‫ثم أم ِّر ُرها ع َرب النّافذ ِة إىل داخلِ غرفتي ليك أقرأها‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ني أصحو‪ ،‬هذا سيؤملني غدًا ح َ‬ ‫ح َ‬ ‫مازلت‬ ‫ني أصحو‪،‬‬ ‫أملِّ ُع نافذ َة ُغرفتي‪ٌ ،‬‬ ‫عمل ُيغ ِر ُقنا ً‬ ‫أيضا يف ال ّرياض ّيات‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫مسافة واحد ٌة‬ ‫تفصل بينهام‬ ‫ني‬ ‫أف ِّك ُر َّأن النّقطتني ال ّلت ِ‬ ‫أنت ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫قريبة للغاية‪،‬‬ ‫وليستا حقيق ّيتني‪ِ ..‬‬ ‫ثابتة وهم ّيتانِ َ‬ ‫ملتص ٌ‬ ‫قة صميم ًّيا بشكلٍ دائم‪ ..‬وكم أنا بعيدٌ‬ ‫برشا ُتنا ِ‬ ‫–رغم ثبا ِتنا‪ -‬مسافتانِ مُختلفتانِ ‪،‬‬ ‫تفص ُل بيننَا‬ ‫عنك‪ِ :‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫حقيقي يف ال ّرياض ّيات‪..‬‬ ‫ء‬ ‫يش‬ ‫رث‬ ‫أك‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫مو‬ ‫نٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وأنا ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫منت ج ّيدًا البارحة؟!‬ ‫عنك؟ هل ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأنت؟ ماذا ِ‬


‫يوميات ياسمين (‪)7‬‬ ‫سالم الغوطاني‬

‫لوحة للفنان ديالور عمر بعنوان “قصة الجئة”‬ ‫وجه “ماجد” ترسم له بالذكريات قارباً يطفوان به‬ ‫يف زمن الغرق الجامعي‪“ ,‬بتعرف شو كانوا يقلويل‬ ‫قرايبنا‪ ,‬من كرث األدوية يا “فريوز” اجاكن بضاعة‬ ‫صينية‪ ,‬ابنك بيشبه الصينيني بيظل متبسم‪ ,‬ضحاك‬ ‫مجودة القلب‪ ,‬ضحاك”‪ .‬قارب الذكريات س َّهل‬ ‫يا ّ‬ ‫ولع “ماجد” مبطحنة أبيه‪,‬‬ ‫موتها وأنساها أملها‪ُ .‬‬ ‫يساعد الزبائن بحمل األكياس‪ ,‬تعلم إصالح األعطال‬ ‫الطفيفة لآلالت‪“ :‬ليكو ابني والله مهندس ما بيعرف‬ ‫يصلحها”! ولسان حال الزبائن “الله ّ‬ ‫عوضك بعد كل‬ ‫هاملدة يا أبو ماجد‪ ...‬والله هاملطحنة ما عاد حلوة‬ ‫بدون ماجد ‪ ,‬وينو اليوم غايب”؟ و يجيب األب‬ ‫“عبيساعد أمو بالعزالة”‪.‬‬

‫“يلال كلكن قوموا وضبوا غراضكن‪ ,‬وصفوا تحت‬ ‫بالباحة‪ ,‬معكن نص ساعة‪ .‬ووراس اإلمام عيل‬ ‫ييل بيتأخر غري ك ّيسو وهوي عايش‪ ,‬وبدي ياكن‬ ‫صفوف منظمة مع أنو صعبة عليكن يا غنم‪ ,‬الزمل‬ ‫لحال و الرشام‪ ...‬مع والدهن لحال”‪ ،‬صاح بنا ذو‬ ‫األذن املقصوصة‪.‬‬ ‫كنا باملئات‪ ,‬انتظمنا وغيمة ال ّرعب املصاحب ِة لنا‬ ‫ٌ‬ ‫عجينة‬ ‫ترسم خطوط اصطفافنا‪ ,‬كام تريد‪ ,‬كأننا‬ ‫من الدمى املهرتئة يلعبون بها‪ .‬الشتائم نفسها‬ ‫التي تعودنا عليها‪ ,‬و الهراوات ا ُملدمية عىل رؤوس‬ ‫ا ّلرجال الهاتف ِة بإجبا ٍر لـ” بشار األسد “‪ ,‬التح ّر ُش‬ ‫بالنساء و الت ّلذذ بذلك أمام أعني أزواجهن‪“ :‬قولوا‬ ‫وراي يا عرصات‪ ,‬ال اله اال بشار”! وكل تلك‬ ‫ّ‬ ‫الطقوس املخمورة التي ترشب من أرواحنا‪ ,‬وتفتك‬ ‫بعظامنا‪ ,‬وتغتال الباقي من حياتنا‪...‬‬ ‫تناهى لسمعي أ َّنه سيتم ترحيل كل الرجال‬ ‫للمعتقالت‪ ,‬قفز قلبي من مكانه عندما رأيت‬ ‫“ماجد” ممسكاً بيد “أبو محيي” واقفاً معه بصف‬ ‫تجمدت ساقاي عندما سمعت أحد عنارص‬ ‫الرجال‪ّ ,‬‬ ‫األمن يقول وهو يشري لـ”ماجد”‪“ :‬ليك هالبياض‬ ‫شو رح ينبسط عليه أبو الياس”!‬

‫العدد ‪- 69 -‬‬

‫محيي” يجلس “ماجد” و الطأمنينة قد وردّت خد ّيه‪.‬‬

‫‪2016 / 5 / 3‬‬

‫صوت‬ ‫كليلٍ تزدا ُد ظلمته‪ ,‬ويتسع صمته‪ ,‬باحثاً عن ٍ‬ ‫يبدِّد وحشته‪ ,‬جلس “ماجد” ملتصقاً بزوج خالته‪.‬‬ ‫ما فتئت عيناه تبحث عن روح والدته “فريوز”‬ ‫مجود رح ظل‬ ‫متذكراً كلامتها قبل الوفاة‪“ :‬حبيبي ّ‬ ‫معك ما تخاف”‪ .‬ومودِّعاً جسدها كعصفو ٍر جفلٍ‬ ‫أضحى عاجزاً عن الطريان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫“عمتبيك يا عرصة عالرش‪”...‬؟! مخاطبا “ماجد”‪،‬‬ ‫وأشار لزميله ذس األذن املقصوصة “ك ِّيسها و زتها‬ ‫بالقبو لهالقحبة”‪ .‬ناظراً “ماجد” للباب‪ ،‬وما ك َّفت‬ ‫أذناه تتوهَّ امن سامع َ‬ ‫الطحان املعتقل‬ ‫صوت والده َّ‬ ‫أو املك َّيس أيضاً يف قبو مدرسة السواقة‪ ,‬فـ”فريوز”‬ ‫قد قالت له‪“ :‬شد حالك ماما‪ ,‬خليك بطل و قوي‪,‬‬ ‫ب َّيك ما بيتأخر ليطلع”‪.‬‬ ‫لعقم‬ ‫بعد عناء خمس سنوات من املتابعة الطب ّية ِ‬ ‫الطحان‪ ,‬واملشايف واملخابر و األدوية و التحاليل‪,‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الروح االلهي ِة‬ ‫حلم والديه‪ ,‬نفخة‬ ‫أىت “ماجد”‪ُ ,‬‬ ‫ِ‬ ‫صانع بسمتها بنهاية‬ ‫“بصارة الفرح”‪ُ ,‬‬ ‫داخل أحشاء َّ‬ ‫حرستها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رشوق ّ‬ ‫مس و غروبها ارتبطا لدى “فريوز”‬ ‫الش ِ‬ ‫باستيقاظه الباكر و نومه املتأخر‪ ,‬كتلة النشاط‬ ‫لحب‬ ‫الطر ّي ُة الغضة تلك سحرت هواها و ح َّولته ٍّ‬ ‫الطحان املفتون‬ ‫ٍ‬ ‫جارف طال الجميع م ّمن عرفها‪ ,‬و ّ‬ ‫بلقبه الجديد “أبو ماجد” انتصبت قامته مبجيء‬ ‫الصغري‪ ,‬بعد أن حناها أرق الليايل من خوف‬ ‫وحدته بالكرب “والله يا فريوز ما عاد يف خوف‬ ‫عكربتنا بكرا ماجد بيصري شب وبيعبي البيت‬ ‫أحفاد وحفيدات”‪.‬‬ ‫قبيل وفاتها بدقائق كانت يدها الحانية عىل‬

‫العينان املت َّيبستان لطفلٍ مل يتجاوز الحادي َة‬ ‫قلب صغ ٍري‬ ‫عرش من عمره مل تبالغا بالداللة عىل ٍ‬ ‫مرتجف يحاول عدم التّصديق‪ ,‬هارباً من وحدته‬ ‫ٍ‬ ‫لزوج خالته؛ فقد الزمه بالجلوس‪,‬‬ ‫بحنانٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فائض ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وحني خروج “أبو محيي” للحمم يقف “ماجد”‬ ‫منتظراً عودته بابتسام ٍة بلهاء‪ ,‬ومع عودة “أبو‬

‫‪19‬‬

‫‪ ...................................‬يتبع يف العدد القادم‬

‫شهادات‬

‫‪#‬حلب_تحرتق‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.