نصف شهرية ،سياسية ،ثقافية ،مستقلة
العدد 74 2016 / 8 / 2
أنتم بخير؟ ما هو سبب القصف؟!
مجلة مستقلة ،تعنى بشؤون الثورة السورية ،نصف شهرية ،تطبع وتوزع داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج
2
أنتم بخير؟ ما هو سبب القصف؟! نصار افتتاحية بقلم أسامة ّ
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
يدعمنا تضامن األصدقاء واملح ّبني مع املجلة والعاملني فيها بعد تعرض مكتب طلعنا عالحرية يف الغوطة الرشقية للقصف بالطريان الحريب ،كام تدعمنا أيضاً استفسارات املتابعني عن موعد اإلصدار القادم ،واحتجاجات ق ّراء لعدم وصول املج ّلة مطبوعة ملناطقهم .باإلضافة للتفاعالت والتعليقات عىل موقع وصفحات املجلة .وال منلك غري الشكر واالمتنان ومبادلة املشاعر واملواقف لكل هؤالء. ليست املرة األوىل التي يتعرض فيها مكتب طلعنا عالحرية للقصف ،وال نعرف إن كان مستهدفاً بذاته مع تجمع املؤسسات املدنية املجاورة ،أم أنه جزء من حرب األسد وحلفائه عىل البلد وأهلها. بني أسئلة كثرية تتأكد من سالمة الجميع ومعنوياتهم ،مي ّر سؤال بعد كل مناسبة مشابهة: (ما هو سبب القصف؟)! مل يعد يزعجنا أننا بالنسبة لكثري من أصدقائنا اإلعالميني ونشطاء حقوق اإلنسان يف العامل الغريب خاصة -جزء من الوظيفة؛ يوثقون مآسيناويتابعونها ،وهم يف مكاتبهم ليقبضوا رواتبهم. ما هو سبب القصف؟ سؤال بسيط وشائع ..وغبي!
رغم أن اإلصابة مبارشة إال أن الجميع بخري ،فام عدا إصابتني خفيفتني لطفلني من الجريان ،مل تنجم عن الرضبة إال أرضار مادية. إصالح أو تغيري الشبابيك واألبواب وكثري من قطع األثاث ،إزالة األنقاض وتنظيف الغبار والشحار ،ترقيع خزانات املياه ،إعادة وصل خطوط الكهرباء واملاء ،إعادة ضبط الستااليت (أو جهاز االنرتنت إن وجد) ..غسل كل يشء من الغبار ورائحة البارود ..وغريها ،مهام روتينية اعتاد عليها كل السوريني يف املناطق الخارجة عن سيطرة النظام .وطاملا الخسائر يف املمتلكات ،فنحن -بفضل من الله -بألف خري، وعليه العوض. ما هو سبب القصف؟ وهل هناك أي يشء يف العامل ميكن أن يستدعي قصف مدرسة؟ أو مستشفى أو سوق شعبي أو جامع أو منطقة سكنية؟ أو مؤسسة تقدم الخدمات للسكان ..أو مكتب مج ّلة! ما هو سبب القصف؟ مل يعد يقترص طارحو مثل هذا السؤال عىل الصحافيني الغربيني أو املغرضني ..بل من املمكن أن تسمعه من زمالء سوريني وثوريني! وأكرث من ذلك ،فإنه من الشائع أن يع ّلل سكان املناطق
www.freedomraise.net
التي تتعرض لقصف مفاجئ أو غري اعتيادي من النظام ،بأن األخري (أكل قتلة) عىل جبهة كذا كذا ،وهذا ردّه! ً رهيب! يخرس النظام موقعا مبعركة عسكرية، فري ّد بقصف مدينة (قد) يكون فيها عسكر، لكنّ فيها سكاناً ليسوا عسكراً .واألرهب أن يصل االستالب باملدنيني سكان املنطقة املقصوفة إىل أن يتفهموا سبب تعرضهم للقصف وخراب بيوتهم عىل رؤوسهم! ال يجعل شيوعُ قصف املدن عىل أهلها منه أمراً مباحاً وال نزيهاً ..عىل اإلطالق .فتكرار الخطأ ال يجعله صحيحاً أو طبيعياً .وإمنا يجعله خطأ كبرياً .أو خطأ شائعاً .مهام كان مرتكبه. والقتال وإن كان البدّ ،فيكون للمقاتلني ،تقاتل من يقاتل ..فقط .وليس أهله أو من يسكنون منطقته .أو حتى من يوالونه دون أن يشرتكوا يف القتال. ما هو سبب القصف؟ ً األسوأ من السؤال أن نجد مربرا لطرحه ،ونجتهد يف إيجاد جواب له. ما هو سبب القصف؟ بسيط وشائع وغبي… ونذل!
تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت
كلمة
facebook.com/freeraise
مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية ويف بعض مخيامت اللجوء معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان نصار أنور البني أسامة ّ
قسم املرأة يارا بدر
رئيس التحرير ليىل الصفدي املحرر االقتصادي وائل موىس
twitter.com/freedomraise info@freedomraise.net
كاريكاتري الغالف زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية سمري خلييل سمري خلييل -هاين عباس رزان زيتونة -ناظم حامدي
في خطورة قرار النصرة وأهميته 3
ماهر مسعود
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
مقاالت
منطقياً وعقلياً وأخالقياً ،ليس هناك أي جديد يف ّ و”فك ارتباطها بالقاعدة”، تح ّول جبهة النرصة فمن يصدِّق أن املنهج الرشعي والعقائدي لجبهة النرصة قد تغري بتغيري االسم ،ال يختلف بتاتاً ع ّمن يصدُّ ق أن األسد قد يتحول ليصبح دميقراطياً ،أو من صدَّق وقال سابقاً إنه “رئيس رشعي منتخب دميقراطياً”. لكن باملعنى السيايس والرباغاميت ،فإن التغيري الذي قامت به النرصة ليس تغيرياً شكلياً ،والقرار الذي اتخذته هو قرار هام عىل قدر ما هو خطري ،وهو قرار يفتح األبواب عىل املجهول وغري املتوقع ،ويزيد من خلط األوراق والتعقيدات الحاصلة عىل املستويني الداخيل والخارجي. رمبا يعلم الجميع ،أن جبهة النرصة مل تقم بأي عمل إرهايب أو مقاتل خارج سوريا ،وأن الغالبية العظمى من مقاتليها سوريون ،وأن الوجهة األساسية لعمليات النرصة الحربية كانت ضد النظام السوري ،وض ّد فصائل الجيش الحر أيضاً ،وأن املناطق التي يقصفها العدوان الرويس األسدي هي مناطق سورية ليست خاضعة بالكامل لسيطرة النرصة ،وأن الغالبية العظمى من الضحايا هم مدنيونّ ، وجل التدمري الحاصل هو للمنشآت املدنية واملشايف واملدارس ،كام أن جبهة النرصة تقيم التحالفات الصلبة مع غريها من الفصائل اإلسالمية املعتدلة وغري املصنفة إرهابياً ضمن “جيش الفتح” والجبهة الشاملية والجنوبية.. ّ وكل ما سبق يشري إىل أن النرصة مل تشكل ومل تكن منذ بدايتها خطراً عىل الخارج ،بل كانت وما زالت ،خطراً عىل الداخل السوري وحده، ورمبا كانت (قبل ظهور داعش عام )2013من أكرث أعداء النظام املفيدين له سياسياً وعسكرياً، ولكن يف هذا كله ما يحيل إىل أن السبب املوجب دولياً العتبار النرصة منظمة إرهابية؛ أي ارتباطها بالقاعدة ،قد سقط اليوم ،ويحيل أيضاً إىل أن مشكلة جبهة النرصة هي مشكلة سورية داخلية يقع عىل عاتق السوريني وحدهم حل ّها، وهي مشكلة “باقية وتتمدد” طاملا أن ا ُملس ِّبب األول للمشاكل املتعددة ،وا ُملخرب األول واألكرب لسورية مستم ٌر عىل رأس السلطة ،ومستقطب لكل أنواع الغزو واالحتالل واإلرهاب املمكنة.
من السذاجة السياسية مطالبة النرصة بتغيري عقيدتها ،وهو ما يعلم الجميع أنها لن تتغري بج ّرة قلم أو بكشف الجوالين عن وجهه وإزالة حجابه، لكن من السذاجة والدناءة انتظار تصفيتها بالقوة عرب العدوان الرويس األسدي ،وهو ما يتسابق عليه الكثريون من أهل املعارضة قبل املواالة، وهو أيضاً ما يعلم الجميع أنه لن يحصل قبل تحويل مدن بأهلها مثل حلب وإدلب إىل “مزارع بطاطا” عىل ما يتغنّى به موالو األسد املهللون لحصار حلب اليوم. رسالة الجوالين موجهة للداخل قبل الخارج ،فهو يعلم متام العلم ،أن االتفاق الرويس األمرييك قد يدفع الفصائل األخرى لالبتعاد عن النرصة، ورمبا يدفع مقاتليه للتخيل عنه واالنسحاب نحو الفصائل “املعتدلة” باملعيار األمرييك ،وأن الضغط الشعبي سيتزايد ضدّه مع تزايد القصف، ا ُملست ّه ِدف للمدنيني قبل العسكر ،يف مناطق انتشار الجبهة ،وأن الدول الداعمة لن تتمكن من فتح فمها أمام الرشعية الدولية املستحصلة لقصف اإلرهاب القاعدي والداعيش ،ولذلك فإن قرار النرصة يضع الداخل والخارج أمام استحقاقات جديدة ،فمع التخيل عن القاعدة والبعد العاملي للنرصة (حتى ولو كان شكلياً)،
يو ِّرط الجوالين جميع الفصائل األخرى واألهايل معه يف مواجهة العدوان القائم واالتفاق األمرييك الرويس الجديد ،ويسحب الذرائع؛ الشكلية أيضاً، التي يقدمها التحالف الدويل لقصف املناطق الواقعة تحت سيطرة املعارضة. باملعنى السيايس ،ال يجب عىل املعارضة الوقوف يف الصف األمرييك الرويس األسدي ذاته ،وهو املوقف الذي يشكك وال يرحب بخطوة النرصة باعتبارها خطوة شكل ّية ،والذي يعترب يف العمق أن جميع الفصائل اإلسالمية هي فصائل إرهابية البد من استئصالها بالقوة ،وهذا بالضبط ما يقوله األسد وحلفاؤه للغرب وللسوريني أيضاً. قليل من َّ التحل باملسؤولية األخالقية والسياسية تجاه من تبقى عىل قيد الحياة يف سوريا ال يرض، فإن كانت النرصة مشكلة كبرية للثورة ،وهي كذلك ،فهذا ال يعني االستنجاد بجميع أعداء الثورة الستئصالها مبن فيها ومن هي بينهم ومن يعانون منها أكرث من غريهم .وأما العيش يف بحر املثاليات الثورية للمراقبني “الثوريني” يف الخارج والداخل ،وكأن الثورة يف بداياتها السلمية ،أو كأنها ثورة ضد نظام مالئيك مسامل ورشعي ،فهذا ما نرتكه ملن يريدون إخراج الواقع من رأسهم، وعدم إخراج رأسهم من الواقع ،وما يقع.
4
جديد الفظاعة ُ شوكت عرز الدين
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
مقاالت
حدثان إرهاب ّيان؛ أحدهام يف مدينة “نيس” الفرنس ّية ،والثاين يف مدينة “حلب” السور ّية: إرها ٌيب يقود شاحن ًة ويدوس “عد ّوه البعيد” من البرش ملسافة اثنني كيلو مرت ،وزمن يتجاوز ثالث دقائق ،وآخر يح ُّز عنق “عد ّوه القريب” ملدة تتجاوز ثالثني ثانية! فهل من جدي ٍد يف هذين الفعلني الفظيعني؟! الجديد جديدان؛ جديدٌ يف زمن فعل القتل الذي استهلكه القاتل ،وجديدٌ يف غياب “مبدأ الهوية” أثناء تربير القتل يف الحادثتني! والفظاعة فظاعتان أيضاً؛ فظاع ُة القتل نفسه ،وفظاع ُة تربيره! الجديدُ بهذا الفعل الفظيع هو استمرا ُر فعل القتل مع الزمن وكأنه “نشاط”؛ كاللعب والسباحة والعزف ،يف حني كان القتل سابقاً ،كحالة ال ٌ نقطة واحدة يف محور الزمن :فقطع كنشاط، الرقبة بالسيف لحظة ،وتفجري الجسد باآلخرين العاملي” لحظة لحظة ،وصدم طائرة لربج “التجارة ّ كذلك ..بينام ح ّز الرقبة لحظات متوالية! ودهس البرش كذلك! كزمن جديدُ الفظاعة وغرابته هو جديد القاتل ٍ مستم ٍر يف حالة القتل .وينقلنا هذا الجديد من حال ٍة ناطقة بذاتها البشعة والفظيعة إىل “نشاطٍ ” يدوم لحظات عدّة ُمع ِّمقاً البشاعة والفظاعة ُ لحظي ففعل القتلِ بذاته ،عاد ًة، لدرجة نوع ّية! ٌّ وحا ٌّيل وآ ٌّين يف خط الزمن املمتد إىل ما ال نهاية له ،وليس ٌ فعل ممتدٌ ا ومستم ٌرا عىل هذا الخط. ُ فالقتل كفعل مستمر أو كنشاطٍ مع تغري الزمن يختلف عن القتل كحالة يف لحظة زمن ّية ُمقتطعة؛ القتل الثاين نقطة يف خط الزمن ،بينام القتل األول عدة نقاط مستمرة! ً من هنا ،استوقفني جديد اإلرهاب مؤخرا! وينبع هذا الجديد من تناقضه مع ال ّلغة الراسخة واملقعدّة وعبت واملقوننة التي متاشت مع “القتل-اللحظة” ّ عنه ووضعت له القواعد ،ولكنها مل تنتبه “للقتل- االستمرار” أل َّنه جديدٌ ! وكذلك ينبع الجديد من غياب “مبدأ الهوية” عن محاوالت التفكري يف هذا القتل الفظيع وتربيره والبحث يف أسبابه وإلقاء املسؤولية عىل أعداء أساسيني .فطاملا َّأن ما هو ليس هو ،أو اليشء ليس نفسه ،سينتج عن غياب “مبدأ الهوية” ،الذي يفيد الخروج من االختالط، تنامي حضور “مبدأ املخلوطة”! وهذا ٌ مبدأ ال ُيقيم املعرفة باليشء من جهة ،و ُيذهب بطريقه
مسؤولية النفس الفرد ّية أدراج الرياح من جهة. وأل َّنه ال تقدم بدون فكرة الجديدَّ ، وألن التقدم ميكن ْأن يكون بالقتل والتدمري كام ميكن ْأن يكون بالوالدة َ والتعمريَّ ، فإن القتل كنشاطٍ مستمر وكفعل ممتد هو ٌ حالة جديدة وغريبة متقدمة عىل سابقاتها من أفعال القتل. ّ ال يجوز مث ًال بقواعد اللغة اإلنكليز ّية أن أقول :أنا أدهس البرش اآلن وما زلت أدهسهم ،أو أنا أح ُّز عنق فالن اآلن وما زلت أحزّه ،أو أنا أقطع إصبعي اآلن وما زلت أقطعه. دهس وح ّز وقطع ..انتهى الفعل بدون استمرار زمني كنقطة معزولة .أما كلحظة غري ممتدة ّ زمانياً يجوز أن أقول وأعرب عن هذه األفعال ،ولكن كفعل ونشاط مستمر ال يجوز ذلك ُلغوياً رغم حدوثه العيا ّين مؤخراً .وأل َّنه ال وقائع تاريخ ّية تشري إىل عكس هذه املفارقة يف املايضُ ،بنيت القاعدة ال ّلغو ّية عىل هذا الشكل .أما اآلن ،وبعد وقوع الحدثني ،اعتقد أ َّنه يجب تصحيح القاعدة النحو ّية التي ال ُتجيز هذا التعبري؛ ألن هناك واقعتان ،عىل زمني بفعل األقل ،وقعتا وفيهام استمرار وامتداد ّ القتل و”نشاطه” .وكتقريب للفكرة نجد ال ّلغة فاضل بني حاالت املوت وال بني العرب ّية مث ًال ال ُت ِ حاالت الوجود كذلك؛ فال نقول فالن أموت من فالن أو فالن أوجد من فالن! فال ّلغة بنت الوجود االجتامعي للبرش ،و ُتعرب عن هذا الوجود .وعندما منحى جديداً تتجاوب ينحو الوجود االجتامعي ً ال ّلغة مع الجديد وتسعى للقبض عليه ومتثيله. وكطرف ٍة عىل تجاوب ال ّلغة ،تداول السور ّيون َ فعل “انتحروه” للقبض والتعبري عن واقعة قتل عب عن “محمود الزعبي” الذي قيل إ َّنه انتحر ،ل ُي َ انتحاره بفعل فاعل هو سجانه! ال يجوز يف الفعل املستمر ( )continuousالتعبري عن القتل ألنه فعل غري مستمر ،فكيف صار مستمراً؟! هذا ما أدعوه جديد الفظاعة .أي أننا أمام فعل مخالف ألوجه إنتاج البرش لوجودهم عرب آالف السنني. أما عن الجديد يف التعبري والتفكري عن الحادثتني يف مواقع التواصل االجتامعية االفرتاضية ،فهو تفكري ال
ُيقيم معرفة لغياب “مبدأ الهوية” يف هذا التفكري. فبدالً من اإلشارة إىل النفس الفرد ّية التي قامت بالفعل ،يتم اإلشارة إىل النظام السوريّ واإليرا ّين والرويس مث ًال ،أو إىل دين القاتل أو طائفته أو ّ جنسيته .فاليشء هو نفسه أو ما هو هو؛ أي “أ هي أ” يف الصيغة الرمز ّية ،وليس خفياً َّأن هذا املبدأ ٌ أرسطي يتجاوز عمره األلفية الثانية. مبدأ ٌّ ولكن غيابه يؤكد غياب مسؤولية النفس الفرد ّية التي طاملا أكد عليها دين الله الواحد؛ اليهودية واملسيحية واإلسالم .ويؤكد أيضاً عىل االختالط؛ اليشء الذي يق ِّوض إمكانية املعرفة وإمكانية الحكم املعريف وإمكانية تحميل املسؤولية فيبقينا يف االختالط ضائعني. وهذا يؤسس ملامرسة جدي ِد الفظاعة هذا، والتأقلم معه عن طريق التغذية الراجعة .ونالحظ ِ فيه ذهاب الخوف والقرف والخجل وتنامي الفخر واالعتزاز بالفعل الفظيع. هنا ال أناقش القتل عموماً ،بل جديده ،وال أناقش التعذيب ،بل فعل القتل كفعل مستمر يتناقض مع إنتاج الحضارة اإلنسانية التي مل ُتبح التعبري عنه قب ًال لغيابه يف املامرسة ،وما ظهوره اآلن إال يف سياق “ما بعد حدايث” جديد كل الجدة عام ألفناه سابقاً .إ َّنه التحول من الحالة إىل النشاط! بالطبع لسنا هنا يف سياق تطوير اللغة وجعلها عب عن حاالت الحارض الجديدة ،ولكننا نؤرش إىل ُت ِّ منو الفظاعة الجديد ،غري املألوف يف تاريخ البرش، ونؤرش عىل ضحالة النظارات التي نضعها ونرى األمر الفظيع والبشع يف جديده رؤية منط ّية تنتمي للربوباغندا الحضارية ،بدون رفع قيمة اإلنسان فوق جميع القيم كغاية أوىل.
تصورها عن أشياء ال يمكن ّ عماد العبار
العدد - 74 -
مل تكن احتامالت التعذيب غائبة يف األصل عن حسابات املتهم ،بل اتضح أ ّنها كانت أداة يف يده ،وهو الذي أختار أن يكون يف مكانه ذاك عىل كريس التعذيب، ل ُيظهر أمام األمريكيني الذين يشهدون مذبحه ،الوجه الحقيقي ألمريكا؛ أمريكا املستعدّة لفعل ذات األفعال الوحش ّية التي تعيب عىل اآلخرين فعلها ،إن شعرت بالتهديد ..فقد تفعل ذلك مع مواطنيها إن تطلب
2016 / 8 / 2
باملتخصص التابع لليس آي إي.. التعذيب الوحشية ،مم ّثلة ّ
مقاالت
،Unthinkableهو اسم لفيلم أمرييك صدر يف العام متخصص قصة خبري عسكري أمرييك ّ ،2010ويحيك ّ باملتفجرات والقنابل الذر ّية .يعتنق اإلسالم ،بعد أن ّ ً كان منتدبا للعمل يف بالد إسالمية متف ّرقة كالعراق، وأفغانستان ،وإيران .ويعتنق معه نظرة عموم العامل اإلسالمي تجاه وطنه األم ،أمريكا. يق ّرر الرجل االنتقام من أمريكا ،ليس هذا فحسب ،بل و إظهار الوجه الحقيقي لها ،فيقوم بتجهيز ثالث قنابل نووية يوزعها عىل ثالث واليات أمريكية ،بهدف إيقاع ثم يقوم يوسف ،وهو االسم أكرب عدد من الضحاياّ .. الجديد لألمرييك بعد اعتناقه لإلسالمّ ، ببث تسجيل يعلن فيه لألمريكيني عن اعتناقه لإلسالم ،وعن ّ خطته، وعن مطالب محددة سيعلن عنها يف وقت الحق.. متخصص يف التعذيب النتزاع ُيعتقل الخبري ،و َيحرض ّ االعرتاف منه حول أماكن وجود القنابل قبل قدوم موعد انفجارها ،و يبدو الفيلم ،للوهلة األوىل ،كام ٌ كالسييك تقدِّم فيه هوليود اإلسالم كمثال فيلم لو أ ّنه ٌ للوحشية ،و ُتظهر أمريكا كضح ّية تنترص يف آخر املطاف، املوجهة. كام هو معتاد يف هذا النوع من األفالم ّ لكنّ النصف الثاين من الفيلم يأيت صادماً ،ومخالفاً للتوقعات ،فبينام يعتقد املشاهد ّأن املتّهم هو الذي وقع يف قبضة املخابرات األمريكية ،يظهر له بعد ذلك ّأن العكس هو الصحيح ،متاماً! إذ يتّضح ّأن ِّ املخطط لسري األحداث .و ُتظهر املتّهم “اإلرهايب” هو مجريات التحقيق ،الذي يتحول تدريجياً إىل تعذيب تقصد عدم التخ ّفي يك ُيسهّل وحيشّ ،أن الرجل قد ّ مهمة العثور عليه ،وأ ّنه كان يعلم جيداً باملصري الذي أتم االستعداد لذلك أيضاً.. ينتظره ،وكان عىل ّ تتصاعد وترية التعذيب ،ويبدأ تقطيع أصابع املتهم الواحد تلو اآلخر ،مع جرعات متناوبة من الكهرباء واإلرهاق ،وبق ّية مامرسات التعذيب التي تجري عىل متخصص يف انتزاع االعرتافات ،واألعضاء أيضاً.. يد خبري ّ القصة؛ محور يشكل ته، ي بوحش هذا، التحقيق ومشهد ّ ّ ً ً ففيه يظهر املتهم مستعدا جيدا لتل ّقي أش ّد أنواع التعذيب .يظهر أيضاً وجه أمريكا امليضء ،ممث ًال بعميلة اإلف يب آي ،والتي تعجز عن إيقاف آلة
األمر ،بعد نزع صفة املواطنة عنهم ،وانتزاع كامل حقوقهم الدستورية واإلنسانية معها.. تطلب العميلة من املتهم إثبات جدّيته ،وصدق ادّعاءاته املتع ّلقة بتلك القنابل ،ويح ّقق لها ذلك، ولكنّ ذلك سيك ّلف سقوط 53ضح ّية ،بينهم أطفال ونساء .وهنا ينقلب الوجه األمرييك الناعم إىل وجه آخر ،وحيش وعنيف .متسك العميلة بيدها سكني الذبح وتبدأ بغرز رأسها يف جلد اإلرهايب ،الضح ّية هنا.. وهنا يحدث حوار تختلط فيه األدوار بني املجرم والضح ّية .يقول املجرم “الضح ّية”: أتقولون إنني همجي؟ إذاً ماذا تكونون أنتم؟ وتنتظرون منّي الحزن عىل موت 50مدين؟ وأنتم تقتلون هذا العدد يف كل يوم... ّمثة مشاعر متخ ّبطة ال ب ّد ّ وأن تشعر بها إن شاهدت القصة قبل الثورات العربية؛ ال ب ّد وأ ّنك تق ّمصت ّ ثم مل تلبث الشخصية األمريكية املهدّدة باإلرهابّ ، أن تق ّمصت شخصية اإلرهايب الذي ح ّوله التعذيب ثم تفاعلت مع من متثل الوجه الهمجي إىل ضح ّيةّ ، القانوين ألمريكا ،ثم عدت إىل ّ صف الضح ّية “املجرم سابقاً” وتعاطفت معه يف وجه من مي ّثل آلة التعذيب األمريك ّية ،ثم اكتشفت من السياق ّأن الوحش املتخصص بالتعذيب ما هو يف األصل سوى سجني مالحق ،وال ميلك الخيار ،وال يستطيع تبدي ًال.. ولكن حني تعيد مشاهدة الفيلم يف عرص الثورات، تحديداً بعد مرور أكرث من خمس سنوات عىل الثورة السوريةّ ، فإن التفاعل عىل املستوى الشعوري لن يكون كام كان عليه يف امل ّرة األوىل ..ومن غري املمكن أن مت ّر عىل أحداثه بدون مقارنة مع الواقع املرعب.. فيام سبق ،كان ملشاهد التحقيق والتعذيب الهوليودية تأثري مهول عىل من مل يعاين تجربة االعتقال يف أقبية املخابرات السور ّية ،أو مل ي َر ،أو يقرأ شيئاً عنها .لكن بعد الثورة السورية أصبحت تلك املشاهد :ال يشء، حرفياً! مقارنة مبا جري ويجري يف سوريا. ّ هل كان أسوأ مشهد رأيناه يف الفيلم املؤثر هو مشهد تقطيع األصابع؟ أم قطع العضو الذكري للمتهم؟ أم اللسعات الكهربائ ّية واإلرهاب النفيس؟ أليست هذه املشاهد نذراً يسرياً ّ مم رأته أعني األمهات واآلباء عىل أجساد أوالدهم بعد استالمهم للجثامني، أو ما بقي منها؟ فهل ننىس عالمات الحقد عىل جسد الشاب غياث مطر ،و آثار الهمجية عىل جسد الطفل حمزة رسبت الخطيب ،وما رأيناه يف آالف الصور التي ّ لضحايا أقبية الشيطان.. أم ّأن أقىس املشاهد كان مشهد ذبح زوجة املتهم أمام
عينيه؟ أم محاولة قتل أطفاله كخيار أخري؟ هل نذكر هنا مشهد الرجل الحلبي الذي كانت عنارص من جيش األسد يساومونه عىل رؤية أطفاله ،مقابل السامح لهم باغتصاب زوجته ،وكيف كان يجيبهم بعبارة تعجز هوليود عن اإلتيان مبثلها“ :مريت روحي.. بنت عمي وتاج رايس” ...إىل أن ُقتل سح ًال بني األقدام.. أم نذكر ،عىل سبيل املقارنة الالشعورية ،آالف اللوايت اغتصنب يف أقبية التعذيب ،أو أثناء املداهامت ،أو اللوايت قتلن بعد اغتصابهنّ أمام أعني اآلباء و األ ّمهات، أم نذكر كيف ُذبح العرشات من أطفال الحولة، ومثلهنّ يف مجزرة بانياس ،وأكرث من هذا العدد يف مجزرة الكياموي يف الغوطة الرشق ّية؟! بأن هوليود قد فقدت جزءاً ال مناص من االعرتاف ّ كبرياً من متابعيها يف رشقنا الحزين ،ومل يعد ملشاهدها القاسية تلك القدرة عىل رفع منسوب األدرينالني يف عروقنا .لقد فقدت أجسادنا ميزة القشعريرة أمام هول املشهد .حتى شعور الحقد الذي كان ينتابنا تجاه مم ّثل ّ الرش ،أو آلة التعذيب ،مل يعد كام كان يف السابق.. لألسف ،ما حدث يف سوريا تجاوز حدود الخيال القصة امي يف هوليود .فالتعذيب ،الذي ت ّربره ّ اإلجر ّ بالخطر الوجودي الذي يهدّد الشعب األمرييك ككل ،مل يكن له ما ي ّربره عىل اإلطالق يف حالة شعب مل يطلب بادئ األمر أكرث من اإلصالح ومزيد من الحريات السياس ّية ،فكان التعذيب املمنهج موجهاً ض ّد أكرث ّية الشعب للحفاظ عىل فئة حاكمة ،وليس للحفاظ عىل القصة... استقرار الشعب أو األ ّمة ..كام يف ّ ولكنّ ،مثة مفارقة غريبة يف تشابه مآالت التعذيب.. ّمثة نهايات متشابهة جمعت بني ما ال ميكن تص ّوره يف القصة وبني األشياء التي ال ميكن تص ّورها يف الواقع؛ ّ القصة الهوليودية أفلح التعذيب الجسديّ ، ففي ّ والنفيس :ذبح الزوجة ومحاولة قتل األطفال ،يف انتزاع ّ االعرتاف مبكان القنابل النووية الثالثّ .إل ّأن املتّهم استطاع االنتصار عىل ّ جلده آخر األمر ،فقد انتحر قبل أن ُينتزع منه االعرتاف بوجود القنبلة الرابعة ،والتي للقصة.. يصل عدادها إىل الصفر مع اللحظة األخرية ّ سقط التعذيب ،وانترص اإلرهايب ،أو الضح ّية ،ال فرق! وكذلك األمر يف املذبحة السور ّية ،فلقد أفلحت أصناف التعذيب ،التي مورست يف ظلامت أقبية املخابرات، يف انتزاع الكثري من االعرتافات من أجسا ٍد عىل حا ّفة املوت ،لكنّ آلة جهنّم أوصلت عدّاد القنبلة البرش ّية إىل الصفر أيضاً ..كانت تلك لحظة انتهاء الثورة السلم ّية تم معها قطع شعرة معاوية ،بل و أطرافه أيضاً.. التي ّ قصتنا ،فنحن نعيشه اليوم.. أ ّما ما تب ّقى من ّ
5
اإليكونيميست:
6
“دمشــق المدينة األس ــوء للعيش في العالم” هل هي الشــام حقًا؟! يارا شامية
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
مقاالت
حني تتجول يف شوارع دمشق ترى وجوه األهايل قاسية قلقة ،وعابسة ال تبتسم ليشء .فمدينة الياسمني غدت مدينة أشباح ميلؤها الذعر والخوف ،ويسود يف أجوائها صوت القذائف ودوي الطائرات الحربية ،تكبلها الحواجز األمنية، وتخنقها زحمة مرورية واكتظاظ سكاين هائل. حيث تقدر الحواجز بنحو 300حاجز موزعة مبختلف أنحاء العاصمة ،فض ًال عن قيام النظام بإغالق عدة طرقات رئيسية توجد فيها أفرع أمنية تابعة لها ،ما خ ّلف أزمات نقل حقيقية. يف السياق ذاته تقول “رميا” طالبة جامعية تقطن حي امليدان“ :احتاج ساعتني يك أصل لكليتي يف املزة” حيث تبدأ رحلتها بباص “هرشو” الذي ال يلبث أن يقف يك يتهافت الركاب عليه ،وقلة منهم يحظى بكريس للجلوس ،ثم يعرقل طريقه حاجز جامع الحسن ،الذي يسبب فوىض كبرية نتيجة حساسة من جهة ،وألنه متركزه بعقدة مرورية ّ كائن تحت جرس امليدان من جهة أخرى. بعد ذلك عليك أن تقطع حاجز الشويكة ،ما يستغرق قرابة النصف ساعة ،وصوالً لشارع خالد بن الوليد الشديد االزدحام ،إىل أن يصل الباص لجرس فيكتوريا ،فيصبح االمر أكرث سهولة. من جانب آخر ،يعاين سكان دمشق من أزمات معيشية تتعلق بالهجرة وغالء األسعار؛ فمع تدهور اللرية السورية تراجع متوسط رواتب املوظفني إىل نحو ،70$يف حني تحتاج األرسة السورية ملئتي دوالر بالحد األدىن لتعيش “بالكفاف” ناهيك عن تكاليف السكن؛ فإن كانت األرسة مهجرة تحتاج بني 100إىل 200دوالر شهرياً أجرة شقة فقط. السيد أبو محمد نزح مع أطفاله الثالثة من حي القابون ،يقول“ :طلعنا من بيتنا بالتياب اليل علينا” ويضيف“ :استأجرت شقة مبساكن برزة بـ 60ألف” عل ًام أن دخله ال يتجاوز الـ 90ألف، يقول أبو محمد“ :هالبلد صفيت للحرامية وبس”! وعند سؤاله عن ظروف معيشته يجيب“ :ساترها الله ..شو الحل؟ أرخص من هيك بيت ما يف ..والله
اللحمة من سنة ما فاتت بيتي ..والديون عم ترش مني”. أما أبو هاين فنزح من دوما مع خمسة أوالد وأم مصابة بشظايا قذيفة وقعت قرب داره ،يقول: “سكنت بغرفة يف بساتني الرازي ..الفريان ما بتسكنها”! تلك الغرفة مل تسلم من “إصالحات األسد” ،يضيف أبو هاين“ :قالوا يف تنظيم ..طلعونا
بدون أي تعويض ..وصفيت أنا وعيلتي بالشارع”“ ..ما يف أرسع منهم باله ّد بس ليعمروا بدهم مليون سنة”.
تنظيم! وأي تنظيم ذاك الذي يلقي مبئات النازحني للطرقات؟ وهل حقاً الوقت مناسب للتنظيم أم هو إعادة توزيع دميوغرايف للسكان مبا يتناسب مع أهواء النظام السوري؟ ملا مل يكن التنظيم يف املزة 86مث ًال؟ الجواب مبنتهى البساطة برسم العصبة الطائفية ،واألكرث سخفاً جواب محافظ دمشق برش الصبان ،يف حديثه إلذاعة دمشق عن هذه املسألة، قال إن “أغلب أهايل بساتني الرازي لديهم أقرباء باملزة شيخ سعد ،بإمكانهم أن يقطنوا عندهم. حال أبو محمد وأبو هاين هي حال 12مليون مهجر سوري نزحوا من املناطق الساخنة ألخرى أكرث هدوءاً ،ليلقوا مصريهم عىل أيدي تجار ال يهمهم سوى تكديس خزائنهم املرتعة مبزيد من األموال ،يف ظل إهامل كامل من النظام السوري لهذه الكارثة اإلنسانية .عل ًام أن مبقدوره حدها مبرسوم يضبط أجار العقارات. يحاول السكان التأقلم مع هذه الظروف القاسية، وكثري منهم يعتمد عىل معونات من الجمعيات الخريية إضافة للمساعدات الدولية التي تصلهم مرسوقة ،حتى يف اآلونة االخرية عمدت الحكومة السورية لتبديل ما تبقى لهم من منتجات دولية
بأخرى وطنية من النخب العارش بحجة دعم املنتج الوطني! الهم الوحيد ألهايل دمشق؛ حيث ليس الغالء هو ّ تستمر معاناتهم من نقص اإلمدادات يف الطاقة الكهربائية ،فقد تصل ساعات التقنني لـ 16ساعة يف اليوم ،أي يقترص وقت الكهرباء عىل 8ساعات، اثنتني منهم بعد منتصف الليل. ذلك بسبب فقد النظام السيطرة عىل معظم آبار النفط والغاز الطبيعي ،ما أثر سلباً عىل إنتاج البالد من الطاقة الكهربائية التي تراجعت بشكل كبري ،مخلفة وراءها مشكالت كبرية ،السيام يف القطاع الصناعي ،فاضطرت املصانع أن تعتمد عىل مولدات تعمل بالوقود ..كل هذا ساهم بارتفاع أسعار املنتجات مبختلف أنواعها. ما يزيد الحال سوءاً هو تقنني املياه لساعات طويلة وأحيانا أليام ،نتيجة إيقاف املعارضة ضخ مياه نبع الفيجة كورقة ضغط عىل النظام السوري لتلبية مطالبها. أما عىل أطراف العاصمة فقد يستمر قطع املياه طيلة فصل الصيف ،كام هو الحال يف بلديت صحنايا
وجديدة عرطوز ،فيعتمد األهايل هناك عىل صهاريج مياه تعبأ من األبار و ُتباع لهم بأمثان باهظة.
يف ظل هذه الظروف القاسية يعيش سكان دمشق التي صنفت سنة 2015أسوأ مدينة يف العامل ،وفقاً لرتتيب صادر عن مجموعة اإليكونوميست ،بعد أن كانت من أكرث املدن أماناً.
المجلس المحلــي بمحافظة ريف دمشــق ينجز حملة ناجحة لرش المبيدات الحشــرية
7
عمر الخطيب
بدأت الحملة منذ شهر تقريباً يف 10حزيران والجهة القامئةعليها هو مجلس محافظة ريف دمشق
ما هي نشاطات حملة “الصحة للجميع” بشكل عام أمأنها تقترص عىل رش املبيدات الحرشية؟ نشاط الحملة يقترص عىل رش املبيدات الحرشية للصحةالعامة للقضاء عىل الحرشات الضارة والناقلة لألوبئة واألمراض بنوعيها الطائرة والزاحفة .....البعوض ،الذباب ،الرصاصري.... إلخ
ما الدواعي لحملة الرش؟ وهل هناك من مخاطرصحية حقيقية؟ من دواعي عملية الرش الوقاية من انتقال األمراض من خالل الحرشات الطائرة والزاحفة. قمنا بعملية الرش كواجب انساين بداية ،ونحن ال نعيش يف العرص الحجري ،فلدينا الخربات واملثقفني الجامعيني ،وعىل مستوى عال من الوعي ملخاطر انتقال األوبئة وتداعياتها ، وبعملنا هذا نوفر الكثري :أجور طبابة ،أمثان أدوية ،فنحن محارصون ،والحصول عىل الدواء أصعب بكثري من تأمني املبيدات ،واألهم من ذلك الحد من معاناة االهايل ،وهذا يعكس اهتاممنا بصحة االهايل الذين يعانون ظروف معيشية قاسية ،تحت حصار جائر وعىل مرأى العامل الذي يدعي التحرض.
تلقينا عبارات الشكر واالمتنان من أهايل الغوطةبعبارات تثلج القلب.
-ماهي أبرز املعوقات التي تواجه الحملة؟
أكرب املعوقات هي عملية تأمني املواد والتي طلبنامن بعثة األمم املتحدة تأمينها مستقب ًال ضمن حمالت دعم األمم املتحدة وهذا ما ال نعلم أنه سيتم أم ال. السؤال :هل قمتم بعمل مثل هذه الحملة يف أوقات سابقة ومتى كانت؟ قمنا يف العام املايض برش املبيدات الحرشيةللصحة العامة بالتعاون مع مكتب الخدمات املوحد يف الغوطة الرشقية واملجلس املحيل ملدينة دوما
2016 / 8 / 2
-متى بدأت الحملة وما هي الجهات القامئة عليها؟
كيف كانت ردود أفعال املواطنني تجاه الحملةحتى اآلن يف املناطق التي متت تغطيتها؟
العدد - 74 -
أنجز مجلس محافظة ريف دمشق حملة ناجحة موسعة لرش املبيدات الحرشية قام بها املجلس لتغطية كامل بلدات الغوطة الرشقية تحت مسمى “حملة الصحة للجميع” ، لالطالع عىل التفاصيل قمنا بإجراء مقابلة مع السيد م .سمري بويضاين عضو مجلس محافظة ريف دمشق ورئيس مكتب املجالس املحلية يف الغوطة الرشقية واملدير اإلداري يف املجلس املحيل ملدينة دوما.
الغوطة ،وبصعوبة كبرية وأسعار مرتفعة. وقد قام السيد سمري برشح آلية العمل حيث قال: يتم إذابة (خلط) املبيد الحرشي وهو خاصبالصحة العامة باملاء ويضاف إىل خزان املياه الخاص بالرش الرذاذي املقطور بآلية الجرار واملتصل ميكانيكياً به من خالل محور متصل بحركة الجرار ومضخة الضغط ،للحفاظ عىل حركة محور الدوران داخل الخزان لضامن دميومة عملية املزج ألن املواد السائلة معلقة قابلة للرتسب عند ركودها ،وتبدأ عملية الرش من قبل عامل ذوي دراية بخطورة سمية املواد عند تعرضهم إليها مبارشة ،ويتم عملهم ضمن رشوط امن صحي بحاميتهم من خالل تدريبهم وتعليمهم لطريقة الرش ،إضافة الرتدائهم قفازات مطاطية وكاممات ، ودهن املناطق املكشوفة من وجوههم مبادة عازلة كالفازلني ،ومينح كل عامل ليرتاً من الحليب وبيضة واحدة عند قيامه برش صهريج واحد ،ويطلب إليه االستحامم مبارشة بعد االنتهاء من عملية الرش. يكون الرش بساعات الفجر األوىل أو ساعات قبيل الغروب إىل الليل وذلك للحفاظ عىل الرذاذ أكرب وقت ممكن يف أماكن الرش ،يك ال يتبخر بالحرارة العالية الناتجة عن أشعة الشمس املرتفعة ،ويتم تحديد أماكن الرش الرئيسية : محيط املدارس واملشايف والنقاط الطبية واملقابر واملصارف املطرية وغرف التفتيش (الريكارات) وضفاف األنهار والحدائق واملساحات الخرضاء
ضمن البلدات واملدن واألشجار داخل املدن والبلدات ،وكذلك حاويات القاممة واملكبات الرئيسية ونقاط تجميع القاممة ،ونشرتط عادة عىل املجالس املحلية يف البلدات القيام بحمالت نظافة وإزالة القاممة وترحيلها قبل رش املبيدات. ونجري عادة بعض اللقاءات مع األهايل لنتلقى مالحظاتهم وردود أفعالهم تجاه األمر.
ما هي املتطلبات الالزمة لدميومة هذاالعمل؟ يتطلب االستمرار بهذا العمل الدعم املادي بسببارتفاع تكاليف وأمثان املبيدات ،ومثن املازوت، باإلضافة إىل أجور العامل.
كم تكلفة هذه املبيدات؟ وكيف يتم تغطية تكاليفالحملة مالياً؟
كيف يتم الحصول عىل املواد واملبيدات الحرشيةبالرغم من الحصار عىل الغوطة؟ -يتم الحصول عىل املبيدات الحرشية برشائها من خارج
تقارير
كلفة عملية رش املبيدات الحرشية للصحة العامة يف بلداتالغوطة الرشقية حوايل $ 13500للمرة الواحدة والتي يفرتض تكرارها كل 15اىل 20يوما وملدة 4اشهر هي أشهر الصيف. و يتحمل مجلس محافظة ريف دمشق تكاليف الحملة كاملة.
8
منظمات حقوق اإلنسان السورية قبل الثورة ّ المركز السوري للدراسات واألبحاث القانونية
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
بدأ الحراك الفع ُّ يل ملنظامت حقوق اإلنسان يف سورية يف أواخر الثامنينيات حيث ،تأسست لجان الدفاع عن الحريات الدميوقراط ّية وحقوق اإلنسان من قبل مجموع ٍة من النشطاء كانوا مبعظمهم من أصولٍ بعنف شدي ٍد، ماركس ّية ،وقابلت السلطة هذا التح ّرك ٍ فشنّت حملة اعتقاالت بحقِّ النشطاء شملت نحو سبعني ناشطاً ،وأحالت سبعة عرش منهم إىل محكمة أمن الدولة العليا االستثنائية وأصدرت عليهم أحكاماً ترتاوح بني ثالث سنوات وعرش سنوات. فكان هذا درساً واضحاً إلرهاب السوريني بعدم التفكري مطلقاً بحقوق اإلنسان .وقد استوعب السوريون هذا َّ ولعل حقيقي.. الدرس القايس ،وتوقف أيُّ نشاطٍ ٍّ النشاط الوحيد الذي استم َّر هو محاولة بعض املحامني استغالل فرصة إحالة املعتقلني إىل محكمة أمن الدولة يف أواسط التسعينيات ،من بينهم نشطاء لجان الدفاع عن الحريات الدميوقراطية وحقوق اإلنسان ،ونشطاء أحزاب سياسية أخرى مثل حزب العمل الشيوعي والحزب الشيوعي السوري “جناح رياض الرتك” وجامعة اإلخوان املسلمني ،فشكلوا مجموع ًة للدفاع عن املعتقلني يف أواسط التسعينيات ،كان الباحث مع ّد هذا امللف واحداً منهم ،دون أن نستطيع اإلعالن عن وجودنا كمجموع ٍة منظمة. تأسيس منظمتني خارج تم ويف أواخر التسعينيات َّ ُ سوريا تعنيان بالوضع السوريّ ،وهام اللجنة السورية لحقوق اإلنسان يف لندن عام 1997التي كان مجلس إدارتها من خلفية إسالمية ،واللجنة العربية لحقوق اإلنسان عام 1998التي كان مق ّرها فرنسا أسستها السيدة اللبنانية “فيوليت داغر” وكان الناطق باسمها السيد “هيثم مناع” السوري ،وكان مبجلس إدارتها التونيس السيد “املنصف املرزوقي” والسوري “نارص خلفيات قوم ّية غزايل” ومعظم أعضائها كانوا من ٍ ويسار ّية .وقد اهتمت اللجنة بالوضع السوريّ بشكلٍ خاص بسبب أن الناطق باسمها كان سورياً ،مع ٍّ اهتاممها بأوضاع حقوق اإلنسان يف العامل العر ّيب ك ّله. واقترص وجود منظامت حقوق اإلنسان يف سوريا عىل املذكورين فقط حتى نهاية عام 2000؛ حيث ٌ حقيقي يف املجتمع السوري بعد وفاة نشاط اشتعل ٌّ حافظ األسد ،وتاق الشعب ،والس ّيام النشطاء ،للتح ّرر من السجن الذي يعيشون فيه ،فانطلقوا لتأسيس فتم تأسيس عدة منتديات تعقد ٍ مجموعات فاعلة؛ َّ علني حول األوضاع السورية ،كان نقاش جلسات ِ ٍ ٍّ أشهرها منتدى جامل األتايس ومنتدى عضو مجلس الشعب رياض سيف باإلضافة ألكرث من عرشة أخرى
يف مختلف املحافظات السورية .وتنادى النشطاء الحقوقيون إلنشاء جمعي ٍة ُتعنى بأوضاع حقوق فتم تأسيس الجمعية السور ّية لحقوق اإلنسانَّ ، وتم تأسيس لجان إحياء املجتمع اإلنسان عام َّ ،2001 املد ّين ،وظهر حر ٌاك يف النقابات املهن ّية. ومع هذا الحراك ابتدأ قمع السلطة السور ّية يتزايد، فشنّت حملة اعتقاالت شملت عرش ًة من رموز الحراك عىل ِّ كل املستويات وأحيلوا ملحكمة أمن الدولة ،حيث أحكام بالسجن ملدد ترتاوح بني ثالث إىل صدرت بحقهم ٌ وتم إغالق املنتديات ،وتهديد النشطاء. عرش سنواتّ ، تم اعتقال الهيئة اإلدارية ملنتدى جامل األتايس والحقاً َّ الذين رفضوا إغالقه ،وتش ّكلت هيئة الدفاع عن معتقيل الرأي والضمري ،واللجنة الوطن ّية للدفاع عن معتقيل الرأي عام 2002عىل خلف ّية اعتقاالت ربيع تأسس املركز السوري للدراسات دمشق ،2001كام ّ واألبحاث القانونية الذي يرأسه الباحث يف عام .2004 وبعد أحداث مدينة القامشيل وانتفاضة األكراد يف تم تأسيس اللجنة الكردية لحقوق سوريا عام ّ 2004 اإلنسان يف سوريا (الراصد) ،ومنظمة حقوق اإلنسان يف سورية -ماف ،ومنظمة الدفاع عن معتقيل الرأي يف سورية -روانكة. ٌ مجموعة من املنظامت السورية التي كام ظهرت ُتعنى بحقوق اإلنسان يف أعوام ،2004-2006كاملنظمة العربية لحقوق اإلنسان ،واملنظمة السورية لحقوق اإلنسان “سواسية” ،والرابطة السورية لحقوق اإلنسان، واملركز السوري للدفاع عن الصحافيني وحرية التعبري. وعادت لجان الدفاع عن الحريات الدميوقراطية وحقوق اإلنسان إىل النشاط بعد خروج أعضائها من السجن. ٌ مبارش وكان لقمع السلطات السورية الشديد تأث ٌري بإبقاء النشاط يف حدوده الدنيا ،واقترص فقط عىل إصدار البيانات وفضح انتهاكات حقوق اإلنسان. مطلق وحيث إن السلطات السورية رفضت وبشكلٍ ٍ ترخيص لجمعيات حقوق اإلنسان وقامت منح أيّ ٍ مبالحق ِة وتهدي ِد الناشطني فيها ،فقد خلت هذه املنظامت من الهيكلية اإلدارية والتنظيم والشفافية، ومل يصل لها أيُّ متويلٍ ملنع السلطات ذلك وخطورة االتهامات التي ميكن أن توجه لها بسبب ذلك، وخصوصاً بعد قيام السلطة السورية بإغالق مركز تدريب حقوق اإلنسان الذي افتتحه االتحاد األورويب يف دمشق عام 2006واعتقال مديره. لذلك ميكن أن نقول إن وجود هذه املنظامت اقترص وأبحاث حول اسات ٍ عىل الوجود اإلعالمي وإجراء در ٍ
املجتمع السوري .وكان النشطاء يتلقون تدريباً خارج سوريا وبشكلٍ شبه رسيٍّ من خالل ورشات عمل وورشات تدريبية تجريها املنظامت الدولية للنشطاء يف العامل العريب. وانتقل النشاط إىل خارج سوريا حيث تأسس املرصد السوري لحقوق اإلنسان يف لندن ،ومركز دمشق لدراسات حقوق اإلنسان يف أمريكا. ورمبا املالحظة األهم يف نشاط منظامت حقوق اإلنسان التي ميكن الحديث عنها ،هي تعدّد املنظامت ،ليس بتعدّد أهدافها ونشاطها ،وإمنا بتعدّد االتجاهات السياس ّية ملؤسسيها .فقد كان موضوع حقوق اإلنسان يف سوريا يلقى اهتامماً عاملياً أكرب من السيايس ،وكان محم ّياً نوعاً ما ،ولو إعالمياً النشاط ّ مبتابعة النشاط .لذلك بادرت األحزاب السياسية ملامرسة نشاطها بإنشاء منظامت حقوق إنسان أو االنخراط بها ،وكان املعتقلون السياسيون السابقون يف طليعة املشاركني يف تأسيس منظامت حقوق اإلنسان، فكانت هناك املنظامت التي تتامهى مع فكرة القوم ّية العرب ّية ،واملنظامت الكرد ّية التي تركز عىل أوضاع اإلسالمي األكراد فقط ،واملنظامت التي يكون الدين ّ مرجعاً لعملها ،واملنظامت التي كان ُّ كل أعضائها من اليساريني املاركسيني ،فكان هناك متاي ٌز كب ٌري يف بيانات منظامت حقوق اإلنسان بخصوص االنتهاكات التي كانت تحدث يف سوريا حسب منشأ االنتهاك وشخصية املنتهك ضدّه ودينه وقوميته ..وقد ظهر هذا التاميز خصوصاً يف أحداث املنطقة والعامل برضبة 11أيلول 2001وحرب أفغانستان ودخول القوات األمريك ّية للعراق واالنتفاضة الفلسطينية الثانية 2000-2005 والحراك يف لبنان بعد مقتل رئيس وزراء لبنان األسبق “رفيق الحريري” وحرب متوز وغريها ..مثل الثورة الوردية يف جورجيا والثورة الربتقالية يف أوكرانيا.. اعتقاالت كبرية يف عام 2006شنّت السلطة حملة ٍ ّ شملت رموزاً من نشطاء املجتمع املدين وحقوق اإلنسان ،كان كاتب هذه الورقة من بينهم ،وصدرت أحكام تراوحت بني ثالث إىل خمس سنوات. بحقهم ٌ عىل أثر هذه الحملة تراجع نشاط منظامت حقوق اإلنسان إىل أدىن مستوى لها أمام هذا القمع.
الجزء الثاين من بحث أعدّه املحامي أنور البني مدير املركز السوري للدراسات واألبحاث القانونية ،سيتم نرشه تباعاً يف طلعنا عالحرية عىل أجزاء.
اإلفالت من العقاب 9 المحامي إبراهيم محمد القاسم
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
لعل من أهم األسباب التي أدت إىل إندالع الثورة الشعبية يف سورية ،هو االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان يف سورية منذ اعتالء النظام الحايل لسدة الحكم يف ستينيات القرن املايض سيام بعد استالم حافظ األسد الحكم يف إنقالبه عام 1970 والذي أسامه بالحركة التصحيحية ،حيث شهدت فرتات حكمه املمتدة لثالثني عاماً العديد من الجرائم واالنتهاكات لحقوق اإلنسان سيام مجزرة حامة عام ،1982ومن ثم جاء ابنه بشار األسد ليكمل مسرية والده يف انتهاكات حقوق اإلنسان. وخالل العقود املاضية قام النظام بتحصني نفسه من خالل الدستور والقوانني التي منعت محاكمة رأس النظام إال بجرمية الخيانة العظمى كام منعت محاكمة عنارص األمن أذرع النظام مرتكبي االنتهاكات عن الجرائم التي يرتكبوها بحق املواطنني السوريني ،مام يسمح لهم باإلفالت من العقاب. ومل تكن االنتهاكات التي ارتكبها النظام منذ ثورة آذار عام 2011شيئاً جديداً عليه ،بل أضحت بشكل ممنهج وواسع النطاق وبشكل مفضوح أكرث فقط ،لذلك أضحى جميع السوريني يأملون يف مالحقة ومحاسبة هؤالء املجرمني عن جرامئهم التي ارتقت لجرائم ضد اإلنسانية وجرائم حرب وجرائم إبادة جامعية. لذلك يعمل جميع ناشطي ومنظامت حقوق اإلنسان يف سورية والعامل لبدء محاسبة هؤالء عن جرامئهم ،وتبدو حالياً اآللية القضائية املحتملة لهذه املحاسبة ،هي اآللية القامئة عىل استخدام االختصاص العاملي للمحاكم الوطنية األوربية، وتفعيل اتفاقية مناهضة التعذيب يف هذه الدول يف ضوء تدفق مئات اآلالف من الالجئني السوريني إىل هذه الدول سيام أملانيا وفرنسا وغريها من دول أوربا وخاصة ممن هم أصحاب الجنسيات املزدوجة ما بني الجنسية السورية وجنسية أحد
دول أوربا ،وبرأيي الشخيص تأيت أهمية هذه اآللية دون غريها لعدة أسباب ،وأهمها أن اآلليات األخرى مغلقة األبواب حالياً أمام محاسبة هؤالء املجرمني. فاملحاكم الوطنية السورية غري قادرة عىل القيام بواجبها يف محاسبة هؤالء املرتكبني ،أوالً ال توجد إرادة سياسية لدى النظام القائم يف سورية نحو هذا املنحى فليس من املعقول أن يحاكم النظام نفسه ،سيام يف ظل تحصني نفسه من خالل الدستور والقوانني مبا يضمن له اإلفالت من العقاب كام ذكرنا أنفاً. وإنطالقاً من القاعدة الفقهية “ ال جرمية وال عقوبة بدون نص “ فال ميكن مالحقة أي من هؤالء املرتكبني وفق القوانني الجزائية السورية ،ألنها ببساطة ال تتضمن نصوصاً قانونية تجرم جرائم الحرب والجرائم ضد اإلنسانية وجرائم اإلبادة الجامعية. ويضاف إىل ذلك قلة خربة األجهزة القضائية بهذا النوع من الدعاوى ،حيث مل يشهد القضاء السوري عرب التاريخ محاكامت ملثل هذا النوع من الجرائم، وليس حال املحامني بأفضل من القضاة. وأما اآلليات الدولية كاملحاكم الدولية الخاصة “ يوغسالفيا “ عىل سبيل املثال ،أو الدولية املختلطة “ محكمة لبنان الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناين األسبق رفيق الحريري “ ،فال ميكن االعتامد عليها بسبب املوقف الرويس والصيني املتعنت والرافض ألي إجراء قانوين ملحاسبة املجرمني يف سورية وذلك من خالل استخدامهم لحق النقض “الفيتو” يف مجلس األمن الدويل ،ملنع إصدار أي قرار من خالل مجلس األمن بإنشاء محكمة دولية خاصة مبالحقة مرتكبي االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان يف سورية. مل تصادق سورية عىل نظام روما األسايس للمحكمة الجنائية الدولية ،لذلك ال ميكننا الركون إىل هذا الخيار الدويل اآلخر ،ناهيك عن ذلك أن خيار إحالة
امللف السوري إىل هذه املحكمة سيواجه بالرفض السوري والصيني أمام مجلس األمن الدويل من خالل استخدامهام لحق النقض “الفيتو”. ملا سبق بيانه أعاله أجد نفيس كحال معظم الحقوقيني السوريني واملهتمني بالقضية السورية، داعمني لخيار تفعيل آلية االختصاص العاملي الشامل أمام املحاكم الوطنية يف أوربا ،والتي لها باع طويل يف هذا النوع من املحاكامت ،وخاصة من خالل الرتكيز عىل جرائم التعذيب يف املعتقالت السورية والتي ميكن لهذه املحاكم مالحقة مرتكبيها وفق اتفاقية مناهضة التعذيب وغريه من رضوب املعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو املهينة والتي تنطوي تحتها جميع دول أوربا وحتى سورية التي انضمت إليها علم .2004 وخاصة بعد تواجد مئات اآلالف ومن بينهم ضحايا ومرتكبي انتهاكات سوريني ،أضحوا الجئني يف دول أوربا وكانت حصة أملانيا األكرب من هؤالء الالجئني السوريني الذين عانوا من انتهاكات من كافة أطراف النزاع املسلح يف سورية منذ سنوات. ويبقى التحدي األكرب أمام تفعيل هذا االختصاص العاملي هو مدى استعداد وجدية الدول األوربية يف مالحقة هؤالء املرتكبني وعدم االنتقائية يف محاسبتهم ،والرتكيز عىل مرتكبي االنتهاكات املحسوبني عىل املتطرفني اإلسالميني واالبتعاد عن مالحقة باقي املرتكبني بحجة محاربة اإلرهاب، خاصة بعد التدخل الرويس واإليراين والتحالف الدويل يف سورية فيام يسمى محاربة اإلرهاب.
دور النساء السوريات بالتغيير 10 المحامية دعد موسى
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
عانت النساء السوريات طوال سنوات عديدة من التمييز والعنف والتهميش واإلقصاء الذي طالهن طوال عقود ماضية وال يزال حالهن يستمر سو ًء خالل هذه السنوات . حيث ك ّرس الدستور السوري السابق والحايل الدور التقليدي للمرأة ضمن “ منظومة األرسة “ مبفهومها التقليدي ،فض ًال عىل النص عىل الخضوع للمرجعية الدينية ميا تتضمنه من متييز وإقصاء للمرأة وإخالل بحقوقها األساسية وال سيام حقها يف املساواة . والقوانني السورية مليئة بالعديد من النصوص التمييزية (يف قوانني األحوال الشخصية ،و قانون العقوبات و قانون الجنسية وسواهم من الترشيعات املحلية والقرارات والتعليامت االدارية واملامرسات والسياسات الحكومية ).. حيث كرست قوانني األحوال الشخصية لجميع الديانات والطوائف،ذات املرجعيات الدينية، التمييز والعنف ضد النساء وأخضعهنت لقوامة ووالية الرجال وحرمت النساء السوريات مبجمل تلك الترشيعات من جميع حقوقهن وفيها متييز واضح يف قضايا الزواج والطالق وتعدد الزوجات والطاعة والوالية والوصاية وحضانة األطفال والنفقة والسفر والتنقل والعمل واملرياث .. ومنع قانون الجنسية النساء من حقهن يف منح الجنسية ألبنائهن ،وأباح قانون العقوبات ارتكارب العنف بكافةاشكاله ضدهن (االغتصاب والتحرش والقتل بذريعة “ الرشف “)...ومنح فاعليها أعذاراً مخففة تشجعهم عىل ارتكاب املزيد من جرائم القتل والعنف بحق النساء دون الخشية من أي عقاب . هذا التمييز يف القوانني السورية كان له تأثريا عميقا عىل حياة النساء وشعورهن بعدم األمان واالستقرار وعدم القدرة عىل تطوير الذات ورفع الكفاءة واملهنية وبالتايل شكل عائقا أمام مشاركتهن يف عملية اتخاذ القرار عىل كافة الصعد العامة والخاصة وأدى إىل عدم خلق بيئة مالمئة يف املشاركة السياسية.
كل ذلك أدى إىل ترسيخ الدور التقليدي للنساء وتعزيز الصورة النمطية مبوجب العادات واألعراف املحلية التي قرصت دورهن عىل املنزل وأباحت ،لويل أمر املرأة ،تزويجها قرسياً كام اباحت لزوجها “ تأديبها “ مبوجب عادات متخلفة ( تنتقص من حقوق وكرامة املرأة ) و تم ترشيعها قانوناً ،وبقيت قيم النظام األبوي وأحكامه تتحكم يف حياة النساء السوريات وحقوقهن بوصفها ً قيم دينية اجتامعية مقدسة. فض ًال عن ذلك تتعرض النساء ملختلف أوجه العنف الخاص والعام يف ظل االفتقاد لقانون يج ّرم العنف األرسي . متت كل هذه املامرسات ،طوال عقود ،وتحت ستار “ علامنية زائفة “ واعتبارات “ حامية األمن القومي “ ومراعاة الديانات والتي كانت تستخدم كذريعة لقمع الحقوق والحريات كاف ًة وحقوق النساء خاصة. كل ذلك أثر عىل املشاركة السياسية للنساء وكان يتم تعيني النساء يف املناصب السياسية شكلياً من خالل اختيار النساء ملراعاة اعتبارات محددة اجتامعية أو دينية أو سياسية وبغض النظر عن مدى كفاءتهن و فعالية املنصب. خالل السنوات الخمس املاضية تحملت النساء العبء األكرب يف الحفاظ عىل األرسة ومتكينها من البقاء واالستمرار وبدالً من أن يتم العمل عىل “ متكني “ النساء بادرت النساء إىل العمل فعلياً عىل “ متكني “ العائلة ككل لتعزيز قدرتها عىل االستمرار والحياة .وهو ما عرضهن أيضاً ألسوأ مامرسات العنف األرسي والعام وخاصة العنف الجسدي واالغتصاب و التحرش واالبتزاز لقاء الحصول عىل الخدمات اإلنسانية فض ًال عن دفع البعض إىل الخضوع ملامرسات الدعارة واالستغالل الجنيس واسوأ مامرسات وصور االتجار بالنساء . حالياً تعقد اآلمال عىل النساء لدفع عملية التغيري وإحالل السالم بوصفهن أصحاب املصلحة الحقيقية يف صنع وبناء السالم والحفاظ عليه خالل اعوام 2014و 2015نشطت العديد من
الجمعيات والتجمعات النسوية يف التحضري لوقف العنف وإحالل السلم والعملية االنتقالية من خالل العمل عىل التحضري ملا يجب ان يتضمنه دستور دميوقراطي حساس للنوع االجتامعي يتضمن الحقوق التي ينبغي ان تتمتع بها النساء والنص عىل حق الحامية من العنف وعدم انتهاك حقوقهن بذرائع الدين او العرف االجتامعي وضوابط تضمن متكني النساء من املشاركة السياسيةوالنص عىل إنشاء جهات وهيئات معنية بكفالة املساواة ومتكني النساء والعمل عىل إزالة كل مظاهر التمييز .كام والتحضري لدراسات تتضمن جميع القوانني التمييزية وما يجب تغيريه إللغاء كافة اشكال العنف والتمييز ضد النساء السوريات .وبشكل مواز تم تشكيل مبادرات نسوية من اجل السالم. لكن مثة الكثري من القيود والعوائق التي ال تزال تحد من قدرة النساء عىل أداء هذا الدور بسبب استمرار سياسة اإلقصاء التي يتعرضن لها وخالل مرحلة التفاوض تم تهميش دور املرأة وكان التمثيل النسوي يف جوالت جنيف املتعاقبة متثي ًال محدوداً ،شكلياً ،هامشياً ،غري مؤثر. وهنا نقول خالل هذه املرحلة يتعني أن يتعزز دور النساء لصنع السالم وتحقيق التغيري املطلوب والبد من العمل عىل إرشاك النساء يف فرق التفاوض بشكل متساو وتسيهيل مشاركتهن كمفاوضات وميرسات يف عمليات السلم وادراج قضايا النوع االجتامعي يف اجندات التفاوض. إن دور املرأة السورية يف تحقيق التغيري املنشود هو عمل متكامل مع دورها الجوهري واألسايس يف عملية العدالة االنتقالية وهنا البد من إرشاك النساء يف وضع برامج العدالة االنتقالية املراعية للنوع االجتامعي ,حيث الميكن الحديث عن الدميوقراطية والعدالة االنتقالية ودستور دميوقراطي بدون إدماج قضايا املرأة والنوع االجتامعي يف كافة الوئاثق األساسية ألي مرشوع وطني.
معاناة السوريين في محاكم الميدان العسكرية
11
المحامي ميشيل شماس
العدد - 74 -
أخرياً ،ويف ظل تزايد الدعوات املحلية والدولية الداعية إىل إعادة صياغة دستور جديد لسوريا مبا ينسجم واملواثيق العهود الدولية التي وقعت عليها سوريا ،نأمل أن يتضمن الدستور السوري الجديد نصاً رصيحاً وواضحاً يحظر إنشاء املحاكم االستثنائية أو سن قوانني تضييق عىل حريات الناس ومتنعهم من اللجوء اىل القضاء.
2016 / 8 / 2
بعد أن سيطر حزب البعث عىل مقاليد الحكم يف سوريا يف انقالب أذار ،1963تفتقت عقلية نظام البعث عىل إنشاء املحاكم االستثنائية بدءاً باملحاكم العسكرية ومبحكمة أمن الدولة العليا التي ألغيت يف نيسان عام 2011مروراً مبحاكم امليدان العسكرية وصوالً إىل محكمة اإلرهاب .ويف هذه العجالة سأستعرض محاكم امليدان العسكرية التي ال تختلف عن محاكم التفتيش يف القرون الوسطى ،باعتبارها املثال الصارخ عىل كم أفواه السوريات والسوريني واالعتداء عىل حرياتهم وحقوقهم . بتاريخ 1968 /17/8قررت القيادة القطرية املؤقتة لحزب البعث إنشاء محاكم امليدان العسكرية باملرسوم رقم ( .)109حيث نصت املادة األوىل منها عىل إحداث محكمة أو أكرث تسمى املحكمة امليدانية العسكرية ،ونصت املادة الثانية منها عىل أن تتوىل هذه املحكمة النظر يف الجرائم الداخلة يف اختصاص املحاكم العسكرية واملرتكبة زمن الحرب أو خالل العمليات الحربية التي يقرر وزير الدفاع إحالتها إليها .والغريب أن هذه املادة جعلت رسيان اختصاص هذه املحكمة مبفعول رجعي اعتباراً من 5/6/1967وهو أمر يخالف مبدأ عدم رجعية القوانني املعروف. ومنحت املادة الثالثة منها وزير الدفاع حق تعيني قضاة املحكمة حرصاً من الضباط العسكريني. بينام منحت املادة الرابعة منها النيابة العامة فيها جميع اختصاصات النائب العام وقايض التحقيق العسكري ،أي أنها تقوم بتحريك الدعوى ضد املتهم ومن ثم تقوم بالتحقيق مع املتهم وتصدر قراراها باتهام الشخص الذي تحاكمه وتحيله للمحكمة ،وقرارها محصن ال يقبل أي طريق من طعن الطعن نهائيا. والخطري أن قانون املحكمة يف املادة الخامسة
منه أعفى أعضاء املحكمة من التقيد باألصول واإلجراءات املنصوص عليها يف الترشيعات النافذة، أي أن مكان انعقاد الجلسة وطريقة إدارة الجلسات واستجواب املتهمني وإصدار األحكام إمنا تخضع جميعها ملشيئة رئيس املحكمة .والتسمح للمحامني باملرافعة أمامها كام التسمح ألحد رسي. مبراجعتها ..وتعقد جلساتها بشكل ّ أما املادة السادسة فحصنت األحكام التي تصدرها املحكمة من الطعن فيها .وجاءت املادة الثامنة من قانون املحكمة لتحرص أمر التصديق عىل أحكام االعدام برئيس الجمهورية ،أما بقية األحكام فتخضع للتصديق من قبل وزير الدفاع .ولكليهام الحق بتخفيض الحكم أو الغائه وحفظ الدعوى. وبعد التصديق عىل قرار املحكمة فإن القرار ينفذ فوراً سواء كان بالحبس أو االعدام. أما بالنسبة لكيفية إحالة املتهمني إليها ،فال يوجد معيار واضح ،أو آليه محددة لألشخاص الذين تتم إحالتهم للمحاكمة أمامها ،بل إن األمر مرتوك برمته لوزير الدفاع وحده الذي يحق له تقرير محاكمة من يشاء أمام محاكم امليدان سواء كان عسكرياً أم مدنيا وسواء كان سوريا أم أجنبياً.. وغالباً ما تتم إحالة املتهمني إليها وفقاً لرأي األجهزة األمنية .عل ًام أن الغاية من إنشاء هذه املحكمة بحسب مرسوم إنشائها هي محاكمة العسكريني فقط ،دون املدنيني ،ولكن النظام عمد اىل محاكمة املدنيني أمامها السيام منذ اندالع الثورة السورية ضده يف أذار عام ،2011فال قانون مينعه وال توجد قوة تقف بوجهه ،وال مجلس شعب يطالب بإلغائها كونها مخالفة للدستور السوري نفسه وال محكمة دستورية تتجرأ عىل النظر بدستورية قانون هذه املحكمة أو غريها من القوانني الكثرية املخالفة للدستور السوري نفسه، يضاف إليها أن هذه املحكمة ال تحرتم إطالقاً أياً
من املواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق اإلنسان والسيام تلك التي وقعت عليها سوريا كاإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان والعهد الدويل يف الحقوق املدنية والسياسة ،وال تتقيد أيضاً حتى بالحد األدىن ملعايري املحاكامت الدولية العادلة. ومنذ اندالع االحتجاجات املناهضة للنظام يف سورية أذار عام 2011متت إحالة عرشات اآلالف إىل هذه املحكمة من مدنيني وعسكريني ،من قبل األجهزة األمنية مبارشة ،ونظراً الكتظاظ سجن عدرا املدين وسجن صيدنايا العسكري باملعتقلني أمنياً واملوقوفني قضائياً ،فإنه يتم إيداع األشخاص املحالني لتلك املحكمة يف داخل األفرع األمنية نفسها ،حيث تتم محاكمتهم يف تلك الفروع ويقضون عقوبتهم فيها .وألول مرة منذ تاريخ إنشاء هذه املحكمة تتم محاكمة نساء وفتيات أمامها ،وهناك عدد من الفتيات والنساء مودعني يف سجن عدرا لصالح املحكمة امليدانية. وغايتي من الحديث عن محكمة “امليدان العسكرية “ هي تسليط الضوء عىل مدى خطورة استمرار هذا النوع من املحاكم يف العمل، ولتشجيع السوريني عىل االنخراط يف حملة ال تنتهي إال بإلغاء هذه املحكمة نهائياً .وتعديل قوانني إنشاء املحاكم األخرى كمحكمة االرهاب واملحاكم العسكرية ،وكذلك تعديل القوانني التي تنتهك حرية االنسان أو تقيدها.
12
حلم ُمشتهى للسوري.. المنفى ٌ وساحة لألشباح
يارا بدر -برلين
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
ليس هناك رمبا ما هو أصعب ,وأكرث تعقيداً من سؤال الهو ّية الذي يطرحه املرء عىل نفسه ,وبخاصة العاملون يف الشأن الثقايف أو املعريف العام ,من ذاك الذي ُيطرح يف املنفى ,ويف زمن الحرب .حيث يغدو ثقل العوامل الخارجية املؤثرة يف السؤال تشويشاً عىل السؤال ذاته .فام هي خصوص ّية الحالة الفرد ّية ,ما هي رشط ّية املنفى وهل كان اختيار ّياً بهذه الدرجة أو تلك أو قرس ّياً بشكل كامل؟ وأيّ منفى هو؟ وأيّ ذاكرة للهو ّية لدى صاحب السؤال وأيّ اصطفاف معريف ,أيديولوجي وأخالقي اتخذه املعني من الحرب؟ واألهم ما هو نوع االرتباط ا ُملستمر باملكان واألفراد والثقافة األوىل؟ بالتأكيد ال أدعي امتالك املعرفة الكاف ّية لتقديم طروحات نقد ّية عا ّمة عن وضع املثقفني السوريني يف املنفى ,لكن أسمح لنفيس بتسجيل مالحظات عىل الهامش ,وأعرتف أ ّنني مسكونة بدوري بذات ّية تجربتي. واع وبقرار حاسم ,واخرتت البلد اخرتت املنفى بشكل ٍ حتى حيث سمحت يل ظروف بحر ّية ورفاه ّية هذا االختيار ,كان ذلك يف صيف العام .2013آنذاك كنت أسرية لفكرة “االعتقال” ,اغلقت باب منزيل واختبأت فيه .أصابني هوس النظافة وترتيب املنزل كرد فعل ال إرادي عىل الحرب التي تقرتب رائحتها من العاصمة السورية دمشق .كان األصدقاء يغادرون ,يعتقلون, يختفون ,ومل اشعر سوى بالضياع والحاجة إىل الخروج بعيداً ع ّ يل أستطيع رؤية املشهد بشكلٍ أوضح. عوامل مبارشة وغري مبارشة عدّة دفعتني للخروج, لوقت قصري كام أخربت نفيس ,لكني يف الواقع مل ثم فعلت .يف اليوم السابق لعوديت أرغب بالعودةّ , كان دافعي األبرز هو الرغبة بالخالص من رعب فكرة العودة الذي يأكلني ومينعني حتى من التن ّفس ,ويف الوقت ذاته تصالحت مع إمكان ّية أن اعتقل ,ليس لفعلٍ قمت أو مل أقم به ,بل لحاجتي لالعتذار من األصدقاء الذين خ ّلفتهم ورايئ حني رحلت .غدا يف ّ املتقطع عىل مدى سنتني تقريباً ,يف عذاب العودة التعايش اليومي مع رعب هاجس االعتقال نوع من أنواع ّ ٌ وشكل من عيش ُمشرتك مع ا ُملتعبني يف التطهر, الداخل الذين ال ميلكون رفاه ّية املغادرة إىل منفى ما, وحياة ما مختلفة. ً الحياة يف خارج حدود مساحة الخطر تتيح مجاال أوسع لعرض األفكار وحر ّية النقاشات ,التي وصلت بكثري من األصدقاء السوريني إىل االصطدام والقطيعة أو التز ّيف نتيجة تعقيدات الرصاع السوري وقضاياه الفكر ّية ويف الوقت ذاته حجم مأساته اإلنسان ّية املر ّوع .بالنسبة ُ ارتبطت بقضيتي التي عدّت من أجلها إىل سوريا يل,
بعد ّ عام عىل الغياب ,واعية للسلطة ا ُملسطرية أقل من ٍ ّ وقوانينها ,ومحكومة يف كل لحظة يف خارج مساحة سيطرة هذه السلطة بعوديت إىل داخلها ,لكن مع الوقت اقرتبت سلطات أخرى بأيديولوجيات مختلفة ال تقل عنفاً وتط ّرفاً من مجاالت حركتي ا ُملحدّدة يف دمشق ,ازداد قلقي ,اضطرايب ,حذري وخويف .وحدهم زمالء الكتابة يعلمون جيداً معنى مفردايت هذه., إذ عىل سبيل املثال تكتب مقاالً بسيطاً عن عرض مرسحي وتخطئ أكرث من م ّرة يف اسم املمثل أو املمثلة عىل الرغم من ّأن بروشور العرض أمام عينيك ,وقد شاهدت العرض وقرأت عنه كذلك. ً أجل ,أتحدّث عن هذا املستوى التقني جدا من الكتابة, ظل ّ من محاولة الفعل ,يف ّ كل ذاك االضطراب اليومي ً لشخص يحاول عرب اختياره الكتابة شكال للفعل أن يقدّم قوالً ورؤية ولو بسيطة ومحددة جداً ,وهامش ّية, والتمسك بها وحتى عابرة .يحاول اختيار مفرداته, ّ والدفاع عنها ,يف بلد يخ ّون فيه البعض بعضه إن مل يعترب الرقة ومناطق أخرى مناطق “ ُمح ّررة” يف حني أ ّنها ومن وجهة نظر القانون الدويل “خارجة عن سيطرة الحكومة السورية” ,والقراءة املعكوسة تخ ّون البعض لدى البعض أيضاً .ال يتعلق األمر مبا هو صحيح وما هو خاطئ بشكل ُك ّ يل عام ,بقدر ما يتعلق بحساس ّيات االصطفاف السيايس الذي وبضغط عوامل الرصاع السوري غدا اصطفافاً أخالقياً يف مواضيع كثرية. سوريون آخرون اختاروا املنفى بشكلٍ غري واع ,غادروا سوريا مع عام حراكها ا ُملجتمعي األ ّول بحثاً عن ملجئ مؤقت ,صحفيون وكتّاب ورسامون وتقنيون خرباء يف مجال االتصاالت وباحثون اختصاصيون وقانونيون وسواهم ,لكنهم غرقوا يف رعب “هاجس العودة” املوسوم باالعتقال ,يحاولون بالدرجة األ ّوىل -كام أعتقد -تحديد تعريف للزمن .الزمن لديهم زمن
مؤقت رغم استطالته ,هو زمن يعرب يف انتظار العودة, وشبح التجربة الفلسطينية ُيعشعش يف أذهانهم يوماً بعد يوم ,وال يجرؤون عىل البوح به. ارتبط الخارج ,وليس املنفى ,يف لحظاته األ ّوىل بالتح ّرر من الرقيب ,الذي هو السلطة السورية الحاكمة منذ عقود .فظهرت خطابات سياسية حادّة ,متط ّرفة ,ال ُتهادن ,كام ظهرت أحكام نقد ّية قاسية ,ولغة واكبت أعامل فن ّية تفيض بالعنف والقسوةٌ , فكل يحارب أشباحه .يف حني بقي املثقفون الذين يعيشون يف سوريا أكرث وسط ّية يف اختيار مفرداتهم ,أكرث اقرتاباً بالتخفي اتهم البعض من اللغة اإلنسان ّية الجمعاء وإن ّ ّ موقف سيايس ,لكن تحت هذا الغطاء من اتخاذ ٍ البعض اآلخر نجا ومن أبرز هذه التجارب الناجحة أعامل ّ الخطاط السوري “منري الشعراين”. إ ّال ّأن الخارج كمفهوم يفقد خصوصيته ويتح ّول إىل وقت قصري ,هو الوقت الذي يحتاجه ّ كل منفى بعد ٍ امروء للتن ّفس قبل أن تهاجمه أسئلة املعيشة اليومية (عنوان سكن -دخل -نظام الرضائب )..وبالطبع أزمة اللغة التي هي يف وجه من أوجهها أزمة هو ّية بالرضورة ,هي أكرث من وسيلة تواصل وسبيل اندماج يف مجتمع جديد ,هي ثقافة جديدة وطريقة تفكري مختلفة ومنظار آخر إىل العامل. يقول املفكر الفلسطيني “إدوارد سعيد” عن “املثقف املنفي”( :يحيا املنفي يف حالة وسطُ ,محارصاً بنصف ارتباط ونصف انفصال) .لكن هذا املنفي ا ُملدرك لنفيه, كمنفي ولكال املكانني ,األصل الذي حفظته واع لذاته ّ الذاكرة والجديد الذي حاول أن يرسم لشوارعه وأزقته خريطة يف الذاكرة .إ ّال ّأن معظم السوريني اليوم عالقون يف مرحلة هي قبل املنفى ,وبعد الخارج. يع ّرفها كثري منهم أو ُيشري إليها بوصفها مرحلة “صدمة االغرتاب” أو “صدمة اللجوء” .أن تعي ذاتك كالجئ,
حين يصبح القبر حلمًا مريم الحالق
مريم الحالق: مد ّرسة ألكرث من ثالثني عاماً ،ومدير مدرسة .وهي والدة الشهيد الطبيب أيهم غزول الذي قىض تحت التعذيب بتاريخ 29ترشين الثاين (نوفمرب) عام ،2012بعد أربعة أيام من اعتقاله من حرم جامعة دمشق حيث تع ّرض للرضب ا ُملربح يف مقر ما ُيعرف بـ (االتحاد الوطني لطلبة سورية) يف مبنى كلية الطب البرشي بجامعة دمشق. قضت مريم أكرث من عامني وهي تبحث عن إثبات حول وفاة ولدها ،ومحاولة استعادة جثامنه ،دون فائدة تذكر .تع ّرفت مريم عىل صورة ولدها الطبيب أيهم يف الصور املعروفة بـ”صور قيرص” التي تجاوزت 27ألف صورة ألكرث من ستة آالف شهيد سوري قضوا تحت التعذيب خالل الفرتة ما بني 2011و.2013
العدد - 74 -
حني أرى جنازة متر بالقرب من بيتنا، أتخيل امليت شاباً ،تتبادر إىل ذهني أشكال موته :هل كان مريضاً؟ هل أصابته رصاصة قناص؟ أم شظ ّية من قذيفة أراد قاذفوها العبث باألرواح؟ أم استشهد وهو يقاتل األعداء أياً كانوا. أفكر أ ّنه رمبا مل يستشهد يف األقبية ا ُملعتمة تحت التعذيب ،فهناك ،ال ُيس ّلم املسؤولون جثامني من قتلوهم يف معتقالتهم ،وتحت سياطهم ،من قتلوهم وهم يستمتعون بأنينهم ورصخاتهم حني تئز الكهرباء يف أجسادهم ،وحني تطقطق الفقرات يف رقابهم وظهورهم ،وتظهر عالمات االنتصار عىل وجوههم حني يفارق الحياة أحد ا ُمل َعذبني!
أتخيل أ ّم هذا الشاب وهي ملتاعة الفؤاد ولكنها مطمئنة! فهو سيكون قريباً منها ولو يف قربه ،فقد رأته وودعته ،قد تكون عاتبته عىل رحيله املبكر؟ وعىل مغادرته الدنيا ،والبد أنها قبلته قبلة الوداع األخري ،األمر الذي مل تفعله أمهات الذين استشهدوا تحت التعذيب ،فهنّ مل يرين أوالدهنّ ،مل يودعنهم ،ومل يعاتبنهم ،ومل يقبلنهم. هنّ يحلمن بقبور تضم أجساد أوالدهن ،يذهنب إليها كلام فاض الحنني وازداد االشتياق ،يحدثنهم عام جرى وما يجري يف غيابهم؟ يبحن لهم مبا يكتمونه عن أقرب الناس إليهن. ولكن الحلم يبقى حل ًام. أرأيتم كيف أصبح القربحلامً.
2016 / 8 / 2
نتم. كمنفي ,كغريب ,وبالرضورة كال ُم ٍ م ّرد هذا السكون يف مرحلة الصدمة ,عدّة عوامل أ ّولها طبيعة الرصاع يف سوريا والذي خرج عن كل التوقعات والحسابات بشكلٍ جنوين يصعب عىل السوري اليوم الوقف بشكلٍ ثابت ومستقر عىل أمره منه ,فلم يعد العدو واحداً, ومل يعد للعدو أيديولوجيا واحدة ,وغدا السؤال األكرث مرارة :هل من يحارب عدوي صديقي؟ حتى ّأن قس ًام كبرياً من السوريني اليوم ال يواجهون أنفسهم بسؤال العودة. البعض يغرق يف مرارة استدامة الرصاع ُليقيم باالستناد اكتئاب مسلوب يف إليها عاملاً جديداً أكرث استقراراً ,والبعض ٌ ٍ وصفه “سعيد”( :مييل املثقف كمنفي ألن يكون سعيداً بفكرة التعاسة) ,والبعض م ّمن هم أكرث قدماً يف زمن النفي, و ُيلحظ األكرث شباباً (سن الجامعة) واألكرث تقدّماً يف العمر (ما فوق الخمسني) قد ارتاحوا ضمناً لقرار االستقرار يف أرض غريبة ,حيث يؤسسون لحياة مختلفة متاماً ,وهو ّية جديدة رمبا ,أو ّ ألن العمر أقرص حتى من حلم عودة ُمشتهى إىل تغي بفعل الحرب والتدمري العسكري وسياسات وطن ّ ٍ التخطيط الدميوغرايف الجديد وقواها الراديكالية املتصارعة, سجلتها سنوات العمر الذي تغيت صورة هذا الوطن كام ّ ّ كان. ّ منفي سوري محكوم بزمن ّية نفيه ومعرفته ,فمنفيوا كل ّ البدايات 2011-2012غضبهم ,مواقفهم ,ورآهم ومخاوفهم ُمغايرة بهذه الدرجة أو تلك ملنفيي املرحلة األحدث 2015- ,2016معرفة الحدث والعيش معه تفرز أشباحاً تهاجم ّ كل منفي بحسب خربته ,البعض مرتبط بصورة عنرص األمن ّ الذي يقتل و ُيع ّذب حتى املوت يف األفرع األمن ّية ,لكن البعض اآلخر مرتبط بهذا وبالفتى الذي حمل سالحاً ح ّوله حام ملظاهرة شعبية إىل قائد ميليشا صغري يحارب من ٍ دون أيّ أوراق يستخدمها يف الحرب سوى بندقية ,والبعض مرتبط باالثنني وبذاك األسود القادم من ّ كل صوب ليقيم نظام حكم ال يعرتف بالسوري الذي رحل ,وال يقبل بقاء السوري إ ّال عىل صورته وشاكلته .هؤالء أهل الفئة األخرية أكرث املنفيني ُحزناً وافتقاداً لألمانُ ,مج ّردون من رفاه ّية خطاب حاد وحاسم يتلونه وهم يف الخارج كام فعل امتالك ٍ من سبقوهم ,مأسورون بشدّة تعقيدات الشأن السوري يف مختلف مستوياته .يف الحقيقة هم “مطرودون”ُ “ ,م ّ تخل عنهم” و”منبوذون” أكرث منهم منفيونّ , مم ُيثقل عليهم بغضب أضايف ,ويغدو التعاطي مع سؤال “الهو ّية” أكرث ٍ حدّة وقسوة. طرح السؤال ال ميكننا بالرضورة من تقديم إجابات نهائية ,هي خريطة إشكال ّية ومتح ّولة محكومة مبآالت الوضع السوري أ ّوالً وأخرياً ,وبخصوص ّية التجربة الفرد ّية, وبالزمن ّية .لكن يف املقابل ,وكام ّأن تلك البالد تعيش أقىس يؤسس رغم مثنه الباهظ يف شتائاتها مناخ ّياً ,أؤمن ّأن هذا ّ لربيع أخرض بعد سنوات قحط طويلة. زمن الحربٍ ,
13
أميّ , كل األمهات
14 نبال زيتونة
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
هناك يف البلدة البعيدة القريبة ،مازلت أراها، أعوامها الثامنون تد ّرج عىل مداخل الدار الكبرية متوجس ًة الواسعة ،متف ّقد ًة أحوال األبناء واألحفادّ ، ّ رش عصاب ٍة خربتها عىل مدى نصف قرن من الزمان، وملست بؤسها وحقدها الذي ّ تجل بأبشع صوره عىل مدى سنوات الثورة اليتيمة. هناك كانت أ ّميّ ، ككل األمهات ،وهناك أمضت ردحاً من عمرها تحرس الغياب ،غياب األبناء يف زمن ّ الذل والبحث عن موارد الرزق يف طول البالد وعرضها .واليوم ،يف زمن املداهامت لعنارص تلك العصابة الحاقدة ،أ ّمي تحرس قبيلة من األبناء واألحفاد ،تحرس ح ّياً تناثر قلبها عىل جنباته. أ ّمي تسهر الليل عىل املداخل ،وتتابع أخبار األوالد وتح ّركاتهم من بعيد ،هي التي اعتادت يف زمن مىض أال ّ تتدخل يف شؤونهم ،لكن اليوم، ٌ األمر مختلف متاماً ،فالبيوت عُ رضة للمداهامت، مهب املوت واالعتقال والتغ ّييب والشباب يف ّ والتعذيب! استجمعت سنواتك الثامنني، أذكر ذلك اليوم ،كيف ِ لر ّد كيد البندق ّية ،كيف أمسكت بها مص ّوبة إىل صدرك ،محش ّوة بغدرهم ،لحامية أحفادك. أذكر كيف أصابهم الذهول ،وعجزوا عن مداراة املوقف ،ليس بدافع إنسانيتهم بالتأكيدّ ،إنا ألوامر بعدم إطالق النار يف تلك البلدة ،ويف ذلك الوقت املب ّكر من عمر الثورة. ّ أتذك ّرك يا أ ّمي يف حافلة نقل الركاب ،عىل حاجز “الك ّباس” ،كيف انتزع عنرص النظام “الساندويش” من يد طفلك الجائع مع بداية الحصار عىل الغوطة الرشق ّية ،رأيت قلبك يتناثر عىل إسفلت الشارع بعد أن رماها ذلك العنرص عىل األرض ،وداستها أقدام العسكر ،احتقنت روحك بالرصاخ من ّ مللمت بقايا طفلك ذل وأمل، ِ إىل صدرك ،وأنت تدركني ّأن األمومة امتياز ميلء ْ سمعت رص َاخك الس ّيد ُة العذراء، باألمل ،حينها فاستمرأت مرارتها.
أتذك ّرك يا أ ّمي عىل مداخل فروع األمن ،ال يه ّمك الشتم واإلبعاد ،تتطاولني عىل الجرذان املتس ّلحة املرصوصة عىل طول الطريق ،ملعرفة خرب عن تخربك الر ّبة إيزيس عن رهبة العامل ابنك ،مل ِ اآلخر وظلامته ،ومخاطر الطريق إليه ،لكنّك آثرت وكنت الرحلة وحيد ًة ،إ ّال من أمومتك واألمل. ِ هناك ،تحملني شيخوختك والعصا ،تطوفني خلف املظاهرات السلم ّية لحامية أبنائكّ ، كل أبنائك الخارجني من “قمقم” ّ الذل املهني .مل تكن عصا الساحر ،كام مل تكن عصا موىس املخ ّلص ،التي شقّ بها البحر ليعرب قومه ،كانت ع ّكازة آخر العمر، التي تعينك يف سنواتك األخرية مشفوعة بأمومتك الطاغية عىل ّ كل مقدّسات األنبياء والرسل. رأيتك هناك ،تحرسني البيوت التي غادرها أبناؤك مطر عىل البلدات والقرى، يف زمن القصف ا ُمل ِ يتّسع حضنك ليتامهى مع األرض والقمح والرتاب، ومتت ّد يدك الحانية تلملم ما تب ّقى من حياة يف انتظار عودة الغائبني. أتذ ّكرك تحملني “الشحاطة” وترضبني عنارص األمن الذين داهموا بيتك يف منتصف الليل العتقال ابنك ،لكنّ أمومتك ال تنام ،ومل يكن لديك سالح يوازي همج ّيتهم .يا أ ّماً ال تعدم وسيلة لحامية أبنائها .وهناك كنت مشبوح ًة ومع ّلقة يف زنازين اعرتفت عىل نفسك بإدخال حليب ألنك ِ الطغاةِ ،
األطفال إىل “دار ّيا” املحارصة ،لتخليص ابنك من املوجهة إليه ،فكان احتامل األمل الجز َء التهمة ّ األهم من أمومتك ،أنت املقدّسة التي تتج ّرع األمل َّ خالصاً لألبناء. من ينىس صورك يف الحصار ،عىل امتداد مدنٍ وبلدات بحجم عهر هذا العامل ومدى نزيفه ٍ زرعت حطام البيوت ليقتات أبناؤك، األخالقي، ِ ّ ْ غضبت “دمييرت” آلهة الطبيعة والنبات عند لتجدب األرض ،أ ّما غضبك فأخصب اإلغريق، َ قوتاً ألبنائك الجائعني .ومن ينىس وقع خطواتك ِ عىل دروب اللجوء ،ته ّز ضامئر من ال ضامئر لهم، تحملني متاعك ّ دت الرث وحفن ًة من صغارُ ،ج ِ رب طاملا عليهم بأمومتك الحانية تنتظرين رحمة ّ انتظرتها! مل تكوين “ديانا” الرومان ّية ،أو “أرتيمس” اإلغريق ّية آلهة الصيد وحامية األطفال ،ومل تحميل قوساً وال كنت األ ّم السور ّي َة العظيمة بعذاباتها جعبة سهامِ ، وموتها وأملها والحياة. ّ وختاماً أمت ّثل قول الكاتب اليوناين “دميرتي أفيريينوس”( :مقد ٌ ّسة ك ُّلها ،حجراً حجراً ،هذه األرض ٌ كوخ آلله ٍة سكنت معنا ،نجم ًة نجمة، ً روح وأضاءت لنا ليايل الصالة ،مشينا حفاة لنلمس َ َ روح الهوا ِء وسنا عرا ًة لتُل ِب َسنا الروحُ ، ُ الحىصِ ، بات الطبيع ِة). ه إلينا نسا ًء ُي ِعد َْن ِ ِ
في الحصار أيضًا كنت أبحث عنك
بشرى البشوات
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
أرغب حقيقة يف معانقته لكنني مل أفعل كثرياً منذ سنوات الحصار. فالرشك الذي طاملا نصب لنا ووقعنا فيه تسعى دامئا حضارة الرجل إىل تجديده ،وما علينا سوى أن نحسن الوقوع فيه. عب عن العالقة بني الرجل واملرأة كظاهرة ُي ّ اجتامعية من خالل مؤسسات وبنى اجتامعية وثقافية ودينية ،تبدو فيها سطوة الرجل ,وم ّرد سطوة االنتصار هذه إىل وهم التف ّوق وحسم مسألة الرصاع الزائف ألجله. يف سينام املخرج السويدي “انغامر بريغامن” وبلحظة ما يعرتف ممثلوه بجملة من الخطايا، االعرتاف بالخطيئة نتيجة الخروج إىل هذا العامل, واالعرتاف بنمو طفلة يف جسد امرأة ،واالعرتاف األخري ّ بأن هذه املرأة رمبا متوت وقد فشلت يف الحب وضاق العامل عن احتضان أحد لها .لكن يف الحصار يستمر إبقاء املرأة مشغولة البال غري مرتاحة بتواتر مقيت ،عىل املرأة أن تتدّبر النجاة من تلك العاصفة ا ُمل ّ سمة “الحرب” التي قطعت كل ذلك اللحم وتركت كل أولئك النساء يف نزيف مستمر. يدخل حصار الغوطة سنته الرابعة تقريباً ,ومل تنجح كل التقارير والربامج والتحقيقات التي أعدت عن الحصار ،يف إيصال العمق والبعد اإلنساين الحقيقي ملعاناة النساء ،فالرجل املتحفز واليقظ والفعال، الرجل الذي يقفز هنا ويقاتل هناك ويرفض أن يرتاجع ،هو ذاته الذي نيس كيف يعانق الحبيبة. فالرجل الذي يبيك يف حضن أمه ويعانق أخته ،ال يستطيع أن ميطر الحبيبة أو الزوجة ولو بنظرة، يف باطن العالقة يصري األمر مختلفاً .هناك حقيقة ترصدها مقاربة مختلفة لعلم النفس ،وهنا نتذكر رأي عام النفس األشهر “فرويد” من ّأن داخل اإلنسان يتك ّون من ثالث مستويات (الشعور- الال شعور -والهذا) ,فحني يذهب هذا العلم يف البحث بعيداً إىل ما “بعد الشعور” ,يضعنا أمام
داللة صادقة تفيد ّ بأن القاع النفيس للرجل مغمور ً بالحرص ويضمر بعداً عقديا يف التعاطي مع املرأة الحبيبة .فاملرأة التي أودعت روحه يف رحمها تحولت يف قاع نفسه إىل رمز للموت ،فيموت ألجلها لكن ال يستطيع أن يعانقها ،يف حني تبحث هي عن جسدها بني أجساد األخريات يف هذا البيت املحارص الذي يضج بالنساء ،شقيقات وأم، وزوجات أخوة. نحن منيل إىل الوجع أكرث حتى لو حاربنا الرش، البرش مييلون إىل الترصف بغباءّ , كأن نترصف منطلقني مام نسميه دوافع عليا ،ال ميكن أن يكون كل هذا الدمار هو دمار عشوايئ ،إ ّنه تدمري ممنهج ويقصد منه قتلهاهي دون غريها ,أي قتل املرأة، وعليه ّ فإن كل الخطابات التي هدفت إىل تقليص البؤس والفقر والنبذ وكل أشكال اإلقصاء التي مورست ضد املرأة هي خطابات جوفاء. تعيش املرأة تحت الحصار وخارجه ,تعيش يف يتكشف يوماً الحياة حالة اغرتاب قصوى يف عامل ّ
بعد آخر عن كونه سجنها الكبري ،يف هذا العامل تحولت املرأة إىل موضوع سلعي ،أدرجها الرجل يف حضارة شاء أن تكون حضارته هو ،بوصفها أحد أمثن األشياء عىل قامئة السلع وأجملها .لتغدو املرأة كائن االغرتاب املضاعف ،أوالً ألنها اغرتبت أحست باالغرتاب يف دنيا الرجال ,وثانياً ألنها حني ّ وخالجها التوق إىل الحرية ،راحت ترى إىل ذاتها كام إىل العامل بعني الرجال ،مبفاهيمهم وتصوراتهم فهي كمن استعار مرآة الرجل يك ترى ذاتها ،فام رأت سوى شبح توهمت أنه املرأة. يف الحرب ميوت الرجل رمبا مرة واحدة يف حرب اخرتعها هو وسيوقفها هو ،فيام موت املرأة م ّرات مضاعفة ،فال الحرب حربها وال السلم بيدها ،ومع ذلك تبيك املرأة دماً عىل زوج أو أخ أو ابن أو حبيب أو قريب .يف عامل ال يعرف الحصار ,لن ترسل األم أبنائها إىل الحرب ،وستقول املرأة التي كانت يف الحصار لن أبحث عنك بعد اآلن ،ألنك اآلن هنا ،هنا.
15
إعدامات ّ تطال مدنيين في منبج، والمعارك القتالية محتدمة
16 شيخو كمال
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
تقارير
طالت سلسلة اإلعدامات التي ينفذها عنارص تنظيم الدولة اإلسالمية 24مدنياً عىل األقل ،من قرية البوير الواقعة عىل بعد عرشة كيلومرتات شامل غرب مدينة منبج ،بحسب شهود نجوا من الحادثة. القرية كانت خاضعة لسيطرة قوات سورية الدميوقراطية قرب مدينة منبج يف محافظة حلب بشامل سوريا ،لكنها تعرضت لهجوم وصف بأنه “عنيف ومباغت” شن ُه عنارص التنظيم يف التاسع والعرشين من شهر متوز/يوليو املايض ،عىل عدة قرى يف ريف منبج الشاميل الغريب ،ومت ّكن التنظيم مبوجبه من السيطرة لساعات عىل هذه القرى ،إال انه رسعان ما انسحب إىل معقله بعد اشتباكات عنيفة مع قوات سورية الدميوقراطية واملجلس العسكري ملدينة منبج. اإلسالمية” بأنها وتتهم جهات محلية ودولية عنارص تنظيم “الدولة ّ تستخدم املدنيني دروعاً برشية يف معركة مدينة منبج الواقعة عىل طريق إمداداتها الرئيسية بني سوريا وتركيا ،عىل أثر خسارتها أمام تقدم قوات سورية الدميقراطية بعد أن أعلنت األخرية معركة اإلسالمي الستعادتها يف 31أيار/مايو املايض من قبضة التنظيم ّ املتشد ّد والذي يسيطر عليها منذ بداية العام .2014 هدنة إنسانية وتلقى العمل ّية العسكر ّية التي تقوم بها قوات سورية الدميقراطية يف منبج دع ًام جوياً من طريان التحالف الدو ّيل ومبشاركة مستشارين عسكر ّيني من الواليات املتّحدة األمريك ّية. ويف الثالث والعرشين من شهر متوز/يوليو املايض ،أعلنت قوات سورية الدميقراطية هدنة إنسانية ملدة 48ساعة ،تفيض بجالء املدنيني والجرحى من املنطقة التي يسيطر عليها مقاتلو التنظيم والسامح بفتح “معابر آمنة” تتيح للسكان املحارصين مبركز منبج. ّ الفرار ،يف مقابل ترك القوات بعبور عنارص التنظيم املصابني والجرحى إىل مدينة الباب املجاورة. بيد ّإن أمري منطقة الباب التابعة لسيطرة “تنظيم الدولة” رفض املبادرة ،وأقرتح صيغة ثانية نصت عىل“ :فك الحصار عن املدنيني املرىض فقط مبنبج الذين يعانون من حاالت صعبة يف مدينة منبج، نحو مناطق قوات املجلس العسكري ملدينة منبج ،مقابل ليتجهوا ّ أن يجري خروج جرحى التنظيم من املدينة” ،كام نقلت إحدى صفحات “الفيسبوك” املقربة من التنظيم. ولدى لقائه مع “طلعنا عالحرية” أكد رشفان دريوش الناطق الرسمي للمجلس العسكري ملدينة منبج وريفها أن“ :املدنيني األبرياء يف منبج باتوا رهائن لدى التنظيم اإلرهايب من أجل توظيفهم لغايات التنظيم املتطرف ،هذا األمر يكشف لنا مجدداً
نعتربهم جزءاً من مسؤوليتنا األخالقية والقانونية من أجل الحفاظ عىل حياتهم، مثل مسؤوليتنا األخالقية حيال قواتنا العسكرية الدفاعية”. ً وتبعد مدينة منبج حوايل 40كيلومرتا فقط عن الحدود الرتك ّية ،و 80كيلومرتاً شامل رشق مدينة حلب .وكان يبلغ عدد سكانها نحو 150ألف نسمة قبل اندالع النزاع ّ األخري ،أما سيطرة “تنظيم الدولة” عليها فكان بتاريخ 23كانون الثاين/يناير من عام .2014 وأكد درويش يف ختام حديثه ّ بأن قواته ملتزمة بقدر املستطاع بتأمني خروج آمن ألي مدين يرغب بالتوجه إىل املناطق املحررة ،وقال“ :سنحمي كل من لديه ّ القدرة عىل الفرار من قبضة داعش ،كام نعمل عىل تأمني حياتهم إىل جانب املهام العسكرية امللقاة عىل عاتقنا يف تحرير املدينة من رجس اإلرهاب” عىل حد تعبريه. ومت ّكنت هذه القوات والتي تشكل وحدات حامية الشعب الكردية عمودها الفقري ،من دخول منبج ،لكنها ال تزال تواجه مقاومة تحول دون طرد الجهاديني الذين يستخدمون يف مقاومتهم التفجريات االنتحارية والسيارات املفخخة. أن املدنيني يف هذه الحرب أصبحوا ورقة مقايضة بيد عنارص داعش” .وبخسارة التنظيم مدينة منبج ،يكون قد مدنيون عالقون اتيجي والوحيد ا ّلذي فقد املنفذ االسرت ّ وأضاف دريوش“ :أطلقنا املبادرة من أجل هذا الهدف سيام أننا يربط مناطق نفوذه يف سوريا والعراق مع ال نعترب أنفسنا يف حالة حياد تجاه حياة املدنيني وخالصهم ،بل الحدود الرتك ّية ،وا ّلذي كان مبثابة طريق
الرئييس للجهاد ّيني القادمني من العبور ّ الدول األوروب ّية وبق ّية أنحاء العامل. تزايد عد ّد الفارين وذكر ناشطون أن أكرث من 125ضحية سقطت جراء غارة نفذتها قوات التحالف يف قرية التوخار قرب منبج يف ريف حلب بتاريخ 19متوز/يوليو الجاري ،غالبيتهم كانوا من النساء واألطفال. ودعا رئيس االئتالف الوطني املعارض أنس العبدة يف العرشين من الشهر املايض، التحالف الدويل إىل تعليق العمليات العسكرية بشكل فوري إلتاحة الفرصة للتحقيق املستفيض يف هذه الحوادث. وشد ّد العبدة يف رسالة خاطب فيها وزراء خارجية دول التحالف املجتمعني بالعاصمة األمريكية واشنطن يف العرشين من الشهر املايض ،عىل أن “هذه التحقيقات ال يجب أن تفيض إىل مراجعة القواعد اإلجرائية للعمليات املستقبلية فحسب ،بل أن تصب يف محاسبة املسؤولني عن مثل تلك االنتهاكات الجسيمة”. ويقدّر عدد املدنيني العالقني مبدينة منبج عند حدود مئة ألف ،بحسب نشطاء وسكان من املدينة مت ّكنوا من الفرار إىل مناطق سيطرة قوات سورية الدميقراطية. واستطاع أكرث من خمسني ألف الفرار من قبضة التنظيم ،وكشف العديد منهم؛ أنه يوماً بعد يوم يزداد عدد الهاربني من املنطقة الخاضعة لسيطرة “تنظيم الدولة” عىل إثر اشتداد املعارك املحتدمة فيها.
نشرة اقتصادية وائل موسى
غرفة الصناعة السورية في اجتماع مع رئيس حكومة النظام لدعم إعادة اقالع المعامل المتوقفة
2016 / 8 / 2
أوردت صحيفة الثورة الرسمية لحكومة النظام السوري خرباً حول اجتامع الحكومة برئاسة املهندس عامد خميس رئيس مجلس الوزراء مع اتحاد غرف الصناعة وقد ذكرت فيه تركيز االجتامع عىل ما سمته بالشفافية والتكامل والتشاركية بني الحكومة والصناعيني لدعم واستمرار التنمية االقتصادية والصناعية يف املرحلة القادمة إىل جانب توطني الصناعات يف مناطق إنتاجها وتحقيق تكافؤ الفرص لكل الصناعيني وتفعيل املدن الصناعية يف حلب وحمص ودمشق وريفها وتقديم كل وسائل الدعم إلعادة إقالع املعامل املتوقفة جزئياً أو كلياً. وقد ورد يف نص الخرب عن أن االجتامع بحث االتجاه
املشرتك للقطاعني العام والخاص الستنهاض الواقع الصناعي وتعزيز املشاركة باتخاذ القرار االقتصادي وفتح قنوات مبارشة للتواصل مع الصناعيني ورجال األعامل وال سيام من «ساهموا يف الدفاع عن سورية» .إضافة إىل «إلغاء االنتقائية» وتحقيق العدالة. إىل هنا نتوقف عن النقل من الصحيفة وضمن مراجعة رسيعة حول الواقع الصناعي يف سوريا، ومن باب التذكري فقط ،وبعد مرور أكرث من خمسة أعوام عىل انطالق الثورة السورية وإرصار النظام الحاكم عىل اتخاذ سياسة التدمري ألجل الحفاظ عىل بقائه ،فقدت سوريا خالل هذه
وبالعودة إىل الخرب يف صحيفة الثورة ،ال يوجد أسئلة تطرح نفسها حول مصري هذه املصانع وأصحابها، فالجواب ورد يف نفس االجتامع من خالل التأكيد عىل التواصل مع الصناعيني ورجال األعامل ممن <<ساهموا يف الدفاع عن النظام السوري املجرم>>، أما عبارة «إلغاء االنتقائية» وتحقيق العدالة ،فهي برسم املفرسين عىل أهواء النظام لتحقيق العدالة للمستفيدين من وجوده من تجار الدماء الذين ال يزالون يستغلون وجود النظام حتى آخر رمق لتحقيق مكاسبهم عىل حساب دماء وشقاء الشعب السوري متخذين من شعار النظام (األسد أو نحرق البلد ) ذريعة لهم
العدد - 74 -
الفرتة عدداً من الصعب احصاؤه من املنشئات الصناعية الكبرية واملتوسطة والصغرية التي كانت تحيي االقتصاد السوري وتدعم اسواقه الداخلية، فقد بات عىل سوريا استرياد أبسط الصناعات مثل األطباق الكرتونية املخصصة للبيض نتيجة توقف صناعتها ،وتوقف عدد كبري من ورشات الخياطة ومصانع األلبسة وغريها الكثري من الصناعات املهمة واملؤثرة عىل الواقع املعييش ،وبات أصحاب هذه املصانع بني مهجر والجئ.
17
األمن الغذائي في خبر كان والنظام يطلق مشروع ًا لتشجيع الزراعة األسرية ويسعى لمنحة من برنامج األغذية العالمي
• توفر كميات كافية من الغذاء بنوعية جيدة. • توفر إمكانية الحصول عىل الغذاء الكايف لألفراد واألرس. • توفر رشوط التغذية الجيدة مبا فيها الوجبات املنتظمة، الصحية ،املاء النظيف والرشوط الصحية-الصحة العامة. حذرت املنظمة الدولية من انهيار النظام الزراعي يف سوريا بسبب الحرب ،إذ “ستدخل البالد يف مواجهة صعبة لتوفري الغذاء لسكانها ولسنوات كثرية”. وقدرت “الفاو” العجز يف القمح السوري يف 2015بنحو 800ألف طن عن حاجة السوق املحلية ،التي تقدرها
اقتصاد
مل تشفع آلة الحرب ملساحات سوريا الزراعية مام أدى إىل انخفاض كبري يف املساحات املزروعة انعكس عىل األسواق بنقص كبري يف املواد الغذائية حتى استدعت الحاجة إىل االسترياد لتعويض النقص. إال أن االسترياد ليس بكفيل دائم ملعالجة األزمة الغذائية ،وتسعى الحكومة السورية إلطالق مرشوع يشجع عىل الزراعة األرسية وذلك بتمويل 5000أرسة يف السنة األوىل للمرشوع موزعة عىل 50قرية يف محافظات ريف دمشق وطرطوس وحلب والالذقية وحامة ،وتظن حكومة النظام بأن مرشوعها كفيل بتأمني االكتفاء الذايت لألرس املحتاجة وبشكل خاص للعائالت شديدة الفقر وذوي الشهداء والعائالت التي تعيلها النساء. وتعريف األمن الغذايئ بحسب املنظمة العاملية للغذاء والزراعة (الفاو) ،هو توفر اإلمكانية الفيزيائية واالقتصادية-االجتامعية لكافة البرش للحصول عىل الغذاء الكايف والصحي الذي يؤمن العنارص الغذائية الرضورية للقيام بفعاليات الحياة الصحية. فاألمن الغذايئ يتطلب توفر الجوانب التالية:
مؤسسة تجارة الحبوب السورية بنحو 3,2مليون طن. ويف بيان صحفي مشرتك صادر عن الفاو وبرنامج األغذية العاملي يف روما 29 ،يوليو – 2016يف تقرير قدمتاه إىل مجلس األمن الدويل ،حذرت منظمتان أمميتان من أن النزاعات الطويلة يف 17بلداً تسبب االنعدام الشديد يف األمن الغذايئ ملاليني الناس وتعيق الجهود الدولية للقضاء عىل سوء التغذية. ووفقاً لسلسلة جديدة من البيانات املوجزة الخاصة بسبعة عرش بلداً أعدتها منظمة األمم املتحدة لألغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الغذاء العاملي تأيت سوريا يف املرتبة الثانية حيث يحتاج 8.7مليون شخص ،أي 37 باملائة من عدد السكان قبل األزمة ،إىل مساعدات غذائية وتغذوية ومعيشية عاجلة. يأمل النظام السوري يف سعيه للحصول عىل منحة من برنامج األغذية العاملي لتتميم مرشوعه املقترص عىل األماكن التي يستطيع الوصول إليها متجاه ًال دوره يف االخالل باألمن الغذايئ ومساهمته يف تجويع املناطق املحارصة.
18
ّ الحاج صالح يبحث السوري ياسين ّ في “الثقافة كسياسة” طلعنا عالحرية
العدد - 74 - 2016 / 8 / 2
ثقافة
“الثقافة كسياسة” عنوان الكتاب الفكري الجديد الحاج صالح ،والصادر حدي ًثا للكاتب السوريّ ياسني ّ عن املؤسسة العربية للدراسات والنرش ،وفيه يتناول املؤلف الدور املنوط باملثقفني ومسؤولياتهم االجتامعية يف زمن اإلستبداد والتسلط ،ومن وصفهم بـ”الغيالن” .جاء عىل غالف الكتاب الخارجي“ :الثقافة قوة سياسية مبا هي ثقافة ،مبا هي شكل من أشكال العمل العام له شخصيته الخاصة وكرامته الذاتية .من واجب املثقفني أن يتدخلوا يف السياسة يف كل وقت، يف أوقاتنا الدموية اليوم خاصة ،وأن يقولوا كال ًما واضحا عن السلطة وعن السجن والتعذيب والعنف ً والتمييز والقتل واملنفى والكراهية والتحقري والتعصب والعنرصية” .مضي ًفا“ :لكن هناك شيئاً واحداً أسوأ من أن يعمل املثقفون كسياسيني عمليني .هو زعم املثقف بأن مجاله هو الفكر أو الفن ،وأنه لن ( ُيل ّوث) نفسه بالسياسة وشؤونها .يف مثل رشوطنا الراهنة ،هذا املسلك اسرتاتيجية تربر الراهن دو ًما ،وال تربر غريه. حني ُيقتل الناس بكل طريقة ،حني ُيذ ّلون ويهانون، حني يحارصون و ُيج َّوعون وميوتون جوعًا ،وحني يكون ذلك سياسة عامة شعارها هو (الجوع أو الركوع)، حني ُتغتَصب النساء واألطفال يف مقرات أجهزة األمن، حني ُيقتل املئات منهم بالغازات السامة خالل ساعة، حني يدفنون تحت أنقاض بيوتهم املقصوفة بالرباميل املتفجرة؛ فإن من يتعاىل حينها عىل السياسة فاقد لإلحساس ولإلنسانية ذاتها ،ويغلب أن يكون هذا التعايل قناعًا لالنحياز إىل األوضاع القامئة ،وهو يجرد نفسه من القدرة عىل إدانة قتلة آخرين إدانتهم واجبة“ :داعش” وأخواته .هذا أصل بعض صمت الصامتني؛ تصمت ُلزمن طويل عىل قاتل تواليه ،فال يبقى لك وجه للكالم عىل قاتل صاعد تعاديه”. ويرى صاحب كتاب “بالخالص يا شباب” ،يف مؤلفه الذي جاء يف 288صفحة من القطع الكبري ،وهو الكاتب الليربايل الدميقراطي ،ذو التوجهات اليسارية غري األيديولوجية ،وهو من الناقدين للنظام السوري واملتناولني لشأن اإلسالم السيايس ،يرى أنه “ال ميكن للخوف أو لعواقب قول الحقيقة أن يكون مس ّو ًغا كاف ًيا لاللتزام مبح ّرمات ُيفرتض أن تحدّيها وانتهاكها
هو تعريف املثقف بالذات حتى قبل أن يكون واجبه”. مؤكدًا أن املوضوع “أهم من أن ُيسكت عنه من جهة، واملعنيون فئة يتمتع أفرادها بحصانة نسبية أكرب من غريها من جهة ثانية” .من سرية ومسرية مثقف عضويُ ..يعد الحاج صالح من أبرز املثقفني السوريني الكاتب ياسني ّ ً والعرب العضويني ومن أكرث الكتاب تواصل مع الشباب عرب مواقع التواصل اإلجتامعي .ومع اندالع الثورة السورية يف آذار /مارس 2011اعترب من ّ منظري الحراك الشعبي
والحاج صالح سجني سيايس سابق يف السوري الرئيسيني. ّ معتقالت النظام السوري ،حيث اعتقل سنة 1980بتهمة اإلنتامء إىل تنظيم شيوعي ،وقىض يف السجن 16سنة .وهو من مواليد الرقة ،1961وقد غادر العاصمة دمشق إىل ريفها وتحديدًا إىل الغوطة الرشقية بعد عامني من انطالقة الثورة ،ليعيش حوايل ثالثة أشهر يف بلدة دوما الثائرة قبل أن ينتقل إىل مسقط رأسه (الرقة) ،التي كان قد احتلها تنظيم “داعش” اإلرهايب ما أجربه عىل متابعة التخفي إىل أن غادر يف شهر ترشين األول /أكتوبر 2013إىل اسطنبول حيث يقيم حال ًيا. وكان أن اختطفت زوجته الناشطة السياسية سمرية الخليل ،والتي كانت قد قضت قبل الثورة أربعة سنني مبعتقالت األسد األب ،يف التاسع من كانون األول /ديسمرب 2013مع رفيقتها الناشطة رزان زيتون وزوجها املحامي وائل حامدة ،وصديقهم الناشط الحقوقي ناظم حامدي، وذلك من قبل معارضني متشددين يف مدينة دوما بالغوطة الرشقية ،بسبب نشاطاتهم السلمية الداعمة للحراك
الثوري ضد نظام بشار األسد!. الحاج صالح يف العديد من الصحف واملجالت ينرش ّ العربية ،وله تأثري واسع يف الساحة الثقافية السورية والعربية .وكان أن ساهم يف بدايات العام 2012مع مجموعة من الكتاب والباحثني السوريني يف تأسيس “مجموعة الجمهورية لدراسات الثورة السورية” ،التي تحولت إىل منرب ثقايف وفكري لتغطية الشأن السوري خالل سنوات الثورة .وقد صدر له من الدراسات والكتب ،دراسة بعنوان“ :سوريا من الظل :نظرات داخل الصندوق األسود” ،صدرت عام 2010عن دار جدار للثقافة والنرش .ويف العام 2011صدر كتاب “أساطري اآلخرين :نقد اإلسالم املعارص ونقد نقده”، عن دار الساقي البريوتية ،والذي يساجل فيه تيارات اإلسالم السيايس ويطرح أسئلة استشكالية عن جملة القضايا الفكرية والسياسية واألخالقية التي يطرحها وضع (اإلسالم) يف العامل املعارص .ويف العام 2012صدر له كتاب “السري عىل قدم واحدة” عن دار اآلداب البريوتية ،وفيه يتناول قضايا متفرقة يف الشأن السوري، كنقد الخطاب الرسمي ومامرسات نظام األسد” .ويف الحاج صالح ،كتابه نفس العام ( )2012أصدر ياسني ّ األبرز “بالخالص يا شباب” ،عن دار الساقي (بريوت)، ً مستعرضا 16عا ًما من عمره قضاها يف معتقالت نظام طارحا فيه تأمالته العميقة التي راودته يف األسد األبً ، املعتقل وبعد املعتقل ،وكيف استطاع “ترويض وحش السجن” وتحويله إىل تجربة انعتاق حقيقية ..انعتاق عرب الرصاع مع السجن ومع النفس ومع الغري ،وعرب التعلم من الرفاق ومن الكتب.
نشرة ثقافية طلعنا عالحرية – القسم الثقافي
“وداعا للحياة.. ً كمهنة قديمة”.. للكردية السورية دلشان انقلي
صدور الترجمة التشيكية واية “رهائن لر الخطيئة” للسور ّي هيثم حسين التشيكية من رواية ورية التشيك النسخة يف مدينة براغ بجمه شيكية يانا برجيسكا، صدرت مؤخ ًرا، ني ،برتجمة األكادميية الت ة” للسور ّي هيثم حس “نادي القلم التشييك”. يئ “رهائن الخط ريجي ديدجيك ،رئيس عر والكاتب التشييك ي ظمة “مبادرة من أجل وتقديم الشا ي القلم التشييك” ومن رتجمة بالتعاون بني “ناد رتجمة التشيكية عن وقد صدرت ال ار عنوان مختلف يف ال التشيك .كام تم اختي يف سوريا الح ّرة” “أين بيتك ،خاتونة..؟!”. ار التكوين يف دمشق، هو و ية ا و لر ل يل العنوان األص درت سنة 2009عن د هائن الخطيئة” قد ص ها املختلفة ،السياس ّية، وكانت رواية “ر ني سوريا وتركيا بأبعاد كالية الحدود الواقعة ب ن يرتهن لتلك الحدود وهي تعالج إش ّ صيات متع ّددة ،منها َم ة ،واالجتامع ّية ،عرب شخ ّ وعة .ويكون التقسيم الدين ّية ،الفكر ّي ّ ى ك ّل العقبات املوض ط خ يت و ها وز جا تقيد بها ،ومنها من يت ون عىل طريف الحدود. وي ّ ي ،حيث األكراد موزّع ّ رشارة تقسيم اجتامع افظة الحسكة ،ويقيم ّ الجغرايف نة عامودا 1978م مبح حسني من مواليد مدي ها :رواية “آرام سليل والروا ّيئ هيثم عدد من األعامل ،من اململكة املتحدة .وله درت له عدة دراسات ب ربة حال ًيا يف أدن رعب” ( ،)2013كام ص ة” ( ،)2006و”إبرة ال األوجاع املكابر يف النقد الروا ّيئ.
ثقافة
صدر حدي ًثا عن مؤسسة “بدرخان للطباعة والنرش يف العاصمة العراقية بغداد ،ديوان شعر بعنوان “وداعًا للحياة ..كمهنة قدمية” للشاعرة الكردية السورية دلشان. ووف ًقا لصحيفة “املستقبل” اللبنانية ،فإن قارئ دلشان يشعر أنه أمام طفلة أمكنها بطريقة ما أن تقول شع ًرا رائ ًقا أو شاعرة وجدت نفسها بالغة من دون أن تقصد ولذلك فهي يف حالة حنني وبحث دائم عن الذكريات مرتبطة برائحة األمكنة ،وتوغل يف ذاكرة الجغرافية والزمنية. ومام جاء عىل صفحة الغالف الخارجي للديوان بقلم الروايئ السوري خالد زمن طويل عرفت دلشان ،مل أعد أذكر بالضبط متى تعرفت خليفة“ :منذ ٍ إليها لكنها كانت وال تزال رفيقتي املقربة ،طوال سنوات كنت أنتظر أن تكتب شيئًا ،لكنها كانت تخربين دو ًما عن رهبة الكتابة ،كنت أصمت كعاديت إذا ال يليق أن تورط أحدّا بذلك األمل الذي يدعى كتابة ،لذلك مل أفاجأ بها حني كرست يف النهاية حاجز الخوف ونفضت الغبار عن ذاتها املختبئة”.
أنجز الفنان التشكييل السوري دلدار فلمز مؤخ ًرا مجموعة رسومات حملت عنوان: “األمل السوري” ،ودلدار من مواليد مدينة القامشيل ،1970وهو يقيم حال ًيا يف سويرسا، وله كتابات يف النقد التشكييل واألديب يف الصحافة العربية واملحلية .وصدرت له عام 2003مجموعة شعرية بعنوان “عاش باك ًرا”، وله النقد الفني كتاب بعنوان “تاريخ الرسم” صدر عام .2011وعمل يف عدد من األعامل الدرامية والسينامئية ،كام صمم عدداً من أغلفة الكتب واملجالت.
2016 / 8 / 2
أطلق باحثون ومثقفون سوريون يف تركيا ً صارخا عىل كثافة ذلك الجدل املحيل / قبل أيام ،املوقع اإللكرتوين لـ”معهد العامل الدويل بدرج ٍة غري مسبوقة يف التاريخ للدراسات” .و جاء يف تعريف املجموعة املعارص عىل األقل”. للموقعأنه“ ِمنَ “العالَم”:املوقع اإللكرتوين ،وأشارت إدارة املوقع إىل أن املجال أمام راهنًا ،إىل “العالَم” :املعهد ا لبحثي ،يف الخرباء واملختصني واألكادمييني واملثقفني، مرحل ٍة قريب ٍة قادمة ،تكمن ٌ ثيمة أساسية السوريني والعرب وغريهم ،للمشاركة لدى فريق العمل يف تأكيد جدل املحلية فيه ،باللغتني العربية واإلنجليزية ،من والعاملية بشكلٍ عام ،وفيام يت علق بالوضع خالل نرش مقاالت وأوراق وأبحاث لهم السوري تحديدًا .فإذ تتكش ف ،تدريج ًيا ،تتعلق باهتاممات املوقع ،والتي أبرزها مُستتبعات مايجري يف سوريا منذ خمس إنجاز تر ٍ اكم معريف عن املوضوع السوري سنوات، سياس ًيا واقتصاد ًيا واجتامع ًيا وأمن ًيا تحديدًا. من جهة ،وإقليم ًيا ودوليا من ً جه ٍة أخرى ،وميكنكم زيارة موقع املعهد عىل الرابط يبدو مسار الثورة السورية ،باضطرادً ، مثال التايلhttp://alaalam.org/ar :
التشكيلي دلدار فلمز يرسم “األلم السوري”
العدد - 74 -
باحثون يطلقون موقع “معهد العالم للدراسات” لرصد ما يجري في سوريا
19