سيرة الزعيمين محمد إدريس السنوسي وعمر المختار

Page 1



‫اّللِ اَّ َْمنِ ِ اَِّيِ ِم‬ ‫{بِ ْس ِم َ‬ ‫ُم نق ِدمة‬ ‫إ احلمد هلل حنمده ‪ ،‬ونستعِنه ‪ ،‬ونستغفَه ‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شَور أنفسنِ ‪ ،‬ومن سِئِت أعمِّنِ ‪ ،‬من‬ ‫يهده هللا فال مضل ّه ‪ ،‬ومن يضلل فال هِدي ّه‪.‬‬ ‫وأشهد أ ال إّـه إال هللا ويده ال شَيك ّه ‪ ،‬وأشهد أ حممداً عبده ورسوّه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫مَا ‪:‬‬ ‫ين نآمنُوا اتَـ ُقوا َ‬ ‫[ال عمَا ‪ :‬ن‬ ‫{َيأنيـُّ نهِ اّذ ن‬ ‫اّللن ني َق تُـ نقِته نوالن نَتُوتُ َن إالَ نوأننْـتُ ْم ُم ْسل ُمو ن [آل ع ن‬ ‫‪]102‬‬ ‫َِ‬ ‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫ث ِمْنـ ُه نمِ‬ ‫اي ندةٍ نو نخلن نق ِمْنـ نهِ نزْو نج نهِ نوبن َ‬ ‫[اّنسِء‪ :‬ن‬ ‫َِس اتَـ ُقوا نربَ ُك ُم اّذي نخلن نق ُك ْم م ْن نـ ْف ٍ ن‬ ‫{َيأنيـُّ نهِ اّن ُ‬ ‫اّللن نكِ ن نعلنِْ ُك ْم نرقِ​ِبًِ [اّنِ نسِء‪]1 :‬‬ ‫اّللن اَّ ِذي تن نسِءنُّو ن بِ​ِه نواأل ْنر ني نِم إِ َ َ‬ ‫ِر نجِالً نكثِ ًريا نونِ نسِءً نواتَـ ُقوا َ‬ ‫َِ‬ ‫صلِ ْح ّن ُك ْم أ ْنع نمِّن ُك ْم نوينـ ْغ ِف َْ ّن ُك ْم ذُنُوبن ُك ْم‬ ‫ين نآمنُوا اتَـ ُقوا َ‬ ‫اّللن نوقُوُّوا قنـ ْوالً نس ِد ً‬ ‫يدا يُ ْ‬ ‫[األيزاب‪ { :‬نَيأنيـُّ نهِ اّذ ن‬ ‫ِ‬ ‫[األيزاب‪ ]71-70 :‬ـ ‪.]71‬‬ ‫ِمِ‬ ‫نونم ْن يُ ِط ْع َ‬ ‫ن‬ ‫اّللن نونر ُسوّنهُ فنـ نق ْد فن نِز فنـ ْوًزا نعظ ً‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫فإ أصدق احلديث كتِب هللا تعِىل ‪ ،‬وخري اهلدي هدي حممد (ص) ‪ ،‬وشَ األمور حمداثهتِ ‪ ،‬وكل‬ ‫حمدثة بدعة ‪ ،‬وكل بدعة ضالّة‪.‬‬ ‫أمِ بعد‪:‬‬ ‫َي رب ّك احلمد كمِ ينبغي جلالل وجهك وعظِم سلطِنك ‪ّ ،‬ك احلمد يىت تَضى ‪ ،‬وّك احلمد إذا‬ ‫رضِت ‪ ،‬وّك احلمد بعد اَّضِ‪.‬‬ ‫فهذا اّكتِب اّسِبع يف سلسلة (صفحِت من اّتِريخ اإلسالمي يف اّشمِل اإلفَيقي) يتحدث عن‬ ‫سرية اّزعِمني حممد إدريس اّسنوسي ‪ ،‬وعمَ املختِر‪.‬‬ ‫فِّسِد حممد إدريس اّسنوسي توىل زعِمة احلَكة اّسنوسِة يف ظَوف دوِّة وإقلِمِة وحملِة شديدة‬ ‫اّصعوبة ‪ ،‬واستطِع أ يقود قبِئل بَقة حبكمة وسِ​ِسة ويزم ‪ ،‬ودخل يف مفِوضِت مع بَيطِنِة‬ ‫وإيطِِّة ّكي حيقق بعض املصِحل ّشعبه وبالده ‪ ،‬فِتحدث هذا اّكتِب عن تلك املفِوضِت بشيء‬ ‫من اّتفصِل ‪ ،‬وعن األسبِب اّيت جعلته يضطَ ّلمبِيثِت مع اّدوّتني اّربيطِنِة واإليطِِّة ‪ ،‬وعن‬


‫يكومة بَقة اّيت تزعمهِ األمري إدريس ‪ ،‬وعِصمتهِ ‪ ،‬وجمِّسهِ ‪ ،‬واألعمِل اّيت يققتهِ ‪ ،‬ويتطَق‬ ‫اّكتِب ّألسبِب اّيت جعلت اّسنوسِني يصطدمو ابألتَاك ‪ ،‬ويشري اّكتِب إىل األسبِب اّيت‬ ‫جعلت ِّبِة يف احلَب اّعِملِة األوىل تنقسم إىل شطَين‪ :‬شَقي وغَيب ‪ ،‬وملِذا حتِّف اّطَابلسِو مع‬ ‫تَكِة وأملِنِة ضد احللفِء؟ وملِذا حتِّف اّربقِويو مع بَيطِنِة ضد احملور؟ ومِ أثَ ذّك االنقسِم اخلطري‬ ‫على ِّبِة؟ ومِ موقف اّطَابلسِني من األيداث بعد هزمية تَكِة وأملِنِة يف احلَب اّعِملِة األوىل؟ وكِف‬ ‫ظهَت اجلمهورية اّطَابلسِة إىل يِز اّوجود؟ ومن أصحِب هذه اّفكَة؟ ومِ اّعوامل اّيت سِعدت‬ ‫على ظهورهِ؟ ومِ يقِقة جمِّسهِ اّشورية ‪ ،‬واّشَعِة واَّائسِة واالستشِرية؟ وهل استجِبت اّدول‬ ‫اّكربى ّبالغِهتِ؟ ومِ هو اّقِنو األسِسي اّذي اتفق علِه اإليطِِّو واّطَابلسِو ؟ ومِ أول يزب‬ ‫سِ​ِسي أقِمه اّطَابلسِو ؟ ومِ أول جَيدة يف طَابلس تؤيد اجلمهورية اّطَابلسِة؟ ومِ قَارات مؤَتَ‬ ‫غَ​َي ؟ وملِذا كِ اجتمِع سَت بني زعمِء طَابلس وبَقة؟ ومِ اّقَارات اّيت توصل إِّهِ اجملتمعو ؟‬ ‫وملِذا ابيع أهل طَابلس األمري إدريس اّسنوسي؟ وهل وافق األمري على تلك اّبِعة؟ مِ األسبِب اّيت‬ ‫دفعت األمري حممد إدريس ملغِدرة اّبالد إىل مصَ؟ وملِذا عِد اّقتِل بني إيطِِّة واّلِبِني؟ ومِ اّعوامل‬ ‫اّيت سِعدت إيطِِّة على إمخِد يَكة اجلهِد يف غَب ِّبِة؟‬ ‫ويتحدث اّكتِب عن املقِومة اّيت قِدهِ أَمد اّسوحيلي وسعدو وصفي اّدين اّسنوسي ‪ ،‬وبشري‬ ‫اّسعداوي يف غَب ِّبِة يىت سكنت يَكة اجلهِد يف غَهبِ ‪ ،‬واستمَت جذوهتِ يف بَقة ‪ ،‬وكِف قِد‬ ‫كتِئب اجملِهدين اّشِخ اجللِل عمَ املختِر؟‬ ‫فِرتجم اّكتِب سرية اّشِخ عمَ املختِر منذ موّده يىت استشهِده ‪ ،‬وعبِدته ‪ ،‬وتالوته ّلقَا اّكَمي‬ ‫‪ ،‬وشجِعته ‪ ،‬وكَمه ‪ ،‬ودعوته ‪ ،‬وجهِده قبل االيتالل اإليطِيل ومعِركه األوىل ضدهِ ‪ ،‬وسفَه إىل‬ ‫مصَ ّلتنسِق مع األمري إدريس يف أمور اّبالد واّقبِئل ‪ ،‬واستمَارية اجلهِد ‪ ،‬ويعِش اّقِرأى اّكَمي مع‬ ‫عمَ املختِر يف معِركه اّيت خِضهِ ؛ كمعَكة بئَ اّغيب ‪ ،‬وعقرية اّدم ‪ ،‬وعن وسِئله يف َتوين اجملِهدين‬ ‫‪ ،‬وعن تشكِالته وخططه وقِ​ِدته حلَب اّعصِابت اّيت أصبحت نم ْعلنمًِ ملن جِء بعده من قِ​ِدات‬ ‫يَكة اّتحَيَ‪.‬‬ ‫ويتحدث اّكتِب عن فقد عمَ املختِر ّكبِر اجملِهدين ‪ ،‬وااثر ذّك على مشِعَه وأيِسِسه ‪،‬‬ ‫وموقفه من تلك اّصدمِت املتكَرة ‪ ،‬كِستشهِد أخِه يف اّدين يسني اجلويفي اّربعصي ‪ ،‬وابن أخِه‬


‫املختِر بن حممد ‪ ،‬وعن يَصه ّلشهِدة وإخالصه ّقضِة اجلهِد ‪ ،‬وعزميته اّنِفذة ‪ ،‬وصربه اّعظِم ‪،‬‬ ‫ويكمته يف اّقِ​ِدة ‪ ،‬وفهمه ّألمور ببصريته اّنِفذة ونظَه اّبعِد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ويوضح اّكتِب يَص إيطِِّة على دخول املفِوضِت مع عمَ املختِر ّكسب اّوقت ‪ ،‬وتفَيق‬ ‫اجملِهدين ‪ ،‬وكِف كِ عمَ املختِر منتبهًِ ألغَاضهم اخلبِثة؟ فكِ يف تلك املفِوضِت واسع األفق‬ ‫بعِد اّنظَ ‪ ،‬فِختذ مواقف صحِحة وقوية فَضت االيرتام على أعدائه قبل أصدقِئه‪.‬‬ ‫ويبني اّكتِب يقِقة اجلنَال غَاسِ​ِين اّذي كِ عند قومه معظَمًِ ومقدَمًِ ‪ ،‬واّذي أسندت إِّه‬ ‫احلكومة اإليطِِّة بزعِمة اّدوتشي (موسلِين) مهمة اّقضِء املربم على يَكة اجلهِد مهمِ كلَف ذّك ‪،‬‬ ‫بكل اّطَق وكِفـة اّوسِئل ‪ ،‬وّذّك أنشأ احملكمة اّطـِئَة اّيت كِنت حتكم على األهِيل ابملوت ‪،‬‬ ‫وتصِدر األمالك ألقل شبهة وَتنحهِ ّلمَتزقة اّفِشِست ‪ ،‬فكِنت تلك احملِكم تنعقد بصورة سَيعة ‪،‬‬ ‫وتصدر أيكِمهِ وتنفذ يف دقِئق حبضور احملكمة نفسهِ ّتتأكد من اّتنفِذ قبل أ تغِدر املوقع اّذي‬ ‫انعقدت فِـه ‪ّ ،‬تنعقد يف نـفس اِّوم مبوقع اخَ ‪ ،‬وفتحت أبواب اّسجو يف كل مدينة وقَيـة بربقـة ‪،‬‬ ‫ونصبت أعواد املشِنق يف كل من اّعقِلة ‪ ،‬وإجدابِة ‪ ،‬وبنغِزي ‪ ،‬وسـلوق ‪ ،‬واملَج ‪ ،‬وشحـِت ‪ ،‬ودرنـة‬ ‫‪ ،‬وعني اّغزاّة ‪ ،‬وطربق ‪ ،‬وألتفه شبهة وأقل فَية يصدر يكم اإلعدام وينفذ شنقًِ أو رمِ​ًِ ابَّصِص ‪،‬‬ ‫وقِم اجلنَال غَاسِ​ِين بعزل األهِيل اخلِضعني هلم عن‬ ‫اجملِهدين ‪ ،‬وأدخلهم املعتقالت اَّهِبـة ‪ ،‬فِجد اّقِرأى يف هذا اّكتِب يقِقـة تلـك املعتقالت‪.‬‬ ‫وحتدث اّكتِب عن عمَ املختِر كقِئد عسكَي ّه اّقدرة على تغِري خططه ‪ ،‬وتطويَ أسِِّبه اّقتِِّة‬ ‫مع مِ يتمشى مع املَايل اّيت خيوضهِ ‪ ،‬يىت إ عدوه غَاسِ​ِين اعرتف بذّك فقِل‪(( :‬ابَّغم من‬ ‫إبعِد اّنواجع واّسكِ اخلِضعني حلكمنِ يستمَ عمَ املختِر يف املقِومة بشدة ‪ ،‬وياليق قواتنِ يف كل‬ ‫مكِ ))‪.‬‬ ‫وقِل أيضًِ‪(( :‬عمَ املختِر قبل كل شيء ّن يسلم أبداً؛ أل طَيقته يف اّقتِل ِّست كِّقِدة االخَين‬ ‫؛ فهو بطل يف إفسِد اخلطط وسَعة اّتنقل ؛ حبِث ال ميكن حتديد موقعه ّتسديد اّضَابت ّه‬ ‫وجلنوده‪ ...‬عمَ املختِر يكِفح إىل أبعد يد ّدرجة اّعجز ‪ ،‬مث يغري خطته ويسعى دائمًِ ّلحصول‬ ‫على أي تقدم مهمِ كِ ضئِالً ؛ حبِث يتمكن من رفع اَّوح اّعسكَية مِدَيً ومعنوَيً يىت يقضي هللا‬ ‫أمَاً كِ مفعوالً ‪ ،‬وهنِ يسلم أمَه هلل كمسلم خملص ّدينه))‪.‬‬


‫ويتعَض اّكتِب ّألسالك اّشِئكة اّيت مدهِ اإليطِِّو على طول احلدود اّلِبِة املصَية مِ يزيد عن‬ ‫‪ 300‬كم؛ من اّبحَ املتوسط إىل مِ بعد اجلغبوب ‪ ،‬بغِة اّقضِء على يَكة اجلهِد اّيت كِ يقودهِ‬ ‫املختِر ‪ ،‬وجيد اّقِرأى اّكَمي يف هذا اّكتِب تفصِالً دقِقًِ موثقًِ عن األعمِل اّشنِعة اّقبِحة واملزرية‬ ‫واحلِقدة اّيت قِم هبِ اإليطِِّو ضد اّلِبِني عندمِ ايتلوا اّعِصمة اّسنوسِة اّشهرية ‪ ،‬وكِف اهتَز‬ ‫اّعِمل اإلسالمي ّتلك األيداث؟ وكِف كِ دور اّصحِفة اإلسالمِة؟ ويبني ّلقِرأى اّكَمي واثئق‬ ‫اترخيِة مهمة بقلم شكِب أرسال ‪ ،‬ومجعِة اّشبِ املسلمني مبصَ ‪ ،‬وقد وقع علِهِ حممد رشِد رضِ‬ ‫صِيب جملة (املنِر) اإلسالمِة ‪ ،‬وتقي اّدين اهلاليل ‪ ،‬األستِذ األول ّالداب اّعَبِة بندوة اّعلمِء‬ ‫ابهلند ‪ ،‬وغريهم‪.‬‬ ‫وميضي اّكتِب مع عمَ املختِر يىت األَيم األخرية من يِ​ِته ‪ ،‬فِصف اّلقِء اّشهري اّذي مت بني‬ ‫حممد أسد وعمَ املختِر ‪ ،‬وكِف وقع املختِر يف األسَ؟ ويتحدث عن مواقفه يف داخل اّسجن اّيت‬ ‫تدل على سالمة اّعقِدة ‪ ،‬ورسوخ مفهوم اّقضِء واّقدر يف نفس ذّك اّشِخ اجللِل‪ ،‬وعن عزة‬ ‫اإلميِ اّيت كِ يتحدث هبِ يف ّقِئه مع اجلنَال غَاسِ​ِين ‪ ،‬وأثنِء احملكمة ‪ ،‬وكِف كِ يقِد إىل‬ ‫املشنقة وهو يتلو‬ ‫كرِ‬ ‫ِ ِ​ِ ِ ِ​ِ‬ ‫اضِنةً نم َْ ِضِنةً فن ِْد ُخلِي ِيف ِعبن ِ​ِدي‬ ‫قول هللا تعِىل‪[ :‬اّفجَ‪ :‬ن‬ ‫س اّْ ُمطْ نمئنَةُ ْارجعي إ نىل نرب ن‬ ‫{َيأنيـَتُـ نهِ اّنَـ ْف ُ‬ ‫نو ْاد ُخلِي نجن َِيت [اّ نفجَ‪ ]30-27 :‬ـ ‪.]30‬‬ ‫إ هذا اّكتِب يثبت ابحلقِئق اّتِرخيِة أ يِ​ِة عمَ املختِر مدرسة تستحق اّدراسة واّبحث ؛ يف‬ ‫جوانب متعددة يف شخصِته اّعلمِة واّدعوية واجلهِدية وصفِته اخللقِة اَّفِعة‪.‬‬ ‫ويوضح اّكتِب أيوال ِّبِة بعد استشهِد عمَ املختِر ‪ ،‬وعن مصري يَكة اجلهِد اّيت قِدهِ يوسف‬ ‫بوريِل واجملِهدو ‪ ،‬وعن اضطهِد واستعبِد اإليطِِّني ملسلمي ِّبِة بعد اّقضِء على احلَكة‪.‬‬ ‫ويصف اّكتِب أيوال املهِجَين اّلِبِني يف مصَ واّشِم وتونس ‪ِ ،‬‬ ‫ويدو ّألجِ​ِل بعض اّقصِئد‬ ‫اَّائعة اّيت نظمهِ األجداد شوقًِ ويبًِ ّدَيرهم ‪ ،‬كِّيت قِهلِ األستِذ بشري اّسعداوي رَمه هللا‪:‬‬ ‫فأجبتهم هي بغِيت ومَادي‬ ‫قِّوا حتن إىل اّبالد وأهلهِ‬ ‫وال منِيت مِّت ّغري بالدي‬ ‫اتهلل مل أشغف بغري طالهلِ‬ ‫ذابت يشِشة مهجيت وفؤادي‬ ‫يف يب هِتِك اّدَير وأهلهِ‬ ‫إ زرت يومًِ منزالً ّسعِدي‬ ‫ابهلل َي ريح اّصبِ ونسِمه‬


‫ابسط هلِ شوقي نوفنـ َْ نط صبِبيت‬ ‫واخفض جنِح اّذل عين وقل هلِ‬ ‫نيَُّ اّنوى أوهى فؤادي وإنين‬ ‫مذ غَدت ابّبني أغَبة اّنوى‬ ‫أمسى مسريي يف اّدجى بدر اّسمِ‬ ‫فلطِملِ انديت يف غسق اّدجى‬ ‫هلفي على تلك اّدَير وأهلهِ‬ ‫ال زّت أصبو حببهم وودادهم‬

‫و ِ‬ ‫اهد حتِ​ِيت هلِ وودادي‬ ‫أسَفت يف هجَي ويف إبعِدي‬ ‫متهتِك ِ‬ ‫متمزق األكبِد‬ ‫من بِننِ مِ ذقت طعم رقِدي‬ ‫واّبدر جسم ال جيِب منِد‬ ‫ِييب فتذهب صِحيت يف واد‬ ‫قوم هلم يف املكَمِت أَيد‬ ‫رغمًِ على أنف اّزمِ اّعِدي‬

‫ويبني اّكتِب جهود املهِجَين يف دَير املهجَ يىت ضِقت هبم إيطِِّة ‪ ،‬وجيد اّقِرأى وثِقة اترخيِة‬ ‫مهمة قِمت إبعدادهِ اجلمعِة اّطَابلسِة اّربقِوية ‪ ،‬وقدمتهِ كورقة عمل ّلمؤَتَ اإلسالمي يف اّقدس‬ ‫عِم (‪ 1931‬م)‪.‬‬ ‫ويقف اّبِيث عند احلَب اّعِملِة اّثِنِة ‪ ،‬ويتحدَث عن كوهنِ اية من اَيت هللا يف تصَيف أمَ اّدول‬ ‫واّشعوب واألمم وفق سننه وقوانِنه يف اجملتمعِت اّبشَية ‪ ،‬ومن اّسنن اّيت وقف عندهِ اّكِتب‪ :‬أنه‬ ‫عندمِ تتجرب أمة من األمم وتعلو يف األرض ‪ ،‬ويصِبهِ اّبطَ واّكربَيء يهِ​ِأى هللا هلِ أسبِب االهنِ​ِر‬ ‫واّزوال ‪ ،‬كمِ يكو اّزوال واالهنِ​ِر بفشو اّظلم ‪ ،‬وعدم إقِمة اّعدل‪.‬‬ ‫ويتحدث اّكتِب عن األمري إدريس يف مصَ وعن دوره يف مجع زعمِء ِّبِة واّتشِور معهم ‪ ،‬ودراسة‬ ‫ايتمِالت املوقف ‪ ،‬ووضع اخلطط اّيت جيب أ يسريوا علِهِ ‪ ،‬وعن جهوده اّعظِمة يف تكوين اجلِش‬ ‫اّسنوسي اّذي كِ ّه أثَ فعِل يف احلَب اّعِملِة اّثِنِة يف شَق ِّبِة ‪ ،‬وكِف سِهم ذّك اجلِش يف‬ ‫إخَاج اّطلِ​ِ من بالدان؟‪.‬‬ ‫ويتكلم اّكِتب عن اعرتاض اّلِبِني عن موقف اّدول اّكربى وخصوصًِ بَيطِنِة من قضِتهم اّعِدّة‬ ‫بعد احلَب اّعِملِة اّثِنِة ‪ ،‬وأييت بوثِقة اترخيِة كتبهِ عمَ فِئق شنِب عِم (‪ 1945‬م) ‪ ،‬وكِ عنوا‬ ‫املقِّة (ِّبِة مهد اّبطوّة) ‪ ،‬وجِء فِهِ‪(( ...:‬وبصفيت أيد قِدة احلَكة اّوطنِة وعضو اجلمعِة اّوطنِة‬ ‫اّيت ارتبطت مع بَيطِنِة يوم ‪ 9‬أغسطس (‪ 1940‬م) ‪ِ ،‬‬ ‫أصَح أب اّوضع احلِيل يف ِّبِة شِذ ال‬ ‫يتنِسب يف شيء مع اّعدل واإلنصِف ‪ ،‬وال مع وعود احللفِء أبي وجه كِ ‪ ،‬بل إ مِ يعِنِه‬ ‫اّشعب اّلِيب اِّوم ال خيتلف عن االستعمِر اّبغِض ‪ ،‬وأ اّشعب اّلِيب يتطلب إقِمة يكومة وطنِة‬


‫شَعِة حتت إدارة أمريه املطِع (إدريس اّسنوسي) أبسَع مِ ميكن ؛ ِّحقق هلِ اختِ​ِر اجلهة اّيت تَغب‬ ‫يف االرتبِط معهِ‪ .‬أقول هذا ّدول احللفِء عِمة ‪ ،‬وّدوّة بَيطِنِة اّعظمى خِصة قبل أ يعم االستِ​ِء‬ ‫اّذي أخذ يتسَب إىل اّنفوس ‪ ،‬وتتبدل وجهِت اّنظَ من اإلخالص واحملبة واّتعِو اّنزيه ‪ ،‬إىل املقت‬ ‫واّبغض واملشِكسة ‪ ،‬ويطغى اِّأس؛ فتنعكس االية وال ينفع اّندم ‪ ،‬وإ ِّبِة رغم قلة عددهِ ‪،‬‬ ‫وفقدا عدادهِ ‪ ،‬ومعَفتهِ أبهنِ ال تقوى على مقِومة اّدول اّعظمى مع أهنِ جَبت يف يَب إيطِِّة‬ ‫‪ ،‬تفضل أ تضَب يومًِ أبّف ‪ ،‬بل مبلِو قنبلة ذرية يىت ينقطع فِهِ اّنسل واّذرية على أ يطأ‬ ‫أرضهِ إيطِيل ‪ ،‬أو أ َتس كَامتهـِ ‪ ،‬أو ينتقص شيء من يَيتهـِ واستقالهلِ ويقهـِ يف احلِـِة ‪ ،‬أو‬ ‫يقَر مصريهِ اّغري بدو إرادهتِ ‪ ،‬وهي علَمت اّشعوب معىن اّتضحِة يف سبِل احلَية‬ ‫واالستقالل ‪ ،‬من سنة (‪ 1911‬م) إىل يومنِ هذا ‪ ،‬واّتِريخ شِهد عدل‪.))..‬‬ ‫ويتحدث اّكتِب عن اجلمعِ​ِت اّيت أسست خِرج ِّبِة ‪ ،‬وعن يل األيزاب وإنشِء املؤَتَ اّوطين يف‬ ‫بَقة ‪ ،‬واضطَاب األيزاب يف طَابلس ‪ ،‬وأييت بنص قَار األمم املتحدة بشأ ِّبِة ‪ ،‬وأبمسِء اّلجنة‬ ‫اّتحضريية املختصة ابإلعداد ّلجمعِة اّوطنِة ‪ ،‬وأبمسِء اجلمعِة اّوطنِة اّتأسِسِة واّيت عَفت بلجنة‬ ‫اّستني ‪ ،‬وجيد اّقِرأى ن َ‬ ‫ص مبِيعة اجلمعِة اّوطنِة اّتأسِسِة ّألمري إدريس اّسنوسي ملكًِ دستورَيً‬ ‫ّلمملكة اّلِبِة املتحدة عِم (‪ 1950‬م) ‪ ،‬ونص اخلطِب اّتِرخيي اّذي أّقِه امللك مبنِسبة إعال‬ ‫استقالل ِّبِة يوم ‪ 24‬ديسمرب (‪ 1951‬م) ‪ ،‬وقصِدة االستقالل ّلشِعَ أَمد رفِق املهدوي‪.‬‬ ‫وتعَض اّكِتب يف هذا اّكتِب الهتمِمِت امللك ‪ ،‬فتحدث عن اهتمِمه ابّدين واّعلم واألخالق ‪،‬‬ ‫ويبه ّلشعب ويب اّشعب ّه ‪ ،‬ونصحه ّزعمِء اّعَب ‪ ،‬وأمَه ابملعَوف وهنِه عن املنكَ ‪ ،‬وعن أدب‬ ‫اّعبِرة يف خطِابته ومسو معِنِهِ وتواضعهِ اجلم ‪ ،‬واّدعوة إىل اخلري واّتقوى ‪ ،‬واهتمِمه ابّثورة اجلزائَية‬ ‫‪ ،‬ويديثه عن اّويدة اّعَبِة ويِّة اّعَب ‪ ،‬وعن مفهوم األخوة اإلسالمِة واّعَوبة عند امللك ‪ ،‬وعن‬ ‫نظَته ّلعمل اإلصاليي ‪ ،‬وعن اّزعِم األسِسي اّذي يؤسس يكومة راسخة اّبنِ​ِ ‪ ،‬وعن مكِنة‬ ‫اّصحِفة يف زمن امللك ‪ ،‬ويَية اّكلمة يف جملس اّنواب ‪ ،‬وعن استقِّته األوىل عِم (‪ 1965‬م) ‪،‬‬ ‫ونقل اّكِتب استقِّته اّثِنِة قبل انقالب عِم (‪ 1969‬م) اّيت جِء فِهِ‪ ... :‬واّذي أختتم به قويل‬ ‫أب أوصي اجلمِع من أبنِء وطين بتقوى هللا يف اّسَ واّعلن ‪ ،‬وإنكم مجِعًِ يف أرغد عِش وأنعم اّنعم‬ ‫ب َ‬ ‫اّللُ نمثنالً قنـ َْينةً‬ ‫{و ن‬ ‫ضنَ ن‬ ‫من هللا تبِرك وتعِىل ‪ ،‬فِيذروا من أ يصدق علِكم قوّه تعِىل‪[ :‬اّنحل‪ :‬ن‬


‫اّللِ فنأن نذاقنـهِ َ ِ‬ ‫اخلو ِ‬ ‫ف‬ ‫ِس ْ‬ ‫اجلُ ِ‬ ‫ت ِأبننْـعُ ِم َ‬ ‫ت ِآمننةً ُمطْ نمئِنَةً نأيْتِ نِهِ ِرْزقُـ نهِ نر نغ ًدا ِم ْن ُك ِل نم نكِ ٍ فن نك نف َْ ْ‬ ‫نكِن ْ‬ ‫ن‬ ‫وع نو ْنْ‬ ‫اّللُ ّبن ن‬ ‫ِ‬ ‫صننـعُو ن [اّنحل‪]112 :‬‬ ‫مبنِ نكِنُوا ين ْ‬ ‫فِهلل هللا ممِ يغضب هللا ‪ ،‬وتعِونوا على اّرب واّتقوى وال تعِونوا على اإلمث واّعدوا ‪ ،‬وال تفَقوا ‪ ،‬قِل‬ ‫(ص)‪ّ « :‬تأمَ ابملعَوف وّتنهو عن املنكَ أو ِّسلطن هللا علِكم شَاركم ‪ ،‬فِدعو خِ​ِركم فال‬ ‫يستجِب هلم»‪.‬‬ ‫وحتدث اّبِيث عن نزاهة ملك ِّبِة وعفته ‪ ،‬وكِف كِ يِّه يف تَكِة عند يدوث االنقالب ‪،‬‬ ‫وكِف اعتذر ّلمسؤول املِيل املَافق ّه عن أخذ مِ تبقى من‬ ‫املِل وقِل ّه‪َ(( :‬ي بين أان ابألمس كنت ملك ِّبِة ‪ ،‬وّكين مل أعد كذّك اِّوم ‪ ،‬وابّتِيل فإ هذا‬ ‫املِل مل يعد من يقي ‪ ،‬وجيب أ يسلم إىل خزينة اّشعب))‪.‬‬ ‫ويتحدث اّكتِب عن أقوال املؤرخني يف امللك اّسِبق ‪ ،‬وعن وفِته مبصَ ‪ ،‬ودفنه ابّبقِع ابملدينة املنورة‬ ‫يف مِيو عِم (‪ 1983‬م)‪.‬‬ ‫هذا وقد تَكت مِ يتعلق ابململكة اّلِبِة بسبب قلة املصِدر وندرة اّواثئق اّيت حبوزيت ‪ ،‬واقتصَت‬ ‫احلديث على امللك إدريس كزعِم وقِئد ‪ ،‬وإين أشعَ بضعف املِدة اّيت أمِمي فِمِ يتعلق بتلك‬ ‫األيداث؛ أل قضَِي ذّك اّعهد على جِنب كبري من األمهِة ابّنسبة ملالبسِهتِ وااثرهِ املمتدة إىل‬ ‫زمننِ احلِضَ ‪ ،‬وخصوصًِ وإين قد حبثت يف أسبِب سقوط اململكة حبثًِ دقِقًِ ‪ ،‬وطلبت من رجِل‬ ‫عِشوا تلك املَيلة املسِمهة يف دراسة وتتبع األسبِب اّيت أ َدت إىل سقوط اململكة اّلِبِة ‪ ،‬وّكن‬ ‫اّتفِعل كِ ضعِفًِ ‪ ،‬واعتذر اّبعض ألسبِب أمنِة ‪ ،‬وقد علمت أب بعض اّذين عِصَوا تلك‬ ‫األيداث قد كتبوا مذكَات مهمة يف تلك املَيلة ‪ ،‬وينتظَو اّوقت املنِسب ّنشَهِ؛ ّذّك رأيت من‬ ‫احلكمة واّتعقُّل اّرتيث يىت أيذ هللا يف نشَهِ ؛ ألهنِ سوف تسِهم إبذ هللا تعِىل يف توفري معلومِت‬ ‫تسِعد اّبِيثني على تقصي احلقِئق ‪ ،‬واّوصول إىل نتِئج صحِحة مبنِة على معلومِت يقِنِة ‪ ،‬فإ‬ ‫كِ ّلعمَ بقِة وأذ هللا يف مواصلة هذه اَّيلة اّطويلة اّيت بدأهتِ من اّفتح اإلسالمي إىل هذا‬ ‫اّكتِب ؛ فإنين إبذ هللا تعِىل سوف أواصل املسرية ‪ ،‬وإال فأقالم اّلِبِني مل جتف وّن جتف إبذ هللا‬ ‫تعِىل يف تدوين اترخيهِ ؛ أل شعبنِ ِّس بعقِم بل ميلك اّطِقِت اّكِمنة يف كِفة جمِالت احلِ​ِة‬ ‫اّسِ​ِسِة ‪ ،‬واّتِرخيِة ‪ ،‬واألدبِة ‪ ،‬واّرتبوية ‪ ،‬واالقتصِدية ‪ ،‬وكم أَتىن أ يهِ​ِأى هللا األسبِب جلمع املِدة‬


‫عن اململكة أليد من أبنِء بالدي ‪ ،‬فِواصل املسرية املهمة يف بنِء اّشعوب ‪ ،‬فِكو اّبنِء تَاكمِ​ًِ ‪،‬‬ ‫ونكو اتبعني ملن سبقنِ يف اّكتِبة عن اتريخ بالدان احلبِبة‪.‬‬ ‫إ فرتة اململكة اّلِبِة من عِم (‪ 1951‬م إىل ‪ 1969‬م) غنِة ابأليداث على املستوى احمللي‬ ‫واإلقلِمي واّدويل ‪ ،‬وحتتِج إىل دراسة واعِة وابيث مدقق يتوخى اّعدل واإلنصِف ‪ ،‬ويشمَ عن‬ ‫سواعد اجلد واالجتهِد ‪ ،‬ويعتمد على ِ‬ ‫اّقوي اّعزيز اّوهِب ‪ ،‬مث على اّواثئق واحلجج واّرباهني‪.‬‬ ‫هذا وإين أشِد ابجملهودات اّقِمة اّيت قِم هبِ كل من اّوزيَين اّسِبقني؛ مصطفى بن يلِم وحممد بن‬ ‫عثمِ اّصِد يف كتِبة مذكَاهتم مث نشَهِ بغِة استفِدة األجِ​ِل منهِ ‪ ،‬إ اجلهود اّيت قِم هبِ اّوزيَا‬ ‫اّسِبقِ تستحق اّثنِء ‪ ،‬واّتقديَ؛ ألهنِ أصبحت مَجعًِ مهمًِ من مَاجع تلك املَيلة ‪ ،‬وتعترب من‬ ‫املبِدرات اَّائعة واَّائدة ؛ أل أصحِهبِ عِشوا تلك األيداث وسِمهوا يف صنِعة بعضهِ ‪ ،‬كمِ أهنم‬ ‫يطموا جدار اّصمت ‪ ،‬وكتبوا اترخيهم اّسِ​ِسي اّذي يف يقِقته أصبح ملكًِ ّألجِ​ِل اّصِعدة ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بغض اّنظَ عن اختالف االراء يول تلك املذكَات‪.‬‬

‫إ االعتنِء بتِريخ بالدان وبالد املسلمني تظهَ أمهِته يف هذا اّعصَ اّذي استخدم فِه اّتِريخ كأداة‬ ‫ّتوجِه اّشعوب وتَبِتهِ كمِ يَيد اّقِدة واّسِسة ‪ ،‬بل استعِ هبذا اّعلم أصحِب املذاهب اّفكَية‬ ‫اهلدامة يف فلسفة مذاهبهم املِدية وتدعِمهِ ‪ ،‬يىت أصبح هذا اّعلم عند األمم املتقدمة يف مكِنة سِمِة‬

‫ال يعلوهِ علم اخَ‪.‬‬ ‫إ دراسة اّتِريخ بوجه عِم ‪ ،‬واتريخ األمة املسلمة على وجه اخلصوص ال ينبغي يف دراسته حتقِق‬ ‫اَّغبِت واحلِجِت اّدونِة ‪ ،‬بل من أجل اّوصول إىل اّقمة اّعلِ​ِ ؛ أال وهي إيِ​ِء األمة بكتِب هللا‬ ‫وسنة رسوّه (ص) ‪ ،‬ومعَفة كِفِة اّتعِمل مع سنن اّنهوض واّصعود ابّشعوب ‪ ،‬واجتنِب سنن‬ ‫اّسقوط واهلبوط‪.‬‬ ‫ِ َِ‬ ‫قِل تعِىل‪[ :‬غِفَ‪{ :‬أنفنـلن ْم ين ِسريُوا ِيف األ ْنر ِ‬ ‫ين ِم ْن قنـْبلِ ِه ْم نكِنُوا أن ْكثنـنَ ِمْنـ ُه ْم‬ ‫ض فنـِنـْنظُ​َُوا نكِْ ن‬ ‫ف نكِ ن نعِقبنةُ اّذ ن‬ ‫نش َد قُـ َوةً نوآ ناث ًرا ِيف األ ْنر ِ‬ ‫ض [ نغِفَ‪]82 :‬‬ ‫نوأ ن‬ ‫هذا وقد قمت بتقسِم اّكتِب إىل مقدمة وثالثة فصول وخالصة ؛ وهي كِاليت‪:‬‬ ‫املقدمة‪.‬‬ ‫اّفصل األول‪ :‬حممد إدريس ‪ ،‬ويشتمل على ثالثة مبِيث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬امسه ونسبه ووالدته وشِوخه ويجه‪.‬‬


‫املبحث اّثِين‪ :‬موقف اإلسالم من املعِهدات مع اّعدو‪.‬‬ ‫املبحث اّثِّث‪ :‬اجلمهورية اّطَابلسِة‪.‬‬ ‫اّفصل اّثِين‪ :‬عمَ املختِر ـ رَمه هللا ـ نشأته وأعمِّه واستشهِده ‪ ،‬ويشتمل على ثالثة مبِيث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬نشأته وأعمِّه‪.‬‬ ‫املبحث اّثِين‪ :‬استمَار اّعملِ​ِت واّدخول يف املفِوضة‪.‬‬ ‫املبحث اّثِّث‪ :‬األَيم األخرية من يِ​ِته ووقوعه يف األسَ ‪ ،‬مث إعدامه‪.‬‬ ‫اّفصل اّثِّث‪ :‬اّلِبِو بني املهجَ واالستقالل ‪ ،‬ويشتمل على مخسة مبِيث‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬اّلِبِو يف املهجَ‪.‬‬ ‫املبحث اّثِين‪ :‬احلَب اّعِملِة اّثِنِة‪.‬‬ ‫املبحث اّثِّث‪ :‬قَار األمم املتحدة بشأ ِّبِة‪.‬‬ ‫املبحث اَّابع‪ :‬امللك إدريس ـ رَمه هللا ـ وشيء من سريته‪.‬‬ ‫املبحث اخلِمس‪ :‬نظَة يف كتِب امللك إدريس يف احتِد اّعَب ‪ ،‬وائتالف املويدين ‪ ،‬وبعض املقِبالت‬ ‫اّصحفِة‪.‬‬ ‫هذا وقد انتهِت من كتِبة هذه اّسلسلة اّتِرخيِة يوم اّثالاثء ‪ 1‬ربِع األول (‪ 1420‬هـ) ‪ ،‬املوافق ‪15‬‬ ‫يونِو (‪ 1999‬م) ‪ ،‬واّفضل هلل من قبل ومن بعد ‪ ،‬وأسأّه سبحِنه وتعِىل أ يتقبل هذا اّعمل قبوالً‬ ‫يسنًِ ‪ ،‬وأ يكَمنِ بَفقة اّنبِني واّصديقني واّشهداء واّصِحلني‪.‬‬ ‫اّللُ ِّلن ِ‬ ‫ك فنالن ُم َِْس نل ّنهُ ِم ْن بنـ ْع ِدهِ نوُه نو‬ ‫{مِ ينـ ْفتن ِح َ‬ ‫ك نهلنِ نونمِ ميُْ ِس ْ‬ ‫َِس ِم ْن نر َْمنٍة فنالن ممُْ ِس ن‬ ‫قِل تعِىل‪[ :‬فِطَ‪ :‬ن‬ ‫احل ِكِم [فن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِطَ‪]2 :‬‬ ‫اّْ نعز ُيز ْن ُ‬ ‫وهبذا اّكتِب أضع سلسلة‪ :‬صفحِت من اّتِريخ اإلسالمي يف اّشمِل اإلفَيقي بني يدي قِرئهِ ‪ ،‬وال‬ ‫أدعي اّكمِل فِهِ ‪ ،‬قِل اّنِظم‪:‬‬ ‫أذنت يف إصاليه ملن فعل‬ ‫ومِ هبِ من خطأ ومن خلل‬ ‫فذا وذا من أمجل األوصِف‬ ‫ّكن بشَط اّعلم واإلنصِف‬ ‫سبحِنه حببله اعتصِمي‬ ‫وهللا يهدي سبل اّسالم‬ ‫فلله احلمد على مِ من به علي أوالً واخَاً ‪ ،‬وأسأّه سبحِنه أبمسِئه احلسىن‬


‫وصفِته اّعال أ جيعل هذه اّسلسلة اّتِرخيِة ّوجهه خِّصة ‪ ،‬وّعبِده انفعة ‪ ،‬وأ يثِبين على كل‬ ‫يَف كتبته ‪ ،‬وجيعله يف مِزا يسنِيت ‪ ،‬وأ يثِب إخواين اّذين أعِنوين بكِفة مِ ميلكو من أجل‬ ‫إَتِم هذا اجلهد املتواضع ‪ ،‬ونَجو من اّقِرأى اّكَمي أ ال ينسى اّعبد اّفقري إىل عفو ربه ومغفَته‬ ‫ورَمته ورضوانه من صِحل دعِئه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ك رِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلم ُد َِّللِ ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني‬ ‫ب اّْ نعِّنم ن‬ ‫ب اّْعَزةِ نع َمِ ينص ُفو ن نو نسالنٌم نعلنى اّْ ُم َْ نسل ن‬ ‫ني نو ْن ْ‬ ‫[اّصِفِت‪ُ :‬‬ ‫ن‬ ‫{سْب نحِ ن نرب ن ن‬ ‫صِفِت‪ ]182-180 :‬ـ ‪.]182‬‬ ‫[اّ َ‬ ‫سبحِنك اّلهم وحبمدك ‪ ،‬أشهد أ ال إّـه إال أنت ‪ ،‬أستغفَك وأتوب إِّك ‪ ،‬واخَ دعواان أ احلمد‬ ‫هلل رب اّعِملني‪.‬‬ ‫اّفقري إىل عفو ربه ومغفَته‬ ‫علي حممد حممد اّصاليب‬

‫اّفصل األول‬ ‫األمري حممد إدريس اّسنوسي‬ ‫املبحث األول‬ ‫امسه ونسبه ‪ ،‬ووالدته ‪ ،‬وشِوخه ‪ ،‬وريلته إىل احلجِز‬ ‫أوالً‪ :‬امسه ‪ ،‬ونسبه ‪ ،‬ووالدته‪:‬‬


‫هو حممد إدريس بن حممد املهدي بن علي اّسنوسي ‪ ،‬وّد يوم اجلمعة يف اّعشَين من شهَ رجب‬ ‫(‪ 1307‬هـ) املوافق ‪ 12‬مِرس (‪ 1890‬م) بزاوية اجلغبوب[(‪ ، ])1‬وتويف مبدينة اّقِهَة عِم (‪1983‬‬ ‫م) ؛ تزوج واّده حممد املهدي وهو مل يتجِوز اخلِمسة عشَة من عمَه من واّدته فِطمة بنة عمَا بن‬ ‫بَكة ‪ ،‬وذّك سنة (‪ 1275‬هـ) ‪ ،‬املوافق (‪ 1858‬م) ‪ ،‬وقد أجنبت ّه عدة أوالد يف يِ​ِته ‪ ،‬وتوفِت‬ ‫سنة (‪ 1891‬م)[(‪.])2‬‬ ‫كِ موّده يوم فَح وسَور ألتبِع احلَكة اّسنوسِة ‪ ،‬وخصوصًِ أهِيل اجلغبوب ‪ ،‬فعطل معهد اجلغبوب‬ ‫‪ ،‬واّكتِتِب اّقَانِة ‪ ،‬ودور األعمِل ‪ ،‬وحنَت اجلزر ‪ ،‬ومدت املوائد ‪ ،‬وقدمت اّصدقِت شكَاً هلل‬ ‫تعِىل ‪ ،‬وكِنت زواَي احلَكة‬ ‫حتتفل بقدوم هذا املوّود مبجَد وصول اخلرب إِّهِ ‪ ،‬وجِدت قَائح شعَاء احلَكة ابّقصِئد اّشعَية اّيت‬ ‫أهديت إىل حممد املهدي مبنِسبة موّد ابنه[(‪:])3‬‬ ‫قِل اّعالمة فِحل اّظِهَي‪:‬‬ ‫كوكب األفَاح واّبشَى‬ ‫الح يف أفق اّزهَ‬ ‫ابّذي أملته جهَا‬ ‫وأتى املقدور من غَض‬ ‫ِّس إقَاري هبِ سَا‬ ‫إ ّلدهَ ّدي يداً‬ ‫إىل أ قِل‪:‬‬ ‫هللا من اّبشَى‬ ‫يهنأى املخدوم مِ خوّه‬ ‫منكم طول اّبقِ ذخَا‬ ‫بغالم اِّمن كِ ّه‬ ‫يف ظالّه عِشة خضَا‬ ‫وبلغتم فِه بغِتكم‬ ‫تنتحي انديكم اّدهَا[(‪])4‬‬ ‫ودواعي اّبشَ ال بَيت‬ ‫وقِل أبو سِف مقَب هبذه املنِسبة‪:‬‬ ‫األفق واألرجِءن وارتفعِ‬ ‫هنئت ابّكوكب اّدري إذ سطعِ‬ ‫وأ َرج ن‬ ‫وغصت ِ‬ ‫وصغت ّلفظ نظمًِ يسنه مجعِ‬ ‫ّلدر حبَاً جلة عظمًِ‬ ‫ّلشعَ بلغك هللا املىن مجعِ‬ ‫شنفت أمسِعنِ َي خري مبتكَ‬ ‫واهزج هبِ دائمًِ ال زاّت خمرتعِ‬ ‫فِنشَ مشِئلهم واذكَ حمِسنهم‬ ‫قد اب ابّذل من يف شأوهم طمعِ‬ ‫هم ال جمد هلم ظل يظللهم‬


‫طوىب ملن طِف يف ذاك احلمى وسعى‬ ‫هلم مفِخَ واملهدي أعظمهِ‬ ‫ثبت اجلنِ ألمَ هللا قد صدعِ‬ ‫موفق مِجد ّلحق متبع‬ ‫أغصِهنِ يِث بدر احلس ِن قد طلعِ‬ ‫وفَع دوية جمد قد زكت ومنت‬ ‫خموالً ببقِ األصلني مَتضعِ[(‪])5‬‬ ‫ال زال تشَق يف االفِق هبجته‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬شِوخه وطلبه ّلعلم وبعض صفِته‪:‬‬ ‫نشأ حممد إدريس يف رعِية أبويه ‪ ،‬وبعد وفِة أمه ايتضنته جدته ّواّدته ‪ ،‬واهتم‬ ‫واّده برتبِته تَبِة صِحلة ‪ ،‬وبدأ بتحفِظه ّلقَا اّكَمي بنفسه مع دخوّه يف سن اّسِبعة من عمَه ‪،‬‬ ‫وظل حممد إدريس حيفظ اّقَا اّكَمي على أبِه ‪ ،‬وبعد فرتة من اّزمن أرسله واّده ّتلقي اّعلم على‬ ‫يدي شِخ عَف ابّصالح واّتقوى ‪ ،‬وبصحبته أخوه حممد اَّضِ ‪ ،‬وأبنِء عمه حممد اّشَيف ‪ ،‬وبعد‬ ‫وفِة واّده كفله ابن عمه أَمد اّشَيف ‪ ،‬وتفَغ حممد إدريس ّطلب اّعلم بعدمِ يفظ اّقَا اّكَمي ‪،‬‬ ‫وتتلمذ على جمموعة من أفِضل اّعلمِء ؛ اشتهَ من بِنهم‪ :‬اّعالمة اّعَيب اّفِسي ‪ ،‬وأَمد أبو سِف ‪،‬‬ ‫واّعَيب اّغمِري ‪ ،‬ويسني اّسنوسي ‪ ،‬وأَمد اَّيفي ‪ ،‬وأَمد اّشَيف اّسنوسي[(‪ ، ])6‬فأتقن‬ ‫اّقَاءات ‪ ،‬وعلوم احلديث ‪ ،‬كمِ أتقن اّبخِري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬ومسند أيب داود ‪ ،‬واّرتمذي ‪ ،‬واّنسِئي ‪،‬‬ ‫وابن مِجه ‪ ،‬وموطأ مِّك ‪ ،‬ومسند أيب ينِفة ‪ ،‬ومسند اإلمِم أَمد ‪ ،‬وكتِب األم ّلشِفعي ‪ ،‬وغري‬ ‫صل على إجِزات‬ ‫ذّك من كتب اّفقه واحلديث واّتفسري واّلغة ‪ ،‬وعلوم اّتِريخ ‪ ،‬وتقومي اّبلدا ‪ ،‬وحت َ‬ ‫عدة[(‪.])7‬‬ ‫وملِ تقدم يف اّسن أصبح من أعضِء جملس شورى احلَكة اّسنوسِة ‪ ،‬ونظم ّنفسه يِ​ِة خِصة ‪ ،‬ورسم‬ ‫خطة سِر علِهِ يف يِ​ِته؛ فشِد منزالً بزاوية اّتِج يف (اّكفَة) مؤثثًِ أببدع األاثث واّفَش ‪ ،‬وعكف‬ ‫على اّدراسة هبمة ونشِط ‪ ،‬واهتم بتكوين مكتبة خِصة أصبحت يف طلِعة املكتبِت اّعَبِة ‪ ،‬واختذ‬ ‫يِشِة مؤّفة من خِ​ِر اإلخوا وكبِرهم ‪ ،‬وأقِم منِزل مجِلة يف مزارع اّسنوسِة اّيت تقع يف ضوايي‬ ‫اّتِج بواية اّكفَة ؛ أعدهِ جبمِع مِ حتتِجه من اّضَورَيت ‪ ،‬واّكمِِّ​ِت ‪ ،‬فإذا اشتِقت نفسه‬ ‫ّلرتيض واّنزهة واّرتفِه خَج حبِشِته يقضي بعض األَيم يف تلك اّبسِتني‪.‬‬ ‫وكِ جملسه عِمَاً ابّعلمِء واألدابء ‪ ،‬وكِ حيب اّعلمِء ‪ ،‬وجيلُّهم ويكرب مِ يف نفوسهم من اّعلم ‪،‬‬ ‫وينزهلم منه منزّة خِصة ‪ ،‬وحيِطهم بعطفه‪ ،‬وكِنت أيب اّعلوم إِّه احلديث اّشَيف‪ ،‬وعلم اّتِريخ‪،‬‬


‫واألدب‪ ،‬واّسِ​ِسِة‪ ،‬وال يتحدث يف موضوع إال ويعلل رأيه فِه بعد تدقِق وَتحِص‪ ،‬مث أييت ابحلجج‬ ‫اّدامغة‪ ،‬واّرباهني‬ ‫اّقِطعة ‪ ،‬اترة من كتِب هللا ‪ ،‬ومَة من احلديث اّشَيف ‪ ،‬ويِنًِ من أقوال اّسلف اّصِحل وأئمة‬ ‫املسلمني ‪ ،‬وكِ قوي اّذاكَة ‪ ،‬سَيع اخلِطَ ‪ ،‬متني احلجة ‪ ،‬وّه اهتمِم خِص ابّفقَاء واملسِكني ‪،‬‬ ‫وكِ مجِل املعشَ ‪ ،‬ريِمًِ أبتبِعه وخدمه ‪ ،‬فِعود مَضِهم بنفس متواضعة ‪ ،‬ويصفح عن املذنبني‬ ‫منهم مِ مل يكن اّذنب مغضبًِ هلل وَّسوّه ‪ ،‬وكِ ميِل إىل اقتنِء جِ​ِد اخلِل ‪ ،‬وّه شغف جبمع أنواع‬ ‫األسلحة ‪ ،‬وجبمع اّكتب خصوصًِ مِ كِنت يديثة‪.‬‬ ‫وكِ كثري املطِّعة ‪ ،‬وّه قلم سِ​ِل إذا كتب ‪ ،‬كمِ كِ خطِبًِ ابرعًِ يَجتل اخلطبة ‪ ،‬ويسرتسل يف‬

‫املواضِع يتدفق كِّسِل اجلِرف ‪ ،‬فال يتلعثم ‪ ،‬وال يرتدد يىت ينتهي من موضوعه مع قوة يف اّلهجة ‪،‬‬ ‫ويدة يف املنطق وقد تغري صوته اّقوي إىل هدوء بعد املَض اّذي أصِبه عِم (‪ 1923‬م)[(‪.])8‬‬ ‫وكِ يَيصًِ غِية احلَص على ويدة اّصف اّسنوسي أمِم أعداء اإلسالم ‪ ،‬فعندمِ كِ أَمد‬ ‫اّشَيف يقود كتِئب اجلهِد ضد فَنسة يف اّسودا اّغَيب مل يشأ أ يطلب منه أ يتخلى عن اّزعِمة‬ ‫ّصِيبهِ اّشَعي يف نظَه ؛ وفِءً منه ّلسِد أَمد اّشَيف اّذي كفله بعد وفِة أبِه ‪ ،‬ويتجلى يَص‬ ‫حممد إدريس على مجع كلمة املسلمني ومل مشلهم ‪ ،‬وعدم اّتفَقة عندمِ اشتدت احملنة وقت أ بدأ‬ ‫اّطلِ​ِ هجومهم اّغِدر على األراضي اّلِبِة ‪ ،‬ورأى بعض اإلخوا أ يسندوا اّزعِمة إىل إدريس‬ ‫اّسنوسي كحق موروث بدالً من أَمد اّشَيف ‪ ،‬فَفض إدريس اّسنوسي ذّك اّعَض ‪ ،‬وبذّك‬ ‫اجتمعت كلمة اجملِهدين على أَمد اّشَيف[(‪.])9‬‬ ‫ّقد رأى حممد إدريس ببعد نظَه ‪ ،‬واثقب فكَه أ تغِري اّقِ​ِدة يف أثنِء املعَكة ِّس من مصلحة يَكة‬ ‫اجلهِد ‪ ،‬ودفع ابن عمه ملواصلة قِ​ِدة كتِئب احلَكة حنو اّواجب املقدس‪.‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬ريلة احلج‪:‬‬ ‫بلغت‬ ‫وقد ذكَ حممد إدريس قصة ريلته إىل احلج بنفسه ‪ ،‬فقِل‪(( :‬يف عِم (‪ 1330‬هـ‪ 1912/‬م) ُ‬ ‫سن اَّشد يف (اّكفَة) ‪ ،‬فطلب مين بعض اإلخوا‬ ‫اّسنوسِني ابألصِّة عن أنفسهم ونِ​ِبة عن غريهم أ أتسلم مسؤوِّ​ِت املَيوم واّدي من اّسِد أَمد‬ ‫اّشَيف ؛ اّذي كِ يومهِ يتأ َهب ّلَيِل إىل اجلغبوب بنِء على طلب أنور ابشِ ‪ ،‬يىت يكو على‬ ‫مقَبة من اجملِهدين ‪ ،‬وكِ ردي على طلب اإلخوا هو أ اّسِد أَمد مشغول ابالستعداد ّلسفَ ‪،‬‬


‫وأننِ على يِفة احلَب مع إيطِِّة ‪ ،‬فال أرى من املنِسب أ أتسلم منه يف وقت كهذا ‪ ،‬مث إنين أقدر‬ ‫خربته اّطويلة اجملَبة يف إدارة شؤو اّطَيقة ‪ ،‬وّكن مىت استقَت األيوال فسوف نليب رغبتهم ‪ ،‬وال‬ ‫شك أ اّسِد أَمد سوف يوافق على ذّك‪.‬‬ ‫وسِفَ اّسِد أَمد إىل اجلغبوب ‪ ،‬بِنمِ بقِت أان يف (اّكفَة) عِمًِ كِمالً ؛ تدربت خالّه على تسِري‬ ‫األمور املتعلقة مبسؤوِّ​ِيت املقبلة ‪ ،‬ويف تلك األثنِء ختلت تَكِة عن اّبالد إليطِِّة ‪ ،‬وبِنمِ كِ اّسِد‬ ‫أَمد حيِرب اإليطِِّني ‪ ،‬قَرت أ أذهب إىل مكة ألداء فَيضة احلج مث أعود ملسِعدته ‪ ،‬وبتِريخ اَّابع‬ ‫من شوال (‪ 1331‬هـ) ‪ ،‬املوافق أغسطس (‪ 1913‬م) غِدرت (اّكفَة) بَفقة ثالثة من اإلخوا ؛ هم‬ ‫(احلِج حممد اّتوايت ‪ ،‬واحلِج فَج ‪ ،‬واحلِج علي اّعِبدية[(‪ ،)])10‬وكِ معنِ أيضًِ شِخ إيدى اّزواَي‬ ‫‪ ،‬وثالثة من اخلدم ‪ ،‬منهم وايد سوداين ‪ ،‬ابإلضِفة إىل يداة اإلبل ‪ ،‬وكنت أركب فَسي ‪ ،‬وحتمل‬ ‫أمتعتنِ اجلمِل ‪ ،‬وسَان بطَيق اّقوافل اَّئِسي اّذي ميَ مبنِطق طالب وربِ​ِنة وبوزمية وزيغن ‪ ،‬وأبو‬ ‫عكشة ‪ ،‬وبوطفل مؤدَيً إىل جِّو ‪ ،‬فِستغَقت اَّيلة إىل هنِ وايداً وعشَين يومًِ ؛ منهِ ستة عشَ‬ ‫يومًِ من اّسفَ اّفعلي ‪ ،‬إذ كنِ نسري ِّالً ونسرتيح هنِراًكِملعتِد أثنِء اّصِف‪ .‬وقضِنِ تسعة أَيم يف‬ ‫جِّو اّيت كِنت مَكزاً جتِرَيً هِمًِ ‪ ،‬مث أخذت مكِنتهِ يف اّتدهور على إثَ إغالق طَيق اّقوافل من‬ ‫اّسِيل إىل واداي ‪ ،‬وبعدئذ واصلنِ اّسري حنو اجلغبوب مَوراً خبَبة ‪ ،‬وقطمَ ‪ ،‬وتَفِوي ‪ ،‬وعبد اّسالم‬ ‫‪ ،‬واستمَت اَّيلة كلهِ ستة عشَ يومًِ منهِ ثالثة عشَ يومًِ يف املسري‪.‬‬ ‫ومكثت ابجلغبوب سبعة أشهَ يف بِت أيب ‪ ،‬وكِ املعهد اّذي أسسه جدي هنِك ال يزال مزدهَاً‪ .‬ويف‬ ‫شهَ مجِدى اّثِين (‪ 1332‬هـ) ‪ ،‬املوافق إلبَيل (‪ 1914‬م) غِدرت اجلغبوب متجهًِ إىل مصَ مع‬ ‫نفس اجلمِعة ‪ ،‬وكذّك احلِج يونس اّعِبدية‬ ‫اّذي انضم إِّنِ يف اجلغبوب ‪ ،‬وبعد مسرية سبعة أَيم وصلنِ إىل اّسِيل عند مكِ يسمى بقبق‬ ‫(ابّقَب من اّسلوم) ؛ يِث شِهدت اّبحَ ّلمَة األوىل يف يِ​ِيت‪.‬‬ ‫مث سِفَان إىل اّضبعة (اّيت كِنت يف ذّك اّوقت اخَ حمطة ّلسكة احلديدية املصَية من انيِة اّغَب)‬ ‫‪ ،‬ومَران يف طَيقنِ مبَسى مطَوح ؛ يِث ريبت يب اّسلطِت املصَية ‪ ،‬كمِ زران اّزواَي اّسنوسِة يف‬ ‫كل من سِدي اّرباين مشِس وجنِلة وأم اَّخم وأبو هِرو ‪ ،‬وّدى وصوّنِ إىل اّضبعة استقبلنِ صِحل‬ ‫يَب ‪ ،‬وهو ضِبط مصَي جِء مندوابً عن اخلديوي عبِس اّثِين ‪ ،‬مث سِفَان إىل اإلسكندرية بقطِر‬ ‫خصوصي ‪ ،‬ونزّت ضِفًِ على اخلديوي يف قصَ رأس اّتني ‪ ،‬وّقِت تَيِبًِ يِراً من املصَيني ‪ ،‬فهم‬


‫على اَّغم من يِ​ِدهم رمسِ​ًِ يف احلَب مع إيطِِّة كِنوا يؤيدو إخواهنم املسلمني ‪ ،‬ويبذّو كل مِ يف‬ ‫وسعهم ملسِعدة اّسنوسِني إبمدادات اّسالح واملعدات اّطبِة ‪ ،‬ويف ذّك اّوقت كِ اّلورد كتشنَ‬ ‫يشغل منصب املندوب اّربيطِين يف مصَ‪.‬‬ ‫وبقِنِ يف اإلسكندرية تسعة أَيم ابنتظِر ابخَة بَيد اخلديوي إىل يِفِ ‪ ،‬مث مسعنِ أهنِ سوف تعَج على‬ ‫مِنِء بور سعِد ‪ ،‬فِستقلِنِ قطِراً خِصًِ تفضل به اخلديوي أيضًِ ّنقلنِ إىل هنِك ؛ يِث ركبنِ اّبِخَة‬ ‫‪ ،‬وأحبَت بنِ عند اّظهَ يف نفس اِّوم ‪ ،‬وكِنت اَّيلة مَحية وصلت بعدهِ إىل يِفِ يوم (‪ )24‬رجب‬ ‫‪ ،‬فِستقبلين اّوايل اّرتكي استقبِالً رمسِ​ًِ ‪ ،‬وبعدهِ مبِشَة سِفَان بقطِر سكة احلجِز ‪ ،‬وقد وضعت‬ ‫حتت تصَيف املقصورة امللكِة اخلِصة ‪ ،‬وكِ اّقطِر إىل املدينة يقوم بثالث ريالت أسبوعِ​ًِ ‪ ،‬تستغَق‬

‫ريلته ثالثة أَيم ؛ ميَ فِهِ بعدة حمطِت رئِسِة ‪ ،‬وهي درعِ وعمِ وتبوك ومدائن صِحل؛ وهو كِ‬ ‫مَحيًِ رغم بطئه ‪ ،‬ويضم ثالث عَابت ّلنوم ووايدة ّألكل ‪ ،‬كمِ وجدت به زريبة ّفَسي ‪ ،‬وبقِت يف‬ ‫املدينة مخسة عشَ يومًِ ؛ كِ اجلو أثنِءهِ قِئظ احلَ ‪ ،‬فدامهتين احلمى ‪ ،‬وّذا نصحت ابالنتقِل إىل‬ ‫مكة أل جوهِ أّطف قلِالً‪ .‬ومع أ موسم احلج مل يكن قد يل بعد ‪ ،‬إال أنين امتطِت فَسي‬ ‫وانطلقت يف ريلة املئيت مِل من املدينة إىل مكة ‪ ،‬فقطعتهِ خالل أيد عشَ يومًِ من اّسفَ اّوئِد‬ ‫أثنِء اّلِل ‪ ،‬واَّاية يف ظل خِمة ابّنهِر‪ .‬وبعد إقِمة ثالثة أَيم مبكة نصحين اّبعض ابّذهِب إىل‬ ‫مدينة اّطِئف اّواقعة وسط اّتالل يف جنويب مكة ‪ ،‬وكِ اّشَيف يسني ميضي‬ ‫هبِ فصل اّصِف مع وّديه‪ :‬عبد هللا ‪ ،‬وفِصل‪.‬‬ ‫وقضِت يف اّطِئف (‪ )75‬يومًِ ‪ ،‬مبِ فِهِ رمضِ وشوال ‪ ،‬وكِ جوهِ ّطِفًِ ابّفعل ‪ ،‬فِستعدت‬ ‫صحيت َتِمًِ‪ .‬ويف تلك األثنِء يدث اغتِ​ِل أرشِدوق اّنمسة يف سِريِفو ‪ ،‬واندّعت احلَب اّعِملِة‬ ‫األوىل‪ .‬وبعدئذ توجهنِ إىل مكة ألداء منِسك احلج يف أكتوبَ (‪ 1914‬م) ‪ ،‬ونزّت ابّزاوية اّسنوسِة‬ ‫يف أبو قبِس‪ .‬مث انتقلنِ إىل املدينة ‪ ،‬فِضطَران إىل اّبقِء فِهِ مدة شهَين النقطِع املواصالت بسبب‬ ‫احلَب‪ .‬وكِ قد انضم إِّنِ يف مكة اثنِ من عَب بَقة املعَوفني ‪ ،‬ومهِ رشِد اّكخِ​ِ وعلي اّعبِدي‪.‬‬ ‫وفِمِ كنِ ننتظَ ابملدينة أثنِء شهَ نوفمرب ؛ قِمت احلَب بني بَيطِنِة وتَكِة ‪ ،‬فحِول األتَاك‬ ‫املسِطَو على احلجِز أ حيملوا اّعَب على اّوقوف يف صفهم ‪ ،‬كمِ أخذ اّربيطِنِو يف اّتقَب إىل‬ ‫اّعَب على حنو ممِثل ‪ ،‬غري أ اّشَيف يسني اّتزم موقف احلِ​ِد ‪ ،‬متجنبًِ إعطِء أي رد مبِشَ على‬ ‫اّدعوة اّرتكِة إىل إعال اجلهِد‪.‬‬


‫ويف ديسمرب عندمِ استأنفت اّقطِرات ريالهتِ اّعِدية ‪ ،‬سِفَان إىل يِفِ ‪ ،‬واستضِفنِ اّوايل اّرتكي أبو‬ ‫شِهني ‪ ،‬وهنِك اكتشفنِ أ االتصِالت مع مصَ شبه مقطوعة َتِمًِ؛ أل اّربيطِنِني واألتَاك كِنوا‬ ‫يتقِتلو قَب قنِة اّسويس ‪ ،‬وكِ اّربيطِنِو قد أعلنوا احلمِية على مصَ بعد خلع اخلديوي عبِس‬ ‫اّثِين واستبداّه بعمه يسني كِمل اّذي منح ّقب اّسلطِ ‪ ،‬وملِ كِنت هنِك ابخَة إيطِِّة تقوم‬ ‫بَيالت منتظمة بني يِفِ وانبويل عرب مِنِء بور سعِد ‪ ،‬فقد أرسلنِ وايداً من مجِعتنِ الستطالع‬ ‫إمكِنِة اّسفَ هبذا اّطَيق ‪ ،‬وجِءان رده مشجعًِ ‪ ،‬فحجزان أمِكن على اّبِخَة ‪ ،‬غري أ اّقبطِ قِل‪:‬‬ ‫إنه ال يضمن اّسمِح ّنِ ابّنزول يف بور سعِد ‪ ،‬نظَاً أل اّسنوسِني كِنوا يلفِء ّألتَاك ‪ ،‬وابّتِيل‬ ‫فإننِ نعد نظَ​َيً من رعَِي دوّة معِدية‪ .‬وّكن اّعالقِت يف ذّك اّوقت كِنت قد حتسنت نوعًِ بني‬ ‫اّسنوسِني واإليطِِّني اّذين أخذوا يسعو إىل اّتفِهم مع اّسِد أَمد اّشَيف ‪ ،‬فِتفقنِ على دفع‬ ‫عَبو ّقبطِ اّبِخَة حبِث حيملنِ إىل انبويل يف يِّة مِ إذا رفض اّربيطِنِو أ يسمحوا ّنِ ابّنزول‬ ‫يف بور سعِد ‪ ،‬ومن انبويل يدبَ اإليطِِّو أمَ تَيِلنِ إىل بَقة مىت يِنت اّفَصة‪.‬‬

‫وهكذا غِدران يِفِ يف فربايَ (‪ 1915‬م) ‪ ،‬وقد اضطَرت ّألسف إىل تَك فَسي هنِك؛ أل اّقبطِ‬ ‫مل جيد هلِ مكِانً على اّبِخَة‪ .‬وهي كِنت من سالّة بَقِوية تَبت يف أرَيف اجلبل األخضَ ‪ ،‬وكِ‬ ‫أهداهِ إيل خلِل اّبنِين ‪ ،‬وقد َملتين طول اّطَيق من (اّكفَة) إىل مكة ‪ ،‬مث يف طَيق اّعودة كذّك ‪،‬‬ ‫فتأسفت كثرياً ّرتكهِ يف يِفِ ؛ يِث مِتت بعدهِ مبدة قصرية‪.‬‬ ‫وّدى وصوّنِ إىل بور سعِد طلبنِ من رفِقنِ علي اّعبِدي أ يسبقنِ يف اّنزول إىل اّرب ‪ ،‬يىت رأينِه نمَ‬ ‫بسالم ‪ ،‬فتبعنِه كلنِ يف زَمة احلجِج متظِهَين أبننِ مصَيو ‪ ،‬وفور وصوّنِ إىل اّشِطأى بعثنِ بَقِ​ِت‬ ‫إىل كل من اّسلطِ يسني واجلنَال مِكمِهو اّذي خلف اّلورد كتشنَ يف منصب املندوب اّسِمي‬ ‫اّربيطِين مبصَ ‪ ،‬وتلقِنِ منهمِ استجِبة ودية ‪ ،‬فتوجهنِ إىل اّقِهَة يف ضِ​ِفة اّسلطِ يسني ‪ ،‬ويف‬ ‫أثنِء ذّك قمنِ بزَيرة ّكل من اجلنَال مِكسويل ‪ ،‬قِئد اّقوات اّربيطِنِة يف مصَ ‪ ،‬واّكوّونِل كلِنتو‬ ‫‪ ،‬مندوب يكومة اّسودا املقِم ابّقِهَة ‪ ،‬وأعَب االثنِ عن رغبتهمِ األكِدة يف أ نقطع عالقتنِ‬ ‫مع األتَاك ‪ ،‬ونؤيد اّربيطِنِني يف احلَب ‪ ،‬أو نبقى حمِيدين على األقل‪ .‬وكِ ذّك أول ّقِء بِين وبني‬ ‫اّربيطِنِني ‪ ،‬وخَجت منه ابنطبِع جِد عن سلوكهم اّودي وقوهتم اّعسكَية ‪ ،‬ومل يكن بوسعي أ أّتزم‬ ‫أبي تعهد نِ​ِبة عن اّسنوسِني قبل استشِرة اّسِد أَمد اّشَيف أوالً‪ .‬وّكنين وافقت على متِبعة‬


‫االتصِل من خالل عالقتنِ بعِئلة اإلدريسي يف مصَ ‪ ،‬ووافقوا من جِنبهم على تسهِل عوديت إىل‬ ‫بَقة‪.‬‬ ‫وبعد فرتة إقِمة قصرية يف اّقِهَة ‪ ،‬ركبنِ قطِر اّصبِح إىل اإلسكندرية ‪ ،‬ويف نفس اِّوم استقللنِ ابخَة‬ ‫خلفَ اّسوايل وضعهِ اّربيطِنِو حتت تصَفنِ ‪ ،‬يىت أنزّتنِ يف اّسلوم ‪ ،‬ومن مث توجهنِ إىل أمسِعد‬ ‫ّالّتحِق مبعسكَ اّسِد أَمد اّشَيف ‪ ،‬وكِنت غِبيت عن بَقة استغَقت عِمًِ كِمالً تقَيبًِ))[(‪.])11‬‬ ‫إ ريلة حممد إدريس إىل األراضي املقدسة كِ هلِ أثَ عمِق يف تفكريه ؛ يِث ايتك ابحلكومة‬ ‫املصَية ‪ ،‬وبزعِم اّثورة اّعَبِة اّكربى اّشَيف يسني ‪ ،‬وقِدة اإلنكلِز يف مصَ ‪ ،‬وال شك أنه انقش‬ ‫ويِور واستمع إىل األطَاف املذكورة ‪،‬‬ ‫وتبلورت ّديه قنِعِت مهمة فِمِ يتعلق مبجَ​َيت اّسِ​ِسة اّدوِّة ‪ ،‬وبطبِعة اّصَاع بني األتَاك‬ ‫واإلنكلِز ‪ ،‬ورسم ّنفسه تصوراً واضحًِ خيدم به شعبه ووطنه ومصِحل بالده ‪ ،‬وّذّك رأى أنه ِّس من‬ ‫مصلحة احلَكة اّسنوسِة اّدخول مع األتَاك يف يَهبم ضد اإلنكلِز ‪ ،‬وبعد رجوعه من احلج نصح‬ ‫أَمد اّشَيف بعدم اّدخول يف احلَب مع األتَاك ضد اإلنكلِز ‪ ،‬وأعلن رأيه ذّك بصَاية‪.‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬حممد إدريس اّسنوسي يف بَقة‪:‬‬ ‫بعدمِ قَر أَمد اّشَيف االشرتاك مع األتَاك واألملِ ضد بَيطِنِة على احلدود املصَية اّغَبِة ؛ رأى‬ ‫أ يَتب شؤو اإلدارة يف بَقة يىت يتفَغ هو ّلجهِد ‪ ،‬فقسم اّقطَ اّربقِوي إىل منِطق ‪ ،‬وجعل‬ ‫إدريس على منطقة بَقة ومَكزه يف إجدابِة ‪ ،‬على أ يكو حتت إشَافه ويف دفنِ حممد هالل ‪ ،‬ويف‬ ‫اجلبل األخضَ حممد اَّضِ ‪ ،‬وأرسل حممداً صفي اّدين ملنطقة طَابلس ‪ ،‬وأمِ أَمد اّشَيف فقد‬ ‫ذكَت مِ قِم به يف احلدود املصَية يف اجلزء اّثِين من كتِيب عن احلَكة اّسنوسِة‪.‬‬ ‫انتقل حممد إدريس من اّسلوم شَقًِ يىت إجدابِة غَابً يف أواخَ سنة (‪1915‬م) وكِ معه يوايل‬ ‫سبعني جمِهداً ؛ من بِنهم‪ :‬مجعة أبو شنِك ‪ ،‬وسعِد اّشِمي ‪ ،‬واّشِرف اّغَ​َيين ‪ ،‬وإبَاهِم اّشلحي ‪،‬‬ ‫وحممد أَمد أبو بكَ[(‪.])12‬‬ ‫وأخذ يتنقل بني اّقبِئل وكتِئب اجلهِد ‪ ،‬فمَ بكتِئب اّرباعصة ‪ ،‬واّعبِدات وغريهم ‪ ،‬وشَع يف إدارة‬ ‫دفة احلكم يف بَقة بكل يزم ومهِرة ‪ ،‬فأظهَ مواهبه كَجل إدارة حمنك ‪ ،‬ويِكم يِزم ‪ ،‬وكِنت بَقة‬ ‫تشكو يف هذه اّفرتة املضطَبة اختالل األمن ‪ ،‬وتعَض األهِيل ّشَور املفسدين ‪ ،‬فضَب حممد إدريس‬ ‫على أيدي املفسدين ‪ ،‬واستصدر من علمِء اّبالد (فتوى) إلعدام بعض اّسودانِني اّذين وجدهم‬


‫يعِثو يف األرض فسِداً ؛ ينهبو األموال ‪ ،‬ويفتكو ابألرواح[(‪ ، ])13‬فقِم بشنق هؤالء ‪ ،‬وكِنوا‬ ‫سبعة رجِل[(‪.])14‬‬ ‫وقِم حممد إدريس بتنظِم شؤو اّبالد ‪ ،‬وتوطِد األمن ‪ ،‬وضَب على أيدي اّعِبثني ‪ ،‬وقطع دابَ‬ ‫املفسدين[(‪ ، ])15‬كِنت مهمة إدريس يف بَقة شِقة وعسرية ‪ ،‬وخبِصة بعد اّفشل اّذي أصِب‬ ‫اجملِهدين بزعِمة أَمد اّشَيف على أيدي اإلنكلِز ‪ ،‬فإ بَقة كِنت تعِين األمَين يف احلقِقة من جَاء‬ ‫انتشِر اجملِعة هبِ وقتذاك (‪ 1915‬م) بسبب ايتبِس األمطِر ‪ ،‬وفضالً عن ذّك فقد غزت َمالت‬ ‫اجلَاد اّبالد يف اّعِم اّتِيل ‪ ،‬فأتت على اّزرع ‪ ،‬وتفشَى فِهِ مَض اّطِعو ‪ ،‬خصوصًِ عِم (‪1917‬‬ ‫م) ‪ ،‬وظل املطَ حمتبسًِ طول هذه املدة تقَيبًِ ‪ ،‬فكِ أعظم بالء شهدته بَقة يف تلك اّفرتة هو بالء‬ ‫اجملِعة[(‪.])16‬‬ ‫وأمِم هذه اّظَوف اّسِئة ((اجتمع بعض أعِ​ِ أهل بَقة وتدارسوا وتشِوروا يف تلك احلِّة املخِفة‬ ‫اّيت يلَت ابّوطن وأهله ‪ ،‬وأرسلوا وفودهم وكتبهم إىل إدريس مبقَه يف إجدابِة ‪ ،‬وبصفته صِيب احلق‬ ‫اّشَعي يف إمِرة اّسنوسِني ِّتدارك مِ وقع فِه ابن عمه أَمد اّشَيف اّوصي على اإلمِرة مبحِربته‬ ‫اإلنكلِز جَ​َيً وراء األتَاك ‪ ،‬خصوصًِ وأهنم مل يوفوا بوعودهم اّيت قطعوهِ ّه ‪ ،‬فلم يَسلوا إِّه مبِ يسد‬ ‫يِجة جِشه وبالده كمِ وعدوه ‪ ،‬بل ورطوا اّبالد يف نكبة احلَب ضد بَيطِنِة ‪ ،‬وتَكوا شعبهِ‬ ‫املخلص هلم ميوت جوعًِ))[(‪.])17‬‬ ‫ويلخص عبد اَّ​َمن عزام يِّة االنتظِر تلك يف قوّه‪ ...(( :‬كنِ نرتقب اّسوايل ابستمَار ‪ ،‬مؤملني‬ ‫أ تَى اّغواصِت األملِنِة إشِراتنِ ابَّاَيت يف اّنهِر ‪ ،‬أو نرياننِ اّيت كنِ نشعلهِ يف اّلِل ‪ ،‬وتَكزت‬ ‫امِّنِ يف أ َتدان اّغواصِت بشيء من اّسالح واملِل واملؤونة ‪ ،‬وقد بقِنِ حنو أربعة شهور وصلنِ فِهِ‬ ‫إىل يِّة ِ‬ ‫مَوعة من اّفقَ‪.])18([))...‬‬ ‫كِ اّسِد حممد إدريس متأدابً مع ابن عمه أَمد اّشَيف غِية اّتأدب ‪ ،‬وّذّك مل يتخذ أي قَار‬ ‫ملعِجلة املوقف احلَج اّذي َتَ به اّبالد ‪ ،‬إال بعد مِ كتب إىل‬ ‫أَمد اّشَيف وشَح ّه مِ كِ جيَي يف بَقة ‪ ،‬فَد علِه األخري بَسِّة يف أواخَ عِم (‪ 1916‬م) ‪،‬‬ ‫جِء فِهِ‪ ...(( :‬اعمل مِ تَاه منِسبًِ ‪ ،‬واحلِضَ يَى مِ ال يَاه اّغِئب ‪ ،‬وأان موافق على مطِّب أهل‬ ‫اّوطن ؛ يِث إ هلم يقًِ يف ذّك‪.])19([))..‬‬


‫كِ ظهور حممد إدريس على مسَح اّعمل اّسِ​ِسي اّلِيب يف تلك اّفرتة احلَجة مهمًِ ّلغِية ؛ ملِ َتتع‬ ‫به من صفِت أهلته ّزعِمة اّبالد ‪ ،‬واّت األمور إىل أ ابيعه أهل بَقة ابإلمِرة ‪ ،‬مث أهل طَابلس بعد‬ ‫فشل اجلمهورية اّطَابلسِة ‪ ،‬وهذا مِ سوف نَاه إبذ هللا تعِىل يف هذا اّكتِب‪.‬‬ ‫كِ من رأي إدريس أ يدخل يف مفِوضِت مع اإلنكلِز ‪ ،‬واّوصول على األقل إىل اتفِق مؤقت من‬ ‫أجل فتح اّطَق مع مصَ ‪ ،‬يىت يتمكن من اّقضِء على خطَ اجملِعة ‪ ،‬ومل يكن زعمِء بَقة ميِنعو‬ ‫من دخول حممد إدريس يف اّتفِوض مع إيطِِّة أو إنكلرتة مِ دامت تلك املفِوضِت تسِعدهم يف‬ ‫اّقضِء على شبح اجملِعة اّذي هدد اّبالد ‪ ،‬ومل تكن هنِك عوائق أمِم حتقِق تلك املطِّب ‪،‬‬ ‫وخصوصًِ أ حممد إدريس تعَف أثنِء زَيرته ّلحج على اّكثري من رجِالت اّعَب ‪ ،‬مثل‪ :‬شَيف‬

‫مكة يسني ‪ ،‬ودرس معه اّقضِة اّعَبِة اّيت كِنت انذاك يف دور اِّقظة[(‪ ، ])20‬كمِ أنه أصبح بعد‬ ‫تلك اّزَيرة رجالً مهمًِ ابّنسبة ّربيطِنِة ويلفِئهِ‪.‬‬ ‫وشَع حممد إدريس بدفع اّبالد حنو دهِِّز اّسِ​ِسة ‪ ،‬فأرسل رسِّة إىل ممثل امللك جورج اخلِمس يف‬ ‫مصَ ‪ ،‬وهو اجلنَال مِكمِهو يف ذّك اّوقت ؛ مقرتيًِ عقد مفِوضِت ّلصلح ‪ ،‬فأجِب ابملوافقة‬ ‫على فكَة إجَاء املفِوضِت من يِث املبدأ ‪ ،‬بشَط أ يشِرك فِهِ اإليطِِّو أيضًِ ‪ ،‬ومل جيد حممد‬ ‫إدريس مفَاً من قبول ذّك اّشَط ‪ ،‬وخصوصًِ أ موقفه كِ صعبًِ ؛ يِث إ هزمية جِش اّسِد‬ ‫أَمد اّشَيف يف مصَ جَدت اّسنوسِني من عنصَ اّقوة اّعسكَية ‪ ،‬فأصبح حممد إدريس مضطَاً إىل‬ ‫اّتفِوض من موقع ضعف عسكَي ‪ ،‬بِنمِ كِ رصِده اّويِد يف والء قبِئل بَقة ‪ ،‬ويَص اإلنكلِز‬ ‫على كسبه ّصفهم وإضعِف اّزعِمة اّسنوسِة املواِّة ّألتَاك ‪ ،‬كمِ أ من اّعوامل اّيت سِعدت يف‬ ‫دفع حممد إدريس حنو اّتقِرب مع اّسِ​ِسة اّربيطِنِة ثورة األتَاك ضد اّسنوسِة‪.‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬ثورة األتَاك ضد اّسنوسِة‪:‬‬ ‫بدأت تلك اّثورة يف أواخَ سنة (‪ 1916‬م) ‪ ،‬وانتشَت يف جهِت عديدة يىت تُـ ِوجت ابّنصَ على‬ ‫اّسنوسِة يف فزا خالل شهَ سبتمرب سنة (‪ 1917‬م) ‪ ،‬وطَدوا منهِ حممد عِبد اّسنوسي اّذي‬ ‫اّتجأ إىل (اّكفَة) وتَك واية واو ‪ ،‬وأصبحت فزا منذ ذّك احلني بِد األتَاك يىت هنِية احلَب‬ ‫اّعِملِة األوىل[(‪.])21‬‬ ‫ويف إجدابِة بدأ حتَك اّضبِط األتَاك منتهزين فَصة انشغِل حممد إدريس ابملفِوضِت بعكَمة ‪ ،‬فبدؤوا‬ ‫بتأِّب اجملِهدين ضد اّسنوسِني هنِك ‪ ،‬فلمِ علم إدريس بذّك جِء بقوات كبرية يقودهِ كل من عمَ‬


‫املختِر ‪ ،‬واّذي كِ سنداً قوَيً حملمد إدريس ‪ ،‬ويقودهِ قجة عبد هللا ‪ ،‬وعسكَ إدريس بقواته خِرج‬ ‫وخريهم بني أمَين‪ :‬اّتسلِم ؛ أو‬ ‫مدينة إجدابِة ‪ ،‬وضَب يول معسكَ األتَاك ابملدينة يصِراً ‪َ ،‬‬ ‫مغِدرة إجدابِة إىل أراضي طَابلس ‪ ،‬وقبلوا األمَ اّثِين ‪ ،‬فغِدر اّكثري منهم بَقة إىل طَابلس ‪ ،‬واعتقل‬ ‫مجِعة منهم ‪ ،‬وأرسل بعضهم إىل اجلغبوب واّبعض االخَ إىل (اّكفَة)[(‪ .])22‬وبعد إمخِد تلك‬ ‫احلَكة عِد مسَعًِ إىل عكَمة إلكمِل مفِوضِته[(‪.])23‬‬ ‫واستمَ األتَاك يف مضِيقة حممد إدريس وتضِ​ِق احلصِر علِه ‪ ،‬وعملوا على اإلطِية به ‪ ،‬وأرسل‬ ‫نوري ابشِ بعثته األوىل اّصغرية إىل (اّكفَة) ّضَب اّنفوذ اّسنوسي هنِك ‪ ،‬إال أ تلك اّبعثة فشلت‬ ‫وانتهت بوقوع أعضِئهِ يف أيدي صفي اّدين اّسنوسي اّذي استطِع أ يكشف أمَهم بسَعة ‪،‬‬ ‫وأودعهم اّسجن[(‪ ، ])24‬أمِ ابّنسبة ّفزا فقد استطِع نوري أ يشعل اّثورة هنِك ضد اّسنوسِة ‪،‬‬ ‫وسِطَ األتَاك علِهمِ كمِ ذكَان ‪ ،‬وقد ودع نوري ابشِ أيد زعمِء احلملة وامسه املالزم حممد‬ ‫األرانؤوطي ‪ ،‬فقِل ّه‪(( :‬اذهب وافعل مِ تستطِع عمله ‪ ،‬واكتب يل مبِ حتقق من جنِح يف (مصَاتة) ‪،‬‬ ‫إنين أثق يف شخصك ‪ ،‬وال أستطِع أ أعطِك مِالً أكثَ ممِ‬ ‫أعطِتك ألنين ال أملكه ‪ ،‬إنك ستجد يف فزا ذهبًِ وساليًِ بكمِ​ِت كثرية؛ أل اإليطِِّني قد تَكوا‬ ‫منهِ اّكثري هنِك ‪ ،‬وال تنس أنك حمِرب ‪ ،‬وأنك ذاهب إىل يَب مقدسة ّلجهِد يف سبِل‬ ‫هللا))[(‪.])25‬‬ ‫وقِم األتَاك مبهِمجة اجلفَة اّيت كِ هبِ عبد اجللِل سِف اّنصَ ‪ ،‬وكِ يتوىل قِ​ِدة هذه احلملة‬ ‫اّضِبط اّرتكي بَتو توفِق ‪ ،‬وعبد اّنيب ابخلري ‪ ،‬وتكونت احلملة من قسم كبري من مسلحي مصَاتة‬ ‫وزِّطن بَائسة شَف اّدين اّعمِمي اّزِّطين ‪ ،‬واحلِج حممد اَّوَييت املصَايت ؛ كِ غَض اّقِ​ِدة‬ ‫اّرتكِة توسِع نفوذهِ يف تلك اجلهِت ‪ ،‬واّقضِء على شوكة اّسنوسِة ‪ ،‬وأتمني املواصالت بني‬ ‫طَابلس وفزا ‪ ،‬ووصلت احلملة إىل اجلفَة ‪ ،‬وَتكنت من طَد األهِيل (أوالد سلِمِ ‪ ،‬وقذاذفة ‪،‬‬ ‫وبعض املغِربة)[(‪ ، ])26‬واضطَ اّسنوسِو جلمع قوة مسلحة كبرية من أنصِرهم يف اّنوفلِة ‪ ،‬وذّك‬ ‫يف منتصف شهَ نوفمرب من سنة (‪ 1917‬م) ‪ ،‬وشنوا هجومًِ معِكسًِ ضد األتَاك ‪ ،‬وأعواهنم يف‬ ‫سوكنة ‪ ،‬واستطِعوا حتقِق نصَ كبري علِهم ‪ ،‬وطَدوا اّقوات اّرتكِة اّطَابلسِة يف اجلفَة بعد أ‬ ‫خسَت اّكثري ‪ ،‬وأسَت اّقوات اّسنوسِة اّقِئم مقِم اّرتكي بَتو توفِق ‪ ،‬وقِمت بشنقه[(‪.])27‬‬


‫ّقد كِنت مواقف األتَاك من احلَكة اّسنوسِة مشجعة حملمد إدريس على ضَورة املفِوضة مع اإلنكلِز‬ ‫؛ ال ّتدارك اجملِعة املهلكة فحسب ‪ ،‬بل ّلقضِء على األتَاك اّذين سعوا ّلقضِء على نفوذ اّسنوسِة‬ ‫وإقصِئهم من ِّبِة وَتكني اّقِ​ِدات اّطَابلسِة املواِّة هلم يف اّبالد‪.‬‬ ‫إ حممد إدريس فنـ نق ند اّثقة يف األتَاك ‪ ،‬وعمل على إفشِل أهدافهم ‪ ،‬وأرسل إىل ابن عمه أَمد‬ ‫اّشَيف رسِّة َبني ّه غدر األتَاك به على يد زعمه ‪ ،‬كِنت اَّسِّة بتِريخ ‪ 26‬ربِع أول عِم‬ ‫(‪ 1335‬هـ) ‪ 2 ،‬ينِيَ (‪ 1917‬م) ‪ ،‬تسِءل فِهِ إدريس عن مثَة وعود األتَاك املتكَرة عندمِ أرسل‬ ‫هؤالء (اّبِروين) ممثالً جلالّة اّسلطِ يف طَابلس ‪ ،‬وأعطوه أسلحة وذخرية ‪ ،‬وزودوه مبنشورات كثرية‬ ‫مقدار مِ ميأل اّدنِ​ِ‬ ‫منهِ ‪ ،‬بِنمِ أنتم ـ خمِطبًِ اّسِد أَمد ـ جتِهدو من أجلهم ‪ ،‬وهم ال يكتفو بعدم االهتمِم بكم ‪ ،‬بل‬ ‫يغدرونكم إبرسِل خِئن إىل بالدكم ‪ ،‬ويبذّو ّه كل مسِعدة يف اّوقت اّذي يتحدَث فِه ـ فقط وقبل‬ ‫كل شيء ـ عن طَابلس ‪ ،‬وال يذكَ اّسنوسِة بكلمة وايدة ‪ ،‬وفضالً عن ذّك فإ اّسِد أَمد ـ على‬ ‫يد مِ جِء يف هذه اَّسِّة ـ كِ يقول دائمًِ‪ :‬إ أنور (أخربه) أب اّسلطِ أصدر فَمِانً بتعِ​ِنه انئبًِ‬ ‫عن اخللِفة يف إفَيقِة ‪ ،‬وّكن مِ قِمة هذا اّكالم إذا كِنت األقوال ختتلف عن األفعِل؟ فإىل مىت‬ ‫جيب علِنِ حنن وأتبِعنِ أ نقف مكتويف األيدي أمِم هذه اّوعود اّبِطلة اّكثرية اّيت سوف تنتهي من‬ ‫غري شك بنتِجة وايدة ؛ هي اّقضِء علِنِ وعلى أوطِننِ؟! وَي هلِ من كوارث عظِمة تلك اّيت نزّت‬ ‫أبهل هذا اّوطن[(‪.])28‬‬ ‫ومن األسبِب اّيت جعلت حممد إدريس يتقِرب مع اإلنكلِز‪ :‬قنِعته أب هنوضه بربقة ال بد ّه من دعم‬ ‫خِرجي؛ مِدي ومعنوي ‪ ،‬ورأى ـ ببعد نظَه اّسِ​ِسي ـ أ احلَب اّعِملِة سِنتصَ فِهِ احللفِء ‪ ،‬وّذّك‬ ‫يَص على اّتقِرب من بَيطِنِة ‪ ،‬صِيبة اّتفوق يف منطقة اّشَق ‪ ،‬وّذّك سعى إِّهِ ّتقلِل‬ ‫اخلسِئَ ‪ ،‬واحملِفظة على كِ​ِ اّسنوسِة اّذي تعمل تَكِة على حتطِمه يف اّبالد يف تلك املَيلة‪.‬‬ ‫ّقد يَص حممد إدريس على اّتقلِل من اخلسِئَ إىل أقصى يد ‪ ،‬واختذ قَاراً ابالنسحِب من احلَب‬ ‫ضد إيطِِّة وبَيطِنِة ‪ ،‬ووافقه زعمِء اّقبِئل اّتِبعني ّلحَكة اّسنوسِة على ذّك‪.‬‬


‫املبحث اّثِين‬ ‫موقف اإلسالم من املعِهدات مع اّعدو‬ ‫قِل اإلمِم اّشِفعي ‪ ،‬يف هذا اّصدد مِ يلي‪(( :‬إذا ضعف املسلمو عن قتِل املشَكني ‪ ،‬أو طِئفة‬ ‫منهم ّبعد دارهم ‪ ،‬أو كثَة نع ند ِدهم ‪ ،‬أو خلة ابملسلمني ‪ ،‬أو مبن يلِهم منهم ؛ جِز هلم اّكف عنهم ‪،‬‬ ‫ومهِدنتهم على غري شيء أيخذونه من املشَكني‪ ...‬ـ مث يقول ـ فأيب اإلمِم ‪ ،‬إذا نزّت ابملسلمني‬ ‫انزّة ـ وأرجو أ ال ينزهلِ هللا عز وجل هبم ‪ ،‬إ شِء هللا تعِىل ـ مهِدنة يكو اّنظَ هلم فِهِ‪ .‬وال يهِد‬ ‫إال إىل مدة ‪ ،‬وال جيِوز ابملدة مدة أهل احلديبِة ‪ ،‬كِنت اّنِزّة مِ كِنت ‪ ،‬فإ كِنت ابملسلمني قوة‬ ‫يقو اإلمِم فال أبس أ ُجيدد مدة مثلهِ أو‬ ‫قِتلوا املشَكني بعد انقضِء املدة ؛ فإ مل ن‬ ‫دوهنِ‪.])29([))...‬‬ ‫وقِل يف (املهذب) ـ بصدد مِ حنن فِه ـ‪(( :‬ال جيوز عقد اهلدنة إلقلِم ‪ ،‬أو صقع عظِم إال ّإلمِم ‪ ،‬أو‬ ‫ملن فوض إِّه اإلمِم ؛ فإ كِ اإلمِم مستظهَاً[(‪ ])30‬نظَت‪ :‬فإ مل يكن يف اهلدنة مصلحة مل جيز‬ ‫اّللُ نم نع ُك ْم [حمن َمد‪:‬‬ ‫عقدهِ ؛ ّقوّه عز وجل‪[ :‬حممد‪{ :‬فنالن نهتِنُوا نوتن ْدعُوا إِ نىل اّ َس ْل ِم نوأننْـتُ ُم األ ْنعلن ْو ن نو َ‬ ‫‪ ، ]35‬وإ كِ فِهِ مصلحة أب يَجو إسالمهم ‪ ،‬أو بذل اجلزية ‪ ،‬أو معِونتهم على قتِل غريهم جِز‬ ‫أ يهِد ‪ ...‬مث يقول‪ :‬وإ كِ اإلمِم غري مستظهَ أب كِ يف املسلمني ضعف وقلة ‪ ،‬ويف املشَكني‬ ‫قوة وكثَة ‪ ،‬أو كِ اإلمِم مستظهَاً ّكن اّعدو على بعد وحيتِج يف قصدهم إىل مؤونة جمحفة ـ جِز‬ ‫عقد اهلدنة إىل مدة تدعو إِّهِ احلِجة؛ وأكثَهِ عشَ سنوات؛ أل رسول هللا (ص) هِد قَيشًِ يف‬ ‫احلديبِة عشَ سنني‪.])31([))....‬‬ ‫يفهم ممِ تقدم أ مصلحة اإلسالم واملسلمني هي احملور اّذي ينبغي أ يدور علِه عقد املعِهدات مع‬ ‫اّعدو ‪ ،‬وهذه املصلحة يَجع تقديَهِ إىل خلِفة املسلمني ‪ ،‬أو من يفوض يف هذه املسأّة‪.‬‬ ‫ففي عصَان اِّوم ‪ ،‬وقد ختلف املسلمو عن غريهم من اّشعوب واّدول املتقدمة يف جمِالت اّعلم ‪،‬‬ ‫واّصنِعِت ‪ ،‬واألجهزة ‪ ،‬واملعدات اّعسكَية‪ ...‬ومِ إىل ذّك ‪ ،‬قد يكو من املصلحة عقد املعِهدات‬ ‫مع بعض تلك اّدول ‪ ،‬حبِث تؤدي إىل نقل مِ َتتلكه يف هذه اجملِالت ‪ ،‬إىل بالد املسلمني ‪ ،‬ممِ‬ ‫تتحقق معه املنفعة اّيت تَبو على مِ ميكن أ ينشأ عن تلك املعِهدات من بعض املفِسد‪.‬‬


‫أي ذريعة تُ ِ‬ ‫كمِ أننِ يف هذا اّعصَ ‪ ،‬يني جند اّدول االستعمِرية ‪ ،‬وهي تبحث عن ِ‬ ‫سوغُ هلِ ـ يف نظَ‬ ‫اّعِمل ـ أعمِهلِ اّعدوانِة ضد املسلمني ‪ ،‬وتتحني ِ‬ ‫أي فَصة منِسبة ّلسِطَة على ثَواهتم ‪ ،‬وَتزيق مشلهم‬ ‫‪ ،‬وتدمري منشِهتم احلِوية‪ ...‬يني جند اّدول االستعمِرية على هذه احلِل ‪ ،‬فإ مصلحة اإلسالم‬ ‫واملسلمني حتتِم على املسؤوّني أ يتجنبوا كل مِ من شأنه أ جيعل تلك اّدول اّظِملة تكشف هلم عن‬ ‫خمِّبهِ ‪ ،‬أو تكشَ عن أنِ​ِهبِ ‪ ،‬وعلِهم يف مثل هذه األيوال أ يعقدوا مع اّعدو من املعِهدات‬ ‫املشَوعة مِ يكو نفعه أكرب من ضَره ابّنسبة إىل اإلسالم واملسلمني ‪ ،‬من أجل قطع اّطَيق على‬ ‫خمِطَ أكرب ومفِسد أعظم‪ .‬هذا ‪ ،‬مع وجوب اّسعي ‪ ،‬يف اّوقت نفسه ‪ ،‬إىل املعِجلة اجلِدة ّواقع‬ ‫اّوهن ‪ ،‬واهلوا واخلزي اّذي يعِشه املسلمو ‪ ،‬بسبب مِ هم علِه من عداوات‪ ،‬وَتزق‪ ،‬وجتزئة ‪،‬‬ ‫وختلف[(‪.])32‬‬ ‫إ هذا املدخل يسِعدان على اإلنصِف ‪ ،‬واحلكم ابّعدل عندمِ ندخل يف دراسة املفِوضِت اّيت‬ ‫مِرسهِ حممد إدريس مع بَيطِنِة وإيطِِّة ‪ ،‬أو اّيت قِم هبِ زعمِء طَابلس بعد إعال اجلمهورية‬ ‫اّطَابلسِة مع إيطِِّة ‪ ،‬وتعطي األجِ​ِل نوعًِ من اّفقه املتعلق ابّعالقِت اّدوِّة يف اإلسالم ‪ ،‬وجتعلهِ‬ ‫هتتم بقضِة املعِدّة اّدوِّة ‪ ،‬وعدم إغفِهلِ أثنِء سعِهِ اّدؤوب ّتحكِم اإلسالم يف دنِ​ِ اّنِس ‪ ،‬وواقع‬ ‫احلِ​ِة‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬اّدخول يف املفِوضِت بني حممد إدريس وبَيطِنِة وإيطِِّة‪:‬‬ ‫كِنت اّسِ​ِسة اإلنكلِزية يف مصَ تَى حممد إدريس أقَب إِّهِ من أَمد اّشَيف‪ ،‬ووصف اّوفد‬ ‫اإلدريسي اّذي بعث به اإلنكلِز إىل بَقة قبِل نشوب احلَب اّلِبِة اإلنكلِزية على يدود مصَ اّغَبِة‬ ‫حممد إدريس‪(( :‬أبنه أكثَ اعتداالً ‪ ،‬وأشد يزمًِ ‪ ،‬وأنه من أشد املعِرضني ّغزو يدود مصَ اّغَبِة‬ ‫واالشتبِك يف يَب مع اإلنكلِز ‪ ،‬ملِ تنطوي علِه من أخطِر ‪ ،‬وأنه غِدر املسِعِد إىل جهة اجلبل‬ ‫األخضَ ايتجِجًِ على سِ​ِسة اّسِد أَمد اّشَيف املِئلة إىل اّرتك واألملِ واّتسِهل معهم‪.))...‬‬ ‫وعلى ضوء تلك املعلومِت أذ احلكِم يف مصَ ّلوفد أب يكِتب إدريس بغِة اّوصول إىل اتفِق‬ ‫معه[(‪ ، ])33‬واالستفِدة من اّعالقِت اّقِئمة اّيت كِنت تَبط األسَة اإلدريسِة مبصَ ابّبِت‬ ‫اّسنوسي ؛ ّكوهنِ من أبنِء وأيفِد أَمد بن إدريس اّذي كِ شِخًِ ومعلمًِ ّلسِد اّسنوسي اّكبري‬ ‫يف مكة[(‪.])34‬‬


‫واستمَت املَاسالت بني أبنِء اّبِت اإلدريسي وحممد إدريس اّسنوسي ‪ ،‬وانتهت إىل اّوصول التفِق‬ ‫يقضي بسفَ وفد إنكلِزي وإيطِيل إىل إجدابِة ّعقد صلح بني األطَاف اّثالثة ينهي اخلالفِت‬ ‫بِنهم[(‪.])35‬‬ ‫وقد أبلغ اإلنكلِز إدريس بصفة رمسِة أهنم ّن يشَعوا يف دخول مفِوضِت معه ألجل اّصلح إال‬ ‫شَيطة قبوّه فتح ابب املفِوضة مع يلِفتهِ إيطِِّة ‪ ،‬وقد وصل يف أواخَ سنة (‪ 1916‬م) إىل‬ ‫اّزويتِنة وفد من اإلنكلِز واإليطِِّني ‪ ،‬ومعهم من املصَيني أَمد حممد يسنني أفندي ‪ ،‬وحممد‬ ‫اّشَيف اإلدريسي ‪ ،‬وابنه حممد املَغين ‪ ،‬وكِنوا مجِعًِ ضمن اّوفد اإلنكلِزي ‪ ،‬إضِفة إىل اّكوّونِل‬ ‫اتّبوت اّذي ّه دراية كبرية بشؤو اّشمِل اإلفَيقي ‪ ،‬واّضِبط اّلفتنت هسلم‪.‬‬ ‫كِ اّوفد اإلنكلِزي قد جِء بطَيق اّبحَ من اّقِهَة إىل بنغِزي ّالجتمِع ابّوفد اإليطِيل اّذي كِ‬ ‫مكوانً من اّكوّونِل بِال‪ ،‬واّكومِنداتور بِ​ِجنتِين‪ ،‬ومرتمجهم ‪ ،‬ومل يطل اّوفد اإلقِمة يف بنغِزي ‪ ،‬بل‬ ‫سِفَ إىل اّزويتِنة بِخت خِص ‪ ،‬فوافِهم‬ ‫إِّهِ إدريس من إجدابِة ‪ ،‬وكِ من بني من معه‪ :‬علي ابشِ اّعِبدية[(‪.])36‬‬ ‫بدأت املفِوضِت بني األطَاف اّثالثة خالل شهَي أغسطس وسبتمرب سنة (‪ 1916‬م)[(‪، ])37‬‬ ‫وكِ اّوفِق واّتفِهم ظِهَاً فِمِ بني اجلِنبني اإلنكلِزي واّسنوسي ‪ ،‬أمِ اّعالقِت اإليطِِّة فقد كِنت‬ ‫مغِيَة ّذّك َتِمًِ‪.‬‬ ‫وكِ أول طلب ّإليطِِّني هو موضوع األسَى اإليطِِّني ‪ ،‬يقول بَتشِرد‪ّ ...(( :‬كن إدريس مل يكن‬ ‫ينوي تسلِمهم بدو وايدة بوايدة ‪ ،‬فِتبع تكتِكه املعتِد يف املمِطلة ‪ّ ،‬قد توصل أب علِه أ ينِل‬ ‫موافقة أَمد اّشَيف أوالً؛ أل األخري هو اّذي أسَهم ‪ ،‬أمِ من جهته فلِس بوسعه أ يصدر أوامَه‬ ‫فِمِ يصدر ابن عمه أوامَ منِقضة هلِ‪.])38([))...‬‬ ‫وقد أجل حبث هذه اّنقطة إىل فرتة أخَى قَيبة ‪ ،‬مث قدم اّوفد اإليطِيل بقِة شَوطه ّلوصول ّلصلح‬ ‫مع اّسنوسِني ‪ ،‬وقد َتثلت اّشَوط يف االيت‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ أ يعرتف إدريس ابّسِ​ِدة اإليطِِّة على كل بَقة من (منطقة بنغِزي إىل اّكفَة)‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ أ يسلم اجملِهدو أسلحتهم ‪ ،‬فال يبقى ّديهم سوى مِ يكفي ّلمحِفظة على أنفسهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ إيالل اّسالم مع وقف اّعملِ​ِت احلَبِة بني اجلِنبني‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ اعرتاف إيطِِّة ابّسنوسِة زعِمة وطَيقة‪.‬‬


‫‪ 5‬ـ منح (اّكفَة) ـ مقَ اّسنوسِني ـ استقالالً إدارَيً‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ تتعهد إيطِِّة بقِ​ِم احملِكم اإلسالمِة اّشَعِة‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ تتعهد إيطِِّة ابّعمل على حتسني األيوال اّصحِة يف اّبالد ‪ ،‬وإنشِء املستشفِ​ِت واملدارس‪.‬‬ ‫إ شَط اإليطِِّني اخلِص مبسأّة اعرتاف اّسنوسِني ابّسِ​ِدة اإليطِِّة يف بَقة‬ ‫كِ مهدداً بفشل املفِوضِت بصفة عِمة ‪ّ ،‬ذا فقد أت َجل اّنظَ يف هذه املسأّة من اجلِنب اّسنوسي‬ ‫‪ ،‬إال أ اإليطِِّني قد َتسكوا هبذا اّبند كثرياً ‪ ،‬وكأ املفِوضِت كِنت من أجله فقط‪.‬‬ ‫وتقدم حممد إدريس بوجهة نظَه يف هذه املفِوضِت ‪ ،‬وتتلخص أهم شَوطه يف االيت‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ وجوب االعرتاف من قبل إيطِِّة ابستقالل اّسنوسِني‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ االعرتاف بشخص إدريس اّسنوسي أمرياً على بَقة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ وضع يدود بني األراضي اخلِضعة ّكل من اّطَفني (اّسنوسي واإليطِيل) ‪ ،‬فكل طَف حيتفظ مبِ‬ ‫حتت يديه من أر ٍ‬ ‫اض حتدد خبَائط واضحة ‪ ،‬مع عدم اّتعدي على أراضي اّطَف االخَ‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ اإلسَاع بفتح اّطَق اّتجِرية وضمِ سالمتهِ‪.‬‬ ‫ّقد كِ حممد إدريس يدرك جِداً أب االتفِق مع إيطِِّة كِ ابّنسبة ّه ضَورة ملحة ال مفَ منهِ ‪،‬‬ ‫ّكنه اتضح دو شك أب االتفِق يف صِحل اإليطِِّني أكثَ ممِ هو يف صِحله[(‪.])39‬‬ ‫يقول اّكِتب اإليطِيل فربينثَبوسريا‪:‬‬ ‫بعض من اّتذمَ نتِجة ألسبِب نشأت ابملنِسبة أاثرت امشئزاز إدريس‬ ‫((‪ّ ...‬قد سِد ج َو املفِوضِت ٌ‬ ‫ونفوره ‪ ،‬خِصة وأ اّظَوف اّيت نشأت كِنت تتعِرض مع األهداف اّيت كِ إدريس يسعى إىل‬ ‫حتقِقهِ‪ ...‬ويضِف قِئالً‪ :‬إ املفِوضني اإليطِِّني رأوا أنه ِّس هنِك ّزوم التبِع حمِداثت اخلطوة‬ ‫ي نتِجة تذكَ ‪ ،‬كمِ أ طَيقة اّتصَف يف األمور‬ ‫خطوة ‪ ،‬وذّك ابّنظَ إىل عدم اّتأكد من إيَاز أ َ‬ ‫ومِ الزمهِ من ينق وغِظ ‪ ،‬إىل جِنب جمِراة اّزمن دو فِئدة ‪ ،‬كل ذّك كِ ّه أثَه اّفعِل ّدرجة‬ ‫انعدمت معه تلك االمِل يف اّوصول إىل اّنتِجة اّيت كِ حيبذهِ ‪ ،‬ويَغبهِ إدريس‪.])40([))...‬‬ ‫واستمَت هذه املفِوضِت قَابة شهَين أو يزيد ‪ ،‬وانتهت ابالتفِق على بعض األمور بني اّطَفني تقوم‬ ‫على األسس االتِة‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ تنتهي يِّة احلَب بني اّسنوسِني واإليطِِّني وينِدى ابّسالم‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ يعرتف اإليطِِّو ابستقالل اّسنوسِني داخل بَقة‪.‬‬


‫‪ 3‬ـ يبقى اإليطِِّو يف اّسِيل وحيتفظو مبِ يف يوزهتم من األراضي اّسِيلِة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ حتديد منِطق اّنفوذ بني أراضي اّطَفني‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ تفتح اّطَق اّتجِرية وتعود اّبالد إىل يِّة اّسلم ‪ ،‬ويكو اّدخول واخلَوج بتصِريح‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ يعرتف اإليطِِّو إبدريس زعِمًِ ّلطَيقة اّسنوسِة يف بَقة‪.‬‬ ‫وقبل أ تتفَق اّوفود جَى حتديد أراضي اّفَيقني على اّورق (خَيطة) ‪ ،‬وايتفظ كل وفد خبَيطة‬ ‫ّالعتمِد علِهِ عند احلِجة[(‪.])41‬‬ ‫إال أ احلكومة يف رومِ نقضت هذا االتفِق ‪ ،‬واعتربت شَوطه مذّة ‪ ،‬فنقضتهِ على أسِس أ‬ ‫مفِوضِهِ مل يكونوا ميلكو اّصاليِ​ِت ّتوقِعهِ[(‪.])42‬‬ ‫وأصدر وايل بَقة (جِوفِين أمِلِد)[(‪ ])43‬أمَاً بقطع املفِوضِت ‪ ،‬ومت ّه مِ أراد ‪ ،‬وأخفقت‬ ‫مفِوضِت اّزويتِنة‪.‬‬ ‫أمِ اّوفد اإلنكلِزي فقد كِنت مهمته يسرية ‪ ،‬فلم تكن هنِك أي صعوبة يف اّوصول إىل اتفِق مع‬ ‫اّسنوسِني ‪ ،‬وّكن اّصعوبة تكمن يف إصَار اّكوّونِل اتّبوت رئِس اّوفد على عدم اّتوقِع على أي‬ ‫اتفِق مع اّسنوسِني قبل أ ينتهي إدريس من االتفِق مع اإليطِِّني ‪ ،‬ويتم اّتوقِع من اّطَفني على‬ ‫هذا االتفِق[(‪.])44‬‬ ‫ويذكَ عزام‪ ...(( :‬أ اّوفد اإلنكلِزي كِ قد طلب إىل إدريس اّسنوسي‬ ‫املبِدرة ابّقبض على املتطوعني املصَيني ‪ ،‬واّعمل على تسلِمهم إىل اّسلطِت اإلنكلِزية يف اّسلوم ‪،‬‬ ‫وّكن إدريس رفض ذّك‪.])45([))..‬‬ ‫كِنت هنِك عدة عوامل سِعدت حممد إدريس وقوت موقفه يف املفِوضِت ؛ فمن أمههِ‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ عدم وجود منِفس قوي ّه يف بَقة ‪ ،‬فِّغِّبِة تنضوي حتت زعِمته ‪ ،‬وخِصة بعد فشل َملة أَمد‬ ‫اّشَيف ضد اإلنكلِز يف مصَ ‪ ،‬مبِ يف ذّك قِدة اجملِهدين ‪ ،‬وضبِطهم ‪ ،‬وشِوخ اّقبِئل ‪ ،‬ورؤسِء‬ ‫اّزواَي اّدينِة ‪ ،‬مثل‪ :‬إبَاهِم املصَايت ‪ ،‬خِّد احلمَي ‪ ،‬عمَ املختِر ‪ ،‬موسى بوالمني احلمَي ‪ ،‬اّفِحل‬ ‫حممد اّدرسي ‪ ،‬اّشِرف اّغَ​َيين ‪ ،‬حممد بوملِحة اّعبِدي ‪ ،‬اّسنوسي اّغزايل ‪ ،‬حممد أبو اّشويخ ‪،‬‬ ‫عِ​ِد ابّقِسم اّربعصي ‪ ،‬شعِب اخلدة ‪َ ،‬مد أبو جِيل اّعبِدي ‪ ،‬عمَ منصور اّكخِ​ِ ‪ ،‬وغريهم‬ ‫كثريو ‪.‬‬


‫‪ 2‬ـ استمَار احلَب اّعِملِة األوىل ‪ ،‬وانشغِل اجلمِع هبِ ‪ ،‬ورغبة اجلمِع يف عدم فتح جبهِت قتِِّة‬ ‫جديدة تكلفهم املزيد ‪ ،‬أفِد إدريس وعَزنز مَكزه يف املسِومة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ وجود ضبِط أتَاك وأملِ يف بَقة يدعم موقف إدريس ‪ ،‬وهذا مِ خيِف بَيطِنِة وإيطِِّة ‪ ،‬وجيعلهمِ‬ ‫تعمال على إجنِح اّتفِوض وإهنِء املشكلة بسَعة خوفًِ من تغري موقفه‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ شجعت سِ​ِسة بَيطِنِة يف اّشَق ـ املتمثلة يف تشجِع اّعَب ويصوهلم على استقالهلم وتكوين‬ ‫دول وإمِرات مستقلة ـ حممد إدريس على املطِّبة بتكوين إمِرة مستقلة يف بَقة ال ختضع ّإليطِِّني ‪،‬‬ ‫وهو هبذا يكو مطِّبًِ حبقوق إمِرة ّه مثلمِ يدث يف احلجِز (ثورة اّشَيف يسني) ‪ ،‬ويف عسري‬ ‫(إمِرة األدارسة) ‪ ،‬وخصوصًِ أ بَيطِنِة كِنت قد شجعت كل املنِهضني واّثِئَين ضد احلكم‬ ‫اّعثمِين ؛ واعدة إَيهم ابحلصول على استقالهلم وسِ​ِدهتم‪.‬‬ ‫ت اتصِالت جديدة بني اإلنكلِز واإليطِِّني‬ ‫ويف أوائل سنة (‪ 1917‬م) َتَ ْ‬ ‫واّسنوسِني ‪ ،‬وقد ّعب حممد اّشَيف اإلدريسي وابنه املَغين دوراً هِمًِ يف إجنِح هذه االتصِالت‬ ‫وموافقة مجِع األطَاف على جتديد املفِوضِت‪.‬‬ ‫وأتّف اّوفد اإلنكلِزي هذه املَة من‪ :‬اّكوّونِل اتّبوت رئِسًِ ‪ ،‬واّضِبط رود ابن اّسفري اإلنكلِزي‬ ‫بَومِ[(‪ ، ])46‬وأَمد حممد يسنني؛ أمِ اّوفد اإليطِيل فكِ مكوانً من اّكوّونِل أرتوري بَنتو رئِسًِ‬ ‫ّلوفد[(‪ ، ])47‬واّكوّونِل دي فِ​ِ ومرتمجِهمِ ‪ ،‬وكِ اّوفدا اإلنكلِزي واإليطِيل يقِمِ يف مدينة‬ ‫طربق ‪ ،‬أمِ إدريس ومستشِروه[(‪ ])48‬وأعوانه فقد أقِموا يف منطقة عكَمة ‪ ،‬وبدأت املفِوضِت مع‬ ‫بداية اّعِم اجلديد ‪ ،‬ورغم أهنِ اتسمت بطِبع احلذر واحلِطة ‪ ،‬إال أ جهوداً ومسِعي قد بذّت فِمِ‬ ‫يبدو إلجنِيهِ واّوصول إىل يلول يقبلهِ اجلمِع ‪ ،‬وتقدم اّوفد اإليطِيل مبذكَة رقم (‪ )1‬توضح وجهة‬ ‫نظَه ‪ ،‬متمثلة يف اّنقِط اّتِِّة‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ يل املعسكَات اّسنوسِة وتسَيح يِمِ​ِهتِ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ يتم نزع اّسالح من رجِل اّقبِئل بصورة تدرجيِة يف فرتة زمنِة قدرت بسنة وايدة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ ّلحكومة اإليطِِّة تعِني شِوخ اّزواَي اّدينِة اّيت تقع يف منِطقهِ ‪ ،‬وذّك مبشورة إدريس‪.‬‬ ‫إال أ اّوفد اّسنوسي مل يقبل كل مِ جِء يف املذكَة اإليطِِّة ‪ ،‬وتقدم ابقرتايِته يف املذكَة رقم (‪ )2‬؛‬ ‫وقد جِء فِهِ مِ يلي‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ يقوم اإليطِِّو بتنفِذ مجِع طلبِت اّوفد اّسنوسي اّيت قدمهِ أثنِء مفِوضِت اّزويتِنة اّعِم‬ ‫املِضي (‪ 1916‬م)‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ يَجأ اّبحث يف نقِط املذكَة اإليطِِّة رقم (‪ )2‬إىل مبِيثِت تتم يف املستقبل[(‪.])49‬‬ ‫إال أ اإليطِِّني تقدموا حبلول جديدة قدموهِ يف مذكَة جديدة رقم (‪، )3‬‬ ‫وتنِزل اّوفد اإليطِيل فِهِ عن بعض شَوطه ‪ ،‬وتسِهل يف قبول بعض شَوط إدريس ؛ يىت إ‬ ‫ريتشِرد يقول‪...(( :‬إ احلل رقم (‪ )3‬أعطى إدريس مجِع مطِّبه تقَيبًِ))[(‪ ، ])50‬وتقدم إدريس‬ ‫مبذكَة جديدة رقم (‪.)4‬‬ ‫ّقد طِّت مدة املفِوضِت ‪ ،‬فِستغَقت اّفرتة مِ بني شهَ ينِيَ إىل منتصف أبَيل تقَيبًِ ‪ ،‬واجللسِت‬

‫معقودة واحلوار مستمَ ‪ ،‬وكِ ّضغوط اإلنكلِز أثَ على اّطَفني اإليطِيل واّسنوسي ‪ ،‬يىت مت اّتوصل‬ ‫إىل اتفِق ارتضِه اجلمِع ‪ ،‬وكِنت بنوده تتمثل يف االيت‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ إيقِف اّعملِ​ِت احلَبِة بني اّطَفني ابتداء من اتريخ هذه املعِهدة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ يقف اإليطِِّو عند اّنقط اّيت كِنوا حيتلوهنِ يف شهَ أبَيل سنة (‪ 1917‬م)‪ ،‬ويتعهدو أب ال‬ ‫يعملوا على إقِمة وجتديد مَاكز عسكَية مستقبالً ‪ ،‬على أ يكو هذا اّشَط مقِداً ّلسنوسِني‬ ‫أيضًِ[(‪.])51‬‬ ‫‪ 3‬ـ ال حيق ألي من اّطَفني هنب أو اغتصِب أو أخذ ممتلكِت اّطَف االخَ‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ يعترب كل من اّطَفني مسؤوالً عن األمن واّسالم يف املنطقة اّيت ختضع ّنفوذه‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ يسمح ّكِفة اّتجِر واّعِملني ابّتجِرة حبَية االرحتِل واملتِجَة مع اّدواخل ؛ وهي (طربق ـ درنة ـ‬ ‫بنغِزي) على أ تشمل يَية اّتجِرة بقِة املواأنى مستقبالً‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ بقِء مجِع اّزواَي اّسنوسِة اّيت سِطَ علِهِ اإليطِِّو سِبقًِ حتت اّنفوذ اّسنوسي‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ تعفى مجِع اّزواَي اّسنوسِة وممتلكِهتِ من اَّسوم واّضَائب‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ تدفع احلكومة اإليطِِّة مَتبِت ملشِيخ اّزواَي اّواقعة ضمن منِطق نفوذهِ على أ يقوم هؤالء‬ ‫بدور اّوسِط بني اّسلطِت اإليطِِّة وأهل اّبالد يني احلِجة[(‪.])52‬‬ ‫‪ 9‬ـ يطبق على اّسكِ اّلِبِني اّقِطنني يف منِطق اّنفوذ اإليطِيل قِنو األيوال اّشخصِة‬ ‫اإلسالمي[(‪.])53‬‬


‫‪ 10‬ـ تدريس اّقَا اّكَمي وأصول اّدين يف املدارس واملسِجد اّلِبِة اّواقعة ضمن منِطق اّنفوذ‬ ‫اّسنوسي‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ تعفى اّبضِئع املستوردة ّلسنوسِني وطالهبم من اجلمِرك ‪ ،‬عدا جتِرة اّسالح‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ تقدم إيطِِّة املعونة املِِّة ‪ ،‬وتسمح بتوصِل األدوار أبقَب املَاكز اإليطِِّة ابهلِتف ّتسهِل‬ ‫االتصِل وتبِدل اَّأي[(‪.])54‬‬ ‫‪ 13‬ـ يقوم حممد إدريس إببعِد كل من يكدر اّعالقِت بِنه وبني اإليطِِّني‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـ يؤجل اّنظَ يف مَتبِت اّعِئلة اّسنوسِة‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ يلزم االتفِق استعجِالً ‪ ،‬ويتفق اجلمِع على اإلصالح وإطفِء اّفنت[(‪.])55‬‬

‫وإضِفة إىل هذه اّبنود فقد مت مسبقًِ االتفِق على نقطتني ؛ مهِ‪ :‬تبِدل األسَى ‪ ،‬وإعِدة فتح‬ ‫األسواق‪.‬‬ ‫أمِ االتفِق اّسنوسي ـ اإلنكلِزي فقد مت اّتوصل فِه إىل اّنقِط االتِة‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ فتح طَق اّتجِرة عند اّسلوم ‪ ،‬واختِذ مِنِء اّسلوم مَكزاً ّلتبِدل اّتجِري‪ .‬على أ يكو طَيق‬ ‫(اإلسكندرية ـ اّسلوم) اّطَيق اّويِد اّذي َتَ منه اّسلع إىل بَقـة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تسلِم اّضبِط األتَاك وغريهم من أعداء بَيطِنِة إذا وقعوا حتت قبضة إدريس مستقبالً إىل‬ ‫اإلنكلِز‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ خَوج مجِع املسلحني اّتِبعني ّلسنوسِة وأعواهنِ من كل األراضي املصَية‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ عدم قِ​ِم أي جتمعِت عسكَية أو مدنِة مسلحة قَب احلدود املصَية اّلِبِة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ صِ​ِنة أموال اّسنوسِة يف مصَ‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ تسمح اّسلطِت اّربيطِنِة يف مصَ جبمع املعلومِت املِدية من أنصِر اّطَيقة اّسنوسِة ومؤيديهِ‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ ختضع واية اجلغبوب إىل إدارة وإشَاف اّسنوسِني‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ يكف اّسنوسِو عن إنشِء زواَي دينِة هلم داخل األراضي املصَية‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ إبعِد املفسدين واّعِبثني ابألمن وحمدثي اّشغب واّقالقل من منِطق احلدود بني اّبلدين‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ إطالق سَاح املعتقلني يف مصَ من أتبِع اّسِد أَمد اّشَيف[(‪.])56‬‬ ‫‪ 11‬ـ تسلِم مجِع اَّعَِي اّربيطِنِني واملصَيني اّتِبعني ّدول احللفِء إىل احلكومة اّربيطِنِة يف مصَ‪.‬‬


‫وقبل أ تنتهي املفِوضِت بني األطَاف املذكورة يف عكَمة طلب اّلواء اتّبوت رئِس اّوفد اإلنكلِزي‬ ‫‪ ،‬وحمِفظ اّصحَاء اّغَبِة إىل إدريس اّسنوسي أ ال يبقي رجِالً مسلحني يف واية اجلغبوب ‪ ،‬وقد رَد‬ ‫حممد إدريس على هذا اّطلب رداً سِ​ِسِ​ًِ دبلومِسِ​ًِ بكتِب مؤرخ يف يوم ‪ 10‬أبَيل (‪ 1917‬م) ؛‬ ‫جِء فِه مِ يلي‪:‬‬ ‫((‪ ...‬إ اجلغبوب واقعة يف مكِ سحِق يف اّصحَاء ‪ ،‬وهي موصلة ّعدة طَق مع مصَ ومع‬ ‫اجلبهِت اّغَبِة ‪ ،‬واال مبِ أ مهميت يفظ اّنظِم ومنع اّدسِئس يف مصَ وقطع دابَ اّسَقِت‬ ‫واّتهَيب ‪ ،‬فال بد أ يكو ّدي هلذا اّغَض قوة خيشى اّنِس أبسهِ‪.])57([))..‬‬ ‫واستطَد إدريس واصفًِ يِّة اّعَب يف اّصحَاء ووجوب احملِفظة على األمن فِهِ ‪ ،‬إىل أ قِل‪...(( :‬‬ ‫هذه هي األسبِب اّيت تضطَين ّطلب اّسمِح ّوجود رجِل مسلحني يف اجلغبوب))[(‪.])58‬‬

‫يَى بعض املؤرخني[(‪ ])59‬أ معِهدة عكَمة يف طربق كِنت خري وسِلة ّتحقِق اّسلم ‪ ،‬وصو‬ ‫مصِحل اّعَب اجملِهدين يف بَقة ‪ ،‬كمِ أنه أتِحت فَصة حملمد إدريس ّتنظِم اّقبِئل تنظِمًِ من شأنه‬ ‫أ جيمع اّكلمة ‪ ،‬ويقضي على بذور اّفتنة واالضطَاب ‪ ،‬كمِ سِعد ذّك االتفِق على أتيِد نفوذ‬ ‫حممد إدريس ؛ يىت بدأ األهِيل من ذّك احلني يلقبو حممد إدريس (ابملنقذ) ‪ ،‬وكِ من أهداف‬ ‫اّطلِ​ِ من إبَام اتفِق عكَمة َتكِنهم من أ يتصلوا مبِشَة ابألهلني ‪ ،‬وأ ميدوا نفوذهم يف داخل‬ ‫اّبالد عن طَيق هذا االتصِل املبِشَ؛ وهذا مِ كِ اّسِد إدريس يدركه يق اإلدراك ويعمل من جِنبه‬ ‫على تعطِله ومقِومته ‪ ،‬وتَكزت جهود حممد إدريس يف أمَين هِمني بعد تلك املعِهدة‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬إقِمة احلكومة اّوطنِة اَّشِدة اّيت حتفظ مصِحل اّبالد ‪ ،‬وتتوىل زعِمة اّقبِئل يف بَقة ‪ ،‬وتطِّب‬ ‫بكل يقوقهم‪.‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬مقِومة نفوذ اّطلِ​ِ ومنع اتصِهلم ابّعَب بكل اّوسِئل يف داخل اّبالد[(‪.])60‬‬ ‫واستطِع حممد إدريس أ يقِم يكومة وطنِة فعلِة عِصمتهِ إجدابِة عِم (‪ 1917‬م)‪.‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬إجدابِة عِصمة احلكومة اّوطنِة‪:‬‬ ‫اختذ حممد إدريس إجدابِة مَكزاً ّقِ​ِدته ‪ ،‬وذّك ّعدة أسبِب جنملهِ فِمِ يلي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ تتمتع إجدابِة مبوقع اسرتاتِجي هِم؛ ألهنِ َتلك َمِية حمدودة من اّبحَ وابتعِدهِ عنه نسبِ​ًِ ‪ ،‬مث‬ ‫إ هلِ مِنِءً صغرياً تصلهِ به عن طَيق (اّزويتِنة) كل االيتِ​ِجِت ‪ ،‬كمِ أهنِ كِنت قَيبة من مَسى‬


‫اّربيقة اّبحَي؛ اّذي كِنت تصل إِّه بعض األيِ​ِ اّغواصِت األملِنِة قِدمة من تَكِة ابيتِ​ِجِت‬ ‫اجملِهدين‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ وقوعهِ يف منتصف قِعدة مثلث رأسه يف (اّكفَة) وقِعدته اّنوفلِة واجلبل‬ ‫األخضَ ‪ ،‬كمِ أهنِ َتثل االمتداد اّطبِعي ّوايِت جِّوا ‪ ،‬وأوجلة ‪ ،‬وجخَة ‪ ،‬و(اّكفَة) ‪ ،‬وهذا‬ ‫يعطِهِ بعداً اسرتاتِجِ​ًِ هِمًِ‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ كوهنِ من أهم املنِطق يف جتِرة اّقوافل ؛ سواء بني طَابلس وبَقة ‪ ،‬أو بني اّوايِت اجلنوبِة‬ ‫واّسِيل ‪ ،‬أو بني تشِد وبَقة ‪ ،‬وغري ذّك من اخلطوط اّتجِرية‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ قَهبِ من طَابلس زاد من أمهِتهِ اّسِ​ِسِة واالقتصِدية واالسرتاتِجِة ‪ ،‬فكِ هلِ دورهِ اهلِم يف‬ ‫خمتلف األنشطة اّتجِرية واحلَبِة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ كِنت موطنًِ ملعظم اّقبِئل اّيت كِنت تؤيد احلَكة اّسنوسِة‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ كِ اّرتتِب اإلداري اّذي وضعه أَمد اّشَيف أثنِء غِ​ِبه عن بَقة خالل اهلجوم على مصَ ‪،‬‬ ‫يقضي أب يكو إدريس مسؤوالً يف بَقة اّبِضِء ‪ ،‬ويكو مَكزه يف إجدابِة‪.‬‬ ‫هلذه األسبِب وغريهِ اختذهِ حممد إدريس عِصمة إلمِرته اجلديدة ‪ ،‬ومقَ رائسة يكومته ‪ ،‬ونظم هبِ‬ ‫دواوين احلكومة اّسنوسِة ‪ ،‬وقسم اإلدارات ‪ ،‬ونظم ورتب اجلِش ‪ ،‬ومشل نفوذ هذه احلكومة مجِع‬ ‫أراضي بَقة من احلدود املصَية اّلِبِة شَقًِ إىل قصَ سَت غَابً مِ عدا املنطقة اّسِيلِة اّيت كِنت‬ ‫خِضعة ّلسِ​ِدة اإليطِِّة[(‪.])61‬‬ ‫إ االتفِق اّذي أجَاه اّسِد حممد إدريس سواء مع اّطلِ​ِ أو اإلنكلِز ال حيمل أبي شكل من‬ ‫األشكِل استسالمًِ أو قبوالً ّلواقع ‪ ،‬وإمنِ هي مَيلة مؤقتة هدفهِ إنقِذ اّبالد وتويِد اّصفوف‬ ‫وتقويتهِ ‪ ،‬فأثبت بعمله ذّك يَص احلَكة اّسنوسِة على صِ​ِنة اّبالد وَمِيتهِ ‪ ،‬ومِ اتفِق عكَمة‬ ‫بطربق اّذي عقد يف اّسِدس من نِسِ سنة (‪ 1917‬م) إال يل قُصد منه هتدئة خواطَ األهِيل ‪،‬‬ ‫وتبعه اتفِق اَّمجة واّيت اعرتفت فِه إيطِِّة إبمِرة حممد إدريس ‪ ،‬وقد قصدت إيطِِّة من ذّك جتزئة‬ ‫اّبالد ‪ ،‬إال أ زعمِء ِّبِة يف غَهبِ بددوا امِهلِ وأفشلوا مسِعِهِ يِنمِ عقدوا مؤَتَ غَ​َي يف تشَين‬ ‫اّثِين (‪ 1921‬م) ‪ ،‬وأقَوا تعِني حممد إدريس أمرياً على‬ ‫اّبالد ‪ ،‬فأرسلوا اّبِعة ّه يف أيلول سنة (‪ 1922‬م) ‪ ،‬فحققوا بذّك اّويدة اّوطنِة ّلبالد ‪ ،‬ووضعوا‬ ‫حممد إدريس أمِم مسؤوِّة عظِمة تتطلب منه تويل زمِم األمور ‪ ،‬واّسري ابّبالد إىل يَيتهِ واستقالهلِ‪.‬‬


‫ّقد أصبحت مسؤوِّة حممد إدريس بعد تلك اّبِعة اّتِرخيِة ِّست بَقة فقط ‪ ،‬كمِ أرادت إيطِِّة ‪،‬‬ ‫وإمنِ ِّبِة بقطَيهِ اّطَابلسي ‪ ،‬واّربقِوي ‪ ،‬وإ إمِرته ِّست منحة إيطِِّة ‪ ،‬وإمنِ هي رغبة شعبِة ‪،‬‬ ‫وإرادة مجِهريية ‪ ،‬وضَورة شَعِة ‪ ،‬وقد جِء يف رده على كتِب اّبِعة مِ يلي‪(( :‬وبعد ‪ ،‬فقد تنِوّت‬ ‫بِد اّشكَ عَيضتكم اّيت أظهَمت فِهِ رغبتكم اخلِّصة يف حتقِق غِيتكم اّيت أمجعتم علِهِ يف مؤَتَ‬ ‫غَ​َي ‪ ،‬وجِهدمت هلِ جهِداً صِدقًِ ابألنفس واّثمَات ؛ يف شخصي ‪ ،‬فأخذهتِ داعِ​ًِ هللا أ حيقق امِل‬ ‫هذه األمة ‪ ،‬ويكلل مسِعِهِ كلهِ بنجِح ‪ ،‬وملِ كِ احتِد اّوطن وسالمته مهِ اّغِية اّيت طِملِ سعِت‬ ‫إِّهِ وجدت من واجيب أ أتلقى طلبكم ابّقبول وأ أحتمل املسؤوِّة اّعظمى اّيت رأت األمة تكلِفي‬ ‫هبِ ‪ ،‬فعلي إذاً أ أعمل جبد معكم ‪ ،‬وّكن ال تنسوا أنين بغري إقدامكم ال قدرة يل على شيء ‪ ،‬إين‬

‫أعلم أ احلِ​ِة اخلِّدة هي ّألمم ال ّألفَاد ‪ ،‬وكذّك األعمِل اّعظِمة اّبِقِة هي اّيت تنصَف إىل‬ ‫صِحل اجلمِع ‪ ،‬فلذّك أدعوه سبحِنه وتعِىل أ يهدينِ إىل كل عمل مثَته ّألمة‪.‬‬ ‫إ من يق كل شعب أ يسِطَ على شؤونه ‪ ،‬واّنِس ـ منذ نشؤوا ـ أيَار ‪ ،‬وقد أظهَ شعبنِ يف كل‬ ‫أدواره مقدار حمبته ّلحَية ‪ ،‬فدفع مهوراً غِِّة ‪ ،‬فال يصح أليد أ يطمع يف استعبِده واالستبداد‬ ‫بشؤونه ‪ّ ،‬قد اشرتطتم علي اّشورى وهي أسِس ديننِ وسأعمل على قِعدهتِ‪.])62([))...‬‬ ‫ّقد أتثَت اّبالد يف بداية احلَب اّعِملِة األوىل وانقسمت إىل معسكَين‪ :‬زعمِء اّغَب (سلمِ‬ ‫اّبِروين ‪ ،‬رمضِ اّسوحيلي ‪ ،‬و‪ ، )..‬وكذّك أَمد اّشَيف اّسنوسي وقفوا مع تَكِة وأملِنِة ‪ ،‬وأمِ‬ ‫حممد إدريس فهِد اإلنكلِز ‪ ،‬وبعد هزمية تَكِة وأملِنِة تغريت موازين اّقوى ‪ ،‬وال أمَ طَابلس اّغَب‬ ‫إىل فكَة اجلمهورية اّطَابلسِة ‪ ،‬مث انتهى هبِ املطِف إىل مبِيعة حممد إدريس ‪ ،‬وهذا‬ ‫مِ سوف نتعَف علِه عندمِ نشَع يف دراسة اجلمهورية اّطَابلسِة إبذ هللا تعِىل‪.‬‬ ‫قِم حممد إدريس بوضع نواة جلِش نظِمي ‪ ،‬واجتهد يف تسوية اخلالفِت بني بعض اّقبِئل ‪ ،‬وَتكن من‬ ‫اّقضِء على عنِصَ اّسلب واّنهب واّقتل من أفَاد اّعصِابت اّذين أطلقوا على أنفسهم يكومة‬ ‫اّصلب‪ ،‬وكِنت تتواجد بني األبِ​ِر واتكنس‪ ،‬وذّك ابتبِع سِ​ِسة يِزمة ورادعة ‪ ،‬وقِم ببعض‬ ‫اّتنقالت ‪ ،‬واإلجَاءات اإلدارية ‪ ،‬ففَغ ابن عمه صفي اّدين بعد رجوعه من اجلهِت اّغَبِة (سَت)‬ ‫ّفض اّنزاعِت اّقبلِة يف بَقة ‪ ،‬وكلف وكِله اّشِرف اّغَ​َيين الستالم األسلحة واّذخِئَ من‬ ‫اإليطِِّني‪ ،‬وذّك إلنشِء مَاكز أمنِة يف احلدود مع سالمة أتمني هذه املَاكز[(‪.])63‬‬


‫وقِم بتقسِم بَقة إىل منطقتني مقِطعتني ‪ ،‬فكِنت املنطقة اّغَبِة يَأس إدارهتِ انئب مقَ إجدابِة ‪،‬‬ ‫ويقِل عنه‪( :‬انئب املنطقة اّغَبِة) ‪ ،‬وكِنت املنطقة اّشَقِة يَأسهِ اخَ بنفس اّلقب ومقَه (األبِ​ِر) ‪،‬‬ ‫وقد َ‬ ‫توىل منصب هِتني املنطقتني خرية رجِل اّسنوسِة[(‪.])64‬‬ ‫وقِم حممد إدريس بتشكِل جملسني‪ :‬أيدمهِ يضم كبِر اّعلمِء واإلخوا ‪ ،‬ويقِل عنه‪ :‬اجمللس اخلِص ‪،‬‬ ‫وّه اّسلطة اّتشَيعِة واّتنفِذية ‪ ،‬وأمِ اجمللس اّثِين فكِ أعضِؤه من شِوخ وأعِ​ِ اّقبِئل ‪ ،‬ويقِل‬ ‫ّه‪ :‬جملس األعِ​ِ ‪ ،‬واجمللسِ مبثِبة اّربملِ يف ابدأى األمَ ‪ ،‬وقبل أ يكو جملس اّنواب يف بنغِزي‬ ‫وجبدابِة ‪ ،‬كِ قسم من اجلِش اّنظِمي يقِل عنه‪ :‬جِش املعِة ‪ ،‬وهذا مهمته يَاسة اّقصَ األمريي ‪،‬‬ ‫ومنه قسم ال يفِرق األمري حممد إدريس يف جتوالته اّداخلِة ‪ ،‬وقد أصبحت منطقة اّعقِلة واّربيقة‬ ‫ّلمعسكَات االيتِ​ِطِة وّلتدريب ‪ ،‬وتضم هذه املعسكَات اّكثري من خرية اّضبِط ‪ ،‬وكِ من توىل‬ ‫رائسة هذه املعسكَات اّشِرف ابشِ اّغَ​َيين ‪ ،‬مث أسندت إىل يسني اجلويفي ‪ ،‬وكِ عدد املعسكَات‬ ‫اّسنوسِة كمِ يلي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ معسكَات اّتدريب وااليتِ​ِطي مبنطقيت اّعقِلة ‪ ،‬واّربيقة ‪ ،‬ويقِل عنهمِ (خط اّنِر)‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ املعِة جبدابِة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ يضم قدمِء احملِربني جبدابِة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ابّزويتِنة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ ابالابر‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ جبَدس‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ مَاوة‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ معسكَ خوال ‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ عكَمة‪.‬‬ ‫ويف إجدابِة معسكَ منفصل عن املعسكَات املذكورة ‪ ،‬وّكنه مَتبط ابّقِ​ِدة ؛ وهو مؤّف من اّذين‬ ‫حيسنو اّقَاءة واّكتِبة ‪ ،‬ويقِل عنه‪( :‬طِبور اّطلبة)‪.‬‬ ‫وأقِم مَاكز يكومِة اتبعة ّلمنطقتني املذكورتني ‪ ،‬وجعل ّكل مَكز قِئم مقِم أو مأموراً ‪ ،‬أو وكِالً ‪،‬‬ ‫ويف كل مَكز قِضِ​ًِ ‪ ،‬أو انئب ٍ‬ ‫قِض ّلنظَ فِمِ يتعلق ابأليكِم اّشَعِة ‪ ،‬وجملسًِ من املشِيخ يَجع‬


‫إِّه يِكم املَكز يف كثري من اّشؤو يسب اّتعلِمِت احلكومِة ‪ ،‬ويف كل مَكز قسمًِ من اّبوِّس‬ ‫ّلنظِم ‪ ،‬واألمن ‪ ،‬وسالمة اّنِس[(‪.])65‬‬ ‫أمِ اّتعلِم‪:‬‬ ‫فكِنت بعِصمة احلكومة اّوطنِة (إجدابِة) مدرسة قَانِة كربى ‪ ،‬هنجت منهج معهد اجلغبوب ‪ ،‬وكِ‬ ‫شِخهِ األكرب احلِج طِهَ املَاكشي ‪ ،‬ومعه سعد املنفي ‪ ،‬وأَمد بن موسى اّسِوي ‪ ،‬وشَع األمري‬ ‫حممد إدريس يف بنِء مدرسة على اّطَاز احلديث أرادهِ أ تكو كلِة ‪ ،‬ووضع احلجَ األسِسي هلِ يف‬ ‫يفل كبري ضم اّكثري من رجِل اّسلطة واألعِ​ِ واّوجهِء ‪ ،‬وأّقِت يومذاك اخلطب واّقصِئد ‪ ،‬ومت‬ ‫بنِؤهِ وتنسِقهِ ‪ ،‬وجلبت األدوات املدرسِة ومِ يلزم من اّكتب ‪ ،‬وبدأ تسجِل‬ ‫أمسِء اّتالمِذ اّذين ينتسبو إِّهِ ‪ ،‬وجلُّهم من تالمِذ املدرسة اّقَانِة ‪ ،‬إال أ اإليطِِّني بعد‬

‫ايتالهلم إجدابِة عِم (‪ 1923‬م) اختذوهِ مَكزاً ّضبِط اّطريا ‪ ،‬ويف عِم (‪ 1927‬م) اختذت اندَيً‬ ‫ّلضبِط ‪ ،‬ويف سنة (‪ 1930‬م) جعلت مستوصفًِ مدنِ​ًِ ‪ ،‬وبقِت هكذا إىل عِم (‪ 1942‬م) ؛ يِث‬ ‫نسفهِ األملِ ومل يبق منهِ إال األثَ[(‪.])66‬‬ ‫وكِ مسجد إجدابِة اّكبري جيلس به فطِيل اّعلمِء اّذين ختَجوا من معهد اجلغبوب ّتدريس اّفقه ‪،‬‬ ‫واّلغة ‪ ،‬واّتفسري ‪ ،‬واحلديث ‪ ،‬واَّ​َيضِ​ِت ‪ ،‬وعلم اّفلك ‪ ،‬وكِ من هؤالء اّشِوخ‪ :‬أَمد بن إدريس‬ ‫‪ ،‬سلِمِ احلويت ‪ ،‬املختِر اّغدامسي ‪ ،‬يِمد بَكِ اّشَيف ‪ ،‬عبد اّعزيز اهلوين ‪ ،‬عبد اّعزيز‬ ‫اّعِسِوي ‪ ،‬علي احملجوب ‪ ،‬حمفوظ اّورفلي ‪ ،‬وكِ األخري قِضِ​ًِ مبعسكَات اجلبل ‪ ،‬وقتل شهِداً يف‬ ‫سِيِت اّفداء ‪ ،‬وكِ اّنِس مقبلني على يلقِت اّعلم ‪ ،‬فتبدأ يلقِت اّعلم بعد اّسِعة اّتِسعة‬ ‫صبِيًِ ‪ ،‬وبعد صالة اّعصَ ‪ ،‬وكِ اّطلبة يلتفُّو يول اّشِوخ ‪ ،‬وخلف هؤالء طبقِت األعِ​ِ‬ ‫واّوجهِء ‪ ،‬واّكثري من ضبِط اجلِش يستمعو إىل اّوعظ ‪ ،‬واإلرشِد ‪ ،‬واّعلم ‪ ،‬وانتشَت مدارس‬ ‫قَانِة أخَى بدواخل اّبالد ‪ ،‬وجبمِع املَاكز عدا مدارس اّزواَي املعَوفة[(‪.])67‬‬ ‫وتقدمت احلِ​ِة االقتصِدية ‪ ،‬وشَع اّتجِر يف مزاوّة أعمِهلم ‪ ،‬واستتب األمن يف مجِع أحنِء بَقة‪ّ .‬قد‬ ‫استطِع إدريس أ يبحَ ابّسفِنة مبهِرة ‪ ،‬ويصل بشعبه إىل شط األمِ ‪ ،‬بعد أ أمضَه اجلوع ‪ ،‬يىت‬ ‫اضطَ بعض اّنِس إىل أكل حلوم اخلِل واّبغِل واحلمري‪.‬‬ ‫وكِ يعمل مع إخوانه يف يكومته بكل جد ونشِط ّتطويَ اجلوانب اّسِ​ِسِة واالقتصِدية واّعسكَية‬ ‫واّثقِفِة‪.‬‬


‫ّقد أوجد األمري حممد إدريس يكومة يف بَقة أيبتهِ اّقبِئل وهِبتهِ‪ ،‬عملت على نشَ اّعدل‪ ،‬وأزاّت‬ ‫اّظلم‪ ،‬وو َيدت اّصف‪ ،‬ونبذت اخلالف‪ ،‬وأقَت اّسالم‪.‬‬ ‫كِ األمري حممد إدريس يديَ دفة اّعالقِت مع إيطِِّة مبنتهى احلذر واّلبِقة ‪ ،‬واّكِ​ِسة ‪،‬‬ ‫واّدبلومِسِة ‪ ،‬واّسِ​ِسة ‪ ،‬ويَص على توثِق عالقته مع اّوايل‬ ‫اإليطِيل اّكونت جِكومودي مِرتِنو ‪ ،‬وعني عمَ ابشِ منصور اّكخِ​ِ ممثالً ّه يف بنغِزي ‪ ،‬وكِ ّعمَ‬ ‫ابشِ خربة سِ​ِسِة اندرة ‪ ،‬يِث كِ انئبًِ يف جملس املبعواث اّعثمِين يف إستِنبول[(‪.])68‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬اتفِق اَّمجة‪:‬‬ ‫كِ اإليطِِّو غري راضني على االتفِقِت اّسِبقة؛ ألهنم كِنوا يطِّبو ابّسِ​ِدة اّتِمة على ِّبِة ‪،‬‬ ‫وإهنم قبلوا ابألمَ اّواقع مؤقتًِ ‪ّ ،‬ذّك يِوّوا أ يتقَبوا من اّسكِ ‪ ،‬أمالً يف أ ينتهي األمَ إىل‬ ‫اّقبول ابّسِ​ِدة اإليطِِّة ‪ ،‬وّعل هذا مِ يدا إبيطِِّة أ َتنح بَقة (دستوراً أسِسِ​ًِ) ‪ ،‬وقد مت ذّك يف‬ ‫أكتوبَ (‪ 1919‬م) ‪ ،‬وينص اّدستور على أ يعني ملك إيطِِّة واِّ​ًِ يشَف على اّشؤو املدنِة‬ ‫واّعسكَية ّربقة ‪ ،‬ويكو ّربقة جملس نواب حملي يتأّف من نواب عن اّقبِئل واحلضَ ‪ ،‬حبِث يضِف‬ ‫إِّهم عدد من األعضِء املعِنني ؛ جيلسو فِه حبق وظِئفهم ‪ ،‬أمِ إدارة اّبالد فتتم على أسِس تنظِم‬ ‫يعني رؤسِؤهِ أبمَ ملكي[(‪.])69‬‬ ‫إدارات مدنِة وعسكَية ؛ َ‬ ‫وكفل اّقِنو األسِسي يَية اّعبِدة واّدين ‪ ،‬ويق امللكِة اّفَدية ‪ ،‬ويَية اّنشَ ‪ ،‬وإنشِء املدارس ‪،‬‬ ‫وايرتام ّغة اّبالد‪ .‬هذا إىل تفصِل أمور كثرية‪.‬‬ ‫وقد أدرك مشِيخ اّقبِئل مِ تنطوي علِه هذه املبِدرة من خطَ ‪ ،‬فعقد حنو مئة من كبِرهم اجتمِعًِ يف‬ ‫إجدابِة ؛ قَروا فِه‪(( :‬أهنم ال يقبلو ابإليطِِّني إال يف املد اّسِيلِة ‪ ،‬على أ يقتصَ عملهم هنِك‬ ‫على اّتجِرة))[(‪.])70‬‬ ‫واتضح من إعال اّدستور من جهة ‪ ،‬وقَار املشِيخ من جهة أخَى ‪ ،‬أنه من اّضَورة املبِدرة إىل‬ ‫مفِوضِت جديدة ‪ّ ،‬علهِ تؤدي إىل وضع األمور يف نصِهبِ وبدأت املفِوضِت فعالً ‪ ،‬ويف ‪ 25‬تشَين‬ ‫األول (أكتوبَ) (‪ 1920‬م) وقع االتفِق املعَوف ابتفِق اَّمجة‪.‬‬ ‫ومبوجب اتفِق اَّمجة تقسمت بَقة إىل قسمني‪ :‬اّشمِيل‪ :‬وفِه اّسوايل‬ ‫وبعض اجلبل األخضَ خيضع ّلسِ​ِدة اإليطِِّة ‪ ،‬واجلنويب‪ :‬وهو داخل ‪ ،‬ويشمل اجلغبوب ‪ ،‬وأوجله ‪،‬‬ ‫وجِّو ‪ ،‬و(اّكفَة) ‪ ،‬يكو إدارة مستقلة هي اإلمِرة اّسنوسِة ‪ ،‬ويتمتع اّسِد حممد إدريس بلقب‬


‫(أمري) ‪ ،‬على أ يكو اّلقب وراثِ​ًِ ‪ ،‬ومع أ عِصمـة اإلمِرة هي إجدابِة ‪ ،‬فقد اشرتط يف االتفِق‬ ‫على أ ّألمري أ يتجول ويقِم يف مجِع أحنِء بَقة ‪ ،‬ويتدخل يف إدارة املنطقة اإليطِِّة مىت شعَ أ‬ ‫مصلحة اّعَب تتطلب ذّك‪ .‬واحلد اّفِصل بني املنطقتني هو خط ميتد جنويب مخِس واّسلوق واَّمجة‬ ‫‪ ،‬إىل مشِل األبِ​ِر ‪ ،‬مث ميَ بغوط سِس ‪ ،‬ومشِيل اّقصور وجنويب سِدي رافع (اّزاوية اّبِضِء)‬ ‫اّصفصِف ‪ ،‬ومَتوبة ‪ ،‬وَتِمي إىل طربق‪.‬‬ ‫وأدخل اّقِنو األسِسي يف صلب اتفِق اَّمجة‪ .‬وأعلنت إيطِِّة أهنِ ال تنوي حبِل من األيوال نزع‬ ‫األرض من أصحِهبِ ؛ سواء يف ذّك األراضي اّيت ميلكهِ األفَاد ‪ ،‬أو أراضي اّزواَي‪.‬‬ ‫وتعهد مسو األمري من جِنبه يف أ حتل األدوار اّعسكَية ‪ ،‬وتسَح اّويدات اّعسكَية (يف مدة مثِنِة‬ ‫أشهَ) ‪ ،‬على أ حيتفظ أبّف جندي فقط يستخدمهم يف شؤو اإلدارة ويفظ اّنظِم ‪ ،‬ورضِت‬ ‫إيطِِّة أب تقدم مسِعدات مِِّة ّإلمِرة اّسنوسِة ِ‬ ‫َتكنهِ من تنظِم أعمِهلِ ‪ ،‬على أ يشجع األمري‬ ‫اّتجِرة ويضمن املواصالت واألمن‪.‬‬ ‫وقد متَ يف اّواقع انتخِب جملس نِ​ِيب يف عِم (‪ 1921‬م) (نِسِ ‪ ،‬أبَيل) ‪ ،‬واختري رئِسًِ ّه اّسِد‬ ‫صفي اّدين‪.‬‬ ‫ّقد كِ ذّك اجمللس األول من نوعه يف دنِ​ِ اّعَب ‪ ،‬وقد عقد اجمللس مخس جلسِت (إىل مِرس‬ ‫‪ 1923‬م)[(‪.])71‬‬ ‫ّقد كِ اتفِق اَّمجة يتكو من مقدمة وعشَين مِدة ‪ ،‬إىل جِنب ملحقني ‪ ،‬فمن أراد اّتوسع يف هذا‬ ‫املوضوع فلرياجع (اّسنوسِة دين ودوّة)[(‪.])72‬‬ ‫مَت املدة املتفق علِهِ مع األمري حممد إدريس حلل األدوار ‪ ،‬وهي مثِنِة‬ ‫شهور ‪ ،‬ومل حتل هذه األدوار اّيت كِنت تعمَهِ فلول من أفَاد املقِومة اّسنوسِة منذ سنة (‪ 1917‬م)‬ ‫‪ ،‬وهذه األدوار (يف إجدابِة واّشلِظِمة ‪ ،‬ومَوة ‪ ،‬وخوال ‪ ،‬واألبِ​ِر ‪ ،‬وتكنِس ‪ ،‬وعكَمة)[(‪.])73‬‬ ‫كِ يشَف على كل منهِ قِئم مقِم ‪ ،‬وقِئد جند ‪ٍ ،‬‬ ‫وقِض ‪ ،‬وجِمع ضَائب جيمع يِجِهتِ من اّعَب‬ ‫‪ ،‬ومن هنِ كِ كل دور ويدة عسكَية إدارية قضِئِة ‪ ،‬ال ّنفسه فحسب وّكن ّلمنطقة احملِطة به ‪،‬‬ ‫وكِنت األدوار واسطة ّنشَ اّنفوذ اّسنوسي ‪ ،‬ومن هنِ كِ اهتمِم إيطِِّة حبلِهِ ‪ ،‬وتعلل األمري أب‬ ‫يل هذه األدوار قد يثري اّعَب على غري فِئدة ‪ ،‬وّذّك بدأ أمَ حبثهِ من جديد ‪ ،‬وانتهى اّبحث‬ ‫ابألمري واإليطِِّني إىل اتفِق جديد بشأهنِ يعَف ابسم (اتفِق بو مَمي) اّذي مت يف (‪ 11‬تشَين اّثِين‬


‫نوفمرب ‪ 1921‬م) ‪ ،‬ومع أ اّفَيقني جددا االتفِق املِضي بشأ يلهِ ؛ فقد رئي أ يؤجل ذّك‬ ‫ِّتسىن ّإلدارة اإليطِِّة توطِد أركِهنِ يف منطقتهِ ‪ ،‬وإىل أ يتم ذّك رئي من املنِسب إنشِء (األدوار‬ ‫املختلطة) على أ يكو مثة أربعة منهِ يف عكَمة وسلطنة واألبِ​ِر وتكنس ‪ ،‬فِكو اجلنود فِهِ‬ ‫إيطِِّني وسنوسِني ‪ ،‬بنسبة مخسة إىل أربعة ‪ ،‬ويقوم ضبِط إيطِِّو ابإلشَاف على اإليطِِّني ‪،‬‬ ‫وضبِط سنوسِو بقِ​ِدة اجلند اّسنوسي‪.‬‬ ‫واّذي يبدو من هذا كله حبسب رأي اإليطِِّني أنفسهم ‪ ،‬هو أ اّنفوذ اإليطِيل كِ يف سبِل اّتقدم‬ ‫من اّنِيِة اّسِ​ِسِة‪.‬‬ ‫ّكن هذا كِ يف اّظِهَ فقط ‪ ،‬فهؤالء اإليطِِّو يعرتفو أب إدارة بَقة ابستثنِء املد ‪ ،‬كِنت يف‬ ‫اّواقع يف أيدي اّسنوسِني ‪ ،‬إمِ مبِشَة أو ابّوسِطة ‪ ،‬وهذه يِّة مِ كِ ّريضى عنهِ اإليطِِّو أبداً‬ ‫‪ ،‬وإ كِنوا قد قبلوا هبِ مؤقتًِ ‪ ،‬وكِ من اّطبِعي أ يعود اّقتِل إىل اّبالد يومًِ مِ[(‪.])74‬‬

‫املبحث اّثِّث‬ ‫اجلمهورية اّطَابلسِة‬ ‫إ اتريخ اجلهِد اّلِيب مليء ابحملطِت املهمة اّيت ينبغي اّوقوف عندهِ درسًِ ّلوقِئع ‪ ،‬واستجالء‬ ‫ّلحقِئق ‪ ،‬واستفِدة من اّعرب ‪ ،‬قِل تعِىل‪[ :‬ق‪{ :‬إِ َ ِيف ذنِّ ِ ِ‬ ‫ب أ ْنو أنّْ نقى‬ ‫ن‬ ‫ك ّنذ ْكنَى ّ نم ْن نكِ ن ّنهُ قنـ ْل ٌ‬ ‫اّ َس ْم نع نوُه نو نش ِهِ ٌد [ق‪]37 :‬‬ ‫ّقد كِ إعال اجلمهورية اّطَابلسِة حمِوّة مبكَة إلقِمة دوّة مستقلة هبِ دستورهِ ‪ ،‬ومؤسسِهتِ ‪،‬‬ ‫وهِ​ِكلهِ ‪ ،‬وبذّك أصبحت هذه احلِدثة سبقًِ اترخيِ​ًِ يف عِملنِ اإلسالمي واّعَيب ‪ ،‬وّذّك البد من‬ ‫تسلِط األضواء علِهِ واّتعَيف هبِ ‪ ،‬ونستطِع اّقول‪ :‬إ بداية اّفكَة ظهَت مع ظهور ورجوع‬ ‫سلِمِ اّبِروين من سِية اجلهِد اّلِيب مَسالً من قبل اخلالفة اّعثمِنِة اّيت خوّته اّوالية على طَابلس‬ ‫واّقِ​ِدة ‪ ،‬ونقصد بظهوره بعد غِ​ِبه املفِجأى من سِية اجلهِد وذهِبه إىل اآلستِنة عِصمة دار‬ ‫اخلالفة ‪ ،‬يِث نزل عن طَيق غواصة أملِنِة بقصَ (َمد) مبصَاتة يف (‪ 16‬أبَيل ‪ 1916‬م)[(‪.])75‬‬


‫كِ رجوع سلِمِ اّبِروين بعد أ م َهد األتَاك هلذا اإلحلِق ‪ ،‬فِستصدروا (فَمِانً) مَسومًِ سلطِنِ​ًِ‬ ‫من جالّة اّسلطِ إبحلِق طَابلس برتكِة‪.‬‬ ‫وقد جِء هذا اّقَار يف وقت كِ اّطَابلسِو حمتِجني فِه إىل املسِعدة ‪ ،‬ففَيوا به ‪ ،‬وكِنت سِ​ِسة‬ ‫اّرتك واألملِ تستهدف إذكِء انر اّثورة يف طَابلس واستئنِفهِ يف بَقة إ أمكن من طَيق وجودهم يف‬ ‫طَابلس من شغل أكرب عدد ممكن من اجلِوش اإلنكلِزية واإليطِِّة[(‪.])76‬‬ ‫وقِم اّشِخ سلِمِ اّبِروين مبجموعة من اإلجَاءات اإلدارية واملِِّة ّإلشَاف على قِ​ِدة وتنظِم‬ ‫اجملِهدين ملواجهة حتَكِت اجلِوش اإليطِِّة ‪ ،‬ويف إطِر اّتنظِمِت اإلدارية ّلوالية قِم بتشكِل اجمللس‬ ‫اّعَيف اّشَعي ـ وكِ يتكو من جمموعة من اّعلمِء ِّتم َكنوا من يل اّقضَِي اجلنِئِة واّشَعِة املعلقة‬ ‫بسبب احلَب ـ وقد ضم ذّك اجمللس كالًّ من‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ اّشِخ عمَ املنصوري مفتِ​ًِ ّلوالية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ اّشِخ علي اهلمِيل قِضِ​ًِ ملصَاتة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ اّشِخ حممد سعِد املسعودي قِضِ​ًِ ّلجبل‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ اّشِخ اّزروق أبو رخِص قِضِ​ًِ ّلمنطقة اّغَبِة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ اّشِخ اّشكشوكي قِضِ​ًِ ّلنوايي األربعة‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ اّشِخ عبد اَّ​َمن زبِدة قِضِ​ًِ ّورفلة[(‪.])77‬‬ ‫ويف تلك املَيلة كِنت األوضِع اّعسكَية َتِل إىل صِحل اجملِهدين ‪ ،‬فقد تصِعدت يَكة اجلهِد ضد‬ ‫إيطِِّة ‪ ،‬وقِم سلِمِ اّبِروين ابالتصِل بقِدة اّبالد وزعمِئهِ ‪ ،‬وعمل على نبذ اخلالف وتويِد‬ ‫اّصف ‪ ،‬وحيفظ ّنِ اّتِريخ بعض اَّسِئل اّيت أرسلهِ سلِمِ اّبِروين من مصَاتة إىل األعِ​ِ واملشِيخ‬ ‫خيربهم فِهِ بقدومه ؛ ومن هؤالء املشِيخ‪ :‬اّشِخ سوف رئِس اجملِهدين يف اّعزيزية‪{ :‬إِنَهُ ِم ْن ُسلنِْ نمِ ن‬ ‫اّللِ اَّ َْمنِ ِ اَِّيِ ِم [اّنَمل‪]30 :‬‬ ‫نوإِنَهُ بِ ْس ِم َ‬ ‫اّسالم علِكم ورَمة هللا وبَكِته‪ :‬عدان وهلل احلمد ـ واّعود أَمد ـ إىل وطننِ اّعزيز من دار اخلالفة‬ ‫اّعظمى ‪ ،‬حتملنِ عفِريت اّبحَ اّسِحبة فوق جبِل األمواج اترة ‪ ،‬وحتت عمق مخسني ذراعًِ يف جلج‬ ‫اِّم أيِ​ِانً‪ ...‬إىل أ قِل‪ :‬عدان وهلل احلمد ‪ ،‬ومعنِ كل مِ يلزم ‪ ،‬واستقبلنِ أهل مصَاتة اّكَام بكل‬ ‫سَور وابتهِج ‪ ،‬هذا وقد تفضل أمري املؤمنني ـ أيده هللا ـ فأمَ يكومته إبحلِق طَابلس اّغَب بالدان‬ ‫ابّوالَيت اّعثمِنِة ‪ ،‬واقتضت إرادته اّسنِة إرسِيل ألجل إجَاء اّرتتِبِت اّالزمة‬


‫ملكِة وعسكَية ‪ ،‬وتعهد أ يوايل املدد إىل اّنهِية كمِ تطلعو على ذّك يف منشوره اّعِيل اّشأ ‪.‬‬ ‫وسنعَفكم من مَكز مسالتة بعد املذاكَة مع اّبطل اّغِور رمضِ بك ومن معه من األبطِل عن املكِ‬ ‫واِّوم اّذي يصري فِه االجتمِع اّعمومي إ شِء هللا ‪ ،‬فِنتظَوا جوابنِ ‪ ،‬واّسالم األسىن على اّعلمِء‬ ‫األفِضل واملشِيخ ورجِّكم اّكَام))[(‪.])78‬‬ ‫‪ 19‬ذي احلجة سنة (‪ 1334‬هـ)‬ ‫من أخِكم سلِمِ اّبِروين‬ ‫وقبل سفَه إىل مسالتة أرسل كتِابً إىل حممد إدريس اّسنوسي يطلب منه االنسحِب من سَت قطعًِ‬ ‫ّلفتنة واّنزاع‪ .‬وهذا نصه بعد اّديبِجة‪:‬‬ ‫هذا وقد وصلت مصَاتة مَسالً من ّد يكومتنِ اّسنِة بطلب من األهِيل بعنوا وايل قومندا‬ ‫طَابلس ‪ ،‬وّدى وصويل املَكز وصل اخلرب أب قوة قدمت من جهة بَقة حتت قِ​ِدة اّقِئم مقِم موسى‬ ‫بك‪ ،‬وايتلت قصَ سَت بعد أ ابريتهِ قوة اّزاندرمة اّيت هنِك من طَف رمضِ بك اّسوحيلي‬ ‫ابسم اّدوّة اّعثمِنِة ‪ ،‬فبِدرت إبرسِل جواب إىل موسى بك واّشِخ صِحل األطِوش؛ ألنه بلغين أنه‬ ‫مع اّقوة املذكورة ‪ ،‬فجِء اجلواب من اّشِخ صِحل مبِنًِ فِه أنه مِ قدم إال أبمَ من سِ​ِدتكم ‪ ،‬ومن‬ ‫نوري ابشِ بعنوا (متصَف سَف) ‪ ،‬فتأسفت ألنه كِ أول أمَ أصدرته متعلقًِ بتجهِز قوة ملقِبلة‬ ‫تلك اّقوة املنسوبة إِّكم ‪ ،‬إال أنين أمَت قومندا اّقوة أ يتحِشى ـ مِ أمكن ـ اّدخول فِمِ يكدر‬ ‫اخلواطَ بني بين وطن وايد ودين وايد ‪ ،‬رجِء أ تتخلى اّقوة خمتِرة عن اّقصَ بعد أ يبلغهِ املنشور‬ ‫اّسلطِين اّذي أرسلنِه إِّكم‪.‬‬ ‫بنِء علِه أرجو املبِدرة إىل تسوية هذه املسأّة إ كِ أمَ يَكتهِ صِدراً منكم[(‪.])79‬‬ ‫‪ 27‬ـ ‪ 28‬ذي احلجة سنة (‪ 1334‬هـ)‬ ‫فَد علِه اّسِد حممد إدريس بَسِّة قِل فِهِ‪:‬‬ ‫((‪ ...‬وذكَمت نزول عسِكَان بسَت ؛ فصحِح ذّك قبل قدومكم ‪ ،‬إذ كِنت اّفنت مشتعلة بني‬ ‫اّسوحيلي وتَهونة ‪ ،‬فأجربان احلِل على أ نطفئهِ ٍ‬ ‫{وإِ ْ‬ ‫أبي كِ ‪ ،‬قِل تعِىل‪ ...{ :‬وذكَ ن‬


‫ِ ِ‬ ‫جَات‪ ، ]9 :‬فأرسلنِ اجلِش ونزل بسَت من دو إذ أيد‪ ...‬وهِ حنن أمَانهم أب‬ ‫طنِئ نفتنِ [احلُ ن‬ ‫يقفوا ابّقصَ‪.‬‬ ‫وحنن ال غَض ّنِ إال احتِد اإلسالم وختلِص رقِب املسلمني فقط ‪ ،‬كمِ أننِ أنمل من جِنبكم معِونتنِ‬ ‫على إطفِء اّفنت‪ ...‬وحنن وأنتم ال فَق بِننِ ‪ّ ،‬كنِ قصدان شَيف وحمِرب حتت اَّاية اإلسالمِة‬ ‫اّعثمِنِة[(‪.])80‬‬ ‫‪ 8‬حمَم سنة (‪ 1335‬هـ)‬ ‫حممد إدريس بن اّسِد املهدي‬ ‫كِنت تَكِة يَيصة على دعم ثورة ِّبِة يف تلك األَيم ‪ ،‬وّذّك أرسلت األمري عثمِ فؤاد قِئداً عِمًِ‬ ‫بدل اّبِروين يف مِرس (‪ 1918‬م) ‪ ،‬وكِ يف صحبته اّبِرو فَيد فو توندروف األملِين اّذي جِء‬ ‫معه فَيق فين ّتسِري اّتلغَاف اّالسلكي ‪ ،‬وكِ األمري عثمِ حيمل ّقب (اّقِئد األعلى ّلقوات‬ ‫اإلفَيقِة)[(‪.])81‬‬ ‫جِء األمري عثمِ فؤاد إىل مصَاتة يف مِرس سنة (‪ 1918‬م) ‪ّ ،‬تنفِذ سِ​ِسة متفق علِهِ بني اّرتك‬ ‫واألملِ ّتغذية اّثورة يف طَابلس ضد اّطلِ​ِ ‪ ،‬يىت إذا مِ وافقوا يِوّوا أ َتتد اّثورة إىل بَقة ّإلغِرة‬ ‫على اإلنكلِز يف مصَ مَة اثنِة‪.‬‬ ‫وكِ ممِ تنطوي علِه هذه اّسِ​ِسة إيِ​ِء فكَة مجهورية مشِل إفَيقِة اّيت قِمت من أجلهِ ثورة احلِمة‬ ‫املضي يف اّعمل من‬ ‫بتونس عِم (‪ 1915‬م) ‪ ،‬وقد وجدوا من نشِط اّطَابلسِني مِ شجعهم على ِ‬ ‫أجلهِ‪.‬‬ ‫كِ االستعمِر اّفَنسِوي يف مشِل إفَيقِة مضَب املثل يف االستبداد ابملسلمني واإلسِءة إِّهم ‪ ،‬وكِ‬ ‫األيَار من اّتونسِني ‪ ،‬واجلزائَيني ‪ ،‬واملَاكشِني يفكَو دائمًِ يف اّتخلص من هذا اّكِبوس اّذي‬ ‫جثم على صدورهم ‪،‬‬ ‫وسلب يقوقهم ‪ ،‬وقد انتهزوا فَصة نشوب احلَب يف عِم (‪ 1914‬م) ‪ ،‬فأّف مجِعة منهم يف‬ ‫اآلستِنة وفداً أخذ يعمل إلنشِء (مجهورية مشِل إفَيقِة) ينضوي حتت ّوائهِ من يدود مصَ إىل‬ ‫يدود حبَ اّظلمِت ‪ ،‬وكِ يف مقدمة هؤالء اّسِدة اجملِهدين اّسِد علي ابشِ ينبه ‪ ،‬واّشِخ صِحل‬ ‫اّشَيف ‪ ،‬واّشِخ إمسِعِل اّصفِجيي ‪ ،‬وهؤالء اّثالثة من تونس ‪ ،‬ومعهم مجِعة من اجلزائَيني‬


‫واملَاكشِني ‪ ،‬وزار اّوفد انظَ اخلِرجِة اّعثمِنِة ‪ ،‬وأبلغه رغبة سكِ مشِل إفَيقِة يف االستقالل ‪،‬‬ ‫وإنشِء مجهورية إفَيقِة متحدة ‪ ،‬وطلبوا منه إبالغ ذّك إىل أملِنِة واّنمسة رمسِ​ًِ ‪ ،‬وأ يسمح هلم‬ ‫ابّسفَ إىل بَّني وفِ​ِنِ ّبسط مطِّبهم واحلصول على اّوعود واملسِعدات اّالزمة‪.‬‬ ‫وعَض اقرتاح اّوفد على سفري أملِنِة يف تَكِة ‪ ،‬فأبلغه أب يكومته ال تتعهد ألبنِء مشِل إفَيقِة‬ ‫ابالستقالل إال إذا اثروا على اّفَنسِويني اّذين حيتلو بالدهم ‪ ،‬وغِدر اّوفد اآلستِنة عقب ذّك إىل‬ ‫بَّني وزار وزارة اخلِرجِة األملِنِة ‪ ،‬وقدم طلبِته ‪ ،‬فقبلتهِ وسجلتهِ رمسِ​ًِ ‪ ،‬كمِ اعرتفت هبِ اّنمسة‬ ‫وتَكِة أيضًِ ‪ ،‬فكِ ذّك أول اعرتاف دويل ابجلمهورية اإلفَيقِة املتحدة يف مشِل إفَيقِة‪ .‬وقصد اّوفد‬ ‫بعد ذّك إىل الهِي (مقَ احملكمة اّدوِّة) ‪ ،‬فسجل هذا االعرتاف يف سجالهتِ؛ أل عصبة األمم مل‬ ‫تكن أنشئت إذ ذاك‪.‬‬ ‫وتنفِذاً َّغبة األملِ يف اّثورة على اّفَنسِويني ‪ ،‬ورجِء اّوفِء مبِ وعدوا به اّوفد من املسِعدة ‪ ،‬وإمداد‬ ‫اّثورة مبِ يلزمهِ من املِل واالت احلَب وإنشِء مجهورية مشِل إفَيقِة ؛ قِمت ثورة احلِمة سنة (‪1915‬‬ ‫م) ‪ ،‬فِضطَت فَنسة إىل أ تَسل من جِشهِ ثالثني أّفًِ إلمخِد اّثورة ‪ ،‬وقد اختريت احلِمة مكِانً‬ ‫ّلثورة ّقَهبِ من احلدود اّطَابلسِة ‪ ،‬وِّسهل االتصِل هبِ واالستنِد إِّهِ ‪ ،‬وكِنت إذ ذاك على أشدهِ‬ ‫‪ ،‬وقد قِم هبذه اّثورة اّشِخ سعِد داب من أعِ​ِ جنوب تونس ‪ ،‬وممثله يف اجلمعِة اّشورية ‪ ،‬فأغِر‬ ‫على مَاكز اّفَنسِويني يف احلِمة ‪ ،‬وقد تداركهِ اّفَنسِويو جبِوشهم ‪ ،‬فأمخدوهِ يف مدة مخسة أَيم ‪،‬‬ ‫وأسفَت عن قتل اّشِخ سعِد وابنه وخِدمه ‪ ،‬ومجِعة من رجِّه ‪ ،‬وعن حنو مئة قتِل من اّفَنسِويني‪.‬‬ ‫وانتقم اّفَنسِويو ممن وقعوا يف أيديهم من أنصِر اّشِخ سعِد ابّقتل واّشنق واّسجن‪ .‬واّتجأ كثري‬ ‫منهم إىل احلدود اّطَابلسِة ‪ ،‬وجِهدوا مع اّطَابلسِني ‪،‬‬ ‫وكِنوا يسموهنم املهِجَين ‪ ،‬وكِ كبريهم اّشِخ اّويِشي رَمه هللا[(‪.])82‬‬ ‫إ هذه اّثورة ‪ ،‬وهذه اّدعوة ّقِ​ِم مجهورية مشِل إفَيقِة حتتِج إىل دراسة واعِة ‪ ،‬متأنِة ‪ ،‬عمِقة ‪ّ ،‬عل‬ ‫األجِ​ِل تستلهم دروسًِ من املِضي وجتعلهِ نرباسًِ هلِ يف املستقبل‪.‬‬ ‫كِنت احلَب إذ ذاك قِئمة يف جزيَة اّعَب بني اإلنكلِز واّعَب من انيِة ‪ ،‬وبني اّرتك من انيِة‬ ‫أخَى ‪ ،‬ومل يطل األمَ يىت رجحت كفة اإلنكلِز على اّرتك ‪ ،‬مث اشتد اّضغط علِهم من اجلِوش‬ ‫اّعَبِة واإلنكلِزية يف اّشِم ‪ ،‬وتاليقت علِهم اهلزائم ‪ ،‬وحتطمت جِوشهم ‪ ،‬وضعفت عزائمهم ‪،‬‬ ‫واضطَوا ّالستسالم ‪ ،‬وعقد اّرتك واحللفِء معِهدة جزيَة موندروس يف (‪ 31‬أكتوبَ سنة ‪ 1918‬م) ؛‬


‫تعهدت فِهِ بسحب جِوشهِ من مجِع اّبالد ‪ ،‬وممِ جِء يف هذه املعِهدة ممِ يتعلق بطَابلس يف املِدة‬ ‫‪(( :17‬جيب على مجِع اّضبِط اّرتك يف طَابلس اّغَب أ يسلموا أنفسهم إىل أقَب مَكز إيطِيل ‪،‬‬ ‫وجيب على تَكِة أ تقطع األرزاق واملسِعدات وكل صلة مع هؤالء إذا مل يذعنوا ويسلموا))‪.‬‬ ‫وجِء يف املِدة ‪(( :19‬تسلم مجِع املواأنى يف طَابلس ومصَاتة إىل أقَب قِئد جلِوش احللفِء))‪.‬‬ ‫وكِنت هذه املعِهدة اخَ سالح استعمله احللفِء ّقطع صلة اّرتك ابّعَب ‪ ،‬كمِ كِنت اخَ عهد‬ ‫اّعَب بدوّة ال عثمِ اّيت تفككت أوصِهلِ ‪ ،‬وتَاخت هبِ احلِ​ِة ‪ ،‬وزال ظلهِ بعد أ يكمتهِ‬ ‫(‪ )416‬سنة ‪ ،‬من عِم (‪ 922‬هـ إىل ‪ 1338‬هـ) مل تنقطع صلتهِ هبِ ‪ ،‬يىت وصلت يف اخَ عهدهِ‬ ‫إىل أيط اّدركِت ‪ ،‬وطوى اّتِريخ صفحِته على مِهلِ ومِ علِهِ[(‪ ، ])83‬وّقد تعَضت ّلدوّة‬ ‫اّعثمِنِة يف كتِيب اّسِدس (اّدوّة اّعثمِنِة عوامل اّنهوض وأسبِب اّسقوط)‪.‬‬ ‫إ هلل سبحِنه وتعِىل سننًِ اثبتة يف يَكة اإلنسِ يف هذا اّكو ‪ ،‬وهذه اّسنن ـ كمِ عَفنِ علِهِ‬ ‫اّقَا اّكَمي ـ ذات ارتبِط وثِق بقضِة اإلميِ واّكفَ ‪ ،‬واّعدل واّظلم ‪ ،‬وقضَِي اّسلوك االجتمِعي‬ ‫واألخالقي ّلمجتمعِت اّبشَية ‪ ،‬واّذي حيدد‬ ‫ّنِ اجتِهِت اّسنن اَّابنِة هو اّقَا اّكَمي ؛ فهو اّذي عَفنِ ابخلري واّشَ وابحلق واّبِطل ‪ ،‬واّعدل‬ ‫واّظلم[(‪ ، ])84‬وقد بني ّنِ اّقَا اّكَمي أ احلِ​ِة اهلِدئة املبِركة االمنة ال تكو إال يف ظل اإلميِ‬ ‫واّتقوى واالستقِمة على منهج هللا تعِىل‪.‬‬ ‫قِل تعِىل‪[ :‬األعَاف‪{ :‬وّنو أن َ أنهل اّْ ُقَى آمنُوا واتَـ نقوا ّننفتنحننِ علنِ ِهم بـَنك ٍ‬ ‫ِت ِم نن اّ َس نم ِ​ِء نواأل ْنر ِ‬ ‫ض‬ ‫ن ْ ْ ن ن ن ن ْ ْ ن ْ ْ نن‬ ‫وّن ِكن نك َذبوا فنأنخ ْذ نانهم ِمبنِ نكِنُوا يك ِ‬ ‫[األعَاف‪]96 :‬‬ ‫ْسبُو ن‬ ‫ن‬ ‫ن ْ ُ ن ُْ‬ ‫ن‬ ‫وإ اإلعَاض عن منهج هللا وتَك اّعمل بشَيعته يؤدي ابألمة إىل مدارك اهلالك ‪ ،‬وضنك احلِ​ِة املِدية‬ ‫منهِ واّنفسِة ‪ ،‬ويَفع اّتمكني واّنصَ ‪ ،‬وتنزل اهلزمية واخلذال بسبب املعِصي ‪ ،‬واّذنوب ‪ ،‬واّكبِئَ ‪،‬‬ ‫واالبتعِد عن صَاط هللا املستقِم ويبله املتني‪.‬‬ ‫ّقد كِ ّسقوط تَكِة يف احلَب اّعِملِة األوىل أثَ سِ​ِأى على يَكة اجلهِد بطَابلس ‪ ،‬وسِهم خرب‬ ‫سقوطهِ يف إمخِد جذوة احلمِس ‪ ،‬وبث يف قلوب اّطَابلسِني اّوهن ‪ ،‬وأفزعهم كثرياً على مصريهم‬ ‫املظلم‪.‬‬ ‫وسَعِ مِ انتشَ خرب هزمية تَكِة يف مصَاتة ‪ ،‬وامتد منهِ إىل غريهِ ‪ ،‬فِضطَبت أيوال اّنِس ‪،‬‬ ‫وهِجت نفوسهم ‪ ،‬وتشوشت أفكِرهم‪.‬‬


‫كِ ّسقوط تَكِة سبب رئِسي يف ظهور فكَة اجلمهورية اّطَابلسِة ‪ ،‬وطَيت على بسِط اّبحث ‪،‬‬ ‫واشرتك فِهِ رمضِ بك ‪ ،‬وعزام بك ‪ ،‬واّبِروين ابشِ ‪ ،‬واألمري عثمِ ‪ ،‬وخمتِر بك كعبِر ‪ ،‬وانتهت‬ ‫نتِئج املبِيثِت ابملوافقة على فكَة أتسِس اجلمهورية ‪ ،‬وأرسلت اّدعوة إىل رؤسِء اّقبِئل وزعمِئهِ‬ ‫وشِوخهِ ابسم األمري عثمِ ّعقد اجتمِع عِم يف مسالتة إلعال اجلمهورية ‪ ،‬ويف يوم اّسبت اّثِّث‬ ‫عشَ من صفَ سنة (‪ 1337‬هـ) ‪ ،‬املوافق (‪ )16‬من نوفمرب سنة (‪ 1918‬م) اجتمعت اّوفود‬ ‫اّطَابلسِة يف جِمع اجملِبَة مبسالتة ‪ ،‬وهو أكرب جِمع فِهِ ‪ ،‬ويضَ األمري عثمِ فؤاد ‪ ،‬وأخرب‬ ‫املؤَتَين أ األستِذ عبد اَّ​َمن عزام بك سِخطب فِهم ابّنِ​ِبة عنه ‪ ،‬وأنه سِتحدث نِ​ِبة عنه ‪،‬‬ ‫وطلب منهم املوافقة على مِ سِطلبه منهم‪.‬‬ ‫يث فِهِ اّنِس على ويدة اّصف ‪ ،‬ونبذ اخلالف ‪ ،‬وعلى اّعمل‬ ‫وخطب األستِذ عزام خطبة مؤثَة َ‬ ‫اجلِد ّلوصول إىل استقالل اّبالد ‪ ،‬وطَد اّغزاة ‪ ،‬مث طَح علِهم فكَة إنشِء يكومة وطنِة تتويد فِهِ‬ ‫اّكلمة ‪ ،‬وتتوىل أمور اّبالد ‪ ،‬وتنظَ يف شؤو األمة ‪ ،‬فلقِت اّفكَة استجِبة من اجلمِع ‪ ،‬وإمجِعًِ‬ ‫بدو خالف ‪ ،‬ومسِت اجلمهورية اّطَابلسِة[(‪ ، ])85‬وأجَيت االنتخِابت يف احلِل الختِ​ِر أعضِء‬ ‫اجلمهورية ‪ ،‬فأسفَت االنتخِابت عن االيت‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬تشكِل جملس إدارة اجلمهورية‪:‬‬

‫وكِ أعضِء هذا اجمللس أربعة من أقوى اّزعمِء نفوذاً على سكِ منطقتهم وهم‪ :‬سلِمِ اّبِروين ‪،‬‬ ‫أَمد بك املَيض ‪ ،‬ورمضِ بك اّسوحيلي ‪ ،‬عبد اّنيب بك ابخلري ‪ ،‬وكِنت مجِع اّقَارات واألوامَ‬ ‫اّصِدرة من هذا اجمللس ‪َ ،‬تضى أبمسِء األعضِء األربعة ‪ ،‬إظهِراً الحتِد أصحِهبِ وتقوية العتمِدهِ بني‬ ‫اّنِس ‪ ،‬وانتخب إىل جِنب األربعة مَاقب ومديَ مِيل ملِِّة اجلمهورية ‪ ،‬هو زعِم غَ​َي خمتِر بك‬ ‫كعبِر ‪ ،‬وكِ ذا ثقِفة عصَية عِِّة درسهِ ابملعِهد اّرتكِة ‪ ،‬وكِ أيد نواب طَابلس يف اّربملِ‬ ‫اّعثمِين إبستِنبول ‪ ،‬وجعل األستِذ عبد اَّ​َمن عزام مستشِراً ّشؤو اجلمهورية ‪ ،‬وارتبط مبجلس‬ ‫اإلدارة مجِع املوظفني ‪ ،‬وشؤو اجلهِد ‪ ،‬واألمور االجتمِعِة‪.‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬جملس شورى اجلمهورية‪:‬‬ ‫وشكلت اهلِئة اّثِنِة ؛ وهي جملس شورى اجلمهورية ‪ ،‬واّغِية من إجيِده هو ِّسِند جملس اإلدارة‬ ‫احلكومِة ‪ ،‬يف قِ​ِمهِ أبعمِل وواجبِت تشبه ـ إىل يد مِ ـ وظِئف جملس اّنواب ‪ ،‬واّشِوخ يف اّبلدا‬


‫األخَى ‪ ،‬ذات األنظمة اّدستورية ‪ ،‬وقد أتّف هذا اجمللس من أربعة وعشَين (‪ )24‬عضواً ‪ ،‬ضم كِفة‬ ‫أعِ​ِ اجلهِت من فزا جنوابً إىل اّعجِالت مشِالً ‪ ،‬ومن سَت شَقًِ إىل انّوت وغدامس غَابً‪.‬‬ ‫واختِروا اجملِهد اّكبري ‪ ،‬اّشِخ حممد بك ُسوف زعِم قبِلة احملِمِد ويفِد غومة احملمودي صِيب‬ ‫اّثورة اّكبرية ضد اّرتك ؛ رئِسًِ جمللس اّشورى ‪ ،‬وانئبه‬ ‫حيىي بك اّبِروين ‪ ،‬شقِق سلِمِ اّبِروين[(‪.])86‬‬ ‫وأمِ ابقي األعضِء فهم‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ اّشِخ عبد اّصمد اّنعِس عضواً تَهونة‬ ‫عضواً مسالتة‬ ‫‪ 2‬ـ اّشِخ مفتِح اّرتيكي‬ ‫‪ 3‬ـ اّشِخ علي بن ريِب عضواً قمِطة‬ ‫عضواً اّسِيل‬ ‫‪ 4‬ـ احلِج حممد بن خلِفة‬ ‫عضواً زِّنت‬ ‫‪ 5‬ـ عبد اّسالم اجلداميي‬ ‫‪ 6‬ـ احلِج علي املنقوش عضواً مصَاتة‬ ‫عضواً سَت‬ ‫‪ 7‬ـ حممد املنتصَ‬ ‫عضواً أرفلة‬ ‫‪ 8‬ـ مفتِح اّتِيب‬ ‫عضواً أوالد أيب سِف‬ ‫‪ 9‬ـ اّسِد حممد بن بشري‬ ‫عضواً من مَزق ـ فزا‬ ‫‪ 10‬ـ عبد اَّ​َمن بن بَكِ‬ ‫‪ 11‬ـ حممد بن أَمد اّفِيدي عضواً اّشِطأى‬ ‫‪ 12‬ـ اّشِخ احلبِب عز اّدين عضواً غدامس‬ ‫عضواً اجلبل‬ ‫‪ 13‬ـ إبَاهِم أبو األيبِس‬ ‫‪ 14‬ـ احلِج حممد فكِين عضواً اَّجبِ‬ ‫عضواً اّزنتِ‬ ‫‪ 15‬ـ اّشِخ أَمد اّبدوي‬ ‫‪ 16‬ـ سِمل اّربشوشي عضواً اجلبل ـ يفَ‬ ‫عضواً ككلة‬ ‫‪ 17‬ـ علي بن عبد اَّيِم‬ ‫‪ 18‬ـ اّشِخ شطِبة عضواً غَ​َي‬ ‫‪ 19‬ـ علي بن تنتوش عضواً ورشفِنة‬


‫‪ 20‬ـ عبد اَّ​َمن شاليب عضواً اّزاوية‬ ‫عضواً اّنوايي األربع‬ ‫‪ 21‬ـ علي شاليب‬ ‫‪ 22‬ـ عبِدة احملجويب[(‪ ])87‬عضواً عن صَمِ واّعجِالت‬ ‫اثّثًِ‪ :‬جملس اجلمهورية اّشَعي‪:‬‬ ‫وعَُفت اهلِئة اّثِّثة ابسم (جملس اجلمهورية اّشَعي) ‪ ،‬وكِنت أعمِّه وأيكِمه اّقضِئِة وفقًِ أليكِم‬ ‫اّفقه اإلسالمي ‪ ،‬على مذهب اإلمِم مِّك وعَُْف تقِِّد اّبالد ‪ ،‬وأسندت عضويته إىل أربعة من كبِر‬ ‫اّعلمِء ؛ وهم‪:‬‬ ‫اّشِخ اّزروق بوخَيص (من غَ​َي ) ‪ ،‬اّشِخ حممد اإلمِم (من اّزنتِ ) ‪ ،‬اّشِخ عمَ املسِوي (من‬ ‫اّزاوية) ‪ ،‬اّشِخ خمتِر اّشكشوكي (من مدينة طَابلس)[(‪.])88‬‬ ‫مؤشَات ودالئل‪:‬‬ ‫كِ الختِ​ِر اسم اجلمهورية دالّة واضحة على اطالع اّلِبِني يف ذّك اّوقت على أنواع األنظمة‬ ‫اّسِئدة يف اّعِمل ؛ ومنهِ‪ :‬اّنظِم اجلمهوري ‪ ،‬وإلطالق ّفظ اّشورى دالّته اخلِصة اّيت تويي‬ ‫ابّتأصِل واّتمسك ابملصطلح ‪ ،‬ومِ يضِفه ذّك املصطلح من أبعِد إسالمِة واترخيِة ‪ ،‬كمِ تدّنِ على‬ ‫معَفة األجداد ألمهِة اّشورى ‪ ،‬وأهنِ من قواعد اّنظِم اإلسالمي اّيت تسِهم يف إقِمة اجملتمع املسلم‪.‬‬ ‫قِل تعِىل‪[ :‬اّشورى‪ِ َ :‬‬ ‫استن نجِبُوا ِّنَهبِ​ِ ْم نوأنقن ُِموا اّ َ‬ ‫صالننة نوأ ْنم َُُه ْم ُش نورى بنـِْـننـ ُه ْم نوِممَِ نرنزقْـننِ ُه ْم يـُْن ِف ُقو ن‬ ‫ين ْ‬ ‫ن‬ ‫{واّذ ن‬ ‫[اّشورى‪]38 :‬‬ ‫ّقد قَنت االية اّكَمية اّشورى بني املسلمني إبقِمة اّصالة ‪ ،‬فدل ذّك على أ يكم اّشورى كحكم‬ ‫اّصالة واجبة شَعًِ ‪ ،‬فكذّك اّشورى واجبة شَعًِ[(‪.])89‬‬ ‫إ هذه االية قد نزّت يف سورة ُِمسِت سورة اّشورى ‪ ،‬وهي مكِة ‪ ،‬وّقد جِءت مؤكدة أ تكو‬ ‫اّشورى صفة مالزمة ّلجمِعة اإلسالمِة ‪ ،‬وسلوكًِ اجتمِعِ​ًِ ال يغِدرهم قبل قِ​ِم اّدوّة اإلسالمِة‬ ‫وبعد قِ​ِمهِ ‪ ،‬فإ كلمة من أّفِظ‬ ‫اّعموم تشمل مجِع شؤوهنم يف احلِ​ِة اّعِمة ‪ ،‬واملشرتكة[(‪.])90‬‬ ‫كمِ أ اعتمِد طَيقة اّرتشِح واالنتخِب كوسِلة مثلى ّتويل املسؤوِّة واّوصول إىل املنِصب اّسِ​ِسِة‬ ‫اهلِمة يف اّدوّة إشِرة ودالّة على اهتمِم األجداد هبذا املبدأ ؛ رغم أ اّفرتة كِنت فرتة جهِد ويَب‬ ‫واستنفِر‪.‬‬


‫كمِ أ اختِ​ِر املسجد (جِمع اجملِبَة) ّالجتمِع وإجَاءات اّرتشِح واالنتخِابت ‪ ،‬واالتفِق على‬ ‫إقِمة اجلمهورية ‪ ،‬واّتعهد إبقِمة اّعدل ‪ ،‬يؤكد على أ نظَة اجملِهدين ّلجِمع ال تقتصَ على اعتبِره‬ ‫مكِانً ّلعبِدة فقط ‪ ،‬وإمنِ هو حملٌّ ّلعمل اّسِ​ِسي ‪ ،‬واّنشِط االجتمِعي ‪ ،‬واحلكم اّقضِئي ‪ ،‬كِنت‬ ‫مسِجد بالدان عِمَة ابّنشِطِت اّشِملة ‪ ،‬ونَجو من هللا تعِىل أ يوفق املسلمني ّلعمل اّدؤوب يىت‬ ‫تَجع املسِجد شعلة نور ‪ ،‬وحمضن تَبِة ‪ ،‬ومنرباً ّلدعوة إىل هللا‪.‬‬ ‫إ املسِجد يف بالدان أصبحت يف أيسن أيواهلِ مقتصَة على أداء اّصلوات فِهِ ‪ ،‬وجَدت من‬ ‫مهِمهِ األخَى‪.‬‬ ‫دِّل على معَفتهم ّوظِئف‬ ‫إ مِ قِم به األجداد من اّتقِء واجتمِع يف مسجد اجملِبَة يف مسالتة ٌ‬

‫املسجد يف األمة‪.‬‬ ‫ّقد كِ املسجد يف عهد رسول هللا (ص) مكِ االجتمِع اّعِم اّذي كِنت جلسِت اّشورى تعقد‬ ‫فِه ‪ ،‬وكِ يتم توزيع اّعطَِي ‪ ،‬كمِ كِنت اّتربعِت جتمع ّلمحتِجني‪ ..‬إىل اخَه‪.‬‬ ‫ومن األدّة على ذّك‪:‬‬ ‫استشِرة اّنيب (ص) أصحِبه رضي هللا عنهم يف غزوة أيد ‪ ،‬فقد استشِرهم يف املسجد بعد صالة‬ ‫ِ‬ ‫متحصنني داخل املدينة ‪ّ ،‬كن األغلبِة من اّشبِب كِنت‬ ‫اجلمعة ‪ ،‬وكِ رأيه (ص) أ يبقى املسلمو‬ ‫تفضل مالقِة املشَكني خِرج املدينة يىت ال يفوهتم أجَ اّشهِدة يف سبِل هللا اّذي فِهتم يوم بدر ‪،‬‬ ‫وقد فضل اّنيب (ص) اّنزول عند رغبتهم أخرياً ‪ ،‬فخَج ملالقِة املشَكني خِرج املدينة[(‪.])91‬‬ ‫إ األدّة يف هذا املعىن كثرية ‪ ،‬ومن أراد اّتوسع فعلِه مَاجعة كتِب اّدكتور حممد أَمد (كِف نعِد‬ ‫ّلمسجد مكِنته؟)‪.‬‬ ‫كمِ إ تشكِل اجمللس اّشَعي ّلنظَ يف قضَِي اجلمهورية اّوِّدة ‪ ،‬واملخِّفِت واجلنَِيت بني املواطنني‬ ‫‪ ،‬وحتديد اّعلمِء اّذين يشَفو على هذه املهمة ؛ ّدالّة قِطعة على ايرتام األجداد ّلعلمِء واّفقهِء‬ ‫‪ ،‬وعلى يَصهم على جعل اّشَيعة اإلسالمِة هي اّدستور ّلجمهورية ممِ يؤكد اجتهِد اّلِبِني األصِل‬ ‫‪ ،‬وعدم جنِح اّغزو اّفكَي يف ذّك اّوقت يف اّتأثري على اختِ​ِرات املواطنني اّنِبعة من عقِدهتم‬ ‫ودينهم وتَاثهم اإلسالمي اّعظِم‪.‬‬ ‫إ من أخطَ عوائق اّنهوض ابألمم‪ :‬غِ​ِب اّقِ​ِدة اَّابنِة ‪ ،‬وذّك أ قِدة األمة عصب يِ​ِهتِ ‪،‬‬ ‫ومبنزّة اَّأس من جسدهِ ‪ ،‬فإذا صلح اّقِدة صلحت األمة ‪ ،‬وإذا فسد اّقِدة صِر هذا اّفسِد إىل‬


‫األمة ‪ ،‬وّقد فطن أعداء اإلسالم ألمهِة اّقِ​ِدة يف يِ​ِة األمة اإلسالمِة ‪ ،‬وّذّك يَصوا كل احلَص‬ ‫على أال ميكنوا اّقِ​ِدات اَّابنِة من امتالك نواصي األمور ‪ ،‬وأزَمة احلكم يف األمة اإلسالمِة ؛ ففي‬ ‫خطة ّويس اّتِسع أوصى بـ (عدم َتكني اّبالد اإلسالمِة واّعَبِة من أ يقوم هبِ يِكم صِحل) ‪ ،‬كمِ‬ ‫أوصى بـ (اّعمل على إفسِد أنظمة احلكم يف اّبالد اإلسالمِة ابَّشوة ‪ ،‬واّفسِد ‪ ،‬واّنسِء ‪ ،‬يىت‬ ‫تنفصل اّقِعدة عن اّقمة)[(‪.])92‬‬ ‫إ اّعمل اّسِ​ِسي عندمِ يكو خِِّ​ًِ من اّعلمِء اَّابنِني ال تتحقق مثِره املَجوة‪ .‬إ اّعلمِء اَّابنِني‬ ‫هم اّذين جعل هللا عز وجل عمِد اّنِس علِهم يف اّفقه واّعلم وأمور اّدين واّدنِ​ِ ‪ ،‬واّعلمِء وهم‪:‬‬ ‫{و نج نع ْلننِ ِمْنـ ُه ْم أنئِ َمةً‬ ‫أئمة اّدين ‪ ،‬انّوا هذه املنزّة اّعظِمة ابالجتهِد ‪ ،‬واّصرب ‪ ،‬واِّقني [اّسجدة‪ :‬ن‬ ‫جدة‪]24 :‬‬ ‫صبنـ َُوا نونكِنُوا ِ​ِب نَيتِننِ يُوقِنُو ن [اّ َس ن‬ ‫ينـ ْه ُدو ن ِأب ْنم َِنان ّن َمِ ن‬ ‫إ اّعمل اّسِ​ِسي يف بالدان ٍ‬ ‫خِل من اّعلمِء اَّابنِني ‪ ،‬وكأ اّعِمل اَّابين واّعمل اّسِ​ِسي طَيف‬ ‫نقِض ؛ وهذا فهم خِطأى ‪ ،‬بل اتريخ األمة يف صَاعهِ بني احلق واّبِطل ‪ ،‬واهلدى واّضالل ‪ ،‬واّنور‬ ‫واّظالم ‪ ،‬خلري دِّل على دور اّعلمِء اَّابنِني يف يَكة اّنهوض‪.‬‬

‫والبد من اّتفَيق بني اّعلمِء ‪ ،‬واملفكَين ‪ ،‬واملثقفني‪ .‬إ مفكَي األمة هلم مكِنتهم ‪ ،‬وقد نفع هللا هبم‬ ‫نفعًِ كبرياً ‪ ،‬وّكنهم مع ذّك ّن يغنوا عن اّعلمِء شِئًِ إال يف يدود علمهم وقدراهتم ‪ ،‬كمِ إ املثقفني‬ ‫ـ وهم فئة من األخِ​ِر اّصِحلني ـ ذوو ختصصِت علمِة بَزوا فِهِ ‪ ،‬سواء يف اّعلوم اّتجَيبِة ؛ مثل‪:‬‬ ‫اّطب واهلندسة واّكِمِ​ِء ‪ ،‬أو يف اّعلوم املسمِة بـ (اّعلوم اإلنسِنِة) ؛ مثل‪ :‬علم اّنفس وعلم اّرتبِة‬ ‫وعلم االجتمِع ‪ ،‬فهؤالء وإ ُِ‬ ‫َم ند هلم ختصصهم يف مثل هذه اّعلوم فصِروا مَجعًِ فِهِ ‪ ،‬فإهنم غري‬ ‫خمتصني يف اّعلوم اّشَعِة ‪ ،‬وهم يف االصطالح اّعلمي اّشَعي مجهور املسلمني وعوامهم اّذين جيب‬ ‫علِهم أ يكونوا وراء اّعلمِء ‪ ،‬وجيب علِهم أ يَجعوا ّلعلمِء يف أمور اّشَيعة ‪ ،‬ويكونوا عوانً هلم يف‬ ‫شَح واقع ختصصِهتم ‪ ،‬فِّطبِب يشَح األمور اّطبِة ‪ ،‬واالقتصِدي يشَح اجلوانب االقتصِدية اّعصَية‬ ‫‪ ،‬وهكذا ِّفهم اّعلمِء واّفقهِء األمور على يقِقتهِ ‪ ،‬ويستخَجوا احلكم اّشَعي وفق دراسة واعِة‬ ‫ومتفتحة ‪ ،‬إ كالم املفكَين واملثقفني جيب أ يكو حمكومًِ ابّشَع ‪ ،‬وأمِ إذا بىن هؤالء املثقفو‬ ‫واملفكَو كالمهم يف أمور اّشَيعة وأيوال األمة اّعِمة على أسِس من اّعقول واألهواء ‪ ،‬وإطالق‬ ‫اّقول ابملصِحل دو نظَ يف كتِب هللا وسنة رسوّه (ص) وأقوال اّعلمِء اَّاسخني ؛ فإهنم بذّك‬ ‫يكونو أشبه أبهل اّكالم[(‪.])93‬‬


‫والبد من اّتفَيق بني اّقِرأى ّلعلوم اّشَعِة واّفقِه فِهِ؛ إ اّقِرأى ّديه نتف وجزئِ​ِت أمسك هبِ‬ ‫من خالل قَاءاته ّبعض اّكتب ‪ ،‬واطالعه على أقوال أهل اّعلم فهو مل يعِ ِ اّعلم ‪ ،‬ومل يشِفه اّعلمِء‬ ‫‪ ،‬ومل يزاَمهم ابَّكب يف احللق‪.‬‬ ‫أمِ اّعِمل اّفقِه فلِس كأوّئك ؛ بل هو ذو فهم مشويل عِم ّإلسالم ‪ ،‬واطالع على جممل األيكِم‬ ‫اّشَعِة‪ ،‬فهو مل يقَأ نتفًِ‪ ،‬بل درس اّعلوم اّشَعِة دراسة شِملة عِمة‪.‬‬ ‫فمَ على مسِئل اّعلم ‪ ،‬واستطِع ختَجيهِ على أصوهلِ ‪ ،‬وأصبحت ّديه ملكة فهم اّنصوص ‪ ،‬وعَف‬ ‫مقِصد اّشَيعة ‪ ،‬وأهدافهِ اّعِمة‪.‬‬ ‫إ علمه مل أيتِ​ِه من قَاءة ِّلة ‪ ،‬بل من سهَ اّلِ​ِيل ومعِانة األَيم ‪ ،‬فشأ اّعلمِء‬ ‫أهنم ال يقفو عند يد يف اّتعلِم ‪ ،‬بل هم دائمو اّطلب ‪ ،‬دائبو اّتعلم[(‪.])94‬‬ ‫والبد من اّتفَيق بني اّعلمِء واخلطبِء واّوعِظ ؛ إ اّعِمل قد يكو بطبعه قلِل اّكالم غري قِدر على‬ ‫اخلطِبة ‪ ،‬وقد يكو من اّعوام من هو بلِغ اّلسِ يقلب األّفِظ كِف يشِء‪.‬‬ ‫هذا اّتفَيق مهم جداً فِمِ بني اّعلمِء اَّاسخني وممن يشتبه هبم ‪ ،‬وّذّك البد أ يقود اّعمل‬ ‫اإلسالمي اّقِدة اَّابنِو ؛ وعلى رأسهم اّعلمِء اَّاسخو ‪.‬‬ ‫إ اّشَيعة اإلسالمِة أعطت اعتبِراً ّلعلمِء ‪ ،‬وبنته على أمَين مهمني‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ أ َ طِعتهم طِعة هلل ـ عز وجل ـ وَّسوّه (ص) ‪ ،‬فِّتزام أمَهم واجب‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ أ طِعتهم ِّست مقصودة ّذاهتِ ‪ ،‬بل هي اتبعة ّطِعة هللا ورسوّه (ص)‪.‬‬ ‫{َيأنيـُّ نهِ‬ ‫واألدّة على هذه املنزّة ‪ ،‬وهذا االعتبِر ّلعلمِء يف اّشَيعة غري منحصَة ‪ ،‬فمنهِ‪ :‬قوّه تعِىل‪ :‬ن‬ ‫َِ‬ ‫اّلل وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول نوأ ِ‬ ‫ُويل األ ْنم َِ ِمْن ُك ْم [اّنِ نسِء‪]59 :‬‬ ‫نطِعُوا اَّ ُس ن‬ ‫ين نآمنُوا أنطِعُوا َن ن‬ ‫اّذ ن‬ ‫[اّنسِء‪.]59 :‬‬ ‫وقد اختلف املفسَو يف أويل األمَ منهم على أقوال‪:‬‬ ‫فقِل‪ :‬هم اّسالطني وذوو اّقدرة‪.‬‬ ‫وقِل‪ :‬هم أهل اّعلم‪.‬‬ ‫يقول اإلمِم ابن قِم اجلوزية ـ رَمه هللا ـ‪(( :‬واّتحقِق أ األمَاء إمنِ يطِعو إذا أمَوا مبقتضى اّعلم ‪،‬‬ ‫فطِعتهم تبع ّطِعة اّعلمِء ‪ ،‬فإ اّطِعة إمنِ تكو يف املعَوف ومِ أوجبه اّعلم ‪ ،‬فكمِ أ طِعة‬ ‫اّعلمِء تبع ّطِعة اَّسول (ص) ؛ فطِعة األمَاء تبع ّطِعة اّعلمِء ‪ ،‬وملِ كِ قِ​ِم اإلسالم بطِئفيت‬


‫اّعلمِء واألمَاء ‪ ،‬وكِ اّنِس هلم تبعًِ ‪ ،‬كِ صالح اّعِمل بصالح هِتني اّطِئفتني ‪ ،‬وفسِده‬ ‫بفسِدمهِ))[(‪.])95‬‬ ‫إ وضع اّثقة يف اّعلمِء اَّابنِني خلطوة مبِركة يف تَشِد األمة اّيت تسعى حنو حتكِم شَع هللا‬ ‫واّتمكني ّدينه‪.‬‬ ‫إ اّقِ​ِدة اَّابنِة ‪ ،‬واّيت على رأسهِ اّعلمِء اّذين وصلوا إىل درجة اّنظَ يف فقه اإلسالم من كتِب‬ ‫هللا وسنة رسوّه (ص) ‪ ،‬هم اّذين جيب أ يقودوا األمة حنو مَضِةِ هللا‪.‬‬ ‫إ أعداءان من اِّهود ‪ ،‬واّنصِرى ‪ ،‬واملاليدة ‪ ،‬واّعلمِنِني ‪ ،‬أيقنوا أ من أسبِب قوة املسلمني‬ ‫اّتفِفهم يول علمِئهم وقِدهتم ‪ ،‬وّذّك شنوا هجومًِ عنِفًِ من أجل زعزعة ثقة األمة يف علمِئهِ‬ ‫وقِدهتِ ‪ ،‬واستعملوا أسِِّب متنوعة ّلتشويه واّطعن فِهم؛ أل اّعلمِء هم اّوصلة احلقِقِة بني األمة‬ ‫وقَاهنِ وسنة نبِهِ (ص)‪.‬‬ ‫وقد اليظ االستعمِر األورويب احلديث ذّك ‪ ،‬ومِ اّثورات اّيت فُجَت يف وجه االستعمِر إال بقِـِدة‬ ‫اّعلمِء ‪ ،‬واّقِدة اَّابنِني ‪ ،‬من املغَب إىل املشَق ‪ ،‬ويف كل دَير املسلمني ؛ وّذّك قِم اِّهود ‪،‬‬ ‫واّنصِرى ‪ ،‬واملاليدة بتشويه صورة اّقِدة واّعلمِء بوسِطة املسَح ‪ ،‬واّتلفِز ‪ ،‬واجمللة ‪ ،‬واجلَيدة ‪،‬‬ ‫واّنوادي ‪ ،‬واّغنِء ‪ ،‬وكل وسِئل اإلعالم ‪ ،‬وإذا أردت أ تعَف هجومهم اإلعالمي ابتداء من اّعقود‬ ‫املِضِة ‪ ،‬فلرتاجع كتِب (املشِيخ واالستعمِر) ّألستِذ يسين عثمِ ‪ ،‬فإنه أجِد‪.‬‬ ‫إ اّقِ​ِدة احلكِمة وهي تسعى ّتحكِم شَع هللا تعِىل ‪ ،‬وإقِمة دوّة اإلسالم توقن إيقِانً جِزمًِ أ‬ ‫اجملتمع ّن يكو إسالمِ​ًِ جبنَةِ قلم ‪ ،‬أو بقَار يصدر من ملك ‪ ،‬أو رئِس ‪ ،‬أو جملس قِ​ِدة ‪ ،‬أو بَملِ ‪،‬‬ ‫إمنِ يتحقق ذّك بطَيق اّتدرج ‪ ،‬واإلعداد ‪ ،‬واّتهِئة اّفكَيـة ‪ ،‬واّنفسِة ‪ ،‬واألخالقِة ‪ ،‬واالجتمِعِة ‪،‬‬ ‫وإقِمة اّبدائل اإلسالمِة ّألوضِع اجلِهلِـة اّيت أتسست علِهِ مؤسسِت عدة ألزمنة مديدة‪.‬‬ ‫فهي تعني اهلدف ‪ ،‬وتضع اخلطة ‪ ،‬وحتدد املَايل بوعي وصدق ‪ ،‬حبِث تنتقل من مَيلة إىل مَيلة‬ ‫بتخطِط ‪ ،‬وتنظِم ‪ ،‬وإرادة قوية ‪ ،‬معتمدة على هللا تعِىل ؛ يىت تصل املسرية إىل مَيلة اّنهوض‬ ‫اّشِمل ّدوّة اإلسالم املنشودة‪.‬‬ ‫إ اّقِ​ِدة اَّابنِة احلكِمة ‪ ،‬واّيت تسعى ّتحكِم شَع هللا تعطي ّلعلوم أبنواعهِ أمهِة ‪ ،‬وخصوصًِ يف‬ ‫علوم اّشَع ‪ ،‬وتَكِز على علم املقِصد ‪ ،‬وفقه املوازانت ‪ ،‬وفقه اخلالف ‪ ،‬وفقه األوّوَيت ‪ ،‬وفقه اّسنن‬ ‫اَّابنِة ‪ ،‬ألمهِتهِ يف زمِننِ هذا؛ بل‬


‫هي من أفضل اّعدة بعد تقوى هللا تعِىل ّلعِملني من أجل حتكِم شَع هللا[(‪.])96‬‬ ‫إ اّقِ​ِدة اَّابنِة احلكِمة هي اّيت تفجَ طِقِت األمة ‪ ،‬وهي اّيت حتتضن اإلسالم وتنتهجه قلبًِ‬ ‫وقِّبًِ‪ ،‬وعقِدة وشَيعة‪ ،‬ودينًِ ودوّة‪ ،‬وهي اّيت تصبح وَتسي ومهُّهِ عقِدهتِ وأمتهِ ‪ ،‬وهي اّيت تسعى‬ ‫بكل مِ َتلك حلل املشِكل اّيت تواجههِ ‪ ،‬وتعمل بكل جهد وإخالص ّلقضِء على عوائق اّنهوض‬ ‫اّداخلِة واخلِرجِة‪.‬‬ ‫إ اّعمل ّبنِء األمة وإيِ​ِء اّشعوب حيتِج ملعَفة ابّسِ​ِسة اّشَعِة ‪ ،‬وأمور اجلهِد ‪ ،‬واهلدنة ‪،‬‬ ‫واملصِحل واملفِسد ‪ ،‬وغري ذّك من األيكِم اّيت تتنِول مظِهَ احلِ​ِة ‪ ،‬وهذه اّعلوم من هلِ إ مل يكن‬ ‫اّعلمِء اَّابنِو هلِ؟!‬ ‫رابعًِ‪ :‬قسم اجلمهورية واّبالغِت‪:‬‬ ‫مل يستطع بعض أعضِء جملس اّشورى االجتمِع ‪ ،‬بل كِ بعضهم غِئبًِ ‪ ،‬وإمنِ انتخب توزيعًِ‬ ‫ّلمسؤوِّة وحتقِقًِ ّلمسِواة واّويدة بني مجِع اّقبِئل‪.‬‬ ‫وقبل االنصَاف من املسجد أقسم احلِضَو مجِعًِ ميني اّوالء واإلخالص ّلجمهورية ‪ ،‬وتوكِداً ّلِمني‬ ‫أيضَوا مصحفًِ ‪ ،‬وكل من أراد اِّمني وضع يده علِه ؛ وهذا نص اِّمني‪:‬‬ ‫((أقسم ابهلل اّعظِم قِبضًِ بِدي على هذا اّقَا اّكَمي‪ :‬أ أجعل نفسي ومِيل فداء ّوطين ‪،‬‬ ‫ويكوميت اجلمهورية اّطَابلسِة ‪ ،‬وأ أكو ّعدوهِ عدواً وّصديقهِ صديقًِ ‪ ،‬وّقِنوهنِ اّشَعي‬ ‫مطِعًِ))[(‪.])97‬‬ ‫مث وزع األمري عثمِ بعض اّنِ​ِشني واَّتب على أعضِء اجلمهورية وكثري من األعِ​ِ واّوجهِء‪ .‬ومن‬ ‫هذا اّتِريخ أصبحت احلكومة اجلمهورية اّطَابلسِة قِئمة ‪ ،‬وأصبح هلِ عهد يف عنق كل طَابلسي‬ ‫حيمِهِ ممِ حيمي منه نفسه ومِّه ‪ ،‬وأصبح واجبًِ علِه االّتز ُام مبِ أقسم علِه من اّوالء‬ ‫واإلخالص[(‪.])98‬‬ ‫أ ـ بالغِت اجلمهورية‪:‬‬ ‫وكِ أول مِ قِم به جملس اإلدارة من األعمِل أنه أذاع بالغه األول ‪ ،‬على أبنِء اّشعب اّطَابلسي ‪،‬‬ ‫عن قِ​ِم اجلمهورية اّطَابلسِة ‪ ،‬وذيل بتوقِعِت األعضِء األربعة مبجلس اإلدارة ‪ ،‬وكِ هذا نصه‪:‬‬ ‫((بسم هللا اَّ​َمن اَّيِم‪.‬‬


‫يف اّسِعة اَّابعة واّنصف من يوم اّسبت املبِرك ‪ ،‬اّثِّث عشَ من شهَ رمضِ سنة (‪ 1337‬هـ) ‪،‬‬ ‫قَرت األمة تتويج استقالهلِ إبعال يكومة اجلمهورية ابتفِق اراء علمِئهِ األجالء ‪ ،‬وأشَافهِ ‪،‬‬ ‫وأعِ​ِهنِ ‪ ،‬ورؤوسِء اجملِهدين احملرتمني ‪ ،‬اّذين اجتمعوا من كل أحنِء اّبالد ‪ ،‬وقد مت انتخِب أعضِء‬ ‫جملس اجلمهورية ‪ ،‬وإ األمة اّطَابلسِة تعترب نفسهِ يِئزة الستقالهلِ ‪ ،‬اّذي اكتسبته بدمِء أبنِئهِ‬ ‫وقوهتِ ‪ ،‬منذ سبع سنني ‪ ،‬وسعِدة ابّوصول إىل هذه اّغِية اّيت هي أشَف مِ تصل إِّه األمم ‪،‬‬ ‫وهتنأى أبنِءهِ بتمِم جنِيهم واحتِدهم ‪ ،‬على اّثبِت يف اّدفِع عن وطنهم ويكومة اجلمهورية اجلديدة‬ ‫‪ ،‬واّتوفِق من هللا تعِىل ويده))‪.‬‬ ‫‪ 13‬صفَ سنة (‪ 1337‬هـ)‬ ‫سلِمِ اّبِروين ‪ ،‬أَمد املَيض ‪ ،‬رمضِ اّشتِوي ‪ ،‬عبد اّنيب ابخلري[(‪.])99‬‬ ‫ويف أثنِء إعالانت اّبالغِت اّسِ​ِسِة عن اجلمهورية‪ ،‬كِنوا قد اختِروا املتصَفني واّقِئم مقِمني ‪ ،‬ونقل‬ ‫بعضهم ‪ ،‬وعُِني موظفو املنِطق‪ ،‬وعني املوظفو ّلعمل مبجِّس اجلمهورية ‪ ،‬كمِ عني ّقِ​ِدة اجلِش‬ ‫اجلمهوري اّلواء اّفخَي عبد اّقِدر اّغنِي وهو من بنغِزي ‪ ،‬وّكنه مل يكن من املقدرة اّقتِِّة املطلوبة‬ ‫‪ ،‬وبلغ من ضعفه أنه سلم اّزاوية اّغَبِة ّلطلِ​ِ يف أول ينِيَ (‪ 1919‬م)[(‪.])100‬‬ ‫ب ـ اّبالغ اّثِين‪:‬‬ ‫كِ اّبالغ اّثِين إىل اّضبِط اّوطنِني‪:‬‬ ‫((إىل يضَة‪ ....‬اّوطين‪.‬‬ ‫مبِ أ جنِبك وطين صِدق ‪ ،‬وجمِهد يف سبِل اّدين واّوطن منذ ابتداء احلَب اّطَابلسِة ؛ فإننِ‬ ‫ندعوك إىل تقدمي طِعتك حلكومتك اجلمهورية اجلديدة ‪ ،‬واّقِ​ِم مبِ نقلدك إَيه من اخلدمة واّدفِع عن‬ ‫شَف اّوطن يىت تنِل منهِ شَف االيرتام واّرتفِع ‪ ،‬وتربهن ّلعِمل أنك ابن اّوطن اّعزيز وأيد رجِّه‬ ‫اّذين سِحفظ هلم اّتِريخ ذكَهم اجملِد))[(‪.])101‬‬ ‫ج ـ اّبالغ اّثِّث إىل رئِس احلكومة اإليطِِّة‪:‬‬ ‫((تفتخَ األمة اّطَابلسِة بتتويج استقالهلِ إبعال احلكم اجلمهوري ‪ ،‬وانتخِب نواب عنهِ من كِفة‬ ‫أحنِء اّقطَ جمللسي احلكومة واّشورى ‪ ،‬وال هدف هلِ إال ضمِ ويدهتِ ويَيتهِ داخل يدودهِ‬ ‫اّسِ​ِسِة املعَوفة ‪ ،‬وال تقصد إال أ يعِش عِشة هنِئة مسِملة جلمِع األمم اّيت ال حتِول غصب‬


‫يقوقهِ ؛ ّذّك فِحلكومة اجلمهورية اّطَابلسِة تدعو احلكومة اإليطِِّة إىل االعرتاف هبِ ‪ ،‬وسد كل‬ ‫ابب يضطَ احلكومة اّطَابلسِة إىل مداومة احلَب إىل أ حتقق أملهِ املشَوع))(‪.)1‬‬ ‫‪ 13‬صفَ سنة (‪ 1337‬هـ)‬ ‫ملحق‪:‬‬ ‫إذا قبلت املواد االتِة ووضعت موضع اإلجَاء ؛ فِحلكومة اجلمهورية اّطَابلسِة مستعدة ّلبحث مع‬ ‫احلكومة اإليطِِّة يف عقد صلح طبقًِ ّلقواعد االتِة‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ يف يِّة دوام املذاكَة جيب على كل من اّطَفني احملِفظة على مواقعه بصورة هدنة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ال تقَب اّسفن احلَبِة اّسوايل غري احملتلة ابّعسِكَ اإليطِِّة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ ال تتجِوز اّطِئَات يدود االستحكِمِت‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ال تقع خمِبَة خصوصِة مع أي أيد كِ ؛ ال من جهة املنِطق احلَبِة ‪ ،‬وال من غريهِ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ يقطع كل مِ فِه وسِلة ّالختالط ابألهِيل من طَف احلكومة اإليطِِّة ؛ كأخذ وإعطِء اّبضِعة ‪،‬‬ ‫وتوزيع اإلعالانت على أي صورة وأبي طَيقة كِنت‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ املخِبَات اَّمسِة واّدخول واخلَوج ال يكو إال من املوقع اّذي يصري تعِ​ِنه يف منطقة اخلمس من‬ ‫طَف احلكومة اّطَابلسِة‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ احلكومة اجلمهورية اّطَابلسِة مستقلة يف شؤوهنِ ويَكِهتِ َتِم االستقالل ‪ ،‬وغري مقِدة أبي شَط‬ ‫أو قِد تضعه يكومة أخَى أو تتعهد به حلكومة إيطِِّة يف طَابلس‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ ضبِط اّرتك واألملِ املوجودو يف داخل طَابلس هم مبنزّة ضِوف عند احلكومة اّطَابلسِة ‪ ،‬وال‬ ‫تسمح بسفَهم إال بصورة تكفل منفعة وشَف األمة اّطَابلسِة ويكومتهِ اجلمهورية‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ مبِ أ األمة اّطَابلسِة هلِ احلق يف إظهِر يقوقهِ ّلعِمل اإلنسِين ؛ وابخلصوص احلكومِت املوجودة‬ ‫قنِصلهِ يف مدينة طَابلس ؛ مثل‪ :‬إنكلرتة ‪ ،‬وفَنسة ‪ ،‬وأمَيكة ؛ فعلى احلكومة اإليطِِّة قبول وتوصِل‬ ‫مِ يَسل من احلكومة اّطَابلسِة إِّهِ دو اطالع علِه ‪ ،‬وأخذ سندات من اّقنِصل املذكورين ‪،‬‬ ‫وإرسِهلِ إىل احلكومة اّطَابلسِة يىت ال تضطَ إىل اختِذ طَيقة أخَى ملواصلة خمِبَاهتِ املذكورة‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ املخِبَة مع احلكومة اإليطِِّة ال جتوز إال حتَيَاً‪ ،‬وال يعترب أي كالم شفهي[(‪.])102‬‬ ‫‪ 13‬صفَ سنة (‪ 1337‬هـ)‬


‫اإلمضِءات‬ ‫د ـ اّبالغ اَّابع‪ :‬إىل اَّئِس وّسن‪:‬‬ ‫((نتشَف أب نعَض على فخِمتكم أ األمة اّطَابلسِة قد توجت استقالهلِ إبعالهنِ يكومة ومجهورية‬ ‫‪ ،‬ويف (‪ 16‬نوفمرب ‪ 1918‬م) مت انتخِب جملس شوراهِ ‪ ،‬وجملس مجهوريتهِ‪.‬‬ ‫إ قواعدكم املشهورة ابّنسبة ملقدرات مجِع األمم ؛ سواء كِنت يف أوروبة أو خِرجهِ قد شجعتنِ كثرياً‬ ‫على أ نضع امِّنِ يف مقِصدكم اّعظِمة ‪ ،‬ونواَيكم اّعِملِة اإلنسِنِة‪.‬‬ ‫إنه ِّس هنِك يد ّلحقوق واّواجبِت اّبشَية ؛ ّذّك فإننِ متأكدو من أنه ال ميكنكم أ تنظَوا‬ ‫بعدم االكرتاث إىل استعبِد أمة صغرية بقوة اّسالح مثل أمة طَابلس ‪ ،‬وهي تقِتل ّثِمن سنة ضد‬ ‫اّغِصب املعتدي بكل متِنة ‪ ،‬وهي متأكدة من أ بسِّة أبنِئهِ قِدرة على أ تَد قوات املعتدين‬ ‫علِهِ يف كل زمِ ‪.‬‬ ‫وإننِ نؤمل أ عواطفكم اّسِمِة حنو احلكومِت واألمم اّصغرية احلِة ستحثكم على أ َتنعوا تكَار‬ ‫سفك اّدمِء بِننِ وبني اّطلِ​ِ ؛ بتكلِفهم ابالعرتاف حبكومتنِ‪.‬‬ ‫ويف اخلتِم نَجو قبول ايرتامنِ ‪ ،‬ووضع املسأّة اّطَابلسِة على بسِط مذكَات اّصلح اّعمومي))‪.‬‬ ‫هـ اّبالغ اخلِمس‪ :‬إىل رئِس اّوزراء اإلنكلِزي‪:‬‬ ‫((نتشَف أب حنِط فخِمتكم علمًِ أب األمة اّطَابلسِة قد توجت استقالهلِ إبعالهنِ احلكومة‬ ‫اجلمهورية‪ .‬ويف (‪ 16‬نوفمرب سنة ‪ 1918‬م) أعلنت نتِجة انتخِابت جملسي شوراهِ وجملس مجهوريتهِ‪.‬‬ ‫ِّس بني األمم من هو جديَ حبَيته واستقالّه أكثَ من األمة اّطَابلسِة اّيت تقِتل إىل اال مثِين‬ ‫سنوات ضد غِصب أرضهِ ويَيتهِ ‪ ،‬وإننِ ال شك يف أ إيسِسِتكم اّعِِّة حنو يَية األمم‬ ‫واحلكومِت اّصغرية ‪ ،‬كمِ أ غريتكم على َمِية اّعَب جتربكم على اّعطف على مجهوريتنِ اجلديدة‬ ‫جل امِهلم يف إنكلرتة يِمِة يقوق األمم اّصغرية ‪،‬‬ ‫احلَة‪ .‬وإننِ نؤكد ّكم أيضًِ أ قومنِ وضعوا َ‬ ‫فَجِؤان أ تتفضلوا بوضع املسأّة اّطَابلسِة على بسِط مذكَات اّصلح اّعمومِة يىت تنِل مجهوريتنِ‬ ‫مِ يضمن هلِ مستقبلهِ‪ .‬واملَجو قبول عظِم ايرتامنِ))[(‪.])103‬‬ ‫و ـ اّبالغ اّسِدس‪ :‬إىل رئِس اجلمهورية اّفَنسِة‪:‬‬


‫((نتشَف أب حنِط فخِمتكم علمًِ أب األمة اّطَابلسِة قد توجت استقالهلِ إبعال احلكم‬ ‫اجلمهوري‪ .‬ويف (‪ 16‬نوفمرب سنة ‪ 1918‬م) أعلنت نتِجة انتخِب جملسي اجلمهورية واّشورى‪.‬‬ ‫إ مِ قِمت به فَنسة احلَة من نشَ إعال احلَية يف اّعِمل ‪ ،‬وتكبدهِ كل اّصعوابت يف سبِل َمِيتهِ‬ ‫ال جيهله أيد ‪ ،‬وإنه ملكتوب على صفحِت اّقلوب مبداد احلِ​ِة ‪ ،‬تتغذى به أرواح األيَار يف كل‬ ‫األقطِر ‪ ،‬ال ينسخه توايل اّدهور وال َتحوه زالزل احلَوب‪.‬‬ ‫إ من قِم يف هذا اّعصَ بطلب يَيته سواء كِ بسِفه أو قلمه فإمنِ هو مستمد من منبع احلَية اّزالل‬ ‫‪ ،‬ومقتبس من سنِهِ اّسِطع ‪ ،‬ومغرتف من حبَهِ اّطِيف ‪ ،‬ومستخَج من معدهنِ اّصِيف (قِعدة‬ ‫فَنسة احلَة) ‪ ،‬فال عجب إذا قِمت اال فَنسة حلمِية األمم اّصغرية ‪ ،‬كأمة طَابلس اّغَب اّيت مِ‬ ‫بَيت تَيق دمِء أبنِئهِ منذ سبع سنني وزَيدة يف سبِل نِل يَيتهِ واستقالهلِ ‪ ،‬ورد جِوش إيطِِّة‬ ‫اّغِصبة ألرضهِ املعتدية على شَفهِ‪.‬‬ ‫تَض أ تسِق اال بعصِ اّذل واهلوا ‪ ،‬وأ‬ ‫إ األمة اّطَابلسِة اّيت ال جتهل اتريخ فخَهِ اّقدمي مل ن‬ ‫تستعبد يف زمن مِدت فِه األرض شَقًِ وغَابً وجنوابً ومشِالً ابحلَوب اهلِئلة ألجل حتَيَ بين اإلنسِ ‪.‬‬ ‫إ كل من يتتبع اّتِريخ إبنصِف جيد أ األمة اّطَابلسِة مل َتلكهِ دوّة من اّدول ‪ ،‬كمِ َتلك اّبالد‬ ‫ملكًِ مطلقًِ ‪ ،‬بل مل تزل منذ خلقت أو عَفت بني األمم يف منِضلة كل من يقصد استعبِدهِ ؛ سواء‬ ‫حتمل‬ ‫كِ من اّدول اإلسالمِة أو املسِحِة ‪ ،‬وكِنت وال تزال تفضل اجلالء وسكىن اّقفِر على ُّ‬ ‫اّضِم وااليتقِر‪.‬‬ ‫وهِ هي أطالل بالدهم اخلِِّة ابدية ‪ ،‬وأنسِهبِ املنتشَة شَقًِ وغَابً شِهدة؛ فعسى أ تعلم األمة‬ ‫اإليطِِّة أ وراء استعبِدهِ اال ضَب من طلب املستحِل ‪ ،‬وّو راجعت اتريخ أجدادهِ احملدثني‬ ‫وأجدادهِ اّقدمِء َّأت فِه مِ يصدهِ اال عن سفك اّدمِء‪.‬‬ ‫ّذّك تؤمل يكومة طَابلس اجلديدة من جِرهتِ اجلمهورية اّفَنسِة أ تنظَ إىل املسأّة اّطَابلسِة‬ ‫بنظَة االهتمِم واالعتبِر ‪ ،‬وأ تعىن بوضعهِ على بسِط مذكَات اّصلح اّعمومي ‪ ،‬وأ تقنع يلِفة‬ ‫أملِنِة اّقدمية ويلِفتهِ هي اال يكومة إيطِِّة ابالعرتاف حبقنِ املشَوع ؛ يىت يقف تِ​ِر إراقة اّدمِء‬ ‫بني األمتني ‪ ،‬وتسرتيح اّبالد‬ ‫واجبِت ثقِلة ‪ ،‬يف مقِبل ممِرسة احلَية مبفهومهِ احلديث))[(‪.])104‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬اّقواعد األسِسِة ّلقِنو ‪:‬‬


‫واّقِنو األسِسي أو اّدستور ؛ اشتمل على أربعني فصالً ‪ ،‬وّكن قواعده األسِسِة ارتكزت يف ‪16‬‬ ‫مِدة منه ‪ ،‬ونصهِ يَفِ​ًِ كمِ أييت‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ تسمى احلكومة (يكومة طَابلس اّغَب)‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ يديَ أمور قطَ طَابلس جملس يكومة ‪ ،‬مؤّف من مثِنِة أعضِء وطنِني ينتخبهم جملس اّنواب‬ ‫اّطَابلسي من بني أعضِئه ‪ ،‬ومن عضوين إيطِِّني ينتخبهم اّنِئب اّعِم‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ يَأس هذا اجمللس يِكم عِم بِده اّسلطِت امللكِة واّعسكَية ‪ ،‬معني من جِنب ملك إيطِِّة (مل‬ ‫حيدد اّقِنو جنسِة احلِكم ؛ فقد يكو عَبِ​ًِ وقد يكو إيطِِّة)‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ يسن قوانني اّبالد جملس ينتخبه األهِيل ‪ ،‬يتمتع مبِ جملِّس اّدول األخَى املتمدنة من سلطِت‬ ‫ويقوق ‪ ،‬وتكو مدته أربع سنوات ‪ ،‬كلمِ جدد انتخِبه ‪ ،‬جدد جملس احلكومة من بني أعضِئه‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ ال تنفق ضَائب اّبالد إال فِهِ ‪ ،‬يسبمِ يقَره جملس نواهبِ يف وصفهِ وتوزيعهِ وجبِيتهِ‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ ال يطبق من اّقوانني اإليطِِّة يف طَابلس إال مِ يقبله جملس اّنواب اّطَابلسي‪ .‬ويوافق علِه‬ ‫ملصلحة اّبالد‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ ينظم من أبنِء اّبالد جند وطين ابّتطوع ‪ ،‬يسبمِ تقتضِه احلِجة ؛ وقِئده هو احلِكم اّعِم‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ ّلوطنِني يق اّتوظف يف اّوظِئف ملكِة وعسكَية وقضِئِة وصحِة وغريهِ ؛ ابالمتحِ ‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ اّتعلِم األهلي يَ حتت إشَاف احلكومة‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ اّلغة اّعَبِة رمسِة كِّلغة اإليطِِّة‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ ينتخب األهِيل رؤسِء اّبلدَيت يف اّعِصمة وامللحقِت‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ يؤّف جملس شَعي تستأنف إِّه األيكِم اّشَعِة ‪ ،‬وهو يعني اّقضِة‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ ّلطَابلسِني احلِئزين على شهِدات عِِّة ‪ ،‬احلق يف مزاوّة املهن احلَة كِّطب واحملِمِة وغريهِ يف‬ ‫إيطِِّة ‪ ،‬كمِ هو يف طَابلس‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـ اّطَابلسي واإليطِيل متسِوَي يف احلقوق‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ األوقِف تدار مبعَفة هِئة إسالمِة‪.‬‬ ‫‪ 16‬ـ تَاعى يَية اّدين واّتقِِّد اّوطنِة احلسنة كمِ يف اّسِبق‪.‬‬ ‫وختمت مواد اّدستور أو اّقِنو األسِسي اّبِّغ نِفًِ وأربعني فصالً بتوقِعِت االيت أمسِؤهم‪:‬‬


‫عن اّطَابلسِني‪ :‬سلِمِ اّبِروين ‪ ،‬أَمد املَيض ‪ ،‬رمضِ اّشتِوي ‪ ،‬أَمد اّصويعي نِ​ِبة عن عبد‬ ‫اّنيب ابخلري‪.‬‬ ‫وعن اّطلِ​ِ ‪ :‬اجلنَال مِجور اتردييت ‪ ،‬رئِس اّدائَة اّسِ​ِسِة ‪ ،‬اجلنَال ابسكِنو رئِس هِئة أركِ‬ ‫يَب اجلِش اإليطِيل[(‪.])105‬‬ ‫كِنت إيطِِّة تَيد ختديَ اَّأي اّعِم يف إيطِِّة اّذي سئم من احلَوب وويالهتِ ‪ ،‬وأصبح اّشعب بعد‬ ‫خَوجه من احلَب اّعِملِة األوىل حمطم اّقوى ‪ ،‬مهِض اجلنِح ‪ ،‬ملِ تكبده من خسِئَ فِدية يف‬ ‫إمكِانته احلَبِة ‪ ،‬واّعسكَية ‪ ،‬واالقتصِدية ‪ ،‬ممِ جعل اَّأي اّعِم ينِدي بنبذ احلَوب ‪ ،‬واالستعمِر ‪،‬‬ ‫وتزعم احلزب االشرتاكي اإليطِيل هذه اّدعوة ‪ ،‬وعِرض احلكومة يف اّربملِ ‪.‬‬ ‫وكِنت احلكومة اإليطِِّة موطدة اّعزم سَاً على نقض اّعمل ابّقِنو األسِسي ‪ِ ،‬‬ ‫ببث اّدسِئس‬ ‫واّفنت بني اّزعمِء يف اّظَوف املنِسبة ّذّك ‪ ،‬مث إخضِع اّبالد حلكمهِ واّقضِء على‬ ‫اجلمهورية[(‪.])106‬‬

‫كِ ممِ جِء يف اّقِنو األسِسي‪ :‬االعرتاف حبكومة وطنِة مقَهِ مدينة طَابلس ‪ ،‬وقد شكلت من‬ ‫مثِنِة أعضِء ‪ ،‬وصدر أمَ من اّوايل اإليطِيل بتعِ​ِنهم ‪ ،‬وهذا نصه‪:‬‬ ‫((إ وايل طَابلس بعد اطالعه على فصل ‪ 24 ، 23‬من قِنو أسِسي اّقطَ اّطَابلسي اّصِدر‬ ‫بتِريخ أول جونِو سنة (‪ 1919‬م) عدد ‪ ، 931‬ومبِ أنه يف اّتحَيَ املؤرخ ‪ 3‬سبتمرب اجلِري املتقدم‬ ‫من أَمد بك املَيض إىل احلكومة قد صِر عَض اّثمِنِة اّوطنِني املنتخبني أعضِء يف جملس احلكومة‪.‬‬ ‫وأ هؤالء اّثمِنِة قد صِر تقدميهم علنًِ مبَاسم ايتفِِّة إىل اّوايل من طَف رمضِ بك شتِوي ؛‬ ‫اّذي كِ بَفقته مجع كثري من رؤسِء وأعِ​ِ اّقطَ اّطَابلسي ‪ ،‬ويِث إنه من اّتحَيَ واملبحوث ومن‬ ‫االيتفِل اّواقع حتقق أ اّعَض املذكور يصل ابتفِق من رؤسِء جهِت طَابلس املختلفة ؛ أيمَ مبِ‬ ‫أييت‪:‬‬ ‫إ اّذوات االيت ذكَهم قد صِر تعِ​ِنهم أعضِء جمللس يكومة اّقطَ اّطَابلسي‪.‬‬ ‫عمَ بك أبو دبوس‪ .‬أَمد بك شتِوي‪.‬‬ ‫أَمد بك اّفسِطوي‪.‬‬ ‫علي بك اّشنطة‪.‬‬ ‫حممد اّصويعي بك‪ .‬احلِج حممد فكِين بك‪.‬‬ ‫حممد بك ابن اّفقِه يسن‪.‬‬


‫وسِصري تعِني خمصصِهتم أبمَ اخَ))[(‪.])107‬‬ ‫يَر بطَابلس يف ‪ 4‬ديسمرب سنة (‪)1919‬م‪.‬‬ ‫صورة مطِبقة ّألصل اّوايل‬ ‫صِر االطالع علِه كِتب اّوايل اّويل‬ ‫اإلمضِء‪ :‬متري نِجَ‬ ‫اّوايل طِبع احلكومة‬ ‫طِبع احلكومة‬ ‫واجتمع جملس احلكومة يف مدينة طَابلس ‪ ،‬وصِرت مَاكز اّقطَ كلهِ مَبوطة به ‪ ،‬ويِوّت هِئة‬ ‫احلكومة أ تبِشَ أعمِهلِ يف دائَة سلطِهتِ ‪ ،‬وّكن اّطلِ​ِ سَعِ مِ شَعوا يف اّدسِئس ‪ ،‬وظهَت‬ ‫بوادر تشري إىل عزمهم على عدم اّوفِء ّلطَابلسِني ابحلقوق اّيت اعرتفت هلم هبِ يف اّقِنو األسِسي ‪،‬‬ ‫ودِّل ذّك‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ أنه على اَّغم من مطِّبة اّزعمِء هلم أب خيصصوا مكِانً ّلمجلس اّنِ​ِيب ‪ ،‬واخَ حملل احلكومة‬ ‫اّوطنِة ‪ ،‬فإهنم صِروا يسوفو الستجِبته أبقوال وأعذار كِذبة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ بِنمِ أصَ األعضِء اّعَب يف مقِبلة اّوايل ‪ ،‬أب تكو أصوات نواهبم يف اجمللس اّنِ​ِيب قَارية ؛‬ ‫يسب املِدة (‪ )15‬من اّقِنو األسِسي ‪ ،‬إذ اّوايل يَفض اّتسلِم هلم هبذا اَّأي ‪ ،‬ويعترب أصواهتم فِه‬ ‫استشِرية ‪ ،‬ومعىن هذا أنه غري ملزم بتنفِذهِ ‪ ،‬وملِ استقِل أربعة أعضِء من احلكومة اّوطنِة ؛ وهم‪:‬‬ ‫(خمتِر كعبِر ‪ ،‬أَمد اّشتِوي ‪ ،‬عمَ أبو دبوس ‪ ،‬حممد اّفقِه يسن) ‪ ،‬ايتجِجًِ على اعتبِر أصوات‬ ‫اّنواب استشِرية ال قَارية ‪ ،‬وجد اّطلِ​ِ استقِّتهم فَصة ذهبِة إلّغِء عضوية األربعة االخَين ؛ رغم‬ ‫رضِ هؤالء أب تكو أصواهتم استشِرية‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ ملِ رأوا اجلِش اّوطين قد َتَكز مع رمضِ يف سواين املشِشطة ‪ّ ،‬كي يتخلصوا من مقِومته هلم يف‬ ‫املستقبل ‪ ،‬بذّوا كل مسِعِهم وجهودهم بواسطة عمالئهم ‪ ،‬إلغَائه ابالنضمِم إىل اجلِش اإليطِيل ‪،‬‬ ‫ونزوّه معه بثكنِته يف املدينة ‪ ،‬بزعم أ اّقِنو األسِسي و َيد بني اّطَفني‪ :‬اّعَيب واإليطِيل يف كل‬ ‫األمور[(‪.])108‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬يزب اإلصالح وجَيدة اّلواء‪:‬‬ ‫يف ‪ 30‬سبتمرب سنة (‪ 1919‬م) أعلن اّطَابلسِو رمسِ​ًِ عن أتسِس يزب اإلصالح ألجل اّدفِع عن‬ ‫مكِسب اّبالد ‪ ،‬وإيقِظ اّوعي اجلمِهريي اّسِ​ِسي ‪ ،‬وأسندوا رَيسته إىل أَمد بك املَيض ‪ ،‬ورَيسة‬


‫شَفه إىل رمضِ بك ‪ ،‬وكِ من أعضِء هذا احلزب اّنشِطني عبد اَّ​َمن عزام ‪ ،‬وخِّد اّقَقين ‪،‬‬ ‫وعثمِ اّغَ​َيين‬ ‫مديَ جَيدة (اّلواء اّطَابلسي) ‪ ،‬وكِنت أهم مبِدأى احلزب‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ احملِفظة على يقوق اّطَابلسِني اّواردة يف اّقِنو األسِسي كِملة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ اّتعجِل بتنفِذ اّقِنو األسِسي ‪ ،‬خصوصًِ مِ يتعلق ابإلصالح ‪ ،‬ومِ ينص على تدريب‬ ‫اّطَابلسِني على يكم أنفسهم يىت يصلوا إىل يَيتهم يف أقَب وقت‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ حتقِق اّتضِمن بني اّعَب واإليطِِّني على أسِس املسِواة اّتِمة واحتِد املصِحل‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ نشَ اّتعلِم بكل اّوسِئل ‪ ،‬مع احملِفظة على اّعِدات اإلسالمِة ‪ّ ،‬تدعِم األخالق اّعَبِة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ بذل اّعنِية إلصالح احلِّة االقتصِدية ‪ ،‬وتوزيع اّثَوة اّوطنِة على أسِس عِدل‪.‬‬ ‫وأنشؤوا جَيدة اّلواء اّطَابلسي ّتكو ّسِ يِّه ‪ ،‬وكِ احلزب يستمد قوته من اّشعب ‪ ،‬واستندت‬ ‫احلكومة اّوطنِة على احلزب يف أتيِدهِ وإقنِع اّطلِ​ِ مبطِّبهِ ‪ ،‬وأبدى اّطلِ​ِ مَاوغة يف انتخِب‬ ‫جملس اّنواب اّذي ينص علِه اّقِنو األسِسي ‪ ،‬فكِ يزب اإلصالح اّوطين يطِّب بتنفِذه ‪،‬‬ ‫وكِنت جَيدة اّلواء اّطَابلسي تشري إىل هذا املعىن يف جَأة وشجِعة فِئقة ‪ ،‬فكِنت احلكومة اّوطنِة‬ ‫‪ ،‬واحلزب اّوطين واجلِش اّوطين يؤيد بعضهِ بعضًِ يف املطِّبة حبقوق األمة ‪ ،‬وإّزام اّطلِ​ِ بتنفِذ‬ ‫اّقِنو األسِسي ‪ ،‬ورأى اّطلِ​ِ خطورة املوقف ‪ ،‬فعملوا على إفسِد هذا اّصلح[(‪ ، ])109‬وشَع‬ ‫اّوايل اإليطِيل وأعوانه يبذرو بذور اّشقِق بني اّزعمِء ‪ ،‬ويديَو َملة عدائِة ضد اّقِدة ‪ ،‬وحيَكو‬ ‫كوامن احلقد واّعداء[(‪.])110‬‬ ‫يقول األستِذ اّتلِسي عن تلك اّفرتة‪(( :‬ففي جمِل اّعمل اّسِ​ِسي‪ :‬عملت إيطِِّة على إاثرة اّفتنة‬ ‫واالنشقِق واالنقسِم بني صفوف اّزعمِء ‪ ،‬وسعت إىل استمِّة بعض اّفئِت وأتِّبهِ على اّفئِت‬ ‫األخَى ‪ ،‬وكِ أهم مِ توخته يف هذه اّفرتة اّعمل على إيداث انقسِم بني مصَاتة وورفلة ‪ ،‬وبني‬ ‫تَهونة ومصَاتة ‪ ،‬مث‬ ‫بني زعمِء اجلبل اّغَيب ‪ ،‬وال منِص من االعرتاف أب اّسِ​ِسة اإليطِِّة اّيت فشلت عسكَ​َيً يف هذه‬ ‫املَيلة اّيت أعقبت اّقَضِبِة قد جنحت جنِيًِ كبرياً يف إيداث اّصدع بني اّصفوف ‪ ،‬حبِث مل‬ ‫تستأنف اّعملِ​ِت يف عهد (فوّيب) إال بعد أ أوجدت من ذّك االنقسِم قِعدة كبرية تعتمد علِهِ‬ ‫عملِ​ِهتِ))[(‪.])111‬‬


‫ّقد انتهز اإليطِِّو فَصة املهِدنة ِّلقوا بذور اّفتنة بني اّعَب واّرببَ من جهة‪ ،‬وبني اّبدو واحلضَ‬ ‫من جهة أخَى ‪ ،‬وبني سكِ اّبلدا اجملِورة أيضًِ ‪ ،‬واشتغل بعض اّزعمِء املخلصني إبمخِد انر اّفنت‬ ‫‪ ،‬وحمِوّة رتق اّفتوق يف كل جهة ‪ ،‬وّكن اخلَوق اتسعت على اَّاقع ‪ ،‬وكلمِ يِول دعِة اإلصالح‬ ‫إطفِء انر اّفتنة من جهة أوقد اإليطِِّو انراً أخَى من جهة أخَى‪ ،‬ونفخوا يف مجَهِ من‬ ‫جديد[(‪.])112‬‬ ‫وكِنت من أكرب اّفنت احلَب اّطِينة بني اّزنتِ واّرببَ ؛ فقدت هبِ طَابلس من أبنِئهِ مِ ال يعلم‬ ‫عددهُ إال هللا ‪ ،‬ووقعت احلَب األوىل بِنهم (‪ 1916‬م) ‪ ،‬وخلفت من اّضغِئن بني اّفَيقني مِ كِ‬ ‫سببًِ من أكرب األسبِب يف احلَب اّثِنِة اّيت دارت ريِهِ يف سنيت (‪ 1920‬م ‪1921 ،‬‬ ‫م)[(‪.])113‬‬ ‫استغل اإليطِِّو ذّك اّصَاع ‪ ،‬وتلك اّفنت ‪ ،‬وحتَكت جِوشهم ّلقضِء على اّطَابلسِني ‪ ،‬فِيتلوا‬ ‫َ‬ ‫يفَ يف ‪ 31‬أكتوبَ سنة (‪ 1922‬م) ‪ ،‬وكِ معهم من اّلِبِني اّعمالء اّذين انضموا إىل اجلِش‬ ‫اإليطِيل عدد كبري ‪ ،‬ويف ‪ 17‬نوفمرب (‪ 1922‬م) ايتلت غَ​َي ؛ وبدأت املد تتسِقط أمِم اجلِوش‬ ‫اإليطِِّة ‪ ،‬وانتهى اّصَاع بني مصَاتة وورفلة مبقتل رمضِ اّسوحيلي يف عِم (‪1920‬م) ؛ ّقد كِنت‬ ‫فرتة مِ بعد صلح بنِ​ِدم (‪ 1919‬م) من أتعس اّفرتات اّيت مَ هبِ اّتِريخ اّلِيب املعِصَ ‪ ،‬فرتة سواد‬ ‫يتحِشى املؤرخ احلديث عنهِ‪.‬‬ ‫مل تستطع احلكومة اّوطنِة اّيت تكونت بعد اّصلح ‪ ،‬أ تصنع شِئًِ ‪ ،‬وكل مِ تقَره ال ينفذ؛ أل‬ ‫اّزعِمِت كِنت تتنِيَ داخلهِ ‪ ،‬وذّك ال يستغَب من يكومة يف مجهورية هلِ أربعة رؤسِء‪.‬‬

‫وهكذا وّدت اجلمهورية ويف جسمهِ جَاثِم هالكهِ ‪ ،‬إذ إ مجهورية حيكمهِ أربعة ‪ ،‬البد أ تغَق‬ ‫سفِنتهِ مبجَد إقالعهِ من اّشِطأى ‪ ،‬فتعدد اَّاببنة مدعِة إلغَاق اّسفِنة[(‪.])114‬‬ ‫وقد صور األستِذ خلِفة اّتلِسي تلك اّفرتة املظلمة فقِل‪(( :‬ياليظ أ هِئة اإلصالح املَكزية مل تكن‬ ‫يكومة ابملعىن املفهوم ّلحكومة ‪ ،‬وأ كثرياً من املنِطق قد ظلت غري خِضعة حلكمهِ ونفوذهِ ‪ ،‬كمِ‬ ‫أ بعض اّزعِمِت قد ظلت حمِفظة على موقفهِ اّفَدي ‪ ،‬وكِنت تستقل يف كثري من احلِالت بتقديَ‬ ‫اّوضع اّسِ​ِسي على أسِس جهوي ‪ ،‬ومبِ تقتضِه مصلحة منطقتهِ ‪ ،‬أو مقِطعتهِ ‪ ،‬وأيِ​ِانً قبِلتهِ‬ ‫وعشريهتِ ‪ ،‬ممِ انعدم معه عنصَ اّويدة اّوطنِة امللزمة ابملوقف املويد ‪ ،‬خِصة يف هذا اّظَف اّعسري‬ ‫‪ ،‬حبِث يعد اخلَوج علِه أو اّتخِذل عنه خِ​ِنة حتسب على اخلِرج أو املتخِذل ‪ ،‬وكِنت هذه هي‬


‫اّثغَات اّيت نفذ منهِ اإليطِِّو واستطِعوا استغالهلِ أيسن استغالل ‪ ،‬وقد فطن اّوطنِو إىل‬ ‫اخلطَاّكِمن وراء انعدام تويد اّقِ​ِدة ‪ ،‬وّكن ذّك كِ بعد فوات األوا ‪ ،‬وقد نتج عن ذّك تعدد‬ ‫يف املواقف ‪ ،‬واختالف يف وجهِت اّنظَ ‪ ،‬وتَك األمَ ّالجتهِد اخلِص ‪ ،‬حيدد املوقف ويَسم اّطَيق‬ ‫‪ ،‬فَأينِ بعض اّزعمِء يعِرضو ـ عن اجتهِد خِص ـ املقِومة املسلحة إليطِِّة عقب نزوهلِ بقصَ أَمد‬ ‫‪ ،‬ورأينِ اخَين يقفو على احلِ​ِد ‪ ،‬كأ األمَ ال يتصل هبم من قَيب أو بعِد ‪ ،‬ورأينِ بعضهم يتشبث‬ ‫أب يكو صِيب اّكلمة اّنهِئِة يف إبَام اهلدنة ‪ ،‬نظَاً أل االعتداء واقع على أرضه (ابملعىن اجلهوي)‬ ‫‪ ،‬وهكذا حتددت مواقف اّزعمِء يف اترخينِ يف كثري من احلِالت على أسِس جهوي ‪ ،‬وكِ ّكل جهة‬ ‫صِيب يتوىل أمَهِ ‪ ،‬ويقَر مصريهِ ‪ ،‬وحيدد موقفهِ ‪ ،‬وانعدام اّقِعدة اّسِ​ِسِة قد عَض مواقف‬ ‫ٌ‬

‫اّزعمِء وشخصِ​ِهتم ّكثري من اخللخلة واالهتزازات))[(‪.])115‬‬ ‫سِبعًِ‪ :‬مؤَتَ غَ​َي ‪:‬‬ ‫بعد اّتطورات اخلطرية ‪ ،‬واالنشقِقِت اّعظِمة ‪ ،‬اّيت وقعت بني اّزعمِء ‪ ،‬رأى‬ ‫عقالء طَابلس ضَورة االجتمِع يف مؤَتَ عِم ِّتدارسوا األوضِع اَّاهنة ‪ ،‬ويتخذوا يِ​ِهلِ موقفًِ‬ ‫مشرتكًِ‪.‬‬ ‫اجتمع املؤَتَ يف شهَ ربِع األول (‪ 1339‬هـ) ‪ ،‬نوفمرب سنة (‪ 1920‬م) بعد أ اختِر كل بلد من‬ ‫ميثله ‪ ،‬مِ عدا بالد اّرببَ ‪ ،‬وأسفَت اّنتِجة عن انتخِب‪:‬‬ ‫أَمد بك املَيضَئِسًِ‬ ‫األستِذ عبد اَّ​َمن بك عزاممستشِراً‬ ‫حممد بك فَيِنعضواً‬ ‫اّصِدق بك احلِجعضواً‬ ‫عمَ أبو دبوسعضواً‬ ‫صِحل بن سلطِنعضواً‬ ‫اّتهِمي قلِصةعضواً‬ ‫اّشِخ أَمد اَّيِبِعضواً‬ ‫اّعِسِوي بوخنجَعضواً‬ ‫حممد اّتِيبعضواً‬


‫عثمِ اّقِزانِعضواً‬ ‫علي بن تنتوش عضواً‬ ‫خمتِر كعبِرعضواً‬ ‫عبد اَّ​َمن زبِدةعضواً‬ ‫احلِج حممد بن عمَعضواً‬ ‫عبد اّسالم اجلداميِعضواً‬ ‫نوري اّسعداويعضواً‬ ‫بشري اّسعداويعضواً‬

‫يسني بن جِبَعضواً‬ ‫سِمل اّبحبِيعضواً‬ ‫اّصويعي اخلِتونِعضواً‬ ‫وقد اختِر املؤَتَو أَمد بك رئِسًِ ّلمؤَتَ ‪ ،‬وكِنت اّظَوف إذ ذاك تتطلب ذّك ‪ ،‬فَمضِ‬ ‫اّسوحيلي قتل ‪ ،‬وسلِمِ اّبِروين امتنع عن احلضور؛ ألنه كِ‬ ‫متأثَِاً ابحلَب اّيت وقعت بني اّزنتِ واّرببَ ‪ ،‬وأرسل إِّه أَمد بك املَيض بعد انتخِبه رئِسًِ ّلمؤَتَ‬ ‫أبنه مستعد ّلتنِزل ّه عن اَّ​َيسة ‪ ،‬فأىب ‪ ،‬ويِول املؤَتَ إقنِعه فِمتنع ‪ ،‬واستمَ املؤَتَ يف أعمِّه‬ ‫اّوطنِة ‪ ،‬وامتنع عبد اّنيب ابخلري عن احلضور بسبب مقتله َّمضِ اّسوحيلي ‪ ،‬ومثل أرفلة عبد اَّ​َمن‬ ‫زبِدة وحممد اّعِسِوي[(‪ ، ])116‬وأصدر املؤَتَ بعد انتهِء جلسِته قَاراً هذا نصه‪(( :‬إ احلِّة اّيت‬ ‫اّت إِّهِ اّبالد ال ميكن حتسِنهِ إال إبقِمة يكومة قِدرة ومؤسسة على مِ حيقق اّشَع اإلسالمي ‪،‬‬ ‫بزعِمة مسلم ينتخب من األمة ‪ ،‬وال يعزل إال حبجة شَعِة وإقَار جملس اّنواب ‪ ،‬وتكو ّه اّسلطة‬ ‫اّدينِة واملدنِة واّعسكَية أبكملهِ ‪ ،‬مبوجب دستور تقَه األمة بواسطة نواهبِ ‪ ،‬وأ يشمل يكمه مجِع‬ ‫اّبالد حبدودهِ املعَوفة))[(‪.])117‬‬ ‫ض املؤَتَ ‪ ،‬وأبلغ قَاراته إىل احلِكم اإليطِيل يف طَابلس ‪ ،‬وقَر إرسِل وفد إىل رومِ ِّطِّب بتنفِذ‬ ‫وانف َ‬ ‫قَاراته‪.‬‬ ‫وكِ اّوفد يتكو من‪ :‬حممد بك فَيِت اّزاوي رئِسًِ ‪ ،‬وحممد نوري اّسعداوي ‪ ،‬واّصِدق بن احلِج‬ ‫‪ ،‬وخِّد اّقَقين ‪ ،‬وعبد اّسالم اّبوصريي‪.‬‬


‫واستطِع هذا اّوفد أ يتصل بَؤسِء األيزاب يف إيطِِّة وحمَري اجلَائد ‪ ،‬وَتكن من إعال قضِته يف‬ ‫بعض اجلَائد ‪ ،‬وامتنعت احلكومة ‪ ،‬وأصحِب اّقَار عن االجتمِع هبم ‪ ،‬وقِم وايل طَابلس إبرسِل وفد‬ ‫ِّيب منِهض ّوفد غَ​َي ‪ ،‬وأسفَت نتِجة اّوفد اّوطين عن اَّجوع خبفي ينني ‪ ،‬وأتزم املوقف بعد‬ ‫رجوع اّوفد ‪ ،‬وقِم اّطلِ​ِ بنشِط عسكَي ‪ ،‬ملقِومة اَّوح اّوطنِة ‪ ،‬واعتقلوا أانسًِ من يزب‬ ‫اإلصالح اّوطين[(‪.])118‬‬ ‫كِنت اّفتنة بني طَابلس وبَقة قد اشتدت مع اندالع احلَب اّعِملِة األوىل ‪،‬‬ ‫ويصل فتور بني اّربقِويني واّطَابلسِني استمَ ملدة مخس سنوات ‪ ،‬وتَتب على ذّك ٍ‬ ‫تعد على األموال‬ ‫واألشخِص[(‪.])119‬‬ ‫وكِ عقالء طَابلس وبَقة ال تَضِهم تلك احلِّة املزرية اّيت ال يَضى عنهِ عقل ‪ ،‬وال شَع ‪ ،‬وال عَف‬ ‫‪ ،‬وابدر اّسِد أَمد املَيض إبرسِل رسِّة ألخِه األمري حممد إدريس اّسنوسي ‪ ،‬وكِنت ملِئة ابملعِين‬ ‫اَّفِعة واّعبِرات اّسِمِة ‪ ،‬ورد على تلك اَّسِّة األمري حممد إدريس‪ ،‬وتَتب بعد ذّك اجتمِع سَت‬ ‫اّعظِم[(‪.])120‬‬ ‫اثمنًِ‪ :‬اجتمِع سَت‪:‬‬ ‫اجتمع اّوفدا اّطَابلسي واّربقِوي يف سَت ‪ ،‬وكِ ميثل اّوفد اّطَابلسي كل من أَمد بك اّسوحيلي‬ ‫‪ ،‬وعبد اَّ​َمن بك عزام ‪ ،‬وعمَ أبو دبوس ‪ ،‬وحممد نوري اّسعداوي ‪ ،‬واّشتِوي بن سِمل ‪ ،‬واّصويعي‬ ‫اخلِتوين ‪ ،‬واحلِج صِحل بن سلطِ ‪ ،‬وميثل بَقة كل من‪ :‬اّشِخ صِحل األطِوش ‪ ،‬واّشِخ نصَ األعمى‬ ‫‪ ،‬واّشِخ خِّد اّقِصة ‪ ،‬واّشِخ صِحل اّسنوسي بن عبد اهلِدي اّرباين ‪ ،‬وشَع اجملتمعو يف استعَاض‬ ‫احلِل اّيت وصلت إِّهِ اّبالد ‪ ،‬ومعِجلة أسبِب اخلالف وخَجوا هبذه اّقَارات اّيت اتفق علِهِ ممثلو‬ ‫طَابلس وبَقة‪.‬‬ ‫((احلمد هلل املبدأى املعِد ‪ ،‬اّفعِل ملِ يَيد ‪ ،‬أّف بني قلوب املسلمني ‪ ،‬وجعلهم خري أمة ّلعِملني ‪،‬‬ ‫واّصالة واّسالم على رسول اهلدى واَّ​َمة اّذي جِء يدعوان إىل اّعزة واإلابء ‪ ،‬ويعلمنِ كِف نقِتل‬ ‫األعداء ‪ ،‬وبعد‪ :‬فقد اجتمعنِ حنن املوقعني على هذه املعِهدة املفوضني من قبل طَابلس وبَقة ‪ ،‬وقَران‬ ‫بعد مداوّة اّفكَ املواد االتِة املتضمنة اتفِق اّقطَ اّطَابلسي اّربقِوي على االحتِد واّتعِو يف اّسَاء‬ ‫واّضَاء‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ جيب أ نويد كلمتنِ ضد عدوان اّغِصب ّبالدان وضد املفسدين‪.‬‬


‫‪ 2‬ـ جيب أ يكو عدوان وايداً وصديقنِ وايداً‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ إ كِفة مِ وقع بني اّطَفني من اّتجِوز ال يطِّب به أي ٌد االخَ إىل أ تستقَ‬ ‫احلِّة يف اّوطن ‪ ،‬وتتعني وضعِة اّبالد اّعمومِة‪ .‬ومع ذّك جيب أ يسعى اّطَفِ يف املسِحمة بني‬ ‫اّعَاب ‪ ،‬ومن يتعدى بعد اال فعلى احلكومة اّتِبعة هلِ أ تعِقبه مبِ يستحق‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ كل من خيِّف اجلمِعة ويدس اّدسِئس األجنبِة ‪ ،‬على احلكومة املنسوب إِّهِ إعدامه ومصِدرة‬ ‫أمواّه يسب اّشَيعة اإلسالمِة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ يَى اّطَفِ أ مصلحة اّوطن وضَورة اّدفِع ضد اّعدو املشرتك تقضي تويِد اّزعِمة على اّبالد‬ ‫‪ ،‬وّذّك جيعال غِيتهمِ انتخِب أمري مسلم تكو ّه اّسلطة اّدينِة واملدنِة داخل دستور تَضِه‬ ‫األمة‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ يتخذ اّطَفِ اّوسِئل اّالزمة ّتحقِق هذه اّغِية املذكورة يف املِدة اخلِمسة ‪ ،‬وأ تكو توِّة‬ ‫األمري إبرادة األمة‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ مىت حتققت اّغِية املذكورة يف املِدة اخلِمسة جيب انتخِب جملس أتسِسي من اّفَيقني ّوضع‬ ‫اّقِنو األسِسي واّنظم اّالزمة إلدارة اّبالد ‪ ،‬وقبل ذّك ‪ ،‬وَتهِداً هلذه األعمِل ‪ ،‬جيب على اّفَيقني‬ ‫أ يَسل كل منهمِ مندوابً ّلبلدين ألجل أ يشرتكِ يف سِ​ِسة اّبالد واّتدابري املقتضِة ّلدفِع عن‬ ‫اّوطن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املتحصن هبِ‬ ‫‪ 8‬ـ يتعهد اّطَفِ أبال يعرتفوا ّلعدو بسلطة ‪ ،‬وأ مينعوه من بسط نفوذه خِرج األمِكن‬ ‫صلح أو هدنة إال مبوافقة‬ ‫اال ‪ ،‬ويف يِّة وقوع يَب يتضِفَ اّفَيقِ على يَب اّعدو ‪ ،‬وأال يُعقد ٌ‬ ‫اّفَيقني‪.‬‬ ‫املهِجم‬ ‫‪ 9‬ـ إذا خَج اّعدو من يصونه مهِمجًِ جهة من اجلهِت ‪ ،‬وجب على اجلهة األخَى أ َتد ن‬ ‫يكف هتِمجه هي‬ ‫ابملهمِت احلَبِة واملِل واَّجِل ‪ ،‬وأ تنذر اّعدو ابّكف عن اّتجِوز ‪ ،‬وإذا مل َ‬ ‫بدورهِ‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ جتتمع هِئة منتخبة من أهِيل طَابلس وبَقة مَتني يف كل سنة يف شهَ احملَم ورجب ّلنظَ يف‬ ‫مصِحل اّبالد‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ يشرتط أ توافق على هذه املعِهدة كل من يكومة بَقة واهلِئة املَكزية يف جهة طَابلس‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ مهمة اهلِئة املذكورة أتيِد اّعالئق اّودية بني اّطَفني ‪ ،‬وأتيِد هذه االتفِقِة[(‪.])121‬‬


‫قصَ سَت يف يوم اّسبت ‪ 22‬مجِد األوىل سنة (‪ 1340‬هـ) ‪ 21 ،‬ينِيَ سنة (‪ 1922‬م)))‪.‬‬ ‫كِنت احلكومة اإليطِِّة تتِبع األخبِر ومِ يدور بني بَقة وطَابلس ‪ ،‬وخِفوا أ يرتتب على اتفِق‬ ‫طَابلس وبَقة مِ ال حتمد عقبِه ‪ ،‬فقَر ووّيب ايتالل مصَاتة قبل أ يصل اّلِبِو إىل نتِجة يف مؤَتَ‬ ‫سَت ‪ ،‬واستطِع اّطلِ​ِ أ حيتلوا قصَ َمد ‪ ،‬وبدأ اجلهِد من جديد ‪ ،‬وأراد اّطلِ​ِ أ خيدعوا‬ ‫اجملِهدين ودعوا إىل عقد املفِوضِت يف فندق اّشَيف ّكسب اّوقت وإعداد اّعدة ‪ ،‬وانتظِر املدد من‬ ‫إيطِِّة ‪ ،‬واستمَت املفِوضِت ‪ ،‬واتضح ّلمجِهدين أ اّطلِ​ِ عِزمو على احلَب ‪ ،‬وانقطعت‬ ‫املفِوضِت يف يوم ‪ 10‬أبَيل سنة (‪ 1922‬م) ‪ ،‬واستعد كل من اّطَفني ملِ تتمخض عنه األَيم املقبلة‪.‬‬ ‫وكِ من أقوى اّعوامل اّيت جعلت وايل طَابلس ووّيب يتشدد مع اجملِهدين ويَفض مطِّبهم ظهور‬ ‫اّفِشستِة يف إيطِِّة ‪ ،‬وأصبحت وشِكة أ تستويل على مقدرات إيطِِّة[(‪.])122‬‬ ‫وكِ من مبِدئهم املنحَفة اّوصول إىل أغَاضهم بكل وسِلة ‪ ،‬وال جيدو يف نفوسهم غضِضة إذا‬ ‫كِنت أعمِهلم خمِّفة ّإلنسِنِة أو ّلحقوق اّعِمة مىت كِ فِهِ مصلحة هلم أو ّبالدهم ‪ ،‬وال‬ ‫يستحِو من أ يعلنوا صَاية أبهنم ال يعَفو احلَية ‪ ،‬وال يقدسو احلقوق اّعِمة ‪ ،‬وال حيرتمو‬ ‫اّعهود مىت كِ ذّك ضَورَيً ملصلحة إيطِِّة[(‪.])123‬‬ ‫يقول شكِب أرسال ‪(( :‬ملوسوِّين خطب كثرية وكتِابت بتوقِعه ؛ تؤخذ منهِ هذه املقِصد بدو‬ ‫إشكِل ‪ ،‬فلهذا مل تبق يف إيطِِّة ال يَية قول ‪ ،‬وال يَية‬ ‫كتِبة ‪ ،‬وكل شيء يصِدم إرادة اّفِشست فهو ممنوع))[(‪.])124‬‬ ‫بعد انقطِع مفِوضِت فندق اّشَيف يف ‪ 10‬أبَيل سنة (‪ 1922‬م) استؤنفت احلَب من جديد ‪،‬‬ ‫وأصبح اّطلِ​ِ يتوغَلو يف طَابلس ‪ ،‬واجملِهدو يرتاجعو أمِم هجمِهتم اّشَسة‪.‬‬ ‫فَأى اّطَابلسِو إرسِل وفد إىل األمري حممد إدريس ِّبِيعوه ابإلمِرة تنفِذاً ملِ قَرته هِئة اإلصالح‬ ‫املَكزية يف فندق اّشَيف ‪ ،‬وكِ ذّك اّوفد يتأّف من اّشِخ حممد بن يسن ‪ ،‬واّشِخ حممود‬ ‫املساليت ‪ ،‬واّشِخ طِهَ اّزاوي ‪ ،‬ووصل اّوفد إجدابِة يف شوال عِم (‪ 1340‬هـ) ‪ ،‬وقِبل األمري حممد‬ ‫إدريس ‪ ،‬وأبلغه اّوفد هدفه اّذي جِء من أجله ‪ ،‬فِعتذر عن اّذهِب إىل طَابلس ّشدة احلَ ‪،‬‬ ‫واحنَاف صحته ‪ ،‬ووعد ابّسفَ عندمِ تتحسن صحته[(‪.])125‬‬ ‫ويَصت إيطِِّة أ تستشف مِ وصل إِّه زعمِء بَقة وطَابلس ‪ ،‬فأرسلت أمندوال وزيَ املستعمَات‬ ‫اإليطِِّة ّلدخول يف مبِيثِت مع األمري إدريس ‪ ،‬واشرتط اإليطِِّو قبل اّدخول يف املبِيثِت أ‬


‫يغِدر بشري اّسعداوي ممثل احلكومة اّوطنِة اّطَابلسِة إجدابِة ‪ ،‬وكِ األمري إدريس أيمل أ يصل إىل‬ ‫إيقِف احلَب بني إيطِِّة واّطَابلسِني ‪ ،‬وّذّك طلب من بشري اّسعداوي وزمالئه أ خيَجوا إىل‬ ‫اّطبِل[(‪.])126‬‬ ‫وبعد ذّك يضَ وزيَ املستعمَات اإليطِيل إىل غوط اّسِس ابّقَب من املَج ‪ ،‬واّتقى ابألمري حممد‬ ‫إدريس يف ‪ 22‬يونِه (‪ 1922‬م) ‪ ،‬وعمل على إقنِع أمندوال بضَورة هتدئة األيوال يف طَابلس ‪ ،‬وبعد‬ ‫انتهِء املبِيثِت أرسل األمري إدريس إىل بشري اّسعداوي وزمالئه كالًّ من صِحل األطِوش ‪ ،‬واّفضِل‬ ‫املهشهش ‪ ،‬وأيد أبنِء اّكزة ‪ ،‬وسلم هؤالء كتِابً ّبشري اّسعداوي من مسو األمري ؛ أخربه فِه مبقِبلته‬ ‫مع وزيَ املستعمَات يف غوط اّسِس ‪ ،‬وحبث اّقضِة اّطَابلسِة معه؛ وأب املبِيثِت قد أسفَت عن‬ ‫إظهِر إيطِِّة استعدادهِ ّلصلح معهِ ‪ ،‬وفضالً عن‬ ‫ذّك فقد جِء اجلمِعة بكتِب اخَ من األمري موجهًِ إىل رئِس هِئة اإلصالح املَكزية هبذا املعىن‪،‬‬ ‫فبِدر بشري اّسعداوي أبنه يعتزم اّعودة فوراً إىل طَابلس إلَتِم اّبِعة ‪ ،‬ووعد ابّعودة سَيعًِ إىل إجدابِة‬ ‫حيمل معه اّبِعة[(‪.])127‬‬ ‫وغِدر بشري اّسعداوي بَقة إىل طَابلس ‪ ،‬ومبجَد وصوّه إىل مصَاتة اجتمع ابّزعمِء اّطَابلسِني ‪،‬‬ ‫واندى ابّبِعة ّسمو األمري حممد إدريس ‪ ،‬مستنداً يف ذّك إىل أنه ال سبِل إىل اخلالص اّبتة إال‬ ‫ابالتفِق واّتعِو ضد اّعدو اإليطِيل ‪ ،‬وكتب بشري اّسعداوي نص اّبِعة بنفسه ‪ ،‬مث ذهب هبِ من‬ ‫مصَاتة إىل مسالتة مث إىل غَ​َي ‪ ،‬وهنِك كِنت هِئة اإلصالح املَكزية جمتمعة بَائسة أَمد املَيض ‪،‬‬ ‫فقَأ علِهم اّبِعة ‪ ،‬ووافق هؤالء علِهِ ابإلمجِع ودو منِقشة[(‪.])128‬‬ ‫ومِ أ علم اّطلِ​ِ بتلك اّتطورات وجميء اّوفد اّطَابلسي إىل إجدابِة يىت اثرت اثئَهتم ‪ ،‬وأعلمت‬ ‫احلكومة اإليطِِّة األمري حممد إدريس أبهنِ ّن تتواىن عن مهِمجة إجدابِة ذاهتِ ‪ ،‬وملِ أدرك األمري إدريس‬ ‫خطورة املوقف بدأ يبذل قصِرى جهده إلقنِع احلكومة اإليطِِّة ‪ ،‬أب اّطَابلسِني مِ قصدوا مبِ فعلوه‬ ‫سوى يقن اّدمِء وفض خالفهم مع إخواهنم أهل بَقة ‪ ،‬وأ واجب احلكومة اإليطِِّة حيتم علِهِ أ‬ ‫توقف اعتداءاهتِ على اّطَابلسِني ‪ ،‬فضالً عن أنه كِ ّألمري ـ على يسب اتفِق اَّمجة ـ احلق يف أ‬ ‫يعَض مِ يَاه يف مصلحة اّبالد على احلكومة اإليطِِّة ‪ ،‬كمِ أ معِهدة اَّمجة قد أّزمت اّطلِ​ِ‬ ‫كذّك أب يضعوا موضع االعتبِر كل مِ يبديه األمري من اراء يف ذّك[(‪.])129‬‬ ‫اتسعًِ‪ :‬نص اّبِعة ابإلمِرة‪:‬‬


‫تقَر أ يذهب اّسِد بشري اّسعداوي بوصفه مندوابً من هِئة اإلصالح على رأس وفد ّتسلِم كتِب‬ ‫اّبِعة إىل األمري حممد إدريس ‪ ،‬وكِ ضمن هذا اّوفد كل من عبد اَّ​َمن عزام ‪ ،‬حممد اّصِدق ابحلِج‬ ‫‪ ،‬نوري اّسعداوي ‪ ،‬اّشِخ حممد عبد امللك‪ .‬ووقع على كتِب اّبِعة أَمد املَيض رئِس هِئة اإلصالح‬ ‫املَكزية ‪،‬‬ ‫وعبد اَّ​َمن عزام مستشِرهِ ‪ ،‬مث أعضِء اهلِئة‪ :‬حممد بن عمَ ‪ ،‬وبشري اّسعداوي ‪ ،‬ويسني بن جِبَ‬ ‫‪ ،‬وحممد فَيِت ‪ ،‬وعبد اَّ​َمن زبِدة ‪ ،‬وحممد اّتِئب ‪ ،‬وسِمل اّبحبِح ‪ ،‬وعثمِ اّقِزاين ‪ ،‬وعمَ‬ ‫بودبوس ‪ ،‬وحممد صِدق بن احلِج ‪ ،‬وحممد خمتِر كعبِر ‪ ،‬وحممد فكِين ‪ ،‬واّصويعي اخلِتوين ‪ ،‬كمِ‬ ‫وقع على اّبِعة من األعِ​ِ حممد اّديب ‪ ،‬وحممد سوف ‪ ،‬وعمَ ضِ​ِء ‪ ،‬وعلي أبو يبِل ‪ ،‬وأَمد‬ ‫اّقِضي ‪ ،‬وحممد اّقَقين ‪ ،‬وأَمد اّسين ‪ ،‬واّبغدادي بن معِوف ‪ ،‬وحممد اّصغري‪ .‬وهذا نص اّبِعة‪:‬‬ ‫((مسو موالان األمري اجللِل اّسِد حممد إدريس ـ يفظه هللا ورعِه ـ إنه ال خيفى على مسوه أ اخلالف مِ‬ ‫يزال قِئمًِ بِنهم وبني احلكومة اإليطِِّة؛ وذّك أل احلكومة اإليطِِّة و َجهت عزمهِ إىل اّعبث جبمِع‬ ‫يقوقنِ شَعِ​ِهِ ‪ ،‬وسِ​ِسِ​ِهِ ‪ ،‬وإداريِهِ ‪ ،‬وجعلت من قوهتِ مربراً ّلتصَف يف مصريان ويقوقنِ اّطبِعِة ‪،‬‬ ‫وحنن خري أمة أخَجت ّلنِس ‪ ،‬ال نتح َمل ضِمًِ ‪ ،‬وال نَضى أ تضمحل شَيعتنِ ‪ ،‬وال أ يتطَق‬ ‫اخللل إىل ديننِ اّقومي كِئنًِ مِ كِ ‪ ،‬األمَ اّذي َملنِ على ركوب األخطِر واقتحِم احلَوب املتواِّة ‪،‬‬ ‫معتمدين على قوة احلق ‪ ،‬إىل أ نظفَ بتحقِق أمنِتنِ اّقومِة ؛ أال وهي أتسِس يكومة دستورية‬ ‫يَأسهِ أمري مسلم جِمع ّلسلطِت اّثالث‪ :‬اّدينِة واّسِ​ِسِة واّعسكَية ‪ ،‬مع جملس نِ​ِيب تنتخب‬ ‫األمة أعضِءه ‪ ،‬وهبذا يسلم وطننِ ويتم أمَ ديننِ وتصلح أيكِم قضَِيان وحنفظ شَعنِ ‪ ،‬وعنعنة اترخينِ‬ ‫اّبِهَ‪.‬‬ ‫وهذا ال ينِيف مِ تدعِه إيطِِّة ومِ دأبت علِه من خطب رجِهلِ من أهنِ حتتل دَيران بنِة االستعمِر ‪،‬‬ ‫وإمنِ سِقتهِ دواعي اّسِ​ِسة اّدوِّة يف اّبحَ املتوسط ‪ ،‬وّو كِنت صِدقة يف دعواهِ هذه ملِ عَضت‬ ‫بالدان ّلخَاب بتوايل اهلجمِت ‪ ،‬واستعمِل دهِئهِ وقدرهتِ ّلتفَيق واّفوضى ‪ ،‬وقد يِوّت فصل‬ ‫األمة بعضهِ عن بعض بطَق خمتلفة ‪ ،‬وأىب هللا إال أ جيمع كلمة اّقطَين اّشقِقني أب يلتفَِ يول‬ ‫أمري وايد يَضِ​ِنه‪.‬‬


‫ويِث كِ مسوكم من أشَف عِئلة وأكَم بِت مع مِ جتتمع يف ذاتكم اّشَيف من املزاَي اّعِِّة ‪،‬‬ ‫واألوصِف اجللِلة فإ (هِئة اإلصالح املَكزية) احلِئزة ّلوكِّة املطلقة من (مؤَتَ غَ​َي ) اّذي ميثل‬ ‫األمة اّطَابلسِة ‪ ،‬ابنتخِب واقع منهِ قد‬ ‫وجدت يف مسوكم أمرياً يِزمًِ قِدراً على مجع األمة ّلثقة اّعِمة ‪ ،‬حمبوابً ‪ ،‬فهي ّذّك تبِيع مسوكم أمرياً‬ ‫ّلقطَين طَابلس وبَقة ‪ ،‬على أ تقودمهِ إىل مِ حيقق أمِنِهمِ اّشَيفة اإلسالمِة املنوه عنهِ‪.‬‬ ‫على أ مبِيعتكم كِنت مضمَة يف كل نفس منذ وقع االحتِد بني مندويب اّقطَين يف (سَت) ‪ ،‬وكِ‬ ‫اّسبب يف أتخري حتقِقهِ طوارأى احلَب اّيت طويت بكل وايد من أعضِء اهلِئة ‪ ،‬ورجِل اّقطَ يف‬ ‫منطقة شِسعة من املنِطق احلَبِة‪.‬‬ ‫وهبذه اّبِعة إ شِء هللا أصبح مسوكم األمري احملبوب ّلقطَين املبِركني ‪ ،‬ومىت سنحت اّفَصة عند‬ ‫تشَيفكم إَيان يسب رغبة األمة تقِم ّكم مظِهَ هذه اّبِعة يف موكب الئق بسموكم‪ .‬وهللا سبحِنه‬ ‫وتعِىل ميدكم بَوح من عنده ‪ ،‬وجيعل اّربكة يف اّبِت اّسنوسي املؤسس على اّتقوى‬ ‫واّصالح))[(‪.])130‬‬ ‫وابدر األمري حممد إدريس مبصِفحة تلك اِّد املمدودة ‪ ،‬وقنبِل اّبِعة دو تَدد ‪ ،‬وأجِب على كتِب‬ ‫اّبِعة يف ‪ 22‬ربِع األول (‪ )1341‬هـ ‪ 22 ،‬نوفمرب (‪ 1922‬م) ‪ ،‬فقِل‪(( :‬وبعد‪ :‬فقد تنِوّت بِد‬ ‫اّشكَ عَيضتكم اّيت أظهَمت فِهِ رغبتكم اخلِّصة يف حتقِق غِيتكم اّيت أمجعتم علِهِ يف مؤَتَ غَ​َي‬ ‫‪ ،‬وجِهدمت هلِ جهِداً صِدقًِ ابألنفس واّثمَات يف شخصي ‪ ،‬فأخذهتِ داعِ​ًِ هللا أ حيقق امِل هذه‬ ‫األمة ‪ ،‬ويكلل مسِعِهِ كلهِ ابّنجِح‪.‬‬ ‫وملِ كِ احتِد اّوطن وسالمته مهِ اّغِية اّيت طِملِ سعِت إِّهِ ؛ وجدت من واجيب أ أتلقى طلبكم‬ ‫فعلي إذاً أ أعمل جبد معكم ‪،‬‬ ‫ابّقبول ‪ ،‬وأ أحت َمل املسؤوِّة اّعظمى اّيت رأت األمة تكلِفي هبِ ‪َ ،‬‬ ‫وّكن ال تنسوا أنين بغري إقدامكم وجدكم ال قدرة يل على شيء‪ .‬إين أعلم أ احلِ​ِة اخلِّدة هي ّألمم‬ ‫ال ّألفَاد ‪ ،‬وكذّك األعمِل اّعظِمة اّبِقِة هي اّيت تنصَف إىل صِحل اجلمِع ‪ ،‬فلذّك أدعوه سبحِنه‬ ‫وتعِىل أ يهدينِ إىل كل عمل مثَته ّألمة ؛ إذ من يق كل شعب أ يسِطَ على شؤونه ‪ ،‬واّنِس منذ‬ ‫نشؤوا أيَار‪.‬‬ ‫وقد أظهَ شعبنِ يف كل أدواره مقدار حمبته ّلحَية ‪ ،‬فدفع مهوراً غِِّة ‪ ،‬فال يصح أليد أ يطمع يف‬ ‫استعبِده واالستبداد بشؤونه‪.‬‬


‫علي اّشورى وهي أسِس ديننِ ‪ ،‬وسأعمل على قِعدهتِ‪ .‬هذا وقد رأيت أ أقَ األمور‬ ‫ّقد اشرتطتم َ‬ ‫على مِ هي علِه يىت جتتمع مجعِة وطنِة ّوضع نظِم اّبالد ‪ ،‬فلذّك أنكِ ُل إىل اهلِئة املَكزية ـ ملِ أبدت‬ ‫من احلمِة ‪ ،‬واّعدل ‪ ،‬واّدراية ـ أ تستمَ على إدارة شؤو اّقطَ اّطَابلسي ‪ ،‬ويل اّثقة اّعظِمة يف‬ ‫يكمة رئِسهِ اّبطل احلِزم أَمد بك املَيض ورفقِئه ‪ ،‬واَّؤسِء اّكَام اّذي أيَدوا مسِعي اهلِئة امللِة‬ ‫أ يتحملوا مشِق املسؤوِّة بصرب ؛ ّتثبِت دعِئم اّبنِء اّوطين اّذي شِدوه ‪ ،‬وأسأّه تعِىل أ ميد‬ ‫اجلمِع بعنِيته ‪ ،‬ويثبت األقدام ‪ ،‬ويقهَ األعداء ‪ ،‬ومي َن ابّنصَ املوعود إنه على مِ يشِء‬ ‫قديَ))[(‪.])131‬‬ ‫يِول مستشِر األمري حممد إدريس عمَ منصور اّكِخِ​ِ أ يوفِق بني سِ​ِسة األمري إدريس مع اّطلِ​ِ‬ ‫‪ ،‬ويَصه على ويدة اّصف واجتمِع اّكلمة حتت زعِمته ‪ ،‬وانعقدت اجتمِعِت ومنِقشِت ‪،‬‬ ‫واستمَ هذا املِدا مفتويًِ حنو أربعني يومًِ ‪ ،‬ومل ِ‬ ‫يهتد اّبِيثو إىل احلل املطلوب إال مبغِدرة األمري‬ ‫حممد إدريس إجدابِة إىل مصَ يف اِّوم اّثِين من مجِدى األوىل سنة (‪ 1341‬هـ) ‪ 21 ،‬ديسمرب سنة‬ ‫(‪ 1992‬م)[(‪ ، ])132‬وكِ ذّك اّسفَ بسبب مَض أمل به ‪ ،‬ونصحه األطبِء ابّذهِب إىل مصَ‬ ‫ّلعالج ‪ ،‬وكِ قبل سفَه قد تعكَت وتغريت اّعالقِت اّسنوسِة مع إيطِِّة ‪ ،‬ويدثت بعض‬ ‫االشتبِكِت بني اّطلِ​ِ واّعَاب بسبب يَص اّطلِ​ِ على نزع اّسالح منهم ‪ ،‬ومت اعتقِل اّشِخ‬ ‫اّعوامي ظلمًِ وزوراً ‪ ،‬وكِنت هنِك حمِوّة أخَى ّلقبض على صفي اّدين ‪ ،‬وّكنهِ ابءت ابّفشل‬ ‫بسبب اخلرب اّثمني اّذي سَبه عثمِ اّعنِزي إىل صفي اّدين حمذراً إَيه من غدر اّطلِ​ِ به‪.‬‬ ‫إ األمري حممد إدريس اختذ قَار اهلجَة إىل مصَ بعد دراية وافِة ّلمَيلة اّيت مَت هبِ اّبالد ‪،‬‬ ‫وّلتطورات اّسِ​ِسِة واّعسكَية اّيت يدثت على اّسِية ‪ ،‬فِحلل اّعسكَي كِ يعَف ابستحِّته منذ‬ ‫اّبداية ‪ ،‬وكِ يعمل مِ يف وسعه إلقنِع االخَين بذّك ّلمحِفظة على دمِء املواطنني اّيت كِنت هتدر‬ ‫دو نتِجة ‪ ،‬ممِ كِ سِسبب إيبِط اَّوح املعنوية وَتكني اّعدو ‪ ،‬فقد كِ يَى أ املقِومة اّلِبِة‬ ‫املسلحة ّن‬ ‫ميكنهِ أبي يِل من األيوال ديَ اّقوات اإليطِِّة‪.‬‬ ‫مث إ اجملهودات اّدبلومِسِة اّيت كِ يقوم هبِ قد أعطت كل مِ ميكنهِ إعطِؤه يف تلك املَيلة ‪ ،‬فَيل‬ ‫عن اّبالد ِّحتفظ حبَيته ويَاقب اّوضع اّدويل ويتحني اّفَص[(‪.])133‬‬


‫ّقد تعَض األمري إدريس ّالنتقِد بدعوى أنه تَك شعبه أثنِء منعطف اترخيي هِم يف (‪ 1922‬م) ‪ّ ،‬قد‬ ‫يِول اإليطِِّو قتله ابّسم[(‪ ، ])134‬وتنِمت اخلالفِت واملشِكل بِنه وبني احلكومة اإليطِِّة يىت‬ ‫مل جيد يف مقدوره اّتغلب علِهِ ‪ ،‬فمعِهدة اَّمجة ال تعدو كوهنِ حمِوّة عقِمة إلقِمة نوع من احلكم‬ ‫اّثنِئي يشِرك فِه اإليطِِّو واّسنوسِو معًِ ‪ ،‬ومل يقدر هلِ اّنجِح أبداً من اّنِيِة اّعملِة ‪ ،‬مث انقطع‬ ‫اَّجِء يف استمَارهِ هنِئِ​ًِ عقب استِالء اّفِشست على مقِِّد اّسلطة يف إيطِِّة ‪ ،‬ومل يعد من‬ ‫املصلحة اّبقِء يف وجود نظِم فِشي ‪ ،‬فلو أ األمري حممد إدريس أصَ على اّبقِء داخل ِّبِة يف ذّك‬ ‫اّوقت ّكِنوا قبضوا علِه يتمًِ ‪ ،‬وكِنت أمهِته اّقصوى ابّنسبة ّلِبِني تكمن يف سعة نفوذه وهِبته يف‬ ‫اّعِمل اإلسالمي كزعِم ّلحَكة اّسنوسِة ‪ ،‬وينكته يف أسِِّب اّتفِوض اّسِ​ِسي ‪ ،‬وخربته ابّقضَِي‬ ‫اّدوِّة ‪ ،‬وقد ظهَ أثَه يف احلَب اّعِملِة اّثِنِة ‪ ،‬واستفِد من اّفَص اّيت أتِحت ‪ ،‬وشكل اجلِش‬ ‫اّسنوسي اّذي خِض معِرك ضِرية ضد إيطِِّة وأملِنِة ‪ ،‬وسِعد ذّك اجلِش احللفِء ممِ اضطَهم‬ ‫ّالعرتاف ابجلهود اّيت بذهلِ اّلِبِو ‪ ،‬واستفِد األمري حممد إدريس من تلك األعمِل اجللِلة يف‬ ‫مبِيثِته ومفِوضِته مع اإلنكلِز[(‪.])135‬‬ ‫إ فرتة املهجَ اّيت عِشهِ األمري حممد إدريس يف مصَ كِنت من أصعب أَيم يِ​ِته ‪ ،‬فقد قِل عنهِ‪:‬‬ ‫فقدت أثنِءهِ اّكثريين من أخلص أصدقِئي وأنصِري اّذين‬ ‫((وكِنت تلك اّفرتة تعِسة ّلغِية ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫استشهدوا يف معِرك اجلهِد ضد اإليطِِّني ‪ ،‬كمِ غمَين احلز واألسى اّشديد ملعِانة أهل بَقة‪.‬‬ ‫وعقب ايتالل اّكفَة دمَ املسجد اّذي كِ يضم رفِت واّدي ‪ ،‬وهنبت وبعثَت حمتوَيت املكتبة اّيت‬ ‫كِ‬ ‫فِهِ اّكثري من كتبنِ وخمطوطِتنِ‪ .‬ومِ كِ يشد من أزري عرب تلك اّظَوف اّعصِبة سوى ثقيت ابهلل ‪،‬‬ ‫وتعِطف أصدقِئنِ يف اّعِمل اّعَيب))[(‪.])136‬‬ ‫إ األمري حممد إدريس قبل أ يغِدر اّبالد يِول تنظِم أمور املقِومة ضد االيتالل اإليطِيل ‪ ،‬وحبث‬ ‫األمَ مع زعمِء ورؤسِء بَقة من جِنب ‪ ،‬ومع بشري اّسعداوي واّوفود اّطَابلسِة من جِنب اخَ‪.‬‬ ‫واستقَ رأي األمري على أ يعهد ابألعمِل اّسِ​ِسِة واّعسكَية يف بَقة إىل عمَ املختِر انئبًِ عنه يف‬ ‫تنظِم معسكَات اجملِهدين ‪ ،‬وعهد ابملسِئل اّدينِة ومِ يتعلق ابّسنوسِة وشؤو األسَة اّكَمية إىل‬ ‫أخِه اّسِد حممد رضِ ‪ ،‬وكِ اّسِد حممد اَّضِ يف جِّو انئبًِ عن مسوه يف إدارة شؤوهنِ ‪ ،‬وزود األمري‬ ‫رجِّه ابّتعلِمِت اّالزمة ‪ ،‬وأوصِهم ابختِذ احلِطة دائمًِ من غدر اّطلِ​ِ ‪ ،‬واتفق مع اّشِخ عمَ‬


‫املختِر على بعض اّقِدة ِّكونوا رؤسِء على معسكَات اجملِهدين يف بَقة ‪ ،‬ومن هؤالء اّقِدة اّسِد‬ ‫حممد اّصديق بن حممد رضِ وأخوه احلسن ‪ ،‬وقجة عبد هللا اّسوداين ‪ ،‬واّفضِل بو عمَ ‪ ،‬ويوسف‬ ‫بوريِل ‪ ،‬ويسني اجلويفي ‪ ،‬وعبد هللا سلوم ؛ على أ َ‬ ‫يتوىل قِ​ِدة هذه اجلِوش مجِعًِ اّشِخ عمَ‬ ‫املختِر[(‪.])137‬‬ ‫وحبث األمري مع بشري اّسعداوي مسأّة استمَار اجلهِد يف طَابلس ضد اّطلِ​ِ ‪ ،‬وقبل ذّك تقدم‬ ‫بشري اّسعداوي مبشَوع إنشِء هِئة مَكزية يف بَقة من رؤسِء اّقبِئل تضطلع أبعبِء اإلدارة ‪ ،‬واختِر‬ ‫األمري َّائستهِ اّشِخ خمتِر اّغدامسي ؛ وهو من اّقضِة اّشَعِني ومن أكِبَ علمِء اّبالد ‪ ،‬وبعد‬ ‫مغِدرة األمري إجدابِة عقدت اهلِئة املَكزية اّربقِوية جلسِت عدة ّلبحث يف شؤو اّبالد وهتِئة وسِئل‬ ‫اجلهِد ضد اّعدو اإليطِيل اّنصَاين احلِقد ‪ ،‬ويضَ بشري اّسعداوي جلسِت اهلِئة ‪ ،‬وعَض على‬ ‫احلِضَين تشكِل جبهة متحدة من بَقة وطَابلس ّلمتِبعة ضد إيطِِّة دو أي إبطِء ‪ ،‬وبعد تبِدل‬ ‫اَّأي وافق احلِضَو على رأي اّسعداوي‪.‬‬ ‫وأتهب اّسعداوي ّلسفَ إىل طَابلس ‪ ،‬وكِ معه صفي اّدين اّسنوسي يف ‪21‬‬ ‫رجب (‪ 1341‬هـ) ‪ 9 ،‬مِرس (‪ 1923‬م) ‪ ،‬وكِ يف رفقتهم جمموعة من خِ​ِر اجملِهدين من أمثِل‬ ‫أَمد ابشِ سِف اّنصَ ‪ ،‬وعمَ سِف ‪ ،‬يقول صفي اّدين‪(( :‬وعندمِ وصلنِ إىل اّنوفلِة وجدان هبِ‬ ‫خِّداً بك اّقَقين وعثمِ بك اجلِزاين ‪ ،‬فِرحتلنِ مجِعًِ إىل سَت ‪ ،‬ويف أثنِء اّطَيق وصلنِ خرب مشؤوم‬ ‫مفِده‪ :‬أ حممد سعدو اّسوحيلي أخِ رمضِ اّسوحيلي قد استشهد يف اّقتِل ‪ ،‬وكِ حممد سعدو‬ ‫من خرية اّقواد اّذين توّوا قِ​ِدة اّعملِ​ِت اّعسكَية يف احلَكة األخرية ‪ ،‬على أننِ اتبعنِ اّسري بعد‬ ‫ذّك يىت بلغنِ سَت ‪ ،‬وهنِك قِبلنِ أَمد بك املَيض ‪ ،‬مث ذهبنِ إىل وادي نفد بني مصَاتة وورفلة ‪،‬‬ ‫ويف ورفلة وجدان أَمد شتِوي وهو من إخوة رمضِ اّسوحيلي ‪ ،‬وكِ شتِوي متصَفًِ على مصَاتة ‪ ،‬مث‬ ‫وجدان معسكَ اجملِهدين اّعِم))[(‪.])138‬‬ ‫وقد بذل بشري اّسعداوي جهوداً عظِمة حلشد مجوع اجملِهدين يول اّسِد صفي اّدين وحتت زعِمة‬ ‫اّسنوسِة ‪ ،‬وكِ قِئد معسكَ اجملِهدين اّطَابلسِني يف وادي نفد يوايل مثِنِة شهور ؛ من شعبِ‬ ‫(‪ 1341‬هـ) إىل شهَ مجِدى األوىل من عِم (‪ 1342‬هـ) ‪ ،‬أبَيل ـ ديسمرب (‪ 1923‬م)‪.‬‬ ‫وبعد فرتة من اّزمن بدأ زعمِء اجملِهدين يف تَك معسكَ نفد ‪ ،‬ومل يبق إال أَمد اّسوحيلي ‪ ،‬وكِنت‬ ‫اّقوات اإليطِِّة تتقدم وحتتل املد يف منطقة طَابلس ‪ ،‬وقد ذكَ اّشِخ طِهَ اّزاوي كِف ايتل‬


‫اّطلِ​ِ منطقة طَابلس ومدهنِ بنوع من اّتفصِل[(‪ ، ])139‬واضطَ صفي اّدين أمِم احنالل املقِومة‬ ‫‪ ،‬وضعف يَكة اجلهِد أ يذهب إىل جِّو ‪ ،‬وبعث إىل األمري حممد إدريس مبصَ خيربه بكل مِ وقع ‪،‬‬ ‫فأجِبه األمري أب ّه أ خيتِر إمِ اّبقِء يف جِّو ‪ ،‬وإمِ اّذهِب إىل جغبوب ‪ ،‬وارحتل صفي اّدين إىل‬ ‫اجلغبوب يف صفَ (‪ 1243‬هـ) ‪ ،‬سبتمرب (‪ 1923‬م)‪.‬‬ ‫وكِ بشري اّسعداوي يواصل جهِده املَيَ جلمع كلمة اجملِهدين ‪ ،‬وعقد االجتمِعِت ّتحقِق هذه‬ ‫اّغِية يف اّقَضِبِة ‪ ،‬مث يف قصَ بوهِدي ‪ ،‬واستطِع أ يؤسس مَكزاً ّلجهِد يف املكِ األخري ‪ ،‬وتسلم‬ ‫اّقِ​ِدة يف سَت ‪ ،‬ومجع شتِت‬ ‫املنهزمني اّالجئني إىل سَت ‪ ،‬وكِنوا يوايل مخسني أو ستني أّفًِ ‪ ،‬وثبت اجملِهدو يف مصَاتة وتَهونة‬

‫أقدامهم نتِجة هلذا اّعمل ‪ ،‬وّكن اّطلِ​ِ بقواهتم اجلَارة ‪ ،‬وطِئَاهتم استطِعوا اّقضِء على يَكة‬ ‫املقِومة رويداً رويداً ‪ ،‬مث هِمجوا يف اخَ األمَ ورفلة ‪ ،‬وعندئذ احنلت املقِومة َتِمًِ ‪ ،‬واضطَ بشَ‬ ‫اّسعداوي إىل مغِدرة سَت يف عِم (‪ 1924‬م) بعد أ مكث هبِ سنة تقَيبًِ ‪ ،‬وكِ اّسعداوي رَمه‬ ‫هللا من أشد اجملِهدين حتمسًِ يف هذه اّفرتة اّعصِبة ‪ ،‬ومن أعظمهم مثِبَة على اجلهِد ‪ ،‬وكِ يتحلَى‬ ‫بَجِية اّعقل ‪ ،‬واَّزانة ‪ ،‬واهلدوء ‪ ،‬ويتصف ابّقدرة على اّنظَ اّبعِد وتقلِب وجوه اَّأي يف عواقب‬ ‫األمور[(‪.])140‬‬ ‫استتب‬ ‫قِل حممد فؤاد شكَي‪ :‬إ خَوجه كِ مؤذانً أب اّثورة قد انتهت فعالً ‪ ،‬وأ األمَ قد‬ ‫َ‬ ‫ّلطلِ​ِ يف طَابلس أخرياً ‪ ،‬وأ بَقة ويدهِ هي اّيت أصبحت حتمل على عِتقهِ عبء اجلهِد منفَدة‬ ‫ضد اّعدو ‪ ،‬وكِ وايل بَقة اجلديد بوجنِو فِين قد بدأ حيل األدوار املختلفة يف بَقة عنوة واقتداراً ‪ ،‬ومت‬ ‫ّه مِ أراد يف األسبوع األول من شهَ مِرس (‪ 1923‬م) ‪ ،‬فحلت احلكومة يف ‪ 6‬مِرس معسكَات‬ ‫األبِ​ِر وتكنس وسلطنة ‪ ،‬واملخِلي ‪ ،‬وعكَمة ‪ ،‬وانتهز بوجنِو فِين فَصة افتتِح اّدورة اّربملِنِة يف اِّوم‬ ‫نفسه ‪ ،‬وهجم يف اّربملِ على اّسنوسِة‪ .‬وقِل‪ :‬إ اّسنوسِني كِنوا غري خملصني ّلحكومة اإليطِِّة ‪،‬‬ ‫مث أبلغ سِمعِه اّتدابري اّيت اختذهِ ّلقضِء على اّسنوسِة ‪ ،‬وكِنت أوىل اّتدابري ايتالل إجدابِة ذاهتِ‬ ‫يف ‪ 21‬أبَيل (‪ 1923‬م) ‪ ،‬وهي مقَ اإلمِرة اّسنوسِة ‪ ،‬ويف ‪ 24‬أبَيل أعلن اّوايل ((أ كل‬ ‫االتفِقِ​ِت اّيت أبَمتهِ إيطِِّة مع اّسنوسِة قد أصبحت الغِة وال أثَ هلِ))[(‪.])141‬‬ ‫ويف أول مِيو من اّسنة نفسهِ عِد بوجنِو فِين فأ َكد إّغِء هذه االتفِقِت يف منشور أعلن فِه ((أ‬ ‫اّسنوسِة قد أصبحت جمَد طَيقة تشبه غريهِ من اّطَق اإلسالمِة ‪ ،‬وأ نشِطهِ جيب أ يظل‬


‫نشِطًِ دينِ​ًِ حمدوداً فحسب)) ‪ ،‬ويف يوم ‪ 3‬مِيو ذهب اّدروفِندي اّوزيَ اإليطِيل يف مصَ ملقِبلة‬ ‫األمري حممد إدريس ‪ ،‬وأبلغه أ االتفِقِت اّيت عقدهتِ إيطِِّة معه قد أصبحت الغِة ‪ ،‬وال وجود هلِ‪.‬‬ ‫يقول األمري حممد إدريس ‪(( :‬بعد بضعة أشهَ من قدومي إىل مصَ أبلغين اّوزيَ اإليطِيل املفوض يف‬ ‫اّقِهَة أب يكومة موسوِّين أّغت كِفة اّعهود واملواثِق املعقودة مع اّسنوسِني ‪ ،‬وكِ ذّك يف مِيو‬ ‫(‪ 1923‬م) ‪ ،‬وكِ اإليطِِّو قد أّقوا اّقبض على عمَ ابشِ اّكخِ​ِ بتهمة اّتواطؤ يف هَويب ‪،‬‬ ‫علمت أ احلكومة‬ ‫فحبسوه أوالً يف بنغِزي ‪ ،‬مث نقلوه إىل معتقل يف إيطِِّة ‪ ،‬وبعدهِ بشهور قالئل‬ ‫ُ‬ ‫اإليطِِّة قد طلبت من احلكومة املصَية تسلِمي إِّهِ ‪ ،‬ووعدت بعدم تعَيضي ألي أذى‪.‬‬ ‫وشعَت ابخلطَ احملقق ؛ نظَاً أل امللك فؤاد كِنت أمه إيطَِِّة ‪ ،‬وقد تَىب يف إيطِِّة ‪ ،‬وتَبطه‬ ‫ابإليطِِّني عالقة َمِمة رمبِ تدفعه إىل تلبِة طلبهم‪.])142([))...‬‬ ‫ومن ذّك احلني بدأ اجلهِد بقِ​ِدة عمَ املختِر يف بَقة ضد إيطِِّة من غري هوادة أو ّني ‪ ،‬أو ضعف ‪،‬‬ ‫أو خوار وقبل اّدخول يف سرية اّشِخ عمَ املختِر اّعطَة حنِول أ نقف مع األيداث اّسِبقة ّنتأمل‬ ‫يف اّعرب واّدروس ّتسرتشد هبِ األجِ​ِل يف مستقبلهِ‪.‬‬ ‫إ من األمور اخلطرية اّيت مَت هبِ اّبالد فِمِ بني (‪ 1916‬و‪ 1923‬م) أ انقسم زعمِء ِّبِة إىل‬ ‫قسمني ابّنسبة ّألوضِع اّدوِّة يف بداية احلَب اّعِملِة األوىل ‪ ،‬ممِ ضِعف من توسِع هوة اخلالف ‪،‬‬ ‫فأهل بَقة عقدوا مصِحلة مع اإلجنلِز وإيطِِّة ‪ ،‬وأهل طَابلس وقفوا مع األتَاك قلبًِ وقِّبًِ ‪ ،‬ويدث‬ ‫تنِزع على اّنفوذ ‪ ،‬ووصل إىل يد اّقتِل بني األشقِء ‪ ،‬وبعد هزمية األتَاك واألملِ ‪ ،‬وخَوجهم من‬ ‫ِّبِة جِءت فكَة اجلمهورية اّطَابلسِة ‪ ،‬ومل يستطع اّزعمِء أ يتغلبوا على أهوائهم اّشخصِة ‪،‬‬ ‫فِنتهى هبم األمَ إىل مقتل رمضِ اّسوحيلي رَمه هللا تعِىل ‪ ،‬وهِجَ سلِمِ اّبِروين رَمه هللا من‬ ‫اّبالد ‪ ،‬وأصبح مستشِراً حلكومة مسقط بدوّة عمِ ‪ ،‬وتويف إثَ مَضه ببومبِي ابهلند عِم (‪1941‬‬ ‫م)[(‪ ، ])143‬وعبد اّنيب ابخلري رَمه هللا تويف يف اّصحَاء اّكربى أثنِء هجَته إىل تونس بسبب‬ ‫اّعطش[(‪ ، ])144‬وأَمد‬ ‫املَيض رَمه هللا تويف يف اّفِوم مبصَ عِم (‪ 1941‬م)[(‪ ، ])145‬وحممد إدريس اّسنوسي رَمه هللا‬ ‫أصبح الجئًِ سِ​ِسِ​ًِ‪.‬‬ ‫أقول‪ّ :‬و اتفق زعمِء طَابلس يف بداية أمَهم على قلب رجل وايد ؛ ّكِنت اّنتِئج ّصِحل اإلسالم‬ ‫واملسلمني ‪ّ ،‬قد كِنت اّبالد يف تلك اّفرتة يف أشد احلِجة إىل تويِد اّكلمة حتت قِ​ِدة رجل ّه‬


‫مدارك اّبِروين ‪ ،‬وهدوءه ويِ​ِده ‪ ،‬وذكِء عبد اّنيب ودهِؤه ‪ ،‬وصالبة رمضِ وشجِعته ‪ ،‬ويلم أَمد‬ ‫املَيض وسعة صدره ‪ ،‬وكِ كل من حيِول من اّزعمِء أ يتطلع إىل االنفَاد ابحلكم يف تلك اّفرتة‬ ‫املظلمة ‪ ،‬إمنِ حيِول املستحِل ‪ ،‬فكِ من اّالزم اّتضحِة بنصِب من األاننِة ‪ ،‬واّنعَة اّقبلِة ‪ ،‬وحمِربة‬ ‫األهواء ‪ ،‬ونبذ اّتعصب ّتويِد اّشعب حنو مقصد اجلهِد ضد احملتل احلِقد ‪ ،‬وأ خيتِروا زعِمًِ من‬ ‫بِنهم ‪ ،‬ويقف اجلمِع ّدعمه ‪ ،‬ويقفلوا األبواب على كل خمططِت األعداء اّيت تَيد َتزيق اّصف ‪،‬‬ ‫وتعمِق اخلالف ‪ ،‬وضَب اّزعمِء ببعضهم ‪ ،‬كمِ أ مِ وصل إِّه اّطَابلسِو من وجوب تويِد‬ ‫جهودهم مع اّربقِوين جِء متأخَاً ‪ ،‬وبعد فوات األوا ‪ ،‬وّو كِ قبل ذّك بسنني ‪ ،‬أو يف زمن قِ​ِدة‬ ‫أَمد اّشَيف ّكِ ذّك االحتِد من عوامل اّنهوض ‪ ،‬وأسبِب اّنصَ ‪ ،‬وّقِمت إمِرة قوية تستطِع‬ ‫أ تتغلب على اّعدو احملتل ‪ ،‬وتبين دوّة عصَية قوية ‪ ،‬وّوجدت فِهِ األجِ​ِل امتداداً يضِرَيً ‪ ،‬وبعداً‬ ‫سِ​ِسِ​ًِ ‪ ،‬وانتمِءً يقِقِ​ًِ ملفهوم اّعقِدة واّدين واألمة واّشعب واّوطن ‪ّ ،‬قد شبَه أيد املؤرخني تلك‬ ‫املَيلة بفرتة ملوك اّطوائف يف األندّس ‪ ،‬فِّنزعة اّقبلِة ال تزال يف عنفواهنِ ‪ ،‬ودكتِتورية زعِم اّقبِلة ال‬ ‫ميكن حموهِ واّتغلب علِهِ ‪ ،‬وإ كِنت املنطقة اّشَقِة تغلبت علِهِ ابّدعوة اّشِملة ‪ ،‬واّرتبِة اّعمِقة‬ ‫‪ ،‬وبتوفِق هللا تعِىل ‪ ،‬مث بسبب جهود احلَكة اّسنوسِة يف قبِئل بَقة‪.‬‬ ‫إ اّدرس املهم هو أ يتغلَب اّزعمِء على أهوائهم من أجل املصِحل اّعلِ​ِ ّلبالد واّعبِد ‪ ،‬وإال‬ ‫أصبحت بالدان فوضى يسهل عندئذ ألعدائنِ اخرتاقهِ ‪ ،‬ومص خرياهتِ ‪ ،‬وتشتِت رجِهلِ ‪ ،‬إ اخلطِب‬ ‫ّويدة اّصف ‪ ،‬وتويِد اجلهود ‪ ،‬نقصد به كل مسلم من أبنِء ِّبِة يَيص على بلده وشعبه وأمته‪.‬‬ ‫إ االبتعِد عن اهلوى وحمِربته يف اّنفوس من أسبِب اّنهوض ‪ ،‬ومن األمور اّيت أرشد هللا تعِىل هلِ‬ ‫ني اّن ِ‬ ‫ِك نخلِ​ِ نفةً ِيف األ ْنر ِ‬ ‫َِس‬ ‫ود إِ َان نج نع ْلنن ن‬ ‫{َي ند ُاو ُ‬ ‫ِي ُك ْم بنـ ْ ن‬ ‫ض فن ْ‬ ‫زعمِء األمة وقِدهتِ ؛ قِل تعِىل‪[ :‬ص‪ :‬ن‬ ‫ضلُّو ن عن سبِ ِ​ِل َِ‬ ‫اّللِ إِ َ اَّ ِذين ي ِ‬ ‫ِاب ْحل ِق والن تنـتَبِ ِع ا ْهلوى فنـِ ِ‬ ‫اب نش ِدي ٌد ِمبنِ ن ُسوا‬ ‫ك نع ْن نسبِ ِ​ِل َ‬ ‫ضلَ ن‬ ‫اّلل نهلُْم نع نذ ٌ‬ ‫نن‬ ‫نن ُ‬ ‫نْ ن‬ ‫ن ن‬ ‫احلِس ِ‬ ‫ِب [ص‪]26 :‬‬ ‫ينـ ْونم ْ ن‬ ‫إ اتبِع اهلوى من أسبِب اّفَقة ‪ ،‬واّفَقة من أسبِب أتخَ اّنهوض ‪ ،‬فإذاً على املخلصني من أبنِء‬ ‫شعبنِ احلَيصني على حتكِم شَع هللا تعِىل ‪ ،‬حمِربة اهلوى وقلع جذوره وأسبِبه من اّنفوس ‪ ،‬إ حمِربة‬ ‫األهواء طَيق حنو االجتمِع واالئتالف ‪ ،‬وحنو األخذ أبسبِب اّنهوض واّتمكني هلذا اّدين ‪ ،‬إ‬ ‫اّعالج اّنِجع واّبلسم اّشِيف ملن ابتلي بشيء من اهلوى ‪ ،‬إّزام اّنفس ابّكتِب واّسنة ومنهج اّسلف‬ ‫اّصِحل ‪ ،‬وتَبِة اّنفس ابستمَار على اّتقوى واخلشِة من هللا تعِىل ‪ ،‬واهتِم اّنفس وحمِسبتهِ دائمًِ فِمِ‬


‫يصدر منهِ ‪ ،‬وعدم االغرتار أبهوائهِ وتزيِنِهتِ وخداعهِ ‪ ،‬واإلكثِر من اّنفس على استنصِح االخَين‬ ‫وتقبل االراء اّصحِحة اّصِئبة وإ كِنت خمِّفة ملِ يف اّنفس ‪ ،‬وتعويدهِ على اّرتيُّث وعدم‬ ‫االستعجِل يف إصدار األيكِم ‪ ،‬وإمضِء األعمِل ‪ ،‬واحلذر من ردود األفعِل اّيت قد يكو فِهِ إفَاط‬ ‫أو تفَيط ‪ ،‬وغلو أو تقصري ‪ ،‬وجهل وبغي وعدوا ‪ ،‬وإكثِر املَء من اّدعِء واّتضَع إىل هللا تعِىل أب‬ ‫جينبه اتبِع اهلوى ومضالت اّفنت ‪ ،‬ويسأّه تعِىل أ يوفقه ّقول كلمة احلق يف اّغضب واَّضِ‪ .‬ويكثَ‬ ‫من اّدعِء اّذي علمه رسول هللا (ص) ألمته‪(( :‬وأسأّك كلمة احلق يف اَّضِ واّغضب))[(‪، ])146‬‬ ‫ومن قوّه (ص)‪(( :‬اّلهم إين أعوذ بك من منكَات األخالق واألعمِل واألهواء))[(‪.])147‬‬ ‫إ سنة هللا مِضِة يف األمم واّشعوب ال تتبدل وال تتغري وال جتِمل ‪ ،‬وجعل سبحِنه وتعِىل من أسبِب‬ ‫هالك األمم واّشعوب االختالف ؛ قِل (ص)‪(( :‬فإ من كِ قبلكم اختلفوا فهلكوا)) ‪ ،‬ويف رواية‪:‬‬ ‫((فأهلكوا))[(‪.])148‬‬ ‫وعند ابن يبِ واحلِكم عن ابن مسعود‪(( :‬فإمنِ أهلك من كِ قبلكم االختالف))[(‪ .])149‬قِل‬ ‫ابن يجَ اّعسقالين‪ :‬ويف احلديث واّذي قبله احلض على اجلمِعة واألّفة ‪ ،‬واّتحذيَ من اّفَقة‬ ‫واالختالف[(‪.])150‬‬ ‫وقِل ابن تِمِة ـ رَمه هللا ـ‪(( :‬وأمَان هللا تعِىل ابالجتمِع واالئتالف ‪ ،‬وهنِان عن اّتفَق‬ ‫واالختالف))[(‪.])151‬‬ ‫واالختالف املهلك ّألمة هو االختالف املذموم ‪ ،‬وهو اّذي يؤدي إىل تفَيقهِ وتشتتهِ وانعدام‬ ‫اّتنِصَ فِمِ بني املختلفني ؛ كل طَف يعتقد ببطال مِ عند اّطَف االخَ ‪ ،‬وقد يؤول األمَ إىل‬ ‫استبِية قتِل بعضهم بعضًِ[(‪.])152‬‬ ‫((وإمنِ كِ االختالف علة هلالك األمة كمِ جِء يف يديث رسول هللا (ص) ‪ ،‬أل االختالف املذموم‬ ‫اّذي ذكَان بعض أوصِفه جيعل األمة فَقًِ شىت ممِ يضعف األمة ‪ ،‬أل قوهتِ وهي جمتمعة أكرب من قوهتِ‬ ‫وهي متفَقة ‪ ،‬وهذا اّضعف اّعِم اّذي يصِب األمة مبجموعهِ جيَأى اّعدو علِهِ ؛ فِطمع فِهِ ‪،‬‬ ‫وحيتل أرضهِ ويستويل علِهِ ويستعبدهِ وميسخ شخصِتهِ ‪ ،‬ويف ذّك انقَاضهِ وهالكهِ))[(‪.])153‬‬ ‫إ من اّدروس املهمة يف هذه اّدراسة اّتِرخيِة أ نتوقى اهلالك بتوقي االختالف املذموم ‪ ،‬أل‬ ‫االختالف كِ سببًِ من األسبِب يف ضِ​ِع بالدان ‪ ،‬وتسلط اّطلِ​ِ علِهِ ‪ ،‬وإ أخطَ مِ نعِين منه‬


‫اال اخلالف يف صفوف احلَكِت اإلسالمِة اّيت تقوم بواجب اّدعوة إىل هللا تعِىل ‪ ،‬وهذا اخلالف قد‬ ‫يؤدي إىل ضعف احلَكِت اّعِملة إذا مل تتخذ سبِل اّوقِية منه‪.‬‬ ‫يقول اّشِخ عبد اّكَمي زيدا ‪(( :‬واالختالف كمِ يضعف األمة ويهلكهِ ؛ يضعف اجلمِعة املسلمة‬ ‫اّيت تنهض بواجب اّدعوة إىل هللا مث يهلكهِ ‪ ،‬وهلذا كِ شَ مِ تبتلى به اجلمِعة املسلمة وقوع‬ ‫االختالف املذموم فِمِ بِنهِ ؛ حبِث جيعلهِ‬ ‫فَقًِ شىت ‪ ،‬حبِث تَى كل فَقة أهنِ على يق وصواب ‪ ،‬وأ غريهِ على خطأ وضالل ‪ ،‬وتعتقد كل‬ ‫فَقة أهنِ هي اّيت تعمل ملصلحة اّدعوة ‪ ،‬وهِهِت أ تكو اّفَقة واّتشتت واالختالف املذموم يف‬ ‫مصلحة اّدعوة ‪ ،‬أو أ مصلحة اّدعوة أتيت عن طَيق اّتفَق ‪ ،‬وّكن اّشِطِ هو اّذي يزين اّفَقة‬ ‫واّتفَق يف أعني املتفَقني املختلفني ‪ ،‬فِجعلهم يعتقدو أ اختالفهم وتفَقهم يف مصلحة اّدعوة‪.‬‬ ‫واالختالف يف اجلمِعة ال يقف أتثريه عند يد إضعِف اجلمِعة ‪ ،‬وإمنِ يضعف أتثريهِ يف اّنِس ‪،‬‬ ‫وجتعل املعَضني ينفثو ابطلهم يف اّنِس ‪ ،‬ويقوّو ‪ :‬مجِعة سوء أتمَ اّنِس أبيكِم اإلسالم ‪،‬‬ ‫واإلسالم يدعو إىل األّفة واالجتمِع ‪ ،‬وينهى عن االختالف ‪ ،‬وهي ختِّفه إذ هي متفَقة خمتلفة فِمِ‬ ‫بِنهِ ‪ ،‬كل فَقة تعِب األخَى وتدعي أهنِ ويدهِ على احلق‪ .‬مث يؤول األمَ إىل احنسِر أتثري اجلمِعة‬ ‫يف اجملتمع ‪ ،‬مث اضمحالهلِ وانداثرهِ وقِ​ِم مجِعِت جديدة مكِهنِ هي فَق املنفصلني عنهِ ‪ ،‬ووقِئع‬ ‫اّتِريخ اّبعِد واّقَيب تؤيد مِ نقول))[(‪.])154‬‬

‫اّفصل اّثِين‬ ‫اّشِخ اجللِل عمَ املختِر ـ رَمه هللا ـ‬ ‫نشأته ‪ ،‬وأعمِّه ‪ ،‬واستشهِده‬


‫املبحث األول‬ ‫نشأته وأعمِّه‬ ‫أوالً‪ :‬موّده ونسبه ونشأته وشِوخه‪:‬‬ ‫وّد اّشِخ اجللِل عمَ املختِر من أبوين صِحلني عِم (‪ 1862‬م)[(‪ ، ])155‬وقِل‪ 1858( :‬م) ‪،‬‬ ‫وكِ واّده خمتِر بن عمَ من قبِلة املنفة من بِت فَيِت ‪ ،‬وكِ موّده ابّبطنِ يف اجلبل األخضَ ‪،‬‬ ‫ونشأ وتَعَع يف بِت عز وكَم ‪ ،‬حتِط به شهِمة املسلمني وأخالقهم اَّفِعة ‪ ،‬وصفِهتم احلمِدة اّيت‬ ‫استمدوهِ من تعِِّم احلَكة اّسنوسِة اّقِئمة على كتِب هللا وسنة رسوّه (ص)‪.‬‬ ‫تويف واّده يف ريلته إىل مكة ألداء فَيضة احلج ‪ ،‬فعهد وهو يف يِّة املَض إىل رفِقه اّسِد أَمد‬ ‫اّغَ​َيين (شقِق شِخ زاوية جنزور اّواقعة شَق طربق) أب يبلغ شقِقه أبنه عهد إِّه برتبِة وّديه عمَ‬ ‫وحممد ‪ ،‬وتوىل اّشِخ يسني اّغَ​َيين رعِيتهمِ حمققًِ رغبة واّدمهِ ‪ ،‬فأدخلهمِ مدرسة اّقَا اّكَمي‬ ‫ابّزاوية ‪ ،‬مث أحلق‬ ‫عمَ املختِر ابملعهد اجلغبويب ِّنضم إىل طلبة اّعلم من أبنِء اإلخوا واّقبِئل األخَى[(‪.])156‬‬ ‫ّقد ذاق عمَ املختِر ـ رَمه هللا ـ مَارة اِّتم يف صغَه ‪ ،‬فكِ هذا من اخلري اّذي أصِب قلبه املليء‬ ‫ابإلميِ ‪ ،‬ويب هللا ورسوّه (ص) ؛ يِث اّتجأ إىل هللا اّقوي اّعزيز يف أموره كلهِ ‪ ،‬وظهَ منه نبوغ‬ ‫منذ صبِه ممِ جعل شِوخه يهتمو به يف معهد اجلغبوب اّذي كِ منِرة ّلعلم ‪ ،‬وملتقى ّلعلمِء ‪،‬‬ ‫واّفقهِء واألدابء واملَبني اّذين كِنوا يشَفو على تَبِة وتعلِم وإعداد املتفوقني من أبنِء املسلمني ‪،‬‬ ‫ِّعدوهم حلمل رسِّة اإلسالم اخلِّدة ‪ ،‬مث يَسلوهِ بعد سنني عديدة من اّعلم واّتلقي واّرتبِة إىل‬ ‫مواطن اّقبِئل يف ِّبِة وإفَيقِة ؛ ّتعلِم اّنِس وتَبِتهم على مبِدأى اإلسالم وتعِِّمه اَّفِعة ‪ ،‬ومكث‬ ‫يف معهد اجلغبوب مثِنِة أعوام ينهل من اّعلوم اّشَعِة املتنوعة كِّفقه واحلديث واّتفسري ‪ ،‬ومن أشهَ‬ ‫شِوخه اّذين تتلمذ على أيديهم ‪ ،‬اّسِد اّزروايل املغَيب ‪ ،‬واّسِد اجلواين ‪ ،‬واّعالمة فِحل بن حممد بن‬ ‫عبد هللا اّظِهَي املدين وغريهم كثري ‪ ،‬وشهدوا ّه ابّنبِهة ورجِية اّعقل ‪ ،‬ومتِنة اخللق ‪ ،‬ويب‬ ‫اّدعوة‪.‬‬ ‫وكِ يقوم مبِ علِه من واجبِت عملِة أسوة بزمالئه اّذين يؤدو أعمِالً ممِثلة يف سِعِت معِنة إىل‬ ‫جِنب طلب اّعلم ‪ ،‬وكِ خملصًِ يف عمله متفِنِ​ًِ يف أداء مِ علِه ‪ ،‬ومل يعَف عنه زمالؤه أنه أ َجل‬ ‫عمل يومه إىل غده ‪ ،‬وهكذا اشتهَ ابجلدية واحلزم واالستقِمة واّصرب ‪ ،‬وّفتت مشِئله أنظِر أسِتذته‬


‫وزمالئه وهو مل يزل َيفعًِ ‪ ،‬وكِ األسِتذة يبلغو اإلمِم حممد املهدي أخبِر اّطلبة وأخالق كل وايد‬ ‫منهم ‪ ،‬فأكرب اّسِد حممد املهدي يف عمَ املختِر صفِته ومِ يتحلى به من خالل[(‪.])157‬‬ ‫وأصبح على إملِم واسع بشؤو اّبِئة اّيت حتِط به ‪ ،‬وعلى جِنب كبري يف اإلدراك أبيوال اّوسط اّذي‬ ‫يعِش فِه ‪ ،‬وعلى معَفة واسعة ابأليداث اّقبلِة واتريخ وقِئعهِ ‪ ،‬وتوسع يف معَفة األنسِب‬ ‫واالرتبِطِت اّيت تصل هذه اّقبِئل‬ ‫ض‬ ‫بعضهِ ببعض ‪ ،‬وبتقِِّدهِ ‪ ،‬وعِداهتِ ‪ ،‬ومواقعهِ ‪ ،‬وتعلم من بِئته اّيت نشأ فِهِ وسِئل ف َ‬ ‫اخلصومِت اّبدوية ‪ ،‬ومِ يتطلبه املوقف من اراء ونظَ​َيت ‪ ،‬كمِ أنه أصبح خبرياً مبسِّك اّصحَاء‬ ‫وابّطَق اّيت كِ خيتِرهِ من بَقة إىل مصَ واّسودا يف اخلِرج ‪ ،‬وإىل اجلغبوب واّكفَة من اّداخل ‪،‬‬ ‫وكِ يعَف أنواع اّنبِاتت وخصِئصهِ على خمتلف أنواعهِ يف بَقة ‪ ،‬وكِ على دراية ابألدواء اّيت‬ ‫تصِب املِشِة بربقة ومعَفة بطَق عالجهِ نتِجة ّلتجِرب املتوارثة عند اّبدو ‪ ،‬وهي اختِ​ِرات مكتسبة‬ ‫عن طَيق اّتجَبة اّطويلة ‪ ،‬واملاليظة اّدقِقة ‪ ،‬وكِ يعَف مسة كل قبِلة ‪ ،‬وهي اّسمِت اّيت توضع‬ ‫على اإلبل واألغنِم واألبقِر ّوضوح ملكِتهِ ألصحِهبِ ‪ ،‬فهذه املعلومِت تدل على ذكِء عمَ املختِر‬ ‫وفطنته منذ شبِبه[(‪.])158‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬وصف عمَ املختِر‪:‬‬ ‫كِ عمَ املختِر متوسط اّقِمة ‪ ،‬ميِل إىل اّطول قلِالً ‪ ،‬ومل يكن ابّبدين املمتألى أو اّنحِف اّفِرغ‬ ‫‪ ،‬أجش اّصوت ‪ ،‬بدوي اّلهجة ‪ ،‬رصني املنطق ‪ ،‬صَيح اّعبِرة ‪ ،‬ال ميل يديثه ‪ ،‬متزانً يف كالمه ‪،‬‬ ‫تفرت ثنَِيه أثنِء احلديث عن ابتسِمة بَيئة ‪ ،‬أو ضحكة هِدئة إذا مِ اقتضِهِ املوقف ‪ ،‬كثِف اّلحِة ‪،‬‬ ‫وقد أرسلهِ منذ صغَه ‪ ،‬تبدو علِه صفِت اّوقِر واجلدية يف اّعمل ‪ ،‬واّتعقل يف اّكالم ‪ ،‬واّثبِت عند‬ ‫املبدأ ‪ ،‬وقد أخذت هذه اّصفِت تتقدم معه بتقدم اّسن[(‪.])159‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬تالوته ّلقَا اّكَمي وعبِدته‪:‬‬ ‫كِ عمَ املختِر شديد احلَص على أداء اّصلوات يف أوقِهتِ ‪ ،‬وكِ يقَأ اّقَا يومِ​ًِ ‪ ،‬فِختم‬ ‫املصحف اّشَيف كل سبعة أَيم منذ أ قِل ّه اإلمِم حممد املهدي اّسنوسي‪َ :‬ي عمَ وردك اّقَا ‪.‬‬ ‫وقصة ذّك ممِ ذكَهِ حممد اّطِب األشهب‪ :‬أنه استأذ يف اّدخول على اإلمِم حممد املهدي من‬ ‫يِجبه حممد يسن اّبسكَي يف موقع بئَ اّسِرة ‪ ،‬اّواقع يف اّطَيق اّصحَاوي بني اّكفَة واّسودا ‪،‬‬ ‫وعندمِ دخل على املهدي تنِول مصحفًِ‬


‫كِ جبِنبه وانوّه ّلمختِر ‪ ،‬وقِل‪ :‬هل ّك شيء اخَ تَيده ‪ ،‬فقلت ّه‪َ :‬ي سِدي إ اّكثريين من‬ ‫اإلخوا يقَؤو أوراداً معِنة من األدعِة واّتضَعِت أجزَتوهم قَاءهتِ ‪ ،‬وأان ال أقَأ إال األوراد اخلفِفة‬ ‫عقب اّصلوات ‪ ،‬فأطلب منكم إجِزيت مبِ تَو ‪ ،‬فأجِبين رضي هللا عنه بقوّه‪َ( :‬ي عمَ وردك اّقَا )‬ ‫لت يده وخَجت أَمل هذه اهلدية اّعظِمة (املصحف) ‪ ،‬ومل أزل بفضل هللا أيتفظ هبِ يف يلي‬ ‫‪ ،‬فقبَ ُ‬ ‫وتَيِيل ‪ ،‬ومل يفِرقين مصحف سِدي منذ ذّك اِّوم ‪ ،‬وصَت مداومًِ على اّقَاءة فِه يومِ​ًِ ألختم‬ ‫اّسلكة كل سبعة أَيم ‪ ،‬ومسعت من شِخنِ سِدي أَمد اَّيفي أ بعض كبِر األوِّ​ِء يداوم على‬ ‫طَيقة قَاءة اّقَا مبتدائً (ابّفِحتة) إىل (سورة املِئدة) مث إىل (سورة يونس) ‪ ،‬مث إىل (سورة اإلسَاء) ‪،‬‬ ‫مث إىل (سورة اّشعَاء) ‪ ،‬مث إىل (سورة اّصِفِت) ‪ ،‬مث إىل (سورة ق) ‪ ،‬مث إىل اخَ اّسلكة ‪ ،‬ومنذ ذّك‬ ‫احلني وأان أقَأ اّقَا من املصحف اّشَيف هبذا اّرتتِب[(‪.])160‬‬ ‫إ احملِفظة على تالوة اّقَا واّتعبد به تدل على قوة اإلميِ ‪ ،‬وتعمقه يف اّنفس ‪ ،‬وبسبب اإلميِ‬ ‫اّعظِم اّذي حتلى به عمَ املختِر انبثق عنه صفِت مجِلة ‪ ،‬كِألمِنة واّشجِعة ‪ ،‬واّصدق ‪ ،‬وحمِربة‬ ‫اّظلم ‪ ،‬واّقهَ ‪ ،‬واخلنوع ‪ ،‬وقد جتلَى هذا اإلميِ يف يَصه على أداء اّصلوات يف أوقِهتِ ؛ قِل تعِىل‪:‬‬ ‫ِ​ِ‬ ‫وات [اّنِ نسِء‪ ، ]103 :‬وكِ يتعبد املوىل عز وجل‬ ‫[اّنسِء‪{ :‬إِ َ اّ َ‬ ‫ني كِتن ًِاب نم ْوقُ ً‬ ‫صالنةن نكِن ْ‬ ‫ت نعلنى اّْ ُم ْؤمن ن‬ ‫بتنفِذ أوامَه ‪ ،‬ويسِرع يف تنفِذهِ ‪ ،‬وكِ كثري اّتنفل يف أوقِت اّفَاغ ‪ ،‬وكِ قد أّزم نفسه بسنة‬ ‫اّضحى ‪ ،‬وكِ حمِفظًِ على اّوضوء يىت يف غري أوقِت اّصالة ‪ ،‬وممِ يَوى عنه أنه قِل‪ :‬ال أعَف‬ ‫أنين قِبلت أيداً من اّسِدة اّسنوسِة وأان على غري وضوء منذ شَفين هللا ابالنتسِب إِّهم[(‪.])161‬‬ ‫ّقد كِ هذا اّعبد اّصِحل يهتم بزاده اَّويي اِّومي بتالوة اّقَا اّكَمي ‪ ،‬وقِ​ِم اّلِل ‪ ،‬واستمَ معه‬ ‫هذا احلِل يىت استشهِده‪.‬‬ ‫فهذا اجملِهد حممود اجلهمي اّذي يِرب حتت قِ​ِدة عمَ املختِر وصِيبه كثرياً ‪ ،‬يذكَ يف مذكَاته‪ :‬أنه‬ ‫كِ أيكل معه ‪ ،‬وينِم معه يف مكِ وايد ‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫((مل أشهد قط أنه انم ّغِية اّصبِح ‪ ،‬فكِ ينِم سِعتني أو ثالاثً على أكثَ تقديَ ‪ ،‬ويبقى صِيِ​ًِ‬ ‫يتلو اّقَا اّكَمي ‪ ،‬وغِّبًِ مِ يتنِول اإلبَيق ويسبغ اّوضوء بعد منتصف اّلِل ‪ ،‬ويعود إىل تالوة اّقَا‬ ‫‪ّ ،‬قد كِ على خلق عظِم ‪ ،‬يتمَِز مبِزات اّتقوى واّورع ‪ ،‬ويتحلَى بصفِت اجملِهدين‬ ‫األبَار‪.])162([))...‬‬


‫وأمِ األستِذ حممد اّطِب األشهب ؛ فقد قِل‪(( :‬وقد عَفته معَفة طِبة ‪ ،‬وقد مكنتين هذه املصِيبة‬ ‫من االيتكِك به مبِشَة ‪ ،‬فكنت أانم خبِمته وإىل جِنبه ‪ ،‬وأهم مِ كنت أمقته منه ـ رَمه هللا ـ وأان‬ ‫وقت ذاك يديث اّسن ؛ هو‪ :‬أنه ال يرتكنِ ننِم ؛ يقضي كل ِّلة يتلو اّقَا مبكَاً ‪ ،‬فِأمَان ابّوضوء‬ ‫ابَّغم عمِ نالقِه من شدة اّربد ومتِعب اّسفَ))[(‪.])163‬‬ ‫وكأين أراه من خلف اّسنني وهو قِئم يصلي هلل رب اّعِملني يف ودَي وجبِل وكهوف اجلبل األخضَ ‪،‬‬ ‫وقد اّتف بربده األبِض يف ظلمة اّلِل اّبهِم ‪ ،‬وهو يتلو كتِب هللا بصوت يزين ‪ ،‬وتنحدر اّدموع‬ ‫على خدوده من خشِة اّعزيز اَّيِم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِب َ‬ ‫اّللِ نوأنقن ُِموا اّ َ‬ ‫ِه ْم ِسًَّا نو نعالننِ​ِنةً ينـ َْ ُجو ن‬ ‫صالننة نوأننْـ نف ُقوا ممَِ نرنزقْـنن ُ‬ ‫ين ينـْتـلُو ن كتن ن‬ ‫قِل تعِىل‪[ :‬فِطَ‪{ :‬إ َ اّذ ن‬ ‫ِجتِرةً ّنن تنـبور [فن ِ‬ ‫ِطَ‪]29 :‬‬ ‫نن ْ ُن‬ ‫صى رسول هللا (ص) أاب ذر بذّك ‪ ،‬فقِل (ص)‪« :‬علِك بتالوة اّقَا ؛ فإنه نور ّك يف األرض‬ ‫ّقد و َ‬ ‫‪ ،‬وذخَ ّك يف اّسمِء»‪ .‬وقد يذر اَّسول اّكَمي من هجَ اّقَا ‪ ،‬فقِل (ص)‪« :‬إ اّذي ِّس يف‬ ‫جوفه شيء من اّقَا كِّبِت اخلنَِب»[(‪.])164‬‬ ‫قِل اّشِعَ‪:‬‬ ‫إال كنومة يِئ ٍَ وهلِ‬ ‫قم يف اّدجى واتل اّكتِب وال تنم‬ ‫فتسِق من فَش إىل األكفِ‬ ‫فلَمبِ أتيت املنِة بغتة‬ ‫من خشِة اَّ​َمن ابكِتِ‬ ‫َي يبذا عِنِ يف غسق اّدجى‬ ‫فِّزهد عند أويل اّنهى زهدا‬ ‫أعَض عن اّدنِ​ِ اّدنِئة زاهداً‬ ‫طوىب ملن أمسى ّه اّزهدا [(‪])165‬‬ ‫زهد عن اّدنِ​ِ وزهد يف اّـثَـننِ‬ ‫إ من أسبِب اّثبِت اّيت َتِز هبِ عمَ املختِر يىت اّلحظِت األخرية من يِ​ِته إدمِنه على تالوة‬ ‫اّقَا اّكَمي واّتعبد به وتنفِذ أيكِمه ‪ ،‬أل اّقَا اّكَمي مصدر تثبِت وهداية ‪ ،‬وذّك ملِ فِه من‬ ‫قصص األنبِ​ِء مع أقوامهم ‪ ،‬وملِ فِه من ذكَ مِل اّصِحلني ‪ ،‬ومصري اّكِفَين واجلِيدين وأوِّ​ِئه‬ ‫أبسِِّب متعددة[(‪.])166‬‬ ‫ّقد كِ عمَ املختِر يتلو اّقَا اّكَمي بتدبَ وإميِ عظِم ‪ ،‬فَزقه هللا اّثبِت وهداه طَيق اَّشِد ‪،‬‬ ‫وّقد صِيبنهُ يُِّه يف اّتالوة يىت اّنفس األخري ‪ ،‬وهو يسِق إىل يبل املشنقة وهو يتلو قوّه تعِىل‪:‬‬


‫كر ِ‬ ‫ِ ِ​ِ ِ ِ​ِ‬ ‫اضِنةً نم َْ ِضِنةً‬ ‫[اّفجَ‪ :‬ن‬ ‫س اّْ ُمطْ نمئنَةُ ْارجعي إ نىل نرب ن‬ ‫{َيأنيـَتُـ نهِ اّنَـ ْف ُ‬ ‫‪.])167([]28‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬شجِعته وكَمه‪:‬‬ ‫إ هذه اّصفة اجلمِلة تظهَ يف سرية عمَ املختِر منذ شبِبه اّبِكَ ؛ ففي عِم (‪ 1311‬هـ ‪1894‬‬ ‫م) تقَر سفَ عمَ املختِر على رأس وفد إىل اّسودا ؛ يضم كالًّ من اّسِد خِّد بن موسى ‪ ،‬واّسِد‬ ‫حممد املسِّوسي ‪ ،‬وقَجِلة اجملربي ‪ ،‬وخلِفة اّدابر اّزوي أيد أعضِء زاوية واو بفزا (وهو اّذي روى‬ ‫اّقصة) ‪ ،‬ويف اّكفَة وجد اّوفد قِفلة من اّتجِر من قبِليت اّزوية واجملِبَة ‪ ،‬وجتِر اخَين من طَابلس‬ ‫وبنغِزي تتأ َهب ّلسفَ إىل اّسودا ‪ ،‬فِنضم اّوفد إىل هؤالء اّتجِر اّذين تعودوا اّسري يف اّطَق‬ ‫[اّ نفجَ‪ ]28-27 :‬ـ‬

‫اّصحَاوية ‪ ،‬وهلم خربة جِدة بدروهبِ‪.‬‬ ‫وعندمِ وصل املسِفَو إىل قلب اّصحَاء ابّقَب من اّسودا ؛ قِل بعض اّتجِر اّذين تعودوا املَور‬ ‫من هذا اّطَيق‪ :‬إننِ سنمَ بعد وقت قصري بطَيق وعَ ال مسلك ّنِ غريه ‪ ،‬ومن اّعِدة ـ إال يف اّقلِل‬ ‫اّنِدر ـ يوجد فِه أسد ينتظَ فَيسته من اّقوافل اّيت َتَ من هنِك ‪ ،‬وتعودت اّقوافل أ ترتك ّه بعرياً‬ ‫ِ‬ ‫كمِ يرتك اإلنسِ قطعة اّلحم إىل اّكالب أو اّقطط ‪ ،‬وَتَ اّقوافل بسالم ‪ ،‬واقرتح‬ ‫املتحدث أ‬ ‫يشرتك اجلمِع يف مثن بعري هزيل ويرتكونه ّألسد عند خَوجه ‪ ،‬فَفض عمَ املختِر‬ ‫بشدة قِئالً‪(( :‬إ اإلاتوات اّيت كِ يفَضهِ اّقوي منِ على اّضعِف بدو يق أبطلت ؛ فكِف‬ ‫يصح ّنِ أ نعِد إعطِءهِ ّلحِوا ؟! إهنِ عالمة اهلوا واملذّة ‪ ،‬إننِ سندفع األسد بسالينِ إذا مِ‬ ‫اعرتض طَيقنِ))‪.‬‬ ‫وقد يِول بعض املسِفَين أ يثنِه عن عزمه ‪ ،‬فَد علِهم قِئالً‪ :‬إنين أخجل عندمِ أعود وأقول‪ :‬إنين‬ ‫تَكت بعرياً إىل يِوا اعرتض طَيقي ‪ ،‬وأان على استعداد حلمِية مِ معي ‪ ،‬وكلكم راع وكلكم مسؤول‬ ‫عن رعِته ‪ ،‬إهنِ عِدة سِئة جيب أ نبطلهِ ‪ ،‬ومِ كِدت اّقِفلة تدنو من املمَ اّضِق يىت خَج األسد‬ ‫من مكِنه اّذي اختذه على إيدى شَفِت املمَ ‪ ،‬فقِل أيد اّتجِر ـ وقد خِف من هول املنظَ‬ ‫وارتعشت فَائصه من ذّك ـ‪ :‬أان مستعد أ أتنِزل عن بعري من بعِئَي وال حتِوّوا مشِكسة األسد ‪،‬‬ ‫فِنربى عمَ املختِر ببندقِته ـ وكِنت من اّنوع اِّوانين ـ ورمى األسد ابَّصِصة األوىل فأصِبته ‪ ،‬وّكن‬ ‫يف غري مقتل ‪ ،‬واندفع األسد يتهِدى حنو اّقِفلة ‪ ،‬فَمِه أبخَى فصَعته ‪ ،‬وأصَ عمَ املختِر على أ‬ ‫يسلخ جلده ّرياه أصحِب اّقوافل ‪ ،‬فكِ ّه مِ أراد[(‪.])168‬‬


‫إ هذه احلِدثة تدّنِ على شجِعة عمَ املختِر ‪ ،‬وقد تنِوّتهِ اجملِّس يومذاك مبنتهى اإلعجِب ‪ ،‬وقد‬ ‫سأل األستِذ حممد اّطِب األشهب عمَ املختِر نفسه عن هذه احلِدثة يف معسكَ ملغِربة خبِمة اّسِد‬ ‫حممد اّفِئدي ‪ ،‬فأجِب بقوّه‪ :‬تَيدين َي وّدي أ أفتخَ بقتل صِد؟! قِل يل مِ قِّه قدميًِ أيد‬ ‫األعَاب ملنِفسه وقد قتل أسداً (أتفتخَ علي أبنك قتلت يشَة؟!) وامتنع عمَ املختِر بقول هللا‬ ‫اّللن نرنمى [األن نفِل‪]17 :‬‬ ‫ت نوّن ِك َن َ‬ ‫ت إِ ْذ نرنمِْ ن‬ ‫{ونمِ نرنمِْ ن‬ ‫تعِىل‪[ :‬األنفِل‪ :‬ن‬ ‫إ جواب عمَ املختِر هبذه االية اّكَمية يدل على أتثَه اّعمِق ابّقَا اّكَمي ‪ ،‬ألنه تعلَم أ أهل‬ ‫اإلميِ واّتويِد يف نظَهتم اّعمِقة حلقِقة اّوجود ‪ ،‬وتطلعهم إىل االخَة ينسبو اّفضل إىل اّعزيز‬ ‫اّوهِب سبحِنه وتعِىل ‪ ،‬ويتخلصو من يظوظ نفوسهم ‪ ،‬فهو اّذي مَ كثرياً على دعِء نيب هللا‬ ‫يث فن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك وعلَمتنِين ِمن نأتْ ِو ِيل األني ِ​ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫يوسف علِه اّسالم‪[ :‬يوسف‪ِ :‬‬ ‫ِطنَ‬ ‫{رب قن ْد آتنـِْـتنِين م نن اّْ ُم ْل ن ن ْ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫اّ َسمِو ِ‬ ‫اآلخَةِ تنـوفَِين مسلِمِ وأن ْحلِْق ِين ِابّ َ ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات نواأل ْنر ِ‬ ‫ت نوِّ​ِي ِيف ُّ‬ ‫وسف‪]101 :‬‬ ‫صِحل ن‬ ‫ض أننْ ن‬ ‫ني [يُ ُ‬ ‫اّدنْـِنِ نو ن ن ُ ْ ً ن‬ ‫نن‬ ‫وهو اّذي تعلم من سرية ذي اّقَنني هذا املعىن اَّفِع ‪ ،‬واّذي البد من وجوده يف اّشخصِة اّقِ​ِدية‬ ‫{ه نذا نر َْمنةٌ ِم ْن نرِيب [اّكهف‪ ، ]98 :‬فعندمِ بىن اّس َد ‪ ،‬ورفع‬ ‫اَّابنِة يف قوّه تعِىل‪[ :‬اّكهف‪ :‬ن‬ ‫اّظلم ‪ ،‬وأعِ املستضعفني ؛ نسب اّفضل إىل ربه سبحِنه وتعِىل‪.‬‬ ‫إ عمَ املختِر كِ صِيب قلب موصول ابهلل تعِىل ‪ ،‬فلم تسكَه نشوة اّنصَ ‪ ،‬ويالوة اّغلبة بعدمِ‬ ‫ختلَص من األسد األسطورة ‪ ،‬وأزاح اّظلم ‪ ،‬وقهَ اّتعدي ‪ ،‬بل نسب اّفضل إىل خِّقه وّذّك أجِب‬ ‫اّللن نرنمى [األن نفِل‪]17 :‬‬ ‫ت نوّن ِك َن َ‬ ‫ت إِ ْذ نرنمِْ ن‬ ‫{ونمِ نرنمِْ ن‬ ‫سِئله بقوّه تعِىل‪[ :‬األنفِل‪ :‬ن‬ ‫إ صفة اّشجِعة ظهَت يف شخصِة عمَ املختِر املتمِزة يف جهِده يف تشِد ضد فَنسة ‪ ،‬ويف ِّبِة‬ ‫ضد إيطِِّة ‪ ،‬وحيفظ ّنِ اّتِريخ هذه اَّسِّة اّيت أرسلهِ عمَ املختِر رداً على رسِّة من اّشِرف‬ ‫اّغَ​َيين اّذي أكَهته إيطِِّة ِّتوسط هلِ يف اّصلح مع عمَ املختِر وإيقِف احلَب‪.‬‬ ‫قِل بعد اّبسملة واّصالة على رسول هللا اّقِئل‪« :‬إ اجلنة حتت ظالل اّسِوف»‪.‬‬ ‫إىل أخِنِ سِدي اّشِرف بن أَمد اّغَ​َيين يفظه هللا وهداه ‪ ،‬سالم هللا علِكم ورَمته وبَكِته ومغفَته‬ ‫ومَضِته‪ .‬نعلمكم أ إيطِِّة إذا أرادت أ تبحث معنِ يف أي موضوع تعتقد أنه يهمهِ ويهمنِ ؛ فمِ‬ ‫علِهِ إال أ تتصل بصِيب األمَ ومواله سِدي اّسِد حممد إدريس ابن اّسِد حممد املهدي ابن‬ ‫اّسِد حممد اّسنوسي رضي هللا عنهم مجِعًِ ‪ ،‬فهو اّذي يستطِع قبول اّبحث معهم أو رفضه ‪ ،‬وأنتم‬ ‫ال جتهلو هذا ‪ ،‬بل وتعَفو إذا شئتم أكثَ من هذا ‪ ،‬ومكِ سِدي إدريس يف مصَ معَوف عندكم‬


‫‪ ،‬وأمِ أان وبقِة اإلخوا اجملِهدين فال نزيد عن كوننِ جنداً من جنوده ال نعصي ّه أمَاً ‪ ،‬ونَجو من هللا‬ ‫سبحِنه وتعِىل أ ال يقدر علِنِ خمِّفته فنقع فِمِ ال نَيد اّوقوع فِه ‪ ،‬يفظنِ هللا وإَيكم من اّزّل ‪،‬‬ ‫حنن ال يِجة عندان إال مقِتلة أعداء هللا واّوطن وأعدائنِ ‪ ،‬وِّس ّنِ من األمَ شيء إذا مِ أمَان سِدان‬ ‫وويل نعمتنِ رضي هللا عنه ونفعنِ به بوقف اّقتِل نوقفه ‪ ،‬وإذا مل أيمَان بذّك فنحن واقفو عند مِ أمَان‬ ‫به ‪ ،‬وال خنِف طِ​ِرات اّعدو ومدافعه ودابابته وجنوده من اّطلِ​ِ واحلبش‬ ‫واّسبِيس املكسَين (هؤالء االخَو هم اجملندو من بعض اّلِبِني) ‪ ،‬وال خنِف يىت من اّسم اّذي‬ ‫وضعوه يف االابر ‪ ،‬وخبوا به اّزروع اّنِبتة يف األرض ‪ ،‬حنن من جنود هللا ‪ ،‬وجنوده هم اّغِّبو ‪ ،‬وحنن‬ ‫ال نَيد ّكم مِ يدفعكم إِّه اّنصِرى ‪ ،‬وظننِ بكم خري ‪ ،‬وهللا يوفقنِ ويهدينِ وإَيكم إىل سبل اَّشِد ‪،‬‬ ‫وإىل خدمة املسلمني ‪ ،‬ورضِ سِدان رضي هللا عنه ‪ ،‬وسالم اإلسالم على من تبع اإلسالم‪.‬‬ ‫‪ 13‬ربِع اّثِين (‪ 1344‬هـ)‬ ‫انئب املنطقة اجلبلِة عمَ املختِر[(‪])169‬‬ ‫وحمل اّشِهد من هذه اَّسِّة قوّه‪(( :‬وال خنِف طِ​ِرات اّعدو ومدافعه ودابابته وجنوده من اّطلِ​ِ‬ ‫واحلبش واّسبِيس املكسَين ‪ ،‬وال خنِف يىت من اّسم اّذي وضعوه يف االابر ‪ ،‬ووخبوا به على اّزروع‬ ‫اّنِبتة يف األرض ‪ ،‬حنن من جنود هللا ‪ ،‬وجنوده هم اّغِّبو ))‪.‬‬ ‫إ صفة اّشجِعة مالزمة ّصفة اّكَم ‪ ،‬كمِ أ اجلنب واّبخل ال يفرتقِ ‪ ،‬وّقد يفظ ّنِ اّتِريخ عبِرة‬ ‫مجِلة كِ يَددهِ عمَ املختِر بني ضِوفه‪(( :‬إننِ ال نبخل ابملوجود ‪ ،‬وال أنسف ملفقود))‪.‬‬ ‫ّقد تضِفَت نصوص اّكتِب واّسنة مبدح اّكَم واإلنفِق ‪ ،‬وذم اّبخل واإلمسِك ‪ ،‬قِل تعِىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫َِف جنوبـهم ع ِن اّْم ِ‬ ‫ِه ْم يـُْن ِف ُقو ن فنالن تنـ ْعلن ُم‬ ‫[اّسجدة‪{ :‬تنـتن نج ن ُ ُ ُ ُ ْ ن ن ن‬ ‫ضِج ِع ين ْدعُو ن نربـَ ُه ْم نخ ْوفًِ نوطن نم ًعِ نوممَِ نرنزقْـنن ُ‬ ‫ُخ ِفي نهلُم ِم ْن قُـَةِ أ ْنع ُ ٍ‬ ‫جدة‪ ]17-16 :‬ـ ‪.]17‬‬ ‫ني نجنزاءً ِمبنِ نكِنُوا ينـ ْع نملُو ن [اّ َس ن‬ ‫س نمِ أ ْ ن ْ‬ ‫نـ ْف ٌ‬ ‫مل تكن مهة عمَ املختِر منصَفة إىل مجع املِل واّثَوة واّغىن وإ كِ قد ورث عن واّده بعض املِشِة‬ ‫؛ إال أنه تَكهِ يف رعِية بعض أقِربه يف اّقبِلة وتَك أرضه وموطنه منذ أ كِ عمَه ‪ 16‬عِمًِ ‪ ،‬وكِ‬ ‫طِلة فرتة إقِمته يف معهد اجلغبوب تتكفل إدارة املعهد مبصَوفِته ‪ ،‬وبعد أ تزوج وكو أسَة أصبح‬ ‫مورد رزقه مِ يتحصل علِه من نتِج احلِواانت اّقلِلة ‪ ،‬ومل يكن يومًِ من األَيم متفَغًِ جلمع املِل ‪،‬‬


‫وإمنِ عِش ّلعلم واّدعوة واجلهِد ‪ ،‬وانشغل عن مجع األموال واّثَوات ‪ ،‬وقضى يِ​ِته فقرياً مقتنعًِ مبِ‬ ‫رزقه هللا من اّقنِعة واَّضِ ابّكفِف ‪ ،‬وكِ يبذل مِ يف‬ ‫وسعه ّضِوفه وجنوده ‪ ،‬وينفق على أفَاد جِشه إنفِق من ال خيشى اّفقَ ‪ ،‬ويقدم إخوانه على نفسه ‪،‬‬ ‫وأصبح شعِره‪( :‬إننِ ال نبخل ابملوجود ‪ ،‬وال أنسف ملفقود)[(‪.])170‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬اّدعوة واجلهِد قبل االيتالل اإليطِيل‪:‬‬ ‫تفوق عمَ املختِر على أقَانه بصفِت عدة ؛ منهِ‪ :‬متِنة اخللق ‪ ،‬ورجِية اّعقل ‪ ،‬ويب اّدعوة ‪،‬‬ ‫ووصل أمَه إىل اّزعِم اّثِين ّلحَكة اّسنوسِة حممد املهدي اّسنوسي ‪ ،‬فقدمه على غريه ‪ ،‬واصطحبه‬ ‫معه يف ريلته اّشهرية من اجلغبوب إىل اّكفَة عِم (‪ 1895‬م) ‪ ،‬ويف عِم (‪ 1897‬م) أصدر حممد‬ ‫املهدي قَاراً بتعِني عمَ املختِر شِخًِ ّزاوية اّقصور ابجلبل األخضَ قَب املَج ‪ ،‬وقِم عمَ املختِر‬ ‫أبعبِء املهمة خري قِ​ِم ‪ ،‬فعلم اّنِس أمور دينهم ‪ ،‬وسِهم يف فض اّنزاعِت بني اّقبِئل وعمل على‬ ‫مجع كلمتهم ‪ ،‬وسعى يف مصِحلهم ‪ ،‬وسِر يف اّنِس سرية َمِدة ‪ ،‬فظهَت يف شخصِته أخالق اّدعِة‬ ‫من يل ٍم ‪ ،‬وأت ٍ ‪ ،‬وصرب ‪ ،‬ورفق ‪ ،‬وعلم ‪ ،‬وزهد‪.‬‬ ‫وممِ جتدر اإلشِرة إِّه‪ :‬أ وقوع االختِ​ِر علِه ّلقِ​ِم أبمور هذه اّزاوية كِ مقصوداً من قبل قِ​ِدة‬ ‫احلَكة اّسنوسِة ؛ يِث إ هذه اّزاوية كِنت يف أرض قبِلة اّعبِد اّيت عَفت بقوة اّشكِمة وشدة‬ ‫املَاس ‪ ،‬فوفقه هللا يف سِ​ِسة هذه اّقبِلة ‪ ،‬وجنح يف قِ​ِدهتِ بفضل هللا ‪ ،‬ومبِ أودع هللا فِه من صفِت‬ ‫قِ​ِدية ؛ من يكمة وعلم ويلم وصرب وإخالص‪.‬‬ ‫إ اّفرتة اّيت قضِهِ يف زاوية اّقصور تدّنِ وتشهد ّنِ على أعمِّه اجللِلة؛ كداعِة رابين يدعو إىل‬ ‫اإلسالم ونشَه ابّفكَة واإلقنِع واإلرشِد واّتوجِه ‪ ،‬فهو قمة شِخمة يف هذا اجملِل ‪ ،‬فهو مل يدخل جمِل‬ ‫اّدعوة واإلرشِد إال بعد أ تعلَم من أمور دينه اّكثري ‪ ،‬فشق طَيق اّدعوة بزاد علمي ‪ ،‬وثقِفة متمِزة ‪،‬‬ ‫وتفوق رويي ‪ ،‬ورجِية عقل ‪ ،‬وقوة يجة ‪ ،‬وريِبة صدر ‪ ،‬ومسِية نفس ‪ّ ،‬قد كِ يَيصًِ على‬ ‫تعلم اّعلم واّعمل به وتعلِمه ‪ ،‬وعندمِ زيف االستعمِر اّفَنسي على مَاكز احلَكة اّسنوسِة يف تشِد‬ ‫‪ ،‬نظمت احلَكة اّسنوسِة نفسهِ وأعدت ّلجهِد عدهتِ ‪،‬‬ ‫واختِرت من اّقِدة من هم أوىل هبذا اّعمل اجللِل ‪ ،‬فكِ عمَ املختِر من ضمنهم ‪ ،‬فقِرع‬ ‫االستعمِر اّفَنسي مع كتِئب احلَكة اّسنوسِة اجملِهدة يف تشِد ‪ ،‬وبذل مِ يف وسعه يىت ّفت‬


‫األنظِر إىل يزمه وعزمه وفَاسته وبُعد نظَه ويسن قِ​ِدته ‪ ،‬فقِل عنه حممد املهدي اّسنوسي‪ّ(( :‬و‬ ‫كِ ّدينِ عشَة مثل املختِر الكتفِنِ))[(‪.])171‬‬ ‫وبقي عمَ املختِر يف تشِد يعمل على نشَ اإلسالم ودعوة اّنِس وتَبِتهم ‪ ،‬إىل جِنب جهِده ضد‬ ‫فَنسة ‪ ،‬فحمل اّكتِب اّذي يهدي بِد ‪ ،‬واّسِف اّذي حيمي ابِّد األخَى ‪ ،‬وظهَت منه شجِعة‬ ‫وبطوّة وبسِّة اندرة يف اّدفِع عن دَير املسلمني ‪ ،‬وكِنت املنِطق اّيت يتوىل أمَهِ أمنع من عَين‬ ‫األسد ‪ ،‬وال خيفى مِ يف ذّك من إدراك اّقِ​ِدي املسلم ّواجبه جتِه دينه وعقِدته وأمته[(‪.])172‬‬ ‫وعندمِ أصِبت اإلبل اّيت كِنت حتمل األثقِل ّلمجِهدين مبَض اجلَب ‪ ،‬وكِ عددهِ ال يقل عن‬ ‫أربعة االف بعري ‪ ،‬وكِنت تلك اإلبل هي قوام احلِ​ِة ابّنسبة ّلمجِهدين ‪ ،‬واهتم اّسِد املهدي‬ ‫اّسنوسي بشأ عالجهِ ‪ ،‬ووقع اختِ​ِره على عمَ املختِر ِّكو املسؤول عن هذه املهمة اّيت شغلت‬ ‫ابل اجملِهدين ‪ ،‬فأمَه أب يذهب ابإلبل إىل موقع (عني كلك) نظَاً ّوفَة مِئه وّصاليِته ‪ ،‬وكِ على‬ ‫عمَ املختِر مهمة أخَى ؛ وهي‪ :‬االيتِ​ِط واحلَص اّشديدا ‪ ،‬واختِذ اّتدابري اّالزمة ّلدفِع ‪،‬‬ ‫واختِر عمَ املختِر من اجملِهدين جمموعة خرية ‪ ،‬وذهب ّتنفِذ أمَ اّقِ​ِدة ‪ ،‬وكِ توفِق هللا ّه عظِمًِ‬ ‫يف مهمته اّعسرية ‪ ،‬فنِل إعجِب اّسِد املهدي[(‪.])173‬‬ ‫ويف عِم (‪ 1906‬م) رجع عمَ املختِر أبمَ من اّقِ​ِدة اّسنوسِة إىل اجلبل األخضَ ِّستأنف عمله يف‬ ‫زاوية اّقصور ‪ ،‬وّكن ذّك مل يستمَ طويالً ‪ ،‬فقد بدأت املعِرك اّضِرية بني احلَكة اّسنوسِة‬ ‫واّربيطِنِني يف منطقة اّربدي ومسِعد واّسلوم على احلدود اّلِبِة املصَية‪ .‬وّقد شهد عِم (‪ 1908‬م)‬ ‫أشد املعِرك‬ ‫ضَاوة ‪ ،‬وانتهت بضم اّسلوم إىل األراضي املصَية حتت ضغوط بَيطِنِة على اّدوّة اّعثمِنِة ‪ ،‬وعِد‬ ‫اّشِخ عمَ املختِر إىل زاوية اّقصور ‪ ،‬وبَزت شخصِته بني زمالئه مشِيخ اّزواَي ‪ ،‬وبني شِوخ وأعِ​ِ‬ ‫اّقبِئل ‪ ،‬وّدى اّدوائَ احلكومِة اّعثمِنِة ‪ ،‬وظهَت مقدرته يف مهمته اجلديدة بصورة تلفت اّنظَ ‪،‬‬ ‫وأصبح متمِزاً يف يزمه يف إدارة اّزاوية ‪ ،‬ويف تعِونه مع زمالئه االخَين ‪ ،‬ويف معِجلته ّلمشِكل اّقبلِة‬ ‫‪ ،‬ويف مِدا اإلصالح اّعِم مضَابً ّألمثِل‪.‬‬ ‫وكِنت تَبطه صالت شخصِة مع عدد كبري من زعمِء وأعِ​ِ اّقبِئل يف بَقة ‪ ،‬وكذّك زعمِء املد ‪،‬‬ ‫وكِ زعمِء اّرباعصة حيبو عمَ املختِر يبًِ انبعًِ من قلوهبم ‪ ،‬يف يني أهنم مل يكونوا من اّقبِئل‬ ‫اّتِبعة ّزاويته ‪ ،‬وارتبطت عالقِته األخوية مع شِوخ اّزواَي كِّسِدة اّسنوسي األشهب شِخ زاوية‬


‫مسوس ‪ ،‬وعمَا اّسكوري شِخ زاوية املَج ‪ ،‬وعبد ربه بوشنِف اّشِخي ‪ ،‬واحلسن اّغمِري شِخ‬ ‫زاوية درَينة[(‪.])174‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬اّشِخ عمَ املختِر يف معِركه األوىل ضد إيطِِّة‪:‬‬ ‫عندمِ اندّعت احلَب اّلِبِة اإليطِِّة عِم (‪ 1911‬م) ؛ كِ عمَ املختِر وقتهِ بواية (جِّو) ‪ ،‬خف‬ ‫مسَعًِ إىل زاوية (اّقصور) ‪ ،‬وأمَ بتجنِد كل من كِ صِحلًِ ّلجهِد من قبِلة اّعبِد اّتِبعة ّزاوية‬ ‫(اّقصور) ‪ ،‬فأجِبوا نداءه ‪ ،‬وأيضَوا ّوازمهم ‪ ،‬ويضَ أكثَ من أّف مقِتل ‪ ،‬وكِ عِد األضحى من‬ ‫يبق عنه إال ثالثة أَيم فقط ‪ ،‬ومل ينتظَ اّسِد عمَ املختِر‬ ‫نفس اّسنة اهلجَية على األبواب ؛ أي‪ :‬مل ن‬ ‫عند أهله يىت يشِركهم فَية اّعِد ‪ ،‬فتحَك جبنوده وقضوا يوم اّعِد يف اّطَيق ‪ ،‬وكِنت اّذابئح اّيت‬ ‫أكل اجملِهدو من حلومهِ يوم اّعِد من اّسِد عمَ املختِر شخصِ​ًِ ‪ ،‬ووصل اجملِهدو وعلى رأسهم‬ ‫عمَ املختِر وبَفقته أَمد اّعِسِوي إىل موقع بنِنة ؛ يِث معسكَ اجملِهدين اّذي فَح بقدوم جندة‬ ‫عمَ املختِر ورفقِئه ‪ ،‬مث شَعوا يهِمجو اّعدو ِّالً وهنِراً ‪ ،‬وكِنت غنِئمهم من اّعدو تفوق‬ ‫ت دور اّزواَي يف جهِدهِ ضد إيطِِّة يف اجلزء اّثِين عن احلَكة‬ ‫احلصَ[(‪ .])175‬وقد بَِـْن ُ‬ ‫اّسنوسِة ‪ ،‬واّذي مسِته (سرية اّزعِمني حممد املهدي اّسنوسي ‪ ،‬وأَمد اّشَيف)‪.‬‬ ‫ويذكَ اّشِخ حممد األخضَ اّعِسِوي أنه كِ قَيبًِ من عمَ املختِر يف معَكة اّسالوي عِم (‪1911‬‬ ‫م) ‪ ،‬فوصف ّنِ بعض أيداث تلك املعَكة ‪ ،‬فقِل‪ ...(( :‬وقد فِجأان اّعدو ‪ ،‬فقِبله من اجملِهدين‬ ‫اخلِ​ِّة ‪ ،‬بِنمِ كِ اّعدو يضَبنِ مبدافعه اَّشِشة ‪ ،‬واضطَران ّلنزول يف مكِ منخفض مزروع ابّشعري‬ ‫‪ ،‬وكِنت اّسنِبل تتطِيَ بفعل اَّصِص املنهمَ ‪ ،‬فكأهنِ حتصد ابملنِجل ‪ ،‬وبِنمِ حنن كذّك ؛ إذ رأينِ‬ ‫مكِانً منخفضًِ أكثَ من املكِ اّذي حنن فِه ‪ ،‬وأردان أ أيوي إِّه اّسِد عمَ املختِر بسبب خوفنِ‬ ‫علِه ‪ ،‬فَفض بشدة ‪ ،‬يىت جِءه أيد أتبِعه يدعى اّسِد األمني ودفعه بقوة إىل املكِ اّذي اخرتانه‬ ‫إليوائه ‪ ،‬ويِول اخلَوج منه فمنعنِه بصورة مجِعِة‪.])176([))...‬‬ ‫كمِ أشِر اّشِخ حممد األخضَ إىل إعجِب اّضبِط األتَاك به وبشجِعته وابالراء اّسديدة اّيت‬ ‫تصدر عنه ‪ ،‬فكأمنِ هي تصدر من قِئد ممتِز ختَج من كلِة عسكَية‪.‬‬ ‫وكِ قدومه إىل معسكَات اجملِهدين مشجعًِ وابعثًِ ّلَوح املعنوية يف قوة خِرقة ‪ ،‬وقد حتدثت يف سرية‬ ‫أَمد اّشَيف يف اجلزء اّثِين عن احلَكة اّسنوسِة عن يَكة اجلهِد يف أَيمهِ األوىل ضد إيطِِّة ‪ ،‬وكِ‬ ‫عمَ املختِر من املقَبني ّلشِخ أَمد اّشَيف اّسنوسي ‪ ،‬وبعد هجَته الزم عمَ املختِر األمري حممد‬


‫إدريس ‪ ،‬وقِم بواجبِته خري قِ​ِم ‪ ،‬وبعد هجَة األمري إىل مصَ َ‬ ‫توىل أمَ اّقِ​ِدة اّعسكَية ابجلبل‬ ‫األخضَ ‪ ،‬وأخذ يف هتِئة اّنفوس جملِهبة اّعدو ‪ ،‬وبدأ جوالته يف أحنِء املنطقة ّالتصِل ابألهِيل‬ ‫وزعمِئهم ‪ ،‬بل وابألفَاد كخطوة أوىل ّلعمل اجلديد اّشِق يف نفس اّوقت ‪ ،‬وقِم بفتح ابب اّتطوع‬ ‫وتلهف على جمِهبة‬ ‫ّلجهِد ‪ ،‬فأقبل اّلِبِو من أبنِء قبِئل اجلبل بوجوه مستبشَة ‪ ،‬وقلوب مطمئنة ‪ُّ ،‬‬ ‫اّعدو اّغِدر ‪ ،‬وكِنت تَافقه جلنة مكونة من أعِ​ِ وشِوخ قبِئل املنطقة (اّرباغِث ‪ ،‬واحلَايب ‪،‬‬ ‫واملَابطني) ملسِعدته يف عمله اّعظِم ‪ ،‬وكِ من بِنهم‪ :‬بوشديق بومِزق يدوث ‪ ،‬اّصِفِط بوفَوة ‪،‬‬ ‫حممد بوّقِسم جلغِف ‪َ ،‬مد اّصغري‬ ‫يدوث ‪ ،‬دالف بو عبد هللا ‪ ،‬حممد اّعلواين ‪ ،‬سويكَ عبد اجللِل ‪ ،‬موسى بوغِضِ ‪ ،‬اّغَ​َيين عبد‬ ‫ربه بوشنِف ‪ ،‬عبد هللا اخلَسِين ‪ ،‬عوض اّعبِدي ‪ ،‬رجب بوسِحة ‪ ،‬رواق بودرمِ ‪ ،‬كَمي بوراقي ‪،‬‬ ‫قطِط احلِسي ‪ ،‬وغري هؤالء من علِة اّقوم ‪ ،‬فزار أغلب منِطق اجلبل واّبطنِ ‪ ،‬وكِ مسو األمري قد‬ ‫وصل إىل مصَ (ينِيَ ‪ 1923‬م) ومِ كِد اّسِد عمَ ينتهي من جوّته هذه ويطمئن ّلنتِئج يىت قَر‬ ‫االّتحِق بسمو األمري يف مصَ ِّعَض علِه نتِجة عمله ‪ ،‬ويتلقى منه اّتوجِهِت اّالزمة[(‪.])177‬‬ ‫سِبعًِ‪ :‬سفَه إىل مصَ‪:‬‬ ‫سِفَ يف شهَ مِرس سنة (‪ 1923‬م) إىل مصَ بصحبة علي ابشِ اّعبِدي ‪ ،‬وتَك رفقِءه عند بئَ‬ ‫اّغيب يىت يعود إِّهم ‪ ،‬واستطِع اجتِ​ِز احلدود املصَية ‪ ،‬وَت َكن من مقِبلة اّسِد إدريس مبصَ اجلديدة‬ ‫‪ ،‬وكِ عمَ املختِر عظِم اّوالء ّلسنوسِة وزعمِئهِ وشِوخهِ ‪ ،‬وظهَ ذّك اّوالء يف إقِمته مبصَ‬ ‫عندمِ يِول مجِعة من قبِلة املنفة وهي قبِلة اّسِد عمَ املختِر ‪ ،‬وكِنوا قد أقِموا مبصَ ‪ ،‬أ يقِبلوا‬ ‫اّسِد عمَ املختِر ّلرتيِب به ‪ ،‬فِستفسَ املختِر قبل أ أيذ هلم بذّك عمِ إذا كِنوا قد سعوا‬ ‫ملقِبلة األمري عند يضوره إىل مصَ ‪ ،‬فلمِ أجِب هؤالء ابّنفي معتذرين أب أسبِابً عِئلِة قهَية منعتهم‬ ‫من أتدية هذا اّواجب ‪ ،‬رفض املختِر مقِبلتهم قِئالً‪(( :‬وكِف تظهَو يل اّعنِية وحتضَو ملقِبليت ‪،‬‬ ‫وأنتم اّذين تَكتم شِخي اّذي هو ويل نعميت وسبب خريي؟! أمِ وقد فعلتم ذّك فإين ال أمسح ّكم‬ ‫مبقِبليت ‪ ،‬وال عالقة من اال بِين وبِنكم))[(‪.])178‬‬ ‫فمِ أ بلغ اّسِد إدريس مِ فعله عمَ املختِر مع من جِء إِّه من أبنِء قبِلته ‪ ،‬يىت أصدر أمَه‬ ‫مبقِبلتهم ‪ ،‬فِمتثل املختِر ألمَه[(‪.])179‬‬


‫يِوّت إيطِِّة بوسِطة عمالئهِ مبصَ االتصِل ابّسِد عمَ املختِر ‪ ،‬وعَضت علِه أبهنِ سوف تقدم‬ ‫ّه مسِعدة إذا مِ تعهد ابختِذ سكنه يف مدينة بنغِزي أو‬ ‫املَج ‪ ،‬ومالزمة بِته حتت رعِية وعطف إيطِِّة ‪ ،‬وأ يكومة رومِ مستعدة أب جتعل من عمَ املختِر‬ ‫اّشخصِة األوىل يف ِّبِة كلهِ ‪ ،‬وتتالشى أمِمه مجِع اّشخصِ​ِت اّكبرية اّيت تتمتع مبكِنتهِ عند‬ ‫إيطِِّة يف طَابلس وبنغِزي ‪ ،‬وإذا مِ أراد اّبقِء يف مصَ فمِ علِه إال أ يتع َهد أب يكو الجئًِ‬ ‫ويقطع عالقته إبدريس اّسنوسي ‪ ،‬ويف هذه احلِّة تتعهد يكومة رومِ أب توفَ ّه راتبًِ ضخمًِ ميكنه‬ ‫من يِ​ِة رغِدة ‪ ،‬وهي على استعداد أ يكو االتفِق بصورة سَية ‪ ،‬وتوفري اّضمِانت ّعمَ املختِر ‪،‬‬ ‫ويتم كل شيء دو ضجِج تطمِنًِ ّعمَ املختِر ‪ ،‬وقد طلبت منه نصح األهِيل ابإلقالع عن فكَة‬

‫اّقِ​ِم يف وجه إيطِِّة[(‪.])180‬‬ ‫وقد أكد عمَ املختِر هذا االتصِل وهو يف مصَ ملِ سئل عن ذّك ‪ ،‬وقِل‪ :‬ثقوا أنين مل أكن ّقمة‬ ‫طِئبة يسهل بلعهِ على من يَيد ‪ ،‬ومهمِ يِول أيد أ يغري من عقِديت ورأيي واجتِهي فإ هللا‬ ‫سِخِبه ‪ ،‬ومن (طِ​ِح سعد) إيطِِّة ورسلهِ هو جهلهِ ابحلقِقة‪ .‬وأان مل أكن من اجلِهلني واملوتورين‬ ‫فأدعي أنين أقدر أعمل شِئًِ يف بَقة ‪ ،‬وّست من املغَورين اّذين يَكبو رؤوسهم ويدعو أهنم‬ ‫يستطِعو أ ينصحوا األهِيل ابالستسالم ‪ ،‬إنين أعِذ نفسي من أ أكو يف يوم من األَيم مطِة‬ ‫ّلعدو وأذانبه ؛ فأدعو األهِيل بعدم احلَب ضد اّطلِ​ِ ‪ ،‬وإذا ـ ال مسح هللا ـ قدر علي أب أكو‬ ‫موتوراً ؛ فإ أهل بَقة ال يطِعو يل أمَاً يتعلق إبّقِء اّسالح‪ .‬إنين أعَف أ قِميت يف بالدي ـ إذا مِ‬ ‫كِنت يل قِمة أان وأمثِيل ـ فإهنِ مستمدة من اّسنوسِة[(‪.])181‬‬ ‫ّقد استمَت عَوض اإليطِِّني على عمَ املختِر يىت بعد رجوعه ّلبالد ‪ ،‬ويِوّوا استمِّته ابملِل‬ ‫اّطِئل ‪ ،‬واملنِصب اَّفِعة ‪ ،‬واجلِه اّعَيض يف ظل يِ​ِة رغِدة انعمة ‪ ،‬وّكنهم مل يفلحوا ‪ّ ،‬قد كِ‬ ‫عمَ املختِر رجل عقِدة ‪ ،‬وصِيب دعوة ‪ ،‬ومؤمنًِ بفكَة استمدت أصوهلِ وتصوراهتِ من كتِب هللا‬ ‫تعِىل وسنة نبِه (ص) ‪ ،‬ويفهم جِداً معىن قول هللا تعِىل‪:‬‬ ‫[اإلسَاء‪ ]19 :‬ـ ‪.]19‬‬ ‫[اإلسَاء‪ { :‬نكِ ن نس ْعُِـ ُه ْم نم ْش ُك ًورا‬ ‫ن‬ ‫وعندمِ خَج اّسِد عمَ املختِر من مصَ قِصداً بَقة ملواصلة اجلهِد اجتمع به مشِيخ قبِلته‬ ‫املوجودو مبصَ من املتقدمني يف اّسن ‪ ،‬ويِوّوا أ يثنوه عن عزمه بدعوة أنه قد بلغ من اّكرب عتِ​ًِ ‪،‬‬ ‫وأ اَّاية واهلدوء أّزم ّه من أي شيء اخَ ‪ ،‬وأ ابستطِعة اّسنوسِة أ جتد قِئداً غريه ّتزعم يَكة‬


‫اجلهِد يف بَقة ‪ ،‬فغضب عمَ املختِر غضبًِ شديداً ‪ ،‬وكِ جوابه قِطعًِ فِصالً ‪ ،‬فقِل حملدثِه‪(( :‬إ‬ ‫كل من يقول يل هذا اّكالم ال يَيد خرياً يل؛ أل مِ أسري فِه إمنِ هو طَيق خري ‪ ،‬وال ينبغي أليد أ‬ ‫ينهِين عن سلوكهِ ‪ ،‬وكل من حيِول ذّك فهو عدو يل))[(‪.])182‬‬ ‫ّقد كِ عمَ املختِر يعتقد اعتقِداً راسخًِ أ مِ كِ يقوم به من اجلهِد إمنِ هو فَض يؤديه ‪ ،‬وواجب‬ ‫ديين ال منِص منه وال حمِد عنه ‪ ،‬وّذّك أخلص يف عمله وسكنِته وأيواّه وأقواّه ّقضِة اجلهِد يف‬ ‫ِّبِة ‪ ،‬وكِ يكثَ من اّدعِء هلل تعِىل أب جيعل موته يف سبِل هذه اّقضِة املبِركة ‪ ،‬فكِ يقول‪:‬‬ ‫((اّلهم اجعل مويت يف سبِل هذه اّقضِة املبِركة))[(‪ ، ])183‬وأصَ على اّبقِء يف أرض اّوطن‬ ‫إيل من كل شيء ؛ فإين أتَقبه‬ ‫احلبِب ‪ ،‬وقِل‪(( :‬ال أغِدر هذا اّوطن يىت أالقي ريب ‪ ،‬واملوت أقَب َ‬ ‫ابّدقِقة))[(‪.])184‬‬ ‫وعندمِ عَض علِه أ يرتك سِية اجلهِد ‪ ،‬ويسِفَ إىل احلج قِل‪ّ(( :‬ن أذهب وّن أبَح هذه اّبقعة‬ ‫يىت أييت رسل ريب ‪ ،‬وإ ثواب احلج ال يفوق ثواب دفِعنِ عن اّوطن واّدين واّعقِدة))[(‪.])185‬‬ ‫وقِل‪(( :‬كل مسلم اجلهِد واجب علِه وِّس منه ‪ ،‬وِّس ّغَض أشخِص وإمنِ هو هلل ويده))(‪.)4‬‬ ‫إ هذه اّكلمِت اّيت كتبت مبِء اّذهب على صفحِت اترخينِ اجملِد انبعة من فهم عمَ املختِر ّقوّه‬ ‫تعِىل‪:‬‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ين‬ ‫اّللِ نو َ‬ ‫اّللِ الن ين ْستنـ ُوو ن ِعْن ند َ‬ ‫ِه ند ِيف نسبِ ِ​ِل َ‬ ‫اّللُ الن ينـ ْهدي اّْ نق ْونم اّظَِّم ن‬ ‫{واِّْنـ ْوم اآلخ َِ نو نج ن‬ ‫[اّتوبة‪ :‬ن‬ ‫نيً ‪ï‬اّذ ن‬ ‫اّللِ ِأبنمواهلِ​ِم وأننْـ ُف ِس ِهم أنعظنم درجةً ِعْن ند َِ‬ ‫ِجَوا و نج ن ِ ِ‬ ‫ك ُه ُم اّْ نفِئُِزو ن‬ ‫اّلل نوأُوّنئِ ن‬ ‫ْ ْ ُ نن ن‬ ‫ِه ُدوا يف نسب ِ​ِل َ ْ ن ْ ن‬ ‫نآمنُوا نونه ن ُ ن‬ ‫َِت نهلم فِ​ِهِ نعِ​ِم م ِقِم خِِّ ِد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يـب ِشَهم ربـُّهم بَِ َْم ٍة ِمْنه وِر ْ ٍ‬ ‫نجٌَ‬ ‫ين ف نِهِ أنبن ًدا إِ َ ا َّللن عْن ندهُ أ ْ‬ ‫ُن ُ ُ ْ ن ُ ْ ن ن ُ ن‬ ‫ض نوا نو نجن ُْ ن ٌ ُ ٌ ن ن‬ ‫نع ِظ ٌِم [اّتوبنة‪ ]22-19 :‬ـ ‪.]22‬‬ ‫ومن فهمه أليِديث رسول هللا (ص)‪(( :‬من قِتل ّتكو كلمة هللا هي اّعلِ​ِ فهو يف سبِل‬ ‫هللا))[(‪.])186‬‬ ‫وّقوّه (ص)‪(( :‬من قتل دو مِّه فهو شهِد ‪ ،‬ومن قتل دو دمه فهو شهِد ‪ ،‬ومن قتل دو دينه‬ ‫فهو شهِد ‪ ،‬ومن قتل دو أهله فهو شهِد))[(‪.])187‬‬ ‫إ هذه االَيت اّكَمية واأليِديث اّشَيفة ‪ ،‬كِنت املنهج اّعقدي واّفكَي اّذي تَبت علِهِ كتِئب‬ ‫اجملِهدين ‪ ،‬وقِدهتِ اّكَام اّذين تَبوا يف أيضِ احلَكة اّسنوسِة‪.‬‬


‫متَ االتفِق بني األمري إدريس وعمَ املختِر على تفِصِل اخلطة اّيت جيب أ يتبعهِ اجملِهدو ضد‬ ‫اّعدو اّغِشم املعتدي على أسِس تشكِل املعسكَات ‪ ،‬واختِ​ِر اّقِ​ِدة اّصِحلة هلذه األدوار ‪ ،‬وأ‬ ‫تظل اّقِ​ِدة اّعلِ​ِ من نصِب عمَ املختِر نفسه ‪ ،‬وزوده األمري بكتِب إىل اّسِد اَّضِ هبذا املعىن ‪،‬‬ ‫ومت االتفِق على بقِء األمري يف مصَ ِّقود اّعمل اّسِ​ِسي ‪ ،‬ويهتم أبمَ املهِجَين ويضغط على‬ ‫احلكومة املصَية واإلنكلِزية ابّسمِح ّلمجِهدين ابالّتجِء إىل مصَ ‪ ،‬ويشَف على إمداد اجملِهدين‬ ‫بكل املسِعدات املمكنة من مصَ ‪ ،‬ويَسل اإلرشِدات واّتعلِمِت اّالزمة إىل عمَ املختِر يف اجلبل ‪،‬‬ ‫واتفق على أ يكو احلِج اّتوايت اّربعصي يلقة اّوصل بني األمري وقِئد اجلهِد ‪ ،‬وبعد ذّك االتفِق‬ ‫غِدر عمَ املختِر اّقِهَة ‪ ،‬وعند وصوّه إىل اّسلوم وجد بعض رفقِئه يف انتظِره ‪ ،‬فأخذ اجلمِع‬ ‫يِجتهم من املؤ اّكِفِة َّيلتهم إىل اجلبل األخضَ ‪ ،‬وغِدروا اّسلوم إىل بَقة[(‪.])188‬‬ ‫وقد يدث يف أثنِء وجود عمَ املختِر أ اشتبك اجملِهدو مع اّطلِ​ِ يف معَكتني كبريتني يف بري بالل‬ ‫واّربيقة يف ذي اّقعدة (‪ 1341‬هـ‪ 1923/‬م) ‪ ،‬فِنتصَ اجملِهدو على اّطلِ​ِ يف معَكة بري بالل‬ ‫بقِ​ِدة اجملِهد قجة عبد هللا اّسوداين ‪ ،‬واستشهد كل من املهدي احلَنة ‪ ،‬واّشِخ نصَ األعمى وغريهم‬ ‫‪ ،‬وقد سِهم يف هذه املعَكة صِحل األطِوش ‪ ،‬واّفضِل املهشهش ‪ ،‬وكِنت نفقِت اجملِهدين يف هذه‬ ‫املعَكة على يسِب اّفضِل املهشهش ‪ ،‬ووقعة معَكة اّربيقة بعد بري بالل أبربعة أَيم ‪ ،‬واستشهد فِهِ‬ ‫من أبطِل اجلهِد‪ :‬إبَاهِم اّفِل[(‪.])189‬‬ ‫ومع هذه االنتصِرات إال أ اّطلِ​ِ استطِعوا ايتالل أمِكن ّلمجِهدين يف بَقة‪ ،‬وزيفوا على‬ ‫معسكَ اّعواقري مبوقع اّبدين ‪ ،‬وبعد معَكة شديدة كبدت اّطَفني خسِئَ فِدية انسحب املعسكَ إىل‬ ‫إجدابِة‪ ،‬واستمَ اّزيف اإليطِيل ياليق اجملِهدين يىت اشتبك مع طالئع معسكَ املغِربة يف اّزويتِنة؛‬ ‫ومل يطل اّدفِع عنهِ يىت ايتلهِ اّطلِ​ِ ‪ ،‬وواصلوا زيفهم إىل إجدابِة يِث ايتلوهِ يف (أبَيل‬ ‫‪ 1923‬م)[(‪.])190‬‬ ‫اثمنًِ‪ :‬معَكة بئَ اّغيب‪:‬‬ ‫كِنت عِو إيطِِّة ترتصد يَكة عمَ املختِر يف دعوته إىل بَقة ‪ ،‬وّكنهِ فشلت يف اّلقِء به قبل أ‬ ‫يصل إىل رفِقه ‪ ،‬ومِ كِد يصل إىل بئَ اّغيب يىت فوجأى بعدد من املصفحِت اإليطِِّة ‪ ،‬وإِّك‬ ‫أيداث املعَكة كمِ رواهِ عمَ املختِر بنفسه‪:‬‬


‫((كنِ ال نتجِوز اخلمسني شخصًِ من املشِيخ واّعسِكَ ‪ ،‬وبِنمِ جتمع هؤالء يوّنِ ّسؤاّنِ عن صحة‬ ‫مسو األمري ‪ ،‬وكنِ صِئمني رمضِ ‪ ،‬وإذا بسبعة سِ​ِرات إيطِِّة قِدمة صوبنِ ‪ ،‬فشعَان ابّقلق أل‬ ‫جمِئهِ كِ حمل استغَابنِ ومفِجأة مل نتوقعهِ ‪ ،‬وكنِ مل نسمع عن هجوم اّطلِ​ِ على املعسكَات‬ ‫اّسنوسِة ‪ ،‬وايتالهلم إجدابِة ‪ ،‬فأخذان نستعد يف هدوء واّسِ​ِرات تدنو منِ يف سري بطيء ‪ ،‬فأراد‬ ‫علي ابشِ اّعبِدي أ يطلق اَّصِص من بندقِته وّكين منعته قِئالً‪ :‬البد أ نتحقق قبالً من اّغَض‬ ‫ونعَف شِئًِ عن جميء هذه اّسِ​ِرات؛ كي ال نكو اّبِدئني مبثل هذه احلوادث ‪ ،‬وبِنمِ حنن يف أخذ‬ ‫ورد وإذا ابّسِ​ِرات تفرتق يف خطة منظمة املَاد منهِ‬ ‫تطويقنِ ‪ ،‬وشِهدان املدافع اَّشِشة مصوبة حنوان فلم يبق هنِ أي شك فِمِ يَاد بنِ ‪ ،‬فأمطَانهم وابالً‬

‫من رصِص بنِدقنِ ‪ ،‬وإذا ابّسِ​ِرات قد وّت األدابر إىل منتجع قَيب منِ ‪ ،‬وعِدت بسَعة حتمل‬ ‫صوفًِ ‪ ،‬وملِ دنت منه توزعت توزيعًِ حمكمًِ ‪ ،‬وأخذ اجلنود ينزّو ويضعو األصواف (اخلِم) أمِمهم‬ ‫ِّتحصنوا هبِ من رصِصنِ[(‪ ، ])191‬وابدران بطلق األعرية ‪ ،‬فأخذ علي ابشِ يوّع سِجِرة وقلت ّه‪:‬‬ ‫رمضِ َي علي ابشِ! منبهًِ إَيه ّلصوم ‪ ،‬فأجِبين قِئالً‪( :‬مو يوم صِ​ِم املنشَزام)[(‪.])192‬‬ ‫ويف أسَع مدة اجنلت املعَكة عن خسِرة اّطلِ​ِ ‪ ،‬وأخذت اّنِر تلتهم اّسِ​ِرات إال وايدة فَت راجعة‬ ‫‪ ،‬وغنمنِ مجِع مِ كِ معهم من األسلحة))[(‪.])193‬‬ ‫مث استمَ اجملِهدو يف سريهم يىت بلغوا اجلبل األخضَ ‪ ،‬ووصلوا إىل زاوية اّقطوفِة (مكِ معسكَ‬ ‫املغِربة) ‪ ،‬وقِبلهم صِحل األطِوش واّفضِل املهشهش ‪ ،‬ووقف عمَ املختِر على تفِصِل معَكة اّربيقة‬ ‫ويِل اجملِهدين ‪ ،‬مث واصل سرية إىل جِّو مقَ اّسِد حممد اَّضِ ِّبلغ اّتعلِمِت اّيت أخذهِ من مسو‬ ‫األمري‪.‬‬ ‫وبعد أ مت اّلقِء بني عمَ املختِر واّسِد اَّضِ اتفقِ على تنظِم يَكة اجلهِد وإنشِء املعسكَات يف‬ ‫اجلبل األخضَ ‪ ،‬واقرتح عمَ املختِر على اَّضِ أ يَسل ابنه اّصديق إىل معسكَ املغِربة عند صِحل‬ ‫األطِوش ‪ ،‬معسكَ اّعواقري بقِ​ِدة قجة عبد هللا اّسوداين ‪ ،‬وهي معسكَات قَيبة من بعضهِ ‪ ،‬مث‬ ‫غِدر عمَ جِّو إىل اجلبل األخضَ وشَع يف تشكِل املعسكَات ّلمجِهدين ‪ ،‬وأنشئت معسكَات‬ ‫اّرباعصة واّعبِد واحلِسة ‪ ،‬فِختِر اَّضِ يسني اجلويفي اّربعصي ّقِ​ِدة اّرباعصة ‪ ،‬ويوسف بوريِل‬ ‫املسمِري ملعسكَ اّرباغِث ‪ ،‬واّفضِل بو عمَ ملعسكَ احلِسة ‪ ،‬وأصبح عمَ املختِر اّقِئد األعلى‬ ‫ّتلك املعسكَات‪.‬‬


‫وبدأ اجلهِد اّشِق واّطويل ‪ ،‬واستمَ متصالً ومن غري هوادة يوايل مثِنِة أعوام‪.‬‬ ‫وكِ عِمِ (‪ 1924‬م ‪ 1925 ،‬م) قد شهدا منِوشِت عدة ومعِرك دامِة ‪ ،‬ووسع اجملِهدو نشِطهم‬ ‫اّعسكَي يف اجلبل األخضَ ‪ ،‬وملع اسم عمَ املختِر ‪ ،‬وجنم كقِئد ابرع يتقن أسِِّب اّكَ واّفَ ‪،‬‬ ‫ويتمتع بنفوذ عظِم بني اّقبِئل ‪ ،‬وأخذ اّعَب من أبنِء اّقبِئل ينضمو إىل صفوف اجملِهدين ‪،‬‬ ‫وابدرت اّقبِئل إبمداد اجملِهدين مبِ حيتِجو من مؤ وعتِد وأسلحة ‪ ،‬وكِ ّقبِئل اّعبِد واّرباعصة‬ ‫واحلِسة واّدرسة واّعواقري وأوالد اّشِخ واّعوامة واّشهِبِت واملنفِ واملسِمري أكرب نصِب يف يَكة‬ ‫اجلهِد‪.‬‬ ‫كِ معسكَ اّرباغِث هو مَكز اَّ​َيسة اّعِمة ومقَ اّقِئد اّعِم عمَ املختِر ‪ ،‬وهو اّنواة األوىل ويجَ‬ ‫األسِس ملعسكَات اجلبل األخضَ اّثالثة ‪ ،‬وكِ عمَ املختِر يلقب بنِئب اّوكِل اّعِم ‪ ،‬وكِ اّسِد‬ ‫يوسف بوريِل يعَف بوكِل اّنِئب ‪ ،‬وهكذا فقد تنظم اجلهِز احلكومي يف هذه املنطقة اّواسعة‬ ‫بتشكِل احملِكم اّشَعِة واّصلحِة وإدارة املِِّة (احملِسبة ‪ ،‬واألرزاق ‪ ،‬جبِية اّزكِة اّشَعِة ‪ ،‬اخلمس‬ ‫من اّغنِئم) ‪ ،‬واستمَ اّتعِو بني هذه املعسكَات اّثالثة وفَوعهِ يف اّسَاء واّضَاء ‪ ،‬وأخذت تقوم‬ ‫حبَكِت عظِمة ضد اّعدو ‪ ،‬وشن اّغِرة علِه يف معِقله؛ كمِ كِنت تتصدَى ّزيفه علِهِ ‪ ،‬فتهجم‬ ‫يِنًِ ‪ ،‬وتنسحب يِنًِ اخَ يسب ظَوف احلَب[(‪.])194‬‬ ‫أصبح تفكري إيطِِّة حمصوراً يف بَقة اّيت مل يتمكن اّطلِ​ِ منذ زيفهم على إجدابِة سنة (‪ 1923‬م)‬ ‫من ايتالل مواقع تذكَ عدا مدينة إجدابِة ‪ ،‬وّذّك اهتمت إيطِِّة بربقة ‪ ،‬واحنصَت جمهوداهتِ يف‬ ‫اّفرتة اّواقعة بني سنة (‪ 1923‬م) وبني (‪ 1927‬م) على معسكَات عمَ املختِر اّذي مل خيَج يومًِ‬ ‫من معَكة إال ِّدخل يف معَكة أخَى‪.‬‬ ‫ويف عِم (‪ 1927‬م) وقع اّوكِل اّعِم اّسِد رضِ املهدي اّسنوسي يف األسَ بطَيق اخلديعة واخلِ​ِنة‬ ‫واّغدر ‪ ،‬وسقطت منِطق بَقة احلمَاء واّبِضِء تدرجيِ​ًِ‪.‬‬ ‫كِنت قِ​ِدة اجلِش اإليطِيل يف بَقة قد بدّت ‪ ،‬وتوىل أمَهِ ّتنفِذ اخلطة اجلديدة اّيت تستهدف‬ ‫ضَب احلصِر على يَكة اجلهِد يف اجلبل األخضَ‬ ‫(مِزيت) ‪ ،‬كمِ استبدل وايل بنغِزي اإليطِيل (مومبِلي) خبلفه اجلنَال (تريوتس) ‪ ،‬وهو من زعمِء احلزب‬ ‫اّفِشِستِني ‪ ،‬وزود اجلنَال مِزيت بعدد كبري من اجلنَاالت وكبِر اّضبِط وأركِ احلَب ملسِعدته ‪ ،‬ويف‬ ‫نفس اّسنة تقدمت اّقوات اإليطِِّة من طَابلس بقِ​ِدة اجلنَال غَسِ​ِين ‪ ،‬فِيتلت واية اجلفَة‬


‫واّقسم األكرب من فزا ‪ ،‬واشتبكت قبِئل املغِربة بزعِمة صِحل األطِوش وقبِئل أوالد سلِمِ بزعِمة‬ ‫عبد اجللِل سِف اّنصَ ‪ ،‬ودور َمد بك سِف اّنصَ ‪ ،‬وبعض اّالجئني إىل تلك اجلهِت من قبِئل‬ ‫اّعواقري بزعِميت عبد اّسالم ابشِ اّكزة ‪ ،‬واّشِخ سلِمِ رقَق ‪ ،‬ودخلت هذه اّقبِئل يف معِرك‬ ‫جبهِت اخلشة ‪ ،‬وكِنت اّغلبة فِهِ ّلجِش اإليطِيل اّزايف ‪ ،‬فِّتجأ اجملِهدو إىل منطقة اهلِروج من‬ ‫اّصحَاء ‪ ،‬ومن مث اشرتكوا مع اّعدو يف معِرك عنِفة ؛ منهِ‪ :‬معَكة اهلِروج ‪ ،‬ومعَكة جبل اّسوداء ‪،‬‬ ‫ومعَكة قِرة عِفِة ‪ ،‬وكِ من بني من يضَوا هذه املعَكة األخرية اّسِد حممود بوقويطني أمري اّلواء‬ ‫وقِئد عِم قوة دفِع بَقة يف زمن اململكة اّلِبِة املتحدة ‪ ،‬واّسِد اّسنوسي األشهب[(‪.])195‬‬ ‫كِنت اّقِ​ِدة اإليطِِّة يَيصة على االستِالء على فزا ‪ ،‬فخَجت يف أواخَ ينِيَ (‪ 1928‬م)‬ ‫قوات ‪ :‬إيدامهِ من غدامس ‪ ،‬واألخَى من اجلبل األخضَ ‪ ،‬وكِ اجلِش بقِ​ِدة غَسِ​ِين ‪ ،‬واّتحم‬ ‫اجملِهدو مع ذّك اجلِش يف معَكة دامِة استمَت مخسة أَيم بتمِمهِ ‪ ،‬اهنزم فِهِ اّطلِ​ِ شَ هزمية ‪،‬‬ ‫فتقهقَوا اتركني مِ ّديهم من مؤ وذخِئَ ‪ ،‬مث مِ ّبث أ خَجت قوة أخَى قصدت فزا مبِشَة ‪،‬‬ ‫فعلم اجملِهدو أبمَهِ بعد خَوجهِ بثالثة أَيم ‪ ،‬وانسحبوا إىل اّداخل ‪ ،‬يىت إذا وصل هذا اجلِش‬ ‫ض اجملِهدو على اّطلِ​ِ وأرغموهم على‬ ‫اجلديد إىل مكِ يقع بني جبلني يعَفِ ابجلبِل اّسود ؛ انق َ‬ ‫اّتقهقَ ‪ ،‬فعمل قواد احلملة إىل اّفَار بسِ​ِراهتم اتركني وراءهم اجلِش اّذي وقع أكثَه يف قبضة‬ ‫اجملِهدين ‪ ،‬فِستأصلوهم عن اخَهم ‪ ،‬وعندئذ مل جيد اّطلِ​ِ منِصًِ من أ جيددوا حمِوّتهم ‪ ،‬فخَجت‬ ‫هذه املَة قوات عظِمة من جهِت متعددة ؛ غري أ اّطلِ​ِ مِ ّبثوا أ اهنزموا يف هذه املعِرك وتَكوا‬ ‫وراءهم غنِئم وأسالابًكثرية[(‪ ، ])196‬وجدد اّطلِ​ِ‬ ‫املسعى وخَجوا من اجلفَة يف (‪ 3‬فربايَ ‪ 1928‬م) جبِش كبري ‪ ،‬وزيفوا على زّة وايتلوهِ يف ‪22‬‬ ‫فربايَ ‪ ،‬وواصلت اّقوات اإليطِِّة سريهِ وايتلت اابر تتقَفت يف ‪ 25‬فربايَ ‪ ،‬واستمَت اّعملِ​ِت‬ ‫وانتهت ابيتالل مَادة ‪ ،‬وأصبحت زّة وجِّو وأوجلة ومَادة حتت سِطَهتم ‪ ،‬وممِ سِعد اّطلِ​ِ على‬ ‫ايتالهلم ّتلك اّوايِت سقوط اجلغبوب قبل ذّك يف أيديهم ‪ ،‬وسِ​ِستهم اَّامِة ّتفتِت اّصف‬ ‫بوسِطة بعض عمالئهم ‪ ،‬وكِ اّطلِ​ِ يبذّو األموال واّوعود ّزعمِء اّقبِئل ّوقف اّقتِل ‪ ،‬وقد‬ ‫جنحوا يف ذّك جنِيًِ كبرياً‪.‬‬ ‫كِ ايتالل اجلغبوب ‪ ،‬جِّو ‪ ،‬أوجلو ‪ ،‬وفزا وغريهِ من اّوايِت قد جعل عمَ املختِر يف عزّة اتمة‬ ‫يف اجلبل األخضَ ‪ ،‬ومع هذا ظل عمَ املختِر يشن اّغِرات على درنة ومِ يوهلِ ‪ ،‬يىت أرغم اّطلِ​ِ‬


‫على اخلَوج جبِوشهم ملقِبلته ‪ ،‬فِشتبك معهم يف معَكة شديدة استمَت يومني كِ اّنصَ فِهِ يلِفه‬ ‫‪ ،‬وفَ اّطلِ​ِ اتركني عدداً من اّسِ​ِرات واملدافع اجلبلِة وصنِديق اّذخرية واجلمِل ‪ ،‬ودواب‬ ‫اّنقل[(‪.])197‬‬ ‫وكِنت اّقبِئل تتعِو مع قِئد يَكة اجلهِد َتده ابَّجِل‪ ،‬واملؤ ‪ ،‬واملعلومِت‪ ،‬وعلى سبِل املثِل كِ‬ ‫يِمد عبد اّقِدر املربوك من شِوخ قبِلة املسِمري ميد املختِر ابملعلومِت املهمة دو أتخَ ‪ ،‬ويشِرك يف‬ ‫عملِ​ِت اجلهِد مع أبنِء قبِلته دو علم اّطلِ​ِ ‪ ،‬ويَجع من كتبت ّه احلِ​ِة إىل موطنه ‪ ،‬ويستشهد‬ ‫من يستشهد ‪ ،‬وكِ زعمِء اّقبِئل اّتِبعة ّلحَكة اّسنوسِة جيمعو األعشِر واّزكِة وميدو هبِ يَكة‬ ‫اجلهِد ابَّغم من وجود اّكثري منهم حتت اّسلطِت اإليطِِّة ‪ ،‬وخصوصًِ من كِ يف املد كبنغِزي ‪،‬‬ ‫واملَج ‪ ،‬ودرنة ‪ ،‬وطربق وغريهِ ‪ ،‬وكِنت وسِئل مد اجملِهدين أبموال اّزكِة واألعشِر تتم يف غِية‬ ‫اّسَية ‪ ،‬وعجزت املخِبَات اإليطِِّة عن اكتشِف اّلجِ اخلِصة ابّدعم املِيل ّلمجِهدين ‪ ،‬ومن‬ ‫وقع يف أيدي اّسلطِت اإليطِِّة كِنت عقوبته اإلعدام ‪ ،‬وكِنت اّغنِئم َتثل مصدراً مهمًِ ّتمويل‬ ‫يَكة اجلهِد يف فرتة عمَ املختِر ‪ ،‬ومعظم اّغنِئم مت احلصول علِهِ يف املعِرك اّيت َتكن فِهِ اجملِهدو‬ ‫من هزمية اإليطِِّني؛ مثل معَكة اَّيِبة يف‬ ‫مِرس (‪ 1927‬م)[(‪ ، ])198‬وقد وصف يِفظ إبَاهِم هذا املصدر يف أبِ​ِته اّشعَية ‪ ،‬فقِل‪:‬‬ ‫منة نذكَهِ عِمًِ فعِمِ‬ ‫يِمت اّطلِ​ِ قد قلدتنِ‬ ‫وّبِسًِ وشَاابً وطعِمِ‬ ‫أنت أهديت إِّنِ عدة‬ ‫ذا مالل فغدا يفَي اّعظِمِ‬ ‫وساليًِ كِ يف أيديكم‬ ‫ورابان إهنِ تشفي اّسقِمِ‬ ‫أكثَوا اّنزهة يف أيِ​ِئنِ‬ ‫من بين اّطلِ​ِ أم تَعى سوامِ[(‪])199‬‬ ‫ّست أدري بت تَعى أمة‬ ‫وقِل األستِذ أَمد كِشف ذو اّفقِر‪:‬‬ ‫ختِّة أم تطلبو منوان‬ ‫َي ال رومة تطلبو أمِنِ​ًِ‬ ‫حبديدكم يف اِّم مغلوِّنِ‬ ‫جئتم جتَو احلديد وريتم‬ ‫يف اّلِلة اّسوداء مذبويِنِ‬ ‫ورقصتم فِه سكِرى فِرقصوا‬ ‫فلقد تبدَل زفَة وأنِنِ‬ ‫ّكن استفزكم صلِل سِوفكم‬ ‫إىل أ قِل‪:‬‬


‫منكم مخسِنِ‬ ‫هِتوا اّذائب إىل اّلِوث فخمسة‬ ‫منهم أابدوا ُ‬ ‫و ِ‬ ‫فِّصِئدو هنِك مَ ِتقبوان‬ ‫استجمعوا يِتِنكم ونسوركم‬ ‫وساليكم واّزاد مأخوذوان‬ ‫اّشهي فإنكم‬ ‫واستكثَوا اّزاد‬ ‫َ‬ ‫بعد اّذي غنموه منتصَينِ‬ ‫مل يبق منهم معسَ أو أعزل‬ ‫سِقوا إىل اهلِجِء هَِِبِنِ‬ ‫واستكملوا املدد اّكبري بفتِة‬ ‫ّكم وغزو اّقريوا جموان[(‪])200‬‬ ‫أيسبتم بطحِء بَقة يِنة‬ ‫وكِنت كل عِئلة قد أخذت على عِتقهِ تزويد جمِهديهِ مبِ يلزم من شؤو ومالبس ‪ ،‬تَسله شهَ​َيً‬ ‫إىل اّدور (املعسكَ)‪.‬‬ ‫وكِ األمري إدريس يتحني اّفَص ّتزويد اجملِهدين ؛ فقد ذكَ األشهب أب قِفلة وصلت إىل اجملِهدين‬ ‫قِدمة من مصَ وكِ فِهِ سلِمِ اّعمريي (من قبِلة‬ ‫أوالد علي) ‪ ،‬وبومنِقَ املنفي (من رفِق عمَ املختِر) ؛ حيمال رسِئل من مسو األمري ‪ ،‬وكِنت اّقِفلة‬ ‫حمملة ابألرز واّدقِق واّسكَ واّشِي وبعض املالبس ‪ ،‬وكِ اّطِب األشهب موجوداً يف معسكَ‬ ‫اجملِهدين وقت وصول اّقِفلة[(‪ ، ])201‬وقد ذكَ صِيب كتِب (يِ​ِة عمَ املختِر) أب اّقِفلة‬ ‫استطِعت أ ختَج من اّسلوم حمملة مبختلف اّعتِد واملؤ قِصدة معسكَ اجملِهدين يف اجلبل األخضَ‬ ‫‪ ،‬فعلم اّطلِ​ِ بذّك وأرسلوا سِ​ِراهتم املسلحة ّتعقبهِ ‪ ،‬وّك َن اجملِهدين صمدوا هلم ‪ ،‬وأطلقوا رصِص‬ ‫بنِدقهم على اّعجالت فتعطلت اّسِ​ِرات‪ ،‬وعندئذ انقض اجملِهدو على اّقوة اإليطِِّة فأابدوهِ عن‬ ‫اخَهِ ‪ ،‬وكِ ذّك يف عِم (‪ 1928‬م)[(‪.])202‬‬ ‫وكِ اجملِهدو يستفِدو من تلك املصِدر ويقومو بشَاء يِجِ​ِت اجملِهدين من األسواق يف املد‬ ‫واّقَى ‪ ،‬ويشرتو مِ يلزمهم من املؤ واألسلحة وجيمعو املعلومِت عن حتَكِت اّعدو اّعسكَية ‪ ،‬كل‬ ‫هذه األعمِل يقوم هبِ أتبِع عمَ املختِر ومبسِعدة سكِ املد واّقَى اّذين خيفو اجملِهدين يف‬ ‫بِوهتم وخمِمِهتم ‪ ،‬وكِ املتطوعو يتدفقو على معسكَات اجلهِد ‪ ،‬وكِنوا يعتمدو على أنفسهم يف‬ ‫توفري اّسالح ووسِلة اَّكوب واّتموين ‪ ،‬وكِ نظِم األدوار (املعسكَات) يتمِز اباليت‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ يلتزم كل دور بتوفري اّتموين اّالزم ألفَاده ‪ ،‬فهم ابإلضِفة إىل اشرتاكهم يف عمل وايد‪ ،‬هم أبنِء‬ ‫عشرية وايدة مرتابطة ‪ ،‬ويوجد ابّدور أشخِص مكلفو جببِية اّزكِة ومجع األعشِر‪ ،‬وهؤالء يقومو‬


‫بعملهم بنِء على تكلِف كتِيب من عمَ املختِر‪ ،‬وهم بدورهم جيَو إيصِالت (كوشِ ) بقِمة املبِّغ‬ ‫واألشِ​ِء اّيت استلموهِ‪.‬‬ ‫وقد عني ّكل دور رئِس إدارة يشَف على َتوين اّدور من يِث اّتوزيع واّتخزين واّتدبري وتسلم‬ ‫األموال واّتربعِت اّيت تصل ّقِ​ِدة اّدور ‪ ،‬فقد عني عمَا راشد اّقطعِين رئِسًِ إلدارة دور اّرباعصة‬ ‫واّدرسة ‪ ،‬وعني اّتوايت اّعَايب رئِسًِ إلدارة دور اّعبِدات واحلِسة ‪ ،‬وعني اّصديق بو هزاوي مأموراً‬ ‫ّألعشِر ‪،‬‬ ‫ويتبع عمَ املختِر مبِشَة ‪ ،‬وعني داود اّفسي رئِسًِ إلدارة دور اّعواقري[(‪.])203‬‬ ‫‪ 2‬ـ يقوم كل دور بتعويض اّشهداء من املقِتلني ابخَين من قبِئلهم ‪ ،‬وهكذا ال يتأثَ اّدور كثرياً ّفقد‬

‫اّشهداء ‪ ،‬فبعد كل معَكة يتم يصَ اّشهداء وإىل أي اّقبِئل ينتمو ‪ ،‬مث يَسل إىل كل قبِلة اّعدد‬ ‫اّذي جيب أ تعوضه عن شهدائهِ ‪ ،‬وإذا مل جتد اّعدد املطلوب تدفع ّقِ​ِدة اجلهِد ‪ 1000‬فَنك عن‬ ‫كل شهِد ّكي جيند هبِ اّعدد اّالزم‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ تتبِرى جمموعِت اّقبِئل يف تقدمي اّبطوالت واّتضحِ​ِت يىت ال تكو موضع سخَية واستهزاء‬ ‫أمِم بقِة اّقبِئل ‪ ،‬وكِ اجملِهد اّلِيب يغضب غضبًِ شديداً وحيز إذا فِته االشرتاك يف إيدى املعِرك‬ ‫أو ختلف عنهِ ّسبب من األسبِب ‪ ،‬وإبَاهِم اّفِل اّعَييب منوذج هلؤالء ؛ فقد فِته أ يشِرك يف معَكة‬ ‫بالل ‪ ،‬فحز يزانً شديداً ‪ ،‬إال أ قِدة اجلهِد طمأنوه وقِّوا ّه‪ :‬إ أَيم اجلهِد كثرية ‪ ،‬ويف اِّوم اّتِيل‬ ‫جَت معَكة اّربيقة ‪ ،‬فِشرتك فِهِ وهجم بفَسه على سِ​ِرات األعداء ‪ ،‬وصِر يقِتل يىت أكَمه هللا‬ ‫ابّشهِدة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ يتوجب على كل دور توفري احلمِية اّالزمة ّذويه عن طَيق اّدورَيت ‪ ،‬واَّابطِت اّيت تَاقب‬ ‫حتَكِت اّقوات اإليطِِّة ‪ ،‬أو أي حتَكِت غري عِدية ملعَفتهم مبسِّك املنطقة ودروهبِ وأمِكن املِ​ِه هبِ‬ ‫‪ ،‬فعندمِ حيل اّدور مبنطقة مِ يضع دورية يف كل اجتِه ّرتاقب وضع اّقوات اإليطِِّة يف تلك املنطقة ‪،‬‬ ‫وتغطي أخبِر حتَكِهتِ ّلمجِهدين أوالً أبول ‪ ،‬يىت يكونوا على علم ابجتِه وحتَكِت اّعدو ‪ ،‬ويني‬ ‫يلتقي أفَاد اّدورية ابألعداء يطلقو ثالث إطالقِت ‪ ،‬وعند مسِع تلك اإلطالقِت يستعد اجلمِع‬ ‫ملالقِة األعداء يف اجلهة اّيت مسع منهِ إطالق اَّصِص‪.‬‬ ‫كمِ تقوم دورَيت أخَى تعَف ابسم (اَّابط) مبَاقبة اإليطِِّني يف مَاكزهم اّيت حيتلوهنِ ّلحصول على‬ ‫معلومِت عن حتَكِهتم عن طَيق األهِيل املوجودين داخل تلك املد ‪ ،‬وكثرياً مِ يتعَض بعض هؤالء‬


‫األهِيل بسبب تعِوهنم مع اجملِهدين ّعقوبة اإلعدام ‪ ،‬كمِ يدث مع سلِمِ بن سعِد اّعَيف اّذي‬ ‫أدانته‬ ‫احملِكم اإليطِِّة ابّتعِو مع اجملِهدين ‪ ،‬ويكمت علِه ابإلعدام ‪ ،‬فأعدم شنقًِ[(‪.])204‬‬ ‫كِ نظِم األدوار يقوم على أسِس قبلي ‪ ،‬ويعترب اّدور ويدة عسكَية وإدارية ‪ ،‬واجتمِعِة يَأسهِ‬ ‫قِئم مقِم ‪ ،‬وتتمثل فِه اّسلطة اإلدارية واّعسكَية ‪ ،‬يسِعده قومِندا (قِئد) أو أكثَ يسب يجم‬ ‫اّدور واّقبِئل املنضوية حتته‪.‬‬ ‫وقد استخدم عمَ املختِر اّنظِم اّعسكَي اّعثمِين ‪ ،‬فبِإلضِفة إىل اّقِئم مقِم واّقومِندا هنِك‬ ‫اَّتب االتِة‪ :‬ـ بكبِشي ـ يوزابشي ـ مالزم أول ـ مالزم اثين ـ كوجك ضِبط (ضِبط صغري) ‪ ،‬ابش‬ ‫شِوش ـ شِوش ـ أمبِشي‪.‬‬ ‫وكِنت اّرتقِ​ِت تتم على أسس مِدانِة بنِء على مِ يقدمه اّشخص من أعمِل وبطوالت يف مِ​ِدين‬ ‫املعِرك واملواقف اّدقِقة ‪ ،‬إذ يَفع إىل عمَ املختِر تقَيَ من اَّئِس املبِشَ بشَح احلِّة اّيت استحق‬ ‫املعين اّرتقِة ‪ ،‬ويصدر بذّك أمَ كتِيب من عمَ املختِر على بقِة اجملِهدين[(‪.])205‬‬ ‫علِهِ ُّ‬ ‫وكِ هنِك جملس أعلى يَأسه املختِر يتكو من‪ :‬يوسف بوريِل ‪ ،‬يسني اجلويفي ‪ ،‬اّفضِل بو عمَ‬ ‫‪ ،‬حممد اّسَكسي ‪ ،‬موسى غِضِ ‪ ،‬حممد مِزق ‪ ،‬حممد اّعلواين ‪ ،‬جَبوع سويكَ ‪ ،‬قطِط احلِسي ‪،‬‬ ‫رواق درمِ ‪ ،‬ويف يِّة غِ​ِب عمَ املختِر يَأس اجمللس يوسف بو ريِل[(‪.])206‬‬ ‫وكِ ّكل من األدوار جملس يتكو من مشِيخ اّقبِئل وأعِ​ِهنِ من املعَوفني ابحلكمة وسداد اَّأي ‪،‬‬ ‫ومهمة هذا اجمللس استشِرية ‪ ،‬وهو يف يِّة انعقِد دائم ملواجهة اّطوارأى واإلسهِم يف يل املشِكل‬ ‫اّيت قد حتدث ابّدور[(‪.])207‬‬ ‫اتسعًِ‪ :‬معَكة أم اّشِفتري (عقرية اّدم)‪:‬‬ ‫استمَ اجملِهدو يف اجلبل األخضَ يشنو اهلجمِت على اّقوات اإليطِِّة ‪ ،‬ويققوا انتصِرات رائعة ؛‬ ‫من أشهَهِ موقعة يوم اَّيِبة بتِريخ (‪ 28‬مِرس‬ ‫‪ 1927‬م)[(‪ ])208‬جنوب شَقي املَج وقَب جَدس اّعبِد ‪ ،‬ووقعت بعد معَكة اَّيِبة معِرك ضِرية‬ ‫يف بئَ اّزيتو (‪ 10‬حمَم ‪ 1335‬هـ ‪ 10 ،‬يوِّو ‪ 1927‬م) ‪ ،‬ورأس اجلالز (‪ 13‬حمَم ‪ 1335‬هـ ‪13 ،‬‬ ‫يوِّو ‪ 1927‬م)‪.‬‬


‫أراد اإليطِِّو أ ينتقموا ّقتالهم يف معَكة اَّيِبة ‪ ،‬فشَعوا يعدو اّعدة ّالنتقِم ّقتالهم اّضبِط‬ ‫اّستة وأعواهنم املَتزقة اّبِّغ عددهم (‪ )312‬؛ يف حمِوّة إلعِدة معنوَيهتم املنهِرة نتِجة ّتلك اهلزمية‬ ‫اّسِيقة ؛ ومت إعداد اجلِوش اجلَارة ‪ّ ،‬تتخذ من اجلبل األخضَ قِعدة هلِ على اّنحو اّتِيل[(‪:])209‬‬ ‫‪ 1‬ـ اجلنَال مِزييت اّقِئد اّعِم ّلقوات اإليطِِّة قِئداً إليدى اّفَق فوق اجلبل األخضَ ‪ 8‬يوِّو من‬ ‫مَارة‪ :‬أربع فَق أرتَية ـ فَقة ِّبِة ـ أربع فَق خِ​ِّة ـ بطِرية أرتَية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ اّكورنِل إسبريا إنذائي‪ 8 :‬يوِّو من اجلَاري (جَدس اجلَاري) أو جَدس اّرباعصة‪ :‬أربع فَق أرتَية‬ ‫ـ فَقة ِّبِة ـ بطِرية ِّبِة ـ فَقة غري نظِمِة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ اّكورنِل منتِري‪ 8 :‬يوِّو من خوال ‪ :‬فَق أرتَية ـ فَق غري نظِمِة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ املِجور بويل‪ 9 :‬يوِّو غوط اجلمل‪ :‬فَقة مهمِريستِ ـ فَقة سِ​ِرات مصفحة ـ نصف فَقة ِّبلري ـ‬ ‫فصِال قنِصة على اّدابابت‪.‬‬ ‫ويضِف إىل تلك االستعدادت سالح اّطريا اّذي انطلق من قواعده ابملَج ومَاوة وسلطنة‪.‬‬ ‫وقد كِنت قوات اإليطِِّني ضخمة ؛ ممِ تدّنِ على خوفهم ورهبتهم من قوات اجملِهدين‪.‬‬ ‫كِ عدد اجملِهدين مِ بني ‪ 1500‬إىل ‪ 2000‬جمِهد[(‪ ])210‬؛ منهم يوايل ‪ %25‬من سالح‬ ‫اّفَسِ ‪ ،‬ويَافقهم يوايل ‪ 12‬أّف مجل[(‪ ، ])211‬علِهِ مِ يثقل حتَكِهتم من اّنسِء واألطفِل‬ ‫واّشِوخ واألاثث ؛ علمت إيطِِّة بوسِطة جواسِسهِ مبوقع‬ ‫اجملِهدين يف عقرية أم اّشفِتري‪ ،‬فأرادت أ حتكم اّطوق على اجملِهدين ‪ ،‬فزيفت اّقوات اإليطِِّة حنو‬ ‫اّعقرية بعد مسرية دامت يومني كِملني ‪ ،‬واستطِعت أ تضَب يصِراً يول اجملِهدين من ثالث‬ ‫جهِت‪ ،‬وبقوات جَارة تكونت من يوايل (‪ )2000‬بغل ‪ 5000 ،‬جندي ‪ 1000 ،‬مجل ؛ ابإلضِفة‬ ‫إىل اّسِ​ِرات املصفحة واّنِقلة‪.‬‬ ‫علم اجملِهدو بذّك ‪ ،‬وأخذوا يعدو اّعدة ملالقِة اّعدو ‪ ،‬فأعدوا خطة يَبِة ‪ ،‬وقِموا حبفَ اخلنِدق‬ ‫يول أطَاف املنخفض ِّسترت هبِ اجملِهدو ‪ ،‬وخنِدق أخَى ّتحتمي هبِ األسَ من نسِء وأطفِل‬ ‫وشِوخ ‪ ،‬ومت تَتِب اجملِهدين على شكل جمموعِت يسب انتمِئهم اّقبلي ‪ ،‬ووضعت أسَ كل قبِلة‬ ‫خلف رجِهلِ املقِتلني ‪ ،‬وكِ قِئد تلك املعَكة اّتقي اّزاهد اّورع اّشِخ يسني اجلويفي اّربعصي ‪،‬‬ ‫وكِ عمَ املختِر من ضمن املوجودين يف تلك املعَكة‪.‬‬


‫كِ اّشِخ يسني اجلويفي ممَن جتَد ّلجهِد يف سبِل هللا ‪ ،‬وطلب رَمة هللا تعِىل ‪ ،‬وكِ يقول‪(( :‬أان‬ ‫ال أريد قِ​ِدة وال منصبًِ ‪ ،‬بل أريد جهِداً رغبة يف ثواب هللا تعِىل))[(‪.])212‬‬ ‫كِ ذّك اّصنديد حمل تقديَ من قبل إخوانه‪ .‬قِل يف يقه قِئده األعلى عمَ املختِر عقب‬ ‫استشهِده‪ :‬أتذكَ يسني اجلويفي عند اّلقِء مع اّعدو ‪ ،‬أو عند قَاءة اّقَا اّكَمي وقت‬ ‫اّورد[(‪.])213‬‬ ‫كمِ عَُف عنه أنه مل يربح فَسه يومًِ أثنِء املعَكة ِّنِل من أسالب اّعدو ‪ ،‬بل يرتكهِ ّلمجِهدين‬ ‫ّعفته وقنِعته مبِ ميلك من أموال ومو ٍ‬ ‫اش‪.‬‬ ‫ّقد أسندت إِّه قِ​ِدة املعَكة ملعَفته بشعِب ودروب املنطقة اّيت كِ يسكنهِ ‪ ،‬مع كونه أيد قِدة‬ ‫اجلهِد ‪ ،‬وأيد املستشِرين ّعمَ املختِر ‪ ،‬وقِئم مقِم اّرباعصة واّدرسة يف فرتة سِبقة ‪ ،‬فكِ يف تلك‬ ‫املعَكة فوق جواده جيوب املِمنة واملِسَة واّقلب ‪ ،‬وهو عِري اَّأس ال خيشى املوت ‪ ،‬يوزع صنِديق‬ ‫اّذخرية على املقِتلني اترة ‪ ،‬ويطلق عبِرات اّتشجِع مَة أخَى ‪ ،‬ويقوم بتحَيك جبهِت اّقتِل ‪،‬‬ ‫وتنظِم هجومِت اجملِهدين ‪ ،‬وتَتِب صفوفهم‪.‬‬ ‫وسقط اّشهداء واشتدت املعَكة ‪ ،‬وارتفعت درجة يَارة اّبنِدق بسبب استمَار إطالق اّعِ​ِرات اّنِرية‬ ‫‪ ،‬واستعمل اجملِهدو اخلَق اّبِِّة ّتقِهم يَارة مواسري اّبنِدق اّيت ال تطِقهِ يد اجملِهد ‪ ،‬وكِ بعض‬ ‫اجملِهدين ميلك بندقِتني يستعمل اّوايدة مدة ‪ ،‬مث يرتكهِ يىت تربد ويتنِول األخَى‪.‬‬ ‫وخصص اّقِئد يسني فَقة من اجملِهدين ّلتصدي ّلمصفَحِت املهِمجة من اجلنوب ‪ ،‬وعددهِ ثالثو‬ ‫مصفحة ‪ ،‬وّعب كومندار طِبور املعِة اجملِهد سعد اّعبد اّسوداين دوراً ابرزاً ‪ ،‬وأظهَ شجِعة اندرة‬ ‫أب قِد تلك اّفَقة املواجهة ّلمصفحِت اإليطِِّة ‪ ،‬وَتكن من تدمري أغلبهِ مع رجِّه ‪ ،‬وانتزع اجملِهد‬ ‫رمضِ اّعبِدي اّعلم اإليطِيل من على إيدى املصفحِت ‪ ،‬وبدأ اجلِش اإليطِيل يف اّتقهقَ ‪ ،‬ودخل‬ ‫اَّعب نفوس ضبِطه وجنوده اّذين وجدوا فَصة احلِ​ِة يف اهلَوب ‪ ،‬وابَّغم من قصف اّطِئَات إال‬ ‫أ اإلميِ اّقوي ‪ ،‬وايتسِب األجَ عند هللا كِ دافعًِ مهمًِ ّدى اجملِهدين‪.‬‬ ‫كِنت خسِئَ اجملِهدين يف األرواح ‪ 200‬شهِد ؛ من بِنهم اّقِئم مقِم حممد بوجنوي املسمِري اّذي‬ ‫استشهد يف اِّوم اّثِّث إثَ إصِبته جبَح ممِت ‪ ،‬وكِنت مكِنته عظِمة يف نفوس اجملِهدين وواّد زوجة‬ ‫عمَ املختِر اّذي بكِه بكِءً يِراً ‪ ،‬وقِل بعد أ مسع ابستشهِده‪(( :‬رايو اّكل َي عني اجلريا‬ ‫وأصحِب اّغال))[(‪.])214‬‬


‫واستشهد كل من جربيل اّعوامي ‪ ،‬وستة من قبِلة اّعوامة ‪ ،‬وحممد بو معري اّدرسي ‪ ،‬واّشلحي‬ ‫اّدرسي ‪ ،‬وحممد اّصغري اّربعصي ‪ ،‬وفقد اجملِهدو يف تلك املعَكة عدداً كبرياً من اإلبل واملواشي ‪ ،‬ومت‬ ‫يَق بعض اخلِ​ِم من جَاء اّغِرات اجلوية‪.‬‬ ‫ومكث اجملِهدو طِلة اّلِل يدفنو اّشهداء وينقلو اجلَيى ‪ ،‬وقبل بزوغ اّفجَ ريلوا عن ذّك‬ ‫املوقع ‪ ،‬هبدف اإلعداد واالستعداد ّلقِء اّعدو يف موقع جديد من مواقع اّقتِل[(‪ ، ])215‬وأصبحت‬ ‫اّقوات اإليطِِّة كمِ يقول تريوتسي‪:‬‬ ‫((أصبحت اال منهوكة اّقوى ختور إعِ​ِء من شدة املعِرك املستمَة منذ فرتة طويلة دو‬ ‫توقف‪.])216([))...‬‬ ‫وكِنت نتِئج تلك املعَكة فِمِ يلي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ كِنت معَكة أم اّشفِتري بداية نقطة فِصلة يف اتبِع اسرتاتِجِة جديدة عند عمَ املختِر ‪ ،‬وهي‬ ‫ضَورة إعِدة تنظِم اجملِهدين على هِئة فَق صغرية[(‪ ، ])217‬تلتحم مع اّعدو عند اّضَورة ‪ ،‬وتشغله‬ ‫يف أغلب األوقِت ممِ يقلل يف عدد اّشهداء أثنِء املعِرك ‪ ،‬ويلحق اخلسِئَ اّفِدية ابألعداء وفق‬ ‫اّتكتِك اجلديد حلَب اّعصِابت (اهجم يف اّوقت املنِسب ‪ ،‬وانسحب عند اّضَورة)‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ملح عمَ املختِر بنظَه اّثِقب مالمح اّسِ​ِسة اّفِشستِة اجلديدة ؛ وهي اإلابدة واّتدمري (ّلمصِحل‬ ‫واَّجِل) ‪ ،‬فِختذ إجَاءات تَيِل اّنسِء واألطفِل واّشِوخ إىل اّسلوم حلمِيتهم من اّغِرات اجلوية‬ ‫اإليطِِّة ‪ ،‬وتِسرياً ّسهوّة حتَك اجملِهدين وفق مِ يتطلبه املوقف اجلديد‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ كمِ ُمس نح أليد األخوين ابهلجَة ّلمحِفظة على وريث هلمِ فِمِ بعد ‪ ،‬يىت يكو دائمًِ هنِك من‬ ‫يطِّب حبقوقه ويزعج املستعمَين اّطلِ​ِ ‪ ،‬وّلتعَيف ابّقضِة اّلِبِة بتلك اّبلدا ‪ ،‬ونتج عنه فِمِ بعد‬ ‫تشكِل اجلِِّ​ِت اّلِبِة يف اخلِرج[(‪.])218‬‬ ‫‪ 4‬ـ أيقن اإليطِِّو أنه ال جدوى من االستمَار يف اّعملِ​ِت اّعسكَية ضد اجملِهدين ‪ ،‬ممِ كِ سببًِ‬ ‫يف توقفهِ طِلة سنة (‪ 1928‬م)[(‪ّ .])219‬قد حتققت ملوسلِين مِ قِّه من قبل‪(( :‬إننِ ال حنِرب‬ ‫ذائابً كمِ يقول غَسِ​ِين ‪ ،‬بل حنِرب أسوداً يدافعو بشجِعة عن بالدهم‪ ...‬إ أمد احلَب سِكو‬ ‫طويالً))[(‪.])220‬‬ ‫عِشَاً‪ :‬استشهِد يسني اجلويفي واملختِر بن حممد يف معَكة أبِ​ِر اّزوزات (‪ 1927/8/13‬م)‪:‬‬


‫استشهد اّشِخ يسني اجلويفي رئِس دور اّرباعصة ‪ ،‬وكِ صِيب مكِنة عظِمة عند‬ ‫املختِر[(‪ ، ])221‬كِ يسني اجلويفي سبِقًِ ّلخريات ‪ ،‬يَيصًِ على اّشهِدة يف سبِل هللا ‪ ،‬وكِ‬ ‫حيَص على اخلَوج ّلمعِرك مع مَضه ؛ يىت إ عمَ املختِر يف إيدى املعِرك طلب منه أ يبقى‬ ‫يفِظًِ على صحته ‪ ،‬وقِل ّه‪( :‬اجلَِيت أكثَ من اّفِيتِت ‪ ،‬واّطلِ​ِ حملِربِنِ ‪ ،‬وحنن ال نبطل اهلجوم‬ ‫علِهم ‪ ،‬وستشبع من اّقتِل فأَيمه كثرية)[(‪.])222‬‬ ‫ّقد أتثَ​َ عمَ املختِر الستشهِد اّقِئد اّعظِم اجلويفي ‪ ،‬ووقف عند قربه وقِل‪:‬‬ ‫َتَِ غفري يف فِهق خال‬ ‫شهري ّن نسم نواف اّدين‬ ‫ّقد فقد عمَ املختِر عدداً كبرياً من رفِقه األبطِل اّذين وقعوا شهداء يف سِية اّوغى ‪ ،‬وكِ من‬

‫بِنهم املختِر ابن شقِقه حممد ‪ ،‬فشق علِه فقده رغم أنه ال يزيد مكِنة عند عمه اّسِد عمَ املختِر‬ ‫أكثَ من إخوانه اجملِهدين ‪ّ ،‬قد كِ ابن أخِه عِئالً ّه يهتم بشؤو أسَة عمَ املختِر ‪ ،‬ويشَف على‬ ‫شؤونه اخلِصة وخدمته اّشخصِة ‪ ،‬وكِ مبثِبة االبن ؛ يِث مل يكن ّعمَ ابن يتوىل شؤو اّعِئلة ؛‬ ‫أل ابنه اّويِد حممد صِحل كِ ال يزال طفالً ‪ ،‬مث إ اّسِد عمَ املختِر تع َود مصِيبة اّفقِد منذ‬ ‫سنة (‪ 1916‬م) ‪ ،‬وإىل جِنب كل ذّك فإنه من أبطِل اجلهِد ومن األبنِء اّربرة ‪ّ ،‬قد ايتسب‬ ‫املختِر وأظهَ اّتجلد ‪ ،‬وصرب صرباً مجِالً ‪ ،‬وكِ يقول ّكل من جِء ّتعزيته‪:‬‬ ‫إ كل فَد من رفِقي اجملِهدين هو عندي مبنزّة املختِر ‪ ،‬إنين فقدت خمتِراً وايداً ‪ ،‬وّكنين أعِش بني‬ ‫عدد من املختِرين ؛ كل منهم ميأل مكِ ابن أخي ‪ ،‬وردد قول اّشِعَ اّشعيب‪:‬‬ ‫وين اّصحِاب قبلنِ أو نبِهِ‬ ‫اّدنِ​ِ أمفِت هللا من واِّهِ‬ ‫وين اّشِوخ اّلي كبِر مقِوم‬ ‫وين بو َي دم‬ ‫نو ْ جِهم اّطِّب يِجتِ يقضِهِ‬

‫اّلي يندهوا ّلعبد هو واخلِدم‬ ‫ومعىن األبِ​ِت‪:‬‬ ‫ويل اّدنِ​ِ ووارثهِ ‪ ،‬وكل مِ يف هذه اّدنِ​ِ مصريه اّفنِء ‪ ،‬فأين رسول هللا‬ ‫أ هللا سبحِنه وتعِىل ُّ‬ ‫وصحِبته وهم أكَم خلق هللا علِه؟ وأين اّسِدة اّكبِر اّذين سبقوان وكِ من مشِئلهم املنِداة ّلخدم‬ ‫من أجل خدمة اّضِف ‪ ،‬وكل من جِء يطلب يِجة تقضى ّه؟ وممِ قِّه عمَ املختِر من اّشعَ‪:‬‬ ‫صِور اّبنِ دم يفَات مِِّهِ‬ ‫َي عني كفي راه يومك قِدم‬


‫تكف عن اّبكِء ؛ أل أجله يف طَيقه إِّه ‪ ،‬ومصري بين ادم هو‬ ‫ومعىن اّبِت‪ :‬أنه خيِطب نفسه أب‬ ‫َ‬ ‫تلك احلفَة (اّقرب) اّيت ميلؤهِ رفِته بعد املوت[(‪.])223‬‬

‫املبحث اّثِين‬ ‫استمَار اّعملِ​ِت واّدخول يف املفِوضِت‬ ‫يف سبتمرب عِم (‪ 1927‬م) غزت مجوع اّزاوية اجلخَة ومَسي بَيقة وجِّو وأوجلة ‪ ،‬وأنزّوا ابّطلِ​ِ‬ ‫خسِئَ فِدية ‪ ،‬واشتدت مقِومة اجملِهدين يف اجلبل األخضَ على اَّغم من ايتالل اّطلِ​ِ ّلوايِت‬ ‫ومَاكز اّسنوسِة اهلِمة ‪ ،‬فلم يعد هنِك منِص من أ يعِد اّطلِ​ِ اّنظَ يف خططهم ‪ ،‬ممِ أدى إىل‬ ‫وقوع أزمة كبرية يف رومِ ‪ ،‬وبدأت احلكومة تبحث بصورة جدية عن وسِئل إمخِد املقِومة ‪ ،‬وتَسم‬ ‫اخلطط اّسِ​ِسِة اجلديدة اّيت تَى ضَورة اّتقِد هبِ يف كل من بَقة وطَابلس ‪ ،‬وقد اضطَ فِدرزوين‬ ‫وزيَ املستعمَات ‪ ،‬وديبونو وايل طَابلس وتريوتزي وايل بَقة ّالستقِّة يف ديسمرب (‪ 1928‬م) ‪ ،‬فعني‬ ‫ديبونو وزيَاً ّلمستعمَات ‪ ،‬وأعلن موسوِّين تويِد اإلدارة يف اّقطَين اّلِبِني ‪ ،‬وعني املِريشِل ابدوِّو‬ ‫يِكمًِ على طَابلس وبَقة‪.‬‬ ‫كِ جميء ابدوِّو إىل ِّبِة بداية مَيلة اجلهِد احلِمسة ابّنسبة ّلمجِهدين ‪ ،‬وكِ اتريخ تعِ​ِنه يف‬ ‫شهَ ينِيَ من عِم (‪ 1929‬م) ‪ ،‬وكِ بَانجمه اجلديد يتلخص يف ختفِض اجلِش إىل اّقدر اّذي‬ ‫يكفي ّلقِ​ِم (حبَب اّعصِابت) ‪ ،‬واحملِفظة على هِبة احلكومة ‪ ،‬مع إنفِق األموال املتوفَة يف مد‬ ‫اّطَق يف اجلبل األخضَ ممِ يسهل علِه اّتنقالت اّعسكَية ‪ ،‬فإذا مِ مت ّه ذّك قِم هبجوم شِمل‬ ‫كِسح على اجملِهدين يقضي على املقِومة هنِئًَِِ ‪ ،‬ومن أجل ذّك سعت إيطِِّة إىل مفِوضة اّسِد‬ ‫عمَ املختِر ّتهدئة األيوال[(‪ ، ])224‬فكِ بَانمج ابدِّو مبنِ​ًِ على كسب اّوقت أوالً ‪ ،‬مث اّعمل‬ ‫رويداً رويداً من أجل تقوية املَاكز احملتلة‪.‬‬


‫واهتم ابدوِّو بكسب اَّأي اّعِم وختويفه ‪ ،‬فأعلن اّعفو عن األفَاد اّذين يسلمو أنفسهم وساليهم‬ ‫خمتِرين ّلحكومة ‪ ،‬ويتوعد كل معِند ابّعقوبة اّصِرمة ‪ ،‬وقد أسقطت اّطِئَات هذا املنشور من اجلو‬ ‫على اّبلدا واّقَى واّنجوع يف أحنِء ِّبِة مجِعهِ وكِ هلذا املنشور ااثر مبِشَة ‪ ،‬فظن بعض زعمِء‬ ‫ِّبِة مبدينة طَابلس اّضعف ووهن اّعزمية يف احلكومة ‪ ،‬وقِم أَمد سِف اّنصَ وحممد بن احلِج يسن‬ ‫(من قبِلة املشِشة) ابّزيف على منطقة اّقبلة جلمع اّبدو احملِربني وإرسِهلم إىل اجلبل األخضَ يىت‬ ‫يعززوا قوات اجملِهدين يف اجلبل ‪ ،‬ويَغموا احلكومة على اختِذ هلجة متواضعة عند بدء املفِوضِت مع‬ ‫عمَ املختِر وصحبه ‪ ،‬وشَع صِحل األطِوش ينظم يف جبل اهلَوج مجِعِت من احملِربني ّالشتبِك مع‬ ‫اّطلِ​ِ يف بَقة أو يف طَابلس ‪ ،‬ويف منتصف فربايَ (‪ 1929‬م) نزّت قوات اجملِهدين من اهلَوج‬ ‫األسود ّالنقضِض على اّنوفلِة من جِنب ‪ ،‬وعلى إجدابِة من جِنب اخَ ‪ ،‬فِجتمعت من اجلِفة ؛‬ ‫مث انقسمت ثالث فَق اّتحمت إيداهِ مع اّطلِ​ِ يف معَكة عند قِرة سويد يف ‪ 5‬مِرس ‪ ،‬واشتبكت‬ ‫اّثِنِة معهم يف معَكة كبرية عن اّنوفلِة يف ‪ 14‬مِرس ‪ ،‬واجتهت اّثِّثة بقِ​ِدة عبد اّقِدر األطِوش من‬ ‫اجلِفة صوب منطقة اّعقِلة يف ‪ 23‬مِرس ‪ ،‬مث استقَ اجملِهدو يف جبل سلطِ ‪ ،‬واضطَ اجملِهدو‬ ‫إىل االنسحِب أمِم قوات اّعدو اّعظِمة صوب وادي اّفِرغ[(‪.])225‬‬ ‫كِنت ّتلك األعمِل أكرب األثَ يف إقنِع ابدوِّو بضَورة اّعمل فوراً من أجل استمِّة اجملِهدين إىل‬ ‫املفِوضة إذا أراد أ يضع بَانجمه اّواسع موضع اّتنفِذ ‪ ،‬فبدأ من مث متصَف املَج اّكوّونِل ابريال من‬ ‫أوائل مِرس (‪ 1929‬م) يطلب االجتمِع ابّسِد عمَ املختِر ّلمفِوضة يف شَوط اّصلح ‪ ،‬ويدد‬ ‫ابريال موعداً ّالجتمِع ؛ غري أ ابريال مل ينتظَ جواب املختِر وأراد أ ينتهز فَصة اطمئنِ اجملِهدين‬ ‫ض اّطلِ​ِ على اجملِهدين وهم يقومو‬ ‫ّقَب بداية املفِوضِت وانشغِهلم بعِد اّفطَ املبِرك ‪ ،‬فِنق َ‬ ‫بصالة اّعِد (‪ 1347‬هـ) ‪ ،‬ورَدهم اجملِهدو على أعقِهبم ‪ ،‬وّكن منِوشِت صِحل األطِوش ومجِعته‬ ‫ونشوب املعِرك املستمَة اضطَت ابدوِّو إىل حتديد املسعى ‪ ،‬فكلف متصَف درنة دودَيشي ّتمهِد‬ ‫املفِوضة مع عمَ املختِر وصحبه ‪ ،‬فِتصل ابجملِهدين ‪ ،‬واقرتح على اّسِد عمَ أ يكو االجتمِع‬ ‫يوم ‪ 2‬مِرس يف منزل على ابشِ اّعبِدي ّلبحث يف موضوع اّصلح ‪ ،‬وأصَ عمَ املختِر على أ‬ ‫تظهَ احلكومة اإليطِِّة يسن نواَيهِ ‪ ،‬ويكو ذّك إبطالق اّسِد حممد اَّضِ وإعِدته إىل بَقة‪.‬‬ ‫واضطَت احلكومة اإليطِِّة ّلَضوخ ‪ ،‬وأيضَت اّسِد حممد اَّضِ من جزيَة أوستِكِ إىل بنغِزي ‪،‬‬ ‫واجتمع بعد ذّك عمَ املختِر مع مندوب احلكومة دودَيشي يف منزل علي اّعبِدي يف ‪ 20‬مِرس ‪،‬‬


‫ويضَ االجتمِع عدد كبري من مشِيخ اّبالد وأعِ​ِهنِ ‪ ،‬مث أ ُِجلت املفِوضة إىل أسبوع ‪ ،‬وانعقد اجتمِع‬ ‫اخَ يف سِنِة اّقبقب ‪ ،‬ومل يستطع املتفِوضو اّوصول إىل نتِجة جمدية ‪ ،‬واجتمع املختِر مع ابريال يف‬ ‫اّشلِوين يف اجلبل األخضَ يف يوم ‪ 6‬أبَيل ‪ ،‬ومل يصل املتفِوضو إىل نتِجة ‪ ،‬ويف ‪ 20‬أبَيل عِدت‬ ‫املبِيثِت يف بئَ املغِرة (يف وادي اّقصور) ‪ ،‬وقد يضَ هذا االجتمِع حممد اَّضِ ‪ ،‬واّشِرف اّغَ​َيين‬ ‫‪ ،‬وخِّد احلمَي ‪ ،‬وعبد هللا فَكِش ورويفع فَكِش وعلي ابشِ اّعبِدي وعبد هللا بلعو مديَ املَج ‪،‬‬ ‫ويضَ كل هؤالء اجتمِع املختِر ابّسِد رضِ ‪ ،‬مث خري مندوب احلكومة عمَ بني ثالثة أمور‪:‬‬ ‫اّذهِب إىل احلجِز ‪ ،‬أو إىل مصَ ‪ ،‬أو اّبقِء يف بَقة ‪ ،‬فإذا رضي ابّبقِء يف بَقة أجَت علِه احلكومة‬ ‫مَتبًِ ضخمًِ ‪ ،‬وعِملته بكل ايرتام ‪ ،‬وّكن املختِر رفض هذه اّشَوط ‪ ،‬وكِ اّسِد رضِ خيضع َّقِبة‬ ‫صِرمة منعته من تبِدل اَّأي مع عمَ املختِر‪.‬‬ ‫واستؤنفت املفِوضِت يف هذه املَة يف مكِ يسمى قندوّة ابّقَب من سِدي رويفع ‪ ،‬ويضَ اجتمِع‬ ‫قندوّة ابريال ‪ ،‬وكمبِين ‪ ،‬وعدد من اّضبِط واألعِ​ِ ‪ ،‬وكِ سِشلِ​ِين قد بَِت اّنِة على اإليقِع‬ ‫ابملختِر وأسَه ‪ ،‬وّكن عمَ املختِر ايتِط ّألمَ ومل يسفَ هذا االجتمِع عن شيء‪.‬‬ ‫ويف ‪ 26‬مِيو بدأت املفِوضِت من جديد ‪ ،‬فحضَ املختِر إىل مكِ قَيب من اّقبقب‪ .‬ويف هذا‬ ‫االجتمِع دارت املبِيثِت على أسِس مِ جِء يف منشور ابدوِّو ‪ ،‬فعَض دودَيشي شَوط احلكومة ؛‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬عودة اّسِد إدريس وأَمد اّشَيف واّسِد صفي اّدين وسِئَ أعضِء‬ ‫األسَة اّسنوسِة إىل اّبالد‪ ،‬على أ يكونوا حتت إشَاف احلكومة ‪ ،‬وأ يتم رجوعهم برتخِص من‬ ‫احلكومة بوصفهم مهِجَين يبغو اّعودة إىل أوطِهنم‪ ،‬وتعهدت احلكومة مبعِملتهم املعِملة اّالئقة هبم‬ ‫على غَار مِ تفعله مع اّسِد اَّضِ‪.‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬ايرتام اّزواَي وأوقِفهِ ودفع املَتبِت ّشِوخهِ‪.‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬إرجِع أمالك األسَة اّسنوسِة‪.‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬إعفِء اّزواَي وأمالك اّسنوسِة من اّضَائب‪.‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬تسلِم اجملِهدين نصف مِ معهم من أسلحة ّقِء أّف ّرية إيطِِّة تدفع مثنًِ ّكل بندقِة‬ ‫يسلموهنِ ‪ ،‬وعلى أ ينضم بقِة اجملِهدين املسلحني إىل املنظمِت اّيت تنشئهِ احلكومة حتت إشَافهِ‬


‫وإدارهتِ ‪ ،‬وذّك ملدة معِنة حتددهِ احلكومة فِمِ بعد يف نظري أ تعد أمِكن إلقِمتهم يسهل على‬ ‫احلكومة إمدادهم فِهِ ابملؤ ‪ ،‬فضالً عن إيكِم اَّقِبة علِهم‪.‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬إبعِد كل اإلخوا اّسنوسِني من األدوار ‪ ،‬وتتعهد احلكومة إبعطِئهم املَتبِت اّيت تنِسب‬ ‫مَاكزهم ‪ ،‬فِعرتض املختِر على تسلِم األسلحة ويل األدوار ‪ ،‬وأصَ على بقِء األدوار حتت قِ​ِدة‬ ‫اّسِد يسن اَّضِ على أ يكو ّلحكومة نوع من اإلشَاف اّعِم فحسب ‪ ،‬وأيَد رأي املختِر عبد‬ ‫ض االجتمِع على أ يعَض دودَيشي هذا‬ ‫احلمِد اّعبِر ‪ ،‬ورفض دودَيشي عَوض املختِر ‪ ،‬وانف َ‬ ‫احلل ـ كمِ طلب املختِر من انئب اّوايل يف بَقة ـ يىت يفصل فِه سِشلِ​ِين بنفسه[(‪.])226‬‬ ‫وبعد أربعة أَيم فقط طلب دودَيشي مقِبلة املختِر يف قندوّة (‪ 30‬مِيو) ‪ ،‬فجِء املختِر إىل جنع علي‬ ‫اّعبِدي شِخ اّعبِدات ابّقَب من اّقبقب ‪ ،‬ويضَ معه اّسِد يسن اَّضِ واّفضِل بو عمَ وعبد‬ ‫احلمِد اّعبِر ويِمد اّقمِص واخَو ‪ ،‬ومعهم يَس يتأّف من مئة ومخسني فِرسًِ ‪ ،‬وجِء من طَف‬ ‫احلكومة دودَيشي وابريال كمِ يضَ هذا االجتمِع علي اّعبِدي وخِّد احلمَي ورويفع فَكِش ‪،‬‬ ‫وأظهَ فِهِ املختِر استعداده ّلتفِهم طِملِ أنه يؤدي إىل احملِفظة على كَامة اّسنوسِة ‪،‬‬ ‫وفضالً عن ذّك فقد أصَ املختِر على عدم يدوث أي اتفِق بِنه وبني احلكومة اإليطِِّة ‪ ،‬إال إذا‬ ‫يضَ مندوب عن احلكومة املصَية ‪ ،‬واخَ عن احلكومة اّسنوسِة كدِّل على رغبة اّطَفني اّصِدقة‬ ‫يف االتفِق بصورة قِطعة ‪ ،‬وّكن دودَيشي اعرتض على هذا اّطلب ‪ ،‬وقِل أب اّطلِ​ِ معَوفو‬ ‫بوفِئهم ّلعهود ويفظهم ّلمواثِق ‪ ،‬فَد علِه عمَ املختِر وذكَ مِ فعله اجلنَال متأيت بقبِلة اّعبِدات ‪،‬‬ ‫وهي من اّقبِئل اّيت سِملت اّطلِ​ِ عندمِ اغتصب هؤالء كل مِ َتتلكه هذه اّقبِلة ؛ يىت إهنم نزعوا‬ ‫يلي اّنسِء من اذاهنن ‪ ،‬وذكَ مِ فعله ّويللو مع أسَة إبَاهِم من قبِلة اّعواقري ‪ ،‬وقد سِمل هؤالء‬ ‫اّطلِ​ِ كذّك ‪ ،‬فأخذ ّويللو منهم أربعني رجالً قتلهم رمِ​ًِ ابَّصِص ‪ ،‬مث جعل اّسِ​ِرات َتَ على‬ ‫جثثهم فمِ زاّت اّسِ​ِرات تدهسهم ذهِابً وإَيابً يىت اختلطوا ابّرتاب‪ ...‬وتدخل بعض احلِضَين‬ ‫ّتهدئة املوقف ‪ ،‬وَتسك املختِر حبقوق احلَكة اّسنوسِة وزعِمتهِ ‪ ،‬وأصَ على أ يكو ّلقطَ‬ ‫اّربقِوي اّطَابلسي نفس االمتِ​ِزات اّيت تتمتع هبِ جِراته مصَ وتونس ‪ ،‬وكِ عمَ املختِر ويده هو‬ ‫اّذي يتحدث ‪ ،‬وأمِ سِئَ اجملِهدين فقد صمتوا ‪ ،‬مث قَر اّذهِب إىل معسكَه ‪ ،‬وقِل‪ :‬إذا أراد‬ ‫املتصَف دودَيشي احلديث فإ موعد ذّك جلسة أخَى ‪ ،‬وبعد أَيم اتصل علي اّعبِدي ابّسِد عمَ‬ ‫‪ ،‬وقبل عمَ املختِر استئنِف املفِوضِت ‪ ،‬فعقد اجتمِع اخَ يف يوم ‪ 7‬يونِه يضَه دودَيشي وابريال‬


‫‪ ،‬مث سِشلِ​ِين اّذي جِء االجتمِع موفداً من قبل املِريشِل ابدوِّو بغِة اّوصول إىل اتفِق يِسم مع‬ ‫اّعَب ‪ ،‬وجدد اّطلِ​ِ عَوضهم اّقدمية ‪ ،‬وَتسك املختِر مبطِّبه ‪ ،‬وأصَ على يضور مندوبني من‬ ‫قبل احلكومتني املصَية واّتونسِة ‪ ،‬ووعد سِشلِ​ِين أب حيمل مطِّب املختِر إىل ابدوِّو‪.‬‬ ‫ويف ‪ 13‬يونِه اجتمع انئب اّوايل سِشلِ​ِين ابّسِد عمَ يف قلعة شلِويت ‪ ،‬وأظهَ املختِر رغبته‬ ‫اّصِدقة يف االتفِق إذا أقَت احلكومة اإليطِِّة مطِّبه ‪ ،‬وهي نفس املطِّب اّسِبقة ‪ ،‬وأت َجل‬ ‫االجتمِع إىل يوم اخَ يىت يتم االتفِق اّنهِئي حبضور وايل طَابلس وبَقة نفسه ‪ ،‬ويف يوم ‪ 19‬يونِه‬ ‫يضَ االجتمِع سِدي ريومة املشهور حبضور ابدوِّو وسِشلِ​ِين وعدد من اّطلِ​ِ واألعِ​ِ‬ ‫كِّشِرف اّغَ​َيين ‪ ،‬وعلي ابشِ اّعبِدي ‪ ،‬وظل عمَ املختِر متمسكًِ بضَورة يضور مندوبني عن‬

‫احلكومتني املصَية واّتونسِة ‪ ،‬وعَض شَوطه اّنهِئِة حبضور وايل ِّبِة ‪ ،‬فقَأ‬ ‫اّفضِل بو عمَ هذه اّشَوط ووافق اّطلِ​ِ علِهِ ‪ ،‬مث تسلمهِ ابدوِّو ‪ ،‬ووعد أب يعمل على يضور‬ ‫مندويب احلكومتني املصَية واّتونسِة يف اجتمِع حيدد فِمِ بعد قَيبًِ ‪ ،‬واتفق اّفَيقِ على عقد هدنة‬ ‫ملدة شهَين يىت يتسىن ّكل منهمِ مَاسلة مَجعه[(‪.])227‬‬ ‫وقِل ابدوِّو‪ :‬إنه على استعداد اتم ّقبول عودة أمري اّبالد اّسِد حممد إدريس إىل بَقة مِ دام املختِر‬ ‫واجملِهدو يصَو على ذّك‪.‬‬ ‫وكِنت اّشَوط اّيت عَضهِ املختِر تكفل احملِفظة على هوية اّشعب وعقِدته ودينه وّغته ‪ ،‬وحتفظ‬ ‫أوقِف اّزواَي ‪ ،‬وتعطي عمَ املختِر احلق يف أخذ اّزكِة اّشَعِة من اّقبِئل ؛ ومن أهم هذه اّشَوط‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ أ ال تتدخل احلكومة يف أمور ديننِ ‪ ،‬وأ تكو اّلغة اّعَبِة ّغة رمسِة معرتفًِ هبِ يف دواوين‬ ‫احلكومة اإليطِِّة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ أ تفتح مدارس خِصة يدرس فِهِ اّتويِد ‪ ،‬واّتفسري ‪ ،‬واحلديث ‪ ،‬واّفقه ‪ ،‬وسِئَ اّعلوم‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ وأ يلغى اّقِنو اّذي وضعته إيطِِّة ‪ ،‬واّذي ينص على عدم املسِواة يف احلقوق بني اّوطين‬ ‫تنص على‬ ‫واإليطِيل إال إذا جتنس األول ابجلنسِة اإليطِِّة[(‪ ، ])228‬كمِ كِنت شَوط اجملِهدين ُّ‬ ‫إرجِع مجِع املمتلكِت اّيت اغتصبتهِ احلكومة من األهِيل ‪ ،‬وإعطِئهم مطلق احلَية يف َمل اّسالح‬ ‫صت هذه اّشَوط على أ يكو‬ ‫وجلبه من اخلِرج إذا امتنعت احلكومة عن بِع اّسالح هلم ‪ ،‬كمِ ن َ‬ ‫ّألمة رئِس منهِ ختتِره بنفسهِ ‪ ،‬ويكو هلذا اَّئِس جملس من كبِر األمة ّه يق اإلشَاف على‬ ‫مصِحلهِ ‪ ،‬كمِ يكو ّلقِضي اإلسالمي ويده اّفصل بني املسلمني‪.‬‬


‫وطِّب عمَ املختِر إبعال اّعفو اّشِمل عن مجِع من عدهتم إيطِِّة جمَمني سِ​ِسِني ‪ ،‬سواء كِنوا‬ ‫داخل ِّبِة أم خِرجهِ ‪ ،‬وإطالق سَاح املسجونني ‪ ،‬وسحب كل املَاكز اّيت استحدثهِ اّطلِ​ِ يف‬ ‫أثنِء احلَب ‪ ،‬مبِ يف ذّك مَاكزهم يف‬ ‫اجلغبوب وجِّو[(‪ ، ])229‬كمِ اشرتط أب ّزعمِء املسلمني احلق يف أتديب من خيَج عن اّدين ‪ ،‬أو‬ ‫يهزأ بتعِِّمه ‪ ،‬أو يتهِو يف اّقِ​ِم بواجبِته[(‪.])230‬‬ ‫إ يَص عمَ املختِر على رفض اخلضوع ألي إرادة أو سلطة غري سلطة هللا واضح يف يِ​ِته ‪ ،‬ويظهَ‬ ‫ذّك جلِ​ًِ يف شَوطه ‪ ،‬فقد كِ دائمًِ مصَاً على شَط تطبِق اّشَيعة اإلسالمِة بني املسلمني ‪،‬‬ ‫ورفض كل مِ عداه من قوانني وضعِة يف مفِوضِته[(‪.])231‬‬ ‫أظهَ ابدوِّو قبول اّشَوط ‪ ،‬وّكنه نكث بوعوده ‪ ،‬وأخذ يستعد ّلقضِء على اجملِهدين ‪ ،‬وشَع‬ ‫اّطلِ​ِ يبذرو بذور اّشقِق يف صفوف اجملِهدين على أمل أ يضعفوا من قوهتم ‪ ،‬ويف اجتمِع‬ ‫سِدي رويفع ادعى سِشلِ​ِين أنه ال ميكن إبَام االتفِق اّنهِئي إال يف بنغِزي[(‪.])232‬‬ ‫أراد اجملِهدو أ يقطعوا يجة اّطلِ​ِ ‪ ،‬فِتفقوا على أ حيضَ اجتمِع بنغِزي اّسِد احلسن رضِ‬ ‫اّسنوسي ‪ ،‬وكِ عمَ املختِر مقتنعًِ بعدم جدوى االجتمِع ‪ ،‬وّكنه اضطَ مكَهًِ ‪ ،‬وعِد احلسن‬ ‫حيمل شَوطًِ إيطِِّة جمحفة ‪ ،‬فَفضهِ عمَ املختِر واجملِهدو ‪ ،‬وكتب املختِر إىل انئب اّوايل خيربه‬ ‫بَفض اّشَوط اإليطِِّة مجلة وتفصِالً ‪ ،‬ويلفت يف هذه اَّسِّة نظَ احلكومة اإليطِِّة إىل اّشَوط‬ ‫اّسِبقة اّيت تسلمهِ املِرشِل ابدوِّو من اّسِد عمَ نفسه ‪ ،‬وقطع على نفسه عهداً ابإلجِبة عنهِ‬ ‫بعد دراستهِ ؛ إذ ال يوجد سبِل حلل املشكلة دوهنِ ‪ ،‬وطلب عمَ يف نفس اَّسِّة حتديد موعد ملقِبلة‬ ‫اجلنَال سِشلِ​ِين انئب اّوايل ‪ ،‬ويف يِّة اَّفض أو عدم اإلجِبة يكو اّسِد عمَ املختِر يف يل ممِ‬ ‫قِدته به اداب اجملِملة يف انتظِر نتِجة املفِوضِت ‪ ،‬وسوف تعود األمور ملِ كِنت علِه ‪ ،‬وكِ جواب‬ ‫إيطِِّة هو أهنِ على استعداد وال داعي ّإلنذار إبعِدة احلَب[(‪.])233‬‬ ‫ملِ ذهب احلسن بن اَّضِ إىل بنغِزي أتثَ​َ ببعض أقوال اّلِبِني اّتِبعني‬ ‫ّلحكومة اإليطِِّة‪ ،‬وقبل أ يوقع على شَوط اّصلح اّيت خِّفت مِ طلبه اجملِهدو ‪ ،‬فلمِ رفض عمَ‬ ‫املختِر تلك اّشَوط عَز على احلسن أ ينقض املختِر كلمته ‪ ،‬وانفصل جبمِعته من اّرباعصة واّدرسة‬ ‫‪ ،‬وكِنوا يبلغو يوايل اّثالمثئة واختذ مكِنه يف غوط اجلبل ‪ ،‬وهو مكِ قَيب من مَاكز اّطلِ​ِ يف‬ ‫مَاوة[(‪.])234‬‬


‫كِ عمَ املختِر جبِنب إميِنه اَّاسخ واسع األفق ‪ ،‬عِملًِ بواقعه ‪ ،‬مدركًِ ملِ جيَي يوّه ‪ ،‬متِبعًِ ّه ‪،‬‬ ‫وقد كِ ذّك أكرب عو ّه بعد هللا على صحة مواقفه وقوهتِ اّيت فَضت االيرتام على أعدائه قبل‬ ‫أصدقِئه ‪ ،‬ومِ أعظم أ جيتمع اإلميِ واّفقه ابّواقع ‪ ،‬ومِ أقبح أ يتفَقِ ‪ ،‬وّئن كِ هذا واضحًِ جلِ​ًِ‬ ‫يف كل املواقف اّيت خِضهِ عمَ املختِر رَمه هللا وارائه اّيت قِهلِ ‪ ،‬إال أنه يتجلى كأوضح مِ يكو يف‬ ‫إدراكه ّعدم جدوى املفِوضِت اّسِ​ِسِة[(‪.])235‬‬ ‫أوالً‪ :‬اّنداء األخري‪:‬‬ ‫خِطب اّسِد عمَ املختِر اجملِهدين وأبنِء شعبة قِئالً‪ :‬فلِعلم إذاً كل جمِهد أ غَض احلكومة‬ ‫اإليطِِّة إمنِ هو بث اّفنت واّدسِئس بِننِ ّتمزيق مشلنِ وتفكِك أواصَ احتِدان ؛ ِّتم هلم اّغلبة علِنِ ‪،‬‬ ‫واغتصِب كل يق مشَوع ّنِ كمِ يدث كثري من هذا خالل اهلدنة ‪ ،‬وّكن حبمد هللا مل توفق إىل‬ ‫شيء من ذّك ‪ ،‬وِّشهد اّعِمل أمجع أ نواَيان حنو احلكومة اإليطِِّة شَيفة ‪ ،‬ومِ مقِصدان إال املطِّبة‬ ‫ابحلَية ‪ ،‬وأ مقِصد إيطِِّة وأغَاضهِ تَمي إىل اّقضِء على كل يَكة قومِة تدعو إىل هنوض اّشعب‬ ‫اّطَابلسي وتقدمه‪ ...‬فهِهِت أ يصل اّطلِ​ِ إىل غَضهم مِ دامت ّنِ قلوب تعَف أ يف سبِل‬ ‫احلَية جيب بذل كل مَختص ٍ‬ ‫وغِل‪.‬‬ ‫مث ختم املختِر هذا اّنداء بقوّه‪(( :‬هلذا حنن غري مسؤوّني عن بقِء هذه احلِّة احلِضَة على مِ هي‬ ‫علِه ‪ ،‬يىت يتوب أوّئك األفَاد اّنزاعو إىل اّقضِء علِنِ إىل رشدهم‪ ،‬ويسلكوا اّسبِل اّقومي‬ ‫ويستعملوا معنِ اّصَاية بعد املداهنة واخلداع))[(‪.])236‬‬ ‫وقد نشَت بعض اّصحف املصَية هذا اّنداء يف (‪ 2‬ينِيَ ‪ 1929‬م)‪ :‬من كِ‬ ‫عبداً هلل يستحِل أ يَضى أب يكو عبداً حلكومة ظِملة كِفَة ‪ ،‬أو ّدنِ​ِ ‪ ،‬أو مِل ‪ ،‬أو هلوى ‪ ،‬فأكثَ‬ ‫اّنِس أيَار ‪ ،‬وحتقِقًِ ّلحَية على مفهومهِ اّصحِح ذّك اّعبد اّذي رضي ابهلل رابً ‪ ،‬وابإلسالم دينًِ‬ ‫‪ ،‬ومبحمد (ص) نبِ​ًِ ورسوالً‪.‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬غدر وخِ​ِنة‪:‬‬ ‫ّقد نقضت احلكومة عهودهِ وغدرت ابجملِهدين ‪ ،‬وكِ اّسِد يسن اَّضِ أول من ذاق مَارة غدرهم‬ ‫‪ ،‬فقد غِدر املعسكَ يف غوط اجلبل مجِعة من عِئلة عَيف ‪ ،‬وانتهز اّطلِ​ِ هذه اّفَصة فطلبوا من‬ ‫احلسن أ يتقدم ابّدور إىل انيِة مَاوة ‪ ،‬وأجِب احلسن رغبتهم ‪ ،‬وعندئذ سريت احلكومة قوة كبرية‬ ‫على اّدور جلمع األسلحة من أتبِعه بدعوى أ رجِّه قد (غزوا) بعض األهلني يف مَاوة ‪ ،‬وأبدى‬


‫احلسن ورجِّه معِرضة شديدة ‪ ،‬وّكن معِرضتهم هذه سَعِ مِ أكدت ّلطلِ​ِ ـ على يد قول‬ ‫هؤالء ـ أ اّدور كِ مَكزاً ّدعِية سنوسِة خطرية ‪ ،‬وأ يل اّدور قد ابت ّذّك أمَاً ال منِص منه ‪،‬‬ ‫وال حمِد عنه‪.‬‬ ‫وكِ ممِ جعل اّطلِ​ِ ينقلبو على احلسن أ امتنع يف املدة األخرية عن إجِبة رغبتهم عندمِ طلبوا منه‬ ‫االنتقِل إىل بنغِزي ‪ ،‬وعلى ذّك فقد اشتبكت اّقوات اإليطِِّة مع اّدور يف قتِل عنِف ذهب‬ ‫ضحِته كثري من اجملِهدين ‪ ،‬ووقع اّبِقو يف أسَ هذه اّقوات ‪ ،‬ويف (‪ 10‬ينِيَ ‪ 1930‬م) قبض‬ ‫اّطلِ​ِ على احلسن نفسه ‪ ،‬وسِقوه أسرياً إىل بنغِزي ‪ ،‬مث مِ ّبثوا أ نفوه إىل جزيَة أوستِكِ ‪ ،‬مث إىل‬ ‫فلورنسة بعد ذّك ‪ ،‬وقد بقي احلسن منفِ​ًِ يف هذه املدينة األخرية يىت وفِته عِم (‪ 1936‬م) ‪ ،‬وبعد‬

‫ذّك اندّعت املعِرك بني اجملِهدين واّطلِ​ِ يف اجلبل األخضَ ‪ ،‬وكِنت اّطِئَات اإليطِِّة تلقي‬ ‫قذائفهِ على معسكَات اجملِهدين ‪ ،‬ونشطت عملِ​ِت اّطلِ​ِ اّعسكَية بعد أ غدروا ابحلسن ‪،‬‬ ‫وهِمجوا دور اجملِهدين يف وادي مهجة (‪ 28‬ينِيَ ‪ 1930‬م) ‪ ،‬وأّقت اّطِئَات قذائفهِ على اّعَب ‪،‬‬ ‫وانتشَت املعِرك يف منطقة اجلبل يىت أقفلت مجِع اّطَق[(‪.])237‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬تعِني اجلنَال غَاسِ​ِين يِكمًِ ّربقة وانئبًِ ّلمَشِل ابدوِّو احلِكم اّعِم‪:‬‬ ‫كِ اجلنَال غَاسِ​ِين عند قومه معظمًِ ومقدمًِ ‪ ،‬وقد قِم أبعمِل عسكَية يف‬ ‫فزا شنِعة ّلغِية ‪ ،‬واستطِع أ يقضي على يَكة اجلهِد يف فزا بدخوّه غِت يف (‪ 25‬فربايَ‬ ‫‪1930‬م) ‪ ،‬وكِ نصَانِ​ًِ يقوداً على اإلسالم واملسلمني ‪ ،‬ال يَقب يف مؤمن إالَ وال ذمة‪.‬‬ ‫بعد بقِئه يف ِّبِة ملدة تسع سنوات متتِِّة ‪ ،‬وبعد ايتالّه اّغِشم ّفزا ‪ُ ،‬د ِع ني إىل إيطِِّة ّتشَيفه‬ ‫وتكلِفه‪.‬‬ ‫ذكَ يف مذكَاته وداعه ّطَابلس ‪ ،‬فقِل‪(( :‬وداعًِ طَابلس أرض االمي وعذايب ‪ ،‬غري أنه تبقى يف رويي‬ ‫‪ ،‬وداخل نفسي ذكَ​َيت كل يجَ مَتفع يف جبِّك ‪ ،‬ويف صحَائك اّواسعة ‪ ،‬وّكن ّن ينطفأى أبداً‬ ‫أملي وعذايب من أجل إفَيقِة ‪ ،‬وأنت َي طَابلس ‪ ،‬ويف رومِ كِنت تنتظَين االيتفِالت اّيت يطمع كل‬ ‫جندي خملص أمني حيظى بَضِ وتصفِق اّزعِم اّدوتشي (موسلِين)‪ ...‬وقد نلت هذا ‪ ،‬وصفق اّزعِم‬ ‫وجملس األمة اإليطِيل يل يف جلسة بتِريخ (‪ 1930/3/21‬م) ‪ ،‬هذا االيتفِء وهذا اَّضِ ‪ ،‬كِ‬ ‫أعظم مكِفأة يف يِ​ِيت ‪ ،‬فلقد جددت يف نفسي يب اّعمل واّتضحِة يف سبِل اّواجب اّكبري اّذي‬ ‫ينتظَين يف ِّبِة جبسم متعب يف األعمِل اّيت حتملهِ يف املِضي ‪ ،‬وّكن ابَّوح واّقلب احلَيص‬


‫واحلِضَ ّلعمل‪ ...‬وبعد أ استلمت اّتعلِمِت اّعلِ​ِ سِفَت على اّسفِنة إىل بَقة‪ ...‬ويوم‬ ‫(‪ 1930/3/27‬م) وصلت بنغِزي اّيت غِدرهتِ سنة (‪ 1914‬م) خالل احلَب اّعِملِة األوىل ‪ ،‬وكِنت‬ ‫رتبيت مالزم أول يف اجلِش اإليطِيل))‪.‬‬ ‫إ اّتعلِمِت اّيت صدرت عن رغبة اّدوتشي ‪ ،‬وقسمت ونظمت من قبل صِيب اّسِ​ِدة دي بونو‬ ‫(واّفَيق) املِريشِل ابدوِّو ‪ ،‬بِتوا فِهِ تصمِم احلكومة اّفِشستِة اّقضِء املربم على احلَكة اّوطنِة‬ ‫(اّثورة) مهمِ كلف ذّك ‪ ،‬وبكل اّطَق واّوسِئل ؛ إلهنِء اّقضِة اّربقِوية[(‪.])238‬‬ ‫واّتعلِمِت هي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ تصفِة يقِقِة ّكل اّعالقِت بني اخلِضعني وغري اخلِضعني من اّثوار ‪ ،‬سواء يف قِعدة اّعالقِت‬ ‫اّشخصِة أو األعمِل واحلَكِت اّتجِرية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ إعطِء اخلِضعني أمنًِ وَمِية وّكن مَاقبة ّكل نشِطِهتم‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ عزل اخلِضعني عن أي أتثري سنوسي ‪ ،‬ومنع أي كِئن منعًِ اباتً من قبض أي مبِّغ من األعشِر‬ ‫واّزكِة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ مَاقبة مستمَة ودقِقة يف األسواق وقفل احلدود املصَية بكل صَامة ؛ حبِث َتنع أي حمِوّة َتوين‬ ‫ّقوافل اّعدو (أي‪ :‬اجملِهدين)‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ تنقِة األوسِط احمللِة اّيت توجد هبِ عنِصَ تدعي اّوطنِة ابتداءً ابملد اّكبرية وخِصة بنغِزي‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ تعِني عنِصَ غري نظِمِة من اّطَابلسِني ّكي يكونوا قوة مضِدة ّلمجِهدين ‪ ،‬وتعىن بتطهري‬ ‫اإلقلِم من كل َتَد أو ثورة‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ يَكة دقِقة وخفِة ّكل قواتنِ (اّطلِ​ِ ) املسلحة يف املنطقة خللق جو مذبذب ضد كل (األدوار) ‪،‬‬ ‫واملعسكَات ‪ ،‬واّضغط علِهِ يىت تتكبد اخلسِئَ ‪ ،‬وتشعَ أب قواتنِ موجودة دائمًِ ويف كل مكِ‬ ‫مستعدة ّلهجوم‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ االجتِه اّسَيع ّاليتالل اّكِمل ّكل أراضي مستعمَة اّكفَة[(‪.])239‬‬ ‫هذا هو جَزار ِّبِة غَاسِ​ِين اّذي جِء حممالً ّتنفِذ األوامَ اّسِّفة اّذكَ من أسِ​ِده يف رومِ‬ ‫اّكِثوِّكِة اّفِشستِة املِكِ​ِفلِة‪.‬‬ ‫ومنذ عودة غَاسِ​ِين إىل بنغِزي ‪ ،‬بدأ انئب اّوايل اجلديد يضع هذا اّربانمج موضع اّتنفِذ من غري‬ ‫إبطِء ؛ معلنًِ أنه سوف‪(( :‬يتبع بكل إخالص تعِِّم اّدوّة اّفِشستِة ويسري على مبِدئهِ ‪ ،‬ألنه وإ‬


‫كِ قِئداً من قواد اجلِش وأيد اَّجِل اّعسكَيني إال أنه يدين مببِدأى فِشستِة حمضة ‪ ،‬ويعلن هذه‬ ‫احلقِقة بكل وضوح وصَاية اتمة))[(‪.])240‬‬ ‫كِ اجلنَال غَاسِ​ِين معَوفًِ ابّعجَفة واّطِش ‪ ،‬وابجلربوت اّومهي ‪ ،‬وكِ أول عمل قِم به يف اّدوائَ‬ ‫املدنِة بعد وصوّه هو استبدال املوظفني اإليطِِّني ابخَين ؛ ممَن يتمتعو بثقته عندمِ كِ يعمل يف‬ ‫طَابلس ‪ ،‬كمِ جِء بقِئد جديد‬ ‫ّلكَبنري (اّضِبطِة) هو اّكوّونِل كِسرتيوات ‪ ،‬وابجلنَال انزي ِّكو مسِعده األول يف اّقِ​ِدة‬ ‫اّعسكَية ‪ ،‬واستعِ بعصِبة من املدنِني قد أخذوا ينفذو أهدافه اّشَيَة وأفكِره اّشِذة بكل اّوسِئل‬ ‫‪ ،‬ومن هذه اّعصِبة اّكمندتور مورييت (اّسكَتري اّعِم) ‪ ،‬اّكمندتور أجِدي متصَف ّواء بنغِزي ‪ ،‬مث‬ ‫بدأ زَيرته ّلمنِطق اخلِضعة ّنفوذ إيطِِّة ‪ ،‬وكِنت اّسلطِت جتمع الستقبِّه مجِع األهِيل مبِ يف ذّك‬ ‫اّنسِء واألطفِل واّعجزة ‪ ،‬فِخطب فِهم متوعداً ومهدداً[(‪ ، ])241‬وكِ يستفتح خطِابته اّطِئشة‬ ‫بقوّه‪(( :‬صموا أفواهكم ‪ ،‬افتحوا اذانكم)) ِّلقي اَّعب يف نفوس املستضعفني اّذين استسلموا‬ ‫وخضعوا إليطِِّة ‪ ،‬وكِ قد أّقى كلمة هتديدية يف مجوع يشدهتِ اّسلطِت يف موقع (اّربيقة) استهلهِ‬ ‫بقوّه‪:‬‬ ‫((مِ ِ‬ ‫أنت إال مثل سِجِرة موقودة من اجلِنبني تلتهمهِ اّنِر من هنِ ومن هنِك يىت تصبح رمِداً ‪ ،‬وهِ‬ ‫هو ذا أان أوّع اّسِجِرة من جِنيب ‪ ،‬ويوقدهِ عمَ املختِر من جِنبه يىت يؤتى علِكم))[(‪.])242‬‬ ‫وقِل يف خطِب أّقِه من شَفة قصَه يف بنغِزي‪(( :‬حتت يدي وتصَيف ابخَة تقف يف املِنِء ‪ ،‬وأبقل‬ ‫إشِرة مين تنقل كل من أرى من اّصواب نقله إىل إيطِِّة ‪ ،‬وهذا أخف مِ نعِقب به))[(‪.])243‬‬ ‫ويف خطِب هتديدي اخَ قِل‪(( :‬عندي ّكم ثالث يِالت‪ :‬اّبِخَة املوجودة يف املِنِء ‪ ،‬وأربعة أمتِر‬ ‫فوق األرض ـ مشرياً إىل أعمدة املشنقة ـ ‪ ،‬ورصِص بنِدق جندان ـ مشرياً إىل اّقتل رمِ​ًِ‬ ‫ابَّصِص))[(‪.])244‬‬ ‫ّقد قِم غَاسِ​ِين ويكومته حبشد اجملهودات اّضخمة ّلقضِء على عمَ املختِر ابّصورة اّيت كلفت‬ ‫اخلزانة اإليطِِّة يف سنة وايدة مِ ال يقل عن اّنفقِت اّيت تتكبدهِ دوّة عظِمة جملِهبة دوّة َتِثلهِ يف‬ ‫عدة سنوات‪.‬‬ ‫فقد قِل اّسنِور فِتِيت وكِل وزارة اخلِرجِة يف يديث ّه مع مسِية مفيت‬


‫فلسطني األكرب األستِذ حممد أمني احلسِين رئِس اهلِئة اّعَبِة اّعلِ​ِ ّفلسطني ‪ ،‬وقد أورد مسِيته هذا‬ ‫احلديث يف مذكَاته اّيت أخذت تنشَهِ جَيدة أخبِر اِّوم ‪ ،‬قِل وكِل وزارة اخلِرجِة املذكور‪ :‬يقًِ إ‬ ‫مِ وقع يف ِّبِة سبب ّنِ متِعب كثرية ‪ ،‬فعندمِ كِنت اّسِ​ِسة اإليطِِّة تتأثَ​َ يف املِضي كثرياً‬ ‫ابّسِ​ِسة اّربيطِنِة قبل عهد اّفِشِست ‪ ،‬خدعتنِ إنكلرتة وفَنسة فِستوّت على أغىن وأغلى أقطِر‬ ‫إفَيقِة ‪ ،‬وأغَتنِ ابقتحِم ِّبِة عِم (‪ 1911‬م) ‪ ،‬فلم جن ِن فِهِ رغم اجلهود املضنِة واخلسِئَ اّفِدية يف‬ ‫األنفس واألموال غري اَّصِص واَّمِل ‪ ،‬ومل جن ِن من ذّك إال بغض اّعَب ومقت املسلمني‬ ‫ّنِ[(‪.])245‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬احملكمة اّطِئَة‪:‬‬

‫مل ميض على وصول غَاسِ​ِين سوى أَيم قالئل يىت أنشأ مِ عَف يف اتريخ االستعمِر اإليطِيل األسود‬ ‫ابسم احملكمة اّطِئَة (أبَيل ‪ 1930‬م) ‪ ،‬كِنت تلك احملكمة تقطع اّبالد على متو اّطِ​ِرات ‪،‬‬ ‫وحتكم على األهِيل ابملوت ومصِدرة األمالك ألقل شبهة ‪ ،‬وَتنحهِ ّلمَتزقة اّفِشست ‪ ،‬وكِنت تلك‬ ‫احملِكم تنعقد بصورة سَيعة ‪ ،‬وتصدر أيكِمهِ وتنفذ يف دقِئق وحبضور احملكمة نفسهِ ّتتأكد من‬ ‫اّتنفِذ قبل أ تغِدر املوقع اّذي انعقدت فِه ‪ّ ،‬تنعقد يف نفس اِّوم مبوقع اخَ ‪ ،‬وفتحت أبواب‬ ‫اّسجو يف كل مدينة وقَية بربقة ‪ ،‬وانتزعت األموال من املسلمني دو مربر ‪ ،‬ونصبت أعواد املشِنق‬ ‫يف كل من اّعقِلة ‪ ،‬وإجدابِة ‪ ،‬وبنغِزي ‪ ،‬وسلوق ‪ ،‬واملَج ‪ ،‬وشحِت ‪ ،‬ودرنة ‪ ،‬وعني اّغزاّة ‪ ،‬وطربق‬ ‫‪ ،‬وألتفه شبهة وأقل فَية يصدر يكم اإلعدام وينفذ يف يِنه شنقًِ أو رمِ​ًِ ابَّصِص ‪ ،‬وكِ ممَن قتل‬ ‫شنقًِ أو رمِ​ًِ ابَّصِص يف مدة ال تزيد عن شهَين من استالم غَاسِ​ِين مقِِّد احلكم يف بَقة‪ :‬املشِيخ‬ ‫حبِح اّصبحي ‪ ،‬علي بويس اّعَيب وابنه عبد ربه بوموصِخ ‪ ،‬خري هللا هلِل ‪ ،‬حممد يونس بوقِدم ‪،‬‬ ‫علي َمِد أبو ضفرية ‪ ،‬اثنِ من قبِلة سعِد أشقِء َمد اَّقِق ‪ ،‬وهؤالء من منطقة إجدابِة ‪ ،‬مث حممد‬ ‫احلداد وابنه بنغِزي ‪ ،‬وعبد اّسالم حمبوب من اإلخوا اّسنوسِني ‪ ،‬سلِمِ سعِد اّعَيف (املَج) ‪،‬‬ ‫ومخسة عشَ شخصًِ بِنهم اّشِخ سعِد اَّفِدي (عني اّغزاّة) ‪ ،‬وغريهم كثري[(‪.])246‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬عزل اجملِهدين ووضع اّقبِئل يف معسكَات االعتقِل اجلمِعِة‪:‬‬ ‫بدأ غَاسِ​ِين ينفذ سِ​ِسة عزل األهِيل اخلِضعني عن اجملِهدين ‪ ،‬وشَع يف مجع اإلخوا اّسنوسِني من‬ ‫شِوخ اّزواَي وأئمة املسِجد ومعلمي اّقَا هبِ مع ذويهم مجِعًِ ‪ ،‬وكل من تَبطه أبيد هؤالء أي صلة‬ ‫‪ ،‬وكذّك مبشِيخ وأعِ​ِ اّقبِئل ‪ ،‬وبكل من يَبطه أي نوع من أنواع اّصالت أبيد اجملِهدين أو‬


‫املهِجَين ‪ ،‬جيء هبذه اجملموعِت يسِقو إىل مَاكز اّتعذيب مث إىل اّسجو ‪ ،‬ومل يشفع يف أيدهم‬ ‫سن اّشِخوخة اّطِعنة ‪ ،‬أو اّطفوّة اّربيئة أو املَض املقعد ‪ ،‬أو اّضَر املالزم ‪ ،‬وأنشئت معتقالت‬ ‫جديدة يف بنِنة ‪ ،‬واَّمجة ‪ ،‬وبَج توبلِك ‪ ،‬وخصص غَاسِ​ِين مواقع اّعقِلة واّربيقة من صحَاء غَب‬ ‫بَقة اّبِضِء ‪ ،‬واملقَو وسلوق يف أواسط بَقة احلمَاء ؛ ّتكو مواقع االعتقِل واّنفي واّتشَيد‬ ‫واّتعذيب جلمِع سكِ منطقيت اجلبل األخضَ واّبطنِ بصورة مجِعِة ‪ ،‬وبغري سكِ هذين املنطقتني‬ ‫ممن حتوم يوهلم أي شبهة أو تلفق ضدهم أقل فَية ‪ ،‬وأمَ بنقل قبِئل هِتني املنطقتني املذكورتني إىل‬ ‫هذه املعتقالت اخلِصة هبم (مثِنني أّفًِ) ‪ ،‬ومِ هي يف احلقِقة إال مقِبَ يدفن فِهِ األيِ​ِء وأداً ‪،‬‬ ‫فخصص معتقل اّعقِلة واّربيقة ّقبِئل اّعبِدات واملنفِ ‪ ،‬واّقطعِ ‪ ،‬واّشواعَ ‪ ،‬واملسِمري‪ ...‬وّبعض‬ ‫عِئالت اإلخوا اّسنوسِني مبِ يف ذّك سكِ اجلغبوب ‪ ،‬وّبعض من سكِ مدينيت بنغِزي ودرنة ‪،‬‬ ‫وأسند يكم هذين املعتقلني ملمثلي اّظلم واجلربوت واّويشِة اّفظِعة ؛ ّكل من كسوين ‪ ،‬وابريال (غري‬ ‫ابريال متصَف املَج)‪.‬‬ ‫وخصص معتقلني املقَو وسلوق ّكل من قبِئل اّرباعصة واّدرسِ واّعَفِ واّعبِد وأابعهم ‪ ،‬وشطَ كبري‬ ‫من عِئالت اإلخوا اّسنوسِني اّذين سبق أ أبعد غَاسِ​ِين رجِالهتم إىل إيطِِّة ‪ ،‬أو فَقهم بني‬ ‫اّسجو املختلفة ‪ ،‬جيء هبذه اّقبِئل اّيت بلغ تعدادهِ اّثمِنني أّف نسمة يسِقو زمَاً إىل املعتقالت‬ ‫املذكورة ‪ ،‬فمنهم من جِءهِ عن طَيق اّبحَ ؛ يِث يشَوا ابملَاكب يشَاً ‪ ،‬ومنهم من جِءهِ عن‬ ‫طَيق اّرب بعد أ أتت إيطِِّة على مجِع املنقوالت يَقًِ ابّنِر ‪ ،‬كمِ أيَقت‬ ‫اّزراعة وحمصوالهتِ ‪ ،‬وأهلكت احلِواانت فِمِ عدا مِ استعملته ّلنقل ‪ ،‬وأيِط اّقسم املسِق عن طَيق‬ ‫اّرب جبنود من اّصومِِّني واإلريرتيني ِّتعقبوا كل من يتخلف من املسِقني إىل يتفهم ‪ ،‬ويَمي املتخلف‬ ‫ابَّصِص ‪ ،‬وكِ اَّامي غري مسؤول عن عمله هذا ‪ ،‬وأصبحت مجِع منِطق اجلبل واّبطنِ هالكًِ‬ ‫تلعب فِه اَّ​َيح[(‪.])247‬‬ ‫ّقد أراد غَاسِ​ِين االنتقِم من اّقبِئل اّيت أثبتت األَيم أهنِ نعم اّعو ّلمجِهدين بعد هللا ‪ ،‬فجمع‬ ‫اّنواجع املنتشَة يف منطقة اجلبل األخضَ يف أمِكن أيِطهِ ابألسالك ‪ ،‬ويدث يف تلك املعتقالت‬ ‫اجلمِعِة مِ مل يصدقه بشَ ‪ ،‬وال خطَ على ابل إنسِ يعقل ‪ّ ،‬قد اشتدت احملنة واعتدى اإليطِِّو‬ ‫على األبدا واألموال واألعَاض يف تلك املعتقالت ‪ ،‬وّقد قِم اّبِيث يوسف سِمل اّربغثي بدراسة‬


‫متمِزة مسِهِ (املعتقالت واألضَار اّنِمجة عن اّغزو اإليطِيل) ‪ ،‬وذكَ فِهِ تفصِالً حمزانً ‪ ،‬وواثئق‬ ‫اترخيِة من أفواه من عِش تلك املَيلة اّعصِبة اّيت مَ هبِ شعبنِ املظلوم[(‪.])248‬‬ ‫ّقد وصف مَاسل جَيدة أملِنِة زار معسكَات املوت اّيت مجع فِهِ غَاسِ​ِين أكثَ من ‪ 80‬أّف نسمة‬ ‫‪ ،‬فقِل‪ :‬إ االنتقِدات اّيت يوجههِ اال اّفَنسِو واإلنكلِز إىل خطة اّفِشِست يف بَقة ‪ ،‬موجهة‬ ‫يف اّدرجة األوىل إىل اّتدابري اّيت اختذهِ اجلنَال غَاسِ​ِين إلجالء ‪ 80‬أّف بدوي عن أراضِهم ‪ ،‬دو‬ ‫أ يَاعوا يِّة هؤالء اّبدو اَّويِة ‪ ،‬أو ياليظوا أتثري مثل هذا اّقِد واحلصِر فِهم ‪ ،‬وال جيوز أليد‬ ‫أ خيَج من نطِق احلصِر إال يف اّنهِر ‪ ،‬بشَط أ يَجع إىل مكِنه قبل أ خيِم اّظالم ‪ ،‬وكل وايد‬ ‫من رؤسِء اّقبِئل مسؤول عن أتبِعه فَداً فَداً‪.‬‬

‫كل تصور ‪ ،‬فإ معدل األموات من األطفِل يبلغ ‪%90‬‬ ‫جيب أ نقول‪ :‬إ احلِّة اّسِئة ّلغِية تفوق َ‬ ‫‪ ،‬وأمَاض اّعِو اّيت ينتهي أكثَهِ ابّعمى كثرية جداً ومنتشَة ‪ ،‬ويكِد ال ينجو أيد من األمَاض ‪،‬‬ ‫أمِ غذاء هؤالء املسِكني فِأليسن أ ال نتكلم عنه ابملَة ‪ ،‬ومن اّطبِعي أ نَى هؤالء يتأَّمو أشد‬ ‫األمل ‪ ،‬ويف اّدرجة األوىل‬ ‫من هذه األسالك اّشِئكة ‪ ،‬رمز األسَ ‪ ،‬ورغم تالصق اخلِ​ِم ‪ ،‬وشدة تقِرهبِ ببعضهِ ‪ ،‬فإ يصَهِ‬ ‫ضمن أسالك شِئكة ‪ ،‬جيب أ نعتربه من املتنِقضِت اّغَيبة اّيت ال يتصورهِ اّعقل[(‪.])249‬‬ ‫إ مِ ارتكب يف اّعقِلة واّربيقة وغريهِ من املعتقالت من جَائم جعل املنِضلني يف اّعِمل يصَخو‬ ‫وينددو ابالستعمِر اّفِشِسيت يف ِّبِة ‪ ،‬فقِل عبد اَّ​َمن عزام يصف يِّة املعتقلني ‪ ،‬ويلفت‬ ‫األنظِر إِّهم‪(( :‬يبحثو عن أخبِر األندّس ‪ ،‬وكِف أجَم اإلسبِنِو ابملسلمني هنِك ‪ ،‬ومِ هلم‬ ‫واألندّس واألمور اّيت جَت يف اّقَو اّوسطى؟! فأمِم أعِنهم طَابلس اّغَب ؛ فلِذهبوا ويشِهدوا‬ ‫أبعِنهم يف هذه األَيم فضِئح ال تقل عمِ جَى ابألندّس))[(‪.])250‬‬ ‫وعرب غَاسِ​ِين نفسه عن املأسِة اّيت كِنت أكرب من قلبه اّقِسي ‪ ،‬فقِل‪ّ(( :‬قد نتج عن هذا كله أ‬ ‫َ‬ ‫أكثَ اّنِس هِجَت ونزيت إىل مصَ وتونس واّسودا ‪ ،‬اتركة وراءهِ أهلهِ وذويهِ‪ ...‬فإين يِسبت‬ ‫نفسي وضمريي‪ ..‬األمَ اّذي جعلين مل أمن هِدائً أكثَ اّلِ​ِيل))[(‪ .])251‬ويقول ـ مربراً جَائمه اّبشعة‬ ‫ـ‪(( :‬ال نستطِع إنشِء يِضَ جديد إذا مل نقض على املِضي اّقدمي))[(‪.])252‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬عمَ املختِر يغري اسرتاتِجِة احلَب‪:‬‬


‫كِنت معسكَات اجملِهدين قَيبة من نواجع األهِيل ‪ ،‬يىت يسهل على املختِر وصحبه أخذ اّعشور ‪،‬‬ ‫تغري ِ‬ ‫ت خطة‬ ‫واحلصول على اّذخِئَ واألسلحة واملؤ ‪ ،‬وّكن بعد يشَ اّقبِئل يف املعتقالت اجلمِعِة َ‬ ‫عمَ املختِر ‪ ،‬وطور أسِِّبه اّقتِِّة ملِ يتمِشى مع املَيلة ‪ ،‬واعتمد على عنصَ املبِغتة ‪ ،‬وركن إىل‬ ‫مفِجأة اّقوات اإليطِِّة بعد كشفهِ واالستطالع علِهِ يف أمِكن متفَقة[(‪.])253‬‬ ‫يقول غَاسِ​ِين‪(( :‬ابَّغم من إبعِد اّنواجع واّسكِ اخلِضعني حلكمنِ ؛ يستمَ‬ ‫عمَ املختِر يف املقِومة بشدة وياليق قواتنِ يف كل مكِ ))[(‪.])254‬‬ ‫وقِل عنه أيضًِ‪(( :‬عمَ املختِر قبل كل شيء مل يسلم أبداً ؛ أل طَيقته يف اّقتِل ِّست كِّقِدة‬ ‫االخَين ؛ فهو بطل يف إفسِد اخلطط وسَعة اّتنقل ؛ حبِث ال ميكن حتديد موقعه ّتسديد اّضَابت ّه‬ ‫وجلنوده ‪ ،‬أمِ غريه من اَّؤسِء ؛ فإهنم أسَع من اّربق عند اخلطَ ‪ ،‬فِهَبو إىل اّقطَ املصَي اتركني‬ ‫جنودهم على كفة اّقدر معَضني خلطَ اّفنِء ‪ ،‬عمَ املختِر عكس هذا ؛ فهو يكِفح إىل أبعد يد‬ ‫ّدرجة اّعجز ‪ ،‬مث ِ‬ ‫يغري خطته ويسعى دائمًِ ّلحصول على أي تقدم مهمِ كِ ضئِالً ؛ حبِث يتمكن‬ ‫من رفع اَّوح اّعسكَية مِدَيً ومعنوَيً ‪ ،‬يىت يقضي هللا أمَاً كِ مفعوالً ‪ ،‬وهنِ يسلِم أمَه هلل كمسلم‬ ‫خملص ّدينه))[(‪.])255‬‬ ‫اّتف اجملِهدو يوّه اّتفِف اّسوار ابملعصم ‪،‬‬ ‫كِ عمَ املختِر قطبًِ تدور علِه ريى األعمِل ‪ ،‬و َ‬ ‫واستمَ اّعمل بقِ​ِدته ومسِعدة معِونِه كِوسف بوريِل ‪ ،‬واّفضِل بو عمَ ‪ ،‬وعصمِ اّشِمي ‪،‬‬ ‫وعوض اّعبِدي ‪ ،‬وعِسى اّوكواك اّعَيف ‪ ،‬وعبد هللا بو سلوم ‪ ،‬وعبد احلمِد اّعبِر ‪ ،‬وكِنت مواقف‬ ‫عمَ املختِر تدل على شخصِته اّقِ​ِدية اّبِرعة يف أيلك اّظَوف وأثنِء احملن ‪ ،‬ففي أيد األَيم‬ ‫وعقب انتقِم اإليطِِّني من أيد املنتجعِت اّيت كِنت تقدم مسِعدات ّلمجِهدين ؛ تقدَم بعض‬ ‫زعمِء اّقبِئل ابيتجِج إىل عمَ املختِر وطلبوا منه؛ إمِ أ يسلم إىل اإليطِِّني ‪ ،‬أو أ يَيل عن‬ ‫مواطنهم ‪ ،‬أو أهنم سوف حيِربونه ّكي يتجنبوا انتقِم اإليطِِّني ‪ ،‬وعلى إثَ تسلم هذا اإلنذار دعِ‬ ‫عمَ املختِر إىل عقد اجتمِع يف منطقة قصَ اجملِهري ‪ ،‬وقد سِد هذا اّلقِء يِّة من اّتوتَ وشدة يف‬ ‫اّنقِش يف حمِوّة ّتجنب يَب أهلِة بني اجملِهدين واّلِبِني اّواقعني يف املنِطق اخلِضعة ّاليتالل ‪،‬‬ ‫فَأى بعض اجملِهدين جتنبًِ هلذا اّوضع احلَج أ يهِجَوا إىل مصَ ّكي ال يتعَض األهِيل إىل االنتقِم‬ ‫‪ ،‬وبعد يوار طويل أظهَ املختِر مصحفه وأقسم علِه أبنه ّن يتوقف عن جمِهدة اإليطِِّني ‪ ،‬وأنه ّن‬


‫يرتك اجلبل األخضَ يىت يتحقق اّنصَ أو اّشهِدة ‪ ،‬ويف نفس اّوقت أعلن ّلمجِهدين‪ :‬أنه من يَيد‬ ‫اهلجَة‬ ‫إىل مصَ فله مطلق احلَية يف اّسفَ ‪ ،‬أو اّتسلِم ّإليطِِّني ‪ ،‬وعندمِ رأى اجملِهدو موقف قِئدهم‬ ‫ض االجتمِع عن ويدة صف اجملِهدين[(‪.])256‬‬ ‫عدّوا عن رأيهم وأطِعوه ‪ ،‬وانف َ‬ ‫استمَ غَاسِ​ِين يف تدابريه اّعسكَية ‪ ،‬فلم ِ‬ ‫أيت يوم ‪ 14‬يونِو يىت كِ اّطلِ​ِ قد استوّوا على منطقة‬ ‫اّفِيدية أبمجعهِ ‪ ،‬وايتلوهِ ونزعوا من األهِيل اخلِضعني هلم (‪ )3175‬بندقِة ‪ ،‬و(‪)00060‬‬ ‫خَطوش‪.‬‬ ‫نقل عمَ املختِر دائَة عملِ​ِته إىل اّنِيِة اّشَقِة يف اّدفنِ نظَاً ّقَهبِ من احلدود املصَية ‪ ،‬وذّك يىت‬ ‫يتمكن من إرسِل املواشي اّيت أيتِه هبِ األهِيل إىل األسواق املصَية يف نظري أخذ يِجته من هذه‬ ‫األسواق ‪ ،‬ممِ جعل غَاسِ​ِين يقَر إقِمة األسالك اّشِئكة على طول احلدود اّشَقِة ‪ ،‬قِل‪ ... :‬إ‬ ‫اطمأ على خطوط َتوينه اّبعِدة أصدر أمَه إىل قواته املوزعة يف كل مكِ أال تزعج بعد اال اّلِبِني‬ ‫اخلِضعني ّسلطِتنِ ‪ ،‬يىت ال يكونوا ساليًِ اخَ ضده ‪ ،‬وأال يغضبوا من يَكته ‪ ،‬وهكذا يصبح أمِم‬ ‫ضمريه أبنه مسلم يقِقي ‪ ،‬ونضِف أ مد األسالك اّشِئكة املكهَبة على يدود مصَ كِدت أ‬ ‫تنتهي ‪ ،‬وستضِق اخلنِق علِه تدرجيِ​ًِ يىت يقع يف اّفخ اّذي سننصبه ّه ‪ ،‬إ مصَ هي املأوى االمن‬ ‫ّعدد كبري من االالف املؤّفة من اّربقِويني اّذين ينتمو إىل ّقبِئل اّعمِمة ‪ ،‬واّيت هلِ إمكِانهتِ اّبشَية‬ ‫واملِدية‪ ،‬وكذّك هلِ اّتأثري اّكبري على كثري من اّنفوس اّيت يسهل جتنِدهِ وتوجِههِ حنو اّقتِل ‪،‬‬ ‫مقتنعني أبهنم يدافعو عن اّدين اإلسالمي وعن كِ​ِهنم ‪ ،‬معتربين أننِ مغتصبو ومعتدو على‬ ‫يقوقهم‪ ...‬هؤالء اخلِرجو عن اّقِنو ـ ومن بِنهم أعداؤان ـ يكونو املخِز اّثِنِة ّتمويل اّثورة‬ ‫ابألسلحة واملؤ واَّجِل ّكل األدوار ‪ ،‬رغم كل االيتِ​ِطِت اّيت اختذهتِ سلطِتنِ احلِكمة ‪ ،‬زد على‬ ‫ذّك األموال اّيت جتمع من جلِ اّتربعِت من األقطِر اّعَبِة ملسِعدة اّثوار اّقِئمني ابحلَب املقدسة‬ ‫فوق اجلبل األخضَ يف بَقة ‪ ،‬ويىت إ اختذان كل االيتِ​ِطِت ضد اخلِضعني ّسلطِتنِ وإبعِدهم ‪،‬‬ ‫فِّثوار ال يزاّو أقوَيء يهِمجوننِ يف كل مكِ [(‪.])257‬‬

‫عزم غَاسِ​ِين على مد األسالك اّشِئكة يف احلدود اّلِبِة املصَية املصطنعة من قبل االستعمِر مِ يزيد‬ ‫على ‪ 300‬كم من اّبحَ املتوسط إىل مِ بعد اجلغبوب ‪،‬وقد كلف اّدوّة اإليطِِّة عشَين ملِو فَنك‬ ‫إيطِيل ‪ ،‬وقد يقق هلم ذّك اّعمل أموراً عدة ؛ ذكَهِ غَاسِ​ِين يف كتِبه ؛ منهِ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ قضى على اّثوار‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ قضى على اّتهَيب ‪ ،‬وأصبح دخل اّدوّة اإليطِِّة يف ازدَيد من انيِة اّضَائب اجلمَكِة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ قضى على يَكة اإلمدادات اّيت كِنت أتيت ّلثوار اجملِهدين من مصَ عن طَيق‬ ‫املهِجَين[(‪.])258‬‬ ‫سِبعًِ‪ :‬استشهِد اّفضِل بو عمَ‪:‬‬ ‫استمَت املعِرك بني اإليطِِّني واجملِهدين ‪ ،‬ومن أشهَ تلك املعِرك (كَسة) اّيت وقعت يف يوم ‪20‬‬ ‫ديسمرب ‪ ،‬وقد استشهد يف هذه املعَكة اّسِعد األمين ّعمَ املختِر اّشِخ اجللِل واجملِهد اّفذ اّفضِل‬ ‫بو عمَ اّذي شِرك يف مسرية اجلهِد منذ دخول اّغزو اإليطِيل يف (‪ 1911‬م) ‪ ،‬وشهد ّه ابّشجِعة‬ ‫واإلخالص يف جهِده ‪ ،‬وقد ذكَ عمَ املختِر تفِصِل هذه املعَكة يف رسِّة ّه ؛ جِء فِهِ‪ :‬أ اّعدو‬ ‫هِجم املعسكَ ‪ ،‬وكِ رئِسه اّسِد فضِل بو عمَ ‪ ،‬وقد استشهد يف هذه املعَكة إىل جِنب اّفضِل‬ ‫أربعو شهِداً ‪ ،‬وقد وجدان يف مِدا اّقتِل مِ يزيد عن ‪ 500‬من اّعدو وبِنهم مِجور وثالثة ضبِط‬ ‫‪ ،‬وشدد اّطلِ​ِ عملِ​ِهتم اّعسكَية يف منطقة اجلبل األخضَ بعد هذه اّواقعة ‪ ،‬واستمَت مجوعهم‬ ‫تنِوش اجملِهدين مدة أسبوعني ‪ ،‬وّكن دو اّوصول إىل نتِجة‪.‬‬ ‫ويف أكتوبَ (‪ 1930‬م) َتكن اّطلِ​ِ من االشتبِك مع اجملِهدين يف معَكة كبرية ‪ ،‬عثَ اّطلِ​ِ عقب‬ ‫انتهِئهِ على (نظِرات) اّسِد املختِر ‪ ،‬كمِ عثَوا على جواده املعَوف جمندالً يف مِدا املعَكة ‪ ،‬فثبت‬ ‫هلم أ املختِر مِ زال على قِد احلِ​ِة ‪ ،‬وأصدر غَاسِ​ِين منشوراً ضمنه هذا احلِدث ؛ يِول فِه أ‬ ‫يقضي على‬ ‫(أسطورة املختِر اّذي ال يقهَ أبداً) ‪ ،‬وقِل متوعداً‪ّ(( :‬قد أخذان اِّوم نظِرات املختِر ‪ ،‬وغداً أنيت‬ ‫بَأسه))[(‪.])259‬‬ ‫ومع شدة قبضة االستعمِر اإليطِيل على املد ‪ ،‬إال أ ذّك مل مينع األهِيل من اّقِ​ِم بواجبهم املقدس‬ ‫‪ ،‬واستطِعت املخِبَات اإليطِِّة أ تقبض على عدد من اّلِبِني اّذين يزودو يَكة اجلهِد ابملؤ‬ ‫واملعلومِت ‪ ،‬ومت إعدامهم ‪ ،‬وقد ذكَ غَاسِ​ِين بعض األشخِص يف كتِبه ‪ ،‬فقِل‪ :‬وهنِ أعَض بعض‬ ‫األيوال اهلِمة ّبعض األشخِص اّلِبِني اّذين نفذت فِهم احملكمة اخلِصة يكم اإلعدام يف ‪ 14‬يونِو‬ ‫(‪ 1930‬م)‪ :‬عقدت احملكمة اخلِصة يف شحِت حملِكمة املواطن َمد بو عبد ربه اّدرسي يف املِدا‬ ‫اّعِم ‪ ،‬ابعتبِره خِئنًِ ّلدوّة اإليطِِّة ‪ ،‬ألنه كِ شِخًِ ّبِت من بِوت قبِلته اّدرسة ‪ ،‬وكِ حمرتمًِ‬


‫من سلطِتنِ ‪ ،‬وّكن اتضح ّدى قسم املخِبَات أنه يتعِو مع اّثوار يف إمدادهم ابملؤ واّسالح ‪،‬‬ ‫وكِنت خمِمِته تعترب شبه اسرتاية جلنود اّثوار (اجملِهدين) ‪ ،‬وعدد هذه اخلِ​ِم يزيد عن عشَين خِمة‬ ‫مبنطقة (قصَ بن قدين) املكِ اّذي يتزود منه اّثوار ابملؤ واّسالح ‪ ،‬وقد يكم علِه ابإلعدام رمِ​ًِ‬ ‫ابَّصِص يف املِدا بشحِت وأمِم اجلمِهري ‪ ،‬وبعد أسبوع من هذا احلِدث يصلت يَكة انتقِمِة من‬ ‫اّثوار (اجملِهدين) ‪ ،‬هجموا على نفس املِدا ‪ ،‬ويف وضح اّنهِر قتل فِه عدد كبري من جنودان‪...‬‬ ‫وكذّك اتجَ من جتِر املنطقة‪.‬‬ ‫ويف شهَ سبتمرب (‪ 1930‬م) اكتشفت قوة األمن مبنطقة اّربكة ببنغِزي أ املواطن حممد احلداد أيد‬ ‫أعِ​ِ بنغِزي ومن جتِرهِ يتعِو مع اّثوار ‪ ،‬وعن طَيقه تتم يَكة اإلمدادات من املؤ واألسلحة ‪،‬‬ ‫وكِ يستضِف يف بِته اّثوار وميدهم مبِ يلزمهم ‪ ،‬ويف اّوقت واحلني يضَت احملكمة اخلِصة ‪،‬‬ ‫ويكمت على األب واالبن ابإلعدام شنقًِ أمِم اجلمِهري اّيت أرادت اّسلطِت اإليطِِّة إيضِرهم‬ ‫خصِصًِ ملشِهدة تنفِذ احلكم ‪ ،‬وهذا مثِل اخَ‪ :‬سلِمِ سِد شِخ قبِلة اّطَش ‪ ،‬كِ عضواً يف‬ ‫جملس اّنواب ‪ ،‬يِمالً ّوسِم اّنجمة اإليطِِّة ّلمستعمَات بَتبة ضِبط ‪ ،‬وكِ يَتدي بَنوس اّشَف‬ ‫اخلِص ابّنواب اّلِبِني ‪ ،‬كنِ نعتمد على‬ ‫ارائه ‪ ،‬ومل نفكَ يف يوم من األَيم أ يكو ضدان ؛ يكمت علِه احملكمة ابإلعدام؛ ألنه كِ يستغل‬ ‫نفوذه ويتعِو مع اّثوار‪ ...‬ومن هذا اّنوع اّكثري من املشِهد اّيت ال ميكن يصَهِ ‪ ،‬وقد نفذ مع‬ ‫جميء احملكمة اّطِئَة ‪ 250‬يكمًِ ابإلعدام ‪ ،‬ونفذ فِهم احلكم يف مدة وجِزة ‪ ،‬ورغم ذّك ال زال‬ ‫اّشعب اّلِيب يتعِو مع اّثوار إىل درجة االنصِ​ِع اّتِم[(‪.])260‬‬ ‫إ هذه احلقِئق واملواقف اّتِرخيِة تشري إىل فِعلِة أهل املد يف مجع املعلومِت واألموال واملؤ‬ ‫واألسلحة ‪ ،‬وهتَيبهِ إىل قِدة يَكة اجلهِد املبِرك ‪ ،‬ويَصهم على استمَارية جذوة اجلهِد‪.‬‬ ‫ّقد وجد اإليطِِّو أنفسهم يف يَب مع شعب دفع بكِفة طِقِته حنو سِيِت اّوغى واّفداء ‪،‬‬ ‫وشِرك معظم أبنِئه بكِفة مِ ميلكو يف يَكة اجلهِد املقدس‪.‬‬ ‫اثمنًِ‪ :‬ايتالل اّكفَة‪:‬‬ ‫بعد أ استطِعت اّقوات اإليطِِّة أ تعتقل قبِئل بَقة يف معسكَات واسعة ‪ ،‬وأخذ غَاسِ​ِين يف مد‬ ‫األسالك اّشِئكة على طول اّطَيق على اّبحَ املتوسط إىل مِ بعد اجلغبوب ِّفصل بَقة عن مصَ ‪،‬‬


‫وكِ قد شَع يف مجع قواته اّضخمة من خمتلف ويدات اجلِش اإليطِيل واجلِوش امللونة من املَتزقة ‪،‬‬ ‫ومن املعدات احلَبِة اليتالل اّكفَة‪.‬‬ ‫كِنت نقِط االيتشِد هي اّعقِلة ‪ ،‬ومَادة ‪ ،‬وإجدابِة ‪ ،‬وجِّو ‪ ،‬ويشدت إيطِِّة عدداً كبرياً من‬ ‫اإلبل استعداداً ّنقل املؤ إىل جِنب سِ​ِرات اّنقل اّكثرية ‪ ،‬هذا مِ كِ عن استعداد اّقِ​ِدة اإليطِِّة‬ ‫بربقة ‪ ،‬أمِ عن اّقِ​ِدة اإليطِِّة بطَابلس فقد جهزت هي األخَى َملة ممِثلة بقِ​ِدة اّكوّونِل قِِّنِ ‪،‬‬ ‫وكِنت نقطة ارتكِز هذه احلملة واية زّة ‪ ،‬وكِنت اّقِ​ِدة اّعِمة ّلحملة املويدة تتمثل يف شخص‬ ‫اجلنَال رونكِيت ‪ ،‬حتت إشَاف اجلنَال غَاسِ​ِين مبِشَة ‪ ،‬وحتَكت اجلِوش اإليطِِّة من طَابلس وبَقة‬ ‫يف وقت وايد وبنظِم مويد تسلك طَيق اّصحَاء إىل اّكفَة ‪ ،‬وجتمعت يوم (‪ 29‬شعبِ سنة‬ ‫‪ 1349‬هـ) مبوقع اهلواري ‪ ،‬وهنِك اشتبكت قواهتم مع اجملِهدين يف أوىل املعِرك ‪ ،‬وكِنت معَكة غري‬ ‫متكِفئة ‪ ،‬وقد اشرتك قسم من‬ ‫اّطِئَات اإليطِِّة مكو من عشَين طِئَة ‪ ،‬واستمَت املعَكة ثالث سِعِت ؛ قُتل أثنِءهِ اّعدد‬ ‫اّكثري من اإليطِِّني ‪ ،‬ومن املدافعني اّذين مِ كِنوا يفكَو يف صد اّعدوا طويالً ‪ ،‬وّكنهم حيِوّو‬ ‫إيقِفه بعض اّوقت ريثمِ يتمكن من يستطِع اّفَار ِّأخذ طَيقه إىل اّسودا أو مصَ[(‪ّ ، ])261‬قد‬ ‫قِتل اجملِهدو مجِعًِ بشجِعة وبسِّة اندرة ‪ ،‬فلم يكفوا عن اّقتِل ‪ ،‬واستشهد اّعشَات ‪ ،‬ووقع يف‬ ‫أسَ اّطلِ​ِ ثالثة عشَ فقط ‪ ،‬وغنم اّطلِ​ِ مئة بندقِة ‪ ،‬وايتلوا اّكفَة ‪ ،‬وهتكوا األعَاض ‪ ،‬وفعلوا‬ ‫مِ مل يفعله إنسِ ‪.‬‬ ‫ّقد كتب غَاسِ​ِين عن اهتمِمه ابيتالل اّكفَة ‪ ،‬وعن االستعدادات اّيت اختذهتِ احلكومة اإليطِِّة‬ ‫أكثَ من ٍ‬ ‫مخس وأربعني صفحة ‪ّ ،‬قد اعرتف غَاسِ​ِين بقوة وشجِعة اجملِهدين اّذين تعَضوا ّقتِل‬ ‫اإليطِِّني عرب اّصحَاء اّكربى‪.‬‬ ‫قِل غَاسِ​ِين‪ّ :‬قد تكبدت َملتنِ خسِئَ فِدية ‪ ،‬وكنِ يَيصني على حتقِق اّنصَ أبي مثن ّكو‬ ‫قوات اجملِهدين غري متكِفئة ‪ ،‬رغم هذا كله كِنوا أشداء أقوَيء صِمدين ‪ ،‬صِبَين ال يتقهقَو أبداً ‪،‬‬ ‫يىت وّو أدى ذّك ّفنِئهم مجِعًِ ‪ ،‬مؤمنني أبهنم أصحِب يق وشجِعة[(‪.])262‬‬ ‫دوخوا إيطِِّة ‪ ،‬وكِ من بني اّقِدة‬ ‫ّقد اعرتف اّعدو هبم ‪ ،‬كِ زادهم اّتمَ واّشعري ‪ ،‬ومع ذّك َ‬ ‫اّذين أثخنوا يف األعداء عبد احلمِد بومطِري اّذي تزعَم قِ​ِدة اّزوية واملغِربة يف تلك املَيلة يف‬ ‫جهِدهِ ضد إيطِِّة ‪ ،‬وصِحل األطِوش وسِف اّنصَ اّذي قِل فِهم غَاسِ​ِين‪ّ(( :‬قد وصل سِف‬


‫اّنصَ وصِحل األطِوش إىل املنطقة ‪ ،‬وبصحبتهم اّذين هِجَوا من اّقطَ اّطَابلسي ‪ ،‬فأصبح املوضوع‬ ‫دقِقًِ وابألخص صِحل األطِوش فهو مكِبَ وشديد املَاس))[(‪.])263‬‬ ‫إ اجملِهد صِحل األطِوش من اجملِهدين اّعظِم اّذين سِمهوا يف اّذود عن يِ​ِض املسلمني ‪ّ ،‬قد‬ ‫شهد ّه عدوه غَاسِ​ِين بشدة مَاسه ‪ ،‬فله منِ اّدعِء‬ ‫ابملغفَة واَّ​َمة واَّضوا ‪ّ ،‬ه وجلمِع إخوانه اّذين سطَوا ّنِ صفحِت من اّبطوّة واَّجوّة ّلذود عن‬ ‫ديننِ اّعظِم‪.‬‬ ‫إ عِئلة ال األطِوش تعَضت ّبالء عظِم ‪ ،‬وّقد أعطى اّسنوسي األطِوش صورة يِة عن ذّك‬ ‫اّبالء اّذي كِبده اّفِرو من جحِم اّكفَة يف ذّك اّوقت‪.‬‬ ‫إ أسَة عِئلة األطِوش أسَة مشِخة أصِلة يف قبِلة املغِربة ‪ ،‬تعد منوذجًِ ملِ قِسته خمتلف اّعِئالت‬ ‫اّلِبِة اّبِرزة عرب فرتة اّكفِح اّطويل ضد اإليطِِّني ‪ ،‬فمن املعلوم أ اّكِالين األطِوش ‪ ،‬اّذي عَِنه‬ ‫اّوايل اّرتكي يف منصب اّقِئم مقِم يف اّكفَة سنة (‪ 1910‬م) تويف يف اّعِم اّتِيل مبِشَة وهو يف‬ ‫طَيقه إىل جِّو ّالّتحِق بقوات املقِومة اّرتكِة ضد اّغزو اإليطِيل ‪ ،‬وأخوه سعِد قضى حنبه خلف‬ ‫أسوار معتقل إيطِيل يف اّعقِلة ‪ ،‬ومن بين أخِه وايد شنقه اّطلِ​ِ يف سَت ‪ ،‬وعبد هللا استشهد يف‬ ‫معَكة اّنوفلِة ‪ ،‬كمِ قتل يف اّربيقة اثنِ اخَا مهِ علي وأَمد عبد اّقِدر اّذي قتل يف سَت سنة‬ ‫(‪ 1918‬م) ‪ ،‬واالخَ استشهد يف معَكة سَت ابّقَب من إجدابِة ‪ ،‬وكذّك فقدت هذه اّعِئلة مِ ال‬ ‫يقل عن أربعة اخَين مِتوا يف أثنِء حمِوّة اّنجِة أبروايهم من اّكفَة‪.‬‬ ‫فعندمِ هِجم اإليطِِّو اّكفَة ريل صِحل ابشِ األطِوش أبهل بِته ‪ ،‬وكِ من بِنهم اّسنوسي ابن‬ ‫أخِه ‪ ،‬وبضعة أشخِص اخَين ‪ ،‬يف قِفلة من اإلبل اجتهوا هبِ أوالً صوب اّعوينِت على يدود‬ ‫اّسودا ‪ ،‬فبلغوهِ بعد ستة أَيم ‪ ،‬وهنِك ملؤوا قَهبم ابملِء وانقسموا إىل فَيقني ‪ ،‬تو َجه أيدمهِ إىل‬ ‫اّشمِل حنو وادي اّنِل ‪ ،‬بِنمِ عمد اّفَيق االخَ إىل مَقة ؛ وهي واية صغرية غري مأهوّة تقع يف‬ ‫انيِة اجلنوب اّشَقي ابّسودا ‪ ،‬ويبلغ طول هِتني املسِفتني ‪ 500‬مِل و‪ 300‬مِل على اّتوايل ‪،‬‬ ‫أي مسرية ‪ 25‬يومًِ و‪ 15‬يومًِ مبعدل سري اإلبل اّعِدي ‪ ،‬ومل يكن مثة أي‪ :‬أثَ ميكن ّلمسِفَ اقتفِؤه‬ ‫وال مورد مِء يف اّطَيق ‪ ،‬وال أيد يستطِع أ يتص َور مدى خطورة ريلة كهذه مِ مل يكن قد جَب‬ ‫اجتِ​ِز تلك اّصحِرى على ظهَ مجل ‪ ،‬وقد يكى اّسنوسي األطِوش قصة تلك اَّيلة فقِل‪:‬‬


‫((بعد مسرية عدة أَيم أخفقنِ يف اّوصول إىل مَقة ‪ ،‬وعَفنِ أننِ اتئهو يف اّصحَاء ‪ ،‬فَجعنِ أدراجنِ‬ ‫نقصد اّعوينِت ‪ ،‬ملِ كنِ استنفدان مؤنتنِ من املِ​ِه ‪ ،‬أصبحنِ مضطَين إىل حنَ انقة أو مجل كل يوم‬ ‫ّشَب املِء املخزو يف بطو‬ ‫اإلبل ‪ ،‬وكِ كل منِ حيمل يف خمالته بعض حلم اّذبِحة وأيكل أثنِء اّسري ‪ ،‬ومع أ املسِفة اّيت‬ ‫قطعنِهِ منذ خَوجنِ من اّعوينِت كِنت قد استغَقت منَِ مثِنِة أَيم كِملة ‪ ،‬فقد بلغت بنِ شدة احملنة‬ ‫أننِ يف طَيق اّعودة قطعنِ نفس املسِفة خالل أربعة أَيم فقط ‪ ،‬راكبني أو مِشني ِّالً وهنِراً ‪ ،‬ويف‬ ‫اّعوينِت مألان قَب املِء من جديد ‪ ،‬وبعد اسرتاية قصرية واصلنِ اّسفَ عِمدين هنَ اّنِل رأسًِ ‪،‬‬ ‫ابقتفِء ااثر اّفَيق االخَ من مجِعتنِ ‪ ،‬وعثَان يف اّطَيق على جثث اّبعض ‪ ،‬ومن بِنهم أمي وأخيت‬ ‫واثنني من إخويت قصفتهم طِئَات اّطلِ​ِ ‪ ،‬أو مِتوا عطشًِ ‪ ،‬وكنِ نواصل اّسري ِّل هنِر يىت وصلنِ‬ ‫اابر كَمي بعد تسعة أَيم وحنن أقَب إىل املوت منِ إىل احلِ​ِة ‪ ،‬وهنِك أسعفنِ احلظ بلقِء بعثة‬ ‫استكشِفِة كِ قد نظمهِ األمري عمَ طوسو بقِ​ِدة ضِبط بَيطِين ‪ ،‬فحملتنِ معهِ إىل واية اخلِرجة‬ ‫مث إىل اّداخلة ؛ ومنهِ انتقلنِ إىل املنِ​ِ ؛ يِث استقَ بنِ املقِم مع انس من قبِلة اجلوازي اّيت تَبطنِ هبِ‬ ‫صلة اّقَابة ‪ ،‬ومكثنِ هنِك يىت عِم (‪ 1940‬م) ‪ ،‬وعندهِ اّتحقنِ ابّقوات اّلِبِة تلبِة ّنداء‬ ‫األمري))[(‪.])264‬‬ ‫إ هذه اّقصة احلزينة تعطِنِ صورة واضحة عمِ كِبده اّلِبِو اّذين استطِعوا اهلَوب من هجمة‬ ‫غَاسِ​ِين اّويشِة على اّكفَة ‪ ،‬وتلك اّغِرة اهلمجِة ‪ ،‬وّقد أتثَ اّعِمل اإلسالمي من األخبِر اّيت‬ ‫مسعوهِ من اّعوائل اّلِبِة اّيت كتب هللا هلِ اّنجِة ‪ ،‬وقد قِم األمري شكِب أرسال بدور مشكور يف‬ ‫توضِح تلك األعمِل ‪ ،‬وكتب مقِالت صِدقة أصبحت واثئق مهمة ّلمؤرخ ّتلك احملنة اّعظمِة اّيت‬ ‫مَ هبِ اّشعب اّلِيب املسلم ؛ فقد قِل‪:‬‬

‫((‪ ...‬إهنم ملِ ايتلوا واية اّكفَة يف ‪ 13‬ينِيَ من سنة(‪ 1931‬م) ‪ ،‬واستبِيوا قَاهِ ثالثة أَيم ‪ ،‬فقتلوا‬ ‫من صِدفوه من األهِيل ‪ ،‬وكِ من مجلة اّقتلى بعض اّشِوخ األجالء مثل حممد عمَ اّفضِل ‪،‬‬ ‫واّسِد َمِد اّفضِل ‪ ،‬واّشِخ فضِل اّديفِر وغريهم ممن قتلوه صرباً ؛ غري داخل يف ذّك من قتلوا يف‬ ‫املعَكة اّيت جَت بني األهِيل وجِش احلملة اّطلِ​ِنِة ؛ وهم ‪ 200‬شخص ‪ ،‬مث إ اّطلِ​ِ انتشَوا يف‬ ‫كل مِ وقع يف أيديهم ‪ ،‬ومل يَ​َموا اّشِوخ‬ ‫اّقَى واّبسِتني ‪ ،‬وهنبوا َ‬


‫شِخ فِ ٍ بلغ ثالاثً وتسعني سنة ‪ ،‬ومن‬ ‫وال األطفِل وال اّنسِء ‪ ،‬وصِدفوا اّشِخ خمتِر اّغدامسي وهو ٌّ‬ ‫جلة علمِء اّسنوسِة ‪ ،‬فحملوه مقِداً ابحلبِل على مجل ‪ ،‬ونفوه من اّكفَة فمِت يف اّطَيق ‪ ،‬مث‬ ‫اغتصبوا اّنسِء يف أعَاضهن ‪ ،‬وقتلوا منهن كثرياً ممن دافعن إىل االخَ عن أعَاضهن ‪ ،‬وكِ حنو من‬ ‫‪ 200‬امَأة من نسِء األشَاف قد فَر إىل اّصحَاء قبل وصول اجلِش اإليطِيل ‪ ،‬فأرسلوا قوة يف‬ ‫أثَهن ‪ ،‬يىت قبضوا علِهن وسحبوهن إىل اّكفَة يني خال هبن ضبِط اجلِش اّطلِ​ِين واغتصبوهن‪.‬‬ ‫وهكذا نزّوا املعَات بسبعني أسَة شَيفة من أشَاف اّكفَة اّذين كِنت اّشمس تقَيبًِ ال تَى وجههن‬ ‫من اّصو ‪ ،‬واّعفِف ‪ ،‬وقد أشِرت اّصحف اّطلِ​ِنِة إىل هذه احلِدثة ‪ ،‬وصَيت من ابب االفتخِر‬ ‫قِئلة‪(( :‬إ اجلِش قبض على ‪ 200‬امَأة من نسِء اّزعمِء)) ‪ ،‬وقَأان ذّك أبعِننِ ‪ ،‬وحلظنِ أ‬ ‫مقصود اّبالغ اّعسكَي اإليطِيل اّتبجح بكو يالئل زعمِء اّكفَة صَ إىل اّضبِط ‪ ،‬إال أننِ‬ ‫انتظَان جالء األخبِر من اجلهة اّثِنِة يىت نعلم مِذا جَى بعد اّتثبت ‪ ،‬فمِ مضى شهَ يىت وردت‬ ‫األخبِر من املهِجَين اّذين دخلوا يدود مصَ أب هؤالء اّسِدات املقصورات اّنِشئِت يف أكَم‬ ‫بِوت اّطهِرة واّصو ؛ قد قُبض علِهن يف اّصحَاء وصَ إىل أوّئك اّفجَة اّذين ال يعَفو ّصِ​ِنة‬ ‫اّعَض معىن ‪ ،‬وال يقِمو ّلشَف وزانً ‪ ،‬وعلمنِ أ بعض شِوخ اّكفَة اّذين ايتجوا على هتك‬ ‫أعَاض اّسِدات املذكورات قد أمَ اّقِئد بقتلهم ‪ ،‬مث ملِ هِج هِئج اّعِمل اإلسالمي من جَاء هذا اخلرب‬ ‫َ‬ ‫وأشبِهه أذاعت احلكومة اإليطِِّة َتويهًِ ظِهَاً ؛ زعمت فِه أ اجلِش أتثَ ّلنسوة املئتني املذكورات‬ ‫شفقة علِهن ‪ ،‬وألجل أ يَجعن إىل بِوهتن امنِت ‪ ،‬وغري ذّك من األقِويل اّيت قصدت إيطِِّة هبِ‬ ‫ختديَ أعصِب املسلمني اّذين بلغهم مِ كِ جَى ابّكفَة من هذه اّفضِئح ؛ من هتك أعَاض‬ ‫خمدرات املسلمني ‪ ،‬ومن استبِية اّزاوية اّسنوسِة املسمِة (اّتِج) ‪ ،‬وإراقة اخلمور فِهِ ‪ ،‬ودوس‬ ‫املصِيف اّشَيفة ابألقدام‪.‬‬ ‫هذا إضِفة إىل مِ كِ بلغهم من قبل من إجالء ‪ 80‬أّفًِ من عَب اجلبل األخضَ عن أوطِهنم ‪،‬‬ ‫وإمِتتهم ابجلوع واّعطش ‪ ،‬وأخذ أطفِهلم قهَاً إىل إيطِِّة ألجل تنصريهم ‪ ،‬إىل مِ كِ بلغهم من‬ ‫فظِئع كثرية ؛ مثل‪َ :‬مل اّشِخ سعد شِخ قبِلة‬ ‫(اّفوائد) ومخسة عشَ شِخًِ من رفِقه ابّطِئَات وقذفهم هبم من اجلو على مشهد من أهلهم ‪ ،‬يىت‬ ‫إذا وصل أيدهم إىل األرض وتقطع إرابً صفق اّطلِ​ِ طَابً ‪ ،‬واندوا اّعَب قِئلني‪ِّ(( :‬أت حممد هذا‬ ‫نبِكم اّبدوي اّذي أمَكم ابجلهِد وينقذكم من أيدينِ)) هذه يِدثة‪.‬‬


‫وغريهِ من األمور يف هذا اّشأ كثرية جَيت قلوب املسلمني ‪ ،‬فجَت مظِهَات ابّشِم ‪ ،‬ويلب ‪،‬‬ ‫وطَابلس اّشِم ‪ ،‬وبريوت ‪ ،‬وفلسطني ‪ ،‬وانعقدت اجتمِعِت يف كل مكِ ّاليتجِج على أعمِل‬ ‫إيطِِّة ‪ ،‬وأبَق املسلمو اباليتجِجِت اّشديدة إىل مجعِة األمم جبنِف ‪ ،‬وإىل نفس موسلِين‬ ‫ابّعبِرات اّقِسِة ‪ ،‬وقِمت قِ​ِمة اجلَائد اّعَبِة ‪ ،‬وَملت على تويش اّفِشِست من كل جِنب ‪،‬‬ ‫وامتألت جَائد مصَ اباليتجِج واّطعن يف إيطِِّة إىل أ عطلتهِ احلكومة املصَية إجِبة ّطلب‬ ‫احلكومة اإليطِِّة ‪ ،‬ووصل اّصَيخ إىل اهلند واجلِوي ‪ ،‬وض َج املسلمو هلذه األخبِر ‪ ،‬وانعقد يف‬ ‫اجلِوي اجتمِع كبري يضَه أّوف مؤّفة من املسلمني ‪ ،‬وخطبوا خطبًِ شديدة ‪ ،‬ودعوا إىل مقِطعة‬ ‫اّبضِئع اإليطِِّة‪.‬‬ ‫وتدخلت احلكومة اهلندية يف األمَ وانتصَت إليطِِّة مبقتضى قِعدة اّتكِمل األورويب بوجه املسلمني ‪،‬‬ ‫وقِعدة اّتكِفل االستعمِري بوجه األمم املقهورة ‪ ،‬وأشِع قنِصل إيطِِّة أ كل هذه األخبِر عمِ يل‬ ‫مبسلمي طَابلس ملفقة ال أصل هلِ ‪ ،‬وبلغت هبم اّوقِية أهنم كِنوا خيِطَو اّنِس خمِطَة على أ‬ ‫يذهبوا إىل طَابلس أبنفسهم ِّشهدوا كذب هذه األقِويل ‪ ،‬وبلغ هبم اّبهتِ أهنم أشِعوا أيضًِ أ‬ ‫إيطِِّة اقرتيت على مجعِة األمم أ تَسل إىل طَابلس جلنة من عندهم ّلتحقِق عمِ ينسب إىل رجِهلِ‬ ‫من األعمِل اّشنِعة اّيت هم أبَ​َيء منهِ ‪ ،‬وكل هذا اختالق حمض قصدت به إيطِِّة اّتمويه وختديَ‬ ‫األعصِب وصَف املسلمني عن مقِطعة بضِئعهِ‪.‬‬ ‫احلق خالف ذّك ‪ ،‬وكل مِ شِع‬ ‫وقد سكن كثري من املسلمني إىل هذه اّتكذيبِت ‪ ،‬وهدأ ابهلم ‪ ،‬و ُّ‬ ‫من األخبِر عن أعمِل اّطلِ​ِ ال سِمِ بعد جميء دول اّفِشِست هو دو اّواقع ‪ ،‬وّو أت َمل‬ ‫املسلمو فِمِ أيتِه اّفِشِست يف نفس إيطِِّة من املوبقِت ومن اغتِ​ِل أعدائهم اّسِ​ِسِني ‪ ،‬ومن‬ ‫يجَ كل يَية ‪ ،‬ومن منع أتِّف كل يزب خيِّف يزهبم ‪ ،‬وأمِم هذا االنتقِم اَّهِب من املسلمني‬ ‫يف‬ ‫قتلهم وتغَيبهم عن دَيرهم ‪ ،‬فال تسأل ‪ ،‬فقد أصبحت يف يكم املتواتَ اّذي ال يصح فِه املَاء التفِق‬ ‫عشَات األّوف من األهلني على روايته ؛ فقد نزح عن طَابلس وبَقة حنو مئيت أّف نسمة ‪ ،‬وقِل‪:‬‬ ‫‪ 300‬أّف نسمة؛ منهم ‪ 20‬أّفًِ دخلوا تونس واجلزائَ ‪ 60 ،‬أّفًِ دخلوا مصَ ‪ ،‬ومنهم من شَدوا إىل‬ ‫اّسودا ‪ ،‬ومنهم من تفَقوا يف اّصحِرى ‪ ،‬وقد أطبقوا أبمجعهم على صحة هذه األخِ​ِر ومشِهدهتم‬ ‫تلك األفعِل ابّعِ​ِ ‪ ،‬وأنه ِّستحِل اتفِق األّوف املؤّفة على اّكذب ‪ ،‬هذا فضالً عن كو هذه‬


‫املظِمل يقِقة راهنة مِ كِ هذا اّعدد اّكبري من األهِيل يرتك وطنه ‪ ،‬ويهِم على وجهه يف اّرباري ‪ ،‬أو‬ ‫يلتمس اَّزق عِمالً يف أرض غريه بعد أ كِ سِداً يف أرضه‪.‬‬ ‫ومن أغَب املتنِقضِت ـ واّتنِقض من عِدة كل كِذب ـ أنه بِنمِ ممثلو إيطِِّة يف بالد اإلسالم يذيعو‬ ‫أ من شِء أ يذهب إىل طَابلس بنفسه ِّتحقق من كذب تلك األخبِر عن فظِئع اّطلِ​ِ فِهِ ؛‬ ‫فإ أبواب طَابلس مفتوية ملن شِء اّذهِب إىل هنِك ‪ ،‬وبِنمِ قنصلهم يف بريوت يشِع ذّك يف‬ ‫بريوت ‪ ،‬وبِنمِ احلكومة اإليطِِّة تقول هذا اّقول ّشوكت علي اّزعِم املسلم اهلندي ؛ إذ بقِت‬ ‫إيطِِّة مدة طويلة بعد ايتالل اّكفَة ويوادثهِ املؤملة َتنع كل دخول وخَوج بني احلدود املصَية‬ ‫واحلدود اّربقِوية ّئال يقف أهل مصَ على احلقِئق واألخبِر فِزدادوا هِ​ِجًِ‪ .‬وّكن احلقِئق البد أ‬

‫تظهَ ‪ ،‬وال ميكن إليطِِّة إخفِء كل مِ أتتِه من األعمِل اّويشِة يف طَابلس ‪ ،‬وِّس املسلمو‬ ‫ويدهم هم اّذين شِهدوا أعمِل اّطلِ​ِ وضجوا منهِ ‪ ،‬بل مثة كثري من اإلفَنج شِهدوهِ‬ ‫وأنكَوهِ[(‪.])265‬‬ ‫اتسعًِ‪ :‬دور اّصحِفة اإلسالمِة‪:‬‬ ‫ّقد قِم األمري شكِب أرسال بدور مشكور يف اّدفِع عن اّلِبِني ‪ ،‬وإظهِر ويشِة اإليطِِّني ‪ ،‬وّقد‬ ‫كتب يف صحف ذّك اّزمِ مقِالت يزينة ‪ ،‬بني فِهِ األعمِل اّويشِة اّيت قِم هبِ اإليطِِّو ضد‬ ‫اّشعب اّلِيب املظلوم ‪ ،‬وهذه وثِقة أخَى اترخيِة ملقِل كتبه األمري شكِب يف جملة اّدوّة اّعَبِة ‪،‬‬ ‫وّقد انتشَ هذا املقِل شَقًِ وغَابً ‪ ،‬ونص هذا املقِل‪:‬‬ ‫اّتعذيب اإليطِيل يف طَابلس‬ ‫حتَيَ األمري شكِب أرسال‬ ‫كِنت احلَكة اإلسالمِة اتئهة عن كل مِ حيدث يف طَابلس من تعذيب ومهجِة من اّربابَة اإليطِِّني ؛‬ ‫اّذين مِ أتوا إىل هذه األرض إال ِّؤخَوهِ عن اّتقدم واملدنِة ‪ ،‬بعكس مِ كِنوا يقوّو ويكتبو ‪...‬‬ ‫نعم إ اّنِس علمت أب احلكومة اإليطِِّة اّفِشِستِة نقلت مِ يزيد عن ‪ 80‬أّف عَيب من اجلبل‬ ‫األخضَ ووضعتهم يف اّصحَاء (سَت)‪ ...‬نزعت منهم أراضِهم حبجة اّتعمري ‪ ،‬وأ املعمَين‬ ‫اإليطِِّني هم أيق من أي أيد اخَ ‪ ،‬ألهنم يتقنو هذا اّعمل أكثَ وأيسن من اّعَب‪.‬‬


‫إ اّعِمل علم أب اجلِش اإليطِيل ايتل اّكفَة ووايِهتِ بعد قتل اّسكِ اّعَُزل واّثوار اّذين دافعوا عن‬ ‫وطنهم إىل اّنهِية ‪ ،‬وأ اّصحِفة اإليطِِّة تتب َجح وتنشَ أب جِشهِ أسَ مئة امَأة وهن زوجِت‬ ‫اّشِوخ هنِك‪.‬‬ ‫ويف جملتنِ (اّدوّة اّعَبِة) وجهنِ سؤاّنِ إىل اإليطِِّني اّفِشستِني عن معىن هذا اّتبجح أبسَ مئة‬ ‫امَأة‪.‬‬ ‫مع اّعلم أب اّتقِِّد واّعِدات اّعِملِة ‪ ،‬وابألخص اّبِئة اّعَبِة اّيت تنفي اضطهِد املَأة واّنسِء‬ ‫خصوصًِ أثنِء قِ​ِم احلَب‪.‬‬ ‫وّكن مِ كنِ نعتقد أ دوّة تعترب نفسهِ من دول اّبحَ األبِض املتوسط مهد احلضِرة األوروبِة‪ :‬أ‬ ‫تصل إىل هذه اّدرجة من االحنَاف واخلَوج عن جِدة اّتمد واَّقي‪.‬‬ ‫مل يسبق يف اتريخ اّبشَية ‪ ،‬بل يف اتريخ اّرببَية أ معِملة اجلِش اإليطِيل اّفِشِسيت ّلنسِء هي‬ ‫معِملة ويشِة بدرجة تتقزز منهِ اّنفوس ‪ ،‬فهي معِملة سِئة سواء يف طَابلس أو يف بَقة‪.‬‬ ‫إ هذه األخبِر مل تكن نسِجًِ من خِ​ِل أو فكَة طِرئة ‪ ،‬وإمنِ هي يقِئق يَويهِ من أسعده احلظ‬ ‫ابّنجِة من املذابح اّيت قِم هبِ اجلِش اإليطِيل اّفِشِسيت‪.‬‬ ‫شَيوا ّنِ مِ يلي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ عندمِ اجتهت اّقوات اإليطِِّة اليتالل اّكفَة كِنت معززة ابّطِئَات اّيت تلقي قنِبلهِ على‬ ‫اّسكِ اّعزل من شِوخ ونسِء وأطفِل ‪ ،‬وخالف هذا مسحوا جلنودهم أ يعبثوا ابّسكِ ملدة ثالثة‬ ‫أَيم ؛ مطلقي األَيدي يف اّبِوت واألسواق واملسِجد ‪ ،‬ويف كل اّنوايي ‪ ،‬تصَفِت ويشِة مل ختطَ‬ ‫على ابل أيد؛ هنبوا وقتلوا وأيَقوا كل مِ مَوا به ‪ ،‬ومل يرتكوا أي جَمية ختطَ ببِهلم إال وارتكبوهِ ‪ ،‬قتلوا‬ ‫اّعلمِء واملشِيخ ‪ ،‬هتكوا يَمِت اّبِوت ‪ ،‬وبقَوا بطو اّنسِء ‪ ،‬وأ عدد اّعِئالت اّيت قضي علِهِ‬ ‫عند ايتالل اّكفَة يزيد عن ‪ 70‬عِئلة من علِة اّقوم ‪ ،‬وعالوة على هذا فقد اختذوا زاوية اّسنوسي‬ ‫(اّتِج) كحِنة شَبوا فِهِ اخلمَ يىت مثِّة اجلنو ‪ ،‬وشَبوا خنب اّقضِء على املسلمني وايتالل‬ ‫طَابلس وبَقة‪ ...‬أّقوا ابملصِيف اّقَانِة يف االصطبالت حتت سنِبك اخلِل ‪ ،‬وابّكتب اّعلمِة‬ ‫أوقدوا هبِ اّنِر حتت قدورهم ّطهي طعِمهم‪ .‬وقد استشهد من اّثوار يف ايتالل اّكفَة مِ يزيد عن‬ ‫(‪ )200‬شهِد من بِنهم املشِيخ االيت أمسِؤهم‪:‬‬


‫اّشِخ صِحل اّعبِدية ‪ ،‬احلِج سلِمِ بومطِوي ‪ ،‬اّشِخ غِث بو قنديل ‪ ،‬اّشِخ سلِمِ اّشَيف ‪،‬‬ ‫اّشِخ حممد يونس ‪ ،‬اّشِخ أَمد بو أشنِك ويفِده اّشِخ عمَ ‪ ،‬اّشِخ َمد احلِمي ‪ ،‬اّشِخ عبد‬ ‫اّسالم بوسَيويل ‪ ،‬اّشِخ حممد املسحوق ويفِده علي بن يسني ‪ ،‬اّشِخ حممد اّعَيب ‪ ،‬اّشِخ حممد‬ ‫بو سجِدة ‪ ،‬اّشِخ حممد اّفِيدي اجللويل ‪ ،‬اّشِخ خلِفة اّدالل‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ أمِ اَّواية اّثِنِة ‪ ،‬هي‪ :‬كِف مت ايتالل اّكفَة من أوّئك اّغِمشني املتويشني من مشِهدين‬ ‫يقِقِني ّتلك األيداث؟‬ ‫قبل دخول اإليطِِّني إىل اّكفَة قِمت طِئَاهتم بقصف وايِت اّكفَة بقنِبلهم اّفتِكة فوق اّسكِ‬ ‫اّعزل ؛ يِث قتل عدد كبري من اّنسِء واّشِوخ واألطفِل ‪ ،‬وبعد أ دخلوا اّكفَة أطلقوا أيدي‬ ‫جنودهم ملدة ثالثة أَيم ّلعبث واّتخَيب يف اّكفَة ‪ ،‬فقد أطلقوا بغِهلم وخِوهلم ؛ يِث داست كل‬ ‫املزروعِت ‪ ،‬فِستوّوا على كل املواد اّغذائِة وقطعِ األغنِم واّبقَ ّتموين جنودهم احملتلني دو مقِبل‬ ‫‪ ،‬وعالوة على هذا هنبوا أاثث اّسكِ وقسموهِ على إدارات اجلِش اّزايف ‪ ،‬كذّك‬ ‫مالبس اّنسِء ويلِهن ‪ ،‬هذا قلِل من كثري ‪ ،‬زد على ذّك اعتداءاهتم على يَمِت اّنِس اّعزل دو‬ ‫ِ‬ ‫ابّكف‬ ‫وازع من ضمري ‪ ،‬وعندمِ اجته بعض املشِيخ إىل قِئد احلملة راجني منه إصدار أمَه إىل اجلنود‬ ‫عن هذه االعتداءات على اّنِس ‪ ،‬كِ مصريهم اّقتل رمِ​ًِ ابَّصِص ابعتبِرهم خونة ‪ ،‬وابالختصِر إ‬ ‫اإليطِِّني عندمِ ايتلوا اّكفَة قِموا أبعمِل ويشِة مل يسبق أ يدثت يف اّتِريخ يىت يف اّقَو‬ ‫اّوسطى عهد اهلمجِة‪.‬‬ ‫إ قضِة اّـ ‪ 0080‬عَيب اّذين نقلتهم اّقوات اّغِمشة من أراضِهم اخلصبة يف اجلبل األخضَ إىل‬ ‫منِطق جدبة صحَاوية ال مِء فِهِ وال كأل ‪ ،‬هي منطقة (سَت) كي َتوت املواشي جوعًِ ‪ ،‬وعطشًِ ‪،‬‬ ‫أمِ اّبقِة فقد استوىل علِهِ اجلنود اإليطِِّو ‪ ،‬وأصبحوا فقَاء تدفع هلم احلكومة اإليطِِّة فَنكني عن‬ ‫كل يوم ّكل شخص مهمِ كِ عدد عِئلته‪ .‬أمِ ابّنسبة حللي اّنسِء ومالبسهن فقد هنبهِ اجلنود‬ ‫اإليطِِّو ‪ ،‬وأصبحت اّعِئالت يف هوة اّفقَ سواسِة‪ .‬ويف أثنِء مَافقة هذا اّعدد اّضخم من رجِل‬ ‫ونسِء وأطفِل ‪ ،‬كِ اجلنود يسوموهنم سوء اّعذاب ‪ ،‬وكل من يعجز عن املسري مصريه املوت ‪،‬‬ ‫فِقتلونه ويرتكونه يتخبط يف دمه‪.‬‬


‫إ اَّجِل واّشبِ اّذين ترتاوح أعمِرهم من ‪ 15‬إىل ‪ 40‬سنة أجربوا على االخنَاط يف قوات اجلِش‪.‬‬ ‫وأمِ اّصغِر اّذين ترتاوح أعمِرهم يىت ‪ 14‬سنة فقد أخذوا ابّقوة من أهلِهم وأرسلوا إىل إيطِِّة حبجة‬ ‫تعلِمهم ‪ ،‬وّكن يف احلقِقة من أجل تنصريهم‪.‬‬ ‫وهذا مِ كِ يتحدث به سكِ (رومِ) ‪ ،‬وهو تنصري اّلِبِني بصورة عِمة واّطَابلسِني بصورة خِصة ‪،‬‬ ‫ورغبة اإليطِِّني اّفِشِستِني هي اّقضِء املربم على اّعنصَ اإلسالمي يف ِّبِة ‪ ،‬فإذا ِّبِة تصري‬ ‫إيطِِّة ‪ ،‬وجبوارهِ مصَ سوف تتعَض إىل أكرب خطَ‪ .‬وإ مصَ ّن تسكت عن هذا اإلجَاء أل‬ ‫اإليطِِّني يف اعتقِدهم املَيض أ مصَ ِّست دوّة عَبِة ‪ ،‬وإمنِ هي خلِط من عدة أجنِس‪ ...‬األمَ‬ ‫اّذي جيعل إيطِِّة حتكم أب تغزو مصَ وتتمكن من أرضهِ وشعبهِ كمِ َتكنت من طَابلس‪.‬‬ ‫إ اّوعود املعسوّة اّيت كِنت تصَح هبِ اّسلطِت اإليطِِّة ‪ ،‬وَتنِ​ِهتِ اّطِبة اّيت كِنت تعَضهِ على‬ ‫اّشعب اّلِيب ‪ ،‬وأهنِ ـ يعين إيطِِّة ـ مِ أتت إال ّتخلص‬ ‫اّشعب اّلِيب من االستبداد اّرتكي ؛ وألجل أ تذر اَّمِد يف أعني اّنِس ‪ ،‬أتت إبدريس وقلدته ّقب‬ ‫اإلمِرة ‪ ،‬ووعدته ابحلكم اّذايت ‪ ،‬وّكن كِنت دائمًِ وعوداً فقط‪ ..‬وهِ هي إيطِِّة تلغي كل شيء ‪،‬‬ ‫وتبدأ يف سفك اّدمِء وتطَد اّسكِ من أراضِهم وأمواهلم ‪ ،‬وأخذت أوالدهم وبنِهتم إىل إيطِِّة من‬ ‫أجل تعلِمهم ‪ ،‬ويف اّواقع من أجل تنصريهم‪...‬‬ ‫إنين أُقبل على املسلمني أ يتذكَوا هذا كله ‪ ،‬وأ يتفهموه‪ ...‬فإ هنِك من يتفلسف ويتشدق ابّقول‬ ‫أب يف أوروبة تسود اّعداّة واحلَية ‪ ،‬وأ اّدوّة األوروبِة ال تتعَض ّلقضَِي اّدينِة ‪ ،‬وأ اّسبب يف‬ ‫سقوط املسلمني هو اّتعصب األعمى! إ هذه األّفِظ وهذه املغِّطِت تنذر املسلمني مجِعًِ أبهنم إذا‬ ‫مل يتحدوا ويذودوا عن يِ​ِضهم سوف يتعَضو إىل اّقنِء ‪ ،‬ويفقدو قواهتم املسلحة ويَ​َيهتم‬ ‫اّسِ​ِسِة ‪ ،‬سوف حيدث هلم كمِ يدث ّطَابلس إذا مل حيِفظوا على يَيتهم واستقالهلم‪ .‬إ موقف‬ ‫إيطِِّة من يضِرة اّقَ اّعشَين موقف غري مشَف ‪ ،‬فقد رجعت إىل معِمالت اّقَو اّوسطى‪.‬‬ ‫إ اإليطِِّني املتويشني مل يتحَجوا ال كبرياً وال صغرياً ؛ فقد اعتدوا على احلَ​َيت ‪ ،‬واغتصبوا اّنسِء ‪،‬‬ ‫وهتكوا األعَاض‪ .‬كل هذه األعمِل من أجل اضطهِد املسلمني ورويهم االنتقِمِة‪.‬‬ ‫ّقد زج اإليطِِّو يف اّسجو اّكثري من األهِيل ومشِيخ اّقبِئل ‪ ،‬وقد عِرضهم وندد أبعمِهلم‬ ‫اّشِخ سعد اّفِيدي شِخ قبِلة اّفوايد ؛ فمِ كِ منهم إال أ قتلوه ومعه ‪ 15‬من أبنِء قبِلته ؛ اّبعض‬


‫منهم أّقي من اّطِئَات من علو ‪ 400‬مرت ‪ ،‬وكلمِ كِنت اّطِئَة تلقي بوايد منهم هنِك كِ اهلتِف‬ ‫يعلو وصِ​ِح اجلنود يزداد‪.‬‬ ‫إ اّصحفي اّدامنِركي اّشهري (كنود هوملبوي) اّذي اعتنق اإلسالم ‪ ،‬وقِم جبوّة سِ​ِيِة أثنِء هذه‬ ‫اّفرتة يف ِّبِة ‪ ،‬قد شِهد بنفسه وعِنِه كل اّتعذيب واالضطهِد اّذي يقوم به اجلنود اإليطِِّو‬ ‫اّفِشِست ؛ يقول‪:‬‬ ‫شِهدت ‪ 20‬عَبِ​ًِ مسلسلني‪ ...‬شنقهم اجلنود أبمَ من ضِبطهم دو حمِكمة ‪ ،‬ومل تكن هنِك‬ ‫حمكمة‪ ..‬هذا املنظَ اّبشع أثَ​َ يف نفسي ‪ ،‬ومل يكن يف اعتقِده أ دوّة مثل إيطِِّة اّفِشِستِة وهي‬ ‫إيدى دول اّبحَ األبِض املتوسط تقوم مبثل هذه‬ ‫اّقسوة وهذه اّويشِة‪ .‬إهنِ جَائم سِسجلهِ اّتِريخ يف صفحة سوداء ‪ ،‬وسِبقى وصمة عِر يف جبني‬ ‫اّدوّة اإليطِِّة على مدى اّدهَ واألزمِ ‪.‬‬ ‫إ إيطِِّة أرادت أ حتذو يذو فَنسة يف تنصري املسلمني إاب يكمهِ يف املغَب ؛ فقد عملت‬ ‫ووزعت املبشَين يف طول اّبالد وعَضهِ ‪ ،‬وبنت اّعديد من املعِبد واّكنِئس يف كل املد واّقَى‬ ‫ّتقضي على اّدين اإلسالمي ‪ ،‬وهكذا عملت إيطِِّة فقد بنت املعِبد يف طَابلس وبنغِزي وكل اّقَى‬ ‫‪ ،‬وأمَت املبشَين أب يسعوا بكل اّوسِئل ّتنصري اّعَب مهمِ كِ اّثمن‪ .‬وقد فِقت على فَنسة‬ ‫بطَيقة أخَى ؛ فأخذت األطفِل من يجور أمهِهتم ‪ ،‬وبعثت هبم إىل إيطِِّة إىل تلك املعِهد‬ ‫املسِحِة ّتعلِم هؤالء األطفِل اّدين املسِحي‪ ...‬وعزهلم عزالً كلِ​ًِ عن وطنهم وبِئتهم‪ ...‬حبِث يشبو‬ ‫ويرتعَعو يف اجلو اّفِشِسيت واّكنِسة املسِحِة‪.‬‬ ‫إ سِ​ِسة إيطِِّة اّفِشِستِة هي اّقضِء على اّدين واّعقِدة ‪ ،‬وإبعِد املسلمني عن معِبدهم‬ ‫ومسِجدهم ‪ ،‬وكم من مَة صَح موسوِّين رئِس احلكومة واحلزب اّفِشِسيت يف خطِابته بعد ايتالل‬ ‫(اّكفَة) ؛ أبنه عِزم على تثبِت ثالثة ماليني من اّسكِ اإليطِِّني يف األراضي اّلِبِة اخلصبة‪.‬‬ ‫وقد أيَد هذا اَّأي اّكثري من اّسِ​ِسِني ‪ ،‬وأبَزهِ اّكثري من اّصحفِني على صفحِت جَائدهم‬ ‫وجمالهتم‪.‬‬ ‫منذ أَيم قَأت ابجلَيدة اَّمسِة املَسوم امللكي اّقِضي مبصِدرة أمالك املواطنني وأوقِف املسلمني واّزواَي‬ ‫اّسنوسِة وأوقِفهِ‪ .‬وهبذه اّطَيقة اجلهنمِة عملت إيطِِّة اّفِشِستِة على َتلك اإليطِِّني كل‬


‫املمتلكِت اّلِبِة ابّتدريج ‪ ،‬وإبعِد اّلِبِني من كل اجملِالت ‪ ،‬يىت تصبح ِّبِة خِِّة من كل اّعنِصَ‬ ‫‪ ،‬وال يبقى هبِ إال اإليطِيل املسِحي اّكِثوِّكي‪.‬‬ ‫إذاً اّكالم اّصِدر من اجلنَال أو املِرشِل مل يكن إال زوراً وهبتِانً وتضلِالً ّتهدئة املسلمني ‪ ،‬يىت‬ ‫تستطِع اّسلطِت اإليطِِّة اّفِشِستِة تنفِذ أغَاضهِ االستعمِرية‪ .‬وهي إ استحوذت على املاليني‬ ‫من هكتِرات األراضي اّزراعِة وغريهِ (من أين هلِ هذه األراضي؟) فِجلواب معَوف‪ .‬استحوذت علِهِ‬ ‫بطَد أهلهِ‬ ‫احلقِقِني ‪ ،‬ونقلهم إىل منِطق اهلالك هم ومواشِهم على اّسواء أمِم أعني اّعِمل املتمد ‪ ،‬وأمِم عصبة‬ ‫األمم‪.‬‬ ‫وابالختصِر‪ :‬تبجح اإليطِِّو بقوهلم‪ :‬إ طَابلس وبَقة كِنتِ رومِنِتني‪ ...‬فالبد أ تَجعِ رومِنِتني‬ ‫كمِ كِنتِ ـ هذا هو هدف اّفِشِست دو تَدد‪.‬‬ ‫إننِ ال نصدق مِ يقوّو ‪ّ ،‬قد خِّفوا اّقواعد اّدوِّة واإلنسِنِة ‪ ،‬ومل ينفذوا يَفًِ وايداً من تعهداهتم‬ ‫إىل اّطَابلسِني واّربقِويني ‪ ،‬يىت اّتعهدات اّكتِبِة واالتفِقِت املربمة بِنهم وبني إدريس اّسنوسي ‪،‬‬ ‫كِنت عبِرة عن أكِذيب وكسبًِ ّلوقت‪.‬‬ ‫حنن مقتنعو أب كل مِ كتبنِه وأعلنِه على املأل أمجع ستكذبه اّسلطِت اّفِشِستِة ‪ ،‬وستوجد ّنِ‬ ‫ِ‬ ‫مضِبط ّكي تديض أقواّنِ ‪ ،‬وّكن كل مِ كتبنِه اثبت وصحِح ومصدره من ٍ‬ ‫عِصَت‬ ‫جهة‬ ‫األيداث ؛ وهي هِئة اّتحَيَ اّلِبِة يف دمشق ‪ ،‬فقد أثبتت احلوادث واالعتداءات ابّواثئق اَّمسِة ‪،‬‬ ‫وابألخص يف ايتالل اّكفَة ؛ فقد ارتكب اجلنود اإليطِِّو اّفِشِست أبشع اجلَائم ابعتداءاهتم على‬ ‫اّنسِء وقتلهم اّشِوخ واألطفِل ‪ ،‬واعتدوا على يَمِت املسِجد واملقدسِت‪ .‬وقد ادعت إيطِِّة أب‬ ‫كل األعمِل اّعسكَية اّيت قِمت هبِ مِ هي إال أتديب ألانس أعلنوا اّعصِ​ِ على دوّتهم ‪ ،‬وهذه‬ ‫يجة واهِة ال يقبلهِ اّعقل ‪ ،‬وال تقوم هبِ دوّة متمدنة كمِ تدعِه إيطِِّة اّفِشِستِة‪ .‬وأ اّثوار يف‬ ‫اّعَف اّدويل مل يكونوا من اّعصِة على اّدوّة ‪ ،‬وإمنِ هم أصحِب يق يدافعو عنه ‪ ،‬اغتصبه عدو‬ ‫دخِل‪.‬‬ ‫علي أ أختتم مقِيل هذا اّذي كتبته ال أريد منه حتَيض املسلمني على أ ينتقموا من اإليطِِّني‬ ‫بقي َ‬ ‫اّذين يعِشو معهم ؛ يِشِ هلل! حنن ّسنِ من االنتقِمِني ‪ ،‬وال يف اجلهل مثل اإليطِِّني اّفِشِست ‪،‬‬ ‫وِّس من شِم أخالقنِ أ نستعمل اّقوة على من هو أضعف منِ‪.‬‬


‫وأ املسلمني ّن يغريوا أبداً تَاثهم اخللقي اّذي ورثوه أابً عن جد‪ .‬وّكين أقرتح مِ هو ات‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ مجعِة اّشبِ املسلمني يف كل بلد علِهِ أ حتت َج على كل أسِِّب االعتداء واإلجَام اّيت ارتكبتهِ‬ ‫إيطِِّة اّفِشِستِة يف ِّبِة ‪ ،‬وأ تَسل بَقِة ايتجِج شديدة‬ ‫اّلهجة إىل عصبة األمم ‪ ،‬وتنشَ على اّصحف اّعِملِة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ كل املد واملقِطعِت اإلسالمِة اّيت تتقد َمِسًِ ‪ ،‬واّدم اّسِخن اّذي جيَي يف عَوقهم ‪ ،‬علِهم‬ ‫أ يقدموا ايتجِجِهتم إىل عصبة األمم ابّربق مستعجالً ‪ ،‬ونشَهِ مجِعًِ على صفحِت جمالهتم‬ ‫وجَائدهم احمللِة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ إ جمموعة اّدول اّشَقِة ابّقِهَة هي كذّك علِهِ أ حتت َج ِ‬ ‫وتندد أبعمِل اّقمع واّعنف اّيت‬ ‫تقوم هبِ إيطِِّة اّفِشِستِة ‪ ،‬وتقدمه إىل عصبة األمم مثل اهلِئِت األخَى‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ كل اهلِئِت اإلسالمِة واّعَبِة واّشَقِة ابّقِهَة وسورية واّعَاق واّعَبِة اّسعودية واهلند وجِوا‬ ‫وغريهِ ؛ البد وأ يقوموا بواجبهم حنو اّقضِة اّلِبِة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ عقد اجتمِعِت شعبِة يف املد اإلسالمِة ‪ ،‬وإّقِء اخلطب احلمِسِة ّشَح ظلم واستبداد‬ ‫اّسلطِت اإليطِِّة اّفِشِستِة ‪ ،‬وهتِفِت بسقوط اّعدو اّغِصب‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ جيب على كل املسلمني أ يقِطعوا كل اّبضِئع اإليطِِّة واّسفن ‪ ،‬وكل اّوسِئل واألعمِل ‪ ،‬وكل‬ ‫شيء حيمل اسم إيطِِّة ‪ ،‬وقطع كل اّعالقِت اّسِ​ِسِة واالقتصِدية واالجتمِعِة‪ .‬وكذّك تكوين جلِ‬ ‫شعبِة خِصة مبَاقبة اّبضِئع اإليطِِّة‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ طبع املنشورات وكتِبِت تبني فِهِ تصَفِت إيطِِّة اّفِشِستِة واضطهِدهِ ّلشعب اّلِيب ‪ ،‬ويكو‬ ‫طبعهِ كذّك ابّلغة اإلنكلِزية واّفَنسِة واألملِنِة واإليطِِّة ‪ ،‬ويكو توزيعهِ ابالالف يف أوروبة ويف‬ ‫كل اّعِمل ‪ ،‬ومن واجب كل مسلم أ يقوم إبّصِق هذه املنشورات يف كل اّشوارع واملِ​ِدين ‪ ،‬وتوزيع‬ ‫اّكتِبِت يف كل مكِ من اّعِمل‪ .‬كذّك على كل مسلم أ يعلق يف بِته بعضًِ من هذه املنشورات‬ ‫يىت ال ينسى مِ يعِنِه اّشعب اّلِيب من اضطهِد وتعذيب‪.‬‬ ‫أيهِ املسلمو ‪:‬‬ ‫ال تقوّوا أب هذا احلديث يف طَابلس وِّبِة فقط ‪ ،‬وإمنِ اّلِبِو اّشَفِء طُعنوا يف شَفهم‪ ..‬يف‬ ‫دمِئهم‪ ..‬يف دينهم ‪ ،‬ويف أمواهلم وممتلكِهتم ‪ ،‬وكذّك سِحدث ّكم أنتم مثل هذه املأسِة ‪ ،‬وسِحل‬ ‫بكم اّعذاب كمِ يل ابّلِبِني اّشَفِء إذا مل تدافعوا عن أنفسكم ‪ ،‬إذا مل تبِنوا أنفسكم أنكم أيِ​ِء‪.‬‬


‫أيهِ املسلمو ‪:‬‬ ‫يف اّوقت احلِيل ّن تستطِعوا اّدفِع عن أنفسكم وبساليكم فقط؛ بل ِ‬ ‫سخَوا أقالمكم وكذّك‬ ‫ابجتهِدكم وبصربكم على املكِئد ‪ّ ،‬تدافعوا عن كِ​ِنكم وعن أرضكم وعن مقدسِتكم ‪ ،‬وتثبتوا ّلعِمل‬ ‫أبنكم شعب يعَف كِف يقِوم‪.‬‬ ‫ّوزا ‪ 12‬ذو اّقعدة‬ ‫‪ 7‬أبَيل ‪1931‬م‬ ‫شكِب أرسال‬ ‫قِل شكِب أرسال ‪ :‬وملِ يَرت املقِّة اّيت نشَهتِ عن فجِئع طَابلس وبَقة سنة (‪ 1931‬م) على إثَ‬ ‫دخول اّطلِ​ِ إىل اّكفَة ‪ ،‬وارجتف هلِ اّعِمل اإلسالمي غضبًِ ‪ ،‬وعال اّصَاخ من كل جهة ‪ ،‬جِءين‬ ‫من اّشهِد األكرب بطل اجلبل األخضَ اّسِد عمَ املختِر اّكتِب االيت‪:‬‬ ‫عِشَاً‪ :‬رسِّة من عمَ املختِر إىل شكِب أرسال ‪:‬‬ ‫كِنت تلك اجلهود اّيت قِم هبِ األمري شكِب أرسال وصلت أخبِرهِ ّلمجِهدين ‪ ،‬فأرسل قِئد يَكة‬ ‫اجلهِد رسِّة شكَ وايرتام وتقديَ ّتلك األعمِل ‪ ،‬وهذا نص اَّسِّة‪:‬‬ ‫«إنه من خِدم املسلمني عمَ املختِر إىل اجملِهد األمري اخلطري أخِنِ يف هللا وزمِلنِ يف سبِل هللا األمري‬ ‫شكِب أرسال يفظه هللا‪ .‬بعد اّسالم األمت ‪ ،‬واَّضوا اّشِمل األعم ‪ ،‬ورَمة هللا وبَكِته‪ :‬قد قَأان مِ‬ ‫دجبه قلمكم اّسِ​ِل عن فظِئع اّطلِ​ِ ‪ ،‬ومِ اقرتفته األيدي األثِمة من اّظلم واّعدوا هبذه اّدَير ‪،‬‬ ‫فإين وعموم إخواين اجملِهدين نقدم ّسِمي مقِمكم خِّص اّشكَ ‪ ،‬وعظِم املمنونِة‪ .‬كل مِ ذكَ​َتوه‬ ‫عمِ اقرتفته أيدي اإليطِِّني هو قلِل من كثري ‪ ،‬وقد اقتصدمت وايتطتم كثرياً ‪ ،‬وّو يذكَ ّلعِمل كل مِ‬ ‫يقع من اإليطِِّني ال توجد أذ تصغي ملِ يَوى من استحِّة وقوعه ‪ ،‬واحلقِقة وهللا ومالئكته شهود‬ ‫أنه صحِح ‪ ،‬وإننِ يف اّدفِع عن ديننِ ووطننِ صِمدو ‪ ،‬وعلى هللا يف نصَان متوكلو ‪ ،‬وقد قِل هللا‬ ‫تعِىل‪:‬‬ ‫ِ​ِ‬ ‫[اَّوم‪ ، ]47 :‬وعلِكم اّسالم ورَمة هللا وبَكِته ‪ ،‬يف (‪ 20‬ذي‬ ‫ني ُّ‬ ‫ص َُ اّْ ُم ْؤمن ن‬ ‫{يقًِّ نعلنِْـننِ ن ْ‬ ‫[اَّوم‪ :‬ن‬ ‫احلجة ‪ 1349‬هـ)»[(‪.])266‬‬


‫وقد علق شكِب أرسال على تلك اَّسِّة فقِل‪ :‬ومِ اليظه اّشهِد املشِر إِّه هو عني احلقِقة؛ فإ‬ ‫اّنِس يصعب علِهم أ يصدقوا اّشنِعِت واّدانءات واّنذاالت اّيت أقدم علِهِ اّطلِ​ِ يف طَابلس ‪،‬‬ ‫وال سِمِ اّفِشِست منهم[(‪.])267‬‬ ‫إ رسِّة عمَ املختِر ّألمري شكِب أرسال نستخلص منهِ فوائد مجة‪ :‬ففي قوّه‪ :‬من (خِدم‬ ‫املسلمني)؛ دِّل على تواضعه وافتخِره بكونه من خدام املسلمني‪ ،‬وهذا املعىن ّه مدّول عند اّشِخ‬ ‫عمَ املختِر ‪ ،‬فهو يتقَب إىل هللا تعِىل خبدمة املسلمني؛ وهي من أعظم اّقَابت عند هللا تعِىل ‪ ،‬ويف‬ ‫قوّه‪( :‬إىل اجملِهد األمري اخلطري) وصف األمري شكِب ابجملِهد ‪ ،‬وهو ابّفعل جِهد مع اّلِبِني جبِنب‬ ‫جنود األتَاك ضد اّطلِ​ِ ‪ ،‬وفِه دالّة على اهتمِم عمَ املختِر ابملصطلحِت اّشَعِة فلم يقل‪:‬‬ ‫منِضل ‪ ،‬أو مكِفح ‪ ،‬أو اثئَ‪ ..‬وإمنِ تقِد بوصفه جمِهداً ؛ ّدالّة هذه اّكلمة وعمقهِ يف أوسِط‬ ‫املسلمني ‪ ،‬ووصفه ابخلطَ ؛ كِف ال وقد كِنت مقِالته أنفذ من اَّصِص يف قلوب اإليطِِّني ‪،‬‬ ‫وسِمهت يف تشكِل تعِطف إسالمي وعَيب كبري مع اّقضِة اّلِبِة اّعِدّة ‪ ،‬ويف قوّه (أخِنِ يف هللا)‬ ‫فِه دالّة رابطة اّعقِدة اّيت جعلت املسلمني إخوة ‪ ،‬فهي فوق كل اَّوابط األرضِة ‪ ،‬ويف قوّه‪( :‬بعد‬ ‫اّسالم األمت واَّضوا اّشِمل األعم) فِهِ قوة اّعبِرة ‪ ،‬وبالغة األسلوب ‪ ،‬وروعة املدخل ‪ ،‬ويف قوّه‪:‬‬ ‫(قد قَأان مِ دجبه قلمكم اّسِ​ِل عن فظِئع اّطلِ​ِ ) دِّل على متِبعة اجملِهدين ملِ جيَي خِرج اّبالد ‪،‬‬ ‫وّه عالقة بقضِة شعبنِ ‪ ،‬وأمِ بقِة اَّسِّة ففِهِ أتكِد ّألمري شكِب عن املعلومِت اّيت وصلت إِّه‬ ‫وقِم بنشَهِ ‪ ،‬وفِهِ إصَار قوي على مواصلة اجلهِد واّدفِع عن اّدين واّوطن ‪ ،‬وفِهِ توكل على هللا‬ ‫عظِم‪.‬‬ ‫هذا وقد قِمت مجعِة اّشبِ املسلمني مبصَ بنشَ بِ​ِ عن سِ​ِسة اإلابدة واالستئصِل اّيت اتبعتهِ‬ ‫إيطِِّة يف طَابلس اّغَب ‪ ،‬وأّقي ذّك اّبِ​ِ يف اجتمِع‬ ‫عظِم يف اندي مجعِة اّشبِ املسلمني ‪ ،‬ووقع علِه أهل اَّأي واملكِنة يف مصَ ؛ ّريسل إىل مجعِة‬ ‫األمم ‪ ،‬ويذاع يف اّعِمل اإلسالمي‪ ،‬وجِء يف ذّك اّبِ​ِ احلديث عن‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ سِ​ِسة اّتهجري‪:‬‬ ‫ّقد شهدت مصَ مشهداً ال تستطِع اإلنسِنِة أ تعَض عنه متجِهلة ملِ انطوى علِه من االالم ‪،‬‬ ‫وذّك أ مئِت من بين اإلنسِ بني رجِل ونسِء وأطفِل وشِوخ اضطَوا حتت ضغط اجلور إىل أ‬ ‫يرتكوا أوطِهنم ختلصًِ من اّظلم ‪ ،‬وأ يهِموا على وجوههم يف اّقفِر ‪ ،‬وّوال مَوءة مأجور اّوايِت‬


‫املصَي اّذي خَج هو ورجِّه ّلبحث عنهم يىت ّقِهم وأنقذهم هللكوا عطشًِ وجوعًِ ‪ ،‬أوّئك هم‬ ‫فَيق من إخواننِ اّطَابلسِني اّذين خَجوا من قسوة احلكم اإليطِيل اّذي ال يطِق‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ سِ​ِسة اّقتل واَّمي يف اّبحَ‪:‬‬ ‫ومل تكد أعِننِ تكفكف اّدموع على هذا املشهد اّذي شهدته على اِّ​ِبسة يىت َملت إِّنِ أمواج‬ ‫اّبحَ يف اّسلوم مشهداً اخَ أفظع من هذا وأشنع ‪ ،‬فَمى اّبحَ إىل هذا اّسِيل املصَي أربع عشَة‬ ‫جثة من جثث هؤالء اّطَابلسِني مغلوّة يف سلسلة وايدة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ عمل اإليطِِّني يف اّكفَة‪:‬‬ ‫مث تواّت األخبِر أب زاوية اّكفَة املنقطع أهلهِ ّلعبِدة قد أمطَهتِ طِئَات اإليطِِّني ابّقنِبل وفتكت‬ ‫أبهلهِ فتكًِ ذريعًِ ‪ ،‬وبعد ذّك هِمجهِ اجلِش ‪ ،‬وكِد أييت على اّبقِة من أهلهِ ‪ ،‬ومل يتعفف عن هتك‬ ‫األعَاض وسلب األموال وبقَ بطو احلوامل‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ قتلهم ألهل اّعلم‪:‬‬ ‫وقد قتل من أهل اّكفَة يف هذه اّنِزّة كثريو ؛ منهم‪ :‬اّشِخ أبو شنة ‪ ،‬وابن أخِه اّشِخ عمَ ‪،‬‬ ‫واّشِخ يِمد اهلِمة ‪ ،‬واّشِخ عبد اّسالم أبو سَيويل ‪ ،‬واّشِخ حممد املنشوف ‪ ،‬وابن أخِه علي بن‬ ‫يسني ‪ ،‬واّشِخ حممد اّعَيب ‪ ،‬واّشِخ حممد أبو سجِدة ‪ ،‬واّشِخ أَمد اّفِيدي اجللويل ‪ ،‬واّشِخ‬ ‫خلِفة اّدالية‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ قتلهم ّكبِر شِوخ اّكفَة‪:‬‬ ‫وملِ ذهب كبِر شِوخ زاوية اّكفَة إىل اّقِئد اّكبري يَجونه وضع يد هلذه املذابح ؛ أمَ بذحبهم أمِمه‬ ‫كمِ تذبح اّشِ​ِه‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ قتل األبَ​َيء بَمِهم من اّطِئَات‪:‬‬ ‫ومن اّفظِئع اّيت ارتكبهِ اإليطِِّو يف بَقة ‪ ،‬ونقلهِ اَّواة اّصِدقو ‪ :‬أهنم وضعوا أيد مشِيخ عِئلة‬ ‫اّفوائد املدعو اّشِخ سعد ومخسة عشَ شخصًِ من اّعَب يف اّطِئَات ‪ ،‬وارتفعوا هبم عن سطح‬ ‫األرض ‪ ،‬مث جعلوا يلقوهنم وايداً بعد االخَ ِّموتوا مِتة مل يسبق هلِ مثِل‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ انتزاع األراضي من أهِِّهِ وجتويعهم‪:‬‬ ‫ومن اّفظِئع اّيت ارتكبوهِ يف اجلبل األخضَ‪ :‬إخَاج أهله منه وهم ال يقل عددهم عن مثِنني أّف‬ ‫عَيب إىل ابدية سَت اّقِيلة ‪ ،‬مث أذاعوا بوسِطة قنصلِتهم يف بالد األرجنتني أ يكومة طَابلس وبَقة‬


‫تعطي األراضي اخلصبة فِهِ ّكل إيطِيل يَيد اّنقلة إِّهِ ‪ ،‬وبلغت مسِية األراضي اّيت أخذت غصبًِ‬ ‫حنواً من مئيت أّف هكتِر ‪ ،‬وال تزال احلكومة اإليطِِّة حتث اإليطِِّني على استعمِر هذه األراضي ‪،‬‬ ‫وقبل انتزاع أراضي اجلبل األخضَ من أهله يف هذه اّسنة انتزعت يف سنة ‪ 1924‬م مِ مسِيته ‪420‬‬ ‫أّف هكتِر دو مقِبل ‪ ،‬ويف بعض األيِ​ِ كِ املقِبل عن املئة أّف هكتِر ستة االف فَنك إيطِيل‬ ‫ـ أي‪ :‬مخسني جنِهًِ تقَيبًِ ـ وقد خَج أهِيل اجلبل األخضَ عند إجالئهم منه وهم ال ميلكو مِ يقتِتو‬ ‫به ‪ ،‬فَتبوا ّكل عِئلة فَنكني يف اِّوم ‪ ،‬وهم اال يعِشو هبذا املَتب عِشة بؤس تفتت األكبِد ‪ ،‬ويف‬ ‫أثنِء نقلهم إىل صحَاء سَت كِ كلمِ عجز وايد منهم عن مواصلة املشي يَُمى ابَّصِص‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ تَيِل األطفِل إىل إيطِِّة ّتنصريهم‪:‬‬ ‫وفضالً عن كل ذّك فقد مجع اإليطِِّو األطفِل اّوطنِني من ‪ 3‬إىل ‪ 14‬وأخذوهم من أهلهم ‪،‬‬ ‫وأرسلوهم إىل إيطِِّة بزعم تعلِمهم فِهِ ‪ ،‬ومجعوا اّشبِ من سن ‪ 15‬إىل ‪ ، 40‬وأحلقوهم ابجلِش ‪،‬‬ ‫واستخدموهم يف حمِربة أهلهم وبالدهم‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ إرسِِّ​ِت اّتبشري بني األهِيل‪:‬‬ ‫وبلغ االستهتِر ابّشعور اإلسالمي مبلغًِ عظِمًِ بني إرسِِّ​ِت اّتبشري املنبثة اال بني األهِيل ‪ ،‬ومن‬ ‫صدور األوامَ املشددة على اخلطبِء يف اجلوامع ابّدعِء مللك إيطِِّة على املنِبَ‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ خداعهِ ّألهِيل[(‪:])268‬‬ ‫وقد يدث مَاراً أ احلكومة تعلن عن اّعفو واألمِ ‪ ،‬فإذا وقع املعفو عنهم وغدا يف قبضتهم غدرت‬ ‫هبم ‪ ،‬وممن ذهبوا ضحِة هذا اّغدر من رؤسِء اّقبِئل‪ :‬خلِفة بن عسكَ ‪ ،‬واّشِخ عبِدة اّصَمِين ‪،‬‬ ‫وأَمد اّبِشِ ‪ ،‬وإبَاهِم بن عبِد ‪ ،‬واهلِدي كعبِر وابنه حممد كعبِر ‪ ،‬واّشِخ أَمد أَمد احلجِوي ‪،‬‬ ‫واّشِخ علي اّشويخ ‪ ،‬واّشِخ عبد اّسالم بن عِمَ ‪ ،‬واّشِخ حممد اّرتيكي ‪ ،‬واّشِخ شَف اّدين‬ ‫اّعمِمي ‪ ،‬واّشِخ أَمد بن يسن بن املنتصَ ‪ ،‬واّشِخ عمَ اّعوارين ‪ ،‬واّشِخ حممد عبد اّعِل ‪ ،‬ومن‬ ‫اّضحَِي اّذين ال يعَف هلم ذنب‪ :‬اّشِخ صِحل اّعوامي ؛ وهو شِخ يبلغ اّتسعني عِمًِ من أهل اّعلم‬ ‫واّصالح ؛ قبضت علِه إيطِِّة سنة (‪ 1923‬م) وز َجْته يف سجن بنغِزي إىل أ مِت ‪ ،‬فدفن مبحل‬ ‫جمهول ‪ ،‬فأرواح هؤالء اّضحَِي تصِح ابإلنسِنِة مجِعهِ ‪ ،‬وجبمعِة األمم بنوع خِص‪ :‬أ هلمي إىل‬ ‫إنقِذ اّبقِة اّبِقِة من أبنِء اإلنسِنِة املعذبة يف هذه اَّبوع من سِ​ِسة اّفتك واالستئصِل واإلابدة اّيت‬ ‫تتبعهِ إيطِِّة يف طَابلس املنكوبة ‪ ،‬وأ اّعِمل اإلسالمي يعترب مِ وقع ويقع يف طَابلس اّغَب عدواانً‬


‫مبِشَاً على كل مسلم مهمِ كِنت جنسِته ووطنه ‪ ،‬وسِبقى عِر هذه األعمِل الصقًِ إلجَاء حتقِق‬ ‫دويل يَ دقِق يف نفس بالد بَقة وطَابلس عن كل مِ جَى فِهِ ‪ ،‬وإعال نتِجته كمِ تقتضِه اّعداّة‬ ‫واحلق ‪ ،‬واملوقعو على هذا يطلبو من مجعِة األمم إجَاء هذا اّتحقِق تنزيهًِ ّإلنسِنِة عن حلوق هذا‬ ‫اّعِر هبِ إىل األبد ‪ ،‬ويَجو إبحلِح أ يكو هلم مندوب خيتِرونه مع جلنة اّتحقِق ‪ ،‬وهم ينتظَو مِ‬ ‫تقَره اّعصبة يف هذا اّشأ بفِرغ اّصرب‪.‬‬ ‫اّتوقِعِت‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ حممد اّشَقِوي‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ خلِل اخلِّدي ‪ ،‬رئِس االستئنِف اّشَعي بفلسطني‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ حممد رشِد رضِ ‪ ،‬منشأى جملة املنِر اإلسالمِة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ حممد عبد اّلطِف دراز ‪ ،‬من اّعلمِء وعضو جملس إدارة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ مجعِة اّشبِ املسلمني ابّقِهَة‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ حممد عبد اَّ​َمن قَاعة ‪ ،‬من اّعلمِء ومدرس ابألزهَ اّشَيف‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ عبد اّوهِب اّنجِر ‪ ،‬وكِل مجعِة اّشبِ املسلمني ابّقِهَة‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ حممد كِمل اّقصِب‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ حممد تقي اّدين اهلاليل ‪ ،‬األستِذ األول ّالداب اّعَبِة بندوة اّعلمِء ابهلند‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ علي سَور اّزنكلوين ‪ ،‬املدرس بقسم اّتخصص ابألزهَ‪.‬‬ ‫ّقد عبث اجلنود اإليطِِّو ابملكتبة اّسنوسِة اّيت كِنت ثَوة علمِة ضخمة ‪ ،‬فأخذت أيدي اجلنود‬ ‫تبددهِ ذات اِّمني وذات اّشمِل ‪ ،‬وتوقد هبِ اّنريا ّلطعِم ‪ ،‬وأخرياً صدرت األوامَ جبمع مِ تبقى‬ ‫تنج هذه املكتبة‬ ‫منهِ ونقله إىل بنغِزي ‪ ،‬فنقلته أربعو سِ​ِرة شحن كبرية ‪ ،‬وعدد كبري من اإلبل ‪ ،‬ومل ُ‬ ‫بعد وصوهلِ إىل بنغِزي من اّعبث ؛ فقد تسَب اّكثري منهِ إىل أيدي األفَاد ‪ ،‬ونقل قسم كبري منهِ‬ ‫إىل إيطِِّة ‪ ،‬وهكذا وصلت يد اّفسِد اإليطِِّة إىل كل شيء يف ِّبِة[(‪.])269‬‬ ‫عندمِ مت اعتقِل مجِع أهِيل بَقة ويصَهم ‪ ،‬ومت ايتالل واية اّكفَة ؛ مل يعد إذاً أمِم سفِح بَقة إال‬ ‫شيء وايد؛ هو إَتِم وضعِة مد األسالك اّشِئكة اّيت ستفصل بني بَقة ومصَ فصالً هنِئِ​ًِ ‪ ،‬فأخذ‬ ‫يف سَعة تتمِمهِ ؛ جمنداً ّذّك كل مِ ّديه من إمكِنِ​ِت ‪ ،‬وكِ قد استدعى شَكِت املقِوالت‬


‫اخلِصة من إيطِِّة ‪ ،‬فتعهدت كل شَكة منهِ إبَتِم اجلزء املخصص هلِ حتت إشَاف اّقِ​ِدة اّعسكَية‬ ‫اّيت وضعت مهندسِهِ حتت تصَف هذه اّشَكِت ‪ ،‬وقد استوردت احلكومة‬ ‫اإليطِِّة معدات خِصة من أملِنِة ‪ ،‬فضالً عمِ جِءت به من إيطِِّة هلذا اّغَض املطلوب ‪ ،‬ووضعت‬ ‫حتت تصَف هذه اّشَكِت عشَات االالف من اّعمِل اّذين جندهتم من املعتقالت تلهب ظهورهم‬ ‫اّسِ​ِط ‪ ،‬وهكذا امتد خط األسالك اّشِئكة من اّبحَ املتوسط إىل مِ بعد اجلغبوب ‪ ،‬فكِ طوّه‬ ‫يوايل ثالمثئة كِلو مرت ‪ ،‬مث وضع غَاسِ​ِين نقِطًِ عسكَية مزودة جبمِع املعدات احلَبِة ‪ ،‬وربط بعضهِ‬ ‫ببعض من يِث االتصِل فِمِ إذا ايتِجت نقطة ملسِعدة األخَى هتب بسَعة ‪ ،‬ومن هذه اّنقِط‪:‬‬ ‫مسِعد ‪ ،‬واّشقة ‪ ،‬وبئَ اّغيب ‪ ،‬وقرب صِحل ‪ ،‬وسِدي عمَ ‪ ،‬وبئَ يكِم ‪ ،‬مث زود غَاسِ​ِين هذا‬ ‫اّسِ​ِج احملكم مبوّدات كهَابئِة ملده ابّنور يىت ال يستطِع اإلفالت منه مهمِ تكن األيوال ‪ ،‬وإذا مِ‬ ‫قدر ألي إنسِ أ يصل إِّه فسِواجه معَكتني عسريتني ال سبِل إلفالته من إيدامهِ إذا مِ تِسَ ّه‬ ‫اإلفالت من األخَى ‪ ،‬وتتمثل املعَكتِ يف حمِوّة تقطِع األسالك ‪ ،‬ويف اّدفِع عن اّنفس ‪ ،‬وتقطِع‬ ‫األسالك حيتِج إىل معدات فنِة ‪ ،‬وإىل وقت من اّزمن ؛ فكِف إذاً ملن يتمكن من اّوصول إىل هذا‬ ‫اّسِ​ِج إجَاء عملِة اّتقطِع وعملِة اّدفِع يف ا وايد؟![(‪.])270‬‬ ‫كِ اجملِهدو مستمَين يف جهِدهم ‪ ،‬واّقوات اإليطِِّة تشتبك معهم وهي جمهزة ابملصفحِت‬ ‫واّطِئَات واملدفعِ​ِت ‪ ،‬وكِ اّقتِل ال يتوقف ‪ ،‬وقد أورد اجلنَال غَاسِ​ِين يف كتِبه‪ :‬أنه اّتقى مع عمَ‬ ‫املختِر يف مئتني وستني معَكة خالل اّثمِنِة عشَ شهَاً ؛ ابتداء من يكمه يف بَقة إىل أ وقع عمَ‬ ‫املختِر أسرياً ‪ ،‬وقد ثبت اجملِهدو يف يِّيت اّدفِع واهلجوم‪.‬‬ ‫كِ اجملِهدو يقضو معظم أوقِهتم يف يِّة استعداد قصوى ‪ ،‬ويوجهو اّضَابت احملكمة ّلطلِ​ِ ‪،‬‬ ‫ويِر سفِح بَقة يف أمَ اجملِهدين ‪ ،‬ورغم اإلجَاءات اّيت اختذهِ ‪ ،‬واّيت كِ يثق يف فِئدهتِ ‪ ،‬إال أنه‬ ‫أصِب ابّقنوط واِّأس ‪ ،‬وأصبح كل أمله يف موت عمَ املختِر اّطبِعي قِئالً ّكبِر مَؤوسِه يف أكثَ‬ ‫من منِسبة‪ :‬إ عمَ املختِر شِخ كبري ‪ ،‬والبد من موته عِجالً أو اجالً ‪ ،‬فعلِنِ أ ننتظَ تلك اّسِعة‬ ‫وّعلهِ ال تكو بعِدة ‪ ،‬وفكَ غَاسِ​ِين ذات مَة تفكرياً غَيبًِ وإ كِ ال يستغَب على تفكريه أي‬ ‫شيء ‪ ،‬فكَ يف إيَاق مجِع غِابت اجلبل‬ ‫األخضَ ‪ ،‬ودرس هذا املوضوع جدَيً مع مستشِريه اّسِ​ِسِني واّعسكَيني[(‪ ، ])271‬إال أ اّسِد‬ ‫صِحل بك املهدوي أيد زعمِء بنغِزي استطِع أ يثين غَاسِ​ِين عن هدفه بعد أ اجتمع به ‪ ،‬وشَع‬


‫غَاسِ​ِين يتكلم عن عمَ املختِر حممالً مسؤوِّة ذّك إىل مجِع أهل اّبالد ‪ ،‬وقِل عنهم‪ّ :‬و أهنم‬ ‫صدقوا معنِ ملِ استمَ عمَ املختِر يف موقفه اِّ​ِئس يقِتل جنودان ‪ ،‬مث انتقل فجأة ِّتحدث عن‬ ‫موضوع يَق غِابت اجلبل األخضَ ‪ ،‬وقِل‪ :‬إ احلكومة اإليطِِّة يهمهِ أ تنهض هبذه اّبالد ‪ ،‬وإ‬ ‫عمَ املختِر وقف عقبة يف سبِل اّنهوض ‪ ،‬ويِوّت احلكومة أكثَ من مَة أ تنصحه ّإلقالع عن‬ ‫حمِربتنِ ‪ ،‬وّكنه رفض االنصِ​ِع إىل نصِئح احلكومة ‪ ،‬معتمداً على اختفِئه يف مغِرات اجلبل وغِابته ‪،‬‬ ‫وّقد صممت أ أزيل هذه اّغِبة اّيت حيتمي وراءهِ سِخَاً بقوة احلكومة ‪ ،‬وسكت اجلنَال قلِالً ‪ ،‬مث‬ ‫طلب من صِحل بك املهدوي أ يشِركه اّبحث يف هذا املوضوع ‪ ،‬فأجِبه بقوّه‪:‬‬ ‫(إكو ُّ‬ ‫إ عمَ املختِر سِنتهي بال شك ‪ ،‬فقِطعين عند كلميت هذه بقوّه‪ُّ :‬‬ ‫إكو‪ ..‬كويستِ ّفرييتِ‪..‬‬ ‫َينوات َينوات‪ ..‬سِنتِ سِنتِ‪ ..‬ديَي ديَي‪ ..‬أوانيت أوانيت‪ )..‬ومعىن هذه اّكلمِت اإليطِِّة هو‪ :‬هكذا‬ ‫هكذا‪ ..‬هذه هي احلقِقة‪ ..‬امسع َيَينوات (اّرتمجِ )‪ ..‬امسع امسع‪ ..‬قل قل‪ ..‬استمَ استمَ) إنكم َي‬ ‫دوّة اّوايل اختذمت حبزم مجِع االيتِ​ِطِت اّيت من شأهنِ اّقضِء علِه ‪ ،‬واملسأّة وقت ال أقل وال أكثَ ‪،‬‬ ‫وهنِ حت َمس اجلنَال ّكلمِيت هذه كأهنِ صِدفت هوى يف نفسه ‪ ،‬أو كأنين قلت ّه شِئًِ كِ يَيد أ‬ ‫يسمعه‪.‬‬ ‫وقلت ّه مواصالً احلديث‪ :‬إ اّدوّة اإليطِِّة يف يِجة الستثمِر كل شجَة يف هذه اّبالد ‪ ،‬وسوف‬ ‫يكو فضل هذا االستثمِر املنتظَ على أيديكم فإذا مِ أقدمتم على يَق اّغِابت ـ واّكلمة األخرية‬ ‫ّدوّتكم ـ فسوف ميَ زمن طويل وطويل جداً دو إعِدهتِ من جديد ملِ كِنت علِه ‪ ،‬هذا إذا مل يكن‬ ‫إعِدهتِ مستحِالً ‪ ،‬وإِّكم َي دوّة اّوايل نذكَ مسأّة هلِ وجه اّشبه بَأيكم هذا‪ .‬يف عهد اّدوّة‬ ‫اّعثمِنِة قِمت قبِلة اّرباعصة بعصِ​ِ ضد احلكومة ‪ ،‬وتعذر على احلكومة إهنِء اّعصِ​ِ ‪ ،‬واعتربت‬ ‫أ غِابت اجلبل األخضَ كِنت أكرب مشجع ّلقبِئل على اّعصِ​ِ ‪ ،‬فتتخذ‬ ‫منه خمِأبى ال يقوى اجلنود اّعثمِنِو على اكتشِفهِ ‪ ،‬فأرادت احلكومة أ تقوم حبَق مجِع اّغِابت ‪،‬‬ ‫ومسع اّسلطِ بذّك فِعرتض على هذه اّفكَة قِئالً‪ :‬إذا كِ املوجب ّعصِ​ِ األهِيل هو َتنعهم عن‬ ‫دفع اّعشور واّعوائد احلكومِة ؛ فإنين أدفعهِ عنهم من جِيب اخلِص َمِية ّلغِابت يف اجلبل األخضَ ‪،‬‬ ‫وال أوافق على يَقهِ‪ .‬وعندمِ انتهِت من احلديث معه ودعين شِكَاً)[(‪.])272‬‬ ‫ّقد يَص صِحل بك املهدوي على َمِية اجلبل األخضَ من عبث غَاسِ​ِين اّذي كِنت يف يده‬ ‫إمكِانت إيطِِّة ّلقضِء على يَكة اجلهِد ‪ ،‬وّذّك جِدل وانقش ويِول أ يقنع غَاسِ​ِين ابإلقالع‬


‫عن تلك اّفكَة اجلهنمِة ‪ّ ،‬قد قِل صِحل بك عندمِ سئل عن صحة مِ إذا كِنت احلكومة اّعثمِنِة‬ ‫فكَت يف إيَاق غِابت اجلبل األخضَ؟ فأجِب بقوّه‪ :‬إ املسأّة اّيت ضَبت هبِ املثل ّلجنَال‬ ‫غَاسِ​ِين كِ هلِ أثَ يف عهد قدمي ‪ ،‬واحلديث عنهِ يطول ‪ ،‬واّطلِ​ِ ال يَيدو ذكَهِ من وجهة‬ ‫سِ​ِسِة حمضة ‪ ،‬وعلى كل يِل كنت أرمي بذكَهِ ّلجنَال غَاسِ​ِين إىل َمِية جِلنِ من عبث هذا‬ ‫اجملنو اّذي وضعوا يف يده سِفًِ يِداً‪.‬‬ ‫كِ غَاسِ​ِين ميلك اّقوات اّضخمة يف اّرب واّبحَ واجلو ‪ ،‬واّسلطة اّغِمشة املستبدة يف بَقة ‪،‬‬ ‫واخلزائن املَصوفة ابألموال ‪ ،‬واّسجو واملعتقالت واملشِنق ‪ ،‬ومع هذا يضعف ويسِطَ علِه اّعجز‬ ‫أمِم اجملِهدين وقِئدهم اّعظِم ‪ ،‬يىت دفعه تفكريه إىل يَق اّغِابت بعد أ َتكن من يَق األكبِد‬ ‫واألفئدة واألجسِم ‪ّ ،‬قد وقع حتت أتثري عصيب يِد من جَاء مِ أصِبه من اّفشل اّذريع ‪ ،‬وكِ يف‬ ‫طَيقه إىل االستقِّة أو اإلقِّة ّوال تقديَ هللا بوقوع عمَ املختِر يف األسَ[(‪.])273‬‬

‫املبحث اّثِّث‬ ‫األَيم األخرية من يِ​ِة املختِر‬ ‫ووقوعه يف األسَ مث إعدامه‬ ‫أوالً‪ :‬أَمد اّشَيف حيرتق على بالده ‪ ،‬ويَسل حممد أسد ملعَفة أخبِر اجملِهدين‪:‬‬ ‫كِ حممد أسد صِيب كتِب ( اّطَيق إىل اإلسالم) قد تعَف على أَمد اّشَيف أثنِء إقِمته يف‬ ‫احلجِز ‪ ،‬وقد أتثَ به غِية اّتأثَ ‪ ،‬وأيبه يبًِ عظِمًِ ‪ ،‬يقول حممد أسد‪ِّ(( :‬س يف اجلزيَة اّعَبِة كلهِ‬ ‫شخص أيببته كمِ أيببت اّسِد أَمد ؛ ذّك أنه مِ من رجل ضحى بنفسه تضحِة كِملة جمَدة عن‬ ‫كل غِية يف سبِل مثل أعلى ‪ ،‬كمِ فعل هو ‪ّ ،‬قد وقف يِ​ِته كلهِ ‪ ،‬عِملًِ وحمِرابً ‪ ،‬على بعث اجملتمع‬ ‫اإلسالمي بعثًِ رويِ​ًِ ‪ ،‬وعلى نضِّه يف سبِل االستقالل اّسِ​ِسي ‪ ،‬ذّك أنه كِ يعَف جِداً أ‬ ‫اّوايد ال ميكن أ يتحقق من دو االخَ))[(‪.])274‬‬


‫ّقد تعَف حممد أسد على أَمد اّشَيف بوسِطة اجملِهد األندونِسي يِجي اغوس سِمل ؛ اّذي كِ‬ ‫ميثل مَكز اّقِ​ِدة يف جهِد إندونِسِة ضد أعدائهِ ‪ ،‬وكِ قد جِء معه بقصد احلج ‪ ،‬وعندمِ عَف‬ ‫اّسِد أَمد اّشَيف أ حممد أسد يديث عهد ابإلسالم ‪ ،‬مد إِّه يده وقِل‪(( :‬مَيبًِ بك بني‬ ‫إخوانك ‪َ ،‬ي أخي اّشِب))[(‪.])275‬‬ ‫ّقد أيب حممد أسد أَمد اّشَيف وتفِعل مع قضِة ِّبِة ‪ ،‬وكِ ميضي معه وبصحبة اّسِد حممد‬ ‫اّزاوي اّسِعِت اّطوال ّلبحث يف وضع اجملِهدين يف ِّبِة ‪ ،‬واستمَت االجتمِعِت مسِء كل يوم‬ ‫طِلة أسبوع تقَيبًِ ّبحث مِ كِ ابإلمكِ‬ ‫صنعه ‪ ،‬وقد رأى اّشِخ حممد اّزاوي أ إمداد اجملِهدين بني اّفِنة واألخَى مل يكن من شأنه أ حيل‬ ‫املشكلة ‪ ،‬فقد كِ يعتقد أ واية اّكفَة يف اجلنوب من صحَاء ِّبِة جيب أ تكو اثين حمور ّكل‬ ‫اّعملِ​ِت احلَبِة يف املستقبل ‪ ،‬وكِ يظن أ اّكفَة مِ تزال بعِدة عن تنِول اجلِوش اإليطِِّة ‪ ،‬وفوق‬ ‫ذّك فقد كِنت تقع على طَيق اّقوافل (وّو كِ طويالً وشِقًِ) إىل واييت حبَية وفَفَة املصَيتني ‪ ،‬وّذا‬ ‫كِ ميكن َتوينهِ بصورة جِدة أكثَ من أي موقع اخَ يف ِّبِة ‪ ،‬كمِ كِ ميكن أ يتحول كثري من‬ ‫املهِجَين إىل مصَ إِّهِ ّتكو مستودعًِ دائمًِ إلمداد عمَ املختِر يف اّشمِل ‪ ،‬وكِ أَمد اّشَيف‬ ‫مستعداً ّلذهِب بنفسه ‪ّ ،‬و أمكن إعِدة تنظِم اّقتِل على تلك اّصورة ‪ّ ،‬إلشَاف على اّعملِ​ِت‬ ‫اجلهِدية بنفسه[(‪.])276‬‬ ‫ّقد حتدث حممد أسد عن سبب اهتمِمه ابّقضِة اّسنوسِة ‪ ،‬فقِل‪ :‬مل يكن اهتمِمي اّبِّغ مبصري‬ ‫اّسنوسِني انشئًِ عن إعجِيب ببطوّتهم املتنِهِة يف قضِة عِدّة مقسطة فحسب ‪ ،‬بل إ مِ كِ يهمين‬ ‫أكثَ من ذّك هو مِ كِ ميكن أ حيدثه انتصِر اّسنوسِني من أتثري على اّعِمل اّعَيب أبكمله ؛ إذ‬ ‫إنين مل أستطع أ أرى يف اّعِمل اإلسالمي كله إال يَكة وايدة كِنت تسعى صِدقة إىل حتقِق اجملتمع‬ ‫اإلسالمي املثِيل‪ :‬احلَكة اّسنوسِة ‪ ،‬اّيت كِنت حتِرب اال معَكتهِ األخرية يف سبِل احلِ​ِة ‪ ،‬وبسبب‬ ‫إيل وسدد نظَه‬ ‫أ اّسِد أَمد كِ يعَف مبلغ عطفي اّشديد على اّقضِة اّسنوسِة ‪ ،‬فقد اّتفت َ‬ ‫إىل عِين وسأّين قِئالً‪(( :‬هل تذهب َي حممد إىل بَقة ابّنِ​ِبة عنِ ‪ ،‬فتقف على مِ ميكن صنعه‬ ‫ّلمجِهدين؟ ّعلك تستطِع أ تَى األمور أبجلى ممِ يَاهِ بنو قومي‪.])277([))...‬‬


‫وبعد أ وافق حممد أسد على تلك املهمة اّصعبة ‪ ،‬تنِول أَمد اّشَيف من أيد اَّفوف نسخة من‬ ‫اّقَا اّكَمي ملفوفة بغالف من احلَيَ ‪ ،‬وبعد أ وضعهِ على ركبته أمسك بِدي اِّمىن بني يديه‬ ‫ووضعهِ على اّكتِب‪:‬‬ ‫((اقسم َي حممد ‪ ،‬ابهلل اّذي يعلم مِ يف اّقلوب ‪ ،‬على أنك ستبقى أمِنًِ ّلمجِهدين‪.))...‬‬ ‫قِل حممد أسد‪ :‬فأقسمت ومل أشعَ يف يِ​ِيت يومًِ أنين كنت أكثَ وثوقًِ بوعدي ممِ كنت يف تلك‬ ‫اّلحظة[(‪.])278‬‬ ‫قِم أَمد اّشَيف برتتِب أمور هذه اَّيلة ‪ ،‬واتصل أبتبِع احلَكة يف مصَ ‪ ،‬ووصل اخلرب إىل عمَ‬ ‫املختِر واستعد حممد أسد هلذه اَّيلة املثرية مع رفِقه زيد من قبِلة مشَ ‪ ،‬وشَع يف تنفِذ خطواته وكِ‬ ‫رجِل احلَكة اّسنوسِة يقودونه مبهِرة ابرعة ‪ ،‬يىت وجد نفسه أمِم عمَ املختِر يف اجلبل األخضَ ‪،‬‬ ‫وقد فصل األستِذ حممد أسد تلك اَّيلة يف كتِبه املشهور[(‪.])279‬‬ ‫ّقِؤه بعمَ املختِر‪:‬‬ ‫بعد دخول حممد أسد إىل اجلبل األخضَ من جهة اّصحَاء اّغَبِة املصَية بوسِطة اجملِهدين اّذين‬ ‫أرسلهم عمَ املختِر الستقبِّه ‪ ،‬وجد حممد أسد نفسه أمِم قِئد يَكة اجلهِد ‪ ،‬ويصف ّنِ حممد أسد‬ ‫ذّك اّلقِء فِقول‪ :‬كِ حيِط به رجال من كل جِنب ‪ ،‬ويتبعه كذّك عدد اخَ ‪ ،‬وعندمِ وصل إىل‬ ‫اّصخور اّيت كنِ ننتظَ عندهِ ‪ ،‬سِعده أيد رجِّه على اّنزول ‪ ،‬ورأيت أنه كِ ميشي بصعوبة‬ ‫(عَفت بعدئذ أنه قد جَح إاب إيدى املنِوشِت قبل ذّك بعشَة أَيم) ‪ ،‬وعلى ضوء اّقمَ املشَق‬ ‫استطعت اال أ أراه بوضوح‪ :‬كِ رجالً معتدل اّقِمة ‪ ،‬قوي اّبنِة ‪ ،‬ذا حلِة قصرية بِضِء كِّثلج‬ ‫حتِط بوجهة اّكئِب ذي اخلطوط اّعمِقة ‪ ،‬وكِنت عِنِه عمِقتني ‪ ،‬ومن اّغضو احملِطة هبمِ كِ‬ ‫ابستطِعة املَء أ يعَف أهنمِ كِنتِ ضِيكتني بَاقتني يف غري هذه اّظَوف ‪ ،‬إال أهنمِ مل يكن فِهمِ‬ ‫اال شيء غري اّظلمة واألمل واّشجِعة‪.‬‬ ‫واقرتبت منه أليِ​ِه ‪ ،‬وشعَت ابّقوة اّيت ضغطت هبِ يده على يدي‪(( :‬مَيبًِ بك َي بين)) قِل ذّك‬ ‫يف ِ‬ ‫متفحصًِ‪ّ :‬قد كِنت عِين رجل كِ اخلطَ خبزه اِّومي‪.‬‬ ‫وأخذ جيِل عِنِه َ‬ ‫وفَش أيد رجِّه يَامًِ على األرض ‪ ،‬فجلس سِدي عمَ علِه متثِقالً ‪ ،‬واحنىن‬ ‫عبد اَّ​َمن[(‪ِّ ])280‬قبل يده مث شَع بعد استئذانه يوقد انراً خفِفة حتت اّصخَة اّيت كنِ حمتمني هبِ‬ ‫‪ ،‬وعلى ضوء اّنِر اخلِفت قَأ سِدي عمَ اّكتِب اّذي َملنِه اّسِد أَمد إِّه‪ّ .‬قد قَأه ابهتمِم‬


‫وعنِية ‪ ،‬مث طواه ووضعه حلظة فوق رأسه ـ وهي أمِرة االيرتام واحلب ال يكِد املَء يَاهِ يف جزيَة‬ ‫إيل مبتسمًِ ‪ ،‬وقِل‪ّ(( :‬قد أطَاك اّسِد أَمد‬ ‫اّعَب ‪ ،‬وّكنه كثرياً مِ يَاهِ يف مشِيل إفَيقِة ـ مث اّتفت َ‬ ‫‪ ،‬أطِل هللا عمَه ‪ ،‬يف كتِبه‪ .‬أنت على استعداد ملسِعدتنِ ‪ ،‬وّكين ال أعلم من أين ميكن أ أتتِنِ‬ ‫اّنجدة ‪ ،‬إال من هللا اّعلي اّكَمي‪ .‬إننِ يقًِ على وشك أ نبلغ هنِية أجلنِ‪.))...‬‬ ‫فقلت‪(( :‬وّكن‪ ..‬هذه اخلطة اّيت وضعهِ اّسِد أَمد ‪ ،‬أال ميكن أ تكو بداية جديدة؟ وإذا أمكن‬ ‫تدبري احلصول على املؤ واّذخِئَ من اّكفَة بصورة اثبتة ‪ ،‬أفال ميكن صد اإليطِِّني؟))[(‪.])281‬‬ ‫مل أر يف يِ​ِيت ابتسِمة تدل على ذّك اّقدر من املَارة واِّأس كتلك االبتسِمة اّيت رافقت جواب‬ ‫سِدي عمَ‪(( :‬اّكفَة‪...‬؟ ّقد خسَان اّكفَة ‪ ،‬فِإليطِِّو قد ايتلوهِ منذ أسبوعني‬ ‫تقَيبًِ‪.])282([))...‬‬ ‫وأذهلين اخلرب ‪ ،‬ذّك أنين واّسِد أَمد ‪ ،‬طوال تلك األشهَ املِضِة ‪ ،‬كنِ نبين خططنِ على افرتاض أ‬ ‫اّكفَة ميكن أ تكو نقطة جتمع ّتقوية املقِومة ‪ ،‬أمِ وقد ضِعت اّكفَة فإنه مل يبق ّلسنوسِني سوى‬ ‫جند اجلبل األخضَ ‪ ،‬ال شيء سوى كمِشة اإليطِِّني اّيت كِنوا يضِقوهنِ بثبِت واستمَار‪ ...‬وخسِرة‬ ‫نقطة بعد نقطة‪ ..‬واختنِق بطيء‪.‬‬ ‫ـ وكِف سقطت اّكفَة؟‪.‬‬ ‫فأومأ سِدي عمَ إميِءة متعبة إىل أيد رجِّه أ يقرتب‪(( :‬دع هذا اَّجل يقص علِك اخلرب‪ ...‬إنه‬ ‫وايد من أوّئك اّقالئل اّذين هَبوا من اّكفَة ‪ ،‬ومل يصل عندي إال ابألمس))‪.‬‬ ‫وجلس اّكفَي على ردفِه أمِمي وجذب بَنسه اّبِيل يوّه وتكلم ببطء دو أ يبدو يف صوته أي‬ ‫أثَ ّالنفعِل ‪ ،‬وّكن وجهه اّنِيل كِ يعكس مجِع األهوال اّيت شهدهِ‪.‬‬ ‫((ّقد خَجوا علِنِ يف ثالث فَق من ثالث جهِت ‪ ،‬وكِ معهم سِ​ِرات مصفحة ومدافع ثقِلة كثرية‪.‬‬ ‫أمِ طِئَاهتم فقد يلقت على علو منخفض ‪ ،‬ورمت ابّقنِبل اّبِوت واملسِجد وغِ​ِض اّنخِل‪ .‬مل‬ ‫يكن ّدينِ سوى بضع مئِت من اَّجِل يستطِعو َمل اّسالح ‪ ،‬أمِ اّبِقو فقد كِنوا نسِء وأطفِالً‬ ‫وشِوخًِ‪ّ .‬قد دافعنِ عن أنفسنِ بِتًِ بِتًِ ‪ ،‬وّكنهم كِنوا أقوى كثرياً منِ ‪ ،‬ويف اّنهِية مل يبق إال قَية‬ ‫اهلواري‪ .‬مل تنفع بنِدقنِ يف سِ​ِراهتم املصفحة ‪ ،‬فطغوا علِنِ ‪ ،‬وَتكن عدد قلِل جداً من اهلَب‪ .‬أمِ أان‬ ‫فقد اختبأت يف يدائق اّنخِل ‪ ،‬مرتقبًِ اّفَصة ّشق طَيقي خالل اخلطوط اإليطِِّة ‪ ،‬وكنت طوال‬ ‫اّلِل أمسع وّوّة اّنسِء اّلوايت كِ اجلنود اإليطِِّو واّعسِكَ اإلريرتيو يغتصبوهنن ‪ ،‬ويف اِّوم اّتِيل‬


‫أيضَت يل امَأة عجوز بعض املِء واخلبز ‪ ،‬وأخربتين أ اجلنَال اإليطِيل قد يشد كل من تبقى على‬ ‫قِد احلِ​ِة أمِم قرب اّسِد حممد املهدي ‪ ،‬وأمِم أعِنهم مزق نسخة من اّقَا اّكَمي مث رمِهِ إىل‬ ‫األرض وداس علِهِ حبذائه صِئحًِ‪(( :‬دعوا نبِكم اّبدوي يسِعدكم اال إذا استطِع!)) ‪ ،‬مث أمَ بقطع‬ ‫أشجِر اّنخِل يف اّواية وهدم اابرهِ ‪ ،‬وأيَق كل مِ كِ يف مكتبة اّسِد أَمد اّبدوي من كتب ‪،‬‬ ‫ويف اِّوم اّتِيل أصدر أمَه بوضع شِوخنِ وعلمِئنِ يف طِئَة يلقت هبم ورمتهم من علو شِهق ‪،‬‬ ‫وطوال اّلِلة اّتِِّة كنت أمسع من خمبئي صَخِت اّنسِء وضحكِت اجلنود وطلقِت بنِدقهم‪ ...‬وأخرياً‬ ‫زيفت إىل اّصحَاء يف ظالم اّلِل ‪ ،‬فوجدت مجالً شِرداً امتطِته ووِّت فَاراً‪.])283([))...‬‬ ‫وعندمِ أهنى اَّجل قصته املَوعة قَبين سِدي إِّه بلطف وكَر قوّه‪(( :‬إنك تستطِع أ تَى َي بين أننِ‬ ‫قد اقرتبنِ فعالً من هنِية أجلنِ)) ‪ ،‬مث أضِف‪(( :‬إننِ نقِتل أل علِنِ أ نقِتل يف سبِل ديننِ ويَيتنِ‬ ‫يىت نطَد اّغزاة أو منوت حنن ‪ ،‬وِّس ّنِ أ خنتِر غري ذّك‪ .‬إان هلل وإان إِّه راجعو ‪ّ .‬قد أرسلنِ‬ ‫نسِءان وأوالدان إىل مصَ‬ ‫كِمِ نطمئن على سالمتهم ‪ ،‬مىت شِء هللا ّنِ أ منوت))‪.‬‬ ‫قلت‪(( :‬وّكن َي سِدي عمَ ‪ ،‬أِّس من األفضل ّك وّلمجِهدين أ تنسحبوا إىل مصَ بِنمِ ال‬ ‫يزال هنِك طَيق مفتوح أمِمكم؟ فلقد يكو من املمكن يف مصَ مجع املهِجَين اّكثريين من بَقة‬ ‫وتنظِم قوة أكثَ فعِِّة وجدوى‪ .‬إ اّقتِل هنِك جيب أ يوقف بعض اّوقت يىت يستعِد اَّجِل‬ ‫شِئًِ من قوهتم‪ ...‬أان أعَف أ اّربيطِنِني يف مصَ ال ينظَو بعني اَّضِ إىل وجود قوات إيطِِّة‬ ‫راسخة األقدام على خِصَهتم ‪ ،‬فقد يغضو اّطَف ‪ ،‬وهللا أعلم ‪ ،‬عن استعداداتكم فِمِ إذا‬ ‫أقنعتموهم أبنكم ال تعتربوهنم أعداء‪.))...‬‬ ‫فأجِب‪(( :‬كال َي بين ‪ ،‬مل يعد هذا جيدي اال ‪ ،‬إ مِ تقوّه كِ ممكنًِ منذ مخس عشَة أو ست‬ ‫عشَة سنة ‪ ،‬قبل أ يقوم اّسِد أَمد ‪ ،‬أطِل هللا عمَه ‪ ،‬مبهِمجة اّربيطِنِني كي يسِعد األتَاك؛ اّذين‬ ‫مل يسِعدوان‪ ...‬أمِ اال فلم يعد يف األمَ مِ جيدي‪ ..‬إ اّربيطِنِني ّن حيَكوا إصبعًِ ّكي يسهلوا علِنِ‬ ‫أمَان ‪ ،‬واإليطِِّو مصممو على أ يقِتلوان يىت اّنهِية ‪ ،‬وعلى سحق كل إمكِنِة ّلمقِومة يف‬ ‫املستقبل ‪ ،‬فإذا ذهبت وأتبِعي اال إىل مصَ ‪ ،‬فإننِ ّن نتمكن مطلقًِ من اّعودة اثنِة ‪ ،‬وكِف‬ ‫نستطِع أ نتخلى عن قومنِ ونرتكهم وال زعِم هلم ‪ ،‬ألعداء هللا يفرتسوهنم؟))‪.‬‬ ‫ـ ومِ قول اّسِد إدريس؟ هل يشِركك اَّأي َي سِدي عمَ؟‬


‫ـ ((إ اّسِد إدريس رجل طِب ‪ ،‬إنه وّد طِب ّواّد عظِم ‪ ،‬وّكن هللا مل يعطه قلبًِ ميكنه من حتمل‬ ‫مثل هذا اّصَاع‪.])284([))...‬‬ ‫كِ زيد اّشمَي رفِق حممد أسد يف ريلته بصحبة خلِل أيد اجملِهدين إليضِر قَب املِء ‪ ،‬وبعدمِ‬ ‫رجع وقع بصَ خلِل على سِدي عمَ هجم ّتقبِل يده ‪ ،‬وبعد ذّك قدم حممد أسد زيداً إىل عمَ‬ ‫املختِر ‪ ،‬فوضع املختِر يده على كتفه وقِل‪:‬‬ ‫((مَيبًِ بك ‪َ ،‬ي أخي ‪ ،‬من أرض أجدادي ‪ ،‬من أي اّعَب أنت؟ وعندمِ أخربه‬ ‫زيد أنه من قبِلة مشَ ‪ ،‬أومأ عمَ بَأسه مبتسمًِ‪ :‬اه ‪ ،‬إذاً أنت من قبِلة يِمت اّطِئي ‪ ،‬أكَم اّنِس‬ ‫يداً‪.))...‬‬

‫وقدم هلم رجِل املختِر بعض اّتمَ ‪ ،‬ودعِهم املختِر إىل ذّك اّطعِم اّبسِط فأكلوا ‪ ،‬وهنض قِئد‬ ‫اجملِهدين وقِل‪(( :‬ا ّنِ أ نتحَك من هنِ ‪ ،‬إننِ على مقَبة من املَكز اإليطِيل يف بوصفِة ‪ ،‬وّذا ال‬ ‫نستطِع أ نتأخَ يىت اّفجَ‪.))..‬‬ ‫وحتَك حممد أسد مع قِئد يَكة اجلهِد ووصل إىل معسكَ اجملِهدين ‪ ،‬ووقعت عِنِه على امَأتني ـ‬ ‫إيدامهِ مسنة واألخَى شِبة ـ يف املعسكَ كِنتِ جِّستني ابّقَب من أيد اّنريا ‪ ،‬مستغَقتني يف‬ ‫إصالح سَج ممزق مبخَز غلِظ‪.‬‬ ‫وعندمِ حلظ اّشِخ عمَ املختِر دهشة حممد أسد قِل‪(( :‬إ أختِنِ هِتني تذهبِ معنِ يِثمِ نذهب‬ ‫‪ّ ،‬قد رفضتِ أ تسعِ​ِ إىل أمن مصَ مع سِئَ نسِئنِ وأوالدان ‪ ،‬إهنمِ أم وابنتهِ ‪ ،‬وقد فقدات مجِع‬ ‫رجِهلمِ يف احلَب‪.])285([))..‬‬ ‫اتفق عمَ املختِر مع حممد أسد على طَيقة إمداد اجملِهدين ابملؤ واّعتِد واّسالح عن طَيق اّطَيق‬ ‫اّيت جِء منهِ حممد أسد ‪ ،‬مع إنشِء مستودعِت سَية يف وايِت حبَية وفَفَة وسِوة ‪ ،‬وكِ عمَ‬ ‫املختِر يشك يف إمكِنِة اإلفالت من مَاقبة اإليطِِّني هبذه اّطَيقة مدة طويلة‪.‬‬ ‫وقد تبني بعد ذّك أ ظنونه وخمِوفه كِنت يف حملهِ ‪ ،‬ذّك أنه بعد بضعة أشهَ َت َكنت قِفلة حتمل‬ ‫املؤ واّذخِئَ من اّوصول فعالً إىل اجملِهدين ‪ ،‬إال أ اإليطِِّني اكتشفوهِ بِنمِ كِنت جتتِز اّفجوة‬ ‫بني اجلغبوب وجِّو ‪ ،‬وسَيعًِ مِ أنشؤوا بعد ذّك مَكزاً حمصنًِ يف بري طَفِوي على نصف املسِفة تقَيبًِ‬ ‫بني اّوايتني ‪ ،‬ممِ جعل ـ ابإلضِفة إىل اّدورَيت اجلوية املستمَة ـ كل مسعى اخَ من هذا اّنوع خطَاً‬ ‫إىل أبعد احلدود[(‪.])286‬‬


‫وكِ قد تقَر رجوع حممد أسد وزيد اّشمَي إىل احلجِز ‪ ،‬ورجعِ من يِث أتِ​ِ بوسِطة اجملِهدين‬ ‫اّبواسل اّذي رتبوا األمور ‪ ،‬وأخذوا ابألسبِب ‪ ،‬ويِفظوا على ضِوفهم اّكَام‪.‬‬ ‫يقول حممد أسد‪ :‬وودعت وزيد عمَ املختِر ‪ ،‬ومل نَه بعد ذّك إطالقًِ ‪ ،‬ذّك أنه بعد مثِنِة أشهَ ‪،‬‬ ‫قبض علِه اإليطِِّو وأعدموه‪.‬‬ ‫وقد وصف ّنِ حممد أسد اخَ ّقِء مع اّسِد أَمد اّشَيف ‪ ،‬فقِل‪ :‬ومَة أخَى وقفت أمِم إمِم‬ ‫اّسنوسِة ونظَت إىل وجه ذّك احملِرب اّقدمي املَهق ‪ ،‬ومَة أخَى قبلت اِّد اّيت َملت اّسِف‬ ‫طويالً جداً يىت إهنِ مل تعد تستطِع بعد أ حتمله‪.‬‬ ‫((ابرك هللا فِك َي بين‪ّ ..‬قد مضت سنة منذ أ اّتقِنِ أول مَة ‪ ،‬وهذه اّسنة قد شهدت هنِية امِّنِ‬ ‫‪ ،‬وّكن احلمد هلل على كل يِل‪.))...‬‬ ‫واحلق أهنِ كِنت سنة مفعمة ابهلموم واألكدار ابّنسبة إىل أَمد‪ّ .‬قد أصبحت األخِديد يول فمه‬ ‫أكثَ عمقًِ ‪ ،‬وأصبح صوته أكثَ اخنفِضًِ من أي وقت مضى‪.‬‬ ‫ّقد هوى اّنسَ ‪ ،‬إنه جيلس منكمشًِ على اّسجِدة ‪ ،‬وقد ّف نفسه بربنسه األبِض كأمنِ يطلب‬ ‫اّدفء ‪ ،‬وحيدق بصمت يف اّفَاغ ‪ ،‬ومهس‪(( :‬وّو أننِ استطعنِ فقط أ ننقذ عمَ املختِر ‪ّ ،‬و أننِ‬ ‫َتكنِ من إقنِعه ابهلَب إىل مصَ بِنمِ كِ هنِك متسع من اّوقت‪.))...‬‬ ‫فقلت ّه‪(( :‬مل يكن ابستطِعة أيد أ ينقذ سِدي عمَ ‪ ،‬إنه مل يَد أ ينقذ ‪ّ ،‬قد فضل أ ميوت إذا‬ ‫مل يستطع أ ينتصَ ‪ّ ،‬قد عَفت ذّك عندمِ فِرقته َي سِدي أَمد‪.])287([))...‬‬ ‫إ أَمد اّشَيف اهتم ببالده مبجَد هجَته منهِ ‪ ،‬وكِ على اتصِل ابجملِهدين ‪ ،‬وقد يدثين اّسِد‬ ‫عبد اّقِدر بن علي‪ :‬أ أَمد اّشَيف قِم بكتِبة رسِئل إىل قبِئل بَقة حيثهم على اّسمع واّطِعة‬ ‫ّلشِخ عمَ املختِر رَمه هللا‪.‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬األسد يقع أسرياً‪:‬‬ ‫ظل املختِر يف اجلبل األخضَ يقِوم اّطلِ​ِ على اَّغم من هذه اّصعوابت اجلسِمة اّيت كِنت حتِط‬ ‫به وبَجِّه ‪ ،‬وكِنت من عِدة عمَ املختِر االنتقِل يف كل سنة من مَكز إقِمته إىل املَاكز األخَى اّيت‬ ‫يقِم فِهِ إخوانه اجملِهدو ّتفقد‬


‫أيواهلم ‪ ،‬وكِ إذا ذهب هلذا اّغَض يستعد ّلطوارأى ‪ ،‬وأيخذ معه قوة كِفِة حتَسه من اّعدو اّذي‬ ‫يرتبص به اّدوائَ يف كل زمِ ومكِ ‪ ،‬وملِ أراد هللا أ خيتم ّه ابّشهِدة ذهب يف هذه اّسنة كعِدته‬ ‫يف نفَ قلِل يقدر مبئة فِرس ‪ ،‬وّكنه عِد فَ​َد من هذا اّعدد ستني فِرسًِ وذهب يف أربعني فقط‪.‬‬ ‫ويوجد يف اجلبل األخضَ واد عظِم معرتض بني اجملِهدين امسه وادي اجلَيب (ابّتصغري) ‪ ،‬وهو صعب‬ ‫املسِّك كثري اّغِابت ‪ ،‬كِ ال بد من اجتِ​ِزه ‪ ،‬فمَ به عمَ املختِر ومن معه ‪ ،‬وابتوا فِه ِّلتني ‪،‬‬ ‫وعلمت هبذا إيطِِّة بوسِطة جواسِسهِ يف كل مكِ ‪ ،‬فأمَت بتطويق اّوادي على عجل من مجِع‬ ‫اجلهِت بعد أ مجعت كل مِ عندهِ من قوة قَيبة وبعِدة ‪ ،‬فمِ شعَ عمَ املختِر ومن معه إال وهم‬ ‫وسط اّعدو[(‪ ، ])288‬وقَر منِزّة األعداء وجهًِ ّوجه ؛ فإمِ أ يشق طَيقًِ ميكنه من اّنجِة ‪ ،‬وإمِ‬

‫أ يلقى ربه شهِداً يف املِدا اّذي أّف فِه مصِرعة األعداء ‪ ،‬واّتحمت املعَكة داخل اّوادي ‪،‬‬ ‫ويصد رصِص اجملِهدين عدداً كبرياً من األعداء ‪ ،‬وسقط اّشهداء ‪ ،‬وأصِب عمَ املختِر جبَاح يف‬ ‫ويصَت يده اّسلِمة حتت اّفَس فلم يتمكن من سحبهِ ‪ ،‬ومل‬ ‫يده ‪ ،‬وأصِب فَسه بضَبة قِتلة ‪ُ ،‬‬ ‫تسعفه يده اجلَحية ‪ ،‬وأصبح ّسِ يِّه يقول‪:‬‬ ‫وكم من صدى صويت ِّوث اّشَى فَوا‬ ‫أسَت ومِ صحيب بعزل ّدى اّوغى‬ ‫وال فَسي مهَ وال ربـه غمَ‬ ‫ومِ أيد يف احلَب جيهل سطويت‬ ‫يكو وال يغين من اّقدر احلذر‬ ‫وّكن إذا يم اّقضِء على امَأى‬ ‫فلِس ّه ٌّبَ يقِه وال حبَ[(‪])289‬‬ ‫ومن رام من أمَ اإلّـه وقِية‬ ‫واّتفت اجملِهد ابن قويَش فَأى املوقف احملز ‪ ،‬وصِح يف إخوانه اّذين شقوا اّطَيق ّلخَوج من‬ ‫احلصِر قِئالً‪(( :‬احلِجة اّيت تنفع عقبت ـ أي‪ :‬ختلفت)) ‪ ،‬فعِدوا ّتخلِص قِئدهم ‪ ،‬وّكن رصِص‬ ‫اّطلِ​ِ يصد أغلبهم ‪ ،‬وكِ ابن قويَش أول من قتل وهو حيِول إنقِذ اّشِخ اجللِل ‪ ،‬وهجم جنود‬ ‫اّطلِ​ِ على األسد اجلَيح دو أ يعَفوا شخصِته يف اّبداية ‪ ،‬ومت اّقبض علِه ‪ ،‬وتعَف علِه‬ ‫أيد اخلونة ‪ ،‬وجِء اّكمندتور داود ابتشي متصَف درنة ِّتعَف على األسري ‪ ،‬ومبثل سَعة اّربق نقل‬ ‫عمَ املختِر إىل مِنِء سوسة حمِطًِ بعدد كبري من اّضبِط واجلنود اإليطِِّني ‪ ،‬وأخذت كِفة‬ ‫االيتِ​ِطِت حلَاسة مجِع اّطَق واملواقع اّقَيبة ّتأمني وصول اجملِهد اّعظِم إىل سوسة ‪ ،‬ومن مث نقل‬ ‫فوراً إىل بنغِزي عن طَيق اّبحَ[(‪.])290‬‬


‫يقول غَاسِ​ِين يف مذكَاته‪ :‬يف صبِح يوم (‪11‬سبتمرب‪ 1931‬م) وصل اخلرب بَقِ​ًِ إىل احلكومة من‬ ‫متصَفِة اجلبل هذا نصهِ‪(( :‬ابّقَب من (سلطنة) فَقة اّفَسِ (اّصواري) قبضت على وطين وقع من‬ ‫على جواده أثنِء املعَكة ‪ ،‬وقد تعَف علِه عسِكَان أبنه عمَ املختِر ‪ ،‬ونظَاً ّلخرب املهم ومن أجل‬ ‫اّتأكد واّتحقق أمَت احلكومة متصَف اجلبل احلكومندتور (اّوجِه داود َيتشي) ‪ ،‬فجهزت طِئَة‬ ‫خِصة ّنقله إىل (سلطنة) على اّفور ّلتعَف على شخصِة األسري وتثبت هويته إ كِ هو زعِم‬ ‫اجملِهدين عمَ املختِر ‪ ،‬وأتكد متصَف اجلبل من أنه عمَ املختِر ‪ ،‬وسَى اخلرب سَ​َي اّربق ‪،‬‬ ‫وصدرت األوامَ بنقله إىل سلطنة ‪ ،‬ومنهِ إىل سوسة حتت يَاسة شديدة ؛ يِث وصلهِ عند اّسِبعة‬ ‫عشَ من مسِء نفس اِّوم سبتمرب (‪ 1931‬م) دو أي عِئق ‪ ،‬أو يِدث أثنِء اّطَيق من سلطنة إىل‬ ‫سوسة ‪ ،‬مكث هنِك يف انتظِر اّطَاد احلَيب (أورسِين) اّذي حتَك من بنغِزي خصِصًِ ِّعود ابألسري‬ ‫إىل بنغِزي ‪ ،‬ويف أثنِء اَّيلة حتدث معه بعض اّسِ​ِسِني اّتِبعني إلدارتنِ ووجهوا إِّه األسئلة ‪ ،‬فكِ‬ ‫جيِب بكل هدوء وبصوت اثبت وقوي دو أي أتثَ ابملوقف اّذي هو فِه ‪ ،‬ويف يوم‬ ‫(‪12‬سبتمرب‪ 1931‬م) عند اّسِعة اّسِبعة عشَة وصل اّطَاد أورسِين إىل مِنِء بنغِزي يِمالً معه‬ ‫األسري عمَ املختِر‪.])291([))..‬‬ ‫وقِل أيضًِ‪ :‬هذا اَّجل أسطورة اّزمِ اّذي جنِ االف املَات من املوت ومن األسَ ‪ ،‬واشتهَ عند‬ ‫اجلنود ابّقداسة وااليرتام ؛ ألنه اَّأس املفكَ واّقلب اّنِبض ّلثورة اّعَبِة (اإلسالمِة) يف بَقة ‪،‬‬ ‫وكذّك كِ املنظم ّلقتِل بصرب ومهِرة فَيدة ال مثِل هلِ سنني طويلة ‪ ،‬واال وقع أسرياً يف‬ ‫أيدينِ[(‪.])292‬‬ ‫وهذا االعرتاف من غَاسِ​ِين اخلسِس يف كتِبه أب عمَ املختِر قِد املعِرك سنني طويلة ‪ ،‬واعرتف أبنه‬ ‫حمرتم من أتبِعه إىل مكِنة عِِّة جداً ‪ ،‬مث أبنه اَّأس املفكَ واّقلب اّنِبض ّلجهِد اإلسالمي املقدس‬ ‫يف بَقة ‪ ،‬مث اّصرب واملهِرة اّيت ال مثِل هلِ؛ فهذا اعرتاف من اجلنَال غَاسِ​ِين خَيج اّكلِ​ِت احلَبِة‬ ‫واألكِدميِة اّعسكَية‪ ،‬وّه جتِرب طويلة يف يَب االيتالل إىل يَب اّعِملِة األوىل ويَوبه‬ ‫اّصحَاوية؛ يىت ّقبه بنو قومه بلقب‪ :‬أسد اّصحَاء‪ ،‬واّفضل مِ شهدت به األعداء‪.‬‬ ‫ويقول اجلنَال غَاسِ​ِين عن عمَ املختِر أيضًِ‪« :‬كِ عمَ املختِر كَئِس عَيب مؤمن بقضِة وطنه ‪،‬‬ ‫وّه أتثري كبري على أتبِعه مثل اَّؤسِء اّطَابلسِني حيِربو بكل صدق وإخالص ‪ ،‬وأقول ذّك عن‬ ‫جتِرب مَت يب أثنِء احلَوب اّلِبِة ‪ ،‬وكِ عمَ املختِر من اجملِهدين اّكبِر ملِ ّه من مكِنة مقدسة‬


‫بني أتبِعه وحمبِه ‪ ،‬إ عمَ املختِر خيتلف عن االخَين ؛ فهو شِخ متديِن بدو شك ‪ٍ ،‬‬ ‫قِس وشديد‬ ‫اّتعصب ّلدين ‪ ،‬وريِم عند املقدرة ‪ ،‬ذنبه اّويِد أنه يكَهنِ كثرياً ‪ ،‬ويف بعض األوقِت يسلط علِنِ‬ ‫ّسِنه ويعِملنِ بغلظة مثل اجلبلِني ‪ ،‬كِ دائمًِ مضِداً ّنِ وّسِ​ِستنِ يف كل األيوال ‪ ،‬ال يلني أبداً وال‬ ‫يهِد إال إذا كِ املوضوع يف صِحل اّوطن اّعَيب اّلِيب ‪ ،‬ومل خين أبداً مبِدئه ؛ فهو دائمًِ موضع‬ ‫االيرتام رغم اّتصَفِت اّيت حتدث منه يف غري صِحلنِ ‪ ،‬إ خِ​ِنة موقعة (قصَ بنقدين) ضِعت على‬ ‫عمَ املختِر كل اّفَص اّيت ميكن ّلدوّة اإليطِِّة أ تَ​َمه فِهِ))[(‪.])293‬‬ ‫وقِل غَاسِ​ِين يف مذكَاته‪(( :‬أمِ وصف عمَ املختِر ؛ فهو معتدل اجلسم ‪ ،‬عَيض املنكبني ‪ ،‬شعَ‬ ‫رأسه وحلِته وشواربه بِضِء انصعة ‪ ،‬يتمتع بذكِء يِضَ ويِد ‪ ،‬كِ مثقفًِ ثقِفة علمِة دينِة ‪ّ ،‬ه طبع‬

‫يِد ومندفع ‪ ،‬يتمتع بنزاهة خِرقة مل حيسب ّلمِدة أي يسِب ‪ ،‬متصلب ومتعصب ّدينه ‪ ،‬وأخرياً‬ ‫كِ فقرياً ال ميلك شِئًِ من يطِم اّدنِ​ِ إال يبه ّدينه ووطنه ‪ ،‬رغم أنه وصل إىل أعلى اّدرجِت يىت‬ ‫أصبح ممثالً كبرياً ّلسنوسِة كلهِ))[(‪ .])294‬وهذا وصف دقِق يدل بوضوح على عظمة املختِر‬ ‫وإمكِانته اّذاتِة اّيت وهبه هللا إَيهِ ‪ ،‬فتقلد بسببهِ أكرب املنِصب ‪ ،‬وخِض‬ ‫أكثَ املعِرك ‪ ،‬وصفه عدوه بصفِت اّورع واّتدين ومثقف ثقِفة دينِة وعلمِة ‪ ،‬وصفه بشدة املَاس‬ ‫واّصرب على اّشدائد ‪ ،‬وهكذا َي أخي املسلم اّكَمي يصنع اإلسالم من أتبِعه‪.‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬دخول املختِر يف سجن بنغِزي‪:‬‬ ‫وعندمِ وصل األسري إىل بنغِزي مل يسمح ألي مَاسل جَيدة أو جملة بنشَ أخبِر أو مقِبالت ‪ ،‬وكِ‬ ‫على اَّصِف مئِت من املشِهدين عند نزوّه يف املِنِء ‪ ،‬ومل يتمكن أي شخص مهمِ كِ مَكزه أ‬ ‫يقرتب من املوكب احملِط ابجلنود املدججني ابّسالح ‪ ،‬ونقل فوق سِ​ِرة اّسجن تصحبه قوة مسلحة‬ ‫ابملدافع اَّشِشة ؛ يِث أودع يف زنزانة صغرية خِصة منعزّة عن كِفة اّسجنِء اّسِ​ِسِني ‪ ،‬وحتت‬ ‫يَاسة شديدة وجديدة ‪ ،‬ويقول مرتجم كتِب (بَقة اهلِدئة) األستِذ إبَاهِم سِمل عِمَ‪ :‬كنت من اّذين‬ ‫أسعدهم احلظ على أ يتكلموا مع بطل اجلهِد عمَ املختِر أثنِء قِ​ِمه يف اّسجن ؛ فقد أوقفوا كل‬ ‫األهِيل املعتربين يف مَاكز األمن واّسجو ‪ ،‬وكِ نصِيب يف سجن بنغِزي املَكزي ‪ ،‬وعندمِ أيت بعمَ‬ ‫املختِر غريوا احلَاس احمللِني حبَاس إريرتيني ‪ ،‬واملوظفني ابإليطِِّني من احلزب اّفِشِسيت ‪ ،‬وبعد أ‬ ‫أودعوه يف اّزنزانة كِ هنِك سَيَ من خشب وقمِش ‪ ،‬وعلى األرض قطعة من اّسجِد اّبِيل ألجل‬ ‫وقع اَّجلني علِه ‪ ،‬فسحبهِ اّشهِد بقَب اجلدرا وجلس علِهِ واستند على اجلدرا ‪ ،‬ومد رجلِه إىل‬


‫األمِم ‪ ،‬وعندمِ كِ مديَ اّسجن يتجول على زنزاانت اّسجنِء رأى اّشهِد جِّسًِ على األرض ‪،‬‬ ‫ومل يستطع أ يسأّه ملِذا هو جِّس على األرض؟ وأل املديَ ال يعَف اّعَبِة ‪ ،‬فنِداين من بني‬ ‫اّسجنِء اّسِ​ِسِني وطلب مين أ أتَجم سؤاّه ‪ ،‬فسأّت اّشهِد ‪ ،‬فأجِب بصوت هِدر كِألسد‬ ‫اهلصور‪ :‬قل ّه‪ :‬أان أعَف أين أجلس ال حيمل مهًِ ‪ ،‬فهذا ِّس من شأنه ‪ ،‬فرتمجت اّكالم فِنصعق‬ ‫املديَ واصفَ وجهه ‪ ،‬وقِل‪ :‬هِ​ِ ارجع إىل مكِنك بلهجة األمَ ‪ ،‬غري أ قليب كِ يطري من صدري‬ ‫فَيًِ عندمِ مسعت هذه اإلجِبة اّقِطعة‪ .‬ريم هللا عمَ املختِر كم كِ عظِمًِ وهو قِئم ‪ ،‬وأعظم وهو‬ ‫أسري[(‪.])295‬‬ ‫ويقول غَاسِ​ِين اجلنَال اإليطِيل اّسفَِك اجلالد‪(( :‬وأثنِء اَّيلة من سوسة إىل بنغِزي أعطى ّنِ‬ ‫معلومِت هِمة عن كِفِة سقوطه يف األسَ واّقبض علِه ‪ ،‬قِئالً‪ :‬عندمِ ضَب جواده وسقط على‬ ‫األرض فجَيت يده اِّمىن ممِ سببت ّه بعض اّتشقق يف عظِم ذراعه ‪ ،‬ورغم هذا األمل يِول جَ‬ ‫نفسه ِّبتعد وخيتفي يف أيد اّشجَات اّيت يف اّغِبة ‪ ،‬وّكن فَقة اّفَسِ يِّت بِنه وبني غَضه ‪،‬‬ ‫وقد تعَف علِه أيد اّصواري من فَقة اّفَسِ ‪ ،‬وسَعِ مِ أيِطت به قوتنِ ‪ ،‬وقد أتسف كثرياً أثنِء‬ ‫يديثه أب رفِقه يِوّوا إنقِذه بكل وسِلة ‪ ،‬وقد ضِع منهم بعض اَّفِق ‪ ،‬وّكن اّكثَة يِّت دو‬ ‫بغِتهم ‪ ،‬كذّك قلة اّذخرية هلِ عِملهِ األصلي يف عدم إنقِذي ‪ ،‬وأثبت كذّك أ وقوعه يف األسَ ال‬ ‫يعين توقف اّثورة واجلهِد ‪ ،‬بل هنِك أربعة من اّقِدة حيلو حملي ‪ ،‬وهم‪ :‬اّشِخ َمد بوموسى ‪ ،‬عثمِ‬ ‫اّشِمي ‪ ،‬وعبد احلمِد اّعبِر ‪ ،‬ويوسف بوريِل املسمِري ‪ ،‬وهذا األخري هو أقَهبم إِّه ألنه كِ دائمًِ‬ ‫جبِنبه ‪ ،‬وّقد ابّغ كثرياً ابّنسبة ّعدد اجلنود ؛ فقد قِل‪ :‬إ دوره يتكو من ‪ 500‬مقِتل عِدي ‪،‬‬ ‫‪ 400‬فِرس ‪ ،‬واستطَد قِئالً شِريًِ أ وقوعه يف األسَ ال يؤثَ وال يغري سري اّقتِل أو وضع اّدور ‪،‬‬ ‫بل سِزداد قسِوة ‪ ،‬مث أضِف‪ :‬إين أيِرب اإليطِِّني اّفِشِستِني ال ألين أكَه اّشعب اإليطِيل ‪،‬‬ ‫وّكن ديين أمَين ابجلهِد فِكم ألنكم أعداء اّوطن))[(‪.])296‬‬ ‫قلت‪ :‬مِ أعلم أيداً من املسلمني اّصِدقني جيد يف نفسه وداً ّلنصِرى على اّعموم ؛ فكِف ابّذين‬ ‫يقوّو ‪ :‬هللا اثّث ثالثة ‪ ،‬ويقوّو ‪ :‬عِسى ابن هللا؟! ّكن قول غَاسِ​ِين‪ :‬إ عمَ املختِر ال يبغض‬ ‫اّشعب اإليطِيل ؛ فهذا ادعِء منه ‪ ،‬وأمِ قول عمَ املختِر‪ :‬ديين أمَين بقتِّكم ؛ فهذا اّذي يلِق‬ ‫حبِّه ‪ ،‬وبغض املسلم ّلنصِرى اّكفَة يتدينو هبِ خِّقهم ورازقهم ‪ ،‬ومِّكهم ومتويل أمورهم ‪ ،‬سبحِنه‬ ‫وتعِىل عمِ يقول اّظِملو عل َواً كبرياً‪.‬‬


‫قِل تعِىل‪[ :‬املِئدة‪ّ{ :‬ننق ْد نك نفَ اَّ ِذين قنُِّوا إِ َ َ ِ‬ ‫ث ثنالنثنٍة ومِ ِمن إِّنٍه إِالَ إِّنه و ِ‬ ‫اي ٌد نوإِ ْ نملْ ينـْنـتنـ ُهوا‬ ‫اّللن ناثّ ُ‬ ‫نن ْ‬ ‫ٌن‬ ‫ن ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور نرِي ٌِم‬ ‫اب أنّ ٌِم أنفنالن ينـتُوبُو ن إِ نىل َ‬ ‫اّلل نوين ْستنـ ْغف َُونهُ نو َ‬ ‫ين نك نف َُوا مْنـ ُه ْم نع نذ ٌ‬ ‫اّللُ نغ ُف ٌ‬ ‫نع َمِ ينـ ُقوُّو ن ّنِن نم َس َن اّذ ن‬ ‫[املِئدة‪ ]74-73 :‬ـ ‪.]74‬‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫{وقنُِّوا َاختن نذ اَّ َْمنِ ُ نوّن ًدا ّننق ْد جْئـتُ ْم نشِْـئًِ إِ ًّدا تن نك ُ‬ ‫ِد اّ َس نم نِو ُ‬ ‫ات ينـتنـ نفطََْ ن مْنهُ‬ ‫وقِل تعِىل‪[ :‬مَمي‪ :‬ن‬ ‫[م نَمي‪ ]91-88 :‬ـ ‪.]91‬‬ ‫ِل نهدًّا أن ْ ند نع ْوا ِّلَ َْمنِ ِ نوّن ًدا‬ ‫ض نونِختَُّ ْ‬ ‫اجلِبن ُ‬ ‫نوتنـْن نش ُّق األ ْنر ُ‬ ‫ن‬ ‫فِالَيت اّسِبقة اّواضحة اّبِنة َتنع اّعِمل اَّابين واّشِخ اجللِل أ يقول أبنه ال يبغض أعداء هللا َمِة‬ ‫اّصلِب‪.‬‬ ‫واستطَد غَاسِ​ِين يف كتِبه (بَقة اهلِدئة) ‪ ،‬قِل‪ّ(( :‬قد قِل عمَ املختِر كلمِت اترخيِة‪ :‬إ وقوعي يف‬ ‫األسَ أتكِد أبمَ هللا ‪ ،‬وسِبق يف علمه سبحِنه وتعِىل ‪ ،‬واال أان بني يدي احلكومة اإليطِِّة‬ ‫اّفِشِستِة ‪ ،‬وأصبحت أسرياً عندهِ ‪ ،‬وهللا يفعل يب مِ يشِء ‪ ،‬أخذَتوين أسرياً وّكم اّقدرة أ تفعلوا‬ ‫يب مِ تشِؤو ‪ ،‬واّذي أريد أ أقوّه بكل أتكِد مل أفكَ يف يوم من األَيم أ أسلم نفسي ّكم مهمِ‬ ‫كِ اّضغط شديداً ‪ ،‬وّكن مشِئة هللا أرادت هذا ‪ ،‬فال راد ّقضِء هللا))[(‪.])297‬‬ ‫وهذه بعِنهِ عقِدة اّقضِء واّقدر ‪ ،‬وهي من أركِ اإلميِ اّيت جِء هبِ اإلسالم ‪ ،‬وقد جتسدت يف‬ ‫يِ​ِة عمَ املختِر ؛ فهذه االَيت اّكَمية تبني أ مِ وقع ّإلنسِ قد كتب ؛ فعلِه أال حيز وال يِأس‬ ‫؛ أل األمور بقضِئه وقدره ‪ ،‬قِل تعِىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ض والن ِيف أننْـ ُف ِس ُكم إِالَ ِيف كِتن ٍ‬ ‫نص ن ِ ِ ٍ ِ‬ ‫ك‬ ‫ِب ِم ْن قنـْب ِل أن ْ نـْبـنَأ ننهِ إِ َ نذّ ن‬ ‫{مِ أ ن‬ ‫[احلديد‪ :‬ن‬ ‫ْ‬ ‫ِب م ْن ُمصِبنة يف األ ْنر ِ ن‬ ‫ب ُك َل خمُْتن ٍِل فن ُخوٍر‬ ‫آات ُك ْم نو َ‬ ‫نعلنى َ‬ ‫اّللُ الن ُِحي ُّ‬ ‫اّللِ ين ِسريٌ ِّ نكِْالن نأتْ نس ْوا نعلنى نمِ فنِتن ُك ْم نوالن تنـ ْفنَ ُيوا ِمبنِ ن‬ ‫[احلنديد‪ ]23-22 :‬ـ ‪.]23‬‬ ‫وقد تَىب املختِر رَمه هللا تعِىل على االَيت اّقَانِة وأيِديث املصطفى ‪ ،‬فعن ابن عبِس رضي هللا‬ ‫عنهمِ ‪ ،‬عن رسول هللا (ص)‪« :‬واعلم أ األمة ّو اجتمعت على أ ينفعوك بشيء ‪ ،‬مل ينفعوك إال‬ ‫بشيء قد كتبه هللا ّك ‪ ،‬وإ اجتمعوا على أ يضَوك بشيء مل يضَوك إال بشيء قد كتبه هللا علِك ‪،‬‬ ‫رفعت األقالم وجفت اّصحف»[(‪.])298‬‬ ‫وهذه اّعقِدة اّصحِحة كِنت مستقَة يف قلب اّشِخ اجللِل رَمه هللا ‪،‬‬ ‫وحتوّت إىل عمل يف يِ​ِته جسدته مواقف عقدية ومشِهد بطوِّة ‪ ،‬وال نكو خمطئني إ قلنِ‪ :‬كِنت‬ ‫مواقفه وسريته اّعطَة يدال على أنه رجل عقِدة‪.‬‬


‫رابعًِ‪ :‬من مواقف اّعزة داخل اّسجن‪:‬‬ ‫أراد اّكمندتور رينسي (اّسكَتري اّعِم حلكومة بَقة) يف أمسِة اَّابع عشَ من سبتمرب أ يقحم‬ ‫اّشِرف اّغَ​َيين يف موقف يَج مع عمَ املختِر وهو يف اّسجن ‪ ،‬وأبلغ اّشِرف اّغَ​َيين أب املختِر‬ ‫طلب مقِبلتك ‪ ،‬واحلكومة اإليطِِّة ال تَى مِنعًِ من تلبِة طلبه ‪ ،‬وذهب اّشِرف اّغَ​َيين إىل اّسجن‬ ‫ملقِبلة اّشِخ اجللِل ‪ ،‬وعندمِ اّتقِ​ِ خِم اّسكوت اَّهِب ‪ ،‬ومل يتكلم املختِر ‪ ،‬فقِل اّشِرف اّغَ​َيين‬ ‫هذا املثل اّشعيب خمِطبًِ به اّسِد عمَ‪( :‬احلِصلة سقِمة واّصقَ مِ يتخبل) ومِ كِد املختِر يسمع‬ ‫املثل املذكور يىت رفع رأسه ونظَ حبدة إىل اّشِرف اّغَ​َيين ‪ ،‬وقِل ّه‪ :‬احلمد هلل اّذي ال حيمد على‬ ‫مكَوه سواه ‪ ،‬وسكت هنِهة مث أردف قِئالً‪ :‬رب هب ّنِ من ّدنك رَمة وهِأى ّنِ من أمَان رشداً ‪،‬‬

‫إنين مل أكن يف يِجة إىل وعظ أو تلقني ‪ ،‬إنين أؤمن ابّقضِء واّقدر ‪ ،‬وأعَف فضِئل اّصرب واّتسلِم‬ ‫إلرادة هللا ‪ ،‬إنين متعب من اجللوس هنِ فقل يل‪ :‬مِذا تَيد؟ وهنِ أيقن اّشِرف اّغَ​َيين أبنه غَر به ‪،‬‬ ‫فزاد أتثَه وقِل ّلمختِر‪ :‬مِ وددت أ أراك هكذا وّقد أرغمت نفسي ّلمجيء بنِءً على طلبك‪...‬‬ ‫فقِل اّشِخ اجللِل واجلبل اّشِمخ‪ :‬أان مل أطلبك ‪ ،‬وّن أطلب أيداً ‪ ،‬وال يِجة يل عند أيد ‪ ،‬ووقف‬ ‫دو أ ينتظَ جواابً من اّشِرف اّغَ​َيين ‪ ،‬وعِد األخري إىل منزّه وهو مهموم يزين وقد صَح أبنه‬ ‫شعَ يف ذّك اِّوم بشيء ثقِل يف نفسه مِ شعَ به طِلة يِ​ِته ‪ ،‬وملِ سئل اّشِرف اّغَ​َيين عن نوع‬ ‫اّثِ​ِب اّيت كِ يَتديهِ عمَ املختِر أهي ثِ​ِب اّسجن أم ثِ​ِبه اّيت وقع هبِ يف األسَ؟ كِ جوابه هو‬ ‫اّبِتِ االتِ​ِ مستشهداً هبمِ‪:‬‬ ‫بفلس ّكِ اّفلس منهن أكثَا‬ ‫علِه ثِ​ِب ّو تقِس مجِعهِ‬ ‫نفوس اّورى كِنت أجل وأكربا[(‪])299‬‬ ‫وفِهم نفس ّو تقِس ببعضهِ‬ ‫خِمسًِ‪ :‬عمَ املختِر أمِم غَاسِ​ِين اّسفِح‪:‬‬ ‫أراد املوىل عز وجل حلكمة يَيدهِ أ يقف اّبطل األشم واّطود اّشِمخ اّذي‬ ‫يري إيطِِّة اّكِفَة اّنصَانِة اّكِثوِّكِة ‪ ،‬وأشِع اَّعب يف قلوب جِوشهِ ‪ ،‬أمِم اَّجل اّتِفه احلقري‬ ‫َ‬ ‫املدعو غَاسِ​ِين ‪ ،‬هذا يقري اّنفسِة ‪ ،‬وضِع األخالق ‪ ،‬من أوّئك اّذين يَتفعو يف كل عهد ‪،‬‬ ‫وأيكلو على كل مِئدة ‪ ،‬وكِ من قِدة اجلِش اإليطِيل ‪ ،‬فلمِ جِء موسوِّين ذّك اّبطل األجوف ‪،‬‬ ‫وا َدعى اّزعِمة على إيطِِّة ويشَ نفسه يشَاً يف صفوف اّزعِمِت اّعِملِة ‪ ،‬كِ غَاسِ​ِين أول من‬ ‫صفق وقَع اّطبول ّلزعِمة اجلديدة ‪ ،‬وصِر فِشِستِ​ًِ أكثَ من اّفِشِستِني أنفسهم ‪ ،‬أمِم هذا اَّجل‬


‫احلقري اّذِّل اخلسِس اّتِفه وقف اّبطل األشم واّطود املنِف شِخنِ عمَ املختِر رَمه هللا ‪ ،‬وتستطِع‬ ‫أ تفكَ يف هذا املوقف وتطِل اّتفكري ‪ ،‬فإ اّنفوس احلقرية اّوضِعة ال تعَف اّشَف ‪ ،‬وال اَّجوّة‬ ‫وال اّكَامة وال واألخالق ‪ ،‬إذا خِصمت فمِ يكِد عدوهِ يقع يف يدهِ يىت تفعل به األفِعِل ‪،‬‬ ‫وتصب علِه أصنِفًِ وأّواانً من اّعذاب!! يدفعهِ إىل ذّك شدة إيسِسهِ حبقدهِ وعظمة عدوهِ ‪،‬‬ ‫وشدة شعورهِ بنقصهِ وكمِل أسريهِ[(‪.])300‬‬ ‫من أجل ذّك دفعت اّشمِتة هذا اَّجل احلقري أ يقطع ريلته إىل ابريس ‪ ،‬وأ يعود فوراً إىل بنغِزي‬ ‫‪ ،‬وأ يدعو احملكمة اّطِئَة إىل االنعقِد ‪ ،‬ودفعت غَيزة اّشمِتة غَاسِ​ِين أ يستدعي اّبطل يف‬ ‫صبِحة اِّوم نفسه ‪ ،‬وقبل احملِكمة بقلِل[(‪.])301‬‬ ‫يقول غَاسِ​ِين يف مذكَاته‪(( :‬وعندمِ يضَ أمِم مدخل مكتيب ‪ ،‬هتِأ يل أين أرى فِه شخصِة االف‬ ‫املَابطني اّذين اّتقِت هبم أثنِء قِ​ِمي ابحلَوب اّصحَاوية ‪ ،‬يداه مكبلتِ ابّسالسل ‪ ،‬رغم اّكسور‬ ‫واجلَوح اّيت أصِب هبِ أثنِء املعَكة ‪ ،‬وجهه مضغوط ألنه كِ مغطِ​ًِ رأسهُ (ابجلَد) ‪ ،‬وجيَ نفسه‬ ‫بصعوبة نظَاً ّتعبه أثنِء اّسفَ ابّبحَ ‪ ،‬وابإلمجِل خيِل يل أ اّذي يقف أمِمي رجل ِّس كَِّجِل ‪،‬‬ ‫منظَه وهِبته رغم أنه يشعَ مبَارة األسَ‪ .‬هِ هو واقف أمِم مكتيب ‪ ،‬نسأّه وجيِب بصوت هِدأى‬ ‫وواضح ‪ ،‬وكِ تَمجِين املخلص اّنقِب (كِبنت)‬ ‫خلِفة خِّد اّغَ​َيين اّذي أيضَته معي خصِصًِ من طَابلس ‪ ،‬ووجهت ّه أول سؤال‪:‬‬ ‫س ـ ملِذا يِربت بشدة متواصلة احلكومة اّفِشِستِة؟[(‪.])302‬‬ ‫ج ـ أل ديين أيمَين بذّك[(‪.])303‬‬ ‫س ـ هل كنت أتمل يف يوم من األَيم أ تطَدان من بَقة إبمكِانتك اّضئِلة وعددك اّقلِل؟‪.‬‬ ‫ج ـ ال ‪ ،‬هذا كِ مستحِالً‪.‬‬ ‫س ـ إذاً مِ اّذي كِ يف اعتقِدك اّوصول إِّه؟‪.‬‬ ‫ج ـ ال شيء إال طَدكم من بالدي ألنكم مغتصبو ‪ ،‬أمِ احلَب فهو فَض علِنِ ومِ اّنصَ إال من‬ ‫عند هللا‪.‬‬ ‫{والن تـُْل ُقوا ِأبنيْ ِدي ُك ْم إِ نىل اّتـ َْهلُ نك ِة [اّبنـ نقنَة‪ ]195 :‬جتلبوا‬ ‫س ـ ّكن كتِبك يقول‪[ :‬اّبقَة‪ ]195 :‬مبعىن‪ :‬ن‬ ‫اّضَر ألنفسكم وال ّغريكم من اّنِس ‪ ،‬اّقَا يقول هذا‪.‬‬ ‫ج ـ نعم‪.‬‬


‫س ـ إذاً ملِذا حتِرب؟‪.‬‬ ‫ج ـ كمِ قلت من أجل وطين وديين[(‪.])304‬‬ ‫قِل غَاسِ​ِين‪ :‬فمِ كِ مين إال أ قلت ّه أنت حتِرب من أجل اّسنوسِة تلك املنظمة اّيت كِنت‬ ‫اّسبب يف تدمري اّشعب واّبالد على اّسواء ‪ ،‬ويف اّوقت نفسه كِنت املنظمة تستغل أموال اّنِس‬ ‫دو يق ؛ هذا هو احلِفز اّذي جعلك حتِربنِ ال اّدين واّوطن كمِ قلت‪.‬‬ ‫عمَ املختِر‪ :‬نظَ إيل نظَة يِدة كِّويش املفرتس‪ّ :‬ست على يق فِمِ تقول ‪ ،‬وّك أ تظن مِ‬ ‫ظننت ‪ ،‬وّكن احلقِقة اّسِطعة اّيت ال غبِر علِهِ‪ :‬أنين أيِربكم من أجل ديين ووطين ال كمِ قلت‪.‬‬ ‫اب علي وجهه بعد أ زال اجلَد من‬ ‫على رأسه واستطَدت يف توجِه األسئلة إِّه‪:‬‬ ‫س ـ ملِذا قطعت املهِدنة اّسِرية وأمَت ابهلجوم على (قصَ بن قدين)؟‪.‬‬ ‫ج ـ ألنه منذ شهَ أرسلت إىل املِرشِل (ابدوِّو) ومل جيبين عنهِ ‪ ،‬وبقِت دو رد يىت اال ‪.‬‬ ‫يقول اجلنَال‪ :‬ال ‪ ،‬أنت أردت قطع املهِدنة حلِجة يف نفسك ‪ ،‬وهِك اّدِّل ‪ ،‬وقَأت ّه اّبِ​ِ اّذي‬ ‫نشَه فوق اجلَائد املصَية بتوقِعه‪ .‬ومل يَد يف ابدأى األمَ ويىن رأسه مفكَاً ‪ ،‬مث قِل‪:‬‬ ‫عمَ املختِر‪ :‬نعم نشَت اّبِ​ِ يف مصَ بتوقِعي ‪ ،‬وّكن ِّس هذا هو اّدِّل ‪ ،‬وإمنِ هو عدم جتِوبكم‬ ‫معنِ يف تنفِذ شَوط اهلدنة‪ ،‬ومل يزد شِئًِ بل يىن رأسه إعِ​ِء‪.‬‬ ‫س ـ هل أمَت بقتل اّطِ​ِرين هوبَ وبِ​ِيت؟‪.‬‬ ‫ج ـ نعم ‪ ،‬كل األخطِء واّتهم يف اّواقع هي مسؤوِّة اَّئِس ‪ ،‬واحلَب هي احلَب‪.‬‬ ‫اجلنَال‪ :‬قلت ّه هذا صحِح ّو كِ يَابً يقِقِة ال قتل وسلب مثل يَوبك‪.‬‬ ‫عمَ املختِر‪ :‬هذا رأي ‪ ،‬فِه إعِدة نظَ ‪ ،‬وأنت اّذي تقول هذا اّكالم وال زّت أكَر ّك‪ :‬احلَب‬ ‫هي احلَب‪.‬‬ ‫اجلنَال‪ :‬مبوقفك يف موقعة (قصَ بن قدين) ضِعت كل أمل وكل يق يف احلصول على رَمة وعفو‬ ‫احلكومة اإليطِِّة اّفِشِستِة‪.‬‬ ‫عمَ املختِر‪ :‬مكتوب ( كلمة ّتفسري معىن اّقضِء واّقدر يف اّعقِدة اإلسالمِة) وعلى ٍ‬ ‫كل عندمِ وقع‬ ‫جوادي وأّقي اّقبض علي كِنت معي ست طلقِت ‪ ،‬وكِ يف استطِعيت أ أدافع عن نفسي وأقتل‬


‫كل من يقرتب مين ‪ ،‬يىت اّذي قبض علي وهو أيد اجلنود من فَقة اّصواري املتطوعني معكم ‪ ،‬وكِ‬ ‫يف إمكِين كذّك أ أقتل نفسي‪.‬‬ ‫اجلنَال‪ :‬وملِذا مل تفعل؟‪.‬‬ ‫عمَ املختِر‪ :‬ألنه كِ مقدراً أ يكو ‪.‬‬ ‫اجلنَال‪ :‬وّكن قد حتقق فِمِ بعد إّقِء اّقبض علِه ؛ كِنت بندقِته فوق ظهَه ‪،‬‬ ‫وبسقوطه على األرض مل يستطع نزعهِ ‪ ،‬وابّتِيل مل يتمكن من استعمِهلِ بسَعة ‪ ،‬وكذّك من أثَ‬ ‫اجلَوح واّكسَ اّذي بِده اِّمىن ‪ ،‬وهذا يف احلقِقة جديَ ابالعتبِر واّتقديَ[(‪.])305‬‬ ‫وهذا اعرتاف من اّسفِح إاب جتربه وطغِ​ِنه ونشوة انتصِره ؛ يعرتف بقوة عمَ املختِر ‪ ،‬ويقدر فِه‬ ‫بطوّته وجهِده اّيت مل يَُ هلِ مثِل ‪ ،‬وقِل شوقي رَمه هللا يف راثء عمَ املختِر مِ جيسد هذا املوقف‪:‬‬ ‫تتلمس احلَية احلمَاء[(‪])306‬‬ ‫جَح يصِح على املدى وضحِة‬ ‫عمَ املختِر‪ :‬كمِ تَى أان طِعن يف اّسن على األقل اتَكين أب أجلس‪.‬‬ ‫اجلنَال‪ :‬أشَت ّه فجلس على كَسِه أمِم مكتيب ‪ ،‬ويف هذه األثنِء ظهَ يل وجهه بوضوح وقد زاّت‬ ‫رهبة املوقف ‪ ،‬وقد أتملته جِنبِ​ًِ فَأيت بعض االَمَار يف وجهه ‪ ،‬وبدأت أفكَ‪ :‬كِف كِ حيكم ويقود‬ ‫املعِرك؟ وبِنمِ هو يتكلم كِنت نظَاته اثبتة إىل األمِم ‪ ،‬وصوته انبع من أعمِقه وخيَج من بني شفتِه‬ ‫بكلمِت اثبتة وبكل هدوء ‪ ،‬وفكَت اثنِة‪ :‬هذا هو اّقديس ؛ أل كالمه عن اّدين واجلهِد يدل بكل‬ ‫أتكِد أنه مؤمن صِدق يتكلم عن اّدين بكل َمِس وأتثَ‪ .‬مث قلت ّه فجأة‪ :‬مبِ ّك من نفوذ وجِه‬ ‫كم يوم ميكنك أ أتمَ اّعصِة (يعين‪ :‬اجملِهدين) أب خيضعوا حلكمنِ ويسلموا أسلحتهم وينهوا‬ ‫احلَب‪.‬‬ ‫عمَ املختِر جمِبًِ‪ :‬أبداًكأسري ال ميكنين أ أعمل أي شيء ‪ ،‬واستطَد قِئالً‪ :‬ودو جدوى حنن اّثوار‬ ‫سبق أ أقسمنِ أ منوت كلنِ اّوايد بعد االخَ وال نسلم أو نلقي اّسالح ‪ ،‬وأان هنِ مل يسبق يل أ‬ ‫استسلمت ‪ ،‬هذا على مِ أظن يقِقي واثبت عندكم‪.‬‬ ‫اجلنَال‪ :‬قلت ّه وأان متمِسك‪ :‬ميكن ذّك ّو مت تعِرفنِ يف وقت سِبق ‪ ،‬واخلربة اّطويلة اّيت أخذهتِ‬ ‫علِكم ؛ ّكِ علِنِ أ نصل إىل أيسن يِل يف سبِل هتدئة اّبالد وازدهِرهِ‪.‬‬ ‫قوَيً ‪ ،‬وهلذا فإين أَتىن أ تكو كذّك مهمِ حيدث ّك ومهمِ تكن اّظَوف‪.‬‬


‫(عمَ املختِر) عندمِ وقف ِّتهِأ ّالنصَاف ‪ ،‬كِ جبِنه وضِء كأ هِّة من نور حتِط به ‪ ،‬فِرتعش‬ ‫قليب من جالّة املوقف‪ .‬أان اّذي خِض املعِرك واحلَوب اّعِملِة ‪ ،‬واّصحَاوية ‪ ،‬وّقبت أبسد اّصحَاء‬ ‫‪ ،‬ورغم هذا فقط كِنت شفتِي تَتعشِ ‪ ،‬ومل أستطع أ أنبس حبَف وايد ‪ ،‬فِنتهت املقِبلة وأمَت‬ ‫إبرجِعه إىل اّسجن ّتقدميه ّلمحِكمة يف املسِء ‪ ،‬وعند وقوفه يِول أ ميد يده ملصِفحيت وّكنه مل‬ ‫يتمكن ‪ ،‬أل يديه كِنت مكبلة ابحلديد‪.‬‬ ‫ّقد خَج من مكتيب كمِ دخل علي ‪ ،‬وأان أنظَ إِّه بكل إعجِب وتقديَ[(‪.])307‬‬ ‫قِل شوقي رَمه هللا‪:‬‬ ‫أسد جيَجَ يِة رقطِء‬ ‫وأتى األمري جيَ ثقل يديده‬ ‫سِدسًِ‪ :‬حمِكمة عمَ املختِر رَمه هللا‪:‬‬ ‫يف اّسِعة اخلِمسة مسِءً يف (‪ 15‬سبتمرب‪ 1931‬م) جَت تلك احملِكمة اّيت أعد هلِ اّطلِ​ِ مكِ‬ ‫بنِء (بَملِ بَقة) اّقدمي ‪ ،‬وكِنت حمِكمة صورية شكالً وموضوعًِ‪.‬‬ ‫ودِّل ذّك أ اّطلِ​ِ ـ قبحهم هللا ـ كِنوا قبل بدء احملِكمة بِوم وايد قد أعدوا (املشنقة) وانتهوا من‬ ‫تَتِبِت اإلعدام وتنفِذ احلكم قبل صدوره ‪ ،‬وإنك ّتلمس ذّك يف هنِية احلديث اّذي دار بني اّبطل‬ ‫وبني غَاسِ​ِين ؛ يِث قِل ّه‪(( :‬إين ألرجو أ تظل شجِعًِ مهمِ يدث ّك أو نزل بك))‪.‬‬ ‫وإهنِ ّكلمِت تفوح ابخلبث واّدانءة واّشمِتة ‪ ،‬ومعنِهِ‪ :‬إنك َي خمتِر سوف تعدم شنقًِ ‪ ،‬فال جتنب‬ ‫أمِم املشنقة ‪ ،‬وال شك عندي ّو كِ غَاسِ​ِين يف موقف شِخنِ ملِت من اجلنب قبل أ يسِق‬ ‫ّلمشنقة ‪ ،‬وّكن شِخنِ اجللِل وأستِذان اّكَمي وقِئد اجلهِد يزداد مسواً بعد مسو مث يقول‪(( :‬إ شِء‬ ‫هللا))‪.‬‬ ‫ويصف اّدكتور اّعنِزي ذّك فِقول‪(( :‬جِء اّطلِ​ِ ابّسِد عمَ املختِر إىل قِعة اجللسة مكبالً‬ ‫ابحلديد ‪ ،‬ويوّه احلَس من كل جِنب‪ ..‬وكِ مكِين يف‬ ‫اّقِعة جبوار اّسِد عمَ ‪ ،‬وأيضَ اّطلِ​ِ أيد اّرتامجة اَّمسِني وامسه نصَت هَمس ‪ ،‬فلمِ افتتحت‬ ‫اجللسة وبدأ استجواب اّسِد ‪ ،‬بلغ اّتأثَ ابّرتمجِ ‪ ،‬يداً جعله ال يستطِع إخفِء أتثَه ‪ ،‬وظهَ علِه‬ ‫االرتبِك ‪ ،‬فأمَ رئِس احملكمة ابستبعِده وإيضِر تَمجِ اخَ ‪ ،‬فوقع االختِ​ِر على أيد اِّهود ‪ ،‬وهو‬ ‫ملربوزو ‪ ،‬من بني احلِضَين يف اجللسة ‪ ،‬وقِم ملربوزو بدور املرتجم ‪ ،‬وكِ اّسِد عمَ رَمه هللا جَيئًِ‬


‫صَحيًِ ‪ ،‬يصحح ّلمحكمة بعض اّوقِئع ‪ ،‬خصوصًِ يِدث اّطِ​ِرين اإليطِِّني أوبَ‬ ‫وبِ​ِيت))[(‪.])308‬‬ ‫وبعد استجواب اّسِد ومنِقشته وقف املدعي اّعِم بدندو ‪ ،‬فطلب احلكم على اّسِد ابإلعدام‪.‬‬ ‫وعندمِ جِء دور احملِمي املعهود إِّه اّدفِع عن اّسِد عمَ ‪ ،‬وكِ ضِبطًِ إيطِِّ​ًِ يدعى اّكِبنت‬ ‫أونتِنو ‪ ،‬وقف وقِل‪ :‬كجندي ال أتَدد اّبتة إذا وقعت عِنِي على عمَ املختِر يف مِدا اّقتِل ‪ ،‬يف‬ ‫إطالق اَّصِص علِه وقتله ‪ ،‬وأفعل ذّك كإيطِيل أمقته وأكَهه ‪ ،‬وّكنين وقد كلفت اّدفِع عنه فإين‬ ‫أطلب يكمًِ هو يف نظَي أشد هوالً من اإلعدام نفسه ‪ ،‬وأقصد بذّك احلكم علِه ابّسجن مدى‬ ‫احلِ​ِة نظَاً ّكرب سنه وشِخوخته‪.‬‬

‫وعندئذ تدخل املدعي اّعمومي ‪ ،‬وقطع احلديث على احملِمي وطلب من رئِس احملكمة أ مينعه من‬ ‫إَتِم مَافعته مستنداً يف طلبه هذا إىل أ اّدفِع خَج عن املوضوع ‪ ،‬وِّس من يقه أ يتكلم عن كرب‬ ‫سن عمَ املختِر وشِخوخته ‪ ،‬ووافقت احملكمة[(‪.])309‬‬ ‫أمَ اّقِضي احملِمي أب ال خيَج عن املوضوع ويتكلم إبجيِز ‪ ،‬وهنِ تكلم احملِمي حبدة ‪ ،‬وقِل‪ :‬إ عمَ‬ ‫املختِر اّذي هو أمِمكم وِّد هذه األرض قبل وجودكم فِهِ ‪ ،‬ويعترب كل من ايتلهِ عنوة عدو ّه ‪،‬‬ ‫ومن يقه أ يقِومه بكل مِ ميلك من قوة يىت خيَجه منهِ أو يهلك دوهنِ ‪ ،‬هذا يق أعطته ّه‬ ‫اّطبِعة واإلنسِنِة ‪ ،‬وهنِ كثَ اّصِ​ِح من احلِضَين إبخَاج احملِمي وإصدار احلكم على‬ ‫املتهم اّذي طِّب به املدعي اّعِم ‪ ،‬وّكن احملِمي استمَ قِئالً‪ :‬اّعداّة احلقة ال ختضع ألي سلطِ ‪،‬‬ ‫وال ألي غوغِء ‪ ،‬وإمنِ جيب أ تنبع من ضمريان وإنسِنِتنِ ‪ ،‬وهنِ قِمت اّفوضى خِرج احملكمة‪ ،‬وقِم‬ ‫املدعي اّعِم حمتجًِ على احملِمي‪ ،‬وّكن احملِمي استمَ يف دفِعه غري ٍ‬ ‫مبِل بكل هذا ‪ ،‬بل يذر اّقِضي‬ ‫أ ِ‬ ‫حيكم ضمريه قِئالً‪ :‬إ هذا املتهم عمَ املختِر اّذي انتدبت من سوء يظي أ أدافع عنه شِخ‬ ‫هَم ينت كِهله اّسنو ‪ ،‬ومِذا بقي ّه من اّعمَ بعدمِ أمت اّسبعني سنة؟! وإين أطلب من عداّة‬ ‫احملكمة أ تكو ريِمة يف (حتقِق) اّعقوبة عنه ؛ ألنه صِيب يق وال يضَ اّعداّة إذا أنصفته حبكم‬ ‫أخف ‪ ،‬وإنين أيذر عداّة حمكمتكم يكم اّتِريخ؛ ألنه ال يَيم فهو عجلة تدور وتسجل كل مِ‬ ‫حيدث يف هذا اّعِمل املضطَب‪.‬‬


‫وهنِ كثَ اّضجِج يف اخلِرج ضد احملِمي ودفِعه‪ .‬وّكن احملِمي استمَ يف دفِعه قِئالً‪ :‬سِدي اّقِضي‬ ‫يضَات املستشِرين ‪ّ ،‬قد يذرت احملكمة من مغبة اّعِمل اإلنسِين واّتِريخ ‪ ،‬وِّس ّدي مِ أضِفه إال‬ ‫طلب ختفِف احلكم على هذا اَّجل صِيب احلق من اّذود عن أرضه ودينه ‪ ،‬وشكَاً‪.‬‬ ‫وعندمِ قِم اّنِئب اّعِم ملواصلة ايتجِجه ‪ ،‬قِطعه اّقِضي بَفع اجللسة ّلمداوّة ‪ ،‬وبعد مضي فرتة‬ ‫قصرية من االنتظِر دخل اّقِضي واملستشِرا واملدعي اّعِم ‪ ،‬بِنمِ احملِمي مل حيضَ ّتالوة يكم‬ ‫اّقِضي إبعدام عمَ املختِر شنقًِ يىت املوت ‪ ،‬وعندمِ تَجم احلكم إىل عمَ املختِر قهقه بكل‬ ‫شجِعة قِئالً‪ :‬احلكم يكم هللا ال يكمكم املزيف ‪ ،‬إان هلل وإان إِّه راجعو [(‪.])310‬‬ ‫وأراد رئِس احملكمة أ يعَف مِ قِّه اّسِد عمَ‪ ..‬فسأل اّرتمجِ أ ينقل إِّه عبِرته ‪ ،‬ففعل ‪،‬‬ ‫وعندئذ بدا اّتأثري اّعمِق على وجوه اإليطِِّني أنفسهم اّذين يضَوا هذه احملكمة اّصورية ‪ ،‬وأظهَوا‬ ‫إعجِهبم ّشجِعة شِخ اجملِهدين بلِبِة احلبِبة وبسِّته يف ا وايد‪.‬‬ ‫وأمِ احملكمة فقد استغَقت من بدئهِ إىل هنِيتهِ سِعة وايدة ومخس عشَة دقِقة فحسب ‪ ،‬من‬ ‫اّسِعة اخلِمسة مسِءً إىل اّسِعة اّسِدسة واَّبع ‪ ،‬وكذّك قضت إرادة هللا تعِىل أ يتحكم اّطلِ​ِ‬ ‫يف مصري اّبطل ‪ّ ،‬تتم اإلرادة اإلّـهِة‬ ‫{ونربُّ ن‬ ‫وَتضي احلكمة اَّابنِة[(‪ .])311‬قِل تعِىل‪[ :‬اّقصص‪ .]68 :‬وقِل‪[ :‬اّتغِبن‪ :‬ن‬ ‫ك نخيْلُ ُق نمِ ين نشِءُ‬ ‫ونخيْتنِر مِ نكِ ن نهلم ِْ‬ ‫اّللِ وتنـع نِىل ع َمِ ي ْش َُِكو ن مِ أنصِب ِمن م ِ‬ ‫اّللِ نونم ْن‬ ‫صِبن ٍة إِالَ إبِ​ِ ْذ ِ َ‬ ‫ن ن ن ْ ُ‬ ‫اخلِنـنَةُ ُسْب نحِ ن َ ن ن ن ُ‬ ‫ن ُن‬ ‫ُ​ُ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫صص‪[ ،]68 :‬اّتـغنِبُن‪]11 :‬‬ ‫يـُ ْؤِم ْن ِاب َّللِ ينـ ْه ِد قنـ ْلبنهُ نو َ‬ ‫اّللُ بِ ُك ِل نش ْيء نعل ٌِم [اّ نق ن‬ ‫سِبعًِ‪ :‬إعدام شِخ اجلهِد يف بالدان احلبِبة‪:‬‬ ‫ويف يوم ‪ 16‬سبتمرب من صبِح يوم األربعِء من سنة (‪ 1931‬م) عند اّسِعة اّتِسعة صبِيًِ ؛ نفذ‬ ‫اّطلِ​ِ يف (سلوق) جنوب مدينة بنغِزي يكم اإلعدام شنقًِ يف شِخ اجلهِد وأسد اجلبل األخضَ بعد‬ ‫جهِد طويل ومَيَ‪.‬‬ ‫ودفعت اخلسة ابإليطِِّني أ يفعلوا عجبًِ يف اتريخ اّشعوب ‪ ،‬وذّك أهنم يَصوا على أ جيمعوا‬ ‫يشداً عظِمًِ ملشِهدة اّتنفِذ ‪ ،‬فأرغموا أعِ​ِ بنغِزي ‪ ،‬وعدداً كبرياً من األهِيل من خمتلف اجلهِت‬ ‫على يضور عملِة اّتنفِذ ‪ ،‬فحضَ مِ ال يقل عن عشَين أّف نسمة ‪ ،‬على يد قول غَاسِ​ِين يف‬ ‫كتِب (بَقة اهلِدئة)[(‪.])312‬‬


‫ويقول اّدكتور اّعنِزي‪ّ(( :‬قد أرغم اّطلِ​ِ األهِيل واألعِ​ِ املعتقلني يف معسكَات االعتقِل واّنِزّني‬ ‫يف بنغِزي على يضور احملِكمة ‪ ،‬ويضور اّتنفِذ ‪ ،‬وكنت أيد أوّئك اّذين أرغمهم اّطلِ​ِ على‬ ‫احملِكمة ‪ ،‬وّكين وقد استبد يب احلز شأين يف ذّك شأ سِئَ أبنِء بلديت ‪ ،‬مل أكن أستطِع رؤية‬ ‫اّبطل اجملِهد على يبل املشنقة ‪ ،‬فمَضت ‪ ،‬ومل يعفين اّطلِ​ِ من يضور اّتنفِذ يف ذّك اِّوم‬ ‫املشؤوم ‪ ،‬إال عندمِ تِقنوا من مَضي وعجزي عن احلضور‪.‬‬ ‫وَي هلِ من سِعة رهِبة اّيت سِر املختِر فِهِ بقدم اثبتة وشجِعة اندرة وهو ينطق ابّشهِدتني إىل يبل‬ ‫املشنقـة ‪ ،‬وقد ظل املختِر يَدد اّشهِدتني‪ :‬أشهد أ ال إّـه إال هللا ‪ ،‬وأشهد أ حممداً رسول هللا‪.‬‬ ‫ّقد كِ اّشِخ اجللِل يتهلل وجهه استبشِراً ابّشهِدة ‪ ،‬وارتِ​ِيًِ ّقضِء هللا وقدره ‪ ،‬ومبجَد وصوّه إىل‬ ‫موقع املشنقة أخذت اّطِئَات حتلق يف اّفضِء فوق سِية اإلعدام على اخنفِض ‪ ،‬وبصوت ٍ‬ ‫مدو ملنع‬ ‫األهِيل من االستمِع إىل عمَ‬ ‫املختِر ؛ إذ رمبِ يتحدث إِّهم أو يقول كالمًِ يسمعونه ‪ ،‬وصعد يبل املشنقة يف ثبِت وهدوء‪.‬‬ ‫وهنِك أعمل فِه اجلالد يبل اّظِمل ‪ ،‬فصعدت رويه اّطِهَة إىل رهبِ راضِة مَضِة ‪ ،‬هذا وكِ اجلمِع‬ ‫من أوّئك اّذين جِؤوا يسِقو إىل هذا املشهد اَّهِب ينظَو إىل اّسِد عمَ وهو يسري إىل املشنقة‬ ‫خبطِ اثبتة ‪ ،‬وكِنت يداه مكبلتني ابحلديد ‪ ،‬وعلى ثغَه ابتسِمة راضِة ‪ ،‬تلك االبتسِمة اّيت كِنت‬ ‫مبثِبة اّتحِة األخرية ألبنِء وطنه ‪ ،‬وقد مسعه بعض املقَبني منه ‪ ،‬ومنهم ِّبِو ‪ :‬أنه صعد سالمل املشنقة‬ ‫وهو يؤذ بصوت هِدأى أذا اّصالة وكِ أيد املوظفني اّلِبِني من أقَب احلِضَين إِّه ‪ ،‬فسمعه‬ ‫عندمِ وضع اجلالد يبل املشنقة يف عنقه يقول‪[ :‬اّفجَ‪َ{ :‬يأنيـَتُـهِ اّنَـ ْفس اّْمطْمئِنَةُ ارِجعِي إِ نىل ربِ ِ‬ ‫ك‬ ‫ُ ُ ن ْ‬ ‫ن ن‬ ‫ن‬ ‫رِ‬ ‫اضِنةً نم َْ ِضِنةً [اّ نفجَ‪ ]28-27 :‬ـ ‪.]28‬‬ ‫ن‬ ‫ّقد استجِب هللا دعِء اّشِخ اجللِل ‪ ،‬وجعل موته يف سبِل عقِدته ودينه ووطنه ‪ّ ،‬قد كِ يقول‪:‬‬ ‫((اّلهم اجعل مويت يف سبِل هذه اّقضِة املبِركة))[(‪.])313‬‬ ‫ويقول شِعَ اّقطَين خلِل مطَا ‪:‬‬ ‫ت ابَّوح جود احلَ أ ضِمِ‬ ‫أبِت واّسِف يعلو اَّأس تسلِمًِ‬ ‫وج ْد ن‬ ‫ُ‬ ‫يف أ تالقي مِ القِت مظلومِ‬ ‫هلل َي عمَ املختِر يكمته‬ ‫قد كِ مذ كنت مقدوراً وحمتومِ‬ ‫إ يقتلوك فمِ أ عجلوا أجالً‬


‫وّقد راثه اّشعَاء وتكلم يف أتبِنه األدابء واّكتِب ‪ ،‬وّو تتبعنِ ذّك ّوجدانه أكثَ من‬ ‫جملد[(‪.])314‬‬ ‫س أن ْ نَتُوت إِالَ إبِ​ِ ْذ ِ‬ ‫{ونمِ نكِ ن ِّننـ ْف ٍ‬ ‫ن‬ ‫وخنتم استشهِد عمَ املختِر رَمه هللا بقول هللا تعِىل‪[ :‬ال عمَا ‪ :‬ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ​ِ ِ‬ ‫ِ​ِ ِ‬ ‫َِ ِ‬ ‫اب ُّ‬ ‫ين‬ ‫اّدنْـِنِ نـُ ْؤته مْنـ نهِ نونم ْن يَُِْد ثنـ نو ن‬ ‫اّلل كتن ًِاب ُم نؤ َجالً نونم ْن يَُِْد ثنـ نو ن‬ ‫اب اآلخنَة نـُ ْؤته مْنـ نهِ نو نسنن ْج ِزي اّ َشِك َِ ن‬ ‫ونكأنيٍن ِمن نِ ٍيب قنِتنل معه ِربِ​ُِّو ن نكثِري فنمِ وهنُوا ِّمِ أنصِبـهم ِيف سبِ ِ​ِل َِ‬ ‫استن نكِنُوا نو َ‬ ‫اّلل نونمِ ن‬ ‫ضعُ ُفوا نونمِ ْ‬ ‫ن ننُ‬ ‫ٌ ن نن ن ن نُ ْ ن‬ ‫اّللُ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ب اّ َ ِ‬ ‫مَا ‪ ]146-145 :‬ـ ‪.]146‬‬ ‫ُِحي ُّ‬ ‫صِب َِ ن‬ ‫ين [آل ع ن‬ ‫ومن سرية عمَ املختِر اّعطَة نستخلص دروسًِ وعرباً تفِدان كثرياً يف يِ​ِتنِ املعِصَة؛ ِّس عمَ املختِر‬ ‫رَمه هللا أول من جِهد وال أول من استشهد ‪ ،‬وّكن‬ ‫كِ يِّه كمِ قِل تعِىل‪[ :‬ال عمَا ‪{ :‬اَّ ِذين قن نِل نهلُم اّن ِ‬ ‫ِخ نش ْوُه ْم‬ ‫َِس قن ْد نمجنعُوا ّن ُك ْم فن ْ‬ ‫ن‬ ‫َِس إ َ اّن ن‬ ‫ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫فنـزادهم إِمينِانً وقنُِّوا يسبـننِ َ ِ ِ‬ ‫مَا ‪]173 :‬‬ ‫ن ُْ‬ ‫ن نُْ‬ ‫ن‬ ‫ِل [آل ع ن‬ ‫اّللُ نون ْع نم اّْ نوك ُ‬ ‫ومفتِح شخصِته اّفذة‪ :‬أنه امن ابهلل ‪ ،‬واستقَت معِنِه يف قلبه ‪ ،‬فأصبح ال خيشى إال هللا ‪ ،‬وهذا‬ ‫اّصنف من املسلمني هو أقوى مِ عَفته اّبشَية ؛ وهو اإلنسِ احلَ يف أعلى معِين احلَية‪.‬‬ ‫جَد قلبه من األوهِم ومن اّشَكِ​ِت واّضالل ومن اّشبهِت واّشهوات ‪ ،‬وخلص قلبه من كل ظلمة‬ ‫حتول بِنه وبني دخول اّتويِد اّصحِح إِّه ‪ ،‬كِ كثري املَاقبة هلل ‪ ،‬ومن هنِ كِ شديد اخلوف من هللا‬ ‫‪ ،‬يعلم أنه شديد اّعقِب وخوفه من هللا جعله أهالً ّتوفِق هللا ‪ ،‬وّذّك كِ راسخًِ كِجلبل‬ ‫األشم[(‪.])315‬‬ ‫فِّفَيد يف سريته‪ :‬أنه أيِ​ِ شِئًِ كِد يندثَ ‪ ،‬أيِ​ِ معِين اإلميِ اّيت كِ اّنِس قد بدؤوا ينصَفو عنهِ‬ ‫‪ ،‬إنه بنِ​ِ أ ُِسس على اّتقوى ‪ ،‬فعِش مبِركًِ يف يِ​ِته ويف ممِته‪.‬‬ ‫واّعربة اّثِنِة‪ :‬أنه كِ داعِ​ًِ إىل هللا إبذنه ‪ ،‬تَىب على أيدي دعِة اّسنوسِة ‪ ،‬فلمِ اكتمل وتَعَع ‪،‬‬ ‫أدى اَّسِّة وبلغ األمِنة وأنذر وبشَ ‪ ،‬وخريكم من تعلم اّقَا وعلمه‪.‬‬ ‫واّعربة األخَى‪ :‬أنه كِ على فهم صحِح ّدينه ‪ ،‬أيخذه كالًّ ال يتجزأ ‪ ،‬فال هو ابّتدين املنحَف ‪،‬‬ ‫وال هو ابّتدين اّبعِد عن جوهَ اّدين ‪ ،‬وإمنِ هو رجل مؤمن ‪ ،‬يعلم أ اإلسالم ال يصح أ يؤخذ‬ ‫بعضه ويرتك بعضه ‪ ،‬وإمنِ علِه أ يعمل به كله‪.‬‬ ‫وكِ يف يَارة اّشبِب ويِويتهم رغم شِخوخته ‪ ،‬وتلك طبِعة املقِتلني يف سبِل هللا ‪ ،‬اّذين خيشو‬ ‫هللا وال خيشو أيداً غريه‪.‬‬


‫يسع ّلشهَة ‪ ،‬أل املخلصني ال يبحثو عن اّشهَة ‪ ،‬وإمنِ يبحثو عن رضِ هللا‬ ‫واّعربة األخَى‪ :‬أنه مل ن‬ ‫سبحِنه وتعِىل[(‪ .])316‬وّذّك جعل هللا ّه ذكَاً يف اّدنِ​ِ ونسأل هللا أ يتغمده بَ​َمته يف االخَة‪.‬‬ ‫إ أعداءه األوروبِني أعجبتهم سريته اّبطوِّة واّكفِيِة واجلهِدية ؛ فهذه صحِفة اّتِميز اّربيطِنِة يف‬ ‫مقِل نشَته يف ‪ 17‬سبتمرب سنة (‪ 1931‬م) حتت عنوا (نصَ إيطِيل)‪(( :‬يقق اإليطِِّو انتصِراً‬ ‫خطرياً وجنِيًِ يِمسًِ يف َملتهم على املتمَدين اّسنوسِني يف بَقة ‪ ،‬فلقد أسَوا وأعدموا اَّجل اَّهِب‬ ‫عمَ املختِر شِخ اّقبِلة اّعنِف اّضِري‪ ))...‬مث تستمَ اّصحِفة يىت تقول‪(( :‬ومن احملتمل جداً أ‬ ‫سِشل مقِومة بقِة اّثوار ‪ ،‬واملختِر اّذي مل يقبل أي منحة مِِّة من إيطِِّة ‪ ،‬وأنفق كل مِ‬ ‫مصريه‬ ‫ُّ‬ ‫عنده يف سبِل اجلهِد ‪ ،‬وعِش على مِ كِ يقدمه ّه أتبِعه ‪ ،‬واعترب االتفِقِ​ِت مع اّكفِر جمَد‬ ‫قصِصِت ورق ‪ ،‬كِ حمل إعجِب حلمِسته وإخالصه اّديين ‪ ،‬إنه كِ مَموقًِ ّشجِعته))[(‪.])317‬‬ ‫وقد وصفه أيد اإليطِِّني قِئالً‪(( :‬كِ عمَ املختِر خملصًِ وذكِ​ًِ ‪ ،‬وكِ عقل اّثورة وقلبهِ بربقة))‪.‬‬ ‫وقِل اخَ‪(( :‬كِ إجنِزه رائعًِ ‪ ،‬فقد يِرب إيطِِّة اّفِشِستِة تسع سنوات يف يَب فدائِة مل تكن‬ ‫ضعِفة يف ذاهتِ ‪ ،‬وكِ اّتحدي واّتضحِة واالستشهِد ابّنفس عند عمَ املختِر وأتبِعه شِئًِ نبِالً‬ ‫»[(‪.])318‬‬ ‫وحنن نقول‪:‬‬ ‫واّفضل مِ شهدت به األعداء‬ ‫وملِحة شهدت هلِ ضَاهتِ‬ ‫ّقد كِنت يِ​ِة عمَ املختِر شِخ اجملِهدين يف اجلبل األخضَ بلِبِة مكَسة كلهِ ّلعلم واّدعوة وتَبِة‬ ‫اّنِس على اإلسالم واجلهِد يف سبِل هللا ‪ ،‬وكِ من رواد احلَكة اّسنوسِة ‪ ،‬فقضى يِ​ِته يني اندى‬ ‫منِدي اجلهِد معتلِ​ًِ صهوة جواده ممسكًِ ساليه ‪ ،‬مل يهِد ومل يستسلم ‪ ،‬بل قِرع أعداء دينه مقِرعة‬ ‫اّند ّلند رغم قلة اإلمكِانت ورغم عدم اّتكِفؤ يف اّعدد واّعدة ‪ ،‬وّكنه استعالء اإلميِ وقوة اِّقني ‪،‬‬ ‫اّذي ازداد صالبة وعمقًِ يف مِ​ِدين اجلهِد وسِيِت املعِرك ‪ ،‬إ جهِد عمَ املختِر رَمه هللا سِظل‬ ‫معلمًِ ابرزاً يف اتريخ ِّبِة خِصة واتريخ األمة اإلسالمِة عِمة ‪ ،‬وسِظل دِّالً على أ اإلسالم صنع‬ ‫وال يزال منِذج عظِمة من‬ ‫اّبطوالت على مَ اّعصور ‪ ،‬وعلى أ اّعطِء احلقِقي إمنِ هو عطِء اإلميِ [(‪.])319‬‬ ‫إ اّشِخ اجللِل عمَ املختِر رَمه هللا مدرسة تستحق اّدراسة واّبحث يف جوانب متعددة يف‬ ‫شخصِته اّعلمِة واّدعوية واّرتبوية واجلهِدية ‪ ،‬ويعلم هللا مِ أعطِت اّشِخ يقه وال يىت بعض يقه ‪،‬‬


‫وأيس إيسِسًِ عمِقًِ صِدقًِ يف قَارة نفسي أنه أعظم ممِ كتبت ‪ ،‬وأجل ممِ تومهت ‪ ،‬وأفضل من‬ ‫عِيشت من سرية أبطِل اجلهِد يف ِّبِة احلبِبة ؛ فعلِه من هللا اَّ​َمة واملغفَة واَّضوا ‪ ،‬وعلى إخوانه‬ ‫املِ​ِمني اّكَام ‪ ،‬ونفعنِ هللا بسريته اّزكِة اّعطَة اّنقِة‪.‬‬ ‫وهكذا َي أخي اّكَمي يصنع اإلسالم من أتبِعه يف مِ​ِدين اّنزال وسِيِت اّقتِل‪ ،‬وكذّك عند‬ ‫اّوقوف أمِم اّطغِة واجلالوزة اّظلمة ؛ أل اّعقِدة حتَكه ‪ ،‬ورعِية هللا حتفه ‪ ،‬وإ هذه اّوقفِت اخلِّدة‬ ‫حلَي بنِ أ نكتبهِ حبَوف من ذهب ‪ ،‬ونعلمهِ ّألجِ​ِل ‪ ،‬ونَيب علِهِ‬ ‫من سرية شِخ اجلهِد يف ِّبِة ٌّ‬ ‫األشبِل ّغد مشَق جمِد ‪ ،‬قد بدأت بوادره تلوح يف عنِ اّسمِء ‪ ،‬ومظِهَهِ متجسدة يف رجوع‬ ‫شعوب املسلمني ّدينهِ‪ ،‬مع مِ حيف هذا اَّجوع من خمِطَ عديدة من قبل اِّهود واحلكِم اّظلمة ‪،‬‬ ‫وأىن هلم أ يطفئوا نور هللا ‪ ،‬وهللا متم نوره وّو كَه اّكِفَو ‪.‬‬ ‫فمِ علِنِ إال أ نستعني ابهلل يف حتقِق وتطبِق دينه على نفوسنِ وأسَان ومن يوّنِ مث على اّنِس‬ ‫أمجعني‪.‬‬ ‫ض نكمِ استخلن َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اّلل اَّ ِذين آمنُوا ِمْن ُكم وع ِملُوا اّ َ ِ ِ‬ ‫ين ِم ْن‬ ‫َه ْم ِيف األ ْنر ِ ن ْ ن ْ ن‬ ‫ْ نن‬ ‫صِحلنِت ّنِن ْستن ْخل نفنـ ُ‬ ‫{و نع ند َُ ن ن‬ ‫[اّنور‪ :‬ن‬ ‫ف اّذ ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َه ْم ِم ْن بنـ ْع ِد نخ ْوفِ ِه ْم أ ْنمنًِ ينـ ْعبُ ُدون ِين الن يُ ْش َُِكو ن ِيب نشِْـئًِ‬ ‫قنـْبل ِه ْم نوّنُِ نمكنن َن نهلُْم ديننـ ُه ُم اَّذي ْارتن ن‬ ‫ضى نهلُْم نوّنُِـبندّننـ ُ‬ ‫ك هم اّْ نف ِ‬ ‫ومن نك نفَ بـع ند نذِّ ن ِ‬ ‫ِس ُقو ن [اّنُّور‪]55 :‬‬ ‫نن ْ ن نْ‬ ‫ك فنأُوّنئ ن ُ ُ‬ ‫ي نع ِز ٌيز [احلنج‪]40 :‬‬ ‫ص َُهُ إِ َ َ‬ ‫صنَ َ َ‬ ‫اّللن ّننق ِو ٌّ‬ ‫اّللُ نم ْن ينـْن ُ‬ ‫{وّنِنـْن ُ‬ ‫[احلج‪ :‬ن‬ ‫مجِعِ [فن ِ‬ ‫[فِطَ‪{ :‬من نكِ ن ي َِ ُ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِطَ‪]10 :‬‬ ‫يد اّْعَزنة فنللَه اّْعَزةُ ن ً‬ ‫ُ‬ ‫نْ‬ ‫اثمنًِ‪ :‬بعض مِ قِل يف أتبني اّشِخ عمَ املختِر من اّشعَ‪:‬‬ ‫أ ـ قِل أمري اّشعَاء أَمد شوقي‪:‬‬ ‫يستنهض اّوادي صبِح مسِء‬ ‫ركزوا رفِتك يف اَّمِل ّواء‬ ‫َي وحيهم نصبوا منِراً من دم‬ ‫مِ ضَ ّو جعلوا اّعالقة يف ٍ‬ ‫غد‬ ‫جَح يصِح على املدى وضحِة‬ ‫َي أيهِ اّسِف اجملَد ابّفال‬ ‫تلك اّصحِرى غمد كل مهند‬ ‫وقبور موتى من شبِب أمِة‬

‫يويي إىل جِل اّغد اّبغضِء‬ ‫بني اّشعوب مودة وإخِء‬ ‫تتلمس احلَية احلمَاء‬ ‫يكسو اّسِوف على اّزمِ مضِء‬ ‫أبلى فأيسن يف اّعدو بالء‬ ‫وكهوهلم مل يربيوا أيِ​ِء‬


‫دخلوا على أبَاجهِ اجلوزاء‬ ‫ّو الذ ابجلوزاء منهم معقل‬ ‫وتوغلوا فِستعمَوا اخلضَاء‬ ‫فتحوا اّشمِل سهوّه وجبِّه‬ ‫دار اّسالم وجلق اّشمِء‬ ‫وبنوا يضِرهتم فطِول ركنهِ‬ ‫مل تنب جِهًِ أو تلم ثَاء‬ ‫خريت فِخرتت املبِت على اّطوى‬ ‫تعب املِء‬ ‫إ اّبطوّة أ َتوت على اّظمِ‬ ‫ِّس اّبطوّة أ ْ َ‬ ‫ضجت علِك أراجالً ونسِء‬ ‫إفَيقِة مهد األسود وحلدهِ‬ ‫ال ميلكو مع املصِب عزاء‬ ‫واملسلمو على اختالف دَيرهم‬ ‫يبكو زيد اخلِل واّفلحِء‬ ‫واجلِهلِة من وراء قبورهم‬ ‫جسد بربقة ُو ِسد اّصحَاء‬ ‫يف ذمة هللا اّكَمي ويفظه‬ ‫تبلى ‪ ،‬ومل تبق اَّمِح دمِء‬ ‫مل تبق منه ريى اّوقِئع أعظمًِ‬ ‫ابات وراء اّسِفِ​ِت هبِء‬ ‫كَفِت نسَ أو بقِة ضِغم‬ ‫(تنك) ومل يك يَكب األجواء‬ ‫بطل اّبداوة مل يكن يغزو على‬ ‫وأراد من أعَافهِ اهلِجِء‬ ‫ّكن أخو خِل َمى صهواهتِ‬ ‫مل ختش إال ّلسمِء قضِء‬ ‫ّىب قضِء األرض أمسى مبهجة‬ ‫سقَاط جَ إىل اّقضِة رداء‬ ‫وافِه مَفوع اجلبني كأنه‬ ‫كِّطفل من خوف اّعقِب بكِء‬ ‫شِخ َتِّك سنه مل ينفجَ‬ ‫فتغريت فتوقع اّضَاء‬ ‫وأخو أمور عِش يف سَائهِ‬ ‫يف اّسجن ضَغِمًِ بكى استخذاء‬ ‫األسد تزأر يف احلديد ‪ ،‬وّن تَى‬ ‫أسد جيَجَ يِة رقطِء‬ ‫وأتى األسري جيَ ثقل يديده‬ ‫ومشت هبِكله اّسنو فنِء‬ ‫عضت بسِقِه اّقِود فلم ينؤ‬ ‫ّرتجلت هضبِته إعِ​ِء‬ ‫سبعو ّو ركبت منِكب شِهق‬ ‫خفِت عن اّقِضي ‪ ،‬وفِت نصِبهِ‬ ‫واّسن تعطف كل قلب مهذب‬ ‫دفعوا إىل اجلالد أغلب مِجداً‬ ‫ويشِطَ األقَا ذخَ ساليه‬

‫من رفق جند قِدة نبالء‬ ‫عَف اجلدود وأدرك االابء‬ ‫أيسو اجلَاح ويطلق األسَاء‬ ‫ويصف يول خوانه األعداء‬


‫ّلِث يلفظ يوّه احلوابء‬ ‫وختريوا احلبل املهني منِة‬ ‫من كِ يعطي اّطعنة اّنجالء‬ ‫يَموا املمِت على اّصوارم واّقنِ‬ ‫ابحلق هدمًِ اترة وبنِء‬ ‫إين رأيت يد احلضِرة أوّغت‬ ‫إال أُابة اّضِم واّضعفِء‬ ‫شَعت يقوق اّنِس يف أوطِهنم‬ ‫فأصوغ يف عمَ اّشهِد راثء‬ ‫أسِمع‬ ‫َي أيهِ اّشعب اّقَيب‬ ‫ٌ‬ ‫ِطب اإلصغِء؟‬ ‫أم أجلمت فِك اخلطوب ويَمت‬ ‫أذنِك يني ُخت ُ‬ ‫ذهب اّزعِم وأنت ٍ‬ ‫فِنقد رجِّك واخرت اّزعمِء‬ ‫ابق خِّ ٌد‬ ‫واَمل على فتِ​ِنك األعبِء[(‪])320‬‬ ‫وأرح شِوخك من تكِِّف اّوغى‬ ‫ب ـ قِل األستِذ نعمِ عبد اّوهِب انظَ مدرسة مللوم مبغِغة مبصَ ‪ ،‬وذّك مبنِسبة أول ذكَى‬ ‫ّلشهِد قِم هبِ اّلِبِو أثنِء احلَب اّعِملِة اّثِنِة‪:‬‬ ‫يلني‬ ‫دفني‬ ‫صُ‬ ‫لد اّصخور ُ‬ ‫ذكَى هبِ أملُ اّنفوس ُ‬ ‫أسى ّه ن‬ ‫و ً‬ ‫ونداء قطَ ابّفالة سجني‬ ‫وسقِم شعب يف رفِت ضحِة‬ ‫(سفِح بَقة) واَّيِب أمني‬ ‫ودموع ثكلى من دم أذراعهِ‬ ‫إذ قِل‪ :‬عَضي ‪ ،‬واحلمى ‪ ،‬واّدين‬ ‫صِيت على بطل يسِق مكبالً‬ ‫يف كل ركن يف اّبالد عَين‬ ‫فِراتع شعب أعزل ّكنمِ‬ ‫ابهلل يَبطهِ هدى ويقني‬ ‫من واية اجلغبوب قِمت أسَة‬ ‫َت هنِك شؤو‬ ‫بِت اإلمِرة واملهِبة واّتقى‬ ‫واّعزم مِ جد ْ‬ ‫وجتَد اهلندي واملسنو‬ ‫فِصطفت األبطِل حتت ّوائهِ‬ ‫ابحلزم واإلقدام ظل يبني‬ ‫واّسِد املهدي يذكي انرهِ‬ ‫واّشعب منقِد ّه ورهني‬ ‫يستنهض اّفَسِ يف سِيِهتِ‬ ‫يف ِ‬ ‫يب بَقة يضحك املطعو‬ ‫يستعذبو املوت يف إرضِئهِ‬ ‫عشَو عِمًِ يف اجلهِد هب َمة‬ ‫صرب األىل فتحوا ممِّك قِصَ‬ ‫ّو كِ ّإلسالم سِّف عهده‬ ‫مِ ابت أبطِل اجلهِد على اّطوى‬

‫مل تكتحل فِهِ املنِم جفو‬ ‫وتس َوروا اإليوا وهو يصني‬ ‫واجلِر ّلجِر اّضعِف معني‬ ‫يستنجدو اّشَق وهو ضنني‬


‫َي هلف نفسي كِف سِر بغله‬ ‫عمَ بن خمتِر اّشهِد ومن ّه‬ ‫فختِمه حيكي هنِية (جعفَ)‬ ‫عِنِه قد رأت احلصِ جمندالً‬ ‫ِ‬ ‫ت فمِ‬ ‫واّسِف يف اِّمىن وإ قُط نع ْ‬ ‫من كِ هلل اّقديَ جهِده‬ ‫ال ينثين عن عزمه واملوت يف‬ ‫مِ رَد إال يِث قِل قضِهتم‬

‫من كِ ّلسَج اَّهِب يزين‬ ‫يف كل قلب ّوعة وينني‬ ‫يىت يال يل فِهمِ اّتأبني‬ ‫واجلو أطبق واَّصِص هتو‬ ‫يلقِه يىت أ حيني احلني‬ ‫واحلق يعلم أنه املغبو‬ ‫يبل املشِنق جِمث مَهو‬ ‫نعم ‪ ،‬ويف اّصوت اجلهور رنني‬

‫وهللا قدر مِ علِه تكو‬ ‫فِضت على يبل املظِمل رويه‬ ‫موت املعزة ابّكمِة قمني‬ ‫دار اّسنوسي ّقنت أشبِهلِ‬ ‫َي مَسل اّشكوى وأنت يزين‬ ‫فِّصرب َي شعب اجلهِد فضِلة‬ ‫إ غِب عنهِ ِّس عنك يبني‬ ‫ال زال رب اّدار ِّثًِ رابضًِ‬ ‫واحلَ ّلعهد اّنزيه يصو‬ ‫ال زال إدريس اّويف بعهدكم‬ ‫منكم ‪ ،‬وقد سهَت علِه عِو [(‪])321‬‬ ‫ال زال يسعى ّلخالص بفتِة‬ ‫ج ـ وقِل أيد اّشعَاء اّلِبِني األستِذ أبو اخلري اّطَابلسي‪:‬‬ ‫وثوى احلَ يف مهِوي اّظالم‬ ‫دك طود اجلهِد ابسم اّسالم‬ ‫زّزل األمن يف ربوع األانم‬ ‫وأبِدت معِمل احلق ملِ‬ ‫وأزيلت منِرة اإلسالم‬ ‫وأمِتت مبِدأى اّدين كفَاً‬ ‫ـي ‪ ،‬وزّت مواطأى األقدام‬ ‫وأقِمت جمِزر اإلمث واّبغـ‬ ‫‪ ،‬فهدت دعِئم األقدام‬ ‫وحتِمت عنِصَ اّظلم واّعدوا‬ ‫كِف يِكت مؤامَات اّلئِم‬ ‫ِّت تلك اّسمِء حتكي فرتوي‬ ‫ِّت هذا األدمي ينشق تواً‬ ‫أيهذا اّشهِد! مِ أنت إال‬ ‫أيهذا اّشهِد! مِ أنت إال‬ ‫خصك هللا ابّعزمية واّصبـ‬

‫فِواري خملفِت اّعظِم‬ ‫طِرف اّعز‪ ..‬اتّد اجملد‪ ..‬سِمي‬ ‫قدوة اجلِش‪ ..‬يف اّلواء األمِمي‬ ‫ـَ ‪ ،‬وخص اّطغِة ابإليجِم‬


‫ـَ ‪ ،‬وخص اّدانة ابالاثم‬ ‫خصك هللا ابّعقِدة واّطهـ‬ ‫رأسهِ‪َ ..‬ي جالل هذا املقِم‬ ‫أمم األرض طأطأت يف ايرتام‬ ‫وازدراء هبم أيط وسِم‬ ‫أمم األرض قلدهتم هواانً‬ ‫بِد اّغدر ذقت كأس احلمِم‬ ‫أيهذا اّشهِد! قدمت شنقًِ‬ ‫واختفى اّبدر يف ِّ​ِيل اّتمِم‬ ‫فتوارت غزاّة اّصبح يزانً‬ ‫(عمَ) أنت‪ ...‬واَّدى تتعِمي‬ ‫خِّد أنت رغم أنف املنَِي‬ ‫ِّس ينسى على مدى األعوام‬ ‫إ تنِسوك ‪ ،‬فِّثمِنو عِمًِ‬ ‫فتوثبت قِهَاً يف اعتصِم‬ ‫كللت كِهلِك ابّعزم اتجًِ‬ ‫اّقضِ‪ ..‬ابَّدى ونصل اخلتِم‬ ‫مِ حتدوك‪ ..‬إمنِ قد حتداك‬ ‫مث أعلوك فوق أمسى مقِم‬ ‫إهنم أّبسوك يلة فخَ‬ ‫جسمك احلَ‪ ..‬خِفة اإليالم‬ ‫طوقوا جِدك األغَ وغطوا‬ ‫ة وخبث اجلبِ يف اإليهِم‬ ‫سنة اّغدر‪ ..‬رَمة اّذئب ابّشِ‬ ‫يف األعِيل مالئك ّلسالم‬ ‫أرجحوا جسمك اّضعِف فضجت‬ ‫فِشهدوا مصَع اّزعِم اهلمِم‬ ‫وعووا كِّذائب‪ :‬هِ​ِ تعِّوا‬ ‫من أتىب يضور ملقى اّزؤام‬ ‫فأبوا‪ .‬مث سِق قهَاً وجلداً‬ ‫صِرخِت على اّعدا كل عِم‬ ‫مث دقوا اّطبول ّلموت تدوي‬ ‫بشواظ على اّكوافَ جِمي‬ ‫ّعنة هللا‪ّ ..‬عنة احلق صيب‬ ‫وّعنة اّثِكالت اّدوامي‬ ‫ّعنة اّكهل‪ّ ..‬عنة اّطفل واخلدر‬ ‫دائمِت إىل نشور اّعظِم‬ ‫ّعنِت على اجلنِة اّسفِىل‬ ‫فأفِضت ّنِ اّدموع اهلوامي‬ ‫َي أخي! عربة اخلطب هِجت‬ ‫ديد احلقد ‪ ،‬مبعث االنتقِم‬ ‫وّغ اّقوم يف اّدمِ فأاثروا‬ ‫ـتفِض اّشعور صِخب األنغِم‬ ‫ردد اّلحن هِئجًِ مِئجًِ مسـ‬ ‫ب َي يثِث اّنسِء ّإلقحِم‬ ‫َي جهِد اّشِوخ َي فداء اّشبِ‬ ‫َي دعِة اّسالم صمتًِ فإان‬ ‫قد شهدان قذائف املوت تعوي‬

‫قد شهدان مقِصل اإلعدام‬ ‫هِوَيت على رؤوس اّشهِم‬


‫فشهِد ميِل فوق شهِد‬ ‫َي رَيح اّفنِء! هيب وذري‬ ‫وارقصي ثوريت ومِدي جنوانً‬ ‫وَتطي عزمييت ّلعال واستـ‬ ‫رب شعب عن املعِيل قعِد‬ ‫ورمته اخلطوب ملِ تواىن‬ ‫َ‬ ‫فعلت من ثَاه صِحِت جد‬ ‫ومنت فِه بنته اّنهضة اّغضـ‬

‫ودمِء تفور فوق رغِم‬ ‫يف املِقي قذى اّقنِ واّسهِم‬ ‫واطَيب َي فتويت! ّن تضِمي‬ ‫ـزري انطح اّسحب شِهق االكِم‬ ‫خِنه اّعزم ابّوغى واّسقِم‬ ‫وارتضى ابّقِود واألجلِم‬ ‫داعِ​ِت إىل اّبنِ واّقِ​ِم‬ ‫ـى على مصَع األبنِء املسِم‬

‫صقلتهِ يد اّعَى ابّنظِم‬ ‫وتقوت سواعد اّنشء ملِ‬ ‫واخلىن مستسَ قد استضِم‬ ‫أمة اجملد! إ اجملد صعب‬ ‫ونشأان يف أيلك األَيم‬ ‫سِئلي األمس‪ ..‬كِف أ َان وّدان‬ ‫واستنمنِ ّبِطل األيالم‬ ‫وّبثنِ سنني جهالً عبِداً‬ ‫ـب وهتنِ مبهمة األوهِم‬ ‫وقعدان عن اّنهوض ففِت اَّكـ‬ ‫ـَ! فقد طِل طِل عهد املنِم‬ ‫فِملضِء املضِء َي فتِة اّنصـ‬ ‫ـَ! فحسب احلصِد نِل املَام‬ ‫واّبدار اّبدار َي أمة اّفخـ‬ ‫د ـ وقِل األستِذ يسني اّغنِي أيد شعَاء اّشبِب اّلِبِني‪:‬‬ ‫وتفىن اخلالئق جدته‬ ‫يبِد اّزمِ ومدته‬ ‫وتبقى من املَء سريته‬ ‫وتطوي اّدهور سجل احلِ​ِة‬ ‫مضِء اّفىت وعزميته‬ ‫ومن أخلد اّذكَ يف اّعِملني‬ ‫تذود عن احلق مهجته‬ ‫ووقفته عند قَع اّسالح‬ ‫تدرع ابّصرب مهجته‬ ‫إذا عجمته شداد اخلطوب‬ ‫كذا عدّه واستقِمته‬ ‫سواء ّديه اعوجِج اّزمِ‬ ‫إىل أرض بَقة نسبته‬ ‫ومن أبَز اّذائدين فىت‬ ‫جبلته وأرومته‬ ‫من اّعَب اّشوس واّفِحتني‬ ‫و(عقبة) مث صحِبته‬ ‫إذا عد (عمَ) و(ابن اّوِّد)‬


‫وأمثِهلم خنبة املسلمني‬ ‫فـ(خمتِر) بَقة ذاك األيب‬ ‫ّصنو هلم يف قِ​ِس اّفحول‬ ‫عقِدته يف احلِ​ِة اجلهِد‬ ‫وتلقِه يف اِّأس واملكَمِت‬ ‫إذا اتصفت ابّدهِء اَّجِل‬ ‫فقول اّكتِب ّه مبدأ‬ ‫يفك اَّكِب‬ ‫أىب شَفًِ أ‬ ‫َ‬

‫رجِل اّفتوح وقِدته‬ ‫اّذي طِفت األرض شهَته‬ ‫وَتتِز عنهم صالبته‬ ‫ّتحفظ ّلشعب يَمته‬ ‫ّه فضله ومهِبته‬ ‫وابنت من اّعدل وجهته‬ ‫وصوت اّسالح سِ​ِسته‬ ‫اّسِف رايتُه‬ ‫تلقي‬ ‫وأ‬ ‫ن‬ ‫ن‬

‫توشحه بندقِته‬ ‫ومِ زال يف اّسَج شِكي اّسالح‬ ‫وأول طلق رصِصته‬ ‫يصِدم يف طلعة اهلِمجني‬ ‫فتقضي إىل اّنصَ غزوته‬ ‫ويغزو على اّقوم يف دارهم‬ ‫شهِداً فكِنت هنِيته‬ ‫إىل أ قضى حتت يكم اّقضِء‬ ‫َق رسِّتُه‬ ‫ّئن مِت شهم اّوغى عمَ‬ ‫وملَِ ُحتنق ْ‬ ‫يشع عقِدته‬ ‫فقد أوجدت يف شعور اّعَوبة‬ ‫نوراً ُّ‬ ‫فتهدي إىل احلق ملعتُه‬ ‫يسري هبِ يف دروب اّظالم‬ ‫ُمىن ِ‬ ‫اّعَيب وبغِته‬ ‫كمِ علم اَّوم أ اجلهِد‬ ‫يَام على اّبوم وطأتُه‬ ‫كَ اّنسور‬ ‫وعلمهم أ و ن‬ ‫اّنفوس روايتُه‬ ‫تغذي‬ ‫يديثك َي عمَ اخلريين‬ ‫ن‬ ‫به ختتم اجملد صفحته[(‪])322‬‬ ‫وذكَك ابق مع اخلِّدين‬ ‫اتسعًِ‪ :‬اخَ وثِقة من أَمد اّشَيف وصلت ّلمجِهدين يف ِّبِة‪:‬‬ ‫وكِنت اخَ وثِقة أرسلهِ أَمد اّشَيف رداً على رسِّة اجملِهد اّكبري يوسف بوريِل اّذي َ‬ ‫توىل األمَ‬ ‫مؤقتًِ بعد استشهِد عمَ املختِر رَمه هللا تعِىل ‪ ،‬وقد أعلم يف رسِّته أَمد اّشَيف ابستشهِد عمَ‬ ‫املختِر ‪ ،‬وطلب منه أ يعني من يقوم هبذا اّدور اّعظِم‪.‬‬ ‫نص اَّسِّة اّيت بعث هبِ أَمد اّشَيف رَمه هللا‪:‬‬ ‫بسم هللا اَّ​َمن اَّيِم ‪ ،‬وصلى هللا على سِدان حممد ‪ ،‬واّه وصحبه وسلم‪.‬‬


‫من عبد ربه سبحِنه ‪ ،‬خِدم اإلسالم ‪ ،‬أَمد اّشَيف اّسنوسي‪.‬‬ ‫إىل يضَة اّفِضل احملرتم ‪ ،‬واجللِل املفخم ‪ ،‬اجملِهد اّصِدق ‪ ،‬واّلبِب احلِذق ‪ ،‬قِئم مقِم دور اّعواقري‬ ‫‪ ،‬وّدان اّشِخ عبد احلمِد اّعبِر ‪ ،‬وكِفة أوالدان اّعواقري يفظهم هللا ورعِهم ويَسهم وَمِهم امني‬ ‫امني‪.‬‬ ‫اّسالم علِكم ورَمة هللا تعِىل وبَكِته ومغفَته ومَضِته وحتِ​ِته ورضوانه وعمِم فضله وإيسِنه ‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫فِملَجو من هللا تعِىل أ تكونوا مجِعًِ على أيسَ األيوال حمفوظني ابهلل ومنصورين به ‪ ،‬وإننِ ّن نغفل‬ ‫عنكم يف وقت من األوقِت من اّدعِء ‪ّ ،‬كن عند بِت هللا احلَام ويف يضَة موالان رسول هللا (ص) ‪،‬‬ ‫وعلى هللا اّقبول ‪ ،‬إنه أكَم مسؤول ‪ ،‬وخري مأمول ‪ ،‬هذا وقد بلغنِ مِ أزعجنِ وكدران غِية اّكدر ‪،‬‬ ‫وهو استشهِد يضَة اّنِئب اّعِم سِدي عمَ املختِر رَمه هللا ورضي هللا عنه وجعل جنة اّفَدوس‬ ‫مسكنه وحمله ‪ ،‬وجزاه هللا عنِ وعن اإلسالم أيسن اجلزاء ‪ ،‬فإنه كِ عِمالً صِدقًِ انصحًِ ‪ ،‬وإننِ مل‬ ‫نتكدر على نِله ّلشهِدة ‪ ،‬بل حنمد هللا على ذّك وال نقول‪ :‬إنه مِت ‪ ،‬بل إنه يي ّقول هللا‪:‬‬ ‫[اّبقَة‪{ :‬والن تنـ ُقوُّوا ِّمن يـ ْقتل ِيف سبِ ِ​ِل َِ‬ ‫نيِنِءٌ [اّبنـ نقنَة‪ ، ]154 :‬وإمنِ كدران فقدانه من‬ ‫اّلل أ ْنم نو ٌ‬ ‫ات بن ْل أ ْ‬ ‫نْ ُ نُ ن‬ ‫ن‬ ‫بِنكم وغِ​ِبه عنكم ‪ ،‬وّكن هذا أمَ هللا اّذي يفعل مِ يشِء وحيكم مِ يَيد ‪ ،‬فال ميكننِ إال تسلِمنِ‬ ‫هلل ورجوعنِ إِّه ‪ ،‬وال نقول إال مِ يقول اّصِبَو ‪ :‬إان هلل وإان إِّه راجعو ‪ ،‬نعم استشهد سِدي عمَ‬ ‫املختِر وّكنه أبقى اّعمل اّطِب واّذكَ احلسن إىل يوم اّقِ​ِمة ‪ ،‬فهذا ِّس مبِت وّن ميوت أبداً ‪ ،‬مِ‬ ‫دامت اّدنِ​ِ ‪ ،‬ألنه شهِد ‪ ،‬واّشهِد ِّس مبِت ‪ّ ،‬قوّه تعِىل‪[ :‬ال عمَا ‪{ :‬والن نحتس َ َ ِ‬ ‫ين قُتِلُوا‬ ‫ن ْ نن‬ ‫نب اّذ ن‬ ‫ِ َِِ‬ ‫ِيف سبِ ِ​ِل َِ‬ ‫اّلل ِمن فن ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ني ِمبنِ ن‬ ‫نيِنِءٌ عْن ند نرهب ْم يـَُْنزقُو ن فن َِي ن‬ ‫اّلل أ ْنم نو ًاات بن ْل أ ْ‬ ‫ين نملْ‬ ‫آات ُه ُم َُ ْ‬ ‫ن‬ ‫ضله نوين ْستنـْبش َُو ن ابّذ ن‬ ‫ض ٍل نوأن َ َ‬ ‫ف نعلنِْ ِه ْم نوالن ُه ْم نْحينزنُو ن ين ْستنـْب ِش َُو ن بِنِ ْع نم ٍة ِم نن َ‬ ‫اّللن الن‬ ‫ينـ ْل نح ُقوا هبِ​ِ ْم ِم ْن نخ ْل ِف ِه ْم أنالَ نخ ْو ٌ‬ ‫اّللِ نوفن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫مَا ‪ ]171-169 :‬ـ ‪.]171‬‬ ‫نجنَ اّْ ُم ْؤمن ن‬ ‫ِع أ ْ‬ ‫يُض ُ‬ ‫ني [آل ع ن‬ ‫فِهلل َي أوالدي يف اّتمسك ‪ ،‬وإَيكم واِّأس ‪ ،‬إَيكم واّقنوط ‪ ،‬إَيكم وأقِويل اّنِس اّفِسدة ‪ ،‬فجدوا‬ ‫واجتهدوا كمِ كنتم ‪ ،‬واجعلوا أعمِّكم هلل ؛ ألنه ّنِ وال ّغريان ؛ أل من قِتل هلل ‪ ،‬فِهلل يي ٍ‬ ‫ابق ‪،‬‬ ‫ومن قِتل ّغري هللا فعلمه ال يفِده‬ ‫شِئًِ ‪ ،‬واعلموا أ هللا معكم ‪ ،‬وّن يرتكم أعمِّكم ‪ ،‬فِصربوا وصِبَوا واعلموا أ اّعِقبة ّلمتقني ‪ ،‬وأ‬ ‫هللا خمزي اّكِفَين ‪ ،‬ومِ تَونه من األهوال ‪ ،‬فإنه وهللا مث وهللا زائل عن قَيب ‪ ،‬وسرتو مِ يسَكم دنِ​ِ‬


‫وأخَى ‪ ،‬ففي اّدنِ​ِ سرتو حبول هللا اّعز واّنصَ واّفتح اّذي ال خيطَ ّكم على ابل ‪ ،‬ويف االخَة‬ ‫رضِء هللا ورسوّه واّنعِم املقِم ‪ ،‬فأنتم يف اخلري أيِ​ِء وأموات‪.‬‬ ‫وهِ حنن نوبنِ عنِ علِكم يضَة أخِكم اجملِهد اّغِور اّصِدق ‪ ،‬وّدان اّشِخ يوسف بو ريِل ‪ ،‬فإنكم‬ ‫ستلقونه بعو هللا وقوته ‪ ،‬مثل اّسِد عمَ وأكثَ ‪ ،‬وحنن مِ قدمنِه إال بتقدمي سِدي عمَ ّه يف يِ​ِته‬ ‫‪ ،‬وامتثلوا أمَه وامسعوا كالمه ‪ ،‬وكونوا ّه عوانً معِنًِ ‪ ،‬ومن خِّفه منكم فال يلومن إال نفسه ‪ ،‬ومن تبعه‬ ‫وامتثل أمَه ‪ ،‬فهو اّذي منِ وعلِنِ ‪ ،‬ووّدان اّشِخ يوسف املذكور هو اّنِئب عنِ عمومًِ ‪ ،‬فال تَوه إال‬ ‫ابّعني اّيت تَوننِ هبِ ‪ ،‬وبذّك يتم ابهلل أمَكم ‪ ،‬وجتتمع كلمتكم وتقهَوا عدوكم ‪ ،‬وإَيكم مث إَيكم‬ ‫اّللن نم نع‬ ‫اصِربُوا إِ َ َ‬ ‫ب ِرحيُ ُك ْم نو ْ‬ ‫املخِّفة واّنزاع ‪ ،‬قِل هللا تعِىل‪[ :‬األنفِل‪ :‬ن‬ ‫{والن تنـنن نِزعُوا فنـتنـ ْف نشلُوا نوتن ْذ نه ن‬ ‫اّ َ ِ‬ ‫ين [األن نفِل‪]46 :‬‬ ‫صِب َِ ن‬ ‫سِع بكل جهده يف اّقضِء علِكم يف هذه املدة اّقَيبة ‪ ،‬ال بلغه‬ ‫واعلموا َي أوالدي أ اّعدو خَِبه هللا ٍ‬ ‫هللا منِه ‪ ،‬ألنه بعد مدة قلِلة يقوم معه يَب عظِم يشغله عنكم وهو مع اّفَنسِني ‪ ،‬واّدول األخَى‬ ‫‪ ،‬فعند ذّك ال يقدر على دوام اّقتِل معكم ‪ ،‬واحلَب قَيب اّنشوب ‪ ،‬فجدوا يف عملكم ‪ ،‬واصربوا‬ ‫وأبشَوا ابّنصَ واّفتح ‪ ،‬وال تِأسوا من روح هللا ‪ ،‬إنه ال يِأس من روح هللا إال اّقوم اّكِفَو ‪ ،‬قِل‬ ‫ِ‬ ‫ص َُنان فنـنُ ِج ني نم ْن ن نشِءُ نوالن يـُنَُّد‬ ‫نس ُّ‬ ‫اَّ ُس ُل نوظننُّوا أننـ َُه ْم قن ْد ُكذبُوا نجِءن ُه ْم ن ْ‬ ‫{ي َىت إِ نذا ْ‬ ‫تعِىل‪[ :‬يوسف‪ :‬ن‬ ‫استنـِْأ ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وسف‪]110 :‬‬ ‫نأبْ ُسننِ نع ِن اّْ نق ْوم اّْ ُم ْج َِم ن‬ ‫ني [يُ ُ‬ ‫وال نشك َي أوالدي أ هللا منجز وعده ؛ أل هللا ال خيلف املِعِد ‪ ،‬وإين وهللا مث وهللا مِ مينعين من‬ ‫اّوصول إِّكم إال عدم اّطَيق ‪ ،‬وّكن حبول هللا ال زّت جمتهداً بكل جهدي يف وصويل إِّكم‪ ،‬وعن‬ ‫قَيب يتم ذّك حبول هللا وقوته‪ ،‬هذا وسلموا منِ على عموم أوالدان اجملِهدين‪ ،‬واّبِرأى حيفظكم‬ ‫وينصَكم وجيمعنِ بكم عن قَيب[(‪.])323‬‬ ‫(‪16‬مجِدى اّثِين سنة‪ 1350‬هـ)‬ ‫عِشَاً‪ :‬إيطِِّة حتِول أ تستفِد بعد مقتل عمَ املختِر‪:‬‬ ‫يقول غَاسِ​ِين عن عمَ املختِر يف كتِبه (بَقة اهلِدئة)‪ :‬إ خرب اّقبض على عمَ املختِر وإعدامه‬ ‫سَى يف كل مكِ ‪ ،‬ويف األوسِط احمللِة بني األهِيل واخلِضعني ّسلطِتنِ ‪ ،‬وبني اّثوار اخلِرجني عن‬ ‫طِعتنِ ‪ ،‬واملهِجَين يف مصَ ‪ ،‬ويف كل اّبلدا من املشَق إىل املغَب ‪ ،‬كلهِ أتثَت من هذا احلِدث‬


‫اجللل ‪ ،‬وإعدام عمَ املختِر ‪ ،‬وّكي ننتهز هذه اّفَصة يف هذا اّظَف اّدقِق من أجل إاثرة اّفوضى‬ ‫بني اّقِدة اّذين خلفوا عمَ املختِر يف اّقِ​ِدة ؛ رأينِ أ ننشَ بِ​ِانً إىل كِفة أو اّبقِة من اّعصِة نعلن‬ ‫هلم فِه‪ :‬أ احلكومة اإليطِِّة اّفِشِستِة مستعدة أ تقبل استسالمهم وتسلِم اّسالح ‪ ،‬وتضمن هلم‬ ‫احلِ​ِة ‪ ،‬ويف ‪ 17‬سبتمرب (‪ 1931‬م) نشَت اّتعلِمِت االتِة من أجل توزيعهِ ؛ وهي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ أ نعطي ّلثوار اإليسِس بسخِء اّدوّة اإليطِِّة اّفِشِستِة ‪ ،‬وكذّك ّلسكِ احمللِني‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ إفَاد احلِّة أمِم اّعِمل اإلسالمي وغري اإلسالمي بكل دقة ‪ ،‬وأ تصَفِتنِ ال ّبس فِهِ ‪ ،‬فهي من‬ ‫اختصِصنِ ‪ ،‬وكذّك من مسؤوِّ​ِتنِ يف كل اّعملِ​ِت احلَبِة اّيت أجَيت يف بَقة ‪ ،‬وهلذا فقد قِمت‬ ‫طِئَتنِ بقذف املنشورات على املنِطق اجلبلِة ‪ ،‬وعلى املد واّقَى ‪ ،‬وهبِ اّبِ​ِ االيت‪:‬‬ ‫إىل أدوار عمَ املختِر‪:‬‬ ‫إ اَّئِس اّعظِم رئِس اّثوار عمَ املختِر حيِرب منذ عشَين سنة كِ يقودكم فِهِ إىل اخلَاب‬ ‫واّدمِر واّتأخَ واالحنطِط ‪ ،‬قبضت علِه قواتنِ املظفَة قوات إيطِِّة اّفِشِستِة ‪ ،‬وقد يكمت علِه‬ ‫احملكمة اخلِصة ابإلعدام ‪ ،‬وهذا انتقِم من هللا من أجل املسِكني اّذين بسببه تَكوا أراضِهم ومسقط‬ ‫رأسهم[(‪.])324‬‬ ‫قِل مرتجم كتِب (بَقة اهلِدئة) إبَاهِم بن عِمَ عن هذا املنشور‪ :‬سبحِ هللا َي جنَال! من اّذي شَد‬ ‫اّنِس من أراضِهم؟ ومن اّذي أفىن مثِنني أّفًِ من املواطنني يف املعتقالت؟ أمل تكن أنت اّذي قضى‬ ‫على اّنِس وأمواهلم؟ ويف نفس‬ ‫اّصفحة تعرتف أب عمَ املختِر منذ عشَين سنة حيِرب من أجل من؟ من أجل أ يطَدك ويطَد‬ ‫قوات إيطِِّة اّغِصبة[(‪.])325‬‬ ‫واستمَ غَاسِ​ِين يف املنشور‪َ :‬ي أهل اّدور إ احلكومة اإليطِِّة اّفِشِستِة اّقوية واّسخِة حتذركم مَة‬ ‫أخَى ؛ إنه بعد وفِة واختفِء عمَ املختِر أهنِ مستعدة أب تعفو عن كل اّذين خيضعو حلكمنِ‬ ‫ويسلِمو أسلحتهم ‪ ،‬ومن غري هذا فِحلكومة كمِ قضت على عمَ املختِر ستقضي على كل اّذين‬ ‫يواصلو اّعصِ​ِ إمِ عِجالً وإمِ اجالً‪ .‬امسعوا كالمي وسلموا أنفسكم‪.‬‬ ‫ويف نفس اّوقت أصدرت األوامَ إىل قوات اجلِش بعد أ قذفت اّطِئَات املنشورات ابالستمَار يف‬ ‫اّقتِل دو توقف ‪ ،‬بل بذل أكثَ من اجلهد دو تَدد يىت جنعل أمِم اّعصِة (يعين‪ :‬اّثوار) اّطَيق‬ ‫اّويِد هو االستسالم دو قِد أو شَط ‪ ،‬وخالف إّقِء اّبِ​ِ ابّطِئَات مِ يزيد عن ‪35000‬‬


‫منشور ‪ ،‬وأكثَ منهِ وزعت من اّدورَيت اّكشِفة على كل بئَ ويف كل يقل ومَعى ‪ ،‬وكل هذه‬ ‫األمِكن اّيت ميَ هبِ اّعصِة (يعين‪ :‬اجملِهدين) أمِ (املِريشِل ابّدوِّو) من جِنبه فقد وجه إىل قوات‬ ‫اجلِش اّربقِة اّتِِّة‪:‬‬ ‫أوجه إىل قوات اجلِش اّشجِعة بربقة أعظم اّثنِء وأيَ هتنئيت على كل مِ قِموا به من عمل جمِد‬ ‫وانتصِر ابهَ يف هذه احلَوب ‪ ،‬واّنتِجة املَضِة اّيت كنِ نتمنِهِ أ هنِية عمَ املختِر جيب أ ال تؤثَ‬ ‫على اّسري فوق اّطَيق اّيت رمسنِهِ ؛ وهي مطِردة اّعصِة أينمِ وجدوا ‪ ،‬واقتفِء أثَهم ‪ ،‬وضَهبم بكل‬ ‫شدة ودو هوادة أو رَمة إىل اخَ وايد منهم ‪ ،‬وِّكن شعِران‪ :‬ال توقف وال ارختِء ‪ ،‬واصلوا اّزيف‬ ‫بكل َمِس متجَد ‪ ،‬وّسوف نقضي على اّعصِة هنِئِ​ًِ[(‪.])326‬‬

‫انظَوا إخواين إىل هذا احلقد واّبغض واّكِد واملكَ اّذي ظهَ من أفواههم ‪ ،‬ومِ ختفي صدورهم أكرب‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ ِ‬ ‫استنطنِعُوا‬ ‫{والن ينـنزاُّو ن يـُ نقِتلُون ُك ْم ني َىت ينـ َُُّدوُك ْم نع ْن دين ُك ْم إِ ْ‬ ‫‪ ،‬وصدق هللا ؛ يِث قِل‪[ :‬اّبقَة‪ :‬ن‬ ‫[اّبنـ نقنَة‪]217 :‬‬ ‫احلِدي عشَ‪ :‬تعِني يوسف بو ريِل قِئداً ّلحَكة اجلهِدية‪:‬‬ ‫وبعد سقوط عمَ املختِر رَمه هللا يف األسَ جت َمع اجملِهدو بني يوم وِّلة ‪ ،‬وأمجعوا على تنصِب‬ ‫اّشِخ اجملِهد (يوسف بو ريِل) قِئداً ّلجهِد اإلسالمي ووكِالً عِمًِ ّلجهِد ‪ ،‬وعلى أثَ هذا‬ ‫اّتنصِب كلَف اّشِخ عبد احلمِد اّعبِر ابَّيِل حنو شَق اّبالد ّلقِ​ِم ِ‬ ‫حبث اّنِس على االخنَاط يف‬ ‫جِش اجملِهدين ‪ ،‬وَمل اّسالح ملكِفحة اجلِوش ‪ ،‬واجلهِد يف سبِل اّعقِدة اإلسالمِة واّدين ‪،‬‬ ‫واستقبل اجملِهدو خرب استشهِد قِئدهم اّعظِم ابّعزمية واالستمَار ومواصلة اّسري ‪ ،‬إمِ اّشهِدة أو‬ ‫اّنصَ على اّنصِرى احلِقدين‪.‬‬ ‫وواصلت احلكومة اإليطِِّة َمالت االنتقِم ضد أوّئك األبطِل ‪ ،‬وبَز يف تلك املَيلة احلِمسة ‪ ،‬واّيت‬ ‫ندر فِهِ وجود اَّجِل اّشِوخ اّفَسِ واّقِدة األبطِل واملِ​ِمني اّكَام أجدادان اّبواسل كل من عبد‬ ‫احلمِد اّعبِر ويوسف بو ريِل وعصمِ اّشِمي ‪ ،‬ويشدت إيطِِّة قواهتِ وواصلت شن َمالهتِ‬ ‫بشَاسة منقطعة اّنظري‪ .‬وبعد قتِل عنِف عند احلدود املصَية قَب األسالك اّشِئكة اجتِز األسالك‬ ‫بعض اجملِهدين ببطوّة منقطعة اّنظري ‪ ،‬وفَوسِة عِِّة اّقِ​ِس ‪ ،‬وقتل من قتل وأسَ من أسَ ‪ ،‬وبقي‬ ‫اّزعمِء األربعة يقِومو ؛ فقتل َمد بو خري هللا أيد اّزعمِء ‪ ،‬وقتل يوسف بو ريِل ‪ ،‬وجَح عصمِ‬


‫اّشِمي فأخذ أسرياً ‪ ،‬وأمِ اّفِرس املغوار عبد احلمِد اّعبِر فِستطِع أ جيتِز األسالك اّشِئكة جبواده‬ ‫رغم مطِردة اّقوات اإليطِِّة ّه[(‪.])327‬‬ ‫وهبذه اّنهِية املؤملة احلزينة انكسَت شوكة اجملِهدين ‪ ،‬وتعثَ​َت خطواهتم ‪ ،‬وأمخدت يَكة اجلهِد ‪،‬‬ ‫وذهب األجداد اتركني خلفهم اترخيًِ بطوِّ​ًِ كفِيِ​ًِ جهِدَيً رائعًِ من أجل اّعقِدة واّدين واّشَف‬ ‫واّكَامة ‪ ،‬فعلى طَيق اإلسالم حنن سِئَو ‪ ،‬ومن أجل إعزاز دين هللا عِملو ‪ ،‬ورفع راية اّتويِد‬ ‫جمِهدو ‪ ،‬ونسأل هللا املغفَة واَّ​َمة واَّضوا ّألجداد واألبطِل اّكَام من أمثِل رمضِ اّسوحيلي ‪،‬‬ ‫وسلِمِ اّبِروين ‪ ،‬واّفضِل بو عمَ ‪ ،‬وأَمد اّشَيف اّسنوسي ‪ ،‬وصِحل األطِوش ‪ ،‬وإبَاهِم اّفِل‪،‬‬ ‫وأَمد سِف اّنصَ‪ ،‬وسعدو وعبد احلمِد اّعبِر ‪ ،‬وغريهم كثري‪.‬‬ ‫إ عبد احلمِد اّعبِر قد أمد هللا يف عمَه ‪ ،‬وقد شِهدته مَات عديدة وأان طفل مل أجتِوز اَّابعة ‪،‬‬ ‫وكنت أراه كل يوم بعد صالة اّفجَ أمِم بِته يف احلي اّذي كنت أسكن فِه مبدينة بنغِزي ‪ ،‬واّذي‬ ‫يسمى مدينة احلدائق بقَب مسجد اّسِد ابّقِسم أَمد اّشَيف اّسنوسي املعَوف مبسجد األنصِر ‪،‬‬ ‫وكِ منظَه وهو يتلو كتِب هللا وقد تقدمت به اّسن مؤثَاً يف نفسي ‪ ،‬وبالدان يف تلك اّفرتة عمهِ‬ ‫اّفسِد ‪ ،‬ومِ كنِ نَى وحنن أطفِل من حيِفظ على تالوة اّقَا اّكَمي ابّكِفِة املذكورة ‪ ،‬وأخربت‬ ‫واّدي عن ذّك اّذي أسَ قليب بتالوته اّقَا اّكَمي ‪ ،‬فقِل يل‪َ :‬ي بين ذاك اّشِخ عبد احلمِد اّعبِر‬ ‫من كبِر اجملِهدين ‪ ،‬وبدأت جديت وهي من قبِئل بَقة من قبِلة اّدرسة وقد كِنت ضمن املعتقلني‬ ‫مبعتقل املقَو تسَد يل أموراً عجِبة عن جهِده وفَوسِته وشجِعته وجندته ‪ ،‬وال زاّت صورته يف ذهين‬ ‫إىل وقت كتِبيت هذه ‪ ،‬وعندمِ تُويف رَمه هللا كِ ّوفِته مأمت مشهود ‪ ،‬ويضَت مجوع غفرية من شَق‬ ‫اّبالد وغَهبِ ‪ ،‬واستمَ املأمت أَيمًِ عديدة ‪ ،‬فَ​َمة هللا على أوّئك األبطِل‪.‬‬ ‫اّثِين عشَ‪ :‬اضطهِد اّشعب‪:‬‬ ‫وابستشهِد عمَ املختِر ويوسف بو ريِل ‪ ،‬وأسَ عصمِ اّشِمي بعد جَيه ‪ ،‬وهجَة عبد احلمِد‬ ‫اّعبِر إىل مصَ ‪ ،‬وقتل كثري من اجملِهدين ؛ انتهت يَكة اجلهِد اّفعلِة ‪ ،‬ومع وجود معظم اّسكِ يف‬ ‫معسكَات االعتقِل يكم اإليطِِّو اّبلد من احلصو احملِطة ابألسالك اّشِئكة واّدورَيت‬ ‫واملصفحِت واّسِ​ِرات املسلحة واَّشِشِت واألنوار اّكِشفة واّطِئَات ‪ ،‬ويف ينِيَ (‪ 1932‬م) أعلن‬ ‫ابدوِّو يِكم ِّبِة اّعسكَي اإليطِيل‪ :‬أ اّثورة قد انتهت كلِة وَتِمًِ ‪ ،‬وأصَت إيطِِّة على جعل‬ ‫ِّبِة اّشِطأى اَّابع إليطِِّة ‪ ،‬وأعلن موسلِين ذّك اّطبل األجوف سنة (‪ 1934‬م) أب احلضِرة‬


‫احلقِقِة هي مِ ختلقهِ إيطِِّة على اّشِطأى اَّابع ّبحَان (احلضِرة اّغَبِة بصفة عِمة ‪ ،‬واحلضِرة‬ ‫اّفِشِستِة بصفة خِصة) ‪ ،‬وأخذ اَّأمسِِّو اإليطِِّو يقسمو ممتلكِت اّشعب املسلم على بعضهم‬ ‫اّبعض ‪ ،‬ويَيلو األسَ اإليطِِّة ّالستِطِ اّكِمل يف ِّبِة املسلمة ‪ ،‬وأصبح اّلِبِو عمِالً‬ ‫مستأجَين وخدامًِ ّلعِئالت اإليطِِّة يف مزارعهم اّيت نزعت من أيديهم وسلمت ّإليطِِّني ‪،‬‬ ‫وسنت اّقوانني اّيت ختدم مصِحل احلكومة اإليطِِّة‬ ‫وأصدرت ُ‬ ‫يف مصِدرة األمالك واالستِالء علِهِ ونزعهِ من املواطنني مببِّغ زهِدة ابسم املصلحة اّعِمة‪.‬‬ ‫واهتمت إيطِِّة بلِبِة اهتمِمًِ ابّغًِ من أجل جعلهِ قطعة إيطِِّة هلِ دورهِ يف توسِع مستعمَاهتِ حنو‬ ‫اجلزائَ ومِّطِ وجبل طِرق‪ ،‬وشجعت إيطِِّة هجَة األّوف من اّعِئالت اإليطِِّة ضمن شَوط البد‬ ‫من توافَهِ يف اَّاغبني ابالستِطِ يف ِّبِة املسلمة‪ ،‬ومن هذه اّشَوط‪ :‬كثَة عدد أفَاد األسَة حبِث‬ ‫تكو أكثَ من سبعة‪ ،‬وأيضًِ اّصحة ‪ ،‬واّقَاءة واّكتِبة ‪ ،‬وأ تكو هذه األسَة من أعضِء احلزب‬ ‫اّفِشِسيت ‪ ،‬أو ذات اّوعي اّسِ​ِسي ‪ ،‬وكِ معظم اّقِدمني هم من املنِطق اّفقرية يف مشِل إيطِِّة ‪،‬‬ ‫وخَجوا من إيطِِّة وسط دعِية عِملِة ‪ ،‬واستقبلوا يف طَابلس وبنغِزي استقبِل األبطِل ‪ ،‬ونقلوا يف‬ ‫سِ​ِرات اجلِش إىل اّقَى اّيت كِنت جِهزة هلم ‪ ،‬وكِ ابّبو يَافقهم من انبويل يىت اّقَى اّيت‬ ‫اغتصبوهِ من اّشعب املسلم املسكني ‪ ،‬وأعطِت كل أسَة منزالً ومزرعة جِهزة ّلعمل ‪ ،‬وكِنت احلقول‬ ‫قد زرعت ‪ ،‬ويف كل إسطبل كِ يوجد بقَة وبغل ‪ ،‬وأدوات ويبوب وعلف ‪ ،‬وكذّك عَابت وخشب‬ ‫ّلوقود ‪ ،‬ويف كل بِت كِ هنِك طعِم يكفي ألسبوع[(‪ ، ])328‬يىت اّكربيت واّشمع كِ موجوداً‬ ‫جِهزاً‪.‬‬ ‫وسخَ اّشعب اّلِيب املسلم خلدمة اّنصِرى ‪ ،‬واستعبد اّنصِرى احلِقدو املسلمني يف يَهبم ّلِبِة ‪،‬‬ ‫واهتموا بطَابلس وّبدة وصرباتة وشحِت جلعلهِ دعِية ّلحكومة اإليطِِّة ‪ ،‬ودعوة احنالِّة ّلخمور‬ ‫واّدعِرة يف يوض اّبحَ املتوسط على مستوى عِملي‪.‬‬ ‫وكِنت أهداف اإلمرباطورية اّفِشِستِة يسب تعبري اّطبل األجوف موسلِين (ِّس تغِرياً أقلِمِ​ًِ يَبِ​ًِ‬ ‫جتِرَيً فحسب ‪ ،‬بل تغِرياً رويِ​ًِ وأخالقِ​ًِ أيضًِ) وعمل على انسالخ املسلمني من أخالقهم ودينهم ‪،‬‬ ‫ورضوا أب حيصَ دين املسلمني يف اّشعِئَ اّتعبدية‪ .‬وقد أعلن ابّبو مَة أنه (ّن يكو يف ِّبِة يكِم‬ ‫وحمكومو ‪ ،‬وبدالً من ذّك سِكو فِهِ إيطِِّو كِثوِّك ‪ ،‬وإيطِِّو مسلمو ‪ ،‬متحدين من‬ ‫مجِعة مشرتكة كعنِصَ بنِءة يف تنظِم جبِر ّإلمرباطورية اّفِشِستِة) ‪ ،‬ويَموا‬


‫اّشعب اّلِيب املسلم من كل يقوقه اّطبِعِة ؛ فال فَصة يف اّتعلم واّتعلِم واّثقِفة واّتثقِف ‪ ،‬ومل يكن‬ ‫اّفِشِستِو يَو هنِية ّوجودهم يف بالدان اّعزيزة ‪ ،‬وكِنت اّطبقة املثقفة اّصغرية إمِ يف املنفى ‪ ،‬أو ال‬ ‫صوت هلِ ‪ ،‬وقد أمخدت كل معِرضة بقسوة ابّغة‪ ،‬وأضعف اّبنِء اّقبلي اّتقلِدي بتعِني زعِم ّكل‬ ‫عدد من اّقبِئل ‪ ،‬واّفِشِستِو أيمَو واّشعب املستضعف ينفذ دو سؤال أو تعلِل ‪ ،‬وكِ اّتعلِل‬ ‫اّكِيف اّذي ريب علِه اّشعب (جيب علِك ألنه جيب علِك أ تفعل كذا وكذا) ‪ ،‬وكِنت اّسِ​ِسة‬ ‫اّتعلِمِة اإليطِِّة رمست من أجل ختَيج عدد كبري من اّتالمِذ اّلِبِني اّذين يتكلمو اإليطِِّة‬ ‫وخيلصو اّوالء إليطِِّة[(‪.])329‬‬ ‫وعملوا على اّقضِء على األخالق اإلسالمِة ‪ ،‬وبث روح اّكثلكة يف املدارس بني األطفِل ‪ ،‬واّقضِء‬ ‫على مصِرف أهل اّبالد واّتعلِم اّديين ‪ ،‬وأغلقوا اّكتِتِب ودور اّعلم اّوطنِة ‪ ،‬وأكثَوا من إقِمة دور‬ ‫اّفحش ‪ ،‬ومنعوا اّلِبِني من أداء فَيضة احلج وازداد امتهِهنم ّلدين اإلسالمي بدرجة شنِعة ؛ فكِ‬ ‫من سوء فعِهلم‪ :‬أ أّقى قِئد طربق اإليطِيل ابملصحف اّشَيف إىل األرض ‪ ،‬مث أخذ يطأ علِه بقدمه‬ ‫على مشهد من مجِعة من املسلمني‪(( :‬إنكم معشَ املسلمني ال ميكن أ تصريوا بشَاً مِ دام هذا‬ ‫اّكتِب بني أيديكم))‪.‬‬ ‫وس َخَوا املسلمني واستعبدوهم يف بنِء اّطَق واّقالع واملزارع واّقَى ‪ ،‬ونشط املبشَو اّطلِ​ِ يف‬ ‫دعوهتم ‪ ،‬وعمدت احلكومة إىل تشجِعهم وأرغمت اّنسِء على اّتنصري واّزواج من اّطلِ​ِ ‪.‬‬ ‫وزاَموا أهِيل اّبالد يف اّصنِعة واّتجِرة ‪ ،‬وسِطَوا علِهِ سِطَة كِملة ‪ ،‬ومنعوا اّنِس من اّتظلم‪،‬‬ ‫وقِدوا يَ​َيهتم‪ ،‬فمنعوهم من حمِدثة بعضهم بعضًِ‪ ،‬ومن قَاءة اّصحف واجملالت واّكتب ‪ ،‬ومن‬ ‫مَاسلة أقِرهبم يف اخلِرج ‪ ،‬يىت صِروا يف سجن داخل بالدهم ‪ ،‬حمَومني من كل صلة تَبطهم ابّعِمل‬ ‫اّعَيب واإلسالمي‪.‬‬ ‫ّقد كِ من أيالم اّفِشِست إعِدة اإلمرباطورية اَّومِنِة اّغِبَة ‪ ،‬فقَروا ّذّك امتالك اّبلدا‬ ‫اإلسالمِة اّقِئمة على شواطأى اّبحَ األبِض املتوسط ‪ ،‬مث إابدة أهل هذه اّبالد وإفنِئهم ‪ ،‬وحتويلهِ‬ ‫إىل رقعة التِنِة ‪ ،‬وإهنِ ّوقِية منقطعة اّنظري أ‬ ‫يعمل شعب على إابدة شعوب ِّحل حملهِ ابّقوة ‪ ،‬وّكن هذا هو منطق اّصلِبِني احلِقدين ‪ ،‬وبلغ‬ ‫استهتِرهم‪ :‬أهنم أّزموا خطبِء اجلمعة ابّدعِء على املنِبَ مللك إيطِِّة‪ :‬عمِنويل اّثِّث ‪ ،‬وعندئذ امتنع‬ ‫املسلمو عن صالة اجلمعة ‪ ،‬فلمِ هِج اَّأي اّعِم اإلسالمي على هذا اّفعل ‪ ،‬استكتبوا األئمة تكذيبًِ‬


‫بتوقِعِهتم ‪ ،‬جِء فِه أ اّدعِء كِ مبحض إرادهتم ومن تلقِء أنفسهم ‪ ،‬ومن غري تدخل من جِنب‬ ‫احلكومة اّفِشِستِة!!‪.‬‬ ‫فهل رأيت وقِية أبلغ من هذه؟!‬ ‫ويف عهد ابدِّو صِروا مينعو اّنِس من أداء احلج ‪ ،‬ويضعو اّعَاقِل يف سبِلهم ‪ ،‬يىت جيربوا على‬ ‫تَكه‪.‬‬ ‫كِ أقبح مِ فعل املِرشِل ابدوِّو أنه أمَ أب تَصف (اّصِّة) يف قصَه ابّبالط املنقوش علِه (حممد)‬ ‫(ص) ‪ ،‬وبعد انتهِء مَيلة احلَب املسلحة كمِ علمنِ نفذ اّشطَ اّثِين من بَانمج إابدة اّلِبِني‬ ‫وإفنِئهم ‪ ،‬ونعين بذّك‪ :‬مِ اغتصبه اّطلِ​ِ من األراضي واملزارع وإعطِئهِ ّلعِئالت اّفِشِستِة ابّقوة‬ ‫‪ ،‬وتَك أصحِب األرض احلقِقني وأبنِء اّبالد يتضورو جوعًِ ‪ ،‬وخيدمو هؤالء احلِقدين ٍ‬ ‫كخدم‬ ‫ٍ‬ ‫وعبِد[(‪.])330‬‬

‫وأراد هللا أ ينتقم ّلمجِهدين من اّطلِ​ِ بقدرته وجربوته وعزته ويكمته اّنِفذة اّيت ال يعلمهِ كثري‬ ‫من عبِده ‪ ،‬وبعد أ اطمأ َ اّنصِرى اّكِثوِّك يف ِّبِة جِءت احلَب اّعِملِة اّثِنِة قدراً من هللا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ك نـُوِيل بـعض اّظَِِّ ِمني بـعضِ ِمبنِ نكِنُوا يك ِ‬ ‫ْسبُو ن‬ ‫ن نْ ً‬ ‫{ونك نذّ ن ن ن ْ ن‬ ‫ن‬ ‫وتسلِطًِ من هللا من ظِمل على ظِمل‪[ :‬األنعِم‪ :‬ن‬ ‫[األنعِم‪]129 :‬‬ ‫ن‬ ‫َت اإلمرباطورية اإليطِِّة إىل سلطِهنِ ‪ ،‬ودانت هلِ األقطِر اّلِبِة من أقصِهِ إىل أقصِهِ‬ ‫وبعد أ اطمأن ْ‬ ‫من بعد استشهِد املختِر عِم (‪ 1931‬م ـ ‪ 1942‬م)‪.‬‬ ‫أيد عشَ عِمًِ من اِّأس املطلق اّذي ال يبشَ بشيء من األمل ‪ ،‬أهل احلل واّعقد اّلِبِني بعِدين‬ ‫عن اّبالد‪.‬‬ ‫نصف اّشعب أو يزيد أهلكوا ‪ ،‬أو أخَجوا من دَيرهم ظلمًِ وعدواانً ‪ ،‬اّبقِة اّبِقِة مستضعفة يف‬ ‫بالدهِ ال يول وال قوة هلِ‪.‬‬ ‫غَاسِ​ِين ينفخ أوداجه ‪ ،‬وخيتِل على أرض املسلمني مينة ويسَة ؛ يِث شِء[(‪.])331‬‬ ‫مث جِء من ورائه ابدوِّو املِرشِل اّعجوز ِّتم قصة إابدة اّشعب اّلِيب ‪ ،‬ويسلم األراضي إىل رعِع‬ ‫اّطلِ​ِ ‪.‬‬


‫ِّل هنِ وِّل هنِك ‪ ،‬وظالم دامس وظلم خمِم وأيس مَيَ ‪ ،‬وذّة أصِبت املسلمني وعزة زائفة سِطَت‬ ‫على اّنصِرى احلِقدين ‪ ،‬وكِنت قصة خَوج اّطلِ​ِ من بالدان غَيبة جداً ينبغي أ يتدبَ فِهِ ِّعلم‬ ‫اّنِس وِّطمئنوا إىل عدل هللا املنتقم اجلبِر وّو بعد يني‪.‬‬ ‫وكِنت قصة هزمية إيطِِّة يف ِّبِة بدأت يف احلَب اّثِنِة يف سبتمرب ‪ ،‬ويَصت إيطِِّة أول األمَ على‬ ‫عدم دخوهلِ ‪ ،‬يىت إذا رأت فَنسة تنهِر على أثَ اّزيف األملِين اخلِطف علِهِ ‪ ،‬أعلنت إيطِِّة‬ ‫احلَب على إنكرتة وفَنسة يف ‪ 10‬يوِّو (‪ 1940‬م) ‪ ،‬وبدأ اجلبل األخضَ يضِق يول عنق‬ ‫اإلمرباطورية اجلوفِء اّعَجِء ‪ ،‬ودخلت إيطِِّة احلَب بقِ​ِدة زعِمهِ موسوِّين اّطبل األجوف طمعًِ يف‬ ‫اّغنِئم ‪ ،‬وكِنت توقن أ األرض قد دانت حللِفتهِ أملِنِة ‪ ،‬فأخلف هللا ظنهِ ‪ ،‬وأفضى األمَ إىل زواهلِ‬ ‫هنِئِ​ًِ من اّوجود كإمرباطورية صِيبة مستعمَات ‪ ،‬وانديَت إيطِِّة ابنديِر أملِنِة يف مشِل إفَيقِة ‪،‬‬ ‫ومل تغَب مشس يوم ‪ 7‬أبَيل عِم (‪ 1943‬م) يىت كِنت جِوش أملِنِة وإيطِِّة بقِ​ِدة رومِل املنهزمة‬ ‫قد أخلت اّقطَ اّطَابلسي أبمجعه‪.‬‬ ‫وكِنت فَية عظِمة شِملة ع َمت قلوب اّنِس ‪ ،‬وعرب عنهِ امللك اّسِبق بقوّه‪(( :‬إين أَمد هللا اّذي‬ ‫جعلين أشهد خَوج هؤالء اّطلِ​ِ اّظِملني من بالدان))‪.‬‬ ‫وتدفق اّلِبِو إىل بالدهم اّيت تَعَعوا فِهِ وأخَجوا منهِ ظلمًِ وزوراً ‪ ،‬وهكذا استدار اّزمِ ‪ ،‬وسلط‬

‫هللا اإلنكلِز على اّطلِ​ِ ونزل اّعِر هبم[(‪.])332‬‬ ‫ّقد أرادت إيطِِّة إابدة املسلمني يف ِّبِة‪ ،‬فبِدوا هم وبقي املسلمو يف ِّبِة ‪ ،‬وأراد غَاسِ​ِين إعدام‬ ‫املختِر ‪ ،‬فهلك وبقي املختِر علمًِ وقدوة ألجِ​ِل املسلمني‪.‬‬

‫اّفصل اّثِّث‬ ‫اّلِبِو بني املهجَ واالستقالل‬


‫املبحث األول‬ ‫اّلِبِو يف املهجَ‬ ‫هِجَ اّلِبِو إىل تونس ‪ ،‬واجلزائَ ‪ ،‬وتشِد ‪ ،‬وسورية ‪ ،‬واألرد ‪ ،‬وّبنِ ‪ ،‬ومصَ ‪ ،‬واحلجِز ‪ ،‬وتَكِة ‪،‬‬ ‫وتَكوا أوطِهنم بسبب اّظلم واجلور اّذي وقع من اّطلِ​ِ ‪ ،‬وشَعوا يف مجع شتِهتم يف املهجَ استعداداً‬ ‫ِّوم قَيب تتِح هلم فَصة ختلِص بالدهم من االيتالل اّطلِ​ِين اّبغِض ‪ ،‬وكِنت قلوهبم تتقطع شوقًِ‬ ‫ّلَجوع إىل دَيرهم ‪ ،‬وتفجَت ملكِهتم اّشعَية وتَكوا هلِ بعض اّقصِئد املعربة عن اّشوق ّألوطِ ‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬قِل اّشِعَ أَمد رفِق يف هذه املعِين‪:‬‬ ‫يوم اّفَاق فهل يكو ِ‬ ‫تالق‬ ‫كِدت تطري أبضلعي أشواقي‬ ‫قليب اخلفِق‬ ‫وَد ْعتُه وهللا يعلم أنين‬ ‫ودعت راية ن‬ ‫كِ اّفَاق قِ​ِمة اّعشِق‬ ‫ّو كِ قبل املوت يوم قِ​ِمة‬ ‫نم ٌّن علِك وأنت ذو استحقِق‬ ‫وطين من اإلميِ يبك ِّس يل‬ ‫ويقول أيضًِ‪:‬‬ ‫شوقًِ إِّك فكِف يِّك بعدان؟‬ ‫َي أيهِ اّوطن املقدس عندان‬ ‫عنهِ وال نَضى سواهِ موطنِ‬ ‫حتوالً‬ ‫كنِ أبرضك ال نَيد ُّ‬ ‫يف عِشة ّو مل تكن ممزوجة‬ ‫عفنِ رفِه اّعِش فِك مع اّعدا‬

‫ابّذل كِنت مِ أّذ وأيسنِ‬ ‫وكمِ أىب مشم اّنفوس وعزان‬

‫إىل أ يقول‪:‬‬ ‫ال يبعدو عن احلمري َتدان‬ ‫جعلوك مسخَة أبيدي صبِة‬ ‫أين اّتمد واّذين قِّوا ّنِ؟‬ ‫قِّوا ّنِ جئنِ مند أرضكم‬ ‫أضعِف مِ شِدوه فِهِ من بنِ[(‪])333‬‬ ‫هدموا من األخالق يف أوطِننِ‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬وقِل األستِذ حممد اّطِب قصِدة فِضت من اّشعور ال من اّشعَ‪:‬‬ ‫عهدي به وسنِهِ مشرتق عِل‬ ‫مِجنة احلسن إال يف طَابلس‬ ‫أقسى اّفَاق بقليب يوم تَيِل‬ ‫َي بَقة اخلري َي دار األيبة مِ‬ ‫قليب فِشغلين عن كل أشغِيل‬ ‫وصوت ذكَك (َي بَقِ) يَدده‬


‫ّوال اّدموع ألوهت جسمي اّبِيل‬ ‫شَر‬ ‫انر اّفَاق هلِ يف مهجيت ٌ‬ ‫فال مبصَ وال ابّشِم امِيل‬ ‫دار األيبة ال أبغي هبِ بدالً‬ ‫وال اّعَاق وال صنعِ ِ‬ ‫عن يب (بَقة) وال اخلضَاء حتلو يل‬ ‫تغريُين‬ ‫أنسى هبِ بَقة اّفِحِء من ابيل‬ ‫وال دمشق وال اّدنِ​ِ أبمجعهِ‬ ‫طِب املقِم هبِ يف عصَي اخلِيل يصبِؤهِ ذهب واّترب تَبتهِ‬ ‫فهي اّنعِم إذا مِ جئت أذكَهِ‬ ‫ومِؤهِ من ريِق اّشهد سِ​ِل‬ ‫شِدوا املفِخَ جِالً بعد أجِ​ِل‬ ‫وأهلهِ عَب قعسِء مهتهم‬ ‫يف يِّة اجلد ال يف اّقِل واّقِل‬ ‫اّدهَ يعَفهم أسداً غطِرفة‬ ‫وارِو اَّبوع بدمع منك شتِل[(‪])334‬‬ ‫عَج هبِ َي رعِك هللا يف أسف‬ ‫اثّثًِ‪ :‬وأمِ اجملِهد بشري بك اّسعداوي ‪ ،‬فقد قِل‪:‬‬ ‫فأجبتهم هي بغِيت ومَادي‬ ‫قِّوا‪ :‬حتن إىل اّبالد وأهلهِ؟‬ ‫وال منِيت مِّت ّغري بالدي‬ ‫اتهلل مل أشغف بغري طالهلِ‬ ‫ذابت يشِشة مهجيت وفؤادي‬ ‫يف يب هِتِك اّدَير وأهلهِ‬ ‫إ زرت يومًِ منزالً ّسعِدي‬ ‫ابهلل َي ريح اّصبِ ونسِمه‬ ‫و ِ‬ ‫اهد حتِ​ِيت هلِ وودادي‬ ‫ابسط هلِ شوقي وفَط صبِبيت‬ ‫أسَفت يف هجَي ويف إبعِدي‬ ‫واخفض جنِح اّذل عين وقل هلِ‬

‫يَ اّنوى أوهى فؤادي وإنين‬ ‫مذ غَدت ابّبني أغَبة اّنوى‬ ‫أمسى مسريي يف اّدجى بدر اّسمِ‬ ‫فلطِملِ انديت يف غسق اّدجى‬ ‫هلفي على تلك اّدَير وأهلهِ‬ ‫الزّت أصبو حببهم وودادهم‬ ‫وقِل أيضًِ‪:‬‬ ‫َي يِدي اَّكب يث اّسري يف عجل‬ ‫وقف بذاك احلمى واألربع اّدرس‬

‫متهتك متمزق األكبِدي‬ ‫من بِننِ مِ ذقت طعم رقِدي‬ ‫واّبدر جسم ال جيِب منِدي‬ ‫ييب فتذهب صِحيت يف و ِاد‬ ‫قوم هلم يف املكَمِت أَيد‬ ‫رغمًِ على أنف اّزمِ اّعِدي[(‪])335‬‬ ‫حنو املواطن بني اّسهل واجلبل‬ ‫وجول اّطَف االكِم واّقلل‬


‫إىل أ يقول‪:‬‬ ‫يول اّكنِئس هلِ غِب من األسل‬ ‫عهدي هبِ وأسود اّلِل رابضة‬ ‫وتشتكي دوّة األوغِد واّسفل‬ ‫واِّوم قد أصبحت واّذل رائدهِ‬ ‫وال خالق سوى اّفحشِء واّزّل‬ ‫قوم أيلوا هبِ ال أصل يَدعهم‬ ‫وعندان وعدهم كذابً بال خجل‬ ‫ظنوا أب وعدوا أان نصدقهم‬ ‫فإ دوّتهم من أنقص اّدول[(‪])336‬‬ ‫ال تِأسي َي ربوع اّعز وانتظَي‬ ‫ّقد ذاق املهِجَو أّوا اّعذاب يف املهجَ ‪ ،‬ومع ذّك فقد واصلوا اجلهِد وهم يف دَير اهلجَة يىت‬ ‫ضِقت هبم إيطِِّة ذرعًِ‪.‬‬

‫وبَز من اجملِهدين يف مصَ اّسِد إدريس اّسنوسي اّذي قِل يف يقه اجلنَال غَاسِ​ِين‪(( :‬إذا أردان أ‬ ‫نقضي مَة وايدة على اّعصِ​ِ ؛ جيب أ يغِب إدريس من عِمل اّوجود ‪ ،‬فإذا مِت هو مِت معه‬ ‫اّتمَد واّعصِ​ِ ‪ ،‬جيب ّتحقِق هذا أ نضغط على مصَ يىت تسلمه ّنِ ‪ ،‬أو نقضي املهمة وراء‬ ‫ستِر))[(‪.])337‬‬ ‫وأمِ يف بالد اّشِم فقد ظهَت جهود بشري اّسعداوي واضحة ّلعِ​ِ ‪ ،‬فقد قِم مع إخوانه املِ​ِمني‬ ‫بصور شىت من صور اجلهِد ‪ ،‬فقد مشَ​َوا عن سِعد اجلد واّعمل ‪،‬‬ ‫فتأسست يف دمشق يف (عِم ‪ 1928‬م) مجعِة اّدفِع اّطَابلسي واّربقِوي ابّشِم ‪ ،‬وانتخب بشري‬ ‫اّسعداوي رئِسًِ هلِ ‪ ،‬وكِنت هذه اجلمعِة تضم إِّهِ جمموعة من اجملِهدين كسكَتري اجلمعِة عمَ فِئق‬ ‫شنِب بك ‪ ،‬وأمني اّصندوق فوزي اّنقِش ‪ ،‬مث عبد اّغين اّبِجقمي ‪ ،‬وكِمل عِ​ِد ‪ ،‬وعبد اّسالم‬ ‫أدهم ‪ ،‬واّبمبِشي طِرق ‪ ،‬وحممد انجي اّرتكي ‪ ،‬ومصطفى بن نوح ‪ ،‬وأَمد راسم ‪ ،‬وأبو بكَ قدورة ‪،‬‬ ‫وأبو بكَ اّرتكي ‪ ،‬وخلِفة بن شعبِ ‪ ،‬وعمل هؤالء اإلخوة األبطِل مجِعًِ على إعداد اّبحوث اّيت‬ ‫تكشف عن أعمِل اّطلِ​ِ وفظِئعهم يف اّقطَ اّلِيب ‪ ،‬وصِروا ينشَوهنِ يف اّصحف ‪ ،‬واجلَائد ‪،‬‬ ‫واملنشورات ‪ ،‬وأظهَ بشري اّسعداوي نشِطًِ واسعًِ ‪ ،‬ونشَ حبواثً ومقِالت كثرية ‪ ،‬وسِر عمَ فِئق‬ ‫شنِب على نفس املنوال ‪ ،‬ويف عِم (‪ 1929‬م) وضعت اجلمعِة املِثِق اّوطين املشهور ّلشعب‬ ‫اّطَابلسي اّربقِوي؛ فنصت املواد على اّتِيل‪:‬‬ ‫املِدة األوىل‪ :‬أتِّف يكومة وطنِة ذات سِ​ِدة قومِة ّطَابلس وبَقة يَأسهِ زعِم مسلم ختتِره األمة‪.‬‬ ‫املِدة اّثِنِة‪ :‬دعوة مجعِة أتسِسِة ّسن دستور اّبالد‪.‬‬


‫املِدة اّثِّثة‪ :‬انتخِب األمة جملسًِ نِ​ِبِ​ًِ يِئزاً على اّصاليِة اّيت خيوّه إَيهِ اّدستور‪.‬‬ ‫املِدة اَّابعة‪ :‬اعتبِر اّلغة اّعَبِة اّلغة اَّمسِة يف دواوين احلكومة واّتعلِم‪.‬‬ ‫املِدة اخلِمسة‪ :‬احملِفظة على شعِئَ اّدين اإلسالمي وتقِِّد اّقطَ يف مجِع أرجِئه‪.‬‬ ‫املِدة اّسِدسة‪ :‬اّعنِية ابألوقِف وإدارهتِ من قبل جلنة إسالمِة منتخبة‪.‬‬ ‫املِدة اّسِبعة‪ :‬اّعفو اّعِم عن مجِع املشتغلني ابّسِ​ِسة داخل اّقطَ وخِرجه‪.‬‬ ‫املِدة اّثِمنة‪ :‬حتسني اّعالقِت واملصِحل بني األمة اّطَابلسِة اّربقِوية ‪ ،‬واّدوّة اإليطِِّة ؛ مبعِهدة‬ ‫خِصة يعقدهِ اّطَفِ ويصدقهِ اجمللس اّنِ​ِيب[(‪.])338‬‬ ‫وقِمت اجلمعِة بفتح فَع هلِ يف تونس عِم (‪ 1930‬م) بَائسة حممد عَيقِب‬ ‫اّزِّطين ‪ ،‬ويققت اجلمعِة بعض اّنجِيِت اّكبرية ‪ ،‬وكِ األمري إدريس اّسنوسي قد أوالهِ عنِيته‬ ‫اخلِصة ‪ ،‬وأمدهِ ابملسِعدات اّقِمة ‪ ،‬فريسل هلِ اإلعِانت املِِّة يِنًِ ‪ ،‬وابملعلومِت واألخبِر اجلديدة‬ ‫عن اّقطَ اّلِيب يِنًِ اخَ ‪ ،‬وَتكنت اجلمعِة من دعم مَكزهِ ومتِبعة اّنشَ واّقِ​ِم حبملة صحفِة‬ ‫واسعة هتِب ابألمة اإلسالمِة واّعَبِة أ تنهض ّلوقوف جبِنب اّشعب اّلِيب بكل اّطَق‪.‬‬ ‫ونشَت اّلجنة اّتنفِذية ّلجِِّ​ِت اّطَابلسِة اّربقِوية نص املِثِق ‪ ،‬وقدمت ّه بنداء خِطب فِه‬ ‫مواطنِهِ يف األقطِر اّعَبِة ‪ ،‬جِء فِه‪(( :‬أيهِ اإلخوا األعزاء‪ :‬إ اّواجب يقضي علِكم أ تعملوا‬ ‫خلري بالدكم ‪ ،‬وذّك بتنظِم صفوفكم ومجع كلمتكم ‪ ،‬وأ تؤّفوا يف كل قطَ تسكنونه (مجعِة) تلم‬ ‫شعثكم وجتمع مشلكم ‪ ،‬وأ توطنوا نفوسكم على اّتضحِة واّقِ​ِم ابّواجب اّوطين؛ فِهلل ال يضِع أجَ‬ ‫من أيسن عمالً؛ وارفعوا أصواتكم ابّشكوى ممِ تالقِه أمتكم اّبِئسة من مظِمل اإليطِِّني ‪ ،‬واملؤوا‬ ‫اّصحف ابملقِالت ‪ ،‬واّفضِء اباليتجِجِت ‪ ،‬وانشَوا اّنشَات وقفوا ّلحوادث ابملَصِد ‪ ،‬وانتهزوا‬ ‫اّفَصة وفكَوا فِمِ يعود على وطنكم ابّنفع؛ فِّفكَة اّنِضجة تكو األمم وتبعث فِهِ روح اِّقظة‬ ‫واالنتبِه؛ مث ربوا نشأكم على يب اّوطن ‪ ،‬واحلَية واالستقالل ‪ ،‬أرضعوهم هذه املبِدىء مع اّلنب ‪،‬‬ ‫وانفثوهِ يف صدورهم منذ عهد اّصبِ ونعومة األظفِر ‪ ،‬علموهم منِقب اّسلف اّصِحل وأبطِل اّتِريخ‬ ‫واّفتح اإلسالمي ‪ ،‬فإهنِ تبث يف نفوسهم علو اهلمة وروح اّشهِمة واملبِدأى اّوطنِة ‪ ،‬وِّكن شعِركم‬ ‫االستقالل وختلِص وطنكم من األغالل ‪ ،‬وفكَوا يف اّوسِئل اّيت تقَبكم من هذه اّغِية اّشَيفة؛ فإ‬ ‫اّدوّة اإليطِِّة مهمِ اشتد هبِ اّصلف واّغَور إذا رأتنِ أمِمهِ أمة انهضة منتشَة يف االفِق ‪ ،‬واقفة هلِ‬ ‫ابملَصِد ‪ ،‬حتِرب اّظلم واالستبداد ‪ ،‬وال تدين ّسنن االستعمِر واالستعبِد ؛ البد أ تذعن ملطِّبنِ‬


‫احلقة وملِثِقنِ اّقومي اّذي عِهدان هللا على حتقِقه ببذل اّنفس واّنفِس ‪ ،‬وهللا مع‬ ‫اّصِبَين))[(‪.])339‬‬ ‫ّقد استطِعت اجلمعِة أ ِ‬ ‫توسع دائَة نشِطهِ ‪ ،‬وطلبت من شكِب أرسال يف عِم (‪ 1929‬م) أ‬ ‫يقف معهِ ملِ كِ ابحلجِز ‪ ،‬وّىب األمري شكِب نداء اّلِبِني ‪،‬‬ ‫وشَع يف نشَ خمِزي ومظِمل اّطلِ​ِ يف اّصحف واجملالت اّعِملِة واّعَبِة ‪ ،‬ويف نشَات صغرية يىت‬ ‫يسهل تداوهلِ ‪ ،‬ويققت مقِالت شكِب هدفهِ ‪ ،‬وانتبه اّعِمل اإلسالمي ملِ يفعله اّطلِ​ِ يف ِّبِة‬ ‫بسبب مقِالته اَّائعة اّيت دجبهِ بقلمه اّسِ​ِل‪.‬‬ ‫واستمَت اجلمعِة يف نشِطهِ ‪ ،‬وتواّت نشَاهتِ تصف فظِئع اّطلِ​ِ ‪ِ ،‬‬ ‫وحتذر األمة من تصديق‬

‫دعِيتهم اّكِذبة املغَضة ‪ ،‬وتسوق احلجج واّرباهني واألدّة على انتهِك أبسط يقوق اإلنسِ يف ِّبِة‬ ‫‪ ،‬وتفننت يف ابتكِر وسِئل عدة إليصِل هذه اّنشَات إىل داخل ِّبِة ‪ ،‬وبذّت جهوداً عظِمة ّتوزيع‬ ‫نشَاهتِ يف مجِع أحنِء اّعِمل اّعَيب ‪ّ ،‬قد جنحت يف يَب األقالم ‪ ،‬وشِركت يف املؤَتَ اإلسالمي يف‬ ‫اّقدس ‪ ،‬وعَضت قضِتهِ‪ ،‬وهذا نص اّوثِقة اّتِرخيِة اّيت قدمتهِ‪:‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬وثِقة اترخيِة عن اّقضِة اّطَابلسِة اّربقِوية ‪ ،‬تقدمت هبِ اجلمعِة اّطَابلسِة اّربقِوية ّلمؤَتَ‬ ‫اإلسالمي يف اّقدس‪:‬‬ ‫بسم هللا اَّ​َمن اَّيِم‬ ‫منذ أ أخذ األوروبِو يشنُّو اّغِرة على اّبالد اإلسالمِة حبجة االستعمِر ‪ ،‬مل تفجع بالد إسالمِة ـ‬ ‫بعد األندّس ـ مبثل مِ فجعت بطَابلس ـ بَقة ـ ؛ تلك اّبالد اّيت منذ سطِ اإليطِِّو وسِوف نقمتهم‬ ‫مل تربح أعنِق أهلهِ دو رَمة وال شفقة ‪ ،‬يىت اّت إىل جمزرة بشَية َتثل فِه أفظع األدوار اهلمجِة‪.‬‬ ‫ال نَيد أ نطِل اّبحث يف منِقشة اّوسِئل اّيت تذرعت هبِ اّدوّة اإليطِِّة اليتالل طَابلس ـ بَقة ـ‬ ‫اّيت ال تَبطهِ هبِ أية عالقة ‪ ،‬ونكتفي هنِ بنظَة عِمة يف تطور اّقضِة اّطَابلسِة منذ االيتالل‬ ‫اإليطِيل إىل يومنِ هذا ‪ ،‬إذ إ اجملِل ال يسمح بسَد مجِع احلوادث مفصلة‪.‬‬ ‫ّقد أغِرت اّدوّة اإليطِِّة على اّقطَ اّطَابلسي ـ اّربقِوي يف ‪ 5‬تشَين األول سنة (‪ 1911‬م) على‬ ‫يني غفلة من أهلهِ ‪ ،‬وكِ مع خلوه من املعدات احلَبِة مل يكن به من احلمِية اّعثمِنِة سوى ثالثة‬ ‫االف جندي مبعثَين يف عدة منِطق ‪ ،‬بِد أ سكِ تلك اّبالد اّذين كلهم كتلة عَبِة ـ إسالمِة‬


‫وايدة قد فطَوا على عزة اّنفس واإلابء ‪ ،‬وّذّك قِموا يف وجوه اّغِصبني قومة رجل وايد يدافعو‬ ‫عن أوطِهنم ‪،‬‬ ‫ويذودو عن يِ​ِهتم بقلوب ملؤهِ اإلميِ ابهلل واالعتمِد علِه‪.‬‬ ‫واستمَت احلَب سنة كِملة مل تتمكن من خالهلِ اجلنود اإليطِِّة من اّتقدم شرباً عن مَمى مدافع‬ ‫أسطوهلم ‪ ،‬إىل أ اضطَت اّدوّة اّعثمِنِة إىل عقد صلح مع اإليطِِّني ؛ منحت فِهِ اّطَابلسِني‬ ‫استقالهلم اإلداري وسحبت جنودهِ وهي مَغمة‪.‬‬ ‫وعقب ذّك أخذ اإليطِِّو يدعو أهِيل اّبالد إىل اّسكِنة ‪ ،‬ويظهَو هلم يسن اّنِة خلري تلك‬ ‫اّبالد ‪ ،‬فوضعت احلَب أوزارهِ ‪ ،‬وأّقى أكثَ أهِيل طَابلس وبَقة اّسالح وعِدت اّسِوف إىل‬ ‫أغمِدهِ ‪ ،‬وّكن رجِل اّدوّة اإليطِِّة مِ كِدوا يظفَو بتجَيد األهِيل من اّسالح يىت قلبوا هلم‬ ‫ظهَ اجملن ‪ ،‬وأخذوا يسوموهنم سوء اّعذاب ‪ ،‬وينتقمو من كل من يَض اّنِس على قتِهلم ‪،‬‬ ‫فِخلقو هلم هتمًِ واهِة ويزجو بعضهم يف أعمِق اّسجو ‪ ،‬ويَمو ابّبعض إىل جزر إيطِِّة‪.‬‬ ‫فثِرت اثئَة اّقوم من تلك األفعِل املنِفِة ّلعهود واملنِقضة ّلوعود ‪ ،‬فِنقضوا على إيطِِّة ‪ ،‬وكِ أول‬ ‫وقعة دموية جَت وقعة تسمى بوقعة (اّقَاضِبِة) ‪ ،‬وهو مكِ قَب خلِج سَت ‪ ،‬جَت تلك اّوقعة‬ ‫يف أوائل سنة (‪ 1914‬م) ‪ ،‬أضِع فِهِ اإليطِِّو مِ ينِف على (‪ )8000‬جندي ‪ ،‬وعقب ذّك‬ ‫ازداد يقد اإليطِِّني على األهلني ‪ ،‬فِهنِّوا على اّعَب ابّقتل واّتعذيب ‪ ،‬فقتلوا يف يوم وايد من‬ ‫األعِ​ِ ورؤسِء اّقبِئل رمِ​ًِ ابَّصِص ‪ 300‬نسمة يف فضِء سَت ‪ ،‬وأخذوا يقتلو األبَ​َيء واّشِوخ‬ ‫واألطفِل واّنسِء واَّجِل‪.‬‬ ‫وعلى أثَ ذّك اشتعلت يف بالدان يَب سَى هلِبهِ يف كل انيِة من اّنوايي ‪ ،‬وظلت اّفنت تتقد إىل‬ ‫أ نشبت احلَب اّعِملِة ‪ ،‬فأرسلت احلكومة اّعثمِنِة بعض اّقواد اّعسكَيني منهم نوري ابشِ شقِق‬ ‫أنور ابشِ اّشهري ‪ ،‬عندئذ اضطَت اجلنود اإليطِِّة أ تنسحب من كل املواقع اّيت أشغلتهِ أثنِء‬ ‫اّسلم ‪ ،‬وتتحصن يف مدينة طَابلس ‪ ،‬زوارة ‪ ،‬اخلمس ‪ ،‬بنعِزي ‪ ،‬درنة ‪ ،‬طربق ‪ ،‬إىل أ انتهت احلَب‬ ‫اّكربى ‪ ،‬فخَجت إيطِِّة منهِ وعسكَهِ منهوك اّقوى ملِ القى من اهلزمية تلو اهلزمية يف سِيِت‬ ‫أوروبة‪.‬‬ ‫ورغم ذّك سِقت عدة فِ​ِّق من جِوشهِ إىل طَابلس ـ بَقة ـ وجهزت منهم مئة أّف جندي ‪ ،‬زيفت‬ ‫هبم على خطوط اجملِهدين يف منطقة طَابلس‪.‬‬


‫ومِ كِدت تدور ريى احلَب بني اّفَيقني يىت اهنزم ذّك اجلِش اّعَمَم شَ هزمية ‪ ،‬وغنم اجملِهدو‬ ‫منهم أسلحة ومعدات يَبِة كثرية‪.‬‬ ‫وملِ ابءت اّدوّة اإليطِِّة يف تلك اّتجَبة ابّفشل ‪ ،‬وعلمت أهنِ غري قِدرة على إخضِع اّشعب بقوة‬ ‫احلديد واّنِر ‪ ،‬عمدت إىل اّتضلِل واّتمويه ؛ فسنت قِنوانً مسته (اّقِنو األسِسي) ‪ ،‬وأعلنته يف سنة‬ ‫(‪ 1919‬م) ‪ ،‬ومع أنه جِء غري ضِمن حلقوق األهلني ؛ فقد قبلوا به بغِة يقن اّدمِء وراية اّفَيقني‬ ‫‪ ،‬وانتظَوا من رجِل احلكومة اإليطِِّة تنفِذه ‪ ،‬مث مِ ّبث أ ظهَ أهنم اختذوه غشِوة على أعني اّنِس‬ ‫‪ ،‬وأخذوا يبثو بذور اّفسِد من وراء احلجب ‪ ،‬ويوزعو على بعض سخفِء اّعقول املبِّغ اّطِئلة من‬ ‫األموال واّسالح واّذخِئَ احلَبِة إليقِد انر اّفنت بني األهلني ‪ ،‬واّتفَيق بني اّوطن وبني األخ وأخِه‪.‬‬ ‫وكِدوا يصلو إىل رغِئبهم ويوقعو اّبعض يف تلك احلبِئل اّيت نسجتهِ أَيديهم األثِمة ‪ّ ،‬وال أ‬ ‫عقالء اّبالد أدركوا تلك اّدسِئس ‪ ،‬وتالفوا األمَ بعقد مؤَتَ عِم يف مدينة غَ​َي ضم خنبة من‬ ‫رجِالت اّبلد يف سنة (‪ 1920‬م) ‪ ،‬فتبِدّوا االراء وفكَوا فِمِ ينقذ اّبالد من اّفنت واّفوضى‪.‬‬ ‫وكِ اجلِش اإليطِيل ٍ‬ ‫وقتئذ كمِ ذكَان منحصَاً يف بعض املد اّسِيلِة ‪ ،‬وبعد املداوّة يف جلسِت‬ ‫متواِّة قَروا ابإلمجِع مِ يلي‪:‬‬ ‫((إ احلِّة اّيت اّت إِّهِ اّبالد ال ميكن حتسِنهِ إال إبقِمة يكومة قِدرة ومؤسسة على مِ حيتمه‬ ‫اّشَع اإلسالمي من األصول ‪ ،‬حتت زعِمة رجل مسلم منتخب من األمة ‪ ،‬ال يعزل إال حبجة شَعِة‬ ‫وإقَار جملس اّنواب ‪ ،‬وتكو ّه اّسلطة اّدينِة واملدنِة واّعسكَية أبكملهِ ‪ ،‬مبوجب دستور تقَه األمة‬ ‫بوسِطة نواهبِ ‪ ،‬وأ يشمل يكمه مجِع اّبالد حبدودهِ املعَوفة‪.‬‬ ‫وقد تنِقش املؤَتَ يف ذّك على أ ال تتنَِف منِفع دوّة إيطِِّة اّيت جِءت إىل وطننِ من أجلهِ ‪ ،‬مع‬ ‫اّلزوم اّقطعي َّايتنِ وسالمتنِ ‪ ،‬وبني ثقته يف أ اّشعب اإليطِيل ال يَضى يف هذا اّزمن اّذي تنِل‬ ‫فِه كل األمم أكرب أمِنِهِ ‪ ،‬أ يقِم نفسه من أجل مطِمع وأوهِم فئة املستعمَين عقبة يف سبِل اّنظِم‬ ‫واألمن واّعدل يف‬ ‫طَابلس اّغَب ‪ ،‬وّذّك ال تزال ّألمة ثقة يف أ تسعف بضَورَيهتِ وأ ال تصِدم يف أمنِة ال تَضى‬ ‫وال يستقَ هلِ يِل بغريهِ‪.‬‬


‫وقد أنبنِ ّلمطِّبة بذّك وفداً من يضَات‪ :‬نوري بك اّسعداوي ‪ ،‬وحممد خِّد بك اّقَقين ‪ ،‬وحممد‬ ‫فَيِت بك ‪ ،‬وحممد اّصِدق بك ابن احلِج ّرياجع كل مصدر يَى ضَورة مَاجعته ّتحقِق اّغِية‬ ‫املذكورة يف اّقَار املبني أعاله ‪ ،‬داعني املوىل جل شأنه أ يوفقهم وأ حيقق أمِين أمتنِ))‪.‬‬ ‫(يَر يف ‪6‬ربِع األول ‪ 1339‬هـ)‬ ‫مث انتخب املؤَتَ هِئة يكومِة عهد إِّهِ إدارة شؤو اّبالد اّداخلِة اّيت عمت فِهِ اّفوضى ؛ بسبب‬ ‫اّفنت اّيت خلقهِ رجِل احلكومة اإليطِِّة ‪ ،‬وذهب اّوفد املشِر إِّه يف ذّك احلني إىل رومة ِّبلغ‬ ‫يكومتهِ مِ أمجع علِه اّشعب من املطِّب ‪ ،‬وأخذ يَاجع املقِمِت اَّمسِة وغري اَّمسِة ؛ فلم يكن‬ ‫يظه من رجِل احلكومة اإليطِِّة سوى اإلعَاض واالستخفِف مبهمته‪.‬‬ ‫أمِ هِئة احلكومة اّوطنِة اّيت عهدت إِّهِ إدارة شؤو اّبالد ؛ فإهنِ أخذت يف إقَار دعِئم األمن ‪،‬‬ ‫وتنظِم اّشؤو اإلدارية كِّدوائَ املِِّة واّقضِئِة ‪ ،‬وتنظِم اجلِش ملِ سِحدث من اّطوارأى ‪ ،‬فسِد‬ ‫األمن ورجعت اّطمأنِنة بعد اخلوف اّذي استوىل على اّنفوس ‪ ،‬وانصَف األهلو إىل معِئشهم‬ ‫ومصِحلهم‪.‬‬ ‫أمِ منطقة بنغِزي ؛ فإ نوري ابشِ اّذي أوفدته احلكومة اّعثمِنِة إِّهِ خالل احلَب اّعِملِة َمل‬ ‫األهِيل على اّتعَض على اّقطَ املصَي ‪ ،‬وهي خطة رمستهِ وزارة احلَبِة اّعثمِنِة ؛ فجهز جِشًِ‬ ‫مؤّفًِ من (‪ )5000‬جمِهد ابالتفِق مع اّسِد أَمد اّشَيف اّسنوسي ‪ ،‬وجتِوزا به احلدود املصَية ‪،‬‬ ‫وتَك اّسِد أَمد اّشَيف وكِالً عنه يف بَقة ابن عمه اّسِد إدريس اّسنوسي‪.‬‬ ‫وملِ دخل اجملِهدو احلدود املصَية اصطدموا ابجلِوش اإلنكلِزية وبعد يَوب بني اّفَيقني تَاجع‬ ‫اجملِهدو بصورة غري منظمة ‪ ،‬وخالل ذّك عمت اّفِقة منطقة بَقة واشتدت اجملِعة‪.‬‬ ‫فَأى اّسِد إدريس من احلكمة أ يعقد هدنة مع اإليطِِّني ‪ ،‬وأوقفت ريى‬ ‫احلَب ‪ ،‬وبعد انتهِء احلَب اّكربى ابيعه اّشعب اّربقِوي ابإلمِرة ‪ ،‬ووافقت على ذّك احلكومة‬ ‫اإليطِِّة مبقتضى معِهدة عقدت بني اّفَيقني‪.‬‬ ‫بِد أ رجِل احلكومة اإليطِِّة كعِدهتم يف كل عهد يعقد معهم أخذوا ينقضو اّعهود ‪ ،‬فِضطَ‬ ‫األمري اّسِد إدريس أ ِ‬ ‫يويد مسِعِه مع يكومة طَابلس اّوطنِة ‪ ،‬وعقدت اتفِقِة بني اّفَيقني‬


‫املعَوفة ابتفِقِة (سَت) املتضمنة تويِد اّقطَين اّشقِقني ‪ ،‬واّتضِمن على املطِّبة حبقوقهمِ معًِ ‪،‬‬ ‫وتنص املِدة اخلِمسة من هذا االتفِق على تويِد اّزعِمة ‪ ،‬وتنصِب أمري وايد ّلقطَين‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ومِ كِدت هذه االتفِقِة تتم يىت هِجم اإليطِِّو سوايل مصَاتة يف منطقة طَابلس سنة (‪1922‬‬ ‫م) ‪ ،‬فأعلنت احلكومة احلَب يف كل املنِطق ‪ ،‬واستمَت احلَب بشدة هِئلة ثالثة أسِبِع عجز‬ ‫اإليطِِّو خالهلِ عن اّتقدم وّو كِلو مرتاً ‪ ،‬وضحت اّبالد أبّوف اخللق يف سبِل اّدفِع ‪ ،‬كمِ أ‬ ‫اإليطِِّني خسَوا أضعِف ذّك ؛ ألهنم كِنوا املهِمجني ‪ ،‬وملِ أيقنوا ابخلِبة واّفشل طلبوا توقِف اّقتِل‬ ‫بغِة اّتفِهم ‪ ،‬وانتدبوا ّلمذاكَة اّسنِور (بِال) واّسنِور (رابكس) ‪ ،‬وخَجِ يف املوعد املضَوب اّذي‬ ‫قَرته احلكومة اّوطنِة يف مكِ يسمى (فندق اّشَيف) ‪ ،‬وقد كتبت احلكومة اّوطنِة ّلوايل اّكتِب‬ ‫االيت‪:‬‬ ‫((ابندفِع أسالفكم مع تِ​ِر اّفتنة واّتفَيق يدثت يف اّبالد يِّة فوضوية وقفت احلكومة اإليطِِّة‬ ‫أمِمهِ موقف املتفَج ‪ ،‬فِضطَت األمة إىل عقد مؤَتَ يف غَ​َي بلغت مقَراته اّصِئبة إىل احلكومة ‪،‬‬ ‫وأرسلت وفدهِ ّلمطِّبة مبِ أمجع علِه املؤَتَ ‪ ،‬فلم يكن يظه إال اإلعَاض واالستخفِف مبهمة ذّك‬ ‫اّوفد مع استمَارهِ على خطة املَاوغة واّتفَيق‪.‬‬ ‫وملِ يِل احلوار على وفدان وهو يستعطف املصِدر اَّمسِة وغري اَّمسِة ‪ ،‬واحلكومة مصَة على تلك‬ ‫اّسِ​ِسة املنفَدة‪ .‬وحتقق أهل اّقطَين (طَابلس ـ بَقة) أ يِ​ِهتمِ حمفوفة ابخلطَ يف احلِل واالستقبِل ‪،‬‬ ‫وأ مِ داهم أيد اّقطَين ال بد أ حيِق ابالخَ ملِ بِنهمِ من اّعالئق املِدية واملعنوية ‪ ،‬ال سِمِ أ‬ ‫إدارهتمِ إىل عهد االيتالل وايدة ‪ ،‬عندئذ تبِدل عقالء اّفَيقني املَاسالت واالراء فِمِ يضمن اَّاية‬ ‫ويفسح جمِل اإلخِء ‪ ،‬ويسهل سري األمتني اّعَبِة واإليطِِّة يف سبِل احلِ​ِة االقتصِدية مع احملِفظة‬ ‫على يق إيطِِّة اّسِ​ِسي‪.‬‬ ‫فقَر اّفَيقِ ابإلمجِع يف سَت اتفِقِة من مجلة فصوهلِ املطِّبة بتويِد إدارة اّقطَين ‪ ،‬وهو احلل‬ ‫اّنهِئي اّذي ال يبقى معه ريب هلذه اّقضِة املعضلة اّيت ال تَيدهِ سِ​ِسة املَاوغة واّتفَيق وطول األمد‬ ‫إال حتكِمًِ يف عقد اخلالف ‪ ،‬فتصبح من األمَاض املزمنة ‪ ،‬ويعسَ يلهِ فضالً عمِ تصِب به األمتِ‬ ‫من اخلسِرة ومِ يفوهتمِ من املنِفع كمِ ال خيفى ‪ ،‬أمِ حنن أهل اّقطَين فإ األدوار احملزنة واّتجِرب‬ ‫املؤملة أرشدتنِ إىل صورة يل هذه املشكلة يالً اليظنِ فِه املنِفع اإليطِِّة سِ​ِسِة كِنت أو اقتصِدية‬ ‫‪ ،‬وهو أ تؤسس يكومة نِ​ِبِة ّلقطَين يَأسهِ رجل مسلم تنتخبه األمة ‪ ،‬وتكو ّه اّسلطِت‬


‫اإلدارية مجِعهِ مع اّسلطة اّدينِة ‪ ،‬وال نظن أ احلكومة ال تستحسن هذا احلل املفِد إ جتَدت عن‬ ‫ماليظة األشكِل واالعتبِرات ‪ ،‬ووجهت دقِق نظَهِ إىل احلقِئق واجلوهَ​َيت ‪ ،‬كنِ قَران مهِدنة‬ ‫ّلتفِهم واملفِوضة ‪ ،‬وعلمنِ خالهلِ أ سفَكم إىل رومة بقصد اّتفِهم مع يكومة جالّة امللك‬ ‫واحلصول على إذ وصاليِة واسعة ختول ّكم املفِوضة معنِ ّلوصول إىل مِ يَفع اخلالف اّذي ال‬ ‫تتحمل اّبالد دوامه ‪ ،‬ورعِية أليكِم اتفِقِة سَت املذكورة فإان يف انتظِر مندويب بَقة اّذين قَب‬ ‫وصوهلم ابّنظَ إلشعِر مسو األمري اّسِد حممد إدريس ‪ ،‬ومىت وصلوا يتعني اّزمِ واملكِ ّلمذاكَة اّيت‬ ‫ال تشك أهنِ ستبىن على أسِس اإلخالص ويسن اّنِة ‪ ،‬واألمل وطِد يف أ دوّتكم ستضم إىل اتريخ‬ ‫يِ​ِتكم اّسِ​ِسِة فخَاً اخَ يف يل املشكالت ‪ ،‬واقبلوا َي دوّة اّوايل عِطَ اّتحِة وفِئق االيرتام))‪.‬‬

‫وبعد استمَار املذاكَة ثالثة أشهَ واإليطِِّو يَاوغو يف أيِديثهم مَاوغة اّثعِّب ؛ تبني أ اّغِية من‬ ‫توقِف اّقتِل وتلك املذاكَة االستفِدة من اّوقت إلعداد اّعدة ّلحَب ‪ ،‬وقد جتلت فكَهتم هذه يف‬ ‫تكلِفهم األخري ؛ وهو طلبهم تسلِم اّسالح اّذي بِد األهلني قبل أي يل وإال احلَب ‪ ،‬عندئذ مل تَ‬ ‫احلكومة اّوطنِة بداً من رفض هذا اّطلب وخوض غمِر احلَب ‪ ،‬واستؤنف اّقتِل اّذي مل يزل شَره‬ ‫يستطري من ذّك اّتِريخ إىل يومنِ هذا‪.‬‬ ‫إ احلكومة اإليطِِّة بعد أ اختذت كل مِ يف وسعهِ من اّوسِئل ّتفَيق كلمة أبنِء اّبالد ومل تنجح ‪،‬‬ ‫ورأت ذّك اّشعب متضمِانً مستمِتًِ يف سبِل اّشَف واملطِّبة حبقوقه ؛ عمدت إىل تنفِذ سِ​ِسة‬ ‫اّشدة واإلرهِق ؛ خصوصًِ بعد استالم‬ ‫اّفِشِست زمِم احلكم ؛ فإهنم أضِفوا إىل تلك اّشدة فكَة إابدة ذّك اّشعب وإحمِئه ّتخلو هلم‬ ‫اّدَير ‪ ،‬ويستخلفوا فِهِ املستعمَين من أبنِء بلدهتم اّذين ضِقت هبم أرضهم ‪ ،‬وهكذا أخذ‬ ‫اّفِشِست يف تنفِذ سِ​ِستهم اّغِمشة ‪ ،‬ومِ بَيوا ينزّو بذّك اّشعب اّعَيب ضَوب اّعذاب فال‬ ‫يَ​َمو طفالً صغرياً وال شِخًِ كبرياً‪.‬‬ ‫فإهنم حيكمو اّبالد أبيكِم عسكَية ‪ ،‬وأعمدة املشِنق منذ االيتالل يىت يومنِ هذا مل تزل منصوبة‬ ‫يف كل بلد من ذّك اّقطَ ؛ فإدارة اّبالد حتت يكم عسكَي مطلق اِّد ال يسأل عمِ يفعل ‪ ،‬وّه يف‬ ‫كل ّواء وقضِء وانيِة يِكم إداري ‪ ،‬ومجِع اّدوائَ املِِّة واّعدِّة واّبلدية يديَوهنِ مبعَفتهم ‪ ،‬وِّس‬ ‫ّألهلني مشِركة يف شؤو بالدهم ‪ ،‬وال يستخدمو منهم يىت اخلدم وال احلُ َجِب أيضًِ اّذين يقفو‬ ‫على األبواب ‪ ،‬ومجِع املعِملة ابّلغة اإليطِِّة ‪ ،‬واألغَب من هذا كله أ جبِة األموال من اّفِشِست‬


‫فِطَيو اّضَائب وجيبوهنِ من املكلف ‪ ،‬وهو ال يدري مِ علِه ‪ ،‬وال يعَف أبية نسبة جتىب منه تلك‬ ‫اّضَيبة ؛ بل إنه مَغم على أدائهِ عن يد وهو صِغَ ‪ ،‬وإذا سأل سِئل عن أسِس اّضَيبة يعد خِئنًِ‬ ‫ويعِقب اّعقِب األِّم‪.‬‬ ‫وابجلملة فإ اّسِ​ِسة املَهقة اّيت تتمشى علِهِ احلكومة اّفِشِستِة مل يسبق هلِ مثِل منذ أ عَف‬ ‫اّتِريخ ‪ ،‬فسفك اّدمِء ‪ ،‬وقتل اّنفوس اّربيئة ‪ ،‬واّتجِوز على األعَاض ‪ ،‬واّنفي واحلكم ابّسجن‬ ‫املؤبد ‪ ،‬وسلب األموال ‪ ،‬وغصب املالك واألراضي من أيدي أصحِهبِ ‪ ،‬وقذف اّبشَ من اّطِئَات ‪،‬‬ ‫وإّقِء بعضهم مكبلني ابألغالل يف جلج اّبحَ ‪ ،‬وقتل األسَى ‪ ،‬وهتك يَمِت اّدين ‪ ،‬ودوس اّقَا‬ ‫اّكَمي حتت األقدام أمِم مجِهري من املسلمني ‪ ،‬وهدم أضَية بعض اّصحِبة اّكَام واألوِّ​ِء ‪،‬‬ ‫واختِذهِ إصطبالت ّلحِواانت ‪ ،‬واّرتمن ابألانشِد يف اّطعن ابّدين اإلسالمي ‪ِ ،‬‬ ‫فحدث عن ذّك وال‬

‫يَج ‪ ،‬وال نَيد أ أنيت يف هذه اّعجِّة على ذكَ اّفظِئع اّيت كتب فِهِ أتِّف خِّص يغنِنِ عن‬ ‫اّتفصِل ؛ فإ فِه من اّفظِئع مِ تتفطَ منه األكبِد ويذيب اّفؤاد‪.‬‬ ‫ومنه يعلم اّقِرأى أ سِ​ِسة اّفِشِست يف ذّك اّقطَ تَمي إىل إابدة أهله ‪ ،‬فقد كِ عدد اّشعب‬ ‫اّطَابلسي ـ اّربقِوي قبل االيتالل اإليطِيل يَبو على‬ ‫(‪ )0005001‬نسمة ‪ ،‬وقد صَح اجلنَال غَاسِ​ِين قِئد احلَكِت اّعسكَية أنه بعد اإليصِء اّدقِق‬ ‫تبني أ سكِ (طَابلس ـ بَقة) مل يتجِوز عددهم (‪ )700‬أّف ‪ ،‬وال ريب من أهنم قد قضوا على‬ ‫ذّك اّشعب املسلم بني قتل وهتجري واّبقِة اّبِقِة أيضًِ حمكومة ابّفنِء ؛ أل اّضغط اّشديد وشد‬ ‫اخلنِق على األعنِق ال بد أ يؤدي إىل تلك اّنتِجة ‪ ،‬وعدا ذّك فإ مَافق احلِ​ِة يف تلك اّبالد قد‬ ‫استوىل علِهِ مجِعًِ ‪ ،‬فِملسلم ال يتمكن من االشتغِل ابّزراعة وال ابّتجِرة وأبية يَفة تؤمن معِشه ‪،‬‬ ‫فِّتِجَ ال ميكنه اّتوسع ابّتجِرة واّتجول يف اّبالد ّتوسِع نطِق عمله ‪ ،‬بل إهنم حيددو ّه املبِّغ‬ ‫اّيت ميكنه أ يتِجَ هبِ ‪ ،‬واألَيم اّيت ميكنه أ يتغِبهِ يف األقطِر اجملِورة ‪ ،‬وصنف اّبضِعة ‪ ،‬وإذا‬ ‫تغِب عن األجل املضَوب ّه أو اتجَ أبصنِف غري مسموح ّه تسحب من يده إجِزة اّتجِرة‬ ‫ويعِقب ؛ زد على ذّك أهنم أطفؤوا نور اّعلم ‪ ،‬وتَكوا ذّك اّشعب يتخبط يف دَيجري اجلهل ؛ فلم‬ ‫تكن يف تلك اّبالد إال بضع مدارس ابتدائِة أسست يف عهد اّرتك ‪ ،‬يعلِمو فِهِ األطفِل ابّلغة‬ ‫اإليطِِّة ّلوصول إىل إمِتة اّلغة اّعَبِة يىت ال تبقى انيِة من مقومِت ذّك اّشعب إال ويقضى‬ ‫علِهِ اّقضِء املربم‪.‬‬


‫وملِ رأت اجلِِّ​ِت اّطَابلسِة اّربقِوية اّيت تقطن خمتلف األقطِر اإلسالمِة مِ أيِط ببالدهِ من‬ ‫يل ببالدهِ من اّضِم اّفظِع واّظلم املَيع ‪ ،‬وانتخبت‬ ‫األخطِر ؛ فكَت يف أتِّف جلنة ّلدفِع عمِ َ‬ ‫هذه اّلجنة ووضعت أسِسًِ ّعملهِ (املِثِق اّوطين) ‪ ،‬وهذه مواده‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ أتِّف يكومة وطنِة ذات سِ​ِدة قومِة ّطَابلس ـ بَقة ؛ يَأسهِ زعِم مسلم ختتِره األمة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ دعوة مجعِة أتسِسِة ّسن دستور اّبالد‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ انتخِب األمة جملسًِ يِئزاً على اّصاليِة اّيت خيوّه إَيهِ اّدستور‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ اعتبِر اّلغة اّعَبِة اّلغة اَّمسِة يف دواوين احلكومة واّتعلِم‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ احملِفظة على شعِئَ اّدين اإلسالمي وتقِِّد اّقطَين يف مجِع أرجِئه‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ اّعنِية ابألوقِف وإدارهتِ من قبل جلنة إسالمِة‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ اّعفو اّعِم عن مجِع املشتغلني ابّسِ​ِسة داخل اّقطَ وخِرجه‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ حتسني اّعالقِت بني األمة اّطَابلسِة اّربقِوية واّدوّة اإليطِِّة مبعِهدة يعقدهِ اّطَفِ ويصدقهِ‬ ‫اجمللس اّنِ​ِيب‪.‬‬ ‫ومنذ أتسست هذه اّلجنة أخذت على عِتقهِ اّقضِة بشىت اّوسِئل اّداخلِة يف يِز إمكِهنِ ‪،‬‬ ‫فأذاعت على املأل اّسِ​ِسة اهلوجِء اّيت تتمشى علِهِ اّدوّة اإليطِِّة يف تلك اّبالد بواسطة اّصحف‬ ‫واّنشَات واَّسِئل ‪ ،‬وهي تَسل يف كل موسم يج إىل مكة املكَمة عشَات االالف من اّنشَات‬ ‫ّتحِط املسلمني يف مجِع األقطِر علمًِ مبِ هو يِدث يف تلك اّدَير اّنِئِة ‪ ،‬ومل ِ‬ ‫تكتف بذّك بل‬ ‫خِطبت طِغِة اّفِشِست ‪ ،‬وبَِنت ّه عقم سِ​ِسة احلديد واّنِر اّيت يتعقبهِ يف طَابلس وبَقة ‪ ،‬وّكن‬ ‫نصحهِ ّه مل يزده إال غَوراً وعتواً كبرياً ‪ ،‬وقد اقتنعت بعدم اّفِئدة من مَاجعة أوّئك اّطغِة اّذين ال‬ ‫يَضِهم إال َتزيق اّلحوم واّوّوغ يف دم اّبشَ‪.‬‬ ‫ّذّك يتحتم على املسلمني االهتمِم إبخواهنم يف اّدين واّقومِة يف تلك اّبالد اّنِئِة ‪ ،‬أوّئك املسِكني‬ ‫اّذين تقطعت هبم األسبِب ‪ ،‬وأعوزهتم اّوسِئل وسدَت يف وجوههم اّسبل إال سبِل املوت ‪ ،‬ويف‬ ‫املوت راية اّبِئسني ‪ ،‬وّطِملِ مألان اّفضِء أبصواتنِ ‪ ،‬ورفعنِ شكواان إىل اّعِمل اإلسالمي ِّصَخ يف‬ ‫وجوه ويوش اّفِشِست ‪ ،‬عسِهم يَجعو عن غِهم ويؤوبو إىل رشدهم رَمة ابإلنسِنِة وشفقة على‬ ‫اّبشَية ‪ ،‬وّكن أىن ّلمسلمني اّذين تفَقت كلمتهم ‪ ،‬واحنلت عَا جِمعتهم أ يتضِمنوا على اّقِ​ِم‬ ‫مبثل هذا اّواجب ‪ ،‬وملِ كِ املؤَتَ اإلسالمي املوقَ من ضمن واجبه اّتفكري يف مثل هذه اّشؤو اهلِمة‬


‫‪ ،‬فهِ إننِ نبسط بني يديه قضِة من أهم اّقضَِي اّيت جيب اّعنِية هبِ ؛ فإ ذّك اّشعب املفجوع يف‬ ‫وطنه ودينه إذا مل تشمله عنِية املخلصني من إخوانه املسلمني اّذين يهمهم أمَ اّدين ؛ سِصبح ـ ال‬ ‫مسح هللا ـ أثَاً بعد عني ‪ ،‬ويف ذّك مِ فِه من املسؤوِّة اّكربى واّبالء اّعظِم‪.‬‬ ‫فِ​ِ أيهِ اّسِدة اّكَام‪:‬‬ ‫إ اّشعب اّواقف يف وجوه أعدائكم منذ إيدى وعشَين سنة هو منكم ‪ ،‬واّدين املهِ يف تلك‬ ‫اّدَير هو دينكم‪ .‬وأوّئك اّشهداء اّذين ضحوا أبروايهم يف سبِل هللا هم شهداؤكم ‪ ،‬هنِّك يف تلك‬ ‫اّصحِرى احملَقة واّفِ​ِيف املقفَة إخوا ّكم‬ ‫[األيزاب‪{ :‬ص ندقُوا مِ عِه ُدوا َ ِ‬ ‫ضى نْحنبنهُ نوِمْنـ ُه ْم نم ْن ينـْنـتن ِظ َُ نونمِ بن َدُّوا تنـْب ِديالً‬ ‫اّللن نعلنِْه فن ِمْنـ ُه ْم نم ْن قن ن‬ ‫ن ن نن‬

‫[األيزاب‪]23 :‬‬ ‫ن‬ ‫أجل ؛ إ إخوانكم يف تلك اّدَير اّنِئِة يستصَخونكم وينِشدوكم هللا أ تعملوا على معِجلة شؤوهنم‬ ‫‪ ،‬ونشلهم من بَاثن األعداء قبل أ يقضى علِهم فِموتوا ‪ ،‬وبذّك تفقدو قطَاً إسالمِ​ًِ فتحه‬ ‫جدودكم اّكَام ‪ ،‬ورفعوا فِه راية اإلسالم منذ أربعة عشَ قَانً‪.‬‬ ‫وقد أصِبت اِّوم تلك اّرتبة اّيت خضبت بدم اّشهداء ختِم علِهِ سحِبة سوداء َتطَ ظلمًِ وجوراً‬ ‫على إخوانكم اّبؤسِء ‪ ،‬هنِّك تسمعو اّصَاخ واّعويل واّبكِء واّنحِب ‪ ،‬هنِّك اإلنسِنِة املعذبة ‪،‬‬ ‫هنِك حتِر األفكِر وتزيغ األبصِر ‪ ،‬وال منجد ‪ ،‬وال مغِث ‪ ،‬وال معني‪.‬‬ ‫فإ يف تلك اّبالد طِئفة من املسلمني مل يزاّوا شِكني اّسالح يذودو عن أوطِهنم ويدافعو عن‬ ‫كِ​ِهنم ‪ ،‬وعدوهم اجلِئَ يرتبص هبم اّدوائَ ‪ ،‬فنَجو أ تفكَوا فِمِ خيفف عنهم املصِئب اّيت حتل قبل‬ ‫أ َتزقهم اّقوى اّغِمشة ‪ ،‬وال خنِل أهنِ تعوزكم اّوسِئل ملد يد املسِعدة ألوّئك اّبؤسِء ‪ ،‬وأنتم رجِل‬ ‫اإلسالم اّذين ميثلو (‪ )400‬ملِو مسلم يف اّكَة األرضِة ‪ ،‬وهللا يف عو اّعبد مِ دام اّعبد يف عو‬ ‫أخِه[(‪.])340‬‬ ‫رئِس اّلجنة اّتنفِذية ّلجِِّ​ِت‬ ‫اّطَابلسِة اّربقِوية‬ ‫بشري اّسعداوي‬


‫(‪ 26‬رجب سنة ‪ 1350‬هـ)‬ ‫(‪ 6‬كِنو األول سنة ‪ 1931‬م)‬ ‫ّقد تزعَم اّلجنة اّتنفِذية ّلجِِّ​ِت اّطَابلسِة اّربقِوية اّسِد بشري اّسعداوي ‪ ،‬ويعترب من‬ ‫اّشخصِ​ِت اّفَيدة يف اّتِريخ اّلِيب املعِصَ ‪ ،‬فقد قِم بدور فعِل يف يَكة اجلهِد اّيت كِنت تتصدى‬ ‫ّالستعمِر اإليطِيل يف ِّبِة ‪ ،‬وبعد أ أخضعت إيطِِّة منطقة طَابلس ابّكِمل ‪ ،‬وتوقفت يَكة‬ ‫اجلهِد من اإلقلِم ؛ اختِر بشري‬ ‫اّسعداوي اّعِش يف املهجَ ‪ ،‬وّكن نشِطه اجلهِدي اّسِ​ِسي املعِدي ّالستعمِر اإليطِيل يف اخلِرج‬ ‫مل يتوقف ‪ ،‬وظل ِ‬ ‫حيَض اّلِبِني على اّصمود يف وجه املمِرسِت اإليطِِّة اّغِمشة ‪ ،‬وأخذ حيث اّدول‬ ‫واّشخصِ​ِت اّعَبِة واإلسالمِة على مسِندة اّشعب اّلِيب ‪ ،‬وتقدمي كِفة صور اّدعم املمكنة ّه ‪،‬‬ ‫واستفِد من عمله كمستشِر ّلملك عبد اّعزيز يف اّتعَيف ابّقضِة اّلِبِة‪.‬‬ ‫استمَت اجلمعِة اّطَابلسِة اّربقِوية يف عملهِ ‪ ،‬ويف عِم (‪ 1940‬م) أعِد تشكِل اجلمعِة من جديد‬ ‫يف دمشق بَائسة اّدكتور كِمل عِد ؛ يضم إِّه خنبة من أفِضل اجملِهدين ‪ ،‬كِّسِد عبد اّغين‬ ‫اّبِجقمي أمِنًِ ّلسَ ‪ ،‬وأيب بكَ قدورة وغريمهِ ‪ ،‬وبقِت اجلمعِة تعمل من ذّك احلني حتت إرشِد‬ ‫األمري إدريس وتوجِهِته[(‪.])341‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬إيطِِّة حتتل احلبشة‪:‬‬ ‫كِنت إيطِِّة تسعى يثِثًِ ّتحقِق طمويِهتِ اجلنونِة اهلِدفة إىل إنشِء إمرباطوريتهِ اّقدمية يف إفَيقِة‬ ‫اّشَقِة ‪ ،‬وّذّك أغِرت على احلبشة وايتلتهِ ابّقوة ‪ ،‬وَتت اّسِطَة اّتِمة يف عِم (‪ 1936‬م) ‪،‬‬ ‫وكِ اّلِبِو اجملندو من قبل إيطِِّة وقوداً ّتلك املعِرك احملَقة ‪ ،‬يِوّت عصبة األمم أ تنزل‬ ‫اّعقوابت االقتصِدية على إيطِِّة وّكن دو جدوى ‪ ،‬وأصبحت احلبشة جزءاً من إمرباطورية إيطِِّة ‪،‬‬ ‫واختذ ملكهِ ّقب إمرباطور أثِوبِة ‪ ،‬وكِ من نتِئج ذّك االيتالل أ تغريت اّعالقِت بني بَيطِنِة‬ ‫وإيطِِّة ملصلحة اجملِهدين يف ِّبِة‪.‬‬ ‫وقِمت بَيطِنِة ابالتصِل ابألمري إدريس عن طَيق اّكوّونِل بَملو (بك) ‪ ،‬ورتب ّقِءً بني إدريس‬ ‫اّسنوسي وأدمريال األسطول اإلنكلِزي اَّابض ابإلسكندرية ‪ ،‬وحتدث األدمريال إىل األمري اّسنوسي‬ ‫عن املستقبل اّطِب اّذي ينتظَ بالده ‪ ،‬وّكن تلك املقِبلة واأليِديث مل ِ‬ ‫تؤت مثِرهِ ؛ أل بَيطِنِة‬


‫ال تَغب يف إعال احلَب على إيطِِّة ‪ ،‬وكِ رجِل يكومتهِ شديدي احلَص على اّسلم يف أوروبة‬ ‫ابسم سِ​ِسة اّتسكني واّتهدئة ‪ ،‬وّذّك رفعت اّعقوابت االقتصِدية عن إيطِِّة هنِئِ​ًِ يف عِم‬ ‫(‪ 1937‬م) ‪ ،‬وتَك أمَ اّلِبِني ألهله ‪ ،‬وهكذا منطق املصِحل ينظَ ّأليداث‪.‬‬ ‫ومع اقرتاب احلَب اّعِملِة اّثِنِة أصبح اّربيطِنِو يسعو إلجيِد حتِّف قوي مع املعِرضة اّلِبِة ‪،‬‬ ‫ومدوا خِوطهم ّكِفة املعِرضني ‪ ،‬وخصوصًِ أقواهم األمري إدريس اّسنوسي‪.‬‬

‫املبحث اّثِين‬ ‫احلَب اّعِملِة اّثِنِة‬ ‫إ احلَب اّعِملِة اّثِنِة اية من اَيت هللا يف تصَيف أمَ اّدول واّشعوب واألمم وفق سننه وقوانِنه يف‬ ‫اجملتمعِت اّبشَية ‪ ،‬ومن اّسنن اّواضحة يف يِ​ِة األمم‪ :‬أنه عندمِ تتجرب أمة من األمم وتعلو يف‬ ‫األرض ‪ ،‬ويصِبهِ اّبطَ واّكربَيء ؛ يهِأى هللا هلِ أسبِب االهنِ​ِر واّزوال ‪ ،‬قِل تعِىل‪[ :‬اّفجَ‪{ :‬أننملْ‬ ‫ات اّْعِم ِ​ِد اَِّيت نمل ُخيْلنق ِمثْـلُهِ ِيف اّْبِالن ِد ونمثُ َ ِ‬ ‫ك بِع ٍِد إِرم ذن ِ‬ ‫ص ْخنَ‬ ‫ين نجِبُوا اّ َ‬ ‫ن ن‬ ‫تنـنَ نكِْ ن‬ ‫ْ ْ ن‬ ‫ف فنـ نع نل نربُّ ن ن ن ن‬ ‫ن‬ ‫ود اّذ ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك نس ْو نط‬ ‫صَ‬ ‫ب نعلنِْ ِه ْم نربُّ ن‬ ‫ين طنغن ْوا ِيف اّْبِالند فنأن ْكثنـ َُوا ف نِهِ اّْ نف نس نِد فن ن‬ ‫ابّْ نواد نوف َْ نع ْو ن ذي األ ْنو ناتد اّذ ن‬ ‫اب إِ َ ربَ ن ِ‬ ‫نع نذ ٍ‬ ‫ص ِ​ِد [اّ نفجَ‪ ]14-6 :‬ـ ‪.]14‬‬ ‫ك ّنبِ​ِّْم َْ ن‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ك قنـ َْينةً أ ننم َْنان ُمْتـنَفِ نِهِ فنـ نف نس ُقوا فِ نِهِ فن نح َق نعلنِْـ نهِ اّْ نق ْو ُل فن ند َم َْنان نهِ‬ ‫{وإِ نذا أ ننرْد نان أن ْ نـُ ْهل ن‬ ‫وقِل تعِىل‪[ :‬اإلسَاء‪ :‬ن‬ ‫[اإلسَاء‪]16 :‬‬ ‫تن ْد ِم ًريا‬ ‫ن‬ ‫أي‪ :‬أمَانهم ابألمَ اّشَعي من فعل اّطِعِت وتَك املعِصي ؛ فعصوا وفسقوا ‪ ،‬فحق علِهم اّعذاب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مَا ‪ ])342([]147 :‬ابّتشديد ‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫واّتدمري جزاء فسقهم وعصِ​ِهنم ‪ ،‬ويف قَاءة‪{ :‬أ ْنمَنان [آل ع ن‬


‫جعلنِهم أمَاء ‪ ،‬واّرتف وإ كِ كثَة املِل واّسلطِ من أسبِبه ‪ ،‬إال أنه يِّة نفسِة تَفض االستقِمة‬ ‫على منهج هللا ‪ ،‬وِّس كل ثَاء تَفًِ[(‪.])343‬‬ ‫إ هالك األمم يكو كذّك بفشو اّظلم وعدم إقِمة اّعدل ‪ ،‬فلقد أمَ سبحِنه وتعِىل ابّعدل ويَم‬ ‫اّظلم على نفسه ‪ ،‬وجعله بني اّعبِد حمَمًِ ‪ ،‬كمِ يف احلديث‬ ‫اّقدسي‪َ(( :‬ي عبِدي إين يَمت اّظلم على نفسي وجعلته بِنكم ُحمَمًِ فال تظِملوا))[(‪.])344‬‬ ‫ّقد اختلَت املوازين وانعدمت اّقِم ‪ ،‬وحتكم اجلبِبَة اّطغِة يف املسلمني املستضعفني ‪ ،‬ووزع اجملتمع بني‬ ‫سِدة (اإليطِِّني) وعبِد (اّلِبِني) ‪ ،‬وأرادت يكمة هللا ومشِئته أ خيلص اّشعب املظلوم من اّقوى‬ ‫اّبِغِة ‪ ،‬فجِءت األسبِب اّيت قِدت األمم املتجربة إىل احلَب اّعِملِة اّثِنِة‪.‬‬ ‫بدأت احلَب اّعِملِة اّثِنِة يف سبتمرب (‪ 1939‬م) ابهلجوم األملِين اّنِزي على بوّندة ‪ ،‬ويَصت‬ ‫إيطِِّة يف بداية األمَ على عدم اّدخول فِهِ ‪ ،‬يىت إذا رأت فَنسة تسقط أمِم اجلِوش األملِنِة ؛‬ ‫أعلنت احلَب على إنكرتة وفَنسة يف ‪ 10‬يونِه (‪ 1940‬م) ‪ ،‬فم َهدت بذّك اّعمل إىل زوال‬ ‫إمرباطوريتهِ اإلفَيقِة واهنِ​ِر دوّتهِ اّفِشِستِة يف اّنهِية ‪ ،‬وكِ دخول إيطِِّة احلَب إىل جِنب أملِنِة‬ ‫فَصة مثِنة ابّنسبة ّلِبِني يف املهجَ ويف أوطِهنم ينتظَوهنِ ّلتحَر واخلالص ‪ ،‬واسرتداد يقوقهم اّيت‬ ‫اغتصبهِ اّعدو يف أعوام طويلة ‪ ،‬فمِ إ دخلت إيطِِّة احلَب يىت شَع اّلِبِو يف اّعمل ‪ ،‬واتصل‬ ‫فَيق منهم ابملفوضِة اّفَنسِة ابّقِهَة وغِدروا مصَ فعالً إىل اجلزائَ ؛ يِث اتصلوا ابجلنَال (نوجس)‬ ‫واتفقوا معه على أ جيهزوا َملة من اّلِبِني املوجودين يف اجلزائَ وتونس ّلعمل ضد إيطِِّة يف ِّبِة ‪،‬‬ ‫إال أ هذا املشَوع مل ينفذ بسبب استسالم فَنسة ّلزيف األملِين‪.‬‬ ‫وكِ األمري إدريس يف مصَ يتحني تلك اّفَصة مبجَد أ حتقق أب احلَب اّعِملِة ال حمِّة واقعة ‪،‬‬ ‫فشَع جبمع زعمِء اّلِبِني واّتشِور معهم ودراسة ايتمِالت املوقف ‪ ،‬ووضع اخلطط املنِسبة اّيت جيب‬ ‫أ يسريوا علِهِ ‪ ،‬وعقد اّزعمِء اّلِبِو اجتمِعًِ اترخيِ​ًِ يف منزل األمري إدريس اّسنوسي ابإلسكندرية‬ ‫ّبحث املستجدات واختِذ قَار هنِئي ‪ ،‬وكِ اتريخ ذّك االجتمِع (‪ 6‬رمضِ ‪ 1358‬هـ ‪ 20 ،‬أكتوبَ‬ ‫‪ 1939‬م) اجتمع فِه يوايل أربعني شِخًِ من رؤسِء اّلِبِني وزعمِئهم املوجودين مبصَ يف منزل األمري‬ ‫إدريس يف جهة فكتورَي بَمل اإلسكندرية ‪ ،‬وظلوا يبحثو ثالثة أَيم بتمِمهِ ‪ ،‬وأسفَ تبِدل اَّأي عن‬ ‫اختِذ قَار بتفويض األمري يف أ‬


‫يقوم مبفِوضة احلكومة املصَية أواحلكومة اإلنكلِزية بشأ تكوين جِش سنوسي ؛ مهمته االشرتاك يف‬ ‫افتتِح األقطِر اّلِبِة واسرتجِع أرض اّوطن عند دخول إيطِِّة احلَب إىل جِنب أملِنِة ‪ ،‬ووقعوا على‬ ‫وثِقة اترخيِة مهمة يف يوم (‪ 9‬رمضِ ‪ 1358‬هـ ‪ 23 ،‬أكتوبَ ‪ 1939‬م) جِء فِهِ‪:‬‬ ‫((بعد َمد هللا ‪ ،‬واّصالة واّسالم على رسول هللا ‪ ،‬قد اجتمع زعمِء ومشِيخ اجلِِّة اّطَابلسِة‬ ‫اّربقِوية املهِجَو ابّدَير املصَية يف اِّوم اّسِدس من شهَ رمضِ املعظم (‪ 1358‬هـ) ابإلسكندرية‬ ‫‪ ،‬وتشِوروا يف يِّتهم االستقبِِّة ‪ ،‬وقَ قَارهم على انتخِب من ميثلهم يف كل األمور ‪ ،‬ويعَب عن‬ ‫ارائهم ‪ ،‬وبذّك وضعوا ثقتهم يف مسو اّسِد حممد إدريس اّسنوسي اّذي ميثلهم َتثِالً يقِقِ​ًِ ؛ ملِ ّه‬ ‫من املكِنة اَّفِعة يف نفوسهم ؛ يِث يَونه قدوة يُقتدى هبِ‪ .‬وقد قبل منهم ذّك على أ تكو هِئة‬

‫منتخبة شورية مَبوطة به ومَبوط هبِ ّتكو األداة املبلغة واملعَبة عن منتخبِهِ ‪ ،‬وهي اّيت َتثل مجِعهم‬ ‫َتثِالً صحِحًِ ‪ ،‬وأ يعني وكِالً هلِ يقوم مقِمه يف يِّة اّغِ​ِب ‪ ،‬ويكو من أفَاد اهلِئة يف يِّة‬ ‫يضوره ‪ ،‬وّلهِئة احلق يف تثبِت هذا اّوكِل أو رفضه أبغلبِة األصوات ‪ ،‬وعلِه يَر اّتوقِع رؤسِء‬ ‫اّقبِئل اّطَابلسِة اّربقِوية ‪ ،‬واملوىل سبحِنه وتعِىل يوفق اجلمِع ملِ حيبه ويَضِه))[(‪.])345‬‬ ‫وكِ عدد اّذين وقعوا على هذا اّتفويض من تَهونة ‪ ،‬ومصَاتة ‪ ،‬وبنغِزي ‪ ،‬وورفلة ‪ ،‬وغَ​َي ‪ ،‬واّقصور‬ ‫‪ ،‬واملنفة ‪ ،‬واّعواقري ‪ ،‬واّرباعصة ‪ ،‬واّعبِد ‪ ،‬واملغِربة ‪ ،‬واحلِسة ‪ ،‬وغري ذّك من اّقبِئل اّطَابلسِة‬ ‫اّربقِوية وايداً ومخسني شِخًِ منهم من اجملِهدين اّقدمِء‪ :‬عبد اّسالم اّكزة عن قبِلة اّعواقري ‪،‬‬ ‫وصِحل األطِوش رئِس قبِلة املغِربة ‪ ،‬وعبد احلمِد اّعبِر ‪ ،‬وعو حممد سوف ‪ ،‬وأَمد شتِوي ‪ ،‬وعبد‬ ‫احلمِد أبو مطِري ‪ ،‬وحممد توفِق اّغَ​َيين ‪ ،‬وإبَاهِم أَمد اّشَيف وغريهم[(‪.])346‬‬ ‫وابدرت (مجعِة اّدفِع اّطَابلسي اّربقِوي) بعقد اجتمِع يف دمشق يف يوم (‪ 29‬شوال ‪ 1358‬هـ) ‪،‬‬ ‫واطلعت على صورة اّقَار املوقع علِه من زعمِء ورؤسِء‬ ‫اجملِهدين يف مصَ بتِريخ (‪ 9‬رمضِ ‪ 1358‬هـ ‪ 23 ،‬أكتوبَ ‪ 1939‬م) ووافقت علِه ‪ ،‬وقِّت يف‬ ‫بِ​ِ هلِ‪:‬‬ ‫((إ مجِع اّزعمِء ورؤسِء اّقبِئل وكبِر اجملِهدين بدو استثنِء اتفقت كلمتهم وتعِهدوا مجِعًِ على‬ ‫أ يدينوا ابّوالء واّطِعة واإلخالص ّسمو األمري إدريس املهدي اّسنوسي ‪ ،‬وأهنم عقدوا علِه االمِل‬ ‫يف يِهلم ومستقبلهم ‪ِّ ،‬مثل أمِم احلكومِت واّسلطِت واهلِئِت أمِين اّقطَ اّطَابلسي اّربقِوي‬ ‫َتثِالً يقِقِ​ًِ صحِحًِ ‪ ،‬ويتكلم ابسم اجلمِع ‪ ،‬على أ تكو هِئة منتخبة منهم ‪ ،‬وّه انئب يقوم‬


‫مقِمه عند مسِس احلِجة ‪ ،‬وتلِت اّتوقِعِت فتبني أهنِ هي توقِعِت من أبيديهم احلل واّعقد يف‬ ‫اّقطَ اّطَابلسي اّربقِوي من األيَار اّذين عِهدوا هللا على اّدفِع عن اّوطن ويقوق األمة ‪ ،‬فكِ‬ ‫مِ جِء فِه من اّغِية اّسِمِة أبلغ األثَ يف نفوس اجلمِع ؛ ألنه يقق رغبِته اّصِدقة يف تويِد اّكلمة‬ ‫‪ ،‬وبَهن على ثبِت هذه األمة يف املطِّبة حبقوقهِ ووالئهِ ابإلمِرة أوالً واخَاً ‪ ،‬وهو حمط امِل اجلمِع‬ ‫يف احلِضَ واملستقبل إلخالصه ّلوطن ودفِعه اجملِد عنه ‪ ،‬وال يوجد من يشذ عن ارائه اّصِئبة وال من‬ ‫خيِّفه يف اّتضحِة ابّنفس واّنفِس يف سبِل سعِدة اّوطن واألمة وإعالء كلمة هللا ‪ ،‬قَر اجلمِع أتيِد‬ ‫قَار إخواهنم اّطَابلسِني اّربقِويني يف اّقطَ املصَي بدو قِد والشَط ‪ ،‬وكلفت اهلِئة تنظِم هذا‬ ‫اّقَار اإلمجِعي ّإلعَاب ّسمو األمري اّسِد حممد إدريس املهدي اّسنوسي يف اّثقة اّتِمة به ‪ ،‬واّوالء‬ ‫اّكِمل ّه مِ دام متمسكًِ بكتِب هللا وسنة رسوّه (ص) ‪ ،‬متخذاً اّتأهبِت اّالزمة ّلقِ​ِم بعمل جدي‬ ‫يني تدعو اّظَوف إِّه ‪ ،‬هذه تواقِعنِ تشهد أمِم هللا واّوطن بعهدان هذا ‪ ،‬ومن ينكث فإمنِ ينكث‬ ‫على نفسه ‪ ،‬وهللا ويل اجلمِع))[(‪.])347‬‬ ‫وشَع إدريس اّسنوسي يف مفِوضة اإلنكلِز ‪ ،‬فأسفَت مبِيثِته عن اّسمِح ّه بتشكِل فصِئل من‬ ‫اّقبِئل اّلِبِة املهِجَة السرتداد يَيتهِ واستخالص بالدهِ من اّعدو اإليطِيل ‪ ،‬وإعِدة االستقالل‬ ‫ّلبالد ‪ ،‬ودعِ األمري إدريس مشِيخ اّقبِئل وزعمِء اجملِهدين املوجودين مبصَ ‪ ،‬أو أوّئك اّذين كِنوا‬ ‫يف خِرجه ‪ ،‬وذّك‬ ‫ّالجتمِع يف مكِ ابّقِهَة يف يوم اخلمِس ‪ 8‬أغسطس سنة (‪ 1940‬م) ؛ من أجل دراسة األيداث‬ ‫واّتطورات األخرية‪.‬‬ ‫وانعقد االجتمِع قبل املوعد املعني بِوم وايد يف أيد أيِ​ِء اّقِهَة ‪ ،‬واستمَ اّبحث طِلة يومي ‪، 7‬‬ ‫‪ 8‬أغسطس ‪ ،‬ويف يوم ‪ 9‬أغسطس سنة (‪ 1940‬م) وصلت اجلمعِة اّوطنِة اّلِبِة إىل اّقَارت اّتِِّة‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ وضع اّثقة يف بَيطِنِة اّعظمى اّيت مدت يد املسِعدة ّتخلِص اّوطن اّطَابلسي اّربقِوي من‬ ‫بَاثن االستعمِر اإليطِيل اّغِشم‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ إعال اإلمِرة اّسنوسِة واّثقة اّتِمة ابألمري اّسِد حممد إدريس اّسنوسي املهدي املبِيع ّه ابإلمِرة‬ ‫على اّقطَين‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ تعِني هِئة َتثل اّقطَين‪ :‬طَابلس وبَقة ‪ ،‬تكو جملس شورى ّألمري املشِر إِّه‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ خوض غمِر احلَب ضد إيطِِّة جبِنب اجلِوش اّربيطِنِة وحتت علم اإلمِرة اّسنوسِة‪.‬‬


‫‪ 5‬ـ تعِني يكومة سنوسِة تديَ اّشؤو اّالزمة يف اّوقت احلِضَ مؤقتًِ‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ تعِني هِئة ّلتجنِد يكو مقَهِ ضمن مقَ احلكومة اّسنوسِة‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ اّتوسل ّدى احلكومة اّربيطِنِة بواسطة األمري املشِر إِّه بطلب املخصصِت اّالزمة ّلتجنِد‬ ‫وإدارة احلكومة ‪ ،‬وتعِني مِزانِة خِصة ونظِم مؤقت مستمد من املِثِق اّوطين يسب عوائد وتقِِّد‬ ‫اّعَب‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ تفويض مسو األمري مبَاجعة اّدوّة اّربيطِنِة ّعقد االتفِقِ​ِت ‪ ،‬واملعِهدات اّسِ​ِسِة ‪ ،‬واملِِّة ‪،‬‬ ‫واحلَبِة اّيت تويف هذه اّغِية ‪ ،‬وتضمن ّلوطن يَيته واستقالّه[(‪.])348‬‬ ‫ويف يوم ‪ 9‬أغسطس يضَ اجلنَال ويلسن إىل مكِ االجتمِع ‪ ،‬فِستقبله مسو األمري ‪ ،‬وأّقى اجلنَال‬ ‫كلمة على احلِضَين قِل فِهِ‪(( :‬إ اشرتاككم مع قوات صِيب اجلالّة يف سحق اّعدو املشرتك هو‬ ‫حتَيَ ّوطنكم ‪ ،‬واسرتداد أمالككم‬ ‫ويَيتكم واستقالّكم)) مث أضِف أنه على استعداد ّتزويد اجلِش بكل مِ يلزمه من أسلحة‬ ‫وعتِد[(‪.])349‬‬ ‫وقد حتدث األمري إدريس اّسنوسي بنفسه عن تلك األيداث فقِل‪(( :‬عندمِ أعلنت إيطِِّة احلَب‬ ‫على بَيطِنِة بتِريخ (‪ 10‬يونِه ‪ 1940‬م) ‪ ،‬اتصل يب يف مقَ إقِميت مبنطقة احلمِم اجلنَال ويلسو ‪،‬‬ ‫امَ اّقوات اّربيطِنِة يف مصَ حتت قِ​ِدة اجلنَال ويفل ‪ ،‬وطلب مين املسِعدة يف اجملهود احلَيب ضد‬ ‫اإليطِِّني ‪ ،‬فدعوت اّزعمِء اّلِبِني إىل عقد اجتمِع ابّقِهَة خالل شهَ أغسطس ‪ ،‬ملنِقشة اإلجَاء‬ ‫اّذي ينبغي ّنِ اختِذه ّتحديد موقفنِ من احلَب ‪ ،‬ومل ِ‬ ‫يبد اّربقِويو أي اعرتاض على انتهِز اّفَصة‬ ‫الستئنِف اجلهِد ضد اّطلِ​ِ ‪ ،‬ابعتبِر أنه ال ميكن أ يعود علِنِ إال ابّكسب ‪ ،‬فنحن ّن خنسَ‬ ‫أكثَ ممِ خسَان على أي يِل‪.‬‬ ‫وّكن موقف اّطَابلسِني كِ أكثَ يَجًِ بسبب اخلوف من أ تنتهي احلَب ابنتصِر دول احملور ‪،‬‬ ‫فِأخذ علِهم اّطلِ​ِ أهنم يِربوا يف صفوف األعداء ‪ ،‬وكنت شخصِ​ًِ على يقني كِمل من أ اّنصَ‬ ‫اّنهِئي سوف يكو من نصِب احللفِء إلميِين حبتمِة انتصِر احلَية على اّطغِ​ِ ‪ ،‬عملت جهدي‬ ‫إلقنِع احلِضَين أب يضعوا ثقتهم يف قدرة بَيطِنِة حبِث ِ‬ ‫نويد كلمتنِ يف مسِندهتِ يف احلَب‪.‬‬ ‫وجِء قَار األغلبِة (ابستثنِء بعض اّطَابلسِني) معرباً عن اّثقة يف احلكومة اّربيطِنِة ‪ ،‬واالعرتاف يب‬ ‫مفوضًِ عن اّلِبِني يف عالقتهم مع بَيطِنِة ‪ ،‬واالتفِق على إنشِء جِش ِّيب يسمى (اّقوة اّعَبِة‬


‫اّلِبِة) ّلقتِل إىل جِنب اّقوات اّربيطِنِة ضد اإليطِِّني ‪ ،‬فأصدرت تعلِمِت فورية ابّبدء يف جتنِد‬ ‫جِش من اّلِبِني املقِمني مبصَ ‪ ،‬نوعُني قِئداً ّلجِش ضِبط بَيطِين بَتبة كوّونِل (أي عقِد) يدعى‬ ‫بَومِلو ‪ ،‬سبق ّه اّعمل يف خدمة اّقوات اّعَاقِة ‪ ،‬بِنمِ أقِم مَكز اّقِ​ِدة بفندق مسريأمِس يف اّقِهَة‬ ‫‪ ،‬بِنمِ أقِم ضِبط االتصِل اّكوّونِل اندرسو من خرية املتخصصني يف اّدراسِت اّعَبِة ‪ ،‬وقد‬ ‫أمضى فرتة من اّوقت ‪ ،‬فخربته ابّشؤو احمللِة سِعدت كثرياً يف تسهِل إنشِء اجلِش‪.‬‬ ‫وكِ مكتيب يف شِرع بَكِت ‪ ،‬وحمل سكين شقة ابّدور األرضي يف مبىن من‬ ‫طِبقني بشِرع يشمت ابشِ يف يي اّزمِّك‪ ...‬واّقوة اّعَبِة اّلِبِة تكونت يف معظمهِ من اّربقِويني‬ ‫اّالجئني مبصَ ‪ ،‬ومن ضمنهم بعض اجملِهدين اّذين فَوا بعد اشرتاكهم يف مقِومة اإليطِِّني ‪ ،‬ومل‬ ‫يلبث اجلِش أ وصل إىل قوة قوامهِ أربع كتِئب قتِِّة ‪ ،‬وكتِبة أركِ ‪ ،‬وكِ مستودع اّسالح‬ ‫واّذخرية ومعسكَ اّتدريب يقع عند اّكِلو (‪ )9‬جبوار األهَام ‪ ،‬استغَقين اّعمل يف اإلشَاف على‬ ‫جتنِد املتطوعني ومعِجلة املشِكل اّعديدة املتعلقة بَفع مستوى اّقدرة اّقتِِّة ّلجِش اّذي كِ على‬ ‫أيَ من اجلمَ خلوض املعَكة ‪ ،‬وبعد أول هزمية حلقت جبِش غَاسِ​ِين قَب سِدي بَاين يف ديسمرب‬ ‫(‪ 1940‬م) وقع يف األسَ االف اّلِبِني اجملندين ابجلِش اإليطِيل ‪ ،‬ونقلوا معسكَات أسَى احلَب يف‬ ‫منطقة قنِة اّسويس ‪ ،‬فأخذت أتَدد على تلك املعسكَات حملِوّة إقنِعهم ابالنضمِم إىل اّقوة اّعَبِة‬ ‫اّلِبِة ‪ ،‬وامتنع أغلب اّطَابلسِني خوفًِ من تعَيض عِئالهتم النتقِم اّطلِ​ِ من جهة ؛ وألهنم من‬ ‫جهة أخَى كِنوا سعداء مبجَد اخلَوج من خضم احلَب ‪ ،‬ويف اّوقت نفسه كِنت ويدات اجلِش‬ ‫اّلِيب اّنِشأى تَسل إىل خطوط اّقتِل أوالً أبول يِملِ ينتهي تدريبهِ ‪ ،‬ومنهِ كتِبتِ شِركتِ يف معَكة‬ ‫اّدفِع عن طربق عِم (‪ 1941‬م)[(‪.])350‬‬ ‫ووجه األمري إدريس نداء نقلته أمواج األثري إىل شعبه يف ِّبِة ‪َ ،‬بني هلم فِه حتِّفه مع بَيطِنِة ضد‬ ‫إيطِِّة ‪ ،‬ويثهم على اجلهد واّعمل ّلتخلص من االستعمِر اإليطِيل اّبغِض[(‪.])351‬‬ ‫أوالً‪ :‬اّلِبِو يف احلَب‪:‬‬ ‫قدم اّلِبِو بقِ​ِدة اّسِد إدريس كل مِ عندهم ّدعم احللفِء ضد احملور ‪ ،‬وكِنت كتِئب اجملِهدين قد‬ ‫قِمت بدور ابرز يف يَب اّصحَاء ‪ ،‬وكذّك األهِيل املدنِو فقد كِنوا يقدمو ّلجِش اّربيطِين‬ ‫مسِعدات جَيئة بعد أ أصبحت بالدهم كلهِ مِدا قتِل هِئل مزروع ابألّغِم ‪ ،‬وكِنت قبِئل بَقة‬


‫تؤوي اجلنود اّربيطِنِني اّفِرين من األسَ ‪ ،‬وقِمت بتوصِلهم إىل مواقع ويداهتم اّيت ضلوا طَيق اّعودة‬ ‫إِّهِ يف بعض األوقِت ‪ ،‬وكِ هذا املوقف عظِم األمهِة واّفِئدة‬ ‫ّلويدات اّربيطِنِة اّعِملة خلف خطوط األعداء ‪ ،‬مثل مفَزة اّعملِ​ِت اّصحَاوية اّبعِدة املدى اّيت‬ ‫كِنت تغري على املواقع األمِمِة ّإليطِِّني يف اّصحَاء اّلِبِة ‪ ،‬ومثل قوة بنِ​ِكوف حلَب اّعصِابت‬ ‫اّيت اشتهَت ابسم (جِش بوسكي اخلصوصي)‪.‬‬ ‫وقداعرتف اّربيطِنِو رمسِ​ًِ أبمهِة املسِعدات اّيت قدمهِ اّسنوسِو أثنِء احلَب ‪ ،‬وذّك يني ن َوه هبِ‬ ‫وزيَ اخلِرجِة إيد يف تصَيح أدىل به أمِم جملس اّعموم اّربيطِين بتِريخ ‪ 8‬نِ​ِيَ (‪1942‬م)[(‪])352‬‬ ‫‪ ،‬وفِمِ يلي نصه‪:‬‬ ‫((اتصل اّسِد إدريس اّسنوسي ابّسلطِت اّربيطِنِة يف مصَ قبل مضي شهَ وايد على سقوط‬ ‫فَنسة ‪ ،‬بِنمِ كِ موقفنِ يف إفَيقِة متأزمًِ ّلغِية ‪ ،‬وبعدئذ مت إنشِء قوة سنوسِة من بني أنصِره اّذين‬ ‫فَوا من االضطهِد اإليطِيل يف فرتات خمتلفة خالل اّعشَين سنة املِضِة ‪ ،‬وهذه أدت عدة مهِم‬ ‫جديَة ابالعتبِر أثنِء املعِرك اّظِفَة اّيت دارت ابّصحَاء اّغَبِة شتِء عِم (‪ 1940‬ـ ‪ 1941‬م) ‪ ،‬كمِ‬ ‫أهنِ تقوم بدور فعِل يف سِ​ِق احلملة اجلِرية يِِّ​ًِ ‪ ،‬وأود أ انتهز هذه اّفَصة ّلتعبري عن مشِعَ‬ ‫اّتقديَ احلِر اّيت حتملهِ يكومة صِيب اجلالّة ّلمسِمهة اّيت قدمهِ ويقدمهِ اّسِد إدريس‬ ‫اّسنوسي وأنصِره دعمًِ ّلمجهود احلَيب اّربيطِين ‪ ،‬وحنن نَيب ابشرتاكهم مع قوات صِيب اجلالّة‬ ‫يف مهمة ديَ اّعدو املشرتك ‪ ،‬وأ يكومة صِيب اجلالّة املصممة على أال يعود اّسنوسِو يف بَقة‬ ‫أبي يِل من األيوال ّلوقوع حتت اّسِطَة اإليطِِّة مَة أخَى ّدى انتهِء احلَب))[(‪.])353‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬وصف ااثر احلَب على بَقة‪:‬‬ ‫كِ غَب مصَ وبَقة مسَيًِ ألطول َملة يف احلَب اّعِملِة اّثِنِة ‪ ،‬وضَبت املد واملواأنى واّقَى‬ ‫واملطِرات واّطَق واّرتكِبِت اّيت أقِمهِ اّطلِ​ِ ‪ ،‬وحتطم أمل إيطِِّة يف استعمِر ِّبِة ‪ ،‬وخالل‬ ‫ايتالل بَيطِنِة بَقة سنة (‪ 1940‬م ـ ‪ 1941‬م) وانديِر اّطلِ​ِ أتِحت فَصة اّلِبِني ّلجهِد ضد‬ ‫اإليطِِّني ومستعمَاهتم ‪ ،‬فلم يقصَوا يف ذّك ‪ ،‬وهبجوم رومِل األملِين املشهور ربِع عِم‬ ‫(‪ 1941‬م) أجرب اّربيطِنِني على اّتقهقَ إىل مصَ ‪ ،‬وحبلول شتِء (‪ 1941‬م ـ ‪ 1942‬م) عندمِ‬ ‫طَدت جِوش احملور مَة أخَى من بَقة كِنت اّدَير اّلِبِة حتت اّدمِر واخلَاب‪.‬‬


‫وقد كتب اّصحفي اّربيطِين مورهِد عن ذّك ‪ ،‬فقِل‪ :‬املدينة اجلمِلة (درنة) قد أيَقت وهنبت ‪،‬‬ ‫وخَبت املزارع اإليطِِّة ‪ ،‬وأمِ بنغِزي يف شتِء (‪ 1941‬م) (فلم تعد مدينة اّبتة) ؛ فقد يطمتهِ‬ ‫املتفجَات اّثقِلة وتَكتهِ خِِّة خَبة وحمزنة ابردة‪ .‬وأغلقت املتِجَ واألسواق ‪ ،‬وتتِبع اخلَاب بعد‬ ‫اخلَاب واستمَ سالح اّطريا اّربيطِين مدة عِم كِمل يقصف املدينة ِّل هنِر ؛ يىت أصبحت أثَاً‬ ‫بعد عني[(‪ ، ])354‬ومَة أخَى أجرب اّربيطِنِو على اّتخلي عن بَقة ‪ ،‬ومل يعودوا اليتالهلِ إال يف‬ ‫خَيف (‪ 1942‬م) ّلمَة اّثِّثة واألخرية ‪ ،‬وأقلع االستعمِريو اإليطِِّو اّذين كِنوا قبل سنوات أربع‬ ‫قد يِوّوا أ يدمغوهِ بطِبع االستقَار ‪ ،‬وّكنهم فَوا إىل إيطِِّة هِربني ‪ ،‬أمِ بقِة املدنِني منهم فقد‬ ‫رجعوا ّبلدهم ‪ ،‬أو هَبوا إىل طَابلس بَاً أو حبَاً أو جواً‪.‬‬

‫تسلِم طَابلس‪:‬‬ ‫ويف ينِيَ (‪ 1943‬م) كِ جِشِ من جِوش احللفِء يلتقِ​ِ يول طَابلس‪ :‬جِش مونتجمَي اّثِمن‬ ‫‪ ،‬وجِش فَنسي بقِ​ِدة ِّكلَك اجلنَال اّفَنسي ‪ ،‬ويصف يِكم طَابلس اإليطِيل اّذي سلم املدينة‬ ‫ّلحلفِء تلك اّلحظِت اَّهِبة ابّنسبة ّه‪(( :‬كِنت تلك املقِبلة أول مقِبلة مع اّقوات اّربيطِنِة ‪،‬‬ ‫وكنِ نتصور أهنِ ستكو حلظة مهِبة أو عنِفة ‪ ،‬وكنِ نتوقع عدوا املعتدي ‪ ،‬ونعد أنفسنِ ملِ جيَي ‪،‬‬ ‫وأصبح احلِكم وايداً من اّفِشِست اّكثريين اّذين ذهلوا يف ذّك اّصبِح ‪ّ ،‬قد ذهبوا كلهم ؛ ـ اّقِدة‬ ‫اّذين أقسموا اِّمني على اّدفِع عن املدينة يىت اخَ يجَ ـ كلهم هَبوا ‪ ،‬وأقلعت اخَ سفِنة إسعِف‬ ‫من زوارة ‪ ،‬ال حتمل اجلَيى ‪ ،‬وّكن حتمل اّضفِئَ اّذهبِة واّصدور احملالة ابحلَيَ واألومسة))‪.‬‬ ‫ويضِف يِكم طَابلس اإليطِيل يف مَارة‪(( :‬إ املدنِني اّذين ال حيملو األومسة هم اّذين بقوا‬ ‫هنِك))‪ .‬ويف صبِح ‪ 23‬ينِيَ تسلم (مونتجمَي) عند ابب‬ ‫ابن غشري املدينة بصفة رمسِة حبضور احلِكم وانئبه ورئِس اّبلدية ‪ ،‬وايتلت بقِة اّبالد ‪ ،‬وانتزعت من‬ ‫اهلِمنة اإليطِِّة ؛ بِنمِ اّطبل األجوف موسوِّين حيث شعبه على حتمل خسِرة طَابلس (بشجِعة‬ ‫ورجوّة رومِنِة) ‪ ،‬ويِنهِ كِ وزيَ اّدوّة اّربيطِين ّشؤو اّشَق األوسط يعلن أب قِدة اّفِشِست‬ ‫بلِبِة سِعتقلو ‪ ،‬وأ املنظمِت االجتمِعِة واّنوادي اإليطِِّة ستغلق ‪ ،‬وأ املدارس اّفِشستِة‬ ‫ستنتهي‪.‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬أثَ اّلِبِني يف اّقتِل‪:‬‬


‫ّعب اجلِش اّلِيب دوراً نشِطًِ يف َمالت (‪ 1940‬ـ ‪ 1943‬م) ‪ ،‬وسِعد املدنِو اّلِبِو جِوش‬ ‫احللفِء املقطوعة خلف خطوط احملور ‪ ،‬وتَك اجملندو اجلِش اإليطِيل كلمِ واتتهم اّفَصة ‪ ،‬واّتحقوا‬ ‫ابّربيطِنِني ‪ ،‬وقد انتقد بعض اّقِدة من اّلِبِني سِ​ِسة إدريس يف أتيِد بَيطِنِة قبل أ حيصل على‬ ‫ضمِانت أكِدة ابستقالل ِّبِة ‪ ،‬وزاد ضغطهم ّدرجة أ بعض اّقِدة اضطَ أ يهدد ابالنسحِب‬ ‫من اّتعِو مع بَيطِنِة ‪ ،‬وكِ كل مِ وعد به اّربيطِنِو عالنِة هو أ أعلن إيدا وزيَ اخلِرجِة يف‬ ‫جملس اّعموم يف ‪ 8‬ينِيَ (‪ 1942‬م) ((أب يكومة صِيب اجلالّة مصممة يف هنِية احلَب على أ‬ ‫ال يَجع اّسنوسِو يف بَقة أبي يِل حتت اّسِطَة اإليطِِّة))‪.‬‬ ‫وإعال (إيدا ) املذكور مل يعد يىت ابستقالل بَقة ‪ ،‬فضالً عن عدم ذكَه ملنطقة طَابلس ‪ ،‬واّواقع‬

‫ميكن أ يفهم منه اإلنذار املسبق بنِة اّسِطَة اّربيطِنِة وقوة أخَى ‪ ،‬ومع ذّك وبعد اَّفض اّربيطِين‬ ‫حلق إدريس يف املطِّبة ابستقالل ِّبِة يف فربايَ (‪ 1942‬م) قنع إدريس ابّوعود اّشفوية اّيت أعطِت‬ ‫ّه[(‪ ، ])355‬ومعلوم أ اّضعِف ال يستطِع أ ميلي شَوطه يف عِمل اّسِ​ِسة واهلِمنة على اّشعوب‬ ‫‪ ،‬وّكن اّضعِف إ دخل يف هذه اّلعبة علِه أ يسمع ويطِع وينفذ ويَضى ابّفتِت على املوائد‪.‬‬ ‫ّقد اعرتفت بَيطِنِة ابّدور اخلطري اّذي قِم به اّلِبِو يف احلَب اّعِملِة اّثِنِة ضد احملور ‪ ،‬وحتدثت‬ ‫اّصحِفة يف تلك اّفرتة عن دور اّلِبِني يف تلك احلَب ‪ ،‬فبعنوا (صفحة جديدة يف اتريخ ِّبِة)‬ ‫ّلمسرت هـ‪ .‬فوت ‪، H.M.FOOT‬‬ ‫مسِعد املعتمد اّربيطِين يف عمِ ‪ ،‬وانئب احلِكم اّعسكَي اّربيطِين يف بَقة سِبقًِ جملة املنتداء‬ ‫اّفلسطِنِة ‪ ،‬اّعدد اّسِبع (أكتوبَ سنة ‪ 1943‬م) قِل‪:‬‬ ‫قلِل من اّنِس يذكَ َملة اّصحَاء اّغَبِة املصَية يف احلَب املِضِة أَيم كنِ حنِرب عدواً غري جِش‬ ‫أملِنِة اإلفَيقي ‪ ،‬وغري اجلِوش اإليطِِّة ‪ ،‬نعين هبذا اّعدو مجِعة صغرية من األعَاب كِنت تَكب اإلبل‬ ‫‪ ،‬وِّس ّديهِ من اّسالح إال اّنزر اِّسري ‪ ،‬وّكنهِ مع ذّك شغلت جزءاً هِمًِ من اّقوى اّربيطِنِة‬ ‫طول احلَب املِضِة تقَيبًِ ‪ ،‬ومل يكن بني هؤالء اّلِبِني وبني بَيطِنِة اّعظمى خالف ‪ ،‬وّكنهم عقدوا‬ ‫اّنِة على طَد اإليطِِّني من بالدهم فتصدوا ملنِزّة قوى احللفِء اجلبِرة‪.‬‬ ‫إ املقِومة اّيت أبداهِ هؤالء اّعَب اّقالئل ضد اّفَق اإليطِِّة تلك املقِومة اّطويلة اّبِسلة ‪ ،‬هلي‬ ‫قصة رائعة من قصص اّبطوّة ‪ ،‬فقد أمضوا يف كفِيهم ثالثني عِمًِ بني تالل بَقة وصحِريهِ ‪ ،‬ويف‬ ‫أثنِء ذّك علق زعمِؤهم على أعواد املشِنق وصودرت أمالكهم وقتلت مواشِهم‪.‬‬


‫أمِ األهِيل أنفسهم فإهنم سِقوا مع أطفِهلم إىل معتقالت كبرية يف صحَاء اّعقِلة ‪ ،‬ومع كل ذّك مل‬ ‫يدب اِّأس يف قلوهبم ‪ ،‬وإنه ِّتسىن ّلذين خِّطوا هؤالء اّعَب منِ واستمعوا يف مضِرهبم إىل يديث‬ ‫اّثورة اّيت أشعلوا نرياهنِ ضد اّطلِ​ِ أ يتفهموا قوة كفِيهم ومِ ينطوي علِه من جمد وفخِر ‪ ،‬فكثري‬ ‫من رجِهلم مِ زاّوا حيملو ااثر جَاح بلِغة ‪ ،‬ويندر أ جتد عِئلة منهم مل تصب يف فَد من أفَادهِ على‬ ‫يد اإليطِِّني‪.‬‬ ‫إ تلك اّشجِعة اّيت اشتهَ هبِ اّلِبِو عن جدارة واستحقِق قد تبدَت مَة أخَى يف احلمالت‬ ‫األخرية ‪ ،‬فنحن ال نزال جنهل قسطًِ كبرياً من املسِعدة اّيت قدموهِ ّنِ خلف خطوط األعداء ‪ ،‬كمِ‬ ‫أ مسِعدهتم اّفَدية ّكثري من اّضبِط اّربيطِنِني شواهد انطقة على اّكَم اّعَيب ويب اّعَب‬ ‫ّلمجِزفة‪.‬‬ ‫يقول هؤالء اّضبِط‪ :‬إ كل خِمة عَبِة كِنت مبثِبة ملجأ ‪ ،‬وإ كل عَيب كِ مبثِبة دِّل ‪ ،‬ومن‬ ‫طَيف مِ يَوى أ أيد املدفعِني اّربيطِنِني أصِب جبَح ‪ ،‬فِواه عَيب إىل أيد اّكهوف وسهَ على‬ ‫رايته ستة أشهَ ‪ ،‬فلمِ َتِثل ّلشفِء َمله فوق مجله مسِفة ‪ 400‬مِل وأوصله إىل اّعلمني ‪ ،‬قِم‬ ‫اّعَيب بكل ذّك ‪ ،‬وسلم‬ ‫اجلندي اجلَيح إىل إيدى اّويدات دو أ يعلن عن امسه أو يطلب مكِفأة ‪ ،‬وِّس هذا احلِدث هو‬ ‫اّويِد من نوعه ‪ ،‬فإنه مِ كِ ِّتسىن ملئِت من جنودان أ يعودوا إىل ويداهتم دو مسِعدة اّعَب ‪،‬‬ ‫تلك املسِعدة اّيت كِنوا يقومو هبِ عن طِب خِطَ ‪ ،‬واّيت كِنت تعَض يِ​ِهتم خلطَ املوت ‪ ،‬ومل‬ ‫يتطَق اّوهن إىل قلوب اّعَب يني كنِ نرتاجع تَاجعًِ كلِ​ًِ ‪ ،‬ويني ظن اّنِس أ اّدائَة قد دارت‬ ‫علِنِ ‪ ،‬بل كِنوا أبداً على استعداد ّتقدمي املسِعدة‪.‬‬ ‫وقد جَى أثنِء ايتفِل عظِم يف درنة أقِمه اّطلِ​ِ على أثَ استِالء احملور على طربق أ كِ بني‬ ‫ٍ‬ ‫متخف ‪ ،‬فلم يفكَ وايد من األهلني أ يكشف أمَه ويفضحه‪.‬‬ ‫اّنظِرة ضِبط بَيطِين‬ ‫ومن اّطبِعي أ تتضِءل قوة اّعَب بعد كفِح دام ثالثني سنة ‪ ،‬فقد انتهت ثورهتم بسقوط كفَة عِم‬ ‫(‪ 1929‬م) ‪ ،‬وكِ اّنتِجة أ انتشَ اّلِبِو املنفِو يف أحنِء اّشَق األدىن ‪ ،‬أمِ اّذين بقوا منهم يف‬ ‫بَقة فقد أرغموا على قبول يكم املوظفني اّطلِ​ِ واّقِنو اإليطِيل أيضًِ ‪ ،‬وشَ من هذا أ اّلغة‬ ‫اإليطِِّة يلت حمل اّلغة اّعَبِة يف املدارس ‪ ،‬وأخذ اجلِل اّنِشأى ينسى اّعَبِة‪.‬‬


‫وّقد كنت أخشى أ جند فِهم شعبًِ متخِذالً جبِانً ‪ ،‬وّكن األمَ كِ حلسن احلظ عكس ذّك ‪،‬‬ ‫فِّشِوخ واّزعمِء مستقِمو يف معِمالهتم ‪ ،‬عِدّو يف أيكِمهم ‪ ،‬يتصفو ابّشجِعة واّصَاية ‪،‬‬ ‫نعم إ وقت اّتخلص من االضطهِد قد جِء ‪ ،‬وكِ جمِئه يف اّوقت املنِسب ـ قبِل فوات األوا ـ ّو‬ ‫أتخَ اخلالص نصف جِل ّتمت عملِة حتويل اّشبِب اّعَيب إىل خدم أذالء إليطِِّة‪.‬‬ ‫وّو سئلت عن أهم مِ يستلفت اّنظَ يف بَقة ّقلت إنه اّنشِط اّعجِب واّعزمية املِضِة اّيت يتحلَى هبِ‬ ‫قوم جيمعهم دين وايد ‪ ،‬وجتمعهم شجِعة ميتِز هبِ كل وايد منهم ‪ ،‬ومقِومة مستمَة ّالضطهِد ‪،‬‬ ‫فقد مضى علِهم ثالثو عِمًِ وهم يقِسو األهوال ‪ ،‬وتَك ذّك يف نفوسهم أثَاً سِئًِ ؛ فهم ال‬ ‫يتحلو ابّلطف اّزائد واّدمِثة اّيت يتحلَى هبِ اّعَب يف سِئَ األقطِر ‪ ،‬وتنقصهم خربة االخَين‬ ‫ومعِرفهم ‪ ،‬أمِ اّتقِِّد اّعَبِة اّقدمية وأعين هبِ اّكَم واّشجِعة ‪ ،‬فال ينِزعهم فِهِ منِزع[(‪.])356‬‬ ‫وأمِ األستِذ (ف‪ .‬بنِكوف) فقد أّقى حمِضَة أذيعت يف حمطة ّند اّالسلكِة يف ‪ 31‬مِيو سنة‬ ‫(‪1947‬م) ‪ ،‬بعنوا (عَب ِّبِة اّكَام) جِء فِهِ‪:‬‬ ‫«اشرتكت يف اّقتِل أثنِء احلَب املِضِة بني بلدا خمتلفة مدة مخس سنوات متواِّة ‪ ،‬ومِ زّت أستعِد‬ ‫ذكَاهِ مجِعًِ ابّغبطة واّسَور ‪ ،‬ال ّشيء سوى ألين رجل يَب وقتِل ونزال ‪ ،‬وّكن املدة اّيت أَمل‬ ‫هلِ أطِب اّذكَ​َيت هي تلك اّيت قضِتهِ يف بَقة بني االيتالل اّربيطِين اّثِين ّلجبل األخضَ وحتَيَ‬ ‫ِ‬ ‫ت يف إنكلرتة على‬ ‫وربِ​ِ ُ‬ ‫اّبالد هنِئِ​ًِ بعد معَكة اّعلمني ‪ ،‬ومن أسبِب ذّك أنين وإ كنت إنكلِزَ​َيً ُ‬ ‫اّطَيقة اإلنكلِزية إال أين أجد احلِ​ِة مع اّعَب يف اجلبل األخضَ أخف ظالً وأسعد يِالً من احلِ​ِة يف‬ ‫إيدى املد اّغَبِة اّكبرية ‪ ،‬وهنِك سبب اخَ‪ :‬هو أين وثقت عَا اّصداقة مع بعض رجِل اّقبِئل‬ ‫اّعَبِة هنِك ‪ ،‬وهم رجِل ميتِزو بذكِء ووقِر وشجِعة عظِمة وخالل سِمِة وأخالق فِضلة ‪ ،‬وال‬ ‫تقل منزّتهم يف نفسي عن منزّة أي شخص اخَ من بين وطين وجلديت‪.‬‬ ‫وّعلي أَمل ّلجبل األخضَ هذه اّذكَ​َيت اّطِبة ّسبب اثّث وهو أ اّعَب هنِك علموين طَقًِ‬ ‫جديدة يف فنو احلَب واّقتِل ‪ ،‬علمتُهِ بدوري فِمِ بعد ّزمالئي اجلنود ‪ ،‬ومِرسنِهِ على نطِق واسع‬ ‫يف إيطِِّة وغريهِ بنجِح وتوفِق‪.‬‬ ‫زرت اجلبل األخضَ ألول مَة عندمِ ايتللنِ مدينة درنة يف سنة (‪ 1941‬م) ‪ ،‬وهنِك وثقت عَا‬ ‫أخص ابّذكَ منهم اّشِخ عبد اّقِدر بوبَيدا ‪ ،‬واّشِخ علي‬ ‫اّصداقة واملودة مع كثريين من اّعَب ‪ُّ ،‬‬ ‫بو يِمد ‪ ،‬وكالمهِ من قبِلة اّعبِدات ‪ ،‬وبعد بضعة شهور منِت اجلِوش اّربيطِنِة بنكسِت متواِّة ‪،‬‬


‫وايتل اّعدو بَقة مَة أخَى يىت بلدة غزاّة غَيب طربق ‪ ،‬وكِنت هِئة اّقِ​ِدة اّربيطِنِة اّعلِ​ِ يف‬ ‫فأرسلت بنِء على طليب جلمع تلك‬ ‫اّقِهَة يف يِجة مِسة إىل معلومِت عن يَكِت اّعدو ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫املعلومِت مبسِعدة اّعَب يف منطقة َتتد من بين غِزي إىل غزاّة ‪ ،‬ومن املهِم األخَى اّيت كلفت هبِ‬ ‫أ أنسف مستودعِت اّعدو وطِئَاته‪.‬‬ ‫أنزّتين إيدى اّدورَيت مع مجِعيت يف إيدى األمسِ​ِت ابّقَب من (بلدة اّزخل) ‪ ،‬ومن هنِك امتطِت‬ ‫صهوة اخلِول واجلمِل إىل املكِ اّذي نقصده ‪ ،‬وكِ بني أفَاد مجِعيت عَبِ​ِ ‪ :‬أيدمهِ املالزم سعد‬ ‫علي ريومة ؛ وهو من اجلِش اّسنوسي اّتِبع ّلشِخ اّسِد إدريس اّسنوسي ‪ ،‬واالخَ جندي عِدي‬ ‫‪ ،‬وزرت يف املَيلة األوىل معظم قبِئل اّعبِدات اّغَبِة وبعض قبِئل اّرباعصة واّدرسة ‪ ،‬وقوبلنِ يف كل‬ ‫مكِ ابّرتيِب اّودي وكَم اّضِ​ِفة ‪ ،‬رغم أ اّبالد أبسَهِ كِنت يف قبضة اّعدو ‪ ،‬ورغم مِ يتعَض‬ ‫ّه اّعَب من أخطِر حمققة ‪ ،‬إذا علم أهنم كِنوا أيوو ضِبطًِ بَيطِنِ​ًِ ‪ ،‬وامل أ يكو كل من اّسِد‬ ‫عبد اّقِدر بوبَيدا واّسِد علي بو يِمد مِ زاال على قِد احلِ​ِة إىل اال ‪ ،‬وأ يذكَا جملسًِ عقدانه‬ ‫يف ذّك اّوقت مع مشِيخ قبِلة اّعبِدات االخَين يف مكِ ال يبعد كثرياً على درجة عظِمة من‬ ‫اخلطورة واألمهِة ‪ ،‬بل وميكنين أ أقول اال ‪ :‬إ احلَب يف اّصحَاء رمبِ اختذت شكالً اخَ بدو تلك‬ ‫املعلومِت ‪ ،‬ويَجع معظم اّفضل يف ذّك إىل إخالص اّعَب اّذين يَقبو بعني ال يغمض هلِ جفن‬ ‫طَيق مَتوبة ‪ ،‬وأوّئك اّذين أخذوا يتنقلو من بين غِزي إىل املَج إىل اّقبة إىل درنة إىل املخِلي‬ ‫اّعزَيت ّلحصول على املعلومِت عن يَكِت اّعدو وخططه احلَبِة‪.‬‬ ‫وكِ مجع املعلومِت جزءاً يسرياً من واجبِتنِ ‪ ،‬فمن عملِ​ِتنِ اهلجومِة املوفقة اّعديدة غزوة قمنِ هبِ يف‬ ‫شهَ يوِّو سنة (‪1942‬م) مبسِعدة اّعَب اّذين وضعوا خطتهِ بدقة ومهِرة ؛ ّنسف مستودع كبري‬ ‫ّلبرتول خِرج بلدة اّعقبة مبِشَة ‪ ،‬وكِنت تدور يف تلك اّوقت معَكة هِمة يف عني غزاّة ‪ ،‬وكِ‬ ‫خلسِرة اّعدو تلك اّكمِة اهلِئلة من اّبرتول يف هذا اّوقت احلَج أكرب األثَ يف عَقلة عملِ​ِته احلَبِة‪.‬‬ ‫وأصبنِ بعد ذّك بنكبِت متواِّة ‪ ،‬وفقدان (طربق) وّو مل تكن ّلعَب قلوب قدت من اّصلب جَأة‬ ‫وشجِعة العتقدوا أننِ فقدان كل شيء وحلِوّوا اّفَار أبنفسهم ‪ ،‬وّك َن أصدقِءان اّعَب وقفوا إىل‬ ‫جِنبنِ قلبًِ وقِّبًِ ‪ ،‬ومل خين من سكِ اجلبل األخضَ أبسَه سوى شخص وايد جيدر يب أ ال أذكَ‬ ‫امسه ِّنطوي يف زواَي اّعِر واّنسِ​ِ ‪ ،‬وقد ذهب إىل اجلنَال بِ​ِيت اّقِئد اإليطِيل وأطلعه على أمَان‬ ‫وأمَ حمطتنِ اّالسلكِة ‪ ،‬وّكن خِ​ِنته مل ُْجت ِدهِ فتِالً ؛ أل اّقبِئل انصَتنِ ‪ ،‬وطِفت‬


‫بدورَيت اجلنَال اإليطِيل يف كل مكِ إال املكِ اّذي كنِ فِه ‪ ،‬فجعلت منهم أضحوكة اّصحَاء‬ ‫أبسَهِ‪.‬‬ ‫وّقد غَْران ابّعدو مَات عديدة ال يتسع يب املقِم ّذكَهِ اال ‪ ،‬وّكن أريد أ أحتدث عن مغِمَة ّنِ‬ ‫قُ ِدر هلِ اّنجِح واّتوفِق مبسِعدة إخواننِ اّعَب ‪ ،‬وقد ذهبت يف إيدى ِّ​ِيل اّصِف إىل درنة عقب‬ ‫سقوط طربق ‪ ،‬وهنِك رمسنِ أان واّشِخ علي اّربعصي خطة ّتهَيب عدد كبري من األسَى اّربيطِنِني‬ ‫املوجودين يف قبضة اّطلِ​ِ ‪ ،‬وكِ بعضهم يف املستشفى وبعضهم االخَ يف املعسكَ خِرج املدينة اّيت‬ ‫كِنت تعج ابجلنود األملِ واّطلِ​ِ ‪ ،‬وأهنِ كِنت تضم بعض اّعنِصَ املعِدية ّربيطِنِة يف ذّك اّوقت‬ ‫‪ ،‬وكنت أثنِء تلك اّغِرة أرتدي مالبس عسكَية كضِبط حمِرب ‪ ،‬فلم يكن عقِيب إذا وقعت يف يد‬ ‫اّعدو يتجِوز االعتقِل يىت هنِية احلَب ‪ ،‬وّكن إذا قُ ِدر سوء اّطِّع أليد زمالئي اّعَب أ يقع يف‬

‫قبضة اّعدو ّكِ جزاؤه املوت على يبل املشنقة‪.‬‬ ‫أنس ّن أنسى مأدبة اّعشِء اّيت أقِمهِ يل اّسِد علي قبل ريِلي ؛ يِث كنِ على أيسن مِ‬ ‫إ ن‬ ‫يكو من اّبهجة واّسَور ‪ ،‬فِمكنين إذاً أ أخفي مِ أشعَ به من سعِدة ّذكَ​َيت اجلبل األخضَ ‪،‬‬ ‫وأان أعلم أ األخطِر واملشِق واألهوال مل توهن من عزائم رجِّه قِد شعَة ‪ ،‬بل أطلقت أّسنتهم ابّفَح‬ ‫واّفكِهِت‪.‬‬ ‫ومل أكن اّشخص اّويِد اّذي نعِم يف ظل اّعنِية اّعَبِة اّكَمية ابَّاية واألمن واّطمأنِنة ‪ ،‬فإ مئِت‬ ‫من اّطِ​ِرين واألسَى اّفِرين وغريهم ممن ضلوا عن ويداهتم كِنوا موضع عنِية اّعَب ويسن ضِ​ِفتهم‬ ‫‪ ،‬إىل أ أعِدوهم سِملني إىل صفوفهم ‪ ،‬وتتجلَى قِمة هذه املعونة إذا عَفنِ أ اّعَب أنفسهم يف ذّك‬ ‫اّوقت كِنوا يعِنو نقصًِ فِديًِ يف مجِع ضَورَيت احلِ​ِة ‪ ،‬فلم يكن ّديهم مِ يكفي من املالبس ‪،‬‬ ‫وكِ اّشِي واّسكَ أمثن من اّذهب ‪ ،‬ومع ذّك كِنوا ال يتوانو عن اّتضحِة ابّقلِل اّذي ّديهم‬ ‫عن رضِ وطِب خِطَ‪.‬‬ ‫وّعلي ال أكو مبِّغًِ إذا قلت‪ :‬إ مجِع جنود اجلِش اّربيطِين اّذين قِتلوا يف اجلبل األخضَ يدينو‬ ‫ابّشكَ ّلعَب ‪ ،‬فكثري منِ مدينو هلم حبِ​ِهتم ‪ ،‬وسوف ال ننسى كِف م َهد والء اّعَب وإخالصهم‬ ‫وتضحِ​ِهتم طَيق اّنصَ األخري احلِسم‪.‬‬


‫ّقد مَ عَب بَقة بوقت عصِب يقًِ ‪ ،‬فقد خِضوا غمِر يَوب مستمَة متواصلة مدة ثالثني عِمًِ‬ ‫فقدوا فِهِ نصف عددهم ‪ ،‬وّكن رويهم املعنوية مِ زاّت قوية جبِرة ‪ ،‬ومِ زاّوا يعِشو كمِ عِش‬ ‫اابؤهم وأجدادهم من قبل رجِالً حمِربني أيَاراً‪.‬‬ ‫ّقد أتِحت يل فَصة املعِشة مع هؤالء اّقوم اّقلِلني يف اّعدد األقوَيء ابَّوح ‪ ،‬وأستطِع أ أقول‪ :‬إين‬ ‫ال أثق يف شعب اخَ مثل ثقيت هبم ‪ ،‬وأرجو أ تتِح يل فَصة زَيرة أصدقِئي يف اجلبل األخضَ ‪ ،‬مَة‬ ‫أخَى ‪ ،‬وامل أ أراهم مجِعًِ يف أيسن صحة وأسعد يِل ‪ ،‬وقد اتسعت مضِرب خِ​ِمهم ‪ ،‬وزادت‬ ‫أنعِمهم‪ ،‬وأصلحت اابرهم ‪ ،‬ونشَ اّسالم جنِيِه على ربوعهم اِّ​ِنعة اخلضَاء»[(‪.])357‬‬ ‫هذه بعض اّواثئق اّتِرخيِة املهمة من بعض ضبِط اجلِش اّربيطِين من اّذين شِركوا يف احلَب اّعِملِة‬ ‫اّثِنِة ضد دول احملور ‪ ،‬وهي تدّنِ على اّدور اّعظِم اّذي قِم به اجملِهدو ّتحَيَ بالدهم من‬ ‫إيطِِّة‪.‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬إعال مونتجمَي بعد االيتالل اّثِّث ويكم اإلدارة اّربيطِين‪:‬‬ ‫ويف أعقِب االيتالل اّربيطِين اّثِّث ملنطقة بَقة أعلن اجلنَال (مونتجمَي) يف ‪ 11‬نوفمرب (‪1942‬‬ ‫م) يف رسِّة إىل اّشعب ‪ ،‬أب املنطقة ستدار من قبل يكومة عسكَية بَيطِنِة يىت هنِية احلَب‬ ‫اّعِملِة ‪ ،‬وِّس يىت هنِية احلَب يف مشِل إفَيقِة ‪ ،‬وأضِف قِئالً‪ّ(( :‬ن تتدخل احلكومة اّعسكَية يف‬ ‫املسِئل املتعلقة ابّشؤو اّسِ​ِسِة اخلِصة ابملستقبل ‪ ،‬وّكنهِ ستحكم حبزم وعدل ‪ ،‬وابّنظَ إىل‬ ‫مصِحل اّشعب يف اّبلد))‪.‬‬ ‫ويف ينِيَ (‪ 1943‬م) كِنت ِّبِة كلهِ قد ايتلت ‪ ،‬وأصبحت حتت احلكم اّعسكَي ّقوتني‪:‬‬ ‫اّربيطِنِة يف منطقيت بَقة وطَابلس ‪ ،‬واّفَنسِة يف فزا يسب اتفِق عقد بني اجلنَال (أّكسندر)‬ ‫اإلنكلِزي ‪ ،‬واجلنَال (ِّكلَك) اّفَنسي[(‪.])358‬‬ ‫اّطَيق حنو االستقالل‪:‬‬ ‫كِ طَيق ِّبِة حنو االستقالل فَيداً من نوعه ابملقِرنة مع مجِع اّبلدا األخَى اّيت استقلت بعد‬ ‫احلَب اّعِملِة اّثِنِة ‪ ،‬ففي سنة (‪ 1943‬م) أصبحت اّقوات اإليطِِّة ‪ ،‬وكذّك سلطتهِ ال وجود هلِ‬ ‫يف اّبلد ‪ ،‬ويلت حملهِ اّقوات واّسلطِت اّربيطِنِة واّفَنسِة ‪ ،‬ويف هنِية احلَب اشرتكت كل من‬ ‫اّوالَيت املتحدة وروسِة مع بَيطِنِة وفَنسة كقوى تَيد (مصِحل) هلِ يف ِّبِة ‪ ،‬وتَيد أ يكو هلِ دور‬ ‫يف تقَيَ مصري مستقبلهِ ‪ ،‬وكنتِجة ّذّك وجهت يَكة االستقالل ‪ ،‬ال كمِ يدث يف املستعمَات‬


‫األخَى ضد اّقوى االستعمِرية احلِكمة ‪ ،‬بل ضد املقرتيِت اّيت ظهَت يف احلوار اّعِملي يول‬ ‫مستقبل ِّبِة ‪ ،‬واّنقطة اّيت اتفق علِهِ يف هذا احلوار ؛ وهي اعتبِر اّلِبِني غري أكفِء حلكم أنفسهم ‪،‬‬ ‫وكِ اَّأي اّغِّب أ تقسم ِّبِة وتوضع حتت وصِية قوتني أو ثالث ملدة أربع سنوات بعد احلَب‪.‬‬ ‫ويف سنة (‪ 1945‬م) ‪ ،‬ظهَ رأي قوي ضد استقالل ِّبِة ‪ ،‬ومبوافقة االحتِد اّسوفِ​ِيت أيضًِ ‪ ،‬وكِ‬ ‫اّضمِ اّويِد اّذي أعطي ّلِبِني يول مستقبلهم هو بِ​ِ (إيد ) ‪ ،‬وّكن مل يطبق إالَ يف منع رجوع‬ ‫اإليطِِّني إىل بَقة ‪ ،‬وكِ شعبنِ املنكوب يف تلك اّفرتة خِِّ​ًِ من قِ​ِدة إسالمِة رشِدة ‪ ،‬أو‬ ‫شخصِ​ِت إسالمِة فعِّة ‪ ،‬إذ جل اّقِدة واّدعِة استشهدوا وقتلوا ومِتوا يف اّفرتة اّعصِبة اّيت سبقت‬ ‫هذه األيداث ‪ ،‬فلم تبق إال بعض اّشخصِ​ِت اّسِ​ِسِة اّوطنِة اخلرية واجلمعِة احمللِة ‪ ،‬وبعض‬ ‫اّقِ​ِدات اّدينِة اّضعِفة ‪ ،‬وزعمِء احلَكة اّسنوسِة اّذين أصبحوا يعِنو من ضغط اإلنكلِز ‪ ،‬وكِ‬ ‫تعداد شعبنِ قد بلغ أكثَ من ملِو بقلِل ‪ ،‬وكِنت جتَبته اّسِ​ِسِة بسِطة ‪ ،‬وكِ مستوى اّتعلِم‬ ‫بِنهم منخفضًِ ‪ ،‬وكِنوا فقَاء ّلغِية ‪ ،‬إذ كِ يقدر متوسط اّدخل اّفَدي ‪ 15‬جنِهًِ يف اّعِم‪.‬‬ ‫وقد تال احلَب اهنِ​ِر اقتصِدي وتضخم خطري ‪ ،‬وانتشَت اّبطِّة ‪ ،‬ويطمت احلَب املد واّقَى‬ ‫واملنشِت واّطَق وخِصة يف منطقة بَقة ‪ ،‬وزرعت األراضي ابألّغِم ‪ّ ،‬ذا كِنت ِّبِة سنة (‪ 1945‬م)‬ ‫ـ وهي حتت ايتالل جِوش ثالثة ـ ضحِة يَب ‪ ،‬ويف يِجة إىل مسِعدات اقتصِدية وطبِة‬ ‫واجتمِعِة وفنِة وغريهِ‪.‬‬ ‫ويكمت اإلدارة احلَبِة اّربيطِنِة يف منطقيت طَابلس وبَقة ‪ ،‬واإلدارة اّفَنسِة‬ ‫يف فزا يسب شَوط اتفِقِة (الهِي) ّسنة (‪ 1907‬م) اخلِصة ابّتصَف احلَيب واّعسكَي‪.‬‬ ‫واعتربت ِّبِة مقِطعة عدو حمتلة ‪ ،‬وكِنت يكومتهِ ‪ ،‬يسب اّقِنو اّدويل ‪ ،‬تقوم على أسِس‬ ‫اّعنِية واّصِ​ِنة ‪ ،‬وبقِت اّقوانني اّسِرية املفعول زمن االيتالل اإليطِيل هي نفسهِ اّسِرية املفعول‬ ‫بعد ذّك ‪ ،‬مع جتَيدهِ من اّعنِصَ اّفِشِستِة ‪ ،‬ومن سوء يظ بالدان اّعزيزة أ تبقى هذه اإلدارات‬ ‫األجنبِة اّعسكَية طِلة تلك اّسنني اّعديدة ‪ ،‬وأصبحت اّسلطِت اّربيطِنِة اّعسكَية ـ اّتشَيفِة‬ ‫واإلدارية واّسِ​ِسِة ـ كلهِ تصدر عن اّقِئد اّعِم ّقوات اّشَق األوسط ‪ ،‬وعني سنة (‪ 1944‬م)‬ ‫اّعمِد (بالكلي) يِكمًِ ّطَابلس ‪ ،‬واّعمِد (ويوكِ كمنج) يف بَقة[(‪.])359‬‬ ‫وسِطَت بَيطِنِة على نوايي اّبالد اإلدارية ‪ ،‬واستعِنت بعنِصَ ِّبِة ‪ ،‬وطورهتِ وأعدهتِ إعداداً خيدم‬ ‫مصِحلهِ ‪ ،‬وابّنسبة ّفزا فقد عُ ِزّت عن طَابلس وبَقة ‪ ،‬وأصبحت اتبعة ّفَنسة اّيت جعلت من فزا‬


‫قلعة هلِ يف اّدفِع عن مصِحلهِ يف إفَيقِة ‪ ،‬أمِ بَيطِنِة فكِنت تنظَ إىل منطقيت طَابلس وفزا على‬ ‫أهنمِ ذواات أمهِة اسرتاتِجِة‪.‬‬ ‫وأصبحت طربق أشبه بوصلة يف سلسلة اّقواعد اّربيطِنِة من جبل طِرق إىل سنغِفورة ‪ ،‬بِنمِ صِرت‬ ‫قِعدة اّعدم اجلوية مَكزاً مَيلِ​ًِ على طَيق جنويب إفَيقِة واحملِط اهلندي واّشَق األقصى ‪ ،‬وكِنت‬ ‫بَيطِنِة تفكَ يف أ تصبح منطقة بَقة قِعدة بديلة يف اّشَق األوسط إذا مِ جلت عن قنِة اّسويس‬ ‫‪ ،‬عند انتهِء االتفِقِة األجنلو ـ املصَية‪.‬‬ ‫وقبل هنِية احلَب اّعِملِة اّثِنِة دخلت إىل ِّبِة قوة غَيبة اثّثة إبقِمة قِعدة (ّلوجود األمَيكي) ؛ وهي‬ ‫قِعدة أم عتِقِة يِِّ​ًِ واملالية سِبقًِ شَقي مدينة طَابلس ‪ ،‬وقد ذكَت صحِفة (نِويورك اتميز)‪:‬‬ ‫أنفقت اّوالَيت املتحدة األمَيكِة يىت فربايَ (‪ 1945‬م) مبلغ مئة ملِو دوالر على تطويَ قِعدة‬ ‫هويلس (سِبقًِ)‪.‬‬ ‫وأصبحت اّقِعدة األمَيكِة األوىل يف إفَيقِة اّيت ّعبت يف اخلمسِنِ​ِت دوراً‬ ‫هِمًِ يف اسرتاتِجِة احلَب اّبِردة ‪ ،‬كوايدة من سلسلة اّقواعد األمَيكِة من غَيب أوروبة ومشِل إفَيقِة‬ ‫وجنوب شَقي اسِة اّيت حتِط ابّكتلة اّشِوعِة[(‪.])360‬‬ ‫وهذه اّفوضى اّيت يدثت ّبالدان من أسبِهبِ سقوط اخلالفة اإلسالمِة اّعثمِنِة اّيت يِفظت على‬ ‫سالمة دَير املسلمني من نفوذ اّنصِرى واملاليدة ّقَو عديدة ‪ ،‬وإ األمة اإلسالمِة دو خالفة‬ ‫رشِدة على منهج اّنبوة ال َتلك ّنفسهِ ضَاً وال نفعًِ ‪ ،‬وتكو أّعوبة يف أيدي اّدول االستعمِرية‬ ‫اّكربى أبمنِط وأشكِل استعمِرية متجددة ‪ ،‬وتصبح ّشعوبنِ اإلسالمِة تبعِة عمِ​ِء ّغريهِ يف أمورهِ‬ ‫اّعسكَية واّسِ​ِسِة واالقتصِدية واّتعلِمِة ‪ ،‬ومِ وصل إِّه شعبنِ من احندار شديد يف جمِالته املتعددة‬ ‫إال ّبعده عن عقِدته وإسالمه ودينه‪.‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬اعرتاض اّلِبِني ملوقف اّدول اّكربى من قضِتهم اّعِدّة‪:‬‬ ‫عِرض اجملِهدو اّلِبِو موقف اّدول اّكربى من قضِتهم ‪ ،‬ووجهوا نقدهم وسهِمهم إىل اّدول‬ ‫اّكربى ‪ ،‬وخصوصًِ احلكومة اّربيطِنِة اّيت مل تلتزم بعهودهِ مع اّلِبِني ‪ ،‬وبَر بعض اّزعمِء أسبِب‬ ‫حتِّفهم مع بَيطِنِة أبسلوب علمي أديب رفِع ‪ ،‬وهذه وثِقة اترخيِة تثبت مِ ذهبت إِّه ‪ ،‬وهي عبِرة‬ ‫عن موضوع كتبه اجملِهد عمَ فِئق شنِب يف عِم (‪ 1945‬م) بعنوا (ِّبِة مهد اّبطوّة) قِل بعد أ‬ ‫افتتح موضوعه ابّبسملة‪:‬‬


‫فِقتل مِ أعلك مِ شفِكِ‬ ‫إذا استشفِت من داء بداء‬ ‫((كثَ األخذ واَّد يف قضِة ِّبِة اّبِسلة ذات اّشعب احملِرب يف صفوف احللفِء من سنة (‪1940‬‬ ‫م) ‪ِّ ،‬بِة اّيت مل تَضخ ّالستعمِر اإليطِيل فحِربت (‪ 21‬سنة) بال انقطِع ‪ِّ ،‬بِة اّيت اشرتك جِشهِ‬ ‫وشعبهِ يف طَد اّعدو منهِ ‪ِّ ،‬بِة املضحِة مبلِو نسمة من خرية أبنِئهِ يف سبِل عَوبتهِ واستقالهلِ‬ ‫ويَيتهِ ‪ ،‬وِّبِة اّيت رفعت رأس اّعَوبة عِِّ​ًِ من سنة (‪ 1911‬إىل ‪ 1945‬م) وكثَ عدد اّطِمعني‬ ‫فِهِ واملتزّفني إِّهِ ـ بعد أ كِ بعضهم علة شقِء علِهِ ـ وتعددت اّدوافع فتبِينت املنِفع ‪،‬‬ ‫وتضِربت االراء فكثَت اّتكهنِت ‪ ،‬وجلهِ ـ إ مل أقل كلهِ ـ ال خيلو من‬ ‫غَِيت ومنِورات ومسِومِت بعِدة عن حمجة اّصواب ؛ كل ذّك على يسِب ِّبِة اّدامِة‪.‬‬ ‫وِّلى ال تقَ هلم بذاكِ‬ ‫وكل يدعي وصالً بلِلى‬ ‫يىت أهبم األمَ ال على املنصفني اّذين يهتمو بلب احلقِئق ِّأخذوا منهِ درسًِ وعربة ‪ ،‬أو جيِهبوا‬ ‫املوقف على ضوئهِ؛ بل على اّلِبِني أنفسهم اّذين أصبحوا يف يرية من أمَهم ‪ ،‬ومبعزل عمِ يَاد هبم‬ ‫‪ ،‬وهم اّذين اشتهَوا ابألفعِل يف مِ​ِدين اّنضِل ‪ ،‬ال بزخَفة األقوال ‪ ،‬وهلل در من قِل‪:‬‬ ‫تبني من بكى ممن تبِكى‬ ‫إذا اشتبهت دموع يف خدود‬ ‫ّذّك رأيت ّزامًِ علي أ أصَخ ابحلقِقة اّنِصعة وّو كِنت مؤملة جِرية من على منرب اّصحِفة‬ ‫اّعَبِة احلَة ؛ اّيت أخذت يف هذه األَيم تشد أزر ِّبِة واّلِبِني ‪ ،‬ألضع أمِم اَّأي اّعِم اّعَيب وّو‬ ‫صورة مصغَة عن يقِقة مِ قدمه اّشعب اّلِيب من تضحِ​ِت قِسِة يف سبِل يَيته واستقالّه‬ ‫ومنِصَته ّلحلفِء يف هذا اّصَاع اّعِملي ؛ اّذي قِل عنه‪ :‬إنه دفِع عن املبِدأى اإلنسِنِة احلَة‬ ‫ّلتخلص من اّويشِة اّغِدرة ‪ ،‬واالستعمِر اّبغِض ؛ ِّكو على بصرية من قضِة ِّبِة اّعتِدة اّيت‬ ‫استهرت هبِ اّقَيب وطمع فِهِ اّبعِد ‪ ،‬واّيت ال تنفصل عن قضِة اّعَوبة املقدسة أبي يِل من‬ ‫األيوال‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ أقول إلخواين اّلِبِني عِمة ـ على اختالف نزعِهتم وأهدافهم يف اّطَق املوصلة ّويدهتم واستقالهلم‬ ‫ـ‪ :‬ايذروا وال تنخدعوا ‪ ،‬وويدوا صفوفكم حتت راية أمريكم ‪ ،‬وإ مِ تَونه اال يف جو اّسِ​ِسة هو‬ ‫اّدعِية ‪ ،‬وإ مِ تتصورونه منهِ هو اّظن ‪ ،‬وإ اّظن ال يغين عن احلق شِئًِ ‪ ،‬فِعتمدوا على أنفسكم‬ ‫‪ ،‬وأعدوا اّعدة ملستقبلكم ‪ ،‬واشكَوا كل من ينِصَكم ملبدأ اّعَوبة اّصِدق اّذي حيمي اجلِر وال يَضى‬ ‫اّعِر‪.‬‬


‫‪ 2‬ـ وتِقنوا إ كِ هنِك مثة عتِب أو ّوم أو مِ يسمى مبسؤوِّة عمِ يقع يف ِّبِة يف احلِل ‪ ،‬أو مِ يقع‬ ‫هلِ يف االستقبِل ؛ فكل ذّك يقع ابّدرجة األوىل على عِتق اّدوّة اّربيطِنِة ‪ ،‬بل وعلى بعض رجِهلِ‬ ‫اّذين ائتمنِهم على وطننِ وأرواينِ ‪ ،‬وسلمنِ إِّهم مقدراتنِ ‪ ،‬وذّك أمِم اّتِريخ واإلنسِنِة واّوجدا ‪،‬‬ ‫وابّدرجة اّثِنِة‬ ‫على أنفسكم أنتم فِمِ إذا ختِذّتم وتفَقتم وغَتكم األقوال املعسوّة فسبحتم يف حبَ األمِين اجملهوّة‪.‬‬ ‫إ االستقالل يؤخذ وال يُعطى ‪ ،‬فشجَة احلَية رويتموهِ بدمِئكم ‪ ،‬وستثمَ مبجهوداتكم وتضِمنكم ‪،‬‬ ‫فِّدوّة اّربيطِنِة هي اّدوّة اّويِدة اّيت اشتهَت ببعد اّنظَ وتقديَ اّعواقب ‪ ،‬وّكنهِ مع ذّك يف‬ ‫هذه اّقضِة اهلِمة إ مل أقل أضَت مبصِحلهِ اخلِصة ومبصِحل اّلِبِني عِمة ‪ ،‬أقول بصَاية‪ :‬إهنِ‬ ‫نسِت أو تنِست ّسوء يِهلِ أو ّسوء يظنِ موقفهِ يف سنة (‪ 1940‬م) عندمِ كِنت واقفة يف املِدا‬ ‫جتِه اّقوة اّغِزية اّفِشستِة ويدهِ بال يلِف وال معني ‪ ،‬مصريهِ معلق يف كفة اّقدر ‪ ،‬واّعدو يف‬ ‫إاب منعته وسطوته يتقدم يف األراضي املصَية بعد أ ايتل موقع (سِدي بَاين) ‪ ،‬وقد طعنت يومذاك‬ ‫فَنسة اّيت يقول عنهِ زعِمهِ احملنك اجلنَال دجيول اِّوم‪(( :‬جيب أ تعِد مستعمَات إيطِِّة إِّهِ))!‬ ‫طعنت من اخللف ‪ ،‬فَكعت على ركبتِهِ مسلمة ّلعدو ‪ ،‬وّكن صدق من قِل‪:‬‬ ‫مِ جلَح مبِت إيالم‬ ‫من يهن يسهل اهلوا علِه‬ ‫ففي تلك اّسِعة اّعصِبة اّقِسِة ـ على بَيطِنِة اّعظمى ـ كمِ قِل عنهِ وزيَ خِرجِتهِ املسرت إيد‬ ‫يف تصَحيه جمللس اّنواب اّربيطِين يوم ‪ 7‬ينِيَ (‪ 1942‬م) مِ ندرجه ابحلَف اّوايد‪(( :‬إين أصَح أب‬ ‫اّسِد إدريس اّسنوسي اتصل ابهلِئِت املسؤوّة مبصَ خالل شهَ من اهنِ​ِر فَنسة يف وقت مل يكن‬ ‫املوقف اّعسكَي يف إفَيقِة مالئمًِ ّنِ على اإلطالق ‪ ،‬فتأّف جِش سنوسي يضم اّذين ختلصوا من‬ ‫نري اّظلم اإليطِيل بني يني واخَ يف خالل اّعشَين سنة املِضِة ‪ ،‬وقِم هذا اجلِش مبسِعدات قِ​ِمة‬ ‫أثنِء اّقِ​ِم بتلك اّعملِ​ِت احلَبِة املوفقة يف اّصحَاء اّغَبِة يف شتِء (‪ 1940‬م و‪ 1941‬م) ‪ ،‬وهو‬ ‫اال يقوم أيضًِ بنصِب قِم يف احلملة اّعسكَية احلِِّة ‪ ،‬فأنتهز هذه اّفَصة ألعرب عن اّتقديَ اّعِم‬ ‫اّذي حتمله يكومة صِيب اجلالّة اّربيطِنِة ّلنصِب اّذي قِم به ومِ زال يقوم به اّسِد إدريس‬ ‫اّسنوسي وأتبِعه يف اجملهود احلَيب اّربيطِين ‪ ،‬وإننِ نَيب بتعِوهنم مع قوات صِيب اجلالّة اّربيطِنِة‬ ‫يف مهمة سحق اّعدو املشرتك ‪ ،‬وقد وطدت يكومة صِيب اجلالّة اّربيطِنِة عزمهِ على أنه مىت‬


‫انتهت احلَب ّن تسمح بوقوع اّسنوسِني يف بَقة حتت اّنري اإليطِيل مَة أخَى أبي يِل من‬ ‫األيوال))‪.‬‬ ‫قلنِ‪ :‬يف تلك اّسِعة اّعصبِة اّيت كِنت فِهِ أعظم اّدول ومنهِ فَنسة ـ ال اّشعوب اّصغرية ـ تَتعد‬ ‫فَقًِ وتنهِر سَاعًِ حتت ضَابت اّنِزية اّفِشِستِة اخلِطفة ‪ ،‬نعم يف تلك اّسِعة اَّهِبة اّيت اقتنعت‬ ‫فِهِ اّدول واّشعوب أب زوال بَيطِنِة من اّوجود شيء مقدور ‪ ،‬بل وأصبحت حتدد الهنِ​ِرهِ األَيم‬ ‫‪ ،‬ال اّشهور تقدم أمري ِّبِة اّشجِع غري هِ​ِب وال وجل ‪ ،‬وعقد جملسًِ يَبِ​ًِ ضم ممثلي اّبالد من‬ ‫قِدة احلَكة اّوطنِة قدميًِ ويديثًِ ـ وهم بقَِي اّسِوف األمِجد ـ ومل ينفض اجتمِعهم اّتِرخيي اّذي‬ ‫يضَه اجلنَال وّسن يوم (‪ 9‬أغسطس ‪ 1940‬م) ‪ ،‬وخطب فِهم قِئالً‪(( :‬إ اشرتاككم مع قوات‬ ‫صِيب اجلالّة يف سحق اّعدو املشرتك هو ّتحَيَ وطنكم واسرتداد أمالككم ويَيتكم واستقالّكم))‬ ‫‪ ،‬مث أعلن احلَب على إيطِِّة ‪ ،‬وانضم إىل احللِفة اّربيطِنِة يف إاب حمنتهِ ‪ ،‬وقدم ّفخِمة اجلنَال‬ ‫وّسن قَار اجلمعِة اّوطنِة اّلِبِة اّذي رفعه بدوره إىل ّند ‪ ،‬وبعد أ استعَض مِ اتفق علِه زعمِء‬ ‫املهِجَين بقِ​ِدة زعِمهم األكرب إدريس اّسنوسي ‪ ،‬قِل‪:‬‬ ‫على هذا األسِس اّواضح بين جهِد ِّبِة حلَيتهِ واستقالهلِ ‪ ،‬وعلى هذا األسِس سلمت ِّبِة أبرواح‬ ‫أبنِئهِ وثَوهتِ ومدهنِ ّربيطِنِة اّعظمى ‪ ،‬ومل ميض على هذا اّقَار بَهة وجِزة يىت تكو اجلِش اّلِيب‬ ‫وجنوده حتت علمه اّوطين اّذي استعَضه اجلنَال وّسن يف ايتفِل عسكَي رمسي ‪ ،‬يِ​ِ فِه اّعلمني‪:‬‬ ‫اإلنكلِزي واّلِيب فأعجب به ‪ ،‬وقد اشرتك هذا اجلِش فعلِ​ًِ يف كل املعِرك اّدامِة يف سِدي بَاين ‪،‬‬ ‫ويف يصِر طربق ‪ ،‬ويف طَد اّعدو من اّوطن ‪ ،‬ويف كل موقعة رأت اّقِ​ِدة اّعِمة اّربيطِنِة وجوده فِهِ‬ ‫ضَورَيً خلف خطوط األعداء وخِرجهِ ‪ ،‬ويف اجلبهة نفسهِ ‪ ،‬وعلى قنِة اّسويس ‪ ،‬ويف فلسطني ـ‬ ‫وغريهِ ـ بكل شجِعة وبسِّة ويزم‪.‬‬ ‫وهل اكتفى أمري اّبالد املطِع بذّك؟ كال ‪ ،‬بل أرسل اَّسل إىل املد واّقَى ومواطن اّبِدية ‪ ،‬ونشَ‬ ‫يف طول اّبالد وعَضهِ أوامَ كِنت موفقة ‪ ،‬ووقع اّنشَات اّيت كِنت تلقى على اّشعب من اّطِ​ِرات‬ ‫وزود ضبِط االستعالمِت اّربيطِنِة اّذين‬ ‫‪ ،‬واستصَخ اّشعب ملنِصَة بَيطِنِة من حمطِت اإلذاعة ‪َ ،‬‬ ‫يعملو خلف خطوط األعداء سَاً ابَّجِل األمنِء واّتوصِ​ِت ّلزعمِء وأهل اّوطن إلخفِئهم‬ ‫وإرشِدهم ومدهم ابملسِعدات واملؤ ‪.‬‬


‫فهب اّشعب اّلِيب على بكَة أبِه رجِالً ونسِءً وشبِانً ؛ كل يعمل على قدر استطِعته خلف خطوط‬ ‫األعداء يف إخفِء ضبِط االستعالمِت وَتوينهِ ‪ ،‬وإنقِذ اجلَيى وَتَيضهم وإخفِئهم ‪ ،‬وهتَيب األسَى‬ ‫من اّضبِط واجلنود اّربيطِنِني واّطِ​ِرين اّذين وقعوا يف قبضة األعداء ‪ ،‬وإبالغهم مأمنهم ‪ ،‬وإظهِر‬ ‫عورات األعداء بوسِطة األدالء على حمِل قواهتم واستحكِمِهتم وطرياهنم ووقودهم ‪ ،‬وتدمري أدوات‬ ‫يَهبم ومؤهنم ‪ ،‬يىت اضطَ اّعدو أ جيعل يف ِّبِة قوة عظِمة خِصة ملَاقبة اّسكِ واّتنكِل هبم‬ ‫يِث ثبت ّديه أ ضبِط االستعالمِت اّربيطِنِني كِنوا حيضَو اجتمِعِت األعداء سَاً دو أ‬ ‫يعَفوا بِنهم ‪ ،‬وذّك بفضل تدابري زعمِء اّوطن‪.‬‬ ‫وقد استسلم مِ ينِف عن (‪ )00017‬جندي ِّيب ـ كِ قد جندهم اّعدو قسَاً ـ وذّك عندمِ شِهدوا‬

‫أعالم وطنهم املقدسة ختفق على اّدابابت ومزينة هبِ املصفحِت ويف طالئع اجلِوش؛ مث اشرتك معظم‬ ‫هؤالء مع إخواهنم يف اّدفِع عن أوطِهنم ‪ ،‬وقد استشهد اّكثري من جنود وضبِط اجلِش ‪ ،‬كمِ أسَ‬ ‫اّبعض منهم أثنِء هذه احلَب بَاً وحبَاً ‪ ،‬ومل يزل بعضهم مفقوداً واّبعض ال يعلم عنه شيء منذ وقع يف‬ ‫معتقالت األعداء‪.‬‬ ‫واستهدفت املد ّلخَاب األبدي واّدمِر اّذي ال يعوض ؛ كطربق اّيت أصبحت أثَاً بعد عني ‪،‬‬ ‫وبنغِزي عِصمة بَقة اّيت دمَ ثالثة أرابعهِ ‪ ،‬وقسمًِ من درنة وسَت وطَابلس وغريهِ ‪ ،‬وتعَض‬ ‫اّكثري من املدنِني اّعزل ّلقتل واّشنق واّنهب ‪ ،‬يىت إ اّفِشِست شنقوا يف يوم وايد يف مدينة‬ ‫وايدة وهي املَج (‪ )300‬رجل ‪ ،‬وغري هذا كثري ‪ ،‬يىت إنه يف ذّك اِّوم صِدر اّفِشِست مجِع مِ‬ ‫يف األسواق عنوة واقتداراً وهدمًِ مِ يقدر بنصف ثَوة اّتجِر‪.‬‬ ‫وتبددت ثَوة اّبالد ‪ ،‬وتشتت األهلو سنني يف اّرباري واّقفِر بعد أ دمَت مدهنم وهدمت أمالكهم‬ ‫‪ ،‬وقتلت نسِؤهم وأطفِهلم ‪ ،‬وضِعت ثَواهتم ‪ ،‬وال جمِل اال إليضِح موقف اّلِبِني يف انتصِر‬ ‫اّعلمني ‪ ،‬ذّك االنتصِر اّذي غري وجهة احلَب ‪ ،‬ومِ قدموه من جمهودات كِدت أ تقضي على‬ ‫اّبقِة اّبِقِة من اّلِبِني ؛ يِث نسفوا خمِز اّبنزين ‪ ،‬ودمَوا معدات احلَب اّيت أعدهِ األملِ‬ ‫واّطلِ​ِ كِيتِ​ِطي هلم يف بَقة يعتمدو علِهِ يف تقدمهم على مصَ ‪ ،‬وهو مِ يقدر مبئِت‬ ‫املاليني ‪ ،‬وسِخصص ّذّك فصل مدعم ابألرقِم واّرباهني يف اّكتِب األبِض اّذي ينشَ عن اّعِمل‬ ‫قَيبًِ عن موقف ِّبِة املشَف يف هذه احلَب ‪ ،‬وعن معِملة أصدقِئهِ اإلنكلِز هلِ ‪ ،‬كمِ سِبني فِه‬ ‫عملهم ضد اّطِ​ِرين األملِ اّذين أنزّوا بعد اّفتح ابّبِرشوات ‪ ،‬أفبعد هذا كله ‪ ،‬وبعد فتح ِّبِة‬


‫ابشرتاك أهلهِ وتضحِ​ِهتم هذه جيوز أ تكو ِّبِة اّبِسلة موضع مسِومة؟ أو جيوز أ تطبق فِهِ‬ ‫أيكِم عسكَية جِئَة وغري مالئمة ّطبِعة أهلهِ؟ أو يطبق على شعبهِ احملِرب يف صفوف احللفِء مِ‬ ‫يسمونه ابّقِنو اّدويل؟ ذّك اّقِنو اّذي مل يطبق منه يَف وايد يف احلبشة؟ ال ‪ ،‬وال يىت يف بالد‬ ‫اّعدو احملتلة اّيت سلمت إدارهتِ ألهلهِ حتت إشَاف احللفِء ‪ ،‬مع أ وضع احلبشة ال خيتلف عن وضع‬ ‫ِّبِة دوِّ​ًِ من يِث دخوهلِ حتت احلكم اإليطِيل واعرتاف اّدول بضمهِ إِّه ‪ ،‬وخَوجهِ منه‬ ‫ابشرتاكهِ يف هذه احلَب؟ أو يبدل يف ِّبِة استعمِر ابستعمِر؟ أو تفكَ إيطِِّة اّغِدرة انكثة اّعهود‬ ‫اّيت جَبت يظهِ يف ِّبِة وخربت ذّك اّشعب اّعَيب األيب يف يَوب متواصلة معه ‪ 21‬سنة أ تعود‬ ‫إِّه؟‬ ‫اّلهم إ هذا بعِد عن اّعدل ‪ ،‬بعِد عن اإلنصِف ‪ ،‬ويىت عن أيكِم اّقِنو اّدويل اّذي قرب من‬ ‫يوم ايتالل احلبشة ‪ ،‬فشِعت جنِزته عصبة األمم اّيت اّتحقت به سنة (‪ 1935‬م) ‪ ،‬وعن كِفة‬ ‫اّوعود واّعهود وعن اّغَِيت اّسِمِة اّيت قِل‪ :‬إ اّدول احللِفة يِربت من أجلهِ ‪ ،‬وعن اّشَف‬ ‫اّربيطِين اّذي ال يقَ مثل هذا اّعمل فِمِ أظن بوجه من اّوجوه‪.‬‬ ‫فلو كِنت اّدوّة اّربيطِنِة أقِمت ّلحق واّعدل واّعهود أقل وزانً ‪ ،‬أو قدرت هذه اجلهود واّتضحِ​ِت‬ ‫يق قدرهِ ‪ ،‬أو أعِدت اّنظَ يف موقفهِ سنة (‪ 1940‬م) ـ ألننِ عند اشرتاكنِ معهِ مل تكن هنِك‬ ‫روسِة وال أمَيكة وال فَنسة ـ ملِ كِنت يف هذا املأزق احلَج اّدويل من جهة ‪ ،‬وّكِنت ِّبِة اِّوم تتمتع‬ ‫حبكومة وطنِة حتت إدارة أمريهِ مندجمة يف اجلِمعة اّعَبِة ‪ ،‬وملِ كِ اختالف وضعهِ عن وضع احلبشة‬ ‫من يوم طَد اّعدو منهمِ‪.‬‬ ‫وّكن اّدوّة اّربيطِنِة جبحود بعض رجِهلِ هلذه اّتضحِ​ِت ‪ ،‬ومبِلهم ّألعداء ـ ألهنم إفَنج ـ ‪ ،‬وختلِ​ِهم‬ ‫عن األصدقِء ـ ألهنم عَب ـ أضَوا هبذه اّقضِة اّيت هلِ مسِس ابّسلم اّعِملي ‪ ،‬وأسِؤوا ألهل ِّبِة ‪،‬‬ ‫وهم اّذين أخلصوا هلم يف إاب‬ ‫حمنتهم ‪ ،‬بل وعِملوهم معِملة ال َتت ّإلنصِف واملَوءة بصلة يف كل مَافق احلِ​ِة االقتصِدية‬ ‫واّسِ​ِسِة واّكَامة واّعزة اّقومِة ‪ ،‬ويف نفس اّوقت واجهوا وسِواجهو مشكالت عديدة كِنوا يف‬ ‫غىن عنهِ؛ أل امتالك اّقلوب أهم بكثري من استعبِدهِ ‪ ،‬واّسِطَة على اّشعوب دو إرادهتِ معنِه‬ ‫احلقِقي تكوين عداوهتِ‪.‬‬


‫‪ 3‬ـ برت ِّبِة بل واّشمِل اإلفَيقي من جسم اجلِمعة اّعَبِة يوم انعقِدهِ يف اّقِهَة كِ أكرب حمك‬ ‫دقِق ّلجِمعة (فِمِ إذا كِنت هي اجلِمعة) ‪ ،‬وّغَِيهتِ وأهدافهِ املقدسة عند اّدول اّيت هتتم مبعَفة قوة‬ ‫االحتِد اّعَيب وضعفه ‪ ،‬بودان يومئذ أ أّقِنِ أنفسنِ يف أيضِهنِ بصفتنِ أمة عَبِة جمِهدة ‪ ،‬أ تقف‬ ‫موقف املدافع عن اجلمِع واملطِّب حبقوق اجلمِع وتضمنِ إِّهِ شِءت ـ اّسِ​ِسة اّغِمضة ـ اّفَقة‬ ‫اجلِمعة ـ أم أبت فتكو بذّك أيِت عضواً منهِ تشد أزره يف امللمِت ‪ ،‬أل ِّبِة هي اّقنطَة اّويِدة‬ ‫اّيت تعرب منهِ اّعَوبة إىل اّشمِل اإلفَيقي ‪ ،‬أمِ اِّوم فال أدري على اّوجه األصح هل يسمع صوهتِ‬ ‫بشأ ِّبِة أم يصبح صَخة يف واد بعد أ تقِربت اّسِ​ِسِت االستعمِرية اّيت كِنت متبِعدة يوم‬ ‫انعقِدهِ؟! وأخشى مِ أخشِه أ اّعَب رغم يقظتهم وويدهتم املبتورة سِواجهو تضحِ​ِت جديدة‬ ‫ومصِعب شديدة ‪ ،‬وسِلعب هبم دور اخَ يكونو فِه هم كبش اّفداء ـ ال مسح هللا ـ أل اّغَب ال‬ ‫يَتد واّشَق ال يتعظ‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ مع استنكِران اّشديد وايتجِجنِ اّقطعي اّذي ِّس علِه مزيد ّلضَبة اّيت كِنت ذكَهتِ جَيدة‬ ‫(اّتِميس) وبعض اّصحف االستعمِرية األخَى ‪ ،‬واّتقوالت اّيت تقع أيِ​ِانً من بعض املغَضني أب‬ ‫اّلِبِني يكَهو املصَيني ؛ نقول بكل صَاية مِ دمنِ نقَ احلقِئق‪ :‬إهنِ وقعت بعض غلطِت مؤملة من‬ ‫بعض رجِل اإلدارة يف احلدود اّغَبِة املصَية ‪ ،‬ومل تزل تقع أيِ​ِانً منهم ومن غريهم ‪ ،‬ورمبِ كِنت تلك‬ ‫اّغلطِت مدبَة بعلة خفِت عنهم ال يعلمهِ إال هللا واَّاسخو يف تفَقة اّشعوب ؛ وهي‪ :‬أنه بعد أ‬ ‫كِ املصَيو هم اّذين اووا وأيدوا إخواهنم اّلِبِني من سنة (‪ 1911‬م) إىل يومنِ هذا ‪ ،‬وهلم علِهم‬ ‫األَيدي اّبِضِء يف جهِدهم وهجَهتم ‪ ،‬فعندمِ تقَر ريِل املهِجَين إىل وطنهم بعد فتحه كِ‬ ‫اّواجب يتحتم أ يودعوا مبِ هو الئق يف كَم وسخِء وتسِمح وصلة ريم ويق جوار ‪ ،‬بل ومسِعدات‬ ‫قِمة أدبِة ومِدية ملن هم منهم وإِّهم ؛ شأ املصَيني اّذين جبلوا‬ ‫على هذه املزاَي اّعِِّة يف كل أدوار يِ​ِهتم‪.‬‬ ‫وّكن انعكست االية فتصدى ّلمهِجَين بعض املوظفني اّذين ال يقدرو اّعواقب ‪ ،‬فجَدوهم من‬ ‫أمتعتهم وأقواهتم ‪ ،‬وفتشوا نسِءهم ـ بصورة خمجلة ـ وصِدروا يلِهن ومِ معهم من نقود جنوهِ يف‬ ‫هجَهتم ‪ ،‬أو جلبوهِ معهم عند اّتجِئهم ‪ ،‬واضطَوهم هبذا اّعمل ّتهَيب مِ يسدو به اَّمق أو مِ‬ ‫يسرتو به اّعورة؛ أل احلِّة وقتئذ يف ِّبِة بلغت إىل درجة إىل أ دفن أهِيل ِّبِة أمواهتم دو أكفِ‬ ‫‪ ،‬وأصبحت نسِؤهم ال جيدو مِ يسرت به اّعورات بسبب منع اّتجِرة عنهم واّتضِ​ِق علِهم ‪ ،‬ومِ‬


‫زاّت أمواهلم وأشِ​ِؤهم حمجوزة عند اّسلطِت املصَية حبجة اّتهَيب وخمِّفة اّقوانني ‪ ،‬نعم وإ كِ‬ ‫ّلموظفني بعض اّعذر وعلى اّلِبِني بعض اّوزر ّألسبِب االنفة اّذكَ ‪ ،‬إال أ هذا اّعمل اّذي وقع‬ ‫بني شعب وايد ووطن وايد ـ كمِ يعتقد اّلِبِو وأبنِء مصَ ـ جَأ اّغري على االستخفِف ابّعالئق‬ ‫احلسنة بني اّشعبني ‪ ،‬وأ مِ وقع من اّلِبِني من تضحِ​ِت ومِ عِنوه من مشقِت وأزمِت هي بني‬ ‫مسع إخواهنم املصَيني وبصَهم يف وطنهم دفِعًِ عن بالدهم اّيت هي احلصن احلصني ملصَ اّعزيزة ؛‬ ‫يِث كِنت أروايهم فداء هلِ ‪ّ ،‬و تدبَوا األمَ بعني املصلحة واألخوة رمبِ كِنت تلك اّغلطِت مدبَة‬ ‫من اّغري ّتتخذ منهِ جَيدة مثل (اّتِميس) واجلَائد االستعمِرية مِدة ّلحط من قِمة اَّوابط اّودية بني‬ ‫اّشعبني املتجِورين ؛ ّغِية بعِدة املَمى ستظهَ نتِئجهِ األَيم املقبلة‪.‬‬ ‫وإين أعتقد عقِدة اثبتة أ اّلِبِني عِمة واّسنوسِني خِصة مل ينسوا وّن ينسوا فضل مصَ وال عطف‬ ‫مصَ وزعمِء مصَ ‪ ،‬مهمِ يدث أو حيدث؛ أل اّشعب املصَي اّكَمي بَيء من تلك اّغلطِت‬ ‫املدبَة ‪ ،‬ومصَ هي امللجأ اّويِد ِّس ّلِبِني ؛ فحسب بل ّلعَب واّعَوبة ‪ ،‬السِمِ وتَبط مصَ‬ ‫وِّبِة روابط ال انفصِم هلِ من جهة اّدين واجلوار واّلغة واّنسب ‪ ،‬وال نَيد أ نوضح أكثَ من ذّك ؛‬ ‫فعظمِء مصَ وأكِبَهِ يعلمو أكثَ من هذه احلقِئق ‪ ،‬ويعلمو مِ يكنه اّلِبِو من إخالص وحمبة‬ ‫ّلتِج املصَي وصِيبه املفدى ‪ ،‬وسِأيت يوم يتضح فِه كل شيء ابّواثئق؛ ألننِ متنَِ هذه اَّوابط‬ ‫وأدِّنِ مبِ فِه املصلحة ّلطَفني يف بدء احلَكة سنة (‪ 1940‬م) ‪ ،‬ويف أثنِء احلَب (‪ 1942‬م) قبل‬ ‫غريان ممن تبىن هذه املشِريع اِّوم ‪،‬‬ ‫ومع ذّك يشكَ كل من يسعى ّتويِد اّشعوب اّعَبِة ‪ ،‬ويعمل على إسعِدهِ ‪ ،‬وّكل جمتهد نصِب‪.‬‬ ‫كِ بودان أ ال هتمل اّصحِفة اّعَبِة احلَة مِ قدمه اّلِبِو يف هذه احلَب من تضحِ​ِت قِسِة من‬ ‫سنة (‪ 1940‬م) ‪ ،‬يىت ال تفقد مِدة قِمة تسِعدهِ يف اّدفِع اِّوم عن احلق املهضوم ‪ ،‬وتستعني هبِ‬ ‫على مِ تسجله ّلتِريخ واألجِ​ِل املقبلة ‪ ،‬وّكن اّسِ​ِسِت اّيت كمت أفواه اّصحف وكسَت أقالم‬ ‫اّصحِفِني يىت يظَت علِهم ذكَ كلمة ِّبِة ؛ كِ جِئزة علِهِ وعلِنِ وعلى اّتِريخ واإلنسِنِة ‪،‬‬ ‫وهِ إننِ نستبشَ اِّوم بتعويض مِ فقدته اّصحِفة ‪ ،‬فلهِ خِّص اّشكَ وعِطَ اّثنِء‪.‬‬ ‫وأخرياً ـ بصفيت ـ أيد قِدة احلَكة اّوطنِة ‪ ،‬وعضو اجلمعِة اّوطنِة اّيت ارتبطت مع بَيطِنِة يوم ‪9‬‬ ‫أغسطس (‪ 1940‬م) ـ أصَح أب اّوضع احلِيل يف ِّبِة شِذ ال يتنِسب يف شيء مع اّعدل‬ ‫واإلنصِف ‪ ،‬وال مع وعود احللفِء أبي وجه كِ ‪ ،‬بل إ مِ يعِنِه اّشعب اّلِيب اِّوم ال خيتلف عن‬


‫االستعمِر اّبغِض ‪ ،‬وإ اّشعب اّلِيب يتطلَب إقِمة يكومة وطنِة شَعِة حتت إدارة أمريه املطِع‬ ‫(إدريس اّسنوسي) أبسَع مِ ميكن ‪ِّ ،‬حق هلِ اختِ​ِر اجلهة اّيت تَغب يف االرتبِط هبِ‪.‬‬ ‫أقول هذا ّدول احللفِء عِمة ‪ ،‬وّدوّة بَيطِنِة اّعظمى خِصة قبل أ يعم االستِ​ِء اّذي أخذ يتسَب‬ ‫إىل اّنفوس ‪ ،‬وتتبدل وجهِت اّنظَ من اإلخالص واحملبة واّتعِو اّنزيه إىل املقت اّبغِض واملشِكسة‬ ‫‪ ،‬ويطغى اِّأس فتنعكس االية وال ينفع اّندم ‪ ،‬وإ ِّبِة رغم قلة نع نددهِ ‪ ،‬وفقدا عُ نددهِ ومعَفتهِ‬ ‫أبهنِ ال تقوى على مقِومة اّدول املعظمة ‪ ،‬مع أهنِ جَبت يف يَب إيطِِّة ؛ تفضل أ تضَب يومِ​ًِ‬ ‫أبّف ‪ ،‬بل مبلِو قنبلة ذرية يىت ينقطع فِهِ اّنسل واّذرية على أ يطأ أرضهِ إيطِيل ‪ ،‬أو أ َتس‬ ‫كَامتهِ أو ينقص شيء من يَيتهِ واستقالهلِ ويقهِ يف احلِ​ِة ‪ ،‬أو يقَر مصريهِ اّغري دو إرادهتِ ‪،‬‬ ‫وهي علَمت اّشعوب معىن اّتضحِة يف سبِل احلَية واالستقالل من سنة (‪ 1911‬م) إىل يومنِ هذا‬

‫واّتِريخ شِهد عدل ‪ ،‬وقد قلنِ يف بعض مذكَاتنِ َّؤسِء اّوفود يف املؤَتَ اّذي كِ منعقداً يف سِ‬ ‫فَانسِسكو ـ بعد أ شَينِ هلم احلِّة يومئذ بوجه اّتفصِل ـ هذه اّعبِرات‪(( :‬هذا إذا كِ هنِك مِ‬ ‫يسمى عدالً أو مِ يسمى يقًِ ‪ ،‬أمِ إذا كِنت اّوعود واّعهود املقطوعة ّلشعوب اّضعِفة هي مبثِبة‬ ‫اّطِبور اخلِمس عند احللفِء فال يق هلذه‬ ‫اّشعوب يف املطِّبة ابحلق ‪ ،‬وِّس هلِ إال أ َتوت))‪.‬‬ ‫وسنعود ّلموضوع مَة أخَى ‪ ،‬ومن مل يعَف ِّبِة على يقِقتهِ فعلِه ابالختبِر ؛ فال زال أشبِل عمَ‬ ‫املختِر يعملو على ذّك اّغَار‪.‬‬ ‫فنجهل فوق جهل اجلِهلِنِ))‬ ‫أال ال جيهلن أيد علِنِ‬ ‫هذا بعض مِ كتبه ونشَه اّسِد عمَ فِئق شنِب ‪ ،‬وهو ـ كمِ قدم نفسه ـ أيد قِدة احلَكة اّوطنِة ‪،‬‬ ‫فبِإلضِفة إىل ذّك نقول‪ :‬إنه كِ من خرية أوّئك اّقِدة ‪ ،‬وقد الزم احلَكة اّوطنِة األخرية منذ ‪9‬‬

‫أغسطس (‪ 1940‬م) إىل أ توفِه هللا سنة (‪ 1953‬م) ‪ ،‬فقد عني أمِنًِ عِ َمًِ ملكتب مسو األمري ‪،‬‬ ‫وكِ ضمن أعضِء املؤَتَ اّوطين اّربقِوي ‪ ،‬وذهب إىل هِئة األمم املتحدة عضواً ورئِسًِ ّلوفد اّوطين‬ ‫مَتني ‪ ،‬مث وقع االختِ​ِر علِه ِّكو عضواً ابجلمعِة اّوطنِة اّتأسِسِة اّلِبِة ‪ ،‬وانتخب انئبًِ َّئِسهِ ‪،‬‬ ‫كمِ انتخب رئِسًِ ّلجنة اّدستورية ‪ ،‬وعني وزيَاً ّلدفِع ابحلكومة اّلِبِة املؤقتة اّيت عهد إِّهِ أ‬ ‫تتسلم اّسلطِت من اإلدارتني (اّربيطِنِة واّفَنسِة) ‪ ،‬وأخرياً عني رئِسًِ ّلديوا امللكي ‪ ،‬وكِ قد‬ ‫وضع حبثًِ مفصالً عن اّقضِة اّلِبِة كِ صَحيًِ يف اّتفِصِل اّيت تنِوهلِ يف ذّك اّبحث ‪ ،‬وقد أجِب‬


‫فِه عن اّكثري من األمور اّغِمضة ‪ ،‬وقد ّفت فِه نظَ جهِت معِنة ومنهم اّكثري من ِيسِ اّظن ‪،‬‬ ‫وقد أتثَ بتصَفِهتِ وأراد طبعه سنة (‪ 1949‬م) يف مصَ ؛ إال أ اَّقِبة املفَوضة يومذاك قد يذفت‬ ‫اّكثري منه ‪ ،‬ووافقت على طبع مِ وافقت علِه ‪ ،‬فَفض شنِب اّطبع إال إذا كِ كِمالً ‪ ،‬وال يزال‬ ‫ذّك اّبحث مفقوداً ؛ أنمل أ تتكِثف اجلهود ّريى اّنور وتستفِد منه األجِ​ِل اّصِعدة[(‪.])361‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬اجلمعِ​ِت اّيت أسست خِرج ِّبِة‪:‬‬ ‫وأسست مجعِة يف مصَ بزعِمة أَمد اّسوحيلي ‪ ،‬وقِمت بنشِط كبري ‪ ،‬وفتح عِم (‪ 1943‬م) اندي‬ ‫طَابلس اّغَب اّثقِيف ‪ ،‬وشكلت اجلِِّ​ِت اّلِبِة اّيت تقطن خمتلف أرجِء اّعِمل اإلسالمي جلنة ّلدفِع‬ ‫عن يقوق بلدهِ بزعِمة بشري اّسعداوي ‪ ،‬واختذت مِثِقًِ وطنِ​ًِ هبِ قدمته إىل املؤَتَ اإلسالمي اّذي‬

‫انعقد يف‬ ‫اّقدس عِم (‪ 1931‬م) ‪ ،‬وطِّبت اّلجنة املسلمني يف أقطِر األرض ّتقدمي املسِعدة إلخواهنم‬ ‫املنكوبني يف ِّبِة‪.‬‬ ‫وحتَك األمري إدريس سِ​ِسِ​ًِ مع بداية احلَب اّعِملِة اّثِنِة ‪ ،‬ومن اّشخصِ​ِت اّيت كِ هلِ أثَ سِ​ِسي‬ ‫يف مصَ يف تلك اّفرتة ابّنسبة ّلجِِّة اّلِبِة‪ :‬أَمد اّسوحيلي ‪ ،‬وأَمد املَيض ‪ ،‬وعو سوف ‪ ،‬وتوفِق‬ ‫اّغَ​َيين ‪ ،‬وحممد اّعِسِوي ‪ ،‬وعبد اّسالم اّكزة ‪ ،‬وعبد احلمِد اّعبِر‪.‬‬ ‫وشكل األمري إدريس اّسنوسي جِشًِ ‪ ،‬وفوض أمَه إىل صفي اّدين اّسنوسي اّذي جند (‪)00014‬‬ ‫من املهِجَين اّلِبِني ‪ )120( ،‬ضِبطًِ ‪ ،‬وشكلت اجلمعِة اّوطنِة اّلِبِة اّيت قَرت إعال بِعة‬ ‫اّسنوسي ‪ ،‬وتفويضه دو قِد أو شَط وخوض احلَب إىل جِنب بَيطِنِة ‪ ،‬ورفض بعض زعمِء‬ ‫اّلِبِني ذّك ‪ ،‬ويف معَكة اّعلمني يققت بَيطِنِة نصَاً يِمسًِ على أملِنِة بقِ​ِدة رومِل ‪ ،‬وشِرك‬ ‫اّسنوسِو مع اإلنكلِز رافعني اّعلم اّسنوسي ‪ ،‬وكِنت املعِرك اّسِ​ِسِة مستمَة ومستعَة بني اّلِبِني‬ ‫‪ ،‬وّكن اّكفة رجحت ّصِحل اّسنوسِني‪.‬‬ ‫وظهَت بعض اّزعِمِت اّوطنِة املتنِثَة يف بالدان ‪ ،‬وعِدت إىل اّظهور األيزاب اّيت أسست أثنِء‬ ‫املفِوضِت اّلِبِة اإليطِِّة يف هنِية احلَب اّعِملِة األوىل ‪ ،‬وأسست أيزاب جديدة على أيدي‬ ‫اّقِدمني من املهجَ ‪ ،‬وكِنت األيزاب بلِبِة امتداداً ّتأثري احلَكِت احلزبِة يف مصَ وسورية وّبنِ‬ ‫وغريهِ بوسِطة اّعِئدين من املهجَ ‪ ،‬وكِنت سَعة منوهِ كبرية ‪ّ ،‬درجة أ اّلِبِني وخِصة يف منطقة‬ ‫طَابلس أصبحوا بعد ست سنوات يقومو ابملظِهَات ؛ ممِ يدل على منو اّوعي اّسِ​ِسي‪.‬‬


‫وظهَ يف عِم (‪ 1942‬م) (اندي عمَ املختِر اَّ​َيضي) اّذي كِ ّه نشِط سِ​ِسي ‪ ،‬يهدف إىل‬ ‫تويِد بَقة وطَابلس ‪ ،‬يقوده اّشبِب يف تلك اّفرتة احلَجة من اتريخ بالدان‪.‬‬ ‫ويف مطلع عِم (‪ 1944‬م) أصبح اّنِدي يعلن بصَاية انتقِده ّإلدارة اّربيطِنِة ‪ ،‬ويظهَ اجتِهًِ‬ ‫ويدوَيً مع االجتِه اّطَابلسي من أجل احتِد وطين‪.‬‬ ‫ومل يكن االجتِه اإلسالمي يف هذه املَيلة املظلمة ممثالً إال يف شخصِة األمري‬ ‫اّسنوسي بكونه اّوريث اّشَعي ّلحَكة اّسنوسِة ‪ ،‬وبعض األفَاد اّقالئل واّشِوخ اّتقلِديني‪.‬‬ ‫ويف سنة (‪ 1947‬م) أصبح اّربيطِنِو يَو احلِجة إىل منح بَقة نوعًِ من احلكومة اّذاتِة حتت زعِمة‬ ‫إدريس ‪ ،‬وأوصت جلنة بَيطِنِة بربانمج استقالل على ثالث مَايل ‪ ،‬وحتت اإلشَاف اّربيطِين ‪ ،‬أمِ‬ ‫يف طَابلس فكِ اّوضع خيتلف ‪ ،‬وظهَ اخلوف هنِك من عودة احلكم اإليطِيل ّلمنطقة ‪ ،‬وخِصة‬ ‫وجود اجلِِّة اإليطِِّة اّكبرية مبطِمعهِ وتطلعِهتِ‪.‬‬ ‫واقتصَت غِّبِة األيزاب واجلمِعِت يف منطقيت بَقة وطَابلس على يِجتهم ّدوّة متحدة ‪ ،‬وأصبح‬ ‫(اندي عمَ املختِر) يشدد انتقِده ضد اّربيطِنِني وضد سِ​ِسة إدريس املتحِّف مع‬ ‫بَيطِنِة[(‪.])362‬‬ ‫سِبعًِ‪ :‬يل األيزاب وإنشِء املؤَتَ اّوطين يف بَقة واضطَاب األيزاب يف طَابلس‪:‬‬ ‫وقِم إدريس إبيقِف نشِط اندي عمَ املختِر ‪ ،‬ومنع مجِع األيزاب اّسِ​ِسِة عن اّعمل يف ديسمرب‬ ‫(‪1947‬م ) ‪ ،‬وأَّف األمري إدريس املؤَتَ اّوطين حبجة اّتحدث ابسم أهِيل بَقة مجِعًِ ‪ ،‬إال أ املؤَتَ‬ ‫كِ يتكو من اجلِل اّقدمي من قِدة اّقبِئل املواّني ّه ‪ ،‬وكِ املؤَتَ بَائسة أخِه حممد رضِ اّسنوسي‬ ‫‪ ،‬ويف طَابلس كِنت األيزاب اّسِ​ِسِة يف اضطَاب وبلبلة ‪ ،‬ووجد يف املنطقة أكثَ من عشَة أيزاب‬ ‫ومجِعِت ونو ٍاد ذات أهداف خمتلفة ؛ تسعى كلهِ ّالستقالل وتويِد منِطق طَابلس وبَقة وفزا ‪،‬‬ ‫وّكن االختالف كِ على من يقود هذا االحتِد ‪ ،‬وهل هو ملكي أو مجهوري ‪ ،‬وقد تكونت من‬ ‫احلزب اّوطين اّكتلة اّوطنِة بقِ​ِدة أَمد اّفقي يسن ملنِهضة اّسنوسِة واّدعوة إلقِمة مجهورية ‪،‬‬ ‫وكِ يوجد يزب االستقالل وجلنة اّتحَيَ اّلِبِة املتعِونة مع اجلِمعة اّعَبِة ‪ ،‬ويَأسهِ بشري‬ ‫اّسعداوي‪.‬‬ ‫وبقي يف ِّبِة (‪ )48000‬إيطِيل ‪ ،‬ظهَ بِنهم يزب فِشِسيت بدعم من رومِ ‪ ،‬ويزب معِكس ّه‬ ‫إيطِيل‪.‬‬


‫وأرسلت اّدول اّكربى جلنة ّتقصي وضع ِّبِة ‪ ،‬فوجدوا رغبة عِرمة يف االستقالل اّتِم ‪ ،‬وأوضح‬ ‫تقَيَ اّلجنة اَّغبة اّلِبِة اإلمجِعِة ّالستقالل اّتِم ‪ ،‬وأضِفت أ اّلجنة اّلِبِة مل تكن يف وضع‬ ‫اقتصِدي ميكنهِ من االعتمِد على نفسهِ ‪ ،‬وأيضًِ غري مؤهلة ّالستقالل‪ ...‬وقِّت اّلجنة يف تقَيَهِ‬ ‫أب يوايل ‪ %94‬من اّسكِ أمِو ‪ ،‬وال يوجد هبِ مِ يزيد عن ‪ِّ 15‬بِ​ًِ متخَجًِ دو أ يكو فِهم‬ ‫طبِب وايد ‪ ،‬وأ متوسط اّدخل اّفَدي ‪ 15‬جنِهًِ يف اّسنة ‪ ،‬وأ نسبة اّوفِ​ِت بني األطفِل‬ ‫‪ ، %40‬ورأت بَيطِنِة أ تكو بَقة حتت اَّعِية اّربيطِنِة‪ ..‬وأ تكو منطقة طَابلس حتت اّوصِية‬ ‫اإليطِِّة ‪ ،‬وفزا حتت اّوصِية اّفَنسِة‪.‬‬ ‫أمِ اّوالَيت املتحدة فقد اختذت موقفًِ مغِيَاً ‪ ،‬إذ اقرتيت أ توضع ِّبِة كلهِ حتت وصِية األمم‬ ‫املتحدة ملدة عشَ سنوات ‪ ،‬على أ حتتفظ أمَيكة بقِعدة هويلس (املالية) اجلوية واّتسهِالت‬ ‫احلَبِة األخَى ‪ ،‬وكِنت بَيطِنِة مستعدة ّلموافقة على اقرتاح اّوالَيت املتحدة ‪ ،‬إال أ فَنسة‬ ‫عِرضت ذّك‪.‬‬ ‫أمِ االحتِد اّسوفِ​ِيت ‪ ،‬فقد يبذ يف اّبداية اخلطة األمَيكِة ‪ ،‬بوصِية األمم املتحدة ‪ّ ،‬كنه عِرض فِمِ‬ ‫بعد اّوصِية على منطقة طَابلس ملدة عشَ سنوات ‪ ،‬حبجة أنه ّو يدث ذّك ‪ ،‬فإ (اّنظِم‬ ‫اّسوفِ​ِيت) ّن يصل إىل منطقة طَابلس ‪ ،‬ومل تقبل بَيطِنِة أو فَنسة هذا اّعَض ابرتِ​ِح‪.‬‬ ‫وهكذا َي أخي اّقِرأى كِنت بالدك منذ مخسني عِمًِ ال َتلك ّنفسهِ خرياً وال نفعًِ وال يالًّ وال‬ ‫عقداً‪ .‬ومع منو اّوعي اّوطين واحلس اّسِ​ِسي قِمت مظِهَات مجِعِة مل تدع شكًِ يف اّشعور اّعِم‬ ‫املعِدي ّلخطة‪ .‬وسِرت اجلمِهري اّكبرية املنظمة عرب شوارع طَابلس ‪ ،‬حمتجة ضد اّوصِية اإليطِِّة‬ ‫على طَابلس ‪ ،‬وقدر عدد اّذين اشرتكوا يف املظِهَة بستني أّفًِ ‪ ،‬مبِ يف ذّك مظِهَات جِءت من‬ ‫مد أخَى ‪ ،‬وكِنت منظمة تنظِمًِ حملِ​ًِ ‪ ،‬وصِيب املظِهَات دعِية واسعة جلبت رأي عِملي وعَيب‬ ‫ّلقضِة اّلِبِة‪.‬‬ ‫ويف خالل هذه املظِهَات َاحتند احلزب اّوطين واجلبهة اّوطنِة املتعددة‬ ‫ذوغريمهِ يف يزب املؤَتَ اّطَابلسي حتت قِ​ِدة بشري اّسعداوي ‪ ،‬واستمَ يزب املؤَتَ يف تنظِم‬ ‫املظِهَات وااليتجِجِت يىت رفضت هنِئِ​ًِ خطة (بِفن ـ سفورزا) من قبل األمم املتحدة‪ .‬وكِ هذا‬ ‫سببًِ يف بَوز احلزب على أنه اّقوة اّسِ​ِسِة اَّائدة يف منطقة طَابلس ‪ ،‬ويف اجلمعِة اّعمومِة يف ‪18‬‬ ‫مِيو (‪ 1949‬م) كِنت كل اّدالئل تشري إىل أ قَار اخلطة سوف حيصل على أغلبِة اّثلثني يف منح‬


‫استقالل ِّبِة ‪ ،‬وّكن مندوب هِييت (إمِل ّوت) عِرض اّوصِية اإليطِِّة على منطقة طَابلس ‪،‬‬ ‫وكِنت اّنتِحة أ فشلت اخلطة عند االقرتاع علِهِ ‪ ،‬وذّك بسبب نقص صوت وايد كِ مطلوابً‬ ‫ّتأمني األغلبِة اّيت أعطت أصواهتِ ّقَار اخلطة (‪ 33‬مقِبل ‪ 17‬وغِ​ِب ‪ ، )8‬وكِ اّذي أقنع (إمِل‬ ‫ّوت) ابّوقوف مع اّشعب اّلِيب اّدكتورعلي اّعنِزي ـ رَمه هللا تعِىل‪.‬‬ ‫واستطِعت اّوفود اّعَبِة يف األمم املتحدة أ تقنع بسهوّة اّوفد اّسوفِ​ِيت وبعض اّوفود األخَى‬ ‫املعِرضة ملصلحة استقالل ِّبِة ‪ ،‬وبفشل اّتصويت على وضع اّوصِية اإليطِِّة مل يعد هنِك سبب‬ ‫يدعو كتلة أمَيكة اّالتِنِة ّدعم بقِة اّقَار ‪ ،‬واقرتعت ضده ابّفعل ممِ سبب ّه هزميته أبغلبِة ‪37‬‬ ‫صواتً ضد ‪ 14‬وغِ​ِب ‪ 7‬أصوات ‪ ،‬وقد دعم استقالل ِّبِة دول إسالمِة وعَبِة مثل‪ :‬ابكستِ‬

‫وسورية وّبنِ ‪ ،‬وكذّك اهلند ملصِحلهِ‪.‬‬ ‫وقد تغري موقف اَّوس بشكل ملفت ّلنظَ ‪ ،‬فبعد أ كِنوا يف وقت مِ يَيدو اّوصِية اّسوفِ​ِتِة على‬ ‫منطقة طَابلس ‪ ،‬مث إرجِع ِّبِة إليطِِّة ؛ أصبحوا سنة (‪ 1949‬م) ينِدو ابستقالهلِ خالل ثالثة‬ ‫أشهَ ‪ ،‬وجالء مجِع اّقوات األجنبِة عنهِ‪.‬‬ ‫وأصبحت بَيطِنِة تَى ملصلحتهِ استقالل ِّبِة كلهِ ‪ ،‬وخِصة إذا أمكن احلفِظ على اّقواعد‬ ‫اّربيطِنِة يف منطقيت طَابلس وبَقة‪.‬‬ ‫ورفضت خطة بِفن ـ سفورزا ‪ ،‬وأعلن إدريس استقالل بَقة بتأيِد بَيطِنِة ‪ ،‬ونصب نفسه أمرياً علِهِ‪،‬‬ ‫وأصبحت احلكومة احمللِة مسؤوّة عن اّشؤو اّداخلِة‪ .‬أمِ اّشؤو اّقضِئِة واملِِّة فبقِت حتت‬ ‫مسؤوِّة املستشِرين اّربيطِنِني‪ ،‬وكذّك ظلت األمور اخلِرجِة واّدفِعِة واألمالك اإليطِِّة حتت‬ ‫اّسِطَة اّربيطِنِة‪.‬‬ ‫أصبح استقالل ِّبِة شِئًِ ال بد منه ابّنسبة ّألمم املتحدة ‪ ،‬وأعِدت قضِة ِّبِة إىل اّلجنة اّسِ​ِسِة‬ ‫يف صِف عِم (‪ 1949‬م) ‪ ،‬ومسح إليطِِّة ابالشرتاك ابّنقِش ‪ ،‬وكذّك ملمثلني من املؤَتَ اّوطين‬ ‫اّربقِوي ‪ ،‬ويزب املؤَتَ اّوطين اّطَابلسي ‪ ،‬وممثلني من اجلِِّة اِّهودية بطَابلس ‪ ،‬ويف أكتوبَ بدأت‬ ‫جلنة فَعِة يف وضع قَار يتضمن مجِع اّنقِط اَّئِسِة اّواردة يف مقرتيِت وفود اهلند واّعَاق وابكستِ‬ ‫واّوالَيت املتحدة ‪ ،‬واتفق على اّقَار أبغلبِة سِيقة يف اجلمعِة اّسِ​ِسِة يف ‪ 12‬نوفمرب ‪ ،‬مث قدم بعد‬ ‫أسبوع إىل اجلمعِة اّعِمة[(‪.])363‬‬


‫املبحث اّثِّث‬ ‫قَار األمم املتحدة بشأ ِّبِة‬ ‫ويف ‪ 21‬نوفمرب (‪ 1949‬م) تبنت اجلمعِة اّعِمة اّقَار اّذي اقرتيته وفود اهلند واّعَاق وابكستِ‬ ‫واّوالَيت املتحدة ‪ ،‬وتبنته اجلمعِة أبغلبِة ‪ 48‬صواتً ضد صوت وايد (احلبشة) ‪ ،‬وغِ​ِب تسعة فِهِ‬ ‫فَنسة ومخس دول شِوعِة‪.‬‬ ‫ويتضمن اّقَار مِ يلي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ أ تصبح ِّبِة املكونة من منِطق بَقة وطَابلس وفزا دوّة مستقلة ذات سِ​ِدة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ أ يصبح هذا االستقالل سِري املفعول يف أسَع وقت ممكن ‪ ،‬وأال يتأخَ أبي يِل من األيوال‬ ‫عن أول ينِيَ (‪ 1952‬م)‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ أ يقَر دستور ِّبِة ‪ ،‬يضم شكل احلكومة من قبل ممثلني عن سكِ منِطق بَقة وطَابلس وفزا ‪،‬‬ ‫جيتمعو ويتشِورو معًِ يف مجعِة وطنِة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ومن أجل مسِعدة شعب ِّبِة على وضع دستور وإقِمة يكومة مستقلة يَسل مندوب من األمم‬ ‫املتحدة إىل ِّبِة ‪ ،‬تعِنه اجلمعِة اّعِمة ‪ ،‬ومعه جملس ملسِعدته ونصِحته‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ أ يقدم مندوب األمم املتحدة ‪ ،‬ابملشِروة مع اجمللس ‪ ،‬تقَيَاً سنوَيً مع اّتقِريَ اّيت يعتربهِ ضَورية‬ ‫‪ ،‬ويضِف إىل هذه اّتقِريَ مذكَة أو واثئق يَغب مندوب األمم املتحدة أو أي عضو يف جملس يف أ‬ ‫يضعهِ أمِم انتبِه األمم املتحدة‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ أ يتكو اجمللس من عشَة أعضِء ‪ ،‬وابّتحديد‪:‬‬ ‫أ ـ ممثل تَشحه يكومة كل من اّبلدا اّتِِّة‪ :‬مصَ وفَنسة وإيطِِّة وابكستِ واململكة املتحدة‬ ‫واّوالَيت املتحدة‪.‬‬ ‫ب ـ ممثل عن شعب كل من املنِطق اّثالث يف ِّبِة ‪ ،‬وممثل عن األقلِ​ِت‪.‬‬


‫‪ 7‬ـ أ يعني مندوب األمم املتحدة املمثلني املذكورين يف اّفقَة ‪ 6‬ـ ب بعد اّتشِور مع اّقوى اإلدارية ‪،‬‬ ‫ومع ممثلي احلكومِت املذكورين يف اّفقَة ‪ 6‬ـ أ ‪ ،‬ومع اّشخصِ​ِت اّقِ​ِدية وممثلي األيزاب اّسِ​ِسِة‬ ‫واملنظمِت يف املنِطق املعِنة‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ وإجنِزاً ملهِمه ‪ ،‬يشِور مندوب األمم املتحدة ويسرتشد مبشورة أعضِء جملسه ‪ ،‬وجيب أ يكو‬ ‫معلومًِ أ إبمكِنه أ يقِبل أشخِصًِ خمتلفني ّسمِع اّنصِحة خبصوص املنِطق املختلفة أواملواضع‬ ‫املختلفة‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ ميكن ملندوب األمم املتحدة أ يقدم املقرتيِت إىل اجلمعِة اّعِمة ‪ ،‬وإىل اجمللس االقتصِدي‬ ‫واالجتمِعي ‪ ،‬وإىل اّسكَتري اّعِم فِمِ خيص اإلجَاءات اّيت ميكن أ تتبنِهِ األمم املتحدة خالل‬ ‫اّفرتة االنتقِِّة خبصوص املشِكل االقتصِدية واالجتمِعِة يف ِّبِة‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ أ تقوم اّقوى اإلدارية ابّتعِو مع مندوب األمم املتحدة‪:‬‬ ‫أ ـ ابختِذ مجِع اخلطوات اّالزمة يِالً ّنقل اّسلطة إىل يكومة دستورية مستقلة‪.‬‬ ‫ب ـ إدارة املنِطق هبدف مسِعدة أقسِم اّويدة اّلِبِة ‪ ،‬واالستقالل واّتعِو يف تكوين اإلدارات‬ ‫احلكومِة وتنسِق نشِطِهتِ من أجل هذه اّغِية‪.‬‬ ‫ج ـ تقدمي تقَيَ سنوي ّلجمعِة اّعِمة يول اخلطوات املتخذة ّتطبِق هذه اّتوصِ​ِت‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ أ تدخل ِّبِة األمم املتحدة يسب املِدة (‪ )4‬من املِثِق ‪ ،‬بعد أ تصبح دوّة مستقلة‪.‬‬ ‫وبعد أسبوعني عِنت اجلمعِة اّعِمة مسِعد اّسكَتري اّعِم (أدرَي بلِت) مندوابً ّألمم املتحدة يف‬ ‫ِّبِة‪.‬‬ ‫إ اخلطوات املذكورة حنو االستقالل ـ على يسب تقديَي وفهمي ّلحقِقة ـ ال نعتربه استقالالً مبفهومه‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫اّذي وضع ّه هذا املصطلح‪ .‬إ َ األمة اّيت حتكم شَ ن‬

‫رهبِ من ذاتِتهِ وشخصِتهِ وعقلهِ وقلبهِ وعقِدهتِ ؛ هي تلك األمة احلَة املستقلة اّيت رضِت ابهلل‬ ‫رابً وابإلسالم دينًِ و ٍ‬ ‫مبحمد نبِ​ًِ ورسوالً ؛ بل انتقلت بالدان من االستعمِر اإليطِيل اّنصَاين احلِقد إىل‬ ‫استعمِر من نوع اخَ يف أموره اّدستورية واّسِ​ِسِة واالقتصِدية واّتعلِمِة ‪ ،‬فأين إذاً االستقالل؟‬ ‫وّذّك فإ شعبنِ يئن من وطأة اّظِملني اّذين يكموه بقوانني أرضِة طِنِة ‪ ،‬وغِبوا شَع هللا عنه ظلمًِ‬ ‫وهبتِانً وزوراً ‪ ،‬وعلى األيَار من أبنِء شعبنِ أ يعملوا ِّالً وهنِراً ‪ ،‬سَاً وإعالانً من أجل االستقالل‬ ‫احلقِقي وكسَ اّقِود املكبل هبِ شعبنِ ‪ ،‬وال يتحقق ذّك إال عندمِ حيكم شَع هللا ودستور اإلسالم‬


‫اخلِّد على شعبنِ املسلم اّذي عِىن وال يزال يعِين من تكبِل يَيته واستقالّه واختِذ قَاره ‪ ،‬ومِ ذّك‬ ‫على هللا بعزيز‪.‬‬ ‫وكِ موعد استقالل ِّبِة سِحل بعد ‪ 700‬يوم من وصول مبعوث األمم املتحدة ّبدء مهمته ‪،‬‬ ‫وعندمِ وصل املبعوث ( أدرَي بلت) إىل ِّبِة يف ريلة استطالعِة ملدة أسبوعني يف ‪ 18‬ينِيَ (‪1950‬‬ ‫م) ‪ ،‬خلص مهمته على أهنِ ملسِعدة شعب ِّبِة على وضع دستوره وإقِمة يكومة مستقلة[(‪.])364‬‬ ‫وكِ أول واجب علِه هو أ يكمل عضوية اجمللس املنصوص علِه يف قَار اجلمعِة املكلف ابستشِرته‬ ‫‪ ،‬وقد عني ممثلو مصَ وفَنسة وإيطِِّة وابكستِ واململكة املتحدة واّوالَيت املتحدة من قبل‬ ‫يكومِهتم املعنِة ‪ ،‬وطلب (بلت) مَشحًِ متفقًِ علِه من كل املنِطق اّلِبِة اّثالث ‪ ،‬وممثالً ّلجِِّ​ِت‬

‫اإليطِِّة واِّهودية واِّواننِة مبنطقة طَابلس ‪ ،‬وقدمت فزا مَشحًِ وايداً ‪ ،‬إال أ بَقة قدمت مثِنِة ‪،‬‬ ‫وطَابلس سبعة ‪ ،‬واألقلِ​ِت أربعة ‪ ،‬وبعد اّتشِور مع اّقوى احلِكمة األجِنب ‪ ،‬عني (بلت) أسد‬ ‫اجلَيب ممثالً ّربقة ‪ ،‬ومصطفى مزرا عن منطقة طَابلس ‪ ،‬وأَمد احلِج اّسنوسي عن فزا ‪ ،‬وجِ​ِكو مو‬ ‫مِرشِنو اإليطِيل ّألقلِ​ِت ‪ ،‬وأنشأى جملس ِّبِة (املشهور مبجلس اّعشَة) يف ‪ 15‬أبَيل (‪ 1950‬م)‬ ‫‪ ،‬وكِ يضم ثالثة ِّبِني وممثلني عن دوّتني إسالمِتني مستقلتني (مصَ وابكستِ ) ‪ ،‬وإيطِِّني (وايد‬ ‫ميثل إيطِِّة واالخَ ميثل األقلِ​ِت األجنبِة بلِبِة) ‪ ،‬وثالثة ميثلو ثالثة قوى غَبِة هي‪ :‬بَيطِنِة وفَنسة‬ ‫واّوالَيت املتحدة ‪ ،‬وّذّك‬ ‫يعترب تكوين عضويته ـ أي‪ :‬اجمللس ـ حتِزاً ّلغَب مبعدل سبعة مقِبل ثالثة ‪ ،‬على اعتبِر أ ممثلي بَقة‬ ‫وفزا كِان خِضعني ّتأثري بَيطِنِة وفَنسة ‪ ،‬وأ اّثالثة هم ممثلو مصَ وابكستِ وطَابلس أيضًِ‬ ‫اتبعو ّلقوى األجنبِة املسِطَة‪.‬‬ ‫وكِنت معِرضة قوية جداً حمتجة على دخول اإليطِِّني واألقلِ​ِت األخَى يف تقَيَ مصري اّشعب‬ ‫املسلم يف ِّبِة ‪ ،‬وّوجود ختوف من تدخل اإلدارة اّربيطِنِة يف االنتخِابت ‪ ،‬وبذّك أّغِت خطط‬ ‫(بلت)‪.‬‬ ‫إال أنه مل يِأس ‪ ،‬واستطِع استدراج بعض اّشخصِ​ِت اّدينِة واّوطنِة ‪ ،‬وشكل مجعِة وطنِة من‬ ‫طَابلس وفزا ‪ ،‬وأّغت كثرياً من االقرتايِت ‪ ،‬وأمخدت األصوات املعِرضة[(‪ ، ])365‬وبعد أ‬ ‫يِزت اجلمعِة اّوطنِة اّسلطِت كي تقَر اّشكل اّتنظِمي واّدستوري ملستقبل اّدوّة ‪ ،‬وختتِر من‬ ‫أعضِئهِ جلنة ّوضع اّدستور ؛ عقدت اجلمعِة أول اجتمِع هلِ يف طَابلس يف ‪ 25‬ينِيَ نوفمرب سنة‬


‫(‪ 1950‬م) ‪ ،‬وانتخب مفيت طَابلس رئِسًِ هلِ ‪ ،‬واتفقت خالل أسبوع على أ تكو ِّبِة دوّة‬ ‫دميقَاطِة فدراِّة ذات سِ​ِدة ‪ ،‬وأ تكو اّدوّة ملكِة دستورية ‪ ،‬ودعم ممثلو بَقة وفزا االحتِد بقوة ‪،‬‬ ‫وقنبِل اّطَابلسِو ذّك‪.‬‬ ‫وظهَ بشري اّسعداوي كشخصِة وطنِة فذة ‪ ،‬وكِ من أكرب املتحمسني ّلويدة ‪ ،‬وكِ ّه شعبِة‬ ‫ومسِندة معظم اّوطنِني يف تطلعِته حنو ويدة اّبالد ‪ ،‬ووقف ضد اجلمعِة اّوطنِة وقِد َمالت ضدهِ‬ ‫وتسِءل بشري اّسعداوي رَمه هللا عن أهلِة اجلمعِة اّوطنِة يف نداء و َجهه إىل األمم املتحدة واجلِمعة‬ ‫اّعَبِة ‪ ،‬واستمَ بشري اّسعداوي يهِجم عدم أهلِة اجلمعِة اّوطنِة طِلة اّنصف األول من عِم‬ ‫(‪ 1951‬م) ‪ ،‬وكسب أتيِد عبد اَّ​َمن عزام ‪ ،‬وقِم عزام أيضًِ ابهلجوم على اجلمعِة اّوطنِة ‪ ،‬وأ‬

‫قَاراهتِ غري قِنونِة وخمِّفة َّغبِت اّشعب اّلِيب ‪ ،‬وقَرت اّلجنة اّدستورية ّلجِمعة اّعَبِة أبنه ال‬ ‫يِجة ّالحتِد يف بلد يويده اجلنس واّلغة واّعِدات واّدين ‪ ،‬وأكثَ من ذّك فإ اجلمعِة مل ينتخبهِ‬ ‫اّشعب ِّس هلِ سلطة اّبت يف أمور تؤثَ على مستقبل اّبالد ‪ ،‬وقِم (بلت) إبرسِل مفيت طَابلس ؛‬ ‫وهو‬ ‫عضو من اجلمعِة اّوطنِة إىل مصَ ِّخطب ود اجلِمعة اّعَبِة ‪ ،‬وتالشت عداوة اجلِمعة اّعَبِة‬ ‫ابّتدريج‪.‬‬ ‫ويف اَّابع من ديسمرب (‪ 1950‬م) ؛ أقَت اجلمعِة اّوطنِة اّعلم اّلِيب ‪ ،‬وانتخبت جلنة اّدستور على‬ ‫أسِس ستة أعضِء من كل منطقة ّتحضري وتقدمي مسودة دستور ‪ ،‬وقِمت اّلجنة بدورهِ بتشكِل‬ ‫جمموعة عِملة من ستة أعضِء ّكتِبة املسودة وتقدميهِ فصالً بعد اخَ ّلجنة ‪ ،‬وكِ (بلت) وخرباء‬ ‫اخَو من األمم املتحدة مستعدين ّتقدمي املشورة عند أول اجتمِع ّلمجموعة اّعِملة يف ‪ 11‬ديسمرب‪.‬‬ ‫ودرست دسِتري أيد عشَ احتِداً ؛ منهِ‪ :‬اهلند ‪ ،‬وسويسَة ‪ ،‬وفنزويال ‪ ،‬وقورنت ببعضهِ بعض ‪،‬‬ ‫وأخذت دسِتري مصَ واّعَاق واألرد وّبنِ وسورية ‪ ،‬وكذّك يقوق اإلنسِ كنمِذج ّفعل احلَ​َيت‬ ‫األسِسِة ‪ ،‬وغِبت عن املسلمني يف ِّبِة قواعد اّنظِم األسِسي يف اإلسالم ‪ ،‬ومن هذه اّقواعد اّيت‬ ‫غِبت عن املسلمني مفهوم احلِكمِة ؛ فمدّول ال إّـه إال هللا يعين‪ :‬أنه ال خِّق وال رازق وال حمِي وال‬ ‫ممِت وال انفع وال ضِر إال هللا ‪ ،‬ويعين أيضًِ‪ :‬ال مشَع وال حملل وال حمَم إال هللا ‪ ،‬وغِب عن املسلمني‬ ‫يف ِّبِة أ اّتحِكم إىل اّدسِتري اّوضعِة ووضع اّقوانني اّبشَية يتنَِف مع بدهِ​ِت اّتصور اإلسالمي‬ ‫واّعقِدة اإلسالمِة ‪ ،‬إ هللا اّذي جعل اإلسالم دينًِ هو اّذي جعله عقِدة ونظِمًِ ‪ ،‬وإ هللا ِّأىب‬


‫{ونم ْن ينـْبـتن ِغ نغِْـنَ ا ِإل ْسالنِم ِدينًِ فنـلن ْن‬ ‫على اّنِس أ يبتغوا ألنفسهم دينًِ غري هذا اّدين‪[ :‬ال عمَا ‪ :‬ن‬ ‫ِ‬ ‫اآلخَةِ ِمن ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مَا ‪]85 :‬‬ ‫اخلنِس َِ ن‬ ‫يـُ ْقبن نل مْنهُ نوُه نو يف ن ن‬ ‫ين [آل ع ن‬ ‫إ اّذين أرادوا اّفصل بني اّعقِدة اإلسالمِة واّنظِم اإلسالمي إمنِ هم أعداء اإلسالم ‪ ،‬وحنن نقول‪:‬‬ ‫إ اإلسالم عقِدة وشَيعة ‪ ،‬فإ اّعقِدة واّشَيعة أمَا متالزمِ ‪ ،‬ال ينفك أيدمهِ عن االخَ ‪ ،‬وإ‬ ‫اّفصل بِنهمِ ضالل وكفَ وردة ؛ فإ اإلميِ ابّعقِدة وتَك اّشَيعة كفَ ‪ ،‬وإ األخذ ابّشَيعة وتَك‬ ‫اّعقِدة كفَ‪.‬‬ ‫وهذه اّفعلة اّشنِعة يف اجلَي خلف اّدسِتري األرضِة وقوانني اّدول اّغَبِة اّعلمِنِة وغريهِ؛ يدل‬ ‫دالّة قِطعة على خطورة األمَ اّذي وصلت إِّه بالدان من اّضعف اّعقدي واّشَعي‪.‬‬ ‫قِل تعِىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يد اّشَِطنِ ُ أن ْ ي ِ‬ ‫ضالنالً‬ ‫[اّنسِء‪{ :‬يَُِ ُ‬ ‫ضلَ ُه ْم ن‬ ‫يدو ن أن ْ ينـتن نحِ نك ُموا إِ نىل اّطَِغُوت نوقن ْد أُم َُوا أن ْ ين ْك ُف َُوا بِه نويَُِ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِدا [اّنِ نسِء‪]60 :‬‬ ‫بنعِ ً‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫اّلل وّنوالن نكلِمةُ اّْ نفص ِل ّن ُق ِ‬ ‫ض ني‬ ‫ْ‬ ‫وقِل تعِىل‪[ :‬اّشورى‪{ :‬أ ْنم نهلُْم ُشنَنكِءُ نشنَعُوا نهلُْم م نن اّدي ِن نمِ نملْ نأيْ نذ ْ به َُ ن ْ ن‬ ‫ِ​ِ‬ ‫اب أنِّ ٌِم [اّشورى‪]21 :‬‬ ‫بنـِْـننـ ُه ْم نوإِ َ اّظَِّم ن‬ ‫ني نهلُْم نع نذ ٌ‬ ‫وِّس أليد من خلق هللا أ يشَع غري مِ شَع هللا وأيذ به كِئنًِ من كِ ‪ ،‬وهللا ويده هو اّذي‬ ‫يشَع ّعبِده مبِ أنه ـ سبحِنه ـ هو مبدع هذا اّكو ومدبَه ابّنوامِس ‪ ،‬وال يتحقق هذا إال يني يشَع‬ ‫هللا احملِط بتلك اّنوامِس ‪ ،‬وكل مِ عدا هللا قِصَ عن تلك اإليِطة بال جدال ‪ ،‬فال يؤَتن على‬ ‫اّتشَيع حلِ​ِة اّبشَ مع ذّك اّقصور‪.‬‬ ‫ومع وضوح هذه احلقِقة إىل يد اّبداهة ‪ ،‬فإ اّكثريين جيِدّو فِهِ ‪ ،‬أو ال يقتنعو هبِ ‪ ،‬وهم‬ ‫جيَؤو على استمداد اّتشَيع من غري مِ شَع هللا ‪ ،‬زاعمني أهنم خيتِرو اخلري ّشعوهبم ‪ ،‬ويوائمو بني‬ ‫ظَوفهم واّتشَيع اّذي ينشئونه من عند أنفسهم ‪ ،‬كأمنِ هم أعلم من هللا وأيكم من هللا ‪ ،‬أو كأمنِ هلم‬ ‫شَكِء من دو هللا يشَعو هلم مِ مل أيذ به هللا ‪ ،‬وِّس أخِب من ذّك وأجَأ على هللا[(‪.])366‬‬ ‫واّذي دفعين إىل اّوقوف عند هذه اّنقطة املظلمة من اتريخ بالدان وهي اختِ​ِر دستورهِ من دسِتري‬ ‫أرضِة وتَكهم ّتشَيع رب اّربية ؛ هو‪ :‬كو شعبنِ مسلمًِ مؤمنًِ ‪ ،‬وإمنِ فَض علِه ذّك من أعداء دينه‬ ‫‪ ،‬وإال فموقف املسلم من ذّك بني وواضح ‪ ،‬وإِّك موقف املسلم كمِ بِنه اّقَا اّكَمي ‪ ،‬قِل تعِىل‪:‬‬


‫[األعَاف‪{ :‬اتَبِعُوا نمِ أُنْ ِزنل إِّنِْ ُك ْم ِم ْن نربِ ُك ْم نوالن تنـتَبِعُوا ِم ْن ُدونِ​ِه أ ْنوِّ​ِنِءن قنلِ​ِالً نمِ تن نذ َك َُو ن‬ ‫‪]3‬‬ ‫فِملسلم يهَع إىل شَع ربه ودستوره بَضِ وطواعِة ورغبة وتسلِم‪.‬‬ ‫ِ​ِ‬ ‫اّللِ نونر ُسوِّ​ِه ِّ​ِن ْح ُك نم بنـِْـننـ ُه ْم أن ْ ينـ ُقوُّوا نِمس ْعننِ‬ ‫ني إِ نذا ُدعُوا إِ نىل َ‬ ‫وقِل تعِىل‪[ :‬اّنور‪{ :‬إَِمننِ نكِ ن قنـ ْونل اّْ ُم ْؤمن ن‬ ‫ك ُه ُم اّْ ُم ْفلِ ُحو ن [اّنُّور‪]51 :‬‬ ‫نوأنطن ْعننِ نوأُوّنئِ ن‬ ‫فشَيعتنِ اإلسالمِة رابنِة شِملة مشول اّعلم اإلّـهي ‪ ،‬حمِطة بشِكلهم إيِطة اّعلِم اخلبري ‪ ،‬ال تدع‬ ‫صغرية وال كبرية إال وقد أوجدت هلِ يالً ‪ ،‬وهي يسرية سهلة‬ ‫حتقق اِّسَ واّسهوّة وتَفع احلَج عن اّنِس ؛ ألهنِ ال تكلفهم إال وسعهم[(‪.])367‬‬

‫[األعَاف‪:‬‬ ‫ن‬

‫وتدخل األم املتحدة يف مصري اّشعوب ابسم مصلحة اّشعوب وإسعِدهِ واألخذ بِدهِ حنو احلَية‬ ‫واالستقالل واّنور واّدميقَاطِة ‪ ،‬يعلم هللا إهنم ّكِذبو ‪[ :‬املِئدة‪{ :‬أنفنحكْم ْ ِ ِ ِ‬ ‫ني نس ُن‬ ‫اجلنِهلَِة ينـْبـغُو ن نونم ْن أ ْ‬ ‫ُ ن‬ ‫ْمِ ِّنق ْوٍم يُوقِنُو ن [املِئدة‪]50 :‬‬ ‫اّللِ ُيك‬ ‫ِم نن َ‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫واّتِريخ اّبشَي يشهد أ أسعد اّفرتات اّيت كِنت تعِشهِ اّبشَية على اإلطالق ‪ ،‬تلك اّفرتة اّيت‬ ‫جتكم فِهِ بشَيعة هللا سبحِنه وتعِىل؛ يِث كِنت تنعم ابألمن واإلميِ واّسالمة واّسالم ‪ ،‬وكِ‬ ‫اّعدل واَّخِء واالستقَار يسود اجملتمعِت اّيت يكمت بشَع هللا[(‪.])368‬‬ ‫واحلكم معدود يف كتبنِ اّفقهِة من اّعقِئد واألصول ال من اّفقهِ​ِت واّفَوع ‪ ،‬فِإلسالم يكم وتنفِذ‬ ‫كمِ هو تشَيع وتعلِم ‪ ،‬كمِ هو قِنو وقضِء ‪ ،‬ال ينفك وايد منهِ عن االخَ‪.‬‬ ‫ّقد كِ اّضغط على اّبالد عظِمًِ ‪ ،‬وّذّك مل يستطع األمري إدريس وكذّك اّقوى اّوطنِة املسلمة‬ ‫من جعل دستور اّبالد رابنِ​ًِ انبعًِ من اّكتِب واّسنة وفهم اّسلف اّصِحل ‪ ،‬وحبِث يكو اإلسالم هو‬ ‫املصدر اَّئِسي واّويِد اّذي يستمد اّشعب منه قوانِنه ودستوره ؛ كِف ال وهللا تعِىل يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫[اّنحل‪{ :‬ونـَزّْنِ علنِك اّْ ِكت ِ ِ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ني [اّنحل‪، ]89 :‬‬ ‫دى نونر َْمنةً نوبُ ْشنَى ّ ْل ُم ْسلم ن‬ ‫ن ن نْ ن ن ن‬ ‫ِب تْبـِنِانً ّ ُك ِل نش ْيء نوُه ً‬ ‫ومعلوم أ اإلسالم دين ودوّة ‪ ،‬وصِحل ّكل زمِ ومكِ ‪.‬‬ ‫واملصلح اإلسالمي إ رضي ّنفسه أ يكو فقِهًِ مَشداً يقَر األيكِم ويَتل اّتعِِّم ‪ ،‬ويسَد اّفَوع‬ ‫واألصول ‪ ،‬وتَك أهل اّتنفِذ يشَعو ّألمة مِ مل أيذ به هللا ‪ ،‬وحيملوهنِ بقوة اّتنفِذ على خمِّفة أوامَه‬ ‫؛ فإ اّنتِجة اّطبِعِة أ يكو صوت هذا املصلح صَخة يف و ٍاد ونفخة يف رمِد ‪ ،‬قد يكو مفهومًِ‬ ‫أ يفتح املصلحو اإلسالمِو بَتبة اّوعظ واإلرشِد إذا وجدوا من أهل اّتنفِذ إصغِء ألوامَ هللا ‪،‬‬


‫وتنفِذاً أليكِمه ‪ ،‬وإيصِالً الَيته وأيِديث نبِه (ص) ‪ ،‬أمِ واحلِل كمِ نَى ؛ اّتشَيع اإلسالمي يف‬ ‫و ٍاد واّتنفِذ يف و ٍاد اخَ ‪ ،‬فإ قعود املصلحني‬ ‫اإلسالمِني عن املطِّبة ابحلكم جَمية ال يكفَهِ إال اّنهوض واستخالص قوة اّتنفِذ من اّذين ال‬ ‫يدينو اإلسالم احلنِف[(‪.])369‬‬ ‫ومضت اجملموعة اّعِملة واملختصة من اجلمعِة اّوطنِة ملنِقشة اجلنسِة اّلِبِة واّلغة وسلطِت امللك ‪،‬‬ ‫واملسؤوِّ​ِت اّوزارية‪ ،‬واّربملِ وتشكِل جملس اّشِوخ وقِنو االنتخِابت ‪ ،‬وقد أجَيت تعديالت عند‬ ‫تقدمي اّفصول إىل اّلجنة ‪ ،‬وقدمت مسودة إىل اجلمعِة اّوطنِة يف سبتمرب (‪ 1951‬م) ‪ ،‬واستمَت‬ ‫املنِقشِت ثالثة أسِبِع ‪ ،‬وكِ هنِك عدة خالفِت ؛ فكِ اّربقِويو يصَو على أ تكو بنغِزي‬ ‫هي اّعِصمة ‪ ،‬وأصَ اّطَابلسِو بتأيِد اّفزانِني على أ تكو طَابلس هي اّعِصمة ‪ ،‬واستقَ اَّأي‬ ‫على أ تكو طَابلس وبنغِزي عِصمتني مشرتكتني منعًِ ّلنزاع ‪ ،‬وأقَ اّدستور كله من ‪ 213‬مِدة‬ ‫إبشَاف (بلت) مبعوث األمم املتحدة‪.‬‬ ‫وأشِد (بلت) إبجنِز اّلِبِني ّلدستور يف مدى عشَة أشهَ ‪ ،‬وتزايدت قوة اّشعور ابّوعي اّوطين اّلِيب‬ ‫واحتِد مجِع املمثلني يف قَاراهتم إلنشِء ِّبِة املتحدة اّيت مسِهِ اّدستور (اململكة اّلِبِة) ‪ ،‬ومسِت‬ ‫املنِطق اّوالَيت بدالً من دول ‪ ،‬وكِنت اّسلطة اّتشَيعِة خموّة ّلملك وجملس اّشِوخ واّربملِ على‬ ‫أ يكو أعضِء جملس اّشِوخ ‪ 24‬عضواً ؛ مثِنِة من كل والية ؛ نصفهم معني من قبل امللك‬ ‫واّنصف االخَ منتخب ‪ ،‬أمِ اّنواب فِنتخبو من اّذكور اّبِّغني مبعدل وايد عن كل عشَين أّف‬ ‫من اّسكِ ‪ ،‬وخيتِر أعضِء اّوزارة املَكزية من اّربملِ االحتِدي ‪ ،‬ويعني امللك رئِس اّوزراء ووايل كل‬ ‫والية‪.‬‬ ‫وبدأ ختطِط نقل اّسلطِت من اإلدارات اّربيطِنِة واّفَنسِة ّالحتِد اّلِيب يف مطلع سنة (‪ 1951‬م)‬ ‫وقسمت جلنة (بلت) نقل اّسلطِت على أربع مَايل ؛ من سبتمرب إىل هنِية اّسنة ‪ ،‬ويف فربايَ سنة‬ ‫(‪ 1951‬م) أصدرت اجلمعِة اّوطنِة قَاراً بتشكِل يكومِت حملِة الستالم اّسلطة اإلدارية ‪ ،‬ويف ‪3‬‬ ‫مِرس أصدرت اإلدارة اّربيطِنِة مبوافقة إدريس بِ​ِانً بتأِّف يكومة حملِة يف طَابلس ‪ ،‬ومل يكن يزب‬ ‫املؤَتَ اّوطين اّطَابلسي راضِ​ًِ عن سري األمور بتحكم بَيطِنِة يف إجَاءات نقل اّوضع إىل اّسلطِت‬ ‫احمللِة[(‪.])370‬‬


‫وكِ (بلت) قد دعِ األمم املتحدة منذ أول تقَيَ سنوي ّه إىل مسِعدة ِّبِة مِِّ​ًِ بسبب فقَهِ‬ ‫ويِجتهِ ‪ ،‬قِل‪(( :‬مِ مل توجد اّوسِئل ّتحسني اّزراعة وخلق رأمسِل استثمِري جديد ‪ ،‬فهنِك خطَ‬ ‫كبري يف اهنِ​ِر االقتصِد اّلِيب وحتوّه إىل اقتصِد رعوي ‪ ،‬مع مِ يرتتب على ذّك من نتِئج اجتمِعِة‬ ‫وسِ​ِسِة رمبِ تعَض وجود اّدوّة اجلديدة ّلخطَ))‪.‬‬ ‫وقدمت األمم املتحدة مسِعدات ّلدوّة اجلديدة ‪ ،‬وقِمت منظمة اِّونسكو ومنظمة اّصحة مبسِعدة‬ ‫حمدودة ‪ ،‬واستطِعت املنظمة اّدوِّة تقَيَ كِفِة يصول ِّبِة على اّوسِئل اإلدارية واالجتمِعِة‬ ‫واالقتصِدية ّصِ​ِنة استقالهلِ املزيَف ‪ ،‬وتع َهدت بَيطِنِة بتقدمي مِ يسد اّعجز يف املِزانِة ّلسنة املِِّة‬ ‫(‪ 1953/52‬م) ّوالييت طَابلس وبَقة ‪ ،‬وكذّك فَنسة ّفزا ‪ .‬وكِ اّتعلِم من أهم يِجِت اّبالد‪،‬‬ ‫ويِول (بلت) أ يقدم مِ يف وسعه من أجل اّنهوض املطلوب ّلدوّة اجلديدة‪.‬‬ ‫وأعلن استقالل بالدان يف ‪ 24‬ديسمرب سنة (‪ 1951‬م) قبل أسبوع من املوعد اّنهِئي اّذي يددته‬ ‫األمم املتحدة ‪ ،‬وأصبح اّدستور معداً ّلتنفِذ ‪ ،‬وتوّت احلكومة املؤقتة اّبالد وأصبح هلِ صاليِ​ِت‬ ‫كِملة‪.‬‬ ‫وكِ أول رئِس ّلحكومة املؤقتة حممود املنتصَ ‪ ،‬وفتحي اّكِخِ​ِ انئبًِ ّه ووزيَاً ّلعدل واملعِرف ‪،‬‬ ‫يكِم اّوالَيت اّثالث ‪ ،‬وتقدم بطلب‬ ‫س‬ ‫وأصبح عمَ شنِب مديَاً ّلديوا امللكي ‪ ،‬وعني ُ‬ ‫ن‬ ‫امللك إدري ُ‬ ‫انضمِم ِّبِة ّألمم املتحدة واِّونسكو وغريهِ من املنظمِت اّدوِّة‪.‬‬ ‫وأصبح املسرت (بلت) صديقًِ َمِمًِ ّلِبِني اّذين اقتنعوا ابالستقالل ‪ ،‬ومسي ابسم أدرَي بلت شِرعِ‬ ‫مطال على اّبحَ يف كل من طَابلس وبنغِزي ‪ ،‬وكِ يصول ِّبِة على استقالهلِ حتت إشَاف األمم‬ ‫املتحدة دعِية ممتِزة ّلمنظمة‬ ‫اّدوِّة ‪ ،‬وغِب يف وقع احلِ​ِة يف ِّبِة دستورهِ اَّابين املستمد من عقِدة اّشعب ودينه[(‪.])371‬‬ ‫أوالً‪ :‬أعضِء اّلجنة اّتحضريية املختصة ابإلعداد ّلجمعِة اّوطنِة‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ اّشِخ حممد أبو األسعِد اّعِمل‪ 2 .‬ـ أبو اَّبِع اّبِروين‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ اّسِد إبَاهِم بن شعبِ ‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ اّسِد سِمل اّقِضي‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ اّسِد سِمل املَيض‪ 6 .‬ـ اّسِد أَمد عو سوف‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ اّسِد علي رجب‪ 8 .‬ـ اّسِد علي املخطوف‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ احلِج علي بدوي‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ اّسِد طِهَ احلَيَي‪.‬‬


‫‪ 11‬ـ اّسِد أبو اّقِسم بوقِعة‪ 12 .‬ـ اّسِد أَمد اّطبويل‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ اّسِد حممد بن عثمِ اّصِد‪ 14 .‬ـ اّسِد املهدي (قِضي غدامس)‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ اّسِد خلِل اّقالل‪ 16 .‬ـ اّسِد عمَ فِئق شنِب‪.‬‬ ‫‪ 17‬ـ اّسِد أَمد عقِلة اّكزة‪ 18 .‬ـ احلِج عبد اّكِيف اّسمني‪.‬‬ ‫‪ 19‬ـ اّسِد اّطِيع اّبِجو‪ 20 .‬ـ اّسِد حممود بوهدمة‪.‬‬ ‫‪ 21‬ـ احلِج رشِد اّكخِ​ِ[(‪.])372‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬اجلمعِة اّوطنِة اّتأسِسِة (جلنة اّستني ‪ ،‬كل من اّسِدة)‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ عمَ فِئق شنِب‪ 2 .‬ـ حممد اّسِفِط بوفَوة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ عبد احلمِد دالف‪ 4 .‬ـ رافع بوغِطِس‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ أَمِدة احملجوب‪ 6 .‬ـ سِمل األطَش‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ اّطِيع اّبِجو‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ خلِل اّقالل‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ أَمد عقِلة اّكزة‪ 10 .‬ـ حممود بوهدمة‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ عبد اّكِيف اّسمني‪ 12 .‬ـ سلِمِ اجلَيب‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ حممد بوريِم‪ 14 .‬ـ عبد اجلواد اّفَيطِس‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ املربوك اجلِبِين‪ 16 .‬ـ اّكِالين ّطِوش‪.‬‬ ‫‪ 17‬ـ طِهَ اّعسبلي‪ 18 .‬ـ عبد هللا عبد اجللِل سويكَ‪.‬‬ ‫‪ 19‬ـ يسني جَبوع‪ 20 .‬ـ أبو بكَ بوذا ‪.‬‬ ‫‪ 21‬ـ أَمد عو سوف‪ 22 .‬ـ عبد اّعزيز اّزقلعي‪.‬‬ ‫‪ 24‬ـ علي اتمَ‪.‬‬ ‫‪ 23‬ـ منري بَشِ ‪.‬‬ ‫‪ 25‬ـ أَمد اّسَي‪ 26 .‬ـ خمتِر املنتصَ‪.‬‬ ‫‪ 27‬ـ سِمل املَيص‪ 28 .‬ـ حممد املنصوري‪.‬‬ ‫‪ 29‬ـ حممد اهلنقِوي‪ 30 .‬ـ حممد أبو األسعِد اّعِمل‪.‬‬ ‫‪ 31‬ـ علي اّكِّوش‪ 32 .‬ـ عبد اجملِد كعبِر‪.‬‬ ‫‪ 34‬ـ حممد اهلمِيل‪.‬‬ ‫‪ 33‬ـ عبد هللا بن معتوق‪.‬‬ ‫‪ 36‬ـ حيىي مسعود بن عِسى‪.‬‬ ‫‪ 35‬ـ إبَاهِم بن شعبِ ‪.‬‬


‫‪ 37‬ـ أبو بكَ بونعِمة‪ 38 .‬ـ حممود املنتصَ‪.‬‬ ‫‪ 39‬ـ اّطِهَ اّقَمِنلي‪ 40 .‬ـ علي بن سلِم‪.‬‬ ‫‪ 41‬ـ اّسنوسي َمِدي‪ 42 .‬ـ علي بدوي‪.‬‬ ‫‪ 44‬ـ اّشَيف علي بن حممد‪.‬‬ ‫‪ 43‬ـ اّفِتوري بن حممد‪.‬‬ ‫‪ 45‬ـ طِهَ اّقذايف بَيدح‪ 46 .‬ـ منصور بن حممد‪.‬‬ ‫‪ 47‬ـ املربوك بن علي‪ 48 .‬ـ طِهَ بن حممد‪.‬‬ ‫‪ 49‬ـ حممد بن عثمِ اّصِد[(‪ 50 .])373‬ـ حممد األمري‪.‬‬ ‫‪ 51‬ـ علي عبد هللا اّقطَوين‪ 52 .‬ـ أبو اّقِسم بوقِلة‪.‬‬ ‫‪ 53‬ـ أَمد اّطبويل‪ 54 .‬ـ علي اّسعداوي‪.‬‬ ‫‪ 55‬ـ أبو بكَ بن أَمد‪ 56 .‬ـ اّسِد سعد‪.‬‬ ‫‪ 57‬ـ األزهَ بن علي‪ 58 .‬ـ عبد اهلِدي بن رمضِ ‪.‬‬ ‫‪ 59‬ـ علي املقطوف‪ 60 .‬ـ اّسِد اّعكَمي[(‪.])374‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬مبِيعة اجلمعِة اّوطنِة اّتأسِسِة ّألمري حممد إدريس اّسنوسي ملكًِ دستورَيً ّلمملكة اّلِبِة‬ ‫املتحدة عِم (‪ 1950‬م)‪:‬‬ ‫بسم هللا اَّ​َمن اَّيِم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫اّلل ي ُد َِ‬ ‫[اّفتح‪{ :‬إِ َ اَّ ِذين يـبِيِعون ن ِ ِ‬ ‫ث نعلنى نـ ْف ِس ِه‬ ‫اّلل فنـ ْو نق أنيْدي ِه ْم فن نم ْن ن نك ن‬ ‫ث فنِإَمننِ ينـْن ُك ُ‬ ‫ن ُن ُ‬ ‫ك إَمننِ يـُبنِيعُو ن َن ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمِ [اّ نفْتح‪]10 :‬‬ ‫ِه ند نعلنِْ ِه َ‬ ‫نونم ْن أ ْنو نَف مبنِ نع ن‬ ‫اّللن فن نسُِـ ْؤتِه أ ْ‬ ‫نجًَا نعظ ً‬ ‫حنن ممثلي شعب ِّبِة من بَقة وطَابلس وفزا ‪ ،‬اجملتمعني يف طَابلس اّغَب من مجعِة وطنِة أتسِسِة‬ ‫إبرادة هللا ‪ ،‬واملزودين ابّصاليِ​ِت اّكِملة املعرتف بصحتهِ واستِفِئهِ اّشكل اّقِنوين ‪ ،‬واّعِزمني‬ ‫على أتِّف احتِد بِننِ وتكوين دوّة احتِدية دميقَاطِة مستقلة ذات سِ​ِدة ‪ ،‬نظِم احلكم فِهِ ملكي‬ ‫دستوري ؛ نستهل عملنِ حبمد هللا وشكَه على مِ قد من علِنِ من نعمة يف حتَيَ بالدان واستقالهلِ ‪،‬‬ ‫وإننِ اعرتافًِ إبخالص صِيب اّسمو حممد إدريس اّسنوسي أمري بَقة املعظم ‪ ،‬وجهِده اّطويل املثمَ‬ ‫خلري ِّبِة وشعبهِ ‪ ،‬وحتقِقًِ َّغبة اّشعب اّعِمة ‪ ،‬وإقَاراً ّلبِعِت اّشَعِة اّسِبقة اّيت صدرت من‬ ‫ممثلي اّشعب اّشَعِني ّسموه ‪ ،‬ويَصًِ على سعِدة بالدان واحتِدهِ حتت اتج ملك جند فِه املثل‬ ‫األعلى ّلصفِت اّيت يتطلبهِ هذا املنصب اّسِمي‪.‬‬


‫فإننِ ننِدي بسمو األمري اّسِد حممد إدريس اّسنوسي أمري بَقة اّعظِم ونبِيعه ملكًِ دستورَيً ّلمملكة‬ ‫اّلِبِة املتحدة ‪ ،‬نَجو من جالّته أ يتفضل ويقبل ذّك‪.‬‬ ‫وإننِ قَران انتقِل اجلمعِة اّوطنِة اّتأسِسِة بكِمل هِئتهِ إىل بنغِزي َّفع هذا‬ ‫اّقَار اّتِرخيي جلالّة امللك املعظم ‪ ،‬وتلقي قبول جالّته هلذه اّبِعة‪.‬‬ ‫طَابلس اّغَب‬ ‫يف يوم اّسبت ‪ /22‬صفَ اخلري‪ 1370/‬هـ‬ ‫املوافق ‪/2‬ديسمرب‪ 1950/‬م[(‪])375‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬خطِب امللك إدريس إبعال استقالل ِّبِة يوم ‪ 24‬ديسمرب (‪ 1951‬م)‪:‬‬ ‫بسم هللا اَّ​َمن اَّيِم‪:‬‬ ‫إىل شعبنِ اّكَمي‪ :‬يسَان أ نعلن ّألمة اّلِبِة اّكَمية أنه نتِجة جلهِدهِ ‪ ،‬وتنفِذاً ّقَار هِئة األمم‬ ‫املتحدة اّصِدر يف ‪ 21‬نوفمرب (‪ 1949‬م) ‪ ،‬قد حتقق بعو هللا استقالل بالدان اّعزيزة وإان ّنبتهل إىل‬ ‫املوىل أبخلص اّشكَ وأمجل احلمد على نعمِئه‪ ،‬ونوجه إىل األمة اّلِبِة أخلص اّتهِين مبنِسبة هذا‬ ‫احلِدث اّتِرخيي اّسعِد ‪ ،‬ونعلن رمسِ​ًِ أ ِّبِة منذ اِّوم أصبحت دوّة مستقلة ذات سِ​ِدة ‪ ،‬ونتخذ‬ ‫ّنفسنِ من اال فصِعداً ّقب صِيب اجلالّة ملك اململكة اّلِبِة املتحدة‪ ،‬ونشعَ أيضًِ أبعظم‬ ‫االغتبِط ّبداية اّعمل منذ اال بدستور اّبالد كمِ وضعته وأصدرته اجلمعِة اّوطنِة يف ‪ 6‬حمَم سنة‬ ‫(‪ )1371‬هجَية ‪ ،‬املوافق ‪ 7‬من أكتوبَ (‪ 1951‬م) ‪ ،‬وإنه ملن أعز أمِنِنِ كمِ تعَفو أ حتِ​ِ اّبالد‬ ‫يِ​ِة دستورية صحِحة ‪ ،‬وسنمِرس من اِّوم سلطِتنِ وفقًِ هلذا اّدستور ‪ ،‬وحنن نعِهد هللا يف اّفرتة‬ ‫اخلطرية اّيت جتتِزهِ اّبالد أ نبذل كل جهدان يىت حتتل بالدان اّعزيزة املكِ اّالئق هبِ بني األمم‬ ‫احلَة‪.‬‬ ‫وعلِنِ مجِعًِ أ حنتفظ مبِ اكتسبِه بثمن ٍ‬ ‫غِل ‪ ،‬وأ ننقله بكل يَص وأمِنة إىل أجِ​ِّنِ اّقِدمة‪.‬‬ ‫وإننِ يف هذه اّسِعة املبِركة نذكَ أبطِّنِ ‪ ،‬ونستمطَ شِبِب اَّ​َمة واَّضوا على أرواح شهدائنِ‬ ‫األبَار ‪ ،‬وحنِي اّعلم املقدس رمز اجلهِد واالحتِد وتَاث األجداد ‪ ،‬راجني أ يكو اّعهد خرياً وسالمًِ‬ ‫ّلبالد ‪ ،‬ونطلب من هللا أ يعِننِ على ذّك ومينحنِ اّتوفِق واّسداد ‪ ،‬إنه خري معني[(‪.])376‬‬


‫وإ من أهم املَاجع اّيت تكلمت عن اململكة اّلِبِة ومعَكة اّدستور واالستقالل هي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ِّبِة يف اّعصور احلديثة د‪ .‬نِقوال زَيدة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ِّبِة احلديثة د‪ .‬جمِد خدوري ‪ ،‬تَمجة نِقوال زَيدة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ اّسنوسِة دين ودوّةد‪ .‬حممد فؤاد شكَي‪.‬‬ ‫عبد اَّ​َمن عزام‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ صفحِت من املذكَات اّسَية‬ ‫‪ 5‬ـ إدريس اّسنوسي ّألشهب‪.‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬قصِدة مبنِسبة االستقالل ّلشِعَ اّكبري أَمد رفِق املهدوي‪:‬‬ ‫عِد ويسبك أنه استقالل‬ ‫عِد علِه مهِبة وجالل‬ ‫وعلِه من نور اّسَور مجِل‬ ‫يوم علِه من اّسعِدة هبجة‬ ‫ملكًِ َتجد ذكَه األجِ​ِل‬ ‫يوم سعِد فِه انّت أمة‬ ‫فأهل من بَج اّسعود هالل‬ ‫واستقبل اّتِريخ مظهَ دوّة‬ ‫فتحققت بظهوره االمِل‬ ‫وبدا يسري إىل اّتكِمل بدرهِ‬ ‫أرواينِ وتبسم اإلقبِل‬ ‫وحتَرت أعنِقنِ فتنفست‬ ‫تلك اّكبول وفكت األغالل‬ ‫وحتطمت تلك اّقِود وكسَت‬ ‫هذا تكلل ابّنجِح نضِل‬ ‫وإىل يِ​ِة يَة يف عِدان‬ ‫ِ‬ ‫فَيًِ به شهداؤان األبطِل‬ ‫أعظ ْم بعِد يف اّسمِء هتللت‬ ‫ملك أغَ كأنه اَّئبِل‬ ‫وزهِ بتِج اّنصَ شعب قِده‬ ‫سَ ال يعوقك يف املسري كالل‬ ‫َي أيهِ اّشعب اّكَمي إىل اّعال‬ ‫إ اّزمِ مسريه استعجِل‬ ‫سَ كِّزمِ مع اّزمِ مالئمًِ‬ ‫عصَ ّعلم اّضوء فِه جمِل‬ ‫قد أصبح اّطِ​ِر ال يَضى به‬ ‫قمَ اّسمِء ودونه أمِ​ِل‬ ‫أضحى جنِح اّعلم قِب اّقوس من‬ ‫ابّعدل ملكًِ ال يلِه زوال‬ ‫فِبنوا على اّعلم اّبنِء وأسسوا‬ ‫إ اّتحكم واخلالف وابل‬ ‫قوموا أبمَ امللك شورى بِنكم‬ ‫إ قِم بني املفسدين جدال‬ ‫ومصِئب األوطِ من أيزاهبِ‬ ‫من أ تقوم أبمَكم ُجهِل‬ ‫وختريوا اّنواب عنكم وايذروا‬ ‫َ‬


‫بعقول من عَكتهم األيوال‬ ‫امللك حمتِج إىل تدبريه‬ ‫كم األشكِل‬ ‫ابملخلصني وهم قلِل فِنظَوا‬ ‫فِهم وال تغَر ُ‬ ‫وفِهم االمِل‬ ‫وإىل اّشبِب احلي خري حتِة‬ ‫فهم اَّجِء‪ُ ..‬‬ ‫عه ٌد على أ حيفظوا مِ انّوا‬ ‫وعلى كواهلهم ويف أعنِقهم‬ ‫فضل عظِم إنه استقالل‬ ‫مِ ابّقلِل وال اّصغري فإنه‬ ‫من روينِ اّتكبري واإلجالل‬ ‫نصَ عزيز جل مِحنه ّه‬ ‫يف عز دستور زهِه كمِل[(‪])377‬‬ ‫عِش امللِك وشعبه وبالده‬

‫املبحث اَّابع‬ ‫امللك إدريس رَمه هللا وشيء من سريته‬ ‫أوالً‪ :‬اهتمِمه ابّدين واّعلم واألخالق‪:‬‬ ‫كِ امللك حممد إدريس رَمه هللا تعِىل يَى أ احلِ​ِة اّسعِدة ال تقوم إال على اّدين واّعلم واألخالق‬ ‫‪ ،‬وّنستمع إِّه وهو يقول‪:‬‬ ‫((إ سنن اإلسالم اّسِ​ِسِة تعتمد على دعِئم متِنة حمكمة ‪ ،‬فلو يفظت هذه اّسنن ‪ ،‬وسِست هبِ‬ ‫احلكومة اإلسالمِة ملِ أصِب دوّة اإلسالم مِ أصِهبِ ‪ ،‬ال ريب أ ضعف املسلمني يَجع إىل إمهِل‬ ‫هذا اّنظِم وتَكه ‪ ،‬وإذا مِ أراد املسلمو أ ينِّوا جمدهم فلريجعوا إىل قواعد يكومتهم األوىل ‪ ،‬وال‬ ‫يظنوا أ ذّك رجوعًِ إىل اّوراء؛ بل على اّعكس فهو اّتقدم واّتكِمل))[(‪.])378‬‬ ‫وقِل أيضًِ‪(( :‬إ بعث اَّوح اإلسالمِة أمَ حيدث قوة ال يستهِ هبِ ‪ ،‬وال سبِل إىل بعث هذه اَّوح‬ ‫إال إذا فَقنِ بني املدنِتني احلقِقِة واّصنِعِة ‪ ،‬وأخذان األوىل ابِّمني واألخَى ابّشمِل ‪ ،‬وفتحنِ ابب‬ ‫االجتهِد ‪ ،‬ورجعنِ إىل قواعد اّسِ​ِسة اإلسالمِة))[(‪.])379‬‬


‫وقِل أيضًِ‪(( :‬فمن ختلَق منِ بغري األخالق اإلسالمِة جنده فِسد اّرتبِة منحطًِ يف مستواه األخالقي ‪،‬‬ ‫معطل االستعداد اّفكَي احلَ ‪ ،‬مشوش اّعقل واالعتقِد ‪ ،‬مقلداً تقلِداً أعمى))[(‪.])380‬‬ ‫وقِل أيضًِ‪(( :‬إذا مِ أراد املسلمو أ يصلحوا مِ فسد من أيواهلم ‪ ،‬فلريجعوا إىل روح اإلسالم ‪ ،‬ألنه‬ ‫أكثَ موافقة َّقي األمم وسعِدة احلِ​ِة ومدنِتهِ ‪ ،‬وّن تتبدد هذه اّغِ​ِهب املظلمة إال بنور اّعلم؛‬ ‫فِإلسالم هو اّدين اإلنسِين اّطبِعي املسِمل ّكل من أيب اّسالم))[(‪.])381‬‬ ‫ّقد كِ امللك إدريس رَمه هللا تعِىل نصرياً ّلدين واّعلم واألخالق ‪ ،‬وّذّك قِم بتوجِه شعبه منذ‬ ‫حتَيَ بالدان من االستعمِر اإليطِيل إىل اّتعلِم واإلكثِر من املدارس ‪ ،‬واالهتمِم ابألطفِل ‪ ،‬وملِ َ‬ ‫توىل‬ ‫أمَ اململكة اّلِبِة وجه املسؤوّني إىل وجوب اّعنِية ابّتعلِم وتعمِمه ‪ ،‬واهتم بوزارة املعِرف ‪ ،‬وت َربع‬ ‫بقصَ املنِر ّوزارة املعِرف ِّكو نواة ّلجِمعة اّلِبِة‪.‬‬ ‫ويف عِم (‪ 1954‬م) من شهَ نوفمرب أصدر امللك إدريس توجِهِته إىل يكِم اّوالَيت اّثالث بَقة ‪،‬‬ ‫وطَابلس ‪ ،‬وفزا ؛ الختِذ اّسبل اّكفِلة بضَورة تدريس اّعلوم اّدينِة على اّطلبة يف مجِع املدارس‬ ‫كمِدة أوِّة مفَوضة ‪ ،‬وفَض اّصالة يف أوقِهتِ (اخلمس) على طالب املدارس من بنني وبنِت يف‬ ‫كِفة أحنِء اململكة ؛ إلعداد هذا اجلِل إعداداً إسالمِ​ًِ رشِداً‪.‬‬ ‫واهتم بتطويَ معهد اّسِد حممد بن علي اّسنوسي يىت أصبح جِمعة متمِزة من يِث اّتعلِم ‪،‬‬ ‫واّنظِم واالستعداد ‪ ،‬وكِ حيث شعبه على اّصلوات اخلمس وحيذرهم من املعِصي ‪ ،‬واّذنوب ‪ ،‬وقِم‬ ‫بتوجِه رئِس اّوزراء ورئِس اّديوا واّوالة اّلِبِني ‪ ،‬وَمَلهم مسؤوِّة هتِو موظفي اّدوّة يف أداء‬ ‫اّصلوات اخلمس ‪ ،‬ومسؤوِّة شَب اخلمَ ‪ ،‬وَملهم املسؤوِّة اّعظمى أمِم هللا مث أمِم امللك ‪ ،‬وكِنت‬ ‫يِثِ​ِت هذا اّتوجِه مدعمة ابأليِديث اّنبوية اّشَيفة ‪ ،‬وكِ اإلنذار اّذي حيمله هذا اّتوجِه‬ ‫شديداً[(‪ ، ])382‬وكِ يَى أ أركِ اّنصَ ّلشعوب يف ثالث ركِئز‪ :‬ابّتمسك ابّدين اّكِمل ‪،‬‬ ‫واخللق اّفِضل ‪ ،‬واالحتِد اّشِمل؛ وّذّك قِل‪(( :‬أنصح اّعَب األشقِء ابّتمسك ابّدين اّكِمل ‪،‬‬ ‫واخللق اّفِضل ‪ ،‬واالحتِد‬ ‫اّشِمل؛ فلن يغلب شعب حيَص على هذه األركِ ))[(‪.])383‬‬ ‫وقِل‪(( :‬االحتِد اّعَيب ضَوري ‪ ،‬واّعصبِة اّعَبِة مشَوعة ومعقوّة شَيطة أ ال تتعِرض مع األخوة‬ ‫اإلسالمِة ‪ ،‬وأ ال تعتدي على يقوق االخَين))[(‪.])384‬‬


‫وقِل‪(( :‬جيب على اّعَب واملسلمني أ حيَروا اّفكَ من قِود اّتقلِد ‪ ،‬وأ يعتربوا اّدين صديقًِ‬ ‫ّلعلم))[(‪.])385‬‬ ‫وقِل أيضًِ‪ّ(( :‬قد نبغ يف اّعَب رجِل ّو أهنم َتِسكوا وتضِفَوا ألوجدوا يف اّبالد اّعَبِة يَكة‬ ‫فكَية))[(‪ ، ])386‬وقِل‪(( :‬إ كل شيء ميكن نِله إذا مِ انتصَت يَية اّفكَ ؛ فبدوهنِ ال حيصل‬ ‫أي تقدم وال أي رقي وال أي صالح ‪ ،‬ال ميكننِ اّوقوف إىل جِنب اّقوى اّتقدمِة إال إذا عممنِ‬ ‫اّرتبِة واّتعلِم كمِ ينبغي ‪ ،‬وبذّك ننشىء ن ْشئًِ جديداً يكو أهالً ّلنظَ وّلفكَ واّعمل))[(‪.])387‬‬ ‫إ االهتمِم ابّدين واّعلم واألخالق عند امللك إدريس رَمه هللا انبع من عقِدة اإلسالم ‪ ،‬ومن فهمه‬ ‫ّكتِب هللا وسنة رسوّه (ص) ‪ ،‬ويَى أ احلضِرة اّصحِحة هي اّيت تقوم على اّدين واّعلم واألخالق‬ ‫‪ ،‬وهبذه املقومِت قِمت احلَكة اّسنوسِة؛ فعندمِ سأّه كِتب دامنِركي أجَى معه مقِبلة صحفِة أثنِء‬ ‫وجوده ابملنفى عن موقفه جتِه االيتالل اإليطِيل ّلِبِة انذاك ‪ ،‬فجِء رده مؤكداً ّنظَته ّلحِ​ِة اَّويِة‬ ‫ابعتبِرهِ أهم من اّوجود املِدي ‪ ،‬إذ قِل يف معَض يديثه‪ :‬إ احلضِرة اّيت يَيد اإليطِِّو إدخِهلِ‬ ‫إىل بالدان جتعل منِ عبِداً ّلظَوف‪ ،‬وّذا وجب علِنِ أ حنِرهبم‪ ،‬فهي تبِّغ يف إضفِء األمهِة على‬ ‫قشَة احلِ​ِة اخلِرجِة ‪ ،‬كِّتقدم اّفين وااليل مثالً ‪ ،‬وتعترب مظِهَ األهبة واّسلطِ معِ​ِراً ّلحكم على‬ ‫قِمة اّفَد أو األمة ‪ ،‬يف يني تستهني ابّنمو اّداخلي ّإلنسِ ‪ ،‬وأستطِع أ أقول ّك شِئًِ وايداً‬ ‫وهو‪ :‬أنه يِث تسود اّدعوة اّسنوسِة يستتب اّسالم واَّضِ من كل جِنب[(‪.])388‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬يبه ّلشعب ويب اّشعب ّه‪:‬‬ ‫عندمِ عِنت اجلمعِة اّوطنِة اّتأسِسِة اّلِبِة يكومة مؤقتة يف شهَ أبَيل عِم (‪ 1951‬م) بَائسة‬ ‫حممود املنتصَ ؛ رأت احلكومة أمهِة زَيرة امللك إدريس ملنطقة طَابلس تلبِة َّغبة اّشعب اّطَابلسي‬ ‫هلذه اّزَيرة؛ وّىب امللك تلك اَّغبة وابتهجت املد اّلِبِة يف اّغَب هبذه اّزَيرة ‪ ،‬واستقبلته اّوفود من‬ ‫اَّجِل واّنسِء واّشِوخ واّشبِب ‪ ،‬وعندمِ وصل موكبه إىل طَابلس ‪ ،‬واخرتق شِرع عمَ املختِر كِ‬ ‫بعض اّعمالء املندسني يرتبصو ابمللك اّدوائَ ‪ ،‬وقذف موكبه ببعض اّقنِبل وّكن هللا سلم ‪ ،‬وظهَت‬ ‫من امللك شجِعة اندرة ‪ ،‬وثبِت عجِب ؛ فلم يهتز من بدنه شعَة وايدة ‪ ،‬ومِ كِد يذاع نبأ هذه‬ ‫احملِوّة اّفِشلة يف ِّبِة يىت اجتمعت مجوع اّشعب يف أسَع من ملح اّبصَ من شدة يبهِ ّزعِمهِ‬ ‫وقِئدهِ ‪ ،‬وشَعت هتنأى بعضهِ بعضًِ بسالمة قِئدهِ ‪ ،‬وهبذه املنِسبة قِل أَمد رفِق املهدوي‪:‬‬ ‫ودام عالك َي أمل اّبالد‬ ‫وقِك هللا من شَ األعِدي‬


‫ّويدهتِ ورويًِ ّلجهِد‬ ‫وعشت ألمة جعلتك رمزاً‬ ‫أيطفأى نوره أهل اّفسِد؟‬ ‫يِ​ِتك بِننِ هلل نور‬ ‫حبفظك واهتدائك ّلسداد‬ ‫أمت هللا نعمته علِنِ‬ ‫حمِطًِ ابحملبة واّوداد[(‪])389‬‬ ‫فد ْم ملكًِ على عَش متني‬ ‫ُ‬ ‫وقد أجِب امللك إدريس عن هذه احلِدثة فقِل‪ :‬إ هذه احلِدثة مل تكن أبداً من ِّيب ‪ ،‬وّن يقدم‬ ‫علِهِ أيد من أبنِء ِّبِة ‪ ،‬وإنين أَمد هللا جلت قدرته اّذي وقى هذه اّبالد شَ املصِئب‪ ...‬إىل أ‬ ‫قِل‪ :‬واّضَر اّذي يلحق بقضِة اّبالد أخطَ من اّضَر اّذي يلحق بشخصنِ أو أبي شخص اخَ ‪،‬‬ ‫وقِل‪ :‬إننِ ّسنِ من أي يزب ‪ ،‬وّن نتحزب حلزب دو اخَ ‪ ،‬وإمنِ حنن ّلجمِع ‪ ،‬ونسعى خلري اّكل‬ ‫وّصِحلهم ‪ ،‬هذا هو مبدؤان اّذي فطَان علِه ‪ ،‬وعملنِ من أجله زهِء ثالثني سنة ‪ ،‬وحنن ال نعترب‬ ‫أنفسنِ إال فَداً من أفَاد هذا اّشعب ‪ ،‬ال يهمه غري مصلحة اّشعب ومستقبل اّبالد[(‪.])390‬‬ ‫وقِم بزَيرة تَهونة واّزاوية وغَ​َي ‪ ،‬ويفَ ومصَاتة وزِّطن واخلمس ‪ ،‬وكِ يستقبل من اّشعب ابحلب‬ ‫واّود واّوفِء ‪ ،‬وقِم اّشعَاء بنظم اّقصِئد تعبرياً عن فَيتهم هبذه املنِسبة ‪ ،‬فقد قِل عبد اّغين اّبشيت‪:‬‬ ‫اِّوم يوم اّعزة اّقعسِء‬ ‫اِّوم يوم اجملد واّعلِ​ِء‬ ‫ّلبحَ ّلسودا ّلخضَاء‬ ‫اِّوم يوم اّقطَ من سلومة‬ ‫اِّوم يومك ِّبِة بل إنه‬ ‫يوم قد انبعث ّه من يثَب‬ ‫يوم قد امتدت ّه من (مكة)‬ ‫يوم امللِك ومَيبًِ بك يومه‬ ‫إدريس َي نسل اّنيب حممد‬ ‫ملك قد اختِر اإلّـه ملِكه‬ ‫اتج على هِم اّقلوب منصب‬ ‫إين أرى األمالك يف علِ​ِئهم‬ ‫يتبِشَو مبلكه يف رفَف‬ ‫مل ال؟ وأنت سلِل أَمد من ّه‬ ‫هللا أكرب عشت َي فخَ اّعال‬

‫يوم اّعَوبة سِطع األضواء‬ ‫ابَّوضة اّفِحِء ابّألالء‬ ‫أنوار طه من بين اّزهَاء‬ ‫يوم أغَ بلِبِة اّفِحِء‬ ‫اِهنأ مبلكك يف سنِ وعالء‬ ‫من أشَف االابء واألبنِء‬ ‫وّواؤه يف اّشَق خري ّواء‬ ‫يتبِشَو بسِد اّبطحِء‬ ‫عِل من األضواء واّألالء‬ ‫مِ يبتغِه اجملد من علِ​ِء‬ ‫ّلعَب ‪ ،‬بل ّلشَق خري وفِء‬


‫وتعِد فِه بسرية اخللفِء‬ ‫حتمي َمى اإلسالم تَفع صَيه‬ ‫يد أرعن يبغِك ابّضَاء‬ ‫موالي شعبك روعت أّبِبه‬ ‫وجنود ابألموال واألبنِء‬ ‫نفديك ابألرواح إ شئت اّغداة‬ ‫دهَاً سعِداً يف أعز عالء[(‪])391‬‬ ‫موالي‪ :‬أبقِك اإلّـه ّلِبِة‬ ‫ّقد كِنت أعمِل امللك من أسبِب حمبة اّلِبِني ّه ‪ ،‬فقد أصدر أوامَه أب ال يعفى من اّضَيبة‬ ‫اجلمَكِة كل من يَد إىل اّديوا امللكي ‪ ،‬وأب ال يلقب بصِيب اجلالّة تقدسًِ بذات هللا جل جالّه‬ ‫‪ ،‬وقِل‪ :‬إ اجلالّة هلل ويده ‪ ،‬ومِ أان إال عبد من عبِد هللا[(‪.])392‬‬ ‫ويعترب هذا احلدث سِبقة اترخيِة من أروع مِ شهد يف دنِ​ِ امللوك ‪ ،‬وّقد أتثَ ريفلي رئِس جَيدة (بَيد‬ ‫طَابلس) اّيت كِنت تصدر ابّلغة اإليطِِّة هلذا احلدث ‪ ،‬وكتب مقِالً جِء فِه‪(( :‬إ اَّغبة اّيت أبداهِ‬ ‫امللك إدريس ِّست يف يِجة إىل تعلِق؛ ألنه عندمِ تبَوأ اّعَش كِ تواضعه معَوفًِ ‪ ،‬وسهَه املتواصل‬ ‫وعطفه ورعِيته ّشعبه ؛ فإ دل هذا على شيء فإمنِ يدل على اّدميقَاطِة اّيت جتلت يف أمسى معِنِهِ‬ ‫‪ ،‬وّقد أاتح احلظ ّلِبِة ـ وهي ال تزال يف بداية يِ​ِهتِ ـ أ تكو على رأسهِ شخصِة صِحلة خمتِرة‬ ‫ختِف هللا اّعلي األجل ‪ ،‬وعندمِ قبل مهمته اّصعبة اخلطرية أب يقود شعبه إىل مِ كتبه ّه اّقدر من‬ ‫مصري ‪ ،‬فإ ذّك كِ استجِبة ألمَ ربه اّذي ميده بنوره فِمِ يتخذ من قَارات ويف أعمِّه ‪ ،‬وقد تبني‬ ‫ّه أ ّقب (اجلالّة) ّقب ضخم ال يتفق مع أسِسه اّديين اّذي يَى أ املوىل ويده صِيب اجلالّة‬ ‫اّعظمى ‪ ،‬وهو ويده اّعلي األعلى‪ ...‬ومل يكن هذا اّتصَف بغَيب على امللك حممد إدريس املهدي‬ ‫اّسنوسي اّذي ينحدر من سالّة شَيفة أراد هللا تعِىل أ ميكن يف قلبهِ اإلميِ واّثقة به ‪ ،‬ويف عِملنِ‬ ‫هذا اّذي يسري سرياً يثِثًِ حنو املِدية ؛ فإ تصَفًِ مثل هذا يتعدَى أي ايتمِل ‪ ،‬ويدل دالّة قِطعة‬ ‫على أ أي مسبب يىت وإ كِ ذّك املسبب سِمِ​ًِ ميكنه أ يكو وسِلة إلظهِر تواضع منبثق عن‬ ‫عقِدة راسخة يف عظمة هللا))[(‪.])393‬‬ ‫وقد يدثين اّسِد أَمد اّعَيف عندمِ كنِ معًِ يف اّسجن اّسِ​ِسي بطَابلس عن يِدثة تدل على تعظِم‬ ‫امللك إدريس ّلموىل عز وجل ‪ ،‬وهي أنه كِ هنِك مسجد جديد يف مدينة اّبِضِء ‪ ،‬وجِء امللك‬ ‫الفتتِيه ‪ ،‬ومع جمِئه ودخوّه املسجد شَع اّنِس يف اهلتِف حبِ​ِة امللك إدريس ‪ ،‬فغضب وأمَ اّنِس‬ ‫ابّصمت ‪ ،‬وقِل هلم‪ :‬هذا املكِ ال ينبغي أ يذكَ فِه غري اسم هللا ‪ ،‬واستشهد بقول هللا تعِىل‪:‬‬ ‫[اجلن‪{ :‬وأن َ اّْمس ِ‬ ‫ِج ند َِّللِ فنالن تن ْدعوا مع َِ‬ ‫ني ًدا [اجلن‪ ، ]18 :‬وّذّك أيبه شعبه وأيب شعبه‬ ‫اّلل أ ن‬ ‫ُ نن‬ ‫ن نن‬


‫املسلم ‪ ،‬كِنت اإلرادات اّسِمِة تصدر عن امللك ّتجسد هذه املعِين اَّفِعة من اّتواضع واّبسِطة‬ ‫واّبعد عن املظِهَ وحتِشي اّشبهِت ‪ ،‬فقد أصدر إرادة سِمِة أب ال يطلق امسه على اّشوارع‬ ‫واملؤسسِت بقصد اّتمجِد واّتخلِد ‪ ،‬حمتسبًِ عند‬ ‫هللا مِ عمله ّصِحل أمته وشعبه ‪ ،‬وأصدر إرادة سِمِة أب ال تنشَ صور ذاته على اّعملة ‪ ،‬أو على‬ ‫طوابع اّربيد ابتعِداً عن املظِهَ اّدنِوية اّزائلة ‪ ،‬وأصدر إرادة سِمِة أب ال يتخذ من ذكَى مِالده‬ ‫عِداً رمسِ​ًِ ‪ ،‬وأ ال تقِم االيتفِالت هبذه املنِسبة ‪ ،‬وذّك ألنه ِّست ممِ جَى به اّعمل يف اّسلف‬ ‫اّصِحل رضوا هللا علِهم[(‪.])394‬‬ ‫وأصدر أمَاً بتعديل قِنو اّبِت املِّك ‪ ،‬وأّغى مبوجب ذاك األمَ يصِانت وامتِ​ِزات األسَة ‪ ،‬كمِ‬

‫أّغى أّقِب اإلمِرة واّنبل من أعضِء اّبِت اّسنوسي ‪ ،‬وأمَ أيضًِ أب ال يقبل أي هدية يَى اّشعب‬ ‫فَادى أو مجِعِت أ يقدمهِ ّه يف أي منِسبة تتعلق بذاته أو غريهِ من املنِسبِت ‪ ،‬وهبذه املنِسبة‬ ‫صدر بالغ من اّديوا امللكي يتعلق أبيد املواضِع اّيت حنن بصددهِ‪(( :‬ابّنظَ ملِ أشِع من أ هنِك‬ ‫هِئِت يكومِة وشعبِة ستقوم بتقدمي هداَي مثِنة إىل يضَة موالان امللك املعظم ‪ ،‬وذّك مبنِسبة قَانه‬ ‫اّسعِد ؛ فقد أمَ يفظه هللا أبنه ّن يقبل هذه اهلداَي بدو استثنِء ‪ ،‬ويطلب من اّذين يَغبو يف‬ ‫تقدميهِ إىل مقِمه اّسِمي أ يوزعوا املبِّغ اّيت مجعت أو خصصت هلذا اّغَض على اّفقَاء واملعوزين‬ ‫‪ ،‬وهللا جيزي أجَ من أيسن عمالً))[(‪.])395‬‬ ‫كِ امللك إدريس رَمه هللا يقوم صبِح كل يوم مبكَاً ألداء صالة اّفجَ يف وقتهِ ‪ ،‬ويشَع يف قَاءة‬ ‫اّقَا اّكَمي ‪ ،‬وأوراده اِّومِة ‪ ،‬ويتنِول إفطِره يوايل اّسِعة اّتِسعة ‪ ،‬مث خيَج إىل مكتبه يوايل‬ ‫اّسِعة اّعِشَة ‪ ،‬فِستقبل موظفي اّديوا واخلِصة امللكِة ّتصَيف األعمِل اِّومِة ‪ ،‬ويستقبل زواره‬ ‫من اّضِوف ورجِل احلكومة وأصحِب احلِجِت من احلِدية عشَ إىل اّوايدة ‪ ،‬مث يتنِول طعِم‬ ‫اّغداء بعد أتدية صالة اّظهَ مبِشَة ‪ ،‬وكِنت اجلوّة اّربية من أيب اَّ​َيضِت عنده ‪ ،‬وكِ يستقبل‬ ‫بعض زواره قبل صالة املغَب وبعد صالة اّعشِء ‪ ،‬ويتنِول اّشِي عِدة مع موظفي اّقصَ وضِوفه ‪،‬‬ ‫وينِم عِدة يوايل احلِدية عشَة مسِءً‪.‬‬ ‫وكِ حيب املطِّعة يف مكتبته اخلِصة ‪ ،‬ويعكف علِهِ طويالً ‪ ،‬وأيب‬ ‫مِ عنده‪ :‬قَاءة اّقَا ‪ ،‬ودراسة كتب احلديث ‪ ،‬ومطِّعة كتب اّتِريخ اّعِم ‪ ،‬وكِ حيَص يف غِّب‬ ‫األيِ​ِ على استمِع نشَات األخبِر من املذَيع‪.‬‬


‫وكِ ال يهتم ابملظِهَ يف حتَكِته ‪ ،‬وقد ذكَ اّسِد عمَ فِئق شنِب قصة طَيفة عندمِ كِ رئِس‬ ‫اّديوا امللكي‪ :‬كِ موالان امللك يَيد أ يتوجه من بنغِزي إىل اّبِضِء ‪ ،‬ويضَت سِ​ِرات احلَس ‪،‬‬ ‫وملِ شِهدان قبل اّتحَك قِل يل‪ :‬ال داعي أل تكن معنِ هذه اّسِ​ِرات ‪ ،‬ونكتفي بسِ​ِرة وايدة حتمل‬ ‫بعض اّضَورَيت ‪ ،‬وكِ قد فِتين أ أصدر هذا األمَ إىل قِئد احلَس ‪ ،‬وبِنمِ حنن يف اّطَيق ّفت‬ ‫نظَي امللك إىل أمَه اّسِبق ‪ ،‬وقِل‪ :‬ملِذا يكو معنِ هذا احلَس ‪ ،‬فقلت ّه‪َ :‬ي موالي إ هذا مل يكن‬ ‫يَسًِ ّكم ‪ ،‬وّكنه حمَوس بكم[(‪.])396‬‬ ‫كِ امللك رَمه هللا يف يوم ربِع (‪ 1953‬م) راجعًِ من جوّته اّتقلِدية ‪ ،‬ورأى سِ​ِرة واقفة بسبب‬ ‫خلل فِهِ ‪ ،‬وكِ صِيبهِ األستِذ حممد بن عِمَ ‪ ،‬فأمَ امللك سِئق سِ​ِرته أ يقف يىت تلحق به‬ ‫سِ​ِرة احلَس ‪ ،‬وأمَ هذه اّسِ​ِرة أب تعود إىل األستِذ ابن عِمَ ّتحمله يِث شِء[(‪.])397‬‬ ‫وخَج امللك إدريس ذات مَة يف جوّته املسِئِة املعتِدة ‪ ،‬ومل يصحب معه يَسًِ ‪ ،‬ودخل إىل بعض‬ ‫املزارع يف منطقة اّبِضِء ‪ ،‬وعندمِ دخل إىل أيد اّبسِتني وجد صِيب اّبستِ منهمكًِ يف سقِيته ‪،‬‬ ‫فحِ​ِه بتحِة اإلسالم ‪ ،‬وكِ اّبستِين ال يعَف امللك شخصِ​ًِ ومل خيطَ ببِّه أ امللك يصل إىل ذّك‬ ‫املوقع مبفَده كأي شخص تَمي به اّطَيق ‪ ،‬وبدأ امللك يسأل اّبستِين عن أنواع اّشجَ واحملصول ومِ‬ ‫إىل ذّك ‪ ،‬وكِ صِيبنِ جيِب عن كل سؤال يف يني أنه منهمك يف عمله ‪ ،‬وعندمِ فَغ امللك من‬ ‫األسئلة وأراد االنصَاف ‪ ،‬سأّه اّبستِين قِئالً‪(( :‬من يضَتك من غِ​ِر صغِر)) وهذا هو سؤال كل‬ ‫شخص يف بَقة ملن ال يعَفه ‪ ،‬فأجِبه امللك بقوّه‪(( :‬أان إدريس)) وّشدة دهشة اَّجل عندمِ مسع‬ ‫اإلجِبة قفز مسَعًِ وعِنق امللك قِئالً‪ :‬مَيبًِ ‪ ،‬مَيبًِ ‪ ،‬أنت سِدي إدريس وّد سِدي املهدي ‪،‬‬ ‫مَيبًِ مَيبًِ ‪ ،‬وأخذ يَدد اّرتيِب واّتسِؤل يف استغَاب[(‪.])398‬‬ ‫إ هذه اّصفِت اَّائعة تدّنِ على جوانب مضِئة يف شخصِة امللك إدريس اإلسالمِة ويبه ملعِيل‬ ‫األمور واهتمِمه ابّتواضع واّبسِطة ‪ ،‬كمِ تدّنِ على أنه حتصل على قسط من اّرتبِة اإلميِنِة من يَكة‬ ‫أجداده املِ​ِمني اّطِبني اّطِهَين‪.‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬نصحه ّزعمِء اّعَب ‪ ،‬وأمَه ابملعَوف وهنِه عن املنكَ‪:‬‬ ‫كِ كثري االتصِل جبمِع إخوانه ملوك ورؤسِء اّعَب واملسلمني مسرتشداً مستعِنًِ أو انصحًِ أمِنًِ ‪،‬‬ ‫وقد بذل جهوداً كبرية ومسِعي جلِلة ّدى كل من امللك عبد اّعزيز ال سعود واإلمِم حيىي َمِد اّدين‬ ‫أثنِء اّظَوف اّعصِبة اّيت مَت ابّسعودية واِّمن ‪ ،‬وكِ بِنهمِ سوء اّتفِهم مِ كِد أ يكو ثغَة‬


‫يتسَب منهِ اّتدخل األجنيب ‪ ،‬كتب ّلملك عبد اّعزيز ‪ ،‬واإلمِم حيىي انصحًِ أمِنًِ ‪ ،‬وأظهَ كل من‬ ‫اّزعِمني تقديَه ّشعور إدريس اّسنوسي ‪ ،‬وقد تبودل بِنه وبِنهمِ عدد من اَّسِئل يف هذا اّصدد ‪،‬‬ ‫وهذه صورة من رسِّة أرسلهِ إىل امللك عبد اّعزيز رَمه هللا‪:‬‬ ‫قِل بعد اّبسملة‪(( :‬إىل عني امللوك اّكَمِء ‪ ،‬ويِمي يوزة احلنِفِة اّسمحِء ‪ ،‬صِيب اجلالّة امللك‬ ‫عبد اّعزيز ال سعود أدام هللا بدور سعوده ‪ ،‬وال زال يعمَ األانم بعدّه اّعمَي وجوده ‪ ،‬وبعد‪ :‬اّسالم‬ ‫علِكم ورَمة هللا وبَكِته ‪ّ ،‬قد بلغنِ عن يكمة جالّتكم اّبِّغة مِ شَح صدر كل ودود ‪ ،‬وكمد كل‬ ‫معِند يسود ‪ ،‬وجعل كل مويد يَقص ّصنعكم طَابً ‪ ،‬مفتخَاً جبالّكم بني امللوك عجمًِ وعَابً ‪ ،‬فقد‬ ‫جِء يكم جالّتكم اّعِدل يف تلك اّقضِة اّيت كِنت بني يكومة جالّتكم وبني يكومة جالّة ملك‬ ‫اِّمن كِّصِعقة على رؤوس اّذي يصطِدو يف املِء اّعكَ ‪ ،‬وهم من بدت اّبغضِء من أفواههم ومِ‬ ‫ختفي صدورهم أكرب ‪ ،‬فسقط حبمد هللا يف أيديهم ورد كِدهم يف حنَهم ‪ ،‬بعدمِ كِنوا يعتقدو أ‬ ‫اّدوّتني واقعتِ ال حمِّة يف يَب ‪ ،‬وكِنت يف نظَهم على قِب قوسني أو أقَب ‪ ،‬وّكن هللا سلم‬ ‫وكفى هللا املؤمنني اّقتِل ‪ ،‬مبِ أوتِتموه من يكمة وروية فضَبتم ّلنِس خري مثِل ‪ ،‬وَمدان هللا كثرياً‬ ‫على أ اّدسِئس ال جتد منفذاً جلِنبكم احلصني ‪ ،‬وذّك ِّقظتكم وسهَكم‬ ‫على مصِحل اإلسالم واملسلمني ‪ ،‬فقد تداركتم األمَ حبكمتكم قبل اّفوات ‪ ،‬ويزمت بذّك من اّعِمل‬ ‫اّعَيب واإلسالمي أصدق اّدعوات ‪ ،‬وإين أتقدم إِّكم أيهِ األخ اّكَمي خبِّص شكَي اّقليب على‬ ‫عدم تفضِلكم املصلحة اخلِصة دو املصلحة اّعِمة ‪ ،‬ممِ جعل األّسنة تلهج ابّدعِء جلالّتكم ‪،‬‬ ‫أبقِكم هللا ّإلسالم ذخَاً وعضداً ‪ ،‬وّلدين احلنِف ركنًِ وسنداً ‪ ،‬واّسالم علِكم ورَمة هللا وبَكِته))‪.‬‬ ‫اإلمضِء (حممد إدريس اّسنوسي)[(‪.])399‬‬

‫بذل امللك إدريس رَمه هللا مِ يف وسعه يف اّقضَِي اّيت تتنِمى إىل مسعه ‪ ،‬فِغضب هلل وأيمَ ابملعَوف‬ ‫وينهى عن املنكَ ‪ ،‬وإ كِنت هنِك أمور مل يتدخل فِهِ ّكوهنِ خِرجة عن إرادته وقدرته حبكم اّوجود‬ ‫اّربيطِين واألمَيكي‪.‬‬ ‫وإِّك أخي اّقِرأى هذه اَّسِّة اّيت وجههِ إىل احلكومة االحتِدية يف ‪ 13‬يوِّو (‪ 1960‬م) اّيت‬ ‫عممت على مجِع اإلدارات احلكومِة ‪ ،‬مث نشَهتِ اّصحف ووسِئل اإلعالم ؛ بسبب يصول ابن عمه‬ ‫عبد هللا عِبد اّسنوسي امتِ​ِز تنفِذ طَيق فزا بكِفِة مَيبة ‪ ،‬فأطلق امللك صَخته املدوية‪ّ( :‬قد بلغ‬ ‫اّسِل اّزىب)‪.‬‬


‫وكِنت اَّسِّة موجهة إىل رئِس احلكومة االحتِدية واّوزراء واّوكالء ‪ ،‬وكل مسؤول هبِ ‪ ،‬وإىل وايل‬ ‫طَابلس ‪ ،‬ووايل بَقة ‪ ،‬ووايل فزا ‪ ،‬ونظِرهن ومديَيهن ومتصَفِهن ‪ ،‬وكل مسؤول فِهن‪(( :‬إنه بلغ‬ ‫اّسِل اّزىب ‪ ،‬ومِ يصم اآلذا من سوء سرية املسؤوّني يف اّدوّة من أخذ اَّشوة سَاً وعالنِة ‪،‬‬ ‫واحملسوبِة اّقِضِتني على كِ​ِ اّدوّة ويسن مسعتهِ يف اّداخل واخلِرج ‪ ،‬مع تبذيَ أمواهلِ سَاً وعالنِة‬ ‫‪ ،‬وقد قِل هللا تبِرك وتعِىل‪[ :‬اّبقَة‪{ :‬والن نأتْ ُكلُوا أنمواّن ُكم بـِـنن ُكم ِابّْب ِ‬ ‫احلُ َك ِ​ِم ِّتنأْ ُكلُوا‬ ‫ِط ِل نوتُ ْدُّوا ِهبنِ إِ نىل ْ‬ ‫ْ ن ْ نْ ْ ن‬ ‫ن‬ ‫فن َِي ًقِ ِم ْن أ ْنم نو ِال اّن ِ‬ ‫َِس ِاب ِإل ِْمث نوأننْـتُ ْم تنـ ْعلن ُمو ن [اّبنـ نقنَة‪]188 :‬‬ ‫وّقد قِل رسول هللا (ص) يف يديثه اّشَيف‪ّ(( :‬تأمَ ابملعَوف وّتنهو عن املنكَ أو ِّسلطن هللا‬ ‫علِكم شَاركم فِدعو خِ​ِركم فال يستجِب هلم))‪.‬‬ ‫وقد قِل رسول هللا (ص) يف يديثه‪(( :‬من رأى منكم منكَاً فلِغريه بِده ‪ ،‬فإ مل يستطع فبلسِنه ‪ ،‬فإ‬ ‫مل يستطع فبقلبه وذّك أضعف اإلميِ ))‪.‬‬ ‫وإنين بنعمة هللا وقدرته سوف أغريه بِدي إ شِء هللا ‪ ،‬وّن أتخذين يف هللا وال يف طهِرة مسعة بالدي‬ ‫ّومة الئم واّسالم))‪.‬‬ ‫وابَّغم من أ اّتحقِقِت اّيت أجَيت قد أثبتت بَاءة ذمة يكومة كعبِر من اّتهم اّيت علقت هبِ ‪،‬‬ ‫إال أ امللك رأى أ نزاهة احلكم ال تتحمل وجود مثل تلك اّشبهِت ‪ ،‬فطلب من احلكومة تقدمي‬ ‫استقِّتهِ ‪ ،‬فتقدمت هبِ ‪ ،‬وقبلهِ امللك يف ‪ 16‬أكتوبَ (‪ 1960‬م)[(‪.])400‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬أدب اّعبِرة يف خطِب امللك إدريس ومسو معِنِهِ وتواضعهِ اجلم واّدعوة إىل اخلري واّتقوى‪:‬‬ ‫َتِزت خطِابت ملك ِّبِة اّسِبق بَصِنة األسلوب ‪ ،‬ومتِنة اّتعبري ‪ ،‬وقوة احلجة ‪ ،‬ويَص اَّاعي‬ ‫على اَّعِة ‪ ،‬ونصحه ّشعبه ‪ ،‬وكِنت خطِابته عِمَة ابّدعوة إىل اخلري واّتقوى ومكِرم األخالق ‪،‬‬ ‫وهذا خطِب أّقِه مبنِسبة تويِد احلكم يف اململكة ‪ ،‬وأّغى احلكم االحتِدي يف عِم (‪ 1963‬م) يوم‬ ‫‪ 26‬أبَيل ؛ يؤكد مِ ذهبت إِّه‪:‬‬ ‫اطين اّكَام اّسالم علِكم ورَمة هللا وبَكِته‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫يف هذه اّلحظِت اّتِرخيِة اّيت َتَ هبِ أمتنِ اجملِدة ‪ ،‬ويف هذه املَيلة اّيت جيتِزهِ ركبنِ اّصِعد يسَين‬ ‫غِية اّسَور أ أعلن ّلشعب اّلِيب اّكَمي انتهِء اّعمل بشكل احلكم االحتِدي ‪ ،‬واّبدء رمسِ​ًِ يف نظِم‬ ‫اّويدة اّشِملة اّكِملة تطبِقًِ ّلتعديل اّدستوري اّذي وافقت علِه اجملِّس اّنِ​ِبِة واّتشَيعِة ابإلمجِع‬ ‫‪ ،‬وإنين ألَمد هللا تعِىل كثري احلمد ‪ ،‬وأتوجه إِّه ابّشكَ اّعظِم واّثنِء اجلمِل ؛ على مِ من به‬


‫سبحِنه وتعِىل من نعمة يىت مشِهدة والدة هذا األمل اّوطين اّكبري ‪ ،‬ووفقنِ مجِعًِ بتأيِده وعونه إىل‬ ‫حتقِق هذه األمنِة اّغِِّة‪.‬‬ ‫إ اّويدة اّيت تبدأ اِّوم عهدهِ املِمو هدف جديد من أهدافنِ اّوطنِة اّيت جِهدان من أجلهِ ‪،‬‬ ‫وضحى شعبنِ يف سبِلهِ ‪ ،‬فهي مثَة طِبة ّلجهِد ووفِء ألجَ اّصِبَين ‪ ،‬وهي بعد ذّك ‪ ،‬خري وبَكة‬ ‫ورمز الجتمِع اّكلمة واتّف اّقلوب ‪،‬‬ ‫ووعِء ّلمحبة واّتِخي واّوائم ‪ ،‬ومبدأ يتبوأ مكِ اّسمو يف عِمل األخالق واّفضِلة ‪ ،‬ويبل هللا املتني‬ ‫اّذي أمَان سبحِنه وتعِىل ابالعتصِم بعَوته اّوثقى ‪ ،‬قِل تعِىل وهو أصدق اّقِئلني‪[ :‬ال عمَا ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صموا ِحبب ِل َِ ِ‬ ‫مَا ‪ ، ]103 :‬وهو اّدين اّقومي ؛ دين سِدان حممد (ص) ‪ ،‬وقِل‬ ‫{و ْاعتن ُ نْ‬ ‫ن‬ ‫اّلل نمج ًِعِ [آل ع ن‬ ‫ب ِرحيُ ُك ْم [األن نفِل‪ ، ]46 :‬وقِل رسول هللا (ص)‪:‬‬ ‫تعِىل‪[ :‬األنفِل‪ :‬ن‬ ‫{والن تنـنن نِزعُوا فنـتنـ ْف نشلُوا نوتن ْذ نه ن‬ ‫«مثل املؤمنني يف توادهم وتَاَمهم كمثل اجلسد اّوايد ؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى ّه سِئَ اجلسد‬ ‫ابّسهَ واحلمى»‪.‬‬ ‫فِحلمد هلل اّذي مجع على احملبة قلوبنِ وويد على اّوفِق بالدان وجعلنِ من أمة اّتويِد اّيت هي خري‬ ‫أمة أخَجت ّلنِس‪.‬‬ ‫وإين ألنتهز فَصة إعال اّويدة املبِركة اّسعِدة فأوصِكم مجِعًِ بتقوى هللا تعِىل ومَاعِة وجهه يف‬ ‫اّسَ واّعلن ‪ ،‬وأيثكم على مضِعفة اجلهد وبذل املزيد من اّعمل يىت نوفَِ ّبالدان االزدهِر واَّخِء‬ ‫واَّفِهِة ‪ ،‬ونعِش مجِعًِ يف ظل اّويدة أمة قوية يف خلقهِ ‪ ،‬عزيزة يف شخصِتهِ ‪ ،‬متِنة يف بنِئهِ ‪،‬‬ ‫نظِفة يف مسعتهِ ‪ ،‬إ اّويدة تلقي على كواهلنِ مسؤوِّ​ِت جسِمًِ ‪ ،‬وتضع نصب أعِننِ واجبِت‬ ‫كثرية ‪ ،‬فعلِنِ أ نقوم هبِ وحنِفظ علِهِ ‪ ،‬كمِ حنِفظ على استقالّنِ وحنوطهِ ابَّعِية واحلدب ‪،‬‬ ‫ونغذيهِ مبشِعَ احملبة واّوطنِة ‪ ،‬يىت نستمَ يف طَيق اّنمو واالكتمِل ‪ ،‬فِّويدة ِّست غِية يف ذاهتِ‬ ‫‪ ،‬وإمنِ هي وسِلة إىل عمل اخلري وطَيق إىل افِق اإلصالح واّفالح ‪ ،‬وواجبنِ أ أنخذ منهِ اّقِعدة‬ ‫اّصِحلة ّالنطالق إىل األهداف اّعلِ​ِ ‪ ،‬ومصبِح اّنور اّذي ينري مواقع خطواتنِ يف طَيق اّعمل‬ ‫اّدؤوب واّسعي اجملدي واّتعِو املثمَ املفِد ‪ ،‬إ كل مواطن مسؤول عن َمِية اّويدة ‪ ،‬وتفَض هذه‬ ‫املسؤوِّة أ شعِر اّويدة حتت ّوائه اخلفِق كل اّسواعد اّعِملة واهلمم املتوثبة ‪ ،‬واّكفِءات اخلالقة ‪،‬‬ ‫ويشمل كل بقعة تستظل بسمِء هذا اّوطن اّعزيز ‪ ،‬ويستمتع كل مواطن خبرياهتِ اّعمِمة ‪ ،‬ويعِش يف‬ ‫كنفهِ عِشة اّطمأنِنة واّسعِدة واالستقَار ‪ ،‬أبلغ شكَ ّنعمة ضِ​ِفتهِ ‪ ،‬وأمسى مَاتب احلق أ حيب‬


‫املَء ألخِه مِ حيب ّنفسه ‪ ،‬وتعِونوا على اّرب واّتقوى ‪ ،‬وال تعِونوا على اإلمث واّعدوا ‪ ،‬وفقنِ هللا‬ ‫مجِعًِ إىل مِ حيبه ويَضِه ‪ ،‬وأهلمنِ اَّشد واّصواب ‪ ،‬وجعل ويدتنِ فِحتة عهد سعِد يفِض خريه ويزيد‬ ‫نفعه وتعم بَكِته ‪ ،‬ونبدأ مَيلة تنشط فِهِ اّعزائم ‪ ،‬وتقوى اإلرادات ‪ ،‬فإنه تعِىل أقَب مسؤول جيِب‬ ‫دعوة اّداعي‬ ‫إذا دعِه ‪ ،‬ومنه اهلداية واّتوفِق ‪ ،‬وإِّه امللجأ واملصري[(‪.])401‬‬ ‫إ هذا اخلطِب مليء أبدب اّعبِرة ‪ ،‬ومسو املعِين ‪ ،‬واّتواضع اجلم واّدعوة إىل اخلري واّرب واّتقوى‪.‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬اهتمِم امللك إدريس ابّثورة اجلزائَية‪:‬‬ ‫كِ اّسنوسِو منذ زمن املؤسس األول ّلحَكة اإلمِم حممد بن علي اّسنوسي مهتمني أبمَ اجلهِد يف‬ ‫اجلزائَ ‪ ،‬وواصل امللك إدريس جهوده املِدية واملعنوية ّدعم ثورة اجلزائَ اّيت اندّعت (يف‬ ‫‪ 1954/11/1‬م) ‪ ،‬وقد أثبتت اّواثئق اّتِرخيِة جهوده اّعظِمة ‪ ،‬وأعمِّه اجلسِمة يف هذا اّبِب ‪،‬‬ ‫فقد ذكَ اّسِد مصطفى أَمد بن يلِم يف كتِبه (صفحِت مطوية من اتريخ ِّبِة اّسِ​ِسي) يف اّبِب‬ ‫اّتِسع ‪ ،‬حتت عنوا ‪ :‬ثورة اجلزائَ ودور ِّبِة اخلطري يف مسِندهتِ مِيقِم احلجة واّربهِ على صدق‬ ‫امللك إدريس ّدعمه ّلثورة اجلزائَية ‪ ،‬فقد ذكَ اّسِد مصطفى بن يلِم عندمِ كِ ابّقِهَة أ اَّئِس‬ ‫مجِل عبد اّنِصَ اتصل به ودعِه الجتمِع منفَد معه ‪ ،‬وفِجأه قِئالً‪ :‬إنه يود أ يتحدث معه عن‬ ‫اّثورة اجلزائَية اّيت اندّعت ‪ ،‬وشَح مجِل عبد اّنِصَ ملصطفى بن يلِم أنه اتفق مع امللك سعود‬ ‫واألمري فِصل على أ تقوم اململكة اّعَبِة اّسعودية بتقدمي كِفة األموال اّالزمة ّشَاء اّسالح واّعتِد‬ ‫واإلمدادات اّالزمة ّلثورة اجلزائَية ‪ ،‬وأ يقوم رجِل اجلِش املصَي واملخِبَات بشَاء ذّك اّسالح‬ ‫واّعتِد وإيصِّه إىل احلدود اّلِبِة ‪ ،‬وهو أيمل أ يشَف رئِس احلكومة (اّسِد مصطفى بن يلِم)‬ ‫بنفسه بنقل ذّك اّسالح واّعتِد عرب ِّبِة إىل احلدود اجلزائَية ‪ ،‬يِث يستلمه منه ممثلو اّثورة اجلزائَية‬ ‫‪ ،‬مث قِل مجِل عبد اّنِصَ ملصطفى بن يلِم‪ :‬أو ّعلك ستخشى اّفَنسِني وختِف بطشهم؟‪.‬‬ ‫فَد علِه مصطفى بن يلِم رئِس وزراء ِّبِة سِبقًِ ‪ ،‬وقِل ّه‪َ(( :‬ي ريِس ّعلك ال تعَف أ جد امللك‬ ‫إدريس جِء إىل ِّبِة من اجلزائَ هِرابً من اّطغِ​ِ اّفَنسي ‪ ،‬وأمضى يِ​ِته يف نشَ اّدعوة اإلسالمِة ‪،‬‬ ‫وإيقِظ األمة اإلسالمِة ّتقِوم موجة اّطغِ​ِ واّتنصري اّفَنسي ‪ ،‬وواّد امللك إدريس ظل يقِوم تغلغل‬ ‫املد اّفَنسي يف تشِد واّسودا واّنِجَ ‪ ،‬يىت ّقي وجه ربه ‪ ،‬واّسِد أَمد اّشَيف وامللك إدريس‬ ‫أفنِ​ِ عمَمهِ يف اجلهِد ضد اّطلِ​ِ ‪.])402([))...‬‬


‫ورد مجِل عبد اّنِصَ على هذه اإلجِبة املقنعة بقوّه‪(( :‬أال تستوعب اّدعِبة؟! إنين أعَف كل هذا ‪،‬‬ ‫وأعَف أ اّلِبِني أبطِل جهِد ‪ ،‬وّكنين أرغب أ أرى رد فعلك‪ ...‬وتبني يل أنك مغَيب يِد املزاج‬ ‫ال تتقبل اّدعِبة بَوح مَية))(‪.)1‬‬ ‫كِنت اّقوات اّربيطِنِة املتواجدة يف ِّبِة واملنتشَة على طول اّبالد من طربق إىل غَب طَابلس ‪،‬‬ ‫واجلواسِس اإلنكلِز يسِطَو على مَاكز يسِسة ‪ ،‬وموظفو من اإلنكلِز أيضًِ يف شَطة والية‬ ‫طَابلس ‪ ،‬وفَنسة ال تزال حتتل جنوب ِّبِة (فزا ) ‪ ،‬وّسفِراهتِ يف طَابلس وبنغِزي جهِز خمِبَات من‬ ‫اّطَاز األول ؛ وّه أعوا وعِو منتشَة يف طول اّبالد وعَضهِ ‪ ،‬وقد َبني اّسِد ابن يلِم تلك‬ ‫املالبسِت جلمِل عبد اّنِصَ اّذي أجِب‪(( :‬إنين على علم اتم أب مِ أطلبه منك عمل ينطوي على‬ ‫خطورة كبرية ‪ ،‬ومغِمَة خطرية‪ ، ])403([))...‬مث أضِف‪ّ(( :‬وال أنين مطمئن ّوطنِة امللك إدريس‬ ‫ووطنِتك ويَصكمِ اّشديد على حتَيَ اّشمِل اإلفَيقي من نري االستعمِر اّفَنسي اّبغِض ملِ طلبت‬ ‫منكم مِ طلبت ‪ ،‬وعلى أية يِل فأان رهن إشِرتكم ألي عو أو نصح أو مسِعدة يف سبِل هدفنِ‬ ‫اّنبِل ّتخلِص اجلزائَ من ربقة االستعمِر)) بعد ذّك قِم مجِل عبد اّنِصَ بتعَيف مصطفى بن يلِم‬ ‫ابّسِد أَمد بن بال[(‪.])404‬‬ ‫كِ قِئد قوة دفِع بَقة اّفَيق حممود بوقويطني ال يثق يف مجِل عبد اّنِصَ ‪ ،‬ويَاه يَيصًِ على تفجري‬ ‫اّقالقل وزعزعة اّنظِم داخل ِّبِة ‪ ،‬وَّمبِ اختذ من ستِر مَور اّسالح إىل اجلزائَ وسِلة ّتوزيع اّسالح‬ ‫ِ‬ ‫األمَ على امللك رَمه هللا فقِل‪(( :‬من انيِة ال ميكننِ أ نَفض‬ ‫داخل ِّبِة ضد اململكة ‪ ،‬وعَُض ُ‬ ‫مسِعدة ثوار اجلزائَ يف جهِدهم ‪ ،‬هذا واجب ديين حمتم علِنِ تلبِته ‪ ،‬وال ميكننِ أ نرتدد يف اّقِ​ِم‬ ‫به‪...‬‬ ‫ومن انيِة أخَى فإنين ال أريد أ أعَض استقالل هذا اّوطن اّذي ضحِنِ يف‬ ‫سبِله بكل عزيز وغِل ‪ ،‬واستشهد يف سبِله مئِت االالف من اّلِبِني ‪ ،‬وال أود أ أقِمَ هبذا‬ ‫االستقالل خصوصًِ مع فَنسة اّيت خَجت عن طورهِ وتَتكب كل يوم اّكثري من اجلَائم واحلمِقِت‬ ‫يف قمع كل يَكة استقالِّة يف اّشمِل اإلفَيقي‪...‬‬ ‫ومع توتَ عالقتنِ مع فَنسة بعد طلبنِ إجالء قواهتِ عن فزا ؛ فإهنِ ستلتمس أي عذر ّرتتكب معنِ‬ ‫َمِقة كربى‪.)1())...‬‬


‫ّقد وافق امللك إدريس على َتَيَ اّسالح من مصَ عرب األراضي اّلِبِة ‪ ،‬وقِم بتوجِه رئِس اّوزراء‬ ‫واملسؤوّني عن هذه األمور ابختِذ األسبِب اّالزمة ّلجمع بني األمَين؛ مسِعدة اجملِهدين يف اجلزائَ ‪،‬‬ ‫وعدم تعَيض استقالل اّبالد ألي هزة من أي نوع كِنت؛ وقِم مديَ عِم قوة دفِع بَقة اّفَيق حممود‬ ‫بوقويطني ابختِذ إجَاءات اَّقِبة اّيت ستصِيب قوافل اّسالح عرب بَقة ‪ ،‬واختذ رئِس اّوزراء جمموعة‬ ‫خرية من ضبِط مدينة طَابلس يشَف علِهم اجملِهد اّعقِد عبد احلمِد يب درنة ّإلشَاف على هذه‬ ‫املهمة اخلطرية ‪ ،‬وابشَ اّلِبِو مع إخواهنم اجلزائَيني تنفِذ مِ اتفقوا علِه ‪ ،‬وتسَب اّسالح من ِّبِة‬ ‫إىل اجلزائَ تدرجيِ​ًِ ‪ ،‬واستمَ هذا احلِل يف سَية وكفِءة اتمتني ملدة سنة تقَيبًِ ‪ ،‬وكِ امللك رَمه هللا‬ ‫يبِرك تلك األعمِل اجلبِرة[(‪.])405‬‬ ‫وحيدثنِ اّسِد مصطفى بن يلِم عن قصة طَيفة يدثت ّه مع اّسفري اّفَنسي يف ِّبِة ؛ يِث قِل‪:‬‬ ‫«أذكَ هنِ قصة طَيفة يدثت يف منتصف سنة (‪ 1955‬م) ‪ ،‬فقد كنِ يف أوائل اّصِف ‪ ،‬وأذكَ كِ‬ ‫يوم مخِس وكنت على موعد مع األخ أَمد بن بال (من زعمِء ثورة اجلزائَ) وبعض مسِعديه ‪ ،‬دعوهتم‬ ‫ّلغداء مث اّتبِيث بعد ذّك يف أمور اّسالح واّعتِد واّثورة‪ ...‬وأثنِء اّنهِر اتصلت به وزارة اخلِرجِة‬ ‫اّلِبِة تقول‪ :‬إ اّسفري اّفَنسي يلح يف طلب مقِبليت يِمالً رسِّة من إدجِر فور رئِس احلكومة‬ ‫اّفَنسِة ‪ ،‬وبدو تفكري قلت‪ِّ :‬حضَ اّسفري اّسِعة اخلِمسة إىل املنزل (منزل رئِس احلكومة) انسِ​ًِ‬ ‫موعدي اّسِبق مع ابن بال ومجِعته ‪ ،‬ورجعت إىل مسكين عند اّثِّثة ‪ ،‬وتنِوّت اّغداء مع األخ أَمد‬ ‫ومجِعته ‪ ،‬واّعقِد يب درنة ومسِعديه ‪ ،‬مث بدأان منِقشة طويلة الختِ​ِر أيسن املواقع اّيت ختز فِهِ‬ ‫شحنِت‬ ‫اّسالح اّقِدمة ‪ ،‬وأثنِء اهنمِكنِ يف هذه املنِقشة اّدقِقة دخل كبري املبِشَين ‪( ،‬وبَغم أوامَي بعدم‬ ‫دخول أيد علِنِ يف ذّك االجتمِع) ‪ ،‬واستأذ وأسَ يف أذين أ اّسفري اّفَنسي وصل وأدخله يف‬ ‫اّصِّو اجملِور!! وارتبكت ‪ ،‬مث قلت ّألخ أَمد بن بال‪ :‬أستأذنكم ّبضع دقِئق ‪ ،‬فقد يِ موعد‬ ‫كنت نسِته مع اّسفري اّفَنسي! وأضفت‪ّ :‬عله مل يسمع منِقشتنِ‪ !...‬وذهبت الستقبِل (مسِو دي‬ ‫مِرسِي) اّذي كِ حيمل يل رسِّة عِجلة من رئِس وزراء فَنسة يَجو املسِعدة يف اّقبض عن طَيق‬ ‫اّعداّة اّفَنسِة على املدعو (ابن بال) ‪ ،‬وَتكنت بصعوبة كبرية من اّسِطَة على عضالت وجهي وكتم‬ ‫ضحكة سِخَة‪ ...‬وقلت ّلسفري‪ :‬أرجو أ حتضَوا ّنِ صوراً ّلمجَم (ابن بال) صوراً مواجهة ‪ ،‬وصوراً‬ ‫جِنبِة ‪ ،‬ووصفًِ دقِقًِ ّلَجل ‪ ،‬وتقدموا هذه املعلومِت ّلسِد جيِديَ جِيلز بك يف طَابلس ‪ ،‬وّلفَيق‬


‫بوقويطن يف بَقة ‪ ،‬وسأصدر تعلِمِيت هلمِ مبسِعدتكم بكِفة اّوسِئل ‪ ،‬وودعت اّسفري ‪ ،‬مث استأنفت‬ ‫االجتمِع ‪ ،‬فسأّين األخ أَمد عن سبب زَيرة اّسفري ‪ ،‬قلت‪ :‬أراد املسِعدة يف اّقبض علِك! قِل‪:‬‬ ‫ومِذا قلت ّه؟ قلت‪ :‬وعدته ابملسِعدة بعدمِ يقدم يل تفِصِل كِفِة َتكن رجِل اّشَطة من اّقبض‬ ‫علِك ‪ ،‬وضحكنِ كثرياً‪.])406([))...‬‬ ‫ّقد تدهورت اّعالقِت بني ِّبِة وفَنسة بعدمِ أتكد ّلحكومة اّفَنسِة أ ِّبِة تقف وراء يَكة اجلهِد‬ ‫يف اجلزائَ مؤيدة هلِ قوالً وفعالً ‪ ،‬وتسَبت األخبِر عن اّدور اّسَي اخلطري اّذي كِنت تقوم به ِّبِة‬ ‫بزعِمة ملكهِ يف مسِندة اّشعب اجلزائَي ومده ابّسالح واّعتِد ابإلضِفة إىل اّتأيِد اّسِ​ِسي‬ ‫واملعنوي إثَ اعرتاض اّطريا اّفَنسي ّلطِئَة اّيت كِنت حتمل أَمد بن بال ورفِقه وهم يف طَيقهم من‬ ‫اَّابط إىل تونس ‪ ،‬وأرغمت اّطِئَة على اهلبوط يف مطِر اجلزائَ ‪ ،‬ومت اعتقِهلم هنِك[(‪.])407‬‬ ‫ّقد استشِط غضبًِ نواب اِّمني يف اّربملِ اّفَنسي ‪ ،‬ووصلت َملتهم على دور ِّبِة يف نصَة يَكة‬ ‫اجلهِد يف اجلزائَ يد اهلسرتَي ‪ ،‬األمَ اّذي جعل احلكومة‬ ‫اّفَنسِة حتِول اّتملص من تعهداهتِ ابجلالء عن اجلنوب اّلِيب يف فرتة أقصِهِ نوفمرب سنة (‪ 1956‬م)‬ ‫‪ ،‬وقِمت فَنسة إبرسِل اّسفري (ابالئي) إىل احلكومة اّلِبِة وأبلغهِ أب احلكومة اّفَنسِة ال تستطِع‬ ‫أ تنفذ جالء قواهتِ عن فزا بعدمِ تبني هلِ مواقف احلكومة اّلِبِة املعِدية ّفَنسة ‪ ،‬وكِ رد رئِس‬ ‫اّوزراء اّلِيب أب يكومته سوف تَفع اّقضِة إىل جملس األمن ‪ ،‬وطلبت من اَّئِس أيزهنِور األمَيكي‬ ‫ّكي يتدخل وينصح يلفِءه اّفَنسِني ابيرتام مِثِقهم مع ِّبِة[(‪.])408‬‬ ‫ّقد وقف امللك ويكومته وشعبه مع اّقضِة اجلزائَية ‪ ،‬وكِنت احلكومة اّلِبِة شديدة احلَص على‬ ‫االدعِء أبهنِ تقف موقفًِ حمِيداً َتِمًِ ‪ ،‬فبِنمِ تعطف على امِل اّشعب اجلزائَي يف احلَية واالستقالل‬ ‫‪ ،‬إال أهنِ ال تسِعد على أعمِل اّعنف! وّذّك فهي تدعو فَنسة وثوار اجلزائَ إىل اجللوس إىل طِوّة‬ ‫املفِوضِت ّلوصول إىل يل سلمي! كِ كل هذا ستِراً دبلومِسِ​ًِ؛ أل مسِعدات ِّبِة ّلجزائَ زادت‬ ‫نوعًِ ومقداراً ‪ ،‬بل مسح ّلمؤسسِت اّشعبِة يف أحنِء ِّبِة بتكوين مجعِ​ِت شعبِة ّنصَة اّشعب‬ ‫اجلزائَي ومجع اّتربعِت ‪ ،‬وإرسِل بَقِ​ِت اّتأيِد ّلثورة اجلزائَية ‪ ،‬وبَقِ​ِت اّشجب ّلحكومة اّفَنسِة‬ ‫‪ ،‬وكِنت احلكومة اّلِبِة بَائسة ابن يلِم تدَعي أ ال دخل هلِ ابألعمِل اّشعبِة اّعفوية ‪ ،‬وأ خري‬ ‫سبِل أمِم فَنسة هو االستجِبة ّنصِئحهِ ابتبِع اّطَق اّسلمِة مع اّثورة اجلزائَية ‪ ،‬وإيقِف أعمِل‬ ‫اّقمع واّقتل واّتشَيد اّيت تقوم هبِ اّقوات اّفَنسِة يف اجلزائَ[(‪.])409‬‬


‫كِ رئِس احلكومة اّلِبِة مصطفى بن يلِم متعِطفًِ مع اّقضِة اجلزائَية ‪ ،‬ووجد دعمًِ معنوَيً من‬ ‫امللك نفسه ‪ ،‬فمضى يف طَيقه بثقة واطمئنِ ‪ ،‬يىت إنه ملِ زار عدان مندريس رئِس وزارة تَكِة ِّبِة‬ ‫يف عِم (‪ 1957‬م) يف شهَ فربايَ اختلى ابن يلِم بعدان مندريس ‪ ،‬وبدأ حبديثه عن دور األتَاك‬ ‫اّعظِم يف نشَ اإلسالم وزعِمتهم ّألمة اإلسالمِة عرب قَو عديدة من اّتِريخ اإلسالمي اجملِد ‪،‬‬ ‫وشدد على روابط اّدين اّيت تَبط األتَاك ببقِة األمة اإلسالمِة ‪ ،‬وعلى أ ّرتكِة دورهِ اإلسالمي‬ ‫اّعظِم ابَّغم من دعِوى اّعلمِنِة ‪ ،‬مث عَج حبديثه عن مشِل إفَيقِة‬ ‫وشَح ملندريس مدى اّظلم واّقتل واّتشَيد اّذي يعِين منه شعب اجلزائَ اجملِهد ‪ ،‬وحمِوالت فَنسة‬ ‫قمع ثورته اإلسالمِة وتنصريه وفَنسته ‪ ،‬مث دخل يف صلب املوضوع ‪ ،‬وقِل ّعدان بك‪(( :‬إنين امل‬ ‫أمالً قوَيً أ َتد تَكِة اّشقِقة املسلمة اّكربى يد املسِعدة ّشعب اجلزائَ اجملِهد يف حمنته اَّاهنة))‪.‬‬ ‫قِل عدان مندريس‪ :‬إنه كمسلم يعطف بكل جواريه على اّشعوب اإلسالمِة مجِعًِ ‪ ،‬وبنوع خِص‬ ‫على شعوب اّشمِل اإلفَيقي ‪ ،‬وهو على إدراك اتم مبِ يعِنِه اّشعب اجلزائَي يف يَبه االستقالِّة ‪،‬‬ ‫مث قِل‪ :‬وّقد بذّت تَكِة اّكثري من املسِعي اّسَية احلمِدة ّدى يكومة ابريس موصِة وانصحة أب‬ ‫مشكلة اجلزائَ ال حتل ابّقوة واّقمع ‪ ،‬بل حبلول سِ​ِسِة وتفِوض مع ممثلي سكِ اجلزائَ ‪ ،‬وأضِف‬ ‫إنه على استعداد ملضِعفة هذه املسِعي بل وتوسِعهِ حبِث تشمل ضغطًِ ودَيً ّدى دول يلف‬ ‫األطلنطي األخَى ؛ مثل‪ :‬اّوالَيت املتحدة وبَيطِنِة وإيطِِّة ‪ ،‬وقِم اّسِد مصطفى بن يلِم يشكَ‬ ‫عدان مندريس على مسِعِه اّدبلومِسِة اّطِبة ‪ ،‬ويثه على املواصلة ‪ ،‬وقِل ّه‪(( :‬إ مسِعدة شعب‬ ‫اجلزائَ تتطلب أكثَ من املسِعي احلمِدة ؛ فهي تتطلب عوانً مِدَيً ‪ ،‬مِالً وساليًِ)) ونظَ عدان‬ ‫مندريس إىل مصطفى بن يلِم وظهَ على وجهه االضطَاب واختفت االبتسِمة اّيت كِنت تالزمه كثرياً‬ ‫‪ ،‬مث قِل ّلسِد مصطفى بن يلِم‪َ :‬ي أخي اّعزيز! أنت تعَف أ تَكِة عضو هِم يف يلف األطلسي‬ ‫؛ فكِف تَى أ تقدم ّثوار اجلزائَ ساليًِ من سالح احللف (األطلسي) ّكي حيِربوا به عضواً هِمًِ‬ ‫اخَ من ذات احللف ـ أعين‪ :‬فَنسة؟ فقِل مصطفى بن يلِم‪ :‬أان أعَف أ تَكِة من أقوى اّدول‬ ‫اإلسالمِة ‪ ،‬وهي اّيت كِنت تتوىل اّقِ​ِدة واَّ​َيدة ّألمة اإلسالمِة ّقَو عديدة ‪ ،‬فكِف تَى أنت َي‬ ‫أخي اّعزيز أال َتد تَكِة اّعو املِدي ّلجزائَيني املسلمني اّذين تقتلهم قوات فَنسة وتشَدهم أو‬ ‫تعذهبم أنكل اّتعذيب؟ ومِ هلم من ذنب إال أهنم يسعو ّنِل يَيتهم واستقالهلم!‬


‫كَر مندريس خمِوفه اّشديدة من عواقب اكتشِف أي شبهة أب تَكِة َتد اّثورة اجلزائَية أبي عو‬ ‫مِدي‪ ...‬وكَر عدة مَات أب هذا سِسبب طَد تَكِة من يلف األطلسي ‪ ،‬وهو اَّكِزة اَّئِسة اّيت‬ ‫يَتكز علِهِ دفِع تَكِة يف مواجهة اخلطَ اَّوسي اّعظِم ‪ ،‬وكِ ابن يلِم يشعَ أب خمِوف عدان‬ ‫مندريس يقِقِة ‪ ،‬فهدأ‬ ‫من روعه وقِل ّه‪ :‬إ اّثورة اجلزائَية يف أشد احلِجة إىل أنواع كثرية من األسلحة احلديثة ‪ ،‬وهذه‬ ‫األسلحة متوفَة ّديكم ‪ ،‬فإذا أعطِتكم كشفًِ مفصالً هبذه األسلحة وأهديتموه أنتم إىل شقِقتكم ِّبِة‬ ‫؛ فلِس يف هذا مِ يثري أي شك أو ريب ّدى فَنسة ‪ ،‬وقِل مصطفى ّعدان ‪ :‬إ اّلِبِني سوف‬ ‫يقومو بتسَيب اّسالح إىل اإلخوا اجلزائَيني تدرجيِ​ًِ ‪ ،‬ووعده أب ال يعلم هذا اّسَ إال اّقِ​ِدة‬

‫اجلزائَية اّعلِ​ِ ‪ ،‬بل عدد قلِل من أفَاد تلك اّقِ​ِدة اّعلِ​ِ ‪ ،‬وواصل ابن يلِم يديثه مع ضِفه رئِس‬ ‫وزراء تَكِة عدان مندريس ‪ ،‬واستعَض ّه مِضي تَكِة اإلسالمي واترخيهِ يف اّذود عن اإلسالم ‪،‬‬ ‫وإعالء كلمته ‪ ،‬ومزج اّسِ​ِسة ابّعِطفة اّدينِة ‪ ،‬إىل أ قِل عدان مندريس‪ :‬سنقدم ّكم هدية‬ ‫اّسالح ‪ ،‬وأرجو هللا أ يوفقكم يف إيصِهلِ ألوّئك اّذين حيتِجوهنِ يف اّدفِع عن دينهم ‪ ،‬أمِ حنن يف‬ ‫تَكِة فإننِ نقدم اهلدية جلِش ِّبِة اّشقِقة فقط ‪ ،‬وشدد على احملِفظة على اّسَية املطلقة ‪ ،‬وبعد‬ ‫أسِبِع قلِلة وصلت هدية اّسالح اّرتكي ‪ ،‬واستلمهِ اجلِش اّلِيب يف ايتفِل عسكَي ‪ ،‬مث بدأ‬ ‫تسَيبهِ تدرجيِ​ًِ إىل جمِهدي اجلزائَ[(‪.])410‬‬ ‫كِ امللك إدريس رَمه هللا بعِد اّنظَ ‪ ،‬فبعد أ استقِل اّسِد مصطفى بن يلِم من احلكومة يف اخَ‬ ‫مِيو عِم (‪ 1957‬م) ؛ عَِنه مستشِراً خِصًِ ّه مبَتب رئِس وزراء ‪ ،‬وأصَ على بقِء ابن يلِم يف‬ ‫خدمة اّدوّة ‪ ،‬وشَح امللك َّئِس وزرائه اّسِبق أنه سِحتِج إِّه قَيبًِ ‪ ،‬مث عَض علِه أ يَسله سفرياً‬ ‫ّلِبِة يف ابريس ‪ ،‬أل عالقته ممتِزة مع رجِل اّثورة اجلزائَية ‪ ،‬وأل احلكومة اّفَنسِة قد وصلت ّقنِعة‬ ‫أب قضِة اجلزائَ ال ُحتل عسكَ​َيً وإمنِ ابملفِوضة مع سكِ اجلزائَ ‪ ،‬وعندمِ رد ابن يلِم على امللك‬ ‫بقوّه‪ :‬إ احلكومة اّفَنسِة أصبحت على علم ٍ‬ ‫اتم ابّدور اّذي قِم به يف مسِعدة اّثورة اجلزائَية‬ ‫وهتَيب اّسالح واّعتِد هلِ ‪ ،‬وإ اّثقة منعدمة بِنهم وبِنه ‪ ،‬رد امللك أب هذا هو خري مؤهل جيعل‬ ‫احلكومة اّفَنسِة تستعمل مسِعِك كقنِة ّلوسِطة مع اّثورة اجلزائَية ّتأكدهِ من أ زعمِء اجلزائَ‬ ‫سِتقبلو نصحك قبوالً يسنًِ ‪ ،‬ويثقو مبِ تنقل هلم من اقرتايِت ‪ ،‬وأضِف امللك‪(( :‬علِك أ‬ ‫تكمل رسِّتك حنو اّثورة اجلزائَية))[(‪ّ ، ])411‬قد كِنت مهمة سفري‬


‫ِّبِة يف فَنسة اّبحث مع احلكومة اّفَنسِة عن سبل سلمِة إلعطِء شعب اجلزائَ يق تقَيَ مصريه ‪،‬‬ ‫وتشجِع احلكومة اّفَنسِة على انتهِج سِ​ِسة اّتفِهم واّتفِوض مع جبهة حتَيَ اجلزائَ ‪ ،‬واإلقالع عن‬ ‫سِ​ِسة اّقمع واّعنف واّتشَيد ضد اّشعب اجلزائَي[(‪.])412‬‬ ‫وبدأ اّسفري مصطفى بن يلِم بتنفِذ دوره اّذي رمسه ّه امللك ‪ ،‬وقِم امللك إدريس بطلب رمسي من‬ ‫اجلنَال دجيول اّذي أصبح رئِسًِ ّلجمهورية أب يطلق سَاح أَمد بن بال ورفِقه من اّسجن ‪ ،‬أو على‬ ‫األقل أ خيفف وطأة اّسجن إىل إقِمة جربية أو شيء من هذا اّقبِل ‪ ،‬وأجِب اجلنَال دجيول على‬ ‫طلب امللك إدريس بوسِطة سفري ِّبِة بفَنسة مصطفى بن يلِم اّذي َمله دجيول رسِّة إىل امللك‬ ‫إدريس ؛ أب مسعِه ّن يذهب سدى ‪ ،‬وبعد أَيم نُقل أَمد بن بال ورفِقه إىل فِال يف ضِيِة‬

‫(شِنتِ​ِه) جبوار ابريس[(‪.])413‬‬ ‫ويف ينِيَ عِم (‪ 1961‬م) ‪ ،‬زار ِّبِة اّكونت دوابري ‪ ،‬موفداً من طَف اجلنَال دجيول رئِس‬ ‫اجلمهورية انذاك ‪ ،‬واستقبله حممد عثمِ اّصِد بصفته رئِسًِ ّلحكومة يف طَابلس ‪ ،‬وكِ اّكونت‬ ‫دوابري حيمل رسِّة خطِة من ديغول ّلملك إدريس اّسنوسي ‪ ،‬وأبلغ املبعوث اّفَنسي اّسِد حممد‬ ‫اّصِد رئِس اّوزراء أ اجلنَال دجيول يَيد إبالغ امللك إدريس عرب هذه اَّسِّة‪ :‬أ فَنسة ستعمل قَيبًِ‬ ‫على إجيِد يل ّقضِة اجلزائَ يضمن مصلحة اجلزائَيني ‪ ،‬ويليب املطِمح اّعَبِة ‪ّ ،‬كنه يَجو من اّقِدة‬ ‫اّعَب ؛ خِصة أوّئك اّذين تعَف علِهم إاب احلَب اّعِملِة اّثِنِة ‪ ،‬ومنهم امللك إدريس تفهم‬ ‫ظَوف فَنسة اّداخلِة ‪ ،‬ومسِعدته يىت ميكن إخَاج هذا احلل إىل يِز اّوجود ‪ ،‬وابّفعل مل ِ‬ ‫َتض‬ ‫أربعة أشهَ يىت بدأت مفِوضِت االستقالل بني فَنسة واجلزائَ يف ‪ 20‬مِيو (‪ 1961‬م) يف إيفِ​ِ ‪.‬‬ ‫عقب إطالق سَاح أَمد بن بال ورفِقه األربعة ‪ ،‬وكِ يطلق علِهم (اّزعمِء اخلمسة) من اّسجو‬ ‫اّفَنسِة ‪ ،‬قِم هؤالء اّزعمِء بزَيرة إىل ِّبِة ‪ ،‬وايتفى هبم اّلِبِو يكومة وشعبًِ ايتفِءً كبرياً ‪،‬‬ ‫واستقبلهم امللك إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ويثهم‬ ‫على اّتضِمن ونكَا اّذات‪ ،‬وذ َكَهم ابحلديث اّشَيف اّذي يقول فِه اَّسول (ص)‪« :‬رجعنِ من‬ ‫اجلهِد األصغَ إىل اجلهِد األكرب» ‪ ،‬وطلب منهم االهتداء هبذا احلديث ‪ ،‬ودعِهم إىل نبذ مجِع‬ ‫أشكِل اخلالف واّشقِق واألاننِة اّيت تضَ إ وجدت ابجلزائَ واستقالهلِ‪.‬‬


‫كِنت احلكومِت اّلِبِة املتعِقبة بعد يكومة ابن يلِم تدعم ثورة اجلزائَ ‪ ،‬وكِ من وراء ذّك اّتأيِد‬ ‫غري املنقطع امللك إدريس بتوجِهِته املستمَة ‪ ،‬وكِ يكن يف أعمِقه عطفًِ خِصًِ على ثورة اجلزائَ‬ ‫اإلسالمِة‪.‬‬ ‫إ اململكة اّلِبِة حبكومتهِ وشعبهِ سِعدت ثوار اجلزائَ يف معَكتهم املقدسة ضد فَنسة ‪ ،‬وقِموا مبد‬ ‫اّثورة ابّسالح واّذخِئَ واملسِعدات ‪ ،‬وقد يدثين اّسِد حممد اّقِضي عبد اّكبري اّذي كِ معي يف‬ ‫املعتقل اّسِ​ِسي بطَابلس عِم (‪ 1983‬م) ‪ ،‬وكِ يِكمًِ ملنطقة فزا زمن اململكة ؛ فقد أخربين عن‬ ‫إشَاف احلكومة على خمِز األسلحة ‪ ،‬وتوصِلهِ ّلمجِهدين يف اجلزائَ ‪ ،‬وقد تويف رَمه هللا بعد‬ ‫خَوجه من اّسجن ‪ ،‬وقد قضى يف سجو ِّبِة من عِم (‪ 1969‬م إىل سنة ‪ 1988‬م) ‪ ،‬وكِ رجالً‬ ‫عجِبًِ يف دينه وصفِء فطَته ‪ ،‬يفظ اّقَا اّكَمي بعد اخلِمسة واألربعني من عمَه ‪ ،‬وكِ يتحدث‬ ‫اإلنكلِزية واّفَنسِة واإليطِِّة ‪ ،‬وكِ شعلة من اّنشِط واالجتهِد واّتعلِم ‪ ،‬وقد جِوز اّستني من‬ ‫عمَه ‪ ،‬وكِ حيِفظ على صِ​ِم اّسنن ‪ ،‬واّنوافل ‪ ،‬واّقِ​ِم ‪ ،‬واَّ​َيضة اّبدنِة ‪ ،‬وكِ يقول يل‪ :‬إ أمله‬ ‫يف هللا أ يغفَ ّه ذنوبه ‪ ،‬وأ يكو سجنه تكفرياً ّلذنوب واخلطَِي ‪ ،‬وأ اّسجن وقفة مع اّذات‬ ‫وفَصة حملِسبة اّنفس ال تعوض أبداً ‪ ،‬وإ اّذي أكَمين هللا به يف اّسجن ّوال أ هللا من علي به مِ‬ ‫حتصلت علِه أبداً ‪ ،‬ومِ وصلت إِّه ‪ّ ،‬قد كِ فَيداً يف سنه ‪ ،‬وفَيداً يف نشِطه ‪ ،‬فَ​َمة هللا علِه‪.‬‬ ‫إ مجِع اّسِسة واّقِدة اّعسكَيني زمن اململكة اّلِبِة ‪ ،‬واّذين كِنت هلم عالقة مبِشَة مبد اّثورة يف‬ ‫اجلزائَ ؛ يشهدو أ امللك رَمه هللا كِ مسِنداً حلَكة اّثورة ‪ ،‬ويَيصًِ على جنِيهِ ‪ ،‬ومل يقصَ معهِ‬ ‫ال مِدَيً وال معنوَيً‪.‬‬

‫املبحث اخلِمس‬ ‫نظَة يف كتِب امللك إدريس رَمه هللا يف احتِد‬ ‫اّعَب ‪ ،‬وائتالف املويدين ‪ ،‬وبعض املقِبالت اّصحفِة‬


‫هذا اّكتِب ذكَه املؤرخ اّلِيب حممد اّطِب األشهب رَمه هللا تعِىل ‪ ،‬ونقل ّنِ منه نقوالً ‪ ،‬وال ندري‬ ‫أين اّكتِب اال ‪ ،‬كِ هذا اّكتِب قد وضعه إدريس اّسنوسي بقلمه كَسِّة شِملة يف عِم (‪1929‬‬ ‫م) ‪ ،‬شكلت حبثًِ سِ​ِسِ​ًِ علمِ​ًِ عِمًِ ‪ ،‬تنِول فِه املوقف اإلسالمي اّعَيب واّدويل من مجِع اّوجوه‬ ‫على يقِقته ‪ ،‬فجِء حبثًِ متمِزاً مدعومًِ ابحلجج اّعقلِة ‪ ،‬واّرباهني املنطقِة ‪ ،‬واألدّة اّتِرخيِة ‪،‬‬ ‫وحتدَث فِه عن اّعوائق واملشِكل اّيت تواجه تقدم اّعِملني (اإلسالمي واّعَيب) ‪ ،‬واألسبِب اّيت أ َخَت‬ ‫املسلمني واّعَب ‪ ،‬واّوسِئل اّيت جيب اختِذهِ ّتمكني اّعَب من حتقِق ويدهتم اّيت يَاهِ ضَورية ‪،‬‬ ‫وحتدث عن اخلالفة اإلسالمِة ومِهلِ ومِ علِهِ ‪ ،‬وعن سبب اهنِ​ِرهِ ‪ ،‬وتكلم عن املشِكل اّدوِّة وعن‬ ‫االستعمِر وأهدافه ‪ ،‬وعن املدنِة اإلسالمِة واحلضِرة اّعَبِة ‪ ،‬وعن دوّة اإلسالم ومِ تالهِ من دول‬ ‫ويكومِت عَبِة ‪ ،‬وحتدث عن األخطِء اّيت ارتكبت يف خمتلف عصور اّتِريخ اإلسالمي واّعَيب ‪ ،‬مث‬ ‫انتقل من هذه املواضِع اّعِمة إىل موضوع اّويدة اّعَبِة ومِ يقِسونه[(‪.])414‬‬ ‫أوالً‪ :‬يديثه عن اّويدة اّعَبِة ويِّة اّعَب‪:‬‬ ‫قِل رَمه هللا‪ :‬كل إنسِ يعَف أ جزيَة اّعَب كِنت قبل اّبعثة اّنبوية مضطَبة بفعل اجلهِّة‬ ‫واّفوضى واّشقِق ‪ ،‬إىل أ قِل‪ :‬وكِ البد من إصالح أسِس اّنظِم ‪ ،‬وعلى هذه احلِجة ظهَ‬ ‫اإلسالم‪.‬‬ ‫وقِل يف موضع اخَ من حبثه‪ :‬صِر اّعَب بعد زوال احلكومِت اّعَبِة اتبعني ّكل متبوع ‪ ،‬ومل يعنوا‬ ‫بَفعة أمتهم ‪ ،‬ومل ينتبهوا من رقدهتم ‪ ،‬وابألخص منهم من كِنت دَيره حمتلة ابحلكومِت غري اّعَبِة ؛‬ ‫ّقد فسدت أخالقهم وسجَِيهم حتت سِطَة اّدول املختلفة ‪ ،‬وظلوا انسني عظمتهم ومدنِتهم ‪ ،‬وقد‬ ‫تعودوا طأطأة اَّؤوس ّلذل ‪ ،‬ومن اّطبِعي أ ال حتتفظ أمة ببأسهِ وسجَِيهِ ‪ ،‬وخصِهلِ يف سلطِ‬ ‫يكومة مستبدة ‪ ،‬وهكذا شَع اّعَب يتغريو ويفسدو ‪ ،‬على أ اّعَب ّن ينسوا جنسِتهم وقتًِ مِ ‪،‬‬ ‫وِّس فِهم من خَج عن عَوبته‪.‬‬ ‫إ عَوبة اّعَب املِضِة ّتؤثَ أتثريهِ اّنفسي اال ‪ ،‬وإ اّتِريخ يعِد نفسه ‪ ،‬وإ اّعَبِة مثل اإلسالم‬ ‫صبغة ال تزول ‪ ،‬واستطَد إدريس اّسنوسي يف حبثه إىل أ قِل‪ :‬فإذا انل اّعَب استقالهلم أو استقلت‬ ‫كل مقِطعة عَبِة إدارَيً ‪ ،‬واحتدت مع بقِة أخواهتِ ؛ فإهنن يقمن إمرباطورية عظِمة ويكومة متحدة‬ ‫على نسق وايد‪.‬‬


‫واستطَد يف يديثه عن اّعَب ‪ ،‬إىل أ قِل‪ :‬إهنم حمتِجو إىل تَبِة أخالقِة ‪ ،‬وتنمِة عقوهلم املنهوكة‬ ‫منذ مدة من اّزمن ‪ ،‬يىت يسرتدوا مشلهم اّعَيب ‪ ،‬وأخالقهم اّعِِّة ‪ ،‬ويف احلقِقة‪ :‬إ مجلة اّبالد اّعَبِة‬ ‫أصبحت يف سبِت عمِ يَاد هبِ من املمِّك األخَى ‪ ،‬وّن تستِقظ إال على أصوات مدافع املستعمَين‬ ‫‪ ،‬ورب أمة ال تعَف نفسهِ يىت تصِب مبظِمل األجِنب[(‪.])415‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬األخوة اإلسالمِة واّعَوبة‪:‬‬ ‫قِل‪ :‬يقًِ إ اإلسالم مينع تغلب اجلنسِة ‪ ،‬وّكن ال أيىب تكِمل األمم إذا مل يضَ بسِئَ اّبالد‬ ‫اإلسالمِة ‪ ،‬ومل يضِع األخوة اّدينِة ‪ ،‬واّذي ميكنه اَّقي يف هذا اّعصَ هو اّذي يفهم اإليسِس‬ ‫اّقومي ‪ ،‬وال ميكن اَّقي بغري هذا ‪ ،‬أل االرتقِء رهني ابحتِد اجلمِعِت وتعِوهنِ ‪ ،‬واّكمِل ال يكو‬ ‫إال ابألمة كلهِ ‪ ،‬ومِ كِ َّقي األفَاد إىل اال فِئدة كبرية يف األمة ‪ ،‬وهلذه األمنِة يَيب اّسِ​ِسِو‬ ‫األمم ‪ ،‬واالحتِد اّقومي موجود بنفسه ‪ ،‬ويكفي فِه أ يكو اإلنسِ عَبِ​ًِ ‪ ،‬فإ اّفَد من هذه األمة‬ ‫اّعَبِة يدرك بفطَته وبفكَه األول‪ :‬أنه ابن هذه األمة اّيت زّزّت األرض يِنًِ من اّزمن ‪ ،‬ويق ّه أ‬ ‫يفهم ذّك ‪ ،‬وهذا اّعصَ هو عصَ اّقومِ​ِت ‪ ،‬فال‬ ‫تستطِع األمة اّعَبِة أ تقف بعِداً عن هذا اّتِ​ِر ‪ ،‬واّعَب هم أسِس اإلسالم ومنشؤه ‪ ،‬فإذا مِ‬ ‫َتِسكوا وتكِتفوا وشدوا أزرهم ينهض اإلسالم بال ريب ‪ ،‬وال خوف على املسلمني من تفَق اّكلمة‬ ‫إذا مِ عَب اجلزيَة هنضوا ‪ ،‬ومن أجل هذا نَى أ اّعصبِة اّعَبِة معقوّة ومشَوعة ‪ ،‬بل وضَورية ‪،‬‬ ‫على شَط أ ال تتعِرض مع األخوة اإلسالمِة ‪ ،‬وأ ال تتعدى على االخَين ‪ ،‬وهبذه اّوسِلة تقوى‬ ‫األمة اّعَبِة ويقوى اإلسالم معهِ[(‪.])416‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬احلجِز هو قطب ريى اجلزيَة اّعَبِة‪:‬‬ ‫قِل امللك إدريس رَمه هللا‪ :‬ال ريب أ احلجِز هو قطب ريى اجلزيَة اّعَبِة ‪ ،‬ومنه منشأ اَّجِل اّذين‬ ‫نشَوا يف اّعِمل أمسى مبِدأى احلَية ‪ ،‬وعلموا اّنِس أمجل معِين اّعدل ‪ ،‬واّتسِمح ‪ ،‬واّعلم ‪ ،‬واّقِبض‬ ‫اال على أزمة أموره هو جالّة امللك عبد اّعزيز ال سعود ‪ ،‬ويف بالد اِّمن جالّة اإلمِم حيىي بن َمِد‬ ‫اّدين ‪ ،‬وهذا امللكِ املستقال املسِطَا على صمِم أيفِد عدان وقحطِ ال ريب يف أهنمِ‬ ‫يشعَا بثقل املسؤوِّة أمِم هللا وأمِم أهل اجلزيَة وعموم املسلمني ‪ ،‬ومهِ اال أمِم صحِفة يسطَ هلمِ‬ ‫اّتِريخ فِهِ من جديد كمِ سطَ ّغريمهِ يف املِضي ‪ ،‬وال يعزب عن ذكِئهمِ كِف جيب أ تدار دفة‬ ‫األمور إلعِدة جمد اّعَب واإلسالم ‪ ،‬وتعَيف األمم مِ جتهله من مدنِتهم واداهبم ويضِرهتم ‪ ،‬وِّس‬


‫هنِك مِ يقَب بني اّشعوب ويعَف بعضهِ ابّبعض االخَ غري األعمِل اجملِدة اّنِفعة واالخذة‬ ‫أبسبِب اإلصالح من كل وجوهه املعلومة يف هذا اّعصَ ‪ ،‬عصَ املعِرف واّفنو ‪ ،‬فعلِهمِ أ يعَفِ‬ ‫كِف يقودا صمِم األمة اّعَبِة من أيفِد عدان وقحطِ يف اّقَ اّعشَين ‪ ،‬إهنمِ يَيدا أ يقفِ‬ ‫ابألمة اّعَبِة يف مستوى وايد مع األمم اّيت سبقتهم اال مبَايل ‪ ،‬فعلِهمِ إذاً أ يستعدا ّلكفِح يف‬ ‫معرتك هذه احلِ​ِة ‪ ،‬وعلِهمِ أ خيلقِ يف أرض اجلزيَة يِث ال امتِ​ِزات وال عوائق مدنِة جديدة وشعبًِ‬ ‫قِدراً على اّسري ويده ‪ ،‬ومل يكن هذا ابّشيء اّعسري؛ أل اّفَصة سِحنة ّلعمل[(‪.])417‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬اّعمل اإلصاليي على وجهني‪ :‬ديين ومِدي‪:‬‬ ‫وقِل أيضًِ‪ :‬واّعمل اإلصاليي على وجهني‪ :‬ديين ومِدي ‪ ،‬أمِ اّديين فهو حتَيَ اّفكَ من قِد اّتقلِد‬ ‫‪ ،‬واعتبِر اّدين صديقًِ ّلعلم ويِكمًِ علِه ‪ ،‬وفهم اّدين على طَيقة اّسلف اّصِحل ‪ ،‬ووضع تَتِبِت‬ ‫ونظِم ّلحج يكفل راية احلجِج ورفِهِتهم وأمنهم ‪ ،‬وأمِ املِدي فهو‪ :‬االحتِد ‪ ،‬وحتسني املواصالت يف‬ ‫اّبالد اّعَبِة ‪ ،‬ومد اّسكك احلديدية ‪ ،‬وخطوط اّتلغَاف ‪ ،‬واّتلِفو وتعمِمهِ ‪ ،‬وتعبِد اّطَقِت‬ ‫ّسري اّسِ​ِرات ‪ ،‬فبذّك تَتبط املمِّك ارتبِطًِ منظمًِ ‪ ،‬مث وضع بَامج واسعة واثبتة ّنشَ املعِرف يف‬ ‫عموم أحنِء اململكة بتعمِم املدارس اّدينِة واّثقِفِة ‪ ،‬وأتسِس مجِعة عَبِة مبكة ّتعمل على تَقِة األمة‬ ‫اّعَبِة فنِ​ًِ وأدبِ​ًِ ‪ ،‬وّتنظِم اّويدة ومتجه اّسري ويَية اَّأي ‪ ،‬مث املداومة على عقد املؤَتَ اإلسالمي‬

‫يف كل سنة أوا احلج ‪ ،‬وتنظِم طَق اّدعِية إِّه ونشَهِ يف عموم األقطِر اإلسالمِة‬ ‫واّعَبِة[(‪.])418‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬اّزعِم األسِسي هو اّذي يؤسس يكومة راسخة اّبنِ​ِ ‪:‬‬ ‫وقِل‪ :‬إ اّزعِم األسِسي هو اّذي يؤسس يكومة راسخة اّبنِ​ِ ال تزول بزوال األفَاد واألسَ ‪ ،‬وهو‬ ‫صِيب اّنظَ​َيت اّسِمِة اّيت تؤثَ يف يِ​ِة األجِ​ِل مع احملِفظة على دوام اّسالم بقدر املستطِع ‪،‬‬ ‫ومَاعِة اّظَوف اّواقعِة يىت ال يعرتي بنِ​ِنه اخللل وهو ال يزال وِّداً[(‪.])419‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬أيهِ اّعَب احتدوا وكونوا كِّبنِ​ِ املَصوص‪:‬‬ ‫وقِل أيضًِ‪ :‬أيهِ اّعَب احتدوا وكونوا كِّبنِ​ِ املَصوص يشد بعضه بعضًِ ‪ ،‬فإ اّواجب املقدس‬ ‫يدعوكم أ تويدوا صفوفكم ‪ ،‬وأ جتِهدوا مجِعًِ يف سبِل اّذود عن يِ​ِض بالدكم ودينكم ‪ ،‬وِّس‬ ‫اجلهِد هو اّقتِل فحسب ‪ ،‬بل إ أول اجلهِد هو أ تعَفوا معىن األخوة اّعَبِة وتويِد اّسبِل ‪ ،‬مث‬


‫تدافعوا بكل مِ استطعتم كلمِ أمكنكم اّدفِع ‪ ،‬وأوّه ابِّد ‪ ،‬وِّس معىن ذّك هو إشهِر اّسالح‬ ‫فقط ‪ ،‬وّكنه اّتعلم ‪ ،‬تعلم كل مِ ميكن أ تتفوقوا به من اّصنِئع ‪ ،‬وابّلسِ ؛ أي‪:‬‬ ‫ببذل كل مِ أوتِتم من اّنصِحة واإلرشِد ‪ ،‬وابّقلم ‪ ،‬أي‪ :‬بتأسِس اّصحف وارتبِطهِ ببعضهِ ّتويِد‬ ‫اّفكَة وتوجِه اَّأي اّعِم ‪ ،‬وبعمل املالجأى ‪ ،‬واملستشفِ​ِت ّلفقَاء واِّتِمى واملَضى ‪ ،‬يىت ال‬ ‫يضطَوا إىل االّتجِء ّلمؤسسِت األجنبِة اّيت قد تدس هلم اّسم من عقِئد دخِلة ‪ ،‬ومذاهب فِسدة‬ ‫مفسدة ‪ ،‬مث إنشِء املدارس اّوطنِة وتشجِع اّتجِرة اّوطنِة ‪ ،‬واالكتفِء مبصنوعِت اّبالد‪.‬‬ ‫وبعد أ حتدث يف هذا املوضوع إبسهِب قِل‪ :‬واّشعب اّعَيب هو اال على أبواب هنضة عظِمة‬ ‫ستتجِوز بعو هللا مِ كِ علِه قبل قَو ‪ ،‬وإ اّتِريخ سِعِد نفسه ‪ ،‬واأليفِد ـ كمِ قِل ـ هم سَ‬ ‫اجلدود‪.‬‬ ‫إ اّشعب اّعَيب ّه مواهبه اّعظِمة يف احلزب واّسِ​ِسة ‪ ،‬ويف اّعلم واإلقدام ‪ ،‬هذا مِ ال ينكَه أيد ‪،‬‬ ‫واّبالد اّعَبِة يف نظَ عموم املسلمني متقدمة ‪ ،‬وهلِ املكِ املَموق ّوجود اّبِت احلَام ‪ ،‬وكذّك قرب‬ ‫اّنيب (ص) وبِت املقدس[(‪.])420‬‬ ‫وقِل يف مكِ اخَ من اّبحث‪ :‬إ اإلسالم معنِه االحتِد ‪ ،‬واإلسالم وايد ال يقبل اّتجزئة ‪ ،‬وّكن‬ ‫مع األسف اّشديد فقد أدى اجلدل اّكالمي إىل االختالف ‪ ،‬فتفَق املسلمو إىل معتزّة وأهل سنة ‪،‬‬ ‫وتفَقت املعتزّة شعبًِ ‪ ،‬وتفَق أهل اّسنة يف االجتهِد إىل مذاهب ‪ ،‬وهذا االختالف جتِذبته األغَاض‬ ‫اّسِ​ِسِة ‪ ،‬وال سبِل حلسم هذا اخلالف إال ابّعودة إىل اإلسالم اّذي بِنه صِيب اَّسِّة على‬ ‫بسِطة أسلوبه ومسو معِنِه وجوهَه[(‪.])421‬‬ ‫فلنفكَ قلِالً يف إنصِف وتعقُّل ‪ ،‬وّننظَ إىل احلقِقة ‪ ،‬وّنَجع إىل أوامَ اّنيب (ص) وكنه اإلسالم ‪،‬‬ ‫ونستعَض هذه املصِئب اّيت انتِبتنِ منذ عصور طويلة ‪ ،‬فإنه ال يوجد شيء مهلك كمنِزعتنِ معشَ‬ ‫املسلمني‪ ...‬إىل أ قِل‪ :‬إ هذه اّفوضى أفسدت اجلمِعة اإلسالمِة جِالً بعد جِل ‪ ،‬وأفسدت‬ ‫اّثبِت واّصرب واّسعي املضطَد واالجتهِد واّتفكري ‪ ،‬مث قِل‪ :‬إ املسلمني ّعدم َتسكهم بَوح اإلسالم‬ ‫أصبحوا يف ضعف واحنطِط ‪ ،‬وقد ذهب استعدادهم اّفكَي النكبِهبم على املنقوالت ‪ ،‬فِّتقلِد يف‬ ‫اّفكَ مل يكن فضِلة ‪ ،‬فكِف نقف هكذا صغِراً أمِم‬ ‫املِضي؟ وكِف ننتظَ من أسالفنِ كل شيء كمن ينتظَ املرياث ِّعِش به؟[(‪.])422‬‬


‫هذه بعض اّنقوالت من كتِبه (احتِد اّعَب وائتالف املويدين) يعطي اّبِيث خطوطًِ عَيضة يف نظَة‬ ‫امللك إدريس رَمه هللا ّبعض اّقضَِي اّيت تتعلق بنهوض األمة وسعِهِ حنو اّتمكني‪.‬‬ ‫وزَيدة يف إيضِح املنهج اّسِ​ِسي اّذي كِ يتبنِه امللك إدريس ننقل هذه املقِبلة اّصحفِة اّيت‬ ‫أجَيت عِم (‪ 1942‬م) بني امللك ومندوب جَيدة (اّبصرية) اّيت كِنت تصدر يف اإلسكندرية ؛‬ ‫يِث أجِب على عدة أسئلة تتعلق ابّويدة اّعَبِة ‪ ،‬وهنوض األمة ‪ ،‬فقِل‪ :‬من املشِهد اال أ اّعِمل‬ ‫يسعى إىل اّتكتل داخل جمموعِت قوية كبرية ‪ ،‬واّعَب يف بالدهم املختلفة ال يِ​ِة هلم ـ أقصد ـ يِ​ِة‬ ‫اّعز واّقوة ـ إال إذا احتدوا داخل نطِق من اّتعِو اّتِم ‪ ،‬اّتعِو اّذي جيمع بني اّثقِفة واّصنِعة‬ ‫واالقتصِد ‪ ،‬وبذّك تستطِع اجملموعة اّعَبِة اّكبرية املؤّفة من مثِنني ملِوانً أ حتتفظ ّنفسهِ بني األمم‬

‫اّعِملِة مبكِنة مَموقة حمرتمة ‪ ،‬واّويدة اّعَبِة عندي أقَب إىل اّتحقِق يف وقتنِ احلِضَ من احتِد شَقي‬ ‫إسالمي ‪ ،‬فإنه من املشِهد يف بقِع األرض املختلفة أ ويدة اّدم واّلسِ واّثقِفة هي أكرب اّعوامل‬ ‫يف تقِرب اّشعوب ‪ ،‬واحتِد املصِحل ‪ ،‬وهذه األمور مجِعهِ متوفَة يف األمم اّعَبِة أكثَ من توافَهِ يف‬ ‫اّعِمل اإلسالمي ‪ ،‬زد على هذا أ األمم اّعَبِة متجِورة احلدود ‪ ،‬ومتقِربة اّتخوم ؛ ممِ جيعل االحتِد‬ ‫بِنهِ أقوى أثَاً وأسَع تنفِذاً ‪ ،‬وأجِب عن سؤال اخَ ّنفس املندوب بقوّه‪:‬‬ ‫إ اّواجب املقدس اّذي حيتمه اّدين وتفَضه اّوطنِة على كل عَيب ؛ هو أ جيِهد اّطغِ​ِ بكِفة‬ ‫اّوسِئل اّيت ميلكهِ ‪ ،‬يىت يزول هذا اَّعب اّزايف ‪ ،‬وتشَق مشس احلَية واّكَامة اإلنسِنِة على‬ ‫األمم اّعَبِة واّعِمل أمجع من جديد[(‪.])423‬‬ ‫وعن سؤال اخَ أجِب‪ :‬إ األهداف اّيت نَمي إِّهِ واّيت طِملِ سفكنِ دمِءان يف سبِل حتقِقهِ هي‬ ‫احلَية اّكِملة ‪ ،‬واالستقالل اّشِمل ‪ ،‬وال ننسى حنن اّطَابلسِني‬ ‫واجبِتنِ يِ​ِل اّنهضة اّعَبِة اّكربى ابعتبِران ويدة من اّويدات اّيت تتكو منهِ اجملموعة اّعَبِة‪.‬‬ ‫سنعمل كمِ عملنِ يف اّسِبق متعِونني مع األيَار اّعِملِني على أ يسود اّشَق اّعَيب روح اّنهوض‬ ‫يف املَافق اّعلمِة واالجتمِعِة واالقتصِدية واّثقِفِة ؛ يىت يؤدي رسِّته اإلنسِنِة ويستعِد جمده‬ ‫اّغِبَ[(‪.])424‬‬ ‫وعندمِ اّتقت به جملة (صوت اّشَق) يف فربايَ عِم (‪ 1957‬م) و َجهت ّه بعض األسئلة ‪ ،‬فأجِب‪:‬‬ ‫إ ِّبِة َتد يدهِ ّكل بلد عَيب شقِق إبخالص ‪ ،‬واضعة كل مِهلِ وأانسهِ يف سبِل نصَة يَية هذا‬ ‫اّبلد ‪ ،‬وأتيِده يف اّذود عن يِ​ِضه وعزته وكَامته ‪ ،‬وّن ننسى أبداً نصَة وأتيِد اّبالد اّعَبِة اّشقِقة‬


‫‪ ،‬واّبالد احلَة اّصديقة ّنِ يف جهِدان وكفِينِ يف سبِل حتقِق استقالل ِّبِة ‪ ،‬وحتَيَهِ من‬ ‫االستعمِر‪ ...‬إىل أ قِل‪ :‬أنصح اّعَب األشقِء ابّتمسك ابّدين اّكِمل ‪ ،‬واخللق اّفِضل ‪ ،‬واالحتِد‬ ‫اّشِمل ‪ ،‬فلن يغلب شعب حيَص على هذه األمور اّثالثة(‪.)1‬‬ ‫إ دراسة كتِبه املذكور ‪ ،‬وتصَحيِته اّصحفِة تبني ّلبِيث ضعف اّقول اّقِئل أب امللك إدريس ال‬ ‫يفهم يف أمور اّسِ​ِسة ‪ ،‬وأقَب إىل أهل اّتصوف من كونه رجل دوّة ‪ ،‬وال توجد ّديه رؤية سِ​ِسِة‬ ‫واضحة ‪ ،‬وال يعَف كِف تسِس أمور األمم واّشعوب!!‬ ‫إ يِ​ِة هذا اَّجل ّغنِة ابّعرب واّدروس واملواعظ ‪ ،‬اّيت حتتِجهِ األجِ​ِل اّصِعدة اّيت تستلهم من‬ ‫املِضي مِ يفِدهِ يف يِضَهِ ومستقبلهِ وفق رؤية وتصور انبع من كتِب هللا وسنة رسوّه (ص)‪.‬‬ ‫سِبعًِ‪ :‬مكِنة اّصحِفة يف زمن امللك إدريس ‪ ،‬ويَية اّكلمة يف جملس اّنواب‪:‬‬ ‫إ كثرياً من احلكِم وامللوك واّقِدة ال يتحملو اّنقد ‪ ،‬وال كلمة احلق املوجهة إىل يكومِهتم أو ذواهتم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِل‬ ‫‪ ،‬ويقتدو بفَعو مصَ اّذي قِل هللا فِه‪[ :‬غِفَ‪ :‬ن‬ ‫{مِ أُري ُك ْم إالَ نمِ أ ننرى نونمِ أ ْنهدي ُك ْم إالَ نسب ن‬ ‫اَّ نش ِ​ِد [ نغِفَ‪ ، ]29 :‬ويستعملو كِفة األسِِّب اّويشِة ّتكمِم األفواه ‪ ،‬ومصِدرة احلَ​َيت ‪،‬‬ ‫ويربرو مواقفهم أمِم شعوهبم عند قمع األخِ​ِر واملصلحني ‪ ،‬كمِ قِل تعِىل‪:‬‬ ‫ِف أن ْ يـُبن ِد نل ِدينن ُك ْم أ ْنو أن ْ يُظْ ِهنَ ِيف األ ْنر ِ‬ ‫ض اّْ نف نس نِد [ نغِفَ‪]26 :‬‬ ‫نخ ُ‬ ‫[غِفَ‪{ :‬أ ن‬ ‫وهكذا كل اّطغِة يقوّوهنِ عندمِ يواجهو املصلحني ‪ ،‬وكلمِ تواجه احلق واّبِطل ‪ ،‬واإلميِ واّكفَ ‪،‬‬ ‫واّصالح واّطغِ​ِ ‪ ،‬على توايل اّزمِ واختالف املكِ ‪.‬‬ ‫وهكذا اّطغِة يف كل زمِ ومكِ يقدمو أنفسهم على أهنم احلَيصو على اّفضِئل ‪ ،‬اّغِورو على‬ ‫األخالق ‪ ،‬اَّاغبو يف اّتعمري واّتقدم ‪ ،‬واألمن واالزدهِر ‪ ،‬بِنمِ يقدمو أهل اخلري واّصالح على‬ ‫أهنم مفسدو خمَبو ‪ ،‬ضِّو مضلو ‪ ،‬أعداء هللا واألمة واّوطن ‪ ،‬ويلفِء اّشِطِ ورؤوس اّفتنة ‪،‬‬ ‫ودعِة اّضالل ‪ ،‬وهلذا جيب اّقضِء علِهم قبل حتقِق أهدافهم اخلبِثة[(‪.])425‬‬ ‫إ امللك إدريس رَمه هللا مسح ّلمصلحني أ يتكلموا وينقدوا اّدوّة واحلكم ‪ ،‬وشجع اّصحِفة‬ ‫واّنواب على قول كلمة احلق ‪ ،‬ويىت اّذين يتجِوزو يدود اّقِنو من املعِرضة يعرتفو ابملعِملة‬ ‫احلسنة اّيت يالقوهنِ من اّشَطة ‪ ،‬فقد ذكَ األستِذ حممد بشري املغرييب يف كتِبه‪( :‬واثئق مجعِة عمَ‬ ‫املختِر) مِ يدل على مِ ذهبت إِّه ؛ فقد قِل‪(( :‬البد أ أقول بعد كل ذّك‪ :‬إننِ طِلة تلك املَيلة‬ ‫وحنن نعِرض ونواجه حبدة وبشدة ‪ ،‬وتتخذ ضدان إجَاءات ابّسجن واالعتقِل واّنفي ‪ ،‬وحتديد اإلقِمة‬


‫؛ إننِ مل نتعَض إلهِنة أو إذالل معنوي أو جسدي ‪ ،‬بل إ كل مِ طبق علِنِ من تلك اإلجَاءات‬ ‫كِ يف جو من االيرتام ‪ ،‬ومبِ ال جيَح كَامتنِ أو حيط من إنسِنِتنِ‪.])426([))...‬‬ ‫إ من يدرس دور اّصحِفة يف فرتة امللك ياليظ أهنِ كِنت يَة ‪ ،‬وّكل شخص احلق يف يَية اّتعبري‬ ‫عن رأيه ‪ ،‬ويف إذاعة االراء واألنبِء مبختلف اّوسِئل ‪ ،‬وذّك يف يقوق احلق اّدستوري املنظم ّقِنو‬ ‫املطبوعِت اّذي ظهَ عِم (‪ 1959‬م)‪.‬‬ ‫كِ قِنو املطبوعِت يشرتط موافقة جملس اّوزراء على وقف إصدار اّصحِفة ممِ أعطِهِ منعة‬ ‫ويصِنة ضد أي قَار تعسفي يف يِّة تفَد جهة معِنة بذّك ‪ ،‬وأعطت احلكومة اّلِبِة زمن امللك‬ ‫اّسِبق رَمه هللا يَية ّلصحف يف مبِشَة‬ ‫نشِطهِ دو تدخل أو تعويق إداري ‪ ،‬ورغم أنه بدرت من احلكومة بعض املمِرسِت اّتعسفِة يف يق‬ ‫بعض اّصحف إال أ طبِعة اّنظِم احلِكم كِنت دائمًِ تعطي جمِالً وبَايًِ ّألخذ واّعطِء ‪ ،‬كمِ أ‬ ‫دستورية املؤسسِت تضمن ّلصحف واجملالت يقوقهِ ‪ ،‬وعندمِ قِمت احلكومة يف عِم (‪ 1952‬م)‬ ‫إبغالق صحِفة (اّتِج) عِرضت اّصحِفة ذّك اّقَار ‪ ،‬ورفعت دعوى ضد احلكومة ‪ ،‬وأّقى اّشِعَ‬ ‫أَمد رفِق املهدوي قصِدة يف جتمع َّفض اّقَار جِء فِهِ‪:‬‬ ‫من اّوزارة تعطِالً وإغالقِ‬ ‫«اّتِج» يشكو َّب اّتِج مِ القى‬ ‫على اّشعب أعنِقًِ وإرهِقِ‬ ‫وزارة جِوزت مِ ال يطِق فأكثَت‬ ‫وقد نشَت اّقصِدة يف اِّوم اّتِيل يف مجِع اّصحف ‪ ،‬ومل يتعَض اّشِعَ ألي أذى ‪ ،‬ويوم تعَضت‬ ‫صحِفيت (اّبالغ) و(املِدا ) ّإلغالق ‪ ،‬ودخلت هذه اّصحف يف معِرك قضِئِة عنِفة ضد وزارة‬ ‫اإلعالم ؛ كِنت هذه اّصحف تدافع عن وجهة نظَهِ عالنِة أمِم اجلمِع ويف احملِكم ‪ ،‬وكِ هنِك‬ ‫نوعِ من اّصحِفة‪ :‬يكومِة وأهلِة‪:‬‬ ‫أ ـ فِّصحِفة احلكومِة من أشهَهِ (ِّبِة احلديثة ‪ ،‬بَقة اجلديدة ‪ ،‬فزا ‪ ،‬وطَابلس اّغَب) ومع كوهنِ‬ ‫ختل يف مَات عديدة من نقد واضح ّلسلطِت احلِكمة ‪ ،‬رغم كوهنِ من أدواهتِ‬ ‫يكومِة إال أهنِ مل ُ‬ ‫اإلعالمِة ‪ ،‬ونذكَ هنِ ابّقصِدة اّشعبِة اّيت نشَهتِ صحِفة يكومِة‪:‬‬ ‫اّلى ع اجلَائد نسمع أبخبِره)‬ ‫(وين ثَوة اّبرتول َي مسسِرة‬ ‫وقد تضمنت اّقصِدة رسِّة جَيئة وعنِفة يف مهِمجة احلكومة[(‪.])427‬‬


‫ب ـ أمِ اّصحِفة األهلِة ؛ وهي قِئمة على اّشكل اّتجِري ‪ ،‬فكِنت تتلقى دعمًِ غري مبِشَ من‬ ‫احلكومة على هِئة (إعالانت ـ اشرتاكِت) ‪ ،‬وبقدر مِ كِ ذّك يشكل دعمًِ مِِّ​ًِ عُد مبثِبة ضغط‬ ‫غري مبِشَ ‪ ،‬ورمبِ قِدهِ أيِ​ِانً عن اّتمتع حبَية كِملة ‪ ،‬وقد سِمهت يف إنضِج اَّأي اّعِم احمللي‬ ‫وتوعِته سِ​ِسِ​ًِ ‪ ،‬وقد عَفت صحف (كِّبالغ) و(اَّقِب) مبقِالهتِ املنتقدة ّلحكومة ‪ ،‬كمِ اشتهَت‬ ‫صحِفة (احلقِقة) أبسلوهبِ اّسِخَ يف تنِول احلكومة واّتعَيف مبسِوئهِ ‪ ،‬ومل تتوا ن اّصحف مبِ‬ ‫فِهِ احلكومِة عن نقدهِ وفضحهِ ّبعض مشِريع اّدوّة ‪ ،‬يىت تلك اّيت كِ وراءهِ مقَبو كعبد هللا‬ ‫عِبد اّسنوسي (مشَوع طَيق فزا ) ‪ ،‬يِث نشَت اّقصة ألول مَة يف صحِفة (املسِء) يف‬ ‫(‪ 1960/8/20‬م) تقدمت املعِرضة على أثَهِ بطلب إسقِط يكومة عبد اجملِد كعبِر عن طَيق‬ ‫اّربملِ ‪ ،‬وهو مِ يدث يف (‪ 1960/10/16‬م)‪.‬‬ ‫وأهم اّصحف واجلَائد اّيت ظهَت يف زمن اململكة اّلِبِة وقبلهِ بقلِل هي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ صحِفة (اّوطن) ‪ ،‬أنشأهِ مصطفى بن عِمَ (‪ 1943‬م)‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ صحِفة (اّتِج) ‪ّ ،‬صِيبهِ عمَ األشهب ‪ ،‬ظهَت عِم (‪ 1951‬م)‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ جملة (ِّبِة) ‪ ،‬أنشأهِ مصطفى بن عِمَ (‪ 1951‬م)‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ صحِفة (شعلة احلَية) ‪ ،‬أنشأهِ أَمد زارم (‪ 1951‬م)‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ صحِفة (اّصَيح) ‪ ،‬أسسهِ إبَاهِم أَمد اّبكبِك (‪ 1951‬م)‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ صحِفة (اّلِيب) ‪ ،‬أنشأهِ علي حممد اّديب ‪ ،‬سنة (‪ 1951‬م)‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ صحِفة (املنِر) ‪ ،‬مؤسسهِ عمَ األشهب (‪ 1952‬م)‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ صحِفة (اّدفِع) ‪ ،‬أسسهِ صِحل بويصري (‪ 1952‬م)‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ صحِفة (اّلواء) ‪ ،‬أسسهِ علي رجب (‪ 1952‬م)‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ صحِفة (اّبشِئَ) ‪ ،‬مؤسسهِ علي زاقوب (‪ 1953‬م)‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ صحِفة (اّزمِ ) ‪ ،‬أسسهِ عمَ األشهب (‪ 1954‬م)‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ جملة (طَابلس اّغَب) ‪ ،‬أصدرهِ مكتب املطبوعِت واّصحِفة واّنشَ احلكومي سنة (‪1954‬‬ ‫م)‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ جملة (طَابلس اّغَب) أصدرهِ مكتب املطبوعِت واّصحِفة واّنشَ احلكومي سنة (‪ 1954‬م)‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـ جملة (صوت املَيب) ‪ ،‬صدرت عن اّلجنة اّثقِفِة َّابطة املعلمني ‪ ،‬ظهَت عِم (‪ 1955‬م)‪.‬‬


‫‪ 15‬ـ جملة (اّنور) ‪ ،‬صِيب االمتِ​ِز عقِلة ابّعو ‪ ،‬اّعدد األول (‪ 1957/5/1‬م)‪.‬‬ ‫‪ 16‬ـ جملة (األفكِر) ‪ ،‬ورئِس حتَيَهِ راسم قدري (‪ 1955‬م)[(‪.])428‬‬ ‫‪ 17‬ـ صحِفة (اَّائد) ‪ ،‬أنشأهِ بشري يوسف اّطويب سنة (‪ 1956‬م)‪.‬‬ ‫‪ 18‬ـ جملة (اّضِ​ِء) ‪ ،‬صِيب االمتِ​ِز عمَ األشهب ‪ ،‬أول عدد (‪ 1957/3/1‬م)‪.‬‬ ‫‪ 19‬ـ صحِفة (اّعمل) ‪ ،‬أَمد يسني أبو هدمة (‪ 1958‬م)‪.‬‬ ‫‪ 20‬ـ صحِفة (اّطلِعة) ‪ ،‬سِمل علي شِته (‪ 1958‬م)‪.‬‬ ‫‪ 21‬ـ صحِفة (اَّقِب) ‪ ،‬رئِس حتَيَهِ رجب املغَيب (‪ 1961‬م)‪.‬‬ ‫‪ 22‬ـ جملة (اهلدى اإلسالمي) ‪ ،‬اّشِخ حممد أمني هالل ‪ ،‬رجب (‪ 1381‬هـ ‪ 1961 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ 23‬ـ صحِفة (اّبالغ) ‪ّ ،‬صِيبهِ علي وريث (‪ 1963‬م)‪.‬‬ ‫‪ 24‬ـ صحِفة (األمة) ‪ ،‬رئِس حتَيَهِ عبد هللا عبد اجملِد (‪ 1963‬م)‪.‬‬ ‫‪ 25‬ـ صحِفة (املِدا ) ‪ ،‬فِضل املسعودي (‪ 1964‬م)‪.‬‬ ‫‪ 26‬ـ صحِفة (احلَية) ‪ ،‬رئِس حتَيَهِ حممد عمَ اّطِشِين (‪ 1964‬م)‪.‬‬ ‫‪ 27‬ـ صحِفة (احلقِقة) ‪ ،‬صِيبهِ حممد بشري اهلوين (‪ 1966‬م)‪.‬‬ ‫‪ 28‬ـ صحِفة (اّديلي نِوز) ‪ ،‬رئِس حتَيَهِ عبد اَّ​َمن خلِفة اّشِطَ‪.‬‬ ‫‪ 29‬ـ صحِفة (اَّيبواتج) ‪ ،‬رئِس حتَيَهِ عبد اّقِدر طه اّطويل (‪ 1967‬م)‪.‬‬ ‫‪ 30‬ـ صحِفة (اّشعلة) ‪ ،‬رئِس حتَيَهِ يسني اّكِالين اّضَيَيط (‪ 1967‬م)‪.‬‬ ‫‪ 31‬ـ صحِفة (اّفجَ) ‪ ،‬حممد فَيد سِ​ِّة‪.‬‬ ‫‪ 32‬ـ صحِفة (ِّبِة احلديثة) رئِس حتَيَهِ صِحلني عبد اجللِل عمَ‪.‬‬ ‫‪ 33‬ـ جملة اإلذاعة ‪ ،‬اّكشِف ‪ ،‬صحف بَقة ‪ ،‬طَابلس ‪ ،‬اَّأي اّعِم ‪ِّ ،‬بِة اتميز[(‪.])429‬‬ ‫وهذا اّعَض ألمسِء اّصحف واجلَائد يدل على هنضة فكَية وسِ​ِسِة جِدة‬ ‫ّلغِية ‪ ،‬كمِ يدل على مَونة امللك ويكومته وبعدهم عن مصِدرة األصوات املعِرضة ّسِ​ِسة اّدوّة‪.‬‬ ‫األستِذ مصطفى بن عِمَ وكلمة يول املِزانِة اّعِمة يف جملس اّنواب‪:‬‬ ‫كِنت اّعنِصَ احلِة ‪ ،‬واحلَيصة على مصلحة شعبنِ تستطِع أ تتكلم بكل وضوح وصَاية يف جملس‬ ‫األمة ‪ ،‬وحيفظ ّنِ اّتِريخ مَافعة مهمة يف جملس األمة اّلِيب عِم (‪ 1955‬م) ‪ ،‬وقد تكلم اّكثري ممن‬ ‫نقدوا سِ​ِسة احلكومة من أمثِل اّشِخ عبد اّعزيز اّزقلعي وغريه ‪ ،‬إال أ مَافعة األستِذ مصطفى بن‬


‫عِمَ كِنت أقوى بِ​ِانً وأوضح يجة ‪ ،‬وأدق عبِرة ‪ ،‬وأسهل أسلوابً ‪ ،‬ومَافعته اّتِرخيِة ياليظ‬ ‫اّبِيث وجود يَية يف اّقول واّنقد واّتعبري ؛ َتتَع هبِ نواب اّشعب ‪ ،‬وتلك احلَية يسنة من يسنِت‬ ‫ذّك اّنظِم اّذي كِ يقوده امللك إدريس رَمه هللا‪.‬‬ ‫وقد جِء يف كلمة مصطفى بن عِمَ يف مَافعته‪ّ(( :‬قد سبق يل وأان ّست عضواً يف اجمللس يني‬ ‫وضعت املعِهدة اّربيطِنِة واالتفِقِة األمَيكِة أمِمكم ّتقوّوا كلمتكم فِهِ ‪ ،‬أ أبلغتكم ارائي عن‬ ‫هذين اّقِدين احلديديني اّلذين صِغِ ّلبالد ‪ ،‬وأعدا ملنع تقدمهِ من طَيق اّعزة واّكَامة واحلَية ‪ ،‬رغم‬ ‫مِ قدمته بَيطِنِة وأمَيكة إىل خزينة احلكومة من فتِت اإلعِانت ‪ ،‬وفضالت املسِعدات اّيت ظهَت‬ ‫أرقِمًِ ضخمة يف املِزانِة احلِِّة واملِزانِ​ِت اّسِبقة ‪ ،‬وّكن أي أثَ أيدثته تلك األرقِم اّضخمة يف‬

‫اّنهضة االقتصِدية ‪ ،‬ويف اّعداّة االجتمِعِة ؛ اّلهم إال إذا أيدثنِ تعَيفًِ حلقِقة اّنهضة ‪ ،‬ويقِقة‬ ‫اّعداّة وفسَانمهِ تفسرياً يتمِشى مع األوضِع اّسِئدة اّيت تقوم على تَف األقلِة ‪ ،‬وبؤس األغلبِة ‪،‬‬ ‫واعتبِر اّفسِد ضَورة البد منهِ ‪ ،‬واإلصالح يلمًِ من أيالم اّطِش واّغَور ‪ّ ،‬قد مددان أيدينِ‬ ‫ّإلنكلِز واألمَيكِ وأخذان منهم اّشلنِت واّدوالرات ‪ ،‬وأعطِنِهم أعز مِ منلك وأكَم مِ حنَص علِه‬ ‫فمِذا عملنِ مبِ أخذان؟ ال شيء ‪ ..‬أين موقفنِ هذا من ذّك املوقف اّذي كنِ نقفه يف وجه اإلدارة‬ ‫اّربيطِنِة اّسِبقة ‪ ،‬عندمِ كِنت تدعي وجود عجز يف املِزانِة ومِ كِ يبلغ نصف ملِو جنِه ‪ ،‬وكنِ‬ ‫نعترب هذا اّعجز مفتعالً نتِجة اإلسَاف املقصود إلقِمة يجة علِنِ؟ ومع ذّك فقد عِشت ِّبِة حتت‬ ‫يكم اإلدارة اّربيطِنِة تسعة أعوام ‪ ،‬ختللتهِ سنو عجِف كِ اجلفِف فِهِ أشد من اجلفِف اال ‪،‬‬ ‫ّكننِ مل نشِهد بؤسًِ كمِ نشِهد اِّوم ‪ ،‬ومل ميت أيد من اجلوع‬ ‫مثلمِ يدث يف هذا اّوقت كمِ أعلن ذّك أيد اّنواب احملرتمني يف قِعة هذا اجمللس ‪ ،‬ابَّغم من‬ ‫وجود اّقمح األمَيكي اّذي ظن أنه ّن يرتك بِتًِ جِئعًِ‪.‬‬ ‫واال نَيد أ نعَف مِ معىن أ نصبح دوّة مستقلة ذات سِ​ِدة؟ معىن ذّك أ تضخم أرقِم املِزانِة‬ ‫يىت يقِل‪ :‬إهنِ مِزانِة دوّة ال مِزانِة مستعمَة ‪ ،‬ونبين املنِزل ّسكىن اّوزراء ‪ ،‬ونقِم اّعمِرات ونؤثثهِ‬ ‫‪ ،‬وننشأى املكِتب اّفِخَة ‪ ،‬ونستورد اّسِ​ِرات واّسخِانت واالت اّتدفئة واملكِنس اّكهَابئِة‬ ‫ومكِفِت اهلواء ‪ ،‬وتنقل من عِصمة إىل عِصمة ‪ ،‬ونبعث ابّسفَاء واّوزارء إىل أمَيكة واّشَق‪.‬‬ ‫أمعىن ذّك أ نصبح مجِعًِ وزراء ونظِراً ‪ ،‬وأعضِء جمِّس نِ​ِبِة وتشَيعِة ‪ ،‬ورؤسِء دوائَ ‪ ،‬ومتصَفني‬ ‫ومدراء ومستشِرين وسكَتريين ‪ ،‬وكتِابً وطبِعني ومبِشَين ‪ ،‬ونتقِضى اَّواتب واملكِفِت واّعالوات ‪،‬‬


‫ونتطِين على اّتعِ​ِنِت واّرتقِ​ِت واّدرجِت؟ أمعىن ذّك أ نشمخ أبنوفنِ يِنمِ نقلد منصبًِ‬ ‫يكومِ​ًِ ‪ ،‬ومنشي يف األرض مَيًِ ‪ ،‬وأنىب أ خنِطب إال ابّعَائض ومن وراء يجِب ‪ ،‬ومنسي ونصبح‬ ‫وإذا هنِ خلق ال عهد ّه هبذه اّدنِ​ِ ومن فِهِ؟ ّعل هذا هو املعىن اّذي أدركه املسؤوّو من إعال‬ ‫االستقالل وقِ​ِم دوّة وممِرسة اّسِ​ِدة ‪ّ ،‬عل هذا هو املعىن اّذي أدركوه وطبقوه وتفهموا فقَاته ؛ على‬ ‫نم ْن تصَف األموال؟ وعلى من تنفق؟‬ ‫ال بل انظَوا يواِّكم أيهِ اّسِدة ‪ ،‬كم كلفكم هذا األاثث اّفخم اّذي حيِط بكم؟ أمل تكن هنِك‬ ‫مقِعد صِحلة والئقة قبل هذه ‪ ،‬وإ كِنت غري مجِلة وال أنِقة ‪ ،‬وّكنهِ كِنت كِفِة بل فوق اّكِفِة؟‬ ‫ِملن أنفقتم االف اجلنِهِت يف هذه املظِهَ واملنِظَ ومِزانِتكم تئن من اّعجز ‪ ،‬واألجنيب حيتل بالدكم ‪،‬‬ ‫وشعبكم يَزح حتت أثقِل عِشة ابئسة؟ أريد أ أعَف أهذا هو معىن االستقالل أم هو اإلسَاف‬ ‫واّتبذيَ واألهبة واّرتف؟ وأين االقتصِد واإلنتِج واّعمل واالجتهِد؟ أريد اجللوس على اّكَاسي اّعِدية‬ ‫واملنِضد اخلشبِة قلِلة اّتكِِّف ‪ ،‬فمِذا يلحقنِ من ضَر ّو أننِ فعلنِ ذّك ‪ ،‬اّلهم إال األجَ عند هللا‬ ‫‪ ،‬واّذكَ احلسن عند اّشعب ‪ ،‬ومن وراء ذّك خري اّوطن ونفع اّبالد ‪ ،‬بل إين أستطِع أ أتطَق يف‬ ‫اّتوفري وعدم اّتبذيَ إىل أبعد من ذّك‪.‬‬ ‫وأتصور عندمِ أعلن استقالل ِّبِة ‪ ،‬وقِل‪ :‬إ يف مِزانِتهِ عجزاً حيتِج تغطِة من املسِعدات األجنبِة‬

‫‪ ،‬واجتمع أول جملس نِ​ِيب ميثل اّبالد ؛ أتصور أ هذا اجمللس رفض أ يكلف مِزانِة اّدوّة اّنِشئة‬ ‫أعضِؤه احملرتمو اّبسِطة على كل مِ عداهِ ‪ ،‬وأ أييت اّزوار‬ ‫أي شيء حلسِب أاثث قِعة ‪ ،‬وفضَل‬ ‫ُ‬ ‫من هنِ وهنِك ِّنظَوا إىل ممثلي اّشعب وهم يضَبو أروع األمثلة يف اّتقشف واّعزوف عن املظِهَ‬ ‫على يسِب األمة اّفقرية ‪ ،‬وهم يبِشَو أعمِهلم ملصلحة أمتهم على هذه اّصورة اَّائعة اخلِِّة من‬ ‫اّزخَف واّبهَجة ‪ ،‬كأهنم يف بِت من بِوت هللا يعبدو هللا ابّعمل ّصِحل اجملموع ؛ فنحن مسلمو‬ ‫وشعِر اإلسالم‪ :‬يف كل عمل عبِدة‪.‬‬ ‫أيكو ذّك ّو كِ دِّالً على أتخَ واحنطِط؟ مل ال يكو دِّالً على وعي كِمل وشعور رفِع‬ ‫ابملسؤوِّة ‪ ،‬وتفهم ٍ‬ ‫عِل حلقِقة االستقالل ‪ ،‬وبداية سلِمة قوية يف تشِ​ِد اّكِ​ِ اّسلِم اّقومي؟ وّعل‬ ‫عشِق املظِهَ يَو يف ذّك عِراً ومهزّة ال يلِق أ توصم هبمِ دوّتنِ اّفتِة ‪ ،‬وِّس من اّكَامة‬ ‫واّشَف أ جيتمع جملس األمة على تلك اّصورة ‪ ،‬وإىل أوّئك أذكَ أ اّعِر اّذي يطمس اّشَف هو‬ ‫أ يسمح ألقدام احملتلني أ تدوس أرضنِ وهي عَضنِ مقِبل يفنة من املِل ننفقهِ على مظِهَ كِذبة‬


‫ومنِظَ زائلة ‪ ،‬واملهزّة اّيت تطِح ابّكَامة هي أ نتجِهل قدر أنفسنِ ويقِقة وضعنِ وظَوفنِ‬ ‫وإمكِانتنِ‪.‬‬ ‫إين أشعَ وأان أتصفح املِزانِة أبسى عمِق وأسف شديد ‪ ،‬إذ إ ذاكَيت تعود يب إىل املِضي اّقَيب‬ ‫املليء ابالمِل ‪ ،‬وأستعَض اّذكَ​َيت وأقِر بِنهِ وبني احلِضَ املشحو ابالالم ‪ ،‬وأتطلع إىل املستقبل‬ ‫فال أملك إال اّتوجه إىل هللا أ يلطف بنِ ويهِأى ّنِ من أمَان رشداً‪.‬‬ ‫أذكَ أيهِ اّسِدة ذّك اِّوم األغَ اّذي صدر فِه قَار هِئة األمم املتحدة اّتِرخيي ابستقالل ِّبِة‬ ‫(مسِء ‪ 21‬نوفمرب ‪ 1949‬م) ‪ ،‬وأذكَ أ جَيدة كتبت يف اِّوم اّتِيل تعلِقًِ على هذا اّقَار‪(( :‬منذ‬ ‫اّبِرية سِكو علِنِ أ نعمل وننتج أكثَ ممِ قِتلنِ وكِفحنِ ‪ ،‬وسِكو علِنِ أ نكد وجند يىت يفوق‬ ‫مِ نصبه من عَق مِ ذرفنِه من دموع وأهَقنِه من دمِء ؛ أمِمنِ تَكة عهدين يتطلبِ اّتصفِة اّنهِئِة‬ ‫يىت ال نكو بعد ذّك مطِّبني مبرياث عهد اإليطِِّني اّذين خَجوا من دَيران بعد‬ ‫صَاع عنِف وضحَِي مجة ‪ ،‬وخلَفوا ممتلكِت مدمَة وعِمَة وّكنهِ كلهِ ملك شَعي يف أرض اّوطن‬ ‫ألهل اّوطن‪...‬‬ ‫وعهد اّربيطِنِني اّذين قسموا اّبالد اّوايدة ‪ ،‬واقتسموهِ سلبًِ يالالً ‪ ،‬وضِعوا علِهِ اّفَص ‪،‬‬ ‫وشوهوا معِملهِ ‪ ،‬ووضعوا يف طَيق هنضتهِ كل معَقل وعِئق ‪ ،‬أمِمنِ هذه اّرتكة أو هذه املشكلة اّيت‬ ‫جيب أ يوضع هلِ يد ‪ ،‬مث أمِمنِ مِ أمِم كل شعب مثلنِ من احلِجة إىل إيصِء كل مِ ّه ومِ علِه ‪،‬‬ ‫وتفهم كل دقِقة من ّوازمه وضَورَيته ‪ ،‬وتنسِق مجِع متطلبِته يف جدول تَاعى فِه األمهِة واألسبقِة ‪،‬‬ ‫مث املبِشَة يف اّعمل مبِ يستحق من اّعنِية واإلتقِ يف صغري األمور وكبريهِ))‪.‬‬ ‫هذا اّكالم قِّته اجلَيدة منذ مخسة أعوام وكأهنِ تلخص بَانجمًِ جيب أ تسري علِه اّدوّة اجلديدة إذا‬ ‫أرادت أ تكو دوّة ‪ ،‬قِّت هذا وقلوب اجلمِع مفعمة ابالمِل ‪ ،‬واال أعود ّتالوة مِ قلت ونفسي‬ ‫ملِئة ابالالم ‪ ،‬كِف ال أيهِ اّسِدة؟ وحنن بدل أ نكد وجند ختِذّنِ وتكِسلنِ ‪ ،‬وبدل أ نقتصد‬ ‫وجنتهد أسَفنِ وب َذ ْران ‪ ،‬أ نصفي اّرتكة املرتوكة ّنِ مجِعًِ ‪ ،‬وحنن من أنفسنِ تَكة يف احلِجة إىل تصفِة‪.‬‬ ‫وبدل أ حنل املشكلة اّيت تواجهنِ زدان علِهِ مشِكل ال ميكن يلهِ ‪ ،‬وبدل أ ننتج أصبحنِ‬ ‫نستجدي اإلغِثة وجنلس يف طلب اّصدقة ‪ ،‬بدالً من أ حنصي ونتفهم ضَورَيتنِ وّوازمنِ صَان نفَط‬ ‫يف اّكمِِّ​ِت يىت جعلنِهِ ضَورة الزمة‪.‬‬


‫واالستقالل معنِه أ نعِش يف بالدان ومنلك أمَ نفوسنِ ‪ ،‬وال نكن عِّة على غريان يف أي أمَ من‬ ‫األمور‪ ...‬من أجل هذا االستقالل بذّنِ األرواح ‪ ،‬وأهَقنِ اّدمِء ‪ ،‬وذرفنِ اّدموع ‪ ،‬وّكي حنِفظ على‬ ‫هذا االستقالل هبذا املعىن ؛ كِ جيب أ نعصَ أجسِمنِ عَقًِ نتِجة اّكد واجلهد يىت نوفَ املبِّغ اّيت‬ ‫تسدد عجزان ‪ ،‬وّكننِ عكسنِ األمَ وقلبنِ اّوضع ‪ ،‬فال بد من اّتضحِة ‪ ،‬والبد من نكَا اّذات‬ ‫وضَب األمثِل ّألجِ​ِل اّقِدمة يف اإلخالص واّتفِين إىل أبعد احلدود[(‪.])430‬‬ ‫ّقد كِنت مَافعة األستِذ مصطفى بن عِمَ يف جملس األمة يف سنة (‪ 1955‬م) مفخَة اترخيِة‬ ‫ّألجِ​ِل ؛ يِث إ من أجدادان من هو هبذه اّشجِعة واإلخالص واحلَص على حتَيَ اّبالد من‬ ‫اّغِصبني ‪ ،‬واّدعوة إىل األخذ ابألسبِب اّيت تؤدي‬ ‫إىل هذا اّسبِل ‪ ،‬وإ شعبنِ يف هذه اّفرتة احلَجة من اترخيه اجلهِدي هلو أيوج إىل أمثِل األستِذ‬ ‫مصطفى بن عِمَ ‪ ،‬خلوض معِرك اّتحَيَ اّفعلِة يف كِفة جمِالهتِ اّتشَيعِة واالقتصِدية واّسِ​ِسِة‬ ‫واّعسكَية‪ ...‬إىل اخَه‪.‬‬ ‫فنحو أسلمة بالدان احلبِبة ‪ ،‬وإرجِع عز األمة اّتلِد ‪ ،‬حنن سِعو وعلى ربنِ متوكلو ‪.‬‬ ‫اثمنًِ‪ :‬استقِّة امللك عِم (‪ 1965‬م) األوىل ‪ ،‬واستقِّته اّثِنِة قبل االنقالب اّعسكَي أبشهَ عِم‬ ‫‪ 1969‬م‪:‬‬ ‫مع مَور اّزمن وتقدم اّسن رأى امللك إدريس أ يتخلى عن امللك ‪ ،‬وأ يقدم استقِّته ويرتك إىل‬ ‫اّشعب أو ممثله إسنِد األمَ إىل من هو أيق منه أو أقدر على َمل األمِنة واّقِ​ِم ابّواجب املطلوب ‪،‬‬ ‫وّذّك مل يرتدد امللك إدريس يف عِم (‪ 1965‬م) يف عهد يكومة اّسِد حممود املنتصَ اّثِنِة أ يقدم‬ ‫استقِّته بسبب اّتقدم يف اّعمَ ‪ ،‬وخشِته نتِجة ّذّك من اّتقصري يف اّقِ​ِم مبِ علِه من اّواجب‬ ‫واملسؤوِّ​ِت إىل اّربملِ اّلِيب ‪ ،‬اتركًِ ّه أ يتخذ مِ يَاه منِسبًِ من نظِم ّلحكم ّصِحل اّبالد ‪ ،‬ومن‬ ‫رئِس ّلدوّة فِهِ؛ وّكنه عندمِ تقِطَت إىل مدينة طربق ـ يِث كِ يقِم امللك ـ اجلمِهري اّغفرية من‬ ‫خمتلف أطَاف اّبالد ‪ ،‬ويف مقدمتهم اّكثريو من كبِر قِدة اّبالد مبِ يف ذّك قِدة املعِرضة فِهِ ‪،‬‬ ‫وأيِط االالف منهم ابّقصَ عدة أَيم يطِّبو إبحلِج امللك احملبوب ابّعدول عن استقِّته ‪ ،‬وبقِئه‬ ‫ملكًِ ّبالده إىل مِ شِء هللا ‪ ،‬فإنه مل يكن بوسع امللك سوى اَّجوع عن هذه االستقِّة ‪ ،‬موضحًِ أ‬ ‫استقِّته هذه كِ قد حتدث بشأهنِ من قبل مع بعض رؤسِء احلكومِت اّلِبِة ‪ ،‬اّذين كِ من بِنهم‬ ‫اّسِد مصطفى بن يلِم ‪ ،‬واّسِد حممد بن عثمِ اّصِد ‪ ،‬وهي كِنت فقط بسبب تقدمه يف اّسن ‪،‬‬


‫وخشِته من يؤدي ذّك إىل اّتقصري يف يسن اّقِ​ِم مبِ علِه من املسؤوِّ​ِت ‪ ،‬ومل تكن هذه االستقِّة‬ ‫بسبب خالف مع احلكومة اّلِبِة أو اّربملِ اّلِيب ‪ ،‬يِث كِ كل منهمِ كمِ ذكَ امللك قِئمًِ بواجبه‬ ‫‪ ،‬وابذالً جهده يف خدمة اّبالد ‪ ،‬وّكنه أمِم معِرضتهم هلذه االستقِّة فال يسعه إال اّعدول عنهِ ‪،‬‬ ‫على أ يكو هلم احلق يف رفع يده عن احلكم إذا‬ ‫مِ شعَوا مستقبالً بعجزه عن َمل مِ علِه من اّواجبِت ‪ ،‬وتكلِف من هو أقدر منه على‬ ‫َملهِ[(‪.])431‬‬ ‫وقد كِنت استقِّة امللك إدريس اّثِنِة واألخرية هي تلك املؤرخة يف (‪ 1969/8/4‬م) ‪ ،‬واّيت وجههِ‬ ‫أثنِء ريلة استشفِئِة إىل تَكِة مث اِّوان إىل كل من رئِس وأعضِء جملس اّشِوخ ‪ ،‬ورئِس وأعضِء‬ ‫جملس اّنواب ‪ ،‬ورئِس اّوزراء ورئِس جملس اّشِوخ عبد احلمِد اّعبِر ‪ ،‬ورئِس جملس اّنواب مفتِح‬ ‫عَيقِب ‪ ،‬عندمِ جِءا إىل تَكِة يف ذّك اّوقت ّالجتمِع ابمللك بنِءً على طلبه ‪ ،‬ويف هذه االستقِّة‬ ‫أكد امللك إدريس أنه وقد تقدم به اّعمَ يىت وهن اّعظم منه ‪ ،‬وبلغ من اّعمَ عتِ​ًِ ‪ ،‬وهلذا فهو قد‬ ‫قَر اّتخلي عن اّعَش إىل األمري ويل اّعهد احلسن اَّضِ اّسنوسي ‪ ،‬مشرتطًِ موافقة اّربملِ على ذّك‬ ‫‪ ،‬ومن مث علِه يلف اِّمني واعتالء اّعَش ‪ ،‬ومطِّبًِ يف هذه االستقِّة اّشعب اّلِيب بتقوى هللا‬ ‫وخمِفته ‪ ،‬وَمد هللا تعِىل وشكَه على مِ أكَم بالده من اّنعم ‪ ،‬وأفِض علِهِ من اخلري ‪ ،‬وأ علِه‬ ‫األمَ ابملعَوف واّنهي عن املنكَ؛ وذّك خوفًِ من أ يَفع هللا تعِىل عنهِ نعمه وخريه ويوِّهِ األشَار‬ ‫من عبِده‪.‬‬ ‫وكِ نص هذه اَّسِّة‪:‬‬ ‫بسم هللا اَّ​َمن اَّيِم ‪ ،‬احلمد هلل رب اّعِملني ‪ ،‬واّصالة واّسالم على سِدان حممد ‪ ،‬واّه وصحبه‬ ‫أمجعني ‪ ،‬أمِ بعد‪:‬‬ ‫َي إخواين األعزاء رئِس وأعضِء جملس اّشِوخ وأعضِء جملس اّنواب ‪ ،‬يعين جملس األمة اّلِبِة ‪،‬‬ ‫ورئِس احلكومة اّلِبِة‪.‬‬ ‫اّسالم علِكم ورَمة هللا وبَكِته‪.‬‬ ‫أقدم ّكم هذا اخلطِب قِئالً‪ :‬منذ أ قلدتين هذه األمة اّكَمية اّلِبِة ثقتهِ اّغِِّة بتبوئي هذا املقِم‬ ‫اّذي شغلته بعد إعال استقالل بالدان اّعزيزة ِّبِة‪.‬‬


‫قمت مبِ قدر هللا يل ممِ أراه واجبًِ علي حنو بالدي وأهلهِ ‪ ،‬وقد ال خيلو عمل كل إنسِ من اّتقصري‬ ‫‪ ،‬وعندمِ شعَت ابّضعف قدمت استقِّيت قبل اال ببضع‬ ‫سنوات ‪ ،‬فَددَتوهِ ‪ ،‬فطوعًِ إلرادتكم سحبتهِ ‪ ،‬وإين اال نسبة ّتقدم سين وضعف جسدي أراين‬ ‫مضطَاً أ أقول اثنِة‪ :‬إين عِجز عن َمل هذه األمِنة اّثقِلة ‪ ،‬وال خيفى أنين بلِت يف سبِلهِ مخسًِ‬ ‫ومخسني سنة قبل االستقالل وبعده ‪ ،‬قد أوهنت جلدي مداوّة اّشؤو ‪ ،‬وكمِ قِل اّشِعَ‪:‬‬ ‫مثِنني يوالً ال أابّك يسأم)‬ ‫(سئمت تكِِّف احلِ​ِة ومن يعش‬ ‫وقد مِرست هذه اّقضِة وعمَي (‪ )27‬سنة ‪ ،‬واال أان يف اّثِنِة واّثمِنني ‪ ،‬وهلل احلمد أتَكهِ يف‬ ‫يِّة هي أيسن ممِ ابشَت يف بالئي هبِ ‪ ،‬فأسلمهِ اال ّويل اّعهد اّسِد (احلسن رضِ املهدي‬ ‫اّسنوسي األول) على أ يقوم بعبئهِ اّثقِل أمِم هللا وأمِم أهل هذه اّبالد اّكَمية على هنج اّشَيعة‬ ‫اإلسالمِة واّدستور اّلِيب ‪ ،‬ابّعدل واإلنصِف ‪ ،‬فِعتمدوه مثلي مِ دام على طِعة هللا ورسوّه‬ ‫واالستقِمة‪.‬‬ ‫وبعد اعتمِده من جملس األمة حيلف اِّمني اّدستورية أمِم جملس األمة قبل أ يبِشَ سلطِته اّدستورية‬ ‫‪ ،‬وإين إ شِء هللا عقدت اّعزم األكِد على اجتنِب اّسِ​ِسة بتِاتً وهللا على مِ أقول وكِل‪.‬‬ ‫واّذي أختتم به قويل أب أوصي اجلمِع من أبنِء وطين بتقوى هللا يف اّسَ واّعلن ‪ ،‬وإنكم مجِعًِ يف‬ ‫أرغد عِش وأنعم اّنعم من هللا تبِرك وتعِىل‪.‬‬ ‫ب َ‬ ‫اّللُ نمثنالً قنـ َْينةً‬ ‫{و ن‬ ‫ضنَ ن‬ ‫فِيذروا من أ يصدق علِكم قوّه تعِىل‪[ :‬اّنحل‪ ]112 :‬فِهلل هللا ممِ يغضب ن‬ ‫اّللِ فنأنذناقنـهِ َ ِ‬ ‫اخلو ِ‬ ‫ف‬ ‫ِس ْ‬ ‫اجلُ ِ‬ ‫ت ِأبننْـعُ ِم َ‬ ‫ت ِآمننةً ُمطْ نمئِنَةً نأيْتِ نِهِ ِرْزقُـ نهِ نر نغ ًدا ِم ْن ُك ِل نم نكِ ٍ فن نك نف َْ ْ‬ ‫نكِ ن ْ‬ ‫ن‬ ‫وع نو ْنْ‬ ‫اّللُ ّبن ن‬ ‫ِ‬ ‫صننـعُو ن [اّنحل‪ ، ]112 :‬وتعِونوا على اّرب واّتقوى وال تعِونوا على اإلمث واّعدوا وال‬ ‫مبنِ نكِنُوا ين ْ‬ ‫تفَقوا ‪ ،‬قِل (ص)‪ّ« :‬تأمَ ابملعَوف وّتنهو عن املنكَ ‪ ،‬أو ِّسلطن هللا علِكم شَاركم فِدعو‬ ‫خِ​ِركم فال يستجِب هلم»‪.‬‬ ‫واّسالم علِكم ورَمة هللا وبَكِته[(‪.])432‬‬ ‫حممد إدريس املهدي اّسنوسي‬ ‫يف ‪ 21‬مجِدى األول ‪ 1389‬هـ‬ ‫املوافق ‪ 4‬أغسطس ‪ 1969‬م‪.‬‬


‫اتسعًِ‪ :‬نزاهة ملك ِّبِة وعفته ‪ ،‬وأقوال املؤرخني فِه ‪ ،‬ووفِته‪:‬‬ ‫يِنمِ وقع االنقالب يف سبتمرب (‪ 1969‬م) كِ امللك يف ريلة إىل تَكِة واِّوان ‪ ،‬ومل يكن معه مِل‬ ‫خِص ينفق منه ‪ ،‬ومع ذّك فحِنمِ عَض علِه املسؤول املِيل ّلَيلة استالم مِ تبقى يف عهدته من‬ ‫خمصصِت ؛ رفض امللك ذّك بعزة نفس وقِل ّه‪َ(( :‬ي بين أان ابألمس كنت ملك ِّبِة ‪ ،‬وّكين مل أعد‬ ‫كذّك اِّوم ‪ ،‬وابّتِيل فإ هذا املِل مل يعد من يقي ‪ ،‬وجيب أ يسلم إىل خزينة اّشعب))‪.‬‬ ‫تقول امللكة فِطمة يف رسِّة هلِ بتِريخ ‪ 13‬سبتمرب (‪ 1969‬م) تصف فِهِ يِهلِ ومِل زوجهِ امللك‬ ‫بعد وقوع االنقالب‪(( :‬إننِ حنمد هللا على أ تِجِ امللكِة مل تبهَان قط ‪ ،‬وال نشعَ ابألسف ّفقدهِ‬ ‫‪ ،‬فنحن كنِ دائمًِ نعِش يِ​ِة متواضعة ‪ ،‬ومل يغب عن أذهِننِ مثل هذا اِّوم ‪ ،‬كمِ حنمد هللا كثرياً على‬ ‫أننِ ال منلك ملِمًِ وايداً يف أي مصَف يىت يشغل ابّنِ املِل ‪ ،‬ومل نغري أبداً معِملتنِ ألصدقِئنِ وهي‬ ‫ّن تتغري مع األَيم))[(‪.])433‬‬ ‫ّقد حتدث اّكثريو عن سرية ملك ِّبِة اّسِبق ‪ ،‬وجيدر بنِ أ نشري إىل بعض اّذين عِصَوه واتصلوا‬ ‫به شخصِ​ًِ ‪ ،‬واطلعوا عن قَب على اّكثري من أخالقه اَّفِعة ؛ ففي مقِل نشَ يف صحِفة (اّشَق‬ ‫األوسط) يف عددهِ بتِريخ ‪ 23‬يونِو (‪ 1983‬م) ؛ نعى اّسِد مصطفى بن يلِم رئِس وزراء ِّبِة‬ ‫اّسِبق امللك حممد إدريس اّسنوسي ‪ ،‬وحتدث عن جهِد ِّبِة حتت قِ​ِدته ‪ ،‬وكِ ضمن مِ قِّه عن‬ ‫شخصِته‪:‬‬ ‫((ّقد عَفت امللك إدريس رَمه هللا معَفة َمِمة على مدى نصف قَ تقَيبًِ ‪ ،‬عَفته منذ كنت صبِ​ًِ ‪،‬‬ ‫وعملت معه وزيَاً مث رئِسًِ حلكومته مث مستشِراً ّه ‪ ،‬كمِ عَفته وأان مواطن عِدي ‪ ،‬وكمِ عَفته وهو‬ ‫الجأى يف مصَ ‪ ،‬وكنت دائم اّرتدد علِه يف ملجئه يف اّقِهَة ‪ ،‬ويف طول نصف اّقَ عَفت فِه‬ ‫اجملِهد املسلم اّزاهد املتواضع ‪ ،‬مل يُعَِْ مبِهج اّدنِ​ِ أي اهتمِم ‪ ،‬وكِ امللك املؤمن اّورع ‪ ،‬واألب‬ ‫اّعطوف ‪ ،‬واّقِئد احلكِم املتواضع ‪ ،‬كمِ كِ حين دائمًِ ّلهجَة إىل مكة واملدينة املنورة ِّجِور يف‬ ‫األراضي املقدسة ‪ ،‬مَة وايدة رأيته يتلوى أملًِ ويبكي دمًِ ويهدر هديَاً ‪ ،‬وهو اهلِدي اّصبور ؛ كِ‬ ‫ذّك يوم سقوط اّقدس اّشَيف يف أيدي اّصهِينة ‪ ،‬كِ خيشى هللا يف اّسَ واّعالنِة ‪ ،‬كِ كَميًِ‬ ‫ندي اِّد ‪ ،‬خجوالً طِملِ صَف خمصصِته اَّمسِة يف أوجه اخلري سَاً ‪ ،‬ويف سنة (‪ 1955‬م) عندمِ‬ ‫أنشئت اجلِمعة اّلِبِة تربع بقصَ املنِر يف بنغِزي ِّكو هلِ املقَ ‪ ،‬وكذّك فعل سنة (‪ 1956‬م) ‪،‬‬


‫تنِزل عن قصَ اّغديَ كمقَ ّلكلِة اّعسكَية ‪ ،‬كِ دائمًِ يرتدد على األراضي املقدسة ّلحج‬ ‫واّعمَة))[(‪.])434‬‬ ‫ويقول اّدكتور جمِد خدوري عن دوره يف إنشِء اّدوّة اّلِبِة وحتقِق اّويدة اّوطنِة‪:‬‬ ‫((إ اّدور اّذي قِم به امللك إدريس يف إنشِء اّدوّة اّلِبِة ابّغ األمهِة ؛ إذ إنه مل يكتف أب أقدم‬ ‫على اّعمل جبَأة ّتخلِص بَقة من إيطِِّة يف احلَب اّعِملِة اّثِنِة فحسب ‪ ،‬بل استعمل نفوذه‬ ‫اّشخصي وينكته اّسِ​ِسِة إلقنِع أصحِب اّنفوذ من اّزعمِء اّطَابلسِني بوجوب االّتفِف يول‬ ‫اّنظِم االحتِدي اّذي ّواله مِ كِنت ّتتم ويدة ِّبِة قط ‪ ،‬وملِ كِ يفِداً وخلِفة ّلسِد حممد‬ ‫اّسنوسي ‪ ،‬فضالً عن ذّك فقد كسب أيضًِ ثقة زعمِء اّقبِئل اّربقِوية ‪ ،‬وأيِط نفسه بنفَ من‬

‫اَّجِل املقتدرين اّذين تفِنوا يف أتيِده ‪ ،‬كِ بعض هؤالء اّزعمِء قد تبعوه إىل املنفى ‪ ،‬واالخَين‬ ‫اّذين ظلوا يف اّبالد ملقِومة اإليطِِّني قِموا بذّك بتوجِهه ‪ ،‬فلمِ عِد إىل بَقة بعد احلَب مل يكن مثة‬ ‫جمِل ّلتسِؤل عمن ميكن أ تؤول إِّه اَّائسة يف بَقة ‪ ،‬ومل يكن اّزعمِء اّطَابلسِني جيهلو أثَ امللك‬ ‫يكن ّه اجلمِع االيرتام ‪ّ ،‬كنهم‬ ‫إدريس يف تويِد اّبالد ‪ ،‬إذ إهنم أدركوا أنه اّشخص اّويِد اّذي ُّ‬ ‫اختلفوا على شكل احلكومة املنوي إنشِؤهِ ‪ ،‬وعلى احلدود اّدستورية الختصِصِته‪ ...‬قبل عَش ِّبِة‬ ‫بدافع من شعوره ابّواجب اّوطين ِّزود اّبالد املقسمة ابّزعِمة اّالزمة هلِ))[(‪.])435‬‬ ‫وأمِ املؤرخ دي كِندول صِيب كتِب (امللك إدريس عِهل ِّبِة) فقد قِل‪(( :‬على اَّغم من حمِوالت‬ ‫تشويه صورة امللك يف أذهِ اّنِس ‪ ،‬وهتويل بعض نقِط اّضعف اّيت ال ينفَد هبِ عن بقِة اّبشَ ‪ ،‬إال‬ ‫أ احلقبة اّطويلة اّيت قضِهِ يف خدمة بالده وأمته قد تَسخت يف أعمِق اّتِريخ مبِ يكفي ّلصمود‬ ‫أمِم كل املسِعي اخلبِثة‪.‬‬ ‫إ امللك إدريس رمز ّعهد مضى وّن يعود ‪ ،‬وّكنه عهد زاهَ جيدر ابّلِبِني مجِعًِ واّعَب عمومًِ أ‬ ‫يعتزوا به))[(‪.])436‬‬ ‫وقِل أيضًِ‪(( :‬كِنت اّدعِية اّيت رافقت االنقالب كِذبة مفرتية يف مزاعمهِ ضد امللك اّذي يِوّت‬ ‫فس ْم نعتُه‬ ‫أ تصوره مثل فِروق فِسقًِ متهتكًِ فِسد اّذمة ‪ ،‬وهو أبعد مِ يكو عن تلك اّصفِت ‪ُ ،‬‬ ‫اّشخصِة كِنت فوق مستوى اّشبهِت ؛ سواء يف بالده أو يف اّعِمل اّعَيب عِمة كَجل شديد اّورع‬ ‫واّتقوى ‪ ،‬كَس يِ​ِته حلَية شعبه ‪ ،‬وكِ يف سلوكه اخلِص مثالً ّالعتدال واالستقِمة اّكِملة ‪ ،‬وإ‬


‫احلملة اّدعِئِة اّيت تواصلت ضده على ذّك اّنحو كِنت من نوع اإلسفِف اَّخِص اّذي ال يقوم‬ ‫على أسِس))[(‪.])437‬‬ ‫وفِته‪:‬‬ ‫استقَ امللك إدريس رَمه هللا تعِىل يف مصَ ؛ يِث بقي مدى يِ​ِته األخرية هبِ ‪ ،‬ومل يغِدر مصَ إال‬ ‫مَتني ذهب فِهمِ إىل مكة ّلحج ‪ ،‬وكِنت وفِته يف اّقِهَة بتِريخ (‪ 25‬مِيو ‪ 1983‬م) وهو يف سن‬ ‫اَّابعة واّتسعني[(‪.])438‬‬ ‫وقد دفن امللك رَمه هللا يف املدينة املنورة ‪ ،‬وكِ قد طلب من جالّة امللك خِّد بن عبد اّعزيز يف ّقِء‬ ‫هلمِ مبوسم احلج سنة (‪ 1977‬م) أ أيذ بدفنه مىت يِنت املنِة يف اّبقِع ‪ ،‬فكفل امللك خِّد‬ ‫ّلملك إدريس رغبته رَمهمِ هللا ‪ ،‬مث إ امللك فهد بن عبد اّعزيز أجِز ذّك بعد وفِة امللك خِّد بن‬ ‫عبد اّعزيز ‪ ،‬ونقل جثمِنه من اّقِهَة إىل املدينة املنورة يف طِئَة مصَية خِصة(‪.)3‬‬ ‫{ربـَننِ ا ْغ ِف َْ ّنننِ‬ ‫فنسأل هللا ّه اَّ​َمة واملغفَة واَّضوا ‪ ،‬ونقول مِ قِّه املوىل عز وجل‪[ :‬احلشَ‪ :‬ن‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫و ِإلخوانِننِ اَّ ِذين سبـ ُق ن ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وف نرِي ٌِم [احلنشَ‪:‬‬ ‫َك نرُؤ ٌ‬ ‫ين نآمنُوا نربـَننِ إِن ن‬ ‫ن نن‬ ‫وان ابإلمينِ نوالن نْجت نع ْل يف قُـلُوبِننِ غالًّ ّلَذ ن‬ ‫ن ْن‬ ‫‪]10‬‬ ‫ّقد تَكت مِ يتعلق ابململكة اّلِبِة متعمداً يف ذّك ‪ ،‬إىل وقت اخَ إ كِ ّلعمَ بقِة ‪ ،‬وأذ هللا يف‬

‫مواصلة هذه املَيلة اّطويلة اّيت بدأهتِ من اّفتح اإلسالمي إىل هذا اّكتِب؛ ألنين أشعَ بضعف املِدة‬ ‫اّيت أمِمي فِمِ يتعلق بتلك األيداث ؛ أل قضَِي ذّك اّعصَ على جِنب كبري من األمهِة ابّنسبة‬ ‫ملالبسِهتِ وااثرهِ املمتدة إىل عصَان احلِضَ ‪ ،‬وخصوصًِ وأنين قد حبثت يف أسبِب سقوط اململكة حبثًِ‬ ‫دقِقًِ ‪ ،‬وطلبت من رجِل عِشوا يف تلك املَيلة ِّسِمهوا معي يف تتبع األسبِب اّيت أدت إىل سقوط‬ ‫امللكِة اّلِبِة ‪ ،‬وّكن اّتفِعل كِ ضعِفًِ ‪ ،‬واعتذر اّبعض ألسبِب أمنِة ‪ ،‬وقد علمت أب بعض‬ ‫اّذين عِصَوا تلك األيداث قد كتبوا مذكَات مهمة عن املَيلة ‪ ،‬وينتظَو اّوقت املنِسب ّنشَهِ؛‬ ‫ّذّك رأيت من احلكمة واّتعقل اّرتيث يىت أيذ هللا يف نشَهِ؛ ألهنِ سوف تسِهم يف إجيِد معلومِت‬ ‫تسِعد اّبِيثني على تقصي احلقِئق ّلوصول إىل نتِئج صحِحة مبنِة على معلومِت يقِنِة ‪ ،‬وال‬ ‫يفوتين يف هذه اخلَِتة أ أشِد ابجملهودات اّقِمة اّيت قِم هبِ كل من اّوزيَين اّسِبقني‪ :‬مصطفى بن‬ ‫يلِم وحممد عثمِ اّصِد يف كتِبة مذكَاهتم مث نشَهِ بغِة استفِدة األجِ​ِل منهِ‪.‬‬


‫إ اجلهود اّيت قِم هبِ اّوزيَا اّسِبقِ تستحق اّثنِء واّتقديَ؛ ألهنِ أصبحت مَجعًِ مهمًِ ّتلك‬ ‫املَيلة ‪ ،‬وأخذت قِمتهِ اّتِرخيِة واّعلمِة ‪ ،‬وتعترب من املبِدرات اَّائعة واَّائدة أل أصحِهبِ عِشوا‬ ‫تلك األيداث وسِمهوا يف صنِعتهِ ‪ ،‬كمِ أهنم يطموا جدار اّصمت ‪ ،‬وكتبوا اترخيهم اّسِ​ِسي اّذي‬ ‫يف يقِقته أصبح ملكًِ ّألجِ​ِل اّصِعدة بغض اّنظَ عن اختالف االراء يول تلك املذكَات‪.‬‬ ‫إ فرتة اململكة اّلِبِة من عِم (‪ 1951‬م إىل ‪ 1969‬م) غنِة ابأليداث على املستوى احمللي‬ ‫واإلقلِمي واّدويل ‪ ،‬وهي حتتِج إىل دراسة واعِة وابيث مدقق يتوخى اّعدل واإلنصِف ‪ ،‬ويعتمد‬ ‫على هللا مث على اّواثئق واحلجج واّرباهني‪.‬‬ ‫إ االعتنِء بتِريخ بالدان وبالد املسلمني تظهَ أمهِته يف هذا اّعصَ اّذي استخدم فِه اّتِريخ كأداة‬ ‫ّتوجِه اّشعوب وتَبِتهِ كمِ يَيد اّقِدة واّسِسة ‪ ،‬بل استعِ هبذا اّعلم أصحِب املذاهب اّفكَية‬ ‫اهلدامة يف فلسفة مذاهبهم املِدية وتدعِمهِ ‪ ،‬يىت أصبح هذا اّعلم عند األمم املتقدمة يف مكِنة سِمِة‬ ‫ال يعلوهِ علم اخَ‪.‬‬ ‫إ دراسة اّتِريخ بوجه عِم ‪ ،‬واتريخ األمة املسلمة على وجه اخلصوص ال ينبغي يف دراسته حتقِق‬ ‫اَّغبِت ‪ ،‬واحلِجِت اّدونِة ‪ ،‬بل من أجل اّوصول إىل اّقمة اّعلِة ؛ أال وهي إيِ​ِء األمة بكتِب هللا‬ ‫وسنة رسوّه (ص) ‪ ،‬ومعَفة كِفِة اّتعِمل مع سنن اّنهوض واّصعود ابّشعوب ‪ ،‬واجتنِب سنن‬ ‫ِ َِ‬ ‫اّسقوط واهلبوط ‪ ،‬وهلذا قِل تعِىل‪[ :‬غِفَ‪{ :‬أ ننونملْ ين ِسريُوا ِيف األ ْنر ِ‬ ‫ين‬ ‫ض فنـِنـْنظُ​َُوا نكِْ ن‬ ‫ف نكِ ن نعِقبنةُ اّذ ن‬ ‫ِ‬ ‫نش َد ِمْنـ ُه ْم قُـ َوًة نوآ ناث ًرا ِيف األ ْنر ِ‬ ‫ض [ نغِفَ‪]21 :‬‬ ‫نكِنُوا ِم ْن قنـْبل ِه ْم نكِنُوا ُه ْم أ ن‬ ‫هذا وقد انتهِت من كتِبة هذه اّسلسلة اّتِرخيِة يوم اّثالاثء ‪ 1‬ربِع األول (‪ 1420‬هـ) ‪ ،‬املوافق ‪15‬‬ ‫يونِو (‪ 1999‬م) ‪ ،‬واّفضل هلل من قبل ومن بعد ‪ ،‬وأسأّه سبحِنه وتعِىل أ يتقبل هذا اّعمل قبوالً‬ ‫يسنًِ ‪ ،‬وأ يكَمنِ بَفقة اّنبِني واّصديقني واّشهداء واّصِحلني ‪ ،‬وأختم هذا اّكتِب بقول هللا تعِىل‪:‬‬ ‫اّللُ ِّلن ِ‬ ‫ك فنالن ُم َِْس نل ّنهُ ِم ْن بنـ ْع ِدهِ نوُه نو اّْ نع ِز ُيز‬ ‫{مِ ينـ ْفتن ِح َ‬ ‫ك نهلنِ نونمِ ميُْ ِس ْ‬ ‫َِس ِم ْن نر َْمنٍة فنالن ممُْ ِس ن‬ ‫[فِطَ‪ :‬ن‬ ‫احل ِكِم [فن ِ‬ ‫ِطَ‪]2 :‬‬ ‫ْن ُ‬ ‫وهبذه األبِ​ِت‪:‬‬ ‫فِمسع دعِئي واريم ضعف أيوايل‬ ‫إِّك وجهت َي موالي امِيل‬ ‫وال صديقي وال أهلي وال مِيل‬ ‫أرجوك َي موالي ال نفسي وال وّدي‬ ‫فال اَّعِة أرجوهِ وال اّوايل‬ ‫ملِ عَفتك مل أنظَ إىل أيد‬


‫فال تكلين إىل من ِّس يكلؤين‬ ‫واسقين كأس يب من ودادك َي‬ ‫فال ويقك مِ ّلقلب من شغف‬

‫وكن كفِلي فأنت اّكِفل اّكِيل[(‪])439‬‬ ‫موالي فهو شَاب سلسل يِيل‬ ‫إال حببك فِشَح يل به ابيل‬

‫وفِه سلوا قليب عن عالئقه‬ ‫ومنه أيِ​ِ ومن فقدي ّه مَض‬ ‫أان اّفقري إىل موالي يَ​َمين‬ ‫أان اّفقري إىل موالي يَ​َمين‬ ‫هنِك حلمي ّدود اّقرب فِكهة‬ ‫أان اّفقري إىل موالي يَ​َمين‬ ‫أان اّفقري إىل موالي حيشَين‬ ‫صلى اإلّه على أروايهم أبداً‬

‫وسلسبِلي وسلوائي وسلسِيل‬ ‫ومَمهي أبداً منه وإباليل[(‪])440‬‬ ‫إذ تقضي هبول املوت إمهِيل‬ ‫يف بطن حلد ويِش مظلم خِيل‬ ‫واّعظم مين رمِم يف اّثَى ابيل‬ ‫يوم اّقِ​ِمة من عنف وأهوال‬ ‫يف زمَة املصطفى املختِر واالل‬ ‫ضعفًِ على قدر زخِر وهطِل[(‪])441‬‬

‫اخلُالصة‬ ‫وّد حممد إدريس اّسنوسي يوم اجلمعة يف اّعشَين من شهَ رجب (‪ 1307‬هـ) املوافق ‪ 12‬مِرس‬ ‫(‪ 1890‬م) بزاوية اجلغبوب‪.‬‬ ‫كِ موّده يوم فَح وسَور ألتبِع احلَكة اّسنوسِة ‪ ،‬وخصوصًِ أهِيل اجلغبوب ‪ ،‬فعطل معهد‬ ‫اجلغبوب ‪ ،‬واّكتِتِب اّقَانِة ‪ ،‬ودور األعمِل ‪ ،‬وحنَت اجلزر ‪ ،‬ومدت املوائد ‪ ،‬وقدمت اّصدقِت‬ ‫شكَاً هلل تعِىل‪.‬‬


‫نشأ حممد إدريس يف رعِية أبويه ‪ ،‬وبعد وفِة أمه ايتضنته جدته ّواّدته ‪ ،‬واهتم واّده برتبِته تَبِة‬ ‫صِحلة ‪ ،‬وبدأ حتفِظه اّقَا اّكَمي بنفسه مع دخوّه يف سن اّسِبعة من عمَه‪.‬‬ ‫تتلمذ على جمموعة من أفِضل اّعلمِء ؛ اشتهَ من بِنهم‪ :‬اّعالمة اّعَيب اّفِسي ‪ ،‬وأَمد أبو يوسف‬ ‫‪ ،‬واّعَيب اّغمِري ‪ ،‬ويسني اّسنوسي ‪ ،‬وأَمد اَّيفي ‪ ،‬وأَمد اّشَيف اّسنوسي‪.‬‬ ‫أتقن اّقَاءات ‪ ،‬وعلوم احلديث ‪ ،‬كمِ أتقن اّبخِري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬ومسند أيب داود ‪ ،‬واّرتمذي ‪،‬‬ ‫واّنسِئي ‪ ،‬وابن مِجه ‪ ،‬وموطأ مِّك ‪ ،‬ومسند أيب ينِفة ‪ ،‬ومسند اإلمِم أَمد ‪ ،‬وكتِب األم‬ ‫ّلشِفعي ‪ ،‬وغري ذّك من كتب اّفقه واحلديث واّتفسري واّلغة ‪ ،‬وعلوم اّتِريخ ‪ ،‬وتقومي اّبلدا ‪،‬‬ ‫ويصل على إجِزات عدة‪.‬‬ ‫ملِ تقدمت به اّسن أصبح ّه جملس عِمَ ابّعلمِء واألدابء ‪ ،‬وكِ حيب اّعلمِء وجيلهم ويكرب مِ يف‬ ‫نفوسهم من اّعلم ‪ ،‬وينزهلم منه منزّة خِصة ‪،‬‬ ‫وحيِطهم بعطفه ‪ ،‬وكِنت أيب اّعلوم إِّه‪ :‬احلديث اّشَيف ‪ ،‬وعلم اّتِريخ واألدب واّسِ​ِسة‪.‬‬ ‫كِ ال يتحدث يف موضوع إال ويعلل رأيه فِه بعد تدقِق وَتحِص ‪ ،‬مث أييت ابحلجج اّدامغة‬ ‫واّرباهني اّقِطعة ‪ ،‬اترة من كتِب هللا ‪ ،‬وطوراً من احلديث اّشَيف ‪ ،‬ويِنًِ من أقوال اّسلف اّصِحل‬ ‫وأئمة املسلمني‪.‬‬ ‫كِ قوي اّذاكَة ‪ ،‬سَيع اخلِطَ ‪ ،‬متني احلجة ‪ ،‬وّه اهتمِم خِص ابّفقَاء واملسِكني ‪ ،‬وكِ مجِل‬ ‫املعشَ ‪ ،‬ريِمًِ أبتبِعه وخدمه ‪ ،‬فِعود مَيضهم بنفس متواضعة ‪ ،‬ويصفح عن املذنبني منهم مِ مل يكن‬ ‫اّذنب مغضبًِ هلل وَّسوّه ‪ ،‬وكِ ميِل إىل اقتنِء جِ​ِد اخلِل ‪ ،‬وّه شغف جبمِع أنواع األسلحة وجبمع‬ ‫اّكتب‪.‬‬ ‫كِ يَيصًِ على ويدة اّصف اّسنوسي أمِم أعداء اإلسالم ‪ ،‬فبعد أ بدأ اّطلِ​ِ هجومهم اّغِدر‬ ‫على األراضي اّلِبِة ‪ ،‬ورأي بعض اإلخوا أ يسندوا اّزعِمة إىل إدريس اّسنوسي كحق موروث بدالً‬ ‫من أَمد اّشَيف ؛ رفض إدريس ذّك اّعَض ‪ ،‬وبذّك اجتمعت كلمة اجملِهدين على أَمد اّشَيف‪.‬‬ ‫سِفَ إىل احلجِز ّتأدية فَيضة احلج عِم (‪ 1330‬هـ‪ 1912 /‬م) ‪ ،‬وكِنت تلك اَّيلة ملِئة‬ ‫ابّدروس واّعرب ‪ ،‬وأصبح هلِ أثَ عمِق يف تفكريه ؛ يِث ايتك ابحلكومة املصَية ‪ ،‬وبزعِم اّثورة‬ ‫اّعَبِة اّكربى اّشَيف يسني ‪ ،‬وقِدة اإلنكلِز يف مصَ ‪ ،‬وتكونت ّه قنِعِت مهمة فِمِ يتعلق‬


‫مبجَ​َيت اّسِ​ِسِة اّدوِّة ‪ ،‬وبطبِعة اّصَاع بني األتَاك واإلنكلِز ‪ ،‬واختذ ّنفسه منهجًِ سِر علِه‬ ‫خلدمة شعبه ووطنه وبالده‪.‬‬ ‫رأى أنه ِّس ملصلحة احلَكة اّسنوسِة اّدخول مع األتَاك يف يَهبم ضد اإلنكلِز ‪ ،‬وبعد رجوعه من‬ ‫احلج نصح أَمد اّشَيف بعدم اّدخول يف احلَب مع األتَاك ضداإلنكلِز ‪ ،‬وأعلن رأيه ذّك بصَاية‪.‬‬ ‫بعد انتهِء املعِرك بني أَمد اّشَيف وبَيطِنِة ظهَ حممد إدريس على مسَح اّعمل اّسِ​ِسي اّلِيب ‪،‬‬ ‫وكِ بَوزه مصلحة ّلبالد ‪ ،‬ملِ َتتع به من صفِت أ َهلْتهُ ّزعِمة بَقة؛ واّت األمور إىل أ ابيعته اّقبِئل‬ ‫يف شَق ِّبِة ابإلمِرة‪.‬‬ ‫دخل األمري حممد اّسنوسي يف مفِوضِت مع اإلنكلِز ّكي يتوصل معهم إىل‬ ‫اتفِق مؤقت يهدف به فتح اّطَق مع مصَ ‪ ،‬يىت يتغلب على شبح اجملِعة اّذي هدَد اّبالد‪.‬‬ ‫اشرتط اإلنكلِز ّلدخول يف املفِوضِت ضَورة دخول يلِفتهِ يف احلَب اّعِملِة األوىل (إيطِِّة)‬ ‫ّتلك املفِوضِت ‪ ،‬واضطَ األمري إدريس ّلموافقة على ذّك اّشَط‪.‬‬ ‫مل يكن موقف األمري إدريس قوَيً يف املفِوضِت بسبب هزمية جِش اّسِد أَمد اّشَيف يف مصَ ‪،‬‬ ‫بِنمِ كِ رصِده اّويِد يف والء قبِئل بَقة ‪ ،‬ويَص اإلنكلِز على كسبه ِ‬ ‫ّصفهم‪.‬‬ ‫كِنت ثورة األتَاك ضد اّسنوسِة من اّعوامل اّيت سِعدت يف دفع حممد إدريس حنو اّتقِرب مع‬ ‫اّسِ​ِسة اّربيطِنِة ‪ ،‬وقد بدأت تلك اّثورة يف أواخَ عِم (‪ 1916‬م) ‪ ،‬وانتشَت يف جهِت عديدة ‪،‬‬ ‫يىت توجت ابّنصَ على اّسنوسِة يف فزا خالل شهَ سبتمرب عِم (‪ 1917‬م) ‪ ،‬وطَدوا منهِ حممد‬ ‫عِبد اّسنوسي اّذي اّتجأ إىل اّكفَة ‪ ،‬وتَك واية واو ‪ ،‬وأصبحت فزا منذ ذّك احلني بِد األتَاك‪.‬‬ ‫استمَ األتَاك يف مضِيقة حممد إدريس ‪ ،‬وتضِ​ِق احلصِر علِه ‪ ،‬وعملوا على اإليِطة به ‪ ،‬وأرسل‬ ‫نوري ابشِ بعثته األوىل اّصغرية إىل اّكفَة ّضَب اّنفوذ اّسنوسي هنِك ‪ ،‬إال أ تلك اّبعثة فشلت‬ ‫وانتهت بوقوع أعضِئهِ يف أيدي صفي اّدين اّسنوسي ؛ اّذي استطِع أ يكشف أمَهم بسَعة ‪،‬‬ ‫وأودعهم اّسجن‪.‬‬ ‫كِ األمري حممد إدريس على قنِعة راسخة أ اّنصَ يف احلَب اّعِملِة األوىل سِكو ّلحلفِء ‪،‬‬ ‫وّذّك يَص على اّتقِرب من بَيطِنِة ‪ ،‬صِيبة اّتفوق يف منطقة اّشَق ‪ ،‬ومن أجل تقلِل اخلسِئَ‬ ‫واحملِفظة على كِ​ِ اّسنوسِة اّذي تعمل تَكِة على حتطِمه يف اّبالد يف تلك املَيلة ‪ ،‬واختذ قَاراً‬


‫ابالنسحِب من احلَب ضد إيطِِّة وبَيطِنِة ‪ ،‬ووافقه زعمِء اّقبِئل اّتِبعني ّلحَكة اّسنوسِة على‬ ‫ذّك‪.‬‬ ‫كِ أبنِء اّبِت اإلدريسي يف مصَ هم يلقة االتصِل بني األمري إدريس واحلكومة اّربيطِنِة ‪ ،‬ومت‬ ‫االتفِق على سفَ وفد بَيطِين وإيطِيل إىل أجدابِة ّعقد صلح بني األطَاف اّثالثة‪.‬‬ ‫وصل يف أواخَ عِم (‪ 1916‬م) إىل زويتِنة وفد من اإلنكلِز واإليطِِّني ‪ ،‬ومعهم من املصَيني أَمد‬ ‫حممد يسنني أفندي ‪ ،‬وحممد اّشَيف اإلدريسي ‪ ،‬وابنه حممد املَغين ‪ ،‬وكِنوا مجِعًِ ضمن اّوفد‬ ‫اإلنكلِزي ‪ ،‬إضِفة إىل اّكوّونِل اتّبوت اّذي ّه دراية كبرية بشؤو اّشمِل اإلفَيقي ‪ ،‬واّضِبط‬ ‫اّلفتنت هسلم ‪ ،‬وكِ اّوفد اإليطِيل يتكو من اّكوّونِل بِال ‪ ،‬واّكومِنداتور بِ​ِجنتِين ‪ ،‬ومرتمجهم‪.‬‬ ‫بدأت املفِوضِت بني األطَاف اّثالثة خالل شهَي أغسطس ‪ ،‬وسبتمرب سنة (‪ 1916‬م) ‪ ،‬وكِ‬ ‫اّوفِق واّتفِهم ظِهَاً بني اجلِنبني اإلنكلِزي واّسنوسي ‪ ،‬أمِ اّعالقِت اإليطِِّة فقد كِنت مغِيَة‬ ‫ّذّك َتِمًِ‪.‬‬ ‫كِنت مهمة اّوفد اإلنكلِزي يسرية ‪ ،‬فلم تكن هنِك أي صعوبة يف اّوصول إىل اتفِق مع اّسنوسِني‬ ‫‪ ،‬وّكن اّصعوبة تكمن يف إصَار اّكوّونِل اتّبوت رئِس اّوفد على عدم توقِع أي اتفِق مع‬ ‫اّسنوسِني قبل أ ينتهي إدريس من االتفِق مع اإليطِِّني ‪ ،‬ويتم اّتوقِع من اّطَفني على هذا‬ ‫االتفِق‪.‬‬ ‫يف أوائل عِم (‪ 1917‬م) َتت اتصِالت جديدة بني اإلنكلِز واإليطِِّني واّسنوسِني ‪ ،‬وقد ّعب‬ ‫حممد اّشَيف اإلدريسي وابنه املَغين دوراً هِمًِ يف إجنِح هذه االتصِالت ‪ ،‬وموافقة مجِع األطَاف على‬ ‫جتديد املفِوضِت‪.‬‬ ‫طِّت مدة املفِوضِت ‪ ،‬فِستغَقت اّفرتة مِ بني شهَ ينِيَ إىل منتصف أبَيل تقَيبًِ ‪ ،‬واجللسِت‬ ‫معقودة ‪ ،‬واحلوار مستمَ ‪ ،‬وكِ ّضغوط اإلنكلِز أثَ على اّطَفني اإليطِيل واّسنوسي يىت مت اّتوصل‬ ‫إىل اتفِق ارتضِه اجلمِع‪.‬‬ ‫كِنت معِهدة عكَمة يف طربق خري وسِلة ّتحقِق اّسلم وصو مصِحل اّعَب اجملِهدين يف بَقة ‪،‬‬ ‫كمِ أنه أتِحت فَصة حملمد إدريس ّتنظِم اّقبِئل تنظِمًِ من شأنه أ جيمع اّكلمة ‪ ،‬ويقضي على‬ ‫بذور اّفتنة واالضطَاب ‪ ،‬كمِ سِعد ذّك االتفِق على أتيِد نفوذ حممد إدريس ‪ ،‬يىت بدأ األهِيل‬ ‫من ذّك احلني يلقبو حممد إدريس ابملنقذ‪.‬‬


‫تَكزت جهود األمري إدريس بعد تلك املعِهدة على أمَين‪ :‬إقِمة احلكومة اّوطنِة اَّشِدة اّيت حتفظ‬ ‫مصِحل اّبالد ‪ ،‬وتتوىل زعِمة اّقبِئل يف بَقة ‪ ،‬وتطِّب‬ ‫بكل يقوقهم ‪ ،‬ومقِومة نفوذ اّطلِ​ِ ومنع اتصِهلم ابّعَب بكل اّوسِئل يف داخل اّبالد‪.‬‬ ‫اختذ حممد إدريس إجدابِة مَكزاً ّقِ​ِدته ‪ ،‬وذّك ّعدة أسبِب ؛ جنملهِ فِمِ يلي‪ :‬ملِ َتِزت به من‬ ‫موقع اسرتاتِجي هِم ‪ ،‬ووقوعهِ يف منتصف قِعدة مثلث رأسه يف اّكفَة وقِعدته اّنوفلِة واجلبل‬ ‫األخضَ ‪ ،‬كمِ أهنِ َتثل االمتداد اّطبِعي ّوايِت جِّوا وأوجلة جخَة ‪ ،‬واّكفَة ‪ ،‬وهذا يعطِهِ بعداً‬ ‫اسرتاتِجِ​ًِ هِمًِ ‪ ،‬ومن أهم املنِطق يف جتِرة اّقوافل ‪ ،‬كِنت موطنًِ ملعظم اّقبِئل اّيت كِنت تؤيد احلَكة‬ ‫اّسنوسِة ‪ ،‬وّغري ذّك من األسبِب‪.‬‬ ‫قِم حممد إدريس بوضع نواةٍ جلِش نظِمي ‪ ،‬واجتهد يف تسوية اخلالفِت بني بعض اّقبِئل ‪ ،‬وَت َكن‬

‫من اّقضِء على عنِصَ اّسلب واّنهب واّقتل‪.‬‬ ‫قِم حممد إدريس بتشكِل جملسني‪ :‬أيدمهِ يضم كبِر اّعلمِء واإلخوا ‪ ،‬ويقِل عنه‪ :‬اجمللس اخلِص‬ ‫‪ ،‬وّه اّسلطِت اّتشَيعِة واّتنفِذية ‪ ،‬وأمِ اجمللس اّثِين فكِ أعضِؤه من شِوخ وأعِ​ِ اّقبِئل ‪،‬‬ ‫ويقِل ّه‪ :‬جملس األعِ​ِ ‪.‬‬ ‫كِ األمري حممد إدريس يديَ دفة اّعالقِت مع إيطِِّة مبنتهى احلذر واّلِ​ِقة ‪ ،‬واّكِ​ِسة ‪،‬‬ ‫واّدبلومِسِة ‪ ،‬واّسِ​ِسة ‪ ،‬ويَص على توثِق عالقته مع اّوايل اإليطِيل اّكونت جِكومودي مِرتِنو ‪،‬‬ ‫وعني عمَ ابشِ منصور اّكِخِ​ِ ممثالً ّه يف بنغِزي ‪ ،‬وكِ ّعمَ ابشِ خربة سِ​ِسِة اندرة ‪ ،‬يِث كِ‬ ‫انئبًِ يف جملس املبعواث اّعثمِين يف إستِنبول‪.‬‬ ‫كِ اإليطِِّو يَغبو يف نقض االتفِقِت اّسِبقة؛ ألهنم كِنوا يطِّبو ابّسِ​ِدة اّتِمة على ِّبِة ‪،‬‬ ‫وأهنم قبلوا ابألمَ اّواقع مؤقتًِ ‪ّ ،‬ذّك يِوّوا أ يتقَبوا من اّسكِ ‪ ،‬أمالً يف أ ينتهي األمَ هبم إىل‬ ‫اّقبول ابّسِ​ِدة اإليطِِّة‪.‬‬ ‫بعد اهنزام تَكِة يف احلَب اّعِملِة األوىل اضطَ األتَاك ّالستسالم ‪ ،‬وعقدوا مع احللفِء معِهدة جزيَة‬ ‫موندروس يف ‪ 31‬أكتوبَ عِم (‪ 1918‬م) تعهدت فِهِ تَكِة بسحب قواهتِ من طَابلس اّغَب وأ‬ ‫تقطع عالقتهِ هبِ‪.‬‬ ‫كِ سقوط تَكِة سببًِ رئِسِ​ًِ يف ظهور فكَة اجلمهورية اّطَابلسِة وطَيت‬


‫على بسِط اّبحث ‪ ،‬واشرتك فِهِ رمضِ بك ‪ ،‬وعزام بك ‪ ،‬واّبِروين ابشِ ‪ ،‬واألمري عثمِ ‪ ،‬وخمتِر‬ ‫بك كعبِر‪.‬‬ ‫يف يوم اّسبت اّثِّث عشَ من صفَ سنة (‪ 1337‬هـ) ‪ ،‬املوافق ‪ 16‬نوفمرب سنة (‪ 1918‬م)‬ ‫اجتمعت اّوفود اّطَابلسِة يف جِمع اجملِبَة مبسالتة ‪ ،‬وهو أكرب جِمع فِهِ‪.‬‬ ‫تشكل جملس إدارة اجلمهورية من سلِمِ اّبِروين ‪ ،‬وأَمد بك املَيض ‪ ،‬ورمضِ اّسوحيلي ‪ ،‬وعبد‬ ‫اّنيب ابخلري ‪ ،‬وشكل جملس شورى اجلمهورية ‪ ،‬واجمللس اّشَعي هلِ‪.‬‬ ‫قِمت احلكومة إبرسِل عدة بالغِت إىل كل من رئِس احلكومة اإليطِِّة ‪ ،‬ورئِس أمَيكة وّسن ‪،‬‬ ‫ورئِس اّوزراء اإلنكلِزي ‪ ،‬ورئِس اجلمهورية اّفَنسِة ؛ إال أ تلك اّدول مل تعرتف هبِ‪.‬‬ ‫يف ‪ 30‬سبتمرب سنة (‪ 1919‬م) أعلن اّطَابلسِو رمسِ​ًِ عن أتسِس يزب اإلصالح ألجل اّدفِع‬ ‫عن مكِسب اّبالد ‪ ،‬وإيقِظ اّوعي اجلمِهريي اّسِ​ِسي ‪ ،‬وأسندوا رَيسته إىل أَمد بك املَيض ‪،‬‬ ‫ورَيسة شَفه إىل رمضِ بك‪.‬‬ ‫انتهز اإليطِِّو فَصة املهِدنة ِّلقوا بذور اّفتنة بني اّعَب واّرببَ من جهة ‪ ،‬وبني اّبدو واحلضَ من‬ ‫جهة أخَى ‪ ،‬وبني سكِ اّبلدا املتجِورة‪.‬‬ ‫كِنت من أكرب اّفنت احلَب اّطِينة بني اّزنتِ واّرببَ ؛ فقدت هبِ طَابلس من أبنِئهِ مِ ال يعلم‬ ‫عدده إال هللا‪.‬‬ ‫استغل اإليطِِّو ذّك اّصَاع وتلك اّفنت ‪ ،‬وحتَكت جِوشهم ّلقضِء على اّطَابلسِني ‪ ،‬فِيتلوا‬ ‫َ‬ ‫فزا يف (‪ )31‬أكتوبَ عِم (‪ 1922‬م) ‪ ،‬ويف (‪ )17‬نوفمرب (‪ 1922‬م) ايتلوا غَ​َي ‪ ،‬وبدأت املد‬ ‫تتسِقط أمِم اجلِوش اإليطِِّة‪.‬‬ ‫بعد اّتطورات اخلطرية ‪ ،‬واالنشقِقِت اّعظِمة اّيت وقعت بني اّزعمِء رأى عقالء طَابلس ضَورة‬ ‫االجتمِع يف مؤَتَ غَ​َي ِّتدارسوا األوضِع اَّاهنة ‪ ،‬ويتخذوا يِ​ِهلِ موقفًِ مشرتكًِ‪.‬‬ ‫كِنت اّفتنة بني طَابلس وبَقة قد اشتدت مع اندالع احلَب اّعِملِة األوىل ‪ ،‬ويصل فتور بني‬ ‫اّربقِويني واّطَابلسِني ‪ ،‬استمَ ملدة مخس سنوات‪.‬‬ ‫كِ عقالء طَابلس وبَقة ال يَضِهم تلك احلِّة املزرية اّيت ال يَضى عنهِ عقل وال شَع وال عَف ‪،‬‬ ‫فبِدر اّسِد أَمد املَيض إبرسِل رسِّة ألخِه األمري حممد إدريس اّسنوسي ‪ ،‬وكِنت ملِئة ابملعِين‬


‫اَّفِعة واّعبِرات اّسِمِة ‪ ،‬ورد على تلك اَّسِّة األمري حممد إدريس ‪ ،‬وتَتب على ذّك اجتمِع‬ ‫سَت اّعظِم بني اّوفد اّطَابلسي واّربقِوي‪.‬‬ ‫كِنت احلكومة اإليطِِّة تتِبع األخبِر ومِ يدور بني بَقة وطَابلس ‪ ،‬وخِفوا أ يرتتب على اتفِق‬ ‫طَابلس وبَقة مِ ال حتمد عقبِه ‪ ،‬فقَر ووّيب ايتالل مصَاتة قبل أ يصل اّلِبِو إىل نتِجة يف مؤَتَ‬ ‫سَت‪.‬‬ ‫بعد فشل املفِوضِت بني إيطِِّة واّطَابلسِني يف فندق اّشَيف يف ‪ 10‬أبَيل سنة (‪ 1922‬م) ‪،‬‬ ‫رأى اّطَابلسِو ضَورة إرسِل وفد إىل األمري حممد إدريس ِّبِيعوه ابإلمِرة تنفِذاً ملِ قَرته هِئة‬ ‫اإلصالح املَكزية يف فندق اّشَيف‪.‬‬ ‫ابدر األمري حممد إدريس مبصِفحة تلك اِّد املمدودة ‪ ،‬وقنبِل اّبِعةن دو تَدد ‪ ،‬وأجِب على كتِب‬

‫اّبِعة يف ‪ 22‬ربِع األول (‪ 1341‬هـ) ‪ ،‬املوافق ‪ 22‬نوفمرب (‪ 1922‬م)‪.‬‬ ‫تغريت اّعالقِت اإليطِِّة اّسنوسِة ‪ ،‬ويدثت بعض االشتبِكِت بني اّطلِ​ِ واّعَاب بسبب‬ ‫يَص اّطلِ​ِ على نزع اّسالح منهم ‪ ،‬ومَض األمري إدريس مَضًِ شديداً ‪ ،‬ونصحه األطبِء ابّذهِب‬ ‫إىل مصَ ّلعالج‪.‬‬ ‫قِم األمري إدريس قبل هجَته بتنظِم أمور اجلهِد ‪ ،‬وحبث األمَ مع زعمِء ورؤسِء بَقة من جِنب ‪،‬‬ ‫ومع بشري اّسعداوي واّوفود اّطَابلسِة من جِنب اخَ‪.‬‬ ‫عهد األمري ابألعمِل اّسِ​ِسِة واّعسكَية يف بَقة إىل عمَ املختِر انئبًِ عنه يف تنظِم معسكَات‬ ‫اجملِهدين ‪ ،‬وعهد ابملسِئل اّدينِة ومِ يتعلق ابألسَة اّسنوسِة إىل أخِه حممد رضِ‪.‬‬ ‫استطِع اإليطِِّو بقواهتم اجلَارة وطِئَاهتم اّقضِء على يَكة املقِومة رويداً رويداً ‪ ،‬مث هِمجوا يف‬ ‫اخَ األمَ ورفلة ‪ ،‬وعندئذ احنلت املقِومة َتِمًِ ‪ ،‬واضطَ بشري اّسعداوي إىل مغِدرة سَت يف عِم‬ ‫(‪ 1924‬م) بعد أ مكث هبِ سنة تقَيبًِ‪.‬‬ ‫كِ اّسعداوي رَمه هللا من أشد اجملِهدين حتمسًِ يف هذه اّفرتة اّعصِبة ‪ ،‬ومن أعظمهم مثِبَة على‬ ‫اجلهِد ‪ ،‬وكِ يتحلى بَجِية اّعقل ‪ ،‬واَّزانة واهلدوء ‪ ،‬ويتصف ابّقدرة على اّنظَ اّبعِد ‪ ،‬وتقلِب‬ ‫وجوه اَّأي يف عواقب األمور‪.‬‬ ‫أصبحت بَقة ويدهِ حتمل على عِتقهِ عبء اجلهِد منفَدة ضد اّعدو ‪ ،‬وكِ وايل بَقة اجلديد‬ ‫بوجنِو فِين قد بدأ حيل األدوار املختلفة يف بَقة عنوة واقتداراً‪.‬‬


‫بدأ اجلهِد بقِ​ِدة عمَ املختِر يف بَقة ضد إيطِِّة من غري هوادة أو ّني ‪ ،‬أو ضعف ‪ ،‬أو خوار‪.‬‬ ‫وّد اّشِخ عمَ املختِر من أبوين صِحلني عِم (‪ 1862‬م) ‪ ،‬وقِل‪ 1858( :‬م) ‪ ،‬وكِ واّده خمتِر‬ ‫بن عمَ من قبِلة املنفة من بِت فَيِت ‪ ،‬وكِ موّده ابّبطنِ يف اجلبل األخضَ‪.‬‬ ‫بعد وفِة واّده توىل تَبِته اّشِخ يسني اّغَ​َيين هو وشقِقه حممد ‪ ،‬فأدخلهمِ مدرسة اّقَا اّكَمي‬ ‫ابّزاوية ‪ ،‬مث أحلق عمَ املختِر ابملعهد اجلغبويب ِّنضم إىل طلبة اّعلم من أبنِء اإلخوا واّقبِئل‬ ‫األخَى‪.‬‬ ‫مكث يف معهد اجلغبوب مثِنِة أعوام ينهل من اّعلوم اّشَعِة املتنوعة ؛ كِّفقه ‪ ،‬واحلديث ‪،‬‬ ‫واّتفسري ‪ ،‬ومن أشهَ شِوخه اّذين تتلمذ علِهم‪ :‬اّسِد اّزروايل املغَيب ‪ ،‬واّسِد اجلواين ‪ ،‬واّعالمة‬ ‫فِحل اّظِهَي املدين ‪ ،‬وغريهم كثري‪.‬‬ ‫كِ عمَ املختِر شديد احلَص على أداء اّصلوات يف أوقِهتِ ‪ ،‬وكِ يقَأ اّقَا يومِ​ًِ ‪ ،‬فِختم‬ ‫املصحف اّشَيف كل سبعة أَيم منذ أ قِل ّه اإلمِم حممد املهدي اّسنوسي‪َ :‬ي عمَ وردك اّقَا ‪.‬‬ ‫إ من أسبِب اّثبِت اّذي َتِز به عمَ املختِر يىت اّلحظِت األخرية من يِ​ِته‪ :‬إدمِنه على تالوة‬ ‫اّقَا اّكَمي ‪ ،‬واّتعبد به ‪ ،‬وتنفِذ أيكِمه ‪ ،‬أل اّقَا اّكَمي مصدر تثبِت وهداية ‪ ،‬وذّك ملِ فِه‬ ‫من قصص األنبِ​ِء مع أقوامهم ‪ ،‬وملِ فِه من ذكَ مِل اّصِحلني ‪ ،‬ومصري اّكِفَين واجلِيدين ‪،‬‬ ‫وأوِّ​ِئه أبسِِّب متعددة‪.‬‬ ‫ظهَت صفة اّشجِعة يف شخصِة عمَ املختِر املتمِزة يف جهِده يف تشِد ضد فَنسة ‪ ،‬ويف ِّبِة‬ ‫ضد إيطِِّة ‪ ،‬وقد يفظ ّنِ اّتِريخ رسِّة منه إىل اّشِخ اّشِرف اّغَ​َيين َبني ّه فِهِ أنه ال خيِف‬ ‫طِئَات اّعدو وال مدافعه وال دابابته وال جنوده من اّطلِ​ِ ‪ ،‬وال خيِف يىت من اّسم اّذي وضعوه‬ ‫يف االابر ووضعوه على اّزروع اّنِبتة يف األرض ‪ ،‬كمِ ظهَت فِه صفة اّكَم ‪ ،‬وكِ يَدد على ضِوفه‬ ‫مقوّته املشهورة‪( :‬إننِ ال نبخل ابملوجود ‪ ،‬وال أنسف ملفقود)‪.‬‬ ‫تف َوق عمَ املختِر على أقَانه بصفِت عدة ؛ منهِ‪ :‬متِنة اخللق ‪ ،‬ورجِية اّعقل ‪ ،‬ويب اّدعوة ‪،‬‬ ‫ووصل أمَه إىل اّزعِم اّثِين ّلحَكة اّسنوسِة حممد املهدي اّسنوسي ‪ ،‬فقدمه على غريه ‪ ،‬واصطحبه‬ ‫معه يف ريلته اّشهرية من اجلغبوب إىل اّكفَة عِم (‪ 1895‬م)‪.‬‬ ‫ويف عِم (‪ 1897‬م) أصدر حممد املهدي قَاراً بتعِني عمَ املختِر شِخًِ ّزاوية اّقصور ابجلبل‬ ‫األخضَ قَب املَج ‪ ،‬وقِم عمَ املختِر أبعبِء املهمة خري قِ​ِم ‪ ،‬فعلم اّنِس أمور دينهم ‪ ،‬وسِهم يف‬


‫يل اّنزاعِت بني اّقبِئل ‪ ،‬وعمل على مجع كلمتهم ‪ ،‬وسعى يف مصِحلهم ‪ ،‬وسِر يف اّنِس سرية‬ ‫َمِدة ‪ ،‬فظهَت يف شخصِته أخالق اّدعِة من يلم وأت ٍ وصرب ورفق وعلم وزهد‪.‬‬ ‫عندمِ اندّعت احلَب اّلِبِة اإليطِِّة عِم (‪ 1911‬م) كِ عمَ املختِر وقتهِ بواية جِّو ‪ ،‬خف‬ ‫مسَعًِ إىل زاوية اّقصور ‪ ،‬وأمَ بتجنِد كل من كِ صِحلًِ ّلجهِد من قبِلة اّعبِد اّتِبعة ّزاوية‬ ‫اّقصور‪.‬‬ ‫أعجب ضبِط األتَاك ابملختِر وبشجِعته وابالراء اّسديدة اّيت تصدر عنه ‪ ،‬فكأمنِ هي تصدر من‬ ‫قِئد ممتِز ختَج عن كلِة عسكَية ‪ ،‬وكِ قدومه إىل معسكَات اجملِهدين مشجعًِ وابعثًِ ّلَوح املعنوية‬ ‫يف قوة خِرقة‪.‬‬ ‫يف شهَ مِرس عِم (‪ 1923‬م) سِفَ إىل مصَ ملقِبلة األمري حممد إدريس ‪ ،‬وكِ عمَ املختِر عظِم‬ ‫اّوالء ّلسنوسِة وزعمِئهِ وشِوخهِ‪.‬‬ ‫يِوّت إيطِِّة بوسِطة عمالئهِ مبصَ االتصِل ابّسِد عمَ املختِر ‪ ،‬وعَضت علِه عَوضًِ مغَية‬ ‫ّرتك اجلهِد ‪ ،‬واستمَت عَوضهم يىت بعد رجوعه ّلبالد ‪ ،‬ويِوّوا استمِّته ابملِل اّطِئل ‪ ،‬واملنِصب‬ ‫اَّفِعة ‪ ،‬واجلِه اّعَيض يف‬ ‫ظل يِ​ِة رغِدة انعمة ‪ ،‬وّكنهم مل يفلحوا‪.‬‬ ‫من أشهَ املعِرك اّيت خِضهِ املختِر يف تلك املَيلة معَكة بئَ اّغيب ‪ ،‬ومعَكة أم اّشفِتري عقرية‬ ‫اّدم‪.‬‬ ‫كِنت املعسكَات اّيت يقودهِ عمَ املختِر على أسِس قبلي ‪ ،‬ويعترب اّدور ويدة عسكَية ‪ ،‬وإدارية‬ ‫‪ ،‬واجتمِعِة ‪ ،‬يَأسهِ قِئم مقِم‪.‬‬ ‫كِ جميء ابدوِّو إىل ِّبِة بداية مَيلة جهِدية يِمسة ابّنسبة ّلمجِهدين ‪ ،‬وكِ اتريخ تعِ​ِنه يف‬ ‫شهَ ينِيَ من عِم (‪ 1929‬م) ‪ ،‬وكِ بَانجمه يتلخص يف ختفِض اجلِش إىل اّقدر اّذي يكفي ّلقِ​ِم‬ ‫حبَب اّعصِابت ‪ ،‬واحملِفظة على هِبة احلكومة مع إنفِق األموال املتوفَة يف مد اّطَق يف اجلبل‬ ‫األخضَ ‪ ،‬ممِ يسهل علِه اّتنقالت اّعسكَية ‪ ،‬فإذا مِ مت ّه ذّك قِم هبجوم شِمل كِسح على‬ ‫اجملِهدين يقضي على املقِومة هنِئِ​ًِ ‪ ،‬ومن أجل ذّك سعت إيطِِّة إىل مفِوضة اّسِد عمَ املختِر‬ ‫ّتهدئة األيوال‪.‬‬


‫دخل عمَ املختِر يف املفِوضِت مع قنِعته أبهنِ ال جتدي نتِجة ّضغوط بعض قِدة اجلهِد ‪،‬‬ ‫وإلقِمة احلجة على احلكومة اإليطِِّة ‪ ،‬وقد ظهَ يف تلك املفِوضِت يَص املختِر على رفض‬ ‫اخلضوع ألي إدارة أو سلطة غري سلطة هللا ‪ ،‬وكِ مصَاً يف شَوطه على تطبِق اّشَيعة اإلسالمِة بني‬ ‫املسلمني ‪ ،‬ورفض كل مِ عداه من قوانني وضعِة يف مفِوضِته‪.‬‬ ‫أظهَ ابدوِّو قبول اّشَوط ‪ ،‬وّكنه نكث بوعوده وأخذ يستعد ّلقضِء على اجملِهدين ‪ ،‬وشَع‬ ‫اّطلِ​ِ يبذرو بذور اّشقِق يف صفوف اجملِهدين على أمل أ يضعفوا من قوهتم ‪ ،‬ويف اجتمِع‬ ‫سِدي رويفع ادعى سِشلِ​ِين أ ال ميكن إبَام االتفِق اّنهِئي إال يف بنغِزي‪.‬‬ ‫أراد اجملِهدو أ يقطعوا يجة اّطلِ​ِ ‪ ،‬فِتفقوا على أ حيضَ اجتمِع بنغِزي اّسِد احلسن رضِ‬ ‫اّسنوسي ‪ ،‬وكِ عمَ املختِر مقتنعًِ بعدم جدوى االجتمِع ‪ ،‬وّكنه اضطَ مكَهًِ ‪ ،‬وعِد احلسن‬ ‫حيمل شَوطًِ إيطِِّة جمحفة ‪ ،‬فَفضهِ عمَ املختِر واجملِهدو ‪.‬‬ ‫كِ عمَ املختِر جبِنب إميِنه اَّاسخ واسع األفق ‪ ،‬عِملًِ بواقعه ‪ ،‬مدركًِ ملِ‬ ‫جيَي يوّه متِبعًِ ّه ‪ ،‬وقد كِ ذّك أكرب عو ّه بعد هللا على صحة مواقفه وقوهتِ اّيت فَضت‬ ‫االيرتام على أعدائه قبل أصدقِئه‪.‬‬ ‫خِطب اّسِد عمَ املختِر اجملِهدين وأبنِء شعبه قِئالً‪ :‬فلِعلم إذاً كل جمِهد أ غَض احلكومة‬ ‫اإليطِِّة إمنِ بث اّفنت واّدسِئس بِننِ ‪ّ ،‬تمزيق مشلنِ وتفكِك أواصَ احتِدان ؛ ِّتم هلم اّغلبة علِنِ‬ ‫واغتصِب كل يق مشَوع ّنِ كمِ يدث كثري من هذا خالل اهلدنة‪.‬‬ ‫نقضت احلكومة عهودهِ وغدرت ابجملِهدين ‪ ،‬وكِ اّسِد يسن اَّضِ أول من ذاق مَارة غدرهم‪.‬‬ ‫عني اجلنَال غَاسِ​ِين يِكمًِ ّربقة وانئبًِ ّلمَشِل ابدوِّو احلِكم اّعِم ‪ ،‬وكِ غَاسِ​ِين معظمًِ‬ ‫ومقدمًِ عند قومه ‪ ،‬وقِم أبعمِل عسكَية يف فزا شنِعة ّلغِية ‪ ،‬واستطِع أ يقضي على يَكة اجلهِد‬ ‫يف فزا يف ‪ 25‬فربايَ (‪ 1930‬م) ‪ ،‬وكِ يقوداً على اإلسالم واملسلمني ‪ ،‬ومل يَقب يف مؤمن إِالَ وال‬ ‫ذمة‪.‬‬ ‫سِفَ إىل رومِ ورجع بتعلِمِت من موسوِّين ويكومته ؛ هدفهِ اّقضِء املربم على يَكة اجلهِد ‪،‬‬ ‫مهمِ كلف ذّك ‪ ،‬وبكل اّطَق واّوسِئل ّلقضِء على اّقضِة اّربقِوية‪.‬‬ ‫مل ِ‬ ‫ميض على وصول غَاسِ​ِين سوى أَيم قالئل يىت أنشأ مِ عَف يف اتريخ االستعمِر اإليطِيل‬ ‫األسود ابسم احملكمة اّطِئَة أبَيل (‪ 1930‬م) ‪ ،‬مث شَع يف سِ​ِسة عزل األهِيل اخلِضعني عن‬


‫اجملِهدين ومجِع اإلخوا اّسنوسِني وشِوخ اّزواَي وأئمة املسِجد ومعلمي اّقَا هبِ مع ذويهم مجِعًِ ‪،‬‬ ‫ومشِيخ وأعِ​ِ اّقبِئل ‪ ،‬وبكل من يَبطه أي نوع من أنواع اّصالت أبيد اجملِهدين أو املهِجَين ‪،‬‬ ‫جيء هبذه اجملموعِت يسِقو إىل مَاكز اّتعذيب مث اّسجو ‪ ،‬ومل يشفع يف أيدهم سن اّشِخوخة‬ ‫اّطِعنة ‪ ،‬أو اّطفوّة اّربيئة ‪ ،‬أو املَض املقعد ‪ ،‬أو اّضَر املالزم‪.‬‬ ‫وأنشئت معتقالت جديدة يف بنِنة ‪ ،‬واَّمجة ‪ ،‬واملقَو ‪ ،‬وسلوق ‪ ،‬واّربيقة ‪ ،‬واّعقِلة ‪ ،‬وسِقت‬ ‫اّقبِئل إىل تلك املعتقالت اّشنِعة‪.‬‬ ‫غري عمَ املختِر خطته ‪ ،‬وطور أسِِّبه اّقتِِّة ملِ يتمِشى مع املَيلة ‪،‬‬ ‫واعتمد على عنصَ املبِغتة ‪ ،‬وركن إىل مفِجأة اّقوات اإليطِِّة يف أمِكن متفَقة ‪ ،‬ونقل دائَة عملِ​ِته‬ ‫إىل اّنِيِة اّشَقِة يف اّدفنِ نظَاً ّقَهبِ من احلدود املصَية‪.‬‬ ‫عزم غَاسِ​ِين على مد األسالك اّشِئكة يف احلدود اّلِبِة املصَية املصطنعة من قبل االستعمِر مِ‬ ‫يزيد عن ‪ 300‬كم ؛ من اّبحَ املتوسط إىل مِ بعد اجلغبوب ‪ ،‬وقد كلف اّدوّة اإليطِِّة عشَين ملِو‬ ‫فَنك إيطِيل‪.‬‬ ‫مع شدة قبضة االستعمِر اإليطِيل على املد إال أ ذّك مل مينع األهِيل من اّقِ​ِم بواجبهم املقدس‬ ‫‪ ،‬واستطِعت املخِبَات اإليطِِّة أ تقبض على عدد من اّلِبِني اّذي زودوا يَكة اجلهِد ابملؤ‬ ‫واملعلومِت ‪ ،‬ومت إعدامهم‪.‬‬ ‫بعد أ استطِعت اّقوات اإليطِِّة أ تعتقل قبِئل بَقة يف معسكَات واسعة ‪ ،‬وأخذ غَاسِ​ِين يف‬ ‫مد األسالك اّشِئكة على طول اّطَيق على اّبحَ املتوسط إىل مِ بعد اجلغبوب ِّفصل بَقة عن مصَ‬ ‫‪ ،‬وكِ قد شَع يف مجع قواته اّضخمة من خمتلف ويدات اجلِش اإليطِيل واجلِوش امللونة ‪ ،‬من املَتزقة‬ ‫ومن املعدات احلَبِة اليتالل اّكفَة ‪ ،‬وقد كتب غَاسِ​ِين عن اهتمِمه ابيتالل اّكفَة ‪ ،‬وعن‬ ‫االستعدادات اّيت اختذهتِ احلكومة اإليطِِّة أكثَ من مخسة وأربعني صفحة‪.‬‬ ‫قِم األمري شكِب أرسال بدور مشكور يف كتِبة املقِالت عن مِ يدث يف بَقة وطَابلس‪ ،‬وقد‬ ‫اتصل به عمَ املختِر وأرسل إِّه رسِّة شكَ عن دوره اّعظِم‪.‬‬ ‫قِمت إيطِِّة بتصعِد َمالت االنتقِم من اّلِبِني واجملِهدين خصوصًِ ‪ ،‬فقِمت بسِ​ِسِة اّتهجري ‪،‬‬ ‫وسِ​ِسة اّقتل واَّمي يف اّبحَ ‪ ،‬وهبتك األعَاض وخصوصًِ يف اّكفَة ‪ ،‬وقتلهم ألهل اّعلم ‪ ،‬وكبِر‬


‫اّشِوخ ‪ ،‬ورمي األبَ​َيء من اّطِئَات ‪ ،‬وانتزعت األراضي من األهِيل ‪ِ ،‬‬ ‫وريل األطفِل إىل إيطِِّة ‪،‬‬ ‫ونشطت يَكة اّتنصري بني األهِيل‪.‬‬ ‫كِ غَاسِ​ِين ميلك اّقوات اّضخمة يف اّرب واّبحَ واجلو ‪ ،‬واّسلطة اّغِمشة املستبدة يف بَقة ‪،‬‬ ‫واخلزائن املَصوفة ابألموال ‪ ،‬واّسجو واملعتقالت واملشِنق ‪ ،‬ومع هذا يضعف ويسِطَ علِه اّعجز‬ ‫أمِم اجملِهدين وقِئدهم اّعظِم ‪ ،‬يىت دفعه تفكريه إىل يَق اّغِابت بعد أ َتكن من يَق األكبِد‬ ‫واألفئدة واألجسِم ‪ّ ،‬قد وقع حتت أتثري عصيب يِد من جَاء مِ أصِبه من اّفشل اّذريع ‪،‬‬ ‫وكِ يف طَيقه إىل االستقِّة أو اإلقِّة ّوال تقديَ هللا بوقوع عمَ املختِر يف األسَ‪.‬‬ ‫ظل عمَ املختِر يف اجلبل األخضَ يقِوم اّطلِ​ِ على اَّغم من هذه اّصعوابت اجلسِمة اّيت كِنت‬ ‫حتِط به وبَجِّه ‪ ،‬ويف صبِح ‪ 11‬سبتمرب (‪ 1931‬م) وقع من على جواده يف إيدى املعِرك ‪،‬‬ ‫فأصِب يف إيدى يديه جبَوح ‪ ،‬مث وقع يف األسَ مث أرسل إىل سجن بنغِزي‪.‬‬ ‫ويف اّسِعة اخلِمسة مسِءً يف ‪ 15‬سبتمرب (‪ 1931‬م) جَت حمِكمة اّشِخ عمَ املختِر ‪ ،‬وكِنت‬ ‫حمكمة صورية شكالً وموضوعًِ ‪ ،‬وقد استغَقت احملِكمة من بدئهِ إىل هنِيتهِ سِعة وايدة ومخسة‬ ‫عشَ دقِقة ‪ ،‬فحسب ويكم علِه ابألعدام‪.‬‬ ‫يف يوم (‪ )16‬سبتمرب من صبِح يوم األربعِء من سنة (‪ 1931‬م) ‪ ،‬وعند اّسِعة اّتِسعة صبِيًِ‬ ‫نفذ اّطلِ​ِ يف (سلوق) جنوب مدينة بنغِزي يكم اإلعدام شنقًِ يف شِخ اجلهِد ‪ ،‬وأسد اجلبل‬ ‫األخضَ ‪ ،‬بعد جهِد طويل ومَيَ‪.‬‬ ‫قِم املسلمو بتأبني اّشِخ عمَ املختِر ‪ ،‬وقِلت اّقصِئد يف راثئه ‪ ،‬ومن أشهَ مِ قِل قصِدة أَمد‬ ‫شوقي ‪ ،‬وقصِدة نعمِ عبد اّوهِب ‪ ،‬واألستِذ أيب اخلري اّطَابلسي ‪ ،‬واألستِذ يسن اّغنِي‪.‬‬ ‫بعد سقوط عمَ املختِر رَمه هللا يف األسَ جتمع اجملِهدو بني يوم وِّلة ‪ ،‬وأمجعوا على تنصِب‬ ‫اّشِخ اجملِهد يوسف بوريِل قِئداً ّلجهِد اإلسالمي ‪ ،‬ووكِالً عِمًِ ّلجهِد‪.‬‬ ‫يشدت إيطِِّة قواهتِ وواصلت شن َمالهتِ بشَاسة منقطعة اّنظري ضد اجملِهدين ‪ ،‬فقتل َمد بوخري‬ ‫هللا أيد اّزعمِء ‪ ،‬وقتل يوسف بوريِل ‪ ،‬وجَح عصمِ اّشِمي فأخذ أسرياً ‪ ،‬وأمِ عبد احلمِد اّعبِر‬ ‫فِستطِع أ جيتِز األسالك اّشِئكة جبواده رغم مطِردة اّقوات اإليطِِّة ّه‪.‬‬ ‫وهبذه اّنهِية املؤملة احلزينة انكسَت شوكة اجملِهدين ‪ ،‬وتعثَت خطواهتم ‪ ،‬وأمخدت يَكة اجلهِد ‪،‬‬ ‫وذهب األجداد اتركني خلفهم اترخيًِ بطوِّ​ًِ كفِيِ​ًِ رائعًِ من أجل اّعقِدة واّدين واّشَف واّكَامة‪.‬‬


‫سعى اّفِشِست إىل إعِدة اإلمرباطورية اَّومِنِة اّغِبَة ‪ ،‬فقَروا ّذّك امتالك اّبلدا اإلسالمِة‬ ‫اّقِئمة على شواطأى اّبحَ األبِض املتوسط ‪ ،‬مث إابدة أهل هذه‬ ‫اّبالد وإفنِئهم وحتويلهم إىل رقعة التِنِة‪.‬‬ ‫هِجَ اّلِبِو إىل تونس ‪ ،‬واجلزائَ ‪ ،‬وتشِد ‪ ،‬وسورية ‪ ،‬واألرد ‪ ،‬وّبنِ ‪ ،‬ومصَ ‪ ،‬واحلجِز ‪،‬‬ ‫وتَكِة ‪ ،‬وتَكوا أوطِهنم بسبب اّظلم واجلور اّذي وقع من اّطلِ​ِ ‪ ،‬وشَعوا يف مجع شتِهتم يف املهجَ‬ ‫استعداداً ِّوم قَيب تتِح هلم فَصة ختلِص بالدهم من االيتالل اّطلِ​ِين اّبغِض ‪ ،‬وكِنت قلوهبم‬ ‫تتقطع شوقًِ ّلَجوع إىل دَيرهم ‪ ،‬وتفجَت ملكِهتم اّشعَية ‪ ،‬وتَكوا ّنِ بعض اّقصِئد املعربة عن‬ ‫اّشوق ّألوطِ ‪.‬‬ ‫ذاق املهِجَو أّوا اّعذاب يف املهجَ ‪ ،‬ومع ذّك فقد واصلوا اجلهِد وهم يف دَير اهلجَة يىت‬ ‫ضِقت هبم إيطِِّة ذرعًِ ‪ ،‬وبَز من اجملِهدين يف مصَ اّسِد إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ويف بالد اّشِم بشري‬ ‫اّسعداوي اّذي أسس اجلمعِة اّطَابلسِة اّربقِوية‪.‬‬ ‫مع اقرتاب احلَب اّعِملِة اّثِنِة أصبح اّربيطِنِو يسعو إلجيِد حتِّف قوي مع املعِرضة اّلِبِة ‪،‬‬ ‫ومدوا خِوطهم ّكِفة املعِرضني وخصوصًِ أقواهم األمري إدريس اّسنوسي‪.‬‬ ‫إ احلَب اّعِملِة اّثِنِة اية من اَيت هللا يف تصَيف أمَ اّدول واّشعوب واألمم وفق سننه وقوانِنه‬ ‫يف اجملتمعِت اّبشَية ‪ ،‬ومن اّسنن اّواضحة يف يِ​ِة األمم‪ :‬أنه عندمِ تتجرب أمة من األمم وتعلو يف‬ ‫األرض ‪ ،‬ويصِبهِ اّبطَ واّكربَيء ‪ ،‬يهِأى هللا هلِ أسبِب االهنِ​ِر واّزوال‪.‬‬ ‫كِ األمري إدريس يف مصَ يتحني تلك اّفَصة ‪ ،‬مبجَد أ حتقق أب احلَب اّعِملِة ال حمِّة واقعة‬ ‫شَع جبمع زعمِء اّلِبِني واّتشِور معهم ودراسة ايتمِالت املوقف ‪ ،‬ووضع اخلطط املنِسبة اّيت حيب‬ ‫أ يسريوا علِهِ‪.‬‬ ‫عقد اّزعمِء اّلِبِو اجتمِعًِ اترخيِ​ًِ يف منزل األمري إدريس اّسنوسي ابإلسكندرية يف ‪ 6‬رمضِ‬ ‫(‪ 1358‬هـ) ‪ 20 ،‬أكتوبَ (‪ 1939‬م) اجتمع فِه يوايل أربعو شِخًِ من رؤسِء اّلِبِني وزعمِئهم‬ ‫املوجودين يف مصَ ‪ ،‬وأسفَ تبِدل اَّأي عن اختِذ قَار بتفويض األمري يف أ يقوم مبفِوضة احلكومة‬ ‫املصَية أو اإلنكلِز بشأ تكوين جِش سنوسي ؛ مهمته االشرتاك مع احللفِء عندمِ تدخل إيطِِّة‬ ‫احلَب‬


‫إىل جِنب أملِنِة ‪ ،‬ووقعوا على وثِقة اترخيِة مهمة يف يوم ‪ 9‬رمضِ (‪ 1358‬هـ) ‪ 23 ،‬أكتوبَ‬ ‫(‪ 1939‬م)‪.‬‬ ‫ابدرت مجعِة اّدفِع اّطَابلسي اّربقِوي بعقد اجتمِع يف دمشق يف يوم ‪ 29‬شوال (‪ 1358‬هـ) ‪،‬‬ ‫واطلعت على صورة اّقَار املوقع علِه من زعمِء ورؤسِء اجملِهدين يف مصَ ‪ ،‬ووافقت علِه‪.‬‬ ‫شَع إدريس اّسنوسي يف مفِوضة اإلنكلِز ‪ ،‬فأسفَت مبِيثِته عن اّسمِح ّه بتشكِل فصِئل من‬ ‫اّقبِئل اّلِبِة املهِجَة السرتداد يَيتهِ ‪ ،‬واستخالص بالدهِ من اّعدو اإليطِيل‪.‬‬ ‫دعِ األمري إدريس مشِيخ اّقبِئل وزعمِء اجملِهدين املوجودين يف مصَ ‪ ،‬واجتمع هبم يف يوم اخلمِس‬ ‫‪ 8‬أغسطس سنة (‪ 1940‬م) من أجل دراسة األيداث واّتطورات األخرية‪.‬‬ ‫اختذت اجلمعِة اّوطنِة اّلِبِة عدة قَارات ؛ من أمههِ‪ :‬وضع اّثقة يف بَيطِنِة اّعظمى ‪ ،‬إعال‬ ‫اإلمِرة اّسنوسِة ‪ ،‬تعِني هِئة َتثل اّقطَين طَابلس وبَقة ‪ ،‬خوض غمِر احلَب ضد إيطِِّة ‪ ،‬تعِني‬ ‫يكومة سنوسِة مؤقتة‪.‬‬ ‫قدم اّلِبِو كل مِ عندهم ّدعم احللفِء ضد احملور ‪ ،‬وكِنت كتِئب اجملِهدين قد قِمت بدور ابرز‬ ‫يف يَب اّصحَاء ‪ ،‬وكذّك األهِيل املدنِو فقد قدموا ّلجِش اّربيطِين مسِعدات جَيئة‪.‬‬ ‫كِ غَب مصَ وبَقة مسَيًِ ألطول َملة يف احلَب اّعِملِة اّثِنِة‪ ،‬وضَبت املد واملواأنى واّقَى‬ ‫واملطِرات واّطَق ‪ ،‬واّرتكِبِت اّيت أقِمهِ اّطلِ​ِ ‪.‬‬ ‫يف ينِيَ (‪ 1943‬م) كِ جِشِ من جِوش احللفِء يلتقِ​ِ يول طَابلس جِش مونتجمَي اّثِمن‬ ‫‪ ،‬وجِش فَنسي بقِ​ِدة ِّكلَك اجلنَال اّفَنسي ‪ ،‬وقِم يِكم طَابلس اإليطِيل بتسلِم املدينة ّلحلفِء‪.‬‬ ‫يف أعقِب االيتالل اّربيطِين اّثِّث ملنطقة بَقة أعلن اجلنَال مونتجمَي أب املنطقة ستدار من قبل‬ ‫يكومة عسكَية بَيطِنِة يىت هنِية احلَب اّعِملِة ‪ ،‬وِّس يىت هنِية احلَب يف مشِل إفَيقِة‪.‬‬ ‫عِرض اّلِبِو موقف اّدول اّكربى من قضِتهم ‪ ،‬ووجهوا نقدهم وسهِمهم‬ ‫إىل اّدول اّكربى‪ ،‬وخصوصًِ احلكومة اّربيطِنِة اّيت مل تلتزم بعهودهِ مع اّلِبِني‪.‬‬ ‫يف عِم (‪ 1947‬م) أصبح اّربيطِنِو يَو احلِجة إىل منح بَقة نوعًِ من احلكومة اّذاتِة حتت‬ ‫زعِمة إدريس ‪ ،‬وأوصت جلنة بَيطِنِة بربانمج استقالل على ثالث مَايل ‪ ،‬وحتت اإلشَاف اّربيطِين‬ ‫‪ ،‬أمِ طَابلس فكِ اّوضع خيتلف وظهَ اخلوف هنِك من عودة احلكم اإليطِيل ّلمنطقة ‪ ،‬وخِصة يف‬ ‫وجوه اجلِِّة اإليطِِّة اّكبرية مبطِمعهِ وتطلعِهتِ‪.‬‬


‫اقتصَت غِّبِة األيزاب واجلمِعِت يف منطقيت بَقة وطَابلس على يِجتهم ّدوّة متحدة ‪ ،‬وأصبح‬ ‫اندي عمَ املختِر يشدد انتقِده ضد بَيطِنِة وضد سِ​ِسة إدريس املتحِّف معهم‪.‬‬ ‫قِم األمري إدريس إبيقِف نشِط اندي عمَ املختِر ‪ ،‬ومنع مجِع األيزاب اّسِ​ِسِة عن اّعمل يف‬ ‫ديسمرب (‪ 1947‬م) ‪ ،‬وأّف املؤَتَ اّوطين حبجة اّتحدث ابسم أهِيل بَقة مجِعًِ‪.‬‬ ‫أرسلت اّدول اّكربى جلنة ّتقصي وضع ِّبِة ‪ ،‬فوجدوا رغبة عِرمة يف االستقالل اّتِم ‪ ،‬وأوضح‬ ‫تقَيَ اّلجنة اَّغبة اّلِبِة اجلمِعِة ّالستقالل اّتِم‪.‬‬ ‫أصبح استقالل ِّبِة شِئًِ البد منه ابّنسبة ّألمم املتحدة ‪ ،‬وأعِدت قضِة ِّبِة إىل اّلجنة اّسِ​ِسِة‬ ‫يف صِف (‪ 1949‬م) ‪ ،‬ومسح إليطِِّة ابالشرتاك ابّنقِش وكذّك املمثلني من املؤَتَ اّوطين اّربقِوي ‪،‬‬ ‫ويزب املؤَتَ اّوطين اّطَابلسي ‪ ،‬وممثلني من اجلِِّة اِّهودية بطَابلس ‪ ،‬ويف أكتوبَ بدأت جلنة فَعِة‬ ‫يف وضع قَار يتضمن مجِع اّنقِط اَّئِسة اّواردة يف مقرتيِت وفود اهلند واّعَاق وابكستِ واّوالَيت‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫يف ‪ 21‬نوفمرب (‪ 1949‬م) تبنت اجلمعِة اّعِمة اّقَار اّذي اقرتيته وفود اهلند واّعَاق وابكستِ‬ ‫واّوالَيت املتحدة ‪ ،‬وتبنته اجلمعِة أبغلبِة ‪ 48‬صواتً ضد صوت وايد هو احلبشة ‪ ،‬وغِ​ِب تسعة ؛‬ ‫منهِ فَنسة ومخس دول شِوعِة‪.‬‬ ‫أعلن استقالل ِّبِة يف ‪ 24‬ديسمرب عِم (‪ 1951‬م) ‪ ،‬وأصبح اّدستور معداً ّلتنفِذ ‪ ،‬وتوّت‬ ‫احلكومة املؤقتة اّبالد ‪ ،‬وأصبح هلِ صاليِ​ِت كِملة ‪ ،‬كِ أول رئِس ّلحكومة املؤقتة حممود املنتصَ ‪،‬‬ ‫وفتحي اّكخِ​ِ انئبًِ ّه ‪ ،‬ووزيَاً ّلعدل‬ ‫واملعِرف ‪ ،‬وأصبح عمَ شنِب مديَاً ّلديوا امللكي ‪ ،‬وعني امللك إدريس يكِم اّوالَيت اّثالث ‪،‬‬ ‫وتقدم بطلب انضمِم ِّبِة ّألمم املتحدة واِّونسكو وغريهِ من املنظمِت اّدوِّة‪.‬‬ ‫كِ امللك رَمه هللا يَى أ احلِ​ِة اّسعِدة ال تقوم إال على اّدين واّعلم واألخالق ‪ ،‬وّذّك اهتم‬ ‫هبذه اَّكِئز اهتمِمًِ عظِمًِ ‪ ،‬وّذّك أيبه شعبه‪.‬‬ ‫كِ امللك كثري االتصِل جبمِع ملوك ورؤسِء اّعَب واملسلمني مسرتشداً مستعِنًِ أو انصحًِ أمِنًِ ‪،‬‬ ‫وقد بذل جهوداًكبرية ومسِعي جلِلة بني احلكِم إلصالح ذات اّبني وتقَيب وجهِت اّنظَ ‪،‬‬ ‫واّدعوة ّالحتِد‪.‬‬


‫بذل امللك رَمه هللا مِ يف وسعه يف اّقضَِي اّيت تتنِمى إىل مسعه ‪ ،‬فِغضب هلل ‪ ،‬وأيمَ ابملعَوف‬ ‫وينهى عن املنكَ ‪ ،‬وكِنت هنِك أمور قد خَجت عن إرادته وقدرته حبكم اّوجود اّربيطِين واألمَيكي‪.‬‬ ‫َتِزت خطِابته بَصِنة األسلوب ‪ ،‬ومتِنة اّتعبري ‪ ،‬وقوة احلجة ‪ ،‬ويَص اَّاعي على اَّعِة ‪،‬‬ ‫ونصحه ّشعبه ‪ ،‬وكِنت خطِابته عِمَة ابّدعوة إىل اخلري واّتقوى ومكِرم األخالق‪.‬‬ ‫كِ اّسنوسِو منذ زمن املؤسس األول ّلحَكة اإلمِم حممد بن علي اّسنوسي مهتمني أبمَ اجلهِد‬ ‫يف اجلزائَ ‪ ،‬وواصل امللك إدريس جهوده املِدية واملعنوية ّدعم ثورة اجلزائَ اّيت اندّعت يف‬ ‫(‪ 1954/11/1‬م) ‪ ،‬وقد أثبتت اّواثئق اّتِرخيِة جهوده اّعظِمة ‪ ،‬وأعمِّه اجلسِمة يف هذا اّبِب‪.‬‬ ‫تَك امللك رَمه هللا تعِىل كتِابً يبحث يف قضَِي األمم واّشعوب واّدول ‪ ،‬تنِول فِه املوقف‬

‫اإلسالمي اّعَيب واّدويل من مجِع اّوجوه على يقِقته ‪ ،‬وحتدث فِه عن األسبِب اّيت أخَت‬ ‫املسلمني واّعَب ‪ ،‬واّوسِئل اّيت جيب اختِذهِ ّتمكني اّعَب من حتقِق ويدهتم اّيت يَاهِ ضَورية ‪،‬‬ ‫وحتدث عن اخلالفة اإلسالمِة ومِ هلِ ومِ علِهِ ‪ ،‬وعن سبب اهنِ​ِرهِ ‪ ،‬وتكلم عن االستعمِر وأهدافه‬ ‫ويعترب هذا اّكتِب مهمًِ ملعَفة عقلِة امللك رَمه هللا تعِىل يف اّتفكري‪.‬‬ ‫إ دراسة كتِب امللك املذكور ‪ ،‬وتصَحيِته اّصحفِة ؛ تبني ّلبِيث ضعف اّقول اّقِئل أب امللك‬ ‫إدريس ال يفهم يف أمور اّسِ​ِسة ‪ ،‬وأقَب إىل أهل اّتصوف‬ ‫من كونه رجل دوّة ‪ ،‬وال توجد ّه رؤية سِ​ِسِة واضحة ‪ ،‬وال يعَف كِف تسِس أمور األمم‬ ‫واّشعوب‪.‬‬ ‫كِ امللك يؤمن أبمهِة اّنقد اإلجيِيب يف هنضة اّشعوب وبنِء األمم ‪ ،‬وّذّك مسح ّلمصلحني أ‬ ‫يتكلموا وينقدوا اّدوّة واحلكم ‪ ،‬وشجع اّصحِفة واّنواب على قول كلمة احلق‪.‬‬ ‫مع مَور اّزمن وتقدم اّسن رأى امللك إدريس أ يتخلى عن احلكم ‪ ،‬وأ يقدم استقِّته ‪ ،‬ويرتك إىل‬ ‫اّشعب أو ممثلِه األمَ إىل من أيق منه ‪ ،‬أو أقدر على َمل األمِنة واّقِ​ِم ابّواجب املطلوب‪ ،‬فقدَم‬ ‫استقِّته عِم (‪ 1965‬م) يف عهد يكومة حممود املنتصَ اّثِنِة ‪ ،‬وّكن اّضغوط اّشعبِة اضطَته‬ ‫ّلَجوع عن هذه االستقِّة‪.‬‬ ‫كِ استقِّته اّثِنِة هي املؤرخة يف (‪ 1969/8/4‬م) ‪ ،‬واّيت وجههِ إىل كل من رئِس وأعضِء‬ ‫جملس اّشِوخ ‪ ،‬ورئِس وأعضِء جملس اّنواب ‪ ،‬ورئِس اّوزراء عندمِ كِ يف ريلته االستشفِئِة يف‬ ‫تَكِة‪.‬‬


‫يِنمِ وقع االنقالب يف سبتمرب (‪ 1969‬م) كِ امللك يف ريلة إىل تَكِة واِّوان ‪ ،‬ومل يكن معه‬ ‫مِل خِص ينفق منه ‪ ،‬ومع ذّك فحِنمِ عَض علِه املسؤول املِيل ّلَيلة استالم مِ تبقى يف عهدته‬ ‫من خمصصِت ؛ رفض ذّك بعزة نفس وقِل ّه‪َ(( :‬ي بين! أان ابألمس كنت ملك ِّبِة ‪ ،‬وّكين مل أعد‬ ‫كذّك اِّوم ‪ ،‬وابّتِيل فإ هذا املِل مل يعد من يقي ‪ ،‬وجيب أ يسلم إىل خزينة اّشعب))‪.‬‬ ‫استقَ امللك إدريس رَمه هللا يف مصَ مدة يِ​ِته األخرية ‪ ،‬ومل يغِدر مصَ إال مَتني ذهب فِهمِ إىل‬ ‫مكة ّلحج ‪ ،‬وكِنت وفِته يف اّقِهَة بتِريخ ‪ 25‬مِيو (‪ 1983‬م) وهو يف سن اَّابعة واّتسعني‪.‬‬ ‫دفن امللك رَمه هللا يف املدينة املنورة ‪ ،‬وكِ قد طلب من امللك خِّد بن عبد اّعزيز يف ّقِء هلمِ‬ ‫مبواسم احلج سنة (‪ 1977‬م) أ أيذ بدفنه مىت يِنت املنِة يف اّبقِع ‪ ،‬فكفل امللك خِّد ّلملك‬ ‫إدريس رغبته رَمهمِ هللا ‪ ،‬مث إ امللك فهد بن عبد اّعزيز أجِز ذّك بعد وفِة امللك خِّد ‪ ،‬ونقل‬ ‫جثمِنه من اّقِهَة إىل املدينة املنورة يف طِئَة مصَية خِصة‪.‬‬ ‫واخَ دعواان أ احلمد هلل رب اّعِملني‬

‫املصادر واملراجع‬ ‫أهم مراجع ومصادر البحث للجزء األول‬ ‫(أ)‬ ‫‪ 1‬ـ إمِم اّتويِد ‪ ،‬اّشِخ حممد بن عبد اّوهِب ‪ ،‬اّدعوة واّدوّة ‪ ،‬أتِّف‪ :‬أَمد اّقطِ ‪ ،‬حممد اّزين ‪،‬‬ ‫مكتبة اّسندس ‪ ،‬اّكويت ‪ ،‬اّطبعة اّثِنِة ‪ 1988( ،‬م)‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ انتشِر اإلسالم يف اّقِرة اإلفَيقِة ‪ ،‬د‪ .‬يسن إبَاهِم يسن ‪ ،‬مكتبة اّنهضة املصَية ‪ ،‬اّطبعة‬ ‫اّثِّثة ‪ 1984( ،‬م)‪.‬‬


‫‪ 3‬ـ إيقِظ اّوسنِ يف اّعمل ابحلديث واّقَا ‪ّ ،‬إلمِم حممد بن علي اّسنوسي ‪ ،‬طبع مع اجملموعة‬ ‫املختِرة ّإلمِم اّسنوسي ‪ ،‬على نفقة حممد عبده بن غلبو وشقِقه هشِم وعلي ‪ ،‬يف جِمعة مِنشسرت‬ ‫‪ ،‬بَيطِنِة ‪ ،‬عِم (‪ 1990‬م)‪.‬‬ ‫(ب)‬ ‫‪ 4‬ـ بَقة اّعَبِة أمس واِّوم ‪ ،‬حممد اّطِب بن أَمد إدريس األشهب ‪ ،‬مطبعة اهلواري ‪ ،‬شِرع حممد‬ ‫علي مبصَ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ اّبحَ اَّائق يف اّزهد واَّقِئق ‪ ،‬أَمد فَيد ‪ ،‬دار اّبخِري ‪ ،‬اّقصِم ابّسعودية ‪ ،‬اّطبعة األوىل‬ ‫(‪ 1411‬هـ ‪ 1991 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ اّبدر اّطِّع مبحِسن نم ْن بعد اّقَ اّسِبع ‪ ،‬حملمد بن علي اّشوكِين ‪ ،‬دار املعَفة ‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫(ت)‬ ‫‪ 7‬ـ اتريخ ِّبِة املعِصَ ‪ ،‬حممود عِمَ ‪ ،‬منشورات جِمعة دمشق ‪ ،‬طبعة عِم (‪ 1411‬هـ) ‪1991( ،‬‬ ‫م)‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ تفسري اّقَا اّعظِم ‪ ،‬ابن كثري ‪ ،‬أبو اّفداء إمسِعِل ‪ ،‬حتقِق عبد اّعزيز غنِم ‪ ،‬وَمد أَمد عِشور‬ ‫‪ ،‬وحممد إبَاهِم اّبنِء ‪ ،‬مطبعة اّشعب اّقِهَة مبصَ‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ تفسري اّسعدي ‪ ،‬املسمى تِسري اّكَمي اَّ​َمن يف تفسري كالم املنِ ‪ّ ،‬لشِخ عبد اَّ​َمن بن انصَ‬ ‫اّسعدي ‪ ،‬املؤسسة اّسعدية ابَّ​َيض (‪ 1977‬م)‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ تفسري اإلمِم اّبغوي ‪ ،‬املسمى معِمل اّتنزيل ‪ّ ،‬إلمِم أيب حممد احلسني بن مسعود اّفَاء اّبغوي‬ ‫اّشِفعي ‪ ،‬دار املعَفة ‪ ،‬بريوت ‪ّ ،‬بنِ ‪ ،‬اّطبعة اّثِّثة (‪ 1413‬هـ‪ 1992 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ اّتمكني ّألمة اإلسالمِة يف ضوء اّقَا اّكَمي ‪ ،‬حممد اّسِد حممد يوسف ‪ ،‬دار اّسالم مبصَ ‪،‬‬ ‫اّطبعة األوىل (‪ 1418‬هـ‪ 1997 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ توضِح األيكِم من بلوغ املَام ‪ ،‬عبد هللا بن عبد اَّ​َمن اّب َسِم ‪ ،‬دار اّقبلة ّلثقِفة اإلسالمِة ‪،‬‬ ‫جدة ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪ 1413‬هـ‪ 1992 /‬م)‪.‬‬ ‫(ج)‬ ‫‪ 13‬ـ جند هللا ختطِطًِ ‪ ،‬سعِد يوى ‪ ،‬دار اّسالم مبصَ‪.‬‬


‫‪ 14‬ـ اجلِمع ألخالق اَّاوي واداب اّسِمع ‪ّ ،‬لخطِب اّبغدادي ‪ ،‬مكتبة املعِرف ‪ ،‬اَّ​َيض‬ ‫(‪ 1983/1403‬م)‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ اجلِمع أليكِم اّقَا ‪ ،‬أليب عبد هللا حممد بن أَمد األنصِري اّقَطيب ‪ ،‬دار إيِ​ِء اّرتاث اّعَيب‬ ‫‪ ،‬بريوت ‪ّ ،‬بنِ ‪.‬‬ ‫‪ 16‬ـ اجملتمع اّلِيب ‪ ،‬د‪ .‬عبد اجللِل اّطِهَ ‪ ،‬املكتبة اّعصَية ‪ ،‬صِدا ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬طبعة عِم (‪1969‬‬ ‫م)‪.‬‬ ‫‪ 17‬ـ اجملتمع واّدوّة واالستعمِر يف ِّبِة ‪ ،‬د‪ .‬علي عبد اّلطِف َمِدة ‪ ،‬مَكز دراسِت اّويدة اّعَبِة‬ ‫‪ ،‬بريوت ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪ 1995‬م)‪.‬‬ ‫‪ 18‬ـ اجلغَافِ​ِ اّسِ​ِسِة إلفَيقِة ‪ ،‬د‪ .‬فِلِب رفلة ‪ ،‬اّقِهَة ‪ ،‬عِم (‪ 1965‬م)‪.‬‬ ‫(ح)‬ ‫‪ 19‬ـ يِضَ اّعِمل اإلسالمي ‪ ،‬أتِّف ّوثَوب ستودارد األمَيكي ‪ ،‬تَمجة‪ :‬عجِج نويهض ‪ ،‬تعلِق‪:‬‬ ‫شكِب أرسال ‪ ،‬دار اّفكَ‪.‬‬ ‫‪ 20‬ـ يِضَ اّعِمل اإلسالمي ‪ ،‬وقضَِيه املعِصَة ‪ ،‬حممد مجِل املصَي ‪ ،‬منشورات جِمعة املدينة‬ ‫املنورة‪.‬‬ ‫‪ 21‬ـ احلكمة يف اّدعوة إىل هللا ‪ ،‬سعِد بن علي اّقحطِين ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪ 1412‬هـ‪ 1992 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ 22‬ـ احلكمة واملوعظة احلسنة ‪ ،‬د‪ .‬أَمد سلِمِ املورعي ‪ ،‬دار األندّس اخلضَاء ‪ ،‬جدة ‪ ،‬اّطبعة‬ ‫األوىل (‪ 1418‬هـ‪ 1997 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ 23‬ـ احلَكة اّسنوسِة ‪ ،‬نشأهتِ ومنوهِ يف اّقَ اّتِسع عشَ ‪ ،‬أَمد اّدجِين ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪1967‬‬ ‫م) ‪ ،‬دار ّبنِ ‪.‬‬ ‫‪ 24‬ـ يلِة األوِّ​ِء وطبقِت األصفِ​ِء‪ :‬أليب نعِم أَمد بن عبد هللا األصفهِين ‪ ،‬دار اّكتِب اّعَيب ‪،‬‬ ‫بريوت‪.‬‬ ‫(د)‬ ‫‪ 25‬ـ دراسِت وصور من اتريخ احلِ​ِة األدبِة يف املغَب اّعَيب ‪ ،‬د‪ .‬حممد طه احلِجَي ‪ ،‬دار اّنهضة‬ ‫اّعَبِة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬طبعة أوىل ‪ ،‬عِم (‪ 1403‬هـ‪ 1983 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ 26‬ـ دائَة املعِرف ‪ ،‬بطَس اّبستِين‪ ،‬مطبعة اهلالل مبصَ ‪ ،‬طبعة عِم (‪ 1898‬م)‪.‬‬


‫‪ 27‬ـ دراسِت يف اّتِريخ اّلويب ‪ ،‬مصطفى بعِو ‪ ،‬اّقِهَة ‪ 1945( ،‬م)‬ ‫‪ 28‬ـ اّدرر اّسنِة يف أخبِر اّسالّة اإلدريسِة ‪ّ ،‬إلمِم حممد بن علي اّسنوسي ‪ ،‬ضمن اجملموعة‬ ‫املختِرة ّإلمِم اّسنوسي ‪ ،‬طبعة يف منشسرت بربيطِنِة عِم (‪ 1990‬م) على نفقة حممد عبده بن غلِو‬ ‫‪ ،‬وشقِقِه هشِم وعلي‪.‬‬ ‫‪ 29‬ـ دوّة املويدين ‪ ،‬من سلسلة صفحِت من اّتِريخ اإلسالمي يف اّشمِل اإلفَيقي ‪ّ ،‬علي حممد‬ ‫حممد اّصاليب ‪ ،‬دار اّتِبعني ‪ ،‬مصَ ‪ ،‬اّقِهَة ‪ ،‬طبعة أوىل (‪ 2001‬م)‪.‬‬ ‫‪ 30‬ـ اّدوّة اّعثمِنِة ‪ ،‬عوامل اّنهوض وأسبِب اّسقوط ‪ّ ،‬علي حممد حممد اّصاليب ‪ ،‬منشورات دار‬ ‫اّتِبعني‪.‬‬ ‫‪ 31‬ـ ديوا اإلمِم اّشِفعي ‪ ،‬حتقِق‪ :‬حممد عبد املنعم خفِجي ‪ ،‬اّطبعة اّثِّثة (‪ 1406‬هـ) ‪ ،‬مكتبة‬ ‫املعِرف‪.‬‬ ‫(ر)‬ ‫‪ 32‬ـ ريلة احلشِئشي إىل ِّبِة ‪ ،‬جالء اّكَب عن طَابلس اّغَب ‪ ،‬حممد عثمِ احلشِئشي اّتونسي‬ ‫‪ ،‬حتقِق علي مصطفى املصَايت ‪ ،‬دار ّبنِ ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪ 1965‬م)‪.‬‬ ‫(س)‬ ‫‪ 33‬ـ سد ابب االجتهِد ومِ تَتب علِه ‪ ،‬عبد اّكَمي اخلطِب ‪ ،‬دار األصِّة ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪1405‬‬ ‫هـ‪ 1984 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ 34‬ـ سلسلة األيِديث اّصحِحة ‪ ،‬حممد انصَ اّدين األّبِين ‪ ،‬املكتب اإلسالمي ‪( ،‬اّطبعة اَّابعة‬ ‫‪ 1405‬هـ‪ 1985 /‬م) ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫‪ 35‬ـ سنن أيب داود سلِمِ بن األشعث ‪ ،‬حتقِق‪ :‬عزت عبِد اّدعِس ‪َ ،‬مص ‪ ،‬اّنِشَ‪ :‬حممد‬ ‫اّسِد‪.‬‬ ‫‪ 36‬ـ سِ​ِييت يف صحَاء إفَيقِة اّكربى ‪ّ ،‬صِدق املؤيد ‪ ،‬مطبعة سي ‪ ،‬إستِنبول ‪ ،‬عِم (‪ )1314‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 37‬ـ اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬د‪ .‬حممد فؤاد شكَي ‪ ،‬دار اّفكَ ‪ ،‬طبعة (‪ 1948‬م)‪.‬‬ ‫‪ 38‬ـ اّسلسبِل املعني يف اّطَائق األربعني ‪ّ ،‬إلمِم حممد بن علي اّسنوسي ‪ ،‬ضمن اجملموعة املختِرة‬ ‫ّإلمِم اّسنوسي ‪ ،‬طبعة مِنشسرت ‪ ،‬عِم (‪ 1990‬م)‪.‬‬


‫‪ 39‬ـ اّسِد حممد رشِد رضِ ‪ ،‬حممد أَمد درنِفة ‪ ،‬مؤسسة اَّسِّة ‪ ،‬دار اإلميِ طَابلس ‪ّ ،‬بنِ ‪،‬‬ ‫طبعة أوىل (‪ 1406‬هـ‪ 1986 /‬م)‪.‬‬ ‫‪ 40‬ـ اإلسالم يف اّقَ اّعشَين ‪ ،‬يِضَه ومستقبله ‪ ،‬عبِس حممود اّعقِد ‪ ،‬دار اّكتِب اّعَيب ‪،‬‬ ‫بريوت ‪ّ ،‬بنِ ‪ ،‬اّطبعة اّثِنِة (‪ 1969‬م)‪.‬‬ ‫‪ 41‬ـ اّسنوسي اّكبري ‪ ،‬حممد اّطِب بن إدريس األشهب ‪ ،‬مطبعة حممد عِطف ‪ ،‬مِدا اخلِزندار‬ ‫مبصَ‪.‬‬ ‫(ش)‬ ‫‪ 42‬ـ شَح احلمِسة ّلمزروقي ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬جلنة اّتأِّف واّرتمجة واّنشَ اّقِهَة (‪ 1387‬هـ‪ 1967/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 43‬ـ شَح اّنووي على مسلم ‪ّ ،‬لنووي ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة اّعلوم واحلكم ‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬ ‫‪ 44‬ـ شَح مقدمة أيب زيد اّقريواين ‪ ،‬األمني احلِج حممد أَمد ‪ ،‬مكتبة دار املطبوعِت احلديثة ‪ ،‬اّطبعة‬ ‫األوىل ‪ 1412( ،‬هـ‪ 1991/‬م)‪.‬‬ ‫(ص)‬ ‫‪ 45‬ـ صحِح اّبخِري ‪ّ ،‬إلمِم حممد بن إمسِعِل اّبخِري ‪ ،‬دار اّطبِعة اّعِمَة إبستِنبول (‪1315‬‬ ‫هـ) ‪ ،‬املكتب اإلسالمي ‪ ،‬إستِنبول ‪ ،‬تَكِة‪.‬‬ ‫‪ 46‬ـ صحِح مسلم ‪ّ ،‬إلمِم أيب احلسن مسلم بن احلجِج اّقشريي اّنِسِبوري ‪ ،‬دار احلديث ‪،‬‬ ‫اّقِهَة اّطبعة األوىل (‪ 1412‬هـ‪ 1991/‬م)‪.‬‬ ‫(ع)‬ ‫‪ 47‬ـ عجِئب االاثر يف اّرتاجم واألخبِر ‪ّ ،‬عبد اَّ​َمن اجلربيت ‪ ،‬دار فِس‪.‬‬ ‫(ف)‬ ‫‪ 48‬ـ فقه اّتمكني يف اّقَا اّكَمي ‪ّ ،‬علي بن حممد اّصاليب ‪ ،‬دار اّتِبعني ‪ 2001( ،‬م)‪.‬‬ ‫‪ 49‬ـ يف اتريخ اّعَب احلديث وجهِد األندّسِني ‪ ،‬د‪ .‬رأفت اّشِخ ‪ ،‬دار اّثقِفة ‪ ،‬طبعة (‪1412‬‬ ‫هـ‪ 1992/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 50‬ـ اّفوائد اجللِلة يف اتريخ اّعِئلة اّسنوسِة ‪ ،‬عبد اّقِدر بن علي ‪ ،‬مطبعة دار اجلزائَ اّعَبِة ‪،‬‬ ‫دمشق ‪ ،‬عِم (‪ 1386‬هـ‪ 1966/‬م)‪.‬‬ ‫(ق)‬


‫‪ 51‬ـ قواعد اّتحديث من فنو مصطلح احلديث ‪ ،‬حممد مجِل اّدين اّقِمسي ‪ ،‬دار اّكتب اّعلمِة ‪،‬‬ ‫بريوت ـ ّبنِ ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪ 1399‬هـ‪ 1979/‬م)‪.‬‬ ‫(ك)‬ ‫‪ 52‬ـ كتب يف اّسِية اإلسالمِة ‪ ،‬عِئض اّقَين ‪ ،‬دار اّعمِمي ‪ ،‬ط (‪ 1412‬هـ)‪.‬‬ ‫(م)‬ ‫‪ 53‬ـ موسوعة اّتِريخ اإلسالمي ‪ ،‬حممود شِكَ‪.‬‬ ‫‪ 54‬ـ موسوعة اّتِريخ اإلسالمي ‪ ،‬د‪ .‬أَمد شليب ‪ ،‬مكتبة اّنهضة املصَية اّقِهَة ‪ ،‬اّطبعة اّعِشَة‬ ‫(‪ 1995‬م)‪.‬‬ ‫‪ 55‬ـ مفِتِح اّغِب ‪ّ ،‬إلمِم فخَ اّدين اَّازي ‪ ،‬دار اّفكَ ‪ّ ،‬بنِ ‪.‬‬ ‫‪ 56‬ـ مقدمة اإلمِم مِّك ‪ّ ،‬إلمِم حممد بن علي اّسنوسي ‪ ،‬ضمن اجملموعة املختِرة ّإلمِم اّسنوسي‬ ‫‪ ،‬طبعت يف منشسرت عِم (‪ 1990‬م) على نفقة ابن غلبو ‪.‬‬ ‫‪ 57‬ـ املنهل اَّوي اَّائق يف أسِنِد اّعلوم وأصول اّطَائق ّإلمِم حممد بن علي اّسنوسي ‪ ،‬ضمن‬ ‫اجملموعة املختِرة ّإلمِم اّسنوسي ‪ ،‬طبعت يف منشسرت عِم (‪ 1990‬م) على نفقة ال ابن غلبو ‪.‬‬ ‫‪ 58‬ـ جمموع فتِوى ابن تِمِة ‪ ،‬مجع وتَتِب عبد اَّ​َمن اّقِسم ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ط (‪1390‬هـ‪ 1971/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 59‬ـ املستخلص يف تزكِة األنفس ‪ ،‬سعِد يوى ‪ ،‬دار اّسالم ‪ ،‬اّطبعة اَّابعة ‪ 1408( ،‬هـ‪1988/‬‬ ‫م)‪.‬‬ ‫‪ 60‬ـ اإلمِم اّبخِري‪ ،‬تقي اّدين اّندوي املظِهَي ‪ ،‬اّطبعة اّثِّثة (‪ 1408‬هـ‪ 1988/‬م)‪ ،‬دار اّقلم ‪،‬‬ ‫بريوت ‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫‪ 61‬ـ مظِهَ االحنَافِت اّعقدية عند اّصوفِة ‪ ،‬إدريس حممود إدريس‪ ،‬مكتبة اَّشد‪ ،‬اَّ​َيض‪ ،‬شَكة‬ ‫اَّ​َيض ّلنشَ واّتوزيع ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪ 1419‬هـ‪ 1998/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 62‬ـ املوطأ‪ :‬اإلمِم مِّك بن أنس ‪ ،‬حتقِق حممد فؤاد عبد اّبِقي ‪ ،‬دار إيِ​ِء اّكتب اّعَبِة ‪ ،‬عِسى‬ ‫احلليب وشَكِه ‪ ،‬اّقِهَة‪.‬‬ ‫‪ 63‬ـ املسِئل اّعشَ ‪ّ ،‬إلمِم حممد بن علي اّسنوسي ‪ ،‬ضمن اجملموعة املختِرة ّإلمِم اّسنوسي ‪،‬‬ ‫طبعت مبنشسرت بربيطِنِة ‪ ،‬عِم (‪ 1990‬م) على نفقة ال ابن غلبو ‪.‬‬ ‫‪ 64‬ـ امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬أتِّف دي كِندول ‪ ،‬تَمجة ِّيب ‪ ،‬اّنِشَ حممد عبده بن غلبو ‪.‬‬


‫‪ 65‬ـ املهدي اّسنوسي ‪ ،‬حممد اّطِب األشهب ‪ ،‬مطبعة بلِنومِجي ‪ ،‬طَابلس‪.‬‬ ‫‪ 66‬ـ ِّبِة من االستعمِر اإليطِيل إىل االستقالل ‪ ،‬د‪ .‬نقوال زَيدة ‪ ،‬منشورات قسم‬ ‫اّدراسِت اّتِرخيِة واجلغَافِة ‪ ،‬معهد اّدراسِت اّعَبِة اّعِملِة ‪ ،‬جِمعة اّدول اّعَبِة ‪ ،‬طبعة (‪1958‬‬ ‫م)‪.‬‬ ‫( )‬ ‫‪ 67‬ـ االحنَافِت اّعقدية واّعلمِة يف اّقَنني اّثِّث عشَ واَّابع عشَ اهلجَيني وااثرمهِ يف يِ​ِة األمة ‪،‬‬ ‫أتِّف علي بن جنِب اّزهَاين ‪ ،‬دار طِبة مكة ‪ ،‬دار ال عمِر اّشِرقة ‪ ،‬اّطبعة اّثِنِة (‪1418‬‬ ‫هـ‪ 1998/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 68‬ـ اّنجوم اّزاهَة ‪ ،‬جلمِل اّدين أيب احملِسن يوسف بن تغَي ‪ ،‬اهلِئة املصَية اّعِمة ّلتأِّف واّنشَ‬ ‫‪ 1391( ،‬هـ‪ 1971/‬م)‪.‬‬ ‫(و)‬ ‫‪ 69‬ـ واقعنِ املعِصَ ‪ ،‬حممد قطب ‪ ،‬اّطبعة اّثِنِة ‪ 1408( ،‬هـ‪ 1988/‬م) ‪ ،‬مؤسسة املدينة املنورة‪.‬‬ ‫‪ 70‬ـ وجوب اّتعِو بني املسلمني ‪ ،‬عبد اَّ​َمن اّسعدي ‪ ،‬املعِرف ‪ ،‬اَّ​َيض ‪ ،‬طبعة (‪ 1402‬هـ)‪.‬‬


‫أهم مراجع ومصادر البحث للجزء الثاين‬

‫(أ)‬ ‫‪ 1‬ـ انتشِر اإلسالم يف اّقِرة اإلفَيقِة ‪ ،‬د‪ .‬يسن إبَاهِم يسن ‪ ،‬مكتبة اّنهضة املصَية ‪ ،‬اّطبعة‬ ‫اّثِّثة ‪ 1984 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ اإلذاعة ملِ كِ ومِ يكو بني يدي اّسِعة ‪ ،‬حملمد صديق يسن اّقنوجي اّبخِري ‪ ،‬طبع دار‬ ‫اّكتب اّعلمِة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬سنة ‪ 1399‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ أشَاط اّسِعة ‪ ،‬يوسف بن عبد هللا بن يوسف اّوابل ‪ ،‬دار ابن اجلوزي ‪ ،‬اّطبعة اّثِّثة ‪1411 ،‬‬ ‫هـ‪ 1991 /‬م‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ أعالم ِّبِة ‪ ،‬اّطِهَ أَمد ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬طَابلس ‪ ،‬مؤسسة اّفَجِين ‪ 1971 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ األفعى اِّهودية يف معِقل اإلسالم ‪ ،‬عبد هللا اّتل ‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪.‬‬ ‫(ب)‬ ‫‪ 6‬ـ بَقة اّعَبِة األمس واِّوم ‪ ،‬حممد اّطِب ‪ ،‬أَمد إدريس األشهب ‪ ،‬مطبعة اهلواري ‪ ،‬شِرع حممد‬ ‫علي مبصَ‪.‬‬ ‫(ت)‬ ‫‪ 7‬ـ اّتواضع يف تواتَ مِ جِء يف املهدي املنتظَ واّدجِل واملسِح ‪ّ ،‬إلمِم حممد علي اّشوكِين‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ تفسري املنِر ‪ّ ،‬لعالمة حممد رشِد رضِ ‪ ،‬دار املعَفة ‪ ،‬بريوت ‪ّ ،‬بنِ ‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ هتذيب شَح اّطحِوية ‪ ،‬د‪ .‬حممد صالح اّصِوي ‪ ،‬دار اّفَقِ ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪1410 ،‬‬ ‫هـ‪ 1990/‬م‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ اتريخ اإلسالم ‪ ،‬أنور اجلندي‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ اّتعلِم يف ِّبِة خالل اّقَ اّتِسع عشَ ‪ ،‬عمَ بن إمسِعِل‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ اتريخ ِّبِة املعِصَ ‪ ،‬حممود عِمَ ‪ ،‬منشورات جِمعة دمشق ‪ ،‬طبعة عِم ‪ 1411‬هـ‪ 1991 /‬م‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ اتريخ ِّبِة ‪ ،‬جو رايت ‪ ،‬كتِب مصور ‪ ،‬دار اّفَجِين ‪ ،‬طَابلس ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ 1972‬م‪.‬‬


‫‪ 14‬ـ اتريخ يَب طَابلس ‪ ،‬حممد إبَاهِم ّطفي ‪ ،‬مطبعة مؤسسة األمري فِروق ‪ ،‬بنهِ ‪ 1946 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ توضِح األيكِم من بلوغ املَام ‪ ،‬عبد هللا بن عبد اَّ​َمن اّب َسِم ‪ ،‬دار اّقبلة ّلثقِفة اإلسالمِة ‪،‬‬ ‫جدة ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ 1413 ،‬هـ‪ 1992 /‬م‪.‬‬ ‫‪ 16‬ـ االجتِهِت اّفكَية املعِصَة وموقف اإلسالم منهِ ‪ ،‬د‪ .‬مجعة اخلويل ‪ ،‬طبعة أوىل ‪1407‬‬ ‫هـ‪ 1986/‬م ‪ ،‬مطِبع اجلِمعة اإلسالمِة ‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬ ‫(ث)‬ ‫‪ 17‬ـ اّثورة اّسنوسِة أو كِوصن ‪ ،‬نشَ املَكز اّنِجريي ّلبحوث يف اّعلوم اإلنسِنِة ‪ ،‬نِ​ِمي ‪1973 ،‬‬ ‫م ‪ ،‬تَمجة عبد اَّ​َمن عبد اّلطِف ‪ ،‬خمطوط صِيب اّكتِب سِِّفو أندري‪.‬‬ ‫(ج)‬ ‫‪ 18‬ـ جهِد اّلِبِني ضد فَنسة يف اّصحَاء اّكربى ‪ ،‬حممد اّقشِط ‪ ،‬طبعة عِم ‪ 1988‬م‪.‬‬ ‫‪ 19‬ـ جالء اّكَب عن طَابلس اّغَب ‪ ،‬حممد بن عثمِ احلشِئشي اّتونسي ‪ ،‬حتقِق‪ :‬علي مصطفى‬ ‫املصَايت‪ ،‬دار ّبنِ ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ ،‬بريوت ‪ 1965‬م‪.‬‬ ‫‪ 20‬ـ جهِد األبطِل يف طَابلس اّغَب ‪ ،‬اّطِهَ أَمد اّزاوي ‪ ،‬ط ‪ ، 3‬بريوت‪ :‬دار اّفتح ّلطبِعة‬ ‫واّنشَ ‪ 1962 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 21‬ـ جَيدة املقطم ‪ ،‬عدد ‪ 9 ، 6941‬صفَ ‪ ،‬عِم ‪ 1330‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 22‬ـ جَيدة األهَام ‪ ،‬عدد ‪ ، 10613‬يف ‪ 21‬صفَ ‪ ،‬عِم ‪ 1331‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 23‬ـ جَيدة املقتبس ‪ ،‬عدد ‪ 5 ، 1014‬ذو اّقعدة ‪ 1330‬هـ‪.‬‬ ‫(ح)‬ ‫‪ 24‬ـ احلَكة اّسنوسِة ‪ ،‬نشأهتِ ومنوهِ يف اّقَ اّتِسع عشَ ‪ ،‬أَمد اّدجِين ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪1967 ،‬‬ ‫م ‪ ،‬دار ّبنِ ‪.‬‬ ‫‪ 25‬ـ يَكة اجلِمعة اإلسالمِة ‪ ،‬أَمد اّشوابكة ‪ ،‬مكتبة املنِر ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ 1984 ،‬م‪ 1404/‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 26‬ـ يِضَ اّعِمل اإلسالمي ‪ ،‬أتِّف ّوثَوب ستودارد األمَيكي ‪ ،‬نقله إىل اّعَبِة األستِذ عجِج‬ ‫نويهض ‪ ،‬وعلق علِه األمري شكِب أرسال ‪ ،‬دار اّفكَ‪.‬‬ ‫‪ 27‬ـ احلوِّ​ِت اّلِبِة ‪ ،‬شِرل فريو ‪ ،‬نقلهِ عن اّفَنسِة ويققهِ مبصِدرهِ اّعَبِة ‪ ،‬ووضع مقدمتهِ‬ ‫اّنقدية ‪ ،‬حممد عبد اّكَمي اّوايف ‪ ،‬دار اّفَجِين ‪ ،‬طَابلس ـ ِّبِة‪.‬‬


‫‪ 28‬ـ احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬مصطفى هويدي ‪ ،‬منشورات مَكز دراسِت جهِد اّلِبِني ضد اّغزو‬ ‫اإليطِيل ‪ ،‬طبعة ‪ 1988‬م‪.‬‬ ‫‪ 29‬ـ يَوب اّبلقِ واحلَكة اّعَبِة يف املشَق اّعَيب اّعثمِين ‪ ،‬د‪ .‬عِيض بن يزام اّورقي ‪ ،‬نشَته‬ ‫جِمعة أم اّقَى ‪ ،‬طبعة عِم ‪ 1416‬هـ‪ 1996/‬م‪.‬‬ ‫‪ 30‬ـ احلملة اإليطِِّة على ِّبِة «دراسة واثئقِة يف اسرتاتِجِة االستعمِر واّعالقِت اّدوِّة» ‪ ،‬دار‬ ‫اّطبِعة احلديثة ‪ ،‬اّقِهَة ‪ 1982 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 31‬ـ يوِّ​ِت كلِة االداب ‪ ،‬احلوِّة األوىل ‪ ،‬جِمعة اّكويت ‪ ،‬قسم اّتِريخ ‪ 1982 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 32‬ـ يِ​ِة سلِمِ اّبِروين ‪ ،‬أليب اّقِسم اّبِروين‪.‬‬ ‫(د)‬ ‫‪ 33‬ـ اّدوّة اّعثمِنِة ‪ ،‬عوامل اّنهوض وأسبِب اّسقوط ‪ّ ،‬علي حممد اّصاليب ‪ ،‬منشورات دار‬ ‫اّبِ​ِرق‪.‬‬ ‫‪ 34‬ـ اّدوّة اّعبِدية يف ِّبِة ‪ّ ،‬علي حممد اّصاليب ‪ ،‬دار اّبِ​ِرق ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ 1418‬هـ‪ 1998/‬م‪.‬‬ ‫‪ 35‬ـ دائَة معِرف اّقَ اّعشَين‪.‬‬ ‫‪ 36‬ـ دراسِت وصور من اتريخ احلِ​ِة األدبِة يف املغَب اّعَيب ‪ ،‬د‪ .‬حممد طه احلِجَي ‪ ،‬دار اّنهضة‬ ‫اّعَبِة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ط أوىل ‪ ،‬عِم ‪ 1403‬هـ‪ 1983/‬م‪.‬‬ ‫(ر)‬ ‫‪ 73‬ـ ريلة إىل صحَاء إفَيقِة اّكربى ‪ ،‬صِدق املؤيد اّعظم ‪ ،‬إستِنبول ‪ ،‬عِمل مطبعة سي ‪1314 ،‬‬ ‫هـ‪.‬‬ ‫‪ 38‬ـ رمضِ اّسوحيلي اّبطل اّلِيب اّشهري بكفِيه ّلطلِ​ِ ‪ ،‬حممد مسعود فشِكه ‪ ،‬دار اّفَجِين ‪،‬‬ ‫طَابلس ـ ِّبِة ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ 1394‬هـ‪ 1974/‬م‪.‬‬ ‫‪ 39‬ـ رفع اّستِر عمِ جِء يف كتِب عمَ املختِر ‪ ،‬حملمد اّعِسِوي ‪ ،‬اّقِهَة ‪ ،‬مطبعة يجِزي ‪،‬‬ ‫‪ 1936‬م‪.‬‬ ‫(س)‬ ‫‪ 40‬ـ اّسنوسي اّكبري ‪ ،‬حممد اّطِب بن إدريس األشهب ‪ ،‬مطبعة حممد عِطف ‪ ،‬مِدا اخلِزندار ‪،‬‬ ‫مبصَ‪.‬‬


‫‪ 41‬ـ اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬د‪ .‬حممد فؤاد شكَي ‪ ،‬دار اّفكَ ‪ ،‬طبعة ‪ 1948‬م‪.‬‬ ‫‪ 42‬ـ اّسلطِ عبد احلمِد اّثِين ‪ ،‬مذكَايت اّسِ​ِسِة ‪ ،‬تقدمي وتَمجة د‪ .‬حممد يَب ‪ ،‬دار اّقلم ‪،‬‬ ‫اّطبعة اّثِّثة ‪ 1412 ،‬هـ‪ 1991/‬م‪.‬‬ ‫‪ 43‬ـ اّسودا بني يدي غورد وكتشنَ ‪ ،‬إبَاهِم فوزي ‪ ،‬اجلزء األول ‪ 1319 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 44‬ـ سنن ابن مِجه ّإلمِم أيب عبد هللا حممد بن يزيد اّقزويين ‪ ،‬يققه حممد فؤاد عبد اّبِقي ‪ ،‬دار‬ ‫اّرتاث اّعَيب‪.‬‬ ‫‪ 45‬ـ سنن أيب داود ‪ ،‬سلِمِ بن األشعث ‪ ،‬حتقِق عزت عبِد اّدعِس ‪َ ،‬مص ‪ ،‬اّنِشَ‪ :‬حممد‬ ‫اّسِد‪.‬‬ ‫(ش)‬ ‫‪ 46‬ـ اّشهِد ‪ ،‬اّعدد اخلِمس ‪ ،‬مَكز دراسة جهِد اّلِبِني ضد اّغزو اإليطِيل‪.‬‬ ‫(ص)‬ ‫‪ 47‬ـ صحِح اّبخِري ‪ّ ،‬إلمِم حممد بن إمسِعِل اّبخِري ‪ ،‬دار اّطبِعة اّعِمَة إبستِنبول ‪ 1315‬هـ‬ ‫‪ ،‬املكتب اإلسالمي ‪ ،‬إستِنبول ‪ ،‬تَكِة‪.‬‬ ‫‪ 48‬ـ صحِح مسلم ‪ّ ،‬إلمِم أيب احلسن مسلم بن احلجِج اّقشريي اّنِسِبوري ‪ ،‬دار احلديث ‪،‬‬ ‫اّقِهَة ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ 1412 ،‬هـ‪ 1991/‬م‪.‬‬ ‫‪ 49‬ـ صحِح اجلِمع اّصغري وزَيدته ‪ ،‬حتقِق اّشِخ حممد انصَ اّدين األّبِين ‪ ،‬املكتب اإلسالمي ‪،‬‬ ‫اّطبعة األوىل ‪ 1388 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 50‬ـ صفحِت خِّدة من اجلهِد ‪ ،‬زعِمة اّبِروين ‪ ،‬بريوت ‪ 1968 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 51‬ـ صالت بني ِّبِة وتَكِة «اّتِرخيِة واالجتمِعِة» طَابلس اّغَب ـ ِّبِة ‪ 1968‬م‪.‬‬ ‫‪ 52‬ـ صحِفة ِّبِة يف نصف قَ ‪ ،‬علي مصطفى املصَايت ‪ ،‬دار اّكشِف ‪ ،‬بريوت ‪ 1960 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 53‬ـ صفحِت جمهوّة من اتريخ ِّبِة ‪ ،‬حممد عِسى ‪ ،‬جِمعة اّكويت احلوِّة األوىل عِم ‪ 1980‬م‪.‬‬ ‫(ط)‬ ‫‪ 54‬ـ اّطَيق إىل ّوزا ‪ ،‬اخلفَِي اّدبلومِسِة واّعسكَية ّلغزو اإليطِيل ّلِبِة ‪ ،‬ط ‪1398 ، 1‬‬ ‫هـ‪ 1978/‬م ‪ ،‬حممد عبد اّكَمي اّوايف ‪ ،‬دار اّفَجِين ‪ ،‬طَابلس ‪ِّ ،‬بِة‪.‬‬ ‫‪ 55‬ـ اّطَيق إىل اإلسالم ‪ ،‬حممد أسد ‪ ،‬دار اّعلم ّلماليني ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬اّطبعة اّسِبعة ‪ 1981 ،‬م‪.‬‬


‫(ع)‬ ‫‪ 56‬ـ عقِدة أهل اّسنة واألثَ يف املهدي املنتظَ ‪ ،‬عبد احملسن اّعبِد ‪ ،‬مطِبع اَّشِد ‪ ،‬املدينة املنورة ‪،‬‬ ‫اّطبعة األوىل ‪ 1402 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 57‬ـ اّعالقِت اّلِبِة اّتشِدية ‪ ،‬سعِد عبد اَّ​َمن ‪ ،‬مَكز دراسِت اجلهِد اّلِيب‪.‬‬ ‫‪ 58‬ـ اّعدوا واحلَب بني إيطِِّة وتَكِة ‪ ،‬مكتبة اّفَجِين ‪ ،‬عِم ‪ 1965‬م ‪ ،‬حممد مصطفى ابزامة‪.‬‬ ‫(غ)‬ ‫‪ 59‬ـ اّغزو اإليطِيل ّلِبِة ‪ ،‬عبد املنصف يِفظ اّبوري ‪ ،‬اّدار اّعَبِة ّلكتِب ‪ ،‬طبعة ‪ 1983‬م‪.‬‬ ‫(ف)‬ ‫‪ 60‬ـ اّفوائد اجللِة يف اتريخ اّعِئلة اّسنوسِة ‪ ،‬عبد اّقِدر بن عبد امللك بن علي ‪ ،‬مطبعة دار اجلزائَ‬ ‫اّعَبِة ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬عِم ‪ 1956‬م‪.‬‬ ‫‪ 61‬ـ قضِة ِّبِة ‪ ،‬حممود اّشنِطي ‪ ،‬اّقِهَة ‪ ،‬مكتبة اّنهضة املصَية ‪ 1951 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 62‬ـ قِدة فتح بالد املغَب ‪ ،‬حممود شِت خطِب‪ ،‬اّطبعة اّسِبعة‪ ،‬عِم ‪ 1404‬هـ‪ 1984/‬م‪ ،‬دار‬ ‫اّفكَ‪.‬‬ ‫(ك)‬ ‫‪ 63‬ـ كفِح اّشعب اّلِيب يف سبِل يَيته ‪ ،‬عبد اَّ​َمن عزام ‪ ،‬تَمجة عمِد غِمن (خمطوطة حمفوظة مبَكز‬ ‫اجلهِد)‪.‬‬ ‫(ل)‬ ‫‪ 64‬ـ ِّبِة يف اّعهد اّعثمِين اّثِين (‪ 1835‬ـ ‪ 1911‬م) ‪ ،‬تَمجة يوسف اّعسلي ‪ ،‬مطبعة احلليب ‪،‬‬ ‫اّقِهَة ‪ 1946 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 65‬ـ ِّبِة قبل االيتالل اإليطِيل ‪ ،‬أَمد اّدجِين‪.‬‬ ‫(م)‬ ‫‪ 66‬ـ منهج اّرتبِة اّنبوية ّلطفل ‪ ،‬حممد نور عبد احلفِظ سويد ‪ ،‬مؤسسة اَّ​َي ‪ ،‬اّطبعة اخلِمسة ‪،‬‬ ‫‪ 1414‬هـ‪ 1994/‬م ‪ ،‬اّنِشَ مكتبة املنِر اإلسالمِة ‪ ،‬اّكويت‪.‬‬ ‫‪ 67‬ـ املهدي اّسنوسي ‪ ،‬حممد اّطِب األشهب ‪ ،‬مطبعة بلِنومِجي ‪ ،‬طَابلس‪.‬‬


‫‪ 68‬ـ املنِر املنِف يف اّصحِح واّضعِف ‪ّ ،‬لحِفظ مشس اّدين أيب عبد هللا حممد ابن أيب بكَ بن قِم‬ ‫اجلوزية ‪ ،‬حتقِق اّشِخ عبد اّفتِح أبو غدة ‪ ،‬طبع مكتب املطبوعِت اإلسالمِة ‪ ،‬مجعِة اّتعلِم اّشَعي‬ ‫‪ ،‬يلب ‪ 1390 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 69‬ـ مقدمة ابن خلدو ‪ ،‬عبد اَّ​َمن بن خلدو ‪.‬‬ ‫‪ 70‬ـ مسند اإلمِم أَمد بن حممد بن ينبل‪.‬‬ ‫‪ 71‬ـ جملة اّبحوث اّتِرخيِة ‪ ،‬اّعدد األول ‪ ،‬اّسنة األوىل ‪ ،‬طَابلس ‪ ،‬مَكز جهِد اّلِبِني ضد اّغزو‬ ‫اإليطِيل ‪ ،‬ينِيَ ‪ 1979‬م‪.‬‬ ‫‪ 72‬ـ املسأّة اّشَقِة دراسة واثئقِة عن اخلالفة اّعبِسِة ‪ ،‬حممود اثبت اّشِذيل ‪ ،‬مكتبة وهبة ‪ ،‬اّقِهَة‬ ‫‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ ،‬عِم ‪ 1409‬هـ‪ 1989/‬م‪.‬‬ ‫‪ 73‬ـ جملة املنِر ‪ ،‬حممد رشِد رضِ ‪ ،‬اجمللد اّثِين عشَ‪.‬‬ ‫‪ 74‬ـ املغَب اّكبري ‪ ،‬د‪ .‬جالل حيىي ‪ ،‬دار اّنهضة اّعَبِة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬طبعة عِم ‪ 1981‬م‪.‬‬ ‫‪ 75‬ـ مذكَات اّضبِط األتَاك يول معَكة ِّبِة ‪ ،‬أورخِ قول أوغلو ‪ ،‬تَمجة وجدي كدك ‪ ،‬مَاجعة‬ ‫د‪ .‬عمِد يِمت ‪ ،‬منشورات مَكز حبوث ودراسِت اجلهِد اّلِيب ‪ ،‬سلسلة املذكَات اّتِرخيِة ‪ ،‬طبعة عِم‬ ‫‪ 1979‬م‪.‬‬ ‫‪ 76‬ـ مِالد دوّة ِّبِة ‪ ،‬حممد فؤاد شكَي ‪ ،‬مطبعة االعتمِد ‪ ،‬اّقِهَة ‪ ،‬عِم ‪ 1957‬م‪.‬‬ ‫( )‬ ‫‪ 77‬ـ (اّنهِية ‪ ،‬اّفنت واملاليم) ‪ّ ،‬لحِفظ إمسِعِل بن كثري ‪ ،‬د‪ .‬طه زيين ‪ ،‬دار اّنصَ ّلطبِعة ‪،‬‬ ‫اّنِشَ‪ :‬دار اّكتب احلديثة ‪ ،‬مصَ ‪ ،‬اّطبعة األوىل‪.‬‬ ‫‪ 78‬ـ نظم املتنِثَ يف احلديث املتواتَ ‪ّ ،‬لشِخ جعفَ احلسين اإلدريسي اّكتِين ‪ ،‬دار اّكتب اّعلمِة ‪،‬‬ ‫بريوت ‪ 1400 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 79‬ـ نشأة احلَكة اّعَبِة احلديثة ‪ ،‬حممد عزة‪.‬‬



‫أهم مراجع ومصادر البحث للجزء الثالث‬ ‫(أ)‬ ‫‪ 1‬ـ إدريس اّسنوسي ‪ ،‬حملمد اّطِب األشهب ‪ ،‬دار اّعهد اجلديد ّلطبِعة ‪ّ ،‬صِيبهِ كِمل مصبِح ‪،‬‬ ‫اّطبعة اّثِنِة ‪ ،‬مكتبة اّقِهَة ‪ ،‬مبِدا األزهَ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ إعالم املوقعني عن رب اّعِملني ‪ ،‬مشس اّدين أبو عبد هللا حممد بن أيب بكَ بن اّقِم ‪ ،‬حتقِق حممد‬ ‫حمِي اّدين عبد احلمِد ‪ ،‬املكتبة اّعصَية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬طبعة ‪ 1407‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ إيطِِّة واّسنوسِة ‪ ،‬يوسريا فربيتز ‪ ،‬تَمجة حممد اّسِد أبو مدين ‪ ،‬نسخة خمطوطة بشعبة اّواثئق ‪،‬‬ ‫مَكز دراسة جهِد اّلِبِني ضد اّغزو اإليطِيل‪.‬‬ ‫(ب)‬ ‫‪ 4‬ـ بَقة اّعَبِة أمس واِّوم ‪ ،‬حممد اّطِب أَمد إدريس األشهب ‪ ،‬مطبعة اهلواري ‪ ،‬شِرع حممد علي‬ ‫مبصَ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ بَقة اّدوّة اّعَبِة اّثِمنة ‪ ،‬نقوال زَيدة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬طبعة عِم ‪ 1950‬م‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ بَقة اهلِدئة ‪ ،‬اجلنَال رود ّفو غَاسِ​ِين ‪ ،‬تَمجة إبَاهِم سِمل بن عِمَ ‪ ،‬دار مكتبة األندّس ‪ ،‬اّطبعة‬ ‫اّثِّثة ‪ ،‬ينِيَ ‪ 1980‬م‪.‬‬ ‫(ت)‬ ‫‪ 7‬ـ اتريخ ِّبِة املعِصَ ‪ ،‬حممد عِمَ ‪ ،‬منشورات جِمعة دمشق ‪ ،‬طبعة عِم (‪ 1411‬هـ‪ 1991/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ اتريخ ِّبِة ‪ ،‬جو رايت ‪ ،‬كتِب مصور ‪ ،‬دار اّفَجِين ‪ ،‬طَابلس ‪ ،‬طبعة عِم ‪ 1972‬م‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ اتريخ يَب طَابلس ‪ ،‬إبَاهِم ّطفي ‪ ،‬مطبعة مؤسسة األمري فِروق بنهِ ‪ 1946‬م‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ تفسري اّقَا اّكَمي‪ ،‬ابن كثري ‪ ،‬أبو اّفداء إمسِعِل بن كثري‪ ،‬حتقِق عبد اّعزيز غنِم ‪ ،‬وَمد أَمد‬ ‫عِشور ‪ ،‬وحممد إبَاهِم اّبنِء ‪ ،‬مطبعة اّشعب ‪ ،‬اّقِهَة‪.‬‬


‫(ث)‬ ‫‪ 11‬ـ اّثبِت ‪ ،‬د‪ .‬حممد بن يسن بن عقِل ‪ ،‬دار األندّس اخلضَاء جبدة ‪ ،‬اّطبعة اّثِنِة (‪1417‬‬ ‫هـ‪ 1997/‬م)‪.‬‬ ‫(ج)‬ ‫‪ 21‬ـ جهِد اإلبطِل يف طَابلس اّغَب ‪ ،‬اّطِهَ أَمد اّزاوي ‪ ،‬ط ‪ ، 3‬بريوت ‪ ،‬دار اّفتح ّلطبِعة‬ ‫واّنشَ ‪ 1962 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ جذور اّنضِل اّعَيب يف ِّبِة ‪ ،‬حممد عبد اَّازق منِع ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬بنغِزي ‪ ،‬عِم ‪ 1972‬م‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـ اجلهِد واّقتِل يف اّسِ​ِسة اّشَعِة ‪ ،‬حممد خري هِكل ‪ ،‬دار اّبِ​ِرق ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪1414‬‬ ‫هـ‪ 1993/‬م)‪.‬‬ ‫(ح)‬ ‫‪ 15‬ـ احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬مصطفى هويدي ‪ ،‬منشورات مَكز دراسِت جهِد اّلِبِني ضد اّغزو‬ ‫اإليطِيل ‪ ،‬طبعة ‪ 1988‬م‪.‬‬ ‫‪ 16‬ـ يِضَ اّعِمل اإلسالمي ‪ ،‬أتِّف ّوثَوب ستودارد األمَيكي ‪ ،‬نقله إىل اّعَبِة األستِذ عجِج‬ ‫نويهض ‪ ،‬وعلق علِه األمري شكِب أرسال ‪ ،‬دار اّفكَ‪.‬‬ ‫‪ 17‬ـ يِ​ِة عمَ املختِر ‪ ،‬حممود شليب ‪ ،‬دار اجلِل ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬اّطبعة اَّابعة (‪ 1982‬م‪ 1402/‬هـ)‪.‬‬ ‫(د)‬ ‫‪ 18‬ـ اّدوّة اّعَبِة املتحدة ‪ ،‬أمني اّسعِد ‪ ،‬اّقِهَة ‪ ،‬مطبعة عِسى اّبِيب احلليب وشَكِه ‪ ،‬عِم ‪1938‬‬ ‫م‪.‬‬ ‫(ذ)‬ ‫‪ 19‬ـ ذكَ​َيت عزام‪ ،‬احللقة ‪ ،8‬جملة املصورة ‪ ،‬اّقِهَة عِم (‪ 1370‬هـ‪ 1950/‬م)‪.‬‬ ‫(ر)‬ ‫‪ 20‬ـ رمضِ اّسوحيلي اّبطل اّلِيب اّشهري بكفِيه ّلطلِ​ِ ‪ ،‬حممد مسعود فشِكة ‪ ،‬دار اّفَجِين ‪،‬‬ ‫طَابلس ـ ِّبِة ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪ 1394‬هـ‪ 1974/‬م)‪.‬‬ ‫(س)‬ ‫‪ 21‬ـ اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬د‪ .‬حممد فؤاد شكَي ‪ ،‬دار اّفكَ ‪ ،‬طبعة ‪ 1948‬م‪.‬‬


‫‪ 22‬ـ اّسنوسِو يف بَقة ‪ ،‬ريتشِرد إيفِنز ‪ ،‬تَمجة عمَ اّديَاوي أبو يجلة ‪ ،‬طَابلس ‪ ،‬مكتبة‬ ‫اّفَجِين‪.‬‬ ‫‪ 23‬ـ سنن أيب داود ‪ ،‬سلِمِ بن األشعث ‪ ،‬حتقِق عزت عبِد اّدعِس ‪َ ،‬مص ‪ ،‬اّنِشَ حممد‬ ‫اّسِد‪.‬‬ ‫‪ 24‬ـ سنن اّرتمذي ‪ ،‬أليب عِسى اّرتمذي ‪ ،‬حتقِق أَمد شِكَ ‪ ،‬مطبعة مصطفى احلليب ‪ ،‬اّقِهَة‪.‬‬ ‫‪ 25‬ـ اّسنن اإلهلِة يف األمم واجلمِعِت واألفَاد يف اّشَيعة اإلسالمِة ‪ ،‬د‪ .‬عبد اّكَمي زيدا ‪،‬‬ ‫مؤسسة اَّسِّة ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪ 1413‬هـ‪ 1993/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 26‬ـ سنن اّنسِئي ‪ ،‬أَمد بن شعِب ‪ ،‬اّنِشَ دار إيِ​ِء اّرتاث اّعَيب ‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫(ش)‬ ‫‪ 27‬ـ شَح أصول اعتقِد أهل اّسنة واجلمِعة ‪ ،‬اّالّكِئي ‪ ،‬حتقِق د‪ .‬أَمد بن سعد َمدا اّغِمدي ‪،‬‬ ‫دار طِبة ‪ ،‬اَّ​َيض اّسعودية‪.‬‬ ‫(ص)‬ ‫‪ 28‬ـ صفحِت من اتريخ ِّبِة اإلسالمي ‪ ،‬علي حممد اّصاليب ‪ ،‬دار اّبِ​ِرق ‪ ،‬عمِ ‪ ،‬اّطبعة األوىل‬ ‫(‪ 1418‬هـ‪ 1998/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 29‬ـ صحِح اّبخِري ‪ّ ،‬إلمِم حممد بن إمسِعِل اّبخِري ‪ ،‬دار اّطبِعة اّعِمَة إبستِنبول ‪1315 ،‬‬ ‫هـ ‪ ،‬املكتب اإلسالمي ‪ ،‬إستِنبول ـ تَكِة‪.‬‬ ‫‪ 30‬ـ صحِح مسلم ‪ّ ،‬إلمِم أيب احلسن مسلم بن احلجِج اّقشريي اّنِسِبوري ‪ ،‬دار احلديث ‪،‬‬ ‫اّقِهَة ‪ ،‬اّطبعة األوىل (‪ 1412‬هـ‪ 1991/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 31‬ـ صفحِت مطوية من اتريخ ِّبِة اّسِ​ِسي ‪ ،‬مصطفى بن يلِم ‪ ،‬وكِّة األهَام ّلتوزيع واّنشَ ‪،‬‬ ‫مطِبع األهَام اّتجِرية ‪ ،‬قلِوب ‪ ،‬مصَ‪.‬‬ ‫(ط)‬ ‫‪ 32‬ـ اّطَيق إىل اإلسالم ‪ ،‬حممد أسد ‪ ،‬دار اّعلم ّلماليني ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬اّطبعة اّسِبعة ‪ 1981‬م‪.‬‬ ‫(ع)‬ ‫‪ 33‬ـ عبد اّنيب ابخلري ‪ ،‬داهِة اّسِ​ِسة وفِرس اجلهِد ‪ ،‬حممد املَزوقي ‪ ،‬اّدار اّعَبِة ّلكتِب ‪ ،‬عِم‬ ‫(‪ 1398‬هـ‪ 1987/‬م)‪.‬‬


‫‪ 34‬ـ األعالم ‪ ،‬خلري اّدين اّزركلي ‪ ،‬دار اّعلم ّلماليني ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬اّطبعة اّثِّثة ‪ 1389‬هـ‪.‬‬ ‫‪ 35‬ـ عمَ املختِر نشأته وجهِده من ‪ 1862‬م إىل ‪ 1931‬م ‪ ،‬دراسِت يف يَكة اجلهِد اّلِيب ‪،‬‬ ‫أعمِل اّندوة اّعلمِة اّيت عقدهِ مَكز دراسة جهِد اّلِبني ضد اّغزو اإليطِيل مبنِسبة اّذكَى اخلمسني‬ ‫الستشهِد عمَ املختِر ‪ ،‬إشَاف اّدكتور عقِل حممد اّربابر ‪ ،‬كلِة االداب واّرتبِة ـ جِمعة قِريونس‪.‬‬ ‫‪ 36‬ـ عمَ املختِر ‪ ،‬حملمد اّطِب األشهب ‪ ،‬سلسلة أبطِل اجلهِد واّسِ​ِسة يف ِّبِة‪.‬‬ ‫‪ 37‬ـ األعمِل اّشعَية اّكِملة‪ ،‬أَمد شوقي‪ ،‬دار اّعودة ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬طبعة ‪ 1986‬م‪.‬‬ ‫(ف)‬ ‫‪ 38‬ـ فقه اّتمكني يف اّقَا اّكَمي ‪ ،‬علي حممد اّصاليب ‪ ،‬رسِّة دكتوراه ‪ ،‬دار اّتِبعني ّلنشَ واّتوزيع‬ ‫‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ 2002 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 39‬ـ يف ظالل اّقَا ‪ ،‬سِد قطب ‪ ،‬دار اّشَق‪.‬‬ ‫(ق)‬ ‫‪ 40‬ـ قضِة ِّبِة ‪ ،‬حممد اّشنِطي ‪ ،‬اّقِهَة ‪ ،‬مكتبة اّنهضة املصَية ‪ 1951 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 41‬ـ قِدة اّغَب يقوّو ‪ :‬دمَوا اإلسالم وأبِدوا أهله ‪ ،‬جالل اّعِمل ‪ ،‬مؤسسة اَّسِّة ‪ ،‬بريوت ـ ّبنِ‬ ‫‪ ،‬طبعة (‪ 1405‬هـ‪ 1985/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 42‬ـ قواعد اّتعِمل مع اّعلمِء ‪ ،‬د‪ .‬عبد اَّ​َمن بن معال اّلوحيق ‪ ،‬دار اّوراق ‪ ،‬اّسعودية ‪ ،‬اّطبعة‬ ‫األوىل (‪ 1415‬هـ‪ 1994/‬م)‪.‬‬ ‫(ك)‬ ‫‪ 43‬ـ كفِح اّلِبِني يف بالد اّشِم ‪ ،‬تِسري بن موسى‪.‬‬ ‫‪ 44‬ـ ِّبِة اِّوم ‪ ،‬حممد اّطِب األشهب ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬مطبعة أسعد ‪ ،‬عِم ‪ 1955‬م‪.‬‬ ‫‪ 45‬ـ ِّبِة يف اّعصور احلديثة ‪ ،‬نقوال زَيدة ‪ ،‬اّقِهَة ‪ ،‬دار اَّائد ّلطبِعة ‪ 1966 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 46‬ـ ِّبِة من االستعمِر اإليطِيل إىل االستقالل ‪ ،‬د‪ .‬نقوال زَيدة ‪ ،‬جِمعة اّدول اّعَبِة ‪ ،‬معهد‬ ‫اّدراسِت اّعَبِة اّعِملِة ‪ ،‬طبعة عِم ‪ 1958‬م‪.‬‬ ‫‪ 47‬ـ ِّبِة احلديثة‪ ،‬جمِدي خدوري‪ ،‬تَمجة د‪ .‬نقوال زَيدة ‪ ،‬دار اّثقِفة ‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫(م)‬ ‫‪ 48‬ـ املغَب اّكبري ‪ ،‬جالل حيىي ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬اّدار اّقومِة ّلطبِعة واّنشَ ‪ 1966‬م‪.‬‬


‫‪ 49‬ـ امللك إدريس‪ ،‬عِهل ِّبِة ‪ ،‬يِ​ِته وعصَه ‪ ،‬أتِّف‪ :‬ثي ‪ ،‬اف ‪ ،‬دي كِندول ‪ ،‬قِم بطبِعتهِ‬ ‫وأشَف على تَمجتهِ حممد عبده بن غلِو ‪ ،‬عِم ‪ 1989‬م‪.‬‬ ‫‪ 50‬ـ املغين ‪ ،‬البن قدامة ‪ ،‬عبد هللا بن أَمد بن حممد بن قدامة (موفق اّدين ‪ ،‬أبو حممد) على خمتصَ‬ ‫اخلِنَقي ‪ ،‬ومعه اّشَح اّكبري على منت املقنع عبد اَّ​َمن بن حممد بن أَمد بن قدامة املقدسي ‪ ،‬دار‬ ‫اّكتِب اّعَيب ‪ ،‬بريوت (‪ 1392‬هـ‪ 1972/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 51‬ـ املذهب ‪ ،‬يف فقه مذاهب اإلمِم اّشِفعي ‪ ،‬إبَاهِم بن علي بن يوسف اّفريوز اابدي اّشريازي ـ‬ ‫معه أبسفل اّصفحة‪ :‬اّنظم املستعذب يف شَح غَيب املهذب ‪ ،‬حممد بن أَمد بن بطِل اَّكيب ‪،‬‬ ‫مطبعة عِسى اّبِيب احلليب‪.‬‬ ‫‪ 52‬ـ مِالد دوّة ِّبِة ‪ ،‬حممد فؤاد شكَي ‪ ،‬مطبعة االعتمِد ـ اّقِهَة ‪ ،‬عِم ‪ 1957‬م‪.‬‬ ‫‪ 53‬ـ جملة اإلنقِذ ‪ ،‬تصدر عن اجلبهة اّوطنِة إلنقِذ ِّبِة ‪ ،‬اّعدد ‪.29‬‬ ‫‪ 54‬ـ معجم معِرك اجلهِد يف ِّبِة (‪ 1911‬ـ ‪ 1931‬م) ‪ ،‬ط ‪ ، 3‬خلِفة حممد اّتلِيب ‪ ،‬دار اّثقِفة ‪،‬‬ ‫‪ 1973‬م‪.‬‬ ‫‪ 55‬ـ جمموع فتِوى شِخ اإلسالم ابن تِمِة ‪ ،‬مجع عبد اَّ​َمن بن قِسم ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ ،‬اّسعودية‪.‬‬ ‫‪ 56‬ـ مذكَات جمِهد ‪ ،‬حممود اجلهين‪.‬‬ ‫‪ 57‬ـ جملة اّبحوث اّتِرخيِة ‪ ،‬اّعدد األول ‪ ،‬اّسنة اّسِدسة ‪ ،‬عِم ‪ 1984‬م‪.‬‬ ‫‪ 58‬ـ جملة اّبِ​ِ ‪ ،‬اّعدد اخلِمس عشَ ‪ ،‬ربِع اّثِين ‪ 1988 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 59‬ـ جملة املنِر ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬م ‪.3‬‬ ‫‪ 60‬ـ منهج كتِبة اّتِريخ اإلسالمي ‪ ،‬حممد صِمل اّعلِ​ِين اّسلمي ‪ ،‬دار طِبة ّلنشَ واّتوزيع ‪ ،‬اّطبعة‬ ‫األوىل ‪ 1406( ،‬هـ‪ 1986/‬م)‪.‬‬ ‫‪ 61‬ـ حمطِت من اتريخ ِّبِة املعِصَ ‪ ،‬مذكَات حممد عثمِ اّصِد ‪ ،‬إخَاج طوب ّالستثمِر‬ ‫واخلدمِت ‪ ،‬اَّابط ابملغَب ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ 1996 ،‬م‪.‬‬ ‫( )‬ ‫‪ 62‬ـ نونِة اّقحطِين ‪ ،‬أليب حممد عبد هللا بن حممد األندّسي ‪ ،‬اّطبعة اّثِّثة (‪ 1410‬هـ‪ 1989/‬م)‬ ‫‪ ،‬مكتبة اّسوادي ّلتوزيع‪ 63 .‬ـ اّنظِم اّسِ​ِسي يف اإلسالم ‪ ،‬د‪ .‬حممد أبو فِرس ‪ ،‬دار اّفَقِ ‪،‬‬ ‫عمِ ـ األرد ‪ ،‬اّطبعة اّثِنِة (‪ 1407‬هـ‪ 1986/‬م)‪.‬‬


‫(و)‬ ‫‪ 64‬ـ واثئق مجعِة عمَ املختِر ‪ ،‬حممد بشري املغرييب ‪ ،‬مؤسسة دار اهلالل ‪ ،‬اّطبعة األوىل ‪ ،‬ينِيَ‬ ‫‪ 1993‬م‪.‬‬


‫احملتوى‬ ‫املوضوع اّصفحة‬ ‫اإلهداء ‪4‬‬ ‫مقدمة ‪5‬‬ ‫املدخل‪ :‬أيوال اّعِمل اإلسالمي قبِل ظهور احلَكة اّسنوسِة ‪11‬‬ ‫اّفصل األول‬ ‫اإلمِم حممد علي بن علي اّسنوسي‬ ‫املبحث األول‪ :‬امسه ونسبه وشِوخه وريالته يف طلب اّعلم ‪21‬‬ ‫املبحث اّثِين‪ :‬أسبِب اختِ​ِر ابن اّسنوسي بَقة مَكزاً ّدعوته ‪55‬‬ ‫املبحث اّثِّث‪ :‬إقِمة ابن اّسنوسي يف احلجِز وعودته إىل بَقة ‪62‬‬ ‫اّفصل اّثِين‬ ‫اّبعد اّتنظِمي واملنهج اّرتبوي واّبعد اّسِ​ِسي عند ابن اّسنوسي‬ ‫املبحث األول‪ :‬اّبعد اّتنظِمي عند ابن اّسنوسي ‪93‬‬ ‫املبحث اّثِين‪ :‬املنهج اّرتبوي ‪112‬‬ ‫املبحث اّثِّث‪ :‬اّبعد اّسِ​ِسي عند ابن اّسنوسي ‪133‬‬ ‫اّفصل اّثِّث‬ ‫أسلوبه اّدعوي وثَوته اّفكَية وصفِته اَّابنِة‬ ‫املبحث األول‪ :‬األسلوب اّدعوي عند ابن اّسنوسي ‪143‬‬ ‫املبحث اّثِين‪ :‬اجلِنب اّفكَي عند ابن اّسنوسي من خالل كتبه ‪151‬‬


‫املبحث اّثِّث‪ :‬من أهم صفِت ابن اّسنوسي ‪173‬‬

‫فهَس اجلزء اّثِين‬ ‫سرية اّزعِمني‬ ‫حممد املهدي اّسنوسي ‪ ،‬وأَمد اّشَيف‬ ‫مقدمة ‪195‬‬ ‫اّفصل األول‬ ‫حممد املهدي اّسنوسي‬ ‫املبحث األول‪ :‬امسه ووالدته وشِوخه ومبِيعته ومواقفه ‪203‬‬ ‫أوالً‪ :‬امسه ووالدته وشِوخه ‪203‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬مبِيعته ‪206‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬اجمللس األعلى ّلحَكة وسري احلَكة ‪207‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬منو احلَكة اّسنوسِة وأسبِبه ‪210‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬املنهج اّرتبوي اجلهِدي ‪215‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬موقف اّدول األوروبِة من احلَكة ‪219‬‬ ‫سِبعًِ‪ :‬موقف حممد املهدي من احلَكة اّعَابِة ‪222‬‬ ‫اثمنًِ‪ :‬موقف املهدي اّسنوسي من اّثورة اّسودانِة ‪224‬‬ ‫املبحث اّثِين‪ :‬موقف حممد املهدي اّسنوسي واّلِبِني من اّدوّة اّعثمِنِة‬ ‫وفكَة اجلِمعة اإلسالمِة ‪233‬‬ ‫املبحث اّثِّث‪ :‬ريلة املهدي اّسنوسي إىل اّكفَة وقَو ‪240‬‬ ‫أوالً‪ :‬اَّيلة إىل اّكفَة واّصدام املسلح مع فَنسة ‪240‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬أيداث أثَت يف اإلمِم اّثِين ّلحَكة اّسنوسِة ‪246‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬حممد اّشَيف شقِق اإلمِم املهدي ‪247‬‬


‫رابعًِ‪ :‬ريلة اإلمِم املهدي إىل اّسودا اّغَيب ‪251‬‬ ‫اّفصل اّثِين‬ ‫اّزعِم اّثِّث ّلحَكة اّسنوسِة أَمد اّشَيف‬ ‫املبحث األول‪ :‬والدته وتَبِته وشِوخه ‪259‬‬ ‫املبحث اّثِين‪ :‬أَمد اّشَيف يتوىل قِ​ِدة احلَكة ‪261‬‬ ‫أوالً‪ :‬اجملِهد حممد كِوصن ‪265‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬اجملِهد حممد عبد هللا اّسين ‪274‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬عبد هللا فضِل اّطويَ اّزوي ‪276‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬اّرباين اّسِعدي ‪277‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬غِث عبد اجللِل سِف اّنصَ ‪277‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬حممد بو عقِلة اّزوي ‪278‬‬ ‫سِبعًِ‪ :‬صِحل بو كَمي اّزوي ‪278‬‬ ‫اثمنًِ‪ :‬كِالين األطِوش املغَيب ‪279‬‬ ‫اتسعًِ‪ :‬عِبدين اّكنيت ‪279‬‬ ‫املبحث اّثِّث‪ :‬اّغزو اإليطِيل ‪281‬‬ ‫أوالً‪ :‬اهلجوم اإليطِيل على ِّبِة ‪284‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬اجلهِد يف طَابلس وفزا ‪287‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬اّعنف اإليطِيل واملقِومة ‪292‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬أَمد اّشَيف يوجه أتبِع احلَكة ّلجهِد ‪294‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬جهِد قبِئل املغِربة اّبطويل ‪298‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬اّقِئد صفي اّدين اّسنوسي ‪299‬‬ ‫سِبعًِ‪ :‬معَكة اّقَضِبِة ‪302‬‬ ‫املبحث اَّابع‪ :‬اجلهِد يف بَقة ‪308‬‬ ‫أوالً‪ :‬اّقِئد اّرتكي أنور ابشِ ‪314‬‬


‫اثنِ​ًِ‪ :‬تفِعل اّعِمل اإلسالمي ‪321‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬معِهدة أوشي وانسحِب األتَاك ‪324‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬نزول أَمد اّشَيف إىل سِيِت اّوغى ‪330‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬اجلوّة اّتفتِشِة يف اجلبل األخضَ ‪331‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬جملس شورى أَمد اّشَيف ‪334‬‬ ‫سِبعًِ‪ :‬خِ​ِنة عزيز املصَي ّلمجِهدين ‪336‬‬ ‫اثمنًِ‪ :‬استمَار اّعملِ​ِت اجلهِدية ‪338‬‬ ‫اتسعًِ‪َ :‬تَكز قوات أَمد اّشَيف قَب اّسلوم ‪340‬‬

‫املبحث اخلِمس‪ :‬احلَب اّعِملِة األوىل ‪342‬‬ ‫أوالً‪ :‬إقحِم أَمد اّشَيف يف احلَب ‪346‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬أسبِب هزمية أَمد اّشَيف ‪363‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬اخلالف بني إدريس اّسنوسي وأَمد اّشَيف ‪364‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬ااثر َملة أَمد اّشَيف ضد اإلنكلِز على يَكة اجلهِد ‪367‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬هجَة أَمد اّشَيف إىل تَكِة ‪368‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬اّقِفلة ورمضِ اّسوحيلي ‪370‬‬ ‫املبحث اّسِدس‪ :‬وصول أَمد اّشَيف إىل تَكِة ‪377‬‬ ‫أوالً‪ :‬عَض مصطفى كمِل على أَمد اّشَيف نِ​ِبة اخللِفة وجهِده مع‬ ‫األتَاك ‪380‬‬ ‫اثنِ​ًِ‪ :‬شكِب أرسال يصف أَمد اّشَيف ‪384‬‬ ‫اثّثًِ‪ :‬اّقضِء على سلطنة ال عثمِ ‪385‬‬ ‫رابعًِ‪ :‬طَد أَمد اّشَيف من تَكِة وهجَته إىل احلجِز ‪387‬‬ ‫خِمسًِ‪ :‬نصِحة امللك عبد اّعزيز ألَمد اّشَيف ‪391‬‬ ‫سِدسًِ‪ :‬وفِته ‪392‬‬ ‫سِبعًِ‪ :‬صدى وفِة أَمد اّشَيف يف اّعِمل اإلسالمي ‪392‬‬ ‫ـ فَح إيطِِّة مبوته ‪393‬‬


‫فهَس اجلزء اّثِّث‬ ‫سرية اّزعِمني حممد إدريس اّسنوسي وعمَ املختِر‬ ‫مقدمة ‪419‬‬ ‫اّفصل األول‬ ‫األمري حممد إدريس اّسنوسي‬ ‫املبحث األول‪ :‬امسه ونسبه ووالدته وشِوخه وريلته إىل احلجِز ‪431‬‬ ‫املبحث اّثِين‪ :‬موقف اإلسالم من املعِهدات مع اّعدو ‪445‬‬ ‫املبحث اّثِّث‪ :‬اجلمهورية اّطَابلسِة ‪465‬‬ ‫اّفصل اّثِين‬ ‫عمَ املختِر رَمه هللا نشأته وأعمِّه واستشهِده‬ ‫املبحث األول‪ :‬نشأته وأعمِّه ‪513‬‬ ‫املبحث اّثِين‪ :‬استمَار اّعملِ​ِت واّدخول يف املفِوضِت ‪545‬‬ ‫املبحث اّثِّث‪ :‬األَيم األخرية من يِـِة عمـَ املختِر ووقوعـه يف األسـَ مث‬ ‫إعدامه ‪588‬‬ ‫اّفصل اّثِّث‬ ‫اّلِبِو بني املهجَ واالستقالل‬ ‫املبحث األول‪ :‬اّلِبِو يف املهجَ ‪633‬‬ ‫املبحث اّثِين‪ :‬احلَب اّعِملِة اّثِنِة ‪650‬‬ ‫املبحث اّثِّث‪ :‬قَار األمم املتحدة بشأ ِّبِة ‪683‬‬ ‫املبحث اَّابع‪ :‬امللك إدريس رَمه هللا وشيء من سريته ‪698‬‬


‫املبحث اخلِمس‪ :‬نظَة يف كتِب امللك إدريس رَمه هللا يف احتِد اّعَب‪ ،‬وائتالف‬ ‫املويدين ‪ ،‬وبعض املقِبالت اّصحفِة ‪719‬‬ ‫اخلالصة ‪743‬‬ ‫املصِدر واملَاجع ‪761‬‬ ‫فهَس املوضوعِت ‪779‬‬


‫احلوشي‬

‫ـ[‪]1‬‬ ‫ـ[‪]2‬‬

‫انظَ‪ :‬املغَب اّكبري ‪ ،‬جالل حيىي (‪.)35/4‬‬ ‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة يف شَق ِّبِة ‪ ،‬مصطفى هويدي ‪ ،‬ص (‪.)101‬‬

‫ـ[‪]3‬‬ ‫ـ[‪]4‬‬ ‫ـ[‪]5‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة أمس واِّوم ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)350‬‬ ‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة أمس واِّوم ‪ ،‬ص (‪ 350‬إىل ‪.)351‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)351‬‬

‫ـ[‪]6‬‬ ‫ـ[‪]7‬‬

‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)102‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)184 ، 183‬‬

‫ـ[‪]8‬‬ ‫ـ[‪]9‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة ‪ ،‬ص (‪.)354‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)184‬‬

‫ـ[‪]10‬‬

‫زعِم سنوسي معَوف ‪ ،‬وّد سنة ‪1870‬م ‪ ،‬وهو من قبِئل اّزوية‪.‬‬

‫ـ[‪]11‬‬

‫انظَ‪ :‬امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬يِ​ِته وعصَه ‪ ،‬ص (‪ 19‬إىل ‪.)22‬‬

‫مكتبة دراسة اجلهِد اّصوتِة ‪ ،‬شَيط رقم (‪ ، )34/14‬حممد أَمد أبو بكَ ‪ ،‬اّدرس‬ ‫ـ[‪]12‬‬ ‫من كتِب احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)186‬‬ ‫ـ[‪]13‬‬ ‫ـ[‪]14‬‬

‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)107‬‬

‫ـ[‪]15‬‬ ‫ـ[‪]16‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة ‪ ،‬ص (‪.)360‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)187‬‬


‫ـ[‪]17‬‬ ‫ـ[‪]18‬‬ ‫(‪.)19‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ يَب طَابلس ‪ ،‬إبَاهِم ّطفي ‪ ،‬ص (‪.)57‬‬ ‫ذكَ​َيت عزام ‪ ،‬احللقة ‪ ، 8‬جملة املصور ‪1332( ،‬هـ‪1950 /‬م) ‪ ،‬اّقِهَة ‪ ،‬ص‬

‫ـ[‪]19‬‬ ‫ـ[‪]20‬‬

‫انظَ‪ِّ :‬بِة اِّوم ‪ ،‬حممد األشهب ‪ ،‬ص (‪.)7‬‬ ‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة‪.‬‬

‫ـ[‪]21‬‬ ‫ـ[‪]22‬‬ ‫ـ[‪]23‬‬ ‫ـ[‪]24‬‬

‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)116‬‬ ‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)133‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)117‬‬ ‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)118‬‬

‫ـ[‪]25‬‬ ‫ـ[‪]26‬‬ ‫ـ[‪]27‬‬

‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)118‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)120‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودول ‪ ،‬ص (‪.)223‬‬

‫ـ[‪]28‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)191‬‬

‫انظَ‪ :‬املغين البن قدامة (‪.)259/10‬‬ ‫ـ[‪]29‬‬ ‫أي‪ :‬غِّبًِ‪.‬‬ ‫ـ[‪]30‬‬ ‫املهذب ‪ّ ،‬لشريازي (‪ 259/2‬ـ ‪ .)260‬هذا واجلمهور على عدم تقِ​ِد املعِهدة بعشَ‬ ‫ـ[‪]31‬‬ ‫سنوات ‪ ،‬بل يَجع تقِ​ِدهِ إىل املصلحة ؛ سواء زادت على عشَ سنني أو نقصت عنهِ‪ .‬ـ[‪]32‬‬ ‫انظَ‪ :‬اجلهِد واّقتِل يف اّسِ​ِسة اّشَعِة ‪ ،‬حممد خري هِكل (‪.)1483 ، 1481/3‬‬ ‫ـ[‪]33‬‬ ‫ـ[‪]34‬‬ ‫ـ[‪]35‬‬

‫انظَ‪ :‬اّدوّة اّعَبِة املتحدة ‪ ،‬أمني اّسعِد ‪ ،‬ص (‪ 31‬ـ ‪.)32‬‬ ‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)126‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)130‬‬


‫ـ[‪]36‬‬ ‫ـ[‪]37‬‬ ‫ـ[‪]38‬‬

‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)132‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫اّسنوسِو يف بَقة ‪ ،‬تَمجة عمَ اّديَاوي أبو يجلة ‪ ،‬ص (‪.)232‬‬

‫ـ[‪]39‬‬ ‫ـ[‪]40‬‬

‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)136‬‬ ‫انظَ‪ :‬إيطِِّة واّسنوسِة ‪ ،‬تَمجة حممد اّسِد أبو مدين ‪ ،‬ص (‪ )90‬ومِ بعدهِ‪.‬‬

‫ـ[‪]41‬‬ ‫ـ[‪]42‬‬ ‫ـ[‪]43‬‬ ‫ـ[‪]44‬‬

‫انظَ‪ :‬اّدوّة اّعَبِة املتحدة ‪ ،‬ص (‪.)38‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة يف بَقة ‪ ،‬إيفِتَ بَتشِرد ‪ ،‬ص (‪.)232‬‬ ‫أيد اّقِدة اّعسكَيني اإليطِِّني اّكبِر‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)196‬‬

‫ـ[‪]45‬‬

‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)138‬‬

‫ـ[‪]46‬‬ ‫ـ[‪]47‬‬ ‫ـ[‪]48‬‬ ‫ـ[‪]49‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)196‬‬ ‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)143‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)145‬‬

‫ـ[‪]50‬‬ ‫ـ[‪]51‬‬ ‫ـ[‪]52‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)145‬‬ ‫انظَ‪ِّ :‬بِة يف اّعصور احلديثة ‪ ،‬نقوال زَيدة ‪ ،‬ص (‪.)90‬‬ ‫انظَ‪ :‬بَقة اّدوّة اّعَبِة اّثِمنة ‪ ،‬نقوال زَيدة ‪ ،‬ص (‪.)92‬‬

‫ـ[‪]53‬‬ ‫ـ[‪]54‬‬ ‫ـ[‪]55‬‬

‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)146‬‬ ‫انظَ‪ :‬قضِة ِّبِة ‪ ،‬حممود اّشنِطي ‪ ،‬ص (‪.)83‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬


‫ـ[‪]56‬‬ ‫ـ[‪]57‬‬ ‫ـ[‪]58‬‬

‫انظَ‪ :‬قضِة ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)81‬‬ ‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)149‬‬ ‫انظَ‪ :‬مِالد دوّة ِّبِة احلديثة ‪ ،‬ص (‪.)186‬‬

‫ـ[‪]59‬‬ ‫ـ[‪]60‬‬

‫منهم دكتور حممد فؤاد شكَي‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)205‬‬

‫ـ[‪]61‬‬

‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)111‬‬

‫ـ[‪]62‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)262 ، 261‬‬

‫ـ[‪]63‬‬ ‫ـ[‪]64‬‬

‫انظَ‪ :‬احلَكة اّوطنِة شَق ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)112‬‬ ‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة ‪ ،‬ص (‪.)362‬‬

‫ـ[‪]65‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة ‪ ،‬ص (‪.)364 ، 363‬‬

‫ـ[‪]66‬‬ ‫ـ[‪]67‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة ‪ ،‬ص (‪.)365‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬

‫ـ[‪]68‬‬ ‫ـ[‪]69‬‬ ‫ـ[‪]70‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)207‬‬ ‫انظَ‪ِّ :‬بِة من االستعمِر اإليطِيل إىل االستقالل ‪ ،‬نقوال زَيدة ‪ ،‬ص (‪.)91‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)92‬‬

‫ـ[‪]71‬‬ ‫ـ[‪]72‬‬

‫انظَ‪ِّ :‬بِة من االستعمِر اإليطِيل إىل االستقالل ‪ ،‬ص (‪.)93 ، 92‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)208‬‬

‫ـ[‪]73‬‬

‫انظَ‪ِّ :‬بِة من االستعمِر اإليطِيل ‪ ،‬نقوال زَيدة ‪ ،‬ص (‪.)93‬‬


‫ـ[‪]74‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)94‬‬

‫ـ[‪]75‬‬ ‫ـ[‪]76‬‬

‫انظَ‪ :‬جملة اإلنقِذ عدد (‪ ، )29‬بقلم سِمل نوح ‪ ،‬ص (‪.)45 ، 44‬‬ ‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ّلزاوي ‪ ،‬ص (‪.)203‬‬

‫ـ[‪]77‬‬

‫انظَ‪ :‬جملة اإلنقِذ ‪ ،‬عدد (‪ ، )29‬بقلم سِمل نوح ‪ ،‬ص (‪.)45 ، 44‬‬

‫ـ[‪]78‬‬ ‫ـ[‪]79‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)205‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬

‫ـ[‪]80‬‬ ‫ـ[‪]81‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)206‬‬ ‫انظَ‪ :‬عبد اّنيب ابخلري ‪ ،‬داهِة اّسِ​ِسة وفِرس اجلهِد ‪ ،‬حممد املَزوقي ‪ ،‬ص (‪.)102‬‬

‫ـ[‪]82‬‬ ‫ـ[‪]83‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)219 ، 218‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)320 ، 319‬‬

‫ـ[‪]84‬‬

‫انظَ‪ :‬صفحِت من اتريخ ِّبِة اإلسالمي ‪ ،‬علي حممد اّصاليب ‪ ،‬ص (‪.)83‬‬

‫ـ[‪]85‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)224‬‬

‫ـ[‪]86‬‬

‫انظَ‪ :‬رمضِ اّسوحيلي ‪ ،‬حممد فشِكة ‪ ،‬ص (‪.)196 ، 195‬‬

‫{وأ ْنم َُُه ْم [اّشورى‪]38 :‬‬ ‫ن‬ ‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)226 ، 225‬‬ ‫ـ[‪]87‬‬ ‫انظَ‪ :‬رمضِ اّسوحيلي ‪ ،‬فشِكة ‪ ،‬ص (‪.)199‬‬ ‫ـ[‪]88‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّنظِم اّسِ​ِسي يف اإلسالم ‪ ،‬أليب فِرس ‪ ،‬ص (‪.)90‬‬ ‫ـ[‪]89‬‬ ‫ـ[‪]90‬‬

‫انظَ‪ :‬فقه اّتمكني يف اّقَا اّكَمي ‪ّ ،‬لصاليب ‪ ،‬ص (‪.)447‬‬


‫ـ[‪]91‬‬

‫انظَ‪ :‬صحِح اّبخِري ‪ ،‬كتِب االعتصِم ‪.)162/8( ،‬‬

‫ـ[‪]92‬‬

‫قِدة اّغَب يقوّو ‪ ،‬جالل اّعِمل ‪ ،‬ص (‪.)63‬‬

‫ـ[‪]93‬‬

‫انظَ‪ :‬فقه اّتمكني يف اّقَا اّكَمي ‪ ،‬ص (‪.)232‬‬

‫ـ[‪]94‬‬ ‫ـ[‪]95‬‬

‫انظَ‪ :‬قواعد يف اّتعِمل مع اّعلمِء ‪ ،‬ص (‪.)33‬‬ ‫انظَ‪ :‬إعالم املوقعني (‪.)10/1‬‬

‫ـ[‪]96‬‬ ‫ـ[‪]97‬‬ ‫ـ[‪]98‬‬

‫انظَ‪ :‬فقه اّتمكني يف اّقَا اّكَمي ‪ ،‬ص (‪.)240‬‬ ‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)226‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)227‬‬

‫ـ[‪]99‬‬ ‫ـ[‪]100‬‬

‫انظَ‪ :‬رمضِ اّسوحيلي ‪ ،‬حممد مسعود ‪ ،‬ص (‪.)200 ، 199‬‬ ‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)228‬‬

‫ـ[‪]101‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)228‬‬

‫ـ[‪]102‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)229 ، 228‬‬

‫ـ[‪]103‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)230‬‬

‫ـ[‪]104‬‬

‫انظَ‪ :‬حنو فزا ‪ ،‬ص (‪.)26‬‬

‫ـ[‪]105‬‬ ‫ـ[‪]106‬‬

‫انظَ‪ :‬رمضِ اّسوحيلي ‪ ،‬ص (‪.)209‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه (‪.)210‬‬

‫ـ[‪]107‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)264‬‬


‫ـ[‪]108‬‬

‫انظَ‪ :‬رمضِ اّسوحيلي ‪ ،‬ص (‪.)219‬‬

‫ـ[‪]109‬‬ ‫ـ[‪]110‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)268 ، 267 ، 266‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)252‬‬

‫ـ[‪]111‬‬ ‫ـ[‪]112‬‬ ‫ـ[‪]113‬‬

‫انظَ‪ :‬معجم املعِرك ‪ ،‬ص (‪.)59 ، 58‬‬ ‫انظَ‪ :‬عبد اّنيب ابخلري ‪ ،‬داهِة اّسِ​ِسة وفِرس اجلهِد ‪ ،‬ص (‪.)113 ، 112‬‬ ‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)285‬‬

‫ـ[‪]114‬‬ ‫ـ[‪]115‬‬

‫انظَ‪ :‬عبد اّنيب ابخلري ‪ ،‬ص (‪.)103‬‬ ‫انظَ‪ :‬عبد اّنيب ابخلري ‪ ،‬ص (‪.)121‬‬

‫ـ[‪]116‬‬ ‫ـ[‪]117‬‬ ‫ـ[‪]118‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)300 ، 299‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)301‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)303‬‬

‫ـ[‪]119‬‬ ‫ـ[‪]120‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)304‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)256‬‬

‫ـ[‪]121‬‬ ‫ـ[‪]122‬‬ ‫ـ[‪]123‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)307‬‬ ‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪ 308‬إىل ‪.)316‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)316‬‬

‫ـ[‪]124‬‬ ‫ـ[‪]125‬‬ ‫ـ[‪]126‬‬

‫انظَ‪ :‬يِضَ اّعِمل اإلسالمي‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)323‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)258‬‬


‫ـ[‪]127‬‬ ‫ـ[‪]128‬‬ ‫ـ[‪]129‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)258‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)259‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)260 ، 259‬‬

‫ـ[‪]130‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)262‬‬

‫ـ[‪]131‬‬ ‫ـ[‪]132‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)262‬‬ ‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)331‬‬

‫انظَ‪ :‬تعلِق حممد عبد بن غلبو على كتِب (امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪،‬‬ ‫ـ[‪]133‬‬ ‫يِ​ِته وعصَه) ‪ ،‬ص (‪.)43‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)262‬‬ ‫ـ[‪]134‬‬ ‫انظَ‪ :‬امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)44‬‬ ‫ـ[‪]135‬‬ ‫ـ[‪]136‬‬ ‫ـ[‪]137‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)47‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)267‬‬

‫ـ[‪]138‬‬ ‫ـ[‪]139‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)268‬‬ ‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪ 235‬إىل ‪.)262‬‬

‫ـ[‪]140‬‬ ‫ـ[‪]141‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)269‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)270‬‬

‫ـ[‪]142‬‬ ‫ـ[‪]143‬‬ ‫ـ[‪]144‬‬

‫انظَ‪ :‬امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)45‬‬ ‫انظَ‪ :‬األعالم ّلزركلي ‪.)129/3( ،‬‬ ‫انظَ‪ :‬عبد اّنيب ابخلري ‪ ،‬داهِة اّسِ​ِسة ‪ ،‬ص (‪.)251‬‬


‫ـ[‪]145‬‬

‫انظَ‪ :‬جهِد األبطِل ‪ ،‬ص (‪.)333‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّنسِئي ‪ ،‬كتِب اّسهو ‪ ،‬ابب اّدعِء بعد اّذكَ (‪ )55/3‬صححه‬

‫ـ[‪]146‬‬ ‫اّشِخ األّبِين رَمه هللا‪.‬‬ ‫رواه اّرتمذي وصححه األّبِين ‪ ،‬كمِ يف صحِح سنن اّرتمذي (‪.)183/3‬‬ ‫ـ[‪]147‬‬ ‫انظَ‪ :‬صحِح اّبخِري بشَح اّعسقالين (‪.)102 ، 101/9‬‬ ‫ـ[‪]148‬‬ ‫ـ[‪]149‬‬ ‫ـ[‪]150‬‬ ‫ـ[‪]151‬‬ ‫ـ[‪]152‬‬ ‫ـ[‪]153‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه (‪.)102/9‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬جمموع اّفتِوى (‪.)116/19‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنن اإلّـهِة ‪ ،‬د‪ .‬عبد اّكَمي زيدا ‪ ،‬ص (‪.)139‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬

‫ـ[‪]154‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنن اإلّـهِة ‪ ،‬ص (‪.)141 ، 140‬‬

‫ـ[‪]155‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر نشأته وجهِده ‪ ،‬د‪ .‬إدريس احلَيَي ‪ ،‬ص (‪.)65‬‬

‫ـ[‪]156‬‬ ‫ـ[‪]157‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)26‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)26‬‬

‫ـ[‪]158‬‬ ‫ـ[‪]159‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)27‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)28‬‬

‫ـ[‪]160‬‬ ‫ـ[‪]161‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)29 ، 28‬‬ ‫انظَ‪ :‬مذكَات جمِهد ‪ ،‬حممود اجلهين ‪ ،‬حممد منِع‪.‬‬

‫ـ[‪]162‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬


‫ـ[‪]163‬‬ ‫ـ[‪]164‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة ‪ ،‬ص (‪.)439‬‬ ‫رواه اّبخِري‪.‬‬

‫ـ[‪]165‬‬ ‫ـ[‪]166‬‬ ‫ـ[‪]167‬‬

‫انظَ‪ :‬نونِة اّقحطِين ‪ ،‬ص (‪.)42‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّثبِت ‪ ،‬د‪ .‬حممد بن يسن عقِل ‪ ،‬ص (‪.)2‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)159‬‬

‫ـ[‪]168‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)40 ، 39‬‬

‫ـ[‪]169‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)87‬‬

‫ـ[‪]170‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)32‬‬

‫ـ[‪]171‬‬ ‫ـ[‪]172‬‬ ‫ـ[‪]173‬‬

‫انظَ‪ :‬جملة املسلم‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)27‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)37‬‬

‫ـ[‪]174‬‬ ‫ـ[‪]175‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)41 ، 40‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)6‬‬

‫ـ[‪]176‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)6‬‬

‫ـ[‪]177‬‬ ‫ـ[‪]178‬‬ ‫ـ[‪]179‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)56‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)58‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)271‬‬

‫يد اّْع ِ‬ ‫ومِ نم ْد ُي ًورا‬ ‫ِجلنةن نع َج ْلننِ ّنهُ فِ نِهِ نمِ ن نشِءُ ِّ نم ْن نَُِ ُ‬ ‫يد مثَُ نج نع ْلننِ ّنهُ نج نهن نَم ين ْ‬ ‫{م ْن نكِ ن يَُِ ُ ن‬ ‫صالن نهِ نم ْذ ُم ً‬ ‫ن‬ ‫ومن أنراد ِ‬ ‫[اإلسَاء‪]19-18 :‬‬ ‫ك نكِ ن نس ْعُِـ ُه ْم نم ْش ُك ًورا‬ ‫اآلخنَنة نو نس نعى نهلنِ نس ْعِنـ نهِ نوُه نو ُم ْؤِم ٌن فنأُوّنئِ ن‬ ‫نن ْ ن ن‬ ‫ن‬


‫ـ[‪]180‬‬ ‫ـ[‪]181‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)56‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)58‬‬

‫احلننَِام نك نم ْن نآم نن ِاب َّللِ [اّتوبنة‪]19 :‬‬ ‫احلن ِ‬ ‫آج نو ِع نم نِرةن اّْ نم ْس ِج ِد ْ‬ ‫نج نع ْلتُ ْم ِس نقِينةن ْ‬ ‫{أ ن‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)271‬‬ ‫ـ[‪]182‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر نشأته وجهِده ‪ّ ،‬لحسِوي ‪ ،‬ص (‪.)36‬‬ ‫ـ[‪]183‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)37‬‬ ‫ـ[‪]184‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫ـ[‪]185‬‬ ‫ـ[‪]186‬‬ ‫ـ[‪]187‬‬ ‫ـ[‪]188‬‬

‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬صحِح سنن أيب داود ‪ّ ،‬لشِخ األّبِين رَمه هللا‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)273‬‬

‫ـ[‪]189‬‬ ‫ـ[‪]190‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)274 ، 273‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)63‬‬

‫كِ اّصوف اخلِم اّكثِف يستعمل ضد اَّصِص‪.‬‬ ‫ـ[‪]191‬‬ ‫هذا املثل ابّلهجة اّبدوية ومعنِه‪ :‬مل يكن اِّوم من أَيم اّصِ​ِم ؛ يِث إ‬ ‫ـ[‪]192‬‬ ‫صوت اّبنِدق أخذ يدوي‪ .‬وكلمة املنشَ هي اسم ّنوع من اّبنِدق‪ .‬وكلمة زام‪ :‬دواء من األدوية‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)64‬‬ ‫ـ[‪]193‬‬ ‫ـ[‪]194‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)70‬‬

‫ـ[‪]195‬‬ ‫ـ[‪]196‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)73‬‬ ‫انظَ‪ :‬يِ​ِة عمَ املختِر ‪ ،‬حملمود شليب ‪ ،‬ص (‪.)115 ، 114‬‬

‫ـ[‪]197‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)114‬‬


‫ـ[‪]198‬‬ ‫ـ[‪]199‬‬ ‫ـ[‪]200‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬نشأته وجهِده ‪ ،‬عقِل اّربابر ‪ ،‬ص (‪.)83 ، 82‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)91‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)95‬‬

‫ـ[‪]201‬‬ ‫ـ[‪]202‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)79‬‬ ‫انظَ‪ :‬يِ​ِة عمَ املختِر ‪ّ ،‬شليب ‪ ،‬ص (‪.)118 ، 117‬‬

‫ـ[‪]203‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬نشأته وجهِده ‪ ،‬ص (‪.)105‬‬

‫ـ[‪]204‬‬ ‫ـ[‪]205‬‬ ‫ـ[‪]206‬‬ ‫ـ[‪]207‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬نشأته وجهِده ‪ ،‬ص (‪.)106‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬نشأته وجهِده ‪ ،‬ندوة علمِة ‪ ،‬ص (‪.)100‬‬ ‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)425‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬نشأته وجهِده ‪ ،‬ص (‪.)102‬‬

‫ـ[‪]208‬‬ ‫ـ[‪]209‬‬ ‫ـ[‪]210‬‬ ‫ـ[‪]211‬‬ ‫‪ ،‬ص (‪.)9‬‬

‫انظَ‪ :‬معجم معِرك اجلهِد ‪ ،‬خلِفة اّتلِسي ‪ ،‬ص (‪.)79‬‬ ‫انظَ‪ :‬جذور اّنضِل اّعَيب ‪ ،‬حممد عبد اَّزاق منِع ‪ ،‬ص (‪.)130‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)137‬‬ ‫انظَ‪ :‬جملة اّبحوث اّتِرخيِة ‪ ،‬اّعدد األول ‪ ،‬اّسنة اّسِدسة ‪ ،‬علم ‪ 1984‬م‬

‫ـ[‪]212‬‬ ‫ـ[‪]213‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)10‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)11 ، 10‬‬

‫ـ[‪]214‬‬ ‫ـ[‪]215‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة ‪ ،‬ص (‪.)440‬‬ ‫انظَ‪ :‬جملة اّبحوث ‪ ،‬اّسنة اّسِدسة ‪ 1984 ،‬م ‪ ،‬اّعدد األول ‪ ،‬ص (‪.)16‬‬


‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬جو رايت ‪ ،‬ص (‪.)153‬‬ ‫انظَ‪ :‬كفِح اّلِبِني اّسِ​ِسي يف بالد اّشِم ‪ ،‬ص (‪ 192‬ـ ‪ ، )195‬تِسري بن‬

‫ـ[‪]216‬‬ ‫ـ[‪]217‬‬ ‫ـ[‪]218‬‬ ‫موسى‪.‬‬ ‫ـ[‪]219‬‬ ‫ـ[‪]220‬‬

‫انظَ‪ :‬جملة اّبحوث ‪ ،‬اّسنة اّسِدسة ‪ 1984 ،‬م ‪ ،‬اّعدد األول ‪ ،‬ص (‪.)17‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬نشأته وجهِده ‪ ،‬ص (‪.)14‬‬

‫ـ[‪]221‬‬ ‫ـ[‪]222‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)284‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)81‬‬

‫ـ[‪]223‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص(‪.)101 ، 100‬‬

‫ـ[‪]224‬‬

‫انظَ‪ :‬يِ​ِة عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)119‬‬

‫ـ[‪]225‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)321‬‬

‫ـ[‪]226‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)396 ، 392‬‬

‫ـ[‪]227‬‬ ‫ـ[‪]228‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)298‬‬ ‫انظَ‪ :‬شَوط عمَ املختِر يف قضِة ِّبِة ‪ ،‬ص (‪ 111‬ـ ‪.)114‬‬

‫ـ[‪]229‬‬ ‫ـ[‪]230‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)298‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬نشأته وجهِده ‪ ،‬ص (‪.)62‬‬

‫ـ[‪]231‬‬ ‫ـ[‪]232‬‬ ‫ـ[‪]233‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)299‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)112 ، 111‬‬


‫ـ[‪]234‬‬ ‫ـ[‪]235‬‬ ‫ـ[‪]236‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)300‬‬ ‫جملة اّبِ​ِ ‪ ،‬اّعدد اخلِمس عشَ ‪ ،‬ربِع اّثِين ‪1988 ،‬م ‪ ،‬ص (‪.)87‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)303‬‬

‫ـ[‪]237‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)34‬‬

‫ـ[‪]238‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ّ ،‬لجنَال غَاسِ​ِين ‪ ،‬ص (‪.)84 ، 83 ، 82‬‬

‫ـ[‪]239‬‬ ‫ـ[‪]240‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)85 ، 84‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬حممود شليب ‪ ،‬ص (‪.)126‬‬

‫ـ[‪]241‬‬ ‫ـ[‪]242‬‬ ‫ـ[‪]243‬‬ ‫ـ[‪]244‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪( ،‬ص ‪.)124‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)125‬‬

‫ـ[‪]245‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)126‬‬

‫ـ[‪]246‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)127 ، 126‬‬

‫ـ[‪]247‬‬ ‫ـ[‪]248‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬نشأته وجهِده ‪ ،‬ص (‪ 113‬ـ ‪.)149‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬

‫ـ[‪]249‬‬ ‫ـ[‪]250‬‬ ‫ـ[‪]251‬‬ ‫ـ[‪]252‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬شليب ‪ ،‬ص (‪.)188‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)346‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬نشأته وجهِده ‪ ،‬ص (‪.)145‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬


‫ـ[‪]253‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬حملمود شليب ‪ ،‬ص (‪.)128 ، 127‬‬

‫ـ[‪]254‬‬ ‫ـ[‪]255‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)227‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪ ،‬ص (‪.)129‬‬

‫ـ[‪]256‬‬ ‫ـ[‪]257‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬نشأته وجهِده ‪ ،‬ص (‪.)71‬‬ ‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)229‬‬

‫ـ[‪]258‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)233 ، 232‬‬

‫ـ[‪]259‬‬

‫انظَ‪ :‬يِ​ِة عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪ 130‬ـ ‪.)133‬‬

‫ـ[‪]260‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)154 ، 153‬‬

‫ـ[‪]261‬‬ ‫ـ[‪]262‬‬ ‫ـ[‪]263‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)130 ، 129‬‬ ‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)211‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)198‬‬

‫ـ[‪]264‬‬

‫انظَ‪ :‬امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)59 ، 58‬‬

‫ـ[‪]265‬‬

‫انظَ‪ :‬يِضَ اّعِمل اإلسالمي (‪.)72 ، 71 ، 70 ، 69/2‬‬

‫ـ[‪]266‬‬ ‫ـ[‪]267‬‬

‫انظَ‪ :‬يِضَ اّعِمل اإلسالمي (‪.)84/2‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬

‫ـ[‪]268‬‬

‫انظَ‪ :‬جملة املنِر (ج ‪ ، 9‬م‪ ، 3‬ص ‪.)716 ، 715 ، 714‬‬

‫ـ[‪]269‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)134‬‬


‫ـ[‪]270‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)135‬‬

‫ـ[‪]271‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)137‬‬

‫ـ[‪]272‬‬ ‫ـ[‪]273‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)139‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)141‬‬

‫ـ[‪]274‬‬

‫انظَ‪ :‬اّطَيق إىل اإلسالم ‪ ،‬ص (‪.)331‬‬

‫ـ[‪]275‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)446‬‬

‫ـ[‪]276‬‬ ‫ـ[‪]277‬‬

‫انظَ‪ :‬اّطَيق إىل اإلسالم ‪ ،‬ص (‪.)446‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)347‬‬

‫ـ[‪]278‬‬ ‫ـ[‪]279‬‬

‫انظَ‪ :‬اّطَيق إىل اإلسالم ‪ ،‬ص (‪.)348‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪ ،‬ص (‪ 348‬إىل ‪.)360‬‬

‫ـ[‪]280‬‬ ‫ـ[‪]281‬‬ ‫ـ[‪]282‬‬

‫هذا من اجملِهدين اّذين استلموا حممد أسد ورفِقه عند احلدود املصَية‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬اّطَيق إىل اإلسالم ‪ ،‬ص (‪.)361 ، 360‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)361‬‬

‫ـ[‪]283‬‬

‫انظَ‪ :‬اّطَيق إىل اإلسالم ‪ ،‬ص (‪.)362‬‬

‫ـ[‪]284‬‬

‫انظَ‪ :‬اّطَيق إىل اإلسالم ‪ ،‬ص (‪.)363‬‬

‫ـ[‪]285‬‬ ‫ـ[‪]286‬‬

‫انظَ‪ :‬اّطَيق إىل اإلسالم ‪ ،‬ص (‪.)365‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)366‬‬


‫ـ[‪]287‬‬

‫انظَ‪ :‬اّطَيق إىل اإلسالم ‪ ،‬ص (‪.)370‬‬

‫ـ[‪]288‬‬ ‫ـ[‪]289‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)313‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)145‬‬

‫ـ[‪]290‬‬ ‫ـ[‪]291‬‬ ‫ـ[‪]292‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)146‬‬ ‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)274‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)267 ، 266‬‬

‫ـ[‪]293‬‬ ‫ـ[‪]294‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)268‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)271‬‬

‫ـ[‪]295‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)275 ، 274‬‬

‫ـ[‪]296‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)276‬‬

‫ـ[‪]297‬‬ ‫ـ[‪]298‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)276‬‬ ‫انظَ‪ :‬أصول أهل اّسنة واجلمِعة ‪ ،‬اّالّكِئي ‪/2( ،‬ح ‪.)1095‬‬

‫ـ[‪]299‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)167 ، 166‬‬

‫ـ[‪]300‬‬ ‫ـ[‪]301‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬حملمود شليب بتصَف ‪ ،‬ص (‪.)142‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ّ ،‬شليب ‪ ،‬ص (‪.)142‬‬

‫ـ[‪]302‬‬ ‫ـ[‪]303‬‬ ‫ـ[‪]304‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)279‬‬ ‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)143‬‬ ‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)280‬‬


‫ـ[‪]305‬‬ ‫ـ[‪]306‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)282 ، 281 ، 280‬‬ ‫انظَ‪ :‬تعلِق املرتجم ‪ ،‬إبَاهِم بن عِمَ ‪ ،‬ص (‪.)282‬‬

‫ـ[‪]307‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)285‬‬

‫ـ[‪]308‬‬ ‫ـ[‪]309‬‬

‫انظَ‪ :‬يِ​ِة عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)155 ، 154 ، 153‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)155‬‬

‫ـ[‪]310‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)287 ، 286‬‬

‫ـ[‪]311‬‬ ‫ـ[‪]312‬‬

‫انظَ‪ :‬يِ​ِة عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)157 ، 156‬‬ ‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)288‬‬

‫ـ[‪]313‬‬ ‫ـ[‪]314‬‬

‫انظَ‪ :‬يِ​ِة عمَ املختِر ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)160 ، 159‬‬ ‫انظَ‪ :‬إبَاهِم سِمل بن عِمَ ‪ ،‬مرتجم (بَقة اهلِدئة) ‪ ،‬ص (‪.)289‬‬

‫ـ[‪]315‬‬ ‫ـ[‪]316‬‬

‫انظَ‪ :‬يِ​ِة عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)190‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)194 ، 193‬‬

‫ـ[‪]317‬‬ ‫ـ[‪]318‬‬

‫من جملة اّبِ​ِ ‪ ،‬اّعدد اخلِمس عشَ ‪ ،‬ربِع اّثِين ‪ 1409 ،‬هـ ‪ ،‬ص (‪.)82‬‬ ‫انظَ‪ :‬جو رايت ‪ ،‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)158‬‬

‫ـ[‪]319‬‬

‫من جملة اّبِ​ِ ‪ ،‬اّعدد اخلِمس عشَ ‪ ،‬ص(‪.)83 ، 82‬‬

‫ـ[‪]320‬‬

‫األعمِل اّشعَية اّكِملة ‪ ،‬أَمد شوقي ‪.)19 ، 18/2( ،‬‬

‫ـ[‪]321‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ّألشهب ‪ ،‬ص (‪.)188 ، 187‬‬


‫ـ[‪]322‬‬

‫انظَ‪ :‬عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)191 ، 190‬‬

‫ـ[‪]323‬‬ ‫(‪.)25‬‬

‫انظَ‪ :‬جملة اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ 1412 ، )39‬هـ ‪ ،‬ديسمرب ‪ 1991 ،‬م ‪ ،‬ص‬

‫ـ[‪]324‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)295 ، 294‬‬

‫ـ[‪]325‬‬ ‫ـ[‪]326‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)296‬‬

‫ـ[‪]327‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اهلِدئة ‪ ،‬ص (‪.)304‬‬

‫ـ[‪]328‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)163 ، 160 ، 159 ، 158‬‬

‫ـ[‪]329‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)170 ، 167 ، 164‬‬

‫ـ[‪]330‬‬

‫انظَ‪ :‬يِ​ِة عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)172‬‬

‫ـ[‪]331‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)185‬‬

‫ـ[‪]332‬‬

‫انظَ‪ :‬يِ​ِة عمَ املختِر ‪ ،‬بتصَف ‪ ،‬ص (‪185‬إىل ‪.)188‬‬

‫ـ[‪]333‬‬ ‫ـ[‪]334‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة ‪ ،‬ص(‪.)532 ، 531‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص(‪.)533 ، 532‬‬

‫ـ[‪]335‬‬ ‫ـ[‪]336‬‬ ‫ـ[‪]337‬‬

‫انظَ‪ :‬بَقة اّعَبِة ‪ ،‬ص (‪.)531‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬


‫ـ[‪]338‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)373‬‬

‫ـ[‪]339‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)374‬‬

‫ـ[‪]340‬‬

‫انظَ‪ :‬يِضَ اّعِمل اإلسالمي (‪.)385/3‬‬

‫ـ[‪]341‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)375‬‬

‫ـ[‪]342‬‬ ‫ـ[‪]343‬‬

‫انظَ‪ :‬تفسري ابن كثري (‪.)58/5‬‬ ‫انظَ‪ :‬منهج كتِبة اّتِريخ اإلسالمي ‪ّ ،‬لوابل ‪ ،‬ص (‪.)65‬‬

‫ـ[‪]344‬‬

‫رواه مسلم (‪ )1994/4‬رقم (‪.)2577‬‬

‫ـ[‪]345‬‬ ‫ـ[‪]346‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)379‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬

‫ـ[‪]347‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)380‬‬

‫ـ[‪]348‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)381‬‬

‫ـ[‪]349‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)382‬‬

‫ـ[‪]350‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِة دين ودوّة ‪ ،‬ص (‪.)66 ، 65 ، 64‬‬

‫ـ[‪]351‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)76‬‬

‫ـ[‪]352‬‬ ‫ـ[‪]353‬‬

‫انظَ‪ :‬امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)67 ، 66‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)67‬‬


‫ـ[‪]354‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)173 ، 172‬‬

‫ـ[‪]355‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬جو رايت ‪ ،‬ص (‪.)176 ، 175‬‬

‫ـ[‪]356‬‬

‫انظَ‪ :‬مِالد دوّة ِّبِة احلديثة ‪ ،‬د‪ .‬حممد فؤاد شكَي ‪ ،‬ص (‪.)108 ، 107‬‬

‫ـ[‪]357‬‬ ‫ـ[‪]358‬‬

‫انظَ‪ :‬مِالد دوّة ِّبِة احلديثة ‪ ،‬ص (‪.)112 ، 111 ، 110‬‬ ‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)178 ، 177 ، 176‬‬

‫ـ[‪]359‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)179 ، 178‬‬

‫ـ[‪]360‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)181 ، 180‬‬

‫ـ[‪]361‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪ ، 101‬إىل ‪.)111‬‬

‫ـ[‪]362‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)183 ، 182 ، 181‬‬

‫ـ[‪]363‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬ص (‪ 188‬ـ ‪.)190‬‬

‫ـ[‪]364‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة ‪ ،‬ص(‪.)193‬‬

‫ـ[‪]365‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ ّبِبة ‪ ،‬ص (‪ 198‬ـ ‪.)199‬‬

‫ـ[‪]366‬‬

‫انظَ‪ :‬سِد قطب ‪ ،‬يف ظالل اّقَا ‪ ،‬دار اّشَوق (‪.)3512/2‬‬

‫ـ[‪]367‬‬ ‫ـ[‪]368‬‬

‫انظَ‪ :‬اّنظِم اّسِ​ِسي يف اإلسالم ‪ ،‬أبو فِرس ‪ ،‬ص (‪.)30‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)31‬‬

‫ـ[‪]369‬‬

‫انظَ‪ :‬رسِئل يسن اّبنِ ‪ ،‬ص (‪.)272‬‬


‫ـ[‪]370‬‬

‫اتريخ ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)203 ، 202‬‬

‫انظَ‪ :‬اتريخ ِّبِة بتصَف ‪ ،‬وزَيدة ويذف ‪ ،‬ص (‪.)208 ، 207 ، 206‬‬ ‫ـ[‪]371‬‬ ‫انظَ‪ :‬جملة اجلبهة اّوطنِة إلنقِذ ِّبِة ‪ ،‬مجِدى اآلخَة ‪ 1412‬هـ ‪ ،‬ديسمرب‬ ‫ـ[‪]372‬‬ ‫‪1991‬م ‪ ،‬اّسنة اّعِشَة ‪ ،‬اّعدد ‪.39‬‬ ‫جملة اإلنقِذ اّوطين‪ ،‬اّعدد (‪ ،)39‬مجِدى االخَة ‪ 1412‬هـ ‪ ،‬ديسمرب‬ ‫ـ[‪]373‬‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬ص (‪.)25 ،24‬‬ ‫ـ[‪]374‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)26‬‬

‫ـ[‪]375‬‬ ‫ـ[‪]376‬‬

‫انظَ‪ :‬امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬يِ​ِته وعصَه ‪ ،‬ص (‪.)155‬‬ ‫انظَ‪ :‬اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ ، )39‬مجِدى اآلخَة ‪ 1412‬هـ ‪ ،‬ديسمرب ‪1991‬م‪.‬‬

‫ـ[‪]377‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ّ ،‬ألشهب ‪ ،‬ص (‪.)205 ، 204 ، 203‬‬

‫ـ[‪]378‬‬ ‫ـ[‪]379‬‬ ‫ـ[‪]380‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)241‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬

‫ـ[‪]381‬‬ ‫ـ[‪]382‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)243‬‬

‫ـ[‪]383‬‬ ‫ـ[‪]384‬‬ ‫ـ[‪]385‬‬ ‫ـ[‪]386‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)246‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬


‫ـ[‪]387‬‬ ‫ـ[‪]388‬‬ ‫‪ 1991‬م ‪ ،‬ص (‪.)66‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬ ‫انظَ‪ :‬اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ 29 ، )39‬مجِدى االخَة ‪ 1412‬هـ ‪ ،‬ديسمرب‬

‫ـ[‪]389‬‬ ‫ـ[‪]390‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)191‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)192‬‬

‫ـ[‪]391‬‬ ‫ـ[‪]392‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)193 ، 192‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)232‬‬

‫ـ[‪]393‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)233 ، 232‬‬

‫ـ[‪]394‬‬ ‫ـ[‪]395‬‬

‫انظَ‪ :‬جملة اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ ، )29‬ص (‪.)76‬‬ ‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)234‬‬

‫ـ[‪]396‬‬ ‫ـ[‪]397‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)237‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬

‫ـ[‪]398‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)238‬‬

‫ـ[‪]399‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)227‬‬

‫ـ[‪]400‬‬

‫انظَ‪ :‬جملة اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ ، )29‬ص (‪.)70 ، 69‬‬

‫ـ[‪]401‬‬

‫انظَ‪ :‬جملة اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ ، )29‬ص (‪.)63‬‬

‫ـ[‪]402‬‬ ‫ـ[‪]403‬‬

‫انظَ‪ :‬صفحِت مطوية من اتريخ ِّبِة اّسِ​ِسي ‪ ،‬ص (‪.)351‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)352‬‬


‫ـ[‪]404‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)353‬‬

‫ـ[‪]405‬‬ ‫‪.)356‬‬

‫انظَ‪ :‬صفحِت مطوية من اتريخ ِّبِة اّسِ​ِسي ‪ ،‬ص (‪، 355 ، 354‬‬

‫ـ[‪]406‬‬ ‫ـ[‪]407‬‬

‫انظَ‪ :‬صفحِت مطوية من اتريخ ِّبِة اّسِ​ِسي ‪ ،‬ص (‪.)358 ، 357‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)359‬‬

‫ـ[‪]408‬‬ ‫ـ[‪]409‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)360‬‬ ‫انظَ‪ :‬صفحِت مطوية من اتريخ ِّبِة اّسِ​ِسي ‪ ،‬ص (‪.)359 ، 358‬‬

‫ـ[‪]410‬‬ ‫‪.)363‬‬ ‫ـ[‪]411‬‬

‫انظَ‪ :‬صفحِت مطوية من اتريخ ِّبِة اّسِ​ِسي ‪ ،‬ص (‪، 362 ، 361‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)364‬‬

‫ـ[‪]412‬‬ ‫ـ[‪]413‬‬

‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)366‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص(‪.)375 ، 374‬‬

‫ـ[‪]414‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)218‬‬

‫ـ[‪]415‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)218‬‬

‫ـ[‪]416‬‬ ‫ـ[‪]417‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)218‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)219‬‬

‫ـ[‪]418‬‬ ‫ـ[‪]419‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)219‬‬ ‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)220‬‬


‫ـ[‪]420‬‬ ‫ـ[‪]421‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)221‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه‪.‬‬

‫ـ[‪]422‬‬ ‫ـ[‪]423‬‬

‫انظَ‪ :‬إدريس اّسنوسي ‪ ،‬ص (‪.)221‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)225‬‬

‫ِ‬ ‫وسى نوِّْن ْدعُ نربَهُ إِ​ِين [ نغِفَ‪]26 :‬‬ ‫{وقن نِل ف َْ نع ْو ُ نذ ُر ِوين أنقْـتُ ْل ُم ن‬ ‫ن‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)226‬‬ ‫ـ[‪]424‬‬ ‫ـ[‪]425‬‬ ‫ـ[‪]426‬‬

‫انظَ‪ :‬قصص اّسِبقني ّلخِّدي (‪.)105/5‬‬ ‫انظَ‪ :‬واثئق مجعِة عمَ املختِر ‪ ،‬ص (‪.)8‬‬

‫ـ[‪]427‬‬

‫انظَ‪ :‬اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ ، )39‬بقلم طِهَ أَمد ‪ ،‬ص (‪.)79 ، 78‬‬

‫ـ[‪]428‬‬ ‫ص (‪.)80‬‬ ‫ـ[‪]429‬‬

‫اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ ، )39‬مجِدى االخَة ‪ 1412 ،‬هـ ‪ ،‬ديسمرب ‪ 1991‬م ‪،‬‬ ‫اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ ، )39‬ص (‪.)81 ، 80‬‬

‫ـ[‪]430‬‬ ‫‪.)412‬‬

‫انظَ‪ :‬واثئق مجعِة عمَ املختِر ‪ ،‬حملمد املغرييب ‪ ،‬ص (‪، 411 ، 410‬‬

‫ـ[‪]431‬‬ ‫امسه‪.‬‬

‫انظَ‪ :‬اّسنوسِو ‪ ،‬خمطوطة مل تَ اّنور بعد ‪ ،‬طلب مين مؤّفهِ عدم ذكَ‬

‫ـ[‪]432‬‬

‫انظَ‪ :‬امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)166 ، 165‬‬

‫ـ[‪]433‬‬

‫انظَ‪ :‬امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)154 ، 153‬‬


‫ـ[‪]434‬‬ ‫ـ[‪]435‬‬

‫انظَ‪ :‬اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ ، )39‬ص (‪.)65 ، 64‬‬ ‫انظَ‪ :‬اإلنقِذ ‪ ،‬اّعدد (‪ ، )39‬ص (‪.)65‬‬

‫ـ[‪]436‬‬ ‫ـ[‪]437‬‬ ‫ـ[‪]438‬‬

‫انظَ‪ :‬امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬يِ​ِته وعصَه ‪ ،‬ص (‪.)45‬‬ ‫انظَ‪ :‬امللك إدريس عِهل ِّبِة ‪ ،‬ص (‪.)141‬‬ ‫املصدر اّسِبق نفسه ‪ ،‬ص (‪.)151‬‬

‫ـ[‪]439‬‬

‫كأله‪ :‬إذا يفظه {قُ ْل نم ْن ين ْكلن ُؤُك ْم [األنبِنِء‪]42 :‬‬

‫ـ[‪]440‬‬ ‫ـ[‪]441‬‬

‫اإلبالل‪ :‬اّشفِء من املَض‪.‬‬ ‫اّزخِر‪ :‬صفة ّلبحَ ‪ ،‬وهطِل‪ :‬صفة ّلغِث‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.