نصف شهرية ،سياسية ،ثقافية ،مستقلة
العدد 81 2016 / 12 / 4
مجلة مستقلة ،تعنى بشؤون الثورة السورية ،نصف شهرية ،تطبع وتوزع داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج
2
غوطة حلب الشــرقية! افتتاحية بقلم د .عبد الرحمن الحاج*
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
أحدث التقدم الذي حققه النظام وامليليشيات اإليرانية الحليفة يف حلب وقع الصدمة ،فلم يكن أحد يتوقع أن يكون التقدم رسيعاً إىل هذا الحدّ ،وبدا واضحاً من ردود الفعل العربية والدولية الباهتة أن حلفاءنا سلموا بسقوط حلب ،حتى قبل هذا التقدم بوقت ليس بالقصري؛ إذ ال معنى لوقف اإلمداد بالسالح غري تسليم املدينة. بعد وقع الخسارة الكبري تشكل جيش حلب، وقالت الفصائل إنه اندماج كامل لكل الفصائل يف حلب للصمود يف وجه النظام وعدم تسليم املدينة ،لكن األهم ما الذي أحدث هذا االنهيار العظيم يف جبهات حلب رغم وجود ما يقارب ستة آالف مقاتل وتسليح مقبول؟ هنالك ثالثة أسباب رئيسية :األول هو القرار العسكري املشتّت بني الفصائل؛ فكل فصيل سيد نفسه ،هكذا فالتنسيق العسكري يف أدىن مستوياته ،واالعتامد عىل ص ّد الهجوم يرتبط بـ”الفزعة” و”املؤازرة” كأمنا كل جبهة هي إقطاع خاص بفصيل عسكري. الثاين هو انهيار ثقة األهايل بالفصائل عندما أغاروا عىل أحد أبرز الفصائل “تجمع فاستقم كام أمرت” واعتقلوا قائده وسطوا عىل
مخازنه ،فقد هوت ثقة األهايل -الذين عانوا األمرين تحت الفوىض والرباميل املتفجرة والقنابل االرتجاجية واملحاكم الخاصة بفتية الفصائل -بحامية الفصائل لها؛ إذ كيف ميكن لفصائل تأكل بعضها بعضاً أن تحميهم من النظام؟ الثالث هو األخطاء القاتلة التي ارتكبت يف عمليتي ّ فك حصار حلب ،من جهة انرصفت بعض الفصائل من جبهة حلب الجنوبية (املدفعية) التي خطط لها أن تكون يف ستة مراحل عند املرحلة الثالثة إىل القتال يف جبهات أخرى ،ومن جهة ثانية حاولت جبهة النرصة االستئثار بالنرص غري املكتمل وإعالن ذلك عرب بيانات استباقاً لرسقة محتملة لجهودها من قبل فصائل حلب املدينة .ويف معركة فك الحصار يف الريف الغريب اتبعت تكتيكات عسكرية غري مناسبة وغري مخططة جيداً ،رسعان ما تبني فشلها بعد التوغل قرابة كيلومرت واحد ،وفشلت ،وهكذا خرسنا برسعة كبرية ما كسبناه بالرسعة ذاتها. ما من ّ شك أن الوضع يف حلب صار شبيها جداً بوضع كثري من املناطق املحارصة ،لكنّه أشبه ما يكون اآلن بالغوطة الرشقية؛ االنهيارات
www.freedomraise.net
املتتالية يف الغوطة لديها أسبابها الشبيهة جداً بحلب ،حلب مهددة بأسباب ذاتية قبل أن تكون خارجية ،وفصائلها تحاول اآلن تداركها، وال أحد يعلم مدى نجاحها وما إذا كان قد فات األوان قبل ظهور نتائج واضحة .الغوطة ال تزال متعرثة ومثرية لعالمات االستفهام يف الشامل. ً لقد صار واضحا أن وجهة النظام وامليليشيات اإليرانية والطائرات الروسية بعد حلب ستكون مكرسة النتزاع الغوطة الرشقية ،فثقل “سوريا املفيدة” هو هنا يف حلب ودمشق والغوطة منها ،وهكذا ما سيجري يف حلب سينعكس عىل الغوطة ،تبدو الغوطة الرشقية يف دمشق وكأنها غوطة حلب اآلن! إذا ما خرسنا حلب والغوطة سنكون قد خرسنا الكثري ،وسيتحمل القادة العسكريون مسؤولية هذه الخسائر وتلك الدماء املسكوبة ،مثلام سينسب لهم النرص عندما يحققونه. الثورة ال تنتهي عند حلب وال الغوطة ،ولكن خسارتهام ستكون ثقيلة وباهظة الثمن. * عضو األمانة العامة للمجلس الوطني
تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت
كلمة
املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير
مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية ويف بعض مخيامت اللجوء معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان نصار أنور البني أسامة ّ
قسم املرأة يارا بدر
املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد
رئيس التحرير ليىل الصفدي املحرر االقتصادي وائل موىس
الغالف سمري خلييل
facebook.com/freeraise twitter.com/freedomraise info@freedomraise.net
كاريكاتري سمري خلييل
زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية رزان زيتونة -ناظم حامدي
حين تكون انتصارات األســد لصالح ثورة الشــعب
3
إبراهيم الجبين
البقية يف صفحة ....11
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
املجتمع. الجديد اليوم أن جميع الحيل والطرائق قد تم تجريبها ،من الحلول السلمية إىل العسكرية إىل الحلول السياسية املستحيلة ،إىل االستنزاف إىل االستنجاد بالغرب والرشق والعرب واملسلمني واملسيحيني واألوربيني إىل العمليات االنتحارية، وهكذا حتى مل يبق يشء بيد السوريني إال وألقوه يف هذه املعركة. وبقي بني أيديهم اليوم ما بدأ معهم ذات يوم قبل أن يبدأ كل يشء؛ إنه الفكر .وبالفكر وحده ،الذي تجاهلته املعارضة ،والدول الداعمة الصديقة للشعب السوري ،سواء كانت عربية أو غربية .والذي تم ازدراؤه ووضعه تالياً بعد اإلغاثة واإلسعاف والدعم املايل والعسكري والطبي والدبلومايس .هذا إن كان قد وجد مكاناً عىل قامئة االهتاممات بالفعل. بوابة املعرفة التي يتوجب عىل السوريني عبورها ،تبدأ من االنسحاب الكبري من اللحظة العاطفية ،إىل الزمن الحقيقي .واالستيقاظ عىل أن ما يحدث ليس فيل ًام سينامئياً ،وال نرشة أخبار .بل هو التاريخ .وأن للتاريخ قيمه وقواعده يف الحركة .وأنها حت ًام لن تقود إىل هزمية الشعب بعد كل ما دفعه من أمثان .ليس ألنه دفع تلك األمثان فقط ،ولكن ألن الكثري من األمور قد تغري خالل السنوات املاضية. وباملزيد من النظر إىل الخارطة التاريخية السياسية والعسكرية ،سيام يف حلب هذه
األيام ،سيعلم السوريون أنهم يكسبون كل يوم ،سواء حقق الثوار انتصارات عسكرية عىل جيش األسد وحلفائه أو العكس .ألن انتصار الثوار إنهاك لالستبداد ،وتحول لألمام يف بنية الثوار وتكويناتهم ،حني يواجهون رضورات ما بعد االنتصار ،يف حكم وإدارة املناطق وتجنب ارتكاب األخطاء التي ارتكبت نتيجة الفوىض العقائدية والقضائية والتقنية ،من جهة .ومن جهة أخرى ألن انتصارات األسد وحلفائه ستصب حت ًام يف صالحهم باملحافظة عىل مركزية ّ الدولة السورية ،مع كل شرب يستعاد إىل سلطة رمزية يف دمشق .ملاذا يع ّد هذا مه ًام؟ ألن األسد زائل زائل .فنظام حكمه األمني ،تحول خالل السنوات الست املاضيات إىل نظام حريب ،نظام عمليات ال نظام إدارة ،سلطة معارك ال سلطة مجتمع ومؤسسات .ولن يستطيع الصمود أسبوعاً واحداً بعد أن تضع الحرب أوزارها. مهام توهّ م الروس واإليرانيون .وهو ليس قوة احتالل كاإلرسائيليني ،فهم بالنهاية ميارسون احتاللهم من خارج املجتمع ،بينام يضطر األسد إىل ادعاء انتامئه وانتامء مؤيديه إىل املجتمع السوري. عرب عن حالة شبيهة بهذه شيمون بيريس يف كتابه “الرشق األوسط الجديد” بداية التسعينيات.
مقاالت
ال شك أن الثورات مبعناها التاريخي العلمي ،شديدة االلتصاق بالفوىض .ومن طبائعها تخريب األنساق القامئة والتي ميكن أن تنشأ ،عىل املدى القصري ،قبل أن تستقر مبادئ تلك الثورة فوق سطح راسخ يقبل به الجميع. لكن عىل هذا املبدأ أال يكون ذريعة الستمرار الفوىض يف كل جانب؟ فمن املتوقع أن تشهد الحروب التي تشن عىل االنتفاضات الشعبية ،فوىض عسكرية ،وفوىض سكانية، وفوىض خدماتية ،وعمرانية واقتصادية .لكن من غري املمكن أن تستمر يف أجوائها أي فوىض “فكرية”. الفكر هو الذي أحدث التغيري ،وهو الذي حرك الناس يف الشوارع ،دون أن تكون غالبيتهم من املثقفني ،متسك بأيديها بكتاب عن الثورة ،يصفها وينظمها ويرشح مراحلها .عفوية الحراك الشعبي ،مل تنفصل يوماً عن تحوالت التفكري لدى السوريني ،وغريهم ممن اندفعوا إىل الساحات والشوارع يف ربيع العرب. والفكر ذاته ،هو الذي كان أول هدف حاولت ،ونجحت إىل ح ّد بعيد ،األنظمة االستبدادية أن ترضبه .فكان عليها أن تزعزع قناعات الناس باملبادئ البسيطة التي خرجوا من أجلها ،ولكنه يف الواقع عني السياسية ،كام يقال .وجوهر العالقة بني الحاكم واملحكوم ،برز حني رفع الناس أصواتهم بالهتاف ،مل يطلبوا املشاركة يف الحكم ،ومل يطلبوا تغيري شكل الدولة ،ومل يطلبوا نسف أي مؤسسة قامئة ،بل طالبوا فقط بكرامتهم وحريتهم .وتحت هذين العنوانني ستندرج آالف املفاهيم التي غريت العامل من قبل مرات ومرات. لذلك انحرف الناس نحو األبواب الدينية ،ومنها إىل املنعرجات الطائفية والعرقية ،حتى كادت تتالىش الهوية تم انتزاعه من يد الوطنية املجتمعية .أي أن أول سالح ّ الشعب كان “الفكر”. لكن امتياز الفكر أنه ال يتأثر بالقلة والكرثة ،ومجرد وجوده متناثراً كأزهار برية تحملها الريح إىل الجهات األربع ،كفيل بجعله ينترش من جديد بني الناس .وهذا هو حال فكر االنتفاضة السورية ،الذي تجاوز كل مدرسة وإيديولوجيا قامئة يف املايض ،نحو منطقة جديدة من املستقبل مل تطأها قدم بعد ،ومل تخربها املصالح واملنافع والفساد والرتهل السيايس الذي أصاب املعارضة السورية طيلة خمسني عاماً كام أصاب بقية أركان الدولة ومؤسساتها ونقاباتها وثنايا
4
ّ المحلي لداريا المجلــس إبحار تحت الســحاب وقصف الرعود نصار أسامة ّ
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
مقاالت
تأسس املجلس املحيل يف داريا يف آخر سنة .2012وخ ّيمت عىل أجواء التأسيس ثالث سحب: مجزرة داريا الكربى يف آب ،2012والتي كانت األسوأ من حيث عدد الضحايا وكمية اإلجرام الحاصل بل وحتى نوعيته، حتى حصول مجزرة الكياموي يف الغوطة الرشقية يف السنة التالية. وضع الجيش الحر يف املدينة يف أسوأ حاالته سوا ًء من حيث اإلنهاك ،بعد محاولة التصدّي لقوات النظام الطاحنة التي نفذت االقتحام واملجازر املرافقة له .أو من حيث الرىض الشعبي عن املقاتلني يف املدينة؛ فهناك من ح ّمل مقاتيل الجيش الحر ذنب تفاقم ضحايا املجزرة بسبب أخطاء اقرتفوها .نقول (ذنب تفاقم الضحايا) وليس ذنب مجمل املجزرة بالطبع ،فال يصح أوالً وأخرياً نسب الجرمية لغري ّ مرتكبها املبارش :قوات النظام املجرم. السحابة الثالثة هي متلمل عام من ناشطي املدينة ومن حولهم بسبب فشل (آخر) ملحاولة دمج تنسيقيتي داريا مبجموعة موحدة (بفتح الحاء) و ُيرجى لها أن َّ موحدة (بكرس الحاء) .فقد ُوجدت تكون ِّ يف املدينة تنسيقيتان منذ بداية الثورة، حصلت مبادرات لدمجهام يف جسم واحد يحمل اسم “تنسيقية داريا” (دون إضافات متييزية كام كانت الحال وقتها) أو عىل األقل للتعاون والتنسيق بينهام بدل التناحر وادعاء كل طرف أنه األصلح للعمل .مل تك ّلل املحاوالت السابقة بالنجاح ،وكانت آخرها يف األسابيع التي سبقت املجزرة مبارشة.
هذا باإلضافة إىل طقس عام يف البلد حوى موجة تشكيل املجالس املحلية الثورية يف املدن والبلدات كأحد صريورات الحراك الشعبي يف سوريا. يف االجتامع التأسييس للمجلس املحيل (االجتامع تحت السحاب كام ذكرنا) :خطب باملوجودين أحد أعضاء “لجنة الحكامء” التي قامت باملبادرة املشكورة لجمع النشطاء عىل طاولة واحدة، وافتتح كالمه مبثال من السرية النبوية( :السيدة عائشة تسأل
النبي عليه السالم بعد أن علمت منه أن الناس يحرشون يوم القيامة حفا ًة عراة( :الرجال والنساء جميعاً؟ ينظر بعضهم إىل بعض؟!) ،قال “يا عائشة األمر أش ّد من أن يه ّمهم ذلك”. فالوضع خطري وحرج ..و(القيامة قامية) ..لذا فإنه حتم عىل الجميع أن يتجاوزوا أنفسهم وآراءهم وأن يلينوا وال يفاتشوا يف التفاصيل .من أجل أن نصل إىل اتفاق يريض الله تعاىل ويخفف من معاناة أهالينا ويساهم يف خالص بلدنا الحبيب. أقسم الحارضون بعد ذلك قس ًام مغ ّلظاً فحواه دعم هذا خاصة) انقالباً املرشوع واعتبار العمل خارجه (العمل العسكري ّ تنبغي مكافحته ،وأن يكون اختيار املسؤولني بالتصويت لصالح األكفأ واألنسب وليس بناءاً عىل الوالءات ،باإلضافة إىل التزام يخص املرشوع والعاملني فيه .وباملناسبة ،مل الرسية يف كل ما ّ تعد هناك اآلن أرسار نفشيها يف هذا النص. تم تشكيل املجلس ومكاتبه ،ثم اإلعالن عنها .وقد حوى وهكذاّ ، التشكيل التأسييس تسعة مكاتب هي املكاتب الخدمية واملدنية املعتادة باإلضافة إىل (املكتب العارش) وهو املكتب العسكري. اعرتض البعض وقتها بأنه ينبغي الحفاظ عىل فصل العمل العسكري عن العمل املدين .لكن الغالبية وافقت عىل وجوب
احتواء العسكر ضمن الجسم املدين الجامع الذي سيكون مثل حكومة للمدينة وفيها (وزارة دفاع) تأخذ أوامرها من (الحكومة) التي ميثلها املكتب التنفيذي للمجلس املحيل ،وكذلك تحصل عىل متويلها من مالية املجلس املركزية ،وذلك لضامن تبعية العسكر للمدنيني َ املنتخبني. جرى هذا يف ضوء موضوعة تقول إن عليك لتكون مؤثراً يف العسكريني أن تشاركهم خنادق القتال أو أن تدفع رواتبهم ومثن ذخائرهم. مل يكد املجلس يبدأ برتتيب أوراقه ومكاتبه، حتى عاود النظام اقتحام املدينة ،وفرضت املعركة عىل املجلس ،مع أوزارها املرافقة والالحقة. وهكذا استم ّر القصف عىل داريا حتى ساعة “الباصات الخرض” املعروفة يف آخر صيف .2016مبا صبغ قصة حياة مجلس داريا بالعواصف والرعود وقحط الحصار. كانت فيها ومضات الربق من ك ّد العاملني يف املؤسسة ودأبهم الجرتاح ما بدا أنه معجزات ،نجحوا يف بعضها ،واحتسبوا أجراً واحداً باجتهاداتهم يف البعض اآلخر. يف شتاء ،2016وئذ يكتب مجلس داريا حلقته األخرية بإعالن ح ّله من مهجره يف إدلب ،يبقى عىل العاملني يف الشأن السوري العام أن يستخلصوا العرب من التجربة الغنية .ال يكفي التمجيد واإلطراء ،كام ال ينفع التقريع والجلد .بل تجب دراسة النجاحات وسبل تعزيزها واستنساخها، ومتحيص املثالب وضامن عدم تكرارها أو اجرتارها ..قبل “قيام القيامة” ..فع ًال!
نظام تعليم الســتيعاب جميع األطفال
5
شبكة حراس إن الجهل بخصائص أطفال االحتياجات الخاصة هو أهم عوائق التعامل معهم يف املجتمع ،وعادة ما نسمع ردوداً من قبيل“ :نحن لسنا مختصني! فكيف نتعامل معهم؟”.
ذوي االحتياجات الخاصة يف “مدرسة لحن الحياة”، و 3أطفال يف “روضة حلم الطفولة”( .بحسب تقرير نصف السنوي -حزيران )٢٠١٦
نظرة الصندوقني يف متييز أطفال االحتياجات الخاصة يف التعليم:
دمج أطفال االحتياجات الخاصة يف مدارس ح ّراس
حقيقة ،يف العمل مع أطفال االحتياجات الخاصة أنت بحاجة إىل االختصايص من أجل أن يضع التشخيص والخطة الفردية لحالة الطفل .بينام رعاية الطفل وتعليمه يقوم عىل أشخاص لديهم الدافع للعمل مع األطفال ومع ّلم متميز ،لتطبيق تلك الخطة. وبذلك نستطيع دمج أطفال االحتياجات الخاصة يف املدرسة العادية بتدريب كادر املدرسة وتهيئة البيئة املرحبة به فيها ،وهذا ما نعمل عليه يف مدارس ّ حراس حتى استطعنا استقبال 13طفل وطفلة من
2016 / 12 / 4
نظام للدمج يتدرب عليه املعلمون:
نواجه يف “شبكة حراس” هذه النظرة من خالل األنشطة
التي نقوم بها ،فهناك أشخاص الستقبال األطفال ذوي االحتياجات الخاصة ،واملدرسة مجهزة ملن يتحرك عىل كريس متحرك ،ومن يستقبله معلم مد َّرب عىل نظام دمج األطفال ذوي االحتياجات الخاصة ،فيتم تحضري الطفل يف “غرفة املوارد” حيث يتعامل فيها مع أستاذ واحد ،ويتعلم فيها مهارات يكرس بواسطتها حاجز الخوف ،ثم يتم إضافة أطفال آخرين إليه يف الغرفة، وبعدها يذهب الطفل إىل الحصص العادية ،حتى يعتاد وجود األطفال اآلخرين إىل جانبه ،ثم ندمجه اجتامعياً مع أقرانه بواسطة أنشطة اللعب ويف الفسح بني الحصص ،ثم وبحسب مستواه واألفضل بالنسبة له ،يتم إدماجه كلياً أو جزئياً ،بحسب نقاط القوة والضعف لديه وليس بحسب تصنيفه يف التشخيص.
العمل يف الظروف الصعبة:
إن النجاح يف إيجاد ّ حل ملشكلة ما ،هو أكرث ما يزود العاملني بالدافع لالستمرار: كان من أكرث املواقف التي أثرت ّيف هي قصة طفل من ذوي االحتياجات الخاصة ،شاركني بها فريق االستجابة ،وهي قصة طفل حجبه أهله يف البيت ملدة تسع سنوات خوفاً عليه من السخرية أو األذى التي قد يتعرض لها من املجتمع ،ثم استطاع الخروج من البيت إىل املدرسة مبساعدة الفريق ،ثم حصل عىل فرصة للعب يف الحديقة .لن تستطيع أن تتخيل ردة فعله ألول مرة يركب فيها األرجوحة! إن شعور الطفل يف هذه العرش ثوان ال يقدر بثمن.
الجميع يستطيع املساعدة:
إن مواقف الناس من اإلعاقة تؤثر دوماً عىل كيفية تعاطيهم مع ذوي االحتياجات الخاصة .نستطيع مساعدة الطفل من ذوي االحتياجات الخاصة إذا تذكرنا أن لديه احتياجات مامثلة الحتياجات األطفال اآلخرين :كاملحبة واألصدقاء واللعب واملسؤولية والعمل واإلحساس بالقيمة.
مقاالت
تقول وجهة النظر إن هناك مكانني للتعليم؛ مكان ملن تطورهم منطي ،أي األطفال “العاديني” ،ومكان آخر لألطفال الذين لديهم تطور غري منطي ،أي األطفال ذوي االحتياجات الخاصة. بينام تكمن املشكلة يف نظرتنا إىل حدي أبيض-أسود؛ ما هو طبيعي -وما هو غري طبيعي يف تصنيف األشخاص. قد تكون أنت شخصاً غري طبيعي بالنسبة لطفل لديه اضطراب طيف التوحد ،ملاذا ال تهتم بالتفاصيل؟ وال تستمتع بأصوات مميزة يحبها هو؟ كذلك ال تهتم باأللوان؟! ولكنه بالنسبة لك شخص مهتم جداً بالتفاصيل ،ولديه تع ّلق زائد بحركات معينة ،ولكنكام معاً عىل نفس الطيف من االحتياجات ،حيث أنت متيل إىل جهة، بينام هو مييل إىل جهة أخرى! فاإلعاقة ناتجة عن النقص يف تصميم مؤسساتنا والنظام التعليمي فيها ،والتي تعيق انضامم هؤالء األطفال، بينام ينبغي أن يتم تصميم النظام التعليمي ليشمل الجميع ،بحيث يكون شمولياً يستطيع أن يعلم جميع األطفال ،ونعيد تصميم منهج إعداد املعلم بحيث يتعلم كيف يعلم جميع األطفال؛ منطيي التطور وغري منطيي التطور ،ونعدل يف تصميم األبنية املدرسية، بحيث يسهل عىل الجميع التحرك فيها ..عندها لن يكون علينا إال أن نجهز الطفل ليعتمد عىل نفسه أكرث. ال يجب أن يفهم من كالمنا أن التغيري باتجاه الدمج أمر بسيط أو أن الطفل من ذوي االحتياجات الخاصة ال يحتاج إىل عناية “خاصة” .لكن ال يجب أن يكون تقصرينا يف التفكري يف البدائل سبباً لتحميل األرسة والطفل مسؤولية إعاقته بالكامل ،وكأنه ولد بشكل ال يتناسب مع متطلبات الحياة وأمناطها .املشكلة تكمن يف منط الحياة الذي يوفره املجتمع واقتصاره عىل فئة معينة من األطفال.
ومن جانب آخر فإن تكلفة تعليم طفل احتياجات خاصة تعادل تكلفة تعليم طفلني عاديني ،وميكن تفهم قرار أصحاب القرار يف تفضيل العمل عىل تعليم األطفال العاديني ،خاصة عندما تكون املوارد محدودة كام يف ظروف الطوارئ الحالية. ولكن القرار يف شبكة حراس يعتمد عىل مبدأ العدالة يف تقديم الخدمات .ومبا أننا نتوقع أن قلة من مقدمي خدمات التعليم سيعملون عىل تعليم طفل من ذوي االحتياجات الخاصة ،بينام هناك عدة جهات لتعليم األطفال العاديني. فالعدالة تقتيض إزالة العوائق أمام طفل غري منطي التطور للحصول عىل حقوقه ،حتى لو مل يحقق هذا املساواة مع أقرانه من أصحاب النمو النمطي ،ألن الهدف ليس تقديم الخدمات فحسب وإمنا ضامن حصول الجميع ،مبن فيهم ذوي االحتياجات الخاصة، عليها.
العدد - 81 -
العدالة هي املساواة يف الحقوق:
ما العمل ..
6
جالل مراد
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
يف سلسلة مقاالت تحت عنوان “ما العمل” سوف تنرشها طلعنا عالحرية ابتدا ًء من هذا العدد ،يحاول الكاتب “جالل مراد” أن يجيب عن سؤال ما فتئ يلح عىل السوريني يف هذه املرحلة ،نتيجة انعدام الحيلة وعدم وضوح الطريق ،وتحييد السوريني عن دائرة الفعل . “ما العمل” مبثابة دليل عمل يضع الناشطني العاملني يف الحقل املدين عىل الطريق املناسب والذي يضمن للسوريني قوانينهم عىل الدولة مبؤسساتها مهام كان شكل السلطة املستقبلية لسورية ،سوا ًء أكانت فدرالية أو جمهورية أو برملانية أو تحت وصاية أو موحدة أو غري ذلك من األشكال . ال يشرتط البدء بهذا الدليل بعد سقوط النظام أو وصول البلد إىل حالة من االستقرار ،إمنا ميكن البدء به مبارشة .ويتم ّيز هذا الدليل بنقطة قوة تفتقدها مشاريع الحل ُ األخرى بأنه ال مركزي وال يشرتط تنسيقاً كبرياً بني املناطق السورية املرتامية األطراف ،ميكن البدء به من قرية صغرية وصوالً للمدن الكبرية ومن أي
؟ مكان عىل األرض السورية سواء ما كان منها تحت سيطرة النظام أو يف املناطق غري الواقعة تحت سيطرته. يتكون دليل العمل من أربعة أجزاء من املهم للفاعل االجتامعي والناشط املدين أن يلم بها جميعاً ،وتشمل مقدمة نظرية ترشح توزع القوى الواقعية ومسارات اندفاعها وتفاعلها مع بعضها ،وجزء اً يتعلق بنظام البلديات يتضمن خطة لتنظيم املناطق من الناحية االجتامعية واالقتصادية وإرساء قواعد العدالة والقانون واملساواة ،وجزءاً ثالثاً يتضمن نظاماً مبتكراً يسمى املقايضة املنظمة يقدم ح ًال فعاالً وممكناً ل ُندْرة النقد ويرسع عمليات التبادل بحيث يرفع مستوى دخل الفرد والجامعة ،وجزءاً رابعاً يتعلق بطرق تشكيل فريق عمل متامسك عرب طرح أهم املعيقات والحلول لتلك املعيقات التي متنع تعاون فريق العمل لتحقيق هدف ما . قراءة مفيدة وممتعة نتمناها لكم ..وتابعونا يف األعداد القادمة.
دراسات
“ ّ تضخم الفكر النظري عىل حساب اضمحالل الفكر العميل ،أوقع السوريني بتوهان لحظة العمل”. من الواضح بعد مرور هذه السنوات أن هناك استعصاء يف التقدم وتحويل مقوالت االنتفاضة إىل واقع مجسد .إن انعدام الوسيلة الواضحة واملنهجية ،وافتقاد االسرتاتيجية العامة للثورة جعلها يف مهب الريح وانطبق عليها القول: “من ال ميتلك برنامجاً فإنه سيكون مرحلة يف برنامج الغري”. وهذا ما تم .ففقدان الربنامج الوطني الثوري الواضح جعل الناشطني يتعلقون باملتاح ،والقريب .فخيل إليهم أن هذه الدولة ستساعدهم ،وتلك املنظمة ستنقذهم. غري أن األمر تم دوماً عىل نحو مختلف .فقد استخدمتهم الدول وحرفتهم املنظامت عام يأملون ،واستهلكت جل طاقاتهم يف مالحقة الرساب. بات من املهم للسوريني وضع اسرتاتيجية ثورية واضحة تخط الطريق وتوحد الجهود وتصل بهم بعد طول تقهقر، وانتكاس ومحاوالت فاشلة يحدوها الحامس. ولكن ما هي السامت العامة لهذه االسرتاتيجية؟
الفرتة والفرتة الالحقة مل تعد تجدي نفعاً. كانت تتلخص كل هذه الطرق وإىل اآلن يف محاربة الظالم ،ولعنه ،والرتصد لكل محاوالته يف إخامد اإلرادة الشعبية يف الحرية والكرامة والسيادة. ما حصل وسيحصل منطقياً ،وعملياً يف هذه الطريقة من النضال أن الجهود كلها سرتتهن للظالم وأساليبه ،وسيدخل النظام املعارضني له يف ساحة يتقنها ،وسيجد املنتفضني أنهم بحكم قانون الفعل ورد الفعل يرتهنون ألدوات ليست إنسانية وال صالحة. املناسب ،وخصوصاً يف هذه املرحلة ،العمل عىل الضوء وليس محاربة الظالم .ألن تقدم النور بشكل حتمي سيكون عىل حساب اضمحالل الظالم .إن فك االرتباط، واالنعكاس الرشطي النفيس عن النظام أمر جوهري لتحقيق هذه الغاية .العمل عىل النور يعني يف تجليه الواقعي صناعة نظام صحي قائم عىل مبادئ قبول اآلخر الحرية والكرامة ،واإلبداع واإلنجاز .إن كل جهد يثبت أركان النظام الجديد يعني يف الجهة املقابلة انحسار للنظام السابق.
كانت الطريقة خالل السنوات املنرصمة تتلخص يف مناهضة النظام ،ومحاربته ،إما باملظاهرات أو االعتصامات ،ووصل األمر الستخدام القوة .كام تم القيام بالعديد من البيانات والجهود الدبلوماسية لتحقيق هذا الغرض .مخرجات بعض هذه الطرق من املمكن أنها كانت مفيدة بداية االنتفاضة ،لكنها حت ًام خالل هذه
إن سامت النظام الجديد تحددها أهدافه التي نطقت بها حناجر السوريني :الحرية ،العدل ،الكرامة .هذه بداية الطريق: األهداف العامة تحتاج إىل بسط يف الواقع .هذا البسط مل من املهم عند محاولة فهم الواقع أن نخلع النظارة يتم إىل اآلن فكرياً ،وحت ًام مل َّ يتجل سياسياً بربامج واضحة األيديولوجية ،سواء أكانت تلك النظارات متثل أيديولوجيا ومحددة .كل ما قام به السياسيون يف هذه املرحلة هو الحومان حول هذه الشعارات ،مستعينني ببالغات البقية يف صفحة .....11
الضوء والعتمة:
سامت النظام الجديد:
خطابية وشعارات وحامسة ،غري أن مبدأ “كن فيكون” ظهر مرة واحدة يف تاريخ العامل ،وال ميكن تحقيق هذه األهداف ملجرد الرغبة بها. إن بسط هذه األهداف يف الواقع وتحويلها لربنامج عمل واسرتاتيجية لها مراحل لإلنجاز يحتاج أيضاً فه ًام للواقع ،ويف أي مرحلة من مراحل التطور اإلنساين هو الواقع السوري اآلن .وما األدوات املناسبة لالنتقال بهذا الواقع ،وما املوارد املعرفية ،واملادية والتنظيمية املناسبة التي تناسب عملية التحول نحو الهدف العام .هذا الفهم املطابق للواقع من شأنه أن يكون األرض الصلبة ،واألساس املتني الذي ميكن من خالله بناء رصح لنظام جديد يف سوريا عىل األقل. لألسف تم تصور الواقع من قبل النخب وفهمه عرب نظاراتهم األيديولوجية ،هذا الفهم املشوه جعل تصور الواقع عند كل تيار إيديولوجي مختلف كل االختالف عن التصور لدى التيار األيديولوجي اآلخر .إن هذا العامء أدى لنشوب معارك معطلة ألي جهد إيجايب بني هذه التيارات. ويبقى السؤال كيف هو شكل الواقع وما سامته ومحركاته وأين هو بالنسبة لسلم التطور اإلنساين؟
حكاية قدســيا األخيرة علي فاروق
العدد - 81 -
وقد تبدلت املوازين بعد ثالث سنوات فع ًال ،خريف العام ،2016لكن عىل خالف ما تأمله الثوار ،كام تبدل مسؤول امللف أيضاً.. حل العميد “قيس الفروة” مسؤول األمن يف الحرس
2016 / 12 / 4
نالوها بتضحية أبنائهم ،يف انتظار تبدل املوازين مستقب ًال..
تقارير
اقرتبت الساعة من السادسة صباحاً ،بدأ سكان املدينة يسمعون إطالق الرصاص ،كانت األصوات ترتكز يف منطقة “الخياطني” .علمنا من أصدقائنا املرابطني هناك ،أن الجيش بدأ محاولة القتحام “الخياطني” ،ما سيعني سقوط املدينة بكاملها ،فيام لو تحقق له ذلك.. تصدى ( )15مقات ًال ،بأسلح ٍة خفيف ٍة ،للجيش املقتحم، وكبدوه أكرث من ( )50قتي ًال وجريحاً ،وأرسوا جندياً.. فبدأت املدفعية ،والدبابات قصفاً عنيفاً استمر حتى املساء.. بعد بيومني بدأت محاولة االقتحام الثانية ،هذه املرة كان محورها منطقة “العيون” ،يف بلدة الهامة املالصقة لقدسيا.. استشعر السكان الخطر املحدق؛ فالواضح أن هذه املعركة لن تكون كسابقاتها ،وقد أيقن الجميع أن النظام عازم عىل تصفية ثورة املدينة ،وأن “الهدنة” أعوام التي وافق عليها الثوار ،وقبلوها مرغمني لثالثة ٍ سابق ٍة ،استنفدت أهدافها.. مدينة قدسيا وبلدة الهامة كانتا من أوىل املناطق التي وقعت اتفاقية “مصالحة وطنية” ،كان ذلك ربيع العام ،2013يف ذلك الوقت طرح املسؤول عن ملف “املصالحات” العميد “سامل العيل” خيارين: إعادة اقتحام املنطقة عسكرياً ،واسرتجاعها إىل حضن النظام ،ولو مدمرة ،أو القبول بتسوية ،وإبرام “هدنة” يتعهد فيها الطرفان بعدم القيام بعمل عسكري يف املنطقة ،وتحتفظ فيها األطراف مبواقعها العسكرية، ومواقفها السياسية .ورغم معرفة الثوار أن النظام لغايات ،وأهداف غري معلوم ٍة ،وأن “الهدنة” يسعى ٍ لن تكون لصالحهم ،إال أن موازين القوى يف املنطقة، باعتبارها محارصة ،وليست لها طرق إمداد ،وال تتصل مع ٍأي من املناطق املحررة ،ووقوعها عىل مقربة من مالصق ملساكن “قرص الشعب” ،يف موقع اسرتاتيجي، ٍ “الحرس الجمهوري” ،التي تشكل أحد أكرب خزانات النظام البرشية ،فلم يكن بد من قبول العرض ،والسري يف “املصالحة” ،أم ًال يف الحفاظ عىل “حريتهم” التي
الجمهوري ،محل العميد “سامل” .وأعطى العميد “قيس” أوامره بحصار املنطقة ،وسكانها بشكلٍ كاملٍ ، وعزّز قوات الجيش يف محيطها ،ووضع الثوار أمام ثالثة خيارات.. مع تصاعد االشتباكات األخرية ،بدأ األهايل حراكاً شعبياً، هو األول من نوعه ،حيث بدؤوا يتجمعون يومياً يف ساحة “العمري” ،الساحة الرئيسة ،التي شهدت أضخم املظاهرات السلمية عام ..2012كانوا جميعاً يدركون درجة االستعصاء ،والخطورة التي وصلت إليها األمور، لذلك أرادوا اتخاذ مبادرة ،لتجنيب مدينتهم الدمار، وحفظ أرواح السكان واملقاتلني ،وحملت املبادرة عنوان“ :ال للحرب ..نعم للسلم”. شكل ذلك الحراك لحظ ًة مفصلي ًة يف تاريخ ثورة املدينة؛ رغم أن مؤيدي النظام ،وعمالئه استغلوه لتشويه صورة املدينة وثوارها ،وتحريف مشهد الرأي العام بدأ يتشكل ،والذي اتجه لقبول خيارات مخالفة لرغبات الثوار واملقاتلني .ومع ذلك كان رأيي ،أن الحراك أم ٌر ومطلوب ،ورمبا مثل منجزاً أيضاً ،ما كان له أن إيجا ٌيب ٌ يتحقق لوال الثورة ،وتضحيات الثوار .قد أكون مخطئاً طبعاً ،وسيخالفني الكثري من األصدقاء بالتأكيد ،ومع ذلك تبقى قناعتي أن الثورة ،تهدف باألساس لتمكني الناس من مامرسة حقهم يف الحرية والتظاهر والتعبري عن الرأي ،ودعمهم يف تجاوز الحظر املفروض عىل الفضاء العام ،والنشاطات العامة ،ومساعدتهم عىل التخلص من القيود السياسية واالقتصادية واالجتامعية مبعانيها ومستوياتها املختلفة ،والعمل من أجل إتاحة الخيارات ،وخلق الفرص لتحديد اتجاهات ومسارات حياتهم ،واألهم أن الثورة التي خرجنا من أجلها ،هي ثورة حيا ٍة وحري ٍة قبل أي يش ٍء آخ ٍر ،وليست ثورة و”تسويات”.. وحروب خارس ٍة ،وال ثورة “هدنٍ ” موت ٍ ٍ ٍ ً ً ً من املؤكد بالطبع أن حراكا شعبيا مامثال ،يستحيل تصوره يف مناطق النظام ،إذ أن سحقه واملشاركني محسوم ،وهذا بحد ذاته ميثل نرصاً للثورة به أم ٌر ٌ ً ً واملقاتلني ،وهذا ما مينح أيضا أبعادا ودالالت ومعانٍ حقيقية للمناطق املحررة ،ومفهوم الثورة فيها. يف الوقت الذي كان فيه “أبو عدنان” و”أبو أحمد” و”عبيدة” وغريهم من قادة املجموعات ،يتقدمون الصفوف ،ويوجهون مقاتليهم “أبو عاصم”“ ،حفص”، “أبو مأمون”“ ،أبو رامي”“ ،أبو السمر”“ ،محمد أبو
خالد” ،وغريهم من املقاتلني اليافعني الذين تفتحت عيونهم عىل الثورة ،ومل يكادوا َي ْخ ُبوا من حيواتهم القليلة إال السالح ،والحرب ..ويف الوقت الذي كان جميعهم َي ِصلون الليل بالنهار ،مرابطني ،يصدون قوات الجيش ،وامليليشيات املتعددة ،ويواجهون الرباميل وصواريخ الفيل واملدافع والدبابات ،وهم عازمون عىل القتال حتى الرصاصة األخرية ،تخاذل مسلحون آخرون، فيام انشغل بعضهم اآلخر بالرسقة.. ويف النهاية كانت لألهايل كلمتهم.. مهام استمرت الحرب ،وطالت املعركة ،وصمد ٌ محسومة ،والدروس املستخلصة املقاتلون ،فالنتيجة من مدينة “داريا” ،وما انتهى إليه حالها ،باتت حارض ًة يف األذهان ،بقو ٍة.. “العني ما بتقاوم املخرز” ،قال بعض األهايل الخائفني، “تجاوزات الثوار وأخطاؤهم هو اليل وصلنا لهون” ردد آخرون“ ،ما عادت معركتنا ضد النظام ،صارت حرب ضد روسيا وإيران ،يعني حرب عاملية!” أضاف فريقٌ ثالث.. يف إحدى األمسيات ،استوقفنا أحد املدنيني ليسألنا عن قرارنا ،ودار حوار ..قال صديقي املقاتل للرجل: إذا قبلنا عرض “الفروة” ،وطلعنا عىل إدلب ،بتأمنوا عىل حالكن من النظام؟ فأجاب الرجل :أنتو والدنا وأخواتنا ،ونحنا ما بدنا ياكن تطلعوا ،بس إذا ضليتوا فيكن متنعوا عنا الرباميل؟.. لخص كالم الرجل الخيارات املظلمة القادمة.. أواخر صيف العام ،2012اقتحم النظام مدينة داريا، بأيام قليل ٍة، وارتكب فيها مجزرة مروعة ،وبعدها ٍ اقتحم مدينتا قدسيا ،والهامة ،وقتل فيهام عدداً ال نعلمه ،حتى يومنا هذا.. نهاية العام ،2012مطلع العام ،2013بدأ النظام حملة عسكرية عىل مدينة داريا ،واستمرت ما يقارب أربع سنواتُ ،س ِجلت باعتبارها املعركة األطول واألرشس، ٍ واألهم حتى اآلن.. فيام فاوض النظام ثوار قدسيا ،والهامة ،مطلع العام ،2013وفرض عليهم “هدنة” طويلة.. خريف العام ،2016اجتمع مقاتلو مدينة داريا، ومقاتيل مدينتي قدسيا والهامة عىل أرض محافظة إدلب “املحررة”.. وانتهت الحكاية..
7
8
11/ 25اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة المحامية دعد موسى
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
أعلنت الجمعية العامة لألمم املتحدة يف عام 1999 يوم 25ترشين الثاين اليوم الدويل للقضاء عىل العنف ض ّد املرأة .تخليداً لنفس اليوم من سنة 1960حني اغتيلت األخوات مريابال ،الناشطات السياسيات ،يف جمهورية الدومنيكان ،حيث ُس ّجل مقتلهنّ كأعتى أنواع العنف املوجه للمرأة. وقد اعترب هذا التاريخ ،رصخ ًة عاملية تندّد بالعنف ض ّد النساء. وبادرت األمم املتحدة منذ عام 1991إىل تخصيص مدة محدّدة من كل عام من 25/11إىل 10/12 تنظم فيها حمالت عاملية ملكافحة العنف ض ّد املرأة تس ّلط فيها األضواء عىل هذه الظاهرة من كافة جوانبها ،واستنباط ما يلزم من وسائل وتحريك كل اإلمكانيات املتاحة للقضاء عليها. أصدرت األمم املتحدة عام 1993اإلعالن بشأن القضاء عىل العنف ض ّد املرأة ،ووفقاً لإلعالن يعني تعبري “العنف ضد املرأة” :أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ،ويرتتب عليه ،أو يرجح أن يرتتب عليه ،أذى أو معاناة للمرأة ،سواء من الناحية الجسامنية أو الجنسية أو النفسية ،مبا يف ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القرس أو الحرمان التعسفي من الحرية ،سواء حدث ذلك يف الحياة العامة أو الخاصة. ً وجاء يف املادة 2من اإلعالن تحديدا ألشكال العنف وبدون حرصها؛ حيث ميكن أن تضاف إليها أي أفعال تعترب من قبيل العنف وتسبب أذى للنساء مهام كان نوعه: أ .العنف البدين والجنيس والنفيس الذي يحدث يف إطار األرسة ،مبا يف ذلك الرضب والتعدي الجنيس عىل أطفال األرسة اإلناث ،والعنف املتصل باملهر واغتصاب الزوجة ،وختان اإلناث وغريه من املامرسات التقليدية املؤذية للمرأة ،والعنف غري الزوجي والعنف املرتبط باالستغالل. ب .العنف البدين والجنيس والنفيس الذي يحدث يف إطار املجتمع العام مبا يف ذلك االغتصاب والتعدي الجنيس ،واملضايقة الجنسية والتخويف يف مكان العمل ويف املؤسسات التعليمية وأي مكان آخر ،واالتجار بالنساء وإجبارهن عىل البغاء.
ج .العنف البدين والجنيس والنفيس الذي ترتكبه الدولة أو تتغاىض عنه ،أينام وقع. وتركز املادة 3من اإلعالن عىل الحقوق األساسية الواجب متتع النساء بهن دون أي متييز. أ .الحق يف الحياة ب .الحق يف املساواة ج .الحق يف الحرية واألمن الشخيص د .الحق يف التمتع املتكافئ بحامية القانون هـ .الحق يف عدم التعرض ألي شكل من أشكال التمييز و .الحق يف أعىل مستوى ممكن من الصحة البدنية ز .الحق يف رشوط عمل منصفة ومواتية ح .الحق يف أن تكون يف مأمن من التعذيب أو املعاملة أو العقوبة القاسية أو الال إنسانية أو املهينة. وتلزم املادة 4الدول أن تدين العنف ضد املرأة، وأال تتذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية بالتنصل من التزامها بالقضاء عليه ،وأن تدرج يف القوانني املحلية جزاءات جنائية أو مدنية أو جزاءات عمل إدارية بحق مرتكبيه ،وتؤمن للنساء تعويضاً عن األرضار ،وأن تفتح فرص الوصول إىل آليات العدالة أمام النساء ،وأن تتاح لهنّ سب ًال عادلة وفعالة لالنتصاف من األرضار التي تلحق بهن وأن تصوغ،عىل نحو شامل ،النهج الوقايئ وكل التدابري القانونية والسياسية واإلدارية والثقافية التي تعزز حامية املرأة من جميع أشكال العنف وتكفل أن ال يتكرر إيذاء املرأة بسبب وجود قوانني ومامرسات تقليدية وأي أشكال ّ تدخل أخرى ال تراعي نوع الجنس. وقررت لجنة حقوق اإلنسان التابعة لألمم املتحدة يف قرارها 1994/45يف 4آذار تعيني مقرر خاص معني بالعنف ض ّد املرأة ،تتلقى معلومات عن العنف املرتكب ض ّد النساء وأسبابه وعواقبه من الحكومات وهيئات املعاهدات والوكاالت املتخصصة واملقررين الخاصني اآلخرين ومن املنظامت الحكومية الدولية واملنظامت غري الحكومية ،وأن تستجيب بفعالية لتلك املعلومات، وتويص بتدابري وسبل ووسائل عىل الصعد املحلية
والوطنية واإلقليمية والدولية للقضاء عىل جميع أشكال العنف املوجه للنساء وأسبابه ،وملعالجة عواقبه ،وتحيل مناشدات ومراسالت عاجلة إىل الدول بشأن حاالت عنف مزعومة ضد املرأة. وأطلقت منظمة العفو الدولية يف العام 2004 حملة عاملية لوقف العنف ض ّد املرأة .أسهمت الحملة يف النجاحات التي حققت عدداً من التغيريات الترشيعية والتغيريات يف السياسات املتبعة عىل املستويات الوطنية ،فض ًال عن أنها ساندت الجهود التي ُبذلت عىل الساحة الدولية العتامد قراري مجلس األمن 1325و1820 املتعلقني باملرأة والسالم واألمن. يف آب 2008قدم األمني العام لألمم املتحدة للدورة 63للجمعية العمومية تقريراً مفص ًال عن القضاء عىل االغتصاب وغريه من أشكال العنف الجنيس بجميع مظاهره. وتوالت الفعاليات واملؤمترات بهدف تسليط الضوء عىل العنف ضد املرأة ومكافحته .ولكن الحقائق تشري إىل أنه مستمر ويتفاقم ويشكل وبا ًء عاملياً، وهو ناجم عن التمييز ضد املرأة قانونياً وعملياً، وكذلك عن استمرار نهج الالمساواة بني الجنسني. يف أيار 2011تم توقيع اتفاقية املجلس األوريب (اتفاقية اسطنبول) حول الوقاية من العنف ضد النساء والعنف املنزيل ومكافحتهام. ويف 25/11/2016تم إطالق حملة األورو- متوسطية ملناهضة العنف ضد النساء وحسب اإلحصائيات تتعرض أكرث من 70%من النساء يف حياتهن للعنف ،وأن 35%من النساء والفتيات عىل مستوى العامل تعرضن لنوع من أنواع العنف الجنيس ،ويف بعض البلدان تتعرض 7من كل 10نساء لسوء املعاملة .و يقدر عدد النساء اللوايت تزوجن ومل يزلن صغريات بـ 700 مليون امرأة ،منهن 250مليون تزوجن دون سن الخامسة عرش .ومن املرجح أال تكمل الفتيات اللوايت يتزوجن تحت سن الثامنة عرش تعليمهن، كام أنهن أكرث عرضة للعنف املنزيل ومضاعفات الوالدة.
المحاكمات العادلة في التشريع السوري
9
المحامي ميشال شماس
العدد - 81 - 2016 / 12 / 4
مع تطور الفكر اإلنساين ،تطورت فكرة العدالة واتسع نطاقها ،والسيام بعد صدور اإلعالن العاملي لحقوق االنسان ،والعهد الدويل يف الحقوق املدنية والسياسية ،واتفاقية مناهضة التعذيب ،والتي أرست مجموعة من القواعد واملبادئ التي من شأنها تعزيز حامية حقوق اإلنسان .ومن بني تلك الحقوق الحق يف املحاكمة العادلة .وهو حق من يخص القضاء الجنايئ وحده حقوق اإلنسان ،وال ّ بل يشمل القضاء بكل فروعه املدنية والجزائية، وهو ال يقترص فقط عىل مرحلة املحاكمة ،بل يشمل كذلك مرحلة ما قبل املحاكمة وما بعدها. ومازال االلتزام باملعايري الدولية للمحاكامت نصت عليها اللوائح واالتفاقيات العادلة التي ّ واملواثيق الدولية يشكل هاجساً ومطلباً لجميع املؤمنني بحامية حقوق اإلنسان ،ويف طليعتها املنظامت الدولية والوطنية ،التي ترى أن االلتزام مبعايري املحاكمة العادلة رشط من رشوط تأسيس دولة القانون اعتامداً عىل املساواة بني أفراد املجتمع ،وحق من الحقوق األساسية التي يجب، تضمنها الدساتري والترشيعات الوطنية ،وتحميها لتأمني تحقيق العدالة عرب كافة مراحل وإجراءات التحقيق واملحاكمة ومكان تنفيذ العقوبة. وعىل هذا أكدت املادة 10من اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان“ :لكل إنسان عىل قدم املساواة التامة مع اآلخرين الحق يف أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً وعلنياً، للفصل يف حقوقه والتزاماته ويف أي تهمة جزائية توجه إليه” .كام أكدت عليها املادة 14من العهد ّ الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية“ :من حق كل فرد أن تكون قضيته ّ محل نظر منصف وعلني من ِق َبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون” .كام تضمن العهد الدويل
املذكور عىل الكثري من الحقوق التي تكفل إجراء املحاكمة العادلة .يضاف إليها مجموعة أخرى من املواثيق واللوائح الهامة التي صدرت عن األمم املتحدة ،فيام يتعلق مبنع التعذيب واستقالل السلطة القضائية واملحامني ومعاملة السجناء وغريها من الصكوك واالتفاقيات الدولية التي صادقت عليها جميع الدول ومن ضمنها سورية، باعتبارها نصوصاً دولية متفقاً عليها ،هدفها األول حامية حقوق األشخاص منذ لحظة القبض عليهم، وأثناء احتجازهم قبل تقدميهم إىل املحاكمة ،وعند محاكمتهم ،وحتى آخر مراحل االستئناف والنقض. وميثل انتهاك هذه املعايري مبعث قلق كبري للناشطني واملنظامت الدولية املعنية بحقوق اإلنسان يف شتى أنحاء العامل؛ لكون تلك االنتهاكات تشكل خطراً عىل حقوق اإلنسان يف حد ذاتها؛ وألنها تساهم يف وقوع شتى رضوب االنتهاكات األخرى لحقوق اإلنسان ،مبا يف ذلك الز َّّج باألفراد يف السجون ،ألسباب ُتدْرجهم يف عداد سجناء الرأي والتعذيب ،واستخدام العقوبات القانونية التي ترقى إىل حد التعذيب أو املعاملة القاسية أو الال إنسانية أو املهينة. وعىل الرغم من أن السلطات السورية قد أقرت يف دساتريها املتعاقبة عىل احرتام حرية اإلنسان، ومنع التعذيب ونصت يف قوانينها عىل املحاكمة العادلة ،وأن ال جرمية بدون نص ،وأن املتهم بريء حتى تثبت إدانته واعتبار حق التقايض والدفاع مصون ،اإل أن كل ذلك بقي حرباً عىل ورق .فمن يطلع عىل الدستور السوري الصادر عام 2012 ودستور عام 1973والترشيعات السورية ،سيلحظ أنها اشتملت عىل الحق ونقيضه؛ فمث ًال اعتربت التعذيب يف دستور 2012جرمية ،لكن عىل أرض الواقع يجري التعذيب عىل نطاق واسع وممنهج
يف كافة السجون واملعتقالت األمنية .وكفل بنص الدستور حق التقايض ،ومنعته السلطة ّ قانون آخر ،كام يف حالة إنشاء املحكمة امليدانية التي متنع املحامني من مراجعتها أو الرتافع أمامها، ومينع الطعن يف قراراتها التي تصدر مربمة. وكذلك الوضع يف محكمة اإلرهاب اليختلف كثرياً، حيث يجري استجواب املتهمني أمامها يف ظروف بالغة السوء من قبل قضاة فاقدي االستقاللية، وال يسمح للمتهم بالحديث مع محاميه ،ويتم استجوابه يف كثري من األحيان بدون محام ،كام ال يسمح للمحامي بتصوير ملف القضية ،يضاف إليها السطوة الكبرية لعنارص األمن والرشطة وتدخلهم يف عمل املحكمة ،وباختصار شديد فإن السلطات تسحب ما تعطيه من حقوق يف بعض نصوص القوانني ،من خالل انتهاكها ومصادرتها يف بعض نصوص قانونية أخرى. فال يكفي النص يف الدستور والقوانني عىل تلك املعايري عىل أهميته ما مل يرتافق ذلك ك ّله مبؤيدات جزائية تردع املخالفني لها من الحكام أو املحكومني عىل السواء ،وما مل يرتافق أيضاً مع نرش روح الحرية واحرتام القانون لدى الناس أجمعني، وجعل تلك الروح ح ّية عىل الدوام يف قلوب الناس، فام قيمة النصوص والقوانني إذا خمدت روح الحرية واحرتام القانون وحقوق اإلنسان يف قلوب الناس؟ هذه الحرية التي تعلو باإلنسان ،وال تحط من قيمته بالرتهيب والتخويف. باختصار ،ال ميكن وصف محاكمة بالعادلة ،إال إذا التزمت املحاكمة ك ّلها ،من بدايتها إىل نهايتها، باملعايري الدولية للمحاكامت العادلة ،مع توفر سلطة قضائية مستقلة ومحايدة ،وعىل وجه الخصوص :منع التدخل األمني يف عمل القضاة واملحاكم.
10
هل تنجح تجربة(غا تشا تشا) في سورية ؟! سامي الساري
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
مقاالت
ال يزال موضوع العدالة االنتقالية هو الشغل الشاغل للكثري من املنظامت الحقوقية واألفراد العاملني يف مجال القانون ،وحتى من غري املختصني بالقانون ،كام حصل معي حني صادفت أحد األصدقاء وهو خريج كلية تربية أطفال ،ويقوم بإعداد مرشوع عن العدالة االنتقالية واملحاسبة .فاعتربت أنه من حقه كـ سوري مترضر من األحداث الجارية أن يقدم ما يساعد يف عملية املساءلة واملحاسبة .ولكني أتساءل هل من يقوم بإعداد هكذا مشاريع عىل علم ودراية بطبيعة املجتمع وتركيبته؟ هل هم عىل دراية أن معظم الشعب السوري ال يثق بالقضاء ومؤسساته ،ألسباب يطول رشحها؟ هل لديهم معلومات عن القضاء العريف أو املحيل، وتحديداً يف املناطق ذات الطابع القبيل ،والتي ال زالت تؤمن بفكرة الثأر واالنتقام واالصطفاف وراء القبيلة أو العشرية ،وقتل املرأة بداعي “الرشف”؟ هل وضعوا بالحسبان كيفية كبح جامح االنتقام والثأر العشائري؟ أم أنهم سائرون عىل نهج “القائد الخالد” -رغم موته -يف إهامل هذه املناطق باعتبار أهلها مواطنني من الدرجة الثالثة؟! بالعودة إىل العدالة االنتقالية ،فمع حدوث أي تحول سيايس أو انتقال دميقراطي يف الدول التي كانت تشهد نزاعات وحروبا وقمعاً وعنفاً واضطهاداً ،يتطلع املجتمع بعدها للتعبري عن نفسه ،ويشعر بأحقيته يف تقرير وتحديد مصريه. لكن التفكري باملايض يبقى عائقاً أمام مامرسة املجتمع لدوره الفعال ،ولعل أبرز ما يشغل بال شعوب هذه الدول هو كيفية تطبيق العدالة االنتقالية ومحاسبة املجرمني ،والتي ال تعني يف أغلب األحيان سوى املصالحة ،والتي يرتتب عليها معاقبة املجرمني وتعويض املترضرين. فنجد أن الكثري من الدول قد نجحت يف عملية التحول الدميقراطي والعدالة االنتقالية ،وقادت إىل نتائج مذهلة وساهمت يف تعزيز املسار الدميقراطي ،وتكريس العدالة وسيادة القانون.. وإذا أخذنا مثاالً -ال عىل سبيل الحرص -التجربة الرواندية ،وحاولنا تطبيقها يف بعض املناطق يف
سوريا تحديداً ،يف ظل وجود نار خامدة تحت الرماد، فام أن تسنح الفرصة حتى تعود فكرة الثأر واالنتقام، فنتوصل لنتيجة أنها تجربة مهمة ،وجديرة باالطالع، ويجب االستفادة منها يف املناطق ذات الطابع القبيل، وحتى يف غريها من املناطق .فبعد أن وضعت حرب اإلبادة الجامعية أوزارها ،والتي أدت إىل إبادة حوايل املليون شخص يف ثالثة أشهر! استطاع الروانديون أن يتفقوا عىل ّ حل خالفاتهم وذلك عن طريق إجراءات كان نظام “املحاكم املحلية للعدالة” ،و تعرف أبرزها تطبيق ٍ هذه املحاكم املجتمعية باسم“ :غا تشا تشا” وأنشئت يف عام 2001م ،من أجل مواجهة كم كبري من القضايا املرتاكمة يف النظام القضايئ .ويف هذا النظام يقوم القضاة املنتخبون عىل الصعيد املجتمعي بعملية املحاكمة والبت بقضاياها .واعتمدت نظام املحاكم املحلية (يف القرى) لإلرساع بالعملية القضائية ،والذي يفيض إىل تحقيق العدالة واملصالحة يف رواندا ،ويحمل مصطلح (غاتشاشا )Gacacaيف اللغة الرواندية( :الحديقة)، حيث كان شيوخ القرية ومجتمعهم يتجمعون ّ لحل مشكلة ما .ومن هنا ّ فإن محاكم غاتشاتشا تتوافق مع محاكم القرى التقليدية القامئة؛ حيث كان يتم استدعاء وتوجه التهم املتهمني بجرائم اإلبادة الجامعية إىل القرىّ ، مبارشة من ِقبل املشتكني ،ويرشف عىل املحاكامت قضاة
مؤهلون ،ولكن من السكان املحليني .وأثبتت نجاحاً كبرياً ،حتى إنها تفوقت عىل املحكمة الجنائية الدولية التي شكلتها األمم املتحدة ،والتي كان مقرها يف تنزانيا، ومن جملة االنتقادات املوجهة لهذه املحكمة أنها مل تفلح إال بإصدار 18إدانة طوال 10سنوات .وهذا ما يثبت أن هذه التجربة ستنجح يف سوريا يف املناطق ذات الطابع القبيل ،ألن هذا النوع من القضاء موجود ولكن باختالف بسيط أن القضاء العشائري إن صحت تسميته ال يعترب قضا ًء نظامياً ،ولكن رسخ يف العقل الجمعي لدى األشخاص املنحدرين من أصول قبائلية أنه فعال وأرسع من القضاء النظامي ،وأن “العارفة” أي الشخص الذي يحتكم عنده األشخاص ،أكرث فعالية من القايض ،ومن مميزاته أن يجرب األشخاص عىل االلتزام بقرارته. من وجهة نظري أعتقد أن التجربة الراوندية ستكون ناجحة يف هذه املناطق برشط أن ال يتم تكريسها كمؤسسة قامئة ،ألنه ال بديل عن إنشاء قضاء مستقل وعادل يحفظ كرامة وحقوق السوريني والسوريات .ومن أجل الحفاظ عىل كل قطرة دم وروح ستزهق الحقاً، نجد أنفسنا مضطرين للرجوع قلي ًال إىل الوراء وتطبيق مثل هكذا محاكم ،بإرشاف مختصني بحقوق اإلنسان، لنحافظ عىل ما تبقى من النسيج السوري االجتامعي، والبدء ببناء دولة القانون والعدالة واملساواة.
ما العمل .. ....تتمة من صفحة 6
يتبع..
قال حينها إن “الشعب الذي نحتله بات يشكل عبئاً علينا ،فعلينا أن نبقى مسيطرين عليه ،وعلينا أن نؤمن حياته وأمنه واقتصاده”. وبالتايل أصبح التفكري يف مخارج السالم حاجة إرسائيلية ،حتى وإن كان سالماً عىل مراحل أو سالماً مشوهاً .لكنه يعكس مأزق االحتالل .وقد كتبت سابقاً عن لحظة التفكري اإلرسائيلية الحقيقية ،وأستعيد اليوم تلك القطعة التي أراها الزمة يف هذا املقام ،فبرييس يستلهم أفكاره يف هذا من السري توماس مور ومن كتابه “يوتوبيا” ،بالذات حني يصف حال أ ّمة غزت أ ّمة أخرى ،فباتت تعيش حالة طوارئ مديدة .يقول مور“ :منذ أمد بعيد توجه هذا الشعب إىل الحرب ليكسب مملكة أخرى ملليكه ،الذي ورث حقاً قدمياً فيها عن طريق الزواج .وعندما غزوها وجدوا أن االحتفاظ بها ال يقل صعوبة عن الحصول عليها؛ فرعاياهم الجدد إما يف ثورة متصلة أو أن الغزاة األجانب يهاجمونهم. وعليه وجد األكوريون أنفسهم يف حالة حرب دامئة ،إما ملواجهة هؤالء الرعايا أو للدفاع عنهم .ويف غضون ذلك باتوا يعانون بسبب الرضائب الفادحة .بينام األموال تترسب من مملكتهم .ودماؤهم تسفح من أجل الغري .والسالم بقي مبنأى عنهم كام كان من قبل .لقد أفسدت الحرب مواطنيهم بتشجيعهم إياهم إىل امليل نحو النهب والقتل .حتى تهاوت القوانني”. ما تقوله الكلامت أعاله ،عن دولة احتالل بقوة “إرسائيل” ،تختلف عن الشعب الفلسطيني عرقياً ودينياً وثقافياً .فكيف هو الحال مع دولة األسد ،الذي لن يستطيع إعادة تركيب املجتمع من جديد ،وال جمع القتلة مع الضحايا يف حارات واحدة وال يف مدارس واحدة وال يف دوائر دولة واحدة .فاإليرانيون والروس لن يبقوا يف سوريا إىل األبد ،ويف النهاية البد من أن يواجه السوريون السوريني يف خارطة واحدة .لكن بعد ماذا؟ بعد أن أنهك األسد مؤيديه ،وح ّولهم مع الوقت إىل حطام إنساين ،فاقد للقيم املجتمعية واإلنسانية العامة .هو يحتاجهم هكذا يف حالة الحرب، لكنه لن يتمكن من التعايش معهم يف حالة السلم .وأوضاع املناطق الخاضعة لسيطرته يف الساحل وحمص وحامة وغريها خري دليل عىل ذلك ،حتى طبيعة الجرائم والعالقات االجتامعية تقول هذا برصيح العبارة. هكذا يبدأ األسد بالتحول إىل مفيد للثورة السورية ،وتصبح كل عملياته تصب يف غري صالحه .وهذا هو مأزقة الحقيقي الذي لن اإلجرامية ّ يتمكن من الخروج منه يف أي يوم من األيام.
مقاالت
أول ما يلفتنا يف االنتفاضة هو انفجار املكون اإلنساين يف سوريا ض ّد النمط الواحد ،ما حصل لقرون عديدة أن النظام الشمويل ضبط إيقاع البلد؛ ألغى التاميز ،حول الشعب السوري إىل كتلة متجانسة شك ًال، وخلية واحدة تحتوي الجميع وتعمل بإيقاع واحد .عطل كل حالة رصاع أو تعاون بني مكونات الشعب ،سكن الحركة البينية بني هذه املكونات وفرض توجهاً عاماً ،وثقافة عامة ،ورغبات عامة .ذلك التامسك السكوين املحكم يف اللحظة األوىل لالنتفاضة انفجر ،لتظهر دفعة واحدة األلوان من رحم الرمادي ،واالختالف من وهم التامثل ،والتنافر والتجاذب من رحم اإلحاطة الكلية الجامعة. الواضح أن أي محاولة كانت يف األخذ بهذا املناخ االنفجاري نحو التوحيد، والتنظيم ،والربط كانت محاولة فاشلة .محكوم عليها بالتمزق بفعل هذا االنفجار الخارج عن قبضة الهيمنة الشمولية. بقي االنفجار يتوسع خالل السنوات املنرصمة ،وخالل ذلك االنفجار بدأت األلوان تأخذ شكلها املكتمل ،واالختالفات تبدي جوهرها .ال بل تبالغ بحكم ردة الفعل والطاقة االنفجارية -يف إظهار كيفها وسامتها الخاصة.يف هذه املرحلة االنفجارية مل يكن متاحاً حتى للتنظيامت أو الجامعات، أو الطوائف ،أو األعراق ،مل يكن متاحاً للمكونات دون الوطنية ،وما دون املكونات الوطنية جذب وتجميع مكونني أو ثالثة بفعل الطاقة االنفجارية. لكن هل دام األمر عىل ما هو عليه يف السنوات األخرية؟
...تتمة من صفحة 3 العدد - 81 -
االنفجار األول:
11
2016 / 12 / 4
ماضاوية (عىل غرار اإلخوان والحزب القومي السوري وغريهام) أو نظارات حداثوية (عىل غرار الشيوعيني والعلامنيني وما بينهام). سنالحظ -إن فعلنا وخلعنا تلك النظارات -أننا سرنى بعد ذلك نسقني من املهم التفريق بينهام ،ال بل إن التمييز بينهام هو البوابة التي نلج من خاللها لفهم الواقع كام هو: النسق األول :وهو النسق املشفوه الذي يتجىل بالبيانات والخطابات والتصاريح واملؤمترات ..الخ النسق الثاين :وهو نسق األفعال واألحداث والرصاعات الواقعية. إن متايز النسق املشفوه ،عن نسق األفعال عائد الزدواجية يف العقل العريب ،لن نتطرق ألسبابها اآلن ،ألنها مبحث تاريخي معريف مستقل يدخل يف باب تكوين العقل العريب .يكفينا يف هذا السياق أن ُنحيد جانباً النسق املشفوه ،ألنه يعرب عن النظارات األيديولوجية ،ونالحظ ،ونسرب، ونحلل نسق األفعال ،فهو الحقيقة الف ّعالة ،العاملة ،املؤثرة والتي تعيد تشكيل الواقع إثر كل نشاط.
حيــن تكون انتصارات األســد لصالح ثورة الشعب
المرأة السورية :حرب ،تشرد و استغالل جنسي
12 حال عدي رجب
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
غالباً ما ترتافق الرصاعات السياسية والنزاعات ا ُملس ّلحة يف بلد ما مع ظهور أزمات إنسان ّية واجتامعية تؤ ّثر يف حياة أشخاص غري معنيني غالباً بحركة التاريخ وما تتضمنها من رصاعات ،هذه األوضاع االجتامعية تحدث يف ّ الظل ،وال نستطيع تبني آثارها إال بعد فرتة من الزمن ،مثل حاالت ّ الترشد و الفقر ،انتشار األم ّية ،واالستغالل الجنيس تحت غطاءات عديدة. ً ً ّ لعل املرأة السورية تشكل دليال بارزا خالل الحرب التي ما تزال ُمستم ّرة ،وتفرض آثارها عىل منط حياة النساء وتنزعهنّ من دورهنّ التقليدي إىل أماكن أش ّد ظلمة وقسوة ،كالالجئات يف املخيامت ،والنازحات يف مناطق سيطرة النظام، واللوايت يعشن حياتهن تحت مظلة الفصائل ا ُملس ّلحة املتشدّدة ،وحتى اللوايت وصلن إىل أوروبا هرباً من الحرب إىل حياة أفضل .فهل وجدت املرأة السورية حياة أفضل؟! أم ّأن السندان يحرصها بني النظام والفصائل املس ّلحة؟! تجد الالجئات السوريات يف مخيامت اللجوء أنفسهنّ عرضة لالستغالل من قبل متنفذين يتحكمون مبأواهنّ ومأكلهنّ ،وحتى بالقوانني والسلطات التي تفرض عليهنّ ،وخصوصاً النساء رب أرسة أو معيل لهنّ ، املوجودات هناك دون ّ حيث ال يقوين عىل مواجهات جشع أرباب العمل والرشطة ،وحتى أولئك الذين يعملون عىل إغاثتهم باملواد الغذائية واملالبس ،مقابل استغاللهنّ جنسياً! ال يختلف األمر كثرياً عن سابقه يف مدينة الالذقية التي يسيطر عليها النظام السوري حتى هذه املرحلة من مراحل الرصاع ،وفيها يقع مخيم “املدينة الرياضية” التي تسكن فيه عائالت هاربة من مناطق الرصاع يف الداخل السوري .تقوم عىل مراكز اإليواء مجموعة من الجمعيات التي تعمل عىل تأمني املواد اإلغاث ّية والطبابة وورشات التوعية
وأحياناً األدوية ،حيث يقوم البعض من املتنفذين هناك من عنارص األمن والشبيحة وأصحاب العقارات باستغالل حاجة النساء الضعيفات مقابل الجنس ،خصوصاً اللوايت جنئ مع أطفالهن لتسيي بعض معامالتهن فقط إىل املدينة ،و ذلك ّ اإلدارية وأوراقهنّ الرسم ّية وأوراق أطفالهن، وتأمني السكن والغذاء .ويف حاالت كثرية تكون املرأة مع طفلها يف أحد املستشفيات الحكوم ّية عرضة لالستغالل الجسدي من قبل العاملني هناك ،وتبدأ هذه املحاولة من السؤال عن مكان وجود رب األرسة ،وغالباً ما يكون الجواب أنها ال تعرف أين هو زوجها أو والدها ،فهو إ ّما ُمعتقل ال أحد يعرف مكانه وإ ّما مقتول أو يقاتل. تتع ّرض النساء كذلك من أرامل عنارص الجيش لشتى أنواع االستغالل بعد غياب ُمعيل األرسة، وحاجتها مع أطفالها لتأمني مأوى أو دخل مستقر؛ فتجد املرأة نفسها وحيدة عرضة لالستغالل حتى من قبل أهل الزوج املقتول يف بعض األحيان! يف أحد الحاالت وحيث كانت إحدى النساء تعيش مع أطفالها يف غرفة بأحد األحياء الفقرية
والعشوائ ّية يف مدينة الالذقية ،وزوجها قىض يف إحدى معارك الجيش ،وبالرغم من ظروف العيش السيئة التي تعيشها مع أطفالها ّ فإن والد زوجها تخصها مع قام بأخذ املعونات الغذائ ّية التي ّ أطفالها! من ناحية أخرى ّ فإن تنظيم “داعش” يفرض يف مناطق سيطرته الواسعة قوانينه وعاداته الخاصة عىل من يخالف ،حيث قام وعقوباته ّ بإغالق املدارس والجامعات ومنع تدريس املناهج الحكوم ّية ،وفرض “اللباس الرشعي” عىل النساء ،ومنعهنّ من العمل أيضاً .وقد ُس ّجلت عّدة حاالت من الجلد والرجم ،وعقوبات املوت لنساء ،وإيقاع جرمية ختان النساء ،ومامرسة كافة وأقبح أشكال االستغالل الجنيس سواء يف حاالت “السبي” أو استخدام املرأة والجنس الستقطاب املقاتلني من مناطق العامل ،أو حتى بيعهنّ يف أسواق علن ّية ،أو إجبارهنّ عىل العبودية الجنس ّية .كام ّأن هناك الكثري من الفتيات اللوايت يرغنب يف متابعة تعليمهن والعودة إىل جامعاتهن، لكن ذلك ليس متوفراً بسبب عدم السامح لهنّ مبغادرة املدن إ ّال بترصيح من التنظيم ومرافقة كويص عىل هذه األنثى ،هذا الترصيح الذي ذكر ّ ً ليس متوفرا للنساء. ّ تزداد معاناة املرأة يف ظل الحروب ،حيث تصبح الجامع الوحيد ألرستها وا ُملحا ِفظ الوحيد عىل استقرار العائلة ،وتكافح املرأة ما استطاعت من أجل البقاء ولو كان ذلك عىل حساب نفسها و حياتها .ويف تقرير لها ذكرت “الشبكة السورية لحقوق اإلنسان” عام ّ 2013أن هناك أكرث من 54ألف سيدة فقدن أزواجهن بسبب املعارك، أكرث من 40ألف أ ّم وما تبقى أرامل مل ينجنب أطفاالً بعد. وال ّ شك أن هذه الكوارث ستلقي بظلها عىل مستقبل سوريا ومستقبل شعبها.
بورتريه:
نازك العابد بين مشروع االستقالل وتحرير المرأة السورية
13
المحامية :منى أسعد العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
ولدت نازك العابد يف دمشق عام 1887من أرسة دمشقية ،والدها مصطفى باشا العابد ،كان والياً عىل املوصل يف أواخر العهد العثامين ،غري ّأن األرسة نفيت إىل األناضول خالل الحرب العاملية األوىل ملوقفها املطالب باستقالل سوريا ،فانتقلت نازك من مدارس دمشق ،حيث كانت تتلقى علومها األوىل ،إىل مدرسة الفردوس للمرسلني األمريكان يف مدينة أزمري ،لتتابع تحصيلها العلمي يف املعاهد الخاصة للتعليم ،باإلضافة إىل تعلم فنون التصوير والعزف عىل البيانو ،مع اهتامم كبري بالتمريض واإلسعاف ،وأتقنت خالل ذلك الفرنسية واإلنكليزية واألملانية باإلضافة إىل العربية والرتكية. بعد عودتها من املنفى ،ودخول األمري فيصل دمشق يف سنة ،1918 ثم ّأسست انضمت نازك العابد إىل “الحركة الوطنية السورية”ّ ، “مدرسة لبنات الشهداء” وكتبت يف مجالت “العروس” و”الحارس” و”لسان العرب” داعية إىل تح ّرر املرأة ورفع مستواها وثقافتها. وحني ّأسست حكومة امللك فيصل جمعية “النجمة الحمراء” يف سوريا أوكلت رئاستها للسيدة العابد ،التي ّأسست الحقاً يف عام 1920جمعية “نور الفيحاء” ملساعدة ضحايا “الثورة السورية” ّ للحض عىل وأصدرت يف العام التايل مجلة “نور الفيحاء” أيضاً، ً تحرير املرأة واملطالبة بحقها يف االنتخاب ،وساهمت أيضا يف تأسيس “النادي النسايئ الشامي” .وحثت فتيات دمشق عىل التظاهر للمطالبة باستقالل سوريا ،واستكتبت سيدات دمشق عرائض لتحقيق تلك الغاية. منحت حكومة امللك فيصل يف سوريا السيدة العابد رتبة نقيب يف الجيش ملواقفها البطولية ،كام أسندت إليها يف 17متوز ،1920 الرئاسة الفخرية للجيش السوري نظراً لنشاطها الوطني واالجتامعي. ومع دخول الجيش الفرنيس إىل سوريا الحتاللها ،كانت نازك العابد مع وزير الدفاع حينها يوسف العظمة يف صفوف الفرقة التي خاضت معركة ميسلون 1920حيث استشهد العظمة ،فيام منح امللك فيصل العابد رتبة جرنال فخرية يف الجيش السوري ،لكن الحكومة الفرنسية نفتها ملدة عامني إىل اسطنبول. واستمرت بنشاطها املقاوم لالحتالل الفرنيس بعد عودتها إىل دمشق عام ،1922فأعادوا نفيها ثانية إىل األردن ،ومل يسمحوا لها بالعودة إىل دمشق حتى تعهدت لهم باعتزال العمل السيايس، وفع ًال استقرت العابد يف غوطة دمشق ،وعملت بالزراعة ،حيث فرضت عليها اإلقامة الجربية ،وابتعدت عن النشاط قلي ًال ،حتى اندلعت الثور ة السورية عام ،1925فوجدت العابد طريقها لدعم الثوار يف غوطة دمشق ومساعدتهم دون أن تظهر إىل العلن. حني عُ قد يف دمشق املؤمتر السوري األول الذي أعلن والدة اململكة السورية وتنصيب فيصل ملكاً عليها عام ،1920حرض هذا املؤمتر
محمد جميل بيهم من طرابلس ضمن من حرض من وفود بالد الشام ،وتع ّرف عىل العابد التي كانت يف أوج تألقها ،ثم عاد يف عام 1929ليطلب الزواج منها ،فقبلت وانتقلت لإلقامة معه يف بريوت عام .1930 شكلت بريوت محطة جديدة يف نضال العابد-بيهم الوطني بشكل عام ،ونضالها من أجل تح ّرر املرأة فأسست عام “ 1932جمعية املرأة بشكل خاصّ ، العاملة” و”ميتم أبناء شهداء لبنان” ،كام ّأسست مع زوجها عام “ 1933جمعية مكافحة البغاء”، التي اصطدمت مع الترشيعات والقوانني التي حاولت سلطات االحتالل فرضها ،وكانت مشاركتها األهم يف املؤمتر النسايئ العريب يف القاهرة بتاريخ 12ترشين األول ،1938الذي عقد لدعم القضية الفلسطينية أثناء ثورة الكربى “.”1936-1939 حيث تحدثت من ذلك املنرب عن خطر الصهيونية العاملية بخصوص تهويد فلسطني ،وخطرها عىل كيانات املنطقة واقتصادياتها ،كام تحدثت عن الدور الربيطاين يف دعم الحركة الصهيونية. وبعد نكبة ّ 1948أسست العابد بيهم يف بريوت عام 1950جمعية “تأمني العمل لالجئني الفلسطينيني” ،بهدف إعداد الالجئات الفلسطينيات للشهادة االبتدائية ،وتعليمهن فنّ الخياطة والتطريز ،والرضب عىل اآللة الكاتبة. حيث أفادت من خدماتها نحو 1700طالبة فلسطينية حتى سنة ،1959وبلغ عدد منشآتها نحو 22مدرسة وميت ًام ومشغ ًال .كام أسست عام
“ 1957لجنة األمهات اللبنانيات” ،للعمل عىل رفع مستوى األم اللبنانية يف كافة مجاالت الحياة. ورغم كل هذا الزخم يف النشاط والحيوية مل تتوقف العابد عن الكتابة والقراءة واملشاركة يف الحياة الثقافية ملدينة بريوت حتى وفاتها عام 1959عن عمر يناهز 72عاماً قضتها يف النضال والعمل املستمر لخدمة قضايا مجتمعها وقضية املرأةُ ،مش ّكلة يف ذلك الوقت ا ُملبكر منوذجاً للمثقف العضوي باملعنى الذي تحدث عنه “غراميش” الحقاً يف تلك الفرتة؛ ُمثقف يربط بني وعيه ومامرسته لخدمة قضايا الناس واملجتمع ،حيث ربطت العابد بشكل وثيق بني نضالها الوطني الستقالل سوريا يف إطار بالد الشام املعروفة خارج إطار “سايكس بيكو” ،وبني نضالها ض ّد الجهل والتخلف بشكل عام ،كام ربطت يف ذلك الوقت ا ُملبكر بني التح ّرر والتنوير الديني وبني قضايا حر ّية املرأة وحقوقها يف املستويات الشخصية والسياسية ،رافضة تنميط النساء وفق األنساق الذكور ّية ا ُملسيطرة يف ثقافتنا ،ورافضة فكرة تبعيتها للرجل. رمبا ُيفرس هذا جانباً من مسألة إهامل الثقافة الذكورية يف مجتمعنا لهذه القامة الشاهقة ،التي عكست يف مرآتها ضعفنا وعجزنا ،كذلك رأت الثقافة األيديولوجية يف نازك العابد قامة خارجة عن األنساق األحادية لها ،فتوافق الجميع عىل وأد هذه الصفحة املرشقة يف تاريخنا ،ويف أنظمتنا التي تشكلت خارج أي عقد اجتامعي.
ّ المؤنثة: الكتابة ٌ معصية ال تنتظر غفرانا!
14 لينة عطفة
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
الصوت هو حالة االنعتاق األوىل صوب الحياة، ثم كانت الكلمة ،وحني أفكر بالكتابة بوصفها ّ طريقة حياة بالنسبة يل ،أعىل وأبعد من الشغف ،تستوقفني الكثري من الحوادث التي جعلتني مراراً أحاول ترتيب أفكار حول الكتابة. ليس ما أكتبه أنا فقط ،بل ما تكتبه األنثى بشكل عام .وأقول األنثى ليس ّ ألن للكتابة جنس مذكر أو مؤنث؛ فللكتابة جنس املالك، لكن منذ عصور ّمثة ٌ عنف يفرض عىل األنثى هو ّية خاصة يف ّ كل يشء ،بدءاً من تن ّفسها وليس انتها ًء بطريقتها يف التعبري عن نفسها يف كل أنواع الفنون وليس الكتابة فقط. ثم األنثى منذ البدء ُمتهمة أ ّوالً باملعصيةّ ، املكر والخداع والكيد والفتنة ،ومنذ االتهام األ ّول ،األنثى دامئاً موضع ّ شك وريبةُ ،أعدّت لها صورة منط ّية تك ّرست يف الذاكرة اإلنسان ّية عىل م ّر العصور ،مذ أن خرست تاج األلوهة، وحتى ثقافة االستهالك والتسليع الجسدي والروحي .لذا لطاملا كانت املرأة تحت ضغوط القمع واملراقبة والوصاية :سلطة األب ،واألخ، والزوج ،واالبن ،واملجتمع ،وحتى هي وقفت ض ّد نفسها ،إضافة لظلم الطبيعة ولعنة /نعمة الحفاظ عىل النوع. بعد ّ كل ذلك الحصار وجدت األنثى ّأل خيار لتعب عن وجودها سوى االلتفاف عىل أمامها ّ واقعها ،فكانت غامضة بكيانها وروحهاُ ،منغلقة عىل عوامل من األرسار ،منفتحة عىل عزلة خيالها ورغائبها وأكوانها ،وهكذا بقيت عص ّية ُمل ّغزة، منامي! تشيطنها الذكورة وتغرق فيها بهوس ٍّ أضف أ ّنه وأمام ّ كل ما يحدث يف العامل ّ فإن اإلنسان يرزح تحت ضغوط هائلة :االستبداد والتهميش واالستالب االستهاليك لإلنتاج والعمل،
والحروب والقتل وو ،..واألنثى بوصفها إنساناً قبل ّ كل يشء فإ ّنها تعيش هذا البؤس .تراه وتحاول أن تقاوم وتكافح يف سبيل حياة أفضل، العبثي، تحاول النجاة من كل هذا الجنون ّ وهنا تكون الكتابة شك ًال من أشكال مقاومتها ودفاعها عن وجودها. الكتابة تجربة إنسانية تحتاج إىل االنفتاح عىل العامل والتجارب الفكرية والعاطفية والحس ّية، والكاتب ُيثبت هو ّيته وبصمته األدب ّية من
خالل التقاطه للتفاصيل ووعيه الخاص للواقع. وحني نقول “انفتاحاً وتجارب” نتذكر مبارشة ّأن األنثى ُمق ّيدة أمام البحث والتجريب ،مق ّيدة يف انفعاالتها من الداخل والخارج ..لذا يف الغالب نجد لغتها ونصوصها ضباب ّية ،ألنها تولد ليكون رساً (الحياء والصوت رشط حياتها أن تكون ّ
املنخفض والضحكة الناعمة والخوف وعدم الترصيح أو املبادرة...الخ). ينعكس ّ كل ذلك الكبت يف اللغة والنصوص، والكتابة تحتاج مساحة من الحر ّية أضعاف ما يعيشه املرء يف حياته ،لذا حني تحاول األنثى التح ّرر فيام تكتبه فإ ّنها يف البداية ّ تحطم قيود ُمجتمعها وتدفع أمثاناً قد تكون أكرب بكثري ّ مم تستطيع تح ّمله ،فيخلق ذلك رشوخاً يف كيانها. أقل ّ فإن انعتاقها يف اللغة يكون ّ وإذ تكتب ّ مم هو عليه يف الحياة ،فتلجأ للمواربة أو ملحاكاة صوت املألوف والدارج والذي هو تناص مع صوت ا ُملذكر األ ّول التاريخي الذي هو بالرضورة كالسييك ومنطي ،وهنا يكون الذكر أيضاً ضحية هذه املحاكاة. املرأة تخوض عدّة تحديات يف خلق هويتها اللغوية ،أ ّولها هو انعتاقها وتح ّررها من قيود التاريخ والدين واملجتمع وسلطة الذكر .وثاين هذه التحدّيات هو الخروج عن املألوف، خاصة بها، ومحاولة ترسيخ بصمة أدبية ّ واكتشاف مساحات جديدة يف اللغة والخيال، تع ّرف من خاللها األنثى حني متتهن الكتابة بوصفها هويتها األوىل وليس بوصفها عم ًال جاملياً ثانوياً ُيز ّين املرأة التي تطبخ وتنجب وتطيع .أ ّما ثالث التحدّيات فيتم ّثل يف مجاراة أشكال الكتابة املعارصة ،وهذا تح ّد مفروض عىل كل الكتاب ،لكنّه ويف عاملنا العريب يكتسب تعقيداً ُمضافاً يف خضم ما تعانيه الذات العربية من غياب وتغي ّيب. أمام ّ كل هذه التحديات وسواها يبقى الطريق طوي ًال وشاقاً ّ لكل أنثى تطمح وتسعى ّ ألن تكون كاتبة ،لكنه يف النهاية يتجه نحو لغة تعرتف أ ّوالً وأ ّوالً باإلنسان!
عج غبارها حين ّ
15
بشرى البشوات
إىل اآلشوريني والبيزنطيني.. إىل العرب املسلمني .ومل تغلق الدائرة بعد ،حتى “كليوباترا” مل تشأ إ ّال أن تضوع ذاكرة املكان بيشء من عطرها. يحفظ التاريخ للجوالنيني أنهم قاتلوا ببسالة ،خالل كل الحضارات واملاملك التي قامت عىل أرضهم ض ّد الغزاة ،وعىل
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
الريح والرتاب .يش ٌء من الجوالن، ُ التباس العالقة بني ِ وخ ِز املجا ِز أو أمومة غاضبة للجغرافيا عىل ابنها التاريخ .رغبة ساد ّية تستبد بالريح حني تطأ الرتاب ْ وطأ تل ّذذ ونشوة ،تل ّد الرغبة مولوداً تسم ّيه الغبار، كمثل امرأة ودّت من فرطِ ما رغبت أن تذرو حبيبها كرماد. للجوالن اسامن :األ ّول ساد ّية الريح ،والثاين مجاز األزل .وميكنني أن أضيف فرح الطبيعة بذاتها. ولدى البحث يف االشتقاق اللغوي لكلمة جوالن نقع عىل ه ّوة بني الحقيقة واملجاز ،حقيقة تخاتل اللغة ،محمول ينقلب عىل الحامل ،ولغة تو ّرطت بذاتها وتو ّرط معها املعنى. تتصل املفردة “الجوالن” بأجوال؛ وتعني البالد يعج فيها الغبار .يحدث ذلك يف الحقيقة حني التي ّ يتغي مزاج الفصول ،فيطوح بنا الصيف يف غياهب ّ الخريف ،يتغري اتجاه الريح ويصري لها وجه محارب أشعث خرج اآلن من الكهف .هنا تكمن ورطة اللغة يف عالقتها بالحقيقة حني متنح اللغة ذاتها للنسبي ،وتخلع عىل الحقيقة ما كان لها من ُ الك ّ يل. فليس الجوالن يف الحقيقة بالد الغبار ،بل هو بقعة من أجمل البقاع السورية ،تلك الهضبة التي أصلحت سوء الفهم بني السهل والجبل ،تلك الطبيعة التي خرجت من ذاتها واسرتاحت يف رسير موضوعيتها (التاريخ) ،ويف تلك الصدفة الباذخة نبت ضلع جدي ،وامت ّد سفح هويتي األخرض عىل مساحة تقرب من 1860كم.2 بعد حرب حزيران من العام 1967أقدمت “إرسائيل” عىل ضم 1260كم 2من مساحة الجوالن ،أعادت منها 60كم 2يف إطار اتفاقية “فك االشتباك” ،هكذا صادرت إرسائيل ضلع جدي! وحني عاد سكان املناطق التي ّمتت إعادتها بعد اتفاق “الهدنة” يف العام 1974رفضت سلطات النظام السوري عودة األهايل إىل قراهم الواقعة عىل امتداد رشيط الهدنة ،وهكذا بقي ضلع جدي سجيناً لدى السلطات ،وصار الجوالن جرحاً يف خارصة الهو ّية ،وصار لهويتي ضلعها القارص. ّمثة خطأ جسيم يف القرارات الدولية التي طالبت “إرسائيل” بالعودة إىل ما قبل العام ،1967خطأ
أصاب املاه ّية ،فكرت أنه يجب عىل األمم املتحدة أن تعيد صياغة تلك القرارات وفق اللغة التالية: عىل “إرسائيل” أن تعود إىل ما قبل الضلع األول للهو ّية .لكنني عدلت عن فكريت أل ّنهم سريدون الدعوة بحجة عدم كفاية الجرح .كنت سأض ّمن دعواي ما كان من دموع الجدات التي تكفي لرد احتامل العطش عن بحرية بحجم طربيا ،وما كان من صمت البغل ،الصمت الذي دخل عقده الخامس ،وما تزال ذاكرة جدي امليت يقطر منها كرز الجوالن. َي ِر ُد اسم الجوالن يف العهد القديم ،يف كل من سفر “التثنية” وسفر “يشوع” ،عىل أنه أحد مدن امللجأ الثالث الواقعة عىل مصب نهر األردن ،مدن امللجأ هذه يلجأ إليها من أقدم عىل القتل الخطأ ،وما أوسع اله ّوة بني أن يكون املكان مالذاً للغرباء وبني أن يكون املكان غريباً حتّى عن أهله الغرباء. هذا املكان الذي خ ّبأ آالف السنني يف كهف الذاكرة ،وش ّيع أقواماً وحضارات ،تركت أسامءها وانرصفت لتقول إ ّنها م ّرت من هنا ،ورحلت بكل ما حملت من الصخب .من العموريني إىل اآلراميني
وجه التحديد تلك القبائل اليهودية الزاحفة من الجنوب ،ففي اللحظة اآلرامية ويف عهد امللك (حزائيل) وابنه (هدد) تح ّول الجوالن إىل خط أول يف مواجهة تلك القبائل. حني أعاد التاريخ نفسه يف الثلث األخري من القرن املنرصم كان التاريخ ذاته أول املنتهكني ،وبعده انتهكت كربياء الجغرافيا ،وتح ّول أهل الجوالن إىل نازحني ،مل ُيعيد لهم التاريخ ملك عريب نبطي اسمه عبادة ،لكنه البغل الذي صمت طوي ًالّ . وكأن بالتاريخ هنا يعيد طرح سؤال العالقة بني الشعب ومن يفرتض أنهم القادة ،فث ّمة شكل من العالقة يحصن الجغرافيا ويحفظ هيبة التاريخ ،و ّمثة أخر يهدر د ّم الهو ّية .لكن الذاكرة الرس ّية للشعب ال ميكن لها أن تنىس ،فهي مت ّرر ذاتها من جيل إىل جيل. حني ه ّبت رياح الثورة يف سوريا ووصلت إىل مناطق النازحني من أهايل الجوالن أذكر أنهم أسموا إحدى التنسيقيات باسم “أبناء الجوالن ا ُملباع” ،تلك كانت رسالة من عانوا من ظلم مر ّكب بوصفهم سوريني أوالً ،وبوصفهم أبناء الجوالن املسكوت عنه طيلة عقود ثانياً .أبناء إحدى مدن امللجأ الثالث وفقاً للعهد القديم ما عاد لهم من مالذ، من نزوح إىل نزوح ،ك ّلام ج ّد اغرتاب أشعل ذاكرة حزنهم ورددوا من تراث الجوالن أغنية شعبية تقول“ :بكرا بنعاود ال تبيك يا عيني”.
مشروع IMECE Vaktفي تركيا لتطوير ودعم رواد أعمال سوريين
16 وائل موسى
العدد - 81 - 2016 / 12 / 4
اقتصاد
برشى سارة للسوريني يف تركيا ،بداية مرشوع IMECE Vakti يف تجربة غري مسبوقة يف تركيا للمساهمة يف اندماج السوريني مع األتراك ،وسعياً لتطوير العالقات اإلنسانية واالقتصادية بدأت هابيتات مرشوعها IMECE vaktiهو املرشوع األول من نوعه بخالف املشاريع املنترشة يف دول الجوار السوري منذ بدء الثورة السورية حتى اآلن. اعتاد السوريني بشكل عام عىل انتشار مشاريع التدريب حول العديد من املواضيع املرتبطة بالثورة السورية بحسب تقدير الداعمني واملؤسسني لها ،سواء كانت سياسية أو ثقافية أو صحية إىل جانب اإلعالمية وغريها ،إال أن أحداً مل يسبق أن ألتفت طوال هذه املدة التي متر عىل السوريني بظروف قاسية يف دول الجوار إىل الجانب املعايش واالقتصادي من حياتهم. التعريف ب مرشو ع IMECE vaktiومنظمة �Hab itat من خالل التواصل واللقاء بالسيدة باشاك سارال وهي املنسق العام ملنظمة هابيتات ومديرة املرشوع، أوضحت لنا املعلومات التالية: ( )Habitatهابيتات هي منظمة غري حكومية عمرها أكرث من 20سنة ،مقرها يف إسطنبول ولدينا خربة طويلة يف مجال عملنا نحن نعمل من أجل التنمية االجتامعية واالقتصادية للمدن والناس الذين يعيشون يف املناطق الحرضية، واآلن نقدم مرشوع IMECE Vakti وهو برنامج ضخم لدعم مهارات ريادة األعامل وتطوير األعامل للسوريني الذين يعيشون يف تركيا يف 14مدينة مختلفة يف تركيا منذ ما يقارب العامني قررنا تقديم خدماتنا إىل السوريني والعمل معهم ،ثم بدأنا يف استقبال السوريني من مختلف املناطق يف تركيا لحضور انشطتنا التدريبية املقدمة باللغة الرتكية ،وعندما بدأنا يف الحديث معاً شعرنا أن السوريني باتوا من أعضاء املجتمع الرتيك الجدد ويتوجب علينا إعادة النظر لتقديم خدماتنا املتوفرة مسبقاً لتكون باللغة العربية ،وبذلك لن يكون املواطنون االتراك او املتحدثون باللغة الرتكية فقط يف هذا البلد هم من ميكنهم االستفادة من خدمات جمعيتنا ،هكذا ستكون خدماتنا متوفرة للجميع وبشكل خاص للسوريني
واآلخرين املتحدثني باللغة العربية ميكنهم االستفادة من خدماتنا أيضاً. منذ سنة مضت بدأنا تصميم برنامج حيوي ضخم وهو Imece Vaktiمستفيدين من برامج متعددة قدمناها للمواطنني األتراك. تضم برامجنا االبتكار وريادة األعامل واملبادئ املالية والتكنولوجيا ،وقمنا بتطوير مرشوع Imece Vaktiليضم برنامج للقوى العاملة يف املستقبل من اليافعني السوريني من الشباب والفتيات ومبحتوى آخر لرواد األعامل املحتملني من املجتمع السوري الرشكاء دخلنا يف رشاكة مع منظامت مختلفة لتنفيذ هذا املرشوع، ورشكائنا الحاليني املفوضية لشؤون الالجئني UNHCR مع الهيئة الطبية الدولية MICيقدمون لنا الدعم املايل لربنامجنا ،إىل جانب عملنا مع اتحاد الغرف التجارية وتبادل السلع يف تركيا ،TOBBوكذلك مع وكالة تنمية وتطوير جنوب رشق األناضول GAPتحت رعاية وزارة التنمية الرتكية ،باإلضافة إىل رشاكة مع اثنني من املؤسسات الدولية مقرهام الرئييس يف بريطانيا ،شباب األعامل الدويل واكسنرت للرشاكات اإلمنائية. سنقود الربنامج ملدة عامني يف 14مدينة مختلفة وهي: إسطنبول ،أنقرة ،بورصة ،أزمري ،موغال ،قونيا ،قيرصي، أضنة ،مرسني ،هاتاي ،غازي عينتاب ،أديامان ،شانيل أورفه وماردين. لدينا أربعة مجموعات مختلفة من املستفيدين: القوى العاملة املستقبلية ،رواد األعامل ،باإلضافة لرجال األعامل السوريني العاملني بشكل غري رسمي والعاملني بشكل رسمي أيضاً بدأنا العمل عىل تقديم تدريباتنا بجانب تدريبات ملدربني باللغة العربية لفرق العاملني واملتطوعني يف املنظامت السورية وجهات تقدم الخدمات للسوريني
لدينا رغبة يف تقديم سوريني رواد أعامل ورجال أعامل إىل رواد أعامل ورجال أعامل أتراك وغريهم من املتواجدين يف تركيا ،لذلك نعمل عىل بناء شبكة تواصل محاولني أن نكون مبثابة الجرس الواصل بني املجتمع االقتصادي الرتيك مع املجتمع االقتصادي السوري ،وسنعمل عىل توفري الفرص إىل جانب القروض املالية ،ويف هذه املرحلة نحن نعمل عىل كيفية تقديم التوجيه ثنايئ اللغة من رجال أعامل أتراك لرواد األعامل ورجال االعامل السوريني وأضافت السيدة سارال“ :نحن بصدد تقييم االحتياجات املالية لرواد األعامل ورجال األعامل السوريني لنستطيع تقديم حلول الدعم املايل إلنشاء األعامل” أهداف مرشوع Imece Vakti أهدافنا للعامني القادمني تقديم التدريبات لحوايل 10آالف شخص ،سيكون 80%منهم سوريون ،أيضاً سنعمل لدعم إنشاء 300مرشوع جديد سنعمل أيضاً لدعم استدامة ومنو 300مرشوع عمل قائم حالياً ،ونريد دعم السوريني الراغبني يف إيجاد وظائف تناسب مهاراتهم وخرباتهم. سبق أن نفذت منظمة هابيتات أوىل تدريباتها خالل شهر نوفمرب/ترشين الثاين ملجموعة من السوريني يف مدينة إسطنبول ،وكنت أحد الحارضين فيها ،وقدمت لنا املنظمة دعوة لحضور املؤمتر السنوي لرواد األعامل واملستثمرين يف تركيا ،حيث حرض مجموعة من كبار رجال األعامل يف املجتمع االقتصادي الرتيك وبحضور وزيري الطاقة واملوارد الطبيعية السابق والحايل وعدد من طالب جامعات االقتصاد. وساهمت منظمة هابيتات يف التشبيك ما بني الحارضين من املستثمرين واملستشارين عىل السوريني الحارضين يف املؤمتر G3 forum ونرشت املنظمة عىل حساب مرشوع Imece Vakti يف تويرت اعالن لبدء التسجيل للراغبني يف االنضامم لربنامج تدريب املدربني ،ويشرتط عىل الراغبني يف االنضامم لهذا الربنامج أن يقدموا عىل األقل تدريباً واحداً شهرياً يف مناطقهم مع إعداد التقارير الالزمة حول التدريب ً كام يتوفر حاليا إمكانية التسجيل عىل برنامج ورشات األفكار املبتكرة لریادة األعامل وهي الجولة األوىل يف 14مدينة تركية
نشرة اقتصادية ارتفاع أسعار الخبز في سرمين واسبابه
الدعم غالباً يكون بإمداد املنطقة مبادة الطحني، وللوقود التأثري األهم يف ارتفاع األسعار ،يباع لرت املازوت حالياً ب 300لرية رغم التالعب فيه وعدم نظافته ،حيث كان سعر الربميل الواحد يف السنة املاضية بحدود 20ألف لرية ونتيجة املعارك واغالق الطرقات وإعادة فتحها وكرثة الحواجز العسكرية بدأ ارتفاع سعره ليصل حالياً إىل 65 ألف لرية ،وبالرغم من أن سعر املصدر مل يتغري إال أن كرثة الرضائب املفروضة من الحواجز ورفع تكاليف النقل أوصل األسعار إىل هذه الحالة.
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
رسمني إحدى بلدات محافظة إدلب املتأثرة بارتفاع أسعار الخبز ،وتستضيف عدداً كبرياً من النازحني رغم انعدام األمان فيها. يف 8نوفمرب/ترشين الثاين ألحقت الرضبات الجوية أرضاراً باملخبز الذي يعمل لخدمة أكرث من 10 آالف شخص يف بلدة رسمني. أسباب ارتفاع أسعار الخبز يف إدلب نق ًال من منشور الناشط اإلعالمي املستقل مطيع جالل: َُ كث الحديث عن غالء الخبز املفاجئ يف رسمني بدأ الناس الحديث عرب صفحات النت ،فهناك من اتهم القامئني عىل الخبز بالرسقة وآخر اتهمهم بالفساد عب باأللفاظ غري االئقة وهناك البعض ممن وآخر ّ َ كتب شاكياً األمر لله وجميعهم مل يتكلفوا عناء الذهاب للمجلس للسؤال عن األمر. بعد مراجعة املجلس تبني اآليت: ً _1الخبز يف رسمني كان مدعوما من قبل منظمتني إحداهام أوقفت الدعم واألخرى مستمرة بالدعم. _2املنظمة التي أبقت الدعم تقدم 50طناً من
الطحني. _3املنظمة أشرتطت ألستمرار دعمها أن تباع الربطة ب 65لرية وبوزن من 950غرام وحتى 1كغ. _4الدعم املقدم ال يغطي إال عرشة ايام او 12يوم كحد أقىص. بنا ًء عىل هذا سيباع الخبز ملدة عرشة ايام او 12يوم بسعر 65لرية وباقي ايام الشهر ب175 الكلفة الحقيقة للخبز من دون أرباح وهذا يعني أن األمر عاد كام كان ولكن بآلية جديدة يف البيع و يذكر أن رسمني أصبح استهالكها كبرياً بعد توافد النازحون إليها ويف بعض األيام يتم خبز أكرث من 6طن باليوم والخبز يباع للجميع بسعر موحد. ومن خالل الحديث مع السيد مطيع أوضح لنا أن الخبز يف أغلب مناطق ادلب يتم دعمه بشكل جزيئ الربطة الغري مدعومة بوزن كيلوغرام تباع بني 175 إىل 200لرية سورية ،فيام تباع ب 65لرية تقريباً أوقات توفر الدعم.
17
العجز التجاري السوري خارج الخطة اإلعالمية للنظام
يف العجز ،عىل الرغم من انخفاض مستوى االسترياد ملا يقارب النصف عام قبل 2011بسبب التغري الكبري يف عدد السكان وانخفاض القدرة االستهالكية لدى السوريني. كل ما سبق ال يشكل اال ملخصاً بسيط عن واقع انهيار االقتصاد السوري يحاول اعالم نظام األسد إخفاء الحقائق يف بيانات كاذبة كتحقيق منو اقتصادي يف عام 2015 أو من خالل اخبار حول زيادة امليزانية التي تحدثنا عنها سابقاً مصدر الصورة املرفقة“ :عني انفوغرافيك” أول مجلة عربية متخصصة بصحافة البيانات
اقتصاد
مستوى العجز التجاري السوري وصل ما يقارب ،86.6%والذي من املفرتض ان ال يتجاوز نسبة .20% كرس االعالم املوايل للنظام االجرامي يف سوريا صفحاته للحديث عن العجز التجاري يف الدول التي يراها معادية له فقط. العجز التجاري يف االعالم واالقتصاد يف ظل الغياب التام للترصيحات الحكومية حول البيانات االقتصادية السورية ال يتواىن إعالم النظام السوري عن الحديث حول أي ترصيح يف أي دولة ساهمت بشكل أو بآخر يف دعم توجه الثوار يف سوريا ،فتارة تتناول صحيفة الثورة الرسمية للنظام ترصيحات امري قطر حول العجز التجاري األول منذ أكرث من 15عام ،وتارة تتناول العجز الجاري يف تركيا وغريها ،لتظهر الخرب الحقيقي الناتج عن شفافية يف النظام االقتصادي لتلك الدول بصورة مشوهة وكأنها عىل وشك االنهيار اقتصادياً. معنى العجز يف امليزان التجاري بشكل مخترص هو فارق قيمة إيرادات التصدير بالنسبة لقيمة
املدفوعات يف االسترياد. تناقصت عمليات التصدير من سوريا بشكل كبري خالل األعوام الخمسة املاضية لرتتفع يف املقابل عمليات االسترياد ،ودخل االقتصاد السوري يف مرحلة توسع يف العجز بالرغم من عدم وجود شفافية تبني املستويات الحقيقية. كشف مصدر حكومي ّ مطلع عىل ملف الصادرات واملستوردات ،أن العجز التجاري خالل العام املايض قد بلغ نحو 1.3ترليون لرية وبحسب املصدر الذي كشف لصحيفة االقتصادي ومقرها يف ديب ،أن قيمة املستوردات التي دخلت سوريا خالل العام املايض تجاوز 1.5ترليون لرية، يف حني بلغت قيمة الصادرات ما يقارب 200مليار لرية فقط العقوبات االقتصادية وفقدان السيطرة عىل املعابر الحدودية الربية كان لها الدور األبرز يف تراجع الصادرات السورية انخفاض اإلنتاج وارتفاع التكاليف وسياسة دعم االسترياد لتأمني املواد الالزمة كان لها الدور األكرب
18
ُ جمعت نصوص كتابي رامي العاشق: “مذ لم ْ أمت” كمن يجمع أشالءه ُ “التصفيق ال يقدّم شي ًئا لتجربتي بعكس النقد” غسان ناصر -طلعنا عالحرية
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
صدر حدي ًثا للكاتب والشاعر الفلسطيني السوري رامي العاشق ،كتاب نرثي بعنوانُ “ :مذ مل ْ أمت”، عن (بيت املواطن للنرش والتوزيع ،بريوت) ،ضمن سلسلة “شهادات سورية”( ،الشهادة رقم .)21 ولتسليط الضوء عىل هذا اإلصدار ،الذي احتفت به األوساط األدبية والثقافية السورية يف املنايف نصا الجديدة ،والذي احتوى بني دفتيه سبعة عرش ً نرث ًيا ،كان “العاشق” قد كتبها يف السنتني األخريتني يف أملانيا ،التقت مجلتنا يف مدينة “كولونيا” ،صاحب “س ًريا عىل األحالم” فكان هذا الحوار..
ثقافة
بداية كيف تقدم لقراء مجلتنا كتابك الجديد “ ُمذ مل ْ أمت” ،ويف أي أجواء كتبته؟ أقدمه كام قدمت للكتاب يف صفحاته األوىل بعنوان ُ “جمعت هذه النصوص “مقدمة” حيث قلت: كمن يجمع أشالءه ،ها هي ذي أشاليئ مج ّم ٌ عة يف ورقي ،غري مر ّتبة ،عشوائ ّيتها هذه ،حقيق ّي ٌة كيس ّ ٌ ٌ ٌ ً بخرابها ،دمو ّية تارة ،عنيفة ،صادقة ،خيال ّية ،ذات ّية، تشبهني ّ بكل جنوين وأمرايض وما أنضجتْه الثور ُة ّيف وما كرس ْت ُه الحرب وما أكلتْه الغرب ُة منّي .ال رأس يل ،وال اسم ،وال هو ّية ،جمعتها وأنا بكامل إمياين بحاجة الواقع إىل أن أكون كات ًبا أكرث مام أكون شاع ًرا ،وأؤمن أن ّ كل ما هو انفعا ّيل ليس شع ًراّ ، وأن وأن ّ ّ كل ما ال ينتمي إىل املوسيقا ليس شع ًراّ ، كل القبح املحيط بنا يؤذي الشع َر .لذلك ،ميكن هذا ِ التعريف عن هذه املجموعة عىل أ ّنها مجموعةُ ُ تحتمل التسمية ،فلتس ِّمها نصوص ال أكرث ،نصوص حاولت فيهاَ ، ُ دون قرا ٍر مسبق ،أن أج ّمل ما شئت، القبح وأضع الكثري من مساحيق التجميل ألعيد َ إنتاجه عىل هيئة يس ّمونها “إبداع ّية” ،وحني كتبتها مل يكن ّ مخط ًطا أن ُتجمع يف كتاب ،أو توضع عىل قالب ما ،لذلك ،فلرنحمها شكل شهادة ،أو تنرش يف ٍ من التصنيفات ،يكفيها ما ّ ظلم كاتبها”. حل بها من ِ تراوحت موضوعات الكتاب يف نصوصه السبعة عرش ،بني القضية السورية ،اللجوء ،الحرب ،مخيم الريموك ،الزنزانة ،واملنفى ،ملاذا غيبت الحديث عن
الحب يف هذه املراوحة النرثية أيها “العاشق”؟ مل يغب الحب عىل اإلطالق ،القارئ الجيد يستطيع التقاط الحب للمكان ،الذكريات ،الوطن ،الحياة، املتعة ،الرشيك ،واآلخر ،يف كل نص من نصوص الكتاب ،حتى الحب يف معناه املبارش ،الذي يعني واضحا يف نصوص املقابل البيولوجي :أنثى -ذكر ،يراه ً مثل“ :أرفع جسدك راية رعب وخذالن”“ ،املقاتلة العارية من ضفائرها”“ ،صانعة الكروشيه القروية”، “ال أريد أن أقع يف حبـ(ها)”“ ،أعرف الزنزانة جيدًا”، “أخ ًريا التقينا”“ ،من ألقى املفتاح يف النهر؟”“ ،بائع الحب ورسيره” ،و” ُمذ مل ْ أمت” .وهي تسعة نصوص من أصل سبعة عرش ،أي أكرث من النصف .ذات ّية النصوص أدب ًيا ،وليدة موقف جاميل -أديب ال ميكن فصله عن الحب والالحب ،الوطن واملنفى ،الزنزانة والحرية ،الالجئ واآلخر ،املوت والحياة ،هذه الثنائيات تشكل شعر ّية النصوص ،وثور ّية الخروج عليها ،والنصوص ككل متكامل بني د ّفتي الكتاب ،ال ميكن فصلها جامل ًيا عن املقدمة التي ت ّربئ الشعر من الكتاب أو ت ّربئ الكتاب من الشعر ،وهذا يسمح بالتايل لقراءة شعريتها ال شاعريتها. ما هي انطباعاتك عن استقبال النقاد لهذا الكتاب،
وهل نالت تجربتك يف الكتابة حظها من املتابعة النقدية؟ أشكركم عىل هذا السؤال ،أرى أن النقد يبدأ من نقد الكاتب الذايت لتجربته ،وتفكيكها .وهذا بدأ بفتح أسئلة مقدمة الكتاب ،وبالتايل تناول أحد الكتاب الصحفيني مؤخر ُا ،املقدمة مبقال منفرد، وهذا بالنسبة إ ّيل يؤكد يل أهمية ما ذهبت إليه يف وضع هذه املقدمة كجزء أصيل من الكتاب. ال ميكننا ً أيضا إغفال قض ّية مهمة ،وهي أن دراسة نتاج الكتاب الشباب نقد ًيا ،أم ٌر ليس يف حسابات النقاد ،لألسف ،وهذا يعود لعدة أسباب يطول رشحها متع ّلقة بالصناعة الثقافية بحد ذاتها، ويضاف إليها العالقات الشخص ّية وشهرة الكاتب ...إلخ .هذا بالرضورة يحيلنا إىل قضية الحظوظ أو غيابها“ ،مذ مل أمت” القى َق ً بول ما ،وكتبت عنه عدّة صحف ،نقدًا ،تقد ًميا وإشها ًرا ،ولكن هذا ال يريض شغفي بالحصول عىل املالحظات النقدية والقراءات املختلفة للنص وتأويله ،ألنني أؤمن بأن كل قارئ هو جزء أصيل من العمل األديب ،وتأوي ُله وحساسيتُه تحمل سياقات درام ّية وجاملية مختلفة ،وبالتايل إثراء الكتاب ،وإضافة خربات للمؤلف وآليات تفكري مختلفة ،أنا دامئًا أهتم باملالحظات أكرث من التصفيق واملديح ،ألن التصفيق ال يقدّم شيئًا لتجربتي بعكس النقد .وهنا يتوجب ع ّ يل التنويه ّ بأن النقد ال يعني بالرضورة ّ االنتقاد. ُيشار إىل أنه صدر لضيفنا قبل كتابه “ ُمذ مل ْ أمت”، مجموعتان شعريتان ،بالفصحى والعامية“ :س ًريا عىل األحالم” ،و”البس تياب السفر .ويشغل اآلن منصب رئيس تحرير صحيفة “أبواب” ،وهي أول صحيفة عربية يف أملانيا.
نشرة ثقافية
إبداعات ونشاطات سورية
“فهرس سورية الثقافي”.. مبادرة ثقافية مستقلة
حضور سوري بارز في أنطولوجيا أدبية صدرت بألمانيا
“سوريا في القلب “شهادات ونصوص لك ّتاب سوريين في مجلة “بانيبال” أفردت مجلة “بانيبال” الصادرة باللغة اإلنكليزية ،والتي يحررها الكاتب العراقي صموئيل شمعون ،عددها الجديد ( )57لنصوص مرتجمة ملجموعة من الكتّاب السوريني ،بعنوان“ :سوريا يف القلب” (.)SYRIA IN THE HEART والكتاب املشاركون بالعدد الذي متيز بحلة رائعة ،هم :نوري الجراح ،رشا عمران ،خالد خليفة ،هالة محمد ،ندى منزلجي ،منري املجيد ،فواز قادري ،محمد عالء الدين عبد املوىل ،روزا ياسني حسن، وهيثم حسني ،الذي نرشت له املجلة فصالن من روايته “رهائن الخطيئة”، ومها حسن ،التي نرش لها فصال من الله ونوس التي نرشت ً فصل من روايتها روايتها األخرية “مرتو حلب” ،ودمية سعد األوىل “الخائفون”.
“تذكرتان إلى صفور ّية” .. رواية جديدة لسليم البيك يوسف ،عىل نحو متداخل ،إذ يحوي صدرت عن “دار الساقي” يف بريوت، ٌّ منها إحاالت إىل األخرى ،ول ّ كل فصل واية «تذكرتان إىل ص ّفورية» كل مؤخ ًرا ،ر ّ يمة رئيس ّية ،تغدو فرع ّية يف الفصول يني سليم البيك ،ث للكاتب الفلسط ّ معرض بريوت للكتاب يف األخرى. وس ُتطلق يف الكاتب سليم البيك فلسطيني سوري األول (ديسمرب) القادم ،بحضور و كانون ّ يعيش حال ًيا يف فرنسا ،ويكتب يف الكاتب. الثقافية ،وهو مح ّرر مجلةّ ّ 240صفحة ،وقد فاز الصحافة يف واية تقع الر «رمان» الثقاف ّية الفلسطين ّية .وصدر له ّ مؤسسة “آفاق” نحة ّ مب بتها كتا مرشوع ّ قبل هذه الرواية «خطايا الجئ» عام لكتابة الرواية بإرشاف الروا ّيئ اللبناين 200عن “دار كنعان” بدمشق ،وهي دويهي .وتتك ّون الرواية من ثالثة 8 ج ّبور ال نصوص نرث ّية ،و«كرز أو فاكهة حمراء صول متقاربة يف الحجم ،عنونها الكاتب ف لتشيزكيك» عام 2011عن “الدار بتولوز” و”ما ًّرا من الريموك” ل ا ر ”ما بـ ًّ عمن ،وهي مجموعة قصص ّية إبيلوغ من األهل ّية” ب ّ و”ما ًّرا مع لِيا” ،باإلضافة إىل لقطان” يف رام الله، حازت عىل “جائزة ا ّ صفحات قليلة ُتنهي الرواية ،بعنوان ليك سوى املاء» ،قصائد“ ،دار كل فصل و«ليس ع ِ را إىل ص ّفورية” .ويحيك ّ “ما ًّ راية” بالداخل الفلسطيني عام .2011 مرحلة من حياة الشخص ّية الرئيس ّية،
ثقافة
أعلنت دار النرش األملانية “ ”Secessionعن إصدار كتابها الجديد “أنطولوجيا نصوص من أملانيا :أن تكون راحالً -أن تكون هنا”، والذي جمع تسعة عرش أدي ًبا وأديبة من سوريا ،واليمن وإيران، وهم :روزا ياسني حسن ،رشا عباس ،أيهم آغا ،عساف العساف، محمد العطار ،لينة عطفة ،ضاهر عيطة ،خولة دنيا ،عارف حمزة، يامن حسني ،نور كنج ،كنان خداج ،عامر مطر ،رامي العاشق ،رائد وحش ،وداد نبي ،ونهاد سرييس (من سوريا) ،جالل األحمدي (من اليمن) ،وبيغا أحمدي (من إيران) .وقد صدر الكتاب الشهر املايض يف الدورة األخرية ملعرض فرانكفورت الدويل للكتاب ( ،)68وقد قدّم لألنطولوجيا األديب الربليني شريكو فتّاح ،كام قام املصور الفوتوغرايف ماتياس بوتور بتصوير جميع األدباء حيث وضعت صورهم داخل الكتاب بجانب كل نص ،وكذلك ستعرض جميع الصور بشكل مفرد يف معرض مستقل بالتعاون مع وزارة الهجرة واألجانب .ويعترب هذا الكتاب األول من نوعه بعيدًا عن تقديم الالجئني عىل أنهم ضحايا وفقط ضحايا ،وقد طبع منه 5000نسخة كطبعة أوىل كام سيصدر الح ًقا بعدة لغات ،وخاصة لغات األدباء (العربية والفارسية).
19
العدد 2016 / 12 / 4 - 81 -
أعلن الفنان التشكييل والناشط الثقايف املتوقع إطالقه رسم ًيا بداية العام ،2017 السوري ،خالد بركة ،عن مبادرة ثقافية يطمح ألن يتحول إىل قاعدة بيانات مستقلة تحمل عنوان فهرس سورية تكرب باضطراد مستمر؛ لتغطي كامل الثقايف ( ،)Syria Culture Indexوهي الشأن الثقايف السوري (الذي سيتضمن عبارة عن ّ منصة افرتاضية ،وتطبيق طائفة واسعة من الصناعات اإلبداعية ُ حديث للهواتف الذكية ،أنشئ استجابة من سينامئيني ،فنانني ،مرسحيني، لحاجات السوريني والفلسطينيني صانعي أفالم … إلخ) .كام يسعى إىل السوريني العاملني يف املجال الثقايف، التعزيز الفني والتعليمي لدعم الفاعلني أفرادًا ومؤسسات ،خارج سورية الثقافيني السوريني يف تطوير أعاملهم أو داخلها ،ملساعدتهم يف مواجهة اإلبداعية؛ لتجاوز أوضاعهم الراهنة الصعوبات التي يتعرضون لها خالل التي تتحدى استمرارهم املهني ،وليكون مسريتهماملهنية. منصة بديلة تعزز خلق فرص العمل ووف ًقا لربكة ،فإن “الفهرس” ،ال ذي من وتبادل املهارات واملعرفة املهنية.
طلعنا عالحرية – القسم الثقافي