طلعنا عالحرية / العدد 75

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪75‬‬ ‫‪2016 / 8 / 19‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل‬ ‫سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج‬


‫‪2‬‬

‫لماذا هذه الصورة بالذات؟!‬ ‫افتتاحية بقلم ليلى الصفدي‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫ملاذا هذه الصورة بالذات‪ ..‬آالف الصور تنرش يوميا ملعاناة أطفال‬ ‫سوريني‪ ..‬لكن فجأة تتصدر صورة معينة وسائل اإلعالم وصفحات‬ ‫التواصل‪ .‬وتلقى الصورة اهتامماً كبرياً يزداد مع كل تفصيل جديد عنها‪.‬‬ ‫آالن الطفل السوري الكوردي بثيابه الزرقاء والحمراء الزاهية ووضعيته‬ ‫األقرب إىل الحياة من املوت يستلقي كطفل نائم هدّه التعب من‬ ‫اللعب كل اليوم‪ .‬تبكينا وتؤرق منامنا‪ ..‬من منا مل يتخيل ابنه مكان‬ ‫آالن؟‪ ..‬من منا مل ميقت البحر ومتنى أن يعيش عمره يف الصحراء!‬ ‫واليوم تتصدر وسائل التواصل صورة أخرى لطفل سوري مصاب نتيجة‬ ‫القصف عىل مدينة حلب‪ ،‬ال يتجاوز عمره سنوات خمس‪ ،‬يجلس عىل‬ ‫كريس أنيق برتقايل اللون ينتظر تقديم اإلسعافات لجروحه‪ .‬يتحسس‬ ‫وجهه املغرب ليجده رطباً‪ ..‬ينظر إىل يده ليتعرف سبب الرطوبة إن‬ ‫كان دماً أو ما ًء أو شيئاً آخر‪ ..‬ثم ميسح يده لينظفها وكأن ما علق بها‬ ‫هو جرمية العامل الوحيدة‪ ..‬أم هو الطهر املتبقي يف هذا العامل النجس!‬

‫عمران ابن الخمس سنوات من مدينة حلب املنكوبة‪ ،‬مصاب يجلس عىل‬ ‫كريس أنيق‪ ،‬تحتل صورته وسائل إعالمنا‪ ..‬نرسم كاريكاترياً وننتج أفالماً قصرية‬ ‫عنه‪ ،‬ونرفق صوراً بجانب صورته لتدلنا عىل املجرمني الحقيقيني‪ ..‬نكتب‬ ‫عبارات بجانبه ونرفق صورة ألطفال موىت أو مصابني ونضعه عنواناً لربوفايالتنا‬ ‫الشخصية‪ ..‬علنا ُنسمع صوتنا أو أنات جراحنا ملن يحس أو يسمع‪.‬‬ ‫ال يبدو حتى اآلن أن هذه الصور التي تهز الوجدان واملشاعر قادرة عىل فعل‬ ‫يشء أمام بالدة العامل سوى ارتفاع قليل يف بورصة التعاطف الشعبي‪ ،‬التي‬ ‫تعلو وتهبط مع كل مشهد جديد‪ ،‬وقد تفيد أو ترض هنا وهناك يف تفرعات‬ ‫املأساة السورية‪ ،‬وعىل األخص عىل صعيد إيواء الالجئني‪ .‬أما املحنة السورية‬ ‫املع ّممة فيبدو أنها ستبقى رهينة القرارات الدولية إىل أن يشاء حكام املراكز‬ ‫القساة وعىل رأسهم اإلدارة األمريكية‪ ،‬وذلك يف ّ‬ ‫ظل عجزنا جميعاً كسوريني‬ ‫عن اجرتاح الحلول وتقديم التنازالت التي رمبا تكون وحدها الكفيلة بإنهاء‬ ‫عذاباتنا وخساراتنا‪.‬‬

‫التناقض الناتج عن صدمة الطفل يذهلنا ويصدمنا‪ ،‬كيف لطفل بهذا‬ ‫العمر أن يتحمل أملاً بهذا الحجم‪ ..‬ملاذا ال يبيك ال يرصخ!‪ ..‬ملاذا ال‬ ‫ينادي أمه!‪..‬هل استوعب أنها قضت وكل العائلة!‪ ..‬إنه فقط ينتظر بهدوء!‬

‫مررنا بآالف الصور ألطفال وبالغني فارقوا الحياة وتظهر عليهم آثار‬ ‫التعذيب أو تظهر أوصالهم مقطعة أو مشوهة‪ ،‬وهناك مشاهد الذبح‬ ‫والحرق بدم بادر‪ ،‬والتي ال تأخذ هذا القدر من االهتامم وال تؤثر يف‬ ‫الرأي العام‪.‬‬ ‫هل كلام كانت الصورة أقرب إىل الحياة وإىل املألوف بالنسبة إلينا‬ ‫كانت أقوى تاثريأً؟ وهل الصور الصادمة ببشاعتها ترغمنا عىل تجاوزها‬ ‫برسعة كبرية؟ هل نخاف أن ينال تشوهها منا؟‬

‫“كثرياً ما نبيك نحن مصوري الحروب‪ ،‬لكن العامل كله بىك ليلة أمس” املصور‪ :‬محمد رسالن‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬

‫كلمة‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان‬ ‫نصار‬ ‫أنور البني‬ ‫أسامة ّ‬

‫قسم املرأة‬ ‫يارا بدر‬

‫رئيس التحرير ليىل الصفدي‬ ‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪info@freedomraise.net‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫الغالف‬ ‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫سمري خلييل سمري خلييل ‪ -‬هاين عباس‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫ٌ‬ ‫تحديدات في الطائفية‬ ‫‪3‬‬

‫شوكت عرز الدين‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫تتجه الطائفية إىل تأسيس مظلوم ّيتها‪ ،‬وتأسيس‬ ‫مناطق نفوذها‪ ،‬وإىل تقويض فرد ّية النفس‬ ‫اإلنسان ّية غري الطائفية وغري الوراث ّية وغري‬ ‫الجامع ّية‪ ،‬وتقويض مسؤولية هذه النفس عن‬ ‫فعلها واختيارها‪ ،‬لصالح االعتداء عىل مولدها غري‬ ‫االختياريّ وطائفتها اإلجبارية بالوالدة‪ .‬وهذا مام‬ ‫ُيق ِّوض املواطنة مر ًة‪ ،‬وإىل األبد‪.‬‬ ‫أجل‪ ،‬تتبلور الطائفية بالخوف الوجوديّ عىل مصري‬ ‫الطائفة املستقب ّ‬ ‫يل‬ ‫والجمعي‪ ،‬وبالحفاظ الحديّ‬ ‫ّ‬ ‫عىل األصل املاضويّ املشتق من النسل والنسب‬ ‫واملثل املقدّس‪ ..‬ولنالحظ َّأن ربط الطائفية‬ ‫باألقليات غري صحيح؛ فطائفية األكرثية واقعة‬ ‫أيضاً‪ :‬ففي العراق الشيعة أكرث ّية وفيهم طائفية‪،‬‬ ‫ويف سور ّية السنّة أكرث ّية وفيهم طائف ّية‪ .‬ومشكلتنا‬ ‫يف الطائفية ال يف الطائفة‪ ،‬ومغالبة الطائفية هدفنا‪.‬‬ ‫ْأن تكون طائفياً‪ْ ،‬‬ ‫وأن تكوين طائفية‪ ،‬يعني اختيار‬ ‫أمن الطائفة واستقرارها‪ ،‬والعمل عىل مصريها عىل‬ ‫حساب الطوائف األخرى‪ ،‬وعىل حساب الوطن‪-‬‬ ‫املكان و الزمن‪ -‬التاريخ‪ ،‬وعىل حساب قيم الحداثة‬ ‫غري املتع ّينة وغري املتجددة؛ لتنترص بالطائفية‬ ‫لقيم ما قبل الحداثة‪ ،‬وللم ّلة الناج ّية عىل حساب‬ ‫السور ّيني‪ ،‬وللاميض عىل حساب املستقبل‪.‬‬ ‫لقد كشفت الثورة السور ّية عقم “مبدأ التدخل‬ ‫اإلنساين”‪ ،‬وب ّينت محدود ّية “حقوق اإلنسان”‬ ‫وحرص ّيتها‪ ،‬وأبرزت نواقص “الدميقراط ّية”‪،‬‬ ‫وأظهرت املصالح التي تتعارض مع مشاريع‬ ‫االندماج واملواطنة‪ .‬وما هذه املبادئ والشعارات‬ ‫إال من سياق الحداثة‪.‬‬ ‫فعلياً وبكالم أخر‪ :‬لقد ّأشت الثورة السور ّية عىل‬ ‫حقبة الحداثة‪ ،‬وعىل النُخب السور ّية التقاط‬ ‫اإلشارة لتجاوز منجزات الحداثة بالنفي والتخطي‬ ‫واإلثبات‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫عب ٌء ثقيل مثلث األطراف ملقى عىل عاتق‬ ‫السور ّيني‪ 1- :‬تصفية آثار ما قبل الحداثة‪ 2- .‬إنجاز‬ ‫قيم الحداثة بعد تجديدها‪ 3- .‬التك ّيف مع فوىض‬ ‫ما بعد الحداثة وانعدام القطبية الدول ّية وحالة‬ ‫الالتفاضل بني القيم‪..‬‬ ‫ويبقى عىل السور ّيني‪ ،‬بعملهم وعلمهم‪ ،‬تقويض‬ ‫الطائفية‪ ،‬وتع ّيني املستقبل‪ ،‬الذي يحاول اآلخرون‬ ‫تع ّيينه بالنيابة عنهم ال مبشاركتهم‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫ِ‬ ‫وجدت الطوائف عىل الدوام‪ ،‬ولكن ليست دوماً الطائفية‪ ،‬ومل يستطع العرب عموماً والسوريون‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫السور‬ ‫الطوائف‬ ‫أنتجت‬ ‫وقد‬ ‫طائفية!‬ ‫بصيغة‬ ‫ّ خصوصا تحقيق وعود الحداثة هذه‪ .‬فتعايش‬ ‫طائفية نوع ّية يف سياق ما بعد الحداثة‪ .‬من فينا نتاج حقبتني هام ما قبل الحداثة والحداثة‪.‬‬ ‫هنا علينا التفريق بني الطائفة وبني الطائفية‪ .‬األوىل طرحت الرعوية (راع‪ -‬قطيع‪ ،‬بدون حقوق‪،‬‬ ‫فالطوائف سابقة عىل اإلسالم واملسيح ّية وتراصف طوائف أو إخضاع بعضها للبعض اآلخر)‪،‬‬ ‫واليهود ّية‪ ،‬بينام الطائفية الحقة عىل الطوائف والثانية طرحت املواطنة واالندماج يف ظل الدولة‬ ‫موضوعي‬ ‫بسياقٍ‬ ‫وأوهام ذات ّية‪ .‬وكذلك التفريق الحديثة‪ .‬فصارت سور ّية دولة “حديثة” بدون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بني الحلول الحداث ّية وبني الحلول ما بعد الحداث ّية‪ .‬مواطنني لهم حقوق‪ ،‬بل رعايا عليهم واجبات‬ ‫نحه‪ ،‬وكان‬ ‫فالحلول الحداث ّية عن طريق االندماج واملواطنة السجود للحاكم‪ -‬الراعي عىل أفضاله و ِم ِ‬ ‫مل تنجز يف سور ّية عىل مدى قرون‪ ،‬وطرحها اآلن قوامها “تساكن الطوائف” يف حدو ِد جغراف ّية‬ ‫بدون نقدها إشكالية مغلقة‪ ،‬الس ّيام مع عدم سياس ّية‪ .‬ولنالحظ تساكن الطوائف يف مقولة‬ ‫االلتفات ملا أصاب مثل هذه الحلول من تحديدات “رشكاؤنا يف الوطن” التي تيش بوجو ِد أكرث من‬ ‫يف سياق ما بعد الحداثة‪.‬‬ ‫فريق متساكنني‪ ،‬ومقولة “الطائفة الكرمية” كذلك!‬ ‫يف‬ ‫الناس‪،‬‬ ‫من‬ ‫كسواهم‬ ‫وهكذا يولد السور ّيون‪،‬‬ ‫ومع دخولنا مرحلة ما بعد الحداثة التي تجاوزت‬ ‫أرض ّية قامئة دومنا خ َيا ٍر؛ أرض ّية مثل األرسة والعائلة األدب والفن والفلسفة‪ ،‬لتطال العلوم والسياسة‬ ‫والطائفة والقوم ّية والوطن ّية والجنس ّية والزمان واملجتمع‪ ،‬دخلنا يف خليط بني نتاج الحقب الثالث‪.‬‬ ‫واملكان واألرض‪ ..‬والتفريق هنا بني الطائفة وبني وصارت الحلول واملشاريع الطافية عىل السطح‬ ‫الطائفية هو نفسه التفريق بني الالاختيار‪ ،‬وبني‬ ‫السيايس تعيد إنتاج مقوالت الحداثة من قبل‬ ‫ّ‬ ‫املعارضة ِّ‬ ‫االختيار‪.‬‬ ‫لحل مشكلة الطائفية‪ ،‬وهذا ما ينطبق‬ ‫الشعبي‪“ :‬الله يطعمكن الحج والناس‬ ‫فالطائفية يف سياق مابعد الحداث ِة جديد ٌة؛ إنها عليه املثل‬ ‫ّ‬ ‫تبدو وكأنها “رضورة” للطوائف ال مجال فيها راجعة”! وكذلك ميارس النظام أساليب حداث ّية يف‬ ‫للحكم‬ ‫األخالقي‪ ،‬مع أننا نحاكمها أخالقياً فقط‪ .‬التدمري واإلخضاع‪ .‬وينىس أو يتناىس الطرفان أ َّنه ال‬ ‫ّ‬ ‫ولذلك عىل الحلول ْأن تتجدد وتتموضع يف السياق حلول حداث ّية ملشاكل ما بعد حداث ّية‪.‬‬ ‫يف سياق ما بعد الحداثة تنشدُّ الطائفة أساساً‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫ويتميز سياق ما بعد الحداثة مبيزات ست أضفت إىل األصل كبديلٍ للتاريخ والتحول؛ فيتحول هذا‬ ‫طوطم جديد للعبادة والتقدّيس‬ ‫جديداً عىل الطائفية بوصفها قامئ ًة يف سياق‪ :‬األصل املزعوم إىل‬ ‫ٍ‬ ‫الفوىض وتداعياتها يف سور ّية‪ .‬والال تفاضل بني يف الطائفية! وتصبح فكرة األصل يف الطائفية ض ّد‬ ‫القيم؛ كقيم الوطنية وقيم الطائفية‪ ،‬وقيم الخري املكان‪ -‬الوطن وتتعداه ‪-‬مبعنى التجاوز واالعتداء‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫والش والجامل والقبح والحق والباطل‪ ،‬لدرج ٍة إىل ما بعد حدود الوطن‪ -‬املكان؛ إىل إيران‪ ،‬تركيا‪،‬‬ ‫بات “ك َّله مايش”‪ .‬واملظلوم ّية الهادفة للمفاضلة السعودية‪ ،‬روسيا‪ ..‬ويف اآلن نفسه تع ُرب فكرة‬ ‫َ‬ ‫الزمان كجوه ٍر ثابت ال يعرتيه‬ ‫بالظلم قياساً بباقي املظلوم ّيات‪ .‬والضياع يف األصل يف الطائفية‬ ‫االتجاهات والبوصلة وعدم التع ّيني للمستقبل‪ ،‬الباطل من جميع الجهات وال يتعرض للصريورة!‬ ‫واألنىك من ذلك عدم تع ّيني للواقع‪ .‬واالفرتاض هنا يربز السؤال التايل‪ :‬ملاذا استطاع النظام‬ ‫ودوره يف التواصل االفرت ّ‬ ‫ايض الذي يجعل من الفرد توظيف الطائفية ومل يستطع السوريون إلغاء‬ ‫ابناً وبنتاً للشبكة العنكبوت ّية أكرث من كونهام الطائفية وتجاوزها باالندماج واملواطنة‪..‬؟ ويربز‬ ‫ينتميان لطائفة بعينها‪ .‬وإرادة الحر ّية يف كرس السؤال املعكوس كذلك‪ :‬ملاذا مل يستطع السوريون‬ ‫الوطني” إلنجاز االندماج‬ ‫القيود واالحتكار وإنتاج الجديد والغريب القائم توظيف “التساكن‬ ‫ّ‬ ‫عىل التنوع واالختالف‪ .‬وهذا ما جعل الطائفية واملواطنة‪ ،‬واستطاع النظام تحويل التساكن‬ ‫تظهر بإهاب جديد يختلف عن متظهرها سابقاً‪.‬‬ ‫الوطني إىل الطائف ّية؟ طبعاً اإلجابات كثرية‪ ،‬ولكنها‬ ‫كانت الحداثة الغرب ّية قد طرحت املواطنة ال تأخذ سياق ما بعد الحداثة بعني االعتبار‪ُ ،‬‬ ‫وتنظر‬ ‫واالندماج يف ّ‬ ‫ظل الدولة الحديثة كحلٍ ملشكلة للمشكلة ال بوصفها مشكل ًة واقع ّية‪ ،‬بل كمشكل ٍة‬

‫أخالق ّية قدمية‪ ،‬وحلها معروف ومألوف وقديم أيضاً‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫تفجير القامشــلي‬ ‫ومهمــة البحث عن “األحبة”‬ ‫كمال شيخو‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫تقارير‬

‫كان يوماً عادياً كغريه من أيام الصيف الحارقة‪.‬‬ ‫ارتفاع درجات الحرارة يجرب أهايل مدينة القامشيل‬ ‫أقىص شامل سوريا‪ -‬عىل التبضع والتحرك يف‬‫ساعات الصباح الباكرة‪ ،‬لالنتهاء من أعاملهم قبل‬ ‫حلول منتصف النهار حيث ترتفع درجات الحرارة‬ ‫لتتجاوز األربعني‪.‬‬ ‫لكن حدثاً واحداً غري يومها كل يشء؛ ففي صبيحة‬ ‫الجمعة ‪ 27‬من شهر متوز‪/‬يوليو املايض‪ ،‬وعند‬ ‫الساعة التاسعة والربع‪ ،‬وقع انفجار مزدوج أودى‬ ‫بحياة أكرث من ‪ 50‬مدنياً‪ ،‬وخلف أكرث من ‪140‬‬ ‫جريحاً من أهايل املدينة ذات الغالبية الكردية‪.‬‬ ‫جثث تناثرت عىل الطريق املؤدي من ساحة‬ ‫أوصامن صربي إىل مركز املدينة‪ .‬وع ِلق العرشات‬ ‫تحت األنقاض لساعات طويلة‪ ،‬خراب كبري ودماء‬ ‫تنزف وأصوات أنني الجرحى تزيد املكان خوفاً‬ ‫ووحشة‪.‬‬ ‫وتبنى تنظيم “الدولة اإلسالمية” االنفجار‪ ،‬وقال‬ ‫يف بيان نرشته ذراعه اإلعالمية “وكالة أعامق” إن‪:‬‬ ‫“انغامسياً فجر نفسه بشاحنة مفخخة بتجمع‬ ‫مقرات للوحدات الكردية تضم هيئات الدفاع‬ ‫والداخلية والعالقات العامة والتجنيد بالقامشيل‪.‬‬ ‫وقتل أكرث من مئة شخص وجرح العرشات”‪.‬‬ ‫البحث عن األحبة‬ ‫يومها قصد الخال أبو والت صيدلية الدكتور‬ ‫جوهر إسامعيل‪ ،‬الكائنة بالقرب من جامع قاسمو‪.‬‬ ‫وشاءت األقدار أن يتأخر قلي ًال‪ ،‬حيث كان يفرتض‬ ‫وصوله يف متام الساعة التاسعة صباحاً ليكون أول‬ ‫الزائرين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فالصيديل جوهر يعطيه دواءه مجانا دون أن‬ ‫يتقاىض أجراً‪ .‬فحالة الخال املادية ال تسمح أن‬ ‫يشرتي الدواء أربع مرات يف الشهر‪ .‬وهو يعاين من‬ ‫مرض عضال يتطلب االلتزام بالدواء‪ ،‬وتجديده مرة‬ ‫كل أسبوع‪.‬‬ ‫كان الصيدالين جوهر يقول له مامزحا‪“ :‬مهام‬ ‫حييت سأعطيك الدواء مجاناً لوجه الله‪ .‬بعد‬ ‫ماميت ادعو يل أن يغفر الله عني وميسح ذنويب”‪.‬‬ ‫عندما وصل الخال إىل بداية الطريق العام‪ ،‬الحظ‬ ‫أمراً مريعاً قد حصل‪ ،‬وصفه قائ ًال‪“ :‬كأنه يوم‬ ‫الحرش‪ ،‬كأن الناس ماتت لتُبعث من جديد ليوم‬ ‫القيامة‪ .‬عرشات الجثث عىل األرض‪ .‬املئات من‬ ‫املصابني يرتاكضون بخطوات مغلفة بأنني جراحهم‪،‬‬ ‫يبحثون عن أحبتهم بني ركام املنازل والدخان‬

‫املتصاعد”‪.‬‬ ‫سارع الخال إىل صيدلية‬ ‫الدكتور جوهر وهو يدعو‬ ‫يف قرارة نفسه أن يكون‬ ‫هو اآلخر تأخر اليوم‪،‬‬ ‫فالجمعة يوم عطلة‪ ،‬ولكن‬ ‫كعادته يذهب لفتح‬ ‫صيدليته ليوزع الدواء عىل‬ ‫املحتاجني والفقراء‪.‬‬ ‫عندما وصل إىل نقطة‬ ‫االنفجار‪ .‬كان املشهد صادماً له؛ فالصيدلية‬ ‫أصبحت ركاماً يتصاعد منها الدخان األسود والغبار‪.‬‬ ‫ومل يتبقَ منها سوى األطالل واألنقاض‪ .‬مل يتاملك‬ ‫نفسه وبدأ بالبكاء كالطفل الصغري‪ ،‬وإذ بإحدى‬ ‫اللوايت كنّ يف مكان االنفجار تقول له‪“ :‬طول بالك‬ ‫يا خايل‪ .‬قضاء الله وقدره”‪ ،‬فرد عليها الخال‪“ :‬هل‬ ‫الدكتور جوهر كان يف الصيدلية”‪ ،‬فتجاوبه املرأة‪:‬‬ ‫“نعم”‪ ،‬نزلت الكلمة عىل مسمعه كالصاعقة‪ ،‬ومل‬ ‫يصدق للوهلة األوىل‪ ،‬سألها مرة ثانية وثالثة وهو‬ ‫يتابع بكاءه‪.‬‬ ‫استغربت املرأة شدة بكائه واستفرست إن‬ ‫كان يعرف الدكتور‪ ،‬فأجابها أبو والت‪“ :‬أنا من‬ ‫يعرفه‪ ،‬ويعرف يده البيضاء التي كانت ممدودة‬ ‫للمحتاجني والفقراء‪ ..‬قالها يل إذا ُّ‬ ‫مت ادعو يل‬ ‫بالرحمة”‪ ،‬فرتد عليه املرأة بلهجة حزينة بأنها‬ ‫زوجة الصيديل جوهر‪ ،‬وأم أوالده‪ :‬جني ذات الست‬ ‫سنوات‪ ،‬ومحمد ذي األربع سنوات!‬

‫عرس كبري‬

‫إبراهيم فرمان‪ ،‬والذي رفض مغادرة مدينته‬ ‫القامشيل بعد أن قررت عائلته الهجرة إىل سويرسا‪.‬‬ ‫فهو يحب مدينته وحبيبته أفني املوجودة فيها‪،‬‬ ‫وقرر أخرياً أن يخطبها ويتزوجها ليتمسك أكرث‬ ‫بالبقاء يف مسقط رأسه‪.‬‬ ‫مل يتبقَ سوى ‪ 48‬ساعة عىل حفلة الزفاف‪ .‬األمر‬ ‫الذي دفع إبراهيم إىل توزيع بطاقات عرسه بيديه‪.‬‬ ‫واعترب أنه من الواجب أن يدعو شخصياً من تبقوا‬ ‫بني أصدقائه ورفاق دراسته‪ ،‬بعد أن هجر املدينة‬ ‫القسم األكرب منهم‪ ،‬ورحلوا إىل بلدان اللجوء‪ ،‬جراء‬ ‫الظروف املعيشية القاسية التي فرضتها ظروف‬ ‫الحرب‪.‬‬ ‫شريين أخت إبراهيم قدمت له النصيحة واملشورة‬ ‫بأن ال يقيم حف ًال ويكلف نفسه كل هذه‬

‫املصاريف‪ .‬فلم يتبقَ من أصدقائه سوى قلة قليلة‬ ‫ُي َعدون عىل أصابع اليد‪ ،‬وقالت له‪“ :‬يا أخي ما يف‬ ‫داعي لحفلة ومعازيم وكروت‪ ،‬كل من تبقى من‬ ‫أصدقائك ال يتجاوزن العرشة‪ ،‬وحتى أقرباءنا مل‬ ‫يتبقَ منهم غري عائلتني أو ثالثة‪ ،‬نقيم الحفل يف‬ ‫منزلنا وصىل الله وبارك”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أرص أن يجهز للعرس وكأن شيئا مل‬ ‫بيد أن إبراهيم ّ‬ ‫يحدث‪ .‬يومها قرر أن يخرج باكراً‪ .‬فمهمة توزيع‬ ‫بطاقات الدعوة ليست بالسهلة‪ .‬والعرس مل يتبقَ‬ ‫عليه سوى ‪ 48‬ساعة‪ .‬وعليه أن ال ينىس أحداً من‬ ‫معارفه‪ .‬حتى ممن تعرف عليهم حديثاً‪ .‬كتب‬ ‫أسامءهم يف قامئة املدعوين ع ّله ينىس بحضورهم‬ ‫وحشة فراق أصدقائه وأهله‪.‬‬ ‫شاءت األقدار أن يكون أحد املدعوين يسكن‬ ‫بالقرب من مكان االنفجار‪ .‬وبعد وصوله بدقائق‪،‬‬ ‫حدث االنفجار‪ .‬تناثرت بطاقات عرسه يف مكان‬ ‫التفجري وتلونت بالدم والسواد‪.‬‬ ‫وتابعت شريين حديثها لتقول‪“ :‬قبل الحادثة بيوم‬ ‫اشرتى بدل ًة رسمية لونها أسود وقميصاً أبيض‪.‬‬ ‫لكنه زف بكفن أبيض إىل مثواه األخري!”‪.‬‬ ‫واختتمت شريين تقول‪“ :‬نعم حرض كل أهايل‬ ‫مدينة القامشيل عرس أخي‪ .‬هذا ما كان يحلم به‪.‬‬ ‫ستبقى يا أخي هنا بالقامشيل ولن تغادرها بعد‬ ‫اليوم”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يذكر أخريا أن االنفجار وقع بالقرب من جامع‬ ‫قاسمو‪ ،‬واألخري له داللة رمزية لدى نشطاء‬ ‫ومعاريض املدينة الحدودية مع تركيا‪ .‬حيث كان‬ ‫نقطة متركز انطالقة املظاهرات املناوئة لنظام‬ ‫الحكم يف سوريا منذ بداية شهر آذار ‪/‬مارس‬ ‫سنة ‪ .2011‬ومن أمام بوابته كان يخرج آالف‬ ‫املنتفضني وتتعاىل أصواتهم املطالبة بإسقاط‬ ‫النظام الدكتاتوري‪.‬‬


‫في إدارة الحقد‬

‫‪5‬‬

‫براء موسى‬

‫يف وطن العذاب والتعذيب هذا‪ُ ،‬قتل رائد يف إحدى‬ ‫معارك الرصاع بني األسد ومعارضيه‪ ،‬وحرص إعالم‬ ‫النظام عىل تصوير أ ّمه وهي ُتبدي استعدادها‬ ‫للتضحية ببق ّية أبنائها فدا ًء للوطن‪ ،‬وقائد الوطن‪.‬‬

‫‪2016 / 8 / 19‬‬

‫املؤسس‬ ‫ترسخ الحكم األسدي بدي ًال عن البعثي ّ‬ ‫بعد انتصار األسد الساحق عىل املجتمع مبجموعة‬ ‫من املجازر تكاد ُتنىس يف ّ‬ ‫ظل هول املجازر التي‬ ‫ارتكبها الوريث منذ انتفاضة السوريني لخمس‬ ‫سنوات خلت من عمر الثورة‪ ،‬ويطرح ذلك سؤاالً‬ ‫عىل علم االجتامع‪ :‬هل الحقد املوروث أكرب من‬ ‫املؤسس؟‬ ‫الحقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحال يؤ ّيد تلك الفكرة و ُيؤكدها‪ّ ،‬ربا ألن الحقد‬ ‫اكمي‪ ،‬ومن سوء حظ السوريني اليوم‬ ‫املوروث تر ّ‬ ‫حصاد ّ‬ ‫كل ذلك الرتاكم من الحقد املطبوخ بعناية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بني املشاركني إرصارا وعمدا يف الجرائم املرتكبة‪،‬‬ ‫وأولئك الذين سيقوا ملشاركتها دون إرادة عاقلة‪،‬‬ ‫وبغفلة منهم يف عمل ّية سحبهم إليها‪ ،‬ذلك الفارق‬ ‫ومركب؛‬ ‫يف الحقد‪ ،‬فأضحينا بني حقدين‪ :‬أصيلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فأصحاب الحقد الدفني من مجرمي النظام األوائل‬ ‫يحرصون متام الحرص عىل إقحام أصحاب الحقد‬ ‫ا ُملر ّكب يف ذات السفينة التي أوغلت يف دماء‬ ‫السوريني‪ ،‬لتتح ّول املقولة العدم ّية‪“ :‬ع َّ‬ ‫يل وعىل‬ ‫أعدايئ” إىل “ع َّ‬ ‫يل وعىل أصدقايئ” وبذلك يبلغ‬ ‫الحقد ذروة ال ُتطاق بشاعتها‪.‬‬ ‫يف املادة املنشورة يف جريدة نيويوركر مؤخراً حول‬ ‫مرسبة تيش بارتباط بشار األسد شخصياً‬ ‫وثائق ّ‬ ‫باإلرشاف عىل عمليات القتل والتعذيب من خالل‬ ‫ّاطالعه عىل قرارات ما كان ُيدعى “خل ّية األزمة”‪،‬‬ ‫والتعديالت التي ُيجريها عىل تلك القرارات‬ ‫األمن ّية‪ ،‬أو يصدرها هو من دونهم‪ ،‬يف هذه املادة‬ ‫نستطيع أن نلمح إدارة الحقد بعينها مهام ألصق‬ ‫املوالون تهمة “األخطاء” لغري رأس النظام‪ ،‬ويعىص‬ ‫عىل الفهم متى س ُيدرك هؤالء ّأن إدارة الحقد‬ ‫كانت مركز ّية‪.‬‬

‫العدد ‪- 75 -‬‬

‫الضمري الفردي ليذوب يف سلوك “اعتياديٍّ ” يرتكبه‬ ‫الجميع‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫رائد‪( ،‬اسم ال عىل التعيني) شاب رزين‪ ،‬عُ رف‬ ‫باللطف والوداعة لدى أصدقائه‪ ،‬وكان يحفظ‬ ‫الكثري من مقاطع الحب يف شعر نزار قباين‪ ،‬ويهيم‬ ‫قصة ح ّبه األوىل‪ .‬عندما‬ ‫يف أغاين ماجدة الرومي يف ّ‬ ‫أنهى رائد دراسته الثانوية مبجموع متوسط‪،‬‬ ‫نصحه األهل واألصدقاء بالتط ّوع يف الجيش العريب‬ ‫السوري‪ ،‬ورغم أ ّنه كان يسمع الكثري عن الفساد‬ ‫يف الجيش ّإل أ ّنه رضخ لرغبات أهله وأصدقائه‪،‬‬ ‫فغادر شقائق النعامن وأزهار الليمون‪ ،‬ليلتحق‬ ‫يف دورته التدريبية األوىل يف الحياة العسكرية‪،‬‬ ‫لينفرز بعد ذلك إىل أحد األفرع األمن ّية يف البالد‪،‬‬ ‫ويف ذلك الفرع األمني عمل رائد مح ّققاً‪ ،‬وكان‬ ‫راضياً بقرارات رؤسائه مبنع الرضب للمعتقلني‬ ‫سوى بعض االستثناءات‪ ،‬فبعض املعتقلني كانوا‬ ‫يستثريون فيه الحنق‪ ،‬لدرج ٍة زادته يقيناً ّأن‬ ‫الرضب وحده جدير بالكثري من املعتقلني‪ ..‬ولكنّه‬ ‫بعد املظاهرات األوىل النتفاضة السوريني يف آذار‪/‬‬ ‫مارس ‪ 2011‬نقم بشدّة عىل قرارات عدم الرضب‬ ‫يف الفرع كام جميع رؤسائه‪ ،‬وشيئاً فشيئاً غدا ذلك‬ ‫القرار‪ ،‬كام كان يف معظم األوقات‪ ،‬ال يساوي الحرب‬ ‫الذي ُكتب به‪ ،‬بل إ ّنه صار مدعاة للسخرية إذا‬ ‫صادف أن ذكره أحد الزمالء‪ ،‬وامنحى متاماً من‬ ‫ذاكرة الرؤساء واإلدارة‪.‬‬ ‫يف األفرع األمن ّية السورية املنترشة عىل طول‬ ‫البالد‪ ،‬وكذلك السجون‪ُ ،‬قتل اآلالف من السوريني‬ ‫تحت التعذيب‪ ،‬و ُقتل أضعاف أضعافهم خارجها‪،‬‬ ‫ويكاد السؤال يحار يف البحث عن أجوبة له‪ :‬كيف‬ ‫تح ّول رائد ‪-‬ذاك الشاب الرقيق‪ -‬إىل قاتل؟ من أين‬ ‫الكم الهائل من الحقد؟ ومن ُيدير هذا‬ ‫أىت هذا ّ‬ ‫ويسك بخيوطه؟‬ ‫الحقد ُ‬ ‫ا ُملعاينة التي عاشها السوريون عىل أرض الواقع‪،‬‬ ‫كام الوعي الجديد لديهم بفعل ثورتهم‪ ،‬فتح‬ ‫الكم الهائل من جرائم النظام‪،‬‬ ‫آفاقاً ملعرفة‬ ‫ّ‬ ‫والوسائل التقنية الحديثة س ّهلت الكشف عن‬ ‫جرامئه القدمية‪ ،‬وحدهم فقط أدوات هذا النظام‬ ‫وا ُملوالون له يرون يف تلك الجرائم دفاعاً عن النفس‬ ‫لجرائم مضادة‪ ،‬وأ ّنها دفاع عن حقّ ُأنجز من خالل‬ ‫مثابرتهم عىل بناء دولة قو ّية كانوا ينعمون يف‬

‫ظ ّلها بـ “األمن واالستقرار”‪ ،‬وبذلك تح ّولت جرائم‬ ‫النظام لدى هذا ّ‬ ‫صاص ُيبيح‬ ‫القطاع من الناس إىل َق ٍ‬ ‫املزيد من القتل‪..‬‬ ‫كان ذلك أ ّول الحقد‪.‬‬ ‫تهديم الدولة من ِقبل هؤالء “الث ّوار” استدعى‬ ‫آل ّيات الدفاع عن الدولة ّ‬ ‫بكل األساليب دون‬ ‫قيد أو رشط‪ ،‬حتّى لو وصل إىل قتل وتدمري‬ ‫الشعب لصالح املؤمنني بهذه الدولة والراضني‬ ‫بها‪ ،‬وأ ّما هؤالء “الجراثيم” الضا ّرة مبصالح الدولة‬ ‫وأنصارها فال مناص من مكافحتهم‪ ،‬سوا ًء باألسلحة‬ ‫البيولوجية‪ ،‬أو التعذيب الذي يروي شيئاً من غليل‬ ‫الحاقدين‪ ،‬ولو عىل أشالء تلك الحثالة من أبناء‬ ‫الشعب الذين يزاحمونهم يف العيش‪.‬‬ ‫هذا الحنق الذي تح ّول إىل حقد‪ ،‬يبدو تسويغاً‬ ‫لقض ّية “مح ّقة” تتغاىض عن “أخطاء” ال ب ّد منها يف‬ ‫سبيل الدفاع عن الدولة‪ ،‬وتكاد هذه الرؤية تطغى‬ ‫عىل مؤ ّيدي النظام واملدافعني عنه‪ ،‬برصف نظ ٍر‬ ‫ُمتع ّمد متاماً عن البحث ّ‬ ‫عم ُيتعب و ُيرهق الضمري‬ ‫ا ُملحترض‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬مالذي يجعل أنصار النظام يستسيغون‬ ‫أشكال التعذيب الرهيبة يف ا ُملعتقالت؟ بل‬ ‫ويستمتعون به؟ وعىل األقل يتغاضون عنه؟‬ ‫ّمثة فرق بني دافع الحقد الدفني‪ ،‬ودافع املجرم‬ ‫للدفاع عن جرميته ا ُملستم ّرة‪ ،‬والحصيلة بني اجتامع‬ ‫الواقعي لدفاع‬ ‫هذين الدافعني هو التوصيف‬ ‫ّ‬ ‫النظام عن وجوده‪ ،‬كام جميع الديكتاتوريات‬ ‫يف السياق التاريخي‪ ،‬والعدم ّية التي يقوم بها‬ ‫من جرائم بغري حساب هي بالضبط ليقينه ّأن‬ ‫املحاسبة العادلة أصعب تخ ّي ًال من العدم ّية التي‬ ‫يرتكبها‪ ،‬والتي يتشارك وداعش بها‪.‬‬ ‫ثم كربت الجرمية باتساع‬ ‫يف البدء كان الحقد‪ّ ،‬‬ ‫قواعدها من ا ُملنساقني إليها بقص ٍد‪ ،‬أم بقطيع ّية‬ ‫االنسياق‪ ،‬وقدمياً سنّ حزب البعث مادّة الدستور‬ ‫الثامنة التي عنَت بالضبط‪“ :‬حقد حزب البعث‬ ‫عىل الدولة واملجتمع”‪ ،‬الر ّواد األوائل لذلك‬ ‫ثم تو ّزع الحقد‬ ‫الترشيع هم الحاقدون األوائل‪ّ ،‬‬ ‫عىل دائرة أوسع لتغييب مالمحه‪ ،‬فعندما تكون‬ ‫الجرمية هيجاناً جامع ّياً‪ ،‬يكون عبء الضمري‬

‫الفردي من ثقلها ّ‬ ‫أقل‪ ،‬ومع الزمن تالىش وجع‬


‫أم سميح‪..‬‬ ‫‪6‬‬

‫عندمــا “يكتب فــي يافا الليمون‪”..‬‬ ‫أسامة نصار‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫مقاالت‬

‫تتهادى بنا السيارة (السوزويك) وبالكاد تجد طريقها بني الحفر‬ ‫واألنقاض التي خ ّلفها القصف عىل حي جوبر يف طرف الغوطة‬ ‫األقرب لدمشق‪ .‬القصف اليومي غري املنقطع أحال الحي أكواماً‬ ‫من األنقاض‪ ،‬لكن بعضها مسكون! والطرقات أو املمرات تم‬ ‫ش ّقها أيضاً بني الركام واألنقاض‪.‬‬ ‫ليس وقت الصالة‪ ،‬لكن إمام الجامع كان باالنتظار عىل باب‬ ‫ما بقي من مسجده‪ .‬يبادر السيدة الخمسينية التي تسوق‬ ‫(السوزويك) بالسالم‪“ :‬أهلني خالتي أم سميح‪ ..‬الله يخيل لنا‬ ‫يايك” فرتد السالم وتطلب منه أن يساعدها بتوزيع ما معها ألن‬ ‫عندها التزامات أخرى‪ ..‬وأيضاً ألن الربد ال ُيحتمل‪.‬‬ ‫حت ًام‪ ،‬ال تجد أحداً يف الغوطة الرشقية ‪-‬من الفقراء خاصة‪ -‬ال‬ ‫يعرف (خالتي أم سميح)؛ الناشطة املخرضمة التي ساهمت‬ ‫مع الشهيد أبو مرشد مدلل بإنشاء مؤسسة يد واحدة اإلغاثية‪،‬‬ ‫تديرها وتقوم بكل الوظائف فيها‪ ،‬من اإلدارة إىل املحاسبة‬ ‫إىل التصوير والتوثيق‪ ،‬التسويق والعالقات‪ ،‬الرصد واملشرتيات‬ ‫والتوزيع والتوصيل‪ ..‬وقيادة (السوزويك)!‬ ‫أم سميح (فاتن أبو فارس) تحمل إجازة يف اآلداب من قسم‬ ‫اللغة اإلنكليزية يف جامعة دمشق‪ ،‬وعملت قبل الثورة‬ ‫بالرتجمة‪ ،‬مهنة أبيها املولود يف يافا يف فلسطني‪.‬‬ ‫‪--‬‬‫تصل وتقرأ ورداً‪ ..‬تدعو طويالً‬ ‫ترشق أم سميح قبل الشمس‪ّ ،‬‬ ‫بالرحمة ألصدقائها الشهداء‪ ،‬وتدعو بالفرج البنها سميح‬ ‫املختفي يف سجون النظام منذ ثالث سنني‪ .‬سميح اعتقل قبل‬ ‫شهور قليلة من تخرجه من كلية الطب‪ .‬قبل اعتقاله كان ناشطاً‬ ‫يف تأمني األدوية للمصابني واملرىض‪ ،‬وإقامة املشايف امليدانية‬ ‫إلسعاف جرحى املظاهرات الذين يطالهم رصاص قوات النظام‬ ‫والشبيحة‪.‬‬ ‫مثل كل أمهات املعتقلني واملغ ّيبني‪ ،‬ال يسكت عنها أمل فقدان‬ ‫ابنها‪ ،‬وال ّ‬ ‫تقص أي خرب عنه؛ “أين هو؟ وصلني أنه صار‬ ‫متل من ّ‬ ‫حي؟ يارا صربي قالت تحول لصيدنايا! هل‬ ‫بالجوية! هل هو ّ‬ ‫سأعيش ألراه جراح أعصاب كام كان يطمح؟”!‬ ‫‪--‬‬‫نشطت أم سميح يف بداية الثورة باملظاهرات واالعتصامات‪،‬‬ ‫ثم تح ّولت للعمل اإلغايث ضمن مرشوع صغري أطلقت عليه‬ ‫اسم (مطبخ أحرار السويداء) تقوم به بإعداد الطعام املطبوخ‬ ‫مجاناً للمحتاجني‪ .‬وسبب التسمية أن صديقاتها من أهايل‬ ‫السويداء (تعرفت عىل معظمهن داخل املعتقالت) سألنها‬ ‫كيف ميكن أن ندعم الثورة ومدينتنا الزالت (هادئة)؟ واقرتحن‬ ‫تقديم تربعات مالية تقوم هي بتوصيلها للمستحقني يف الغوطة‬ ‫الرشقية الثائرة‪ .‬وال يخفي االسم الداللة التي أرادت إيصالها‬ ‫عىل الوحدة الوطنية والشعب الواحد‪.‬‬ ‫ثم اقتىض تطور العمل‪ ،‬وتوسعه ليشمل متربعني آخرين (من‬

‫مناطق وطوائف أخرى) أن تغري أم سميح االسم‬ ‫إىل (مطبخ يد واحدة)‪..‬‬ ‫وملا صار العمل يشمل نشاطات أخرى غري‬ ‫الطبخ استبدلت كلمة (مؤسسة) بكلمة (مطبخ)‪،‬‬ ‫واستم ّر املرشوع رغم فقدان أم سميح رشيكها‬ ‫وسندها الشهيد أبو مرشد مدلل‪ ،‬وصار اسمه‪:‬‬ ‫مؤسسة الشهيد محمود مرشد مدلل – يد واحدة‪.‬‬ ‫تقدم املؤسسة التي تأخذ أم سميح فيها كل‬ ‫األدوار الدعم للمحارصين بأشكال تقليدية أو‬ ‫غري تقليدية‪ :‬سلل غذائية‪ ،‬طعام مطبوخ‪ ،‬حليب‬ ‫األطفال‪ ،‬تأمني أدوية وعالج طبي‪ ،‬لوازم منزلية‪،‬‬ ‫كفاالت أيتام (أكرث من ‪ 160‬كفالة)‪ ،‬مالبس‬ ‫وبطانيات‪ ،‬حلوى وألعاب وحفالت ترفيهية‬ ‫لألطفال‪ ،‬قرطاسية للمدارس‪ ،‬حطب للتدفئة‪،‬‬ ‫سبل ومناهل املياه يف الشوارع‪ ،‬صيانة البيوت‬ ‫املترضرة بالقصف‪ ،‬مبالغ نقدية‪..‬‬ ‫وتدير أم سميح صفحة عىل فيسبوك تحمل اسم‬ ‫املؤسسة‪ .‬تنرش عىل الصفحة ما تقوم به من‬ ‫وترص دامئاً عىل ذكر من‬ ‫أعامل بطريقة مبتكرة‪ّ ،‬‬ ‫تربع باملال باالسم‪ ،‬إال إذا طلب “فاعل الخري” أن‬ ‫ال ُيذكر‪ .‬ومع أنها ترفض تصوير املستفيدين من‬ ‫اإلغاثة‪ ،‬ال ميتنع بعض زوار الصفحة العابرين عن‬ ‫انتقاد الرياء أو إذالل املحتاجني!‬ ‫ً‬ ‫رغم ضيق حالها ال تر ّد أم سميح أحدا‪ ،‬ورغم حزن‬ ‫ومكابرة مرسومني عىل سمرتها ال تعدم وسيلة‬ ‫لتقديم املساعدة أو الخرتاع أسباب الفرح‪ ..‬يصل‬ ‫بها (الهوس) أن ترى نشاطها القادم يف منامها!‬ ‫فتقوم من النوم لتعطي الفرح شكل قالب حلوى‬ ‫ّ‬ ‫يلتف حوله أطفال يف‬ ‫بشموع وألعاب نارية‬ ‫روضة‪ ،‬أو متأل سياراتها بألواح الثلج توزعها يف‬ ‫الصيف عىل من عدموا الكهرباء واملال (وهل‬ ‫يرشب الفقراء ما ًء بارداً؟!) أو أن تنجح بتهريب‬

‫علبة (نسكافيه) إىل داخل الغوطة تهديها ملدمن‬ ‫سابق حرمته سنوات الحصار من جرعته اليومية!‬ ‫ليس من النادر أن تقطع الغوطة الرشقية يف اليوم‬ ‫الواحد طوالً وعرضاً‪ ،‬لتصل أماكن ال يعرف أحد‬ ‫غريها أنها موجودة‪ ،‬وفيها محتاجون‪ .‬إذا م ّرت‬ ‫ولو مصادفة‪ -‬بأحد األحياء الفقرية تجد الصغار‬‫والكبار من سكانها يتقاطرون ومعهم أوعية‬ ‫اعتادوا أن متألها لهم أم سميح بالطعام والفرح‪.‬‬ ‫أكرث ما تجدها يف املناطق الساخنة‪ ،‬إذا اشت ّد‬ ‫القصف عليها‪ ..‬رمبا ذهبت من طريق صباحاً ثم‬ ‫انعطب أو خرج عن الخدمة وقت عودتها ظهراً‪..‬‬ ‫ال متيش بني الرصاص مثل أم سعد بطلة قصص‬ ‫مواطنها غسان كنفاين‪ ،‬وإمنا بني القذائف‪.‬‬ ‫مشهد‪( :‬أيضاً ليس من رواية أو فيلم وإمنا من‬ ‫أحد أيام أم سميح)‪:‬‬ ‫أثناء االقتتال الداخيل بني فصائل الغوطة‪ ،‬اعترب‬ ‫كل فصيل متركزه يف منطقة ما يعني امتالكه لها‪،‬‬ ‫فسورها بحواجز وسواتر ترابية‪ .‬العنارص عند‬ ‫السواتر اعتذروا من أم سميح؛ فاألوامر ال تسمح‬ ‫وتم نقل‬ ‫ألي سيارة بالعبور‪ .‬انتهت املفاوضات‪ّ .‬‬ ‫حلل الطعام املطبوخ يدوياً فوق السواتر الرتابية‬ ‫والدشم التي أقامها اإلخوة بني بلداتهم‪ .‬تركت أم‬ ‫سميح سيارتها عىل طرف الساتر الغريب يف حرستا‬ ‫واستعارت سيارة (سوزويك أيضاً) من أمام الساتر‬ ‫تنس أن‬ ‫الرشقي يف دوما‪ ،‬وتابعت طريقها‪ .‬ومل ّ‬ ‫تسكب للعساكر عىل الحواجز طعاماً أطيب من‬ ‫مخصصاتهم املعتادة!‬ ‫مشهد‪:‬‬ ‫وبينام الحرب بني فصائل الغوطة عىل أشدّها‪،‬‬ ‫تطالع عىل صفحة (يد واحدة) منشوراً بلغة‬ ‫شاعرية ال تنسجم مع الواقع الكاريث الذي خرج‬ ‫منه املنشور‪ :‬مقطع مص ّور مبوبايل أم سميح‬


‫المفهوم المغلوط للمؤسســات‬ ‫والمكاتــب االمنية في الثورة‬ ‫ابو القاسم السوري‬

‫العدد ‪- 75 -‬‬

‫الجهات هي الجهات املناط بها متابعة تحقيق‬ ‫األمن الداخيل عىل مستوى املناطق املحررة‪.‬‬

‫‪2016 / 8 / 19‬‬

‫إن األمن‪ ،‬يعني السالم والطأمنينة‪ ،‬ودميومة‬ ‫مظاهر الحياة‪ ،‬واستمرار مقوماتها‪ ،‬ورشوطها‬ ‫بعيداً عن عوامل التهديد‪ ،‬ومصادر الخطر‪،‬‬ ‫وبحكم الداللة العامة والشاملة لهذا املعنى‬ ‫يف كل ظرف وزمان ومكان‪ ،‬فقد أصبح‬ ‫األمن املطلب األول لكل الكائنات الحية‪،‬‬ ‫والهدف املحرك لنشاطاتها‪ ،‬واملتغري الحاكم‬ ‫لتفاعالتها وعالقاتها‪.‬‬ ‫ورضورة األمن كرشط الزم لحياة اإلنسان أمر‬ ‫أكدته وأعلنته ليس فقط النصوص البرشية‬ ‫فحسب بل وحتى النصوص الدينية‪ ،‬قال‬ ‫تعاىل يف محكم تنزيله “الذي أطعمهم من‬ ‫جوع وآمنهم من خوف”‪.‬‬ ‫وألهمية وجود االمن الستمرار الحياة‬ ‫البرشية فإن مهمة إيجاد األمن والحفاظ‬ ‫عليه أوكلت ألهم تنظيم أوجده الفكر‬ ‫البرشي وهو الدولة‪ ،‬ولذاك فإن مهمة األمن‬ ‫هي مسؤولية الدولة ومؤسسات السلطة‬ ‫العامة فيها وبشكل حرصي‪ .‬أما يف حاالت‬ ‫الرصاعات التي تشهده الدول يف املراحل‬ ‫االنتقالية فإن أولوية األمن تتصدر كل يشء‪،‬‬ ‫ويصبح األمن هاجساً يؤرق الجميع‪.‬‬ ‫ونحن كسوريني عانينا ما عانيناه خالل‬ ‫املدة املاضية من الفقدان شبه التام ملفهوم‬ ‫األمن مبختلف أبعاده بسبب إجرام النظام‬ ‫واستهدافه للمناطق الخارجة عن سيطرته‬ ‫وبطريقة جنونية‪ ،‬بجميع أنواع األسلحة‪.‬‬ ‫طبعاً هذا األمر جعل املناطق املحررة هي‬ ‫مناطق غري آمنة‪ .‬ولكن الصورة للواقع األمني‬ ‫ال ميكن حرصها ضمن هذا اإلطار فقط؛‬ ‫فرتدي الواقع األمني يف املناطق املحارصة‬ ‫مل يكن نتيجة سياسة اإلجرام الذي ينتهجها‬ ‫النظام فقط‪ ،‬بل كان هناك مظاهر أخرى‬ ‫من عدم األمان متثلت أساساً بغياب القانون‬ ‫الناظم للقوى املوجودة داخل هذه املناطق‪،‬‬ ‫وغياب القضاء الفعال‪ ،‬وانتشار الجرمية‪،‬‬ ‫واالستقواء بالسالح‪ ،‬خاصة يف املرحلة التي‬ ‫كانت أعداد الجامعات املس ّلحة بالعرشات‬ ‫ورمبا باملئات‪ .‬طبعاً هذا الواقع بدأ يتغري مع‬ ‫تغري يف بنى القوى والتنظيامت املوجودة‬

‫عىل األرض؛ حيث بدأت تظهر مؤسسات‬ ‫ُتعني بضبط األمن كالرشطة والقضاء‪ ،‬رغم‬ ‫أن تجاربهام بحاجة إىل رفد بعوامل دعم‬ ‫ومتكني حتى يثبتوا فعاليتهم‪.‬‬ ‫ويف نفس الوقت اتجهت غالبية الجامعات‬ ‫املسلحة باتجاه االنضواء تحن يافطة‬ ‫تنظيم عسكري كبري‪ ،‬مام ساهم يف ضبط‬ ‫التجاوزات الفردية والتعديات عىل األفراد‬ ‫بشكل كبري جداً‪ .‬ويف هذه املرحلة شهد‬ ‫مفهوم املؤسسات األمنية تطوراً خطرياً‪ ،‬متثل‬ ‫يف إنشاء ما يسمى املكاتب األمنية‪ ،‬والتي‬ ‫هي مؤسسات أنشئت أساساً بوجه حق ليك‬ ‫تكون س ّداً أمنياً يف وجه محاوالت النظام‬ ‫الخرتاق الفصائل العسكرية‪ ،‬أو اخرتاق‬ ‫املجتمع الثوري بشكل عام‪ .‬وكان لهذه‬ ‫املكاتب جهود ال تنكر يف هذا الصدد‪ ،‬ولكن‬ ‫بطريقة ال واعية مل نستطيع أن نفرق بني‬ ‫مفهوم املؤسسة األمنية املعنية أساساً برصد‬ ‫ومنع أي اخرتاقات من جهة عدائية تجاه‬ ‫بيئتنا الداخلية‪ ،‬وبني مفهوم الجهاز األمني‬ ‫اليسء السمعة الذي كان قد أنشأه النظام‬ ‫للتحكم برقاب املواطنني خالل فرتة حكمه‬ ‫ألكرث من أربعني عاماً‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬بدأت تترسب إىل هذه املؤسسات‬ ‫األمنية ترصفات تتشابه مع ترصفات األجهزة‬ ‫األمنية يف الفرتة السابقة للثورة‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعترب تجاوزاً خطرياً جداً‪ ،‬قد يحمل يف طياته‬ ‫مظاهر خطر كبرية عىل رشعية وجود هذه‬ ‫املكاتب أساساً‪ ،‬ورشعية القوى والفصائل‬ ‫التي تقف وراء إنشاء هذه املكاتب‪ .‬وعليه‬ ‫ال ب ّد من العمل وبشكل جاد ورسيع عىل‬ ‫إعادة توجيه بوصلة هذه املكاتب باالتجاه‬ ‫الصحيح وهو اتجاه تحصني املجتمع‬ ‫والفصائل من أي اخرتاق من قبل النظام‪،‬‬ ‫ويف نفس الوقت إصدار لوائح ضابطة‬ ‫وناظمة لعمل هذه املكاتب واملؤسسات‪،‬‬ ‫إضافة إىل العمل عىل دعم وتقوية جهاز‬ ‫القضاء وجهاز الرشطة‪ ،‬بجيث تكون هذه‬

‫مقاالت‬

‫ملاعزين صغريين يرتعان عىل املرج‪ ،‬يرافقه تعليق‬ ‫بصوتها‪“ :‬والدة أنثى املاعز الثانية‪ ،‬جدي وسخلة‬ ‫جميلني‪ ..‬مربوك والحمدلله عىل السالمة”!‬ ‫‪--‬‬‫جديدها (طبخات نوعية) كام تسميها؛ رأت أم سميح‬ ‫أن املطابخ الخريية انترشت أكرث مام ينبغي‪ ،‬وغياب‬ ‫التنسيق يؤدي لغياب الرتشيد‪ ،‬فلم يعد غريباً أن ترى‬ ‫األكل املطبوخ مرمياً يف حاويات الزبالة‪ ،‬رغم وجود‬ ‫جياع رمبا يف حي مجاور‪ .‬ومعلوم أن كل ما هو معروض‬ ‫من اإلغاثة ال يس ّد الطلب‪ .‬فرتد أم سميح بإعداد أطباق‬ ‫من (املشاوي) أو (كبة لبنية) أو غريها من األكالت‬ ‫(الفاخرة) لعدد من أكرث العائالت عوزاً‪.‬‬ ‫ولألسباب نفسها بدأت بأعامل (متكني املجتمع)‪ ،‬مثل‬ ‫تأمني رأسامل ملرشوع صغري‪ ،‬أو رشاء ماكينات خياطة‬ ‫لورشة يف كفربطنا ستعمل بها زوجات لشهداء أو‬ ‫معتقلني؛ مام ُأنجز فع ًال‪ :‬بسطات بنزين وبقاليات‬ ‫صغرية ومحالت لبيع القرطاسية (تشرتي بنفسها القدور‬ ‫واملكاييل والبضاعة وكل اللوازم) وبدأت مبستفيدين‬ ‫شباب عندهم بتور يف األطراف‪ .‬وبينهم امرأة أيضاً من‬ ‫ذوي االحتياجات الخاصة‪.‬‬ ‫‪--‬‬‫تحب أن الجميع يناديها “خالتي أم سميح” حتى‬ ‫النساء أو من هم أكرب منها س ّناً‪ .‬وتزعل ممن ينتقد‬ ‫ارتدائها للبنطال‪ ،‬ينتقدونه ليس ألنه غري محتشم‪،‬‬ ‫وإمنا ألنه بنطال‪ ،‬أو ألنها امرأة‪ ،‬أو ألنها امرأة تقود‬ ‫سيارة (سوزويك) أو لنقل ألن نشاطها يذكرهم كم هم‬ ‫صغار وعاجزون‪ .‬ثم ال مينعها زعلها منهم أن يكونوا من‬ ‫املستفيدين من أعاملها!‬ ‫مشهد‪:‬‬ ‫ليس أحد محبيها‪ ،‬وإمنا أحد املحققني يف فرع الخطيب‬ ‫يلكزها ويرصخ هازئاً‪“ :‬عاملة حالك األم ترييزا؟”!‬ ‫‪--‬‬‫قصة دأب ونجاح؛‬ ‫أو‬ ‫حالة‬ ‫فقط‬ ‫وليست‬ ‫ظاهرة‪،‬‬ ‫سميح‬ ‫أم‬ ‫ّ‬ ‫بحضورها تتك ّثف معاين اإلنسانية والتضحية؛ العطاء‬ ‫وحب الخري‪ ،‬حب الفقراء والضعفاء واملستضعفني‪،‬‬ ‫الغريية والعزة‪ ..‬فلسطني والقضايا املخذولة‪ ..‬وقيم‬ ‫نبيلة أخرى تغري كثريين باستثامر سيايس (أو تلميعي)‬ ‫إن حسبوها عىل أحزابهم أو تياراتهم‪ .‬تدرك هذا لكنها‬ ‫ترتفع‪ ،‬وترفض االستثامر يف سجل شخيص حافل‪ ،‬من بني‬ ‫ما يتضمنه ثالث اعتقاالت يف الثورة‪ ،‬ونضال نسوي مهم‬ ‫قبل الثورة أو مع التنظيامت الفلسطينية‪..‬‬ ‫‪--‬‬‫من املعتاد أن تغيب الشمس عن أم سميح وهي يف‬ ‫مقربة البلدة‪ ،‬تقرأ الفاتحة وما تيرس عىل أرواح شموس‬ ‫وكواكب غربت عنها‪ ،‬تسقي الزرعات عىل قرب أبو مرشد‬ ‫وتخصه بالعتاب‪ :‬رفيقي‪ ..‬ملاذا سبقتني؟!‬ ‫ّ‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫واقع منظمات حقوق اإلنسان‬ ‫بعد الثورة‬ ‫المركز السوري للدراسات واألبحاث القانونية‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫ميكننا أن نقول ِّ‬ ‫بكل ثق ٍة‪ :‬إن نشطاء منظامت‬ ‫حقوق اإلنسان واملجتمع املد ّين وحراكهم البسيط‬ ‫األسايس‬ ‫خالل فرتة القمع الشديدة كان له األثر‬ ‫ّ‬ ‫بإطالق رشارة االحتجاجات‪ .‬فقد كان هؤالء‬ ‫االجتامعي‪ّ ،‬‬ ‫يحضون‬ ‫النشطاء وعرب وسائل التواصل‬ ‫ّ‬ ‫العتصامات سلم ّي ٍة مل تتوقف خالل العقد السابق‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كان آخرها يوم ‪ 16‬آذار ‪ 2011‬أمام وزارة الداخلية‪،‬‬ ‫مطالبني باإلفراج عن املعتقلني السياسيني‪ ،‬وأنشؤوا‬ ‫تنسيقيات عرب هذه الشبكات‪ ،‬كان أولها وأه ّمها‬ ‫ٍ‬ ‫وأول من واكب تطورات االحتجاجات الشعب ّية‬ ‫وقادها عملياً هي لجان التنسيق املحلية‪ ،‬التي‬ ‫رسعان ما انفصلت عنها هيئة أخرى هي الهيئة‬ ‫العا ّمة للثورة السورية‪ .‬ومل َ‬ ‫يتوان نشطاء حقوق‬ ‫فتم‬ ‫اإلنسان عن مواكبة التطورات يف سوريا؛ َّ‬ ‫تأسيس مركز توثيق االنتهاكات يف سوريا مببادر ٍة‬ ‫من املحامية “رزان زيتونة”‪ ،‬لعله مازال املرجع‬ ‫األكرث دق ًة ومصداقي ًة لالنتهاكات يف سوريا‪،‬‬ ‫رغم تغييب مؤسسته “رزان زيتونة” من قبل‬ ‫املجموعات املس ّلحة مبنطقة دوما يف ريف دمشق‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬كام تأسست الشبكة السورية لحقوق‬ ‫اإلنسان؛ ورمبا مازالت هاتان املنظمتان األكرث‬ ‫حضوراً وفاعلي ًة يف سوريا ما بعد الثورة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫للمرصد السوري لحقوق اإلنسان‪ .‬وتأسس املركز‬ ‫السوري لإلعالم وحرية التعبري‪.‬‬ ‫ويف الواقع إن حالة االنفالت عن قبضة األمن‬ ‫السوري يف املناطق التي مل تعد خاضع ًة لسيطرته‬ ‫أو مناطق اللجوء‪ ،‬وسعي الدول الغربية لتقديم‬ ‫دعم ماديٍّ ملنظامت املجتمع املدين‪ ،‬أدت إىل‬ ‫ٍ‬ ‫منظامت هائلة العدد إذا‬ ‫إقبالٍ كب ٍري عىل تأسيس‬ ‫ٍ‬ ‫فتم تأسيس ما يزيد‬ ‫تم مقارنتها مبا قبل الثورة‪َّ .‬‬ ‫ما َّ‬ ‫عىل ثالثني ّ‬ ‫منظمة تتخذ حقوق اإلنسان عنواناً لها‪،‬‬ ‫باإلضافة ملا كان موجوداً سابقاً‪.‬‬ ‫فإذا أضفنا املنظامت والجمعيات والنقابات ولجان‬ ‫اإلغاثة واإلعالم وغريها التي نشأت كمنظامت‬ ‫مجتمع مد ٍّين فإننا نحصل عىل عدد بالعرشات‪،‬‬ ‫وجميعها اعتمد عىل تسجيلها خارج سوريا؛‬ ‫حيث إن النظام مل يسمح حتى بعد االحتجاجات‬ ‫خاصة بحقوق اإلنسان‪ ،‬وإمنا‬ ‫بتسجيل منظامت ّ‬ ‫ٌ‬ ‫خاص ٌة باإلغاثة تحت سيطرة‬ ‫فقط نشأت‬ ‫منظامت ّ‬ ‫مساعدات‬ ‫وإرشاف النظام للتمكن من استجالب‬ ‫ٍ‬

‫لإلغاثة كان النظام يضع يده عليها فوراً ويقوم‬ ‫ببيعها للمواطنني أو يوزعها عىل األشخاص املوالني‬ ‫له بشكلٍ تا ٍّم‪ .‬واملناطق التي خرجت عن سيطرته‬ ‫مل تنشأ فيها إدار ٌ‬ ‫مختص ٌة بتسجيل املنظامت‪،‬‬ ‫ات‬ ‫ّ‬ ‫لذلك كان تسجيل املنظامت يتمركز يف تركيا أوالً‬ ‫ثم أوروبا وقليل منهم كانت أمريكا مركزاً لهم‪.‬‬ ‫وكان إلنشاء وتسجيل املنظامت بكرثة خارج سوريا‬ ‫تأث ٌري كب ٌري عىل توجهاتها‪ ،‬حيث إنها كانت جميعها‬ ‫بحاج ٍة لتمويل نشاطاتها‪ ،‬هذا ما فرض عليها‬ ‫رشوط املمول من حيث وجهة النشاط وطريقة‬ ‫وحجم إعالنه واإلفصاح عنه من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫جه ٍة أخرى فرض عليها عم ًال مؤسسات ّياً تنظيم ّياً‬ ‫محرتفاً لقبول التمويل‪ .‬وهذه املسألة لها وجهان‬ ‫إيجايب وسلبي؛ إيجا ٌّيب من ناحية تعليم السوريني‬ ‫عىل العمل املحرتف واملنظم الذي ال يعتمد عىل‬ ‫مؤسسات‪ ،‬والشفافية بالرصف‬ ‫األشخاص وإمنا عىل‬ ‫ٍ‬ ‫والعمل‪.‬أما الوجه السلبي‪ :‬فيتمثل بتحويل العمل‬ ‫التط ّوعي املتفاين‪ ،‬الذي كان يقوم به السوريون‬ ‫من ّ‬ ‫كل قلوبهم وكانوا يدفعون من جيوبهم‬ ‫الخاصة لتمويله‪ ،‬إىل وظيف ٍة عادية براتب مح ّد ٍد‬ ‫ّ‬ ‫يقوم بها أشخاص املنظامت‪ ،‬وهذا ما أضعف‬ ‫باتجاهات إنسان ّية‪،‬‬ ‫الروح الحامسية املندفعة‬ ‫ٍ‬ ‫الروح التي مت ّيز بها الناشطون السوريون‪.‬‬ ‫وبتح ّول النشاط الحقوقي واإلنساين يف سوريا‬ ‫لعملية احرتاف‪ ،‬أصبح هناك مؤثران عىل العمل‬ ‫والنشاط الحقوقي للمنظامت السورية‪ ،‬وهي‬ ‫الخلفية اإليديولوجية للناشطني‪ ،‬والخلفية‬ ‫السياسية للممولني‪ ،‬وغالباً ما يلتقي هذان املؤثران‬ ‫بجه ٍة واحدة‪ ،‬والسيام بالنسبة للمنظامت القدمية‬ ‫التي كانت قامئة قبل الثورة بفرتة طويلة‪ .‬أما‬ ‫بالنسبة للمنظامت الحديثة فهي كانت مبعظمها‬ ‫يتم‬ ‫مش ّكلة حسب طلب املمول ومن‬ ‫أشخاص ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫اختيارهم من قبله يف أحيان‪ ،‬فأصبح تشكيل‬ ‫عيش‬ ‫املنظامت يف أحيان مج ّر َد وسيلة كسب ٍ‬ ‫ويتم اختيار‬ ‫للسوريني‪ ،‬وعم ًال يقوم به مقابل أجر‪ُّ ،‬‬ ‫املشاريع املمولة حسب طلب الجهة املمولة‪.‬‬ ‫وكان هناك عمليتان مشكلتان مبوضوع التمويل‬ ‫أولها قيام النظام بإنشاء جمعيات تابعة له وخاصة‬ ‫مبوضوع اإلغاثة‪ ،‬كانت تستقطب التمويل ومواد‬ ‫اإلغاثة وشكلت أكرث من منافس للجمعيات‬

‫الحقيقية‪ ،‬بل شكلت الركن األسايس‪ ،‬خاصة وأن‬ ‫منظامت األمم املتحدة كانت وبحكم تركيبتها‬ ‫تفضل التعامل مع منظامت السلطة السورية بهذا‬ ‫املوضوع وتتجاهل متاماً املنظامت السورية الفاعلة‬ ‫مام أدى أن تكون مواد اإلغاثة وسيلة قمع جديدة‬ ‫بيد النظام لتجويع املناطق املحارصة وكسب تأييد‬ ‫مواليه بتوزيعها عليهم‪ ،‬ومصدر كسب مادي ببيع‬ ‫مواد اإلغاثة للسوريني عرب منافذ البيع الرسمية‪،‬‬ ‫والتهديد اآلخر هو لجوء جهات ممولة إلنشاء‬ ‫ملح‬ ‫منظامت شكلية وبأهداف ال يحتاجها بشكل ّ‬ ‫الوضع السوري لرصف األموال أوالً‪ ،‬ولالدعاء أن‬ ‫هناك مساعدات كبرية توجه للشعب السوري‪،‬‬ ‫دون أن يكون لها أثر حقيقي عىل األرض‪.‬‬ ‫وميكن أن نلمح االختالفات بني املنظامت مبوجب‬ ‫ذلك يف نشاطاتها والفئات التي تستهدفها والبيانات‬ ‫التي تصدرها‪ ،‬فنالحظ أن التنظيامت التي‬ ‫تتأثر باإليديولوجيا اإلسالمية تركز نشاطها عىل‬ ‫االنتهاكات التي يقوم بها النظام أو املجموعات‬ ‫وامليليشيات التي تحارب إىل جانبه‪ ،‬مع إعطائها‬ ‫الصفة الطائفية والدينية التي تنتمي إليها‪ ،‬مع‬ ‫إعطاء الصفة الطائفية والدينية للضحايا‪ ،‬وتجاهل‬ ‫االنتهاكات التي تحصل باملقابل من الطرف اآلخر‬ ‫بالقتال والتعتيم عليها‪ ،‬إن مل نقل تربيرها تحت‬ ‫غطاء رد الفعل‪ .‬أما املنظامت التي يغلب عليها‬ ‫جهات‬ ‫قومي أو يساريّ وممولة من‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫طابع علام ٌّين ّ‬ ‫محدّدة‪ ،‬فرتكز نشاطها عىل االنتهاكات التي تقوم‬ ‫بها األطراف اإلسالمية من داعش والنرصة أو حتى‬ ‫مجموعات “الجيش الحر” أو أي مجموع ٍة تحارب‬ ‫بيانات بشأنها‪ ،‬بينام تتغافل‬ ‫النظام وتصدر عدّة‬ ‫ٍ‬ ‫وتتجاهل االنتهاكات التي يقوم بها جيش النظام‬ ‫أو املجموعات التي تحارب معه‪ ،‬وت ّربرها بحجة‬ ‫مقاومة التطرف واإلرهاب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وكذلك يظهر هذا الفارق جل ّيا بني املنظامت‬ ‫ات محدّد ٍة كالعربية‬ ‫الحقوق ّية التي تنتمي لقوم ّي ٍ‬ ‫أو الكردية أو اآلشورية‪ ،‬ففي حني تر ّكز املنظامت‬ ‫العربية وبشكلٍ كب ٍري عىل التجاوزات واالنتهاكات‬ ‫التي تقوم بها وحدات حامية الشعب الكردية‬ ‫تجاه املناطق العربية واملواطنني العرب يف املناطق‬ ‫التي تسيطر عليها هذه الوحدات‪ ،‬وتنتقد بش ّد ٍة‬ ‫إجراءات إنشاء الوحدات اإلدارية الكردية متهيداً‬


‫محكمة إرهاب إلرهاب الشعب‬

‫واملنظمة اآلثورية تهتم باآلشوريني وسط‬ ‫انتهاكات تطالهم من ِّ‬ ‫كل األطراف العربية‬ ‫والكردية ومن النظام واملجموعات‬ ‫املس ّلحة‪ ،‬وهي ال تجد إال الغرب منجداً‬ ‫لهم من هذه االنتهاكات فيكون مركز‬ ‫اهتاممها منص ّباً عىل وقف االنتهاكات‬ ‫التي تحصل بحقِّ هذه الفئة فقط دون‬ ‫اهتامم بارتباط هذا املوضوع مبسألة‬ ‫أيِّ‬ ‫ٍ‬ ‫الحقوق يف سوريا كلها‪.‬‬ ‫منظامت تتّخذ موقفاً وسطياً‬ ‫ٌ‬ ‫وهناك‬ ‫عالقات أو أمانٍ من كلِّ‬ ‫للحفاظ عىل‬ ‫ٍ‬ ‫األطراف فتتجاهل االنتهاكات الكربى التي‬ ‫تحدث يف سوريا‪ ،‬وتركز فقط عىل قضايا‬ ‫فئات محدّدة‬ ‫جانبية تتع ّلق بحقوق‬ ‫ٍ‬ ‫كحقوق األطفال أو النساء أو نشطاء‬ ‫مح َّددين أو غريها من الفئات دون‬ ‫الدخول مبسألة املسؤولية عن هذه الجرائم‬ ‫الترصفات ووقف‬ ‫وتكتفي مبطالبتها بتغيري‬ ‫ّ‬ ‫االنتهاكات هذه فقط‪ ،‬دون التع ّرض أبداً‬ ‫ملسألة االنتهاكات الكربى والفاضحة‪.‬‬ ‫الجزء الثالث من بحث أعدّه‬ ‫املحامي أنور البني مدير املركز‬ ‫السوري للدراسات واألبحاث‬ ‫القانونية‪ ،‬سيتم نرشه تباعاً يف طلعنا‬ ‫عالحرية عىل أجزاء‪.‬‬

‫تحول إىل ثورة شعبية ضد حكم الرئيس بشار األسد‬ ‫ونظامه القمعي‪.‬‬

‫وقد بدت محكمة أمن الدولة العليا امللغاة بكل‬ ‫سيئاتها أفضل بقليل من محكمة اإلرهاب‪ ،‬التي‬ ‫كانت تسمح للمحامني باالطالع عىل ملفات‬ ‫موكليهم وتصوير كافة الضبوط األمنية واألوراق‬ ‫املربزة يف امللف‪ ،‬كام كانت تسمح للمحامي‬ ‫بالتحدث إىل موكله‪ ،‬ومل تكن أجهزة األمن تحيل‬ ‫إليها قضايا مثل التظاهر واالعتصام والكتابة‬ ‫والسيام يف وسائل التواصل االجتامعي ض ّد النظام‪،‬‬ ‫والتي ُخصصت ملحاربة الجرائم الخطرة الواقعة‬ ‫عىل أمن الدولة الخارجي أو الداخيل‪ .‬ولكن يف‬ ‫واقع األمر كانت تستهدف املعارضني السياسيني‬ ‫للنظام ونشطاء حقوق اإلنسان بالدرجة األوىل‪ ،‬أما‬ ‫الحال يف محكمة اإلرهاب فبدا مختلفاً متاماً؛ حيث‬ ‫وسع النظام دائرة املالحقة لتشمل حتى أبسط‬ ‫الجرائم‪ ،‬مبا يف ذلك التظاهر أو االعتصام والكتابة‬ ‫ض ّد النظام عىل الفيسبوك أو حتى االستامع ملا‬ ‫كان يسميه النظام بالقنوات الفضائية املغرضة‬ ‫كالجزيرة والعربية واألورينت‪..‬إلخ‪ ،‬أي كام يقول‬ ‫املثل الشعبي “انتقلنا من تحت دلفة محكمة أمن‬ ‫الدولة العليا إىل مزراب محكمة اإلرهاب”!‬ ‫وقد منح قانون إنشاء محكمة اإلرهاب القضاة‬ ‫العاملني فيها صالحيات واسعة‪ ،‬حيث أعفاهم‬ ‫من التقيد باألصول واإلجراءات املنصوص عليها‬ ‫يف القوانني العادية‪ ،‬وترك األمر ملشيئة القايض يف‬ ‫كيفية التعامل مع املوقوف؛ فله مث ًال أن يستجوبه‬ ‫بدون حضور محامي‪ ،‬وال يعتد بطلب املوقوف‬ ‫بأنه يريد محام معه يف االستجواب‪ ،‬كام أن القايض‬ ‫ال يستجيب لطلب املوقوف أو وكيله بعرضه عىل‬ ‫الطبابة الرشعية للتأكد من تعرضه للتعذيب‪ ،‬وغالباً‬ ‫ما يتقيد القايض باالعرتافات الواردة يف الضبط‬

‫العدد ‪- 75 -‬‬

‫كردية من املفرتض أنها تعنى بحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫ُأحدثت محكمة قضايا اإلرهاب بالقانون رقم ‪22‬‬ ‫لعام ‪ ،2012‬بحجة مكافحة اإلرهاب‪ ،‬لكن يف واقع‬ ‫األمر تم إحداثها لتكون بدي ًال عن “محكمة أمن‬ ‫الدولة العليا” سيئة الصيت‪ ،‬والتي أضطر النظام‬ ‫إىل إلغائها يف شهر نيسان عام ‪ 2011‬بالتزامن مع‬ ‫رفع حالة الطوارئ كاستجابة جزئية وشكلية تحت‬ ‫الحراك الشعبي املتزايد يف سورية‪ ،‬ليأيت‬ ‫ضغط َ‬ ‫ً‬ ‫إحداثها التفافا عىل مطالب الحراك الشعبي‪ ،‬الذي‬

‫األمني‪ ،‬وال يسمح القايض بتصوير أوراق ملف‬ ‫القضية متذرعاً بأسباب أمنية‪ .‬ويضطر املحامي‬ ‫لالنتظار أياماً حتى يتمكن من االطالع عىل ملف‬ ‫القضية‪ ،‬هذا إذا متكن فع ًال من االطالع‪ ،‬وغالباً ما‬ ‫يتذرع القايض باالنشغال لكرثة املواقيف والقضايا‬ ‫لديه‪ .‬وخالفاً لعلنية املحاكمة‪ ،‬فإن رئيس املحكمة‬ ‫غالباً ما يجري جلسة املحاكمة يف مكتبه وليس عىل‬ ‫قوس املحكمة‪ ،‬وبحضور مكثف لعنارص األمن ويف‬ ‫جو إرهايب متاماً‪.‬‬ ‫ويعتمد قضاة املحكمة بشكل أسايس عىل‬ ‫االعرتافات املدونة يف الضبوط األمنية التي انتزعت‬ ‫من املعتقلني بالرضب والتعذيب واإلكراه الشديد‪.‬‬ ‫ومع أن معظم املحالني إىل هذه املحكمة يحتجون‬ ‫أمامها بأنهم قد تعرضوا للتعذيب وأجربوا عىل‬ ‫التوقيع عىل أقوال مل يدلوا بها‪ ،‬فإن املحكمة‬ ‫تتجاهل ذلك متاماً مربرة ذلك بقولها ‪“ :‬إن إنكار‬ ‫املتهم ألقواله األمنية ما هي إال محاولة للتملص من‬ ‫الجرم واإلفالت من العقاب”‪.‬‬ ‫باختصار‪ ،‬إن محكمة اإلرهاب لديها قاعدة ثابتة‬ ‫تقول‪“ :‬إن املتهم أمامها مدان حتى تثبت براءته”‪.‬‬ ‫وذلك خالفاً للمبدأ الشهري واملعمول يف دول‬ ‫العامل‪“ :‬املتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم‬ ‫مربم” املنصوص عليه أيضاً يف القوانني السورية مبا‬ ‫فيها الدستور السوري نفسه‪ .‬واملحكمة أنشئت‬ ‫بهدف ليس مكافحة اإلرهاب كام يدعي النظام‪،‬‬ ‫بل ملالحقة كل من يقف ضدّه‪ ،‬وتكثيف الضغط‬ ‫عليهم وإرهابهم‪.‬‬ ‫إننا نتطلع بأمل ملن مازال يريد أن يسمع‪ ،‬أن‬ ‫يساعد الشعب السوري عىل الخروج من مأساته‬ ‫حتي يتمكن من إعادة بناء دولته الوطنية؛ دولة‬ ‫الحق والقانون‪ ،‬دولة املؤسسات عىل أساس مبدأ‬ ‫املواطنة برصف النظر عن السياسة والدين واللون‬ ‫والعرق والجنس‪.‬‬

‫‪2016 / 8 / 19‬‬

‫الستقاللها عن سوريا‪ ،‬وتتجاهل ما يقوم‬ ‫به بعض أبناء املنطقة من العرب تجاه‬ ‫األكراد‪ ،‬وتتجاهل تاريخ االنتهاكات التي‬ ‫حصلت ض َّد األكراد خالل فرتة حكم‬ ‫البعث لسوريا‪ ،‬نرى أن املنظامت الحقوق ّية‬ ‫ترصفات وحدات‬ ‫الكردية تدافع عن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حامية الشعب الكردية املسلحة وتتغاىض‬ ‫عن انتهاكاتهم حتى ض َّد األكراد أنفسهم‪،‬‬ ‫تحت غطاء محاربة اإلرهاب وطرد داعش‬ ‫والتنظيامت املتط ّرفة من مناطقهم‪ ،‬وت ّربر‬ ‫ببيانات توضيحي ٍة لهذه‬ ‫هذه الترصفات‬ ‫ٍ‬ ‫الترصفات‪ .‬ورمبا نجد هذا املوضوع بشكل‬ ‫صارخ يف التقرير الذي صدر عن منظمة‬ ‫العفو الدولية حول مامرسات قوات حامية‬ ‫الشعب التابعة لحزب الـ (ب و د) وردود‬ ‫الفعل الغاضبة واملستنكرة له من منظامت‬

‫المحامي ميشال شماس‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫قرارات مجلس األمن الخاصة‬ ‫بالمرأة والنزاعات المسلحة‬ ‫قرار مجلس األمن ‪ 1325‬لعام ‪:2000‬‬ ‫المحامية دعد موسى‬ ‫دمشق‪ -‬سوريا‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫أول قرار يتخذه مجلس األمن ملعالجة األثر‬ ‫غري املتناسب والفريد للنزاع املسلح عىل املرأة‬ ‫والذي يشدد عىل أهمية مشاركة املرأة املتكافئة‬ ‫والكاملة كعنرص فاعل يف منع نشوب النزاعات‬ ‫وإيجاد حل لها ويف مفاوضات السالم وبناء السالم‬ ‫وحفظ السالم ويطلب إىل الدول األعضاء أن تكفل‬ ‫مساهمة املرأة املتكافئة ومشاركتها الكاملة يف‬ ‫جميع الجهود الرامية إىل صون السالم واألمن‬ ‫وتعزيز هذه الجهود ويحث جميع األطراف‬ ‫الفاعلة عىل زيادة مشاركة املرأة وإدراج املنظور‬ ‫الجنساين يف جميع مجاالت بناء السالم‪.‬‬ ‫أهمية القرار ‪ 1325‬أنه أول قرار ملجلس األمن‬ ‫يهدف إىل ربط تجربة النساء يف النزاعات املسلحة‬ ‫مبسألة الحفاظ عىل السالم واألمن الدوليني حيث‬ ‫دعا إىل‪:‬‬ ‫• زيادة مشاركة املرأة يف جميع مستويات صنع‬ ‫القرار‪ ،‬ويف عمليات حل الرصاعات واملشاركة‬ ‫بقوات حفظ السالم ويف املفاوضات‪.‬‬ ‫• تعميم منظور النوع االجتامعي وزيادة القدرة‬ ‫االستيعابية لقضايا الجندر لدى العاملني يف‬ ‫عمليات حفظ السالم والتدريب عليها‪.‬‬ ‫• تناول قضايا الجندر يف أوقات السالم وإعادة‬ ‫اإلدماج‪.‬‬ ‫• احرتام حقوق السكان املدنيني والالجئني‬ ‫واملرشدين داخلياً‪.‬‬ ‫• أخذ احتياجات النساء والفتيات بعني االعتبار‬ ‫وقت النزاعات وتلبيتها‪.‬‬ ‫• حامية النساء من العنف الجسدي والتمييز‬ ‫ألنهن يصبحن أكرث عرضة لالستغالل والعنف‪.‬‬ ‫• اإلغاثة والدعم والتأهيل للناجيات من العنف‬ ‫واعتامد منظور النوع االجتامعي يف عمليات إعدة‬ ‫التوطني واإلعامر‪.‬‬ ‫• تجنب العفو عن الجرائم التي وقعت يف الحرب‬

‫ضد املرأة‪.‬‬ ‫قرار مجلس األمن رقم ‪ 1820‬لعام ‪:2008‬‬ ‫اعبرتالعنف الجنيس ضد النساء واالطفال تهديداً‬ ‫جدياً لألمن وعائقاً أمام إعادة السالم واألمن‬ ‫واعتبار كافة أنواع العنف الجنيس جرمية حرب أو‬ ‫جرمية ضد اإلنسانية أو فعال منشئا لجرمية تتعلق‬ ‫باإلبادة الجامعية وطالب الدول األعضاء مالحقة‬ ‫الفاعلني وضامن الحامية للنساء واألطفال الضحايا‬ ‫وربط العنف الجنيس رصاح ًة بوصفه أداة للحرب‬ ‫بقضايا املرأة والسالم واألمن ويطالب أطراف‬ ‫النزاع املسلح بأن تتخذ عىل الفور التدابري املالمئة‬ ‫لحامية املدنيني من العنف الجنيس مبا يف ذلك‬ ‫تدريب القوات‪ ،‬وإنفاذ تدابري تأديبية‪.‬‬ ‫وتكمن أهمية هذا القرار مبا ييل‪:‬‬ ‫اعتبار االغتصاب وغريه من أشكال العنف‬‫الجنيس جرمية حرب أو جرمية ضد اإلنسانية أو‬ ‫جرمية تتعلق باإلبادة الجامعية‪.‬‬ ‫ حظر بشكل قاطع العفو عن العنف الجنيس‬‫املرتبط بالنزاع‪.‬‬ ‫مقاضاة األشخاص املسؤولني عن هذه األعامل‬‫وضامت متتع النساء ضحايا العنف الجنيس‬ ‫بالحامية مبقتىض القانون وضامن وصولهن إىل‬ ‫العدالة‪.‬‬ ‫ حامية املدنيني والالجئيني والنازحني داخلياً من‬‫العنف الجنيس‪.‬‬ ‫ مشاركة املرأة يف محادثات السالم وحل النزاع‪.‬‬‫ وضع تدابري لتحسني الحامية واملساعدة‪.‬‬‫قرار مجلس األمن ‪ 1888‬لعام ‪:2009‬‬ ‫متابعة لقرار مجلس األمن ‪ 1820‬وهو يكلف‬ ‫بعثات حفظ السالم بحامية املرأة واألطفال من‬ ‫العنف الجنيس أثناء النزاع املسلح ويطلب إىل‬ ‫األمني العام تعيني ممثل خاص معني بالعنف‬ ‫الجنيس يف النزاعات املسلحة واإلرساع بتقديم‬

‫تقرير العنف الجنيس يف النزاعات املسلحة وايجاد‬ ‫آليات الرصد واإلبالغ‪.‬‬ ‫وتشكيل فرق من الخرباء القضائيني لالستجابة‬ ‫القضائية الرسيعة للعنف الجنيس يف سياق الرصاع‪.‬‬ ‫قرار مجلس األمن ‪ 1889‬لعام ‪:2009‬‬ ‫الذي يطالب مبواصلة تعزيز مشاركة املرأة يف‬ ‫عمليات السالم وضع اسرتاتيجيات لزيادة أعداد‬ ‫النساء يف حل النزاعات ومواقع صنع القرار ووضع‬ ‫مؤرشات لقياس التقدم يف تنفيذ القرار ‪.1325‬‬ ‫قرار مجلس األمن ‪ 1960‬لعام ‪:2010‬‬ ‫الذي يستكمل ويعمق القرارات السابقة حول‬ ‫العنف ضد النساء يف النزاعات املسلحة واتخاذ‬ ‫تدابري فعالة ملنع حدوثه‪.‬ويؤكد عىل رضورة إنشاء‬ ‫أليات لرصد العنف الجنيس ومتابعة كيفية تطبيق‬ ‫قرارات مجلس األمن ذات الصلة‪.‬‬ ‫قرار مجلس األمن ‪ 2106‬لعام ‪:2013‬‬ ‫الذي يؤكد أن جميع الدول األعضاء وكيانات األمم‬ ‫املتحدة عليها أن تفعل املزيد لتنفيذ والياتها‬ ‫السابقة ومكافحة اإلفالت من عقاب جرائم العنف‬ ‫الجنيس ويؤكد عىل أهمية املساواة بني الجنسني‬ ‫والتمكني السيايس واالجتامعي واالقتصادي للمرأة‬ ‫يف الجهود الرامية إىل منع العنف الجنيس يف‬ ‫النزاعات املسلحة وحاالت ما بعد الرصاع‪.‬‬ ‫قرار مجلس األمن ‪ 2122‬لعام ‪:2013‬‬ ‫يشدد عىل املساءلة يف تنفيذ القرار ‪ ،1325‬وأهمية‬ ‫إرشاك املرأة يف جميع مراحل منع الرصاعات‬ ‫وحلها واالنتعاش منها‪.‬‬


‫مقاتل ال قاتل‬ ‫‪11‬‬

‫المحامي ابراهيم القاسم‬

‫العدد ‪- 75 -‬‬ ‫‪2016 / 8 / 19‬‬

‫عرب التاريخ مل يستطع أحد منع الحروب من‬ ‫وقوعها‪ ،‬بل يعترب البعض النزاعات املسلحة هي‬ ‫أحد الوسائل املمكنة إلنهاء النزاعات والوصول إىل‬ ‫الحقوق‪ ،‬وقد اختلف شكل الرصاعات املسلحة‬ ‫من رصاعات بني جيوش دول أو ماملك أو إمارات‪،‬‬ ‫وبني ما ميكن أن يكون حروباً بني جيوش نظامية‪،‬‬ ‫إىل نزاعات مسلحة بني جيوش نظامية ومجموعة‬ ‫مسلحة أو بني مجموعات مسلحة فيام بينها‪،‬‬ ‫وأمام عجز العامل عن إيقاف الحروب بشكل نهايئ‪،‬‬ ‫حاول فقهاء القانون إيجاد أفضل السبل لتخفيف‬ ‫الخسائر البرشية واألرضار املادية لهذه النزاعات‪،‬‬ ‫ولذلك أرىس القانون الدويل بعض القواعد واملبادئ‬ ‫وكان من أبرز‬ ‫التي تسعى إىل تحقيق ذلك‪،‬‬ ‫هذه القواعد واملبادئ‪ ،‬إقرار تفرقة بني املقاتلني‬ ‫أنفسهم و تقسيمهم إىل فئتني‪:‬‬ ‫‪ - 1‬فئة املقاتلني القانونيني وتتمثل يف أفراد‬ ‫الجيوش النظامية التابعني للدولة‪ ،‬وأفراد الشعب‬ ‫الذي يهب لنرصة وطنه فيام يسمى الهبة‬ ‫الشعبية‪ ،‬وأيضاً املليشيات املتطوعة‪ ،‬وجاء وصف‬ ‫املقاتلني القانونيني‪ ،‬نتيجة التنظيم الذي تتميز به‬ ‫لجهة األمور اإلدارية والتنظيمية وإىل أن عملهم‬ ‫العسكري منظم و يخضع لضوابط قانونية‪ ،‬وأفراد‬ ‫هذه الفئة يحصلون عىل حامية قانونية‪:‬‬ ‫‪ - 2‬الفئة الثانية املجردة من هذه الحامية‬ ‫القانونية‪ ،‬تشمل الجواسيس الذين يعتمد عملهم‬ ‫الحريب عىل الخديعة‪ ،‬واملرتزقة الذين يقاتلون‬ ‫من أجل االسرتزاق فقط‪ ،‬باإلضافة إىل اإلرهابيني‬ ‫وطبيعة نشاطهم اإلجرامي الخطري‪.‬‬ ‫ويحق للمقاتل القانوين إلحاق األذى مبقاتيل‬ ‫العدو وأهدافه العسكرية ضمن حدود معينة‪،‬‬ ‫ويف املقابل هناك ضامنات كافية لهذا املقاتل من‬ ‫شأنها أن تحميه من بطش العدو إن متكن منه‪.‬‬ ‫حقوق املقاتل الرشعي‬ ‫‪ - 1‬الحق يف التمتع بوضع أسري حرب ‪ :‬مبجرد‬ ‫وقوع املقاتل القانوين يف قبضة الخصم و كفه‬ ‫عن القتال سواء رغام عنه بسبب إصابة مبرض أو‬ ‫جرح أو غرق أو أي نوع من أنواع العجز البدين أو‬ ‫العقيل ‪ ،‬أو باختياره كأن يلقي سالحه و يستسلم‬ ‫للعدو ‪ ،‬ففي هذه الحالة يعترب أسري حرب‪.‬‬

‫‪ - 2‬الحق يف الحامية والرعاية الصحية أثناء الجرح‬ ‫واملرض والغرق‪ :‬يجب حامية الجرحى واملرىض‬ ‫والغرقى واالعتناء بهم ورعايتهم دون أي متييز‪،‬‬ ‫ويتعني عىل الطرف الذي يسيطر عيل ميدان‬ ‫املعركة أن يبحث عنهم و يحميهم من أي اعتداء‬ ‫أو أي معاملة سيئة‪ ،‬بحيث يحرم يف جميع األحوال‬ ‫قتلهم أو تعذيبهم أو أخذهم كرهائن أو تعريض‬ ‫أي منهم للخطر‪ ،‬وبصفة خاصة يحظر أن يجري‬ ‫لهؤالء األشخاص حتى و إن كان ذلك مبوافقتهم‬ ‫عمليات البرت و استئصال األنسجة أو األعضاء‬ ‫بقصد زراعتها أو إجراء التجارب الطبية و العلمية‬ ‫عليهم‪ ،‬أو تركهم عمدا بال عالج أو عناية معرضني‬ ‫لخطر الوباء أو العدوى‪ ،‬ويتعني أن تكون العناية‬ ‫بهم عىل أساس املساواة و بدون أدىن متييز‪ ،‬ويتعني‬ ‫يف جميع األوقات و عىل األخص بعد االشتباك يف‬ ‫القتال أن يقوم أطراف النزاع ودون تأخري بجميع‬ ‫اإلجراءات املمكنة للبحث عن الجرحى و املريض‬ ‫و جمعهم و حاميتهم من السلب وسوء املعاملة‬ ‫وضامن العناية املناسبة لهم‪ ،‬كام يجب توفري‬ ‫اإلسعافات األولية الرسيعة للحاالت الخطرية‪،‬‬ ‫وميكن االستفادة من وسائل العالج الحديثة التي‬ ‫من شأنها إذا ما استخدمت يف حينها قبل نقل‬ ‫املصاب وخالله ‪ ،‬أن تساعد عىل بقائه حياً كنقل‬ ‫الدم‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل وجوب توفري الحامية للعدو العاجز‬ ‫عن القتال بحيث ال يجوز قتله أو تعذيبه أو جرحه‬ ‫أو مامرسة أي نوع من أنواع اإليذاء عليه‪ ،‬وعليه‬ ‫يجب معاملة الجرحى واملرىض وضحايا السفن‬ ‫الغارقة من أفراد القوات املسلحة وغريهم من‬ ‫األفراد املحميني بطرق إنسانية ومعاملتهم معاملة‬ ‫حسنة من الطرف املشارك يف النزاع املسلح الذين‬ ‫يخضعون لسلطته وذلك دون أي متييز مجحف‬ ‫قائم عىل أساس الجنس أو العنرص أو الجنسية‬ ‫أو الديانة أو اآلراء السياسية أو أية معايري مامثلة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬حقوق املقاتل يف حالة فقدانه أو موته ‪:‬‬ ‫يجب عىل كل طرف من النزاع‪ ،‬حاملا تسمح‬ ‫الظروف بذلك ويف موعد أقصاه انتهاء األعامل‬ ‫العدائية أن يقوم بالبحث عن األشخاص الذين‬

‫أبلغ الخصم عن فقدهم ويجب عىل هذا الخصم‬ ‫أن يبلغ جميع املعلومات املجدية عن هؤالء‬ ‫األشخاص لتسهيل هذا البحث‪.‬‬ ‫ويجب عدم انتهاك رفات األشخاص الذين توفوا‬ ‫بسبب االحتالل أو أثناء االعتقال الناجم عن‬ ‫االحتالل أو األعامل العدائية‪ ،‬وكذلك رفات‬ ‫األشخاص الذين توفوا أو قتلوا بسبب األعامل‬ ‫العدائية يف بلد ليسوا من رعاياه ‪ ،‬كام يجب‬ ‫الحفاظ عىل مدافن هؤالء األشخاص جميعاً‪.‬‬ ‫واجبـات املقاتل الرشعي‬ ‫املقصود بهذه الواجبات‪ ،‬هي تلك التدابري‬ ‫واإلجراءات الوقائية التي يتعني عىل كل مقاتل‬ ‫سواء كان ضابطا مسؤوال أو جندياً‪ ،‬اتخاذها‪ ،‬سواء‬ ‫قبل اندالع العمليات العسكرية أو اثنائها وحتى‬ ‫بعد انتهائها‪ ،‬هذه التدابري واالحتياطات التي يتعني‬ ‫عىل املقاتلني االلتزام بأخذها يف الحسبان‪ ،‬حيث‬ ‫ينبغي عىل كل مقاتل أن يسعى إىل استخدام‬ ‫الوسائل واألساليب التي ميكن أن تساهم يف تجنب‬ ‫خسائر يف أرواح املدنيني أو إلحاق إصابات بهم أو‬ ‫اإلرضار باألعيان املدنية‪ ،‬وعليه ينبغي االمتناع عن‬ ‫العمليات أو استخدام األسلحة التي تسبب آالما‬ ‫أو أرضارا ال مربر لها واملحظور استخدامها دوليا‪،‬‬ ‫وفكرة اإلصابات املفرطة واآلالم التي ال مربر لها‬ ‫تتصل بتأثري تصميم السالح عىل الصحة‪ ،‬وكذلك‬ ‫االمتناع عن استخدام الهجامت العشوائية التي ال‬ ‫توجه إىل هدف عسكري محدد ‪.‬‬ ‫ويجب أن تبذل رعاية متواصلة يف إدارة العمليات‬ ‫العسكرية‪ ،‬من أجل تفادي السكان املدنيني‬ ‫واألشخاص واألعيان املدنية ‪.‬‬ ‫من خالل ما سبق ذكره‪ ،‬نجد أن فوائد التمييز‬ ‫بني املقاتلني كثرية‪ ،‬وأهمها هي تضييق نطاق‬ ‫العمليات العدائية بحيث يخرج عن نطاقها‬ ‫عدد ال يحىص من األشخاص واألعيان التي ال‬ ‫تستدعيها الرضورة العسكرية‪ ،‬كام أن الوضع‬ ‫القانوين للمقاتل من شأنه توفري ضامنات كافية‬ ‫لدى املقاتلني‪ ،‬وتوفري قدر معني من األمان خاصة‬ ‫عندما يدرك كل واحد حقوقه وواجباته وتكون‬ ‫هناك آليات قانونية كافية من شأنها فرض احرتام‬ ‫هذا القانون وردع كل مخالف له‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫احتقار المرأة في الموروث الثقافي‬ ‫حكاية الضلع األعوج‬ ‫جمال سعيد‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫قد يوحي العنوان ّأن املوروث الثقايف اكتفى‬ ‫باحتقار باملرأة‪ ،‬ويف هذا إجحاف بحق موروثنا‪،‬‬ ‫تم مث ًال ّ‬ ‫الترضع ألم عمرو ليك ترد فؤاداً كالذي‬ ‫فقد ّ‬ ‫كان‪ ،‬ولكن الثقافة املوروثة بوجه عام تكرس سلطة‬ ‫وتفوق الذكر بصفته “األقوى” و”األعقل”‪ .‬ويوجه‬ ‫للمرأة اتهامات متناقضة فاملرأة متهمة بالكيد‬ ‫الذي يتطلب الذكاء‪ ،‬ومتهمة يف الوقت نفسه بأنها‬ ‫“ناقصة عقل”!‬ ‫موروث منطقتنا الثقايف غني مبفاهيم عديدة‪ ،‬تصلح‬ ‫للمتاحف أكرث بكثري مام تصلح لتكون جزءاً من‬ ‫ثقافة تحكم سلوك أبناء عرصنا‪ .‬بل يدل وجودها‬ ‫الحي عىل مدى ابتعادنا عن املنجزات البرشية‪،‬‬ ‫امللحة ّ‬ ‫لحث الخطى لنتمكن من‬ ‫وعىل الحاجة ّ‬ ‫التنعم بتلك املنجزات يف ميادين مثل علم االجتامع‬ ‫وعلم القانون وعلم السياسة ومختلف العلوم‬ ‫املرتبطة باإلناسة‪.‬‬ ‫ال نزال نردد ‪-‬أحياناً بإشفاق‪ -‬ونحن نتحدث عن‬ ‫سيدة ازدادت مصائبها‪“ :‬يا حرسيت عليها‪ ..‬ضلع‬ ‫قارص” ومع أن الحياة املعارصة تجاوزت هذا‬ ‫املنطق‪ ،‬ال تزال الحكاية التوراتية حول خلق حواء‬ ‫من ضلع أعوج من أضالع آدم شائعة شعبياً بني‬ ‫الناس الذين يتحدرون من مختلف الديانات‬ ‫التوحيدية يف منطقتنا‪ .‬ومع أن القرآن ال يذكر األمر‬ ‫رصاحة‪ ،‬األمر الذي جعل رجال الدين اإلسالمي‬ ‫يختلفون عىل تفسري الحديث الذي رواه أبو هريرة‬ ‫عن النبي وأخرجه البخاري‪َ ..“ :‬و ْاس َت ْو ُصوا ِبالن َِّسا ِء‬ ‫َخ ْ ًيا‪َ ،‬فإِ َّنهُنَّ ُخ ِل ْقنَ ِمنْ ِض َل ٍع‪َ ،‬وإِ َّن أَ ْع َو َج َ ْ‬ ‫ش ٍء ِف‬ ‫ِّ‬ ‫س َتهُ‪َ ،‬وإِ ْن َت َر ْك َت ُه‬ ‫الض َل ِع أَ ْع َلهُ‪َ ،‬فإِ ْن َذهَ ْب َت ُت ِق ُيم ُه َك َ ْ‬ ‫َ‬ ‫لَ ْم َيز َْل أ ْع َو َج‪ .”..‬فالبعض يراه رواية تدل عىل ما‬ ‫حدث فع ًال‪ ،‬أي أن املرأة ُخلقت من ضلع است ّله‬ ‫الله من صدر آدم أثناء نومه‪ ،‬يف حني يراه آخرون‬ ‫مجازاً؛ يقصد منه وصف طابع املرأة‪ .‬وكذا األمر يف‬ ‫تفسري العديد من اآليات املتشابهة‪ ،‬ومنها‪َ “ :‬و ِمنْ‬ ‫آ َيا ِت ِه أَ ْن َخ َلقَ لَ ُك ْم ِمنْ أَ ْن ُف ِس ُك ْم أَ ْز َو ًاجا لِت َْس ُكنُوا‬ ‫إِلَ ْيهَا” الروم‪ .21:‬حيث يراها البعض إثباتاً عىل أن‬ ‫(الله خلقها من ضلعه)‪ ،‬يف حني يستند آخرون إىل‬

‫أن كلمة (نفس) إمنا تعني الجنس نفسه استناداً‬ ‫إىل اآلية‪“ :‬لَ َق ْد َمنَّ ال َّل ُه ع َ​َل ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫ني إِ ْذ َب َع َث ِفي ِه ْم‬ ‫َر ُسوالً ِمنْ أَ ْن ُف ِس ِه ْم” آل عمران‪.164 :‬‬ ‫ولكن هذا النقاش بقي بني رجال الدين املتفرغني‪،‬‬ ‫والذين يتفقون يف نهاية املطاف عىل أنها “كائن‬ ‫قارص”‪.‬‬ ‫بقيت الحكاية التوراتية هي املرجع الرئيس‪ ،‬إ ْذ نقرأ‬ ‫يف سفر التكوين (‪“ :)2/21-23‬فأوقع الرب اإلله‬ ‫سباتاً عىل آدم فنام‪ ،‬فأخذ واحدة من أضالعه ومأل‬ ‫مكانها لح ًام‪ .‬وبنى الرب اإلله الضلع التي أخذها‬ ‫من آدم امرأة وأحرضها إىل آدم‪ .‬فقال آدم‪ :‬هذه‬ ‫اآلن عظم من عظامي‪ ،‬ولحم من لحمي‪ ،‬هذه‬ ‫تدعى امرأة ألنها من امرئ أخذت”‪.‬‬ ‫وتعد هذه الحكاية التوراتية ‪-‬التي ولدت يف‬ ‫منطقتنا‪ ،‬وشاعت يف الثقافة العاملية‪ -‬إحدى نقاط‬ ‫االنطالق يف استصغار املرأة‪ ،‬و”منحها” مكانة دنيا‬ ‫ثانوية‪ ،‬فهي تبعاً مجرد ضلع أعوج! بل بالغ البعض‬ ‫مثل ألكسندر روس يف احتقار املرأة معترباً أن‬ ‫حواء قد خلقت من ضلع آدم األيرس‪ ،‬وهو الجانب‬ ‫األضعف‪ ،‬ليفرس “ضعفها ودونيتها”!‪.‬‬ ‫أتاح عرصنا مشاركة أوسع للمرأة يف الشؤون‬ ‫العامة‪ ،‬ومع ذلك ال نزال نشهد مفارقات قامئة‬ ‫عىل الدور الذي تلعبه املرأة‪ ،‬واملوقف منها بصفتها‬ ‫ضلعاً أعوج أو قارصاً!‬ ‫وال يقف األمر عند مواقف شعبية بل يتخطاها‬

‫إىل املواقف الرسمية والدستورية والقانونية‪ ،‬وعىل‬ ‫نحو قاس يف أغلب بلداننا‪ .‬حيث تعاملها القوانني‬ ‫بصفتها أدىن منزلة‪ .‬خذ الشهادة واإلرث والحق يف‬ ‫منح جنسيتها ألوالدها عىل سبيل املثال‪.‬‬ ‫ال يقترص احتقار املرأة عىل الحكاية التوراتية بل‬ ‫هو جزء من العبادات والطقوس والحياة اليومية‪.‬‬ ‫يقول اليهودي املتدين يف الصالة اليومية‪“ :‬مبارك‬ ‫أنت يا رب ألنك مل تجعلني ال وثنياً‪ ،‬وال امرأ ًة‪ ،‬وال‬ ‫جاه ًال‪ .‬بينام تقول املرأة يف صالتها اليومية‪“ :‬مبارك‬ ‫أنت يا رب الذي خلقتني بحسب مشيئتك”!‬ ‫يوضح الفرق بني الصالتني دون لبس احتقار املرأة‬ ‫وتكريم الرجل مبشيئة قبلية أو مسبقة‪ ،‬ال راد لها!!‬ ‫األمر الذي يتيح لنا أن ننظر إىل أن الثقافة الدينية‪،‬‬ ‫أس التقديس‪،‬‬ ‫التي رفعت مفاهيمها وتعاليمها إىل ّ‬ ‫مل تكرس التفوق الذكوري فقط‪ ،‬بل دونية املرأة‬ ‫أيضاً‪ ،‬وال تكتفي الثقافة الدينية بطرح رأي والدفاع‬ ‫عنه‪ ،‬بل تقفل الباب ما استطاعت‪ ،‬سواء عىل ثقافة‬ ‫املايض املقدسة التي ال يجوز تناولها إال لتكريسها‪،‬‬ ‫أو يف وجه رياح التغيري التي تأخذ ما وصل إليه‬ ‫اإلبداع البرشي بعني االعتبار‪.‬‬ ‫‪------------------------------------------‬‬‫ ‪Philips C. Almond, Adam and Eve in seventeenth cen� -‬‬ ‫‪.tury thought, Cambridge University press, 1999, p. 146‬‬ ‫ ‪Leonard J. Swilder, Women in Judaism: The status of‬‬‫‪women in Formative Judaism. Metuchen, NJ: Scarecrow‬‬ ‫‪Press, 1976, pp. 80- 81‬‬


‫المرأة السورية بخير‪ ..‬برغم‬ ‫ّ‬ ‫كل الجراح والوجع‬ ‫المحامية منى أسعد‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫املرأة السورية ليست بخري‪ ،‬عبارة كنت قد‬ ‫كتبتها كخاطرة قبل عامني عىل وسائل التواصل‬ ‫االجتامعي‪ .‬اليوم أعيد النظر بهذه الخاطرة‬ ‫الكتشف خطأها‪ ،‬فإذا كان الخري أن تعيش املرأة‬ ‫وتكب وتز ّوج أبنائها ثم‬ ‫لتتزوج وتنجب وتريب ّ‬ ‫متوت بهدوء‪ّ ،‬‬ ‫فإن ماليني النساء يف هذه املعمورة‬ ‫عشنّ وال زلنّ يعشنّ بخري‪ .‬لكن إن كان الخري يف أن‬ ‫تعيش املرأة لتصنع بابتسامتها وبأظافرها مستقبل‬ ‫بلد‪ ،‬وتصوغ عرب تعبها وأملها كرامة شعب‪ ،‬ولتقدم‬ ‫للعامل مث ًال يحتذى به يف القدرة عىل التضحية من‬ ‫أجل كرامة اإلنسان وحريته‪ ،‬بهذا املعنى اعتقد‬ ‫ّأن املرأة السورية بألف خري‪ .‬فهي وبالرغم ّ‬ ‫مم‬ ‫تعرضت له منذ بدء الثورة‪ ،‬وال تزال‪ ،‬من قتل‬ ‫وتدمري وتجويع وتهجري واعتقال واختطاف لها‬ ‫وألحبتها‪ ،‬مل تزل حريصة عىل أداء دورها الثوري‬ ‫يف مواجهة القمع الوحيش للنظام‪ ،‬والقمع الرببري‬ ‫للجامعات املتطرفة‪ ،‬وصوالً إىل الغد الذي تطمح‬ ‫إليه‪ّ .‬‬ ‫مم عرضها‪ ،‬مثلها مثل الرجل‪ ،‬للمالحقة‬ ‫واالعتقال والتوقيف واإلهانات والتعذيب ومن ثم‬ ‫املحاكامت غري العادلة‪.‬‬ ‫هذا املصري وسياسة الرتهيب املتعمدة من قبل‬ ‫النظام‪ ،‬دفعت بعرشات اإلعالميات والصحفيات‬ ‫واألديبات واملدونات والفنانات ممن أعلنّ‬ ‫انحيازهن للثورة منذ أيامها األوىل‪ ،‬إىل مغادرة‬ ‫سوريا‪ ،‬ليتابعن ما كنّ قد بدأنه فيها من نشاط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأسسن مدونات‬ ‫فأصدرن الكتب واملقاالت ّ‬ ‫الكرتونية يفضحنّ من خاللها االعتداءات التي‬ ‫ّ‬ ‫ويؤكدن عىل مطالبهن بالحرية‬ ‫تعرضنّ لها‪,‬‬ ‫والكرامة‪ ،‬بعض الصبايا كتبت باللغة العربية‬ ‫وبعضهنّ استثمر لغته األخرى اإلنكليزية أو‬ ‫الفرنسية ملحاولة إيصال رسائل سوريات مدنيات‬ ‫يعشنّ الثورة والحلم والحرب إىل ذاك اآلخر‬ ‫حيثام كان‪ ,‬محاوالت كذلك فضح تخاذل املوقف‬ ‫اإلقليمي والدويل‪.‬‬ ‫مايسة (‪)30‬عاماً‪ ،‬هي امرأة سورية كانت تقدم‬ ‫اإلغاثة الطبية‪ ،‬وتعمل يف قناة فضائية معارضة‬ ‫لنظام األسد‪ ،‬قبل اعتقالها يف دمشق‪ ،‬يف نيسان‬ ‫‪/‬ابريل ‪ ،2013‬حيث ُاعتدى عليها عنارص األمن‬ ‫بالرضب املربح طوال الليل بخرطوم أخرض غليظ‪.‬‬ ‫وقد ذكرت يف مقابلة معها‪”:‬كانوا يصفعوين عىل‬

‫وجهي ويجروين من شعري ويرضبونني عىل‬ ‫قدمي وعىل ظهري ويف كل مكان”‪.‬‬ ‫مثال آخر هو “رزان غزاوي” سورية فلسطينية‬ ‫ّأسست قبل الثورة السورية بقليل مدونتها‬ ‫“رزانيات” التي تنرش فيها كتاباتها وتشارك‬ ‫مقاالت لنساء أو مقاالت متعلقة بالقضايا النسوية‬ ‫باللغتني العربية واإلنكليزية‪.‬‬ ‫“سعاد نوفل” السورية التي قادت املظاهرات‬ ‫ض ّد السلطة السياسية والنظام األسدي يف ‪2011‬‬ ‫قادتها يف ‪ 2014‬ض ّد تنظيم “داعش” املتمدّد يف‬ ‫الرقة‪ ,‬سعاد عانت كالعديد من النساء السوريات‬ ‫من قمع ووحش ّية الجامعات اإلسالمية املتطرفة‬ ‫عىل مسار الثورة‪ ،‬التي فرضت يف مناطق سيطرتها‬ ‫رشيعتها الخاصة بها‪ ،‬والتي طالت الحريات‬ ‫بالدرجة األوىل كالحرية الشخصية وحرية التعبري‬ ‫واستهدفت يف الوقت ذاته املرأة بشكل أسايس‪،‬‬ ‫بدءاً من لباسها وحركتها وعالقتها مبحيطها‪ ،‬وصوال‬ ‫إىل حقها يف التعبري عن مواقفها أو مشاركتها يف‬ ‫العمل الثوري‪.‬‬ ‫تسبب يف تراجع دور املرأة عموماً‬ ‫كل هذا‬ ‫ّ‬ ‫واإلعالميات عىل وجه الخصوص نتيجة لذلك‪ ،‬وإن‬ ‫كان ّمثة من آثر من النساء االستمرار يف النضال‬ ‫رغم صعوبة هذا القرار‪ ،‬فقد استهدف بإرصار ال‬ ‫يقل عن إرصار النظام وهمجيته‪ ،‬بالخطف والقتل‪،‬‬ ‫ومن أبرز ضحاياهم الناشطة الحقوقية‪ ,‬واإلعالمية‪,‬‬ ‫املحامية “رزان زيتونة”‪ ،‬التي اختطفت من مقر‬ ‫عملها يف الغوطة الرشقية بتاريخ ‪ ،2013 /9/12‬مع‬ ‫زوجها وائل حامدة وصديقتها الناشطة السياسية‬ ‫“سمرية الخليل” واملحامي والشاعر ناظم حامدي‪،‬‬ ‫العاملني معها يف “مركز توثيق االنتهاكات”‪ ,‬دون‬ ‫أن ُيعرف مصريهم منذ ذلك الوقت‪ .‬كام استهدفت‬ ‫املراكز اإلعالمية بالتدمري واإلغالق‪،‬‬ ‫بالرغم من هذه الرسائل التي وج ّهنا إىل حملة‬ ‫السالح وح ّمى الحرب ّ‬ ‫فإن نساء كثريات ال يزلن‬ ‫يتحدينّ القمع والرببرية‪ ،‬وما من شك أنهنّ يقمنّ‬ ‫بأعامل عىل درجة من األهمية والخطورة مهام‬ ‫تكن بسيطة‪ .‬وهذا ما أكدته الطبيبة الناشطة‬ ‫دمية العطار (‪ 30‬سنة) يف مقابلة معها لـ ‪DW‬‬ ‫عربية بتاريخ ‪ ،2/11/2012‬بقولها‪( :‬كثرياً ما تقود‬ ‫الفتيات الفرق الصحفية وترافقها إىل أماكن النزوح‬

‫واملواقع املهمة إعالميا)‪ .‬كام أنهن يساهمن بدور‬ ‫توثيقي‪ ،‬عن طريق مدوناتهن وملفات املعتقلني‬ ‫واملنتهكات‪ ،‬إضافة إىل تصويرهن العديد من‬ ‫املظاهرات وتحميلها عىل صفحات اإلنرتنت‪.‬‬ ‫ونذكر يف هذا السياق‪ ،‬قيام “زينة أرحيم” (‪30‬‬ ‫عا ًما) من مدينة إدلب‪ ،‬بتدريب قرابة ‪100‬‬ ‫صحفي‪ ،‬يف مناطق خارج سيطرة النظام‪ ،‬ثلثهم من‬ ‫النساء‪ ،‬عىل أساسيات الصحافة املكتوبة واملرئية‪،‬‬ ‫كام ساعدت يف تأسيس صحف ومجالت مستقلة‬ ‫يف الشامل السوري‪ ،‬وهي مستشارة ومدربة يف‬ ‫معهد “صحافة السلم والحرب”‪ ،‬لتطوير مهارات‬ ‫الناشطني اإلعالميني يف البلدان التي تعاين من‬ ‫النزاعات واألزمات أو تعيش مراحل انتقالية‪.‬‬ ‫مام ال شك فيه‪ ،‬أن عطاءات املرأة السورية‬ ‫وشجاعتها باتت مثار إعجاب املهتمني يف العامل‪ ،‬فها‬ ‫هي الباحثة وأستاذة سياسات الرشق األوسط يف‬ ‫جامعة “باث”‪ ،‬الربيطانية بييل جني براونيل تقول‬ ‫يف حديث لها مع “املدن” تاريخ ‪،24/1/2016‬‬ ‫“أود الرتكيز هنا عىل دور املرأة يف اإلعالم‪ ،‬فالنساء‬ ‫السوريات أثبنت وجودهن عىل جميع املستويات‪،‬‬ ‫إن كان لناحية تقديم التقارير من مناطق النزاع‪،‬‬ ‫(يف بعض األحيان أكرث من نظرائهن من الرجال)‬ ‫أو لناحية كتابة املقاالت وإنتاج أرشطة الفيديو‬ ‫الوثائقية واستخدام وسائل اإلعالم االجتامعية‬ ‫كأداة إلعالم ومتكني املرأة السورية وحثها عىل‬ ‫االضطالع بدور أفضل‪ ،‬سواء يف املناطق التي‬ ‫يسيطر عليها النظام أو تلك الخاضعة لسيطرة‬ ‫املعارضة‪ .‬إضافة إىل مخيامت الالجئني واألقاليم‬ ‫التي تقع تحت سيطرة ما ُيعرف ب”الدولة‬ ‫اإلسالمية”‪ .‬وعىل سبيل املثال‪ ،‬فقد لعبت مجموعة‬ ‫من الناشطات السوريات‪ ،‬مثل رزان زيتونة ورزان‬ ‫غزاوي أدواراً الفتة كان لها تأثريها يف الكشف عن‬ ‫انتهاكات النظام ويف الدفاع عن حقوق اإلنسان”‪.‬‬ ‫وأخريا ال بد من القول ّأن تضحيات اإلعالميات‬ ‫واإلعالميني سواء داخل أو خارج سورية‪ ،‬لن تكون‬ ‫نهاية املطاف‪ ،‬فحسب رأي الباحثة الربيطانية‬ ‫براونيل “عليهم االستعداد ملهمة مداواة وخياطة‬ ‫الجراح التي سببها العنف واالنقسامات السياسية‬ ‫والدينية والطائفية خالل سنوات الحرب الوحشية‪،‬‬ ‫وهي مهمة غاية يف الصعوبة”‬

‫‪15‬‬


‫السوريات‬ ‫المقاتالت ّ‬ ‫‪14‬‬

‫لؤي ياسين‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫فرضت الحرب إيقاعاتها القاتلة عىل مشهد‬ ‫الحياة السورية‪ ،‬وذلك منذ اندالع الثورة يف سوريا‬ ‫منتصف آذار‪ ،2011‬وخاصة عىل النساء السوريات‬ ‫وهنّ الضح ّية األكرب للنزاعات بالرغم من أنهنّ‬ ‫األكرث فاعل ّية يف مل شمل (العائلة‪ /‬الوطن)؛ فالحرب‬ ‫أفرزت أجساماً عسكرية مقاتلة قوامها متطوعات‬ ‫لحمل السالح وإثبات دورهن يف امليدان العسكري‬ ‫كرسن الصورة النمط ّية‬ ‫إىل جانب الرجال‪ ،‬نساء ّ‬ ‫لدور املرأة يف الحرب والذي كان سابقاً يقترص عىل‬ ‫املرأة الطبيبة واملمرضة والط ّباخة واألم الثكىل‬ ‫وهي صور تفرضها كل حرب‪.‬‬ ‫ املقاتالت تحت مظلة النظام السوري‪:‬‬‫إذ وبالرغم من ّأن الكل ّية العسكر ّية للبنات يف‬ ‫سوريا تأسست منذ العام ‪ ،1982‬فإ ّنه وبعد اندالع‬ ‫الثورة السورية حصل يشء مختلف‪ ،‬كانت بوادره‬ ‫عرب فيديو عىل موقع يوتيوب بتاريخ ‪7/1/2013‬‬ ‫يحتوي عىل عرض عسكريّ نسايئ تحت مس ّمى‬ ‫(لبؤات سوريا األسد‪ -‬الدفاع الوطني)‪ .‬تاله بتاريخ‬ ‫‪ 23/1/2013‬تقرير عىل إحدى القنوات الفضائية‬ ‫العربية يع ِر ُض مقاتالت يتدّربن عىل السالح يف‬ ‫تم توزيعهنّ‬ ‫أحد املراكز مبدينة حمص‪ ،‬واللوايت ّ‬ ‫الحقاً للوقوف عىل الحواجز وتفتيش املارة من‬ ‫نساء أو وسائل نقل‪.‬‬ ‫خارج التشكيل الرسمي الحكومي‪ ،‬وجدت نساء‬ ‫مقاتالت يف تشكيالت مختلفة منها كتبية تحت‬ ‫اسم “بنات الحرس الجمهوري”‪ ،‬والتي قالت‬ ‫إحدى مقاتالتها يف لقاء تلفزيوين من خط النار إنها‬ ‫قتلت ‪ 11‬مس ّلحاً من قوات املعارضة قنصاً‪ ،‬خالل‬ ‫يوم واحد عىل أطراف مدينة داريا يف دمشق‪،‬‬ ‫وق ّد نالت وساماً من قائد وحدتها العسكر ّية‬ ‫عىل ذلك‪ .‬كام وجدت مقاتالت يف تشكيل يس ّمى‬ ‫(الجبهة الشعبية لتحرير لواء اسكندرون‪ -‬املقاومة‬ ‫السور ّية) بقيادة “معراج أورال املعروف بـ “عيل‬ ‫ّ‬ ‫ولعل أشهرهن املقاتلة (سيفان) املل ّقبة‬ ‫كيايل”‪،‬‬ ‫“أبو عيل” التي تنحدر من مدينة كسب‪ .‬عدا عن‬ ‫تشكيل رسية “القنّاصات” وكذلك كتيبة “املغاوير‬ ‫النسائية” التي التحقت فيها النساء بعقود تط ّوع‬ ‫ملدة عرش سنوات غري قابلة لإلنفكاك‪ ،‬وقد وصفنّ‬ ‫انتسابهنّ “انتقاماً ملقتل إخوة وأهل وأقارب لهنّ‬ ‫يف الجيش النظامي السوريّ ”‪ ،‬غري أنهنّ مل يأت َ‬ ‫ني‬ ‫عىل ِذكر األجر الشهري لهنّ ‪.‬‬

‫الالفت بهذه الفصائل أنها تستخدم سالح “اآلر‬ ‫يب جي”‪ ،‬والقناصات‪ ،‬وكذلك استخدام سالح‬ ‫الدبابات‪ ،‬خالفاً لبقية التشكيالت النسائية‬ ‫مثل “الجبهة الشعبية لتحرير لواء اسكندرون”‬ ‫و”لبؤات الدفاع املدين” والتي متتلك فقط البندقية‬ ‫اآللية “كالشينكوف”‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ يف الضفة الثورية املسلحة‪:‬‬‫تقول دعاء (أم سعيد) يف ريف دمشق يف لقائها مع‬ ‫محطة فضائية عربية إنها تع ّلم النساء استخدام‬ ‫السالح والقتال للدفاع عن أنفسهن‪ ،‬ويك ال يكنّ‬ ‫عالة عىل الرجال يف املعارك أو خالل االقتحامات‬ ‫التي يقوم بها النظام‪.‬‬ ‫تأسيس أ ّول كتيبة نسائية لدى فصائل‬ ‫أ ّما تاريخ‬ ‫ّ‬ ‫املعارضة السور ّية املس ّلحة فيعود إىل ‪25/4/2012‬‬ ‫يف العاصمة دمشق باسم “أم املؤمنني عائشة”‬ ‫وذلك انتصاراً ألعراضهن‪ ،‬كام ذكرت املقاتلة التي‬ ‫تلت بيان تشكيل الكتيبة بفيديو عىل اليوتيوب‪،‬‬ ‫ُن َ‬ ‫رش بتاريخ ‪ .26/4/2012‬بالرغم من انتشار أخبار‬ ‫تفيد بوجود مشاركة نسائية قتالية يف درعا بتاريخ‬ ‫سابق‪.‬‬ ‫تم‬ ‫‪18/6/2012‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫اليوتيوب‬ ‫آخرعىل‬ ‫بفيديو‬ ‫ّ‬ ‫اإلعالن عن كتيبة “بنات الوليد”‪ ،‬والتي حدّدت‬ ‫مهامها بتدريب “الحرائر”عىل حمل واستخدام‬ ‫السالح‪ ،‬ومعالجة الجرحى‪ ،‬ومتابعة جرائم النظام‬ ‫ونرشها لفضحه‪ ،‬وحامية أنفسهن‪ .‬وأشارت‬ ‫املتحدثة إىل أنهنّ ال يتبعن إىل أيّ جهة‪.‬‬ ‫إضاف َة لذلك تش ّكلت كتيبة منضوية يف “املجلس‬ ‫الثوري ملدينة النبك” بتاريخ ‪ 2/1/2013‬مطلق َة‬

‫عىل نفسها “كتيبة سم ّية بنت خياط” رغبة منهن‬ ‫حي‬ ‫للجهاد يف سبيل الله حسب تعبريهن‪ .‬ويف ّ‬ ‫“صالح الدين” مبدينة حلب‪ُ ،‬أعلن يف فيديو ُن َ‬ ‫رش‬ ‫عىل اليوتيوب انضامم رس ّية “أمنا عائشة” إىل‬ ‫كتيبة “الصادق األمني”‪ّ ،‬إل أنها تح ّولت الحقاً من‬ ‫رس ّية إىل كتيبة ال تنتمي ألي فصيل آخر بتاريخ‬ ‫‪ .23/6/2013‬تتك ّون الكتيبة ممن يستخدمن‬ ‫القنّاصات‪ ،‬ومدافع الهاون محلية الصنع‪ ،‬للوقوف‬ ‫إىل جانب الرجال والدفاع عن الحر ّية وإسقاط‬ ‫نظام األسد‪ ،‬كام ذكرت قائدة الكتيبة “أم عمر”‬ ‫والتي تحمل شهادة املاجستري يف األدب االنكليزي‪،‬‬ ‫حيث كانت تن ّوه يف أغلب التقارير التلفزيونية‬ ‫التي أجريت معها إىل ّأن مقاتالت الكتيبة هنّ‬ ‫من املثقفات وحملة الشهادات الجامعية‪.‬‬ ‫وتبدو الكتيبة األكرث تدريباً بني الكتائب النسائية‬ ‫املعارضة ُ‬ ‫ات‬ ‫األخرى‪ ،‬وكذلك فقد شاركن بدور ٍ‬ ‫طبية عىل اإلسعاف حسب قولهنّ ‪.‬‬ ‫املعارضة مثل النظام استفادت من املشاركة‬ ‫النسوية يف توظيفهنّ عىل الحواجز؛ ففي حلب‬ ‫ّ‬ ‫فإن كتيبة “اإلخالص” النسائ ّية قوامها العديد من‬ ‫النسوة اللوايت يقفن عىل حواجز لتوقيف السيارات‬ ‫واملا ّرة‪ ،‬وتوقيف شبيحة النظام‪ ،‬وأيضاً املطلوبات‬ ‫يف قوائم ميلكنها بحسب ما ذكرت “أمرية الكتيبة”‬ ‫يف تقرير تلفزيوين إلحدى املحطات الفضائية‪.‬‬ ‫عل ًام ّأن هناك الكثري من الحاالت الفردية من‬ ‫اللوايت قاتلن بشكل منفرد ضمن كتائب الرجال‬ ‫مثل “القنّاصة أم جعفر يف كتيبة صوت الحق”‬ ‫يف حلب‪.‬‬


‫أكرث من أي فصيل آخر‪.‬‬

‫محمد هشام ‪ -‬التل‬ ‫تدخل مدينة التل عامها الثاين تحت وطأة الحصار الخانق الذي تحكمه قوات النظام عليها من شتى‬ ‫الجهات‪ ،‬بغرض الضغط عىل األهايل إلرغام الفصائل املس ّلحة عىل الخروج منها ودخول قوات النظام‬ ‫إليها‪ ،‬والخضوع لحكمهم‪.‬‬ ‫تنشط يف املدينة مؤسسات املجلس املحيل التي تأسست يف منتصف ‪ 2013‬بعد توقيع وجهاء املدينة‬ ‫معاهدة صلح مع النظام‪ ،‬تقيض بإدارة املدينة التي باتت حضناً للمهجرين محلياً‪ ،‬مقابل عدم تعرض‬ ‫الفصائل املسلحة لطريق تل منني الذي تستخدمه قوات النظام‪.‬‬ ‫إثر توتر الحالة بني الفصائل املسلحة وقوات النظام‪ ،‬وتعرضها لبعض قواته عىل طريق تل منني‪،‬‬ ‫تم حرمان قوات النظام من استخدام طريق تل منني‪ ،‬لرتد حواجز النظام‪ ،‬وفرع األمن السيايس‬ ‫الذي يدير تلك الناحية بإحكام الحصار عىل املدينة‪ ،‬والتضييق عىل املدنيني‪ ،‬وعدم إدخال املواد‬ ‫ضاعف األسعار داخل املدينة قياساً‬ ‫َ‬ ‫الغذائية والدوائية إال بعد دفع رضائب باهظة عليها‪ ،‬األمر الذي‬ ‫بالعاصمة‪ ،‬وغريها من البلدات والنواحي‪.‬‬ ‫كثرياً ما حاولت لجنة التواصل التي يرتأسها السيد “غازي جاموس” أحد وجهاء املدينة‪ ،‬التنسيق لفكّ‬ ‫يضم مندوبني عن جميع عوائل املدينة‪ ،‬ولجاناً محلية‬ ‫الحصار عن املدينة‪ ،‬وإنشاء مجلس عوائلٍ ُّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫لألحياء‪ ،‬واجتامعات دورية مع خطباء املساجد لحث الناس عىل الوقوف جنبا إىل جنب مع جهود‬ ‫لجنة التواصل ّ‬ ‫لفك الحصار عن املدينة‪ ،‬إضافة إىل اجتامعات دورية مع األهايل يف مسجد التل‬ ‫ّ‬ ‫الكبري‪ ،‬وح ّثهم وحث الفصائل املسلحة االلتزام بالعهود بني قوات النظام والفصائل‪ ،‬إثر خرق األخرية‬ ‫للعهود‪ ..‬إال أن محاوالت االلتزام تلك كانت ُتنى بالفشل املنظم‪.‬‬ ‫األهايل يقولون ّإن الفصائل املس ّلحة تتعمد خرق العهود لتتمكنَ من احتكا ِر إدخال املواد الغذائية‬ ‫يحارصها النظام‪ ،‬ويتهمونها بالتنسيق معه بهذه‬ ‫والدوائية والغاز واملحروقات إىل املدينة عندما‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫الخروقات‪ .‬كام يقول أحمد الساهر أحد سكان التل‪“ :‬حواجز النظام سعيدة جدا بخرق الفصائل‬ ‫املسلحة املتكرر للعهود‪ ،‬ألن ذلك مي ّكنها من عقد صفقات مالية معهم إلدخال املواد الغذائية إىل‬ ‫املدينة‪ ،‬واملترضر الوحيد هم املدنيون الفقراء”‪.‬‬ ‫خالد خوالين أحد سكانها أيضاً‪ ،‬يشارك أحمد وكثريين من أهايل التل رأيهم‪“ :‬الحياة فيها ال ُتحتمل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وسكنت يف العاصمة منذ مثانية شهور”‪.‬‬ ‫الجميع يتاج ُر بأرزاقنا‪ ،‬ولذلك غادرتها‬ ‫ُيذكر أن األهايل قد استجابوا لندا ٍء دعا إليه ناشطون عىل االنرتنت‪ ،‬للخروج مبظاهرة جابت شوارع‬ ‫املدينة‪ ،‬ونددت باألحوال الصعبة التي تعيشها‪ .‬وطالبت الفصائل العاملة بعدم املتاجرة بدمائهم‬ ‫وأرزاقهم‪ .‬يف الوقت الذي انترشت فيه كث ٌري من الحسابات والصفحات عىل وسائل التواصل لكشف‬ ‫الصفقات التي يجريها املسلحون مع قوات النظام‪ ،‬منددة باستهتار الفصائل مبصري األهايل وأرزاقهم‪.‬‬ ‫مؤخراً ويف ‪ 20-7-2016‬انترشت ترسيبات بني املدنيني عن بلوغ لجنة التواصل ملرحلة متقدمة من‬ ‫املفاوضات مع النظام‪ ،‬األمر الذي مل تنفه لجنة التواصل نفسها‪ ،‬وأعلنته رسمياً عىل صفحتها الرسمية‬ ‫عىل الفيسبوك‪ .‬لوال أن اعرتضت س َري املفاوضات محاوالت عرقلة تقف وراءها “بعض األطراف التي‬ ‫ال تريد الخري للمدينة وتريدُ احتكار املواد التموينية” بحسب ترصيح اللجنة‪.‬‬ ‫بوقت الحق بحسم موضوع املواد الغذائية‪ ،‬وباعَ طريق التل إىل التاجر املشهور‬ ‫فيام قام النظام ٍ‬ ‫ً‬ ‫واملدعو “أبو أمين املنفوش” مجربا األهايل عىل التّعامل معه‪ ،‬واقتناء موادهم التموينية من أسواقه‬ ‫التي تقع عىل تخوم التل‪ ،‬عىل أن يتم دفع رضيبة ‪ 100‬ل‪.‬س عىل كل ‪ 1‬كيلو غرام من الخرضاوات‬ ‫والفواكه‪ ،‬ونسبة تصل إىل ‪ 30%‬عىل مواد السوبر ماركت‪ ،‬ونسب قريبة بالنسبة للمنظفات‪.‬‬ ‫“منى الخالدي” مد ّرسة يف املرحلة االبتدائية يف التل‪ ،‬وأم ألربعة أبناء‪ ،‬عربت عن حريتها ومعاناتها‬ ‫إزاء ارتفاع األسعار بهذا الشكل املريع‪“ :‬هاملرة يف وفرة بالخضار والفواكه‪ ،‬بس مصاري ما يف ‪ !.‬تكلفة‬ ‫الطبخة الصغرية صار ‪ 8$‬مبسوطني هيك شباب الفصائل؟!”‪.‬‬ ‫رويس‪ ،‬لرتتيب لقاء مع الفصائل‬ ‫وقت سابق عن خروجها للقاء وفد‬ ‫وقد كانت اللجنة أعلنت يف ٍ‬ ‫ّ‬ ‫املسلحة للتفاوض عىل طريق تل منني – صيدنايا‪ ،‬إال أن حاجز الحرس الجمهوري مل يسمح للوفد‬ ‫الرويس بالوصول ملكان االجتامع ألنه مل يحصل عىل موافقة من قوات النظام‪ ،‬بحسب ما أعلنته‬ ‫اللجنة ووسائل إعالم محلية‪.‬‬

‫تقارير‬

‫ املقاتالت الكورديات‪:‬‬‫تبقى التجربة األبرز واألنضج وذات النتائج‬ ‫الكبرية هي للمقاتالت الكورديات السوريات‬ ‫املنخرطات يف “وحدة حامية املرأة” ضمن‬ ‫“وحدات حامية الشعب ُ‬ ‫الكردية” الذراع‬ ‫العسكري لحزب “االتحاد الدميوقراطي‬ ‫ُ‬ ‫الكردي” التي ُأعلن عنها يف متوز ‪.2012‬‬ ‫ففي أواخر عام ‪ 2014‬خاضت املقاتالت‬ ‫الكورديات معارك طاحنة ضد تنظيم‬ ‫“داعش” انتهت بهزمية التنظيم يف‬ ‫“كوباين”‪ ،‬وقد ذاع صيت تلك املقاتالت‬ ‫يف أرجاء العامل لقوتهنّ وصالبتهن يف إدارة‬ ‫تلك املعركة وحسمها‪ ،‬وتعترب أفضل القوات‬ ‫النسائية يف سوريا بسبب خربتها القتالية‬ ‫العالية‪ ،‬ومعرفتها باستخدام مختلف صنوف‬ ‫األسلحة الخفيفة والثقيلة‪ ،‬وذلك مردّه إىل‬ ‫عوامل عدّة أبرزها قدَم التجربة القتال ّية‬ ‫للمقاتالت الكرديات‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫ داعش وأخواتها‪:‬‬‫خاض تنظيم “داعش” غامر تشكيل كتائب‬ ‫نسائية‪ ،‬فأوج ّد “كتيبة الخنساء”‪ ،‬وفتح باب‬ ‫التنسيب لها لتسيريهن كدوريات إللقاء‬ ‫القبض عىل النساء غري املنقبات يف مدينة‬ ‫الرقة‪ ،‬ومعاقبتهن وجلدهن‪ ،‬إضافة لتف ّقد‬ ‫هويات النساء‪ .‬وأفادت األنباء ّ‬ ‫بأن غالبية‬ ‫نساء الكتيبة هنّ من غري السوريات حيث‬ ‫ذاع صيت “أم ريان التونسية” أمرية الكتيبة‪،‬‬ ‫والسجانة “أم حمزة”‪ ،‬عل ًام أ ّنه وبحسب‬ ‫ّ‬ ‫تقرير تلفزيوين ّ‬ ‫فإن أجر املنتسبات ال يقل‬ ‫عن املئتي دوالر أمرييك‪.‬‬ ‫يف حني ُيلحظ غياب املقاتالت عن “جبهة‬ ‫فتح الشام‪ /‬النرصة سابقاً”‪ ،‬حيث مل يرد أي‬ ‫اسم المرأة تقاتل يف صفوف الجبهة‪ .‬حيث‬ ‫مل تتبع الجبهة اسرتاتيجية “داعش” بتشكيل‬ ‫كتائب نسائية ملعاقبة النساء‪ ،‬واكتفت‬ ‫برجال ورشعيني يقومون مبحاسبة الناس‬ ‫بشكل عام‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫باملقابل فإنه نرش فيديو عىل موقع يوتيوب‬ ‫بتاريخ ‪ 7/4/2015‬يعرض جانباً من تدريبات‬ ‫بعض النسوة يف معسكر “نساء النرص‬ ‫والتمكني” بحلب‪ ،‬وواضح من خالل حديث‬ ‫املسؤولة عن توضيح ما تقوم به النساء‬ ‫املشاركات بأنهن أقرب إىل “جبهة النرصة”‬

‫النظام يتاجر بأرزاق أهالي‬ ‫مدينة التل ويسلم طريق‬ ‫إمدادها الغذائي للمحتكرين‬


‫حقيقة التسويق الهرمي ‪..‬‬ ‫رزق الهبل عالمجانين !!‬

‫‪16‬‬ ‫يارا شامية‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫تقارير‬

‫“ستصبح ثرياً ثم تحقق أحالمك بأن تكون نجم‬ ‫النجوم‪ ،‬صاحب رشكة‪ ،‬قصور وسيارات‪ ،‬رفاهية‬ ‫وزواج سعيد‪ .‬ليس عليك سوى أن تحرض شخصني‬ ‫من دوائر تأثريك”‪ ،‬بتلك العبارات الرنانة تستدعيك‬ ‫الرشكة األكرث نصباً يف العامل (ولد كويست‪ ،‬كويست‬ ‫نت‪ ،‬كيونت) تعددت املسميات والغاية واحدة‬ ‫هي أن تكون فريسة أحد ضعاف النفوس لتخرس‬ ‫جهدك ومالك وأصدقائك يف آن معاً‪.‬‬ ‫حيث تقوم الرشكة بالنصب عليك وسلبك أموالك‬ ‫وأنت بدورك تحتال عىل اآلخرين وهكذا دواليك‪.‬‬ ‫تبيع الرشكة منتجات ال تتجاوز قيمتها الـ ‪300‬‬ ‫دوالر‪ ،‬كالساعات وحجوزات فندقية وقالدات‬ ‫طاقة وكورسات تدريبية‪ .‬يف حني ينبغي عليك أن‬ ‫تدفع ‪ 2000‬دوالر يك تصبح مندوباً لكيونت‪ ،‬لكن‬ ‫الهدف ليس رشاء املنتج إمنا التسويق له مقابل‬ ‫عموالت هرمية‪.‬‬ ‫نظرة رياضية‪:‬‬ ‫يجب أن تدفع ‪ 2000‬دوالر يك تغدو عضواً‬ ‫يف كيونت‪ ،‬ثم تدعو شخصني تتقاىض عليهم‬ ‫‪225‬دوالر كل منهم يحرض اثنني آخرين عمولتهام‬ ‫معا ‪ 70‬دوالر‪ ،‬أي أنك بحاجة لـ ‪ 18‬شخصاً يك‬ ‫تستعيد رصيدك املودع لدى الرشكة‪.‬‬ ‫هذا يف حال مل يفشل أحد العمالء يف جلب اثنني؛‬ ‫فغالباً ما تقفل الشجرة قبل أن تصل لرقم ‪،18‬‬ ‫وقلة قليلة فقط نجحوا يف كسب األرباح‪.‬‬ ‫هنا تجدر اإلشارة للهوة بني قمة الهرم وقاعدته؛‬ ‫فالذين بالقمة يحققون أرباحاً عالية خالفاً للذين‬ ‫يف أسفل الشجرة‪ ،‬السيام أن املجتمع سيصل لحالة‬ ‫تشبع؛ فكلام دعوت شخصاً وجدته إما عضواً يف‬ ‫كيونت أو رافضاً لفكرتها أساساً‪.‬‬ ‫أيضا وبحسبة رسيعة بدأت الرشكة منذ عرشات‬ ‫السنني‪ ،‬وهي تضم ماليني الشبكات التي تقوم‬ ‫عىل مضاعفات الجذر الرتبيعي الذي سيصل إىل‬ ‫ما النهاية‪ ،‬فمن غري املنطق أبداً أن تستمر الرشكة‬ ‫بدفع العموالت لكل األعضاء‪.‬‬ ‫لكن الحقيقة تكمن يف غسيل األموال وطرح‬ ‫مث ًال‪ -‬مليار أو أكرث يف بلد من البلدان وتطميع‬‫الناس ودفع نسب لألعضاء بعد كل عملية نصب‪.‬‬ ‫فإذا ما جفت األموال أو افتضح أمر تلك الرشكة‬ ‫أغلق نشاطها بال عودة بعد نصبها عىل ماليني‬

‫السذج يف العامل‪.‬‬ ‫وهي رشكة ال فروع وال مكاتب لها وأصحابها غري‬ ‫معروفني؛ فلو خدعت أنت ومن يف البالد جميعاً‬ ‫لن تغيثك أي سلطة قضائية وتنفيذية ألنها رشكة‬ ‫غري موجودة أص ًال‪.‬‬ ‫ملحة تاريخية‪:‬‬ ‫تأسست الرشكة وفقاً ملوقع كيونت سنة ‪ 1998‬يف‬ ‫مركز بورصة الفلبني (التي كان ُيطلق عليها سابقاً‬ ‫“أبراج تكتيت”) مبدينة مانيال عىل يد فيجاي‬ ‫إسواران وجوزيف جابا بيسامرك‪ ،‬ومقرها اليوم‬ ‫هونغ كونغ‪ .‬تنترش مكاتبها بـ‪ 100‬دولة حول‬ ‫العامل مملوكة من قبل مجموعة أي كيو‪ .‬تعتمد‬ ‫عىل التسويق الهرمي املحرم دوليا‪.‬‬ ‫تنترش يف دول يتفىش فيها الفقر والبطالة‬ ‫والحروب كالهند وسريالنكا وباكستان وأفغانستان‬ ‫وإندونيسيا ومرص‪ ،‬أما الدول املتقدمة فتمنع من‬ ‫دخولها‪.‬‬ ‫دخلت سوريا باسم كويست نت عام ‪2003‬‬ ‫وأغلقت يف ‪ 2009‬لتعود باسم كيونت سنة ‪2011‬‬ ‫بعد أن القى اسمها السابق شكاوى كثرية‪ ،‬عل ًام أن‬ ‫ترخيصها الرسمي يحمل اسم رشكة الفرسان‪.‬‬ ‫وانترشت يف مقاهي دمشق القدمية لتضم ‪35‬‬ ‫ألف عميل سوري دفعوا للرشكة ‪ 70‬مليون دوالر!‬ ‫ما ساهم باستهالك الناتج املحيل للقطع األجنبي‬ ‫ووجه رضبة قاسية القتصادنا الوطني ُأثرت عىل‬ ‫القوة الرشائية للرية السورية‪.‬‬ ‫رأي الرشع‪:‬‬ ‫قال رسول اللـه صىل اللـه عليه وسلم‪“ :‬الحالل‬ ‫ّبي‪ ،‬والحرام ّبي‪ ،‬وبينهام أمور مشتبهات ال‬ ‫يعلمهن كثري من الناس‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقد‬ ‫استربأ لدينه وعرضه‪ ،‬ومن وقع يف الشبهات وقع‬ ‫يف الحرام”‬ ‫ويرى مجلس االفتاء باألزهر ومختلف علامء الفقه‬ ‫يف العامل حرمة يف أموال كيونت لعدة أسباب‪:‬‬ ‫أوالً‪ -‬أنها تضمنت الربا بنوعيه‪ ،‬ربا الفضل وربا‬ ‫النسيئة‪ ،‬فاملشرتك يدفع مبلغاً قلي ًال من املال‬ ‫ليحصل عىل مبلغ كبري منه‪ ،‬فهي نقود بنقود مع‬ ‫التفاضل والتأخري‪ ،‬وهذا هو الربا املحرم بالنص‬ ‫واإلجامع‪ ،‬واملنتج الذي تبيعه الرشكة للعميل ما‬ ‫هو إال ستار للمبادلة‪ ،‬وليس الغرض األسايس فال‬

‫تأثري له يف الحكم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانياً‪ -‬أنها من الغرر املحرم رشعا‪ ،‬ألن املشرتك ال‬ ‫يدري هل ينجح يف تحصيل العدد املطلوب من‬ ‫املشرتكني أم ال؟ والتسويق الشبيك أو الهرمي مهام‬ ‫استمر فإنه ال بد أن يصل إىل نهاية يتوقف عندها‪،‬‬ ‫وال يدري املشرتك حني انضاممه إىل الهرم هل‬ ‫سيكون يف الطبقات العليا منه فيكون رابحاً‪ ،‬أو يف‬ ‫الطبقات الدنيا فيكون خارساً؟ والواقع أن معظم‬ ‫أعضاء الهرم خارسون إال القلة القليلة يف أعاله‪،‬‬ ‫فالغالب إذاً هو الخسارة‪ ،‬وهذه هي حقيقة الغرر‬ ‫الذي نبه عنه النبي عليه السالم‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ -‬ما اشتملت عليه هذه املعاملة من أكل‬ ‫ألموال الناس بالباطل‪ ،‬حيث ال يستفيد من هذا‬ ‫العقد إال الرشكة نفسها وبضع مشرتكني تستثمرهم‬ ‫لعملياتها بالنصب‪ ،‬وهذا ما حرم يف قوله تعاىل‪( :‬يا‬ ‫أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)‬ ‫النساء‪.29/‬‬ ‫رابعاً‪ -‬هذه املعاملة تقوم عىل الغش والتدليس‬ ‫عىل الناس‪ ،‬فهي تدعي أن غايتها بيع املنتج ومن‬ ‫جانب آخر تغري بعموالت كبرية ال تتحقق غالباً‬ ‫مستخدمة لذلك شتى أساليب الكذب والخداع‪.‬‬ ‫وهذا من الغش املحرم رشعاً‪ ،‬قال عليه الصالة‬ ‫والسالم‪“ :‬من غش فليس مني” وقال أيضاً‪:‬‬ ‫“البيعان بالخيار ما مل يتفرقا‪ ،‬فإن صدقا وبينا‬ ‫بورك لهام يف بيعهام‪ ،‬وإن كذبا وكتام محقت بركة‬ ‫بيعهام”‪.‬‬ ‫أخرياً البد من تفعيل قوانني متنع عمل تلك‬ ‫الرشكات املثرية للجدل التي تستنزف الطاقات‬ ‫الشابة وتبعدها عن عجلة اإلنتاج يف وقت نحن‬ ‫بأمس الحاجة لتلك الطاقات واألموال املهدورة‬ ‫لكن ذلك يتطلب حكومات غيورة عىل مصالح‬ ‫رعاياها وعىل اقتصادها الوطني‪.‬‬


‫نشرة اقتصادية‬ ‫وائل موسى‬

‫استقالة وزير مالية‬ ‫الحكومة السورية‬ ‫المؤقتة‪ ،‬وموقعهم‬ ‫على االنترنت في‬ ‫مرحلة سبات عميق‬

‫‪17‬‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫بعد رئيس الحكومة السورية املؤقتة السابق‬ ‫“أحمد طعمة” الذي اشتهرت حكومته بالفساد‪،‬‬ ‫ومن خالل اجتامع لالئتالف‪ ،‬تم تعيني الدكتور‬ ‫جواد أبو حطب عىل أن تكون حكومته داخل‬ ‫األرايض السورية‪ ،‬ومنذ تشكيل الحكومة الجديدة‬ ‫حتى يومنا هذا مل ينرش موقع الحكومة املؤقتة‬ ‫الرسمي عىل االنرتنت سوى خرباً حول تعيني‬ ‫الدكتور جواد أبو حطب رئيساً جديداً‪ ،‬ليغط‬ ‫بعدها يف سبات عميق دون أي جديد حول‬ ‫أعامل الحكومة وقراراتها ومشاريعها يف الداخل‪.‬‬ ‫أما وسائل التواصل االجتامعي‪ ،‬فاليوتيوب‬ ‫حافل بفيديوهات الرئيس السابق أحمد طعمة‪،‬‬ ‫وفيسبوك وتويرت فيهام بضع منشورات حديثة ال‬

‫تحتوي عىل أي إنجاز يتعدى كلمة وزيارة ولقاء‪،‬‬ ‫فام هي إنجازات الحكومة الجديدة؟!‬ ‫إال أن منشورات الناشطني عىل فيسبوك كانت‬ ‫كفيلة بنقل بعض املستجدات الطارئة عىل‬ ‫الحكومة‪ ،‬وكان آخرها استقالة وزير املالية عبد‬ ‫املنعم الحلبي‪.‬‬ ‫ومن خالل البحث عىل صفحات فيسبوك حول‬ ‫سبب استقالة عبد املنعم الحلبي‪ ،‬عرثنا عىل ترصيح‬ ‫له يقول فيه‪“ :‬حكومة الداخل هي الحكومة‬ ‫التي تسعى لتأمني مواردها باالعتامد عىل الوطن‬ ‫وإمكانياته وأبنائه‪ ،‬وانطالقاً من توافقات متكاملة‬ ‫مع القوى عىل اﻷرض‪ ..‬وليست تلك التي تنرش‬ ‫الوزراء فيه هنا وهناك وتستجدي التمويل املغفل‬

‫من املشايخ والدوائر ذات اﻷجندات املشبوهة‪..‬‬ ‫حكومة الداخل يجب أن تبني املمثليات الفعالة‬ ‫الداعمة للداخل‪ ،‬والقادرة عىل مدّه مبا يحتاجه يف‬ ‫طريق مأسسته‪ ..‬ال أن تستبقي املجسم الطفييل‬ ‫الفوضوي يف عينتاب ليستمر بطفيليته وفوضويته‬ ‫متنفذاً تتعيش منه ثلة من جامعات املصالح‬ ‫املفروضة عىل القوى املقاتلة يف الداخل‪ ،‬وعىل‬ ‫حساب وزراء الداخل وحسابات الواقع الذي‬ ‫يعيشه الوطن بانتظار أول وزير شهيد أو مشول”!‬ ‫ويف رد لعبد املنعم الحلبي عىل تعليق متسائل‬ ‫حول كذبة االستقاللية وعدم الحصول عىل عمل‬ ‫أو وظيفة من دون تزكية فكيف مبنصب وزير؟!‬ ‫قال عبد املنعم‪“ :‬عميل مستقل وخربيت ومؤهاليت‬ ‫معروفة‪ ..‬ﻷجلها تم اختياري كوزير‪ ،‬وعندما شعرت‬ ‫بأنني لن أكون مستق ًال ومؤدياً لعميل كام يجب‪..‬‬ ‫استقلت”‪.‬‬ ‫بعض الناشطني قالوا إن الحلبي استقال لعدم قبوله‬ ‫دخول األرايض السورية‪ ،‬يف الوقت الذي مل يرغب‬ ‫فيه الحلبي بكشف التفاصيل التي أوصلته لقرار‬ ‫االستقالة مكتفياً مبنشوره السابق عىل فيسبوك‪،‬‬ ‫فام يزال عمل الحكومة السورية الجديدة منذ‬ ‫استالمها حتى اآلن مجهوالً دون أي نتائج ملموسة‬ ‫حتى اآلن‪.‬‬

‫تسريبات وثائق محاسبة من االئتالف والمجلس الوطني السوري‬

‫مصدر الصورة فيس بوك‬

‫حيال الرسقات الكبرية التي تتم يف اإلئتالف‪ ،‬والذي‬ ‫يتقصد التعتيم عليها دون ذكر األسباب” كام أشارت‬ ‫بعض األوراق إىل أوامر رصف من رئيس االئتالف‬ ‫السابق “أحمد الجربا” كمكافآت لرضوان زيادة‬ ‫باإلضافة ملبلغ مخصص ملحارضات توعية يلقيها‬ ‫رضوان زيادة عن السلم األهيل‪ ،‬ومبلغ مئتي ألف‬

‫اقتصاد‬

‫انترش يف األسبوع األول من شهر آب‪ /‬أغسطس الحايل‬ ‫بضع أوراق مرسبة من وثائق محاسبة قدمية لالئتالف‬ ‫الوطني لقوى الثورة واملعارضة واملجلس الوطني‬ ‫السوري‪ ،‬وتوضح األوراق أسلوب رصف األموال من‬ ‫خالل أمر من رئيس االئتالف بشكل مبارش وبأرقام‬ ‫كبرية‪ ،‬وتوضح إحدى األوراق كام نقتبس منها‪“ :‬ملخص‬ ‫الرأي القانوين واملايل املهني عن الوثائق املرسلة من‬ ‫السيد “وسام ط” (يف إشارة واضحة إىل وسام طريف‬ ‫املعروف كمدير لحمالت منظمة آفاز يف لبنان) بناء‬ ‫عىل تقارير السادة املقررين يف اللجنة”‪.‬‬ ‫وتظهر الورقة بالنتيجة عدم إرسال أي مستندات حول‬ ‫أغلب املبالغ املخصصة للرصف‪ ،‬كام يوجد استهتار‬ ‫يف التأكيد عىل استالم املبلغ من الجهات املستلمة‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل مبالغ تم رصفها كعقود إيجار وتم إرسال‬ ‫نسخ مختلفة للواقعة‪ ،‬ويبلغ إجاميل املستحق املدقق‬ ‫يف هذه الورقة وحدها ‪ 306‬ألف دوالر أمرييك تقريباً‪.‬‬ ‫يعقب املحامي هيثم املالح عىل الورقة‪“ :‬املبلغ الضائع‬ ‫مع “وسام ط” والبالغ ‪ 300‬ألف دوالر‪ ،‬يعترب ضئي ًال‬

‫دوالر للسيد رفاعة عكرمة املمثل عن مكتب السلم‬ ‫األهيل يف االئتالف الوطني لقوى الثورة واملعارضة‪.‬‬ ‫ومن خالل سؤالنا لبعض الناشطني عن رأيهم حول هذه‬ ‫الترسيبات األخرية‪ ،‬ترى الغالبية منهم أن هذا الترسيب‬ ‫األخري ليس بهدف كشف خفايا الفساد الحقيقي‬ ‫املوجود‪ ،‬إمنا مجرد محاولة لتصفية حسابات سياسية‪.‬‬ ‫وسبق أن تم ترسيب العديد من الوثائق التي تدل‬ ‫عىل وجود فساد يف مؤسسات املعارضة‪ ،‬إال أن جميع‬ ‫الترسيبات مل تلق أي نوع من املسائلة أو املحاسبة‪،‬‬ ‫وتبدو أنها مجرد معارك داخلية فقط ال طائل منها‬ ‫لصالح الشعب السوري‪.‬‬ ‫جدير بالذكر أن الوثائق املرسبة األخرية وبحسب‬ ‫ناشطني‪ ،‬تم إضافة بعض الوثائق املزورة إليها إلفقادها‬ ‫املصداقية‪ ،‬وبذلك أصبحت الوثائق ذات قسمني؛ قسم‬ ‫مزور وآخر حقيقي‪ ،‬وذلك بهدف التعمية عن الحقيقة‪.‬‬ ‫وتبقى مؤسسات املعارضة ومنظامتها حتى يومنا هذا‬ ‫بعيدة عن الشفافية‪ ،‬وال يعلم أحد ما يدور يف خفاياها‬ ‫من فساد ورسقات باسم الشعب السوري املنكوب‪.‬‬


‫“لمن العالم اليوم؟”‪..‬‬ ‫‪18‬‬

‫سؤال اإلبن الذي صار عنوانا لجديد الشاعر منذر المصري‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫ثقافة‬

‫إضافة جديدة للمشهد الشعري واألديب السوري يف سنوات‬ ‫الجمر‪ ،‬يحققها الشاعر منذر املرصي‪ ،‬بصدور مجموعته‬ ‫الشعرية الجديدة “ملن العامل اليوم؟ وسري مشبوهة‬ ‫أخرى”‪ ،‬عن دار “نينوى للدراسات والنرش” بدمشق‪.‬‬ ‫تضم املجموعة الشعرية‪ ،‬عدداً من القصائد الطويلة‬ ‫جداً‪ ،‬ترجع إىل تواريخ مختلفة‪ ،‬كتبها املرصي يف أواخر‬ ‫الثامنينات والتسعينات من القرن املايض‪ ،‬ومل ترد يف أي‬ ‫عمل شعري سابق‪.‬‬ ‫ويشعر قارئ قصائد هذه املجموعة التي جاءت يف (‪255‬‬ ‫صفحة من القطع الوسط)‪ ،‬كام لو أن الشاعر أراد سداد‬ ‫دين له مع الحياة ومع الشعر تحديداً‪ ،‬فأصدر كتابه‬ ‫الشعري‪ ،‬مردداً يف العنوان السؤال ذاته الذي طرحه عليه‬ ‫ابنه حني كان يف السادسة من عمره وهو ينظر إىل السامء‬ ‫من نافذة القطار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نقرأ يف مقدمة املجموعة‪“ :‬تحت اسم القصيدة التي‬ ‫أعطت كتايب هذا عنوانه‪( :‬ملَن العامل؟) ‪ -‬وهو يف األصل‬ ‫سؤال‪ ،‬فاجأين به ابني‪ ،‬بينام كان ينظر متأم ًال من نافذة‬ ‫القطار‪ ،‬ومل يكن قد بلغ السادسة من عمره بعد‪ ،‬حرت‬ ‫وقتها معه جواباً ومازلت لليوم‪ -‬هناك جملة تقول‪ :‬أطول‬ ‫وأسوأ قصيدة يف الشعر العريب الحديث”‪ ،‬فإذا كان هذا‬ ‫صحيحاً‪ ،‬كام أ ّكد يل الكثريون من أصدقايئ‪ ،‬ا ّلذين عادة ال‬ ‫يو ّفرون أيّ فرصة ليعارضوين يف ّ‬ ‫كل يشء‪ ،‬فإ ّنه ً‬ ‫أيضا صحيح‪،‬‬ ‫ذلك القول‪ ،‬ا ّلذي قرأته م ّرة‪ ،‬ال أذكر أين‪ ،‬وال أذكر متى‪ ،‬وال‬ ‫أذكر أيضاً من صاحبه‪ ،‬كام ّأن‪ ،‬لجوره ولسهولة دحضه‪ ،‬ال‬ ‫أستبعد كثرياً أن يكون أنا‪ ،‬وال أحد سواي‪ ،‬من قاله‪“ :‬غالباً‬ ‫ما يدين الشعراء بشهرتهم ألسوأ قصائدهم”‪.‬‬ ‫قصيدة واحدة جديدة يف هذه املجموعة‪ ،‬يعتربها املرصي‬ ‫من أجمل قصائده‪ ،‬وعنوانها “سمها خرمشات قط”‪ ،‬يقول‬ ‫فيها‪“ :‬ولو بعد غياب طال ثالثني سنة‪ /‬من حياة مل تجد لها‬ ‫هدفاً‪ /‬سوى البحث عن هدف‪ /‬ومل تجد لها معنى‪ /‬سوى‬ ‫هذا الذي ليس له معنى‪ /‬إىل املدينة التي بحكم ا ُملصادفة‬ ‫ُولدت‪ /‬ثم بحكم الرضورة عشت”‪.‬‬ ‫“أحبك وأنا تراب” ‪..‬‬ ‫يرى النقاد أن أغلب قصائد املجموعة تتم ّيز‪ ،‬بالعفوية‬ ‫املتقنة التي يتصف بها شعر صاحب “داكن”‪ ،‬وهو الذي‬ ‫يقول يف املقدمة‪“ :‬يستغرب كثريون تصالحي الشديد مع‬ ‫شعري‪ ،‬وخاصة القديم منه الذي يتبدى بحريص عىل‬

‫ذكر تاريخ كل قصيدة‪ ،‬بالسنة والشهر واليوم وأحياناً‬ ‫بالساعة إذا تطلب األمر”‪.‬‬ ‫وتأيت عناوين قصائده املمهورة بحرفية شعرية عالية‪،‬‬ ‫أشبه بلوحات تأملية مثل ُ‬ ‫“خلقت ألكون خاطئاً”‪،‬‬ ‫و”ال أريد أن أكون أفضل من أحد”‪ ،‬و”مات يف وسط‬ ‫القصيدة”‪.‬‬ ‫ويصف صاحب “آمال شاقة” عالقته مع الشعر يف‬ ‫قصيدة عنوانها “هي كطفل وأنا كأم” حيث يقول‪:‬‬ ‫“أقبل هذه القصيدة‪ /‬كيفام ُوهبت يل‪ /‬هي كطفل‪/‬‬

‫وأنا كأم‪ /‬كيفام انبثقت من بني‪ /‬فخذي روحي”‪.‬‬ ‫وعن منذر املرصي الشاعر واإلنسان‪ ،‬تقول الكاتبة‬ ‫والروائية هيفاء بيطار‪“ :‬من يقرأ شعره تذهله تلك‬ ‫العفوية البسيطة وتحس أنه يتنفس شعراً‪ ،‬وكل عبارة‬ ‫يكتبها تفتح أمامنا نفقاً للتأمل‪ ،‬وكل عنوان من عناوين‬ ‫قصائده يصلح أن يكون مادة للتحليل والدراسة‪ ،‬مثل‬ ‫“أحبك وأنا تراب”‪ ،‬عبارة مذهلة قالها منذر البنه‪ ،‬تولد‬ ‫ينبوعاً من الحب األبوي لدى األبناء‪ ،‬من يقدر أن ُيبدع‬ ‫عبارة بتلك الفرادة وقوة التأثري‪ ،‬إىل درجة تشعر أن‬ ‫تلك العبارة تحولت إىل وشم يف الذاكرة‪ ،‬وصار كل أب‬ ‫أو أم يتبناها ويشعر أنها تعرب عن قمة الحب لألبناء؟”‪.‬‬ ‫أما صاحب “برش وتواريخ وأمكنة”‪ ،‬فيقول‪“ :‬يا يل من‬ ‫شاعر كئيب‪ /‬أبعث عىل الضجر‪ /‬أهذر عن أي يشء‪/‬‬

‫وال أبايل ما هو‪ /‬وملجرد تلطيخي وجهه‪ /‬بالسخام‪ /‬أحسب‬ ‫أنه سيصري‪ /‬يف أعني اآلخرين شعراً”‪ ،‬متابعاً‪“ :‬من يقل كل‬ ‫يشء‪ /‬ال يقول شيئاً‪ /‬ثم تخلط كل يشء بكل يشء”‪.‬‬ ‫الشاعر يف سطور ‪..‬‬ ‫ولد الشاعر منذر املرصي يف مدينة الالذقية بالساحل‬ ‫السوري عام ‪ ،1949‬تدرج يف دراسته يف مدارس مدينته‬ ‫الثالث‪ :‬األرض املقدسة والوطنية األرثوذوكسية‪ ،‬وثانوية‬ ‫جول جامل‪ ،‬ليحصل بعدها عىل إجازة يف العلوم االقتصادية‬ ‫من جامعة حلب عام ‪ ،1971‬ودبلوم يف التخطيط اإلقليمي‬ ‫من جامعات بولونيا عام ‪.1979‬‬ ‫من مؤلفاته‪“ :‬آمال شاقة” ‪ ،1978‬و”برش وتواريخ وأمكنة”‬ ‫“أنذرتك بحاممة بيضاء” ‪ ،1984‬وهي مجموعة‬ ‫‪،1979‬‬ ‫ِ‬ ‫مشرتكة مع الشاعرة مرام املرصي والشاعر الراحل‬ ‫محمد سيدة‪ .‬ويف العام ‪ 2011‬أصدر كتاب “منذر مرصي‬ ‫ورشكاه”‪ ،‬عن دار “الغاوون” البريوتية‪ ،‬ويقوم الكتاب عىل‬ ‫فكرة الكوالج الشعري املصنوع من شذرات كان است َّلها‬ ‫الشاعر من مئات املجموعات والقصائد التي قرأها لشعراء‬ ‫سوريني وعرب ممن عاشوا زمناً طوي ًال يف سوريا‪.‬‬ ‫واملرصي أحد الشعراء السوريني األربعة (نزار قباين ‪-‬‬ ‫أدونيس ‪ -‬محمد ماغوط ‪ -‬منذر مرصي) الذين تضمنتهم‬ ‫أنطلوجيا الشعر العريب املعارص التي صدرت باللغة‬ ‫األملانية عام ‪.2000‬‬ ‫وكان أن أصدرت له وزارة الثقافة السورية ديوانه بعنوان‬ ‫“داكن” عام ‪ ،1989‬ولكن رسعان ما صادرت الرقابة األلفي‬ ‫نسخة التي كانت جاهزة للتوزيع وأتلفتها!‪ ،‬كام رفض‬ ‫اتحاد الكتاب العرب بدمشق عضويته رغم استيفائه لكل‬ ‫الرشوط‪ ،‬وقد كانت هاتان الحادثتان‪ ،‬عىل ح ّد تعبري منذر‬ ‫املرصي‪“ :‬فضيحة بجالجل‪ ،‬جالجل مل يسمع رنينها أحد”‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫حملة “المعتقلون‬ ‫أ ً‬ ‫ول” تختتم‬ ‫فعالياتها بعرض‬ ‫مسرحي وأمسية‬ ‫شعرية‬

‫بيان شعراء وأدباء العالم في‬ ‫اليونان من أجل سوريا‬

‫صدر مؤخ ًرا عن دار “كتابوك للنرش”‪،‬‬ ‫مجموعة قصصية موسومة بـ”ال تذهب‬ ‫للموت وحدك”‪ ،‬للكاتبة السورية ميسون‬ ‫شقري‪ ،‬وهي بحسب النارش‪ ،‬مجموعة‬ ‫(من ‪ 50‬صفحة)‪“ ،‬تحتال عىل القارئ‬ ‫برسدية شعرية لعوب‪ ،‬غوايتها تكمن يف‬ ‫فتنة الصورة الفنية املحتجبة خلف غاللة‬ ‫كلامت منزاحة عن معانيها املألوفة‪ ،‬كام‬ ‫ٍ‬ ‫تكمن يف رسد مته ّمل متأ ِّمل؛ ال يأبه كثريا‬ ‫باللهاث خلف الحدث بقدر ما يستقيص‬ ‫التوترات الداخلية للشخصية‪ ،‬مام يجعل‬ ‫كل شخصية عاملا وحدها‪ ”.‬و”هذه‬ ‫القصص لوحة معلقة عىل جدار األمل‬ ‫السوري‪ ،‬عىل زاويتها (رشيطة سوداء تسند‬ ‫موتها من املوت)‪ ،‬ولعلها (نافذة للريح يك‬ ‫تكمل رتق ثوب السامء املمزّق)”‪.‬‬

‫المواطن”‬ ‫“بيت‬ ‫يصدر العدد‬ ‫من سلسلة‬ ‫(‪)19‬‬ ‫“شهادات‬ ‫سورية”‬

‫وتهجريهم من بالدهم جرمية‬ ‫األمم كلها‪ ،‬وتدمري سوريا بلد‬ ‫الحضارة هو هزمية لإلنسانية‪.‬‬ ‫اتركوا السوريني يتخلصون‬ ‫من الديكتاتورية بأنفسهم‬ ‫ويستعيدون حريتهم وكرامتهم‬ ‫ويصنعون السالم بأنفسهم‪.‬‬ ‫فهم شعب محب للسالم‬ ‫ومتطلع إىل الحرية”‪.‬‬

‫ن دار النرش “بيت‬ ‫صدر مؤخ ًرا ع‬ ‫ن سلسلة “شهادات‬ ‫املواطن”‪ ،‬ضم‬ ‫أطلقتها “الرابطة‬ ‫سورية”‪ ،‬التي‬ ‫طنة” ومقرها بريوت‪،‬‬ ‫السورية للموا‬ ‫أم هاشم املفقود”‪،‬‬ ‫كتاب “قنديل‬ ‫والقاص السوري عدي‬ ‫تأليف‪ :‬املرتجم‬ ‫مالشهاداتاملضمومة‬ ‫الزعبي‪.‬وتنقس‬ ‫ب إىل مجموعتني‬ ‫يف هذا الكتا‬ ‫ت عنواين “املنفى”‬ ‫مصنفتني تح‬ ‫كانت حكايات املنفى‬ ‫و”الثورة”‪ .‬وأن‬ ‫الثورة‪ ،‬غري أنها تتآلف‬ ‫تسبق حكايات‬ ‫حالة عشق للوطن‪.‬‬ ‫جميعها يف‬ ‫يف رؤية الوطن أ ّن‬ ‫عشق يتبدى‬ ‫ويف كل ما يشاهده‪.‬‬ ‫ذهب الشاهد‪،‬‬ ‫لة “شهادات سورية”‬ ‫وتسعى سلس‬ ‫مدما ًكا يف بنيان الذكرة‬ ‫إىل أن تكون‬ ‫ورية يف زمن األزمة‬ ‫الجمعية الس‬ ‫ربى التي تعصف بها‪.‬‬ ‫الك‬

‫ثقافة‬

‫ن املؤسسة العربية‬ ‫ً ع‬ ‫صدر حديثا رش يف بريوت‪ ،‬مجموعة‬ ‫لن‬ ‫للدراسات وا رة السورية الشابة لينة‬ ‫اع‬ ‫شعرية للش “عىل هامش النجاة‬ ‫عطفة بعنوان‬ ‫جموعة مطبوعة لها‪.‬‬ ‫م‬ ‫“‪ ،‬وهي أول الف الفنان التشكييل‬ ‫صمم لوحة الغ‬ ‫يك وكتب مق ّدمة‬ ‫دل‬ ‫يوسف عب ن مرسيل خليفة‪ .‬تقع‬ ‫املجموعة الفنا‬ ‫ست وسبعني صفحة‪،‬‬ ‫يف ٍ‬ ‫املجموعة رشة قصيدة‪ ،‬تتناول‬ ‫عع‬ ‫وتحوي سب صيل املأساة السورية‬ ‫فا‬ ‫معظمها ت رة القرسية‪ ،‬وقد ُكتبت‬ ‫والحرب والهج‬ ‫ص يف سوريا باستثناء‬ ‫صو‬ ‫جميع الن ملت املجموعة اسمه‬ ‫النص الذي ح‬ ‫لنجاة” ُكتب يف أملانيا‬ ‫“عىل هامش ا‬ ‫حيث تقيم لينة اآلن‪.‬‬

‫ميسون شقير في‬ ‫“ال تذهب للموت‬ ‫وحدك”‬

‫أصدر عدد كبري من الشعراء واألدباء‬ ‫املجتمعني ما بني ‪ 28‬متوز‪ /‬يوليو و‪ 1‬آب‪/‬‬ ‫أغسطس الحايل‪ ،‬يف مهرجان “تينوس‬ ‫الدويل لألدب” يف جزيرة تينوس اليونانية‪،‬‬ ‫بيا ًنا استنكروا فيه بأقىس الكلامت الخطط‬ ‫الروسية وغريها إلخراج املواطنني السوريني‬ ‫من حلب‪ .‬وجاء يف البيان‪ :‬إننا ال نريد أن‬ ‫نرى مزيدًا من الالجئني الهاربني من املوت‬ ‫يف العامل‪ .‬داعني إىل “التوقف عن قصف‬ ‫املدن ولتخرج جميع الجيوش األجنبية‬ ‫وامليليشيات الطائفية واألسلحة الروسية‬ ‫واإليرانية والعراقية واللبنانية وغريها‬ ‫املشاركة يف قتل وتهجري السوريني ودعم‬ ‫الديكتاتورية والحرب” وأضاف البيان‬ ‫املوقع من عرشات الشعراء حول العامل‪:‬‬ ‫“نستنكر صمت العامل وعجزه ونرفع‬ ‫أصواتنا مطالبني الدول الكربى بوقف‬ ‫املأساة السورية التي مل يعد من املحتمل‬ ‫أبدا استمرارها‪ ..‬السوريون يفقدون‬ ‫الدم والعامل يفقد كرامته‪ .‬قتل السوريني‬

‫العدد ‪2016 / 8 / 19 - 75 -‬‬

‫اخ ُتتِمت حملة “املعتقلون ً‬ ‫أول”‪ ،‬والتي‬ ‫ُتنظمها “شبكة جريون اإلعالم‬ ‫ية” بالتعاون إخراج كافة املعتقلني كقضية مبدأ‪ ،‬مشددًا‬ ‫ً‬ ‫مع مجموعة “ناجون من املعتق‬ ‫ل”‪ ،‬عرضا عىل أنه ال خيار اليوم لدى السوريني سوى‬ ‫مرسحياً بعنوان “املهجع رقم‬ ‫‪ ،”19‬وأمسية اإلرصار عىل الحياة‪ ،‬والتحيل بإرادة صلبة‬ ‫شعرية للشاعر أصالن أص‬ ‫الن‪ ،‬وكلمة تستند إىل اليقني بأن الثورة ستنترص‪ ،‬وأنه‬ ‫ختامية أ ّكد فيها الفنان عبد الح‬ ‫كيم قطيفان سيتم إنصاف الجميع‪ .‬واملرسحية التي‬ ‫عىل رضورة التعامل مع قضية‬ ‫املعتقلني شهدت حضو ًرا الفتًا‪ ،‬هي محاولة درامية‬ ‫السوريني يف سجون النظام كـ”ق‬ ‫ضية مبدأ”‪ ،‬ملحاكاة تجربة االعتقال واملعاناة داخل‬ ‫وشدد عىل أنه ال خيار اليوم أمام‬ ‫ّ السوريني السجون‪ .‬كذلك تضمن اليوم الختامي‬ ‫سوى اإلرصار عىل الحياة‪ .‬وركز‬ ‫قطيفان أمسية شعرية للشاعر أصالن أصالن‪،‬‬ ‫يف كلمته يف اليوم األخري من‬ ‫الحملة عىل قدم خاللها مجموعة من القصائد‪ ،‬متحور‬ ‫أنه أ ًيا كان ما ترتكه تجارب ا‬ ‫العتقال من مضمونها حول قضية املعتقلني كمحاولة‬ ‫م ٍ‬ ‫آس وعذابات للمعتقلني أنف‬ ‫سهم وذويهم أدبية تعكس صوتهم ومطالبهم‪ ،‬إىل جانب‬ ‫الذين ينتظرون‪ ،‬يجب عىل السو‬ ‫ريني عدم مُحاكا ٍة وجداني ٍة للمغ ّيبني داخل املعتقالت‪،‬‬ ‫االستسالم لليأس‪ ،‬واإلرصار أكرث‬ ‫عىل رضورة والسوريني بشكل عام حول هذه القضية‬

‫ور المجموعة‬ ‫صد‬ ‫شعرية األولى‬ ‫ال‬ ‫للسورية لينة‬ ‫عطفة‬

‫‪19‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.