/may-june-2010

Page 1

‫املجلد ‪ 26‬ـــ العددان‬

‫املجلد ‪ 26‬ـــ العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو‬

‫‪6/5‬‬

‫‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫‪May / June 2010‬‬

‫تطور رؤية األلوان لدى الرئيسيات‬

‫مــــــجــــــــــــــلة الـعـــــــــــــــــــــــــــــــــلــوم‬

‫حرب نووية إقليمية‪،‬‬ ‫واملعاناة عاملية‬

‫مغامرات في «الزمان‪-‬املكان» املنحني‬

‫مايو‪ /‬يونيو‬ ‫‪2010‬‬

‫العددان ‪ 266/265‬ــــ السعر‪ 1.500 :‬دينار كويتي‬

‫يطرح الدور احليوي املزدوج للجزيء‬ ‫أفكا ًرا جديدة حملاربة األمراض في جسم اإلنسان‬ ‫‪ATP‬‬

‫أموال حقيقية من عوالم افتراضية‬

‫بزوغ الشبكات الالسلكية الفورية‬

‫هل ميكن لنقص األغذية‬ ‫أن يؤدي إلى انهيار احلضارة؟‬


‫املجلد ‪ 26‬ـ ـ العددان‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪266/265‬‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫علي عبـداهلل ال�شـمالن‬ ‫رئ ـيـس الهيـئـ ــة‬

‫‪20856‬‬ ‫‪oloom@kfas.org.kw‬‬ ‫‪(+965) 22428186‬‬

‫عبداهلل �سليمـان الفهيد‬

‫‪13069‬‬

‫‪www.kfas.org‬‬ ‫‪(+965) 22403895‬‬

‫نائب رئيس الهيئة‬

‫عـدنـان احلـموي‬

‫‪Advertising correspondence from outside the Arab World should be addressed to‬‬ ‫‪SCIENTIFIC AMERICAN 415, Madison Avenue, New York, NY 10017 - 1111‬‬ ‫‪Or to MAJALLAT AL-OLOOM, P.O. Box 20856 Safat, Kuwait 13069 - Fax. (+965) 22403895‬‬

‫عضو الهيئة ـ رئيس التحرير‬

‫شارك في هذا العدد‬

‫‪1.800‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪1.800‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫❊‬ ‫❊‬ ‫‪20‬‬

‫خضر األحمد‬ ‫سعيد األسعد‬ ‫أمل األشقر‬

‫‪1.500‬‬ ‫❊‬ ‫❊‬ ‫‪7‬‬ ‫‪30‬‬ ‫❊‬ ‫‪250‬‬

‫❊‬ ‫‪100‬‬ ‫❊‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1.25‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪$‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪$‬‬

‫)‪(USA $ 1.5‬‬

‫❊‬

‫حسام بدوية‬

‫‪£‬‬ ‫‪Cl‬‬

‫‪Britain‬‬ ‫‪Cyprus‬‬ ‫‪France‬‬ ‫‪Greece‬‬ ‫‪Italy‬‬ ‫‪U.S.A.‬‬ ‫‪Germany‬‬

‫عدنان تكريتي‬ ‫جمال جودة‬ ‫عدنان احلموي‬ ‫سعدالدين خرفان‬

‫‪12‬‬

‫‪45‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪56‬‬ ‫‪112‬‬

‫محمود خيال‬ ‫هند داود‬ ‫غدير زيزفون‬ ‫قاسم السارة‬ ‫تيسير الشامي‬ ‫رميون شكوري‬ ‫سحر الفاهوم‬ ‫أمل كفا‬ ‫يوسف محمود‬ ‫وحيد مفضل‬ ‫حامت النجدي‬

‫‪CD‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪Settings‬‬

‫‪-2‬‬

‫‪Regional and Language Options‬‬

‫‪-3‬‬

‫‪Arabic‬‬

‫‪start‬‬

‫‪Control Panel‬‬

‫‪Standards and formats‬‬

‫‪www.kfas.org‬‬

‫‪OK‬‬

‫‪1986‬‬


‫املجلد ‪ 26‬ـــ العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫‪4‬‬

‫فيزياء‬

‫مغامرات في الزمكان املنحني‬ ‫>‪ .E‬گيرون<‬

‫رميون شكوري ـ خضر األحمد‬

‫تُبني إمكانية «السباحة» و«االنزالق» في فضاء منحن خال‪ ،‬أن نظرية آينشتاين في النسبية‬ ‫العامة مازالت مذهلة حتى بعد مرور تسعة عقود على تقدميها‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫تقانة املعلومات‬

‫أموال حقيقية من عوالم افتراضية‬ ‫<‪ .R‬هيكس>‬

‫سعيد األسعد ـ عدنان احلموي‬

‫أرباب األعمال في البلدان‬ ‫ألعاب حاسوبية من صنع اخليال متاحة مباشرة (على اخلط)‪ ،‬مت ِّكن‬ ‫َ‬ ‫النامية من كسب عيشهم عن طريق مقايضة كنوز من الذهب الوهمي مقابل أموال نقدية‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫تطور‬

‫تطور رؤية األلوان لدى الرئيسيات‬

‫>‪ .H.G‬جاكوبس< ـ‬

‫>‪ .J‬ناثانز<‬

‫أمـل كـفـا ـ أمـل األشقر‬

‫ُيظهر حتليل األصبغة البصرية لدى الرئيسيات أن رؤيتنا لأللوان قد تطورت بطريقة غير‬ ‫عادية‪ ،‬وأن للدماغ قدرة على التكيف أكثر مما كان ُيعتقد‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫طـب‬ ‫تعزيز قوة اللقاح‬

‫>‪ .N‬گارسون< ـ‬

‫>‪ .M‬گولدمان<‬

‫قاسم السارة ـ سحر الفاهوم‬

‫أعادت تبصرات جديدة في النظام املناعي إحياء االهتمام بإضافة مكونات تستطيع شحن‬ ‫اللقاحات القدمية بقوى فائقة وجتعل اصطناع لقاحات جديدة متا ًما أم ًرا ممكنا‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫بيـئـة‬

‫حرب نووي ٌة إقليمية‪ ،‬واملعاناة عاملية‬ ‫ٌ‬

‫>‪ .A‬روبوك< ‪-‬‬

‫>‪ .B .O‬توون<‬

‫يوسف محمود ـ وحيد مفضل‬

‫إن خطر نشوب حرب نووية ال يزال قائما‪ ،‬إذ ميكن أن يؤدي الصراع ما بني الهند‬ ‫وپاكستان إلى حرب نووية إقليمية حتجب أشعة الشمس وتجُ ِّوع الكثي َر من البشر‪.‬‬


‫«مجـلـة العـلوم» تصــدر شهر ًيا فــي الكـويـت مـنذ عـام ‪ 1986‬عـن «مؤسسـة الكـويـت للتقـدم العلمـي» وهـي مؤسسـة أهليـة ذات نفـع عـام‪ ،‬يـرأس مجلـس إدارتهـا صاحـب السمـو أمــير دولــة الكـويــت‪ ،‬وقـد أنشــئت عــام‬ ‫بهـدف املعاونـة فـي التطــور العلمـي واحلضـاري فـي دولـة الكويـت والوطـن العـربـي‪ ،‬وذلـك مــن خـالل دعــم األنشطــة العلمــية واالجتماعـيـة والثقـافيـة‪ .‬و«مجلة العلوم» هـي فـي ثلثي محتوياتهــا ترجمـة لـ«ساينتفيك أمريكان»‬ ‫التـي تعتبر مـن أهـم املجـالت العلمـيـة فــي عالـم اليــوم‪ .‬وتسعـى هـذه املج ـلـة مـنذ نشأتهـا عــام ‪ 1845‬إلـى متكـني القـارىء غــير املتخصــص مــن متـابعـة تطــورات معـارف عصـره العلميــة والتقانيــة‪ ،‬وتوفير معـرفـة شموليـة للقــارىء‬ ‫املتخصص حول موضوع تخصصه‪ .‬تصدر «ساينتفيك أمريكان» بثماني عشرة لغة عاملية‪ ،‬وتتميز بعرضها الشيق للمواد العلمية املتقدمة وباستخدامها الق ّيم للصور والرسوم امللونــة واجلداول‪.‬‬

‫‪1976‬‬

‫‪52‬‬

‫تقانة‬

‫بزوغ الشبكات الالسلكية الفورية‬

‫>‪ .M‬إ ّفروس< ‪ .A> -‬گولدسميث< ‪-‬‬

‫>‪ .M‬مِ دارد<‬

‫حامت النجدي ـ عدنان احلموي‬

‫شبكات السلكية تتك َّون خالل طرفة عني‪ ،‬توفر اتصاالت بأكثر البيئات حتذيرا‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫بيئة‬

‫هل ميكن لنقص األغذية‬ ‫أن يؤدي إلى انهيار احلضارة؟‬

‫تيسير الشامي ـ سعدالدين خرفان‬

‫>‪ .R .L‬براون<‬

‫إن أكبر خطر يهدد االستقرار العاملي هو احتمال حدوث أزمات في تأمني األغذية للبلدان‬ ‫الفقيرة يؤدي إلى انهيار حكوماتها‪ .‬تلك األزمات التي يسببها استمرار تفاقم التدهور البيئي‪.‬‬ ‫‪68‬‬

‫طـب‬

‫الدور احليوي املزدوج للجزيء‬ ‫(ثالثي فوسفات األدينوزين)‬

‫>‪ .S .B‬خاخ< ـ ـ‬

‫‪ATP‬‬

‫عدنان تكريتي ـ محمود خيال‬

‫>‪ .G‬بيرنستوك<‬

‫إضافة إلى الدور املشهور للجزيء ‪ ATP‬كمصدر أساسي للطاقة داخل اخلاليا‪ ،‬فإنه يعمل‬ ‫أيض ًا كناقل مهم لإلشارات والرسائل في جميع أرجاء اجلسم‪ .‬وهذا الدور املزدوج يقدم‬ ‫أفكار ًا جديدة حملاربة األمراض في اإلنسان‪.‬‬ ‫‪78‬‬

‫طـب‬

‫فنّ احلرب البكتيري‬ ‫>‪ .B .B‬فيناالي<‬

‫حسام البدوية ـ هـنـد داود‬ ‫&‬

‫التحرير‬

‫تظهر الدراسات احلديثة‪ ،‬كيف تستغل البكتيريا خاليا جسمنا وتتفوق على نظامنا‬ ‫املناعي‪ ،‬وكيف ميكننا استخدام أسلحتها ضدها‪.‬‬ ‫طـب‬

‫‪88‬‬

‫غاز سام منقذ للحياة‬ ‫>‪ .R‬وانگ<‬

‫جمال جوده ـ غدير زيزفون‬

‫لقد تبني أن سلفيد الهدروجني ‪ -‬وهو غاز مميت تشبه رائحته رائحة البيض الفاسد ‪-‬‬ ‫يؤدي أدوارا رئيسية في جسم اإلنسان‪ .‬وهذا االكتشاف قد يقود إلى عالج جديد‬ ‫للمعرضني للنوبات القلبية وملرضى آخرين أيضا‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫أخبار علمية‬ ‫هوائيات الپالزما تختفي حني إطفائها‪.‬‬

‫‪97‬‬

‫اسألوا أهل اخلبرة‬ ‫كـيـف يعثر خـفـ ُر الـسواحلِ‬ ‫على الـمفـقوديـن في الـبحـر؟‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫مغامرات في الزمكان املنحني‬

‫(٭)‬

‫ُتبني إمكانية «السباحة» و«االنزالق» في فضاء منحن‬ ‫خال‪ ،‬أن نظرية آينشتاين في النسبية العامة مازالت‬ ‫مذهلة حتى بعد مرور تسعة عقود على تقدميها‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫(‪)2‬‬

‫>‪ .E‬گيرون<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫في نظرية آينشتاين في النسبية‬ ‫العامة‪ ،‬تنشأ الثقالة ‪ gravity‬عن‬ ‫الزمكان(‪ )3‬نتيجة انحنائه‪ .‬وفي‬ ‫هذه األيام‪ ،‬التي تشهد مرور ‪90‬‬ ‫عاما على تقدمي آينشتاين معادالت‬ ‫نظريته‪ ،‬مازال الفيزيائيون يكتشفون‬ ‫مفاجآت جديدة فيها‪.‬‬

‫>‬

‫فمثال‪ ،‬ميكن جلسم في فضاء منحن‬ ‫أن يتحدى ظاهريا قوانني الفيزياء‬ ‫األساسية و«يسبح» في فضاء خال‪،‬‬ ‫دون احلاجة إلى أن َي ْدفع أي شيء‬ ‫أو ُي ْدفع بأي شيء‪.‬‬

‫>‬

‫أيضا‪ ،‬يسمح الزمكان املنحني بنوع‬ ‫من االنزالق‪ ،‬إذ ميكن جلسم فيه‬ ‫إبطاء هبوطه حتى ولو كان في خالء‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪4‬‬

‫في أربعينات القرن املاضي‪ ،‬كان الفيزيائي‬ ‫>‪ .G‬گامو< يروي سلس� � ��لة قصصه املشهورة‬ ‫عن مغامرات الس� � ��يد >‪ .G .C‬تومپكنز< [وهو‬ ‫موظف بس� � ��يط كان يعمل ف� � ��ي أحد البنوك]‬ ‫وتراوده أحالم زاهي� � ��ة لعوالم تقتحم احلياة‬ ‫اليومية فيها ظواه� � ��ر فيزيائية غريبة‪ .‬فمثال‪،‬‬ ‫ف� � ��ي أحد تلك العوالم‪ ،‬كانت س� � ��رعة الضوء‬ ‫خمسة عش� � ��ر كيلومترا في الس� � ��اعة‪ ،‬وهذا‬ ‫يبرز النتائج العجيبة لنظرية آينش� � ��تاين في‬ ‫النسبية اخلاصة؛ ألن هذه السرعة قريبة من‬ ‫سرعتك عند ركوبك دراجة هوائية‪.‬‬ ‫ف������ي زمن ليس ببعي������د قابلت مجازيا‬ ‫الس������يد >‪ .M .E‬إيڤرارد< [ابن أحد أحفاد‬

‫الس������يد >تومپكن������ز<]‪ ،‬وه������و فيلس������وف‬ ‫ومهندس يواصل ممارسة تقاليد سلفه‪.‬‬ ‫لقد أبلغني عن جتربة مذهلة م ّر بها تتعلق‬ ‫ببعض اجلوانب املكتشفة حديثا لنظرية‬ ‫آينش������تاين في النس������بية العام������ة والتي‬ ‫سأش������رككم فيها‪ .‬يرد في قصته مرارا‬ ‫الزمكان املنحني‪ ،‬وقطط تفتل في الهواء‪،‬‬ ‫وكل������ب رائد فضاء ُمع َّرض للخطر يحرك‬ ‫قوائمه عبر اخلالء لينجو بنفسه ‪ -‬ورمبا‬ ‫>إسحق نيوتن< الذي يتلوى في قبره‪.‬‬ ‫( ) ‪ADVENTURES IN CURVED SPACETIME‬‬ ‫(‪gliding )1‬‬ ‫(‪ curved )2‬أو محدب‪.‬‬ ‫(‪ = space-time )3‬زمكان‪ ،‬وهذه نحت من زمان ومكان‪.‬‬

‫(التحرير)‬


‫منحنيات خطرة بانتظارنا‬

‫(٭)‬

‫في منطقة بعيدة في أعماق الكون‪ ،‬خرج‬ ‫الس� � ��يد >إيڤرارد< م� � ��ن مركبت� � ��ه الفضائية‬ ‫إلص� �ل��اح هوائي معطوب‪ .‬الحظ أن األضواء‬ ‫اجلميلة للنجوم البعيدة تبدو مشوهة‪ ،‬وكأنه‬ ‫يش� � ��اهدها من خالل عدسة س� � ��ميكة‪َ .‬ش َعر‬ ‫أيضا بأن هناك شيئا ميط جسمه مطا خفيفا‪.‬‬ ‫خامرت� � ��ه ظنون بأن� � ��ه على عِ لْ� � � ٍ�م مبا يجري‪،‬‬ ‫فأخرج من حزام ُع َّدته مؤشرا ليزريا‪ ،‬وعلبة‬ ‫معجون حالقة‪ ،‬ثم ش � � �غَّل ُع َّدة النفث ليختبر‬ ‫فكرة ملعت في ذهنه‪.‬‬ ‫اندفع بفعل عدة النفث على مسار مستقيم‬ ‫مس� � ��افة مئة متر مستعينا بحزمة ليزرية لتوجيه‬

‫مس� � ��اره‪ ،‬ومن ثم اس� � ��تدار يسارا‬ ‫قاطعا عدة عش� � ��رات من األمتار بذلك‬ ‫االجت� � ��اه‪ ،‬وأخيرا عاد إلى نقطة بدايته‪ ،‬فرس� � ��م‬ ‫بذلك مثلث� � ��ا من رغوة معج� � ��ون حالقة‪ ،‬وكأنها‬ ‫أداة كونية للكتابة السماوية‪ .‬بعدئذ‪ ،‬قاس زوايا‬ ‫رؤوس املثلث مبنقلة ثم جمع قياس� � ��ات الزوايا‪،‬‬ ‫وكانت النتيجة أكبر من مئة وثمانني درجة‪.‬‬ ‫لم يدهشه مطلقا االنتهاك الظاهري لقواعد‬ ‫الهندس� � ��ة‪ .‬فقد تذكر باعت� � ��زاز حادثا عرضيا‬ ‫وق� � ��ع له في مكتب والديه أثن� � ��اء طفولته يتعلق‬ ‫بهندسة الإقليدية مزعجة حني رسم مثلثا على‬ ‫ٍ‬ ‫خريطة كروية لكوك� � ��ب األرض‪ ،‬فكان مجموع‬ ‫الزواي� � ��ا في ذلك املثلث أكب� � ��ر من مئة وثمانني‬ ‫( ) ‪Dangerous Curves Ahead‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪5‬‬


‫[أساسيات]‬

‫الزمكان املنحني‬

‫( )‬

‫تذهب النس� � ��بية العامة إلى أن الثقالة تنش� � ��أ عن انحناء الزمكان‪ ,‬ولكن ما الذي َي ْعنِي ِه الزمكان‬ ‫املنحني وما هي بعض تداعياته؟‬ ‫الفضاء املنبسط (املسطح)‬ ‫الهندسة التي ُت َع َّل ُم في املدارس إقليدية‪،‬‬ ‫(أي هندسة الفضاء «املنبسط»)‪ .‬في هذا‬ ‫الفضاء‪ ،‬مجموع قياسات زوايا املثلث‬ ‫مستو ثنائي البعد‪ ،‬مثل‬ ‫‪ 180‬درجة‪ .‬وكل‬ ‫ٍ‬ ‫سطح طاولة البلياردو‪ ،‬هو فضاء منبسط‪.‬‬ ‫وبتقريب جيد جدا‪ ،‬ميكننا القول أيضا إن العالم‬ ‫الثالثي األبعاد احمليط بنا هو فضاء منبسط‪ :‬فإذا أنشأنا‬ ‫مثلثا في الهواء باستعمال ثالث حزم ليزرية لرسم أضالع املثلث‪،‬‬ ‫فإن مجموع زواياه ‪ 180‬درجة‪ ،‬وهذا صحيح في أي منطقة يرسم فيها املثلث‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫الفضاء املنحني (احملدب)‬ ‫يقدم سطح كرة مثاال على سطح منحن ثنائي البعد‪ .‬وعلى الكرة‪،‬‬ ‫يكون مجموع زوايا مثلث أكبر من ‪ 180‬درجة‪ ،‬وهذه سمة مميزة‬ ‫ملنطقة ذات انحناء (تقوس) «موجب»‪ .‬قد تبدو لنا أضالع املثلث‬ ‫منحنية في األبعاد الثالثة‪ ،‬ولكنها مستقيمة متاما بالنسبة إلى‬ ‫منلة تدب على الكرة‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫االنحناء (التقوس) السالب‬ ‫لسطح السرج انحناء (تقوس) سالب‪،‬‬ ‫ومجموع قياسات زوايا مثلث مرسوم‬ ‫عليه أقل من ‪ 180‬درجة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫الثقالة تنشأ عن االنحناء (التقوس)‬ ‫تنص نظرية النسبية العامة على أن تركيزات الكتلة والطاقة حتني الزمكان حولها‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫االنحناء يجعل األجسام ‪ -‬كاألرض التي تدور حول الشمس ‪ -‬تسلك مسارات منحنية‪ ،‬ويقع‬ ‫بعضها جتاه البعض اآلخر‪ .‬وفي معظم الظروف‪ ،‬تكون هذه املسارات شديدة الشبه بتلك‬ ‫جسد‬ ‫التي يتنبأ بها قانون نيوتن في الثقالة الذي ُيحسب في زمكان منبسط‪ .‬وغالبا ما ُي َّ‬ ‫هذا املفهوم بأشكال توحي أن الفضاء منحن‪ ،‬مثل‬ ‫قطعة املطاط (املبينة في األسفل)‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫الصورة غير كاملة‪ ،‬ذلك أنها ال متثل كيف أن‬ ‫الزمان ينحني مع املكان‪ .‬ويترتب على هذا أن‬ ‫يدخل الزمان بسرعة أبطأ قليال في أعماق‬ ‫الثقالة‪ .‬إن معرفة كيف ينحني الزمان‬ ‫ضرورية لتحديد املسارات‬ ‫الصحيحة‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫درجة أيضا‪ .‬لذا‪ ،‬استنتج وجوب كون الفضاء‬ ‫احمليط به والذي يبعد عنه عِ َّدة سنوات ضوئية‪،‬‬ ‫منحنيا أيضا‪ ،‬متاما مثل س� � ��طح تلك اخلريطة‬ ‫الكروي� � ��ة‪ .‬وقد اس� � ��تخلص أن ه� � ��ذا االنحناء‬ ‫(التقوس) يعلل ذلك التشوه في ضوء النجوم‬ ‫ويعلل إحساسه غير املريح ّ‬ ‫باملط‪.‬‬ ‫وهكذا َفهِ م الس� � ��يد >إيڤ� � ��رارد< أنه كان‬ ‫يجرب ما ورد في الكتب املدرسية عن نتائج‬ ‫النس� � ��بية العامة‪ .‬وقبل مدة طويلة ُدعمت تلك‬ ‫النتائ� � ��ج بتج� � ��ارب ذات طبيعة أكث� � ��ر إتقانا‬ ‫م� � ��ن اس� � ��تعمال رغوة معج� � ��ون احلالقة في‬ ‫نزهت� � ��ه املرح� � ��ة‪ ،‬إذ أثبتت تل� � ��ك التجارب أن‬ ‫املادة والطاقة حتني� � ��ان املكان والزمان‪ ،‬وأن‬ ‫انحناء الزمكان يجعل املادة والطاقة تسلكان‬ ‫مس� � ��ارات منحنية‪( .‬ومن األمثلة على الطاقة‪:‬‬ ‫ش� � ��عاع مؤش� � ��ره الليزري والضوء اآلتي من‬ ‫النجوم‪ ).‬كان رأسه وقدماه «يريدان» سلوك‬ ‫منحني� �ي��ن مختلف� �ي��ن اختالفا طفيف� � ��ا‪ ،‬وهذا‬ ‫االختالف هو الذي و ّلد اإلحساس باملط‪.‬‬ ‫وخالل اس� � ��تغراق الس� � ��يد >إيڤرارد< في‬ ‫التفكي� � ��ر في تل� � ��ك احلقائق قرر الع� � ��ودة إلى‬ ‫مركبته الفضائية التي كانت تبعد مسافة جيدة‬ ‫(أو باألحرى س� � ��يئة) قدرها مئة متر عن منطقة‬ ‫األمان داخل كبس� � ��ولته املقفل� � ��ة هوائيا‪ ،‬فأعاد‬ ‫الضغ� � ��ط على زر تش� � ��غيل ع� � ��دة النفث‪ ،‬ولكن‬ ‫لم يحدث أي ش� � ��يء‪ .‬وحني الحظ أن مؤش� � ��ر‬ ‫خزان الوقود يش� � ��ير إلى الصفر تواله الفزع‪.‬‬ ‫وفي الواق� � ��ع‪ ،‬كان هو ومث َّلثه الرغوي يندفعان‬ ‫بسرعة ثابتة مبتعد ْين عن املركبة الفضائية‪.‬‬ ‫لذا تص ّرف بسرعة‪ :‬فرمى مباشرة منقلته‬ ‫ومؤش� � ��ره اللي� � ��زري وعلبة الرغ� � ��وة‪ ،‬وجميع‬ ‫األش� � ��ياء األخرى املوجودة في ح� � ��زام ُع َّدته‪،‬‬ ‫بعي� � ��دا عن مركبته الفضائي� � ��ة‪ .‬وكان يرتد مع‬ ‫كل رمية قليال بعكس اجتاه الرمي‪ ،‬أي باجتاه‬ ‫مركبته‪ ،‬وذلك وفق مبدأ انحفاظ الزخم ‪ .‬وقد‬ ‫نزع أخيرا حتى ُع َّدة النفث وقذف ذلك العبء‬ ‫الثقي� � ��ل بعيدا بكل ما أوتي م� � ��ن قوة‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪6‬‬

‫‪Curved Spacetime‬‬ ‫‪flat space‬‬ ‫‪curved space‬‬ ‫‪NEGATIVE CURVATURE‬‬ ‫‪GRAVITY comes from CURVATURE‬‬ ‫‪momentum conservation‬‬


‫[ ُف ْرجة]‬

‫ملاذا يسمح االنحناء (التقوس) بحدوث حركة غير عادية؟‬

‫( )‬

‫في فضاء منبسط‪ ،‬ال تس� � ��تطيع مجموعة منعزلة من األجسام الساكنة أن حترك‬ ‫مركز كتلتها‪ ،‬ولكن الفضاء املنحني يحوي فرجة(‪ )1‬جلعل حركة املركز ممكنة‪.‬‬

‫‪m‬‬

‫‪m‬‬

‫‪2r‬‬ ‫‪r‬‬ ‫‪2m‬‬

‫‪m‬‬

‫‪m‬‬

‫ُيحدَّد مركز الكتلة بدقة في الفضاء‬ ‫املنبسط‬ ‫لثالث كرات كتلة كل منها ‪ m‬وموضوعة على رؤوس‬ ‫مثلث متساوي األضالع‪ ،‬مركز كتلة يقع في املركز‬ ‫الهندسي للمثلث (النقطة السوداء)‪ .‬ميكن حساب‬ ‫هذا املوقع بوصفه نقطة لها البعد نفسه عن رؤوس‬ ‫املثلث الثالثة (في اليسار)‪ .‬بيد أن من املمكن‬ ‫حسابه أيضا على مرحلتني (في اليمني)‪.‬‬ ‫ال ميكن حتديد مركز الكتلة بدقة في‬ ‫الفضاء املنحني‬ ‫تصور اآلن أن الكرات الثالث موجودة في فضاء‬ ‫منحن‪ ،‬مثل سطح كرة‪ ،‬وأن مواقعها في دكار‬ ‫وسنغافورة وتاهيتي على الكرة األرضية‪ .‬عند‬ ‫حساب مركز الكتلة باعتباره نقطة متساوية األبعاد‬ ‫عن هذه الكرات الثالث جند موقعا قريبا من القطب‬ ‫الشمالي (في اليسار)‪ .‬أما إذا حسبنا مركز‬ ‫الكتلة على مرحلتني‪ ،‬فإننا جند نقطة قريبة من خط‬ ‫االستواء (في اليمني)‪ .‬وهذا الغموض في مركز‬ ‫الكتلة يجعل باإلمكان «السباحة» عبر فضاء منحن‪.‬‬

‫ولألسف‪ ،‬حني لم يبق أي شيء ُيقذف‪ ،‬وجد‬ ‫أنه ال يس� � ��تطيع فعل شيء سوى إبطال تأثير‬ ‫حركته األولى عند ابتعاده عن املركبة‪ .‬أصبح‬ ‫اآلن عائما في الفضاء وساكنا بالنسبة إلى‬ ‫س� � ��فينته لكنه م� � ��ازال بعيدا عنه� � ��ا‪ .‬كان من‬ ‫املمك� � ��ن أن يب� � ��دو موقفه ميؤوس� � ��ا منه‪ :‬فقد‬ ‫غرس في ذهنه م� � ��درس الفيزياء الذي ع ّلمه‬ ‫في املرحلة الثانوية‪ ،‬اس� � ��تحالة تسريع جسم‬ ‫م� � ��ن دون أن تؤثر فيه ق� � ��وة خارجية‪ ،‬أو أن‬ ‫تُق َذف منه كتلة ما‪.‬‬ ‫من حس� � ��ن حظ صاحبنا العائم أنه سبق‬ ‫وأثبت أنه موجود في فضاء منحن‪ ،‬وأنه ميتلك‬ ‫ما يكفي م� � ��ن احلكمة ملعرفة أن بعض قوانني‬ ‫االنحفاظ في الفيزياء التي تع َّلمها في سنواته‬ ‫الدراسية‪ ،‬تعمل في منحن بطريقة تختلف عن‬ ‫عملها في فضاء منبسط نيوتني (غير منحن)‪.‬‬ ‫وبوجه خ� � ��اص‪ ،‬تذكر أنــــه قــــرأ س� � ��نة ‪2003‬‬

‫بحــــثـا في الفيزيـــاء بــينّ فيـــه عالم الكواكب‬

‫(‪)2‬‬

‫>‪ .J‬ويزدم< [من املعهد ‪ ]MIT‬إمكانية التحرك‬ ‫لرائد فضاء عبر فضاء منحن بأس� � ��اليب تُعد‬ ‫مستحيلة حسب قوانني نيوتن للحركة‪ ،‬وذلك‪،‬‬ ‫ببس� � ��اطة‪ ،‬بتأدي� � ��ة حركات بذراعيه وس� � ��اقيه‬ ‫بطريق� � ��ة صحيحة‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬يس� � ��تطيع‬ ‫السباحة من دون حاجة إلى مانع يندفع عبره‪،‬‬ ‫أي بإمكانه استعمال أسلوب يسمى جتديف‬ ‫الكالب عبر الفضاء اخلالي‪.‬‬ ‫وتش� � ��به احلركات املتقن� � ��ة املوصوفة في‬ ‫بحث >ويزدم< الكيفية التي تتبعها قطة حني‬ ‫تس� � ��قط من مكان عال ورأسها في األسفل‪،‬‬ ‫إذ تس� � ��تطيع لوي جسمها‪ ،‬وسحب قوائمها‬ ‫(‪)3‬‬

‫( ) ‪Why Curvature Allows Unusual Motion‬‬ ‫(‪loophole )1‬‬

‫(‪planetary scientist )2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪dog-paddle‬؛ أسلوب في السباحة خاصيته املميزة استلقاء‬ ‫الس � � � ّباح على صدره وحتريك ذراعيه ويديه بالتناوب‪ ،‬وهو‬ ‫(التحرير)‬ ‫يذ ِّكر بطريقة سباحة الكالب‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪7‬‬


‫[كيف تسبح]‬

‫س ّباح في الزمكان املنحني (املقوس)‬

‫( )‬

‫ميكن آللة شبيهة با ِملنْصب‬ ‫ال� � ��ذي له ث� �ل��اث قوائ���م‬ ‫الس� � ��باحة في زمكان خال‬ ‫لكن� � ��ه منح� � ��ن‪ ،‬وذل� � ��ك مبد‬ ‫قوائمها وفتحها وسحبها‬ ‫بطريقة دوري� � ��ة‪ .‬وكل دورة‬ ‫تنفذ فيه� � ��ا أربع� � ��ة أفعال‬ ‫حترك املنصب عبر الفضاء‬ ‫ هنا مس� � ��افة صغيرة في‬‫أعل� � ��ى الصفحة ‪ -‬مع أنها‬ ‫ال تقذف داس��� ًرا(‪ )2‬وال تؤثر‬ ‫فيها قوة خارجية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬

‫وم ّده� � ��ا‪ ،‬فتس� � ��تطيع فتل جس� � ��مها‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تتمكن من الهبوط أرضا وهي على قوائمها‪.‬‬ ‫تس� � ��مح قوان� �ي��ن امليكانيك النيوتن� � ��ي بتغيير‬ ‫توجي� � ��ه حركة القطة من دون حاجة إلى دفع‬ ‫أي شيء‪ ،‬وال أن تُدفع بأي شيء‪ ،‬ولكن تلك‬ ‫القوانني ال تسمح بتغيير سرعتها‪.‬‬ ‫يس� � ��تعمل مالحو الفض� � ��اء‪ ،‬أمثال أولئك‬ ‫املوجودي� � ��ن على م� �ت��ن احملط���ة الفضائية‬ ‫الدولي���ة ‪ ،‬عند تدوير أنفس� � ��هم في حاالت‬ ‫انع� � ��دام الوزن‪ ،‬صيغ ًة ألس� � ��لوب فتل القطط‬ ‫ألجس� � ��امها م� � ��ن دون احلاج� � ��ة إلى مقبض‬ ‫يدوي ‪ .‬تقوم قطة أو رائد فضاء في الزمكان‬ ‫املنحني للنس� � ��بية العامة بح� � ��ركات بهلوانية‬ ‫أكثر روعة‪ .‬أما بطل قصتنا‪ ،‬فقد قطع مسافة‬ ‫العودة إلى مركبت� � ��ه الفضائية بزمن يتجاوز‬ ‫الساعة بقليل‪ ،‬وهذه سرعة‪ ،‬وإن لم تكن رقما‬ ‫قياسيا أوملپيا‪ ،‬لكنها بالتأكيد كافية لتضمن‬ ‫أن يعيش ليضطلع مبزيد من املغامرات‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫(‪)4‬‬

‫دروس في السباحة‬

‫(٭٭)‬

‫كيف تعم� � ��ل بالضب� � ��ط الظاه� � ��رة التي‬ ‫وصفها >ويزدم< في بحثه؟ وكيف يستطيع‬ ‫مغامر مثل الس� � ��يد >إيڤرارد< السباحة في‬ ‫الفض� � ��اء؟ في فض� � ��اء مس� � ��طح ‪ -‬أي ذلك‬ ‫الفض� � ��اء املفترض في امليكاني� � ��ك النيوتني‪،‬‬ ‫وفي النس� � ��بية اخلاصة أيض� � ��ا ‪ -‬ال ميكن‬ ‫‪8‬‬

‫مطلقا تس� � ��ريع مركز ثق� � ��ل منظومة معزولة‬ ‫(مث� � ��ل منظومة رائد فض� � ��اء مع الوزن امليت‬ ‫ع ّدة النفث)‪ .‬لنفترض أن السيد >إيڤرارد<‬ ‫لُ‬ ‫ربط ُع َّدة النفث بحبل طويل قبل قذفها بغية‬ ‫اس� � ��تردادها بعدئذ بإع� � ��ادة لفها‪ .‬ماذا كان‬ ‫ميك� � ��ن أن يحدث؟ إن مرك� � ��ز ثقل منظومتها‬ ‫وع َّدته) س� � ��يبقى من دون‬ ‫(املكونة من الرائد ُ‬ ‫تغيير ط� � ��وال كامل الرحلة منذ بدايتها حني‬ ‫أخذ الرائد والع� � ��دة باالبتعاد أحدهما عن‬ ‫اآلخ� � ��ر‪ ،‬ومن ثم عند دن� � ��و أحدهما من‬ ‫اآلخ� � ��ر مج� � ��ددا‪ .‬وس� � ��تكون النتيجة‬ ‫ف� � ��ي نهاية املطاف ع� � ��ودة الرائد‬ ‫وع َّدت� � ��ه إلى موقعهم� � ��ا األولي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بعبارة أع ّم‪ ،‬ال يس� � ��تطيع السيد‬ ‫>إيڤرارد< التحرك مبجرد تبديل‬ ‫هيئته أو بنيته ثم استعادتها ثانية‪.‬‬ ‫أما في فضاء منح� � ��ن‪ ،‬فيختلف املوقف‪.‬‬ ‫وكي نفهم الس� � ��بب‪ ،‬لنتصور مخلوقا غريبا‬ ‫(وسنطلق عليه في بقية املقالة اسم الغريب)‬ ‫بذراعني وذنب‪ ،‬كل منها قابل للمد والسحب‬ ‫[انظر اإلطار في الصفحة املقابلة]‪ .‬لتبسيط‬ ‫املناقش� � ��ة‪ ،‬لنتصور أن كتل� � ��ة الغريب ُمركزة‬ ‫كلها تقريبا في نهايات أطرافه الثالثة بحيث‬ ‫( ) ‪A Swimmer In Curved Spacetime‬‬ ‫( ) ‪Swimming Lessons‬‬ ‫(‪tripodlike )1‬‬ ‫(‪propellant )2‬‬ ‫(‪the International Space Station )3‬‬ ‫(‪handhold )4‬‬ ‫(‪curvature )5‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫للزمكان انحناء‬ ‫(تقوس)(‪ )5‬ضئيل‬ ‫جدا باستثناء‬ ‫املناطق القريبة‬ ‫من ثقب أسود‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬ففي التطبيق‬ ‫العملي‪ ،‬البد لك أن‬ ‫تكون سبحت باليني‬ ‫السنني قبل أن تقطع‬ ‫مليمترا واحدا‪.‬‬


‫[ملاذا هي تعمل]‬

‫التجديف عبر كرة‬

‫( )‬

‫ميكن فهم السباحة عبر زمكان منحن بالتفكير في سباح بسيط غريب ذي بعدين يعيش على سطح كرة‪.‬‬ ‫حتديد االجتاهات بدقة‬ ‫الغرب‪ ،‬وذراعاه تتجهان‬ ‫السباح‬ ‫يواجه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫إلى الشمال واجلنوب‪ ،‬وذيله يتجه شرقا‪.‬‬ ‫ولتبسيط املناقشة‪ ،‬تصور أن كل كتلة‬ ‫السباح مركزة في نهاية أطرافه ‪ -‬ربع في‬ ‫كل يد‪ ،‬والنصف الباقي في نهاية ذيله‪.‬‬

‫مد الذراعني نحو اخلارج‬ ‫متتد الذراعان شماال وجنوبا (تدل الكرتان‬ ‫البرتقاليتان على املوقعني حيث كانت‬ ‫الذراعان في البداية)‪ .‬واحلركة املساوية‬ ‫واملضادة باالجتاه ُت ْبقِ ي االندفاعَ (كمية‬ ‫احلركة)(‪ )1‬متوازنا‪.‬‬

‫مد الذنب‬ ‫ميتد الذنب اآلن شرقا‪ .‬وكي يتوازن‬ ‫االندفاع‪ ،‬تتحرك الذراعان غربا‪ .‬ونظرا‬ ‫لكون اليدين قرب قطبي الكرة‪ ،‬فإنهما‬ ‫تعبران خطوط طول عدة لتقطعا املسافة‬ ‫نفسها التي تقطعها النهاية الثقيلة للذيل‪،‬‬ ‫ويقطع «الكتفان» مسافة كبيرة غربا على‬ ‫طول خط االستواء‪.‬‬

‫مد الذراعني نحو الداخل‬ ‫تنسحب الذراعان على خطوط الطول‬ ‫(املكافئة خلطوط مستقيمة على الكرة)‪.‬‬ ‫واآلن يكون ُب ْعد اليدين عن النقطتني اللتني‬ ‫انطلقتا منهما غربا أكبر من بعد نهاية‬ ‫الذنب عن نقطة انطالقه شرقا‪.‬‬

‫َس ْح ُب الذنب‬ ‫عندما ُيسحب الذنب ثانية‪ ،‬تتحرك اليدان‬ ‫إلى اخللف باجتاه الشرق ملوازنة االندفاع‪.‬‬ ‫وتكون دورة األفعال قد حركت السباح كله‬ ‫مسافة قصيرة باجتاه الغرب بسبب املسافة‬ ‫«اإلضافية» التي قطعتها اليدان‪.‬‬ ‫إذا جرت هذه األفعال نفسها على سطح سرج ‪ -‬يتسم‪ ،‬كما هو معلوم‪ ،‬بانحناء (تقوس)‬ ‫سالب ‪ -‬فإنها حترك السباح شرقا‪ .‬انظر املوقع‪ http://physics.technion.ac.il/~avron :‬لالطالع‬ ‫على حتريكات كال املثالني‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫يقع رب� � ��ع كتلة ف� � ��ي كل من يدي� � ��ه ونصفها‬ ‫املتبقي في نهاي� � ��ة الذنب‪ .‬يعجز هذا الغريب‬ ‫عن العوم في فضاء مس� � ��طح‪ ،‬فإذا حاول مد‬ ‫ذنبه مترين‪ ،‬مثال‪ ،‬حتركت اليدان إلى األمام‬ ‫مس� � ��افة متر واح� � ��د‪ ،‬وحترك ط� � ��رف الذنب‬ ‫إلى الوراء مس� � ��افة متر واحد‪ ،‬محافظا على‬ ‫مركز الكتلة‪ .‬وسحب الذنب مرة أخرى يعيد‬ ‫الغريب بكامل جس� � ��مه إلى موقعه االبتدائي‪،‬‬ ‫وع � � � َّدة النفث‬ ‫متاما مثل الس� � ��يد >إيڤرارد< ُ‬ ‫اخلاملة‪ .‬وحتدث أش� � ��ياء مشابهة إذا حاول‬ ‫الغريب مد ذراعيه‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فمهما كانت‬ ‫مجموع� � ��ة أو متتالية حركات املد والس� � ��حب‬ ‫الت� � ��ي ينفذها الغريب‪ ،‬ف� � ��إن مركز ثقله يبقى‬ ‫صامدا في مكانه‪ .‬ولعل أفضل ما ميكنه فعله‬ ‫هو استعمال أس� � ��لوب القطط (مد األطراف‪،‬‬ ‫وفتلها دائريا‪ ،‬وس� � ��حبها‪ ،‬ثم إع� � ��ادة فتلها)‬ ‫لتغيير املنحى املتجه إليه‪.‬‬ ‫واآلن لنتص� � ��ور أن ه� � ��ذا الغريب يعيش‬ ‫في فضاء منحن ش� � ��كله ش� � ��بيه بسطح كرة‪.‬‬ ‫سأس� � ��تعمل مصطلح� � ��ات جغرافية لوصف‬ ‫املواق� � ��ع واالجتاهات على الكرة للمس� � ��اعدة‬ ‫على تصور ه� � ��ذا الفضاء‪ .‬يوجد الغريب في‬ ‫البداية على خط اس� � ��تواء الكرة بحيث يتجه‬ ‫رأس� � ��ه غربا‪ ،‬ويكون كل م� � ��ن ذراعيه وذنبه‬ ‫منس� � ��حبا نحوه‪ .‬مي� � ��د إح� � ��دى ذراعيه نحو‬ ‫الش� � ��مال واألخرى نحو اجلن� � ��وب‪ ،‬ثم يط ِّول‬ ‫ذنب� � ��ه محتفظا بذراعيه ممتدت� �ي��ن وتصنعان‬ ‫زاويتني قائمتني مع جس� � ��مه‪ .‬وكما هو احلال‬ ‫في فضاء مسطح‪ ،‬إذا حترك طرف الذنب ذو‬ ‫الوزن الثقيل مسافة متر واحد شرقا حتركت‬ ‫اليدان نتيجة لذلك مس� � ��افة متر واحد غربا‪.‬‬ ‫ولكن هنا يكمن الفرق احلاس� � ��م في احلركة‬ ‫على الكرة‪ ،‬إذ ُيبقي الغريب ذراعيه ممتدتني‬ ‫مبوازاة خطوط طول الكرة‪ ،‬وتكون املسافات‬ ‫الفاصلة بني تلك اخلطوط أكبر ما ميكن على‬ ‫خط اس� � ��تواء الكرة‪ .‬وهكذا حني تتحرك يدا‬ ‫الغريب (القريبتان إلى قطبي الكرة الشمالي‬ ‫واجلنوبي) مس� � ��افة متر واحد غربا‪ ،‬يتحرك‬ ‫كتفاه (الواقعان على خط االس� � ��تواء) مسافة‬ ‫( ) ‪Paddling Across A Sphere‬‬ ‫(‪momentum )1‬‬

‫‪9‬‬


‫[قم بها بنفسك]‬

‫اعتبره سبينا‬

‫( )‬

‫إن الزمكان قرب األرض قريب جدا من كونه مس� � ��طحا‪ ،‬ومن ثم ال تس� � ��تطيع «الس� � ��باحة» عبره كي تغير موقعك‪ .‬بيد أن مبقدورك تغيير توجيهك من دون‬ ‫احلاجة إلى قوة خارجية (وهذا يشبه كثيرا قيام قطة تهوي من عل بفتل جسمها لتهبط على األرض واقفة على قوائمها)‪ ،‬وإليك طريقة لتجربة ذلك‪ .‬ملشاهدة‬ ‫الڤيديو انظر‪.www.ScientificAmerican.com :‬‬ ‫‪ ‬اركع أو اجلس على كرسي‬ ‫دوار‪ ،‬يفضل أال يكون من‬ ‫النوع الهزاز‪ .‬أبعد ثقال حتمله‬ ‫بأن متد يدك بعيدا عن جسمك‬ ‫(سيزيد الثقل األثر)‪.‬‬

‫‪َ ‬د ِّور الثقل حول جسمك إلى‬ ‫اجلهة املقابلة‪ ،‬مبقيا ذراعيك‬ ‫ممدودتني طوال الوقت‪ .‬وللحفاظ‬ ‫على االندفاع الزاوي(‪ ،)1‬يجب‬ ‫أن يدور الكرسي (وأنت عليه)‬ ‫إلى اجلهة املقابلة أيضا‪.‬‬

‫أكبر من متر واحد!‬ ‫وعندما يس� � ��حب الغريب ذراعيه مبوازاة‬ ‫ط� � ��ول الكرة‪ ،‬ينته� � ��ي به األم� � ��ر بحيث تكون‬ ‫يداه على مس� � ��افة أبعد من متر غربا‪ .‬وحني‬ ‫يستعيد تشكيلته األصلية بسحب ذنبه‪ ،‬يجد‬ ‫نفس� � ��ه على خط االس� � ��تواء‪ ،‬إال أنه يكون قد‬ ‫ابتعد عن موقعه األصلي قليال نحو الغرب!‬ ‫وبتك� � ��رار متواص� � ��ل الس� � ��تعماله تل� � ��ك‬ ‫احلركات‪ ،‬يستطيع الغريب الزحف على طول‬ ‫خط االس� � ��تواء‪ .‬أما طرف الذنب واليدان ذات‬ ‫الثقل غير املعتاد‪ ،‬فال تشكل عوامل جوهرية‬ ‫للسباحة‪ :‬إمنا من األسهل معرفة املسافة التي‬ ‫قطعتها حركة الذراعني استجابة لبسط الذنب‬ ‫إذا كان جمي� � ��ع الثقل مرك� � ��زا في تلك النقاط‬ ‫الث� �ل��اث‪ .‬وما يح� � ��دث هو أن� � ��ه إذا كانت هذه‬ ‫الكائنات تعتمد في بقائها حية على السباحة‬ ‫منحن‪ ،‬فرمبا تصنع كتال ثقيلة في‬ ‫في فضاء‬ ‫ٍ‬ ‫أطرافها حتسينا لكفاءتها في السباحة‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬ف� � ��إن كتلتني موضوعتني في املرفقني لن‬ ‫تس� � ��اعدا على الوصول إلى تلك املسافة حول‬ ‫‪10‬‬

‫‪ ‬اآلن‪ ،‬أعد الثقل إلى‬ ‫موقعه االبتدائي بحيث‬ ‫يكون مساره مارا‪ ،‬قدر‬ ‫اإلمكان‪ ،‬عبر محور‬ ‫الكرسي‪.‬‬

‫‪ ‬يتحرك الكرسي باجتاه وضعه االبتدائي‪،‬‬ ‫و ُي ِت َّم جزءا من الدورة التي قطعها بعد بدء‬ ‫دورانه‪ ،‬ولكن يجب أن تنتهي في وضع‬ ‫مختلف عن ذاك الذي انطلقت منه‪ .‬إن إعادة‬ ‫هذه احلركة ميكن أن تؤدي إلى قيامك بدورة‬ ‫كاملة إذا كنت والكرسي متوازنني جيدا‪.‬‬

‫الك� � ��رة التي ميكـن أن تصلها اليــدان‪ ،‬ومن ث ّم «ال ميكنك حتسني‬ ‫ال تو ّلد حركة إضافية كبيرة للجسم‪.‬‬ ‫وقفتك بنفسك من‬ ‫صحيح إن الكرة سطح ذو‬ ‫دون مساعدة من‬ ‫بعدين فقط‪ ،‬ولكن املبادئ‬ ‫أحد‪ ،‬ولكن مبقدورك‬ ‫نفسها تنطبق على زمكان‬ ‫القيام بهذا التحسني‬ ‫منحن رباعي األبعاد‪ .‬إذ‬ ‫ميك� � ��ن لتغيرات تكرارية‬ ‫بتحريك قدميك‬ ‫في تشكيلة منظومة أن‬ ‫بطريقة إيقاعية‪».‬‬ ‫تؤدي إل� � ��ى انزياح هذه‬ ‫التش� � ��كيلة‪ .‬أما الس� � ��ابح‬ ‫ال� � ��ذي اقترح� � ��ه >ويزدم<‪،‬‬ ‫فهو مِ ْنصب ميكن أن يتداخل‬ ‫بعض� � ��ه ببع� � ��ض‪ .‬ه� � ��ذا وميكن‬ ‫تقليص أرجل� � ��ه أو زيادة طولها‪،‬‬ ‫وميكن أيضا توسيع أو تضييق‬ ‫الزواي� � ��ا التي بينها‪ .‬يس� � ��بح ا ِملنْصب مبد‬ ‫قوائمه ونشرها وس� � ��حبها وضم بعضها‬ ‫إلى بع� � ��ض‪ ،‬وكلما َك ُب َر انحن� � ��اء الزمكان‬ ‫(‪)2‬‬

‫( ) ‪taking it for a spin‬‬ ‫(‪angular momentum )1‬‬ ‫(‪tripod )2‬؛ جه� � ��از يقف عل� � ��ى‬

‫ثالثة قوائم وتُر َّك� � ��ب عليه عادة‬ ‫(التحرير)‬ ‫كاميرة أو أدوات هندسية‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫>‪ .J‬ويزدم<‪[ ،‬من املعهد ‪]MIT‬‬


‫[شذوذات أخرى]‬

‫إلى ما بعد نيوتن‬

‫( )‬

‫منذ عهد بعيد‪ ،‬تنبأت نظرية النسبية العامة بعدة نتائج ليس لها ما مياثلها في نظرية التثاقل النيوتني‪ ،‬إضافة إلى الظواهر احلديثة التي لم تُكتشف بعد‬ ‫في السباحة واالنزالق الزمكانيني‪.‬‬ ‫النتيجة‬

‫مثال‬

‫متدد الزمن‬ ‫التثاقلي‬

‫موجات‬ ‫تثاقلية‬

‫مفعول العاملني‬ ‫>‪ .J‬لنس< و‬ ‫(‪)1‬‬ ‫>‪ .H‬ثيرينگ<‬

‫ثقوب دودية‬

‫(‪)2‬‬

‫التفسير‬

‫النظرية‬

‫ُتستعمل في التقانة‪ :‬فنظام حتديد املواقع العاملي‬ ‫يجب أن يسمح بتمدد الزمن التثاقلي لدى توقيت‬ ‫إشاراته ليحسب املواقع بدقة‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫سيدة تسافر قرب ثقب‬ ‫أسود؛ إنها تصبح‬ ‫أصغر س ّنا من شقيقها‬ ‫التوأم الذي يظل مقيما‬ ‫على األرض‪.‬‬

‫مير الوقت ببطء أكثر في حقل‬ ‫تثاقلي قوي‪.‬‬

‫توصل إليها‬ ‫خالل أبحاثه التي ُتوِّ َجت‬ ‫بنظرية النسبية العامة‪.‬‬

‫موجات ثقالية تنتشر‬ ‫من نظام جنم مضاعف‬ ‫بسرعة الضوء‪.‬‬

‫املوجات التثاقلية هي اهتزازات‬ ‫مسافرة لهندسة الزمكان‪ ،‬كما‬ ‫لو كان الزمكان نفسه خاضعا‬ ‫لذبذبات االنضغاط والتمدد‪.‬‬

‫من الواضح أن معادالت‬ ‫نظرية النسبية العامة تسمح‬ ‫وضوحا بوجود موجات‪،‬‬ ‫بيد أنه من الصعب القيام‬ ‫بتحليل دقيق لهذه املوجات‪.‬‬

‫لوحظ‪ ،‬بطريقة غير مباشرة‪ ،‬في سبعينات القرن‬ ‫املنصرم‪ :‬إذ إن املدور املداري(‪ )4‬لنباض(‪ )5‬وجنم‬ ‫ُقصر الزمن كما‬ ‫نتروني يكونان نظاما ثنائيا ي ِّ‬ ‫لو كان متوقعا‪ ،‬وذلك بسبب إصدار املوجات‬ ‫التثاقلية‪ .‬وتسعى جتربة ‪ ،LIGO‬مع غيرها من‬ ‫التجارب‪ ،‬إلى احلصول على أرصاد مباشرة لتلك‬ ‫املوجات التثاقلية‪.‬‬

‫ساتل قرب األرض‬ ‫يشعر بقوة جتذبه‬ ‫باجتاه دوران األرض‬ ‫حول محورها‪.‬‬

‫مثل كرة تدوّ م في مادة لزجة‪،‬‬ ‫وهي مادة تدور محوريا وجتر‬ ‫الزمكان ذاته بقدر ضئيل‪.‬‬

‫تنبأ بها >‪ .J‬لنس<‬ ‫و>‪ .H‬ثيرينگ< عام ‪.1918‬‬

‫في الشهر ‪ 2009/2‬أعلن الباحثون أن الساتل‬ ‫املسمى مجس الثقالة ‪ )6(B‬كان منسجما مع التنبؤ‪،‬‬ ‫بارتياب جتريبي قدره ‪ 15‬في املئة‪.‬‬

‫طريق مختصرة‬ ‫افتراضية تصل بني‬ ‫منطقتني مختلفتني من‬ ‫الفضاء‪.‬‬

‫ثمة أنواع افتراضية غير عادية‬ ‫من الطاقة توفر زمكانا منحنيا‬ ‫سلبا‪ ،‬وهذا مطلوب لتكوين بنية‬ ‫ذات ثقوب دودية‪.‬‬

‫نوقشت في وقت مبكر‬ ‫يعود إلى عام ‪1916‬؛ وقد‬ ‫بني الباحثون عام ‪1988‬‬ ‫أن نظرية النسبية العامة‬ ‫تسمح بوجود ثقوب دودية‬ ‫ميكن اجتيازها‪.‬‬

‫مازال األمر يتسم بنسبة عالية من التخمني؛‬ ‫ويعتقد معظم الفيزيائيني أنه لن يعثر على هذه‬ ‫الثقوب البتة‪.‬‬

‫حي� � ��ث يوج� � ��د ا ِملنْصب‪ ،‬اتس� � ��عت إزاحته‬ ‫بتأثير تتالي هذه احلركات‪.‬‬ ‫أهي مخالفات حركية؟‬

‫( )‬

‫في الوهل� � ��ة األولى‪ ،‬قد يكون من املدهش‬ ‫معرفة أن إمكانية الس� � ��باحة نتيجة مباشرة‬ ‫لقوانني االنحفاظ األساس� � ��ية‪ ،‬وليس انتهاكا‬ ‫له� � ��ا‪ .‬فالس� � ��باحة ممكنة في فض� � ��اء منحن‬ ‫بس� � ��بب عدم توفر تعريف غي� � ��ر مهم ملفهوم‬ ‫مركز الثقل‪ .‬لنفت� � ��رض أن لدينا ثالث كرات‬ ‫وزن كل منه� � ��ا كيلوغرام واح� � ��د‪ ،‬وكل منها‬ ‫موض� � ��وع على أحد رؤوس مثلث متس� � ��اوي‬ ‫األضالع‪ .‬يقع مركز ثقلها في فضاء مسطح‬ ‫في املركز الهندس� � ��ي للمثلث‪ .‬ومع أنه ميكن‬ ‫حس� � ��اب موقعه بطرائ� � ��ق مختلفة فأي طريقة‬ ‫منها تعطين� � ��ا النتيجة نفس� � ��ها‪ .‬ميكنك مثال‬ ‫إيجاد النقطة املتساوية املسافات عن الكرات‬

‫>‪ .A‬آينشتاين<‬

‫الوضع‬

‫الث� �ل��اث‪ ،‬أو ميكنك االس� � ��تعاضة عن كرتني‬ ‫منهما بكرة واحدة تزن كيلوغرامني موضوعة‬ ‫في منتصف املسافة بينهما‪ ،‬ومن ثم حساب‬ ‫مركز ثقل تلك الكرة مع الكرة الثالثة (النقطة‬ ‫الواقعة في ثلث املس� � ��افة على املستقيم الذي‬ ‫يصلها بالك� � ��رة الثالثة)‪ .‬وفي جميع احلاالت‬ ‫حتصل على النتيجة نفس� � ��ها‪ .‬هذه احلقيقة‬ ‫الهندس� � ��ية تنس� � ��حب إلى حقيقة عن دينامية‬ ‫املنظومة تنص على أنه ال ميكن أن يتس� � ��ارع‬ ‫مركز ثقل منظومة معزولة‪.‬‬ ‫ولكن مثل تلك الطرائق املختلفة للحسابات‬ ‫على سطح منحن قد ال تعطي النتيجة نفسها‪.‬‬ ‫لنتصور مثلثا رؤوس� � ��ه ثالث كرات متساوية‬ ‫( ) ‪Beyond Newton‬‬ ‫( ) ?‪Moving Violations‬‬ ‫(‪Lense - Thirring effect )1‬‬ ‫(‪wormholes )2‬‬ ‫(‪the Global Positioning System (GPS) )3‬‬ ‫(‪the orbital period )4‬‬ ‫(‪pulsar )5‬‬ ‫(‪the Gravity Probe B )6‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪11‬‬


‫املؤلف‬ ‫‪Eduardo Guéron‬‬

‫أستاذ مشارك في الرياضيات التطبيقية‬ ‫بجامعة ‪ Federal University of ABC‬في‬ ‫البرازيل (تقع املنطقة »‪«ABC Region‬‬ ‫على حدود مدينة سان باولو)‪ .‬حصل‬ ‫>گيرون < على الدكتوراه من جامعة‬ ‫كامپيناس احلكومية(‪ )1‬بالبرازيل عام‬ ‫‪ ،2001‬وكان أستاذا زائرا في املعهد ‪MIT‬‬ ‫من عام ‪ 2003‬إلى عام ‪ .2004‬وهو يدرس‬ ‫التثاقل والنظم الدينامية(‪ )2‬ومسائل‬ ‫أساسية في الفيزياء العامة‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫وزن� � ��ا‪ ،‬وموضوعة في مدن جميعها قريبة من‬ ‫خط االستواء‪ ،‬مثل سنغافورة ودكار وتاهيتي‪.‬‬ ‫تقع النقطة املتس� � ��اوية املسافات عن كل من‬ ‫الك� � ��رات الثالث قرب القطب الش� � ��مالي‪ .‬أما‬ ‫إذا اس� � ��تعيض عن الكرتني املوضوعتني في‬ ‫سنغافورة ودكار بكرة أثقل منهما ووضعت‬ ‫بينهما‪ ،‬ثم ُح ِسب املوقع على الدائرة العظمى‬ ‫املوجود على ثلث املسافة من هذه الكرة إلى‬ ‫تل� � ��ك التي في تاهيتي لوجد أنه يقع قريبا من‬ ‫خط االس� � ��تواء‪ .‬لذا‪ ،‬فإن «مرك َز الكتلة» على‬ ‫ٌ‬ ‫غامض‪ .‬وتؤك� � ��د هذه احلقيقة‬ ‫منحن‬ ‫�طح‬ ‫ٍ‬ ‫س� � � ٍ‬ ‫الهندس� � ��ية إمكانية حركة منظومة في فضاء‬ ‫منحن حتى حينما تكون املنظومة معزولة عن‬ ‫أي تأثيرات خارجية‪.‬‬ ‫وتبرز أيضا مواضيع دقيقة أخرى‪ .‬مثال‪،‬‬ ‫تتضمن الواجب� � ��ات البيتية املتعارفة واملقررة‬ ‫لطلبة الفيزياء مسائل تتناول إيجاد احملصلة‬ ‫النهائية جلمع القوى املؤثرة في جسم‪ .‬يعبر‬ ‫ُرسم‬ ‫طلبة الفيزياء عن هذه القوى مبتجهات ت َ‬ ‫ممثل ًة بأس� � ��هم‪ .‬وجترى عملية جمع متجهني‬ ‫بأن ُيخْ ضع الس� � ��هم املمثل ألحدهما لعملية‬ ‫انس� � ��حاب إلى أن يصبح مبدؤه منطبقا على‬ ‫نهاية الس� � ��هم املمثل للمتج� � ��ه اآلخر‪ .‬أما في‬ ‫فضاء منح� � ��ن‪ ،‬فهنالك م� � ��آزق إذا اتُّبع هذا‬ ‫النهج التقليدي‪ ،‬إذ قد يتغير منحى متجه إذا‬ ‫طبقت عليه العملية السابقة‪ .‬لذا‪ ،‬فإن اإلجراء‬ ‫املتبع حلساب القوة الكلية املؤثرة في جسم‬ ‫ف� � ��ي فضاء منحن أعقد كثي� � ��را‪ ،‬إذ ميكن أن‬ ‫يترتب عليها أمور غريبة كالسباحة مثال‪.‬‬ ‫رمبا تبدو بع� � ��ض نتائج التثاقل النيوتني‬ ‫مش� � ��ابهة للوهلة األولى للسباحة الزمكانية‪.‬‬ ‫فمثال ميكن لرائد فض� � ��اء عند دورانه حول‬ ‫األرض تغيي� � ��ر مس� � ��اره بأن يتمط� � ��ى طوليا‬ ‫ويتكور على هيئة ك� � ��رة في مراحل مختلفة‪.‬‬ ‫ولكن ه� � ��ذه النتائ� � ��ج النيوتني� � ��ة مختلفة عن‬ ‫السباحة الزمكانية (في الزمكان)‪ ،‬فحدوثها‬ ‫ممكن بس� � ��بب أن احلقل التثاقلي يتغير من‬ ‫موقع إلى آخر‪ .‬إضاف� � ��ة إلى هذا‪ ،‬فإن على‬ ‫الرائ� � ��د توقيت حركات� � ��ه تل� � ��ك‪ ،‬مثلما يفعل‬ ‫شخص على أرجوحة لتسريع تأرجحه‪ .‬ومن‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫ثم‪ ،‬فإنه ال يس� � ��تطيع تغيير مساره النيوتني‬ ‫بتكرار س� � ��ريع حلركات صغيرة جدا‪ ،‬ولكن‬ ‫رائد فض� � ��اء في زم� � ��كان منحن يس� � ��تطيع‬ ‫السباحة بهذه الطريقة نفسها‪.‬‬ ‫إن إمكانية الس� � ��باحة الزمكانية لم تسترع‬ ‫إليها انتب� � ��اه أحد مدة تقارب تس� � ��عني عاما‪،‬‬ ‫وهذا يذكرنا بنظريات آينشتاين التي مازالت‬ ‫غير مفهومة متام الفهم‪ .‬ومع أن من املستبعد‬ ‫إنشاء صاروخ سابح‪ ،‬في أي وقت قريب‪ ،‬ولكن‬ ‫الفيزيائ� � ��ي >‪ .F‬ويلتزك< [احلاصل على جائزة‬ ‫نوبل‪ ،‬والذي هو أيضا من املعهد ‪ ]MIT‬أشار‬ ‫إلى أن نتائج أبحاث >ويزدم< تثير تس� � ��اؤالت‬ ‫بالغة العمق حول طبيعة املكان والزمان‪.‬‬ ‫وبوجه خاص‪ ،‬فإن الكتش� � ��افات >ويزدم<‬ ‫صلة بتس� � ��اؤل قدمي العهد ومثير للجدل هو‪:‬‬ ‫هل الفضاء جسم مادي (وهو موقف فلسفي‬ ‫يسمى املادّوية )‪ ،‬أم إنه مجرد أداة مفاهيمية‬ ‫مالئمة للتعبير عن العالقات بني األجسام (وهو‬ ‫موقف فلسفي آخر يسمى العالئقية )‪.‬‬ ‫وبغي� � ��ة توضي� � ��ح وجهتي النظ� � ��ر هاتني‪،‬‬ ‫لنتصور السيد >إيڤرارد< وهو يعوم في كون‬ ‫خال متاما‪ .‬ليس� � ��ت هنالك جنوم وال مجرات‬ ‫يهت� � ��دي بها كنقاط مرجعي� � ��ة لتقدير حركته‪.‬‬ ‫�اج >‪ .E‬ماخ< [الفيزيائي‬ ‫وفي عام ‪ ،1893‬ح� � � ّ‬ ‫والفيلس� � ��وف ذو النزعة العالئقي� � ��ة] في أن‬ ‫مفه� � ��وم احلركة في ذل� � ��ك املوقف يغدو عدمي‬ ‫املعن� � ��ى‪ .‬ومع أن فضاء خاليا متاما قد يكون‬ ‫منحنيا‪ ،‬فإنه يتيح للس� � ��يد >إيڤرارد< القدرة‬ ‫على السباحة خالله‪.‬‬ ‫يبدو إذن‪ ،‬أن الزمكان يعمل مبنزلة مائع‬ ‫يس� � ��ند إليه تعري� � ��ف حركة جس� � ��م معزول‪.‬‬ ‫وامتالك الفضاء اخلالي متاما بنية هندسية‬ ‫واضح� � ��ة يقدم دعما آخ� � ��ر ملصلحة املادوية‪.‬‬ ‫وم� � ��ع ذلك‪ ،‬وف� � ��ي الوقت نفس� � ��ه‪ ،‬فاملادة (أو‬ ‫أي ش� � ��كل آخر للطاقة) هي التي تضفي إلى‬ ‫(‪)3‬‬

‫(‪)4‬‬

‫(‪the State University of Campinas )1‬‬ ‫(‪dynamical systems )2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪Substantivalism‬؛ نزعة فلس� � ��فية تدع� � ��و إلى إضفاء وجود‬ ‫مادي إلى األشياء‪.‬‬ ‫‪relationalism‬؛ نزعة فلسفية تركز على العالقة بني األشياء‪،‬‬ ‫ال على األشياء ذاتها‪.‬‬ ‫انظر‪«A Hole at the Heart of Physics,” :‬‬ ‫;‪by George Musser‬‬ ‫‪Scientific American, September 2002‬‬

‫(التحرير)‬


‫الفضاء م� � ��ا ميتلكه من بنية هندس� � ��ية‪ ،‬لذا‪،‬‬ ‫فالزمكان ليس مس� � ��تقال عن محتوياته‪ ،‬وهي‬ ‫نقطة في مصلحة العالئقية‪ .‬إن هذه املناظرة‪،‬‬ ‫التي تبرز في احملاوالت إلنشاء نظرية موحدة‬ ‫للفيزياء‪ ،‬مازالت من دون حل‪.‬‬ ‫على أجنحة الزمن‬

‫( )‬

‫جلس الس� � ��يد >إيڤ� � ��رارد< ‪ -‬بعد اجلهد‬ ‫املره� � ��ق ال� � ��ذي بذله ف� � ��ي الس� � ��باحة للعودة‬ ‫إل� � ��ى مركبته الفضائية ‪ -‬ك� � ��ي يرتاح داخل‬ ‫قمرت� � ��ه تاركا مهمة التخطي� � ��ط لطريق العودة‬ ‫إلى األرض للطيار اآلل���ي ‪ .‬وفجــأة انطـلق‬ ‫اإلنذار وأخذت األض� � ��واء احلمراء بالتوهج‪،‬‬ ‫وهذا يشير إلى أن املركبة كانت تسقط على‬ ‫كوكب كبير الكتلة‪ .‬ابتهج الس� � ��يد >إيڤرارد<‬ ‫بهذه الفرصة التي تتيح له اكتشافات جديدة‬ ‫ومثيرة‪ ،‬ولكن الهبوط على هذا الكوكب ميثل‬ ‫حتديا‪ ،‬إذ لم يكن في املركبة س� � ��وى قليل من‬ ‫الوق� � ��ود ال يكفي لهب� � ��وط معتمد على الطاقة‪،‬‬ ‫ثم إن الكوكب خ� � ��ال من غالف جوي‪ ،‬وهذا‬ ‫يجعل مظلة الهبوط عدمية النفع‪.‬‬ ‫حلسن احلظ‪ ،‬تذ ّكر >إيڤرارد< بحثا كتبته‬ ‫سنة ‪ 2007‬باالشتراك مع زميلي >‪ .A .R‬موسنا<‬ ‫[املختص بالفيزي� � ��اء الرياضياتية من جامعة‬ ‫والية كامپيناس ف� � ��ي البرازيل]‪ .‬توصلنا في‬ ‫بحثنا هذا ‪ -‬بإلهام من مثال >ويزدم< ‪ -‬إلى‬ ‫طريقة أخرى الس� � ��تغالل النسبية العامة في‬ ‫التحكم في احلركة‪ .‬يدل حتليلنا على إمكانية‬ ‫جسم إبطا َء هبوطه نحو كوكب‪ ،‬مثال‪ ،‬بتكرار‬ ‫حركات مد وتقليص بأسلوب التناظري ‪ -‬أي‬ ‫إن حركة املد أسرع من حركة التقليص‪ .‬فإذا‬ ‫جهزت مركبة بجهاز يعمل بذلك األس� � ��لوب‪،‬‬ ‫فإنها تنس� � ��اب مثل طائرة شراعية حتى في‬ ‫حالة انعدام الهواء‪.‬‬ ‫في هذه احلالة‪ ،‬توجد صلة لهذه النتيجة‬ ‫بالصفات الزمانية‪ ،‬ال املكانية‪ ،‬للحركة‪ .‬وتسلط‬ ‫ه� � ��ذه الصلة األضواء عل� � ��ى واحد من أعمق‬ ‫جوانب نظريات آينش� � ��تاين‪ ،‬أال وهو االرتباط‬ ‫بني املكان والزم� � ��ان‪ .‬ففي امليكانيك النيوتني‬ ‫يعني الفيزيائيون احلوادث باس� � ��تعمال ثالثة‬ ‫(‪)1‬‬

‫إحداثيات لتمثيل م� � ��كان وقوعها‪ ،‬وإحداثي‬ ‫واحد لتمثيل زمن حدوثها‪ .‬ولكن يبقى عندهم‬ ‫مفهوما املكان والزمان أحدهما مس� � ��تقل عن‬ ‫اآلخر‪ .‬أما في النسبية اخلاصة‪ ،‬فاملفهومان‬ ‫متش� � ��ابكان متاما؛ إذ إن راصد ْين متحركينْ‬ ‫بس� � ��رعتني مختلفت� �ي��ن رمب� � ��ا ال يتفقان على‬ ‫قياساتهما للمس� � ��افة بني احلادثني وال على‬ ‫وق� � ��ت حدوثهما‪ ،‬لكنهما يتفق� � ��ان على وجود‬ ‫رابطة ما ب� �ي��ن املكان والزم� � ��ان‪ .‬ومع أنهما‬ ‫ٍ‬ ‫يعدان الزم� � ��ان واملكان منفصلني ومختلفني‪،‬‬ ‫فإنهما يريان الزمكان نفسه‪.‬‬ ‫أما ف� � ��ي النس� � ��بية العامة‪ ،‬فتغ� � ��دو ُبنية‬ ‫الزمكان مشوهة (منحنية)‪ .‬ومن نتائج البنية‬ ‫املنحنية قوة الثقالة التي تشعر بها حواسنا‪.‬‬ ‫وفي ح� �ي��ن تتضمن الثقال� � ��ة النيوتنية املكان‬ ‫فقط‪ ،‬ف� � ��إن الثقال���ة النس���بوية ‪relativistic‬‬ ‫‪ gravity‬تتضمن الزمان أيضا‪ .‬ويؤدي تشوه‬ ‫كل م� � ��ن املكان والزمان إل� � ��ى نتائج مثل تلك‬ ‫املسماة َج ّر ًا هيكليا ‪ ،‬أي إن كل جسم يدور‬ ‫حول نفسه (كاألرض مثال) يؤثر بقوة ضئيلة‬ ‫باجتاه دورانه في األجسام األخرى املجاورة‬ ‫(كالس� � ��واتل التي تدور ح� � ��ول األرض‪ ،‬على‬ ‫سبيل املثال)‪ .‬وبعبارة تعوزها الدقة نقول إن‬ ‫األرض الدوامة جتر معها الزمكان نفس� � ��ه‬ ‫بقدر ضئيل‪ .‬وبوجه أعم‪ ،‬فإن س� � ��رعة حركة‬ ‫كتلة تؤث� � ��ر في احلقل التثاقل� � ��ي الذي تولده‬ ‫احلرك� � ��ة‪ .‬واجلر الهيكلي واالنس� � ��ياب (مثل‬ ‫حركة الطائرة الش� � ��راعية) كالهما مثال على‬ ‫هذه الظاهرة‪.‬‬ ‫ويحدث أثر الس� � ��باحة نتيجة للهندس� � ��ة‬ ‫الالإقليدية‪ ،‬أما االنس� � ��ياب النس� � ��بوي فهو‬ ‫نتيجة لك� � ��ون امل� � ��كان والزمان غي� � ��ر قابلني‬ ‫لالنفص� � ��ال أحدهم� � ��ا عن اآلخ� � ��ر‪ .‬وقد تظل‬ ‫ظواهر أخرى على ش� � ��اكلتها بحاجة إلى أن‬ ‫تدرك وتفه� � ��م عندما ُّ‬ ‫حتل املع� � ��ادالت املهمة‬ ‫لنظرية النسبية العامة‪ .‬ومن املؤكد أن للسيد‬ ‫>إيڤرارد< ولطلبة آخرين مزيدا من املغامرات‬ ‫>‬ ‫التي يتعني عليهم القيام بها‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫(‪)3‬‬

‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪On the Wings of Time‬‬ ‫‪autopilot‬‬ ‫‪frame dragging‬‬ ‫‪spinning Earth‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, August 2009‬‬

‫‪13‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫أموال حقيقية من عوالم افتراضية‬

‫(٭)‬

‫أرباب األعمال في العالَم‬ ‫ألعاب حاسوبية من صنع اخليال متاحة (على اخلط) ‪ ،‬مُت ِّكن‬ ‫َ‬ ‫النامي من كسب عيشهم عن طريق مقايضة َخ َو ٍاب من الذهب الوهمي مقابل أموال نقدية‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫<‪ .R‬هيكس>‬

‫مي خليميائي‬ ‫يبدو األم ُر وكأنه سؤال َر ْق ّ‬

‫(‪)2‬‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫ظه َر نوع جديد من اخلدمة‬ ‫احلاسوبية يلبِّي احتياجات‬ ‫ممن ميارسون ألعابا‬ ‫املاليني َّ‬ ‫خيال َّية على اإلنترنت‪ ،‬من‬ ‫قبيل اللعبة «عالَم صناعة‬ ‫احلرب» ‪.World of Warcraft‬‬

‫>‬

‫َيجمع الالعبون‪ ،‬الذين ُيطلق‬ ‫عليهم اسم «مزارعو الذهب»‪،‬‬ ‫أمواال وهم َّية يقايضونها‬ ‫العب َ‬ ‫ني آخرين مقابل آجر‬ ‫مادِّي‪.‬‬

‫>‬

‫تنطوي هذه ال ُّلعب ُة املثير ُة‬ ‫للجدل على انتهاك لقواعدِ‬ ‫ال َّلعِ ب املتعا َرفة‪ ،‬غير أنها‬ ‫أضحت وسيلة ملئات آالف‬ ‫الالعبني في العا َلم النامي‬ ‫لكسب أجور تضاهي أجو َر‬ ‫عمال املصانع‪.‬‬ ‫ّ‬

‫مح ِّررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪14‬‬

‫‪ :alchemist‬كي� � ��ف حت ِّو ُل ذهبا افتراض ّيا إلى‬ ‫مئات اآلالف‬ ‫ذهب حقيقي؟ س� � ��ؤال َو َج � � � َد له ُ‬ ‫من «مزارعي الذه���ب»(‪ )3‬في البلدان النامية‬ ‫جوابا يعود عليهم بالربح اجلزيل؛ فأصبحوا‬ ‫أرباب أعمال يكس� � ��بون عيش� � ��هم عن طريق‬ ‫َ‬ ‫أرباح يجنونها من ألعاب حاسوبية مباشرة‬ ‫على اخلط‪ .‬وبقيامهم بأدوار خيالية في هذه‬ ‫(‪)4‬‬ ‫األلعاب‪ ،‬كقتل وحوش أو التنقيب عن ال ِّركاز‬ ‫يحصلون‬ ‫أو االنخ� � ��راط في أعمال أخ� � ��رى‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫منها «ذهبا افتراض ّيا»‪ ،‬ومن َث َّم يعمدون إلى‬ ‫بيعه لالعب� �ي��ن آخرين‪ ،‬رمبا م� � ��ن دول غن َّية‪،‬‬ ‫مقابل مبال � � � َغ نقدية حقيقية‪ .‬ومع ما في هذا‬ ‫من خرق لقواع� � ��د القبول واملعايير املتعا َرفة‪،‬‬ ‫ني‬ ‫ف� � ��إن املتعاطني بهذه املبالغ الوهمية ‪ -‬بائع َ‬ ‫الذهب لتقرير مصير‬ ‫ومشترين ‪ -‬يستعملون‬ ‫َ‬ ‫شخص في هذه األلعاب اخليالية‪.‬‬ ‫وهكذا يستطيع «مزارع ذهب» في الصني‪،‬‬ ‫األلعاب ويبيع العمل َة االفتراضية‪،‬‬ ‫ميارس هذه‬ ‫َ‬ ‫كس� � � َ�ب أجر يعادل‪ ،‬ب� � ��ل يتج� � ��اوز أحيانا‪ ،‬ما‬ ‫يتقاض� � ��اه من جتميع قِ َط� � ��ع ال ُّدمى في مصنع‬ ‫مقاب � � � َل عملِ ‪ 12‬س� � ��اعة يوم ّيا‪ .‬فاس� � ��تتبع ذلك‬ ‫ب� � ��زوغ ه� � ��ذه الظاهرة في الس� � ��نوات العش� � ��ر‬ ‫املاضي� � ��ة باعتبارها أس� � ��لوبا بارع� � ��ا (مع كونه‬ ‫مثيرا للجدل) يتيح للدول الفقيرة كس� � � َ�ب املال‬ ‫من تقان َت� � ��ي املعلومات واالتص� � ��االت‪ ،‬وللع ّمال‬ ‫الفقراء بنا َء مهارات رقمي� � ��ة قد تُن َقل فيما بع ُد‬ ‫إل� � ��ى فعاليات أخرى من التقان� � ��ة املعلوماتية ال‬ ‫مَت ُّت إلى األلعاب ِ‬ ‫بصلَة‪.‬‬ ‫وفي غض� � ��ون بضع س� � ��نوات فقط غدت‬

‫ُ‬ ‫أفضل‬ ‫«زراعة الذهب» عمال ضخما‪ .‬وتشير‬ ‫التقديرات إلى أن آس� � ��يا‪ ،‬والس� � ��يما الصني‬ ‫حيث يقيم معظ ُم مزارعي الذهب‪َ ،‬تس� � ��تخدِ م‬ ‫أكثر من ‪ 400 000‬العب يقضون أيا َمهم في‬ ‫ُ‬ ‫مجمل قيمة التجارة‬ ‫جمع «الذهب»‪ .‬وقد يبلغ‬ ‫بالذهب االفتراضي بليون دوالر على األقل‪،‬‬ ‫علما ب� � ��أن ما ال ُّ‬ ‫يقل عن ‪ 10‬ماليني العب في‬ ‫ش� � ��تى أنحاء العالَم يقومون بشراء «الذهب»‬ ‫أو اخلِ دمات من مزارعني يس� � ��اعدونهم على‬ ‫االستمرار مبمارسة اللعبة‪.‬‬ ‫وفي حني كان� � ��ت زراعة الذهب في املاضي‬ ‫األلعاب‬ ‫أمرا ش� � ��به محجوب ع َّمن ال ميارسون‬ ‫َ‬ ‫احلاسوبية‪ ،‬فقد باتت اليوم َّ‬ ‫محط اهتمام خبراء‬ ‫االقتصاد وعلم االجتماع‪ ،‬باعتباره صل َة وصل‬ ‫واحلقيقي مع‬ ‫الغني مع الفقير‪،‬‬ ‫يتقاطع عندها‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫االفتراضي‪ .‬وقد أظه َر األكادمييون ووس� � � ُ‬ ‫�ائل‬ ‫اإلع� �ل��ام اجلماهيري� � ��ة ف� � ��ي الس� � ��نوات القليلة‬ ‫املاضي� � ��ة افتتانا بدينامية األلع� � ��اب التي مت ِّثل‬ ‫عوا ِل � � � َم صغيرة تتح َّرك بس� � ��رعة كبي� � ��رة ‪ -‬إذ‬ ‫تتغ َّير س� � ��يرور ُة الالعبني‪ ،‬أفرادا ومجموعات‪،‬‬ ‫صعودا وهبوطا في غضون أيام أو أس� � ��ابيع‪،‬‬ ‫وليس على مدى عقود أو قرون مت ِّثل فس� � ��ح َة‬ ‫ُعم� � ��ر إنس� � ��ان أو مجتم� � ��ع بكامل� � ��ه‪ .‬وأراني‬ ‫أصبحت مغرما بزراعة الذهب بعد‬ ‫شخص ّيا‬ ‫ُ‬ ‫أن قابلت ُ‪َ -‬ع َرض� � ��ا ‪ -‬جتَّا َر ذهب افتراض ِّيني‬ ‫( ) ‪REAL MONEY FROM VIRTUAL WORLDS‬‬ ‫(‪online fantasy games )1‬‬

‫(‪ )2‬ملش� � ��تغل بالكيمي� � ��اء القدمية التي زُعِ َم أنه� � ��ا حت ِّول املعادنَ‬ ‫اخلسيس َة إلى ذهب‪.‬‬ ‫(‪gold farmers )3‬‬

‫(‪ )4‬ما حتتويه األرض من املعادن في حالتها الطبيعية‪( .‬التحرير)‬


‫في أثناء ممارستي ألعابا حاسوبية خيالية على‬ ‫اإلنترنت‪ .‬وانتهت بي صل ُة هذه التجربة مبجال‬ ‫خبرتي في التنمية الدولية إلى منحى جديد من‬ ‫البحث‪ ،‬هو استكش� � ��اف اجلوانب االجتماعية‬ ‫واالقتصادية لتجارة الذهب هذه‪.‬‬ ‫كيف تعمل املنظومة‬

‫( )‬

‫تقع صناع � � � ُة زراعة الذهب أساس� � ��ا على‬ ‫أطراف عالَم األلعاب احلاس� � ��وبية التي تُع َرف‬ ‫اختص� � ��ارا باس� � ��م ‪( )1(MMORPGs‬يقوم فيها‬ ‫عدد كبير من الالعبني بأدوار على اخلط) مثل‬ ‫اللعبة ‪ World of Warcraft‬واللعبة ‪.EverQuest II‬‬ ‫ومن ش� � ��أن هذه األلع� � ��اب ال أن تخ ُلقَ لالعبيها‬ ‫على الشاش� � ��ة عالمَ ا افتراض ّي� � ��ا ‪ -‬يض ُّم مناز َل‬ ‫ومشاه َد طبيعية وشخصيات خيالية (كاألقزام‬ ‫والعفاري� � ��ت) ‪ -‬فحس� � ��ب‪َ ،‬ب ْل له� � ��ا أيضا نظام‬

‫اقتصادي افتراضي‪.‬‬ ‫يحصله‬ ‫وبإم� � ��كان الذه� � ��ب الوهمي ال� � ��ذي ِّ‬ ‫الدروع واألسلحة‪ ،‬والغذا َء‬ ‫يشتري‬ ‫الالعبون أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫والدواء‪ ،‬أو أن يتَّخ َذ حصانا أكبر س� � ��رعة‪ ،‬أو‬ ‫مركبة فضائية أرقى جتهيزا‪ ،‬وذلك تبعا للبيئة‬ ‫التخ ُّيلية اخلاصة باللعبة‪ .‬ويستطيع الالعبون‪،‬‬ ‫بقتله� � ��م اخلص� � ��وم (م� � ��ن الوح� � ��وش وغيرها)‬ ‫وتنقيبهم عن ال ِّركاز وقطعهم األخش� � ��اب وغير‬ ‫ذلك‪ ،‬أن ين ُّم� � ��وا مخزونَهم اخلاص من الذهب‪.‬‬ ‫وكما في العالَ� � ��م الواقعي‪ ،‬فإن جم َع الثروة قد‬ ‫يكون عمل َّية مم َّلة طويلة رمبا تس� � ��تغرق أسابيع‬ ‫أو ش� � ��هورا‪ ،‬ومن ث َّم فقد َع َم � � � َد ُ‬ ‫بعض الالعبني‬

‫«الالعبون الكادحون» لقب يُط َلق على‬ ‫أولئك الذين يُثرون عن طريق جمع «ذهب»‬ ‫يُستعمل لشراء أسلحة وغيرها في ألعاب‬ ‫حاسوبية متا َرس على اخلط‪َ ،‬يفِ دون عادة‬ ‫من آسيا ويُعَ دُّون مبئات اآلالف‪.‬‬

‫( ) ‪How It Works‬‬

‫(‪ُ ،massively multiplayer online role-playing games )1‬لع� � ��ب‬ ‫حاسوبية يأخذ فيها املشاركون أدوا َر شخصيات يتفاعل‬ ‫ُ‬ ‫مواضيع هذه ال ُّل َعب من‬ ‫بعضها مع بعض‪ .‬وغالبا ما تكون‬ ‫ُ‬ ‫النوع اخليالي أو اخلي� � ��ال العلمي‪ ،‬ولها قواعد يتعينَّ على‬ ‫(التحرير)‬ ‫اتباعها‪.‬‬ ‫جميع الالعبني‬ ‫ُ‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪15‬‬


‫[دليل جغرافي]‬

‫املعالِم اجلغرافية لزراعة الذهب‬

‫( )‬

‫ُ‬ ‫الدول النامية‪ ،‬والسيما الصني‪،‬‬ ‫لقد برزت‬ ‫َمواطنَ َن ِشطة «ملزارعي الذهب» (اللون‬ ‫الزهري) الذين يقايضون سلعا افتراضية‬ ‫ُجمِ عت من ممارسة ألعاب حاسوبية‬ ‫على اخلط مقابل نقد حقيقي‪ .‬وغالبا ما‬ ‫ُ‬ ‫شركات املقايضة ‪ -‬ومقارها‬ ‫تتخصص‬ ‫َّ‬ ‫بشكل عام في املدن ‪ -‬بحصر فعالياتها في‬ ‫األسواق احمل ّلية أو اإلقليمية أو العاملية‪.‬‬ ‫بدأت الصناع ُة الصيني ُة بعرض‬ ‫خدمات رخيصة للسوق الكورية‪ ،‬ولكنها‬ ‫توسعت لتصبح عاملي َة النطاق‪.‬‬ ‫سرعان ما َّ‬ ‫وما زال عدد من البلدان ‪ -‬ومنها الهند‪،‬‬ ‫املعروفة مبؤسساتها التجارية العاملة‬ ‫بوساطة مراكز التنسيق الهاتفي ‪-‬‬ ‫مقتصرا على خدمة السوق احمل ّلية فقط‪.‬‬

‫‪ 50‬مليونا‬

‫عدد املمارسني لأللعاب احلاسوبية‬ ‫على اخلط حول العالم (منهم ‪ 20‬مليون‬ ‫العب باكتتاب)‪.‬‬

‫من مئة ألف إلى مليون‬

‫هو العدد التقديري «ملزارعي الذهب»‪.‬‬

‫‪ 150‬دوالرا‬

‫متوسط الراتب الشهري ملزارع الذهب‬ ‫في الصني‪.‬‬

‫‪ 4‬دوالرات‬

‫متوسط أجر العمل بالقطعة عن كل‬ ‫املتحصل في‬ ‫‪ 1000‬وحدة من «الذهب»‬ ‫ّ‬ ‫اللعبة ‪.Warcraft‬‬

‫يتراوح ما بني‬ ‫‪ 60 000‬و ‪100 000‬‬

‫عدد «مزارع الذهب» في العالم‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫األثري� � ��اء فعال في عالَم الواق� � ��ع إلى خيار آخر‬ ‫الناس عن� � ��د اضطرارهم إلى‬ ‫كثيرا م� � ��ا يتبعه‬ ‫ُ‬ ‫تنظيف منازلهم أو غس� � ��ل س� � ��ياراتهم‪ ،‬ويتمثلَّ‬ ‫باس� � ��تخدامهم مزارعي الذهب ‪ -‬بدال من َخ َدم‬ ‫املنازل ‪ -‬ألداء أعمالهم غير املستح َّبة‪.‬‬ ‫أما وقد ا َّدخ � � � َر «املزارع� � ��ون» العمل َة‪ ،‬فقد‬ ‫صاروا اآلن مه َّيئني لبيع هذه الثروة االفتراضية‬ ‫مقابل مبالغ مالية حقيقية‪ ،‬على واحد من آالف‬ ‫مواقع وِ ب التي تس � � � ِّوق البضائ َع االفتراضية‬ ‫الس� � ��تعمالها في األلعاب احلاس� � ��وبية‪ .‬وتُب َرم‬ ‫الصفق ُة ع� � ��ادة عن طريق اخلدم� � ��ة ‪ PayPal‬أو‬ ‫غيرها من اخلدمات التي تقوم بتحويل املدفوعات‬ ‫مباشرة إلى شركات زراعة الذهب‪ .‬وقد يصل‬ ‫األم ُر إلى شراء نقد أجنبي في عالَم افتراضي‪.‬‬ ‫ففي ال ُّلعب� � ��ة ‪ ،World of Warcraft‬األكثر رواجا‬ ‫حال ّيا‪ُ ،‬تب� � ��اع ‪ 1000‬وحدة ذهبية مقابل نحو ‪10‬‬ ‫دوالرات‪ ،‬أي مبا يعادل س� � ��عر صرف يساوي‬ ‫تقريبا ينا يابانيا واحدا في مقابل دوالر‪.‬‬ ‫وما أن يت َّم تس� � ��ديد املبل� � ��غ احلقيقي يلتقي‬ ‫الش� � ��اري والبائع ف� � ��ي مكان مح � � � َّدد في عالَم‬ ‫املزارع العمل َة املفت َرض َة‬ ‫اخليال‪ ،‬حيث يس � � � ِّلم‬ ‫ُ‬ ‫إلى الش� � ��اري‪ .‬ومع أن «املزارعني» يكس� � ��بون‬ ‫معظ� � ��م ثرواتهم ع� � ��ن طريق بي� � ��ع الذهب‪ ،‬فإن‬ ‫بوس� � ��عهم أيضا االنخ� � ��راط في عملي� � ��ة « َر ْوز‬ ‫مستوى القدرة»(‪ ،)1‬فينتحلون شخصي َة الزبون‬ ‫ذي املس� � ��توى املنخف� � ��ض (الضعي� � ��ف‪ ،‬القليل‬ ‫البراعة)‪ ،‬ويرتقون بها إلى مستويات عالية من‬ ‫الصح� � ��ة والقوة والبراعة‪ .‬فعلى س� � ��بيل املثال‪،‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫يك ِّلف االرتقا ُء من املس� � ��توى ‪ 1‬إلى املس� � ��توى‬ ‫‪ 50‬ف� � ��ي اللعب� � ��ة ‪ Lord of the Rings Online‬نحو‬ ‫‪ 150‬دوالرا‪ .‬وف� � ��ي بعض األحي� � ��ان ال يتق َّمص‬ ‫املزارعون ش� � ��خصي َة الزبون‪ ،‬ب� � ��ل يؤ ُّدون بدال‬ ‫من ذلك دو َر املُراف� � ��ق الذي يالزم الالعبني في‬ ‫جتاوز مها َّم تنطوي على صعوبة أو َغ َرر‪َ ،‬ك َمن‬ ‫يستأجر شيرپـ ّيا(‪ )2‬لبلوغ ُذرا جبال الهيمااليا‪.‬‬ ‫ما قبل تاريخ الزراعة االفتراضية‬

‫( )‬

‫إن إي� � ��رادات االتجِّ � � ��ار بالذهب االفتراضي‬ ‫َ‬ ‫شركات‬ ‫نصف العوائد التي جتنيها‬ ‫رمبا تعادل‬ ‫ُ‬ ‫نفس� � ��ها من اشتراكات الالعبني‪ ،‬التي‬ ‫األلعاب ُ‬ ‫ِ‬ ‫توصلنا‬ ‫تؤ ِّلف‬ ‫نفقات الالعب األ َّولية‪ .‬أما كيف َّ‬ ‫�فت ‪ -‬في س� � ��ياق‬ ‫إلى هذه النقطة‪ ،‬فقد اكتش� � � ُ‬ ‫دراس� � ��اتي ‪ -‬أن صناع� � ��ة زراع� � ��ة الذه� � ��ب قد‬ ‫تط َّورت على نحو يش� � ��به كثيرا تط ُّو َر املنظومات‬ ‫االقتصادية في عالَم الواقع‪ :‬بدءا من املقايضة‬ ‫وانتهاء بتكوين وِ ب مع َّقدة للتجارة العاملية‪.‬‬ ‫كان� � ��ت اللعب� � ��ة )‪ ،(3)(MUD‬الت� � ��ي أطلقتها‬ ‫جامع ُة إيس� � ��يكس بإنكلترا س� � ��نة ‪ ،1978‬أولى‬ ‫ألع� � ��اب املجموع� � ��ة ‪ .MMORPG‬وإذ ُت َع ُّد هذه‬ ‫اللعب � � � ُة عموما رائ� � ��د َة األلعاب احلاس� � ��وبية‬ ‫احلديث� � ��ة جميع� � ��ا‪ ،‬فقد أتاح� � ��ت ‪ -‬بنموذجها‬ ‫( ) ‪A Geography of Gold Farming‬‬ ‫( ) ‪Prehistory of Virtual Agriculture‬‬

‫(‪power-leveling )1‬؛ اختبار أو فحص مستوى القدرة‪.‬‬ ‫(‪ :Sherpa )2‬أحد أفراد الش� � ��عب التيبيت� � ��ي‪ ،‬ويتم َّيز بحذقه في‬ ‫تس ُّلق اجلبال وإرشاد املتس ِّلقني‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪Multi-User Dungeon )3‬‬


‫األصل� � ��ي وتف ُّرعاته� � ��ا األول� � ��ى ‪ -‬لكثير من‬ ‫االجتماع ف� � ��ي عالَم على اإلنترنت‪،‬‬ ‫الالعبني‬ ‫َ‬ ‫وإن كان عالمَ ا يو ِّفر املعلومات عن األشخاص‬ ‫النص فقط‪ .‬أما‬ ‫والالعبني واألشياء في سياق ّ‬ ‫في نظام التط ُّور االقتصادي‪ ،‬فإن العبي ‪MUD‬‬ ‫هم في مرتبة املشتغلني بزراعة الكفاف(‪ )1‬في‬ ‫املجتم���ع م���ا قب���ل الصناع���ي‬

‫‪preindustrial‬‬

‫‪society‬؛ حيث ُينتِج الالعبون ألنفس� � ��هم فقط‬ ‫ويستهلكون ما ينتجون‪.‬‬ ‫منوذجي لزراعة‬ ‫وكما هو احلال في مجتمع‬ ‫ّ‬ ‫الكف� � ��اف‪ ،‬فقد بدأت املقايض� � ��ة مقابل مفردات‬ ‫جئت مثال بقالدة‬ ‫وهمية ذات قيمة‪ .‬فلو أنن� � ��ي ُ‬ ‫من الكهرمان زائدة‪ ،‬وكان في حوزتك س� � ��يف‬ ‫فائض‪ ،‬لكان بإمكانن� � ��ا التبادل فيما بيننا‪( .‬بل‬ ‫يق� � ��ال أيضا إن الذك� � ��ور من الالعب� �ي��ن كانوا‬ ‫يق ِّدمون قِ َطعا نادرة ل ّالعبات‪ ،‬على أمل ‪ -‬رُبمّ ا ال‬ ‫يتحقق ‪ -‬باستجابة عاطفية أو ماد ّية‪ ).‬وتط َّورت‬ ‫املقايض ُة حتى بدأت تش� � ��مل تبا ُدل قطع وهمية‬ ‫م� � ��ن الذهب‪ ،‬ثم إنها ح َّققت ف� � ��ي مرحلة ما من‬ ‫ثمانينات القرن املاض� � ��ي قفزة نوعية من ُعملة‬ ‫اعتبارية إلى عملة حقيقي� � ��ة؛ فانبرى الالعبون‬ ‫حقيقي مقابل أش� � ��ياء غير ملموسة‪.‬‬ ‫لتقدمي نقد‬ ‫ّ‬ ‫و ُيع َّب� � ��ر ع� � ��ن ذل� � ��ك‪ ،‬باس� � ��تعمال املصطلحات‬ ‫الس � � �لَع االفتراضية أصبحت‬ ‫االقتصادية‪ ،‬بأن ِّ‬ ‫مصطلح‬ ‫ذات قيم� � ��ة مالية قانونية‪ .‬وبالفعل غدا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫جِّ‬ ‫«االت���ار باألموال احلقيقية» )‪ (RMT‬يعني‬ ‫اليوم االس� � ��تعاضة عن النقد احلقيقي بأموال‬ ‫ومفردات وخ ْدمات افتراضية‪.‬‬ ‫استم َّر االتجِّ ا ُر باألموال احلقيقية على مدى‬ ‫الثمانينات والتس� � ��عينات من القرن العش� � ��رين‪،‬‬ ‫حيث بات من املمكن تس� � ��مية العبي تلك احلقبة‬

‫« َبس���ـــاتِ نــَة أس���ــواق الذه���ب» ‪gold-market‬‬

‫توس� � ��عوا ف� � ��ي مجال‬ ‫‪ ،gardeners‬إذ إنه� � ��م َّ‬ ‫املقايضة‪ ،‬فراحوا يبيع� � ��ون ذهبا افتراض ّيا‬ ‫إضافي لهم‪ ،‬مبا يش� � ��به عامال في‬ ‫كنش� � ��اط‬ ‫ّ‬ ‫مصن� � ��ع يقضي ج� � ��زءا من وق� � ��ت فراغه في‬ ‫فالحة حديقة للخضراوات في الفِ ناء اخللفي‬ ‫ملنزل� � ��ه‪ ،‬ويبيع محصوله لكس� � ��ب بعض املال‬ ‫اإلضافي‪ .‬وفي حني ما زال أولئك الالعبون‬ ‫ير ِّكزون على اجلوان� � ��ب الترفيهية من اللعبة‬ ‫في املقام األول‪ ،‬فإن املمارس� �ي��ن لها جزئ ّيا‪،‬‬

‫ظروف العمل امل َّتسمة باالكتظاظ وضيق املكان متيِّز الكثي َر من مؤسسات زراعة الذهب‪ ،‬حتى إن‬ ‫َ‬ ‫بعضها يطبِّق على العاملني إجراءات شكلية كاستعمال ميقاتية الدوام والبطاقات املث َّقبة لتسجيل‬ ‫ساعات دوام العاملني الطويل على لوحة املفاتيح‪.‬‬

‫يحصلون َ‬ ‫بعض املال ع� � ��ن طريق بيع‬ ‫ممِ َّ � � ��ن‬ ‫ِّ‬ ‫أشياء إضافية‪ ،‬ما زالوا موجودين اليوم في‬ ‫الس��� ْي َب ِر َّية ‪ cybercafes‬في‬ ‫مقاهي اإلنترنت َّ‬ ‫الهند وإندونيسيا‪.‬‬ ‫وفي ع� � ��ام ‪ 1997‬وقعت حادثت� � ��ان كان من‬ ‫شأنهما نقل هذا الركود االقتصادي إلى املرحلة‬ ‫التالي� � ��ة من التط � � � ُّور الصناع� � ��ي االفتراضي‪:‬‬ ‫ُأوالهم� � ��ا إطالق ال ُّلعب� � ��ة احلاس� � ��وبية ‪Ultima‬‬ ‫‪ ،Online‬التي أصبحت بحقّ اللعب َة احلاسوبي َة‬ ‫ِ‬ ‫جماهيري‬ ‫املباشرة املبت َكرة التي حتظى بإقبال‬ ‫ّ‬ ‫واس� � ��ع؛ وثانيتهما انطالق املوقع ‪ ،eBay‬موفرا‬ ‫رخيصة التكلف� � ��ة‪ .‬وقد أدرك‬ ‫طريق� � ��ة للتب� � ��ادل‬ ‫َ‬ ‫بس� � ��اتنة أس� � ��واق الذهب شيئا فش� � ��يئا أنَّ في‬ ‫وس� � ��عهم إصابة أموال أجزى بكثير من مج َّرد‬ ‫مبالغ نثرية تحُ ْ َرز ب� �ي��ن احلني واآلخر‪ ،‬ومن ثم‬ ‫يتخصصون باس� � ��تحواذ م� � ��وا َّد ونقود‬ ‫أخذوا‬ ‫َّ‬ ‫افتراضية ميكنهم بي ُعها‪ ،‬مر ِّكزين حصرا على‬ ‫لعبة ت َ​َخ ُّص ِصهم‪ ،‬بل ومتخ ِّلني في بعض احلاالت‬ ‫عن أش� � ��غالهم األخرى‪ ،‬تف ُّرغا لتحصيل الذهب‬ ‫االفتراضي‪ .‬وبذلك أصبح هؤالء الالعبون‪ ،‬الذين‬ ‫يغلب وجو ُدهم في البلدان الغربية بخاصة‪ ،‬هم‬ ‫ر َّواد متع ِّه� � ��دي الذهب احلقيق ِّي� �ي��ن‪ .‬وكانوا في‬ ‫ذلك مكافئني حلِ َرف� � � ٍّ�ي حاذق‪ ،‬أو لنموذج إنتاج‬ ‫في صناعة األكواخ‪ .‬فك َّلما انطلقت لعبة جديدة‬ ‫على اخلط‪ ،‬كانت العمل ُة واألس� � ��لحة‪ ،‬أو سوى‬ ‫ذلك من الكيانات‪ ،‬متاحة للبيع على املوقع ‪eBay‬‬ ‫في غضون بضعة أسابيع‪.‬‬ ‫(‪ ،subsistence farming )1‬التي تفي فقط مبعيشة املزارعني‪.‬‬

‫(‪real-money trading )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫من ‪ 200‬مليون‬ ‫إلى ‪ 3‬باليني دوالر‬

‫إجمالي املبلغ التقديري لألموال‬ ‫احلقيقية املعروضة للمقايضة في العالم‬ ‫(«زراعة الذهب» وغيرها من السلع‬ ‫َّ‬ ‫املرخصة‬ ‫واخلدمات االفتراضية غير‬ ‫على اخلط)‪.‬‬

‫‪ 400‬دوالر‬

‫تكلفة َر ْوز (تقدير) مستوى القدرة‬ ‫(للوصول إلى املستوى ‪ 75‬في اللعبة‬ ‫احلاسوبية ‪.)Final Fantasy XI‬‬

‫‪ 1.3‬مليون دوالر‬

‫هو أعلى مبلغ َج َمعَ ه ُمزارع ذهب على‬ ‫مدى سنتني‪.‬‬

‫‪ 13.50‬دوالر‬

‫سعر الصرف (دوالرات مقابل ذهب‬ ‫افتراضي) لـ‪ 5‬ماليني قطعة ذهبية في‬ ‫اللعبة احلاسوبية ‪.RuneScape‬‬

‫من ‪ 4‬ماليني إلى‬ ‫‪ 12‬مليونا‬

‫العدد التقديري لزبائن خدمات زراعة‬ ‫الذهب‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫أسلوب احلياة الصارم‬ ‫ِّ‬ ‫املتقشف هو ما مييِّز‬ ‫عا َل َم مزارعي الذهب‪،‬‬ ‫الذين يمُ َنحون س َكنا‬ ‫وطعاما مجان َّيني في‬ ‫مساكن أشبه بالثكنات‬ ‫العسكرية‪ ،‬مقابل‬ ‫ساعات عمل طويلة‬ ‫قد تصل إلى ‪ 12‬ساعة‬ ‫يوم ّيا‪ 7 ،‬أيام أسبوع ّيا‪،‬‬ ‫وأجر ال يتجاوز ‪50‬‬ ‫سنتا عن الساعة‪.‬‬

‫َ‬ ‫عالم‬ ‫مصطلحات‬ ‫( )‬ ‫زراعة الذهب‬ ‫ُ‬ ‫احلقائق البديلة املع َّقدة لأللعاب‬ ‫تو ِّلد‬ ‫احلاسوبية املباشرة (على اخلط)‬ ‫لغة اصطالحية متداخلة خاصة بها‪.‬‬ ‫واألمثلة التالية تصف عمليات ت َّتصل‬ ‫«بزراعة الذهب»‪.‬‬ ‫‪َ :Botting‬ن ْشر شخوص‬ ‫افتراضية مؤمتتة‬ ‫تسمى «‪ ،»bots‬تتص َّرف‬ ‫تلقائيّا كما لو كانت‬ ‫ُّ‬ ‫بتحكم بشري‪.‬‬ ‫مسيَّرة‬ ‫‪......................................‬‬

‫‪ :Nerfing‬إجرائية‬ ‫َ‬ ‫حصل‬ ‫إذا ما ُن ِّفذت‬ ‫انخفاض في قيمة أو‬ ‫قدرة بعض الفعاليات‬ ‫امل َّتصلة بزراعة‬ ‫الذهب‪.‬‬

‫‪......................................‬‬

‫‪:Ninja looting‬‬ ‫اقتناص املوارد على‬ ‫نحو يخرق قواعد‬ ‫الروح الرياضية‬ ‫الصاحلة‪ ،‬كانتزاع‬ ‫غنيمة («‪ )»loot‬من‬ ‫وحش مقتول قبل أن‬ ‫َّ‬ ‫تبت مجموع ُة الالعبني‬ ‫بطريقة توزيعها‪.‬‬

‫‪......................................‬‬

‫‪:Spawn camping‬‬ ‫قناة تنقيب ملورد‬ ‫مأمول‪ ،‬تتجدَّد تلقائيّا‬ ‫بعد فترة مقدَّرة سلفا‪.‬‬ ‫و ُي َّتهم مزارعو الذهب‬ ‫أحيانا بالتربُّص‬ ‫لالستيالء على املورد‬ ‫املتجدِّد‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫َ‬ ‫وش� � ��هِ َد ع� � ��ام ‪ 1997‬أيض� � ��ا أزم � � � َة النق� � ��د‬ ‫�اس صناعة زراعة‬ ‫اآلسيوي‪ ،‬التي أرست أس� � � َ‬ ‫احلكومات اآلسيوي ُة إلى‬ ‫الذهب احلالية‪ .‬وسعت‬ ‫ُ‬ ‫اخلروج من األزمة باالستثمار على نطاق واسع‬ ‫في تقانتَي املعلومات واالتصاالت‪ .‬فأنشأ ُ‬ ‫بعض‬ ‫العاطلني ع� � ��ن العمل مح� �ل � ّات جتارية جديدة‪،‬‬ ‫كأكش� � ��اك البي� � ��ع العمومي� � ��ة وغيره� � ��ا‪ ،‬لتأجير‬ ‫حواسيب ش� � ��خصية ملمارس� � ��ة األلعاب عليها‪.‬‬ ‫وأس� � ��ه َم ذلك في تنمية ثقافة راس� � ��خة لأللعاب‬ ‫احلاسوبية في شرق آسيا‪.‬‬ ‫العصر الذهبي لزراعة الذهب‬

‫( )‬

‫وبحلول عام ‪ 2001‬كان ُ‬ ‫أرباب األعمال‬ ‫بعض‬ ‫ِ‬ ‫األمريكيني في زراعة الذهب قد بدؤوا باجتذاب‬ ‫أصدقائه� � ��م أو حتى باس� � ��تئجار أي� � ��د عاملة‬ ‫لكسب املال من هذه التجارة اجلديدة‪ .‬وتط َّل َع‬ ‫َن َفر منهم ‪ -‬والس� � ��يما َم ْن لهم صالت ُأ َس� � � ِ�ر َّية‬ ‫خارجية ‪ -‬إلى بلدان تكون فيها التكاليف قليلة‬ ‫نس� � ��بيا‪ ،‬كأمريكا الالتينية وآسيا‪ .‬وفي الوقت‬ ‫نفسه‪ ،‬بدأ الكوريون اجلنوبيون بتحويل مقاهي‬ ‫اإلنترنت عندهم إلى مؤسس� � ��ات لزراعة الذهب‬ ‫عن طري� � ��ق اللعبة اخليالية املس � � � َّماة ‪،Lineage‬‬ ‫التي تعود إلى القرون الوسطى‪ ،‬وهي أول لعبة‬ ‫من مجموعة األلعاب احلاس� � ��وبية ‪MMORPG‬‬ ‫ال تنتمي إلى دولة غربي� � ��ة‪ .‬وما لبث التُّجا ُر أن‬ ‫أخذوا يبيع� � ��ون العمل َة االفتراضي � � � َة ‪ -‬وتُدعى‬ ‫أدينا ‪ - adena‬إلى العبني آخرين‪.‬‬ ‫ومع تنامي ش� � � ِ‬ ‫�ركات زراعة الذهب في‬ ‫الواليات املتحدة وآس� � ��يا‪ ،‬فقد راحت تسير‬ ‫على ُخطى الش� � ��ركة ‪ Walmart‬وغيرها من‬ ‫الش� � ��ركات‪ ،‬ف ُع ِن َيت بخف� � ��ض النفقات عن‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫طريق اس� � ��تقدام يد عامل� � ��ة خارجية ألداء‬ ‫أعمال التزويد األساس� � ��ية فيها‪ .‬واتجَّ هت‬ ‫بطبيعة احلال إلى شرق آسيا‪ ،‬مبنظومتها‬ ‫من اليد العامل� � ��ة الرخيصة املاهرة القابلة‬ ‫الكتس� � ��اب ال ُّد ْربة سريعا‪ ،‬وببنيتها التحتية‬ ‫الواس� � ��عة واملتنامية‪ .‬وبرزت الصني بنوع‬ ‫خاص كأكثر البل� � ��دان جاذبية‪ ،‬بالنظر إلى‬ ‫حج� � ��م ومهارة الق� � ��وة العامل� � ��ة فيها‪ ،‬مما‬ ‫مح َّط األنظ� � ��ار لزراعة الذهب‪ .‬وفي‬ ‫جعلها َ‬ ‫أصاب مزارع� � ��و الذهب جناحا‬ ‫عام ‪2004‬‬ ‫َ‬ ‫كبي� � ��را وأرباحا مجزية م� � ��ع انطالق اللعبة‬ ‫احلاس� � ��وبية ‪ ،World of Warcraft‬الت� � ��ي‬ ‫أضحت أكثر ألعاب املجموعة ‪MMORPG‬‬ ‫جناحا وأوسعها انتش� � ��ارا على اإلطالق‪.‬‬ ‫وبحلول عام ‪ُ 2010‬ق ِّد َر عد ُد املكتتبني الذين‬ ‫تق َّمصوا دو َر إحدى الشخصيات وانخرطوا‬ ‫في مغام� � ��رات عالَم اخليال املس � � � ّمى عالَم‬ ‫أزيروث ‪ Azeroth‬بـ‪ 11‬مليونا‪.‬‬ ‫و َت ْن� � � ِ�زع أكب ُر َمز َِارع الذهب اليوم إلى صفة‬ ‫التخص� � ��ص أكثر فأكثر‪ ،‬متام� � ��ا كما هو حال‬ ‫ُّ‬ ‫صناعي‬ ‫أي مجتمع‬ ‫الزراع� � ��ة والصناعة ف� � ��ي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫متط ِّور‪ .‬فكثيرا ما يتَّخذ عد ُة العبني لدى شرك ِة‬ ‫زراعة الذه� � ��ب أدوارا مختلفة ضمن إطار لعبة‬ ‫مع َّين� � ��ة‪ :‬فقد يتول� � ��ى الص ّيادون مهم � � � َة اقتفاء‬ ‫الوح� � ��وش وقتْله� � ��ا‪ ،‬ورمبا يق� � ��وم العاملون في‬ ‫املصارف َ‬ ‫بخزْن األصول و َن ْقلها من مكان إلى‬ ‫ِ‬ ‫خدمات زراعة‬ ‫آخ� � ��ر‪ ،‬في حني ي� � ��ر ِّوج «األد ّالء»‬ ‫ويالحظ‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫الذهب ل ّالعبني اآلخرين‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ذلك‪ ،‬أن َّ‬ ‫جتارا مستق ِّلني بدؤوا يستغلون خدمات‬ ‫( ) ‪Farmer-SPEAK‬‬ ‫( ) ‪The Golden Age of Gold Farming‬‬


‫أرخص فأرخ� � ��ص ألداء أعمال ش� � ��ركاتها‪،‬‬ ‫مشجعة بذلك على إطالق مشروعات جديدة‬ ‫ِّ‬ ‫في ڤيتنام‪.‬‬ ‫بادرة ر ِّد فعل‬

‫( )‬

‫مزارعي الذهب لإلثراء من دون أن ميارس� � ��وا‬ ‫في الواقع لعبة واحدة بأنفس� � ��هم؛ فهم يبيعون‬ ‫ويش� � ��ترون شخصيات أو أدوات خيالية كما لو‬ ‫كانت صكوكا ومس� � ��تندات مالية في سوق وول‬ ‫ستريت (سوق املال في نيويورك)‪ .‬من ذلك مثال‬ ‫أن يشتري تاجر حس� � ��ابا يعود إلى شخصية‬ ‫ِ‬ ‫خدمات أح� � ��د مزارعي الذهب‬ ‫ما‪ ،‬ثم يس� � � ِّ�خر‬ ‫الس� � ��تثماره ورفعه إلى مس� � ��توى أعلى‪ ،‬ويبيعه‬ ‫بعد ذلك إلى العب آخر مقابل ربح ما ّدي‪.‬‬ ‫في أواسط ال َعقد األول من القرن احلالي‪،‬‬ ‫أخذت تتش� � ��كل أزمة في زراعة الذهب‪ ،‬إلى‬ ‫جانب اإلس� � ��كان الش� � ��امل والفقاعة املالية‪.‬‬ ‫فقد كانت الشرك ُة )‪ )1((IGE‬الكبرى (لأللعاب‬ ‫الترفيهية على اإلنترنت)‪ ،‬التي تعمل وسيطا‬ ‫ب� �ي��ن مزارعي الذهب ف� � ��ي الصني والالعبني‬ ‫في الغرب‪ ،‬حت ِّقق أرباحا شهرية تقع ما بني‬ ‫‪ 10‬و ‪ 20‬ملي� � ��ون دوالر‪ ،‬وتوفر لكبار موظفيها‬ ‫رواتب مباليني الدوالرات‪ .‬وقد متكن مزارع‬ ‫صيني من جمع مبلغ ‪ 1.3‬مليون دوالر‬ ‫ذه� � ��ب‬ ‫ّ‬ ‫في غضون س� � ��نتني فقط‪ .‬كذلك بيعت ُ‬ ‫بعض‬ ‫ص َل إلى ‪20 000‬‬ ‫النثريات إفراد ّيا مقابل مبلغ َو َ‬ ‫دوالر ل� � ��كل قطعة‪ .‬ولك� � � َّ�ن العمل َة االفتراضية‬ ‫شهدت ما بني عامي ‪ 2005‬و ‪ 2009‬هبوطا في‬ ‫قيمتها بلغت نسبتُه ‪ 85‬في املئة مقابل الدوالر‬ ‫مركز معلوميات‬ ‫األمريكي‪ .‬وأظهرت أبحاثُ‬ ‫ِ‬ ‫التطوير(‪ )2‬التابع جلامعة مانشس� � ��تر‪ ،‬الذي‬ ‫أتولى إدارته‪ ،‬أن فقاع� � ��ة الذهب ما لبثت أن‬ ‫ُفقع� � ��ت مع دخول عدد كبي� � ��ر من التُّجار إلى‬ ‫السوق‪ .‬ومع أن ظاهرة زراعة الذهب ما زالت‬ ‫ِ‬ ‫اجلهات املشتغل َة فيها انبرت في‬ ‫رائجة‪ ،‬فإن‬ ‫الس� � ��نوات القريبة املاضية تبحث عن َمواطن‬

‫غ� � ��دت جتار ُة زراعة الذه� � ��ب أمرا مثيرا‬ ‫للنزاع‪ ،‬ألن جم َع النق� � ��د االفتراضي وبي َعه‬ ‫مقابل أموال حقيقي� � ��ة ينطوي على انتهاك‬ ‫لقواعد التعام� � ��ل املقبولة واملتعا َرفة‪ .‬ولهذا‬ ‫الشركات التي تس ِّوق ألعابا‬ ‫السبب تسعى‬ ‫ُ‬ ‫حاس� � ��وبية إلى َو ْ‬ ‫ضع ح ّد لزراعة الذهب‪ ،‬وذلك‬ ‫با ِّتخاذ تدابير من قبيل حظر اللعب على األفراد‬ ‫دعاو قضائية‪.‬‬ ‫أو اللجوء إلى إقامة ٍ‬ ‫وبص� � ��رف النظر عن اجلوان� � ��ب القانونية‬ ‫للموضوع‪َ ،‬ين ُْظر بع� � � ُ‬ ‫�ض الالعبني إلى زراعة‬ ‫الذهب على أنها لعبة حاسوبية جائرة ال مِ راء‬ ‫في َج ْو ِرها‪ ،‬ألنها تَخت� � � ِ�زل عملي َة جمع الثروة‬ ‫(التي تستغرق في العادة زمنا طويال) واالرتقاء‬ ‫تدريج ّيا إلى مستويات أعلى من اللعبة‪ .‬كذلك‬ ‫ميكن أن تحُ ْدِ ثَ اللعب ُة تش� � ��تيتا لذهن الالعب‪،‬‬ ‫كم� � ��ا تفع� � ��ل رس� � ��الة س� � ��پامية (إعالنية غير‬ ‫مرغوبة) َت� � � ِ�رد على البري� � ��د اإللكتروني‪ .‬فمن‬ ‫نفسك فارسا من القرون‬ ‫الصعب أن تتص َّور َ‬ ‫الوس� � ��طى تدافع عن مملكتك‪ ،‬في الوقت الذي‬ ‫ينهال عليك فيه وابل من النصائح تبرز أمامك‬ ‫على شاش� � ��ة احلاس� � ��وب‪ ،‬حتيلك إلى عناوين‬ ‫على اإلنترنت تغريك بشراء ذهب‪.‬‬ ‫�ركات‬ ‫وفي الس� � ��نوات األولى اعتادت ش� � � ُ‬ ‫األلعاب احلاس� � ��وبية ومعظ� � ��م الالعبني على‬ ‫التعامل مع زراعة الذهب باعتباره عام َل إثارة‬ ‫ثانو ّيا ال أكثر‪ .‬ولكن هذا املوقف تغ َّير مع تنامي‬ ‫هذه املمارسة وحت ُّولها إلى مؤسسة مزدهرة‪.‬‬ ‫�ركات بإدخ� � ��ال مزعجات من‬ ‫وقد ر َّدت الش� � � ُ‬ ‫املستوى األدنى مثل‪ :‬حوادث عشوائية تتس َّبب‬ ‫في مهاجم� � ��ة وقتل الـ«‪( »bots‬الش� � ��خصيات‬ ‫التي تؤ ِّدي مها َّم آلي� � ��ة متك ِّررة‪ ،‬كالتنقيب عن‬ ‫ركاز املع� � ��ادن‪ ،‬م� � ��ن دون حت ُّكم ِ‬ ‫مباش� � ��ر من‬ ‫الالعب)؛ وتخفيض قيم� � ��ة مفردات وفعاليات‬ ‫يس� � ��تعملها مزارعو الذهب‪ ،‬أو إزالتها نهائ ّيا‬ ‫( ) ‪An Emerging Backlash‬‬ ‫(‪Internet Gaming Entertainment )1‬‬ ‫(‪Development Informatics )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪19‬‬


‫املؤلف‬

‫‪Richard Heeks‬‬

‫رئيس قسم معلوميات التطوير في‬ ‫جامعة مانشستر بإنكلترا‪ ،‬ومدير‬ ‫مركز معلوميات التطوير التابع لهذه‬ ‫اجلامعة‪ .‬لديه خبرة ‪ 30‬سنة من العمل‬ ‫في مواقع التقاء التقانات الرقمية‬ ‫مع التطوير الدولي‪ ،‬ومن ذلك عمله‬ ‫مستشارا لعدة حكومات ومؤسسات‬ ‫دولية‪ .‬ميارس أحيانا ألعابا حاسوبية‬ ‫ألغراض بحثية محضة‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫(وهذا ُيسمى «‪ ،)»nerfing‬وحجب احلسابات‬ ‫االفتراضية للمزارع� �ي��ن؛ وأخيرا إدخال كود‬ ‫جديد على برمجيات اللعبة من شأنه ‪ -‬مثال ‪-‬‬ ‫تأخير تبادل األموال بني شخوص(‪ ،)1‬متيحني‬ ‫لتقصي إجرائية ما‬ ‫للش� � ��ركة فس� � ��حة زمنية‬ ‫ِّ‬ ‫(وهذا يسمى «‪.)»patching‬‬ ‫وفي مقابل هذه اإلج� � ��راءات املزعجة‪ ،‬لم‬ ‫َي ْع َد ْم مزارعو الذهب وس� � ��ائ َل للتحايل عليها‬ ‫�ركات‪ ،‬في‬ ‫وااللتف� � ��اف حولها‪ .‬فاتَّخذت الش� � � ُ‬ ‫معرض ال َّرد‪ ،‬تدابي َر أكثر ش� � ��موال وإحكاما‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫كمن� � ��ع عناوي���ن بروتوك���والت إنترن���ت‬ ‫صينية مع َّينة من النفاذ إلى مخ ِّدمات أمريكا‬ ‫َّ‬ ‫الش� � ��مالية أو املخ ِّدمات األوروپية‪ .‬وفي عام‬ ‫‪ ،2007‬استجاب املوقع ‪ eBay‬أخيرا للضغوط‬ ‫بحظر مبيعات األش� � ��ياء والنقد واحلسابات‬ ‫االفتراضي� � ��ة كافة‪ ،‬وهو إجراء لم يؤ ِّد إ ّال إلى‬ ‫نشوء مئات الوساطات والعموالت التي تق ِّدم‬ ‫خدمات جتارة الذهب و َر ْوز مس� � ��توى القدرة‬ ‫إلى الزبائن مباشرة‪.‬‬ ‫�ركات أيضا إلى احل ِّد من‬ ‫وتس� � ��عى الش� � � ُ‬ ‫ممارس� � ��ة زراعة الذه� � ��ب عن طري� � ��ق املناورة‬ ‫القانونية؛ إذ يتعينَّ على ِّ‬ ‫كل العب‪ ،‬قبل االكتتاب‬ ‫على لعبة حاسوبية من املجموعة ‪،MMORPG‬‬ ‫أن يوافق على عدم اخلوض في جتارة األموال‬ ‫احلقيقي� � ��ة‪ .‬غير أن ثمة مس� � ��ألة تبقى من دون‬ ‫ح� � � ّ�ل‪ ،‬وتتم َّثل بتحديد املالك للمتع ّلقات والنقود‬ ‫العائدة ألحد الش� � ��خوص‪ .‬ومن ثم‪ ،‬هل لشركة‬ ‫ألعاب حاس� � ��وبية حقوق في ِّ‬ ‫كل ش� � ��يء ينتمي‬ ‫إلى عالَم افتراضي؟ أم أن الذهب أو الس� � ��يف‬ ‫يوجدون أحد الش� � ��خوص‬ ‫مِ لْ ٌك ل ّالعبني الذين ِ‬ ‫وممتلكا ِت� � ��ه ويدفعون ماال له� � ��ذه الغاية؟ وال ب َّد‬ ‫لش� � ��ركات هذه األلعاب أن تس� � ��توثق من أنها‬ ‫س� � ��تكون هي الط� � ��رف الرابح إذا م� � ��ا أزمعت‬ ‫عل� � ��ى أن ترفع دعاوى قضائية على ش� � ��ركات‬ ‫زراعة الذهب‪ .‬وقد رب� � � َ�ح الالعبون الصين ُّيون‬ ‫فعال أحكاما قضائية ألزمت ش� � � ِ‬ ‫�ركات األلعاب‬ ‫احمل ِّلي َة بإعادة السلع التي ُفقِ دت بسبب َمواطن‬ ‫قص� � ��ور في منظومة هذه األلع� � ��اب‪ .‬وقد أثبتت‬ ‫تل� � ��ك القضاي� � ��ا أن ل َّالعبني حقوق� � ��ا في ملكية‬ ‫السلع املجردة على اإلنترنت‪.‬‬ ‫�ركات إل� � ��ى إجراء‬ ‫وأخي� � ��را‪ ،‬جلأت الش� � � ُ‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫تعديالت في تصاميم األلعاب ومحتواها بغرض‬ ‫إقصاء مزارعي الذهب‪ .‬واقتضى ذلك إدخال‬ ‫تغييرات كان لها أحيانا أثر عميق في اللعبة‪.‬‬ ‫ففي ع� � ��ام ‪ ،2007‬عمدت الش� � ��ركة ‪ Jagex‬إلى‬ ‫تعديل لعبتها املس ّماة رون سكيپ ‪RuneScape‬‬ ‫عل� � ��ى نحو يجعل بي َع الذهب االفتراضي أكثر‬ ‫َّ‬ ‫احلل قد جلب في ح ِّد ذاته‬ ‫ولكن هذا‬ ‫صعوبة‪َّ .‬‬ ‫شكاو‬ ‫بعض املش� � ��كالت؛ فقد اس� � ��تتب َع ورو َد‬ ‫ٍ‬ ‫كثيرة تُؤ ِّكد تدهو َر ممارس� � ��ة اللعبة بسبب من‬ ‫اإلجراءات املق ِّيدة له� � ��ا‪ .‬وقد َح َم َل هذا َ‬ ‫بعض‬ ‫متحل اس� � ��م جدي� � ��د ل ُّلعبة ُّ‬ ‫(يدل‬ ‫الظرفاء على ُّ‬ ‫عل� � ��ى تدهورها) ه� � ��و ‪ .RuinedScape‬ومع كل‬ ‫املتحصل من‬ ‫ذل� � ��ك‪ ،‬ما زال االتجّ � � ��ا ُر بالذهب‬ ‫ّ‬ ‫هذه اللعبة مستم ّرا حتى اآلن‪ ،‬ولو على نطاق‬ ‫ض ِّيق ومق َّيد‪ .‬بل وقد ذهبت ُ‬ ‫بعض الش� � ��ركات‬ ‫إلى ح ِّد تبني طرائق مزارعي الذهب ِ‬ ‫أنفسهم‪،‬‬ ‫فأصبحت تتقاضى املدفوعات مقابل مبيعاتها‬ ‫رئيسي لعوائدها‪،‬‬ ‫من مفردات اللعبة كمصدر‬ ‫ّ‬ ‫�لوب املعهود م� � ��ن إلزام‬ ‫مجافي� � ��ة بذلك األس� � � َ‬ ‫الالعبني بدفع أجور اشتراكاتهم‪.‬‬ ‫مشهد من العا َلم النامي‬

‫( )‬

‫�ض الالعب� �ي��ن‪ ،‬وكذلك ُ‬ ‫يعتم� � ��د بع� � � ُ‬ ‫بعض‬ ‫�اليب عدائية حملاربة‬ ‫الش� � ��ركات‪ ،‬أحيانا أس� � � َ‬ ‫اإلحصاءات أن نحو‬ ‫مزارعي الذهب‪ .‬و ُتظهِ ر‬ ‫ُ‬ ‫ربع عدد الالعبني يجاه� � ��رون ب َعدائهم‪ .‬فقد‬ ‫َش َّن أفرا ُد هذه الفئة حمالت غي َر َّ‬ ‫منظمة على‬ ‫شخصيات افتراضية َظنُّوا (رمبا خطأ) أنها‬ ‫تخضع لس� � ��يطرة مزارعي الذهب‪ .‬ونضرب‬ ‫مث� �ل��ا أن فتيات قزمات في إح� � ��دى األلعاب‬ ‫كثيرا م� � ��ا يتع َّرضن لالغتصاب أو التح ُّرش‪،‬‬ ‫بأنهن أدوات ملزارعي الذهب‪.‬‬ ‫اعتقادا‬ ‫َّ‬ ‫تؤججه‬ ‫ويبدو أن قس� � ��طا من هذه العداوة ِّ‬ ‫النزع ُة النمط َّي ُة العِ رقي� � ��ة‪ .‬ويؤ ِّيد ذلك ما يذكره‬ ‫احمل ِّل� � ��ل >‪ .N‬يي> [من مركز أبح� � ��اث پالو آلتو‬ ‫بكاليفورنيا] من وجود أوجه َش َبه بني ر ِّد الفعل‬ ‫( ) ‪A View from the Developing World‬‬

‫(‪caracters )1‬؛ أشخاص اللعبة‪.‬‬ ‫(‪( IP address )2‬عن� � ��وان بروتوكول إنترنت)؛ عدد اثناني بطول‬ ‫‪ 32‬بتّة‪ُ ،‬يع ِّرف حاس� � ��وبا مضيفا متَّصال بشبكة اإلنترنت‪،‬‬ ‫وذل� � ��ك بهدف حتقيق االتصال بطريقة تب���ادل ال ُّر َزم ‪packet‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫‪.switching‬‬


‫على زراعة الذهب واملعاملة التي لق َيها الع َّم ُ‬ ‫ال‬ ‫الصين ُّيون املهاج� � ��رون في إ ّبان حقبة التهافت‬ ‫َ‬ ‫منتصف القرن‬ ‫على الذهب في والية كاليفورنيا‬ ‫التاس � � � َع عش� � ��ر وأواخره‪ .‬ففي كلتا احلالتني‬ ‫كان للنع� � ��وت االزدرائية الت� � ��ي ربطت القادمني‬ ‫من شرق آس� � ��يا باألمراض واألوبئة ما يس ِّوغ‬ ‫احلاج َة إلى «اس� � ��تئصال» اآلسيويني‪ :‬إما عن‬ ‫طريق التطهير العِ رقي الفعلي للتراب األمريكي‬ ‫منهم‪ ،‬وإما باس� � ��تبعادهم نهائ ّيا عن مخ ِّدمات‬ ‫األلع� � ��اب املوج� � ��ودة عل� � ��ى أراض� � ��ي الواليات‬ ‫�ب >‪ .J .J‬بيل<‬ ‫املتحدة‪ .‬كذلك َيستش� � ��هد الكات� � � ُ‬ ‫بوصف أحد مزارعي الذهب لتجربته املريرة مع‬ ‫العبني أمريكيني‪« :‬كانت معاملتهم لي سيئة‪...‬‬ ‫كانوا يص ُّرون عل� � ��ى وصفي باملُزارع وبالكلب‬ ‫لدي مشكالت مع‬ ‫الصيني وما ش� � ��ابه‪ .‬ليست َّ‬ ‫أي م� � ��ن الالعبني س� � ��وى األمريكيني‪ ،‬الذين ال‬ ‫ّ‬ ‫يك ُّفون عن معاملتي بعنصرية مريرة‪».‬‬ ‫وما انفكت زراعة الذهب مقترنة بوصمة‪،‬‬ ‫ألن ظ� � � َ‬ ‫�روف العمل في َم� � ��زارع الذهب غالبا‬ ‫حة االفتراضي���ة» ‪virtual‬‬ ‫توس� � ��م بـ«امل ْك َد َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ .sweatshop‬على أن هذه الصورة تبقى مح ّ‬ ‫ال‬ ‫للنقاش؛ إذ يتقاض� � ��ى « ُمزارع» الذهب عادة‬ ‫نحو ‪ 50‬س� � ��نتا عن كل س� � ��اعة من س� � ��اعات‬ ‫العمل التي تتراوح ما بني ‪10‬و‪ 12‬ساعة يوم ّيا‬ ‫ُ‬ ‫الظروف‪،‬‬ ‫طوال أيام األسبوع‪ .‬وقد تبدو هذه‬ ‫م� � ��ن وجهة غرب َّي� � ��ة‪ ،‬اس� � ��تغاللية ومجحفة‪،‬‬ ‫أنفس� � ��هم عموما‬ ‫ومع ذلك يع ُّدها العاملون‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يتقاض ْوه‬ ‫مقبولة‪ ،‬بل أفضل مما ميك� � ��ن أن‬ ‫من مزاولتهم أعماال أخرى مح ِّلية‪ .‬أما الغِ ذاء‬ ‫والسكن فبدائ ّيان‪ ،‬ولكنهما مجان َّيان‪ .‬والبديل‬ ‫الوحيد لكثير منه� � ��م ‪ -‬كالوافدين ا ُ‬ ‫جلدد من‬ ‫األري� � ��اف ‪ -‬هو البطالة‪ .‬صحي� � ��ح إن العمل‬ ‫قد يك� � ��ون رتيبا ومم ّ‬ ‫ال أحيانا‪ ،‬غير أن معظم‬ ‫يعرب� � ��ون عن اس� � ��تمتاعهم بقضاء‬ ‫العاملني ِ‬ ‫أوقاتهم أمام لوح� � ��ة املفاتيح‪ .‬هذا املزيج من‬ ‫أكس َبهم‬ ‫العمل والتس� � ��لية‪ ،‬من ِ‬ ‫اجل ِّد وال َّلعب‪َ ،‬‬ ‫اللقب «الكادحون الالعبون» ‪.playborers‬‬ ‫ومن ث� � ��م‪ ،‬فإن زراعة الذهب تفتح للبلدان‬ ‫النامية س� � ��بيال إل� � ��ى َجنْي مناف� � ��ع من تقانة‬ ‫املعلوم� � ��ات؛ فيتي� � ��ح مئ� � � ِ‬ ‫�ات آالف الوظائ� � ��ف‬ ‫واألعمال‪ ،‬ويخ ِّفف من مشكلة الفقر املتفاقمة‬

‫في امل� � ��دن‪ .‬وثمة أد َّلة غير مو َّثقة تش� � ��ير إلى‬ ‫أنه يس� � ��هم أيضا في احل ِّد من اجلرمية عن‬ ‫طريق ض ِّم ش ّبان املدن العاطلني إلى صفوف‬ ‫العاملني‪ .‬ولهذا الس� � ��بب‪ ،‬ومع أن «مزارعي»‬ ‫الذهب يؤ ِّلفون ‪ -‬ظاهر ّيا ‪ -‬جزءا من االقتصاد‬ ‫املس� � ��تتر‪ ،‬فإن عددا م� � ��ن احلكومات احمل ِّلية‬ ‫رؤوس أموال اس� � ��تثمارية‬ ‫ف� � ��ي الصني تو ِّفر‬ ‫َ‬ ‫لتشجيع إنشاء َمزارع الذهب في مناطقها‪.‬‬ ‫وهكذا يستمر ِس ْح ُر زراعة الذهب بإغراء‬ ‫كثير م� � ��ن الع َّم� � ��ال ذوي الدخ� � ��ل املنخفض‬ ‫باإلقب� � ��ال على هذه اللعب� � ��ة‪ ،‬أمال باإلثراء من‬ ‫ورائها ‪ -‬آي ُة ذلك ا ِّتساع عدد املمارسني لها‬ ‫على الصعيد العاملي بنس� � ��بة تتجاوز ‪ 50‬في‬ ‫املئة س� � ��نو ّيا‪ ،‬مما َو َّل َد وسطا متناميا لزيادة‬ ‫زارع الذهب الصين َّية‬ ‫الطلب‪ .‬فقد َس� � � َّ�جلت َم ُ‬ ‫زيادات ملحوظ� � ��ة في املبيعات والتش� � ��غيل‪،‬‬ ‫حتى في ِّ‬ ‫ظل األزمة املالية العالمَ ية األخيرة‪.‬‬ ‫ومن ش� � ��أن زراعة الذهب كذلك أن حت ِّدد‬ ‫معا ِل � � � َم الطريق ف� � ��ي إيجاد ف� � ��رص للبلدان‬ ‫النامية؛ فإن قضاء األفراد ُج َّل أوقات عملهم‬ ‫وفراغه� � ��م على اإلنترن� � ��ت يفضي بالضرورة‬ ‫إل� � ��ى ُ‬ ‫تعاظم احلاج� � ��ة إلى توفي� � ��ر اخلدمات‬ ‫احلاسوبية ذات الصلة مباشرة حتت عنوان‬ ‫الس��� ْي َبري» ‪ .cyberwork‬وستكشف‬ ‫«العم���ل َّ‬ ‫ُ‬ ‫الدراسات املستقبلية في هذا املضمار قدر َة‬ ‫ُ‬ ‫التج� � ��ارة الدولية واإلنترنت عل� � ��ى دفع هذه‬ ‫الفعالية التجارية ُق ُدما إلى األمام‪.‬‬ ‫ولك� � � َّ�ن على ه� � ��ذه البلدان أيض� � ��ا أن تثير‬ ‫تس� � ��اؤالت صعب� � ��ة‪ :‬ه� � ��ل يتعينَّ عل� � ��ى الصني‬ ‫وس� � ��ائر البلدان النامية تشجيع زراعة الذهب‬ ‫باعتباره وس� � ��يلة لتوس� � ��يع رقع� � ��ة الصادرات‬ ‫وتش� � ��غيل الناس؟ وهل بإمكان مزارعي الذهب‬ ‫االنتقال إلى أعمال أعلى مهارة في مجال تقانة‬ ‫املعلومات؟ وهل مت ِّثل زراع� � ��ة الذهب منوذجا‬ ‫منط ّيا ألشكال جديدة من التنمية االقتصادية؟‬ ‫الس � � � ْي َبري احملتمل‬ ‫وم� � ��ا هي أن� � ��واع العم� � ��ل َّ‬ ‫ظهورها من وراء ا ُ‬ ‫حل ُجب؟ كثيرة هي مس� � ��ائل‬ ‫املوجهة إلى علماء االجتماع‪ ،‬وجميعها‬ ‫البحث َّ‬ ‫ين ِّبه إلى أن االتصاالت الواسعة النطاق جديرة‬ ‫بأن تعطي للدول الفقيرة دورا محور ّيا في عالَم‬ ‫>‬ ‫االقتصاد الرقمي السريع التط ُّور‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, January 2010‬‬

‫‪21‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫تطور رؤية األلوان لدى الرئيسيات‬

‫(٭)‬

‫ُيظهر حتليل األصبغة البصرية لدى الرئيسيات أن رؤيتنا لأللوان قد تطورت‬ ‫بطريقة غير عادية وأن للدماغ قدرة على التكيف أكثر مما كان يعتقد‪.‬‬ ‫>‪ .H .G‬جاكوبس< ـ‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫تختلف رؤية األلوان عند‬ ‫البشر وعند بعض الرئيسيات‬ ‫عنها عند الثدييات غير‬ ‫الرئيسيات ‪.‬‬

‫>‬

‫وهي ُتدعى ثالثية األلوان‬ ‫‪trichromacy‬؛ ألنها تعتمد‬ ‫على ثالثة أنواع من األصبغة‬ ‫احلساسة للضوء في شبكية‬ ‫العني‪.‬‬

‫>‬

‫إن حتليل جينات تلك األصبغة‬ ‫يعطي فكرة عن كيفية تطور‬ ‫خاصية ثالثية األلوان ابتداء‬ ‫من رؤية األلوان عند الثدييات‬ ‫غير الرئيسيات التي متتلك‬ ‫نوعني فقط من األصبغة‬ ‫الضوئية ‪.photopigments‬‬

‫>‬

‫أحدث املؤلفان خاصية ثالثية‬ ‫األلوان لدى الفئران بإدخال‬ ‫جينات األصبغة البشرية‬ ‫إلى جينوم ‪ genome‬الفأر‪.‬‬ ‫وكشفت التجربة عن قدرة على‬ ‫التكيف غير متوقعة في دماغ‬ ‫الثدييات‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪22‬‬

‫>‪ .J‬ناثانز<‬

‫يبدو العالم ألعيننا مرتبا بروعة المتناهية‬ ‫من األلوان الت� � ��ي تتدرج من اللون البرتقالي‬ ‫الزاهي‪ ،‬لون زهرة الـ (ماري گولد ‪marigold‬‬ ‫ــ القطيف� � ��ة ــ املخملية)‪ ،‬إل� � ��ى اللون الرمادي‬ ‫املعدني (لون شاسيه السيارات)‪ ،‬ومن األزرق‬ ‫الزاهي لسماء منتصف الشتاء إلى األخضر‬ ‫الزمردي‪ .‬واجلدير باملالحظة أنه بالنسبة إلى‬ ‫معظم البش� � ��ر‪ ،‬يتم متيي� � ��ز أي لون من خالل‬ ‫امل� � ��زج بني ثالث موج� � ��ات ضوئية فقط ذوات‬ ‫أطوال موجية ثابتة بشدات معينة‪ .‬وتنتج هذه‬ ‫اخلاصية في رؤية األلوان عند البشر والتي‬ ‫تدعى ثالثية األلوان ‪ trichromacy‬من كون‬ ‫ش� � ��بكية العني ‪ -‬وهي طبقة اخلاليا العصبية‬ ‫في العني التي تتلقى الضوء وترسل املعلومات‬ ‫البصرية إلى الدماغ ‪ -‬تستخدم ثالثة أنواع‬ ‫من األصبغة ‪ pigments‬املاصة للضوء لرؤية‬ ‫األل� � ��وان‪ .‬إن إحدى النتائ� � ��ج خلاصية ثالثية‬ ‫األل� � ��وان أن شاش� � ��ات التلفاز واحلاس� � ��وب‬ ‫ميكنها أن مت� � ��زج ثالثة پيكس�ل�ات(‪pixels )1‬‬ ‫(نق� � ��اط إضاءة الشاش� � ��ات) ‪ -‬وهي احلمراء‬ ‫واخلضراء والزرقاء إلنتاج ما نراه من طيف‬ ‫كامل لأللوان‪.‬‬ ‫عل� � ��ى الرغ� � ��م م� � ��ن أن خاصي� � ��ة ثالثية‬ ‫األلوان ش� � ��ائعة بني الرئيس� � ��يات إال أن هذه‬ ‫اخلاصية ليست عامة في اململكة احليوانية‪.‬‬ ‫إذ إن الثديي� � ��ات غير الرئيس� � ��يات كافة هي‬ ‫ثنائي���ة األل���وان ‪ dichromats‬وتعتم� � ��د رؤية‬ ‫األل� � ��وان لديها على نوعني فقط من األصبغة‬

‫البصري���ة ‪ ،visual pigments‬كم� � ��ا أن بعض‬ ‫الثديي� � ��ات الليلية لديها صب� � ��اغ واحد فقط‪.‬‬ ‫أما بالنس� � ��بة إلى بعض الطيور واألس� � ��ماك‬ ‫والزواح� � ��ف؛ فلديها أربع� � ��ة أصبغة بصرية‬ ‫وتس� � ��تطيع متييز األش� � ��عة فوق البنفسجية‬ ‫غير املرئية بالنس� � ��بة إلى البشر‪ .‬لذا يبدو أن‬ ‫ثالثي� � ��ة األلوان لدى الثدييات الرئيس� � ��ية أمر‬ ‫غير اعتيادي‪ .‬كيف حدث هذا التطور؟ وبناء‬ ‫على تراكم الدراس� � ��ات على مدى عقود؛ فإن‬ ‫األبحاث احلديثة في علم الوراثة والبيولوجيا‬ ‫اجلزيئي� � ��ة والفيزيولوجي� � ��ا العصبي� � ��ة لرؤية‬ ‫األل� � ��وان عند الرئيس� � ��يات ق� � ��د وصلت إلى‬ ‫إجاب� � ��ات غير متوقعة ونتائج مذهلة عن قدرة‬ ‫دماغ الرئيسيات على التكيف‪.‬‬ ‫األصبغة وماضيها‬

‫( )‬

‫قب� � ��ل ‪ 50‬عام� � ��ا‪ ،‬جرى ألول م� � ��رة قياس‬ ‫احلساس� � ��ية الطيفي� � ��ة لألصبغ� � ��ة البصرية‬ ‫الثالثة املسؤولة عن رؤية األلوان عند البشر‪،‬‬ ‫وهي اآلن معروفة بدقة متناهية‪ .‬حيث إن كل‬ ‫صب� � ��اغ ميتص الضوء من منطقة محددة من‬ ‫الطي� � ��ف ويتميز من غيره بط� � ��ول املوجة التي‬ ‫ميتصها بشكل أعظمي‪ .‬إذ إن صباغ املوجات‬ ‫القصيرة ‪ S‬ميتص الضوء بشكل أعظمي عند‬ ‫طول املوجة ‪ 430‬نانومتر (النانومتر يس� � ��اوي‬ ‫( ) ‪THE EVOLUTION OF PRIMATE COLOR VISION‬‬

‫الرئيس���يات أو الرئيسات ‪ :Primate‬رتبة عالية من الثدييات‬ ‫تشمل اإلنسان والقرد‪.‬‬

‫( ) ‪Pigments and Their Past‬‬

‫(‪ )1‬أو‪ :‬عنصورة‪ ،‬وهذه نحت من عنصر ‪ -‬صورة‪( .‬التحرير)‬


‫جزءا من بليون من املتر) تقريبا‪ ،‬أما صباغ‬ ‫املوجات املتوسطة ‪ M‬فيمتص الضوء بشكل‬ ‫أعظمي عند طول املوجة ‪ 530‬نانومتر تقريبا‪،‬‬ ‫في حني ميتص صب� � ��اغ املوجات الطويلة ‪L‬‬ ‫الضوء بش� � ��كل أعظمي عند طول املوجة ‪560‬‬ ‫نانومتر‪( .‬وفي الس� � ��ياق نفس� � ��ه‪ ،‬فإن أطوال‬ ‫املوجات ‪ 470‬و ‪ 520‬و ‪ 580‬نانومتر تتوافق مع‬ ‫األلوان التي مييزها اإلنسان العادي كألوان‬ ‫زرقاء‪ ،‬خضراء‪ ،‬صفراء على التوالي)‪.‬‬ ‫تتوضع هذه األصبغ� � ��ة‪ ،‬التي يتكون كل‬ ‫منها من پروتني يش� � ��كل معق� � ��دا مع مركب‬ ‫ممتص للضوء من مش� � ��تقات ڤيتامني ‪ ،A‬في‬ ‫الغشاء الس� � ��يتوبالزمي للخاليا املخروطية‪:‬‬ ‫وهذه هي خاليا عصبية مستقبلة للضوء في‬ ‫شبك ّية العني وس� � ��ميت كذلك بسبب شكلها‬ ‫املس� � ��تدق‪ .‬فعندما ميتص صباغ ما الضوء‪,‬‬ ‫فإنه يتسبب في سلسلة من األحداث اجلزيئية‬ ‫الت� � ��ي تؤدي إل� � ��ى تنبيه اخللي� � ��ة املخروطية‪.‬‬ ‫وه� � ��ذا التنبيه بدوره ُيف ِّعل اخلاليا العصبية‬ ‫األخرى في الش� � ��بكية الت� � ��ي تنقل في نهاية‬ ‫املطاف اإلشارة على طول العصب البصري‬ ‫إلى الدماغ‪.‬‬ ‫وم� � ��ع أن أطي� � ��اف امتص� � ��اص أصبغ� � ��ة‬ ‫املخاري� � ��ط معروفة منذ فت� � ��رة طويلة‪ ،‬إال أن‬ ‫هذه األصبغـــــــ� � ��ة لــم تكــ� � ��ن معروفــــــة حتى‬ ‫ع� � ��ام ‪ 1980‬حني متكن (>ناثانز< ــ أحد كاتبي‬ ‫هذا البحث) من حتـــديـــد جينـات (مورثات)‬ ‫‪ genes‬األصبغ���ة البش���رية ‪human pigments‬‬

‫ومن حتديد تسلسل األحماض األمينية التي‬ ‫ُتش � � �ــكل پروتــني كــل صباغ (من تــسلس� � ��ل‬ ‫الدن���ا ‪ DNA‬فــي هـــــذه اجلينــــ� � ��ات)‪ .‬وقـــــد‬ ‫أظه� � ��ر تسلس � � �ــل اجلين� � ��ات أن الصباغ� �ي��ن‬ ‫الضوئي� �ي��ن ‪ M‬و‪ L‬متطابق� � ��ان تقريب� � ��ا‪ .‬كما‬ ‫أظهرت التج� � ��ارب الالحقة أن االختالف في‬ ‫احلساسية الطيفية بينهما ناجم عن استبدال‬ ‫ثالثة أحماض أمينية فقط من أصل األحماض‬ ‫األميني� � ��ة الثالثمئة واألربعة والس� � ��تني التي‬ ‫يصاغ منها كل من الصباغني‪.‬‬ ‫كما أظهرت التجارب أن جيني الصباغني‬

‫‪ M‬و ‪ L‬يتوضع أحدهما بجوار اآلخر‬ ‫في الكروموس���وم ‪X chromosome‬‬ ‫وهو أحد الكروموسومني اجلنسيني‬ ‫(يوج� � ��د ل� � ��دى الذكور كروموس� � ��وم‬ ‫واحــد ‪ X‬وآخــر ‪ ،Y‬أمــــا لــــدى‬ ‫اإلناث فهناك كروموس� � ��ومان من‬ ‫الن� � ��وع ‪ .)X X‬وهذا التوضع لم يكن‬ ‫مفاجئا؛ ألن أحد الشذوذات الشائعة‬ ‫في رؤية األلوان عند اإلنسان ‪ -‬وهو‬ ‫مرض عمى األل� � ��وان للونني األحمر‬ ‫واألخضر ‪ -‬معروف منذ زمن طويل‬ ‫أنه أكثر شيوعا لدى الذكور منه لدى‬ ‫اإلناث‪ ،‬وأنه ُيو َّرث بنمط يش� � ��ير إلى‬ ‫أن اجلينات املس� � ��ؤولة تتوضع على‬ ‫الكروموسوم ‪ .X‬وباملقابل‪ ،‬فإن جني‬ ‫الصباغ ‪ S‬يتوضع على الكروموسوم ‪ ،7‬ويظهر‬ ‫تتال� � ��ي هذا اجلني بأن الصباغ ‪ S‬الذي تكوده‬ ‫‪ encoded‬ذو صلة بعيدة بالصبغني ‪ M‬و ‪.L‬‬ ‫وبحل� � ��ول منتص� � ��ف التس� � ��عينات وفرت‬ ‫الدراس� � ��ات املقارنة جلينات ه� � ��ذه األصبغة‬ ‫الثالثة مع مثيالته� � ��ا في احليوانات األخرى‬ ‫معلومات مهمة حول تاريخ هذه األصبغة‪ .‬إذ‬ ‫تبني أن جميع الفقاريات تقريبا لديها جينات‬ ‫حد كبير ذلك املوجود‬ ‫ذات تسلسل يشبه إلى ٍ‬ ‫في الصباغ ‪ S‬لدى البشر‪ ،‬مما يدل على أن‬ ‫نس� � ��خة من الصباغ ذي املوجات القصيرة‬ ‫ه� � ��ي العنصر القدمي في رؤي� � ��ة األلوان‪ .‬كما‬ ‫تنتشر مشابهات الصباغني الطويلي املوجة‬ ‫‪ M‬و ‪ L‬على نطاق واسع في الفقاريات‪ ،‬وعلى‬ ‫األرجح أنها قدمية للغاية‪ .‬ولكن بني الثدييات‬ ‫وجدت األصبغة املش� � ��ابهة للصباغني ‪ L‬و ‪M‬‬ ‫لدى مجموعة فرعية من أنواع الرئيس� � ��يات‪،‬‬ ‫وهذا يش� � ��ير إلى أن هذه املي� � ��زة (أي وجود‬ ‫األصبغة املش� � ��ابهة للصباغ� �ي��ن ‪ M‬و ‪ )L‬قد‬ ‫تطورت مؤخرا على األرجح‪.‬‬ ‫متتل� � ��ك معظم الثدييات غير الرئيس� � ��يات‬

‫ميكن لقرود الشمپانزي (كالبشر)‬ ‫التمييز بني ألوان ال ميكن لغيرها‬ ‫من الثدييات األخرى أن تراها‪ .‬وما‬ ‫(‪)1‬‬ ‫يراه الناظر إلى لوحة كاندينسكي‬ ‫‪ Kandinsky‬يعكس خصائص األلوان‬ ‫(الدهانات) وطبيعة اإلضاءة ونظام‬ ‫رؤية اللون لدى الناظر‪.‬‬

‫(‪ - Wassily Kandinsky )1‬فاس� � ��يلي كانديسكي ‪ -‬رسام روسي‬ ‫األص� � ��ل ويعتبر أحد الرواد األوائ� � ��ل للمبدأ الالتصوري أو‬ ‫الالمتثيل� � ��ي‪ ،‬وبعب� � ��ارة أخرى‪ ،‬مب� � ��دأ «التجريدية الصافية»‬ ‫(التحرير)‬ ‫ولوحاته معروفة باسمه‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪23‬‬


‫العصب البصري‬ ‫إلى الدماغ‬

‫‪ ،recombination‬وي� � ��ؤدي أحيانا التبادل غير‬ ‫املنتظ� � ��م (غير املتكافئ) للم� � ��ادة الوراثية إلى‬ ‫إنت� � ��اج كروموس� � ��وم ميتلك نس� � ��خا إضافية‬ ‫جلني واح� � ��د أو أكثر‪ .‬وفيما بعد‪ ،‬تقوم عملية‬

‫الشبكية‬

‫االنتخ���اب (االصطف���اء) الطبيع���ي‬

‫املخاريط‬

‫الضوء‬

‫العصا‬ ‫(الزرقاء)‬

‫الشبكية‬

‫شبكية العني ‪ :‬طبقة من اخلاليا العصبية في اجلزء اخللفي من العني‪ُ ،‬ترسل املعلومات البصرية إلى‬ ‫الدماغ عن طريق العصب البصري‪ .‬وتعتمد رؤية األلوان على املخاريط ‪ :‬وهي خاليا حسية ُمستدقة‬ ‫حتوي أصبغة حساسة للضوء‪ .‬تعمل اخلاليا األخرى احلساسة للضوء والتي تدعى العِ ِصي ‪ - rods‬في‬ ‫الضوء اخلافت وال تشارك عادة في رؤية األلوان‪ .‬تتوضع هذه العِ ِصي واملخاريط‪ ,‬التي تعرف معا باسم‬ ‫املستقبالت الضوئية‪ ,‬خلف أنواع أخرى من اخلاليا التي تدعم عملية الرؤية‪.‬‬

‫صباغ� � ��ا واح� � ��دا فق� � ��ط طويل املوج� � ��ة‪ ،‬وهو‬ ‫يش� � ��به األصبغة الطويل� � ��ة املوجة ‪ L‬املوجودة‬ ‫لدى الثدييات الرئيس� � ��ية‪ .‬ويقع جني الصباغ‬ ‫الطوي� � ��ل املوج� � ��ة هذا ل� � ��دى الثديي� � ��ات غير‬ ‫الرئيس� � ��ية أيضا على الكروموسوم ‪ .X‬وقد‬ ‫أثارت ه� � ��ذه امليزات إمكانية أن تكون جينات‬ ‫صباغ� � ��ي املوج� � ��ات الطويلة ل� � ��دى الثدييات‬ ‫الرئيس� � ��ية قد ظهرت أوال في األنسال األولى‬ ‫للثدييات الرئيس� � ��ية كما يلي‪ :‬تضاعف جني‬ ‫صباغ املوجات الطويل� � ��ة لدى الثدييات على‬ ‫كروموس� � ��وم ‪ X‬واحد‪ ،‬ومن ث� � ��م أدى حدوث‬ ‫طفرات ‪ mutations‬في إحدى أو كلتا نسختي‬ ‫اجلني السلفي املرتبطة بالكروموسوم ‪ ،X‬إلى‬ ‫إنت� � ��اج صباغني متماثلني متاما لهما مجاالن‬ ‫مختلف� � ��ان من احلساس� � ��ية الطيفي� � ��ة ـــ هما‬ ‫الصباغان ‪ M‬و ‪.L‬‬ ‫إن اآللي� � ��ة املعروف� � ��ة لتضاع� � ��ف اجل� �ي��ن‬ ‫بهذا الش� � ��كل حتدث أثناء تش ُّكل البويضات‬ ‫والنطاف (احليوانات املنوية)‪ .‬فعندما يحدث‬ ‫االنقسام اخللوي للبويضات والنطاف‪ ،‬يحدث‬ ‫تب� � ��ادل أجزاء م� � ��ن أزواج الكروموس� � ��ومات‬ ‫بعملية ُتس� � ��مى التأش���يب (إعادة التركيب)‬ ‫‪24‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪natural‬‬

‫‪ selection‬باحملافظ� � ��ة عل� � ��ى الطفرات املفيدة‬ ‫التي ظهرت ف� � ��ي تلك اجلين� � ��ات املتضاعفة‪.‬‬ ‫وبذلك وبنزع� � ��ة البقاء لألصلح‪ ,‬فإن الطفرات‬ ‫املفيدة تس� � ��تمر وتنتقل (وتعبر) إلى األجيال‬ ‫املستقبلية وتنتشر بني األفراد أو السالالت‪.‬‬ ‫بالع� � ��ودة إلى موضوع رؤي� � ��ة اللون لدى‬ ‫الثديي� � ��ات الرئيس� � ��ية‪ ،‬فقد تك� � ��ون خاصية‬ ‫ثالثي� � ��ة األل� � ��وان املعتمدة عل� � ��ى الصباغني‬ ‫الضوئيني ‪ M‬و ‪ L‬اجلديدين جنبا إلى جنب‬ ‫مع الصباغ ‪ S‬قد ُمنح� � ��ت ميزة اصطفائية‬ ‫مفضلة على خاصية ثنائية األلوان في بيئات‬ ‫معينة‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬فإن ألوان الفاكهة‬ ‫الناضج� � ��ة تبدو مغايرة لل� � ��ون أوراق النبات‬ ‫اخلضراء احمليطة بها‪ ،‬ولكن ثنائيات األلوان‬ ‫هي أق� � ��ل قدرة على متييز ه� � ��ذا التباين ألن‬ ‫حساسيتها لتمييز فروق األلوان في مناطق‬ ‫ألوان الطيف األحم� � ��ر واألصفر واألخضر‬ ‫ضعيفة‪ .‬وعلى األرجح‪ ,‬فإن حتسني القدرة‬ ‫على متييز الفاكهة الصاحلة لألكل يس� � ��اعد‬ ‫على اس� � ��تمرار بقاء األف� � ��راد الذين يحملون‬ ‫الطفرات املسؤولة عن الرؤية الثالثية األلوان‪،‬‬ ‫ويؤدي إلى انتشار تلك اجلينات الطافرة في‬ ‫مجتمعات الكائنات احلية‪.‬‬ ‫تب� � ��دو اآلليات الت� � ��ي ُذكرت أع� �ل��اه حول‬ ‫تضاع� � ��ف اجل� �ي��ن املتبوع بطف� � ��رة مؤدية إلى‬ ‫ُ‬ ‫اختالف في تتالي الدنا كتفسير منطقي لتطور‬ ‫جينات الصباغني ‪ M‬و‪ L‬عند الرئيسيات‪ ،‬ألنه‬ ‫مت تع� � ��رف هذه السلس� � ��لة م� � ��ن األحداث في‬ ‫مجموعات أخرى م� � ��ن اجلينات‪ .‬لنأخذ‪ ،‬على‬ ‫س� � ��بيل املثال‪ ،‬اجلينات التي تكود اخلضاب‬ ‫(الهيموگلوب� �ي��ن)‪ ،‬وهو الپروت� �ي��ن الذي يحمل‬ ‫األكسجني في الدم‪ .‬يبدو أن جينات اخلضاب‬ ‫اجلنيني الذي يبدأ إنتاجه في الش� � ��هر الثاني‬ ‫م� � ��ن احلمل داخل الرح� � ��م وجينات اخلضاب‬


‫الكهلي‪ ،‬قد نش� � ��أت عن تضاعف جني سلفي‬ ‫مفرد‪ ،‬طرأت عليه الحقا طفرة أنتجت أمناطا‬ ‫متغاي���رة ‪ variants‬م� � ��ن اخلض� � ��اب متباين� � ��ة‬ ‫في ُألفتها لألكس� � ��جني‪ .‬وبش� � ��كل مماثل‪ ،‬فإن‬ ‫الگلوبولينات املناعية ‪ -‬وهي الپروتينات التي‬ ‫تتواسط اس� � ��تجابة اجلهاز املناعي باألجسام‬ ‫املض� � ��ادة ‪ -‬تك� � ��ون متنوعة ج� � ��دا وتنتج من‬ ‫تضاعف جني سلفي مفرد‪.‬‬

‫[أساسيات]‬

‫منطان لرؤية األلوان لدى الثدييات‬

‫( )‬ ‫‪1‬‬ ‫نوعني‬

‫إن أغل���ب الثدييات متتلك خاصي���ة الرؤية الثنائية األلوان‪ ،‬أي إن رؤيتها لأللوان تنتج من‬ ‫فق���ط من األصبغة البصرية (الصورة العلوية)‪ :‬أحدها ميتص املوجات الضوئية القصيرة بش���كل‬ ‫أعظم���ي (املنحن���ى البياني األزرق) واآلخر أكثر حساس���ية للموجات الضوئي���ة الطويلة (املنحنى‬ ‫البياني األخضر)‪ .‬ولكن البش���ر وبعض الرئيس���يات األخرى لديها رؤية ثالثية األلوان ‪Trichromacy‬‬ ‫كم���ا في (الصورة الس���فلية)‪ ،‬حيث ترى ألوانا أكثر ألنهم يس���تخدمون ثالث���ة أنواع من األصبغة‪:‬‬ ‫صب���اغ املوج���ات القصي���رة (املنحن���ى البيان���ي األزرق) ونوعني م���ن األصبغة للموج���ات الطويلة‬ ‫(املنحنيان البيانيان األحمر واألخضر)‪.‬‬

‫ثنائي األلوان‬ ‫انكسار الضوء‬ ‫املُمتص من‬ ‫قِ بل الصباغ‬

‫طريقان للرؤية الثالثية األلوان‬

‫( )‬

‫إال أن القص� � ��ة احلقيقي� � ��ة لتطور خاصية‬ ‫ثالثية األلوان عند الرئيسيات صارت أكثر‬ ‫تعقيدا وتشويقا‪ .‬إذ أتى الدليل احلاسم من‬ ‫اكتشاف آليتني جينيتني (وراثيتني) مختلفتني‬ ‫للرؤية الثالثية األلوان عند الرئيسيات‪ ،‬األولى‬ ‫عند رئيس� � ��يات العالم القدمي (املجموعة التي‬ ‫تطورت في صحارى إفريقيا وآسيا وتشمل‬ ‫الگيب� � ��ون ‪ gibbons‬والش� � ��مپانزي والغوريال‬ ‫واإلنس� � ��ان)‪ ،‬والثانية عند رئيس� � ��يات العالم‬ ‫اجلديد (األنواع املوجودة في وسط وشمال‬ ‫أمريكا مثل املارموس ‪ marmosets‬والتامارين‬ ‫‪ tamarins‬والقرد السنجاب)‪.‬‬ ‫يحمل اإلنسان وغيره من رئيسيات العالم‬ ‫الق� � ��دمي جينات الصباغ� �ي��ن ‪ M‬و ‪ L‬على كل‬ ‫من الكروموس� � ��ومني ‪ X‬اخلاصني بها‪ ،‬ومن‬ ‫َث َّم ميتلك اإلنسان وهذه الرئيسيات خاصية‬ ‫الرؤية الثالثية األلوان‪ .‬ولكن عند فحص رؤية‬ ‫األلوان عند رئيس� � ��يات العالم اجلديد خالل‬ ‫العديد من العقود املاضية‪ ،‬الحظ أحد كتاب‬ ‫هذا البحث (>جاكوب� � ��ز<) أن خاصية الرؤية‬ ‫الثالثية األل� � ��وان موجودة فقط لدى مجموعة‬ ‫فرعية من اإلن� � ��اث‪ .‬كما أظهرت الفحوصات‬ ‫أن جميع ذكور رئيسيات العالم اجلديد وثلث‬ ‫إناثه تقريب� � ��ا تُبدي نقصا في حساس� � ��يتها‬ ‫لتمييز األلوان عند األطوال املوجية املتوسطة‬ ‫والطويلة‪ ،‬وهذا مطابق متاما خلاصية ثنائية‬ ‫األل� � ��وان‪ .‬وف� � ��ي احملصلة‪ ،‬نخل� � ��ص إلى أن‬ ‫خاصي� � ��ة ثالثية األلوان ليس� � ��ت ظاهرة عامة‬ ‫عند جميع الرئيسيات‪.‬‬

‫‪0‬‬

‫(‪)1‬‬

‫نانومتر‬

‫ثالثي األلوان‬

‫‪1‬‬

‫‪600‬‬

‫‪400‬‬

‫‪0‬‬

‫نانومتر‬

‫فوائد التطور؟‬

‫( )‬

‫تتباين ألوان الفاكهة الناضجة مع أوراق‬ ‫النبات األخضر احمليطة بها‪ ،‬وميكن خلاصية‬ ‫ثالثية األلوان أن مت ّيز مثل هذا التباين‬ ‫أفضل مما تفعله خاصية ثنائية األلوان‪ .‬فعلى‬ ‫األرجح أن تطوير القدرة على متييز الفاكهة‬ ‫الصاحلة لألكل عند األفراد ثالثية األلوان‬ ‫يساعد على استمرار بقاء األفراد ويؤدي إلى‬ ‫انتشار جينات الرؤية الثالثية األلوان لدى‬ ‫مجتمع الرئيسيات‪.‬‬

‫لتفسير هذه الظاهرة الغريبة درس بعض‬ ‫الباحث� �ي��ن عدد وترتيب جين� � ��ات الصباغ في‬ ‫اخللية املخروطي� � ��ة لدى قردة العالم اجلديد‪.‬‬ ‫وقد ظهر أن لدى معظمها جني واحد لصباغ‬ ‫املوجات القصيرة (يقع على كروموسوم غير‬ ‫جنس� � ��ي)‪ ،‬كما أن لديها جينا واحدا لصباغ‬ ‫املوجات الطويلة‪ ،‬يقع على الكروموس� � ��وم ‪.X‬‬ ‫وبتعبير آخر‪ ،‬ف� � ��إن الصفة الوراثية الطبيعية‬ ‫لألصبغة البصرية عندها شبيهة مبقابالتها‬ ‫عن� � ��د الثدييات ذات خاصي� � ��ة الرؤية الثنائية‬ ‫( ) ‪Two Roads to Trichromacy‬‬ ‫( ) ‪Two Kinds of Mammalian Color Vision‬‬ ‫( ) ‪Evolutionary Advantage‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫اخلط البياني األفقي في الرسمني بالنانومتر لقياس طول‬ ‫(التحرير)‬ ‫املوجات الضوئية‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫[أساسيات في الوراثة]‬

‫تختل����ف األس����س الوراثي����ة للرؤي����ة الثالثية األل����وان لدى‬ ‫رئيسيات العالم القدمي عنها في رئيسيات العالم اجلديد‪،‬‬ ‫فاجلني املك ِّود ‪ encoding‬لصباغ املوجات القصيرة (األزرق)‬ ‫يتوضع على كروموسوم غير جنسي‪ .‬كما متتلك رئيسيات‬ ‫العالم القدمي جينني صبغيني للموجات الضوئية األطول‬ ‫(األحمر واألخضر) على كل كروموس����وم ‪ .X‬وبذلك ميتلك‬ ‫الذك����ور ‪ X‬و اإلن����اث ‪ X X‬ثالثة جينات لألصبغة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫خاصية الرؤية الثنائية األلوان‪.‬‬ ‫ل����دى رئيس����يات العال����م اجلديد ثالث����ة أمن����اط مختلفة من‬ ‫أالئل ‪ )2(alleles‬اجلني املتوضع على الكروموسوم ‪ X‬لصباغ‬ ‫املوج����ات الطويل����ة ف����ي ُجميع� � ��ة ‪ pool‬جيناته����م (األحم����ر‪،‬‬ ‫األصفر واألخضر)‪ ،‬إال أن ك ً‬ ‫ال من كروموسومات ‪ X‬يحمل‬ ‫ألي��ل�ا واحدا فقط م����ن هذه األالئل‪ .‬نتيجة لذلك‪ ،‬فإن اإلناث‬ ‫التي لديها أالئل صباغ متباينة على كال الكروموسومني ‪X‬‬ ‫هي فقط التي متتلك خاصية الرؤية الثالثية األلوان‪.‬‬

‫=‬

‫=‬

‫ال يوجد جني‬ ‫صباغ على‬ ‫الكروموسوم ‪Y‬‬

‫ثالثية األلوان‬

‫‪X‬‬

‫رئيسيات‬ ‫العالم القدمي‬

‫تطورت في إفريقيا وآسيا منذ ماليني‬ ‫السنني‪ ،‬وهي تضم اليوم القرود العليا‬ ‫(اإلنسان‪ ،‬األورانغ أوتان‪ ،‬الغوريال‪،‬‬ ‫البونوبو والشمپانزي)‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫الغيبون والالنغور والقرد املكاك‬ ‫واملاندريل‪ .‬وقد انعزلت رئيسيات العالم‬ ‫القدمي عن رئيسيات العالم اجلديد ـــ‬ ‫وسط وجنوب أمريكا ـــ عندما أصبحت‬ ‫قارتا إفريقيا وأمريكا اجلنوبية منفصلتني‬ ‫متاما قبل نحو ‪ 40‬مليون سنة‪.‬‬

‫‪‬امليمون‬

‫‪Mandrill‬‬

‫‪26‬‬

‫‪ :‬هو قرد‬ ‫أفريقي‬ ‫ضخم‬

‫ذكور‬

‫‪X‬‬

‫إناث‬

‫ثالثية األلوان‬ ‫أليل صباغي واحد‬ ‫‪ X‬على كل كروموسوم‬

‫ثنائية األلوان‬

‫‪Y‬‬

‫إذا احتوى كل من الكروموسومني‬

‫على أالئل صباغ متشابهة فهي‪:‬‬ ‫ثنائية األلوان‬

‫إذا احتوى كل من الكروموسومني‬ ‫على أالئل صباغ مختلفة فهي‪:‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫?‬

‫?‬

‫األلوان‪ ،‬إذن كيف ميكن ألي منها أن يصبح‬ ‫ثالثي األلوان؟‬ ‫(‪)1‬‬ ‫جميعة جين���ات ‪gene‬‬ ‫اإلجاب� � ��ة هي أن ُ‬ ‫‪ pool‬رئيس� � ��يات العال� � ��م اجلدي� � ��د تتضم� � ��ن‬ ‫متغيرات عدة أو أالئِ ل(‪ alleles )2‬جلني الصباغ‬ ‫املرتب� � ��ط بالكروموس� � ��وم ‪ X‬ـ نس� � ��خ مختلفة‬ ‫بتتال ُم َع َّد ٍل قليال في تسلس� � ��ل الدنا‪ .‬حتدث‬ ‫ٍ‬ ‫التباينات ف� � ��ي األالئل في كثير من اجلينات‪،‬‬ ‫ولكن االختالف� � ��ات الصغيرة في تتالي الدنا‬ ‫ب� �ي��ن األالئل نادرا ما تترج� � ��م إلى اختالفات‬ ‫وظيفي� � ��ة‪ .‬إال أن األالئ� � ��ل املتباين� � ��ة لألصبغة‬ ‫املرتبط� � ��ة بالكروموس� � ��وم ‪ X‬في رئيس� � ��يات‬ ‫العالم اجلدي� � ��د‪ ،‬أدت إلى ظهور أصبغة ذات‬ ‫حساسية طيفية مختلفة‪ .‬فعلى سبيل املثال‪،‬‬ ‫متتلك األنواع النموذجية من رئيسيات العالم‬ ‫اجلديد مثل قرود السنجاب ثالثة أالئل جلني‬ ‫صباغ املخروط املرتبط بالكروموسوم ‪ X‬في‬ ‫جتميع� � ��ة جيناتها‪ :‬إحداها مك� � ��ودة لپروتني‬ ‫مش� � ��ابه للصب� � ��اغ ‪ M‬عند البش� � ��ر‪ ،‬والثانية‬ ‫مكودة لپروتني مشابه للصباغ ‪ L‬عند البشر‬ ‫أيضا‪ ،‬والثالثة مك� � ��ودة لصباغ تقع خاصية‬ ‫امتصاصه للضوء في الوسط بني الصباغني‬ ‫األول والثاني‪.‬‬ ‫بامتالكه� � ��ا كروموس� � ��ومني اثنني ‪ X‬فإن‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫ذكور‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫ثالثية األلوان‬

‫( )‬

‫‪Y‬‬

‫جينا‬ ‫‪ X‬صباغ لكل‬ ‫كروموسوم ‪X‬‬

‫?‬

‫إناث‬

‫رئيسيات العالم القدمي رئيسيات العالم اجلديد‬

‫تصميمان للرؤية‬ ‫( )‬ ‫عند الرئيسيات‬

‫نوع رؤية األلوان‬

‫جني صباغ قصير املوجة‬ ‫جني صباغ طويل املوجة ‪+ +‬‬

‫أنثى القرد السنجاب ‪ -‬األنثى فقط ‪ -‬ميكن‬ ‫له� � ��ا أن ت� � ��رث أليلني مختلف� �ي��ن أحدهما عن‬ ‫اآلخ� � ��ر بطول املوجة الضوئي� � ��ة (واحدة على‬ ‫كل كروموس� � ��وم ــ ‪ ،)X‬وبذلك فهي تكتس� � ��ب‬ ‫خاصي� � ��ة ثالثية األل� � ��وان‪ .‬إال أن ثلث اإلناث‬ ‫تقريبا س� � ��ترث ألي� � ��ل الصباغ نفس� � ��ه على‬ ‫الكروموس� � ��ومني ‪ ،X‬وتكون في النهاية ذات‬ ‫خاصية ثنائية األل� � ��وان‪ ،‬مثل الذكور القليلي‬ ‫احلظ‪ .‬ميكن للم� � ��رء أن يفكر في نظام ثالثية‬ ‫األلوان لدى رئيسيات العالم اجلديد على أنه‬ ‫نسخة اإلنسان املسكني أو بعبارة أدق نسخة‬ ‫اإلناث املسكينات من خاصية الرؤية الثالثية‬ ‫األلوان املوجودة بشكل شامل لدى رئيسيات‬ ‫العالم القدمي (انظر املؤطر أعاله)‪.‬‬ ‫إن التباين في رؤية األلوان بني رئيسيات‬ ‫العالم اجلديد والقدمي يفتح نافذة على تطور‬ ‫رؤية اللون في كلت� � ��ا املجموعتني‪ .‬فقد بدأت‬ ‫أنس� � ��اب رئيس� � ��يات كل من العامل� �ي��ن القدمي‬ ‫واجلديد بالتباع� � ��د (باالنفصال) عن بعضها‬ ‫بعض� � ��ا قب� � ��ل نح� � ��و ‪ 150‬مليون س� � ��نة‪ ،‬مع‬ ‫االنفصال التدريجي لقارتي إفريقيا وأمريكا‬ ‫( ) ‪Two Designs for Primate Vision‬‬ ‫( ) ‪Old World Primates‬‬ ‫(‪ )1‬أو مجموعة اجلينات‪.‬‬

‫(‪ )2‬جمع أليل ‪ :allele‬أحد جينني متغايرين يرمزان إلى الصفة‬ ‫(التحرير)‬ ‫نفسها‪.‬‬


‫اجلنوبية عن بعضهما‪ ،‬ليكون انعزال صفاتها‬ ‫الوراثية قد اكتمل قبل نحو ‪ 40‬مليون س� � ��نة‪.‬‬ ‫قد يتوق� � ��ع امل� � ��رء أن آليتي خاصي� � ��ة ثالثية‬ ‫األلوان لس� �ل��االت العاملني الق� � ��دمي واجلديد‬ ‫قد تطورتا بش� � ��كل مس� � ��تقل‪ ،‬بع� � ��د انفصال‬ ‫س� �ل��االت العالم القدمي عن س� �ل��االت العالم‬ ‫اجلديد‪ .‬وم� � ��ن املمكن أن كلت� � ��ا املجموعتني‬ ‫ق� � ��د بدأتا بنمط ثنائي األل� � ��وان‪ ،‬مبتممة ذات‬ ‫صباغني أحدهما ذو موجة طويلة واآلخر ذو‬ ‫موجة قصي� � ��رة‪ .‬قد يكون جني صباغ املوجة‬ ‫الطويلة عند رئيس� � ��يات العالم القدمي خضع‬ ‫للتضاع� � ��ف ومن ثم الخت� �ل��اف أو لتغير في‬ ‫تتاليه كما ذكرنا س� � ��ابقا‪ .‬أما في رئيسيات‬ ‫العال� � ��م اجلديد فقد يكون جني صباغ املوجة‬ ‫الطويلة تعرض لتغير طفيف في تسلسله‪ ،‬مع‬ ‫طفرات ناجحة أنتجت أالئل متنوعة ألصبغة‬ ‫للموج� � ��ات الضوئية الطويلة وم� � ��ن ثم بقيت‬ ‫سائدة لدى البشر‪.‬‬ ‫إن مقارنة سالس� � ��ل األحماض األمينية‬ ‫لألصبغ� � ��ة البصري� � ��ة املتوضع� � ��ة عل� � ��ى‬ ‫الكروموس� � ��وم ‪ X‬توحي بسيناريو آخر‪ .‬في‬ ‫كل من رئيس� � ��يات العالم الق� � ��دمي واجلديد‬ ‫تشترك جميع األصبغة ‪ M‬في مجموعة من‬ ‫ثالثة أحماض أمينية تُعطي أعلى حساسية‬ ‫طيفي� � ��ة عند ‪ 530‬نانومتر‪ ،‬في حني تش� � ��ترك‬ ‫جميع األصبغة ‪ L‬في مجموعة أخرى تُعطي‬ ‫أعلى حساسية طيفية عند ‪ 560‬نانومتر‪ .‬وقد‬ ‫مكنتنا دراسة أطياف االمتصاص ألصبغة‬ ‫أخ� � ��رى ذات موج� � ��ات طويلة م� � ��ن التوصل‬ ‫إلى أن التغي� � ��رات احلاصلة في العديد من‬ ‫األحم� � ��اض األمينية قد تزيح احلساس� � ��ية‬ ‫العظم� � ��ى له� � ��ذه الطائفة م� � ��ن األصبغة إلى‬ ‫أط� � ��وال موجية أقص� � ��ر أو أطول‪ .‬إذن‪ ،‬يبدو‬ ‫من املس� � ��تبعد أن تتقاطع رئيسيات العاملني‬ ‫القدمي واجلديد فيما بينها وبشكل استقاللي‬ ‫بخاصي� � ��ة االعتماد على مجموعات متطابقة‬ ‫من األحم� � ��اض األمينية إلزاحة حساس� � ��ية‬ ‫أصبغة األطوال املوجية الطويلة‪.‬‬ ‫وبدال م� � ��ن ذلك‪ ،‬يبدو األكث� � ��ر منطقية أن‬

‫تل� � ��ك التغيرات ف� � ��ي األالئل كتل� � ��ك املوجودة‬ ‫ف� � ��ي رئيس� � ��يات العالم اجلدي� � ��د حاليا كانت‬ ‫عب� � ��ارة عن حالة بدائية ظهرت عند الس� � ��لف‬ ‫املشترك لكلتا املجموعتني‪ ،‬وكان ظهورها هو‬ ‫اخلطوة األولى باجتاه خاصية ثالثية األلوان‬ ‫لكلتيهما (انظر املؤطر ف� � ��ي هذه الصفحة)‪.‬‬ ‫وقد تكون أالئل األصبغة املختلفة ظهرت عبر‬ ‫سلسلة من الطفرات املتعاقبة في جني صباغ‬ ‫املوجات الطويلة قب� � ��ل أن يحصل االنفصال‬ ‫بني سالالت رئيسيات العالم القدمي واجلديد‬ ‫ببضع الوقت‪( .‬نحن نعتقد أن صباغ املوجات‬ ‫املتوسطة كان جزءا من هذه املتممة البدائية‪،‬‬ ‫ألن سلس� � ��لة األحم� � ��اض األمينية فيه حتوي‬ ‫مجموعة من التغيرات الثالثة في السلس� � ��لة‬ ‫التي تمُ يز الصب� � ��اغ ‪ L‬من الصباغ ‪ M‬وألن‬ ‫امتصاصها للطيف يقع في الوسط بينهما)‪.‬‬

‫القرد‬ ‫السنجابي‬ ‫ذو البطن‬ ‫األبيض ‪‬‬

‫قردة العالم اجلديد‬

‫( )‬

‫توجد في وسط وجنوب أمريكا ومتيل‬ ‫إلى أن تكون أصغر من مثيالتها في‬ ‫العالم القدمي‪ .‬تضم أنواعا أو أجناسا‬ ‫مثل مارموسيت‪ ،‬تامارين‪،‬‬ ‫قرد صغير طويل الذيل‪،‬‬ ‫قرد عنكبوتي‪ ،‬قرد‬ ‫سنجابي‪ ،‬قرود هولر‪،‬‬ ‫وقرد كاپوتشني ذي‬ ‫القلنسوة‪.‬‬

‫( ) ‪New World Monkeys‬‬ ‫( ) ‪How Primate Trichromacy Evolved‬‬

‫[اكتشافات مدهشة]‬

‫كيف تطورت رؤية ثالثية األلوان عند الرئيسيات‬

‫( )‬

‫تبني مقارنة األسس الوراثية لرؤية اللون عند رئيسيات العاملني القدمي واجلديد خطوات التطور‬ ‫الرئيسية التي أدت إلى رؤية ثالثية األلوان في بعض إناث قرود العالم اجلديد وعند كال اجلنسني‬ ‫في رئيسيات العالم القدمي‪.‬‬ ‫‪X‬‬ ‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫=‬

‫رؤية العالم‬ ‫القدمي‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫إعادة تركيب‬ ‫خاطئ‬ ‫‪X‬‬

‫طفرة‬

‫طفرة‬

‫احلالة‬ ‫األصلية‬

‫رؤية العالم اجلديد‬ ‫(األالئل املتوضعة على كروموسوم ‪ X‬في جميعة اجلينات)‬ ‫عند السلف املشترك لكل من رئيسيات العالم القدمي‬ ‫واجلديد‪ ،‬خضعت األالئل السلفية جلني صباغ املوجات‬ ‫الطويلة املرتبطة بالكروموسوم ‪ X‬لطفرات ناجحة‬ ‫(األخضر في أقصى اليسار) أدت إلى احلصول على‬ ‫ثالثة أالئل صباغ للموجات الطويلة في ا ُ‬ ‫جلميعة اجلينية‬ ‫‪ gene pool‬عندها (أخضر وأصفر وأحمر) و بقيت‬ ‫هذه التغيرات في الرئيسيات احلديثة للعالم اجلديد‪.‬‬ ‫وبعد أن أصبحت سالالت العاملني القدمي واجلديد‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫معزولة عن بعضها بعضا حدث خلل ما في عملية إعادة‬ ‫التركيب ‪ -‬العملية التي يحدث فيها تبادل أجزاء من‬ ‫الكروموسومات أثناء تشكل البويضات والنطاف ‪ -‬في‬ ‫إناث العالم القدمي أدى إلى توضع أليلني مختلفني معا‬ ‫على الكروموسوم ‪ X‬نفسه (أقصى اليمني في الصورة)‪.‬‬ ‫وألن هذه احلالة أدت إلى ظهور صفات اصطفائية جيدة‬ ‫عند الذكور كما عند جميع اإلناث‪ ،‬فقد أصبحت النمط‬ ‫املعياري عند رئيسيات العالم القدمي احلالية‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫[اكتشافات مفاجئة]‬

‫العشوائية في الشبكية‬

‫( )‬

‫حتوي كل خلية مخروطية جينات لثالثة أصبغة لونية‪ ،‬لكنها‬ ‫تختار واحدا فقط من الثالثة لتكون فعالة وتعطل االثنني‬ ‫الباقيني‪ .‬إن العملية التي تتحكم في انتقاء جني صباغ‬ ‫املوجات القصيرة غير معروفة بالتفصيل‪ ،‬ولكن اآلليات‬ ‫التي حتدد انتقاء أحد جيني صباغ املوجات الطويلة تبدو‬ ‫عشوائية‪ ،‬كما يبدو أن توزع مخاريط املوجات الطويلة في‬ ‫الشبكية عشوائي أيضا‪.‬‬

‫القرعة حتكم في العالم اجلديد‬ ‫‪X‬‬

‫إن االصطفاء الطبيعي جلني‬ ‫صباغ املوجات الطويلة عند‬ ‫رئيسيات العالم اجلديد يتم‬ ‫بعملية تعطيل الكروموسوم‬ ‫‪ ، X‬إذ تقوم اخللية األنثوية‬ ‫عشوائيا بتعطيل أحد‬ ‫الكروموسومني ‪ X‬في مرحلة‬ ‫مبكرة أثناء احلياة اجلنينية‪.‬‬ ‫وإذا كانت األنثى حتمل‬ ‫أالئل صباغ مختلفة على‬ ‫الكروموسوم ‪ X‬لديها؛ فإن‬ ‫الكروموسوم نْي‬ ‫تعطيل أحد‬ ‫َ‬ ‫في كل خلية سوف يُنتج‬ ‫فسيفساء من مخاريط‬ ‫املوجات الطويلة‪.‬‬

‫‪X‬‬

‫خلية بكروموسومني‬ ‫اثنني‬

‫انقسام اخللية‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫تعطيل أحد‬ ‫الكروموسومني ‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫فسيفساء الشبكية‬

‫دور العشوائية‬ ‫(في تطور رؤية األلوان)‬

‫( )‬

‫املصادفة في العالم القدمي‬ ‫‪X‬‬

‫لدى رئيسيات العالم القدمي‬ ‫نوعان من جينات صباغ‬ ‫املوجات الطويلة على كل‬ ‫كروموسوم ‪ .X‬لذا‪ ،‬فإن‬ ‫اخلطوة التالية ضرورية وهي‬ ‫اختزال األمناط الصباغية‬ ‫واحد فقط في كل‬ ‫إلى‬ ‫ٍ‬ ‫مخروط ‪ .‬إن عملية تعطيل‬ ‫الكروموسوم ‪ُ X‬تلغي فعالية‬ ‫أحد الكروموسومني في خاليا‬ ‫اإلناث‪ ،‬عندها وفي خاليا كل‬ ‫من اجلنسني‪ ،‬يتفاعل جني ِّ‬ ‫منظم‬ ‫يـدعى منطقة التحكم املوضعي‬ ‫)‪ (1)(LCR‬بشكل عشوائي مع جني‬ ‫واحد فقط لصباغ املوجات‬ ‫الطويلة‪ ،‬مؤديا إلى تفعيل هذا‬ ‫اجلني دون سواه‪ ،‬مما يؤدي‬ ‫أيضا إلى منط الفسيفساء‬ ‫العشوائي للخاليا املخروطية‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫عنده� � ��ا وبع� � ��د أن انفص� � ��ل كل م� � ��ن نوعي‬ ‫الرئيس� � ��يات حصل خلل نادر في اإلناث‬ ‫من نسل سالالت رئيسيات العالم القدمي‬ ‫اللوات� � ��ي يحملن نوعني مختلفني من آالئل‬ ‫جني صباغ املوجات الطويلة‪ .‬هذه احلوادث‬ ‫النادرة أدت إلى توضع األليل ‪ M‬إلى جانب‬ ‫األلي� � ��ل ‪ L‬عل� � ��ى الكروموس� � ��وم ‪ X‬املفرد‪ ،‬مما‬ ‫سمح باتس� � ��اع نطاق خاصية ثالثية األلوان‬ ‫لتشمل الذكور كما هي عند جميع اإلناث‪.‬‬ ‫وق� � ��د منح هذا التجدي� � ��د اجليني حامليه‬ ‫أفضلية في عملي� � ��ة االصطفاء‪ ،‬حيث اختفى‬ ‫الكروموس� � ��وم ‪ X‬الذي يحم� � ��ل جينا واحدا‬ ‫فقط لصباغ املوج� � ��ات الطويلة من اجلميعة‬ ‫اجلينية لرئيس� � ��يات العالم القدمي‪ .‬واس� � ��تمر‬ ‫النظام البدائي ألالئل األطوال املوجية الثالثة‬ ‫األطول في الرئيس� � ��يات املنعزلة عن بعضها‬ ‫جغرافيا ووراثيا‪.‬‬

‫‪X‬‬

‫انقسام اخللية‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫تعطيل أحد‬ ‫الكروموسومني ‪X‬‬

‫‪LCR‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫‪X‬‬

‫تنبيه املنطقة‬ ‫جلني واحد فقط‬

‫‪LCR‬‬

‫إحدى املالحظات املثيرة للدهش� � ��ة التي‬ ‫تنط� � ��وي عليها نتائجنا في رئيس� � ��يات العالم‬ ‫القدمي واجلديد تتعلق بدور العش� � ��وائية في‬ ‫خاصي� � ��ة ثالثية األلوان‪ .‬وال نش� � ��ير هنا إلى‬ ‫الطفرات اجلينية العش� � ��وائية التي أدت منذ‬ ‫البداية إل� � ��ى إمتام اجلينات املعطية خلاصية‬ ‫ثالثية األلوان‪ .‬وقد وج� � ��د علماء األحياء أنه‬ ‫عادة حاملا تتطور س� � ��مة مفيدة بهذه الطريقة‬ ‫املعتمدة عل� � ��ى املصادفة تصب� � ��ح عادة هذه‬ ‫الس� � ��مة ثابتة ‪ hardwired‬بحيث إن العمليات‬ ‫اخللوية اخلاضع� � ��ة لبرمجة محددة س� � ��لفا‬ ‫تنس� � ��ق بدقة تطور هذه الس� � ��مة في األفراد‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يبدو أن للحوادث العش� � ��وائية في‬ ‫كل عضوي� � ��ة وحتى ف� � ��ي كل خلية مخروطية‬ ‫نامية دورا كبيرا بل أساس� � ��يا من أجل رؤية‬ ‫اللون عند الرئيسيات‪.‬‬ ‫لشرح كيف س� � ��اعدت العش� � ��وائية على‬ ‫( ) ‪Randomness in the Retina‬‬ ‫( ) ‪The Role of Randomness‬‬ ‫(‪locus control region )1‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬


‫إنت� � ��اج خاصي� � ��ة ثالثية األل� � ��وان البد من أن‬ ‫نراجع كيفية قيام اخلالي� � ��ا املخروطية بنقل‬ ‫املعلومات حول الل� � ��ون إلى الدماغ‪ .‬جند أنه‬ ‫على الرغم من ك� � ��ون خاصية ثالثية األلوان‬ ‫ضرورية للرؤية الثالثية األلوان؛ فإنها ليست‬ ‫إال ش� � ��رطا أوليا‪ .‬في حني أن اخلطوة التالية‬ ‫تش� � ��مل املعاجلة العصبية لإلشارات املكونة‬ ‫من قبل املس� � ��تقبالت الضوئية املختلفة‪ .‬هذه‬ ‫اخلطوة حاس� � ��مة؛ ألن اخلالي� � ��ا املخروطية‬ ‫املفردة ال ميكن لها أن تنقل معلومات محددة‬ ‫ح� � ��ول الطول املوجي‪ .‬إن تنبيه كل مس� � ��تقبل‬ ‫ضوئي ميك� � ��ن أن يحرض مبجال متنوع من‬ ‫األطوال املوجي� � ��ة‪ ،‬ولكن املخ� � ��روط ال ميكنه‬ ‫أن ينقل اإلش� � ��ارة اخلاصة بتحديد األطوال‬ ‫املوجية التي قام بامتصاصها ضمن احلزمة‪.‬‬ ‫على سبيل املثال قد تظهر اخللية املخروطية‬ ‫االس� � ��تجابة ذاتها س� � ��واء مت تنبيهها مبوجة‬ ‫‪ 100‬فوت���ون(‪ photons )1‬التي متتصها بشكل‬ ‫جي� � ��د أو مبوجة ‪ 1000‬فوت� � ��ون التي متتصها‬ ‫بشكل ضعيف‪ .‬وللتمييز ما بني األلوان البد‬ ‫للجه� � ��از البصري من أن يق� � ��وم باملقارنة بني‬ ‫اس� � ��تجابات املخاريط املتجاورة التي متتلك‬ ‫أنواعا مختلفة من األصبغة‪.‬‬ ‫لتحقيق هذه املقارنات على نحو أمثل يجب‬ ‫تعلم الفأر املعدل جينا (وراثيا) التوجه إلى اللوحة‬ ‫املختلفة باللون عن اللوحتني األخريني ‪ ،‬مما يبني‬ ‫أنه قادر على رؤية ظالل اللون البرتقالي الذي ليس‬ ‫مبستطاع الفئران الطبيعية أن تمُ يزه من األزرق‬ ‫كونها ثنائية األلوان‪ .‬اكتسب الفأر هذه القدرة‬ ‫ألنه يحمل جينا بشريا للصباغ البصري للموجات‬ ‫الطويلة إضافة إلى جيني صباغيه األصليني ( اللذين‬ ‫ميتلكهما)‪ .‬و ُتثبت هذه التجربة املرونة الرائعة (القدرة‬ ‫على التكيف) لدماغ الثدييات حيث إن بإمكان الفأر أن‬ ‫يستعمل هذا الصباغ اجلديد من دون امتالك خاليا‬ ‫عصبية خاصة بتفسير إشاراته‪.‬‬

‫أن حتتوي كل خلية مخروطية على نوع واحد‬ ‫من الصباغ وال بد للمخاريط التي حتتوي على‬ ‫أصبغة مختلفة أن تصطف إلى جانب بعضها‬ ‫بعضا بطريقة فسيفسائية‪ .‬في الواقع‪ ،‬إن كل‬ ‫خلية مخروطية في شبكية الرئيسيات حتوي‬ ‫منطا واحدا فقط من األصبغة البصرية‪ ،‬كما‬ ‫ال بد ملختلف أمناط املخاريط من أن تصطف‬ ‫بالضرورة فسيفس� � ��ائيا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن كل‬ ‫خلي� � ��ة مخروطية في الرؤي� � ��ة الثالثية األلوان‬ ‫حت� � ��وي جينات لألصبغة الثالثة جميعها‪ .‬إال‬ ‫أن� � ��ه ليس واضحا متام� � ��ا كيف تقرر اخللية‬ ‫املخروطية التعبير عن جني صباغ واحد‪.‬‬ ‫تقوم اخلاليا بتشغيل جيناتها أو التعبير‬ ‫عن هذه اجلينات عن طريق عوامل انتساخ‪،‬‬ ‫وه� � ��ي پروتين� � ��ات خاص� � ��ة مرتبط� � ��ة بالدنا‬ ‫متوضعة قرب منطقة تنظيم تُدعى احملرض‪،‬‬ ‫وبالتالي تُطلق سلسلة من التفاعالت املؤدية‬ ‫إلى اصطناع الپروتني املك ّود باجلني املعني‪.‬‬ ‫يب� � ��دو أنه خالل التطور اجلنيني تقوم عوامل‬ ‫االنتس� � ��اخ بتنش� � ��يط ج� �ي��ن الصب� � ��اغ ‪ S‬في‬ ‫املس� � ��تقبالت الضوئية للموج� � ��ات القصيرة‪.‬‬ ‫كم� � ��ا أن بعض العمليات غي� � ��ر املعروفة متنع‬ ‫التعبير اجلين� � ��ي (املورثي) ألصبغة األطوال‬ ‫املوجية الطويلة ‪.L‬‬ ‫ولك� � ��ن هناك آلي� � ��ة إضافي� � ��ة تتحكم في‬ ‫التعبي� � ��ر اجلين� � ��ي لألصبغة ف� � ��ي مخاريط‬ ‫املوج� � ��ات الطويل� � ��ة عن� � ��د رئيس� � ��يات العالم‬ ‫اجلديد‪ ،‬وهذه اآللي� � ��ة تتضمن عمليات ذات‬ ‫طبيعة عشوائية‪ .‬وفي إناث رئيسيات العالم‬ ‫اجلديد التي متتلك أالئل أصبغة مختلفة على‬ ‫كل من الكروموسومني ‪ ،X‬فإن اختيار األليل‬ ‫الذي س � � � ُيع ّبر عنه من قِ بل خـلية مخروطيــــة‬ ‫معينـة يعتمد على عمليــــة تشـبه بعشوائيتها‬ ‫رمي قطعة النقد تُـعــــرف بتعطيل أو إخماد‬ ‫الكروموس���وم ‪ .X-inactivation X‬وبه� � ��ذه‬ ‫العملية تق� � ��وم كل خلية عند األنثى بالتعطيل‬ ‫العش� � ��وائي لفعالية أحد الكروموس� � ��ومني ‪X‬‬ ‫لديها في مرحلة مبكرة من النمو‪ .‬إن تعطيل‬ ‫( ) ?‪Super Color Vision‬‬

‫(‪ )1‬وحدة الكم الضوئي‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫( )‬

‫رؤية ألوان خارقة؟‬

‫لدى بعض النساء أربعة أمناط من‬ ‫األصبغة البصرية بدال من ثالثة‪ .‬نتج‬ ‫الصباغ الرابع من طفرة حدثت في أحد‬ ‫جينات صباغ املوجات الطويلة املتوضع‬ ‫على الكروموسوم ‪ ،X‬ويتميز هذا الصباغ‬ ‫بإزاحته للحساسية الطيفية للشبكية‪.‬‬ ‫إال أنه مازال قيد الدراسة فيما إذا كان‬ ‫هذا االنزياح يخلق القدرة على إدراك‬ ‫مجال أوسع من طيف األلوان‪ ،‬وهكذا‬ ‫فإن الدراسات حول رؤية اللون إلى هذا‬ ‫الوقت لم تقدم دليال قاطعا عن وجود‬ ‫حاالت الرؤية الرباعية اللون‪ ،‬كما أن‬ ‫األشخاص الذين ميتلكون هذه القدرة‬ ‫(وإن وُ ِجدوا) ال يُدركون بالضرورة‬ ‫امتالكهم لهذه الصفة البصرية الشاذة‪.‬‬

‫(التحرير)‬ ‫‪29‬‬


‫املؤلفان‬

‫‪Gerald H. Jacobs‬‬

‫‪Jeremy Nathans‬‬

‫>جاكوبس< هو أستاذ بروفسور باحث‬ ‫في قسم علم النفس ومعهد أبحاث‬ ‫العلوم العصبية بجامعة كاليفورنيا‪،‬‬ ‫سانتا باربارا‪ .‬وهو مؤلف ألكثر من‬ ‫‪ 200‬مقال وفصل في كتب حول اجلهاز‬ ‫البصري‪ ،‬وقد اكتشف اآللية اجلينية‬ ‫(الوراثية) لظهور الرؤية الثالثية األلوان‬ ‫عند رئيسيات العالم اجلديد‪> .‬ناثانز<‬ ‫أستاذ بروفسور في أقسام‪ :‬علم األحياء‬ ‫وعلم األحياء اجلزيئي وعلم الوراثة‬ ‫والعلوم العصبية وطب العيون في كلية‬ ‫الطب بجامعة جون هوپكنز‪ ،‬وباحث في‬ ‫معهد هاورد هيوز الطبي‪ ،‬و قد عمل‬ ‫على دراسة تسلسل جينات األصبغة‬ ‫البصرية عند البشر‪ ،‬وتركيب الپروتينات‬ ‫املقابلة لهذه اجلينات‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫الكروموس� � ��وم ‪ X‬يضم� � ��ن أن أليال صباغيا‬ ‫واحدا س� � ��وف يتم التعبير عنه (أي إن منطا‬ ‫واحدا م� � ��ن األصبغة س� � ��وف يظهر) في أي‬ ‫خلية مخروطي� � ��ة ذات املوجات الطويلة‪ .‬وألن‬ ‫العملية عش� � ��وائية ــ فإن نصف العدد الكلي‬ ‫للخالي� � ��ا يقوم بالتعبير ع� � ��ن جينات مكودات‬ ‫ف� � ��ي أحد الكروموس� � ��ومني ‪ ،X‬في حني يقوم‬ ‫النص� � ��ف اآلخر بالتعبير عن جينات مكودات‬ ‫ف� � ��ي الكروموس� � ��وم ‪ X‬الثان� � ��ي ـ كما يضمن‬ ‫أيضا مت� � ��ازج مخاريط املوجات الطويلة عند‬ ‫إن� � ��اث رئيس� � ��يات العالم اجلدي� � ��د في جميع‬ ‫أنحاء الشبكية ضمن فسيفساء حتقق الرؤية‬ ‫الثالثية األلوان‪.‬‬ ‫إن تعطي� � ��ل الكروموس� � ��وم ‪ X‬يح� � ��دث‬ ‫ف� � ��ي جميع الثديي� � ��ات‪ ،‬ودوره األساس� � ��ي‬ ‫هو احملافظ� � ��ة على بقاء الن� � ��وع ومن دونه‬ ‫فإن اخلاليا األنثوية س� � ��وف تستعمل كال‬ ‫الكروموس� � ��ومني ‪ X‬إلنت� � ��اج الپروتين� � ��ات‬ ‫مما ي� � ��ؤدي إلى إنتاج كمي� � ��ات مختلفة من‬ ‫الپروتينات في كال اجلنس� �ي��ن وهذا يؤدي‬ ‫إل� � ��ى إضعاف تط� � ��ور أحد اجلنس� �ي��ن أو‬ ‫كليهم� � ��ا‪ .‬ولكن مب� � ��ا أن رئيس� � ��يات العالم‬ ‫القدمي لديـهــــا كـــال جينــــي الصبـــاغ ‪ M‬و ‪L‬‬ ‫على كل كروموس� � ��وم ‪ ،X‬فإن عملية تعطيل‬ ‫كروموس� � ��وم ‪ X‬وحدها ال تُقل� � ��ص التعبير‬ ‫اجليني جل� �ي��ن صباغ واحد فقط لكل خلية‬ ‫مخروطية في هذه احليوانات‪ .‬لذا البد من‬ ‫وجود آلية أخرى تؤدي دورا هنا‪.‬‬ ‫تُظهر دراس� � ��ة ق� � ��ام بها >ناثان� � ��ز< أن ما‬ ‫ُيحدد ك� � ��ون أي من جيني الصب� � ��اغ املرتبط‬ ‫بالكروموسوم ‪ X‬سيع ِّبر عنه في خلية مخروطية‬ ‫عند رئيسيات العالم القدمي هو تسلسل الدنا‬ ‫املجاور واملس� � ��مى منطق� � ��ة التحكم املوضعي‬ ‫‪ .LCR‬م� � ��ن احملتم� � ��ل أن االختي� � ��ار يتم أثناء‬ ‫مرحلة النمو‪ ،‬عندما تتفاعل املنطقة ‪ LCR‬في‬ ‫كل خلية مخروطية مع واحد ‪ -‬وواحد فقط من‬ ‫ُمحفزات جيني الصباغ املجاورة إما للصباغ‬ ‫‪ M‬أو ‪ L‬وليس لكليهما ‪ -‬يحدث تشغيل ذلك‬ ‫اجلني‪ .‬لم يتم بعد توصيف واضح لتفاصيل‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫هذا التفاعل بدقة‪ ,‬ولكن الدالئل احلالية تُرجح‬ ‫أن هذا االختيار قد يكون عشوائيا‪.‬‬ ‫إذا كان هذا التداخ� � ��ل بني املنطقة ‪LCR‬‬ ‫واحملفز هو فعال الذي يحدد التعبير اجليني‬ ‫للصب� � ��اغ في اخلالي� � ��ا املخروطية‪ ،‬وإذا كان‬ ‫ه� � ��ذا عش � � �ــــوائيــــا فعال؛ إذن يك� � ��ون توزُّع‬ ‫املخاريط ‪ M‬و ‪ L‬في أي منطقة من الش� � ��بكية‬ ‫عن� � ��د رئيس� � ��يات العالم الق� � ��دمي مهما كانت‬ ‫صغيرة عشوائيا أيضا‪ .‬وأظهرت الدراسات‬ ‫الت� � ��ي متت من قِ ب� � ��ل >‪ .D‬ويليام� � ��ز< وزمالئه‬ ‫[من جامعة روشيس� � ��تر] أن� � ��ه ضمن حدود‬ ‫اإلمكان� � ��ات التقنية للط� � ��رق احلالية لوضع‬ ‫خرائ� � ��ط توزع اخلالي� � ��ا املخروطية‪ ،‬فإن هذا‬ ‫التنبؤ يبقى قائم ًا‪.‬‬ ‫الرسام الع َرضي‬

‫( )‬

‫تشير الدراس� � ��ات التي تبحث في أساس‬ ‫رؤي� � ��ة األلوان عند الرئيس� � ��يات إلى وجود آلية‬ ‫معين� � ��ة عالية املرونة (مطواع� � ��ة) لرؤية األلوان‬ ‫ذات املوجات الطويلة في الش� � ��بكية والدماغ‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من وج� � ��ود دارات خاصة ملقارنة‬ ‫املعلوم� � ��ات البصري� � ��ة اآلتية م� � ��ن املخاريط ‪،S‬‬ ‫باإلشارات اآلتية من مخاريط املوجات الطويلة‪،‬‬ ‫فإن كال من الدماغ والش� � ��بكية يبدو ارجتاليا‬ ‫(عفوي� � ��ا) ف� � ��ي مقارن� � ��ة اإلش� � ��ارات اآلتية من‬ ‫املخاريط ‪ M‬بتلك اآلتية من املخاريط ‪ .L‬وعلى‬ ‫وجه اخلصوص يبدو أن اجلهاز البصري يمُ يز‬ ‫ب� �ي��ن هذه املخاريط بالتجرب� � ��ة فقط أي مبراقبة‬ ‫استجابة املخاريط للمنبهات البصرية‪.‬‬ ‫وأكثر من ذلك‪ ،‬يبدو أن الطريق العصبي‬ ‫الرئيسي الذي ينقل االستجابات من مخاريط‬ ‫املوجة الطويلة ليس مكرسا على وجه التحديد‬ ‫لرؤية األلوان فقط‪ .‬وعلى األرجح‪ ،‬فإن القدرة‬ ‫على استخالص املعلومات عن اللون من قِ بل‬ ‫املخاريط ‪ M‬و ‪ L‬قد تكون حدثا جيدا حصل‬ ‫مصادفة (عرضيا) من قِ بل اجلهاز العصبي‬ ‫القدمي املس� � ��ؤول عن الرؤي� � ��ة املكانية العالية‬ ‫( ) ‪The Accidental Colorist‬‬


‫الدقة والتي تطورت إلى إمكانية متييز حدود‬ ‫األش� � ��ياء املرئية و ُبعدها عن الناظر‪ُ .‬يش� � ��ير‬ ‫>‪ .J‬مولون< [من جامع� � ��ة كامبريدج] إلى أن‬ ‫الرؤية املكانية العالية الدقة لدى الرئيس� � ��يات‬ ‫تتم بواسطة املخاريط ذات املوجات الطويلة‪،‬‬ ‫وتنطوي على املعاجلة العصبية نفسها التي‬ ‫تت� � ��م من خاللها رؤية األل� � ��وان ذات املوجات‬ ‫الطويل� � ��ة‪ .‬وه� � ��ذا يعتبر تش� � ��ابها ب� �ي��ن تنبيه‬ ‫مخروط واحد من النوع ‪ L‬أو ‪ ،M‬مع متوسط‬ ‫اإلثارة الناجمة عن تنبيه عدد كبير من املخاريط‬ ‫‪ M‬و‪ L‬املتجاورة‪ .‬وحتى اآلن لم ُيكتش� � ��ف أي‬ ‫دارات مس� � ��تقلة خاصة برؤية اللون بواسطة‬ ‫املوج� � ��ات الطويلة‪ ،‬ورمبا ال حاجة إلى وجود‬ ‫أي من هذه الدارات‪ ،‬وعلى هذا ميكن اعتبار‬ ‫الرؤية الثالثية األلوان وكأنها جزء عفوي من‬ ‫منظومة الرؤية املكانية املوجودة مسبقا‪.‬‬ ‫إن فرضي� � ��ة املرونة العصبي� � ��ة في رؤية‬ ‫األل� � ��وان تقودنا إلى تس� � ��اؤل فضولي‪ .‬ولنا‬ ‫أن نتص� � ��ور أن اخلط� � ��وة األول� � ��ى في تطور‬ ‫خاصية ثالثية األلوان عند الرئيسيات تتمثل‬ ‫بظهور ألي� � ��ل ثان لصباغ املوج� � ��ات الطويلة‬ ‫عل� � ��ى الكروموس� � ��وم ‪ X‬ف� � ��ي إناث الس� � ��لف‬ ‫جلميع الرئيسيات احلالية‪ .‬هل ميكن لدماغ‬ ‫الرئيس� � ��يات الس� � ��لف أن يرجتل اس� � ��تخدام‬ ‫الصباغ اجلديد من دون تطوير دارة عصبية‬ ‫جديدة؟ وهل الكتساب نوع ثالث من األصبغة‬ ‫أن يكون كافيا بحد ذات� � ��ه إلعطاء ُب ْعد جديد‬ ‫لرؤية األلوان؟‬ ‫ويب� � ��دو لنا أنه م� � ��ن املمك� � ��ن التحقق من‬ ‫هذه الفكرة إذا اس� � ��تطعنا إعادة إحداث تلك‬ ‫اخلط� � ��وة األولية في تطور ثالثية األلوان عند‬ ‫الرئيس� � ��يات في الثدييات ذات النمط الثنائي‬ ‫األلوان مثل فأر التجارب‪ .‬بدأنا هذه التجربة‬ ‫بالهندسة اجلينية لكروموسوم ‪ X‬للفأر بحيث‬ ‫ص� � ��ار قادرا على تكويد صباغ ‪ L‬البش� � ��ري‬ ‫بدال م� � ��ن صباغ ‪ M‬الف� � ��أري‪ ،‬ومن ثم صار‬ ‫ق� � ��ادرا على إنتاج األلي� � ��ل للنمط الذي نعتقد‬ ‫أنه قد حصل منذ ماليني السنني في الرئيسيات‬ ‫الثنائي� � ��ة األلوان‪ .‬وم� � ��ن ثم‪ ،‬برهنا أن الس� �ل��الة‬

‫الناجتة من هذه الفئران عبرت عن اجلني البشري‬ ‫في خالياها املخروطية وأن الصباغ ‪ L‬البشري‬ ‫قد نقل اإلشارات الضوئية بكفاءة مماثلة لكفاءة‬ ‫الصباغ ‪ M‬الفأري‪ .‬كما أن هذه الفئران التي‬ ‫عبرت عن الصباغ ‪ L‬البشري كانت كما هو‬ ‫متوقع حساس� � ��ة ملجال أوس� � ��ع من األطوال‬ ‫املوجية لذلك املجال في الفئران العادية‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن م� � ��ن أج� � ��ل الوصول إل� � ��ى هدفنا‬ ‫طرحنا الس� � ��ؤال األساسي‪ :‬هل ميكن إلناث‬ ‫الفئران التي متتل� � ��ك جيني صباغ مختلفني‬ ‫على الكروموس� � ��وم ‪ X‬استخدام الفسيفساء‬ ‫الش� � ��بكية للمخاري� � ��ط ‪ M‬و ‪ L‬املولدة بعملية‬ ‫تعطيل الكروموسوم ‪ X‬ليس فقط لإلحساس‬ ‫وإمن� � ��ا أيضا جلعل متييز األلوان ضمن ذاك‬ ‫املجال الواسع من األطوال املوجية؟ اجلواب‬ ‫املختصر املفيد هو‪ :‬نعم إنها تستطيع‪.‬‬ ‫وفي التجارب املختبرية متكنا من تدريب‬ ‫إن� � ��اث الفئران التي متتل� � ��ك كال الصباغني ‪ M‬و‪L‬‬ ‫عل� � ��ى التمييز بني لوح� � ��ات خضراء وصفراء‬ ‫وبرتقالية وحمراء‪ ،‬وهو األمر غير املمكن عند‬ ‫الفئران العادية حيث تب� � ��دو جميع اللوحات‬ ‫متماثل� � ��ة عندها‪ .‬جنبا إلى جنب مع امتالكها‬ ‫الصباغ ‪ L‬اجلديد‪ ،‬يبدو أن هذه الفئران قد‬ ‫حصلت على ُبعد إضافي للخبرة احلس� � ��ية‪،‬‬ ‫مما يوحي أن دماغ الثديي� � ��ات لديه إمكانية‬ ‫فطري� � ��ة الس� � ��تخالص املعلوم� � ��ات من أمناط‬ ‫مختلفة وجديدة من املدخالت البصرية‪.‬‬ ‫ولهذه النتيجة انعكاس� � ��ات على تطور‬ ‫األجهزة احلسية بش� � ��كل عام ألنها تشير‬ ‫إلى أن تلك التغييرات على مستوى «النهايات‬ ‫األمامية» للمنظومة ‪ -‬في جينات املستقبالت‬ ‫توجه تطور املنظومة‬ ‫احلسية ‪ -‬ميكن لها أن ِّ‬ ‫بكاملها‪ .‬وفيم� � ��ا يتعلق باخلاصية الثالثية‬ ‫األلوان عند الرئيس� � ��يات‪ ،‬فإن جتربة الفأر‬ ‫تُبني أيض ًا أن الرئيس������يات األولية التي‬ ‫متتل������ك صباغ���ي��ن لهما أط������وال موجية‬ ‫مختلفة‪ ،‬اس������تطاعت أن ترى عامل ًا من‬ ‫األلوان لم تس������تطع أن ت������راه الثدييات‬ ‫>‬ ‫األخرى في أي وقت مضى‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, April 2009‬‬

‫‪31‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫تعزيز قوة اللقاح‬

‫(٭)‬

‫أعادت تبصرات جديدة في النظام املناعي إحياء االهتمام بإضافة‬ ‫مكونات تستطيع شحن اللقاحات القدمية بقوى فائقة‪،‬‬ ‫وجتعل اصطناع لقاحات جديدة متاما أمرا ممكنا‪.‬‬ ‫>‪ .N‬گارسون< ـ‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫تتمتع اللقاحات بفعّ الية بالغة‬ ‫في الوقاية من األمراض‪ ،‬ولكن‬ ‫ثمة إمكانية ألن تعمل على‬ ‫نحو أفضل‪ ،‬ولدى املزيد من‬ ‫ٍ‬ ‫الناس‪ ،‬وضد طيف أوسع من‬ ‫األمراض‪.‬‬

‫>‬

‫أظهرت التطورات التي مت‬ ‫إحرازها في علم املناعة كيف‬ ‫ألصناف جديدة من‬ ‫ميكن‬ ‫ٍ‬ ‫«املساعِ دات» ‪ ،adjuvants‬وهي‬ ‫تنبه االستجابات‬ ‫ّ‬ ‫مكونات ِ ّ‬ ‫املناعية للقاحات‪ ،‬أن تتيح‬ ‫ملصممي اللقاحات استهداف‬ ‫فئات سكانية مخصوصة‪،‬‬ ‫مرِ ضات ‪ pathogens‬محددة‪.‬‬ ‫و مُ ْ‬

‫>‬

‫ِ‬ ‫للمساعدات اجلديدة‬ ‫ميكن‬ ‫أن جتعل اللقاحات املتوافرة‬ ‫حاليا أكثر فعالية وأن جتعل‬ ‫اللقاحات التي كان يستحيل‬ ‫تطويرها في السابق حقيقة‬ ‫واقعية‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪32‬‬

‫>‪ .M‬گولدمان<‬

‫إن التفكي������ر ف������ي التش������وهات الوالدي������ة‬ ‫الناجم������ة ع������ن احلصبة األملاني������ة‪ ،‬وصفوف‬ ‫الرئات احلديدية الت������ي تؤوي األطفال الذين‬ ‫أصابهم ش������لل األطفال بالعجز‪ ،‬واألصوات‬ ‫املرعب������ة الت������ي تنبعث م������ن األطف������ال الذين‬ ‫يصارعون إصابتهم بالش������اهوق (الس������عال‬ ‫الديكي)‪ ،‬هذا التفكير يثير الذعر بني الناس‬ ‫الذين كانوا الشاهد األول على التدمير الذي‬ ‫أحدثته هذه األمراض وغيرها من األمراض‬ ‫التي ميكن تو ّقيها بالتلقيح‪ .‬وحلس������ن احلظ‪،‬‬ ‫فإن هذه الهجمات ال تعرفها‪ ،‬من وجهة نظر‬ ‫افتراضية‪ ،‬األجي������ال املعاصرة التي أتيحت‬ ‫لها اللقاحات طيلة فترات حياتهم‪.‬‬ ‫لقد أثبتت اللقاحات وملدة تزيد على مئتي‬ ‫عام أنها من أكثر الطرق جناحا وإنقاذا للحياة‪،‬‬ ‫إضافة إلى جدواه������ا االقتصادية في الوقاية‬ ‫من األمراض املعدية؛ وال يسبقها في ذلك إال‬ ‫تعقيم املياه‪ .‬لقد أنقذت اللقاحات حياة املاليني‬ ‫من البش������ر من املوت املبكر أو من األمراض‬ ‫املسببة للعجز‪ ،‬وجعلت التخلص من اجلدري‬ ‫عام ‪ 1979‬أمرا ممكنا‪ .‬واخلبراء بالصحة في‬ ‫الوقت احلاضر ملتزمون بالتخلص من ش������لل‬ ‫األطفال واحلصبة‪ ،‬ورمبا من املالريا في يوم‬ ‫م������ا؛ وذلك على الرغم م������ن أن اللقاح املضاد‬ ‫للمالريا يتطلب‪ ،‬وفق ما سوف نرى‪ ،‬مقاربات‬ ‫جديدة تؤدي إلى جناح التمنيع‪.‬‬ ‫وإذا حتدثن������ا على وج������ه اإلجمال‪ ،‬فإن‬

‫األس������اس املنطقي للتلقيح هو أن التعرض‬ ‫لعين������ة صغيرة م������ن متع���ض(‪ )1‬ميكروي‬ ‫‪ microorganism‬مس������بب للم������رض يع ِّل������م‬ ‫النظام املناعي البشري تع ّرفه واالستعداد‬ ‫ملواجهت������ه عندما يصادفه مرة ثانية‪ .‬إال أن‬ ‫اللقاحات الكالس������يكية ال تنجح دائما لدى‬ ‫جميع الناس‪ ،‬وال تس������تطيع أن حتمي من‬ ‫جميع األمراض‪ .‬فبعض الفئات الس������كانية‬ ‫مثل كبار الس������ن قد يك������ون النظام املناعي‬ ‫لديهم أضعف من أن يقوموا باالس������تجابة‬ ‫الكافية للقاح������ات التقليدية‪ .‬كما أن بعض‬ ‫املُتعضيات املسببة لألمراض كان بوسعها‬ ‫أن تتجاوز الدفاعات املناعية التي حرضتها‬ ‫اللقاح������ات‪ .‬واملالريا والس������ل واإليدز من‬ ‫األمثل������ة عل������ى األمراض التي لم تس������تطع‬ ‫اللقاحات حتى اآلن أن تثبت جدواها‪ .‬وميكن‬ ‫توسيع نطاق مبادئ التلقيح أيضا لتشمل‬ ‫أمراضا أخرى مثل الس������رطان والتحسس‬ ‫وألزهامير‪ ،‬إال أن هذه التطبيقات قد تتطلب‬ ‫حتفيز النظام املناعي لالستجابة لشيء قد‬ ‫ال يتع ّرف������ه في احلالة الس������وية أبدا‪ ،‬أو قد‬ ‫يتع ّرفه بشكل ضعيف‪.‬‬ ‫وفي جميع هذه األح������وال‪ ،‬فإن منبهات‬ ‫النظ������ام املناعي والتي تعزز قدرة اجلس������م‬ ‫على تعرف أحد اللقاحات واالس������تجابة له‪،‬‬ ‫( ) ‪BOOSTING VACCINE POWER‬‬

‫(‪ )1‬كائن حي‪.‬‬


‫ميكن أن تنجح‪ .‬ويطلق على مثل هذه املواد‬ ‫ُس���اعدات‪ ،‬واسمها مشتق‬ ‫ِ‬ ‫املنبهة للمناعة امل‬ ‫من الكلمة الالتينية‪( adjuvare ،‬وتعني تقدمي‬ ‫املس������اعدة)‪ .‬وبعض هذه املواد معروف منذ‬ ‫أكثر من قرن من الزمن‪ ،‬ويس������تخدم لتعزيز‬ ‫اللقاحات واملعاجلات املضادة للس������رطان‪.‬‬ ‫وبش������كل مش������ابه لآلليات التي تكمن خلف‬ ‫اللقاحات ذاتها‪ ،‬فإن التفاصيل الدقيقة حول‬ ‫كيفية حدوث التفاعل املتبادل بني املساعِ دات‬ ‫وبني اخلاليا املناعية لم تفهم فهما جيدا حتى‬ ‫وقت قريب من اآلن‪ .‬فق������د قدمت التطورات‬ ‫الهائلة في علوم املناعة وال س������يما في العقد‬ ‫املاضي‪ ،‬تبصرات جديدة حول الكيفية التي‬ ‫تنتج من خاللها املس������اعدات آثارها‪ ،‬وتفتح‬ ‫الطريق لتصميم لقاحات تأخذ في حسبانها‬ ‫احتياجات الناس الذين ينبغي حمايتهم من‬ ‫املُمْرِ ض���ات ‪ pathogens‬الت������ي ينبغي حماية‬ ‫الن������اس منها‪ .‬وقد أصبحت اللقاحات‪ ،‬التي‬ ‫كان يتع������ذر تركيبها من قب������ل وبوجود هذه‬ ‫الوس������ائل اجلديدة‪ ،‬في ط������ور اإلنتاج‪ ،‬أما‬ ‫اللقاحات املتوافرة فعلي ًا فقد أصبحت أكثر‬ ‫فعالية وجناعة (كفاءة)‪.‬‬ ‫محاكاة العدوى بقصد تفاديها‬

‫( )‬

‫تتمتع الكثير من حاالت العدوى الطبيعية‬ ‫بفائدة واحدة على األقل‪ ،‬تتمثل بأنها تؤدي‬ ‫إلى مناعة تدوم طيل������ة احلياة جتاه املُ ْم ِرض‬ ‫املس������بب‪ .‬ويعمل اللق������اح املثالي أيضا على‬ ‫تقدمي مث������ل ه������ذه احلماية الطويل������ة األمد‪،‬‬ ‫وبجرع������ة واح������دة باحلالة املثل������ى‪ ،‬وقد يقي‬ ‫أيض ًا من التهديدات ذات الصلة‪ ،‬مثل جميع‬ ‫األفراد املنتمني إلى أس������رة لق������اح إنفلونزا‬ ‫البش������ر‪ .‬ولتحقيق هذه األهداف ينبغي على‬ ‫اللق������اح أن يدرج العديد من العوامل الفعالة‬ ‫ف������ي اخللية ضم������ن النظام املناع������ي‪ ،‬وهي‬ ‫نفس������ها العوامل الفعالة الت������ي يتم تنبيهها‬ ‫خالل العدوى احلقيقية‪.‬‬ ‫������ر ٌ‬ ‫ض هائ���ج ‪ wild‬إلى‬ ‫م ِ‬ ‫عندم������ا يدخل مُ ْ‬

‫اجلس������م للمرة األول������ى‪ ،‬فإنه‬ ‫يقاب������ل ف������ورا خالي������ا النظام‬ ‫املناع������ي األصل������ي اجلائل������ة‬ ‫باس������تمرار بحث ًا عن الغزاة‪.‬‬ ‫ومن هؤالء احل������راس البالعم‬ ‫واخلاليا املتغصنة ‪dendritic‬‬ ‫‪ cells‬الت������ي تبتل������ع املُ ْم ِرضات‬ ‫مع اخلاليا اجلسدية املصابة‬ ‫بالعدوى وتدمره������ا‪ ،‬ثم تفكك‬ ‫ه������ذه اخلاليا احلارس������ة ومن‬ ‫ث������م امل������واد الت������ي هضمتها‪،‬‬ ‫وتعرض مناذج م������ن مكونـات‬ ‫املواد الداخلية ‪ -‬والتي تدعى‬ ‫املستضدات ‪ - antigens‬بحيث‬ ‫تصبح اخلالي������ا األعضاء في‬ ‫النظام املناعي التكيفي‪ ،‬وهي‬ ‫اخلالي������ا ‪ B‬واخلالي������ا ‪ ،T‬متآلف������ة مع مظهر‬ ‫������رض‪ .‬وفي الوقت نفس������ه‪ ،‬ف������إن اخلاليا‬ ‫املُ ْم ِ‬ ‫التي تعرض املستضدات تطلق مواد كيميائية‬ ‫إشارية تدعى السيتوكينات ‪ cytokines‬التي‬ ‫حترض ح������دوث االلتهاب‪ ،‬وتنب������ه اخلاليا ‪B‬‬ ‫واخلاليا ‪ T‬ملواجهة هذه احلالة الطارئة‪.‬‬ ‫وم������ا أن تنضج جتمعات اخلاليا ‪ B‬واخلاليا ‪T‬‬ ‫������تضد نوعي ‪ ،‬حتى تطلق‬ ‫التي تكيفت مع مس‬ ‫ٍ‬ ‫اخلالي������ا ‪ B‬جزيئ������ات األض���داد ‪،antibodies‬‬ ‫وحت������ى تبحث اخلالي������ا ‪ T‬القاتلة عن اخلاليا‬ ‫التي اس������تعمرتها الكائنات الغازية فتدمرها‪.‬‬ ‫وتس������تغرق التفاع���ل��ات املتبادل������ة مع اخلاليا‬ ‫التي تعرض املستضدات بضعة أيام حتى يتم‬ ‫تخليق اخلالي������ا ‪ B‬واخلاليا ‪ T‬ذات التصميم‬ ‫اخل������اص‪ ،‬إ ّال أن مجموع������ة جزئية منها ميكن‬ ‫أن تبقى في اجلس������م لتكون خاليا «ذاكرة»(‪،)1‬‬ ‫ويستمر ذلك في بعض األحيان لعقود‪ ،‬وتكون‬ ‫جاهزة إلخماد أي محاولة يقوم بها املُتعضي‬ ‫نفسه لعودة العدوى‪ .‬وتقوم اللقاحات مبحاكاة‬ ‫م ِرض بكامله‬ ‫هذه العملي������ة عن طريق إدخال مُ ْ‬ ‫أو أج������زاء منه يعرف بأنه كائن غزوي أجنبي‪.‬‬ ‫وال تنجح جميع اللقاحات في توليد اس������تجابة‬ ‫( ) ‪Mimicking Infection to Avert It‬‬ ‫(‪"memory" cell )1‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪33‬‬


‫[أساسيات]‬

‫حتاكي اللقاحات العدوى بقصد تفاديها‬

‫( )‬

‫م ِرضات مقتولة أو مضعفة‪ ،‬أو قطعا منها‪ ،‬إلطالق استجابة مناعية تؤدي إلى توليد خاليا «ذاكرة» تقوم بتع ّرف املتعضي امليكروي نفسه‬ ‫تقدم اللقاحات مُ ْ‬ ‫بسرعة في املستقبل‪ .‬وميكن لهذه اخلاليا في املستقبل أن حتصر العداوى احلقيقية أو على األقل أن تقلل من املرض‪.‬‬ ‫خاليا ‪ T‬قاتلة‬

‫سيتوكينات‬ ‫قطع ڤيروسية‬ ‫خلية متغصنة‬ ‫موقع‬ ‫احلقن‬

‫طالئع خاليا‬

‫ڤيروس‬ ‫في اللقاح‬

‫‪T‬‬

‫خاليا ‪ T‬مساعدة‬

‫نضج‬ ‫وهجرة إلى‬ ‫العقد اللمفية‬

‫خاليا مصابة‬ ‫بالعدوى‬

‫سيتوكينات‬ ‫عقدة ملفية‬

‫مستضد‬

‫بلعم‬

‫إعطاء اللقاح‬

‫إعطاء جرعة ضئيلة من ڤيروس حي ولكنه مضعف من أحد األشكال الشائعة‬ ‫للقاحات‪ .‬إن الڤيروس الذي يحقن في اجللد سيصيب بالعدوى بعض اخلاليا‬ ‫ويتكاثر ببطء ضمنها‪ .‬واخلاليا املناعية «األصلية» مثل البالعم واخلاليا‬ ‫املتغصنة تقوم بهضم املواد األجنبية واخلاليا املصابة بالعدوى في اجلسم ‪.‬‬ ‫كما تصدر اخلاليا املتغصنة مواد كيميائية بإشارات تدعى السيتوكينات التي‬ ‫تعمل مبنزلة إنذار‪.‬‬

‫هجرة اخلاليا املتغصنة وتفاعالتها‬

‫تنضج اخلاليا املتغصنة مبا حتمله من مواد أجنبية (مستضدات) وتهاجر إلى العقد‬ ‫اللمفية لتتفاعل مع اخلاليا ‪ T‬واخلاليا ‪ ،B‬وهي من مكونات النظام املناعي «التكيفي»‪.‬‬ ‫وحترض اخلاليا املتغصنة اخلاليا ‪ T‬من خالل عرض املستضد وإصدار السيتوكينات‬ ‫لتصبح ناضجة إلى أمناط من خاليا مساعدة وخاليا قاتلة‪ ،‬وتطلق اخلاليا ‪ T‬املساعدة‬ ‫إشارات لتحريض اخلاليا ‪ T‬القاتلة على مهاجمة اخلاليا املصابة بالعدوى وحتريض‬ ‫اخلاليا ‪ B‬إلنتاج األضداد املصممة خصيص ًا للمُ ْم ِرض‪.‬‬

‫مناعي������ة كامل������ة‪ ،‬إال أن بع������ض املُ ْم ِرضات قد‬ ‫توقف بواس������طة األضداد فقط‪ ،‬مما يغني عن‬ ‫احلاجة إلى اخلاليا ‪ T‬القاتلة للحماية‪.‬‬ ‫ويأخذ مصممو اللقاحات في حسبانهم‬ ‫طبيعة املُ ْم ِرض وكيف يسبب املرض من بني‬ ‫جمل������ة اعتبارات أخرى عندما يختارون منط‬ ‫املستضد الذي ينبغي عليهم استعماله‪ .‬وقد‬ ‫تك������ون املواد التي تعطى في اللقاح املعياري‬ ‫بكتيريا أو ڤيروس������ات ح ّي������ة ولكنها ُم ْ‬ ‫ض َع َفة‬ ‫«م َو َّهنة»‪ ،‬أو تكون نس������خا مقتولة أو ُم َع َّطلة‬ ‫من مجمل املتعض������ي‪ ،‬أو پروتين������ات ُم َن َّقاة‬ ‫ُم ْش������ َت َّقة من املُ ْم ِرض األصلي‪ .‬ولكل اختيار‬ ‫فوائده ومساوئه‪.‬‬ ‫يع������اد إنت������اج اللقاحات احلي������ة واملُ َو َّهنَة‬ ‫في الب������دن ببطء ش������ديد‪ ،‬إال أنه������ا وبنتيجة‬ ‫ه������ذا اإلنت������اج ومواصلة عرض املس������تضد‬ ‫عل������ى النظام املناعي‪ ،‬ميك������ن لهذه اللقاحات‬ ‫‪34‬‬

‫خلية‬

‫‪B‬‬

‫إط���ل��اق اس������تجابة مناعيـ ــة طويل������ة األم ـ ــد‪.‬‬ ‫وبسبب طبيعتهـ ـ ــا املتأص ــلة للعدوى ال ميكن‬ ‫اس������تخدام اللقاح������ات املُ َو َّهنَة ل������دى األفراد‬ ‫الذين يعانون ضعف النظ������ام املناعي الذي‬ ‫قد يصبح مثقال باألعباء الثقيلة‪ .‬إن خطورة‬ ‫حدوث الطفرة في بعض الڤيروسات احلية‬ ‫املضعفة والتي حتولها إلى شكل ذي فوعة‬ ‫جتع������ل اللقاحات املُ َو َّهنَة ذات خطورة عالية‬ ‫في حال اس������تخدام املُ ْم ِرضات املميتة مثل‬ ‫ڤيروس العوز املناعي البشري ‪.HIV‬‬ ‫أما اللقاح������ات األكثر ش������يوعا‪ ،‬فتتألف‬ ‫من جزيئ������ات من الڤي������روس الكامل املقتول‬ ‫باس������تخدام بع������ض الطرق‪ ،‬مثل التس������خني‬ ‫احلراري‪ .‬وهذه اجلزيئات ال ميكنها التكاثر‪،‬‬ ‫إال أن هذه الپروتينات الڤيروسية تبقى ساملة‬ ‫نس������بيا بحيث ميكن خلالي������ا النظام املناعي‬ ‫( ) ‪Vaccines Mimic Infection to Avert It‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫أضداد‬


‫الذاكرة املناعية‬

‫تصبح بعض اخلاليا ‪ T‬واخلاليا ‪ B‬خاليا ذاكرة طويلة‬ ‫العمر‪ ،‬حتمي من العدوى املستقبلية‪.‬‬

‫محاولة عدوى‬

‫خاليا ‪ B‬وخاليا ‪ T‬ذاكرة‬

‫خلية مصابة بالعدوى‬

‫تع ّرفها بس������هولة‪ ،‬إال أن ذلك يتطلب جرعات‬ ‫تعزيزية دورية لتقوية االستجابة املناعية‪.‬‬ ‫وشكل ثالث هو اللقاح اجلزئي الوحدة‬ ‫‪ ،subunit vaccine‬والذي يعرض املس������تضد‬ ‫للنظ������ام املناعي من دون تدخ������ل متعضيات‬ ‫ميكروي������ة‪ ،‬كاملة أو غير ذل������ك‪ .‬وميكن عزل‬ ‫املستضد من املُ ْم ِرض ذاته‪ ،‬أو أن يصنع من‬ ‫خالل الهندس���ة اجلينية التأشيبية(‪ .)1‬وملا‬ ‫كانت اللقاحات اجلزئية الوحدات ال تتضمن‬ ‫سوى جزء من املُ ْم ِرض‪ ،‬فإنها ال تطلق دائم ًا‬ ‫العالم������ات املن������ذرة باخلطر املطلوب������ة لتنبيه‬ ‫االستجابة املناعية املثلى‪.‬‬ ‫وفي السنوات األخيرة‪ ،‬توصل العلماء‬ ‫إل������ى تعرف الدور احلاس������م ال������ذي تؤديه‬ ‫اخلاليا العارضة للمس������تضدات وال سيما‬ ‫اخلاليا املتغصنة‪ ،‬في تقييم مستوى التهديد‬ ‫الذي يفرضه املُ ْم ِرض وحتديد االس������تجابة‬ ‫الضرورية‪ .‬فعندما تصبح اخللية املتغصنة‬ ‫مثقل������ة باملس������تضدات في موق������ع العدوى‬ ‫أو في موق������ع حقن اللق������اح‪ ،‬فإنها تنضج‬ ‫وتهاجر إل������ى العقد اللمفية املجاورة‪ ،‬حيث‬ ‫تبدأ بإطالق إشارات وتنغمس في تفاعالت‬ ‫متبادل������ة تؤدي إل������ى اس������تجابة واقية في‬ ‫اخلاليا ‪ B‬واخلاليا ‪ .T‬ومن دون مؤش������رات‬ ‫متعض من املتعضيات‬ ‫اخلطر الفريدة ل������كل‬ ‫ٍ‬ ‫امليكروية‪ ،‬فإن اخلاليا املتغصنة تفش������ل في‬

‫النض������ج وف������ي الهجرة على النح������و املالئم‪،‬‬ ‫وتتطلب لقاحات جزئي������ة الوحدات في غالب‬ ‫األحيان عامال مساعدا ليقوم بدوره بإطالق‬ ‫العلم األحمر ال������ذي يحفز اخلاليا املتغصنة‬ ‫إلى البدء بالعمل‪.‬‬ ‫وحتتوي معظم اللقاحات التي تس������تخدم‬ ‫في الوالي������ات املتحدة األمريكي������ة في الوقت‬ ‫احلاض������ر عل������ى واح������د أو أكثر م������ن أقدم‬ ‫املس������اعِ دات‪ ،‬وه������و «األل���وم» ‪ ،alum‬وه������و‬ ‫مصطل������ح مختصر يدل عل������ى أعضاء عائلة‬ ‫كيميائي������ة م������ن أم���ل��اح األملوني������وم‪ .‬ومع أن‬ ‫«األلوم» قد اس������تخدم في اللقاحات البشرية‬ ‫من������ذ الثالثينات‪ ،‬وأنه أثبت فائدته في العديد‬ ‫م������ن اللقاح������ات احلالية‪ ،‬إ ّال أن������ه قاصر من‬ ‫حيث كونه مس������اع ًدا في اللقاحات املضادة‬ ‫لألمراض التي تتطلب أكثر من مجرد حماية‬ ‫األضداد حتى تصبح ف َّعالة‪.‬‬ ‫ميك������ن للعدي������د م������ن املُ ْم ِرض������ات املعدية‬ ‫املهددة للحياة مثل الڤي������روس ‪ HIV‬وڤيروس‬ ‫التهاب الكبد ‪ C‬وامل َت َف ِّطرات الس������لية وطفيليات‬ ‫املتصورات (التي تس������بب املالريا) أن تتجنب‬ ‫األض������داد‪ ،‬والبد للقاح الف ّع������ال املضاد لهذه‬ ‫املُ ْم ِرضات أن ينبه استجابات قوية للخاليا ‪.T‬‬ ‫وفي الواقع‪ ،‬لقد أدت اجلهود املبذولة ملكافحة‬ ‫هذه املتعضيات والتي تفرض حتدي ًا هائ ً‬ ‫ال إلى‬ ‫حتفيز عودة االهتمام مبس������اعدات اللقاحات‬ ‫ف������ي الوقت الذي تتحقق في������ه إجنازات مذهلة‬ ‫ف������ي فهم النظام املناعي‪ ،‬وهو األمر الذي أدى‬ ‫بدوره إلى احلصول على مساعدات أفضل‪.‬‬

‫األمناط الشائعة‬ ‫( )‬ ‫للقاحات‬ ‫>‬

‫عودة النهوض باملساعِ دات‬

‫( )‬

‫حت������ى عنــدم ــا كــان الكيميائي الفرنس������ي‬ ‫>‪ .L‬پاستور< يواجه كلبا مسعورا الستخالص‬ ‫اللعاب من������ه للحصول عل������ى أول لقاح مضاد‬ ‫ل������داء الكلب في الثمانينات من القرن التاس������ع‬ ‫عش������ر‪ ،‬كان أحد جراحي العظام في نيويورك‬ ‫يبتك������ر‪ ،‬دون أن يدري‪ ،‬أس������لوب ًا لتدعيم مجمل‬ ‫( ) ‪Adjuvant Revival‬‬ ‫( ) ‪COMMON VACCINE TYPES‬‬ ‫(‪recombinant genetic engineering )1‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫ُم َوهَّ َنة ‪ :‬ڤيروسات أو‬ ‫بكتيريا كاملة حية‬ ‫ولكنها مضعفة‪ .‬ويطيل‬ ‫التكاثر الذي هو‬ ‫بحالته الدنيا من فترة‬ ‫تعريض اخلاليا املناعية‬ ‫للمستضد من دون أن‬ ‫يسبب املرض‪.‬‬

‫‪....................................‬‬ ‫>‬

‫ُم َع ّطلة ‪ :‬كاملة ولكنها‬ ‫«مقتولة» وغير قادرة‬ ‫على التكاثر أو على‬ ‫إحداث املرض‪.‬‬

‫‪.................................‬‬ ‫>‬

‫جزئية الوحدات ‪:‬‬

‫قطع من املُ ْم ِرض‪ ،‬مثل‬ ‫پروتينات خارجية‬ ‫أو مادة جينية‪ ،‬تقدم‬ ‫مستضد ًا للخاليا‬ ‫املناعية لتع ّرفه‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫املساعدات اجلديدة‬ ‫ِ‬ ‫( )‬ ‫والقدمية‬ ‫املساعِ دات في اللقاحات املسجلة‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫>‬

‫أمالح األلومنيوم «األلوم»‬ ‫مستحلبات الزيت في املاء واملاء في‬ ‫الزيت‪.‬‬ ‫نواقل اجلسيمات الشحمية (جزيئات‬ ‫ليپيدية)‬ ‫جزيئات ڤيروسية (ليپيدات ‪ +‬پروتينات‬ ‫ڤيروسية)‪.‬‬ ‫ڤيتامني ‪E‬‬ ‫ليپيد ‪ A‬وحيد الفسفوريل ‪ ،MPL‬وهو‬ ‫مشتق ُم َن َّقى من الشحوم املتعددة‬ ‫السكاريدات البكتيرية‪.‬‬

‫األلوم‬

‫ِ‬ ‫مساعدات في طور‬ ‫التطوير واالبتكار‬ ‫>‬ ‫>‬

‫‪ ،CpG‬الدنا البكتيري الذي تنقصه زمر‬ ‫امليثيل الوصفية للدنا في البشر‪.‬‬ ‫الصابونني (مستخلص نباتي)‪:‬‬ ‫> ‪QS21‬‬

‫> ‪Quil A‬‬ ‫>‬

‫>‬

‫>‬

‫>‬

‫معقدات محفزة للمناعة‬ ‫(الصابونني ‪ +‬أقفاص ليپيدية)‬

‫ڤيروسات مبنزلة نواقل للمستضدات‪:‬‬ ‫> جدري الطيور‬ ‫> جدري البقر‬ ‫> جدري الكناري‬ ‫جزيئات شبيهة بالڤيروسات‪ ،‬وهي‬ ‫دروع ڤيروسية تتجمع ذاتيا وال‬ ‫تتضمن مادة جينية‪.‬‬ ‫إنترليوكينات وجزيئات أخرى مطلقة‬ ‫لإلشارات اخللوية‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫االستجابة املناعية‪ ،‬وهو أسلوب ميكن اعتباره‬ ‫أول اس������تخدام للمس������ــاعدات‪ ،‬فقـد اس������تأثر‬ ‫باهتمام >‪ .W‬كولي< [من مستشفى السرطان في‬ ‫نيويورك] تقرير عن األورام التي يتقلص حجمها‬ ‫أو تختفي برمتها لدى مرضى السرطان الذين‬ ‫يصابون بالعدوى بإحدى الذراري اخلاصة من‬ ‫البكتيريا العقدية ‪ ،streptococcus‬وهي العقدية‬ ‫املُ َقيِّحة ‪ .S. pyogenes‬وانطالق ًا من احلدس بأن‬ ‫التفاعالت املناعية لدى املرضى جتاه البكتيريا‬ ‫قد زادت من قدرتهم على التغلب على األورام‪،‬‬ ‫فقد بدأ بسلس������لة من التجارب في عام ‪،1881‬‬ ‫فأعطى البكتيري������ا احلية‪ ،‬ثم في مرحلة الحقة‪،‬‬ ‫عمد إلى تسريب البكتيريا املقتولة إلى مرضى‬ ‫السرطان‪ .‬وقد حققت هذه املعاجلات التي ُأطلق‬ ‫عليها اسم «ذيفانات كولي» بعض حاالت الهدأة‬ ‫التي أثارت اإلعجاب‪ ،‬مع أن كيفية عملها بقيت‬ ‫س ًرا ملدة طويلة‪.‬‬ ‫وف������ي مطل������ع الق������رن العش������رين م������ا لبث‬ ‫الباحثون أن نش������روا الفك������رة التي تدور حول‬ ‫أن البكتيري������ا واملواد األخرى قد حتس������ن من‬ ‫االس������تجابة املناعية الطبيعية لدى البشر‪ .‬وقد‬ ‫أج������رى كل من الطبي������ب البيطري الفرنس������ي‬ ‫>‪ .G‬روم������ان< وعالم املناعة اإلنكلي������زي >‪.G .A‬‬ ‫گلني< جتارب مع مواد متنوعة منها التاپيوكا‬ ‫وهيدروكس������يد األملنيوم لتعزيز ف ّعالية لقاحي‬ ‫اخلن������اق (الديفتري������ا) والك������زاز (التيتانوس)‬ ‫الت������ي تعط������ى للحيوانات‪ .‬وخالل ع������ام ‪1930‬‬ ‫وجد علماء آخرون أن املس������تضدات املستعلقة‬ ‫في مس������تحلبات الزيت في امل������اء قد تعزز من‬ ‫قوة اللقاحات‪ .‬وواصلوا اس������تقصاءاتهم على‬ ‫مواد مس������تخلصة من البكتيريا مثل الشحوم‬ ‫املتع���ددة الس���كاريدات )‪ ،)1((LPS‬وه������ي أحد‬ ‫مكونات جدار بعض اخلالي������ا البكتيرية‪ .‬وقد‬ ‫كان للكثي������ر من هذه امل������واد املضافة تأثيرات‬ ‫مرغوب فيه������ا‪ ،‬ولكن في ح������االت كثيرة تظهر‬ ‫تأثي������رات ضائرة مثل االلتهاب الش������ديد‪ ،‬مما‬ ‫يجعل من املتعذر التنبؤ بنتيجة هذا األسلوب‪.‬‬ ‫وهكذا تضاءل االهتمام بأبحاث املساعِ دات‬ ‫حتد‬ ‫نتيجة لذلك‪ ،‬حتى عام ‪ ،1980‬عندما ظهر ٍ‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫[معززات اللقاح]‬

‫ِ‬ ‫املساعدات تضيف تأكيدا‬

‫( )‬

‫تعزز املساعدات االستجابات املناعية جتاه‬ ‫املستضدات في اللقاح من خالل العديد من اآلليات‪،‬‬ ‫إال أن تأثيرها األعظم قوة قد يكون من خالل‬ ‫تفعيل مستقبالت التعرف امليكروبية على اخلاليا‬ ‫املتغصنة‪ .‬واعتماد ًا على منط التهديد الذي تشعر‬ ‫به‪ ،‬فإن اخلاليا املتغصنة سوف توجه اخلاليا‬ ‫املناعية األخرى لالستجابة بطرق مختلفة‪ .‬وميكن‬ ‫ملصممي اللقاحات استخدام هذه املعارف الختيار‬ ‫املساعدات التي ال يقتصر تأثيرها في تعزيز‬ ‫االستجابة املناعية فحسب‪ ،‬بل يتجاوزه إلى تأكيد‬ ‫االستجابات املرغوب فيها‪.‬‬

‫جديد لڤيروس اس������تدعى اس������تخدام جميع‬ ‫التكتيكات التي ميكن أن تخطر بالبال‪ .‬وأثبت‬ ‫الڤيروس ‪ HIV‬أنه بعيد جدا عن متناول طرق‬ ‫التلقي������ح املعهودة‪ .‬إذ يهاج������م هذا الڤيروس‬ ‫اخلالي������ا ‪ T‬انتقائي������ا‪ ،‬ويعي������ق عم������ل النظام‬ ‫املناعي التكيفي إعاقة جسيمة‪ ،‬كما أن شكله‬ ‫دائم التغير‪ ،‬بحي������ث يتعذر على األضداد أن‬ ‫تتابع������ه‪ .‬وكان على الباحث���ي��ن الذين يعملون‬ ‫على الپروتينات املأش������وبة للڤيروس ‪ HIV‬أن‬ ‫يجدوا طرق ًا لتعزيز آلية تعرف النظام املناعي‬ ‫على املستضدات‪ ،‬ويحثهم على محاولة ضم‬ ‫مس������اعِ دات جديدة إليها‪ ،‬وذل������ك إلى جانب‬ ‫العمل على حتسني هذه املساعدات للحصول‬ ‫على مناذج جديدة منها‪.‬‬ ‫ولعل أضخم اإلجنازات التي حتققت في‬ ‫األبح������اث التي تناولت ما ح������دث عام ‪،1997‬‬ ‫وذلك باكتشاف وجود مستقبالت متخصصة‬ ‫بتع ّرف األمناط موج������ودة في داخل اخلاليا‬ ‫املتغصنة وعلى سطحها‪ ،‬وهي مكرسة لتع ّرف‬ ‫األقسام األساسية في املتعضيات امليكروية‪،‬‬ ‫مثل پروتني الفالگيلني الذي يوجد في أهداب‬ ‫الكثير من البكتيريا‪ .‬وتطلق هذه املستقبالت‬ ‫التي تكشف املُ ْم ِرضات عالمات إنذار حت ِّذر‬ ‫اخلاليا املتغصنة للبدء بالعمل‪ ،‬كما تقدم لها‬ ‫املعلومات حول من������ط التهديد املوجود‪ .‬ومن‬ ‫بني األس������رار اخللوية واملكتشفات احلديثة‬ ‫( ) ‪Adjuvants OLD AND NEW‬‬ ‫( ) ‪Adjuvants Add Emphasis‬‬ ‫(‪lipopolysaccharide )1‬‬


‫تعرف املُ ْم ِرضات‬

‫املستقبلة‬ ‫ِ‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫تتضمن اخلاليا املتغصنة املستقبالت ‪ TLRs‬التي تتعرف كل مستقبلة منها محفزات من‬ ‫جزيئات منوذجية للعديد من املُ ْم ِرضات مثل الپروتينات البكتيرية أو محفزات ڤيروسية‬ ‫مميزة (القائمة في اليسار)‪ .‬واملساعدات هي التي تطلق واحد ًا أو توليفة من املستقبالت‬ ‫‪ TLRs‬تستطيع محاكاة التهديدات الطبيعية املختلفة‪.‬‬ ‫خاليا ‪ T‬قاتلة‬ ‫‪IL-12‬‬

‫سيتوكينات‬ ‫املستقبالت‬

‫خاليا ‪ T‬مساعدة‬

‫‪TLRs‬‬ ‫‪IL-12‬‬

‫ضد يحرض خاليا ‪ T‬مساعدة‬ ‫‪IL-6‬‬

‫التهاب يحرض خاليا ‪ T‬مساعدة‬ ‫‪IL-6‬‬ ‫‪IL-23‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪‬‬

‫رنا مزدوج الطاق‬ ‫الشحوم ‪ ،LPS‬پروتينات الصدمة‬ ‫احلرارية‪ ،‬الڤيروس املخلوي التنفسي‬ ‫پروتني الفالگيلني البكتيري‬ ‫رنا وحيد الطاق‬ ‫دنا ‪ CpG‬البكتيري‬ ‫غير معروف‬ ‫پروتني بروفيلني بكتيري‬

‫اجتاهات اخلاليا املتغصنة‬

‫يحدد إطالق اخلاليا املتغصنة لإلشارات الكيفية التي‬ ‫ستنضج وتتكاثر بها اخلاليا ‪ B‬واخلاليا ‪ ،T‬فعلى‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬فإن السيتوكني إنترليوكني ‪ 12 -‬يحبذ‬ ‫تطور اخلاليا ‪ T‬القاتلة واخلاليا الفرعية النمط ‪T‬‬ ‫املساعدة والالزمة للدفاع ضد العوامل املسببة للمرض‬ ‫داخل اخلاليا‪ ،‬فيما يحبذ اإلنترليوكني ‪ IL-6‬منط‬ ‫اخلاليا ‪ T‬املساعدة التي حترض اخلاليا ‪ B‬على إنتاج‬ ‫األضداد ويحرض كل من اإلنترليوكني ‪ IL-6‬و‪IL-23‬‬ ‫منطا فرعيا آخر أكثر رفعة من اخلاليا ‪ T‬التي تعزز‬ ‫االلتهاب‪ .‬وتتواصل دراسة اإلنترليوكنات ذاتها في‬ ‫الوقت احلاضر باعتبارها مساعدات‪.‬‬

‫اجليل الثاني من اللقاحات‬

‫مجموع������ة تع������رف باملس���تقبالت الش���بيهة‬ ‫باحلاج���ز)‪ )1((TLRs‬والت������ي تبدو ذات أهمية‬

‫بالغ ـ ـ������ة لتوجيه س������لوك اخلالي������ا املتغصنة‬ ‫‪،‬‬ ‫[انظ������ر‪« :‬نظ������ام التحذي������ر املبك������ر»‪،‬‬ ‫العددان ‪ ،(2005)2/1‬ص ‪.]80‬‬ ‫وحت������ى يومنا ه������ذا مَ َّ‬ ‫ت تع ّرف عش������ر من‬ ‫املس������تق ِبالت ‪ ،TLRs‬ويتعرف كل منها إحدى‬ ‫الس������مات األساسية واملختلفة من الڤيروسات‬ ‫أو البكتيريا‪ .‬فاملس������تقبلة ‪ TLR-4‬تتعرف‪ ،‬على‬ ‫س������بيل املثال‪ ،‬الش������حوم ‪ ،LPS‬وأما املستقبلة‬ ‫������جل الرن���ا)‪ (RNA‬الوحيد الطاق‬ ‫فتس ّ‬ ‫‪َ TLR-7‬‬ ‫النموذج������ي ف������ي بع������ض الڤيروس������ات‪ .‬وبعد‬ ‫هذه االكتش������افات‪ ،‬ص������ار م������ن الواضح أن‬ ‫املستخلصات املستمدة من البكتيريا تؤدي دور‬ ‫مساعدات منبهة للمناعة؛ ألنها تطلق إشارات‬ ‫إنذار تنبه اخلاليا املتغصنة عبر املس������تقبالت‬ ‫‪ .TLRs‬وكان اكتش������اف هذه اآلليات يعني أن‬ ‫على مصممي اللقاحات أن يستخدموا واحد ًا‬ ‫م������ن املس������اعدات أو توليفة منها الس������تهداف‬ ‫مستقبالت معينة من املستقبالت ‪.TLRs‬‬

‫‪TLR‬‬

‫املطلق الطبيعي‬

‫ليپوپروتينيات بكتيرية‬

‫( )‬

‫جربنا اللقاح في‬ ‫دراسات صغيرة‬ ‫على البشر‪ ،‬شملت‬ ‫متطوعني كانوا على‬ ‫استعداد إلدخال‬ ‫أذرعهم في صناديق‬ ‫فيها بعوض ناقل‬ ‫للمالريا‪ ،‬وتعرضوا‬ ‫للسع البعوض لعدد‬ ‫ال يقل عن خمس‬ ‫مرات‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫لقد هدف������ت األبحاث التي شُ������رع بها في‬ ‫الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين إلى‬ ‫تع ّرف املس������اعدات الطبيعية وتقييمها‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى املساعدات الصنعية واحمل ّورة‪ ،‬التي ميكن‬ ‫أن تس������تخدم لتحوير االستجابة املناعية جتاه‬ ‫املُ ْم ِرض������ات النوعية أو ضمن بعض التجمعات‬ ‫الس������كانية‪ .‬تتضمن هذه املقومات املساعدات‬ ‫التقليدية‪ ،‬مثل «األلوم»‪ ،‬واملس ـ ـ ــتحــلب ــات زي ـ ــت‬ ‫ف ـ������ي م ـ ــاء‪ ،‬مثل ‪ MF59‬و‪ ،AS03‬وكالهما أثبت‬ ‫جناحه في أوروبا عند اس������تخدامه في بعض‬ ‫لقاحات اإلنفلونزا‪ .‬وللحديث بشكل عام‪ ،‬ميكن‬ ‫للمس������اعدات أيضا أن تك������ون أي مادة مركبة‬ ‫كيميائية تحُ َِّسن من كمية وجودة االستجابات‬ ‫املناعية بالعمل على اخلاليا املتغصنة أو على‬ ‫غيرها من أمناط اخلاليا املناعية‪.‬‬ ‫إن إج������راء التجارب والتط������ورات التي‬ ‫ُأ ْح ِرزَت في علم املناعة قد سمحت بالتخلص‬ ‫من العناصر التي تسبب ُس ّم ِّية غير مرغوب‬ ‫وقت‬ ‫فيها في املس������اعدات التي ظه������رت في ٍ‬ ‫( ) ‪Next-Generation Vaccines‬‬ ‫(‪the Toll-Like receptors )1‬‬

‫‪37‬‬


‫مبكر‪ ،‬كما سمحت لهم مبزج وتطبيق مواد‬ ‫املس������اعِ دات بحيث يكون التأثير املجتمع‬ ‫لها بش������كله األمثل للحصول على االستجابة‬ ‫املناعية املرغوب فيها‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬فإن‬ ‫إحدى املساعدات اجلديدة‪ ،‬وهي الليپيد ‪A‬‬ ‫الوحيد الفسفوريل )‪ ،)1((MPL‬قـ ــد ُأنـتـجــت‬ ‫عن طريق نزع س������مية وتنقية أحد الليپيدات‬ ‫من جزيء الشحوم ‪ ،LPS‬مما أدى إلى ظهور‬ ‫إحدى املساعِ دات وهي ذات خصائص منبهة‬ ‫للمس������اعدة ‪ ،TLR-4‬ولكن من دون الس������ ّم ّية‬ ‫غير املرغوب فيها‪ .‬وقد ُأدرجت ضمن العديد‬ ‫من اللقاحات التي ه������ي متوافرة بالفعل في‬ ‫األسواق أو التي هي في املرحلة األخيرة من‬ ‫االختبارات السريرية وبنتائج مشجعة‪.‬‬ ‫ومن بني ه������ذه اللقاحات لق������اح جتريبي‬ ‫مضاد للمالريا‪ ،‬س������اعد على تطويره أحدنا‬ ‫(>گارسون<) بالعمل كرئيس ملركز گالسكو‬ ‫س������ميث كلني للمواد البيولوجية وملساعدات‬ ‫اللقاح‪ .‬ومرض املالري������ا ينجم عن طفيليات‬ ‫م������ن األوالي م������ن جنس املتص������ورات‪ ،‬وهو‬ ‫مرض خطير يقتل أكثر من مليون ش������خص‬ ‫كل عام ومعظمهم من األطفال دون اخلامسة‬ ‫من العمر‪ .‬وتستطيع هذه الطفيليات االختباء‬ ‫ضمن اخلاليا‪ ،‬متفادية بذلك اآلليات املناعية‪.‬‬ ‫كما أن هذه الطفيلي������ات تتبدل وتتغير مرات‬ ‫عديدة خالل دورات حياته���ا(‪ ،)2‬مما يجعل‬ ‫من العسير كشف مستضد ميكن أن يصلح‬ ‫كهدف فعال للقاح في جميع مراحل العدوى‪.‬‬ ‫ومن األمور املهمة ف������ي هذا املجال تنبيه كل‬ ‫من املناعة املتواسطة باخلاليا ‪ T‬وباألضداد‬ ‫للحماية من هذه الطفيلي������ات‪ ،‬وذلك بالوقاية‬ ‫من دخ������ول اخلاليا وبتدمي������ر اخلاليا التي‬ ‫أصيب������ت بالع������دوى‪ .‬وتتطلب ه������ذه املرامي‬ ‫بدورها مساعدات تتجاوز «األلوم»‪.‬‬ ‫وقد أخذنا جميع العوامل في احلس������بان‪،‬‬ ‫فط������ور فريقنا لقاحا مس������تندا إلى مس���تضد‬ ‫دعون������اه ‪ ،RTS,S‬وهو يتضمن اجتماع جزيء‬ ‫َّ‬ ‫مؤش������ب معروض على س������طح الطفيلي قبل‬ ‫‪38‬‬

‫تتطلب اإلنفلونزا اجلائحة تلقيح عدد‬ ‫كبير من السكان‪ .‬وميكن للمساعدات أن‬ ‫فعالة مع كمية أقل من‬ ‫جتعل اللقاحات َّ‬ ‫املستضد في كل جرعة‪ ،‬ورمبا جتعلها‬ ‫واقية ضد ذراري اإلنفلونزا التي تختلف‬ ‫اختالف ًا طفيفا عن الذرية األصلية‪.‬‬

‫لقد ترافقت مختلف‬ ‫اللقاحات التجريبية‬ ‫املضادة للسرطان‬ ‫والتي تستخدم‬ ‫توليفات مختلفة من‬ ‫املساعِ دات بنتائج‬ ‫مشجعة‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫دخوله إلى خاليا الدم في اإلنس������ان املضيف‬ ‫ف������ي املرحلة األول������ى من الع������دوى‪ ،‬وارتباطه‬ ‫باملس������تضد الس������طحي اللتهاب الكبد بقصد‬ ‫تنبيه التعرف املناع������ي‪ .‬وبعد ذلك يعطى هذا‬ ‫اجل������زيء املركب م������ع مزيج املس������اعدة التي‬ ‫تتألف من مستحلب «زيت في ماء» و «‪»MPL‬‬ ‫و «‪ ،»QS21‬وهو مش������تق نباتي يس������تخدم في‬ ‫الطب البيطري منذ ثالثينات القرن العشرين‪.‬‬ ‫وبعد الوصول باملستحضر إلى أفضل وضع‬ ‫ممكن‪ ،‬حاولنا مع من نتعاون معهم في معهد‬ ‫«والت������ر ريد لألبح������اث العس������كرية» جتريب‬ ‫اللقاح ضمن اختبارات صغيرة على البش������ر‬ ‫ومنهم متطوعون‪ ,‬وافقوا على إدخال أذرعهم‬ ‫ف������ي صناديق حتوي بعوض������ا ناقال للمالريا‬ ‫والتع������رض للدغاتها ع������ددا ال يقل عن خمس‬ ‫م������رات‪ .‬وق������د حتققت حماية س������تة من أصل‬ ‫س������بعة من هؤالء املتلقني من الع������دوى‪ ،‬فيما‬ ‫لم تتحقق احلماية ملن خضع للتجربة نفس������ها‬ ‫مستخدمني اللقاح مع «األلوم»‪.‬‬ ‫وقد كان االختب������ار النهائي ضمن ظروف‬ ‫احلياة احلقيقية مع تعرض مس������تمر للطفيلي‪،‬‬ ‫إل������ى جانب جتارب أكبر أجريت في نامبيا بني‬ ‫البالغني‪ ،‬وقد أثبتت أن ‪ 71‬في املئة من املتلقني قد‬ ‫متت حمايتهم من العدوى خالل تسعة أسابيع‬ ‫م������ن املتابعة‪ .‬كما أوضحت جتارب أجريت في‬ ‫مرحلة متأخرة على األطفال في املناطق املوبوءة‬ ‫باملالريا في موزمبيق أن ثالث جرعات قد أدت‬ ‫إلى حماية ‪ %30‬من األطفال من العدوى‪ ،‬وأن‬ ‫مع������دل وقوع املرض الوخيم في املجموعة على‬ ‫مدى ستة أشهر قد انخفض مبقدار يقرب من‬ ‫(‪monophosphory1 lipid A )1‬‬ ‫(‪life cycles )2‬‬


‫جار فيه]‬ ‫[العمل ٍ‬

‫اجليل التالي من اللقاحات‬

‫( )‬

‫تتضمن اللقاحات املذكورة أدناه مساعدات جديدة‪ ،‬وقد متت املوافقة عليها في بعض‬ ‫البلدان أو إنها في املرحلة األخيرة (الطور الثالث) من االختبارات على البشر‪.‬‬

‫املرض‬ ‫التهاب الكبد‬

‫‪A‬‬

‫التهاب الكبد‬

‫‪B‬‬

‫الورم احلليمي الڤيروسي البشري‬

‫اإلنفلونزا (الفصلية واجلائحة)‬

‫املالريا‬ ‫سرطان الرئة غير صغير اخلاليا‬

‫اللقاحات‬

‫مكونات مساعدة‬

‫مرحلة التطوير‬

‫الشركة‬

‫‪Epaxal‬‬

‫‪Virosomes‬‬

‫موا َفق عليه في أوروبا‬

‫‪Crucell‬‬

‫‪Fendrix‬‬

‫)‪AS04 (alum, mpl‬‬

‫موافق عليه في أوروبا‬

‫)‪GlaxoSmithKline (GSK‬‬

‫‪Supervax‬‬

‫‪Synthetic MPL RC-529‬‬

‫موافق عليه في األرجنتني‬

‫‪Dynavax Technologies‬‬

‫‪Heplisav‬‬

‫‪CpG‬‬

‫الطور‬

‫‪3‬‬

‫‪Dynavax Technologies‬‬

‫‪Cervarix‬‬

‫‪AS04‬‬

‫موافق عليه في ‪ 96‬بلدا‬

‫‪GSK‬‬

‫‪Fluad, Focetria‬‬

‫)‪MF59(Oil-in-water emulsion‬‬

‫موافق عليه في أوروبا‬

‫‪Novatris‬‬

‫‪Inflexal V‬‬

‫‪Virosomes‬‬

‫موافق عليه في أوروبا‬

‫‪Crucell‬‬

‫‪Prepandrix, pandemrix‬‬

‫)‪AS03(Oil-in-water,Vitamin E‬‬

‫موافق عليه في أوروبا‬

‫‪GSK‬‬

‫‪Seasonal elderly vaccine‬‬

‫‪AS03‬‬

‫الطور‬

‫‪3‬‬

‫‪GSK‬‬

‫‪Mosquirix‬‬

‫)‪AS01(liposomes, MPL, QS21‬‬

‫الطور‬

‫‪3‬‬

‫‪GSK‬‬

‫‪Mage 3 vaccine‬‬

‫)‪AS15(liposomes,MPL, QS21, CpG‬‬

‫الطور‬

‫‪3‬‬

‫‪GSK‬‬

‫‪CimaVax EGF‬‬

‫)‪Montanide ISA-51 (oil-in-water‬‬

‫موافق عليه في كوبا وتشيلي‬

‫‪ .%60‬وتقترب نس������خة محسنة من هذا اللقاح‬ ‫الذي يتضمن نواقل اجلس���يمات الش���حمية‬ ‫(الليپوزوم���ات) ‪ liposomes‬من نهاية املرحلة‬ ‫األخيرة (الطور الثالث) من التجارب السريرية‬ ‫التي جت������رى على الرضع‪ .‬وباعتبار أنه اللقاح‬ ‫األول م������ن نوعه الذي يثب������ت معدالت مهمة من‬ ‫احلماية من العدوى م������ن املالريا ومن املرض‬ ‫الوخيم‪ ،‬فقد حمل آماال كبيرة في اإلسهام في‬ ‫مكافحة املرض وضبطه‪.‬‬ ‫وقد أثبت جناح اللقاح إمكانية تصميم لقاح‬ ‫معقول يضم ك ً‬ ‫ال من املستضد واملساعِ دات‬ ‫لتحقيق االس������تجابة املناعية املرغوبة‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل اصطناع لقاحات جديدة وحتسني‬ ‫اللقاح������ات القدمية‪ .‬فالكثير م������ن اللقاحات‬ ‫املوجودة حالي ًا والناجعة بش������كل عام‪ ،‬رمبا‬ ‫ال تكون آمنة أو فعالة في مجموعات سكانية‬ ‫معينة‪ ،‬ومنهم األفراد الذين هم بحاجة ماسة‬ ‫إليه������ا‪ .‬وتعد اإلنفلونزا املوس������مية مثا ًال على‬ ‫ذلك‪ ،‬فكبار السن والرضع هم األكثر تعرض ًا‬ ‫للعدوى املميت������ة باإلنفلونزا‪ ،‬نظرا ألن النظام‬ ‫املناع������ي لدى الرض������ع غير متط������ور تطورا‬ ‫مكتمال‪ ،‬كما أن االس������تجابة املناعية تتراجع‬ ‫مع تقدم العمر‪ .‬إن نصف عدد الذين يتلقون‬

‫‪Bioven‬‬

‫اللقاح املعياري املضاد لإلنفلونزا ممن تزيد‬ ‫أعمارهم على ‪ 65‬عاما فقط س������تتكون لديهم‬ ‫كمية من األضداد تكفي التقاء العدوى‪.‬‬ ‫وف������ي مقابل ما ذكرنا آنف������ا‪ ،‬فإن اللقاح‬ ‫التجريبي لإلنفلونزا املوسمية والذي يضمن‬ ‫املس������تحلب زيت ف������ي م������اء ‪ AS03‬أدى إلى‬ ‫احلصول على مستويات واقية من األضداد‬ ‫ل������دى ‪ 90.5‬في املئة من املتلق���ي��ن بأعمار ‪65‬‬ ‫عام������ا أو أكثر‪ .‬وملا كانت املس������اعدات تعزز‬ ‫من تعرف اخلاليا املناعية املستضدات‪ ،‬فإن‬ ‫بإمكانها أن تس������تخدم ف������ي صناعة لقاحات‬ ‫ف ّعالة باس������تعمال كمية أقل من املستضدات‪.‬‬ ‫وق������د أصبحت هذه االعتب������ارات أكثر أهمية‬ ‫بشكل خاص في حالة اجلائحة التي تتطلب‬ ‫تلقيح أعداد هائلة من الس������كان تلقيحا فعاال‬ ‫وبس������رعة‪ .‬وهناك لقاح جتريبي آخر ‪،AS03‬‬ ‫مض������اد ل���ذراري إنفلونزا الطي���ور ‪،H5N1‬‬ ‫وهو يحرض استجابات األضداد الواقية تلك‬ ‫باستخدام ما ال يزيد على ثلث كمية املستضد‬ ‫في لقاح اإلنفلونزا املوسمية النموذجية‪.‬‬ ‫وتوض������ح هذه األمثلة أن أنواع اللقاحات‬ ‫اجلدي������دة القريبة من االس������تخدام الواس������ع‬ ‫( ) ‪Next-Generation Vaccines‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪39‬‬


‫النطاق لدى البش������ر‪ ،‬هي بسبب عودة إحياء‬ ‫وتطوي������ر املس������اعِ دات ف������ي الثمانينات وفي‬ ‫التسعينات من القرن العشرين التي أصبحت‬ ‫تعطي ثماره������ا اآلن‪ .‬إن مالحظة العلماء في‬ ‫ذلك الوقت أن القدرة التي تتمتع بها اخلاليا‬ ‫املتغصن������ة في تع������رف األمناط تع������د رابطة‬ ‫حاس������مة بني الن ُ​ُّظم املناعية األصلية والن ُ​ُّظم‬ ‫املناعية التكيفية‪ ،‬مما س������مح بتصميم أمناط‬ ‫جديدة من املس������اعدات‪ .‬وما زال هذا العمل‬ ‫في مراحله املبك������رة‪ ،‬ولكنه ذو إمكانية خللق‬ ‫مخزون كبير من املكونات للمساعدات ميكن‬ ‫ملصممي اللقاحات االنتق������اء واالختيار لبناء‬ ‫اللقاحات بدقة لم يسبق لها مثيل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املساعدات‬ ‫جيل جديد من‬

‫( )‬

‫املؤلفان‬

‫‪Nathalie Garcon‬‬

‫‪Michel Goldman‬‬

‫>گارسون< رئيسة مركز املساعدات‬ ‫العاملي للقاحات في شركة «گالكسو‬ ‫سميث كلني» للمستحضرات البيولوجية‪،‬‬ ‫وهي شركة مصنعة للقاحات‪ .‬وكان لها‬ ‫الريادة في تطوير العديد من املساعدات‬ ‫خالل العقدين املاضيني‪ .‬وهي خبيرة‬ ‫باملستحضرات الصيدالنية متخصصة‬ ‫باملناعة‪ ،‬وفي عام ‪ 1990‬انضمت إلى‬ ‫الشركة لتقود برنامجها اخلاص‬ ‫باملساعِ دات‪> .‬گولدمان< أستاذ علم‬ ‫املناعة في اجلامعة احلرة ببروكسيل في‬ ‫بلجيكا‪ .‬له أبحاث حول مراكز املناعة‬ ‫في البشر التي تتحكم في اخلاليا‬ ‫املتغصنة وإطالق اإلشارات للمستقبالت‬ ‫‪ ،TLRs‬وهي ضرورية لفعالية اللقاحات‬ ‫وملساعدات اللقاحات‪ .‬وحتى الشهر‬ ‫‪ ،2009/9‬شغل منصب مدير معهد علم‬ ‫املناعة الطبي الذي يتلقى متويله جزئي ًا‬ ‫من شركة «گالسكو سميث كلني»‪ .‬وهو‬ ‫املدير التنفيذي ملبادرة األدوية املبتكرة‪،‬‬ ‫وهي جلنة شراكة أوروبية مع االحتاد‬ ‫األوروبي للصناعات األوروبية‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫إلى جانب التطورات احملرزة في علم املناعة‬ ‫والبيولوجيا اجلزيئية‪ ،‬فقد ق َّدم علم املواد الكثير‬ ‫من الطرق اجلديدة للحص������ول على التأثيرات‬ ‫املختلف������ة للمس������اعِ دات‪ .‬فنواقل اجلس������يمات‬ ‫الشحمية تستخدم في الوقت احلاضر لتمحفظ‬ ‫األدوية وكذل������ك غيرها من املواد على ش������كل‬ ‫كبسوالت‪ ،‬بحيث تطلق مضمونها في األنسجة‬ ‫املستهدفة في اجلسم في حني تقوم بحمايتها‬ ‫من التدرك‪ .‬وعند استخدام تلك النواقل حلمل‬ ‫مستضدات اللقاحات؛ فإنها تقدم القدر نفسه‬ ‫من احلماية‪ ،‬وتخلق مخزونا من املس������تضدات‬ ‫يس������مح بتعريض مديد للمستضد إلى اخلاليا‬ ‫املناعية‪ .‬وتشاهد تنوعات تنطلق من هذا املبدأ‬ ‫مثل أقفاص املستضدات ال ُبلمرية التي تصنع‬ ‫من كل من السكاريدات الطبيعية املتعددة‪ ،‬مثل‬ ‫تلك التي توجد في ج������دران اخللية البكتيرية‪،‬‬ ‫ومن الپوليس������تيرات الصنعي������ة‪ .‬ولهذه املواد‬ ‫فوائد إضافية بإدماج مواد طبيعية أو كيميائية‬ ‫منبهة للمناعة ميكنها إطالق إشارات مرغوب‬ ‫فيها للخاليا املناعية‪.‬‬ ‫وم������ع فك ش������فرة لغ������ة اخلالي������ا املناعية‪،‬‬ ‫أدرك العلم������اء أن اإلطالق الباكر لإلش������ارات‬ ‫من اخلاليا املتغصنة إلرس������ال إن������ذار‪ ،‬يوجه‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫أيضا طبيعة االس������تجابة اعتم������ادا على طبيعة‬ ‫ص ِّمم‬ ‫التهديد املوجود‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإن بإمكان ُم َ‬ ‫للقاحات أن يصمم من الناحية النظرية توليفات‬ ‫من املس������اعدات تس������تدعي حصول استجابة‬ ‫مناعي������ة تؤكد على إنت������اج األض������داد أو تثير‬ ‫بعض املجموعات الفرعية من اخلاليا ‪ T‬بشكل‬ ‫تفصيل������ي‪ .‬وفي احلقيقة‪ ،‬ف������إن جزيئات إطالق‬ ‫اإلشارات ذاتها هي من بني املواد التي تجُ رى‬ ‫عليها التجارب كمساعِ دات‪ .‬وقد استخدم صنف‬ ‫من السيتوكينات لفترة طويلة لتنبيه املناعة في‬ ‫معاجلات الس������رطان واإليدز‪ ،‬وه������ي املعروفة‬ ‫باإلنترليوكينات )‪ ،)1((IL‬إال أن اإلنترليوكينات‬ ‫تنتج بصورة طبيعية اخلالي������ا املتغصنة‪ ،‬ومن‬ ‫هنا فإن مزيج اإلش������ارات املنطلقة من اخلاليا‬ ‫هو الذي يحـدد ماهية االس������تجابـة في اخلاليـا‬ ‫املناعية‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬فإن اإلنترليوكينات‬ ‫‪ IL-4‬و ‪ IL-5‬و‪ IL-6‬حترض إنتاج اخلاليا التائية‬ ‫القاتل������ة أو الفـ ــتاكة‪ ،‬فيما جتـند اإلنترليوكينات‬ ‫‪ IL-2‬و ‪ IL-12‬االستجابة باألضداد‪.‬‬ ‫وميك������ن حتقي������ق تأثير مش������ابه من خالل‬ ‫امل������واد املف َّعلة للمس������تقبالت ‪ .TLRs‬وتتعرف‬ ‫املستقبالت ‪ TLRs‬املنتجات امليكروبية‪ ،‬بل إن‬ ‫إحدى هذه املواد وهي ‪ TLR-4‬تتعرف جزيئات‬ ‫يتم حتررها من اجلس������م لدى التعرض للشدة‬ ‫النفس������ية (ال َكرب)‪ ،‬وهو م������ا يعرف بپروتني‬ ‫الصدمة احلرارية ‪ .Heat-shock protein‬وبعض‬ ‫توليفات املواد املف ِّعلة للمستقبالت ‪ TLRs‬دون‬ ‫أن تكون من املساعدات التي تنتمي إليها‪ ،‬مثل‬ ‫املس������تحلبات الزيتية‪ ،‬أظهرت تآزرا قويا على‬ ‫نحو خاص في تفعيل اخلاليا املتغصنة‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫أثبتت فائدتها ف������ي بعض التطبيقات للقاحات‬ ‫التي تشكل حتديات قصوى‪.‬‬ ‫وم������ن بني ه������ذه التطبيق������ات ذات التحديات‬ ‫القصوى الس������رطان‪ ،‬باعتباره هدفا غير معتاد‬ ‫للقاحات‪ ،‬نظرا ألن الس������رطان ليس عامال غزويا‬ ‫أجنبيا‪ ،‬بل إن خالياه تنش������أ من جسد الضحية‬ ‫نفسه املصابة به‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فإن النظام املناعي‬ ‫( ) ‪New Generation of Adjuvants‬‬ ‫(‪interleukins )1‬‬


‫وإن كان يبدي بعض االستجابة للخاليا الورمية‪،‬‬ ‫ولكنه نادرا ما يواجه السرطان مواجهة قاضية‪.‬‬ ‫وقد القت مح������اوالت تكوين لقاحات عالجية تنبه‬ ‫تفاعالت مناعي������ة جتاه اخلالي������ا الورمية نتائج‬ ‫مخيبة لآلم������ال؛ إال أن التوليف������ة الصحيحة من‬ ‫املس������اعدات قد تنجح في إحداث الفرق‪ .‬لقد مَ ّت‬ ‫إنتاج مجموعة من اللقاحات التجريبية املضادة‬ ‫للس������رطان والت������ي تس������تخدم توليف������ات مختلفة‬ ‫للمساعدات وقد أعطت نتائج مشجعة‪.‬‬ ‫وم������ن هذه اللقاحات‪ ،‬لق������اح متوافر حاليا‬ ‫في املرحلة األخيرة من التجارب الس������ريرية‪،‬‬ ‫ويضم أح���د املس���تضدات يدعى )‪(Mage-A3‬‬ ‫الفائ������ق النوعي������ة لبع������ض اخلالي������ا الورمية‬ ‫الت������ي فيه������ا املس���تقبالت ‪ ،AS15‬ومزيج من‬ ‫املساعدات تتألف من نواقل جسيمات شحمية‬ ‫ثابتة و‪ MPL‬و‪ QS-21‬إلى جانب مكون بكتيري‬ ‫املنش���أ يدع������ى ‪ .CpG‬وف������ي التج������ارب على‬ ‫مرضى مصابني بس������رطان الرئة ذي اخلاليا‬ ‫غير الصغيرة‪ ،‬اتضح أنه تش������كل لدى ‪ 96‬في‬ ‫املئ������ة ممن يتلقى منهم اللقاح اس������تجابة قوية‬ ‫للمستضد ‪ ،Mage-A3‬إلى جانب مؤشرات إلى‬ ‫إطالق إشارات لإلنترليوكني املرغوب فيه‪ .‬وقد‬ ‫متتع ما يقرب من ثلث عدد املرضى باستقرار‬ ‫أو بتراج������ع األورام املصابني به������ا‪ .‬ويتم في‬ ‫الوق������ت احلاضر إجراء دراس������ة الس������تخدام‬ ‫املك������ ّون ‪ ،CpG‬إلى جان������ب املعاجلة الكيميائية‬ ‫واملعاجلة الشعاعية ملعاجلة أمناط متعددة من‬ ‫الس������رطان‪ .‬ويعد املك������ ّون ‪ CpG‬من احملفزات‬ ‫البكتيري ـ������ة املتمي������زة التي ميكن للمس������تقبلـة‬ ‫‪ TLR-9‬تعرفه������ا‪ ،‬وأن تف ِّع������ل اخللية املتغصنة‬ ‫للحصول على تنشيط الستجابة قوية للخاليا ‪.T‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬فإن اس������تخدامه على أنه مس������اعدة‬ ‫يحاكي املعاجلات البكتيرية التي اس������تخدمها‬ ‫>كولي< ملرضى الس������رطان من������ذ فترة بعيدة‪.‬‬ ‫ومتاش������يا مع ذلك‪ ،‬فإن الشركة التي أسست‬ ‫لتطوير املك������ ّون ‪ CpG‬باعتباره ُمس������اعِ دة‪ ،‬قد‬ ‫سميت شركة كولي الصيدالنية‪.‬‬ ‫إن مختلف نظم املساعِ دات التي وصفناها‬

‫تدف������ع بحدود الوقاية م������ن املرض من خالل‬ ‫التلقيح وجلب اآلمال الكبيرة إلى مجاالت لم‬ ‫يتم فيها تلبية االحتياجات الطبية‪ .‬فقد أظهرت‬ ‫التجارب السريرية الباكرة على املك ّون ‪CpG‬‬ ‫الذي أضيف إلى مستضد الرگيد ‪ragweed‬‬ ‫أن هناك أم ً‬ ‫ال باحلص������ول على لقاح مضاد‬ ‫حلم���ى الق���ش(‪ .)1‬وق������درة املس������اعِ دات على‬ ‫حتري������ض الدفع������ات املناعية الت������ي تتعرف‬ ‫ال������ذراري ذات الصلة م������ن اإلنفلونزا‪ ،‬تقدم‬ ‫إمكانية تكوي������ن لقاحات ذات طيف أوس������ع‬ ‫توف������ر احلماية م������ن اإلنفلون������زا‪ .‬وألول مرة‪،‬‬ ‫صار مبقدور الناس املصابني بالعوز املناعي‬ ‫بس������بب مرض أو معاجلة كيميائية‪ ،‬الوصول‬ ‫إلى اللقاحات التي ميكنها حتريض احلماية‬ ‫املناعي������ة‪ .‬ورمبا ال تقدم املس������اعِ دات جميع‬ ‫األجوب������ة جلميع أوجه القص������ور في خزائن‬ ‫اللقاحات املعاصرة‪ ،‬إال أنها س������تقدم وبكل‬ ‫تأكيد جزءا من احلل‪.‬‬ ‫إن التعام������ل م������ع النظ������ام املناع������ي عمل‬ ‫حس������اس‪ ،‬وبالطب������ع ف������إن التقييم احلاس������م‬ ‫املس������تمر ألمان اللقاحات والشفافية في نشر‬ ‫املعلومات الدقيقة ح������ول اللقاحات من اجليل‬ ‫الثان������ي واملس������اعدات من اجلي������ل الثاني أمر‬ ‫ضروري‪ .‬وس������يوجه الفه������م التفصيلي لنمط‬ ‫عمل املس������اعدات املدمجة ضم������ن اللقاحات‬ ‫اجلديدة عملية تطويرها ويوجه اس������تخدامها‬ ‫ومراقبتها‪ .‬ومما يش������جع عل������ى ذلك أن أكثر‬ ‫اللقاحات الوقائية املتطورة ذات املساعدات لم‬ ‫تبد أي عالمات ملش������كالت تبعث القلق‪ ،‬إال أن‬ ‫على القائمني على تطويرها أن يبقوا يقظني‪.‬‬ ‫ومع تواصل التقدم احملرز في هذا املجال‪،‬‬ ‫س������تقوم هذه اللقاحات بخدم������ة مجموعات‬ ‫س������كانية فرعي������ة محددة وبع������ض األمراض‬ ‫املس������تهدفة بطريق������ة عقالنية ق������د تؤدي إلى‬ ‫احلصول على احلماية املناعية املثلى‪ ،‬وذلك‬ ‫مبراع������اة التوازن ما بني األم������ان والف ّعالية‪.‬‬ ‫هذا هو تطور اللقاحات في املس������تقبل‪ ،‬وهذا‬ ‫>‬ ‫املستقبل بات قريبا جدا‪.‬‬ ‫(‪hay fever )1‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, October 2009‬‬

‫‪41‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫حرب نووي ٌة إقليمية‪ ،‬واملعاناة عاملية‬ ‫ٌ‬

‫(٭)‬

‫لقد تركز القلق على عالقة الواليات املتحدة األمريكية بروسيا‬ ‫حول خطر نشوب حرب نووية‪ ،‬بيد أن هذا اخلطر ال يزال قائما‪،‬‬ ‫إذ ميكن أن يؤدي الصراع ما بني الهند وپاكستان إلى حرب نووية‬ ‫إقليمية حتجب أشعة الشمس‪ ،‬جُ‬ ‫وت ِّوع الكثي َر من البشر‪.‬‬ ‫>‪ .A‬روبوك< ‪-‬‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫ميكن أن يؤدي إسقاط قنابل نووية‬ ‫على املدن واملناطق الصناعية‬ ‫في حال نشوب حرب بني الهند‬ ‫وپاكستان إلى اندالع عواصف نارية‬ ‫وحرائق ضخمة‪ ،‬وهذه بدورها‬ ‫ستؤدي إلى إطالق كميات هائلة من‬ ‫الدخان إلى طبقات اجلو العليا‪.‬‬

‫>‬

‫وبالنسبة إلى جزيئات الدخان‬ ‫(املتخلفة عن احلرائق السابقة)‪،‬‬ ‫فيتوقع أن تظل عالقة في الغالف‬ ‫اجلوي لسنوات طويلة‪ ،‬حاجبة‬ ‫بذلك الشمس‪ ،‬وبقدر ينتظر أن‬ ‫يصبح معه سطح األرض باردا‬ ‫ومظلما وجافا‪ .‬وقد يتبع هذا‬ ‫انهيار اإلنتاج الزراعي العاملي‬ ‫وحدوث مجاعة جماعية على‬ ‫مستوى العالم‪ ،‬وهذا يعني أن‬ ‫التبريد العاملي قد ينتج من أحد‬ ‫احلروب اإلقليمية‪ ،‬وليس فقط‬ ‫بسبب الصراع بني الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية وروسيا‪.‬‬

‫>‬

‫لقد مَ َّ‬ ‫ت استنباط سيناريوهات‬ ‫التبريد استنادا إلى نتائج‬ ‫النماذج احلاسوبية‪ .‬بيد أن‬ ‫املالحظات التي مت استقاؤها من‬ ‫مشاهدات االنفجارات البركانية‪،‬‬ ‫وتأثيرات الدخان املتولد من‬ ‫حرائق الغابات وبعض الظواهر‬ ‫األخرى‪ ،‬جتعلنا على ثقة بصحة‬ ‫هذه النماذج‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪42‬‬

‫>‪.B .O‬‬

‫توون<‬

‫قبل خمس� � ��ة وعشرين عاما‪ ،‬نَّبي أكثر من‬ ‫فريق دولي من العلماء أن اندالع حرب نووية‬ ‫ما بني الواليات املتح� � ��دة األمريكية واالحتاد‬ ‫السوڤييتي ميكن أن يؤدي إلى حدوث «شتاء‬ ‫ن���ووي» ‪ .nuclear winter‬ذل� � ��ك أن الدخ� � ��ان‬ ‫الناجت من احلرائق الهائلة الناجمة عن إسقاط‬ ‫القنابل النووية على املدن واملناطق الصناعية‬ ‫ميكن أن يغلف كوكبن� � ��ا بالكامل‪ ،‬مما يؤدي‬ ‫إلى امتصاص الكثير من أشعة الشمس‪ ،‬ومن‬ ‫ثم جعل س� � ��طح الكرة األرضية باردا ومظلما‬ ‫وجافا‪ ،‬وهذا بدوره سيؤدي إلى هالك احلياة‬ ‫النباتي� � ��ة في العالم والقض� � ��اء على إمداداتنا‬ ‫الغذائية‪ .‬وفي هذا الس� � ��ياق نفسه سيتوالى‬ ‫انخفاض درجة احلرارة على سطح األرض‪،‬‬ ‫وذلك إلى احلد الذي س� � ��تصبح قيمها صيفا‬ ‫مماثلة ملا هي عليه ش� � ��تا ًء‪ .‬وقد أجبر النقاش‬ ‫الدول� � ��ي الدائ� � ��ر حول هذه التكهن� � ��ات‪ ،‬الذي‬ ‫غذاه بقوة عالم الفلك الش� � ��هير >‪ .C‬ساگان<‪،‬‬ ‫زعيمي القوتني العظميني على مواجهة حقيقة‬ ‫أن س� � ��باق التسلح ال يهددهما وحدهما فقط‪،‬‬ ‫وإمنا يهدد أيضا اجلنس البشري ك ّله‪ .‬ومن‬ ‫هنا‪ ،‬أخذت جميع األقطار‪ ،‬صغيرها وكبيرها‪،‬‬ ‫باملطالبة بنبذ التسلح النووي‪.‬‬ ‫لقد أصبح هاجس الش� � ��تاء النووي عامال‬ ‫مهم� � ��ا في احملاوالت الرامية إلى إنهاء س� � ��باق‬ ‫التس� � ��لح الن� � ��ووي‪ .‬ويب� � ��دو ه� � ��ذا واضحا من‬ ‫املالحظة التي أبداها رئيس االحتاد السوڤييتي‬ ‫السابق >ميخائيل گورباتشوڤ< في عام ‪،2000‬‬

‫وقول� � ��ه آنذاك «لقد َب َّي َن� � � ْ�ت النماذج التي قام بها‬ ‫العلماء الروس واألمريكي� � ��ون أن اندالع حرب‬ ‫نووية س� � ��يؤدي إلى حدوث ش� � ��تاء نووي‪ ،‬وهذا‬ ‫بدوره س� � ��يكون مدمرا للغاية جلميع أش� � ��كال‬ ‫احلياة على األرض‪ ،‬وقد شكلت معرفتنا بهول‬ ‫ذل� � ��ك حافزا كبيرا لنا‪ ،‬ولبقية الش� � ��رفاء وذوي‬ ‫األخالق‪ ،‬التخاذ التصرف الالزم‪».‬‬ ‫ولكن ملاذا ُيطرح هذا املوضوع للنقاش اآلن‬ ‫وقد وضع� � ��ت احلرب الب� � ��اردة أوزارها؟ تكمن‬ ‫اإلجابة في أنه كلما زاد س� � ��عي الدول األخرى‬ ‫إلى امتالك أس� � ��لحة نووية‪ ،‬زادت احتماالت أن‬ ‫تؤدي احل� � ��روب النووية اإلقليمي� � ��ة والصغيرة‬ ‫املتوقع اندالعها إلى حدوث كارثة عاملية مماثلة‬ ‫حلالة الش� � ��تاء النووي‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬فقد‬ ‫أوضحت بعض التحليالت احلديثة أنه في حالة‬ ‫نشوب صراع مسلح بني الهند وپاكستان‪ ،‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬وإس� � ��قاط ‪ 100‬قنبلة نووية خالله‬ ‫على املدن واملناطق الصناعية ‪ -‬وهو ما يعادل ‪0.4‬‬ ‫في املئة فقط من حجم ترس� � ��انة األسلحة النووية‬ ‫املق� � ��درة بأكثر م� � ��ن ‪ 25 000‬رأس حربي (نووي)‬ ‫على مس� � ��توى العالم ‪ -‬فإن كمية األدخنة الناجتة‬ ‫سوف تكون كافية لش� � ��ل وتعطيل قطاع الزراعة‬ ‫العامل� � ��ي‪ .‬كما يتوقع أن ت َُخ ِّل َف ‪ -‬كذلك ‪ -‬احلرب‬ ‫النووية اإلقليمية خس� � ��ائر هائل� � ��ة في األرواح‪،‬‬ ‫ليس فقط ف� � ��ي موقع الصراع‪ ،‬ب� � ��ل أيضا في‬ ‫األماكن واألقطار األخرى البعيدة عنه‪.‬‬ ‫( ) ‪LOCAL NUCLEAR WAR, GLOBAL SUFFERING‬‬


‫حرب إقليمية تهدد العالم?‬

‫( )‬

‫لق� � ��د متكن كالن� � ��ا (>‪ .A‬روبوك و‬ ‫توون<) إضافة إلى بعض الزمالء اآلخرين‬ ‫من فري� � ��ق العمل ومن واقع اس� � ��تغالل‬ ‫إمكانات احلواسيب احلديثة والنماذج‬ ‫(اإلحصائي� � ��ة) اخلاص� � ��ة باملن� � ��اخ من‬ ‫إيضاح أن األفكار التي كانت س� � ��ائدة‬ ‫في ثمانينات القرن املاضي (بخصوص‬ ‫الشتاء النووي) ليست صحيحة فحسب‪،‬‬ ‫بل وميك� � ��ن أن متت� � ��د تأثيراتها إلى ‪10‬‬ ‫س� � ��نوات تالية على األق� � ��ل‪ ،‬وهي أطول‬ ‫بكثير مما كان يعتق� � ��د من قبل‪ .‬وبعمل‬ ‫حسابات تقييم اآلثار الناجمة على مدى‬ ‫عقود زمنية كثيرة‪ ،‬وهو ما صار متاحا‬ ‫اآلن فق� � ��ط بفض� � ��ل وجود احلواس� � ��يب‬ ‫املتقدم� � ��ة والس� � ��ريعة؛ وبتضم� �ي��ن هذه‬ ‫احلس� � ��ابات وضعي � � � َة احمليطات وكامل‬ ‫أجزاء الغ� �ل��اف اجلوي ‪ -‬وه� � ��و ما لم‬ ‫يك� � ��ن أيض� � ��ا ممكنا من قب� � ��ل ‪ -‬وجدنا‬ ‫أن الدخان املتخل� � ��ف عن أحد احلروب‬ ‫النووية اإلقليمية ستزداد درجة حرارته‬ ‫بفعل الشمس‪ ،‬ومن ثم سيتصاعد إلى‬ ‫طبقات اجل� � ��و العليا ليبق� � ��ى معلقا بها‬ ‫لسنوات طويلة‪ ،‬مس� � ��تمرا بهذا الشكل‬ ‫في حجب أش� � ��عة الش� � ��مس وانخفاض‬ ‫شديد للحرارة على سطح األرض‪.‬‬ ‫ولع� � ��ل الن� � ��زاع القائ� � ��م ب� �ي��ن الهند‬ ‫وپاكس� � ��تان‪ ،‬اللتني متتل� � ��كان معا أكثر‬ ‫م� � ��ن ‪ 100‬رأس ن� � ��ووي‪ ،‬ميثل في الوقت‬ ‫الراه� � ��ن أكثر ه� � ��ذه النزاع� � ��ات القابلة‬ ‫للتح� � ��ول إلى ص� � ��راع ن� � ��ووي إقليمي‪.‬‬ ‫بي� � ��د أن هناك دوال أخ� � ��رى إضاف ًة إلى‬ ‫الوالي� � ��ات املتحدة األمريكية وروس� � ��يا‬ ‫(اللتني متتلكان آالف الرؤوس النووية)‬ ‫ينبغ� � ��ي أخذها باحلس� � ��بان أيضا‪ :‬فكل‬ ‫م� � ��ن الصني وفرنس� � ��ا وبريطانيا متتلك‬ ‫مئات من هذه الرؤوس‪ ،‬في حني متتلك‬ ‫إس� � ��رائيل وحدها أكثر من ‪ 80‬رأس� � ��ا‪،‬‬ ‫ومتتلك كوريا الشمالية ‪ 10‬رؤوس‪ ،‬هذا‬ ‫إضافة إلى إيران التي ال يس� � ��تبعد أن‬ ‫تكون في طريقها المتالك رؤوس نووية‪.‬‬ ‫< >‪.B .O‬‬

‫ولق� � ��د حث هذا الوضع ف� � ��ي عام‬ ‫أحدنــا (>توون<)‪ ،‬وانض� � ��م إليه الحقـا‬ ‫>‪ .R‬تورك� � ��و< [من جامعة كاليفورنيا في‬ ‫لوس أجنلوس] وكليهما من ذوي اخلبرة‬ ‫باألبحاث الت� � ��ي أجريت خالل ثمانينات‬ ‫الق� � ��رن املاضي في ه� � ��ذا املجال‪ ،‬على‬ ‫البدء بتقييم ما س� � ��تكون عليه التأثيرات‬ ‫البيئية العاملية إذا ما اندلعت حرب نووية‬ ‫إقليمي� � ��ة‪ ،‬متخذين في ذلك الصراع بني‬ ‫الهند وپاكستان كحالة دراسية‪.‬‬ ‫وتوضح أح� � ��دث التقدي� � ��رات املقدمة‬ ‫بواس� � ��طة >‪ .D‬ألبريت< [م� � ��ن معهد العلوم‬ ‫واألمن الدولي] واملقدمة كذلك بواسطة‬ ‫>‪ .S .R‬نوريس< [من مجلس حماية املوارد‬ ‫الطبيعي� � ��ة] أن الهن� � ��د متتلك م� � ��ا بني ‪50‬‬ ‫إلى ‪ 60‬س� �ل��احا نوويا (إضافة إلى كمية‬ ‫م� � ��ن الپلوتونيوم تكف� � ��ي لصنع ‪ 100‬رأس‬ ‫إضاف� � ��ي)‪ ،‬ف� � ��ي ح� �ي��ن متتلك پاكس� � ��تان‬ ‫‪ 60‬منه� � ��ا‪ ،‬مع العلم بأن ه� � ��ذا الرقم قابل‬ ‫لالرتفاع بس� � ��بب سعي كلتا الدولتني إلى‬ ‫زيادة حجم ترسانتيهما النوويتني‪ .‬وتشير‬ ‫االختب� � ��ارات التي أجريت على األس� � ��لحة‬ ‫النووية في كل من الهند وپاكستان إلى أن‬ ‫الناجت التفجيري(‪ explosive yield )1‬لهذه‬ ‫األسلحة س� � ��يكون في حدود ‪ 15‬كيلوطن‬ ‫(أي م� � ��ا يكاف� � ��ئ ‪ 15‬ألف طن م� � ��ن املادة‬ ‫‪2004‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪ TNT‬املتفج� � ��رة)‪ ،‬وهو الن� � ��اجت التفجيري‬ ‫نفسه للقنبلة النووية التي ألقتها الواليات‬ ‫املتحدة على مدينة هيروشيما‪.‬‬ ‫وقد قام >توون< و>توركو<‪ ،‬مشاركة‬ ‫مع >‪ .T‬باردي� �ي��ن< [الذي يعمل حاليا في‬ ‫املركز القومي ألبحاث الغالف اجلوي]‪،‬‬ ‫بعمل منذجة ملا قد يحدث في حالة إسقاط‬ ‫‪ 50‬قنبلة من حجم قنبلة هيروش� � ��يما على‬ ‫املناطق واألهداف املدنية األكثر اكتظاظا‬ ‫بالس� � ��كان ف� � ��ي پاكس� � ��تان‪ ،‬و‪ 50‬قنبل� � ��ة‬ ‫أخرى على أهداف مماثلة بالهند‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من قناعة البعض بأن اس� � ��تخدام‬ ‫األس� � ��لحة النووي� � ��ة وقت احلرب س� � ��وف‬ ‫يكون محس� � ��وبا ومعتدال‪ ،‬إال أننا نش� � ��ك‬ ‫في أن حالة الفوضى واخلوف وانقطاع‬ ‫االتصاالت املتوقع حدوثها عشية اندالع‬ ‫النزاع ستسمح للقادة املعنيني باستخدام‬ ‫الهجم� � ��ات واألس� � ��لحة النووي� � ��ة بطريقة‬ ‫عقالنية ورش� � ��يدة‪ .‬ويبدو هذا االحتمال‬ ‫هو األرج� � ��ح بصفة خاصة لپاكس� � ��تان‪،‬‬ ‫كونه� � ��ا صغيرة املس� � ��احة ومن ثم ميكن‬ ‫اجتياحها بسرعة خالل أي قتال تقليدي‪.‬‬ ‫( ) ‪Regional War Threatens the World‬‬

‫(‪ )1‬الناجت التفجيري ه� � ��و كمية الطاقة املنطلقة من ناجت‬ ‫تفجير قنبلة نووية واحدة‪ ،‬مقيسة عادة بالكتلة املكافئة‬ ‫من املادة ‪ TNT‬سواء بالكيلوطن (‪ 1000‬طن ‪ )TNT‬أو‬ ‫(التحرير)‬ ‫بامليگاطن (مليوم طن ‪.)TNT‬‬ ‫‪43‬‬


‫وقد قام >‪ .R .P‬الڤوي< [من املدرس� � ��ة البحرية‬ ‫للدراس� � ��ات العليا]‪ ,‬على سبيل املثال‪ ,‬بتحليل‬ ‫الس� � ��بل التي ميكن أن يتطور بها الصراع بني‬ ‫الهند وپاكستان‪ ،‬وحاجج في ذلك أن پاكستان‬ ‫قد تضطر إلى اتخاذ قرار س� � ��ريع باستخدام‬ ‫كامل ترس� � ��انتها النووية وذلك استباقا لقيام‬ ‫الهند باجتياح قواعدها العس� � ��كرية بواس� � ��طة‬ ‫قواتها التقليدية‪.‬‬ ‫وبديهي أننا نأمل بأال يكون هناك استهداف‬ ‫نووي ألية أهداف في أي حرب قادمة‪ ،‬لكننا نؤمن‬ ‫بأنه يتعني على الساسة والناخبني على حد سواء‬ ‫تعرف ما هو ممكن حدوثه (في حالة اندالع حرب‬ ‫نووية)‪ .‬وقد وجد >توون< و>توركو< أن أكثر من‬ ‫‪ 20‬مليون نسمة ميكن أن يفنوا بالكامل في كال‬ ‫البلدين (الهند وپاكستان) من آثار االنفجارات‬ ‫واحلرائق واإلشعاعات النووية املتوقعة‪ ،‬وهو ما‬ ‫ميثل مج� � ��زرة مروعة بحق‪ .‬وقد ُصدِ م الباحثان‬ ‫من كمية الدخان الهائل� � ��ة املنتظر تولدها جراء‬ ‫االنفجارات في املدن املكتظة بالس� � ��كان في كال‬ ‫البلدين‪ ،‬حيث قاما بحس� � ��اب هذه الكمية‪ ،‬على‬ ‫أس� � ��اس افتراض أن كل انفجار سيتسبب في‬ ‫َح ْر ِق القدر نفس� � ��ه من املس� � ��احة التي احترقت‬ ‫في هيروش� � ��يما من قبل‪ ،‬وعلى أس� � ��اس اعتبار‬ ‫أيضا التقديرات الت� � ��ي توصلت إليها أكثر من‬ ‫دراسة سابقة عن كمية املواد القابلة لالشتعال‬

‫( )‬

‫خسائر بشرية‬

‫من املمكن حلرب نووية شاملة بني‬ ‫الهند وپاكستان أن تسفر عن إزهاق‬ ‫أعداد كبيرة من األرواح البشرية‬ ‫ٍ‬ ‫أعداد أكثر في مناطق‬ ‫محليا‪ ،‬ووفاة‬ ‫ٍ‬ ‫أخرى في جميع أنحاء العالم‪.‬‬ ‫‪ 20‬مليون شخص قد يهلكون‬ ‫بسبب اآلثار املباشرة لتفجيرات‬ ‫القنابل واحلرائق التالية واإلشعاع‬ ‫املصاحب‪.‬‬ ‫بليون شخص عبر العالم ممن‬ ‫يعيشون على موارد غذائية محدودة‬ ‫قد يهلكون بسبب املجاعة الناجمة عن‬ ‫انهيار اإلنتاج الزراعي املترتب على‬ ‫هذه احلرب‪.‬‬

‫كثافة الدخان (عمق االمتصاص الضوئي)‬

‫عال‬ ‫ٍ‬ ‫‪1.0‬‬

‫‪0.7‬‬

‫‪0.5‬‬

‫‪0.3‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.07‬‬

‫‪0.05‬‬

‫‪0.03‬‬

‫‪‬‬ ‫أقل من ‪ ٪90‬من أشعة الشمس ميكنه النفاذ (هنا)‬

‫ال شيء‬ ‫‪0.02‬‬

‫‪0.01‬‬

‫( ) ‪Human Toll‬‬

‫ميكن للحرائق الناجمة عن تفجير الهند وپاكستان لنحو ‪ 100‬رأس نووي‪ ،‬أن تؤدي إلى‬ ‫إنتاج ما ال يقل عن ‪ 5‬تيراغرام من الدخان‪ .‬ومن خالل محاكاة أمناط الطقس السائد يوم‬ ‫التخيلي‪ ،‬فقد بني املؤلفان أن دخانا كثيفا سوف يغطي املنطقة خالل خمسة أيام‪ .‬وفي غضون‬ ‫‪5/15‬‬

‫اليوم التاسع واألربعون‬

‫‪44‬‬

‫بالنس� � ��بة إلى كل فرد‪ .‬وتوضح احلسابات التي‬ ‫توصل إليها الباحثان أن إسقاط اخلمسني قنبلة‬ ‫السابقة على پاكس� � ��تان سيخلف ما ال يقل عن‬ ‫ثالثة تيراغرامات من الدخان‪ ،‬قياسا إلى أربعة‬ ‫تيراغرامات في حالة إس� � ��قاط العدد نفسه على‬ ‫الهند (التيراغرام يعادل مليون طن متري)‪.‬‬ ‫�� الرص� � ��د الفضائ� � ��ي حلرائق‬ ‫كم� � ��ا َب� �َّي نَّ‬ ‫الغابات الفعلية أن الدخان ميكن أن يتصاعد‬ ‫إلى أعل� � ��ى وصوال إلى طبقة التروپوس� � ��فير‬ ‫(الطبقة الس� � ��فلى للغالف اجلوي)‪ ،‬وأحيانا‬ ‫إلى اجلزء الس� � ��فلي من طبقة الستراتوسفير‬ ‫(الطبقة التي تلي التروپوسفير‪ ،‬ومتتد لنحو‬ ‫‪ 30‬ميال)‪ .‬كما ق� � ��ام >توون< و>توركو< بعمل‬ ‫حس� � ��ابات أخرى إضافية للتأثيرات املناخية‬ ‫املمكن حدوثه� � ��ا عند بلوغ ذلك الدخان طبقة‬ ‫الستراتوس� � ��فير‪ ،‬بيد أن ضخامة حجم هذه‬ ‫التأثي� � ��رات قد كش� � ��فت ع� � ��ن حاجتهما إلى‬ ‫مساعدة أحد املتخصصني بنمذجة املناخ‪.‬‬ ‫ومن حس� � ��ن احلظ‪ ،‬فقد اتضح أن أحدنا‬ ‫(>روبوك<) كــان قـــــد عمل في الس � � �ـــابق مـع‬ ‫>‪ .L‬أومان< الذي يعمل حاليا في مركز گو ّدارد‬ ‫لرحالت الفضاء التابع لوكالة ناسا واحلاصل‬ ‫عل� � ��ى الدكت� � ��وراه ف� � ��ي التأثي� � ��رات املناخي� � ��ة‬ ‫لالنفجارات البركانية من جامعة روتگرز‪ .‬كما‬

‫اليوم التاسع‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬


‫[التهديد النووي]‬

‫الهند في مواجهة پاكستان‬

‫( )‬

‫ميكن أن ي���ؤدي وابل من الهجمات النووية املتبادلة بني الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية وروسيا إلى غمس األرض في شتاء نووي كامل‪،‬‬ ‫بي���د أن الصراع���ات اإلقليمية ميكن أن تؤدي إلى النتيجة نفس���ها‬ ‫أيض���ا‪ .‬فالهن���د وپاكس���تان‪ ،‬اللت���ان هم���ا دائما على‬ ‫خالف‪ ،‬ميتلك كل منها أكثر من ‪ 50‬رأسا نوويا‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬فإنه ميكن في حالة إسقاط جميع هذه‬ ‫الذخائر على املدن واملناطق الصناعية‬ ‫في كلتا الدولتني‪ ،‬أن يتسبب الدخان‬ ‫الن���اجت في إعاقة النش���اط الزراعي‬ ‫پاكستان‬ ‫عل���ى مس���توى العالم ملدة عش���رة‬ ‫أعوام كاملة‪ .‬وفي هذا يش���ار إلى‬ ‫الهند‬ ‫ق���درة الصواريخ الباليس���تية في‬ ‫‪80‬‬ ‫‪0‬‬ ‫كلت���ا الدولتني‪ ،‬على الوصول إلى‬ ‫غالبي���ة أراضي البل���د اآلخر‪ ،‬ذلك‬ ‫‪1.5‬‬ ‫وإن لم يكن كلها‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫املدى الصاروخي التقريبي‬ ‫(مقيسا باألميال)‬ ‫املدى الفعلي‬ ‫املدى قيد التطوير‬

‫‪0‬‬

‫هناك‪ ،‬على املستوى‬ ‫العاملي تسعة بلدان‬ ‫متتلك أسلح ًة نووية‪.‬‬ ‫وبإمكان أي من هذه‬ ‫البلدان ‪ -‬باستثناء‬ ‫كوريا الشمالية‬ ‫وإيران ‪ -‬في حالة‬ ‫استخدامها جلميع‬ ‫ترسانتها النووية‪،‬‬ ‫أن ُتعَ ِّرض املدنية‬ ‫بأكملها للخطر‪.‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪1.55‬‬

‫‪1.85‬‬

‫عم� � ��ل‪ ،‬كذلك‪ ،‬مع >‪ .L .G‬ستينتش� � ��كوڤ< [من‬ ‫جامعة روتگرز أيضا] مؤلف أول عمل روسي‬ ‫عن الش� � ��تاء النووي‪ .‬و قد اشترك كالهما في‬ ‫تطوي� � ��ر من� � ��وذج مناخي‪ ،‬ميكن بس� � ��هولة إلى‬ ‫حد ما‪ ،‬اس� � ��تخدامه وتطبيق� � ��ه في تعرف آثار‬ ‫االنفجارات النووية واحلسابات املتعلقة بها‪.‬‬ ‫وباتب� � ��اع نه� � ��ج حتفظ� � ��ي ومعت� � ��دل‪ ،‬قام‬ ‫>روبوك< وفريق العمل بتطبيق منوذج املناخ‬ ‫هذا على أساس تصاعد خمسة تيراغرامات‬

‫الـبـلـد‬

‫املصدر‪ :‬مجلس حماية‬ ‫املوارد الطبيعية‬

‫من الدخان فقط إلى اجلزء العلوي من طبقة‬ ‫التروپوس� � ��فير فوق كل من الهند وپاكستان‪،‬‬ ‫وذلك حال اندالع حرب نووية في توقيت تخيلي‬ ‫هو «يوم ‪ .»5/15‬وبناء على هذا‪ ،‬قام النموذج‬ ‫مبحاكاة كيفية حترك وتوجيه الرياح السائدة‬ ‫لألدخنة املتصاعدة إل� � ��ى أماكن أخرى عبر‬ ‫أرجاء العالم‪ ،‬وكذلك مح� � ��اكاة الكيفية التي‬ ‫ستترس� � ��ب بها جزيئات الدخان من الغالف‬ ‫اجل� � ��وي‪ .‬وتبعا ملخرجات هذا النموذج‪ ،‬فقد‬

‫عدد الرؤوس النووية‬ ‫روسيا‬

‫‪15,000‬‬

‫الواليات املتحدة‬

‫‪9,900‬‬

‫فرنسا‬

‫‪350‬‬

‫الصني‬

‫‪200‬‬

‫بريطانيا‬

‫‪200‬‬

‫إسرائيل‬

‫‪80‬‬

‫پاكستان‬

‫‪60‬‬

‫الهند‬

‫‪50‬‬

‫كوريا الشمالية‬

‫>‪10‬‬

‫إيران‬

‫قيد التطوير؟‬

‫قد تلجأ پاكستان‬ ‫إلى استخدام‬ ‫ترسانتها النووية‬ ‫مستبق ًة قيام الهند‬ ‫باجتياح قواعدها‬ ‫العسكرية‪.‬‬ ‫[التغير املناخي]‬

‫الدخان يغلف األرض‪ ،‬حاجبا الشمس‬

‫( )‬

‫ستقوم النيران املشتعلة من أثر تفجيرات القنابل‬ ‫بتصعيد أدخنتها إلى أعلى خالل الغالف اجلوي‬ ‫لتصل إلى طبقة التروپوسفير في غضون يومني‪.‬‬ ‫عندئذ‪ ،‬س���تقوم الش���مس بتس���خني اجلسيمات‬ ‫فير‬ ‫الدقيق���ة لألدخن���ة املتصاع���دة‪ ،‬مس���ببة بذل���ك‬ ‫وس‬ ‫مترا‬ ‫يرم‬ ‫يلو‬ ‫الث‬ ‫تصعيدها إلى طبقة الستراتوسفير‪ .‬وفي ظل‬ ‫‪8‬ك‬ ‫‪5‬‬ ‫هذه الظروف‪ ،‬لن يكون ممكنا هطل األمطار‪،‬‬ ‫ول���ذا‪ ،‬س���يتعني عل���ى ه���ذه اجلس���يمات‬ ‫فير‬ ‫وس‬ ‫مترا‬ ‫مليز‬ ‫االنتظار قرابة عش���ر س���نوات كي ميكنها‬ ‫ا‬ ‫يلو‬ ‫ك‬ ‫الترس���ب واالس���تقرار كليا على س���طح‬ ‫‪50‬‬ ‫فير‬ ‫األرض‪ .‬أم���ا الدخ���ان املوج���ود ف���ي‬ ‫وس‬ ‫ترات‬ ‫طبقة التروپوس���فير‪ ،‬فإنه سيتالشى‬ ‫الس‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ومت‬ ‫ويختف���ي متاما من ه���ذه الطبقة في‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫‪ 12‬ك فير‬ ‫غضون أسبوع أو نحو ذلك‪.‬‬ ‫وس‬ ‫روب‬ ‫الت‬

‫تسعة أيام سيمتد السخام ‪ soot‬الناجت حول بقية أرجاء العالم‪ .‬وبعد مرور ‪ 49‬يوما‬ ‫فإنه سيكون مبقدور جسيمات الدخان تغليف املعمورة بالكامل‪ ،‬حاجبة من أشعة‬ ‫الشمس ما يكفي جلعل السماء تبدو في جميع األماكن ملبدة على الدوام‪.‬‬

‫يوم‬ ‫ال اني‬ ‫الث‬

‫الي‬ ‫و التا وم‬ ‫ا‬ ‫ألرب سع‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ن‬

‫اليوم اخلامس‬ ‫( ) ‪INDIA VS. PAKISTAN‬‬ ‫( ) ‪SMOKE CLOAKS THE EARTH, BLOCKING THE SUN‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪45‬‬


‫ما الذي يدعونا‬ ‫( )‬ ‫إلى تصديقها‬ ‫يعتقد بعض الناس أن نظرية الشتاء‬ ‫النووي التي ظهرت في ثمانينات القرن‬ ‫املنصرم‪ ،‬قد باتت بال مصداقية‪ .‬ومن‬ ‫َث ّم‪ ،‬قد يستغرب هؤالء تأكيدنا من جديد‬ ‫على إمكانية أن تؤدي حرب نووية‬ ‫إقليمية ‪ -‬وإحداهما متوقعة بني الهند‬ ‫وپاكستان‪ -‬إلى تدمير اإلنتاج الزراعي‬ ‫في مختلف أرجاء العالم‪ .‬ولكن نظرية‬ ‫الشتاء النووي األصلية قد مت التحقق‬ ‫منها بدقة على أي حال‪ .‬كما أن‬ ‫األساس العلمي اخلاص بهذه النظرية‬ ‫قد مت تدعيمه بواسطة االستقصاءات‬ ‫التي أجرتها األكادميية القومية للعلوم‪،‬‬ ‫والدراسات التي قامت بتمويلها وزارة‬ ‫الدفاع األمريكية وكذلك املجلس العاملي‬ ‫لالحتادات العلمية‪ ،‬الذي يضم ممثلي‬ ‫‪ 74‬أكادميية علمية وطنية ومؤسسات‬ ‫علمية أخرى‪.‬‬ ‫لقد نُشرت أبحاثنا احلالية في‬ ‫مجالت علمية محكمة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يبدو‬ ‫أننا الوحيدون املتابعون لألبحاث حول‬ ‫األخطار البيئية للتبادالت النووية‪ .‬وإننا‬ ‫ندعو آخرين لتقييم وإعادة احلسابات‬ ‫لنتائج استعار حرب بني قوى عظمى‬ ‫ولنتائج حروب نووية إقليمية‪.‬‬

‫خي� � ��م الدخان املتصاعد عل� � ��ى جميع قارات‬ ‫العالم خالل أسبوعني فقط‪ .‬كما قامت األدخنة‬ ‫الس� � ��وداء والس� � ��خام املتصاعد بامتصاص‬ ‫أشعة الشمس‪ ،‬مما أدى إلى تسخينها ومن‬ ‫ثم ارتفاعها إلى طبقة الستراتوس� � ��فير‪ .‬وفي‬ ‫ظل ه� � ��ذه الظروف‪ ،‬ال يتوقع أن يس� � ��قط أي‬ ‫مطر‪ ،‬وه� � ��ذا بدوره يعني إلغ� � ��اء الدور الذي‬ ‫تؤديه تس� � ��اقطات األمطار ف� � ��ي تنظيف اجلو‬ ‫وتطهيره من السخام واألدخنة العالقة به‪ ،‬إذ‬ ‫س� � ��يتعني على جزيئات الدخان التساقط ببط‬ ‫شديد‪ ،‬في ظل مقاومة الهواء لسقوطها‪ .‬علما‬ ‫بأن حجم حبيبات الس���خام ‪soot particles‬‬ ‫صغير للغاية‪ ،‬ومتوس� � ��ط قطرها ال يزيد على‬ ‫‪ 0.1‬ميكرون )‪ (µm‬فقط‪ ،‬لذا فإن تساقطها إلى‬ ‫األس� � ��فل عادة ما يكون بطيئا جدا‪ .‬وإضافة‬ ‫إلى هذا‪ ،‬فإن تسخني الشمس لهذه احلبيبات‬ ‫يوميا‪ ،‬سيؤدي إلى ارتفاعها إلى أعلى أثناء‬ ‫النهار‪ ،‬وه� � ��ذا بدوره س� � ��يمثل عامال معيقا‬ ‫ومكررا إلزالتها من اجل� � ��و‪ .‬وقد بينت نتائج‬ ‫النمذجة أيضا أن جزيئات الدخان ميكن لها‬ ‫أن تصل إلى ارتفاعات أعلى بكثير في طبقة‬ ‫الستراتوس� � ��فير العليا من تلك التي تستطيع‬ ‫جزيئات الس� � ��لفات (الكبريتات) الناجمة عن‬ ‫االنبعاثات البركانية العرضية بلوغها‪ .‬وهذا‬ ‫يعود إلى كون جزيئات السلفات شفافة مما‬ ‫�در أقل من ضوء‬ ‫يؤدي إلى امتصاصها لق� � � ٍ‬ ‫الش� � ��مس مقارن ًة مبا ميتصه السخام‪ ،‬وهي‬ ‫أيضا أكبر حجما‪ ،‬إذ يبلغ قطرها في العادة‬ ‫‪ 0.5‬ميكرون )‪ ،(µm‬ولهذا متكث اجلس� � ��يمات‬ ‫البركاني� � ��ة في اجلو قراب� � ��ة عامني‪ ،‬في حني‬ ‫ميكن جلزيئات الدخان والسخام الناجت من‬ ‫حرائق القنابل النووية أن تبقى عالقة به طيلة‬ ‫عقد زمني كامل‪.‬‬ ‫صقيع قاتل في الصيف‬

‫( )‬

‫وفضال عما س� � ��بق‪ ،‬فقد كانت االستجابة‬ ‫املناخي� � ��ة لالنبعاث� � ��ات الدخاني� � ��ة مذهل� � ��ة‪ ،‬إذ‬ ‫تقلص ضوء الش� � ��مس بطريقة فورية‪ ،‬مسببا‬ ‫تبري� � ��دا وخفضا كبي� � ��را في درج� � ��ة احلرارة‬ ‫على سطح األرض وبش� � ��كل لم يعهده كوكبنا‬ ‫طوال األلف سنة املاضية‪ .‬وقد استمرت حالة‬ ‫‪46‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫التبريد العاملي هذه والبالغ متوسط انخفاض‬ ‫احلرارة خاللها‪ 1.25 ،‬درجة مئوية (ما يعادل‬ ‫‪ 2.3‬درجة فهرنهايت)‪ ،‬لس� � ��نوات عدة متتالية‪.‬‬ ‫وحتى بعد مرور عشر س� � ��نوات على هذا‪ ،‬لم‬ ‫تعد درجة احلرارة إل� � ��ى معدالتها االعتيادية‪،‬‬ ‫بل بقيت دون ه� � ��ذه املعدالت بنحو ‪ 0.5‬درجة‪.‬‬ ‫وبحسب نتائج النمذجة‪ ،‬فقد انخفضت أيضا‬ ‫معدالت هط� � ��ل األمطار على مس� � ��توى العالم‬ ‫بنحو ‪ .%10‬كما حدث تقلص مماثل في رطوبة‬ ‫التربة وتدفقات األنهار املائية‪ .‬وهذا يعود في‬ ‫األس� � ��اس إلى تقلص معدالت التبخير ومن َث ّم‬ ‫إضعاف الدورة املائية كنتيجة مباشرة حلجب‬ ‫ضوء الش� � ��مس‪ .‬كما تب� �ي��ن أن اجلفاف تركز‬ ‫بشكل واسع في املناطق اجلغرافية السفلى‬ ‫(القريبة من خط االس���تواء) ‪،lower latitudes‬‬ ‫وهو ما ميكن إرجاعه إلى دور التبريد العاملي‬ ‫احلادث في تثبيط عمل منوذج >هادلي< لدورة‬ ‫الري���اح والتي���ارات الهوائي���ة‬

‫‪Hadley air‬‬

‫‪ circulation pattern‬فوق املناطق االس� � ��توائية‪،‬‬ ‫واملسؤول عن هطل نسبة كبيرة من تساقطات‬ ‫األمط� � ��ار العاملي� � ��ة‪ .‬علما بأن نس� � ��ب التقلص‬ ‫في تس� � ��اقطات األمطار ق� � ��د تبلغ ‪ %40‬خاصة‬ ‫ف� � ��ي املناط� � ��ق احلرجة‪ ،‬كما هو ح� � ��ال مناطق‬ ‫املونسون(‪ )1‬اآلسيوية ‪.Asian monsoon‬‬ ‫وعلى الرغم من أن التبريد احلادث قد يبدو‬ ‫ألول وهلة غير مس� � ��ؤول عن كل هذا‪ ،‬إال أن أي‬ ‫تغي� � ��ر به حت� � ��ى ولو كان طفيفا ميك� � ��ن أن يقود‬ ‫إلى نتائج قاس� � ��ية‪ .‬إذ بإم� � ��كان التبريد وحجب‬ ‫ضوء الش� � ��مس على س� � ��بيل املث� � ��ال‪ ،‬أن يؤديا‬ ‫إل� � ��ى تقلص فترة منو احملاصي� � ��ل في املناطق‬ ‫اجلغرافية الوسطى (احملصورة بني املناطق‬ ‫القطبية واملناطق املدارية) ‪ .midlatitudes‬هذا‬

‫وميكن تع ّرف تداعيات التبريد بش� � ��كل أكثر من‬ ‫واقع رصد املش� � ��اهدات التي تعقب االنفجارات‬ ‫البركاني� � ��ة الضخمة‪ ،‬حيث لوحظ أن كل انفجار‬ ‫بركاني من هذه النوعية يؤدي إلى تبريد مؤقت‬ ‫ملدة عام أو عامني‪ .‬ويعد انفجار بركان تامبورا‬ ‫بأندونيس� � ��يا في عام ‪ ،1815‬أكب� � ��ر االنفجارات‬ ‫( ) ‪Why Believe It‬‬ ‫( ) ‪Killing Frosts in Summer‬‬

‫(‪ )1‬مونسون‪ :‬رياح موسمية عادة ما تنشط في الصيف تسبب‬ ‫عواصف قوية وأمطا ًرا غزيرة على منطقة جنوب شرق آسيا‪.‬‬ ‫(التحرير)‬


‫[التداعيات البيئية للغبار النووي]‬

‫انـهـيـار الـزراعـــة‬

‫( )‬

‫إن تغلي���ف األرض بخمس���ة تيراغرام���ات م���ن الدخان ميكن أن يس���بب خفضا ف���ي درجة احلرارة‬ ‫وزيادة في مستويات األشعة فوق البنفسجية‪ ،‬مما يعرض محاصيل العالم الزراعية للخطر‪.‬‬

‫درجة احلرارة‬

‫من املنتظر أن ينخفض متوسط درجة احلرارة السطحية عامليا مبقدار ‪ 1.25‬درجة مئوية‪ ،‬وبعد مرور عشر‬ ‫سنوات يتوقع أن تبقى درجة احلرارة أقل من معدالتها املعتادة بنصف درجة‪ .‬علما بأن هذا االنخفاض سيحفز‬ ‫كذلك على حدوث موجات صقيع أثناء فصل الصيف‪.‬‬

‫من االحترار العاملي إلى التجمد السريع‬

‫التباين في درجة احلرارة (بالدرجة املئوية) تبعا ملتوسط احلرارة خالل الفترة من ‪.1980 -1951‬‬ ‫الصراع النووي‬

‫‪‬‬

‫‪0.6‬‬

‫‪0.3‬‬

‫الفعلي‬

‫‪0‬‬

‫املتوقع‬

‫‪–0.3‬‬

‫‪2000‬‬

‫‪1980‬‬

‫استنفاد األوزون‬

‫من املنتظر أن ميتص الدخان من‬ ‫أشعة الشمس ما يكفي لتسخني‬ ‫طبقة الستراتوسفير بشدة‪ ،‬األمر‬ ‫الذي سيؤدي إلى سحب أكاسيد‬ ‫النتروجني إلى أعلى‪ ،‬وهذا بدوره‬ ‫سيقلل من تركيز األوزون (املوجود‬ ‫في طبقة الستراتوسفير)‪.‬‬ ‫وكنتيجة لذلك‪ ،‬فإن ثقب األوزون‬ ‫الذي عادة ما يحدث سنويا فوق‬ ‫القطب اجلنوبي (الشكل املقابل‬

‫في اليسار‪ ،‬باللون األرجواني‬ ‫واألزرق الغامق) سيعم جميع‬ ‫األرض (الشكل املقابل في اليمني)‪،‬‬

‫مما سيسمح بنفاذ مستويات‬ ‫خطرة من األشعة فوق البنفسجية‬ ‫إلى سطح األرض‪.‬‬

‫‪1960‬‬

‫‪1940‬‬

‫األوزون بعد ‪ 17‬شهرا‬ ‫من اندالع احلرب‬

‫‪1920‬‬

‫‪1880‬‬

‫‪1900‬‬

‫‪–0.6‬‬

‫التوزيع النموذجي لألوزون‬ ‫(الشهر ‪)2008/10‬‬

‫حدود ثقب‬ ‫األوزون‬ ‫(‪ 220‬وحدة‬ ‫دوبسون)‬

‫عال‬ ‫ٍ‬

‫‪400‬‬

‫‪220‬‬ ‫‪‬‬

‫‪80‬‬

‫منخفض‬

‫تركيز األوزون (بوحدات الدوبسون)‬

‫احلادثة خالل اخلمس� � ��مئة عام املاضية‪ ،‬حيث‬ ‫تسبب في حجب ضوء الشمس وإحداث تبريد‬ ‫عامل� � ��ي مبقدار نص� � ��ف درجة مئوي� � ��ة طيلة عام‬ ‫كامل‪ ،‬بحيث اش� � ��تهر ع� � ��ام ‪ 1816‬التالي‪ ،‬بأكثر‬ ‫من اس� � ��م مثل «الس� � ��نة بال صي� � ��ف» أو «ألف‬ ‫وثمامنئ� � ��ة وجتمد حت� � ��ى املوت»‪ .‬وف� � ��ي منطقة‬ ‫نيوإنگلن� � ��د (ف� � ��ي الواليات املتح� � ��دة األمريكية)‬ ‫وعل� � ��ى الرغ� � ��م من انخف� � ��اض متوس� � ��ط درجة‬ ‫احلرارة في الصيف درجات عدة قليلة ال أكثر‪،‬‬ ‫إال أن موجات الصقي� � ��ع املهلكة للمحاصيل قد‬ ‫ُو ِج َدت طوال املوس� � ��م‪ ،‬بحيث لم يكد املزارعون‬ ‫ينتهون من إع� � ��ادة زرع محاصيلهم بعد موجة‬ ‫الصقيع األول� � ��ى‪ ،‬ليفاجؤوا مبوجة صقيع ثانية‬ ‫تعاود عليهم الك� � ��رة وتهلك محاصيلهم مجددا‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬فقد ارتفعت أس� � ��عار احلبوب بشكل‬ ‫جنوني‪ ،‬كما تهاوت أس� � ��عار املواش� � ��ي بشدة‪،‬‬ ‫نتيج� � ��ة اضطرار عدد كبير م� � ��ن املزارعني إلى‬ ‫بيع مواش� � ��يهم‪ ،‬وبسبب عدم قدرتهم على توفير‬ ‫أع� �ل��اف أو أغذي� � ��ة مناس� � ��بة لها‪ .‬كم� � ��ا حدثت‬ ‫هج� � ��رة جماعية من نيوإنگلند إلى منطقة الغرب‬ ‫األوس� � ��ط‪ ،‬نتيجة تواتر أنباء وتقارير عديدة عن‬ ‫تده� � ��ور خصوبة األراضي الزراعية هناك‪ .‬وفي‬ ‫أوروبا‪ ،‬كان الطقس أيضا باردا للغاية ومعتما‬ ‫دائما‪ ،‬وذلك إلى احلد الذي تسبب بانهيار سوق‬ ‫األوراق املالية‪ ،‬وحدوث أكثر من مجاعة واسعة‬ ‫فيه� � ��ا‪ ،‬وبقدر أله� � ��م الفتاة ذات الثامنة عش� � ��رة‬ ‫ربيعا >ماري شي ّلي< إلى كتابة روايتها الشهيرة‬ ‫املعروفة باسم «فرانكينشتني»(‪.Frankenstein )1‬‬ ‫وبالطب� � ��ع‪ ،‬هناك أنواع معينة من س� �ل��االت‬ ‫احملاصيل الزراعية كما هو حال القمح الشتوي‬ ‫‪ ،winter wheat‬ميكنه� � ��ا حتم� � ��ل االنخفاض في‬ ‫درجة احل� � ��رارة‪ ،‬لكن ال ميكنه� � ��ا حتمل غياب‬ ‫ضوء الش� � ��مس‪ ،‬إذ من دونه ال تس� � ��تطيع النمو‬ ‫أو اإلنبات‪ .‬ووفق السيناريو السابق ذكره‪ ،‬فإن‬ ‫بإمكان ضوء النهار أن يخترق س� � ��دمي ضباب‬ ‫( ) ‪Agriculture Collapses‬‬

‫تدمير احملاصيل‬

‫من املنتظر أن يؤدي اضمحالل أشعة الشمس وانخفاض درجة احلرارة وزيادة اجلفاف إلى تقليص مدة الفصول‬ ‫املالئمة للزراعة‪ .‬كذلك‪ ,‬فإن الصقيع احلادث في غير موعده ونفاذ كميات متزايدة من األشعة فوق البنفسجية من خالل‬ ‫طبقة األوزون املتهالكة‪ ،‬سوف يلحق ضررا إضافيا بهذه احملاصيل‪ .‬وبناء على هذا‪ ,‬يتوقع أن ينخفض إجمالي الناجت‬ ‫الزراعي العاملي بشكل حاد وفوري مما تسبب في تعطيل جتارة األغذية‪ .‬الشكل أعاله‪ :‬آثار موجة البرد املفاجئة التي‬ ‫حدثت في عام ‪ 2007‬وتسببت في تدمير ‪ 70‬في املئة من محصول كاليفورنيا من الليمون احلمضي‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫(‪ )1‬رواي� � ��ة تنتم� � ��ي إلى قصص الرع� � ��ب‪ ،‬وتدور ح� � ��ول العالم‬ ‫«فرانكينش� � ��تني» الذي حاول صنع مخلوق خلدمة البشرية‪،‬‬ ‫بيد أن هذا املخلوق حتول إلى وحش قاتل وكابوس مزعج‪.‬‬ ‫وقد تُرجمت هذه الرواية إلى لغات عدة وحتولت إلى أعمال‬ ‫س� � ��ينمائية‪ ،‬وحازت مؤلفتها >ماري ش� � ��يلي< شهرة عاملية‬ ‫بس� � ��بب هذه الرواية‪ ،‬على الرغم من أنها لم تؤلف قصصا‬ ‫أخرى غيرها‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫طبقات من اجلسيمات البركانية‬

‫األحداث احلقيقية مثل الثورات‬ ‫البركانية املتفجرة وحرائق الغابات‬ ‫الضخمة تساعد على التحقق من‬ ‫نتائج احملاكاة (احلاسوبية) التي‬ ‫حتاول التنبؤ بتداعيات احلرب‬ ‫النووية‪ .‬في عام ‪ 1991‬قذف بركان‬ ‫جبل پيناتوبو الرماد أمياال إلى أعلى‬ ‫في الهواء (الشكل في اليمني)‪ ،‬وقد‬ ‫أدى هذا بدوره إلى إحاطة كوكبنا في‬ ‫حينه بطبقات مميزة من اجلسيمات‬ ‫البركانية (الشكل في اليسار)‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫الدخ� � ��ان املتراكم في طبقات اجل� � ��و العليا‪ ،‬إال‬ ‫أن الوضع بالقرب من س� � ��طح األرض سيكون‬ ‫مختلفا متاما‪ ،‬حيث ستبدو جميع األيام مظلمة‬ ‫وملبدة متاما بالغيوم‪ .‬وبالطبع لن يكون مبقدور‬ ‫املهندس� �ي��ن الزراعي� �ي��ن وال املزارع� �ي��ن تطوير‬ ‫البذور املطلوبة أو تعديل األساليب واملمارسات‬ ‫الزراعي� � ��ة مبا يت� �ل��اءم مع الظ� � ��روف اجلديدة‬ ‫واملختلف� � ��ة جذريا عما هو معهود‪ ،‬اللهم إال إذا‬ ‫كان لديهم علم مسبق مبا هو متوقع‪.‬‬ ‫وإضاف� � ��ة إلى التبريد واجلف� � ��اف واإلظالم‬ ‫الناجت‪ ،‬س� � ��يترتب أيض� � ��ا على ذلك اس� � ��تنفاد‬ ‫طبقة األوزون بش� � ��كل واس� � ��ع‪ ،‬وهذا بس� � ��بب‬ ‫ارتفاع درجة احلرارة في طبقة الستراتوسفير‬ ‫بفع� � ��ل الدخ� � ��ان‪ ،‬ذلك أن التفاعالت املس� � ��ؤولة‬ ‫ع� � ��ن عملية إنتاج األوزون وتكس� � ��ره تعتمد في‬ ‫األس� � ��اس على درجة احل� � ��رارة‪ .‬وقد قام >‪.J.M‬‬ ‫ميلز< [من جامعة كولورادو في بولدر بالواليات‬ ‫املتح� � ��دة األمريكية] بتطبيق منوذج آخر للمناخ‬ ‫منفص� � ��ل ومختلف متام� � ��ا عن ذل� � ��ك النموذج‬ ‫الذي اس� � ��تخدمه >روبوك<‪ ،‬إال أنه توصل ‪ -‬مع‬ ‫ذل� � ��ك ‪ -‬إلى نتائ� � ��ج مماثلة لتل� � ��ك التي أظهرها‬ ‫من� � ��وذج >روبوك< بخص� � ��وص تصاعد الدخان‬ ‫إلى األعلى وتغي� � ��رات درجة احلرارة في طبقة‬ ‫الستراتوسفير‪ .‬وقد خلص >ميلز< إلى أنه على‬ ‫الرغم من ضآلة مقدار االنخفاض احلادث في‬ ‫درجة احلرارة على سطح األرض‪ ،‬إال أن طبقة‬ ‫الستراتوس� � ��فير ميكن أن تتعرض للتس� � ��خني‬ ‫بأكثر م� � ��ن ‪ 50‬درجة مئوي� � ��ة نتيجة امتصاص‬ ‫جس� � ��يمات الدخان الس� � ��وداء ألشعة الشمس‪.‬‬ ‫وهذا االحترار سيؤدي بدوره إلى تغيير طبيعة‬ ‫الرياح في طبقة الستراتوسفير‪ ،‬وهو ما سيؤدي‬ ‫بالتبعية إلى حمل أكاس� � ��يد النيتروجني املدمرة‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫لألوزون إلى األجزاء العليا من الستراتوسفير‪.‬‬ ‫كما ستتسبب املستويات املرتفعة لكل من درجة‬ ‫احلرارة وأكاس� � ��يد النتروجني في تقليص كمية‬ ‫األوزون إلى املس� � ��تويات اخلطرة نفسها التي‬ ‫عادة م� � ��ا نصادفها كل ربيع فوق ثقب األوزون‬ ‫في الق� � ��ارة القطبية اجلنوبية‪ .‬أما على األرض‪,‬‬ ‫فس� � ��وف تزيد كمية األش� � ��عة فوق البنفس� � ��جية‬ ‫بشكل ملحوظ نتيجة اضمحالل طبقة األوزون‪.‬‬ ‫كم� � ��ا ينبغ� � ��ي مالحظ� � ��ة أن تقل� � ��ص ضوء‬ ‫الشمس ونسبة األمطار وزيادة موجات البرد‪،‬‬ ‫ص� � ��ر مواس� � ��م النمو‪ ،‬وزيادة كمية األش� � ��عة‬ ‫وقِ َ‬ ‫فوق البنفسجية‪ ،‬كل ذلك سوف يؤدي بالتبعية‬ ‫إل� � ��ى تقلص اإلنت� � ��اج الزراعي على مس� � ��توى‬ ‫العالم ورمبا القضاء عليه‪ .‬وس� � ��تكون تأثيرات‬ ‫التبريد و َف ْق� � ��د األوزون‪ ،‬أوضح ما يكون بصفة‬ ‫خاصة في املناط���ق اجلغرافي���ة العليا ‪high‬‬ ‫‪( latitudes‬البعيدة عن خط االستواء) واملناطق‬ ‫الوس���طى ‪( middle latitudes‬احملص� � ��ورة بني‬ ‫املناطق القطبي� � ��ة واملناطق املدارية) في نصفي‬ ‫الكرة األرضية‪ ،‬في حني ستكون نسبة التقلص‬ ‫في نس� � ��بة األمطار أكبر ما يكون فوق املناطق‬ ‫االستوائية ‪.tropics‬‬ ‫وبطبيع� � ��ة احلال‪ ،‬ف� � ��إن األض� � ��رار النوعية‬ ‫الناجت� � ��ة من كل تغير بيئي من التغيرات البيئية‬ ‫الس� � ��ابق ذكرها تعتمد عل� � ��ى نوعية احملاصيل‬ ‫املزروعة‪ ،‬وطبيعة التربة وأسلوب الزراعة السائد‬ ‫في كل منطقة من املناطق املتأثرة‪ ،‬كما ستعتمد‬ ‫على أمناط الطقس اإلقليمي السائد‪ ،‬علما بأنه‬ ‫ل� � ��م يمُ َ ّكن ألي باحث تقييم أمناط االس� � ��تجابة‬ ‫الزراعية املترتبة على مثل هذه التغيرات بشكل‬ ‫كامل أو مفص� � ��ل‪ .‬وحتى في الظروف املعتادة‪،‬‬ ‫فإن توفير الغذاء لألعداد املتزايدة من السكان‬


‫يعتم� � ��د بطبيعة احل� � ��ال على نق� � ��ل األغذية عبر‬ ‫األقالي� � ��م املختلفة في أنح� � ��اء األرض من أجل‬ ‫تعويض نقص اإلنتاج الزراعي احلادث بسبب‬ ‫اجلف� � ��اف وتغيرات الطقس املوس� � ��مية‪ .‬بيد أن‬ ‫كمي� � ��ة احلبوب املخزنة في كوكب األرض حاليا‬ ‫ال تكف� � ��ي لتغذية س� � ��كان الكوكب س� � ��وى لنحو‬ ‫ش� � ��هرين فقط [انظر في هذا العدد‪« :‬هل ميكن‬ ‫لنقص األغذية أن يؤدي إلى انهيار احلضارة»]‪.‬‬ ‫وإضافة إلى هذا‪ ,‬فإن اإلم� � ��دادات املتاحة من‬ ‫امل� � ��واد الغذائية في معظم املدن والدول ال تكاد‬ ‫تكفيها س� � ��وى لفت� � ��رة قصيرة ج� � ��دا‪ ،‬ومن هنا‬ ‫فق� � ��د ارتفع العجز الغذائي (وكذلك األس� � ��عار)‬ ‫بصورة ملحوظة خالل السنوات األخيرة‪ .‬إذن‪،‬‬ ‫ميك� � ��ن ألي حرب نووية أن تتس� � ��بب في تقلص‬ ‫اإلنت� � ��اج الزراعي في كل جهة تقريبا من أنحاء‬ ‫املعم� � ��ورة دفعة واح� � ��دة‪ ،‬وفي ه� � ��ذه احلالة ال‬ ‫يس� � ��تبعد أن يؤدي الذعر العاملي احلادث إلى‬ ‫توقف نظام التب� � ��ادل الزراعي العاملي‪ ،‬وحدوث‬ ‫نق� � ��ص حاد في احملاصيل ف� � ��ي أماكن عديدة‪.‬‬ ‫ومن واقع جميع ما س� � ��بق‪ ،‬ف� � ��إن ما يقرب من‬ ‫بليون نسمة ممن يعيشون حاليا على إمدادات‬ ‫غذائية محدودة في أنحاء العالم‪ ،‬سوف يكونون‬ ‫مهددين مباشرة بخطر املجاعة في حالة نشوب‬ ‫حرب نووية إقليمية ما بني الهند وپاكس� � ��تان أو‬ ‫بني أي قوى إقليمية نووية أخرى‪.‬‬ ‫مطلوب دليل مستقل‬

‫( )‬

‫ع� � ��اد ًة ما يق� � ��وم العلم� � ��اء باختب� � ��ار النماذج‬ ‫والنظري� � ��ات العلمية‪ ،‬عن طري� � ��ق إجراء التجارب‬ ‫الواقعية‪ ،‬ولكن في حالتنا هذه‪ ،‬فمن البديهي أنه ال‬ ‫ميكننا القيام بذلك‪ ،‬لذا كان علينا اللجوء إلى أمثلة‬ ‫واختبارات مناظرة ‪ analogues‬ميكن بواس� � ��طتها‬ ‫التحقق من صحة مناذجنا (املناخية)‪.‬‬ ‫م���دن محروقة‪ .‬لس� � ��وء احل� � ��ظ‪ ،‬فقد اتضح‬ ‫أن العواص���ف الناري���ة ‪ firestorms‬الناجتة من‬ ‫التفريغ الش� � ��ديد للطاقة تؤدي ف� � ��ي العادة إلى‬ ‫ض� � ��خ كميات هائلة من الدخان إلى طبقات اجلو‬ ‫العليا‪ .‬فقد احترقت مدينة سان فرانسيسكو من‬ ‫قبل بس� � ��بب زلزال عام ‪ ،1906‬كما احترقت أكثر‬ ‫من مدينة بالكامل خالل احلرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫مب� � ��ا في ذلك مدن درس� � ��دن وهامبورگ وطوكيو‬

‫وهيروشيما وناگازاكي‪ .‬وهذه األحداث تعزز من‬ ‫فك� � ��رة أن الدخان الناجت أثن� � ��اء احلرائق املدنية‬ ‫الكثيفة ميكنه الوصول إلى طبقات اجلو العليا‪.‬‬ ‫دورة الفص���ول‪ .‬في غمرة فصل الش� � ��تاء‬ ‫ميكننا بوضوح مالحظة أن املناخ أبرد مما هو‬ ‫علي� � ��ه في بقية الفصول‪ ،‬ويع� � ��ود هذا إلى كون‬ ‫فترة النهار أقصر‪ ،‬وإلى كون أش� � ��عة الشمس‬ ‫أقل سطوعا وش� � ��دة‪ .‬هذه احلقيقة املجردة قد‬ ‫س� � ��اعدتنا على تقييم تأثيرات تقلص اإلشعاع‬ ‫الشمس� � ��ي بطريق� � ��ة كمية‪ .‬وفي هذا الس� � ��ياق‪،‬‬ ‫ف� � ��إن مناذجنا املناخية مبا له� � ��ا من قدرة على‬ ‫إعادة بناء دورة الفصول بشكل جيد‪ ،‬قد أكدت‬ ‫على وجود تباين واضح في مقدار اإلش� � ��عاع‬ ‫الشمسي بني كل فصل وآخر‪.‬‬ ‫االنفج���ارات (البركاني���ة)‪ .‬هن� � ��اك أمثلة‬ ‫عديدة لثورات وانفج� � ��ارات بركانية ضخمة‬ ‫س� � ��ابقة ميكن اخلروج منها بأكثر من درس‬ ‫مستفاد‪ ،‬ومن ذلك انفجار بركان تامبورا في‬ ‫عام ‪ ،1815‬وكراكاتوا في عام ‪ ،1883‬وپيناتوبو‬ ‫في عام ‪ .1991‬وخالل هذه االنفجارات‪ ،‬قامت‬ ‫الرياح بنقل سحب اإليروسوالت الكبريتية‬ ‫‪ sulfate aerosol clouds‬التي تشكلت في طبقة‬ ‫الستراتوسفير‪ ،‬إلى أرجاء مختلفة عبر العالم‪.‬‬ ‫كما حدث انخفاض سريع في درجة احلرارة‬ ‫على س� � ��طح األرض بعد كل انفجار بركاني‬ ‫ومبقدار تناسب مع سمك السحابة املتكونة‪.‬‬ ‫وبعد انفج� � ��ار ب� � ��ركان پيناتوب� � ��و‪ ،‬انخفض‬ ‫متوسط درجة احلرارة على املستوى العاملي‬ ‫بنحو ‪ 0.25‬درجة مئوية‪ ،‬كما انخفضت أيضا‬ ‫نسبة تساقطات األمطار العاملية‪ ،‬والتدفقات‬ ‫املائية باألنهار ورطوبة التربة‪ .‬وهذا ما بينته‬ ‫بالفع� � ��ل مناذجنا (املناخية)‪ ،‬إذ اس� � ��تطاعت‬

‫الرئيسان األمريكي >باراك أوباما<‬ ‫والروسي >دميتري ميدڤيدوڤ< يوقعان‬ ‫في الشهر ‪ 2009/7‬اتفاقية لتحديد عدد‬ ‫الرؤوس النووية االستراتيجية التي‬ ‫يحق لكل دولة نشرها‪ .‬وبطبيعة احلال‪،‬‬ ‫فإن أي خفض إضافي في ترسانة‬ ‫البلدين‪ ،‬ميكن أن يشكل دافعا جلميع‬ ‫الدول النووية األخرى على خفض‬ ‫أسلحتها النووية مبا يعني تقليص‬ ‫حجم هذه األسلحة بشكل جذري عامليا‪.‬‬

‫إن السبيل الوحيد‬ ‫إللغاء احتمال‬ ‫حدوث كارثة مناخية‬ ‫هو إلغاء األسلحة‬ ‫النووية ذاتها‪.‬‬

‫( ) ‪Independent Evidence Needed‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪49‬‬


‫املؤلفان‬

‫‪Alan Robock‬‬

‫‪Owen Brian Toon‬‬

‫>روبوك< أستاذ علم املناخ في جامعة‬ ‫روتگرز ومدير مساعد مبركز التنبؤ‬ ‫البيئي التابع للجامعة‪ ،‬حيث يقوم‬ ‫بدراسة جوانب عديدة تتعلق بالتغير‬ ‫املناخي‪ .‬وهو أيضا زميل اجلمعية‬ ‫األمريكية لألرصاد اجلوية وأحد‬ ‫أعضاء اللجنة الدولية للتغير املناخي‬ ‫)‪ .)1((IPCC‬أما >توون<‪ ،‬فيرأس قسم‬ ‫علوم الغالف اجلوي واحمليطات في‬ ‫جامعة كولورادو مبدينة بولدر‪ ،‬كما‬ ‫أنه زميل مختبر فيزياء الغالف اجلوي‬ ‫والفضاء في اجلامعة‪ .‬وهو زميل‬ ‫اجلمعية األمريكية لألرصاد والرابطة‬ ‫األمريكية للجيوفيزياء‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫محاكاة واستنتاج جميع هذه التأثيرات‪.‬‬ ‫حرائق الغابات‪ .‬في بعض األحيان ميكن‬ ‫للدخان املتصاعد من حرائق الغابات الضخمة‬ ‫االرتفاع عاليا وبلوغ طبقة التروپوسفير‪ ،‬بل‬ ‫َ‬ ‫وإلى اجلزء السفلي من الستراتوسفير‪ ،‬كما‬ ‫ميكنه االنتقال إلى مسافات كبيرة جدا مسببا‬ ‫تبريد احلرارة على سطح األرض (كما سبق‬ ‫شرح ذلك)‪ .‬وهذا أيضا ما أوضحته مناذجنا‬ ‫(املناخية)‪ ،‬إذ أمكنها استنتاج هذه التأثيرات‬ ‫بشكل جيد‪.‬‬ ‫اندث���ار الدينوص���ورات‪ .‬قبل ‪ 65‬مليون‬ ‫عام من اآلن‪ ،‬ضرب نيزك ضخم شبه جزيرة‬ ‫يوكاتان املكس� � ��يكية مخلفا س���حابة غبارية‬ ‫‪ dust cloud‬ضخم� � ��ة ومجموعة من احلرائق‬ ‫ودخان� � ��ا كثيفا‪ ،‬أس� � ��همت جميعا في حجب‬ ‫أشعة الشمس‪ ،‬ومن ثم فناء الدينوصورات‪.‬‬ ‫كما يحتمل أن تك� � ��ون االنفجارات البركانية‬ ‫الضخم� � ��ة الت� � ��ي حدثت في الهن� � ��د في وقت‬ ‫متزامن قد أس� � ��همت أيضا في تفاقم اآلثار‬ ‫الناجمة‪ .‬وهذه األحداث تعلمنا على أي حال‬ ‫أنه بإمكان الكميات الكبيرة من الهباء اجلوي‬ ‫واأليروس� � ��والت املوجودة في الغالف اجلوي‬ ‫تغيير املناخ بش� � ��كل ج� � ��ذري وبدرجة تكفي‬ ‫لهالك أعتى األجناس‪.‬‬ ‫وعلى ه� � ��ذا النح� � ��و‪ ،‬فقد جلأن� � ��ا إلى هذه‬ ‫احل� � ��االت املتناظرة الختب� � ��ار مناذجنا املناخية‬ ‫وحتس� �ي��ن قدراته� � ��ا‪ ،‬لكنن� � ��ا نأم� � ��ل أن يتمكن‬ ‫اآلخرون من تطوير هذا وبذل مزيد من العمل‪.‬‬ ‫وف� � ��ي هذا اإلطار‪ ،‬فإننا نؤكد أن نتائج النماذج‬ ‫األخرى املس� � ��تقلة س� � ��واء توافقت م� � ��ع نتائج‬ ‫منوذجنا املطبق هنا أم تعارضت معها‪ ،‬سوف‬ ‫تكون مرش� � ��دة للغاية وبناءة‪ .‬أيضا‪ ،‬فإن إجراء‬ ‫دراسات تقييم األثر الزراعي وهو ما لم ميكننا‬ ‫القيام به هنا‪ ،‬سوف يكون محل ترحيب‪.‬‬ ‫احلظر‪ :‬السياسة الوحيدة‬

‫( )‬

‫ينط� � ��وي مفه� � ��وم الش� � ��تاء الن� � ��ووي لدى‬ ‫العام� � ��ة على أكثر من انطب� � ��اع خاطئ‪ .‬أحد‬ ‫هذه االنطباعات يق� � ��وم على إنكار التأثيرات‬ ‫املناخية للش� � ��تاء الن� � ��ووي‪ ،‬وه� � ��ذا أمر غير‬ ‫صحيح [انظ� � ��ر العمود في مي� �ي��ن الصفحة‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪ .]46‬ومن االنطباعات اخلاطئة أيضا االعتقاد‬ ‫أن العالم س� � ��يواجه خريفا ‪ -‬وليس شتاء ‪-‬‬ ‫نووي� � ��ا في حالة اندالع ح� � ��رب نووية‪ .‬بيد أن‬ ‫احلسابات التي أجريناها مؤخرا تشير إلى‬ ‫أن التأثي� � ��رات املناخي� � ��ة الناجمة عن صراع‬ ‫إقليمي س� � ��تكون قاسية وواس� � ��عة االنتشار‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬فإن النماذج واحلواسيب التي كانت‬ ‫مس� � ��تخدمة ف� � ��ي ثمانينات الق� � ��رن املنصرم‬ ‫لم يك� � ��ن بإمكانه� � ��ا محاكاة عملي� � ��ة تصاعد‬ ‫الدخان للغالف اجل� � ��وي وبقائه فيه‪ ،‬كما لم‬ ‫تكن قادرة على مح� � ��اكاة طول الوقت الالزم‬ ‫لعودة احمليطات إلى سابق حالة الدفء التي‬ ‫كانت عليها‪ ،‬وذلك بعد انقشاع الدخان‪ ،‬لكن‬ ‫النم� � ��اذج احلديثة بقدرتها عل� � ��ى تقييم آثار‬ ‫احلرب النووية والتفاعالت الواسعة النطاق‬ ‫احلادثة خاللها تتوقع ‪ -‬في املقابل ‪ -‬ش� � ��تا ًء‬ ‫وليس خريفا نوويا‪.‬‬ ‫ثمة انطباع آخر خاط� � ��ئ يتمثل باالعتقاد‬ ‫أن مشكلة الش� � ��تاء النووي‪ ،‬حتى وإن وجدت‬ ‫في السابق‪ ،‬فقد انتهت بنهاية سباق التسلح‬ ‫الن� � ��ووي‪ .‬ولكن الواقع يش� � ��ير إل� � ��ى إمكانية‬ ‫حدوث ش� � ��تاء ن� � ��ووي في أي وقت وبس� � ��هولة‬ ‫بسبب وجود الترسانتني النوويتني األمريكية‬ ‫والروس� � ��ية واملقرر بقاؤهما حتى عام ‪.2012‬‬ ‫وفض� �ل��ا ع� � ��ن ذلك‪ ،‬ف� � ��إن تزايد ع� � ��دد الدول‬ ‫النووي� � ��ة يزيد من فرص نش� � ��وب حرب نووية‬ ‫سواء بصورة مخطط لها أم بصورة عرضية‪.‬‬ ‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬فقد هددت كوريا الشمالية‬ ‫بإعالن احلرب في حال قي� � ��ام العالم بإيقاف‬ ‫سفنها وتفتيشها للتأكد من عدم حملها مواد‬ ‫نووية‪ .‬وحلس� � ��ن الطالع‪ ،‬فإن كوريــا الشمالية‬ ‫ال متتل� � ��ك في الوق� � ��ت الراهن أس� � ��لحة نووية‬ ‫جاهزة لالس� � ��تخدام‪ ،‬بيد أنه قد ميكنها بلوغ‬ ‫ه� � ��ذا الهدف في املس� � ��تقبل القريب‪ .‬وأيضا‪،‬‬ ‫دع� � ��ا بعض الزعماء املتطرف� �ي��ن في الهند إلى‬ ‫مهاجم� � ��ة پاكس� � ��تان باألس� � ��لحة النووية إثر‬ ‫الهجمات اإلرهابية األخيرة على الهند‪ .‬ونظرا‬ ‫لقدرة الهند على اجتياح األراضي الپاكستانية‬ ‫بسرعة بقواتها التقليدية‪ ،‬فمن الوارد في هذه‬ ‫احلالة أن تلجأ پاكس� � ��تان إلى مهاجمة الهند‬ ‫( ) ‪Abolition: The Only Policy‬‬ ‫(‪the Intergovernmental Panel on Climate Change )1‬‬


‫بأسلحة نووية اس� � ��تباقا العتداء الهند عليها‪.‬‬ ‫كما هددت إيران بتدمير إس� � ��رائيل‪ ،‬التي تعد‬ ‫هي األخرى قوة نووية‪ ،‬والتي تعهدت بدورها‬ ‫بعدم الس� � ��ماح إليران بأن تصبح دولة نووية‪.‬‬ ‫والواض� � ��ح أن كل دولة من الدول املذكورة في‬ ‫األمثلة الس� � ��ابقة تعتقد أن وجودها قد يكون‬ ‫عرضة للتهدي� � ��د الكامل وبنذر قليلة‪ .‬لذا فهي‬ ‫تُع ُّد من بؤر الص� � ��راع ومن الوارد انفجارها‬ ‫بشكل مفاجئ في أي وقت‪.‬‬ ‫والواضح أيضا أن احلرب النووية األولى قد‬ ‫صدمت العالم بشدة وذلك إلى احلد الذي لم يتم‬ ‫فيه استخدام األسلحة النووية مرة أخرى‪ ،‬وهذا‬ ‫عل� � ��ى الرغم من التخزين الهائل لهذه األس� � ��لحة‬ ‫منذ ذلك احل� �ي��ن‪ .‬ولكن الس� � ��بيل الوحيد إللغاء‬ ‫إمكان حدوث كارثة نووية مناخية يكمن في إزالة‬ ‫األس� � ��لحة النووية ذاتها‪ .‬أيضا‪ ،‬فإن اإلس� � ��راع‬ ‫في خفض الترس� � ��انتني النوويت� �ي��ن ‪ -‬األمريكية‬ ‫والروس� � ��ية ‪ -‬ميكن أن يش� � ��كل مث� � ��اال يحتذى‬ ‫ب� � ��ه لبقية العالم بأنه ال ميكن واقعيا اس� � ��تخدام‬ ‫األسلحة النووية‪ ،‬ومن ثم ال حاجة إليها‪.‬‬ ‫وقد تعهدت كل من الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫وروس� � ��يا‪ ،‬مبوجب معاهدة تقليص اس� � ��تخدام‬ ‫األسلحة الهجومية االستراتيجية‪ ،‬بخفض عدد‬ ‫ال� � ��رؤوس احلربية النووية االس� � ��تراتيجية إلى‬ ‫ما ب� �ي��ن ‪ 1700‬و‪ 2200‬مع نهاية عام ‪ .2012‬وفي‬ ‫الشهر ‪ 2009/7‬اتفق كل من الرئيس >أوباما<‬ ‫والرئيس الروس� � ��ي >دميتري ميدڤيديڤ< على‬ ‫إجراء خفض إضافي في عدد الرؤوس النووية‬ ‫االس� � ��تراتيجية وتقليصه� � ��ا إلى م� � ��ا بني ‪1500‬‬ ‫و‪ 1675‬وذلك بحلول عام ‪ .2016‬ومع أن خفض‬ ‫حجم الترس� � ��انات النووية االستراتيجية يعتبر‬ ‫من األمور التي تستحق اإلشادة‪ ،‬إ ّال أن النتائج‬ ‫األخيرة التي توصلت إليها دراس� � ��تنا تبني أنه‬ ‫حتى في ظل هذا اإلجراء‪ ،‬فإن عدد األس� � ��لحة‬ ‫املتاح حاليا يكف� � ��ي متاما لتدمير الزراعة على‬ ‫الصعي� � ��د العاملي‪ ،‬وهذا ه� � ��و املتوقع في حال‬ ‫نش� � ��وب حرب نووي� � ��ة إقليمية‪ .‬أم� � ��ا إذا ما مت‬ ‫استخدام جميع مخزون األسلحة النووية ضد‬ ‫أهداف مدنية‪ ،‬فس� � ��وف يــــؤدي هــــذا إلى قتـــل‬ ‫مئـــات املاليــني من البش� � ��ر ونش� � ��ر كمية هائلة‬ ‫م� � ��ن الدخان تقدر بـ‪ (1Tg = 1012 g) Tg 180‬في‬

‫طبقة الستراتوسفير؛ هذا فضال عن انخفاض‬ ‫متوس� � ��ط درجات احلرارة في مناطق الزراعة‬ ‫الرئيس� � ��ية إلى أقل من درجة التجمد حتى في‬ ‫فصل الصيف وذلك لعدة سنوات متتالية‪ .‬وعلى‬ ‫ه� � ��ذا املنوال‪ ،‬فإنه ميكن حتى لعدد محدود من‬ ‫الرؤوس احلربي� � ��ة املوجودة على ظهر غواصة‬ ‫نووية واحدة حاملة للصواريخ أن يس� � ��فر عن‬ ‫إنت� � ��اج كمية من الدخان تكف� � ��ي إلحداث كارثة‬ ‫بيئية عاملية‪.‬‬ ‫لع� � ��ل انتش� � ��ار األس� � ��لحة النووي� � ��ة وعدم‬ ‫االس� � ��تقرار السياس� � ��ي واخت� �ل��ال التركيب� � ��ة‬ ‫السكانية ميثل في املجمل أحد أعظم األخطار‬ ‫التي تهدد استقرار املجتمع البشري منذ فجر‬ ‫تاريخه‪ .‬لذا‪ ،‬فإن مجرد إزالة األسلحة النووية‬ ‫س� � ��يحول دون حتقق أحد الكوابيس احملتملة‪.‬‬ ‫كما أن التقليص الفوري للترسانتني النوويتني‬ ‫للواليات املتحدة وروس� � ��يا إلى املستوى الذي‬ ‫علي� � ��ه القوى النووية األخ� � ��رى (أي بضع مئات‬ ‫فقط ال غير) سيحافظ على فكرة الردع املتبادل‪،‬‬ ‫وسيقلل كذلك من احتمال حدوث شتاء نووي‪،‬‬ ‫كما سيشجع سائر بلدان العالم على مواصلة‬ ‫جهودها من أجل التخلص من هذه األسلحة‪.‬‬ ‫ويب� � ��دو أن الرئي� � ��س >أوباما< ي� � ��درك هذا‬ ‫املنط� � ��ق‪ ،‬إذ َع َّب� � ��ر ف� � ��ي أول مؤمت� � ��ر صحفي‬ ‫ل� � ��ه بتاري� � ��خ ‪ ،2009/2/9‬أي بعد تولي� � ��ه مقاليد‬ ‫الرئاسة‪ ،‬عن هذا بقوله «إنه من املهم للواليات‬ ‫املتح� � ��دة‪ ،‬بالتناغم مع روس� � ��يا‪ ...‬أن نواصل‬ ‫محادثاتن� � ��ا حول كيف ميكنن� � ��ا البدء بتقليص‬ ‫حجم الترسانة النووية في كال البلدين بطريقة‬ ‫فعالة‪ ،‬ومبا ميكننا من املضي قدما وإقناع بقية‬ ‫الدول من أجل التكاتف والعمل معا للوصول‬ ‫إلى معاهدة حتظر انتشار األسلحة النووية‪».‬‬ ‫وبعد ذل� � ��ك‪ ،‬وحتديدا بتاري� � ��خ ‪ 2009/9/24‬من‬ ‫العام نفس� � ��ه‪ ،‬قاد الرئي� � ��س >أوباما< مجلس‬ ‫األمن في هيئة األمم املتحدة إلى قبول مشروع‬ ‫قرار‪ ،‬ميكن أن يش� � ��كل نقلة مهمة على طريق‬ ‫تسريع اجلهود الرامية إلى تخليص العالم من‬ ‫األسلحة النووية‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬فإننا نعتقد‬ ‫أن نتائ� � ��ج النمذجة التي توصلن� � ��ا إليها متثل‬ ‫دعما لألسباب املؤيدة لهذه السياسة وسبيال‬ ‫>‬ ‫لتحقيق مزيد من التقدم فيها‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, January 2010‬‬

‫‪51‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫بزوغ الشبكات الالسلكية الفورية‬

‫(٭)‬

‫سوف تتيح الشبكات الالسلكية‪ ،‬التي ال تعتمد على بنية‬ ‫حتتية ثابتة‪ ،‬اتصاالت في كل مكان بغض النظر عن الظروف‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ .M‬إ ّفروس< ‪ .A> -‬گولدسميث< ‪-‬‬

‫>‪ .M‬مِ دارد<‬

‫في حقبة الفيسبوك والتوي َّتر واآل ْيفون‬

‫(‪)2‬‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫ال تتطلب الشبكات الالسلكية‬ ‫التلقائية بنية حتتية ثابتة‪،‬‬ ‫فهي مترر املعلومات من‬ ‫جهاز إلى آخر مكوِّ نة شبكة‬ ‫من الوصالت‪.‬‬

‫>‬

‫ميكن استخدام الشبكات‬ ‫التلقائية حيث تكون إقامة‬ ‫بنية حتتية للشبكات اخللوية‬ ‫املعهودة شديدة الصعوبة‬ ‫أو عالية التكلفة‪ ،‬خاصة‬ ‫في املناطق النائية أو في‬ ‫ساحات املعارك على سبيل‬ ‫املثال‪.‬‬

‫>‬

‫نظرا إلى أن الشبكة‬ ‫التلقائية في حالة حركة‬ ‫وتغيُّر دائمني‪ ،‬يجب اللجوء‬ ‫إلى طرائق خالقة لتجنب‬ ‫ضياع املعلومات وتخفيض‬ ‫التداخل‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪52‬‬

‫هذه‪ ،‬من الس� � ��هل االفتراض أن مقدرتنا على‬ ‫االتص� � ��ال بأي م� � ��كان من العالم هي ش� � ��يء‬ ‫بديهي‪ .‬إ ّال أن االتصاالت تصبح حرجة جدا‬ ‫في األوق� � ��ات التي تنهار فيها بنيتها التحتية‪.‬‬ ‫ففي جزي� � ��رة هاييتي‪ ،‬مث� �ل��ا‪ ،‬كانت الهواتف‬ ‫الفضائية التي قدمتها وكاالت اإلنقاذ وسيلة‬ ‫االتصال الرئيس� � ��ية طوال األيام التي أعقبت‬ ‫الزلزال املأس� � ��اوي الذي ضرب هذه اجلزيرة‬ ‫ف� � ��ي بداية ه� � ��ذا العام‪ .‬وحتى ف� � ��ي الظروف‬ ‫العادي� � ��ة‪ ،‬ميكن النقطاع الكهرب� � ��اء أن ِّ‬ ‫يعطل‬ ‫البنية التحتية للش� � ��بكات اخللوية عن العمل‪،‬‬ ‫مما يجعل جتهيزات اتصاالت حاالت الطوارئ‬ ‫مجرد أثقال ملنع األوراق من التطاير‪.‬‬ ‫في مثل تل� � ��ك الظروف‪ ،‬فإن اخليار الذي‬ ‫يلقى قبوال متزايدا هو إنشاء شبكة مخصصة‬ ‫ملواجهة هذه الظروف(‪ .)3‬تتك َّون شبكة كهذه‬ ‫تلقائيا وسنسميها شبكة تلقائية حيثما تكون‬ ‫ثمة هواتف خلوية أو أي وس� � ��ائل اتصاالت‬ ‫أخرى‪ ،‬مبرمج ٌة له� � ��ذا الغرض‪ ،‬ضمن مدى‬ ‫االتصال فيما بينه� � ��ا‪ .‬ويعمل كل جهاز فيها‬ ‫ِ‬ ‫مرسال ومستق ِبال‪ ،‬وأكثر من ذلك‪ ،‬وسيطا بني‬ ‫األجهزة األخرى القريبة منه‪ .‬حينئذ تستطيع‬ ‫األجهزة البعي� � ��دة عن بعضها االتصال فيما‬ ‫بينها إذا كانت األجهزة الوس� � ��يطة مستعدة‬ ‫ملس� � ��اعدتها على مترير الرس� � ��ائل من جهاز‬ ‫إلى آخر‪ ،‬كما مترر مجموعة من األشخاص‬ ‫أوعية املاء من ش� � ��خص إلى آخر‪ .‬وبكلمات‬ ‫أخرى‪ ،‬تعم� � ��ل كل عقدة ‪ node‬في الش� � ��بكة‬

‫بوصفها متصال‪ ،‬ترس� � ��ل وتستقبل رسائلها‬ ‫وبنية حتتية تنقل رسائل اآلخرين‪.‬‬ ‫ليس اإلنقاذ في حاالت الطوارئ س� � ��وى‬ ‫واح� � ��د م� � ��ن التطبيق� � ��ات املمكنة للش� � ��بكات‬ ‫التلقائية‪ .‬فه� � ��ي ميكن أن تعمل في أي مكان‬ ‫يك� � ��ون فيه إنش� � ��اء بنية حتتية ثابتة ش� � ��ديد‬ ‫البطء أو صعبا أو عال� � ��ي التكلفة‪ .‬وقد أنفق‬ ‫اجليش األمريكي مبال� � ��غ طائلة على تصميم‬ ‫مثل هذه النظم ملصلحة االتصاالت في ميدان‬ ‫املعركة‪ .‬مُ‬ ‫وت ِّكن الشبكات التلقائية في منزلك‬ ‫األجهزة م� � ��ن العثور على بعضها واالتصال‬ ‫فيما بينه� � ��ا تلقائيا‪ ،‬مح ِّررة إي� � ��اك من حزم‬ ‫األس� �ل��اك املمدودة في غرفة معيش� � ��تك وفي‬ ‫مكتبك‪ .‬وميكن للق� � ��رى النائية‪ ،‬وملناطق ذوي‬ ‫الدخ� � ��ل املنخفض التي تفتقر إلى بنية حتتية‬ ‫لالتص� � ��االت العريضة احلزم� � ��ة‪ ،‬أن تتصل‬ ‫باإلنترن� � ��ت عبر الش� � ��بكات التلقائية‪ .‬وميكن‬ ‫(‪)4‬‬ ‫للعلماء املهتمني بدراسة البيئات امليكروية‬ ‫في رؤوس األش� � ��جار أو فتحات املاء احلار‬ ‫في قاع احمليط‪ ،‬أن ينش� � ��روا ُم ِح َّسات(‪ )5‬في‬ ‫البيئ� � ��ة التي يرغبون في دراس� � ��تها من دون‬ ‫االهتمام بكيفي� � ��ة اتصالها مع� � ��ا‪ ،‬أو بكيفية‬ ‫انتق� � ��ال املعلومات من تل� � ��ك البيئات الصعبة‬ ‫إلى حواسيب الباحثني‪.‬‬ ‫وقد بقيت تلك الشبكات قيد التطوير مدة‬ ‫تزي� � ��د على ثالثة عق� � ��ود‪ ،‬إال أن أولى أمثلتها‬ ‫( ) ‪The rise Of instant wireless networks‬‬ ‫(‪ubiquitous )1‬‬ ‫(‪Facebook, Twitter and the iPhone )2‬‬ ‫(‪«ad-hoc» network )3‬‬ ‫(‪ microenvironments )4‬أو بيئة صغرية‪.‬‬ ‫(‪sensors )5‬‬


‫العملي� � ��ة الواس� � ��عة النطاق ل� � ��م تظهر إال في‬ ‫الس� � ��نوات القليل� � ��ة املاضية بع� � ��د التطورات‬ ‫التي حصلت في نظرية الشبكات‪ .‬ففي سان‬ ‫ِ‬ ‫فرانسسكو‪ ،‬تؤ ِّمن الشبكات اجلديدة ‪Meraki‬‬ ‫االتصال لـ‪ 400 000‬ش� � ��خص باإلنترنت عبر‬ ‫مش� � ��روعها املسمى «حترير الش���بكة» ‪Free‬‬ ‫‪ ،the Net‬وال� � ��ذي يعتمد على تقانة التش���بيك‬ ‫التلقائي(‪ .)1‬وتَستخدم مك ِّونات البلوتوث في‬ ‫الهواتف اخللوية (النقالة)‪ ،‬وفي نظم األلعاب‬ ‫احلاس� � ��وبية واحلواس� � ��يب‪ ،‬تقنيات التشبيك‬ ‫التلقائي لتمكني التجهيزات من االتصال معا‬ ‫من دون توصيالت أو تشكيالت محددة‪ .‬وقد‬ ‫نُشرت الشبكات التلقائية في بيئات متنوعة‪،‬‬ ‫نائي� � ��ة أو قاس� � ��ية‪ ،‬جلمع بيان� � ��ات علمية من‬ ‫ِ‬ ‫مح َّسات السلكية منخفضة استهالك الطاقة‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإنه ما زال من الضروري حتقيق‬ ‫عدد من الفتوح التقانية األساسية كي تصبح‬ ‫هذه الشبكات شائعة االستخدام وذلك على‬ ‫الرغم من التق ُّدم الذي حت َّقق في هذا املجال‬ ‫على جبهات عدة‪.‬‬ ‫الشبكة اخللوية?‬

‫( )‬

‫ال ت� � ��زال الش� � ��بكات التلقائي� � ��ة ن� � ��ادرة‪.‬‬ ‫ولفهم س� � ��بب ب� � ��طء انتش� � ��ارها‪ ،‬م� � ��ن املفيد‬ ‫النظر إلى الفوارق ب� �ي��ن هذا النهج اجلديد‪،‬‬ ‫وبني التقانات الالس� � ��لكية األخرى من قبيل‬ ‫الهوات� � ��ف اخلـلويــــة وش� � ��بكات الواي‪-‬فاي‬ ‫‪ .Wi-Fi‬فحينما َتس� � ��تخدم هاتفا خلويا عاديا‬ ‫لالتصال بصديق‪ ،‬تكون اإلرساالت السلكية‬ ‫فقط بني ٍّ‬ ‫كل من الهاتفني وأقرب برج للخلية‪.‬‬ ‫أما األب� � ��راج فهي ثابت� � ��ة‪ ،‬واالتصاالت فيما‬ ‫بينها متر عبر ش� � ��بكات ضخمة من األسالك‬ ‫والكِ بال‪ .‬والش� � ��بكات الالسلكية احمللية‪ ،‬من‬ ‫قبيل الواي‪-‬فاي‪ ،‬تعتمد أيضا على هوائيات‬ ‫ثابتة‪ ،‬وعلى جتهيزات اتصال س� � ��لكية فيما‬ ‫بني الهوائيات‪.‬‬ ‫وتنطوي تلك الش� � ��بكات عل� � ��ى مجموعة‬ ‫من املزايا والعي� � ��وب‪ .‬ومن مزاياها ما يتعلق‬ ‫بتوفي� � ��ر الطاقة لنقل املعلومات‪ .‬فالش� � ��بكات‬ ‫الالسلكية الش� � ��ائعة جتعل استهالك الطاقة‬

‫في التجهي� � ��زات احملمولة الت� � ��ي تتغذى من‬ ‫البطاري� � ��ات (كالهوات� � ��ف واحلواس� � ��يب) في‬ ‫حده األدنى‪ ،‬وذلك بوض� � ��ع أكبر قدر ممكن‬ ‫من أعباء عملية االتص� � ��ال على كاهل البنية‬ ‫التحتي� � ��ة الثابتة‪ ،‬التي تس� � ��تجر طاقتها من‬ ‫ش� � ��بكة الكهرباء‪ُ .‬يضاف إلى ذلك أن عرض‬ ‫احلزم� � ��ة الراديوي� � ��ة املتاحة هو م� � ��ورد ثابت‬ ‫ومحدود‪ ،‬وجتعل تلك الشبكات استخدام ذلك‬ ‫املورد أمثليا عادة بإرس� � ��ال معظم املعلومات‬ ‫على أسالك‪ .‬ومي ِّكن استخدام البنية التحتية‬ ‫الثابتة من بناء ش� � ��بكات اتص� � ��االت هاتفية‪،‬‬ ‫وشبكات واي‪-‬فاي‪ ،‬كبيرة وموثوق بها غالبا‬ ‫في املناطق حيث احلاجة القصوى إليها‪.‬‬ ‫إال أن اس� � ��تخدام البني� � ��ة التحتية الثابتة‬ ‫يجعل هذه الشبكات عرضة النقطاع الكهرباء‬ ‫ولألعط� � ��ال املركزية األخ� � ��رى التي ميكن أن‬ ‫توقفه� � ��ا عن العمل‪ ،‬حتى وإن كانت الهواتف‬ ‫واحلواسيب املوجودة في املنطقة قادرة على‬ ‫العمل‪ .‬وباملقارنة‪ ،‬تُعتبر الش� � ��بكات التلقائية‬ ‫منيعة عل� � ��ى نحو فري� � ��د من ه� � ��ذه الناحية‪.‬‬ ‫إذا نف� � ��دت طاقة جهاز نق� � ��ال‪ ،‬أو ُأطفئ‪ ،‬فإن‬ ‫التجهيزات األخرى تع ِّدل تش� � ��كيلة الش� � ��بكة‬ ‫للتعوي� � ��ض عن اجلهاز اخل� � ��ارج من اخلدمة‬ ‫بق� � ��در اإلمكان‪ .‬فالش� � ��بكة تتك َّيف و«تتعافى»‬ ‫على نحو طبيعي مع دخول التجهيزات فيها‬ ‫وخروجها منها‪.‬‬ ‫( ) ‪The Cellular Network‬‬ ‫(‪ad-hoc networking )1‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪53‬‬


‫انقطاع املكاملة‪ :‬تقطع الكوارث التي‬ ‫تشابه زلزال هاييتي خطوط االتصال‪،‬‬ ‫ولذا ميكن استخدام الشبكات التلقائية‬ ‫لتأمني اتصال الضحايا بفرق اإلنقاذ‬ ‫وبالعالم اخلارجي‪.‬‬

‫إال أن هذه املق� � ��درة على التعافي الذاتي‬ ‫ليس� � ��ت مجانية‪ .‬فالش� � ��بكة يجب أن ِ‬ ‫ترس� � ��ل‬ ‫معلومات بطريقة ذكية مت ِّكن من إعادة تركيب‬ ‫الرس� � ��الة حتى ولو انقطعت بعض الوصالت‬ ‫بني املرس� � ��ل واملستقبل أثناء اإلرسال‪ .‬وعلى‬ ‫املنظوم� � ��ة أن حت ِّدد أفضل مس� � ��ار إليصال‬ ‫الرسالة إلى املستقبل‪ ،‬حتى وإن لم تكن ثمة‬ ‫ِ‬ ‫املرسل مكان وجود‬ ‫طريقة يعرف بها اجلهاز‬ ‫املس� � ��تق ِبل‪ .‬وأخيرا‪ ،‬على الش� � ��بكة أيضا أن‬ ‫تتعامل مع الضجيج املنتش� � ��ر في كل مكان‪،‬‬ ‫والناجم عن إرسال عدد من األجهزة رسائل‬ ‫في وقت واحد‪.‬‬ ‫استراتيجيات التوصيل‬

‫( )‬

‫تُع ُّد مش� � ��كلة توجيه املعلوم� � ��ات توجيها‬ ‫فعاال عبر ش� � ��بكة متغيرة باس� � ��تمرار صعبة‬ ‫احلل ألس� � ��باب عدة‪ .‬ففي الشبكات اخللوية‬ ‫أو الالس� � ��لكية الش� � ��ائعة األخ� � ��رى‪ ،‬تالحق‬ ‫البني� � ��ة التحتي� � ��ة املركزية الس� � ��لكية املواقع‬ ‫العام� � ��ة لألجهزة النقالة وتك ِّون س� � ��جال لها‪.‬‬ ‫لذا ميكنها أخذ رسالة من مرسل وتوجيهها‬ ‫مباشرة إلى املستقبل‪.‬‬ ‫أما في الشبكات التلقائية‪ ،‬فعلى األجهزة‬ ‫النقالة أن حت ِّدد بنفس� � ��ها أفضل املس� � ��ارات‬ ‫لتوصي� � ��ل املعلوم� � ��ات إلى مس� � ��تقبلها‪ .‬وتلك‬ ‫‪54‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫األجهزة محدودة اإلمكانات من حيث الطاقة‬ ‫احلاس� � ��وبية وس� � ��عة الذاكرة واملق� � ��درة على‬ ‫أي منها‬ ‫حتقيق االتصاالت‪ ،‬ولذا ال يستطيع ٌّ‬ ‫وحده جمع أو معاجلة املعلومات التي ميكن‬ ‫للحواسيب املركزية في الشبكات الالسلكية‬ ‫املعهودة جمعها ومعاجلتها‪.‬‬ ‫ميك� � ��ن إيضاح احلالة باملثال التالي‪ :‬أنت‬ ‫في مدينة كبيرة‪ ،‬ولتكن لندن‪ ،‬وتريد االتصال‬ ‫بصديق� � ��ك املوجود في م� � ��كان غير معروف‬ ‫ف� � ��ي الطرف اآلخر للمدين� � ��ة‪ .‬في هذه احلالة‬ ‫التخ ُّيلي� � ��ة‪ ،‬تكون البني� � ��ة التحتية لالتصاالت‬ ‫مثبتة على أس� � ��طح س� � ��يارات األجرة‪ ،‬ومدى‬ ‫كل مس� � ��تقبل مركب على سيارة يقل عن ميل‬ ‫واحد‪ ،‬والسيارات تتحرك بسرعة تقل كثيرا‬ ‫عن حركة االتصاالت‪ ،‬ولذا عليها العمل معا‬ ‫إليصال رس� � ��التك إلى صديقك‪ .‬ومع جتوال‬ ‫الس� � ��يارات عبر املدينة‪ ،‬تتواصل املستقبالت‬ ‫القريبة من بعضها معا‪ ،‬ثم تفترق عددا غير‬ ‫محدد من املرات فيما بعد‪ .‬لذا على رسالتك‬ ‫القف� � ��ز عبر املدين� � ��ة على ظهر هذه الش� � ��بكة‬ ‫املتغي� � ��رة‪ ،‬وأن تعث� � ��ر على صديقك لتس� � ��لمه‬ ‫محتواها من املعلومات‪.‬‬ ‫وهذه مهمة صعبة حتى لرس� � ��الة واحدة‬ ‫فق� � ��ط تتحرك ضمن ش� � ��بكة صغيرة‪ .‬وتزداد‬ ‫الصعوب� � ��ة بازدياد عدد األجهزة والرس� � ��ائل‬ ‫في الشبكة‪ .‬لذا‪ ،‬كي تكون هذه التقانة مفيدة‬ ‫فع� �ل��ا‪ ،‬يجب أن تعمل بكفاءة بقطع النظر عن‬ ‫احلجم الذي تؤول إليه الشبكة‪.‬‬ ‫لقد جرى تطوير كثير من التقنيات ملعاجلة‬ ‫هذه املش� � ��كلة‪ .‬وجميعها يتضمن‪ ،‬من حيث‬ ‫اجلوهر‪ ،‬استعالمات كثيرة عن االجتاهات‪.‬‬ ‫فكل جهاز يس� � ��تعلم من األجهزة املجاورة له‬ ‫عن األجه� � ��زة املجاورة له� � ��ا‪ ،‬وهذه األجهزة‬ ‫تس� � ��تعلم م� � ��ن جوارها‪ ،‬وهك� � ��ذا حتى تصل‬ ‫الرس� � ��الة إلى صديقك‪ .‬وميكن لرد صديقك‬ ‫أن يعود إليك على املس� � ��ار نفس� � ��ه‪ ،‬أو على‬ ‫غيره‪ .‬وبهذه الطريقة يو ِّلد كل جهاز وس� � ��يط‬ ‫الئحة باملسارات املتاحة بينك وبني صديقك‪.‬‬ ‫ومت ِّكن هذه اللوائح رسالتك من الوصول إلى‬ ‫( ) ‪Delivery Strategies‬‬


‫[كيفية العمل]‬

‫استخدام التكرار الذكي إلرسال الرسائل‬ ‫يـمــكــ���ن ألي مس���ـــــار يـحــمــ���ل‬ ‫مــعـلــومــــ���ات ف���ي الش���ــــبــكــــة‬ ‫الالس���لكية التلقائية أن ينهار‬ ‫في أي حلظة‪ .‬لذا على املرس���ل‬ ‫جتزئ���ة الرس���الة بطريق���ة م���ا‬ ‫ِّ‬ ‫متكن من إعادة تركيبها بغض‬ ‫النظ���ر ع���ن املس���ارات الت���ي‬ ‫تنقطع‪ .‬في هذا املثال البسيط‪،‬‬ ‫الرس���الة ه���ي الرقم���ان ‪ 1‬و ‪.3‬‬ ‫وثم���ة أربع���ة مس���ارات ممكنة‬ ‫ف���ي الش���بكة احتم���ال انقطاع‬ ‫أي منه���ا يس���اوي ‪ .%50‬ف���ي‬ ‫ٍّ‬ ‫الطريقة غير الذكية‪ ،‬إرس���ال ‪1‬‬ ‫على مس���ارين وإرس���ال ‪ 3‬على‬ ‫مس���ارين ميكن أن ي���ؤدي إلى‬ ‫ضي���اع جزء م���ن الرس���الة إذا‬ ‫انقطع كال مس���اري الـ ‪ 1‬أو كال‬ ‫مساري الـ ‪ .3‬إ ّال أن ثمة طريقة‬ ‫أخ���رى (انظر الش���كل) تضمن‬ ‫وصول الرسالة سليمة‪.‬‬

‫( )‬

‫يستقبل املستقبل قطعتني من‬ ‫املعلومات‪ 1 = x :‬و ‪.4 = y + x‬‬ ‫وهنا ِّ‬ ‫احلساب البسيط‬ ‫ميكن‬ ‫ُ‬ ‫املستقب َل من إعادة بناء‬ ‫ِ‬ ‫الرسالة األصلية‪.‬‬

‫ثمة ‪ 400 000‬مقيم‬ ‫ِ‬ ‫فرانسسكو‬ ‫في سان‬ ‫ينفذون إلى‬ ‫اإلنترنت باستخدام‬ ‫شبكات تلقائية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫لنفترض أن املسارين الثاني‬ ‫والرابع قد أخفقا في نقل‬ ‫معلوماتهما‪.‬‬

‫صديقك حتى وإن كان جهازك ال يعرف مكان‬ ‫صديقك‪ .‬ونظرا إلى أن الشبكة متحركة‪ ،‬على‬ ‫التجهيزات تكرار عملية االستعالم باستمرار‬ ‫لتحديث الئحة املسارات املتاحة‪.‬‬ ‫ومن املفيد أيضا إرس� � ��ال املعلومات عبر‬ ‫مس� � ��ارات عدة في وقت واحد‪ ،‬وذلك لتحسني‬ ‫املرسل إليه‪ .‬إ ّال أن‬ ‫فرص وصول الرسالة إلى‬ ‫َ‬ ‫ثمة سؤاال يطرح نفسه ويتعلق مبقدار التكرار‬ ‫الذي يجب أن تتضمن� � ��ه املنظومة‪ .‬من ناحية‬ ‫أولى‪ ،‬ميكن املبالغة وجعل الش� � ��بكة ترس� � ��ل‬ ‫كامل الرس� � ��الة على جميع املس� � ��ارات فيها‪.‬‬ ‫وتزيد هذه الطريقة من فرص وصول الرسالة‬ ‫إلى املستق ِبل‪ ،‬إال أن تطبيقها على كل رسالة‬ ‫س� � ��وف يؤدي س� � ��ريعا إلى اختناق الش� � ��بكة‬ ‫باحلرك� � ��ة‪ .‬وف� � ��ي الطرف اآلخر م� � ��ن املبالغة‪،‬‬ ‫ميك� � ��ن جتزئة املعلوم� � ��ات إل� � ��ى مجموعة من‬ ‫األجزاء‪ ،‬وإرسال كل جزء عبر مسار يخصه‪.‬‬ ‫وفي ه� � ��ذه الطريقة‪ُ ،‬يس� � ��تخدم مقدار صغير‬ ‫من م� � ��وارد الش� � ��بكة‪ ،‬إال أن كثيرا من أجزاء‬ ‫املعلوم� � ��ات ميكن أن يضيع أثناء اإلرس� � ��ال‪،‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪‬‬

‫بدال من إرسال الرقمني ذاتهما‪،‬‬ ‫يرسل املرسل مقدارين َّ‬ ‫ِ‬ ‫مركبني‬ ‫منهما (‪ x‬و ‪ .)y‬ويرسل ‪ 1 = x‬على‬ ‫املسار األول‪ ،‬و‪ 3 = y‬على املسار‬ ‫الثاني‪ ،‬واملجموع ‪ 4 = y + x‬على‬ ‫املسار الثالث‪ ،‬و ‪ 7 = y2 + x‬على‬ ‫املسار الرابع‪.‬‬

‫‪‬‬

‫تاركا للمستقبل مجرد رسالة مبتورة‪.‬‬ ‫إال أن تقني� � ��ة تس� � ��مى تكويد الش���بكة‬ ‫توفر حال وسطا‪ .‬تتضمن هذه التقنية جتزئة‬ ‫الرس� � ��الة إلى أجزاء‪ ،‬وحتدي� � ��د معلومات كل‬ ‫جزء‪ ،‬ثم إرس� � ��ال تلك األجزاء عبر مسارات‬ ‫عدة على نحو ميكن فيه إعادة بناء الرس� � ��الة‬ ‫في طرف املس� � ��تقبل حت� � ��ى ولو ضاع بعض‬ ‫أجزائها [انظر املؤطر في هذه الصفحة]‪.‬‬ ‫ويتضم� � ��ن أحد أوج� � ��ه تكويد الش� � ��بكة‬ ‫ُرسل‬ ‫حتديد عدد املس� � ��ارات التي س� � ��وف ت َ‬ ‫الرسالة عبرها‪ .‬وتق ِّلل زيادة عدد املسارات‬ ‫من مفعول انقطاع أي مس� � ��ار‪ ،‬إ ّال أنها تزيد‬ ‫من عدد األجهزة املنخرطة في حتقيق املكاملة‬ ‫الواح� � ��دة‪ .‬وتوزع ه� � ��ذه الطريقة املكاملة على‬ ‫عدد كبير من أجهزة املشاركني‪ ،‬مقللة بذلك‬ ‫عبء الطاقة املستهلكة في كل منها‪ ،‬ولك ْن مع‬ ‫زيادة مقدار التنسيق الالزم فيما بينها‪.‬‬ ‫وم� � ��ع تزايد ع� � ��دد األجهزة الت� � ��ي تقوم‬ ‫باإلرسال‪ ،‬س� � ��واء ملصلحة مكاملة واحدة أو‬

‫(‪)1‬‬

‫( ) ‪Using Smart Redundancy to Send Messages‬‬ ‫(‪Network coding )1‬‬

‫‪55‬‬


‫[كيفية العمل]‬

‫غ ِّير استطاعة اإلرسال لدرء التداخل‬

‫( )‬

‫على الشبكات الالسلكية التلقائية أن تتعامل مع مشكالت التداخل العويصة التي حتصل عندما يقوم كثير من األجهزة باإلرسال في آن واحد‪ ،‬حيث يصبح من‬ ‫الصعب استخراج تيار بيانات واحد من ضجيج التداخل‪ .‬وإحدى طرائق جتاوز هذه العقبة هي جعل األجهزة تغيِّر شدَّة إشاراتها‪ .‬وتعمل هذه الطريقة بنجاح‬ ‫ِ‬ ‫واملستقبالت‪ ،‬فهو موضوع بحث جار‪.‬‬ ‫املرسالت‬ ‫في حالة وجود مرس َلينْ ومستقبل واحد‪ .‬أما جعلها تعمل مع عدد أكبر من‬ ‫ِ‬

‫لذا يستطيع املستقبل كشف ‪‬‬ ‫ما أرسله املرسل القوي‪،‬‬ ‫فيطرح إشارته من اإلشارة‬ ‫املختلطة ويحصل على‬ ‫اإلشارة الضعيفة‪.‬‬

‫املؤلفات‬ ‫ ‪Michelle Effros - Andrea Goldsmith‬‬‫‪Muriel Médard‬‬

‫صديقات ومتعاونات منذ مدة‬ ‫طويلة‪ .‬و>إ ّفروس< أستاذة الهندسة‬ ‫الكهربائية في معهد كاليفورنيا للتقانة‪.‬‬ ‫و>گولدسميث< أستاذة الهندسة‬ ‫الكهربائية في جامعة ستانفورد‪ ،‬وهي‬ ‫املؤسس املشارك للشركة ‪Quantenna‬‬ ‫‪ Communications‬التي تطور تقانة‬ ‫التشبيك الالسلكي‪ .‬و>مِ دارد< هي‬ ‫عضو الهيئة التدريسية في قسم‬ ‫الهندسة الكهربائية وعلم احلاسوب في‬ ‫ماساشوستس للتقانة‪.‬‬ ‫معهد َّ‬ ‫‪56‬‬

‫تشابه اإلشارة املخت َلطة ‪‬‬

‫الناجتة من اإلرسالني كثيرا‬ ‫اإلشارة القوية‪.‬‬

‫ملصلحة مكاملات عدة‪ ،‬يزداد احتمال التداخل‬ ‫فيما بينها أيضا‪ .‬عندئذ‪ ،‬وعلى غرار صعوبة‬ ‫فه� � ��م كالم حينما يتحدث كثير من الناس في‬ ‫آن واح� � ��د‪ ،‬يصبح من الصع� � ��ب على جهاز‬ ‫السلكي أن يكش� � ��ف املعلومات املرسلة حني‬ ‫حصول إرس� � ��االت أخرى بالقرب منه‪ .‬وهذه‬ ‫مش� � ��كلة عويصة في الش� � ��بكات الالسلكية‬ ‫التلقائي� � ��ة خاصة‪ ،‬وذلك بس� � ��بب عدم وجود‬ ‫نظام حتكم مركزي يعمل على التنسيق فيما‬ ‫بني األجهزة املشاركة في الشبكة‪.‬‬ ‫وميك� � ��ن معاجلة التداخل في الش� � ��بكات‬ ‫الالس� � ��لكية بطريقتني‪ .‬ف� � ��ي الطريقة األولى‪،‬‬ ‫يجري جتنب التصادم‪ .‬فإذا كانت اإلرساالت‬ ‫نادرة‪ ،‬كان احتمال تداخل رسالة مع أخرى‬ ‫صغيرا‪ .‬لذا‪ ،‬يقوم كل جهاز في هذه الطريقة‬ ‫بتجزئ� � ��ة املعلوم� � ��ات إل� � ��ى أج� � ��زاء صغيرة‬ ‫وإرسالها على شكل رشقات قصيرة‪ .‬ونظرا‬ ‫إل� � ��ى أنه من غير احملتم� � ��ل أن تقوم األجهزة‬ ‫املج� � ��اورة‪ ،‬الت� � ��ي ال يوج� � ��د تنس� � ��يق معها‪،‬‬ ‫باإلرس� � ��ال في الوقت نفسه فإن هذه الطريقة‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫يقوم جهازان بإرسال ‪‬‬

‫معلومات‪ ،‬إرسال أحدهما‬ ‫«قوي»‪ ،‬وإرسال اآلخر‬ ‫«ضعيف»‪.‬‬

‫تول� � ��د تداخال أق� � ��ل مما يحصل لو أرس� � ��ل‬ ‫املس� � ��تخدمون املعلوم� � ��ات على ش� � ��كل تيار‬ ‫مقايس ‪standard‬‬ ‫مستمر بطيء (يعتمد أكثر‬ ‫ِ‬ ‫شبكات احلواس� � ��يب الالسلكية شيوعا على‬ ‫طريقة الرشقات هذه‪).‬‬ ‫أما الطريقة الثانية‪ ،‬فتس� � ��مح ملرس � � �لَينْ‬ ‫بإرس� � ��ال معلومات إلى مس� � ��تقبل واحد في‬ ‫الوق� � ��ت نفس� � ��ه‪ ،‬إ ّال أنه� � ��ا تتطل� � ��ب أن يكون‬ ‫إرس� � ��ال أحدهما أضعف من إرسال اآلخر‪.‬‬ ‫تكلمت بص� � ��وت عال حينم� � ��ا يهمس‬ ‫ف� � ��إذا‬ ‫َ‬ ‫شخص آخر‪ ،‬فإنني أستطيع كشف رسالتك‬ ‫م� � ��ن دون صعوب� � ��ة [انظر َّ‬ ‫املؤط� � ��ر في هذه‬ ‫الصفحة]‪ .‬وإذا كان لدي تس� � ��جيل صوتي‪،‬‬ ‫فإني أستطيع إس� � ��قاط رسالتك منه لكشف‬ ‫الرسالة الضعيفة‪.‬‬ ‫لقد تب� �ي��ن أن الطريقة الثاني� � ��ة تتفوق في‬ ‫الش� � ��بكات التي ِ‬ ‫يرس� � ��ل فيها جه� � ��ازان فقط‬ ‫رس� � ��ائل يس� � ��تقبلها جهاز ثالث‪ ،‬لكن أداءها‬ ‫يتدهور بس� � ��رعة مع ازدياد عدد املُ ِ‬ ‫رس� � ��لني‪.‬‬ ‫( ) ‪Vary the Volume to Avoid Interference‬‬


‫يض� � ��اف إلى ذلك أن على املنظومة أن حت ِّدد‪،‬‬ ‫�ال ومن‬ ‫بطريق� � ��ة ما‪ ،‬من يرس� � ��ل بصوت ع� � � ٍ‬ ‫يرسل بصوت منخفض‪ .‬والتنسيق بحد ذاته‬ ‫يتطلب اتصاالت‪ ،‬وكلما ازداد اجلهد املبذول‬ ‫في التنسيق‪َّ ،‬‬ ‫قل عرض احلزمة ‪bandwidth‬‬ ‫الترددية املتاح لك لالتصال‪ .‬وحتديد الطريقة‬ ‫املمكنة الفضلى ما زال موضوع بحث جار‪.‬‬ ‫أدوات جديدة‬

‫( )‬

‫صحيح أن الشبكات التلقائية مفيدة في‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫كثير من احلاالت‪ ،‬إال أنه قد يكون من الصعب‬ ‫حتدي� � ��د مدى تلك الفائدة متاما؛ حتى إنه ملن‬ ‫الصعب اإلجابة عن األس� � ��ئلة البسيطة التي‬ ‫تخ� � ��ص حدود أدائها‪ .‬ما هو معدل إرس� � ��ال‬ ‫املعلومات الذي ميكننا استخدامه فيها؟ كيف‬ ‫يعتمد هذا املعدل على عدد األجهزة املوجودة‬ ‫في الش� � ��بكة‪ ،‬وعلى مقدار التداخل فيما بني‬ ‫إرس� � ��االتها؟ م� � ��اذا يحصل عندم� � ��ا تتحرك‬ ‫جمي� � ��ع األجهزة التي في الش� � ��بكة؟ وما هي‬ ‫املقايضات املمكنة بني معدل نقل املعلومات‪،‬‬ ‫والتأخير املترتب على وصولها إلى مصبها‪،‬‬ ‫ومناعة املنظومة؟‬ ‫إن أهمي� � ��ة احلصول على ح� � ��دود األداء‬ ‫اجلوهري� � ��ة تلك كبيرة ج� � ��دا‪ .‬فتلك املعلومات‬ ‫توفر ملصممي الش� � ��بكة تقنيات جديدة ميكن‬ ‫تضمينها في تصاميمهم‪ ،‬وتساعد الباحثني‬ ‫على حتديد أي� � ��ن ميكن حتقيق أكبر ربح في‬ ‫الشبكات القائمة‪ .‬و ُيضاف إلى ذلك أن معرفة‬ ‫تل� � ��ك احلدود مت ِّكن مصممي الش� � ��بكات من‬ ‫حتديد األفضليات املتنافس� � ��ة من قبيل معدل‬ ‫نقل املعلوم� � ��ات والتأخي� � ��ر واحتمال ضياع‬ ‫املعلومات‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬تتأثر املكاملات‬ ‫الهاتفي� � ��ة واملؤمترات من ُب ْع� � ��د كثيرا بتأخر‬ ‫وصول املعلومات‪ .‬فالتأخير الطويل‪ ،‬ومعدل‬ ‫وصول رزم املعلومات غير املتناس� � ��ق‪ ،‬ميكن‬ ‫أن ُيحدِ ث� � ��ا ُّ‬ ‫تقطعات في الص� � ��وت والصورة‬ ‫املنقولني جتعل التخاطب صعبا‪ .‬لذا‪ ،‬عندما‬ ‫يفه� � ��م املصممون بنية الش� � ��بكة املعنية التي‬ ‫يعمل� � ��ون بها‪ ،‬يس� � ��تطيعون برمجة كل تطبيق‬ ‫لتحديد أفضليات احتياجاته‪ ،‬من قبيل معدل‬

‫التأخير املنخفض في حالة املكاملات الهاتفية‪،‬‬ ‫أو معدل ضياع رزم املعلومات املنخفض في‬ ‫حالة إرسال الوثائق املهمة‪.‬‬ ‫إال أنه من الصعب حتقيق هذا النوع من‬ ‫الفهم للشبكات التلقائية‪ ،‬ألنها دائمة التغ ُّير‪.‬‬ ‫لــذا‪ ،‬ولفه� � ��م اإلمكانـــات النهائيـــة للش� � ��بكة‪،‬‬ ‫ال ميكن االعتماد على مج� � ��رد قياس أدائها‬ ‫احلال� � ��ي‪ ،‬بل يج� � ��ب حتديد أدائه� � ��ا في كل‬ ‫تشكيلة ممكنة لها‪.‬‬ ‫وقد اتبعنا نهجا جديدا في معاجلة هذه‬ ‫املشكلة ُينمذج الشبكات الالسلكية التلقائية‬ ‫بشيء أش� � ��د وضوحا نس� � ��تطيع فهمه‪ ،‬أي‬ ‫الشبكات السلكية العادية‪ .‬ففي جعبتنا من‬ ‫األدوات التي ابتكره� � ��ا علماء املعلومات ما‬ ‫يزيد على نتاج عمل دام ستة عقود لدراسة‬ ‫تدفق املعلومات عبر الش� � ��بكات الس� � ��لكية‪.‬‬ ‫وهذه الشبكات ال تعاني مشكالت التداخل‬ ‫وع َق� � ��د االتصال فيها ال تغير‬ ‫‪ُ ،interference‬‬ ‫مواقعها‪ .‬فإذا أردنا دراسة شبكة السلكية‬ ‫معين� � ��ة‪ ،‬منذجناه� � ��ا أوال باعتبارها ش� � ��بكة‬ ‫سلكية متتلك بعض السمات األساسية من‬ ‫سمات الشبكة الالس� � ��لكية‪ .‬وبعدئذ ميكننا‬ ‫توصي� � ��ف إمكانات األداء الكاملة للش� � ��بكة‬ ‫التلقائية باس� � ��تخدام مواصف� � ��ات النموذج‬ ‫باعتبارها دليال‪.‬‬ ‫وتس� � ��اعدنا ه� � ��ذه اإلجرائي� � ��ة عل� � ��ى بناء‬ ‫شبكات ذات أداء أفضل‪ ،‬ألننا نستطيع فهم‬ ‫مضامني خياراتنا التصميمية‪ .‬وهي تس� � ��مح‬ ‫لنا أيضا بتحدي� � ��د املواضع التي تعمل فيها‬ ‫طرائقنا على نحو جي� � ��د‪ ،‬وأين ميكن إدخال‬ ‫حتسينات جديدة‪.‬‬ ‫ولك ْن حت� � ��ى بتو ُّفر تل� � ��ك األدوات‪ ،‬فإننا‬ ‫ال نتوقع أن حتل الش� � ��بكات التلقائية محل‬ ‫الشبكات اخللوية املوجودة‪ .‬أما في احلاالت‬ ‫االس� � ��تثنائية التي تك� � ��ون فيها الش� � ��بكات‬ ‫التلقائية ضرورية‪ ،‬فإن تلك األدوات س� � ��وف‬ ‫مت ِّك� � ��ن من الفه� � ��م الكام� � ��ل لإلمكانات التي‬ ‫سوف متتلكها الشبكة‪ ،‬خاصة حيث توجد‬ ‫>‬ ‫حاجة ماسة إليها‪.‬‬

‫لفهم اإلمكانات‬ ‫النهائية للشبكة‪،‬‬ ‫عليك حتديد‬ ‫الكيفية التي سوف‬ ‫تتصرف بها في كل‬ ‫تشكيلة ممكنة‪.‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, April 2010‬‬

‫( ) ‪New Tools‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪57‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫هل ميكن لنقص األغذية‬

‫أن يؤدي إلى انهيار احلضارة؟‬

‫(٭)‬

‫إن أكبر خطر يهدد االستقرار العاملي هو احتمال حدوث أزمات في تأمني األغذية للبلدان‬ ‫الفقيرة يؤدي إلى انهيار حكوماتها‪ .‬تلك األزمات التي يسببها استمرار تفاقم التدهور البيئي‪.‬‬ ‫>‪ .R .L‬براون<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫تتسبب ندرة األغذية وما‬ ‫ينتج منها من ارتفاع في‬ ‫أسعارها في انزالق البلدان‬ ‫الفقيرة نحو حالة من‬ ‫الفوضى‪.‬‬

‫>‬

‫هذه «الدول الفاشلة» ميكن‬ ‫أن تصدر املرض واإلرهاب‬ ‫واملخدرات واألسلحة‬ ‫والالجئني‪.‬‬

‫>‬

‫إن النقص في املياه وفقدان‬ ‫التربة الزراعية وارتفاع‬ ‫درجات احلرارة نتيجة‬ ‫الحترار األرض‪ ،‬تفرض قيودا‬ ‫قاسية على إنتاج األغذية‪.‬‬

‫>‬

‫يرى الكاتب أنه بغير التدخل‬ ‫بقوة وسرعة ملواجهة هذه‬ ‫العوامل البيئية الثالثة‪ ،‬فإن‬ ‫سلسلة من انهيار احلكومات‬ ‫ميكن أن تهدد النظام العاملي‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪58‬‬

‫م� � ��ن أصعب األمور على اإلنس� � ��ان التنبؤ‬ ‫بتغي� � ��ر مفاجئ‪ .‬فنحن نتنبأ باملس� � ��تقبل عادة‬ ‫من خالل استقرائنا لالجتاهات التي سادت‬ ‫في املاضي‪ .‬ويعمل هذا األسلوب بنجاح في‬ ‫معظم األحيان‪ .‬غير أن إخفاقه يكون ش� � ��ديدا‬ ‫في بعض األحيان‪ ،‬ويفاجأ الناس ببس� � ��اطة‬ ‫بأحداث من قبيل األزمة االقتصادية احلالية‪.‬‬ ‫وبالنس� � ��بة إل� � ��ى معظمنا قد تب� � ��دو فكرة‬ ‫انهي� � ��ار احلضارة ذاتها منافية للمنطق‪ .‬فمن‬ ‫ذا ال� � ��ذي ال يجد صعوبة ف� � ��ي أن يأخذ على‬ ‫محمل اجلد فكرة االنفصال التام ع ّما نتوقعه‬ ‫من حياتن� � ��ا العادية؟ ما األدلة التي ميكن أن‬ ‫جتعلن� � ��ا نكترث بتحذير عل� � ��ى هذا القدر من‬ ‫الكآبة ‪ -‬وكيف س� � ��يكون تصرفنا حياله؟ لقد‬ ‫اعتدنا على قائمة طويل� � ��ة من الكوارث التي‬ ‫نعتب� � ��ر احتمال حدوثها ضئي� �ل��ا لدرجة أننا‬ ‫أصبحنا عمليا مبرمجني على رفض احتمال‬ ‫وقوعها جميعا بإش� � ��احة م� � ��ن اليد‪ :‬بالتأكيد‬ ‫ميك� � ��ن حلضارتن� � ��ا أن تنقلب إل� � ��ى حالة من‬ ‫الفوضى ‪ -‬كما أن األرض ميكن أن تصطدم‬ ‫بأحد الكواكب السيارة أيضا!‬ ‫لس� � ��نوات عدي� � ��دة‪ُ ،‬د ِرس� � ��ت االجتاهات‬ ‫العاملي� � ��ة الزراعي� � ��ة والس� � ��كانية والبيئي� � ��ة‬ ‫واالقتصادية وما يحدث بينها من تفاعالت‪.‬‬ ‫وتش� � ��ير اآلثار املجتمعة لهذه االجتاهات وما‬ ‫ينجم عنها من توترات سياس� � ��ية إلى انهيار‬ ‫حكوم� � ��ات ومجتمعات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد قا َو ْم ُت‬ ‫أيضا فكرة أن� � ��ه من املمكن لنقص الغذاء أن‬

‫يؤدي إل� � ��ى تقويض ليس احلكومات املنفردة‬ ‫فحسب‪ ،‬بل حضارتنا العاملية أيضا‪.‬‬ ‫ول� � ��م يعد بوس� � ��عي جتاه� � ��ل ذاك اخلطر‪.‬‬ ‫فإخفاقنا املس� � ��تمر في التعامل مع أش� � ��كال‬ ‫التدهور البيئي الذي يق ّوض أسس االقتصاد‬ ‫الغذائي العاملي ‪ -‬وأهمها انخفاض منسوب‬ ‫املي� � ��اه اجلوفية‪ ،‬وتده� � ��ور الترب� � ��ة‪ ،‬وارتفاع‬ ‫درجات احلرارة ‪ -‬يحملني على أن أس� � ��تنتج‬ ‫أن حدوث هذا االنهيار أمر ممكن‪.‬‬ ‫مشكلة دول فاشلة‬

‫( )‬

‫إن مج� � ��رد نظ� � ��رة عابرة إلى املؤش� � ��رات‬ ‫األساسية لنظامنا العاملي احلالي تقدم دعما‬ ‫غي� � ��ر مرغوب فيه لالس� � ��تنتاج الذي توصلت‬ ‫إليه‪ .‬وق� � ��د دخل من يعمل� � ��ون منا في مجال‬ ‫البيئ� � ��ة في العق� � ��د الثالث من رس� � ��م خريطة‬ ‫اجتاه� � ��ات التدهور البيئ� � ��ي من دون أن نرى‬ ‫جهدا ملموسا يبذل لتصحيح مسار أي من‬ ‫هذه االجتاهات‪.‬‬ ‫في ست من الس� � ��نوات التسع املاضية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قل إنت� � ��اج العالم من احلب� � ��وب الغذائية عن‬ ‫استهالكه‪ ،‬مما س � � � ّبب بالضرورة انخفاضا‬ ‫مط� � ��ردا في الكميات املخزون� � ��ة‪ .‬وعندما بدأ‬ ‫موسم احلصاد في العام ‪ ،2008‬كان املخزون‬ ‫املرح� � ��ل م� � ��ن احلب� � ��وب الغذائي� � ��ة (الكميات‬ ‫املوج� � ��ودة في الصوامع عن� � ��د بدء احلصاد‬ ‫اجلديد) يكفي الس� � ��تهالك ‪ 62‬يوما‪ ،‬وهو رقم‬ ‫( ) ?‪COULD FOOD SHORTAGES BRING DOWN CIVILIZATION‬‬ ‫( ) ‪The Problem of Failed States‬‬


‫يقترب من املستوى القياسي األدنى‪ .‬ونتيجة‬ ‫لذل� � ��ك‪ ،‬ارتفعت األس� � ��عار العاملي� � ��ة للحبوب‬ ‫الغذائية في ربيع عام ‪ 2008‬وصيفه إلى أعلى‬ ‫مستوى لها على اإلطالق‪.‬‬ ‫ومع تزاي� � ��د الطلب على األغذي� � ��ة بوتيرة‬ ‫أس� � ��رع من تزايد الكميات املعروضة‪ ،‬فرض‬ ‫تضخم أسعار األغذية الناجت من ذلك ضغوطا‬ ‫قاس� � ��ية على حكومات بلدان تتأرجح مسبقا‬ ‫على حافة الفوضى؛ حيث خرج اجلياع غير‬ ‫القادري� � ��ن على ش� � ��راء احلب� � ��وب الغذائية أو‬ ‫زراعتها بأنفس� � ��هم إلى الشوارع‪ .‬وبالتأكيد‪،‬‬ ‫حتى قبل االرتفاع السريع في أسعار احلبوب‬ ‫الغذائية عام ‪ 2008‬ازداد عدد الدول الفاشلة‬ ‫[انظر العمود في ميني الصفحة ‪ .]60‬ويرجع‬ ‫السبب في كثير من مشكالت هذه الدول إلى‬ ‫اإلخف� � ��اق في كبح جماح الزيادة الس� � ��كانية‪.‬‬ ‫غي� � ��ر أن اس� � ��تمرار تدهور احلال� � ��ة الغذائية‬ ‫سيس � � � ّرع من معدل انهيار دول بأكملها‪ .‬لقد‬ ‫دخلنا حقبة جديدة من اجلغرافيا السياسية‪.‬‬ ‫وعلى حني كان التهديد األكبر لألمن العاملي‬ ‫في القرن العش� � ��رين هو الصراع بني القوى‬ ‫الكبرى‪ ،‬بات هذا التهديد اليوم يتمثل بالدول‬ ‫الفاش� � ��لة‪ .‬لم نعد نتع� � ��رض للتهديد من تركز‬ ‫السلطة‪ ،‬بل من غيابها‪.‬‬ ‫تنه� � ��ار ال� � ��دول عندما تعج� � ��ز احلكومات‬ ‫الوطنية عن توفير األمن الش� � ��خصي واألمن‬ ‫الغذائ� � ��ي واخلدمات االجتماعية األساس� � ��ية‬ ‫كالتعليم والرعاي� � ��ة الصحية‪ .‬وغالبا ما تفقد‬ ‫احلكومات س� � ��يطرتها على أرضها كلها أو‬ ‫عل� � ��ى جزء منه� � ��ا‪ .‬وعندما تفق� � ��د احلكومات‬ ‫احتكارها للس� � ��لطة‪ ،‬يبدأ القان� � ��ون والنظام‬ ‫بالتفكك‪ .‬وبعد نقط� � ��ة معينة‪ ،‬ميكن للدول أن‬ ‫تصل إلى درجة م� � ��ن اخلطورة ال يجد معها‬ ‫موظفو اإلغاثة الغذائية األمان ويضطرون إلى‬ ‫وقف برامجهم‪ .‬ففي الصومال وأفغانستان‪،‬‬ ‫بات� � ��ت األحوال املتدهورة ف� � ��ي هذين البلدين‬ ‫تهدد هذه البرامج فعال‪.‬‬ ‫وتثير الدول الفاشلة القلق على املستوى‬ ‫الدول� � ��ي ألنه� � ��ا تع � � � ّد مص� � ��درا لإلرهابيني‬ ‫واملخدرات والس� �ل��اح والالجئني‪ ،‬مما يهدد‬ ‫االس� � ��تقرار السياس� � ��ي في كل م� � ��كان‪ .‬وقد‬

‫أصبح� � ��ت الصوم� � ��ال‪ ،‬وهي الدول� � ��ة األولى‬ ‫في قائمة الدول الفاش� � ��لة عام ‪ ،2008‬قاعدة‬ ‫للقرصن� � ��ة‪ .‬وأصب� � ��ح العراق‪ ،‬ال� � ��ذي احتل‬ ‫املرتبة اخلامسة‪ ،‬مركزا لتدريب اإلرهابيني‪.‬‬ ‫كما تعد أفغانس� � ��تان‪ ،‬الت� � ��ي تأتي في املرتبة‬ ‫الس� � ��ابعة‪ ،‬املو ّرد األول للهيروين في العالم‪.‬‬ ‫وفي أعقاب اإلبادة اجلماعية التي جرت عام‬ ‫‪ 1994‬في رواندا‪ ،‬أس� � ��هم الالجئون من هذه‬ ‫الدولة املضطربة‪ ،‬وبينه� � ��م آالف من اجلنود‬ ‫املس� � ��لحني‪ ،‬في حرمان جمهوري� � ��ة الكونگو‬ ‫الدميقراطية املجاورة (والتي تأتي في املرتبة‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫أطفال يتزاحمون على الطعام في‬ ‫قرية دوبي ‪ ،Dubie‬بجمهورية الكونگو‬ ‫الدميقراطية‪ .‬التقطت هذه الصورة في‬ ‫الشهر ‪.2005/12‬‬

‫‪59‬‬


‫[اإلجهاد الغذائي في ازدياد]‬

‫أرقام تسير‬ ‫في االجتاه اخلطأ‬

‫زيادة اجلوع في الدول السبعني األقل منوا في دول العالم‬

‫( )‬ ‫‪1997‬‬

‫متثل صورة كل إنسان ‪ 200‬مليون نسمة‬ ‫‪0‬‬

‫‪10‬‬

‫‪20‬‬

‫‪30‬‬

‫‪40‬‬

‫‪50‬‬

‫‪60‬‬

‫‪70‬‬

‫‪80‬‬

‫‪90‬‬

‫‪100‬‬

‫مخزون احلبوب الغذائية‬ ‫املرحل في العالم‪ 108 :‬أيام‬

‫عدد األشخاص الذين يعانون نقص التغذية‪ 980 :‬مليونا العدد اإلجمالي للسكان ‪ 3080‬مليونا‬ ‫‪2007‬‬

‫يرتف���ع الع���دد املطل���ق والنس���بة املئوي���ة‬ ‫لألش���خاص الذين يعانون نقص تغذية‬ ‫مزم���ن ف���ي ال���دول الس���بعني األق���ل‬ ‫من���وا في العالم‪ ،‬ف���ي حني تتراجع‬ ‫كمي���ات األغذي���ة االحتياطي���ة في‬ ‫العال���م الت���ي تتمث���ل باملخ���زون‬ ‫املرح���ل (كمية احلبوب الغذائية‬ ‫املوج���ودة ف���ي الصوامع عند‬ ‫بداية احلصاد اجلديد)‪.‬‬

‫عدد األشخاص الذين يعانون نقص التغذية‪ 775 :‬مليونا العدد اإلجمالي للسكان ‪ 2550‬مليونا‬

‫‪0‬‬

‫‪10‬‬

‫‪20‬‬

‫‪30‬‬

‫‪40‬‬

‫‪50‬‬

‫‪60‬‬

‫مخزون احلبوب الغذائية املرحل في العالم‪ 62 :‬يوما‬

‫عدد األشخاص الذين يعانون نقص التغذية‪ 1200 :‬مليون (املتوقع) العدد اإلجمالي للسكان ‪ 3650‬مليونا (املتوقع)‬ ‫‪2017‬‬

‫مخزون احلبوب الغذائية املرحل في العالم‪ :‬لم يتم حتديد الكمية املتوقعة‬

‫املصدر‪:‬‬

‫‪U.S. Department of Agriculture, 2008; U.S. Census Bureau‬‬

‫( )‬

‫دول فاشلة‬

‫في كل عام‪ ،‬يشترك صندوق السالم‬ ‫ومؤسسة كارنيگي للسالم الدولي في‬ ‫إعداد حتليل وتصنيف لدول العالم بناء‬ ‫على ‪ 12‬مؤشرا اجتماعيا واقتصاديا‬ ‫وسياسيا وعسكريا لبيان درجة‬ ‫الرفاهية القومية‪ .‬وفيما يلي قائمة‬ ‫بالعشرين بلدا األقرب إلى االنهيار في‬ ‫العالم صنفت من األسوأ إلى األفضل‬ ‫وفقا للدرجات املجمعة التي حصلت‬ ‫عليها هذه البلدان في عام ‪:2007‬‬

‫> الصومال‬ ‫> السودان‬ ‫> زميبابوي‬ ‫> تشاد‬ ‫> العراق‬ ‫> جمهورية الكونگو الدميقراطية‬ ‫> أفغانستان‬ ‫> ساحل العاج‬ ‫> پاكستان‬ ‫> جمهورية إفريقيا الوسطى‬ ‫> غينيا‬ ‫> بنگالديش‬ ‫> بورما (ميامنار)‬ ‫> هاييتي‬ ‫> كوريا الشمالية‬ ‫> إثيوپيا‬ ‫> أوغندا‬ ‫> لبنان‬ ‫> نيجيريا‬ ‫> سري النكا‬ ‫املصدر‪«The Failed States Index 2008,» :‬‬ ‫‪by the Fund for Peace and the Carnegie‬‬ ‫‪Endowment for International Peace, in‬‬ ‫‪Foreign Policy; July/August 2008‬‬

‫‪60‬‬

‫السادسة) من االستقرار‪.‬‬ ‫تعتمد حضارتنا العاملية على شبكة عاملة‬ ‫من الدول ‪ -‬القومية التي تعيش حياة سياسية‬ ‫صحيحة‪ ،‬ف� � ��ي مكافحة انتش� � ��ار األمراض‬ ‫املعدي� � ��ة‪ ،‬وإدارة النظ� � ��ام النق� � ��دي العاملي‪،‬‬ ‫والس� � ��يطرة على اإلره� � ��اب الدولي‪ ،‬وحتقيق‬ ‫عشرات من األهداف املشتركة األخرى‪ .‬وإذا‬ ‫انهارت منظومة مكافحة األمراض املعدية ‪-‬‬ ‫كشلل األطفال‪ ،‬أو املتالزمة التنفسية احلادة‬ ‫الوخيم� � ��ة (س� � ��ارس ‪ ،)SARS‬أو إنفلون� � ��زا‬ ‫الطيور ‪ -‬فس� � ��وف تواجه البش� � ��رية متاعب‪.‬‬ ‫ومع انهيار الدول‪ ،‬لن يكون هناك من يتحمل‬ ‫مسؤولية تسديد ديونها للمقرضني األجانب‪.‬‬ ‫وإذا تفكك عدد كاف من الدول‪ ،‬فسوف يهدد‬ ‫انهيارها استقرار احلضارة العاملية ذاتها‪.‬‬ ‫نوع جديد من نقص األغذية‬

‫( )‬

‫اكتس� � ��ب االرتفاع املفاجئ في األسعار‬ ‫العاملية للحبوب في ‪ 2007‬و ‪ - 2008‬وما ميثله‬ ‫م� � ��ن تهديد لألمن الغذائ� � ��ي ‪ -‬طابعا مختلفا‬ ‫يثير من القلق أكثر مما أثارته الزيادات التي‬ ‫حدثت في املاضي‪ .‬وكانت أس� � ��عار احلبوب‬ ‫الغذائية قد ش� � ��هدت ارتفاعا ش� � ��ديدا مرات‬ ‫عدة في النصف الثاني من القرن العشرين‪.‬‬ ‫فف� � ��ي عام ‪ ،1972‬على س� � ��بيل املث� � ��ال‪ ،‬أدرك‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫الس� � ��وڤييت َ‬ ‫ض ْعف موس� � ��م احلصاد لديهم‬ ‫مبكرا‪ ،‬ولذا حاصروا س� � ��وق القمح العاملي‬ ‫بهدوء‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ارتفعت أس� � ��عار القمح‬ ‫ف� � ��ي مناط� � ��ق أخ� � ��رى بأكثر م� � ��ن الضعف‪،‬‬ ‫ورفعت معها أس� � ��عار األرز والذرة‪ .‬غير أن‬ ‫هذه الصدمة وغيرها من صدمات األس� � ��عار‬ ‫كانت تعود إلى حوادث معينة‪ ،‬كاجلفاف في‬ ‫االحتاد الس� � ��وڤييتي الس� � ��ابق‪ ،‬وعدم هبوب‬ ‫الرياح املوس� � ��مية في الهند‪ ،‬وارتفاع درجة‬ ‫احلرارة ال� � ��ذي أدى إلى انكماش احملاصيل‬ ‫في حزام الذرة في الواليات املتحدة‪ .‬وكانت‬ ‫هذه االرتفاعات تستمر لفترات قصيرة ‪ :‬فقد‬ ‫كانت ع� � ��ادة تعود إلى حالته� � ��ا الطبيعية في‬ ‫موسم احلصاد التالي‪.‬‬ ‫وعل� � ��ى العكس م� � ��ن ذلك‪ ،‬ف� � ��إن االرتفاع‬ ‫الضخم األخير في أس� � ��عار احلبوب الغذائية‬ ‫ف� � ��ي العالم ناج� � ��م عن اجتاهات ف� � ��ي التغير‪،‬‬ ‫ولذلك فم� � ��ن غير احملتمل أن تعود األس� � ��عار‬ ‫إلى سيرتها األولى من دون عكس مسار هذه‬ ‫االجتاهات‪ .‬وعلى جانب الطلب‪ ،‬تش� � ��مل هذه‬ ‫االجتاه� � ��ات اإلضافة اجلارية إل� � ��ى أكثر من‬ ‫‪ 70‬مليون نس� � ��مة كل ع� � ��ام؛ والزيادة في عدد‬ ‫األش� � ��خاص الذين ينتقلون إلى درجات أعلى‬ ‫( ) ‪Numbers That Go the Wrong Way‬‬ ‫( ) ‪FAILING STATES‬‬ ‫( ) ‪A New Kind of Food Shortage‬‬


‫العوامل الرئيسية في نقص األغذية‬

‫( )‬

‫تظهر الندرة املنتش����رة لألغذية كس����بب رئيس����ي النهيار الدول‪ .‬وينش����أ النقص في األغذية عن‬ ‫ش����بكة معق����دة من األس����باب واآلثار والنتائج تزي����د تفاعالتها غالبا من اش����تداد تأثير أي عامل‬ ‫واحد منها منفردا‪ .‬وتظهر في الشكل بعض أكثر العوامل شيوعا‪ .‬ويذهب الكاتب إلى أن حاالت‬ ‫نقص األغذية اليوم ليست وليدة إخفاق احملصول ملرة واحدة أو ألسباب تتعلق بحالة الطقس‪،‬‬ ‫بل هي نتيجة ألربعة اجتاهات حاس����مة على املدى الطويل (في األس����فل)‪ :‬النمو السريع في عدد‬ ‫السكان وفقدان التربة السطحية وانتشار حاالت نقص املياه وارتفاع درجات احلرارة‪.‬‬

‫يؤدي إلى احلرث‬ ‫اجلائر والرعي اجلائر‪،‬‬ ‫فيتسبب في‬

‫زيادة أعداد‬ ‫السكان‬

‫ارتفاع درجات احلرارة‬

‫فقدان التربة السطحية‬

‫تزايد حاالت نقص املياه‬ ‫يؤد‬ ‫ي إلى زيا‬

‫يؤد‬

‫دة الطلب‬

‫ي إلى فيضا‬

‫على ال‬ ‫طاقة‪ ،‬ومن‬

‫يؤدي إلى‬

‫ثم‬

‫زيادة الطاقة املولدة‬ ‫من الوقود األحفوري‬

‫ارتفاع مستوى‬ ‫سطح البحر‬

‫ال‬

‫ى زيادة ال‬

‫ارتفاع درجة‬ ‫حرارة العالم‬

‫يتسبب في‬

‫طلب على‬ ‫األغذية‪ ،‬ف‬

‫طلب على الري‬

‫يؤدي إل‬

‫انخفاض في غلة‬ ‫احملصول‬

‫نات ساحلية‪،‬‬

‫الضخ من آبار‬ ‫أعمق‬ ‫يستدعي‬

‫متلح مكامن‬ ‫املياه الساحلية‬

‫تتسبب في‬

‫في سلس� � ��لة الغذاء ليستهلكوا منتجات الثروة‬ ‫احليوانية التي تعتمد على االستهالك الكثيف‬ ‫للحب� � ��وب(‪)1‬؛ وحتويل جزء كبي� � ��ر من احلبوب‬ ‫الغذائية األمريكية إلى إنتاج وقود اإليثانول‪.‬‬ ‫يتباي� � ��ن الطلب اإلضافي عل� � ��ى احلبوب‬ ‫الغذائية املقترن بزيادة الرفاه‪ ،‬تباينا واسعا‬ ‫من بل� � ��د إل� � ��ى آخر‪ .‬فالن� � ��اس ف� � ��ي البلدان‬ ‫املنخفضة الدخل حيث توفر احلبوب الغذائية‬ ‫‪ 60‬في املئة من الس� � ��عرات احلرارية‪ ،‬كالهند‬ ‫مثال‪ ،‬يستهلكون مباشرة أكثر بقليل من ‪454‬‬ ‫غراما من احلبوب الغذائية يوميا للفرد‪ .‬أما‬ ‫في بلدان الرف� � ��اه‪ ،‬كالواليات املتحدة وكندا‪،‬‬ ‫فيبلغ اس� � ��تهالك الفرد من احلبوب الغذائية‬ ‫أربع� � ��ة أضعاف ذلك تقريب� � ��ا‪ ،‬وإن كان نحو‬ ‫‪ 90‬في املئة منه يس� � ��تهلك بشكل غير مباشر‬ ‫على شكل حلوم وألبان وبيض من حيوانات‬ ‫تتغذى باحلبوب الغذائية‪.‬‬ ‫ثم� � ��ة احتم� � ��ال كبي� � ��ر لزيادة اس� � ��تهالك‬ ‫احلبوب الغذائية نتيجة الرتفاع الدخل بني‬ ‫املستهلكني من أصحاب الدخل املنخفض‪.‬‬ ‫ولكن هذا االحتمال يتضاءل إذا ما قورن‬ ‫بالطلب الذي ال يتوقف على وقود السيارات‬ ‫املص َّن� � ��ع من احملاصي� � ��ل الزراعية‪ .‬فصناعة‬ ‫وقود السيارات في الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫س� � ��وف تس� � ��تهلك ربع محاصي� � ��ل احلبوب‬ ‫الغذائية لهذا العام‪ ،‬وهي كمية تكفي إلطعام‬ ‫‪ 125‬ملي� � ��ون أمريكي أو نصف بليون هندي‬ ‫مبستويات االستهالك احلالية‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫وحتى إذا ُو ِّجه محصول احلبوب الغذائية‬ ‫األمريكية بأكمله إل� � ��ى صناعة اإليثانول‪،‬‬ ‫فإنه ل� � ��ن يكفي إال لتلبي� � ��ة ‪ 18‬في املئة فقط‬ ‫من احتياجات وقود السيارات األمريكية‪ .‬في‬ ‫حني أن كمية احلب� � ��وب الغذائية الالزمة مللء‬ ‫خزان سيارة عائلية سعة ‪ 25‬گالونا ميكن أن‬ ‫تطعم إنسانا ملدة عام كامل‪.‬‬ ‫يوح� � ��ي الدمج احلديث ب� �ي��ن اقتصاديات‬ ‫األغذي� � ��ة واقتصاديات الطاق� � ��ة أنه إذا كانت‬ ‫قيمة احلبوب كغ� � ��ذاء أقل من قيمتها كوقود‪،‬‬ ‫فس� � ��يعمل الس� � ��وق على نقل احلب� � ��وب إلى‬ ‫اقتصاد الطاق� � ��ة‪ .‬ويؤدي ازدواج هذا الطلب‬ ‫إلى تنافس حاد بني السيارات والناس على‬

‫[األسباب واآلثار]‬

‫جفاف‬ ‫وفيضانات‬

‫نقص‬ ‫في األغذية‬

‫دول فاشلة‬ ‫إم� � ��دادات احلب� � ��وب‪ ،‬كما ي� � ��ؤدي إلى ظهور‬ ‫قضية سياس� � ��ية وأخالقي� � ��ة ذات أبعاد غير‬ ‫مس� � ��بوقة‪ .‬فالواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬في‬ ‫محاولته� � ��ا املض ّللة للحد م� � ��ن االعتماد على‬ ‫( ) ‪Key Factors in Food Shortages‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‪«The Greenhouse Hamburger,» by Nathan Fiala; :‬‬ ‫‪Scientific American, February 2009‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪61‬‬


‫[انخفاض مناسيب املياه]‬

‫ميكن للري أن يؤدي إلى حاالت نقص حاد في املياه‬

‫( )‬

‫إن أكثر ما يستنفد كميات املياه العذبة هو الري الذي يستهلك ‪70‬‬ ‫في املئة من هذه املياه‪ .‬وللري أهمية كبرى في معظم أشكال الزراعة‬ ‫ذات الغلة العالية‪ ،‬غير أن كثيرا من مكامن املياه التي تزود‬ ‫محاصيل الري باملياه تستنفد بسرعة أكبر من قدرة‬ ‫املطر على إعادة تغذيتها‪ .‬إضافة إلى ذلك‪،‬‬ ‫فعندما يستغل املزارعون مكامن املياه‬ ‫«األحفورية» التي تختزن املياه من‬ ‫األزمنة القدمية في صخر ال تنفذ‬ ‫مضخة‬ ‫فيه مياه األمطار‪ ،‬فإنهم‬ ‫يستخرجون موردا‬ ‫غير قابل للتجدد‪ .‬كما‬ ‫أن ضخ املياه من آبار‬ ‫تزداد عمقا باستمرار‬ ‫ميثل مشكلة أخرى أيضا‪:‬‬ ‫فهو يستهلك الكثير من‬ ‫الطاقة‪ .‬ففي بعض واليات‬ ‫الهند‪ ،‬يستخدم نصف‬ ‫الكهرباء املـتاحة للوالية‬ ‫فـــي ضخ املياه‪.‬‬

‫طبقة صخرية كتيمة‬

‫احملصول‬

‫مكمن مائي‬ ‫ميكن جتديده‬

‫مكمن مائي أحفوري‬ ‫(مستنفد تقريبا)‬

‫النفط األجنبي بإحالل أنواع الوقود القائمة‬ ‫على احلب� � ��وب الغذائية مح� � ��ل النفط‪ ،‬تخلق‬ ‫حالة من انعدام األمن الغذائي على الصعيد‬ ‫العاملي لدرجة لم يشهدها العالم من قبل‪.‬‬ ‫نقص املياه يعني نقصا في األغذية‬

‫( )‬

‫إذن‪ ،‬ما الوضع بالنس� � ��بة إل� � ��ى الكميات‬ ‫املعروضة؟ إن االجتاهات البيئية الثالثة التي‬ ‫ذكرتها من قبل ‪ -‬نقص املياه العذبة ‪ ،‬وفقدان‬ ‫التربة الس� � ��طحية‪ ،‬وارتفاع درجات احلرارة‬ ‫(واآلثار األخ� � ��رى) لالحترار العاملي ‪ -‬جتعل‬ ‫من الصعب بصورة متزايدة زيادة املعروض‬ ‫العاملي من احلبوب الغذائية بالسرعة الكافية‬ ‫ملواكبة الطلب‪ .‬ومن بني جميع هذه االجتاهات‪،‬‬ ‫ميثل انتش� � ��ار نقص املي� � ��اه التهديد األقرب‪.‬‬ ‫والتحدي األعظم هنا هو الري الذي يستهلك‬ ‫‪ 70‬في املئ� � ��ة من املياه العذبة في العالم‪ .‬فثمة‬ ‫ماليني من آبار ال� � ��ري في بلدان كثيرة تضخ‬ ‫املياه اآلن من مصادر جوفية مبعدل أس� � ��رع‬ ‫‪62‬‬

‫م� � ��ن قدرة األمطار على إعادة ملئها‪ .‬والنتيجة‬ ‫هي انخفاض مناسيب املياه في بلدان يسكنها‬ ‫نصف سكان العالم‪ ،‬مبا فيها أكبر ثالث دول‬ ‫منتج� � ��ة للحب� � ��وب الغذائية ‪ -‬الص� �ي��ن والهند‬ ‫والواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫عادة ما تكون مكامن املياه اجلوفية قابلة‬ ‫للتجدد‪ ،‬غير أن ع� � ��ددا من أهم هذه املكامن‬ ‫ليس كذل� � ��ك‪ :‬كاملكام� � ��ن «األحفورية»‪ ،‬والتي‬ ‫يطلق عليها هذا االس� � ��م ألنها تختزن مياها‬ ‫قدمية ال تتجدد بهطل املطر‪ .‬وبالنس� � ��بة إلى‬ ‫ه� � ��ذه املكامن ‪ -‬مثل مكمن أوگاالال ‪Ogallala‬‬ ‫مبساحته الشاسعة والذي يقع حتت السهول‬ ‫العظمى في الواليات املتحدة‪ ،‬واملكمن املوجود‬ ‫ف� � ��ي اململكة العربي� � ��ة الس� � ��عودية‪ ،‬واملكامن‬ ‫املوجودة حتت س� � ��هل الصني الش� � ��مالي ‪-‬‬ ‫سيكون نضوبها مبثابة نهاية لعملية الضخ‪.‬‬ ‫وف� � ��ي األقاليم القاحلة ميكن أن يس� � ��بب هذا‬ ‫النضوب أيضا نهاية الزراعة بالكامل‪.‬‬ ‫وفي الصني ينخفض منسوب املياه حتت‬ ‫س� � ��هل الصني الشمالي بسرعة‪ ،‬وهي منطقة‬ ‫تنت� � ��ج أكثر من نصف كمية القمح وثلث كمية‬ ‫الذرة ف� � ��ي ذاك البلد‪ .‬وقد اس� � ��تهلك الضخ‬ ‫املفرط معظم املي� � ��اه في مكمن ضحل هناك‪،‬‬ ‫مم� � ��ا أجبر حفاري اآلبار عل� � ��ى التحول إلى‬ ‫املكم� � ��ن العميق في اإلقلي� � ��م وهو مكمن غير‬ ‫قاب� � ��ل للتج� � ��دد‪ .‬ويتنبأ تقرير للبن� � ��ك الدولي‬ ‫«بعواق� � ��ب كارثية لألجيال القادمة» ما لم يتم‬ ‫بسرعة استعادة التوازن بني استخدام املياه‬ ‫والكميات املتاحة منها‪.‬‬ ‫ومع انخفاض مناس� � ��يب املي� � ��اه اجلوفية‬ ‫وجفاف آبار الري انخفض محصول القمح‬ ‫في الصني‪ ،‬وه� � ��و أكبر محصول في العالم‪،‬‬ ‫بنسبة ‪ 8‬في املئة منذ وصل إلى ذروته بـ‪123‬‬ ‫ملي� � ��ون طن في عام ‪ .1997‬وفي الفترة ذاتها‪،‬‬ ‫انخفض إنتاج الصني من األرز بنسبة ‪ 4‬في‬ ‫املئ� � ��ة‪ .‬وقد تلجأ هذه الدولة‪ ،‬وهي أكبر بلدان‬ ‫العالم من حيث عدد الس� � ��كان‪ ،‬إلى استيراد‬ ‫كميات هائلة من احلبوب الغذائية‪.‬‬ ‫أما ف� � ��ي الهند‪ ،‬ف� � ��إن نقص املي� � ��اه يثير‬ ‫ق� � ��درا أكبر من القلق‪ .‬فالهامش الفاصل بني‬ ‫( ) ‪Irrigation Can Lead to Severe Water Shortages‬‬ ‫( ) ‪Water Shortages Mean Food Shortages‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬


‫اس� � ��تهالك األغذية والبقاء عل� � ��ى قيد احلياة‬ ‫هن� � ��اك أقل ثبات� � ��ا‪ .‬فقد انخفضت مناس� � ��يب‬ ‫املي� � ��اه في املاليني من آبار الري في كل والية‬ ‫تقريبا‪ .‬وكم� � ��ا ذكر >‪ .F‬پيرس< في مجلة نيو‬ ‫ساينتيست ‪:New Scientist‬‬ ‫َج� � � ّ‬ ‫�ف نصف اآلب� � ��ار التقليدي� � ��ة احملفورة‬ ‫يدويا وماليني من اآلبار األنبوبية الضحلة‬ ‫ف� � ��ي الهند مس� � ��بقا‪ ،‬وأدى ذلك إلى موجة‬ ‫م� � ��ن حاالت االنتح� � ��ار بني م� � ��ن يعتمدون‬ ‫على هذه اآلب� � ��ار‪ .‬ووصلت حاالت انقطاع‬ ‫التي� � ��ار الكهربائي إلى مس� � ��تويات وبائية‬ ‫ف� � ��ي الواليات التي يس� � ��تخدم فيها نصف‬ ‫الكهرباء لضخ املياه من أعماق تصل إلى‬ ‫كيلومتر واحد‪.‬‬

‫وتذكر دراس� � ��ة للبن� � ��ك الدولي أن ‪ 15‬في‬ ‫املئ� � ��ة م� � ��ن كمي� � ��ات األغذية في الهن� � ��د تنتج‬ ‫باستخراج املياه اجلوفية‪ .‬وبعرضها بطريقة‬ ‫أخرى‪ ،‬يستهلك ‪ 175‬مليون هندي حبوبا تنتج‬ ‫باستخدام ماء من آبار ري سوف تستنفد في‬ ‫املس� � ��تقبل القريب‪ .‬وميكن أن يؤدي التقلص‬ ‫املستمر في إمدادات املياه إلى حاالت نقص‬ ‫ف� � ��ي األغذية وصراع� � ��ات اجتماعية ال ميكن‬ ‫السيطرة عليها‪.‬‬

‫[تربة متآكلة]‬

‫األرض الصاحلة للزراعة تختفي‬

‫( )‬

‫إن التربة السطحية‪ ،‬وهي عامل حيوي آخر في‬ ‫احملافظة على كميات األغذية في العالم‪ ،‬هي‬ ‫أيضا في جوهرها مورد غير متجدد‪ :‬وحتى‬ ‫في نظام بيئي صحي تتوفر له الرطوبة‬ ‫الكافية واملواد العضوية وغير العضوية‪،‬‬ ‫قد يتطلب األمر مئات السنني لتكوين‬ ‫بوصة واحدة من التربة السطحية‪.‬‬ ‫وإذا اختفى الغطاء النباتي املث ّبت‬ ‫للتربة ‪ -‬عندما تقطع الغابات‬ ‫أو تتحول املراعي إلى أراض‬ ‫صحراوية بسبب اإلفراط في‬ ‫الرياح‬ ‫الرعي ‪ -‬ستفقد التربة‬ ‫السطحية بفعل‬ ‫الرياح واألمطار‪.‬‬ ‫كما تتعرض‬ ‫األرض الزراعية‬ ‫أيضا للتهديد‬ ‫نتيجة إنشاء‬ ‫الطرق واملباني‬ ‫واالستعماالت غير‬ ‫الزراعية األخرى‪.‬‬

‫مسيل‬ ‫أخدودي‬

‫محيط أو بحيرة‬

‫نقص التربة يعني زيادة اجلوع‬

‫( )‬

‫إن مجال االجتاه الثان� � ��ي املثير للقلق ‪-‬‬ ‫وه� � ��و فقدان التربة الس� � ��طحية ‪ -‬يثير الفزع كيف تهدد الدول‬ ‫( )‬ ‫أيضا‪ .‬فالتربة السطحية تتآكل بوتيرة أسرع الفاشلة اجلميع‬ ‫من تش� � ��كل الترب� � ��ة اجلديدة ف� � ��ي نحو ثلث عندما تعجز حكومة دولة من الدول‬ ‫عن توفير األمن أو اخلدمات األساسية‬ ‫األراضي الزراعية ف� � ��ي العالم‪ .‬فهذه الطبقة‬ ‫ملواطنيها‪ ،‬ميكن أن تترتب على الفوضى‬ ‫الرقيقة من العناصر املغذية احليوية للنبات‪ ،‬االجتماعية الناجتة من ذلك آثار سلبية‬ ‫خطيرة تتجاوز حدود هذه الدولة‪:‬‬ ‫والت� � ��ي متثل بحد ذاتها أس� � ��اس احلضارة‪،‬‬ ‫> انتشار األمراض‬ ‫استغرقت عصورا جيولوجية طويلة لتتكون‪،‬‬ ‫‪.............................................................‬‬ ‫وم� � ��ع ذل� � ��ك فعمقها ال يزيد عادة على س� � ��ت > توفير مالذ آمن لإلرهابيني‬ ‫والقراصنة‬ ‫بوص� � ��ات‪ .‬وكان فق� � ��دان ه� � ��ذه الطبقة بفعل‬ ‫‪.............................................................‬‬ ‫احلت الناجت من حركة الرياح واملياه س� � ��ببا > انتشار بيع املخدرات واألسلحة‬ ‫‪.............................................................‬‬ ‫في انهيار حضارات سابقة‪.‬‬ ‫> دعم التطرف السياسي‬ ‫وفي عام ‪ ،2002‬أجرى فريق تابع لألمم‬ ‫‪.............................................................‬‬ ‫املتحدة تقييما للحالة الغذائية في ليسوتّو‪ > ،‬توليد العنف والالجئني الذين ميكن‬ ‫أن يتدفقوا إلى الدول املجاورة‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫وهي بلد غير ساحلي صغير ُيؤوي مليوني‬ ‫نس� � ��مة ويق� � ��ع كل� � ��ه داخل ح� � ��دود جنوب‬ ‫أفريقيا‪ .‬كان� � ��ت النتيجة التي توصل إليها‬ ‫الفري� � ��ق واضحة متام� � ��ا‪« :‬تواجه الزراعة‬ ‫في ليس� � ��وتو مس� � ��تقبال كارثي� � ��ا؛ فإنتاج‬ ‫احملاصيل يتراج� � ��ع وقد يتوقف متاما في‬ ‫مساحات شاس� � ��عة من البلد إذا لم تتخذ‬ ‫اخلطوات الالزمة لتغيير مسار تآكل التربة‬ ‫وتدهورها وتناقص خصوبتها‪».‬‬ ‫وفي النص� � ��ف الغربي للك� � ��رة األرضية‪،‬‬ ‫حققت هاييتي ‪ -‬وهي واحدة من أولى الدول‬ ‫التي عرفت بأنها دولة فاش� � ��لة ‪ -‬قدرا كبيرا‬ ‫من االكتفاء الذاتي من احلبوب الغذائية قبل‬ ‫أربعني س� � ��نة‪ .‬غير أنها فقدت في الس� � ��نوات‬ ‫التالي� � ��ة جمي� � ��ع غاباتها تقريب� � ��ا والكثير من‬ ‫تربتها الس� � ��طحية‪ ،‬األمر الذي اضطرت معه‬ ‫إلى اس� � ��تيراد أكثر من نصف ما حتتاج إليه‬ ‫( ) ‪Less Soil, More Hunger‬‬ ‫( ) ‪Arable Land Is Disappearing‬‬ ‫( ) ‪HOW FAILED STATES THREATEN EVERYONE‬‬

‫‪63‬‬


‫[ارتفاع درجات احلرارة]‬

‫املناخ احلار يؤدي إلى انخفاض الغلة‬

‫( )‬

‫تشكلت الزراعة كما نعرفها‬ ‫اليوم بفعل نظام مناخي لم‬ ‫يتغير إال قليال عبر تاريخ‬ ‫الــــزراعة الـــذي يرجع إلى‬ ‫‪ 11 000‬عام‪ .‬ومت تطوير معظم‬ ‫احملاصيل لتحقيق أقصى‬ ‫إنتاج في ظل هذه الظروف‬ ‫الثابتة‪ .‬غير أن ارتفاع‬ ‫درجات احلرارة املتوقع‬ ‫بسبب االحترار العاملي سوف‬ ‫يؤدي إلى انخفاض غلة‬ ‫احملاصيل مقيسة بإنتاجية‬ ‫كل فدان يحصد‪ .‬ويعتقد‬ ‫علماء إيكولوجيا احملاصيل‬ ‫أنه في مقابل ارتفاع درجة‬ ‫احلرارة مبقدار درجة مئوية‬ ‫واحدة (‪ 1.8‬درجة فهرنهيت)‬ ‫عن املعتاد تنخفض غلة‬ ‫محاصيل القمح واألرز والذرة‬ ‫بنسبة ‪ 10‬في املئة‪.‬‬

‫نبات ذرة في حالة‬ ‫صحية جيدة‬ ‫نبات ذرة في‬ ‫حالة إجهاد‬

‫رهانات جانبية‬ ‫في لعبة سياسة‬ ‫( )‬ ‫األغذية‬ ‫حترص دول عديدة على تأمني كميات‬ ‫األغذية التي ستحتاج إليها في املستقبل‬ ‫عن طريق عقد الصفقات سرا مع الدول‬ ‫املنتجة للحبوب الغذائية للحصول‬ ‫عل حقوق الزراعة فيها‪ .‬ويؤدي هذا‬ ‫األسلوب إلى انكماش العرض بالنسبة‬ ‫إلى الدول املستوردة األخرى وارتفاع‬ ‫األسعار‪ .‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬ ‫>‬

‫تسعى الصني إلى استئجار أراض في‬ ‫أستراليا والبرازيل وبورما (ميامنار)‬ ‫وروسيا وأوغندا‪.‬‬

‫‪.............................................................‬‬

‫> تبحث اململكة العربية السعودية عن‬ ‫أراض زراعية في مصر وباكستان‬ ‫وجنوب أفريقيا والسودان وتايالند‬ ‫وتركيا وأوكرانيا‪.‬‬

‫‪.............................................................‬‬

‫> تبحث املؤسسات التجارية الزراعية‬ ‫الهندية عن أراض زراعية في باراغواي‬ ‫وأورغواي‪.‬‬

‫‪.............................................................‬‬

‫> تستأجر ليبيا ‪ 250 000‬فدان في‬ ‫أوكرانيا مقابل التنقيب عن النفط في‬ ‫حقول النفط الليبية‪.‬‬

‫‪.............................................................‬‬

‫> تسعى كوريا اجلنوبية إلى عقد صفقات‬ ‫للحصول على أراض في مدغشقر‬ ‫وروسيا والسودان‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫من احلبوب الغذائية‪.‬‬ ‫أما التهديد البيئي الثالث‪ ،‬والذي يعد أكثر‬ ‫التهديدات الت� � ��ي يتعرض لها األمن الغذائي‬ ‫انتش� � ��ارا ‪ -‬وهو ارتفاع درجة حرارة سطح‬ ‫األرض ‪ -‬فق� � ��د يؤثر ف� � ��ي غلة احملاصيل في‬ ‫كل مكان‪ .‬ففي بلدان كثيرة تزرع احملاصيل‬ ‫في درجات حرارته� � ��ا املثالية أو قريبا منها‪،‬‬ ‫وميك� � ��ن ألقل ارتفاع في درجة احلرارة أثناء‬ ‫موسم الزراعة أن يؤدي إلى نقص احلصاد‪.‬‬ ‫لقد أكدت دراسة نشرتها األكادميية الوطنية‬ ‫للعلوم في الواليات املتحدة األمريكية قاعدة‬ ‫يعرفها جميع علم� � ��اء إيكولوجيا احملاصيل‪:‬‬ ‫فمقاب� � ��ل ارتف� � ��اع درج� � ��ة مئوي� � ��ة واحدة من‬ ‫درجات احل� � ��رارة (‪ 1.8‬درجة فهرنهيت) فوق‬ ‫املعتاد‪ ،‬تنخفض غلة محاصيل القمح واألرز‬ ‫والذرة بنسبة ‪ 10‬في املئة‪.‬‬ ‫وف� � ��ي املاض� � ��ي‪ ،‬كما هو مش� � ��هور متاما‬ ‫عندم� � ��ا أدت االبت� � ��كارات ف� � ��ي اس� � ��تخدام‬ ‫األسمدة والري واألصناف العالية الغلة من‬ ‫القم� � ��ح واألرز إلى «الث� � ��ورة اخلضراء» في‬ ‫الستينات والس� � ��بعينات من القرن املاضي‪،‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫كانت االستجابة للطلب املتزايد على األغذية‬ ‫هي التطبيق الناج� � ��ح للزراعة العلمية‪ :‬احلل‬ ‫التقان� � ��ي‪ .‬أما هذه املرة‪ ،‬فمما يؤس� � ��ف له أن‬ ‫عددا كبيرا من أكثر الوسائل املتقدمة إنتاجا‬ ‫في مجال التقانة الزراعية قد وضعت مسبقا‬ ‫موضع التنفيذ‪ ،‬وهكذا تتباطأ باطراد الزيادة‬ ‫في إنتاجية األرض على األجل الطويل‪ .‬وبني‬ ‫عامي ‪ 1950‬و ‪ 1990‬حقق مزارعو العالم زيادة‬ ‫في غلة احلبوب الغذائية بنسبة أكثر من ‪ 2‬في‬ ‫املئة سنويا عن كل فدان‪ ،‬وكانت هذه النسبة‬ ‫أعلى من نس� � ��بة الزيادة السكانية‪ .‬ولكن منذ‬ ‫ذلك الوقت تناقص معدل النمو الس� � ��نوي في‬ ‫الغلة حتى وصل إلى نس� � ��بة تزيد قليال على‬ ‫واحد في املئة‪ .‬وفي بعض البلدان تظهر غلة‬ ‫احملاصيل قريبة من حدودها العملية‪ ،‬مبا في‬ ‫ذلك غالل األرز في اليابان والصني‪.‬‬ ‫يش� � ��ير بع� � ��ض املعلق� �ي��ن إلى س� �ل��االت‬ ‫احملاصيل احمل ّورة وراثيا كمخرج من مأزقنا‪.‬‬ ‫غير أنه مما يؤس� � ��ف له أن أيا من احملاصيل‬ ‫احملورة وراثيا لم يحق� � ��ق زيادات مؤثرة في‬ ‫الغل� � ��ة‪ ،‬مقارنة مبا حدث من زيادة غلة القمح‬ ‫واألرز إلى الضعفني أو ثالثة أضعاف أثناء‬ ‫الثورة اخلضراء‪ .‬وال يب� � ��دو أن ثمة احتماال‬ ‫ألن يحدث ذلك‪ ،‬ببس� � ��اطة ألن تقنيات تهجني‬ ‫النباتات التقليدية قد اس� � ��تنفدت فعال معظم‬ ‫احتماالت زيادة غلة احملاصيل‪.‬‬ ‫املناورة من أجل الغذاء‬

‫( )‬

‫مع انهيار األمن الغذائ� � ��ي العاملي بدأت‬ ‫تظهر سياس� � ��ة أمن غذائي تتسم باخلطورة‪:‬‬ ‫ففرادى البل� � ��دان التي تتص� � ��رف بدافع من‬ ‫مصاحله� � ��ا الذاتية الضيقة تزي� � ��د فعال من‬ ‫تفاقم احلالة الس� � ��يئة للكثي� � ��ر من الدول‪ .‬في‬ ‫عام ‪ 2007‬بدأ هذا االجتاه عندما جلأت بلدان‬ ‫مصدرة رئيس� � ��ية للقمح كروسيا واألرجنتني‬ ‫إلى احلد من صادراتها أو حظرها على أمل‬ ‫زيادة كميات األغذية املتاحة محليا‪ ،‬ومن َث ّم‬ ‫خفض أسعار الغذاء بشدة‪ .‬وحظرت ڤيتنام‪،‬‬ ‫ثان� � ��ي أكبر البلدان املصدرة لألرز في العالم‬ ‫( ) ‪Hotter Climate Will Reduce Yield‬‬ ‫( ) ‪SIDE BETS IN THE GAME OF FOOD POLITICS‬‬ ‫( ) ‪Jockeying for Food‬‬


‫[احللول]‬

‫ماذا ينبغي أن نفعل؟‬

‫( )‬

‫تتأل����ف اخلط����ة ‪ ،B‬وه����ي خارط����ة طريق‬ ‫يقترحه����ا الكات����ب لتصحي����ح مس����ار‬ ‫العوامل التي تهدد حضارتنا‪ ،‬من أربعة‬ ‫عناص����ر رئيس����ية‪ :‬جه����د هائ����ل خلفض‬ ‫انبعاث����ات الكرب����ون بحل����ول ع����ام ‪2020‬‬ ‫بنس����بة ‪ 80‬في املئة من املستويات التي‬ ‫وصلت إليها في عام ‪2006‬؛ وتثبيت عدد‬ ‫سكان العالم عند ‪ 8‬باليني نسمة بحلول‬ ‫عام ‪2040‬؛ واستئصال الفقر؛ واستعادة‬ ‫الغابات والتربة ومكامن املياه‪ .‬ويوضح‬ ‫ه����ذا اإلطار عددا م����ن اإلجراءات الالزمة‬ ‫لتحقيق هذه األهداف‪.‬‬

‫‪ ‬و ّفروا الرعاية الصحية األساسية الشاملة‪،‬‬ ‫والرعاية الصحية اإلجنابية وتنظيم األسرة‪.‬‬

‫‪ ‬استعملوا أنواع الطاقة املتجددة بدال من الوقود‬ ‫األحفوري ألغراض توليد الكهرباء والتدفئة‪.‬‬

‫‪ ‬ازرعوا األشجار للحد من الفيضانات‪،‬‬ ‫وحافظوا على التربة‪ ،‬واعزلوا‬ ‫الكربون‪ ،‬وأوقفوا إزالة الغابات‪.‬‬

‫بعد تايالند صادراتها ألش� � ��هر عدة للسبب‬ ‫نفس� � ��ه‪ .‬وقد تبعث هذه التحركات الطمأنينة‬ ‫في نفوس من يعيشون في البلدان املصدرة‪،‬‬ ‫غي� � ��ر أنها تخلق حالة م� � ��ن الهلع في البلدان‬ ‫املس� � ��توردة التي تضطر إل� � ��ى االعتماد على‬ ‫م� � ��ا يتبقى من احلب� � ��وب الغذائية التي ميكن‬ ‫تصديرها على املستوى العاملي‪.‬‬ ‫وإزاء ه� � ��ذه القيود‪ ،‬يس� � ��عى مس� � ��توردو‬ ‫احلبوب الغذائي� � ��ة إلى إبرام اتفاقات جتارية‬ ‫ثنائية طويلة األجل ميكن أن تؤمن احلصول‬ ‫على احلبوب الغذائية في املستقبل‪ .‬فالفلپني‪،‬‬ ‫التي لم يعد بوسعها االعتماد على احلصول‬ ‫عل� � ��ى األرز من الس� � ��وق العامل� � ��ي‪ ،‬تفاوضت‬ ‫مؤخرا مع ڤيتنام على صفقة تنفذ على مدى‬ ‫ثالث س� � ��نوات للحصول على ‪ 1.5‬مليون طن‬ ‫من األرز كل س� � ��نة بطريقة مضمونة متاما‪.‬‬ ‫بل إن قلق اس� � ��تيراد الغ� � ��ذاء أدى إلى إقدام‬ ‫البلدان املستوردة لألغذية إلى اتباع طرائق‬

‫‪ ‬أعيدوا تدوير ماء الصرف لرفع إنتاجيته‪ ،‬كما تفعل هذه احملطة‬ ‫ملعاجلة مياه الصرف الصحي في مقاطعة أوراجن‪ ،‬بوالية كاليفورنيا‪.‬‬

‫جديدة متاما لش� � ��راء األراضي الزراعية في‬ ‫بلدان أخرى أو اس� � ��تئجارها [انظر العمود‬ ‫في ميني الصفحة املقابلة]‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من هذه التدابير املؤقتة‪ ،‬بدأ‬ ‫االرتفاع الشديد في أسعار األغذية وتفشي‬ ‫اجل� � ��وع في بل� � ��دان أخرى كثي� � ��رة بتقويض‬ ‫أس� � ��س النظام االجتماعي‪ .‬وف� � ��ي مقاطعات‬ ‫عديدة من تايالند‪ ،‬أجبرت عمليات الس� � ��رقة‬ ‫التي يقوم به� � ��ا «لص� � ��وص األرز» القرويني‬ ‫على حراس� � ��ة حقولهم لي� �ل��ا بالبنادق املعبأة‬ ‫بالذخيرة‪ .‬وفي پاكس� � ��تان يرافق كل شاحنة‬ ‫حبوب جندي مس� � ��لح‪ .‬وف� � ��ي النصف األول‬ ‫من ع� � ��ام ‪ 2008‬اختطفت ‪ 83‬ش� � ��احنة محملة‬ ‫باحلبوب الغذائية في السودان قبل أن تصل‬ ‫إلى مخيمات اإلغاثة في دارفور‪.‬‬ ‫ال يوجد بلد واحد في مأمن من آثار ندرة‬ ‫كمي� � ��ات األغذية‪ ،‬وال حتى الواليات املتحدة‬ ‫( ) ?‪WHAT IS TO BE DONE‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪65‬‬


‫املؤلف‬

‫األمريكية‪ ،‬التي تعد س� � ��لة حب� � ��وب العالم‪.‬‬ ‫وإذا ما اجتهت الصني إلى السوق العاملي‬ ‫للحصول على كميات ضخمة من احلبوب‬ ‫الغذائي� � ��ة‪ ،‬كما فعلت مؤخرا للحصول على‬ ‫فول الصويا‪ ،‬س� � ��يتعني عليها الش� � ��راء من‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وبالنس� � ��بة إلى‬ ‫املستهلكني في الواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫ف� � ��إن ذلك يعن� � ��ي التنافس عل� � ��ى محصول‬ ‫احلبوب الغذائي� � ��ة األمريكي مع ‪ 1.3‬بليون‬ ‫مس� � ��تهلك صيني ترتفع دخولهم بسرعة ‪-‬‬ ‫وهو سيناريو أش� � ��به بالكابوس‪ .‬وفي هذه‬ ‫الظروف س� � ��وف تتعرض الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية إلغراء فرض قيود على صادراتها‪،‬‬ ‫كم� � ��ا فعلت‪ ،‬مثال‪ ،‬بالنس� � ��بة إل� � ��ى احلبوب‬ ‫الغذائية وفول الصويا في الس� � ��بعينات من‬ ‫القرن املاض� � ��ي عندما ارتفعت األس� � ��عار‬ ‫احمللية ارتفاعا شديدا‪ .‬غير أن هذا اخليار‬ ‫غير وارد بالنسبة إلى الصني‪ .‬فاملستثمرون‬ ‫الصينيون ميتلكون ف� � ��ي الوقت الراهن ما‬ ‫يزيد كثيرا عل� � ��ى التريليون دوالر أمريكي‪،‬‬ ‫كما أنهم كانوا في أغلب احلاالت املشترين‬ ‫األهم على املستوى الدولي لسندات اخلزانة‬ ‫األمريكية الص� � ��ادرة لتمويل العجز املالي‪.‬‬ ‫وشئنا أم أبينا‪ ،‬فإن املستهلكني األمريكيني‬ ‫سوف يقتس� � ��مون حبوبهم مع املستهلكني‬ ‫الصينيني‪ ،‬بصرف النظر عن مدى ارتفاع‬ ‫أسعار األغذية‪.‬‬ ‫اخلطة ‪ :B‬خيارنا الوحيد‬

‫( )‬

‫‪Lester R. Brown‬‬

‫كما تصفه الواشنطن بوست هو «واحد‬ ‫من أكثر مفكري العالم تأثيرا»‪ .‬أطلقت‬ ‫عليه جريدة التلگراف التي تصدر في‬ ‫كلكتا «املرشد الروحي للحركة البيئية»‪.‬‬ ‫وقد أنشأ >براون< معهد ‪Worldwatch‬‬ ‫(في سنة ‪ )1974‬ومعهد سياسات األرض‬ ‫(في سنة ‪Earth Policy Institute (2001‬‬ ‫الذي يرأسه اليوم‪ .‬وقد ألف أو شارك في‬ ‫تأليف خمسني كتابا؛ وأحدث أعماله هو‪:‬‬ ‫اخلطة ‪ :3B‬احلشد إلنقاذ احلضارة(‪.)1‬‬ ‫وقد حصل >براون< على العديد من‬ ‫اجلوائز وشهادات التقدير‪ ،‬تشمل ‪24‬‬ ‫درجة علمية فخرية وزمالة ماك آرثر‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫ومبا أن النقص احلالي في الغذاء العاملي‬ ‫هو نقص متلي� � ��ه اجتاهات التغير‪ ،‬فإنه يجب‬ ‫عكس مسار االجتاهات البيئية التي تسببه‪.‬‬ ‫ويتطلب ذلك إجراءات قاسية إلى درجة غير‬ ‫عادي� � ��ة‪ ،‬ونقلة جبارة تبتعد بنا عن أس� � ��لوب‬ ‫العمل املعتاد ‪ -‬ال� � ��ذي نطلق عليه في معهد‬ ‫سياس� � ��ات األرض اخلطة ‪ - A‬إلى اخلطة ‪B‬‬ ‫إلنقاذ احلضارة‪.‬‬ ‫تش� � ��به اخلطة ‪ B‬في أبعادها وضرورتها‬ ‫عملي� � ��ة التعبئ� � ��ة األمريكية للح� � ��رب العاملية‬ ‫الثاني� � ��ة‪ ،‬فهي تتكون من أربعة عناصر‪ :‬جهد‬ ‫هائل خلف� � ��ض انبعاثات الكربون بحلول عام‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪ 2020‬بنسبة ‪ 80‬في املئة من املستويات التي‬ ‫وصلت إليه� � ��ا في ع� � ��ام ‪2006‬؛ وتثبيت عدد‬ ‫سكان العالم عند ‪ 8‬باليني نسمة بحلول عام‬ ‫‪2040‬؛ واستئصال الفقر؛ واستعادة الغابات‬ ‫والتربة ومكامن املياه‪.‬‬ ‫وميك� � ��ن خف� � ��ض انبعاث� � ��ات غ� � ��از ثاني‬ ‫أكس� � ��يد الكربون الصافية ع� � ��ن طريق رفع‬ ‫كفاءة اس� � ��تهالك الطاقة بص� � ��ورة منتظمة‬ ‫وضخ اس� � ��تثمارات هائلة ف� � ��ي مجال تنمية‬ ‫مصادر الطاق� � ��ة املتجددة‪ .‬كما يتعني علينا‬ ‫أيض� � ��ا حظر إزالة الغابات في جميع أنحاء‬ ‫العال� � ��م‪ ،‬كم� � ��ا فعلت بلدان عديدة مس� � ��بقا‪،‬‬ ‫وغرس باليني األشجار إلزاحة الكربون من‬ ‫الغ� �ل��اف اجلوي‪ .‬وميكن دع� � ��م االنتقال من‬ ‫أنواع الوقود األحفوري إلى أشكال الطاقة‬ ‫املتج� � ��ددة من خ� �ل��ال ف� � ��رض ضريبة على‬ ‫الكربون‪ ،‬وتعويض ه� � ��ذه الضريبة بخفض‬ ‫ضرائب الدخل‪.‬‬ ‫يواكب تثبيت عدد السكان استئصال‬ ‫الفقر‪ .‬وفي احلقيقة‪ ،‬فإن مفتاح التعجيل‬ ‫باالنتقال إلى أسر أقل عددا هو استئصال‬ ‫الفق� � ��ر ‪ -‬والعكس صحيح‪ .‬ومن وس� � ��ائل‬ ‫حتقيق ذلك‪ ،‬تأمني احلصول على التعليم‬ ‫االبتدائ� � ��ي عل� � ��ى األقل جلمي� � ��ع األطفال‪،‬‬ ‫بنني وبنات‪ .‬ومن الوسائل األخرى توفير‬ ‫الرعاي� � ��ة الصحية األولية على مس� � ��توى‬ ‫القرية‪ ،‬حتى يطمئن الناس إلى أن أبناءهم‬ ‫سيعيشون حتى سن البلوغ‪ .‬كما يتعني أن‬ ‫حتصل املرأة ف� � ��ي كل مكان على الرعاية‬ ‫في مج� � ��ال الصحة اإلجنابي� � ��ة وخدمات‬ ‫تنظيم األسرة‪.‬‬ ‫يش� � ��مل العنصر الرابع‪ ،‬وهو اس� � ��تعادة‬ ‫النظم الطبيعية ل� �ل��أرض ومواردها‪ ،‬مبادرة‬ ‫عاملية لوقف انخفاض مناس� � ��يب املياه وذلك‬ ‫عن طريق زيادة إنتاجية املاء‪ :‬أي اس� � ��تعمال‬ ‫كل قط� � ��رة ماء فيما يفي� � ��د‪ .‬إن معنى ذلك أن‬ ‫نتحول إلى أنظمة ري أكثر كفاءة‪ ،‬ومحاصيل‬ ‫ذات كفاءة مائية أعظم‪ .‬كما يعني‪ ،‬بالنس� � ��بة‬ ‫إلى بعض البل� � ��دان‪ ،‬زراعة (وتن� � ��اول) قمح‬ ‫( ) ‪Plan B: Our Only Option‬‬ ‫(‪Plan B 3.0: Mobilizing to Save Civilization )1‬‬


‫أكثر وأرز أقل‪ ،‬إذ إن األرز محصول يحتاج‬ ‫إل� � ��ى كثير من املاء‪ .‬وفيما يتعلق بالصناعات‬ ‫وامل� � ��دن‪ ،‬فإنه يعني أن نفع� � ��ل ما بدأ البعض‬ ‫يفعله مس� � ��بقا‪ ،‬وه� � ��و إعادة اس� � ��تخدام املاء‬ ‫بصفة مستمرة‪.‬‬ ‫وفي الوقت نفس� � ��ه‪ ،‬يجب علينا أن نطلق‬ ‫حملة على املس� � ��توى العاملي للمحافظة على‬ ‫التربة‪ ،‬ش� � ��بيهة بتلك التي ش� � ��نتها الواليات‬ ‫املتحدة عالج� � ��ا لظاهرة البوتق���ة الغبارية‬ ‫‪ Dust Bowl‬في الثالثينات من القرن املاضي‪.‬‬ ‫ومن أه� � ��م تدابير احملافظة على التربة زراعة‬ ‫املصاطب‪ ،‬وزراعة األشجار لتكون مصدات‬ ‫للري� � ��اح ملكافحة ت� � ��آكل الترب� � ��ة بفعل حركة‬ ‫الري� � ��اح‪ ،‬والت� � ��زام احلد األدنى م� � ��ن حراثة‬ ‫األرض ‪ -‬بحي� � ��ث ال تقتلع التربة وتترك بقايا‬ ‫احملاصيل في احلقل‪.‬‬ ‫ليس ثمة جديد في هذه األهداف األربعة‬ ‫املتداخل� � ��ة‪ .‬فق� � ��د نوقش كل منه� � ��ا على حدة‬ ‫لس� � ��نوات‪ .‬بل لقد أنش� � ��أنا ف� � ��ي واقع األمر‬ ‫مؤسسات كاملة ملعاجلة بعض هذه األهداف‪،‬‬ ‫كالبنك الدولي للتخفيف من وطأة الفقر‪ .‬وقد‬ ‫أحرزن� � ��ا تقدما ملموس� � ��ا ف� � ��ي بعض مناطق‬ ‫العالم فيم� � ��ا يتعلق بواحد منها على األقل ‪-‬‬ ‫وهو تعميم خدمات تنظيم األسرة وما يتصل‬ ‫بذلك م� � ��ن التحول إلى األس� � ��ر األقل عددا‪،‬‬ ‫األمر الذي يؤدي إلى تثبيت عدد السكان‪.‬‬ ‫وي� � ��رى كثيرون ف� � ��ي مج� � ��ال التنمية أن‬ ‫األه� � ��داف األربع� � ��ة للخطة ‪ B‬ه� � ��ي أهداف‬ ‫إيجابية‪ ،‬تش� � ��جع عل� � ��ى التنمية م� � ��ا دامت‬ ‫ال تترت� � ��ب عليها تكاليف ضخم� � ��ة‪ .‬ويراها‬ ‫آخ� � ��رون أهداف� � ��ا إنس� � ��انية ‪ -‬صحيحة من‬ ‫الناحي� � ��ة السياس� � ��ية ومالئمة م� � ��ن الناحية‬ ‫األخالقية‪ .‬ويظهر اآلن أساس منطقي ثالث‬ ‫أكثر رسوخا‪ :‬وهو أن حتقيق هذه األهداف‬ ‫ق� � ��د يكون ضروري� � ��ا للحيلول� � ��ة دون انهيار‬ ‫حضارتنا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فالتكلفة التي نتوقعها‬ ‫إلنقاذ احلضارة قد تصل إلى مبلغ يقل عن‬ ‫‪ 200‬بليون دوالر سنويا‪ ،‬أي سدس اإلنفاق‬ ‫العسكري العاملي‪ .‬والواقع أن اخلطة ‪ B‬هي‬ ‫ميزانية األمن اجلديدة‪.‬‬

‫الوقت‪ :‬أكثر مواردنا ندرة‬

‫( )‬

‫ال يتمثل التحدي ال� � ��ذي نواجهه بتنفيذ‬ ‫اخلطة ‪ B‬فحس� � ��ب‪ ،‬ب� � ��ل بس� � ��رعة تنفيذها‪.‬‬ ‫فالعالم في سباق بني نقاط التحول السياسية‬ ‫ونقاط التحول الطبيعية‪ .‬هل نستطيع إغالق‬ ‫محطات تولي� � ��د الطاقة الت� � ��ي حترق الفحم‬ ‫احلجري بالس� � ��رعة الكافي� � ��ة للحيلولة دون‬ ‫انزالق الغط� � ��اء الثلجي لگرينالند في البحر‬ ‫وإغراق س� � ��واحلنا؟ وهل نس� � ��تطيع خفض‬ ‫انبعاثات الكربون بالس� � ��رعة الكافية إلنقاذ‬ ‫املثالج اجلبلية في آس� � ��يا؟ إن املياه الناجتة‬ ‫من ذوبان ه� � ��ذه املثالج تُبق� � ��ي على األنهار‬ ‫الكب� � ��رى في الهن� � ��د والصني أثناء موس� � ��م‬ ‫اجلف� � ��اف ‪ -‬ومن َث ّم تبق� � ��ي على حياة مئات‬ ‫املاليني من األش� � ��خاص‪ .‬هل ميكننا تثبيت‬ ‫عدد الس� � ��كان قبل أن يدهمن� � ��ا نقص املياه‬ ‫التي حتتاج إليها بلدان كالهند وپاكس� � ��تان‬ ‫واليمن لري محاصيلها؟‬ ‫ال ميكن أن تكون هناك ثمة مبالغة في‬ ‫تقديرنا ملدى خطورة املأزق الذي نواجهه‪.‬‬ ‫فكل يوم له أهميته‪ .‬ولس������وء احلظ‪ ،‬فإننا‬ ‫ال نعرف املدى الزمني الذي سنس������تمر‬ ‫فيه بإن������ارة مدننا بالفحم احلجري‪ ،‬على‬ ‫س������بيل املثال‪ ،‬قبل أن ال نس������تطيع إنقاذ‬ ‫صفيح������ة گرينالند اجلليدية‪ .‬إن الطبيعة‬ ‫ه������ي التي حتدد مواعي������د ذلك‪ ،‬فالطبيعة‬ ‫هي احلافظة للزمن‪ .‬ولكننا نحن البش������ر‬ ‫ال نستطيع رؤية الساعة‪.‬‬ ‫إننا بحاجة ش� � ��ديدة إل� � ��ى طريقة جديدة‬ ‫في التفكير‪ ،‬إلى توجه عقلي جديد‪ .‬فالتفكير‬ ‫ال� � ��ذي أوصلنا إلى هذا امل� � ��أزق لن يخلصنا‬ ‫منه‪ .‬وعندما سألت >‪ .E‬كولبيرت< [وهي كاتبة‬ ‫في مجلة نيويوركر ‪ ]New Yorker‬املرش� � ��د‬ ‫الروحي في ش� � ��ؤون الطاقة >‪ .A‬لوڤينز< عن‬ ‫التفكير خارج نطاق املألوف‪ ،‬رد عليها قائال‪:‬‬ ‫«ال يوجد ما هو مألوف»‪.‬‬ ‫ال يوجد ما هو مأل� � ��وف‪ ،‬هذه هي طريقة‬ ‫التفكي� � ��ر التي يتعني علينا االنطالق منها إذا‬ ‫>‬ ‫أردنا للحضارة أن تبقى‪.‬‬ ‫( ) ‪Time: Our Scarcest Resource‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, May 2009‬‬

‫‪67‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫للجزيء ‪ATP‬‬

‫الدور احليوي املزدوج‬ ‫(ثالثي فوسفات األدينوزين)‬

‫(٭)‬

‫(‪)1‬‬

‫إضافة إلى الدور املعروف للجزيء ‪ ATP‬كمصدر أساسي للطاقة‬ ‫داخل خاليا اجلسم‪ ،‬فإنه يعمل أيضا كناقل لإلشارات املهمة بينها ‪.‬‬ ‫ويطرح هذا الدور املزدوج أفكارا جديدة حملاربة األمراض في اإلنسان‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ .S .B‬خاخ< ـ ـ‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫إضافة إلى الدور املعروف‬ ‫للجزيء ‪ ،ATP‬باعتباره املصدر‬ ‫املشترك العام للطاقة احليوية‬ ‫داخل اخلاليا‪ ،‬فإنه يعمل‬ ‫أيضا كحامل وناقل لإلشارات‬ ‫التي تعمل على مستوى‬ ‫اجلزيئات وتؤثر في أسلوب‬ ‫أداء اخلاليا لوظائفها‪.‬‬

‫>‬

‫يصف أحد الباحثني الرواد‬ ‫ومكتشف الدور الناقل‬ ‫إلشارات اجلزيء ‪ ATP‬آلية‬ ‫عمل نقله للرسائل‪ ،‬كما يشرح‬ ‫ضرورتها لنمو اجلسم وأدائه‬ ‫لوظائفه األساسية‪.‬‬

‫>‬

‫نظرا لوجود اجلزيء‬ ‫في كل مكان في اجلسم‪،‬‬ ‫ومبا أن تأثيراته تختلف من‬ ‫نسيج إلى آخر‪ ،‬فهو يتيح بذلك‬ ‫مجاال واسعا لتأمالت عميقة‬ ‫جديدة هادفة إلى فهم طبيعة‬ ‫عدد هائل من األمراض وسبل‬ ‫متنوعة ملعاجلتها‪.‬‬ ‫‪ATP‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪68‬‬

‫>‪ .G‬بيرنستوك<‬

‫لعل واحدة من احلقائق األولى الراسخة‬ ‫الت� � ��ي يتعلمها معظم الطلب� � ��ة في دروس علم‬ ‫األحياء هي أن جميع اخلاليا احلية تس� � ��تمد‬ ‫وقودها احليوي من اجلزيء الصغير املعروف‬ ‫باسم ثالثي فوسفات األدينوزين )‪.)1((ATP‬‬ ‫ويتيح التعامل بتلك العملة املوحدة العامة بدء‬ ‫وتشغيل التفاعالت الكيمائية احليوية الالزمة‬ ‫لوظيفة اخللية والزده� � ��ار احلياة‪ ،‬مما يجعل‬ ‫للجزيء ‪ ATP‬دورا حاسما في عالم احلياة‪.‬‬ ‫وأما املعلومة األخرى‪ ،‬واألقل ش� � ��يوعا ‪،‬‬ ‫فهي قيام هذا اجلزيء الذي رمبا يكون أكثر‬ ‫اجلزيئات التي ينتجها ويس� � ��تهلكها اجلسم‪،‬‬ ‫ب� � ��دور آخر من خارج اخلالي� � ��ا وال عالقة له‬ ‫بدوره األول ‪ ،‬وإن كان ال يقل أهمية عنه‪ .‬وقد‬ ‫أوضحت سلسلة طويلة من االكتشافات‪ ،‬مبا‬ ‫اليدع مجاال للش� � ��ك ‪ ،‬أن للجزيء ‪ ATP‬دورا‬ ‫حيويا كناقل لإلشارات‪ ،‬مما يتيح التواصل‬ ‫بني مختلف خاليا وأنس� � ��جة اجلسم‪ .‬وبذلك‬ ‫ميكن اعتباره بحق الوقود احليوي املنتش� � ��ر‬ ‫في كل مكان‪ ،‬مثل اللغة العامة‪.‬‬ ‫قوبلت فكرة الدور املزدوج للجزيء ‪،ATP‬‬ ‫عندم� � ��ا طرحت ألول مرة قبل نحو خمس� �ي��ن‬ ‫عاما‪ ،‬بكثير من الشك واالعتراض‪ ،‬غير أن كم‬ ‫املعلومات الهائل املستخلص من األبحاث التي‬ ‫أجريت خالل اخلمس� � ��ة عشر عاما املاضية‪،‬‬ ‫أوضح بالتفصي� � ��ل كيفية عمل اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫على ج� � ��دران اخلاليا م� � ��ن خارجها‪ ،‬وكيف‬

‫يس� � ��هم في منو مختلف اخلاليا واألنس� � ��جة‬ ‫وفي أس� � ��لوب عملها اليوم� � ��ي ‪ .‬ونظرا لوفرة‬ ‫اجلزيء ‪ ،ATP‬فإن إش� � ��اراته ورسائله تتميز‬ ‫بتأثيرها الواسع في الوظائف الفسيولوجية‪،‬‬ ‫ومتنح فرصا واحتم� � ��االت متنوعة ومتعددة‪،‬‬ ‫وغي� � ��ر عادية‪ ،‬لتحس� �ي��ن صحة اإلنس� � ��ان ‪.‬‬ ‫وتتس� � ��ابق حاليا العديد من املراكز البحثية‬ ‫من جميع أرجاء العالم‪ ،‬من أجل حتويل تلك‬ ‫االحتماالت إلى وسائل عالجية‪.‬‬ ‫الكشف عن خبايا‬ ‫اجلزيء ‪ ATP‬مرتني‬

‫( )‬

‫كان الباحث� � ��ون في العالم يس� � ��عون إلى‬ ‫معرفة املصدر املبهم واحملير للطاقة الالزمة‬ ‫حلي� � ��اة اخللية‪ ،‬عندما مت اكتش� � ��اف اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬في ع� � ��ام ‪ .1929‬ففي وقت متقارب‪ ،‬قام‬ ‫كل من >‪ .K‬لومان< [الذي كان يعمل حينها‪,‬‬ ‫مع >‪ .A‬مايرهوف< احلائز على جائزة نوبل‬ ‫ع� � ��ام ‪ ,1922‬مبعهد كاي� � ��زر فيلهلم لألبحاث‬ ‫الوطنية في مدين� � ��ة هايدلبرگ بأملانيا]‪ ،‬وكذا‬ ‫>‪ .H .C‬فيس� � ��ك< مبعاونة طالب الدراس� � ��ات‬ ‫العليا >‪ .W‬سوبارو< [من كلية الطب بجامعة‬ ‫هارڤارد]‪ ،‬بالتوصل إلى أن التفاعالت التي‬ ‫تتم داخل اخلاليا والت� � ��ي متهد الطريق إلى‬ ‫انقب� � ��اض اخلالي� � ��ا العضلي� � ��ة‪ ،‬تعتمد على‬ ‫( ) ‪THE DOUBLE LIFE OF ATP‬‬ ‫( ) ‪ATP Unmasked, Twice‬‬ ‫(‪Adenosine Triphosphate )1‬‬

‫؛ ثالثي فوسفات األدينوزين‪.‬‬


‫وجود م� � ��ادة كيميائية مصنع� � ��ة من اجلزيء‬ ‫املعروف باس� � ��م پيورين ‪ ،purine‬وهي عبارة‬ ‫عن األدينوزين ‪ adenosine‬الناجم عن احتاد‬ ‫امل� � ��ادة القاعدية «أدين�ي�ن» ‪ adenine‬مع أحد‬ ‫الس� � ��كريات‪ ،‬مضافا إليه ثالثة جزيئات من‬ ‫الفوسفات‪ .‬ومضت سنوات حتى عام ‪1935‬‬ ‫حيث طرح >‪ .K‬ماكينو< [من مستشفى ديلني‬ ‫في منشوريا] تصورا لتركيب اجلزيء‪ ،‬وهو‬ ‫ما أيده بعد ذلك بعش� � ��ر س� � ��نوات الباحثان‬ ‫>‪ .B‬ليث َك� � ��و< و >‪ .R .A‬ت� � ��ود< من املختبرات‬ ‫الكيميائية في كامبريدج‪.‬‬ ‫لم يخطر ببال أحد في ذلك احلني أن يكون‬ ‫للج� � ��زيء ‪ ATP‬أي دور خ� � ��ارج اخلاليا‪ .‬وبقي‬ ‫احل� � ��ال كما هو عليه حتى عام ‪ ،1962‬حيث كان‬ ‫أحدنا (>بيرنستوك<) مازال باحثا شابا في علم‬ ‫وظائف األعصاب بجامعة ملبورن في أستراليا‬ ‫وكان يقوم بدراس� � ��ة األعصاب التي تتحكم في‬ ‫انقباض وارتخاء األنس� � ��جة العضلية امللس� � ��اء‪.‬‬ ‫وف� � ��ي أثناء جتاربه على اإلش� � ��ارات النابعة من‬ ‫اجلهاز العصبي ال� �ل��اإرادي (الذي يتحكم في‬ ‫الوظائف األساس� � ��ية للعضالت امللس� � ��اء‪ ،‬مثل‬ ‫انقباض األمعاء واملثانة)‪ ،‬وجد دليال على صدور‬ ‫بعض اإلش� � ��ارات وانتقالها من دون استعمال‬ ‫امل� � ��واد الكيميائية التقليدية الناقلة لإلش� � ��ارات‬ ‫العصبية‪ ،‬وهي األسيتيل كولني ‪acetylcholine‬‬ ‫والنورأدرينال�ي�ن ‪ .noradrenaline‬وق� � ��د أثارت‬ ‫اهتمامه النتائج التي نشرتها >‪ .P‬هولتون< [من‬ ‫مختبر الفسيولوجيا في جامعة كامبريدج] عام‬ ‫‪ 1959‬والتي تش� � ��ير إلى إف� � ��راز اجلزيئات ‪ATP‬‬ ‫بواس� � ��طة بعض األعصاب احلس� � ��ية‪ .‬بعد ذلك‪،‬‬ ‫عقد >بيرنس� � ��توك< العزم على إجراء األبحاث‬ ‫بهدف حتديد ما إذا كان اجلزيء ‪ ATP‬مسؤوال‬ ‫أيضا ع� � ��ن انتقال اإلش� � ��ارات م� � ��ن األعصاب‬ ‫املس� � ��ؤولة عن احلركة إلى العضالت‪ .‬ومن هذا‬ ‫املنطلق‪ ،‬ش� � ��رع في إجراء سلسلة من التجارب‬ ‫التي اس� � ��تعمل فيه� � ��ا بعض امل� � ��واد الكيميائية‬ ‫املعروف� � ��ة بقدرتها عل� � ��ى منع إف� � ��راز األطراف‬ ‫العصبي� � ��ة لناقالت اإلش� � ��ارات املعروفة آنذاك‪،‬‬ ‫وم� � ��ن ثم من� � ��ع تأثيرها في أنس� � ��جة العضالت‬ ‫امللساء‪ .‬وقد استطاع بذلك أن يبني أن ما تبقى‬ ‫من فعل إلثارة األعصاب على العضالت ‪ ،‬البد‬ ‫وأن يك� � ��ون معتمدا على إف� � ��راز األعصاب ملادة‬

‫اجل� � ��زيء ‪ .ATP‬ومبتابعة ه� � ��ذا اخليط ألكثر من‬ ‫عشر سنوات‪ ،‬استجمع فيها >بيرنستوك< ثقته‬ ‫بعمله‪ ،‬قام في عام ‪ 1972‬باإلفصاح عن اقتراحه‬ ‫بوجود «األعص���اب الپيورينية»(‪ )1‬التي تفرز‬ ‫اجلزيء ‪ ATP‬كمادة ناقلة لإلشارات العصبية‪.‬‬ ‫جت� � ��در اإلش� � ��ارة هن� � ��ا إل� � ��ى أن اخلاليا‬ ‫العصبية تو ِّلد في بداية األمر إش� � ��ارات على‬ ‫هيئة موجات كهربائي� � ��ة ‪ ،‬تنتقل بطول الفرع‬ ‫الرئيسي للخلية حتى نهايته‪ ،‬وال تنتقل اإلشارة‬ ‫إلى ما يلي ذلك من خاليا بطريقة مباش� � ��رة ‪.‬‬ ‫حيث تنتهي املوجة الكهربائية بوصولها إلى‬ ‫نهاية الف� � ��رع ‪ .‬وال تتخطى الفجوة الصغيرة‬ ‫بني نهاية العصب واخللية املس� � ��تهدفة ‪ ،‬تلك‬ ‫الفجوة املعروفة باسم ‪ synaptic cleft‬مبعنى‬ ‫الفج� � ��وة بني نهاي� � ��ة العصب وبداية س� � ��طح‬ ‫اخللية املغذاة بالعصب‪ ،‬أو الفجوة املشبكية‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬تنتقل اإلش� � ��ارة من خلية إلى أخرى‬ ‫بإط� �ل��اق نهاي� � ��ة العصب املث� � ��ار لبعض مما‬ ‫يحتوي� � ��ه من مواد كيميائية ناقلة لإلش� � ��ارات‬ ‫مث� � ��ل األس� � ��يتيل كول� �ي��ن‪ ،‬وأم� �ل��اح حمض‬ ‫الگلوتاميك والدوپام�ي�ن ‪ dopamine‬وغيرها‪.‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬تقوم تلك الكيميائيات بعبور الفجوة‬ ‫املش� � ��بكية لتتحد بپروتينات املستقبالت على‬ ‫جدار اخلاليا املقابلة‪ ،‬حيث تؤثر فيها وتبدأ‬ ‫سلس� � ��لة من التفاعالت داخل اخللية‪َ ،‬ي ْح ُدثُ‬ ‫عل� � ��ى أثرها تغيير في نش� � ��اط اخلاليا‪ ،‬فإذا‬ ‫كانت اخللية املس� � ��تقبلة خلية عصبية أخرى‪،‬‬ ‫فإنها تنشط وتبدأ بإطالق إشارتها اخلاصة‪،‬‬ ‫أما إذا كانت خلية عضلية فإنها تس� � ��تجيب‬ ‫(‪”purinergic nerves” )1‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪69‬‬


‫[أدوار مزدوجة]‬

‫وخارجها‬

‫اجلزيء ‪ ATP‬داخل اخلاليا ‪. . .‬‬

‫( )‬

‫يتعلم الطلبة بشكل تقليدي أن اجلزيء ‪( ATP‬ثالثي فوسفات األدينوزين) الصغير هو مصدر‬ ‫أساسي للطاقة اخللوية؛ فهو يقدم الوقود الالزم لألنشطة الكيميائية املختلفة على مستوى تفاعل‬ ‫اجلزيئات‪ ،‬مما يتيح جلميع اخلاليا القيام بوظائفها وازدهارها (انظر الشكل أدناه)‪ .‬وال تستهلك‬ ‫أنشطة اخللية جميع اجلزيء ‪ ATP‬املوجود داخلها‪ .‬وتفرز كافة أنواع اخلاليا اجلزيء ‪ ATP‬إلبالغ‬ ‫رسائل إلى اخلاليا املجاورة (انظر الشكل األيسر)‪.‬‬

‫خلية مفرزة‬ ‫ُحويصلة‬

‫اجلزيء ‪( ATP‬ثالثي فوسفات‬ ‫األدينوزين)‬ ‫اجلزيء‬

‫‪ADP‬‬

‫فوسفات‬ ‫‪1‬‬ ‫‪‬‬

‫متقدرة‬ ‫اجلزيء‬

‫‪AُTP‬‬

‫اجلزيء‬

‫‪ATP‬‬

‫پروتون‬

‫(‪)H+‬‬

‫اجلزيء‬ ‫أدينوزين‬

‫خلية‬

‫‪2‬‬ ‫‪‬‬

‫طاقة‬ ‫منطلقة‬

‫‪3‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ADP‬‬

‫فوسفات‬

‫الطاقة الكامنة‬ ‫في الروابط‬

‫‪ ‬تقوم اجلسيمات املعروفة باسم املتقدرات‬ ‫‪ mitochondria‬داخل اخلاليا بتصنيع اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬من مواد خام كالپروتونات )‪ (H+‬الناجمة‬ ‫عن تعرض الگلوكوز ملراحل متعددة من التفاعالت‬ ‫الكيميائية‪ .‬وحتدث التفاعالت اآلتية داخل املتقدرات‪:‬‬ ‫)‪ (1‬تقدم الپروتونات الطاقة الالزمة إلضافة جزيء‬ ‫‪1‬‬ ‫فوسفات إلى األدينوزين الثنائي الفوسفات )‪)1((ADP‬؛‬ ‫ثم يخرج اجلزيء ‪ ATP‬من املتقدرات إلى السيتوپالزم‬ ‫)‪ .(2‬تستمد أنشطة اخللية‪ ،‬مثل تصنيع‬ ‫‪2 cytoplasm‬‬ ‫الپروتينات‪ ،‬الطاقة الالزمة لها من اجلزيئات ‪ATP‬‬ ‫)‪ .(3‬يُعاد تدوير‬ ‫وذلك بفصل جزيئات الفوسفات الطرفية ‪3‬‬ ‫اجلزيء ‪ ADP‬الناجت بإضافة جزيئات الفوسفات احلر‬ ‫)‪.(4‬‬ ‫ليتحول مرة أخرى إلى اجلزيء ‪4 ATP‬‬

‫‪‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ADP‬‬

‫تفتيت‬ ‫إنزميي‬

‫اجلزيء‬

‫‪AُTP‬‬

‫اجلزيء‬

‫‪3‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫املستقبلة‬ ‫ِ‬

‫‪‬‬

‫نواة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫في النهاية إما باالنقباض أو االرتخاء‪ .‬وعلى‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن الرسالة تنتقل عبر رحلتها من خلية‬ ‫عصبية إلى أخرى من خالل تناوب إرس� � ��ال‬ ‫اإلش� � ��ارات الكهربائية وإط� �ل��اق كميات من‬ ‫املواد الكيميائية الناقلة لإلشارة‪.‬‬ ‫وقد ساد االعتقاد ملدة طويلة أن األطراف‬ ‫والنهايات ألفرع خالي� � ��ا األعصاب املفردة‪،‬‬ ‫تطل� � ��ق نوعا واح� � ��دا فقط م� � ��ن الكيميائيات‬ ‫الناقلة لإلش� � ��ارة‪ .‬وتبعا لذلك‪ ،‬فقد س� � ��ميت‬ ‫اخلالي� � ��ا العصبي� � ��ة تبع� � ��ا لن� � ��وع الناق� � ��ل‬ ‫العصب� � ��ي الذي تس� � ��تخدمه‪ ،‬فس� � ��ميت تلك‬ ‫التي تفرز األس� � ��يتيل كولني باس� � ��م اخلاليا‬ ‫العصبية الكوليني����ة ‪،cholinergic neurons‬‬ ‫وتل� � ��ك التي تطلق الدوپام� �ي��ن بالدوپامينية‬ ‫‪ dopaminergic neurons‬وهكذا‪ .‬جدير بالذكر‬ ‫أن مفهوم >بيرنستوك< عن اخلاليا العصبية‬ ‫ب تأسيس� � ��ا على مالحظاته‬ ‫الپيوريني� � ��ة لم ُي نْ َ‬ ‫فق� � ��ط بهذا الش� � ��أن‪ ،‬بل تأس� � ��س أيضا بناء‬ ‫على األعمال السابقة لسلسلة من الدارسني‬ ‫‪70‬‬

‫‪AُTP‬‬

‫‪ ‬يختزن اجلزيء ‪ ATP‬الطاقة في‬ ‫الروابط بني فوسفاتاته الثالث‪ ،‬التي ترتبط‬ ‫باألدينوزين املنتمي إلى جزيء «الپيورين»‪.‬‬ ‫فوسفات‬ ‫متحررة‬

‫اجلزيء‬

‫ناقل عصبي‬

‫‪1‬‬ ‫‪‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪P2Y‬‬

‫املستقبلة‬ ‫ِ‬ ‫‪P2X‬‬

‫>‪ .M‬بينيت<‬

‫واملعاونني املتميزين‪ ،‬مبن فيهم‬ ‫و>‪ .G‬كامپل< و>‪ .D‬ساتشل< و>‪ .M‬هوملان<‬ ‫و>‪ .M‬راند< [من جامعات ميلبورن ولندن]‪.‬‬ ‫وعل� � ��ى الرغم من الك� � ��م الهائ� � ��ل لنتائج‬ ‫األبح� � ��اث التي تبني انط� �ل��اق الـجزيء ‪ATP‬‬ ‫من أط� � ��راف اخلاليا العصبية إلى أنس� � ��جة‬ ‫العضالت امللس� � ��اء واألمعاء واملثانة‪ ،‬إال أن‬ ‫الشك ظل مالزما لعدد كبير من املتخصصني‬ ‫بعل� � ��م وظائف األعصاب حول وجود مثل تلك‬ ‫اخلاليا‪ .‬يرجع ذلك أساسا إلى تفكيرهم في‬ ‫اس� � ��تبعاد احتمال قيام هذه املادة الواس� � ��عة‬ ‫االنتش� � ��ار‪ ،‬مبثل هذا الدور النوعي احملدد‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬وحتى يتس� � ��نى ألي جزيء‬ ‫أن يق� � ��وم بدور ناق� � ��ل كيميائي لإلش� � ��ارات‬ ‫العصبية‪ ،‬فالبد من وجود مستقبلة مالئمة له‬ ‫على سطح اخلاليا املستهدفة‪ .‬هذا ويوضع‬ ‫في االعتبار أن تع ّر َف أول مستقبلة لناقالت‬ ‫( ) ‪ATP INSIDE CELLS... AND OUTSIDE‬‬ ‫(‪Adenosine Diphosphate )1‬‬


‫كثيرا ما يتحول اجلزيء ‪ ATP‬إلى إشارة حينما تطلقه نهاية‬ ‫)‪ ،(1‬على املنوال نفسه‬ ‫خلية عصبية نشطة من حويصالتها ‪1‬‬ ‫إلطالق جزيئات النواقل العصبية؛ تطلق أيضا كثير من اخلاليا‬ ‫غير العصبية اجلزيء ‪ ATP‬من حويصالت أو آليات مشابهة‬ ‫)‪، (2‬‬ ‫بها‪ .‬وسرعان ما تبدأ اإلنزميات بتفتيت اجلزيء ‪2 ATP‬‬ ‫و ُتزال جزيئات الفوسفات‪ ،‬واحدة تلو األخرى فينتج من‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ذلك اجلزيء ‪ ،ADP‬وأدينوزين أحادي الفوسفات )‪(AMP‬‬ ‫وأدينوزين‪ .‬ينقل اجلزيء ‪ ATP‬ونواجت تفتته اإلشارات عن‬ ‫)‪.(3‬‬ ‫طريق االرتباط مبستقبالت نوعية محددة على اخلاليا ‪3‬‬ ‫نوعان متميزان من املستقبالت هما‪ P2X :‬و ‪ ، P2Y‬يتعرفان‬ ‫اجلزيء ‪ .ATP‬تتعرف املستقبالت ‪ P2Y‬أيضا اجلزيء ‪.ADP‬‬ ‫أما اجلزيء ‪ AMP‬واألدينوزين فيرتبطان باملستقبالت ‪.P1‬‬ ‫وميكن لإلشارات املسببة بنواجت حتلل اجلزيء ‪ ATP‬أن تضاد‬ ‫أو تعزز تأثيراته‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬ميكن‬ ‫لألدينوزين أن يرتبط أيضا باملستقبالت‬ ‫‪ P1‬على جدار اخللية النابع منها‬ ‫اإلشارة‪ ،‬مسببا تقليل أو‬ ‫منع إطـالق املزيـــد من‬ ‫اجلزيء ‪.ATP‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫اجلزيء‬

‫‪AMP‬‬

‫أدينوزين‬

‫النهائي بعد حتلل اجلزيء ‪ ATP‬وتكس� � ��يره‪.‬‬ ‫وقد أظهرت الدراس� � ��ات الت� � ��ي تلت ذلك أن‬ ‫تنبيه املس� � ��تقبالت ‪ P2‬بواسطة اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫ميك� � ��ن أن يؤدي إل� � ��ى تأثي� � ��رات متفاوتة في‬ ‫اخلاليا‪ .‬مما أتاح لـ >بيرنس� � ��توك< ومعاونه‬ ‫>‪ .Ch‬كينيدي< توقع وجود أمناط فرعية من‬ ‫املستقبالت ‪ P2‬فأطلقوا عليها ‪ P2X‬و ‪.P2Y‬‬ ‫وظل اخل� �ل��اف قائما حول فك� � ��رة وجود‬ ‫أعص� � ��اب تطل� � ��ق اجل� � ��زيء ‪ ATP‬كناق� � ��ل‬ ‫لإلشارات‪ ،‬بل ومت رفضها من قبل الكثيرين‬ ‫لعدة سنوات تالية‪ ،‬وفي التسعينات من القرن‬ ‫املاض� � ��ي تطورت الوس� � ��ائل البحثية وأتيحت‬ ‫األبحاث اجلزيئية‪ ،‬مما س� � ��مح لعدد كبير من‬ ‫الفرق البحثية باستخالص وعزل املستقبالت‬ ‫اخلاص� � ��ة باجل� � ��زيء ‪ ،ATP‬ومن ثم دراس� � ��ة‬ ‫واستكش� � ��اف التأثيرات املتعددة املدهشة في‬ ‫خاليا اجلهاز العصبي وغيره من األنسجة‪.‬‬ ‫تداخل التأثيرات واآلليات‬

‫( )‬

‫املستقبلة‬ ‫ِ‬ ‫‪P1‬‬

‫مستقبلة‬ ‫خلية‬ ‫ِ‬

‫اإلش� � ��ارات عموما‪ ،‬لم يتم إال في عام ‪،1970‬‬ ‫ومن� � ��ذ ذلك احل� �ي��ن انطلق الس� � ��باق لتعرف‬ ‫مستقبالت اجلزيء ‪.ATP‬‬ ‫وعلى أية حال ‪ ،‬وقبل تعرف املستقبالت‬ ‫وحتديده� � ��ا‪ ،‬فقد دأب العدي� � ��د من الباحثني‬ ‫على اس� � ��تخدام الوس� � ��ائل الفارماكولوجية‬ ‫(الدوائي� � ��ة) لتقصي كيفية قيام اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫املنطلق من نهاي� � ��ات اخلاليا العصبية‪ ،‬بنقل‬ ‫رس� � ��ائل األعص� � ��اب إلى اخلالي� � ��ا العضلية‬ ‫وغيرها في اجلس� � ��م‪ .‬وبناء على هذه النوعية‬ ‫من األبح� � ��اث‪ ،‬تقدم >بيرنس� � ��توك< في عام‬ ‫‪ 1978‬باقتراحه بوجود أكثر من نوع مختلف‬ ‫من مس� � ��تقبالت اجل� � ��زيء ‪ ،ATP‬أطلق على‬ ‫األول اسم املستقبلة ‪( P2‬نسبة إلى الپيورين‬ ‫وهو النواة األساسية في اجلزيء ‪ )ATP‬وهي‬ ‫خاص� � ��ة بالتفاعل مع اجل� � ��زيء ‪ ،ATP‬وأطلق‬ ‫على اآلخر اس� � ��م املستقبلة ‪ ،P1‬وهي خاصة‬ ‫بالتفاع� � ��ل م� � ��ع األدينوزين باعتب� � ��اره املنتج‬

‫شهد مطلع التسعينات من القرن املاضي‬ ‫بداية مشروع اجلينوم البشري ‪the Human‬‬ ‫‪ Genome‬وبداية عصر االكتش� � ��افات الغزيرة‬ ‫للجين� � ��ات املس� � ��ؤولة عن تش� � ��كيل وتصنيع‬ ‫پروتينات مهمة كثيرة في جس� � ��م اإلنس� � ��ان‬ ‫والتي تضمنت ع� � ��ددا كبيرا خاصا بتصنيع‬ ‫مس� � ��تقبالت اجلزيء ‪ ،ATP‬مما أتاح للعلماء‬ ‫حتديد مواقع املس� � ��تقبالت ذاتها على خاليا‬ ‫كثيرة متنوعة‪ .‬وبهذا دخلت دراسات انتقال‬ ‫اإلش� � ��ارات العصبي� � ��ة باس� � ��تعمال اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬إل� � ��ى عصر جديد مل� � ��يء باإلثارة‪ .‬وقد‬ ‫أثبت� � ��ت محاوالت حتدي� � ��د التركيب اجلزيئي‬ ‫للمس� � ��تقبالت الپيورينية وج� � ��ود كم كبير من‬ ‫أنواع تلك املس� � ��تقبالت‪ ،‬كما مت تعرف عدد‬ ‫من القنوات واإلنزميات املنتشرة على جدران‬ ‫اخلاليا والتي تش� � ��ارك في تكوين إش� � ��ارات‬ ‫اجلزيء ‪.ATP‬‬ ‫وكما كان متوقعا‪ ،‬فقد مت تعرف وحتديد‬ ‫مجموعتني عريضتني من املستقبالت‪ ،‬كذلك‬ ‫كش� � ��فت األبحاث ع� � ��ن وجود أمن� � ��اط فرعية‬ ‫عديدة منها‪ ،‬تف� � ��وق ما كان متصورا وجوده‬ ‫( ) ‪Interplay and Dynamics‬‬ ‫( ) ‪ATP SIGNALING: A BRIEF HISTORY‬‬ ‫(‪Adenosine Monophosphate )1‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫إشارات اجلزيء ‪:ATP‬‬ ‫( )‬ ‫حملة تاريخية‬ ‫‪1929‬‬

‫اكتُشف أن اجلزيء ‪ ATP‬هو مصدر‬ ‫الطاقة في النسيج العضلي‪.‬‬ ‫‪1929‬‬

‫َوجد >‪ .A‬زنت‪ -‬جيورجي< أن للپيورينات‬ ‫(مجموعة اجلزيء ‪ ATP‬الكيميائية)‬ ‫تأثيرات قوية في القلب‪ .‬‬

‫>‪ .A‬زنت ‪-‬‬

‫جيورجي<‬

‫‪1945‬‬

‫تأكيد تركيب البنية الكيميائية للجزيء‬ ‫‪.ATP‬‬ ‫‪1959‬‬

‫كشفت >‪ .P‬هولتون< عن إطالق األعصاب‬ ‫احلسية للجزيء ‪.ATP‬‬ ‫‪1962‬‬

‫برهن >‪ .G‬بيرنستوك< على انتقال الرسائل‬ ‫من نهايات األعصاب إلى العضالت‬ ‫بوساطة ناقل عصبي جديد‪ .‬‬

‫>بيرنستوك< و‬

‫‪1972‬‬

‫>‪ .M‬هوملان<‪1962 ،‬‬

‫اقترح >بيرنستوك< وجود أعصاب تبعث‬ ‫إشاراتها باستخدام اجلزيء ‪.ATP‬‬ ‫‪1976‬‬

‫اقترح >بيرنستوك< عمل اجلزيء‬ ‫كناقل مشارك مع نواقل اإلشارات‬ ‫العصبية األخرى‪.‬‬

‫‪ATP‬‬

‫‪1994‬و‪1993‬‬

‫مت فصل وحتديد املستقبالت‬ ‫من اخلاليا‪.‬‬

‫‪ P2X‬و‪P2Y‬‬

‫‪1998‬‬

‫مت طرح الكلوپيدوگريل في األسواق‪ ،‬وهو‬ ‫دواء يؤثر في املستقبالت ‪ P2Y‬املوجودة‬ ‫على الصفائح الدموية‪ ،‬ملنع تكوين‬ ‫اجللطات في األوعية الدموية‪.‬‬ ‫‪2009‬‬

‫مت الكشف عن تكوين البنية‬ ‫البلورية للمستقبلة ‪P2X‬؛‬ ‫األمر الذي يتوقع أن يساعد‬ ‫على اكتشاف أدوية جديدة‪ .‬‬ ‫املستقبلة‬

‫‪P2X4‬‬

‫‪71‬‬


‫[اجلزيء ‪ ATP‬في أثناء العمل]‬

‫إشارة واحدة‪ ،‬رسائل عديدة‬

‫( )‬

‫في بادىء األمر مت تعرف اجلزيء ‪ ATP‬كحامل لإلشارات بني خاليا األعصاب والنسيج العضلي‪ ،‬صار من املعروف اآلن أنه‬ ‫يعمل ضمن أمناط خلوية متنوعة جد ًا في اجلسم‪ .‬وتوضح األمثلة املختارة من جهاز القلب واألوعية الدموية كيف ميكن‬ ‫يرتبط اجلزيء ‪ AُTP‬باملستقبلة‬ ‫على خلية عضلية‬ ‫يفرز العصب اجلزيء ‪AُTP‬‬ ‫خاليا‬ ‫مع النورأدرينالني‬ ‫عضلية‬ ‫‪P2X‬‬

‫‪D‬‬ ‫‪‬‬

‫‪A‬‬ ‫‪‬‬

‫وريد‬ ‫شريان‬

‫القلب‬

‫‪‬‬ ‫جرح‬

‫‪‬‬

‫عصب‬

‫‪B‬‬

‫وعاء‬ ‫دموي‬

‫اجلزيء‬

‫‪AُTP‬‬

‫‪C‬‬ ‫‪‬‬

‫ينقبض‬ ‫الوعاء‬

‫‪‬‬ ‫تتكاثر‬ ‫اخلاليا‬

‫يطلق النسيج‬ ‫املتضرر اجلزيء‬

‫‪AُTP‬‬

‫تأثيرات اجلزيء‬ ‫في األوعية الدمو َّية‬

‫‪ATP‬‬

‫‪ AA ‬االنقباض‬ ‫ُتفرز خاليا اجلهاز العصبي التعاطفي‬ ‫(السمپثاوي ‪ )Sympathetic‬اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫مع الناقل العصبي‪ ،‬النورأدرينالني‪ .‬يتحد‬ ‫اجلزيء ‪ ATP‬باملستقبالت على اخلاليا‬ ‫العضلية التي تشكل جدر األوعية الدموية‪،‬‬ ‫مسبب ًا سرعة تضييق الوعاء‪.‬‬

‫‪B‬‬ ‫‪ B‬التوسيع ‪‬‬ ‫يرتبط اجلزيء‬ ‫تحُ دث التغيرات في منط سريان الدم إجهادا مستمرا‬ ‫متلفا ‪ shear stress‬للخاليا املبطنة جلدر األوعية باملستقبلة ‪ P2Y‬على اخلاليا‬ ‫البطانية القريبة‬ ‫الدموية‪ ،‬مما يجعلها تفرز اجلزيء ‪ ATP‬الذي ّ‬ ‫ينشط‬ ‫بدوره مستقبالته على اخلاليا البطانية املجاورة‪.‬‬ ‫فتستجيب اخلاليا بإطالقها أكسيد النيتريك الذي‬ ‫يرخي عضالت اجلدران ويجعل األوعية تتسع‪.‬‬ ‫‪AُTP‬‬

‫تسكب اخلاليا‬ ‫التالفة اجلزيء‬

‫صفيحة دموية‬

‫‪AُTP‬‬

‫موقع اجلرح‬

‫يرتبط اجلزيء‬ ‫باملستقبالت‬ ‫و ‪ P1‬على اخلاليا‬ ‫البطانية والعضلية‬ ‫ِ‬

‫‪AُTP‬‬

‫‪P2Y‬‬

‫شريان‬

‫‪‬‬

‫‪D‬‬ ‫‪ D‬تكاثر اخلاليا ‪‬‬ ‫بعد إجراء عملية جراحية إلزالة انسداد جزئي من أحد‬ ‫الشرايني‪ ،‬يتحد اجلزيء ‪ ATP‬الذي ينثره النسيج‬ ‫املتضرر‪ ،‬مبستقبالت على اخلاليا البطانية والعضلية‪،‬‬ ‫محفزا إياها على التكاثر‪ .‬وقد ينتج من ذلك تضييق دائم‬ ‫للشريان‪ ،‬يعرف باسم التض ّيق العائد ‪.restenosis‬‬

‫خاليا بطانية‬ ‫يسترخي الوعاء‬ ‫يتحد اجلزيء ‪ AُDP‬باملستقبالت‬ ‫‪ P2Y‬على الصفائح الدموية‬ ‫تتكون اجللطة‬ ‫إلغالق اجلرح‬

‫ف� � ��ي إطار هات� �ي��ن املجموعت� �ي��ن‪ .‬ودل وجود‬ ‫هذا التنوع عل� � ��ى إمكانية اس� � ��تعمال أدوية‬ ‫عل� � ��ى درجة عالية من الكف� � ��اءة االنتقائية في‬ ‫تأثيراتها بحيث ميكن تعديل فعل إش� � ��ارات‬ ‫اجلزيء ‪ ATP‬في نوع معني فقط من األنسجة‬ ‫أو اخلاليا‪ .‬وقد بدأت ثمار هذا العمل تظهر‬ ‫اليوم [انظر اجلدول في الصفحة ‪.]75‬‬ ‫أفادت نتائج دراس� � ��ات مختلف الباحثني‬ ‫بعد العزل األولي ملس� � ��تقبالت اجلزيء ‪،ATP‬‬ ‫أن أسلوب عمل املس� � ��تقبالت يختلف بشكل‬ ‫جذري في كلتا املجموعتني العريضتني‪ .‬فمن‬ ‫املعروف أن املستقبالت املسماة باملستقبالت‬ ‫‪ P2X‬تنتمي إلى عائلة كبيرة من املس� � ��تقبالت‬ ‫‪72‬‬

‫تطلق اخلاليا البطانية‬ ‫اجلزيء ‪ AُTP‬بتأثير‬ ‫إجهاد سريان الدم‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪ ‬جت ُّلط الدم‬ ‫‪C‬‬ ‫‪C ‬‬

‫في حالة حدوث جرح ما‪ ،‬يتفتت اجلزيء‬ ‫املتناثر من اخلاليا التالفة في مكان اجلرح‬ ‫ويتحول إلى اجلزيء ‪ ،ADP‬الذي يتحد‬ ‫باملستقبالت على سطح الصفائح الدموية‪ ،‬فتتجمع‬ ‫سويا لتشكل جلطة دموية تغلق اجلرح‪.‬‬ ‫‪ATP‬‬

‫التي تتحكم في فتح وإغالق القنوات املنتشرة‬ ‫على أس� � ��طح اخلاليا والتي تتحكم في مرور‬ ‫األيونات م� � ��ن وإلى داخل اخلاليا‪ ،‬وجميعها‬ ‫تقع حتت التحكم املباشر لناقالت اإلشارات‪.‬‬ ‫وقد أوضح أحدنا (>خاخ<) وباحثون آخرون‬ ‫أن احت� � ��اد اجلزيء ‪ ATP‬باملس� � ��تقبالت ‪P2X‬‬ ‫ينتج منه إعادة تش� � ��كيل مكونات املستقبلة‪،‬‬ ‫لتنفت� � ��ح فعليا قناة في جدار اخللية تس� � ��مح‬ ‫باندفاع أيونات الصوديوم وكميات كبيرة من‬ ‫أيونات الكالس� � ��يوم إلى داخل اخلاليا‪ .‬وفي‬ ‫املقابل‪ ،‬فإن املستقبالت ‪ P2Y‬ال تنفتح بذات‬ ‫األس� � ��لوب‪ ،‬ولكن احتاد اجلزيء ‪ ATP‬بطرف‬ ‫( ) ‪ONE SIGNAL, MANY MESSAGES‬‬


‫لتأثيرات اجلزيء ‪ ATP‬أن تكون متنوعة في طبيعتها‬ ‫وفي مدة استمرارها‪.‬‬

‫أمناط املستقبالت‬

‫تأخذ املستقبالت اخللوية اجلزيء ‪ ATP‬شكلني أساسيني‪ .‬تتكون‬ ‫املستقبلة من النمط ‪ P2X‬من قناة تخترق جدار اخللية‪ ،‬وهي‬ ‫تنفتح حينما يتحد اجلزيء ‪ ATP‬بقسمها الواقع على اجلدار من‬ ‫خارج اخللية؛ مما يسمح أليونات الكالسيوم والصوديوم باالندفاع‬ ‫إلى داخل اخللية‪ .‬وعندما يتحد اجلزيء ‪ ATP‬باملستقبلة التابعة‬ ‫ُ‬ ‫حتدث سلسلة من اإلشارات والتفاعالت الداخلية‪،‬‬ ‫للنمط ‪،P2Y‬‬ ‫تنتهي بتحرير أيونات الكالسيوم من مخازنه داخل اخللية‪ .‬وفي‬ ‫كلتا احلالتني‪ ،‬بوسع ارتفاع الكالسيوم الناجت‪ ،‬أن يطلق زناد‬ ‫أحداث قصيرة األمد كانقباض العضالت‪ .‬كما ميكن أيضا لتنشيط‬ ‫املستقبالت ‪ P2Y‬أن يحدث مزيدا من التفاعالت الكيميائية ويؤثر في‬ ‫نشاط اجلينات مما يؤدي إلى تأثيرات طويلة األمد‪ ،‬كتكاثر اخلاليا‪.‬‬ ‫أيون كالسيوم‬ ‫أيون صوديوم‬

‫اجلزيء‬

‫‪AُTP‬‬

‫اجلزيء‬

‫‪AُTP‬‬

‫القناة‬

‫‪P2X‬‬

‫املستقبلة‬ ‫ِ‬ ‫‪P2Y‬‬

‫تسلسل‬ ‫اإلشارات‬

‫مخزن أيونات‬ ‫الكالسيوم‬

‫تأثيرات‬ ‫قصيرة املدى‬

‫تأثيرات بعيدة‬ ‫املدى‬

‫نواة‬ ‫دنا‬

‫مستقبلة‬ ‫خلية‬ ‫ِ‬

‫املس� � ��تقبلة اخلارجي على سطح اخللية‪ ،‬يبدأ‬ ‫سلس� � ��لة م� � ��ن التفاع� �ل��ات الكيميائية داخل‬ ‫اخلاليا ينتج منها في النهاية حترر وانطالق‬ ‫الكالس� � ��يوم من مخازنه اخللوي� � ��ة‪ .‬وفي كلتا‬ ‫احلالتني ‪ ،‬فإن باس� � ��تطاعة زيادة الكالسيوم‬ ‫إحداث تأثيرات جزيئية تالية تؤثر في أسلوب‬ ‫ومنط عمل اخللية‪.‬‬ ‫ومع قصر املدة الت� � ��ي يقضيها اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬في الفجوة املشبكية‪ ،‬إال أن نتيجة تأثير‬ ‫وتفعيل املس� � ��تقبالت في نش� � ��اط اخلاليا قد‬ ‫يظه� � ��ر في بعض األحيان بس� � ��رعة قد تصل‬ ‫إلى بضعة أج� � ��زاء من األلف من الثانية‪ ،‬في‬ ‫حني يكون األثر بطيئا فيستغرق سنوات عدة‪.‬‬

‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬وكما أوضح >خاخ< في‬ ‫نسيج املخ‪ ،‬فإن تدفق أيونات الكالسيوم عبر‬ ‫قنوات املستقبالت ‪ P2X‬إلى داخل اخلاليا‪ ،‬قد‬ ‫يحث اخللية على حترير وإطالق نواقل أخرى‬ ‫لإلش� � ��ارات‪ ،‬أو أن يؤدي الكالسيوم املتحرر‬ ‫داخل اخللية نتيجة تنشيط املستقبالت ‪P2Y‬‬ ‫إلى تغيير نش� � ��اط اجلينات املس� � ��ؤولة جزئيا‬ ‫عن منو وتكاثر اخلاليا فتحدث تغييرات في‬ ‫األنسجة تستمر عواقبها طوال العمر‪ .‬وعلى‬ ‫ذلك‪ ،‬ومع ش� � ��دة قصر م� � ��دة وجود اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬ف� � ��ي املناطق خارج اخلاليا إال أن آثاره‬ ‫البيولوجية قد تنتشر على نطاق واسع‪.‬‬ ‫تبدو آليات نقل اإلشارات باجلزيء ‪ATP‬‬ ‫أكثر إدهاشا عندما تؤخذ تفاعالتها مع نظم‬ ‫نقل اإلش� � ��ارات األخرى خ� � ��ارج اخلاليا في‬ ‫احلسبان‪ .‬فهناك‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬مجموعة‬ ‫م� � ��ن اإلنزميات التي تقبع على س� � ��طح معظم‬ ‫اخلالي� � ��ا ومعروفة في مجمله� � ��ا باإلنزميات‬ ‫‪( ectoATPases‬أي اإلنزمي� � ��ات املوجودة على‬ ‫س� � ��طح اخلاليا والتي تفتت وحتلل اجلزيء‬ ‫‪ ،)ATP‬وهي تقوم بنزع وجتريد اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫من جزيئات الفوس� � ��فات‪ ،‬الواحد تلو اآلخر‪،‬‬ ‫محولة بذلك اجلزيء ‪ ATP‬إلى اجلزيء ‪ADP‬‬ ‫( )‬ ‫وم� � ��ن ثم إل� � ��ى اجل� � ��زيء ‪ ،AMP‬وأخيرا إلى األصل املبكر‬ ‫أدينوزين فقط‪ .‬وقد يكون لكل من هذه النواجت‬ ‫إن اكتشاف مستقبالت اجلزيء‬ ‫تأثيره اخلاص في إح� � ��دى اخلاليا‪ ،‬مثل ما ‪ ATP‬في النباتات وفي أشكال احلياة‬ ‫البدائية كاألميبات والديدان يوحي‬ ‫يحدث عندما يتحد األدينوزين باملس� � ��تقبالت‬ ‫أن هذا اجلزيء اضطلع بدور ناقل‬ ‫املعروفة باالسم ‪.P1‬‬ ‫لإلشارات في مرحلة مبكرة جدا في‬ ‫َ‬ ‫وعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬فق� � ��د بني >‪ .F‬كاتو< تطور احلياة‪ .‬ففي الفطر الغ َروي‬ ‫[من كلية الطب بجامع� � ��ة جيكي في طوكيو] ‪( Dictyostelium discoideum‬انظر‬ ‫أدناه)‪ ،‬تقوم مستقبالت اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫أن اجل� � ��زيء ‪ ATP‬يعمل بتناس� � ��ق دقيق مع املف َّعلة املشابهة لقنوات ‪ P2X‬البشرية‪،‬‬ ‫األدينوزي� � ��ن في الش� � ��بكة املوجودة في جذع بالتحكم في انسياب املاء من وإلى‬ ‫املخ واملس� � ��ؤولة عن تنظيم وظائف اجلس� � ��م داخل اخلاليا‪.‬‬ ‫احليوي� � ��ة مثل التنفس وتنظيم ضربات القلب‬ ‫ووظائف املع� � ��دة واألمعاء‪ .‬من ناحية أخرى‪،‬‬ ‫هناك حاالت يتضاد فيها فعل اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫م� � ��ع فع� � ��ل األدينوزين‪ ،‬مثل ما يح� � ��دث أثناء‬ ‫انتقال اإلش� � ��ارة العصبية م� � ��ن عصب إلى‬ ‫آخر‪ ،‬حيث يس� � ��تطيع األدينوزين تثبيط ومنع‬ ‫إفراز اجلزيء ‪ ATP‬في الفجوة املشبكية‪ .‬بناء‬ ‫على ذلك‪ ،‬ميكن النظر إلى قيام اجلزيء‪ATP‬‬ ‫( ) ‪EARLY ORIGIN‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪73‬‬


‫ومكونات� � ��ه‪ ،‬إضافة إلى اإلنزميات املس� � ��ؤولة‬ ‫عن تفتيته واملوجودة على السطح اخلارجي‬ ‫للخاليا ‪ ،‬بأدوارها املتشابكة وكأنها منظومة‬ ‫حلقية ذاتية التنظيم إلرسال اإلشارات‪.‬‬ ‫جت� � ��در اإلش� � ��ارة إل� � ��ى أن ن� � ��واجت تفتيت‬ ‫اجلزيء ‪ ،ATP‬ليست وحدها املؤثرة في عمله‬ ‫على اخلاليا‪ .‬ففي اجلهاز العصبي مثال‪ ،‬تقوم‬ ‫اخلاليا العصبية بإف� � ��راز اجلزيء ‪ ATP‬ومعه‬ ‫غيره من ناقالت اإلشارات‪ ،‬حيث تعمل سويا‬ ‫في تناغم دقيق‪ ،‬وهنا يج� � ��وز اعتبار اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬ناقال مش� � ��اركا‪ .‬وقد س� � ��اعد اكتش� � ��اف‬ ‫هذه الظاهرة بواس� � ��طة >بيرنستوك< في عام‬ ‫‪ 1976‬على مراجعة النظرية التى رس� � ��خت ملدة‬ ‫طويلة حينذاك‪ ،‬والقائلة إن باستطاعة كل خلية‬ ‫عصبية واحدة أن تصنع وتختزن وتطلق نوعا‬ ‫واحدا فقط من نواقل اإلشارة العصبية‪ .‬وفي‬ ‫ض� � ��وء البراهني املتعددة‪ ،‬فق� � ��د تغيرت النظرة‬ ‫حاليا‪ ،‬حيث بات من املعروف أن اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫يفرز بشكل عام مع غيره من نواقل اإلشارات‬ ‫العصبي� � ��ة مث� � ��ل النورأدرينالني أو األس� � ��يتيل‬ ‫كولني‪ .‬ومع أن مس� � ��ألة النواقل املش� � ��تركة مت‬ ‫طرحها وإثباتها في بداية األمر بالنس� � ��بة إلى‬ ‫اجل� � ��زيء ‪ ،ATP‬إال أن الظاهرة أصبحت اآلن‬ ‫معروفة بالنس� � ��بة إلى عدد متنوع من اخلاليا‬ ‫العصبي� � ��ة األخرى‪ ،‬مثل إطالق حمض الگاما‬ ‫أمين���و بيوتيريك )‪ )1((GABA‬مع الگاليس� �ي��ن‬ ‫‪ glycine‬وك� � ��ذا الدوپامني مع الس���يروتونني‬ ‫‪ ،serotonin‬واألس� � ��يتيل كولني باملش� � ��اركة مع‬ ‫أمالح حم� � ��ض الگلوتاميك‪ .‬يتضح بذلك كيف‬ ‫قادت األبحاث التى أجريت على دور اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬ف� � ��ي نق� � ��ل اإلش� � ��ارات العصبي� � ��ة بهذا‬ ‫الطريق إلى الكش� � ��ف عن قواعد فس� � ��يولوجية‬ ‫أكثر عمومية‪ ،‬كما أس� � ��هم في تصميم وقيادة‬ ‫األبحاث في مجاالت أخرى‪.‬‬ ‫اجلزيء ‪ ATP‬في الصحة واملرض‬

‫( )‬

‫لم يعد مس� � ��تغربا ‪ ،‬في ضوء املعرفة بدور‬ ‫اجل� � ��زيء ‪ ATP‬في نقل اإلش� � ��ارات بني اخلاليا‬ ‫العصبية للجهاز العصبي‪ ،‬أن يقوم أيضا بدور‬ ‫مهم في أداء احلواس اخلمس لوظائفها‪ .‬وعلى‬ ‫( ) ‪ATP in Health and Disease‬‬ ‫( ) ‪ANATOMY OF ATP‬‬ ‫(‪Gama Amino Butyric Acid )1‬‬

‫‪74‬‬

‫تشريح اجلزيء ‪ATP‬‬

‫( )‬

‫يتدخل اجلزيء ‪ ATP‬كناقل لإلشارات‬ ‫تدخ ً‬ ‫العصبية‪ّ ،‬‬ ‫ال مباشر ًا في وظيفة‬ ‫الدماغ‪ ،‬واإلدراك احلسي‪ ،‬وحتكم اجلهاز‬ ‫العصبي في العضالت وفي األعضاء‪.‬‬ ‫وحينما تفرزه اخلاليا غير العصبية‪،‬‬ ‫فغالبا ما تنشط االستجابات الوقائية‬ ‫كبناء العظام وتكاثر اخلاليا‪ .‬وفيما‬ ‫يلي بعض مناطق اجلسم حيث تبذل‬ ‫اجلهود لفهم أدوار اجلزيء ‪ ATP‬املتعددة‬ ‫واستثمارها‪.‬‬

‫الدماغ‬

‫النخاع‬ ‫الشوكي‬ ‫األعصاب‬

‫الدماغ‪ :‬يقوم اجلزيء ‪ ATP‬بتعديل وضبط‬ ‫التواصل بني اخلاليا العصبية‪ ،‬وكذلك بينها‬ ‫وبني اخلاليا الداعمة لها التي ُتدعى «دبق»‬ ‫‪ .glia‬تتدخل إشارات اجلزيء ‪ ATP‬وأحد نواجت‬ ‫تفتيته‪ ،‬األدينوزين‪ ،‬في النوم والذاكرة والتعلم‬ ‫واحلركة وفي أنشطة أخرى للدماغ‪ .‬وقد يكون‬ ‫الصرع‬ ‫لفرط إطالق اإلشارات دوره في حدوث داء َّ‬ ‫وبعض االضطرابات النفسية‪ .‬يحفز اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬أيض ًا منو األنسجة وإصالح الضرر بعد‬ ‫اإلصابات واجلروح ‪ ،‬ولكنه قد يع ّزز موت‬ ‫اخلاليا في أمراض ضمور األعصاب وحتللها‬ ‫‪.neurodegenerative diseases‬‬

‫القلب‬

‫األمعاء‬

‫ِّ‬ ‫احلسية ومسارات األلم‪:‬‬ ‫األعضاء‬

‫ّ‬ ‫ينظم اجلزيء ‪ ،ATP‬وين ُقل في بعض احلاالت‪،‬‬ ‫املعلومات املتد َّفقة من األعضاء احلسية في‬ ‫العينني واألذنني واألنف واللسان إلى الدماغ‪.‬‬ ‫كذلك تستخدِ م أعصاب اإلحساس باأللم هذا‬ ‫اجلزيء لنقل اإلشارات إلى النخاع الشوكي‪.‬‬

‫القلب‪ :‬يقوي اجلزيء ‪ ATP‬الذي يفرز مشارك ًا‬ ‫للنورأدرينالني من أعصاب اجلهاز العصبي‬ ‫الالإرادي انقباضات عضلة القلب‪ .‬واخللل الذي‬ ‫ميكن أن يصيب مسار هذه اإلشارات يسبب‬ ‫اضطرابات في إيقاع وانتظام ضربات القلب‬ ‫ٍ‬ ‫وتغيرات في ضغط الدم‪.‬‬

‫املثانة‬

‫القضيب‬

‫العظام‬

‫أعضاء أخرى‪ :‬تتأثر االنقباضات الطبيعية‬ ‫لألمعاء وكذا إفراز اإلنزميات أثناء عملية الهضم‪،‬‬ ‫تأثر ًا كبير ًا بإشارات اجلزيء ‪ ATP‬املنطلقة من‬ ‫األعصاب املغذية لألمعاء‪ .‬كما أن اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫ّ‬ ‫ينظم أيض ًا انقباضات املثانة والتحكم فيها‪ ،‬كما‬ ‫أن انتصاب القضيب واسترخاءه يتطلب إشارات‬ ‫اجلزيء ‪ ATP‬من األعصاب إلى العضالت امللساء‬ ‫وإلى اخلاليا املبطنة لألوعية الدموية‪ ،‬التي ُتطلق‬ ‫بدورها أكسيد النيتريك املُرخي للعضالت‪.‬‬ ‫العظام‪ :‬ينبّه تنشيط مستقبالت اجلزيء‬ ‫اخلاليا البانية للعظم ويكبح اخلاليا الهادمة له‪.‬‬

‫‪ATP‬‬

‫اجللد‪ :‬تؤدي مستقبالت اجلزيء ‪ ATP‬دورا‬ ‫وسيطا في التجدد الطبيعى خلاليا اجللد‪،‬‬ ‫وفي التئام اجلروح‪ ،‬ورمبا في اضطرابات‬ ‫التكاثر اخللوي مثل حاالت أمراض الصدفية‬ ‫وتص ُّلب اجللد‪.‬‬ ‫اجلهاز املناعي‪ :‬إن اجلزيء ‪ ATP‬الذي‬ ‫تفرزه األنسجة املصابة بأذى يثير خاليا املناعة‬ ‫فيحدث االلتهاب‪ ،‬وهو في حقيقته رد فعل إيجابي‬ ‫نحو الشفاء‪ ،‬وقد يتسبب أيضا في حدوث ألم؛‬ ‫ولكن يراعى أن االلتهاب الشديد الذي يستمر فترة‬ ‫طويلة‪ ،‬ميكنه أن يؤذي األنسجة‪ ،‬كما يحدث في‬ ‫داء املفاصل الروماتويدي‪ .‬كما أن إشارات اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬تساعد اخلاليا املناعية على قتل اخلاليا‬ ‫املصابة بالبكتيريا‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫اجللد‬


‫س� � ��بيل املثال‪ ،‬فإن مس� � ��تقبالت اجلزيء‬ ‫املوجودة عل� � ��ى اخلاليا العصبية في ش���بكية‬ ‫الع�ي�ن ‪ ،retina‬تؤثر في اس� � ��تجابة تلك اخلاليا‬ ‫لإلشارات الواردة إليها من اخلاليا العصوية‬ ‫واملخروطية ‪ rods and cones‬التي تتعرف الضوء‬ ‫عند دخوله العني‪ .‬حيث تقوم أعصاب الشبكية‬ ‫بدورها بإطالق كل من اجلزيء ‪ ATP‬واألسيتيل‬ ‫كولني كنواقل عصبية مشتركة‪ ،‬لنقل املعلومات‬ ‫إلى املراكز احلس� � ��ية املسؤولة عن التعامل مع‬ ‫تلك اإلش� � ��ارات في الدم� � ��اغ‪ .‬وقد أظهرت فرق‬ ‫بحثي� � ��ة عديدة‪ ،‬أن� � ��ه إضافة إلى ه� � ��ذه الوظيفة‬ ‫اليومية للجزيء ‪ ،ATP‬فإن إش� � ��اراته العصبية‪،‬‬ ‫تؤدي دورا محوريا في مرحلة معينة مهمة أثناء‬ ‫تط� � ��ور العني في املرحل� � ��ة اجلينية مما قد متتد‬ ‫آثاره طوال احلياة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فقد أوضحت‬ ‫األبح� � ��اث التي قام بها >‪ .N‬ديل< وزمالؤه [من‬ ‫جامع� � ��ة وورويك في إنگلترا] أن إفراز اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬في مرحلة حرجة معينة أثناء بداية احلياة‬ ‫اجلنينية‪ ،‬ميثل اإلشارة الالزمة لتطور العني‪.‬‬ ‫يعد إفراز اجلزيء ‪ ATP‬ضروريا لسالمة‬ ‫منو اجلزء املعروف باس� � ��م القوقعة ‪cochlea‬‬ ‫في األذن الداخلية‪ ،‬وهو اجلزء املس� � ��ؤول عن‬ ‫السمع‪ ،‬وتستمر إشارات اجلزيء ‪ ATP‬بالقيام‬ ‫بدور حاسم ومهم لوظيفة األذن الداخلية عند‬ ‫البالغني‪ .‬يالحظ أن القوقعة في أذن اإلنسان‪،‬‬ ‫مبطن� � ��ة بنح� � ��و ‪ 50 000‬م� � ��ن اخلالي� � ��ا ذوات‬ ‫الش� � ��عيرات‪ ،‬وهي اخلالي� � ��ا العصبية الناقلة‬ ‫لذبذبات الصوت في األذن الداخلية‪ .‬وتوجد‬ ‫مس� � ��تقبالت اجلزيء ‪ ATP‬على نحو النصف‬ ‫من تلك اخلاليا‪ ،‬حيث يبدو أن اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫ييسر انطالق اإلش� � ��ارات العصبية منها في‬ ‫بعض األحيان‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد وجدت‬ ‫املستقبالت ‪ P2X‬على أطراف اخلاليا العصبية‬ ‫املس� � ��ؤولة عن التذوق في اللس� � ��ان واملعروفة‬ ‫باس� � ��م براعم التذوق‪ .‬وفي إحدى الدراسات‬ ‫اجلي� � ��دة التخطيط‪ ،‬توصلت >‪ .S .C‬كينامون<‬ ‫وزمالؤها [من جامعة والي� � ��ة كولورادو] إلى‬ ‫أن اجل� � ��زيء ‪ ATP‬ي� � ��ؤدي دورا حيويا كناقل‬ ‫لإلش� � ��ارات من براعم الت� � ��ذوق إلى أعصاب‬ ‫التذوق‪ ،‬ه� � ��ذا وتنتفي القدرة على التذوق في‬ ‫الفئران املفتقرة إلى كل من النمطني الفرعيني‬ ‫من املستقبالت ‪ P2X2‬و ‪.P2X3‬‬ ‫‪ATP‬‬

‫[األدوية]‬

‫استهداف مستقبالت‬

‫اجلزيء ‪ATP‬‬

‫( )‬

‫إن تعرف أمناط املس���تقبالت الفرعية النوعية واملس���ؤولة عن تأثير إش���ارات اجلزيء ‪ ATP‬في أنس���جة‬ ‫مختلفة ‪ ،‬قد أتاح لشركات الدواء البدء بتطوير أدوية ملعاجلة عدد من االضطرابات‪ .‬وقد ّ‬ ‫مت طرح اثنني‬ ‫من األدوية املذكورة في اجلدول أدناه في األسواق‪ ،‬وال تزال األدوية الباقية قيد الدراسة‪.‬‬

‫االضطراب‬

‫العقار‬

‫اآللية‬

‫التل ُّيف الكيسي‬

‫‪Denufosol‬‬

‫ينشط املستقبالت‬

‫جفاف العني‬

‫‪Diquafosol‬‬

‫ينشط املستقبالت‬

‫‪Cystic fibrosis‬‬

‫مرحلة االختبار‬ ‫‪P2Y2‬‬

‫‪P2Y2‬‬

‫املرحلة النهائية من اختبارات‬ ‫الفاعلية على البشر قيد اإلجراء‬ ‫املرحلة النهائية من اختبارات‬ ‫الفاعلية على البشر قيد اإلجراء‬

‫االلتهاب‬

‫‪EVT 401‬‬

‫يثبط املستقبالت‬

‫‪P2X7‬‬

‫اكتملت اختبارات السالمة على‬ ‫البشر‬

‫األلم‬

‫‪GSK1482160‬‬

‫يثبط املستقبالت‬

‫‪P2X7‬‬

‫اختبارات السالمة على البشر‬ ‫قيد اإلجراء‬

‫مر ّكبات ال اسم لها بعد تثبط املستقبالت‬ ‫و ‪P2X2/3‬‬ ‫(من ‪)Evotec AG‬‬

‫‪P2X3‬‬

‫قيد االختبار على اخلاليا‬ ‫واحليوانات‬

‫‪CE-224,535‬‬

‫يثبط املستقبالت‬

‫‪P2X7‬‬

‫اكتملت املرحلة النهائية من‬ ‫اختبارات الفاعلية على البشر‬

‫‪AZD9056‬‬

‫يثبط املستقبالت‬

‫‪P2X7‬‬

‫اكتملت اختبارات السالمة على‬ ‫البشر‬

‫‪Clopidogrel‬‬

‫يثبط املستقبالت‬

‫‪P2Y12‬‬

‫متت املوافقة عليه‬

‫‪Prasugrel‬‬

‫يثبط املستقبالت‬

‫‪P2Y12‬‬

‫متت املوافقة عليه‬

‫‪PRT060128‬‬

‫يثبط املستقبالت‬

‫‪P2Y12‬‬

‫جترى حاليا اختبارات السالمة‬ ‫والفاعلية على البشر‬

‫‪Ticagrelor‬‬

‫يثبط املستقبالت‬

‫‪P2Y12‬‬

‫جترى حاليا املرحلة النهائية من‬ ‫اختبارات الفاعلية على البشر‬

‫التهاب املفاصل‬ ‫الروماتويدي‬

‫ُ‬ ‫اخلثار (جت ُّلط‬ ‫الدم غير‬ ‫التقليدي)‬

‫وم� � ��ن املثيــــر للــدهش� � ��ة أن املس� � ��تقبالت‬ ‫‪ P2X2‬و‪ P2X3‬املوجودة عل� � ��ى براعم التذوق‪،‬‬ ‫ه� � ��ي ذاتها املش� � ��اركة في نق� � ��ل بعض أنواع‬ ‫اإلش� � ��ارات املسؤولة عن اإلحس� � ��اس باأللم‪.‬‬ ‫ومنذ عش� � ��رات السنني عرف العلماء أن حقن‬ ‫اجلزيء ‪ ATP‬حت� � ��ت اجللد يس� � ��بب األلــــــم‪.‬‬ ‫وحديثـــا توصـل >‪ .S .B‬ماكماهون< وزمالؤه‬ ‫[من مجمع العلوم الطبية (گاي‪ ،‬كينگ‪ ،‬سانت‬ ‫توماس) في لندن] إلىأن األلم ينش� � ��أ نتيجة‬ ‫تنش� � ��يط النمط الفرعى ‪ P2X3‬من مستقبالت‬ ‫اجلزيء ‪ ATP‬الواقعة على نهايات األعصاب‬ ‫احلس� � ��ية ف� � ��ي اجللد‪ ،‬واملس� � ��ؤولة ع� � ��ن نقل‬ ‫إشارات اإلحس� � ��اس باللمس واأللم‪ .‬وهناك‬ ‫نوع آخر من األل� � ��م يصاحب تلف األعصاب‬ ‫ويع� � ��رف باأللم الناجم عن اعتالل األعصاب‪،‬‬ ‫( ) ‪TARGETING ATP RECEPTORS‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪75‬‬


‫املؤلفان‬

‫‪Baljit S. Khakh‬‬

‫‪Geoffrey Burnstock‬‬

‫>خاخ< أستاذ مساعد في‬ ‫الفيسيولوجيا والبيولوجيا العصبية في‬ ‫كلية طب >‪ .D‬گيفن< بجامعة كاليفورنيا‬ ‫في لوس أجنلوس‪ .‬قام بتطوير وسائل‬ ‫مبتكرة ‪ ،‬مثل تصميم مستقبالت‬ ‫الـجزيء ‪ ATP‬التى ميكن مراقبتها‬ ‫بالضوء الختبار كيفية إحساس‬ ‫اخلاليا واستجابتها للـجزيء ‪ .ATP‬أما‬ ‫>بيرنستوك< فكان أول من أظهرعمل‬ ‫الـجزيء ‪ ATP‬كجزيء ناقل لإلشارات‪،‬‬ ‫وقد شغل منصب رئيس قسم التشريح‬ ‫والبيولوجيا التطورية في الكلية‬ ‫اجلامعية في لندن مدة ‪ 22‬عام ًا‪ ،‬وهو‬ ‫اآلن رئيس مركز علوم اجلهاز العصبي‬ ‫الال إرادى في كلية طب جامعة رويال‬ ‫فري والكلية اجلامعية في لندن‪ .‬كما‬ ‫حصل على جوائز ودرجات شرف‬ ‫عديدة‪ .‬التقى >بيرنستوك< و >خاخ<‬ ‫في مقهي بڤيينا عام ‪ ،1994‬حيث ناقشا‬ ‫موضوع اجلزيء ‪ ،ATP‬وهما يتناوالن‬ ‫فطيرة تفاح‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫ويسهم اجلزيء ‪ ATP‬في حدوثه ولكن بوسيلة‬ ‫مختلفة‪ .‬فقد أوضحت الدراس� � ��ات الرشيقة‬ ‫التي أجراها >‪ .K‬إينو< [من جامعة كيوش� � ��و‬ ‫ف� � ��ي اليابان] و>‪ .M‬س� � ��ولتر< [م� � ��ن جامعة‬ ‫تورنتو] أن إحدى اخلطوات األساس� � ��ية في‬ ‫تطور ه� � ��ذا النمط م� � ��ن األلم تتطل� � ��ب تفعيل‬ ‫مستقبالت اجلزيء ‪ ATP‬على اخلاليا املناعية‪،‬‬ ‫غير العصبية املوجودة في النخاع الش� � ��وكي‬ ‫وتس� � ��مى بالدبق امليكروي ‪ ،microglia‬وهي‬ ‫تف� � ��رز بدورها جزيئات أخرى تس � � �ــتثير بهـــا‬ ‫األليـــــاف العصبيــــــة املجــــاورة‪ ،‬ممـــا يــؤدي‬ ‫ف� � ��ي النهاية إلى األلم املزمن [انظر‪« :‬متهمون‬ ‫‪،‬‬ ‫ج� � ��دد في إحـ� � ��داث اآلالم املزمنــــــة»‪،‬‬ ‫العددان ‪ ،(2010)4/3‬ص ‪.]38‬‬ ‫وبسبب تلك املعلومات عن نقل اإلشارات‬ ‫بواسطة اجلزيء ‪ ATP‬واحتماالتها املستقبلية‪،‬‬ ‫تس� � ��عى كثير من ش� � ��ركات األدوية اآلن إلى‬ ‫دراس� � ��ة ومالحقة املستقبالت ‪ P2X‬كأهداف‬ ‫الس� � ��تنباط أدوية جديدة لعالج األلم الناجم‬ ‫عن اعت� �ل��ال األعص� � ��اب أو اآلالم املصاحبة‬ ‫لاللتهابات‪ .‬وال يشكل األلم إال جانبا واحدا‬ ‫م� � ��ن جوانب صحة اإلنس� � ��ان التي ميكن أن‬ ‫تستفيد كثيرا في املستقبل القريب من أدوية‬ ‫موجهة نحو اجلزيء ‪ ATP‬ومستقبالته‪.‬‬ ‫كذلك يقف مرضى القلب واألوعية الدموية‬ ‫في انتظار االستفادة من أدوية املستقبل املؤثرة‬ ‫في مس� � ��تقبالت اجلزيء ‪ .ATP‬ويبدو الس� � ��بب‬ ‫واضحا حني ننظر إلى سلس� � ��لة األحداث التي‬ ‫تعقب اإلصاب� � ��ة بأحد اجلروح‪ ،‬فباس� � ��تطاعة‬ ‫اخلاليا املصاب� � ��ة أو التالفة عضويا‪ ،‬إفراز أو‬ ‫س� � ��كب ما بها من اجل� � ��زيء ‪ ATP‬إلى املجال‬ ‫احمليط باخلاليا من اخلارج‪ .‬في تلك املواقف‪،‬‬ ‫غالبا ما تؤدي إشارات ورسائل اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫إلى ردود فعل إيجابية نحو الوقاية أو الشفاء‪،‬‬ ‫مبا في ذلك الدور الذي تؤديه اخلاليا الصغيرة‬ ‫في الدم‪ ،‬املعروفة باسم الصفائح الدموية‪ ،‬وهي‬ ‫اخلاليا املسؤولة عن جتلط الدم لوقف النزيف‬ ‫من أي ج� � ��رح حديث‪ .‬ذلك أن تل� � ��ك الصفائح‬ ‫حتمل على س� � ��طحها مس� � ��تقبالت تنتمي إلى‬ ‫املجموعة الفرعية ‪ P2Y12‬والتي تنشط باحتادها‬ ‫م� � ��ع اجلزيء ‪ ATP‬الذي يف� � ��د إليها من املجال‬ ‫احمليط باخلاليا‪ ،‬فيحدث فيها تغييرات معينة‪،‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫مما يؤدي في النهاية إلى تكون اجللطات‪ .‬ومن‬ ‫البديهي أن هذه التأثيرات نفس� � ��ها تسهم في‬ ‫تكوين اجللطات داخل األوعية الدموية‪ ،‬والتي‬ ‫ميكن أن تتسبب في األزمات القلبية والسكتات‬ ‫الدماغي� � ��ة‪ .‬ويتوفر حاليا أح� � ��د األدوية الفعالة‬ ‫ويعرف باس� � ��م الكلوپيدوگري���ل ‪clopidogrel‬‬ ‫ويعمل على غلق املستقبالت ‪ P2Y12‬على سطح‬ ‫الصفائح الدموية‪ ،‬ومين� � ��ع ذلك بدوره‪ ،‬حدوث‬ ‫اجللطات الناجمة عن تأثير اجلزيء ‪ .ATP‬كما‬ ‫يتوف� � ��ر اآلن عدد ال بأس به م� � ��ن األدوية التي‬ ‫تعمل بأسلوب مشابه لعالج أمراض الشرايني‬ ‫التاجية بالقلب وهي متر حاليا مبراحل متقدمة‬ ‫من اختبارها على املرض� � ��ى متهيدا إلقرارها‬ ‫وطرحها في األسواق‪.‬‬ ‫على صعيد آخر‪ ،‬أوضحت نتائج أبحاث‬ ‫>‪ .J .J‬گاليگان< [من جامعة والية متشيگان]‬ ‫وغيره‪ ،‬أن اجلزيء ‪ ATP‬املفرز من األعصاب‬ ‫املغذية لألمعاء‪ ،‬ينشط املستقبالت ‪ P2X‬و‪P2Y‬‬ ‫وبذل� � ��ك يتحكم في تناس� � ��ق وإيقاع انقباض‬ ‫عضالت األمعاء التي تدفع بالطعام قدما في‬ ‫رحلته عبر األمعاء‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن احتاد اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬مبستقبالت ‪ P2Y‬املنتشرة على اخلاليا‬ ‫املبطنة للجدار الداخلي لألمعاء‪ ،‬يتسبب في‬ ‫إفرازها لإلنزمي� � ��ات الالزمة للهضم‪ .‬ولذلك‪،‬‬ ‫تتس� � ��ابق ش� � ��ركات األدوية حاليا لتتبع هذا‬ ‫اخليط من أجل التوص� � ��ل إلى أدوية جديدة‬ ‫لع� �ل��اج مرض القولون العصبي‪ ،‬وكذا النوع‬ ‫األش� � ��د منه قس� � ��وة‪ ،‬واملعروف باسم مرض‬ ‫كرون ‪.Crohn’s disease‬‬ ‫إن الدور الذي يق� � ��وم به اجلزيء ‪ ATP‬في‬ ‫أداء األعضاء واألنس� � ��جة األخ� � ��رى لوظائفها‬ ‫الصحية السليمة‪ ،‬يجعله هدفا مأموال به لعالج‬ ‫قائمة طويل� � ��ة من االضطراب� � ��ات‪ ،‬مبا في ذلك‬ ‫بعض أمراض الكل� � ��ى والعظام واملثانة واجللد‬ ‫وحتى بع� � ��ض األمراض العصبية والنفس� � ��ية‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد يكون اجلزيء ‪ ATP‬أحد‬ ‫أسلحة اجلسم الطبيعية ملقاومة السرطان‪ .‬فقد‬ ‫كشف >‪ .E‬راپاپورت< [من كلية الطب بجامعة‬ ‫بوسطون] ألول مرة في عام ‪ ،1983‬عن التأثير‬ ‫القاتل للجزيء ‪ ATP‬في اخلاليا الس� � ��رطانية‪.‬‬ ‫وقد قوبل أيضا باالعتراض والتش� � ��كيك‪ ،‬غير‬ ‫أن نتائج األبحاث الت� � ��ي أجرتها مراكز بحثية‬


‫متعددة ومس� � ��تقلة عن بعضه� � ��ا‪ ،‬أظهرت قدرة‬ ‫اجل� � ��زيء ‪ ATP‬على كبح جم� � ��اح منو عدد من‬ ‫السرطانات مثل س� � ��رطان الپروستاته والثدي‬ ‫والقولون واملس� � ��تقيم واملبي� � ��ض واملريء وكذا‬ ‫خاليا أحد أنواع سرطان اجللد املعروف باسم‬ ‫ميالنوم���ا ‪ .melanoma‬هذا وتعمل إش� � ��ارات‬ ‫اجل� � ��زيء ‪ ATP‬جزئيا من خ� �ل��ال تعزيزها قتل‬ ‫اخلاليا السرطانية لذاتها (انتحارها)‪ ،‬وجزئيا‬ ‫م� � ��ن خالل دعم عملية تط� � ��ور ونضوج اخلاليا‬ ‫(متايز اخللية ‪ )cell differentiation‬مما يبطئ‬ ‫تكاثر اخلاليا السرطانية‪.‬‬ ‫وم� � ��ازال األمر في حاجة إل� � ��ى كثير من‬ ‫العمل لترجمة ما مت جمعه من معلومات حتى‬ ‫اآلن حول مسألة إشارات اجلزيء ‪ ،ATP‬إلى‬ ‫أدوية جديدة قابلة لالس� � ��تخدام البش� � ��ري‪.‬‬ ‫وجتدر اإلش� � ��ارة إل� � ��ى أن العمل يجري على‬ ‫قدم وساق في العديد من املختبرات وشركات‬ ‫األدوي� � ��ة من أجل التوصل إل� � ��ى أدوية يكون‬ ‫مبقدورها تنش� � ��يط أو تثبيط األمناط الفرعية‬ ‫ملستقبالت اجلزيء ‪ ATP‬بطريقة انتقائية‪ ،‬أو‬ ‫تثبي� � ��ط أو تعزيز إفراز اجلزيء ‪ ،ATP‬أو منع‬ ‫تفتيته بعد إفرازه من اخلاليا‪.‬‬ ‫ناقل اإلشارات املنشود‬

‫( )‬

‫إن اتس� � ��اع دائ� � ��رة قيام اجل� � ��زيء‬ ‫بنقل اإلش� � ��ارات والرس� � ��ائل‪ ،‬يط� � ��رح حتديا‬ ‫واحدا كبيرا على األقل‪ ،‬يتمثل بإيجاد أدوية‬ ‫تس� � ��تهدف التأثير في عضو أو نسيج واحد‬ ‫فقط‪ ،‬من دون التس� � ��بب ف� � ��ي آثار جانبية في‬ ‫أجهزة اجلسم األخرى‪ .‬وال يعد هذا الشاغل‬ ‫مقص� � ��ورا عل� � ��ى اجلزيء ‪ ATP‬وح� � ��ده‪ ،‬فمن‬ ‫ش� � ��أن وجود أمناط متعددة من مس� � ��تقبالته‬ ‫على من� � ��اذج مختلفة م� � ��ن اخلاليا أن يجعل‬ ‫احتمال استهداف أنسجة بعينها أكثر قابلية‬ ‫للتحقي� � ��ق‪ .‬أمضى >خ� � ��اخ< زمنا يجرب فيه‬ ‫احتمال تصميم وصنع مس� � ��تقبالت للجزيء‬ ‫‪ ،ATP‬ميكن إدماجها في اخلاليا املستزرعة‬ ‫أو حتى في فئران التجارب احلية‪ ،‬ليس� � ��جل‬ ‫أثر إجراء أي تغيير طفيف في وظيفة الپروتني‬ ‫املكون للمستقبالت ‪ .P2X‬وما هذا إال إحدى‬ ‫الوسائل التي تتيح للباحثني إدخال تعديالت‬ ‫محسوبة ومحددة في إشارات اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫‪ATP‬‬

‫ودراسة نتائجها في الكائنات احلية‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬ويتمثل أح� � ��د أهم اإلجنازات خالل‬ ‫العش� � ��رين عاما املاضية مب� � ��ا حتقق حديثا‬ ‫من حتدي� � ��د التركي� � ��ب البل� � ��وري لقناة ‪P2X‬‬ ‫في جدران خاليا س���مكة ال���زرد ‪zebra fish‬‬ ‫بواس� � ��طة >‪ .E‬گواكس< وزمالئه من جامعة‬ ‫أوريگون للصحة والعلوم‪ .‬يظهر هذا اإلجناز‬ ‫احملوري‪ ،‬تفاصيل أس� � ��لوب عمل مستقبالت‬ ‫اجلزيء ‪ ATP‬على املستوى الذري‪ ،‬كما ميهد‬ ‫الطريق لفهم دقائق انتقال اإلشارات بواسطة‬ ‫اجلزيء ‪ ATP‬بداية من مس� � ��توى اجلزيئات‬ ‫ونهاية باألنظمة الفسيولوجية الشاملة ‪ .‬هذا‬ ‫إضافة إلى إس� � ��راعه املتوقع بشكل ملحوظ‬ ‫في عملية اكتشاف أدوية جديدة‪.‬‬ ‫على صعيد آخر‪ ،‬فإن األدلة احلديثة‪ ،‬تشير‬ ‫إلى وجود مستقبالت اجلزيء ‪ ATP‬في بعض‬ ‫النبات� � ��ات والكائنات البدائي� � ��ة مثل الطحالب‬ ‫اخلضراء ومختلف أنواع األميبا وغيرها من‬ ‫الطفيلي� � ��ات‪ .‬وهو ما يفتح الباب أمام احتمال‬ ‫التدخل مع إش� � ��ارات اجل� � ��زيء ‪ ATP‬بطرق‬ ‫نافعة في الزراعة وفي عالج بعض األمراض‬ ‫املعدية‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن وجود إش� � ��ارات اجلزيء‬ ‫‪ ATP‬على ه� � ��ذا النمط الواس� � ��ع في مختلف‬ ‫أشكال احلياة‪ ،‬يوحي أن وظيفة اجلزيء ‪ATP‬‬ ‫كناقل لإلش� � ��ارات‪ ،‬ظهرت مبكرا في مسيرة‬ ‫تط� � ��ور احلياة‪ ،‬ورمبا بالتزام� � ��ن مع االعتماد‬ ‫عليه كمصدر للطاقة‪ .‬كذلك تش� � ��ير التقارير‬ ‫الكثيرة عن قوة تأثير اجلزيء ‪ ATP‬ومشتقاته‬ ‫في معظم احليوانات الالفقارية أو احليوانات‬ ‫الفقارية الدنيا‪ ،‬إلى أن تأثير اجلزيء ‪ ATP‬قد‬ ‫يكون واسع االنتشار بالفعل‪.‬‬ ‫ويس� � ��عدنا الي� � ��وم أن نرى كيف س� � ��ارت‬ ‫مس� � ��ألة دور اجلزيء ‪ ATP‬كناقل لإلشارات‪،‬‬ ‫ومنت من كونها مجرد فكرة مش� � ��كوك فيها‬ ‫ومنبوذة منذ خمس� �ي��ن عام� � ��ا مضت‪ ،‬وكيف‬ ‫تط� � ��ورت حتى صارت مجاال نابضا باحلياة‪،‬‬ ‫ومثيرا جلميع املتصلني بعالم األحياء اليوم‪،‬‬ ‫وله احتماالته املستقبلية املهمة في عالم الطب‪.‬‬ ‫وإننا لنتطلع بش� � ��وق إل� � ��ى أن نرى املزيد من‬ ‫االكتش� � ��افات على طريق فهم الدور احليوي‬ ‫املزدوج للجزيء ‪ ATP‬واس� � ��تغالله لتحسني‬ ‫>‬ ‫نوعية حياة اإلنسان‪.‬‬ ‫( ) ‪The Ultimate Messenger‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, December 2009‬‬

‫‪77‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫البكتيري‬ ‫َف ّن احلرب‬ ‫ّ‬

‫(٭)‬

‫تظهر الدراسات احلديثة‪ ،‬كيف تستغل البكتيريا خاليا جسمنا وتتمكن‬ ‫من التفوق على نظامنا املناعي‪ ،‬وكيف ميكننا استخدام أسلحتها ضدها‪.‬‬ ‫>‪ .B .B‬فيناالي<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫تتكاثر املُ ْم ِرضات البكتيرية وتفرز‬ ‫داخل املضيف البشري‪ ،‬ولكننا لم‬ ‫نفهم بعد بشكل واف كيف تراوغ‬ ‫البكتيريا دفاعاتنا وتصيبنا‬ ‫بسمومها‪.‬‬

‫>‬

‫أظهرت دراسة التفاعالت‬ ‫مرض استراتيجيات‬ ‫مضيف ‪ -‬مُ ْ‬ ‫معقدة تتبعها البكتيريا لتستغل‬ ‫خاليا املضيف وتتالعب بها مبا‬ ‫يخدم احتياجاتها‪.‬‬

‫>‬

‫يتيح الفهم اجلديد لطرائق‬ ‫البكتيريا وأدواتها الوصول إلى‬ ‫مقاربات جديدة حملاربتها‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬ ‫‪78‬‬

‫إن أغلب البكتيريا رفاق طيبون لنا‪ .‬فعال‪،‬‬ ‫عندما تش� � ��عر بالوحدة تذكر بأن تريليونات‬ ‫امليكروب� � ��ات التي تعيش داخل وعلى س� � ��طح‬ ‫اجلسم البش� � ��ري في احلالة الطبيعية‪ ،‬تفوق‬ ‫عدد اخلاليا البشرية بعشر مرات‪ .‬ومن بني‬ ‫عش� � ��رات آالف األنواع البكتيري� � ��ة املعروفة‪،‬‬ ‫تخرق مئة منها فقط قواعد التعايش السلمي‬ ‫مسببة لنا األمراض‪.‬‬ ‫وميكن له� � ��ذه املُ ْم ِرض���ات ‪ pathogens‬أن‬ ‫تس� � ��بب الكثير م� � ��ن املش� � ��كالت‪ .‬فاألمراض‬ ‫اخلمجي� � ��ة (املُ ْعدِ ية) تأتي ف� � ��ي املرتبة الثانية‬ ‫من بني األسباب املؤدية إلى املوت في العالم‪.‬‬ ‫والبكتيريا من أهم العوامل املميتة‪ .‬فالس� � ��ل‬ ‫َو ْح َد ُه يس� � ��بب مليوني حالة وفاة سنويا‪ ،‬وقد‬ ‫حصدت اليرسينية الطاعونية(‪ )1‬وهي التي‬ ‫تس� � ��بب الداء الشنيع الطاعون الدبلي(‪ )2‬في‬ ‫القرن الرابع عشر‪ ،‬ما يقارب ثلث عدد سكان‬ ‫أوروب� � ��ا‪ .‬لقد حقق الباحث� � ��ون تقدما ملحوظا‬ ‫خالل الق� � ��رن املاض� � ��ي في الس� � ��يطرة على‬ ‫بعض األنواع البكتيرية من خالل املضادات‬ ‫احليوية‪ ،‬ولكن البكتيريا املؤذية وجدت سبال‬ ‫ملقاوم� � ��ة العديد من هذه األدوية‪ .‬إنه س� � ��باق‬ ‫تس� � ��لح تأخر فيه اإلنس� � ��ان‪ ،‬وأسهم في ذلك‬ ‫أننا لم نفهم عدونا بشكل جيد‪.‬‬ ‫تاريخيا‪ ،‬س� � ��عى متخصصو البيولوجيا‬ ‫امليكروية إلى معرفة كيف تس� � ��بب البكتيريا‬ ‫املرض‪ ،‬وذلك من خالل زرعها في أوس� � ��اط‬ ‫مغذية‪ ،‬ثم عزل اجلزيئات من احمليط اخلارجي‬

‫للب���ق ‪ ،bugs‬أو اس� � ��تخالص إفرازاتها من‬ ‫الوسط‪ ،‬ودراسة تأثير هذه املواد في اخلاليا‬ ‫البشرية أو في احليوانات‪ .‬لقد أسهمت هذه‬ ‫الدراس� � ��ات في حتديد خصائص الذيفانات‬ ‫البكتيري� � ��ة املتنوعة‪ .‬ولكن معظم الدراس� � ��ات‬ ‫التي اس� � ��تهدفت اآلليات اإلمراضية‪ ،‬أهملت‬ ‫التفاعل بني املُ ْم ِرضات البكتيرية ومضيفيها‪.‬‬ ‫وعلى مدى العش� � ��رين س� � ��نة املاضية تنامت‬ ‫األبحاث الت� � ��ي تبني أن البكتيري� � ��ا املُ ْم ِرضة‬ ‫غالبا ما تبدي س� � ��لوكا يختلف في األوساط‬ ‫املغذية‪ ،‬عنه داخل جسم املضيف‪.‬‬ ‫رات‬ ‫وقد تطورت البكتيري� � ��ا لتصبح ُم َد ِّم ٍ‬ ‫‪ subversives‬متمرس� � ��ة‪ ،‬وذل� � ��ك لتتمك� � ��ن من‬ ‫اخت� � ��راق األعضاء واألنس� � ��جة املتنوعة‪ ،‬ومن‬ ‫البقي���ا(‪ )3‬والنمو في أجس� � ��امنا‪ ،‬حيث تعمل‬ ‫عل� � ��ى اس� � ��تغالل اخلاليا وأنظم� � ��ة االتصال‬ ‫اخللوية‪ ،‬وإجبارها على تعديل س� � ��لوكها مبا‬ ‫يتوافق مع غاياتها‪ .‬ينجح العديد من البكتيريا‬ ‫في الس� � ��يطرة‪ ،‬من خالل اس� � ��تخدام أدوات‬ ‫متخصص� � ��ة بحق� � ��ن پروتينات تق� � ��وم بإعادة‬ ‫برمج� � ��ة اآلليات اخللوية لتنف� � ��ذ أوامرها‪.‬كما‬ ‫تس� � ��تخدم بعض البكتيريا خططا وتكتيكات‬ ‫لتخليص اجلس� � ��م من البكتيري���ا َ‬ ‫احلميدة‬ ‫‪ benign bacteria‬أو املفي� � ��دة‪ ،‬مما يس� � ��اعدها‬ ‫على الس� � ��يطرة على البيئ� � ��ة احمليطة‪ .‬وعندما‬ ‫متكن الباحثون من حتديد االس� � ��تراتيجيات‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪The Art of Bacterial Warfare‬‬ ‫‪Yersinia pestis‬‬ ‫‪bubonic plague‬‬ ‫‪Survival‬‬


‫العدائية‪ ،‬واألسلحة البارعة التي تستخدمها‬ ‫البكتيريا املمرضة في غزو مضيفها والتغلب‬ ‫عليه‪ ،‬بدأنا فورا بالعمل على استنباط عالجات‬ ‫توجه هذه األسلحة إلى امليكروبات نفسها‪.‬‬ ‫اقتحام ودخول‬

‫( )‬

‫تنتج بعض أعراض األخم� � ��اج البكتيرية‬ ‫مباش� � ��رة من اس� � ��تراتيجيات البكتيريا للبقاء‬ ‫حية‪ .‬فالذيفانات الت� � ��ي تنتجها البكتيريا هي‬ ‫أحد األسباب العديدة املسببة لألمراض‪ .‬ومبا‬

‫أن املُ ْم ِرضات تسبب مجموعات متشابهة من‬ ‫األعراض ‪ -‬اإلسهال‪ ،‬احلمى‪ ،‬وغيرها ‪ -‬بدا‬ ‫من املنطقي االعتقاد أنها تس� � ��بب األمراض‬ ‫بآليات متش� � ��ابهة أيضا‪ .‬ومع أن العديد من‬ ‫املمرضات تعتمد على العناصر األساس� � ��ية‬ ‫نفسها من اآلليات اخللوية ‪ -‬كپروتينات معينة‬ ‫تس� � ��هم في بناء اجلدار اخلل� � ��وي ‪ -‬إال أنها‬ ‫تستخدم أساليب متنوعة ومعقدة للهجوم‪.‬‬ ‫إن اخلط� � ��وة األول� � ��ى ف� � ��ي أي هج� � ��وم‬ ‫بكتيري‪ ،‬على س� � ��بيل املث� � ��ال‪ ،‬هي االلتصاق‬ ‫( ) ‪Breaking and Entering‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪79‬‬


‫[تكتيكات وأدوات]‬

‫كيف تتمكن البكتيريا من استغالل خاليا املضيف‬

‫( )‬

‫حتسن البكتيريا املسببة للمرض من فرص بقائها‪ ،‬من خالل االستيالء على آليات واتصاالت خاليا املضيف لتنفيذ أوامر البكتيريا‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫تعديل الوسط داخل وخارج خاليا املضيف لتالئم حاجاتها‪ .‬وفي املثال باألسفل تستخدم البكتيريا الغازية لألمعاء أدوات متخصصة (الصورة‬ ‫في أقصى اليمني)‪ ،‬لتتالعب بأنواع عدة من اخلاليا مبا فيها اخلاليا الظهارية‪ ،‬وخاليا املناعة والبكتيريا غير الضارة التي تسكن األمعاء‪.‬‬

‫إشريكية‬ ‫قولونية‬ ‫جهاز‬ ‫اإلفراز‬

‫الغشاء‬ ‫اخلارجي‬ ‫للميكروب‬ ‫خلية‬ ‫مضيفة‬

‫‪Tir‬‬ ‫‪T3SS‬‬

‫پوليمر‬ ‫األكتني‬

‫إبرة احلقن‬ ‫پروتينات‬ ‫مثبتة‬

‫مفعلة‬

‫أنظمة اإلفراز‬

‫جتعدات‬

‫خلية ظهارية‬

‫الساملونيال‬ ‫➌ تنتج املفعالت اخلاصة ببكتيريا‬ ‫‪‬‬ ‫الشيگيال پوليمرات أكتني على‬ ‫شكل ذيل متطاول يدفع امليكروب‬ ‫عبر سيتوپالزما اخللية لغزو‬ ‫خلية مناعية مجاورة‪.‬‬

‫مفعلة‬

‫➊ تستخدم اإلشريكية القولونية‬ ‫‪‬‬ ‫املمرضة النظام ‪ T3SS‬حلقن أكثر‬ ‫من ‪ 40‬نوعا من الپروتينات املفعلة‬ ‫عبر الغشاء اخللوي‪ .‬ويعمل‬ ‫أحدها تير ‪ Tir‬كمرساة السفينة‬ ‫ليساعد البكتيريا على االلتصاق‪.‬‬ ‫وتنظـم املفعالت األخرى أكتني‬ ‫‪ actin‬اخللية ليشكل پوليمرات‬ ‫ترفع الغشاء لتشكل قاعدة‪.‬‬

‫‪T3SS‬‬

‫‪ ‬تستخدم أنواع الساملونيال‬ ‫➋‬ ‫النظام ‪ T3SS‬حلقن املفعالت‬ ‫التي تشكل پوليمرات‬ ‫األكتني‪ .‬تشكل ألياف األكتني‬ ‫«جتعدات» في غشاء اخللية‬ ‫تعمل على ابتالع البكتيريا‬ ‫وسحبها إلى داخل اخللية‪.‬‬

‫أكتني‬

‫الشيگيال‬

‫أجهزة متخصصة تسمح للبكتيريا‬ ‫بحقن جزيئات مفعلة تتحكم في‬ ‫اخلاليا‪ ،‬مباشرة داخل خاليا‬ ‫املضيف‪ .‬ونظام اإلفراز من النمط‬ ‫الثالث ‪ T3SS‬الظاهر في األعلى‬ ‫منوذجي‪ .‬ينزل جهاز اإلفراز الرئيسي‬ ‫في الغشاء البكتيري اإلبرة املجوفة‬ ‫إلى اخللية املضيفة‪ ،‬ويتم حقن‬ ‫پروتينات مثبتة لتثبيت اإلبرة‪ ،‬ومن‬ ‫ثم الپروتينات املفعلة‪.‬‬

‫بلعم‬

‫خلية متغصنة‬

‫بخاليا املضي� � ��ف‪ .‬ومتتلك إحدى س� �ل��االت‬ ‫اإلش���ريكية القولوني���ة ‪Escherichia coli‬‬ ‫واملعروفة باملدمية املعوي���ة(‪ ،O157 )1‬طريقة‬ ‫جديرة باملالحظة في إلصاق نفس� � ��ها بخاليا‬ ‫املضيف‪ .‬وتنتقل هذه املُ ْم ِرضات عبر الطعام‬ ‫امللوث‪ ،‬وعندما تصل السبيل املعدي املعوي‪،‬‬ ‫تلتصق املدمي� � ��ة ‪ O157‬بجدار األمعاء وتنتج‬ ‫ذيفانا يس� � ��بب إس� � ��هاال دمويا‪ .‬وق� � ��د اعتقد‬ ‫العلم� � ��اء س� � ��ابقا أن هذه الس� �ل��الة املمرضة‬ ‫من اإلش� � ��ريكية القولونية‪ ،‬تتثبت على جزيء‬ ‫مس� � ��تقبل موجود مسبقا في خاليا املضيف‬ ‫املعوي� � ��ة‪ ،‬كجمي� � ��ع املمرض���ات امللتصق���ة‬ ‫‪80‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪ .adherent pathogens‬ولكن الدراسات احلديثة‬ ‫أظه� � ��رت أن املدمي� � ��ة ‪ O157‬تق� � ��وم بصن� � ��ع‬ ‫املُ ْس َت ْق ِبل اخلاص بها‪ ،‬وحتقنه في اخللية من‬ ‫خالل ما ُيعرف بالنظام اإلفرازي من النمط‬ ‫الثال���ث(‪( T3SS )2‬يسمى نظام اإلفراز حسب‬ ‫ترتيب اكتشافه)‪.‬‬ ‫يقوم النظام البكتيري ‪ T3SS‬بحقن جزيء‬ ‫يدعى تير ‪ ،Tir‬م� � ��ع ‪ 40‬أو أكثر من جزيئات‬ ‫الپروت� �ي��ن «املفعِّ لة» ‪ ،effector‬مباش� � ��رة في‬ ‫الغش� � ��اء اخللوي للخلية املضيف� � ��ة‪ ،‬ثم يثبت‬ ‫( ) ‪How Bacteria Hijack Host Cells‬‬ ‫(‪enterohemorrhagic )1‬‬ ‫(‪Type 3 Secretion System )2‬‬


‫بكتيريا األمعاء‬ ‫املفيدة‬

‫‪T3SS‬‬

‫مفعلة‬ ‫نواة اخللية‬

‫رودنتية‬ ‫ليمونية‬ ‫إشارات‬

‫تفاعل التهابي‬

‫➍ الرودنتية الليمونية ‪ -‬وهي نوع من اإلشريكية‬ ‫‪‬‬ ‫القولونية يصيب الفئران ‪ -‬تستخدم مفعالت‬

‫پروتينية لتغيير اإلشارات اخللوية مسببة التهابا‬ ‫موضعيا يقتل بعض أنواع البكتيريا غير املؤذية التي‬ ‫تعيش في األمعاء والتي تنافسها على موارد الغذاء‪.‬‬

‫فجوة‬

‫مفعلة‬

‫‪ ‬تستخدم الفيلقية املستروحة‬ ‫➎‬ ‫‪T4SS‬‬

‫جسيم حال‬

‫فيلقية مستروحة‬

‫النظام ‪ )1(T4SS‬عندما تبلعها‬ ‫وحتتجزها إحدى البالعم‬ ‫داخل الفجوة‪ .‬وتغير‬ ‫املفعالت غشاء الفجوة بحيث‬ ‫ال تستطيع جسيمات احلالة‬ ‫القاتلة للممرضات الوصول‬ ‫إلى الداخل‪ ،‬فتستطيع‬ ‫الفيلقية أن تتكاثر بأمان قبل‬ ‫أن تغزو خلية أخرى‪.‬‬

‫أحد جزيئاته الس� � ��طحية على «التير»‪ .‬ولكن‬ ‫هذه هي اخلطوة األولى فقط في االس� � ��تيالء‬ ‫عل� � ��ى اخللية‪ .‬ويقوم اجلزيء ‪ Tir‬مع عدد من‬ ‫اجلزيئات الپروتينية املفعلة األخرى التي مت‬ ‫حقنها في اخللية‪ ،‬بإجب� � ��ار اجلدار اخللوي‬ ‫على التصرف بش� � ��كل غي� � ��ر طبيعي‪ .‬يتفاعل‬ ‫األكت�ي�ن ‪ ،actin‬وهو أحد العناصر األساسية‬ ‫الداخلة ف� � ��ي الهيكل اخللوي‪ ،‬مع الپروتينات‬ ‫البكتيري� � ��ة‪ ،‬مش� � ��كال پوليم���رات ‪polymers‬‬ ‫تبدأ بالضغط على اجلدار اخللوي مش� � ��كلة‬ ‫نتوءا على ش� � ��كل قاعدة التمثال‪ ،‬ترتكز عليه‬ ‫اإلشريكية القولونية بأمان خارج اخللية‪ ،‬في‬

‫حني تقوم املف ِّعالت والذيفانات التي حقنتها‬ ‫في اخللي� � ��ة «بعمله� � ��ا الق� � ��ذر»‪ .‬إن الوظيفة‬ ‫األكيدة له� � ��ذه القواعد غي� � ��ر معروفة‪ ،‬ولكن‬ ‫الباحث� �ي��ن بين� � ��وا أن لها دورا أساس� � ��يا في‬ ‫القدرة اإلمراضية لهذه البكتيريا‪.‬‬ ‫من املُ ْم ِرضات األخرى‪ ،‬امللوية البوابية‬ ‫‪ ،Helicobacter Pylori‬والت� � ��ي تلصق نفس� � ��ها‬ ‫باخلالي� � ��ا الظهارية املبطن� � ��ة للمعدة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تبدأ بتعديل الوسط احمليط مبا يالئم بقياها‪.‬‬ ‫تفرز امللويات البوابية إنزميا يسمى اليورياز‬ ‫‪ urease‬الذي يعاكس موضعيا الوسط املعدي‬ ‫العالي احلموضة‪ ،‬والذي يقتل في العادة أغلب‬ ‫البكتيريا‪ .‬ليس� � ��ت جميع السالالت ممرضة‪،‬‬ ‫ولكن املُ ْم ِرض منها قد يسبب ُقرحا معدية أو‬ ‫حتى س� � ��رطان املعدة‪ ،‬مما يجعلها البكتيريا‬ ‫الوحيدة املعروفة التي تسبب السرطان‪ .‬تنتج‬ ‫السالالت املمرضة نظاما إفرازيا من النمط‬ ‫الراب���ع )‪ (1)(T4SS‬يقوم بحق� � ��ن پروتني مفعل‬ ‫خ� � ��اص يدعى ‪ .CagA‬إن وظيفة هذا الپروتني‬ ‫الدقيقة غير معروفة‪ ،‬ولكن الدراسات احلديثة‬ ‫تش� � ��ير إلى أنه يحمل اخلاليا الظهارية على‬ ‫إنتاج عدد أكبر من املُ ْس � � � َت ْق ِبالت التي تتثبت‬ ‫عليه� � ��ا امللوي� � ��ات البوابية‪ .‬كم� � ��ا ميكن لهذا‬ ‫الپروتني أن يؤثر بشكل مباشر في اإلشارات‬ ‫داخ� � ��ل اخللوية ف� � ��ي خاليا املعدة‪ ،‬مس� � ��ببا‬ ‫تطاولها وتبعثرها‪ ،‬وف� � ��ي النهاية متوتها مما‬ ‫يسهم في تشكيل القرحة‪.‬‬ ‫ال حتت� � ��اج اإلش� � ��ريكية القولونية ‪،O157‬‬ ‫وامللوية البوابية الدخول إلى اخللية لتس� � ��بب‬ ‫املرض‪ ،‬عل� � ��ى عك� � ��س الس���املونيال(‪ )2‬التي‬ ‫تخترق جدار اخللية‪ :‬وهي بكتيريا قريبة من‬ ‫اإلشريكية تسبب اإلس� � ��هال ملا يقارب بليون‬ ‫إنس� � ��ان حول العالم‪ .‬ف� � ��ي احلقيقة‪ ،‬حتتاج‬ ‫الس� � ��املونيال إلى املرور إل� � ��ى داخل اخلاليا‬ ‫الظهارية التي تبطن األمعاء‪ ،‬وذلك لتتمكن من‬ ‫التف���وع (النم���و) ‪ .thrive‬تبدأ هذه البكتيريا‬ ‫الغزو باس� � ��تخدام منط مختل� � ��ف من النظام‬ ‫البكتيري ‪ T3SS‬يعرف باجلزيرة اإلمراضية‬ ‫(‪Type 4 Secretion System )1‬‬ ‫(‪salmonella )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫امليكروبايولوجيا‬ ‫البشرية‬

‫تركيب جسم اإلنسان‬

‫‪ 10‬تريليونات‬

‫خلية بشرية‬

‫‪ 100‬تريليون‬

‫خلية بشرية‬

‫‪.............................................................‬‬

‫األنواع البكتيرية التي‬ ‫تعيش في اإلنسان ‪...‬‬

‫‪35 000 - 5000‬‬

‫‪ ...‬األمعاء‬

‫‪500 - 300‬‬

‫‪ ...‬الفم‬

‫‪120‬‬

‫‪ ...‬اجللد‬ ‫‪.............................................................‬‬

‫األنواع البكتيرية‬ ‫املمرضة لإلنسان‬

‫‪100‬‬

‫‪.............................................................‬‬

‫نسبة األشخاص الذين‬ ‫تستعمِ رهم البكتيريا‬ ‫املُ ْم ِرضة (مع أو من دون مرض)‬ ‫‪%33‬‬

‫املفطورة السلية‬

‫‪%50‬‬

‫امللوية البوابية‬

‫‪%50‬‬

‫العنقودية املذهبة‬

‫‪81‬‬


‫[جتنب املمانعة]‬

‫خداع احلراس‬

‫( )‬

‫يُفترض باخلاليا املناعية واألجسام املضادة التي تنتجها أن تعمال معا على حتييد الغزاة‪ ،‬ولكن البكتيريا املمرضة‬ ‫تستطيع جتنب دفاعات املضيف تلك وذلك بآليات وتكتيكات مختلفة‪ ،‬كالتي وصفت في األمثلة املعروضة أدناه‪.‬‬ ‫يرسينية طاعونية‬

‫ساملونيال أنتريكية‬ ‫نيسيريا‬ ‫سحائية‬ ‫فالگي ّلني‬ ‫(پروتني يوجد في السوائط)‬

‫‪T3SS‬‬

‫مفعلة‬

‫شالل اإلشارة‬ ‫نواة‬

‫پروتياز‬

‫بلعم‬

‫‪IgA‬‬

‫عقدة ملفية‬ ‫متورمة‬

‫خلية‬ ‫محتضرة‬

‫مخاط‬

‫غشاء اخللية‬

‫آلية التعطيل‬

‫عندما يحاول بلعم ‪ macrophage‬ابتالع اليرسينية الطاعونية‪،‬‬ ‫تستخدم البكتيريا نظامها ‪ T3SS‬حلقن مفعالت تقوم بشل آلية‬ ‫االبتالع لدى اخللية املناعية‪ .‬ومتتطي اليرسينية اخللية إلى‬ ‫العقدة اللمفاوية حيث تتكاثر مسببة تورم العقد ومشكلة الدبل‬ ‫املميزة للطاعون الدبلي‪.‬‬

‫تدمير األجسام املضادة‬

‫متنع الگلوبولينات املناعية من النمط )‪ )1((IgA‬البكتيريا من‬ ‫االلتصاق باخلاليا الظهارية التي تبطن املجرى األنفي واألسطح‬ ‫املخاطية املماثلة في اجلسم‪ .‬إال أن النيسيريا السحائية(‪ ،)2‬إحدى‬ ‫مسببات التهاب السحايا‪ ،‬تستطيع استعمار هذه اخلاليا بإفراز‬ ‫إنزمي پروتياز يدمر األجسام املضادة‪.‬‬

‫اخلاص���ة بالس���املونيال(‪ (SPI-1) )3‬حي� � ��ث‬ ‫حتقن اخلاليا الظهارية مبفعالت تعيد تنظيم‬ ‫بلم� � ��رة (متاثر) األكتني لتش� � ��كل «تغضنات»‬ ‫في الغشاء اخللوي ش� � ��بيهة بقواعد التمثال‬ ‫التي تشكلها اإلشريكية القولونية‪ ،‬متتد هذه‬ ‫التغضنات وتلتف ح� � ��ول البكتيريا امللتصقة‬ ‫بغش� � ��اء اخللية من اخل� � ��ارج‪ ،‬وجتبر اخللية‬ ‫فعليا على سحب امليكروب إلى الداخل‪ .‬ينتج‬ ‫اإلسهال املرافق لهذه األخماج من اجلزيئات‬ ‫الت� � ��ي مت حقنها باجلزيرة اإلمراضية ‪.SPI-1‬‬ ‫ولكن الساملونيال ال تتوقف عند هذا احلد‪.‬‬ ‫تق� � ��وم البالع���م ‪ macrophages‬الكبي� � ��رة‬ ‫واخلاليا األخ� � ��رى التي تنتمي إلى ما يدعى‬ ‫‪82‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫قدح التدمير الذاتي‬

‫تقوم خاليا مناعية محددة كالبالعم بتدريب اخلاليا املناعية األخرى‬ ‫على تعرف املمرضات‪ .‬ولكن الساملونيال األنتريكية ‪salmonella‬‬ ‫‪ enterica‬تستطيع منع حدوث ذلك‪ ،‬حيث تستخدم نظامها ‪T3SS‬‬ ‫حلقن اخللية بالفالگي ّلني ‪ ،flagellin‬وهو پروتني يطلق شالل‬ ‫إشارات يؤدي في النهاية إلى تفعيل آلية انتحار خلوية‪.‬‬

‫بالسالح األولي للجهاز املناعي‪ ،‬كاملعتدالت‬ ‫واخلاليا املتغصن���ة(‪ ،)4‬عادة بهضم وتدمير‬ ‫(بلعم) أي جس� � ��م غازي‪ .‬وتبتلع هذه البالعم‬ ‫البكتيري� � ��ا وحتتجزها في فج� � ��وات مرتبطة‬ ‫بغشائها‪ ،‬حيث تقوم اجلزيئات القاتلة بتدمير‬ ‫الضحي� � ��ة‪ .‬ولكن أنواع الس� � ��املونيال تخترق‬ ‫البطانة املعوية مارة عب� � ��ر اخلاليا الظهارية‬ ‫إلى اخلاليا املناعية التي تنتظر على اجلانب‬ ‫اآلخ� � ��ر‪ .‬حاملا تصبح البكتيري� � ��ا في فجوات‬ ‫البالعم‪ ،‬تقوم باستخدام نوع ثان من النظام‬ ‫( ) ‪Outwitting the Guards‬‬ ‫(‪immunoglobulin A )1‬‬ ‫(‪Neisseria meningitidis )2‬‬ ‫(‪Salmonella pathogenicity island 1 )3‬‬

‫(‪dendritic cells )4‬؛ أحد أشكال الكريات البيض‪.‬‬

‫(التحرير)‬


‫البكتي� � ��ري ‪ُ T3SS‬يس� � ��مى ‪ SPI-2‬وهو يحرر‬ ‫پروتينات مفعلة حتول هذه الفجوات إلى مالذ‬ ‫الس� � ��املونيال التكاثر فيه‪ .‬تقوم‬ ‫آمن تستطيع ّ‬ ‫هذه الپروتينات بتحويل «غرفة اإلعدام» إلى‬ ‫ملجأ آمن من خالل تعديل غش� � ��اء الفجوات‬ ‫بحيث تصبح اجلزيئ� � ��ات القاتلة عاجزة عن‬ ‫الدخول إليها‪.‬‬ ‫إن النظ� � ��ام ‪ SPI-2‬ض� � ��روري لنج� � ��اح‬ ‫الس���املونيال التيفي���ة ‪،Salmonella typhi‬‬ ‫الس� �ل��الة التي تس� � ��بب حمى التيفوئيد‪ .‬فمن‬ ‫خالل متك� �ي��ن البكتيري� � ��ا من البق� � ��اء داخل‬ ‫اخلاليا البلعمية‪ ،‬والتي تنتقل ضمن اجلسم‬ ‫عبر املجرى الدموي واجلهاز اللمفي‪ ،‬يسمح‬ ‫النظ� � ��ام ‪ SPI-2‬لهذه املتعضي� � ��ات بالوصول‬ ‫والتكاثر في أنسجة أبعد بكثير من األمعاء‪،‬‬ ‫كالكبد والطحال‪.‬‬ ‫إن الق� � ��درة عل� � ��ى البق� � ��اء داخ� � ��ل خاليا‬ ‫املضيف‪ ،‬هي ميزة مش� � ��تركة بني العديد من‬ ‫املمرضات التي تس� � ��بب أمراض� � ��ا خطيرة‪،‬‬ ‫كالس� � ��ل وداء الفيلقي���ات ’‪Legionnaires‬‬ ‫‪ .disease‬تتمي� � ��ز الفيلقي���ة املس���تروحة‬ ‫‪ Legionella pneumophila‬بأنها حتقن ‪ 80‬نوعا‬ ‫مختلفا من املفعالت في اخلاليا البلعمية من‬ ‫خ� �ل��ال النظام ‪ T4SS‬اخلاص به� � ��ا‪ .‬ومع أن‬ ‫وظيف� � ��ة القليل منها معروف� � ��ة‪ ،‬إ ّال أن العديد‬ ‫منه� � ��ا يعمل على حتويل الفج� � ��وات البلعمية‬ ‫إلى مالذ آمن‪.‬‬ ‫يقدم لنا سلوك الفيلقيات نافذة تطلعنا‬ ‫عل� � ��ى األصل احملتم� � ��ل ألجه� � ��زة اإلفراز‬ ‫البكتيرية‪ ،‬التي لم تتطور لتس� � ��بب املرض‬ ‫لإلنس� � ��ان‪ ،‬وإمن� � ��ا لتحم� � ��ي البكتيريا من‬ ‫هجوم املتعضي� � ��ات الوحي� � ��دة اخللية في‬ ‫التربة‪ .‬وتَستخدم الفيلقيات النظام ‪T4SS‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫لتستطيع النجاة عندما تبتلعها أميبات‬ ‫التربة التي متتلك آليات مش� � ��ابهة للخاليا‬ ‫البلعمي� � ��ة عند اإلنس� � ��ان‪ .‬وه� � ��ذا الترابط‬ ‫باألميب� � ��ات أعطى هذه البكتيريا اس� � ��مها‪.‬‬ ‫وفي لقاء عس� � ��كري في أمريكا عام ‪1967‬‬ ‫َع َبرت بعض األميبات احلاوية على فيلقيات‬

‫بكتيري� � ��ة قنوات نظام التهوية ووصلت إلى‬ ‫رئات املجتمعني‪ .‬وكما تفعل األميبات‪ ،‬فإن‬ ‫البالعم في األس���ناخ الرئوي���ة(‪ )2‬البشرية‬ ‫ابتلعت الفيلقيات‪ .‬وقد أدى الداء التنفسي‬ ‫الن� � ��اجت إلى وفاة ‪ 34‬ش� � ��خصا‪ ،‬وبذلك مت‬ ‫اكتشاف داء الفيلقيات‪.‬‬ ‫مراوغة احلراس‬

‫( )‬

‫إن ق� � ��درة البكتيريا عل� � ��ى تهيئة الظروف‬ ‫احمليط� � ��ة داخل اخلالي� � ��ا املناعية ‪ -‬التي من‬ ‫املفت� � ��رض أن تق� � ��وم بقتل تل� � ��ك البكتيريا ‪-‬‬ ‫تبرهن على ق� � ��درة األجه� � ��زة البكتيرية على‬ ‫االستيالء على اآلليات اخللوية‪ .‬وإن التشابه‬ ‫ب� �ي��ن اخلاليا املناعية البش� � ��رية واملتعضيات‬ ‫املفترس� � ��ة له� � ��ذه البكتيريا خ� � ��ارج املضيف‬ ‫البشري‪ ،‬يفس� � ��ر استراتيجيات البقيا لديها‪.‬‬ ‫وم� � ��ن أكثر ه� � ��ذه اآلليات التي تس� � ��تخدمها‬ ‫البكتيريا تعقيدا‪ ،‬هي تلك املخصصة لتجنب‬ ‫دفاعات املضيف‪ ،‬أو لتجنيد اخلاليا املناعية‬ ‫لتساعد على فوعتها‪.‬‬ ‫وعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬تنتقل اليرس� � ��ينيا‬ ‫الطاعونية من اجلرذان إلى اإلنس� � ��ان‪ ،‬عن‬ ‫طريق ّ‬ ‫عضات ( َقرص� � ��ات) البراغيث التي‬ ‫ت ِ‬ ‫ُدخل امليكروب مباش� � ��رة إلى الدم‪ .‬عندما‬ ‫حتاول البالعم اجلائلة ف� � ��ي الدم أن تبتلع‬ ‫وتقت� � ��ل املمرض� � ��ات‪ ،‬يقوم النظ� � ��ام ‪T3SS‬‬ ‫اخلاص باليرس� � ��ينيا بحق� � ��ن مجموعة من‬ ‫أرب� � ��ع مف ِّعالت على األقل تعمل على ش� � ��ل‬ ‫اآللية البلعمية متاما قبل أن تتمكن البالعم‬ ‫من ابت� �ل��اع فريس� � ��تها‪ .‬ترتش� � ��ح البالعم‬ ‫حاملة اليرس� � ��ينيا على سطحها‪ ،‬إلى العقد‬ ‫اللمفاوية‪ ،‬حيث تبدأ البكتيريا بالتضاعف‬ ‫مسببة التورمات املؤملة أو الدبل التي تعطي‬ ‫الطاعون الدبلي اسمه‪.‬‬ ‫لقد طورت العدي� � ��د من املمرضات أنظمة‬ ‫حقن‪/‬إف� � ��راز ق� � ��ادرة عل� � ��ى إع� � ��ادة برمجة‬ ‫اإلش� � ��ارات اخللوية واالس� � ��تجابات املناعية‬

‫لقد تطورت أنظمة‬ ‫اإلفراز‪ ،‬ال لتتسبب‬ ‫في مرض البشر‬ ‫وإمنا لتحمي‬ ‫احلشرات من‬ ‫مهاجمتها من‬ ‫قبل متعضيات‬ ‫‪ organisms‬وحيدة‬ ‫اخللية في التربة‪.‬‬

‫( ) ‪Dodging the Sentries‬‬ ‫(‪amoebas )1‬‬ ‫(‪the humans′ alveoli )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪83‬‬


‫تطورت العديد من‬ ‫املمرضات ابتداء‬ ‫من بكتيريا غير‬ ‫مؤذية وذلك من‬ ‫خالل اكتساب جينات‬

‫(مورثات)‬

‫‪genes‬‬

‫تنقل خصائص‬ ‫جديدة‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫بشكل نوعي‪ .‬تعطي الشيگيال الزحارية(‪،)1‬‬ ‫العامل املسبب للزحار(‪ ،)2‬مثاال على مجموعة‬ ‫من االستراتيجيات التي ميكن لنوع بكتيري‬ ‫واحد اس� � ��تخدامها خالل اخلم� � ��ج‪ .‬ومع أن‬ ‫الش� � ��يگيال تش� � ��به إلى حد كبير من الناحية‬ ‫اجلينية س� �ل��االت غير مؤذية من اإلشريكية‬ ‫القولوني� � ��ة‪ ،‬إال أنها متتلك النظام ‪ T3SS‬الذي‬ ‫يقوم بحق� � ��ن ‪ 25‬إلى ‪ 30‬مفعل� � ��ة تدفع خاليا‬ ‫املضيف إلى احتواء البكتيريا‪ ،‬بطريقة تشابه‬ ‫تلك التي تس� � ��حب بها الساملونيال‪ .‬ومن ثم‪،‬‬ ‫تقوم الش� � ��يگيال باس� � ��تغالل اآللية الهيكلية‬ ‫للخلية لتنتقل عبر اخللي� � ��ة وتخترق اخلاليا‬ ‫املج� � ��اورة‪ ،‬متجنب� � ��ة بذلك اخلالي� � ��ا املناعية‬ ‫وجزيئات األجس� � ��ام املضادة التي قد تكون‬ ‫بانتظارها خارج اخلاليا‪.‬‬ ‫لم يتم اكتشاف وسائل الشيگيال األخرى‬ ‫ف� � ��ي املراوغة وإع� � ��ادة البرمج� � ��ة‪ ،‬ولكن من‬ ‫املعروف أن العديد من املفعالت تتآثر مباشرة‬ ‫م� � ��ع أنظمة اإلش� � ��ارة اخللوي� � ��ة الداخلية في‬ ‫اخلاليا املضيفة مسببة حتييد بعض نداءات‬ ‫االستغاثة التي ترسلها اخللية املخموجة في‬ ‫احلال� � ��ة الطبيعية‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬ال يتم إس� � ��كات‬ ‫جميع اإلش� � ��ارات اخللوية‪ .‬ويعتمد امليكروب‬ ‫عل� � ��ى جزء من اإلش� � ��ارات اخللوية الجتذاب‬ ‫اخلاليا املتغصنة إل� � ��ى موقع اخلمج‪ ،‬ليقوم‬ ‫بعدها باختراق هذه البالعم‪ ،‬واس� � ��تخدامها‬ ‫«كأحصن� � ��ة ط� � ��روادة» لتحمله� � ��ا عبر جدار‬ ‫األمعاء مما يؤدي إلى متزقه مسببة اإلسهال‬ ‫احلاد املميز للزحار‪.‬‬ ‫وال يقتصر خداع البكتيريا على اجلهاز‬ ‫املناع� � ��ي األول� � ��ي (الالنوع� � ��ي)‪ ،‬حي� � ��ث تع ّلم‬ ‫بعضها جتنب االستجابة املناعية املكتسبة‪،‬‬ ‫والت� � ��ي تتألف من اخلالي���ا التائي���ة ‪T cells‬‬ ‫واخلاليا البائية ‪ B cells‬املنتجة لألجس� � ��ام‬ ‫املضادة والتي دربتها اخلاليا املناعية األولية‬ ‫�ات نوعي ًة من‬ ‫(الالنوعي� � ��ة) لتتعرف ممرض� � � ٍ‬ ‫خالل اخلصائص السطحية (املستضدات)‬ ‫لهذه املمرضات‪ .‬ميك� � ��ن للميكروبات تفادي‬ ‫هذه الدفاعات‪ ،‬إما من خالل التغيير املستمر‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫لپروتيناته� � ��ا الس� � ��طحية لتتجنب األجس� � ��ام‬ ‫املضادة‪ ،‬أو من خالل إفراز إنزميات حتطم‬ ‫هذه األجس� � ��ام املضادة‪ .‬والشيگيال واحدة‬ ‫م� � ��ن ممُ ْ ِرضات عدة قادرة عل� � ��ى منع تكوين‬ ‫األجس� � ��ام املضادة‪ ،‬من خ� �ل��ال منع اخلاليا‬ ‫البلعمية‪ ،‬من إيصال املستضدات إلى خاليا‬ ‫جهاز املناعة املكتس� � ��بة‪ .‬والساملونيال أيضا‬ ‫ق� � ��ادرة على قدح ‪ trigger‬ش� �ل��ال إش� � ��ارات‬ ‫داخلي‪ ،‬يحمل اخلاليا البلعمية على االنتحار‬ ‫قبل أن تتمكن من التواصل مع خاليا اجلهاز‬ ‫املناعي املكتسب‪.‬‬ ‫مجتمع تنافسي‬

‫( )‬

‫حتت� � ��اج املُ ْم ِرضات إلى أكثر من التالعب‬ ‫باإلش� � ��ارات اخللوية والتغلب على الدفاعات‬ ‫املناعي� � ��ة‪ ،‬لتتمكن من النمو داخل اجلس� � ��م‪.‬‬ ‫فعليها أيضا التفوق على حش� � ��ود البكتيريا‬ ‫غي� � ��ر املؤذية الت� � ��ي مت جتاهله� � ��ا حتى وقت‬ ‫قري� � ��ب‪ ،‬م� � ��ن قبل أغل� � ��ب علم� � ��اء البيولوجيا‬ ‫امليكروي� � ��ة واملناعة‪ .‬وحتتوي جميع س� � ��طوح‬ ‫اجلس� � ��م املفتوحة على البيئة اخلارجية‪ ،‬مبا‬ ‫في ذلك بطانة الس� � ��بيل املعدي املعوي‪ ،‬على‬ ‫أعداد هائلة م� � ��ن هذه البكتيريا املتعايش���ة‬ ‫‪ .commensal‬فعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬يحتوي كل‬ ‫غرام من احملتوى املعوي الهائل تقريبا على‬ ‫‪ 60‬بليونا من البكتيريا‪ ،‬أي ما يساوي عشرة‬ ‫أضعاف تعداد سكان األرض‪.‬‬ ‫وأحد أس� � ��هل الطرق إللغاء املنافس� � ��ة هو‬ ‫التسبب في اإلسهال‪ ،‬ومن ث ّم طرد املنافسني‬ ‫خارج اجلس� � ��م‪ ،‬بش� � ��كل مؤقت عل� � ��ى األقل‪.‬‬ ‫بينت مع زمالئي أن س� �ل��الة اإلشريكية‬ ‫وقد ُ‬ ‫القولونية‪ ,‬والت� � ��ي تصيب الفئران الليمونية‬ ‫الرودنتي���ة ‪ ،Citrobacter rodentium‬تق� � ��وم‬ ‫بتحريض متعمد اللتهاب األمعاء‪ ،‬حيث يؤدي‬ ‫اندفاق خاليا املناعة األولية إلى القضاء على‬ ‫مجموعة معينة من ميكروبات النبيت املعوي‬ ‫‪ gut microbiota‬الطبيعي� � ��ة‪ .‬وبع� � ��د التخل� � ��ص‬ ‫( ) ‪A Competitive Community‬‬ ‫(‪Shigella dysenteriae )1‬‬ ‫(‪dysentery )2‬‬


‫[عالجات]‬

‫استهداف أسلحة البكتيريا‬

‫( )‬

‫من خالل فهم أعمق لوسائل البكتيريا في تدمير خاليا املضيف ودفاعاته‪ ،‬يطور العلماء العديد من املقاربات‬ ‫املتنوعة لصد هجمات البكتيريا‪ ،‬بعض من األمثلة في األسفل ما زالت في املرحلة األولى أو الثانية من‬ ‫االختبارات على اإلنسان‪ ،‬ولكن أغلبها مازال في الطور ما قبل السريري‪.‬‬

‫الهدف‬ ‫االلتصاق‬ ‫بخاليا املضيف‬ ‫األنظمة‬

‫‪T3SS‬‬

‫املادة (كيف تعمل)‬

‫املرحلة االختبارية‬

‫گلوبولني مناعي (مينع وظيفة پروتينات االلتصاق البكتيرية)‬

‫املرحلة الثانية ‬

‫الپوليمرات (املتماثرات) املتغصنة السكرية (تعمل كأفخاخ لپروتينات االلتصاق البكتيرية) ما قبل السريري‬ ‫الپيليسايد (يعيق تصنيع پروتينات االلتصاق)‬

‫ما قبل السريري‬

‫حمض هيدرازايد الساليسليدين (يحصر النظام اإلفرازي بكامله)‬

‫ما قبل السريري‬

‫ڤيرستاتني (يعيق اصطناع جزيئات الذيفانات وااللتصاق)‬

‫ما قبل السريري‬

‫جينات (مورثات)‬ ‫الفوعة‬

‫الپپتيدات املثبطة الذاتية التولد (تعيق اصطناع جزيئات التواصل)‬

‫ما قبل السريري‬

‫االتصاالت‬

‫أزيترومايسني (يتداخل على مستويات عدة في التواصل بني البكتيريا)‬

‫ما قبل السريري ‬

‫‪( IMX942‬يغير االتصاالت والتفاعل االلتهابي)‬

‫املرحلة األولى (كندا)‬

‫بوتيرات الصوديوم (حتفز تصنيع الپپتيدات املضادة للبكتيريا)‬

‫املرحلة الثانية‬

‫خاليا املضيف‬ ‫املناعية‬

‫ موافق عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء األمريكية الستخدامات أخرى‪.‬‬

‫من منافسيها‪ ،‬تس� � ��تطيع املمرضات التكاثر‬ ‫بسرعة‪ ،‬وتدوم س� � ��يطرتها إلى أن يتم تفعيل‬ ‫جهاز املناعة املكتس� � ��بة‪ .‬وف� � ��ي النهاية‪ ،‬تقوم‬ ‫اخلالي� � ��ا املناعية بالتخلص م� � ��ن املمرضات؛‬ ‫ليعود بعده� � ��ا النبيت الطبيعي إلى إش� � ��غال‬ ‫األمعاء مستعيدا تركيبه وتعداده السابق‪.‬‬ ‫بشكل مش� � ��ابه‪ ،‬تتبنى ساللة الساملونيال‬ ‫الت� � ��ي تصيب الفئ� � ��ران‪ ،‬س� � ��لوكا يتالءم مع‬ ‫تركي� � ��ب النبي� � ��ت املعوي املضيف‪ .‬وتس� � ��بب‬ ‫هذه البكتيريا عادة عند الفئران داء جهازيا‬ ‫مش� � ��ابها للتيفوئيد؛ ولكن ف� � ��ي حال التعديل‬ ‫املس� � ��بق للنبي� � ��ت بواس� � ��طة جرع� � ��ات عالية‬ ‫من املض� � ��ادات احليوية‪ ،‬تقتص� � ��ر اإلصابة‬ ‫على الس� � ��بيل املعدي املعوي‪ .‬فاملنافسة من‬ ‫قب� � ��ل البكتيري� � ��ا القاطنة في األمع� � ��اء‪ ،‬تدفع‬ ‫الس� � ��املونيال إلى غزو اجلسم مسببة مرضا‬ ‫جهازيا(‪ .systemic )1‬ولكن عند تعديل النبيت‬ ‫املقيم تفضل الس� � ��املونيال‪ ،‬البقاء في السبيل‬ ‫املعدي املعوي‪.‬‬ ‫يوفر التفاعل ب� �ي��ن امليكروبات‪ ،‬احلميدة‬ ‫واملُ ْم ِرض� � ��ة داخل جس� � ��م املضي� � ��ف‪ ،‬فرصة‬ ‫لتبادل األس� � ��لحة‪ .‬في احلقيقة‪ ،‬تطور العديد‬

‫من البكتيريا احلمي� � ��دة إلى بكتيريا ممرضة‬ ‫من خالل اكتس� � ��اب جين� � ��ات تنقل خاصيات‬ ‫جدي� � ��دة‪ .‬وميكن اعتب� � ��ار األمع� � ��اء‪ ،‬في هذا‬ ‫اإلطار‪ ،‬كش� � ��بكة اتصال جيني� � ��ة للبكتيريا‪،‬‬ ‫تسمح مبش� � ��اركة اجلينات املُ َك ِّودة لعوامل‬ ‫الفوع���ة ‪ ،virulence factors‬كأنظم� � ��ة اإلفراز‬ ‫والپروتينات املفعلة‪.‬‬ ‫إن اكتساب جزر جينية إمراضية جديدة‬ ‫( ) ‪Targeting Bacterial Weapons‬‬

‫(‪ )1‬املرض اجلهازي هو مرض يصيب البدن ككل وال يقتصر‬ ‫على عضو منه‪.‬‬ ‫(‪econiche )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫يوي‪:‬‬ ‫لقاح َح ّ‬

‫حتمل املاشية اإلشريكية القولونية‬

‫‪ E.coli O157:H7‬من دون أن تصاب‬ ‫باملرض‪ .‬ولكن هذه البكتيريا تسبب‬ ‫فشال كلويا مميتا لدى اإلنسان‪.‬‬ ‫اإليكونيش(‪ ،)2‬لقاح للماشية ضد هذه‬ ‫ص ِّرح باستخدامه في كندا‬ ‫البكتيريا‪ُ ،‬‬ ‫وينتظر التصريح في الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫يحمي اإلنسان بإبعاد املمرضات عن‬ ‫مصادر طعامه‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫مينح امليكروب مي� � ��زة إضافية تعطيه القدرة‬ ‫على اس� � ��تعمار مضيف جدي� � ��د‪ ،‬أو تزيد من‬ ‫عدائيت� � ��ه‪ .‬ويعتق� � ��د أن اإلش� � ��ريكية القولونية‬ ‫املميت� � ��ة ‪ ،O157‬على س� � ��بيل املث� � ��ال‪ ،‬ظهرت‬ ‫للمرة األولى في أواخر الس� � ��بعينات‪ ،‬عندما‬ ‫اكتس� � ��بت إحدى الس� �ل��االت احلميدة نسبيا‬ ‫من اإلش� � ��ريكية جزير ًة جيني ًة إمراضي ًة تك ِّود‬ ‫نظام� � ��ا جديدا من النظام ‪T3SS‬؛ فاكتس� � ��بت‬ ‫بذل� � ��ك اجلني اخلاص بصنع ذيفان الش���يگا‬ ‫الزحارية(‪ ،)1‬وهي خاصية تس� � ��بب اإلسهال‬ ‫الش� � ��ديد واإلصابة الكلوية املُرافِ َقينْ ألخماج‬ ‫النظام ‪.O157‬‬ ‫اكتساب أسلحة جديدة‬

‫( )‬

‫املؤلف‬

‫‪B. Brett Finlay‬‬

‫أستاذ مرموق في مختبرات ميشيل‬ ‫سميث‪ ،‬قسم الكيمياء احليوية‬ ‫والبيولوجية اجلزيئية وقسم البيولوجيا‬ ‫امليكروية واملناعة في جامعة بريتيش‬ ‫كولومبيا‪ .‬تتمحور أبحاثه حول التفاعل‬ ‫مضيف ‪ -‬ممُ ْ رِ ض على املستوى‬ ‫اجلزيئي‪ .‬وقد توصل إلى العديد من‬ ‫االكتشافات األساسية‪ .‬وقد حاز العديد‬ ‫من اجلوائز العلمية‪ ،‬وهو مؤسس‬ ‫مشارك لشركة إمنيكس الصيدالنية‪.‬‬ ‫إضافة إلى كونه مدير مبادرة لقاح‬ ‫سارس ‪ SARS‬املتسارع‪.‬‬ ‫‪86‬‬

‫طرح اكتش� � ��اف أنظمة احلقن واألدوات‬ ‫األخرى التي تساعد املمرضات على البقيا‬ ‫والنمو داخل املضي� � ��ف‪ ،‬أفكارا جديدة في‬ ‫الع� �ل��اج تتخطى اس� � ��تراتيجيات املضادات‬ ‫احليوي� � ��ة التقليدي� � ��ة ف� � ��ي تخريب مباش� � ��ر‬ ‫للخالي� � ��ا البكتيري� � ��ة‪ .‬وق� � ��د اس� � ��تفاد فريق‬ ‫البحث الذي أنتمي إليه من معرفتنا بأنظمة‬ ‫احلقن‪ ،‬لتصميم لقاح جديد ضد اإلشريكية‬ ‫القولونية ‪.O157‬‬ ‫يحتوي اللق� � ��اح على أجزاء م� � ��ن النظام‬ ‫‪ T3SS‬اخلاص باملمرض‪ ،‬إضافة إلى العديد‬ ‫م� � ��ن مفعالته‪ ،‬وبذلك يس� � ��تطيع جهاز املناعة‬ ‫املكتس� � ��بة تَع ّرف الپروتينات مباشرة ويقوم‬ ‫بتحييدها‪ ،‬مانعا البكتيريا من اس� � ��تخدامها‪.‬‬ ‫ويحم� � ��ي ه� � ��ذا اللقاح البش� � ��ر بش� � ��كل غير‬ ‫مباش� � ��ر حيث إنه مخصص لألبقار‪ .‬وتعيش‬ ‫اإلش� � ��ريكية القولونية ‪ O157‬في نحو نصف‬ ‫أعداد املاش� � ��ية الداجنة من دون أن تس� � ��بب‬ ‫له� � ��ا املرض‪ ،‬ولك� � ��ن براز األبق� � ��ار ميكن أن‬ ‫ينقلها إلى مصادر الطعام واملاء البش� � ��رية‪،‬‬ ‫مما يجعل هذه البكتيريا تس� � ��بب املرض من‬ ‫خالل اللحوم واحملاصيل امللوثة‪ .‬ومن خالل‬ ‫القضاء على اإلش� � ��ريكية القولونية ‪ O157‬في‬ ‫موطنه� � ��ا‪ ،‬مينع هذا اللقاح هذه اإلش� � ��ريكية‬ ‫م� � ��ن االنتق� � ��ال نهائيا إلى مضيف بش� � ��ري‪،‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫وهو اآلن يستخدم في كندا وجترى دراسته‬ ‫الستخدامه في الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫يدرس العديد من الباحثني استراتيجيات‬ ‫خالقة أخ� � ��رى إلضعاف املمرض� � ��ات‪ .‬فعند‬ ‫معرفة عوامل الفوعة البكتيرية‪ ،‬ميكن تطوير‬ ‫عالجات جتعل البكتيري� � ��ا غير مؤذية‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل إيق� � ��اف اجلينات الت� � ��ي تو ّلد هذه‬ ‫العوامل‪ .‬وتقوم مقاربة من هذا النوع بتكوين‬ ‫جزيئات تقوم بحصار جزيئات االلتصاق في‬ ‫اخللية البكتيرية‪ ،‬مانعة إياها من اكتس� � ��اب‬ ‫موطئ ق� � ��دم ف� � ��ي املضيف‪ .‬وق� � ��د مت إكمال‬ ‫دراس� � ��ة الفعالي� � ��ة لدى اإلنس� � ��ان ملضادات‬ ‫التصاق تستهدف اإلشريكية القولونية‪ ،‬وما‬ ‫زال� � ��ت بعض العقاقير األخ� � ��رى في مراحل‬ ‫تطوير مبكرة‪.‬‬ ‫ويعتبر التدخل في قدرة املتعضيات على‬ ‫التواص� � ��ل مع بعضها احتماال واعدا أيضا‪،‬‬ ‫حيث تقوم البكتيريا كاإلش� � ��ريكية القولونية‬ ‫بتقييم وضعه� � ��ا في األمع� � ��اء بالتجاوب مع‬ ‫اإلش� � ��ارات الكيميائية من النبي� � ��ت الطبيعي‬ ‫وخالي� � ��ا املضي� � ��ف‪ ،‬بحيث تس� � ��اعدها هذه‬ ‫اإلش� � ��ارات على اتخاذ قرارها في املهاجمة‪.‬‬ ‫وتش� � ��كل الزائفة الزجنارية(‪ )2‬مس� � ��تعمرات‬ ‫تدع� � ��ى أغش���ية بيولوجي���ة ‪ biofilms‬ف� � ��ي‬ ‫ي باحث� � ��ون [من جامعة‬ ‫الرئت� �ي��ن‪ ،‬ومؤخرا َب نَّ َ‬ ‫كوپنهاگن] أن مكونات هذه األغش� � ��ية تطلق‬ ‫إشارات لتحذر من اقتراب اخلاليا املناعية‪،‬‬ ‫مما يحفز البكتيريا األخرى على إفراز پپتيد‬ ‫قاتل للخاليا املناعية‪.‬‬ ‫إحدى مزايا استهداف العوامل البكتيرية‬ ‫املمرضة‪ ،‬هي أن هذه اجلزيئات ال تكون عادة‬ ‫ضروري� � ��ة لبقيا البكتيريا خارج أجس� � ��امنا‪.‬‬ ‫وعلى عك� � ��س املضادات احليوي� � ��ة التقليدية‬ ‫الت� � ��ي حتاول قتل املمرضات بش� � ��كل كامل‪،‬‬ ‫ف� � ��إن العالجات اجلديدة التي متنع االتصال‬ ‫وآلي� � ��ات الفوعة األخ� � ��رى‪ ،‬تعمل على حتويل‬ ‫املمرض� � ��ات إلى بكتيريا غير مؤذية ‪ ،‬وتبقيها‬ ‫( ) ‪Building New Weapons‬‬ ‫(‪Shiga toxin )1‬‬ ‫(‪Pseudomonas aeruginosa )2‬‬


‫حية؛ مم� � ��ا يقلل من إمكاني� � ��ة تطوير مقاومة‬ ‫لهذه العالجات وإن كانت موجودة أصال‪.‬‬ ‫وتهدف طرائق أخرى حملاربة املمرضات‬ ‫إل� � ��ى جعل البيئة غير مالئم� � ��ة لها‪ .‬ويدرس‬ ‫العديد م� � ��ن الباحثني إمكانية تعديل النبيت‬ ‫الطبيع� � ��ي للمضيف ليناف� � ��س املمرضات‪.‬‬ ‫وإن مب� � ��دأ إعط� � ��اء الطالئ����ع البيولوجية‬ ‫‪( probiotics‬وه� � ��ي بكتيري� � ��ا غي� � ��ر مؤذي� � ��ة‬ ‫مث� � ��ل العصي����ات اللبني����ة(‪ ،))1‬والداعمات‬ ‫البيولوجي����ة ‪( prebiotics‬س� � ��كريات تعزز‬ ‫منو البكتيريا املفيدة) للحماية من األمراض‬ ‫معروف بشكل واسع‪ ،‬وقد استخدم العديد‬ ‫م� � ��ن الناس اللنب ليحاولوا حتس� �ي��ن نبيتهم‬ ‫الطبيع� � ��ي‪ .‬ولك� � ��ن لم تُدرس ه� � ��ذه الطرائق‬ ‫بش� � ��كل دقيق وكاف لتحدي� � ��د أي البكتيريا‬ ‫املفيدة س� � ��تكون أكثر نفع� � ��ا أو قادرة على‬ ‫التنافس مع إصابة خمجية‪.‬‬ ‫ويجري البحث بش� � ��كل أعمق عن س� � ��بل‬ ‫لتعزيز قدرة اخلاليا املناعية البش� � ��رية على‬ ‫محارب� � ��ة البكتيري� � ��ا حي� � ��ث تس� � ��تخدم مواد‬ ‫منشطة للمناعة بشكل واسع كمضافات إلى‬ ‫اللقاحات من دون أن تسبب تأثيرات جانبية‬ ‫تذك� � ��ر‪ .‬م� � ��ازال العديد من ش� � ��ركات التقانة‬ ‫احليوية في مراحل مبكرة من األبحاث وفي‬ ‫التجارب الس� � ��ريرية‪ ،‬وهي تعمل على تعزيز‬ ‫وحتس� �ي��ن االس� � ��تجابات املناعية الطبيعية‪.‬‬ ‫وميكن اس� � ��تخدام ه� � ��ذه املقاربة لتحس� �ي��ن‬ ‫عالجات أخرى أو منع األخماج أو معاجلتها‬ ‫على األقل‪.‬‬ ‫رمب� � ��ا تك� � ��ون العقبة األكبر الت� � ��ي تواجه‬ ‫اجله� � ��ود الرامية إلى تطوي� � ��ر عقاقير جديدة‬ ‫في ه� � ��ذا اإلطار‪ ،‬هي الفص� � ��ل بني الوظائف‬ ‫املفيدة لاللتهاب ‪ -‬فدوره الطبيعي هو حشد‬ ‫اخلاليا املناعية الالزمة حملاربة الغزاة ‪ -‬عن‬ ‫املس� � ��تويات الضارة التي قد تؤذي املضيف‪.‬‬ ‫إ ّال أن األدلة تش� � ��ير إلى إمكانية جتاوز هذه‬ ‫العقب� � ��ة‪ .‬وأحد األمثلة هو عق� � ��ار يعتمد على‬ ‫األبح� � ��اث التي يقوم به� � ��ا فريق البحث الذي‬ ‫أنتمي إلي� � ��ه مع زميلي ف� � ��ي جامعة بريتيش‬

‫كولومبيا >‪ .R‬هانكوك< حول الپپتيدات الدفاعية‬ ‫لدى املضيف‪ :‬وهي پروتينات صغيرة تنتجها‬ ‫خاليا املناعة األولية كرد فعل على املمرضات‪.‬‬ ‫وبعض هذه الپپتيدات تخترق غش� � ��اء اخللية‬ ‫البكتيرية وتقتلها‪ ،‬في حني يتصرف بعضها‬ ‫اآلخر كجزيئ���ات إش���ارة(‪ )2‬تدعو إلى املزيد‬ ‫من التعزيزات من اخلاليا املناعية‪ .‬وقد قمنا‬ ‫باكتش� � ��اف پپتيد من املجموعة الثانية‪ ،‬يدعى‬ ‫الپپتي���د )‪ ،(IDR-1‬يدف� � ��ع اخلاليا املتغصنة‬ ‫إلى إصدار إش� � ��ارات كيميائية الس� � ��تدعاء‬ ‫البالع� � ��م حملاربة املمرضات‪ ،‬ولكنه ال يدفعها‬ ‫إلى إطالق أن� � ��واع محددة من اإلش� � ��ارات‪,‬‬ ‫وهي مواد كعامل التنخر الورمي ألفا‪ ،‬الذي‬ ‫ميك� � ��ن أن يف ّعل ش� �ل��اال التهابيا خارجا عن‬ ‫السيطرة‪ .‬وفي احلقيقة‪ ،‬ق ّللت هذه اجلزيئات‬ ‫في التج� � ��ارب على احليوانات االس� � ��تجابة‬ ‫االلتهابية‪ ،‬في حني عززت استجابة اخلاليا‬ ‫املناعية املرغوب فيها في موقع اخلمج‪.‬‬ ‫وإذا كانت البكتيريا قادرة على التالعب‬ ‫بإشارات اخلاليا املناعية البشرية‪ ،‬فيحق لنا‬ ‫القيام باملثل طاملا نحن قادرون على ذلك‪ .‬فبعد‬ ‫التط� � ��ور الكبير الذي حقق� � ��ه العلماء في فهم‬ ‫كيف تسبب البكتيريا املرض خالل العقدين‬ ‫املاضي� �ي��ن‪ ،‬توضحت اآللية املعق� � ��دة للفوعة‬ ‫البكتيرية بش� � ��كل أكبر‪ .‬وتطورت املمرضات‬ ‫وص َقلت أدواتها‬ ‫بالت� � ��وازي مع مضيفيه� � ��ا‪َ ،‬‬ ‫إلى ح � � � ّد كبير‪ .‬ولك� � ��ن‪ ،‬وكم� � ��ا أن للبكتيريا‬ ‫مجموعة مدهش� � ��ة من احلي� � ��ل املخبأة حتت‬ ‫أكمامها االفتراضية‪ ،‬كذلك نحن‪ .‬فدراس� � ��ة‬ ‫الطرائق املدهشة التي تستخدمها البكتيريا‬ ‫لغزو املضيف والتغلب عليه‪ ،‬قد طورت فهمنا‬ ‫للمناع� � ��ة وكذلك لآللي� � ��ة اإلمراضية‪ .‬وقد بدأ‬ ‫العلم� � ��اء باس� � ��تغالل ه� � ��ذا اإلدراك املتنامي‬ ‫للتفاع� � ��ل بني املضي� � ��ف واملُ ْم ِرضات والنبيت‬ ‫الطبيعي‪ ،‬لهندسة طرق جديدة ملنع ومعاجلة‬ ‫األخم� � ��اج البكتيرية‪ ،‬إ ّال أن ه� � ��ذه احللول ال‬ ‫>‬ ‫ميكن أن تتحقق في القريب العاجل‪.‬‬ ‫(‪Lactobacillus )1‬‬

‫(‪signaling molecules )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, February 2010‬‬

‫‪87‬‬


‫املجلد ‪ 26‬العددان‬ ‫مايو‪ /‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪6/5‬‬

‫غاز سام منقذ للحياة‬

‫(٭)‬

‫لقد تبني أن سلفيد الهدروجني ‪ -‬وهو‬ ‫غاز مميت تشبه رائحته رائحة البيض‬ ‫الفاسد ‪ -‬يؤدي أدوارا رئيسية في جسم‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وقد يقود هذا االكتشاف إلى‬ ‫عالج جديد للمعرضني للنوبات‬ ‫القلبية وملرضى آخرين أيضا‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ .R‬وانگ<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫ينتج اجلسم كميات ضئيلة‬

‫>‬

‫يشير الدليل الثابت إلى أن‬ ‫الغاز يؤدي دورا مفيدا في‬ ‫صحة اجلهاز القلبي الوعائي‬ ‫وأجزاء أخرى من اجلسم‪.‬‬

‫>‬

‫استنادا إلى هذه النتائج‪،‬‬ ‫يقوم الباحثون بتطوير‬ ‫املعاجلات احملتوية على‬ ‫سلفيد الهدروجني للحاالت‬ ‫التي تتراوح من األمراض‬ ‫القلبية إلى متالزمة األمعاء‬ ‫املتهيجة‪.‬‬

‫من غاز سلفيد الهدروجني‬ ‫(‪)1‬‬ ‫السام (‪)H2S‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪88‬‬

‫لنتصور أننا نتجول في قس� � ��م الطوارئ‬ ‫التابع ألحد املستش� � ��فيات واملتميز بجدرانه‬ ‫املزهوة بالتعقيم اليدوي وقد نظف كل سطح‬ ‫فيه بدقة متناهية ليصبح خاليا من امللوثات‪،‬‬ ‫في حني نش� � ��م رائحة البيض الفاس� � ��د أينما‬ ‫اجتهن� � ��ا‪ .‬عل� � ��ى الرغم م� � ��ن ه� � ��ذا االقتران‬ ‫املتناقض غير املس� � ��تحب إ ّال أن الغاز السام‬ ‫املتميز بتلك الرائحة ‪ -‬سلفيد الهدروجني(‪- )1‬‬ ‫قد يصبح في املستقبل من البنية األساسية‬ ‫في ذلك القسم من املستشفى‪ .‬فقد اكتشف‬ ‫العلم� � ��اء على م� � ��دى العقد املاض� � ��ي أن غاز‬ ‫س� � ��لفيد الهدروجني ضروري فعال لعدد من‬ ‫السيرورات في اجلس� � ��م‪ ،‬مثل ضبط ضغط وهو يشكل اليوم اخلطر األول في سلسلة‬ ‫ال� � ��دم وتنظيم األيض‪ .‬لقد دلت اكتش� � ��افاتنا مخاطر الس� �ل��امة املهنية ف� � ��ي منابع حقول‬ ‫عل� � ��ى أن اس� � ��تخدام الغاز بش� � ��كل صحيح النفط والغاز‪ ،‬وعلى امتداد خطوط األنابيب‬ ‫ميكن أن يساعد على عالج مرضى النوبات في معامل التصنيع ومعامل تكرير النفط‪.‬‬ ‫القلبية واحملافظة على حياة ضحايا األذيات وتس� � ��تطيع حاسة الش� � ��م لدينا أن تكشف‬ ‫الرضي���ة ‪ trauma‬حتى ينق� � ��ل إليهم الدم أو غاز س� � ��لفيد الهدروجني عند تركيز مقداره‬ ‫‪ 0.0047‬ج���زء في امللي���ون )‪ ،)2((ppm‬ويعيق‬ ‫يخضعون للجراحة‪.‬‬ ‫التنفس عند التركيز ‪ ،ppm 500‬ويؤدي إلى‬ ‫( )‬ ‫نشقة سم‬ ‫الوفاة عن� � ��د التعرض لتركيز ‪ ppm 800‬مدة‬ ‫( ) ‪TOXIC GAS, LIFESAVER‬‬ ‫وقد ع� � ��رف العلماء منذ قرون التأثيرات‬ ‫( ) ‪A Whiff of Poison‬‬ ‫(‪hydrogen sulfide )1‬‬ ‫السامة لغاز سلفيد الهدروجني في اإلنسان‪.‬‬ ‫(‪part per million )2‬‬


‫خم� � ��س دقائق‪ .‬ومع ذل� � ��ك‪ ،‬وبغرابة نحتاج‬ ‫إلى غاز س� � ��لفيد الهدروجني أحيانا للبقاء‬ ‫على قيد احلياة‪.‬‬ ‫وملعرفة كيف أصبح جس� � ��م اإلنسان‬ ‫معتمدا على هذا الغ� � ��از الكريه الرائحة‪،‬‬ ‫لنع� � ��د ‪ 250‬مليون س� � ��نة إلى ال� � ��وراء‪ ،‬أي‬ ‫إلى الزم� � ��ن الذي كان في� � ��ه احتمال بقاء‬ ‫احلياة عل� � ��ى األرض ضعيف� � ��ا جدا‪ .‬في‬ ‫ذلك الزمن كانت احلقب���ة اجليولوجية‬ ‫الپيرمية(‪ )1‬توش� � ��ك عل� � ��ى االنتهاء‪ ،‬وكان‬ ‫ح� � ��دث االنقراض الوحي� � ��د األكثر تدميرا‬

‫من أي حدث جرى في أي زمن في بدايته‪.‬‬ ‫في ذلك الزم� � ��ن‪ ،‬أدت إصدارات غاز ثاني‬ ‫أكس� � ��يد الكربون الناجتة من االنفجارات‬ ‫البركانية الهائلة في س� � ��يبيريا إلى إحداث‬ ‫سلس� � ��لة من التغي� � ��رات البيئي� � ��ة نتج منها‬ ‫انخفاض مستوى األكسجني في محيطات‬ ‫العالم بشكل خطير‪ ،‬وتبعا إلحدى نظريات‬ ‫االنقراض الريادية(‪ ،)2‬فإن هذا االنخفاض‬ ‫في مس� � ��توى األكس� � ��جني كان املس� � ��ؤول‬ ‫ع� � ��ن املوت [انظر‪« :‬أس� � ��باب غي� � ��ر نيزكية‬ ‫(‪the Permian era )1‬‬ ‫(‪leading extinction )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪89‬‬


‫[اكتشاف]‬

‫بخار حيوي‬

‫( )‬

‫قرر العلماء أنه على الرغم من أن سلفيد الهدروجني )‪ (H2S‬غاز سام‪ ،‬إال أنه في احلقيقة ينتج‬ ‫بكميات ضئيلة في اجلسم ومن احملتمل أن يسهم في الصحة بطرق عدة‪ ،‬مدرجة باألسفل‪.‬‬ ‫على أي حال ليس جميع التأثيرات مفيدة‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ :‬تستطيع كمية كبيرة من سلفيد‬ ‫الهدروجني أن حتبط إنتاج األنسولني‪ ،‬وتبني بعض األدلة أنه ميكن أن يفاقم االلتهاب‪.‬‬ ‫الدماغ‬ ‫يزيد من استجابة الدارات‬ ‫العصبية‪ ،‬ولذلك من احملتمل أن‬ ‫يساعد على التعلم والذاكرة‪.‬‬ ‫يعزز الگلوتاثيون إنتاج مضاد‬ ‫التأكسد‪ ،‬ومن ثم من احملتمل أن‬ ‫يحافظ على العصبونات املجهدة‪.‬‬ ‫اجلهاز الدوراني‬ ‫يوسع األوعية الدموية‪ ،‬ومن‬ ‫َث ّم يضبط ضغط الدم‬ ‫ويحافظ على القلب‪.‬‬

‫اتبع أنفك‬

‫( )‬

‫الرئتان‬ ‫ميكن أن يساعد على تنظيم تقلص‬ ‫اخلاليا العضلية امللساء في الرئة‪،‬‬ ‫فاحتا املسالك الهوائية‪.‬‬ ‫األمعاء‬ ‫يرخي اخلاليا العضلية امللساء‬ ‫في األمعاء الدقيقة‪ ،‬منظما حركة‬ ‫املواد خالل األمعاء‪.‬‬ ‫القضيب‬ ‫يرخي النسيج القضيبي‪ ،‬ومن َث ّم‬ ‫يساعد على جريان الدم الذي يؤدي‬ ‫إلى النعوظ (االنتصاب)‪.‬‬

‫لالنقراض� � ��ات اجلماعية القدميــة»‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،(2007) 1‬ص ‪.]8‬‬ ‫وكان لهذا التغير ف� � ��ي كيمياء احمليطات‬ ‫أش� � ��د الضرر على األنواع ‪ species‬البحرية‬ ‫الهوائي� � ��ة أو الت� � ��ي تتنفس األكس� � ��جني‪ .‬في‬ ‫حني أن الكائن� � ��ات احلية الالهوائية املعروفة‬ ‫ببكتيري� � ��ا الكبريت اخلض� � ��راء ازدهرت في‬ ‫تلك الظروف التي تتميز مبعدل منخفض من‬ ‫األكس� � ��جني‪ .‬وقد أدى جناح ه� � ��ذه البكتيريا‬ ‫إل� � ��ى جعل احمليط أقل مالءم� � ��ة لعيش معظم‬ ‫الكائنات الهوائية املتبقية فيه‪ ،‬بسبب إنتاجه‬ ‫كمي� � ��ات كبيرة من غاز س� � ��لفيد الهدروجني‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬وكما تبني النظرية‪ ،‬فإن الغاز املميت‬ ‫املوجود في احمليط انتشر إلى الهواء‪ ،‬فمسح‬ ‫‪،‬‬

‫‪90‬‬

‫من عل� � ��ى وج� � ��ه األرض جمي� � ��ع احليوانات‬ ‫والنباتات‪ .‬وعند نهاية االنقراض الپيرميني‪،‬‬ ‫كانت نحو ‪ %95‬م� � ��ن األنواع البحرية و‪%70‬‬ ‫من األنواع األرضية قد أصابها الفناء‪.‬‬ ‫من احملتمل أن تكون أهمية غاز س� � ��لفيد‬ ‫الهدروجني للسيرورات الفيزيولوجية البشرية‬ ‫قد نشأت منذ ذلك العهد البعيد‪ .‬واملخلوقات‬ ‫التي جنت من هذه الكارثة هي التي بإمكانها‬ ‫حتمل س� � ��لفيد الهدروجني وأن تستهلكه في‬ ‫بعض األحيان‪ ،‬ونحن البشر احتفظنا ببعض‬ ‫من اإللف لهذا الغاز‪.‬‬

‫تشير النتائج إلى‬ ‫أنه ميكن استخدام‬ ‫سلفيد الهدروجني‬ ‫في منع أو عالج‬ ‫فرط ضغط الدم‪،‬‬ ‫والنوبات القلبية‬ ‫واجللطة الدماغية‬ ‫في اإلنسان‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫إن سلفيد الهدروجني ليس الغاز الضار‬ ‫الوحيد الذي وجد فاعال في جسم اإلنسان‪.‬‬ ‫ففي ثمانينات القرن العشرين بدأ الباحثون‬ ‫بالكش� � ��ف عن دلي� � ��ل يثبت أن غاز أكس� � ��يد‬ ‫النتريك )‪ ،(NO‬واملعروف أيضا بأول أكسيد‬ ‫النتروجني‪ ،‬ينتجه اجلسم بتراكيز منخفضة‬ ‫ويق� � ��وم ب� � ��دور ج����زيء مؤش����ر ‪signaling‬‬ ‫‪ molecule‬يؤثر في سلوك اخللية‪ .‬ولقد تبني‬ ‫من العمل الذي أدى إل� � ��ى منح جائزة نوبل‬ ‫للفيزيولوجيا والطب لعام ‪ 1998‬أن أكس� � ��يد‬ ‫النتريك يوسع األوعية الدموية‪ ،‬وينظم اجلهاز‬ ‫املناعي‪ ،‬وينقل اإلش� � ��ارات بني النورونات‬ ‫(العصبون����ات)(‪ )1‬كما يقوم بوظائف أخرى‪.‬‬ ‫وإن أول أكس� � ��يد الكرب� � ��ون )‪ ،(CO‬وهو غاز‬ ‫ع� � ��دمي الل� � ��ون والرائح� � ��ة ويع� � ��رف «بالقاتل‬ ‫الصامت» يتصف بالتأثيرات نفسها‪.‬‬ ‫غازي أكسيد‬ ‫واقتنعت نتيجة لدراس� � ��تي‬ ‫ْ‬ ‫النتري� � ��ك وأول أكس� � ��يد الكرب� � ��ون‪ ،‬بأنه من‬ ‫احملتمل أن اجلس� � ��م يقوم بإنتاج واستخدام‬ ‫ناق�ل�ات غازي���ة(‪ )2‬أخ� � ��رى‪ .‬وفي ع� � ��ام ‪1998‬‬ ‫أجهدت فكري باستمرار في معرفة ماهية هذه‬ ‫الغازات‪ .‬في ذل� � ��ك الصيف خطرت لي فكرة‬ ‫عندما كنت عائ� � ��دا إلى البيت عقب يوم عمل‬ ‫ش� � ��اق‪ ،‬وإذ بي أشتم رائحة نتنة‪ .‬قمت بتتبع‬ ‫( ) ‪A Vital Vapor‬‬ ‫( ) ‪Follow Your Nose‬‬ ‫(‪neurons )1‬‬ ‫(‪gasotransmitters )2‬‬


‫مصدرها ألجده أخيرا في اخلزانة الزجاجية‬ ‫التي تعرض بها مقتنيات األسرة‪ .‬لقد كانت‬ ‫الرائحة منبعثة من بيضة متش� � ��ققة ومتعفنة‪،‬‬ ‫وهي إحدى بيضات عيد الفصح التي كانت‬ ‫ابنتي الكبرى قد صبغتها لتقدميها مشروعا‬ ‫مدرس� � ��يا‪ .‬عندئذ بدأت أتساءل ع ّما إذا كان‬ ‫غاز البيض� � ��ة املتعفنة‪ ،‬س� � ��لفيد الهدروجني‪،‬‬ ‫تنتجه أيضا أعضاء جسمنا أو أنسجته‪.‬‬ ‫ومب� � ��ا أن عملي كان منصب� � ��ا على تأثير‬ ‫غازي أكسيد النتريك وأول أكسيد الكربون‬ ‫في اجله� � ��از القلبي الوعائي‪ ،‬قررت أن أبدأ‬ ‫البحث في تأثير غاز سلفيد الهدروجني في‬ ‫هذا اجله� � ��از أيضا‪ .‬لق� � ��د كان مكانا جيدا‬ ‫للبدء به‪ ,‬حيث كشفت سلسلة من التجارب‬ ‫نشاطا مهما‪.‬‬ ‫وسرعان ما بينت التجارب التي أجريتها‬ ‫مع زمالئي وجود كمي� � ��ات ضئيلة من الغاز‬ ‫في جدران األوعية الدموية للجرذان‪ .‬ومبا أن‬ ‫فيزيولوجيا القوارض ش� � ��بيهة جدا بنظيرتها‬ ‫لدى اإلنس� � ��ان‪ ،‬فإن هذا االكتشاف بال شك‬ ‫يعني أن األوعية الدموية البشرية تقوم بصنعه‬ ‫أيضا‪ .‬كانت ه� � ��ذه النتيجة مش� � ��جعة ولكن‬ ‫ملعرفة م� � ��ا إذا كان غاز س� � ��لفيد الهدروجني‬ ‫مهما لعمل اجلس� � ��م كان البد من إثبات أكثر‬ ‫من مجرد وجوده في اجلدران الوعائية‪.‬‬ ‫وكانت اخلطوة التالية معرفة كيف ينتج اجلسم‬ ‫غاز سلفيد الهدروجني‪ .‬قررنا أن نفحص إنزميا‬ ‫يدعى سيستاثيونني ‪ -‬گاما ‪ -‬لياز )‪ ،(1)(CSE‬وهو‬ ‫معروف باملساعدة على إنتاج الغاز في البكتيريا‪.‬‬ ‫لقد أثبتت الدراسات السابقة وجود اإلنزمي ‪CSE‬‬ ‫في الكبد‪ ،‬حيث يقوم بتنس� � ��يق تركيب العديد من‬ ‫األحماض األمينية‪ ،‬أو وحدات بناء الپروتني التي‬ ‫حتتوي عل� � ��ى الكبريت‪ .‬ولكن ل� � ��م يدرك أحد هل‬ ‫يوجد اإلنزمي ‪ CSE‬في األوعية الدموية‪ .‬وما لبثنا‬ ‫أن تأكدنا من وجود اإلنزمي فيها‪ ،‬حيث كان يتحد‬ ‫مع حمض أميني يدعى سيستئني‪(L-cysteine) L-‬‬ ‫إلنتاج غاز س� � ��لفيد الهدروج� �ي��ن ومركبني آخرين‬ ‫هما األمونيوم وپيروڤات‪.‬‬ ‫وبعد إثبات مصدر غاز سلفيد الهدروجني‬

‫ملاذا يعد‬ ‫الثوم مفيدا‬

‫( )‬

‫تدل الدراسات على أن الثوم يستطيع‬ ‫تليني جدران األوعية الدموية‪ ،‬ومينع‬ ‫تالصق الصفيحات بعضها ببعض‪،‬‬ ‫ويخفض ضغط الدم‪ ،‬ومن ثم يقلل‬ ‫احتمال النوبة القلبية وجلطة الدماغ‬ ‫وأمراض الكلى‪ .‬كما أن األبحاث‬ ‫ربطت أيضا تناول الثوم بتحسن وظيفة‬ ‫اجلهاز املناعي وانخفاض مخاطر‬ ‫بعض أنواع السرطان‪.‬‬ ‫إن السر في فوائد الثوم الصحية‬ ‫الظاهرية ميكن أن يكمن في عالقته‬ ‫بغاز سلفيد الهدروجني‪ .‬في عام‬ ‫‪ 2007‬قدم >‪ .W .D‬كروس< [من جامعة‬ ‫آالباما] تقريرا يفيد أن املركبات‬ ‫احملتوية على سلفيد واملوجودة في‬ ‫الثوم تتحول إلى سلفيد الهدروجني‬ ‫بواسطة جزيئات موجودة في غشاء‬ ‫كريات الدم احلمراء‪ .‬وطبقا للنتائج‬ ‫التي نشــــرهـــا فـي العــــام نفســــه‬ ‫>‪ .Y‬زو< وزمالؤه [من جامعة فودان‬ ‫في شانگهاي] فإن الثوم يحتوي‬ ‫على مركب يدعى آليل‪ S-‬سيستئني‪L-‬‬ ‫)‪ ،(S-allyl-L-cysteine‬يدعم إنتاج غاز‬ ‫سلفيد الهدروجني في الدم ودورانه‪.‬‬

‫ف� � ��ي األوعية الدموي� � ��ة‪ ،‬اجت� � ��ه اهتمامنا إلى‬ ‫الكش� � ��ف عن دوره هناك‪ .‬وملا كان قد عرف‬ ‫عن غاز أكس� � ��يد النتريك دوره في استرخاء‬ ‫األوعي� � ��ة الدموي� � ��ة‪ ،‬افترضن� � ��ا أن س� � ��لفيد‬ ‫الهدروجني ميكن أن يؤدي وظيفة مش� � ��ابهة‪.‬‬ ‫وقد أثبتت التج� � ��ارب الالحقة هذا احلدس‪:‬‬ ‫حيث توس� � ��عت األوعية الدموي� � ��ة للجرذ عند‬ ‫نقعها مبحلول سلفيد الهدروجني‪.‬‬ ‫لقد بدأنا باالعتقاد أن سلفيد الهدروجني‬ ‫ميك� � ��ن أن يك� � ��ون منظما لضغط ال� � ��دم‪ ،‬كما‬ ‫ه� � ��و احلال في أكس� � ��يد النتريك‪ .‬ولكن اآللية‬ ‫اجلزيئي� � ��ة لهذه الظاهرة كان� � ��ت ال تزال غير‬ ‫معروف� � ��ة‪ .‬وأخيرا أتت اإلش� � ��ارات من خالل‬ ‫أبحاثنا على خاليا مفردة أخذت من األوعية‬ ‫الدموي� � ��ة حلي� � ��وان‪ .‬برهن� � ��ت النتائ� � ��ج التي‬ ‫نش� � ��رت في عام ‪ 2001‬حقيقة مدهش� � ��ة‪ .‬ففي‬ ‫حني يؤدي أكس� � ��يد النتريك إلى اس� � ��ترخاء‬ ‫ج� � ��دران األوعية الدموية بواس� � ��طة تنش� � ��يط‬ ‫اإلنزمي گوانيليل س���يكالز ‪guanylyl cyclase‬‬ ‫املوجود في اخلاليا العضلية امللس� � ��اء‪ ،‬يقوم‬ ‫سلفيد الهدروجني أيضا بالعمل نفسه ولكن‬ ‫بطريقة أخرى مختلفة بالكامل‪ .‬يقوم سلفيد‬ ‫الهدروجني حتديدا بتنشيط پروتينات تدعى‬ ‫قنوات ‪( KATP‬ثالثي فوسفات األدينوزين ‪)K‬‬ ‫والتي تتحكم في تدفق أيونات الپوتاس� � ��يوم‬ ‫خ� � ��ارج اخلاليا العضلية امللس� � ��اء‪ .‬يولد هذا‬ ‫التدفق تي� � ��ارا كهربائيا يق� � ��وم بتحديد كمية‬ ‫أيون� � ��ات الكالس� � ��يوم التي تس� � ��تطيع دخول‬ ‫اخللية مما يؤدي إلى اس� � ��ترخاء العضالت‬ ‫وتوسع األوعية‪.‬‬ ‫ولالنتق� � ��ال م� � ��ن اخلالي� � ��ا املعزول� � ��ة إلى‬ ‫احليوان� � ��ات احلي� � ��ة‪ ،‬قمنا بحق� � ��ن اجلرذان‬ ‫مبحلول س� � ��لفيد الهدروجني‪ ،‬وكانت النتيجة‬ ‫انخفاض ضغط الدم لديها ‪ -‬رمبا ألن الغاز‬ ‫أدى إلى فتح الشرايني‪ ،‬فسهل بذلك جريان‬ ‫ال� � ��دم‪ .‬لقد أصبح لدينا دلي� � ��ل ثابت على أن‬ ‫س� � ��لفيد الهدروجني يرخ� � ��ي األوعية الدموية‬ ‫ومن َث ّم يس� � ��هم في ضبط ضغط الدم‪ .‬ولكننا‬ ‫( ) ‪Why Garlic Is Good For You‬‬ ‫(‪cystathionine-gamma-lyase )1‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪91‬‬


‫[كيف يعمل غاز سلفيد الهدروجني]‬

‫مرخ‬ ‫غاز ٍ‬

‫( )‬

‫يؤدي سلفيد الهدروجني دورا رئيسيا في تنظيم ضغط الدم‪ .‬فقد بينت الدراسات السابقة أن هناك غازا آخر‪ ،‬أكسيد النتريك‪ ،‬يرخي األوعية الدموية عن‬ ‫طريق تنشيط إنزمي يعرف باإلنزمي گوانيليل سيكالز‪ ،‬موجود في اخلاليا العضلية امللساء لألوعية‪ .‬وحديثا‪ ,‬قرر العلماء أن سلفيد الهدروجني له التأثير‬ ‫املوسع نفسه في األوعية الدموية‪ ،‬ولكنه يعمل من خالل مسلك مختلف كليا‪ ،‬كما هو موضح هنا‪.‬‬ ‫پوتاسيوم‬

‫شريان‬ ‫جريان الدم‬

‫‪ ‬التيار الكهربائي املولد بتدفق‬ ‫‪‬‬ ‫أيونات الپوتاسيوم خارج اخللية‬ ‫يقلل تدفق أيونات الكالسيوم إلى‬ ‫اخللية‪ .‬هذا التغير يرخي اخللية‬ ‫ويوسع الوعاء الدموي‪.‬‬

‫جريان دم‬ ‫متزايد‬

‫غشاء اخللية‬ ‫العضلية امللساء‬ ‫عضلة ملساء‬ ‫بطانة‬ ‫ضغط على‬ ‫جدار الوعاء‬ ‫قناة‬ ‫كالسيوم‬

‫قناة‬

‫‪KATP‬‬

‫‪ ‬يتكون غاز سلفيد الهدروجني‬ ‫‪‬‬ ‫بواسطة اخلاليا العضلية‬ ‫امللساء واخلاليا البطانية‪،‬‬ ‫واللتني تشكالن األوعية الدموية‪.‬‬

‫‪H2S‬‬

‫(سلفيد الهدروجني)‬

‫ل� � ��م نكن متأكدين م� � ��ن أن إضافتنا للغاز في‬ ‫األوعي� � ��ة الدموية تعكس بش� � ��كل صحيح ما‬ ‫يحدث حينما تقوم األوعية بإنتاج غاز سلفيد‬ ‫الهدروجني اخلاص بها‪.‬‬ ‫لتحديد تأثيرات الغاز بشكل أفضل‪ ،‬قمت‬ ‫مع زمالئي في عام ‪ 2003‬بتطوير خط إلنتاج‬ ‫فئران معدلة هندسيا بحيث ينقصها اإلنزمي‬ ‫‪ ،CSE‬ومن َث ّم عدم القدرة على إنتاج سلفيد‬ ‫الهدروجني ف� � ��ي األوعية الدموي� � ��ة‪ .‬أمضينا‬ ‫الس� � ��نوات اخلمس التالية في دراس� � ��ة هذه‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الفئران التي تعرف بالفئ���ران املصروعة‬ ‫بـالتعــ� � ��اون مع فـــرق البحــ� � ��ث التي يقودهـــــا‬ ‫>‪ .S‬س � � �ـــنايدر< [من جامعــة ج� � ��ون هوپكنز]‬ ‫و>‪ .L‬واو< [م� � ��ن جامعة ساسكاتش� � ��وان في‬ ‫كن� � ��دا]‪ .‬وفي النهاية أثم� � ��رت جهودنا‪ ،‬فقمنا‬ ‫في عام ‪ 2008‬بنشر مقالة في مجلة ‪Science‬‬ ‫نفصل فيها اكتشـــافنــا‪ .‬فمع تقـــدم العمر في‬ ‫الفئران املـحورة تقـلصـ� � ��ت أوعيتها الدموية‬ ‫وأدى ذلك إلى ارتفاع ضغط الدم لديها إلى‬ ‫مس� � ��توى أعلى من الطبيعي بش� � ��كل ملحوظ‬ ‫(جرى القي� � ��اس بكفات ضغ� � ��ط دم صغيرة‬ ‫‪92‬‬

‫‪ ‬يقوم سلفيد الهدروجني بتنشيط‬ ‫‪‬‬ ‫پروتينات قنوات ‪ KATP‬في غشاء اخللية‬ ‫العضلية امللساء‪ ،‬مشجعا أيونات‬ ‫الپوتاسيوم على اخلروج من اخللية‪.‬‬

‫مازال علينا أن‬ ‫نستكشف هل‬ ‫(‪)2‬‬ ‫بإمكان اإلسبات‬ ‫بسلفيد الهدروجني‬ ‫اإلبقاء على احلياة‬ ‫في حالة انتظار‬ ‫مع احملافظة على‬ ‫وظائف الدماغ‬ ‫احلرجة مثل‬ ‫الذاكرة والتفكير‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫كالسيوم‬

‫ضغط‬ ‫منخفض‬ ‫‪ ‬يؤدي توسع‬ ‫‪‬‬ ‫األوعية الدموية إلى‬ ‫انخفاض ضغط الدم‬ ‫وازدياد جريان الدم‪.‬‬

‫جـــ� � ��دا ُثبتــت حــول ذيــولهــ� � ��ا)‪ .‬ولكن ضغـط‬ ‫ال� � ��دم لديه� � ��ا انخفض عند حقنه� � ��ا مبحلول‬ ‫سلفيد الهدروجني‪.‬‬ ‫رسخ العمل بهذه الفئران املصروعة دون‬ ‫أدنى ش� � ��ك في أن س� � ��لفيد الهدروجني يؤدي‬ ‫دورا حيوي� � ��ا ف� � ��ي اجلهاز القلب� � ��ي الوعائي‪،‬‬ ‫إضافة إلى تفس� � ��يره لغزا قدمي� � ��ا‪ .‬لقد عرف‬ ‫الباحثون‪ ،‬في الس� � ��نوات التي تلت سنة الفوز‬ ‫بجائزة نوبل نتيجة العمل على أكسيد النتريك‪،‬‬ ‫أن الس� � ��بب في توسع األوعية الدموية اليعود‬ ‫كله إلى ذلك الناقل الغازي؛ وذلك لسبب واحد‬ ‫ه� � ��و أن األوعية الدموية احمليطي� � ��ة (تلك التي‬ ‫ال تؤدي مباش� � ��رة إلى القلب أو تنش� � ��أ عنه)‪،‬‬ ‫في احليوان� � ��ات احملورة جينيا ك� � ��ي ال تنتج‬ ‫غاز أكس� � ��يد النتريك في اخلالي� � ��ا البطانية‬ ‫املبطن� � ��ة جل� � ��دران األوعية‪ ،‬ال ت� � ��زال قادرة‬ ‫على االس� � ��ترخاء‪ .‬ولكن ما هو املس� � ��بب لهذا‬ ‫االسترخاء في غياب غاز أكسيد النتريك؟‬ ‫دلت دراس� � ��اتنا على أنه من احملتمل أن‬ ‫( ) ‪Relaxing Gas‬‬

‫(‪ knockout mice )1‬فئران مصابة بالصرع‪.‬‬ ‫(‪ hibernation )2‬إسبات أو إشتاء حالة تشبه النوم مير بها الكثير‬ ‫(التحرير)‬ ‫من احليوانات في فصل الشتاء‪.‬‬


‫[معاجلات حتتوي على غاز سلفيد الهدروجني]‬

‫غاز سلفيد الهدروجني لإلنقاذ‬

‫( )‬

‫ُيقيِّم مطورو األدوية باستمرار إمكانية املركبات احملتوية على سلفيد‬ ‫الهدروجني في عالج عدد من احلاالت‪.‬‬ ‫املركب‬

‫احلالة‬ ‫> جراحة القلب‬ ‫> النوبة القلبية‬ ‫> أذيات الكلى‬ ‫داء األمعاء االلتهابي‬

‫‪IK-1001‬‬

‫‪ATB-429‬‬ ‫‪ATB-429‬‬

‫آالم املفاصل احلادة واملزمنة‬

‫‪ATB-429‬‬

‫متالزمة األمعاء املتهيجة‬

‫‪ACS-15‬‬

‫التهاب املفاصل‬

‫الشركة‬ ‫إكاريا‬

‫مرحلة التطوير‬ ‫املرحلة ‪ II‬جتارب كفاءة‬ ‫املرحلة ‪ II‬جتارب كفاءة‬ ‫املرحلة ‪ I‬جتارب أمان‬

‫‪Ikaria‬‬

‫أنتبس‬

‫‪Antibes‬‬

‫املرحلة ‪ I‬جتارب أمان‬

‫أنتبس‬

‫‪Antibes‬‬

‫التجارب قبل السريرية‬

‫أنتبس‬

‫‪Antibes‬‬

‫التجارب قبل السريرية‬

‫ ‬

‫التجارب قبل السريرية‬

‫‪CTG Pharma‬‬

‫ سوف يختبر املؤلف مركبات لشركة ‪ GTC‬فارما‪.‬‬

‫سر اللغز يكمن في سلفيد الهدروجني‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أنه منذ البداية كنا قد أوضحنا أن‬ ‫إنتاج اإلنزمي ‪ CSE‬بواسطة سلفيد الهدروجني‬ ‫يحدث في اخلاليا العضلية امللس� � ��اء‪ ،‬إال أن‬ ‫الدراس� � ��ات الالحقة بينت أن اخلاليا املبطنة‬ ‫واملأخ� � ��وذة م� � ��ن الفئران‪ ،‬والبقر واإلنس� � ��ان‬ ‫حتتوي أيضا على اإلنزمي ‪ CSE‬بكميات أكبر‬ ‫من تلك التي في اخلاليا العضلية امللس� � ��اء‪.‬‬ ‫إن كيفية تقس� � ��يم مسؤولية استرخاء األوعية‬ ‫بالضبط بني غازي أكس� � ��يد النتريك وسلفيد‬ ‫الهدروج� �ي��ن ال تزال غير واضحة على الرغم‬ ‫من وجود بعض األدلة التي توحي أن معظم‬ ‫العم� � ��ل في األوعية الكبيرة يقوم به أكس� � ��يد‬ ‫النتريك‪ ،‬أما ف� � ��ي األوعية الصغيرة فيقوم به‬ ‫سلفيد الهدروجني‪.‬‬ ‫قنطار عالج؟‬

‫( )‬

‫لَ َف� � � َ�ت اكتش� � ��اف إنت� � ��اج غ� � ��از س� � ��لفيد‬ ‫الهدروج� �ي��ن ف� � ��ي اجلهاز القلب� � ��ي الوعائي‬ ‫ومس� � ��اعدته على تنظيم ضغ� � ��ط الدم انتباه‬ ‫العدي� � ��د م� � ��ن الباحثني الذي� � ��ن يبحثون عن‬ ‫طرائق جديدة حلماية القلب من ضرر نقص‬ ‫األكسجني‪ ،‬الذي يحدث عندما متنع اجللطة‬ ‫الدموية نقل األكس� � ��جني إلى القلب مسببة‬ ‫موت النس� � ��يج القلبي (نوبة قلبية)‪ .‬ففي عام‬ ‫‪ 2006‬ق� � ��دم >‪ .F .G‬باكس� � ��تر< [وهو اآلن في‬ ‫جامع� � ��ة كارديف في ويلزّ] وزمالؤه تقريرا‬ ‫يفيد أنه� � ��م لدى العمل عل� � ��ى قلوب جرذان‬ ‫معزولة تزود مبحل� � ��ول ملحي لتقليد الدورة‬

‫الدموي� � ��ة وم� � ��ن ثم مينع عنها ه� � ��ذا احمللول‬ ‫لتقليد نوبة قلبية‪ ،‬وجدوا أن تقدمي س� � ��لفيد‬ ‫الهدروجني له� � ��ذه القلوب املعزولة قبل وقف‬ ‫تدفق احمللول امللحي يخفض من نسبة تلف‬ ‫العضلة القلبية‪ .‬كما أوضح >‪ .D‬ليفير< [من‬ ‫جامعة إميوري] في السنة التالية أن الفئران‬ ‫احملورة هندس� � ��يا إلنتاج املزيد من س� � ��لفيد‬ ‫( )‬ ‫الهدروج� �ي��ن في القلب كانت قادرة بش� � ��كل مفتاح طول العمر؟‬ ‫أفضل على حتمل حرمان األكسجني الناجت يشير العمل األولي إلى أن سلفيد‬ ‫الهدروجني ميكن أن يؤثر في طول‬ ‫من اجللطة وأكثر مقاومة للضرر الذي عادة العمر‪ .‬فقد وجد >روث< وزمالؤه‬ ‫ما ينش� � ��أ عن إعادة جريان الدم لألنس� � ��جة [من جامعة واشنطن] من التجارب‬ ‫(‪)1‬‬ ‫التي أجريت على الدودة الشريطية‬ ‫عق� � ��ب فترة من احلرمان (تعرف هذه احلالة‬ ‫كينورهابديتيس إيليگانس(‪ )2‬أن تلك‬ ‫أذية إعادة التروية)‪.‬‬ ‫التي تعيش في بيئة حتتوي على تركيز‬ ‫تش� � ��ير مثل ه� � ��ذه النتائج إل� � ��ى إمكانية منخفض من الغاز تعيش مدة أطول‬ ‫مبقدار ‪ %70‬من التي التعيش في‬ ‫اس� � ��تعمال س� � ��لفيد الهدروجني في منع أو تلك البيئة‪ .‬وبشكل فضولي‪ ،‬يبدو أن‬ ‫ع� �ل��اج فرط الضغ� � ��ط‪ ،‬والنوب� � ��ات القلبية سلفيد الهدروجني ال يعمل بأي طريقة‬ ‫وجلطات الدماغ في اإلنسان‪ .‬ولكن قدرة من الطرق الثالث الرئيسية املعروفة‬ ‫في تنظيم طول عمر هذه املخلوقات‪.‬‬ ‫الغاز على إرخاء األوعي� � ��ة الدموية تعني وال تزال اآللية التي يقوم بها الغاز‬ ‫أن تطبيقات� � ��ه احملتملة ميكن أن تتوس� � ��ع بتمديد عمر الدودة غير واضحة‪،‬‬ ‫ولكن من احملتمل أنه يقوم بتنظيم‬ ‫لتشمل مشكالت األوعية الدموية األخرى‬ ‫اجلني ‪ sir-2‬املرتبط باحلياة الطويلة‬ ‫متضمن� � ��ة اخلل����ل الوظيف����ي االنتعاظ����ي للديدان والكائنات احلية األخرى‪ .‬وقد‬ ‫َصل الباحثون نتائجهم في مجلة‬ ‫‪ .erectile dysfunction‬فاالنتع� � ��اظ القضيبي ف َّ‬ ‫‪Proceedings of the National Academy of‬‬ ‫ُيع� � ��زز بتوس� � ��يع األوعية الدموي� � ��ة‪ .‬وتعمل ‪.Sciences USA in 2007‬‬ ‫الڤياگ����را ‪ Viagra‬عل� � ��ى إطالة فت� � ��رة تأثير‬ ‫أكس� � ��يد النتريك في القضي� � ��ب حيث يقوم‬ ‫الغاز بإرخاء أوعيته الدموية معززا جريان‬ ‫( ) ‪H2S To The Rescue‬‬ ‫( ) ?‪A Pound of Cure‬‬ ‫( ) ?‪A Key To Longevity‬‬ ‫(‪the nematode worm )1‬‬ ‫(‪Caenorhabditis elegans )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪93‬‬


‫الدم فيها‪ .‬وتظهر الدراس� � ��ات أن س� � ��لفيد‬ ‫الهدروجني يستطيع أن يعطي التأثير نفسه‪،‬‬ ‫ولكن املزيد من العمل مطلوب لتحديد دوره‬ ‫بدقة في نس� � ��يج القضيب البش� � ��ري‪( .‬أول‬ ‫أكس� � ��يد الكربون ينتج أيضا في القضيب‬ ‫ولكنه يس ِّهل القذف وليس االنتعاظ)‪.‬‬ ‫ال يقتص� � ��ر وج� � ��ود س� � ��لفيد الهدروجني‬ ‫عل� � ��ى اجله� � ��از القلب� � ��ي الوعائ� � ��ي فق� � ��ط‪ ،‬بل‬ ‫ويصنع أيضا في اجلهاز العصبي بواس� � ��طة‬ ‫اإلن� � ��زمي سيس���تاثيونني بيت���ا س���ينثيتاز‬ ‫)‪ (cystathionine beta synthetase‬وليس بواسطة‬ ‫اإلن� � ��زمي ‪ .CSE‬إن ما يقـوم به الغاز غير مؤكد‬ ‫متام� � ��ا‪ ،‬ولكن بع� � ��ض الدراس� � ��ات تقترح أن‬ ‫يك� � ��ون معدّال عصبيا(‪ )1‬ل� � ��ه القدرة على جعل‬ ‫الدارات العصبية متجاوبة للمنبهات بالزيادة‬ ‫والنقص� � ��ان‪ .‬وقد يش� � ��ارك ف� � ��ي عملية تعرف‬ ‫بالتكم�ي�ن ‪ potentiation‬الطوي� � ��ل األمد الذي‬ ‫يس� � ��هل االتصال اخللوي ومن َث ّم من املمكن‬ ‫أن يع� � ��زز التعلم والذاك� � ��رة‪ .‬إضافة إلى ذلك‪،‬‬ ‫فقد تبني أن الغاز يزيد من مس� � ��تويات مضاد‬ ‫التأكسد الگلوتاثيون في اخلاليا العصبونية‬ ‫مما يدل عل� � ��ى حمايته لها من الكرب‪ .‬وكذلك‬ ‫قد يساعد اجلسم على حتسس األلم‪ ،‬ومن َث َّم‬ ‫يعزز قدرته على االستجابة وفقا لذلك‪.‬‬ ‫ويب� � ��دو أيض� � ��ا أن الغاز يس� � ��اعد على‬ ‫تنظيم األيض‪ ،‬وهو سيرورة كيميائية تنظم‬ ‫اس� � ��تهالك الطاقة واصطناعها‪ .‬في سلسلة‬ ‫من التجارب املذهلة‪ ،‬قام >‪ .B .M‬روث< [من‬ ‫جامعة واش� � ��نطن] مع زمالئ� � ��ه بإعطاء غاز‬ ‫س� � ��لفيد الهدروجني للفئ� � ��ران بتراكيز قليلة‬ ‫بغي� � ��ة تقليل األيض ومن َث � � � ّم إحباط ازدياد‬ ‫فاعلي� � ��ة بعض األم� � ��راض‪ .‬ووجد أن معدل‬ ‫ضرب� � ��ات القلب ف� � ��ي احليوان� � ��ات املجرب‬ ‫عليها قد انخف� � ��ض فورا إلى النصف‪ ،‬مما‬ ‫نقلها إلى حالة إنع����اش معلقة ‪suspended‬‬ ‫‪ animation‬يتباطأ فيه� � ��ا األيض كثيرا دون‬ ‫أي أذى أو تأثي� � ��ر س� � ��لبي واض� � ��ح‪ ،‬وذلك‬ ‫بجعلها تستنش� � ��ق مزيجا من األكس� � ��جني‬ ‫وغاز سلفيد الهدروجني‪ .‬ويبدو في إسبات‬ ‫‪94‬‬

‫املؤلف‬

‫‪Rui Wang‬‬

‫هو أستاذ علم األحياء ونائب الرئيس‬ ‫لألبحاث في جامعة ليكهيد في ثاندر‬ ‫بي بوالية أونتاريو‪ .‬كما أنه رئيس‬ ‫جمعية الفيزيولوجيا الكندية وضليع في‬ ‫دراسة األيض والوظائف الفيزيولوجية‬ ‫ملجموعة صغيرة من اجلزيئات للغاز‬ ‫تعرف بالناقالت الغازية والتي تتضمن‬ ‫أكسيد النتريك وأول أكسيد الكربون‬ ‫وسلفيد الهدروجني‪ .‬في عام ‪،2008‬‬ ‫حاز >وانگ< جائزة «فايزر سينيور‬ ‫ساينتست» رفيعة املستوى من اجلمعية‬ ‫الكندية لعلم األدوية واملداواة‪.‬‬ ‫‪(2010) 6/5‬‬

‫سلفيد الهدروجني «‪ »H2S hibernation‬هذا‬ ‫أن اجلس� � ��م يحافظ على املستوى القاعدي‬ ‫لأليض الذي يحم� � ��ي األعضاء احليوية من‬ ‫الضرر إلى أن تعود مستويات تزويد الطاقة‬ ‫إلى املعدل الطبيعي‪ .‬تس� � ��تطيع احليوانات‬ ‫بع� � ��د ثالثني دقيق� � ��ة من إيقاف استنش� � ��اق‬ ‫س� � ��لفيد الهدروج� �ي��ن أن تس� � ��تعيد معدل‬ ‫أيضها املعتاد [انظر‪« :‬زيادة الوقت املتاح‬ ‫‪،‬‬ ‫ف� � ��ي إيقاف مؤق� � ��ت ملظاهر احلياة»‪،‬‬ ‫العددان ‪ ،(2005) 11/10‬ص ‪.]16‬‬ ‫م� � ��ن املمك� � ��ن أن يكون إس� � ��بات س� � ��لفيد‬ ‫الهدروجني هدي� � ��ة لطب الطوارئ إذا ما ثبت‬ ‫أنه آمن وفعال‪ .‬إذ ميكن أن يوفر استنش� � ��اق‬ ‫املص� � ��اب في موقع حادث س� � ��ير أو املصاب‬ ‫بنوب� � ��ة قلبية لغاز س� � ��لفيد الهدروجني الوقت‬ ‫الالزم لنقل املريض بنجاح إلى املستش� � ��فى‬ ‫لتلقي العالج املنقذ للحياة‪ .‬كما ميكن أيضا‬ ‫لغاز س� � ��لفيد الهدروجني ف� � ��ي حالة النعاش‬ ‫املعل� � ��ق أن يبقي املريض على قيد احلياة إلى‬ ‫أن يصبح العضو ال� �ل��ازم للزراعة متوافرا‪.‬‬ ‫(ميكن للغاز أيضا أن يبقي األعضاء املتبرع‬ ‫بها حية فت� � ��رة أطول)‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإنه‬ ‫ميكن االس� � ��تفادة م� � ��ن توفر عالج س� � ��لفيد‬ ‫الهدروج� �ي��ن في مناطق احل� � ��روب والكوارث‬ ‫الطبيعية‪ ،‬حيث ميك� � ��ن أن يخفف من الطلب‬ ‫على نقل الدم إلى حني توفيره بش� � ��كل كاف‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 2008‬ق� � ��دم >روث< وزمالؤه تقريرا‬ ‫يفيد أن حالة اجلرذان التي استنش� � ��قت غاز‬ ‫س� � ��لفيد الهدروجني عق� � ��ب فقدانها ‪ %60‬من‬ ‫دمائها أصبحت بش� � ��كل أفضل من تلك التي‬ ‫لم تتلق عالج� � ��ا‪ ،‬حيث تعرض فقط ‪ %25‬من‬ ‫اجلرذان املعاجلة للرضح مقارنة بنحو ‪%75‬‬ ‫من غير املعاجلة‪.‬‬ ‫تفاؤل حذر‬

‫( )‬

‫عل� � ��ى الرغم من ذلك‪ ،‬ليس كل ما يالمس‬ ‫س� � ��لفيد الهدروجني يتحول إلى ذهب‪ .‬فعلى‬ ‫س� � ��بيل املث� � ��ال‪ ،‬ال يزال من غي� � ��ر املؤكد هل‬ ‫( ) ‪Cautious Optimism‬‬ ‫(‪neuromodulator )1‬‬


‫يحس� � ��ن الغاز االلته� � ��اب أم يزيده س� � ��وءا‪.‬‬ ‫وتظهر الدراس� � ��ات التي جرت في مختبري‬ ‫وف� � ��ي أماكن أخرى أن للغاز دورا أساس� � ��يا‬ ‫في الداء السكري من النمط ‪ ،1‬الذي غالبا ما‬ ‫يح� � ��دث في الطفولة ويترك املرضى معتمدين‬ ‫على حقن األنسولني للبقاء على قيد احلياة‪.‬‬ ‫وينتج سلفيد الهدروجني في اخلاليا املنتجة‬ ‫لألنس� � ��ولني في البنكري� � ��اس وتعرف بخاليا‬ ‫بيتا‪ ،‬إضافة إلى أماكن أخرى‪ .‬ويكون إنتاج‬ ‫س� � ��لفيد الهدروجني في هذه اخلاليا مرتفعا‬ ‫جدا في احليوانات املصابة بالداء الس� � ��كري‬ ‫من النمط ‪ .1‬كما يكون لهذه الزيادة من الغاز‬ ‫تأثي� � ��ران مرضيان‪ .‬األول‪ ،‬قتل عدد كبير من‬ ‫خاليا بيتا‪ ،‬وترك عدد قليل جدا منها إلنتاج‬ ‫األنس� � ��ولني الالزم لتفكي� � ��ك الگلوكوز إلنتاج‬ ‫الطاقة‪ .‬والثاني‪ ،‬إعاقة إطالق األنسولني من‬ ‫خاليا بيت� � ��ا املتبقية‪ .‬مبعنى آخر‪ ،‬ميكن إلقاء‬ ‫اللوم بش� � ��كل جزئي على سلفيد الهدروجني‬ ‫ف� � ��ي س� � ��بب وجود مس� � ��توى غي� � ��ر كاف من‬ ‫األنس� � ��ولني بالدم في حاالت الداء السكري‬ ‫من النمط ‪.1‬‬ ‫إضافة إلى ذل� � ��ك‪ ،‬فإن بعض التأثيرات‬ ‫اإليجابية املوثقة لغاز س� � ��لفيد الهدروجني‬ ‫ف� � ��ي اجل� � ��رذان والفئ� � ��ران ل� � ��م تالحظ في‬ ‫الثديي� � ��ات األكبر‪ .‬فعلى س� � ��بيل املثال‪ ،‬في‬ ‫عام ‪ 2007‬بينت الدراسة التي أجراها فريق‬ ‫فرنس� � ��ي أن األغنام التي استنشقت الغاز‬ ‫لم تدخل في حالة اإلس� � ��بات املالحظة في‬ ‫القوارض‪ .‬وفي دراسة أخرى أيضا‪ ،‬تبني‬ ‫أن اخلنازير الصغيرة التي أعطي لها غاز‬ ‫سلفيد الهدروجني قد ازداد معدل أيضها‬ ‫بدال من انخفاضه‪.‬‬ ‫م� � ��ن غي� � ��ر الواضح هل ي� � ��ؤدي حتريض‬ ‫إسبات سلفيد الهدروجني إلى اختالل وظيفة‬ ‫الدماغ أم ال‪ .‬على الرغ� � ��م من أن التقييمات‬ ‫املختبرية ل� � ��م حتدد مثل هذا اخللل الوظيفي‬ ‫ف� � ��ي احليوان� � ��ات املعاجل� � ��ة‪ ،‬إ ّال أن تغيرات‬ ‫الوظيف� � ��ة الدماغي� � ��ة أصع� � ��ب قلي� �ل��ا من أن‬ ‫حتدد في حيوان� � ��ات التجارب‪ .‬ومازالت قيد‬

‫الدراس� � ��ة مسألة هل يستطيع إسبات سلفيد‬ ‫الهدروجني إيقاف احلياة‪ ,‬وفي الوقت نفسه‬ ‫احملافظة على وظائ� � ��ف الدماغ احلرجة مثل‬ ‫الذاكرة والصحة العقلية‪.‬‬ ‫وم� � ��ع ذلك‪ ،‬فإن قدرة س� � ��لفيد الهدروجني‬ ‫العالجي� � ��ة الرائع� � ��ة قد ول� � ��دت اهتماما بالغا‬ ‫لدى الصناعة الصيدالنية‪ .‬وتقوم اآلن العديد‬ ‫من الش� � ��ركات بتطوير منتج� � ��ات تهدف إلى‬ ‫إعطاء جرع� � ��ات من س� � ��لفيد الهدروجني في‬ ‫اجلس� � ��م‪ .‬على س� � ��بيل املثال‪ ،‬أنتجت شركة‬ ‫‪ CTG‬فارما اإليطالية مركبات متعددة هجينة‬

‫لألدوية الالس���تيرودية املض���ادة لاللتهاب‬

‫)‪ (1)(NSAIDs‬وغاز س� � ��لفيد الهدروجني‪ .‬دلت‬ ‫التجارب عل� � ��ى احليوانات أن ه� � ��ذه األدوية‬ ‫فعالة في عالج االلتهابات العصبونية واملعدية‬ ‫املعوية وخل� � ��ل الوظيفة االنتعاظي� � ��ة‪ ،‬والنوبة‬ ‫القلبي� � ��ة والتغيرات املرضي� � ��ة لبنيان األوعية‬ ‫الدموية‪ .‬في غضون ذلك‪ ،‬أطلقت حديثا شركة‬ ‫إيكاريا في نيوجرسي واملشارك في تأسيسها‬ ‫>روث< جتارب املرحلة ‪ ،II‬أو املرحلة الفعالة‪،‬‬ ‫لنموذج من س� � ��لفيد الهدروجني قابل للحقن‬ ‫في األش� � ��خاص الذين يعانون نوبات قلبية أو‬ ‫يخضعون جلراحة قلبية أو رئوية‪.‬‬ ‫على الرغم من ميل األشخاص الطبيعي‬ ‫إلى جتنب التعرض لغاز سلفيد الهدروجني‪،‬‬ ‫فإن� � ��ه م� � ��ن الواض� � ��ح م� � ��ن األبح� � ��اث التي‬ ‫أجري� � ��ت على مدى العق� � ��د املاضي أن هذا‬ ‫الغاز يؤدي دورا حرج� � ��ا في صحة القلب‬ ‫وبشكل محتمل في صحة الدماغ وأعضاء‬ ‫أخ� � ��رى‪ .‬كما أنه من احملتم� � ��ل أن يؤثر في‬ ‫ق� � ��درات أخرى ال بد من تعرفها أيضا‪ .‬هذه‬ ‫اإلجنازات الكبيرة س� � ��وف تقود أخصائيي‬ ‫الفيزيولوجيا إلى تطوير فرضية جديدة في‬ ‫األساس اجلزيئي(‪ )2‬لصحة اإلنسان‪ .‬ومع‬ ‫أن العمل املس� � ��تمر على سلفيد الهدروجني‬ ‫مازال فتيا‪ ،‬إال أن الفرص التي ستقود حتما‬ ‫إلى عالجات لبعض األمراض التي يراوغنا‬ ‫>‬ ‫شفاؤها‪ ،‬تبدو جيدة‪.‬‬ ‫(‪nonsteroidal anti-inflammatory drugs )1‬‬ ‫(‪the molecular basis )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, March 2010‬‬

‫‪95‬‬


‫أخبار علمية‬ ‫إخفاء الهوائيات‬ ‫هوائيات الپالزما تختفي حني إطفائها‪.‬‬ ‫(٭)‬

‫يس� � ��تعمل ال� � ��رادار املوج� � ��ات الراديوي� � ��ة لتمك� �ي��ن‬ ‫الطائرات والس� � ��فن واحملطات األرضية من الرؤية بعيدا‬ ‫عب� � ��ر ما يحيط بها‪ ،‬حتى في الليل وفي الطقس الرديء‪.‬‬ ‫ولكن الهوائيات املعدنية التي ت ُِش� � ��ع تلك املوجات تعكس‬ ‫أش� � ��عة الرادار بقوة أيضا‪ ،‬وهذا يجعلها مرئية جدا من‬ ‫قب� � ��ل اآلخرين‪ ،‬وتلك صفة مميتة أثن� � ��اء احلرب‪ .‬غير أن‬ ‫فئة جديدة م� � ��ن هوائيات الرادي� � ��و الالمعدنية ميكن أن‬ ‫تُصب� � ��ح غير مرئي� � ��ة من قبل الرادارات‪ ،‬بس� � ��بب توقُّفها‬ ‫ع� � ��ن عكس املوجات الراديوية ح� �ي��ن إيقافها عن العمل‪.‬‬ ‫إن هذا االبتكار‪ ،‬الذي ُيس � � �مَّى تقانة هوائيات الپالزما‪،‬‬ ‫يقوم على تهييج غازات ضم� � ��ن أنابيب محكمة اإلغالق‬ ‫لتكوين ُس� � ��حُ ب م� � ��ن اإللكترونات واأليونات املش� � ��حونة‬ ‫احلرة احلركة‪.‬‬ ‫صحيــحٌ إن فكـرة هـوائيات الپالزما قد طرقــت أبـواب‬ ‫املختبــرات عقــودا عــدة‪ ،‬إال أن >‪ .T‬أندرس� � ��ون< [رئيس‬ ‫الشركة ‪ ،Haleakala Research and Development‬وهي‬ ‫مباساشوستس] والفيزيائي‬ ‫شركة صغيرة في بروكفيلد َّ‬ ‫ِكس� � ��ف< [من جامعة تن ِِّس� � ��ي في نوكسڤيل] أعادا‬ ‫>‪ .I‬أل ِ‬ ‫إحي� � ��اء هذا املفهوم في املدة األخي� � ��رة‪ .‬فأبحاثهما تفتح‬ ‫من جديد إمكان صنع هوائيات صغيرة احلجم‪ ،‬ممانعة‬ ‫للتشويش‪ ،‬تستعمل مقادير متوسطة من الطاقة‪ ،‬وتولِّد‬ ‫قليال من الضجيج‪ ،‬وال تتداخل مع الهوائيات األخرى‪،‬‬ ‫وميكن توليفها بسهولة مع كثير من الترددات‪.‬‬ ‫حني تطبيق نبضة كهربائي� � ��ة راديوية على أحد‬ ‫ِكسف<‬ ‫طرفي األنبوب (استعمل >أندرس� � ��ون< و>أل ِ‬ ‫مصابي� � ��ح فلور ّي� � ��ة)‪ ،‬تُؤيِّن طاقة النبض� � ��ة الغاز فيه‬ ‫لتولي� � ��د الپالزما‪ .‬ويقول >أندرس� � ��ون<‪« :‬إن الكثافة‬ ‫العالية لإللكترونات ضمن الپالزما جتعلها موصال‬ ‫ممتازا للكهرباء‪ ،‬متاما كاملعدن‪ ».‬وتستطيع الپالزما‪،‬‬ ‫حينما تكون في حالة التهيُّج‪ ،‬إش� � ��عاع وامتصاص‬ ‫وعكس املوجات الراديوية فورا‪ .‬ويؤدي تعديل كثافة‬ ‫الپالزما‪ ،‬بواس� � ��طة التحكم في الق� � ��درة املطبَّقة على‬ ‫األنبوب‪ ،‬إلى تغيير الت� � ��رددات الراديوية التي تبثُّها‬ ‫وتلتقطها‪ .‬يُضاف إلى ذلك‪ ،‬أن الهوائيات املولَّفة مع‬ ‫كثافات الپالزما املناس� � ��بة ميكن أن تكون حساسة‬ ‫للت� � ��رددات الراديوية املنخفضة‪ ،‬م� � ��ع بقائها عدمية‬ ‫االس� � ��تجابة للترددات العالية املس� � ��تعملة في معظم‬ ‫الرادارات‪ .‬ولكن خالفا للمعادن‪ ،‬و َفوْر فصل اجلهد‬ ‫الكهربائي عن الپالزما‪ ،‬تعود بس� � ��رعة لتصبح غازا‬ ‫طبيعيا‪ ،‬ولذا يختفي الهوائي‪.‬‬ ‫‪96‬‬

‫قد يكون لفعل االختفاء هذا تطبيقات عديدة‪ ،‬وفق‬ ‫ِكسف<‪ .‬فشركة تعهدات الدفاع ‪Lockheed‬‬ ‫قول >أل ِ‬ ‫‪ Martin‬األمريكية سوف تختبر في اجلو قريبا هوائي‬ ‫پالزما (موضوع� � ��ا ضمن حاضن متني من الپوليمر‬ ‫صمِّم ليكون منيعا على الكش� � ��ف من‬ ‫غير املوصل) ُ‬ ‫قبل الرادار حتى أثناء إرس� � ��اله واستقباله موجات‬ ‫راديوية منخفضة التردد‪ .‬وفي األثناء يأمل س� �ل��اح‬ ‫اجل� � ��و األمريكي بأن تكون ه� � ��ذه التقانة قادرة على‬ ‫حتجيب إلكترونيات السواتل حلمايتها من إشارات‬ ‫التش� � ��ويش القوية التي ميكن أن توجَّ ه من صواريخ‬ ‫العدو نحوه� � ��ا‪ .‬ويرعى اجليش األمريكي أبحاثا في‬ ‫مصفوفات هوائي� � ��ات پالزمية قابل� � ��ة للتوجيه يكون‬ ‫فيها مرس� � ��ل ومس� � ��تقبل الرادار مُحاطَ ينْ بعواكس‬ ‫ِكسف<‪« :‬عند‬ ‫مكوَّنة من هوائيات پالزمية‪ .‬ويقول >أل ِ‬ ‫إيقاف تشغيل أحد الهوائيات‪ ،‬فإن إشارات املوجات‬ ‫امليكروية امل َُشعَّة من مركز املصفوفة سوف متر عبر‬ ‫النافذة املفتوحة ضمن حزمة شديدة التوجيه‪ ».‬ومن‬ ‫ناحية أخرى‪ ،‬ميكن استعمال اجلهاز نفسه مستقبِال‬ ‫موجَّ ها لتحديد مواقع املرسالت الراديوية بدقة‪.‬‬ ‫ولك� � ��ن‪ ،‬ليس جميع الباحثني امللمِّني بهذه التقانة‬ ‫واثقني من فرص جناحها‪ .‬فقد اس� � ��تقصت البحرية‬ ‫األمريكي� � ��ة تقان� � ��ة هوائي� � ��ات الپالزما قب� � ��ل ما يزيد‬ ‫على عشر س� � ��نوات‪ ،‬وفق ما يتذكَّره >‪ .W‬مانهامير<‬ ‫[فيزيائ� � ��ي الپالزما ل� � ��دى مختبر أبح� � ��اث البحرية]‬ ‫آملة بأن متثِّل الپالزما أساس� � ��ا لبديل مصغَّر وقابل‬ ‫لإلخفاء ل� � ��رادارات مصفوف� � ��ات الهوائيات الطورية‬ ‫املس� � ��تعملة حاليا في ط � � �رّادات منظوم���ة البحرية‬ ‫األمريكي���ة(‪ Aegis )1‬وغيره� � ��ا م� � ��ن ال� � ��زوارق‪ .‬فمن‬ ‫املمكن توجيه حزم املوجات امليكروية التي ت ُِش� � ��عها‬ ‫مصفوفات عناصر الهوائي� � ��ات تلك باجتاه أهدافها‬ ‫بطريق� � ��ة إلكتروني� � ��ة‪ .‬ويتابع >مانهامي� � ��ر< قائال إن‬ ‫الباحث� �ي��ن ل� � ��دى البحري� � ��ة حاولوا اس� � ��تعمال تقانة‬ ‫هوائيات الپالزما املوجَّ هة بواسطة حقول مغنطيسية‬ ‫لتش� � ��كيل مصفوفة «مرايا قفّازة» أش� � ��د دقة‪ .‬ولكي‬ ‫تعمل احلزم الناجتة جيدا‪ ،‬فقد تطلَّبت توجيهها في‬ ‫بُعدين اثنني(‪ .)2‬ولكن العلماء لم يستطيعوا حتريكها‬ ‫إال ف� � ��ي اجتاه واحد‪ ،‬ولذا ألغ� � ��ت البحرية األمريكية‬ ‫>‬ ‫ذلك البرنامج‪.‬‬ ‫>‪ .S‬آشلي<‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫يختفي الهوائي عن الرادار حني فصل‬ ‫الكهرباء التي تغذي األنبوب املمتلئ‬ ‫بالپالزما‪.‬‬

‫ُس ُحب اإلشارة‬ ‫بعد إصابتك بخسائر فادحة‪ ،‬بقي‬ ‫فريق االستطالع التابع لك معزوال‬ ‫في عمق أراضي العدو‪ .‬وأنت تريد‬ ‫إنقاذه بسرعة‪ ،‬لكن اجلبال احمليطة‬ ‫تعيق اتصاالتك‪ .‬فماذا تفعل؟ قد يكون‬ ‫ثمة حل لدى الباحثني في هوائيات‬ ‫الپالزما‪ .‬وقد سجَّ ل العديد منهم‬ ‫براءات اختراع ملفهوم ميكن مبوجبه‬ ‫للهوائيات املعتمِ دة على غاز الپالزما‬ ‫إرسال واستقبال اإلشارات حني‬ ‫انقطاع واحدة أو أكثر من وصالت‬ ‫االتصاالت التقليدية‪ .‬ومن حيث املبدأ‪،‬‬ ‫ميكن لشحنات متفجرة أن تُطلق نفثات‬ ‫من الپالزما عاليا في اجلو‪ ،‬وحينئذ‬ ‫ميكن لغيمة الغاز املتأيِّن الناجتة أن‬ ‫تَنشر بقوة إشارات كهرمغنطيسية من‬ ‫جهاز راديوي خاص‪.‬‬ ‫(٭ ٭)‬

‫(٭) ‪AERIAL STEALTH‬‬ ‫(٭٭) ‪Signal Clouds‬‬

‫(‪ )1‬منظوم� � ��ة الدف� � ��اع البحري� � ��ة األمريكية‬ ‫املضادة للصواريخ الباليس� � ��تية‪ ،‬وهي‬ ‫آخر خط دفاعي يعمل في الطور األخير‬ ‫املهاجم قبل عودته‬ ‫ِ‬ ‫من رحلة الصاروخ‬ ‫إلى الغالف اجلوي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أي يج� � ��ب أن متس� � ��ح اجل� � ��و أفقي� � ��ا‬ ‫(التحرير)‬ ‫وعموديا‪.‬‬


‫اسألوا أهل اخلبرة‬

‫كـيـف يعثر خـفـ ُر الـسواحلِ على الـمفـقوديـن في الـبحـر؟‬

‫(٭)‬

‫مـروحية خـفـر السواحل وهي في غمرة بحثها‪.‬‬

‫<‪ .A .A‬آلـن>‬

‫يجيب عن هذا السؤال‬ ‫الذي طـرحه >‪ .A‬هادهازي>‬

‫(‪)1‬‬

‫نبدأ أوال باس� � ��تجواب الـ ُمـبـ ِّلـغني عـن الـمش� � ��كلة‪ .‬ونحاول‬ ‫معرف� � ��ة مكان وزمان وق� � ��وع ركاب الزورق في مصاعب‪ .‬متى‬ ‫غادروا الـمين� � ��اء وإلى أين كانوا ين� � ��وون الذهاب‪ ،‬وفيما عدا‬ ‫ذلك أي� � ��ن مـن الـممك� � ��ن أن يتوجهوا ‪ -‬أي ه� � ��ل كانت لديهم‬ ‫خطة بديل� � ��ة‪ .‬ونـريد أيضا معـرفة نوع الـ� � ��زورق الذي أخذوه‬ ‫وم� � ��ا هي ُع َّدة اإلنقاذ التي معهم‪ .‬وبـعب� � ��ارة مخـتصـرة‪ ،‬نـريـد‬ ‫حتديد جميع السيناريوهات الـممكنة حول احلادث كي نكـ ِّون‬ ‫ألنفسنا صورة عما علينا أن نبحث عنه‪.‬‬ ‫بعدئ� � � ٍ�ذ‪ ،‬نـش � � �ـرع اعتمادا عل� � ��ى هذه املعلوم� � ��ات في بناء‬ ‫اس � � �تـراتيجية البحث مبس� � ��اعدة بـرنامج حاس� � ��وبي لتخطيط‬ ‫البحث اسمه «منظومة التخطيط األمثل للبحث واإلنقاذ‪ ».‬وهو‬

‫بـرنامج يـرمـز إليه اختص� � ��ارا باحلروف )‪ (SAROPS‬ويعمل‬ ‫على محاكاة مس� � ��ارات مخـتلف أنواع األشياء وهي تـنجـرف‬ ‫بتيار الـمياه‪ .‬إن هذا البرنامج مبني على ُأس� � ��س مونتي كارلو‬ ‫اإلحصائي� � ��ة التي حتاكي وحدات تس� � ��مى جس� � ��يمات‪ .‬متثل‬ ‫بعض اجلس� � ��يمات أش� � ��خاصا في البحـر‪ ،‬ومتث� � ��ل ا ُألخـرى‬ ‫الـ� � ��زورق‪ .‬ميك� � ��ن أن تبدأ جميع اجلس� � ��يمات باالجنراف عند‬ ‫مختلف األوقات وفي مختلف األمكنة‪ .‬ونس� � ��تطيع باالستعانة‬ ‫بـالبرنام� � � ِ�ج ‪ SAROPS‬وض� � ��ع أكثـر مـ� � ��ن ‪ 10 000‬تخمني حول‬ ‫م� � ��كان وقوع ركاب الزورق ف� � ��ي الـمصاعب ومتى وأيـن ميكن‬ ‫أن يك� � ��ون األمـر انتهى بهم‪ .‬ويق� � ��وم البـرنامج بتـقيـيم مختلف‬ ‫الس� � ��يناريوهات ويشيـر إلى أي مـنها أكثـر تـرجيحا‪ .‬وبطبـيعة‬ ‫(‪)2‬‬

‫( ) ?‪How does the Coast Guard find people lost at sea‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪ Artur A. Allen‬فيزيائي في علوم احمليطات‪ ،‬ويعمل لدى مكتب خفـر سواحل‬ ‫الواليات املتحدة األمـريكية للبحث واإلنـقاذ في واشنطـن العاصمة‪.‬‬

‫(‪the Search and Rescue Optimal Planning System )2‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬

‫‪97‬‬


‫احلال‪ ,‬يـبقى هنالك باستمـرار مجال للشك‪.‬‬ ‫ولغـرض البدء باتخاذ تدابـيـر البحث بالبرنامج ‪SAROPS‬‬ ‫نختار مـن قائمة أش� � ��ياء سبق أن مُنْذِ َج ْت بوسائل رياضياتية‬ ‫ُس � � � َر ُع اجنرافها حت� � ��ت مختل� � ��ف الظـ� � ��روف‪ .‬وتـتوافـر لدينا‬ ‫معلومات عـن الصفات الـمميـزة الجنراف كثيـر مـن األش� � ��ياء‪:‬‬ ‫مـن البش � � �ـر إلى بـراميل نفط ذات سعة ‪ 55‬گالون وإلى شتى‬ ‫أنواع الـمـراكب مثل قوارب اإلنقاذ املطاطية والكياك البحـري‬ ‫‪ sea kayaks‬والـمراك� � ��ب الش � � �ـراعية واإلس���كف ‪ skiffs‬ورم���ث‬ ‫الالجئني ‪ .refugee rafts‬وعلى س� � ��بيل الـمثال‪ ،‬علمنا في حالة‬ ‫حديثـة أن األش� � ��خاص الـمفـقودين قد انطلقوا بقارب رياضة‬ ‫ذي مـركز للراديو‪ ،‬فأدخلنا ذلك اخليار في النموذج‪.‬‬ ‫ويأخذ البرنام� � ��ج ‪ SAROPS‬باالعتبار تأثيـرات الـريح على‬ ‫مختل� � ��ف التيارات ف� � ��ي الـمحيط‪ .‬لـنضـرب مث� �ل��ا‪ :‬أنا جالس‬ ‫في مكتبي عند الساعة العاش � � �ـرة والنصف صباحا و ُأخطط‬ ‫للطيـران بـمـروحية (هيليكوپتر) مـن الساعة الثانية عشـرة إلى‬ ‫الثالث� � ��ة بعد الظهـر وأحتاج إلى معـرف� � ��ة أمناط الـرياح خالل‬ ‫ط� � ��وال الفتـ� � ��رة منذ وقوع احل� � ��ادث وإلى بعد الظهـ� � ��ر للتـنبؤ‬ ‫بالـمكان الـممكـن أن يكون الناجون قد اجنـرفوا إليه أثناء هذه‬ ‫الفتـرة‪ .‬وكي نعالج أمثال تلك األمور الـمطلوبة‪ ،‬طـ َ َّورنا جهازا‬ ‫ف َّعاال يس� � ��مى « ُمخ ِّدم البيانات البـيئية» ال� � ��ذي ُي َغ ّذى بـِبـيانات‬ ‫ُم َح َّدث� � ��ة مـرات عدة يوميا عـ� � ��ن الـرياح والتيارات مـن مصادر‬ ‫متـنوع� � ��ة مـنه� � ��ا اإلدارة الـمحيطية واجلوي� � ��ة الوطنية والقوة‬ ‫البحـري� � ��ة األمـريكية ومصادر أكادميي� � ��ة‪ .‬ويعمل املخ ِّدم على‬ ‫تـرجم� � ��ة جميع تلك البـيانات إلى صيغ� � ��ة عامة بحيث ميكـنـنا‬ ‫إدخال املعلومات في البرنامج ‪.SAROPS‬‬ ‫ُ‬ ‫أفضل تقديراتنا حول مكان احتمال وجود‬ ‫وعندما تكون‬ ‫الـمنكوبـيـ� � ��ن حتت تصـرفنا نقوم عاد ًة بنش � � �ـر مـروحيات مـن‬ ‫نوع ‪ C-130‬وزوارق تس� � ��مى قاطعات وزوارق جناة مبحركات‬ ‫في محاولة إليجادهم‪ .‬نعرف احتمال الكش� � ��ف لكل نوع مـن‬ ‫اتبعت مس� � ��ارا ُم َعـ ًّيـنا‪ .‬وندخل في‬ ‫الطائـرات والـ� � ��زوارق إذا‬ ‫ْ‬ ‫حساباتنا النتائج الـمتـرتبة لتـنبؤاتنا؛ ألن أمواج البحـر الـمزبدة‬ ‫تخـفض مـن مدى الـرؤية‪ .‬فس� � ��طح الـمحيط مكان عسيـر جدا‬ ‫إليجاد ش� � ��خص‪ .‬وعلى الرغم مـن إجـرائنا البحث في منطقة‬ ‫شاسعة الـمساحة تبلغ عددا كبـيـرا جدا مـن األميال املـربعة‪،‬‬ ‫فإن الـمحيط واسع جدا جدا ونحـن صغار جدا‪ .‬ولعل بحثـنا‬ ‫يش� � ��به التـفـتي� � ��ش عـن كـرة قدم (رأس إنس� � ��ان فوق املاء) في‬ ‫منطقة مساحتها بقدر والية كونيكـتـيكت األمـريكية‪.‬‬ ‫وإذا حدد البحث واملنقذون مكان أحد ما‪ ،‬فإننا عندئذ نعمد‬ ‫إلى سؤال الشخص‪ ،‬عندما يكون ذلك ممكنا‪ ،‬ونعود أدراجنا إلى‬ ‫بداية الس� � ��يناريوهات لنعدلها وفقا ألقواله‪ .‬وفي جميع األحوال‪،‬‬ ‫‪98‬‬

‫زماالت علمية تقدمها‬

‫�أكادميية العلوم للعامل النامي (‪)TWAS‬‬

‫( )‬

‫‪TWAS Fellowships: 2010 Call for Applications‬‬ ‫‪Postgraduate, postdocloral, visiting,‬‬ ‫‪scholar and advanced research‬‬ ‫<‬

‫<‬

‫<‬

‫تُستضاف هذه الزماالت في مراكز التميز في مختلف بلدان اجلنوب‬ ‫ومنها‪ :‬البرازيل‪ ،‬الصني‪ ،‬الهند‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬املكسيك‪ ،‬تايالند‪... ،‬‬ ‫وتشمل احلقول العلمية التالية‪ :‬الزراعة‪ ،‬العلوم البيولوجية‪،‬‬ ‫علوم الطب والصحة‪ ،‬الكيمياء‪ ،‬الهندسة‪ ،‬الفلك‪ ،‬علوم الفضاء‬ ‫واألرض‪ ،‬الرياضيات والفيزياء‪.‬‬ ‫وهذه الزماالت متاحة للعلميني العاملني في البلدان النامية‬ ‫والراغبني في تعزيز قدراتهم العلمية بالدراسة والبحث العلمي‪.‬‬ ‫وملزيد من املعلومات‪ ،‬يرجى زيارة املوقع‪:‬‬

‫‪www.twas.org > Programmes > Exchange‬‬ ‫‪(*) The Academy of Sciences for the Developing World‬‬ ‫)‪ICTP Campus, TRIESTE (Italy‬‬ ‫‪http://www.twas.org/‬‬ ‫‪Email: fellowships@twas.org‬‬

‫فإننا ن َُحدِّثُ باستمرار مناذجنا وجنعل طرق بحثنا أمثل ما تكون‬ ‫آخذين باالعتبار الزمن الذي م ّر وتغير الظروف‪.‬‬ ‫وهنال� � ��ك جانب آخـر للعمليات الـمتعلقـة بـبحثـنا وبأس� � ��اليب‬ ‫منوذج حلساب‬ ‫اإلنـقاذ يـرتبط بنماذج ال ُبقيا‪ .‬ومـن أمثال ما لدينا‬ ‫ٌ‬ ‫درجة احلـرارة احملتملة لش� � ��خص وهو ف� � ��ي ماء بارد مع األخذ‬ ‫باالعتبار ما ُفـقِ د مـن حـرارة إلى الـماء وما تولد مـن حـرارة بسبب‬ ‫االرجتاف‪ .‬هذا موقف يس � � �تـفيد منه اإلنسان ذو اجلسم الكبـيـر‬ ‫أو الـممتـلئ أو ذو العضالت‪ .‬كما ميكن أن يتـفاقم َوهَنُ الناس‬ ‫بالتيـبس بس� � ��بب فـقدانهم الـماء‪ .‬إضافة إل� � ��ى فقدان احلـرارة‪،‬‬ ‫يفقد الضحي ُة الـما َء باالستـقالب والتـنـفس والتعـرق وهي حاالت‬ ‫حتص� � ��ل غالبا في الـمياه الدافــئــ� � ��ة‪ .‬وهنــالـــك تهديــدات ُأخـرى‬ ‫للحياة ال تـتوافـر لدينا مناذج لها حتى اآلن تـش� � ��مل مِ ْن بـيـن ما‬ ‫تـشمل التعرض لالفـتـراس ونـفاد الطعام‪.‬‬ ‫مناذجن� � ��ا أن األمل في بقاء الضحايا على قيد‬ ‫وإذا أنبأتنا‬ ‫ُ‬ ‫احلي� � ��اة قد ُفـقِ ـد مـن الناحية الواقعية‪ ،‬فـرمبا ندعو إلى التوقـف‬ ‫عـن البحث حتى ولو كانت الظروف اجلوية تسمح لنا باالستمـرار‬ ‫فيه‪ .‬وعلى الـرغم مـن تــقاناتنا وأفضل جهودنا‪ ،‬فَمِ ْن الـمؤسف‬ ‫أنه ال ميكـن إيجاد جميع َمـ ْن ُفقِ دوا في البحـر‪.‬‬ ‫هل لديك سؤال؟‪ ...‬ابعث به إلى العنوان التالي‪:‬‬ ‫‪experts@SciAm.com‬‬

‫أو قم بزيارة املوقع‪:‬‬

‫‪www.ScientificAmerican.com/asktheexperts‬‬

‫‪(2010) 6/5‬‬


May / June - 2010

4

Volume 26

Number 5/6

PHYSICS

Adventures in Curved Spacetime By Eduardo Guéron

The possibility of «swimming» and «gliding» in curved, empty space shows that, even after nine decades, Einstein′s theory of general relativity continues to amaze.

14

INFORMATION TECHNOLOGY

Real Money from Virtual Worlds By Richard Heeks

Online fantasy games enable developing world entrepreneurs to make a living by trading stashes of make-believe gold for hard cash.

22

EVOLUTION

The Evolution of Primate Color Vision By Gerald H. Jacobs - Jeremy Nathans

Analyses of primate visual pigments show that our color vision evolved in an unusual way and that the brain is more adaptable than generally thought.

32

MEDICINE

Boosting Vaccine Power

By Nathalie Garçon - Michel Goldman

Modern insights into the immune system have revived interest in a set of ingredients that can supercharge old vaccines and make entirely new ones possible.

42

ENVIRONMENT

Local Nuclear War, Global Suffering By Alan Robock - Owen Brian Toon

A nuclear war between India and Pakistan could cool the globe and starve much of the human race.


52

TECHNOLOGY

The Rise of Instant Wireless Networks By Michelle Effros - Andrea Goldsmith - Muriel Médard

Wireless networks that form on the fly bring communications to the most foreboding environments.

58

ENVIRONMENT

Could Food Shortages Bring Down Civilization? By Lester R. Brown

The biggest threat to global stability is the potential for food crises in poor countries to cause government collapse. Those crises are brought on by ever worsening environmental degradation.

68

EDITOR IN CHIEF: Mariette DiChristina MANAGING EDITOR: Ricki L. Rusting CHIEF NEWS EDITOR: Philip M. Yam SEnIor writeR: Gary Stix EDITORS: Davide Castelvecchi, Graham P. Collins, Mark Fischetti, Steve Mirsky, Michael Moyer, George Musser, Christine Soares, Kate Wong

CONTRIBUTING EDITORS: Mark Alpert, Steven Ashley, Stuart F. Brown, W. Wayt Gibbs, Marguerite Holloway, Christie Nicholson, Michelle Press, John Rennie, Michael Shermer, Sarah Simpson ASSOCIATE EDITORS, ONLINE: David Biello, Larry Greenemeier news Reporter, ONLINE: John Matson ART DIRECTOR, online: Ryan Reid

MEDICINE

The Double Life of ATP

By Baljit S. Khakh - Geoffrey Burnstock

Famous as an essential energy source inside cells, the molecule ATP also carries critical messages throughout the body. That dual role suggests fresh ideas for fighting diseases.

78

MEDICINE

The Art of Bacterial Warfare By B. Brett Finlay

New research reveals how bacteria hijack our body′s cells and outwit our immune system–and how we can use their own weapons against them.

88

MEDICINE

Toxic Gas, Lifesaver By Rui Wang

Though lethal, hydrogen sulfide turns out to play key roles in the body–a finding that could lead to new treatments for heart attack victims and others.

96 News Scan

Plasma antennas disappear when shut off.

97 Ask the Experts

How does the Coast Guard find people lost at sea?

ADVISORY BOARD

Ali A. Al-Shamlan (Chairman)

Abdullah S. Al-Fuhaid (Deputy)

Adnan Hamoui (Editor - In Chief)

ART DIRECTOR: Edward Bell ASSISTANT ART DIRECTOR: Jen Christiansen PHOTOGRAPHY EDITOR: Monica Bradley COPY DIRECTOR: Maria-Christina Keller Editorial Administrator: Avonelle Wing SENIOR SECRETARY: Maya Harty COPY and PRODUCTION, nature publishing group: Senior COPY editor, npg: Daniel C. Schlenoff COPY editor, npg: Michael Battaglia editorial assistant, npg: Ann Chin managing pRODUCTION EDITOR, npg:  Richard Hunt senior pRODUCTION EDITOR, npg: Michelle Wright PRODUCTION MANAGER: Christina Hippeli ADVERTISING PRODUCTION MANAGER:  Carl Cherebin PREPRESS AND QUALITY MANAGER:  Silvia De Santis CUSTOM PUBLISHING MANAGER:  Madelyn Keyes-Milch pRESIDENT: Steven Inchcoombe VICE PRESIDENT, operations and Administration: Frances Newburg Vice president, finance and BUSINESS DEVELOPMENT: Michael Florek BUSINESS MANAGER: Marie Maher

Letters to the Editor Scientific American 75 Varick Street, 9th Floor, New York, NY 10013-1917 or editors@SciAm.com

Letters may be edited for length and clarity. We regret that we cannot answer each one. Post a comment on any article instantly at

www.ScientificAmerican.com/ sciammag


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.