مجلة طلعنا عالحرية / العدد 91

Page 1

‫حرية ‪ ،‬كرامة‪ ،‬مواطنة‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫كيف عايشني؟‬

‫مجلة شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬


‫كيف عايشني؟‬

‫‪2‬‬

‫نصار‬ ‫افتتاحية بقلم أسامة ّ‬

‫العدد‬

‫‪92‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫بالورقة والقلم يحتاج السوري املوجود داخل سوريا إىل عرشة أضعاف الخبز بـ ‪ 10‬أرغفة ساخنة وكبرية‪ ..‬أيام «كنّا عايشني»!‬ ‫دخله بالحد األدىن ليؤمن الحاجات البسيطة األساسية للمعيشة‪.‬‬ ‫لكن من األفضل االستمرار يف البحث حول هذا السؤال «كيف عايشني؟» ألنه يبقى‬ ‫ّ‬ ‫نعرف أن مسببات ضعف االقتصاد والفقر وق ّلة فرص العمل كثرية‪،‬‬ ‫أقل سوءاً من سؤال يبطنه املستبدون وحلفاؤهم من املرتفني‪« :‬ليش عايشني؟»!‬ ‫ونعرف أيضاً أن النظام هو املسؤول األول عن املعيشة الضنك التي‬ ‫يعاين منها السوريون‪ ،‬وإن شاركه يف هذا الجرم تجار دم ومستبدون‬ ‫آخرون بنسب مختلفة‪.‬‬ ‫إذا أخذنا عينة من «التكتيكات» التي تتبعها أغلبية العائالت السورية‬ ‫لخوض معركة املعيشة‪ ،‬سنجدها تتشابه يف كثري منها‪:‬‬ ‫تستغني عن الرتفيه والكامليات‪ ،‬بعد أن تعيد تعريف كل من‬ ‫الكامليات واألساسيات‪ ،‬فتتضخم القامئة األوىل عىل حساب الثانية؛‬ ‫نتكلم عن «رفاهية» أشياء مثل الطبابة والوقاية أو متابعة التعليم أو‬ ‫الكهرباء والتدفئة واالتصاالت واملواصالت‪..‬‬ ‫تراقب تكاثر الجمعيات الخريية ومنظامت اإلغاثة‪ ،‬وبغض النظر عن‬ ‫تقييم أدائها‪ ،‬فهذه املؤسسات أص ًال تعرتف بنفسها بعبثية املهمة‬ ‫التي تتصدى لها‪.‬‬ ‫سيعمل أكرث من شخص يف البيت الواحد لتأمني اللقمة؛ لن مينع أن‬ ‫يتحول املرىض وأطفال البيت إىل عاملة (مست َغ َّلة غالباً) للمشاركة‬ ‫يف املرصوف‪.‬‬ ‫يتم ترقيع الدخل بحواالت من املغرتبني‪.‬‬ ‫بعض املحظوظني يجدون من يقرضهم مبالغ للطوارئ؛ هي بالنسبة‬ ‫ملانح القرض «ديون معدومة»‪ ،‬سيحتسبها كصدقات مقنّعة‪.‬‬ ‫الخوض يف كل هذه التكتيكات وغريها سيدخلك يف تفاصيل ومشاكل‬ ‫ووجع رأس‪ ،‬ولن يجيب عن السؤال «كيف عايشني؟» وإمنا يزيده‬ ‫غموضاً‪.‬‬ ‫لطاملا كان تدبري األمور لغزاً محرياً عندما تأيت للسوريني‪ ،‬حتى قبل‬ ‫شنّ النظام السوري حربه عىل الشعب؛ أيام الدوالر بـ ‪ 45‬لرية وربطة‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫افتتاحية‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬ ‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫مجلة شهرية تعنى بالشأن السوري‬ ‫ثقافية‪ ،‬اجتامعية‪ ،‬سياسية‬ ‫نائب رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬

‫محررون‬ ‫كامل شيخو ‪ -‬حسن عارفة‬

‫نصار‬ ‫رئيس التحرير أسامة ّ‬ ‫محرر ثقايف‬ ‫غسان نارص‬ ‫ّ‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ /‬هاين ع ّباس‬

‫زمالء مختطفون يف سوريا‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫الصحفي يف إدلب هو النازح‬ ‫ذاته الذي يوثق معاناة الغري‬

‫‪3‬‬

‫بالل البيوش‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬

‫مل تكن حظوظ سلطان األطرش (ناشط إعالمي)‪ ،‬بأفضل من‬ ‫حظوظي‪ ،‬فقد اضطر لرتك قريته “موقة” جنويب إدلب بعد أن‬ ‫استهدفتها قوات النظام السوري بثامنني صاروخاً دفعة واحدة‪،‬‬ ‫خ ّلف ذلك القصف يومها أربعة شهداء وأجرب أهايل القرية عىل‬ ‫مغادرتها‪.‬‬ ‫يقول سلطان لطلعنا عالحرية‪“ :‬تلك اللحظات مل تكن هينة عىل‬

‫تقارير‬

‫لست وحدي!‬

‫واقع املخيامت أسوأ مام يُقال عنه!‬

‫يقيم إبراهيم الدرويش (ناشط إعالمي) يف أحد‬ ‫مخيامت دير حسان‪ ،‬بعد تركه لقريته “أرينبة”‬ ‫بريف إدلب الجنويب‪ .‬اعتاد تغطية الحاالت اإلنسانية‬ ‫التي يسمع بها‪ ،‬لكن ما شاهده خالل إقامته يف هذه‬ ‫املخيم “كان أكرب من كل التغطيات” بحسب وصفه‪،‬‬ ‫مضيفاً‪“ :‬الفقر سمة واحدة تجمع املقيمني‪ ،‬وجميع‬ ‫سكان املخيم ينتظرون اإلغاثة الشهرية ليكملوا ما‬ ‫تبقى من حياتهم التي كتب عليهم أن يعيشوها بني‬ ‫الخيام”‪.‬‬ ‫تعرضت خيمة إبراهيم للغرق يف هذا الشتاء‪ ،‬واضطر‬ ‫لرتكها واالنتقال للعيش عند أقربائه ريثام تنتهي‬ ‫العاصفة‪ ،‬لكنه يؤكد أن املعاناة التي عاشها ال تقارن‬ ‫مبا عاشه غريه من املهجرين‪ ،‬فقد دخلت املياه إىل‬ ‫خيامهم أثناء نومهم ومل يعد لديهم من يلجؤون إليه‪.‬‬ ‫يضطر ابراهيم للسري عىل أقدامه للخروج من املخيم‪،‬‬ ‫فطبيعة األرض الطينية متنع دخول أي آلية إىل‬ ‫املخيم‪ ،‬وهو ما يدفعه للقلق؛ فلو اضطر أن ينقل‬ ‫أحد أفراد عائلته إىل املشفى بحالة إسعافية‪ ،‬وقتها‪،‬‬ ‫عليه حمله ملسافة تتجاوز ‪ 400‬مرتاً‪ ،‬إذ يستحيل‬ ‫دخول السيارات‪.‬‬ ‫يقول إبراهيم‪“ :‬كنت أعلم أن حياة املخيامت قاسية‪،‬‬ ‫لكن مل أتوقع يومأ أن تكون بهذه القسوة‪ ،‬آمايل وآمال‬ ‫عرشات الصحفيني تبقى معلقة بانتظار أي خرب يوحي‬ ‫بعودتنا القريبة إىل ديارنا التي تركناها”‪.‬‬

‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫مل أكن أتوقع يوماً أنني سأتحول من ناقل للخرب إىل أحد عنارصه!‬ ‫إذ اعتدت خالل أكرث من خمس سنوات عىل نقل معاناة سكان‬ ‫املخيامت شامل غرب سوريا يف صيفهم وشتائهم‪ ،‬لكن اليوم‬ ‫ُفرض عيل أن أعيش واقعهم وأعيش أحاسيس مل أكن أشعر بها‬ ‫وأنا خلف عدستي‪.‬‬ ‫يف منتصف سنة ‪ 2019‬قررت الخروج من مدينتي كفرنبل‬ ‫بريف إدلب‪ ،‬بعد أن كثفت قوات النظام السوري قصفها عىل‬ ‫املدينة‪ ،‬وبعد احتاللها مدينة معرة النعامن‪ ،‬شعرت حينها للمرة‬ ‫األوىل مبرارة النزوح‪ ،‬وما يرافقها من تغريات قد ترسم مساراً‬ ‫جديداً للحياة‪.‬‬ ‫أقمت يف إدلب بداية نزوحي فرتة من الزمن‪ ،‬بسبب ظروف‬ ‫العمل‪ ،‬وبعد توقفي عن العمل قررت االنتقال إىل مخيامت‬ ‫باريشا التي تضم عائلتي‪ ،‬وكان معظم أهايل كفرنبل قد انتقلوا‬ ‫إىل هناك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شكلت باريشا وطنا جديداً لنا‪ ،‬رغم اختالفها الكبري عن مدينتنا‬ ‫كفرنبل‪ ،‬فقد منحت وجوه أهايل كفرنبل طابعاً إضافياً للبلدة‪،‬‬ ‫لكن مرارة النزوح ال ميكن أن نتجاوزها بهذه السهولة‪.‬‬ ‫صادفت إقامتي يف باريشا مع قدوم الشتاء‪ ،‬والذي يعتربه جميع‬ ‫سكان املخيامت فصل املصاعب واآلالم‪ ،‬حيث تتحول الطرقات‬ ‫الرتابية إىل مستنقعات طينية يصعب تجاوزها‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫برودة الطقس‪ ،‬والرياح الشديدة التي تعصف بالخيام ومتزقها‪.‬‬ ‫مل يكن هذا الشتاء قاسياً كسابقه‪ ،‬لكن عدم اعتيادي عىل هذه‬ ‫األجواء وسوء املكان الذي نقيم فيه‪ ،‬كانا كفيلني بجلب الكثري‬ ‫من املتاعب‪.‬‬ ‫يف نهاية كانون الثاين املايض مرت ليلة لن أنساها ما حييت‪،‬‬ ‫وال ميكن للكلامت أن تصف حجم الخوف والقلق الذي‬ ‫عشناه أثناء العاصفة املطرية‪ ،‬وكيف تالعبت الرياح الشديدة‬ ‫بـ”شادر” املنزل (عبارة عن أربعة جدران وسقف من نسيج‬ ‫سميك) لدرجة شعرت بها بأن املنزل سيسقط فوقنا‪.‬‬ ‫يومها علمت الفارق الحقيقي بني أن تكون مصوراً ومراس ًال ناق ًال‬ ‫لألحداث‪ ،‬وبني أن تكون بطل القصة وتعيشها من األلف إىل‬ ‫الياء‪.‬‬

‫أي شخص من أهايل القرية‪ ،‬فقد ترك يف تلك اللحظة‬ ‫بيتاً وأرضاً وقرية ينتمي إليها‪ ،‬وفقد كل الذكريات‬ ‫وذهب”‪.‬‬ ‫مل ميلك سلطان خطة واضحة املعامل للنزوح‪ ،‬إذ مل‬ ‫يكن ميلك أي مكان يأوي إليه‪ ،‬وافرتق عن أهله يف‬ ‫أول محطات النزوح ٌّ‬ ‫كل يف مخيم بعد تعب وشقاء‬ ‫كبريين‪ ،‬وذلك بسبب الصعوبات التي عايشها أثناء‬ ‫إخراج ما تيرس من أدواته املنزلية‪ ،‬وألن املنطقة باتت‬ ‫مكشوفة بشكل واضح عىل قوات النظام وقد ال‬ ‫يتمكن من العودة إليها الحقاً‪.‬‬ ‫أتم سلطان عملية نقل األدوات املنزلية‪ ،‬لكن أنفاسه‬ ‫بقيت متعلقة يف قريته‪ ،‬فقد حاول عىل مدى شهر‬ ‫كامل دخول القرية التي عاش طفولته فيها لكنه‬ ‫فشل‪ ،‬فجيش النظام السوري بات قريباً والدخول‬ ‫للقرية نوع من االنتحار‪.‬‬ ‫كانت رحلة النزوح قاسية عىل سلطان منذ بدايتها؛‬ ‫فأحواله املادية سيئة جداً‪ ،‬وأسعار اإليجارات مرتفعة‪،‬‬ ‫ُكتب عليه أن يعاينها بنفسه اليوم‪ ،‬دون أن ميلك املال‬ ‫الكايف الستئجار منزل‪ ،‬فباع هاتفه لدفع إيجار منزل‬ ‫يف بلدة سلقني‪ ،‬مل َت ُطل إقامته فيه‪ ،‬فقد وجد نفسه‬ ‫وحيداً غريباً يف هذه املدينة‪.‬‬ ‫قرر اللحاق بأهله إىل منطقة صلوة قرب أطمة‪ ،‬حيث‬ ‫أقاموا يف قطعة أرض جبلية ال تصلح لإلقامة بأي شكل‬ ‫من األشكال‪ ،‬لكن النزوح يفرض عليك ما مل يكن يوماً‬ ‫ضمن حساباتك‪.‬‬ ‫“أرى كل يوم يف هذه املخيامت أطفاالً ُتحرق أحالمها‬ ‫وتغوص يف بحر الجهل أكرث‪ ،‬أرى الفقر الشديد يحيط‬

‫بالناس‪ ،‬وكيف وصل الحال ببعضهم للعجز عن رشاء‬ ‫كيس الخبز” يقول سلطان‪.‬‬


‫يف انتظار اخلالص‪ ..‬على طوابري النجاة‬ ‫‪4‬‬

‫حتقيق حول األوضاع املعيشية يف مناطق سيطرة النظام‬ ‫ليلى الصفدي‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬ ‫حتقيقات‬

‫بينام تحدد األمم املتحدة ومنظامت الغذاء مصطلحات‬ ‫وتعريفات إضافية لخط الفقر‪ ،‬يعيش املواطن السوري هذا‬ ‫التعريف عىل جلده وعىل أمعاء أطفاله الخاوية مضاعفاً‬ ‫م ّرات عدة‪ ،‬يف أدق تفاصيل يومه من الصباح حتى املساء‪..‬‬ ‫ورمبا يف أحالمه ‪ /‬كوابيسه أيضاً‪.‬‬ ‫ففي ظل االنخفاض اليومي لقيمة اللرية السورية تقل‬ ‫قيمة الرواتب بنفس الوترية‪ ،‬حيث مييس الناس عىل حال‬ ‫ويصبحون عىل حال أكرث سوءاً‪ .‬وال يبدو أن النظام الذي‬ ‫دفع البلد إىل هذا الدمار يكرتث لحالهم أو يضع الخطط‬ ‫ألية حلول ممكنة‪ ،‬بل رمبا يكون العكس هو الصحيح‪ ،‬ففي‬ ‫تفاصيل كثرية تتضح قصدية اإلذالل والتلذذ بتعذيب البرش‪ - 7 .‬رواتب القطاع الخاص ما بني ‪ 100‬وحتى ‪250‬‬ ‫ألف لرية‪ ،‬واألجر األخري قلة قليلة هم من يتقاضونه‪.‬‬ ‫نلقي الضوء يف هذا التحقيق املخترص عىل هذا االرتفاع ‪ - 8‬هناك الكثريون ممن يعيشون عىل اليومية‬ ‫املذهل يف األسعار‪ ،‬وعىل أهم الجوانب املعيشية والخدمية ومصريهم خاضع لتوقفات العمل املتكررة‪.‬‬ ‫تفاوت مستويات الدخل‬ ‫التي يعانيها الناس يف مناطق سيطرة النظام‪.‬‬ ‫إن مراجعة رسيعة لقوائم أسعار املواد األساسية التي قمنا إنه من الصعوبة مبكان احتساب دخل الفرد يف سوريا‬ ‫بجمعها من أربعة مناطق ومصادر مختلفة (دمشق‪ ،‬ريف حالياً؛ نظراً للتفاوتات الكربى بني مختلف القطاعات‬ ‫دمشق‪ ،‬السويداء‪ ،‬الالذقية) وكلها تقع اآلن تحت سيطرة والطبقات‪ ،‬ونظراً لالرتفاع اليومي يف سعر رصف‬ ‫الدوالر‪.‬‬ ‫النظام السوري‪ ،‬تضعنا أمام الحقائق التالية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬إن سعر السلة الغذائية الرضورية ملعيشة عائلة من ففي حني قدّر موقع ‪ numbeo‬املتخصص‬ ‫خمسة أفراد تقارب يف املتوسط ‪ 540000‬لرية شهرياً‪ .‬باإلحصائيات متوسط الرواتب يف سوريا بـ ‪ 56‬ألف‬ ‫(االستهالك الرضوري من الغذاء للفرد ‪ 108000‬لرية شهرياً‪ ،‬لرية سورية شهرياً يف أواخر عام ‪ ،2019‬فقد كان سعر‬ ‫أي بتكلفة يومية متوسطة لكل فرد تقارب ‪ 3600‬لرية الرصف آنذاك ‪ 600‬لرية للدوالر‪ ،‬وهذا يعني أن قيمة‬ ‫الراتب الحقيقية كام حددها املوقع آنذاك تعادل‬ ‫سورية)‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تشمل السلة املذكورة الحد األدىن الرضوري الستهالك ‪ 94.26‬دوالر‪ .‬وإذا ما احتسبنا نفس الراتب يحسب‬ ‫الفرد من املواد األساسية التالية التي يحتاجها الجسم‪ :‬خبز‪ ،‬سعر الرصف اليوم (‪ )3200‬فإنه سيكون ‪ 17‬دوالر‬ ‫بيض‪ ،‬جنب‪ ،‬رز‪ ،‬خضار وفواكه‪ ،‬لحم‪ ،‬زيت‪ ،‬حلويات‪ ،‬شاي ونصف فقط‪ .‬ومل تقابل هذا االرتفاع يف أسعار الرصف‬ ‫إال ارتفاعات ضئيلة جداً جداً يف مستوى الرواتب‪.‬‬ ‫وقهوة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ال تشمل القامئة أية احتياجات رضورية أخرى‪( ،‬كهرباء‪ ،‬وإذا ما افرتضنا أن متوسط دخل العائلة السورية‬ ‫ماء‪ ،‬غاز‪ ،‬مواد تنظيف‪ ،‬مواصالت‪ ،‬بنزين‪ ،‬إيجار سكن‪ ،‬تعليم‪ ،‬من عدة مصادر للدخل يقارب ‪ 80‬ألف لرية سورية‬ ‫فإننا بحسبة متفائلة سوف نجد أن هذا الدخل يكفي‬ ‫طبابة‪ ،‬تدفئة‪ ،‬هاتف‪ ،‬انرتنت وغريها من األساسيات)‪.‬‬ ‫‪ - 4‬املتوسط املذكور أعاله يتعامل مع األسعار حتى تاريخ إلطعام العائلة أقل من خمسة أيام‪ ،‬وهذا من دون‬ ‫إعداد هذا التقرير يف النصف األول من شهر شباط ‪ ،2021‬احتساب أية مرصوفات أخرى غري الغذاء‪.‬‬ ‫فيام تستمر األسعار باالرتفاع يومياً مبوازاة ارتفاع سعر رصف كيف يتدبر السوريون أمورهم‬ ‫الدوالر الذي كان يقارب ‪ 3200‬لرية‪ ،‬وهو يرتفع مبعدل ‪ – 80‬ال بد هنا من العودة إىل الحكاية القدمية التي يتناقلها‬ ‫السوريون حول الخرباء األجانب الذين درسوا هذه‬ ‫‪ 90‬لرية يومياً)‪.‬‬ ‫‪ - 5‬هناك فروقات كبرية يف أسعار بعض املواد بني منطقة القضية من كافة جوانبها ومل يتوصلوا إىل يشء إال‬ ‫وأخرى‪ ،‬وقد اعتمد التقرير متوسط السعر بني املناطق األربعة‪ .‬قولهم أن املواطن السوري “عايش بقدرة الله!”‪،‬‬ ‫‪ - 6‬ترتاوح رواتب القطاع العام ما بني ‪ 35‬وحتى ‪ 80‬ألف لرية‪ .‬الحكاية القدمية تبدو اآلن مأساة مضاعفة ومرعبة‪.‬‬

‫يقول نارص من مدينة دمشق‪“ :‬الكثري من العائالت‬ ‫السورية تعيش عىل حواالت األهل ممن هم يف‬ ‫الخليج أو أوروبا وغريها‪ ،‬ولكن تدخل الدولة يف هذا‬ ‫الشأن وتحديد سعر رصف العمالت األجنبية جعل‬ ‫معظم الناس يف الخارج يرتددون يف التحويل ألن‬ ‫أهاليهم سيستلمون املبلغ املحول عن طريق منافذ‬ ‫تابعة للدولة‪ ،‬والتي حددت سعر الرصف للدوالر بـ‬ ‫‪ 1200‬لرية‪ ،‬بينام هو يف السوق املوازي أكرث من ‪،3000‬‬ ‫ما يعني خسارة أكرث من نصف املبلغ‪ .‬فبقي التعامل‬ ‫بالتحويالت مقترصاً عىل ما هو اضطراري وعاجل‪”.‬‬ ‫ويضيف نارص‪“ :‬ال توجد مداخيل إضافية للكثري من‬ ‫العائالت السورية‪ ،‬ولعل املخرج الوحيد ملن يعمل‬ ‫يف القطاع العام هو العمل يف الفرتة املسائية مبهنة‬ ‫ما يف القطاع الخاص كسائق تكيس مث ًال‪ ،‬أو أن‬ ‫يقوم الشخص بعمل بسيط كنصب بسطة فول أو‬ ‫سندويش أو غريها”‪.‬‬

‫حتى األطفال‪..‬‬

‫وفيام يبدو أنه من املستحيل أن تعتمد العائلة عىل‬ ‫معيل واحد أو حتى اثنني‪ ،‬فال بد من أن ينخرط‬ ‫األطفال أيضاً يف سوق “العمل”‪ ،‬من بائعي العلكة‬ ‫واملحارم إىل بيع األمل والحاجة عرب التس ّول‪.‬‬ ‫يف هذا السياق تتحدث عبري من السويداء بحرسة عن‬ ‫األطفال الذين يرتكون مدارسهم لتأمني بعض اللريات‬ ‫اإلضافية‪“ ،‬التقيت بطفل بعمر ‪ 10‬سنوات تقريباً‪،‬‬ ‫مسج ًال باملدرسة ألين رأيته‬ ‫طبعاً هذا الطفل ليس ّ‬ ‫بأوقات الدوام‪ ،‬كان عند مبنى الرتبية يبيع كاممات‬ ‫والجو بارد جداً‪ ،‬سألته‪“ :‬خالتو بقديه الكاممة؟”‪،‬‬ ‫قال‪“ :‬بـ ‪ 100‬لرية”‪ ،‬أعطيته مبلغاً وقلت له‪“ :‬ليك أنا‬ ‫حاطة كاممة ما بدي كاممة وهذول إلك”‪ .‬ال أنىس‬


‫‪536700‬‬

‫لرية سورية‬ ‫متوسط تكلفة سلة غذائي�ة شهرية لعائلة من خمسة أفراد‬

‫كورونا أرحم !‬

‫فوق ذلك كله تأيت أزمات الطاقة من كهرباء وغاز‬ ‫وبنزين ومواد التدفئة وغريها لتتوج سياسات‬ ‫الفقر واإلذالل والتنغيص املقصود لحياة الناس‪،‬‬ ‫يقال إن النظام الزال يبيع الكهرباء لألردن ولبنان‬ ‫ليحصل عىل مداخيل إضافية‪ ،‬بينام يقطعها عن‬

‫وفيام يبدو واضحاً أن الناس العاديني هم األكرث تأثراً بسياسات‬ ‫النظام وتقنيناته‪ ،‬فإن الواضح أيضاً أنهم األكرث تأثراً بالسياسات‬ ‫الدولية والحصار وقوانني قيرص‪ ،‬والتي ال يبدو أنها تنال من عنجهية‬ ‫النظام وصلفه واستبداده‪ ،‬وال من إمكانيات بقائه األبدي فوق‬ ‫صدور املساكني‪.‬‬ ‫املادة‬ ‫خبز‬ ‫بيض‬ ‫جنب‬ ‫اللحوم‬ ‫خضار‬ ‫فواكه‬ ‫حلويات‬ ‫أرز‬ ‫زيوت‬ ‫شاي‬ ‫قهوة‬

‫الكمية بالغرام ل ‪ 5‬أفراد‬

‫‪2500‬‬ ‫‪250‬‬ ‫‪125‬‬ ‫‪375‬‬ ‫‪1250‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪650‬‬ ‫‪350‬‬ ‫‪5000‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪1000‬‬

‫سلة غذائية يومية لعائلة مكونة من ‪ 5‬أفراد‬ ‫معدل تكلفة السلة الغذائية شهرياً‬

‫السعر ل‪.‬س‬ ‫‪400‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪700‬‬ ‫‪6375‬‬ ‫‪1565‬‬ ‫‪1730‬‬ ‫‪3900‬‬ ‫‪700‬‬ ‫‪920‬‬ ‫‪250‬‬ ‫‪350‬‬ ‫‪17890‬‬

‫‪536700‬‬

‫حتقيقات‬

‫الحياة عىل إيقاع األزمات والطوابري‬

‫‪91‬‬

‫االستغناء‪ ..‬حتى الرمق األخري‬

‫ويبقى “االستغناء” هو سالح السوريني األمىض‬ ‫يف مواجهة الغالء‪ ،‬حيث تنكمش السلة الغذائية‬ ‫إىل الحدود الدنيا التي ال تس ّد الرمق‪ ،‬وليست‬ ‫نادرة تلك العائالت التي تعتمد عىل الخبز وأشياء‬ ‫بسيطة مكملة‪ ،‬حيث يبقى الخبز املدعوم هو‬ ‫الحصن األخري يف مواجهة الجوع‪ .‬وتحافظ ربطة‬ ‫الخبز املدعوم التي تقلصت إىل سبعة أرغفة عىل‬ ‫سعر معقول حتى اآلن (‪ 120‬لرية)‪ ،‬مقابل ربطة‬ ‫الخبز السياحي التي يصل سعرها إىل ‪ 1200‬لرية‬ ‫سورية بفارق عرشة أضعاف‪ .‬وذلك من دون‬ ‫التطرق إىل جودة الرغيف املغمس بالذل يف سبيل‬ ‫تحصيله‪.‬‬ ‫وقد حدد النظام استهالك الخبز وأشياء أخرى‬ ‫بكميات معينة يتم رشائها عرب “البطاقة الذكية”‬ ‫وأضحت ساعات االنتظار يف طوابري الخبز الطويلة‬ ‫جزءاً أساسياً من يوميات السوريني‪.‬‬

‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫نظرته‪ ،‬وظليت فرتة كلام أتذكرها تدمع عيوين”‪.‬‬ ‫هناك بالطبع حكايات كثرية أكرث وجعاً وأكرث‬ ‫بشاعة‪ ،‬حكايات الترشد والتس ّول والضياع‪،‬‬ ‫حكايات العصابات والرسقة والجرمية‪ ،‬وحكايات‬ ‫الخطف بقصد طلب الفدية‪ ..‬والتي ال بد أن‬ ‫تزدهر يف مثل هذا الجحيم‪.‬‬

‫شعبه يف كل املناطق‪.‬‬ ‫يف هذا السياق توضح ياسمني من ريف دمشق‬ ‫أن الكهرباء مقطوعة أغلب الوقت يف كثري من‬ ‫املناطق واملحافظات‪ ،‬وتعترب األوضاع يف الشام‬ ‫وريفها أفضل نسبياً من مناطق أخرى‪ ،‬حيث‬ ‫تحرض الكهرباء بالتناوب ساعتني و ُتقطع ‪4‬‬ ‫ساعات‪.‬‬ ‫وتعلق ياسمني عىل ذلك‪“ :‬بدك تقسمي يومك‬ ‫ودراستك وحاممك وشغلك وتنظيف البيت‬ ‫والغسيل وكل يش ع هوا هدول الساعتني اليل‬ ‫بتجي فيهن الكهربا”‪.‬‬ ‫يف السويداء أيضاً يقسم الوقت بني ساعتي كهرباء‬ ‫وأربع ساعات انقطاع‪ ،‬لكن يف أوقات مختلفة‬ ‫عن دمشق‪ .‬تقول سمر من شهبا‪“ :‬أقيض يومي‬ ‫يف انتظار الكهرباء‪ ،‬وعندما تأيت أهرب ملكنسة‬ ‫الكهرباء والغسالة وكل األشياء الرضورية‪ ،‬وال‬ ‫تكاد تنتهي جولتي باألشغال املنزلية حتى تعود‬ ‫الكهرباء لالنقطاع”‪.‬‬ ‫تفصل هيفاء من الالذقية يف هذا املوضوع أكرث‪:‬‬ ‫“الكهرباء عندما تأيت ال تحتمل الكثري من الضغط‪،‬‬ ‫يجب أن نختار ما بني تشغيل السخان أو الفرن‬ ‫والغسالة أو غريهام‪ ،‬كثرياً ما تنقطع الكهرباء يف‬ ‫منتصف دورة الغسيل ليكون مصريه العفونة‬ ‫والروائح الكريهة”‪.‬‬ ‫وترشح هيفاء التي تعترب نفسها من العائالت‬ ‫امليسورة والتي يصادف أنها وزوجها يجهزان‬ ‫شقتهام الجديدة‪ ،‬كيف أن مسألة انقطاع‬ ‫الكهرباء تلقي بظاللها عىل كل الدورة االقتصادية‬ ‫يف البلد “بيجي معلم طولو وعرضو وعندو بيت‬

‫الطوابري يف كل مكان‪ ،‬وال مفر من االكتظاظ يضيف نارص بيشء‬ ‫من الهزل‪ ،‬ورش البلية ما يضحك‪“ :‬بوسع الشعب السوري دخول‬ ‫موسوعة غينيس لألرقام القياسية كصاحب أطول طابور يف العامل‪،‬‬ ‫سواء عىل الخبز أو عىل املازوت والبنزين‪ .‬ويزداد الذل عند‬ ‫تخصيص أقفاص ‪-‬ال تزال موجودة رغم نفي الحكومة‪ -‬عند شبابيك‬ ‫األفران‪ .‬الدولة غري مكرتثة ملثل هذه الطوابري لجهة الحرص من‬ ‫تفيش كورونا‪ ،‬والناس ال عالقة لها ال بالكاممات وال بالتباعد‪ ،‬ولسان‬ ‫حالهم يقول‪ :‬املوت بالكورونا أرحم من املوت برداً وجوعاً”‪.‬‬ ‫وعند سؤال ياسمني التي عانت مؤخراً من املرض الشديد عن‬ ‫وضعها الصحي وإن كانت فع ًال مصابة بالكورونا‪ ،‬وهل أجرت‬ ‫الفحص‪ ،‬قالت “فحص شو؟ الله يسامحك! تكلفة الفحص ‪50‬‬ ‫دوالر‪ ،‬والله إذا ما طلع معي كورونا بنجلط”!!‬

‫العدد‬

‫وعيله‪ ،‬بيشتغل ساعتني بس وباقي النهار قاعد ناطر الكهربا”‪.‬‬ ‫يف هذا السياق يقول نارص من دمشق‪“ :‬بشكل عام حياة املواطن‬ ‫السوري صار إيقاعها يتناغم مع الواقع املعييش البائس‪ ،‬فهو ينام‬ ‫ويصحو وفق متطلبات الحياة التي تفرضها حاالت التقنني وندرة‬ ‫فرص تأمني احتياجات الحياة املعيشية اليومية‪ .‬بعض الناس صارت‬ ‫مضطرة للذهاب إىل الفرن منذ ساعات الفجر األوىل لرشاء الخبز‪ ،‬ما‬ ‫يجعل حياة هؤالء جحي ًام مربمجاً عىل إيقاع األزمات”‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫“احلواضر” ختنق السوريني بعد أن كانت وجبتهم املدللة!‬

‫‪6‬‬

‫ً‬ ‫شهريا “فقط” لوجبة “حواضر” بسيطة!‬ ‫‪ 140‬ألف لرية‬ ‫ياسمينة أحمد‪ -‬دمشق‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫بصوت متقطع‪ ،‬ونظرة كئيبة خ ّيمت عىل كامل وجهها‪،‬‬ ‫تقول وفاء‪“ :‬ال ينال أطفايل الثالثة كفايتهم من الغذاء‬ ‫يومياً‪ ،‬فحتى وجبة اإلفطار ذات املكونات البسيطة‪،‬‬ ‫أصبحت من الكامليات عىل موائدنا‪ ،‬ومل يعد بإمكاننا‬ ‫توفريها دامئاً لهم‪ ،‬رغم أهميتها‪ ،‬كالبيض والحليب‬ ‫والجنب‪ ،‬والتي تستمر أسعارها باالرتفاع بشكل جنوين‪،‬‬ ‫حارمة صغارنا من الحصول عىل ما يغذيهم ويساعدهم‬ ‫عىل النمو”‪.‬‬ ‫لطاملا ترافقت وجبة الفطور أو كام يطلق عليها‬ ‫“الحوارض”‪ ،‬بالدفء يف أحضان البيوت الدمشقية‬ ‫والسورية عموماً‪ ،‬وش ّكلت رمزاً راسخاً يف ذاكرة‬ ‫السوريني‪ ،‬كيف ال‪ ،‬وهي الحارض األكرب والضيف الدائم‬ ‫عىل املوائد‪ ،‬وال ضري يف تناولها أحياناً يف غري موعدها‬ ‫الصباحي‪ ،‬فهي مناسبة لكل األوقات‪ ،‬لتوفرها وانخفاض‬ ‫مثنها مقارنة بالدخل‪.‬‬ ‫تتابع وفاء‪“ :‬يقولون العقل السليم يف الجسم السليم‪،‬‬ ‫لكن إذا استمرت الحال عىل هذا املنوال‪ ،‬لن يكون هناك‬ ‫جسم سليم وال عقل سليم‪ ،‬وإذا متعنّا جدياً يف األمر‪،‬‬ ‫ستظهر لنا الكارثة بعد سنني‪ ،‬عىل شكل جيل ّ‬ ‫هش‪،‬‬ ‫مد ّمر جسدياً ونفسياً‪ ،‬ضعيف أمام األمراض واملحن‬ ‫واملصاعب”‪.‬‬

‫أسعار مرعبة!‬

‫حتقيقات‬

‫يصل سعر البيضة الواحدة حالياً إىل ‪ 250‬لرية سورية‪ ،‬مع‬ ‫قابلية الزيادة‪ ،‬نظراً لتأثر كل األسعار بالدوالر األمرييك‬ ‫وتراجع قيمة اللرية أمامه‪ ،‬ولنفرض أن شخصاً ما أراد‬ ‫تناول بيضة واحدة صباح كل يوم عىل مدى شهر‪،‬‬ ‫سيحتاج إىل ‪ 7500‬لرية‪ ،‬وهو مبلغ ليس بالقليل إذا ما‬ ‫قورن باألجر الشهري الذي يرتاوح بني ‪ 65 50-‬ألفاً‪.‬‬ ‫ماذا عن األرسة؟ مث ًال لو أن أرسة مكونة من أربعة‬ ‫أشخاص تتناول البيض يومياً‪ ،‬وبالتايل فهي ستحتاج إىل‬ ‫حوايل ‪ 30‬ألف لرية (‪ 4‬بيضات كل يوم)‪ ،‬وهو ما يشكل‬ ‫كارثة هنا‪ ،‬طبعاً دون أن نتطرق لبقية األنواع‪ ،‬أو لغريها‬ ‫من االحتياجات االعتيادية لألفراد من مصاريف ونقل‬ ‫مكونات بسيطة أصبحت معقدة!‬ ‫وفواتري‪ ..‬وتجدر اإلشارة إىل أن قس ًام كبرياً من السوريني‬ ‫عادة ما تشمل الحوارض‪ ،‬البيض‪ ،‬اللبنة والجبنة‪ ،‬الزيت يف العاصمة مهجرون ونازحون‪ ،‬ويعيشون يف بيوت‬ ‫والزعرت‪ ،‬الزيتون بأنواعه‪ ،‬والشنكليش أو السوركة‪ ،‬مستأجرة ترتاوح قيمة آجارها الشهري بني ‪-200 75‬‬ ‫واملكدوس‪ ،‬وتستبدل أو يضاف إليها أيام الجمعة ألف‪ ،‬وقد تزيد عن ذلك يف أحيان أخرى‪.‬‬ ‫الفالفل والفول واملسبحة والفتات‪ ،‬يف طقوس حميمية‬ ‫تصبغ املدينة العتيقة بطابع مميز مل يتبدل عرب السنوات املصيبة يف تنويع األصناف!‬ ‫السابقة‪ ،‬إال أنه بات اليوم من الصعوبة وأحياناً من يف حال أرادت األرسة ذات األربعة أشخاص تناول عدة‬ ‫املستحيل توفري هذه املكونات عىل بساطتها‪ ،‬نظراً أنواع من “الحوارض”‪ ،‬ستتكبد عبءاً مادياً كبرياً‪ ،‬عل ًام‬ ‫لجنون أسعارها املتاميش مع موجة غالء تكتسح كل يشء أن األسعار تتغري بني ساعة وأخرى‪ ،‬وليس بني يوم وآخر‪،‬‬ ‫يف طريقها‪ ،‬وأولها اإلنسان السوري الذي أصبح يعيش كام وتختلف بني مناطق دمشق نفسها‪ ،‬وبني محافظة‬ ‫“عىل التوكل”‪ ،‬ودون أدىن نية لدى حكومة بضبط األمر‪ ،‬وأخرى‪ ،‬مرفق قامئة بأسعار الحوارض يف دمشق‪ ،‬بدون‬ ‫يف مشهد يبدو وكأن هذه الحكومة تتآمر مع سبق إرصار تكلفة قطعة “املكدوس” الشعبي التي أصبحت من‬ ‫عىل إفناء من بقي منهم يف “حضن الوطن”‪ ،‬ومل ِّ‬ ‫يول الرفاهيات‪.‬‬ ‫وجهه صوب أصقاع العامل عىل اختالفها وحتى تلك غري إذا اشرتت هذه األرسة ‪ 200‬غ من الجبنة البيضاء‪ ،‬اللبنة‪،‬‬ ‫املتوقعة‪ ،‬طلباً لألمان والكرامة‪ ،‬وهرباً من القتل والترشد الزيتون األخرض‪ ،‬يومياً‪ ،‬سترصف ‪ 3700‬لرية يومياً‪ ،‬ما‬ ‫والجوع والظلم‪.‬‬ ‫يقدر شهرياً بـ ‪ 111000‬لرية! ويف حال أضيف إىل هذه‬

‫الوجبة ‪ 4‬بيضات يومياً ستكون تكلفة وجبة الحوارض‬ ‫الخفيفة شهرياً ‪ 141‬ألف لرية!‬ ‫تقول ثناء‪“ :‬أحتاج يومياً أنا وأوالدي الثالثة إىل إفطار مبا‬ ‫يقارب ‪ 8 - 7‬آالف لرية”‪ ،‬ما يعني حسب كالمها إنفاق‬ ‫‪ -240 210‬ألفاً يف الشهر‪ ،‬مع العلم أنها موظفة حكومية‬ ‫ال يتعدى راتبها ‪ 60‬ألفاً‪.‬‬ ‫أما أسامة‪ ،‬صاحب متجر صغري لبيع الخضار والفاكهة‪،‬‬ ‫فيؤكد أنه برغم عمله عىل مدار اليوم‪ ،‬فال يستطيع‬ ‫تأمني مستلزمات إفطار متعدد األنواع يومياً كام كان‬ ‫قبل سنوات‪ ،‬موضحاً‪“ :‬يف الوقت الذي تأكل فيه أرسيت‬ ‫صنفاً معيناً كالبيض‪ ،‬فذلك يعني أن ال أصناف أخرى‬ ‫كالجبنة أو اللبنة‪ ،‬وبحكم عميل أحاول إضافة القليل‬ ‫من الخضار لتساعد عىل تغذية أوالدي‪ ،‬فاألسعار ملتهبة‬ ‫وال قدرة يل عىل توفري كل متطلبات املعيشة‪ ،‬من مأكل‬ ‫وملبس‪ ،‬ووقود التدفئة وغريها”‪.‬‬ ‫وإذا متعنا قلي ًال يف أمر األرس الصغرية التي ال يتعدى‬ ‫أفرادها الثالثة أو األربعة ومدى إنفاقها عىل وجبة‬ ‫إفطار بسيطة‪ ،‬فام الحال الذي ستعانيه األرس األكرب‬ ‫حج ًام؟ وكيف سيتدبر الناس شؤون حياتهم يف واقع بات‬ ‫يعترصهم ح ّد االختناق‪ ،‬ويسلبهم ما تبقى من كرامة‬ ‫عىل شكل لقمة مغمسة بالذل والندم‪.‬‬


‫التدفئة البديلة يف خميمات الشمال السوري‬ ‫خماطر ومشاكل صحية ال تنتهي‬

‫‪7‬‬

‫هاديا منصور‬

‫العدد‬

‫اخرتاعات محلية بديلة!‬

‫أثناء عملية البحث عن وسائل تدفئة بديلة أكرث أمناً‬ ‫جاء ابتكار مدافئ قرش الفستق الحلبي‪ ،‬كوسيلة صحية‬ ‫وال يصدر عنها أي روائح أو دخان مزعج‪ ،‬كام أنها أقل‬ ‫تكلفة من املازوت‪.‬‬ ‫يبلغ سعر الطن الواحد من قرش الفستق حوايل ‪175‬‬ ‫دوالراً ويكفي لكامل موسم الشتاء‪ ،‬وهو مبعظمه‬ ‫مستورد من تركيا‪ ،‬وهناك قرش الجوز واملشمش‬ ‫والبندق التي تصلح لالحرتاق داخل املدفأة ذاتها‪،‬‬ ‫ويرتاوح مثنها بني ‪ 100‬و‪ 130‬دوالراً‪ ،‬غري أن تحمل أعباء‬ ‫رشاء هذه املدفأة وكلفة تشغيلها ما تزال حكراً عىل‬ ‫امليسورين‪َ ،‬‬ ‫كون عرشات اآلالف من النازحني املنترشين‬ ‫يف املخيامت العشوائية باملنطقة غري قادرين عىل توفري‬ ‫أبسط احتياجاتهم‪ ،‬وما تزال التدفئة بالنسبة لهم من‬ ‫للحوادث حضور قوي!‬ ‫تكررت حوادث الحرائق واالختناق داخل املخيامت أبرز التحديات التي يواجهونها خالل الشتاء‪.‬‬

‫حتقيقات‬

‫تعترب مواد التدفئة غري السليمة أو البديلة يف معظمها‬ ‫كالنايلون والكاوشوك واألحذية القدمية واملالبس البالية‬ ‫مواد خطرة عند اشتعالها‪ ،‬وغالباً ما تسبب أمراضاً‬ ‫عديدة‪ ،‬وأحياناً حاالت اختناق ووفاة لدى بعض‬ ‫األطفال أو الكبار‪ ،‬وهو ما يؤكده الطبيب عالء األحمد‪.‬‬ ‫يوضح الطبيب‪“ :‬الغازات املنبعثة عن احرتاق هذه‬ ‫املواد وأبرزها غاز ثاين أكسيد الكربون‪ ،‬واستخدامها‬ ‫يف أماكن مغلقة وغري مهواة‪ ،‬يؤدي لنقص األوكسجني‬ ‫وضيق التنفس‪ ،‬وهي السبب األهم اللتهاب القصبات‬ ‫محسس بشدة وتسبب‬ ‫املزمن‪ ،‬إضافة إىل أنها عامل ّ‬ ‫ً‬ ‫أمراضاً مزمنة‪ ،‬وتسبب خطورة عالية تحديدا عىل مرىض‬ ‫الربو”‪ ،‬مضيفاً‪“ :‬إنها مواد مرسطنة للجهاز التنفيس‬ ‫بامتياز‪ ،‬وهي تؤثر عىل مرىض القلب‪ ،‬حيث يكون‬ ‫القلب غري قادر عىل تأمني األوكسجني لكافة الجسم‬ ‫بسبب ارتفاع التوتر الرئوي ووذمة الرئة‪ ،‬ويؤدي احرتاق‬ ‫هذه املواد إىل زيادة ثاين أوكسيد الكربون بالدم‪ ،‬فيزداد‬ ‫الجهد عىل القلب لتأمني األوكسجني والذي يؤدي غالباً‬ ‫إىل الوفاة”‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫أسعار املحروقات مرعبة!‬

‫وسائل تدفئة بديلة عديدة لجأ إليها املدنيون يف إدلب‬ ‫بعد االرتفاع غري املسبوق ألسعار املحروقات‪ ،‬كاملازوت‬ ‫الذي وصل سعر الربميل منه إىل ‪ 150‬دوالراً أمريكياً‪،‬‬ ‫وكذلك الحطب الذي ارتفع سعره بعد اإلقبال عىل‬ ‫رشائه ليصل سعره إىل ‪ 120‬دوالراً للطن الواحد‪.‬‬ ‫الزيت املحروق والكاوشوك (قصاصات إطارات‬ ‫السيارات) كام يسميه أهايل املنطقة‪ ،‬أصبحتا من‬ ‫وسائل التدفئة لزهد أسعارها وكرثة وجودها يف محالت‬ ‫تصليح السيارات ومغاسلها‪.‬‬ ‫األربعيني حامد الصوراين يرتدد ملغاسل السيارات كل‬ ‫مدة لرشاء الزيت املحروق الذي يستخدم يف الت ِدفئة‪،‬‬ ‫حول ذلك يقول‪“ :‬عندما ال يجد اإلنسان وسيلة لتأمني‬ ‫وسائل تدفئة مرتفعة الثمن‪ ،‬عليه أن يجد بدي ًال‬

‫مخاطر صحية!‬

‫جراء استخدام مواد التدفئة البديلة‪ ،‬حيث وثق فريق‬ ‫“منسقو استجابة سوريا”‪ ،‬نشوب أكرث من ‪ 35‬حريقاً يف‬ ‫الشامل السوري خالل الـ ‪ 26‬يوماً فقط يف بداية السنة‪،‬‬ ‫تسببت بأرضار مادية‪.‬‬ ‫وأضاف الفريق أن الحرائق واألرضار كانت ‪ 19‬حريقاً‬ ‫ضمن املنازل‪ ،‬أسفرت عن إصابة ‪ 8‬مدنيني بينهم ‪5‬‬ ‫أطفال وامرأة‪ ،‬إضافة إىل وفاة طفلني اثنني‪ ،‬مشرياً إىل‬ ‫وقوع ‪ 16‬حريقاً ضمن املخيامت‪ ،‬أسفرت عن ترضر ‪20‬‬ ‫خيمة‪ ،‬ووفاة طفلني‪ ،‬وإصابة ‪ 5‬مدنيني بينهم امرأتني‬ ‫وطفلني‪.‬‬ ‫ودعا الفريق يف بيانه كافة السكان يف الشامل السوري‪،‬‬ ‫إىل رضورة اتخاذ اإلجراءات االحرتازية ملنع حدوث‬ ‫الحرائق‪ ،‬والتي تعود مبعظمها إىل االستخدام غري اآلمن‬ ‫لوسائل التدفئة أو ترسب الغاز من مواقد الطهي‪.‬‬

‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫اتقيض مريم (‪ 30‬عاماً) نصف يومها مع ابنيها رائد‬ ‫وحسان‪ ،‬وهي تجمع أكياس النايلون واملواد البالستيكية‬ ‫وكل ما هو قابل لالحرتاق‪ ،‬لتستعني بها يف التدفئة مسا ًء‬ ‫كحل بديل عن تأمني وسائل التدفئة املعروفة‪ ،‬والتي‬ ‫باتت رفاهية وخاصة بعد غالء أسعارها الجنوين‪.‬‬ ‫األوضاع املعيشية الصعبة للكثريين من أهايل إدلب‬ ‫والشامل السوري مقيمني ونازحني‪ ،‬منعتهم من‬ ‫الحصول عىل مواد التدفئة يف فصل الشتاء بشكل دائم‪،‬‬ ‫وهو ما أجربهم عىل البحث عن حلول بديلة بتكاليف‬ ‫منخفضة‪ ،‬غري آبهني بخطورتها عىل صحتهم‪.‬‬ ‫مريم فقدت زوجها بالقصف عىل مدينتها رساقب قبل‬ ‫نزوحها أواخر عام ‪ ،2019‬تؤكد أنها مل تعد قادرة عىل‬ ‫تأمني متطلبات أبنائها وسط كل هذا الغالء والفقر‪،‬‬ ‫لذا باتت القاممة واملالبس البالية واألحذية القدمية‬ ‫من الوسائل املعتمدة للتدفئة عندها وعند كثري من‬ ‫النازحني يف مخيامت شامل غرب سوريا‪ ،‬لسهولة‬ ‫الحصول عليها وانخفاض تكلفتها مقارنة مع وسائل‬ ‫التدفئة التقليدية كالحطب والوقود‪.‬‬ ‫“حني نشعل ما نجمعه يف املدفأة مسا ًء تنبعث منها‬ ‫روائح كريهة‪ ،‬ونشعر بضيق تنفس‪ ،‬لكننا مضطرين‬ ‫لتحمل األمر‪ ،‬أفضل من تحمل الربد القارس‪ ،‬فال خيار‬ ‫آخر لدينا وللرضورة أحكام” تقول مريم‪ ،‬مضيفة‪:‬‬ ‫“نعاين من النقص الكبري مبواد التدفئة وال نحصل عىل‬ ‫أي دعم ملواجهة الربد من أي منظمة أو جمعية خريية‪،‬‬ ‫فقط يقومون بتصوير أوضاعنا كل فرتة وال نتلقى منهم‬ ‫إال الوعود”‪.‬‬

‫وبرسعة قبل أن ميرض أبناؤه ويعانون الربد القارس”‪.‬‬ ‫يشرتي الصوراين سعر الليرت الواحد من الزيت املحروق‬ ‫بأقل من دوالر لكنه يكفيه ملدة طويلة‪ ،‬وعن كيفية‬ ‫استخدامه يوضح‪“ :‬أضع القليل منه داخل أي مدفأة‬ ‫مع القليل من الحطب فيؤدي إىل اشتعال الحطب‪،‬‬ ‫ومي ّد يف عمره داخل املدفأة أطول قدر ممكن”‪.‬‬ ‫الفحم الحجري هو اآلخر وسيلة تدفئة للكثريين رغم‬ ‫أرضاره الصحية عىل جهاز التنفس‪ ،‬وعن أنواعه يرشح‬ ‫الصوراين امللم بكافة أنواع التدفئة البديلة‪“ :‬هناك‬ ‫ثالثة أنواع حسب جودته‪ ،‬األبيض وهو أردأ األنواع‪،‬‬ ‫يليه األحمر ثم األزرق الذي يعترب أفضلها‪ ،‬وكل نوعية‬ ‫تختلف يف سعرها عن األخرى”‪.‬‬ ‫البريين أيضاً ملجأ للكثريين‪ ،‬وهو من املخلفات التي‬ ‫تنتج عن عملية عرص الزيتون الستخراج الزيت‪ ،‬و ُيباع‬ ‫عىل شكل قوالب جاهزة اسطوانية الشكل بعد تعرضها‬ ‫للضغط والتجفيف‪.‬‬ ‫وعنه يقول الصوراين‪“ :‬مينح دفئاً أكرب مقارنة بالحطب‬ ‫وهو أخف وزناً منه‪ ،‬ويبلغ سعر الطن منه ‪ 110‬دوالر‬ ‫أمرييك”‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫آثار احلرب تعرقل سري العملية‬ ‫التعليمية يف الرقة‬ ‫عبد اهلل الخلف ‪ -‬الرقة‬

‫العدد‬ ‫‪91‬‬

‫‪2021 / 2 / 15‬‬ ‫تقارير‬

‫عندما كان زين (‪ 9‬سنوات) يلعب يف باحة‬ ‫املدرسة‪ ،‬دفعه فضوله الطفويل الستكشاف‬ ‫الطابق الثاين (املدمر)‪ ،‬وقفز من فوق الحائط‬ ‫املبني عىل مدخل السلم املؤدي للطابق العلوي‪،‬‬ ‫وأثناء لعبه بني األنقاض كاد أن يسقط من األعىل‬ ‫لوال تدخل املعلمني‪.‬‬ ‫حدث هذا يف مدرسة بسام زيوار االبتدائية‬ ‫الواقعة يف حي الدرعية غريب مدينة الرقة قبل‬ ‫نحو شهرين‪ ،‬يقول مدير املدرسة عيىس املطلق‬ ‫إنه وبعد تلك الحادثة يقف دوماً قرب مدخل‬ ‫السلم‪ ،‬خشية أن يتكرر مثل هذا الحادث مجدداً‪.‬‬ ‫مضيفاً‪“ :‬املدرسة تعرضت لغارة جوية شنتها‬ ‫طائرات التحالف الدويل عام ‪ ،2017‬وتم ترميم‬ ‫الطابق األريض من قبل لجنة الرتبية الستقبال‬ ‫الطالب أواخر عام ‪ ،2018‬ولكن اللجنة ّأجلت‬ ‫ترميم الطابق الثاين إىل الصيف املقبل‪ .‬ومن أجل‬ ‫حامية األطفال بنينا حائطاً عىل مدخل الدرج‪،‬‬ ‫ولكن مع ذلك تبقى الخطورة موجودة‪ ،‬خاص ًة أن‬ ‫هناك خرسانات شبه مدمرة تتدىل فوق املدرسة‬ ‫ونخاف أن تسقط وتحصل كارثة”‪.‬‬ ‫وخ ّلفت حرب الرقة التي شنتها قوات سوريا‬ ‫الدميقراطية عام ‪ 2017‬مدعوم ًة آنذاك من طريان‬ ‫التحالف الدويل النتزاع السيطرة عىل املدينة‬ ‫من تنظيم داعش‪ ،‬دماراً هائ ًال طال نحو ‪90%‬‬ ‫من املدارس‪ ،‬كام أدت سنوات انقطاع التعليم‬ ‫الخمس إىل نشوء جيلٍ جديد من األطفال األميني‪.‬‬ ‫تركة الحرب الثقيلة وضعت لجنة الرتبية والتعليم‬ ‫التي أسسها مجلس الرقة املدين يف متوز من عام‬ ‫‪ 2017‬أمام مهمة عسرية إلعادة جيل تع ّود عىل‬ ‫رؤية املشاهد الدامية ملقاعد الدراسة من جديد‪.‬‬ ‫وزاد يف صعوبة املهمة النقص الكبري يف األبنية‬ ‫املدرسية‪ ،‬حيث كانت هناك ‪ 512‬مدرسة يف الرقة‬ ‫وريفها عام ‪ ،2011‬أما اليوم بعد عرش سنوات‬ ‫تراجع عددها إىل ‪ 397‬بحسب إحصائية للجنة‬ ‫الرتبية والتعليم‪.‬‬ ‫ويشري هالل الجود ّية نائب رئيس لجنة الرتبية‬ ‫والتعليم إىل أنهم قاموا برتميم ‪ 201‬مدرسة بشكل‬ ‫جزيئ بتمويل من التحالف الدويل ومنظامت‬ ‫محلية ودولية‪ ،‬باإلضافة لـ ‪ 91‬مدرسة تم ترميمها‬ ‫بشكل كامل‪.‬‬

‫ويقول الجود ّية‪“ :‬توجد يف الرقة اليوم ‪ 307‬مدارس ابتدائية‪ ،‬و‪35‬‬ ‫إعدادية‪ ،‬و‪ 3‬ثانوية‪ ،‬باإلضافة لـ ‪ 52‬مدرسة متعددة املراحل‪،‬‬ ‫ويتعلم يف هذه املدارس ‪ 114000‬طالب وطالبة‪ ،‬بكادر تدرييس‬ ‫يبلغ ‪ 4698‬معلم ومعلمة”‪ .‬ويتابع‪“ :‬بنسبة تقريبية استطعنا‬ ‫ترميم ما يقرب من ‪ 70%‬من األبنية املدرسية املدمرة يف املدينة‬ ‫وريفها‪ ،‬وحالياً نحن يف العام الدرايس الثالث بعد رحيل تنظيم‬ ‫داعش أنجزنا الكثري ومحونا أمية اآلالف من األطفال وأعامل‬ ‫الرتميم ما تزال مستمرة لغاية اليوم”‪.‬‬ ‫وأثارت قضية املناهج جدالً واسعاً يف الرقة ودير الزور العام‬ ‫املايض‪ ،‬حيث خرجت احتجاجات شعبية يف ريف دير الزور‬ ‫الرشقي ض ّد تدريس املنهاج الخاص باإلدارة الذاتية‪ ،‬ليتم بعدها‬ ‫اعتامد منهاج اليونيسيف يف مناطق الرقة والطبقة ودير الزور‪،‬‬ ‫أما منهاج اإلدارة الذاتية فيتم تعليمه يف محافظة الحسكة‬ ‫وناحية عني العرب‪ /‬كوباين ومنطقة الشهباء بريف حلب‪ ،‬أما يف‬ ‫منبج وريفها فيد ّرس منهاج النظام السوري‪.‬‬ ‫وعن املنهاج املدريس الحايل يف الرقة يوضح الجود ّية‪“ :‬املنهاج‬ ‫املتبع حالياً هو منهاج التع ّلم الذايت املقدم من منظمة‬ ‫اليونيسيف‪ ،‬املنظمة قدمت لنا ‪ 140‬ألف نسخة هذا العام‬ ‫الدرايس‪ ،‬مل تصل بشكل كامل‪ ،‬وصلت عىل دفعات وما زلنا ننتظر‬ ‫الباقي‪ ،‬وبخصوص املنهاج الخاص باإلدارة الذاتية كان هناك‬ ‫اعرتاض من قبل األهايل عليه‪ ،‬وعقدنا اجتامعات مع عدد منهم‬ ‫يف الصيف املايض بهذا الخصوص‪ ،‬وتم اعتامد منهاج اليونيسيف‬ ‫بنا ًء عىل رغبتهم”‪.‬‬ ‫وباإلضافة للمدارس التابعة لإلدارة الذاتية يوجد يف الرقة ‪51‬‬ ‫معهد تعليمي خاص يستهدف طالب الشهادتني اإلعدادية‬ ‫والثانوية‪ ،‬الذين يدرسون منهاج النظام السوري ويذهبون‬ ‫لتقديم االمتحانات يف مناطق سيطرته‪ ،‬حيث ّ‬ ‫يفضل كثري من‬ ‫أهايل الرقة حصول أبنائهم عىل الشهادات الصادرة عن النظام‪،‬‬ ‫كون الشهادات التي تصدر عن اإلدارة الذاتية غري معرتف بها‬ ‫دولياً‪.‬‬

‫وتقول أم ليان التي لديها ابنة يف الصف الثالث‬ ‫الثانوي وتدرس يف إحدى املعاهد الخاصة بالرقة‬ ‫إن تكاليف تدريس ابنتها مرتفعة للغاية‪ ،‬حيث‬ ‫تدفع يف الشهر الواحد ‪ 45‬ألف لرية سورية‪،‬‬ ‫وتضيف‪“ :‬وهناك مصاريف أخرى غري رسوم‬ ‫املعهد‪ ،‬مثل أجرة السفر كل فرتة ملناطق سيطرة‬ ‫النظام بريف الرقة الرشقي‪ ،‬للتسجيل ولتقديم‬ ‫االمتحانات‪ ،‬ونتكبد عنا ًء كبرياً عىل الحواجز‬ ‫العسكرية عندما نذهب لهناك‪ ،‬وأنا ال أحب‬ ‫الذهاب ملناطق سيطرة النظام‪ ،‬ولكني مجربة‬ ‫عىل ذلك ليك تحصل ابنتي عىل الشهادة الثانوية‬ ‫وتكمل دراستها الجامعية”‪.‬‬ ‫ويف سياق متصل يسعى ناشطون يف الرقة للحد‬ ‫من األعباء التي يعاين منها السكان يف تدريس‬ ‫أبنائهم‪ ،‬من خالل مبادرات تطوعية تعليمية‪ ،‬مثل‬ ‫مبادرة منصة ‪ – Youth College‬كلية الشباب‪،‬‬ ‫التي بدأت نشاطها قبل نحو ثالثة أشهر‪.‬‬ ‫ويقول حسن الشعيب أحد املتطوعني يف املنصة‬ ‫إن “املبادرة عبارة عن منصة تعليم إلكرتونية‬ ‫مجانية‪ ،‬تقدم خدماتها لطالب املرحلتني‬ ‫اإلعدادية والثانوية وفق مناهج النظام السوري‬ ‫التي يدرسها معظم الطالب بالرقة”‪.‬‬ ‫مضيفاً‪“ :‬جائحة كورونا جعلتنا نفكر بطرق‬ ‫أكرث فعالية لتدريس الطالب‪ ،‬الفكرة خطرت لنا‬ ‫بسبب ظروف الحظر والحجر الصحي‪ ،‬ورأينا أيضاً‬ ‫أن الكثري من األهايل ال يستطيعون تحمل أعباء‬ ‫تدريس أبنائهم يف املعاهد الخاصة‪ ،‬وحالياً نحن‬ ‫نستهدف ‪ 400‬طالب وطالبة يدرسون الشهادتني‬ ‫اإلعدادية والثانوية‪ ،‬يتابعون الدروس املص ّورة‬ ‫التي يلقيها ‪ 40‬معلم ومعلمة متطوعني يف املنصة‪،‬‬ ‫ويتم نرش هذه الدروس عرب وسائل التواصل‬ ‫االجتامعي‪ ،‬وهناك تفاعل جيد من قبل الطالب‪،‬‬ ‫وسنعمل لزيادة عدد الطالب املستفيدين يف العام‬ ‫الدرايس املقبل”‪.‬‬ ‫ويكشف إحصاء للجنة الرتبية والتعليم بأن نحو‬ ‫‪ 10%‬من األطفال يف محافظة الرقة مل يلتحقوا‬ ‫باملدارس‪ ،‬واتجهوا للعمل نتيجة الظروف‬ ‫املعيشية الصعبة التي تعيشها البالد‪ ،‬باإلضافة‬ ‫آلخرين يعيشون يف مخيامت النازحني يف األرياف‬ ‫بعيداً عن املدارس‪.‬‬


‫وحيدات يف دوامة العنف املنزلي‬

‫‪9‬‬

‫سونيا العلي‪ -‬ادلب‬

‫قلة من النساء قررن التمرد واملواجهة‪ ،‬رغم اللوم‬

‫هل من حلول؟‬

‫الحقوقية والناشطة ومديرة تجمع املرأة السورية هدى‬ ‫رسجاوي تقول‪“ :‬للعنف آثار عميقة عىل املرأة‪ ،‬وقد متتد‬ ‫لفرتات طويلة‪ ،‬وتؤثر عىل األرسة بكاملها”‪.‬‬ ‫وتضيف‪“ :‬الحلول تبدأ بسن قوانني تحمي املرأة‪ ،‬وتعاقب‬ ‫كل انتهاك أو عنف ميارس ضدها‪ ،‬والعناية بالنساء اللوايت‬ ‫تعرضن للعنف سواء الجسدي أو النفيس‪ ،‬ومعالجة آثاره‪،‬‬ ‫ومتكينهن اقتصادياً‪ ،‬من خالل تخصيص مشاريع تنموية‬ ‫لتهيئة فرص عمل للنساء‪ ،‬لتتمكن كل امرأة من االعتامد‬ ‫عىل نفسها‪ ،‬والعمل من خالل التعليم والتوعية عىل تغيري‬ ‫املفاهيم والسلوكيات يف املجتمع التي تساعد عىل وجود‬ ‫العنف ضد املرأة”‪.‬‬ ‫تشري رسجاوي إىل أن املرأة يف الحرب تتعرض للعنف‬ ‫بدرجة أكرب منها وقت السلم‪ ،‬موضحة‪“ :‬بسبب االنفالت‬ ‫األمني‪ ،‬والقصف والنزوح‪ ،‬وارتفاع معدالت الفقر”‪.‬‬

‫العدد‬

‫مترد عىل الصمت‬

‫واالستغراب من املجتمع املحيط‪.‬‬ ‫رانية (‪ 29‬عاماً) من مدينة رسمدا بريف إدلب الشاميل‪،‬‬ ‫قررت أن تضع حداً لتعنيف زوجها لها‪ ،‬فرتكت املنزل‪،‬‬ ‫ورفعت دعوى قضائية للحصول عىل حضانة طفليها‪،‬‬ ‫وعن ذلك تقول‪“ :‬زوجي عصبي املزاج‪ ،‬يوبخني ألتفه‬ ‫األسباب‪ ،‬وأحياناً دون أي سبب‪ ،‬ولست مضطرة للتحمل‬ ‫طوال حيايت”‪.‬‬ ‫تؤكد رانية أنها تركت املنزل عدة مرات‪ ،‬ويف كل مرة كانت‬ ‫تعود بعد أن يقوم أحد األقارب باإلصالح بني الطرفني‪،‬‬ ‫“رغم أنه أسلوب ال يضمن الحقوق وال يحل املشكلة”‬ ‫بحسب تعبريها‪ ،‬وأخرياً قررت االنفصال عن زوجها رغم‬ ‫تحذير أهلها من عواقب الطالق عىل املرأة‪.‬‬ ‫تعلق رانية‪“ :‬مل أعد أكرتث لكالم الناس‪ ،‬وتسلط املجتمع‪،‬‬ ‫الذي يتجاهل شعورها بالقهر واليأس‪ ،‬حني تتعرض للظلم‬ ‫والجور من أقرب الناس إليها‪ ،‬وتحت أنظار أطفالها”‪.‬‬

‫قضايا املرأة‬

‫يهدد العنف حياة النساء‪ ،‬فقد يوصل إىل االنتحار‬ ‫للتخلص من الظلم والقهر‪ ،‬وكلنا سمعنا عن املعلمة‬ ‫ميساء (‪ 33‬عاماً) يف ريف إدلب التي عمدت لالنتحار يف‬ ‫‪ 2‬أيلول‪/‬سبتمرب املايض‪ ،‬عن طريق تناول حبوب سامة‪.‬‬ ‫عملت ميساء معلمة يف إحدى مدارس بلدة أطمة بريف‬ ‫إدلب الشاميل‪ ،‬تغلب اليأس عليها‪ ،‬وقررت أن تضع حداً‬ ‫لحياتها‪ ،‬حيث فقدت قدرتها عىل الصرب والتحمل‪ ،‬بعد‬ ‫أن قام زوجها برضبها وطردها من املنزل‪ ،‬كام أخذ منها‬ ‫أطفالها الثالثة عنوة‪ ،‬وحرمها من رؤيتهم‪ ،‬واستخدمهم‬ ‫كوسيلة الستغاللها والضغط عليها‪.‬‬ ‫مل تجد ميساء الدعم واملساندة من أهلها لسنوات كثرية‪،‬‬ ‫بحكم أن زوجها قريب لها‪ ،‬وﺧﺸﻴﺔ ﻧﺸﻮﺏ ﺍﻟﺨﻼﻓﺎﺕ‬ ‫ﺍﻟﻌﺎئلية‪ ،‬فكانت ضحية ظلم الزوج وتسلط العادات‬ ‫والتقاليد من املجتمع املحيط‪.‬‬

‫لوحة‪-‬للفنان‪-‬ديالور‪-‬عمر‬

‫يعتقد البعض أن العنف األرسي مقبوال ومربرا‪ ،‬ويندرج‬ ‫تحت مفهوم “املشاكل األرسية”‪.‬‬ ‫املرشدة النفسية رانية الدياب (‪ 40‬عاماً)‪“ :‬العنف ال‬ ‫ميارس دامئاً كعنف جسدي بل يتخذ عدة أشكال منها‬ ‫اللفظي‪- ،‬وهو األكرث شيوعاً‪ ،-‬ثم العنف االقتصادي القائم‬ ‫عىل الحرمان من املرياث والعمل‪ ،‬وقد ُتح َرم الفتاة من‬ ‫التعليم وحق التمتع بالطفولة بسبب إجبارها عىل الزواج‬ ‫املبكر”‪.‬‬ ‫وتتابع‪“ :‬للعنف األرسي نتائج سيئة عىل الفرد واملجتمع‪،‬‬ ‫حيث تقع املرأة املعنَّفة فريسة الضغوطات النفسية التي‬ ‫قد تتطور إىل حاالت مرضية أو سلوكيات عدائية‪ ،‬كام‬ ‫يؤدي إىل تفكك الروابط األرسية وانعدام الثقة وتاليش‬ ‫اإلحساس باألمان”‪ ،‬مشرية إىل أن املرأة املعنفة متر مبراحل‬ ‫متتابعة من الصدمة‪ ،‬واإلنكار‪ ،‬واالرتباك‪ ،‬والخوف‪ ،‬ويف‬ ‫بعض الحاالت حني يكون العنف بشكلٍ مستمر ومتك ّرر‬ ‫تكون له تبعات أخرى أش ّد وطأ ًة وتأثرياً‪ ،‬منها ضعف‬ ‫الشخصية‪ ،‬وعدم القدرة عىل اتخاذ القرارات باإلضافة إىل‬ ‫زيادة نسبة االكتئاب‪.‬‬ ‫وبحسب املرشدة‪“ :‬اإليذاءات النفسية يبقى أثرها مدى‬ ‫الحياة إذا مل تتخلص منها الضحية من خالل التدخل‬ ‫الطبي‪ ،‬ويف بعض األحيان يقود األمر البعض إىل االنتحار”‪.‬‬ ‫وتؤكد الدياب عىل رضورة توعية املرأة بحقوقها‪ ،‬وتنشئة‬ ‫األطفال يف ج ّو خال من العنف‪“ ،‬مع مطالبة املنظامت‬ ‫اإلنسانية أن تصب اهتاممها مبجال حامية املرأة من‬ ‫العنف القائم عىل النوع االجتامعي‪ ،‬من خالل جلسات‬ ‫توعية يف املخيامت والتجمعات السكنية‪ ،‬وتستهدف‬ ‫النساء‪ ،‬سواء من أهل املنطقة األصليات أو املهجرات‪ ،‬مع‬ ‫تأمني دور لرعاية املعنفات منزلياً‪ ،‬وتعميم أرقام للخطوط‬ ‫الساخنة لتلقي نداءات االستغاثة من املرأة‪ ،‬ومعالجتها‬ ‫نفسياً وجسدياً”‪.‬‬ ‫اليزال العنف مبثابة سيف مس ّلط عىل رقاب الكثريات‬ ‫من النساء السوريات بسبب عوامل نفسية وموروثات‬ ‫اجتامعية‪ ،‬إضافة إىل الضغوط املعيشية املرتبطة بالحرب‬ ‫والتبدالت الثقافية واالجتامعية‪ ،‬ولعل األخطر هو العنف‬ ‫املنزيل يف املكان الذي يفرتض أن يكون األكرث أماناً‪ ،‬ويؤمن‬ ‫الراحة والحامية للجميع‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫العنف يقتل النساء‬

‫آثار نفسية‬

‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫رغم الرضب واإلهانة التي تعرضت لها من قبل زوجها‪ ،‬مل‬ ‫تستطع براءة الحصول عىل تأييد أهلها لها‪ ،‬كام أجربوها‬ ‫عىل العودة إىل منزله مجدداً بحجة أن “املرأة ليس لها‬ ‫غري منزل زوجها‪ ،‬وأن الخالفات العائلية يجب أن تبقى‬ ‫طي الكتامن‪ ،‬وأن الزمن كفيل بتغيري طباع الزوج وصفاته‬ ‫الذميمة”‪.‬‬ ‫براءة من مدينة إدلب ليست حالة فردية‪ ،‬بل تتعرض‬ ‫الكثريات من النساء يف سوريا لكافة أشكال العنف‪،‬‬ ‫اللفظي والجسدي‪ ،‬لتكتمل معاناتهن بالعادات والتقاليد‬ ‫التي تك ّرس تقبل الزوجات واألمهات للكثري من السلوكيات‬ ‫العنيفة عىل أنها أمر عادي‪ ،‬والضغوط املجتمعية التي‬ ‫تصفها بـ”العار” يف حال تجرأت واعرتضت أو طالبت‬ ‫بحقوقها‪ ،‬كام زادت جائحة كورونا من معاناة النساء‬ ‫نتيجة البقاء يف املنزل طوال الوقت‪ ،‬والضائقة املادية التي‬ ‫وقعت بها معظم األرس‪.‬‬ ‫وقد تتعرض املرأة للعنف من أحد األقارب ضمن األرسة‬ ‫الواحدة‪ ،‬كاألخ أو األب!‬ ‫الشابة عال (‪17‬عاماً) تتعرض للعنف من قبل أخيها الذي‬ ‫نصب أخي نفسه‬ ‫يكربها بسنة واحدة‪“ ،‬بعد وفاة والدي‪ّ ،‬‬ ‫وصياً عيل وعىل إخويت الصغار‪ ،‬حيث يرضبنا باستمرار‪،‬‬ ‫كام حرمني من ارتياد املدرسة وتحقيق أحالمي‪ ،‬بحجة‬ ‫أنني أصبحت كبرية‪ ،‬ومحط أنظار الشبان‪ ،‬فض ًال عن‬ ‫رضورة مساعدة أمي يف أعامل املنزل” توضح عال‪.‬‬

‫وتضيف‪ “ :‬تجمع املرأة السورية يقدم التوعية املجتمعية‬ ‫حول العنف‪ ،‬ويشارك يف حمالت منارصة للمرأة‪ ،‬إىل‬ ‫جانب تقديم استشارات قانونية للنساء”‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫اجملتمع املدني السوري أداة بيد األطراف‬ ‫أم منصة للمدنيني؟‬ ‫السياسة يف سوريا تتسلل إىل غرفة اجملتمع املدني يف جنيف!‬ ‫أحمد المحمود‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫سوريا جنة العمل املدين والسلم األهيل إذا ما نظرنا إىل‬ ‫أعداد منظامت املجتمع املدين السوري‪ ،‬لكن تأثري هذا‬ ‫العدد الكبري عىل مجرى األحداث يبقى محل جدال‪.‬‬ ‫بحسب دراسة ملنظمة (مواطنون ألجل سوريا)‪ ،‬فإن‬ ‫أكرث من ألف منظمة سورية أنشئت منذ عام ‪،2011‬‬ ‫حتى ‪ 2017‬فقط! ما يطرح تساؤالت حول جدوى وتأثري‬ ‫عمل هذه املنظامت عىل األوضاع يف سوريا‪ ،‬وخاصة‬ ‫بعد تشكيل لجنة املجتمع املدين يف اللجنة الدستورية‬ ‫من قبل األطراف السياسية‪ .‬ما ينفي صفة الحياد عنهم!‬ ‫“مل تعرف سوريا قبل الثورة السورية عام ‪ 2011‬أي‬ ‫أعامل للمجتمع املدين‪ ،‬واقترص دوره عىل نقابات‬ ‫وجمعيات تعمل بظل النظام السوري وتتبع له بشكل‬ ‫أو بآخر”‪ .‬وهذا مربر كاف بحسب سعاد (اسم مستعار)‬ ‫وهي مديرة منظمة يف دمشق‪ ،‬لقرص دور املجتمع‬ ‫املدين‪ ،‬ألن “السوريني ميارسون العمل املدين والعمل‬ ‫السيايس ألول مرة يف تاريخهم الحديث”‪.‬‬

‫“القطاع الثالث” مسلوب من حياديته‬

‫تقارير‬

‫عىل الرغم من أن األمم املتحدة عرفت املجتمع املدين‬ ‫عىل أنه “القطاع الثالث من قطاعات املجتمع”‪ ،‬إال‬ ‫أن قطاع املجتمع املدين السوري كان يتبع لألطراف‬ ‫بسوريا‪ ،‬ومنقسم عىل نفسه أيضاً‪ ،‬فمنظامت املجتمع‬ ‫املدين العاملة مبناطق سيطرة النظام ترتأسها “األمانة‬ ‫السورية” التابعة ألسامء األسد‪ ،‬وعىل الطرف اآلخر‬ ‫كانت بعض منظامت املجتمع املدين العاملة يف مناطق‬ ‫املعارضة تحمل وجهة نظر املعارضة وبعضها مستقل‪.‬‬ ‫تقلل سعاد من القلق بشأن استقاللية املجتمع املدين‬ ‫يف اللجنة الدستورية‪ ،‬موضحة‪ ”:‬من الطبيعي أن يكون‬ ‫هناك انقسام ألننا كسوريني منارس عم ًال مدنياً ألول مرة‬ ‫بحياتنا‪ ،‬ونفس اليشء بالعملية السياسية‪ ،‬ومن املؤكد‬ ‫أن العمل املدين أو السيايس لن يكون مرضياً للجميع‪،‬‬ ‫ألنه يوجد عملية سياسية أكرب من كل األطراف‪ ،‬لكن‬ ‫رغم ذلك فوجود حصة للمجتمع املدين بالعملية‬ ‫السياسية هو بحد ذاته إنجاز حتى لو كان وجودها‬ ‫صورياً”‪.‬‬ ‫كان املبعوث األممي إىل سوريا السابق ستيفان دي‬ ‫ميستورا‪ ،‬قد شكل غرفة املجتمع املدين يف جنيف‪،‬‬ ‫وهدفها إرشاكه بالعملية السياسية بني املعارضة‬ ‫والنظام‪ ،‬لكن غرفة املجتمع املدين تحولت ملنصة‬ ‫أخرى لألطراف السورية‪ ،‬حيث انقسمت القامئة إىل‬

‫‪ 27‬اس ًام اختريت من قبل النظام السوري‪ ،‬و‪ 20‬اس ًام‬ ‫وافقت عليها املعارضة‪ ،‬مع وجود ثالثة أسامء مفروضة‬ ‫من األمم املتحدة‪ ،‬أما يف القامئة املصغرة فاختار النظام‬ ‫مثانية أسامء‪ ،‬ووافقت املعارضة عىل خمسة‪ ،‬وفرضت‬ ‫األمم املتحدة اسمني‪.‬‬ ‫الدكتورة رغداء زيدان من لجنة املجتمع املدين يف‬ ‫جنيف‪ ،‬تقول‪ ”:‬تشكيلة اللجنة الدستورية فيها كثري من‬ ‫الشوائب املعروفة‪ ،‬وكان عىل األمم املتحدة مسؤولية‬ ‫اختيار هؤالء ليكونوا صوت املجتمع السوري من جهة‪،‬‬ ‫وأيضاً صلة وصل بني الوفدين اآلخرين من جهة أخرى‪،‬‬ ‫لكن ما حدث أن اختيار األعضاء تدخلت فيه الدول‪ ،‬فتم‬ ‫رفض أسامء من قبل النظام‪ ،‬الذي أرص عىل طرح أسامء‬ ‫أخرى متثله‪ ،‬كان منهم من طالب منذ بدء أعامل اللجنة‬ ‫بحل هذا الوفد وتوزيعه بني الوفدين بحجة أنه ال يوجد‬ ‫مجتمع مدين يف سوريا”‪.‬‬ ‫وتؤكد عضو اللجنة الدستورية‪ ،‬أن وفد املجتمع املدين‬ ‫رغم احتضانه أتباعاً للنظام تتسق مصالحهم مع‬ ‫مصالحه‪ ،‬لكن أيضاً يضم خربات جيدة حتى بني القادمني‬ ‫من دمشق‪ ،‬مضيفة‪ “ :‬فيه متثيل مقبول للمرأة كذلك‪،‬‬ ‫ولكن وجود أفراد تابعني للنظام ينفذون إرادته أدى‬ ‫لحصول هذا االنقسام‪ ،‬فهم ما زالوا يرفضون العمل‬ ‫باسم املجتمع املدين‪ ،‬ورصح بعضهم بشكل واضح‬ ‫مبرجعتيه للنظام منذ اليوم األول من اجتامعات اللجنة‬ ‫الدستورية”‪.‬‬

‫فوىض وغياب للتنظيم‬

‫“إن العمل املدين يف سوريا مل يأخذ دوره كام ًال‪ ،‬مبعنى‬ ‫أنه اليوم ال يوجد لدينا انتخابات دميقراطية يك نأخذ دور‬ ‫مراقبة االنتخابات‪ ،‬والتي هي أحد أدوار املجتمع املدين‪،‬‬ ‫ال يوجد أحزاب سياسية لنأخذ دور املراقب‪ ،‬وال شفافية‬ ‫بتغيري القوانني لنعمل عىل تغيريها”‪ ،‬تقول سعاد‪.‬‬ ‫رغم هذا السياق املعقد يف مناطق سيطرة النظام‪ ،‬تؤكد‬ ‫سعاد‪ ”:‬استطعنا تحقيق العديد من األشياء من بينها‬ ‫تغيري قانون “جرائم الرشف” يف شهر آذار عام ‪،2020‬‬ ‫فهذا مل يكن ليحدث لوال حراك املجتمع املدين‪ ،‬وحتى‬ ‫لو كان املجتمع املدين تنقصه الحوكمة وآليات العمل‬ ‫والتنظيم‪ ،‬لكن رغم ذلك استطاع تغيري العديد من‬ ‫األفكار ودور األفراد‪ .‬لذلك الحديث عن عدم وجود تأثري‬ ‫للمجتمع املدين هو إجحاف”‪.‬‬ ‫ويف السياق‪ ،‬تقول الدكتورة رغداء زيدان‪“ :‬إن املجتمع‬

‫املدين السوري انخرط انخراطاً كبرياً يف الحراك‪ ،‬عن‬ ‫طريق الفعل الثوري السلمي نفسه‪ ،‬كالوقفات‬ ‫واملظاهرات واالعتصامات‪ ،‬باإلضافة للعمل اإلغايث‬ ‫واإلنساين والطبي” مضيفة‪“ :‬لكن رغم كل هذا كان‬ ‫هناك عدم تنظيم للجهود‪ ،‬وعدم تكامل أيضاً‪ ،‬وعدم‬ ‫استثامر حقيقي‪ ،‬ورمبا فوىض أحياناً‪ ،‬وهو ما يعيدنا‬ ‫لحقيقة نقص الخربة يف عمل املجتمع املدين السوري‬ ‫نتيجة تغييبه عىل يد نظام األسد طوال العقود املاضية”‪.‬‬

‫جدوى كبرية رغم صغر الخطوات!‬

‫بعيداً عن أعامل اللجنة الدستورية والعملية السياسية‪،‬‬ ‫فإن كثريين يرون أن منظامت املجتمع املدين مل تقم‬ ‫بأدوارها املجتمعية‪ ،‬واقترص معظم أعاملها عىل‬ ‫تقديم الخدمات ‪-‬رغم رضورتها‪ -‬لكن تم تقييدها‬ ‫بدور البلديات‪ ،‬فعىل سبيل املثال يف مدينة الرقة التي‬ ‫خرجت من تحت سيطرة تنظيم داعش أواخر عام‬ ‫‪ ،2017‬أخذت أغلب املنظامت عمل البلديات من‬ ‫تنظيف وتأهيل طرقات دون تغطية احتياجات املجتمع‬ ‫الخارج من سيطرة أعنف تنظيم إرهايب شهده العامل‬ ‫مؤخراً‪.‬‬ ‫يف هذا الصدد ترى سعاد أنه ال ميكن القفز فوق‬ ‫احتياجات املجتمع الخدمية‪ ،‬متسائلة‪“ :‬كيف ميكنك‬ ‫الحديث مع شاب عن الدستور وإذا قرأه أو ال‪ ،‬وهو‬ ‫مالحق لخدمة االحتياط بجيش النظام السوري‪ ،‬أو‬ ‫كيف ميكنك الحديث مع امرأة عن حقوقها وهي ال‬ ‫تستطيع تأمني حليب ألطفالها؟”‪.‬‬ ‫سعاد اعتقلت أكرث من مرة من قبل النظام السوري‬ ‫بسبب موقفها تجاهه‪ .‬تؤكد أن هناك جدوى من العمل‬ ‫املدين رغم بطء خطواته‪ ،‬وتضيف‪“ :‬صحيح أننا ال‬ ‫نستطيع تطوير مستويات أعىل من العمل املدين بسبب‬ ‫العقبات األمنية التي يفرضها النظام السوري‪ ،‬لكن رغم‬ ‫ذلك يجب أن نواصل عملنا”‪.‬‬ ‫من جانبها ترى عضو اللجنة الدستورية رغداء زيدان‪،‬‬ ‫إن جدوى وجود املجتمع املدين يف اللجنة الدستورية‬ ‫مهم جداً وميكن استثامره‪ ،‬وبحسب رأيها‪“ :‬سيسلط‬ ‫الضوء عىل رضورة العمل املدين وتأثريه يف صناعة‬ ‫القرار‪ ،‬وهو أمر الفت‪ ،‬خاصة يف بلد كسورية غ ّيب‬ ‫فيه االستبداد العمل املدين منذ خمسة عقود‪ ،‬هذا‬ ‫برأيي سيؤسس لسقف من املشاركة املجتمعية يف رسم‬ ‫مستقبل سوريا”‪.‬‬


‫النسيج االجتماعي يف ريف حلب‬

‫هل اندمج السوريون مع السوريني؟!‬

‫‪11‬‬

‫حسين الخطيب ‪ -‬ريف حلب‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫من مدينة السفرية إىل ريف حلب إن ابنته “تزوجت شاباً من‬ ‫معضمية الشام‪ ،‬ومل أشعر يوماً بالفارق بني مدينة وأخرى”‬ ‫ويتابع‪“ :‬لكن ال بد من مشاكل تظهر بني مجتمع الضيوف‬ ‫ومجتمعات املضيفني ومتنع استقرارهم‪ ،‬ولكن هكذا أمور‬ ‫تحكمها تقاليد وعادات مبجملها سورية”‪.‬‬ ‫والتحق املهجرون والنازحون بسوق العمل من خالل رحالت‬ ‫تنقلهم إىل املناطق واملدن التي توفر فرص عمل لقاطنيها‪،‬‬ ‫ال سيام العامل من القطاع الخاص والقطاع العام أيضاً‬ ‫وأصحاب الحرف املهنية واملحال التجارية املتنوعة‪ ،‬فكثرياً ما‬ ‫تحمل املحال التجارية أسامء املدن والبلدات التي هُ ِّجر منها‬ ‫أصحابها‪.‬‬ ‫التقت مجلة “طلعنا ع الحرية” السيد محمد بهاء الدين‬ ‫القاسم‪ ،‬من معرة النعامن بريف إدلب الجنويب ويقيم يف‬ ‫مدينة مارع بريف حلب الشاميل منذ أكرث من عام‪ ،‬ويعمل‬ ‫يف تجارة األدوات املنزلية‪ ،‬يقول إنه واجه “صعوبة بالغة يف‬ ‫التأقلم مع املجتمع املحيل بريف حلب‪ ،‬السيام يف تسويق‬ ‫البضائع‪ ،‬لكن مع الزمن استطعت االنخراط يف مختلف‬ ‫جوانب التسويق وتعلمت ما يرغب به الناس املحليون”‪.‬‬ ‫ويضيف‪“ :‬الريف الحلبي عاداته وتقاليده ال تختلف كثرياً‬ ‫عن عاداتنا‪ ،‬مام سهل عملية التأقلم مع طبيعة حياتهم وبيئة‬ ‫مجتمعهم املحافظ نسبياً‪ ،‬لكن بحكم الظروف يجب علينا‬ ‫التزام حدودنا حتى كسب ثقة السكان املحليني‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يتيحه الوقت”‪.‬‬ ‫والتقت مجلة “طلعنا ع الحرية” أبو محمد‪ ،‬ميلك متجراً‬ ‫لصناعة وبيع الحلويات يف مدينة مارع بريف حلب الشاميل‬ ‫أسامه “شعيبيات أريحا”‪ ،‬يقول أبو محمد‪“ :‬يف البداية مل‬ ‫أستطع افتتاح متجري‪ ،‬لكن بعد مرور وقت من النزوح‪،‬‬ ‫وعدم قدرتنا عىل العودة‪ ،‬افتتحت املتجر الذي اكتسب شهر ًة‬ ‫محلي ًة واسعة‪ ،‬واستطاع أن يؤمن فرصة عمل يل ولعائالت‬ ‫أخرى من مدينة أريحا”‪ .‬ويضيف‪“ :‬إن الحياة هنا يف ريف‬ ‫حلب ال تختلف كثرياً؛ فنحن نعيش يف مدينتنا لكن هناك‬ ‫عدة معوقات معيشية أبرزها اإليجارات وغريها التي تزيد من‬ ‫مآسينا”‪.‬‬ ‫ويتيح الوقت أيضاً املزيد من التعايف للنازحني واملهجرين‪ ،‬وهذا‬

‫تقارير‬

‫خلفت حرب نظام األسد عىل شعبه خالل عقد من‬ ‫الزمن خل ًال يف النسيج االجتامعي السوري‪ ،‬الذي كان‬ ‫يعاين سابقاً من تنافرات اجتامعية‪ ،‬أي ما قبل الثورة‬ ‫السورية بفعل نظام األسد الذي كان يسعى إىل خلق‬ ‫رشخ وتفرقة بني السوريني‪ ،‬وبالتدريج بدأ السوريون‬ ‫ينفرون من ذاتهم‪.‬‬ ‫ثم جاءت موجات النزوح والتهجري التي استهدفت‬ ‫مناطق سيطرة املعارضة السورية‪ ،‬من مختلف‬ ‫املحافظات‪ ،‬والتي حطت رحال غالبيتها يف ريف‬ ‫حلب‪ ،‬وذلك مع انشغال قسم من السوريني يف‬ ‫املناطقية التي يتغنون بها‪ ،‬والتي شكلت عائقاً كبرياً‬ ‫يف رؤية البعض لبعضهم اآلخر كجزء من املجتمع‬ ‫السوري ال ميكن التخيل عنه‪.‬‬ ‫كل ذلك إىل جانب األوضاع املعيشية واالقتصادية‬ ‫املرتدية‪ ،‬وأزمات البطالة والفقر وغريها؛ بدءاً من‬ ‫التفكك االجتامعي الذي ال زال يرافق السوريني يف‬ ‫مختلف مدن وبلدات ريف حلب‪ ،‬وصوالً إىل عدم‬ ‫تقبل اآلخر‪ ،‬الذي ساهم يف إيجاد عرثات عديدة‪،‬‬ ‫وقفت عائقاً أمام تشكل مجتمع متكامل من أناس‬ ‫سوريني من مناطق مختلفة يتميزون بعادات وتقاليد‬ ‫متنوعة‪ .‬لكن ال بد من ملس بعض التغريات التي كان‬ ‫الزمن كفي ًال بتوفريها‪.‬‬ ‫وجد املهجرون والنازحون من املحافظات يف بداية‬ ‫األمر صعوبة يف التأقلم مع الحياة الريفية املوجودة‬ ‫يف ريف حلب‪ ،‬والتي تحكمها عادات وتقاليد معينة‪،‬‬ ‫تختلف عن تقاليدهم االجتامعية‪ ،‬لكن “ليس‬ ‫باإلمكان أحسن مام كان” كام يقال‪ ،‬ومع ميض األيام‬ ‫تغريت األوضاع‪ ،‬فهم اليوم يشاركون سكان ريف‬ ‫حلب أفراحهم وأتراحهم‪.‬‬ ‫تحدثت مجلة “طلعنا ع الحرية” إىل املحامي وعضو‬ ‫نقابة املحامني األحرار‪ ،‬يوسف حسني والذي قال‪:‬‬ ‫“املجتمع السوري متعايش ومتقارب الثقافة والتقاليد‬ ‫والعادات االجتامعية‪ ،‬وال ب ّد من العمل عىل التعاون‬ ‫االجتامعي‪ ،‬الذي يساهم يف عملية اندماجهم‪ ،‬ال سيام‬ ‫أننا نتشارك آالمنا وأحزاننا وأفراحنا معاً”‪.‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬مام زاد من تعاون السوريني واندماجهم‬ ‫مع املجتمع هو الزواج املتبادل‪ ،‬الذي قرب املسافات‬ ‫بني األرس السورية‪ ،‬التي متتاز بخلفيات بيئية متنوعة‪،‬‬ ‫لكن يف نهاية املطاف نجحوا يف تحقيق بعض املكاسب‬ ‫للحفاظ عىل نسيج مجتمعهم”‪.‬‬ ‫وعن تجربته الشخصية يقول املحامي يوسف‪ ،‬املهجر‬

‫األمر ينطبق عىل الكثريين؛ ألنهم يبدؤون حياتهم من‬ ‫الصفر‪ ،‬من البحث عن منزل وعمل وعيش كريم‪..‬‬ ‫أي أن النازحني يتنقلون من منطقة ألخرى بحثاً عن‬ ‫عمل‪ ،‬ومن منزل آلخر بحثاً عن إيجا ٍر أقل‪.‬‬ ‫وتحدثت مجلة “طلعنا عالحرية” إىل الصحفي رامي‬ ‫السيد وهو من دمشق ويقيم يف مدينة عفرين يف‬ ‫ريف حلب‪ ،‬والذي قال‪“ :‬املدن كانت أكرث سهولة‬ ‫إلمكانية االندماج النسبي‪ ،‬ألنها توفر بيئة يحتاج‬ ‫الناس فيها لبعضهم البعض‪ ،‬أما املخيامت والقرى‬ ‫األخرى فكانت أكرث صعوبة‪ ،‬حيث يسعى كل فريق‬ ‫من السوريني من منطقة واحدة إىل االلتفاف حول‬ ‫بعضهم”‪.‬‬ ‫وأكد أن “املجتمعات السورية لألسف مل تتقبل‬ ‫بعضها‪ ،‬وهناك اختالف وتفرقة بني السوريني يف املدن‬ ‫أيضاً‪ ،‬وال يوجد اندماج ومتاهي بني املجتمعات‪ ،‬ألن‬ ‫كل فئة تتقوقع حول نفسها أي مع أبناء منطقتها‬ ‫فقط”‪.‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬نظرة السكان املحليني للمهجرين وتعاملهم‬ ‫معهم تعتربهم “ضيوف” فقط‪ ،‬وال ميكن لهذا الضيف‬ ‫التملك والعمل عىل حساب السكان املحليني‪ ،‬أي‬ ‫أنه يجب أن يتقيد بحدود معينة‪ ،‬تفرضها الظروف‬ ‫االجتامعية املحيطة به”‪.‬‬ ‫وعن تجربته يرى السيد أن الحرب التي مرت عىل‬ ‫السوريني خلقت تعاطفاً وتعاضداً‪“ ،‬لكنني كشخص‬ ‫مل أجد أنه هناك اندماج حقيقي‪ ،‬ألن هذا التعاطف‬ ‫كان يدور بني أبناء املنطقة الواحدة فقط”‪.‬‬ ‫وال بد من اإلشارة لخصوصية املناطق التي كانت‬ ‫أغلبية أهلها األصليني هم من السوريني الكرد مثل‬ ‫عفرين وأريافها‪ ،‬وحيث تختلف النظرة للمهجرين‬ ‫إليها من العرب‪ ،‬بني من يراهم استغلوا ظروفاً معينة‬ ‫تدعمها سلطة الواقع‪ ،‬للمساهمة يف متييع هوية‬ ‫املنطقة‪ ،‬إىل من ينظر لهم كضحايا ال حيلة لهم أمام‬ ‫ظروف ُفرضت عىل الجميع‪.‬‬ ‫لقد حققت املجتمعات املوجودة يف ريف حلب‬ ‫لنفسها تطوراً كبرياً يف نقل وتبادل الخربات العلمية‬ ‫والعملية فيام بينها‪ ،‬السيام أصحاب املهن والحرف‪،‬‬ ‫الذين نقلوا خرباتهم واستفادوا منها جميعاً‪ ،‬لكن‬ ‫مبجملها مل تخرج من منظور األفضلية ألصحاب‬ ‫املنطقة األصليني واملجتمع املحيل‪ ،‬الذين يبدون‬ ‫تعاضداً والتفافاً حول الذات‪ ،‬وينظرون إىل املهجرين‬ ‫كضيوف ال أكرث‪.‬‬


‫يف مشال شرق سوريا‪ ..‬أطفال املخيمات العاملون‬

‫عمالة واستغالل وأحالم ضائعة‬

‫‪12‬‬

‫هديل سالم ‪ -‬شمال شرق سوريا‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬ ‫حتقيقات‬

‫ّ‬ ‫تدق الساعة السابعة صباحاً‪ ،‬فيبدأ “حازم” يف مخيم‬ ‫“واشوكاين” رحلته إىل عمله‪ ،‬يقف عند قارعة الطريق‬ ‫العابر من بلدة التوينة املجاورة إىل محافظة الحسكة‪،‬‬ ‫وبالوضعية ذاتها يقوم ببيع أنواع من علب السجائر‬ ‫املحلية واألجنبية الصنع ملدة ‪ 8‬ساعات يومياً‪ ،‬مل ينس‬ ‫خاللها أن من حقوقه التعليم واللعب‪ ،‬لكن ضيق الحال‬ ‫ورحلة نزوحه وقفا عائقاً أمام التمتع بها ومتابعة تعليمه‪.‬‬ ‫حازم (‪ 15‬سنة) واحدٌ من بني آالف األطفال القاطنني يف‬ ‫املخيامت‪ ،‬املحرومني من أبسط حقوقهم‪ ،‬ومن املئات‬ ‫الذين يعملون ملساعدة أهاليهم يف مهن ال تناسب‬ ‫أعامرهم‪ ،‬أو تشكل خطراً عليهم‪ ،‬معرضني أنفسهم‬ ‫للحوادث أو سوء املعاملة بشكل مستمر من رب العمل‪،‬‬ ‫دون توفري عنارص السالمة العامة والحامية‪ ،‬ينقسمون بني‬ ‫عامل يف الدكاكني وعىل عربات النقل ضمن املخيامت‪،‬‬ ‫وعامل مياومة خارجها‪.‬‬ ‫سقط حازم مغمياً عليه يف صيف ‪ ،2020‬ونتيجة وقوفه‬ ‫تحت أشعة الشمس الحارقة عىل قارعة الطريق‪ ،‬أصيب‬ ‫بحمى التيفوئيد‪ ،‬يقول ملجلة “طلعنا عالحرية”‪“ :‬لوال‬ ‫سرت الله لصدمتني سيارة عابرة‪ ،‬أسعفني سائقها‪ ،‬لحظة‬ ‫ُ‬ ‫فوقعت‬ ‫سقوطي‪ ..‬ظنّ سائق سيارة التكيس أنه صدمني‬ ‫مغشياً”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫انقطع حازم عن العمل مدة أسبوعني حتى ُشفي‪ ،‬ما كلف‬ ‫عائلته اللجوء لتقشف شديد واالكتفاء مبخزون شحيح‬ ‫موجود لديها من األغذية‪ ،‬مع القليل من املساعدات‬ ‫النادرة التي كانت تقدمها املنظامت العاملة يف املخيم‪،‬‬ ‫كام وصفها‪.‬‬ ‫نزح رفقة عائلته من بلدة تل حلف‪ ،‬إثر العملية‬ ‫العسكرية التي أطلقتها تركيا والفصائل املوالية لها عىل‬ ‫مدينة رأس العني وريفها يف ترشين األول‪ /‬أكتوبر عام‬ ‫‪ ،2019‬وأدت إىل تهجري أكرث من‪ 300‬ألف عائلة بني‬ ‫نازحني إىل مخيامت اللجوء ومراكز اإليواء‪ ،‬والجئني يف‬ ‫دول الجوار‪.‬‬

‫أحالم الطفولة تتالىش‬

‫“ستري رشك” الرئيس املشرتك يف إدارة مخيم واشوكاين‪،‬‬ ‫لدى حديثها ملجلة “طلعنا عالحرية”‪ ،‬تقر بخطورة عاملة‬ ‫األطفال وسلبياتها‪ ،‬والقوانني املوضوعة التي متنع من‬ ‫ذلك‪ ،‬إال أن الظروف املعيشية الصعبة واالرتفاع الجنوين‬ ‫ألسعار املواد الغذائية واالستهالكية التي تقدر بالدوالر‬ ‫األمرييك‪ ،‬أمام انهيار اللرية السورية‪ ،‬دفعت إدارة املخيم‬ ‫للتغايض عن عمل األطفال‪ ،‬يف ّ‬ ‫ظل نقص املساعدات التي‬

‫تقدمها املنظامت اإلنسانية‪ ،‬وخاصة الدولية العاملة يف‬ ‫شامل رشق سوريا‪.‬‬ ‫يعد مخيم واشوكاين مدينة مصغرة عن رأس العني‪،‬‬ ‫يقع قرب بلدة التوينة ‪ 13‬كم غرب مدينة الحسكة‪،‬‬ ‫عدد قاطنيه ‪ 14500‬موزعني عىل ‪ 1800‬خيمة و‪3287‬‬ ‫عائلة‪ ،‬ويضم ثالث مدارس تعليمية من املرحلة االبتدائية‬ ‫واإلعدادية إىل الثانوية‪ ،‬بحسب “ستري رشك”‪.‬‬ ‫وتؤكد “رشك” عدم تعرض أي من األطفال العاملني يف‬ ‫املخيم لحادث أو مشكلة‪ ،‬وهذا ما نفاه بعض األهايل‬ ‫الذين قابلناهم‪ ،‬غري أن إدارة املخيم ليست عىل دراية‬ ‫مبا يحصل خارجه‪.‬‬

‫ال إحصائيات دقيقة ولكن حوادث مؤكدة!‬

‫ال يوجد إحصائية دقيقة عن عدد أطفال املخيامت‬ ‫العاملني‪ ،‬والذين تعرضوا لحوادث العمل‪ ،‬لكن وفق جمع‬ ‫لقصص رسدها من قابلتهم مجلة “طلعنا عالحرية” هناك‬ ‫إصابات عديدة‪.‬‬ ‫ضمن مخيم الهول‪ ،‬أصيب شقيقان وطفل آخر (يعانون‬ ‫من الربو الصدري) بحالة من ضيق التنفس أثناء عملهم‬ ‫يف توصيل املواد وسلل اإلغاثة عىل عربة حديدية مقابل‬ ‫أجر بسيط يعطيها املستفيد لهم‪ ،‬ومن ضمنها مادة الكاز‬ ‫املستخدم يف إشعال مواقد الطهي داخل الخيم‪ ،‬والتي‬ ‫تقوم إحدى املنظامت اإلنسانية بتوزيعها عىل قاطني‬ ‫املخيم وفق بطاقة كل أسبوع‪.‬‬ ‫كام تعرض ‪ 6‬أطفال لسوء املعاملة من رب العمل‪ ،‬ما‬ ‫تسبب يف تركهم العمل والتنقل من عمل ألخر منبوذين‬ ‫داخل املخيم‪.‬‬ ‫ويف مخيم واشوكاين‪ ،‬تعرض طفل لكرس يف اليد أثناء عمله‬ ‫بتوزيع مياه الرشب ضمن مدينة الحسكة‪ ،‬وانزالقه من‬ ‫السلم الجانبي الذي يتمسك به من صهريج املاء‪ ،‬وتعرض‬ ‫‪ 9‬من األطفال املياومني العاملني يف حقل لزراعة الكمون‬ ‫بقرية مجاورة للمخيم للشتم والطرد جميعاً يف ذات‬ ‫اليوم من مالك األرض‪ ،‬وأصيب أحدهم بالحمى نتيجة‬ ‫ظروف العمل‪.‬‬ ‫يقول املحامي كيالن أوسكان‪“ :‬مع عدم جدية سنّ‬ ‫القوانني وتنفيذها‪ ،‬وعدم وجود احتياطات للسالمة من‬ ‫رب العمل‪ ،‬ما يجعل األطفال معرضني لخطر إضايف‪،‬‬ ‫تشكل عاملة األطفال انتهاكاً واضحاً لقانون العامل‬ ‫وحقوقهم‪ ،‬إذ تنص أحكام املادة ‪ 113‬من قانون العمل‬ ‫السوري رقم ‪ 17‬عام‪ ،2010‬مبنع تشغيل األحداث من‬ ‫الذكور واإلناث قبل إمتام مرحلة التعليم األسايس أو إمتام‬

‫سن الخامسة عرشة أيهام أكرث”‪.‬‬ ‫ويضيف‪“ :‬قانون العمل يسمح لألطفال مبامرسة بعض‬ ‫األعامل التي ال تتطلب جهداً عضلياً‪ ،‬وال يتجاوز مدة‬ ‫العمل ساعات محددة‪ ،‬وأن يتم تسجيل الطفل العامل‬ ‫لدى التأمينات االجتامعية لضامن سالمته‪ ،‬لكن لألسف‬ ‫يتم تجاوز كل هذا”‪.‬‬ ‫منظمة اليونيسف التابعة لألمم املتحدة تؤكد يف تقرير‬ ‫لها أن أكرث من ‪ 2‬مليون طفل هم خارج املدرسة‪ ،‬ويواجه‬ ‫‪ 1.3‬مليون طفل خطر الترسب‪ .‬ويعيش أربعة من خمسة‬ ‫أشخاص من السوريني تحت خط الفقر داخل سوريا‪،‬‬ ‫مام يدفع باألطفال التخاذ تدابري قصوى للبقاء عىل قيد‬ ‫الحياة‪ ،‬مثل التوجه إىل العمل والزواج املبكر والتجنيد‬ ‫للقتال‪ ،‬وذلك ملساعدة أفراد عائالتهم يف سد الرمق‪.‬‬

‫خفض يف األجر‬

‫عامد (‪ 15‬سنة) النازح وعائلته من ريف تل متر‪ ،‬يقوم‬ ‫بنقل صناديق تحوي خرضوات وفواكه من شاحنة صغرية‬ ‫ليضعها عىل الرصيف مرتاكمة فوق بعضها أمام دكان يف‬ ‫بلدة التوينة‪ ،‬والعرق يتصبب منه رغم برودة الطقس‪،‬‬ ‫يقول ملجلة “طلعنا عالحرية”‪“ :‬أعمل أكرث من ‪ 8‬ساعات‬ ‫مقابل ‪ 2000‬لرية يف اليوم‪ ،‬ضعف الحال وقرب البلدة من‬ ‫املخيم هو ما دفعني لقبول هذا األجر الزهيد”‪.‬‬ ‫من جانبه شارك والده بالحديث‪ ،‬وهو موظف متقاعد‬ ‫لدى حكومة النظام السوري‪ ،‬موضحاً‪“ :‬منذ بداية الحرب‬ ‫ونحن نعيش يف مأساة تتكرر وبشكل يومي‪ ،‬وضحيتها‬ ‫وبدون ذنب‪ ،‬أطفالنا‪ ،‬الذين ابتعدوا عن التعليم وتحملوا‬ ‫املسؤولية كالكبار”‪ ،‬واصفاً من هاجر إىل الدول األوروبية‪،‬‬ ‫بأنه “يعيش يف الجنة ومستقبل أوالده مؤمن”‪.‬‬ ‫ويضيف والغصة يف حلقه كلقمة يصعب بلعها‪“ :‬أطفال‬ ‫العامل يذهبون كل صباح إىل املدرسة لتلقي التعليم‪ ،‬بينام‬ ‫أطفالنا يتجهون إىل العمل لكسب لقمة العيش‪ ،‬إنها‬ ‫الحاجة والفقر”‪.‬‬


‫‪13‬‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬

‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫كاريكاتري‬


‫‪14‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السورية املعاصرة‬ ‫الكردية‬ ‫الرواية‬ ‫بني واقع شائك وأفق مأمول‬ ‫خاص – طلعنا عالحرية‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫بعيدًا ّ‬ ‫عم س ّمي برصاع الثقافات ومحاوالت فرض‬ ‫بعض الثقافات عىل حساب بعض آخر‪ ،‬تتناول‬ ‫مجلة “طلعنا عالحرية” يف هذا التحقيق‪ ،‬مع عدد‬ ‫من الكتّاب الكرد السور ّيني واقع الرواية الكرد ّية‬ ‫السور ّية املعارصة وآفاقها املستقبلية يف ّ‬ ‫ظل واقع‬ ‫سيايس مأزوم يف سوريا واملنطقة عمو ًما‪ .‬سائلني‬ ‫إياهم عن نظرتهم ملسألة تقديم الكتّاب الكرد‬ ‫ويتم‬ ‫السور ّيني الذين يكتبون باللغة العرب ّية‬ ‫ّ‬ ‫تقدميهم وتسويقهم ككتّاب سور ّيني‪ .‬وهل أ ّنهم‬ ‫كتبوا روايات باللغة الكرد ّية؟ فإن كانت اإلجابة‬ ‫بـ(ال) فام هي األسباب؟ وإن كانت (نعم)؛ أهو‬ ‫شعورهم القومي ما دفع بهم إىل الكتابة بالكرد ّية‬ ‫أم ّمثة دافع آخر‪ ،‬وهل ّأن كتابة الكرديّ بلغته‬ ‫واجب قومي؟‬ ‫ويف هذا السياق تستوقفنا املأساة التي تتّسم‬ ‫بالغرابة‪ ،‬والتي يعيشها معظم الكتّاب الكرد يف‬ ‫عموم منطقتنا‪ ،‬أال وهي الكتابة بلغة محكية غري‬ ‫مدرسية‪ ،‬لغة محظورة من قبل األنظمة الرسمية‬ ‫املستبدّة‪ .‬فكيف تعايشوا مع هذه التجربة؟ من‬ ‫ثم ونحن نتحدّث عن األدب الكرديّ فإ ّننا نتحدّث‬ ‫ّ‬ ‫عن تجربة غري مكتملة تعيش تحت مطرقة‬ ‫حظر أزيل يف املنطقة‪ ،‬فام الذي يتأمله كل ممن‬ ‫حاورتهم املجلة من وراء الكتابة بلغة محظورة‬ ‫ال متلك سوى عدد محدود من القراء؟ ويف سياق‬ ‫تناولنا لهذا املوضوع كان لزا ًما علينا أن نسأل‬ ‫عن إشكالية اللغة‪ ،‬فهناك ثالث لهجات كرد ّية‬ ‫رئيس ّية (الكرمانج ّية والسوران ّية والزاز ّية)‪ ،‬وكذلك‬ ‫هناك أبجديتان رئيس ّيتان (الالتين ّية والعرب ّية)‪ .‬فام‬ ‫الذي يتطلبه تقديم أدب كرديّ ذي هو ّية موحدة‬ ‫وجامعة؛ أهو اعتامد أبجدية موحدة أم االكتفاء‬ ‫بتغيري الرسم عند التنقل بني اللهجات الكرد ّية؟‬ ‫فكان هذا التحقيق‪..‬‬

‫ثقافة‬

‫البداية كانت مع الروا ّيئ الكرديّ السوريّ جان‬ ‫دوست‪ ،‬املقيم يف أملانيا‪ ،‬والذي أجاب عىل أسئلتنا‬ ‫ً‬ ‫قائل‪ :‬الكتابة باللغة العرب ّية أمر طبيعي بالنسبة‬ ‫للكتّاب الكرد السور ّيني‪ .‬مل يكن أمامنا ّ‬ ‫حل سوى‬ ‫االنخراط يف الكتابة بالعرب ّية بسبب تهميش ومنع‬ ‫اللغة الكرد ّية يف سوريا‪.‬‬ ‫ ‬ ‫دوست‪ :‬مواجهة اإلبادة اللغوية‬

‫صاحب «كوباين» أضاف‪ :‬النظرة الشوفينية الضيقة‪،‬‬ ‫وإقحام السياسة يف مسألة الثقافة سببت ما ميكن‬ ‫أن نس ّميه اإلبادة اللغوية بحقّ األكراد السور ّيني‪.‬‬ ‫ويف حني ميكن أن تصبح اللغة الكرد ّية مصدر ثراء‬ ‫ثقايف يف املوزاييك السوريّ ‪ ،‬اعتربت لغة دخيلة‬ ‫منعت الدولة بشكل ممنهج تطويرها وفتح اآلفاق‬ ‫الرحبة أمامها‪ .‬لكن بالرغم من ّ‬ ‫كل ذلك مل متت‬ ‫اللغة الكرد ّية‪ ،‬بل برز هناك كتّاب وشعراء يف سوريا‬ ‫ال يكتبون ّإل باللغة الكرد ّية‪.‬‬ ‫يتابع دوست ً‬ ‫قائل‪ :‬أنا شخص ًّيا كتبت روايات‬ ‫عديدة باللغة الكرد ّية‪ .‬تعلمت كتابة الكرد ّية يف‬ ‫املنزل‪ .‬وهي كانت وسيلة التخاطب الوحيدة يف‬ ‫العائلة والشارع واملجتمع املحيط‪ .‬ما دفعني إىل‬ ‫الكتابة بالكرد ّية هو الدافع القومي قبل ّ‬ ‫كل يشء‪.‬‬ ‫شعور بالظلم دفعني إىل االنتصار لهذه اللغة‬ ‫وإنصافها واملشاركة يف إنقاذها من الذوبان يف أتون‬ ‫اللغة املهيمنة‪.‬‬ ‫بطبيعة الحال مل يكن مستوى اللغة التي كتبنا‬ ‫بها عىل درجة من الرقي والنضج يف املفردات‬ ‫والتعابري كام هو لدى أشقائنا الكرد الذين يكتبون‬ ‫بالسوران ّية (اللهجة الكرد ّية الوسطى املكتوبة‬ ‫باألحرف العرب ّية واملستعملة يف ّ‬ ‫كل من إيران‬ ‫والعراق)‪ .‬لكن لغتنا تطورت ببطء‪ .‬انربى لتطويرها‬ ‫لغويون أكراد وشعراء وكتّاب بإمكاناتهم البسيطة‬ ‫املتاحة يف ّ‬ ‫ظل املنع‪ .‬ورويدًا رويدًا وصلت اللغة‬

‫الكرد ّية (الكرمانجية) إىل مستوى قريب من اللغة‬ ‫الفصحى‪ ،‬النموذجية أو الستاندارد‪ .‬اآلن يكتب‬ ‫جميع الكرد الكرمانج بلغة شبه موحدة‪.‬‬ ‫يؤ ّكد صاحب «باص أخرض يغادر حلب»‪ّ ،‬أن‬ ‫الكتابة بالكرد ّية ال تجلب ال الشهرة الواسعة وال‬ ‫املال الكثري‪ .‬ومع ذلك ال غنى له عنها‪ .‬مضي ًفا‪ :‬إ ّنها‬ ‫مسألة تتعلق بالروح ووعي الذات‪ .‬أنا ابن هذه‬ ‫اللغة‪ ،‬فتحت عيني عىل أبوين وإخوة وجريان‬ ‫يتكلمونها‪ .‬هي كام قلت ذات يوم شعلة جميلة‬ ‫ورثتها من أيب وأمي وأورثتها ألبنايئ وسأحملها‬ ‫يف يدي حتى لو احرتقت أصابعي‪ .‬مل أكتف فقط‬ ‫بكتابة روايات كرد ّية بل ترجمت ّ‬ ‫كل روايايت التي‬ ‫كتبتها بالعرب ّية إىل الكرد ّية وكأ ّنني أعيد خروفاً‬ ‫ً‬ ‫ضال إىل أمه‪ .‬لكنّني ال أخلط اللغة بالسياسة‪ .‬هناك‬ ‫كثريون يلومونني عىل استعامل العرب ّية يف وسائل‬ ‫التواصل االجتامعي‪ .‬لكنّني لست يف وارد التزمت‬ ‫اللغوي‪ .‬اللغة أداة مثل املوسيقى‪ .‬ولغتي جزء من‬ ‫ذايت وهو ّيتي‪ ،‬لكنّني نجحت يف توسيع حدود هذه‬ ‫الهو ّية‪.‬‬ ‫صاحب «مخطوط بطرسبورغ»‪ ،‬يشدّد عىل ّأن اللغة‬ ‫املوحدة حلم لن يتح ّقق بأمنياتنا نحن الكتّاب‪ .‬رمبا‬ ‫تتح ّقق هذه األمنية يف ّ‬ ‫ظل دولة قوم ّية مركز ّية‪.‬‬ ‫يبي جان دوست‪ّ ،‬أن الرواية‬ ‫ويف نهاية حديثه معنا ّ‬ ‫وأن ً‬ ‫الكرد ّية تتقدّم بخطى واثقة‪ّ .‬‬ ‫جيل برز يقرأ‬ ‫بالكرد ّية بالرغم من ّ‬ ‫كل محاوالت الصهر القومي‬ ‫كام حدث يف تركيا ً‬ ‫مثل‪ .‬وليك ال أبالغ يف التفاؤل‬ ‫أقول‪ :‬لقد انكشف الغطاء عن القمقم‪ ،‬لكن املارد‬ ‫مل يخرج بعد‪.‬‬ ‫ ‬ ‫أويس‪ :‬خلق هو ّية أدب ّية كرد ّية‬ ‫ّ‬ ‫من جهته‪ ،‬يرى الروايئ الكرديّ السوريّ هوشنك‬ ‫أويس‪ ،‬املقيم يف بلجيكا‪ّ ،‬أن الكتّاب الكرد السور ّيني‬ ‫الذين يكتبون بالعرب ّية أو الكرد ّية‪ ،‬أو أ ّية لغة‬ ‫أخرى‪ ،‬هم سور ّيون‪ .‬تصنيفهم عىل هذا النحو‪،‬‬ ‫من طبائع األمور‪ .‬وعدم اعتبارهم سور ّيني‪ ،‬سواء‬ ‫من أقرانهم السور ّيني‪ ،‬أو حتّى من قبل أنفسهم‪،‬‬ ‫هذا من أعراض وأمراض وفريوسات الوعي القومي‬ ‫أو الوطني املعطوب‪ .‬يضيف صاحب «األفغاين‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫كتبت الشعر واملقال والدراسة‬ ‫ساموات قلقة»‪:‬‬ ‫باللغة الكرد ّية‪ ،‬ومل أكتب الرواية بعد‪ .‬ميكنك‬ ‫اعتباري كائن ثنايئ اللغة‪ .‬سأكتب الرواية بلغتي‬


‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬ ‫ثقافة‬

‫األ ّم األوىل‪ .‬مل أكتبها باللغة الكرد ّية‪ ،‬أل ّنني ال أميل‬ ‫إىل فكرة كتابة األدب؛ الشعر والرواية‪ ،‬من منطق‬ ‫الواجب القومي‪ .‬بخالف بعض الزمالء الذين كتبوا‬ ‫ثم قاموا برتجمتها للعرب ّية‪ ،‬أو‬ ‫روايتهم بالكرد ّية‪ّ ،‬‬ ‫العكس؛ كتبوها بالعرب ّية‪ ،‬وترجموها إىل الكرد ّية‪.‬‬ ‫كتابة الرواية باللغة الكرد ّية‪ ،‬بالنسبة يل‪ ،‬ليس دليل‬ ‫أو مقياس أو وثيقة تثبيت حضور أو انتامء قومي‪.‬‬ ‫يؤ ّكد أويس ّأن رواياته متعدّدة األمكنة والهو ّيات‪،‬‬ ‫وأ ّنها ال تعاين من هوس التمحور حول الذات‬ ‫والغم الكرديّ ‪ ،‬كجزء من‬ ‫الهم‬ ‫ّ‬ ‫الكرد ّية‪ .‬بل ترى ّ‬ ‫الهم اإلنساين العا ّم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتابع صاحب «حفلة أوهام مفتوحة» حديثه معنا‬ ‫ً‬ ‫قائل‪ :‬صحيح ّأن األدب الكرديّ كان واليزال “يعيش‬ ‫تحت مطرقة الحظر يف املنطقة”‪ ،‬لكن التحدّث عن‬ ‫األدب الكرديّ بوصفه تجربة غري مكتملة‪ ،‬وأ ّنه ال‬ ‫أمل يف الكتابة بلغة محظورة ال متلك سوى عدد‬ ‫محدود من القراء” هكذا رأي‪ ،‬مبالغ فيه‪ .‬هناك‬ ‫دور نرش كرد ّية نشطة يف تركيا‪ .‬مؤخ ًرا‪ ،‬رصنا نرى‬ ‫والدة دور نرش يف شامل سوريا‪ ،‬ويف أوروبا ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫زد عىل هذا وذاك‪ ،‬هناك نسبة قراءة مقبولة عىل‬ ‫مواقع التواصل االجتامعي للنصوص الكرد ّية‪.‬‬ ‫شخص ًّيا‪ ،‬حتّى لو بقي هناك قارئ واحد يقرأ‬ ‫بالكرد ّية‪ ،‬سأكتب له قصائد باللغة الكرد ّية‪ ،‬والح ًقا‬ ‫سأكتب له رواية ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ ‬ ‫اليوسف‪ :‬اإلبداع شأن فردي‬ ‫ّ‬ ‫أ ّما الروايئ الكرديّ السوريّ إبراهيم اليوسف‪ ،‬فريى‬ ‫ّأن ّمثة ثنائية يعيشها الكاتب الكرديّ يف سوريا‪ ،‬أ ًّيا‬ ‫كان‪ ،‬تتعلق بتحديد هو ّيته‪ :‬أهو كرديّ سوريّ ؟ أم‬

‫سوريّ كرديّ ؟ أم مجرد سوريّ كام تحاول بعض‬ ‫الجهات اإلعالمية إدراج هذا املصطلح‪ ،‬بعد أن‬ ‫كان وال يزال ُينظر إليه‪ ،‬بأ ّنه كاتب‪ :‬عر ّيب سوريّ ‪،‬‬ ‫أو تحديدًا ال ينظر إليه ّإل كعر ّيب سوريّ ‪ ،‬من دون‬ ‫الخاصة‪ -‬لطاملا هو‬ ‫أيّ اعرتاف رسمي‪ -‬بهو ّيته‬ ‫ّ‬ ‫“مواطن” وهي مواطنة منقوصة‪ ،‬مشكوك بها‪،‬‬ ‫يف “الجمهورية العرب ّية السور ّية”‪ ،‬كام آل أمر‬ ‫التسمية‪ ،‬بعد أن كانت” الجمهورية السور ّية”‪.‬‬ ‫يضيف صاحب «جمهورية الكلب»‪ :‬يف سياق‬ ‫حديثه مع “طلعنا عالحرية”‪ ،‬من مقر إقامته‬ ‫الدائم يف أملانيا‪ ،‬أ ّنه يف ّ‬ ‫ظل فرض مجرد لغة رسم ّية‬ ‫يف البالد‪ ،‬وإنكار وجود مك ّونات أصيلة أخرى‪،‬‬ ‫تعيش يف مكانها أ ًبا عن جد‪ّ ،‬متت محاوالت محو‬ ‫لغة اآلخر‪ ،‬يف إطار تذويبه يف بوتقة الذات‪ ،‬واشتغل‬ ‫من أجل هذه الدميومة‪ :‬صاحب القرار العنرصي‪،‬‬ ‫وظ ّله رجل األمن‪.‬‬ ‫ويختم صاحب «خارج سور الصني العظيم‪..‬‬ ‫من الفكاهة إىل املأساة»‪ً ،‬‬ ‫قائل‪ :‬إ ّننا أمام روايتني‬ ‫كرد ّيتني يف سوريا‪ :‬رواية كرد ّية مكتوبة بالعرب ّية‪،‬‬ ‫وأخرى مكتوبة باللغة األ ّم‪ ،‬وطبيعي‪ّ ،‬أن اإلبداع‬ ‫عادة‪ -‬هو شأن فردي‪ ،‬لذلك فإ ّننا نجد كي ًفا مائزًا‬‫ً‬ ‫وأعامل جدُّ مه ّمة‪ ،‬ال‬ ‫ضمن الكم العا ّم‪ .‬نجد أسام ًء‬ ‫تقل تقو ًميا وقيمة جامل ّية عام يندرج ضمن الفضاء‬ ‫العا ّم لرواية املكان‪ :‬سواء أتلك املكتوبة باللغة‬ ‫الرسم ّية‪ ،‬أو اللغة األ ّم‪ ،‬وال أريد أن أشري إىل أسامء‬ ‫ما لئال أظلم سواها‪ ،‬بالرغم من الكثري من التعتيم‬ ‫عليها حتى من ِقبل اإلعالم الكرديّ ‪...‬‬ ‫ ‬ ‫زارا صالح‪ :‬هو ّية وقضية وجود والتزام‬

‫من مقر إقامته يف لندن‪ ،‬يجيب الروا ّيئ الكرديّ‬ ‫السوريّ زارا صالح‪ ،‬عىل أسئلتنا يف ظل الواقع‬ ‫السيايس السوريّ الشائك‪ً ،‬‬ ‫قائل‪ :‬لجأ العديد من‬ ‫الكتّاب الكرد إىل الكتابة بالعرب ّية وذلك كنتيجة‬ ‫طبيعية لواقع سيايس ساد يف سوريا‪ ،‬والذي اعتمد‬ ‫اللون والثقافة واللغة الواحدة وسلطة مركز ّية‬ ‫سعت دو ًما إىل صهر كا ّفة املك ّونات السور ّية يف‬ ‫بوتقة العروبة عرب محاولة إلغاء هو ّيتها القوم ّية‬ ‫والثقاف ّية والدين ّية‪ ،‬وكان للكرد النصيب األوفر من‬ ‫تلك املشاريع االستثنائ ّية من سياسات التعريب‬ ‫وطمس الهو ّية واللغة الكرد ّية ً‬ ‫أيضا حيث الحظر‬ ‫واملنع وحتى االعتقال مبجرد حيازة كتاب باللغة‬ ‫الكرد ّية‪ .‬ولعل الكتابة بالعرب ّية كانت إحدى وسائل‬ ‫التعبري لرفض هذا الواقع ووسيلة للتواصل مع‬ ‫الوسط املحيط لنقل تلك املعاناة لشعب بأكمله‪،‬‬ ‫ولهذا يتم تقديم هؤالء الكتّاب كسور ّيني ولكنّهم‬ ‫كرد يف هو ّيتهم القوم ّية والثقاف ّية رغم الكتابة بلغة‬ ‫القوم ّية السائدة‪ .‬وبتقديري سياسات هكذا أنظمة‬ ‫تعكس ً‬ ‫خلل بنيو ًّيا وفكر ًّيا لسلطة حاكمة ورأي‬ ‫جمعي متامهي معه يخالف الطبيعة البرش ّية‬ ‫والكون ّية التي رتبها وخلقها الله مبختلف التلوينات‬ ‫شعو ًبا ً‬ ‫وأمم ولغات مختلفة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويرى صاحب «الفرقة ‪ ،»17‬أ ّنه رغم كل تلك القيود‬ ‫عىل اللغة الكرد ّية ّ‬ ‫فان كتّاب كرد من سوريا كتبوا‬ ‫بلغتهم األ ّم وتحدوا ذلك الواقع إىل جانب الكتابة‬ ‫باللغة العرب ّية‪ .‬وال يخفي صالح ّأن كتاباته األدب ّية‬ ‫بدأت أ ّو ًل بالكرد ّية‪ ،‬وشملت القصص القصرية‬ ‫ثم املقالة السياسية‪،‬‬ ‫منها الساخرة والطويلة‪ ،‬ومن ّ‬

‫‪15‬‬


‫‪16‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السورية املعاصرة‬ ‫الكردية‬ ‫الرواية‬ ‫بني واقع شائك وأفق مأمول‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬ ‫ثقافة‬

‫مب ّينًا أ ّنه رشع يف كتابة رواية ولديه قصة قيد‬ ‫الطباعة‪ .‬يقول‪ :‬حقيقة أجد نفيس أكرث مع لغتي‬ ‫الكرد ّية وابحر بح ّرية مطلقة مع األمواج بعيدًا عن‬ ‫الرتجمة يف العقل عندما أكتب بلغتي األ ّم مقارنة‬ ‫مع العرب ّية واإلنكليز ّية‪ ،‬ورغم ق ّلة القراء واملتابعني‬ ‫مقارنة مع العرب ّية يف سوريا ّ‬ ‫فإن الكتابة بالكرد ّية‬ ‫تعني بالنسبة يل الهو ّية وجواز السفر وقضية وجود‬ ‫والتزام‪ ،‬وال ميكن عزلها عن السياسة أل ّنها إحدى‬ ‫نتاجاتها التي تحاول إلغاء شعب‪.‬‬ ‫ ‬ ‫إبراهيم‪ :‬معاناة من التضخم يف الكم‬ ‫ّ‬ ‫الروايئ الكرديّ السوريّ جميل إبراهيم‪ ،‬يقول‬ ‫بخاف‬ ‫لـ”طلعنا عالحرية”‪ ،‬جوا ًبا عىل أسئلتنا‪ :‬ليس ٍ‬ ‫ّأن معظم الكتّاب الكرد يف سوريا يكتبون باللغة‬ ‫العرب ّية‪ ،‬وهذا األمر ناجم باألساس عن حقيقة‬ ‫ّأن الكرد يف سوريا مرغمون عىل التعلم والدراسة‬ ‫باللغة العرب ّية‪ ،‬إىل جانب الحظر واملنع ّ‬ ‫الكل‪،‬‬ ‫وتحت طائلة أقىس العقوبات‪ ،‬للغة الكرد ّية‪ ،‬ليس‬ ‫يف املدارس وحسب‪ ،‬بل وحتّى يف البيوت‪ ،‬وتطال‬ ‫العقوبات تلك ّ‬ ‫كل من ُيعرث بحوزته عىل كتاب أو األدب الكرديّ السوريّ يعاين من التضخم يف الكم الناس‪ ،‬والتي يعمد بعض الكتّاب إىل اعتامدها‬ ‫مجرد كتابة باللغة الكرد ّية‪ ،‬ورغم أ ّنه يف تسعينيات من الذين يتنطعون للكتابة بلغتهم‪ ،‬والعوز الواضح لينترش املنتج بني رشيحة أوسع من القراء‪ .‬لكنّني‬ ‫القرن املايض وما تالها‪ ،‬خفت ً‬ ‫قليل تلك الرقابة يف الكيف ونوعية الكتّاب سواء يف مجال الشعر أو لألسف مل أحذوا حذوهم يف تعلم تقنية الكتابة‬ ‫بلغتي األ ّم الكرد ّية‪ ،‬اللغة هي الحامل الحي للهو ّية‬ ‫الصارمة عىل اللغة الكرد ّية‪ ،‬وباتت السلطات تغض القصة والرواية وغريها‪.‬‬ ‫أل ّنها تجرس بطريقة ما املسافة بني املوضوع الذي‬ ‫الطرف عن تواجد بعض الكتب واقتنائها هنا وهناك‪ ،‬‬ ‫عيىس‪ :‬توسيع دائرة القراء‬ ‫الهم الكرديّ عىل سبيل املثال وبني املنتج‬ ‫ّإل أ ّنه مل تكن هناك أ ّية مدرسة أو معهد للتعليم ننهي تحقيقنا هذا مع الروا ّيئ الكرديّ السوريّ يتناول ّ‬ ‫باللغة الكرد ّية يف أيّ مكان يف سوريا‪ ،‬ال حكوم ّية وال ريزان عيىس‪ ،‬املقيم يف مدينة آخن األملانية‪ ،‬والذي الروا ّيئ الذي قد يصدر بالعرب ّية فيبدو جل ًيا للقارئ‬ ‫خاصة؛ لذلك كانت الكتابة باللغة العرب ّية بالنسبة أفادنا ّأن معظم الكتّاب األكراد السور ّيني يكتبون ّأن الكاتب يفكر بالكرد ّية ويكتب بالعرب ّية فتشعر‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مرتجم‪.‬‬ ‫للكتّاب تحصيل حاصل‪ ،‬أو كام يقال مكره أخاك ال بالعرب ّية ويقدّمون ككتّاب سور ّيني‪ .‬مؤ ّكدًا أ ّنه ال بأنك تقرأ كتا ًبا‬ ‫بطل؛ لذلك ُينظر إليهم باعتبارهم كتّا ًبا سوريني؛ يجد أيّ إشكالية يف تسويق أعاملهم وتقدميهم وأشار عيىس إىل ّأن روايته «كهرمان» ترجمت‬ ‫أما الكتّاب الكرد الذين كتبوا‪ ،‬ويكتبون‪ ،‬بلغتهم عىل أ ّنهم سور ّيون أل ّنهم يعيشون يف بالد تضم مؤخ ًرا إىل الكرد ّية باللهجة الكرمانج ّية‪ ،‬ورغم‬ ‫الخاصة‪ ،‬وال ّ‬ ‫شك يف موزاييك من األعراق األخرى غري العرب ّية‪ .‬ويضيف‪ :‬استخدام املرتجم لكثري من مفردات اللهجة‬ ‫األ ّم‪ ،‬فقد تعلموها بجهودهم‬ ‫ّ‬ ‫أ ّنها كانت جهودًا مضنية‪ ،‬وتكاليفها باهظة‪ ،‬ال سيام بالنسبة إيل تناولت يف روايتي األوىل «كهرمان» شأ ًنا السورانية والتي أمكن فهمها يف سياق الرسد ألدرك‬ ‫خالصا‪ ،‬ويتم تقدميي غال ًبا عىل أ ّنني كاتب ّأن الكرد ّية بلهجاتها املختلفة وباستخدام األحرف‬ ‫املعنو ّية منها‪ ،‬وقد وجدنا مثل هذا األمر يف بلدان كرد ًّيا ً‬ ‫ّ‬ ‫أخرى كالجزائر ً‬ ‫كرديّ سوريّ ‪ ،‬وهذا يؤكد هو ّيتي الكرد ّية القوم ّية الالتين ّية قادرة عىل خلق االنسجام والتآلف بحيث‬ ‫مثل‪...‬‬ ‫ميكن تضييق املسافة بني تلك اللهجات‪.‬‬ ‫يتابع صاحب «التني الربي»‪ ،‬حديثه معنا من مقر وجنسيتي السور ّية‪.‬‬ ‫إقامته الدائم يف مدينة دورمتونت األملانية‪ً ،‬‬ ‫قائل‪ :‬صاحب «بورتريه» (قيد الطباعة)‪ ،‬أوضح يف حديثه ويف ختام حديثه معنا يقول ريزان عيىس‪ :‬هناك‬ ‫أنا‪ ،‬كتبت رواية باللغة الكرد ّية وترجمتها فيام معنا ّأن هنالك الكثري من الصعوبات التي تواجه الكثري من األعامل الروائ ّية التي صدرت يف السنوات‬ ‫بعد إىل اللغة العربية‪ ،‬كام كتبت رسدية أخرى الكتّاب الكرد وال سيام مع غياب املرجع ّيات األخرية باللغة الكرد ّية لكتّاب أكراد سور ّيني يكتبون‬ ‫املؤسس ّية التي تهتم بتطوير اللغة وتحديثها لتواكب بالكرد ّية أو ترتجم أعاملهم للكرد ّية رغم الصعوبات‬ ‫هي من قبيل “أدب الرحالت”‪ ،‬وترجمت رواية‬ ‫ّ‬ ‫«شنكالنامة» للشاعر والروا ّيئ إبراهيم اليوسف إىل بقية اللغات الح ّية‪ ،‬فالكرد ّية املكتوبة تتأرجح كث ًريا التي تواجههم من جهة نرش األعامل وتسويقها‬ ‫بني اللغة املقفاة التي يتداولها املهتمون واملتابعون نظ ًرا لق ّلة دور النرش التي تصدر العمل وتسوقه‪،‬‬ ‫اللغة الكرد ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويلفت جميل إبراهيم يف ختام حديثه معنا إىل ّأن لها وبني اللغة املحكية البسيطة واملتداولة بني عموم وكذلك لقلة عدد القراء ممن يقرأ الرواية بالكرد ّية‪.‬‬


‫يف الظلمة تتفتح األحالم‬ ‫‪17‬‬

‫تأليف‪ :‬بنديك سورفيغ‬ ‫مراجعة‪ :‬حواس محمود‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫أساليب النظام القمعية والعنفية مل تتبدل‪.‬‬ ‫فصول الكتاب تناولت عدة موضوعات تعطي‬ ‫صورة عن مضامينها‪ ،‬منها‪ :‬بالروح بالدم‪ ..‬والبلد‪،‬‬ ‫الجدران إن حكت‪ ،‬عهد جديد‪ ،‬ياسني والقائد‬ ‫األبدي‪ ،‬مارسيل يف امليدان‪ ،‬تركة حامة الثقيلة‪،‬‬ ‫الشبيحة‪ ،‬الثورة‪ ،‬العقل األمني‪ ،‬ساحات اإلعدام‬ ‫االفرتاضية‪ ،‬الجيش ينقسم عىل نفسه‪ ،‬الثورة‬ ‫تتعسكر‪ ،‬سلمية سلمية‪ ،‬حلب املقسمة وأعالم‬ ‫الدولة‪ ،‬كاوا واالعتقال الثاين‪ ،‬كاوا واالعتقال الثالث‬ ‫وأطياف قيرص‪ ،‬الجيش الحر يتالىش‪ ،‬من السلمية‬ ‫إىل الحرب الكونية‪ ،‬أوباما ورساب الخطوط‬ ‫الحمراء‪ ،‬وداعاً حلب‪ ،‬الجبهة الجنوبية‪ ،‬حروب‬ ‫اآلخرين‪ ،‬تعب هي الحرب‪ ،‬مارسيل وياسني‪.‬‬ ‫يتابع املؤلف تحركات الشخصيات املتناولة‪،‬‬ ‫مستفيداً من عالقاته الواسعة بالناشطني ومؤيدي‬ ‫الثورة السورية‪ ،‬ومن عمله اإلغايث يف سوريا‪،‬‬ ‫وإقامته يف لبنان حوايل عقدين‪ ،‬والتقائه بعرشات‬ ‫السوريني والسوريات من شتى الخلفيات املهنية‬ ‫والسياسية‪ ..‬مختتام كتابه بالقول‪“ :‬سوريا اليوم‬ ‫يف ظالم دامس‪ ،‬ولكن أليس يف الظلمة ما تتفتح‬ ‫االحالم؟”‪.‬‬ ‫ختاماً تكمن أهمية الكتاب من كونه من الكتب‬ ‫النادرة أوروبياً‪ ،‬والتي تتحدث عن املأساة السورية‬ ‫من بداية الثورة‪ ،‬مروراً باالنتكاسات املتتالية‪،‬‬ ‫وصوالً إىل منتصف ‪ ،2017‬ومتابعته جاءت يف‬ ‫الكاتب بصورة دقيقة‪ ،‬لكونه كان قريباً جداً من‬ ‫الحدث ومن الشخصيات املتناولة والعديد غريها‪،‬‬ ‫وبالتايل هذا الكتاب يعترب وثيقة أوروبية باللغة‬ ‫الرنويجية‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫يتحدث الكتاب الصادر عن (دار الجديد ‪ -‬ط‪1‬‬ ‫‪ )2020‬عن الثورة السورية من بدايتها حتى عام‬ ‫‪ ،2017‬يربط املؤلف الرنويجي الحدث الثوري‬ ‫السوري وتحوالته بيوميات وتحوال ت ‪ 6‬شخصيات‬ ‫سورية فاعلة شاركت يف صناعة الحدث الثوري يف‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫وبحسب املؤلف فإن هذا الكتاب ينطلق من‬ ‫رغبته “يف أنسنة ما حدث من خالل تتبع‪ ،‬صفحة‬ ‫تلو صفحة‪ ،‬حياة من حلموا وآمنوا بالتغيري‬ ‫وشاركوا فيه‪ :‬الكاتب ياسني الحاج صالح وزوجته‬ ‫سمرية الخليل واملدونة مارسيل شحوارو واملهندس‬ ‫عبيدة أبو قويدر والصناعي مروان الحميد وطالب‬ ‫الطب كاوا”‬ ‫يبدو أن املؤلف قد حاول أن تكون شخصياته‬ ‫املتناولة من كل املكونات السورية أو معظمها‪،‬‬ ‫ومن أكرث من منطقة سورية وعىل أكرث من‬ ‫رشيحة‪ ،‬فنجح يف متابعة يوميات الثورة السورية‬ ‫وهو يبدي تعاطفه وتأييده ملطالب الثورة السورية‬ ‫وامتعاضه من التحول الذي طرأ عىل مسار هذه‬ ‫الثورة وطبيعتها‪ ،‬باعتبارها ثورة سلمية نادت‬ ‫بالحرية والكرامة وإسقاط النظام االستبدادي‪،‬‬ ‫وكانت متثل كل مكونات الشعب السوري‪ ،‬إىل‬ ‫ثورة مسلحة اعتمدت عىل أجندات خارجية وتم‬ ‫اخرتاقها بفصائل متطرفة مارست العنف وتشتيت‬ ‫صفوف الثوار مدعومة من قوى إقليمية ودولية‪،‬‬ ‫أدت إىل إضعاف الجيش الحر وحالت دون أن‬ ‫يتصدر هذا الجيش املشهد السوري للنضال ض ّد‬ ‫النظام‪ ،‬كام ظهر يف بداية الثورة السورية وحركة‬ ‫االنشقاقات التي شكلت زخام كبرياً للثورة والثوار‪.‬‬ ‫يبدأ املؤلف كتابه بفصل عنونه “بالروح والدم‪..‬‬ ‫والبالد” يتحدث عن خطاب الطاغية بشار األسد‬ ‫يف مجلس الشعب يف ‪ 30‬مارس ‪ 2011‬والشعارات‬ ‫والتصفيقات التي قوبل بها من مؤيديه داخل‬ ‫قبة الربملان وخارجه‪ ،‬كام أنه يربط هذا الحدث‬ ‫بالشخصيات التي يتناولها ومدى تأثري هذا‬ ‫الحدث عىل هذه الشخصيات؛ فالطالب عبيدة‬ ‫أبو قويدر ذو الثالثة والعرشين عاماً مل يتمكن من‬ ‫متابعة الخطاب ألن النظام كان قد قطع التيار‬ ‫الكهربايئ بعد دخول جنوده درعا منطلق الثورة‬ ‫وذلك لعقوبتها‪ ..‬هذه املامرسات أثرت عىل عبيدة‬

‫وغريت من حياته البسيطة رأساً عىل عقب‪.‬‬ ‫يف تلك اللحظة يف بلدة كفرومة التابعة ملحافظة‬ ‫إدلب كان مروان الحميد وهو يف الثامنة عرشة‬ ‫من عمره ويدير معم ًال لغزل القطن‪ ،‬كان مروان‬ ‫وعائلته يتابعون الخطاب الجاري يف الربملان‬ ‫السوري‪ ،‬ويف مقصف كلية الطب جامعة دمشق‬ ‫جلس أعضاء اتحاد الطلبة التابع لحزب البعث‬ ‫يهتفون لبث روح الحامسة “الله سورية بشار‬ ‫وبس” عل ًام أنهم قبل يوم واحد كانوا قد نظموا‬ ‫مسرية عامة دع ًام للطاغية يف العاصمة‪ ،‬وهذه‬ ‫املسرية بالطبع الستعراض شعبية النظام ورداً عىل‬ ‫مظاهرات الشعب ضد النظام واملطالبة بالتغيري‪.‬‬ ‫الحظ طالب الطب الكردي العرشيني كاوا أن‬ ‫مجموعة من زمالئه هم الذين هتفوا وحمسوا‬ ‫يف انتظار الخطاب‪ ،‬أنهم شباب مثله‪ ..‬لكن كاوا‬ ‫مل يصدق وعود النظام باإلصالح؛ إذ أن ما حدث‬ ‫يف درعا سجلته عدسات كثرية‪ ،‬وتم قتل العديد‬ ‫من املتظاهرين‪ ،‬كام أن القتل قد استمر حتى بعد‬ ‫هذه الوعود‪.‬‬ ‫مارسيل شحوارو‪ ،‬الطالبة التي تخرجت للتو طبيبة‬ ‫أسنان من جامعة حلب هي األخرى مرت عىل‬ ‫الكلية لرؤية زمالئها‪ .‬وجدت نفسها قبالة شاشة‬ ‫كبرية يف الجامعة بانتظار البث املبارش لخطاب‬ ‫الطاغية‪ ،‬كان الرتقب سيد املوقف والتوقعات‬ ‫كثرية‪ ،‬إذ ضم املكان مؤيدين للنظام‪ ،‬ومعارضني‬ ‫يتبادلون االبتسامات الحاملة ملعان كثرية‪،‬‬ ‫ومستقلني مل يحسموا موقفهم بوضوح بعد‪.‬‬ ‫يف الكلية نفسها حيث كانت مارسيل تنتظر البث‬ ‫املبارش‪ ،‬كان الكاتب ياسني الحاج صالح قد تجول‬ ‫آنذاك يف هذه املمرات والقاعات‪ ،‬تذكر ياسني‬ ‫ابن الرقة املقدمات التي أفضت به اىل السجن‪.‬‬ ‫يتساءل املؤلف تعليقاً عىل تكرار حدث مأساوي‬ ‫بالقول “أمل تبدأ األمور يومها متاماً كام هي األحوال‬ ‫اليوم يف إدلب؟”‪.‬‬ ‫بعد ‪ 30‬سنة عىل تلك السنوات القاسية جلس‬ ‫ياسني مع زوجته سمرية الخليل يف شقتهام الواقعة‬ ‫يف ضاحية قدسيا غرب دمشق ينتظران قبالة‬ ‫شاشتهام الصغرية خطاب الطاغية‪ ،‬ال أمل يرتجى‬ ‫يف أن تصل عدوى الربيع العريب إىل سوريا‪ ،‬هذا ما‬ ‫توقعه ياسني‪ ،‬فالقمع الذي مورس يف درعا يؤكد أن‬


‫نشرة ثقافية‬

‫‪18‬‬

‫ ‬

‫“الثقافة الفلسطينية” ّ‬ ‫تؤبن حامت علي وتطلق امسه على شارع يف‬ ‫طولكرم بالضفة الغربية‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫أقامت وزارة الثقافة الفلسطينية يف “قرص رام الله‬ ‫الثقايف” يف مدينة رام الله بالضفة الغربية‪ ،‬حفل تأبني‬ ‫للفنان السوري الراحل حاتم عيل‪ ،‬ابن الجوالن املحتل‪،‬‬ ‫مبشاركة فرقة موسيقية تعزف أغاين مسلسالت أخرجها‬ ‫الراحل‪ .‬وقال وزير الثقافة د‪ .‬عاطف أبو سيف يف افتتاح‬ ‫الحفل‪“ :‬نعيش يف ظالل فنان مبدع‪ ،‬رحل يف منتصف‬ ‫ظهرية العمر‪ ،‬ومل يقطف بعد ريعان الحياة من أرض‬ ‫كنعان‪ ،‬من الجغرافيا العص ّية عىل النسيان‪ ،‬فلسطني‪،‬‬ ‫البالد التي واعدها يوماً أن يكون عىل أرضها‪ ،‬وأن‬ ‫ّ‬ ‫يتنشق طعم التغريبة من أزقة مخ ّيامتها‪ .”...‬واشتمل‬ ‫الحفل عىل كلامت مص ّورة لفنانني سوريّني كبار شاركوه‬ ‫أعامله الخالدة‪ ،‬فتحدث عرب السكايب الفنانة القديرة‬

‫منى واصف‪ ،‬واملمثل الفلسطيني السوري زينايت قدسية‪،‬‬ ‫واملمثلة نادين سالمة‪ ،‬والنجم جامل سليامن الذي ر ّكز‬ ‫عىل انشغاله الدائم ّ‬ ‫بالهم الوطني واالجتامعي والسيايس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومم جاء يف كلمة منى واصف‪“ :‬لن أيف حاتم عيل حقه‪،‬‬ ‫مهام تحدثت عن إبداعه وروعته وإنسانيته‪ .‬وأكتفي بأن‬ ‫أقول له‪“ :‬ن ّيالك حاتم عيل”‪ ،‬باسمك بات ّمثة شارع يف‬ ‫فلسطني‪ ،‬نعم يف فلسطني”‪.‬‬ ‫وكانت وزارة الثقافة الفلسطينية أطلقت عىل شارع يف‬ ‫مدينة طولكرم بالضفة الغربية‪ ،‬باسم الفنان الراحل حاتم‬ ‫عيل‪ ،‬يف نهاية الشهر املايض‪ ،‬بحضور وزير الثقافة د‪ .‬أبو‬ ‫سيف‪ ،‬ومحافظ طولكرم‪ ،‬وممثيل فصائل العمل الوطني‪،‬‬ ‫والفعاليات الشعبية يف املحافظة‪.‬‬

‫السورية مها حسن ترتشح جلائزة‬ ‫“جنيب حمفوظ لألدب”‬

‫ثقافة‬

‫ترشحت الروائية السورية مها حسن‪ ،‬املقيمة‬ ‫يف فرنسا‪ ،‬للقامئة القصرية لجائزة “نجيب‬ ‫محفوظ لألدب” لعام ‪ ،2021‬بحسب ما‬ ‫أعلنت “دار نرش الجامعة األمريكية” يف‬ ‫القاهرة‪ ،‬مطلع الشهر الحايل‪.‬‬ ‫وقالت “دار النرش” يف بيان لها‪ّ ،‬إن “الروايات‬ ‫«حي الد ّ‬ ‫املرشحة للجائزة هي‪:‬‬ ‫َّهشة»‬ ‫ّ‬ ‫للسورية مها حسن‪ ،‬و«اختفاء السيد ال أحد»‬ ‫للجزائري أحمد طيباوي‪ ،‬و«يف مدن الغبار»‪،‬‬ ‫للمرصية أمل رضوان‪ ،‬و«حصن الزيدي»‬ ‫لليمني الغريب عمران‪ ،‬و«حجر بيت خالف» ديفيز‪ ،‬والكاتب واملرتجم السوري ثائر ديب‪ .‬وتبلغ‬ ‫للمرصي محمد عيل إبراهيم‪ ،‬و«كحل قيمة الجائزة ‪ 5000‬دوالر وميدالية عليها صورة‬ ‫وحبهان» للمرصي عمر طاهر”‪ .‬وأضاف األديب املرصي نجيب محفوظ‪ ،‬إضافة إىل ترجمة‬ ‫البيان‪ّ ،‬أن هذه األعامل اختريت من ضمن الرواية الفائزة للغة اإلنجليزية ضمن مطبوعات‬ ‫‪ 270‬رواية رشحت للجائزة من جميع دول “دار نرش الجامعة األمريكية” بالقاهرة‪ .‬والروائية‬ ‫العامل العريب ومن دول املهجر‪ ،‬مشرية إىل مها حسن‪ ،‬من مواليد مدينة حلب‪ .‬صدر لها العديد‬ ‫أنه سيعلن عن الفائز يف آذار‪/‬مارس املقبل‪ .‬من األعامل الروائية‪ .‬ووصلت رواياتها «حبل رسي»‬ ‫وتش ّكلت لجنة التحكيم برئاسة الناقدة و«الراويات”‪ ،‬إىل الالئحة الطويلة للجائزة العاملية‬ ‫األدبية وأستاذة األدب اإلنجليزي واملقارن للرواية العربية (بوكر)‪ ،‬كام وصلت روايا ُتها «مرتو‬ ‫بجامعة القاهرة شريين أبو النجا‪ ،‬وعضوية حلب»‪ ،‬و«عمت صباحاً أيتها الحرب»‪ ،‬و«حي‬ ‫املرتجمة سامح سليم والناقدة هبة رشيف الدهشة” إىل الالئحة الطويلة لجائزة الشيخ زايد‬ ‫(من مرص)‪ ،‬واملرتجم الربيطاين همفري للكتاب‪.‬‬

‫صدور «رهان الغيم»‬ ‫اجملموعة القصصية األوىل‬ ‫للروائي أمين ناصر‬

‫«رهان الغيم» املجموعة القصصية األوىل للروايئ والفنان التشكييل‬ ‫السوري أمين نارص‪ ،‬بعد روايتيه «اللحاف» ‪ ،2008‬و«روجني»‬ ‫‪ .2019‬ضمت املجموعة‪ ،‬الصادرة مؤخ ًرا‪ ،‬القصص التالية‪( :‬رائحة‬ ‫الخبز‪ ،‬رهان الغيم‪ ،‬الندبة‪ ،‬الجرف‪ ،‬الصعود إىل القمة‪ ،‬السقطة‬ ‫األوىل‪ ،‬الرجال يبكون أيضاً‪ ،‬روجني‪ ،‬حني اهتز الجرس‪ ،‬شجن‪ ،‬عاممة‬ ‫بحجم كفن‪ ،‬ووجع النوارس)‪ .‬واملؤ ّلف من مواليد الرقة عام ‪.1958‬‬ ‫ومؤسس لجمعية‬ ‫وهو عضو اتحاد الفنانني التشكيليني العرب‪ّ ،‬‬ ‫“ماري للثقافة والفنون” يف سوريا‪ .‬وحائز عىل دبلوم فنون تشكيلية‪.‬‬ ‫نال نارص جائزة “ابن قرة الح ّراين” يف القصة القصرية ‪ 2008‬عن‬ ‫قصة «رهان الغيم»‪ .‬وله العديد من الدراسات األدبية والقصص يف‬ ‫الصحف السورية والعربية‪ .‬وكان أن أسس “ملتقى األدباء والكتّاب‬ ‫السوريني” يف مدينة شانيل أورفا الرتكية حيث يقيم حال ًيا‪.‬‬


‫إبداعات ونشاطات سورية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫«رجل حيضن مشال‬ ‫العامل» جمموعة‬ ‫شعرية جديدة لنادر‬ ‫القاسم‬

‫جمموعة «سرير ابنة امللك» القصصية‬ ‫لشهال العجيلي تصدر باإلنكليزية‬

‫العدد‬

‫‪91‬‬ ‫وصدرت املجموعة عن سلسلة “أصوات صاعدة من‬ ‫الرشق األوسط”‪ ،‬التي ترشف عليها وتحررها مطبوعات‬ ‫جامعة تكساس‪ .‬وترجمتها إىل اإلنكليزية املرتجمة‬ ‫سواد حسني‪ .‬وفازت العجييل بجائزة “امللتقى” للقصة‬ ‫القصرية العربية يف دورتها‬

‫‪2021 / 2 / 15‬‬

‫صدرت يف والية تكساس األمريكية‪،‬‬ ‫مؤخ ًرا‪ ،‬مجموعة «رسير ابنة امللك»‬ ‫للقاصة والروائية السورية شهال‬ ‫العجييل‪ .‬ع ّرف النارش بالقصص‬ ‫قائ ًال‪ :‬إنها إنجاز استثنايئ ومحاولة‬ ‫تجريبية تضاف لرصيد القصة‬ ‫السورية‪ ،‬ولرصيد الكاتبة التي‬ ‫رشحت للجائزة الدولية للرواية‬ ‫العربية عن كتابها «صيف مع‬ ‫العدو»‪ .‬ويضيف النارش ّأن “القصص‬ ‫توظف السرييالية والسخرية لرصد‬ ‫أحوال املرأة وانحدار مستوى الحياة‬ ‫العامة يف املجتمعات الحديثة”‪.‬‬

‫«املسرح يف حضرة‬ ‫العتمة» لغسان‬ ‫اجلباعي‪ ..‬الفن رهني‬ ‫العتمتني‬ ‫«املرسح يف حرضة العتمة» هو العنوان الذي‬ ‫اختاره األديب واملرسحي السوري غسان الجباعي‪،‬‬ ‫املعتقل السيايس السابق‪ ،‬لكتابه الذي ض ّمنه‬ ‫خالصة تجربته املرسحية من الدراسة‪ ،‬إىل التمثيل‬ ‫واإلخراج والكتابة املرسحية وكذلك التدريس‪.‬‬ ‫جاء الكتاب من أربعة أقسام‪ :‬القسم األول؛ ضم‬ ‫شذرات من تاريخ املرسح يف سوريا‪ ،‬وبشكل‬ ‫خاص ونادر الحركة املرسحية يف السويداء‬ ‫(مسقط رأس املؤ ّلف)‪ ،‬القسم الثاين‪ :‬تضمن‬ ‫آراء الجباعي يف املوضوعات األساسية واملك ّونات‬ ‫األساسية للفن املرسحي‪ .‬وتناول القسم الثالث‬ ‫مرحلة املؤ ّلف الدراسية للمرسح يف أوكرانيا‪ ،‬فيام‬ ‫ّ‬ ‫خصص القسم الرابع لتجربة عودته إىل سوريا‪،‬‬ ‫ومحاوالت إنتاج املرسح‪ ،‬وتجربة االعتقال التي‬

‫عاشها يف سجون النظام األسدي‪ ،‬وتجربة ابتكار‬ ‫املرسح داخل املعتقل‪ .‬ويرشح غسان الجباعي‬ ‫سبب اختياره لعنوان الكتاب‪ ،‬فيقول‪”“ :‬املرسح‬ ‫يف حرضة العتمة‪ ،‬وليس الضوء‪ّ ،‬‬ ‫ألن الفن رهني‬ ‫العتمتني‪ :‬العتمة األوىل هي عتمة نزركشها‬ ‫بالضوء‪ ،‬وترافق العرض حتى النهاية وهي ركن‬ ‫أساس من أركان املرسح وفلسفته الجاملية‪ ،‬حيث‬ ‫تتناوب فيه اإلضاءة مع العتمة يف عملية الخلق‪،‬‬ ‫وعتمة غريبة عنه‪ ،‬دخيلة عليه‪ ،‬تأيت من خارجه‬ ‫وتخيم فوقه‪ ،‬كام تخيم عىل كل يشء‪ ،‬هي عتمة‬ ‫االستبداد والعبودية والتفاهة‪ .‬إذاً‪ ،‬إن املرسح‬ ‫مرتبط فنياً بالعتمة األوىل وهي العتمة اإلبداعية‪،‬‬ ‫لكنه أيضاً مرتبط بالعتمة بالظلم والقمع‬ ‫واالستبداد السيايس”‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫ ‬ ‫صدر‬ ‫للشاعر السوري نادر القاسم‪ ،‬املقيم يف‬ ‫الدامنارك‪ ،‬ديوان موسوم بـ «رجل يحضن شامل‬ ‫العامل»‪ ،‬عن دار الدراويش للنرش والرتجمة (يف‬ ‫أملانياوبلغاريا)‪.‬‬ ‫جاء الديوان يف ‪ 114‬صفحة من القطع املتوسط‪،‬‬ ‫ويضم بني دفتيه ‪ 97‬قصيدة مكتوبة بني أعوام‬ ‫‪ 2011‬و‪ 2017‬وهي ترصد حركة الشاعر املكانية‬ ‫من حلب مروراً مبدينة أزمري الرتكية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫أثينا وبعدها كوبنهاغن وأخرياً مدينة البورغ‬ ‫التي أستقر فيها يف شامل الدامنارك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وكأن قدر الشامل يالحق الشاعر من حلب‬ ‫عاصمة الشامل السوري إىل البورغ عاصمة‬ ‫الشامل الدامناريك‪ ،‬وميكن أن توصف هذه‬ ‫املجموعة الشعرية بأنها “عرض بكامريا‬ ‫سينامئية ومبشهدية شعرية تركز عىل أدق‬ ‫التفاصيل”‪ .‬وتجدر اإلشارة ّأن لوحة وتصميم‬ ‫الغالف للفنان هاين الحاج‪.‬‬ ‫ونقرأ من أجواء املجموعة الشعرية‪:‬‬ ‫ال ُ‬ ‫الباب‬ ‫غريب الذي ع ّلقَ حل َم ُه عن َد ِ‬ ‫ال ُ‬ ‫غريب الذي ف َّر مِنْ ماركيز‬ ‫عام ِمنَ العزل ِة‪،‬‬ ‫مِنْ مائ ِة ٍ‬ ‫ال ُ‬ ‫رسم لنا‬ ‫غريب الذي َ‬ ‫َ‬ ‫فوق جدا ِرنا األسو ِد نافذ ًة بيضا َء‬ ‫هذا ال ُ‬ ‫غريب بع َد ْأن ح َّر َك فينا‬ ‫َّ‬ ‫موض‬ ‫كل هذا الغ ِ‬ ‫نفس ُه َم ِن ا َ‬ ‫هو ُ‬ ‫ستأذن مارغريت ميتشل‬ ‫َ‬ ‫فتح َ‬ ‫الباب و َ‬ ‫الريح‪.‬‬ ‫ذهب َ‬ ‫مع ِ‬

‫‪19‬‬


‫عمل للفنان سمير خليلي‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.