طلعنا عالحرية / العدد 81

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪81‬‬ ‫‪2016 / 12 / 4‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل‬ ‫سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج‬


‫‪2‬‬

‫غوطة حلب الشــرقية!‬ ‫افتتاحية بقلم د‪ .‬عبد الرحمن الحاج*‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫أحدث التقدم الذي حققه النظام وامليليشيات‬ ‫اإليرانية الحليفة يف حلب وقع الصدمة‪ ،‬فلم‬ ‫يكن أحد يتوقع أن يكون التقدم رسيعاً‬ ‫إىل هذا الحدّ‪ ،‬وبدا واضحاً من ردود الفعل‬ ‫العربية والدولية الباهتة أن حلفاءنا سلموا‬ ‫بسقوط حلب‪ ،‬حتى قبل هذا التقدم بوقت‬ ‫ليس بالقصري؛ إذ ال معنى لوقف اإلمداد‬ ‫بالسالح غري تسليم املدينة‪.‬‬ ‫بعد وقع الخسارة الكبري تشكل جيش حلب‪،‬‬ ‫وقالت الفصائل إنه اندماج كامل لكل الفصائل‬ ‫يف حلب للصمود يف وجه النظام وعدم تسليم‬ ‫املدينة‪ ،‬لكن األهم ما الذي أحدث هذا‬ ‫االنهيار العظيم يف جبهات حلب رغم وجود‬ ‫ما يقارب ستة آالف مقاتل وتسليح مقبول؟‬ ‫هنالك ثالثة أسباب رئيسية‪ :‬األول هو القرار‬ ‫العسكري املشتّت بني الفصائل؛ فكل فصيل‬ ‫سيد نفسه‪ ،‬هكذا فالتنسيق العسكري يف أدىن‬ ‫مستوياته‪ ،‬واالعتامد عىل ص ّد الهجوم يرتبط‬ ‫بـ”الفزعة” و”املؤازرة” كأمنا كل جبهة هي‬ ‫إقطاع خاص بفصيل عسكري‪.‬‬ ‫الثاين هو انهيار ثقة األهايل بالفصائل عندما‬ ‫أغاروا عىل أحد أبرز الفصائل “تجمع فاستقم‬ ‫كام أمرت” واعتقلوا قائده وسطوا عىل‬

‫مخازنه‪ ،‬فقد هوت ثقة األهايل ‪-‬الذين عانوا‬ ‫األمرين تحت الفوىض والرباميل املتفجرة‬ ‫والقنابل االرتجاجية واملحاكم الخاصة بفتية‬ ‫الفصائل‪ -‬بحامية الفصائل لها؛ إذ كيف ميكن‬ ‫لفصائل تأكل بعضها بعضاً أن تحميهم من‬ ‫النظام؟‬ ‫الثالث هو األخطاء القاتلة التي ارتكبت يف‬ ‫عمليتي ّ‬ ‫فك حصار حلب‪ ،‬من جهة انرصفت‬ ‫بعض الفصائل من جبهة حلب الجنوبية‬ ‫(املدفعية) التي خطط لها أن تكون يف ستة‬ ‫مراحل عند املرحلة الثالثة إىل القتال يف‬ ‫جبهات أخرى‪ ،‬ومن جهة ثانية حاولت جبهة‬ ‫النرصة االستئثار بالنرص غري املكتمل وإعالن‬ ‫ذلك عرب بيانات استباقاً لرسقة محتملة‬ ‫لجهودها من قبل فصائل حلب املدينة‪ .‬ويف‬ ‫معركة فك الحصار يف الريف الغريب اتبعت‬ ‫تكتيكات عسكرية غري مناسبة وغري مخططة‬ ‫جيداً‪ ،‬رسعان ما تبني فشلها بعد التوغل قرابة‬ ‫كيلومرت واحد‪ ،‬وفشلت‪ ،‬وهكذا خرسنا برسعة‬ ‫كبرية ما كسبناه بالرسعة ذاتها‪.‬‬ ‫ما من ّ‬ ‫شك أن الوضع يف حلب صار شبيها جداً‬ ‫بوضع كثري من املناطق املحارصة‪ ،‬لكنّه أشبه‬ ‫ما يكون اآلن بالغوطة الرشقية؛ االنهيارات‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫املتتالية يف الغوطة لديها أسبابها الشبيهة جداً‬ ‫بحلب‪ ،‬حلب مهددة بأسباب ذاتية قبل أن‬ ‫تكون خارجية‪ ،‬وفصائلها تحاول اآلن تداركها‪،‬‬ ‫وال أحد يعلم مدى نجاحها وما إذا كان قد‬ ‫فات األوان قبل ظهور نتائج واضحة‪ .‬الغوطة‬ ‫ال تزال متعرثة ومثرية لعالمات االستفهام يف‬ ‫الشامل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لقد صار واضحا أن وجهة النظام وامليليشيات‬ ‫اإليرانية والطائرات الروسية بعد حلب‬ ‫ستكون مكرسة النتزاع الغوطة الرشقية‪ ،‬فثقل‬ ‫“سوريا املفيدة” هو هنا يف حلب ودمشق‬ ‫والغوطة منها‪ ،‬وهكذا ما سيجري يف حلب‬ ‫سينعكس عىل الغوطة‪ ،‬تبدو الغوطة الرشقية‬ ‫يف دمشق وكأنها غوطة حلب اآلن!‬ ‫إذا ما خرسنا حلب والغوطة سنكون قد‬ ‫خرسنا الكثري‪ ،‬وسيتحمل القادة العسكريون‬ ‫مسؤولية هذه الخسائر وتلك الدماء‬ ‫املسكوبة‪ ،‬مثلام سينسب لهم النرص عندما‬ ‫يحققونه‪.‬‬ ‫الثورة ال تنتهي عند حلب وال الغوطة‪ ،‬ولكن‬ ‫خسارتهام ستكون ثقيلة وباهظة الثمن‪.‬‬ ‫* عضو األمانة العامة للمجلس الوطني‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬

‫كلمة‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان‬ ‫نصار‬ ‫أنور البني‬ ‫أسامة ّ‬

‫قسم املرأة‬ ‫يارا بدر‬

‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫رئيس التحرير ليىل الصفدي‬ ‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪info@freedomraise.net‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫حين تكون انتصارات األســد‬ ‫لصالح ثورة الشــعب‬

‫‪3‬‬

‫إبراهيم الجبين‬

‫البقية يف صفحة ‪....11‬‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫املجتمع‪.‬‬ ‫الجديد اليوم أن جميع الحيل والطرائق قد تم‬ ‫تجريبها‪ ،‬من الحلول السلمية إىل العسكرية إىل‬ ‫الحلول السياسية املستحيلة‪ ،‬إىل االستنزاف إىل‬ ‫االستنجاد بالغرب والرشق والعرب واملسلمني‬ ‫واملسيحيني واألوربيني إىل العمليات االنتحارية‪،‬‬ ‫وهكذا حتى مل يبق يشء بيد السوريني إال‬ ‫وألقوه يف هذه املعركة‪.‬‬ ‫وبقي بني أيديهم اليوم ما بدأ معهم ذات‬ ‫يوم قبل أن يبدأ كل يشء؛ إنه الفكر‪ .‬وبالفكر‬ ‫وحده‪ ،‬الذي تجاهلته املعارضة‪ ،‬والدول‬ ‫الداعمة الصديقة للشعب السوري‪ ،‬سواء كانت‬ ‫عربية أو غربية‪ .‬والذي تم ازدراؤه ووضعه تالياً‬ ‫بعد اإلغاثة واإلسعاف والدعم املايل والعسكري‬ ‫والطبي والدبلومايس‪ .‬هذا إن كان قد وجد‬ ‫مكاناً عىل قامئة االهتاممات بالفعل‪.‬‬ ‫بوابة املعرفة التي يتوجب عىل السوريني‬ ‫عبورها‪ ،‬تبدأ من االنسحاب الكبري من اللحظة‬ ‫العاطفية‪ ،‬إىل الزمن الحقيقي‪ .‬واالستيقاظ‬ ‫عىل أن ما يحدث ليس فيل ًام سينامئياً‪ ،‬وال‬ ‫نرشة أخبار‪ .‬بل هو التاريخ‪ .‬وأن للتاريخ قيمه‬ ‫وقواعده يف الحركة‪ .‬وأنها حت ًام لن تقود إىل‬ ‫هزمية الشعب بعد كل ما دفعه من أمثان‪ .‬ليس‬ ‫ألنه دفع تلك األمثان فقط‪ ،‬ولكن ألن الكثري من‬ ‫األمور قد تغري خالل السنوات املاضية‪.‬‬ ‫وباملزيد من النظر إىل الخارطة التاريخية‬ ‫السياسية والعسكرية‪ ،‬سيام يف حلب هذه‬

‫األيام‪ ،‬سيعلم السوريون أنهم يكسبون كل‬ ‫يوم‪ ،‬سواء حقق الثوار انتصارات عسكرية عىل‬ ‫جيش األسد وحلفائه أو العكس‪ .‬ألن انتصار‬ ‫الثوار إنهاك لالستبداد‪ ،‬وتحول لألمام يف بنية‬ ‫الثوار وتكويناتهم‪ ،‬حني يواجهون رضورات ما‬ ‫بعد االنتصار‪ ،‬يف حكم وإدارة املناطق وتجنب‬ ‫ارتكاب األخطاء التي ارتكبت نتيجة الفوىض‬ ‫العقائدية والقضائية والتقنية‪ ،‬من جهة‪ .‬ومن‬ ‫جهة أخرى ألن انتصارات األسد وحلفائه‬ ‫ستصب حت ًام يف صالحهم باملحافظة عىل مركزية‬ ‫ّ‬ ‫الدولة السورية‪ ،‬مع كل شرب يستعاد إىل سلطة‬ ‫رمزية يف دمشق‪ .‬ملاذا يع ّد هذا مه ًام؟ ألن األسد‬ ‫زائل زائل‪ .‬فنظام حكمه األمني‪ ،‬تحول خالل‬ ‫السنوات الست املاضيات إىل نظام حريب‪ ،‬نظام‬ ‫عمليات ال نظام إدارة‪ ،‬سلطة معارك ال سلطة‬ ‫مجتمع ومؤسسات‪ .‬ولن يستطيع الصمود‬ ‫أسبوعاً واحداً بعد أن تضع الحرب أوزارها‪.‬‬ ‫مهام توهّ م الروس واإليرانيون‪ .‬وهو ليس قوة‬ ‫احتالل كاإلرسائيليني‪ ،‬فهم بالنهاية ميارسون‬ ‫احتاللهم من خارج املجتمع‪ ،‬بينام يضطر األسد‬ ‫إىل ادعاء انتامئه وانتامء مؤيديه إىل املجتمع‬ ‫السوري‪.‬‬ ‫عرب عن حالة شبيهة بهذه شيمون بيريس يف كتابه‬ ‫“الرشق األوسط الجديد” بداية التسعينيات‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫ال شك أن الثورات مبعناها التاريخي العلمي‪ ،‬شديدة‬ ‫االلتصاق بالفوىض‪ .‬ومن طبائعها تخريب األنساق القامئة‬ ‫والتي ميكن أن تنشأ‪ ،‬عىل املدى القصري‪ ،‬قبل أن تستقر‬ ‫مبادئ تلك الثورة فوق سطح راسخ يقبل به الجميع‪.‬‬ ‫لكن عىل هذا املبدأ أال يكون ذريعة الستمرار الفوىض يف‬ ‫كل جانب؟ فمن املتوقع أن تشهد الحروب التي تشن عىل‬ ‫االنتفاضات الشعبية‪ ،‬فوىض عسكرية‪ ،‬وفوىض سكانية‪،‬‬ ‫وفوىض خدماتية‪ ،‬وعمرانية واقتصادية‪ .‬لكن من غري‬ ‫املمكن أن تستمر يف أجوائها أي فوىض “فكرية”‪.‬‬ ‫الفكر هو الذي أحدث التغيري‪ ،‬وهو الذي حرك الناس‬ ‫يف الشوارع‪ ،‬دون أن تكون غالبيتهم من املثقفني‪ ،‬متسك‬ ‫بأيديها بكتاب عن الثورة‪ ،‬يصفها وينظمها ويرشح‬ ‫مراحلها‪ .‬عفوية الحراك الشعبي‪ ،‬مل تنفصل يوماً عن‬ ‫تحوالت التفكري لدى السوريني‪ ،‬وغريهم ممن اندفعوا إىل‬ ‫الساحات والشوارع يف ربيع العرب‪.‬‬ ‫والفكر ذاته‪ ،‬هو الذي كان أول هدف حاولت‪ ،‬ونجحت‬ ‫إىل ح ّد بعيد‪ ،‬األنظمة االستبدادية أن ترضبه‪ .‬فكان عليها‬ ‫أن تزعزع قناعات الناس باملبادئ البسيطة التي خرجوا من‬ ‫أجلها‪ ،‬ولكنه يف الواقع عني السياسية‪ ،‬كام يقال‪ .‬وجوهر‬ ‫العالقة بني الحاكم واملحكوم‪ ،‬برز حني رفع الناس أصواتهم‬ ‫بالهتاف‪ ،‬مل يطلبوا املشاركة يف الحكم‪ ،‬ومل يطلبوا تغيري‬ ‫شكل الدولة‪ ،‬ومل يطلبوا نسف أي مؤسسة قامئة‪ ،‬بل طالبوا‬ ‫فقط بكرامتهم وحريتهم‪ .‬وتحت هذين العنوانني ستندرج‬ ‫آالف املفاهيم التي غريت العامل من قبل مرات ومرات‪.‬‬ ‫لذلك انحرف الناس نحو األبواب الدينية‪ ،‬ومنها إىل‬ ‫املنعرجات الطائفية والعرقية‪ ،‬حتى كادت تتالىش الهوية‬ ‫تم انتزاعه من يد‬ ‫الوطنية املجتمعية‪ .‬أي أن أول سالح ّ‬ ‫الشعب كان “الفكر”‪.‬‬ ‫لكن امتياز الفكر أنه ال يتأثر بالقلة والكرثة‪ ،‬ومجرد وجوده‬ ‫متناثراً كأزهار برية تحملها الريح إىل الجهات األربع‪ ،‬كفيل‬ ‫بجعله ينترش من جديد بني الناس‪ .‬وهذا هو حال فكر‬ ‫االنتفاضة السورية‪ ،‬الذي تجاوز كل مدرسة وإيديولوجيا‬ ‫قامئة يف املايض‪ ،‬نحو منطقة جديدة من املستقبل مل تطأها‬ ‫قدم بعد‪ ،‬ومل تخربها املصالح واملنافع والفساد والرتهل‬ ‫السيايس الذي أصاب املعارضة السورية طيلة خمسني عاماً‬ ‫كام أصاب بقية أركان الدولة ومؤسساتها ونقاباتها وثنايا‬


‫‪4‬‬

‫ّ‬ ‫المحلي لداريا‬ ‫المجلــس‬ ‫إبحار تحت الســحاب وقصف الرعود‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫مقاالت‬

‫تأسس املجلس املحيل يف داريا يف آخر سنة‬ ‫‪ .2012‬وخ ّيمت عىل أجواء التأسيس ثالث‬ ‫سحب‪:‬‬ ‫مجزرة داريا الكربى يف آب ‪ ،2012‬والتي‬ ‫كانت األسوأ من حيث عدد الضحايا‬ ‫وكمية اإلجرام الحاصل بل وحتى نوعيته‪،‬‬ ‫حتى حصول مجزرة الكياموي يف الغوطة‬ ‫الرشقية يف السنة التالية‪.‬‬ ‫وضع الجيش الحر يف املدينة يف أسوأ‬ ‫حاالته سوا ًء من حيث اإلنهاك‪ ،‬بعد محاولة‬ ‫التصدّي لقوات النظام الطاحنة التي نفذت‬ ‫االقتحام واملجازر املرافقة له‪ .‬أو من حيث‬ ‫الرىض الشعبي عن املقاتلني يف املدينة؛‬ ‫فهناك من ح ّمل مقاتيل الجيش الحر‬ ‫ذنب تفاقم ضحايا املجزرة بسبب أخطاء‬ ‫اقرتفوها‪ .‬نقول (ذنب تفاقم الضحايا)‬ ‫وليس ذنب مجمل املجزرة بالطبع‪ ،‬فال‬ ‫يصح أوالً وأخرياً نسب الجرمية لغري‬ ‫ّ‬ ‫مرتكبها املبارش‪ :‬قوات النظام املجرم‪.‬‬ ‫السحابة الثالثة هي متلمل عام من ناشطي‬ ‫املدينة ومن حولهم بسبب فشل (آخر)‬ ‫ملحاولة دمج تنسيقيتي داريا مبجموعة‬ ‫موحدة (بفتح الحاء) و ُيرجى لها أن‬ ‫َّ‬ ‫موحدة (بكرس الحاء)‪ .‬فقد ُوجدت‬ ‫تكون ِّ‬ ‫يف املدينة تنسيقيتان منذ بداية الثورة‪،‬‬ ‫حصلت مبادرات لدمجهام يف جسم واحد‬ ‫يحمل اسم “تنسيقية داريا” (دون إضافات‬ ‫متييزية كام كانت الحال وقتها) أو عىل‬ ‫األقل للتعاون والتنسيق بينهام بدل التناحر‬ ‫وادعاء كل طرف أنه األصلح للعمل‪ .‬مل‬ ‫تك ّلل املحاوالت السابقة بالنجاح‪ ،‬وكانت‬ ‫آخرها يف األسابيع التي سبقت املجزرة‬ ‫مبارشة‪.‬‬

‫هذا باإلضافة إىل طقس عام يف البلد حوى موجة تشكيل‬ ‫املجالس املحلية الثورية يف املدن والبلدات كأحد صريورات‬ ‫الحراك الشعبي يف سوريا‪.‬‬ ‫يف االجتامع التأسييس للمجلس املحيل (االجتامع تحت السحاب‬ ‫كام ذكرنا)‪ :‬خطب باملوجودين أحد أعضاء “لجنة الحكامء” التي‬ ‫قامت باملبادرة املشكورة لجمع النشطاء عىل طاولة واحدة‪،‬‬ ‫وافتتح كالمه مبثال من السرية النبوية‪( :‬السيدة عائشة تسأل‬

‫النبي عليه السالم بعد أن علمت منه أن الناس يحرشون يوم‬ ‫القيامة حفا ًة عراة‪( :‬الرجال والنساء جميعاً؟ ينظر بعضهم إىل‬ ‫بعض؟!)‪ ،‬قال “يا عائشة األمر أش ّد من أن يه ّمهم ذلك”‪.‬‬ ‫فالوضع خطري وحرج‪ ..‬و(القيامة قامية)‪ ..‬لذا فإنه حتم عىل‬ ‫الجميع أن يتجاوزوا أنفسهم وآراءهم وأن يلينوا وال يفاتشوا يف‬ ‫التفاصيل‪ .‬من أجل أن نصل إىل اتفاق يريض الله تعاىل ويخفف‬ ‫من معاناة أهالينا ويساهم يف خالص بلدنا الحبيب‪.‬‬ ‫أقسم الحارضون بعد ذلك قس ًام مغ ّلظاً فحواه دعم هذا‬ ‫خاصة) انقالباً‬ ‫املرشوع واعتبار العمل خارجه (العمل العسكري ّ‬ ‫تنبغي مكافحته‪ ،‬وأن يكون اختيار املسؤولني بالتصويت لصالح‬ ‫األكفأ واألنسب وليس بناءاً عىل الوالءات‪ ،‬باإلضافة إىل التزام‬ ‫يخص املرشوع والعاملني فيه‪ .‬وباملناسبة‪ ،‬مل‬ ‫الرسية يف كل ما ّ‬ ‫تعد هناك اآلن أرسار نفشيها يف هذا النص‪.‬‬ ‫تم تشكيل املجلس ومكاتبه‪ ،‬ثم اإلعالن عنها‪ .‬وقد حوى‬ ‫وهكذا‪ّ ،‬‬ ‫التشكيل التأسييس تسعة مكاتب هي املكاتب الخدمية واملدنية‬ ‫املعتادة باإلضافة إىل (املكتب العارش) وهو املكتب العسكري‪.‬‬ ‫اعرتض البعض وقتها بأنه ينبغي الحفاظ عىل فصل العمل‬ ‫العسكري عن العمل املدين‪ .‬لكن الغالبية وافقت عىل وجوب‬

‫احتواء العسكر ضمن الجسم املدين الجامع‬ ‫الذي سيكون مثل حكومة للمدينة وفيها‬ ‫(وزارة دفاع) تأخذ أوامرها من (الحكومة)‬ ‫التي ميثلها املكتب التنفيذي للمجلس‬ ‫املحيل‪ ،‬وكذلك تحصل عىل متويلها من‬ ‫مالية املجلس املركزية‪ ،‬وذلك لضامن تبعية‬ ‫العسكر للمدنيني َ‬ ‫املنتخبني‪.‬‬ ‫جرى هذا يف ضوء موضوعة تقول إن عليك‬ ‫لتكون مؤثراً يف العسكريني أن تشاركهم‬ ‫خنادق القتال أو أن تدفع رواتبهم ومثن‬ ‫ذخائرهم‪.‬‬ ‫مل يكد املجلس يبدأ برتتيب أوراقه ومكاتبه‪،‬‬ ‫حتى عاود النظام اقتحام املدينة‪ ،‬وفرضت‬ ‫املعركة عىل املجلس‪ ،‬مع أوزارها املرافقة‬ ‫والالحقة‪.‬‬ ‫وهكذا استم ّر القصف عىل داريا حتى‬ ‫ساعة “الباصات الخرض” املعروفة يف آخر‬ ‫صيف ‪ .2016‬مبا صبغ قصة حياة مجلس‬ ‫داريا بالعواصف والرعود وقحط الحصار‪.‬‬ ‫كانت فيها ومضات الربق من ك ّد العاملني‬ ‫يف املؤسسة ودأبهم الجرتاح ما بدا أنه‬ ‫معجزات‪ ،‬نجحوا يف بعضها‪ ،‬واحتسبوا أجراً‬ ‫واحداً باجتهاداتهم يف البعض اآلخر‪.‬‬ ‫يف شتاء ‪ ،2016‬وئذ يكتب مجلس داريا‬ ‫حلقته األخرية بإعالن ح ّله من مهجره يف‬ ‫إدلب‪ ،‬يبقى عىل العاملني يف الشأن السوري‬ ‫العام أن يستخلصوا العرب من التجربة‬ ‫الغنية‪ .‬ال يكفي التمجيد واإلطراء‪ ،‬كام‬ ‫ال ينفع التقريع والجلد‪ .‬بل تجب دراسة‬ ‫النجاحات وسبل تعزيزها واستنساخها‪،‬‬ ‫ومتحيص املثالب وضامن عدم تكرارها أو‬ ‫اجرتارها‪ ..‬قبل “قيام القيامة”‪ ..‬فع ًال!‬


‫نظام تعليم الســتيعاب‬ ‫جميع األطفال‬

‫‪5‬‬

‫شبكة حراس‬ ‫إن الجهل بخصائص أطفال االحتياجات الخاصة هو‬ ‫أهم عوائق التعامل معهم يف املجتمع‪ ،‬وعادة ما‬ ‫نسمع ردوداً من قبيل‪“ :‬نحن لسنا مختصني! فكيف‬ ‫نتعامل معهم؟”‪.‬‬

‫ذوي االحتياجات الخاصة يف “مدرسة لحن الحياة”‪،‬‬ ‫و‪ 3‬أطفال يف “روضة حلم الطفولة”‪( .‬بحسب تقرير‬ ‫نصف السنوي ‪-‬حزيران ‪)٢٠١٦‬‬

‫نظرة الصندوقني يف متييز أطفال االحتياجات‬ ‫الخاصة يف التعليم‪:‬‬

‫دمج أطفال االحتياجات الخاصة يف مدارس‬ ‫ح ّراس‬

‫حقيقة‪ ،‬يف العمل مع أطفال االحتياجات الخاصة أنت‬ ‫بحاجة إىل االختصايص من أجل أن يضع التشخيص‬ ‫والخطة الفردية لحالة الطفل‪ .‬بينام رعاية الطفل‬ ‫وتعليمه يقوم عىل أشخاص لديهم الدافع للعمل مع‬ ‫األطفال ومع ّلم متميز‪ ،‬لتطبيق تلك الخطة‪.‬‬ ‫وبذلك نستطيع دمج أطفال االحتياجات الخاصة يف‬ ‫املدرسة العادية بتدريب كادر املدرسة وتهيئة البيئة‬ ‫املرحبة به فيها‪ ،‬وهذا ما نعمل عليه يف مدارس‬ ‫ّ‬ ‫حراس حتى استطعنا استقبال ‪ 13‬طفل وطفلة من‬

‫‪2016 / 12 / 4‬‬

‫نظام للدمج يتدرب عليه املعلمون‪:‬‬

‫نواجه يف “شبكة حراس” هذه النظرة من خالل األنشطة‬

‫التي نقوم بها‪ ،‬فهناك أشخاص الستقبال األطفال ذوي‬ ‫االحتياجات الخاصة‪ ،‬واملدرسة مجهزة ملن يتحرك عىل‬ ‫كريس متحرك‪ ،‬ومن يستقبله معلم مد َّرب عىل نظام‬ ‫دمج األطفال ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬فيتم تحضري‬ ‫الطفل يف “غرفة املوارد” حيث يتعامل فيها مع أستاذ‬ ‫واحد‪ ،‬ويتعلم فيها مهارات يكرس بواسطتها حاجز‬ ‫الخوف‪ ،‬ثم يتم إضافة أطفال آخرين إليه يف الغرفة‪،‬‬ ‫وبعدها يذهب الطفل إىل الحصص العادية‪ ،‬حتى‬ ‫يعتاد وجود األطفال اآلخرين إىل جانبه‪ ،‬ثم ندمجه‬ ‫اجتامعياً مع أقرانه بواسطة أنشطة اللعب ويف الفسح‬ ‫بني الحصص‪ ،‬ثم وبحسب مستواه واألفضل بالنسبة‬ ‫له‪ ،‬يتم إدماجه كلياً أو جزئياً‪ ،‬بحسب نقاط القوة‬ ‫والضعف لديه وليس بحسب تصنيفه يف التشخيص‪.‬‬

‫العمل يف الظروف الصعبة‪:‬‬

‫إن النجاح يف إيجاد ّ‬ ‫حل ملشكلة ما‪ ،‬هو أكرث ما يزود‬ ‫العاملني بالدافع لالستمرار‪:‬‬ ‫كان من أكرث املواقف التي أثرت ّيف هي قصة طفل‬ ‫من ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬شاركني بها فريق‬ ‫االستجابة‪ ،‬وهي قصة طفل حجبه أهله يف البيت ملدة‬ ‫تسع سنوات خوفاً عليه من السخرية أو األذى التي‬ ‫قد يتعرض لها من املجتمع‪ ،‬ثم استطاع الخروج من‬ ‫البيت إىل املدرسة مبساعدة الفريق‪ ،‬ثم حصل عىل‬ ‫فرصة للعب يف الحديقة‪ .‬لن تستطيع أن تتخيل ردة‬ ‫فعله ألول مرة يركب فيها األرجوحة! إن شعور الطفل‬ ‫يف هذه العرش ثوان ال يقدر بثمن‪.‬‬

‫الجميع يستطيع املساعدة‪:‬‬

‫إن مواقف الناس من اإلعاقة تؤثر دوماً عىل كيفية‬ ‫تعاطيهم مع ذوي االحتياجات الخاصة‪ .‬نستطيع‬ ‫مساعدة الطفل من ذوي االحتياجات الخاصة إذا‬ ‫تذكرنا أن لديه احتياجات مامثلة الحتياجات األطفال‬ ‫اآلخرين‪ :‬كاملحبة واألصدقاء واللعب واملسؤولية‬ ‫والعمل واإلحساس بالقيمة‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫تقول وجهة النظر إن هناك مكانني للتعليم؛ مكان ملن‬ ‫تطورهم منطي‪ ،‬أي األطفال “العاديني”‪ ،‬ومكان آخر‬ ‫لألطفال الذين لديهم تطور غري منطي‪ ،‬أي األطفال‬ ‫ذوي االحتياجات الخاصة‪.‬‬ ‫بينام تكمن املشكلة يف نظرتنا إىل حدي أبيض‪-‬أسود؛ ما‬ ‫هو طبيعي‪ -‬وما هو غري طبيعي يف تصنيف األشخاص‪.‬‬ ‫قد تكون أنت شخصاً غري طبيعي بالنسبة لطفل لديه‬ ‫اضطراب طيف التوحد‪ ،‬ملاذا ال تهتم بالتفاصيل؟ وال‬ ‫تستمتع بأصوات مميزة يحبها هو؟ كذلك ال تهتم‬ ‫باأللوان؟!‬ ‫ولكنه بالنسبة لك شخص مهتم جداً بالتفاصيل‪ ،‬ولديه‬ ‫تع ّلق زائد بحركات معينة‪ ،‬ولكنكام معاً عىل نفس‬ ‫الطيف من االحتياجات‪ ،‬حيث أنت متيل إىل جهة‪،‬‬ ‫بينام هو مييل إىل جهة أخرى!‬ ‫فاإلعاقة ناتجة عن النقص يف تصميم مؤسساتنا والنظام‬ ‫التعليمي فيها‪ ،‬والتي تعيق انضامم هؤالء األطفال‪،‬‬ ‫بينام ينبغي أن يتم تصميم النظام التعليمي ليشمل‬ ‫الجميع‪ ،‬بحيث يكون شمولياً يستطيع أن يعلم جميع‬ ‫األطفال‪ ،‬ونعيد تصميم منهج إعداد املعلم بحيث‬ ‫يتعلم كيف يعلم جميع األطفال؛ منطيي التطور وغري‬ ‫منطيي التطور‪ ،‬ونعدل يف تصميم األبنية املدرسية‪،‬‬ ‫بحيث يسهل عىل الجميع التحرك فيها ‪ ..‬عندها لن‬ ‫يكون علينا إال أن نجهز الطفل ليعتمد عىل نفسه أكرث‪.‬‬ ‫ال يجب أن يفهم من كالمنا أن التغيري باتجاه الدمج‬ ‫أمر بسيط أو أن الطفل من ذوي االحتياجات الخاصة‬ ‫ال يحتاج إىل عناية “خاصة”‪ .‬لكن ال يجب أن يكون‬ ‫تقصرينا يف التفكري يف البدائل سبباً لتحميل األرسة‬ ‫والطفل مسؤولية إعاقته بالكامل‪ ،‬وكأنه ولد بشكل ال‬ ‫يتناسب مع متطلبات الحياة وأمناطها‪ .‬املشكلة تكمن‬ ‫يف منط الحياة الذي يوفره املجتمع واقتصاره عىل فئة‬ ‫معينة من األطفال‪.‬‬

‫ومن جانب آخر فإن تكلفة تعليم طفل احتياجات‬ ‫خاصة تعادل تكلفة تعليم طفلني عاديني‪ ،‬وميكن‬ ‫تفهم قرار أصحاب القرار يف تفضيل العمل عىل تعليم‬ ‫األطفال العاديني‪ ،‬خاصة عندما تكون املوارد محدودة‬ ‫كام يف ظروف الطوارئ الحالية‪.‬‬ ‫ولكن القرار يف شبكة حراس يعتمد عىل مبدأ العدالة‬ ‫يف تقديم الخدمات‪ .‬ومبا أننا نتوقع أن قلة من مقدمي‬ ‫خدمات التعليم سيعملون عىل تعليم طفل من ذوي‬ ‫االحتياجات الخاصة‪ ،‬بينام هناك عدة جهات لتعليم‬ ‫األطفال العاديني‪.‬‬ ‫فالعدالة تقتيض إزالة العوائق أمام طفل غري منطي‬ ‫التطور للحصول عىل حقوقه‪ ،‬حتى لو مل يحقق هذا‬ ‫املساواة مع أقرانه من أصحاب النمو النمطي‪ ،‬ألن‬ ‫الهدف ليس تقديم الخدمات فحسب وإمنا ضامن‬ ‫حصول الجميع‪ ،‬مبن فيهم ذوي االحتياجات الخاصة‪،‬‬ ‫عليها‪.‬‬

‫العدد ‪- 81 -‬‬

‫العدالة هي املساواة يف الحقوق‪:‬‬


‫ما العمل ‪..‬‬

‫‪6‬‬

‫جالل مراد‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫يف سلسلة مقاالت تحت عنوان “ما العمل” سوف تنرشها طلعنا عالحرية ابتدا ًء‬ ‫من هذا العدد‪ ،‬يحاول الكاتب “جالل مراد” أن يجيب عن سؤال ما فتئ يلح عىل‬ ‫السوريني يف هذه املرحلة‪ ،‬نتيجة انعدام الحيلة وعدم وضوح الطريق ‪ ،‬وتحييد‬ ‫السوريني عن دائرة الفعل ‪.‬‬ ‫“ما العمل” مبثابة دليل عمل يضع الناشطني العاملني يف الحقل املدين عىل الطريق‬ ‫املناسب والذي يضمن للسوريني قوانينهم عىل الدولة مبؤسساتها مهام كان شكل‬ ‫السلطة املستقبلية لسورية‪ ،‬سوا ًء أكانت فدرالية أو جمهورية أو برملانية أو تحت‬ ‫وصاية أو موحدة أو غري ذلك من األشكال ‪.‬‬ ‫ال يشرتط البدء بهذا الدليل بعد سقوط النظام أو وصول البلد إىل حالة من‬ ‫االستقرار‪ ،‬إمنا ميكن البدء به مبارشة‪ .‬ويتم ّيز هذا الدليل بنقطة قوة تفتقدها‬ ‫مشاريع الحل ُ‬ ‫األخرى بأنه ال مركزي وال يشرتط تنسيقاً كبرياً بني املناطق السورية‬ ‫املرتامية األطراف‪ ،‬ميكن البدء به من قرية صغرية وصوالً للمدن الكبرية ومن أي‬

‫؟‬ ‫مكان عىل األرض السورية سواء ما كان منها تحت سيطرة النظام أو يف املناطق‬ ‫غري الواقعة تحت سيطرته‪.‬‬ ‫يتكون دليل العمل من أربعة أجزاء من املهم للفاعل االجتامعي والناشط املدين‬ ‫أن يلم بها جميعاً‪ ،‬وتشمل مقدمة نظرية ترشح توزع القوى الواقعية ومسارات‬ ‫اندفاعها وتفاعلها مع بعضها‪ ،‬وجزء اً يتعلق بنظام البلديات يتضمن خطة لتنظيم‬ ‫املناطق من الناحية االجتامعية واالقتصادية وإرساء قواعد العدالة والقانون‬ ‫واملساواة‪ ،‬وجزءاً ثالثاً يتضمن نظاماً مبتكراً يسمى املقايضة املنظمة يقدم ح ًال‬ ‫فعاالً وممكناً ل ُندْرة النقد ويرسع عمليات التبادل بحيث يرفع مستوى دخل‬ ‫الفرد والجامعة‪ ،‬وجزءاً رابعاً يتعلق بطرق تشكيل فريق عمل متامسك عرب طرح‬ ‫أهم املعيقات والحلول لتلك املعيقات التي متنع تعاون فريق العمل لتحقيق‬ ‫هدف ما ‪.‬‬ ‫قراءة مفيدة وممتعة نتمناها لكم‪ ..‬وتابعونا يف األعداد القادمة‪.‬‬

‫دراسات‬

‫“ ّ‬ ‫تضخم الفكر النظري عىل حساب اضمحالل الفكر‬ ‫العميل‪ ،‬أوقع السوريني بتوهان لحظة العمل”‪.‬‬ ‫من الواضح بعد مرور هذه السنوات أن هناك استعصاء‬ ‫يف التقدم وتحويل مقوالت االنتفاضة إىل واقع مجسد‪ .‬إن‬ ‫انعدام الوسيلة الواضحة واملنهجية‪ ،‬وافتقاد االسرتاتيجية‬ ‫العامة للثورة جعلها يف مهب الريح وانطبق عليها القول‪:‬‬ ‫“من ال ميتلك برنامجاً فإنه سيكون مرحلة يف برنامج‬ ‫الغري”‪.‬‬ ‫وهذا ما تم‪ .‬ففقدان الربنامج الوطني الثوري الواضح‬ ‫جعل الناشطني يتعلقون باملتاح‪ ،‬والقريب‪ .‬فخيل إليهم‬ ‫أن هذه الدولة ستساعدهم‪ ،‬وتلك املنظمة ستنقذهم‪.‬‬ ‫غري أن األمر تم دوماً عىل نحو مختلف‪ .‬فقد استخدمتهم‬ ‫الدول وحرفتهم املنظامت عام يأملون‪ ،‬واستهلكت جل‬ ‫طاقاتهم يف مالحقة الرساب‪.‬‬ ‫بات من املهم للسوريني وضع اسرتاتيجية ثورية واضحة‬ ‫تخط الطريق وتوحد الجهود وتصل بهم بعد طول تقهقر‪،‬‬ ‫وانتكاس ومحاوالت فاشلة يحدوها الحامس‪.‬‬ ‫ولكن ما هي السامت العامة لهذه االسرتاتيجية؟‬

‫الفرتة والفرتة الالحقة مل تعد تجدي نفعاً‪.‬‬ ‫كانت تتلخص كل هذه الطرق وإىل اآلن يف محاربة‬ ‫الظالم‪ ،‬ولعنه‪ ،‬والرتصد لكل محاوالته يف إخامد اإلرادة‬ ‫الشعبية يف الحرية والكرامة والسيادة‪.‬‬ ‫ما حصل وسيحصل منطقياً‪ ،‬وعملياً يف هذه الطريقة من‬ ‫النضال أن الجهود كلها سرتتهن للظالم وأساليبه‪ ،‬وسيدخل‬ ‫النظام املعارضني له يف ساحة يتقنها‪ ،‬وسيجد املنتفضني‬ ‫أنهم بحكم قانون الفعل ورد الفعل يرتهنون ألدوات‬ ‫ليست إنسانية وال صالحة‪.‬‬ ‫املناسب‪ ،‬وخصوصاً يف هذه املرحلة‪ ،‬العمل عىل الضوء‬ ‫وليس محاربة الظالم‪ .‬ألن تقدم النور بشكل حتمي‬ ‫سيكون عىل حساب اضمحالل الظالم‪ .‬إن فك االرتباط‪،‬‬ ‫واالنعكاس الرشطي النفيس عن النظام أمر جوهري‬ ‫لتحقيق هذه الغاية‪ .‬العمل عىل النور يعني يف تجليه‬ ‫الواقعي صناعة نظام صحي قائم عىل مبادئ قبول اآلخر‬ ‫الحرية والكرامة‪ ،‬واإلبداع واإلنجاز‪ .‬إن كل جهد يثبت‬ ‫أركان النظام الجديد يعني يف الجهة املقابلة انحسار‬ ‫للنظام السابق‪.‬‬

‫كانت الطريقة خالل السنوات املنرصمة تتلخص‬ ‫يف مناهضة النظام‪ ،‬ومحاربته‪ ،‬إما باملظاهرات أو‬ ‫االعتصامات‪ ،‬ووصل األمر الستخدام القوة‪ .‬كام تم القيام‬ ‫بالعديد من البيانات والجهود الدبلوماسية لتحقيق هذا‬ ‫الغرض‪ .‬مخرجات بعض هذه الطرق من املمكن أنها‬ ‫كانت مفيدة بداية االنتفاضة‪ ،‬لكنها حت ًام خالل هذه‬

‫إن سامت النظام الجديد تحددها أهدافه التي نطقت‬ ‫بها حناجر السوريني‪ :‬الحرية‪ ،‬العدل‪ ،‬الكرامة‪ .‬هذه بداية الطريق‪:‬‬ ‫األهداف العامة تحتاج إىل بسط يف الواقع‪ .‬هذا البسط مل من املهم عند محاولة فهم الواقع أن نخلع النظارة‬ ‫يتم إىل اآلن فكرياً‪ ،‬وحت ًام مل َّ‬ ‫يتجل سياسياً بربامج واضحة األيديولوجية‪ ،‬سواء أكانت تلك النظارات متثل أيديولوجيا‬ ‫ومحددة‪ .‬كل ما قام به السياسيون يف هذه املرحلة‬ ‫هو الحومان حول هذه الشعارات‪ ،‬مستعينني ببالغات البقية يف صفحة ‪.....11‬‬

‫الضوء والعتمة‪:‬‬

‫سامت النظام الجديد‪:‬‬

‫خطابية وشعارات وحامسة‪ ،‬غري أن مبدأ “كن فيكون”‬ ‫ظهر مرة واحدة يف تاريخ العامل‪ ،‬وال ميكن تحقيق هذه‬ ‫األهداف ملجرد الرغبة بها‪.‬‬ ‫إن بسط هذه األهداف يف الواقع وتحويلها لربنامج‬ ‫عمل واسرتاتيجية لها مراحل لإلنجاز يحتاج أيضاً فه ًام‬ ‫للواقع‪ ،‬ويف أي مرحلة من مراحل التطور اإلنساين هو‬ ‫الواقع السوري اآلن‪ .‬وما األدوات املناسبة لالنتقال بهذا‬ ‫الواقع‪ ،‬وما املوارد املعرفية‪ ،‬واملادية والتنظيمية املناسبة‬ ‫التي تناسب عملية التحول نحو الهدف العام‪ .‬هذا الفهم‬ ‫املطابق للواقع من شأنه أن يكون األرض الصلبة‪ ،‬واألساس‬ ‫املتني الذي ميكن من خالله بناء رصح لنظام جديد يف‬ ‫سوريا عىل األقل‪.‬‬ ‫لألسف تم تصور الواقع من قبل النخب وفهمه عرب‬ ‫نظاراتهم األيديولوجية‪ ،‬هذا الفهم املشوه جعل تصور‬ ‫الواقع عند كل تيار إيديولوجي مختلف كل االختالف‬ ‫عن التصور لدى التيار األيديولوجي اآلخر‪ .‬إن هذا العامء‬ ‫أدى لنشوب معارك معطلة ألي جهد إيجايب بني هذه‬ ‫التيارات‪.‬‬ ‫ويبقى السؤال كيف هو شكل الواقع وما سامته ومحركاته‬ ‫وأين هو بالنسبة لسلم التطور اإلنساين؟‬


‫حكاية قدســيا األخيرة‬ ‫علي فاروق‬

‫العدد ‪- 81 -‬‬

‫وقد تبدلت املوازين بعد ثالث سنوات فع ًال‪ ،‬خريف‬ ‫العام ‪ ،2016‬لكن عىل خالف ما تأمله الثوار‪ ،‬كام تبدل‬ ‫مسؤول امللف أيضاً‪..‬‬ ‫حل العميد “قيس الفروة” مسؤول األمن يف الحرس‬

‫‪2016 / 12 / 4‬‬

‫نالوها بتضحية أبنائهم‪ ،‬يف انتظار تبدل املوازين مستقب ًال‪..‬‬

‫تقارير‬

‫اقرتبت الساعة من السادسة صباحاً‪ ،‬بدأ سكان املدينة‬ ‫يسمعون إطالق الرصاص‪ ،‬كانت األصوات ترتكز يف‬ ‫منطقة “الخياطني”‪ .‬علمنا من أصدقائنا املرابطني‬ ‫هناك‪ ،‬أن الجيش بدأ محاولة القتحام “الخياطني”‪ ،‬ما‬ ‫سيعني سقوط املدينة بكاملها‪ ،‬فيام لو تحقق له ذلك‪..‬‬ ‫تصدى (‪ )15‬مقات ًال‪ ،‬بأسلح ٍة خفيف ٍة‪ ،‬للجيش املقتحم‪،‬‬ ‫وكبدوه أكرث من (‪ )50‬قتي ًال وجريحاً‪ ،‬وأرسوا جندياً‪..‬‬ ‫فبدأت املدفعية‪ ،‬والدبابات قصفاً عنيفاً استمر حتى‬ ‫املساء‪..‬‬ ‫بعد بيومني بدأت محاولة االقتحام الثانية‪ ،‬هذه املرة‬ ‫كان محورها منطقة “العيون”‪ ،‬يف بلدة الهامة املالصقة‬ ‫لقدسيا‪..‬‬ ‫استشعر السكان الخطر املحدق؛ فالواضح أن هذه‬ ‫املعركة لن تكون كسابقاتها‪ ،‬وقد أيقن الجميع أن‬ ‫النظام عازم عىل تصفية ثورة املدينة‪ ،‬وأن “الهدنة”‬ ‫أعوام‬ ‫التي وافق عليها الثوار‪ ،‬وقبلوها مرغمني لثالثة ٍ‬ ‫سابق ٍة‪ ،‬استنفدت أهدافها‪..‬‬ ‫مدينة قدسيا وبلدة الهامة كانتا من أوىل املناطق‬ ‫التي وقعت اتفاقية “مصالحة وطنية”‪ ،‬كان ذلك‬ ‫ربيع العام ‪ ،2013‬يف ذلك الوقت طرح املسؤول عن‬ ‫ملف “املصالحات” العميد “سامل العيل” خيارين‪:‬‬ ‫إعادة اقتحام املنطقة عسكرياً‪ ،‬واسرتجاعها إىل حضن‬ ‫النظام‪ ،‬ولو مدمرة‪ ،‬أو القبول بتسوية‪ ،‬وإبرام “هدنة”‬ ‫يتعهد فيها الطرفان بعدم القيام بعمل عسكري يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬وتحتفظ فيها األطراف مبواقعها العسكرية‪،‬‬ ‫ومواقفها السياسية‪ .‬ورغم معرفة الثوار أن النظام‬ ‫لغايات‪ ،‬وأهداف غري معلوم ٍة‪ ،‬وأن “الهدنة”‬ ‫يسعى‬ ‫ٍ‬ ‫لن تكون لصالحهم‪ ،‬إال أن موازين القوى يف املنطقة‪،‬‬ ‫باعتبارها محارصة‪ ،‬وليست لها طرق إمداد‪ ،‬وال تتصل‬ ‫مع ٍأي من املناطق املحررة‪ ،‬ووقوعها عىل مقربة من‬ ‫مالصق ملساكن‬ ‫“قرص الشعب”‪ ،‬يف موقع اسرتاتيجي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫“الحرس الجمهوري”‪ ،‬التي تشكل أحد أكرب خزانات‬ ‫النظام البرشية‪ ،‬فلم يكن بد من قبول العرض‪ ،‬والسري‬ ‫يف “املصالحة”‪ ،‬أم ًال يف الحفاظ عىل “حريتهم” التي‬

‫الجمهوري‪ ،‬محل العميد “سامل”‪ .‬وأعطى العميد‬ ‫“قيس” أوامره بحصار املنطقة‪ ،‬وسكانها بشكلٍ كاملٍ ‪،‬‬ ‫وعزّز قوات الجيش يف محيطها‪ ،‬ووضع الثوار أمام‬ ‫ثالثة خيارات‪..‬‬ ‫مع تصاعد االشتباكات األخرية‪ ،‬بدأ األهايل حراكاً شعبياً‪،‬‬ ‫هو األول من نوعه‪ ،‬حيث بدؤوا يتجمعون يومياً يف‬ ‫ساحة “العمري”‪ ،‬الساحة الرئيسة‪ ،‬التي شهدت أضخم‬ ‫املظاهرات السلمية عام ‪ ..2012‬كانوا جميعاً يدركون‬ ‫درجة االستعصاء‪ ،‬والخطورة التي وصلت إليها األمور‪،‬‬ ‫لذلك أرادوا اتخاذ مبادرة‪ ،‬لتجنيب مدينتهم الدمار‪،‬‬ ‫وحفظ أرواح السكان واملقاتلني‪ ،‬وحملت املبادرة‬ ‫عنوان‪“ :‬ال للحرب‪ ..‬نعم للسلم”‪.‬‬ ‫شكل ذلك الحراك لحظ ًة مفصلي ًة يف تاريخ ثورة املدينة؛‬ ‫رغم أن مؤيدي النظام‪ ،‬وعمالئه استغلوه لتشويه‬ ‫صورة املدينة وثوارها‪ ،‬وتحريف مشهد الرأي العام بدأ‬ ‫يتشكل‪ ،‬والذي اتجه لقبول خيارات مخالفة لرغبات‬ ‫الثوار واملقاتلني‪ .‬ومع ذلك كان رأيي‪ ،‬أن الحراك أم ٌر‬ ‫ومطلوب‪ ،‬ورمبا مثل منجزاً أيضاً‪ ،‬ما كان له أن‬ ‫إيجا ٌيب‬ ‫ٌ‬ ‫يتحقق لوال الثورة‪ ،‬وتضحيات الثوار‪ .‬قد أكون مخطئاً‬ ‫طبعاً‪ ،‬وسيخالفني الكثري من األصدقاء بالتأكيد‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك تبقى قناعتي أن الثورة‪ ،‬تهدف باألساس لتمكني‬ ‫الناس من مامرسة حقهم يف الحرية والتظاهر والتعبري‬ ‫عن الرأي‪ ،‬ودعمهم يف تجاوز الحظر املفروض عىل‬ ‫الفضاء العام‪ ،‬والنشاطات العامة‪ ،‬ومساعدتهم عىل‬ ‫التخلص من القيود السياسية واالقتصادية واالجتامعية‬ ‫مبعانيها ومستوياتها املختلفة‪ ،‬والعمل من أجل إتاحة‬ ‫الخيارات‪ ،‬وخلق الفرص لتحديد اتجاهات ومسارات‬ ‫حياتهم‪ ،‬واألهم أن الثورة التي خرجنا من أجلها‪ ،‬هي‬ ‫ثورة حيا ٍة وحري ٍة قبل أي يش ٍء آخ ٍر‪ ،‬وليست ثورة‬ ‫و”تسويات”‪..‬‬ ‫وحروب خارس ٍة‪ ،‬وال ثورة “هدنٍ ”‬ ‫موت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من املؤكد بالطبع أن حراكا شعبيا مامثال‪ ،‬يستحيل‬ ‫تصوره يف مناطق النظام‪ ،‬إذ أن سحقه واملشاركني‬ ‫محسوم‪ ،‬وهذا بحد ذاته ميثل نرصاً للثورة‬ ‫به أم ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واملقاتلني‪ ،‬وهذا ما مينح أيضا أبعادا ودالالت ومعانٍ‬ ‫حقيقية للمناطق املحررة‪ ،‬ومفهوم الثورة فيها‪.‬‬ ‫يف الوقت الذي كان فيه “أبو عدنان” و”أبو أحمد”‬ ‫و”عبيدة” وغريهم من قادة املجموعات‪ ،‬يتقدمون‬ ‫الصفوف‪ ،‬ويوجهون مقاتليهم “أبو عاصم”‪“ ،‬حفص”‪،‬‬ ‫“أبو مأمون”‪“ ،‬أبو رامي”‪“ ،‬أبو السمر”‪“ ،‬محمد أبو‬

‫خالد”‪ ،‬وغريهم من املقاتلني اليافعني الذين تفتحت‬ ‫عيونهم عىل الثورة‪ ،‬ومل يكادوا َي ْخ ُبوا من حيواتهم‬ ‫القليلة إال السالح‪ ،‬والحرب‪ ..‬ويف الوقت الذي كان‬ ‫جميعهم َي ِصلون الليل بالنهار‪ ،‬مرابطني‪ ،‬يصدون قوات‬ ‫الجيش‪ ،‬وامليليشيات املتعددة‪ ،‬ويواجهون الرباميل‬ ‫وصواريخ الفيل واملدافع والدبابات‪ ،‬وهم عازمون عىل‬ ‫القتال حتى الرصاصة األخرية‪ ،‬تخاذل مسلحون آخرون‪،‬‬ ‫فيام انشغل بعضهم اآلخر بالرسقة‪..‬‬ ‫ويف النهاية كانت لألهايل كلمتهم‪..‬‬ ‫مهام استمرت الحرب‪ ،‬وطالت املعركة‪ ،‬وصمد‬ ‫ٌ‬ ‫محسومة‪ ،‬والدروس املستخلصة‬ ‫املقاتلون‪ ،‬فالنتيجة‬ ‫من مدينة “داريا”‪ ،‬وما انتهى إليه حالها‪ ،‬باتت حارض ًة‬ ‫يف األذهان‪ ،‬بقو ٍة‪..‬‬ ‫“العني ما بتقاوم املخرز”‪ ،‬قال بعض األهايل الخائفني‪،‬‬ ‫“تجاوزات الثوار وأخطاؤهم هو اليل وصلنا لهون” ردد‬ ‫آخرون‪“ ،‬ما عادت معركتنا ضد النظام‪ ،‬صارت حرب‬ ‫ضد روسيا وإيران‪ ،‬يعني حرب عاملية!” أضاف فريقٌ‬ ‫ثالث‪..‬‬ ‫يف إحدى األمسيات‪ ،‬استوقفنا أحد املدنيني ليسألنا‬ ‫عن قرارنا‪ ،‬ودار حوار‪ ..‬قال صديقي املقاتل للرجل‪:‬‬ ‫إذا قبلنا عرض “الفروة”‪ ،‬وطلعنا عىل إدلب‪ ،‬بتأمنوا‬ ‫عىل حالكن من النظام؟ فأجاب الرجل‪ :‬أنتو والدنا‬ ‫وأخواتنا‪ ،‬ونحنا ما بدنا ياكن تطلعوا‪ ،‬بس إذا ضليتوا‬ ‫فيكن متنعوا عنا الرباميل؟‪..‬‬ ‫لخص كالم الرجل الخيارات املظلمة القادمة‪..‬‬ ‫أواخر صيف العام ‪ ،2012‬اقتحم النظام مدينة داريا‪،‬‬ ‫بأيام قليل ٍة‪،‬‬ ‫وارتكب فيها مجزرة مروعة‪ ،‬وبعدها ٍ‬ ‫اقتحم مدينتا قدسيا‪ ،‬والهامة‪ ،‬وقتل فيهام عدداً ال‬ ‫نعلمه‪ ،‬حتى يومنا هذا‪..‬‬ ‫نهاية العام ‪ ،2012‬مطلع العام ‪ ،2013‬بدأ النظام حملة‬ ‫عسكرية عىل مدينة داريا‪ ،‬واستمرت ما يقارب أربع‬ ‫سنوات‪ُ ،‬س ِجلت باعتبارها املعركة األطول واألرشس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫واألهم حتى اآلن‪..‬‬ ‫فيام فاوض النظام ثوار قدسيا‪ ،‬والهامة‪ ،‬مطلع العام‬ ‫‪ ،2013‬وفرض عليهم “هدنة” طويلة‪..‬‬ ‫خريف العام ‪ ،2016‬اجتمع مقاتلو مدينة داريا‪،‬‬ ‫ومقاتيل مدينتي قدسيا والهامة عىل أرض محافظة‬ ‫إدلب “املحررة”‪..‬‬ ‫وانتهت الحكاية‪..‬‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫‪ 11/ 25‬اليوم العالمي‬ ‫لمناهضة العنف ضد المرأة‬ ‫المحامية دعد موسى‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫أعلنت الجمعية العامة لألمم املتحدة يف عام ‪1999‬‬ ‫يوم ‪ 25‬ترشين الثاين اليوم الدويل للقضاء عىل‬ ‫العنف ض ّد املرأة‪ .‬تخليداً لنفس اليوم من سنة‬ ‫‪ 1960‬حني اغتيلت األخوات مريابال‪ ،‬الناشطات‬ ‫السياسيات‪ ،‬يف جمهورية الدومنيكان‪ ،‬حيث ُس ّجل‬ ‫مقتلهنّ كأعتى أنواع العنف املوجه للمرأة‪.‬‬ ‫وقد اعترب هذا التاريخ‪ ،‬رصخ ًة عاملية تندّد بالعنف‬ ‫ض ّد النساء‪.‬‬ ‫وبادرت األمم املتحدة منذ عام ‪ 1991‬إىل تخصيص‬ ‫مدة محدّدة من كل عام من ‪ 25/11‬إىل ‪10/12‬‬ ‫تنظم فيها حمالت عاملية ملكافحة العنف ض ّد‬ ‫املرأة تس ّلط فيها األضواء عىل هذه الظاهرة‬ ‫من كافة جوانبها‪ ،‬واستنباط ما يلزم من وسائل‬ ‫وتحريك كل اإلمكانيات املتاحة للقضاء عليها‪.‬‬ ‫أصدرت األمم املتحدة عام ‪ 1993‬اإلعالن بشأن‬ ‫القضاء عىل العنف ض ّد املرأة‪ ،‬ووفقاً لإلعالن‬ ‫يعني تعبري “العنف ضد املرأة”‪ :‬أي فعل عنيف‬ ‫تدفع إليه عصبية الجنس‪ ،‬ويرتتب عليه‪ ،‬أو يرجح‬ ‫أن يرتتب عليه‪ ،‬أذى أو معاناة للمرأة‪ ،‬سواء من‬ ‫الناحية الجسامنية أو الجنسية أو النفسية‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القرس أو‬ ‫الحرمان التعسفي من الحرية‪ ،‬سواء حدث ذلك يف‬ ‫الحياة العامة أو الخاصة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وجاء يف املادة ‪ 2‬من اإلعالن تحديدا ألشكال‬ ‫العنف وبدون حرصها؛ حيث ميكن أن تضاف‬ ‫إليها أي أفعال تعترب من قبيل العنف وتسبب أذى‬ ‫للنساء مهام كان نوعه‪:‬‬ ‫أ‪ .‬العنف البدين والجنيس والنفيس الذي يحدث يف‬ ‫إطار األرسة‪ ،‬مبا يف ذلك الرضب والتعدي الجنيس‬ ‫عىل أطفال األرسة اإلناث‪ ،‬والعنف املتصل باملهر‬ ‫واغتصاب الزوجة‪ ،‬وختان اإلناث وغريه من‬ ‫املامرسات التقليدية املؤذية للمرأة‪ ،‬والعنف غري‬ ‫الزوجي والعنف املرتبط باالستغالل‪.‬‬ ‫ب‪ .‬العنف البدين والجنيس والنفيس الذي يحدث‬ ‫يف إطار املجتمع العام مبا يف ذلك االغتصاب‬ ‫والتعدي الجنيس‪ ،‬واملضايقة الجنسية والتخويف‬ ‫يف مكان العمل ويف املؤسسات التعليمية وأي‬ ‫مكان آخر‪ ،‬واالتجار بالنساء وإجبارهن عىل البغاء‪.‬‬

‫ج‪ .‬العنف البدين والجنيس والنفيس الذي ترتكبه‬ ‫الدولة أو تتغاىض عنه‪ ،‬أينام وقع‪.‬‬ ‫وتركز املادة ‪ 3‬من اإلعالن عىل الحقوق األساسية‬ ‫الواجب متتع النساء بهن دون أي متييز‪.‬‬ ‫أ‪ .‬الحق يف الحياة‬ ‫ب‪ .‬الحق يف املساواة‬ ‫ج‪ .‬الحق يف الحرية واألمن الشخيص‬ ‫د‪ .‬الحق يف التمتع املتكافئ بحامية القانون‬ ‫هـ‪ .‬الحق يف عدم التعرض ألي شكل من أشكال‬ ‫التمييز‬ ‫و‪ .‬الحق يف أعىل مستوى ممكن من الصحة البدنية‬ ‫ز‪ .‬الحق يف رشوط عمل منصفة ومواتية‬ ‫ح‪ .‬الحق يف أن تكون يف مأمن من التعذيب أو‬ ‫املعاملة أو العقوبة القاسية أو الال إنسانية أو‬ ‫املهينة‪.‬‬ ‫وتلزم املادة ‪ 4‬الدول أن تدين العنف ضد املرأة‪،‬‬ ‫وأال تتذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية‬ ‫بالتنصل من التزامها بالقضاء عليه‪ ،‬وأن تدرج‬ ‫يف القوانني املحلية جزاءات جنائية أو مدنية أو‬ ‫جزاءات عمل إدارية بحق مرتكبيه‪ ،‬وتؤمن للنساء‬ ‫تعويضاً عن األرضار‪ ،‬وأن تفتح فرص الوصول إىل‬ ‫آليات العدالة أمام النساء‪ ،‬وأن تتاح لهنّ سب ًال‬ ‫عادلة وفعالة لالنتصاف من األرضار التي تلحق‬ ‫بهن وأن تصوغ‪،‬عىل نحو شامل‪ ،‬النهج الوقايئ وكل‬ ‫التدابري القانونية والسياسية واإلدارية والثقافية‬ ‫التي تعزز حامية املرأة من جميع أشكال العنف‬ ‫وتكفل أن ال يتكرر إيذاء املرأة بسبب وجود‬ ‫قوانني ومامرسات تقليدية وأي أشكال ّ‬ ‫تدخل‬ ‫أخرى ال تراعي نوع الجنس‪.‬‬ ‫وقررت لجنة حقوق اإلنسان التابعة لألمم املتحدة‬ ‫يف قرارها ‪ 1994/45‬يف ‪ 4‬آذار تعيني مقرر خاص‬ ‫معني بالعنف ض ّد املرأة‪ ،‬تتلقى معلومات عن‬ ‫العنف املرتكب ض ّد النساء وأسبابه وعواقبه‬ ‫من الحكومات وهيئات املعاهدات والوكاالت‬ ‫املتخصصة واملقررين الخاصني اآلخرين ومن‬ ‫املنظامت الحكومية الدولية واملنظامت غري‬ ‫الحكومية‪ ،‬وأن تستجيب بفعالية لتلك املعلومات‪،‬‬ ‫وتويص بتدابري وسبل ووسائل عىل الصعد املحلية‬

‫والوطنية واإلقليمية والدولية للقضاء عىل جميع‬ ‫أشكال العنف املوجه للنساء وأسبابه‪ ،‬وملعالجة‬ ‫عواقبه‪ ،‬وتحيل مناشدات ومراسالت عاجلة إىل‬ ‫الدول بشأن حاالت عنف مزعومة ضد املرأة‪.‬‬ ‫وأطلقت منظمة العفو الدولية يف العام ‪2004‬‬ ‫حملة عاملية لوقف العنف ض ّد املرأة‪ .‬أسهمت‬ ‫الحملة يف النجاحات التي حققت عدداً من‬ ‫التغيريات الترشيعية والتغيريات يف السياسات‬ ‫املتبعة عىل املستويات الوطنية‪ ،‬فض ًال عن أنها‬ ‫ساندت الجهود التي ُبذلت عىل الساحة الدولية‬ ‫العتامد قراري مجلس األمن ‪ 1325‬و‪1820‬‬ ‫املتعلقني باملرأة والسالم واألمن‪.‬‬ ‫يف آب ‪ 2008‬قدم األمني العام لألمم املتحدة‬ ‫للدورة ‪ 63‬للجمعية العمومية تقريراً مفص ًال عن‬ ‫القضاء عىل االغتصاب وغريه من أشكال العنف‬ ‫الجنيس بجميع مظاهره‪.‬‬ ‫وتوالت الفعاليات واملؤمترات بهدف تسليط الضوء‬ ‫عىل العنف ضد املرأة ومكافحته‪ .‬ولكن الحقائق‬ ‫تشري إىل أنه مستمر ويتفاقم ويشكل وبا ًء عاملياً‪،‬‬ ‫وهو ناجم عن التمييز ضد املرأة قانونياً وعملياً‪،‬‬ ‫وكذلك عن استمرار نهج الالمساواة بني الجنسني‪.‬‬ ‫يف أيار ‪ 2011‬تم توقيع اتفاقية املجلس األوريب‬ ‫(اتفاقية اسطنبول) حول الوقاية من العنف ضد‬ ‫النساء والعنف املنزيل ومكافحتهام‪.‬‬ ‫ويف ‪ 25/11/2016‬تم إطالق حملة األورو‪-‬‬ ‫متوسطية ملناهضة العنف ضد النساء‬ ‫وحسب اإلحصائيات تتعرض أكرث من ‪ 70%‬من‬ ‫النساء يف حياتهن للعنف‪ ،‬وأن ‪ 35%‬من النساء‬ ‫والفتيات عىل مستوى العامل تعرضن لنوع من‬ ‫أنواع العنف الجنيس‪ ،‬ويف بعض البلدان تتعرض‬ ‫‪7‬من كل ‪ 10‬نساء لسوء املعاملة‪ .‬و يقدر عدد‬ ‫النساء اللوايت تزوجن ومل يزلن صغريات بـ ‪700‬‬ ‫مليون امرأة‪ ،‬منهن ‪ 250‬مليون تزوجن دون سن‬ ‫الخامسة عرش‪ .‬ومن املرجح أال تكمل الفتيات‬ ‫اللوايت يتزوجن تحت سن الثامنة عرش تعليمهن‪،‬‬ ‫كام أنهن أكرث عرضة للعنف املنزيل ومضاعفات‬ ‫الوالدة‪.‬‬


‫المحاكمات العادلة‬ ‫في التشريع السوري‬

‫‪9‬‬

‫المحامي ميشال شماس‬

‫العدد ‪- 81 -‬‬ ‫‪2016 / 12 / 4‬‬

‫مع تطور الفكر اإلنساين‪ ،‬تطورت فكرة العدالة‬ ‫واتسع نطاقها‪ ،‬والسيام بعد صدور اإلعالن العاملي‬ ‫لحقوق االنسان‪ ،‬والعهد الدويل يف الحقوق املدنية‬ ‫والسياسية‪ ،‬واتفاقية مناهضة التعذيب‪ ،‬والتي‬ ‫أرست مجموعة من القواعد واملبادئ التي من‬ ‫شأنها تعزيز حامية حقوق اإلنسان‪ .‬ومن بني تلك‬ ‫الحقوق الحق يف املحاكمة العادلة‪ .‬وهو حق من‬ ‫يخص القضاء الجنايئ وحده‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬وال ّ‬ ‫بل يشمل القضاء بكل فروعه املدنية والجزائية‪،‬‬ ‫وهو ال يقترص فقط عىل مرحلة املحاكمة‪ ،‬بل‬ ‫يشمل كذلك مرحلة ما قبل املحاكمة وما بعدها‪.‬‬ ‫ومازال االلتزام باملعايري الدولية للمحاكامت‬ ‫نصت عليها اللوائح واالتفاقيات‬ ‫العادلة التي ّ‬ ‫واملواثيق الدولية يشكل هاجساً ومطلباً لجميع‬ ‫املؤمنني بحامية حقوق اإلنسان‪ ،‬ويف طليعتها‬ ‫املنظامت الدولية والوطنية‪ ،‬التي ترى أن االلتزام‬ ‫مبعايري املحاكمة العادلة رشط من رشوط تأسيس‬ ‫دولة القانون اعتامداً عىل املساواة بني أفراد‬ ‫املجتمع‪ ،‬وحق من الحقوق األساسية التي يجب‪،‬‬ ‫تضمنها الدساتري والترشيعات الوطنية‪ ،‬وتحميها‬ ‫لتأمني تحقيق العدالة عرب كافة مراحل وإجراءات‬ ‫التحقيق واملحاكمة ومكان تنفيذ العقوبة‪.‬‬ ‫وعىل هذا أكدت املادة ‪ 10‬من اإلعالن العاملي‬ ‫لحقوق اإلنسان‪“ :‬لكل إنسان عىل قدم املساواة‬ ‫التامة مع اآلخرين الحق يف أن تنظر قضيته‬ ‫محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً وعلنياً‪،‬‬ ‫للفصل يف حقوقه والتزاماته ويف أي تهمة جزائية‬ ‫توجه إليه”‪ .‬كام أكدت عليها املادة ‪ 14‬من العهد‬ ‫ّ‬ ‫الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية‪“ :‬من‬ ‫حق كل فرد أن تكون قضيته ّ‬ ‫محل نظر منصف‬ ‫وعلني من ِق َبل محكمة مختصة مستقلة حيادية‬ ‫منشأة بحكم القانون”‪ .‬كام تضمن العهد الدويل‬

‫املذكور عىل الكثري من الحقوق التي تكفل إجراء‬ ‫املحاكمة العادلة‪ .‬يضاف إليها مجموعة أخرى من‬ ‫املواثيق واللوائح الهامة التي صدرت عن األمم‬ ‫املتحدة‪ ،‬فيام يتعلق مبنع التعذيب واستقالل‬ ‫السلطة القضائية واملحامني ومعاملة السجناء‬ ‫وغريها من الصكوك واالتفاقيات الدولية التي‬ ‫صادقت عليها جميع الدول ومن ضمنها سورية‪،‬‬ ‫باعتبارها نصوصاً دولية متفقاً عليها‪ ،‬هدفها األول‬ ‫حامية حقوق األشخاص منذ لحظة القبض عليهم‪،‬‬ ‫وأثناء احتجازهم قبل تقدميهم إىل املحاكمة‪ ،‬وعند‬ ‫محاكمتهم‪ ،‬وحتى آخر مراحل االستئناف والنقض‪.‬‬ ‫وميثل انتهاك هذه املعايري مبعث قلق كبري‬ ‫للناشطني واملنظامت الدولية املعنية بحقوق‬ ‫اإلنسان يف شتى أنحاء العامل؛ لكون تلك االنتهاكات‬ ‫تشكل خطراً عىل حقوق اإلنسان يف حد ذاتها؛‬ ‫وألنها تساهم يف وقوع شتى رضوب االنتهاكات‬ ‫األخرى لحقوق اإلنسان‪ ،‬مبا يف ذلك الز َّّج باألفراد‬ ‫يف السجون‪ ،‬ألسباب ُتدْرجهم يف عداد سجناء الرأي‬ ‫والتعذيب‪ ،‬واستخدام العقوبات القانونية التي‬ ‫ترقى إىل حد التعذيب أو املعاملة القاسية أو الال‬ ‫إنسانية أو املهينة‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أن السلطات السورية قد أقرت‬ ‫يف دساتريها املتعاقبة عىل احرتام حرية اإلنسان‪،‬‬ ‫ومنع التعذيب ونصت يف قوانينها عىل املحاكمة‬ ‫العادلة‪ ،‬وأن ال جرمية بدون نص‪ ،‬وأن املتهم بريء‬ ‫حتى تثبت إدانته واعتبار حق التقايض والدفاع‬ ‫مصون‪ ،‬اإل أن كل ذلك بقي حرباً عىل ورق‪ .‬فمن‬ ‫يطلع عىل الدستور السوري الصادر عام ‪2012‬‬ ‫ودستور عام ‪ 1973‬والترشيعات السورية‪ ،‬سيلحظ‬ ‫أنها اشتملت عىل الحق ونقيضه؛ فمث ًال اعتربت‬ ‫التعذيب يف دستور ‪ 2012‬جرمية‪ ،‬لكن عىل أرض‬ ‫الواقع يجري التعذيب عىل نطاق واسع وممنهج‬

‫يف كافة السجون واملعتقالت األمنية‪ .‬وكفل‬ ‫بنص‬ ‫الدستور حق التقايض‪ ،‬ومنعته السلطة ّ‬ ‫قانون آخر‪ ،‬كام يف حالة إنشاء املحكمة امليدانية‬ ‫التي متنع املحامني من مراجعتها أو الرتافع أمامها‪،‬‬ ‫ومينع الطعن يف قراراتها التي تصدر مربمة‪.‬‬ ‫وكذلك الوضع يف محكمة اإلرهاب اليختلف كثرياً‪،‬‬ ‫حيث يجري استجواب املتهمني أمامها يف ظروف‬ ‫بالغة السوء من قبل قضاة فاقدي االستقاللية‪،‬‬ ‫وال يسمح للمتهم بالحديث مع محاميه‪ ،‬ويتم‬ ‫استجوابه يف كثري من األحيان بدون محام‪ ،‬كام‬ ‫ال يسمح للمحامي بتصوير ملف القضية‪ ،‬يضاف‬ ‫إليها السطوة الكبرية لعنارص األمن والرشطة‬ ‫وتدخلهم يف عمل املحكمة‪ ،‬وباختصار شديد فإن‬ ‫السلطات تسحب ما تعطيه من حقوق يف بعض‬ ‫نصوص القوانني‪ ،‬من خالل انتهاكها ومصادرتها يف‬ ‫بعض نصوص قانونية أخرى‪.‬‬ ‫فال يكفي النص يف الدستور والقوانني عىل‬ ‫تلك املعايري عىل أهميته ما مل يرتافق ذلك ك ّله‬ ‫مبؤيدات جزائية تردع املخالفني لها من الحكام أو‬ ‫املحكومني عىل السواء‪ ،‬وما مل يرتافق أيضاً مع نرش‬ ‫روح الحرية واحرتام القانون لدى الناس أجمعني‪،‬‬ ‫وجعل تلك الروح ح ّية عىل الدوام يف قلوب الناس‪،‬‬ ‫فام قيمة النصوص والقوانني إذا خمدت روح‬ ‫الحرية واحرتام القانون وحقوق اإلنسان يف قلوب‬ ‫الناس؟ هذه الحرية التي تعلو باإلنسان‪ ،‬وال تحط‬ ‫من قيمته بالرتهيب والتخويف‪.‬‬ ‫باختصار‪ ،‬ال ميكن وصف محاكمة بالعادلة‪ ،‬إال‬ ‫إذا التزمت املحاكمة ك ّلها‪ ،‬من بدايتها إىل نهايتها‪،‬‬ ‫باملعايري الدولية للمحاكامت العادلة‪ ،‬مع توفر‬ ‫سلطة قضائية مستقلة ومحايدة‪ ،‬وعىل وجه‬ ‫الخصوص‪ :‬منع التدخل األمني يف عمل القضاة‬ ‫واملحاكم‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫هل تنجح تجربة(غا تشا تشا)‬ ‫في سورية ؟!‬ ‫سامي الساري‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫مقاالت‬

‫ال يزال موضوع العدالة االنتقالية هو الشغل‬ ‫الشاغل للكثري من املنظامت الحقوقية واألفراد‬ ‫العاملني يف مجال القانون‪ ،‬وحتى من غري‬ ‫املختصني بالقانون‪ ،‬كام حصل معي حني‬ ‫صادفت أحد األصدقاء وهو خريج كلية تربية‬ ‫أطفال‪ ،‬ويقوم بإعداد مرشوع عن العدالة‬ ‫االنتقالية واملحاسبة‪ .‬فاعتربت أنه من حقه كـ‬ ‫سوري مترضر من األحداث الجارية أن يقدم‬ ‫ما يساعد يف عملية املساءلة واملحاسبة‪ .‬ولكني‬ ‫أتساءل هل من يقوم بإعداد هكذا مشاريع عىل‬ ‫علم ودراية بطبيعة املجتمع وتركيبته؟ هل هم‬ ‫عىل دراية أن معظم الشعب السوري ال يثق‬ ‫بالقضاء ومؤسساته‪ ،‬ألسباب يطول رشحها؟ هل‬ ‫لديهم معلومات عن القضاء العريف أو املحيل‪،‬‬ ‫وتحديداً يف املناطق ذات الطابع القبيل‪ ،‬والتي‬ ‫ال زالت تؤمن بفكرة الثأر واالنتقام واالصطفاف‬ ‫وراء القبيلة أو العشرية‪ ،‬وقتل املرأة بداعي‬ ‫“الرشف”؟ هل وضعوا بالحسبان كيفية كبح‬ ‫جامح االنتقام والثأر العشائري؟ أم أنهم سائرون‬ ‫عىل نهج “القائد الخالد” ‪-‬رغم موته‪ -‬يف إهامل‬ ‫هذه املناطق باعتبار أهلها مواطنني من الدرجة‬ ‫الثالثة؟!‬ ‫بالعودة إىل العدالة االنتقالية‪ ،‬فمع حدوث أي‬ ‫تحول سيايس أو انتقال دميقراطي يف الدول‬ ‫التي كانت تشهد نزاعات وحروبا وقمعاً وعنفاً‬ ‫واضطهاداً‪ ،‬يتطلع املجتمع بعدها للتعبري عن‬ ‫نفسه‪ ،‬ويشعر بأحقيته يف تقرير وتحديد مصريه‪.‬‬ ‫لكن التفكري باملايض يبقى عائقاً أمام مامرسة‬ ‫املجتمع لدوره الفعال‪ ،‬ولعل أبرز ما يشغل بال‬ ‫شعوب هذه الدول هو كيفية تطبيق العدالة‬ ‫االنتقالية ومحاسبة املجرمني‪ ،‬والتي ال تعني‬ ‫يف أغلب األحيان سوى املصالحة‪ ،‬والتي يرتتب‬ ‫عليها معاقبة املجرمني وتعويض املترضرين‪.‬‬ ‫فنجد أن الكثري من الدول قد نجحت يف عملية‬ ‫التحول الدميقراطي والعدالة االنتقالية‪ ،‬وقادت‬ ‫إىل نتائج مذهلة وساهمت يف تعزيز املسار‬ ‫الدميقراطي‪ ،‬وتكريس العدالة وسيادة القانون‪..‬‬ ‫وإذا أخذنا مثاالً ‪-‬ال عىل سبيل الحرص‪ -‬التجربة‬ ‫الرواندية‪ ،‬وحاولنا تطبيقها يف بعض املناطق يف‬

‫سوريا تحديداً‪ ،‬يف ظل وجود نار خامدة تحت الرماد‪،‬‬ ‫فام أن تسنح الفرصة حتى تعود فكرة الثأر واالنتقام‪،‬‬ ‫فنتوصل لنتيجة أنها تجربة مهمة‪ ،‬وجديرة باالطالع‪،‬‬ ‫ويجب االستفادة منها يف املناطق ذات الطابع القبيل‪،‬‬ ‫وحتى يف غريها من املناطق‪ .‬فبعد أن وضعت حرب‬ ‫اإلبادة الجامعية أوزارها‪ ،‬والتي أدت إىل إبادة حوايل‬ ‫املليون شخص يف ثالثة أشهر! استطاع الروانديون أن‬ ‫يتفقوا عىل ّ‬ ‫حل خالفاتهم وذلك عن طريق إجراءات كان‬ ‫نظام “املحاكم املحلية للعدالة”‪ ،‬و تعرف‬ ‫أبرزها تطبيق ٍ‬ ‫هذه املحاكم املجتمعية باسم‪“ :‬غا تشا تشا” وأنشئت‬ ‫يف عام ‪2001‬م‪ ،‬من أجل مواجهة كم كبري من القضايا‬ ‫املرتاكمة يف النظام القضايئ‪ .‬ويف هذا النظام يقوم القضاة‬ ‫املنتخبون عىل الصعيد املجتمعي بعملية املحاكمة‬ ‫والبت بقضاياها‪ .‬واعتمدت نظام املحاكم املحلية (يف‬ ‫القرى) لإلرساع بالعملية القضائية‪ ،‬والذي يفيض إىل‬ ‫تحقيق العدالة واملصالحة يف رواندا‪ ،‬ويحمل مصطلح‬ ‫(غاتشاشا ‪ )Gacaca‬يف اللغة الرواندية‪( :‬الحديقة)‪،‬‬ ‫حيث كان شيوخ القرية ومجتمعهم يتجمعون ّ‬ ‫لحل‬ ‫مشكلة ما‪ .‬ومن هنا ّ‬ ‫فإن محاكم غاتشاتشا تتوافق مع‬ ‫محاكم القرى التقليدية القامئة؛ حيث كان يتم استدعاء‬ ‫وتوجه التهم‬ ‫املتهمني بجرائم اإلبادة الجامعية إىل القرى‪ّ ،‬‬ ‫مبارشة من ِقبل املشتكني‪ ،‬ويرشف عىل املحاكامت قضاة‬

‫مؤهلون‪ ،‬ولكن من السكان املحليني‪ .‬وأثبتت نجاحاً‬ ‫كبرياً‪ ،‬حتى إنها تفوقت عىل املحكمة الجنائية الدولية‬ ‫التي شكلتها األمم املتحدة‪ ،‬والتي كان مقرها يف تنزانيا‪،‬‬ ‫ومن جملة االنتقادات املوجهة لهذه املحكمة أنها مل‬ ‫تفلح إال بإصدار ‪ 18‬إدانة طوال ‪ 10‬سنوات‪ .‬وهذا ما‬ ‫يثبت أن هذه التجربة ستنجح يف سوريا يف املناطق ذات‬ ‫الطابع القبيل‪ ،‬ألن هذا النوع من القضاء موجود ولكن‬ ‫باختالف بسيط أن القضاء العشائري إن صحت تسميته‬ ‫ال يعترب قضا ًء نظامياً‪ ،‬ولكن رسخ يف العقل الجمعي لدى‬ ‫األشخاص املنحدرين من أصول قبائلية أنه فعال وأرسع‬ ‫من القضاء النظامي‪ ،‬وأن “العارفة” أي الشخص الذي‬ ‫يحتكم عنده األشخاص‪ ،‬أكرث فعالية من القايض‪ ،‬ومن‬ ‫مميزاته أن يجرب األشخاص عىل االلتزام بقرارته‪.‬‬ ‫من وجهة نظري أعتقد أن التجربة الراوندية ستكون‬ ‫ناجحة يف هذه املناطق برشط أن ال يتم تكريسها‬ ‫كمؤسسة قامئة‪ ،‬ألنه ال بديل عن إنشاء قضاء مستقل‬ ‫وعادل يحفظ كرامة وحقوق السوريني والسوريات‪ .‬ومن‬ ‫أجل الحفاظ عىل كل قطرة دم وروح ستزهق الحقاً‪،‬‬ ‫نجد أنفسنا مضطرين للرجوع قلي ًال إىل الوراء وتطبيق‬ ‫مثل هكذا محاكم‪ ،‬بإرشاف مختصني بحقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫لنحافظ عىل ما تبقى من النسيج السوري االجتامعي‪،‬‬ ‫والبدء ببناء دولة القانون والعدالة واملساواة‪.‬‬


‫ما العمل ‪..‬‬ ‫‪ ....‬تتمة من صفحة ‪6‬‬

‫يتبع‪..‬‬

‫قال حينها إن “الشعب الذي نحتله بات يشكل عبئاً علينا‪ ،‬فعلينا‬ ‫أن نبقى مسيطرين عليه‪ ،‬وعلينا أن نؤمن حياته وأمنه واقتصاده”‪.‬‬ ‫وبالتايل أصبح التفكري يف مخارج السالم حاجة إرسائيلية‪ ،‬حتى وإن كان‬ ‫سالماً عىل مراحل أو سالماً مشوهاً‪ .‬لكنه يعكس مأزق االحتالل‪ .‬وقد‬ ‫كتبت سابقاً عن لحظة التفكري اإلرسائيلية الحقيقية‪ ،‬وأستعيد اليوم‬ ‫تلك القطعة التي أراها الزمة يف هذا املقام‪ ،‬فبرييس يستلهم أفكاره يف‬ ‫هذا من السري توماس مور ومن كتابه “يوتوبيا”‪ ،‬بالذات حني يصف‬ ‫حال أ ّمة غزت أ ّمة أخرى‪ ،‬فباتت تعيش حالة طوارئ مديدة‪ .‬يقول‬ ‫مور‪“ :‬منذ أمد بعيد توجه هذا الشعب إىل الحرب ليكسب مملكة‬ ‫أخرى ملليكه‪ ،‬الذي ورث حقاً قدمياً فيها عن طريق الزواج‪ .‬وعندما‬ ‫غزوها وجدوا أن االحتفاظ بها ال يقل صعوبة عن الحصول عليها؛‬ ‫فرعاياهم الجدد إما يف ثورة متصلة أو أن الغزاة األجانب يهاجمونهم‪.‬‬ ‫وعليه وجد األكوريون أنفسهم يف حالة حرب دامئة‪ ،‬إما ملواجهة هؤالء‬ ‫الرعايا أو للدفاع عنهم‪ .‬ويف غضون ذلك باتوا يعانون بسبب الرضائب‬ ‫الفادحة‪ .‬بينام األموال تترسب من مملكتهم‪ .‬ودماؤهم تسفح من أجل‬ ‫الغري‪ .‬والسالم بقي مبنأى عنهم كام كان من قبل‪ .‬لقد أفسدت الحرب‬ ‫مواطنيهم بتشجيعهم إياهم إىل امليل نحو النهب والقتل‪ .‬حتى تهاوت‬ ‫القوانني”‪.‬‬ ‫ما تقوله الكلامت أعاله‪ ،‬عن دولة احتالل بقوة “إرسائيل”‪ ،‬تختلف‬ ‫عن الشعب الفلسطيني عرقياً ودينياً وثقافياً‪ .‬فكيف هو الحال مع‬ ‫دولة األسد‪ ،‬الذي لن يستطيع إعادة تركيب املجتمع من جديد‪ ،‬وال‬ ‫جمع القتلة مع الضحايا يف حارات واحدة وال يف مدارس واحدة وال يف‬ ‫دوائر دولة واحدة‪ .‬فاإليرانيون والروس لن يبقوا يف سوريا إىل األبد‪ ،‬ويف‬ ‫النهاية البد من أن يواجه السوريون السوريني يف خارطة واحدة‪ .‬لكن‬ ‫بعد ماذا؟‬ ‫بعد أن أنهك األسد مؤيديه‪ ،‬وح ّولهم مع الوقت إىل حطام إنساين‪ ،‬فاقد‬ ‫للقيم املجتمعية واإلنسانية العامة‪ .‬هو يحتاجهم هكذا يف حالة الحرب‪،‬‬ ‫لكنه لن يتمكن من التعايش معهم يف حالة السلم‪ .‬وأوضاع املناطق‬ ‫الخاضعة لسيطرته يف الساحل وحمص وحامة وغريها خري دليل عىل‬ ‫ذلك‪ ،‬حتى طبيعة الجرائم والعالقات االجتامعية تقول هذا برصيح‬ ‫العبارة‪.‬‬ ‫هكذا يبدأ األسد بالتحول إىل مفيد للثورة السورية‪ ،‬وتصبح كل عملياته‬ ‫تصب يف غري صالحه‪ .‬وهذا هو مأزقة الحقيقي الذي لن‬ ‫اإلجرامية ّ‬ ‫يتمكن من الخروج منه يف أي يوم من األيام‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫أول ما يلفتنا يف االنتفاضة هو انفجار املكون اإلنساين يف سوريا ض ّد‬ ‫النمط الواحد‪ ،‬ما حصل لقرون عديدة أن النظام الشمويل ضبط إيقاع‬ ‫البلد؛ ألغى التاميز‪ ،‬حول الشعب السوري إىل كتلة متجانسة شك ًال‪،‬‬ ‫وخلية واحدة تحتوي الجميع وتعمل بإيقاع واحد‪ .‬عطل كل حالة رصاع‬ ‫أو تعاون بني مكونات الشعب‪ ،‬سكن الحركة البينية بني هذه املكونات‬ ‫وفرض توجهاً عاماً‪ ،‬وثقافة عامة‪ ،‬ورغبات عامة‪ .‬ذلك التامسك السكوين‬ ‫املحكم يف اللحظة األوىل لالنتفاضة انفجر‪ ،‬لتظهر دفعة واحدة األلوان من‬ ‫رحم الرمادي‪ ،‬واالختالف من وهم التامثل‪ ،‬والتنافر والتجاذب من رحم‬ ‫اإلحاطة الكلية الجامعة‪.‬‬ ‫الواضح أن أي محاولة كانت يف األخذ بهذا املناخ االنفجاري نحو التوحيد‪،‬‬ ‫والتنظيم‪ ،‬والربط كانت محاولة فاشلة‪ .‬محكوم عليها بالتمزق بفعل هذا‬ ‫االنفجار الخارج عن قبضة الهيمنة الشمولية‪.‬‬ ‫بقي االنفجار يتوسع خالل السنوات املنرصمة‪ ،‬وخالل ذلك االنفجار بدأت‬ ‫األلوان تأخذ شكلها املكتمل‪ ،‬واالختالفات تبدي جوهرها‪ .‬ال بل تبالغ‬ ‫بحكم ردة الفعل والطاقة االنفجارية‪ -‬يف إظهار كيفها وسامتها الخاصة‪.‬‬‫يف هذه املرحلة االنفجارية مل يكن متاحاً حتى للتنظيامت أو الجامعات‪،‬‬ ‫أو الطوائف‪ ،‬أو األعراق‪ ،‬مل يكن متاحاً للمكونات دون الوطنية‪ ،‬وما‬ ‫دون املكونات الوطنية جذب وتجميع مكونني أو ثالثة بفعل الطاقة‬ ‫االنفجارية‪.‬‬ ‫لكن هل دام األمر عىل ما هو عليه يف السنوات األخرية؟‬

‫‪ ...‬تتمة من صفحة ‪3‬‬ ‫العدد ‪- 81 -‬‬

‫االنفجار األول‪:‬‬

‫‪11‬‬

‫‪2016 / 12 / 4‬‬

‫ماضاوية (عىل غرار اإلخوان والحزب القومي السوري وغريهام) أو‬ ‫نظارات حداثوية (عىل غرار الشيوعيني والعلامنيني وما بينهام)‪.‬‬ ‫سنالحظ ‪-‬إن فعلنا وخلعنا تلك النظارات‪ -‬أننا سرنى بعد ذلك نسقني‬ ‫من املهم التفريق بينهام‪ ،‬ال بل إن التمييز بينهام هو البوابة التي نلج من‬ ‫خاللها لفهم الواقع كام هو‪:‬‬ ‫النسق األول‪ :‬وهو النسق املشفوه الذي يتجىل بالبيانات والخطابات‬ ‫والتصاريح واملؤمترات‪ ..‬الخ‬ ‫النسق الثاين‪ :‬وهو نسق األفعال واألحداث والرصاعات الواقعية‪.‬‬ ‫إن متايز النسق املشفوه‪ ،‬عن نسق األفعال عائد الزدواجية يف العقل‬ ‫العريب‪ ،‬لن نتطرق ألسبابها اآلن‪ ،‬ألنها مبحث تاريخي معريف مستقل‬ ‫يدخل يف باب تكوين العقل العريب‪ .‬يكفينا يف هذا السياق أن ُنحيد جانباً‬ ‫النسق املشفوه‪ ،‬ألنه يعرب عن النظارات األيديولوجية‪ ،‬ونالحظ‪ ،‬ونسرب‪،‬‬ ‫ونحلل نسق األفعال‪ ،‬فهو الحقيقة الف ّعالة‪ ،‬العاملة‪ ،‬املؤثرة والتي تعيد‬ ‫تشكيل الواقع إثر كل نشاط‪.‬‬

‫حيــن تكون انتصارات‬ ‫األســد لصالح ثورة الشعب‬


‫المرأة السورية ‪ :‬حرب ‪ ،‬تشرد‬ ‫و استغالل جنسي‬

‫‪12‬‬ ‫حال عدي رجب‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫غالباً ما ترتافق الرصاعات السياسية والنزاعات‬ ‫ا ُملس ّلحة يف بلد ما مع ظهور أزمات إنسان ّية‬ ‫واجتامعية تؤ ّثر يف حياة أشخاص غري معنيني غالباً‬ ‫بحركة التاريخ وما تتضمنها من رصاعات‪ ،‬هذه‬ ‫األوضاع االجتامعية تحدث يف ّ‬ ‫الظل‪ ،‬وال نستطيع‬ ‫تبني آثارها إال بعد فرتة من الزمن‪ ،‬مثل حاالت‬ ‫ّ‬ ‫الترشد و الفقر‪ ،‬انتشار األم ّية‪ ،‬واالستغالل الجنيس‬ ‫تحت غطاءات عديدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫لعل املرأة السورية تشكل دليال بارزا خالل‬ ‫الحرب التي ما تزال ُمستم ّرة‪ ،‬وتفرض آثارها عىل‬ ‫منط حياة النساء وتنزعهنّ من دورهنّ التقليدي‬ ‫إىل أماكن أش ّد ظلمة وقسوة‪ ،‬كالالجئات يف‬ ‫املخيامت‪ ،‬والنازحات يف مناطق سيطرة النظام‪،‬‬ ‫واللوايت يعشن حياتهن تحت مظلة الفصائل‬ ‫ا ُملس ّلحة املتشدّدة‪ ،‬وحتى اللوايت وصلن إىل أوروبا‬ ‫هرباً من الحرب إىل حياة أفضل‪ .‬فهل وجدت‬ ‫املرأة السورية حياة أفضل؟! أم ّأن السندان‬ ‫يحرصها بني النظام والفصائل املس ّلحة؟!‬ ‫تجد الالجئات السوريات يف مخيامت اللجوء‬ ‫أنفسهنّ عرضة لالستغالل من قبل متنفذين‬ ‫يتحكمون مبأواهنّ ومأكلهنّ ‪ ،‬وحتى بالقوانني‬ ‫والسلطات التي تفرض عليهنّ ‪ ،‬وخصوصاً النساء‬ ‫رب أرسة أو معيل لهنّ ‪،‬‬ ‫املوجودات هناك دون ّ‬ ‫حيث ال يقوين عىل مواجهات جشع أرباب‬ ‫العمل والرشطة‪ ،‬وحتى أولئك الذين يعملون‬ ‫عىل إغاثتهم باملواد الغذائية واملالبس‪ ،‬مقابل‬ ‫استغاللهنّ جنسياً!‬ ‫ال يختلف األمر كثرياً عن سابقه يف مدينة الالذقية‬ ‫التي يسيطر عليها النظام السوري حتى هذه‬ ‫املرحلة من مراحل الرصاع‪ ،‬وفيها يقع مخيم‬ ‫“املدينة الرياضية” التي تسكن فيه عائالت هاربة‬ ‫من مناطق الرصاع يف الداخل السوري‪ .‬تقوم عىل‬ ‫مراكز اإليواء مجموعة من الجمعيات التي تعمل‬ ‫عىل تأمني املواد اإلغاث ّية والطبابة وورشات التوعية‬

‫وأحياناً األدوية‪ ،‬حيث يقوم البعض من املتنفذين‬ ‫هناك من عنارص األمن والشبيحة وأصحاب‬ ‫العقارات باستغالل حاجة النساء الضعيفات‬ ‫مقابل الجنس‪ ،‬خصوصاً اللوايت جنئ مع أطفالهن‬ ‫لتسيي بعض معامالتهن‬ ‫فقط إىل املدينة‪ ،‬و ذلك‬ ‫ّ‬ ‫اإلدارية وأوراقهنّ الرسم ّية وأوراق أطفالهن‪،‬‬ ‫وتأمني السكن والغذاء‪ .‬ويف حاالت كثرية تكون‬ ‫املرأة مع طفلها يف أحد املستشفيات الحكوم ّية‬ ‫عرضة لالستغالل الجسدي من قبل العاملني‬ ‫هناك‪ ،‬وتبدأ هذه املحاولة من السؤال عن مكان‬ ‫وجود رب األرسة‪ ،‬وغالباً ما يكون الجواب أنها ال‬ ‫تعرف أين هو زوجها أو والدها‪ ،‬فهو إ ّما ُمعتقل‬ ‫ال أحد يعرف مكانه وإ ّما مقتول أو يقاتل‪.‬‬ ‫تتع ّرض النساء كذلك من أرامل عنارص الجيش‬ ‫لشتى أنواع االستغالل بعد غياب ُمعيل األرسة‪،‬‬ ‫وحاجتها مع أطفالها لتأمني مأوى أو دخل مستقر؛‬ ‫فتجد املرأة نفسها وحيدة عرضة لالستغالل حتى‬ ‫من قبل أهل الزوج املقتول يف بعض األحيان!‬ ‫يف أحد الحاالت وحيث كانت إحدى النساء‬ ‫تعيش مع أطفالها يف غرفة بأحد األحياء الفقرية‬

‫والعشوائ ّية يف مدينة الالذقية‪ ،‬وزوجها قىض يف‬ ‫إحدى معارك الجيش‪ ،‬وبالرغم من ظروف العيش‬ ‫السيئة التي تعيشها مع أطفالها ّ‬ ‫فإن والد زوجها‬ ‫تخصها مع‬ ‫قام بأخذ املعونات الغذائ ّية التي ّ‬ ‫أطفالها!‬ ‫من ناحية أخرى ّ‬ ‫فإن تنظيم “داعش” يفرض‬ ‫يف مناطق سيطرته الواسعة قوانينه وعاداته‬ ‫الخاصة عىل من يخالف‪ ،‬حيث قام‬ ‫وعقوباته‬ ‫ّ‬ ‫بإغالق املدارس والجامعات ومنع تدريس‬ ‫املناهج الحكوم ّية‪ ،‬وفرض “اللباس الرشعي” عىل‬ ‫النساء‪ ،‬ومنعهنّ من العمل أيضاً‪ .‬وقد ُس ّجلت‬ ‫عّدة حاالت من الجلد والرجم‪ ،‬وعقوبات املوت‬ ‫لنساء‪ ،‬وإيقاع جرمية ختان النساء‪ ،‬ومامرسة كافة‬ ‫وأقبح أشكال االستغالل الجنيس سواء يف حاالت‬ ‫“السبي” أو استخدام املرأة والجنس الستقطاب‬ ‫املقاتلني من مناطق العامل‪ ،‬أو حتى بيعهنّ‬ ‫يف أسواق علن ّية‪ ،‬أو إجبارهنّ عىل العبودية‬ ‫الجنس ّية‪ .‬كام ّأن هناك الكثري من الفتيات اللوايت‬ ‫يرغنب يف متابعة تعليمهن والعودة إىل جامعاتهن‪،‬‬ ‫لكن ذلك ليس متوفراً بسبب عدم السامح لهنّ‬ ‫مبغادرة املدن إ ّال بترصيح من التنظيم ومرافقة‬ ‫كويص عىل هذه األنثى‪ ،‬هذا الترصيح الذي‬ ‫ذكر‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ليس متوفرا للنساء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تزداد معاناة املرأة يف ظل الحروب‪ ،‬حيث تصبح‬ ‫الجامع الوحيد ألرستها وا ُملحا ِفظ الوحيد عىل‬ ‫استقرار العائلة‪ ،‬وتكافح املرأة ما استطاعت من‬ ‫أجل البقاء ولو كان ذلك عىل حساب نفسها و‬ ‫حياتها‪ .‬ويف تقرير لها ذكرت “الشبكة السورية‬ ‫لحقوق اإلنسان” عام ‪ّ 2013‬أن هناك أكرث من‬ ‫‪ 54‬ألف سيدة فقدن أزواجهن بسبب املعارك‪،‬‬ ‫أكرث من ‪ 40‬ألف أ ّم وما تبقى أرامل مل ينجنب‬ ‫أطفاالً بعد‪.‬‬ ‫وال ّ‬ ‫شك أن هذه الكوارث ستلقي بظلها عىل‬ ‫مستقبل سوريا ومستقبل شعبها‪.‬‬


‫بورتريه‪:‬‬

‫نازك العابد بين مشروع االستقالل‬ ‫وتحرير المرأة السورية‬

‫‪13‬‬

‫المحامية‪ :‬منى أسعد‬ ‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫ولدت نازك العابد يف دمشق عام ‪ 1887‬من أرسة دمشقية‪ ،‬والدها‬ ‫مصطفى باشا العابد‪ ،‬كان والياً عىل املوصل يف أواخر العهد‬ ‫العثامين‪ ،‬غري ّأن األرسة نفيت إىل األناضول خالل الحرب العاملية‬ ‫األوىل ملوقفها املطالب باستقالل سوريا‪ ،‬فانتقلت نازك من مدارس‬ ‫دمشق‪ ،‬حيث كانت تتلقى علومها األوىل‪ ،‬إىل مدرسة الفردوس‬ ‫للمرسلني األمريكان يف مدينة أزمري‪ ،‬لتتابع تحصيلها العلمي يف‬ ‫املعاهد الخاصة للتعليم‪ ،‬باإلضافة إىل تعلم فنون التصوير والعزف‬ ‫عىل البيانو‪ ،‬مع اهتامم كبري بالتمريض واإلسعاف‪ ،‬وأتقنت خالل‬ ‫ذلك الفرنسية واإلنكليزية واألملانية باإلضافة إىل العربية والرتكية‪.‬‬ ‫بعد عودتها من املنفى‪ ،‬ودخول األمري فيصل دمشق يف سنة ‪،1918‬‬ ‫ثم ّأسست‬ ‫انضمت نازك العابد إىل “الحركة الوطنية السورية”‪ّ ،‬‬ ‫“مدرسة لبنات الشهداء” وكتبت يف مجالت “العروس” و”الحارس”‬ ‫و”لسان العرب” داعية إىل تح ّرر املرأة ورفع مستواها وثقافتها‪.‬‬ ‫وحني ّأسست حكومة امللك فيصل جمعية “النجمة الحمراء” يف‬ ‫سوريا أوكلت رئاستها للسيدة العابد‪ ،‬التي ّأسست الحقاً يف عام‬ ‫‪ 1920‬جمعية “نور الفيحاء” ملساعدة ضحايا “الثورة السورية”‬ ‫ّ‬ ‫للحض عىل‬ ‫وأصدرت يف العام التايل مجلة “نور الفيحاء” أيضاً‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تحرير املرأة واملطالبة بحقها يف االنتخاب‪ ،‬وساهمت أيضا يف‬ ‫تأسيس “النادي النسايئ الشامي”‪ .‬وحثت فتيات دمشق عىل‬ ‫التظاهر للمطالبة باستقالل سوريا‪ ،‬واستكتبت سيدات دمشق‬ ‫عرائض لتحقيق تلك الغاية‪.‬‬ ‫منحت حكومة امللك فيصل يف سوريا السيدة العابد رتبة نقيب‬ ‫يف الجيش ملواقفها البطولية‪ ،‬كام أسندت إليها يف ‪ 17‬متوز ‪،1920‬‬ ‫الرئاسة الفخرية للجيش السوري نظراً لنشاطها الوطني واالجتامعي‪.‬‬ ‫ومع دخول الجيش الفرنيس إىل سوريا الحتاللها‪ ،‬كانت نازك العابد‬ ‫مع وزير الدفاع حينها يوسف العظمة يف صفوف الفرقة التي‬ ‫خاضت معركة ميسلون ‪ 1920‬حيث استشهد العظمة‪ ،‬فيام منح‬ ‫امللك فيصل العابد رتبة جرنال فخرية يف الجيش السوري‪ ،‬لكن‬ ‫الحكومة الفرنسية نفتها ملدة عامني إىل اسطنبول‪.‬‬ ‫واستمرت بنشاطها املقاوم لالحتالل الفرنيس بعد عودتها إىل‬ ‫دمشق عام ‪ ،1922‬فأعادوا نفيها ثانية إىل األردن‪ ،‬ومل يسمحوا لها‬ ‫بالعودة إىل دمشق حتى تعهدت لهم باعتزال العمل السيايس‪،‬‬ ‫وفع ًال استقرت العابد يف غوطة دمشق‪ ،‬وعملت بالزراعة‪ ،‬حيث‬ ‫فرضت عليها اإلقامة الجربية‪ ،‬وابتعدت عن النشاط قلي ًال‪ ،‬حتى‬ ‫اندلعت الثور ة السورية عام ‪ ،1925‬فوجدت العابد طريقها لدعم‬ ‫الثوار يف غوطة دمشق ومساعدتهم دون أن تظهر إىل العلن‪.‬‬ ‫حني عُ قد يف دمشق املؤمتر السوري األول الذي أعلن والدة اململكة‬ ‫السورية وتنصيب فيصل ملكاً عليها عام ‪ ،1920‬حرض هذا املؤمتر‬

‫محمد جميل بيهم من طرابلس ضمن من حرض‬ ‫من وفود بالد الشام‪ ،‬وتع ّرف عىل العابد التي‬ ‫كانت يف أوج تألقها‪ ،‬ثم عاد يف عام ‪ 1929‬ليطلب‬ ‫الزواج منها‪ ،‬فقبلت وانتقلت لإلقامة معه يف‬ ‫بريوت عام ‪.1930‬‬ ‫شكلت بريوت محطة جديدة يف نضال العابد‪-‬بيهم‬ ‫الوطني بشكل عام‪ ،‬ونضالها من أجل تح ّرر املرأة‬ ‫فأسست عام ‪“ 1932‬جمعية املرأة‬ ‫بشكل خاص‪ّ ،‬‬ ‫العاملة” و”ميتم أبناء شهداء لبنان”‪ ،‬كام ّأسست‬ ‫مع زوجها عام ‪“ 1933‬جمعية مكافحة البغاء”‪،‬‬ ‫التي اصطدمت مع الترشيعات والقوانني التي‬ ‫حاولت سلطات االحتالل فرضها‪ ،‬وكانت مشاركتها‬ ‫األهم يف املؤمتر النسايئ العريب يف القاهرة بتاريخ‬ ‫‪ 12‬ترشين األول ‪ ،1938‬الذي عقد لدعم القضية‬ ‫الفلسطينية أثناء ثورة الكربى “‪.”1936-1939‬‬ ‫حيث تحدثت من ذلك املنرب عن خطر الصهيونية‬ ‫العاملية بخصوص تهويد فلسطني‪ ،‬وخطرها عىل‬ ‫كيانات املنطقة واقتصادياتها‪ ،‬كام تحدثت عن‬ ‫الدور الربيطاين يف دعم الحركة الصهيونية‪.‬‬ ‫وبعد نكبة ‪ّ 1948‬أسست العابد بيهم يف‬ ‫بريوت عام ‪ 1950‬جمعية “تأمني العمل‬ ‫لالجئني الفلسطينيني”‪ ،‬بهدف إعداد الالجئات‬ ‫الفلسطينيات للشهادة االبتدائية‪ ،‬وتعليمهن فنّ‬ ‫الخياطة والتطريز‪ ،‬والرضب عىل اآللة الكاتبة‪.‬‬ ‫حيث أفادت من خدماتها نحو ‪ 1700‬طالبة‬ ‫فلسطينية حتى سنة ‪ ،1959‬وبلغ عدد منشآتها‬ ‫نحو ‪ 22‬مدرسة وميت ًام ومشغ ًال‪ .‬كام أسست عام‬

‫‪“ 1957‬لجنة األمهات اللبنانيات”‪ ،‬للعمل عىل‬ ‫رفع مستوى األم اللبنانية يف كافة مجاالت الحياة‪.‬‬ ‫ورغم كل هذا الزخم يف النشاط والحيوية مل‬ ‫تتوقف العابد عن الكتابة والقراءة واملشاركة‬ ‫يف الحياة الثقافية ملدينة بريوت حتى وفاتها‬ ‫عام ‪ 1959‬عن عمر يناهز ‪ 72‬عاماً قضتها يف‬ ‫النضال والعمل املستمر لخدمة قضايا مجتمعها‬ ‫وقضية املرأة‪ُ ،‬مش ّكلة يف ذلك الوقت ا ُملبكر‬ ‫منوذجاً للمثقف العضوي باملعنى الذي تحدث‬ ‫عنه “غراميش” الحقاً يف تلك الفرتة؛ ُمثقف‬ ‫يربط بني وعيه ومامرسته لخدمة قضايا الناس‬ ‫واملجتمع‪ ،‬حيث ربطت العابد بشكل وثيق بني‬ ‫نضالها الوطني الستقالل سوريا يف إطار بالد الشام‬ ‫املعروفة خارج إطار “سايكس بيكو”‪ ،‬وبني نضالها‬ ‫ض ّد الجهل والتخلف بشكل عام‪ ،‬كام ربطت يف‬ ‫ذلك الوقت ا ُملبكر بني التح ّرر والتنوير الديني‬ ‫وبني قضايا حر ّية املرأة وحقوقها يف املستويات‬ ‫الشخصية والسياسية‪ ،‬رافضة تنميط النساء وفق‬ ‫األنساق الذكور ّية ا ُملسيطرة يف ثقافتنا‪ ،‬ورافضة‬ ‫فكرة تبعيتها للرجل‪.‬‬ ‫رمبا ُيفرس هذا جانباً من مسألة إهامل الثقافة‬ ‫الذكورية يف مجتمعنا لهذه القامة الشاهقة‪ ،‬التي‬ ‫عكست يف مرآتها ضعفنا وعجزنا‪ ،‬كذلك رأت‬ ‫الثقافة األيديولوجية يف نازك العابد قامة خارجة‬ ‫عن األنساق األحادية لها‪ ،‬فتوافق الجميع عىل‬ ‫وأد هذه الصفحة املرشقة يف تاريخنا‪ ،‬ويف أنظمتنا‬ ‫التي تشكلت خارج أي عقد اجتامعي‪.‬‬


‫ّ‬ ‫المؤنثة‪:‬‬ ‫الكتابة‬ ‫ٌ‬ ‫معصية ال تنتظر غفرانا!‬

‫‪14‬‬ ‫لينة عطفة‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫الصوت هو حالة االنعتاق األوىل صوب الحياة‪،‬‬ ‫ثم كانت الكلمة‪ ،‬وحني أفكر بالكتابة بوصفها‬ ‫ّ‬ ‫طريقة حياة بالنسبة يل‪ ،‬أعىل وأبعد من‬ ‫الشغف‪ ،‬تستوقفني الكثري من الحوادث التي‬ ‫جعلتني مراراً أحاول ترتيب أفكار حول الكتابة‪.‬‬ ‫ليس ما أكتبه أنا فقط‪ ،‬بل ما تكتبه األنثى‬ ‫بشكل عام‪ .‬وأقول األنثى ليس ّ‬ ‫ألن للكتابة‬ ‫جنس مذكر أو مؤنث؛ فللكتابة جنس املالك‪،‬‬ ‫لكن منذ عصور ّمثة ٌ‬ ‫عنف يفرض عىل األنثى‬ ‫هو ّية خاصة يف ّ‬ ‫كل يشء‪ ،‬بدءاً من تن ّفسها‬ ‫وليس انتها ًء بطريقتها يف التعبري عن نفسها يف‬ ‫كل أنواع الفنون وليس الكتابة فقط‪.‬‬ ‫ثم‬ ‫األنثى منذ البدء ُمتهمة أ ّوالً باملعصية‪ّ ،‬‬ ‫املكر والخداع والكيد والفتنة‪ ،‬ومنذ االتهام‬ ‫األ ّول‪ ،‬األنثى دامئاً موضع ّ‬ ‫شك وريبة‪ُ ،‬أعدّت‬ ‫لها صورة منط ّية تك ّرست يف الذاكرة اإلنسان ّية‬ ‫عىل م ّر العصور‪ ،‬مذ أن خرست تاج األلوهة‪،‬‬ ‫وحتى ثقافة االستهالك والتسليع الجسدي‬ ‫والروحي‪ .‬لذا لطاملا كانت املرأة تحت ضغوط‬ ‫القمع واملراقبة والوصاية‪ :‬سلطة األب‪ ،‬واألخ‪،‬‬ ‫والزوج‪ ،‬واالبن‪ ،‬واملجتمع‪ ،‬وحتى هي وقفت‬ ‫ض ّد نفسها‪ ،‬إضافة لظلم الطبيعة ولعنة‪ /‬نعمة‬ ‫الحفاظ عىل النوع‪.‬‬ ‫بعد ّ‬ ‫كل ذلك الحصار وجدت األنثى ّأل خيار‬ ‫لتعب عن وجودها سوى االلتفاف عىل‬ ‫أمامها ّ‬ ‫واقعها‪ ،‬فكانت غامضة بكيانها وروحها‪ُ ،‬منغلقة‬ ‫عىل عوامل من األرسار‪ ،‬منفتحة عىل عزلة خيالها‬ ‫ورغائبها وأكوانها‪ ،‬وهكذا بقيت عص ّية ُمل ّغزة‪،‬‬ ‫منامي!‬ ‫تشيطنها الذكورة وتغرق فيها بهوس‬ ‫ٍّ‬ ‫أضف أ ّنه وأمام ّ‬ ‫كل ما يحدث يف العامل ّ‬ ‫فإن‬ ‫اإلنسان يرزح تحت ضغوط هائلة‪ :‬االستبداد‬ ‫والتهميش واالستالب االستهاليك لإلنتاج والعمل‪،‬‬

‫والحروب والقتل وو‪ ،..‬واألنثى بوصفها إنساناً‬ ‫قبل ّ‬ ‫كل يشء فإ ّنها تعيش هذا البؤس‪ .‬تراه‬ ‫وتحاول أن تقاوم وتكافح يف سبيل حياة أفضل‪،‬‬ ‫العبثي‪،‬‬ ‫تحاول النجاة من كل هذا الجنون‬ ‫ّ‬ ‫وهنا تكون الكتابة شك ًال من أشكال مقاومتها‬ ‫ودفاعها عن وجودها‪.‬‬ ‫الكتابة تجربة إنسانية تحتاج إىل االنفتاح عىل‬ ‫العامل والتجارب الفكرية والعاطفية والحس ّية‪،‬‬ ‫والكاتب ُيثبت هو ّيته وبصمته األدب ّية من‬

‫خالل التقاطه للتفاصيل ووعيه الخاص للواقع‪.‬‬ ‫وحني نقول “انفتاحاً وتجارب” نتذكر مبارشة ّأن‬ ‫األنثى ُمق ّيدة أمام البحث والتجريب‪ ،‬مق ّيدة يف‬ ‫انفعاالتها من الداخل والخارج‪ ..‬لذا يف الغالب‬ ‫نجد لغتها ونصوصها ضباب ّية‪ ،‬ألنها تولد ليكون‬ ‫رساً (الحياء والصوت‬ ‫رشط حياتها أن تكون ّ‬

‫املنخفض والضحكة الناعمة والخوف وعدم‬ ‫الترصيح أو املبادرة‪...‬الخ)‪.‬‬ ‫ينعكس ّ‬ ‫كل ذلك الكبت يف اللغة والنصوص‪،‬‬ ‫والكتابة تحتاج مساحة من الحر ّية أضعاف ما‬ ‫يعيشه املرء يف حياته‪ ،‬لذا حني تحاول األنثى‬ ‫التح ّرر فيام تكتبه فإ ّنها يف البداية ّ‬ ‫تحطم قيود‬ ‫ُمجتمعها وتدفع أمثاناً قد تكون أكرب بكثري ّ‬ ‫مم‬ ‫تستطيع تح ّمله‪ ،‬فيخلق ذلك رشوخاً يف كيانها‪.‬‬ ‫أقل ّ‬ ‫فإن انعتاقها يف اللغة يكون ّ‬ ‫وإذ تكتب ّ‬ ‫مم‬ ‫هو عليه يف الحياة‪ ،‬فتلجأ للمواربة أو ملحاكاة‬ ‫صوت املألوف والدارج والذي هو تناص مع‬ ‫صوت ا ُملذكر األ ّول التاريخي الذي هو بالرضورة‬ ‫كالسييك ومنطي‪ ،‬وهنا يكون الذكر أيضاً ضحية‬ ‫هذه املحاكاة‪.‬‬ ‫املرأة تخوض عدّة تحديات يف خلق هويتها‬ ‫اللغوية‪ ،‬أ ّولها هو انعتاقها وتح ّررها من قيود‬ ‫التاريخ والدين واملجتمع وسلطة الذكر‪ .‬وثاين‬ ‫هذه التحدّيات هو الخروج عن املألوف‪،‬‬ ‫خاصة بها‪،‬‬ ‫ومحاولة ترسيخ بصمة أدبية‬ ‫ّ‬ ‫واكتشاف مساحات جديدة يف اللغة والخيال‪،‬‬ ‫تع ّرف من خاللها األنثى حني متتهن الكتابة‬ ‫بوصفها هويتها األوىل وليس بوصفها عم ًال‬ ‫جاملياً ثانوياً ُيز ّين املرأة التي تطبخ وتنجب‬ ‫وتطيع‪ .‬أ ّما ثالث التحدّيات فيتم ّثل يف مجاراة‬ ‫أشكال الكتابة املعارصة‪ ،‬وهذا تح ّد مفروض‬ ‫عىل كل الكتاب‪ ،‬لكنّه ويف عاملنا العريب يكتسب‬ ‫تعقيداً ُمضافاً يف خضم ما تعانيه الذات العربية‬ ‫من غياب وتغي ّيب‪.‬‬ ‫أمام ّ‬ ‫كل هذه التحديات وسواها يبقى الطريق‬ ‫طوي ًال وشاقاً ّ‬ ‫لكل أنثى تطمح وتسعى ّ‬ ‫ألن تكون‬ ‫كاتبة‪ ،‬لكنه يف النهاية يتجه نحو لغة تعرتف أ ّوالً‬ ‫وأ ّوالً باإلنسان!‬


‫عج غبارها‬ ‫حين ّ‬

‫‪15‬‬

‫بشرى البشوات‬

‫إىل اآلشوريني والبيزنطيني‪..‬‬ ‫إىل العرب املسلمني‪ .‬ومل تغلق‬ ‫الدائرة بعد‪ ،‬حتى “كليوباترا” مل‬ ‫تشأ إ ّال أن تضوع ذاكرة املكان‬ ‫بيشء من عطرها‪.‬‬ ‫يحفظ التاريخ للجوالنيني‬ ‫أنهم قاتلوا ببسالة‪ ،‬خالل كل‬ ‫الحضارات واملاملك التي قامت‬ ‫عىل أرضهم ض ّد الغزاة‪ ،‬وعىل‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫الريح والرتاب‪ .‬يش ٌء من‬ ‫الجوالن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫التباس العالقة بني ِ‬ ‫وخ ِز املجا ِز أو أمومة غاضبة للجغرافيا عىل ابنها‬ ‫التاريخ‪ .‬رغبة ساد ّية تستبد بالريح حني تطأ الرتاب‬ ‫ْ‬ ‫وطأ تل ّذذ ونشوة‪ ،‬تل ّد الرغبة مولوداً تسم ّيه الغبار‪،‬‬ ‫كمثل امرأة ودّت من فرطِ ما رغبت أن تذرو‬ ‫حبيبها كرماد‪.‬‬ ‫للجوالن اسامن‪ :‬األ ّول ساد ّية الريح‪ ،‬والثاين مجاز‬ ‫األزل‪ .‬وميكنني أن أضيف فرح الطبيعة بذاتها‪.‬‬ ‫ولدى البحث يف االشتقاق اللغوي لكلمة جوالن‬ ‫نقع عىل ه ّوة بني الحقيقة واملجاز‪ ،‬حقيقة تخاتل‬ ‫اللغة‪ ،‬محمول ينقلب عىل الحامل‪ ،‬ولغة تو ّرطت‬ ‫بذاتها وتو ّرط معها املعنى‪.‬‬ ‫تتصل املفردة “الجوالن” بأجوال؛ وتعني البالد‬ ‫يعج فيها الغبار‪ .‬يحدث ذلك يف الحقيقة حني‬ ‫التي ّ‬ ‫يتغي مزاج الفصول‪ ،‬فيطوح بنا الصيف يف غياهب‬ ‫ّ‬ ‫الخريف‪ ،‬يتغري اتجاه الريح ويصري لها وجه محارب‬ ‫أشعث خرج اآلن من الكهف‪ .‬هنا تكمن ورطة‬ ‫اللغة يف عالقتها بالحقيقة حني متنح اللغة ذاتها‬ ‫للنسبي‪ ،‬وتخلع عىل الحقيقة ما كان لها من ُ‬ ‫الك ّ‬ ‫يل‪.‬‬ ‫فليس الجوالن يف الحقيقة بالد الغبار‪ ،‬بل هو‬ ‫بقعة من أجمل البقاع السورية‪ ،‬تلك الهضبة‬ ‫التي أصلحت سوء الفهم بني السهل والجبل‪ ،‬تلك‬ ‫الطبيعة التي خرجت من ذاتها واسرتاحت يف رسير‬ ‫موضوعيتها (التاريخ)‪ ،‬ويف تلك الصدفة الباذخة‬ ‫نبت ضلع جدي‪ ،‬وامت ّد سفح هويتي األخرض عىل‬ ‫مساحة تقرب من ‪ 1860‬كم‪.2‬‬ ‫بعد حرب حزيران من العام ‪ 1967‬أقدمت‬ ‫“إرسائيل” عىل ضم ‪1260‬كم‪ 2‬من مساحة‬ ‫الجوالن‪ ،‬أعادت منها ‪ 60‬كم‪ 2‬يف إطار اتفاقية‬ ‫“فك االشتباك”‪ ،‬هكذا صادرت إرسائيل ضلع جدي!‬ ‫وحني عاد سكان املناطق التي ّمتت إعادتها بعد‬ ‫اتفاق “الهدنة” يف العام ‪ 1974‬رفضت سلطات‬ ‫النظام السوري عودة األهايل إىل قراهم الواقعة‬ ‫عىل امتداد رشيط الهدنة‪ ،‬وهكذا بقي ضلع جدي‬ ‫سجيناً لدى السلطات‪ ،‬وصار الجوالن جرحاً يف‬ ‫خارصة الهو ّية‪ ،‬وصار لهويتي ضلعها القارص‪.‬‬ ‫ّمثة خطأ جسيم يف القرارات الدولية التي طالبت‬ ‫“إرسائيل” بالعودة إىل ما قبل العام ‪ ،1967‬خطأ‬

‫أصاب املاه ّية‪ ،‬فكرت أنه يجب عىل األمم املتحدة‬ ‫أن تعيد صياغة تلك القرارات وفق اللغة التالية‪:‬‬ ‫عىل “إرسائيل” أن تعود إىل ما قبل الضلع األول‬ ‫للهو ّية‪ .‬لكنني عدلت عن فكريت أل ّنهم سريدون‬ ‫الدعوة بحجة عدم كفاية الجرح‪ .‬كنت سأض ّمن‬ ‫دعواي ما كان من دموع الجدات التي تكفي‬ ‫لرد احتامل العطش عن بحرية بحجم طربيا‪ ،‬وما‬ ‫كان من صمت البغل‪ ،‬الصمت الذي دخل عقده‬ ‫الخامس‪ ،‬وما تزال ذاكرة جدي امليت يقطر منها‬ ‫كرز الجوالن‪.‬‬ ‫َي ِر ُد اسم الجوالن يف العهد القديم‪ ،‬يف كل من سفر‬ ‫“التثنية” وسفر “يشوع”‪ ،‬عىل أنه أحد مدن امللجأ‬ ‫الثالث الواقعة عىل مصب نهر األردن‪ ،‬مدن امللجأ‬ ‫هذه يلجأ إليها من أقدم عىل القتل الخطأ‪ ،‬وما‬ ‫أوسع اله ّوة بني أن يكون املكان مالذاً للغرباء وبني‬ ‫أن يكون املكان غريباً حتّى عن أهله الغرباء‪.‬‬ ‫هذا املكان الذي خ ّبأ آالف السنني يف كهف‬ ‫الذاكرة‪ ،‬وش ّيع أقواماً وحضارات‪ ،‬تركت أسامءها‬ ‫وانرصفت لتقول إ ّنها م ّرت من هنا‪ ،‬ورحلت بكل‬ ‫ما حملت من الصخب‪ .‬من العموريني إىل اآلراميني‬

‫وجه التحديد تلك القبائل اليهودية الزاحفة من‬ ‫الجنوب‪ ،‬ففي اللحظة اآلرامية ويف عهد امللك‬ ‫(حزائيل) وابنه (هدد) تح ّول الجوالن إىل خط أول‬ ‫يف مواجهة تلك القبائل‪.‬‬ ‫حني أعاد التاريخ نفسه يف الثلث األخري من القرن‬ ‫املنرصم كان التاريخ ذاته أول املنتهكني‪ ،‬وبعده‬ ‫انتهكت كربياء الجغرافيا‪ ،‬وتح ّول أهل الجوالن‬ ‫إىل نازحني‪ ،‬مل ُيعيد لهم التاريخ ملك عريب نبطي‬ ‫اسمه عبادة‪ ،‬لكنه البغل الذي صمت طوي ًال‪ّ .‬‬ ‫وكأن‬ ‫بالتاريخ هنا يعيد طرح سؤال العالقة بني الشعب‬ ‫ومن يفرتض أنهم القادة‪ ،‬فث ّمة شكل من العالقة‬ ‫يحصن الجغرافيا ويحفظ هيبة التاريخ‪ ،‬و ّمثة أخر‬ ‫يهدر د ّم الهو ّية‪ .‬لكن الذاكرة الرس ّية للشعب ال‬ ‫ميكن لها أن تنىس‪ ،‬فهي مت ّرر ذاتها من جيل إىل‬ ‫جيل‪.‬‬ ‫حني ه ّبت رياح الثورة يف سوريا ووصلت إىل مناطق‬ ‫النازحني من أهايل الجوالن أذكر أنهم أسموا إحدى‬ ‫التنسيقيات باسم “أبناء الجوالن ا ُملباع”‪ ،‬تلك كانت‬ ‫رسالة من عانوا من ظلم مر ّكب بوصفهم سوريني‬ ‫أوالً‪ ،‬وبوصفهم أبناء الجوالن املسكوت عنه طيلة‬ ‫عقود ثانياً‪ .‬أبناء إحدى مدن‬ ‫امللجأ الثالث وفقاً للعهد‬ ‫القديم ما عاد لهم من مالذ‪،‬‬ ‫من نزوح إىل نزوح‪ ،‬ك ّلام ج ّد‬ ‫اغرتاب أشعل ذاكرة حزنهم‬ ‫ورددوا من تراث الجوالن‬ ‫أغنية شعبية تقول‪“ :‬بكرا‬ ‫بنعاود ال تبيك يا عيني”‪.‬‬


‫مشروع ‪ IMECE Vakt‬في تركيا‬ ‫لتطوير ودعم رواد أعمال سوريين‬

‫‪16‬‬ ‫وائل موسى‬

‫العدد ‪- 81 -‬‬ ‫‪2016 / 12 / 4‬‬

‫اقتصاد‬

‫برشى سارة للسوريني يف تركيا‪ ،‬بداية مرشوع‬ ‫‪IMECE Vakti‬‬ ‫يف تجربة غري مسبوقة يف تركيا للمساهمة يف اندماج‬ ‫السوريني مع األتراك‪ ،‬وسعياً لتطوير العالقات‬ ‫اإلنسانية واالقتصادية بدأت هابيتات مرشوعها‬ ‫‪ IMECE vakti‬هو املرشوع األول من نوعه بخالف‬ ‫املشاريع املنترشة يف دول الجوار السوري منذ بدء‬ ‫الثورة السورية حتى اآلن‪.‬‬ ‫اعتاد السوريني بشكل عام عىل انتشار مشاريع‬ ‫التدريب حول العديد من املواضيع املرتبطة بالثورة‬ ‫السورية بحسب تقدير الداعمني واملؤسسني لها‪ ،‬سواء‬ ‫كانت سياسية أو ثقافية أو صحية إىل جانب اإلعالمية‬ ‫وغريها‪ ،‬إال أن أحداً مل يسبق أن ألتفت طوال هذه‬ ‫املدة التي متر عىل السوريني بظروف قاسية يف دول‬ ‫الجوار إىل الجانب املعايش واالقتصادي من حياتهم‪.‬‬ ‫التعريف ب مرشو ع ‪ IMECE vakti‬ومنظمة �‪Hab‬‬ ‫‪itat‬‬ ‫من خالل التواصل واللقاء بالسيدة باشاك سارال‬ ‫وهي املنسق العام ملنظمة هابيتات ومديرة املرشوع‪،‬‬ ‫أوضحت لنا املعلومات التالية‪:‬‬ ‫(‪ )Habitat‬هابيتات هي منظمة غري حكومية عمرها‬ ‫أكرث من ‪ 20‬سنة‪ ،‬مقرها يف إسطنبول ولدينا خربة‬ ‫طويلة يف مجال عملنا‬ ‫نحن نعمل من أجل التنمية االجتامعية واالقتصادية‬ ‫للمدن والناس الذين يعيشون يف املناطق الحرضية‪،‬‬ ‫واآلن نقدم مرشوع ‪IMECE Vakti‬‬ ‫وهو برنامج ضخم لدعم مهارات ريادة األعامل‬ ‫وتطوير األعامل للسوريني الذين يعيشون يف تركيا يف‬ ‫‪ 14‬مدينة مختلفة يف تركيا‬ ‫منذ ما يقارب العامني قررنا تقديم خدماتنا إىل‬ ‫السوريني والعمل معهم‪ ،‬ثم بدأنا يف استقبال‬ ‫السوريني من مختلف املناطق يف تركيا لحضور‬ ‫انشطتنا التدريبية املقدمة باللغة الرتكية‪ ،‬وعندما‬ ‫بدأنا يف الحديث معاً شعرنا أن السوريني باتوا من‬ ‫أعضاء املجتمع الرتيك الجدد ويتوجب علينا إعادة‬ ‫النظر لتقديم خدماتنا املتوفرة مسبقاً لتكون باللغة‬ ‫العربية‪ ،‬وبذلك لن يكون املواطنون االتراك او‬ ‫املتحدثون باللغة الرتكية فقط يف هذا البلد هم من‬ ‫ميكنهم االستفادة من خدمات جمعيتنا‪ ،‬هكذا ستكون‬ ‫خدماتنا متوفرة للجميع وبشكل خاص للسوريني‬

‫واآلخرين املتحدثني باللغة العربية ميكنهم االستفادة من‬ ‫خدماتنا أيضاً‪.‬‬ ‫منذ سنة مضت بدأنا تصميم برنامج حيوي ضخم وهو‬ ‫‪ Imece Vakti‬مستفيدين من برامج متعددة قدمناها‬ ‫للمواطنني األتراك‪.‬‬ ‫تضم برامجنا االبتكار وريادة األعامل واملبادئ املالية‬ ‫والتكنولوجيا‪ ،‬وقمنا بتطوير مرشوع ‪ Imece Vakti‬ليضم‬ ‫برنامج للقوى العاملة يف املستقبل من اليافعني السوريني‬ ‫من الشباب والفتيات ومبحتوى آخر لرواد األعامل املحتملني‬ ‫من املجتمع السوري‬ ‫الرشكاء‬ ‫دخلنا يف رشاكة مع منظامت مختلفة لتنفيذ هذا املرشوع‪،‬‬ ‫ورشكائنا الحاليني املفوضية لشؤون الالجئني ‪UNHCR‬‬ ‫مع الهيئة الطبية الدولية ‪ MIC‬يقدمون لنا الدعم املايل‬ ‫لربنامجنا‪ ،‬إىل جانب عملنا مع اتحاد الغرف التجارية‬ ‫وتبادل السلع يف تركيا ‪ ،TOBB‬وكذلك مع وكالة تنمية‬ ‫وتطوير جنوب رشق األناضول ‪ GAP‬تحت رعاية وزارة‬ ‫التنمية الرتكية‪ ،‬باإلضافة إىل رشاكة مع اثنني من املؤسسات‬ ‫الدولية مقرهام الرئييس يف بريطانيا‪ ،‬شباب األعامل الدويل‬ ‫واكسنرت للرشاكات اإلمنائية‪.‬‬ ‫سنقود الربنامج ملدة عامني يف ‪ 14‬مدينة مختلفة وهي‪:‬‬ ‫إسطنبول‪ ،‬أنقرة‪ ،‬بورصة‪ ،‬أزمري‪ ،‬موغال‪ ،‬قونيا‪ ،‬قيرصي‪،‬‬ ‫أضنة‪ ،‬مرسني‪ ،‬هاتاي‪ ،‬غازي عينتاب‪ ،‬أديامان‪ ،‬شانيل أورفه‬ ‫وماردين‪.‬‬ ‫لدينا أربعة مجموعات مختلفة من املستفيدين‪:‬‬ ‫القوى العاملة املستقبلية‪ ،‬رواد األعامل‪ ،‬باإلضافة لرجال‬ ‫األعامل السوريني العاملني بشكل غري رسمي والعاملني‬ ‫بشكل رسمي أيضاً‬ ‫بدأنا العمل عىل تقديم تدريباتنا بجانب تدريبات ملدربني‬ ‫باللغة العربية لفرق العاملني واملتطوعني يف املنظامت‬ ‫السورية وجهات تقدم الخدمات للسوريني‬

‫لدينا رغبة يف تقديم سوريني رواد أعامل ورجال‬ ‫أعامل إىل رواد أعامل ورجال أعامل أتراك وغريهم‬ ‫من املتواجدين يف تركيا‪ ،‬لذلك نعمل عىل بناء شبكة‬ ‫تواصل محاولني أن نكون مبثابة الجرس الواصل بني‬ ‫املجتمع االقتصادي الرتيك مع املجتمع االقتصادي‬ ‫السوري‪ ،‬وسنعمل عىل توفري الفرص إىل جانب‬ ‫القروض املالية‪ ،‬ويف هذه املرحلة نحن نعمل عىل‬ ‫كيفية تقديم التوجيه ثنايئ اللغة من رجال أعامل‬ ‫أتراك لرواد األعامل ورجال االعامل السوريني‬ ‫وأضافت السيدة سارال‪“ :‬نحن بصدد تقييم‬ ‫االحتياجات املالية لرواد األعامل ورجال األعامل‬ ‫السوريني لنستطيع تقديم حلول الدعم املايل إلنشاء‬ ‫األعامل”‬ ‫أهداف مرشوع ‪Imece Vakti‬‬ ‫أهدافنا للعامني القادمني تقديم التدريبات لحوايل‬ ‫‪ 10‬آالف شخص‪ ،‬سيكون ‪ 80%‬منهم سوريون‪ ،‬أيضاً‬ ‫سنعمل لدعم إنشاء ‪ 300‬مرشوع جديد‬ ‫سنعمل أيضاً لدعم استدامة ومنو ‪ 300‬مرشوع عمل‬ ‫قائم حالياً‪ ،‬ونريد دعم السوريني الراغبني يف إيجاد‬ ‫وظائف تناسب مهاراتهم وخرباتهم‪.‬‬ ‫سبق أن نفذت منظمة هابيتات أوىل تدريباتها خالل‬ ‫شهر نوفمرب‪/‬ترشين الثاين ملجموعة من السوريني يف‬ ‫مدينة إسطنبول‪ ،‬وكنت أحد الحارضين فيها‪ ،‬وقدمت‬ ‫لنا املنظمة دعوة لحضور املؤمتر السنوي لرواد‬ ‫األعامل واملستثمرين يف تركيا‪ ،‬حيث حرض مجموعة‬ ‫من كبار رجال األعامل يف املجتمع االقتصادي الرتيك‬ ‫وبحضور وزيري الطاقة واملوارد الطبيعية السابق‬ ‫والحايل وعدد من طالب جامعات االقتصاد‪.‬‬ ‫وساهمت منظمة هابيتات يف التشبيك ما بني‬ ‫الحارضين من املستثمرين واملستشارين عىل‬ ‫السوريني الحارضين يف املؤمتر ‪G3 forum‬‬ ‫ونرشت املنظمة عىل حساب مرشوع ‪Imece Vakti‬‬ ‫يف تويرت اعالن لبدء التسجيل للراغبني يف االنضامم‬ ‫لربنامج تدريب املدربني‪ ،‬ويشرتط عىل الراغبني يف‬ ‫االنضامم لهذا الربنامج أن يقدموا عىل األقل تدريباً‬ ‫واحداً شهرياً يف مناطقهم مع إعداد التقارير الالزمة‬ ‫حول التدريب‬ ‫ً‬ ‫كام يتوفر حاليا إمكانية التسجيل عىل برنامج ورشات‬ ‫األفكار املبتكرة لریادة األعامل وهي الجولة األوىل يف‬ ‫‪ 14‬مدينة تركية‬


‫نشرة اقتصادية‬ ‫ارتفاع أسعار الخبز في سرمين واسبابه‬

‫الدعم غالباً يكون بإمداد املنطقة مبادة الطحني‪،‬‬ ‫وللوقود التأثري األهم يف ارتفاع األسعار‪ ،‬يباع‬ ‫لرت املازوت حالياً ب‪ 300‬لرية رغم التالعب فيه‬ ‫وعدم نظافته‪ ،‬حيث كان سعر الربميل الواحد يف‬ ‫السنة املاضية بحدود ‪ 20‬ألف لرية ونتيجة املعارك‬ ‫واغالق الطرقات وإعادة فتحها وكرثة الحواجز‬ ‫العسكرية بدأ ارتفاع سعره ليصل حالياً إىل ‪65‬‬ ‫ألف لرية‪ ،‬وبالرغم من أن سعر املصدر مل يتغري‬ ‫إال أن كرثة الرضائب املفروضة من الحواجز ورفع‬ ‫تكاليف النقل أوصل األسعار إىل هذه الحالة‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫رسمني إحدى بلدات محافظة إدلب املتأثرة‬ ‫بارتفاع أسعار الخبز‪ ،‬وتستضيف عدداً كبرياً من‬ ‫النازحني رغم انعدام األمان فيها‪.‬‬ ‫يف ‪ 8‬نوفمرب‪/‬ترشين الثاين ألحقت الرضبات الجوية‬ ‫أرضاراً باملخبز الذي يعمل لخدمة أكرث من ‪10‬‬ ‫آالف شخص يف بلدة رسمني‪.‬‬ ‫أسباب ارتفاع أسعار الخبز يف إدلب‬ ‫نق ًال من منشور الناشط اإلعالمي املستقل مطيع‬ ‫جالل‪:‬‬ ‫َُ‬ ‫كث الحديث عن غالء الخبز املفاجئ يف رسمني بدأ‬ ‫الناس الحديث عرب صفحات النت‪ ،‬فهناك من اتهم‬ ‫القامئني عىل الخبز بالرسقة وآخر اتهمهم بالفساد‬ ‫عب باأللفاظ غري االئقة وهناك البعض ممن‬ ‫وآخر ّ َ‬ ‫كتب شاكياً األمر لله وجميعهم مل يتكلفوا عناء‬ ‫الذهاب للمجلس للسؤال عن األمر‪.‬‬ ‫بعد مراجعة املجلس تبني اآليت‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪_1‬الخبز يف رسمني كان مدعوما من قبل منظمتني‬ ‫إحداهام أوقفت الدعم واألخرى مستمرة بالدعم‪.‬‬ ‫‪_2‬املنظمة التي أبقت الدعم تقدم ‪ 50‬طناً من‬

‫الطحني‪.‬‬ ‫‪_3‬املنظمة أشرتطت ألستمرار دعمها أن تباع‬ ‫الربطة ب‪ 65‬لرية وبوزن من ‪ 950‬غرام وحتى‬ ‫‪1‬كغ‪.‬‬ ‫‪_4‬الدعم املقدم ال يغطي إال عرشة ايام او ‪ 12‬يوم‬ ‫كحد أقىص‪.‬‬ ‫بنا ًء عىل هذا سيباع الخبز ملدة عرشة ايام او‬ ‫‪ 12‬يوم بسعر ‪ 65‬لرية وباقي ايام الشهر ب‪175‬‬ ‫الكلفة الحقيقة للخبز من دون أرباح وهذا يعني‬ ‫أن األمر عاد كام كان ولكن بآلية جديدة يف البيع‬ ‫و يذكر أن رسمني أصبح استهالكها كبرياً بعد توافد‬ ‫النازحون إليها ويف بعض األيام يتم خبز أكرث من‬ ‫‪6‬طن باليوم والخبز يباع للجميع بسعر موحد‪.‬‬ ‫ومن خالل الحديث مع السيد مطيع أوضح لنا‬ ‫أن الخبز يف أغلب مناطق ادلب يتم دعمه بشكل‬ ‫جزيئ‬ ‫الربطة الغري مدعومة بوزن كيلوغرام تباع بني ‪175‬‬ ‫إىل ‪ 200‬لرية سورية‪ ،‬فيام تباع ب‪ 65‬لرية تقريباً‬ ‫أوقات توفر الدعم‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫العجز التجاري السوري خارج الخطة اإلعالمية للنظام‬

‫يف العجز‪ ،‬عىل الرغم من انخفاض مستوى االسترياد ملا‬ ‫يقارب النصف عام قبل ‪ 2011‬بسبب التغري الكبري يف عدد‬ ‫السكان وانخفاض القدرة االستهالكية لدى السوريني‪.‬‬ ‫كل ما سبق ال يشكل اال ملخصاً بسيط عن واقع انهيار‬ ‫االقتصاد السوري‬ ‫يحاول اعالم نظام األسد إخفاء الحقائق يف بيانات كاذبة‬ ‫كتحقيق منو اقتصادي يف عام ‪2015‬‬ ‫أو من خالل اخبار حول زيادة امليزانية التي تحدثنا عنها‬ ‫سابقاً‬ ‫مصدر الصورة املرفقة‪“ :‬عني انفوغرافيك” أول مجلة عربية‬ ‫متخصصة بصحافة البيانات‬

‫اقتصاد‬

‫مستوى العجز التجاري السوري وصل ما يقارب‬ ‫‪ ،86.6%‬والذي من املفرتض ان ال يتجاوز نسبة‬ ‫‪.20%‬‬ ‫كرس االعالم املوايل للنظام االجرامي يف سوريا‬ ‫صفحاته للحديث عن العجز التجاري يف الدول‬ ‫التي يراها معادية له فقط‪.‬‬ ‫العجز التجاري يف االعالم واالقتصاد‬ ‫يف ظل الغياب التام للترصيحات الحكومية حول‬ ‫البيانات االقتصادية السورية ال يتواىن إعالم النظام‬ ‫السوري عن الحديث حول أي ترصيح يف أي دولة‬ ‫ساهمت بشكل أو بآخر يف دعم توجه الثوار يف‬ ‫سوريا‪ ،‬فتارة تتناول صحيفة الثورة الرسمية للنظام‬ ‫ترصيحات امري قطر حول العجز التجاري األول‬ ‫منذ أكرث من ‪ 15‬عام‪ ،‬وتارة تتناول العجز الجاري‬ ‫يف تركيا وغريها‪ ،‬لتظهر الخرب الحقيقي الناتج عن‬ ‫شفافية يف النظام االقتصادي لتلك الدول بصورة‬ ‫مشوهة وكأنها عىل وشك االنهيار اقتصادياً‪.‬‬ ‫معنى العجز يف امليزان التجاري بشكل مخترص‬ ‫هو فارق قيمة إيرادات التصدير بالنسبة لقيمة‬

‫املدفوعات يف االسترياد‪.‬‬ ‫تناقصت عمليات التصدير من سوريا بشكل كبري‬ ‫خالل األعوام الخمسة املاضية لرتتفع يف املقابل‬ ‫عمليات االسترياد‪ ،‬ودخل االقتصاد السوري يف‬ ‫مرحلة توسع يف العجز بالرغم من عدم وجود‬ ‫شفافية تبني املستويات الحقيقية‪.‬‬ ‫كشف مصدر حكومي ّ‬ ‫مطلع عىل ملف الصادرات‬ ‫واملستوردات‪ ،‬أن العجز التجاري خالل العام‬ ‫املايض قد بلغ نحو ‪ 1.3‬ترليون لرية‬ ‫وبحسب املصدر الذي كشف لصحيفة االقتصادي‬ ‫ومقرها يف ديب‪ ،‬أن قيمة املستوردات التي دخلت‬ ‫سوريا خالل العام املايض تجاوز ‪ 1.5‬ترليون لرية‪،‬‬ ‫يف حني بلغت قيمة الصادرات ما يقارب ‪ 200‬مليار‬ ‫لرية فقط‬ ‫العقوبات االقتصادية وفقدان السيطرة عىل املعابر‬ ‫الحدودية الربية كان لها الدور األبرز يف تراجع‬ ‫الصادرات السورية‬ ‫انخفاض اإلنتاج وارتفاع التكاليف وسياسة دعم‬ ‫االسترياد لتأمني املواد الالزمة كان لها الدور األكرب‬


‫‪18‬‬

‫ُ‬ ‫جمعت نصوص كتابي‬ ‫رامي العاشق‪:‬‬ ‫“مذ لم ْ‬ ‫أمت” كمن يجمع أشالءه‬ ‫ُ‬ ‫“التصفيق ال يقدّم شي ًئا لتجربتي بعكس النقد”‬ ‫غسان ناصر ‪-‬طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫صدر حدي ًثا للكاتب والشاعر الفلسطيني السوري‬ ‫رامي العاشق‪ ،‬كتاب نرثي بعنوان‪ُ “ :‬مذ مل ْ‬ ‫أمت”‪،‬‬ ‫عن (بيت املواطن للنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت)‪ ،‬ضمن‬ ‫سلسلة “شهادات سورية”‪( ،‬الشهادة رقم ‪.)21‬‬ ‫ولتسليط الضوء عىل هذا اإلصدار‪ ،‬الذي احتفت‬ ‫به األوساط األدبية والثقافية السورية يف املنايف‬ ‫نصا‬ ‫الجديدة‪ ،‬والذي احتوى بني دفتيه سبعة عرش ً‬ ‫نرث ًيا‪ ،‬كان “العاشق” قد كتبها يف السنتني األخريتني‬ ‫يف أملانيا‪ ،‬التقت مجلتنا يف مدينة “كولونيا”‪ ،‬صاحب‬ ‫“س ًريا عىل األحالم” فكان هذا الحوار‪..‬‬

‫ثقافة‬

‫بداية كيف تقدم لقراء مجلتنا كتابك الجديد “ ُمذ‬ ‫مل ْ‬ ‫أمت”‪ ،‬ويف أي أجواء كتبته؟‬ ‫أقدمه كام قدمت للكتاب يف صفحاته األوىل بعنوان‬ ‫ُ‬ ‫“جمعت هذه النصوص‬ ‫“مقدمة” حيث قلت‪:‬‬ ‫كمن يجمع أشالءه‪ ،‬ها هي ذي أشاليئ مج ّم ٌ‬ ‫عة يف‬ ‫ورقي‪ ،‬غري مر ّتبة‪ ،‬عشوائ ّيتها هذه‪ ،‬حقيق ّي ٌة‬ ‫كيس ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫بخرابها‪ ،‬دمو ّية تارة‪ ،‬عنيفة‪ ،‬صادقة‪ ،‬خيال ّية‪ ،‬ذات ّية‪،‬‬ ‫تشبهني ّ‬ ‫بكل جنوين وأمرايض وما أنضجتْه الثور ُة ّيف‬ ‫وما كرس ْت ُه الحرب وما أكلتْه الغرب ُة منّي‪ .‬ال رأس‬ ‫يل‪ ،‬وال اسم‪ ،‬وال هو ّية‪ ،‬جمعتها وأنا بكامل إمياين‬ ‫بحاجة الواقع إىل أن أكون كات ًبا أكرث مام أكون‬ ‫شاع ًرا‪ ،‬وأؤمن أن ّ‬ ‫كل ما هو انفعا ّيل ليس شع ًرا‪ّ ،‬‬ ‫وأن‬ ‫وأن ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل ما ال ينتمي إىل املوسيقا ليس شع ًرا‪ّ ،‬‬ ‫كل‬ ‫القبح املحيط بنا يؤذي الشع َر‪ .‬لذلك‪ ،‬ميكن‬ ‫هذا ِ‬ ‫التعريف عن هذه املجموعة عىل أ ّنها مجموعةُ‬ ‫ُ‬ ‫تحتمل التسمية‪ ،‬فلتس ِّمها‬ ‫نصوص ال أكرث‪ ،‬نصوص‬ ‫حاولت فيها‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫دون قرا ٍر مسبق‪ ،‬أن أج ّمل‬ ‫ما شئت‪،‬‬ ‫القبح وأضع الكثري من مساحيق التجميل ألعيد‬ ‫َ‬ ‫إنتاجه عىل هيئة يس ّمونها “إبداع ّية”‪ ،‬وحني كتبتها‬ ‫مل يكن ّ‬ ‫مخط ًطا أن ُتجمع يف كتاب‪ ،‬أو توضع عىل‬ ‫قالب ما‪ ،‬لذلك‪ ،‬فلرنحمها‬ ‫شكل شهادة‪ ،‬أو تنرش يف ٍ‬ ‫من التصنيفات‪ ،‬يكفيها ما ّ‬ ‫ظلم كاتبها”‪.‬‬ ‫حل بها من ِ‬ ‫تراوحت موضوعات الكتاب يف نصوصه السبعة‬ ‫عرش‪ ،‬بني القضية السورية‪ ،‬اللجوء‪ ،‬الحرب‪ ،‬مخيم‬ ‫الريموك‪ ،‬الزنزانة‪ ،‬واملنفى‪ ،‬ملاذا غيبت الحديث عن‬

‫الحب يف هذه املراوحة النرثية أيها “العاشق”؟‬ ‫مل يغب الحب عىل اإلطالق‪ ،‬القارئ الجيد يستطيع‬ ‫التقاط الحب للمكان‪ ،‬الذكريات‪ ،‬الوطن‪ ،‬الحياة‪،‬‬ ‫املتعة‪ ،‬الرشيك‪ ،‬واآلخر‪ ،‬يف كل نص من نصوص‬ ‫الكتاب‪ ،‬حتى الحب يف معناه املبارش‪ ،‬الذي يعني‬ ‫واضحا يف نصوص‬ ‫املقابل البيولوجي‪ :‬أنثى ‪ -‬ذكر‪ ،‬يراه ً‬ ‫مثل‪“ :‬أرفع جسدك راية رعب وخذالن”‪“ ،‬املقاتلة‬ ‫العارية من ضفائرها”‪“ ،‬صانعة الكروشيه القروية”‪،‬‬ ‫“ال أريد أن أقع يف حبـ(ها)”‪“ ،‬أعرف الزنزانة جيدًا”‪،‬‬ ‫“أخ ًريا التقينا”‪“ ،‬من ألقى املفتاح يف النهر؟”‪“ ،‬بائع‬ ‫الحب ورسيره”‪ ،‬و” ُمذ مل ْ‬ ‫أمت”‪ .‬وهي تسعة نصوص‬ ‫من أصل سبعة عرش‪ ،‬أي أكرث من النصف‪ .‬ذات ّية‬ ‫النصوص أدب ًيا‪ ،‬وليدة موقف جاميل ‪ -‬أديب ال ميكن‬ ‫فصله عن الحب والالحب‪ ،‬الوطن واملنفى‪ ،‬الزنزانة‬ ‫والحرية‪ ،‬الالجئ واآلخر‪ ،‬املوت والحياة‪ ،‬هذه‬ ‫الثنائيات تشكل شعر ّية النصوص‪ ،‬وثور ّية الخروج‬ ‫عليها‪ ،‬والنصوص ككل متكامل بني د ّفتي الكتاب‪ ،‬ال‬ ‫ميكن فصلها جامل ًيا عن املقدمة التي ت ّربئ الشعر‬ ‫من الكتاب أو ت ّربئ الكتاب من الشعر‪ ،‬وهذا يسمح‬ ‫بالتايل لقراءة شعريتها ال شاعريتها‪.‬‬ ‫ما هي انطباعاتك عن استقبال النقاد لهذا الكتاب‪،‬‬

‫وهل نالت تجربتك يف الكتابة حظها من املتابعة‬ ‫النقدية؟‬ ‫أشكركم عىل هذا السؤال‪ ،‬أرى أن النقد يبدأ من‬ ‫نقد الكاتب الذايت لتجربته‪ ،‬وتفكيكها‪ .‬وهذا بدأ‬ ‫بفتح أسئلة مقدمة الكتاب‪ ،‬وبالتايل تناول أحد‬ ‫الكتاب الصحفيني مؤخر ُا‪ ،‬املقدمة مبقال منفرد‪،‬‬ ‫وهذا بالنسبة إ ّيل يؤكد يل أهمية ما ذهبت إليه يف‬ ‫وضع هذه املقدمة كجزء أصيل من الكتاب‪.‬‬ ‫ال ميكننا ً‬ ‫أيضا إغفال قض ّية مهمة‪ ،‬وهي أن دراسة‬ ‫نتاج الكتاب الشباب نقد ًيا‪ ،‬أم ٌر ليس يف حسابات‬ ‫النقاد‪ ،‬لألسف‪ ،‬وهذا يعود لعدة أسباب يطول‬ ‫رشحها متع ّلقة بالصناعة الثقافية بحد ذاتها‪،‬‬ ‫ويضاف إليها العالقات الشخص ّية وشهرة الكاتب‬ ‫‪ ...‬إلخ‪ .‬هذا بالرضورة يحيلنا إىل قضية الحظوظ‬ ‫أو غيابها‪“ ،‬مذ مل أمت” القى َق ً‬ ‫بول ما‪ ،‬وكتبت‬ ‫عنه عدّة صحف‪ ،‬نقدًا‪ ،‬تقد ًميا وإشها ًرا‪ ،‬ولكن‬ ‫هذا ال يريض شغفي بالحصول عىل املالحظات‬ ‫النقدية والقراءات املختلفة للنص وتأويله‪ ،‬ألنني‬ ‫أؤمن بأن كل قارئ هو جزء أصيل من العمل‬ ‫األديب‪ ،‬وتأوي ُله وحساسيتُه تحمل سياقات درام ّية‬ ‫وجاملية مختلفة‪ ،‬وبالتايل إثراء الكتاب‪ ،‬وإضافة‬ ‫خربات للمؤلف وآليات تفكري مختلفة‪ ،‬أنا دامئًا‬ ‫أهتم باملالحظات أكرث من التصفيق واملديح‪ ،‬ألن‬ ‫التصفيق ال يقدّم شيئًا لتجربتي بعكس النقد‪ .‬وهنا‬ ‫يتوجب ع ّ‬ ‫يل التنويه ّ‬ ‫بأن النقد ال يعني بالرضورة‬ ‫ّ‬ ‫االنتقاد‪.‬‬ ‫ُيشار إىل أنه صدر لضيفنا قبل كتابه “ ُمذ مل ْ‬ ‫أمت”‪،‬‬ ‫مجموعتان شعريتان‪ ،‬بالفصحى والعامية‪“ :‬س ًريا‬ ‫عىل األحالم”‪ ،‬و”البس تياب السفر‪ .‬ويشغل اآلن‬ ‫منصب رئيس تحرير صحيفة “أبواب”‪ ،‬وهي أول‬ ‫صحيفة عربية يف أملانيا‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫إبداعات ونشاطات سورية‬

‫“فهرس سورية الثقافي”‪..‬‬ ‫مبادرة ثقافية مستقلة‬

‫حضور سوري بارز في أنطولوجيا‬ ‫أدبية صدرت بألمانيا‬

‫“سوريا في القلب “شهادات ونصوص‬ ‫لك ّتاب سوريين في مجلة “بانيبال”‬ ‫أفردت مجلة “بانيبال” الصادرة باللغة‬ ‫اإلنكليزية‪ ،‬والتي يحررها الكاتب‬ ‫العراقي صموئيل شمعون‪ ،‬عددها‬ ‫الجديد (‪ )57‬لنصوص مرتجمة ملجموعة‬ ‫من الكتّاب السوريني‪ ،‬بعنوان‪“ :‬سوريا يف‬ ‫القلب” (‪.)SYRIA IN THE HEART‬‬ ‫والكتاب املشاركون بالعدد الذي متيز‬ ‫بحلة رائعة‪ ،‬هم‪ :‬نوري الجراح‪ ،‬رشا‬ ‫عمران‪ ،‬خالد خليفة‪ ،‬هالة محمد‪ ،‬ندى‬ ‫منزلجي‪ ،‬منري املجيد‪ ،‬فواز قادري‪ ،‬محمد‬ ‫عالء الدين عبد املوىل‪ ،‬روزا ياسني حسن‪،‬‬ ‫وهيثم حسني‪ ،‬الذي نرشت له املجلة‬ ‫فصالن من روايته “رهائن الخطيئة”‪،‬‬ ‫ومها حسن‪ ،‬التي نرش لها فصال من الله ونوس التي نرشت ً‬ ‫فصل من روايتها‬ ‫روايتها األخرية “مرتو حلب”‪ ،‬ودمية سعد األوىل “الخائفون”‪.‬‬

‫“تذكرتان‬ ‫إلى‬ ‫صفور ّية” ‪..‬‬ ‫رواية جديدة‬ ‫لسليم البيك‬ ‫يوسف‪ ،‬عىل نحو متداخل‪ ،‬إذ يحوي‬ ‫صدرت عن “دار الساقي” يف بريوت‪،‬‬ ‫ٌّ منها إحاالت إىل األخرى‪ ،‬ول ّ‬ ‫كل فصل‬ ‫واية «تذكرتان إىل ص ّفورية» كل‬ ‫مؤخ ًرا‪ ،‬ر‬ ‫ّ‬ ‫يمة رئيس ّية‪ ،‬تغدو فرع ّية يف الفصول‬ ‫يني سليم البيك‪ ،‬ث‬ ‫للكاتب الفلسط ّ‬ ‫معرض بريوت للكتاب يف األخرى‪.‬‬ ‫وس ُتطلق يف‬ ‫الكاتب سليم البيك فلسطيني سوري‬ ‫األول (ديسمرب) القادم‪ ،‬بحضور و‬ ‫كانون ّ‬ ‫يعيش حال ًيا يف فرنسا‪ ،‬ويكتب يف‬ ‫الكاتب‪.‬‬ ‫الثقافية‪ ،‬وهو مح ّرر مجلةّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 240‬صفحة‪ ،‬وقد فاز الصحافة‬ ‫يف‬ ‫واية‬ ‫تقع الر‬ ‫«رمان» الثقاف ّية الفلسطين ّية‪ .‬وصدر له‬ ‫ّ‬ ‫مؤسسة “آفاق”‬ ‫نحة‬ ‫ّ‬ ‫مب‬ ‫بتها‬ ‫كتا‬ ‫مرشوع‬ ‫ّ قبل هذه الرواية «خطايا الجئ» عام‬ ‫لكتابة الرواية بإرشاف الروا ّيئ اللبناين‬ ‫‪ 200‬عن “دار كنعان” بدمشق‪ ،‬وهي‬ ‫دويهي‪ .‬وتتك ّون الرواية من ثالثة ‪8‬‬ ‫ج ّبور ال‬ ‫نصوص نرث ّية‪ ،‬و«كرز أو فاكهة حمراء‬ ‫صول متقاربة يف الحجم‪ ،‬عنونها الكاتب‬ ‫ف‬ ‫لتشيزكيك» عام ‪ 2011‬عن “الدار‬ ‫بتولوز” و”ما ًّرا من الريموك” ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫”ما‬ ‫بـ‬ ‫ًّ‬ ‫عمن‪ ،‬وهي مجموعة قصص ّية‬ ‫إبيلوغ من األهل ّية” ب ّ‬ ‫و”ما ًّرا مع لِيا”‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫لقطان” يف رام الله‪،‬‬ ‫حازت عىل “جائزة ا ّ‬ ‫صفحات قليلة ُتنهي الرواية‪ ،‬بعنوان‬ ‫ليك سوى املاء»‪ ،‬قصائد‪“ ،‬دار‬ ‫كل فصل و«ليس ع ِ‬ ‫را إىل ص ّفورية”‪ .‬ويحيك ّ‬ ‫“ما ًّ‬ ‫راية” بالداخل الفلسطيني عام ‪.2011‬‬ ‫مرحلة من حياة الشخص ّية الرئيس ّية‪،‬‬

‫ثقافة‬

‫أعلنت دار النرش األملانية “‪ ”Secession‬عن إصدار كتابها الجديد‬ ‫“أنطولوجيا نصوص من أملانيا‪ :‬أن تكون راحالً ‪ -‬أن تكون هنا”‪،‬‬ ‫والذي جمع تسعة عرش أدي ًبا وأديبة من سوريا‪ ،‬واليمن وإيران‪،‬‬ ‫وهم‪ :‬روزا ياسني حسن‪ ،‬رشا عباس‪ ،‬أيهم آغا‪ ،‬عساف العساف‪،‬‬ ‫محمد العطار‪ ،‬لينة عطفة‪ ،‬ضاهر عيطة‪ ،‬خولة دنيا‪ ،‬عارف حمزة‪،‬‬ ‫يامن حسني‪ ،‬نور كنج‪ ،‬كنان خداج‪ ،‬عامر مطر‪ ،‬رامي العاشق‪ ،‬رائد‬ ‫وحش‪ ،‬وداد نبي‪ ،‬ونهاد سرييس (من سوريا)‪ ،‬جالل األحمدي (من‬ ‫اليمن)‪ ،‬وبيغا أحمدي (من إيران)‪ .‬وقد صدر الكتاب الشهر املايض‬ ‫يف الدورة األخرية ملعرض فرانكفورت الدويل للكتاب (‪ ،)68‬وقد قدّم‬ ‫لألنطولوجيا األديب الربليني شريكو فتّاح‪ ،‬كام قام املصور الفوتوغرايف‬ ‫ماتياس بوتور بتصوير جميع األدباء حيث وضعت صورهم داخل‬ ‫الكتاب بجانب كل نص‪ ،‬وكذلك ستعرض جميع الصور بشكل مفرد‬ ‫يف معرض مستقل بالتعاون مع وزارة الهجرة واألجانب‪ .‬ويعترب هذا‬ ‫الكتاب األول من نوعه بعيدًا عن تقديم الالجئني عىل أنهم ضحايا‬ ‫وفقط ضحايا‪ ،‬وقد طبع منه ‪ 5000‬نسخة كطبعة أوىل كام سيصدر‬ ‫الح ًقا بعدة لغات‪ ،‬وخاصة لغات األدباء (العربية والفارسية)‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 4 - 81 -‬‬

‫أعلن الفنان التشكييل والناشط الثقايف‬ ‫املتوقع إطالقه رسم ًيا بداية العام ‪،2017‬‬ ‫السوري‪ ،‬خالد بركة‪ ،‬عن مبادرة ثقافية‬ ‫يطمح ألن يتحول إىل قاعدة بيانات‬ ‫مستقلة تحمل عنوان فهرس سورية‬ ‫تكرب باضطراد مستمر؛ لتغطي كامل‬ ‫الثقايف (‪ ،)Syria Culture Index‬وهي‬ ‫الشأن الثقايف السوري (الذي سيتضمن‬ ‫عبارة عن ّ‬ ‫منصة افرتاضية‪ ،‬وتطبيق‬ ‫طائفة واسعة من الصناعات اإلبداعية‬ ‫ُ‬ ‫حديث للهواتف الذكية‪ ،‬أنشئ استجابة‬ ‫من سينامئيني‪ ،‬فنانني‪ ،‬مرسحيني‪،‬‬ ‫لحاجات السوريني والفلسطينيني‬ ‫صانعي أفالم … إلخ)‪ .‬كام يسعى إىل‬ ‫السوريني العاملني يف املجال الثقايف‪،‬‬ ‫التعزيز الفني والتعليمي لدعم الفاعلني‬ ‫أفرادًا ومؤسسات‪ ،‬خارج سورية‬ ‫الثقافيني السوريني يف تطوير أعاملهم‬ ‫أو داخلها‪ ،‬ملساعدتهم يف مواجهة‬ ‫اإلبداعية؛ لتجاوز أوضاعهم الراهنة‬ ‫الصعوبات التي يتعرضون لها خالل‬ ‫التي تتحدى استمرارهم املهني‪ ،‬وليكون‬ ‫مسريتهماملهنية‪.‬‬ ‫منصة بديلة تعزز خلق فرص العمل‬ ‫ووف ًقا لربكة‪ ،‬فإن “الفهرس”‪ ،‬ال‬ ‫ذي من وتبادل املهارات واملعرفة املهنية‪.‬‬

‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.