طلعنا عالحرية / العدد 78

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪78‬‬ ‫‪2016 / 10 / 16‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل‬ ‫سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج‬


‫‪2‬‬

‫بتر اإلحساس‬ ‫افتتاحية بقلم ليلى الصفدي‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫مجدّداً‪ ،‬يتعرض مكتب مجلة طلعنا عالحرية يف مدينة دوما للقصف‬ ‫موجه أطلقته طائرات النظام‪ ،‬يف تصعيد عسكري جديد‬ ‫بصاروخ فراغي ّ‬ ‫وقصف متواصل يطال األحياء السكنية يف بلدات الغوطة الرشقية‬ ‫املحارصة‪.‬‬ ‫وقد أسفر القصف املستمر يوم األربعاء املايض عن ارتقاء ثالثة شهداء‬ ‫عىل ٌ‬ ‫األقل بينهم طفلة‪ ،‬وعرشات الجرحى يف مدينة دوما وحدها‪ .‬كام‬ ‫أدى إىل خروج مكتب مجلتنا عن الخدمة مؤقتاً مع العديد من املكاتب‬ ‫نصار مدير مكتب‬ ‫املدنية العاملة يف مدينة دوما كام أكد الزميل أسامة ّ‬ ‫مجلة طلعنا عالحرية‪ ،‬وكان من بني املكاتب املترضرة مكتب دعم‬ ‫التنمية واملشاريع الصغرية‪ ،‬مكاتب شبكة حراس‪ ،‬ومكتب مركز توثيق‬ ‫االنتهاكات يف سوريا‪.‬‬ ‫هذه املرة الثانية التي يستهدف فيها النظام هذه املكاتب خالل أقل‬ ‫يضم مكتب املجلة مع‬ ‫تم استهداف املجمع الذي ّ‬ ‫من شهرين‪ ،‬حيث ّ‬ ‫املؤسسات املدنية األخرى بتاريخ ‪ 22‬متوز املايض‪.‬‬ ‫عىل املستوى العقيل والواعي واللفظي ندين جميعاً هكذا اعتداءات‪،‬‬ ‫وخاصة أن كل العاملني بهذه املكاتب يعملون يف املجاالت املدنية‬ ‫وباملشاريع اإلنسانية‪ ،‬وال عالقة لهم بأي نشاط عسكري‪ .‬لكن من املؤسف‬ ‫االعرتاف أن تعاملنا جميعاً نحن السوريني الذين مل يطالنا القصف‬ ‫الهمجي هذه املرة‪ ،‬عىل املستوى الوجداين والعاطفي يثري الخجل‪ ،‬ال‬ ‫مبا يخص هذا “الخرب” بالذات‪ ..‬إمنا بكل أخبار القتل واملجازر والتدمري‪..‬‬ ‫كيف أصابتنا البالدة وتحجرت مشاعرنا وكأننا نتناول أحداثاً عادية ال‬ ‫تنتهك أبسط البديهيات اإلنسانية‪ ،‬وال تتعلق مبصري وحيوات البرش؟!‬ ‫إنها من خسائرنا الكربى بعد تحول ثورة الحرية والكرامة إىل حرب‬ ‫مفتوحة ال أفق لها؛ فباإلضافة إىل أننا فقدنا الكثري من األهل واألصدقاء‬

‫واألحبة بني شهيد ومعتقل ومختطف‪ ..‬وخرسنا البلد بني تدمري وتهجري‪،‬‬ ‫إال أننا خرسنا أيضاً قدرتنا عىل اإلحساس بكافة أشكاله‪ .‬لقد تم فع ًال خالل‬ ‫السنوات املاضية برت جزء هام من إنسانيتنا‪.‬‬ ‫رمبا قد نحتاج إىل أجيال لنتخلص من ندوب وآالم هذه الحرب‪ ،‬ولتعود لنا‬ ‫القدرة عىل اإلحساس باألمل والحزن والفرح وكل املشاعر الخاصة باإلنسان‪.‬‬ ‫عبثاً ننرث األخبار هنا وهناك عىل صفحات العامل االفرتايض‪ ،‬ع ّلها تحظى‬ ‫ببعض االهتامم والتعاطف‪ ..‬يبدو أنه قد بات من الصعب حتى عىل‬ ‫السوريني قبل غريهم إعالن التضامن الكالمي أو الوجداين‪.‬‬ ‫قد يبدو من الحكمة نسيان األمل والصرب عىل الشدائد‪ ،‬لكن ليس من‬ ‫الحكمة أن تصبح املصائب عادة يومية نتقبلها ببالدة وبال مباالة‪ .‬يجب أن‬ ‫تبقى فينا بقايا إنسانية تح ّثنا عىل عدم تقبل الواقع املرير‪ ،‬وهذا رشط أويل‬ ‫ملواصلة النضال من أجل التغيري‪.‬‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬

‫كلمة‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان‬ ‫نصار‬ ‫أنور البني‬ ‫أسامة ّ‬

‫قسم املرأة‬ ‫يارا بدر‬

‫رئيس التحرير ليىل الصفدي‬ ‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪info@freedomraise.net‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫الغالف‬ ‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫سمري خلييل سمري خلييل ‪ -‬هاين عباس‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫سورية؟‬ ‫ورطة روسـ ّـية أم‬ ‫ّ‬ ‫‪3‬‬ ‫شوكت غرز الدين‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫مقاالت‬

‫نجحت روسيا يف متكني متوضعها يف سور ّية حتى‬ ‫اللحظة‪ ،‬ولكنها فشلت يف الحسم‪ .‬بينام يفشل‬ ‫السوريون يف إعادة متوضعهم يف بلدهم ويحتفظون‬ ‫بحقهم يف الحسم‪ .‬وهذه حالة متقدمة حققها الروس‬ ‫العاملي من‬ ‫يف سريورة إعادة متوضع روسيا يف النظام‬ ‫ّ‬ ‫البوابة السور ّية‪ ،‬ورمبا يف سريورة إعادة بناء عالقات‬ ‫العاملي من جديد‪ .‬وأما عن حالة تراجع‬ ‫النظام‬ ‫ّ‬ ‫السوريني فتحتاج وقفة مراجعة ومبادئ عمل جديدة‪.‬‬ ‫تتقدم روسيا بالرغم من العقوبات االقتصاد ّية وتدين‬ ‫سعر النفط‪ .‬فالخلل بني قدرتها االقتصادية وبني قدرتها‬ ‫العسكرية واملرتكز إىل َف َرض َّأن الخلل بني القدرتني‬ ‫يضعف فاعلية الدور الدو ّيل لروسيا‪ ،‬غري صحيح‪ .‬إنها‬ ‫تتقدم يف منع املواجهة الدول ّية وتبقيها يف حدود كالم ّية‪،‬‬ ‫ومنع ْأن يطالها الجهاديون ضمن حدودها‪ ،‬وتتقدم يف‬ ‫احتالل سور ّية‪ .‬بينام ترتاجع املعارضة السور ّية بكافة‬ ‫ألوانها لتفقد ما كانت قد حققته باألمس القريب‪.‬‬ ‫فيرتاجع الجهاديون مث ًال من مرحلة “إدارة التوحش”‪ ،‬يف‬ ‫املناطق التي سيطروا عليها‪ ،‬ومن مرحلة “التمكني” أي‬ ‫إقامة الدولة اإلسالم ّية‪ ،‬إىل اسرتاتيجية سابقة ومرحلة‬ ‫سابقة هي “شوكة النكاية” واالستنزاف املرتبط بالصرب‬ ‫والزمن لرياكم خسائر العدو‪ .‬وكذلك يرتاجع املعتدلون‬ ‫من مرحلة إسقاط النظام واملجالس املحل ّية‪ ،‬إىل مرحلة‬ ‫صب اللعنات عىل العامل وإسقاط دي مستورا‪ .‬فالحسم‬ ‫ّ‬ ‫بحالتنا السور ّية يأيت بالنقاط املرتاكمة ال بالرضبة‬ ‫القاضية‪.‬‬ ‫كانت إمرباطورة روسيا “كاترين الثانية” قد قالت‬ ‫مجازياً‪ ،‬يف القرن الثامن عرش‪“ :‬سور ّية مفتاح بيتي‬ ‫وغرفة نومي” وكانت تقصد جعل سور ّية بوابة روسيا‬ ‫ونافذتها عىل العامل‪ ،‬وجعل أمن روسيا من أمن سور ّية‪.‬‬ ‫وجاء “بوتني‪-‬الفروف” بالتطبيق الحريف ملا هو مجازي‬ ‫يف القرن الواحد والعرشين‪.‬‬ ‫فتحولت سور ّية إىل غرفة نوم للروس ال للسوريني‪.‬‬ ‫ومتكنت روسيا من املفتاح السوريّ الذي يفتح أبواب‬ ‫العاملي من جديد مبا يتناسب‬ ‫إعادة بناء عالقات النظام‬ ‫ّ‬ ‫مع مصالح روسيا‪.‬‬ ‫وبالرغم من هزمية االتحاد السوفييتي سابقاً يف الحرب‬ ‫الباردة تواكباً مع هزميته يف أفغانستان‪ ،‬إال أنه تق ّلص‬

‫إىل روسيا التي ما زالت عضواً دامئاً يف مجلس األمن‪،‬‬ ‫يستخدم الفيتو خمس مرات متتالية ضد الشعب‬ ‫السوري ولصالح مصالحه الخاصة مع ش ّلة من السوريني‪.‬‬ ‫تلك الهزمية التي تتمثل آنذاك يف تفيش املافيات‪ ،‬وبيع‬ ‫السالح النووي يف السوق السوداء‪ ،‬وبيع القطاع العام‬ ‫بأرخص األسعار‪ ،‬وإرسال اليهود إىل إرسائيل مقابل‬ ‫القمح‪ ،‬عىل الرغم من أنها كانت أكرب دولة منتجة‬ ‫للقمح قبل الهزمية‪ ،‬وتغيري عَلم املنجل واملطرقة‪،‬‬ ‫وتحطيم متاثيل لينني وستالني وماركس‪ ،‬وانفصال عدة‬ ‫جمهوريات عنها‪ ،‬وتقلص مساحتها من ‪ 22‬مليون كم‬ ‫إىل ‪ 16‬مليون كم‪ ،‬وانتشار املواطنني الروس يف دمشق‬ ‫لبيع األدوات الكهربائية واأللبسة للسوريني عىل‬ ‫البسطات‪ ،‬وتوجه أعداد كبرية من فتياتها للمواخري‬ ‫اإلماراتية‪ ،‬وبروز حرب الشيشان والديون الروس ّية‪..‬‬ ‫إال أن بوتني نجح بتقليص الدين ولجم املافيات وإنهاء‬ ‫الحرب الشيشانية بهمج ّية‪ .‬واآلن ينجح يف سور ّية‬ ‫ألسباب عديدة ال مجال للخوض فيها يف سياق توصيف‬ ‫الحالة‪.‬‬ ‫وإذا كان الحال كام وصفنا‪َّ ،‬‬ ‫فإن عىل السوريني من أجل‬ ‫هزمية الروس اآلن وهنا بدء العمل مببادئ ثالثة هي‪:‬‬ ‫الوطني‪ ،‬ال مبدأ الوالء فوق‬ ‫‪ - 1‬العمل مببدأ الوالء‬ ‫ّ‬

‫والديني‪ .‬وبالوقت‬ ‫واإلقليمي‬ ‫الوطني؛ أي الوالء الدو ّيل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطني؛ أي‬ ‫نفسه رفض العمل مببدأ الوالء تحت‬ ‫ّ‬ ‫املذهبي والقب ّ‬ ‫يل والعشائريّ ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 2‬مبدأ السيادة املحايد للدولة تجاه مكوناتها‬ ‫االجتامع ّية والقوم ّية والدين ّية والسياس ّية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬مبدأ التواصل والتعامل الدو ّيل‪ ،‬ال إدارة الظهر للعامل‬ ‫واالكتفاء بلعنه‪.‬‬ ‫وقد بات هذا رضورة إزاء التالعب بالجغرافيا السياس ّية‬ ‫السور ّية‪ .‬فنادراً ما اختفت دولة وطن ّية عن الوجود منذ‬ ‫معاهدة وستفاليا ‪ 1648‬التي أرست الدولة الوطنية‬ ‫وسيادتها بالرغم من االستعامر والفوىض يف العالقات‬ ‫الدول ّية بعدها‪ .‬ولكن اختفت إمرباطوريات كالروس ّية‬ ‫والنمساو ّية والسويد ّية والعثامن ّية‪..‬‬ ‫وإذا ما راجعنا أنفسنا نجد أنه ال ب ّد من الفصل بني‬ ‫سورية والعراق وبينها وبني ليبيا وبينها وبني اليمن‪..‬‬ ‫أي إعادة الوطن ّية السور ّية بوصلة يهتدي الجميع بها؛‬ ‫الكتفاء رش اآلخرين وبدء مقاومة وطن ّية تستنزف‬ ‫الروس وتجعل التكاليف باهظة‪ ،‬وتطال ديارهم‬ ‫بخلخلة األمن واالستقرار‪ ،‬لتشكيل رأي عام رويس‬ ‫يقول باالنسحاب من سور ّية‪ ،‬وعندها يستقيم متوضع‬ ‫السوريني يف بلدهم ويف العامل من جديد‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫ال نريد مزيدًا مــن الناجحين‬ ‫عماد الع ّبار‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫مقاالت‬

‫قد يبدو الكالم للوهلة األوىل وكأنه دعوة إىل‬ ‫الرتاخي والتقاعس عن السعي لبلوغ النجاح يف‬ ‫مجاالت الحياة‪ .‬لكنه يف الحقيقة ليس كذلك‬ ‫عىل اإلطالق‪ ،‬إذ ميكن اعتباره إعادة تقييم لفكرة‬ ‫النجاح‪ ،‬بعد أن نكون قد أعدنا النظر بطريقة‬ ‫مختلفة يف النتائج العملية لفهمنا السابق للنجاح‪،‬‬ ‫ويف وسائل سعينا املحموم لتحقيقه‪.‬‬ ‫يف حياتنا‪ ،‬تنترش الشعارات أكرث‪ ،‬مبا ال يقارن‪ ،‬من‬ ‫انتشار املعاين‪ .‬والكلامت الجميلة التي نتداولها قد‬ ‫ال تحمل مضمونها الحقيقي‪ ،‬املضمون األول الذي‬ ‫رافقها مع لحظات إطالقها أول مرة‪ .‬تخضع مفردة‬ ‫(النجاح) لذلك النوع من التفريغ الجوهري‪،‬‬ ‫فتتحول إىل مجرد كلمة براقة تخفي أشياء قذرة‪..‬‬ ‫يشكل العمل مطلباً‪ ،‬وتحدياً كبرياً أمام اإلنسان‪،‬‬ ‫ولعله بات املضامر األوسع الختبار قدرتنا عىل‬ ‫النجاح‪ ،‬فإن صدف و تنقلت يف عملك بني عدة‬ ‫رشكات‪ ،‬فال ب ّد وأنك صادفت مدراء كرث حافظوا‬ ‫عىل مواقعهم لسنوات طويلة‪ ،‬وتنقلوا يف الس ّلم‬ ‫الوظيفي برسعة‪ ،‬وكان الواحد منهم يعترب منوذجاً‬ ‫حياً للنجاح‪ ،‬وقدوة تقدمه اإلدارة لسائر املوظفني‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬الحقيقة قد ال تكون بهذا الصفاء املتخ ّيل‪،‬‬ ‫فكثرياً ما يكون هذا الشخص مجرد منوذج‬ ‫للوصولية واالنتهازية‪ ،‬وللتم ّلق ملن هم أعىل منه‬ ‫مرتبة يف التسلسل الوظيفي‪ ،‬ومثاالً للوشاية مبن‬ ‫حوله‪ ،‬ومصدراً لألذى يصيب كل من قد يشكل‬ ‫خطراً مستقبلياً عىل موقعه‪ .‬وسرتى ّأن كثرياً من‬ ‫املوظفني الباحثني عن نجاح (بأي مثن)‪ ،‬يقومون‬ ‫بتسخري أنفسهم‪ ،‬فيتحولون إىل مجرد أدوات بيد‬ ‫مدير “ناجح”‪ ،‬يف سبيل الوصول إىل ما وصل إليه‪،‬‬ ‫أو رمبا احتالل مكانه‪..‬‬ ‫عىل مستوى السلطة‪ ،‬نرى أمامنا مناذج ماثلة‬ ‫للعيان لرؤساء أنظمة‪ ،‬رشدوا شعوبهم‪ ،‬بعد أن‬ ‫قتلوا منهم واعتقلوا نسبة كبرية‪ ،‬ولكن هل ميكن‬ ‫أن ننكر أو نتجاهل حقيقة نجاحهم يف البقاء‬ ‫والنجاة‪ ،‬ولو فوق أكوام مكدسة من الجامجم؟‬ ‫ولو عدنا بالذاكرة قلي ًال إىل الوراء‪ ،‬لوجدنا ّأن‬ ‫النجاح يف املجتمع مل يكن يتطلب القيام بقدر‬ ‫كبري من األفعال النزيهة‪ .‬بل عىل العكس متاماً‪،‬‬ ‫كان يعتمد بدرجة كبرية عىل أساليب تتعارض‬

‫مع النزاهة‪ ،‬ويتم إلباسها مسميات مختلفة كـ‬ ‫“الشطارة” و “الفلهوية” و“معرفة من أين تؤكل‬ ‫الكتف”‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫كنا نرى ذلك ضمن الفئات التي تقع يف قمة الهرم‬ ‫االجتامعي واألكادميي والسلطوي‪ .‬فإذا كان مفهوم‬ ‫النجاح مشوهاً يف مجاالت القضاء واملحاماة‪،‬‬ ‫وعىل مستوى أساتذة الجامعات وإدارات الدولة‪،‬‬ ‫وإذا كانت شبكة عالقات الفساد‪ ،‬واالرتباطات‬ ‫بالسلطة‪ ،‬والقدرة عىل التآمر عىل اآلخرين‪،‬‬ ‫تتفوق عىل مقومات النزاهة‪ ،‬والكفاءة الشخصية‬ ‫والعلمية‪ ،‬فال ب ّد وأ ّننا أمام حالة تشويه للمفاهيم‬ ‫وقلبها رأساً عىل عقب‪ ،‬وما يتبع ذلك من تعميم‬ ‫للمفاهيم املشوهة عىل الفئات األخرى من‬ ‫املجتمع‪..‬‬ ‫فإذا كان هذا هو املعنى الطاغي للنجاح يف ق ّمة‬ ‫الهرم‪ ،‬فال شك ّ‬ ‫بأن املهن األوسع انتشاراً يف جسم‬ ‫الهرم لن تكون بحال أفضل‪ .‬لقد تم تفريغ فكرة‬ ‫“النجاح” من مضمونها بشكل كامل تقريباً‪ ،‬إال‬ ‫عند أولئك الذين ميلكون درجة عالية من الرقابة‬ ‫الذاتية‪ ،‬وهؤالء سيجدون أنفسهم يف لحظة ما‪ ،‬يف‬

‫مواجهة مع تيار جارف‪ ،‬يحارب املعنى الجوهري للمفردة‪،‬‬

‫ساعياً إىل تعميم التفريغ وتحويله إىل حقيقة‪..‬‬ ‫مل يكن تغيري الواقع السيايس كافياً لتبديل حال‬ ‫هذه الفوىض العاتية يف املفاهيم؛ يف مفهوم‬ ‫النجاح عىل وجه الخصوص‪ ..‬إذ مل نجد حاالً‬ ‫أفضل عىل مستوى املعارضة السياسية‪ ،‬والتي بات‬ ‫النجاح فيها مبنياً عىل معرفة مراكز القوى‪ ،‬وليس‬ ‫بالرضورة عىل الكفاءة يف العمل السيايس‪ ،‬أو عىل‬ ‫امتالك مرشوع يناسب طبيعة املرحلة‪ ،‬وأيضاً عىل‬ ‫القدرة عىل بناء شبكة عالقات خارجية‪ ،‬حتى‬ ‫وصل الحال بكثريين إىل االرتهان الكامل لبعض‬ ‫األطراف‪ ..‬وهؤالء أصبحوا‪ ،‬و يا للمصادفة! األكرث‬ ‫نجاحاً‪ ،‬وثباتاً يف مواقعهم‪ ،‬من بني الجميع‪..‬‬ ‫اختلفت الوجوه ومل تختلف املفاهيم واألساليب‪،‬‬ ‫وما يزال تشويه املعنى سارياً‪ .‬وال يختلف األمر‪،‬‬ ‫مع األسف‪ ،‬يف مجاالت اإلغاثة‪ ،‬أو اإلعالم‪ ،‬أو‬ ‫الثقافة والبحث العلمي‪ ..‬فأصل الفساد واحد‪.‬‬ ‫ففي سوق مثقفي املعارضة اليوم‪ ،‬تجد ألقاباً‬ ‫وهمية‪ ،‬تم رشاؤها أو منحها من جامعات غري‬

‫معرتف بها‪ ،‬وتجد تجمعات ملثقفني يفتقر أغلبهم‬ ‫إىل الصدقية والكفاءة‪ ،‬يقومون بتكريم واحد “من‬ ‫بينهم تحديداً” فيحصل عىل لقب ومركز‪ ،‬وهنا‬ ‫تحدث عملية إعادة تدوير ألنظمة الفساد‪ ،‬مع‬ ‫تواطؤ عىل احتكار األلقاب والسلطة‪ ،‬وتكريس‬ ‫هذا الشكل الجديد من الفساد ثقافياً‪ ،‬ليصبح لدينا‬ ‫يف عامل الثقافة عصابات موازية لعصابات السياسة‪،‬‬ ‫ال تختلف عنها يف أساليب االحتيال واالنتهازية‪،‬‬ ‫وبناء عالقات الفساد‪ ،‬والطعن يف الظهر‪ ،‬وخيانة‬ ‫األصدقاء ورفاق الدرب‪..‬‬ ‫علينا اإلقرار بأن بعض النجاحات كانت تكلفتها‬ ‫هائلة‪ ..‬وال أقصد هنا الكالم عن التكلفة كجهد‬ ‫مبذول‪ ،‬أو عمر مهدور‪ ،‬أو أموال طائلة‪ .‬بل لعل‬ ‫هذه الخسائر (الكبرية وال شك) تعدُّ (وليس العمر‬ ‫مقصوداً هنا) من النوع القابل للتعويض‪ .‬لكني‬ ‫أقصد النوع اآلخر من النجاحات‪ ،‬والتي تك ّلف‬ ‫خسائر ال ميكن تعويضها بأي حال من األحوال‪..‬‬ ‫فالنجاح الذي يتطلب التذ ّلل وإهراق الكرامات‪،‬‬ ‫وبيع القيم يف مزادات رخيصة‪ ،‬أو التآمر عىل‬ ‫املحيطني‪ ،‬يف سبيل الوصول إىل مركز أو سلطة‪،‬‬ ‫هو نوع من النجاح الذي يخرس معه الناجح‬ ‫الجزء األهم من إنسان ّيته‪ .‬هنا يصبح النجاح هدفاً‬ ‫ونهاية‪ ،‬وال يشء بعده‪ ،‬أو ألجله‪..‬‬ ‫وهو منط يحدث فيه تفريغ لإلنسان من محتواه‪،‬‬ ‫كنوع من انتقام القيمة لذاتها‪ ،‬حني قام اإلنسان‬ ‫بتفريغها من جوهرها‪ .‬فال يشء يجري بدون‬ ‫ثأر‪ ،‬والقيم تثأر لذاتها‪ .‬فحني نف ّرغها‪ ،‬ستقوم‬ ‫هي بتفريغنا أيضاً‪ .‬وهكذا يضيع املعنى‪ ،‬وتضيع‬ ‫الجدوى من أي يشء‪..‬‬ ‫نجحنا يف السلطة‪ ،‬يف العمل‪ ،‬يف التعليم‪ ،‬يف املهن‪..‬‬ ‫لكنه نجاح بدون أي جدوى‪ ،‬ألنه باألصل بال معنى‪.‬‬ ‫فهو قائم‪ ،‬أص ًال‪ ،‬عىل تزوير الكلامت‪ ،‬وحني تز ّور‬ ‫الكلمة ال يبقى يشء بعد ذلك ميكن البناء عليه‪..‬‬ ‫من عالمات فشلنا‪ ،‬كرثة الناجحني عندنا‪ ،‬لكنها‬ ‫كرث ٌة مالزمة لسقوط مجتمعي متسارع‪ ،‬وانهيار‬ ‫شامل عىل املستويات كافة‪ ،‬ثم ضياعٌ لكل يشء‬ ‫م ّرة واحدة‪..‬‬ ‫مبدئياً‪ ،‬وإىل أن يتم استعادة املعنى‪ ،‬توقفوا عن‬ ‫النجاح رجا ًء‪ ..‬ال نريد مزيداً من الناجحني‪..‬‬


‫ريف دمشــق ‪ ....‬مخاض عسير‬ ‫‪5‬‬ ‫ابو القاسم السوري‬

‫العدد ‪- 78 -‬‬ ‫‪2016 / 10 / 16‬‬

‫مقاالت‬

‫بعد تحول الثورة إىل العمل العسكري‪ ،‬كان السؤال الرئييس‬ ‫الذي دامئاً يشغل الجميع هو‪ :‬متى إطالق معركة إسقاط‬ ‫النظام؟ والتي ستكون ال محالة هي معركة دخول العاصمة‪،‬‬ ‫ورضب رأس األفعى هناك‪ .‬وطبعاً‪ ،‬ومن املنطقي أن تكون‬ ‫محافظة ريف دمشق بتقسيامتها املتعددة (الغوطة‬ ‫الرشقية‪ -‬الغوطة الغربية‪ -‬القلمون‪ -‬الزبداين وما حولها)‬ ‫هي املناطق التي ستتحمل تبعات هذه املعركة‪ ،‬ولكن‬ ‫بسند من املحافظات القريبة‪ ،‬وخاصة الجبهة الجنوبية‬ ‫درعا‪.‬‬ ‫ومع نهاية عام ‪ 2012‬وصلت قوات الثورة يف هذه املناطق‬ ‫إىل رصيد من القوة لو أمكن تجميعه وتوحيده حينها ‪-‬مع‬ ‫حالة النظام الضعيفة جداً يف حينها‪ -‬لكان باإلمكان إسقاط‬ ‫النظام وإنهاؤه‪ .‬ولكن واقع الرصاعات الداخلية بني الفصائل‬ ‫املقاتلة‪ ،‬وتبنيها ملشاريع بأجندات حزبية‪ ،‬وغياب مرشوع‬ ‫وطني جامع‪ ،‬جعل أكرب طموحات هذه الفصائل السيطرة‬ ‫عىل منطقة معينة‪ ،‬وفرض نفسها هيئات حاكمة ضمنها‪.‬‬ ‫وقد استشعر النظام وحلفاؤه الخطر الحقيقي املنبعث من‬ ‫ريف دمشق عىل وجود النظام يف العاصمة‪ ،‬فعمل عىل‬ ‫تفكيك مصادر قوة هذه املناطق من خالل ما ييل‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬قطع التواصل الجغرايف بني هذه املناطق‪ ،‬من خالل‬ ‫إحكام سيطرته عىل الطرق الرئيسية التي تساعده عىل‬ ‫ذلك‪ .‬مثل إحكام سيطرته عىل طريق املطار وإنشاء حزام‬ ‫أمني عىل طوله‪ ،‬مبا يعيق اتصال الغوطة الرشقية مع‬ ‫الغوطة الغربية‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬محارصة املناطق املحررة وتجويع أهلها‪ ،‬مام يجعل‬ ‫موضوع الطعام والرشاب واحداَ من أهم أولويات سكان‬ ‫هذه املناطق‪ ،‬ويدفع قس َام منهم إىل الخروج منها‪ ،‬وبالتايل‬ ‫إفراغ هذه املناطق من مصدر قوة برشي أسايس‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬انتهاج سياسة تدمري شامل لهذه املناطق وجعل هذه‬ ‫املناطق غري قابلة للسكن‪ ،‬مام يدفع قس ًام من سكان هذه‬ ‫املناطق للخروج منها‪.‬‬ ‫دس أشخاص ومجموعات داخل مناطق املعارضة‬ ‫رابعاً‪ّ :‬‬ ‫يكون شغلها الرئييس ّ‬ ‫بث الفنت وإظهار عيوب وأخطاء‬ ‫املؤسسات والفصائل الثورية‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬عقد هدن مع بعض املناطق وإغداق الخدمات‬ ‫عليها‪ ،‬ما يجعل هذا النموذج جذاباً لباقي مناطق الريف‬ ‫الدمشقي املحارصة‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬اعتامد اسرتاتيجية عسكرية قامئة عىل‬ ‫مبدأ دبيب النمل‪ ،‬لالقتطاع املستمر ملناطق‬ ‫جغرافية ضمن املناطق املحررة‪ ،‬وبالتايل تقليص‬ ‫املساحة الجغرافية للمعارضة يف ريف دمشق‪.‬‬ ‫سابعاً‪ :‬الحسم العسكري للمعارك الرئيسية التي‬ ‫تقطع أي اتصال بني مناطق الريف الدمشقي‪،‬‬ ‫وأي عمق مع باقي املحافظات السورية‪ .‬كحسم‬ ‫معركة القلمون‪ ،‬واقرتاب حسم معارك الزبداين‬ ‫وما حولها‪.‬‬ ‫نتيجة لكل ذلك وصلنا إىل حالة أصبحت‬ ‫املناطق املحررة يف الريف الدمشقي عبارة عن‬ ‫جزر منعزلة عن بعضها‪ ،‬وأصبحت لقمة سائغة‬ ‫للنظام‪ ،‬وطبعاً النظام عمل عىل تخصيص أساليب‬ ‫متعددة للتعامل مع هذه الجزر؛ فمث ًال يف داريا‬ ‫عمد إىل سياسة اإلخضاع والتدمري الشامل‪ ،‬بينام‬ ‫يف مناطق أخرى كالهامة وقدسيا فهو يعرف‬ ‫محدودية القوة العسكرية للفصائل املوجودة‬ ‫هناك‪ ،‬لذلك هو يكفيه التهديد إلخضاع هذه‬ ‫املناطق‪ ،‬وطبعاً االسرتاتيجية التي اتبعها النظام‬ ‫تأيت متناسقة مع مشاريع دولية ترى أن ّ‬ ‫الحل يف‬ ‫سورية يقوم أساساً عىل إنشاء فصل دميوغرايف‬ ‫بني مؤيدي النظام ومعارضيه‪ .‬لذلك مل نشهد‬ ‫حالة من االستنكار الدويل الحقيقي ملا حدث يف‬ ‫داريا مث ًال‪ .‬وهذه رسالة عىل ما يبدو عن حالة‬ ‫الرضا الدويل عن سياسة التغري الدميوغرايف‪.‬‬

‫وطبعاً النظام يستهدف من كل ذلك الوصول إىل‬ ‫حالة من تأمني العاصمة‪ ،‬وبالتايل إرسال رسالة‬ ‫للجميع بأنه أصبح منيعاً يف العاصمة السياسية‪،‬‬ ‫وبالتايل أي طرح حول إسقاط النظام أصبح‬ ‫بعيد املنال‪ .‬وقد استشعر النظام حالوة مذاق‬ ‫االنتصارات التي يحققها من خالل إنهاء هذه‬ ‫الجزر املنعزلة‪ ،‬وخاصة موضوع إنهاء داريا‪.‬‬ ‫وعليه فإن النظام مقدم المحالة نحو العمل عىل‬ ‫إنهاء ملف ريف دمشق كام ًال‪ .‬وبالتايل فإن باقي‬ ‫مناطق الريف الدمشقي هي أمام مخاض عسري‬ ‫يف املدة القادمة‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬هل يجب االستسالم لهذا الواقع املرير؟‬ ‫أعتقد أننا أمام سؤال مصريي‪ ،‬ال يتصل مبصري‬ ‫مناطق الريف الدمشقي فقط‪ ،‬بل مبصري‬ ‫الثورة بشكل كامل‪ .‬وطبعا لتغيري هذا الواقع‬ ‫املرير أعتقد أننا أيضاً يجب أن نخوض مخاضنا‬ ‫الحقيقي‪ ،‬عىل أن ينتج تجاوز الفصائلية املقيتة‪،‬‬ ‫والتنازل عن املشاريع املنهجية التي مل توصل إىل‬ ‫أي نتيجة‪ .‬ويف نفس الوقت رضورة العمل عىل‬ ‫االنفتاح عىل الجبهة الجنوبية مهام كان الثمن‪.‬‬ ‫مع إدراكنا أننا أمام صورة ساعة رمل‪ ،‬يف كل يوم‬ ‫يقل عدد الحبات فيها؛ أي أن الوقت محدود‬ ‫إلنجاز ذلك‪ ،‬وإال سيكون مصري باقي مناطق ريف‬ ‫دمشق كمصري داريا والهامة وقدسيا‪ ،‬ومصري‬ ‫الثورة السورية حينها سيكون يف نفق مظلم‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫الثورة ليست صورة ثابتة في‬ ‫الرأس أيها الشاعر الكبير‬ ‫د‪ .‬جمال الشوفي‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫مقاالت‬

‫الشاعر السوري “الكبري” عيل أحمد سعيد إسرب‪،‬‬ ‫واملعروف كناية باألسطورة “أدونيس”‪ ،‬والذي قال‬ ‫يف حديث لوكالة فرانس برس الفرنسية عىل هامش‬ ‫معرض غوتنربغ للكتاب‪ ،‬وبكل ثقة‪“ ،‬الشعر ال ميكنه‬ ‫ذبح طفل أو مامرسة القتل أو تهديم املساجد”‪،‬‬ ‫لكنه نيس أو تناىس أن الكلمة يف تأسيسها املعريف‬ ‫وببعدها الفكري والوجداين أشد فتكاً من وابل‬ ‫الرصاص واملدافع‪ .‬ففي منتصف عام ‪ ،2014‬حسب‬ ‫األنبار الكويتية‪ ،‬دعا إىل تغيري املجتمع جذرياً ال‬ ‫النظام‪ ،‬فـ”عَلامنيته” مل تقده للفصل بني تغيري‬ ‫املجتمع وبني تغيري منظومته املعرفية بالتدريج‬ ‫والرتاكم املجتمعي‪ ،‬وأن رشط بدايتها حرية التعبري‬ ‫وإطالق كوامن املجتمع الفعلية وزجها يف معادلة‬ ‫الدولة الوطنية‪ ،‬ال تحت وصاية وهيمنة القوى‬ ‫األمنية وعقائدية البعث السياسية‪ .‬وأيضاً مل يقده‬ ‫شعره للتعبري التضامني مع املجازر املرتكبة يف‬ ‫سوريا وال مع مرشديها يف شتات األرض! جون لوك‪،‬‬ ‫الذي نارص الثورة االنكليزية‪ ،‬وهرب أمنياً عىل‬ ‫أساسها‪ ،‬أسس مفهومياً للوظيفة العليا للدولة يف‬ ‫حامية الرثوة والحرية‪ ،‬وأن عىل الشعب أن يغري‬ ‫الحكومة‪ ،‬و “عَلامنية” أدونيس الشعرية مل ت َر ذلك‬ ‫أبداً!‬ ‫ال تكاد متر فرتة زمنية إال ويطالعنا بعض‬ ‫“ال َعلامنيني” أو”اليساريني” مبقوالتهم املنحوتة‬ ‫معنى‪ ،‬خاصة‬ ‫كالمياً‪ ،‬الباردة روحاً‪ ،‬ولرمبا القاتلة‬ ‫ً‬ ‫فيام يتعلق بتقييمهم ملجريات ثورات الربيع‬ ‫العريب والثورة السورية خاصة‪ .‬وليت فكر ما كان‬ ‫يسمى بـ”التقدمي”‪ ،‬اتقد بجملة مفاهيمية محدثة‬ ‫يف العامل السيايس والفكري تحقق أحد رشطيه‬ ‫عىل األقل‪ :‬التأسيس املفهومي‪ ،‬والنقد املعريف‬ ‫الذايت الذي كون صورة مسبقة عن عامل اليوم‬ ‫ومتغرياته املتسارعة‪ .‬فكام غريه من “اليساريني”‬ ‫أو”ال َعلامنيني” العرب‪ ،‬يأخذ أدونيس عىل الثورات‬ ‫أنها شوهت جامليتها وحقيقتها‪ ،‬وال ميكنه أن يرى‬ ‫الثورة تخرج من مظامل الناس املسحوقني وال من‬ ‫بساطة مطامحهم يف الحياة الحرة الكرمية‪ ،‬دون‬ ‫الخضوع ملرجعيات قهرية وآليات هيمنة عقائدية‬ ‫سياسية واقتصادية تحكم وتحيص أنفاسهم‪.‬‬

‫فالثابت “ال َعلامين” لديه منعه من رؤية متحول‬ ‫وطني أو حتى مفهومي يف الحريات ولقمة العيش‬ ‫الكرمية‪ ،‬ويبدو أن الثابت الوحيد الذي يراه هو‬ ‫ثابت وجودي محض‪ ،‬يتمثله يف بعده الشخيص‬ ‫السابق عىل كل معرفة وكل متغري واقعي‪.‬‬ ‫وقد يتفق كثري من النخب السياسية معه يف نقده‬ ‫للمعارضة السورية‪ ،‬وهذا حق‪ ،‬لكن أن يقدم‬ ‫مجازفة سياسية منقطعة عن جذورها املعرفية‪،‬‬ ‫فهذا خلط مفهومي‪ .‬فتحقيق االستقرار املدين‬ ‫والتأسيس للحريات السياسية واالنتصار ملظامل‬ ‫الشعوب‪ ،‬ستقود لالتفاق مع مسلمته الذهنية‬ ‫الثابتة يف تحقيق العلامنية يف املنطقة العربية‬ ‫مثلام حققتها الواليات املتحدة وفرنسا وبريطانيا‬ ‫وإيطاليا‪ ،‬ما يقود بكل لحظة لفتح حوار عن‬ ‫املوروث البطريريك ملجتمعات األرسة ومجتمعات‬ ‫التدين يف عمقها املعريف والسيكولوجي‪ ،‬ومل يكن‬ ‫هذا بعيداً عن مثقفينا يوماً‪ ،‬ال أن ُتصدر هذه‬ ‫األقنومة الصلدة يف صورة موقف سيايس مخاتل ال‬ ‫مييز بني حرية تنقله يف دول العامل منظراً للعلامنية‪،‬‬ ‫التي نريدها أيضاً‪ ،‬وللشعر‪ ،‬الذي نتذوقه أيضاً‪،‬‬ ‫طمعاً يف ترشيحه لجائزة عاملية‪ ،‬وبني منع اآلالف‬ ‫من السفر أمنياً واعتقالهم وترشيد املاليني!‬ ‫يف املنطق‪ ،‬قد تبدأ مبسلامت صحيحة فتقودك‬ ‫احتامالً إىل خطأ أو صواب‪ ،‬ومرد هذا للمنهج‬ ‫والطريقة يف التفكري ولرمبا لنفعية محضة اتفاقاً‬ ‫مع الفيلسوف الكبري املرحوم إلياس مرقص‪ ،‬فلن‬ ‫نختلف مع الفكر “ال َعلامين” هذا أو “اليساري”‬ ‫ذاك الذي يضعنا أمام بديهية ومسلمة كربى‪ :‬أن‬ ‫التجمعات البرشية األوىل للثورة السورية بدأت من‬ ‫الجوامع‪ ،‬لكن هل تساءل أصحاب املنهج “ال َعلامين”‬ ‫ذات يوم‪ ،‬ولرمبا تساءلوا وآثروا االستكانة إلجابة‬

‫قابعة يف الرأس أوالً و آخراً‪ ،‬متى كان مسموحاً‬ ‫للشباب السوري التجمع ألكرث من ثالثة؟ وهل ترك‬ ‫األمن ونظام الرقابة املحكم مكاناً لتجمع البرش غري‬ ‫املحافل الدينية دون أن مينعه أو يقفله أويعتقل‬ ‫أصحابه؟ ورمبا يتناسون تجربة ربيع دمشق‬ ‫ومنتدياتها‪ .‬وهل ُسمح للشباب السوري التجمع‬ ‫يف أي مكان آخر غري الجامع يضمنون به حامية‬ ‫تجمعهم من غزو همجي ألجهزة األمن وغريها‬ ‫قبل انطالقة أصواتهم والتعبري عن طلباتهم ورفع‬ ‫شعارتهم املنادية بالتغيري الدميوقراطي‪ ،‬بالحرية‬ ‫والكرامة واإلنسانية‪ ،‬بعدالة الفرصة املجتمعية‬ ‫والقانونية والعلمية والعملية؟‬ ‫وحيث أين ال أظن أن يقصد ملرات الجامع باملكان‪،‬‬ ‫بقدر قصده البنية الذهنية‪ .‬وهنا مأخذ أكرب لعلامين‬ ‫العرص‪ ،‬فمتى كانت العلامنية إلغاء للدين؟ فكونها‬ ‫فصل بني الدين والدولة‪ ،‬فهي تثبت الدين واعرتاف‬ ‫به وبحرية االعتقاد داخل منابره املتنوعة؛ فالتغيري‬ ‫املطلوب هو تغيري يف بنية الدولة ومؤسساتها ال يف‬ ‫مكنون الدين‪ ،‬وهذا من حيث املبدأ دون الدخول‬ ‫يف نقاش ديني أص ًال‪.‬‬ ‫يبدو أن ثبات الزمن يف مرشوعه “الثابت واملتحول”‬ ‫هو امليزة املعرفية الكربى ألدونيس أمام صدمة‬ ‫متغريات الواقع؛ فلم يتسع صدره لسامع اآلخرين‬ ‫ومل يسعفه ِشعره وال فلسفته املتحولة أليديولوجية‬ ‫نفعية من التوقف مع سؤال الهوية واملواطنة‬ ‫والعقد االجتامعي بالرضورة‪ .‬فلم ي َر الثورات‬ ‫سوى صورة ثابتة يف مخيلته‪ ،‬باردة لدرجة املوات‬ ‫الروحي‪ ،‬فال هو أنتج معرفياً‪ ،‬وال أقر برضورة‬ ‫تراكمه ومبساواة التجربة الحسية للكل املجتمعي‪،‬‬ ‫وال نأى بنفسه عن تصدير موقف سيايس “عَلامين”‬ ‫موارب ال يوصف نحتاً إال بال َعلام‪-‬لوجي‬


‫عاد الشتاء يا دمشق ولم تعدي‬ ‫‪7‬‬

‫يارا شامية‬

‫العدد ‪- 78 -‬‬ ‫‪2016 / 10 / 16‬‬

‫فمع كل شتاء تتحول معظم املخيامت إىل‬ ‫مستنقعات عشوائية موحلة‪ ،‬نتيجة األمطار‬ ‫وتضاؤل املساحات اإلسمنتية فيها‪ ،‬كام تداهم املياه‬ ‫عدداً من الخيام‪ ،‬بينام تتطاير أخرى بسبب الرياح‬ ‫والطقس العاصف‪.‬‬ ‫تقول “أم خالد” من أحد املخيامت‪“ :‬ميكننا التأقلم‬ ‫مع صعوبات الحياة نوعاً ما يف فصل الصيف‪ ،‬أما‬ ‫صعوبات الشتاء فهي فوق إمكاناتنا املحدودة”‪.‬‬ ‫وتضيف‪“ :‬أفضل لو لقيت وأرسيت املوت يف سوريا‬ ‫عىل حياة الشتات والنوم يف العراء التي نحياها‬ ‫هنا”‪.‬‬ ‫هذه القضية اإلنسانية تخطت قدرات املجتمع‬ ‫الدويل املحدودة عىل تخفيف معاناة الالجئني‪،‬‬ ‫الذين فاقت مأساتهم ما تعرض له كل الالجئني منذ‬ ‫الحرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫املازوت كنز الشتاء‬ ‫ً‬ ‫أصبحت هذه املادة حلام لكثري من العائالت‬ ‫السورية‪ ،‬بسبب عدم توفرها وغالء سعرها‪ ،‬نتيجة‬ ‫حظر الدولة لبيع املازوت بغرض التدفئة‪ ،‬وحرص‬ ‫الحصول عليه بالتسجيل عىل قسائم يف البلديات‬ ‫التابعة لكل منطقة‪.‬‬ ‫حيث خصصت ‪ 200‬ليرت للعائلة الواحدة تعطى‬

‫عىل دفعتني بسعر ‪ 180‬لليرت الواحد‪.‬‬ ‫لكن تلك القسيمة مجرد حرب عىل ورق‪ ،‬فالسيد‬ ‫هشام يقول‪“ :‬وقفت لساعات العام املايض يف‬ ‫طوابري طويلة ألسجل عىل قسيمة تدفئة‪ ،‬لكن مل‬ ‫يأت دوري حتى شهر حزيران أي يف فصل الصيف”‪.‬‬ ‫هذا ما أدى النتشار تجارة املازوت‪ ،‬التي بات لها‬ ‫سوقاً سوداء يباع فيها الليرت بـ ‪ 250‬وأحياناً ب ‪300‬‬ ‫لرية‪ ،‬أي ما يكلف األرسة الواحدة ‪ 75‬ألف لرية‬ ‫للحصول عىل ‪ 300‬ليرت فقط أي ما يعادل تقريباً‬ ‫راتب املوظف ملدة ثالثة شهور‪.‬‬ ‫يضيف هشام‪“ :‬قررت هذا العام أن أخصص مرتبي‬ ‫لتأمني مادة املازوت حتى لو كان ذلك عىل حساب‬ ‫بعض الحاجات املعيشية الرضورية‪ ،‬فالجوع وضيق‬ ‫الحال أهون من الربد الذي مل يرحم أحداً العام‬ ‫املايض” حسب تعبريه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عل ًام أن وضع الكهرباء يصبح أكرث سوءا يف فصل‬ ‫الشتاء‪ ،‬فال ميكن االعتامد عليها كوسيلة تدفئة‪ ،‬ما‬ ‫دفع الكثريين لالعتامد عىل الحطب للتدفئة بدالً‬ ‫من املازوت‪ ،‬رغم أنه يسبب مشاكل صحية فهو‬ ‫يطلق غاز أحادي أكسيد الكربون الذي يؤدي يف‬ ‫بعض الحاالت لالختناق‪ ،‬لكن يضطر السوريني‬ ‫الستخدامه للتأقلم مع قساوة الحياة‪.‬‬

‫تقارير‬

‫مل يبق سوى زخة لتعلن قدوم فصل الشتاء‪ ،‬الذي تحول‬ ‫يف سوريا من نعمة إىل نقمة عىل أولئك الذين يقطنون يف‬ ‫بيوت ال تتوفر فيها أدىن مقومات الحياة‪ .‬بيوت نزحوا إليها‬ ‫هرباً من ويالت الحرب‪ ،‬بعضها بأسقف مستعارة‪ ،‬وأخرى بال‬ ‫نوافذ تقي برد الشتاء‪ ،‬ناهيك عن آالف األرس التي تقطن يف‬ ‫بيوت “عىل الهيكل” ال يخجل أصحابها من تقايض أجرتها‪.‬‬ ‫فشتاء السوريني تحول من فصل الخري والعطاء لـ” نذير شؤم”‬ ‫كام عرب عنه “أبو محمد” املعيل ألرسة مؤلفة من مثانية أفراد‬ ‫تقطن يف بيت “عىل الهيكل” يف صحنايا‪ ،‬فيقول‪“ :‬عانيت‬ ‫وأرسيت األمرين يف الشتاء املايض؛ فلم أمتكن من توفري وقود‬ ‫للتدفئة يف بيت نوافذه مؤلفة من نايلون وشوادر قامشية‪،‬‬ ‫وأبوابه مجرد ستائر أو ألواح خشبية وسقوف تدلف مع كل‬ ‫عاصفة”‪ .‬يضيف‪“ :‬استأجرت هذا املنزل بعرشة آالف‪ ،‬واليوم‬ ‫رفع مالكه األجرة لـ‪ 15‬ألف!”‪.‬‬ ‫يف حني قىض محمد االبن األكرب كامل العام الدرايس املايض‬ ‫مبعطف مرقع وحذاء قديم ال يحمي أقدامه املتجمدة من‬ ‫الربد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أما والدته فتقول‪“ :‬متنيت أن أرى نور املدفأة متقدا ولو ليوم‬ ‫واحد‪ ..‬أن أفتح صنبور املاء فأحصل عىل ماء ساخن‪ ..‬كنا‬ ‫نعتمد عىل الغاز لتسخني املياه”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تلك القصة ليست مشهداً كرتونيا خرجت به بائعة الكربيت‬ ‫ليلة امليالد لتبحث عن مشرت يقيها برد الشتاء ويسد رمقها‬ ‫بوجبة طعام‪ ،‬إمنا هي واقع يعيشه ماليني السوريني املهجرين‬ ‫الذين هربوا من املناطق الساخنة ألخرى أكرث هدوءاً‪.‬‬ ‫أيضاً هناك آالف األرس السورية تعيش حياة قاسية يف مراكز‬ ‫اإليواء تحت مظلة النظام السوري‪ ،‬فهي عبارة عن مدارس‬ ‫تحولت لسكن جامعي‪ ،‬غالباً ال يضم إال دوريت مياه وأربعة‬ ‫صنابري باردة فقط‪ ،‬فيام تنعدم وسائل التدفئة من وقود‬ ‫وسجاد ومدافئ وغري ذلك‪ ،‬لكن ضيق الحال دفع البعض‬ ‫للحصول عىل غرفة صغرية بتلك املراكز رغم افتقارها‬ ‫ملقومات الحياة‪.‬‬ ‫األكرث سوءاً حال الالجئني يف املخيامت‪ ،‬املقدر عددهم وفقاً‬ ‫ملفوضية األمم املتحدة لشؤون الالجئني بأكرث من أربعة‬ ‫ماليني الجئ‪ ،‬بينهم مليون طفل موزعني يف لبنان واألردن‬ ‫وتركيا وكردستان العراق‪ ،‬يف خيام ال تقي برداً والريحاً ويف‬ ‫ظروف معيشية تفتقد أبسط أساسيات الحياة اإلنسانية‬ ‫الكرمية‪.‬‬


‫بين الظلم والمظلومية‬ ‫‪8‬‬ ‫المحامي أنور البني‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫يرتدد كثرياً يف النقاشات العامة‪ ،‬وخاصة خالل‬ ‫الفرتة املاضية‪ ،‬مصطلح املظلومية‪ ،‬ويتم تداول‬ ‫هذا املصطلح كمفهوم بديل عن الظلم الذي لحق‬ ‫بفئة أو مجموعة دينية أو قومية أو اجتامعية‪.‬‬ ‫وحسب رأيي هناك خطأ كبري بتداول هذا‬ ‫املصطلح‪ ،‬لوجود فارق كبري بني مفهوم الظلم‬ ‫ومصطلح املظلومية؛ فاملظلومية هي تعبري‬ ‫سيايس‪ ،‬بينام الظلم هو تعبري قانوين‪ .‬ففيام‬ ‫ميكن الحديث عن ظلم أو عدم عدالة ألي فئة‬ ‫أو مجموعة كبداية لرفع الظلم والتعويض عن‬ ‫الرضر‪ ،‬فإن مصطلح املظلومية يستخدم كمفهوم‬ ‫سيايس‪ ،‬ليس أمام القضاء أو أي جهة قادرة عىل‬ ‫رفع الظلم‪ ،‬وإمنا لشد عصبية وقيادة املجموعة‬ ‫نفسها التي تعرضت للظلم تحت رغبة االنتقام‬ ‫للظلم الالحق بها‪ ،‬وغالباً ما يستخدم هذا‬ ‫املصطلح قيادات تفرض نفسها عىل املجموعة‪،‬‬ ‫وتقمع كل صوت معارض مستخدمة هذا الشعار‬ ‫كتربير لجرامئها‪.‬‬ ‫لذلك وحسب رأيي فإن مستخدم مصطلح‬ ‫املظلومية ال يهدف بالنهاية لرفع الظلم عن الفئة‬ ‫التي تعرضت للظلم‪ ،‬وإمنا الستخدام هذا الظلم‬ ‫لتحقيق أهداف أخرى أهمها السلطة‪ .‬بل رمبا‬ ‫يرى أن من مصلحته تعميق هذا الظلم وزيادته‬ ‫حتى يربر أكرث اسئثاره بالسلطة ويربر جرامئه‪.‬‬ ‫ويقوم مستخدم هذا املصطلح بالتلويح به كأداة‬ ‫ابتزاز داخلية تجاه معارضيه‪ ،‬وخارجية تجاه‬ ‫األطراف األخرى غري الجهة التي ألحقت الظلم‬ ‫لتثبيت سلطته وربح مكاسب أكرب‪.‬‬ ‫وميكن أن نسقط هذا التفسري عىل الكثري من‬ ‫القضايا واملسائل التي عايشناها‪ ،‬ابتداء من‬ ‫موضوع القومية العربية التي تعرضت‪ ،‬حسب‬ ‫مستخدمي مفهوم املظلومية‪ ،‬إىل هجوم إمربيايل‬ ‫غريب صهيوين قسمها ومنع وحدتها وأبقاها‬ ‫فريسة الجهل والتخلف‪ ،‬ولكن حاميل هذا الشعار‬

‫الذين استولوا عىل السلطات ببلدانهم من أجله‬ ‫فعلوا كل يشء إال رفع الظلم وقيادة بالدهم نحو‬ ‫الوحدة والعلم والحضارة‪ ،‬ارتكبوا كل الجرائم‬ ‫بحق بعضهم وبحق شعوبهم‪ ،‬وحاربوا الجميع إال‬ ‫من ادعوا أنهم سبب مصائبهم‪ ،‬ومازلنا كشعوب‬ ‫عربية نتباىك عىل أنفسنا ونحمل مظلوميتنا‬ ‫كقميص عثامن‪ ،‬نحمله سبب مأساتنا وال نحمل‬ ‫القيادات املجرمة املسؤولية عنها‪.‬‬ ‫وكذلك املظلومية الفلسطينية التي حملتها كل‬ ‫قيادات الدول العربية لتزيد يف قمع شعوبها‬ ‫وتثبت سلطاتها‪ ،‬دون أن تحرك ساكناً تجاه‬ ‫املسؤول عن هذا الظلم‪ .‬والشعب الفلسطيني‬ ‫املظلوم أكرث من دفع مثن شعار املظلومية من‬ ‫دمه‪ ،‬ومع أن حاميل شعار مظلومية الشعب‬ ‫الفلسطيني هادنوا الجهة الظاملة “إرسائيل”‬ ‫ووقعوا اتفاقات معها‪ ،‬إال أنهم أبدا مل يهادنوا أو‬ ‫يتفقوا مع رفاقهم من الشعب الفلسطيني‪ ،‬وبقي‬ ‫القتال بينهم دون هوادة‪.‬‬ ‫والظلم الالحق بالكورد يف الرشق‪ ،‬إن كان بسوريا‬ ‫أو العراق أو تركيا أو إيران‪ ،‬استخدم تحت شعار‬ ‫املظلومية لبناء أحزاب منغلقة قمعية حديدية‬ ‫حاربت الجميع وأولهم األكراد أنفسهم‪ ،‬وكانت‬ ‫أداة بيد الجميع‪ ،‬تخدم أجندات ال عالقة لها‬ ‫بالشعب الكوردي‪ ،‬تحت شعار املظلومبة نفسه‪،‬‬ ‫وتحت هذا الشعار تم التالعب بالشعب الكوردي‬ ‫وبحلمه بدولة قومية‪ ،‬ودفع الشعب الكردي من‬ ‫دمه ومعاناته الكثري‪ .‬وكذلك يف الوقت التي يقوم‬ ‫به حاميل هذا الشعار ببناء هدن وتحالفات مع‬ ‫من ألحق الظلم بالشعب الكوردي‪ ،‬فإنه ال تتم‬ ‫املهادنة أو االتفاق مع األكراد الذين يعارضون‬ ‫هذه األحزاب‪ ،‬ووجهت بنادقها وجهودها ضد‬ ‫الجميع إال الجهة التي ألحقت الظلم بها‪.‬‬ ‫وحكاية الظلم الذي لحق بالعلويني يف سوريا‬ ‫مبرحلة ما من الزمن‪ ،‬حسب ما يشعر العلويون‪،‬‬

‫استخدمت كشعار مظلومية لتسلط فئة من‬ ‫العلويني عىل السلطة يف سوريا‪ ،‬وتحت هذا‬ ‫الشعار تم قتل وتهجري الشعب السوري‪ ،‬وتدمري‬ ‫سوريا انتقاماً لهذه املظلومية املفرتضة‪ ،‬وحت ًام‬ ‫كان االنتقام من العلويني املع ّرضني لهذه السلطة‬ ‫أشد وأقىس‪ ،‬بسبب أنهم من املظلومني أساساً‬ ‫ويتوجب عليهم االنصياع‪ ،‬وحت ًام مل تقم هذه‬ ‫الفئة أبداً برفع الظلم عن الطائفة املظلومة‪ ،‬بل‬ ‫عمقت إحساسها بالظلم‪ ،‬بل زادت من ظلمها‪ ،‬إال‬ ‫من انصاع والتزم معها بشكل كامل وأصبح وقوداً‬ ‫يف مشاريعها السلطوية‪.‬‬ ‫واملظلومية الشيعية يف العراق أثناء حكم صدام‬ ‫حسني جعلت نظام املاليل املجرم بطهران ينتقم‬ ‫بأبشع صورة من البيئة السنية التي ال ناقة لها‬ ‫وال جمل بهذه املظلومية‪ ،‬بعدما وضع يده عىل‬ ‫السلطة ببغداد‪.‬‬ ‫واملظلومية الشيعية يف لبنان كذلك جعلت من‬ ‫حزب الله يضع يده عىل كل مقدرات لبنان‪،‬‬ ‫وقمع وقتل وهجر كل معارضيه وخاصة من‬ ‫الشيعة أنفسهم‪.‬‬ ‫شعار املظلومية هو شعار يهدف لالنتقام للظلم‪،‬‬ ‫ليس برفعه بل بإلحاق ظلم أكرب باآلخرين‪ .‬وليس‬ ‫بالرضورة أبداً أن يكون بحق الجهة الظاملة‪ ،‬بل‬ ‫غالباً ال يكون كذلك‪ ،‬بل غالباً يكون هذا االنتقام‬ ‫من جهات أخرى ال عالقة لها بهذا الظلم‪.‬‬ ‫شعار املظلومية الذي حملته القيادات السياسية‬ ‫والقومية والدينية والطائفية لتجييش الناس هو‬ ‫من أوصل الشعب السوري لهذا الوضع‪ ،‬ودفع‬ ‫باالحتقان إىل مستويات عليا‪.‬‬ ‫يجب العودة إىل معالجة الظلم بالعدالة وليس‬ ‫بظلم اآلخر‪ ،‬وما دامت أبواب العدالة مغلقة‪،‬‬ ‫فدعوات االنتقام ستظل ترفرف وتستدعي‬ ‫الدماء‪ ،‬وأول الخطوات محاكمة املجرمني وإعادة‬ ‫االعتبار للحقوق‪.‬‬


‫أربعة أعوام على اعتقال‬ ‫المحامي خليل معتوق‬

‫‪9‬‬

‫المحامي ميشال شماس‬

‫العدد ‪- 78 -‬‬ ‫‪2016 / 10 / 16‬‬

‫مىض عىل اعتقال صديقي وأستاذي املحامي خليل‬ ‫معتوق أربع سنوات‪ ،‬مل ولن تستطيع أن متحو‬ ‫طيفه من ذاكريت‪ ،‬فحضوره مازال قوياً رغم ابتعاده‬ ‫القرسي‪ ،‬هو بعيد بجسده يف زنزانته وحيداً‪ ،‬لكنه‬ ‫قريب بطيفه وروحه‪.‬‬ ‫طلب منّي‬ ‫ال زلت أذكر يف إحدى ليايل صيف ‪َ 1992‬‬ ‫األستاذ خليل أن أرافقه إىل مكتبه القريب من ساحة‬ ‫الشهبندر بدمشق لكتابة مذكرة دفاع عن عرشة‬ ‫معتقلني اتهموا بتشكيل “لجنة الدفاع عن حقوق‬ ‫اإلنسان يف سوريا”‪ ،‬كان يتلو ع ّ‬ ‫يل نص املذكرة‪ ،‬وأنا‬ ‫أخطها حرفاً حرفاً وكلمة كلمة عىل آلة كاتبة صغرية‪،‬‬ ‫وكان الخوف يتسلل إىل نفيس مع ّ‬ ‫كل كلمة ُ‬ ‫كنت‬ ‫أخطها ملا فيها من جرأة غري معهودة يف الدفاع عن‬ ‫هؤالء العرشة‪ ،‬ومع الوقت بدأ الخوف يتالىش رويداً‬ ‫رويداً بعد أن اندمجت كلياً يف روح تلك املذكرة‬ ‫التي فتحت عيوين وعقيل عىل ما يعانيه أصحاب‬ ‫الرأي الحر والكلمة الحرة‪ ..‬ورضورة الوقوف معهم‬ ‫ومساندتهم والدفاع عنهم‪..‬‬ ‫أربعة أعوام مضت عىل اعتقال صديقي واستاذي‬ ‫دون أن يربح مخيلتي‪ ،‬يأتيني يف املنام‪ ،‬يحدثني‪..‬‬ ‫يناقشني يف قضايا املعتقلني‪ ..‬مل أستطع أن أنساه‪،‬‬ ‫وكيف يل أن أنساه وهو الذي فتح يل مكتبه وقلبه‬ ‫وأخذ بيدي يف مهنة املحاماة‪ ،‬وزادين بعلمه وخربته‬ ‫الكثري الكثري؟ وحتى عندما ُ‬ ‫نلت لقب أستاذ يف‬ ‫املحاماة مل أستطع الفكاك عنه‪ ،‬فبقيت يف مكتبه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تقاسمت معه عمل املكتب وانخرطت معه يف‬ ‫قضايا الدفاع عن حقوق اإلنسان السوري وحرياته‪..‬‬ ‫يف العام ‪ 2000‬أعلن نهائياً تفرغه للعمل يف مجال‬ ‫الدفاع عن حقوق اإلنسان بعيداً عن أي عمل سيايس‪،‬‬ ‫فكان قراره اعتزاله العمل السيايس‪ ،‬بعد أن شعر أن‬ ‫اشتغاله بالسياسة سوف يضعف من حامسته يف‬ ‫الدفاع عن حقوق اإلنسان السوري ويضعف من‬ ‫استقاللية موقفه‪ ،‬وقال حينها‪“ :‬إن العمل يف مجال‬ ‫حقوق اإلنسان يجب أن يكون منزهاً عن أي ميل أو‬ ‫هوى يف السياسة ألي اتجاه كان”‪ .‬وفتح قراره الهام‬ ‫باعتزال العمل السيايس لصالح التفرغ التام للعمل‬

‫يف الدفاع عن حقوق اإلنسان يف سورية‪ ،‬الطريق‬ ‫أمام تعزيز عمل املدافعني عن حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫ومع انطالقة ربيع دمشق بعد موت األسد األب‬ ‫وخالفة ابنه بشار الحكم‪ ،‬وانتشار املنتديات‬ ‫السياسية يف مختلف املحافظات السورية‪ ،‬كان‬ ‫أبرزها يف دمشق منتدى األتايس‪ ،‬و”مركز حقوق‬ ‫اإلنسان” الذي أنشأه األستاذ خليل معتوق يف منزله‪،‬‬ ‫لكن مل ميض شهران عىل فتح ذلك املركز حتى بادرت‬ ‫السلطات السورية إىل إغالقه وجميع املنتديات‬ ‫األخرى‪ ،‬يف حملة أمنية غري مسبوقة طالت أبرز‬ ‫نشطاء املجتمع املدين يف سورية‪ ،‬حيث تم اعتقال‬ ‫العرشات يف مقدمتهم األستاذ رياض الرتك واألستاذ‬ ‫حبيب عيىس والدكتور عارف دليلة وغريهم‪ ،‬ومتت‬ ‫إحالتهم إىل محكمة أمن الدولة العليا‪ ،‬وهنا انربى‬ ‫األستاذ خليل معتوق مع ثلة من املحامني للدفاع‬ ‫عنهم بكل قوة وعزم‪.‬‬ ‫وكان للمحامي خليل معتوق دور بارز يف الدفاع أيضاً‬ ‫عن مجموعة معتقيل إعالن دمشق بريوت‪ -‬بريوت‬ ‫دمشق‪ ،‬ويف مقدمتهم املحامي األستاذ أنور البني‬ ‫والشهيد مشعل متو‪ ،‬هذا اإلعالن الذي دعا إىل إعادة‬ ‫تصحيح العالقات بني سوريا ولبنان‪ ..‬وبينام كانت‬ ‫املحاكامت جارية يف القرص العديل بدمشق‪ ،‬شنت‬ ‫السلطات السورية حملة اعتقاالت واسعة طالت‬ ‫عدداً من قيادة التجمع الوطني إلعالن دمشق إثر‬ ‫اجتامع عقدوه يف دمشق‪ ،‬مام دفع باملحامي خليل‬ ‫معتوق إىل بذل جهود حثيثة من أجل تنظيم الدفاع‬ ‫عنهم مع عدد من املحامني الذين تطوعوا للدفاع‬ ‫عنهم‪ ،‬من بينهم كاتب هذه السطور واملحامون‬ ‫حسني عيىس وجيهان أمني واملحامية رزان زيتونة‬ ‫واملحامي ناظم حامدي اللذين خطفا يف دوما منذ‬ ‫ثالث سنوات وغريهم‪.‬‬ ‫ومع بداية الثورة السورية ازداد الضغط عىل األستاذ‬ ‫خليل معتوق ورفاقه الذين ضاعفوا من جهودهم‬ ‫نظراً لألعداد الكبرية التي كان يتم اعتقالها يومياً عىل‬ ‫خلفية التظاهرات واالعتصامات التي كانت تشهدها‬ ‫البالد‪ .‬واستمر األمر عىل هذه الحالة حتى تاريخ‬

‫‪ 2/10/2012‬عندما فوجئنا بخرب اعتقال املحامي‬ ‫خليل معتوق مع صديقه محمد ظاظا بعد خروجه‬ ‫من منزله بصحنايا متجهاً إىل مكتبه الكائن بدمشق‪.‬‬ ‫ليتحول من مدافع عن املعتقلني إىل معتقل يحتاج‬ ‫إىل من يدافع عنه‪.‬‬ ‫خليل معتوق هذا املحامي اإلنسان الذي ميثل ضمري‬ ‫كل سوري وسورية‪ ،‬وكل إنسان يتطلع نحو الكرامة‬ ‫والحرية‪ ،‬هذا اإلنسان الذي انحاز منذ نعومة‬ ‫أظفاره للدفاع عن املظلومني واملضطهدين‪ ،‬وهو‬ ‫الذي أمىض أكرث من عرشين عاماً يف طريق معركة‬ ‫الدفاع عن معتقيل الرأي والضمري‪ ،‬ساهم خاللها مع‬ ‫العديد من رفاقه يف الدفاع عن آالف من املعتقلني‬ ‫السياسيني ومعتقيل الرأي والضمري من شيوعيني‬ ‫ونارصيني وإسالميني وبعثيني ونشطاء حقوق إنسان‪،‬‬ ‫هو اآلن يحتاج كعرشات اآلالف من املعتقلني إىل‬ ‫دعمنا جميعاً‪.‬‬ ‫خليل معتوق وزمالؤه املعتقلني من زنزاناتهم وكل‬ ‫املؤمنني بح ّرية الشعب السوري مستمرون يف‬ ‫النضال ض ّد االستبداد والطغيان مل ولن يتوقفوا‪ ،‬حتى‬ ‫يتحرر كل املعتقلني وتتحرر معهم كل السوريات‬ ‫والسوريني‪.‬‬


‫قانون العقوبات السوري والمرأة‬ ‫‪10‬‬ ‫المحامية دعد موسى‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫ال يعترب قانون العقوبات السوري العنف ض ّد املرأة‬ ‫جرمية‪ ،‬بل يشجع عىل ارتكاب العنف ضدّها يف‬ ‫العديد من مواده‪ ،‬ونشري هنا إىل بعضها‪:‬‬ ‫فصل االعتداء عىل العرض الوارد يف املواد‬ ‫‪ - 1‬‬ ‫‪ 489‬إىل ‪508‬‬ ‫املادة ‪“ :489‬من أكره غري زوجه بالعنف‬ ‫ ‬‫أو التهديد عىل الجامع عوقب باألشغال الشاقة خمس‬ ‫عرشة سنة عىل األقل”‪.‬‬ ‫(االغتصاب الزوجي)‪ :‬هذه املادة ال تعرتف باالغتصاب‬ ‫يف إطار الزوجية؛ مبعنى أنها تعطي للزوج حق اغتصاب‬ ‫زوجته قانوناً‪ ،‬لذلك ال بد من تعديل نص املادة وحذف‬ ‫كلمة “غري زوجه” من تعريف االغتصاب‪.‬‬ ‫املادة ‪ - 508‬زواج ضحايا العنف من‬ ‫ ‬‫مرتكب الجرمية‪:‬‬ ‫إذا عقد زواج صحيح بني مرتكب الجرائم‬ ‫‪ - 1‬‬ ‫الواردة يف هذا الفصل وبني املعتدى عليها أوقفت‬ ‫املالحقة‪ ،‬وإذا كان صدر حكم بالقضية علق تنفيذ‬ ‫العقاب الذي فرض عليه‪.‬‬ ‫يعاد إىل املالحقة أو إىل تنفيذ العقوبة‬ ‫‪ - 2‬‬ ‫قبل انقضاء ثالث سنوات عىل الجنحة وانقضاء خمس‬ ‫سنوات عىل الجناية إذا انتهى الزواج إما بطالق املرأة‬ ‫دون سبب مرشوع أو بالطالق املحكوم به ملصلحة‬ ‫املعتدى عليها‪.‬‬ ‫وهذه املادة تم تعديلها لتصبح عىل الشكل التايل‪:‬‬ ‫املادة ‪ :9‬تلغى املادة ‪ 508‬ويستعاض عنها بـ “إذا عقد‬ ‫زواج صحيح بني مرتكب إحدى الجنايات الواردة يف‬ ‫هذا الفصل وبني املعتدى عليها‪:‬‬ ‫يستفيد من العذر املخفف وفق أحكام‬ ‫‪ - 1‬‬ ‫املادة ‪ 241‬عىل أن ال تقل العقوبة عن الحبس سنتني‪،‬‬ ‫ويعاد إىل محاكمة الفاعل إما بطالق املرأة دون سبب‬ ‫مرشوع أو بطالق املحكوم ملصلحة املعتدى عليها قبل‬ ‫انقضاء خمس سنوات‪.”..‬‬ ‫ألغيت املادة (‪ )508‬والتي كانت تعفي املعتدي عىل‬ ‫الضحية من العقوبة يف حال زواجه منها بعقد زواج‪،‬‬ ‫ويحبس سنتني فقط و‪ 5‬سنوات إذا طلقها‪ .‬الزواج‬ ‫مكافأة وتشجيع ملرتكبي العنف الجنيس ض ّد النساء‪،‬‬ ‫وانتهاك لكرامة وحرية النساء وحقهن باختيار الزوج‪،‬‬

‫وال بد من معاقبة املجرمني عىل جرامئهم وعدم إكراه‬ ‫الفتيات عىل الزواج ملنع الفضيحة والسرتة‪.‬‬ ‫وهنا نشري إىل تعدد املصطلحات املستخدمة يف هذا‬ ‫الفصل من قانون العقوبات لناحية توصيف الجرم‬ ‫ووسائل االثبات وحق الشكوى‪ ،‬وبالنتيجة االتهام‬ ‫والعقوبة‪ .‬حيث أن هناك العديد من األحكام القضائية‬ ‫يف قضايا االعتداءات الجنسية تختلف من حالة ألخرى؛‬ ‫فمرة تعترب الفعل اغتصاباً وأخرى ّ‬ ‫فض بكارة وثالثة‬ ‫فحشاء ورابعة فع ًال مناف للحشمة‪ ..‬وبالتايل قد‬ ‫يستخدم املعتدون تلك املواد والتفسريات كوسيلة‬ ‫دفاع ويتملصون من العقاب‪ ،‬أو ينالون عقاباً بسيطاً‬ ‫يف أحسن األحوال‪.‬‬ ‫األعذار املخففة واألسباب املخففة‬ ‫‪ - 2‬‬ ‫التقديرية التي تستخدم كدفاع للتخفيف من العقوبة‬ ‫يف قضايا ما يسمى “جرائم الرشف”‪:‬‬ ‫املادة ‪ 548‬معدلة‪“ :‬يستفيد من العذر املخفف من‬ ‫فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته يف جرم‬ ‫الزنا املشهود‪ ،‬أو يف صالت جنسية فحشاء مع شخص‬ ‫آخر فأقدم عىل قتلهام أو إيذائهام أو عىل قتل أو إيذاء‬ ‫أحدهام بغري عمد‪ ،‬عىل أن ال تقل العقوبة عن الحبس‬ ‫مدة سنتني يف القتل”‪.‬‬ ‫املادة ‪ 548‬من قانون العقوبات بعد التعديل باملرسوم‬ ‫الترشيعي رقم ‪ 37‬لعام ‪ 2009‬وطرأ تعديل آخر عىل‬ ‫هذه املادة باملرسوم رقم ‪ 1‬لعام ‪ 2011‬برقم مادة ‪:15‬‬ ‫“يستفيد من العذر املخفف من فاجأ‪ ..‬وتكون العقوبة‬ ‫الحبس من ‪ 5‬سنوات إىل ‪ 7‬سنوات عىل األقل”‪.‬‬ ‫التعديل يعطي عذراً مخففاً للرجل‪ ،‬ويعترب الجرم‬ ‫جنحة‪ ،‬عل ًام أنه جناية قتل‪ .‬ويخفض من العقوبة يف‬ ‫حال قتله أو إيذائه زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو‬ ‫أخته عند مفاجأتهم بجرم زنا مشهود أو صالت جنسية‬ ‫فحشاء مع رجل‪.‬‬ ‫الدافع الرشيف الوارد يف املادة ‪:192‬‬ ‫ ‬‫املادة ‪“ : 192‬إذا تبني للقايض أن الدافع كان رشيفا‪ً،‬‬ ‫قىض بالعقوبات التالية‪ :‬االعتقال املؤبد بدالً من‬ ‫اإلعدام‪ ،‬االعتقال املؤبد أو لخمسة عرش سنة بدالً‬ ‫من األشغال الشاقة املؤقتة‪ ،‬الحبس البسيط بدالً من‬

‫الحبس مع التشغيل”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هذه املادة تعطي عذرا مخففا إذا ارتكبت الجرمية‬ ‫بدافع رشيف‪ ،‬لكنها مل تحدد ماهية الدافع الرشيف‪،‬‬ ‫مام يؤدي إىل إعطاء الحق للرجال يف العائلة يف‬ ‫مامرسة العنف ض ّد النساء (قت ًال أو إيذاء) بحجة‬ ‫الدافع الرشيف‪ .‬ال بد من تعديل هذه املادة واستبعاد‬ ‫جرائم الرشف املرتكبة ض ّد النساء يف العائلة من نطاق‬ ‫تطبيقها‪ ،‬ألنها تشجع عىل قتل النساء بذريعة الرشف‪.‬‬ ‫االستفزاز الوارد يف املادة ‪ 242‬من قانون العقوبات‪:‬‬ ‫“ما يسمى الجرائم املرتكبة باسم العاطفة”‪.‬‬ ‫املادة ‪“ : 242‬يستفيد من العذر املخفف فاعل الجرمية‬ ‫الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل‬ ‫غري محق‪ ،‬وعىل جانب من الخطورة أثاره املجني‬ ‫عليه”‪.‬‬ ‫هذه املادة التي تعطي عذراً مخففاً لفاعل الجرمية‬ ‫التي يقدم عليها بسورة غضب شديد‪ ،‬وتتحول‬ ‫الجرمية من جناية إىل جنحة‪ ،‬وتنخفض فيها العقوبة‬ ‫بشكل كبري‪ .‬والعلة من التخفيف هنا هي أن مرتكب‬ ‫الجرمية أقدم عليها بدون التحكم بإرادته‪ ،‬بسبب‬ ‫عمل غري محق أىت به املجني عليه‪ ،‬وتستخدم هذه‬ ‫املادة للتخفيف من العقوبات يف الجرائم التي ترتكب‬ ‫بحجة وبدواعي الدفاع عن العرض والرشف‪ .‬فال بد‬ ‫من تعديلها واستبعاد تطبيقها عىل مثل هذه الجرائم‪،‬‬ ‫وذلك للحد من العنف ضد النساء‪.‬‬


‫سراطين تلتهم الطفولة‬ ‫‪11‬‬

‫قصي األحمد‬

‫العدد ‪- 78 -‬‬ ‫‪2016 / 10 / 16‬‬

‫تقارير‬

‫بنظراتها الطفولية الربيئة‪ ،‬وبوجهها الشاحب‪،‬‬ ‫استقبلتنا الطفلة تسنيم‪ ،‬ابنة الثامنية أعوام‪،‬‬ ‫وهي مستلقية عىل رسير املرض‪ ،‬ويف يدها‬ ‫النحيلة إبرة تتلقى من خاللها جرعة كيميائية‬ ‫ملرضها‪.‬‬ ‫بجانب تسنيم لعبتها الصغرية‪ ،‬التي ال تكاد‬ ‫تقوى عىل حملها‪ ،‬واللعب بها‪.‬‬ ‫حاولنا الكالم معها‪ ،‬لكن كالمها كان متقطعا‪ً،‬‬ ‫تبدو فيه عالمات التعب والوهن‪.‬‬ ‫بجانب تسنيم تجلس جدتها‪ ،‬تنظر إليها بعني‬ ‫الرأفة أحياناً‪ ،‬وبعني القلق أحياناً أخرى‪ .‬تقول‪:‬‬ ‫“قبل أربع سنوات‪ ،‬الحظنا تغرياً طرأ عىل صحة‬ ‫الطفلة‪ ،‬حيث أصيبت بوهن عام يف جسدها‪.‬‬ ‫اعتقدنا يف البداية أنه مرض عادي‪ ،‬مام يصيب‬ ‫األطفال عادة‪ .‬غري أن التحاليل كشفت لنا‪ ،‬أنها‬ ‫قد أصيبت مبرض رسطان الدم‪ ،‬أو ما يعرف‬ ‫باالبيضاض اللمفاوي الحاد‪..‬‬ ‫كان هذا الخرب صدمة كبرية لنا‪ ،‬غري أن ما خفف‬ ‫عنا وقعته‪ ،‬هو أن املرض كان يف بدايته‪ ،‬واليزال‬ ‫معنا متسع من الوقت لعالجها”‪.‬‬ ‫يف مشفى البريوين بدمشق‪ ،‬بدأت تسنيم رحلة‬ ‫عالج صعبة؛ فطريقها الطويل من مسكنها يف‬ ‫مدينة دوما إىل املشفى ميلء بحواجز لقوات‬ ‫النظام عليها اجتيازها‪ ،‬وكثرياً ما تستهلك رحلتها‬ ‫هذه أكرث من عرش ساعات!‬ ‫بدأت الطفلة تتامثل للشفاء شيئاً فشيئاً رغم‬ ‫كل هذا‪ ..‬غري أن انقطاعها عن العالج‪ ،‬سبب‬ ‫تراجعاً يف حالتها الصحية‪ ،‬ذلك أن قوات النظام‬ ‫أطبقت حصارها عىل الغوطة‪ ،‬ومنعت أي أحد‬ ‫من الدخول والخروج منها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أصبحت حالة تسنيم تزداد سوءا‪ ،‬وبدأت عالمات‬ ‫تطور املرض تظهر عليها‪“ :‬ونحن ننظر إليها وال‬ ‫ندري ما نفعل‪ ..‬إىل أن علمنا بافتتاح مركز رحمة‬ ‫ألمراض الدم واألورام يف الغوطة‪ ،‬فتوجهنا إليه‬ ‫مبارشة‪ ،‬وبدأنا فيه رحلة عالج أخرى‪.”..‬‬

‫إال أن استجابة تسنيم هذه املرة‪ ،‬كانت ّ‬ ‫أقل من‬ ‫املرة املاضية‪ ،‬بسبب النقص الكبري يف األدوية‬ ‫واألغذية الالزمة لها‪.‬‬ ‫تع ّلق الجدة‪“ :‬ولكن عىل األقل‪ ،‬هذا أفضل من‬ ‫بقائها بال عالج”‪.‬‬ ‫بدأت عالمات التحسن تظهر عىل الطفلة‬ ‫ببطء‪ ،‬وساعدها يف ذلك‪ ،‬وجود عائلتها بالكامل‬ ‫بجانبها‪ ،‬فعناية أبيها بها‪ ،‬وحنان أمها عليها‪،‬‬ ‫ومواساة إخوتها لها‪ ،‬كلها ساعدت بشكل كبري‪،‬‬ ‫بتحسن حالة الطفلة‪ ،‬ومتاثلها للشفاء‪.‬‬ ‫غري أن األقدار شاءت غري ذلك‪ ،‬فمن حرمها من‬ ‫الخروج الستكامل عالجها أول مرة كان نفسه‬ ‫السبب يف تأخر شفائها هذه املرة‪ ،‬لكن بطريقة‬ ‫أشد‪.‬‬ ‫ذلك أن الطفلة تلقت صدمة كبرية ‪-‬لن تشفيها‬ ‫الجرعات الكيميائية ومراكز العالج‪ -‬أدت لتدهور‬ ‫حاد يف صحتها‪ ،‬بل إىل تدهور يف حالتها النفسية‬ ‫واالجتامعية‪ ..‬إنها صدمة استشهاد والدها‪ ،‬يف‬ ‫قصف لقوات النظام‪ ،‬عىل مدينة دوما‪.‬‬

‫دخلت تسنيم بعدها‪ ،‬يف حالة نفسية مزرية‪،‬‬ ‫فأصبحت شديدة البكاء‪ ،‬وصارت استجابتها‬ ‫للشفاء أقل من قبل‪.‬‬ ‫تسنيم هي واحدة من ‪ 170‬طفل‪ ،‬مصابني‬ ‫بالرسطان يف الغوطة الرشقية‪ ،‬بحسب الدكتورة‬ ‫وسام الرز مديرة مركز رحمة ألمراض الدم‬ ‫والرسطان‪ ،‬واملرىض يعانون من نقص كبري‬ ‫باألدوية وعدم توفر األجهزة الالزمة لعالجهم‪.‬‬ ‫بل إن بعضهم فارق الحياة بسبب العديد من‬ ‫هذه الصعوبات‪ ،‬وأحياناً أقل منها‪..‬‬ ‫ال تزال تسنيم تتابع عالجها يف مركز رحمة‪ ،‬وهي‬ ‫تشعر باستمرار أنها ليست كبقية األطفال الذين‬ ‫يف سنها‪ ،‬خصوصاً وأن املرض يؤثر عىل نشاطها‬ ‫اليومي‪ ،‬ويش ّكل وهناً يف جسدها‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫آالم املرض والعالج‪ ،‬كوخزة اإلبرة‪ ،‬والجرعة‬ ‫الكيميائية‪ ،‬وغريها‪..‬‬ ‫وأشدها صورة والدها‪ ،‬التي ال تزال يف مخيلتها‪،‬‬ ‫إىل اليوم‪.‬‬


‫النساء في حظيرة السلطة‬ ‫‪12‬‬ ‫إباء منذر‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫كنت يف الخامسة من عمري حني أدخلتني أمي روضة‬ ‫تابعة لالتحاد النسايئ‪ ،‬كثري من أطفال جييل سجلوا يف‬ ‫روضة “الرباعم” لكنني اختلفت عنهم‪ ،‬اعتقدت لفرت ٍة‬ ‫طويلة ّأن يف ذلك امتياز ما‪ ،‬وكنا كأطفال نشارك يف‬ ‫أنشطة تابعة لهذا االتحاد املجهول بالنسبة يل‪ ،‬فهمت‬ ‫الحقاً وبالتدريج ّأن للنساء اتحاد يف بلدي من املفرتض‬ ‫أن يحمل همومهن‪.‬‬ ‫يف مراهقتي كثرياً ما كنت أنصح صديقتي التي تتعرض‬ ‫للرضب من قبل أهلها لزيارة هذا االتحاد‪ ،‬كانت تضحك‬ ‫ساخرة وأنا أحاول إقناعها مبا أتخيله عن هذا املكان‪:‬‬ ‫أخربها أنه معني بكل النساء يف سوريا‪ ،‬ص َورته كأحد‬ ‫مؤسسات املدينة الفاضلة‪“ :‬ال تقلقي جريب لن تخرسي‬ ‫شيئاً” هذا ما أقوله لها‪ ،‬لكنها تضحك وهي تردّد‪“ :‬رش‬ ‫البلية ما يضحك”‪ ،‬ال أدري ملاذا انطبعت يف ذهني كل‬ ‫هذه الصورة الوردية عن هذا املكان‪ ،‬ال أعلم بدقة من‬ ‫صاحب الغرس الذهني األول لهذه الفكرة‪ ،‬مع أنه من‬ ‫بربنامج تلفزيوين خاص‬ ‫االتحادات القليلة التي مل تنعم‬ ‫ٍ‬ ‫عىل القناة األوىل‪.‬‬ ‫عندما ازددت وعياً أعدت املونولوج الداخيل لصديقتي‪،‬‬ ‫وفكرت مبا كان يدور يف ذهنها وأنا كالبلهاء أقنعها‬ ‫بجدوى الشكوى التحادنا نحن النساء‪ ،‬لعلها اعتربتني‬ ‫خارج الزمان واملكان‪ ،‬أو رمبا ابتلعت كلامتها خوفاً من‬ ‫التهمة الجاهزة لكل من ال يؤمن مبؤسسات الدولة‪:‬‬ ‫“إضعاف الشعور القومي‪ ،‬ومعاداة أهداف الثورة‪،‬‬ ‫والطعن مبنجزات الحركة التصحيحة‪ ،”..‬وهي من التهم‬ ‫التي كانت توجه للمعتقلني السياسيني‪.‬‬ ‫تأخرت بعض اليشء يف فهم “منجزات الحركة‬ ‫التصحيحة”‪ ،‬ال سيام االتحاد النسايئ الذي من خالله‬ ‫قدّم النظام نفسه عىل أنه األكرث انفتاحاً يف املنطقة‬ ‫لناحية حقوق املرأة ودورها يف املجتمع‪ ،‬وهو ما حاول‬ ‫تكريسه مؤخراً عرب تعيني امرأة (هدية عباس) رئيساً‬ ‫ملجلس الشعب السوري‪.‬‬

‫فشل قانوين‬

‫املؤسسة التي حملت شعارات حامية املرأة وتوحيد‬ ‫طاقاتها وإزالة القيود الحائلة أمام تطورها مل تفلح يف‬ ‫تغيري القوانني مبا يحفظ كرامة املرأة السورية ويحمي‬ ‫حقوقها‪ ،‬رمبا قدمت بعض النصائح فيام يخص تحديد‬ ‫النسل والصحة اإلنجابية‪ ،‬إىل جانب رشيكتها يف‬

‫األهداف (الهيئة السورية لتنظيم األرسة التي تأسست‬ ‫يف العام ‪ )2003‬إال ّأن كلتا الجهتني عجزتا عن انتزاع‬ ‫قانونٍ يعطي املرأة السورية املتزوجة من أجنبي الحق‬ ‫يف منح أطفالها الجنسية‪.‬‬ ‫كذلك الحال فيام يخص قانون ‪-‬ما ُيس ّمى‪ -‬جرائم‬ ‫الرشف‪ ،‬الذي يهدر دم النساء ملجرد الشبهة‪ ،‬ويضعهن‬ ‫تحت رحمة الذكور؛ فبعد حمالت متواصلة من قبل‬ ‫تم إجراء بعض‬ ‫جمعيات أهلية وحقوقية إللغائه‪ّ ،‬‬ ‫التعديالت الشكلية عليه مع االحتفاظ مبضمونه‪ ،‬حيث‬ ‫نص آخر تعديل عام ‪ 2011‬عىل الحد األقىص للعقوبة‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫(سبع سنوات) مع اإلبقاء عىل العذر املخ ِفف ملرتكب‬ ‫مرشعاً‬ ‫الجرم وفق املادة ‪ 548‬من قانون العقوبات‪ّ ،‬‬ ‫الباب أمام الجاين للتنصل من جرميته‪.‬‬ ‫أما فيام يتعلق باالغتصاب‪ ،‬فبدالً من ردع املعتدي‪،‬‬ ‫وحامية النساء وخاصة القارصات منهن‪ ،‬يف مجتمع‬ ‫محافظ يحمل املرأة املسؤولية حتى وإن كانت هي‬ ‫الضحية‪ ،‬جاء القانون ليخفف عقوبة الجاين ويكتفي‬ ‫بالسجن ملدة عامني ملرتكب جرم االغتصاب‪ ،‬واألنىك من‬ ‫هذا‪ ،‬أنه يتيح للجاين (الذكر) الحق بالزواج من الضحية‪.‬‬ ‫واألسوأ ّأن ّ‬ ‫املرشع السوري اعت ّرب ّأن فعل االغتصاب يقع‬ ‫فقط عىل غري الزوجة!‬ ‫حتى اآلن مل ينظر القضاء السوري إىل املرأة عىل أنها‬ ‫كيان كامل؛ فشهادتها أمام القضاء ما زالت منقوصة‪،‬‬ ‫شهادة كل امرأتني تعادل شهادة رجل واحد وفق املادة‬ ‫‪ 12‬من قانون األحوال الشخصية‪ ،‬ويف بعض الحاالت‬ ‫(كام موضوع الزىن) ال ُتقبل شهادة املرأة مطلقاً حتى‬ ‫لو كنّ خمسني امرأة! ويحق للرجل الزواج بأربعة‬ ‫باالستناد إىل الرشع والقانون حسب املادة رقم ‪17‬‬ ‫من قانون األحوال الشخصية‪ ،‬وكذلك قانون التوريث؛‬ ‫فللذكر دامئاً حظ األنثيني‪ ،‬وال والية لألم عىل أطفالها يف‬ ‫القانون السوري؛ فالوالية لألب ومن بعده ذكور العائلة‪،‬‬ ‫وال ميكنها السفر بأطفالها دون إذن الويل‪ ،‬والطالق‬ ‫التعسفي واإلداري معمول به يف القانون السوري رغم‬ ‫كل ما فيه من امتهانٍ ملكانة املرأة‪.‬‬ ‫نص عليه دستور النظام‬ ‫هذا غيض من فيض‪ ،‬رغم ما ّ‬ ‫الجديد الصادر يف العام ‪ 2012‬من مساواة يف الحقوق‬ ‫والواجبات بني املرأة والرجل‪ ،‬ورغم وجود ‪ 30‬امرأة يف‬ ‫مجلس الشعب السوري من أصل ‪ 250‬عضواً إ ّال أنهنّ‬

‫عاجزات عن مترير أي مرشوع قانون يضمن حقوق‬ ‫املرأة األساسية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ورغم ّأن النظام السوري وقع عددا من االتفاقيات‬ ‫الدولية‪ ،‬وأهمها االتفاقية الخاصة بإزالة كافة أشكال‬ ‫التمييز ضد املرأة (سيداو) إال أنه تحفظ عىل البنود‬ ‫األساسية يف املعاهدة بوصفها تتعارض مع قوانينه‪ ،‬ما‬ ‫أفرغ املعاهدة من محتواها‪ ،‬وجعل كل ادعاءاته عن‬ ‫املساواة بني الجنسني مزيفة وال قيمة عملية لها‪.‬‬

‫دمية لالستعراض السيايس‬

‫استخدم النظام املرأة كدمية لالستعراض أمام العامل‬ ‫وإدعاء الحداثة‪ ،‬حيث دفع ببعض النساء إىل بعض‬ ‫املواقع الهامشية ضمن سلطة أمنية مخابراتية ال تعرتف‬ ‫بأي حصانة ألي موقع مهام بلغ شأنه‪ ،‬فكيف هو‬ ‫الحال بعضوات مجلس شعب أو رئيسة اتحاد نساء أو‬ ‫عضوات قيادات قطرية يف الحزب‪ ،‬أو مديرة مشفى‪...‬‬ ‫الخ‪ّ ،‬‬ ‫ظل متثيل املرأة يف املفاصل السياسية التابعة‬ ‫للنظام ال يتعدى كونه متثي ًال كرتونياً‪.‬‬ ‫مؤخراً‪ ،‬عمد النظام وتحت ضغط احتياجاته للدفاع‬ ‫عن سلطته‪ ،‬إىل الزج يف النساء ليستخدمهن كوقود‬ ‫يف حربه الداخلية ضد شعبه‪ ،‬حيث استطاع تجنيد ما‬ ‫يسمى (لبوات الدفاع الوطني)‪ ،‬باملقابل استخدم النساء‬ ‫املعتقالت لديه للطعن يف “املعارضة”‪ ،‬عرب بث اعرتافات‬ ‫تحت اإلكراه‪ّ ،‬‬ ‫تم‬ ‫عم ُس ّمي بـ”جهاد النكاح”‪ ،‬هذا ما ّ‬ ‫تعريته مراراً من قبل وسائل اإلعالم‪.‬‬ ‫أما الحياة السياسية التي ظلت مغلقة أمام السوريني‬ ‫طيلة الخمسني سنة املاضية من حكم آل األسد‪ ،‬فقد‬ ‫شهدت ظاهرياً بعض الحراك (تحت سقف الوطن)‪،‬‬ ‫بتشكيل عدة تجمعات وأحزاب يغلب عليها العنرص‬ ‫النسايئ‪ ،‬وال تعدو كونها واجهات كرتونية دون أي‬ ‫عمق شعبي أو وطني‪ ،‬ومل ينس النظام الدفع ببعض‬ ‫الوجوه النسائية للمشاركة يف الوفد املفاوض لحل‬ ‫األزمة السورية‪ ،‬لتكون الرسالة واضحة إىل عاملٍ تزداد‬ ‫حساسيته تجاه قضايا الجندر‪ ،‬أن ال متييز لديه عىل‬ ‫قاعدة الجنس‪ ،‬يف حني أن القرار األول والنهايئ سيعود‬ ‫للسلطة‪ ،‬واملرأة هنا ليست أكرث من دمية لالستعراض‬ ‫السيايس‪.‬‬ ‫ويف املقابل مل يسمح النظام للجمعيات األهلية بالعمل‬ ‫بشكلٍ جدي يف قضايا املرأة الجوهرية‪ ،‬حيث تم حل‬


‫الدعارة السرية تمأل أحياء دمشق‬ ‫ومنظمات وجمعيات خيرية تطلب‬ ‫الجسد مقابل المال‬ ‫(جمعية املبادرة االجتامعية) القرتابها‬ ‫من التابويات املحرمة كقانون األحوال‬ ‫الشخصية وموضوع تعدد الزوجات‪.‬‬

‫عنف سافر‬

‫وال فعل لـ(ملاريونيت) عىل املرسح السوري‪.‬‬

‫زهرة محمد‬ ‫تعيش دمشق ظروفاً مل متر عليها منذ السفربرلك‪ ،‬من‬ ‫غالء املعيشة والفقر املدقع الذي يعصف بأهلها‪ .‬ست‬ ‫سنوات كانت كفيلة بقلب املعادلة من تحول دمشق‬ ‫ملقصد لجميع من أراد (الرخص) إىل بلد تسوده طبقتان‬ ‫مع انعدام الطبقة الوسطى؛ ففي دمشق باتت اآلن طبقة‬ ‫األثرياء وهم من مل متر عندهم الحرب إال مرور الكرام‪،‬‬ ‫وفقري سلبته سنوات عجاف كل ما ميلك‪ ،‬حتى لقمة عيشه‪.‬‬ ‫ومع ازدياد هجرة الشباب واستشهاد الكثريين وفقدان‬ ‫الكثريين أيضاً‪ ،‬باتت دمشق مدينة تعج بالنساء الوحيدات‬ ‫اللوايت ليس لهن معيل‪ ،‬وقد أتت الظروف عليهن حتى‬ ‫تقطعت السبل وأصبح العمل شحيحاً واملورد معدوماً‪ ،‬ومل‬ ‫تكن للكثريات إال امتهان الدعارة وبيع أجسادهن والعيش‬ ‫مبورد لو كان زهيدا مقابل امتهان كل واحدة منهن‪.‬‬ ‫تقول سمرية‪( :‬لقد أجربتني الظروف ألن أرضخ لبعض‬ ‫الرجال كوين وحيدة وال معيل يل خاصة مع سفر طليقي‬ ‫وأخي الوحيد‪ ,‬وذلك بعد نزوحي لعدة مناطق يف دمشق‬ ‫بني السبينة مخيم الريموك وركن الدين‪ ,‬وصوال إىل الغرفة‬ ‫التي أسكن فيها حاليا‪ ،‬وهي لزوجات املفقودين والشهداء‪,‬‬ ‫والكثري من النساء يعشنّ هنا ويفعلن ما يريد القائم عىل‬ ‫الجمعية أن يأمرهن وهو مامرسة الجنس معهن‪ ،‬هناك‬ ‫فتيات صغريات ونساء أرامل رضخن‪ ،‬وال أخفي أن بعضهنّ‬ ‫كنّ راغبات مبا يفعلن!!)‬ ‫وتضيف‪( :‬كنت أعمل يف معمل لأللبسة وكان املسؤول‬ ‫أيضا ميارس الجنس مقابل املال مع بعض النساء والفتيات‪،‬‬ ‫اللوايت سرياهن ضعيفات ويختار من تعجبه‪ ،‬مقابل ‪2000‬‬ ‫لرية للم ّرة الواحدة‪ .‬ق ّررت حينها أن أحاول تغيري عميل‬ ‫والسفر‪ ،‬سافرت إىل لبنان وتعرفت عىل سائق يعمل عىل‬ ‫الخط بني لبنان والشام‪ ,‬يف الرحلة سألني إن كان يوجد‬ ‫يل أقرباء يف لبنان‪ ،‬عندما عرف أنه ليس يل أحد وال أعرف‬ ‫أحداً‪ ،‬قال يل أنه يود مساعديت وحاول االتصال يب مرة ثانية‬ ‫وقال إنه يريد أن يتعرف عيل‪ ،‬ذهبت معه بعد عدة أيام‬ ‫إىل شقته يف الربامكة وحدث أن ما رس الجنس معي مقابل‬ ‫‪ 7000‬لرية سورية‪ ،‬ولكني بعد ذلك غريت رقم هاتفي ومل‬ ‫أعاود ذلك معه)‪.‬‬ ‫يف هذه األوقات التي تعم فيها الفوىض يبدو ّأن الدعارة‬ ‫هي العملة الثمينة بنظر بعض الشبان أبناء أصحاب‬ ‫املاليني يف أحياء دمشق املعروفة مثل حي التجارة والذي‬

‫تابعت سمرية رسدها ملا شاهدت بعينها كونها انتقلت اىل‬ ‫العمل يف تنظيف الشقق‪ ,‬وتقول‪( :‬كنت أشاهد هؤالء‬ ‫الشبان وهم يحرضون الفتيات‪ ,‬منهن من كانت تخاف‬ ‫ألنها (مستحدثة أو جديدة) عىل هذه املهنة‪ ،‬وأذكر تلك‬ ‫الفتاة الحمصية ذات ‪ 19‬عاما عندما أتت كانت خائفة‬ ‫وترصخ ولكن الشباب أجربوها)‪.‬‬ ‫الجمعيات الخريية والتي ينبغي لها أن تكون عوناً ملن‬ ‫طحنتهم ظروف الحرب القاسية كان بعضها رشيكاً يف‬ ‫الجرم‪ ,‬وكان الطعام وتأمني السكن هو الثمن البخس التي‬ ‫تجري (البيعة) فيه‪ ،‬وهناك مراهقات مل يبلغن سن الرشد‬ ‫ّ‬ ‫أجربن عىل مامرسة البغاء مقابل الطعام واملال‪ ،‬منهن‬ ‫ّ‬ ‫أجربن بالقوة‪.‬‬ ‫فتيات عمرهن ‪ 15‬سنة فقط‪ ,‬وهناك فتيات‬ ‫الكثري من الظروف قد أجربت وط ّوعت نساء قد يكن‬ ‫مهيئات نفسيا وجسديا ملامرسة الدعارة‪ ،‬وهناك الكثري من‬ ‫الفتيات والنساء اللوايت رفضن كثريا وأجربن ضمن ما يحيط‬ ‫بهن من قسوة وفقر عىل املحافظة عىل طهارتهن التي‬ ‫قهرتها آلة حرب أتت عىل الجسد والرشف والعفة للبعض‪،‬‬ ‫ودمرت كل يشء جميل يف دمشق وغريها من املدن يف‬ ‫سورية ‪.‬عل ًام أ ّنه وبحسب أنباء أفادت ّأن وزارة الداخلية‬ ‫رصحت رسم ّياً ومن خالل إحصائياتها أنها ضبطت‬ ‫السورية ّ‬ ‫ما يقارب ‪ 110‬بيوت دعارة بني عامي ‪ 2012‬و‪,2013‬‬ ‫ترص الداخلية السورية ّأن عدد‬ ‫وبحسب ذات املصدر ّ‬ ‫حاالت الدعارة يف معظم املحافظات السورية ال يتجاوز‬ ‫الـ‪ 600‬حالة‪ .‬و ُيذكر ّأن فضيحة هزّت الصحافة العربية يف‬ ‫نيسان من هذا العام عندما ف ّككت ق ّوات األمن اللبنانية‬ ‫شبكة ما قالت إنه أكرب شبكة للدعارة يف البالد وأطلقت‬ ‫رساح ‪ 75‬امرأة معظمهن سوريات‪ ،‬بحسب مصدر أمني‬ ‫لبناين‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫الصورة التي يروجها النظام لنفسه عرب‬ ‫نسائه األنيقات أو املقاتالت‪ ،‬تجد نقيضها‬ ‫داخل املعتقالت؛ حيث االنتهاكات‬ ‫الصارخة التي يتعرض لها جميع املعتقلني‬ ‫بشكلٍ عام واملرأة بشكلٍ خاص بوصفها‬ ‫امرأة؛ حيث وثقت (املنظمة السورية‬ ‫لحقوق اإلنسان) ما يقارب أربعني ألف‬ ‫حالة تعرضت خاللها املرأة لالعتداء‬ ‫الجنيس “بصورة ممنهجة ومتعمدة‬ ‫كسياسة عقابية سواء كانت بهدف‬ ‫الحصول عىل املعلومات ونزع االعرتافات‪،‬‬ ‫أو بغرض التلذذ واإلذالل والتشفي‬ ‫بالرتهيب بدافع ثأري وانتقامي من أحد‬ ‫أفراد العائلة” وفق ما أفاد تقرير املنظمة‪.‬‬ ‫إىل جانب التنكيل الذي تتعرض له النساء‬ ‫خالل عمليات املداهمة‪ ،‬ووثقت املنظمة‬ ‫حالة اغتصبت خاللها األم بحضور أفراد‬ ‫العائلة‪ ،‬ويف املنزل ذاته وثقت املنظمة‬ ‫اغتصاب أصغر البنات والتي مل يتجاوز‬ ‫عمرها ‪ 16‬عاماً‪.‬‬ ‫ووفق “الشبكة السورية لحقوق اإلنسان”‬ ‫هناك نحو ‪ 6580‬حالة اعتقال تعسفي‬ ‫تعرضت لها املرأة السورية منذ بدء الثورة‬ ‫بينهن ما ال يقل عن ‪ 225‬حالة دون سن‬ ‫الـ‪.18‬‬ ‫االتحاد النسايئ بوصفه راعياً وحيداً‬ ‫لقضايا املرأة السورية أهدر حقوقها‬ ‫القانونية‪ ،‬ومل يسمح بظهور بدائل عن‬ ‫هذه املؤسسة السلطوية‪ .‬وسياسياً‬ ‫تحولت املرأة إىل دمية لخدمة املصالح‬ ‫السياسية للنظام‪ ،‬أما املعتقالت فتعبق‬ ‫برائحة املوت والدماء لنسا ٍء ال بد سمع‬ ‫بهن االتحاد النسايئ والتكتالت النسائية‬ ‫األخرى التي أفرزها النظام لكن ال صوت‬

‫‪13‬‬


‫المرأة العربية و االغتراب‬ ‫‪14‬‬ ‫أحمد برقاوي‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫ما املرأة؟ سؤال بدأناه مبا وليس مبن‪ .‬وآية ذلك‬ ‫نزوعنا نحو تحديد املاهية ُ‬ ‫الكل ّية للمرأة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تحديد ماهية املرأة العربية‪.‬‬ ‫لو قلنا‪ :‬املرأة إنسان ذو عضو مؤنث فهذا يعني‬ ‫بأننا قدمنا تعريفاً بيولوجياً للمرأة يشبه متاماً‬ ‫قولنا الرجل إنسان ذو عضو مذكر‪ ،‬لكن هذا يعني‬ ‫أمراً يف غاية األهمية أال وهو ّأن املرأة والرجل‬ ‫يشرتكان يف صفة ماهوية هي اإلنسان‪ ،‬وبالتايل‬ ‫هناك ماهية واحدة للمرأة والرجل واختالف يف‬ ‫وظيفة كل منهام يف بعض وظائف الجسد‪ .‬وكل‬ ‫تعريف لإلنسان تعريف يشمل املرأة والرجل‪.‬‬ ‫فإذا قلنا اإلنسان حيوان ناطق‪ ،‬عاقل‪ ،‬ح ّر‪ ،‬إرادي‪،‬‬ ‫ضاحك‪ ،‬عامل‪ ..‬الخ‪ ،‬فهذه تعريفات تنسحب عىل‬ ‫الذكر واألنثى من البرش‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إذا كان األمر كذلك‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬فكيف تأت أن‬ ‫يكون هناك متايز يف الوعي والواقع بني املرأة‬ ‫والرجل‪ ،‬يصل ح ّد فقدان املرأة ألهم الصفات‬ ‫اإلنسانية ملاهية اإلنسان؟ وفقدان اإلنسان ألي‬ ‫صفة من صفات ماهيته يعني بأنه كائن مغرتب‪،‬‬ ‫إنه ليس هو‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حقيقة واقعنا العريب تقول بأن املرأة “خطاب”‪.‬‬ ‫هو َذا جوهر القضية‪ .‬وكل خطاب سلطة‪.‬‬ ‫ولتحديد األمر أكرث‪ ،‬املرأة خطاب ذكوري حول‬ ‫املرأة متناقض مع ماهية املرأة؛ أي أننا بنينا تص ّوراً‬ ‫عن املرأة بحسب ما رآها الرجل‪ ،‬وبحسب ما صاغ‬ ‫هذا الرجل رؤيته والجواب عن سؤاله‪“ :‬ما هي‬ ‫املرأة؟”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُيضاف إىل هذا أن الخطاب الالهويت اإلسالمي حول‬ ‫املرأة هو الذي وضعها يف حال اغرتاب مطلق عن‬ ‫ذاتها‪ ،‬ذلك ّأن الالهوت اإلسالمي الذي تك ّون عرب‬ ‫مئات السنني انطلق من ماهية مختلقة للمرأة‪،‬‬ ‫ؤسسة عىل فكرتني خطريتني‪ :‬املرأة عورة‪ ،‬واملرأة‬ ‫ُم ّ‬ ‫فتنة‪ .‬وكل حياة املرأة يجب أن تتأسس عىل هاتني‬ ‫الفكرتني‪.‬‬

‫العورة يف اللغة العربية تعني “العيب يف اليشء”‪،‬‬ ‫وبالتايل قولنا املرأة عورة معناه بأنها ُمع ِي َبة‪،‬‬ ‫وا ُملع ِي ْب هو كل ما ُيستحى من إظهاره‪ ،‬والعورة‬ ‫هنا مرتبطة بالفتنة‪ ،‬أي ّأن اليسء يف املرأة هو أنها‬ ‫تفنت الرجل إن رآها‪ .‬يرتتب عىل هذا الخطاب أن‬ ‫تسترت املرأة يف بيتها أو ما شابه ذلك بوصفها عورة‪،‬‬ ‫خوفاً من أن تغري الذكر‪.‬‬ ‫ّإن خطورة هاتني الفكرتني الذكوريتني تتأىت من‬ ‫االعتقاد بأنهام صادرتان عن أم ٍر إلهي‪ّ ،‬‬ ‫مم ُيزيد‬ ‫من سلطة الخطاب الذي يتحول إىل مامرسة‬ ‫يوم ّية‪ ،‬وإىل مصدر هائل من مصادر القول حول‬ ‫كل ما يتعلق بحياة املرأة من زواجها و ملبسها‬

‫وسلوكها وواجباتها وعقوباتها وحقوقها ومستقبلها كله‪.‬‬

‫تحوالت‬ ‫ورغم ّأن وضع املرأة العربية شهد‬ ‫ٍ‬ ‫متن ّوعة يف مستوى حضورها يف الحياة العامة‪ ،‬لكن‬ ‫الذهنية املتكونة عرب مئات السنني مازالت تقف‬ ‫وراء املوقف الذكوري من املرأة من جهة‪ ،‬ومازال‬ ‫هذا الخطاب السابق ُيش ّكل جزءاً من وعي أكرث ّية‬

‫النساء بذواتهن من جهة ثانية‪.‬‬ ‫بل ّإن روح الحداثة التي ه ّبت عىل البلدان العربية‬ ‫وبخاصة يف بالد الشام والعراق واملغرب العريب‪،‬‬ ‫والتي امتدت من الستينات حتى نهاية السبعينات‬ ‫يف القرن املايض‪ ،‬وانعكست عىل الخطاب حول‬ ‫املرأة وعىل سلوك املرأة وتح ّررها النسبي‪ ،‬نشهد‬ ‫اآلن تراجعها؛ أي هذه الروح يف كل املنطقة‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يدّل عىل الذهنية املعندة التي تحتاج إىل‬ ‫نوع من التح ّوالت الكربى والجذر ّية لتحطيمها‪.‬‬ ‫ولهذا ال ميكن عزل حال املرأة ودرجة حضورها‬ ‫الفاعل وحريتها‪ ،‬رغم رضورة أن يكون لها خطاب‬ ‫خاص‪ ،‬عن مجمل التح ّول املجتمعي العام‪ّ ،‬‬ ‫ألن‬ ‫الذهنية الحاكمة كموقف من الحياة قضية كلية‪،‬‬ ‫وألنها قضية كلية فإنها تدخل كجزء ال يتجزأ من‬ ‫التحوالت الثورية وكفاح البرش من أجل حريتهم‪.‬‬ ‫أي ّأن انتصار الذهنية املؤسسة عىل فكرة اإلنسان‬ ‫الحر هو انتصار مبارش للمرأة اإلنسان‪ ،‬وهزمية‬ ‫للمرأة العورة والفتنة‪.‬‬


‫القتل من الحاجة إلى الشهوة‬ ‫بشرى البشوات‬

‫نفسها متقدمة‪ ،‬وما ينعكس عنه من اختالل يف‬ ‫الرتكيب الكوين للكوكب‪ ،‬إذا ما أخذنا باالعتبار ما‬ ‫ّ‬ ‫يلف الكوكب من إشعاعات نووية وانبعاث غازات‬ ‫وأبخرة عمقت جرح األوزون وأحدثت خل ًال يف‬ ‫مزاج الطبيعة‪ ،‬قاد بدوره إىل احتباس حراري‬ ‫وتصحر وذوبان قطبي وجفاف‪ ..‬ويف املحصلة‬ ‫مات اإلنسان والحيوان معاً ومازال املوت سارياً)‪،‬‬ ‫ما تقوله اإلحصاءات ّأن عدد الضحايا يف الفرتة‬ ‫املمتدة من اكتشاف األمريكيتني وغزوهام من قبل‬ ‫البيض‪ ،‬مروراً بالحربني العامليتني األوىل والثانية إىل‬ ‫اآلن‪ ،‬يعني بحدود خمسة قرون‪ ،‬يعادل ضحايا‬ ‫آالف السنني‪ ،‬تلك اآلالف التي نعدها جزءاً من‬ ‫املتوحش‪ .‬هذا مع أننا نعترب ّأن اإلنسان‬ ‫تاريخنا‬ ‫ّ‬ ‫قد غدا حديثاً ومدنياً ومتقدماً وعقالنياً وأخالقياً‬ ‫وإنسانياً‪ ..‬وغادر مرة واحدة وإىل األبد تلك الغابة‪.‬‬ ‫رافقت التح ّوالت الكمية للموت يف تاريخ اإلنسان‪،‬‬ ‫تح ّوالت أخرى عىل مستوى الدافع أيضاً؛ فقدمياً‬ ‫كان اإلنسان يقتل إما بسبب الجوع وإما بسبب‬ ‫األمن دفاعاً عن النفس‪ ،‬كمعظم الحيوانات‪ ،‬ومل‬ ‫يكن يحتاج لتربير هذا الفعل بصناعة إيديولوجية‬ ‫تزيف الوعي وتقلب الحقائق وتهدم الحياة‪ .‬لكن‬ ‫اإلنسان ح ّول دافع القتل من أجل الجوع إىل القتل‬ ‫من أجل الرثوات واملصالح االسرتاتيجية والسيطرة‬ ‫عىل املوارد واألسواق‪ ،‬وأخذ الرصاع يتلون بألوان‬ ‫عدة‪ ،‬ويتخذ أشكاالً متجددة‪ .‬وأخذنا نشهد صنوفاً‬ ‫من الحرب منها اإللكرتوين ومنها الثقايف ومنها‬ ‫النظامي ومنها الفضايئ ومنها األريض ومنها النووي‬

‫وسواها‪.‬‬

‫كذلك تح ّول دافع القتل من أجل البقاء أو األمن‬ ‫إىل دافع من أجل الهيمنة والسيطرة واإلخضاع‪،‬‬ ‫وأخذت ترسم مسارات القتل عرب االسرتاتيجيات‪،‬‬ ‫ووفقاً لربامج مدروسة يف أهم وأكرب املراكز البحثية‬ ‫التخصصية‪ ،‬عىل يد التكنوقراط املختصني‪ .‬وصار‬ ‫للقتل آلة إعالمية جبارة تضخ فيها رساميل تكفي‬ ‫إلنقاذ ماليني البرش من الجوع والعراء‪ .‬وصار هناك‬ ‫منظومات إيديولوجية تربر القتل مبفاهيم العقل‬ ‫كم دعايئ يكفي لغسل‬ ‫وترشيعاته‪ ،‬و صار هناك ّ‬ ‫وعي أجيال وشعوب كنا نعتقد أنها لن تقف‬ ‫مكتوفة األيدي يف مغرب األرض إذا تعرض من يف‬ ‫مرشقها للقتل والتهجري والحصار‪.‬‬ ‫صار اإلنسان كقيمة سلعة بني سلع‪ ،‬لكنها سلعة‬ ‫من نوع برشي‪ ،‬ذكية ومشتهية ومتطلبة ورشهة‪،‬‬ ‫ينبغي ألرباب الصناعة والتسويق أن ُيعدّوا‬ ‫الدراسات والخطط والبحوث النفسية والذهنية‬ ‫من أجل حشوها بسلعة تلو األخرى‪ ،‬من أجل أن‬ ‫ترتكز الرثوة ورأس املال يف أيدي الصفوة املختارة‬ ‫من بني البرش‪ ،‬هي الصفوة نفسها من تدير لعبة‬ ‫القتل يف بالدنا من وراء الستار‪ ،‬ثم مزقت الستار‬ ‫وأخذت تديرها عىل مرأى ومسمع العامل‪.‬‬ ‫فهل مازال باإلمكان الحديث عن األخالق‬ ‫واإلنسانية والحق والخري والجامل يف هذه اللحظة‬ ‫من تاريخ اإلنسان؟ وهل مازال باإلمكان اعتبار‬ ‫اإلنسان قد ّ‬ ‫كف ‪-‬يف سياق الحداثة‪ -‬عن كونه‬ ‫صائداً ومفرتساً ليغدو قات ًال محرتفاً؟!‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫منذ أن أخذ اإلنسان بالتحول عن كونه صائداً‬ ‫ومفرتساً فقد ّ‬ ‫كف عن اصطياد وافرتاس األنواع‬ ‫األخرى من الحيوانات‪ ،‬بدافع الغذاء واألمن‪،‬‬ ‫وأصبح صائداً ومفرتساً لإلنسان والحيوان معاً‪ ،‬عىل‬ ‫الرغم من كل االدعاءات التي تحملها الترشيعات‬ ‫الحديثة من حامية حقوق اإلنسان والحيوان‬ ‫معاً‪ ،‬وهي الشك تعترب قفزة هائلة نحو املَدنية‬ ‫واألخالق‪ ،‬وتحديث وعقلنة وأنسنة وعي وسلوك‬ ‫البرش‪ .‬لكن من املؤسف حقاً ّأن هذه الترشيعات‬ ‫بقيت يف إطار نخبوي ملنظامت مح ّلية ودولية‬ ‫تفتقر ألنياب تح ّد من غول التوحش‪ ،‬لنكتشف ّأن‬ ‫اإلنسان يف الحقيقة مل يتح ّول عن الصائد واملفرتس‬ ‫الذي هو‪ ،‬بل ضاعف مئات املرات من طرائق‬ ‫الصيد واالفرتاس‪ ،‬وع ّقد من آلياته وأساليبه عىل‬ ‫هذا الصعيد‪ ،‬وأحدث نقلة ليس يف مستوى الكم‬ ‫فقط‪ ،‬ال بل حتى عىل مستوى النوع‪ ،‬فض ًال عن‬ ‫النقلة النوعية املحدثة عىل مستوى الدافع‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من الثقافة اإلنسانوية التي شملت‬ ‫العطف عىل الحيوان‪ ،‬ويفرتض من باب أوىل عىل‬ ‫اإلنسان‪ ،‬إال أننا نالحظ‪ ،‬ويف سياق الكارثة الرشق‬ ‫أوسطية‪ ،‬إن كان يف سوريا أو العراق أو… أنها مل‬ ‫تتحول إىل قوة ضغط شعبي من أجل حمل الدول‬ ‫القوية عىل التدخل لوقف كارثة صيد وافرتاس‬ ‫اإلنسان والحيوان معاً‪.‬‬ ‫يغضب اإلنسان الغريب ويحزن ويقيم العزاء من‬ ‫أجل كلبه وهذا حق‪ ،‬لكن ملاذا ال يغضب ويحزن‬ ‫ويقيم العزاء عىل الكلب واإلنسان معاً يف الرشق؟‬ ‫إنها اإلنسانوية املفتقرة لبعدها الكوين الذي‬ ‫يتجىل فيه اإلميان بوحدة املصري اإلنساين‪ ،‬ووحدة‬ ‫تاريخ اإلنسان كذلك‪.‬‬ ‫الكم عىل مستوى الصيد واالفرتاس‬ ‫يحدّثنا إحصاء ّ‬ ‫عن أرقام مرعبة حقاً تقول ّإن اإلنسان أصبح قاتالً‬ ‫أكرث احرتافية يف العرص الحديث؛ فيمكن القول إن‬ ‫ما قتلته آالت التقدم التقني البرشي يف الحربني‬ ‫العامليتني وما بعدهام‪ ،‬فض ًال عن طريق القتل‬ ‫باملجاعات والكوارث الطبيعية التي يالحظ فيها‬ ‫وجود اإلنسان القاتل أيضاً (من ُمسب ّبات هذه‬ ‫الكوارث السباق الصناعي بني الدول التي تسمي‬

‫‪15‬‬


‫الموازنة السورية بين زيادة المبلغ‬ ‫وانخفاض قيمتها وانعكاسها على‬ ‫مؤسسات الدولة‬

‫‪16‬‬ ‫وائل موسى‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫تقارير‬

‫النظام السوري فقد السيطرة عىل ‪ 71%‬من مؤسسات‬ ‫الدولة‬ ‫كثرياً ما نسمع يف أيامنا هذه عن كذبة املحافظة عىل‬ ‫مؤسسات الدولة‪ ،‬وكأن هذه املؤسسات هي من‬ ‫تحمي املجتمع السوري وتعينه يف تسيري شؤونه‪ ،‬فهل‬ ‫حقاً ما يزال هناك مؤسسات يف الدولة السورية؟‬ ‫بعيداً عن تقييم ما يسمى مبؤسسات لدى الحكومة‬ ‫السورية من حيث فعاليتها وفسادها وتسخريها‬ ‫لخدمة السلطة الحاكمة تحت شعار “إىل األبد”‪ ،‬ومن‬ ‫خالل نظرة عىل واقع ميزانية الدولة‪ ،‬سنحاول البحث‬ ‫عن مؤسسات الدولة التي يحاول املجتمع الدويل‬ ‫الحفاظ عليها‪.‬‬ ‫كام هو معتاد من كل عام‪ ،‬يتم إقرار موازنة الدولة‬ ‫للعام التايل‪ ،‬حيث تبني املوازنة بشكل مسبق خطة‬ ‫الحكومة يف توزيع املوازنة ومقدرات اإليرادات‬ ‫املتوقعة‪ ،‬ومن أهم ما تبينه املوازنات الحكومية هي‬ ‫التغيريات يف نسب الدعم للقطاعات املختلفة من‬ ‫صحة وتعليم وبنى تحتية ومشاريع اقتصادية وغريها‪.‬‬ ‫إال أن يف الحالة السورية تغيب دامئاً النسب‪ ،‬وتختفي‬ ‫التفاصيل لتصدر موازنة برقم مع عدد كبري من‬ ‫املواد املرقمة والفقرات التابعة لها‪ ،‬محشوة بكلامت‬ ‫وتوجيهات اشبه بالطالسم‪ ،‬فال يعلم قارئ هذه املوازنة‬ ‫كيف يتم توجيهها وما هي النتائج املرجوة منها‪.‬‬ ‫فاصل ترفيهي‪:‬‬ ‫من املضحك ان نرى يف إقرار املوازنة لدولة مادة‬ ‫مخصصة للتأكيد عىل وجوب دفع مؤسسات هذه‬ ‫الدولة لفواتري املياه والكهرباء ورسوم الخدمات‬ ‫املختلفة التي تقدمها مؤسسات الدولة نفسها‪ ،‬هذا ما‬ ‫ورد عىل سبيل املثال يف إقرار قانون موازنة عام ‪،2011‬‬ ‫نقتبس منها التايل‪:‬‬ ‫“املادة (‪)6‬‬ ‫أ‪ -‬تعترب نفقات الربيد والربق والهاتف واستهالك القدرة‬ ‫الكهربائية واملياه من النفقات االلزامية واليجوز النقل‬ ‫منها وترصف خالل مدة ال تتجاوز خمسة أيام من‬ ‫تاريخ تقديم مستندات الرصف العائدة لها‪.‬‬ ‫ب‪ -‬يجوز لوزير املالية تحريك حسابات الجهات‬ ‫املدنية للغايات املحددة يف الفقرة( أ ) مبا يعادل‬

‫االلتزامات املرتتبة عليها‪.‬‬ ‫ج‪ -‬تطبق أحكام الفقرتني( أ ‪ -‬ب) من هذه املادة عىل‬ ‫الوزارات واإلدارات العامة والهيئات العامة ووحدات‬ ‫اإلدارة املحلية والبلديات والدوائر الوقفية والجهات‬ ‫العامة ذات الطابع االقتصادي واإلنشايئ‪”.‬‬ ‫وبعد هذه الفقرة يستوجب السؤال حول قوانني عقود‬ ‫االشرتاك يف الخدمات إن كانت مخصصة لتحصيل‬ ‫مستحقاتها من املواطنني فقط حتى استدعى األمر‬ ‫أن تصدر مادة مخصصة ضمن املوازنة تؤكد عىل‬ ‫وجوب دفع املؤسسات لفواتريها‪ ،‬مع مالحظة أن‬ ‫هذا اإللزام كام يبدو خاص باملؤسسات ذات الطابع‬ ‫املدين‪ ،‬ومبعنى آخر ميكن تفسريه عىل اعفاء املؤسسات‬ ‫األمنية والعسكرية من هذه االلتزامات‪.‬‬ ‫وبعيداً عن التدقيق يف التفاصيل املموهة التي تضيع‬ ‫فيها الكثري من األموال وترشع الفساد‪ ،‬لنلقي نظرة‬ ‫عىل املوازنات العامة‪ ،‬حيث أصدرت العديد من‬ ‫الصحف واملواقع اإلعالمية املتخصصة باالقتصاد خرباً‬ ‫عن تحديد مجلس الوزراء السوري بشكل أويل ملوازنة‬ ‫الدولة السورية لعام ‪ ،2017‬وقد بلغ حجم املوازنة‬ ‫‪ 2660‬مليار لرية سورية‪ ،‬منها ‪ 1982‬مليار لرية لإلنفاق‬ ‫التجاري‪ ،‬و‪ 678‬مليار لرية لإلنفاق االستثامري‪.‬‬ ‫وبنظرة رسيعة عىل موازنات األعوام السابقة نرى ما‬ ‫ييل‪:‬‬ ‫عام ‪ :2011‬اجاميل املوازنة ‪ 835‬مليار لرية سورية‬ ‫عام ‪ :2012‬اجاميل املوازنة ‪ 1326.55‬مليار لرية‬ ‫عام ‪ :2013‬اجاميل املوازنة ‪ 1383‬مليار لرية‬ ‫عام ‪ :2016‬اجاميل املوازنة ‪ 1980‬مليار لرية‬ ‫ومن خالل النظرة األولية ملوازنات األعوام املاضية نجد‬ ‫ما ييل‪:‬‬ ‫يف بداية عام ‪ 2011‬كان سعر رصف الدوالر األمرييك‬ ‫‪ 48‬لرية تقريباً‪ ،‬وبذلك كانت موازنة عام ‪ 2011‬بالدوالر‬ ‫األمرييك ‪ 17‬مليار و‪ 359‬مليون دوالر‬ ‫ويف الربع األول من عام ‪ 2012‬تأرجح سعر رصف‬ ‫الدوالر األمرييك ما بني ‪ 60‬إىل ‪ 95‬لرية‪ ،‬أي مبتوسط‬ ‫تقريبي ‪ 77.5‬لرية للدوالر الواحد‪ ،‬وبذلك كانت موازنة‬ ‫عام ‪ 2012‬بحسب متوسط سعر الرصف بالدوالر‬ ‫األمرييك ‪ 17‬مليار و‪ 116‬مليون دوالر‪ ،‬أي بواقع نسبة‬

‫زيادة عن العام السابق ‪ 58.86%‬بالعملة السورية‬ ‫لكنها بواقع انخفاض ‪ 1.39%‬بالدوالر األمرييك‪.‬‬ ‫جدير بالذكر أن ميزانية عام ‪ 2012‬كانت تعترب ميزانية‬ ‫تحدي بالنسبة للحكومة السورية‪ ،‬وقد شهد مطلع عام‬ ‫‪ 2012‬قرارات مرعبة عىل الواقع االقتصادي السوري‪،‬‬ ‫منها طرح ماليني الدوالرات من االحتياطي النقدي‬ ‫للبيع لتفادي انخفاض قيمة اللرية السورية‪ ،‬مام دفع‬ ‫الكثري من التجار وعوام الناس إىل تبديل أموالهم خوفاً‬ ‫من القادم املجهول‪ ،‬ويقدر حجم االحتياط النقدي‬ ‫للبنك املركزي السوري قبل عام ‪ 2011‬ما بني ‪ 16‬إىل‬ ‫‪ 18‬مليار دوالر‪ ،‬ويف آخر عام ‪ 2011‬كان البنك املركزي‬ ‫قد فقد ثلث االحتياطي بحسب رويرتز‪ ،‬وبذلك تظهر‬ ‫أن الزيادة الجنونية يف عام ‪ 2012‬تحديداً كانت مبثابة‬ ‫مرحلة تسعى فيها الحكومة إلنقاذ اقتصادها‪ ،‬ليتبعها‬ ‫االنهيار كام سرنى الحقاً‪.‬‬ ‫بداية عام ‪ 2013‬وصل الدوالر إىل ‪ 94‬لرية‪ ،‬لتبلغ قيمة‬ ‫اجاميل املوازنة ‪ 14.71‬مليار دوالر‪ ،‬بواقع انخفاض‬ ‫‪ 14%‬عن العام السابق‪ ،‬وهكذا تتواىل زيادة امليزانية‬ ‫باللرية كل عام مقابل انخفاض قيمتها وصوالً إىل‬ ‫ميزانية العام ‪ 2017‬املقدرة حالياً ب ‪ 2660‬مليار لرية‪،‬‬ ‫والتي تساوي ‪ 4.94‬مليار دوالر أمرييك‪ ،‬وبالتايل تكون‬ ‫ميزانية العام ‪ 2017‬قد انخفضت عن مستوى ميزانية‬ ‫عام ‪ 2011‬مبا يعادل ‪.71.54%‬‬ ‫وبتوضيح مبسط ميكننا القول بأن النظام السوري‬ ‫مل يعد بإمكانه متويل ‪ 71%‬من متطلبات مؤسسات‬ ‫الحكومة السورية مقارنة بعام ‪ ،2011‬فام هي هذه‬ ‫املؤسسات التي يجب املحافظة عليها؟!‬ ‫تبدوا املحافظة عىل ‪ 29%‬من بقايا مؤسسات الدولة‬ ‫الفاسدة أشبه بإعادة اعامر بناء مدمر عىل نسبة ‪29%‬‬ ‫فقط من بقاياه املتهالكة‪ ،‬فهل يصح ذلك؟‬


‫نشرة اقتصادية‬ ‫وائل موسى‬

‫نصيب حلب من مؤتمر الطاقة العالمي الثالث والعشرين‬ ‫تقارب تركي روسي بدواع اقتصادية‬

‫العدد ‪- 78 -‬‬

‫من الجانب الرويس قال بوتني إنهم قضوا وقتاً طوي ًال للبحث‬ ‫يف املشاكل اإلقليمية وعىل رأسها الوضع يف سوريا‪ ،‬حيث تتفق‬ ‫كل من روسيا وتركيا عىل وقف نزيف الدم‪ ،‬وقال‪ :‬موقفنا‬ ‫مشرتك لفعل كل ما لدينا إليصال املساعدات اإلنسانية إىل‬ ‫حلب وحفظ أمن املساعدات وأمن وصولها‪ ،‬وأوضح أن‬ ‫األمريكيني يرفضون خطة سحب كل من قوات النظام وقوات‬ ‫املعارضة من طريق الكاستيلو لتأمني طريق املساعدات‪ ،‬ويرى‬ ‫أنهم إما ال يستطيعون القيام بذلك أو هناك أسباب أخرى‬ ‫لرفضهم‪ ،‬كام أن هذه املباحثات ستستمر يف االجتامع املقبل‬ ‫يف سويرسا‪.‬‬ ‫وقال أيضاً أنه اتفق مع الرئيس الرتيك عىل مساندة مبادرة‬ ‫دميستورا إلخراج املجموعات املسلحة التي ال ترغب بتسليم‬ ‫سالحها من املدينة لوقف نزيف الدم‪.‬‬

‫‪25 / 10 / 16‬‬

‫مع بدء اعامل مؤمتر الطاقة العاملي الثالث‬ ‫والعرشين يف إسطنبول‪ ،‬لقاء بني الرئيسني‬ ‫الرتيك رجب طيب أردوغان والرويس فالدميري‬ ‫بوتني يفتح مباحثات اقتصادية وسياسية‬ ‫ملصالح البلدين مبا فيها األوضاع السورية‪.‬‬ ‫مؤمتر الطاقة العاملي بدورته ال‪ 23‬والذي‬ ‫يعترب من أهم الفعاليات الدولية‪ ،‬ويتم‬ ‫تنظيمه تحت ارشاف مجلس الطاقة العاملي‪،‬‬ ‫ويشارك يف املؤمتر أكرث من ‪ 10‬آالف خبري من‬ ‫‪ 85‬بلداً‪ ،‬من بينهم وزراء وصناع قرار وممثيل‬ ‫العديد من رشكات الطاقة يف العامل‪.‬‬ ‫وقد افتتح املؤمتر بخطاب للرئيس الرتيك‬ ‫الذي أكد عىل أن املؤمتر يهدف ملشاركة‬ ‫الخربات واملساهمة يف إحالل السالم العاملي‪،‬‬ ‫كام أكد عىل أن من أولويات أهدافهم هو‬ ‫إيصال مصادر الطاقة إىل القارة األفريقية‬ ‫بعيداً عن مطامع االستعامر ألرايض العامل‪،‬‬ ‫مشرياً إىل وجود مليار وستامئة مليون إنسان‬ ‫موجودين يف القارة األفريقية محرومني من‬ ‫التيار الكهربايئ ومصادر العيش الكريم‬ ‫ووسائل الرفاهية‪.‬‬ ‫وطلب أردوغان أثناء افتتاح املؤمتر جميع‬

‫الحارضين والدول بالتعاون إلحالل السالم‬ ‫يف سوريا والعراق وجميع دول املنطقة‬ ‫وإيجاد حلول جذرية‪ ،‬وأشار إىل ما تعانيه‬ ‫حلب من قصف عرب الطريان وبشكل خاص‬ ‫معاناة اطفالها الذين يشاهدون الحوامات‬ ‫والطائرات تقصفهم‪ ،‬كام أشار إىل معاناة‬ ‫أهايل املوصل وأطفالها من تنظيم الدولة‬ ‫(داعش) إىل جانب الضغط من القوات‬ ‫الشيعية‪.‬‬ ‫ويف لقاء خاص بني الرئيسني الرتيك والرويس‬ ‫تم التوقيع عىل اتفاقيات اقتصادية مهمة‬ ‫لكال البلدين‪ ،‬أهمها ترسيع مرشوع “السيل‬ ‫الرتيك” والذي يهدف إىل نقل الغاز الرويس عرب‬ ‫األرايض الرتكية‪ ،‬باإلضافة إىل اتفاق لترسيع‬ ‫عملية بناء محطة “آكويو” الكهرذرية‪.‬‬ ‫ويف ما يخص األوضاع السورية خالل املؤمتر‬ ‫الصحفي قال أردوغان أنهم بحثوا األوضاع‬ ‫العسكرية واإلنسانية يف سوريا‪ ،‬وقد وجهوا‬ ‫األوامر للمنظامت واألجهزة املعنية التابعة‬ ‫لكال البلدين ملتابعة التواصل لتحديد‬ ‫اسرتاتيجيات تكفل يف إيصال املساعدات‬ ‫اإلنسانية وبشكل خاص إىل حلب‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫الذهب مفقود في القامشلي ومخاوف من اللجوء إلى الذهب التركي‬ ‫منع نقل الذهب تسبب باحتكار ومضاعفة ألجور الصاغة‬

‫اقتصاد‬

‫أكدت صحيفة الثورة التابعة رسمياً لحكومة‬ ‫النظام السوري أن قضية نقل الذهب من‬ ‫دمشق إىل القامشيل عالقة بني نقابة الصاغة‬ ‫ومرصف سورية املركزي‪ ،‬عىل الرغم من أن‬ ‫اجتامعاً جرى برعاية حكومة النظام اتفق‬ ‫خالله بإعادة السامح بنقل الذهب مرة أخرى‬ ‫ضمن ضوابط يضعها املرصف املركزي‪.‬‬ ‫يف منتصف آب املايض تم إيقاف السامح بنقل‬ ‫الذهب إىل القامشيل بأمر من دريد درغام‬ ‫حاكم املرصف املركزي‪ ،‬حيث يسمح لدخول‬ ‫الذهب عرب مطار دمشق الدويل ومينع خروجه‬ ‫باستثناء الحيل الشخصية مبا ال يزيد عن ‪200‬غ‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫وتسببت قلة الذهب يف القامشيل واحتكار‬ ‫الكميات املوجودة فيها إىل مضاعفة أجور‬

‫الصياغة لتصل إىل ‪ 7‬أضعاف‪ ،‬وعىل الرغم‬ ‫من انخفاض أسعار الذهب مؤخراً يف األسواق‬ ‫العاملية إال أن هذا االنخفاض مل ينعكس عىل‬ ‫أسواق القامشيل نتيجة ارتفاع أجور الصاغة‪.‬‬ ‫انخفض سعر الذهب عاملياً ليصل سعر األونصة‬ ‫يف ‪ 07/10/2016‬إىل مستوى ‪ 1250‬دوالر‪،‬‬ ‫وانخفض غرام الذهب من عيار ‪ 24‬يف سوريا‬ ‫بحدود ألف لرية سورية عن بداية الشهر ليباع‬ ‫بتاريخ ‪ 11/10/2016‬ب ‪ 20855‬لرية سورية‪.‬‬ ‫يتزايد الطلب عىل الذهب يف القامشيل نتيجة‬ ‫انتهاء موسم الحصاد ويسعى املزارعون إىل رشاء‬ ‫الذهب لتأمني أموالهم‪ ،‬ويف ظل قرار منع نقل‬ ‫الذهب إىل القامشيل باتت الخيارات املتاحة‬ ‫يف تبديل األموال إىل الدوالر األمرييك مام قد‬ ‫يساهم يف اضعاف قيمة اللرية السورية‪ ،‬أو‬

‫االعتامد عىل رشاء الذهب الرتيك‪.‬‬ ‫كال الخيارين املتاحني سيتسببان باملزيد من الرضر عىل اقتصاد‬ ‫حكومة النظام املتهالك‪ ،‬وقد بدأ عدد من صفحات التواصل‬ ‫االجتامعية املوالية للنظام بنرش االشاعات لتشويه سمعة الذهب‬ ‫الرتيك عىل انه غري صاف وال قيمة له وال يوجد فيه عيارات منضبطة‪.‬‬


‫‪18‬‬

‫كتاب جماعي يبحث في أسئلة‬ ‫“العمل الثقافي السوري في سنوات الجمر”‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫ثقافة‬

‫صدر مؤخ ًرا كتاب بعنوان “عن العمل الثقايف‬ ‫السوري يف سنوات الجمر”‪ ،‬أرشفت عىل انجازه‬ ‫املؤسسة السورية “اتجاهات‪ .‬ثقافة مستقلة”‪،‬‬ ‫بالتعاون مع “مجموعة العمل عىل أولويات العمل‬ ‫الثقايف السوري”‪ ،‬و”دار نرش ممدوح عدوان”‪،‬‬ ‫وبدعم من مؤسسة “املورد الثقايف” ضمن برنامجها‬ ‫“السياسات الثقافية يف املنطقة العربية”‪.‬‬ ‫دعم الثقافة يف مرحلة إعادة البناء ‪..‬‬ ‫يتضمن الكتاب الذي قدّم له الباحث السوري يف‬ ‫العلوم السياسية سالم الكواكبي رئيس مجلس أمناء‬ ‫مؤسسة “اتجاهات‪ .‬ثقافة مستقلة”‪ ،‬عىل ‪253‬‬ ‫صفحة‪ ،‬ويحوي ثالثة أبحاث‪ ،‬يتناول أولها‪“ :‬اآلليات‬ ‫الثقافية واإلنتاج الثقايف يف فرتة األزمة‪ .‬سوريا‬ ‫والعراق ولبنان”‪ ،‬من إعداد الباحثة األكادميية د‪.‬‬ ‫ماري إلياس‪ .‬فيام يتناول البحث الثاين‪“ :‬دور الثقافة‬ ‫والفنون يف تحقيق املصالحة والسلم األهيل يف‬ ‫الدول التي شهدت نزاعات عنيفة”‪ ،‬أنجزته الباحثة‬ ‫راما نجمة‪ .‬بينام تطرق البحث الثالث‪ ،‬الذي أنجز‬ ‫من قبل “املركز السوري لبحوث السياسات”‪ ،‬إىل‬ ‫“تطوير البنى الثقافية يف سوريا”‪.‬‬ ‫يبني الكواكبي يف مقدمة الكتاب أنه “يحتوي عىل‬ ‫ثالثة أبحاث غنية املحتوى ورفيعة التحليل‪ ،‬ويجيب‬ ‫بتواضع محمود عىل الكثري من األسئلة املطروحة‬ ‫سور ًيا وعرب ًيا حول دور الثقافة وأثرها املهيمن”‪.‬‬ ‫مش ًريا إىل أن “هذا الكتاب الجامع لهذه البحوث‬ ‫الق ّيمة يف مرحلة تتواىل فيها مشاريع نظرية وبحثية‬ ‫عن عملية إعادة البناء املؤسسايت واإلقتصادي يف‬ ‫سوريا‪ ،‬وميكن اعتباره مبثابة اإلضافة الرضورية إىل‬ ‫كل هذه الدراسات التي‪ ،‬تجنبت غال ًبا الخوض‬ ‫يف املجال الثقايف والفني لرسوخ اعتقادات خاطئة‬ ‫تعترب بأن الثقافة والفن ليسا من األلويات يف مرحلة‬ ‫الخروج من األزمة أو مرحلة إعادة البناء‪ .‬ويظهر‬ ‫بشكل واضح وجيل من خالل قراءة صفحات‬ ‫الكتاب أن إهامل الحوامل الثقافية يف أي مجتمع‬ ‫خصوصا‬ ‫هو إهامل الكتامل عملية البناء والتشكيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يف مجتمعات متنوعة كانت إدارة تنوعها من أسوأ‬ ‫اإلدارات يف العامل وأدت هذه اإلدارة إىل تفتتها‬ ‫وتناحرها وترشذمها”‪.‬‬

‫جاء البحث األول ملاري إلياس‪ ،‬مقارنة تحليلية بني‬ ‫وضع لبنان الثقايف بعد الحرب األهلية ووضع العراق‬ ‫بعد سقوط نظام صدام حسني‪ ،‬وذلك “السترشاف‬ ‫مجموعة من األسئلة التي تخص الواقع السوري‬ ‫اليوم”‪ ،‬بحسب إلياس‪ ،‬التي تشري هنا أنه “بالنسبة‬ ‫إىل الثقافة يف سوريا‪ ،‬أو لنقل الثقافة السور ّية‪،‬‬ ‫ألن العديد من املثقفني والعاملني يف مجاالت لها‬ ‫عالقة بالثقافة من قريب أو بعيد‪ ،‬أصبحوا يف بالد‬ ‫الشتات‪ ،‬يبدو استرشاف املستقبل أم ًرا معقدًا جدًا‪،‬‬

‫فالواقع السيايس والعسكري يتغري بشكل كبري كل‬ ‫يوم‪ ،‬وهذا املستقبل يتوقف قبل كل يشء عىل مدى‬ ‫امتداد األزمة التي يعيشها الشعب السوري‪ ،‬وكيفية‬ ‫تطور األحداث يف البالد”‪ .‬وال تخفي إلياس يف سياق‬ ‫دراستها‪ ،‬أنه “مل يكن من السهل رصد ما يجري‬ ‫يف سوريا‪ ،‬فالصورة غن ّية لكنها مشوشة‪ ،‬إمنا املؤكد‬ ‫تحج ًرا يف التعامل مع املثقفني‬ ‫أن هناك‪ ،‬من جهة ّ‬ ‫واستمرا ًرا يف استخدام خطاب ماضوي من قبل‬ ‫السلطة وغريها من الالعبني عىل الساحة”‪ .‬الفت ًة يف‬ ‫الخامتة إىل أنه “منذ بداية األحداث يف سوريا ومهام‬ ‫اعتربنا أو سمينا هذه األحداث‪ ،‬برزت مجموعة من‬

‫اإلشكاليات واألسئلة حتى عىل مستوى (الثورة)‪،‬‬ ‫فخارجا عن الشعارات األولية التي طرحت‪ ،‬مل ُيطرح‬ ‫ً‬ ‫خطاب متامسك وواحد‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬متسكت‬ ‫السلطة بخطاب جامد انغلقت عليه وأغلقت الباب‬ ‫أمام كل حوا ٍر ممكن وهذا سيكون كارث ًيا عىل‬ ‫الوضع لو استمر الحال”‪.‬‬ ‫رسم خارطة قيم جديدة ‪..‬‬ ‫فيام تطرق البحث الثاين إىل “دور الثقافة والفنون‬ ‫يف تحقيق املصالحة والسلم األهيل يف الدول التي‬ ‫شهدت نزاعات عنيفة”‪ ،‬وفيه تستعرض الباحثة‬ ‫السورية راما نجمة أدوات وأشكال التدخل الثقايف‬ ‫خالل وقت األزمات‪ ،‬مبينة أن “املجتمع السوري‬ ‫الذي متيز بالتعددية والتباين العرقي والديني‬ ‫واللغوي بني فئاته‪ .‬بقي التعايش بني مجموعاته‬ ‫املتنوعة مرهو ًنا مبا توفره الفئة الحاكمة من حامية‪،‬‬ ‫وليس نتيجة لصيغة قانونية ودستورية قامئة عىل‬ ‫املساواة بني املواطنني وعىل عقد اجتامعي يجمع‬ ‫بينهم عىل أساس املواطنة”‪ .‬لتؤكد “فشل النظام‬ ‫البعثي يف وضع املجتمع يف بوتقة انصهار واحدة”‪.‬‬ ‫‪ ،‬معللة ذلك أن “النظام األمني الذي استحكم يف‬ ‫مفاصل املجتمع السوري وبنيته الثقافية لعقو ٍد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تحمل أعبائه يف‬ ‫عطل الدور اإليجايب للمجتمع يف ُّ‬ ‫الحفاظ عىل السلم األهيل وقيم العيش املشرتك‬ ‫التي تتعرض اليوم لخطر حقيقي”‪.‬‬ ‫أما البحث الثالث الذي أنجزه “املركز السوري‬ ‫لبحوث السياسات” بإرشاف الباحث جاد الكريم‬ ‫الجباعي‪ ،‬فقد تطرق إىل سبل تطوير البنى والهياكل‬ ‫الثقافية يف سوريا‪.‬‬ ‫محددًا أكرث من عرش نقاط لرسم مالمح السياسة‬ ‫الثقافية لسوريا الجديدة‪ .‬مع التأكيد أنه وانطال ًقا‬ ‫من منهجية البحث التشاركية فإنه يفرتض العمل‬ ‫عىل بناء اسرتاتيجية ثقافية مستقبلية مبشاركة‬ ‫جادة ومنضبطة معرف ًيا من قبل رشائح واسعة من‬ ‫املجتمع بالرغم من الظروف الصعبة لألزمة الحالية‪،‬‬ ‫ألن تجاوز األزمة يف جذورها يتطلب ً‬ ‫عمل جامع ًيا‬ ‫مبشاركة حقيقية للوصول إىل تصور مبني عىل‬ ‫تطلعات وطموحات السوريني‪ ،‬مرتكزًا إىل احرتام‬ ‫إنسانيتهم وحفظ حقهم بالتمكن واإلبداع والتنوع‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫إبداعات ونشاطات سورية‬

‫منع عر‬ ‫ض فيلم األخوين ملص في‬ ‫“مهرجان‬ ‫بيروت السينمائي الدولي”‬

‫“روشميا” لسليم أبو جبل يفوز‬ ‫بجائزة “المهرجان الدولي‬ ‫للفيلم العربي” بتونس‬

‫نظمت مؤسسة “العمل لألمل”‬ ‫ومؤسسة “اتجاهات‪ -‬ثقافة مستقلة”‬ ‫احتفالية خاصة بالفن السوري يف‬ ‫أوروبا‪ ،‬بعنوان “مساحات األمل”‪،‬‬ ‫وذلك؛ من ‪ 1‬وحتى ‪ 3‬من الشهر‬ ‫الجاري‪ ،‬يف مدينة برلني‪ .‬وكان أن تعرف‬ ‫الجمهور األملاين يف هذه االحتفالية‬ ‫عىل تجربة الكاتبة والصحفية السورية‬ ‫الشابة رشا عباس التي سعت لتقديم‬ ‫صورة مختلفة عن أبناء بلدها‪ ،‬إذ‬ ‫نرشت كتا ًبا باألملانية والعربية عنوانه‬ ‫“اخرتاع قواعد اللغة األملانية”‪ .‬وهو‬ ‫عبارة عن قصص قصرية مرسودة‬ ‫بأسلوب كوميدي وساخر ليوميات‬ ‫الجئ سوري يف أملانيا وما يواجهه من‬ ‫صعوبات بريوقراطية ولغوية‪“ .‬كنت‬ ‫أدون يوم ًيا خواطري يف شكل طرائف‬ ‫عىل صفحتي عىل فيسبوك”‪ .‬النارشة‬ ‫األملانية ساندرا هيتزل كانت ضمن‬ ‫أصدقاء رشا عىل فيسبوك وعرضت‬ ‫عليها فكرة نرش هذه التدوينات يف‬ ‫شكل كتاب‪ .‬ويرسد الكتاب التحديات‬

‫التي يواجهها سوري‪ ،‬وجد نفسه يف‬ ‫مجتمع ثقافته غريبة عنه‪“ ،‬لكن‬ ‫ليس الالجئ فقط هو من يواجه‬ ‫صعوبات‪ ،‬املثقف ً‬ ‫أيضا” عىل حد تعبري‬ ‫رشا‪ .‬وتضيف‪“ :‬ليس من السهل عىل‬ ‫أي كاتب أن يتأقلم يف محيط جديد‬ ‫وأن يكتب عنه بلغة أخرى غري اللغة‬ ‫السائدة فيه‪ .‬أول وصويل إىل أملانيا قبل‬ ‫سنتني عشت أزمة معرفية وطرحت‬ ‫تساؤالت عديدة‪ ،‬فهل أكتب للقارئ‬ ‫األملاين أم للعريب وبأي لغة وأي‬ ‫أسلوب؟”‪ .‬ويذكر أن االحتفالية ُختمت‬ ‫بحفل موسيقي ألساتذة “العمل لألمل”‬ ‫للموسيقى يف لبنان‪ ،‬بقيادة فواز باقر‬ ‫بعنوان “أصول”‪ ،‬ويقدم الحفل د‪.‬‬ ‫جوشيم بريتاور من “معهد غوته”‪ .‬كام‬ ‫تضمنت االحتفالية جلستني تعريفيتني‪،‬‬ ‫خالل اليومني‪ :‬الثاين والثالث‪ ،‬بأعامل‬ ‫عدد من الفنانني السوريني‪ ،‬بعنوان‬ ‫“لقاء مع فنان”‪ً .‬‬ ‫فضل عن ذلك‪ ،‬اشتمل‬ ‫برنامج االحتفالية عىل عرض حي لفن‬ ‫الطهي‪ ،‬بعنوان “ما وراء الح ّمص”‪.‬‬

‫يئ السوري فوزات‬ ‫واية “أنتيكا”‪ ،‬للروا‬ ‫ر‬ ‫يف ‪ 305‬صفحات من‬ ‫صدور رواية‬ ‫رزق‪ .‬وتتناول الرواية‬ ‫السورية التي عاشها‬ ‫لقطع املتوسط‪ ،‬الحالة‬ ‫أنتيكا‬ ‫ا‬ ‫داية سبعينيات القرن‬ ‫املواطن السوري‪ ،‬منذ ب‬ ‫لفوزات رزق‬ ‫طالق الثورة السورية‬ ‫ملايض‪ ،‬وإىل ما قبل ان‬ ‫ا‬ ‫و”رزق” تولد مدينة‬ ‫يف آذار‪ /‬مارس ‪.2011‬‬ ‫حصل عىل إجازة يف‬ ‫‪.194‬‬ ‫السويداء عام ‪ 5‬عة دمشق عام ‪.1971‬‬ ‫اللغة العربية من جام‬ ‫دة اللعة العربية يف‬ ‫عمل يف تدريس ما‬ ‫لي‬ ‫ويف السعودية وليبيا‬ ‫املحافظات السورية‬ ‫غ للعمل األديب‪ .‬ومن‬ ‫بنان‪ .‬وهو اآلن متفر‬ ‫ول‬ ‫وائية‪“ :‬عواد الحمد”‪،‬‬ ‫أعامله القصصية والر‬ ‫‪ .1992‬و”الحصار”‪،‬‬ ‫(مجموعة قصصية)‪،‬‬ ‫فازت بجائزة املزرعة‬ ‫(رواية)‪ .2003 ،‬وقد‬ ‫العام‪ .‬و”طربق ‪،”90‬‬ ‫املركز األول يف نفس‬ ‫ـ‬ ‫روايتان تحت الطبع‬ ‫(رواية)‪ .2010 ،‬ولديه‬ ‫را عن “دار كتابوك”‬ ‫عادلية” و”أبناء الظل”‪.‬‬ ‫صدرت مؤخ ً‬ ‫باريس‪ ،‬هام‪“ :‬ال‬ ‫لكرتونية السورية يف‬ ‫اإل‬

‫ثقافة‬

‫“روشميا” للمخرج السوري سليم أبو جبل بجائزة “الواحة‬ ‫توج فيلم‬ ‫ألفالم الطويلة يف ختام املهرجان الدويل للفيلم العريب بـ”قابس”‬ ‫الذهبية” ل‬ ‫يف تونس‪.‬‬ ‫لفيلم قصة الزوجني املسنني يوسف وآمنة اللذين يعيشان يف هدوء‬ ‫يتناول ا‬ ‫‪ 1956‬يف كوخ بوادي حيفا إىل أن تقرر السلطات شق طريق جديد‬ ‫منذ عام‬ ‫معه هدم الكوخ وإجبارهام عىل العثور عىل منزل جديد‪ .‬وكان أن‬ ‫يستلزم‬ ‫لدورة الثانية للمهرجان مبدينة قابس يف جنوب تونس يف الفرتة من‬ ‫أقيمت ا‬ ‫يلول‪ /‬سبتمرب املنرصم تحت شعار “وتستمر الحكاية” مبشاركة‬ ‫‪ 24‬إىل ‪ 30‬أ‬ ‫كام وفاز الفيلم العراقي “حسن يف بالد العجائب” للمخرج عيل‬ ‫‪ 19‬دولة‪.‬‬ ‫كريم عبيد بجائزة “الواحة الذهبية” لألفالم القصرية‪.‬‬

‫رشا عباس تشهر كتابها الجديد في‬ ‫احتفالية “مساحات األمل” في برلين‬

‫العدد ‪2016 / 10 / 16 - 78 -‬‬

‫طغت السياسة عىل “مهرجان بري‬ ‫وت الله اإلرهايب‪ .‬والفيلم اإليراين “ليايل شارع‬ ‫السيناميئ الدويل” الذي افتتح نشا‬ ‫طاته زايندة” للمخرج محسن مخملباف بحجة‬ ‫يف الخامس من الشهر الجاري بع‬ ‫رض أنه يتضمن إساءة إىل الدولة اإليرانية‪،‬‬ ‫فيلم “الفتاة يف القطار” للمخرج ب‬ ‫يت والفيلم الثالث املمنوع هو فيلم “شؤون‬ ‫تايلور‪ .‬وذلك من خالل املنع الذي‬ ‫طال شخصية” للمخرجة الفلسطينية مهى‬ ‫ثالثة من األفالم التي كانت مدرجة‬ ‫عىل الحاج‪ ،‬وجاء يف خلفية أسباب املنع أن‬ ‫الئحة العروض املقررة يف املهرجان‪،‬‬ ‫هي‪ :‬الفيلم هو من إنتاج إرسائييل وأن عرضه‬ ‫الفيلم السوري “كأس العامل”‬ ‫لألخوين يناقض مبدأ مقاطعة إرسائيل‪.‬‬ ‫ملص املعارضني للنظام السوري‪ ،‬و‬ ‫كان وأشارت مصادر مقربة من مجلة “طلعنا‬ ‫سبب منع هذا الفيلم الذي يعد أول ع‬ ‫مل عالحرية” أن لجنة تحكيم املهرجان‪ ،‬كانت‬ ‫روايئ للفنانني السوريني‪ ،‬بحسب األمن‬ ‫ّ‬ ‫تضم أسام ًء ثقافية تعمل يف أجهزة الحزب‬ ‫العام اللبناين تضمينه نقدًا قاسيا لب‬ ‫ً عض املوالية إليران والنظام السوري‪ ،‬وهو ما‬ ‫األحزاب السياسية اللبنانية‪ ،‬وخاصة ح‬ ‫زب فرض قرار منع الفيلمني السوري واإليراين‪.‬‬

‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫‪19‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.