نصف شهرية ،سياسية ،ثقافية ،مستقلة
العدد 80 2016 / 11 / 15
مجلة مستقلة ،تعنى بشؤون الثورة السورية ،نصف شهرية ،تطبع وتوزع داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج
أوهــام اإلنتخابات األمريكية
2
أوهام اإلنتخابات األمريكية افتتاحية بقلم ليلى الصفدي
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
كإنسانة سورية عايشت مجريات األحداث خالل السنوات الست املاضية ،ال يشء قادر عىل استفزازي أكرث من الكالم املكرر لسياسيني وناشطني سوريني حول “أخطاء” أوباما ،أو ضعفه وتردده يف اتخاذ القرارات تجاه ما يحدث يف سوريا. هي “أخطاء” و”ضعف” و”تردد” فقط من منظور املخدوعني من املثقفني ومن النخب السياسية السورية ،أما من منظور الواقع واملصالح األمريكية ومصالح حلفائها يف املنطقة فهي عىل اإلطالق ليست أخطا ًء ..هم يحققون ما يريدون بال خسائر وبال تورط مبارش ،وبالطبع بال أدىن شعور بالذنب أو التعاطف مع الضحايا واملعتقلني واملهجرين من املدنيني السوريني ،فام خال مشاعر القلق التي كانت تساور األمني العام لألمم املتحدة بان كيمون بني حني وآخر ،ال مكان للعواطف يف حساب السياسات الدولية. وال تتعلق القرارات يف الدول الدميوقراطية مبيول الرئيس أو نزواته ،فمن يدير الواليات املتحدة إدارة وليس فرد ،وهي تستند يف ذلك إىل مؤسسات وتقارير وبحوث ومراكز متخصصة إضافة إىل جامعات الضغط التي ال نربع يف تنظيمها نحن العرب مهام ازدادت أعدادنا ،وباملحصلة ال تتخذ القرارات إال وفق مصالح الدولة ،أو بتعبري أدق وفق مصالح الرأسامل املتحكم يف عجالت الحياة األمريكية، وبالطبع مصالح الحلفاء وعىل رأسهم “إرسائيل”
واألنظمة القمعية التابعة يف الرشق األوسط. وبناء عليه ،فإنه ملن املثري للعجب أن يعلق سياسيون ومثقفون سوريون آمالهم عىل وصول كلينتون أو غريها إىل الرئاسة .فام كانت ستفعله كلينتون للقضية السورية سيفعله منافسها ترامب الذي أمىس رئيساً اليوم ،وسوف يتابع بكل أمانة طريق سلفه أوباما يف إدارة الحرب املستمرة يف سوريا بشكل خفي وصوالً إىل تحلل سوريا الكامل وسهولة تقسيمها من جديد ضمن توازن املصالح القائم ،آخذاً بعني االعتبار كام رصح مراراً املصالح اإلرسائيلية أوالً. وال أظن أن التدخل الرويس السافر يف املعضلة
www.freedomraise.net
السورية يقع خارج سيطرة اإلرادة األمريكية. الواليات املتحدة تستخدم إىل حد كبري الجالفة الروسية لتسوية األرض لحل قادم ،للجميع حصة فيه إال السوريني أصحاب القضية. ً هو درس أرادوا له جميعاً أن يكون قاسيا ،ليس للسوريني فقط ،إمنا لكل الشعوب املقموعة التي تطمح إىل حياة تليق بالبرش. يبدو أن قيم الحرية والعدالة والدميوقراطية والكرامة ال تتسع للجميع ،وسوف تبقى إىل أجل غري معلوم حكراً عىل الشعوب املتقدمة التي تعتقد أن أمنها وثرائها ورغد عيشها رهناً بتأخر اآلخرين وضعفهم.
تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت
كلمة
املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير
مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية ويف بعض مخيامت اللجوء معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان نصار أنور البني أسامة ّ
قسم املرأة يارا بدر
املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد
رئيس التحرير ليىل الصفدي املحرر االقتصادي وائل موىس
الغالف سمري خلييل
facebook.com/freeraise twitter.com/freedomraise info@freedomraise.net
كاريكاتري سمري خلييل
زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية رزان زيتونة -ناظم حامدي
ماركس في أميركا
3
ماهر مسعود
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
مقاالت
ألننا نعيش يف زمن العوملة ،تحول الربيع العريب أكرث للهمجية ضدنا وض ّد نفسها .فام اختيار ترامب إىل ظاهرة كونية ،لكن هذا التحول مل يرس باتجاه إال اختياراً للهمجية التي تريد حامية نفسها من نقل الحرية إىل عامل سبقنا يف تجربة التحرر ،بل اآلخرين “أمريكا أوالً” واختياراً لالنغالق بدل بالعكس ،توقف الربيع العريب يف سوريا ،وارت َّد االنفتاح ،والتعصب بدل التسامح ،والواحدية بدل باتجاه معاكس نتيجة ثورة مضادة ،قادها النظام التعدد واالختالف. السوري أوالً ،وانضمت له كل األنظمة العربية تنبأ كارل ماركس قبل قرن ونصف بأن الرأساملية واإلقليمية القلقة من تجربة التحرر الواعدة التي تحفر قربها بيديها ،وساهمت حلول االقتصاديني أطلقتها الشعوب ،ونتائجها الكارثية عىل األنظمة الذكية منذ “كينز” بتأجيل تلك الجنازة ،وقبل القامئة ومصالحها ،ونتائجها السيئة املحتملة ماركس كان هيغل يعتقد أن املسار العقيل للتاريخ لـ”إرسائيل” ،مثلام تحولت الثورة املضادة لتصبح قد يسلك مسارات غري عقالنية ليحقق ذاته ،وما عاملية خوفاً من الفوىض والالجئني واإلرهاب ،وإن نراه اليوم من العقالنية أوصلت ترامب للحكم، كانت يف العمق ال تفعل سوى تعزيز الثاليث املذكور يجمع االقتصاد واالجتامع والسياسة معاً ،ليميض أعاله. رمبا ،وبطريقة ماكرة ،نحو ما قاله ماركس؛ ففي وصول ترامب لسدّة الحكم يف أمريكا هو انعكاس ترامب والقوة الشعبية التي يعرب عنها والتي سيايس ناعم ،للحرب الخشنة الدائرة يف بالدنا ،والتي أوصلته للرئاسة ،تجتمع املتناقضات بطريقة أوصلت أبو بكر البغدادي لسدّة الخالفة يف املوصل ساخرة وتراجيدية يف آن ،فهو رأساميل كبري ،لكن والرقة .وهي ولوج أويل يف نتائج الربيع العريب معا ٍد لروح الرأساملية القامئة عىل انفتاح األسواق الذي أغلق العامل أفقه يف سوريا ،وهو ما مينحنا والتجارة الحرة والرشكات متعددة الجنسيات ،وهو مشاركة عاملية تطرح إشكالية الحرية والدميقراطية مييل لالنغالق القومي ضداً عىل النزعة االمربيالية والعدالة االجتامعية والسياسية بقوة عىل مستوى التوسعية للرأساملية ،وهو متعصب شعبوي للق َّوة عاملي ،وتجعل خيار الهروب من الحرية ومن والغنى ضداً عىل روح الكينزية التي أعادت تدوير تلك االلتزامات فيام يخصنا ،مرتدّة نحو العامل االحتكار الرأساميل عرب الضعفاء و”الربوليتاريا” الذي ساهم بشكل ف َّعال يف عزلنا ومنعنا من أنفسهم .ومن انتخب ترامب ،ليس الطبقات استكامل طريق التحرر الذي ابتدأ مع البوعزيزي .الوسطى/الدنيى األكرث حاجة لتحسني االقتصاد حيث يثبت خيار العزل ودعم الديكتاتوريات فحسب ،بل هم فئات اجتامعية يتداخل فيها الذي اختاره أوباما بتزكية شعبية غربية ،وانتشاء العرق مع الدين مع الغنى مع التعليم املتوسط انتصاري لدى بوتني وخامنئي وبشار ،دون أن ننىس مع أبناء الريف وكبار السن ،ومن يثور ويتظاهر فرحة األنظمة الخليجية بتوقف الربيع العريب يف بغضب اليوم ضد ترامب هم الطبقات الوسطى سوريا رغم خيبتها الالحقة ..يثبت خيار العزل إذاً “ليس الربوليتاريا” وهم امللونون واملهاجرون أنه خيار فاشل وغري ممكن يف زمن التعومل ،والسيام والسود واألقليات واملثليون ..وهؤالء جميعاً هم أن خيار الحرية الذي اختارته شعوبنا مل يكن خياراً من ذكرهم وع َّول عليهم هربرت ماكوز يف كتابه أيديولوجياً مخططاً ،وال خياراً مفروضاً بالقوة “اإلنسان ذو البعد الواحد” كفئات ستقود الثورات الخارجية االحتاللية مثلام كان األمر يف العراق. القادمة. ونشاهد اليوم بالتتابع كيف أن الدول األساسية لقد عاشت الطبقات الوسطى الغربية خالل العقود التي مضت يف طريق عزلنا ،تتجه هي نفسها الثالثة األخرية نوعاً من التهميش السيايس الذايت لالنعزال القومي ،والتي خافت من همجيتنا تتجه الناتج عن الوفرة والراحة املادية التي أمنتها دول
الرفاه الرأساملية ،وهو ما أدى لكسلها وابتعادها وعدم تدخلها ،كام عدم اهتاممها يف السياسة، والتفاتها للفردانية واالستهالك واملجتمع املدين والجامعات والسياحة واملشكالت االجتامعية املابعد حداثية ،ورمبا يأيت انتخاب ترامب َّ كخضة سياسية تعيد تلك الفئات لساحة الفعل والتغيري، تلك الساحة التي بدأت بقضمها روح االنعزال القومي املتفشية يف الغرب وممثليها السياسيني املختلطني يساراً ومييناً ،والتي تقضم معها الحريات السياسية والعدالة االجتامعية وقيم الدميقراطية التي ترتاجع واحدة تلو األخرى .وإذا أخذنا يف اعتبارنا أن جزءاً مه ًام ممن انتخب ترامب ،هم من األرياف والفقراء املتح ّمسني للتغيري االقتصادي والسيايس ،سنجد أن هؤالء هم أكرث من سيدفع مثن وعيهم الزائف بالتغيري؛ فمن غري املمكن لرأساميل يضع أوىل أولياته تقليل الرضائب عىل األغنياء حسن من وضع الفقراء والرشكات الكربى أن ُي ِّ الذين انتخبوه ،وبالتايل لن يطول الوقت قبل أن ينضم هؤالء للفئات الوسطى املصدومة اليوم من الظاهرة الرتامبية القابلة للتكرار يف أوروبا. مرة أخرى ،ورغم كل االنقسام الحضاري الهنتغتوين، فنحن نعيش يف عامل واحد أكرث من أي وقت مىض، واإلغالق الذي تم إحكامه علينا ،انفتح ليصبح إغالقاً عىل صعيد عاملي ،ولذلك فإن الخيارات عىل مستوى الكبائر ليست واسعة ،فإما ننحدر معاً لحرب ثالثة ،أو نتشارك معاً أفق التغيري الذي بات اليوم رضورة عاملية ض ّد تحالف املافيات والرعاع القائم.
4
هــل ماتت الحرب حقًا؟ د .عماد العبار
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
مقاالت
تعد نظرية انتهاء الحرب من أكرث النظريات إشكالية عند أنصار منهج الال عنف .املقولة هي يف األصل لألستاذ جودت سعيد ،وكام هو معروف ،هو أحد أشهر مناهيض الحرب ودعاة الال عنف والسالم يف العامل اإلسالمي. يك ّرر جودت سعيد املقولة يف كل مناسبة تقريباً، وهي تنبع من إميان عميق لديه بفشل منظومة الحرب عرب التاريخ ،ويعتمد يف إثبات مقولته تلك عىل شواهد تاريخية عديدة ،منهاّ :أن القنبلة النووية مل تستخدم سوى م ّرة واحدة يف التاريخ، وبذلك تكون الحرب بني الكبار قد ماتت من وجهة نظره ،الستحالة استخدام أسلحة الدمار الشامل م ّرة أخرى. يرى جودت أيضاً ّأن الكبار تن ّبهوا إىل موت فكرة الحرب ،لذلك مل يدخلوا يف حروب جديدة بعد الحرب العاملية الثانية ،ويرى أيضاً ّأن الحروب املتب ّقية هي حروب الصغار ملصلحة الكبار ،الذين باتوا يح ّلون مشاكلهم ،أو يص ّفون حساباتهم بدون حربّ ، ألن “الحرب ماتت”.. تجانب الفرض ّية الواقع إىل ح ّد كبري ،ويقع أنصارها يف خطأ تقسيم العامل إىل عاملني منفصلني متاماً :عامل الكبار الذين تع ّلموا من تجربة الحرب ،وعامل الصغار الذين مل يتع ّلموا.. ّ من حيث التوصيف ،مثة دول عامل أول ،ودول عامل ثانٍ وثالث .و ّمثة غرب أورويب متقدّم ورشق ّ متأخر .أو بحسب تعبري القرآن :عامل مستكرب ،وعامل ُمستض َعف .ولكنّها عوامل غري منفصلة بعضها عن بعض .فتو ّرط العامل األول يف حروب القسم اآلخر، ينسف من حيث املبدأ فرضية موت فكرة الحرب يف ذلك العامل ،ويضعه يف مرمى تداعيات الحرب بشكل الحق. تاريخياً ،مل تتورط أي إمرباطورية قدمية بحرب عىل أطرافها البعيدةّ ،إل قرعت الحرب أبوابها من الداخل .فالحرب هي الحرب ،سواء أخضتها بعيداً عن حدودك ،أو يف عقر دارك .والعامل اليوم أصبح متداخ ًال أكرث من ذي قبل بكثري .فالتداخالت السياسية واالقتصادية وثورة االتصاالت ،جعلت من العامل كتلة واحدة .مام يعني حتمية انتشار التوتر
من بلد إىل آخر ،وهذا ما جعل اإلنسان متأثراً مبا يجري من أحداث يف بلدان رمبا مل يسمع باسمها من قبل! ولقد الحظنا مؤخراً القلق يف الداخل األورويب نتيجة أزمة الالجئني السوريني ،وكيف أثارت األزمة نقاشاً داخلياً واسعاً يف العديد من دول أوروبا حول بلد مل يكن كثري من األوروبيني قد سمعوا باسمه من قبل .وكيف ميكن لتداخالت مصالح الدول الكربى، يف منطقة بعيدة عن مراكزها ،أن تحدث توترات وتعارض يف املصالح بني املراكز نفسها؛ كالتوتر الحاصل بني كل من االتحاد األورويب وروسيا وتركيا، والذي كان عىل وشك أن يتحول إىل صدام حقيقي يف أكرث من مناسبة. ينبغي عىل أصحاب مقولة “ماتت الحرب” إثبات ّأن العامل الذي استفاد من تجربة الحرب قد توقف فع ًال عن خوض الحروب بكافة أشكالها .ليس مجرد التوقف عن الخوض املبارش وحسب ،بل والقيام بدور إيجايب مناهض لفكرة الحرب .وهذا ما ال نراه حقيقة عىل أرض الواقع ،ال يف سوريا ،وال يف أي بقعة ساخنة أخرى.. ً ّ املقولة نفسها ،تشري ضمنا إىل توقف التاريخ ،أو إىل نهايته ّربا ،كنتيجة للتأثر أو االنبهار باإلنجاز الغريب. يك ّرر أصحابها ّأن القنبلة النووية مل يتك ّرر استخدامها منذ سبعني عاماً .ولكنّ سبعني عاماً ليست فاص ًال طوي ًال بعد حرب أوشكت عىل القضاء عىل أوروبا، ثم ّإن الحروب مل تتوقف عىل اإلطالق منذ ذلك ّ الوقت ،ومل تقترص كوارثها عىل الدول الضعيفة ،بل عانت الدول الكربى أيضاً من نزف الحروب ،لسبب بسيط :وهو أ ّنها مل تقتنع أص ًال بفكرة موت الحرب، كام يفرتض أصحاب املقولة! ففي الرصاع غري املبارش مع امل ّد السوفييتي الشيوعي ،خاضت أمريكا حرب فيتنام بني األعوام 1965و ،1975وتجاوزت خسائرها الخمسني ألف قتيل ،بحسب اإلحصائيات األمريكية ،ثم شنّت حرباً عىل العراق ،بدأت منذ العام ،2003وفقدت أمريكا خاللها حوايل الخمسة آالف جندي من جيشها، يف حني فقدت الدول الغربية األخرى املشاركة يف التحالف بضع مئات من مقاتليها ..وخاض االتحاد
السوفييتي حرباً يف أفغانستان ما بني األعوام 1979 و ،1989تجاوزت خسائره أثناءها الخمسة عرش ألف قتيل ،وأكرث من خمسني ألف مصاب ،يف حني ّأن خسائره يف الحرب الشيشانية تجاوزت الثالثني ألف جندي. خرست فرنسا أثناء استعامرها للجزائر ،فقط يف الفرتة ما بني 1954و ،1962ما يزيد عن العرشين ألف قتيل ،مع العلم ّأن احتاللها للجزائر دام 132 ْ خرست عاماً! بينام كانت الهند الصين َّية أكرث منطقة فيها فرنسا جنوداً ،ما ب َ ني 1945و ،1954حتى إن أزيد من 57ألفاً منْ جنودها هناك. ً مل تنته الحرب إذاً ..بل مل تتو ّقف يوما منذ سبعني عاماً. وطاملا ّأن العامل يشهد صعوداً لليمني املتطرف ،بدأ يف األمس مع فوز دونالد ترامب يف انتخابات الرئاسة األمريكية ،ونتوقع استمرار صعوده يف أوروبا أيضاً، فذلك يعني ّأن العامل ما يزال يقرع طبول الحرب، ومل يتعلم شيئاً من املايض. تصلح املقولة ألن تكون أمنية ال فرضية ،وال حتّى حقيقة ميكن تفسري العامل من خاللها .تحتاج األمنية إىل عمل جاد مع جميع مناهيض الحرب يف العامل، ملواجهة الخلل يف السياسات العاملية ،بعيداً عن تقديس تجربة العامل األول بسبب التقدم الذي ح ّققه عىل الصعيد التكنولوجي ،أو يف مجال حقوق اإلنسان الغريب (األبيض!) أو بعض حقوق الذين استضافهم الغريب داخل حدوده ،نتيجة موجات الهجرات والنزوح الناجمني عن اختالل العامل. وال ب ّد أن نذ ّكر أيضاً ّ بأن نزعة السلم مل تقرتن تاريخياً بالنهضة التقنية ،فال ال عنف غاندي ،وال الال عنف اإلسالمي يف م ّكة ،اقرتنا بتطور علمي أو رخاء اقتصادي ،بل العكس كان هو الصحيح! للحرب أسبابها املوضوعية ،وهي ما تزال فاعلة اليوم ،كام كانت يف السابق. بناء عليه ّ فإن الحرب مل متت ،وال مؤرشات عىل موتها يف املستقبل القريب ..وإىل أن تنقلب املوازين ،تبقى املقولة محض خيال ،وأمنية ،ورمبا املقولة األكرث قرباً إىل واقعنا ،هي مقولة ستانيل بالدوين: “تنتهي الحرب يف حال عاد املوىت”..
متطــرف جديد يولد من رحم السياســة األمريكية
5
أحمد حبيب
العدد - 80 -
ليستنتج محللون بأن الحكومة األمريكية بسياستها السلبية بالتعاطي مع ما يحدث يف سوريا هي من فتحت الباب عىل مرصاعيه لجرائم النظام السوري والتدخل الرويس ،ووالدة العنارص املتطرفة وتغلغل تنظيم الدولة “داعش” بالنسيج االجتامعي يف بعض مناطق سوريا .كام يجزم املحللون العسكريون بأن استهداف القوات املعادية بسالح الطريان الحريب ال يكفي لحسم املعركة معه ،ولكن يساعد بالنرص .وهذا يوضح بأن الحرب التي فتحتها قوات التحالف الدويل
2016 / 11 / 15
بأن ال جدية لدى اإلدارة األمريكية إلزاحة بشار األسد.
مقاالت
يف عام 2007ويف الذكرى األوىل لتس ّلم الكاتب اإلنكليزي هارولد بنرت جائزة نوبل لآلداب قال وبكل وضوح يف خطاب له ،ناقداً السياسة األمريكية الخارجية يف مراجعة تاريخية شاملة لجرامئها يف العامل“ :الواليات املتحدة أيدت وأنشأت كل ديكتاتورية عسكرية ميينية يف العامل، منذ نهاية الحرب العاملية الثانية .وأنا أشري هنا إىل إندونيسيا واليونان وأرغواي وهايتي وبارغواي والربازيل وتركيا والفلبني وغواتيامال والسلفادور وتشييل .إن الرعب الذي مارسته الواليات املتحدة األمريكية يف تشييل لن ميحى أو ينىس .مئات ألوف الوفيات وقعت يف هذه البلدان إال أنكم مل تعرفوا بوجودها .إن جرامئها منظمة ووحشية ومستمرة غري أن قلة من الناس تتحدث عنها”. ذلك الكاتب اإلنكليزي الذي ولد يف لندن لوالدين يهوديني من الطبقة العاملة ،رشح بوضوح دعم السياسة األمريكية للديكتاتوريات يف دول العامل الثالث والدول النامية؛ حيث كانت تلك خاضعة لحكومات وصلت إىل الحكم عن طريق انقالبات عسكرية ومتسكت بكريس السلطة بيد من حديد. أسوأ ما يف التاريخ أنه ما يلبث أن يعيد نفسه بفواصل زمنية مختلفة ،ليظن بعض املتابعني أن روسيا -سليلة االتحاد السوفيتي -هي القوة الوحيدة العاملة عىل األرايض السورية ،و يغيب عن كثري من املحللني والسوريني الدور الذي لعبته اإلدارة األمريكية يف إشعال الحرب الدائرة تحت وطأة نريان الروس .ال تغيب عن الذاكرة الترصيحات الطنانة للرئيس األمرييك باراك أوباما يف تاريخ 20أيلول/سبتمرب عام 2012حول السالح الكياموي الذي ميلكه نظام األسد ويصف استخدامه بـ”الخط األحمر” لنشهد بعد ذلك أكرب مجزرة يف القرن الواحد والعرشين ،والتي راح ضحيتها 1500مدين سوري يف ليلة واحد ،ونلحظ فيام بعد ردود أفعال ملونة لإلدارة األمريكية ،مل
تستخدم إال لحفظ أمن دول الجوار ،والضغط الضئيل عىل نظام األسد ،وبعد فرتة نجد القاتل بريئاً متاماً من دم الضحية. مل يقف الدعم األمرييك لألسد بالتغايض عن أفعاله وحسب ،بل ذهب ألبعد من ذلك لتنقل قناة NBCالتلفزيونية ،عن مصدر يف إدارة االستخبارات املركزية األمريكية CIAبأن األخرية مفصلة عرضت عىل الرئيس باراك أوباما خطة ّ لعملية رسية لإلطاحة بالرئيس السوري بشار األسد يف العام 2012ولكن الرئيس األمرييك مل يقر الخطة .يف حني رصح “دوغ لوكس” مؤلف الخطة، وهو ضابط سابق يف االستخبارات األمريكية: “أملح البيت األبيض وكذلك االستخبارات منذ البداية إىل أن هدف مجموعتنا امليدانية ،حرمان األسد من السلطة .وكان لدينا 50خياراً لتحقيق ذلك .وتم رسد تفاصيل تنفيذ هذه العملية يف خطتي .ولكن القيادة السياسية مل متنحنا أي فرصة للقيام بذلك”. كام أضاف “لوكس” يف مقابلته مع املحطة األمريكية NBC Newsأن خطته نالت موافقة الكونغرس ورؤسائه يف االستخبارات ،إال أن باراك أوباما “رفض السامع أو حتى مناقشة الخطة”. استقال “لوكس” من الوكالة بعد وصوله الستنتاج
والدول التي هي خارج ذلك التحالف بسالحها الجوي ال تهدف به إىل حسم املعركة مع التنظيم املتطرف ،ليدعم ذلك ما رصح به وزير الدفاع الربيطاين مايكل فالون“ :إن رضبة جوية واحدة بني كل 20رضبة روسية يف سوريا تستهدف تنظيم داعش اإلرهايب” محذراً من أن بوتني يقتل املدنيني دع ًام لبشار األسد .يف حني مل تكن روسيا فقط هي من تستهدف املدنيني السوريني بدالً من تنظيم الدولة “داعش” حيث ارتقى منذ أشهر 125مدنياً سورياً يف غارات لطائرات التحالف بقيادة الواليات املتحدة عىل قرية توخار التي تؤوي نازحني قرب منبج رشق حلب، وأفاد ناشطون ميدانيون أن القتىل غالبيتهم نساء وأطفال ،بينهم عائالت بكاملها. وبني ش ّد وجذب ،ومرور الوقت عرب ترصيحات سياسية فضفاضة ،ال يزال املوت يطارد السوريني، واليزال األسد متمسكاً بالسلطة ومستمراً بقتل املدنيني مبساندة الروس .والحرب عىل الساحة السورية مستمرة ،وأصبح بإمكاننا القول بأن السياسة األمريكية البليدة تجاه ما يحصل بسوريا هي من سمحت بوالدة متطرف جديد مييني أو داعيش أو حتى ديكتاتور. ويف ظل ذلك يبقى هناك سؤال وحيد يطرح نفسه مع التصارع الدميوقراطي عىل سدة الحكم يف البيت األبيض مع مفارقة رهيبة حيث أن أوباما سيغادر كريس السلطة األمرييك قبل بشار األسد ،وهو الذي كان دامئاً ما يقول يف خطاباته: “أيام األسد يف السلطة باتت معدودة”. والسؤال يقول ما الذي سنجنيه من سياسة كلينتون الدميقراطية املحنكة أو من عدوانية ترامب الجمهوري العنيف يف رصاعنا السوري الدائر يف أحياء مدننا؟ وما هو اليشء الذي استفدنا فيه من أوباما لنحتفي ونستبرش بخليفته؛ الرئيس األمرييك القادم؟!
مظلة الحماية نظرة شــمولية الحتياجات الطفل
6
عالء ظاظا مدير البرامج في شبكة حراس
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
ما الفرق بني حامية الطفل والدعم النفيس للطفل؟ إن الدعم النفيس للطفل مهم جداً يف ظروف الطفل السوري ،لكن تكمن املشكلة بالنظر إىل الطفل كـ”حالة”! بينام يف التعامل مع الطفل ضمن نظام الحامية ،الذي يضمن له جميع الجوانب الرضورية لنم ٍو سليم ،تجعل من الحامية مظ ّلة لجميع الخدمات املقدمة لألطفال؛ حيث يكون الدعم النفيس جزءاً منها ،ففي نظام الحامية نتعامل مع الطفل كـ “شخص” ونحدد نقاط القوة والضعف لديه ،وعند األشخاص القامئني عىل رعايته ،حتى نزيد يف قدرته ومرونته يف التعامل مع التحديات يف حياته. أما إذا تعاملنا مع الجانب النفيس فقط ،ونجحنا فيه ،فسيبقى لديه جوانب أخرى تعيقه عن النمو السليم؛ فالتعامل مع كل هذه املعوقات يعمل عىل زيادة استقاللية الفرد واستدامة قدرته عىل التكيف.
هل حامية الطفل أولوية؟
مقاالت
حقيقة قطاع الحامية قطاع مظلوم ألنه من جهة غري مفهوم ومع ّقد ،فهو ليس واضح كقطاع الغذاء أو املياه أو الصحة ،ومن جهة أخرى هو مفهوم جديد عىل مجتمعنا. باإلضافة إىل أنه قطاع مكلف نسبياً ،مادياً وبرشياً؛ تلم شمل طفل بأرسته ،فهذا قد فمث ًال لو أردت أن ّ يكلفك مساهمة من عرشين شخصاً ولعدة أشهر، من أجل طفل واحد! بينام لو أردت أن تحفر برئاً، فخمسة أشخاص سيقومون باملهمة خالل أسبوعني، ويخدم البرئ آالف األشخاص. تفضل الناس أن ترى األثر املبارش الف ّعال بالشكل البسيط ،من هنا يظن الناس أن حفر البرئ أهم وأوىل! بينام ألن اإلنسان هو األساس! فحامية الطفل املعرض للخطر هو األمر األوىل ،والعدل يقتيض أن تفكر باإلنسان األكرث حاجة أوالً ،ألنك لو أنقذت شخصاً واحداً كأنك أنقذت اإلنسانية .خاصة عندما تكون أمله الوحيد واألخري.
نظرة شمولية الحتياجات الطفل
من هنا تكون الحامية هي منهج أو طريقة يف التفكري ملقاربة احتياجات الطفل بشكل شامل. وتنسق بني مختلف قطاعات العمل والحامية تجمع ّ اإلنساين ،لضامن استجابة تحقق أثراً مستداماً ،وتقلل من احتامل إلحاق األذى .من هذا املنطلق ،فإن مفاهيم الحامية وقواعدها مهمة لكل القطاعات ليتم التفكري مبا يحقق مصلحة الطفل كفرد ،وليس
التفكري عىل مستوى تقديم الخدمات فقط .فقد يكون التدخل من جهة لتأمني خدمة واحدة مع غياب بقية االحتياجات ال يعطي أي أثر ،وقد يسبب األذى للطفل.
كيف ميكن أن تتسبب اإلغاثة باألذى لألطفال؟
يوضح هذا األمر مثال منظامت دعم األيتام ،التي تقدم فقط املساعدة املالية للطفل اليتيم ،دون النظر يف وضع الطفل وأرسته أو القامئني عىل الرعاية ،بينام تركز عىل الخدمة (واختصاص املنظمة) وال تركز عىل احتياجات الطفل .قد يجعل األرسة الراعية للطفل أو الطفل نفسه معتمدين عىل هذه املساعدة ،مام قد يعرض الطفل لالستغالل أو يقلل من فرصته يف التكيف مع وضعه. قد يكون الطفل يتي ًام لكن لديه أرسة داعمة غنية وليس بحاجة للمساعدة املالية ،وقد يكون لديه احتياجات أخرى ،واملنظمة فقط تقدم له املساعدة املالية .من املهم أن تنظر للطفل بشكل كامل ،هل لديه فرصة للتعليم؟ هل يتوفر له الغذاء؟ هل لديه أرسة داعمة؟ هل يحصل عىل فرص اللعب؟ “ماذا يحتاج بالضبط؟” فمنهج الحامية يبحث يف وضع الطفلَ ،من ِمن أرسته يستطيع املساعدة؟ فنعمل عىل متكني األرسة من دورها ،بدل أن نلعب دورها.
من يستطيع العمل يف حامية الطفل؟
يف الوضع الطبيعي ويف حالة السالم متتلك الدولة القوانني والترشيعات والسياسات املتعلقة بحامية الطفل ،ويختص بها العاملون يف الحامية .مث ًال يف حاالت التفكك األرسي ،تستعني املحكمة باالختصاصيني االجتامعيني إلبداء الرأي يف وضع الطفل ،حتى ال يكون عرضة للخطر نتيجة حكم املحكمة بدون هذه االستشارة التخصصية .وهناك قصور واضح يف األنظمة والسياسات عىل املستوى الوطني حتى قبل الثورة ،مع غياب البدائل املجتمعية نتيجة ضعف الالمركزية وانعدام مساحة
العمل املدين. أما يف سياق الطوارئ ،فهناك الجانب املختص بالحامية املتعلق بالقانون الدويل اإلنساين ،الذي تراكمت فيه الخربة اإلنسانية نتيجة الحروب ،وتم وضع معايري الحامية يف ظروف الطوارئ ،ومن ضمنها الحد األدىن ملعايري الحامية يف حالة الطوارئ، والذي تعتمده شبكة حراس. تقدم املعايري اإلطار العام لالستجابة لوضع طارئ، وتقدم خربات اآلخرين يف مجتمعات أخرى ،واجهت سياقات مشابهة لوضعنا ،كيف ترصفوا؟ وماذا كانت أفضل املامرسات؟
هل االختصاص مطلوب للعمل يف املجال اإلنساين؟
حيث نالحظ أن هناك تخوف لدى الناس ،والتصور مختصاً حتى تستطيع العام أنه يجب أن تكون ّ العمل يف املجال اإلنساين .نعم ،ينبغي أن تكون مختصاً حتى تستطيع تشخيص الحالة وتضع ّ خطة فردية للطفل ،وهذا يعترب جزء بسيط من العمل ،لكن الجزء األكرب يعتمد عىل تقديم الدعم لآلخرين ،ولهذا يكفي أن يكون لديك الدافع اإلنساين للمساعدة ويكون قلبك يف املكان الصحيح. أخرياً أحب أن أوضح أنه يف مجال العمل اإلنساين إجامالً، الكثري من األجوبة هي أجوبة بديهية ،والكثري من القواعد هي منطقية ،وكل إنسان يستطيع بيشء من الرتكيز عىل مصلحة الطفل أن يعرف ما يجب وميكن فعله. لكن تم وضع اإلطار لتجنيبك أخطاء قد تندم عليها الحقاً ،أخطاء يف استخدام املوارد مث ًال ،التي هي يف الواقع محدودة جداً ،أو أخطاء يف حاالت خاصة تتطلب إدراكاً أعمق لإلطار القانوين أو لوضع الطفل.
مبادرة جيــش اإلنقاذ الوطني احتمالية النجاح والفشــل
7
أبو القاسم السوري
العدد - 80 - 2016 / 11 / 15
املعادلة التي كانت قامئة ،ويعيد تصحيح بوصلة الثورة من جديد ،من خالل طرح وطني وفق بنية عسكرية مؤسساتية. ولكن السؤال األهم واألسايس الذي يؤرق سكان الغوطة الرشقية وكل غيور يف سورية :هل سيكتب النجاح لهذه املبادرة؟ الحقيقة إن املعيار األسايس الذي سيحدد احتاملية النجاح والفشل لهذه املبادرة يرتبط بعدة عوامل رئيسية أساسية وهي: - 1الوعي الحقيقي لكل الفصائل بأن املشاريع الفصائلية مل تؤ ّد إىل نتيجة ،وليس مصريها سوى الفشل وإنهاء الثورة ،وبالتايل هناك حاجة لدى الجميع إلعادة تصحيح املفاهيم واالندماج ضمن مرشوع وطني تشاريك .أما إذا ما بقيت عقلية الفصائلية هي السائدة ،فسيكون مصري هذه املبادرة كمصري العديد من املبادرات التوحيدية السابقة. - 2الظرف الخطري الذي متر به الغوطة؛ واملتمثل أساساً بوصول النظام إىل مناطق حساسة جداً يف الغوطة ،وبالتايل فعىل الجميع أن يدرك أن خطر النظام تعلو أهميته مبئات املرات من الرصاع السيايس بني الفصائل ليكونوا قوى مهيمنة يف مناطقهم ،وبالتايل إن مل يكن خطر النظام قادر عىل توحيد فصائل الثورة فال يوجد أي عامل قادر عىل توحيدهم.
- 3التبني الشعبي واملؤسسايت للمبادرة ،والذي ظهرت بوادره من خالل املظاهرات يف أغلب بلدات الغوطة الرشقية تأييداً للمبادرة ،وبالتايل يبدو أن الشارع بدأت تعود له حيوية الحراك الثوري التصحيحي ،وهو عامل يجب العمل عىل تفعيله ليكون رافعة إلنجاح املبادرة. - 4التبني اإلقليمي والدويل لهذه املبادرة ،من خالل دمج قنوات الدعم للمؤسسة العسكرية الجديدة املزمع إنشاؤها ،وهو أمر يجب عىل القوى الصادقة مع الثورة السورية دعمه بكل قوتها ،ألنه يساعد عىل تسويق مرشوع وجود البديل الوطني الحقيقي. طبعا هذه العوامل لن يؤثر أحدها بشكل منفصل عىل مصري املبادرة ،بل سيكون تفاعل جميع هذه العوامل إىل أن ترى هذه املبادرة النور ،أو العكس! ولكن أخىش ما أخشاه هو أن يبقى البعض يعطي أذنه إىل الخارج معتقداً أن ما يسمعه من نصائح من الدول الخارجية هو سبيل النجاة .وحقيقة أن هذا األمر يودي بسورية عموماً والغوطة الرشقية خصوصاً إىل املزيد من الدمار. وعليه يجب عىل الجميع أن يدير سمعه باتجاه حاضنه الشعبي ،وأن تكون محددات الثورة هي محددات الجميع ،وأن يقتنع الجميع مببدأ التشاركية ،وإال فإن مصري الجميع لن يكون إال مصرياً أسود.
مقاالت
قامت الهيئة السياسية املنبثقة من الهيئة العامة يف الغوطة الرشقية ،وهي املؤسسة املدنية التمثيلية األكرب والتي توجد فيها غالبية البنى املدنية العاملة يف الغوطة الرشقية ،من مجالس محلية وهيئات رشعية وخدمية وطبية وإغاثية وتعليمية ،بإطالق مبادرة جيش اإلنقاذ الوطني؛ وهي مبادرة هادفة إىل دمج الفصائل العاملة يف الغوطة الرشقية ضمن جيش واحد بقيادة جديدة ،تؤول إليه كافة األسلحة واملقرات واإلمكانيات املادية والبرشية، يحمل علم الثورة ويتبنى أهدافها .وسيتكون الجيش من أربعة مكونات وهي هيئة سياسية مدنية ،ومجلس شورى عسكري ،وأركان واحدة، ومرجعية رشعية واحدة ،وفق نسب مئوية للفصائل الكربى العاملة يف الغوطة. وطبعاً أتت هذه املبادرة بعد حالة من التدهور املستمر يف الغوطة الرشقية ،أدت إىل تبلور حالة من الضعف العام ظهرت واضحة من خالل النقاط التالية: االنقسام يف املشاريع السياسية يف الغوطة ،والذي أدى إىل انقسامات عىل عدة مستويات ،عسكرية ومدنية ،أدت يف النهاية إىل صدام بني الفصائل، وخاصة بني جيش اإلسالم وفيلق الرحمن ،وكانت نتائجه انهيار الثقة بني الفصائل يف الغوطة. غياب املرشوع السيايس الجامع القادر عىل تجاوز معضلة الفصائلية. تقلص مناطق سيطرة الثورة عىل حساب سيطرة النظام . متلمل نسبة من سكان الغوطة من أداء الفصائل العسكري ،ومن طول أمد الحرب وما يرافقه من دفع فواتري عالية عىل كل مستويات. نتيجة لكل ذلك كان هناك شعور بالخطر املحدق يف الغوطة الرشقية ،وخاصة أن النظام قد استطاع إنهاء ملفات مناطق أخرى يف ريف دمشق، وبالتايل ميكن له أن يتفرغ للغوطة بزج قوة عسكرية جديدة له عىل تخومها ،مام سينعكس تصعيداً عسكرياً أكيداً .ونتيجة لكل ذلك كان ال بد من أن يكون هناك طرح سيايس يستطيع تغري
شرعية التدخل الروسي في سوريا 8
المحامي أنور البني
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
التدخل العسكري لروسيا يف سوريا يثري الكثري من التساؤالت حول مرشوعيته ومدى اتفاقه مع القوانني الدولية ،وتربر الحكومة الروسية هذا التدخل بأنه بناء عىل طلب الحكومة السورية ،وبناء عىل اتفاقيات موقعة بينهام، فهل ميكن االعتامد عىل ذلك ملنح رشعية قانونية لهذا التدخل؟ ميكن أن نقسم هذه االتفاقيات إىل قسمني: أولهام املوقعة بني الحكومة السورية واالتحاد السوفيتي والحكومة الروسية التي ورثته قبل اندالع الثورة السورية عام ،2011واالتفاقيات املوقعة بعد هذا التاريخ. فاالتفاقيات املوقعة قبل تاريخ الثورة السورية هي اتفاقيات سياسية بني ممثيل دولتني حسب القانون الدويل العام ،وليس بني أشخاص بصفتهم الشخصية ،وبالتايل ال ميكن التمسك بها قانوناً مبواجهة خالف داخيل عليها ،وال ميكن استخدامها لدعم طرف داخيل مبواجهة الطرف اآلخر ،وإال فقدت مرشوعيتها القانونية كاتفاقية دولية ،وانتقلت إىل مصاف االتفاقيات الشخصية التي ال يحميها القانون الدويل ،وال ميكن التمسك بها يف مواجهته ،مام يعني أن كل الدعم العسكري والسيايس الذي قدمته روسيا االتحادية للنظام السوري هو ال يخضع لقواعد القانون الدويل واالتفاقيات ،وليس دع ًام لسوريا البلد والدولة ،وإمنا دعم طرف ض ّد آخر ،وبالتايل لديها مسؤولية جزائية عندما يستخدم هذا الدعم الرتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد اإلنسانية. أما االتفاقيات التي تم توقيعها بعد اندالع الثورة يف سوريا ،فإنها فاقدة ألي رشعية قانونية حت ًام مبوجب القانون الدويل. تنص قوانني األمم املتحدة عىل أنه يتوجب عىل الدول أن تودع االتفاقيات املوقعة بينها لدى األمم املتحدة حتى يصبح ملزماً .واملعاهدة هي اتفاق دويل يتم إبرامه بني شخصني أو أكرث من أشخاص القانون الدويل ،وهي تعني وجود اتفاق بني دولتني أو أكرث لتحديد الحقوق
والواجبات املتبادلة ،أو لحل مسألة ،أو تعديل عالقة ،أو وضع قواعد وأنظمة تتعهد الدول باحرتامها. من رشوط املعاهدة الدولية أنه ال بد أن يكون جميع أطرافها متمتعني باألهلية القانونية، الدولة كاملة السيادة تتمتع باألهلية الكاملة، وتستطيع إبرام كافة أنواع املعاهدات ،ولكن األمر يختلف بالنسبة للدول ناقصة السيادة أو الدول الفاشلة ،التي ال ميكن أن تربم اتفاقيات دولية ،وال يعتد بأي اتفاقيات ميكن أن تربمها. كام يتوجب عدم قيام التعارض بني مضمون املعاهدة أو غايتها وبني أي من قواعد القانون الدويل العام اآلمرة؛ إذ أن من شأن قيام مثل هذا التعارض أن يجعل املعاهدة تتصف نصت اتفاقية فيينا بالبطالن .وىف هذا الشأن ّ للمعاهدات عىل أنه “تقع باطلة بطالناً مطلقاً كل معاهدة تتعارض يف لحظة إبرامها مع إحدى قواعد القانون الدويل العام اآلمرة” لذلك ال ميكن للمعاهدات الدولية أن تتضمن القيام بجرائم حرب أو جرائم ض ّد اإلنسانية، وجرائم إبادة وتطهري عرقي واستيالء عىل قواعد عسكرية. وحيث أن سوريا هي دولة فاشلة مبوجب املعايري الدولية التي تنص عىل أن الدولة تصبح فاشلة إذا ظهر عليها عددٌ من األعراض ،أولها أن تفقد السلطة القامئة قدرتها عىل السيطرة الفعلية عىل أراضيها ،أو أن تفقد احتكارها
لحقّ استخدام العنف املرشوع يف األرايض التي تحكمها .وثانيها هو فقدانها لرشعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها .وثالثها عجزها عن توفري الحد املعقول من الخدمات العامة. ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول األخرى كعضو فاعل يف األرسة الدولية. لكل ذلك وكام يظهر أن الوجود الرويس عىل األرايض السوري هو وجود غري مرشوع ،وال ميكن وضعه تحت بند اتفاقيات دولية أو إعطائه بعداً رشعياً قانونياً. إن كل ما تسوقه الحكومة الروسية من أعذار أو تربيرات لتدخلها العسكري يف سوريا هي خاطئة ومخالفة للحقيقة وللقانون الدويل، وهي حقيقة وقانوناً تدخل غري مرشوع ،ووجود عسكري يشكل قوة احتالل مبارش يف ظل دولة فاشلة ،وبالتايل من حق السوريني اعتبار روسيا االتحادية عدواً عسكرياً مبارشاً محت ًال لبلدهم، والرئيس الرويس وأعضاء حكومته والعسكريني الروس هم مجرمني يتوجب محاكمتهم .وعىل األمم املتحدة رفع الرشعية عن أي معاهدة أو اتفاق بني روسيا والشخصيات السورية املتحالفة معها ،واتخاذ كل اإلجراءات الالزمة إلجبار روسيا عىل االنسحاب من سوريا ورفع االحتالل ،ومحاكمة املجرمني الذين ارتكبوا الجرائم يف سوريا واملسؤولني الذين أعطوا األوامر بهذه الجرائم.
أهمية دور القضاء في مستقبل سوريا المحامي ميشال شماس
9
طلعنا عالحرية العدد - 80 -
يقوم املركز السوري للدراسات واألبحاث القانونية الذي يرأسه املحامي أنور البني ،مبساهمة من كوادر املركز من املحامني بأملانيا ،وبالتعاون مع عدد من املنظامت األملانية واألوروبية منها املركز األورويب لدراسات حقوق اإلنسان والشبكة األورومتوسطية لحقوق اإلنسان ،ومحامني أملان ،مبحاولة إلقامة دعوى حول جرائم التعذيب واإلخفاء القرسي يف سوريا ،وخاصة حول جرائم التعذيب واإلخفاء القرسي لدى شعبة األمن العسكري، وباألخص بالفروع األمنية فرع فلسطني وفرع املنطقة ورسية املداهمة. وبني املحامي أنور البني حيثيات هذه الدعوى بقوله: “إن الواقع القضايئ يف الدول األوروبية ال يسمح بإقامة دعاوى عىل متهمني تخص جرائم حدثت يف سوريا ،ما مل يكن أحد الضحايا أو موجودين يف سوريا ّ تم استثامره بالدعوى عىل أجهزة األمن ما وهذا جنسيتني، املجرمني يحمل ّ الجوي ،التي متت إقامتها بباريس بفرنسا منذ حوايل الشهر ،بسبب وجود ضحايا يحملون الجنسيتني الفرنسية والسورية .وبجهود كبرية لكثريين أحدثت ثغرات وحاالت جديدة ميكن استخدامها إذا كان املجرم قد وصل إىل أرايض الدول األوروبية كمقيم أو كالجئ .هذا ما تم إنجازه بالدعوى املقامة بالسويد منذ فرتة ونحاول تعميمها عىل كل الدول األوروبية ،كام نحاول فتح ثغرة جديدة باستخدام اتفاقيات مناهضة التعذيب والنصوص الدستورية األوروبية لنؤسس لدعاوى ض ّد املجرمني يف سوريا .وابتدأنا اآلن بدعوى يف أملانيا .واخرتنا هذه األفرع األمنية بسبب الفظائع الكبرية جداً التي ارتكبت فيها ،وبسبب األعداد الكبرية جداً للمعتقلني الذين مروا عليها .ويف حال نجاحنا ستكون أول لبنة وسابقة متكننا من فتح دعاوى جديدة عىل املجرمني يف الفروع األمنية ومراكز االعتقال األخرى ،ريثام يتمكن السوريون من بناء قضائهم وعدالتهم الخاصة بهم يف سوريا”. وقد أطلق البني عىل صفحته يف الفيس بوك نداءاً إىل الالجئني السوريني يف أملانيا خصوصاً أو يف أوروبا ،ممن اعتقل لدى فرع فلسطني 235أو فرع املنطقة 227أو فرع املداهمة 215يف عام 2011وما بعد ،و يرغب أن يكون شاهداً أو مدعياً أمام القضاء ،أن يراسله لرتتيب اللقاء معه وأداء شهادته ،وتوكيل املحامني الذين سيتابعون الدعوى. وأضاف البني لـ طلعنا عالحرية“ :أنه من املبكر اآلن الحديث عن مآل الدعوى ونتائجها ونحن باملرحلة التحضريية لها ،ولكني متفائل بنجاحنا، وأصبح لدينا عدد جيد من املعتقلني الجاهزين لالدعاء والشهادة ،بفضل تعاون وحامس الجميع” .وأضاف” “من املؤكد أن فتح باب العدالة بسبب قضية واحدة هو عدالة للجميع ،املهم أن ال يبقى املجرمون طلقاء ،وأن ال يشعروا باألمان والحامية ،إنها رسالة واضحة وقوية للمجرمني :أننا لن ننساهم وسنبذل كل ما نستطيع لجلبهم لقفص العدالة عاج ًال أم آج ًال.. ومهام امتدت الجرائم فالعقاب قادم ،وال راحة لهم مهام امتد الزمن ،وال حلوالً سياسية ميكن أن تحميهم يف أي وقت ،وال مهرب لهم بأي مكان يف األرض”.
2016 / 11 / 15
ملحة، أصبح اليوم الحديث عن القضاء القوي العادل وحقوق اإلنسان أكرث من رضورة ّ ويكتسب أهمية بالغة بالنسبة للشعب السوري ،السيام يف ظل املأساة الرهيبة التي يعيشها منذ ما يقرب من خمس سنوات وما قبلها ،عىل امتداد أكرث من خمسني سنة من العسف والظلم والحرمان. ففي الوقت الذي ازدادت فيه أهمية دور القضاء يف تطور املجتمعات وتقدمها ،بعد أن أصبح يقوم بوظيفة حفظ االستقرار والسلم االجتامعي ،وامتصاص التوترات املجتمعية التي ميكن أن تحدث نتيجة عدم إيجاد حلول جدية للمشاكل االقتصادية واالجتامعية ،والسيام مشكلة الفساد والتضييق عىل ح ّريات الناس ،وذلك يف إطار مجموعة من املبادئ والدميقراطية الحديثة ،املرتكزة عىل قضاء مستقل وقوي ،وعىل سيادة القانون ..نجد العكس متاماً قد جرى ومازال يجري يف سوريا؛ حيث تح ّول القضاء إىل مجرد هيكل بال طعم وال لون ،بسبب التدخل السافر يف شؤونه والتعدي عىل اختصاصاته ،فتحول من مؤسسة عدل وإنصاف إىل وسيلة بيد النظام الحاكم لتثبيت حكمه وقمع الشعب ،والسيام خصومه السياسيني ،وكذلك املدافعني عن حرية اإلنسان وحقوقه ،وهو األمر الذي ساهم بشكل مبارش يف اندالع انتفاضة السوريني ضد النظام املستبد والجائر. ففي هذا الزمن بات يقاس تطور الدول مبدى سيادة القانون واستقالل قضائها ،عىل اعتبار أن الدولة يف املجتمعات الحديثة تخضع للقانون ،فال ميكن أن تقوم سيادة القانون أو تتحقق إال حيث يكون اإلقرار بحقوق اإلنسان واحرتامها متوافراً عىل أكمل وجه ،وكام قال رئيس مجلس شورى الدولة الفرنيس السابق رينيه كاسان“ :وإنه ألمر جوهري أن يحمي هذه الحقوق نظام قانوين ،حتى ال يكون املرء مضطراً يف النهاية إىل الثورة ضد الطغيان والظلم”. فالسلطة القضائية ال ميكنها لوحدها أن تحقق العدالة وتحفظ االستقرار والسلم األهيل ،إال إذا ما وضعت السلطات القامئة نفسها تحت أمرة القانون ،واحرتمت ح ّرية وحقوق جميع املواطنني واملواطنات ،وآمنت بأن املواطن يشكل أساس كل التعاقدات االجتامعية والسياسية. ومفهوم العدالة ال يخرج عن هذا اإلطار بل يك ّرسه .يقول الفليسوف األملاين إميانويل كانط: “تعترب العدالة اإلنسان األساس املحوري ألي تنمية مستدمية ،باعتباره كائناً مستق ًال قادراً عىل أن يحدد بنفسه القانون الذي يجب أن يخضع له” ،وفكرة “سلطان اإلرادة” مستبطنة من عمق مفهوم العدالة ،غري أنه ال ميكن لإلنسان أن يطمنئ إىل جهاز عدالة إال إذا كان هذا الجهاز يق ُّر له فعلياً حق املساواة بني الفقري والغني؛ صاحب السلطة ومفتقدها ،العامل بالقانون والجاهل به ..وبعبارة أوضح وأدق :أن تحفظ هذا العدالة كرامة اإلنسان باعتبارها تشكل الدافع األسايس لتقدم وازدهار العدالة. ويف دولة القانون ،تقترص سلطة الدولة عىل حامية املواطنني من املامرسة التعسفية للسلطة. يف دولة القانون يتمتع املواطنون بالحريات املدنية قانونياً ،وميكنهم استخدامها يف املحاكم .و ال ميكن لبلد أن تكون فيه حرية ودميقراطية بدون أن يكون فيه أوالً دولة قانون. وإن حقوق اإلنسان ال ميكنها أن ترتسخ يف سوريا إال إذا ما ضمنّا لقضائنا وقضاتنا الحرمة والفعالية ،والخضوع ألحكام القضاء ،يضاف إليها تنمية روح الح ّرية واحرتام القانون لدى الحكام واملحكومني عىل السواء .فام قيمة النصوص والقوانني إذا خمدت روح الحرية واحرتام القانون وحقوق اإلنسان يف قلوب الناس؟ فالحرية تعلو باإلنسان ،وبدونها لن نستطيع أن نفتح باباً ،أو نرفع ظل ًام أو نص ّد عدواناً. باختصار ،إن ضامن قيام سلطة قضائية قوية وفاعلة وف ّعالة ومستقلة ،تؤمن أن ح ّرية اإلنسان تشكل األساس الذي ترتكز عليه يف كل قراراتها وأحكامها سيساعدنا كثرياً يف إعادة بناء سوريا املستقبل بعيداً عن أي استبداد أو تطرف.
دعوى قضائية حول جرائم التعذيب واإلخفاء القسري في سوريا
مدينة التل المنسية.. على خطى داريا !!
10 سامي الساري
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
تعترب مدينة التل من أشهر مدن ريف دمشق؛ فهي بوابة منطقة القلمون ،ونقطة الوصل مع العاصمة دمشق .وتعترب من أوائل املدن التي شاركت بالحراك السلمي الذي بدأ يف آذار /مارس 2011ض ّد النظام الديكتاتوري ،فنالها ما نالته بقية املدن األخرى من املدن الثائرة ،من قصف ودمار واعتقاالت. وعىل الرغم من أن املدينة تشهد حالة هدنة مع النظام منذ منتصف عام ،2013إال أن األخري ال يزال يتبع سياسة “الجوع أو الركوع” إلخضاع املناطق الخارجة عن سيطرته ،عىل غرار ما حصل يف العديد من املدن السورية؛ فال تزال مدينة التل تقبع تحت حصار خانق يستهدف أكرث من 600ألف محارص داخل املدينة ،وذلك عرب إغالق جميع مداخل ومخارج املدينة الخمسة ،وإطباق الخناق عىل األهايل.
أوضاع إنسانية صعبة يعيشها السكان يف املدينة
تقارير
“عبادة س” أحد ناشطي املدينة ،والذي فضل عدم ذكر اسمه الحقيقي تحدث لـ طلعنا عالحرية عن األوضاع اإلنسانية فقال“ :نعاين من أوضاع إنسانية يف غاية الصعوبة بسبب الحصار الهمجي الذي تفرضه قوات النظام علينا منذ أكرث من عام ونصف؛ فاألسواق فارغة متاماً من املواد الغذائية ،وإن وجدت فيكون مثنها باهضاً جداً بسبب احتكار بعض تجار األزمات لحاجة السكان الذين يصل عددهم إىل أكرث من 600ألف إنسان بني السكان األصليني والنازحني من باقي املناطق ،والذين يسكن أغلبهم يف بيوت غري جاهزة (عىل العظم) ويف املدارس وحتى يف العراء، فتزداد معاناتهم مع قدوم فصل الشتاء .ومن املعلوم للجميع أن الشتاء يف هذه املدينة قاس جداً ،ألن الربد هنا (سليامين) ويرافق فصل الشتاء انتشار عدة أمراض كنزالت الربد خصوصاً لدى النساء واألطفال، يف ظل النقص الكبري للكوادر الطبية واملستلزمات الطبية واألدوية ،وانتشار األمراض الحادة واملزمنة، ال سيام التهاب الكبد الوبايئ .كام أن قوات النظام متنع املنظامت الطبية من دخول املدينة ،باإلضافة إىل منع دخول املحروقات كاملازوت الذي نحتاجه للتدفئة ،والغاز الذي يصل مثن الجرة منه إىل أكرث من 4500ل.س .باإلضافة إىل النقص الكبري مبادة الطحني، مام يؤدي إىل أزمة خبز كبرية ،كام عمد األهايل إىل زراعة الطرقات ورشفات وأسطح املنازل لتأمني ما يسد الرمق. أما عن الكهرباء فال تأيت سوى ساعتني خالل اليوم، “فقد نسيناها منذ زمن” ..ويكمل “عبادة” ساخراً: “أما مياه الرشب فهي بحالة جيدة ألنها تأيت مرتني يف األسبوع ،أي أن املاء انترصت عىل الكهرباء” .ويتابع
عبادة حديثه فيقول“ :أحد بنود الهدنة الرئيسية مع النظام هو ضامن عدم التعرض للطالب واملوظفني أثناء الخروج من املدينة ،إال أن النظام يتعمد اعتقال بعضهم وإهانتهم وخصوصاً النساء” ويختم “عبادة” مستغرباً: “أال تستحق هذه املدينة أن يتم تسليط الضوء عىل معاناة سكانها ،والوقوف بجانبهم ضد النظام الذي يتجه إىل تهجري سكانها؟ أم أن النواح والتمجيد ال يبدأ إال بعد أن نصعد يف الباصات الخرضاء؟!”. “ماجد الحسن” أحد املسلحني داخل املدينة يتحدث قائ ًال“ :تلقينا رسالة من النظام عن طريقة لجنة املفاوضات ،مفادها أنه يجب علينا تسليم سالحنا والخروج مع عائالتنا من املدينة ،وإال سوف يدخلونها كام دخلوا داريا .مع أننا توقفنا عن قتال النظام يرص عىل مطالبه ،فهو منذ عام ،2013إال أن النظام ّ مل يلتزم ببنود الهدنة ،وتتعرض املدينة للقصف بني الحني واآلخر .ونحن اآلن نتشاور مع األهايل يف املدينة، وننتظر ما سيقررونه ،ولن نخرج عن قرارهم ،ألننا مل نحمل السالح بإرادتنا ،بل حملناه مجربين ،فأنا كنت طالباً يف قسم الفلسفة ،لكنني تفاجأت بفصيل بسبب خروجي مبظاهرة سلمية يف املدينة ،ومل أكن أتخيل
أنني سأحمل سالحاً يف يوم من األيام ،لكنني اليوم أجد نفيس مضطراً للدفاع عن مدينتي التي يريد النظام أن يهجرنا منها عىل غرار ما فعل يف داريا والوعر وغريهام. ويزج بهم ولن يكتفي بترشيدنا ،بل سيعتقل شبابنا ّ يف معارك ض ّد الشعب السوري يف املناطق األخرى” ويعرب “ماجد” عن قلقه ممن أسامهم بدواعش التل؛ ويقصد املجموعات التي بايعت تنظيم داعش فيقول: “أعتقد أن هؤالء سيكونون السبب والذريعة التي سيقصفنا النظام بحجة وجودها يف املدينة؛ فهؤالء ال يستشريون أحداً ،وال نعرف من أين تأيت قراراتهم ،فهم خطر كبري علينا ،مثلهم مثل النظام”. يبدو أن النظام ماض يف طريقه لتهجري سكان مدينة التل ،لكن ليس عىل طريقة داريا وباقي املناطق ،وإمنا عن طريق اتباع سياسة املوت البطيء والتضييق عىل األهايل ،وعن طريق افتعال املشاكل داخل املدينة عرب أتباعه .لكن يبقى السؤال األهم إىل متى سيبقى النظام يتبع سياسة التغيري الدميوغرايف والتهجري القرسي عىل مرأى ومسمع العامل أجمع؟ أمل يحن الوقت ليتحمل العامل مسؤولياته األخالقية واإلنسانية؟ أم أننا نسري نحو املزيد من الجنون عىل هذا الكوكب!
من دمشق إلى غروزني..
11
علي فاروق
العدد - 80 - 2016 / 11 / 15
مقاالت
ُيخطئ من يعتقد أن املرشوع كان عفوياً ،أو لحظياً؛ (مرشوع املصالحات ،والهدن) ،وصوالً إىل عمليات التهجري القرسي للسكان واملقاتلني إىل الشامل السوري ،ومحافظة إدلب تحديداً. يستطيع املتتبع ملجريات الثورة السورية ،متييز هذه املحطة البارزة باعتبارها تبدالً نوعياً ،جوهرياً يف مسار الرصاع ومجرياته ،كام ميكنه تلمس مؤرشات دامغة عىل ارتباط هذا املرشوع بوجود رغبة وإرادة ،ورمبا قرار الدويل بتنفيذه ،وليس أق ّلها علم “الدول الصديقة” به ،ومشاركة األمم علني ،من املتحدة يف تنفيذه ،وتبنيه الحقاً بشكلٍ ٍ قبل السيد “ستيفان دي ميستورا” ،من موقعه دويل ،كرشطٍ لوقف العدوان عىل مدينة ٍ كمبعوث ٍ حلب. مىض عىل خروجنا من مدينة قدسيا ،ووصولنا إىل محافظة إدلب شهر تقريباً ،وكان مقاتلو مدينة داريا قد وصلوا قبلنا بشه ٍر أيضاً ،فيام كان وصول بأسبوع ،وجئنا مقاتيل مدينة املعضمية بعدنا ٍ جميعاً من محافظة ريف دمشق .وفيام من املتو ّقع أن يتواىل وصول ثوار ومقاتلني من بقية مناطق دمشق وريف دمشق املنتفضة؛ كبلدة خان الشيح ،وحي برزة ،ومدينة التل ،ومنطقة وادي بردى ،وغريها من املناطق واألحياء التي يتوعدها النظام بـ”الحافالت الخرضاء”. كان خروج مقاتيل مدينة حمص املحارصة إىل الريف الشاميل ،ومحافظة إدلب قبل هذا الوقت بسنتني تقريباً؛ فالتهجري ليس جديداً ،وما عاد خافياً إذاً. والسؤال املطروح اآلن :ملاذا لجأ النظام إىل “املصالحات” وعمليات التهجري إىل إدلب؟ انتقال زمام املبادرة.. ات سلمية ،منتصف عندما بدأت الثورة مبظاهر ٍ آذار ،2011استعاد السوريون وللمرة األوىل منذ خمسني عاماَ ،قياد حياتهم ومصريهم ،وأصبحت السياسة ،واملجال العام الذي حرموا منه لعقو ٍد، بني يديهم؛ فحاولوا اتخاذ قراراتهم ،وتحديد مساراتهم ،واختيار اتجاهاتهم .وقد استطاعوا خالل العامني األولني توجيه دفة الحراك بطريق ٍة مقبولة ،وإن شابتها العفوية وغياب التنظيم وانعدام القيادة املركزية ..رمبا كانت تلك طبيعة انتفاضات الشعوب .ورمبا ناسبت تلك العفوية حراكاً شعبياً عاماً ،بطابعه السلمي .ورمبا يكون
ذاك ما مكنه من االستمرار والتمدّد أفقياً وعمودياً داخل املجتمع .وقد استمر الوضع عىل ذلك النحو حتى تحول الثورة نحو الكفاح املسلح.. بعد تحول الثورة للعمل املسلح ،جرى ما ميكن تسميته بتبدل املواقع بني َمن ميسك بزمام املبادرة ،و َمن يقوم بردات الفعل؛ فالنظام األمني، وحلفاؤه يجيدون الحروب العسكرية ،ولطاملا اتخذوا الجيوش وأجهزة األمن ،وسائل شبه وحيدة لحكم مجتمعاتهم ،وإدارة ملفات عالقاتهم الدولية .لذلك حاول النظام منذ اليوم األول للثورة ،وبتخطيطٍ من قادته األمنيني ،وتوجي ٍه من حلفائه ،لدفع املنتفضني عليه لحمل السالح، وكان ذلك بصور ٍة رئيس ٍة عرب استخدام قوة مفرطة، وممنهجة يف عمليات القمع ،وعرب العمل عىل تحريض النعرات اإلثنية والطائفية أيضاً.. فالنظام السوري وحلفاؤه يعلمون بأنهم سيتفوقون يف الحرب ،طاملا هم ميتلكون السالح والتنظيم ومصادر التمويل .كام يعلمون أن حراكاً حرب منظم وال شعبياً غري مدعوم َي ْسهُل جره إىل ٍ ٍ ٍ غري متكافئ ٍة ،تنهي ثورته وتقوض أهدافها كلياً. أيام املظاهرات كانت قوات األمن ومليشيات الشبيحة ُتصاب بالتشتت واالستنزاف؛ ففي كل جمعة تخرج نقاط تظاه ٍر جديد ٍة مل تكن تخرج من قبل .وقد شكل هذا قوة الثورة ،وكان وسيلتها لالستمرار.. لكن مع تحول الثورة للعمل املسلح تغري الحال، وانتقل زمام املبادرة؛ فأصبح النظام هو من يحدد مكان املعارك وتوقيتها وسالحها. حدد النظام يف البداية مناطق معينة (بابا عمرو، الزبداين ،دوما) ،وعمل عىل تضخيم صورتها، والرتويج لها باعتبارها مراكز ثقل الثورة ،وتوعد بتصفيتها والقضاء عليها ،وحني يتحقق له ذلك، تكون الثورة “خلصت”.. إال أن تلك املقاربة فشلت ،بسبب الزخم الشعبي الذي كانت تحظى به الثورة .ومع نهاية العام ،2012وبداية العام ،2013كان النظام عىل شفا االنهيار ،لذلك تدخل اإليرانيون يف تلك اللحظة، واجرتحوا مقاربة أخرى مختلفة؛ وتتمثل بتقسيم تام ،وتحديد املناطق الثائرة ،والفصل بينها بشكلٍ ٍ املناطق االسرتاتيجية ذات األهمية السياسية والعسكرية( ،حمص القدمية ،القصري ،القلمون،).. والتي يجب استعادتها برسع ٍة ،وإخضاعها للسيطرة
بشكلٍ كاملٍ .ومناطق أخرى ُتطبق عليها أنواع متدرجة من الحصار والتضييق ،و ُتفرض عليها “تسويات” و”مصالحات” و”هدن مؤقتة” ،ريثام يحني الوقت وتكتمل الظروف وتنضج التوافقات الدولية ،ويحصل النظام عىل الضوء األخرض من القوى املسؤولة عن امللف السوري ،والتي بات همها األسايس محصوراً مبحاربة “اإلرهاب”.. سيناريو “غروزين”.. بعد إمتام الجزء األكرب من الخطة اإليرانية ،جاء دور الخطة الروسية املك ِّملة ،والتي تقيض بتحييد الجبهات الجنوبية ،وإحكام السيطرة عىل مناطق الوسط (حمص ،حامة) ،وغرب البالد (طرطوس، الالذقية) ،وتصفية جيوب الثورة واملقاومة يف محيط العاصمة دمشق وغوطتيها الغربية والرشقية ،ونقل املقاتلني والثوار إىل محافظة إدلب بحدودها الجديدة :من ريف حلب الغريب شامالً ،إىل ريف حامة الشاميل جنوباً ،ومن بلدة كباين يف شامل جبال الالذقية غرباً ،إىل ريف حلب الجنويب ،حيث يسيطر تنظيم “داعش” رشقاً، متهيداً للخطوة التالية ،والنهائية.. يكاد ُيجمع كل من التقيت بهم يف محافظة إدلب ،أن غاية النظام وإيران وروسيا من عمليات التهجري ،هي تجميع املعارضني واملقاتلني يف مكانٍ واح ٍد ،استعداداً لشن حملة عسكرية كبرية، تستخدم فيها روسيا ترسانتها الهائلة ،كام فعلت يف العاصمة الشيشانية غروزين شتاء العامني ( .)1999-2000وهم يستبعدون أي سيناريو آخر؛ كأن يكون التهجري مقدم ٍة للتقسيم أو الفيدرالية، أو القبول مبناطق حكم ذايت للمعارضة تحظى بحامية دولية أو إقليمية .كام يستبعدون أن يكون هدف النظام هو السعي للسيطرة عىل “سوريا املفيدة” فقط ،فيام يرتك جزء من البالد تحت سيطرة الثوار ،كام جرى يف سريالنكا مع متمردي “التاميل” ،أو يف كولومبيا مع عصابات “فارك”، وهم يتوقعون أن تبدأ ضدّهم ،وض ّد املهجرين إليهم ،حملة إبادة شاملة ،بعد القضاء عىل الثوار يف مدينة حلب. بكل األحوال ،ومهام كانت السيناريوهات التي يعد لها النظام ،فإن األكيد أن الثورة والثوار السوريني ،قد وصلوا إىل مرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد ،وأن ما بعد هذه املرحلة لن يكون كام قبلها عىل اإلطالق.
التغيير الموؤدة المرأة السورية وأحالم ّ 12
أنور بدر
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
مع ميض الثورة السورية يف عامها السادس ،نستطيع االعرتاف ّأن الثورة عىل النظام السيايس يشء ،والثورة عىل النظام اإلجتامعي مبا يشكله من أيديولوجيا وأمناط سلوك وعادات ومفاهيم يشء مختلف .بل ميكن القول إن إسقاط النظام السيايس ال يعني بالرضورة إسقاط النظام االجتامعي أو تفكيكه ،خاصة وأن أنظمة الفساد والديكتاتورية التي تقوم الثورة يف مواجهتها كانت معنية ،خالل عقود من سيطرتها البائسة عىل املجتمع ومجمل الحياة املدنية والسياسية فيه ،بتكريس كل ما هو متخ ّلف ومش ّوه يف الفكر والثقافة والعادات والتقاليد واملفاهيم ،حتى وهي تدّعي العلامنية والحداثة. ونحن إذ نتحدث عن الثورة فإ ّننا نقصد هذا املصطلح يف مواجهة االنقالبات العسكرية والسياسية التي كانت عب محمد املاغوط تكتفي بتغيري “الطربوش” ،كام ّ يف مرسحية “ضيعة ترشين” التي قدمها عىل املرسح عام ُ 1974بعيد انقالب حافظ أسد .فالثورة ال تعني تغيري “الطربوش” فقط ،بل هي تغيري يشمل كل البنى الفكرية والثقافية يف الحياة ،مبا فيها اللغة والخطاب واألعراف وأمناط السلوك وصوالً إىل منظومة القيم واألخالق. وإن كانت الثورة السورية مل تبلغ غايتها بعد يف إسقاط وتغيي بنى الفساد والديكتاتورية التي أسسها النظام ّ ورعاها خالل عقود خمسة ،إال ّأن هذا املستوى املتقدم من الثورة الذي أرشنا إليه تراجع كثرياً مع تقدّم مستويات العسكرة ،وتداخل القوى اإلقليم ّية والدول ّية التي جهدت لتحويل الثورة باتجاهات الحرب األهلية، وإلعطائها طابعاً طائفياً مل يكن يف وارد من اندفع إىل التظاهرات األوىل للثورة السورية. واألكيد أيضاً ّأن هذا الرتاجع انعكس وما زال عىل دور املرأة يف الثورة ،وعىل طموحاتها باتجاه التغيري والحرية، حتى بات مصري املرأة السورية أكرث مأساوية باعتبارها جزءاً من الهامش يف منظومتنا القيمية التي ُتكرس رص عىل اعتبارها “عورة” .دون أن ننتيش مبا تخلفها ،و ُت ّ يكتب عن مشاركة املرأة السورية يف الثورة ،واإلشادة بنضاالتها املتعددة ،ودون أن ننتيش أيضا مباً نالته بعض األسامء من الجوائز والتكريمّ ، ألن البنية القيمية أو املعيارية الحاكمة لوضع املرأة ما زالت دون تغيري. أذكر يف هذا الصدد تساؤالً مبكراً طرحته الدكتورة شهال العجييل ،حول املساحة التي يشكلها النضال
النسوي من جملة النضاالت التي تشارك فيها النساء املنخرطات يف سياق ماعُ َ رف بالربيع العريب ،لتثري فينا الشكوك حول توظيف نضاالت املرأة يف سياقات عامة ما تزال تخضع لسيطرة ذكورية ،تسحق الفرد وكل الهوامش لصالح أنساق عليا سياسية وأيديولوجية. وميكن لنا حالياً أن نتابع نحن السؤال عن حال املرأة الليبية مث ًال ،أو سواها من بلدان الربيع العريب ،مع أمل ضئيل بأن تنجح املرأة السورية بكرس هذا اإليقاع أو النسق. فواقع املرأة العربية بعد الربيع العريب “مل يتغري كثرياً رغم وقوفها بالصفوف األمامية يف االحتجاجات الشعبية التي أطاحت بطغاة يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا” ،كام قالت “ويدين براون” من منظمة العفو الدولية “أمنستي” ،والتي أضافت“ :إننا نشهد سيطرة حكومات جديدة يف بعض دول الربيع العريب ،غري ّأن املرأة فيها ال تزال مواطناً من الدرجة الثانية”. وهذا يؤكد ّأن قضية املرأة يف مجتمعاتنا كانت وال تزال تنتمي إىل نسق الهامش والتفاصيل الصغرية التي تسحق دامئاً تحت وطأة القضايا أو األنساق الكربى السياسية واأليديولوجية بكل تبايناتها الدينية أو القومية أو الطبقية ،والتي يجري تسخيفها وإرجاعها دوماً إىل توصيفها الجنيس يف إطار املحرمات الثالث، الجنس والدين والسياسة ،التي مل يكن ُيسمح التداول فيها أو نقاشها. وإن كانت ثورات الربيع العريب قد فتحت بالرضورة إطار النقاش يف حقل السياسة ،فإنها ما زالت تتلكأ فيام يخص حقيل الدين والجنس، اللذين تتضافر منظومتيهام للتعمية عىل قضية املرأة وتح ّررها بشكل عام .ويبقى مطلوباً من املرأة أن تكون مع الثورة ،لكنّ أغلب الث ّوار اليفكرون برضورة أن تكون الثورة مع املرأة ،وأي ثائر ال ُيسأل عن حياته الشخصية، لكنّ املرأة مطلوب منها باستمر أن تقدم شهادات حسن السلوك وطاعة ألويل األمر. املشكلة ّأن ُبنى املجتمع املتخلفة التي حامها النظام بق ّوة ،ك ّرست
نفسها حتى يف أطر النخب السياسية والثقافية للمعارضة السورية ،التي سعت ل ّلحاق بعربة الثورة ومل تنجح يف قيادتها ودفعها لألمام ،بقدر ما شكلت عائقاً حقيقياً أمامها .كام تابعت كل التعبريات السياسية التي ظهرت باسم الثورة الحقاً ،باستثناء التنسيقيات وبعض أطر العمل املدين ،نهج قوى املعارضة وفشلها يف قيادة التغيري الحقيقي يف املجتمع ،كونها نخب تتكئ عىل كل األعراف االجتامعية والثقافية التي تح ّد من قدرتها عىل الفعل والتغيري .وأعتقد ّأن من يفتقد الحرية بداخله لن يكون قادراً عىل تحرير مجتمعه. هذا التغيري وتلك الحرية املنشودة لن تحصل دون مشاركة املرأة يف الحياة السياسية والعامة ملجتمعاتنا. ودون تكافؤ حقيقي بالفرص ،ودون التقيد الكامل باتفاقية القضاء عىل جميع أشكال التمييز ضد املرأة، التي صدّقت عليها كل دول املنطقة منذ أمد بعيد، لكنها عطلتها بالتحفظات حيناً وبالتجاهل وعدم تطبيقها حيناً آخر .وهذا يشكل التحدي األكرب أمام النخب الثقافية والسياسية لتطور من أدائها ومن وعي كوادرها ،بل ومن الذهنية العامة تجاه دور املرأة يف الحياة ،واملجتمع ،ونرش ثقافة املساواة. يف استطالع لوكالة “رويرتز” أواخر عام 2013جاءت سوريا يف املرتبة الرابعة كأسوأ دولة عربية فيام يتعلق بحقوق املرأة ،لكننا نستطيع القول اآلن وبثقة كبرية، ّإن سوريا هي األسوأ ،فهل تستطيع الثورة أن تنترص للمرأة أخرياً ،وتغري ثقافتنا وخطابنا الذي يكبل املرأة ويشل املجتمع و َي ِئدُ أحالم التغيري؟
الذكرى الثانية إلعدام اإليرانية ضحى عاشور
أب أو عم وخال باإلضافة إىل بقية األقارب واألصدقاء الحميمني للعائلة). كام ّأن الدين والعرف مل يستطعا لوحدهام تكوين رادع اجتامعي صارم تجاه االغتصاب؛ حيث خرجت إىل العلن قضايا كثرية كان مجرميها من قلب املؤسسة الدينية املسلمة واملسيحية (قضية االعتداء الجنيس عىل رجال داخل الفاتيكان) ،ومؤخراً ُرفعت دعاوى اغتصاب عىل موظفي األمم املتحدة (أصحاب القبعات الزرق) املكلفني بحامية املدنيني يف رواندا .األمر الذي يشري بوضوح إىل ّأن املشكلة ليست يف املرأة نفسها وال يف لباسها أو خروجها ..القضية هي يف وجود فئة متوحشة من البرش متتهن االعتداء وتستسهل االغتصاب ّيف ظل قوانني متساهلة وثقافات متييز ّية ض ّد الضعيف ،تجعل االعتداء عليه يسرياً وبال تبعاتَ .من يجب حجبه هو املجرم ،سواء عرب إعادة تربيته وتأهيله أو سجنه أو ردعه بعقوبات قصوى وإدانته وفضحه اجتامعياً وقضائياً.
أما الجانب األدهى واأل ّمر فهو الذي يقيض بأن يتزوج كحل ينقذها من الفضيحة ويجعل ا ُمل ِ غتصب الضحية ّ ً ً فعلته ُم ّربرة دينيا (أي حالال)! هذه الفتوى العار التي تتجرأ عىل الكذب والتالعب عىل الله بذريعة إرضاء الله! ناهيك عن انعدام أي منطق أو عدالة أو مراعاة للحس اإلنساين العفوي يف فتاوى كهذه ،والتي ال تهدف إ ّال إىل الوقوف يف ّ صف املجرم وإنقاذه من جرميته. األمر الذي جرى إلغاؤه مؤخراً يف الترشيعات املغربية بفضل نضاالت الحركات النسوية ،والذي يستلزم العمل من أجل إزالته من كافة الترشيعات املشابهة. ال ميكن ألحد تربير القتل ،ولكن إعدام ضحية مثل “رجوي” هو رسالة تهديد سافر تجاه كل امرأة تنوي مواجهة ُمغت َِصبها ،فام الذي تستطيع فعله امرأة تجد نفسها وحيدة يف مواجهة ُمجرم يريد اغتصابها؟! أليس من حقها الدفاع عن نفسها؟ ال ميكن االعتقاد ّ بأن أي ُمغت ََصبة تريد الت ّورط يف ّ جرمية قتل ،ورمبا من البداهة أن أقىص ما تبتغيه هو الخروج من املوقف وإنقاذ نفسها والهرب ،ألنها تدرك بفعل الرتبية والقوانني الجائرة أنها ستتعرض للفضيحة وستكون يف متناول ألسنة الجميع ،نساء ورجاالً ملجرد خاصة ّ وأن سلطات املجتمع كلها أن تذكر الحادثةّ . ستقف ضدّها ،وستكون لها باملرصاد بقية حياتها .وعىل فرض ّأن املرأة التي تع ّرضت لالغتصاب واجهت فجأة رغبتها باالنتقام من ا ُملغت َِصب وقتله ،أال ينبغي أن ُيعترب ّأن الظرف الذي وجدت نفسها فيه سبب ُمخ ِفف عند الحكم عليها؟ أليس للنساء “فورة دم”؟ فورة دم حرصاً عىل أجسادهن التي هي ملكهنّ ؟ وكيف يكون للرجل مث ًال سبب مخفف عندما يقتل قريبته بداعي فورة
الدم ،كام هو الحال مع ما ُيس ّمى “جرائم الرشف” ،وال يكون لها هي أن تحرص عىل جسدها وتدافع عنه؟! الجواب بسيط يف مجمل الثقافة الذكورية التي تريد اإليهام ّ بأن للرجل دم يفور ،أ ّما املرأة فليس لها إ ّال أن ُ تصمت وتقبل وتتحكم بردود أفعالها املحتملة ،حتى يف حال الدفاع الغريزي عن النفس! وخاصة هذه األسئلة تعيد طرحها قضية “ريحانة”، ّ يف ّ ظل تزايد بؤر التوتر يف العامل واستخدام االغتصاب بشكل ممنهج كوسيلة للنيل من العدو يف سوريا وغريها. قضية أخرى ذات صلة بواقعنا السوري تطرحها مسألة إعدام “ريحانة” ،وهي ما قالته ألمها يف رسالتها الصوتية املؤثرة والبليغة قبل إعدامها؛ حني طلبت منها أن متنح أعضاء جسدها ملن يحتاج ،دون أن تذكر شيئاً عنها، فهي ال تريد شكراً وال ذكراً ،فقط تريد أن ينتفع أحد مبا هو غالٍ عليها لكنها مل تعد بحاجته .وقد أبدت حرصها عىل دموع أمها .وعزاؤها بأنها ستحاكم قتلتها أمام الله. مل تكن “ريحانة” مناضلة وال نسوية ،كانت شابة متعلمة يف أوج تفتحها عىل الحياة ،لكنها ويف رسالتها تفصح عن قدر من الحكمة والتسامح واملعرفة ّ قل نظريه .فمن يت ّوقع من صبية ذاهبة إىل املوت وقد عانت من الظلم والتعذيب والسجن والقهر ،أن متتلك هذا الشعور باملسؤولية تجاه إخوتها البرش لتمنحهم أعضاء جسدها؟! هذه الروح الشجاعة واملؤمنة بالخري ،املرتّفعة عن الحقد واالنتقام بذريعة وحشية العدو ،هذه روح ح ّية واقعية أصيلة نحتاجها ،خاصة وأنه شاعت عندنا عادة تربير الجرائم التي ترتكبها فصائل أو أفراد محسوبني عىل املعارضة بالقول :إن العدو مجرم ،أو بأن إجرام العدو يح ّرض عىل إجرام مقاوميه. اليوم وإذ نتذكر “ريحانة رجوي” ،ينبغي أن نعيد التأكيد عىل الوقوف يف وجه كل أشكال االغتصاب: اغتصاب األرض والسلطة والجسد والكرامة والرأي والحقوق ،ويف مقدمتها اغتصاب حق الحياة وضامن حق التقايض للناس جميعاً دون أن يصل إىل القتل أو اإلعدام.
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
“ريحانة” كانت ابنة 19عاماً عندما استدرجها ضابط املخابرات إىل منزله ألجل العمل يف الديكور (مجال تخصصها) ،وهناك حاول اغتصابها ،وكان ُمتع ّمداً؛ حيث ّ تقول التحقيقات إنها وجدت رشاباً ُمسكراً ،وحسب اعرتافات “ريحانة” فإ ّنها طعنته يف ظهره وليست مسؤولة عن موته! لسنا قضاة ولن ندخل يف التفاصيل الجنائية للقضية التي أثري حولها الكثري عرب ما يزيد عن خمس سنوات أرص النظام اإليراين عىل إعدام “ريحانة” تلت الحادثةّ . شنقاً ،رغم ّ تدخل منظامت حقوق اإلنسان والحكومة األمريكية ،باإلضافة إىل ما يفوق مئتي ألف توقيع من مختلف الجنسيات ناشدت السلطات اإليرانية الرتاجع عن الحكم ،ومل تفعل. زرعت ح ّبه يف داخيل مل يكن يريدين “هذا البلد الذي ِ أبداً” هذا ما قالته ريحانة ألمها قبل إعدامها. رمبا قصدت ريحانة ّأن “السلطة” ال تريدها أبداً ،عندما قالت “البلد”ّ ، ألن األمر والنهي بيد السلطة وهي تستطيع التساهل لو أرادت األخذ باألسباب ا ُملخ ّففة يف قضية “ريحانة” ..التساهل فقط ،يف حال مل تكن التغيي أو مجرد التخفيف تريد (السلطة) االنفتاح أو ّ ّ ّ من وحشتيها .لكن يبدو أن ريحانة قصدت البلد كله، ليس بسلطته الدينية ا ُملنغلقة والتمي ّيزية ض ّد النساء فقط ،وإ ّمنا أيضاً بثقافته السائدة وعاداته وتقاليده ذات املرجعية الدينية ا ُملتشدّدة أيضاً. املعارضة يف كتابها “أشياء كنت ساكتة عنها” تروي ِ اإليرانية وأستاذة األدب اإلنكليزي يف جامعات الواليات املتحدة “آذر نفييس” ّأن“ :مربيتي كانت ترفض منادايت باسمي ،فتناديني البنت ،فهي تكره البنات وتقول إنهنّ مثل الشمعة يف النهار ،أ ّما الصبيان فهم مصباح الليل وكانت قد عزمت عىل مغادرة منزلنا إن ولدت أمي بنتاً أخرى”. هذا ما درج عليه القول يف منطقتنا ويف كثري من بقاع العامل ،وإن كان البد أن تولد البنات ،وال سبيل إىل وأدهنّ جميعاً ،فقد جرى ويجري قتلهنّ معنوياً، عرب تربية صارمة تنتزع منهنّ كل رغبة وتخنق كل فرصة بالتعبري والتعليم والعمل ،بل تصادر حتى حق اختيار مالبسهن أو رشيكهن أو الدفاع عن أجسادهن يف حال التع ّرض لألذى أو االغتصاب .وغالباً ما ُتح ّمل املرأة املسؤولية عن اغتصابها بدعوى ّأن طريقة لبسها (ريحانة محجبة) أو حركتها أو ُمج ّرد وجودها يف مكان واملحرض للمجرم عىل االغتصاب! الجرمية هو الدافع ّ خاصة ّأن هذا جانب عجيب يف النظر إىل القضيةّ ، تقارير عديدة ذكرت ّأن معظم حاالت االغتصاب يف العامل كله وبدرجات متفاوتة يرتكبها األقرباء (أخ أو
“ريحانة رجوي”
13
التوعية وأهميتها للحركة النسوية 14 رفيف جويجاتي
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
النسوية يف نظري تتمثل باملساواة بني الرجال والنساء اجتامعياً وقانونياً وسياسياً ،ومن هذا املنطلق ،النسوية تساوي اإلميان بحق املساواة. ّ لعل تلك املقولة واضحة نظرياً ،ومن السهل تبنيها وترديدها كشعار .لكن الواقع العميل يقول ّ بأن النسوية ،أو املساواة الكاملة بني الجنسني ،هي حلبة رصاع يتم فيها تحدي العادات االجتامعية بشكل ُيهدّد الوضع الراهن للمؤسسات االجتامعية وهياكل القوى. يقترص دور النساء يف العديد من املجتمعات عىل أدوار تقليدية ،يأيت يف طليعتها دور األم املحبة والزوجة الحانية .وعىل مدى السنني ومع ازدياد املتطلبات االقتصادية والوعي االجتامعي أخذت نب النساء تتحدينّ محدود ّية أدوارهنّ وتطال ّ بالتغيي االجتامعي والسيايس .اليوم تضغط نساء ّ العامل عىل مجتمعاتهن وحكوماتهن لتبني مبدأ املساواة بني الجنسني يف جميع املجاالت ،وقد نجحنّ يف ذلك عىل عدة أصعدة ،فباتت النساء حول العامل اليوم يف مراكز قيادية يف الحكومات والرشكات وأصبحن خبريات محرتفات .تلك هي النسوية :تجسيد املساواة وإن مل تطبق بشكل مثايل. يف سوريا أدت مطالب الشعب باملساواة والحرية إىل مامرسة النظام للقتل الجامعي بشكل يرقى إىل مرتبة اإلبادة ،فيام استمرت املعارضة من مؤسسات ونشطاء مستقلني بدعمها للثورة وتبني شعارات املساواة والكرامة والحرية لجميع السوريني .ولكن ما مدى مالمسة تلك الشعارات للواقع؟ عندما ننظر إىل معارضتنا “الرسمية” نجد ّأن الغالبية العظمى فيها من الرجال .وإن نظرنا إىل معظم منظامت املجتمع املدين نرى ّأن معظم رؤسائها رجال .فهل انعدام التوازن هذا هو نتيجة عوامل ومسلامت اجتامعية أم أ ّنه خوف من أن يؤدي تويل النساء ملناصب السلطة إىل تهميش الرجال؟ أعتقد أنه الخوف وليس املجتمع ،ولو ّأن النظرة السائدة للنساء تلعب دوراً بالتأكيد .ولكن بغض النظر عن السبب ،ال بد أن نعرتف بوجود نقص حاد يف متثيل النساء السوريات -وهنّ أكرث من
نصف الشعب السوري ،ليس بسبب عدم تفاعلنا بل أل ّننا ُمه ّمشون .ومن باب الحرص عىل عدم تحويل “الحرية واملساواة لكل السوريني” إىل مجرد شعار ،يجدر بنا أن نتبنى النسوية كأحد املبادئ التي تنري طريقنا. ُ من جهة أخرى ،يالحظ املتمعن بالصور النمطية للجنسني يف سوريا ّ بأن املرأة الذكية ذات اآلراء املستقلة والتي ترفض الرضوخ للرتهيب توصف بأنها “قوية” ،وهي صفة سلبية يقصد بها اإلهانة واإليحاء بأنها “ال تتمتع باألنوثة” .إذ تؤكد ثقافتنا عىل أهمية “األنوثة الضعيفة” التي ترضخ للرجل يف أدوار تتلخص بالزوجة أو األم أو األخت أو االبنة .فلم ال ندعم النساء الناجحات والقويات يف البيت ويف أماكن العمل؟ وملاذا يع ّرف الرجال األنوثة بأنها انعدام صفات “ذكورية” كاالستقاللية والجرأة؟ ال بد من االعرتاف بدور النساء ومتكينهنّ كقوى سياسية واقتصادية عندما تنتقل سوريا إىل مرحلة إعادة البناء ،ويتوجب علينا يف مرحلة ما بعد األسد أن نستفيد من جميع موارد سوريا البرشية بغض النظر عن الجنس .كام أنه ال ميكن للحكومة الجديدة أن تهمش أكرث من نصف شعبها وهي يف طور الطفولة .كذلك يجب علينا كسوريني أال نكتفي برتديد أهداف الثورة ،بل أن نطبقها ،وأن نجعل الحرية والكرامة والدميقراطية للجميع أكرث من مجرد شعارات مبتذلة ،ونعمل عىل أن تشمل تلك املثل النساء عىل جميع األصعدة .ال ميكن للمساواة أن ُتنح من قبل نظرائنا الذكور ولكن يجب أن يعرتفوا بها ،وإن تقبلنا مبدأ املساواة نكون قد تقبلنا مبدأ النسوية. علينا كذلك أيضاً أن نكون واضحني يف تعريف النسوية كجزء أسايس من املساواة بني السوريني، وأن نعمل عىل تطبيقها فيام نكتب ونقول ،فال نفرتض تلقائياً مث ًال ّأن املدير أو املسؤول املنتخب هو ذكر بالرضورة ،ويف ذات السياق يجب أن نتخلص من فكرة ّأن األعامل اإلدارية واملكتبية هي حكر عىل اإلناث. ميكننا من خالل الحيادية الجنسانية والدعوة غي النظرة السلبية للنساء .النظرة إىل العلم أن ُن ّ
القائلة بأنهنّ غري مؤهالت ألعامل معينة ألنهنّ “عاطفيات” .أمامنا فرصة يف سوريا املستقبل لدحض االدعاء ّ بأن النساء “ضعيفات” ،سوريا التي نسعى إليها مبطالبنا املشرتكة ،إذ سيتطلب ذاك البلد الذي ينزف من أجل املساواة والحرية للجميع مشاركة فعاّلة من جميع مواطنيه يف كافة املجاالت بغض النظر عن جنسهم. ميكن لرجال ونساء سوريا من خالل التعليم والتدريب والتمكني أن يساهموا بتغيري النظرة االجتامعية السورية وأن يأتوا بالتغيري الالزم حول املفاهيم املرتبطة بالجنس .وعلينا جميعاً كرشكاء متساوين أن نضطلع مبهام منزلية وإدارية إضافة إىل أدوار قيادية يف مجال األعامل واملجتمع والحكومة. ح ّبذا لو نرى نساء سوريات يف مناصب سياسية واحرتافية كرئيسات رشكات وطبيبات ورئيسات بلدية وحاكامت ووزيرات وحتى رئيسات دولة. دعونا ننظر إىل املرأة كن ّد للرجل تعمل معه جنباً إىل جنب .وليساهم الرجل يف األعامل املنزلية، ولنكن جميعاً متساويني عرب جميع رشائح املجتمع .دعونا نرى النساء السوريات يتمتعن بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجال سواء يف األحوال الشخصية أو فرص العمل والدراسة أو التمثيل السيايس. أ ّما عىل الصعيد املجتمعي ،فلنتخلص من األفكار القدمية التي توجب حجب النساء وعزلهنّ لحامية رشف العائلة .ومبا أ ّننا جميعاً منوطني مبهمة إعادة بناء مجتمعنا وثقافتنا ودولتنا ،لع ّله من األحرى بنا أن نعيد بناء تفكرينا أيضاً ،لن ِقس الرشف بأخالق العمل ومعاملة الغري وبإنجازاتنا عوضاً عن قياسه بالعذرية أو التقوى .علينا كسوريني جدد أن نقوم بذلك ليس فقط يف بيوتنا ،بل أيضاً يف املشايف واملدارس ومواقع البناء ومجلس الشعب ومكتب رئيس الدولة .فلنطور ونصقل مقاييسنا للقيادة وللمؤهالت لنتمكن من استخالص األفضل. ولنكرم أخواتنا السوريات ليس فقط ألنهن فقدن أزواجاً أو آباء أو أبناء أو إخوة خالل الثورة ،بل ألنهنّ ُي ّ هدن الطريق نحو دولة جديدة للنسويني السوريني األحرار.
السوريون هويات مكسورة 15
إباء منذر
* -خالص فردي أم خراب؟ نحن الالجئون الباحثون عن “مالذنا الفردي” يف بال ٍد رمبا يف جعبتها لنا الكثري الذي ال نريد منه سوى وطن ،مغادرون وحقائبنا خاوية إ ّال من رائحة من نحب ،هاربون من حلمنا ببلد نحيا فيه بقليلٍ من الكرامة ،ما لبث حلمنا أن تحول لفيلم رعب طويل ال ينتهي ،أبطاله أولئك القابعون تحت ٍ حصار الجوع وقصف الحمم الساموية واألرضية من طاغي ٍة ال يرحم ،أ ّما نحن بتنا مشاهدون دماؤنا ثقيلة كغصة الحلق ،أولئك فقط املقتولون يف بالدي وعىل الهواء مبارش ًة دماؤهم خفيفة تطري برسع ٍة إىل السامء. كنت أعتقد ّأن سقوط الطاغية قريب ،قاومت االعتياد عىل خبز الباكيت الفرنيس ،ومل أرتب بيت املساعدة حتى اآلن كام يجب ،مازلت أعتقد أنني يف زيار ٍة لعائل ٍة أخرى تركت لنا بيتها وتنتظر خروجنا منه. يف الحروب متيش املفاهيم عىل حد السيف ،تضيق االحتامالت واالختيار يصبح بني مع وضد ،بني أبيض وأسود ،بني وطني وعميل ،يف املحرقة السورية ،من ينادون بالدفاع عن “السيادة الوطنية” والحفاظ عىل “الوطن” ،تضعهم مفاهيمهم يف نهاية التحليل يف موقع االتهام بخدمة النظام ،والدفاع عنه ،ويف املقابل من ينادون ويقبلون االستعانة بـ”الشيطان” إلسقاط النظام يتهمون بالعاملة والال وطنية. * -الهويات القاتلة بني هذا وذاك ،بني العميل والوطني ،هناك أهل وشوارع ورائحة ياسمني ،ذكريات جريان ،ومالمح
* -وطن مبساحة جسد ً ق ّررت أن أخرب ابني بالحقيقة مرة واحدة دون مواربات فلسفية ،مل يعد لنا وطن .وإن كان ال بد من وطن فقد بات “مساح ًة صغرية جداً حدودها كتفني” هذه الحدود التي تحدّث عنها يوماً غسان كنفاين .أو رمبا نتوسع قلي ًال وفق األفكار الوجودية لنجعل من املساحة التي تشغلها أجسادنا وطناً نحمله يف الال بالد ،فهل يكفي أن تحرتم هذه البالد آدميتنا ليصبح لدينا وطن بديل ،هل يكفي أن تعطينا حقوقنا كاملة لننىس أوطاننا ونقطع حبل الرسة!.. ً ّ كالم لن يعني ألبنايئ شيئا ،فهم لعل كل ما سبق من ٍ صح التعبري، األقدر عىل تجاوز الحالة (الوطنية) إن ّ والتي إن تشكلت يف ذواتهم مصدرها ما ننقله لهم من مخزوننا ال ّ مم عايشوه فع ًال ،فسوريا مل تكن لهم يوماً مسقط رأس ،سريسمون مالمحها فقط من قصصنا وذكرياتنا ،ومن بداهة الحياة أن يجدون يف هذه البالد وطن بديل.
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
“حيث تكون الحر ّية يكون الوطن” ,هذا ما اعتقده “فرانكلني” يوماً ،لكن حتى اآلن وبعد عامني من إقامتي كالجئة يف فرنسا ،أجد نفيس وأبنايئ خارج الزمان واملكان ال وطن يل يف بالد الحر ّيات هذه، وما زالت روحي معلقة هناك ،عىل الضفة األخرى من املتوسط ،حيث تختنق األصوات ،يف ما تبقى من وطني. ً مل أبلغ سن الفطام بعد ،اعتقدت يوما أنني أملك من الديناميكية ما يكفيني ألتح ّرر من أي قيد مبا يف ذلك قيود الوطن ،كانت تجذبني أفكار ما بعد الحداثة ،وكنت أرغب بتحطيم مفهوم الوطن، كنت اعتقد ّأن اإلنسان القوي هو من يعترب كل بلد وطناً له ،واألكرث قوة من يتعاىل إىل حدود اإلنسانية، ويكون عابراً لألوطان ،لكن هل من وجود لهذا االنسان ا ُملتخ ّيل ا ُملتح ّلل من كل ارتباط؟!.
أماكن ومدن تحارصين ،وجوه مكدرة ،وعيون خائفة ،أطفال أعرفهم وأحفظ ضحكاتهم ،مطارح عشت فيها ما يكفي لتكون جزء من كياين ،هناك لغة أرقص عىل إيقاع كرستها وضمتها ،يف أي تصنيف تجد مكانها كل هذه األلفة املفتقدة يف صقيع الغرب ،وأي جواب سأحمل ألوالدي عن بالد تحمل كل هذا العشق والقتل عىل حد سواء ،هل بات الوطن ندبة يف القلب ال شفاء منها أبداً؟. وعىل ذكر الهوية والوطن ،عمد رجال األمن يف بداية الثورة إىل اعتقال كل شخص يحمل هوية مكسورة ،العتقادهم أنه فعل ذلك استجاب ًة لنداء “الشيخ العرعور” يف ذلك الوقت بكرس الهويات كنوع من أنواع االحتجاج( ،جميل) لسوء حظه كان أحد هؤالء ،ما جعله عرضة الحتامل االعتقال عىل أحد الحواجز املنترشة عىل طول البالد وعرضها ،ومل يسلم من حقد رجال األمن حتى أثبت مسيحيته ورفع صليبه ،واعت ّد بهويته الوطنية ،لعلنا اليوم هويات مكسورة ومشوهة وال منلك جميعاً نحمل ٍ لها بدائل. قبل ثالثة أعوام خرجت من سوريا مل أدرك حينها ورغم كل الخراب أنني أسلك طريق الالعودة ،مل أمأل صدري كفاي ًة من هواء ،يكفيني مؤون ًة لهذا االغرتاب الخانق ،غادرت ويف رحمي روح ستخرج إىل الحياة يف الال بالد. طفيل أصبح واحداً من آالف الوالدات التي س ّببت قلقاً للعامل بوصفه ولداً بال هوية ،ولد يف دول الجوار دون أوراقٍ رسمية باستثناء شهادة ميالده الصادرة عن املشفى وما ستمحنه إياه مفوضية
األمم املتحدة لشؤون الالجئني من وثيقة سف ٍر خاصة بالالجئني ،وصلت إىل فرنسا ووضعت طفلتي الثانية ،أيضاً مل أمتكن امن لحصول عىل هوية ووطن لها .اآلن أصبحنا الكائن “املثايل” التي تنادي به مفاهيم ما بعد الحداثة ،عائلة مؤلفة من أشخاص بال وطن وبال هويات ،لعلنا نتخلص من حيث ال ندري من “الهويات القاتلة” ،التي تحدث عنها أمني معلوف ،أو ّأن “الال هويات” و”الال أوطان” هي ما سيقتلنا يوماً ما!..
تأثر األسواق العالمية في االنتخابات األمريكية
16
تأثير دونالد ترامب على اإلقتصاد!!..
وائل موسى
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
انشغلت الناس يف الحديث عن االنتخابات األمريكية يف كافة أنحاء العامل فيام انعكست التوترات بشكل واضح عىل األسواق العاملية. بني مؤيد ومعارض ومقتنع ومتخوف لوصول ترامب للرئاسة األمريكية تبدو الحالة اشبه بثورة عاملية جديدة قد تغري معامل العامل. سادت أسواق العمالت العاملية حالة من عدم الوضوح ومن املتوقع ان تنتهي مع افتتاح األسبوع التايل لالنتخابات. بالرغم من املظاهرات التالية لظهور نتائج االنتخابات وما قد ينتج عنها حقق الدوالر مكاسب مقابل سلة من العمالت العاملية. وتشهد األسهم االمريكية تحقيق مكاسب تصل ألرقام قياسية جديدة ،ويتوقع الكثري من املستثمرين بارتفاع مستوى التضخم فيام لو نفذ ترامب وعوده .فام هي هذه الوعود؟! ترصيحات: سارعت العديد من الدول للترصيح بعد تأكيد وصول ترامب إىل الرئاسة وكان من أهمها: كوريا الشاملية رصحت بأنها ستتعامل مع الواليات املتحدة األمريكية بشكل أو بآخر ،وقد سبق أن أبدت كوريا الشاملية اعجابها برتامب ،ورصح ترامب برغبته يف زيارة زعيم كوريا الشاملية. كام رصح وزير رويس بأن بالده ستعمل كل ما بوسعها إلعادة العالقات التجارية واالقتصادية مع الواليات املتحدة األمريكية.
اقتصاد
يتوقع وزير املالية الربيطاين وجود حوار بناء للغاية مع الرئيس األمرييك املنتخب ترامب وقال إن بريطانيا ملتزمة بالتجارة الحرة واألسواق املفتوحة مع الواليات املتحدة. يرى ترامب أن اتفاقية التجارة الحرة عرب األطليس املزمعة مع االتحاد األورويب ترض بالعامل األمريكيني وتؤثر سلباً عىل قدراتهم التنافسية ،مام شكل لدى االتحاد األورويب مخاوف من ترصيحاته أثناء الحملة االنتخابية حول اتفاقيات التجارة ورغبته يف وضع سياسات حامية تجارية ،ويخىش األوروبيني من الغاء
هذه االتفاقيات. يف حال نفذ ترامب وعوده سينتج عنها تأثر كبري يف األسواق العاملية. يعتقد كثريون أن كل األقوال والترصيحات قبل االنتخابات هي مجرد دعاية وستختلف كلياً بعد االنتخابات ،إال أن هذه التوقعات قد تكون خائبة كام خابت قبلها توقعاتهم بفوز هيالري كلينتون. االهتامم املرافق لالنتخابات األمريكية يعكس حقيقة أهمية دور الواليات املتحدة األمريكية عىل العامل بكافة املستويات السياسية واالقتصادية. من خالل متابعة ترصيحات كبار االقتصاديني ،يبدو أن املستقبل سيشهد اضطراب اقتصادي كبري.
الذهب والنفط:
انخفض سعر الذهب ألدىن مستوى منذ خمسة أشهر إىل 1222.38دوالر لألونصة ورافقه يف االنخفاض بقية املعادن النفيسة من الفضة والبالتني والبالديوم ويعود انخفاض الذهب بشكل أسايس لفقدان أهميته كمالذ آمن نتيجة القوة اإليجابية التي ظهرت يف األسواق بعد ظهور نتائج االنتخابات. انخفضت أسعار النفط متأثرة بإعالن منظمة أوبك حول زيادة يف انتاجها لشهر أكتوبر /ترشين الثاين ليصل ملستويات قياسية يف وقت تعاين منه األسواق من تخمة يف العرض قد أدى إىل تدين سعر النفط بشكل كبري. وقد رصح ترامب حول رغبته يف فتح جميع األرايض واملياه التابعة للواليات املتحدة أمام رشكات التنقيب عن النفط والغاز دون قيود يف دعوة رصيحة لزيادة مستوى اإلنتاج األمرييك ،وعىل الرغم من شدة تأثري ذلك عىل زيادة العرض إال أن منظمة أوبك تشعر باالرتياح بعض اليشء تجاه عداء ترامب إليران والتشدد املتوقع فرضه
عليها الحقاً. قال دانييل يرجني نائب رئيس مؤسسة آي.إتش. إس سريا لألبحاث وهو محلل اقتصادي أمرييك “تأهبوا ملزيد من الغموض واالضطرابات القادمة يف االقتصاد العاملي”. من ضمن الترصيحات والوعود املثرية للرئيس األمرييك الجديد كانت موجهة للصني تحديداً، حيث وعد ترامب برفع الرضائب إىل أضعاف تجاه املستوردات الصينية ملحاربتها ،وعىل الرغم من صعوبة األمر إال أن الصني ردت بتخفيض قيمة عملتها لتقول إن بضائعها ستبقى هي األرخص ،وتعترب األسواق األمريكية من أكرب املستهلكني للبضائع الصينية يف العامل.
إىل أين تتجه األسواق؟
يف تحليل موضوعي ملا جرى يف األسواق وأسباب ارتفاع األسهم ،يرى عدد من املحللني االقتصاديني يف أسواق املضاربة وبشكل خاص تجاه أسعار داو جونز الذي حقق أعىل مستويات ارتفاع له يعود ذلك لدعم الكثري من املستثمرين واملضاربني يف األسواق األمريكية بشكل إيجايب وارتفاع نسبة الطلب عىل األسهم، ويحذر املحللني من مغبة هذه االرتفاعات إىل أنه من املحتمل جداً أن تشهد انخفاضات حادة الحقاً نتيجة تحقيق املكاسب مام يتسبب يف حركات تصحيح عنيفة مؤقتة. ما تزال السياسات املتوقع ان يتبعها الرئيس الجديد غري واضحة حتى اآلن إال أن التغيريات املتوقعة قد تكون كبرية وذات تأثري واسع. عىل الصعيد السوري مل تظهر أي تأثريات عىل اللرية السورية ويعود ذلك لعدم وجود أي عوامل اقتصادية مهمة تتأثر بحركة األسواق العاملية ،فانخفاض او ارتفاع قيمة اللرية السورية بات يتحرك وفق عوامل سياسية وعسكرية بشكل عام ،بينام تستمر أسعار الذهب بالتأثر بشكل مبارش بالسعر العاملي ليصل سعر الغرام عيار 21مع اغالق األسواق العاملية يوم الجمعة 11/11/2016إىل 18700لرية سورية ،يف وقت يتم رصف الدوالر الواحد يف دمشق مقابل 542 لرية.
نشرة اقتصادية حملة لتسويق الحمضيات والفساد سبق المواطنين إليها الحمضيات ب 50ليرة وحصة الفرد 60كيلو
العدد - 80 -
هذه املرة األوىل التي يصل فيها انتاج الحمضيات يف سوريا إىل هذا املستوى ،ونظراً لصعوبة تصديره سينعكس مستوى اإلنتاج سلباً عىل املنتجني نظراً الرتفاع التكاليف دون القدرة عىل تحقيق عائدات مناسبة. بشكل مخترص ،ماذا يعني تسويق مليون طن يف األسواق املحلية؟! يعني أن حصة الفرد الواحد تصل إىل 60كيلو من الحمضيات عىل فرض وجود 16مليون مواطن يف سوريا حالياً.
25 / 11 / 15
ذكرت عدة صفحات من مواقع التواصل االجتامعي خرباً عن حملة أطلقتها وزارة التجارة الداخلية وحامية املستهلك اليوم الحملة الوطنية لتسويق الحمضيات اعتباراً من 10الشهر الحايل ،والتي تتضمن تسويق الحمضيات مبارشة من املزارع للمستهلك ،وبسعر 50لرية للكيلو. وذكرت صحيفة االقتصادي وفق خرب خاص لها من مدير عام ” املؤسسة العامة للخزن والتسويق ” حسن مخلوف أوضح يف ترصيح له أن الحملة جاءت نتيجة وجود إنتاج كبري للحمضيات هذا العام يتجاوز مليون طن ،ووجود صعوبة كبرية يف التصدير نتيجة إلغالق املعابر الربية ،وخاصة مع العراق الذي كان يستهلك نسبة كبرية من الفائض عن االستهالك املحيل. وبي مخلوف أن هذا األمر انعكس عىل انخفاض ّ السعر لدى املزارع ملادون الكلفة ،ومع ذلك بقي السعر مرتفعاً عىل املواطن ،مؤكداً أن كافة مؤسسات الوزارة تشارك يف هذه الحملة ،من خالل تقديم السيارات واملراكز واملستودعات لدعم هذه الحملة ،واستجرار أكرب كمية ممكنة من اإلنتاج
وتقدميه للمواطنني بأسعار مناسبة. يستطيع املسؤولني لدى حكومة النظام السوري تربير صعوبات التصدير بإغالق املعابر الربية، وبشكل خاص مع العراق يف وقت يسهل فيه استرياد آالف العنارص من امليليشيات العراقية واإليرانية واألفغانية لقتل الشعب السوري ،مام يوضح ان السياسة االقتصادية لحكومة النظام املجرم ليس لديها نوايا إليجاد سبل تصدير جوية مقارنة بسبل استرياد املقاتلني الذين يكبدون الوطن كم هائل من األموال والدماء. من املفرتض وبحسب ترصيحات مخلوف أن السيارات تتجول يف احياء دمشق لبيع الحمضيات بشكل مبارش للمواطنني ولكن. كثري من املواطنني تساءل عن حقيقة وجود الحملة حيث يبلغ سعر كيلو الليمون لدى املحالت التجارية 300لرية وكثريون قالوا انهم بحثوا عن هذه الشاحنات ومل يجدوها .وأفاد عدد من املواطنني مشاهدته لشاحنات تنقل الحمضيات وتقوم بتفريغ حمولتها لدى تجار بدالً من بيعها للمواطنني بشكل مبارش.
17
طائرة صالحة لألكل إليصال المساعدات اإلنسانية
الشحنات هدفها. يف آذار املايض قام برنامج األغذية العاملي التابع لألمم املتحدة بإلقاء 21حاوية محملة باملواد الغذائية ألكرث من 200ألف من السوريني املحارصين يف دير الزور من تنظيم الدولة (داعش) ،وانتهت املهمة بالفشل ،حيث تدمرت 4حاويات بسبب أخطاء يف املظالت، وهبطت 7حاويات بعيدة عن الهدف ،وتم فقدان أثر 10حاويات، وبحسب بعض الناشطني أنها قد سقطت يف أيدي تنظيم داعش. يأمل جيفورد يف أن يحقق “املنقض” العديد من احتياجات املنكوبني، ويخطط إلنشاء مستودعات حول العامل لتلبية االحتياجات عند ظهورها.
اقتصاد
أحدث اخرتاع إليصال املساعدات بأمان اخرتاع جديد مطور من قبل الربيطاين جيفورد أطلق عليه اسم ““ ”Pouncerاملنقض” ،وعىل الرغم من انه ما يزال حديث العهد إال أنه يسعى لحل العديد من املشكالت املوجودة يف أنظمة القاء املساعدات اإلنسانية عرب الجو. الطائرة ذات أجنحة محشوة باإلمدادات الغذائية واألدوية واملستلزمات الطبية للبعثات اإلنسانية. هيكل الطائرة مصنع من مواد قابلة للتحلل ومهيئة إلعادة تركيبها واستخدامها كأموى مؤقت ،والعجالت ميكن استخدامها كبديل للوقود يف الطهي ،وميكن القائها عرب الجو، أو من خالل قاذف عىل األرض وتستمر يف التحليق لتسقط الحقاً ضمن دائرة قطرها 25 ميل 40 /كيلو مرت من الهدف إىل أن تصل لهدفها ،وسيبدأ انتاجها ضمن عام .2017 جيفورد هو املهندس الذي نجح سابقاً يف بيع
رشكته التي اوجدت مناطيد طائرة بالطاقة الشمسية ،وقد اشرتت فيسبوك رشكته مببلغ 20مليون دوالر لتطوير املناطيد وجعلها تطوف حول األرض لتوزيع االنرتنت مجاناً. وقال إن “املنقض” ميكنه تويل املهامت العاجلة والصعبة لتوصيل املساعدات الطارئة فوق املناطق التي يصعب الوصول إليها. وبحسب موقع الرشكة املطورة للمرشوع http://www.windhorse.aeroإن كل طائرة قادرة عىل إنقاذ 50شخص ،وميكن للطائرة ان تصل إىل أهدافها بدقة عىل عكس األساليب التقليدية التي ميكن ان تكون غري دقيقة أو من املستحيل استخدامها. ذكرت صحيفة مييل ديل الربيطانية أنه يف العادة تستخدم الطائرات الناقلة العسكرية إللقاء املساعدات عرب فتح البوابة الخلفية وإطالق الشحنات ،إال أسلوب االنزال الجوي هذا مكلف جداً وغري دقيق وغالباً ما تفقد
«عين الشرق» إلبراهيم الجبين .. 18
رواية عن دمشق المدينة والتاريخ ما قبل وبعد انفجار الجسد السوري
غسان ناصر -طلعنا عالحرية
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
ثقافة
«عني الرشق -هايربثيميسيا ،»21عنوان الرواية الثانية للشاعر والكاتب السوري إبراهيم الجبني (املقيم يف أملانيا) ،والتي صدرت قبل أيام عن املؤسسة العربية للدراسات والنرش (بريوت/ ّ عمن). جاءت الرواية يف 360صفحة من القطع املتوسط ،وقد صمم الغالف الذي احتوى عىل رسم للفنان التشكييل السوري يوسف عبدليك، الشاعر والفنان الفلسطيني زهري أبو شايب. يستهل املؤلف روايته باآلية األوىل من “سفر إشعيا – اإلصحاح السابع عرش” من التوراة والتي تقولَ “ :و ْح ٌي ِمنْ ِج َه ِة ِد َم ْشقَ :هُ َو َذا ي ا ْل ُمدُ نِ َو َت ُك ُ ون ُر ْج َم َة َرد ٍْم”. ِد َم ْشقُ ُتز َُال ِمنْ َب ْ ِ ويف الصفحة التي يليها يشري الجبني” إىل أن “20 حالة من مرض الهايربثيميسيا فقط تم اكتشافها يف أنحاء العامل حتى اللحظة” .و”الهايربثيميسيا” يف لغة العلم هي مرض نادر جداً ،وبحسب العلامء فـ”الهايربثيميسيا” تطلق عىل حالة فرط االستذكار أو متالزمة فرط االستذكار أو الذاكرة السريية -الذاتية بالغة القوة ،وهي ُتعد حالة مرضية نادرة تجعل الشخص املصاب بها يتذكر ينس شيئاً كل لحظة يف حياته بكل تفاصيلها وال َ مهام مرت السنوات. السارد ما بني الواقع والخيال .. تبدأ الرواية بعالقة جمعت السارد مع رسام عجوز يف مرسمه يف التكية السليامنية يف دمشق ،مهووس بجمع األشياء القدمية ،كان قد عمل يف الشعبة الثانية (املخابرات السورية) يف الخمسينيات ،وأطلق بيده رصاصة الرحمة، كام يقول ،عىل الكثريين من معاريض السلطات التي حكمت سوريا وبالد الشام. ويف مسارات ثالثة (املايض والحارض واملستقبل)، نعيش يف «عني الرشق» مع شخصيات هي حارضة بيننا اليوم وأخرى ارتحلت ،ومع من استقدمهم الكاتب من عمق التاريخ ..ومع ملل ونحل وطوائف وأعراق ومذاهب فكرية.. ً وأيضا مع شوارع وأمكنة كثرية يف دمشق.. ليقدم كل هذا يف لحظة ملتهبة من تاريخ سوريا املعارص مؤكدًا ّأن “ما يحدث يف دمشق
عادة يغري املرشق كله”. هنا يستحرض “الجبني” شيخ اإلسالم ابن تيمية ،واألمري عبد القادر الجزائري ،والرئيس الراحل أديب الشيشكيل ،وحافظ األسد (إله البساطة ،إله األرض ،إله العلويني) ،وصديق عمره صالح جديد الذي طعنه (اإلله) بالظهر ،ونور الدين األتايس، وعصام العطار ونجاح العطار (الوزيرة يف عهد األسد األب ونائبة الرئيس الوريث) ،واليهودي إخاد الذي هاجر من دمشق ،والجاسوس اإلرسائييل إيليا كوهني ،والزعيم الكردي عبدالله أوجالن ،وأبو القعقاع السوري (محمود قول أغايس) الذي أسس تنظيم “داعش” ،ولؤي كيايل ،وصبحي الحديدي، ومظفر النواب ،وأدونيس ،وغريه من النخب التي تواطئت ضد الشعب ..وضحايا وقتلة ورجال حكم وضباط ومثقفني وفنانني ونساء جميالت) ،شخوص كثرية جمعها يف مكان واحد عرب أزمنة مختلفة من التاريخ ،الرابط بينها كلها “عني الرشق” دمشق. وبني الحقيقة وخيال السارد ُيخربنا إبراهيم الجبني كيف أن حافظ األسد الذي وصفه بـ”الدكتاتور العجوز” ،مل ميت، كام أعلنت أرسته ،لكنه وبعد أن خرف ومل يعد قادراً عىل الرتكيز ،تم توريث الحكم البنه وهو حي ،وتم وضعه يف غرفة معزولة تحت عناية طبية مشددة ،فهو بني الغيبوبة والصحو ،بني الذاكرة والغضب ،بني الرغبة باالنتحار والرغبة بالعودة إىل لذة الحكم والقدرة عىل القتل. ُ رصدت يقول الكاتب عن عمله الجديد“ :يف هذه الرواية، يوميات عشتُها يف دمشق ،ما بني الخيال والواقع ،ورمبا بهام معاً ،وقد ال أميز مرات ،أيّ منهام هو الواقع ،الخيال أم الواقع ذاته .مبدتئاً من مدن سورية عديدة ،أشخاص قدموا من ثقافات عديدة ،محملني ببضائعهم اإلنسانية والوحشية معاً ،فاخرتقوا عوامل الفكر واألدب والفنون ،مغرقني املدينة
يف التهتك ،مواصلني رجم املجتمع السوري العريض الذي اشتهر بتعدده وبساطته وتعقيده يف الوقت ذاته ،وهو ذاته املجتمع الذي ّ سمه النظام السوري الحقاً “البيئة الحاضنة لإلرهاب” مربراً كل أشكال اإلبادة التي طبقها عىل س ّكانه يف مدنه وأريافه”. ويؤكد الراويئ أن “كثريون سيعرفون أنفسهم يف «عني الرشق -هايربثيميسيا .»21ولرمبا تغريت، أحيا ًنا ،أسامء ومالمح ،إال أن اللحظة الطويلة التي سبقت انفجار الجسد السوري ،مل تكن بال مقدمات وال أبطال ساهموا يف زيادة تلك التضاريس وعورة ،وكانوا من بني أسباب كتابة هذه الرواية”. جدير بالذكر أن العمل الروايئ األول للجبني “يوميات يهودي من دمشق” (دمشق )2007 قد أثار الكثري من الجدل بسبب تناوله ملوضوعني اعتربا حني صدوره من املواضيع املحرمة؛ يهود دمشق ،وعالقة قادة تنظيم القاعدة مع األجهزة األمنية السورية .وكان أبو القعقاع السوري أحد أبطال “يوميات يهودي من دمشق” قد اغتيل يف حلب ،بعد ستة أشهر من صدور الرواية ،بعد أن كان مقرباً من السلطة يف دمشق ،وعرف عنه دوره املبكر يف تصدير املجاهدين عرب الحدود السورية، وتأسيس ما بات يعرف الحقاً باسم “الدولة اإلسالمية يف العراق والشام”. و”الجبني” كاتب وشاعر وإعالمي سوري ،يعمل محرراً يف صحيفة “العرب” اللندنية .ويشغل مدير تحرير مجلة “دمشق” (املجلة الفكرية الثقافية السورية الصادرة يف لندن) .2012وهو ينرش مقاالته يف الصحف واملجالت العربية منذ أواسط الثامنينات .وكان أن شارك يف إعداد وتقديم برامج حوارية ،منها الربنامج الحواري “الطريق إىل دمشق” ،قناة اورينت 2012ـ كام شارك يف إعداد عدة أفالم وثائقية منها “أبو القعقاع السوري” ،قناة الجزيرة .2015والفيلم الوثائقي “أسامة بن الدن يف سوريا” من إخراج املخرج السوري نبيل املالح .مدته ساعتان وعرش دقائق .2001 ،
نشرة ثقافية
إبداعات ونشاطات سورية
ات حاد الك ّتاب العرب يطالب ت جميد اتحاد ك ّتاب النظام
“كارتون على اإلسفلت” معرض لهاني عباس في “فريبورغ” السويسرية
هادي العبدهلل يفوز بجائزة “مراسلون بال حدد”
فاز الناشط اإلعالمي السوري هادي العبد الله قبل أيام ،بجائزة منظمة “مراسلون بال حدود” لحرية الصحافة للعام الحايل ،وذلك بعد عام من فوز إحدى مواطناته (الصحفية زينة ارحيم) بالجائزة .وقالت املنظمة إن العبد الله وهو صحفي مستقل“ -ال يتواىن عناملجازفة يف مناطق خطرية ال يتوجه إليها أي صحفي أجنبي ،من أجل تصوير وسؤال أفرقاء يف املجتمع املدين”. وأضافت أن العبد الله “واجه املوت مرا ًرا” ،الفتة إىل أن ً زميل مصو ًرا له ُقتل بانفجار قنبلة محلية الصنع يف شقة كان يتقاسمها مع العبد الله الذي
أصيب يومها بجروح بالغة .وتعلي ًقا عىل فوزه بالجائرة ،قال املراسل الحريب الذي اشتهر بتغطيته املعارك من خط الجبهة األمامي ،عىل حسابه يف موقع “تويرت” إنه يهدي جائزته إىل “خالد العيىس وطراد الزهوري وباسل شحادة ووسيم (العدل) وشامل (األحمد) ،إىل دماء الشهداء وكل من مييض حامال عدسته يقاتل بها ويقاوم”ُ .يشار إىل أن هادي العبد الله من مواليد ،1987 واقرتن اسمه بالثورة السورية حيث نقل معاناة السوريني وما يتعرضون له من قبل قوات النظام عرب وسائل اإلعالم املختلفة.
عبد الكريم عمرين ُيصدر أول كتاب در من قلب حمص المحاصرة أصدر الكاتب والشاعر واملرسحي عبد الكريم عمرين مؤخ ًرا ،كتابه املوسوم بـ” حمص ،للحب وقت.. وللموت وقت” ،وهو أول كتاب يصدر من قلب حمص املحارصة من قبل النظام السوري. جاء الكتاب الصادر عن “دار أرواد للطباعة والنرش” يف 180صفحة من القطع املتوسط ،وقد احتوى عىل مجموعة من النصوص كتب “عمرين” معظمها من حي الوعر أثناء الحصار ،وقصائد عن تركه لبيته ،وتفاصيل يومية وسط الحرب.
ومن عناوين النصوص الشعرية التي احتواها الكتاب والتي متوج باألىس: “هنا يرقد من مات يف حمص عش ًقا ،دائرة الطباشري الحمصية، أعيش وحيدًا وسط الحرب القذرة، جمعت البحر يف كفي ،ألقي نظرات الوداع عىل بيتي ،الجندي الطيب عىل الحاجز ،الوالد املفجوع ،عرس حميص يف زمن الحرب ،رأيت الكثري من األشالء والقتىل ،كل مساء بعد دفن الشهداء”.
ثقافة
افتتح رسام الكاريكاتري الفنان الفلسطيني السوري هاين عباس ،معرضه الشخيص األول يف بلد اللجوء (سويرسا) ،تحت عنوان «كارتون عىل اإلسفلت» ،يوم الجمعة املوافق ١١من الشهر الحايل ،ليستمر إىل 12شباط /فرباير من العام القادم ،بتنظيم من مؤسسة APCdيف مدينة “فريبورغ” السويرسية ،وهو املعرض األول من نوعه عامل ًيا حيث يكون اإلسفلت ً قامشا لل ّرسم. يقول “عباس” عن معرضه هذا :قبل ثالثة أعوام ...كانت الصدفة التي قادتني للميش للحظة أنني قد أسبب أذية له إن دست يف إحدى قرى مدينة فريبورغ السويرسية ..عليه! هل له روح مثلنا؟ هنا بدأت تراودين هذه الطرق الفرعية املكملة لطريق اللجوء فكرة استخدام هذه األيقونات الصفراء يف الطويل ..حني انتبهت يف اللحظة األخرية تصميم فني ..وككل األوقات التي مررنا بها أنني كنت سأدوس عىل شخص أصفر خالل الخمس سنوات املاضية ..كان مشهد اللون مستلق بهدوء عىل الرصيف وميسك القتل والقصف اليومي يف سوريا مالز ًما ابنه الصغري بيده ..ابتعدت ً قليل وتابعت لنا ..فرسمت وقتها هذا الشخص األصفر سريي ..إال أن السؤال الذي ظل يرتدد يف وهو يحمل ابنته الصغرية املدماة ويركض رأيس هو سبب اتخاذي لهذا القرار الرسيع هر ًبا من قصف الطائرات ..وأصبح هذا بعدم الدوس عىل هذا الشخص األصفر ..التصميم بوس ًرتا ملعرض الحق يل بعد فرتة الجامد ..الصورة .ما الذي دفعني ألعتقد من ذلك الوقت.”..
19
العدد 2016 / 11 / 15 - 80 -
رفع األمني العام لالتحاد العام للكتّاب واألدباء العرب رئيس اتحاد كتّاب وأ قرتحا دباء اإلمارات حبيب الصايغ م ً إىل ا جتامعات املكتب الدائم يف الجزائر بتجميد عضوية اتحاد الكتاب العرب يف سوريا ،وذلك بنا ًء عىل نص املادة 24من النظام األسايس. وأشار إىل أن هذا املقـــــرتح جــــاء نتيجة مقاالت عــــــدة واف تـــتاحيات الكتّاب السوريني يف املنفى تقدمت من قبل رئيس اتحاد الكتّاب العرب يف بطلب لالنضامم إىل اتحاد الكتّاب ســــوريا نضال الصالح تضم نت تشويهًا واألدباء العرب ،وأن طلبها قيد الدرس. لكثري من الحقائق ،وعدم اح رتام ثقافة كان طالل الرمييض رئيس رابطة األدباء االختالف ،والتخوين والسب العلني ،يف الكويت قد طالب يف وقت سابق إضافة إىل ما ورد يف بيانهم ضد بيان بالعمل عىل طرد اتحاد كتاب النظام اتحاد الكتّاب العرب حول ما ي جري يف السوري يف اجتامع االتحاد يف شباط / حلب .وأشار “الصا يغ” إىل أن رابطة فرباير املقبل يف الجزائر.
طلعنا عالحرية – القسم الثقافي