Shura

Page 1

‫شورى الفقهاء‬

‫شورى الفقهاء‬

‫دراسة أصولية ‪ -‬فقهية‬ ‫الجزء األول‬

‫‪1‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬ ‫احلمد هلل رب العاملني * الرمحن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نبعد وإياك نستعني * إهدنا‬ ‫الصراط املستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غري املغضوب عليهم وال الضالني‬

‫‪2‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫اإلهداء‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫إليك يا حجة اهلل ودليل إرادته وتايل كتاب اهلل وترمجانه وبقية اهلل يف أرضه‪.‬‬ ‫إليك يا ويل املؤمنني وبوار الكافرين وجملي الظلمة ومنري احلق والناطق باحلكمة والصدق‪.‬‬ ‫إليك يا نظام الدين ويعسوب املتقني وعز املوحدين‪.‬‬ ‫إليك يا مهدي األمم وجامع الكلم وخلف السلف وصاحب الشرف وحجة املعبود وكلمة‬ ‫احملمود‪.‬‬ ‫إليك يا وارث األنبياء وخامت األوصياء ومعز األولياء ومذل األعداء‪.‬‬ ‫إليك يا صاحب الزمان وشريك القرآن وإمام اإلنس واجلان‪.‬‬ ‫إليك يا سيدي أهدي هذا اجملهود املتواضع الذي حتدثت فيه عن وكالئك مراجع التقليد وكلي‬ ‫أمل ورجاء يف ان تتقبله بقبول حسن وتشفع يل يوم احلشر عجل اهلل تعاىل فرجك وسهل خمرجك‬ ‫وجعلنا من أنصارك وأعوانك‪.‬‬ ‫العبد‬ ‫مرتضى بن حممد الشريازي‬ ‫قم املقدسة‬

‫‪3‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫المقدمة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على حممد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم أمجعني‪.‬‬ ‫قال اهلل تعاىل يف حمكم كتابه الكرمي‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين ال يَ ْعلَ ُمو َن إِنَّما يَتَ َذ َّكر أُولُوا األَل ِ‬ ‫ْباب‪.‬‬ ‫ين يَ ْعلَ ُمو َن َوالذ َ‬ ‫‪ ...‬قُ ْل َه ْل يَ ْستَ ِوي الذ َ‬ ‫ُ‬ ‫وقال جل وعال‪:‬‬

‫‪ ...‬ي رفَ ِع اهلل الَّ ِذين آمنُوا ِم ْن ُكم والَّ ِذين أُوتُوا الْ ِعلْم َدر ٍ‬ ‫جات‪....‬‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ َ‬ ‫وقال سبحانه‪:‬‬ ‫‪3‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫آيات ب يِّ ٌ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْم‪....‬‬ ‫نات في ُ‬ ‫‪ ‬بَ ْل ُه َو ٌ َ‬ ‫ص ُدوِر الذ َ‬ ‫ين أُوتُوا الْعل َ‬

‫‪2‬‬

‫وقال عز امسه‪:‬‬ ‫‪4‬‬ ‫شى اهلل ِمن ِع ِ‬ ‫بادهِ الْعُلَماءُ‪....‬‬ ‫‪ ...‬إِنَّما يَ ْخ َ َ ْ‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪ ...‬فَ ْسئَ لُوا أ َْهل ِّ‬ ‫الذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُمو َن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لقد بني اهلل سبحانه وتعاىل يف اآلية الكرمية األوىل أن العلماء ال يستوون مع غريهم ويف اآلية‬ ‫الكرمية الثانية أن املؤمنني والعلماء أرفع من غريهم بدرجات‪ 6.‬ويف اآلية الكرمية الثالثة‪ :‬أن اآليات‬ ‫الربانية اليت يتمضنها الكتاب احلكيم واليت هي عالمات على السنن اإلهلية‪ ،‬ودالالت قاطعة على‬ ‫احلقائق الكونية إمنا هي آيات وعالمات بينات يف صدور الذين أوتوا العلم فهم العاملون حبقائق‬

‫‪ 1‬الزمر‪.9 :‬‬

‫‪ 2‬المجادلة‪.11 :‬‬

‫‪ 3‬العنكبوت‪.49 :‬‬ ‫‪ 4‬فاطر‪.28 :‬‬

‫‪ 5‬األنبياء‪.7 :‬‬

‫‪ 6‬من المحتمل أن يكون المراد من الدرجات‪ ،‬نوعيات مختلفة وماهيات متعددة من الكماالت يمتااز بااا العلمااء علار مياره‬ ‫ويحتمل أن يكون المراد ‪ -‬كما قد يكون هو األظار ‪ -‬درجات طولية من حقيقة نوعية تشكيكية واحدة‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫األشياء كما هي ال غري‪ ،‬ويف اآلية الكرمية الرابعة‪ :‬أن العلماء ‪ -‬واملراد العلم احلقيقي ‪ -‬هم الذين‬ ‫يتحلون بصفة التقوى واخلشية من اهلل سبحانه وتعاىل ويف اآلية الكرمية اخلامسة وما شاهبها‪ 1‬أن‬ ‫مراجع األمة يف معرفة احلقائق التكوينية والتشريعية ينبغي أن يكونوا (أهل الذكر) و(املتفقهني يف‬ ‫الدين)‪.‬‬ ‫وإذا رجعنا إىل األحاديث الشريفة جند جمموعة كبرية جداً منها تتحدث عن فضل العلماء وعن‬ ‫كوهنم ورثة األنبياء وخلفاء الرسول صلى اهلل عليه وآله بعد األئمة االثين عشر عليهم السالم‪ ،‬كما‬ ‫نشاهد جمموعة أيضاً تتكلم عن أصناف العلماء وترشد األمة إىل املقاييس الدالة على أنواعهم‪،‬‬ ‫كما سنعثر على روايات مستفيضة بل متواترة ‪ -‬ولو تواتراً إمجالياً ‪ -‬تتطرق إىل دور الفقهاء‬ ‫الرئيسي يف قيادة األمة وتوجيهها‪.‬‬ ‫ومن املفيد أن نذكر هنا بعض الروايات الشريفة من الطوائف الثالث السابقة‪:‬‬ ‫فعن النيب األعظم صلى اهلل عليه وآله‪:‬‬ ‫(ساعة من عالم يتكئ على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاما)‪.‬‬ ‫وعن اإلمام السجاد أو اإلمام الباقر عليهما السالم‪:‬‬ ‫(متفقه في الدين أشد على الشيطان من عبادة ألف عابد)‪.‬‬ ‫وعن أمري املؤمنني عليه السالم‪:‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫(فإن العالم أعظم أجرا من الصائم القائم المجاهد في سبيل اهلل‪ ،‬فإذا مات العالم ثلم في‬

‫خلف منه‪ ،‬وطالب العلم يستغفر له المالئكة ويدعو له من في‬ ‫اإلسالم ثلمة ال يسدها إال ٌ‬ ‫‪4‬‬ ‫السماء واألرض)‪.‬‬ ‫وعنه عليه السالم خماطباً ولده حممد‪:‬‬ ‫(تفقه في الدين فإن الفقهاء ورثة األنبياء)‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ 1‬كآية النفر وميرها‪.‬‬

‫‪ 2‬روضة الواعظين ‪-‬نقله عنه كتاب عاوال العلاو والمعاارا واألحاوال مان اوياات واألخباار واألقاوال‪ ،‬كتااب العقال‪ -‬العلا ‪،‬‬ ‫المجلد الثاني‪ ،‬ص‪.166‬‬

‫‪ 3‬المصدر نقالً عن بصائر الدرجات‪.‬‬

‫‪ 4‬المصدر ص‪ 177‬نقالً عن إرشاد المفيد‪ ،‬وص‪ 178‬عن بصائر الدرجات والمحاسن ونظيره‪.‬‬ ‫‪ 5‬المصدر ص‪ 171‬عن موالي اللئالي‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪:‬‬ ‫(رحم اهلل خلفائي قيل ومن خلفائك يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬الذين يأتون بعدي يروون سنتي‬ ‫‪1‬‬

‫ويحفظون حديثي على أمتي أولئك رفقائي في الجنة)‪.‬‬ ‫وعن علي بن احلسني عليهما السالم أنه إذا جاءه طالب علم قال‪:‬‬ ‫(مرحبا بوصية رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله)‪.‬‬ ‫وعنه صلى اهلل عليه وآله‪:‬‬

‫‪2‬‬

‫(الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا‪ ،‬قيل يا رسول اهلل وما دخولهم في الدنيا؟‬ ‫قال‪ :‬اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فأحذروهم على دينكم)‪.‬‬ ‫وعن علي عليه السالم‪:‬‬

‫‪3‬‬

‫(إياكم والجهال من المتعبدين والفجار من العلماء‪ ،‬فإنهم فتنة كل مفتون)‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وعنه عليه السالم‪:‬‬

‫(والعلماء عالمان‪ :‬عالم عمل بعلمه فهو ناج‪ ،‬وعالم تارك لعلمه فقد هلك وإن أهل النار‬

‫ليتأذون من نتن ريح العالم التارك لعلمه)‪.‬‬ ‫وعن النيب صلى اهلل عليه وآله‪:‬‬

‫‪5‬‬

‫(‪ ...‬ورجل أتاه اهلل علما فبخل به على عباد اهلل وأخذ عليه طمعا واشترى به ثمنا قليال‬

‫فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من النار‪.)...‬‬ ‫وعن علي عليه السالم‪:‬‬

‫‪6‬‬

‫(الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة اهلل ولم يؤيسهم من روح اهلل ولم يؤمنهم‬

‫مكر اهلل)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ 1‬المصادر ص‪ 173‬عاان ماوالي اللئااالي ونظياره عان منيااة المرياد وجااامل األخبااار وأماالي الصاادوي ومعااني األخبااار وعيااون‬ ‫أخبار الرضا عليه السال ‪.‬‬

‫‪ 2‬المصدر ص‪ 175‬عن الخصال‪.‬‬

‫‪ 3‬المصدر ص‪ 173‬عن موالي اللئالي ونظيره عن نوادر الرواندي‪.‬‬ ‫‪ 4‬المصدر ص‪ 232‬عن قرب اإلسناد‪.‬‬

‫‪ 5‬المصدر ص‪ 349‬عن كتاب سلي بن قيس الااللي‪.‬‬ ‫‪ 6‬المصدر ص‪ 248‬عن روضة الواعظين وميرها‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وعن اإلمام الصادق عليه السالم‪:‬‬ ‫(الملوك حكام على الناس والعلماء حكماء على الملوك)‪.‬‬ ‫وعن أمري املؤمنني عليه السالم يف فضل العلم‪:‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫(‪ ...‬يرفع اهلل به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم)‪.‬‬ ‫وعن اإلمام الرضا عن آبائه عن أمري املؤمنني عليهم أفضل الصالة والسالم يف فضل العلم‪:‬‬

‫(‪ ...‬يرفع اهلل به أقواما فيجعلهم في الخير قادة تقتبس آثارهم ويهتدى بفعالهم وينتهى‬ ‫‪4‬‬

‫إلى رأيهم)‪.‬‬ ‫وعن علي عليه السالم قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪:‬‬ ‫(المتقون سادة والفقهاء قادة والجلوس إليهم عبادة)‪.‬‬ ‫وعن النيب صلى اهلل عليه وآله‪:‬‬

‫‪5‬‬

‫(إذا ظهرت البدعة في أمتي فليظهر العالم علمه‪ ،‬فإن لم يفعل فعليه لعنة اهلل)‪.‬‬ ‫وعنه صلى اهلل عليه وآله‪:‬‬

‫‪6‬‬

‫(ال تجلسوا عند كل عالم يدعوكم إال عالم يدعوكم من الخمس إلى الخمس‪ :‬من الشك‬

‫إلى اليقين‪ ،‬ومن الكبر إلى التواضع‪ ،‬ومن الرياء إلى اإلخالص‪ ،‬ومن العداوة إلى النصيحة‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫ومن الرغبة إلى الزهد)‪.‬‬ ‫وعندما نتصفح كتب الروايات جند املئات من الروايات الشريفة األخرى اليت تتحدث عن‬ ‫العلماء ودورهم يف تاريخ األمم وحياة البشرية وتركز على ضرورة التقييم الدقيق للفقهاء وحماولة‬ ‫استكشاف خصائصهم وصفاهتم باعتبارهم القادة الذين تستقيم األمة باستقامتهم وتنحرف‬ ‫باحنرافهم‪.‬‬ ‫‪ 1‬المصدر ص‪ 374‬عن ناج البالمة‪.‬‬ ‫‪ 2‬المصدر عن كنزل الكراجكي‪.‬‬

‫‪ 3‬المصدر ص‪ 190‬عن أمالي الصدوي‪.‬‬ ‫‪ 4‬المصدر عن أمالي الطوسي‪.‬‬

‫‪ 5‬المصدر ص‪ 227‬عن أمالي الطوسي‪.‬‬ ‫‪ 6‬المصدر ص‪ 299‬نقالً عن المحاسن‪.‬‬

‫‪ 7‬المصدر ص‪ 356-355‬عن االختصاص‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ومن هنا كان من الالزم عقد دراسات فقهية وأصولية مفصلة ومستوعبة لتلك اآليات الكرمية‬ ‫والروايات الشريفة الستكشاف ذلك والستكشاف نوعية العالقة اليت ينبغي أن تكون بني العلماء‬ ‫واالمة ومسئولية العلماء جتاه االمة واألمة جتاه العلماء وكذلك نوعية العالقة بني العلماء بعضهم‬ ‫مع بعض على ضوء ما يستفاد من الكتاب احلكيم والسنة الشريفة واحلجة الباطنة‪.‬‬ ‫وهذا الكتاب حماولة بدائية متواضعة لتسليط بعض األضواء على جانب من العالقة بني مراجع‬ ‫التقليد حفظهم اهلل تعاىل بعضهم مع بعض حسب املستفاد من األدلة وعلى جانب خمتصر جداً‬ ‫من العالقة بني مراجع التقليد حفظهم اهلل واألمة كذلك‪.‬‬ ‫ولقد مت يف اجلزء األول منه البحث عن اآليتني الكرميتني ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر‪ ‬و ‪َ ‬وأ َْم ُرُه ْم‬

‫ُشورى بَ ْي نَ ُه ْم‪ ،‬وعن مدى داللتهما مع التطرق للعديد من اإلشكاالت اليت تورد على‬ ‫االستدالل هبما مع ما رمبا اجاب به عن اإلشكاالت‪.‬‬ ‫مث مت التطرق لبعض الروايات الشريفة اليت ميكن استظهار بعض املسائل األساسية منها مثل‬ ‫التوقيع املبارك املروي عن صاحب الزمان عجل اهلل تعاىل فرجه الشريف‪ ،‬وجمموعة من الروايات‬ ‫الشريفة االخلى‪ ،‬وأما سائر الروايات اليت ميكن التمسك هبا مثل‪( :‬فإني قد جعلته عليك‬

‫حاكما) وغري ذلك فاملرجو من املوىل العلي القدير أن يوفقنا للتحدث عنها يف اجمللد الثاين بإذنه‬ ‫تعاىل‪.‬‬ ‫وبعد ذلك مت الكالم عن ما حيكم به أو يدركه العقل يف املقام وأخرياً احلديث عن مسائل‬ ‫عديدة ترتبط بأصل الفكرة املطروحة يف الكتاب‪ ،‬أمثال‪ :‬وجوب اإلشارة وحرمة املنع ووجوب ردع‬ ‫املانع ووجوب طلبها‪ ...‬اخل والنسبة بني أدلة الشورى وأدلة التقليد وحكم ما لو مل ير بعض‬ ‫الفقهاء أو أكثرهم جواز تويل احلكم أو وجوب أو جواز كون ذلك بالشورى وحكم تعارض رأي‬ ‫أكثرية شورى الفقهاء مع أكثرية األمة وكن القضاء سلطة مستقلة أم ال إىل غري ذلكن وبقيت‬ ‫مسائل عديدة أخرى كما بقيت ملحقات كثرية مبا ذكر سنتطرق هلا يف اجمللد بإذنه تعاىل‪.‬‬ ‫وليس ما ذكر يف الكتاب إال مقتضى الصناعة حسب النظر البدوي القاصر ‪ -‬وأما الفتوى‬ ‫فهي من شان مراجع التقليد أدام اهلل ظلهم على رؤوس املسلمني‪ ...‬وسأكون من الشاكرين‬ ‫للعلماء األعالم والفضالء الكرام أيدهم اهلل تعاىل فيما لو تفضلوا بذكر غرشاداهتم وجرحهم‬ ‫إيل‬ ‫إيل َمن أهدى ّ‬ ‫وتعديلهم ونقدهم ملا ورد يف الكتاب‪ ،‬فاملؤمن مرآة املؤمن‪ ،‬وأحب إخواين ّ‬ ‫‪8‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫عيويب‪ ،‬وستكون سبباً بإذنه تعاىل إلصالح اهلفوات وترميم الثغرات اليت تالزم عادة أية حماولة أوىل‬ ‫من نوعها يف حقل من احلقول الفقهية واألصولية كسائر احلقول الفكرية خاصة إذا كان الكاتب‬ ‫ال ميلك إال بضاعة مزجاة‪ ،‬وال بأس أخرياً باإلشارة إىل أن ما ذكر يف الكتاب من (فتأمل‪ ،‬وفيه‬ ‫تأمل‪ ،‬و‪ )...‬قد يكون مشرياً إىل وجود إشكال أو إشكاالت على ما ذكر وقد يكون مشرياً إىل‬ ‫نوع تردد يف املقام‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل أسئل أن اجعل هذا الكتاب مقدمة لدراسات أعمق وأمشل لكل ما يتعلق‬ ‫بالقيادة يف اإلسالم يف زمن غيبة اإلمام املنتظر عجل اهلل تعاىل فرجه الشريف‪ ،‬كما أسئله جل‬ ‫وعال أن اجعله مقدمة لتحقيق (شورى الفقهاء) ممن مجع شرائط النيابة العامة عنه عجل اهلل تعاىل‬ ‫فرجه وسهل خمرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه واملستشهدين بني يديه‪ ،‬واهلل املوفق املستعان‪.‬‬ ‫ولقد متت كتابة هذه املقدمة ‪ -‬بعد إكمال كتابة هذا اجلزء ‪ -‬يوم ميالد أمري املؤمنني موىل‬ ‫املوحدين علي بن أيب طالب عليه صلوات املصلني يف عصر ‪ 13‬رجب املرجب ‪ 1410‬للهجرة‪،‬‬ ‫واحلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على حممد وآل بيته الطاهرين‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الباب األول‬ ‫في االستدالل بالكتاب الحكیم والسنة المطهرة والعقل‬

‫‪10‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل األول‬ ‫في االستدالل باآلية الكريمة ‪َ ‬وشا ِو ْر ُه ْم فِي األَ ْم ِر‪ ‬مع التطرق للعديد من‬ ‫اإلشكاالت التي يمكن أن تورد وما يمكن أن يُقال في الجواب عنها‬

‫‪11‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬ ‫قال اهلل العظيم يف حمكم كتابه الكرمي‪:‬‬ ‫‪‬فَبِما رحم ٍة ِمن ِ‬ ‫ظ الْ َقل ِ‬ ‫ْب الَنْ َف ُّ‬ ‫ف‬ ‫ت فَظَّا غَلِي َ‬ ‫ك فَا ْع ُ‬ ‫ضوا ِم ْن َح ْولِ َ‬ ‫ت ل َُه ْم َول َْو ُك ْن َ‬ ‫اهلل لِْن َ‬ ‫ََْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َع ْن هم و ِ‬ ‫ت فَ تَ وَّكل َعلَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫اهلل إِ َّن اهللَ يُ ِح ُّ‬ ‫ُْ َ ْ‬ ‫استَ غْف ْر ل َُه ْم َوشا ِوْرُه ْم في األ َْم ِر فَإذا َع َزْم َ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪ .‬آل عمران‪.159 :‬‬ ‫ال ُْمتَ َوِّكل َ‬ ‫رمبا يستدل هبذه اآلية الكرمية على وجوب االستشارة يف الشؤون العامة وعلى غري ذلك‬ ‫وتفصيل احلديث عن ذلك يتم ضمن التطرق لإلشكاالت اليت أوردت أو ميكن أن تورد على‬ ‫االستدالل هبذه اآلية الكرمية‪ ،‬فنقول وباهلل نستعني‪:‬‬ ‫اإلشكال األول‬

‫رمبا يعرتض على االستدالل باآلية الكرمية على وجوب االستشارة ووجوب اتباع األكثرية‪ :‬بعدم‬ ‫عمل النيب صلى اهلل عليه وآله مببدأي االستشارة واالتباع مما يستكشف منه (بربهان اإل ّن) عدم‬ ‫وجوهبا عليه وإال ملا تركها يف أحيان كثرية فال مناص من ارتكاب التجوز حبمل األمر على‬ ‫االستحباب ألجل هذه القرينة املقامية لكون فعل املعصوم عليه السالم حجة فيصلح صارفاً لألمر‬ ‫عن معناه احلقيقي‪ ،‬وإذا مل يستفد من هذه اآلية وجوب الشورى على الرسول صلى اهلل عليه وآله‬ ‫مل يستفد منها ‪ -‬وبطريق أوىل ‪ -‬وجوهبا على اآلخرين لكون النيب صلى اهلل عليه وآله خماطباً هبا‬ ‫فإذا وجبت على اآلخرين دونه لزم خروج املورد وختصيصه وهو قبيح ال اجوز على احلكيم ارتكابه‪.‬‬ ‫واجلواب من وجوه عديدة‪:‬‬ ‫الجواب األول‬

‫الدليل قائم على عمل النيب صلى اهلل عليه وآله بالشورى وقد وردت بذلك روايات عديدة‪،‬‬ ‫وهذه الروايات وغريها مما سيأيت ميكن إثبات حجيتها بغثبات تواتر مضموهنا أو بإثبات تواترها‬ ‫اإلمجايل وإال فال تكون أكثر من روايات مستفيضة نقلها األصحاب فال تتعدى كوهنا مؤيدة ال‬ ‫دليالً إال أن الظاهر غمكان تصحيح اكثر الروايات اليت نقلناها يف هذا الباب‪ ،‬باعتبار ذكرها يف‬ ‫تفسري علي بن إبراهيم القمي‪ ،‬قال يف معجم رجال احلديث‪ :‬ولذا حنكم بوثاقة مجيع مشايخ علي‬ ‫بن إبراهيم الذين روى عنهم يف تفسريه مع انتهاء السند إىل أحد املعصومني عليهم الصالة‬ ‫‪12‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫والسالم فقد قال يف مقدمة تفسريه‪( :‬ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا من مشايخنا‬

‫وثقاتنا عن الذين فرض اهلل طاعتهم) فإن يف هذا الكالم داللة ظاهرة على أنه ال يروى يف كتابه‬ ‫هذا إال عن ثقة بل استفاد صاحب الوسائل يف الفائدة السادسة ‪ -‬يف كتابه يف ذكر شهادة مجع‬ ‫كثري من علمائنا بصحة الكتب املذكورة وأمثاهلا وتواترها وثبوهتا عن مؤلفيها وثبوت أحاديثها عن‬ ‫أهل بيت العصمة عليهم الصالة والسالم ‪ -‬إن كل من وقع يف أسناد روايات علي بن إبراهيم‬ ‫املنتهية إىل املعصومني عليهم الصالة والسالم قد شهد علي بن إبراهيم بوثاقته‪ ،‬قال (وقد شهد‬

‫علي بن إبراهيم أيضا بثبوت أحاديث تفسيره وأنها مروية عن الثقات عن األئمة عليهم‬

‫الصالة والسالم)‪.‬‬ ‫أقول‪ :‬إن ما استفاده قدس سره يف حمله فإن علي بن إبراهيم يريد مبا ذكره إثبات صحة تفسريه‬ ‫وأن رواياته ثابتة وصادرة عن املعصومني عليهم الصالة والسالم واهنا انتهت إليه بوساطة املشايخ‬ ‫والثقات من الشيعة وعلى ذلك فال موجب لتخصيص التوثيق مبشاخيه الذين يروي عنهم علي بن‬ ‫‪1‬‬ ‫إبراهيم بال واسطة كما زعمه بعضهم)‪.‬‬ ‫أقول‪ :‬الظاهر من عبارة علي بن إبراهيم أمران‪:‬‬

‫ألف‪ :‬إن كل ما ذكره وأخرب به يف كتابه قد انتهى إليه من مشاخيه الثقات‪ ،‬سواء ذكر سلسلة‬ ‫السند أم ال‪ ،‬ملكان االطالق إذ مل يقيد توثيق مشاخيه الذين روى عنهم باملذكور امسه يف كتاهبن‬ ‫ولذا قال البعض بأن مراسيله كالصحاح‪.‬‬ ‫ب‪ :‬إن اخباراته كلها تنتهي إىل املعصومني عليهم الصالة والسالم وقد استفاد ذك صاحب‬ ‫الوسائل أيضاً على ما يظهر من عباراته‪ ،‬اللهم إال أن يكون مراده باألحاديث املعىن االصطالحي‬

‫عرب قدس سره‪( :‬ذاكرون ومخبرون)‬ ‫ال اللغوي‪ ،‬وفيه أنه تقييد لعبارة القمي بدون جهة‪ ،‬إذ قد ّ‬ ‫كما استفاد ذلك السيد اخلوئي أيضاً على ما هو ظاهر بعض عباراته (وإن رواياته ثابتة وصادرة‬ ‫عن المعصومين عليهم الصالة والسالم) و (فإن في هذا الكالم داللة ظاهرة على أنه ال‬

‫يروي في كتابه هذا إال عن ثقة) وعلى هذا فال موجب لتخصيص التوثيق مبسانيده دون مراسيله‬ ‫مع ظهور عبارته يف توثيق الكل‪ ،‬هذا كربى‪.‬‬

‫‪ 1‬معج رجال الحديث‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.50-49‬‬

‫‪13‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وأما صغرى فروايات االستشارة املنقولة يف كتابه املذكور ههنا إن كانت من تتمة ما نقله بسنده‬ ‫كانت صحيحة بال إشكال‪ ،‬لكوهنا مسانيد قد ذكر مشاخيه فيها‪ ،‬وإن كانت كالماً مستقالً‬ ‫كانت مراسيل واحتجنا يف إثبات صحتها إىل هذه املقدمة اليت قدمناها‪.‬‬ ‫ولتحقيق حال الصغرى ال بأس بالتطرق إىل كل واحدة واحدة منها‪ :1‬فأما الرواية املذكورة يف‬ ‫ضمن تفسري سورة األنفال ص‪ 258‬من اجلزء األول‪ ،‬فقد ذكر يف أول السورة ص‪( 254‬فحدثني‬ ‫أبي عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اهلل‬

‫عليه السالم عن األنفال‪ ،‬فقال عليه السالم‪ ...‬وقال نزلت يوم بدر‪ )...‬فإن كان (وقال)‬

‫تكملة كالم أيب عبد اهلل عليه السالم وكذا (فإنها نزلت‪ )...‬وكذا (‪ ...‬فقال (كما أخرج)‪)...‬‬ ‫كانت الرواية مسندة والرواة موثقون توثيقاً خاصاً يف الكتب الرجالية وعاماً بتوثيق علي بن إبراهيم‬ ‫وإال كانت مرسلة واحتجنا إىل تلك املقدمة إلثبات حجيتها‪.‬‬ ‫وأما الرواية األخرى املذكورة ضمن تفسري سورة األحزاب ص‪ 177‬من اجلزء الثاين فاظاهر‬ ‫إرساهلا‪ ،‬وأما الرواية الثالثة وهي رواية (لما قتل صلى اهلل عليه وآله وسلم النضر بن حارث‪)..‬‬ ‫املذكورة يف ج‪ ،2‬ص‪ ،270‬فالكالم فيها هو الكالم يف األوىل‪.‬‬ ‫وأما الرواية الرابعة وهي املذكورة ضمن تفسري سورة آل عمران ج‪ ،1‬ص‪ ،126‬فكالثانية‪.‬‬ ‫وأما الرواية اخلامسة وهي املذكورة يف ج‪ ،1‬ص‪ ،126‬فكالثانية أيضاً واملذكورة يف ص‪270‬‬ ‫وهي كاألوىل‪ .‬والظاهر للمالحظ أن هذه الروايات كلها من تفسري علي بن إبراهيم وليست من‬ ‫روايات تلميذه أيب الفضل العباس بن حممد بن قاسم بن محزة بن اإلمام موسى الكاظم عليه‬ ‫السالم وميكن توضح ذلك أكثر مبراجعة (الذريعة إىل تصانيف الشيعة) اجلزء الرابع ص‪-304‬‬ ‫‪ 305‬ذيل احلديث عن تفسري القمي‪ ،‬حيث ذكر الضابط يف التفريق بني تفسري علي بن إبراهيم‬ ‫وبني ما نقله تلميذه‪ ،‬فلرياجع مع إشارته ص‪ 308‬إىل عدم قصور تفسري أيب اجلارود يف االعتبار‬ ‫عن تفسري علي بن إبراهيم هذا‪.‬‬ ‫ويمكن تصحيح هذه الروايات حىت مع قطع النظر عن مشول توثيق علي بن إبراهيم هلا‪ ،‬وكذا‬ ‫غريها إذ لنا أن نلتزم بصحة املراسيل يف القضايا التارخيية بل مطلقاً إن روى ذلك الثقة مع عدم‬

‫‪ 1‬سنذكر نصوص هذه الروايات مل بحثاا الداللي بعد تمامية هذا البحث السندي إن شاء اهلل تعالر‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إحراز كونه ممن يروى عن الضعفاء لبناء العقالء على ذلك‪ ،‬أال ترى كافة العقالء من كل األديان‬ ‫يف كل األزمان يستندون يف أكثر رواياهتم التارخيية إىل قول الثقة يف ذلك املوضوع مع كوهنا مراسيل‬ ‫عادة حبيث لو دعاهم داع إىل تركها وعدم االعتماد عليها ع ّدوه بعيداً عن الصواب خارجاً عن‬ ‫ديدن العقالء وسريهتم ويف خصوص املسلمني جند كثرة االعتماد من الشيعة والسنة على كتب‬ ‫التفسري والتاريخ يف بيان شأن نزول اآلية وتأويلها وقصص القرآن وكذا يف بيان حاالت املعصومني‬ ‫عليهم الصالة والسالم وقصصهم وحماجتهم وغري ذلك يرشد إىل ذلك الذهن العريف الفطري‬ ‫اخلايل عن تشكيكات بعض األصوليني والرجاليني‪ ،‬وخالصة القول أن بناء العقالء وسريهتم‬ ‫وارتكازهم على ذلك فتأمل‪.‬‬ ‫ولذلك قال يف تنقيح املقال‪( 1‬الرابعة‪ :‬قد نص الشهيد رمحه اهلل يف غاية املراد بأن مراسيل‬ ‫الثقات من األصحاب مقبولة معتمدة وأقول أراد بالثقات من وثقوه ومل ينصوا بأنه يروي عن‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ فتعتدل مجلة من املراسيل لعدم قصور هذه الشهادة من التوثيقات الرجالية فال‬ ‫الضعفاء‬ ‫تذهل) وسبب عدم القصور مع كون ذلك اجتهاداً من الشهيد رمحه اهلل رجوعه إىل بناء العقالء‬ ‫وشبهه وإال فليس حدس اجملتهد حجة لغريه‪ ،‬ولعل املتتبع يعثر على موارد عديدة اعتمد فيها‬ ‫الفقهاء واألصوليون على أقوال بعض املفسرين ومراسيلهم‪:‬‬ ‫منها ما ذكره يف الرسائل حيث قال‪( 2‬ويرد عليه أوال‪ :‬إن االستدالل إن كان بظاهر اآلية‬

‫فظاهرها بمقتضى السياق إرادة علماء أهل الكتاب كما عن ابن عباس ومجاهد والحسن‬

‫وقتادة) وميكن تأييد املدعى مبا نقله الشيخ قدس سره عن مجهور األصوليني بقوله يف الرسائل‬

‫‪3‬‬

‫(بل حكى هذا القول عن جمهور االصوليين معللين ذلك بان الغالب فيما يصدر من الشارع‬ ‫الحكم بما يحتاج إلى البيان وال يستغني عنه بحكم العقل) وذلك القول هو تقدمي الناقل على‬ ‫املقرر‪ ،‬ألقوائية الظن احلاصل من رواية الثقة الذي ال يروي عن الضعفاء عادة من الظن احلاصل‬ ‫هبذه الغلبة‪ ،‬فتأمل‪ ،‬هذا‪.‬‬

‫‪ 1‬تنقيح المقال‪ :‬الفائدة التاسعة من خاتمة الكتاب‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬ص‪.99‬‬ ‫‪ 2‬الرسائل للشيخ األنصاري قدس سره‪ :‬ص‪.82‬‬ ‫‪ 3‬المصدر ص‪.473‬‬

‫‪15‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وملن يرى حجية قول اللغوي دون اعتبار العدالة أن يلتزم حبجية ما ذكر هذا‪ .‬وسيأيت منّا إن‬ ‫شاء اهلل تعاىل يف اجلزء الثاين من هذا الكتاب حبث مفصل حول حجية ما ذكر مع التطرق إىل‬ ‫أدلة منكري ومثبيت حجية قول اللغوي أو الشهرة ونقضها وإبرامها باملقدار الذي ينفع يف حبثنا هذا‬ ‫فلينتظر واهلل املستعان‪.‬‬ ‫وسنذكر ههنا بعض الروايات الواردة حول عمله صلى اهلل عليه وآله بالشورى مما أشرنا إليه‬ ‫إمجاالً مع التطرق ملدى داللتها على املدعى‪:‬‬

‫الرواية األولى‪:‬‬ ‫ما ورد يف قصة بدر الكربى‪ :1‬بعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله عيناً له على العري امسه‬ ‫عدي‪ ،‬فلما قدم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله فأخربه أين فارق العري‪ ،‬نزل جربائيل على‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله فأخربه بنفري املشكرين من مكة فاستشار أصحابه يف طلب العري‬ ‫وحرب النفري‪ ،‬فقام أبو بكر فقال‪ :‬يا رسول اهلل إهنا قريش وخيالؤها ما آمنت منذ كفرت‪ ،‬وال‬ ‫عزت ومل خنرج على أهبة احلرب‪ ،‬ويف حديث أيب محزة‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬أنا عامل هبذا‬ ‫ذلت منذ ّ‬ ‫الطريق‪ ،‬فارق عدي العري بكذا وكذا‪ ،‬وساروا وسرنا فنحن والقوم على بدر يوم كذا وكذا‪ ،‬كأنا‬ ‫فرسان رهان‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وآله‪ :‬اجلس فجلس‪ ،‬مث قام عمر بن اخلطاب فقال مثل ذلك‬ ‫فقال‪ :‬اجلس‪ ،‬مث قام املقداد فقال‪ :‬يا رسول اهلل إهنا قريش وخيالؤها وقد آمنا بك وصدقنا أن ما‬ ‫جئت به حق‪ ،‬واهلل لو أمرتنا أن خنوض مجر الغضا وشوك اهلراس خلضناه معك‪ ،‬واهلل ال نقول لك‬ ‫ما قالت بنو إسرائيل ملوسى عليه السالم‪( :‬إذهب أنت وربك فقاتال إنا ههنا قاعدون) ولكنا‬ ‫نقول‪( :‬امض ألمر ربك فإنا معك مقاتلون) فجزاه رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله خرياً على قوله‬ ‫علي أيها الناس‪ ،‬وإمنا يريد األنصار‪ ،‬ألن أكثر الناس منهم وألهنم حني‬ ‫ذلك‪ ،‬مث قال‪ :‬أشريوا ّ‬ ‫بايعوه بالعقبة‪ ،‬قالوا‪ :‬إنا براء من ذمتك حىت تصل إىل دارنا مث أنت يف ذمتنا مننعك مما مننع آبائنا‬ ‫ونسائنا‪ ،‬فكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله يتخوف أن ال يكون األنصار ترى عليها نصرته إال‬ ‫على من دمهه باملدينة من عدو وأن ليس عليهم أن ينصروه خبارج املدينة‪ ،‬فقام سعد بن معاذ‬ ‫‪ 1‬مغااازي الواقاادي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،48‬واالمتاااال الباان هشااا ‪ :‬ص‪ ،74‬والساايرة للمقرياازي‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ ،253‬نقاالً عاان هااام‬

‫بحااار‬

‫األنوار‪ :‬ج‪ ،19‬ص‪ ،217‬وتفسير القمي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،258‬والطبرسي أيضاً ومصاادر أخارك كثيارة ف ارجال الصاحيح مان سايرة‬ ‫النبي األعظ صلر اهلل عليه وآله‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.177-174‬‬

‫‪16‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫فقال‪ :‬بأيب أنت وأمي يا رسول اهلل كأنك أردتنا؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬بأيب أنت وأمي يا رسول اهلل‬ ‫إنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند اهلل فمرنا مبا شئت وخذ من أموالنا‬ ‫ماشئت وأترك منها ما شئت‪ ،‬واهلل لو أمرتنا أن خنوض هذا البحر خلضناه معك ولعل اهلل أن يريك‬ ‫تقر به عينك فسر بنا على بركة اهلل فإن اهلل وعدين إحدى الطائفتني ولن خيلف اهلل وعده واهلل‬ ‫ما ّ‬ ‫لكأين أنظر إىل مصرع أيب جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وفالن وفالن وأمر‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله بالرحيل وخرج إىل بدر وهو بئر‪...‬‬ ‫الرواية الثانية‬

‫ما ذكره يف اإلرشاد‪ 1‬يف غزوة األحزاب‪( :‬فلما سمع رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم‬

‫اجتماع األحزاب عليه وقوة عزيمتهم في حربه استشار أصحابه فأجمع رأيهم على المقام‬

‫بالمدينة‪ ،‬وحرب القوم إن جائوا إليهم على أنقابها)‪.‬‬

‫الرواية الثالثة‬

‫ما ذكره يف تفسري القمي‪ 2‬يف غزوة األحزاب أيضاً‪( :‬فلم يزل يسير معهم حي ابن أخطب في‬

‫قبائل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آالف من قريش وكنانة واألقرع بن حابس في قومه‬ ‫وعباس بن مراداس (مرداس؟؟؟) في بني سليم‪ ،‬فبلغ ذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬

‫واستشار أصحابه وكانوا سبمعائة رجل فقال سلمان يا رسول اهلل إن القليل ال يقاوم الكثير‬

‫في المطاولة‪ ،‬قال‪ :‬فما نصنع؟ قال‪ :‬نحفر خندقا يكون بيننا وبينهم حجابا فيمكنك منعهم‬

‫من المطاولة وال يمكنهم أن يأتونا من كل وجه‪ ،‬فإنا كنا معاشر العجم في بالد فارس إذا‬ ‫دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق فيكون الحرب من مواضع معروفة‪ ،‬فنزل جبرائيل على‬

‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله فقال أشار بصواب‪.)...‬‬

‫‪ 1‬إرشاد المفيد ص‪ 51‬وفي السيرة البن هشا أيضاً وبحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪.251‬‬

‫‪ 2‬تفساير القماي‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 177‬ذيال آياة ‪‬ياا أيااا الاذين آمناوا اذكاروا نعماة اهلل علايك إذ جاائتك جناود فيرسالنا علايا ريحااً‬ ‫وجنوداً ل تروها‪ ...‬األحزاب‪ ،9‬وذكره في بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪ 217‬وراجل االمتاال وذكره اإلرشاد ص‪ 51‬والسيرة‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الرواية الرابعة‬ ‫ما ذكره يف اإلرشاد يف غزوة األحزاب أيضاً‪ :1‬وأقبلت األحزاب إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وآله فهال املسلمني أمرهم وارتاعوا من كثرهتم ومجعهم فنزلوا يف ناحية من اخلندق وأقاموا مبكاهنم‬ ‫بضعاً وعشرين يوماً وليلة مل يكن بينهم حرب إال الرمي بالنبل واحلصي‪ ،‬فلما رأى رسول اهلل صلى‬ ‫اهلل عليه وآله ضعف قلوب أكثر املسلمني من حصارهم هلم‪ ،‬ووهنهم يف حرهبم بعث إىل عيينة بن‬ ‫حصن واحلارث بن عوف ومها قائداً غطفان يدعومها إىل صلحه والكف عنه والرجوع بقومهما عن‬ ‫حربه على أن يعطيهما ثلث مثار املدينة واستشار سعد بن عبادة فيما بعث به إىل عيينة واحلارث‬ ‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل إن كان هذا األمر البد لنا من العمل به ألن اهلل أمرك فيه مبا صنعت والوحي‬ ‫جائك به فافعل ما بدا لك‪ ،‬وإن كنت ختتار أن تصنعه لنا كان لنا فيه رأي فقال صلى اهلل عليه‬ ‫وآله‪( :‬لم يأتني وحي به ولكني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وجاؤوكم من كل‬

‫جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما) فقال سعد بن معاذ‪ :‬قد كنا حنن‬ ‫وهؤالء القوم على الشرك باهلل وعبادة األوثان ال نعرف اهلل وال نعبده وحنن ال نطعمهم من مثرنا إال‬ ‫قرى أو بيعاً واآلن حني أكرمنا اهلل باإلسالم وهدانا به وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟ ما بنا إىل هذا‬ ‫من حاجة واهلل ال نعطيهم إال السيف حىت حيكم اهلل بيننا وبينهم‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وآله‪ :‬اآلن قد عرفت ما عندكم‪ ،‬فكونوا على ما أنتم عليه فإن اهلل تعاىل مل خيذل نبيه ولن يسلمه‬ ‫حىت ينجز له ما وعده)‪.‬‬ ‫وسنذكر يف طي صفحات الكتاب مواضع أخرى استشار فيها النيب صلى اهلل عليه وآله‬ ‫أصحابه فأعطوه أصواهتم وفوضوا إليه األمر تارة‪ ،‬ومل يفعلوا ذلك فعمل صلى اهلل عليه وآله بآرائهم‬ ‫رغم علمه صلى اهلل عليه وآله خبطأهم تارة أخرى‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬لعل استشارته صلى اهلل عليه وآله وكذا عمله برأي األكثرية كان من باب‬ ‫االضطرار كي ال خيالفوه وكي اجلب ودهم وحمبتهم ولتوقعهم ذلك منه حسب عاداهتم كما قيل يف‬

‫تعليل (وشاورهم في األمر) ويؤيده ما جاء يف خرب أيب محزة (فكان صلى اهلل عليه وآله يتخوف‬

‫‪ 1‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪ ،252-251‬واإلرشاد‪ :‬ص‪.52-51‬‬

‫‪18‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أن ال يكون األنصار ترى عليها نصرته إال على من دهمه بالمدينة‪ )...‬وما جاء من (ففرح‬

‫بذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله فقال سيروا)‪.‬‬

‫[قلت]‪[ :‬أوال]‪ :‬العمل ال جهة له من حيث االضطرار وعدمه‪ ،‬واألصل يف قول املعصوم عليه‬ ‫السامل وفعله وتقريره كونه حجة ولزوم اتباعه‪.‬‬

‫[وثانيا]‪ :‬أصالة عدم االضطرار حمكمة‪ 1‬فال يقتصر يف إلتزام اإلباحة باملعىن األعم على صورة‬ ‫وجوده‪.‬‬ ‫[وثالثا]‪ :‬كون ذلك منه صلى اهلل عليه وآله اضطراراً للجهات املذكورة مع حلاظ وجودها يف‬ ‫غريه بل بشكل أقوى وأوىل يستلزم ثبوت احلكم موجبة كلية إذ ال خيلوا ظرف من ذلك يف الشؤون‬ ‫العامة فتأمل‪.‬‬ ‫وبناء عليه نقول بكفاية املوجبة اجلزئية يف رفع السالبة الكلية املستندة إىل عدم جواز اتباع الفقيه‬ ‫لرأي الغري‪ ،‬وقد فصلنا احلديث عن هذا يف موضع آخر فلرياجع‪ ،‬وكذا كفايتها يف رفع السالبة‬ ‫الكلية يف باب االستشارة والردع عن جعل البناء على عدمها‪.‬‬ ‫وقد يورد على األولني بداللة القرائن املقامية على خالف األصل‪ ،‬وعلى املدعي اإلثبات وعلى‬ ‫تقديره فهو غري ضار بتمسكنا باآلية الشريفة كما فصلناه فلرياجع‪.‬‬ ‫وأما املؤيد فهو على اخلالف أدل إذ الظاهر إرادته صلى اهلل عليه وآله اخلروج وطلب العري‬ ‫وحرب النفري وذلك لقرائن عديدة يف نفس الرواية منها أنه أمر صلى اهلل عليه وآله أبا بكر وعمر‬ ‫باجللوس عندما أبديا التحذر والتثبيط وجزى مقداد خرياً عندما أبدى التأهب واالستعداد لكل‬

‫تضحية ومنها (فكان صلى اهلل عليه وآله يتخوف ‪ ...‬وأن ليس عليهم أن ينصروه بخارج‬

‫المدينة) ومنها (ففرح بذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله) ومع ذلك مل يقدم صلى اهلل عليه‬ ‫وآله إال بعد االستشارة وإشارة األكثرية بذلك فتأمل‪ ،‬إذ قد يكون عدم اإلقدام قبلهما اضطراراً‬ ‫وقد يكون لوجوهبما أو األول منهما‪ ،‬فال ميكن االستدالل بذلك على أحد الوجهني إال بضميمة‬ ‫مثل أن الظاهر أن ذلك كان امتثاالً لـ‪( :‬وشاورهم في األمر) أو ما هو مبنزلته فتأمل‪ ،‬كما أن‬

‫‪ 1‬الظاهر احتياج األول في تماميته إلر ذا فليس إال جواب واحد‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫عمله صلى اهلل عليه وآله بعدها على طبقها يف العديد من الروايات املذكورة قد يكون استناداً‬ ‫إليهما وقد يكون ال كذلك‪.‬‬ ‫[وقد يستدل] لإلشكال السابق بصحيحة أو موثقة علي بن إبراهيم عن أبيه عن أيب عمري‬

‫عن ابن سنان‪ 1‬عن أيب عبد اهلل عليه السالم يف قضية صلح احلديبية (‪ ...‬فلما أكثروا عليه قال‬ ‫إن لم تقبلوا الصلح فحاربوهم فمروا نحو قريش وهم مستعدون للحرب وحملوا عليهم‬ ‫فانهزم أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله هزيمة قبيحة ومروا برسول اهلل صلى اهلل عليه‬

‫وآله فتبسم رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله ثم قال يا علي خذ السيف واستقبل قريشا فأخذ‬

‫أمير المؤمنين عليه السالم سيفه وحمل على قريش فلما نظروا إلى أمير المؤمنين عليه‬ ‫السالم تراجعوا وقالوا يا علي بدا لمحمد فيما أعطانا قال ال‪ ،‬فرجع أصحاب رسول اهلل‬ ‫صلى اهلل عليه وآله مستحيين وأقبلوا يعتذرون إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪ ،‬فقال لهم‬

‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله أ لستم أصحابي يوم بدر إذ أنزل اهلل فيكم ‪‬إذ‬ ‫تستغيثون‪ ......‬فاعتذروا إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وندموا على ما كان منهم‬ ‫‪2‬‬

‫وقالوا اهلل أعلم ورسوله فاصنع ما بدا لك)‪.‬‬ ‫كما ميكن االستدالل هبا على عدم عمله صلى اهلل عليه وآله برأي األكثرية إلجابته صلى اهلل‬ ‫عليه وآله إىل الصلح يف حادثة احلديبية دون استشارته أصحابه حيث ورد (فوافوا رسول اهلل صلى‬ ‫اهلل عليه وآله فقالوا يا حممد إىل أن ننظر إىل ماذا يصري أمرك وأمر العرب على أن ترجع من عامك‬ ‫هذا فإن العرب قد تسامعه مبسريك‪ ،‬فإن دخلت بالدنا وحرمنا استذلتنا العرب واجرتأت علينا‬ ‫وخنلي لك البيت يف القبال يف هذا الشهر ثالثة أيام حىت تقضي نسكك وتنصرف عنا‪ ،‬فأجابه‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله إىل ذلك وقالوا له وترد إلينا كل ما جائك من رجالنا ونرد إليك من‬ ‫جائنا من رجالك فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله (من جائكم من رجدالنا فال حاجة لنا‬ ‫فيه‪ ،‬ولكن على أن المسلمين بمكة ال يؤذون في إظهارهم اإلسالم وال يكرهون وال ينكر‬

‫‪ 1‬هو عبد اهلل بن سنان‪ ،‬قال في تنقيح المقال‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪ 99‬في الفائدة السادسة‪( :‬واذا وردت رواية عن ابن سنان فإن كاان‬ ‫المروي عنه الصادي عليه السال بال واسطة أو بتوسط‪ ...‬فالمراد به عبد اهلل ال محمد وان كانا أخوين‪.)..‬‬

‫‪ 2‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪ ،351‬وتفسير القمي‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.312‬‬

‫‪20‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫عليهم شيء يفعلونه من شرائع اإلسالم) فقبلوا ذلك فلما أجاهبم رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬ ‫‪1‬‬ ‫إىل الصلح أنكر عليه عامة أصحابه)‪.‬‬ ‫[والجواب]‪ :‬أما عن الشق الثاين‪[ :‬فأوال]‪ :‬ما سيأيت من اجلواب الثالث من عدم جال‬ ‫للشورى واالستشارة فيما ورد فيه نص من الباري جل وعال إما لالنصراف أو للتخصيص واملقام‬ ‫صغرى هذه الكربى لعدة قرائن‪:‬‬

‫ألف‪ :‬ما ذكره املفيد قدس سره يف اإلرشاد (وملا رأى ُسهيل بن عمرو توجه األمر عليهم ضرع‬ ‫إىل النيب صلى اهلل عليه وآله يف الصلح ونزل عليه الوحي باإلجابة إىل ذلك وأن اجعل أمري املؤمنني‬ ‫‪2‬‬ ‫عليه السالم كاتبه ٍ‬ ‫يومئذ واملتويل لعقد الصلح خبطه)‪.‬‬ ‫ب‪ :‬ما ذكره علي بن إبراهيم يف تفسريه (ونزلت يف بيعة الرضوان ‪‬لقد رضي اهلل عن املؤمنني‬ ‫إذ يبايعونك حتت الشجرة‪ ‬اشرتط عليهم أن ال ينكروا بعد ذلك على رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وآله شيئاً يفعله وال خيالفوه يف شيء يأمرهم به)‪ 3‬وسيأيت استثناء ما أوحى به اهلل على رسوله صلى‬ ‫اهلل عليه وآله وما فعله الرسول صلى اهلل عليه وآله أو أمر به من باب واليته صلى اهلل عليه وآله‬ ‫من وجوب االستشارة والشورى‪.‬‬ ‫ج‪ :‬ما ذكره أيضاً بقول ‪‬الظانني باهلل ظن السوء عليهم دائرة السوء‪ ‬هم الذين أنكروا الصلح‬ ‫واهتموا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪ 4‬الظاهر يف علمهم بأن قرار الصلح من الباري عز وجل ولذا‬ ‫عرب بـ‪‬الظانني باهلل‪ ‬ال بـ(الظانني برسوله) فتأمل‪ ،‬ولعل املتتبع اجد قرائن أخرى عديدة على ما‬ ‫ّ‬ ‫ذكرناه‪.‬‬ ‫[وثانيا وثالثا]‪ :‬ما سيأيت من اجلواب الرابع واخلامس يف صورة استنتاج عدم وجوب الشورى‬ ‫عليه صلى اهلل عليه وآله وعلى غريه من عدم عمله صلى اهلل عليه وآله يف هذا املورد وشبهه برأي‬ ‫األكثرية وعدم استشارته هلا‪.‬‬

‫‪ 1‬نفس المصدر‪ :‬ص‪ 350-349‬وراجل تفسير القمي‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.311‬‬ ‫‪ 2‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪ 358‬نقالً عن إرشاد المفيد‪.‬‬

‫‪ 3‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪ 354‬نقالً عن تفسير علي بن إبراهي وراجل تفسيره ج‪ ،2‬ص‪.315‬‬ ‫‪ 4‬نفس المصدر‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ورابعا]‪ :‬قد يقال بكون إجابته للصلح غري منجزيته وما عليه صلى اهلل عليه وآله االستشارة‬ ‫فيه صورة املنجزية ال ما يسبقها من احلديث والتفاوض‪ ،‬والذي يدل على الصغرى عدم اعتبار‬ ‫الصلح قبل التوقيع والكتابة فيما من شأن منجزيته وفعليته ذلك‪ ،‬ولذا ورد (‪ ..‬فقال سهيل هذا يا‬ ‫محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده فقال النبي صلى اهلل عليه وآله إنا لم نقض (أو لم‬

‫نرض) بالكتاب بعد)‪ 1‬فتأمل‪.‬‬

‫[وخامسا]‪ :‬لقد أجاز صلى اهلل عليه وآله لألكثرية باتباع رأيها كما سبق من (إن لم تقبلوا‬

‫الصلح فحاربوهم‪ )...‬فتأمل‪.‬‬

‫[وأما] عن الشق األول‪[ :‬فالجواب أوال]‪ :‬ال يعلم كون ذلك عمالً برأيهم من باب االضطرار‬

‫أو غريه بل الظاهر أنه كان تعجيزاً هلم ولو كان عامالً برأيهم جلهز كل اجليش وأمر علياً عليه‬ ‫السالم باالشرتاك معهم يف اهلجوم إضافة إىل ظهور قول علي عليه السالم (ال) يف جواب سؤاهلم‬ ‫(يا علي بدا حملمد فيما أعطانا) يف ذلك فيكون املورد من صغريات عدم عمله باألكثرية فيدخل‬ ‫يف الشق السابق مع أجوبته اخلمسة باستثناء الرابع واخلامس فتأمل‪.‬‬ ‫[وثانيا]‪ :‬على فرض تسليم كونه عمالً منه برأي األكثرية إىل أن ثبت هلم خطأهم فرتاجعوا‬ ‫فأنفذ الصلح جتري األجوبة السابقة عن اإلشكال السابق‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫[إن قلت]‪ :‬ما الدليل على عمله صلى اهلل عليه وآله بالشورى من حيث هي هي وألهنا حجة‬ ‫إذ قد يكون عمله صلى اهلل عليه وآله على طبقها ال استناداً إليها بل من باب موافقتها لرأيه صلى‬ ‫اهلل عليه وآله ولعلمه مبطابقتها للواقع يف تلك الصور فال يدل عمله على حجيتها حال اجلهل‬ ‫مبطابقتها للواقع فكيف حبال االطمينان العريف ‪ -‬احلاصل للفقيه مثالً ‪ -‬مبخالفتها للواقع‪ ،‬بل إن‬ ‫عمله صلى اهلل عليه وآله هبا حال موافقتها لرأيه صلى اهلل عليه وآله ال يدل على حجيتها حىت يف‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ برأيه صلى اهلل عليه وآله ال برأي األكثرية وإن كانت‬ ‫هذه الصورة أيضاً‪ ،‬إذ يكون عمله‬ ‫على وفقه‪ ،‬إذ أن مطابقة غري احلجة للحجة ال يوجب صريورهتا حجة‪ ،‬وذلك كما لو طابق‬ ‫القياس واالستحسان بأن دل اخلرب على شيء ووافقه القياس فهل يستلزم ذلك حجية القياس؟‬ ‫وكذلك مطابقة جمهول احلجية (علماً بأن الشك يف احلجية موضوع عدم احلجية ‪ -‬حيث ال نعلم‬

‫‪ 1‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.334‬‬

‫‪22‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أن عمله صلى اهلل عليه وآله بالشورى يف تلك املوارد من حيث هي هي لتكون حجة كما لو‬ ‫طابقت الشهرة أو اإلمجاع املنقول الشورى ‪ )-‬ملعلوم احلجية ال يصريه حجة كما لو طابقت‬ ‫الشهرة أو اإلمجاع املنقول الكتاب أو السنة يف مسألة أو يف مسائل عديدة ‪ -‬كما هو كذلك ‪ -‬أ‬ ‫يدل ذلك على حجيتهما؟ فالعلم على طبق شيء غري العمل بالشيء‪.‬‬ ‫ومما يشهد لكون عمله صلى اهلل عليه وآله بالشورى يف موارد عمله على طبقها إمنا كان من‬ ‫باب موافقتها لرأيه صلى اهلل عليه وآله وإن عمله كان على طبقها ال هبا‪ ،‬ما ورد يف احلديث‬ ‫السابق (فنزل جبرئيل على رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله فقال أشار بصواب) ومما يشعر به‬ ‫قوله صلى اهلل عليه وآله (اآلن قد عرفت ما عندكم فكونوا على ما أنتم عليه) و (ففرح بذلك‬

‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وقال‪ :‬سيروا على بركة اهلل‪.)...‬‬

‫قلت‪ :‬أوال‪ :1‬ظاهر تلك الروايات عمله صلى اهلل عليه وآله بالشورى واستناد عمله صلى اهلل‬ ‫عليه وآله إليها حيث ورد ‪( 251‬فأشار سلمان الفارسي رمحه اهلل على رسول اهلل صلى اهلل عليه‬

‫‪ 1‬هااذا جاواب الشااي الثاااني ماان اإلشااكال (باال إن علمااه‪ )...‬ويمكاان جعلااه جوابااً للشااي األول أيضااً بعااد القااول بالفصاال بااين‬ ‫(صااحة االسااتناد إلياااا حااال العلا بمطابقتاااا للواقاال) وبااين (صااحة االسااتناد إلياااا حااال الجااال بااه) فااإن حماان أوجااب أو صااحح‬ ‫االستناد إليااا أوجباه أو صاححه مطلقااً ومان ح مار ح مار مطلقااً ويتضاح هاذا مماا سابي مان أن (االساتناد) للالحجاة ميار واقال‬ ‫شاارعاً حتاار لااو طااابي الحجااة إذ لااو طابقاااا كااان االسااتناد إلياااا ال إليااه‪ ،‬فااإذا اسااتند النبااي صاالر اهلل عليااه وآلااه للشااورك حااال‬

‫مطابقتاا لرأيه صلر اهلل عليه وآله كانت حجة مطلقاً لإلجماال المركب‪.‬‬

‫[دليل آخر]‪ :‬علر المالزمة‪ :‬إذا صح االستناد للشورك حال المطابقة لرأيه صلر اهلل علياه وآلاه وحاال العلا بالمطابقاة للواقال‬

‫صاح االساتناد إليااا حاال الجاال بالمطابقااة للواقال وحاال الظان الشخصاي بااالخالا أيضااً‪ ،‬أال تارك أن خبار الواحاد إن صااح‬ ‫االستناد إليه مل العل بمطابقته للواقل صح مل الجاال ومال الظان باالخالا إلناطاة حجيتاه باالظن الناواعي الثابات حتار مال‬

‫الظن بالخالا ‪-‬فتيمل‪.‬‬

‫وجه التيمل أن الشورك وكذا خبر الواحد حال العل بمطابقة الواقل حجة ذاتية لمكان العل وفاي الواقال الحجاة هاو ذلال العلا‬

‫ال مير وهذا ال يستلز حجيتاما مل الجال إذ الحجة الذاتية مفقودة والحجية الجعلية في الشورك ال دليل علياا؟ ويمكن دفال‬

‫اإلشكال بين الشورك ‪-‬مثالً‪ -‬لو أفاادت العلا باالواقل كانات حجاة ذاتااً وصاح االساتناد إليااا ولا يناتج ذلال حجيتااا فاي ميار‬ ‫صااورة إفااادة العلا ‪ ،‬أمااا لااو أفاااد العلا بااالواقل شاايء آخاار وطابقااه ظاان مياار معتباار فااال يصااح االسااتناد إلاار ذلاال الظاان مياار‬

‫المعتبر لصرا تطابي مضمونه مل ما أفاد العل ؟ كال‪ :‬إذ تطابي مضمون ما ليس بحجة مال ماا هاو حجاة ال يص مايره حجاة‬ ‫فلو شاهدنا االستناد والحال هذه كشا إناً عن الحجية وكونه ظناً معتب اًر المستلز لحجيته مطلقاً‪.‬‬ ‫وللتوضاايح نقااول لااو أفاااد القياااس العلا كااان حجااة ذاتااً لمكااان العلا وفااي الواقاال الحجااة هااو ذلاال العلا أمااا لااو أفاااد التاواتر أو‬

‫الكتاااب الحك ا قطع ااً وطابقااه القياااس فااال يكااون هااذا القياااس حجااة أ أن الحجااة هااو ذال؟ وهاال يصااح االسااتناد إليااه أ أن‬ ‫المسااتند هااو ذال؟ والساابب أن الحجيااة ال تسااري ماال موض اوال (مفيااد العل ا أو الظاان المعتباار) إلاار موض اوال آخاار (كالقياااس‬

‫وكاالوه ) أ تارك يصاح القاول باين ‪‬الاوه ‪ ‬حجاة لمطابقتاه ‪‬الظان النااوعي‪ ‬كماا لاو قاا خبار علار شايء وحصال للفقياه الظاان‬

‫‪23‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وآله باخلندق فأمر حبفره) حيث إن الفاء للتفريع فقد فرع أمره صلى اهلل عليه وآله حبفر اخلندق‬ ‫على إشارة سلمان ‪ -‬علماً بأن األكثرية الساحقة أيدت أطروحة سلمان‪ ،‬حىت قال بعضهم هذه‬ ‫واهلل حيلة فارسية ومن الواضح أن أمره صلى اهلل عليه وآله ال يتفرع على الباطل وما ليس حبجة‪،‬‬ ‫إال أن يقال بأن األصل يف الفاء الرتتيب ال التفريع وال ظهور يف غريه‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫وورد ‪ ...( 218‬واستشار أصحابه وكانوا سبعمائة رجل فقال سلمان‪ ...‬فنزل جبرائيل على‬

‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله فقال أشار بصواب‪ ،‬فأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬

‫بحفره من ناحية أحد إلى راتج) حيث ظاهر الفاء التفريع وظاهره االستناد أال ترى أن اإلمام‬ ‫عليه السالم لو قاس أمامه قائس فقال‪( :‬القياس يقتضي كون األصبع الرابعة للمرأة كسائر‬ ‫األصابع) فقال عليه السالم‪( :‬فحكمي هو أن الدية أربعون) أ فلم يكن هذا الكالم املصدر بفاء‬ ‫التفريع واملطابق للقياس دليالً على حجية القياس واستناده عليه السالم يف حكمه إليه؟ هذا‪.‬‬ ‫ولكن الظاهر التفرع يف الرواية الثانية على قول جربئيل‪ ،‬وكذلك يف رواية الثمايل رمحه اهلل املذيلة‬ ‫بفاء التفريع (ففرح بذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وقال سيروا على بركة اهلل) حيث‬ ‫تفرع أمره بالسري على إشارة األصحاب حيث انعقدت األكثرية على طلب العري وحرب النفري‪ ،‬إذ‬ ‫لي أيها الناس وإنما يريد‬ ‫وافق األنصار على ذلك وهم أكثر الناس كما ورد (ثم قال أشيروا ع ّ‬

‫األنصار ألن أكثر الناس منهم) ولقد كان رأي سعد جتسيداً لرأي كافة األنصار لكونه رئيسهم‬ ‫وكون حالتهم حالة قبلية كما ال خيفى على من راجع التاريخ‪.‬‬

‫[وثانيا]‪ :‬ظاهر خرب اإلرشاد‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وآله كان يرى رأياً آخر‪ ،‬إال أنه صلى اهلل‬ ‫عليه وآله وقف عند رأي الشورى‪ ،‬عندما رآها ترتأي غري رأيه صلى اهلل عليه وآله بل ذلك صريح‬ ‫اخلرب (‪ ..‬بعث إلى قائدي غطفان يدعوهما إلى صلحه‪ ...‬فاستشار سعد بن عبادة فقال‪ :‬يا‬ ‫الشخصي بالخالا (وكالمنا بناء عد تقيد حجية الخبر بعد ظن شخصاي علار الخاالا) كماا هاو المشااور مماا يعناي أن‬

‫‪‬وهمه‪ ‬علر الوفاي أ فاال يصاح جعال هاذا الاوه مساتنداً ودلايالً باين يقاول الفقياه ومان األدلاة الاوه الحاصال علار كاذا ألن‬ ‫هذا الوه مطابي للدليل وللظن المعتبر؟! وهل ترك يصح القول ‪‬توه الفقيه فيمر بكاذا‪ ‬أ يقاال ‪‬قاا خبار واحاد عناده علار‬

‫كذا ‪-‬مثالً‪ -‬فيمر به‪‬؟!‬

‫وما نحن فيه من هذا القبيل ألن عل الرسول صلر اهلل عليه وآله بالواقل ل يكن مستنداً لكاال النااس والنعقااد رأي األكثرياة‪،‬‬ ‫فيمكننا ببرهان اإلن اكتشاا حجية الشورك من صحة االستناد إلياا بل فعلية استناد النبي صلر اهلل عليه وآلاه إليااا ولاو لا‬

‫تكن حجة لما استند إلياا ولما فرال أمره علياا وان طابي مضموناا الحجة (وهي رأيه صلر اهلل عليه وآله)‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫رسول اهلل إن كان هذا األمر البد لنا من العمل به ألن اهلل أمرك فيه بما صنعت والوحي‬

‫جائك به فالفعل ما بدا لك‪ ،‬وإن كنت تختار أن تصنعه لنا كان لنا فيه رأي) فقال صلى اهلل‬

‫عليه وآله (لم يأتني وحي به‪ ،‬ولكني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وجاؤوكم من‬ ‫كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما‪ ،‬فقال سعد‪ ...‬فقال صلى اهلل‬

‫عليه وآله اآلن قد عرفت ما عندكم فكونوا على ما أنتم عليه) فرأي النيب صلى اهلل عليه وآله‬ ‫عرب عن رأيها‬ ‫(ولكني رأيت) لكنه عدل عنه إىل رأي األكثرية حيث كان سعد ينطق بامسها وقد ّ‬

‫(قد كنا نحن وهؤالء القوم‪ )...‬وأوصاهم بالسري على طبق رأيهم (فكونوا على ما أنتم‬ ‫عليه)‪...‬‬

‫[وثالثا]‪ :‬هنالك روايات آخر (أخرى؟؟؟) صرحية يف عمله برأي األكثرية رغم علمه صلى اهلل‬ ‫عليه وآله خبطأهم وعدم مطابقتها للواقع‪.‬‬ ‫الرواية الخامسة‬

‫ِ‬ ‫َسرى َحتَّى يُثْ ِخ َن فِي األ َْر ِ‬ ‫ض‬ ‫ض تُ ِري ُدو َن َع َر َ‬ ‫ما ورد يف تفسري آية ‪‬ما كا َن لنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكو َن لَهُ أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تاب ِمن ِ‬ ‫ُّ‬ ‫س ُك ْم فِيما أَ َخ ْذتُ ْم‬ ‫اهلل َسبَ َق ل َ​َم َّ‬ ‫الدنْيا َواهللُ يُ ِري ُد اآلخ َرةَ َواهللُ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬ ‫يم ‪ ‬ل َْو ال ك ٌ َ‬ ‫ِ‬ ‫يم‪ ‬األنفال‪ ،‬ففي كتاب علي بن إبراهيم‪( :1‬ملا قتل رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬ ‫َع ٌ‬ ‫ذاب َعظ ٌ‬ ‫النضر بن حارث وعقبة بن أيب معيط خافت األنصار أن يقتل األسارى‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل قتلنا‬ ‫سبعني وهم قومك وأسرتك‪ ،‬أجتذ أصلهم‪ ،‬فخذ يا رسول اهلل منهم الفداء‪ ،‬وقد كانوا أخذوا ما‬ ‫ِ‬ ‫وجدوه من الغنائم يف عسكر قريش‪ ،‬فلما طلبوا إليه وسألوه نزلت ‪‬ما كا َن لنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكو َن لَهُ‬

‫َسرى‪ ‬اآليات‪ ،‬فأطلق هلم ذلك وكان أكثر الفداء أربعة آالف درهم وأقله ألف درهم‪ ...‬وروى‬ ‫أْ‬ ‫أن النيب صلى اهلل عليه وآله كره أخذ الفداء حىت رأى سعد بن معاذ كراهية ذلك يف وجهه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫يا رسول اهلل هذا أول حرب لقينا فيه املشكرين واألثخان يف القتل أحدب إلينا من استبقاء‬ ‫الرجال‪ ،‬وقال عمر بن اخلطاب‪ :‬يا رسول اهلل كذبوك وأخرجوك فقدمهم وأضرب أعناقهم ومكن‬ ‫علياً من عقيل فيضرب عنقه‪ ،‬ومكين من فالن أضرب عنقه فإن هؤالء أئمة الكفر‪ ،‬وقال أبو‬ ‫‪ 1‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،19‬ص‪ 241‬نقالً عن تفسير القمي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ 270‬وميره‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫بكر‪ :‬أهلك وقومك استأن هبم واستبقهم وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار‪ ،‬وقال أبو‬ ‫جعفر الباقر عليهما السالم كان الفداء يوم بدر كل رجل من املشركني بأربعني أوقية‪ ،‬واألوقية‬ ‫أربعون مثقاالً)‪.‬‬ ‫وجاء يف اخلرائج‪( :1‬من معجزاته صلى اهلل عليه وآله أنه ملا كانت وقعة بدر قتل املسلمون من‬ ‫قريش سبعني رجالً وأسروا منهم سبعني‪ ،‬فحكم رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله بقتل األسارى‬ ‫وحرق الغنائم‪ ،‬فقال مجاعة من املهاجرين‪ :‬إن األسارى هم قومك وقد قتلنا منهم سبعني فأطلق‬ ‫لنا أن نأخذ الفداء من األسارى والغنائم فنقوى هبا على جهادنا فأوحى اهلل إليه‪ :‬إن مل تقتلوا يقتل‬ ‫ِ‬ ‫منكم يف العام املقبل يف مثل هذا اليوم عدد األسارى فأنزل اهلل‪ :‬ما كا َن لنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكو َن لَهُ‬ ‫َسرى َحتَّى يُثْ ِخ َن فِي األ َْر ِ‬ ‫ض ُّ‬ ‫الدنْيا‪ ‬فلما كن يف العام املقبل وقتل من املسلمني‬ ‫ض تُ ِري ُدو َن َع َر َ‬ ‫أْ‬ ‫سبعون بعدد األسارى قالوا‪ :‬يا رسول اهلل قد وعدتنا النصر فما هذا الذي وقع بنا؟ ونسوا الشط‬ ‫ِ‬ ‫َص ْبتُ ْم ِمثْ لَْيها‪ ‬يعين ما كانوا أصابوا من قريش‬ ‫ببدر فأنزل اهلل‪ :‬أَ َول ََّما أَصابَ ْت ُك ْم ُمصيبَةٌ قَ ْد أ َ‬ ‫ببدر وقبلوا الفداء من األسرى ‪‬قُلْتُ ْم أَنَّى هذا قُ ْل ُه َو ِم ْن ِع ْن ِد أَنْ ُف ِس ُك ْم‪ ‬يعين بالشرط الذي‬ ‫شرطوه على أنفسهم أن يقتل منهم بعدد األسارى إذا هو أطلق هلم الفداء منهم والغنائم فكان‬ ‫احلال يف ذلك على حكم الشرط)‪.‬‬ ‫وجاء في تفسير القمي‪ 2‬ذيل اآلية الكرمية‪( :‬فلما دخلوا املدينة قال أصحاب رسول اهلل صلى‬

‫اهلل عليه وآله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر؟ فأنزل اهلل تعاىل ‪‬أَ َول ََّما أَصابَ ْت ُك ْم‬ ‫مِ‬ ‫صيبَةٌ‪ ‬اآلية‪ ،‬وذلك أن يوم بدر قتل من قريش سبعون‪ ،‬وأسر منهم سبعون وكان احلكم يف‬ ‫ُ‬ ‫األسارى القتل‪ ،‬فقامت األنصار إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل هبهم لنا‬ ‫وال تقتلهم حىت نفاديهم فنزل جربئيل عليه السالم فقال‪ :‬إن اهلل قد أباح هلم الفداء أن يأخذوا من‬ ‫هؤالء ويطلقوهم على أن يستشهد منهم يف عام قابل بقدر ما يأخذون منه الفداء‪ ،‬فأخربهم‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله هبذا الشرط فقالوا‪ :‬قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤالء ونتقوى‬ ‫به ويقتل منها يف عام قابل بعدد من نأخذ منهم الفداء وندخل اجلنة‪ ،‬فأخذوا منهم الفداء‬ ‫وأطلقوهم فلما كان يف هذا اليوم وهو يوم أحد قتل من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬ ‫‪ 1‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪.77‬‬

‫‪ 2‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪ ،66‬وتفسير القمي ج‪ ،1‬ص‪.126‬‬

‫‪26‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫سبعون فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر؟ فأنزل اهلل ‪‬أَ َول ََّما‬ ‫أَصابَ ْت ُك ْم‪ ‬إىل قوله‪ُ  :‬ه َو ِم ْن ِع ْن ِد أَنْ ُف ِس ُك ْم‪ ‬مبا اشرتطتم يوم بدر)‪.‬‬ ‫وقال الطوسي قدس سره يف التبيان‪ 1‬ذيل اآلية‪( :‬واملعىن‪ :‬ما كان لنيب أن حيبس كافراً للفداء‬ ‫ض ُّ‬ ‫الدنْيا‪ ‬يعين تريدون الفداء‪ ..‬وهذه اآلية‬ ‫واملن حىت يثخن يف األرض‪ ...‬وقوله ‪‬تُ ِري ُدو َن َع َر َ‬ ‫نزلت يف أسارى بدر قبل أن يكثر اإلسالم فلما كثر املسلمون قال تعاىل‪ :‬فَِإ َّما َمنًّا بَ ْع ُد َوإِ َّما‬ ‫فِداء‪ ،2‬وقال يف جممع البيان يف ذيل اآلية ما يقارب ذلك فراجع‪ ،‬وقال الطباطبائي يف امليزان يف‬ ‫ذيل اآلية‪( 3‬وقد اختلف املفسرون يف تفسري اآليات بعد اتفاقهم على أهنا إمنا نزلت بعد وقعة بدر‬ ‫تعاتب أهل بدر وتبيح هلم الغنائم)‪.‬‬ ‫أما تفاسري السنة فقد روى أكثرهم هذه الرواية (‪ ...‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله أبكي‬ ‫على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذاهبم أدىن من هذه الشجرة) أو ما يقرب‬

‫منها (أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء‪ ،‬لقد عرض علي عذابهم أدنى من‬

‫هذه الشجرة)‪ 4.‬فمع أن الرسول صلى اهلل عليه وآله (حكم بقتل األسارى وحرف الغنائم) ‪-‬‬ ‫كما يف اخلرائج ‪.-‬‬ ‫و(كان احلكم يف األسارى القتل) ‪ -‬كما يف تفسري القمي ‪ -‬و (كره أخذ الفداء) ‪ -‬كما يف‬ ‫تفسريه أيضاً ‪ -‬مع ذلك نزل صلى اهلل عليه وآله عند رأي األكثرية حيث (خافت األنصار أن‬

‫يقتل األسارى) وقالوا (فخذ يا رسول اهلل منهم الفداء فلما طلبوا ذلك وسألوه نزلت ‪‬ما كا َن‬ ‫ِ‬ ‫َسرى‪ ‬فأطلق هلم ذلك) ‪ -‬كما مر يف اخلرائج ‪ -‬و(فقامت األنصار فقالوا يا‬ ‫لنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكو َن لَهُ أ ْ‬ ‫رسول اهلل هبهم لنا وال تقتلهم حىت نفاديهم فنزل جربائيل فقال إن اهلل قد أباح هلم الفداء‪ )..‬كما‬ ‫مر يف تفسري القمي‪.‬‬ ‫وقد اتضح من هذا البيان أنه صلى اهلل عليه وآله ‪ -‬بأمر اهلل ‪ -‬نزل على رأي األكثرية مع‬ ‫خمالفتها لرأيه صلى اهلل عليه وآله وللحكم اإلهلي يف احلادثة‪ ،‬ومن الواضح أن رأيه وأن حكم اهلل‬

‫‪ 1‬التبيان‪ :‬ج‪ ،5‬ص‪ ،156‬حسب الطبعة المحققة والمصححة للعاملي‪.‬‬ ‫‪ 2‬سورة محمد صلر اهلل عليه وآله‪ :‬اوية ‪ - 4‬متن‪.‬‬ ‫‪ 3‬الميزان‪ :‬ج‪ ،10‬ص‪.134‬‬

‫‪ 4‬راجل أحكا القرآن والخازن والكشاا والمنار وروح المعاني ذيل اوية الكريمة‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫هو الصائب‪ .‬وإن أخذ الفداء بدل االثخان سبب ضرراً عظيماً عليهم ‪ -‬بل كاد يسبب زوال‬ ‫اإلسالم ‪ -‬ولذا (ملا كان يوم أحد وقتل من أصحاب الرسول صلى اهلل عليه وآله سبعون‪ ،‬قالوا‪ :‬يا‬ ‫رسول اهلل ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر) فأنزل اهلل‪ 1‬أَ ول ََّما أَصاب ْت ُكم م ِ‬ ‫صيبَةٌ قَ ْد‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َص ْبتُ ْم ِمثْ لَْيها‪ ‬ومها سبعون قتيل من املشركني ببدر وفداء سبعني أيضاً ‪‬قُلْتُ ْم أَنَّى هذا‪ ‬من‬ ‫أَ‬ ‫أين ورد هذا البالء العظيم علينا يف هذه احلرب‪ ،‬حرب أحد؟ ‪‬قُ ْل ُه َو ِم ْن ِع ْن ِد أَنْ ُف ِس ُك ْم‪ ‬فأنتم‬ ‫السبب يف حلوله بكم الختياركم الفداء يف حرب بدر‪.)...‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬لعل الرسول صلى اهلل عليه وآله عمل برأي األكثرية ههنا ‪ -‬رغم خمالفتها للواقع‬ ‫وللحكم الوارد يف احلادثة ‪ -‬من باب االضطرار وخوف الفتنة فعمله هبا كان بالعنوان الثانوي ال‬ ‫األويل؟‬

‫[قلت]‪ :‬كال‪ ،‬إذ مضافاً إىل ظهرو (فنزل جبرئيل عليه السالم فقال إن اهلل قد أباح لهم‬ ‫الفداء‪ - )...‬كما يف تفسري القمي ‪ -‬يف اإلباحة بالعنوان األويل ال الثانوي االضطراري‪ ،‬كظهور‬ ‫لص ِ‬ ‫ث إِلى نِسائِ ُك ْم‪ ‬الواردة بعد اقرتاب بعض الشباب سراً إىل‬ ‫‪‬أ ُِح َّل لَ ُك ْم ل َْي لَةَ ا ِّ‬ ‫يام َّ‬ ‫الرفَ ُ‬ ‫زوجاهتم يف ليايل شهر رمضان ‪ -‬يف احللية بالعنوان األويل ال الثانوي‪.‬‬ ‫مضافاً إىل ذلك‪ :‬يدل على عدم كون عمله برأيها لالضطرار أن أكثرية األصحاب عندما رأت‬ ‫كراهة النيب صلى اهلل عليه وآله ألخذ الفداء‪ ،‬فوضوا األمر للنيب صلى اهلل عليه وآله كما مر يف‬ ‫رواية علي بن إبراهيم‪( 2‬وروي أن النيب صلى اهلل عليه وآله كره أخذ الفداء‪ 3)...‬ومع تفويضهم‬ ‫األمر له صلى اهلل عليه وآله هل يبقى اضطرار وعنوان ثانوي؟ فعمله برأيهم الواقعي ‪ -‬إذ أن‬ ‫طلبهم اإلثخان فيما بعد كان احرتاماً للنيب صلى اهلل عليه وآله ونزوالً عند رغبته ‪ -‬وال اضطرار‬ ‫دليل على صحة اتباع األكثرية وإن خالف رأيها الواقع يف املوضوعات املستنبطة‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬حتليل اهلل أخذ الفداء فيما بعد أعم من حلية (الشورى على خالف احلكم يف‬ ‫املوضوع املستنبط) إذ ال مانعة مجع بني حتليله سبحانه وتعاىل له وحرمتها كما أن حتليله الرفث إىل‬ ‫‪ 1‬تفسااير القمااي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ 126‬وص‪ 270‬ذياال آيااة ‪‬واذا ماادوت ماان أهلاال تبا ماوء‪ ‬بعاادة صاافحات و ارجاال بحااار األن اوار‪:‬‬ ‫ج‪ ،20‬ص‪.66‬‬ ‫‪ 2‬وذكره الطوسي في التبيان ذيل آية ‪ 68‬من األنفال‪.‬‬

‫‪ 3‬قد سبي م ار اًر أن سعد بن معاذ كان يجساد رأي األنصاار ‪-‬وها األكثرياة‪ -‬وكاان أرياه يعكاس رأياا حياث كاان لاه تفاوي‬ ‫مطلي من قبيلته‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫النساء ليلة الصيام فيما بعد ال يعين حلية ما ارتكبه الشباب قبل نزول آية احلل إذ أن عملهم كان‬ ‫حراماً بال شك‪ ،‬فنزول احلكم على طبق رأي األكثرية ال يستلزم جواز الشورى؟‬

‫[قلت]‪ :‬فرق بني األمرين‪ ،‬إذ أن خمالفة احلكم حمرمة ال طلب تغيريه‪...‬‬ ‫فالوطي مع التحرمي حمرم‪ ،‬أما طلب حتليله فليس مبحرم‪ ،‬وفيما حنن فيه لو كانت األكثرية ختالف‬ ‫احلكم بأن ال تقتل األسرى وبأن تأخذ الفداء ‪ -‬خالفاً حلكم اهلل ورسوله ‪ -‬كانت قد فعلت‬ ‫حمرماً إذ ال شوى قبال النص ‪ -‬ولكنها طلبت تغيري احلكم (‪ ..‬فقال مجاعة من املهاجرين أن‬ ‫األسارى هم قومك وقد قتلنا منهم سبعني فاطلق لنا أن نأخذ الفداء من األسارى) كما مر يف‬ ‫رواية اخلرائج فقد طلبوا تغيري احلكم (فاطلِق لنا‪ )...‬أي اجعله ِطلقاً جائزاً ‪ -‬ومر مثله أيضاً يف‬

‫خرب علي بن إبراهيم ‪( -‬فلما طلبوا إليه وسألوه نزلت ‪‬ما كا َن لِنَبِ ٍّي‪ ‬فأطلق هلم ذلك) وكذا يف‬ ‫خربه اآلخر (فقالوا يا رسول اهلل هبهم لنا وال تقتلهم) واستجاب اهلل ورسوله لطلب األكثرية‬ ‫بالشرط الذي قبلوه (على أن يستشهد منهم يف القابل بقدر ما يأخذون من الفداء‪ )..‬يف تفسري‬ ‫القمي و (‪...‬قُلْتُ ْم أَنَّى هذا قُ ْل ُه َو ِم ْن ِع ْن ِد أَنْ ُف ِس ُك ْم‪ ‬يعين بالشرط الذي شرطوه على‬ ‫أنفسهم أن يقتل منهم بعدد األسارى) يف اخلرائج ‪ -‬فأطلق هلم كل ذلك رغم أن طلبهم يف غري‬ ‫‪1‬‬ ‫حمله وكان األصلح ما حكم به اهلل ورسوله أوالً من اإلثخان يف األرض‪.‬‬ ‫[ولكن] الصحيح عدم إمكان االستدالل هبذه اآلية الشريفة برواياهتا على املدعى إذ‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬إن ظاهر تلك الروايات أن النيب صلى اهلل عليه وآله حكم دون استشارة املسلمني يف‬ ‫األمر ودون إخبارهم بذلك ولذا توجه سيل من االعرتاض عليه صلى اهلل عليه وآله بعد صدور‬ ‫احلكم حيث ورد (فحكم رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله ‪ ....‬فقال مجاعة) و (كان احلكم‪...‬‬ ‫فقامت األنصار)‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬إن رأي األكثرية لو كان الزم االتباع ملا كان لالشرتاط معىن حمل وظاهر تلك الروايات‬ ‫جعله صلى اهلل عليه وآله قبول اقرتاحهم ورأيهم دائراً مدار الشرط وجوداً وعدماً‪.‬‬

‫‪ 1‬نع من أخذ منا الفداء قبل تغيير الحك فعل محرماً لكان هاذا فار‬

‫ال خارجياة لاه‪ ،‬نعا أخاذ بعا‬

‫األسارك قبال تغييار‬

‫الحك فالعقاب كان علر أخذه األسرك قبل االباحة علار ماا ياادي إلياه ساياي الكاال فاي اوياة األولار كماا يشااد باه أيضااً‬ ‫قولااه فااي اويااة الثانيااة ‪‬لمسااك فيمااا أخااذت عااذاب عظااي ‪ ‬أي فااي أخااذك وانمااا كااانوا خااذوا عنااد ناازول اويااات األساارك دون‬ ‫الفداء وليس العقاب علر استباحة الفداء أو أخذه كما احتمله ‪-‬الميزان‪ :‬ج‪ ،10‬ص‪ -135‬وراجل بقية كالمه إذ يادفل بعا‬

‫اإلشكاالت المتوهمة علر استداللنا باوية‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ثالثا]‪ :‬إن استجابته جل وعال لطلب األكثرية غري دال على حجية رأيها وصحة اتباعه وال‬ ‫بنحو املوجبة اجلزئية إذ هو كما لو استجاب لطلب األقلية أو لطلب فرد واحد مؤمن أو كافر‬ ‫فاسق أو عادل بشرط أو بدونه وهلل الوالية املطلقة‪ ،‬فكما له السلب له اإلاجاب وكما ال يدل‬ ‫األول على عدم احلجية لنا ال يدل الثاين على ثبوهتا يف حقنا بل نقول ذلك بالنسبة للرسول صلى‬ ‫اهلل عليه وآله وسائر املعصومني عليهم الصالة والسالم فاستجابتهم لطلب األكثرية ‪ -‬لو فرض ‪-‬‬ ‫ال يكون دليالً على حجيتها‪ 1‬بل وجواز اتباعها موجبة جزئية‪ ،‬إذ لعله من باب الوالية فتأمل‪ ،‬إذ‬ ‫األصل يف فعل املعصوم كقوله وتقريره احلجية واألصل عدم كونه من باب الوالية اخلاصة‪.‬‬ ‫الرواية السادسة‬ ‫استشارته‪ 2‬صلى اهلل عليه وآله يف غزوة بدر (وكان أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬ ‫ٍ‬ ‫يومئذ سبعمائة واملشركني ألفني‪ ،‬وخرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله بعد أن استشار أصحابه‬ ‫وكان رأيه صلى اهلل عليه وآله أن يقاتل الرجال على أفواه السكك ويرمي الضعفاء من فوق‬ ‫البيوت‪ ،‬فأبوا إال اخلروج إليهم‪ ،‬فلما صار على الطريق قالوا نرجع‪ ،‬فقال‪ :‬ما كان لنيب إذا قصد‬ ‫‪3‬‬ ‫قوماً أن يرجع عنهم‪.‬‬ ‫علي ورأى أن ال خيرج من املدينة هلذه الرؤيا‪ ،‬فقام‬ ‫وقال الواقدي‪ :‬فقال عليه السالم‪ :‬أشريوا ّ‬ ‫عبد اهلل بن أيب فقال‪ :‬يا رسول اهلل كنا نقاتل يف اجلاهلية يف هذه املدينة وجنعل النساء والذراري يف‬ ‫فضت علينا قط وما‬ ‫هذه الصياصي وجنعل معهم احلجارة يا رسول اهلل إن مدينتنا عذراء‪ ،‬ما ّ‬ ‫خرجنا إىل عدو منها قط اال أصاب منها وما دخل علينا قط إال أصبناهم‪ ،‬فكان رأي رسول اهلل‬ ‫صلى اهلل عليه وآله مع رأيه وكان ذلك رأي األكابر من املهاجرين واألنصار‪ ،‬فقام فتيان أحداث‬ ‫مل يشهدوا بدراً وطلبوا من رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله اخلروج إىل عدوهم ورغبوا يف الشهادة‪،‬‬ ‫‪ 1‬ال يخفر أن ذكرنا لموارد عمله صلر اهلل عليه وآله برأي األكثرية في صدر البحث ل يكن إلثبات حجيتاا ولازو اتباعااا‬

‫اساتناداً إلار عملااه صالر اهلل عليااه وآلاه إذ العماال ال جااة لااه والصاغرك ال تنااتج كبارك كليااة بال كااان لادفل إشااكال عاد عماال‬

‫الرسول صلر اهلل عليه وآله بمبادأ االستشاارة ومبادأ اتبااال األكثرياة المساتلز ‪-‬حساب اإلشاكال‪ -‬لصارا اوياة عان ظاهرهاا‪-‬‬

‫فتيمل‪.‬‬

‫‪ 2‬أي من الموارد التي عمل فياا صلر اهلل عليه وآله برأي األكثرية رم علمه بخطيها واضرارها‪...‬‬ ‫‪ 3‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪ 93‬عن إعال الورك‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقال رجال من أهل التيه وأهل السن منهم محزة وسعد بن عبادة والنعمان بن مالك يف غريهم من‬ ‫األوس واخلزرج‪ :‬إنا خنشى يا رسول اهلل أن يظن عدونا إنا كرهنا اخلروج إليهم جبناً عن لقائهم‬ ‫فيكون هذا جرأة منهم علينا‪ ،‬فقال محزة‪ :‬والذي أنزل عليه الكتاب ال أطعم اليوم طعاماً حىت‬ ‫أجالدهم بسيفي خارجاً من املدينة وكان يقول‪ :‬كان محزة يوم اجلمعة صائماً ويوم السبت صائماً‬ ‫فالقاهم وهو صائم‪ ،‬وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة فقال‪ :‬يا رسول اهلل إن قريشاً مكثت حوالً‬ ‫جتمع اجلموع وتستجلب العرب يف بواديها مث جاؤونا وقد قادوا اخليل حىت نزلوا بساحتنا‬ ‫فيجرؤهم ذلك علينا حىت يشنوا‬ ‫فيحصروننا يف بيوتنا وصياصينا مث يرجعون وافرين مل يكلموا ّ‬ ‫الغارات علينا ويضعوا األرصاد والعيون علينا وعسى اهلل أن يظفرنا هبم فتلك عادة اهلل عندنا أو‬ ‫يكون األخرى فهي الشهادة لقد أخطأتين وقعة بدر وقد كنت عليها حريصاً لقد بلغ من حرصي‬ ‫أن سامهت ابين يف اخلروج فخرج سهمه فرزق الشهادة وقد رأيت ابين البارحة يف النوم يف أحسن‬ ‫صورة يسرح يف مثار اجلنة وأهنارها وهو يقول‪ :‬احلق بنا ترافقنا يف اجلنة فقد وجدت ما وعدين ريب‬ ‫حقاً وقد واهلل يا رسول اهلل أصبحت مشتاقاً إىل مرافقته يف اجلنة وقد كربت سين ورق عظمي‬ ‫وأحببت لقاء ريب فادع اهلل أن يرزقين الشهادة فدعا له رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله بذلك فقتل‬ ‫بأحد شهيداً‪ ،‬فقال كل منهم مثل ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إين أخاف عليكم اهلزمية فلما أبوا إال اخلروج‬ ‫صلّى رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله اجلمعة بالناس مث وعظهم وأمرهم باجلد واالجتهاد وأخربهم أن‬ ‫هلم النصر ما صربوا مث صلّى العصر ولبس السالح وخرج‪ ،‬وكان مقدم قريش يوم اخلميس خلمس‬ ‫خلون من شوال وكانت الوقعة يوم السبت لسبع خلون من شوال وباتت وجوه األوس واخلزرج ليلة‬ ‫اجلمعة عليهم السالح يف املسجد بباب النيب صلى اهلل عليه وآله خوفاً من تبييت املشركني‬ ‫‪1‬‬ ‫وحرست املدينة تلك الليلة حىت أصبحوا‪.)...‬‬ ‫فرغم أن النيب صلى اهلل عليه وآله (رأى أن ال يخرج من المدينة) و (فكان رأي رسول اهلل‬

‫صلى اهلل عليه وآله مع رأيه) و (كان رأيه صلى اهلل عليه وآله أن يقاتل الرجال على أفواه‬

‫السكك‪ )...‬إال أنه اتبع رأي األكثرية عندما خالفته رغم أنه كان يرى يف رأيها خطر اهلزمية‬

‫(فقال إني أخاف عليكم الهزيمة)‪.‬‬

‫‪ 1‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪.124‬‬

‫‪31‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[إن قلت]‪ :‬كان رأي األكثرية موافقاً له صلى اهلل عليه وآله إذ (وكان ذلك رأي األكابر من‬

‫المهاجرين واألنصار)؟‬

‫[قلت]‪ :‬كال‪ ،‬إذ األكثرية كانت يف اجلانب املخالف (فأبوا إال الخروج إليهم) (فقام فتيان‬

‫أحداث‪ )...‬و (قال رجال من أهل التيه والسن منهم حمزة وسعد بن عبادة والنعمان بن‬ ‫مالك في غيرهم من األوس والخزرج) الظاهرة يف أن األكثرية الساحقة لألوس واخلزرج كانت‬ ‫ترى اخلروج من املدينة (وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة فقال‪ )...‬و (فقال كل منهم مثل ذلك‬ ‫فقال صلى اهلل عليه وآله إني أخالف عليكم الهزيمة‪ ،‬فلما أبوا إال الخروج‪ )...‬فقوله (وكان‬

‫ذلك رأي األكابر من المهاجرين واألنصار) إما حممول على جمموعة منهم كخمسة أو عشرة‬ ‫مثالً منهم كعلي عليه السالم من هذا اجلانب وعبد اهلل بن أيب من ذلك اجلانب وآخر من اجلانب‬ ‫الثالث حيث يطلق على تركيبة من هذا القبيل (األكابر) ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫وأما أن رأي (األكابر‪ )...‬تغري عندما رأوا محاسة الشباب من جانب وعزمية وإصرار أهل السن‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬وحججهم القوية من جانب ثالث (وقال الرجال من أهل التيه وأهل السن‪...‬‬

‫إنا نخشى يا رسول اهلل أن يظن عدونا إنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم فيكون هذا‬

‫جرأة منهم علينا) و (وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة فقال‪ )...‬و‪ ..‬اخل‪.‬‬ ‫ومن الواضح رغم كل األدلة أن رأي الرسول صلى اهلل عليه وآله هو األرجح واملطابق للواقع وقد‬ ‫انكشف هذا (أي قول الرسول صلى اهلل عليه وآله إين أخاف عليكم اهلزمية) لألصحاب حيث‬ ‫هزموا هزمية كبرية وقتل الكثري منهم‪ ،‬منهم محزة عليه السالم وكاد رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬ ‫يقتل لو ال تدخل اهلل اخلارجي االعجازي‪ ،‬ولذا جندهم يف غزوة األحزاب امجعة على اتباع رأي‬ ‫النيب صلى اهلل عليه وآله من البقاء يف املدينة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َص ْبتُ ْم ِمثْ لَْيها قُلْتُ ْم أَنَّى هذا‬ ‫وقد ورد في بيان شأن نزول آية ‪‬أَ َول ََّما أَصابَ ْت ُك ْم ُمصيبَةٌ قَ ْد أ َ‬ ‫قُ ْل ُه َو ِم ْن ِع ْن ِد أَنْ ُف ِس ُك ْم إِ َّن اهللَ َعلى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير‪ :1‬أقوال منها (إن ذلك خمالفتهم رسول‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وآله يف اخلروج من املدينة للقتال يوم أحد وكان النيب صلى اهلل عليه وآله دعاهم‬ ‫(‪)1()2‬‬ ‫أن يتحصنوا هبا ويدعوا املشركني إىل أن يقصدوهم فيها‪.‬‬ ‫‪ 1‬آل عمران‪.165 :‬‬

‫‪ 2‬مجمل البيان‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 533‬ذيل اوية الكريمة وقد ذكرت أملب التفاسير هذه األقوال الثالثة‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وليس االستشهاد بـ(شأن نزول هذه اآلية) حىت يقال إنه خمتلف فيه‪ 2‬بل االستشهاد مبا أمجعوا‬ ‫على القول به (وكان النبي صلى اهلل عليه وآله دعاهم أن يتحصنوا بها ويدعوا المشركين إلى‬ ‫أن يقصدوهم فيها) فتأمل‪ ،‬إذ قد يكون (وكان النبي صلى اهلل عليه وآله) من تتمة هذا القول‪،‬‬ ‫ال تتمة ناقل األقوال‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬كل املوارد املذكورة خمتصة باحلرب وشؤونه‪ ،‬ففي أول مورد استشارهم يف أصل‬

‫حماربة قريش (فاستشار أصحابه في طلب العير وحرب النفير‪ )...‬وكذا استشارته يف أمر اخلندق‬ ‫ويف أمر املقام باملدينة أو اخلروج منها يف غزوة األحزاب وهكذا‪ ...‬ومن الواضح أن (األفعال) ليس‬ ‫هلا (االطالق) أو (عموم) لتدل على حكم عام وليس هلا معقد لفظي يستدل باطالقه أو عمومه‪،‬‬ ‫هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن استشارة النيب صلى اهلل عليه وآله يف هذه املواضع دون غريها‬ ‫يكون قرينة على أن ‪‬شاورهم‪ ‬خمتصة بشؤون احلرب؟‬

‫[قلت]‪ :3‬لو كان االستدالل (بفعل) رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله على وجوب االستشارة‬

‫مطلقاً‪ ،‬مث ما ذكر من عدم عموم له ولكن االستدالل إمنا هو باآلية الكرمية وباطالق (األمر) فيها‬ ‫َح َّل اهللُ الْبَ ْي َع‪ ‬املفيد‬ ‫واملفرد احمللى يفيد االطالق أو العموم ‪ -‬كما سيجيء مفصالً ‪ -‬فهو كـ‪‬أ َ‬ ‫للعموم وذكر فعله صلى اهلل عليه وآله واستشارته يف موارد عديدة إمنا كان لدفع إشكال أن الرسول‬ ‫صلى اهلل عليه وآله مل يعمل بالشورى فيستكشف منه إنّاً عدم وجوهبا عليه بنحو االطالق‪ ...‬اخل‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل إمكان (تنقيح المناط) إذ كل مالك يوجد يف شؤون احلرب جموز للعمل برأي‬ ‫األكثرية يوجد يف سائر املوضوعات املستنبطة (كاملعاهدات الدولية وأشباهها) خاصة اذا كانت‬ ‫الشورى يف احلرب حجة مع علم النيب صلى اهلل عليه وآله مبخالفتها للواقع مع ما يرتتب على‬ ‫اتباعها من األضرار الكبرية (كما يف اخلروج من املدينة يف غزوة أحد) بل األولوية القطعية لكون‬

‫‪ 1‬علماً بين القول الثاني في شين نزولاا أيضاً نافل لما نحن فيه وهو (وثانياا أن ذلل ابختياره الفداء من األسرك ياو بادر‬ ‫وكان الحك فيا القتل وشرط علايا أن قبلاتا الفاداء قتال مانك فاي القابال بعادتا قاالوا رضاينا‪ )...‬المجمال ص‪ 533‬ومياره‬

‫كما سبي تفصيله حول مسيلة الفداء‪...‬‬

‫‪ 2‬قد ذكرنا أجوبة أخرك في مواضل أخرك من الكتاب‪ ،‬فلتراجل‪.‬‬

‫‪ 3‬ال يخفر أن بحاث العاا والخااص المتخاالفين أو المتاوافقين فاي الوجاودين اللفظياين ال فاي وجاودين أحادهما لفظاي واوخار‬ ‫عيني وان اتفقا حكماً‪ ،‬إال أننا عممنا البحث لوحدة المالل والدليل‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الدماء هي أصعب يف نظر اإلسالم من بقية املوضوعات فإذا ثبت حكم فيها ثبت يف غريها‬ ‫باألولوية القطيعة ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫[وأما] ما ذكر من (ومن جهة أخرى فإن استشارة‪.)..‬‬

‫[ففيه]‪ :‬إنه ينحل إىل شقني (استشارته صلى اهلل عليه وآله في هذه المواضع) و (عدم‬

‫استشارته في غيرها)‪.‬‬

‫[أما الشق األول]‪ :‬فريد عليه أنه ال يكون قرينة على عدم وجوب الشورى إال يف هذه املوارد‬ ‫إذ من املسلم‪ 1‬أن املتخالفني بالعموم واخلصوص واالطالق والتقييد خيصص ويقيد أحدمها باآلخر‬ ‫(كأكرم العلماء وال تكرم زيداً العامل) إذ ال ختالف وتنايف وال بدوي بينها عرفاً ولذا جتد أنه ال‬

‫تنايف بني الروايتني الشريفتني (ال يحل مال امرء إال بطيب نفسه) و(ال يحل مال امرء مؤمن إال‬

‫بطيب نفسه)‪.‬‬

‫قال احملقق اآلشتياين قدس سره يف حبر الفوائد (ال إشكال فيما أفاده قدس سره من إناطة‬ ‫االستصحاب على األخبار على جمرد عدم العلم يف مورده من غري فرق بني حصول الظن بأحد‬ ‫الطرفني وعدمه وال كالم يف ذلك عند أكثر القائلني به من باب األخبار حلصر ناقض اليقني يف‬ ‫األخبار يف اليقني والنهي عن النقض بالشك يف بعضها ال يعارضه)‪ ،2‬والسر يف قوله (ال يعارضه)‬ ‫هو ما ذكرناه من أهنما مثبتان (ال تنقض اليقني بالشك) و(ال تنقض اليقني بالشك وبالظن على‬ ‫اخلالف) أي مبطلق عدم اليقني على اخلالف هذا لو مل نقل بكون الظاهر منه (أي من الشك)‬ ‫خالف اليقني بقرينة املقابلة ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫مث حىت لو سلمنا التنايف فداللة العام أو املطلق مقدمة إذ اللق (زيداً يف املثال) وما مينزلته‬ ‫كاحلادثة املعينة اليت استشار فيها صلى اهلل عليه وآله يف ما حنن فيه‪ ،‬ال مفهوم له وحىت لو قلنا‬ ‫باملفهوم له أو أن املورد (يف الشورى) من قبيل مفهوم الوصف وقلنا حبجيته فرضاً فعند التعارض‬ ‫يقدم املنطوق على املفهوم بشهادة العرف بل ميكن إلتزام عدم انعقاد مفهوم أصالً مع وجود العام‪،‬‬ ‫كما التزم الشيخ قدس سره بنظريه يف حبث خرب الواحد يف آية النبأ من عدم انعقاد مفهوم للجملة‬

‫‪ 1‬بحر الفوائد بحث االستصحاب ص‪.10‬‬

‫‪ 2‬إذ قااد أوضااحنا أن الخااروج ماان المدينااة الااذي انعقاادت عليااه الشااورك كااان ساابب هزيمااة المساالمين لااو ال التاادخل االعجااازي‬ ‫وقتل العشرات منا ‪ ،‬وسنوضح كونه معصية عبر إثبات عد انحصار اإليصال للحي به‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الشرطية ‪‬إِ ْن جاء ُكم ِ‬ ‫فاس ٌق بِنَبٍَإ فَـتَبَـيَّـنُوا‪ ‬مع عموم التعليل إذ يدور األمر بني ختصيصه وبني رفع‬ ‫َ ْ‬ ‫اليد عن املفهوم وال شك أن الثاين أوىل عرفاً ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫[أما الشق الثاني]‪( :‬عدم استشارته في غيرها) فاجلواب عنه ما سيأيت مفصالً من اجلواب‬ ‫الثاين والثالث والرابع عن الشبهة األصلية‪.‬‬

‫[إن قلت]‪ :‬الرواية دالة يف ذيلها على خمالفته صلى اهلل عليه وآله لألكثرية (قالوا نرجع قال ما‬

‫كن لنبي‪.)...‬‬

‫[قلت]‪ :‬قد ذكرنا يف موضع آخر أن الشورى واتباع األكثرية إمنا هي فيما مل يرد فيه حكم من‬

‫اهلل والظاهر وروده ههنا (ما كان لنبي إذا قصد قوما أن يرجع عنهم) وذلك إما لالنصراف أو‬ ‫للتخصيص‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬الظاهر اضطراره للخروج حيث ورد (فأبوا إال الخروج إليهم) (فلما أبوا إال‬

‫الخروج)‪.‬‬

‫[قلت]‪ :‬الظاهر بقرينة خرب علي بن إبراهيم السابق وقرائن أخرى كثرية أن األصحاب كانوا‬ ‫ينقادون لكالم النيب صلى اهلل عليه وآله رغم خمالفته آلرائهم‪ ،‬إن مل يقبل منهم كالمهم ‪ -‬إال يف‬ ‫النادر ‪ -‬فلم يكن هنالك اضطرار هلذه القرينة املقامية ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬لقد عنفهم اهلل على ذلك ‪‬قُ ْل ُه َو ِم ْن ِع ْن ِد أَنْ ُف ِس ُك ْم‪.‬‬ ‫[قلت]‪ :‬التعنيف كان ألجل أخذ األسرى‪ 1‬مع كون احلكم فيهم القتل وقد سبق حرمة اتباع‬ ‫رأي األكثرية قبال النصل أو فيما ال حيق هلم التصرف قبل وروده أو كان ألجل املعارضة بعد نزول‬ ‫احلكم وال دليل على الردع عن (مطلق الشورى) والردع عن املتفصل بفصل خاص (كالشورى بعد‬ ‫النص) ال يكون ردعاً عن اجلنس‪ ،‬كما هو واضح‪ ،‬غاية األمر أن يكون (الردع عن الشورى بعد‬ ‫النص) خمصصاً لعموم ‪‬شا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر‪ ‬هذا إن مل نقل باالنصراف أو بالتخصيص واخلروج‬ ‫املوضوعي ملواضع ورود النص عن دائرة الشورى املطلوبة للموىل‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫[إن قلت]‪ :‬رمبا استشهد صلى اهلل عليه وآله وخفى علينا استشهاده‪.‬‬

‫‪ 1‬تقد إثبات ذلل قبل صفحات‪.‬‬

‫‪ 2‬مآل هذا إلر التخصيص فليالحظ‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[قلت‪ :‬أوال]‪ :‬أصالة العدم حمكمة وليس هذا أصالً مثبتاً إذ األثر (وهو صحة اتباع الشورى)‬ ‫ليس أثراً هلذا األصل‪ ،‬بل هو أثر اتباع النيب صلى اهلل عليه وآله لرأي األكثرية خارجاً وتقريره له‬ ‫وفعله على طبقه وهذا األصل يرفع املانع فليس مثبتاً وذلك كما أن أصالة عدم التخصيص والتقييد‬ ‫التجوز ‪ -‬اجلارية بعد الفحص عن قرينة اجملاز ‪ -‬حجة وال تعد مثبتة ألن األثر أثر املقتضي (وهو‬ ‫و ّ‬ ‫العموم واالطالق مثالً) واألصل يرفع املانع فقط فيرتتب على املقتضي أثره‪.‬‬ ‫ومن الثابت يف حمله أن رفع املانع ليس جزء املقتضي إذ الشرط ‪ -‬ومنه عدم املانع ‪ -‬متمم‬ ‫فاعلية الفاعل أو قابلية القابل ال غري‪.‬‬

‫صح كالم املستشكل‬ ‫[ثانيا]‪ :‬سلمنا لكن نقول ‪ -‬حىت لو عدمنا األصل ‪ -‬أن املورد ‪ -‬لو ّ‬ ‫بأنه صلى اهلل عليه وآله اتبع رأي األكثرية ليثبت بطالهنا ‪ -‬ألمهيته ينطبق عليه لو كان لبان‪ ،‬إذ‬ ‫ورود تصريح من النيب صلى اهلل عليه وآله بالردع عن الشورى ‪ -‬مع ارتكازها يف أذهاهنم ‪ -‬حسب‬ ‫زعم املستشكل إذ هذا ملزوم أن تكون حبيث مل ميكنه الردع عنها إال بعد إثبات خطأها عملياً ‪-‬‬ ‫ومع كوهنا عام االبتالء ال ميكن عد وصوله إلينا‪.‬‬ ‫وإن شئت قلت‪ :‬بناء العقالء يف موارد كهذه على العدم أ ال ترى أهنم يبنون على عدم وجود‬ ‫شرط زائد يف الصالة رغم احتمال وجوده عقالً إذ أن عدم ثبوت نص بعد الفحص مع أمهية‬ ‫املورد ‪ -‬والشورى وعدمها هامة لعمومية تأثري نتائجها على كل األفراد والنسحاهبا على كل‬ ‫املوضوعات املستنبطة ‪ -‬دليل عقالئي على العدم‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬لعله صلى اهلل عليه وآله اكتفى بالردع العملي‪.‬‬

‫[قلت‪ :‬أوال]‪ :‬اجلزئي ال يكون كاسباً وال مكتسباً‪ ،‬وال يكفي الوقوع يف التهلكة التباع ما أدى‬ ‫هلا يف عدم حجيته فإن غالب الظنون النوعية قد تؤدي للهلكة أحياناً كالظن الناشيء من قول‬ ‫الطبيب بأن عالج هذا املرض كذا وكذا‪ ،‬فال يكون الوقوع يف اخلطأ رادعاً اطالقاً‪.‬‬

‫[ثانيا]‪ :‬إضافة إىل عدم كفايته يف الرادعية ‪ -‬على تقدير تسليم أصل رادعيته ‪ -‬ملا هو مرتكز‬ ‫للناس بشدة حبيث مل ير صلى اهلل عليه وآله طريقاً للردع إال إيقاعهم يف التهلكة بتسويغ اتباعهم‬ ‫ما رأوه حسب استدالله‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ثالثا]‪ :‬لو سلم كال األمرين السابقني نقول‪ :‬بكونه رادعاً ٍ‬ ‫حينئذ عن اتباع رأي األكثرية يف‬ ‫صورة معارضتها لنص كالم النيب صلى اهلل عليه وآله ال غري لكون املورد هو ذاك وعدم وجود جهة‬ ‫اطالق للعمل‪.‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬إضافة إىل أن اتباع النيب صلى اهلل عليه وآله لرأي األكثرية لو كان إلثبات بطالهنا ملا‬ ‫مدح اهلل املؤمنني بقوله‪َ  :‬وأ َْم ُرُه ْم ُشورى بَ ْي نَ ُه ْم‪ ‬وملا أمر نبيه بـ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬إن املدح على (الشورى) إذا طابقت الواقع؟‬

‫[قلت‪ :‬أوال]‪ :‬القيد منفي باالطالق‪[ 1‬ولو ادعي] عدم االطالق لعدم متامية مقدمات‬

‫َح َّل اهللُ‬ ‫احلكمة لعدم كون املوىل يف مقام البيان [قلنا] إنه منقوض بكل املطلقات فمثالً ‪‬أ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫جارة َع ْن تَر ٍ‬ ‫اض‪ ..‬اخل‪ ،‬اجري فيها اإلشكال بعينه واجلواب‬ ‫الْبَ ْي َع‪ ‬و ‪‬أ َْوفُوا بالْعُ ُقود‪ ‬و‪‬ت َ‬ ‫اجلواب‪[ ،‬واألولى] أن يقال إن وزان ‪َ ‬وأ َْم ُرُه ْم ُشورى بَ ْي نَ ُه ْم‪ ‬وزان ما لو قال (أمرهم اتباع‬ ‫اجملتهد العادل) الدال على حدجية رأي اجملتهد مطلقاً علم باملطابقة أو ال وكذا ‪‬شا ِوْرُه ْم‪ ‬وزانه‬ ‫وزان (اسألوا أهل الذكر واسأل أهل اخلربة) الدال على حجيته من باب الظن النوعي ‪ -‬فتأمل‪.‬‬

‫[إضافة] إىل أن التقييد هبذا القيد (إذا طابقت الواقع) مردد بني غري املمكن للمكلف عادة‬ ‫وبني غري املمكن وقوعاً (باستحالته من احلكيم) إذ املقصود منه املطابقة للواقع يف علم اهلل أو‬

‫املطابقة له باعتقاد كل أو أحد أعضاء الشورى أو اخلارج عنها [فإن] كان األول فهو غري‬ ‫مقدور إذ معرفة املطابقة له يف علم اهلل غري مقدور للمكلف فيكون مطلوبية الشورى هبذا القيد‬ ‫لغواً‪.‬‬ ‫[وإن كان الثاني] فيلزم نقض الغرض‪ ،‬إذ لو اشرتط يف حسن الشورى ومطلوبيتها مطابقتها‬ ‫للواقع باعتقاد كل أعضاء الشورى لزم احلمل على الفرد النادر أو باعتقاد كلهم وباعتقاد كل‬ ‫اخلارجني عنها أيضاً لزم أن ال تكون حسنة على االطالق لتخالف االعتقادات هذا خلف ولو‬

‫‪ 1‬الصحيح‪ :‬ممدوحيتاا وممدوحية اتباعاا‪ ،‬فيما لو طابي رأياا الواقل بنظر األكثرية (المطابقاة للواقال بحساب الظان المعتبار‬ ‫لدك كل واحد من األكثرية) ‪-‬كما سييتي‪.-‬‬

‫‪37‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫اشرتط يف حسن اتباعها مطابقتها للواقع يف اعتقاد بعض دون بعض لزم الرتجيح بال مرجح ولزم‬ ‫‪1‬‬ ‫نقض الغرض والتهافت‪.‬‬

‫[بيان آخر]‪ :‬سيتضح الحقاً أن حسن الشورى من باب الطريقية للواقع (أو مع املوضوعية‬ ‫مجيعاً) كما يشهد بذلك الروايات (ما خاب من استشار) (من استبد برأيه هلك) ‪ -‬كما سيأيت‬ ‫تفصيله ‪ -‬فلو مل اجب أو مل حيسن اتباعها إال عند علم الفرد مبطابقتها للواقع أو قيام علمي غريها‬ ‫عليه لزم تقدمي الظن الشخصي ‪ -‬فيما مل يكن علمي على اخلالف وإال وقع التعارض بينه وبينها‬ ‫ على رأي الشورى مع أن املستفاد من روايات الشورى كوهنا حجة من باب الظن النوعي‬‫وأقربيتها للواقع من الرأي الشخصي بل والنوعي أيضاً‪ ،‬كما سيأيت أي أهنا مقدمة عليه عند‬ ‫التعارض وهذا هو التهافت‪.‬‬ ‫[وأما] نقض الغرض فألن مطلوبية الشورى باعتبار تأليف القلوب (وشبهه على املوضوعية)‬ ‫واألقربية للواقع (على الطريقية) فلو مل تكن ممدوحة عند خمالفة اعتقاد الفرد القائد أو الرئيس‬ ‫العتقاد الشورى بأن حتتم عليه الرجوع لرأيه لزم نقض الغرض من تأليف القلوب وأغلبية الوصول‬ ‫للحق (وسيأيت تفصيل هذا الكالم ودفع الشبهات عنه) إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫[وأما] لزوم الرتجيح بال مرجح فهو باعتبار الغري ال باعتبار واجد الظن الشخصي كما ال‬ ‫خيفى‪ ،‬بل باعتباره أيضاً إن مل يكن رأيه هو األغلب وصوالً للواقع فيكون ترجيحاً بال مرجح أو‬ ‫ترجيحاً للمرجوح‪.‬‬ ‫بل إن كان رأيه هو األغلب إيصاالً للواقع لزم اإلرجاع إليه واملدح على ذلك ال على اتباع رأي‬ ‫الشورى ‪ -‬وقد ذكرنا يف حمله تفصيالً أقربية رأي الشيورى للواقع من رأي الفرد ولو كان هو األعلم‬ ‫يف الشؤون العامة‪.‬‬ ‫[ورابعا]‪ :‬إن االستشهاد علي قسمني فقد يستشهد لبطالن الرأي كاستنباط وجوب صالة‬ ‫اجلمعة مثالً من خرب ما وقد يستشهد لبطالن مستنده أي مبا هو كربى كلية كحجية خرب الواحد‬ ‫ال مبا هو صغرى جزئية كهذا اخلرب أو مبا هو منطبق على املورد اخلاص‪ ،‬فقد يستشكل على حجية‬ ‫خرب الثقة تام الداللة وقد يستشكل كون هذا اخلرب مصداق تلك الكربى‪ ،‬والثاين هو النافع‬

‫‪ 1‬ال يخفاار ترتااب هااذه المحاااذير إال فااي صااورة اعتبااار مطابقتاااا للواقاال فااي نظاار األكثريااة فالماادح علاار اتباااال الشااورك إن‬ ‫طابي رأياا الواقل بنظر األكثرية‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫للمدعي وعليه إثباته وكذا التعنيف والتقريع ينقسم للقسمني أيضاً وذلك كاستشهاد فقيه بأدلة‬ ‫إلبطال رأي فقه آخر فهو ‪ -‬على تقدير متامية استشهاده ‪ -‬دليل على عدم صحة هذا الرأي من‬ ‫ذاك الفقيه ال على عدم حجية أصل اجتهاده له وملقلديه وكون اجتهاده مستنداً شرعياً فتأمل‪.‬‬ ‫الجواب الثاني‬

‫سلمنا عدم قيام الدليل على عمل النيب صلى اهلل عليه وآله بالشورى لكن ال دليل على عدم‬ ‫عمله بالشورى وخمالفته لرأي األكثرية رغم انعقادها على خالفه صلى اهلل عليه وآله يف‬ ‫‪1‬‬ ‫املوضوعات املستنبطة‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬عدم الدليل كاف يف العدم وال حاجة إلحراز العدم بدليل وجودي‪ ،‬مث‬ ‫استصحاب عدم موافقته لرأي األكثرية حمكم‪.‬‬

‫[قلت]‪ :‬أما قولك (عدم الدليل على عمل الرسول صلى اهلل عليه وآله بالشورى كايف يف عدم‬ ‫وجوب الشورى وعدم حجيتها) فغري صحيح إذ أن عدم الدليل على عمل املعصوم عليه السالم‬ ‫مبا له ظاهر ال يوجب اخلدشة يف ظهوره‪ ،‬فمثالً لو ورد (أكرموا العلماء) الظاهر يف وجوب اإلكرام‬ ‫متعلقاً بكل العلماء (ألنه مجع حملى) ومل يقلم الدليل على إكرام الرسول صلى اهلل عليه وآله لكل‬ ‫العلماء أو لبعضهم أ فهل يعد ذلك (عدم قيام الدليل على التصرف اخلارجي للرسول صلى اهلل‬ ‫عليه وآله) صارفاً لألمر عن ظهوره يف إرادة الوجوب وللجمع احمللى عن ظهوره يف إرادة العموم؟‬ ‫نعم قيام الدليل على عدم إكرامه ألي من العلماء قد يع ّد قرينة على عدم إرادة الوجوب من‬ ‫(أكرموا) وقيام الدليل على عدم إكرامه لبعضهم قرينة على عدم إرادة العموم من (العلماء) فتأمل‪،‬‬ ‫(سيأيت وجهه يف اجلواب الرابع)‪.‬‬ ‫وفيما حنن فيه‪ :‬جمرد عدم قيام دليل على عمل الرسول صلى اهلل عليه وآله بالشورى يف الشؤون‬ ‫العامة ال يصلح صارفاً لألمر الظاهر يف الوجوب ‪‬شاورهم‪ ‬عن ظهوره إال أن يتمسك بأنه مما‬ ‫لو كان لبان فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬فيما ل يرد فيه أمر إلاي خاص‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬لو كان متسكنا لوجوب الشورى وحجيتها بعدم الدليل على عدم عمله صلى اهلل‬ ‫عليه وآله بالشورى صح ما ذكر لوضوح أن عدم الدليل على عدم فعل ليس دليالً على وجوبه‬ ‫وحجيته بالبداهة‪.‬‬ ‫لكننا نتمسك لوجوهبا وحجيتها بصيغة األمر الظاهرة يف الوجوب ونقول (عدم الدليل على‬ ‫عمل الرسول صلى اهلل عليه وآله على طبق اآلية ال يصلح مانعاً من داللتها على الوجوب)‪.‬‬ ‫بعبارة أخرى‪ :‬كل ما مت املقتضي ومل حيرز املانع ثبت إرادة املعىن احلقيقي واملانع هنا هو الدليل‬ ‫على عدم عمله صلى اهلل عليه وآله بالشورى‪ ،‬وليس مبحرز بل االستصحاب يقتضي عدمه إضافة‬ ‫إىل قيام بناء العقالء على أنه (كلما شك يف املعارض بعد الفحص‪ ،‬نزل منزلة العدم)‪.‬‬ ‫وأما استصحاب عدم موافقته لرأي األكثرية ففيه أنه معارض باستصحاب عدم خمالفته لرأي‬ ‫األكثرية لكوهنما وجوديني مسبوقني بالعدم ولو األزيل منه‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬نستصحب عدم أخذه برأي األكثرية وعدم اتباعه هلا لكون استصحايب عدم‬ ‫املوافقة وعدم املخالفة حمكومني به‪ ،‬ألن املوافقة صفة األخذ أو أهنا مستلزمة له ومنتزعة منه‬ ‫واملخالفة صفة عدمه ومع وجود األصل اجلاري يف احلكم (وهو املوصوف أو امللزوم لتقدمه رتبة‬ ‫على الصفة) ال تصل النوبة لألصل يف احملكوم وهذا األصل السبيب (أصالة عدم أخذه برأي‬ ‫األكثرية) ال معارض له‪.‬‬ ‫وفيه مضافاً إىل معارضته بأصل سبيب آخر وهو أصالة عدم أخذه بالرأي املخالف لألكثرية ‪-‬‬ ‫إن األصل أصيل حيث ال دليل ومع وجود الدليل (صيغة األمر الظاهرة يف الوجوب) ال جمال‬ ‫لالستصحاب ولو استصحب عدم األخذ‪ ،‬إذ من الواضح ‪ -‬كما سبق ‪ -‬أن االستصحاب ال‬ ‫يصلح مانعاً عن انعقاد الظهور‪...‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬لنا أن نستصحب عدم أخذه برأي األكثرية من باب السالبة بإنتفاء املوضوع (أي‬ ‫مل يأخذ صلى اهلل عليه وآله برأي األكثرية لعدم انعقاد األكثرية على خالفه صلى اهلل عليه وآله)‪.‬‬

‫[قلت]‪ :‬لو تنزلنا عما سبق من أصالة األصل حيث ال دليل وعدم صالحية أصالة عدم العمل‬ ‫به أو أصالة عدم وجود موضوعه يف الصارفية عن الظهور وقلنا جبريانه هنا ‪ -‬نقول هذا الكالم‬ ‫على خالف املدعى أدل إذ ما يصلح ناقضاً لوجوب الشورى هو وجود املوضوع (انعقاد رأي‬ ‫األكثرية) وعدم ترتيب الرسول صلى اهلل عليه وآله احملمول (احلجية ووجوب االتباع) عليه ال عدم‬ ‫‪40‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وجود املوضوع أ فهل ترى (عدم وجوب التصديق) عند عدم وجود خمرب ناقضاً لوجوبه عند‬ ‫وجوده؟ فلقد علل عدم أخذه برأي األكثرية يف كثري من املوارد بعدم وجود رأي هلا معاكس لرأي‬ ‫الرسول صلى اهلل عليه وآله وهذا يف احلقيقة يدفع إشكال عدم عمله برأي األكثرية ‪ -‬كما‬ ‫سيجيء مفصالً بإذن اهلل تعاىل‪.-‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬لو كان النيب صلى اهلل عليه وآله عامالً بالشورى لبان؟‬

‫[قلت‪ :‬أوال]‪ :‬قد ذكر املؤرخون واملفسرون موارد عديدة عمل فيها النيب صلى اهلل عليه وآله‬ ‫برأي األكثرية وهي مضافاً إىل صحة سند بعضها ميكن دعوى تواترها اإلمجايل ويظهر ذلك ملن‬ ‫راجع كتب التفسري واحلديث ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫[وثانيا]‪ :‬لو سلمنا عدم ثبوت حىت مورد واحد عمل فيه الرسول صلى اهلل عليه وآله بالشورى‬ ‫لكن عمله هبا ليس مما لو كان لبان حىت يستدل ‪ -‬بعدم البينونة والظهور على عدم الكون‬ ‫والوجود بربهان اإل ّن ‪ -‬إذ أن االستشارة واملشورة مل تكن شيئاً غريباً ملفتاً للنظر‪ ،‬إذ كانت قد‬ ‫جرت عليها عادة كثري من القبائل فكانت املشورة طبيعية خاصة وأن األصحاب كانوا متواجدين‬ ‫باستمرار يف مسجد النيب صلى اهلل عليه وآله فلم تكن االستشارة حمتاجة إىل مقدمات وضوابط‬ ‫وتشريفات‪ ،‬فاستشارته صلى اهلل عليه وآله ال تعدو وقائعه صلى اهلل عليه وآله وحروبه حيث مل ترد‬ ‫فيها إال روايات بني مرسلة وصحيحة ال تبلغ واقعة منها عادة حد التواتر وإن أمكن دعوى التواتر‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ فنسأل‪ :‬قول املستشكل (لو كان النيب صلى اهلل عليه وآله عامالً بالشورى‬ ‫اإلمجايل فيها‬ ‫لبان) مراده من التايل البينونة والظهور التواتري أو البينونة والظهور املتداول يف سائر احلوادث املهمة‬ ‫وغري املهمة؟‬ ‫[فإن] قال باألول‪ :‬أنكرنا املالزمة بدليل أكثر وقائع الرسول صلى اهلل عليه وآله سواء يف‬ ‫املوضوعات الصرفة أو املستنبطة أو األحكام حيث ال (بينونة تواترية) فيها كما ال خيفى‪...‬‬

‫[وإن]‪ :‬قال بالثاين‪ :‬منعنا بطالن التايل إذ البينونة املتعارفة يف سائر الوقائع موجودة هنا وميكن‬ ‫مبراجعة البحار وغريه معرفة صدق الدعوى‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الجواب الثالث‬

‫سلمنا قيام الدليل على عدم عمله صلى اهلل عليه وآله بالشورى أحياناً أو أحياناً كثرية لكن‬ ‫نقول‪:‬‬ ‫من الواضح أن ال شورى يف قبال نص اآليات القرآنية الكرمية سواء يف األحكام أو يف‬

‫املوضوعات فيكون ‪‬وشاورهم‪ ‬منصرفاً إىل غري ذلك أو خمصصاً به‪ .‬ويف كثري من األحيان‬ ‫كانت اآليات املباركات تنزل بأمر معني من اهلل يف موضوع خارجي‪.‬‬ ‫فمن ذلك مثالً ما ورد يف تفسري النعماين قال‪( 1‬قال أمري املؤمنني يف ذكر الناسخ واملنسوخ ومنه‬ ‫أن اهلل تبارك وتعاىل ملا بعث حممداً صلى اهلل عليه وآله أمره يف بدء أمره أن يدعو بالدعوة فقط‪،‬‬ ‫شرا ونَ ِذيرا ‪ ‬و ِ‬ ‫وأنزل عليه‪ :‬يا أَيُّها النَّبِ ُّي إِنَّا أَرسل َ ِ‬ ‫داعيا إِلَى ِ‬ ‫اهلل بِ​ِإ ْذنِ​ِه َو ِسراجا‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْناك شاهدا َوُمبَ ِّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن ل َُهم ِمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل فَ ْ ِ‬ ‫ش ِر الْم ْؤِمنِ ِ‬ ‫ع‬ ‫ين َو َد ْ‬ ‫ين َوال ُْمنافق َ‬ ‫ضال َكبيرا ‪َ ‬وال تُط ِع الْكاف ِر َ‬ ‫ين بأ َّ ْ َ‬ ‫ُمنيرا ‪َ ‬وبَ ِّ ُ َ‬ ‫اهلل وَكفى بِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َوكِيال‪ ‬فبعثه اهلل بالدعوة فقط وأمره أن ال يؤذيهم فلما أرادوه‬ ‫أ ُ‬ ‫َذاه ْم َوتَ َوَّك ْل َعلَى َ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ين‬ ‫مبا مهّوا به من تبييت أمره اهلل تعاىل باهلجرة وفرض عليه القتال‪ ،‬فقال سبحانه‪ :‬أُذ َن للَّذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ص ِرِه ْم لَ​َق ِد ٌير‪ ‬فلما أمر الناس باحلرب جزعوا وخافوا فأنزل‬ ‫يُقاتَ لُو َن بِأَنَّ ُه ْم ظُل ُموا َوإِ َّن اهللَ َعلى نَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل تعاىل‪ :‬أَ لَم تَر إِلَى الَّ ِذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصال َة َوآتُوا َّ‬ ‫ب‬ ‫يموا َّ‬ ‫يل ل َُه ْم ُك ُّفوا أَيْديَ ُك ْم َوأَق ُ‬ ‫الزكا َة فَ لَ َّما ُكت َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ين ق َ‬ ‫ِ‬ ‫شو َن النَّاس َك َخ ْشي ِة ِ‬ ‫ت‬ ‫َعلَْي ِه ُم ال ِْق ُ‬ ‫اهلل أ َْو أَ َش َّد َخ ْشيَة َوقالُوا َربَّنا لِ َم َكتَْب َ‬ ‫َ‬ ‫تال إِذا فَ ِري ٌق م ْن ُه ْم يَ ْخ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َج ٍل قَ ِر ٍ‬ ‫ت‬ ‫َعلَْي نَا ال ِْق َ‬ ‫يب‪ ‬إىل قوله سبحانه‪ :‬أَيْ نَما تَ ُكونُوا يُ ْد ِرْك ُك ُم ال َْم ْو ُ‬ ‫تال ل َْو ال أَخ َّْرتَنا إِلى أ َ‬ ‫شيَّ َدةٍ‪ ‬فنسخت آية القتال آية الكف‪ ،‬فلما كان يوم بدر وعرف اهلل تعاىل‬ ‫َول َْو ُك ْنتُ ْم فِي بُ ُر ٍ‬ ‫وج ُم َ‬ ‫اجنَح لَها وتَوَّكل َعلَى ِ‬ ‫اهلل‪ ‬فلما قوى‬ ‫حرج املسلمني أنزل على نبيه ‪َ ‬وإِ ْن َجنَ ُحوا لِ َّ‬ ‫لسل ِْم فَ ْ ْ‬ ‫َ​َ ْ‬ ‫اإلسالم وكثر املسلمون أنزل اهلل تعاىل‪ :‬فَال تَ ِهنُوا َوتَ ْدعُوا إِلَى َّ‬ ‫السل ِْم َوأَنْ تُ ُم األَ ْعلَ ْو َن َواهللُ‬ ‫َن يَتِ َرُك ْم أَ ْعمالَ ُك ْم‪ ‬فنسخت هذه اآلية‪ ،‬اآلية اليت أذن هلم فيها أن اجنحوا مث أنزل اهلل‬ ‫َم َع ُك ْم َول ْ‬ ‫ِ‬ ‫وه ْم‬ ‫ين َح ْي ُ‬ ‫ث َو َج ْدتُ ُم ُ‬ ‫سبحانه يف آخر السورة (هذه من أوائل سورة التوبة؟؟؟)‪ :‬فَاقْتُ لُوا ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫وه ْم‪ ‬إىل آخر اآلية‪ ،‬ومن ذلك أن اهلل تعاىل فرض القتال على األمة فجعل‬ ‫ص ُر ُ‬ ‫َو ُخ ُذ ُ‬ ‫وه ْم َو ْ‬ ‫اح ُ‬ ‫على الرجل الواحد أن يقاتل عشرة من املشركني فقال‪ :‬إِ ْن يَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم ِع ْش ُرو َن صابِ ُرو َن يَغْلِبُوا‬

‫‪ 1‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،19‬ص‪.175‬‬

‫‪42‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ف اهللُ َع ْن ُك ْم َوعَلِ َم أ َّ‬ ‫َن فِي ُك ْم‬ ‫ِمائَتَ ْي ِن‪ ‬إىل آخر اآلية‪ ،‬مث نسخها سبحانه فقال‪ :‬اآل َن َخ َّف َ‬ ‫ض ْعفا فَِإ ْن يَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم ِمائَةٌ صابَِرةٌ يَغْلِبُوا ِمائَتَ ْي ِن‪ ‬إىل آخر اآلية‪ ،‬فنسخ هبذه اآلية ما قبلها‬ ‫َ‬ ‫فصار من ّفر من املؤمنني يف احلرب إن كانت ع ّدة املشريكن أكثر من رجلني لرجل مل يكن فاراً‬ ‫من الزحف وإن كانت العدة رجلني لرجل كان فاراً من الزحرف وساق احلديث إىل قوله عليه‬ ‫السالم ونسخ قوله سبحانه ‪َ ‬وقُولُوا لِلن ِ‬ ‫َّاس ُح ْسنا‪ ‬يعين اليهود حني هادهنم رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫عليه وآله فلما رجع من عزوة تبوك أنزل اهلل تعاىل‪ :‬قاتِلُوا الَّ ِذين ال ي ْؤِمنُو َن بِ ِ‬ ‫اهلل َوال بِالْيَ ْوِم‬ ‫َ ُ‬ ‫اآلخ ِر‪ ‬إىل قوله سبحانه ‪‬وهم ِ‬ ‫ِ‬ ‫صاغ ُرو َن‪ ‬فنسخت هذه اآلية تلك اهلدنة‪.‬‬ ‫َُ ْ‬ ‫[وقد وردت] روايات عديدة يف زئيات ما ذكر يف هذه الرواية [فمنها] ما جاء يف أنواز‬ ‫التنزيل‪ ( 1‬أ ُِذ َن لِلَّ ِ‬ ‫ين يُقاتَ لُو َن بِأَنَّ ُه ْم ظُلِ ُموا‪ ‬بسبب أهنم ظلموا وهم أصحاب رسول اهلل‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫صلى اهلل عليه وآله كان املشركون يؤذوهنم وكانوا يأتونه بني مضروب ومشجوج يتظلمون إليه‪،‬‬ ‫فيقول هلم اصربوا فإين مل أؤمر بقتال حىت هاجر‪ ،‬فأنزلت وهي أول آية نزلت يف القتال بعد ما هنى‬ ‫عنه يف نيف وسبعني آية‪.)...‬‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ين يُقاتَ لُو َن‪‬‬ ‫ويف املناقب (ملا كان بعد سبعة أشهر من اهلجرة نزل جربئيل بقوله ‪‬أُذ َن للَّذ َ‬ ‫وقلد يف عنقه سيفاً ‪ -‬ويف رواية مل يكن له غمد ‪ -‬فقال له حارب هبذا قومك حىت يقولوا ال إله‬ ‫‪2‬‬ ‫إال اهلل)‪.‬‬ ‫يل ِ‬ ‫[ومنها]‪ :‬ما ذكره الطربسي يف اجملمع‪ 3‬يف قوله تعاىل‪ :‬فَقاتِ ْل فِي َسبِ ِ‬ ‫اهلل‪ ‬قال الكليب‪:‬‬ ‫إن أبا سفيان ملا رجع إىل مكة يوم أحد واعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله موسم بدر الصغرى‬ ‫وهي سوق يقوم يف ذي القعدة‪ ،‬فلما بلغ امليعاد قال للناس‪ :‬أخرجوا إىل امليعاد فتثاقلوا وكرهو ذلك‬ ‫كراهة شديدة أو بعضهم فأنزل اهلل عز وجل هذه اآلية‪ ،‬فحرض النيب صلى اهلل عليه وآله املؤمنني‬ ‫فتثاقلوا عنه ومل خيرجوا فخرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله يف سبعني راكباً حىت أتى موسم بدر‬ ‫فكفاهم اهلل بأس العدو‪ ،‬ومل يوافهم أبو سفيان ومل يكن قتال ٍ‬ ‫يومئذ وانصرف رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫ِ​ِ‬ ‫عليه وآله مبن معه ساملني ‪‬ال تُ َكلَّ ُ ِ‬ ‫ك‪ ‬أي إال فعل نفسك ‪َ ‬و َح ِّر ِ‬ ‫ين‪‬‬ ‫سَ‬ ‫ض ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫ف إالَّ نَ ْف َ‬

‫‪ 1‬نقالً عن بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،19‬ص‪.158‬‬ ‫‪ 2‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،19‬ص‪.172‬‬

‫‪ 3‬مجمل البيان‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.104-83‬‬

‫‪43‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ف بأ َّ ِ‬ ‫ين َك َف ُروا‪ ‬أي مينع شدة الكفار‬ ‫ْس الذ َ‬ ‫سى اهللُ أَ ْن يَ ُك َّ َ َ‬ ‫على القتال‪ ،‬أي وحثّهم عليه ‪َ ‬ع َ‬ ‫وعسى من اهلل موجب ‪َ ‬واهللُ أَ َش ُّد بَأْسا‪ ‬أي أش ّد نكاية يف األعداء منكم ‪َ ‬وأَ َش ُّد تَ ْن ِكيال‪‬‬ ‫أي عقوبة‪ ،‬وقيل‪ :‬التنكيل‪ ،‬الشهرة باألمور الفاضحة ويف قوله تعاىل‪ :‬وال تهنوا‪ ‬قيل‪( :‬نزلت‬ ‫يف الذهاب إىل بدر الصغرى ملوعد أيب سفيان يوم أحد) ويف اجملمع‪ 1‬يف قوله تعاىل‪ :‬فَما لَ ُك ْم‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪ ‬اختلفوا فيمن نزلت فيه هذه اآلية فقيل نزلت يف قوم قدموا املدينة من مكة‬ ‫في الْ ُمنافق َ‬

‫فأظهروا للمسلمني اإلسالم مث رجعوا إىل مكة ألهنم استومخوا املدينة‪ ،‬فأظهروا الشرك مث سافروا‬ ‫ببضائع املشركني إىل اليمامة فأراد املسلمون أن يغزوهم فاختلفوا فقال بعضهم ال نفعل فإهنم‬ ‫مؤمنون وقال اآلخرون أهنم مشركون فأنزل اهلل فيهم اآلية يف جماهد واحلسن وهو املروي عن أيب‬ ‫جعفر عليهما السالم)‪.‬‬ ‫ويف اجملمع أيضاً‪ 2‬يف قوله تعاىل ‪َ ‬وما أَفاءَ اهللُ َعلى َر ُسولِ ِه‪( ‬قال ابن عباس نزلت يف أموال‬ ‫كفار أهل القرى وهم قريضة وبنو النضري ومها باملدينة وفدك وهي من املدينة على ثالثة أميال‬ ‫وخيرب وقرى عرينة وينبع جعلها اهلل لرسوله صلى اهلل عليه وآله حيكم فيها ما أراد‪ ،‬وأخرب أهنا كلها‬ ‫له‪ ،‬فقال أناس فهال قسمتها فنزلت اآلية)‪.‬‬ ‫ففي كل هذه املوارد جند أن (النص) من اهلل كان يأيت حبكم معني فلم يتحقق موضوع الشورى‬ ‫إذن‪ ،‬حيث جند يف الرواية األوىل (فبعثه اهلل بالدعوة فقط وأمره أن ال يؤذيهم) ففي مكة رغم أن‬ ‫املسلمني كانوا يتحرقون شوقاً لقتال املشركني (وكانوا يأتونه بني مضروب ومشجوج يتظلمون إليه‬ ‫فيقول هلم اصربوا فإين مل أؤمر بقتال ) ‪ -‬كما يف رواية أنواؤ التنزيل السابقة ‪ -‬وجند (فلما أرادوه‬ ‫مبا مهوا به من تبييت أمره اهلل باهلجرة وفرض عليه القتال) وهكذا إىل آخر ما ورد يف الروايات اليت‬ ‫نقلناها قبل قليل ويف غريها‪ ،‬واحلاصل أن موضوعها غري متحقق إذ موضوعها ما مل يرد فيه نص‬ ‫من اهلل تعاىل ومن الواضح أن رفع احملمول لرفع املوضوع‪ ،‬ال يثبت رفعه عند وجوده وإال ملا كانت‬ ‫لنا حجة إطالقاً وملا كان لنا حممول أصالً‪.‬‬ ‫وهناك موارد أخرى عديدة ورد فيها النص من اهلل تعاىل فراجع البحار اجمللد ‪ ،19‬الصفحات‬ ‫‪ 311-214-156-151-150-146-145‬واجمللد ‪ ،20‬الصفحات ‪ 64 ،18‬وغريها‪.‬‬ ‫‪ 1‬ص‪[ 76‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،19‬ص‪.]144‬‬ ‫‪ 2‬ج‪ ،9‬ص‪.260‬‬

‫‪44‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ولقد كان ذلك (أي أن موضوع الشورى هو ما مل يرد فيه نص) ‪ -‬مع قطع النظر عن كونه‬ ‫بديهياً ومن ضروريات املذهب ‪ -‬مركوزاً يف أذهان املسلمني ولذا جند يف قصة بعث النيب صلى اهلل‬ ‫عليه وآله إىل قائدي غطفان داعياً هلما إىل الصلح ‪ -‬جند سعد بن عبادة يقول (يا رسول اهلل إن‬ ‫كان هذا األمر البد لنا من العمل به ألن اهلل أمرك فيه مبا صنعت والوحي جاءك به فافعل ما بدا‬ ‫لك‪ ،‬وإن كنت ختتار أن تصنعه لنا كان لنا فيه رأي‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وآله مل يأتين وحي به‬ ‫ولكين رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة‪ ...‬فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إىل أمر‬ ‫ما‪...‬اخل)‪ 1‬جنده يقول (إن كان هذا األمر البد لنا من العمل به ألن اهلل أمرك‪ )...‬ويقول (وإن‬ ‫كنت ختتار أن تصنعه لنا كان لنا فيه رأي) فموضوع (البد لنا من العمل به) هو أمر اهلل وموضوع‬ ‫(كان لنا فيه رأي) هو (اختيار النيب صلى اهلل عليه وآله وترجيحه أحد الطرفني ‪ -‬القتضائه‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ يتحتم أيضاً إعمال رأيه صلى اهلل عليه وآله وال موضوع للشورى مع قضائه)‬ ‫بأحدمها إذ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ضى اهلل ورسولُهُ أَمرا أَ ْن ي ُكو َن لَهم ال ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ْخيَ َرةُ ِم ْن أ َْم ِرِه ْم‪ ‬وكذا‬ ‫‪َ ‬وما كا َن ل ُم ْؤم ٍن َوال ُم ْؤمنَة إِذا قَ َ ُ َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ​ُ‬ ‫لو اعمل صلى اهلل عليه وآله واليته يف أمر فال اختيار يف رده ٍ‬ ‫حينئذ‪.‬‬

‫[وإليك] مناذج أخرى من ورود النص‪ :‬منها‪ :‬قوله تعاىل ‪‬إِ ْن جاء ُكم ِ‬ ‫فاس ٌق بِنَبٍَإ فَ تَبَ يَّ نُوا أَ ْن‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫تُ ِ‬ ‫صيبُوا قَ ْوما بِ َجهال ٍَة فَ تُ ْ ِ‬ ‫ين‪ 2‬قال يف اجملمع‪( :‬نزلت يف الوليد بن‬ ‫صب ُحوا َعلى ما فَ َعلْتُ ْم نادم َ‬ ‫عقبة بن أيب معيط‪ ،‬بعثه رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله يف صدقات بين املصطلق فخرجوا يتلقونه‬ ‫فرحاً به وكانت بينهم عداوة يف اجلاهلية‪ ،‬فظن أهنم مهوا بقتله فرجع إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وآله وقال أهنم منعوا صدقاهتم وكان األمر خبالفه‪ ،‬فغضب النيب صلى اهلل عليه وآله وهم أن‬ ‫‪3‬‬ ‫يغزوهم فنزلت اآلية عن ابن عباس وجماهد وقتادة)‪.‬‬ ‫ول بَلِّ ْغ ما‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫ومنها‪ :‬نصب اإلمام أمري املؤمنني علي بن أيب طالب عليهما السالم ‪‬يا أَيُّ َها َّ‬ ‫ت ِرسالَتَهُ واهلل ي ْع ِ‬ ‫ك ِم َن الن ِ‬ ‫َّاس‪ ‬فالشورى ‪ -‬لو‬ ‫ص ُم َ‬ ‫ك ِم ْن َربِّ َ‬ ‫أُنْ ِز َل إِل َْي َ‬ ‫َم تَ ْف َع ْل فَما بَلَّغْ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ك َوإِ ْن ل ْ‬ ‫فرض أهنا كانت شورى األكثرية ومل تكن شورى عدد قليل جداً من املسلمني مدعومة باإلرهاب‪،‬‬ ‫كما أثبت ذلك املؤرخون على ما ذكر تفصيله يف العبقات والغدير وغريمها فلرياجع ‪ -‬باطلة قبال‬ ‫‪ 1‬سبي نقله عن إرشاد المفيد‪ ،‬وفي بحار األنوار ج‪ ،20‬ص‪ 252‬عنه‪.‬‬ ‫‪ 2‬الحجرات‪.7 :‬‬

‫‪ 3‬مجمل البيان المجلد الخامس الجزء التاسل ص‪.133‬‬

‫‪45‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫النص القاطع من النيب صلى اهلل عليه وآله عن اهلل يوم الغدير‪ ،‬ولذا ورد يف سورة (املعارج)‪:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪‬سأ َ​َل سائِل بِعذ ٍ ِ‬ ‫س لَهُ دافِ ٌع‪ ‬حيث قدم على النيب صلى اهلل عليه‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫اب واق ٍع ‪ ‬للْكافر َ‬ ‫ين ل َْي َ‬ ‫وآله النعمان بن احلرث الفهري فقال أمرتنا عن اهلل أن نشهد أن ال إله إال اهلل وأنك رسول اهلل‬ ‫وأمرتنا باجلهاد واحلج والصوم والصالة والزكاة فقبلناها مث مل ترض حىت نصبت هذا الغالم‪ ،‬فقلت‬ ‫من كنت مواله فعلي مواله‪ ،‬فهذا شيء منك أو أمر من عند اهلل؟ فقال صلى اهلل عليه وآله‪( :‬واهلل‬ ‫فوىل النعمان بن احلرث وهو يقول اللهم إن كان هذا هو احلق‬ ‫الذي ال إله إال هو إن هذا من اهلل‪ّ ،‬‬ ‫من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء‪ ،‬فرماه اهلل حبجر على رأسه فقتله وأنزل اهلل سأل سائل‬ ‫‪1‬‬ ‫بعذاب واقع)‪.‬‬ ‫إىل غري ذلك من املوارد اليت يعثر عليها املتتبع‪ ،‬والسر يف كثرة ورود النصوص منه تعاىل واضح‪،‬‬ ‫أما يف األحكام وأصول املذهب (كاإلمامة) فال حيتاج إىل البيان‪ ،‬إذ الشريعة من اهلل تعاىل واملقنن‬ ‫هو جل وعال وال ميكن إرجاعه للبشر على ما هو مبني يف حمله‪ ،‬إذ إرجاعه للبشر مع مالحظة‬ ‫عدم احاطتهم جبهات التشريع ومعرفتهم باملصاحل واملفاسد الواقعية الفعلية واملستقبلية‪ ،‬اجلسمية‬ ‫منها والروحية‪ ،‬الفردية واالجتماعية‪ ،‬الدنيوية واألخروية‪ ،‬ال بأصلها أحياناً كرية وال بتزامحاهتا‬ ‫واألرجح منها أحياناً كثرية أيضاً ومع مالحظة حتكم األهواء فيهم والشهوات‪ ،‬يعد أكرب ظلم‬ ‫وسن الطرق والشرائع والرسل هم احلجة‬ ‫للمجتمع البشري‪ ،‬ولذا كانت سنته تعاىل إرسال الرسل ّ‬ ‫الظاهرة إىل جانب احلجة الباطنة‪ ،‬أما يف املوضوعات فلكون النيب صلى اهلل عليه وآله يف مرحلة‬ ‫تأسيس دين عاملي ولوال أوامره تعاىل ونواهيه وتسديده يف الشؤون العامة ملا قام لإلسالم عود وال‬ ‫ارتفع له عمود ولذهب إدراج الرياح‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل أن األصحاب كانوا كثرياً ما يعطون أصواهتم للنيب صلى اهلل عليه وآله وخيولونه‬ ‫اختاذ القرار وتعيني األفضل ملا كانوا يعلمونه من رجاحة عقله ورزانة رأيه بل عصمته وارتباطه‬ ‫بالوحي ولنذكر هنا بعض النماذج منها ما ذكره يف البحار‪ 2‬يف قصة استشارته صلى اهلل عليه وآله‬ ‫يف طلب العري وحرب النفري (‪ ..‬مث قام املقداد فقال‪ :‬يا رسول اهلل إهنا قريش وخيالؤها‪ ،‬وقد آمنا‬ ‫بك وصدقنا وشهدنا أ ّن ما جئت به حق واهلل لو أمرتنا أن خنوش مجر الغضا وشوك اهلراس‪،‬‬ ‫‪ 1‬مجمل البيان المجلد الخامس ص‪ 352‬وراجل الغدير لمعرفة مختلا المصادر‪...‬‬ ‫‪ 2‬ج‪ ،19‬ص‪ 217‬وذكره في االمتاال ص‪ 74‬والسيرة‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 253‬نقالً عن هام‬

‫‪46‬‬

‫بحار األنوار‪.‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ك فَقاتِال إِنَّا‬ ‫ت َوَربُّ َ‬ ‫ب أَنْ َ‬ ‫خلضناه معك واهلل ال نقول لك ما قالت بنو إسرائيل ملوسى‪ :‬ا ْذ َه ْ‬ ‫هاهنا ِ‬ ‫قاع ُدو َن‪ ‬ولكنا نقول‪ :‬امض ألمر ربك فإنا معك مقاتلون‪ ،‬فجزاه رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫ُ‬ ‫لي أيها الناس وإمنا يريد األنصار ألن أكثر الناس‬ ‫عليه وآله خرياً على قوله ذلك مث قال‪ :‬أشريوا ع ّ‬ ‫منهم‪ ،‬وألهنم حني بايعوه بالعقبة قالوا‪ :‬إنا براء من ذمتك حىت تصل إىل دارنا‪ ،‬مث أنت يف ذمتنا‬ ‫ومننعك مما مننع آبائنا ونسائنا‪ ،‬فكان صلى اهلل عليه وآله يتخوف أن ال يكون األنصار ترى عليها‬ ‫نصرته إال على من دمهه باملدينة من عدو وأن ليس عليهم أن ينصروه خبارج املدينة‪ ،‬فقام سعد بن‬ ‫معاذ فقال‪ :‬بأيب أنت وأمي يا رسول اهلل كأنك أردتنا؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬بأيب أنت وأمي يا رسول‬ ‫اهلل‪ ،‬إنّا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند اهلل فمرنا مبا شئت وخذ من‬ ‫أموالنا ما شئت وأترك منها ما شئت واهلل لو أمرتنا أن خنوض هذا البحر خلضناه معك ولعل اهلل‬ ‫أن يريك ما تقر به عينك فسر بنا على بركة اهلل‪ ،‬ففرح بذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وقال‪:‬‬ ‫سريوا على بركة اهلل فإن اهلل وعدين إحدى الطائفتني ولن خيلف اهلل وعده)‪.‬‬ ‫فلقد أعلن سعد (الناطق بلسان أكثرية املسلمني أي األنصار) أنه واألنصار طوع إرادته صلى‬ ‫اهلل عليه وآله يف األموال واألنفس يتصرف فيها كيف يشاء مبا يشاء وأنه صلى اهلل عليه وآله مطاع‬ ‫يف أي أمر يأمره ‪ -‬وهل هناك تفويض أعلى وأرقى من ذلك؟‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫َفاء اهللُ َعلى َر ُسولِ ِه‪( :‬وعن ابن عباس قال‪:‬‬ ‫ويف البحار وعن جممع البيان يف آية ‪َ ‬وما أ َ‬ ‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله يوم بين النضري‪ :‬إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم‬ ‫ودياركم وتشاركوهنم يف هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم وال يقسم لكم شيء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صاصةٌ‪ ‬فلقد‬ ‫من الغنيمة‪ ،‬وال نشاركهم فيها‪ ،‬فنزلت ‪َ ‬ويُ ْؤث ُرو َن َعلى أَنْ ُفس ِه ْم َول َْو كا َن بِ ِه ْم َخ َ‬ ‫أبدوا مطلق التفاين وغاية اإليثار وختلوا عن حقوقهم ألن يف ذلك رضى اهلل ورسوله صلى اهلل عليه‬ ‫وآله‪.‬‬ ‫وجاء يف االمتاع للمقريزي‪( 3‬فلما غنم رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله بين النضري بعث ثابت بن‬ ‫قيس بن مشاس فدعى األنصار كلها األوس واخلزرج‪ ،‬فحمد اهلل وأثىن عليه وذكر األنصار وما‬ ‫‪ 1‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،9‬ص‪.162‬‬

‫‪ 2‬مجمل البيان‪ :‬ج‪ ،9‬ص‪.261-260‬‬ ‫‪ 3‬ص‪.182‬‬

‫‪47‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫صنعوا باملهاجرين وإنزاهلم إياهم يف منازهلم وأثرهتم على أنفسهم‪ ،‬مث قال‪ :‬إن أحببتم قسمت‬ ‫علي من بين نضري وكان املهاجرون على ما هم عليه من السكىن يف‬ ‫بينكم وبني املهاجرين ما أفاء ّ‬ ‫مساكنكم وأموالكم وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم‪ ،‬فقال سعد بن عبادة وسعد بن‬ ‫معاذ‪ :‬يا رسول اهلل بل تقسمه للمهاجرين ويكونون يف دورنا كما كانوا‪ ،‬ونادت األنصار‪ :‬رضينا‬ ‫وسلمنا يا رسول اهلل‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله (اللهم ارحم األنصار وأبناء األنصار)‬ ‫وقسم ما أفاء اهلل عليه على املهاجرين دون األنصار إال رجلني كانا حمتاجني‪ :‬سهل بن حنيف‬ ‫األنصاري‪ ،‬وأبو دجانة مساك بن خرشة األنصاري وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أيب احلقيق‬ ‫وكان سيفاً له ِذكر)‪.‬‬ ‫وهذا اخلرب يطابق مضمون سابقه مع زيادة‪ ،‬وجاء يف السرية والكامل يف التاريخ والطربي‬ ‫وغريها‪( 1‬قال حممد بن إسحاق فأقام أبو العاص مبكة على شركة وأقامت زينب عند أبيها صلى‬ ‫اهلل عليه وآله باملدينة قد فّرق بينهما اإلسالم حىت إذا كان الفتح خرج أبو العاص تاجراً إىل الشام‬ ‫فلما فرغ من جتارته وأقبل قافالً لقيته سريّة‬ ‫مبال له وأموال لقريش أبضعوا هبا معه وكان رجالً مأموناً ّ‬ ‫لرسول اهلل صلى اهلل عليه وآله فأصابوا ما معه وأعجزهم هو هارباً فخرجت السرية مبا أصابت من‬ ‫ماله حىت قدمت به على رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وخرج أبو العاص حتت الليل حىت دخل‬ ‫كرب‬ ‫على زينب منزهلا فاستجار هبا فأجارته وإمنا جاء يف طلب ماله الذي أصابته تلك السرية فلما ّ‬ ‫كرب الناس معه صرخت زينب من صفة النساء‪:‬‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله يف صالة الصبح و ّ‬ ‫أيها الناس إين قد أجرت أبا العاص بن الربيع فصى رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله بالناس الصبح‬ ‫فلما سلّم من الصالة أقبل عليهم فقال‪( :‬أيها الناس هل مستعم ما مسعت)؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال صلى‬ ‫اهلل عليه وآله‪( :‬أما والذي نفس حممد بيده ما علمت بشيء مما كان حىت مسعتم‪ ،‬إنه اجري على‬ ‫الناس أدناهم) مث انصرف فدخل على ابنته زينب فقال‪( :‬أي بنية أكرمي مثواه‪ ،‬وأحسين قراه وال‬ ‫يصلن إليك فإنك ال حتلني له) مث بعث إىل تلك السرية الذين كانوا أصابوا ماله‪ ،‬فقال هلم‪( :‬إن‬ ‫ّ‬ ‫هذا الرجل منا حبيث علمتم وقد أصبتم له ماالً فإن حتسنوا وتردوا عليه الذي له‪ ،‬فإنا حنب ذلك‬ ‫وإن أبيتهم فهو يفء اهلل الذي أفاءه عليكم وأنتم أحق به) فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل بل نرده عليه‪ ،‬فردوا‬ ‫عليه ماله ومتاعه حىت أ ّن الرجل كان يأيت باحلبل ويأيت اآلخر بالشنة ويأيت اآلخر باألدواة واآلخر‬ ‫‪ 1‬نقالً عن بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،19‬ص‪ 352‬وص‪ 354‬وذكره في ص‪ 349‬مختص اًر‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫بالشظاظ حىت ردوا ماله ومتاعه بأسره من عند آخره ومل يفقد منه شيئاً مث احتمل إىل مكة فلما‬ ‫قدمها ّأدى إىل كل ذي مال من قريش ماله ممن كان بضع معه بشيء حىت إذا فرغ من ذلك قال‬ ‫هلم يا معشر قريش هل بقى ألحد منكم عندي مال مل يأخذه؟ قالوا‪ :‬ال فجزاك اهلل خرياً لقد‬ ‫وجدناك وفياً كرمياً‪ ،‬قال‪ :‬فإين أشهد أن ال إله إال اهلل وأ ّن حممداً رسول اهلل واهلل ما منعين من‬ ‫اإلسالم عنده إال ختفواً أن تظنوا أين أردت أن آكل أموالكم وأذهب هبا‪ ،‬فإذا سلمها اهلل لكم‬ ‫وأداها إليكم فإين أشهدكم أين قد أسلمت واتبعت دين حممد صلى اهلل عليه وآله مث خرج سريعاً‬ ‫حىت قدم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله املدينة)‪.‬‬ ‫أي تفويض أقوى من هذا؟ فاملال حقهم وقد صرح بذلك الرسول صلى اهلل عليه وآله (وإن‬ ‫وّ‬ ‫أبيتم فهو يفء اهلل الذي أفاءه عليكم وأنتم أحق به) لكنهم مجيعاً يتنازلون عن حقهم لصرف أن‬ ‫الرسول صلى اهلل عليه وآله حيب ذلك (فإن حتسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا حنب ذلك‪.)...‬‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ فعدم عمل الرسول صلى اهلل عليه وآله بالشورى يف غري ما ثبت ورود نص قرآين خاص‬ ‫به ويف غري ما ثبت تارخيياً إعطاء األصحاب آرائهم له ‪ -‬مردد بني كونه لعدم وجوب الشورى‬

‫رأساً وكون آية ‪‬وشاورهم‪ ‬للندب‪ ،‬وبني ورود أمر خاص قرآين أو غري قرآين كاحلديث القدسي‬ ‫يف ذلك املورد أو كون أمره من باب إعمال الوالية يف ذلك املورد مما خيرجه من موضوع الشورى ‪-‬‬ ‫إذ سبق أن موضوعها ما مل يرد فيه نص قرآين وشبهه أو مل يكن من باب الوالية ومل ينقل الرواة‬ ‫ذلك أو مل يصل نقلهم إلينا أو مل يذكر النيب صلى اهلل عليه وآله هلم ذلك ألجله مل يستشر النيب‬ ‫صلى اهلل عليه وآله أصحابه أو استشارهم ومل يعمل برأيهم ‪ -‬إذ أن ما ورد فيه النص خارج عن‬ ‫‪1‬‬ ‫حدود الشورى ‪ -‬وبني إعطاء األصحاب أصواهتم له بقرينة مقالية أو حالية‪.‬‬

‫‪ 1111‬للتوضيح ال بيس بين نذكر بين من المقرر (أن العمل مجمل من حيث الجاة التي وقل علياا) [المراد أن العمل بماا‬ ‫هااو هااو مجماال وباحتفا فااه بق ارائن حاليااة أو مقاليااة يخاارج عاان اإلجمااال] فلااو صاالر رسااول اهلل صاالر اهلل عليااه وآلااه فااي رأس‬

‫الساعة العاشرة مثالً‪ :‬ركعتين فاذا العمل مجمل الجاة إذ ال يعل أن هاتين الركعتين كانتا واجبتين علياه أ ال؟ وعلار تقادير‬ ‫الوجوب هل وجبتا عليه بالنذر أو بالقس أو بالعنوان األولي‪ ،‬وعلر تقدير عاد الوجاوب فاال هماا مان النوافال ذات األساباب‬ ‫الخاصة (كما في صالة االستخارة والزياارة) أ ال؟ (باين كانات مان النوافال المبتدئاة) ‪-‬وهكاذا وهلا جا ار‪ -‬وال بايس باين ناذكر‬

‫بع‬

‫األمثلة لاذه القاعدة‪:‬‬

‫فمناا‪ :‬ما ذكاره الشايخ األنصااري قادس اهلل ساره فاي بحاث خبار الواحاد بقولاه (‪ ...‬إنماا المعلاو مان حاالا ) أمار مجمال وهاو‬

‫(أنا عملوا بيخباار وطرحاوا أخباا اًر فلعال وجاه عملاا بماا عملاوا كوناه متاوات اًر أو محفوفااً عناده بخاالا ماا طرحاوا علار ماا‬

‫‪49‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫يدعيه السيد‪[ )...‬الرسائل عند ذكر اإلجماال المنعقد علر حجية خبر الواحد‪ ،‬ص‪ ]94‬وقال (‪ ...‬ألن العمل مجمل من أجل‬ ‫الجاة التي وقل علياا) [أوثي الوسائل في شرح الرسائل للمرحو مير از موسر التبريزي قدس سره ص‪.]165‬‬

‫وقال المرحو التبريزي في األوثي انتصا اًر للشيخ قدس سره (‪ ...‬نع يرد علر الوجاين أن جالة عمل الفقااء بيخبار اوحاد‬ ‫مختلفة ألن جماعة ومنا الشاايد فاي الاذكرك قاد عملاوا بمطلاي الظان وظااهره اعتباار األخباار أيضااً مان هاذه الجااة‪ ،‬نعا‬

‫ظااهر المشااور اعتبارهاا ماان بااب الظناون الخاصااة‪ ،‬وال رياب أن إجمااعا علار اعتبارهااا مال اخاتالا جاااة عملاا بااا باال‬

‫ومل إجمالاا أيضاً ال يفيد اعتبارها من باب الظنون الخاصة كما هو المقصود في المقاا ) [أوثاي الوساائل فاي شارح الرساائل‬

‫للمرحو مير از موسر التبريزي قدس سره ص‪.]165‬‬

‫وقال الشيخ قدس سره أيضاً (وأما ثانياً فألن ما ذكر من االتفاي ال ينفل حتار فاي الخبار الاذي علا اتفااي الفرقاة علار قبولاه‬

‫والعمل به ألن الشرط في االتفااي العملاي أن يكاون وجاه عمال المجمعاين معلومااً أ ال تارك أناه لاو اتفاي جماعاة يعلا رضااء‬

‫االمنا عليه السال بعملا علر النظر إلر امرأة لكن يعل أو يحتمل أن يكون وجه نظاره كونااا زوجاة لبعضاا وأمااً وخار‬ ‫وبنتاً لثالثة وأ زوجحة لرابل وبنات زوجاة لخاامس وهكاذا فاال يجاوز لغياره ممان ال محرمياة بينااا وبيناه أن ينظار إليااا مان‬ ‫جاة اتفاي الجماعة الكاشا عن رضر اإلما عليه السال بل لو رأك شخص اإلما ينظر المارأة فاال يجاوز لعاقال التيساي‬

‫به؟ وليس هذا كله إال من جاة أن الفعل ال داللة فيه علر الوجه الذي يقل عليه فالبد في االتفاي العملاي مان العلا بالجااة‬

‫والحيثية التي اتفي المجمعون علر إيقاال الفعل من تلل الجااة والحيثياة ومرجال هاذا إلار وجاوب إجاراز الموضاوال فاي الحكا‬ ‫الشرعي المستفاد من الفعل ففيما نحن فيه إذا علا باين بعا‬

‫المجمعاين يعملاون بخبار مان حياث علماه بصادوره باالتواتر أو‬

‫بالقرينة وبعضاا مان حياث كوناه ظانااً بصادوره قاطعااً بحجياة هاذا الظان فاإذا لا يحصال لناا العلا بصادوره وال العلا بحجياة‬

‫الظن الحاصل منه أو علمنا بخطي من يعمل به ألجل مطلاي الظان أو احتملناا خطايه فاال يجاوز لناا العمال باذلل الخبار تبعااً‬

‫للمجمعين) [الرسائل‪ :‬ص‪ ،]102-101‬وقد نقلناه بطوله لمزيد الفائدة‪.‬‬

‫ومنااا ماا ذكاره المرحاو التبريازي فاي األوثاي فاي بحااث االستصاحاب (وتوضايحه أن العمادة فاي دعاوك خاروج العادميات ماان‬ ‫محال النازاال‪ ،‬هااو مااا ادعااه صاااحب الريااا‬

‫ماان اإلجماااال وال رياب أن هااذه الاادعوك إنمااا نشايت ماان مالحظااة عماال العلماااء‬

‫باألصول العدمية أصوالً وفروعاً‪ ،‬وال ريب أن العمل من حيث كونه من قبيل األفعال ال ظاور له في الجاة التي وقل علياا‬

‫الجماله مان هاذه الجااة كماا قارر فاي اإلجمااال التقييادي‪ ،‬وحينئاذ نقاول إن المادعر فاي المقاا حجياة االستصاحابات العدمياة‬

‫بمعنر كون ثبوت العد في الزمان الثاني مستنداً إلر ثبوته في الزمان األول كما هو المايخوذ فاي مفااو االستصاحاب وهاذا‬ ‫مير ثابت من عمل العلماء ألن ماية ما يستفاد من جاة عملا حكما بثبوت االعدا عن الشل في ثبوتااا وأماا كاون ذلال‬

‫المؤدك له مثل قاعدة الشل فاي الماانل مال‬ ‫من جاة استصحاب العد بالمعنر الذي عرفته أو ألجل قواعد أخرك موافقة في‬ ‫م‬ ‫احراز المقتضر حيث يحكمون بعد المانل في مواردها وقاعدة كون عد الدليل دليل العد وقاعدة الب ارئاة ونحوهاا فاال داللاة‬ ‫لعملا ا علاار تعيااين أحااد هااذين األم ارين فيحتماال أن يكااون بنااائا علاار العااد فااي مباحااث األلفاااظ مثاال أصااالة عااد النقاال‬

‫واالشترال و أصاالة عاد قريناة المجااز أو التخصايص أو التقيياد أو نحاو ذلال ألجال كاون عاد ال مادليل دلايالً ظنيااً علرالعاد‬

‫والظن معتبر في مباحث األلفاظ عنده ويحتمل كون العمل بالظواهر ونفي قرينة المجاز والتخصايص والتقيياد ألجال قاعادة‬

‫الكلياة المشاكول فيااا ألجال قاعادة الباراءة وكاذلل البنااء علار [عاد ؟؟؟]‬ ‫إحراز المقتضي والشل في المانل وكذا نفي األحكا‬ ‫م‬ ‫النسخ ألجل طاور الكال في االستمرار أو قضاء العادة بذلل‪ ...‬الخ) [أوثي الوسائل أوائل بحث االستصحاب ص‪.]441‬‬ ‫وقال الشيخ ره (‪...‬نع قد يتحقي في بع‬

‫الموارد قاعدة أخرك توجب االخذ بمقتضر الحالة السابقة ‪ ،‬كقاعدة قبح التكليا‬

‫مان بياان ‪ ،‬أو عاد الادليل دليال العاد ‪ ،‬أو ظااور الاادليل الادال علار الحكا فاي اساتم ارره أو عموماه أو إطالقاه أو ذلاال ‪ .‬و‬

‫هذا ال ربط له باعتبار االستصحاب) [الرسائل أوائل بحث االستصاحاب‪ :‬ص‪ .]323‬ومنااا ماا ذكاره اوخوناد الخ ارسااني فاي‬

‫‪50‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إذا عرفت ذلك نقول إن عدم عمل الرسول صلى اهلل عليه وآله بالشورى ‪ -‬على تقدير ثبوته ‪-‬‬ ‫مردد بني املانع عن ظهور األمر فيما هو ظاهر فيه‪ 1‬وبني غري املانع إذ لو كان وجهه األول كان‬

‫مانعاً عن إرادة الوجوب من ‪‬شاورهم‪ ‬ولو كان وجهه الثاين أو الثالث أو الرابع أو اخلامس مل‬ ‫يكن مانعاً إذ يف الثاين والثالث والرابع عدم االستشارة لعدم حتقق موضوعها أو منصرفها وهو (ما‬ ‫مل يرد فيه نص إهلي) و (ما مل يكن من باب الوالية) ومن الواضح أن انتفاء احلكم النتفاء‬ ‫املوضوع ال يعين انتفائه مع وجود املوضوع فال يصلح مانعاً عن ظهور األمر يف الوجوب مع حتقق‬ ‫املوضوع‪ ،‬وأما األخري فليس مانعاً أيضاً إذ ليس معارضاً حىت يكون مانعاً إذ ال مانعة مجع بني‬ ‫وجوب العمل برأي األكثرية وبني العمل برأيه صلى اهلل عليه وآله عند تفويض األكثرية الرأي إليه‬ ‫بل هذا صغرى ذاك‪ ،‬ألنه عمل برأي األكثرية حقيقة‪ ،‬غاية األمر أن العمل برأيها اإلمجايل ههنا إذ‬ ‫ال رأي تفصيلي هلا قبل التفويض إذ أن رأيها هو (ما يرتأيه صلى اهلل عليه وآله) أو برأيها الثانوي‬ ‫مع ختليها عن رأيها األويل ألجله صلى اهلل عليه وآله‪.‬‬ ‫وإذا تردد الشيء (عدم عمله صلى اهلل عليه وآله بالشورى) بني املانعية والال مانعية كان األصل‬ ‫عدم املانعة واملانعية موقوفة على إثبات سائر االحتماالت‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬لنا أصل حاكم وهو أصالة عدمك ورود أمر إهلي خاص وأصالة عدم كونه من‬ ‫باب الوالية وأصالة عدم إعطاء أصحابه آرائهم له صلى اهلل عليه وآله‪.‬‬ ‫[قلت‪ :‬أوال]‪ :‬األصل مثبت‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫[وثانيا]‪ :‬حيث إن هذا األصل احلاكم معارض مبثله وهو أصالة عدم كون عمله قرينة على كون‬ ‫األمر للندب‪ ،‬لذا تصل النوبة لألصل احملكوم السابق الذكر‪.‬‬

‫حاشية الرسائل بقوله (وأما االستقراء فعلر تقدير تسلي أن الشارال قد حك فاي جميال ماوارد الشال فاي البقااء مان جااة ال ارفال‬

‫ال يوجب ذلل القطل بلزو العمل علر طباي الحالاة الساابقة الحتماال أن يكاون ذلال ألجال لازو العمال علار وفاي المقتضاي‬

‫عند الشل فاي ال ارفال) [حاشاية الرساائل لدخوناد قاده ص‪ 178‬عناد التعلياي علار قاول الشايخ قاده (لناا علار ذلال وجاوه األول‬

‫ظاور كلمات جماعة‪ )...‬ص‪ 329‬من الرسائل]‪ ،‬وهذه الموارد وان أمكنت المناقشة في بعضاا إال أن ذلال مان جااة أخارك‬

‫ال من جاة الكبرك الكلية (العمل مجمل من أجل الجاة التي وقل علياا) فليتدبر جيداً‪.‬‬

‫‪ 1‬إذ لااو كااان عااد عملااه لعااد وجوباااا ثبوتااً وأمكاان نفااي سااائر االحتماااالت وخلياات اويااة ماال هااذا االحتمااال فااي عااد عملااه‬

‫بالشورك كان عد العمل إثباتاً قرينة صارفة عرفاً لألمر عن ظاوره في الوجوب‪ ،‬فتيمل‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[إن قلت]‪ :‬حمتمل القرينية املتصل خمل بالظهور‪ ،‬إذ كلما كان الكالم حمفوفاً أو مقروناً حبال أو‬ ‫مقال يصلح ألن يكون قرينة إلرادة خالف الظاهر منه يرتفع الظهور عنه ويصري من اجملمالت‬ ‫وذلك مثل اإلنشاء املتعقب جلمل متعددة وكاألمر الوارد عقيب احلظر أو تومهه‪.‬‬

‫[قلت‪ :‬أوال]‪ :‬ال دليل على ذلك واملوارد خمتلفة بنظر العرف ومما يشهد بأن (املوارد خمتلفة‬ ‫بنظر العرف( ‪ -‬إضافة إىل الوجدان وظهور ذلك ملن تتبع فهم العرف يف املوارد املختلفة ‪ -‬ما نقله‬ ‫املرحوم اآلشتياين عن الشيخ رضوان اهلل تعاىل عليهما يف حبث االستصحاب حيث أورد على‬ ‫االستدالل بالصحيحة األوىل لزرارة رمحه اهلل (بأن سبق اليثني وإن مل يكن قرينة للعهد فال إشكال‬ ‫يف كونه صاحلاً ألن يعتمد املتكلم عليه ويريد العهد من الالم يف اليقني ال اجلنس‪ ،‬وقد تقرر يف‬ ‫مسألة حجية الظواهر وفاقاً لشيخنا األستاذ العالمة أن كلما كان الكالم حمفوفاً أو مقروناً حبال أو‬ ‫مقال ال يصلح‪ ...‬اخل) فأجاب الشيخ قدس سره (بأن ما تقرر يف حمله ليس قضية دائمة بل رمبا‬ ‫يتخلف من جهة خصوص املقام وحنن جند بالوجدان ظهور الالم يف اجلنس يف خصوص املقام ولو‬ ‫‪1‬‬ ‫مع مالحظة سبق ذكر اليقني)‪.‬‬

‫[ثانيا]‪ :‬سلمنا لكن (املوجود احملتمل للقرينية) ههنا ليس متصالً‪ ،‬إذ موارد عدم عمل النيب‬ ‫صلى اهلل عليه وآله بالشورى كانت قبل أن نزول اآلية أو بعده ال معه‪ ،‬فمحتمل القرينية منفصل‬ ‫إذن واحتمال وقوع حادثة يف آن نزول اآلية مل يعمل فيها النبيب صلى اهلل عليه وآله بالشورى‬ ‫مدفوع باألصل وبأنه بعيد إىل الغاية‪ ،‬واالتصال هو احملتاج لإلحراز ألن األثر (وهو سقوط الظهور‬ ‫عن احلجية) متفرع عليه‪.‬‬ ‫[وإن قلت]‪ :‬إن أصالة عدم االتصال معارضة بأصالة عدم االنفصال‪.‬‬

‫[قلت]‪ :‬إذن يتعارضان فيتساقطان فال حمرز لإلتصال الذي يرتتب األثر عليه‪.‬‬

‫‪ 1‬بحر الفوائد في شرح الفرائد للمرحو اوشتياني قدس سره ‪-‬بحث االستصحاب‪ -‬ص‪.26‬‬

‫‪52‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الجواب الرابع‬

‫إن وجوب الشورى ‪ -‬على تقديره ‪ -‬مردد بني املوضوعية والطريقية وعلى كال التقديرين ال‬ ‫يكون عدم عمل النيب صلى اهلل عليه وآله بالشورى ‪ -‬على فرض تسليمه ‪ -‬دليالً على عدم‬ ‫الوجوب‪.‬‬

‫بيان ذلك‪ :‬إن وجوب الشورى [إن كان] من باب املوضوعية (بأن مل يكن من باب األقربية‬ ‫للواقع بل لوجود مصلحة يف نفس الشورى واالستشارة مع قطع النظر عن الواقع واإليصال إليه‬ ‫مثل‪ :‬تأليف القلوب‪ ،‬وإظهار االعتماد عليهم و‪ -...‬كما أن اعتبار العدالة يف باب الفتوى مثالً‬ ‫مأخوذ من باب املوضوعية إذ حىت لو علم بعدم كذب الفاسق يف استنباطه (أي يف إخباره أن هذا‬ ‫هو ما استنبطه مستفرغاً وسعه) ال اجوز تقليده وكذا يف باب الشهادة) فرمبا يكون عدم عمله‬ ‫بالشورى من باب التزاحم ال لعدم وجوهبا (كما يف كل واجدي املالك مع أمهية أحد املالكني)‬ ‫بأن عارضها ذو مالك أقوى فعمل صلى اهلل عليه وآله به وتركها‪ ،‬فمثالً‪ :‬قد يكون عدم عمله‬ ‫بالشورى من باب دوران األمر بني العمل بالشورى وبني حفظ بيضة اإلسالم كما يف بعض‬ ‫احلروب‪ ،‬كما كان عفو رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله عن أهل مكة وعفو اإلمام أمري املؤمنني عليه‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين يُحا ِربُو َن اهللَ‬ ‫السالم عن أهل البصرة مع أهنم بغاة حكمهم القتل ونظائره ‪‬إِنَّما َجزاءُ الذ َ‬ ‫ض فَسادا أَ ْن ي َقتَّ لُوا أَو يصلَّبوا أَو تُ َقطَّع أَي ِدي ِهم وأَرجلُهم ِمن ِخ ٍ‬ ‫َوَر ُسولَهُ َويَ ْس َع ْو َن فِي األ َْر ِ‬ ‫الف‬ ‫ْ َُُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ْ َ ُْ ُ ْ ْ‬ ‫أ َْو يُ ْن َف ْوا ِم َن األ َْر ِ‬ ‫ض‪ ‬من هذا الباب (أي من باب التزاحم) وأرجحية مالك العفو ومصلحته‬ ‫على مالك القتل وكما كان امر النيب واألئمة عليه وعليهم السالم بالعمل بالظواهر يف باب القضاء‬ ‫وأضرابه وعملهم هبا من هذا الباب (لتزاحم مصلحة الواقع مبصحلة (ضرب القانون) و(كوهنم‬ ‫للناس أسوة))‪.‬‬ ‫[وأما] إن كان وجوهبا من باب الطريقية مبالك أقربية رأي األكثرية إىل الواقع من رأي الفرد‪،‬‬ ‫فكذلك ال يكون عدم عمله صلى اهلل عليه وآله هبا دليالً على عدم حجيتها ووجوهبا إذ يف باب‬ ‫الطرق الشرعية يقدم األقوى على األضعف سواء كان املناط يف احلجية الظن النوعي مطلقاً أو مع‬ ‫عدم الظن الشخصي باخلالف أو كان املناط الظن الشخصي (كخرب الواحد واالستصحاب بناء‬

‫‪53‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫على كونه حجة ال من باب التعبد)‪ 1.‬فتأمل‪ ،‬وكتعارض خربين ألحدمها مرجح صدوري أو جهيت‬ ‫أو مضموين حسب املشهور من الرتجيح مبالك األقربية للواقع والتعدي على املرجحات‬ ‫املنصوصة)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ نقول‪ :‬من املسلّم أن ما يراه الرسول صلى اهلل عليه وآله مطابق للواقع مائة يف املائة‬ ‫والشورى غالبة املطابقة ومن الواضح ترجح دائم املطابقة على غالبها ولزوم اتباعه دونه‪...‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬فللفقيه احلق ‪ -‬إذن مبخالفة رأي األكثرية واتباع رأيه يف املوضوعات املستنبطة‬ ‫ألنه يرى رأيه األقرب مطابقة للواقع؟‬ ‫[قلت]‪ :‬كال إذ سيجيء مفصالً إثبات أن رأي الشورى أقرب للواقع وأن الظن النوعي‬ ‫احلاصل منها أقوى من احلاصل من استنباط املستنبط‪...‬‬

‫[إن قلت]‪ :‬لو كان رأي النيب صلى اهلل عليه وآله دائم املطابقة فال يصح إاجاب الشورى غري‬ ‫دائمة املطابقة‪ ،‬عليه‪.‬‬ ‫[قلت]‪ :‬املالزمة صحيحة واإلشكال وارد لو قلنا بأن وجوهبا عليه صلى اهلل عليه وآله من باب‬ ‫الطريقية الصر فة حيث يقال كيف أوجبها اهلل عليه مع دائمة مطابقة رأيه وغالبية مطابقتها أما لو‬ ‫التزمنا بوجوهبا عليه من باب املوضوعية أو من باب املوضوعية والطريقية‪ 2‬فال‪ ،‬إذ ليس امللحوظ يف‬ ‫ما ليس حجيته ووجوبه من باب الطريقية الصرفة‪ ،‬الواقع إطالقاً أو مبفرده حىت يكون األمر باتباع‬ ‫غري دائم املطابقة‪ ،‬قبيحاً ونقضاً للغرض‪ ،‬وإما أن وجوهبا علينا هل هو من باب الطريقية أو‬ ‫املوضوعية أو من باب حلاظ اجلهتني فسيجيء إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫بعبارة أخرى‪ :‬ال تعد أقربية إحدى احلجتني إىل الواقع مرجحة له على اآلخر فيما لو كان اآلخر‬ ‫حجة من باب املوضوعية‪ 3‬ولذا جتد الفقهاء ال يرجحون يف باب التعارض باألصل ‪ -‬إال لو كانوا‬ ‫قائلني حبجيته من باب الظن النوعي حيث يتقوى به ٍ‬ ‫حينئذ اخلرب املوافق له فيكون أقرب إىل احلق‬ ‫‪ 1‬قال في بحر الفوائد في شرح الفرائد ص‪ 65‬من بحث التعادل والتراجيح (األصل سواء كان شرعياً محضااً أو عقليااً كاذلل‬ ‫تعليقااي بالنساابة إلاار الاادليل االجتاااادي وان قياال باعتبااار األصاال ماان باااب الظاان فإنااه ل ا يعاااد علاار هااذا القااول أيض ااً تااوه‬ ‫معارضة األصل للدليل االجتاادي)‪.‬‬

‫المؤدك) عند جعل الحجية ولزو االتباال‪.‬‬ ‫‪ 2‬المراد لحاظ الجاتين (مصلحة سلول الطريي ومصلحة‬ ‫م‬ ‫‪ 3‬الجامل هو أن ما ال تكون حجيته من باب الطريقياة ال يقاوي ماا حجيتاه مان بابااا وال يوجاب وهان حجيتاه ماا يكاون أقارب‬ ‫إلر الواقل منه علر تقدير كونه حجة من باب الطريقية‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ من الرتجحي به إال لزوم ختصيص أخبار التخيري مبا إذا مل يكن هناك‬ ‫والواقع‪ 1‬فال مانع‬ ‫أصل على طبق أحدمها وهو إخراج ألكثر موارد األخبار‪ ،‬إذ بناء على حجيته من باب التعبد ال‬ ‫تشمله الكلية املستفادة من الروايات الواردة يف الرتجيح من الرتجيح مبا يوجب نفي الريب اإلضايف‬ ‫(فإن اجملمع عليه ال ريب فيه)‪ 2‬حيث علل عليه السالم األخذ باملشهور‪ ،‬به وكذلك قوله عليه‬ ‫السامل (دع ما يريبك إىل ما ال يريبك) ومن ترجيح اخلرب املخالف للعامة معلالً بـ(ما خالف العامة‬ ‫ففيه الرشاد وأن احلق فيما خالفهم‪ 3‬وأن ما وافقهم فيه التقية إىل آخر الروايات) الظاهر كل ذلك‬ ‫يف الرتجيح مبناط األقربية‪.‬‬ ‫الجواب الخامس‬

‫سلمنا عدم وجوب الشورى على الرسول صلى اهلل عليه وآله لكن ذلك ال ينفي وجوهبا على‬ ‫سائر املسلمني بل ال ينفي استفادة وجوهبا من نفس آية ‪‬وشاورهم في األمر‪ ‬وإن خرج النيب‬ ‫صلى اهلل عليه وآله املخاطب هبا عن احلكم‪...‬‬ ‫بيان ذلك يتم يف ضمن أمرين‪:‬‬

‫[األمر األول]‪ :‬إن األوامر والنواهي القرآنية املوجهة للنيب صلى اهلل عليه وآله بصيغة املخاطب‬ ‫املفرد‪ ،‬األصل فيها أن تكون عامة لكل املسلمني غري خمتصة بالنيب صلى اهلل عليه وآله إال ما ثبت‬ ‫من اخلارج اختصاص النيب صلى اهلل عليه وآله به والدليل على ذلك ما ثبت باإلمجال وبالضرورة‬ ‫من اشرتاك املسلمني مع النيب صلى اهلل عليه وآله يف األحكام مجيعاً إال ما قام الدليل اخلارجي‬ ‫على أنه من خمتصات النيب صلى اهلل عليه وآله كوجوب السواك‪ ،‬ووجوب صالة الليل وصحة هبة‬ ‫سها لِلنَّبِ ِّي‪ ‬صلى اهلل عليه‬ ‫املؤمنة نفسها له صلى اهلل عليه وآله ‪َ ‬و ْام َرأَة ُم ْؤِمنَة إِ ْن َو َهبَ ْ‬ ‫ت نَ ْف َ‬ ‫وآله والزيادة على األربع‪ ...‬اخل وعلى هذا فكل ما مل ينص على إخراجه من هذا العموم وكونه من‬

‫‪ 1‬ق ااال الش اايخ ق اادس سا اره (فالب ااد م اان التا ا از ع ااد الت اارجيح با ااا (أي باألص ااول) وأن الفقا اااء إنم ااا رجحا اوا بيص ااالة الب ارئ ااة‬

‫واالستصااحاب فااي الكتااب االساتداللية ماان حيااث بنااائا علاار حصااول الظاان النااوعي بمطابقااة األصاال‪ )...‬الرسااائل‪ :‬ص‪،73‬‬

‫س‪.2‬‬

‫‪ 2‬مقبولة عمر بن حنظلة‪ ،‬الكافي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،67‬ح‪ ،10‬ط دار الكتب اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪ 3‬مرفوعة ز اررة‪ ،‬عوالي اللئالي‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪ ،133‬ح‪.229‬‬

‫‪55‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫املختصات داخل يف العموم ملا قرر يف حبث األلفاظ من األصول من أن العام املخصص وإن كان‬ ‫باملتصل له ظهور يف الباقي وعلى ذلك بناء العقالء يف كل عام أو مطلق خصص أو قيد ويتضح‬ ‫هذا مبالحظة أن املوىل لو أمر عبده بإكرام العلماء واستثىن زيداً بقرينة متصلة أو منفصلة‪ ،‬فهل‬ ‫حيب للعبد أن يتعلل لعدم إكرامه اآلخرين بعدم انعقاد ظهور للعام يف الباقي بعد ثلم ظهوره يف‬ ‫املعىن املوضوع له؟ وكذا لو استثىن جمموعة من العلماء بل أصنافاً منهم‪...‬‬ ‫هذا إضافة إىل أن املتتبع لآليات الكرمية اجد جريان سنة اهلل جل وعال يف كثري من املوارد على‬ ‫إنزال حكم عام وقاعدة شاملة لكل املسلمني ولكن بصيغة خطاب موجه للنيب صلى اهلل عليه‬ ‫وآله إذ أن اخلطاب حيتاج إىل طرف وكثرياً ما حيسن يف احلكمة كون طرف اخلطاب أحد املأمورين‬ ‫وعدم توجيه اخلطاب جلميعهم إما ألفضليته اوة لشدة العناية به أو لكونه هو الشاغل للمركز‬ ‫القيادة أو لكونه هو املأمور بتبليغ احلكم للمسلمني أو لكونه هو املصداق الفعلي أو غري ذلك‬ ‫من املصاحل واحلكم‪...‬‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‬ ‫وإليك بعض األمثلة من القرآن احلكيم‪ :‬قال تعاىل‪ :‬يا أَيُّ َها النَّب ُّي جاهد الْ ُك َّف َار َوال ُْمنافق َ‬ ‫ظ َعلَْي ِه ْم‪ 1‬فمع أن جهاد الكفار واملنافقني واجب على اجلميع مع ذلك وجه اخلطاب‬ ‫َوا ْغلُ ْ‬ ‫للنيب صلى اهلل عليه وآله بالذات‪ ،‬يا أَيُّها النَّبِ ُّي‪ ‬وبصيغة املفرد ‪ِ ‬‬ ‫جاه ِد‪‬؟‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪َ  2...‬واتَّبِ ْع ما يُوحى‬ ‫ين َوال ُْمنافق َ‬ ‫وقال سبحانه‪ :‬يا أَيُّ َها النَّب ُّي اتَّ ِق اهللَ َوال تُط ِع الْكاف ِر َ‬ ‫ك‪ 3‬فهل وجوب اتباع ما يوحى إليه صلى اهلل عليه وآله من ربه خمتص به؟‬ ‫ك ِم ْن َربِّ َ‬ ‫إِل َْي َ‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ ‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫َحلَلْنا‬ ‫ين َو َد ْ‬ ‫عأ ُ‬ ‫َذاه ْم‪ ‬يا أَيُّ َها النَّبِ ُّي إِنَّا أ ْ‬ ‫ين َوال ُْمنافق َ‬ ‫‪َ ‬وتَ َوَّك ْل َعلَى اهلل‪َ  ‬وال تُط ِع الْكاف ِر َ‬ ‫ت ي ِمين َ ِ‬ ‫ك وب ِ‬ ‫ك‬ ‫نات َع ِّم َ‬ ‫واج َ‬ ‫لَ‬ ‫ك الالَّتِي آتَ ْي َ‬ ‫ورُه َّن َوما َملَ َك ْ َ ُ‬ ‫َفاء اهللُ َعلَْي َ َ َ‬ ‫ت أُ‬ ‫َك أَ ْز َ‬ ‫ُج َ‬ ‫ك م َّما أ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك وب ِ‬ ‫وب ِ‬ ‫نات خاالتِ َ ِ‬ ‫ت‬ ‫ك َو ْام َرأَة ُم ْؤِمنَة إِ ْن َو َهبَ ْ‬ ‫هاج ْر َن َم َع َ‬ ‫نات َع َّماتِ َ‬ ‫ك الالَّتي َ‬ ‫ك َوبَنات خال َ َ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫سها لِلنَّبِ ِّي‪ 6‬نعم اهلبة خمتصة به للدليل اخلارجي وكذا الفيء املعني‪...‬‬ ‫نَ ْف َ‬ ‫‪ 1‬التوبة‪.73 :‬‬

‫‪ 2‬األحزاب‪.1 :‬‬ ‫‪ 3‬األحزاب‪.2 :‬‬ ‫‪ 4‬األحزاب‪.3 :‬‬

‫‪ 5‬األحزاب‪.48 :‬‬ ‫‪ 6‬األحزاب‪.50 :‬‬

‫‪56‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ك وبناتِ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َعلَْي ِه َّن ِم ْن‬ ‫وقال تعاىل‪ :‬يا أَيُّ َها النَّبِ ُّي قُ ْل ألَ ْزواج َ َ َ‬ ‫ين يُ ْدن َ‬ ‫ك َونساء ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫َجالَبِيبِ ِه َّن‪ 1‬فمع أن وجوب القول لألزواج والبنات ونساء املؤمنني وأمرهم باحلجاب حكم عامل‬ ‫(عام؟؟؟) لكل قادر على األمر باملعروف مع ذلك وجه اهلل تعاىل اخلطاب للنيب صلى اهلل عليه‬ ‫وآله ‪‬يا أَيُّ َها النَّبِ ُّي قُل ألَ ْز ِ‬ ‫ب الن ِ‬ ‫َّاس‪‬‬ ‫َح ٌد‪ ‬و‪‬قُ ْل أَعُوذُ بَِر ِّ‬ ‫واج َ‬ ‫ك‪ ‬وكذلك ‪‬قُ ْل ُه َو اهللُ أ َ‬ ‫ْ‬ ‫و‪‬قُل يا أَيُّ َها الْكافِرو َن ‪ ‬ال أَ ْعب ُد ما تَ ْعب ُدو َن‪ ‬وكذلك ‪‬قُ ِل ا ْدعُوا الَّ ِذين َز َعمتُم ِمن ُد ِ‬ ‫ون‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫السم ِ‬ ‫ِ‬ ‫اوات َواأل َْر ِ‬ ‫َج َرْمنا َوال‬ ‫اهلل‪ ‬و‪‬قُ ْل َم ْن يَ ْرُزقُ ُك ْم ِم َن َّ‬ ‫ض قُ ِل اهللُ‪ ‬و‪‬قُ ْل ال تُ ْسئَ لُو َن َع َّما أ ْ‬ ‫‪2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ساعة َوال تَ ْستَ ْق ِد ُمو َن‪.‬‬ ‫نُ ْسئَ ُل َع َّما تَ ْع َملُو َن‪ ‬و‪‬قُ ْل لَ ُك ْم ِم ُ‬ ‫يعاد يَ ْوم ال تَ ْستَأْخ ُرو َن َع ْنهُ َ‬ ‫‪3‬‬ ‫اجنَ ْح لَها‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل‪َ  :‬وإِ ْن َجنَ ُحوا لِ َّ‬ ‫لسل ِْم فَ ْ‬ ‫ك َولْيَأْ ُخ ُذوا‬ ‫ت ل َُه ُم َّ‬ ‫الصالةَ فَ لْتَ ُق ْم طائَِفةٌ ِم ْن ُه ْم َم َع َ‬ ‫ت فِي ِه ْم فَأَقَ ْم َ‬ ‫وقوله سبحانه‪َ  :‬وإِذا ُك ْن َ‬ ‫ِ‬ ‫أ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫صلُّوا َم َع َ‬ ‫ْ‬ ‫صلُّوا فَ لْيُ َ‬ ‫َم يُ َ‬ ‫َسل َحتَ ُه ْم فَِإذا َس َج ُدوا فَ لْيَ ُكونُوا م ْن َورائ ُك ْم َولْتَأْت طائ َفةٌ أُ ْخرى ل ْ‬ ‫‪4‬‬ ‫َولْيَأْ ُخ ُذوا ِح ْذ َرُه ْم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ْج ْه ِر ِم َن الْ َق ْو ِل بِالْغُ ُد ِّو‬ ‫ك تَ َ‬ ‫ك فِي نَ ْف ِس َ‬ ‫وقوله سبحانه‪َ  :‬واذْ ُك ْر َربَّ َ‬ ‫ض ُّرعا َوخي َفة َو ُدو َن ال َ‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪.‬‬ ‫َواآلصال َوال تَ ُك ْن م َن الْغافل َ‬ ‫الد ُه ْم‪ ،6‬إىل غري ذلك من اآليات‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل‪ :‬فَال تُ ْع ِج ْب َ‬ ‫ك أ َْموال ُ​ُه ْم َوال أ َْو ُ‬ ‫ومما يشهد على أن ورود اخلطابات القرآنية بصيغة املفرد املخاطب إمنا هو ألحد العلل السابقة‬ ‫وأشباهها وال إشعار فيه (أي يف وروده هكذا) بأي اختصاص بالنيب صلى اهلل عليه وآله على‬ ‫اإلطالق اآليات التالية‪:‬‬

‫‪ 1‬األحزاب‪.59 :‬‬

‫‪ 2‬سبي اويات ‪ 30-25-24-22‬وكذا الحظ بقية آيات هذه السورة وتوجد من هذه القبيال فاي اوياات مواضال كثيارة كالملال‬

‫‪ ،27-26-24-23‬والتوبة ‪ 51‬والجن ‪ ...-25-22-21-20‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 3‬األنفال‪.61 :‬‬

‫‪ 4‬النساء‪.102 :‬‬

‫‪ 5‬األعراا‪.205 :‬‬ ‫‪ 6‬التوبة‪.55 :‬‬

‫‪57‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫‪ -1‬قوله سبحانه‪ :‬وأ ِ‬ ‫َع ُّدوا لَهم ما استطَعتم ِمن قُ َّوةٍ وِمن ِر ِ‬ ‫باط الْ َخ ْي ِل تُرِهبو َن بِ ِه َع ُد َّو ِ‬ ‫اهلل‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ْ َ ْ َ ُْ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫يل ِ‬ ‫اهلل يُ َو َّ‬ ‫ين ِم ْن ُدونِ ِه ْم ال تَ ْعلَ ُمونَ ُه ُم اهللُ يَ ْعلَ ُم ُه ْم َوما تُ ْن ِف ُقوا ِم ْن َش ْي ٍء فِي َسبِ ِ‬ ‫ف‬ ‫َو َع ُد َّوُك ْم َوآ َخ ِر َ‬ ‫ِ ‪1‬‬ ‫اجنَ ْح لَها َوتَ َوَّك ْل َعلَى اهلل‪.‬‬ ‫إِل َْي ُك ْم َوأَنْ تُ ْم ال تُظْلَ ُمو َن ‪َ ‬وإِ ْن َجنَ ُحوا لِ َّ‬ ‫لسل ِْم فَ ْ‬ ‫‪ -2‬قوله تعاىل‪ :‬إِالَّ الَّ ِذين عاه ْدتُّم ِمن الْم ْش ِركِين ثُ َّم لَم ي ْن ُقصوُكم َشيئا ولَم ي ِ‬ ‫ظاه ُروا‬ ‫ْ َ ُ ْ ْ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ُْمت َِّق َ ِ‬ ‫سلَ َخ األَ ْش ُه ُر‬ ‫َحدا فَأَتِ ُّموا إِل َْي ِه ْم َع ْه َد ُه ْم إِلى ُم َّدتِ ِه ْم إِ َّن اهللَ يُ ِح ُّ‬ ‫َعلَْي ُك ْم أ َ‬ ‫ين ‪ ‬فَإذَا انْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ص ٍد فَِإ ْن‬ ‫ين َح ْي ُ‬ ‫ص ُر ُ‬ ‫وه ْم َو ُخ ُذ ُ‬ ‫ث َو َج ْدتُ ُم ُ‬ ‫وه ْم َو ْ‬ ‫وه ْم َواقْعُ ُدوا ل َُه ْم ُك َّل َم ْر َ‬ ‫اح ُ‬ ‫ال ُ‬ ‫ْح ُرُم فَاقْتُ لُوا ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫الزكاةَ فَ َخلُّوا سبِيلَهم إِ َّن اهلل غَ ُفور رِحيم ‪ ‬وإِ ْن أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالةَ َوآتَ ُوا َّ‬ ‫ين‬ ‫َقاموا َّ‬ ‫َ ٌَ ٌ َ َ‬ ‫تابُوا َوأ ُ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َح ٌد م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫‪2‬‬ ‫َجرهُ حتَّى يسمع َكالم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك بِأَنَّ ُه ْم قَ ْوٌم ال يَ ْعلَ ُمو َن‪.‬‬ ‫اهلل ثُ َّم أَبْلِغْهُ َمأ َْمنَهُ ذلِ َ‬ ‫ْ‬ ‫جار َك فَأ ْ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫استَ َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سلِّ ُموا‬ ‫ين َ‬ ‫‪ -3‬قوله تعال‪ :‬يا أَيُّ َها الذ َ‬ ‫سوا َوتُ َ‬ ‫آمنُوا ال تَ ْد ُخلُوا بُيُوتا غَْي َر بُيُوت ُك ْم َحتَّى تَ ْستَأْن ُ‬ ‫َعلى أ َْهلِها ذلِ ُكم َخي ر لَ ُكم لَعلَّ ُكم تَ َذ َّكرو َن ‪ ‬فَِإ ْن ل ِ ِ‬ ‫َحدا فَال تَ ْد ُخلُوها َحتَّى‬ ‫َم تَج ُدوا فيها أ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ٌْ ْ َ ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س َعلَْي ُك ْم‬ ‫يل لَ ُك ُم ْارجعُوا فَ ْارجعُوا ُه َو أَ ْزكى لَ ُك ْم َواهللُ بما تَ ْع َملُو َن َعل ٌ‬ ‫يُ ْؤذَ َن لَ ُك ْم َوإ ْن ق َ‬ ‫يم ‪ ‬ل َْي َ‬ ‫ناح أَ ْن تَ ْد ُخلُوا بُيُوتا غَْي َر َم ْس ُكونٍَة فِيها َمتاعٌ لَ ُك ْم َواهللُ يَ ْعلَ ُم ما تُ ْب ُدو َن َوما تَ ْكتُ ُمو َن ‪ ‬قُ ْل‬ ‫ُج ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِل ِ ِ‬ ‫صنَ عُو َن ‪‬‬ ‫وج ُه ْم ذلِ َ‬ ‫ك أَ ْزكى ل َُه ْم إِ َّن اهللَ َخبِ ٌير بِما يَ ْ‬ ‫ين يَغُضُّوا م ْن أَبْصا ِره ْم َويَ ْح َفظُوا فُ ُر َ‬ ‫ُ‬ ‫ْم ْؤمن َ‬ ‫ِ‬ ‫ض ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالِ ِحين ِمن ِع ِ‬ ‫وقُل لِلْم ْؤِم ِ‬ ‫باد ُك ْم‬ ‫نات يَغْ ُ‬ ‫ض َن م ْن أَبْصا ِره َّن‪َ  ...‬وأَنْك ُحوا األَيامى م ْن ُك ْم َو َّ َ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وإِمائِ ُكم إِ ْن ي ُكونُوا فُ َقراء ي غْنِ ِهم اهلل من فَ ْ ِ ِ‬ ‫يم‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َُ ُ ُ ْ‬ ‫ضله َواهللُ واس ٌع َعل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صوحا َعسى َربُّ ُك ْم أَ ْن يُ َك ِّف َر‬ ‫آمنُوا تُوبُوا إِلَى اهلل تَ ْوبَة نَ ُ‬ ‫ين َ‬ ‫‪ -4‬وقال سبحانه‪ :‬يا أَيُّ َها الذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هار يَ ْوَم ال يُ ْخ ِزي اهللُ النَّبِ َّي َوالَّ ِذي َن‬ ‫َع ْن ُك ْم َسيِّئات ُك ْم َويُ ْدخلَ ُك ْم َجنَّات تَ ْج ِري م ْن تَ ْحت َها األَنْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك َعلى‬ ‫ورنا َوا ْغ ِف ْر لَنا إِنَّ َ‬ ‫َ‬ ‫ورُه ْم يَ ْسعى بَ ْي َن أَيْدي ِه ْم َوبأَيْمان ِه ْم يَ ُقولُو َن َربَّنا أَتْم ْم لَنا نُ َ‬ ‫آمنُوا َم َعهُ نُ ُ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ْواهم َج َهن ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ين َوا ْغلُ ْ‬ ‫ظ َعلَْي ِه ْم َوَمأ ُ ْ‬ ‫ُك ِّل َش ْيء قَد ٌير ‪ ‬يا أَيُّ َها النَّب ُّي جاهد الْ ُك َّف َار َوال ُْمنافق َ‬ ‫ُ‬ ‫َّم َوب ْئ َ‬ ‫‪4‬‬ ‫الْم ِ‬ ‫ص ُير‪.‬‬ ‫َ‬

‫‪ 1‬األنفال‪.61-60 :‬‬ ‫‪ 2‬التوبة‪.6-4 :‬‬

‫‪ 3‬النور‪.32-27 :‬‬ ‫‪ 4‬التحري ‪.9-8 :‬‬

‫‪58‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫‪ -5‬قوله تعاىل‪ :‬يا أَيُّ َها النَّبِ ُّي إِذا طَلَّ ْقتُم النِّساء فَطَلِّ ُق ُ ِ ِ ِ‬ ‫صوا الْعِ َّدةَ َواتَّ ُقوا‬ ‫وه َّن لع َّدت ِه َّن َوأ ْ‬ ‫َح ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪1‬‬ ‫اهللَ‪....‬‬ ‫ففي اآلية اخلامسة توجيه اخلطاب للنيب صلى اهلل عليه وآله من باب أن اخلطاب حيتاج لطرف‬ ‫أو لغري ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اجنَ ْح‪ ‬مع أن احلكمني‬ ‫ويف اآلية األوىل تغيري اخلطاب من اجلمع إىل املفرد ‪َ ‬وأَع ُّدوا‪...‬فَ ْ‬ ‫عامان لكل املسلمني إذ كما اجب عليه صلى اهلل عليه وآله اجلنوح إىل السلم‪ ،‬اجب عليهم أيضاً‪،‬‬

‫قد يكون ألجل كونه هو الشاغل للمركز القيادي وأن بيده األمر ألن اإلعداد للحرب شأن عامة‬ ‫اجنَ ْح‪ ‬فنسبته‬ ‫املسلمني بعد صدور القرار باحلرب أو قبله أما قرار السلم ‪َ ‬وإِ ْن َجنَ ُحوا لِ َّ‬ ‫لسل ِْم فَ ْ‬ ‫إىل القائد أوىل‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪َ ...‬وإِ ْن‬ ‫وكذا يف اآلية الثانية‪َ ... :‬‬ ‫عاه ْدتُّ ْم‪ ...‬فَأَت ُّموا إِل َْي ِه ْم َع ْه َد ُه ْم‪ ...‬فَاقْتُ لُوا ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫استَجار َك فَأ ِ‬ ‫َج ْرهُ‪ ‬مع أن املشرك لو أجاره املسلم ليسمع كالم اهلل كان‬ ‫َ‬ ‫ين ْ َ‬ ‫َح ٌد م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫كذلك‪...‬‬

‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ين َ‬ ‫ويف اآلية الثالثة‪ :‬يا أَيُّ َها الذ َ‬ ‫آمنُوا ال تَ ْد ُخلُوا‪ ...‬فَال تَ ْد ُخلُوها‪ ...‬فَ ْارجعُوا‪ ...‬ل َْي َ‬ ‫َعلَْي ُكم جناح‪ ...‬وقُل لِلْم ْؤِم ِ‬ ‫نات‪َ ...‬وأَنْ ِك ُحوا األَيامى‪ ...‬قد يكون تغيري السياق ألنسبية تلك‬ ‫ْ ُ ٌ َ ْ ُ‬

‫هبم إذ ليس النيب صلى اهلل عليه وآله مظان الدخول يف غري بيته بال استئذان ‪ -‬وألنسبية هذه‬ ‫(األمر بالغض) به كمبلغ حلكم اهلل وأنسبية توجيه اخلطاب للجميع يف ‪‬أَنْ ِك ُحوا‪ ‬إذ هو وظيفة‬ ‫عامة االبتالء هلا مئات األلوف من اجلزئيات وال جامع بينها لذا توجه لعامة املسلمني عكس‬

‫السلم إذ له مبدأ خاص وهو اختاذ قرار السلم وإن كان فيه بعد ذلك جانب اجلزئيات أيضاً مما‬ ‫يتطلق جنوحهم للسلم أيضاً‪.‬‬

‫‪ 1‬الطالي‪.1 :‬‬

‫‪59‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫اهلل‪ ...‬يا أَيُّها النَّبِ ُّي ِ‬ ‫ومثل ذلك يقال يف اآلية الرابعة‪ :‬يا أَيُّ َها الَّ ِذين آمنُوا تُوبوا إِلَى ِ‬ ‫جاه ِد‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬

‫الْ ُك َّف َار‪ ...‬والغرض من هذا البحث ليس إثبات الصغريات وبيان النكتة يف تغيري السياق (إذ قد‬ ‫يناقش يف بعضها وقد تكون هناك نكات أخرى أدق وأنسب) بل إثبات أن توجيه اخلطاب للنيب‬

‫صلى اهلل عليه وآله ليس ألجل اختصاصه باحلكم (إال لو ثبت خارجاً ذلك ولو من باب عدم‬ ‫حتقق املوضوع يف غريه‪ ،‬مثالً لو قلنا فرضاً بأن اختاذ قرار السلم بيد القائد العام فقط فيكون توجيه‬ ‫اخلطاب له صلى اهلل عليه وآله من باب عدم حتقق املوضوع يف غريه) بل ألجل نكتة خاصة مما‬ ‫ذكر ومن غريها‪.‬‬ ‫ولذا جند الفقهاء ال يستفيدون من اخلطابات املوجهة للنيب صلى اهلل عليه وآله أهنا خمتصة به‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين‬ ‫حكماً وغري شاملة لغريه‪ ،‬فمثالً‪ :‬استدالل البعض على حجية خرب الواحد بآية ‪َ ‬وم ْن ُه ُم الذ َ‬ ‫اهلل وي ْؤِمن لِل ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪ ‬حيث مدح اهلل‬ ‫يُ ْؤذُو َن النَّب َّي َويَ ُقولُو َن ُه َو أُذُ ٌن قُ ْل أُذُ ُن َخ ْي ٍر لَ ُك ْم يُ ْؤم ُن ب َ ُ ُ ُ‬ ‫ْم ْؤمن َ‬

‫عز وجل رسوله بتصديقه للمؤمنني بل قرنه بالتصديق باهلل عز وجل فإذا كان التصديق حسناً‬ ‫يكون واجباً)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وجه االستشهاد أن الكالم حول النيب صلى اهلل عليه وآله وأن ‪‬يؤمن للمؤمنين‪ ‬صفته مع‬ ‫ذلك استدل هبا على حسن أن يؤمن كل شخص للمؤمنني فإذا حسن وجب‪ ،‬وبعض الفقهاء ‪-‬‬ ‫كالشيخ قدس سره مثالً ‪ -‬وإن مل يقبل داللة اآلية على املدعى إال أن ذلك كان من جهات‬ ‫أخرى ال من جهة اختصاص احلكم بالنيب صلى اهلل عليه وآله ألنه جعل صفته يف اآلية ولذا مل‬ ‫يستشكل على االستشهاد هبذه الرواية (اآلية؟؟؟)‪ ،‬هبذا اإلشكال كما مل يستشكل اخلراساين يف‬ ‫حاشيته على الرسائل وال اآلشتياين وصاحب األوثق (التربيزي) مع أن هذا اإلشكال لو كان‬ ‫صحيحاً عندهم وكانوا يرون اختصاص حكم اخلطابات املوجهة للنيب صلى اهلل عليه وآله به لكان‬ ‫أحرى بالذكر وأوجه يف اجلواب‪.‬‬ ‫‪ 1‬الرسائل‪ :‬ص‪.82‬‬

‫‪60‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وتسرية احلكم من النيب صلى اهلل عليه وآله إىل غريه مع توجه اخلطاب له صلى اهلل عليه وآله‬ ‫إما من جهة ما ذكرناه وبرهنا عليه بتتبع اآليات وإما من جهتني أخريني ذكرمها املريزا حممد حسن‬ ‫اآلشتياين يف حبر الفوائد عند احلديث حول اآلية الكرمية (إن تسرية احلكم من النيب صلى اهلل عليه‬ ‫وآله إىل غريه إما من جهة داللة اآلية على حسن التصديق بقول مطلق من غري فرق بني النيب‬ ‫صلى اهلل عليه وآله وغريه‪ ،‬وإما من جهة ما دل على حسن املتابعة واألسوة للنيب صلى اهلل عليه‬ ‫وآله)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫والفرق بني الوجوه الثالثة‪ ،‬أن يف األول‪ :‬اللفظ املوجه للنيب صلى اهلل عليه وآله دال بنفسه على‬ ‫عموم احلكم منتهى األمر جمازاً‪.‬‬ ‫ويف الثاين‪ :2‬التعميم من باب تنقيح املناط أو ملناسبة احلكم واملوضوع‪.‬‬ ‫ويف الثالث‪ :‬التعميم ال بداللة نفس اللفظ وال بتنقيح املناط بل بداللة عمومات لزوم التأسي‬ ‫ول ِ‬ ‫بالنيب صلى اهلل عليه وآله كقوله تعاىل‪ :‬لَ​َق ْد كا َن لَ ُكم فِي ر ُس ِ‬ ‫سنَةٌ لِ َم ْن كا َن‬ ‫اهلل أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُس َوةٌ َح َ‬ ‫ي رجوا اهلل والْي وم ِ‬ ‫اآلخ َر‪ ،3‬فتأمل‪.‬‬ ‫َْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫إذا ثبتت املقدمة األوىل فنقول آية ‪‬شاورهم‪ ‬وإن كان اخلطاب فيها موجهاً للنيب صلى اهلل‬ ‫عليه وآله إال أهنا عامة لكل قائد بل لكل مسلم فيما أنيط به من أمر‪ ،‬إذ قلنا إن اختصاص حكم‬ ‫بالنيب صلى اهلل عليه وآله هو احملتاج لإلثبات بالضرورة واإلمجاع وإن مل يثبت فإنه داخل حتت‬ ‫ول ِ‬ ‫عموم ‪‬لَ​َق ْد كا َن لَ ُكم فِي ر ُس ِ‬ ‫سنَةٌ‪ ‬ويف عموم الضرورة وإطالق اإلمجاع أو يف‬ ‫اهلل أ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُس َوةٌ َح َ‬ ‫معقده‪.‬‬

‫‪ 1‬بحر الفوائد‪ :‬حجيبة خبر الواحد‪ ،‬ص‪.159‬‬ ‫‪ 2‬وهو أول وجاي اوشتياني قدس سره‪.‬‬ ‫‪ 3‬األحزاب‪.21 :‬‬

‫‪61‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وبرهنا أن توجيه اخلطاب بصيغة املفرد ال يصلح إلثبات اختصاص احلكم به صلى اهلل عليه وآله‬ ‫إذ النكتة يف توجيه اخلطاب له ليس اختصاص احلكم به بل أمور أخرى‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬أصالة احلقيقة تقتضي أن يكون املخاطب احلكم هو املختص به؟‬ ‫[قلت]‪ :‬أوال‪ :‬أصالة احلقيقة ال تقتضي ذلك بل تقتضي صرف ثبوت احلكم به ساكتة عن‬ ‫غريه ويثبت حكم الغري بأدلة اشرتاك األحكام‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬لو سلمنا أن أصالة احلقيقة تقتضي ذلك‪ ،‬نقول‪ :‬ال مناص عن رفع اليد عنها لغلبة اجملاز‬ ‫غلبة عظيمة عليه‪ ،‬إذ أثبتنا أن أغلب خطابات القرآن الكرمي املوجهة بصيغة املفرد املخاطب‬ ‫للرسول صلى اهلل عليه وآله ليس احلكم فيها خمتصاً به والنادر منها اختص به صلى اهلل عليه وآله‬ ‫وذلك مثل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ص ِم ْنهُ قَلِيال‪ ‬إن قلنا بوجوب قيام‬ ‫‪‬يا أَيُّ َها ال ُْم َّزِّم ُل ‪ ‬قُ ِم اللَّْي َل إِالَّ قَليال ‪ ‬نِ ْ‬ ‫ص َفهُ أَ ِو انْ ُق ْ‬

‫الليل عليه صلى اهلل عليه وآله وعدم االشرتاك مع املسلمني يف احلكم (االستحباب)‪.‬‬

‫ك ُح ْسنُ ُه َّن‪ ‬إىل‬ ‫َك النِّساءُ ِم ْن بَ ْع ُد َوال أَ ْن تَبَ َّد َل بِ ِه َّن ِم ْن أَ ْز ٍ‬ ‫واج َول َْو أَ ْع َجبَ َ‬ ‫و ‪‬ال يَ ِح ُّل ل َ‬

‫غري ذلك‪.‬‬

‫إذن ‪‬شاورهم‪ ‬وإن كان اخلطاب فيها موجهاً للنيب صلى اهلل عليه وآله ‪ -‬لنكتة ما من‬ ‫النكات السابقة الذكر‪ -‬إال أنه حكم عام شامل للجميع‪.‬‬ ‫[األمر الثاني]‪ :‬من الثابت أصولياً أن استثناء فرد واحد ال خيل بظهور العام فلو فرض أن‬ ‫الشورى مل تكن واجبة على النيب صلى اهلل عليه وآله ‪ -‬بدليل العمل اخلارجي له صلى اهلل عليه‬ ‫وآله أو بأي دليل آخر ‪ -‬فليست النسبة بني ‪‬شاورهم‪ ‬و (وعدم وجوب الشورى عليه صلى‬ ‫اهلل عليه وآله) هي التباين حىت حيمل األمر على االستحباب لكون عدم (العمل) نصاً يف عدم‬ ‫الوجوب واألمر ظاهراً بل النسبة هي العموم املطلق إذ سبق يف املقدمة األوىل إثبات أن شاورهم‬ ‫‪62‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫حكم عام فهو يساوي شاوروهم‪ ،‬ومن الواضح أن ال تنايف بني العام واخلاص واملطلق واملقيد إذ‬ ‫مها من موارد اجلمع املقبول لعدم صدق موضوع (التعادل والرتجيح) عليهما وهو (املتعارضان)‬ ‫(يأيت عنكما اخلربان املتعارضان بأيهما نعمل؟) فال مانعة مجع بني عدم وجوهبا عليه صلى اهلل‬ ‫عليه وآله ووجوهبا على كافة املسلمني وال يلزم من استثناء فرد كالنيب صلى اهلل عليه وآله عملياً‬ ‫عدم ثبوت احلكم لسائر األفراد‪.‬‬ ‫وإن شئت قلت‪ :‬األمر دائر بني التخصيص وجماز آخر وكلما دار األمر بينهما قدم‬ ‫التخصيص‪ ،‬بيان ذلك أن عدم وجوب الشورى على النيب صلى اهلل عليه وآله يوجب ارتكاب‬ ‫جماز يف ‪‬شاورهم‪ ‬إما حبمل األمر على الندب أو بإبقائه على ظاهره من الوجوب وختصيصه‬ ‫بغري الفرد املستثىن (النيب صلى اهلل عليه وآله) والثاين هو املتعني وذلك لوهن ظهور العام يف العموم‬ ‫بالنسبة لظهور األمر يف الوجوب يدل على ذلك (ما من عام إال وقد خص) وأن التخصيص يف‬ ‫العمومات أكثر بكثري من التجوز يف األوامر‪ ،‬هذه إضافة إىل فهم العرف احملكم فيما يلقى إليه‬ ‫من كالم الشارع فمثالً لو امر املوىل كبري عبديه بقوله‪( :‬احرتم الضيوف أو اب ِن مدينة) ‪ -‬وكان‬ ‫دأب املوىل إصدار حكم عام لكل العبيد ولكن بصيغة خطاب موجه إىل كبري العبيد لنكتة فاحرتم‬ ‫يعين احرتموا واب ِن يعين ابنوا ‪ -‬مث قامت قرينة خارجية على عدم وجوب االحرتام والبناء علي‬ ‫لسبب ما‪ ،‬أ ترى (احرتم) ينزل على االستحباب أم يُبقى على ظاهره من الوجوب وتعترب القرينة‬ ‫اخلارجية دليالً على استثناء كبري العبيد من احلكم العام؟ وأ ترى العبيد معذورين لو تركوا احرتام‬ ‫الضيوف وبناء املدينة‪ ،‬متعللني بقيام قرينة خارجية على عدم وجوب ذلك على كبري العبيد؟‬ ‫فتأمل‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬ختصيص املورد مستهجن‪ ،‬فاألمر ليس للوجوب‪.‬‬ ‫[قلت]‪ :‬اجلواب عن هذا اإلشكال من وجوه‪:‬‬

‫‪63‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[الوجه األول]‪ :‬إن هذا ليس من ختصيص املورد‪ ،‬بيان ذلك‪( :‬إن إخراج مصداق من مصاديق‬ ‫متعلق التكليف كان هو مورد نزول التكليف) يسمى بتخصيص املورد‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬إخراج فرد من حممول كربى وردت يف مورد هذا الفرد ‪ -‬أما إخراج فرد من‬ ‫املخاطبني بالتكليف مع كونه طرف خطاب املوىل فخارج عن (ختصيص املورد) موضوعاً إذ‬ ‫(املورد) يعين مورد نزول احلكم ومورد ثبوت احملمول وال يطلق على املخاطب أنه (مورد) لنزول‬ ‫احلكم أو (مورد) للخطاب‪ ...‬ويف آية الشورى لو نزلت يف مورد خاص مل يعمل هبا صلى اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ ختصيص املورد ال ما لو دلت‬ ‫عليه وآله يف ذلك املورد مع داللة اآلية على الوجوب يلزم‬ ‫على الوجوب واستثىن منها طرف اخلطاب‪.‬‬ ‫[الوجه الثاني]‪ :‬سلمنا أنه أيضاً من ختصيص املورد لكن نقول إن (ختصيص املورد) ليس مما‬ ‫هنى الشارع عنه حىت يكون له اطالق أو عموم وحىت يتمسك يف املصاديق املشكوكة باإلطالق أو‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ فالقبح ال يدور مدار‬ ‫بالعموم بل هو قاعدة مستندة إىل االرتكازات العرفية وبناء العقالء‬ ‫عنوان (ختصيص املورد) بل هو دائر مدار االستهجان العريف ويف حدود دائرة بناء العقالء وأننا عند‬ ‫الرجوع إىل العرف ال جندهم يستهجنون استثناء املخاطب من حكم عام للجميع وإن كان بصيغة‬ ‫خطاب موجه له إذا كان دأب املوىل توجيه خطاباته العامة باسم فرد خاص كما سبق إيضاحه‬ ‫قبل قليل‪ ،‬وال أقل من الشك يف ذلك وأنه مستهجن أم ال ومشكوك القرينية ال يصلح صارفاً ملا‬ ‫له ظاهر سواء كان متصالً أو منفصالً وقد سبق تفصيل ذلك يف موضع آخر فلرياجع‪.‬‬ ‫[وقد التزم]‪ :‬الفقهاء واألصوليون بتخصيص املورد يف موارد عديدة نذكر هنا بعضها‪:‬‬ ‫[منها]‪ :‬ما ذكره اآلخوند اخلراساين قدس سره يف الكفاية‪ 1‬عند االستدالل بصحيحة زرارة‬ ‫الثالثة على حجية االستصحاب‪ 1‬حيث دار األمر بني توجيه الشيخ قدس سره بأن املراد من (وال‬

‫‪ 1‬المجلد الثاني‪ :‬ص‪.295‬‬

‫‪64‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ينقض اليقني بالشك)‪ :‬ال ينقض اليقني بالرباءة (بسبب البناء على األكثر وإتيان ركعة واحدة‬ ‫منفصلة) بالشك فيها (لو بىن على األقل‪ ،‬أو على األكثر دون ركعة احتياط) فال تدل على‬ ‫االستصحاب‪ ،‬وبني جعلها دالة على االستصحاب فيكون املعىن يف املورد (أي ال تنقض اليقني‬ ‫بعدم الرابعة بالشك فيها) حيث التزم بالثاين وأجاب عن إشكال خمالفة (داللتها على‬ ‫االستصحاب) للمذهب‪ ،‬يف املورد حيث أن مقتضى املذهب عند الشك بني الثالثة والرابعة‪ :‬البناء‬ ‫على األكثر وإتيان ركعة مفصولة (املخالف لالستصحاب إذ مقتضاه عدم إتيان الرابعة واإلتيان‬ ‫بركعة موصولة) أجاب عن اإلشكال بأننا نلتزم بداللتها على االستصحاب وحرمة نقض اليقني‬ ‫بالشك وخنرج املورد‪ 2‬من إطالق (ال تنقض) إذ قام الدليل اخلارجي على وجوب إتياهنا مفصولة‬ ‫فنقيد به إطالق (ال تنقض) وإليك نص عبارته‪( 3‬وميكن الذب عنه) [أي عن إشكال خمالفة‬ ‫الكربى "ال تنقض" للمذهب يف هذا املورد] (بأن االحتياط كذلك [أي بإمتام الصالة وإتيان ركعة‬ ‫مفصولة] (ال يأىب عن إرادة اليقني بعدم الركعة املشكوكة) [فتدل على االستصحاب] (بل كان‬ ‫أصل اإلتيان هبا باقتضائه) [أي باقتضاء اليقني بالعدم أي باالستصحاب] (غاية األمر إتياهنا‬ ‫مفصولة ينايف إطالق النقض) [إذ ظاهر إطالق كلمة ‪ -‬ال ينقض ‪ -‬إتياهنا موصولة‪ ،‬إذ اإلتيان‬ ‫هبا مفصولة نقض لليقني بعدم الرابعة بالشك فيها] (وقد قام الدليل على التقييد يف الشك يف‬ ‫الرابعة وغريه) [حيث نقد عموم ال تنقض بغري هذا املورد للدليل اخلارجي] (وأن املشكوكة البد أن‬ ‫يؤتى هبا مفصولة فافهم)‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫فقد التزم بداللة الرواية على االستصحاب مع لزوم ختصيص املورد‪ 5‬بالدليل اخلارجي حيث ال‬ ‫يعمل يف موارد الشك يف الصالة باالستصحاب بل يعمل بعكسه وستتضح هذه النكتة أكثر عند‬ ‫‪ 1‬سنذكر الصحيحة عند ذكر كال العراقي قدس سره‪.‬‬ ‫‪ 2‬الوارد هو (ال تنق‬ ‫‪ 3‬ص‪.295‬‬

‫اليقين بالشل) والمورد هو (الشل بين الثالثة والرابعة)‪.‬‬

‫‪ 4‬الشرح المزجي اقتبس أكثره من كتاب (الوصول إلر كفاية األصول) ج‪ ،5‬ص‪.52‬‬ ‫‪ 5‬الوارد هو (ال تنق‬

‫اليقين بالشل) والمورد هو (الشل بين الثالثة والرابعة)‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫التطرق ‪ -‬بعد قليل بإذن اهلل تعاىل ‪ -‬الستدالل املشهور على نفوذ حكم احلاكم باهلالل بقوله‬ ‫عليه السالم ذاك إىل اإلمام‪...‬‬ ‫[ومنها] إلتزام العراقي قدس سره يف هناية األفكار (بتخصيص املورد عند االستدالل على‬ ‫االستصحاب بصحيحة زرارة الثالثة وهي (إذا مل يدر يف ثالث هو أو يف أربع قام فأضاف إليها‬ ‫أخرى وال شيء عليه وال ينقض اليقني بالشك وال يدخل الشك يف اليقني وال خيلط أحدمها‬ ‫باآلخر ولكنه ينقض الشك باليقني ويتم على اليقني فيبىن عليه وال يعتد بالشك يف حال من‬ ‫احلاالت) حيث التزم بصحة أن يقال باعمال أصالة اجلهة (أصالة صدور اخلرب لبيان احلكم‬ ‫الواقعي) يف الكربى (ال ينقض اليقني بالشك‪ )9‬فتدل على حجية االستصحاب وبالتزام التقية يف‬ ‫تطبيق الكربى على الصغرى (إذا مل يدر يف ثالث هو أو يف أربع‪ )..‬فـ(التصرف ممحض يف تطبيق‬ ‫القاعدة اليت استشهد هبا حلكم املورد ال يف أصل كربى حرمة النقض‪ )...‬و(على ذلك فال قصور‬ ‫يف األخذ مبا تقتضيه الصحيحة من الظهور يف االستصحاب املوجب للزوم البناء على األقل غاية‬ ‫األمر من جهة خمالفته للمذهب يصار إىل التقية يف تطبيق (ال تنقض) على املورد‪ 2)1‬فلم يكن‬ ‫عنده مانع من االلتزامبكون املورد خارجاً عن حكم الكربى وحمموهلا الالزم من القول بصدور‬ ‫الكربى لبيان قاعدة االستصحاب مع أن األمر كان دائراً بني محل الكربى على التقية فال تدل‬ ‫على حجية االستصحاب‪ ،‬بال حمذور وبني اعمال أصالة اجلهة فيها لتدل على حجيته ومحل‬ ‫(تطبيق الكربى على الصغرى) على التقية مع لزوم ختصيص املورد‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ 1‬إذ من الواضح أن المذهب في الشل في ركعات الصالة علر خالا االستصحاب من لزو البناء علر األكثر‪.‬‬ ‫‪ 2‬نااية األفكار القس األول من الجزء الرابل تقريرات البروجردي قد سسره ص‪.58-57‬‬

‫‪ 3‬لاايس مرضاانا االلت ا از بكالمااه‪ ،‬باال االسااتدالل بااه علاار الت ازمااه قاادس س اره بتخصاايص المااورد عاان دوران األماار بااين أحااد‬ ‫تصرفين وأحد خال في الظاهر‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وهو قدس سره وإن تراجع عن هذا الوجه أخرياً والتزم بوجه آخر (ص‪ 62‬فاألوىل محل الرواية‬ ‫على وجه آخر‪ )...‬إال أن ذلك حملذور آخر وهو اختالل ركن االستصحاب أعين الشك الالحق‬ ‫(ذكره يف ص‪ )59‬ال حملذور (ختصيص املورد) فراجع‪.‬‬ ‫ومنها التزام املشهور يف حبث (حكم احلاكم باهلالل) بتخصيص املورد‪ 1‬حيث استدلوا بقول‬ ‫اإلمام الصادق عليه السالم ‪ -‬عندما سأله اخلليفة العباسي املنصور عن عيد الفطر حيث قد شهد‬ ‫عنده (أي املنصور) بعض برؤية اهلالل ‪( :-‬ذاك إىل إمام املسلمني إن صام صمنا معه وإن أفطر‬ ‫أفطرنا معه) استدلوا به على اعتبار حكم احلاكم يف اهلالل حيث التزموا بكون الكربى صادرة‬ ‫لبيان احلكم الواقعي وكون املورد خارجاً منها للتقية (أي التزموا بالتقية يف تطبيق الكربى على‬ ‫الصغرى) إذ املورد كان مورد حكم املنصور بأنه عيد حىت اضطر اإلمام عليه السالم لإلفطار ذلك‬ ‫اليوم مع علمه بأنه من رمضان‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬مل يكن للمشهور مناص من االلتزام بتخصيص املورد‪.‬‬ ‫[قلت]‪ :‬لو كانت الكربى قطعية من حيث جهة الصدور لصح ذلك‪ ،‬ومن الواضح عدم‬ ‫قطعيتها وإمكان محلها على التقية بل لقد كان األمر دائراً بني محل الكربى على التقية بال حمذور‬ ‫وبني محل (التطبيق) على التقية مع استلزامه لتخصيص املورد فرتجيحهم للثاين على األول يدل‬ ‫على أن (ختصيص املورد) ليس بتلك املثابة من القبح واالستهجان يف كل مورد بل ليس مستهجناً‬ ‫على االطالق يف االرتكاز العريف يف بعض املوارد‪.‬‬ ‫ومما يوضح ما ذكرناه سابقاً ‪ -‬يف أول الوجه الثاين ‪ -‬وحاالً من أن بناء العقالء ومرتكز العرف‬ ‫ليس على قبح ختصيص املورد مطلقاً وأهنم يلتزمون بأصالة الظهور وإن لزم منه خروج املورد أن‬ ‫الكربى لو مل يكن هلا حممل إال التقية محلوها عليها أما لو كان هلا حممل آخر بأن احتملوا فيها‬

‫‪ 1‬نسب ذلل إلر (األصحاب) نااية األفكار‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.58‬‬

‫‪67‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫اإلشارة إىل أمر واقعي مل حيملوها على التقية بل محلوها على بيانه وجعلوا التقية يف التطبيق فمثالً‬ ‫يف قول األحنف بن قيس عندما أمره معاوية أن يلعن علياً عليه الصالة والسالم على املنرب وأجربه‬ ‫على ذلك فصعد املنرب وقال‪( :‬أمرين معاوية أن ألعن علياً أال فالعنوه) أترى العقالء امللتفتني إىل‬ ‫معتقد األحنف يرجعون الضمري يف (العنوه) إىل علي عليه السالم وحيملوه على التقية‪ ،‬أم أهنم‬ ‫يرجعونه إىل معاوية وحيملون تطبيقه على املورد على التقية؟ ولذا تراهم يعدون هذه الكلمة من‬ ‫ذلك الصحايب دليالً على ذكائه‪ ،‬ولذا التفت معاوية إىل النكتة ولو كانت التقية يف الكربى فأية‬ ‫داللة يف ذاك على الذكاء؟ فتأمل‪.‬‬ ‫وكذلك يف الرواية (ذاك إىل اإلمام‪)...‬لو احتمل العقالء غري التقية يف الكربى ‪ -‬كما هو كذلك‬ ‫إذ حيتمل صدوره لبيان احلكم الواقعي وتكون التقية يف التطبيق ‪ -‬أال تراهم يعدون ذلك من‬ ‫الذكاء حيث ذكر عليه السالم حكماً واقعياً ولكن بلسان موهم (إذ مراده عليه السالم من اإلمام‬ ‫هو اإلمام املعصوم عليه السالم أو مطلق العادل مع أن العبارة قابلة لالنطباق على اإلمام اجلائر‬ ‫وهو املنصور) وإال فلِ َم َملْ يقل اإلمام عليه السالم خماطباً للمنصور (ذاك إليك) ولو كانت التقية‬ ‫يف أصل الكربى مل يكن فرق بني العبارتني (ذاك إىل اإلمام ‪ -‬ذاك إليك) على اإلطالق مع أن‬ ‫العقالء اجدون الفرق بيّناً حيث اجدون األوىل من الذكاء والثانية من القصور والغباء وما ذاك اال‬

‫ألن للعبارة األوىل منفذاً للحكيم إىل بيان أمر معتقد به دون الثانية‪.‬‬

‫[فإن قلت]‪ :‬إن الكربى ههنا لو محلت على التقية لزم اللغوية فيما دل على وجوب تصديق‬ ‫العادل إذ وجوب التصديق إمنا هو للتعبد باألثر‪ 1‬ومع محلها على التقية ال أثر له‪ ،‬إذ ال حكم لذا‬

‫‪ 1‬التاز الشايخ قادس ساره فاي الرساائل بااذه الادعوك (وجاوب التصاديي إنماا هاو بلحااظ التعباد بااألثر‪ ،‬ولاذا فارال عليااا لغوياة‬ ‫وجوب التصديي عندما ال يكون أثر)‪ ،‬قال في الرساائل [فاي بحاث التعاادل والتاراجيح ص‪( :]468‬فاإن قلات‪ :‬إن األصال فاي‬ ‫الخب ارين الصاادور فااإذا تعباادنا بصاادورهما اقتضاار ذلاال الحك ا بصاادور الموافااي تقيااة كمااا يقتضااي ذلاال الحك ا بااإرادة خااالا‬

‫الظاهر من أضعفاما داللة فيكون هذا المرجح نظير الترجيح بحسب الداللة متقدماً علر الترجيح بحسب الصدور‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫اضطر املشهور حلملها على بيان احلكم الواقعي املستلزم لتخصيص املورد‪ ،‬وهذا ال اجري يف اآلية‪،‬‬ ‫إذ محلها على االستحباب ال يلزم منه حمذور اللغوية أو شبهه حىت نضطر حلملها على الوجوب‬ ‫املستلزم لتخصيص املورد‪.‬‬ ‫[قلت]‪ :‬فيه ‪ -‬لو سلمنا املبىن وأن وجوب التصديق إمنا هو للتعبد باألثر ‪ -‬أن (األثر) أعم ‪-‬‬ ‫عرفاً ‪ -‬من‪:‬‬ ‫‪ -1‬مدلول اجلمل اإلنشائية املتعلق بفعل املكلف بالفعل‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ -2‬ومن مدلوهلا غري املتعلق بفعله فعالً كاألوامر املشروطة بشرط مل يتحقق للمكلف (كحج‬ ‫إن استطعت) وكما فيما مل يتحقق موضوع التكليف يف املكلف (الزوجة واجبة النفقة ملن مل‬ ‫يتزوج) وكما فيما حتقق املقتضي مع شروطه إال أنه مل يفقد املانع‪.‬‬ ‫‪ -3‬ومن مدلول اجلمل اخلربية غري املتعلق بفعل املكلف سواء كان له أثر قليب أم ال كمطلق‬ ‫األخبار التارخيية مثل أن رباعية الرسول صلى اهلل عليه وآله كسرت يف أحد ‪ -‬وإن فالناً (كعمرو‬ ‫العاص) كان يف جيش معاوية وفالناً (كعمار وأويس) قري جيش علي عليه السالم‪ ...‬أ فهل ترى‬ ‫أن وجوب تصديق خرب العادل منحصر يف القسم األول فلو أخرب عادل كزرارة بالقسم الثاين مل‬ ‫اجب على فاقد الشرط واملوضوع وواجد املانع تصديق وجود هكذا إنشاء وهكذا حكم (حج إن‬ ‫استطعت‪ ،‬جتب النفقة على الزوجة‪ ،‬حيرم شرب اخلمر ملن وجده ومنعه مانع عن شربه أو حيرم‬ ‫النكاح مبن ارتضعت معه عشر رضعات‪)...‬؟‪ 2‬ألو وجوب تصديق العادل إمنا هو للتعبد باألثر‬ ‫واألثر خمتص بالقسم األول؟ ولو أخرب عادل بالقسم الثالث أ هل ترى أنه ال اجب عقد القلب‬ ‫قلت‪ :‬ال معنر للتعبد بصدورهما مل وجوب حمل أحدجاما المعين علر التقية‪ ،‬ألنه إلغاء ألحدهما في الحقيقة ولذا لاو تع ماين‬ ‫حمل خبر مير معار‬

‫آخر ال يحضرني اون‪.‬‬

‫وصرح باذه الدعوك في موضل‬ ‫علر التقية علر تقدير الصدور ل يشمله أدلة التعبد بخبر العادل)‬ ‫م‬

‫‪ 1‬مثالً مدلول (ص مل) وجوب الصالة المتعلي بفعل المكلا‪.‬‬ ‫‪ 2‬ولنفر جميل ما ذكر مما قا عليه خبر واحد ال مير ‪-‬وال مناقشة في األمثال‪.-‬‬

‫‪69‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫عليه واالعتقاد به (كاالعتقاد باحنراف عمرو بن العاص وباستفامة عمار وبغض األول قلباً وحب‬ ‫الثاين كذلك؟‪ 1‬وكذلك هل يلتزم أحد ‪ -‬مع ورود نص صحيح السند فرضاً بكسر رباعيته صلى‬

‫اهلل عليه وآله وشج رأسه يوم أحد ‪ -‬بعدم إمكان االعتماد على هذا اخلرب ألن أدلة حجية اخلرب‬ ‫ال تشمل ما ال يتعلق بفعل املكلف؟‬ ‫من ذلك يعرف أن (األثر) أعم من األثر العملي والقليب وصرف التصديق‪ ...‬فلو محلنا الكربى‬ ‫على التقية ‪ -‬يف رواية ذلك إىل اإلمام ‪ -‬دخلت يف القسم األخري‪ ،‬فلم تلزم اللغوية إذ نتعبد‬ ‫بصدور اخلرب كتعبدنا بكل ما تضمن خرباً ال إنشاءً ونلتزم به ككل مطلب تارخيي يتعلق‬ ‫باملعصومني عليهم الصالة والسالم أو بغريهم‪.‬‬ ‫وإن أبيت إال عن اختصاص األثر بغري القسم الثالث نقول‪ :‬إن خرب الصادق عليه السالم‬ ‫واملنصور وقوله (ذاك إىل اإلمام) حىت لو محلت كرباه على التقية فإنه مما له أثر متعلق بفعل‬ ‫املكلف إذ لو ثبتت تقيته عليه السالم ‪ -‬هبذا اخلرب وأشباهه الذي تشمله أدلة حجية اخلرب لو كان‬ ‫ذا أثر ‪ -‬ثبت جواز اإلفطار يف رمضان عند التقية‪.‬‬ ‫[إن قلت]‪ :‬جواز اإلفطار عند التقية مما ال ريب فيه قطع النظر عن هذا اخلرب‪.‬‬ ‫[قلت]‪ :‬فليكن إذ كون أثر اخلرب مما ال ريب فيه ال يسبب عدم حجيته وعدم مشول أدلة التعبد‬ ‫خبرب الواحد له‪ ،‬أ رأيت أن خرب الواحد القامئ على وجوب الصالة‪ ،‬ليس حبجة ألن وجوهبا قطعي‬ ‫وأن خرب الواحد القائم على وجوب الشهادة والقائم على حجيتها ليس حبجة ألن القرآن صرح به‬ ‫‪‬وأقيموا الشهادة هلل‪ ‬فاستشهدوا شهيدين من رجالكم‪ ‬وأن خرب الواحد يف موارد بناء‬ ‫العقالء املسلم ليس حبجة و‪ ...‬و‪...‬؟!‬

‫‪ 1‬لو نوق‬

‫في وجوب ذلل فال نقا‬

‫في صحة العقد وصحة االستناد إلر قوله واسناد ذلل إلر الشارال‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إضافة إىل (أثر) هو جواز نقل الكالم (كالم اإلمام عليه السالم‪ :‬ذاك إىل اإلمام إن صام صمنا‬ ‫معه وأن أفطر أفطرنا معه) إىل اآلخرين ناسباً ذلك إىل اإلمام عليه السالم ولو ال حجية خرب‬ ‫الواحد ملا جاز ذلك‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل أن (التعبد باألثر) ليس عبارة الشارع حىت يضرنا عدم صدق (األثر) ‪-‬فرضاً‪-‬‬ ‫على القسم الثالث والروايات واآليات الدالة على حجية خرب العادل شاملة لكل خرب وكذا بناء‬ ‫العقالء ليس خمصوصاً بالقسم األول‪ ،‬نعم يف القسم األول بنائهم على التصديق به والعمل على‬ ‫طبقه ويف القسم الثاين والثالث على التصديق دون العمل به ‪-‬يف الثاين من باب عدم حتقق‬ ‫الشرط أو املوضوع ويف الثالث ألنه ال ربط له بالعمل‪.-‬‬ ‫ومن ذلك كله اتضح عدم متامية كالم الشيخ قدس سره‪ ...( :‬ألنه إلغاء ألحدمها يف احلقيقة‬ ‫ولذا لو تعني محل‪ )...‬إذ احلمل على التقية ليس إلغاء ألن هلا أثراً عملياً (جواز اإلفطار وجواز‬ ‫النقل مسنداً لإلمام عليه السالم) سلمنا لكن األثر القليب (التصديق بوقوع احلادثة) ٍ‬ ‫كاف لوجود‬ ‫بناء العقالء يف هذه الصورة أيضاً ولعدم خمصص لعمومات حجية خرب العادل‪.‬‬ ‫دل على وجوب تصديق العادل إذ غاية األمر اإللتزام‬ ‫هذا كله إضافة إىل عدم لزوم اللغوية فيما ّ‬ ‫بعدم مشول تلك األدلة له الستلزام الشمول اللغوية وال يلزم منه حمذور ‪-‬هذا ملن مل يرتض ما‬ ‫ذكرناه سابقاً‪ -‬فليتدبر‪.‬‬ ‫[ومنها]‪ :‬التزام كثري بتخصيص املورد حيث استدلوا باستشهاد اإلمام الصادق عليه السالم‬ ‫على بطالن احللف بالطالق والعتاق والصدقة مبا ميلك حبديث الرفع املروي عن النيب صلى اهلل‬ ‫عليه وآله والكالم يف هذا املورد عني الكالم يف املورد السابق (التزام املشهور يف رواية ذاك إىل‬ ‫اإلمام) حبذافريه‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين‬ ‫[ومنها]‪ :‬استدالل بعض األصوليني على حجية خرب الواحد باآلية الكرمية ‪َ ‬وم ْن ُه ُم الذ َ‬ ‫اهلل وي ْؤِمن لِل ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪ ‬حيث مدح اهلل‬ ‫يُ ْؤذُو َن النَّب َّي َويَ ُقولُو َن ُه َو أُذُ ٌن قُ ْل أُذُ ُن َخ ْي ٍر لَ ُك ْم يُ ْؤم ُن ب َ ُ ُ ُ‬ ‫ْم ْؤمن َ‬

‫عز وجل رسوله بتصديقه للمؤمنني بل قرنه بالتصديق باهلل جل ذكره فإذا كان التصديق حسناً‬ ‫يكون واجباً‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وجه ارتباط استدالهلم باآلية مبا حنن فيه (من دعوى التزام الفقهاء ختصيص املورد يف موارد‬ ‫عديدة) هو‪ :‬أهنم استدلوا هبا على حجية خرب الواحد وتصديقه فيما يقوله مبعىن (محل إخباره من‬ ‫حيث إنه لفظ دال على معىن حيتمل مطابقته للواقع وعدمها على كونه مطابقاً للواقع‪ 2‬مع ترتيب‬ ‫آثار الواقع عليه) مع أن املورد خارج من هذا املعىن قطعاً‪ ،‬إذ تصديق النيب صلى اهلل عليه وآله‬ ‫لذلك املنافق الذي كان ينم عليه عندما أخربه بعدم منيمته عليه صلى اهلل عليه وآله ‪-‬كان (أي‬ ‫التصديق) مبعىن قسيم هلذا املعىن متاماً‪ ،‬إذ إن هذا املعىن‪( 3‬محل إخبار ذلك املنافق على كونه‬ ‫مطابقاً للواقع) مستحيل يف حقه صلى اهلل عليه وآله إذ يستلزم تكذيب اهلل تعاىل يف إخباره‬ ‫للرسول صلى اهلل عليه وآله بنمامية ذلك املنافق عليه وأما ترتيب آثار الواقع عليه فهو غري واقع‬ ‫ومستلزم لتال فاسد سيأيت ذكره وذلك املعىن هو (إظهار القبول فقط)‪.‬‬ ‫ومما يزيد توضيح ما ذكرناه‪ ،‬رواية القسامة (‪ ...‬فإن شهد عندك مخسون قسامة أنه قال قوالً‬

‫وقال مل أقله فصدقه وكذهبم‪ )...‬إذ املراد من (فصدقه) هو املعىن الثاين (أي أظهر القبول)‪ 4‬ومن‬ ‫(كذهبم) هو الشق الثاين‪ 5‬من املعىن األول (أي ال ترتب أثر مطابقة قوهلم للواقع (إال لو دخل يف‬ ‫باب البينة كما هو واضح)) وإال لزم الرتجيح بال مرجح‪ ،‬بل ترجيح املرجوح لو كان كالمها باملعىن‬ ‫‪ 1‬الرسائل‪ :‬بحث حجية خبر الواحد‪ ،‬ص‪.82‬‬ ‫‪ 2‬بمعنر عقد اقلب عليه وتصديقه بالجنان‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬ال عقد القلب علر ما يقول وترتيب آثار صدقة (صدقه؟؟؟) كتعزيره التااما مؤمناً‪.‬‬

‫‪ 5‬دون الشي األول فله أو عليه عقد القلب علر ما يقوولن‪ ،‬ودون المعنر الثاني إذ ال يصح إظاار الرد لاا بشاكل أولار ‪-‬‬ ‫فتيمل‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫األول أو باملعىن الثاين ففي كال الطرفني (القسامة واملتهم) اجب إظهار القبول وال يصح احلمل‬ ‫على كونه مطابقاً للواقع برتتب األثر إال لو حصل له العلم من أحدمها أو دخل يف عنوان آخر‬ ‫كما هو واضح) ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫[والتحقيق]‪ :‬هو التفصيل‪ :‬فال يصح تصديقه مبعىن عقد القلب على ما ادعاه (مع معارضته‬ ‫باخلمسني) إال لو حصل االطمئنان بقوله‪ ،‬كما ال يصح تصديقه مبعىن ترتيب اآلثار من جهة‬ ‫ويصح من جهة أخرى‪ ،‬فباعتبار أثر لزوم تعزيرهم مثالً ال يصح تصديقه (املستلزم لكوهنم قد‬

‫اهتموه بالباطل) وباعتبار‪ 1‬أثر عدم سبّه هلل أو للمعصومني عليهم الصالة والسالم (يف فرض ما لو‬ ‫ادعت القسامة أن قوله كان سب اهلل أو املعصوم فرضاً أو إيذاء مؤمن بقوله) ينبغي تصديقه فال‬

‫يقتل أو يعزر وكذا باعتبار أثر بقاء عدالته وشبهها إال لو حصل االطمئنان من كالمهم كما ال‬ ‫خيفى‪ ،‬وينبغي تصديقه مبعىن إظهار القبول‪ ،‬وأما فيهم فيصح تصديقهم مبعىن عقد القلب على ما‬ ‫ادعوه وكذا مبعىن أثر عدم تعزيرهم دون أثر سبه صلى اهلل عليه وآله وكذا مبعىن إظهار القبول منهم‬ ‫وكذا ال يصح بلحاظ أثر العدالة ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫وال خيفى أن ختصيص املورد يف املقام كان بلحاظ بعض اآلثار ال كلها فليتدبر‪.‬‬ ‫وميكن النقاش يف صحة وجواز عقد اقلب على الباطل وعدم عقده على احلق‪ ،‬وميكن االلتزام‬ ‫بالتفصيل بني األصول وغريها أو االلتزام بالتفصيل بني األصول واألحكام وما يستلزم عدم عقد‬ ‫القلب فيه تكذيب املعصوم عليه السالم وبني غري ذلك وتفصيل هذا البحث يذكر يف حمله إن‬ ‫شاء اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫[ومنها]‪ :‬ما ذكره يف الفقه عند االستدالل باألدلة السمعية الدالة على جواز التقليد باملعىن‬ ‫ِ ِ‬ ‫الر ُس ِ‬ ‫ول قالُوا َح ْسبُنا ما‬ ‫يل ل َُه ْم تَعال َْوا إِلى ما أَنْ َز َل اهللُ َوإِلَى َّ‬ ‫األعم (الثالثة) قوله تعاىل‪َ  :‬وإذا ق َ‬ ‫‪ 1‬ال يخفر أن اإلضافة في (أثر لزو ) بيانية دوناا في (أثر عد ‪ )...‬وكذا هي بيانية في (أثر بقاء‪.)...‬‬

‫‪73‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ِ‬ ‫آباءنا أَ َول َْو كا َن آبا ُؤ ُه ْم ال يَ ْعلَ ُمو َن َش ْيئا َوال يَ ْهتَ ُدو َن‪ ‬وجه االستدالل هبذه اآلية‬ ‫َو َج ْدنا َعلَْيه َ‬ ‫ذم متبعي اآلباء ألهنم ال يعلمون شيئاً وال يهتدون‪ ،‬فتدل باملفهوم على أن‬ ‫أن اهلل سبحانه ّ‬ ‫الشخص إذا كان يعلم شيئاً ويهتدي جاز تقليده ومن املعلوم أن الفقهاء يعلمون األحكام‬

‫ويهتدون إليها فيجوز تقليدهم‪ ...‬ومثل هذه اآلية يف الداللة اآلية الرابعة وهي قوله تعاىل‪َ  :‬وإِذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آباءنا أَ َول َْو كا َن آبا ُؤ ُه ْم ال يَ ْع ِقلُو َن‬ ‫يل ل َُه ُم اتَّبعُوا ما أَنْ َز َل اهللُ قالُوا بَ ْل نَتَّب ُع ما أَلْ َف ْينا َعلَْيه َ‬ ‫ق َ‬ ‫َش ْيئا َوال يَ ْهتَ ُدو َن‪ ‬وأما اإلشكال يف اآليتني بأهنم يف أصول الدين وال اجوز التقليد يف أصول‬ ‫الدين فغري تام‪ ،‬إذ إطالقها كاف لالستدالل وإن كان خرج من اإلطالق أصول الدين‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وجه ربط هذا الكالم مبا حنن فيه يتضح بتمهيد مقدمة‪ ،‬وهي‪ :‬أن املفهوم يبىن ويصب على ما‬ ‫يبىن ويصب عليه املنطوق والتعاكس بينهما بالسلب واإلاجاب ال غري‪ ،‬ففي املفهوم يتحفظ على‬ ‫املوضوع واحملمول والشروط واجلهات‪ ...‬اخل‪ ،‬لكن بإدخال حرف السلب (إن كان املنطوق موجباً)‬ ‫وحذفه (إن كان سالباً) على املفهوم‪ ،‬فمثالً‪ :‬مفهوم (أكرم يف الدار الفالنية العلماء العدول إن‬ ‫جاؤوك يوم اخلميس حاملني معهم كتاباً) هو (ال تكرم يف الدار الفالنية العلماء العدول إن مل‬ ‫اجيؤوك يوم اخلميس حاملني معهم كتاباً) وليس مفهوم اجلملة السابقة (ال تكرم يف الدار األخرى)‬

‫وال (ال تكرم يف الدار الفالنية التجار) وال (‪ ..‬العلماء الفساق)‪ 2‬وال (إن قاموا)‪ 3‬وال (‪ ..‬يوم‬

‫اجلمعة‪ )..‬وال (حاملني معهم قلماً)‪.‬‬ ‫إذا اتضح ذلك يتضح أن مورد املنطوق هو مورد املفهوم بعينه (وهو أصول الدين) فقوله (‪...‬‬ ‫إذ إطالقها كاف لالستدالل وإن كان خرج من اإلطالق أصول الدين) استدالل باملفهوم على‬

‫‪ 1‬الفقه‪ ،‬االجتااد والتقليد‪ :‬ص‪.10‬‬

‫‪ 2‬الكال في مفاو الشرط ال الوصا فليس مفاو الشرط (ال تكر في الدار الفالنية العلماء الفساي إن ل يجيئول‪ )...‬نعا‬ ‫الوصا بناء علر حجيته له هذا المفاو فيدخل في الضابط اونا الذكر‪.‬‬

‫‪ 3‬إال لو كان القيا في ضمن المجايء ال ميار ولاو كاان القياا ال فاي ضامنه فعاد الوجاوب لعاد الشارط (وهاو المجايء) ال‬ ‫للقيا ‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫جواز التقليد مع خروج املورد منه وهو أصول الدين ‪ -‬فتدبر‪ ،‬إذ حىت لو مل يقبل هذا املبىن فإن‬ ‫املستدل صرح به (إطالقها ٍ‬ ‫كاف) أي أهنا تشمل أصول الدين وغريه (وإن خرج من اإلطالق‬ ‫ّ‬ ‫أصول الدين)‪.‬‬

‫[ومنها]‪ :‬ما ذكره بعض عند االستدالل بالصحيحة الثانية لزرارة يف باب االستصحاب حيث‬ ‫التزم خبروج املورد ‪ -‬فراجع‪.‬‬ ‫ولعل املتتبع املتأمل اجد مواضع كثرية التزموا فيها خبروج املورد ‪ -‬واهلل املستعان‪...‬‬

‫‪75‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫اإلشكال الثاني‬

‫ورمبا يورد على االستدالل بـ‪‬وشاورهم في األمر‪ ‬على لزوم اتباع الشورى بأن النيب صلى اهلل‬ ‫عليه وآله إمنا يتبع الوحي ال آراء األكثرية‪ ،‬فإذا مل تكن الشورى ملزمة له مل تكن ملزمة لغريه‪ ،‬بل‬ ‫إن اتباعه لألكثرية على هذا حمرم‪ ،‬وذلك لقوله تعاىل‪ :‬إِنَّا أَنْ زلْنا إِلَي َ ِ‬ ‫ْح ِّق لِتَ ْح ُك َم‬ ‫َ ْ‬ ‫ك الْك َ‬ ‫تاب بِال َ‬ ‫اك اهلل وال تَ ُكن لِلْخائِنِين َخ ِ‬ ‫بَ ْين الن ِ ِ‬ ‫صيما‪ 1‬فحكمه تابع ملا أراه اهلل ال ملا أراه الناس‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َّاس بما أَر َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله سبحانه‪َ  :‬وما يَ ْن ِط ُق َع ِن ال َْهوى ‪ ‬إِ ْن ُه َو إَِّال َو ْح ٌي يُوحى‪ 2‬وقوله تعاىل‪ :‬إِ ْن أَتَّبِ ُع إِالَّ‬ ‫‪3‬‬ ‫َي ِم ْن َربِّي هذا بَصائُِر ِم ْن َربِّ ُك ْم‬ ‫َي‪ ، ...‬وقوله تعاىل‪ :‬قُ ْل إِنَّما أَتَّبِ ُع ما يُوحى إِل َّ‬ ‫ما يُوحى إِل َّ‬ ‫‪4‬‬ ‫َو ُهدى َوَر ْح َمةٌ لَِق ْوٍم يُ ْؤِمنُو َن‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى كيف يكون للمؤمنني اخلرية من أمرهم مع قوله تعاىل‪َ  :‬وما كا َن لِ ُم ْؤِم ٍن َوال‬ ‫ضى اهلل ورسولُهُ أَمرا أَ ْن ي ُكو َن لَهم ال ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ْخيَ َرةُ ِم ْن أ َْم ِرِه ْم َوَم ْن يَ ْع ِ‬ ‫ص اهللَ َوَر ُسولَهُ فَ َق ْد‬ ‫ُم ْؤمنَة إِذا قَ َ ُ َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ​ُ‬ ‫ِ​ِ ‪6‬‬ ‫ضالال مبِينا‪ ،5‬وقوله تعاىل‪ :‬يا أَيُّ َها الَّ ِذين آمنُوا ال تُ َقدِّموا ب ْين ي َد ِي ِ‬ ‫اهلل َوَر ُسوله‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ​َ‬ ‫َ َ‬ ‫ض َّل َ ُ‬

‫[الجواب]‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬إن هذا اإلشكال على فرض تسليمه خمتص بآية ‪‬وشاورهم في األمر‪ ‬دون غريها‬ ‫من األدلة‪.‬‬

‫‪ 1‬النساء‪.105 :‬‬ ‫‪ 2‬النج ‪.4-3 :‬‬ ‫‪ 3‬يونس‪.15 :‬‬

‫‪ 4‬األعراا‪.203 :‬‬ ‫‪ 5‬األحزاب‪.36 :‬‬

‫‪ 6‬راجل الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة‪ :‬الجزء‪ ،25‬ص‪.220‬‬

‫‪76‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ثانيا]‪ :‬متامية هذا اإلشكال يف اآلية موقوف على عدم كون خطاب ‪‬وشاورهم‪ ‬عاماً‬ ‫جيء به بلسان خاص‪ ،‬كما هو كثري يف القرآن الكرمي كما فصلناه سابقاً‪ ،‬ومنه قوله سبحانه‪:‬‬ ‫‪‬أقم الصالة‪ ‬قل هو اهلل أحد‪ ...‬اخل‪ ،‬وقد استثىن منه النيب صلى اهلل عليه وآله بدليل‬ ‫َي‪ ‬دليل على عدم‬ ‫اآليات السابقة ‪ -‬على فرض تسليم ذلك وأن ‪‬إِ ْن أَتَّبِ ُع إِالَّ ما يُوحى إِل َّ‬ ‫ابتاعه األكثرية يف املوضوعات والشؤون العامة ‪ -‬وعدم قبح استثناء املورد كما يف قول املوىل لكبري‬ ‫عبيده الذي اعتاد أن يوجه اخلطاب إليه مع كون األمر عاماً له ولغريه (إذهب للدفاع عن‬ ‫المدينة) مما كان األمر له ولغريه من العبيد مث استثناء املوىل باخلصوص فإنه ال يستلزم استثناء‬ ‫الباقني كما فصلناه يف موضع آخر‪ ،‬فلرياجع وليتأمل‪.‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬إن اتباع األكثرية اتباع ملا يوحى إليه‪ ،‬إذ قد أوحى (أوحي؟؟؟) إليه هبا يف ‪‬وشاورهم‬ ‫في األمر‪ ‬واتباعها حكم بني الناس مبا أراه اهلل‪ ،‬إذ قد أراها له واتباعها املأمور به يف اآلية ليس‬ ‫نطقاً عن اهلوى وذلك إن ما أوحى اهلل به إىل النيب صلى اهلل عليه وآله قسمان‪ ،‬أوحى إليه جبزئيه‬ ‫وقسم أوحى إليه بكليه ويف كليهما االتباع اتباع للوحي‪ ،‬قسم لَه تعاىل‪ :‬أحل لكم الطيبات‪‬‬ ‫دليل ‪ -‬بعمومه‪ -‬على حلية السكر والدابوعة مثالً‪ ،‬فقوله صلى اهلل عليه وآله حبليتهما قول مبا‬ ‫أوحي إليه وإن مل يرد يف هذين املوردين وحي جزئي وخاص وإكرامه هلذا الضعيف وإحسانه هلذا‬ ‫الفقري وإلقائه هذه احملاضرة وأكله هلذه اللقمة اتباع ملا أوحي إليه من الكلي ال اجلزئي‪ ،‬إذ مل يرد يف‬ ‫وك لِبَ ْع ِ‬ ‫ض َشأْنِ ِه ْم فَأْذَ ْن‬ ‫استَأْذَنُ َ‬ ‫كل مورد جزئي وحي خاص‪ ،‬كما يدل عليه قوله تعاىل‪ :‬فَِإذَا ْ‬ ‫ت ِم ْن ُه ْم‪ ‬وغري ذلك ويف موارد االستشارة أيضاً كذلك فقد أمر أمراً كلياً باالستشارة يف‬ ‫لِ َم ْن ِش ْئ َ‬ ‫املوضوعات‪ ،‬فاستشارته هلم واتباعهم اتباع ملا يوحى إليه من الكلي وليس اتباعاً للهوى‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫والذي يدل على ذلك قوله صلى اهلل عليه وآله‪( :‬إنما أقضي بينكم بالبينات واأليمان‬ ‫وبعضكم ألحن بحجته من بعض‪ ،‬فأي رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به‬ ‫قطعة من النار)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫والروايات الدالة على كون سريته القضاء بالبينة أو بالشاهد واليمني مطلقاً كثرية فلرياجع كتاب‬ ‫القضاء من الوسائل وغريه‪ ،‬وكذلك الروايات الدالة على كون احلجة املنتظر عجل اهلل تعاىل فرجه‬ ‫الشريف فقط هو احلاكم مبا هو الواقع مطلقاً‪.‬‬ ‫فحكمه صلى اهلل عليه وآله بالبينة واليمني ‪ -‬رغم كوهنا قد تكون خمالفة للواقع ‪ -‬ليس اتباعاً‬ ‫للهوى‪ ،‬بل اتباع للوحي الدال على لزوم احلكم على طبق البينة واليمني‪ ،‬فكما أن البينة قد تكون‬ ‫خمالفة للواقع ومع ذلك يلزم اتباعها كذلك رأي األكثرية قد يكون خمالفاً للواقع ومع ذلك يلزم‬ ‫اتباعه ويف الصورتني كان االتباع اتباعاً لكلي دل الوحي على لزوم اتباعه‪.‬‬ ‫وأما عدم كون اخلرية للمؤمنني فإمنا هو معلق على ‪‬إذا قضى اهلل ورسوله أمرا‪ ‬فلو مل يقض‬ ‫صلى اهلل عليه وآله بأمر بل أرجعه إليهم وطلب رأيهم كان هلم ذلك‪ ،‬هذا إضافة إىل أن قضاء‬ ‫الرسول أمراً كما أنه قد يكون متفرعاً على قيام البينة يف اخلصومات‪ ،‬كذلك قد يكون متفرعاً على‬ ‫رأي أكثرية الناس يف املوضوعات‪ ،‬وكما أن له صلى اهلل عليه وآله أن خيالف البينة ويعمل على‬ ‫طبق علميه وال يعين ذلك عدم حجيتها لوال املانع ‪ -‬للتزاحم بني مصلحة الواقع ومصلحتها ‪-‬‬ ‫كذلك له أن خيالف رأي األكثرية وال يعين ذلك عدم احلجية‪ ،‬لوال املانع وعدم كون علمه مقدماً‬ ‫لو كانت مصلحة الواقع أقوى من املصلحة السلوكية وشبهها‪ ،‬وأما قوله تعاىل ‪‬لِتَ ْح ُك َم بَ ْي َن‬ ‫الن ِ‬ ‫اك اهللُ‪ ‬فكما أن حكمه بالبينة حكم مبا أراه اهلل لكونه مأموراً بالعمل هبا وليس‬ ‫َّاس بِما أَر َ‬ ‫حكماً مبا أراه الناس كذلك لو متت األدلة الدالة على لزوم اتباع األكثرية يف املوضوعات ‪ -‬كما‬

‫‪ 1‬وسائل الشيعة‪ :‬ج‪ ،18‬ص‪ ،169‬ح‪.13-1‬‬

‫‪78‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫فصلناه يف حمله ‪ -‬كان حكمه هبا حكماً مبا أراه اهلل لكونه مأموراً بالعمل هبا وليس حكماً مبا أراه‬ ‫الناس مبائناً ملا أراه اهلل‪.‬‬ ‫ومما سبق اتضح اجلواب عن (مث وما هي املصلحة يف إرجاع أمر املسلمني إىل الشورى وبينهم‬ ‫الرسول صلى اهلل عليه وآله والوحي متواتر يقضي كل حاجة‪ ،‬فلماذا يكلف حامل الوحي أن‬ ‫يستوحي املؤمنني يف األمر‪ ،‬هل يف أمر الرسالة وهو وحي يوحى أم أمر املرسل إليهم ويكفيهم أمر‬ ‫الرسالة أوامر األحكام بـ‪‬إِ ِن الْح ْكم إِالَّ ِ‬ ‫هلل‪ ‬أم أمر القيادة السياسية وهو مما أراه اهلل)‪ ،1‬إذ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ينقض برجوع النيب صلى اهلل عليه وآله بنفسه إىل البينة يف قضائه وبإرجاع أمور املسلمني يف‬ ‫خصوماهتم إىل البينة رغم أن بينهم الرسول والوحي متواتر يقضي كل حاجة ورغم علم الرسول‬ ‫صلى اهلل عليه وآله باحلق عرب طرق أخرى كعمود النور على ما يف الروايات الشريفة وكذا إىل سائر‬ ‫القواعد كاليد والسوق وغريها فيما رجع فيه إىل النيب صلى اهلل عليه وآله وحيل بأن املصلحة يف‬ ‫ضرب القانون والتأسي به صلى اهلل عليه وآله وتربيتهم على ذلك كما يف مسألة تغسيل النيب صلى‬ ‫اهلل عليه وآله وغريها‪ ،‬إضافة إىل املصلحة يف تأليف قلوهبم وما ذكرته اآلية الشريفة ‪‬فَبِما َر ْح َم ٍة‬ ‫ِمن ِ‬ ‫ت ل َُه ْم‪ ‬واإلرجاع إمنا هو يف الشؤون العامة ال يف أصل القيادة وإرائة اهلل له‪ ،‬قد سبق‬ ‫اهلل لِْن َ‬ ‫َ‬ ‫توضيح املراد منها كما سبق عدم املنافاة بني اإلرجاع وبني كون احلكم هلل وكونه وحياً يوحى‪،‬‬

‫إضافة إىل أنه إن كان املراد نفي اإلمكان فواضح البطالن أو نفي الوقوع فعدم املعرفة باملصلحة‬ ‫غري ٍ‬ ‫ناف لوجودها والدليل قائم كما قدمناه وليس ذلك اال كقول القائل ما املصلحة يف إرجاعه‬ ‫صلى اهلل عليه وآله إىل األميان والبينات (إنما أقضي بينكم باأليمان والبينات‪ )...‬مع علمه بواقع‬ ‫األمر وقد أراه اهلل ذلك أو مع التنزيل له أن يريه‪.‬‬

‫‪ 1‬الفرقان‪ :‬ج‪ ،25‬ص‪.221‬‬

‫‪79‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[اإلشكال الثالث]‬

‫ورمبا يعرتض على االستدالل باآلية الكرمية على وجوب الشورى بأن مشهور الفقهاء مل يفهموا‬ ‫منها الوجوب وإال لذكروها يف ضمن الواجبات‪ ،‬إضافة إىل أن السرية العملية للفقهاء مل تكن على‬ ‫االستشارة والشورى‪ ،‬بل على التفرد بالرأي‪ ،‬يشهد لذلك حكمهم يف باب اهلالل ويف التصرف يف‬ ‫أموال القصر واليتامى ‪ ...‬اخل‪ ،‬بل مل جند خمالفاً يف املسألة بل إن اإلمجاع منعقد على عدم وجوهبا‬ ‫مما يكشف (لطفاً أو دخوالً أو حدساً أو تشرفاً ‪ -‬على االختالف يف وجه حجية اإلمجاع) عن‬ ‫رأي املعصوم عليه السامل ويشهد لدعوى اإلمجاع هذه أن اإلمجاع منعقد على حجية رأي كل فقيه‬ ‫ملقلديه وعدم حجية رأي فقيه آخر ملقديل سائر الفقهاء‪.‬‬

‫[والجواب]‬

‫من وجوه عديدة‪:‬‬ ‫[أما ما ذكر] من (أن مشهور الفقهاء مل يفهموا منها الوجوب) فيكون فهمهم قرينة على عدم‬ ‫إرادة الوجوب منها [فيرد عليه]‪:‬‬ ‫[أوال]‪ :‬إن الفقهاء مل يتطرقوا هلذه املسألة (وجوب الشورى) ال اثباتاً وال نفياً حىت يقال إهنم مل‬ ‫يفهموا الوجوب منها‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ 1‬ال بيس بذكر مثال واحد لذلل‪ ،‬قال اوخوند قدس سره في الكفاية (ومعه) أي مل انحالل العلمي (ال موجاب لالحتيااط إال‬ ‫في خصوص ماا فاي الرواياات وهاو ميار مساتلز للعسار فضاالً عماا يوجاب االخاتالل وال إجمااال علار عاد وجوباه ولاو سال‬

‫اإلجماااال علاار عااد وجوبااه لااو لا يكاان هنااال انحااالل) [الكفايااة باااب االنسااداد المجلااد الثاااني‪ ،‬ص‪ ،]116‬وقااال فااي الوصااول‬

‫دمجاً مل العبارة (‪‬وال إجمااال علار عاد وجوباه‪ ‬فاإن كثيا اًر مان الفقاااء لا يتعرضاوا لااذه المسايلة أصاالً فكياا يمكان دعاوك‬ ‫اإلجماال) [الوصول إلر كفاية األصول المجلد الثالث‪ ،‬ص‪.]375‬‬

‫‪80‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[قولك]‪( :‬وإال لذكروا وجوهبا يف ضمن الواجبات)‪.‬‬ ‫[فيه]‪ :‬أ‪ -‬مل يفرد الفقهاء ‪ -‬عادة ‪ -‬للواجبات واحملرمات كتاباً حىت يستقصوا فيه كل‬ ‫الواجبات وكل احملرمات‪ ،‬فيكون عدم ذكرهم لوجوب الشورى يف ضمن التعداد دليالً على عدم‬ ‫استفادهتم الوجوب بل إهنم يذكرون كل واجب يف بابه (من الصالة والصوم واحلج و‪ )...‬وهذا‬ ‫كعدم ذكرهم الستحباهبا مع التزامهم به أو بأي حكم تكليفي من األحكام اخلمسة حيث ال‬ ‫يكون عدم الذكر يف أي واحد منها دليالً على االلتزام به‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ولو فرض إفرادهم كتاباً لذلك أو كوهنم ‪ -‬يف كتبهم الفقهية ‪ -‬يف مقام استقصاء مجيع‬ ‫الواجبات ومجيع احملرمات‪ ،‬فنقول‪ :‬اللقب ال مفهوم له فإثبات وجوب الصالة ال ينفي وجوب‬ ‫عنوان آخر فتأمل ووجهه واضح‪.‬‬ ‫ج‪ -‬عدم الذكر‪ 1‬ال يستلزم احلكم بالعدم‪ 2‬إذ إن عدم الذكر قد يكون العتقاد عدم الوجوب‬ ‫اجتهاداً وقد يكون للغفلة عن املسألة وقد يكون للعثور على قرينة تصرف األمر عن ظاهره وقد‬

‫يكون خلروجها عن موضع االبتالء (كما سيأيت توضيحه)‪ 3‬ومن الواضح أن عدم الذكر للوجه‬

‫الثالث من هذه الوجوه األربعة يكون دليالً على عدم الوجوب دون سائر الوجوه (أما الوجه األول‬ ‫فلعدم حجية فتوى اجملتهد على غريه وسيأيت توضيحه‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وأما الوجه الثاني فواضح‪ ،‬إذ الغفلة عن ذكر شيء يف عداد الواجبات أو غريها ال يدل على‬ ‫تعدم اعتبارهم إياه واجباً أو غريه وإال لزم ‪ -‬بناء على ذلك ‪ -‬خلوه عن األحكام اخلمسة عندهم‬ ‫عند عدم ذكره وهو بني الفساد بل تستحيل داللته على ذلك ألن عدم العتبار فرع االلتفات‬ ‫‪ 1‬أي عد ذكر وجوب الشورك في كتبا ‪.‬‬

‫‪ 2‬الفااري بااين هااذا والسااابي علاار سااابقه أن ذال كااان لعااد كااونا فااي مقااا االستقصاااء وهااذا ألحااد الجاااات األرباال المااذكورة‬ ‫ويمكن جعلاما واحداً بلحاظ كون عد الذكر إلحدك الجاات الخمس‪.‬‬

‫‪ 3‬وقد فصلنا في موضل آخر قاعدة (إن العمل ال جاة له) فليراجل‪.‬‬

‫حد اإلجماال فتيمل لكونه مستنداً أو محتملة‪.‬‬ ‫‪ 4‬إال لو تعاضدت بحيث بلغت م‬

‫‪81‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الذي ال اجتمع مع الغفلة لكون التقابل بينهما تقابل التضاد ‪ -‬إن قلنا بكوهنا وجودية ‪ -‬أو تقابل‬ ‫العدم وامللكة ‪ -‬إن قلنا بكوهنا عدمية ‪ -‬وأما الوجه الرابع فواضح أيضاً‪ ،‬إذ عدم ذكر حكم ما هو‬ ‫خارج عن حمل االبتالء أعم من كونه واجباً أو مكروهاً أو مستحباً أو مباحاً)‪.‬‬ ‫بل إن عدم الذكر للوجه الثالث أيضاً ال يكون دليالً على عدم داللة اآلية على الوجوب‪ ،‬إذ أن‬ ‫ما يصلح لصرفها عن ظاهرها هو (عثورهم على قرينة تصرف األمر عن ظاهره حبيث لو وصلت‬ ‫بأيدي سائر اجملتهدين تلك القرينة لكانت حجة حىت عندهم بأن يتم سندها وحيرز داللتها وعدم‬ ‫املعارض هلا عندهم) واألصل عدم حتقق هذا القيد‪ 1‬لكونه وجودياً‪ ،‬ولنا أصل سابق هو أصالة‬ ‫عدم قسيماته فتصل النوبة له بل حنن يف غىن عن هذا األصل ألن عدم إحراز احلجية (أي حجية‬ ‫تلك القرينة عندنا أيضاً ومتامية صارفيتها) كاف يف عدم احلجية وعدم الصارفية وال حيتاج يف عدم‬ ‫احلجية إىل إحرازها وجداناً أو تعبداً (باالستصحاب) فتأمل‪ ،‬إذ قد حدث خلط بني مرحلة‬ ‫الثبوت واإلثبات فاألصح القول بذلك عند الرتدد يف كونه ألي من الوجوه ال اجرائه مع فرض‬ ‫كون عدم الذكر للوجه الثالث فليالحظ إضافة إىل أن األصح القول بأن عدم إحراز معارض ما‬ ‫هو ظاهر يف الوجوب أو غريه كاف يف البناء على ذلك الظهور‪ ،‬فهو ككل ظاهر احتمل فيه‬ ‫وجود قرينة على خالفه ومل يعثر على شيء بعد الفحص ‪ -‬وقد سبق ذكر هذا ببيان آخر هذا‬ ‫إضافة إىل أن لنا أصالً آخر سابقاً على أصالة عدم العثور على قرينة وهو أصالة عدم وجودها‬ ‫فتأمل‪.‬‬ ‫ولعل املتتبع يعثر على كثري من املوارد اليت مل يتطرق هلا الفقهاء بالذكر مما يوجه بأحد الوجوه‬ ‫األربعة املذكورة مع خامسها املذكور أوالً‪:‬‬ ‫منها اآلية الشريفة ‪َ ‬كي ال ي ُكو َن دولَة ب ين األَ ْغنِ ِ‬ ‫ياء ِم ْن ُك ْم‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َْ َ‬

‫‪ 1‬أي كونه حجة عند اوخرين أيضاً علر تقدير وصوله‪.‬‬

‫‪82‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫اهلل إِنَّهُ ال ي ْيأَس ِمن رو ِح ِ‬ ‫ومنها اآلية الشريفة ‪‬وال تَ ْيأَسوا ِمن رو ِح ِ‬ ‫اهلل إِالَّ الْ َق ْو ُم الْكافِ ُرو َن‪‬‬ ‫َ ُ ْ َْ‬ ‫ُ ْ َْ‬ ‫َ‬

‫حيث مل يبحث عن أصل احلرمة وعن حدودها‪ ،‬فهل اليأس عن إحياء ميتة منه أم ال انصرافاً أو‬ ‫غريه‪.‬‬ ‫ب إِ َّن قَ ْوِمي اتَّ َخ ُذوا ه َذا الْ ُق ْرآ َن َم ْه ُجورا‪ ‬وكذا‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫ومنها هجر كتاب اهلل ‪َ ‬و َ‬ ‫ول يا َر ِّ‬ ‫قال َّ‬

‫هجر املؤمن الوارد فيه روايات كثرية‪ ،‬ففي صحيحة هشام بن احلكم (قال رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫عليه وآله‪ :‬ال هجرة فوق ثالث) حيث مل يتطرق حلرمته أو كراهته أو حدوده‪ ،‬ومنها مسألة هبة‬

‫نازعُوا‬ ‫احلقوق الشرعية‪ ،‬ومنها آية هنر السائل ‪َ ‬وأ ََّما َّ‬ ‫السائِ َل فَال تَ ْن َه ْر‪ ‬ومنها آية التنازع ‪َ ‬وال تَ َ‬

‫َّل‬ ‫فَ تَ ْف َ‬ ‫شلُوا‪ ‬خاصة مع كثرة املصاديق املشكوكة وعموم االبتالء‪ ،‬ومنها آية ‪َ ‬وال تَتَ َمن َّْوا ما فَض َ‬ ‫ض ُك ْم َعلى بَ ْع ٍ‬ ‫ض‪ ‬فهل هو حرام أو مكروه مولوية أو إرشادية‪ ،‬ومنها آية منع املاعون‬ ‫اهللُ بِ ِه بَ ْع َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين ُه ْم يُرا ُؤ َن ‪َ ‬ويَ ْمنَ عُو َن الْماعُو َن‪ ‬فهل منعه حرام طلقاً أو يف صورة كون البناء عليه‬ ‫‪‬الذ َ‬ ‫(أي منع اجلميع حمرم أو خصوص اجملموع) أو عدم احلرمة مطلقاً‪ ،‬ومنها آية املنة ‪َ ‬وال تَ ْمنُ ْن‬ ‫تَ ْستَ ْكثِ ُر‪ ‬فهل هي مكروهة أو حمرمة مطلقاً أو فيما استلزمت االيذاء أو االهانة أو اهلتك وشبه‬ ‫ذلك‪ ،‬ومنها آية ‪‬وال تَم ِ ِ‬ ‫ض مرحا‪ ،‬ومنها املراء واجلدال ‪‬وال تُ ِ‬ ‫جادلُوا أ َْه َل‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ش في األ َْر ِ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِ‬ ‫ْك ِ‬ ‫س ُن‪ ،‬ومنها كفران النعمة‪ ،‬ومنها التكرب بأقسامه ومنها القعود مع‬ ‫تاب إِالَّ بِالَّتِي ه َي أ ْ‬ ‫َح َ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫فاعل املنكر ‪‬فَال تَ ْقعُ ْد بَ ْع َد ِّ‬ ‫ين‪ ،‬ومنها إفشاء السر‪ ،‬ففي صحيحة‬ ‫الذ ْكرى َم َع الْ َق ْوم الظَّالم َ‬ ‫زرارة عن اإلمام الباقر عليه السالم (اجملالس باألمانة)‪ ،‬ومنها التفريق بني األحبة كما يف رواية ابن‬ ‫سنان عن اإلمام الصادق عليه السالم‪ ،‬ومنها الفخر‪ ،‬ومنها تعيري املؤمن‪ ،‬ومنها التجسس ‪َ ‬وال‬

‫سوا‪ ‬وحدوده‪ ،‬ومنها التعصب لألمور اجلاهلية كالقومية واالقليمية والعرقية‪ ،‬ففي صحيح‬ ‫تَ َج َّ‬ ‫سُ‬ ‫هشام عن الصادق عليه السالم عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪( :‬من تعصب أو تعصب له‬ ‫فقد خلع ربقة اإلميان من عنقه)‪ ،‬ومنها العجب‪ ،‬ففي صحيح الثمايل عن السجاد عليه السالم‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪ ..( :‬وثالث مهلكات هوى متبع وشح مطاع وإعجاب‬ ‫‪83‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫املرء بنفسه)‪ ،‬ومنها ظن السوء باهلل وباملؤمنني‪ ،‬ومنها طلب الرئاسة‪ ،‬ومنها آية ‪‬فَ ِس ُيروا فِي‬ ‫األ َْر ِ‬ ‫ض‪ ،‬ومنها سوء الظن باملؤمنني‪ ،‬ومنها تسمية غري علي عليه السالم بأمري املؤمنني‪ ،‬ومنها‬ ‫السخرية ‪‬ال يَ ْس َخ ْر قَ ْوٌم ِم ْن قَ ْوٍم‪ ،‬ومنها‪ :‬الرد على العلماء (الراد عليهم كالراد علينا) هل هو‬ ‫حرام مطلقاً أو يف بعض الصور أو عدم احلرمة مطلقاً‪ ،‬ومنها اخلشية من الكفار وغريهم ‪‬فَال‬ ‫ش ْو ِن‪ ‬ومنها حب الدنيا‪ ،‬ومنها إيواء العصاة ومنها إيذاء اجلار‪ ،‬ومنها اختاذ‬ ‫َّاس َوا ْخ َ‬ ‫تَ ْخ َ‬ ‫ش ُوا الن َ‬ ‫البطانة من غري املؤمنني ‪‬يا أَيُّها الَّ ِذين آمنُوا ال تَت ِ‬ ‫َّخ ُذوا بِطانَة ِم ْن ُدونِ ُك ْم‪ ،‬ومنها التوكل على‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ِ‬ ‫واس َعة‬ ‫َم تَ ُك ْن أ َْر ُ‬ ‫اهلل ‪َ ‬و َعلَى اهلل فَ لْيَتَ َوَّك ِل ال ُْم ْؤمنُو َن‪ ،‬ومنها اهلجرة ‪‬قالُوا أَ ل ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫عاونُوا َعلَى الْبِ ِّر َوالتَّ ْقوى‪ ،‬ومنها‬ ‫فَ تُهاج ُروا فيها‪ ،‬ومنها التعاون على الرب والتقوى ‪َ ‬وتَ َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫صلُّوا َعلَْي ِه َو َسلِّ ُموا تَ ْسلِيما‪،‬‬ ‫آمنُوا َ‬ ‫ين َ‬ ‫الصالة على النيب وآله صلوات اهلل عليهم ‪‬يا أَيُّ َها الذ َ‬ ‫ومنها االصالح بني األخوين ‪‬فَأ ِ‬ ‫اصبِ ُروا‬ ‫َصل ُحوا بَ ْي َن أَ َخ َويْ ُك ْم‪ ،‬ومنها الصرب واملصابرة ‪ْ ‬‬ ‫ْ‬ ‫َوصابِروا‪ ،‬ومنها التدبر يف القرآن الكرمي ‪‬أَ فَال يَتَ َدبَّرو َن الْ ُق ْرآ َن أ َْم َعلى قُلُ ٍ‬ ‫وب أَقْفالُها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومنها رعاية الرتتيب‪ ،‬ومنها هبت أهل البدع‪ ،‬فقد ورد يف الصحيح عن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وآله‪( :‬إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا الربائة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم‬ ‫والوقيعة وباهتوهم كي ال يطعموا يف الفساد يف اإلسالم وحيذرهم الناس‪ )..‬ومنها التبشري ‪‬فَ بَ ِّ‬ ‫ش ْر‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫سنَهُ‪ ،‬ومنها العفو واإلعراض عن اجلاهلني ‪ُ ‬خ ِذ‬ ‫ين يَ ْستَ ِمعُو َن الْ َق ْو َل فَ يَتَّبِعُو َن أ ْ‬ ‫عباد ‪ ‬الذ َ‬ ‫َح َ‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ​ِ‬ ‫الْع ْفو وأْمر بِالْعر ِ‬ ‫ين‪ ‬إىل موراد أخرى عديدة‪.‬‬ ‫ف َوأَ ْع ِر ْ‬ ‫َ َ َ ُْ ُْ‬ ‫ض َع ِن الْجاهل َ‬ ‫وأغلب هذه املوارد بل كلها تقريباً رغم أمهيتها البالغة الشديدة األكيدة مل يتطرق هلا مشهور‬

‫الفقهاء بل كلهم إال النادر‪ 2‬وال يعد ذلك دليالً على عدم استفادهتم الوجوب أو احلرمة من‬ ‫اآليات والروايات الواردة مواردها بل عدم الذكر إما للغفلة أو لعدم كوهنم يف مقام االستقصاء أو‬ ‫‪ 1‬يراجل لمعرفة التفصيل اإلجمالي لاذه الموارد كتاب الواجبات المحرمات من دورة الفقه ولمعرفة تفصيلاا تالحظ مواضعاا‬ ‫من دورة الفقه‪.‬‬

‫‪ 2‬في آيات األحكا أو في مواضل متفرقة من كتب الفقه‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫عدم القدرة باالبتالء مبزامحات أخرى أو لوضوح األمر فيها أو لغري ذلك‪ 1‬كاالكتفاء بذكر كربياهتا‬ ‫يف حماهلا أو لغري ذلك أو جملموع ذلك يف جمموع املوارد وبعضها املذكور يف علم األخالق مل‬ ‫يبحث عنه من جهة حكمه الشرعي عادة وباالستناد إىل دليله من اآليات والروايات كما ال‬ ‫خيفى‪.‬‬ ‫ومما يؤيد ما ذكرناه هنا ‪ -‬من أن عدم الذكر حيتمل وجوهاً عديدة ‪ -‬وما سنذكره يف اجلواب‬ ‫الثاين والثالث‪ :‬ما ذكره الشيخ األنصاري يف الرسائل قال قدس سره يف حبث االستصحاب منه‬ ‫(‪ ...‬وحيث إن املختار عندنا هو األول ذكرناه يف األصول العملية املقررة للموضوعات بوصف‬ ‫كوهنا مشكوكة احلكم‪ ،‬لكن ظاهر كلمات األكثر كالشيخ والسيدين والفاضلني والشهيدين‬ ‫وصاحب املعامل كونه حكماً عقلياً ولذا ال يتمسك أحد هؤالء خبرب من األخبار‪ ...‬وأول من‬ ‫متسك هبذه األخبار فيما وجدته والد الشيخ البهائي فيما حكى عنه يف العقد الطهماسيب وتبعه‬ ‫صاحب الذخرية وشارح الدروس وشات بني من تأخر عنهم)‪ 2‬وقال (‪ ...‬لكن املتكلم يف‬ ‫االستصحاب من باب التعبد واألخبار بني العلماء يف غاية القلة إىل زمان متأخري املتأخرين مع‬ ‫أن بعض هؤالء‪ 3)...‬مث قال قدس سره بعد ثالث صفحات (‪ ...‬وأمهلوا قاعدة البناء على اليقني‬ ‫السابق لعدم داللة العقل عليه وال النقل بناء على عدم التفاهتم إىل األخبار املذكورة لقصور‬ ‫داللتها عندهم ببعض ما أشرنا إليه سابقاً‪ ،‬أو لغفلتهم عنها على أبعد االحتماالت عن ساحة من‬

‫هو دوهنم يف الفضل)‪ ،4‬فرغم أن الشهرة انعقدت على عدم داللة األخبار على حجية‬ ‫االستصحاب وعلى عدم كونه حكماً ظاهرياً (لكن ظاهر كلمات األكثر‪ )...‬و(لكن املتكلم يف‬ ‫االستصحاب من باب التعبد واألخبار بني العلماء يف غاية القلة) رغم ذلك استند الشيخ البهائي‬

‫‪ 1‬كاالكتفاء بذكر كبرياتاا في محالاا أو لغير ذلل‪.‬‬ ‫‪ 2‬الرسائل‪ :‬بحث االستصحاب‪ ،‬ص‪.319‬‬ ‫‪ 3‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.344‬‬

‫‪ 4‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.348-347‬‬

‫‪85‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مث الشيخ األنصاري قدس سرمها إىل األخبار على خالف املشهور واعترباها دالة على املراد ومل‬ ‫يكن إعراض املشهور عن االستدالل هبا قرينة نوعية على عدم حجيتها وال مانعاً عن استظهار‬ ‫فقيه آخر احلجية منها ألسباب عديدة‪ ،‬منها احتمال كون إعراضهم عنها لغفلتهم عنها و لعدم‬ ‫متامية سندها أو لعدم متامية داللتها عندهم كما قال قدس سره (‪ ...‬بناء على عدم التفاهتم إىل‬ ‫األخبار املذكور لقصور‪ )...‬ومنها عدم كون اجتهاد الفقيه حىت لو عضدته الشهرة حجة على‬ ‫فقيه آخر كما أوضحناه‪ ...‬بل آل األمر إىل انعقاد شهرة املتأخرين على خالف شهرة املتقدمني‬ ‫كما يشهد به قوله قدس سره (وشاع بني من تأخر عنهم) وكما يشهد به تتبع آراء الفقهاء بعد‬ ‫الشيخ قدس اهلل سره‪.‬‬ ‫د‪ -‬هذا إضافة إىل أنه ليس بناء الفقهاء على اعتبار من مل يتطرق لوجوب شيء‪ ،‬قائالً‬ ‫بالوجوب وال قائالً بالالوجوب وكذا ال يعتربون من مل يتطرق ملسألة ادعى فيها البعض أو املشهور‬ ‫احلرمة قائالً باحلرمة أو عدمها‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬سلمنا بأن املشهور فهموا عدم الوجوب‪ ،‬لكن الشهرة ليست ظناً معترباً باعرتاف‬ ‫املشهور فلو جعل عدم فهمهم الوجوب من اآلية قرينة صارفة للظاهر عن ظهوره كان يف ذلك‬ ‫خمالفة املشهور‪ 1‬فموافقة املشهور يف (عدم داللة اآلية على الوجوب) ألهنم ارتأوا ذلك‪ ،‬خمالفة‬ ‫للمشهور يف الواقع فالفرار من خمالة املشهور (بالتزام عدم وجوهبا) مستلزم للوقوع يف خمالفته فلو مل‬ ‫يكن هذا ذا حمذور مل يكن ذاك أيضاً‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬الشهرة الفتوائية جابرة وكاسرة حسب رأي املشهور‪ ،‬فالضعيف املنجرب بعمل‬ ‫الفقهاء حجة والصحيح املعرض عنه من قبل األصحاب ليس حبجة‪.‬‬ ‫[ألنه يقال]‪ :‬الشهرة جابرة للسند وكاسرة له ال للمنت والداللة‪.‬‬ ‫‪ 1‬إذ ال تعدو الشارة أن تفيد ظناً شخصياً بااللخالا وما حجيته من باب الظن النوعي (كظواهر األلفاظ) ال يرفل الياد عان‬ ‫ظاوره مل الظن الشخصي بالخالا‪.‬‬

‫‪86‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫قال الشيخ قدس سره يف الرسائل (وما رمبا يظهر من العلماء من التوقف يف العمل باخلرب‬ ‫الصحيح املخالف لفتوى املشهور أو طرحه مع اعرتافهم بعدم حجية الشهرة فليس من جهة‬ ‫مزامحة الشهرة لداللة اخلرب الصحيح من عموم أو إطالق بل من جهة مزامحتها للخرب من حيث‬ ‫الصدور بناء على أن ما دل من الدليل على حجية اخلرب الواحد من حيث السند ال يشمل‬ ‫املخالف للمشهور ولذا ال يتأملون يف العمل بظواهر الكتاب والسنة املتواترة إذا عارضها الشهرة‬ ‫فالتأمل يف اخلرب املخالف للمشهور إمنا هو إذا خالفت الشهرة نفس اخلرب ال عمومه وإطالقه‪ ،‬فال‬ ‫يتأملون يف عمومه إذا كانت الشهرة على التخصيص‪ ،‬نعم رمبا اجري على لسان بعض متأخري‬ ‫املتأخرين من املعاصرين عدم الدليلي على حجية الظواهر إذا مل تفد الظن أو إذا حصل الظن الغري‬ ‫املعترب على خالفها لكن االنصاف أنه خمالف لطريفة أرباب اللسان والعلماء يف كل زمان)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫هذا لو أغمضنا النظر عن املناقشة يف مستند مبىن املشهور من ادعاء أن ما دل من الدليل على‬ ‫حجية خرب الواحد من حيث السند ال يشمل املخالف للمشهور إذ ال وجه هلذه الدعوى مع‬ ‫عموم أدلة حجية خرب الواحد ملعارض املشهور‪ ،‬إذ الوجه إما االنصراف أو التصخيص أو أخبار‬ ‫مرجحات باب التعارض‪.‬‬ ‫أما األول‪ :‬ففيه أنه لو كان فهو بدوي إضافة إىل أن بناء العقالء على احلجية مطلقاً‪.‬‬ ‫وأما الثاني‪ :‬ففيه أن النسبة بني أدلة حجية اخلرب وأدلة حجية الشهرة هي العموم من وجه (أي‬ ‫بني اخلرب والشهرة)‪.‬‬ ‫وأما الثالث‪ :‬ففيه أهنا خمتصة بباب تعارض األخبار ال تعارض خرب وشهرة ‪ -‬فتأمل ‪ -‬إضافة‬ ‫إىل النقض جبريان ما ذكر بالنسبة للمنت أيضاً بادعاء أن أدلة حجية الظواهر منصرفة عما لو‬ ‫خالفها املشهور أو خمصصه (خمصصة) بغري صورة اخلالف‪.‬‬

‫‪ 1‬الرسائل ص‪ 44‬عند الحديث عن عد اعتبار الظن الشخصي في حجية الظواهر‪.‬‬

‫‪87‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫منتهى األمر أنه يقع التعارض بينهما ال أن املقتضى (املقتضي) حلجية اخلرب املعارض للمشهور‬ ‫غري موجود إضافة إىل أن بناء العقالء على حجية خرب الواحد اجلامع للشرائع (للشرائط) اذا‬ ‫عارضتة (عارضته) الشهرة الفتوائية يف كل العلوم والصناعات‪ ،‬نعم قد يقدمون الشهرة ولكن ال من‬ ‫باب عدم املقتضى (املقتضي) حلجية خرب الواحد ٍ‬ ‫حينئذ بل من باب ابتالئه باملعارض األقوى وكذا‬ ‫بنائهم على حجية الظواهر وإن خالفها فتوى املشهور يظهر ذلك ملن رجع إىل اخلرباء يف كل علم‬ ‫وفن حيث يتمسكون بظواهر األلفاظ وإن فهم منها املشهور غري ذلك‪ ،‬قال يف أوثق الوسائل يف‬ ‫شرح الرسائل‪ ..( :‬أنه ال معىن لدعوى اإلمجاع على داللة األلفاظ والظهورات العرفية‪ ،‬جلواز خمالفة‬ ‫هذا اإلمجاع بال إشكال ملن ثبت عنده خالفه‪ 1)...‬فدقق‪.‬‬ ‫ومن الواضح فيما حنن فيه أن اآلية ‪‬وشاورهم‪ ‬قطعية الصدور‪ ،‬ظنية الداللة‪ ،‬فالشهرة ال‬ ‫تضعف السند لقطعيته وال الداللة ألن حمل اجلرب والكسر هو السند ال غري‪...‬‬

‫[ثالثا]‬ ‫سلمنا أن الشهرة ظن خاص معترب‪ ،‬لكون نقول‪ :‬إن مقتضى القاعدة هو مالحظة الدليل الذي‬ ‫أقامه الفقيه أو الفقهاء‪ ،‬مث البحث عن سنده وداللته وعدمها ومدى داللته ‪ -‬على تقدير الداللة‬ ‫ ومعارضاته ووجود خمصص أو حاكم أو وارد عليه فلو ترجدح عنده أحد الطرفني كان رأيه‬‫حجة سواء وافق رأي الفقيه أو الفقهاء الذين أقاموا الدليل أم خالف وذلك هو مقتضى فتح باب‬ ‫االجتهاد ومقتضى حجية رأي الفقيه كما ال خيفى‪ ،‬إضافة إىل كونه من ضروريات الفقه‪ ،‬إذ من‬ ‫الضروري عدم وجوب (تعبد) الفقيه برأي فقيه آخر أو رأي مشهور الفقهاء وعدم وجوب قبوله‬

‫‪ 1‬أوثي الوسائل‪ :‬بحث حجية خبر الواحد‪ ،‬آية النبي‪ ،‬ص‪.152‬‬

‫‪88‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أدلة الفقهاء اآلخرين تعبداً ووجوب التعبد برأي الفقيه منحصر يف املقلد ويف صورة انسداد باب‬ ‫العلم والعلمي‪ ،‬وإيراث قول الفقيه الظن الشخصي مع عدم وجود طريق آخر لتخصيل هذا الظن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ فالشهرة وإن كانت (ظناً معترباً) إال أن ذلك ال يعين كوهنا علة تامة لوجوب القبول بل‬

‫ٍ‬ ‫مقتض له فال يصح اللفيه االعتماد عليها فوراً دون البحث عن املعارض‬ ‫غاية ما يف الباب‪ :‬أهنا‬ ‫وعن مدى داللتها وعن احلاكم أو الوارد عليها‪.‬‬ ‫وللتوضيح نقول‪ :‬أدلة حجية خرب الواحد مثالً إمنا تصنع املقتضي لوجوب القبول وللحجية ال‬ ‫العلة التامة ولذا قد يسقط خرب الواحد عن احلجية عند معارضته لظاهر الكتاب بنحو التباين‬ ‫(كما يف كثري من أخبار اجلرب والتفويض والغلو) أو العموم من وجه يف مادة االجتماع أو مطلقاً‬ ‫أو عند معارضته خبرب آخر له مرجح صدوري أو جهيت كما ال خيفى‪ ،‬فإذا كان احلال هذا يف خرب‬ ‫الواحد الذي ذهب األكثر إىل حجيته فما هو احلال فيما ذهب األكثر إىل عدم حجيته؟ وألجل‬ ‫ذلك جند أن العلماء يف العمل بدليل ما اشرتطوا (الفحص) عن معارضاته ومنعوا العمل بدليل‬ ‫(سواء يف ذلك الظواهر أو أخبار اآلحاد أو االستصحاب بناء على أماريته أو األصول) قبل ذلك‬ ‫وهل الشهرة مستثناة من هذه القاعدة؟ حبيث لو عثر فقيه على الشهرة الفتوائية أغناه ذلك عن‬ ‫البحث عن سائر األدلة املوافقة واملخالفة‪ ،‬وحبيث لو عثر عليها أفىت على طبقها؟‬ ‫إضافة إىل أن من الثابت يف حمله أن (القطع) ال غري حجة ذاتية يستحيل ختلف احلجية عنه‬ ‫فإن احلجية ذاتية للقطع بذايت باب الربهان حيث تنتزع من حاق ذات القطع بال ضميمة‬ ‫خارجية‪ ،‬ولو انفكت عن القطع لزم التناقض وغريه من احملاذير على ما هو مذكور يف حبث‬ ‫القطع‪ ...‬أما غري القطع فحجيته غريية جعلية ميكن ختلفها عنه بل يتحتم أن ابتلى باملعارض‬ ‫األقوى‪ ،‬إذا توضح ذلك اتضح أن انعقاد الشهرة على شيء (كعدم وجوب الشورى فرضاً) ال‬ ‫يلغى اجتهاد اجملتهد وال يعين عدم صحة استظهار فقيه الوجوب على خالف رأي املشهور‪ ،‬ولذا‬

‫‪89‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫‪1‬‬ ‫ردها‬ ‫جرت طريقة معظم الفقهاء على عدم االستدالل بالشهرة وجعلها مؤيدة ال غري وعلى ّ‬

‫بوجدان اخلالف ومعارضة النصوص‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وألجل ذلك كله جند على كر األعصار قوالً (مشهوراً) وقوالً (لغري املشهور) بل جند املشهور يف‬ ‫مسألة خيالفون ‪-‬بعضاً أو كالً‪ -‬املشهور يف مسألة (أو مسائل أخرى ‪ -‬بنحو التفريق)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫وألجل ذلك كله جند انقالب الشهرة على الوفاق يف موارد عديدة إىل شهرة على اخلالف يف‬ ‫األعصار الالحقة‪ ،‬فمن ذلك‪ :‬حكمهم إىل زمان احملقق الثاين بأن بيع املعاطاة إمنا يفيد جمرد‬ ‫اإلباحة خالفاً للمفيد قدس سره حيث حكم بلزومه وإذ وصلت النوبة للمحقق الثاين قدس سره‬ ‫حكم بافادته للملك املتزلزل واستقرت الفتوى بعده على ذلك‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وقال الشيخ قدس سره يف املكاب‪( :‬واملشهور بني علمائنا عدم ثبوت امللك باملعاطاة بل مل جند‬ ‫قائالً به إىل زمان احملقق الثاين)‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫ومن ذلك انعقاد شهرة القدماء إىل زمان الشهيد الثاين قدس سره على تنجس البئر باملالقاة‬ ‫وأن املقدر يف املنزوحات هو املطهر‪ ،‬ولكن استقرت الشهرة الفتوائية بعده على عدم تنجسه‬ ‫باملالقاة وأن النزح مستحب‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪ 1‬ال يخفر أن مرجل هذا إلر عد حجية الشارة عنده ‪.‬‬

‫‪ 2‬ومرجل هذا إلر أن حجيتاا علر القول به منوط بعد المعار‬

‫معارضة النصوص الشارة فرال حجيتاا واال لما تعارضا إذ ال تعار‬

‫بالمرجحات‪.‬‬

‫‪ 3‬باذا القيد أجبنا عن إشكال قد يخطر بالبال فتدبر جيداً‪.‬‬ ‫‪ 4‬أوثي الوسائل‪ :‬بحث اإلجماال المنقول‪ ،‬ص‪.116‬‬ ‫‪ 5‬المكاسب‪ :‬البيل‪ ،‬ص‪.83‬‬ ‫‪ 6‬أوثي الوسائل‪ :‬ص‪.116‬‬

‫‪90‬‬

‫األقوك وكوناا مقتضية لوجوب القبول ال علة تاماة لاه إذ‬

‫بين الحجة والالحجاة حتار يقاد أحادهما علار اوخار‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ومن ذلك ما سبق من انعقاد الشهرة إىل زمان الشيخ البهائي على عدم داللة أخبار‬ ‫االستصحاب على حجيته أو على عدم االستدالل هبا‪ ،‬مث انقلبت لتنعقد على اعتبارها هي‬ ‫الدليل (أو أحد األدلة) على حجيته ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫وكذا انعقادها عند القدماء على كون االستصحاب من األمارات مث اعبتارها من األصول ‪-‬‬ ‫فتأمل‪ ،‬وقد ذكر أحد كبار األساتيذ موردين آخرين مها‪:‬‬ ‫مسألة جناسة العصري العنيب إذا غال ومل يذهب ثلثاه حيث كانت الشهرة على النجاسة مث‬ ‫انقلبت إىل الطهارة‪.‬‬ ‫ومسألة كون (الرباءة) أصالً أو أمارة حيث كانت الشهرة يف الساق على كوهنا أمارة‪.‬‬ ‫[وأما ما ذكر] من (أن السرية العملية للفقهاء مل تكن على االستشارة والشورى بل على التفرد‬ ‫بالرأي‪ ،‬يشهد لذلك حكمهم يف باب الشورى ويف التصرف يف أموال القصر والتيامى)‪.‬‬ ‫[فيرد عليه] إضافة إىل جريان بعض ما ذكر سابقاً ههنا بل وغريه أيضاً‪:1‬‬ ‫[أوال]‪ :‬إن على مدعي هذه الدعوى اإلثبات‪ ،‬وذكر عشرة موارد أو مأة مورد ال يكفي‪ ،‬إذ‬ ‫االستقراء الناقص ليس حجة‪ ،‬واحلدس من عدم استشارة جمموعة من الفقهاء على كون السرية‬ ‫العملية جلميعهم على عدم االستشارة والشورى‪ ،‬غري صحيح‪ ،‬إذ اإلخبار أو االستقراء إذا كان‬ ‫مستلزماً عادة للحدس جبريان احلكم يف سائر املوارد يكون حجة‪ ،‬أما لو مل يكن مستلزماً عادة‬ ‫فليس حبجة‪ ،‬وإن حتدس منه الكثريون نظري ما ذكره الفقهاء يف حجية اإلمجاع من باب احلدس‬ ‫بقول املعصوم عليه السالم فلرياجع‪.‬‬

‫‪ 1‬إذ أوالً‪ :‬العمل ال جاة له وقد مضر الحديث عنه كبرك وسييتي تفصيله صغرك إن شاء اهلل تعالر‪.‬‬ ‫وثانياً‪ :‬عد حجية السيرة إال لو ثبت اتصالاا بزمان المعصو عليه السال ‪.‬‬

‫وثالثاً‪ :‬علر فر‬

‫كوناا حجة يجري الجواب الثالث السابي بطوله فليراجل‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ال يقال]‪ :‬عدم الدليل على عدم عمل الفقهاء بالشورى ٍ‬ ‫كاف يف عدم وجوهبا‪.‬‬ ‫[إذ يقال]‪ :‬قد سبق مفصالً اجلواب عن هذا اإلشكال عند االعرتاض بأن عدم الدليل على‬ ‫عمل الرسول صلى اهلل عليه وآله ٍ‬ ‫كاف يف عدم الوجوب فلرياجع‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬النقض مبوارد عملهم بالشورى يظهر ذلك للمتتبع يف قصص العلماء وتوارخيهم فتأمل‪.‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬إن السرية ليست حبجة إال لو أحرز اتصاهلا بزمان املعصوم عليه السالم وامضائه هلا‪.‬‬ ‫[وأما ما ذكر] من (ويشهد لذلك حكمهم يف باب اهلالل و‪[ )...‬ففيه] أنه ال شهادة له‬ ‫على خالف ما ندعيه‪ ،‬إذ أننا ال ندعي وجوب الشورى يف أمثال احلكم باهلالل والتصرف يف‬ ‫األمور احلسبية باملعىن األخص بل إننا ندعي وجوهبا يف أمثال املعاهدات الدولية واحلرب والصلح‬ ‫وما أشبه ذلك‪.‬‬ ‫وبعبارة أدق‪( :‬ثبوت اهلالل) من املوضوعات الصرفة اليت يكون املرجع فيه أهل اخلربة ولو رجع‬ ‫فيه إىل الفقيه فإمنا هو من حيث أنه خبري ال من حيث أنه فقيه كالرجوع إليه يف تعيني ما هو‬ ‫القمار وأي نوع يصدق عليه اخلمر‪ ،‬ولذا جند أهنم ذكروا أن شخصاً لو رأى هالل رمضان مثالً‬ ‫وجب عليه الصوم وإن مل يثبت اهلالل عند الفقيه ومل حيكم به وكذا لو حكم الفقيه هبالل‬ ‫رمضان استناداً إىل شاهدين أو شهود أحرز الشخص كذهبم‪ ،‬مل ينفذ حكمه يف حقه بل لو‬ ‫حكم هبالل رمضان استناداً إىل شهود عدول مع رؤية الشخص هالل شعبان قبل (‪ )27‬ليلة ال‬ ‫ينفذ حقه إذ الشهر ال ينقص عن ‪ 28‬يوماً وقد رآه قبل ‪ 27‬ليلة‪ ،‬واملدعى هو وجوب الشورى يف‬ ‫املوضوعات املستنبطة‪.‬‬ ‫[وأما]‪ :‬التصرف يف األمور احلسبية فتفصيل القول فيه حيتاج إىل تمهيد مقدمة هي‪:‬‬ ‫أن األمور احلسبية هي ‪-‬كما قال السيد الوالد يف الفقه‪ :-‬األمور اليت ال ويل هلا باخلصوص‬ ‫كتويل األوقاف العامة وإدارة شؤون القصر والغيب بالنسبة إىل أمواهلم وما يتعلق هبم كإجراء النفقة‬ ‫‪92‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫على زوجة اجملنون واحلجر على السفيه واملفلس وإجازة جتهيز األموات الذين ال ويل هلم وأمثال‬ ‫ذلك)‪ ،1‬و(ال إشكال يف جواز تصدي الفقيه هلا‪ ،‬وللجواز مسلكان‪ :‬األول‪ :‬إنه من باب املعروف‬ ‫الذي علم من الشارع إرادة وجوده يف اخلارج‪ ،‬أال ترى أنه ال يعقل أن يكون الشارع معطالً‬ ‫للميت الذي ال ويل له حىت يننت أو أن خيلى سبيل اجملنون والسفيه والصغري حىت يفسدوا فإنه‬ ‫خالف احلكمة القطعية‪ ...‬الثاين‪ :‬إن هذه األمور من فروع القضاء املأذون فيه شرعاً للفقيه اجلامع‬ ‫للشرائط كما نرى من رجوع هذه األمور يف هذه األزمنة وما قبلها إىل احلاكم والقضاة بل قد‬ ‫ادعى اطباق التواريخ على أنه كان كذلك يف زمن النيب صلى اهلل عليه وآله واألوصياء عليهم‬ ‫الصالة والسالم فإن القاضي املنصوب من قبلهم كان بيده هذه األمور‪ ،‬كما أن الوايل كان بيده‬ ‫األمور السياسية كما سيأيت توضيحه يف األمر السادس وعليه فحيث ثبت يف األمر الرابع جواز‬ ‫القضاوة للفقيه كان من فروعه جواز تصديه لألمور احلسبية وهذا املسلك أقوى يف النظر)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫إذا تمهد ذلك‪ :‬فنقول‪ :‬أما على املسلك الثاين فاألمور احلسبية خارجة ختصصاً عن أدلة‬ ‫الشورى فلها خروج موضوعي عنها فكيف يكون جريان سرية الفقهاء على عدم العمل بالشورى‬ ‫فيها دليالً على عدم عملهم بالشورى فيها لو حتقق موضوعها؟ وهل يكون عدم حممول يف‬ ‫موضوع دليالً على عدمه يف موضوع آخر؟‬ ‫بيان اخلروج التخصصي‪ :‬إن األمور احلسبية ‪ -‬على املسلك الثاين ‪ -‬داخلة يف باب القضاء‬ ‫والقضاة‪ ،‬أما موضوع الشورى فهو (الشؤون العامة املرتبطة بالسياسات وتدبري املدن) وبعبارة‬ ‫أخرى‪ :‬ما كان األمر واحلكم فيه إىل (الوالة) ال (القضاة) فهو موضوع الشورى (إن ثبتت وإن مل‬ ‫تثبت فموضوع نفوذ حكم احلاكم الواحد فقيهاً كان ‪-‬إن اشرتطنا كون احلاكم جمتهداً جامعاً‬ ‫للشرائط‪ -‬أم غريه ‪-‬إن مل نشرتط أو اكتفينا بالتوكيل‪.)-‬‬

‫‪ 1‬الفقه‪ :‬االجتااد والتقليد‪ ،‬ص‪.136‬‬ ‫‪ 2‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.137-136‬‬

‫‪93‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وما كان األمر فيه إىل القضاة ال الوالة فليس مبوضوع هلا‪.‬‬ ‫ومن الواضح ‪-‬عرفاً‪ -‬أن للقضاة شؤوناً ختتص هبم وللوالة شؤوناً كذلك وعلى ذلك جرت كافة‬ ‫الدول يف كل األزمنة‪...‬‬ ‫وحنن ندعي وجوب الشورى فيما يرتبط بالوالة (أي يف الشؤون العامة املرتبطة بسياسة املدن أو‬ ‫ما يسمى بـ"احلكومة") ال فيما يرتبط بالقضاة فال يكون عدم عملهم بالشورى فيما يرتبط بالقضاة‬ ‫كاألمور احلسبية على املسلك الثاين‪ -‬دليالً على عدم وجوهبا فيما يرتبط بالوالة وال على عدم‬‫عملهم هبا فيه‪.‬‬ ‫ولمزيد من التوضيح نذكر هنا تعريف املشهور للقضاء‪ ،‬قال الشيخ حممد حسن صاحب‬ ‫اجلواهر رضوان اهلل تعاىل عليه (القضاء لغة وعرفاً والية احلكم شرعاً ملن له أهلية الفتوى جبزئيات‬ ‫القوانني الشرعية على أشخاص معينني من الربية باثبات احلقوق واستيفائها للمستحق كما يف‬ ‫املساك والتنقيح وكشف اللثام وغريها بل يف األول منها نسبة تعريفه بذلك إليهم‪ 1‬وقال يف املستند‬ ‫(هو والية حكم خاص‪ ،‬أو حكم خاص يف واقعة خمصوصة على شخص خمصوص باثبات ما‬ ‫يوجب عقوبة دنيوية شرعاً أو حق من حقوق الناس بعد التنازع فيه أو بنفي واحد منهما)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وهبذا يتضح فرقه وبينونته موضوعاً عن موضوع الشورى (وهو ما يرتبط بالواليات) إذ أن القضاء‬ ‫هو (والية احلكم شرعاً جبزئيات القوانني الشرعية على أشخاص معينني) أما منصب احلكومة "مما‬ ‫يرتبط بالوايل" فهو (والية ترتبط بالشؤون العامة كاجلهاد واملعاهدات) وال ترتبط بـ"جزئيات القوانني‬ ‫الشرعية" كاحلكم على هند بأهنا زوجة خالد وبأن هذه الدار ملك لزيد فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬جواهر الكال ‪ ،‬كتاب القضاء‪ :‬المجلد األربعون‪ ،‬ص‪ ،9-8‬وريا‬ ‫‪ 2‬مستند الشيعة‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 514‬كتاب القضاء‪.‬‬

‫المسائل‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 385‬كتاب القضاء‪.‬‬

‫‪ 3‬إال أن يقال بانصراا جزئيات القوانين الشرعية إلر مير الشؤون العامة كما هو الظاهر‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫‪3‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫(وتؤثر على أو تلزم عامة املكلفني أو أكثرهم أو مجاعة كبرية منهم)‪ 1‬وليست كالقضاء الذي‬ ‫هو "على أشخاص معينني" فاالنفاق على زوجة زيد اجملنون وجتهيز امليت الفالين والية على‬ ‫أشخاص معينني يف قضايا جزئية شخصية مما يرتبط بالقضاء أما اصدار احلكم باجلهاد أو األمر‬ ‫بقطع العالقات السياسية واالقتصادية مع دولة أو عقد التحالف معها فهو (والية على العموم) مما‬ ‫يرتبط بالوالة ويتضح األمر أكثر مبالحظة تعريف املستند السابق‪.‬‬ ‫وبعبارة جامعة يف القضاء يف األمور احلسبية توجد‪ 2‬ثالثة أمور‪ ،‬بناء على هذا التعريف‪:‬‬ ‫أ‪ -‬حكم الشارع بلزوم االنفاق والتجهيز واحلجر على املفلس أو السفيه‪.‬‬ ‫ب‪ -‬تشخيص املوضوع اجلزئي (وأن زيداً جمنون وفالناً ميت ال متكفل له وفالناً مفلس أو‬ ‫سفيه)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬إنشاء احلكم على املوضوع اجلزئي عند تشخيصه والتصدي لذلك واألخريان مرتبطان‬ ‫بالقاضي بناء على كون األمور احلسبية من شؤونه‪.‬‬ ‫أما يف الوالية فتوجد األمور التالية‪:‬‬ ‫أ‪ -‬حكم الشارع باحلرب واجلهاد ‪-‬إن كانت فيه مصلحة اإلسالم واملسلمني‪ -‬وبالصلح إن‬ ‫كانت يف الصلح املصلحة‪ ،‬وكذا يف املعاهدات الدولية وسائر الشؤون‪.‬‬ ‫ب‪ -‬تشخيص املوضوع الكلي‪ ،3‬وأن الظروف ظروف حرب فاجلهاد أو ظروف سلم فالصلح‪،‬‬ ‫وه ْم َحتَّى ال‬ ‫وأن الوضع احلايل صغرى ‪َ ‬وإِ ْن َجنَ ُحوا لِ َّ‬ ‫اجنَ ْح لَها‪ ‬أو صغرى ‪َ ‬وقاتِلُ ُ‬ ‫لسل ِْم فَ ْ‬ ‫تَ ُكو َن فِ ْت نَةٌ وي ُكو َن الدِّين ُكلُّهُ ِ‬ ‫هلل‪- ‬مثالً‪ -‬وكذا يف املعاهدات الدولية وكذا يف السياسة الداخلية‬ ‫َ​َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ 1‬هذا التعريا (شرح اإلس ) كما ال يخفر وليس بالحد وال بالرس ‪.‬‬ ‫‪ 2‬أع من السبي والمقارنة‪.‬‬

‫‪ 3‬ليس المراد بالكلية الكلية المنطقية كما ال يخفر‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫العامة للدولة‪ ،‬هذا يف األدلة العرضية‪ ،‬وأما األدلة الطولية فكذا أيضاً فهل تفرض املكوس‬

‫(الضرائب) على البضائع املستوردة جلريان قاعدة (ال ضرر)‪ ،1‬أم ال لعدم دخوهلا حتت عنوان‬

‫ثانوي‪ ،‬وذلك تبعاً لتشخيصه أن استريادها دون ضرائب حيطم الصناعة الوطنية أم ال‪ ،‬وإذا كان‬ ‫حيطم فهل هناك طرق أخرى ‪-‬غري فرض املكوس‪ -‬للحيلولة دون التحطيم أم ال‪...‬‬ ‫ومن الواضح أن (زيداً جمنون وفالناً ميت ال متكفل له) موضوع جزئي شخصي‪ ،‬أما (الظروف‬ ‫ظروف حرب أو ظروف صلح أو االسترياد دون ضريبة حيطم االقتصاد) فموضوع كلي نوعي‪.‬‬ ‫ج‪ -‬إنشاء حكم عام أي اصدار أمر عام عند تشخيص املوضوع الكلي‪ ...‬فعند تشخيص أن‬ ‫الظروف ظروف حرب يصدر الوايل احلكم باجلهاد‪ ،‬وهذا األمر يتعلق بعموم املكلفني عكس األمر‬ ‫باحلجر على املفلس مثالً مما يتعلق بأفراد ال غري‪.‬‬ ‫وبذلك كله اتضحت البينونة التامة بني (القضاء) و (الوالية) يف مثايل‪:‬‬ ‫وجوب اجلهاد عند تربص العدو غري املندفع إال بذلك على عامة املكلفني ووجوب التسليم عند‬ ‫ثبوت كون الدار ملكاً للغري على من بيده الدار‪ ،‬موضوعاً ‪-‬كما يف البند "أ" و "ب" ومتعلقاً يف‬ ‫البند "ج"‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫وأما بناء على التعريف اآلخر للقضاء الذي ارتضاه غري املشهور وهو كما نقله يف اجلواهر‬ ‫حيث قال (ويف الدروس والية شريعة على احلكم واملصاحل العامة من قبل اإلمام عليه السالم ولعله‬ ‫أوىل من األوىل ضرورة أعمية مورده من خصوص اثبات احلقوق كاحلكم باهلالل وحنوه وعموم‬ ‫املصاحل)‪:‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ 1‬بعد وقوال التزاح بين مصاداقياا وتقادي أحادهما علار اوخار كماا ال يخفار ماثالً منال التجاار عان االساتيراد مساتلز للضار‬ ‫عليا وعلر كافة من يشتري بضائعا لكون االنتااج المحلاي مرتفال القيماة مال كيفياة ميار جيادة وعاد المنال مساتلز لضارر‬

‫علر الصناعة الوطنية بتحطيماا فيتزاح الضرران ويكون األقوك مرفوعاً بال ضرر‪.‬‬

‫‪ 2‬جواهر الكال كتاب القضاء ص‪ 9‬وقد ذكر هذا التعري فمفتاح الكرامة أيضاً أول كتاب القضاء المجلد العاشر‪.‬‬

‫‪96‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫فالفرق بني (الوالية) و (القضاء) بعد ثبوت انصراف عموم املصاحل إىل غري ما يرتبط بالوايل وإال‬ ‫لكان التعريف غري طارد أن (اهلالل) وأمثاله وإن كان يتعلق حكم القاضي فيه بنوع املكلفني‪ ،‬إال‬ ‫أن الفرق بينهما هو أن ما تعلق بنوع املكلفني مما يرتبط بتدبري املدن على الوجه العام مرتبط‬ ‫بالوايل وما يتعلق بنوعهم مما يرتبط بالشرعيات ‪-‬كاهلالل‪ -‬وشبهها أو بتدبري املدن على الوجه‬ ‫اخلاص مرتبط بالقاضي‪ ،‬هذا لو قطعنا النظر عن اجلواب السابق من أن اهلالل من املوضوعات‬ ‫الصرفة وعدم تعني الرجوع إىل القاضي أو الفقيه ويكفي فيه الرؤية أو شهادة شاهدين عند‬ ‫الشخص إىل جانب كفاية حكم القاضي أو الفقيه فلو ثبت عنده اهلالل ‪-‬بالرؤية أو الشاهدين‪-‬‬ ‫كفى وإن مل يثبت للفقيه ولو ثبت عند الفقيه وأحرز هو عدمه ‪-‬لعلمه بكذب الشهود‪ -‬مل يتبعه‬ ‫نعم لو ثبت عند الفقيه ومل يثبت عنده شيء وجب عليه العمل بقوله كعمل كل شخص بقول‬ ‫خبري مل يثبت عنده خالف قوله ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل أن الفرق بينهما أيضاً باعتبار الغاية إذ غاية القضاء (قطع املنازعة) كما ذكره‬ ‫السيد حممد جواد احلسيين العاملي رضوان اهلل عليه يف مفتاح الكرامة‪ 1‬أما غاية الوالية والوايل مبا‬ ‫هو وايل فليس ذلك وإن كان ذلك جزئ الغاية البعيدة له إذ بنصبه للقاضي يهدف قطع‬ ‫املنازعات‪ ،‬إال أن املقصود أوالً وبالذات من احلاكم والوايل ليس هو قطع املنازعات الشخصية أو‬ ‫اجلزئية‪ ،‬على أن الفرق بني (القاضي) و (الوايل) من الواضحات عند العرف وأن لكل منهما جماالً‬ ‫وعمال حمدداً ووجد بعض املصاديق املشكوكة ‪-‬لو فرض‪ -‬واملرددة بني كوهنا للقاضي أو الوايل ال‬ ‫ً‬ ‫يضر بتمايزمها ثبوتاً أو اثباتاً ولو يف اجلملة‪ ،‬فلو فرض ثبوت حكم أو سلبه عن ذلك املردد ال‬ ‫يكون دليالً على جريانه يف غريه‪.‬‬ ‫وأما على املسلك الثاين فكذلك أيضاً إذ أن اجلزئي ال يكون كاسباً وال مكتسباً سواء كان‬ ‫اجلزئي حقيقياً أو إضافياً فإن ثبوت حكم لألخص ال يكون دليالً على ثبوته لألعم وحممول‬ ‫‪ 1‬مفتاح الكرامة أول كتاب القضاء‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫األخص (كاملتعجب لإلنسان) ال يلزم أن يكون حمموالً على األعم أيضاً (كاحليوان) إال لو حتقق‬ ‫األعم يف ضمنه‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬ثبوت حكم أو سلبه ‪-‬أو أي حممول آخر‪ -‬لنوع مندرج حتت‬ ‫جنس ال يدل على ثبوته لنوع آخر وإن اندرج حتت نفس اجلنس وهو وضاح بل هو من‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ فلو قلنا باندراج األمور احلسبية حتت "املعروف" وقلنا باندراج الشؤون العامة‬ ‫البديهيات‪...‬‬ ‫املرتبطة بالسياسات (كاحلرب والسلم ‪-‬أي اجلهاد‪ -‬واملعاهدات الدولية وشبهها) حتته أيضاً‪،1‬‬ ‫فهما نوعان مندرجان حتت جنس واحد أو ال أقل من أهنما صنفا نوع (إذ اجلهاد واملعاهدات‬ ‫الدولية وما أشبهها أمر‪ ،‬وإجراء نفقة زوجة اجملنون واملفلس وإجازة جتهيز األموات وما أشبه أمر‬ ‫آخر بالصنف أو بالنوع) فكيف يكون حممول‪ 2‬أحد اجلزئيني اإلضافيني داالً بثبوته له على ثبوته‬ ‫للجزئي اإلضايف اآلخر؟‬ ‫[وال بأس]‪ :‬بالتطرق ههنا لعله عدم قولنا بوجوب الشورى يف األمور احلسبية فنقول‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬النصراف أدلة الشورى عنها‪ ...‬أ ترى أن اآلية الكرمية ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر‪ ‬شاملة‬ ‫الستشارته صلى اهلل عليه وآله والستشارة سائر احلكام املنصوبني من قبله صلى اهلل عليه وآله يف‬ ‫إجراء النفقة على زوجة اجملنون؟ واحلجر على السفيه واملفلس؟ والبيع على ميت وإجازة جتهيز‬ ‫األموات الذين ال ويل هلم؟ وما أشبه ذلك‪ ،‬وهل يستفيد العرف من هذه اآلية أن على احلاكم أن‬ ‫يشاور املسلمني يف تلك اجلزئيات؟‬ ‫وكذكل الرواية الشريفة (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) ‪-‬وسيأيت‬ ‫االستدالل هبا تفصيالً‪ -‬هل يفهم العرف من (احلوادث الواقعة)‪ :‬شخصاً ُج َّن فريجع يف نفقة‬ ‫زوجته إىل شورى رواة احلديث؟ (بل وعلى تقدير عدم استفادة الشورى من الرواية الشريفة هل‬

‫‪ 1‬أما لو ل نقل باندراج الشؤون العامة تحت المعروا فاألمر أوضاح إذ يكوناان حينئاذ متبااينين فكياا يساتدل بالسايرة علار‬ ‫عد أحدهما علر عد وجوب اوخر؟‬

‫‪ 2‬المحمول هو (استقرار سيرة الفقااء علر التفرد بالرأي وعد االستشارة في األمور الحسبية)‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫يفهم العرف الرجوع إىل راوي احلديث يف هذه املسألة وأشباهها؟ ‪-‬فتأمل‪ -‬خاصة لو قلنا بأن‬ ‫هذه األمور واجب كفائي وأن الفقيه أحد مصاديق من اجب عليه القيام هبا فيجوز تصديه هلا ال‬ ‫أن يتعني التصدي هلا وينحصر فيه‪ ،‬كما التزم به العديد من األعاظم)‪.‬‬ ‫وكذلك سائر أدلة الشورى اليت ذكرناها يف حماهلا‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الستلزامها (أي الشورى) يف األمور احلسبية العسر واحلرج لو مل تستلزم تعطل أكثر‬ ‫املصاحل ذلك أن استشارة أي فقيه لكل الفقهاء‪ 1‬يف دفن كل ميت وإجراء نفقة زوجة كل غائب‬ ‫أو جمنون أو مسجون واحلجر على كل مفلس أو سفيه مستلزم ‪-‬بال شك‪ -‬للعسر واحلرج على‬ ‫الفقيه وعلى سائر الفقهاء‪ ،‬واحلرج مرفوع حبديث الرفع سواء قلنا إن مفاده نفي احلكم بلسان نفي‬ ‫املوضوع ‪-‬كما هو مبىن اآلخوند قدس سره‪ -‬أو مفاده نفي احلكم الناشيء من قبله العسر واحلرج‬ ‫كما هو مبىن الشيخ قدس سره‪ -‬إذ على كال الرأيني جتري هنا قاعدة نفي احلرج ‪-‬حيث إن‬‫العسر يف متعلق التكليف (وهو الشورى) ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫هذا إن مل نقل بأنه مستلزم لتعطل أكثر هذه األحكام إضافة إىل أنه‪ 2‬قد يعد عمالً غري‬ ‫عقالئي‪.‬‬ ‫ومن الواضح أن استشارة الفقيه سائر الفقهاء يف األمور العامة (كاحلرب والصلح وأشباهها)‬ ‫ليس مستلزماً للعسر واحلرج لقلتها وال يعد عمالً غري عقالئي بل سيأيت إثبات أن العقل يقتضيه‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬وال أقل من القول بعدم وجوب الشورى يف األمور احلسبية الستقرار سرية الفقهاء على‬ ‫عدم الشورى فيها أو لظهور أدلتها يف ذلك فلو سلم وجود هذه السرية وحجيتها فال بأس بالتزام‬ ‫التخصيص يف أدلة الشورى وأهنا قد خرج منها أمثال اهلالل واحلجر‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫‪ 1‬وكذا استشارة الفقيه أو ميره ‪ -‬ممن يقو باألمور الحسبية ‪ -‬للمسلمين‪.‬‬

‫‪ 2‬أي استشارة الفقيه سائر الفقااء في كل مسيلة مسيلة جزئية من مسائل الحجر واجراء النفقة وتجايز الميت وأشباهاا‪.‬‬

‫‪99‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫[رابعا]‬ ‫سلمنا استقرار سرية الفقهاء على عدم العمل بالشورى لكن نقول‪ :‬عدم عملهم هبا ال يكون‬ ‫دليالً على التزامهم بعدم وجوهبا‪ ،‬إذ كان عدم عملهم هبا غالباً من باب السالبة بانتفاء املوضوع‪،‬‬ ‫وقد أوضحنا مراراً أن عدم احلكم بثبوت حممول لعدم موضوعه ال يستلزم اطالقاً عدم احلكم بثبوته‬ ‫عند وجود موضوعه وكذا عدم العمل مبحمول لعدم حتقق موضوعه ال يدل اطالقاً على عدم‬ ‫االلتزام بعدم وجوب هذا احملمول عند وجود موضوعه أ رأيت لو أن فقيهاً مل يعمل بقاعدة‬ ‫(االنفاق على الزوجة) لعدم تزوجه أ يكون عدم عمله وعدم انفاقه ‪-‬لعدم زوجته‪ -‬دليالً على‬ ‫التزامه بعدم وجوب االنفاق عند حتقق املوضوع؟ وذلك يف غاية الوضوح‪ ...‬هذا بيان الكبرى‪.‬‬ ‫وأما بيان الصغرى (عدم عملهم بالشورى كان غالباً من باب السالبة بانتفاء املوضوع) فهو‪:‬‬ ‫أن (الصلح واحلرب) و (املعاهدات الدولية) و (السياسة الداخلية العامة للدولة مثالً‪ :‬تصفية‬ ‫املعارضة والقضاء عليها أو استمالتها أو اتباع سياسة الالعنف معها‪ ،‬فرض الضرائب‪ ،‬التأميم‪..‬‬ ‫اخل) مل يكن حتت تصرف الفقهاء وكان اختاذ القرار فيها خارجاً عن مقدورهم ألن الدولة كانت‬ ‫بيد غريهم فعدم استشارة الفقهاء على طول التاريخ يف الشؤون العامة على فرض تسليم ذلك‪ ،‬إمنا‬ ‫كان دائماً أو غالباً لعدم حتقق املوضوع‪ ،‬نعم لو كانت الدولة طوال التاريخ بأيدي الفقهاء مث انفرد‬ ‫كل فقيه برأيه يف املوضوعات املستنبطة ومل يعمل بالشورى كان هذا دليالً على التزامهم بعدم‬ ‫وجوهبا ولصحت دعوى استقرار طريقتهم على عدم االستشارة مع حتقق املوضوع‪...‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬حكم جمموعة من الفقهاء ومل يستشريوا كاجملليسسن قدس سرمها والبهائي قدس‬ ‫سره والطوسي قدس سره والعالمة قدس سره‪.‬‬ ‫‪100‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[إذ يقال]‪[ :‬أوال]‪ :‬مل يكن احلكم بأيديهم ليحولوه إىل حكومة شوروية بل كانوا يعيشون يف‬ ‫دول ملوكية كان أحدهم وزيراً فيها‪ ،‬واآلخر مشرياً ال غري‪ ،‬فلم يكن األمر بيدهم ومل يكن‬ ‫مبقدورهم ليكون عدم عملهم بالشورى دليالً على عدم التزامهم بوجوهبا‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬سلمنا التزام هؤالء بعدم وجوب الشورى‪ ،‬لكن املدعى هو انعقاد سرية الفقهاء على‬ ‫عدم الوجوب‪ ،‬وأين هذا من التزام عدة فقهاء بعدمه؟ وهل يكون التزام عدة فقهاء حبكم صارفاً‬ ‫للظاهر عن ظهوره؟ هذا كله إضافة إىل ما فصلناه من عدم احلجية لعملهم فلرياجع‪.‬‬ ‫[وأما ما ذكر]‪ :‬من (أن اإلمجاع منعقد على عدم وجوهبا مما يكشف عن رأي املعصوم لطفاً أو‬ ‫دخوالً‪ ...‬اخل)‪.‬‬ ‫[فيرد عليه]‪ :‬إضافة إىل ما ذكر يف رد ما ذكر من (أن الفقهاء مل يفهموا منها الوجوب) و‬ ‫(السرية العملية للفقهاء‪ )...‬إذ اجري أكثر ما ذكر هناك‪ ،‬ههنا‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬اإلمجاع املنقول ليس حبجة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬اإلمجاع وإن كان حمصالً فليس حبجة ههنا‪ ،‬ألنه حمتمل االستناد بل معلوم االستناد‬ ‫واإلمجاع احملتمل االستناد ليس حبجة‪ ،‬فكيف مبعلومه‪ ،‬بيان ذلك أنه مستند أو حمتمل االستناد‬ ‫لألدلة الدالة على وجوب التقليد حيث استظهروا منها أن كل مقلد عليه أن يرجع إىل جمتهد واحد‬ ‫وال حيق له الرجوع إىل رأي أكثرية الفقهاء (مما يعرب عنه باملشهور أحياناً واألشهر أحياناً أخرى)‪.‬‬ ‫وأدلتهم‪ :1‬على وجوب التقليد السرية واإلمجاع وأنه من ضروريات الدين والكتاب كآية النفر‬ ‫والذكر والنبأ وغريها والروايات كما دل على اإلرجاع آلحاد األصحاب والثقات والعلماء والتوقيع‬

‫‪ 1‬الفقه‪ :‬االجتااد والتقليد‪ ،‬ص‪.8‬‬

‫‪101‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الوارد وغريها وسيأيت بإذن اهلل تعاىل التكلم حول هذه األدلة مفصالً وأنه هل هلا داللة على حرمة‬ ‫أو مرجوحية تقليد أكثرية الفقهاء يف كل الوقائع أم ال؟‬ ‫وكذلك مستند أو حمتمل االستناد إىل األدلة الدالة على وجوب تقليد األعلم ومنها اإلمجاع‬ ‫املنقول وبناء العقالء واألخبار كمقبولة ابن حنظلة وداوود بن احلصني وقاعدة الدوران بني التعيني‬ ‫والتخيري وسيأيت بإذن اهلل تعاىل التطرق هلا والبحث عن صحتها مث مدى داللتها على تقدير‬ ‫صحتها وسالمتها‪ ،‬هذا إضافة إىل جريان ما ذكره اآلخوند اخلراساين رضوان اهلل عليه هنا‪ ،‬قال يف‬ ‫حاشية الرسائل (ال خيفى وهن دعوى اإلمجاع يف مثل هذه املسألة اليت هلا مدارك خمتلفة‪ ،‬إذ معه‬ ‫ال يكشف االتفاق ‪-‬على تقدير حتققه‪ -‬عن رأي املعصوم عليه السالم فكيف مع وقوع اخلالف‬ ‫حسبما تقدم منه االعرتاف)‪ 1‬فليتدبر‪.‬‬ ‫[وأما ما ذكر]‪ :‬من الشهادة بقوله (ويشهد لدعوى اإلمجاع هذه أن اإلمجاع منعقد على حجية‬ ‫رأي كل فقيه على مقدليه وعدم حجية رأي فقيه آخر على مقلدي سائر الفقهاء) ففيه أن‬ ‫اإلمجاع وإن انعقد على الشق األول إال أن ما يضرنا على تقدير قطع النظر عن اجلوابني السابقني‬ ‫وغريمها‪ ،‬هو انعقاد اإلمجاع على الشق الثاين‪ ،2‬إذ لو قلنا حبجية رأي كل فقيه على مقلديه فكما‬ ‫ال يستلزم عدم حجية رأي فقيه آخر ملقلدي األول كذا ال يستلزم عدم حجية جمموعة فقهاء (وهم‬ ‫األكثرية) على مقلدي الفقيه األول هذا لو قلنا باحلجية الال بشرطية أما لو قلنا حبجية رأي كل‬ ‫فقيه على مقدليه بنحو البشرط الئية مبعىن حجية رأيه دون سائر الفقهاء على مقدليه‪ ،‬فهذا هو‬ ‫الشق الثاين (اإلمجاع منعقد على‪ ...‬عدم حجية رأي فقيه آخر ملقلدي الفقيه األول) وفيه إضافة‬ ‫إىل املناقشة يف الكربى املناقشة يف الصغرى أيضاً وأن ال إمجاع على عدم احلجية وتفصيله سيأيت‬ ‫عند التطرق لـ‪( :‬أدلة جواز الشورى على تقدير عدم القول بوجوهبا وجواز رجوع مقلد فقيه إىل‬ ‫‪ 1‬حاشااية الرسااائل ص‪ 178‬تعليق ااً علاار مااا ذك اره الشاايخ قاادس س اره فااي الرسااائل ص‪ 329‬عنااد قولااه (لنااا علاار ذلاال وجااوه‪،‬‬ ‫األول‪ :‬ظاور كلمات جماعة في االتفاي عليه)‪.‬‬

‫‪ 2‬بل اإلجماال علر الشي األول ضارب بمن يرك ملزمية رأي األكثرية ووجوب إتباعاا دون من يرك التخيير‪.‬‬

‫‪102‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫رأي الشيورى وإن خالفه رأي مقلده لعدم داللة أي واحد من أدلة التقليد على البشرط الئية‬ ‫وسيأيت ذلك بعونه تعاىل‪ ،‬وإثبات جواز التبعيض يف التقليد وجواز العدول هذا‪.‬‬ ‫إضافة إىل أن اإلمجاع على تقدير تسليمه وتسليم حجيته دليل ليب يقتصر فيه على القدر‬ ‫املتقني‪ ،‬وهو ما لو مل تعارض فتوى املقلد فتوى أكثرية الفقهاء‪ ،‬إال أن يثبت له معقد لفظي ‪-‬‬ ‫فتأمل‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[اإلشكال الرابع]‬

‫ومما قد يعرتض به على داللة اآلية الكرمية ‪‬وشاورهم في األمر‪ ‬وعلى الوجوب‪ :‬أهنا قد‬ ‫وردت يف سياق املستحبات فيكون السياق قرينة مقامية على صرف الظاهر عن ظهوره‪.‬‬ ‫[الجواب]‬

‫ف َع ْن ُه ْم‬ ‫[أوال]‪( :‬كوهنا يف سياق املستحبات) دعوى بال دليل‪ ،‬إذ ما هو املثبت لكون ‪‬فَا ْع ُ‬ ‫استَ غْ ِف ْر ل َُه ْم‪ ‬لالستحباب بل الدليل على عدمه لكون األمر ظاهراً يف الوجوب ال يرفع اليد‬ ‫َو ْ‬

‫عنه إال بالدليل‪ ،‬فما هو الصارف لـ‪‬أعف عنهم‪ ‬عن ظهوره؟ حىت يكونا مستحبني فيكون‬

‫‪‬شاور‪ ‬يف سياق املستحبات؟ وهل االستحسان يصلح صارفاً للظواهر؟‬ ‫ولذا قال الطباطبائي قدس سره‪( :‬وأصل املعىن‪ :‬فقد الن لكم رسولنا برمحة منا ولذلك أمرناه أن‬ ‫يعفو عنكم ويستغفر لكم ويشاوركم يف األمر‪ ،‬وأن يتوكل علينا إذا عزم) وقال (وقد أمر اهلل تعاىل‬ ‫نبيه صلى اهلل عليه وآله أن يعفو عنهم فال يرتب على فعاهلم أثر املعصية وأن يستغفر فيسأل اهلل‬ ‫أن يغفر هلم‪.)...‬‬

‫‪1‬‬

‫وقال يف روح املعاين‪ ...( :‬ألنه صلى اهلل عليه وآله أمر أوالً بالعفو عنهم فيما يتعلق خباصة‬ ‫نفسه‪ ،‬فإذا انتهوا إىل هذا املقام أمر أن يستغفر هلم ما بينهم وبني اهلل تعاىل لتنزاح عنهم التبعتان‬ ‫فلما صاروا إىل هنا أمر بأن يشاورهم يف األمر‪ ..‬مث أمر صلى اهلل عليه وآله بعد ذلك بالتوكل على‬ ‫اهلل واالنقطاع إليه)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وأما ما ذكره يف جممع البيان من (ويف اآلية ترغيب للمؤمنني يف العفو عن املسيء وحثهم على‬ ‫االستغفار ملن يذنب منهم وعلى مشاورة بعضهم بعضاً فيما يرعض هلم من األمور وهنيهم عن‬

‫‪ 1‬الميزان‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.56‬‬

‫‪ 2‬روح المعاني‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.108‬‬

‫‪104‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الفظاظة يف القول والغلظة واجلفاء يف الفعل ودعاهم إىل التوكل عليه وتفويض األمر إليه)‪ 1‬حيث‬ ‫استَ غْ ِف ْر ل َُه ْم َوشا ِوْرُه ْم‪ ‬للندب‪ ،‬ففيه‪:‬‬ ‫عرب بـ(الرتغيب) مما يظهر منه أن ‪‬فَا ْع ُ‬ ‫ف َع ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫ّ‬ ‫أ‪ :‬إن كلمة (ترغيب) ال ظهور هلا يف استفادته قدس سره الندب إذ أنه قدس سره يستخدمها‬ ‫يف الواجبات بال عناية مثالً قوله بعد صفحة (‪‬و َعلَى ِ‬ ‫اهلل فَ لْيَتَ َوَّك ِل ال ُْم ْؤِمنُو َن‪ ‬ظاهر املراد‬ ‫َ‬ ‫وتضمنت اآلية الرتغيب يف طاعة اهلل اليت يستحق هبا النصرة والتحذير من معصية اهلل اليت يستحق‬ ‫هبا اخلذالن مع إاجاب التوكل عليه الذي يؤمن معه أن يكلهم إىل أنفسهم فيهلكوا)‪ 2‬فقد استخدم‬ ‫(ترغيب) متعلقة بطاعة اهلل إضافة إىل أنه يستخدم (إاجاب) و(ترغيب) بنحو واحد‪...‬‬ ‫ب‪ :‬إضافة إىل كون كلمة (ترغيب) يف ح ّد نفسها ظاهرة يف اجلامع بني الوجوب والندب وال‬ ‫ظهور هلا يف أحد النوعني‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫ج‪ :‬بل إن الظاهر من كالمه قدس سره‪ :‬الوجوب جلعله الرتغيب مقابالً للنهي (ويف اآلية‬ ‫ترغيب للمؤمنني يف العفو عن املسيء‪ ...‬وهنيهم عن الفظاظة يف القول) [فبقرينة املقابلة يعرف أن‬ ‫ظ‬ ‫ت فَظًّا غَلِي َ‬ ‫املراد بالرتغيب ما يقال النهي وهو األمر والوجوب] والستفادته احلرمة من ‪َ ‬ول َْو ُك ْن َ‬ ‫الْ َقل ِ‬ ‫ك‪ ‬مع كون اللني مقابل الفظاظة وتفرع (اعف ‪ -‬استغفر ‪ -‬شاور)‬ ‫ْب الَنْ َفضُّوا ِم ْن َح ْولِ َ‬ ‫عليه وكون مقابل مناط النهي (وهو االجتماع حوله صلى اهلل عليه وآله) مناطاً للتحريض على‬ ‫اللني املتفرع عليه (اعف ‪ -‬استغفر ‪ -‬شاور)‪...‬‬ ‫د‪ :‬ولنفرض ظهور كلمة (ترغيب) يف الندب لكن الواضح أن الظاهر القرآين‪ 3‬لو تعارض مع‬ ‫ظاهر آخر ق ّدم عليه فكيف إذ كان الظاهر اآلخر غري حجة‪ 4‬كما فيما حنن فيه إذ ظاهر كلمة‬ ‫‪ 1‬مجمل البيان‪ :‬المجلد األول في الجزء الثاني‪ ،‬ص‪.527‬‬ ‫‪ 2‬مجمل البيان‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.528‬‬

‫‪ 3‬وهو هنا صيغة األمر في (اعا‪ -‬استغفر‪ -‬شاور‪ -‬ليتوكل)‪.‬‬ ‫‪ 4‬حيث ال تتعار‬

‫الحجة مل الالحجة فيتمسل باا بال تعار ‪.‬‬

‫‪105‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫(ترغيب) مستند إىل اجتهاده قدس سره غري احلجة على جمتهد آخر بل من الواضح أن الظاهر‬ ‫القرآين لو تعارض مع صريح كالم جمتهد ال يسقط الظاهر عن ظهوره وال يكون كالمه قرينة صارفة‬ ‫يبني‪.‬‬ ‫أبداً كما هو أوضح من أن ّ‬ ‫[ثانيا]‪ :‬سلمنا أن اعف واستغفر من املستحبات لكن نقول ال يكون السياق قرينة صاحلة‬ ‫لصرف صيغة األمر عن ظهورها ‪ -‬إذ أن الظهور السياقي ال يزاحم الظهور اللفظي ‪.-‬‬ ‫قال املريزا حممد حسن اآلشتياين قدس سره عند التكليم على داللة آية النفر على حجية خرب‬ ‫الواحد (‪ ..‬فإن ظهور السياق على تقدير تسليمه ليس من الظهورات اللفظية حىت يزاحم ظهور‬ ‫اللفظ فضالً عن أن يصري متقدماً عليه وقرينة صارفة له)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ولذا جند أن سرية الفقهاء رضوان اهلل تعاىل عليهم كانت على التمسك بالظهور اللفظي‪ ،‬حيث‬ ‫دل الدليل‬ ‫إهنم كانوا حيملون األمر بشيء معني على ظهوره رغم وقوعه يف سياق أوامر أخرى ّ‬ ‫اخلارجي على كوهنا للندب‪.‬‬ ‫ويتضح هذا أكثر عند مالحظة الروايات الشريفة قبل تقطيعها حيث كان األئمة عليهم أفضل‬ ‫الصالة وأزكى السالم يذكرون الواجبات واملستحبات يف سياق واحد وبصيغة األمر‪ ،‬وكان الفقهاء‬ ‫حيملون ما دلت قرينة خارجية حالية أو مقالية على أنه للندب‪ ،‬على الندب دون غريه‪.‬‬ ‫كما يتضح أكثر عند معرفة أن قدامى الفقهاء كالشيخ الطوسي رمحه اهلل كانوا اجعلون فهم‬ ‫األصحاب الندب من أمر أو أوامر واقعة يف سياق أوامر عديدة أخرى قرينة على أن ظاهرها غري‬ ‫مراد وأهنا للندب‪.‬‬

‫‪ 1‬بحر الفوائد في شرح الفرائد ‪-‬بحث حجية خبر الواحد ص‪ 155‬من الجزء األول‪.‬‬

‫‪106‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وذلك هو مقتضى القاعدة على مسلك املشهور حيث إهنم ذهبوا لكون األمر حقيقة يف‬ ‫الوجوب جمازاً يف الندب‪ ،‬مع ضميمة ذكر األئمة عليهم الصالة والسالم يف كثري من األحيان‬ ‫املستحبات يف سياق الواجبات‪ ،‬وقد وردت يف القرآن الكرمي آيات عديدة على حنو ذلك‪:‬‬ ‫قوله تعاىل‪ :‬فَاقْرُؤا ما تَي َّ ِ ِ‬ ‫الصالةَ َوآتُوا َّ‬ ‫سنا‪،1‬‬ ‫يموا َّ‬ ‫الزكاةَ َوأَقْ ِر ُ‬ ‫َ‬ ‫س َر م ْنهُ َوأَق ُ‬ ‫َ‬ ‫ضوا اهللَ قَ ْرضا َح َ‬ ‫ِّكاح فَِإ ْن آنَ ْستُ ْم ِم ْن ُه ْم ُر ْشدا فَا ْدفَ عُوا إِل َْي ِه ْم‬ ‫وقوله عز وجل ‪َ ‬وابْ تَ لُوا الْيَتامى َحتَّى إِذا بَلَغُوا الن َ‬ ‫ف َوَم ْن كا َن فَِقيرا‬ ‫أ َْموال َُه ْم َوال تَأْ ُكلُوها إِ ْسرافا َوبِدارا أَ ْن يَ ْكبَ ُروا َوَم ْن كا َن غَنِيًّا فَ لْيَ ْستَ ْع ِف ْ‬ ‫‪2‬‬ ‫فَ لْيأْ ُكل بِالْمعر ِ‬ ‫وف فَِإذا َدفَ ْعتُ ْم إِل َْي ِه ْم أ َْموال َُه ْم فَأَ ْش ِه ُدوا َعلَْي ِه ْم‪.‬‬ ‫َ ْ َ ُْ‬ ‫يث بِالطَّيِّ ِ‬ ‫ب َوال تَأْ ُكلُوا أ َْموال َُه ْم إِلى‬ ‫وقوله سبحانه‪َ  :‬وآتُوا الْيَتامى أ َْموال َُه ْم َوال تَتَبَ َّدلُوا الْ َخبِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫طاب لَ ُك ْم ِم َن‬ ‫أ َْموال ُك ْم إِنَّهُ كا َن ُحوبا َكبِيرا ‪َ ‬وإِ ْن خ ْفتُ ْم أَالَّ تُ ْقسطُوا في الْيَتامى فَانْك ُحوا ما َ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫الث ورباع فَِإ ْن ِخ ْفتم أَالَّ تَع ِدلُوا فَ ِ‬ ‫ت أَيْمانُ ُك ْم‪.‬‬ ‫واح َدة أ َْو ما َملَ َك ْ‬ ‫النِّساء َمثْنى َوثُ َ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫وقوله تعاىل‪ :‬فَانْ ِكحوه َّن بِ​ِإ ْذ ِن أ َْهلِ ِه َّن وآتُوه َّن أُجوره َّن بِالْمعر ِ‬ ‫وف‪ ،4‬مع أن النكاح بإذن‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ُ ُ َُ َ ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص َدقَة تُطَ ِّه ُرُه ْم َوتُ َزِّكي ِه ْم بِها‬ ‫أهلهن مستحب واعطائهن أجورهن واجب و‪ُ ‬خ ْذ م ْن أ َْموال ِه ْم َ‬ ‫ك َس َك ٌن ل َُه ْم‪ ،5‬حسب أكثر املفسرين من أن املراد من الصدقة‪،‬‬ ‫صالتَ َ‬ ‫ص ِّل َعلَْي ِه ْم إِ َّن َ‬ ‫َو َ‬

‫الصدقة املفروضة‪ ،6‬فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬المزمل ‪ -‬آخر آية‪.‬‬ ‫‪ 2‬النساء‪.6 :‬‬

‫‪ 3‬النساء‪.3-2 :‬‬ ‫‪ 4‬النساء‪.25 :‬‬

‫‪ 5‬التوبة‪.103 :‬‬

‫‪ 6‬ليراجل مجمل البيان الجزء الخامس من المجلد الثالث‪ ،‬ص‪.68‬‬

‫‪107‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقوله تعاىل‪َ  :‬وا ْعبُ ُدوا اهللَ َوال تُ ْش ِرُكوا بِ ِه َش ْيئا َوبِالْوالِ َديْ ِن إِ ْحسانا َوبِ ِذي الْ ُق ْربى َوالْيَتامى‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْج ْن ِ‬ ‫اح ِ‬ ‫ْجنُ ِ‬ ‫السبِ ِ‬ ‫ت‬ ‫ب َو َّ‬ ‫ب َوابْ ِن َّ‬ ‫يل َوما َملَ َك ْ‬ ‫ب بِال َ‬ ‫َوال َْمساكي ِن َوالْجا ِر ذي الْ ُق ْربى َوالْجا ِر ال ُ‬

‫أَيْمانُ ُك ْم‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬ ‫و‪‬إِذا حيِّيتم بِت ِحيَّ ٍة فَحيُّوا بِأَح ِ‬ ‫ردها واجب والتحية باألحسن‬ ‫ُ ُْ َ‬ ‫س َن م ْنها أ َْو ُردُّوها‪ ، ‬مع أن ّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬

‫‪3‬‬ ‫ض ْيتُ ُم َّ‬ ‫مستحب‪ ،‬هذا على بعض التفاسري يف معىن اآلية الكرمية ‪ ،‬و ‪‬فَِإذا قَ َ‬ ‫الصالةَ فَاذْ ُك ُروا اهللَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصال َة‪ ،4‬مع أن إقامة الصالة واجبة‬ ‫يموا َّ‬ ‫قياما َوقُعُودا َو َعلى ُجنُوب ُك ْم فَِإ َذا اط َْمأْنَ ْنتُ ْم فَأَق ُ‬

‫وذكر اهلل قياماً وقعوداً وعلى اجلنب مستحب ‪ -‬هذا حسب التفسري املعروف لآلية الكرمية‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫و‪‬يا أَيُّها الَّ ِذين آمنُوا إِذا ل َِقيتم فِئَة فَاثْ بتوا واذْ ُكروا اهلل َكثِيرا لَعلَّ ُكم تُ ْفلِحو َن ‪ ‬وأ ِ‬ ‫َطيعُوا‬ ‫َ‬ ‫ُ​ُ َ ُ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫‪6‬‬ ‫اصبِروا إِ َّن اهللَ َم َع َّ ِ‬ ‫ين‪.‬‬ ‫نازعُوا فَ تَ ْف َ‬ ‫اهللَ َوَر ُسولَهُ َوال تَ َ‬ ‫ب ِر ُ‬ ‫الصاب ِر َ‬ ‫شلُوا َوتَ ْذ َه َ‬ ‫يح ُك ْم َو ْ ُ‬ ‫و‪‬يا نِساء النَّبِي لَست َّن َكأَح ٍد ِمن الن ِ‬ ‫ض ْع َن بِالْ َق ْو ِل فَ يَط َْم َع الَّ ِذي فِي‬ ‫ِّساء إِ ِن اتَّ َق ْيتُ َّن فَال تَ ْخ َ‬ ‫َ ِّ ْ ُ َ َ‬ ‫قَ ْلبِ ِه مرض وقُلْن قَ وال معروفا ‪ ‬وقَر َن فِي ب يوتِ ُك َّن وال تَب َّرجن تَب ُّرج ال ِ‬ ‫ْجاهلِيَّ ِة األُولى َوأَقِ ْم َن‬ ‫ُ​ُ‬ ‫َ َ َْ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ​َ ٌ َ َ ْ َ ُْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ْجس أ َْهل الْب ْي ِ‬ ‫ين َّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ب َع ْن ُك ُم ِّ َ َ َ‬ ‫الزكا َة َوأَط ْع َن اهللَ َوَر ُسولَهُ إِنَّما يُ ِري ُد اهللُ ليُ ْذه َ‬ ‫الصال َة َوآت َ‬ ‫ِ ‪7‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهلل وال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْح ْك َمة‪.‬‬ ‫َويُطَ ِّه َرُك ْم تَطْ ِهيرا ‪َ ‬واذْ ُك ْر َن ما يُ ْتلى في بُيُوت ُك َّن م ْن آيات َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫آمنُوا اتَّ ُقوا اهللَ َوقُولُوا قَ ْوال َس ِديدا‪ 8‬حسب بعض التفاسري‪.‬‬ ‫ين َ‬ ‫و‪‬يا أَيُّ َها الذ َ‬

‫‪1‬‬

‫‪ 1‬النساء‪.36 :‬‬ ‫‪ 2‬النساء‪.86 :‬‬

‫‪ 3‬يراجل مجمل البيان ص‪ 85‬المجلد الثاني الجزء الثالث حيث قوك قدس سره هذا المعنر من أن كلياما للمسلمين‪.‬‬ ‫‪ 4‬النساء‪.103 :‬‬

‫‪ 5‬مجمل البيان‪ :‬ج‬

‫‪ 6‬األنفال‪.46-45 :‬‬

‫ص‪.103‬‬

‫‪ 7‬األحزاب‪.34-32 :‬‬ ‫‪ 8‬األحزاب‪.70 :‬‬

‫‪108‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ِ‬ ‫ك ِم ْن‬ ‫و‪‬يا بُنَ َّي أَقِ ِم َّ‬ ‫ك إِ َّن ذلِ َ‬ ‫اصبِ ْر َعلى ما أَصابَ َ‬ ‫الصال َة َوأْ ُم ْر بِال َْم ْع ُروف َوانْهَ َع ِن ال ُْم ْن َك ِر َو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ب ُك َّل ُم ْخ ٍ‬ ‫ش فِي األ َْر ِ‬ ‫َّاس َوال تَ ْم ِ‬ ‫ص ِّع ْر َخ َّد َك لِلن ِ‬ ‫تال‬ ‫ض َم َرحا إِ َّن اهللَ ال يُ ِح ُّ‬ ‫َع ْزم األ ُ​ُموِر ‪َ ‬وال تُ َ‬ ‫‪2‬‬ ‫ض ِ‬ ‫ك إِ َّن أَنْ َكر األ ْ ِ‬ ‫فَ ُخوٍر ‪ ‬واق ِ‬ ‫ْح ِمي ِر‪.‬‬ ‫َص ْو ُ‬ ‫ص ْوتِ َ‬ ‫ْص ْد فِي َم ْشيِ َ‬ ‫ك َوا ْغ ُ ْ‬ ‫َصوات ل َ‬ ‫ض م ْن َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وإن كان االستدالل ببعض هذه اآليات الكرمية على املدعى ال خيلو عن تأمل ‪-‬فتأمل‪ -‬وهناك‬ ‫آيات أخرى يعثر عليها املتتبع دالة على املقصود‪...‬‬

‫‪ 1‬ليراجل مجمل البيان الجزء الثامن من المجلد الرابل‪ ،‬ص‪.373‬‬ ‫‪ 2‬لقمان‪.19-17 :‬‬

‫‪109‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[اإلشكال الخامس]‬

‫ورمبا يعرتض على االستدالل باآلية الكرمية على وجوب الشورى يف الشؤون العامة بـ‪:‬إن األمر‬ ‫يف اآلية الكرمية ‪‬وشاورهم في األمر‪ ‬هو احلرب أخرجه ابن أيب حامت من طريق ابن سريين عن‬ ‫عبيدة وهو املناسب للمقام‪1)...‬وقال ابن عباس‪( :‬وشاورهم في األمر‪ ‬يف أمر احلرب)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫فاآلية الكرمية وردت يف مورد احلرب واجلهاد بعد وقعة أحد‪ ،‬فيكون املورد قرينة على أن الواجب‬ ‫هو املشاورة يف أمر احلرب فقط‪ ،‬ال يف سائر الشؤون العامة فاأللف والالم إمنا هي للعهد الذهين‪.‬‬

‫[الجواب]‬

‫[أوال]‪ :‬إن املفسرين ذكروا معىن آخر أعم إما بنحو الرتديد بينه وبني األخص أو بنحو التعيني‬ ‫ولنذكر بعض عباراهتم‪ :‬قال يف روح املعاين‪( :‬وشاورهم في األمر‪ ‬أي يف احلرب أخرجه ابن‬ ‫أيب حامت‪ ...‬أو فيه ويف أمثاله مما جتري فيه املشاورة عادة وإليه ذهب مجاعة)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫وقال يف الكشاف (‪‬وشاورهم في األمر‪ ‬يعين يف أمر احلرب وحنوه مما ال ينزل عليك فيه‬ ‫وحي تستظهر برأيهم وملا فيه من تطييب نفوسهم والرفع من أقدارهم وعن احلسن رضي اهلل عنه‬ ‫قد علم اهلل أنه ما به إليه حاجة ولكنه أراد أن يسنت به من بعده‪.)..‬‬

‫‪4‬‬

‫وقال يف املنار‪( :‬وشاورهم في األمر‪ ‬العام الذي هو سياسة األمة يف احلرب والسلم‬ ‫واخلوف واألمن وغري ذلك من مصاحلهم الدنيوية أي دم على املشاورة وواظب عليها كما فعلت‬ ‫‪ 1‬روح المعاني‪ :‬المجلد الثاني‪ ،‬جزء ‪ ،5‬ص‪.106‬‬ ‫‪ 2‬تفسير ابن عباس‪ :‬ص‪.59‬‬

‫‪ 3‬روح المعاني‪ :‬المجلد الثاني الجزء الخامس‪.‬‬ ‫‪ 4‬الكشاا‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.474‬‬

‫‪110‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫قبل احلرب يف هذه الواقعة (غزوة أحد) وإن أخطأوا الرأي فيها فإن اخلري كل اخلري يف تربيتهم على‬ ‫املشاورة بالعمل دون العمل برأي الرئيس)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وقال يف (اجلواهر يف تفسري القرآن الكرمي)‪( :‬وشاورهم في األمر‪ ‬أمر احلرب ويف كل ما‬ ‫يصح أن يشاور فيه)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وقال يف (مدارك التنزيل وحقائق التأول)‪( :‬وشاورهم في األمر‪ ‬أي يف أمر احلرب وحنوه مما‬ ‫مل ينزل عليك فيه وحي)‪ 3‬واملستفاد من كالم ابن أثري يف تفسريه أنه يرى عموم (األمر) وعدم‬ ‫اختصاصه باحلرب فلرياجع‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وأما عبارة املرحوم الطربسي واملرحوم الطوسي رضوان اهلل عليهما فهي مطلقة يظهر منها عدم‬ ‫فهمهما خلصوصية يف املورد وعدم ختصيصهما لـ(األمر) بأمر احلرب‪.‬‬ ‫قال األول يف جممعه‪( :‬وشاورهم في األمر‪ ‬أي استخرج آرائهم وأعلم ما عندهم‪ ،‬واختلفوا‬ ‫يف فائدة مشاورته إياهم مع استغنائه بالوحي عن تعرف صواب الرأي من العباد على أقوال‪)..‬‬

‫‪5‬‬

‫فلم يقيد (استخرج آرائهم) بـ(آرائهم يف شؤون احلرب) وقوله (واختلفوا يف‪ )..‬دال على املطلب‬ ‫كما ال خيفى‪ ،‬إذ إن األقوال اليت ذكرها رمحه اهلل ال ختتص باملشورة يف شؤون احلرب‪.‬‬

‫‪ 1‬المنار‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.199‬‬

‫‪ 2‬الجواهر في تفسير القرآن الكري للطنطاوي‪ :‬ج‪ ،2‬المجلد األول‪ ،‬ص‪.167‬‬ ‫‪ 3‬مدارل التنزيل وحقائي التيول‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ 290‬من المطبوال باام‬ ‫‪ 4‬تفسير ابن كثير المجلد األول‪ :‬ص‪.420‬‬

‫‪ 5‬مجمل البيان‪ :‬ج‪ ،4‬المجلد الثاني‪ ،‬ص‪.527‬‬

‫‪111‬‬

‫تفسير الخازن‪.‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقال الثاين يف تبيانه (‪‬وشاورهم في األمر‪ ‬أمر من اهلل تعاىل لنبيه أن يشاور أصحابه‪ ،‬يقال‬ ‫شاورت الرجل مشاورة وشواراً وما يكون عن ذلك امسه املشورة)‪ 1‬فلم يقيد بـ(‪ ..‬أن يشاور‬ ‫أصحابه يف أمر احلرب)‪.‬‬ ‫أما العالمة الطباطبائي قدس سره فيظهر منه أنه استظهر عمومية (األمر) قال يف امليزان‪:‬‬ ‫(وقد أمر اهلل تعاىل نبيه صلى اهلل عليه وآله أن يعفو عنهم فال يرتب على فعاهلم أثر املعصية‬ ‫وإن يستغفر فيسأل اهلل أن يغفر هلم ‪ -‬وهو تعاىل فاعله ال حمالة ‪ -‬واللفظ وإن كان مطلقاً ال‬ ‫خيتص باملورد غري أنه ال يشمل موارد احلدود الشرعية وما يناظرها وإال لغى التشريع‪ ،‬على أن‬ ‫تعقيبه بقوله ‪‬وشاورهم في األمر‪ ‬ال خيلو عن اإلشعار بأن هذين األمرين إمنا مها يف ظرف‬ ‫الوالية وتدبري االمور العامة مما اجري فيه املشاورة معهم)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ونقل العالمة اجمللسي رضوان اهلل تعاىل عليه يف تفسري اآلية ما هذا نصه (‪‬وشاورهم في‬ ‫األمر‪ ‬أي يف أمر احلرب‪ ،‬إذ الكالم فيه أو فيما يصح أن يشاور فيه استظهاراً برأيهم وتطييباً‬ ‫لنفوسهم ومتهيداً لسنة املشاورة لألمة)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫إذن مل يستفد مشهور املفسرين بل كلهم إال ابن عباس اختصاص (األمر) باحلرب على حنو‬ ‫مر من روح املعاين وأنوار التنزيل) أو ذكروا األعم‬ ‫التعيني بل ذكروه إما مردداً بينه وبني األعم (كما ّ‬

‫مر من الكشاف واملنار وامليزان ومدارك التنزيل وتفسري ابن كثري واجلواهر) أو أطلقوا‬ ‫معيناً (كما ّ‬ ‫مر من جممع البيان والتبيان) الظاهر منه إرادة األعم‪.‬‬ ‫(كما ّ‬ ‫وأما ما ذكره األوالن من وجه االحتمال األول (وهو التخصيص باحلرب) بـ(وهو املناسب‬ ‫للمقام ‪-‬إذ الكالم فيه‪ )-‬فسيأيت اجلواب عنه‪.‬‬ ‫‪ 1‬التبيان المجلد الثالث‪ :‬ص‪.31‬‬

‫‪ 2‬الميزان للعالمة الطباطبائي قدس سره‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.57-56‬‬

‫‪ 3‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪ ،35‬نقالً عن أنوار التنزيل‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.240-239‬‬

‫‪112‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ولو لم يحصل من جمموع ذلك االطمينان بأن (األمر) يف اآلية الشريفة أعم وأنه ال وجه‬ ‫لتخصيصه باحلرب‪ ،‬فنقول مقتضى القاعدة يف ما لو تردد املفرد احمللى بأل بني كونه للعهد (كما‬ ‫استفاده ابن عباس) أو لغريه (كما استفاده اآلخرون) هو‪ :‬الرجوع إىل األصل ‪-‬واألصل يف الالم‬ ‫أهنا للجنس واحملتاج للقرينة هو العهد كما ذكره اآلخوند اخلراساين قدس سره يف الكفاية عند‬ ‫االستدالل بالصحيحة األوىل لزرارة على االستصحاب‪.-‬‬

‫‪1‬‬

‫وكما بىن عليه املرحوم الشيخ األنصاري وتلميذه املرحوم اآلشتياين قدس سرمها قال املرحوم‬ ‫اآلشتياين يف حبث االستصحاب‪( :‬فنقول‪ :‬إن قضية ظاهر الالم إذا مل تكن هناك قرينة اإلشارة إىل‬ ‫اجلنس سواء كان بالوضع أو بغريه فمقتضاها كون الالم يف اليقني للجنس ال للعهد‪ ...‬هذا ولكن‬ ‫أورد عليه بإيرادات‪ ،‬أحدها‪ :‬أن الالم إمنا يكون ظاهراً يف اجلنس حيث مل يكن هناك عهد وهو‬ ‫موجود يف املقام من حيث سبق ذكر يقني الوضوء مع كونه منكراً فال معىن للقول بظهورها يف‬ ‫اجلنس‪ ،‬ثانيها‪ )..‬مث قال (وأجاب األستاذ العالمة عن اإليرادين أما عن األول فبان ما قرع مسعك‬ ‫من أن الالم ظاهر يف اجلنس حيث ال عهد ليس معناه جمرد سبق ذكر ما يصلح لإلشارة إليه بل‬ ‫ما إذا كان هناك قرينة على العهد حبيث يفهم عرفاً‪ ،‬ال يقال ذكر علماء البيان وغريهم أن املذكور‬ ‫سابقاً إذا كان منكراً يفهم منه عرفاً العهد كما يف قوله تعاىل ‪‬وعصى فرعون الرسول‪ ‬املسبوق‬ ‫بلفظ رسول املنكر وجعلوا هذا هو امليزان لتعيني الالم فيما تردد أمره بني العهد واجلنس)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫حيث ظهر منه التزام الشيخ قدس سره بأن الالم ظاهرة يف اجلنس مطلقاً حىت لو سبق ذكر ما‬

‫يصلح لإلشارة إليه‪( 3‬مما اجعلها صاحلة إلرادة العهد) وأهنا تكون للعهد يف صورة واحدة فقط هي‬ ‫ما إذا كان هناك قرينة على العهد حبيث يفهم عرفاً‪.‬‬ ‫‪ 1‬الكفاية‪ :‬المجلد الثاني‪ ،‬ص‪.284‬‬

‫‪ 2‬بحر الفوائد ‪ -‬بحث االستصحاب ‪ -‬ص‪.26‬‬

‫‪ 3‬وقد علله اوخوند قدس سره فاي الكفاياة بقولاه (وسابي فإناه علار يقاين‪ ...‬الاخ ال يكاون قريناة علياه مال كماال المالئماة مال‬ ‫الجنس أيضاً فافا ) المجلد الثاني ص‪ ،284‬وليس مرضنا قبول هذا الكال منه ومن الشيخ قدس سره وأن الاال ظااهرة فاي‬

‫‪113‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫كما ظهر منه التزام عموم علماء أهل البيان بل وغريهم أيضاً بأن الالم ‪-‬فيما تردد أمره بني‬

‫العهد واجلنس‪ -‬إمنا تكون للعهد إذا سبقها منكر يفهم منه عرفاً العهد‪ ،1‬وفيما حنن فيه (أي يف‬ ‫اآلية الكرمية ‪‬وشاورهم في األمر‪ )‬من الواضح عدم سبق منكر فتكون للجنس على ما قاله‬ ‫علماء البيان‪.‬‬ ‫ومن ذلك (أي من التزام علماء البيان بأهنا للجنس) ومن غريه ‪-‬على ما فصل يف حمله من‬ ‫حبث األلفاظ‪ -‬يعلم النظر فيما التزم اآلخوند قدس سره يف حبث األلفاظ من أن الالم للتزيني‬

‫‪2‬‬

‫ويعلم أن ما التزمه يف حبث االستصحاب من أن الالم ظاهرة يف اجلنس هو الذي ينبغي أن يلتزم‬ ‫به‪.‬‬ ‫وقال الشيخ األنصاري قدس سره (والالم وإن كان ظاهراً يف اجلنس إال أن سبق يقني الوضوء‬ ‫رمبا يوهن الظهور املذكور‪.)...‬‬

‫‪3‬‬

‫ولقد محل كثري من الفقهاء (الالم) على اجلنس وعمموها لكل املصاديق‪ ،‬يف موارد أضعف مما‬ ‫حنن فيه بكثري حيث كانت (ال) مسبوقة مبنكر أو معرف مذكور من قبل حيث يكون احتمال‬ ‫العهد الذكري قوياً إن مل يكن متعيناً ‪-‬كما قال بعض‪.-‬‬ ‫[فمنها] مثالً‪ :‬قوله عليه الصالة والسالم يف صحيحة زرارة األوىل (ال‪ ،‬حىت يستيقن أنه قد نام‬ ‫حىت اجيء من ذلك بأمر بني وإال فإنه على يقني من وضوئه وال ينقض اليقني أبداً بالشك ولكن‬

‫الجنس حتر مل سبي منكر بل نقل التزاماما بظاور الال في الجنس وقبولناا لااذا المبنار فاي الجملاة (وان لا نقبلاه فيماا لاو‬

‫سبي منكر فرضاً)‪.‬‬

‫‪ 1‬الظاهر أن (يفا ) في كالما خبر ال صفة لا(منك اًر) لكنه مير ضار بنا فاي المقاا كماا ال يخفار لعاد وجاود هاذه القريناة‬

‫هانا سواء كان خب اًر أو صفة والمقياس عنده وجود قرينة يفا مناا العاد عرفاً والنقا‬ ‫في الصغرك ال يضر بالقياس‪.‬‬

‫‪ 2‬الكفاية المجلد األول‪ :‬ص‪.380‬‬

‫‪ 3‬الرسائل الصحيحة األولر لز اررة‪ ،‬ص‪.330‬‬

‫‪114‬‬

‫في كاون سابي المنكار كاذلل نقاا‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ينقضه بيقني آخر) فمع سبق يقني الوضوء استفاد الفقهاء من (اليقني) العموم لغريه أيضاً‪ ،‬قال‬ ‫الشيخ قدس سره (إال أن سبق يقني الوضوء رمبا يوهن الظهور املذكور حبيث لو فرض إرادة‬ ‫خصوص يقني الوضوء مل يكن بعيداً عن اللفظ مع احتمال‪ ...‬لكن االنصاف أن الكالم مع‬ ‫ذلك ال خيلو من ظهور)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وقال اآلخوند قدس سره‪( :‬مع أنه ال موجب الحتماله [أي احتمال اختصاص قضية ال تنقض‬ ‫باليقني والشك يف باب الوضوء] إال احتمال كون الالم يف اليقني للعهد إشارة إىل اليقني يف (فإنه‬ ‫على يقني من وضوئه) مع أن الظاهر أنه للجنس كما هو األصل فيه وسبق فإنه على يقني اخل ال‬ ‫يكون قرينة عليه مع كمال املالئمة مع اجلنس أيضاً فافهم)‪ 2‬فتأمل‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬قوله عليه السالم يف صحيحة زرارة الثانية (ألنك كنت على يقني من طهارتك‬ ‫فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقني بالشك أبداً) والكالم فيها كالكالم يف سابقتها‪.‬‬ ‫والقول بأن (يقني) يف الصغرى أو ما هو مبنزلتها ليس املراد به يقني الوضوء (إذ إنه مبين على‬ ‫أن يكون من وضوئه متعلقاً باليقني وليس ببعيد أن يكون متعلقاً بالظرف ويكون املعىن فإنه على‬

‫يقني من طرف وضوئه)‪ 3‬حىت يرجع (اليقني) يف (وال ينقض اليقني أبداً بالشك) إما إىل يقني‬ ‫خاص وهو اليقني الوضوئي فال يكون (اليقني) مسبوقاً مبنكر خاص حىت يستدل به على املدعى‬ ‫(من أن الالم اعرتت جنساً مع سبق منكر خاص)‪ ،‬خالف الظاهر وخالف املنساق إىل األذهان‬ ‫العرفية وجمرد عدم البعد غري كاف وكون اليقني وأشباهه متعدياً بالباء ال يوجب تقدير حمذوف‬

‫تعلق به (من وضوئه)‪ 4‬حىت يكون (يقني) غري متخصص بشيء فال يكون (اليقني) مسبوقاً مبا هو‬

‫‪ 1‬الرسائل‪ ،‬ص‪.330‬‬

‫‪ 2‬الكفاية‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.284‬‬

‫‪ 3‬حاشية األخوند قدس سره علر الرسائل‪ :‬ص‪.180‬‬

‫‪ 4‬إشارة إلر الجواب عن إشكال المرحو الكمباني قدس سره في نااية الدراية الجزء الثالث ص‪.20‬‬

‫‪115‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أخص منه‪ 1‬ألنه يتعدى مبن أيضاً خاصة يف أمثال هذا املورد (مثالً‪ :‬علمت مما جرى شيئاً كثرياً‪،‬‬ ‫هذا هو القدر املتيقن منه‪ ،‬تيقنت من صدق الكالم‪...‬اخل) قال يف لسان العرب‪( :‬يَِق َن األمر يـَ ْقناً‬ ‫ويَـ َقناً وأيقنه وأيقن به وتيقنه واستيقنه واستيقن به وتيقنت باألمر واستيقنت به‪ ،‬كله مبعىن واحد‪،‬‬

‫وأنا على يقني منه)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫بل قد يقال بلزوم تعدي اليقني بـ‪ :‬من ههنا ويف كل مورد مما كان اليقني مسبباً عنه فمثالً‬ ‫(أيقنت أو تيقنت باهلل تعاىل من النظر إىل نظام اخللقة أو من النظر إىل املخلوقات) فاليقني متعلق‬ ‫باهلل ناشيء من النظر وفيما حنن فيه كذلك أيضاً‪ ،‬إذ اليقني متعلق بالطهارة ‪-‬اليت هي شرط‬ ‫صحة الصالة‪ -‬ناشئاً من اليقني بالوضوء فـ(فإنك كنت على يقني من وضوئك) أي على يقني‬ ‫(بالطهارة) ناشيء من الوضوء ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫إضافة إىل أن العرف واالرتكاز يؤيدان تعلق (من وضوئه) باليقني ال ميتعلق حمذوف خاصة يف‬ ‫هذه الرواية (الصحيحة األوىل) حيث ال توجد عبارة (كون) وشبهها يف اجلملة (فإنه على يقني‬ ‫من وضوئه) أما يف الرواية الثانية (ألنك كنت على يقني من طهارتك فشككت) فإن األوىل جعل‬ ‫من طهارتك متعلقاً مبحذوف صفة ليقني ‪-‬لو مل نقل بتعلقه بيقني مباشرة‪ -‬ألنه املنساق عرفاً‪ ،‬إذ‬ ‫يرون كونه متعلقاً أو صفة ليقني وألن الضمري يعود إىل أقرب شيء إليه‪ ،‬إال أن يقال التقدير‬ ‫خالف األصل‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل أن األصل يف (احلال والوصف والتمييز وأشباهها) أن تكون جهات تقييدية ال‬ ‫لبيان املورد فذلك االحتمال خمالف لألصل‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫ولنكتف هبذا القدر‪ ،‬إذ أن خوض غمار اإلشكاالت واألقوال يف هذه املسألة وحتقيقها ليس‬ ‫هذا حمل ذكره‪...‬‬ ‫‪ 1‬فال تكون (ال) المسبوقة بمنكر أخص دالة (داللة؟؟؟) علر األع لتكون شاهداً علر المدعر‪.‬‬ ‫‪ 2‬لسان العرب مادة يقن‪ :‬ج‪ ،13‬ص‪.457‬‬

‫‪116‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ومن ذلك] كله ظهر اندفاع اإليراد على االستدالل باآلية الكرمية على وجوب الشورى يف‬ ‫كافة الشؤون العامة بأن (األمر) مفرد حملى بأل وهو ال يفيد العموم‪ ،‬فما تدل عليه اآلية أمر‬ ‫مهمل قدره املتيقن هو شؤون احلرب أو ال نلتزم حىت بذلك أيضاً‪..‬‬ ‫إذ يرد على هذا اإلشكال ‪-‬إضافة إىل كل ما سبق‪ :-‬إن املطلق كالعام يف إفادة العموم ‪-‬فيما‬ ‫لو مل يكن هناك عهد ولو كان عهد فالعام كاملطلق أيضاً إ (؟؟؟ ص‪ )118‬يف الداللة على تلك‬ ‫األفراد املعهودة كأكرم العلماء‪ ،‬فيما كانوا معهودين ذكراً أو ذهناً أو حضوراً‪ -‬واحلكم يف ذلك‬ ‫العرف أال ترى أن الشارع لو قال (أوف بالعقد) أو (أوفوا بالعقد) بدل (أوفوا بالعقود) استفادوا‬ ‫منه وجوب الوفاء بكل العقود إال ما خرج بالدليل ‪-‬إما لعدم عد الشارع إياه عقداً كنكاح الشغار‬

‫وبيع املسلم اخلمر واخلنزير‪ 1‬أو العتباره عقداً جائزاً كاملعاطاة على بعض األقوال واهلبة لغري ذي‬ ‫الرحم قبل التلف أو التصرف حسب ما هو مفصل يف حمله‪-‬؟‬ ‫ِ​ِ‬ ‫عاه ُدوا‪ ‬العموم مع أن املفرد‬ ‫ولذا جند أن العرف يستفيد من ‪َ ‬وال ُْموفُو َن بِ َع ْهده ْم إِذا َ‬ ‫املضاف أضعف يف الداللة على العموم ‪-‬بنظر األصوليني ‪-‬من سائر ما يفيد العموم‪ ...‬قال‬ ‫املرحوم اآلشتياين قدس سره (‪ ...‬فإن لفظه كل وحنوه أقوى داللة على النكرة يف سياق النفي وهي‬ ‫أقوى داللة عليه من اجلمع احمللى وهو أقوى داللة عليه من اجلمع املضاف وهو أقوى داللة عليه‬ ‫من املفرد احمللى وهو أقوى داللة عليه من املفرد املضاف‪ 2‬وفيه أنه ال اجد العرف يف اآلية الكرمية‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين ُه ْم ألَماناتِ ِه ْم َو َع ْه ِد ِه ْم راعُو َن‪ 3‬فرقاً بني ‪‬أماناتهم‪ ‬و‪‬عهدهم‪ ‬يف الشمول‬ ‫‪َ ‬والذ َ‬ ‫والعموم ولو بالنظر إىل ذات الكلمتني؟‬

‫‪ 1‬عد التسمية بناء علر الصحيح أما علر األع فاو عقد باطل‪.‬‬ ‫‪ 2‬بحر الفوائد‪ -‬بحث التعادل والتراجيح‪ -‬ص‪.53‬‬ ‫‪ 3‬المؤمنون‪.8 :‬‬

‫‪117‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫‪1‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‬ ‫ين ُه ْم في َ‬ ‫صالت ِه ْم خاشعُو َن‪ ‬و‪َ ‬والذ َ‬ ‫وكذا بني اآليتني الكرميتني ‪‬الذ َ‬ ‫‪2‬‬ ‫ْمال والْب نُو َن ِزينَةُ الْحياةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صلَوات ِه ْم يُحافظُو َن‪ ‬وكذا بني اآليتني الكرميتني ‪‬ال ُ َ َ‬ ‫و‪َ ‬وا ْعلَ ُموا أَنَّما أ َْموالُ ُك ْم َوأ َْوال ُد ُك ْم فِ ْت نَةٌ‪ 4‬هل اجد العرف فرقاً من هذه اجلهة (أي الداللة على‬ ‫العموم قوة وضعفاً) بني صالة وصلوات واملال وأموالكم؟ وكذا قوله تعاىل ‪‬ا ْدفَ ْع بِالَّتِي ِه َي‬ ‫ٍ ‪6‬‬ ‫الزانِي فَاجلِ ُدوا ُك َّل ِ‬ ‫واح ٍد ِم ْن ُهما ِمائَةَ َج ْل َدة‪‬‬ ‫الزانِيَةُ َو َّ‬ ‫السيِّئَةَ‪ 5‬ويف اآلية الكرمية ‪َّ ‬‬ ‫س ُن َّ‬ ‫ْ‬ ‫أْ‬ ‫َح َ‬

‫ُه ْم َعلى‬ ‫‪3‬‬ ‫ُّ‬ ‫الدنْيا‪‬‬

‫هل داللة اجلدوا الزاين والزانية مأة جلدة على العموم أضعف؟ وكذلك قوله تعاىل ‪َ ‬وذَ ُروا‬

‫الْبَ ْي َع‪ 7‬هل لو قال جل وعال (ذروا البيوع) استفاد العرف منه عمومية أقوى؟ أو لو قال تعاىل‬ ‫اهلل ورسولِ ِه وتُ ِ‬ ‫يل ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫جاه ُدو َن فِي َسبِ ِ‬ ‫اهلل بِأ َْموالِ ُك ْم َوأَنْ ُف ِس ُك ْم‪( 8‬تجاهدون في‬ ‫يف آية ‪‬تُ ْؤمنُو َن ب َ َ ُ َ‬ ‫سبيل اهلل بمالكم) كان أضعف من جهة العموم؟‬

‫وكذا هل يرى العرف فرقاً بني (رب جتاوز عن املسيء وعن املسيئني) من ناحية الداللة على‬ ‫العموم؟ أو أكرم احملسن وأكرم احملسنني؟ ولو قيل بكون صيغة اجلمع يف بعض املوارد السابقة كان‬ ‫بلحاظ عموم املسند إليه‪ ،‬كان ذلك على املدعى أدل من إفادة العموم رغم ذلك‪.‬‬ ‫َح َّل اهللُ الْبَ ْي َع‪ ‬كما استفادوا من‬ ‫ولذا جند أن العديد من الفقهاء استفادوا العموم من ‪‬أ َ‬ ‫‪‬أَوفُوا بِالْع ُق ِ‬ ‫ود‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬

‫‪ 1‬المؤمنون‪.2 :‬‬ ‫‪ 2‬المؤمنون‪.9 :‬‬ ‫‪ 3‬الكاا‪.46 :‬‬ ‫‪ 4‬األنفال‪.28 :‬‬

‫‪ 5‬المؤمون‪.96 :‬‬ ‫‪ 6‬النور‪.2 :‬‬

‫‪ 7‬الجمعة‪.9 :‬‬

‫‪ 8‬الصا‪.11 :‬‬

‫‪118‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ويتضح ذلك مبراجعة حواشي املكاسب ومنها حاشية املرحوم االصفهاين‪ ،1‬فتأمل‪ ،‬وكذا حاشية‬ ‫املريزا علي االيرواين‪ 2‬وغريمها‪ ،‬ومبراجعة الفقه كتاب البيع عند التحدث عن هذه اآلية الشريفة‬ ‫حيث قال (مث كما لآلية إطالق أفرادي‪ ،‬كذلك هلا إطالق أحوايل من جهة االحتياج إىل الصيغة‬ ‫أو العربية‪ ...‬اخل)‪ 3‬وعند التحدث عن آية التجارة‪ 4‬وعند احلديث عن الناس مسلطون‪ 5‬ولذا جند‬ ‫أن العرف عند تعارض العام واملطلق ال يرى تقدمي العام على املطلق فيما لو تعارضا بالعوم من‬ ‫وجه (رغم كل ما قاله بعض األصوليني يف تعارض األحوال) فمثالً (أكرم اليتامى) و(أهن الفاسق)‬ ‫أو العكس (أكرم اليتيم وأهن الفساق) أ ترى العرف يعطي مادة االجتماع يف األولني ألكرم ويف‬ ‫األخريين ألهن؟ وكذا‪( :‬أكرم النحاة) و(أهن الصريف) وعكسه (أكرم النحوي) و(أهن الصرفيني)‬ ‫وكذا بعكس كل من أكرم وأهن؟‬ ‫ومن الواضح أن االستدالالت العقلية‪ 6‬والرباهني النظرية ال جتدي يف الظهورات‪ ،‬ولعل إىل ما‬ ‫ذكرنا يشري السيد احلكيم قدس سره يف تعليقته على الكفاية بقوله فتأمل‪ ،‬حيث قال‪( :‬نعم لو‬ ‫كان العام املعارض للمطلق متصالً به أمكن تقدميه على املطلق لصالحية كونه قرينة على التقييد‬ ‫فتأمل)‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ولذا قال اآلخوند اخلراساين قدس اهلل سره يف كفايته (منها ما قيل يف ترجيح ظهور العموم على‬ ‫اإلطالق وتقدمي التقييد على التخصيص فيما دار األمر بينهما من كون ظهور العام يف العموم‬ ‫تنجيزياً خبالف ظهور املطلق يف اإلطالق فإنه معلق على عدم البيان والعام يصلح بياناً فتقدمي‬ ‫‪ 1‬حاشية الكمباني قدس سره علر المكاسب‪ :‬ص‪.25‬‬

‫‪ 2‬حاشية اإليرواني قدس سره علر المكاسب‪ :‬ص‪.77‬‬

‫‪ 3‬الفقه كتاب البيل المجلد األول ص‪ ،66‬وراجل الصفحات (‪ )70-68‬إشكاالً وجواباً‪.‬‬ ‫‪ 4‬المصدر‪.74 -73 :‬‬

‫‪ 5‬المصدر‪.95 -94 :‬‬

‫‪( 6‬كمااا يقااال إن عااد البيااان يصاانل المقتضاار للمطلااي لكنااه فااي العااا يرفاال المااانل ‪ -‬وهااو (بيااان العااد )‪ ...‬الااخ ‪ -‬وسااييتي‬ ‫الحديث عنه بإذن اهلل تعالر وكالدور الذي ذكره الشيخ قدس سره‪.‬‬

‫‪ 7‬حقائي األصول‪ :‬المجلد الثاني‪ ،‬ص‪.578‬‬

‫‪119‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ لعدم متامية مقتضى اإلطالق معه خبالف العكس فإنه موجب لتخصيصه بال وجه‪،‬‬ ‫العام‬ ‫إال على وجه دائر ومن أن التقييد أغلب من التخصيص‪ ،‬وفيه أن عدم البيان الذي هو جزء‬ ‫املقتضي يف مقدمات احلكمة إمنا هو عدم البيان يف مقام التخاطب ال إىل األبد وأغلبية التقييد مع‬ ‫كثرة التخصيص مبثابة قد قيل ما من عام إال وقد خص غري مفيد‪ 1‬والبد يف كل قضية من‬ ‫مالحظة خصوصياهتا املوجبة ألظهرية أحدمها من اآلخر فتدبر)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫[أما] ما ذكره الشيخ األنصاري رضوان اهلل تعاىل عليه من (ومنها تعارض اإلطالق والعموم‬ ‫فيتعارض تقييد املطلق وختصيص العام وال إشكال يف ترجيح التقييد على ما حققه سلطان‬ ‫العلماء من كونه حقيقة‪ ،‬ألن احلكم باإلطالق من حيث عدم البيان والعام بيان فعدم البيان‬ ‫للتقييد جزء من مقتضى اإلطالق والبيان للتخصيص مانع عن اقتضاء العام للعموم‪ ،‬فإذا رفعنا‬ ‫املانع عن العموم باألصل واملفروض وجود املقتضى له ثبت بيان التقييد وارتفع املقتضى لإلطالق‬ ‫فإن العمل بالتعليقي موقوف على طرح التنجيزي لتوقف موضوعه على عدمه‪ ،‬فلو كان طرح‬ ‫التنجيزي متوقفاً على العمل بالتعليقي ومسبباً عنه لزم الدور بل هو يتوقف على حجة أخرى‬ ‫راجحة عليه فاملطلق دليل تعليقي والعام دليل تنجيزي‪ ،‬وأما على القول بكونه جمازاً فاملعروف يف‬ ‫وجه تقدمي التقييد كونه أغلب من التخصيص وفيه تأمل)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫فربما يورد عليه بايرادات عديدة البد قبل ذكرها من متهيد مقدمة توضيحية وهي‪:‬‬

‫‪ 1‬قد يكون وجه عد اإلفادة‪ :‬منل كون التقييد بالمقديات المنفصلة ‪ -‬وهو محال الكاال ‪ -‬أملاب مان التخصايص وقاد يكاون‬ ‫باعتبااار أن األملبيااة مااا لا تساابب الظاااور النااوعي ألحااد الطاارفين فااي قبااال اوخاار مياار كافيااة فااي تاارجيح أحااد شاايئين كاناات‬ ‫حجيتاما من باب الظن النوعي‪ ،‬فاالستناد إلياا في إثباته دوري ‪ -‬إال أن يقال بتخالا مرحلتاي اإلثباات والثباوت فاي طرفاي‬

‫الدور‪ -‬فتيمال جاداً‪ ،‬أو يقاال إن صارا األملبياة ال توجاب إال قاوة االحتماال أماا الظااور فيحتااج لإلثباات باين تبلاأل األكثرياة‬

‫حااداً يكااون ألحااد الطاارفين باااا ظاااور عرف ااً‪ ،‬وبتعبياار آخاار حيااث إن األع ا ال يكااون دلياال األخااص فاألملبيااة ال تاادل علاار‬

‫الظاور النوعي وعلر الرجحان‪.‬‬

‫‪ 2‬الكفاية‪ :‬المجلد الثاني‪ ،‬ص‪.404-403‬‬

‫‪ 3‬الرسائل‪ :‬ص‪ 457‬بحث التعادل والتراجيح‪.‬‬

‫‪120‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أن سلطان العلماء رضوان اهلل تعاىل عليه ذهب إىل أن املطلق موضوع للماهية املهملة فظهوره‬ ‫يف اإلطالق ليس مستنداً إىل الوضع بل إىل مقدمات احلكمة وعدم بيان القيد فيما كان املقام‬ ‫مقام البيان‪ ،‬والزم هذا القول أن يكون استعمال املطلق يف املقيد حقيقة ألنه مل يستعمل يف غري‬ ‫املوضوع له إذ مل يكن موضوعاً للمدلول برشرط اإلطالق وإرسال‪...‬‬ ‫أما املعظم‪ 1‬فذهبوا إىل كون اإلطالق واالنتشار واإلرسال جزءً من مدلوله حيثان (حيث‬ ‫إن؟؟؟) اللفظ يدل عليه بالداللة الوضعية اللفظية فهو موضوع للماهية بشرط اإلرسال ولذا التزموا‬ ‫بكون التقييد جمازاً كالتخصيص‪ ...‬إذا متهدت هذه املقدمة فنقول‪:‬‬ ‫أما على مسلك املعظم فدعوى أقوائية العام من املطلق (املسبب لتقدمي التقييد على‬ ‫التخصيص) غري تامة‪ ،‬إذ العرف ال يرى ذلك واملوارد خمتلفة كما سبق بيانه‪ ،2‬والدليل املذكور له‬ ‫غري تام على ما أشار إليه الشيخ قدس سره بقوله (فتأمل) وقد ذكرنا وجهه يف اهلامش املذكور قبل‬ ‫قليل على كالم اآلخوند قدس سره خاصة مع انطباق الوجه األول (منع كون التقييد باملقيدات‬ ‫املنفصلة أغلب من التخصيص) على ما حنن فيه حيث إن اآلية الكرمية ‪‬وشاورهم في األمر‪‬‬ ‫غري مقرتنة مبعارض متصل‪ ،‬إذ ما ميكن أن يفرض معارضاً هلا ‪-‬كعمومات وإطالقات أدلة التقليد‪،‬‬ ‫منفصل‪...‬‬ ‫وكذا عموما وإطالقات (الناس مسلطون) وغريها‪-‬‬ ‫ٌ‬

‫‪ 1‬نسب هذا القول إلر المشاور الشيخ قدس سره في الرسائل فالحظ‪ ،‬وكذا نسبه إلار المعظا المرحاو اوشاتياني قادس ساره‬ ‫فااي بحاار الفوائااد ص‪ ،55‬ماان بحااث التعااادل والتاراجيح وقااال فااي ناايااة األفكااار (بخااالا المشاااور فإنااه يغناايا قضااية وضاال‬ ‫اللفظ للمعنر اإلطالقي عن التشبث بقرينة الحكمة) [نااية األفكار‪ ،‬مباحاث األلفااظ‪ :‬الجازء ‪ ،2‬ص‪ ]563‬و(نقاول بيناه علار‬ ‫مساالل المشاااور ماان وضاال األلفاااظ للطبيعااة المطلقااة البااد بمقتضاار الوضاال ماان الحماال علاار اإلطااالي واإلرسااال عنااد عااد‬

‫القرينة علر التقييد من دون احتياج إلر التمسل بقضية مقدمات الحكمة‪[ )..‬نااية األفكار‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ ]567‬أما المحاضارات‬

‫فقد نسب ذلل إلر القدماء حياث قاال‪( :‬وأماا بنااء علار نظرياة القادماء مان أن األلفااظ موضاوعة للماهياة الاال بشارط القسامي‬

‫يعنااي أن اإلطااالي والس اريان ماايخوذ فااي المعناار الموضاوال له‪[)...‬محاض ارات فااي أصااول الفقااه المجلااد الخااامس‪ ،‬ص‪-373‬‬

‫‪.]374‬‬

‫‪ 2‬وال دليل لغوي وال نص من واضل اللغة علر أن (العا ) موضوال لمفيد الظاور األقوك و(المطلي) موضوال لألضعا‪...‬‬

‫‪121‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وأما النقاش يف مبىن املشهور باحتمال االشرتاك اللفظي ‪-‬بل تعينه كما هو ظاهر التلخيص‪-‬‬ ‫فمدفوع بأن االشرتاك خالف األصل‪ ،‬وباملنقض باجلمع احمللى بأل إذ يستعمل كل منهما (املفرد‬ ‫واجلمع) يف املعاين الستة كثرياً وعلى مدعى الفرق االثبات‪ ،‬وبأن املتبادر إىل أذهان العرف العموم‬ ‫واإلرسال فما عداه جماز وقد سبق توضيحه‪.‬‬ ‫أما القول باستلزام ذلك اجملاز يف أكثر املطلقات‪ .‬فيرد عليه أوال‪ :‬إمكان القول بعدم استلزام‬ ‫ذلك اجملاز وذلك إذا كان املراد االستعمايل منه هو املطلق وكان التقييد يف مرحلة اإلرادة اجلدية‬ ‫دون االستعمالية كما أشار إليه السيد اخلوئي مد ظله يف احملاضرات‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وال فرق يف ذلك بني كون القرينة متصلة أو منفصلة‪ ،‬إذ مع كوهنا متصلة لو كانت اإلرادة‬ ‫االستعمالية مطابقة للجدية لزم اجملاز دون ما لو مل يتطابقا بأن أراد يف استعماله املطلق وكان القيد‬ ‫لإلرادة اجلدية‪.‬‬ ‫وبذلك ظهر ما يف قوله مد ظله (فالبد من التفصيل بني القرينة املتصلة والقرينة املنفصلة‪ ،‬فإن‬ ‫األوىل تسلتزم (تستلزم؟؟؟) اجملاز ال حمالة حيث إن اإلطالق والسريان ال اجتمع مع التقييد‬ ‫والتضييق وأما الثانية فال تستلزم ذلك‪ ،2)...‬إذ عدم اجتماعها إمنا هو فيما إذا كانا يف مقام واحد‬ ‫ال يف مقامني بأن كان أحدمها يف مقام اإلرادة االستعمالية واآلخر يف مقام اجلدية‪ ،‬هذا كله يف‬ ‫مقام الثبوت كما هو ظاهر كالمه أيضاً فلرياجع‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل أنه يرد عليه التناقض بني كالميه‪ 3‬اللهم إال أن يكون كالمه السابق‪ 4‬حمموالً على‬ ‫على الالحق ومقيداً به وعدم كونه يف مقام البيان التام هناك وهو خالف الظاهر‪.‬‬

‫‪ 1‬المحاضرات‪ :‬ج‪ ،5‬ص‪.363‬‬ ‫‪ 2‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.374‬‬

‫‪ 3‬وهما المذكوران ص‪ 363‬وص‪ 374‬وقد نقلناها إجماالً فيراجل تفصيالً‪.‬‬

‫‪ 4‬المذكور ص‪( 363‬بل لو كان موضوعاً للمطلي بمعنر الال بشرط القسمي‪.)..‬‬

‫‪122‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وثانيا‪ :‬على فرض تسليم استلزام ذلك اجملاز يف أكثر املطلقات فنقول‪ :‬إنه ال بأس به كما يف‬ ‫العام متاماً إذ ال أقل من تقييده بالقيود العامة فتدبر‪.‬‬ ‫فاتضح أن اإلشكال (‪‬األمر‪ ‬مفرد حملى بأل وهو ال يفيد العموم فما تدل عليه اآلية أمر‬ ‫مهمل) غري وارد على مسلك املشهور من كون اإلطالق واالنتشار جزء من مدلول املطلق فاملدلول‬ ‫ليس مهمالً ولو شك يف اإلطالق ‪-‬على هذا املنىب (املبىن؟؟؟)‪ -‬فإنه حيرز بأصالة احلقيقة ‪-‬لكون‬ ‫التقييد جمازاً حسب املشهور‪...-‬‬ ‫[وأما] على مسلك سلطان العلماء ومن تبعه فكذلك أيضاً‪ ،‬إذ يرد على ما ذكره الشيخ قدس‬ ‫سره من وجه تقدمي التقييد على التخصيص‪ ،‬أوالً‪ :‬إن العلية التامة لكل من العام واملطلق موقوفة‬ ‫على األصل‪ ،‬إما اإلثبات (إلثبات؟؟؟) املقتضي أو لرفع املانع‪ ،‬ضرورة أن الوضع ليس علة تامة‬ ‫للظهور وكشف املراد اجلدي‪ ،‬فكما أن اإلطالق يتوقف على نفي (القرينة على اخلالف) أي نفي‬ ‫التقييد ولو باألصل كذلك العموم‪ 1‬يتوقف على نفي املخصص ولو باألصل فكال الظهورين‬ ‫تعليقي فكما أن رفع املانع عن العموم باألصل (أصالة عدم وجود املخصص) يثبت إرادة العموم‪،‬‬ ‫كذلك إجراء األصل (أصالة عدم وجود مقيد) يف جانب املطلق (مما يسبب متامية املقتضي) يثبت‬ ‫إرادة اإلطالق‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬التمسك بالعموم يف الفرض ال يتوقف على رفع اإلطالق حيث إنه ال مقتضى‬ ‫لوجوده حىت يستند يف رفعه إىل العموم ‪-‬فال دور‪.‬‬ ‫[فإنه يقال]‪( :‬عدم املقتضى لإلطالق) موقوف على مشول العام لتلك األفراد (مما هو مادة‬ ‫اجتماعهما) وإرادة املتكلم هلا‪ 2‬ومشوله هلا موقوف على عدم املقتضى لإلطالق‪.‬‬

‫‪ 1‬أي كشا إرادة المتكل للعمو نوعاً ‪ -‬من العا ‪ -‬موقوا علر عد ورود مخصص‪.‬‬ ‫‪ 2‬إذ لو ل يشملاا لجرت مقدمات الحكمة وت المقتضي لإلطالي من عد وجود مقيد‪.‬‬

‫‪123‬‬

‫‪1‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫فقوله (التمسك بالعموم يف الفرض ال يتوقف على رفع اإلطالق حيث إنه ال مقتضى لوجوده)‬ ‫خمدوش‪.‬‬ ‫[لوضوح] توقفه عليه إذ عدم املقتضي لإلطالق فرع إثبات إرادة العموم املتوقف عليه فليتدبر‬ ‫جيداً وبعبارة موجزة إرادة العموم موقوفة على عدم إرادة اإلطالق (يف املتعارضني) وبالعكس‪.‬‬ ‫[وثانيا]‪ :‬أن التمسك باستحالة الدور إلثبات كون (التوقف من أحد الطرفني فقط غري صحيح‬ ‫إال لو كان الطرفان واقعني والتوقف ألحدمها على اآلخر ثابتاً مع حلاظ النسبة بينهما وتوقف‬ ‫اآلخر على األول مشكوكاً ‪-‬بالنظر إىل ذاته وإال فبالنظر إىل توقف األول عليه مقطوع العدم‪-‬‬ ‫كما يف علية املعلول لعلته واملخلوف خلالقه) أما إثبات توقف أحدمها على اآلخر باخلصوص دون‬ ‫العكس بأن يف العكس لزوم الدور فهذا هو املتوقف على ذاك فقط فمصادرة وفيما حنن فيه (عام‬ ‫ومطلق متعارضان بالعموم من وجه) توقف العمل باملطلق على طرح العام ليس أوىل من العكس‬ ‫كما أوضحناه قبل قليل‪ -‬فليس توقفه عليه ثابتاً ‪-‬حىت مع حلاظ النسبة بينهما واحتمال‬‫العكس‪ -‬وعكسه ‪-‬وبالنظر إىل ذاته‪ -‬مشكوكاً فكالمها بالنظر إىل ذاهتما ‪-‬على حد سواء يف‬ ‫التوقف فكيف يالحظ الشيخ قدس سره توقف هذا (أي املطلق) على ذاك (أي العام) باخلصوص‬ ‫ليكون العكس مستلزماً للدور فال يتوقف ذاك على هذا مع أن لنا أن نعكس األمر بأن نالحظ‬ ‫توقف ذاك على هذا فنقول‪ :‬العكس مستلزم للدور فال عكس فاملطلق مقدم؟‬ ‫ومما سبق ظهر ما يف قوله قدس سره (ألن احلكم باإلطالق من حيث عدم البيان والعام بيان)‬ ‫إذ كون العام بياناً ‪-‬ألنه وإن كان موضوعاً للعموم إال أنه ليس علة تامة لكشف املراد اجلدي‪-‬‬ ‫موقوف على كونه كاشفاً عن املراد اجلدي وكونه كاشفاً عنه موقوف على عدم بيانية املطلق له‬

‫‪ 1‬إذ لااو ت ا المقتضاار لإلطااالي وجاارت مقاادمات الحكمااة لمااا شااملاا العااا حقيقااة ولمااا أرادهااا المااتكل لحكااي واال لااز تاافاات‬ ‫اإلرادتين (والحديث في باب التعار‬

‫ال التزاح حتر يقال باإلمكان بل الوضوال كما ال يخفر)‪.‬‬

‫‪124‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وعدم كون اإلطالق مراداً جدياً له من املطلق فكل منهما ما مل يكشف عن املراد اجلدي ليس‬ ‫بياناً لآلخر وكشفه موقوف على عدم مشول اآلخر ملادة اجتماعهما‪...‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬إن كالمه قدس سره ينقض باملتعارضني (إذا كانا مطلقني تعارضا بالعموم من وجه‬ ‫مثالً) مع حلاظ النسبة بينهما جلريان نفس كالمه ‪-‬مع بعض التغيري‪ -‬فيهما‪ ،‬إذ يقال (إن العمل‬ ‫هبذا املطلق موقوف على طرح اآلخر لتوقف موضوعه على عدمه‪ ،‬فلو كان طرح الثاين متوقفاً على‬ ‫العمل باألول ومسبباً عنه لزم الدور) ‪-‬فتأمل‪...‬‬ ‫[ورابعا]‪ :‬إن هذا االستدالل منه قدس سره دوري إذ يريد قدس سره إثبات تقدم العام على‬ ‫املطلق باستزالم الدور لو تقدم املطلق على العام مع أن استلزام الدور يف تقدم املطلق على العام‬ ‫موقوف على تقدم العام على املطلق‪ ،‬إذ لو مل يتقدم عليه ملا كان يف العكس وحده استلزام الدور‬ ‫فتأمل‪.‬‬‫ومن كل ما سبق يعلم أن احلق أن ال أقوائية للعام على املطلق بل قد يكون كذلك وقد‬ ‫يتساويان والعرف هو املرجع‪.‬‬ ‫[ومن كل ذلك] اتضح أن اإلشكال (‪‬األمر‪ ‬مفرد حملى بأل وهو ال يفيد العموم فما تدل‬ ‫عليه اآلية أمر مهمل فنقول إن قدره املتيقن هو شؤون احلرب أو ال نلتزم حىت بذلك أيضاً) غري‬ ‫وارد حىت على مسلك سلطان العلماء قدس سره ومن تبعه‪ ،‬إذ املطلق ‪-‬على هذا املبىن‪ -‬يفيد‬ ‫العموم بسبب جريان مقدمات احلكمة‪ 1‬وقد أثبتنا أن داللته على العموم ليست بأضعف من‬

‫‪ 1‬بل سننقل من السيد الوالد قدس سره كالماً ينفل في المقا فلينتظر‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫داللة العام عليه بنظر العرف وتطرقنا لنقد أدلة من ادعى ذلك فلرياجع‪ ،‬وأما الخدشة يف جريان‬ ‫مقدمات احلكمة هنا‪ 1‬إذا ما هو املثبت لكون املوىل يف مقام البيان‪.‬‬ ‫فريد عليها [أوال]‪ :‬النقض بكل املوارد األخرى حيث متسك الفقهاء باملطلقات يف أشباه هذا‬ ‫الصالةَ‪ ‬حيث يتمسك‬ ‫الربا‪ ‬و‪َ ‬ذ ُروا الْبَ ْي َع‪ ‬و‪‬أَقِ ِم َّ‬ ‫َح َّل اهللُ الْبَ ْي َع‪ ‬و‪َ ‬ح َّرَم ِّ‬ ‫املورد ‪‬أ َ‬ ‫بإطالقه على نفي شرط أو جزء زائد شك فيه ‪-‬فتأمل‪ -‬وكذا جدميع العمومات حيث يتمسك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالِ ِحين ِمن ِع ِ‬ ‫باد ُك ْم َوإِمائِ ُك ْم‪‬‬ ‫بإطالقها األحوايل واألزماين ‪َ ‬وأَنْك ُحوا األَيامى م ْن ُك ْم َو َّ َ ْ‬ ‫و‪‬أَوفُوا بِالْع ُق ِ‬ ‫ود‪ ...‬اخل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ولذا التزم العديد من األصوليني بأن الشك يف اإلطالق إذا كان ناشئاً من الشك يف أن املتكلم‬ ‫يف مقام أصل التشريع أو أنه يف مقام بيان متام مراده‪ ،‬فالالزم التمسك باإلطالق لقيام سرية‬ ‫العقالء على ذلك وقد أمضاها الشارع‪.‬‬ ‫بل إذا شك يف السعة والضيق كان مقتضى القاعدة إرادة األوسع كما بيّناه‪ ،‬خاصة مع إمكان‬

‫تأسيس أصل عام يقتضي كون الشارع املقدس يف كل مورد استخدم فيه مطلقاً يف مقام البيان‬ ‫وضرب القاعدة والقانون واخلروج منه بقدر ما ثبت فيه التقييد‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫وثانيا‪ :‬احلل مبا ذكره اآلخوند قدس سره حيث قال (بقي شيء وهو أنه ال يبعد أن يكون‬ ‫األصل فيما إذا شك يف كون املتكلم يف مقام بيان متام املراد هو كونه بصدد بيانه وذلك ملا جرت‬ ‫عليه سرية أهل احملاورات من التمسك باإلطالقات فيما إذا مل يكن هناك ما يوجب صرف وجهها‬ ‫إىل جهة خاصة ولذا ترى أن املشهور ال يزالون يتمسكون هبا مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد‬ ‫البيان‪ ،‬وبعد كونه ألجل ذهاهبم إىل أهنا موضوعة للشياع والسريان وإن كان رمبا نسب ذلك إليهم‬

‫‪ 1‬قد تطرقنا لجريان المقدمة الثالة (عد وجود القرينة علر الخالا) عند التكل قبل صفحتين تقريباً علار كاال الشايخ قادس‬ ‫سره في حديث تعار‬

‫العا والمطلي‪.‬‬

‫‪126‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ولعل وجه النسبة مالحظة أنه ال جه (جهة؟؟؟) للتمسك هبا بدون اإلحراز والغفلة عن وجهه‬ ‫فتأمل جيداً)‪ 1‬وقال يف (مهذب األحكام) (إن ظاهر الكالم أن يكون يف مقام البيان مطلقاً إال‬ ‫إذا دلت قرينة على اخلالف) جواباً عن اإلشكال بـ(أن اإلطالقات والعمومات الدالة على الرجوع‬ ‫إىل العلماء والسؤال عنهم ليست يف مقام البيان من هذه اجلهة)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ومن الواضح أنه ال قدر متيقني يف مقام التخاطب‪ ،‬يف اآلية الكرمية واملراد به أن يكون بعض‬ ‫أفراد الطبيعة حبيث يعلم املخاطب تفصيالً كونه مراداً إما خبصوصه وأما يف ضمن اجلميع مع كون‬ ‫تيقنه لذلك بنفس إلقاء اخلطاب ال بشيء آخر من التدبر والتفكر‪- 3‬هذا إن قلنا بكون (عدم‬

‫وجود قدر متيقن يف مقام التخاطب أو مطلقاً) من مقدمات احلكمة وإشرتاط حتقق اإلطالق به‬ ‫وإال بأن قلنا بأن وجود القدر املتيقن ال يضر بانعقاد اإلطالق والتمسك به وقلنا باالكتفاء بإثبات‬ ‫كونه يف مقام البيان‪ ،‬إذ أن معناه كونه يف مقام بيان ما تعلقت به إرادته حقيقة املتوقف على‬ ‫نصب قرينة على املراد إن أراد قسماً خاصاً من املطلق ‪-‬على كال املسلكني‪ :‬املعظم والسطان‪-4‬‬ ‫وليس تيقن إرادة بعض األفراد ‪-‬وإن كان نابعاً من الكالم امللقى إىل املخاطب‪ -‬وتيقن أجزائها يف‬ ‫مقام االمتثال قرينة على التقييد واحنصار متعلق األمر أو النهي به وإال ملا جاز التمسك‬ ‫باللمطلقات يف غري موارد ورودها لكوهنا من أظهر مصاديق وجود القدر املتيقن ‪-‬فاألمر أوضح‬ ‫كما ال خيفى‪.‬‬

‫‪ 1‬الكفاية‪ :‬المجلد األول‪ ،‬ص‪.388-387‬‬

‫‪ 2‬ماذب األحكا في بيان الحالل والح ار ‪ :‬المجلد األول‪ :‬ص‪.24‬‬

‫‪ 3‬قااال فااي المحاض ارات‪ :‬ج‪ ،5‬ص‪( ،371‬هااو أن يفاا المخاطااب ماان الكااال الملقاار إليااه أنااه م اراده جزمااً) فااي قبااال القاادر‬ ‫المتيقن الخارجي من جاة القرائن‪.‬‬

‫‪ 4‬فاااو وان ل ا يقاال بكااون اسااتعمال المطلااي فااي المقيااد مجااا اًز إال أنااه قاادس س اره لقولااه بظاااور المطلااي فااي اإلطااالي إن ل ا‬

‫تنصب قريناة علار التقيياد مساتنداً إلار مقادمات الحكماة يلزماه توقاا إرادة التقيياد مان الحكاي الملتفات ‪ -‬علار نصاب القريناة‬

‫عليه ‪.-‬‬

‫‪127‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ولتكميل] الفائدة نذكر هنا ما ذكره السيد الوالد مد ظله يف (األصول) حيث قال (الظهور‬ ‫يف املطلق كسائر الظهورات بني مشرتكني أو جمازين أو إحدامها ال حيتاج إال إىل عدم القرينة على‬ ‫اخلالف‪ ،‬أما قوهلم باحتياجه إىل مقدمات احلكمة من كون املوىل يف مقام البيان وعدم نصب‬ ‫القرينة وعدم القدر املتيقن يف مقام التخاطب فريد عليه باإلضافة إىل أن الثالث من مصاديق الثاين‬ ‫وأنه ال شأن لليقني يف مباحث الظهورات عدم االحتياج إىل األول فيه خاصة بعد كون ظاهر‬ ‫كالم احلكيم كافياً يف وجوب العمل به)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وال خيفى أن الكالم حول مقدمات احلكمة والتعرض لذلك األقوال ونقدها مبىن وبناء خارج‬ ‫عن هذا البحث ولذا اكتفينا هبذا القدر واهلل املوفق املستعان‪.‬‬ ‫[وثانيا]‪ :‬من املقرر يف حمله ‪-‬وعليه بناء األصوليني والفقهاء‪ -‬أن خصوصية املورد ال ختصص‬ ‫الوارد‪ ،‬وعليه بناء العقالء أيضاً أال ترى أن طبيباً لو رأى مريضاً يأكل حامضاً فقال له (ال تأكل‬ ‫احلامض) يستفاد منه النهي عن مطلق احلامض ال خصوص الرمان احلامض رغم كونه هو املورد؟‬ ‫فورود ‪‬شاورهم‪ ‬يف مورد احلرب ال خيصص الوارد ‪‬األمر‪ ‬ومن ذلك يعلم عدم صحة‬ ‫مستند من متسك الحتمال إرادة خصوص احلرب من ‪‬األمر‪ ‬بـ(وهو املناسب للمقام‪ 2‬وإذ‬ ‫الكالم فيه)‪ 3‬وإذا علمنا مستند الذين ادعوا ختصيصها باحلرب (حيث صرحوا بـ(ألن الكالم فيه ‪-‬‬ ‫وهو املناسب للمقام) وبيّنا عدم صحته مل يبق للتعويل على هذا االحتمال وجه‪.‬‬ ‫[وثالثا]‪ :‬إن سياق اآلية الكرمية شاهد بعدم اختصاص (األمر) باحلرب‪...‬‬ ‫بيان ذلك‪:‬‬

‫‪ 1‬األصول‪ :‬الجزء الخامس من الطبعة األولر ص‪.67‬‬ ‫‪ 2‬روح المعاني‪.‬‬

‫‪ 3‬أنوار التنزيل ‪ -‬كما سبي نقله عناما‪.‬‬

‫‪128‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إنه قال تعاىل‪ :‬فَبِما رحم ٍة ِمن ِ‬ ‫ظ الْ َقل ِ‬ ‫ْب الَنْ َفضُّوا ِم ْن‬ ‫ت فَظًّا غَلِي َ‬ ‫ت ل َُه ْم َول َْو ُك ْن َ‬ ‫اهلل لِْن َ‬ ‫ََْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ك فَا ْع ُ‬ ‫َح ْولِ َ‬ ‫استَ غْ ِف ْر ل َُه ْم َوشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر فَِإذا َع َزْم َ‬ ‫ف َع ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫ت فَ تَ َوَّك ْل َعلَى اهلل إِ َّن اهللَ‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫استَ غْ ِف ْر ل َُه ْم‬ ‫يُ ِح ُّ‬ ‫ين‪ ‬حيث فرع سبحانه وتعاىل هذه الثالثة ‪‬فَا ْع ُ‬ ‫ف َع ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫ب ال ُْمتَ َوِّكل َ‬ ‫وشا ِورُهم فِي األَم ِر‪ ‬على ‪‬فَبِما رحم ٍة ِمن ِ‬ ‫ت ل َُه ْم‪ ‬فمشاورته صلى اهلل عليه وآله هلم‬ ‫اهلل لِْن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ََْ َ‬ ‫رمحة من اهلل أوجبت لينه صلى اهلل عليه وآله املتفرع عليه استشارته صلى اهلل عليه وآله‪.‬‬ ‫قال الطباطبائي يف امليزان‪( :‬وأصل املعىن‪ :‬فقد الن لكم رسولنا برمحة منا ولذلك أمرناه أن يعفو‬ ‫عنكم ويستغفر لكم ويشاوركم يف األمر وأن يتوكل علينا إذا عزم)‪ 2‬وملزيد الفائدة نذكر تتمة كالمه‬ ‫(والكالم متفرع على كالم آخر يدل عليه السياق والتقدير‪ :‬وإذا كان حاهلم ما تراه من التشبه‬ ‫بالذين كفروا والتحسر على قتالهم فربمحة منّا لنت هلم وإال النفضوا من حولك‪ ،‬واهلل أعلم)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫وقال يف روح املعاين‪( :‬والباء متعلقة بـ"لنت")‪ 4‬أي لنت برمحة من اهلل فالباء سببية وقال فيه‬ ‫ف َع ْن ُه ْم‪ ‬مرتتب على ما قبله)‪.‬‬ ‫أيضاً (‪‬فَا ْع ُ‬

‫‪5‬‬

‫ومن الواضح أن استشارته يف كل الشؤون العامة متفرع على لينه املتفرع على رمحة اهلل تعاىل‬ ‫وليست االستشارة يف شؤون احلرب‪ ...‬فقط متفرعة على اللني املتفرع على الرمحة‪ ...‬إضافة إىل أن‬ ‫ظ الْ َقل ِ‬ ‫ك‪- ‬الوارد يف مقام بيان سبب‬ ‫ت فَظًّا غَلِي َ‬ ‫ْب الَنْ َفضُّوا ِم ْن َح ْولِ َ‬ ‫قوله تعاىل‪َ  :‬ول َْو ُك ْن َ‬ ‫كون لينه صلى اهلل عليه وآله رمحة من اهلل إذ لوال لينه صلى اهلل عليه وآله النفضوا من حوله مما‬ ‫يؤدي إىل ضعف شوكة الرسول صلى اهلل عليه وآله وشوكة املؤمنني اخللّص وشوكة الدين ومما يؤدي‬ ‫إىل هالكهم النفضاضهم عنه صلى اهلل عليه وآله‪ -‬يقتضي استشارهتم يف كل األمور العامة اليت‬ ‫‪ 1‬آل عمران‪.159 :‬‬

‫‪ 2‬الميزان‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.56‬‬

‫‪ 3‬المصدر نفسه وذكر ما يقرب منه روح المعاني ص‪ 105‬المجلد الثاني‪.‬‬ ‫‪ 4‬روح المعاني‪ :‬ص‪.105‬‬ ‫‪ 5‬روح المعاني‪ :‬ص‪.106‬‬

‫‪129‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫من شأهنم استشارهتم فيها‪ 1‬ال خصوص أمر احلرب‪ ،‬إذ كيف يكون استشارهتم يف أمر احلرب‬ ‫(ليناً) منه صلى اهلل عليه وآله دون سائر الشؤون العامة؟‬ ‫ويؤيد ما ذكرناه من أن مقتضى ‪‬الرمحة‪ ‬و‪‬اللني‪ ‬هو االستشارة يف كل الشؤون العامة ال يف‬ ‫شؤون احلرب فقط ما ذكره اخلازن يف تفسريه وغريه من (أن سادات العرب كانوا إذا مل يشاوروا يف‬ ‫األمور شق ذلك عليهم)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫هذا إضافة إىل أن ما وقع قبل ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر‪- ‬الذي عطف شاورهم عليه‪ -‬ليس‬ ‫خمتصاً بأمر احلرب‪ ،‬إذ العفو عنهم االستغفار هلم عام يشمل كل شيء ‪-‬إال ما ثبت من اخلارج‬ ‫استثنائه كموارد احلدود الشرعية وشبهها‪ -‬رغم أن اآلية وردت بأمجعها يف مورد احلرب ال خصوص‬ ‫قطعة ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر‪ ‬فيكون ذلك قرينة عرفية على عدم اختصاص ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم‪ ‬بأمر‬ ‫احلرب‪.‬‬ ‫ومما يدل على عموم العفو واالستغفار‪ ،‬القاعدة املقررة يف حملها من أن حذف املتعلق يفيد‬ ‫العموم حيث حذف يف اآلية الكرمية متعلق العفو واالستغفار ومل يقل تعاىل‪( :‬فاعف عنهم يف‬ ‫املسألة الفالنية) ولذا جند املرحوم الطربسي قدس اهلل سره محلها على العموم وجعل احتمال‬ ‫التخصيص معنوناً بعنوان (قيل) قال يف اجملمع‪:‬‬ ‫استَ غْ ِف ْر ل َُه ْم‪ ‬بينهم وبيين‪ ،‬وقيل معناه فاعف عنهم‬ ‫(‪‬فَا ْع ُ‬ ‫ف َع ْن ُه ْم‪ ‬ما بينك وبينهم ‪َ ‬و ْ‬ ‫فرارهم من أحد واستغفر هلم من ذلك الذنب)‪ 1‬ولو استفاد خصوص العفو عن الفرار يف أحد‬ ‫جلعله هو التفسري لآلية وجعل التعميم (قوالً)‪...‬‬

‫‪ 1‬هاذا القياد احتاراز عاان (األماور العاماة التااي ورد الانص اإللااي الخاااص فيااا كماا فااي نصاب أميار المااؤمنين علاي بان أبااي‬

‫طالااب عليامااا السااال خليفااة ووصااياً وكمااا فااي م اوارد ورود الاانص‪ ،‬وقااد ساابي تفصاايل هااذا القيااد حيااث ذكرنااا أن (موض اوال‬ ‫الشورك) هو (ما ل يرد فيه نص خاص من اهلل جل وعال) كما أنه احتراز عن أمر آخر سييتي تفصيله إن شاء اهلل تعالر‪.‬‬

‫‪ 2‬تفسير الخازن‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.290‬‬

‫‪130‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ورابعا]‪ :‬سلمنا أن (أل) يف ‪‬األمر‪ ‬للعهد فال تدل اآلية إىل على وجوب االستشارة يف‬ ‫احلرب‪ ،‬لكن نقول‪ :‬ميكن تتميم املطلب وإثبات وجوب االستشارة يف كل الشؤون العامة بأمرين‪:‬‬ ‫أولهما‪ :‬عدم القول بالفصل‪ ...‬ذلك أن من مل يوجب االستشارة مل يوجبها مطلقاً ومن أوجبها‬ ‫أوجبها مطلقاً‪ 2‬فال قائل بالفصل بني وجوب االستشارة يف احلرب وبني غريها من الشؤون العامة‪،‬‬ ‫وعدم القول بالفصل حجة ودليل وسيأيت بإذن اهلل إثبات حجيته على مسلك العديد من الفقهاء‬ ‫عند اجلواب عن شبهة أخرى تورد على اآلية‪.‬‬ ‫ثانيهما‪ :‬تنقيح املناط‪ ...‬إذ أن املناط املوجود يف احلرب املسبب لوجوب الشورى موجود بعينه‬ ‫يف سائر الشؤون العامة خاصة مع ارتباطه بالدماء‪ ،‬وسيأيت بإذن اهلل توضيح ذلك بالتفصيل‪.‬‬

‫‪ 1‬مجمل البيان‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.527‬‬

‫‪ 2‬المقصود من (مطلقاً) هنا‪ :‬الحرب وميره من الشؤون العامة‪.‬‬

‫‪131‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[اإلشكال السادس]‬

‫ورمبا يعرتض على االستدالل باآلية الكرمية على وجوب الشورى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ت فَ تَ وَّكل َعلَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل‪ ‬حيث مل يقل‬ ‫بأن اآلية الكرمية هي ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم في األ َْم ِر فَإذا َع َزْم َ َ ْ‬ ‫سبحانه وتعاىل (فإذا عزمتم) بل نسب العزم إىل الرسول صلى اهلل عليه وآله مما يعين أن رأي‬ ‫الشورى غري ملزم وأن القرار النهائي ليس بيد الشورى بل يف يد الرسول صلى اهلل عليه وآله‪( -‬أو‬ ‫مطلق القائد بناء على التعميم)‪.‬‬

‫[والجواب]‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬قد سبق مفصالً بيان أن اخلطابات القرآنية املوجهة للنيب صلى اهلل عليه وآله بصيغة‬ ‫املفرد ‪-‬يف غري الثابت بالدليل اخلاص اختصاصه به‪ -‬ال ختتص به صلى اهلل عليه وآله بل تشمله‬ ‫وغريه‪ 1‬فهي حكم عام بصيغة خطاب خاص ومشوهلا لغريه إما من باب كون خطاب املفرد وإرادة‬ ‫اجلمع جمازاً غالباً على احلقيقة يف االستعماالت القرآنية ‪-‬إن مل نقل بالوضع التعييين‪ 2‬أو من باب‬ ‫ول ِ‬ ‫‪‬لَ​َق ْد كا َن لَ ُكم فِي ر ُس ِ‬ ‫سنَةٌ‪- 3‬أو من باب تنقيح املناط‪ -‬فليتأمل‪ 4‬وملزيد‬ ‫اهلل أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُس َوةٌ َح َ‬ ‫الثبت نذكر هنا ما قاله يف جممع البيان (ويف اآلية أيضاً ترغيب للمؤمنني يف العفو عن املسيء‬ ‫وحثّهم على االستغفار ملن يذنب منهم وعلى مشاورة بعضهم بعضاً فيما يعرض هلم من األمور‬ ‫وهنيههم عن الفظاظة يف القول واجلفاء يف الفعل ودعائهم إىل التوكل عليه وتفويض األمر إليه)‬

‫‪ 1‬قد سبي استثناء‪ :‬ما قا الدليل الخارجي علر اختصاصه به صلر اهلل عليه وآله‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ 2‬ال يخفاار أن ملبااة المجاااز لااو لا تصاال إلاار حااد الوضاال التعيينااي مسااتلزمة لعااد ظاااور اللفاظ فااي أحااد المعنيااين واحتياااج‬ ‫األمر إلر قرينة‪.‬‬

‫‪ 3‬حيث إنه دليل خارجي علر إشتراكنا معه صلر اهلل عليه وآله في كل حك ثبت عليه إال ما خرج بالدليل‪.‬‬ ‫‪ 4‬إذ أن انطباي األخيرين علر ما نحن فيه مشكل بل يقتضيان عكس المقصود فليالحظ‪.‬‬ ‫‪ 5‬مجمل البيان‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.527‬‬

‫‪132‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫فمع أن اخلطاب كله موجه للنيب صلى اهلل عليه وآله (اعف‪ ،‬استغفر‪ ،‬شاور‪ ،‬توكل) مع ذلك قال‬ ‫(يف اآلية أيضاً ترغيب للمؤمنني‪.)..‬‬ ‫استَ غْ ِف ْر ل َُه ْم َوشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر‪ ‬إمنا سيق ليكون‬ ‫وقال يف امليزان‪ :‬وقوله ‪‬فَا ْع ُ‬ ‫ف َع ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫إمضاءً لسريته صلى اهلل عليه وآله فإنه كذلك كان يفعل وقد شاورهم يف أمر القتال قبيل يوم‬

‫أحد)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫فإذا كانت ‪‬سريته‪ ‬االستشارة وجبت علينا بضميمة ‪‬لَ ُكم فِي رس ِ ِ‬ ‫سنَةٌ‪...‬‬ ‫ول اهلل أ ْ‬ ‫ْ َُ‬ ‫ُس َوةٌ َح َ‬

‫ت‪ ‬مبنزلة قوله (فإذا عزمتم) إن مل يكن هو معناه‪ ،‬ويؤيده قوله تعاىل‬ ‫إذن قوله تعاىل ‪‬فَِإذا َع َزْم َ‬

‫ت فَ تَ وَّكل َعلَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل‪ ‬أ ترى التوكل على اهلل خمتصاً بالنيب صلى اهلل عليه وآله أم على‬ ‫‪‬فَإذا َع َزْم َ َ ْ‬

‫‪2‬‬ ‫ت‪ ‬املفرد و‪‬فَ تَ َوَّك ْل َعلَى‬ ‫مجيع املسلمني التوكل عليه تعاىل؟ فلو كان املراد من ‪‬إِذا َع َزْم َ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل‪ ‬اجلمع‪ ،‬لزم التفكيك يف السياق الواحد وهو خالف الظاهر وخالف بناء العقالء يف كيفية‬

‫تلقي الكالم الواحد‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫وقد سبق بيان سبب توجه العام بصيغة خطاب للمفرد‪ ،‬وههنا السبب‪ :‬إما لصرف أن اخلطاب‬ ‫حيتاج لطرف أو ألن توجيه اخلطاب للقائد أوىل وأنسب‪ ،‬ولذا قال وشاورهم ومل يقل وشاوروهم‬ ‫مع عمومية احلكم لغريه صلى اهلل عليه وآله ملا سبق وسيأيت‪ .‬ومنه أنه صلى اهلل عليه وآله إذا كان‬ ‫عليه االستشارة يف األمر كان على قادة اجليوش أو األمم ممن هو أدىن منه منزلة أن يستشريوا يف‬ ‫األمر باألولوية (وسيأيت تفصيل هذه النقطة بإذن اهلل تعاىل)‪.‬‬

‫‪ 1‬الميزان للطباطبائي قدس سره‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.56‬‬

‫‪ 2‬حتر لو كان عمو الحكا ال مان بااب الوضال التعييناي لمفاردات القارآن فاي الجمال بال مان بااب المجااز المشااور أو مان‬ ‫باب عمومات األسوة‪.‬‬

‫‪ 3‬ومياار خفااي صااالحية المقااا لصاايغة الجماال وأن تفارال علاار قولااه تعااالر ‪‬عزماات‪ ‬إذ بعااد العااز (ساواء علاار مااا ارتاااه أو‬ ‫ارتيوه) يصح وينبغي أمر الكل بالتوكل والمراد بالمفرد هو ذال أو أنه منزل عليه‪.‬‬

‫‪133‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫(فعزمت) واقع يف سياق (فتوكل) من جهة و(شاورهم) من جهة أخرى فمع توجه اخلطاب‬ ‫للنيب صلى اهلل عليه وآله بشاورهم بصيغة املفرد مع عمومية احلكم لكل القادة فمن الطبيعي أن‬ ‫يكون األنسب نسبة العزمية له أيضاً‪ ...‬وبعبارة أخرى إذا كانت هناك عناية يف توجيه اخلطاب‬ ‫للنيب صلى اهلل عليه وآله يف ‪‬شاورهم‪ ‬مع عمومية احلكم فمقتضى نفس العناية أن يقول تعاىل‬ ‫ت‪ ‬فليتأمل‪.‬‬ ‫‪ ‬فَِإذا َع َزْم َ‬ ‫[ثانيا]‪ :‬سلمنا أن التاء يف (عزمت) خطاب للنيب صلى اهلل عليه وآله حقيقة بال تعميم هلا‬ ‫اجعلها منزلة منزلة (عزمتم) لكن نقول‪ :‬ال دالالة يف ذلك أيضاً على عدم ملزمية رأي الشورى‬ ‫وعدم كون القرار النهائي بيدها‪...‬‬ ‫بيان ذلك‪ :‬بأن املتعلق حيث كان حمذوفاً يف اآلية الشريفة‪ ،‬فاإلشكال يتم لو كان معىن (فإذا‬ ‫عزمت) هو‪ :‬فإذا عزمت ووطنت نفك يف إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك ‪-‬على ما ذكره‬ ‫البيضاوي يف تفسريه‪ -1‬وبعبارة أخرى‪ :‬فإذا عزمت على تنفيذ رأيك‪...‬‬ ‫أما لو كان معىن (فإذا عزمت) هو ‪:‬فإذا عزمت على تنفيذ رأي الشورى (بعبارة أخرى على‬ ‫تنفيذ ما أدت إليه االستشارة)‪ 2‬فال يتم اإلشكال بل يتقوى املدعى من وجوب الشورى ولزوم‬ ‫األخذ برأيها‪...‬‬ ‫والظاهر هو املعىن الثاين‪ ،‬إذ هذا هو ما يفهمه العرف فتأمل‪ ،‬أضافة إىل قرينية فاء التفريع‬ ‫ت‪ ‬فإن ظاهرها تفريع عزميته صلى اهلل عليه وآتله على‬ ‫‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر فَِإذا َع َزْم َ‬ ‫االستشارة ولو كان املراد هو املعىن األول (فإذا عزمت على تنفيذ رأيك) ملا كان معىن لتفريع‬ ‫(عزمت على رأيك) على ‪‬شا ِوْرُه ْم‪‬وملا كان ربط بني اجلملتني‪ ،‬ولذا قال يف روح املعاين ‪‬فَِإذا‬ ‫‪ 1‬نقله عن بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،20‬ص‪ ،35‬وكما ذكره الطنطاوي في الجواهر‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.166‬‬

‫‪ 2‬بعبارة ثالثة (فإذا عزمات بعاد المشااورة فاي األمار علار إمضااء ماا ترجحاه الشاورك وأعاددت لاه عدتاه فتوكال علار اهلل فاي‬ ‫إمضائه وكن واثقاً بمعونته وتيييده لل فيه وال تتكل علر حولل وقوتل‪ ...‬الخ ‪ -‬المنار‪ ،‬لرشيد رضا‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.)205‬‬

‫‪134‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ت‪ ‬أي إذا عقدت قلبك على الفعل وإمضائه بعد املشاورة كما تؤذن به الفاء)‪ 1‬اللهم إال لو‬ ‫َع َزْم َ‬ ‫قلنا بأن الفاء للرتتيب ال غري وظاهر اآللوسي هو ذا أيضاً‪.‬‬

‫وأم جعل ‪‬توكل‪ ‬قرينة على املعىن الثاين بأن يقال املعىن وشاورهم يف األمر فإذا عزمت على‬

‫تنفيذ رأيك املخالف للشورى ‪‬فَ تَ وَّكل َعلَى ِ‬ ‫اهلل‪ ‬أي أقدم على تنفيذه متوكالً على اهلل وال ختف‬ ‫َ ْ‬ ‫خمالفتهم‪ ،‬ففيه أن توكل ال قرينية له إذ ينسجم مع املعىن األول أيضاً ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر فَِإذا‬ ‫ت‪ ‬على تنفيذ رأي الشورى ‪‬فَ تَ وَّكل َعلَى ِ‬ ‫اهلل‪ ‬أي أقدم على تنفيذه متوكالً على اهلل وال‬ ‫َع َزْم َ‬ ‫َ ْ‬

‫ختف خمالفة من عارض رأي األكثرية بل قد يكون معناها ‪‬فَ تَ وَّكل َعلَى ِ‬ ‫اهلل‪ ‬وال تردد يف تنفيذ‬ ‫َ ْ‬

‫‪2‬‬

‫رأي األكثرية ألهنا خمالفة لرأيك وأنك نرى (ترى؟؟؟) أن رأيها على خطأ مما قد يوجب الضرر‬ ‫ت فَ تَ وَّكل َعلَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل‪ ‬فإذا عزمت فأقدم متوكالً على اهلل‪ ...‬وذكر البعض تفسري اآلية‬ ‫‪‬فَإذا َع َزْم َ َ ْ‬ ‫بنحو آخر (أن العزم على الفعل وإن كان يكون بعد الفكر وإحكام الرأي واملشاورة وأخذ األهبة‬ ‫فذلك كله ال يكفي للنجاح إال مبعونة اهلل وتوفيقه ألن املوانع اخلارجية له والعوائق دونه ال حييط‬ ‫هبا إال اهلل تعاىل فالبد للمؤمن من اإلتكال عليه واالعتماد على حوله وقوته)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫[وثالثا]‪ :‬سلمنا عدم ظهور اآلية يف املعىن الثاين لكن نقول‪ :‬إن معناها يرتدد ٍ‬ ‫حينئذ بني املعىن‬ ‫‪4‬‬ ‫ت‪ ‬يعين على‬ ‫األول واملعىن الثاين ومعىن ثالث ذكره اخلازن يف تفسريه وهو ‪ ‬فَِإذا َع َزْم َ‬

‫املشاورة‪ ،5‬فإذا تردد بني هذه املعاين الثالثة تردد بني ما يفيد عدم ملزمية رأي الشورى ‪‬وهو املعىن‬ ‫‪ 1‬روح المعاني لدلوسي‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ ،107‬ذيل اوية الكريمة‪.‬‬

‫‪ 2‬حياث إن ماان الطبيعاي أن ماان ياؤمر باتباااال رأي (كارأي األكثريااة) مخالفااً ل أريااه مماا ياراه خطاي مضا اًر يستحسان أن يوصار‬ ‫باإلقدا وتفوي‬

‫األمر هلل واالعتماد عليه إذ هو الكافي الضار النافل‪.‬‬

‫‪ 3‬تفسير المنار لمحمد رشيد رضا‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.405‬‬

‫‪ 4‬عبارة الكشاا أيضاً مجملة تنطبي علر كال الاوجاين قاال فاي ذيال اوياة الكريماة‪( :‬فاإذا عزمات‪ ‬أي إذا قطعات الارأي‬ ‫علر شيء بعد الشورك) فال هذا الشيء هو أري الشورك أو رأيه عند التخالا؟ العبارة قابلة االنطباي علياما‪ ،‬لكن قد يقاال‬

‫بظاورها في رأيه ال رأياا (‪‬فتوكل علر اهلل‪ )‬في امضاء أمرل علر األرشد األصالح‪ ،‬فاإن ماا هاو أصالح لال ال يعلماه إال‬ ‫اهلل ال أنت وال من تشاور) [الكشاا‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.]475‬‬

‫‪ 5‬ج‪ ،1‬ص‪ 290‬ذيل اوية الكريمة‪.‬‬

‫‪135‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫األول‪ ‬وبني ما ال يفيد ذلك ‪‬املعىن الثاين والثالث‪ ‬وإذا تردد الشيء بني إفادة معىن وعدمه كان‬ ‫األصل عدم إفادته ذلك املعىن‪ ...‬إال أن يقال أن الدوران هنا ليس بني ‪‬اإلفادة وعدمها‪ ‬حىت‬ ‫يكون األمر دائراً بني الوجود والعدم فيكون األصل العدم بل اإلفادة والال إفادة حمكومتان بأصل‬ ‫سبيب حيث يدور األمر بني كون معىن اآلية ‪‬فإذا عزمت‪ ‬على رأيك أو ‪‬فإذا عزمت‪ ‬على‬ ‫رأي الشورى أو ‪‬فإذا عزمت‪ ‬على املشاورة‪ 1‬وهذه املعاين الثالثة كلها وجودية فتتساقط‬ ‫األصول فيها‪.‬‬ ‫لكن نقول‪ :‬ال حنتاج إىل إحراز عدم اإلفادة حىت حنتاج لألصل بك يفكينا عدم إحراز اإلفادة‬ ‫ت‪ ‬عدم ملزمية رأي الشورى املتوقفة على متامية املعىن األول) إذ مبجرد عدم‬ ‫(إفادة ‪‬فَِإذا َع َزْم َ‬ ‫ثبوت اإلفادة لعدم ثبوت املعىن األول (لرتدد اآلية بني املعاين الثالثة) ال يتم اإلشكال‪.‬‬

‫ال يقال‪ :‬متامية االستدالل موقوف على إحراز املعىن الثاين‪ ،‬إذ يقال‪ :‬كال إذ االستدالل على‬ ‫حجية رأي الشورى ولزوم تنفيذ رأيها يتم حىت جبملة ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر‪ ‬وحدها سواء‬ ‫وجدت فإذا عزمت أم ال دلت أم ال‪ ،‬وسيأيت توضيح ذلك إن شاء اهلل تعاىل عند التطرق للفرق‬ ‫بني (الشورى) و(االستشارة)‪.‬‬ ‫ومما يوضح اندفاع اإلشكال أكثر معرفة معىن ‪‬عزم‪ ‬لغة‪ ...‬قال يف لسان العرب مادة عزم‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫وعزمياً وعزميةً وعزمةً واعتزمه واعتزم عليه‪ :‬أراد فعله)‬ ‫(عزم على األمر يعزم عزماً ومعزماً وعُزماً َ‬ ‫ت‪ ‬أي فإذا أردت فعل األمر‬ ‫ت‪ ‬هكذا ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر فَِإذا َع َزْم َ‬ ‫إذن معىن ‪‬فَِإذا َع َزْم َ‬

‫‪‬فَ تَ وَّكل َعلَى ِ‬ ‫اهلل‪ ‬وأي داللة بل أي إشعار يف هذا املعىن على ما ذكره املستشكل من أن‬ ‫َ ْ‬ ‫الشورى غري ملزمة؟‬ ‫‪ 1‬حيث إن معنار اوياة لاو كاان األول أفااد عاد الملزمياة أماا لاو كاان الثااني أو الثالاث لا يفاده ‪‬اإلفاادة متفرعاة علار معنار‬ ‫اوية‪.‬‬

‫‪ 2‬لسان العرب‪ :‬مادة عز ‪ :‬ج‪ ،12‬ص‪.399‬‬

‫‪136‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ت‪ ‬أي فإذا عقدت قلبك على الفعل وامضائه)‪ 1‬وقال يف‬ ‫وقال يف جممع البيان‪( :‬فَِإذا َع َزْم َ‬

‫روح املعاين‪( :‬أي إذا عقدت قلبك على الفعل وامضائه بعد املشاورة كما تؤذن به الفاء)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫بل إن هذا الكالم قد يكون قرينة للجواب األول الذي ذكرناه حيث يوضح أكثر أن العناية يف‬ ‫(عزمت) نفس العناية يف (شاورهم) فخطاب النيب بـ(إذا أردت فعل األمر) حرباً كان أو غريه‬ ‫أنسب باعتباره قائداً من خطاب الكل‪.‬‬ ‫[رابعا]‪ :‬سلمنا ظهور اآلية يف املعىن األول (فإذا عزمت) أي على تنفيذ رأيك‪...‬‬ ‫لكن نقول‪:‬‬ ‫إنه ال خيلو من أن نقول بأن الشورى غري االستشارة لغة أو نقول باحتاد املعىن لغة وأن الفرق‬ ‫بينهما (بكون الشورى ما كان القرار فيه لألكثرية أو ما التزم فيه بقرار األكثرية‪ ،‬واالستشارة جمرد‬ ‫استعالم املستشار دون ملزمية ما أشار به‪ ،‬عليه) اصطالحي‪ ،‬فإن قلنا باألول (وأن االستشارة ما‬ ‫ال يُلزم) فنقول‪ :‬اآلية دلت بـ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر‪ ‬على وجوب االستشارة عليه صلى اهلل عليه‬ ‫ت‪ ‬على عدم وجوب االلتزام مبقتضاها عليه صلى اهلل عليه وآله‪.‬‬ ‫وآله وبـ‪‬فَِإذا َع َزْم َ‬ ‫وأما بالنسبة لنا فإذا دلت بـ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم‪ ‬على وجوهبا علينا ‪-‬ملا سبق من عمومية اخلطاب‪-‬‬ ‫فيجب علينا العمل مبقتضاها وااللتزام برأي األكثرية هلا لعدم القول بالفصل (بني وجوب‬ ‫االستشارة ووجوب االلتزام مبؤداها) ‪-‬وسيأيت تفصيل ذلك بإذن اهلل تعاىل‪ -‬فال تكون تاء‬ ‫(عزمت) شاملة لنا أيضاً كما مشلتنا (وشاورهم) للدليل اخلارجي وهو عدم القول بالفصل‪- ...‬‬ ‫فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬مجمل البيان‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.527‬‬

‫‪ 2‬روح المعاني‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.107‬‬

‫‪137‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وإن قلنا بالثاين‪( :‬وأن االستشارة هلا نفس معىن الشورى لغة‪ :‬ما كان القرار فيه لألكثرية) فتكون‬ ‫ت‪ ‬املراد به املعىن الثاين‬ ‫نفس مادة (شاورهم) لكوهنا نصاً أو أظهر قرينة على أن ‪‬فَِإذا َع َزْم َ‬ ‫ت‪ ‬على تنفيذ رأي الشورى) فيتقوى ما ادعيناه‪.‬‬ ‫السابق الذكر (وهو‪ :‬فَِإذا َع َزْم َ‬ ‫ولو قيل‪ :‬إن املادة ال قرينية هلا‪ ،‬فنقول‪ :‬لو سلم ذلك يقع التعارض بني مادة (شاورهم) وبني‬ ‫(عزمت) ويدور األمر بني التخصيص واجملاز واألول مقدم حسب ما التزم به معظم األصوليني‪.‬‬ ‫بيان ذلك‪ :‬إنه يدور األمر بني إخراج ‪‬شاور‪ ‬عن املعىن املوضوع له (الشورى‪ :‬استعالم اآلراء‪،‬‬ ‫مع االلتزام برأي األكثرية) وبني إبقائه على ظاهره وإخراج النيب صلى اهلل عليه وآله من عمومه‪،‬‬ ‫فيجب على الكل الشورى بكال شقيها إال النيب صلى اهلل عليه وآله يف الشق الثاين‪ ،‬وقد سبق أن‬ ‫ختصيص املورد ال بأس به‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫[خامسا]‪ :‬ولو سلم ذلك فليس نافياً إال لوجوب االتباع دون وجوب االستشارة إال بناء على‬ ‫االحتاد فيقع التهافت بني الفقرتني وهو من مبعداته كما ال خيفى‪.‬‬

‫‪138‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل الثاني‬ ‫في تفصیل االستدالل باآلية الكريمة‬ ‫‪َ ‬وأَ ْم ُر ُه ْم شُورى بَ ْینَ ُه ْم‪‬‬

‫‪139‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫آمنُوا َو َعلى َربِّ ِه ْم يَتَ َوَّكلُو َن‬ ‫ين َ‬ ‫قال اهلل احلكيم يف كتابه الكرمي‪َ  :‬وما ع ْن َد اهلل َخ ْي ٌر َوأَبْقى للَّذ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫استَجابُوا‬ ‫ين ْ‬ ‫ين يَ ْجتَنبُو َن َكبائ َر ا ِإلثْ ِم َوالْ َفواح َ‬ ‫ش َوإِذا ما غَضبُوا ُه ْم يَغْف ُرو َن ‪َ ‬والذ َ‬ ‫‪َ ‬والذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين إِذا أَصابَ ُه ُم‬ ‫َقاموا َّ‬ ‫الصال َة َوأ َْم ُرُه ْم ُشورى بَ ْي نَ ُه ْم َوم َّما َرَزق ُ‬ ‫ل َربِّ ِه ْم َوأ ُ‬ ‫ْناه ْم يُ ْنف ُقو َن ‪َ ‬والذ َ‬ ‫‪1‬‬ ‫الْب غْي ُهم ي ْنتَ ِ‬ ‫ص ُرو َن‪.‬‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫وال ريب يف داللتها على الرجحان لكوهنا صفة من صفات املؤمنني‪ 2‬ولكون ‪‬ما عند اهلل‪ ‬ملن‬ ‫اتصف هبذه الصفة وما سبقها وحلقها‪.‬‬ ‫أما داللتها على الوجوب فتتوقف على أحد وجوه على سبيل منع اخللو‪:‬‬ ‫الوجه األول‬

‫املعرف الذي‬ ‫كون األصل يف ما يعد صفة للمؤمن أنه واجب التحصيل لكون الصفة مبنزلة ِّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين ُه ْم َع ِن اللَّغْ ِو‬ ‫ينتفي َّ‬ ‫املعرف عند انتفائه ولكون الظاهر هو ذلك‪ ،‬ولذا كان قوله تعاىل‪َ  :‬والذ َ‬

‫ضو َن‪ ،3‬داالً على وجوب اإلعراض عنه وحرمة اللغو ظاهراً وكذا سائر اآليات وأما عدم‬ ‫ُم ْع ِر ُ‬

‫وجوب اخلشوع يف الصالة فللدليل اخلارجي وإال كان مقتضى القاعدة وجوبه‪ ،‬وكان قوله تعاىل‪:‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫وك يح ِّرفُو َن الْ َكلِم ِمن ب ْع ِد مو ِ‬ ‫‪َ ‬س َّماعُو َن لِ ْل َك ِذ ِ‬ ‫اض ِع ِه‪ ‬داالً‬ ‫َم يَأْتُ َ ُ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫ين ل ْ‬ ‫ب َس َّماعُو َن ل َق ْوم آ َخ ِر َ‬ ‫قات ي ت ربَّصن بِأَنْ ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُر ٍ‬ ‫وء‪ 5‬داالً على وجوب‬ ‫على احلرمة‪ ،‬وكذا قوله تعاىل‪َ  :‬وال ُْمطَلَّ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ك قَواما ‪‬‬ ‫َم يَ ْقتُ ُروا َوكا َن بَ ْي َن ذلِ َ‬ ‫َم يُ ْس ِرفُوا َول ْ‬ ‫ين إِذا أَنْ َف ُقوا ل ْ‬ ‫الرتبص‪ ،‬وكذا قوله سبحانه‪َ  :‬والذ َ‬ ‫اهلل إِلها آ َخر وال ي ْقتُ لُو َن النَّ ْف ِ‬ ‫والَّ ِذين ال ي ْدعُو َن مع ِ‬ ‫ْح ِّق َوال يَ ْزنُو َن‪...‬‬ ‫س الَّتي َح َّرَم اهللُ إِالَّ بِال َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬

‫‪ 1‬الشورك‪.39-36 :‬‬ ‫عد الشاورك مان صافاتا مساتفاداً مان منطاوي اوياة واال ‪-‬‬ ‫‪ 2‬إن كان ‪‬وعلى ربهم يتوكلون‪ ‬وما بعده عطفاً تفسيرياً كان م‬ ‫بين أريد من آمنوا اإليمان بالمعنر األخص وهو اإليمان باهلل أو مل سائر أصول الدين‪ -‬كان مستفاداً من السياي‪.‬‬ ‫‪ 3‬المؤمنون‪.3 :‬‬ ‫‪ 4‬المائدة‪.41 :‬‬

‫‪ 5‬البقرة‪.227 :‬‬

‫‪140‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َم‬ ‫ين ال يَ ْش َه ُدو َن ُّ‬ ‫ين إِذا ذُِّك ُروا بآيات َربِّ ِه ْم ل ْ‬ ‫الز َ‬ ‫ور َوإِذا َم ُّروا باللَّغْ ِو َم ُّروا كراما ‪َ ‬والذ َ‬ ‫‪َ ‬والذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ص ًّما َوعُ ْميانا‪ 1‬داالً على الوجوب وما علم استحبابه فذلك لقرينة من خارج‪.‬‬ ‫يَخ ُّروا َعلَْيها ُ‬ ‫ِ‬ ‫ك ومن ي عظِّم َشعائِر ِ‬ ‫اهلل فَِإنَّها ِم ْن تَ ْق َوى الْ ُقلُ ِ‬ ‫وب‪ 2‬فتأمل‪.‬‬ ‫وكذا قوله تعاىل‪ :‬ذل َ َ َ ْ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ولكن [قد يورد عليه‪ ،‬أوال]‪ :‬النقض بكثري من الصفات املذكورة يف اآليات والروايات الشريفة‬ ‫للمؤمن وهي غري واجبة التحصيل كالصرب واخلشوع يف الصالة واالكتحال والتختم باليمني وغري‬ ‫ذلك فلو سلم كون األصل يف الصفة وجوب التحصيل فاجملاز الغالب يقتضي االستحباب‪.‬‬ ‫[وثانيا]‪ :‬احلل بأن اإلميان درجات ولكل درجة صفات وعالئم فأصل اإلميان واجب التحصيل‬ ‫وكذا صفاته‪ ،‬أما كمال اإلميان فال‪ ،‬وال يعلم كون هذه الصفة املذكورة يف اآلية الشريفة صفة أصل‬ ‫أم صفة كما فال ميكن االلتزام بالوجوب مع الشك يف موضوعه‪.‬‬ ‫[ويمكن اإلجابة عن األول]‪ :‬بأنه ال جماز أصالً بل صرف الغلبة‪ 3‬وعلى تقديره فيمكن‬ ‫اإلجابة مبا أجابوا به من ادعى عدم ظهور األمر يف الوجوب لكون الندب جمازاً غالباً ولو سلمت‬ ‫الغلبة يف الروايات فال تسلم يف اآليات إضافة إىل أن الغلبة ال تسبب اخلروج عن األصل يف املوارد‬ ‫املشكوكة فتأمل‪.‬‬ ‫[وعن الثاني]‪ :‬بكون األصل أن تكون الصفة صفة األصل ال صفة الكمال هذا لو سلم ذلك‬ ‫التقسيم فتأمل‪.‬‬ ‫أو يقال بأن الشك يف العنوان واحملصل فالالزم االحتياط بتحقيق تلك الصفة فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬الفرقان‪.73-67 :‬‬ ‫‪ 2‬الحج‪.31 :‬‬

‫‪ 3‬إذا الصفة استعملت في الموضوال له ووجوب التحصيل وعدمه في رتبة الحقة وهي رتبة المحمول‪.‬‬

‫‪141‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الوجه الثاني‬

‫داللة السياق على الوجوب بأن يكون ما سبق وما حلق للوجوب فيكون قريبة على وجوب‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‬ ‫ين َ‬ ‫آمنُوا َوعَلى َربِّ ِه ْم يَتَ َوَّكلُو َن ‪َ ‬والذ َ‬ ‫املتوسط‪ ،‬قال تعاىل‪َ  :‬وما ع ْن َد اهلل َخ ْي ٌر َوأَبْقى للَّذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َقاموا‬ ‫ين ْ‬ ‫يَ ْجتَنبُو َن َكبائ َر ا ِإلثْ ِم َوالْ َفواح َ‬ ‫استَجابُوا ل َربِّ ِه ْم َوأ ُ‬ ‫ش َوإِذا ما غَضبُوا ُه ْم يَغْف ُرو َن ‪َ ‬والذ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين إِذا أَصابَ ُه ُم الْبَ غْ ُي ُه ْم‬ ‫َّ‬ ‫الصال َة َوأ َْم ُرُه ْم ُشورى بَ ْي نَ ُه ْم َوم َّما َرَزق ُ‬ ‫ْناه ْم يُ ْنف ُقو َن ‪َ ‬والذ َ‬ ‫‪1‬‬ ‫ي ْنتَ ِ‬ ‫ص ُرو َن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫[ويرد عليه] كون بعضها لالستحباب كالتوكل والغفران واالنفاق‪ ،‬وفيه إمكان أن يقال‬ ‫بالوجوب‪ ،‬اللهم إال أن يقال بالشهرة على االستحباب فتأمل‪.‬‬ ‫قال السيد الوالد ‪-‬دام ظله‪( -‬وثانياً‪ :‬التوكل قسمان واجب ومستحب‪ ،‬فإن إيكال األمر إىل‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل فيما ليس من صنع اإلنسان من لوازم اإلميان وقد ورد يف اآليات والروايات‬ ‫األمر بذلك واملعنا إليه يف (الفقه‪ :‬الواجبات واحملرمات) أما الغفران يف قبال االسرتسال يف املعاصي‬ ‫من جهة الغضب ‪-‬كما هي عادة كثري من الناس حيث إهنم إذا غضبوا فعلوا احملرم بالنسبة إىل‬ ‫املغضوب عليه‪ -‬فواجب‪ ،‬نعم ال اجب بالنسبة إىل القدر احملتاج إليه مما أشار إليه سبحانه بقوله‪:‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫مات‬ ‫ْح ُر ُ‬ ‫‪‬فَ َم ِن ا ْعتَدى َعلَْي ُك ْم فَا ْعتَ ُدوا َعلَْيه بِمثْ ِل َما ا ْعتَدى َعلَْي ُك ْم‪ ‬وقوله تعاىل‪َ  :‬وال ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫صاص‪.)....‬‬ ‫ق ٌ‬ ‫[ولكن] قد يورد عليه بأن التوكل إذا كان على قسمني كان ‪َ ‬و َعلى َربِّ ِه ْم يَتَ َوَّكلُو َن‪ ‬مبهماً‬

‫مردداً بينهما أو كان ملطلق الرجحان فال يتم كون السياق للوجوب وال يندفع ما ذكره بقوله (وال‬

‫يستشكل بأن التوكل وغفران الذنب ليسا واجبني)‪ 4‬نعم جوابه األول تام‪ ،‬اللهم إال أن يقال بعدم‬

‫‪ 1‬الشورك‪.39-36 :‬‬ ‫‪ 2‬البقرة‪.194 :‬‬

‫‪ 3‬الشورك في اإلسال ‪ :‬ص‪.14‬‬ ‫‪ 4‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.13‬‬

‫‪142‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إضرار استثناء فقرة أو فقرتني بكون السياق للوجوب أو يقال بكون ما سبق وحلق مما هو ظاهر يف‬ ‫الوجوب قرينة على كون ‪َ ‬و َعلى َربِّ ِه ْم يَتَ َوَّكلُو َن‪ ‬من القسم األول وهو (الواجب) أو يقال مبا‬

‫ذكرناه من داللة اآلية على وجوب التوكل مطلقاً خرج ما خرج منه بالدليل ‪ -‬فليتأمل‪.‬‬

‫إضافة إىل أن داللة قرينة خارجية على كون بعض الفقرات لالستحباب ال خيرج سائر الفقرات‬ ‫عن ظاهرها كما التزموا بذلك يف أوامر متعددة قام الدليل اخلارجي على كوهنا ما عدا واحداً‬ ‫لالستحباب فال خيرج ذلك الواحد عن ظاهره بذلك خاصة مع سبق هذه الفقرة بالصالة وحلوقها‬ ‫بالزكاة الواجبتني‪.‬‬

‫الوجه الثالث‬

‫داللة اآلية الشريفة على أن ما عند اهلل خري كائن ملن جتمعت فيهم الصفات التالية ومنها‬ ‫الشورى يف أمرهم فمن مل تتوفر فيه تلك الصفات مل تكن (اخلريية) له فتدل على وجوب توفري‬ ‫تلك الصفات بأمجعها‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وال خيفى داللة اآلية على مطلوبية الشورى سواء كان قبل الوصول للحكم أو بعده لكون اآلية‬ ‫مطلقة‪.‬‬ ‫وأما ما ذكره يف اجملمع (وقيل إن املعين باآلية هم األنصار كانوا إذا أرادوا أمراً قبل اإلسالم وقبل‬ ‫قدوم النيب صلى اهلل عليه وآله اجتمعوا وتشاوروا مث عملوا عليه فأثىن اهلل عليهم بذلك وقيل هو‬ ‫تشاورهم حني مسعوا بظهور النيب صلى اهلل عليه وآله وورود النقباء عليه حىت اجتمعوا يف دار أيب‬ ‫أيوب على اإلميان به والنصرة له)‪ ،2‬فال ينفي داللتها على مطلوبية مطلق الشورى لكون املورد ال‬

‫‪ 1‬إذ قد يقال بينه ليس كل خير واجب التحصيل محر الترل‪ ،‬وليس كل ما عند اهلل كذلل فتيمل‪.‬‬ ‫‪ 2‬مجمل البيان‪ :‬ج‪ ،9‬ص‪.33‬‬

‫‪143‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫خيصص الوارد وكون ذلك من قبيل املصداق فالحظ هذا لو مل نقل بظهورها يف كوهنا إخباراً يف‬ ‫مقام اإلنشاء‪.‬‬ ‫وقال يف الصايف‪( :‬وال ينفردون برأي حىت يتشاوروا واجتمعوا عليه وذلك من فرط تيقظهم يف‬ ‫األمور)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وأما ما قاله القمي (يشاورن (يشاورون؟؟؟) اإلمام فيما حيتاجون إليه من أمر دينهم) فال ريب‬ ‫يف أنه تفسري باملصداق أو أجلى املصاديق إذ ال ريب يف عمومية اآلية خاصة مع وجود كلمة‬ ‫‪‬بينهم‪ ‬إضافة إىل إمكان القول بعدم صدق ‪‬أمرهم شورى بينهم‪ ‬على ما لو كان التشاور‬ ‫من طرف واحد‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫إضافة إىل أن ختصيص أمرهم بأمر دينهم فيما لو أريد خصوص احملموالت الشرعية بال خمصص‬ ‫كما سيأيت‪.‬‬ ‫[كما ال يخفى]‪ :‬داللتها على عمومية مطلوبيتها يف كافة الشؤون لكون ‪‬أمر‪ ‬مفرداً مضافاً‬ ‫وهو مفيد للعموم أو اإلطالق مقل قوله عليه السالم‪ :‬كالمكم نور وأمركم رشد‪ ‬أو قولنا (أمره‬ ‫التقوى أو التواضع)‪.‬‬ ‫قال يف املسالك‪( :‬إن جعلنا املفرد املضاف مفيداً للعموم كما هو رأي احملققني من األصوليني‬

‫كما أشرنا إليه سابقاً)‪ 2‬وقال يف اجلواهر مثله‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫ويستثىن منه كلما مل يكن من شأنه املشورة فيه ككثري من صغائر األمور وكثري من األعمال‬ ‫اليومية‪.‬‬

‫‪ 1‬الصافي للفي‬

‫الكاشاني‪ :‬ج‪ 25‬ذيل اوية الشريفة‪.‬‬

‫‪ 2‬المسالل‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 286‬كتاب القضاء المسيلة الثامنة‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجواهر‪ :‬ج‪ 40‬ص‪ 63‬كتاب القضاء المسيلة الثامنة‪.‬‬

‫‪144‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إضافة إىل ما يف كوهنا مجلة امسية من الداللة على االستقرار والثبوت وكوهنا صفة ثابتة للمؤمنني‬ ‫فتأمل‪ ،‬إذ كون شيء صفة مالزمة للمؤمنني أعم من الوجوب واالستحباب‪.‬‬

‫الوجه الرابع‬

‫كون ‪‬وأمرهم شورى بينهم‪ ‬إنشاءً بصيغة اإلخبار وهو خالف الظاهر وال يعارضه كون‬ ‫األصل يف كالم الشارع اإلنشاء لكون األصل يف كلماته املولوية‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫‪145‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫االعتراض باآليات التي تذم األكثرية‬

‫ورمبا يعرتض على لزوم اتباع األكثرية باآليات الشريفة الواردة يف ذم األكثرية وكوهنا جاهلة غري‬ ‫ك الدِّين الْ َقيِّم و ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫َّاس ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ 1‬وقوله سبحانه‪:‬‬ ‫عاملة‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪ :‬ذلِ َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫‪‬واهلل غالِب َعلى أَم ِرهِ و ِ‬ ‫َّاس ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ ،2‬وقوله تعاىل‪َ  :‬وما يَتَّبِ ُع أَ ْكثَ ُرُه ْم إِالَّ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫َ ُ ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْح ِّق َش ْيئا‪ ،3‬وقوله تعاىل‪َ  :‬وإِ ْن تُ ِط ْع أَ ْكثَ َر َم ْن فِي األ َْر ِ‬ ‫ض‬ ‫ظَنًّا إِ َّن الظَّ َّن ال يُغْني م َن ال َ‬ ‫اهلل إِ ْن ي تَّبِعو َن إِالَّ الظَّ َّن وإِ ْن هم إِالَّ ي ْخرصو َن‪ ،4‬وقوله تعاىل‪ :‬و ِ‬ ‫يِ‬ ‫يل ِ‬ ‫وك َع ْن َسبِ ِ‬ ‫لك َّن‬ ‫ضلُّ َ‬ ‫َ ُْ َ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْكثَ َرُه ْم يَ ْج َهلُو َن‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫والجواب من وجوه‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬إن اآليات الشريفة صغرى لكربى يضمها املستدل إليها لتنتج املقصود والكربى هي‬ ‫‪6‬‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ نقول إن أكثرية شورى الفقهاء وأكثرية أهل اخلربة‬ ‫والذين ال يعلمون ال اجوز اتباعهم‬ ‫خارجة خروجاً موضوعياً عن الكربى وحممولياً عن الصغرى إذ ال يصح القول بأن األصوليني ممن‬ ‫ال يعلمون األصول أو الفقهاء ممن ال يعرفون الفقه أو األطباء ممن اجهلون الطب‪ ،‬وال تنايف بني‬ ‫كون أكثرية الناس ال يعلمون وكون أكثرية أهل اخلربة فيما هم خرباء فيه ممن يعلمون وال تالزم‬ ‫بينهما فال يدل أحدمها على اآلخر‪ ،‬ولذا لو قال أكثر الناس ال يعر فون الصالة صح أن يقول‬ ‫ولكن أكثرية املتدينني يعرفوهنا أو أكثرية الناس ال تعرف الطب ولكن أكثرية األطباء بل كلهم‬

‫‪ 1‬يوسا‪.40 :‬‬ ‫‪ 2‬يوسا‪.21 :‬‬ ‫‪ 3‬يونس‪.36 :‬‬

‫‪ 4‬األنعا ‪.16 :‬‬

‫‪ 5‬األنعا ‪.111 :‬‬

‫‪ 6‬أو والاذي يتبعاون الظاان ال يجاوز اتباااعا ‪ ،‬ومان الواضاح كااون الماراد ماان األوساط هاو الظاان ميار المعتباار وكاذا وان تطاال‬ ‫أكثر من في األر‬

‫‪-‬ممن يتبعون الظن مير المعتبر شرعاً‪ -‬يضلونل‪.‬‬

‫‪146‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫يعرفون الطب ويف اآليات الشريفة لو فرض أن معىن ‪ ‬و ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫َّاس ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ ‬أي ال‬ ‫َ‬

‫يعلمون احلق مل يناف القول بـ(أما أكثرية علماء املسلمني بل كلهم فيعلمون احلق) يف قبال الكفار‬ ‫أو (أكثرية علماء الشيعة يعلمون احلق) يف قبال السنة‪ ،‬وألجل ما ذكرناه من كون أكثرية أهل‬ ‫اخلربة ممن يعلمون ال ممن ال يعلمون‪ ،‬قال عليه السالم‪ :‬خذ مبا اشتهر بني أصحابك ودع الشاذ‬ ‫النادر فإن اجملمع عليه ال ريب فيه‪ 1‬وال تنايف ‪-‬كما بيناه‪ -‬بني اإلرجاع ملا انتخبته األكثرية يف‬ ‫هذه الرواية وبني كون األكثرية مذمومة يف اآليات لكون تلك األكثرية أهل اخلربة وهي ممن تعلم ال‬ ‫ممن ال تعلم‪.‬‬ ‫[وثانيا]‪ :‬إن ذم اتباع األكثرية معلل يف بعض اآليات فيدور احلكم مدار العلة وجوداً وعدماً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضيِ‬ ‫يل ِ‬ ‫وك َع ْن َسبِ ِ‬ ‫اهلل إِ ْن يَتَّبِعُو َن إِالَّ الظَّ َّن‪ ،2‬فقد‬ ‫ضلُّ َ‬ ‫قال تعاىل‪َ :‬وإِ ْن تُط ْع أَ ْكثَ َر َم ْن في األ َْر ِ ُ‬ ‫ّبني جل وعال علة كون إطاعة األكثرية مضلة يف كوهنم يتبعون الظن‪ ،3‬فلو كان األكثرية ‪-‬‬ ‫كأكثرية الفقهاء‪ -‬متبعة للعلم والعلمي ‪-‬أي الظن املعترب‪ -‬ملا كانت مضلة فاتباع األكثرية الظن‬

‫غري املعترب شرعاً وعقالً هو سبب ضالهلا وإضالهلا دون ما لو اتبعت الظن املعترب وما جعل حجة‬ ‫شرعاً واملفروض أن أكثرية شورى الفقهاء ‪-‬لفرض كوهنم عدوالً جامعني للشرائط‪ -‬يتبعون‬ ‫اجتهاداهتم عن الطرق اجملعولة شرعاً ولذا جند أن اتباع أكثرية الشيعة يف قوهلم بعصمة املعصومني‬ ‫األربعة عشر هادياً ال مضالً لكونه اتباعاً للعلم أو للعلمي ال للظن غري املعترب‪.‬‬

‫‪ 1‬الكافي‪ :‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،68‬ط دار الكتب اإلسالمية طاران‪ ،‬ونص الرواية هكذا (‪ ...‬ويتارل الشااذ الاذي لايس بمشااور عناد‬ ‫أصحابل فإن المجمل عليه ال ريب فيه‪)...‬‬

‫‪ 2‬األنعا ‪.16 :‬‬

‫‪ 3‬قال في الميزان‪( :‬فإن الجملة أعني قوله وان ه إال يخرصون والتي قبلااا أعناي قولاه إن يتبعاون إال الظان واقعتاان موقال‬ ‫التعليل لقوله وان تطل أكثر من في األر )‪ ،‬الميزان‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪.330‬‬

‫‪147‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْح ِّق َش ْيئا‪ 1‬دال على‬ ‫وكذا قوله تعاىل‪َ  :‬وما يَتَّبِ ُع أَ ْكثَ ُرُه ْم إِالَّ ظَنًّا إِ َّن الظَّ َّن ال يُغْني م َن ال َ‬ ‫مذمومية اتباع األكثرية للظن غري املعترب‪ ،‬فلو كان اتباعهم للظن املعترب ملا كان ذم إطالقاً كما أن‬ ‫يف اتباع الواحد له ال ذم بل املوجود هو املدح فقط‪.‬‬ ‫قال السيد الوالد دام ظله (‪ ...‬إن اهلل مل يذم األكثرية مطلقاً بل ذمهم يف زمان كون األكثرية‬ ‫منحرفة عن سبيل اهلل ولذا مل يكن األمر كذلك فيما إذا كانت أكثرية نسبية كما يف سبيل املؤمنني‬ ‫إذا ذهبوا إىل شيء أو كان أكثرية مطلقة‪ ،‬إذا كل أهل األرض مؤمنني كما يف زمان اإلمام املهدي‬ ‫عجل اهلل تعاىل فرجه الشريف وكما يف زمان نوح عليه السالم بعد جناته من السفينة حيث مل يبق‬ ‫إال املؤمنون)‪ 2‬فالقضية خارجية أو حينية شرطية ال مطلقة حقيقية بداللة العقل ال من باب‬ ‫خمصصية املورد للوارد ‪-‬فتأمل‪ -‬إذ لو علم بكون األكثرية على احلق أو على الباطل فال كالم‬ ‫وليس هذا حمل النزاع‪ ،‬أما لو جهل فإن مفاد اآلية أن األكثرية ال يتبعون إال الظن غري املعترب‬ ‫فليس رأيهم حجة‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬إن اآليات خمتصة بشؤون العقائد وشبهها وهي املتعلقة لـ‪ :‬ال يعلمون‪ ،‬مثالً قوله تعاىل‪:‬‬ ‫‪‬واهلل غالِب عَلى أَم ِرهِ و ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫َّاس ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ ‬أي ال يعلون (يعلمون؟؟؟) كون اهلل‬ ‫َ ُ ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫‪3‬‬ ‫ك الدِّين الْ َقيِّم و ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫َّاس ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ 4‬أي ال‬ ‫غالباً على أمره وكذا قوله تعاىل‪ :‬ذلِ َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫يعلمون أن ذلك هو الدين القيم وكذا ‪‬و ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم يَ ْج َهلُو َن‪.‬‬ ‫َ‬

‫‪ 1‬يونس‪.36 :‬‬

‫‪ 2‬الفقه‪ :‬الحك في اإلسال ‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫‪ 3‬راجل تفسير الميزان‪ :‬ج‪ ،11‬ص‪ ،112‬والتفسير الكبير‪ :‬ج‪ ،18‬ص‪.110‬‬ ‫‪ 4‬راجل تفسير الميزان‪ :‬ج‪ ،11‬ص‪ ،178‬والتفسير الكبير‪ :‬ج‪ ،18‬ص‪.142‬‬

‫‪148‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫قال يف امليزان‪( :‬غري أن املشركني أكثرهم ‪-‬ولعلهم غري العلماء الباغني منهم‪ -‬اجهلون مقام رهبم‬ ‫ويتعلقون باألسباب على أهنا مستقلة يف نفسها مستغنية عن رهبا)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وقال الفخر الرازي‪( :‬قال أصحابنا‪ :‬املراد اجهلون بأن الكل من اهلل وبقضائه وقدره‪ ،‬وقالت‬ ‫املعتزلة‪ :‬املراد أهنم جهلوا أهنم يبقون كفاراً عند ظهور اآليات اليت طلبوها واملعجزات اليت اقرتحوها‬ ‫‪2‬‬ ‫اعةَ آلتِيةٌ ال ريب فِيها و ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر‬ ‫الس‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫‪‬‬ ‫تعاىل‬ ‫له‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ويؤيده‬ ‫‪،‬‬ ‫وكان أكثرهم يظنون ذلك)‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ص َ ِ ِ​ِ‬ ‫َّاس ال يُ ْؤِمنُو َن‪ 3‬وقوله سبحانه ‪َ ‬وما أَ ْكثَ ُر الن ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ين‪ 4‬وقوله تعاىل‬ ‫َّاس َول َْو َح َر ْ‬ ‫ت ب ُم ْؤمن َ‬ ‫‪‬و ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫َّاس ال يَ ْش ُك ُرو َن‪ ،5‬فهي غري مرتبطة باملوضوعات اخلارجية والشؤون العامة مما‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضيِ‬ ‫وك َع ْن‬ ‫ضلُّ َ‬ ‫يرتبط بإدارة الدولة ‪-‬فتأمل‪ .‬وكذا قوله تعاىل‪َ  :‬وإِ ْن تُط ْع أَ ْكثَ َر َم ْن في األ َْر ِ ُ‬ ‫سبِ ِ ِ‬ ‫صو َن‪ 6‬قال الفخر الرازي‪( :‬املراد أن هؤالء‬ ‫يل اهلل إِ ْن يَتَّبِعُو َن إِالَّ الظَّ َّن َوإِ ْن ُه ْم إِالَّ يَ ْخ ُر ُ‬ ‫َ‬ ‫الكفار الذين ينازعونك دينك ومذهبك غري قاطعني بصحة مذاهبهم بل ال يتبعون إال الظن وهم‬ ‫خراصون كذابون يف إدعاء القطع وكثري من املفسرين يقولون املراد من ذلك الظن رجوعهم يف‬ ‫إثبات مذاهبهم إىل تقليد أسالفهم ال إىل تعليل أصالً)‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫اع ِة أَيَّا َن ُم ْرساها قُ ْل إِنَّما ِع ْل ُمها ِع ْن َد َربِّي ال يُ َجلِّيها لَِوقْتِها‬ ‫ك َع ِن َّ‬ ‫وقوله تعاىل‪ :‬يَ ْسئَ لُونَ َ‬ ‫الس َ‬ ‫الس ِ‬ ‫ماوات َواأل َْر ِ‬ ‫ك َح ِف ٌّي َع ْنها قُ ْل إِنَّما‬ ‫ت فِي َّ‬ ‫إِالَّ ُه َو ثَ ُقلَ ْ‬ ‫ك َكأَنَّ َ‬ ‫ض ال تَأْتِي ُك ْم إِالَّ بَغْتَة يَ ْسئَ لُونَ َ‬ ‫اهلل و ِ‬ ‫ِعل ِ ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫َّاس ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ 8‬وكذا اآلية ‪ 17‬من سورة هود وسيأيت ذكرها‬ ‫ْمها ع ْن َد َ‬ ‫ُ‬

‫‪ 1‬الميزان‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪.320‬‬

‫‪ 2‬التفسير الكبير‪ :‬ج‪ ،13‬ص‪ 152‬ذيل اوية الشريفة‪.‬‬ ‫‪ 3‬مافر‪.59 :‬‬

‫‪ 4‬يوسا‪.103 :‬‬ ‫‪ 5‬يوسا‪.38 :‬‬ ‫‪ 6‬يونس‪.66 :‬‬

‫‪ 7‬التفسير الكبير‪ :‬ج‪ ،13‬ص‪.163‬‬ ‫‪ 8‬األعراا‪.187 :‬‬

‫‪149‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وت بلى و ْعدا َعلَي ِه ح ًّقا و ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪ :‬وأَقْسموا بِ ِ‬ ‫لك َّن‬ ‫اهلل َج ْه َد أَيْمانِ ِه ْم ال يَ ْب َع ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ث اهللُ َم ْن يَ ُم ُ َ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َّاس ال ي ْعلَمو َن‪ 1‬وقوله تعاىل‪ :‬إِ ِن الْح ْكم إِالَّ ِ‬ ‫ِّين‬ ‫هلل أ َ​َم َر أَالَّ تَ ْعبُ ُدوا إِالَّ إِيَّاهُ ذلِ َ‬ ‫أَ ْكثَ َر الن ِ َ ُ‬ ‫ك الد ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫‪2‬‬ ‫ك ِمن أَنْ ِ‬ ‫ب نُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْ َقيِّم و ِ‬ ‫باء الْغَْي ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫ك َوما‬ ‫وح ِيه إِل َْي َ‬ ‫َّاس ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ ‬وقوله تعاىل‪ :‬ذل َ ْ‬ ‫َُ‬ ‫‪3‬‬ ‫ص َ ِ ِ​ِ‬ ‫َج َمعُوا أ َْم َرُه ْم َو ُه ْم يَ ْم ُك ُرو َن ‪َ ‬وما أَ ْكثَ ُر الن ِ‬ ‫ين‪‬‬ ‫ُك ْن َ‬ ‫َّاس َول َْو َح َر ْ‬ ‫ت لَ َديْ ِه ْم إِ ْذ أ ْ‬ ‫ت ب ُم ْؤمن َ‬ ‫الرِحيم ‪ ‬و ْع َد ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪ :‬بِنَ ْ ِ‬ ‫اهلل ال يُ ْخلِ ُ‬ ‫ف اهللُ َو ْع َدهُ‬ ‫ص ِر اهلل يَ ْن ُ‬ ‫ص ُر َم ْن يَشاءُ َو ُه َو ال َْع ِز ُيز َّ ُ َ‬ ‫وِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫َّاس ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ 4‬وكذا اآلية ‪ 30‬من سورة الروم وكذا اآلية ‪ 28‬من سورة سبأ‬ ‫َ‬ ‫وغري ذلك من املوارد فلرتاجع‪.‬‬ ‫كما أن مرجع الضمري يف تلك اآليات كان ألهل الكتاب من األمم السابقة أو غريهم أو غري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك مما يتعلق بشؤون العقائد كقوله تعاىل‪ :‬قُل يا أ َْهل ال ِ‬ ‫ْك ِ‬ ‫آمنَّا‬ ‫تاب َه ْل تَ ْنق ُمو َن منَّا إِالَّ أَ ْن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِ ِ‬ ‫اهلل َوما أُنْ ِز َل إِل َْينا َوما أُنْ ِز َل ِم ْن قَ ْب ُل َوأ َّ‬ ‫ين َك َف ُروا‬ ‫َن أَ ْكثَ َرُك ْم فاس ُقو َن‪ ‬وقوله‪َ  :‬ولك َّن الذ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب َوأَ ْكثَ ُرُه ْم ال يَ ْع ِقلُو َن‪ 6‬وقوله‪َ  :‬وقالُوا ل َْو ال نُ ِّز َل عَلَْي ِه آيَةٌ ِم ْن َربِِّه‬ ‫يَ ْفتَ ُرو َن َعلَى اهلل الْ َكذ َ‬ ‫قُل إِ َّن اهلل ِ‬ ‫قاد ٌر َعلى أَ ْن يُنَ ِّز َل آيَة َول ِك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ 7‬وقوله‪َ  :‬ول َْو أَنَّنا نَ َّزلْنا إِل َْي ِه ُم‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال َْمالئِ َكةَ َوَكلَّ َم ُه ُم ال َْم ْوتى َو َح َ‬ ‫شاء اهللُ‬ ‫ش ْرنا َعلَْي ِه ْم ُك َّل َش ْيء قُبُال ما كانُوا ليُ ْؤمنُوا إِالَّ أَ ْن يَ َ‬ ‫‪8‬‬ ‫وِ‬ ‫ك ِم ْن أَنْبائِها َولَ​َق ْد جاءَتْ ُه ْم ُر ُسلُ ُه ْم‬ ‫ْك الْ ُقرى نَ ُق ُّ‬ ‫ص َعلَْي َ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم يَ ْج َهلُو َن‪ ‬وقوله‪ :‬تِل َ‬ ‫َ‬

‫‪ 1‬النحل‪.38 :‬‬

‫‪ 2‬يوسا‪.40 :‬‬

‫‪ 3‬يوسا‪.103-102 :‬‬ ‫‪ 4‬الرو ‪.6-5 :‬‬ ‫‪ 5‬المائدة‪.59 :‬‬

‫‪ 6‬المائدة‪.103 :‬‬ ‫‪ 7‬األنعا ‪.37 :‬‬

‫‪ 8‬األنعا ‪.111 :‬‬

‫‪150‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ِ‬ ‫بِالْب يِّ ِ‬ ‫ك يَطْبَ ُع اهللُ َعلى قُلُ ِ‬ ‫ين ‪َ ‬وما‬ ‫نات فَما كانُوا لِيُ ْؤِمنُوا بِما َك َّذبُوا ِم ْن قَ ْب ُل َكذلِ َ‬ ‫َ‬ ‫وب الْكاف ِر َ‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ين ‪ ‬ثُ َّم بَ َعثْنا ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم ُموسى‪....‬‬ ‫َو َج ْدنا ألَ ْكثَ ِره ْم م ْن َع ْهد َوإِ ْن َو َج ْدنا أَ ْكثَ َرُه ْم لَفاسق َ‬ ‫وقوله‪ :‬فَِإذا جاءتْ هم الْحسنَةُ قالُوا لَنا ِ‬ ‫هذهِ وإِ ْن تُ ِ‬ ‫ص ْب ُه ْم َسيِّئَةٌ يَطَّيَّ ُروا بِ ُموسى َوَم ْن َم َعهُ أَال‬ ‫َ‬ ‫َ ُ​ُ َ َ‬ ‫اهلل و ِ‬ ‫إِنَّما طائِرُهم ِع ْن َد ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ 2‬وقوله‪َ  :‬وما ل َُه ْم أَالَّ يُ َع ِّذبَ ُه ُم اهللُ َو ُه ْم‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫يص ُّدو َن َع ِن الْمس ِج ِد الْحر ِام وما كانُوا أَولِياءهُ إِ ْن أَولِيا ُؤهُ إِالَّ الْمتَّ ُقو َن و ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم ال‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ف ي ُكو ُن لِل ِ‬ ‫عاه ْدتُ ْم ِع ْن َد‬ ‫ين َ‬ ‫يَ ْعلَ ُمو َن‪ ‬وقوله‪َ  :‬ك ْي َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ين َع ْه ٌد ع ْن َد اهلل َوع ْن َد َر ُسوله إِالَّ الذ َ‬ ‫ْم ْش ِرك َ‬ ‫الْمس ِج ِد الْحر ِام فَما استَقاموا لَ ُكم فَاستَ ِقيموا لَهم إِ َّن اهلل ي ِح ُّ ِ‬ ‫ف َوإِ ْن يَظ َْه ُروا‬ ‫ين ‪َ ‬ك ْي َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ ْ ُ‬ ‫ْ ْ ُ ُْ‬ ‫ب ال ُْمتَّق َ‬ ‫َْ‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫واه ِهم وتَأْبى قُلُوب هم وأَ ْكثَرهم ِ‬ ‫فاس ُقو َن‪‬‬ ‫َعلَْي ُك ْم ال يَ ْرقُبُوا فِي ُك ْم إِالًّ َوال ِذ َّمة يُ ْر ُ‬ ‫ُ​ُ ْ َ ُ​ُ ْ‬ ‫ضونَ ُك ْم بأَفْ ْ َ‬ ‫اهلل ح ٌّق و ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ض أَال إِ َّن و ْع َد ِ‬ ‫وقوله‪ :‬أَال إِ َّن ِ‬ ‫ماوات َواأل َْر ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َرُه ْم ال‬ ‫هلل ما فِي َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫‪5‬‬ ‫اب فَالنَّار مو ِع ُده فَال تَ ُ ِ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫َحز ِ‬ ‫ْح ُّق‬ ‫ُ َْ ُ‬ ‫يَ ْعلَ ُمو َن‪ ‬وقوله‪َ  :‬وَم ْن يَ ْك ُف ْر بِه م َن األ ْ‬ ‫ك في م ْريَة م ْنهُ إِنَّهُ ال َ‬ ‫ِ‬ ‫َّاس ال ي ْؤِمنو َن‪ 6‬وقوله‪ :‬واتَّب ع ُ ِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫كوِ‬ ‫يم َوإِ ْسحا َق‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ ُ ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫م ْن َربِّ َ َ‬ ‫ت ملةَ آبائي إبْراه َ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َّاس و ِ‬ ‫ك ِمن فَ ْ ِ‬ ‫لك َّن‬ ‫َويَ ْع ُق َ‬ ‫وب ما كا َن لَنا أَ ْن نُ ْش ِر َك بِاهلل م ْن َش ْيء ذل َ ْ‬ ‫ض ِل اهلل َعلَْينا َو َعلَى الن ِ َ‬ ‫‪7‬‬ ‫آيات ال ِ‬ ‫ْك ِ‬ ‫أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫ك‬ ‫ك ِم ْن َربِّ َ‬ ‫تاب َوالَّ ِذي أُنْ ِز َل إِل َْي َ‬ ‫ْك ُ‬ ‫َّاس ال يَ ْش ُك ُرو َن‪ ‬وقوله‪ :‬المر تِل َ‬ ‫الْح ُّق و ِ‬ ‫لك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫َّاس ال يُ ْؤِمنُو َن‪ 8‬وقوله‪َ  :‬وإِذا بَ َّدلْنا آيَة َمكا َن آيٍَة َواهللُ أَ ْعلَ ُم بِما يُنَ ِّز ُل‬ ‫َ َ‬

‫‪ 1‬األعراا‪.103-101 :‬‬ ‫‪ 2‬األعراا‪.131 :‬‬ ‫‪ 3‬األنفال‪.34 :‬‬

‫‪ 4‬التوبة‪.8-7 :‬‬ ‫‪ 5‬يونس‪.55 :‬‬ ‫‪ 6‬هود‪.17 :‬‬

‫‪ 7‬يوسا‪.38 :‬‬ ‫‪ 8‬الرعد‪.1 :‬‬

‫‪151‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ت ُم ْفتَ ٍر بَ ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم ال يَ ْعلَ ُمو َن‪ 1‬وقوله‪ :‬أَِم اتَّ َخ ُذوا ِم ْن ُدونِ​ِه آلِ َهة قُ ْل هاتُوا‬ ‫قالُوا إِنَّما أَنْ َ‬ ‫‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضو َن‪.‬‬ ‫ْح َّق فَ ُه ْم ُم ْع ِر ُ‬ ‫بُ ْرهانَ ُك ْم هذا ذ ْك ُر َم ْن َمع َي َوذ ْك ُر َم ْن قَ ْبلي بَ ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم ال يَ ْعلَ ُمو َن ال َ‬ ‫ولنقف على هذا العدد وعلى غرار ذلك سائر اآليات الشريفة فراجع سورة الفرقان اآليات‬ ‫‪ 44-41‬و‪ ،50‬والشعراء اآليات ‪ 8-1‬واآلية ‪ 68‬مع مالحظة ما سبقها وحلقها وكذا اآلية‬ ‫‪ 103‬وكذا ‪ 121‬وكذا ‪ 139‬وكذا ‪ 158‬وكذا ‪ 174‬وكذا ‪ 190‬وكذا ‪ 223‬وكذا سورة النمل‬ ‫اآلية ‪ 61‬والقصص اآلية ‪ 13‬و‪ 57‬وسورة الروم اآلية ‪ 42‬وسورة سبأ ‪ 41‬ويس ‪ 7‬والصافات ‪71‬‬ ‫إىل غري ذلك من املوارد فلرتاجع‪.‬‬ ‫[رابعا]‪ :‬ما ذكره يل بعض كبار أساتذة حبث اخلارج‪ :‬من أن هذه اآليات ال إطالق فيها لعدم‬ ‫كوهنا يف مقام البيان حسب مبناه دام ظله من أن مطلقات القرآن ليست يف مقام البيان بل يف‬ ‫مقام أصل التشريع أو شبهه فتأمل‪.‬‬ ‫[خامسا]‪ :‬ما ذكره يل أيضاً أستاذ آخر من كبار أساتذة اخلارج‪ :‬من أن اآليات ذكرت أن‬ ‫أكثر الناس ال يعلمون وال يصدق (أكثر الناس) وهو املوضوع يف اآلية على أكثرية الفقهاء أو‬ ‫أكثرية األطباء مثالً فهل يقال ألكثرية الفقهاء أكثر الناس أو أكثرية البشرية أو ما أشبه؟ فاخلروج‬ ‫موضوعي حسب نظره خاصة إذا الحظنا أن أكثر الفقهاء مثالً ال يشكلون واحداً يف مأة ألف‬ ‫من الناس فكيف يصدق عليهم أكثر الناس؟ إمنا الصادق قسيمه‪.‬‬

‫‪ 1‬النحل‪.101 :‬‬ ‫‪ 2‬األنبياء‪.24 :‬‬

‫‪152‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل الثالث‬ ‫في تفصیل االستدالل بالتوقیع الشريف‬ ‫‪‬وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة حديثنا‪...‬‬

‫‪153‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وميكن أن يستدل بالتوقيع الشريف وهو‪:‬‬ ‫ما رواه أمحد بن علي بن أيب طالب الطربسي عن حممد بن يعقوب الكليين عن إسحاق بن‬ ‫يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬سألت حممد بن عثمان العمري رمحه اهلل أن يوصل يل كتاباً قد سألت عن مسائل‬

‫أشكلت علي فورد التوقيع خبط موالنا صاحب الزمان عجل اهلل تعاىل فرجه الشريف‪...( :‬وأما‬

‫الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اهلل‪.)...‬‬ ‫ذكره يف كتاب االحتجاج ونقله يف (كمال الدين عن حممد بن حممد بن عصام الكليين عن‬ ‫حممد بن يعقوب الكليين عن إسحاق بن يعقوب يف الباب ‪ 45‬ذكر التوقيعات الواردة عن القائم‬ ‫عليه الصالة والسالم احلديث ‪ ،4‬ص‪ ،483‬الطبعة الثانية لدار الكتب اإلسالمية ويف كتاب‬ ‫الغيبة للشيخ قدس سره عن مجاعة عن جعفر بن حممد بن قولويه وأيب غالب الزراري وغريمها عن‬ ‫حممد بن يعقوب الكليين ‪...‬اخل‪.‬‬ ‫توثیق إسحاق بن يعقوب‬

‫وقد وثق املامغاين اسحاق بن يعقوب قائالً (ويستفاد من توقيعه عليه السالم هذا جاللة الرجل‬ ‫وعلو رتبته وكونه هو الراوي غري ضائر بعد تسامل املشايخ على نقله)‪ ،1‬وقال يف من نتائج التنقيح‬ ‫‪2‬‬ ‫(إسحاق بن يعقوب‪ :‬حسن كالصحيح)‪.‬‬ ‫وقد ذكر يل بعض كبار الفقهاء تعليالً كان يراه كافياً لتوثيق إسحاق بن يعقوب ‪-‬وقد يكون‬ ‫كالمه تنقيحاً ملا ذكره املامغاين‪ -‬نذكره مع إضافة منّا‪ :‬أن إسناد إسحاق بن يعقوب هذه الرواية‬ ‫إىل اإلمام عليه الصالة والسالم مبا تتضمنه من توثيق للبعض وتضعيف لبعض آخر حيث سأل‬ ‫عن عمه جعفر والعمري وحممد بن علي بن مهزيار األهوازي وحممد بن شاذان وأيب اخلطاب‬ ‫وأصحابه‪ ،‬وحيث كانت املرحلة مرحلة الفصل بني الطاحل والصاحل وحيث كثر مدعوا االرتباط‬ ‫باإلمام عليه الصالة والسالم وكان اإلمام عليه السالم بصدد الفرز بني من يرتبط به ممن ال يرتبط‬ ‫لكون املرحلة مصريية ولكوهنا منعطفاً خطرياً ومبا تتضمنه من تعيني املرجع يف احلوادث الواقعة‬

‫‪ 1‬تنقيح المقال‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،122‬ذيل اسحاي بن يعقوب الرق ‪.727‬‬ ‫‪ 2‬ص‪ ،14‬من المجلد األول‪.‬‬

‫‪154‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫بضابطه (بضابطة؟؟؟) كلية مع احتمال وجود قيود خاصة يف املرجع ومبا تتضمنه من توثيق عريف‬ ‫إلسحاق بن يعقوب حيث قال عليه السالم‪ :‬أما ما سألت عنه أرشدك اهلل وثبتك ووقاك من‬

‫عمنا‪ ...‬والسالم عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من‬ ‫أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني ّ‬

‫اتبع الهدى‪ ‬حيث تعترب هذه العبارة توثيقاً عرفاً إضافة إىل ظهور عطف (وعلى من اتبع‬ ‫الهدى) يف كونه عطفاً للعام على اخلاص وظهور (ثبتك) يف كونه على احلق وكذا (وقاك) ولو‬ ‫كان كذباً ألنكر ذلك عليه وكالء اإلمام وشيعته وملا نقلها الكليين وأضرابه عنه أو لشككوا يف‬ ‫الرواية على األقل‪ ،‬أ ال ترى أن شخصاً لو ادعى رسالة من مرجع تقليد كبري جداً تتضمن مسائل‬ ‫حياتية هامة (فكيف مبن أسندها لإلمام عليه السالم) مث سكت أصحاب املرجع عنه بل نقل‬ ‫بعضهم (ممن هو دون الكليين بكثري) ذلك عنه ملتعدد من الناس مث نقلها أتباع املرجع الفقهاء‬ ‫وغريهم على امتداد األزمان أال يوجب ذلك عرفاً االطمينان بالصدور؟ ‪-‬يدل على وثاقته‪.‬‬ ‫[أما] الطبرسي والكليني فأمرمها أشهر من أن يذكر‪[ ،‬وأما] محمد بن محمد بن عصام‬

‫الكليني فهو من مشايخ الصدوق قدس سره وقد ترضى عليه يف املشيخة يف طريقه إىل حممد بن‬ ‫‪1‬‬ ‫يعقوب الكليين‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل أن هذه الرواية جمبورة مبا يقرب من الشهرة الروائية ‪-‬ويشرتك معها يف املناط‪-‬‬ ‫عند من يراها جابرة ‪-‬لروايتها يف االحتجاج للطربسي وكمال الدين للصدوق ويف كتاب الغيبة‬ ‫للشيخ بسند صحيح كما رواها الراوندي يف اخلرائج ومن املتأخرين العالمة اجمللسي يف البحار‬ ‫واحلر العاملي يف الوسائل والشيخ يف املكاسب متلقياً إياها بالقبول ‪-‬وآخرون عديدون‪...‬‬ ‫كما أهنا جمبورة بالشهرة الفتوائية إذ عليها الفتوى والعمل ظاهراً ‪-‬قال الشيخ (لكن املسألة ال‬ ‫ختلو عن إشكال وإن كان احلكم به مشهورياً)‪ ،2‬فتأمل‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫وقال الزجناين (وظاهر األصحاب االعتماد على هذا التوقيع وعليه العمل)‪.‬‬ ‫وقد يكون من مؤيدات جاللة إسحاق بن يعقوب رواية الكليين عنه وأمره أشهر من أن يذكر‬ ‫ورواية سعد بن عبد اهلل عنه أيضاً (يف كمال الدين الباب ‪ 45‬احلديث ‪ :6‬الصدوق عن أبيه عن‬ ‫‪ 1‬معج رجال الحديث‪ :‬ج‪ ،17‬الرق ‪.11703‬‬ ‫‪ 2‬المكاسب‪ :‬ص‪.154‬‬

‫‪ 3‬الجامل في الرجال للشيخ موسر الزنجاني‪ :‬ص‪.232‬‬

‫‪155‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫سعبد بن عبد اهلل عن إسحاق بن يعقوب ص‪ )486‬الذي قال فيه النجاشي (سعد بن عبد اهلل‬ ‫بن أيب خلف األشعري القمي أبو القاسم شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها) وقال فيه الشيخ‬ ‫‪1‬‬ ‫(سعد بن عبد اهلل القمي جليل القدر واسع األخبار كثري التصانيف ثقة)‪.‬‬ ‫وقد استدل الشيخ قدس سره يف املكاسب هبذه الرواية حيث قال (أما وجوب الرجوع إىل الفقيه‬ ‫يف األمور املذكورة فيدل عليه مضافاً إىل‪ ...‬التوقيع املروي يف إكمال الدين وكتاب الغيبة واحتجاج‬ ‫الطربسي الوارد يف جواب مسائل إسحاق بن يعقوب‪ )...‬فقد جعل هذا التوقيع دليالً ال مؤيداً‪ ،‬مثّ‬ ‫الحظ النسبة بني هذا التوقيع وبني العمومات الظاهرة يف إذن الشارع يف كل معروف لكل أحد‬ ‫وقدمه عليها حكومة فقال (مث إن النسبة بينهما وإن كانت عموماً من وجه إال أن الظاهر حكومة‬ ‫هذا التوقيع عليها وكوهنا مبنزلة املفسر‪ ...‬وعلى تقدير تسليم التنزل عن ذلك فاملرجع بعد تعارض‬ ‫‪2‬‬ ‫العمومني‪ )...‬ومن الواضح كون احلكومة والتعارض فرعي احلجية‪.‬‬ ‫ولعل استدالله به ملا ذكرناه كالً أو بعضاً‪.‬‬ ‫كما أن معظم حمشي املكاسب سكتوا عن املناقشة يف الرواية سنداً‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫وقد يعضد مضموهنا برواية أمحد بن إسحاق وعبد العزيز بن املهتدي وعلي بن املسيب اهلمداين‬ ‫وسيأيت‪ -‬واحلسن بن علي بن يقطني ومبقبولة عمر بن حظلة وبسائر الروايات الواردة يف هذا‬‫الشأن‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫وقال يف أوثق الوسائل‪( :‬وكذا رواه الكشي يف رجاله بسند عال صحيح)‪.‬‬ ‫وهذه الوجوه وإن كانت ال ختلو عن تأمل لكن قد يكون يف جمموعها الكفاية مورثة االطمئنان‬ ‫النوعي بالصدور‪.‬‬ ‫فقه الحديث‬

‫ولنبدأ اآلن بفقه احلديث ‪-‬مما يرتبط مبا حنن بصدده‪:-‬‬

‫‪ 1‬راجل معج رجال الحديث‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪ ،74‬الرق ‪.548‬‬

‫‪ 2‬راجل المكاسب‪ :‬ص‪ ،154‬من الطبعة الكبيرة المتداولة‪.‬‬

‫‪ 3‬األوثي‪ :‬ص‪ ،163‬بحث التمسل باألخبار في حجية خبر الواحد‪.‬‬

‫‪156‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أ‪( -‬الحوادث)‬

‫مجع حملى وهو مفيد للعموم كما حقق يف األصول واملراد هبا ما يرتبط بالشرع منها‪ ،‬وبعبارة‬ ‫أخرى (احلادثة من حيث احلكم الشرعي) وذلك بقرينة احلكم واملوضوع حيث يضيق احملمول‬ ‫(ارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) دائرة املوضوع كما يف قولك (أرجع إىل الطبيب يف ما يلم بك)‬ ‫حيث يضيق الطبيب ‪-‬وهو جزء احملمول واقعاً‪ -‬دائر ة ما يلم بك فيخصصه باجلانب الطيب‪،‬‬ ‫فالرواة هم املرجع يف احلادثة من بعدها الشرعي ال أهنم املرجع يف مسائل الطب واهلندسة مثالً‪ ،‬من‬ ‫حيث هي مسائل طبية أو هندسية‪ ،‬فهم املرجع يف املسألة الطبية من بعدها الشرعي ومن حيث‬ ‫اشتماهلا عليه فيكون ذلك من قبيل ضيق فم الركية‪ ،‬وميكن إبقاء احلوادث على إطالقها األحوايل‬ ‫واعتبار ضمري (فيها) مبا دل من القرينة املقامية راجعاً إىل حمذوف مضاف للحوادث ورمبا سيأيت‬ ‫يف تفصيل احلديث عن ذلك إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫واحلدواث مجع حادثة مصدرها احلدوث وهو كون شيء مل يكن وحدث الرأي وقع واحلديث‬ ‫اجلديد من األشياء‪ 1‬وإذا مت ذلك خيرج أمثال حكم الشك بني الثالثة والرابعة والتزوج بالغائب عنها‬ ‫زوجها ‪-‬على تفصيل املسألة‪ -‬إال أن يقال إن اخلروج لو سلم فـ‪ :‬ليس لعدم كوهنا حادثة واقعة بل‬ ‫ملعلومية احلكم‪ 2‬فلو جهل شخص احلكم وحدثت له يف هذه احلادثة مشله وأما احلوادث الواقعة‬ ‫فارجعوا‪...‬‬ ‫[إال أن يقال] باالنصراف إىل املوضوعات اجلديدة احلدوث حيث إن موضوعات األحكام‬ ‫هي الكليات الطبيعية ال اجلزئيات اخلارجية فما كان كلية (كليه؟؟؟) الطبيعي حادثاً (كالبنوك‪،‬‬ ‫والتأمني‪ ،‬والسفر بالطائرة وشبهها يف القصر واإلمتام وتصويت النساء يف االنتخابات) كان من‬ ‫موضوع هذه الرواية‪ ،‬أما ما كان كليه الطبيعي ذا مصاديق سابقة (كالشكيات والغائب عنها‬ ‫زوجها‪ ،‬وجناسة مالقي أطراف الشبهة احملصورة‪...‬اخل) وورد احلكم سابقاً على كليه وابتلى‬ ‫الشخص جبزئية حدثت له فال تشمله هذه الرواية للخروج املوضوعي لكون املوضوع يف هذه الرواية‬ ‫على ذاك املبىن هو الكلي الطبعيي للحوادث الواقعة وليس حادثاً‪ ،‬إذ حدوثه يكون حبدوث أول‬ ‫فرد من أفراده‪،‬‬ ‫فرد‪ ،‬وبعبارة أخرى يكون املراد من (الحوادث) ما حدث أصله ال ما حدث ٌ‬

‫‪ 1‬لسان العرب مادة حدث (ج‪ ،2‬ص‪.)133-131‬‬

‫‪ 2‬إذ (الحوادث الواقعة) مقيد ارتكا اًز با(المجاول حكماا) ولللغوية لوال التقييدان أريد من فياا (في حكماا)‪.‬‬

‫‪157‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إضافة إىل ما يف وقوع هذا اجلواب جواباً عن مسائل أشكلت على إسحاق بن يعقوب وليس ما‬ ‫ورد احلكم على كليه وابتلى الشخص جبزئيه من املسائل املشكلة حىت يسأهلا من اإلمام عليه‬ ‫السالم يف عداد تلك املسائل‪.‬‬ ‫[وفيه أوال]‪ :‬إن كون املوضوع هو الكلي الطبيعي أو الفرد واجلزئي ال يرتبط هبذا التفريق فيما‬ ‫حنن فيه إذ ذاك النزاع يعود إىل أن متعلق التكليف هو الفرد خبصوصياته مبعىن أن الوجوب مثالً‬ ‫منبسط على اجلامع وعلى اخلصوصيات أو اجلامع املوجود يف األفراد مبعىن أنه هو املطلوب‬ ‫واملشخصات لوازمه ومقارناته وهذا تابع لتحقق الغرض بأي منها‪.‬‬ ‫وبذلك ظهر أن القول بالكلي الطبيعي ال يستلزم القول بعدم تعلق احلكم بالفرد وعدم اتصافه‬ ‫به بل يستلزم تعلقه بالفرد من حيث اجلامع ال من هذا احليث ومن حيث اخلصوصيات فالفرد‬ ‫بوجوده السعي متعلق التلكيف ال حب ّده‪.‬‬ ‫وإذا أردنا تطبيق ذلك على ما حنن فيه نقول إن (الحوادث الواقعة) ‪-‬بناء على مسلك الكلي‬

‫الطبيعي‪ -‬متعلقة للتكليف (ارجعوا) مبا هي حادثة واقعة ال مبا هي مشتملة على مشخصات‬ ‫ولوازم فردية وجودية لكل حادثة كما أن (املرأة) مبا هي امرأة موضوع (جتنب النظر إليها) ال‬ ‫بلوازمها الوجودية كاحليز والزمان فلو فرض انفكاكها عنها كان التكليف باقياً ال حمالة‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫فليس كون متعلق التكاليف الكلي الطبيع دليالً على أن املراد من احلوادث ما حدث أصله‬ ‫كما ليس كون متعلقها الفرد دليالً على أن املراد منها ما حدث فرده‪.‬‬ ‫وبذلك ظهر أن التفريق بال فارق وبال دليل وأنه ختصيص بال خمصص فينبغي القول بأن املراد ما‬ ‫كان أصله حادثاً أو ما كان مصداقه حادثاً‪ ...‬اخل ‪-‬فتأمل‪.‬‬

‫[وثانيا]‪ :‬إن ذلك يستلزم خروج كافة ما حيدث للفرد أو للمجتمع أو للدولة مما كانت له‬ ‫مصاديق سابقة ورد احلكم على كليها كاحلرب والصلح مع دولة معينة واملعاهدات الدولية أن زيداً‬ ‫مبتدع أم ال (كالشلمغاين وأيب اخلطاب حممد بن أيب زينب األجدع الذي ادعى النيابة عن اإلمام‬

‫‪ 1‬إذ ي قال وأما الحاوادث الواقعاة‪ :‬أي وأماا الكلياات الطبيعياة الحاادث أصالاا أو الحاادث فردهاا‪ ،‬ويقاال علار المسالل اوخار‪:‬‬ ‫وأمااا الح اوادث الواقعااة أي وأمااا األف اراد (أو الكليااات الطبيعيااة بمااا هااي متخصصااة بالخصوصاايات الفرديااة) الحااادث كلياااا‬

‫الطبيعي أو الحادث كل واحد مناا ‪-‬فتيمل‪.‬‬

‫‪158‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫احلجة عجل اهلل تعاىل فرجه الشريف كذباً فخرج التوقع بلعنه)‪ 1‬وأن هذه النظرية بدعة أم ال‬ ‫(كنظرية فرويد يف خلقة األنسان ونظرية الوالية املطلقة للفقيه) وأهنا مطابقة ألصول اإلسالم أم ال‬ ‫إىل غري ذلك مما يندرج حتت ‪‬وأ ِ‬ ‫َع ُّدوا‪ ‬وإِ ْن جنَحوا‪ ‬وأْمر بِالْعر ِ‬ ‫ض َع ِن‬ ‫ف َوأَ ْع ِر ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُْ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ين‪ ...‬اخل‪.‬‬ ‫الْجاهل َ‬ ‫هذا مع أن كون أمثال هذه األمور من احلوادث الواقعة عرفاً بل من أوضح مصاديقها مما ال‬ ‫ينبغي االرتياب فيه‪.‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬املتبادر عرفاً من احلوادث األفراد ال األصل‪ ،‬فكما يطلق على أول فرد حتدث حبدوثه‬ ‫الطبيعة حادث‪ ،‬كذلك يطلق على ثاين فرد حادث واألصح القول بالشمول لإلثنني لكونه مجعاً‬ ‫حملى وال خمصص‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ومبا ذكر يتضح أن الرواية تشمل أموراً ثالثة‪:‬‬ ‫أ‪ -‬ما كان أصله حادثاً‪.‬‬ ‫ب‪ -‬وما كان فرده حادثاً مع اجلهل حبكم كليه (كالشاك بني الثالث واألربع واملصلي متاماً‬ ‫موضع القصر وبالعكس)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬وما كان فرده حادثاً مع جهل كونه صغرى أية كربى أي أن الكربيات معلومة والشك يف‬ ‫وه ْم َحتَّى ال‬ ‫تطبيق الكربى على الصغرى كما لو حدثت حرب جهل كوهنا صغرى كربى ‪َ ‬وقاتِلُ ُ‬ ‫تَ ُكو َن فِ ْت نَةٌ وي ُكو َن الد ِ‬ ‫اجنَ ْح لَها‪ ‬وكما لو حدث‬ ‫حوا لِ َّ‬ ‫لسل ِْم فَ ْ‬ ‫ِّين هلل‪ ‬أو كربى ‪َ ‬وإِ ْن َجنَ ُ‬ ‫َ​َ‬ ‫ُ‬ ‫‪‬اجلمرك‪ ‬مثالً ‪-‬بأسلوبه العصري‪ -‬وجهل كونه مندرجاً حتت قاعدة (الناس مسلطون على‬ ‫ص َرُه ْم‪ ‬أو حتت عنوان (ال ضرر) ‪‬بأقسامه الثالثة‪ :‬ال‬ ‫أموالهم وأنفسهم) و‪‬يَ َ‬ ‫ض ُع َع ْن ُه ْم إِ ْ‬ ‫ضرر الدولة واألمة والتجار‪ ‬أو حتت قاعديت (فارق التجارة) و(فارق التضخم) وقد فصل‬ ‫احلديث عن هذه األربعة السيد الوالد دام ظله يف بعض كتبه ومنها كتاب ‪‬من أوليات الدولة‬ ‫اإلسالمية‪ ‬فلرياجع‪.‬‬ ‫ولئن تردد يف مشول الرواية للثاين ‪-‬ولو لالنصراف أو احتماله مثالً ‪ -‬فال جمال للرتد يف مشوهلا‬ ‫لألول والثالث هذا‪.‬‬

‫‪ 1‬كلمة اإلما المادي عجل اهلل تعالر فرجه الشريا‪ :‬ص‪.233‬‬

‫‪ 2‬فالسؤال تارة يكون عن حك الموضوال الحادث وتارة عن موضوعية الموضوال‪.‬‬

‫‪159‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫والحوادث ‪-‬وهي مجع حادثة‪ -‬تشمل ‪-‬ملكان عمومها‪ -‬ما حدث للفرد وما حدث للنوع‬ ‫(مثال ما حدث للنوع فيما حنن فيه‪ :‬املعاهدات الدولية واحلرب وما حدث للفرد كتوكيله شخصاً‬ ‫يف أمر ومعاهدته مع شخص) كما تشمل ما يتطلب الرجوع إىل را ٍو واحد على سبيل البدل وما‬ ‫يتطلب الرجوع إىل جمموعة منهم أو إىل مجيعهم لتوقف معرفة احلكم أو القدرة على تنفيذه ‪-‬‬ ‫أحياناً‪ -‬على الرجوع جملموعة منهم أو إىل مجيعهم ‪-‬وسنفصل هذا فيما سيأيت بإذنه تعاىل‪ ،‬وأما‬ ‫ما ذكر يف الذيل فريد عليه أنه قد يكون السؤال لكي يعني اإلمام عليه السالم له املرجع العام يف‬ ‫كل األمور فأجابه عليه السالم بكونه راوي احلديث وكونه مشكالً ال يستلزم كون كل بنوده‬ ‫الثالثة السابقة الذكر مشكلة‪.‬‬ ‫[وأما اإلشكال] على إفادة (الحوادث) العموم بـ(إن اجلمع احمللى بالالم إمنا يفيد العموم‬ ‫عرب عنه باحلوادث الواقعة فكيف يؤخذ فيها‬ ‫حيث ال عهد ومل يعلم أن املسؤول عنه أي شيء ّ‬ ‫بالعموم وحيتمل إرادة الفروع املتحددة كما حيتمل إرادة احلوادث اليت هي عالئم الظهور وأهنا ما‬ ‫‪1‬‬ ‫هي)‪.‬‬ ‫فيرد عليه‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬أما احتمال إرادة احلوادث اليت هي عالئم الظهور وأهنا ما هي فمدفوع بأن ذلك ال‬

‫يناسب التعليل بـ(فإنهم حجتي عليكم) إذ ال مناسبة بني عالئم الظهور وبني احتجاج اإلمام‬

‫عليه السالم عليهم إذ احلجة ما حيتج به املوىل (أو مطلق الشخص) على عبده أو غريه فبأي‬ ‫شيء من عالئم الظهور حيتج اإلمام عليه السالم على أي شيء؟ خاصة إذا كان معىن احلجية‬ ‫املنجزية واملعذرية فذكر عالئم الظهور منجز أو معذر ألي شيء؟‪ 2‬خاصة مع إضافة احلجة لياء‬ ‫املتكلم واسنادها إليه فتأمل‪ ،3‬هذا إضافة إىل أنه ال مقتضى لعدم اإلجابة على السؤال على عالئم‬

‫‪ 1‬حاشية الشيخ محمد حسين الغروي االصفااني علر المكاسب‪ :‬ص‪.214‬‬ ‫‪ 2‬وكذا إذا كان معناها جعل المماثل‪.‬‬

‫‪ 3‬إذ الحجية أع من دائرة اإلنشاء‪ ،‬فإنشاء الماولر حجاة فاي ثباوت التكلياا واساتحقاي العقااب علار المخالفاة واخبااره حجاة‬ ‫في ثبوت المخبرية وليست الحجة أخص من الدليل بل إما مساوية أو أع (األعمية بناء علر الفري اصطالحاً باين األصال‬ ‫والاادليل) وليساات الحجيااة صاافة عالئا الظاااور فااي الروايااة باال الحجااة صاافة رواة الحااديث والحجيااة صاافة كااال رواة الحااديث‬

‫فقااولا إن كااذا عالمااة للظاااور حجااة ودلياال فيثباات المااؤدك بكالماا وسااييتي تفصاايل الكااال حااول معناار وماادك سااعة ماادلول‬

‫كلمة الحجية إن شاء اهلل تعالر‪.‬‬

‫‪160‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الظهور واإلرجاع إىل رواة احلديث بل املقتضي لإلجابة موجود ولذا جنده عليه السالم اجيب على‬ ‫ذلك كلما سأل أو يتطرق لذلك حىت دون سؤال فراجع رسالته األوىل إىل املفيد‪ 1‬ورسالته الثانية‬ ‫‪4‬‬ ‫له‪ 2‬وذكره عالمات عديدة البن املهزيار‪ 3‬وموارد أخرى‪.‬‬ ‫[إضافة] إىل بعد هذا االحتمال من مساق الكالم ومن حلن احلديث خاصة مع فصل هذه‬

‫القطعة عن (وأما ظهور الفرج فإنه إلى اهلل) بفاصلة (وأما قول من زعم أن الحسين عليه‬

‫السالم لم يقتل) إضافة إىل استبعاد التعبري عن عالئم الظهور بـ(الحوادث الواقعة) جمردة ‪-‬‬ ‫فتأمل‪.‬‬ ‫وأما احتمال إرادة الفروع املتجددة فلو سلم فإنه ال ينفي ما ذكرناه من البند األول والثالث‪ ،‬إذ‬ ‫ال حنتاج يف إثبات املدعى إىل إثبات والية الفقيه بل يكفي وجوب الرجوع واالستفتاء يف كل‬ ‫موضوع حادث ووجوب االلتزام بالفتوى‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬كون السؤال خاصاً ال يضر بعموم حكمه عليه السالم وذلك ملكان التعليل حيث إن‬

‫(فإنهم حجتي عليكم) تعليل والعلة معممة وخمصصة فال ختتص احلجية هبذا املورد‪.‬‬ ‫ولذا قال يف األوثق‪( :‬ألن عموم العلة يقتضي كوهنم حجة مطلقاً سواء كان ذلك يف الفتوى أم‬ ‫‪5‬‬ ‫القضاء أم الرواية فتثبت هلم بذلك الوالية يف األمور العامة سيما منصب القضاء واالفتاء)‪.‬‬ ‫وقال يف مهذب األحكام (ومقتضى فطرة األنام أن الفقيه اجلامع للشرائط مبنزلة اإلمام عليه‬ ‫السالم إال ما اختص به املعصوم وذلك يقتضي سعة الوالية إال ما خرج بالدليل كما يقتضيها‬ ‫إطالق قوله عليه السالم ‪‬فإهنم حجيت عليكم‪ ،6)...‬وقال يف اجلواهر يف كتاب الزكاة ‪‬قلت‬ ‫إطالق أدلة حكومته خصوصاً رواية النصب اليت وردت عن صاحب األمر عجل اهلل تعاىل فرجه‬ ‫‪7‬‬ ‫الشريف وروحي له الفداء يصريه من أويل األمر الذين أوجب اهلل علينا طاعتهم‪...‬اخل‪.‬‬

‫‪ 1‬كلمة اإلما المادي عجل اهلل تعالر فرجه‪ :‬ص‪.154‬‬ ‫‪ 2‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.160‬‬

‫‪ 3‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.522-520‬‬ ‫‪ 4‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.564‬‬ ‫‪ 5‬األوثي‪ :‬ص‪.163‬‬

‫‪ 6‬راجل الماذب‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،121‬ضيل المسيلة الثامنة والستين‪.‬‬ ‫‪ 7‬نقلناه عن ماذب األحكا ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.122‬‬

‫‪161‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقال يف احملاكمة يف القضاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪( 48‬ويؤيد ذلك قوله عليه السالم يف ذيل احلديث‬ ‫‪‬فإهنم حجيت عليكم وأنا حجة اهلل‪ ‬فلو كانت احلجية مقيدة بالفتوى والقضاء لكان لإلمام عليه‬ ‫السالم التنفيذ فيستكشف من ذلك حجية قول الفقيه يف مجعي شؤون الرعية اليت حيتاجون فيها‬ ‫إىل الرئيس والزعيم فالرواية ال قصور فيها للداللة على والية الفقيه يف اجلهات العامة بل نقول‬ ‫بنص العبارة‪ :‬إنه لو مل تسبق الشبهة يف األذهان من بعض األكابر لكان املتبادر عن الرواية ما‬ ‫قلناه ولفهم ذلك كل من نظر فيها) ومما يوضح ذلك أن العبد لو سأل مواله (عند مرض ابنه‬ ‫بالسل والربص ووجع العني) مثالً (هل أراجع الطبيب الفالين لعالج هذه األمراض؟) فقال‬ ‫(األمراض احلادثة البين راجع فيها هذا الطبيب فإنه خبري أو فإن معلوماته واسعة أو فإنه مدقق‬ ‫متثبت‪ 1‬أو فإنه حجة) أ ترى وجوب أو جواز الرجوع خمتص هبذه األمراض أم ترى أن التعليل‬ ‫يقتضي وجوب أو جواز الرجوع إليه مطلقاً ‪-‬حىت لو كانت الالم للعهد الذكري قطعاً‪-‬؟ وذلك‬ ‫رغم احتمال إرادته (فإنه حجة يف خصوص هذه األمراض املعهودة) إذ العقالء يتمسكون‬ ‫باإلطالق ههنا‪ ،‬وإال ملا أمكن التمسك بتعليل يف غري مورد املعلل له أبداً فلو قال (أكرم علماء‬ ‫هذا البلد ألهنم عدول) مل ميكن التمسك بعموم التعليل لوجوب إكرام العدول من علماء سائر‬ ‫البلدان الحتمال إرادة خصوص هؤالء العدول املعتضد بسبق خصوص هؤالء وكذا لو قال (ال‬ ‫تأكل الرمان ألنه حامض) فتأمل واألوضح من هذا ما لو قال بعد سؤال سائل عن أخبار معني‬ ‫لزيد (أنه حجيت عليك) هذا ومما يؤكد عمومية التعليل وكون راوي احلديث حجته عليه السالم‬ ‫علينا مطلقاً أنه عليه السالم قرنه بـ(وأنا حجة اهلل) على ما يف االحتجاج أو (وأنا حجة اهلل‬ ‫عليكم) على ما يف غيبة الطوسي ‪-‬أو (وأنا حجة اهلل عليهم) على ما يف كمال الدين حيث‬ ‫يسفتاد منه أن وزان حجية الفقيه علينا وزان حجية اإلمام عليه السالم علينا ‪-‬حسب كتاب‬ ‫الغيبة‪ -‬أو وزان حجية الفقيه على العوام وزان حجية اإلمام عليه السالم عليه ‪-‬حسب كماب‬ ‫الدين‪ -‬ويعتضد هذا املضمون بقوله عليه السالم (الراد عليهم كالراد علينا والراد علينا الراد‬

‫‪ 1‬إال أن يقااال‪ :‬إنااه لااو شاال فااي خبرويتااه أو تثبتااه فااي سااائر األم ا ار‬

‫كااان التمساال باااذا الكااال تمسااكاً بالعااا فااي الشااباة‬

‫المصداقية إال أن يجاب‪ :‬بصحة التمسل بإطالي (فإنه خبير‪ ..‬الخ) في إثبات كونه خبي اًر في سائر المجاالت فتيمال‪ ،‬إذ قاد‬ ‫يقال بعد كون المولر في مقا البيان من هذه الجاة فتيمل‪ ،‬وجميل ما ذكر يجري في (فإناه حجاة أو فإناه حجتاي) وفياه ماا‬

‫ال يخفر‪.‬‬

‫‪162‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫على اهلل) وقال يف األوثق‪( :‬ويؤكده قوله عليه السالم وأنا حجة اهلل عليهم ألن املنساق منه‬ ‫‪1‬‬ ‫التنظري يف كون الرواة مبنزلته يف كل ما يرجع فيه إليه)‪.‬‬ ‫هذا واستفادة العرف عمومية احلجية من هذا احلديث ‪-‬خاصة مع مالحظة ما ذكرناه‪ -‬مما ال‬ ‫ينبغي إنكاره‪.‬‬ ‫ومما يقوى ما ذكرناه أنه يستشم من ذكر (رواة الحديث) بيان املالك والسبب يف كوهنم املرجع‬ ‫وكوهنم حجته علينا‪ ،‬بل قد يقال بداللته على ذلك عرفاً‪ ،‬أ ال ترى أن املوىل لو قال لعبده وقد‬ ‫سأله عن حكم مسائل قانونية مثالً املسائل القانونية (ارجع فيها إىل العارف بالقانون فإنه حجيت‬ ‫عليك) أال يستفاد من ذلك حجية قول العارف بالقانون مطلقاً يف كافة املسائل القانونية؟ وهكذا‬ ‫يكون راوي احلديث هو املرجع يف كافة ما يرتبط جبهة كونه راوياً للحديث وإذا مت ذلك نقول‪ :‬إن‬ ‫مرجعية راوي احلديث يف احلوادث الواقعة ليست لصرف كونه راوياً للحديث ومن حيث روايته له‬ ‫جمردة عن استنباط واجتهاد لوضوح أنه من هذا احليث ال ميكن أن يكون املرجع يف احلوادث‬ ‫الواقعة وال ميكنه معرفة حكمهم عليهم السالم إذ بدون معرفة الناسخ واملنسوخ واحلاكم واحملكوم‬ ‫والوارد واملورود عليه والعام واخلاص واملطلق واملقيد واملزاحم واملعارض وكافة املرجحات السندية‬ ‫والداللية واملضمونية ال ميكن متييز احلديث الصحيح من السقيم كما ال متكن معرفة أن الصغرى‬ ‫‪2‬‬ ‫مندرجة حتت أية كربى‪ ...‬إىل سائر اجلهات‪.‬‬ ‫إذن راوي احلديث مبا هو جمتهد هو املرجع‪ 3‬وال فرق يف ذلك بني البند األول والثالث اآلنف‬ ‫الذكر (أي بني ما كان أصل الفرع حادثاً متجدداً‪ ،‬وبني ما كان فرده حادثاً شك يف إندراجه حتت‬ ‫أية كربى أو وجود مزاحم أو معارض له وعدمه)‪.‬‬ ‫وتلخص أن جهة مرجعيته يف (الحوادث) املذكورة يف السؤال هي (كونه راوي احلديث من‬ ‫حيث اجتهاده) وهذه متحققة يف ذينك املوردين‪.‬‬ ‫‪ 1‬األوثي‪ :‬ص‪.163‬‬

‫‪ 2‬ولذا ورد في الحديث الشريا (سيل أمير المؤمنين عليه السال سائل عان أحادياث البادال فقاال‪ :‬إن فاي أيادي النااس حقااً‬ ‫وباطالً‪ ،‬وصدقاً وكذباً‪ ،‬وناسخاً ومنسوخاً‪ ،‬وعاماً وخاصاً‪ ،‬ومحكماً ومتشاابااً‪ ،‬وحفظااً ووهمااً‪ ،‬ولقاد كاذب علار رساول اهلل فاي‬

‫عاده‪ ...‬تحا العقول‪ :‬ص‪.136‬‬

‫همة السفااء الرواية وهمة العلماء الدراية‪ ،‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪( ،160‬نقاالً عان ميازان‬ ‫‪ 3‬ولذا ورد في الحديث الشريا‪ :‬م‬ ‫الحكمة‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ )291‬وورد‪ :‬العلماء تحزنا الدراية والجاال تحزنا الرواية‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.161‬‬

‫‪163‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقد ميكن االستدالل على عمومه بأن حذف املتعلق يفيد العموم و(حجتي) حمذوفة إذ مل يذكر‬ ‫أنه حجيت يف الفروع املتجددة أو يف عالئم الظهور أو غريمها‪ ،‬وسبق مورد خاص ال يصلح لتقييد‬ ‫عموم التعليل وكما كان حذف املتعلق يف (وأنا حجة اهلل عليهم أو عليكم) مفيداً للعموم كذلك‬ ‫هو مفيد له فيما قرن به وجرى جمراه وسيق بسياقه‪.‬‬

‫[ثالثا]‪ :‬إذا قيل بكون األصل يف األلف والالم اجلنس والعموم ‪-‬كما ال يبعد‪ 1‬وكما هو املتبادر‬

‫عرفاً بال قرينة‪ -‬وشك يف وجود أمر سابق خاص تكون (الحوادث الواقعة) عهدياً ذكرياً له فال‬

‫تفيد العموم‪ ،‬فاجلمع باق على مقتضى األصل‪ 2‬و(ال) تكون للجنس ال للعهد خاصة إذا قلنا‬ ‫بكون سبق ذكر أمر أعم من كون الالحق للعهد الذكري كما يف (فإنه على يقني من وضوئه وال‬ ‫ينقض اليقني أبداً بالشك) كما سبق تفصيله‪.‬‬ ‫خاصة فيما لو كان السابق مذكوراً يف كالم شخص كالسائل والالحق احمللى بأل مذكوراً يف‬ ‫كالم آخر (كاجمليب) إذ ليس بالنادر عدول اجمليب عن خصوص أسئلته إىل ضرب قاعدة كلية‬ ‫بل قد يكون متعارفاً‪.‬‬ ‫[رابعا]‪ :‬ما ذكره الشيخ قدس سره إلثبات عمومية احلوادث وعدم ختصيصها باملسائل الشرعية‬ ‫من (أن وجوب الرجوع يف املسائل الشرعية إىل العلماء الذي هو من بديهيات اإلسالم من‬ ‫السلف إىل اخللف‪ ،‬مما مل يكن خيفى على مثل إسحاق بن يعقوب حىت يكتبه يف عداد مسائل‬ ‫أشكلت عليه خبالف وجوب الرجوع يف املصاحل العامة إىل رأي واحد ونظره فإنه حيتمل أن يكون‬ ‫‪3‬‬ ‫اإلمام عليه السالم قد وكله يف غيبته إىل شخص أو أشخاص من ثقاته يف ذلك الزمن)‪.‬‬ ‫ونضيف إىل كالمه قدس سره احتمال أن يكون عليه السالم قد اعترب قيوداً جديدة يف املرجع‬ ‫يف املصاحل العامة ألمهيتها‪.‬‬ ‫[وال يرد عليه] ما ذكره الكمباين قدس سره بقوله (والثالث منها مدفوع بقوقوع مثل ذلك‬ ‫عمن هو أجل من إسحاق بن يعقوب مبراتب فهذا أمحد بن إسحاق املعدود من الوكالء والسفراء‬

‫‪ 1‬وقد تحدثنا في موضل آخر من الكتااب مفصاالً حاول كاون األصال فاي الاال الجانس المفياد للعماو واألمار فاي خصاوص‬ ‫الجمل المحلر أوضح‪.‬‬

‫‪ 2‬إال أن يقال‪ :‬إن محتمل القرينية المتصل مسقط للكال عن الظاور‪ ،‬فتيمل‪.‬‬ ‫‪ 3‬المكاسب‪ :‬ص‪ ،154‬وتبعه اوشتياني في بحر الفوائد‪ :‬ص‪.162‬‬

‫‪164‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫واألبواب فقد سأل أبا احلسن اهلادي عليه السالم وقال من أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟‬ ‫فقال العمري ثقيت‪ 1)...‬وأضاف السيد احلكيم قدس سره إىل ذلك (ولذا صدر السؤال عن ذلك‬ ‫من مجاعة كعبد العزيز بن املهتدي سألت الرضا عليه السالم فقلت‪ :‬إين ال ألقاك يف كل وقت‬ ‫فعمن آخذ معامل ديين؟ فقال عليه السالم خذ عن يونس بن عبد الرمحن وكعلي بن املسيب‬ ‫اهلمداين‪.2)...‬‬ ‫[وذلك] لوضوح الفرق إذ أن مرجعية شخص معني أمر جمهول وقد كان السؤال عن ذلك‬ ‫‪3‬‬ ‫وبعبارة أخرى تعني أحد الوكالء املعروفني للرجوع إليه أو ترجيحه على غريه كان هو املسؤول عنه‬ ‫وال شك يف حسن السؤال عنه إذ قد يكون جاهالً بالراجح منهم بل حىت لو كان يرى رجحان‬ ‫أحدهم فال شك يف حسن السؤال إذ قد يكون الراجح يف نظر اإلمام عليه السالم غريه ملعرفته‬ ‫باخلفايا‪ 4‬وقد يكون السؤال (ليطمئن قلبه) وقد يكون لتطمئن قلوب اآلخرين وقد يكون للتعريف‬ ‫بشخصية املرجع إليه من باب تسائل العارف ليسمع اآلخرون وكل هذه الوجوه مصحح للسؤال‬ ‫عن شخص املرجع ولو من أجالء القدر ولو من مثل أمحد بن إسحاق بل مصححية بعضها‬ ‫كاف لبطالن توحيد املسألتني (حيث قال قدس سره‪ :‬مدفوع بوقوع مثل ذلك‪ )...‬وأين هذا من‬ ‫السؤال عن املسائل الشرعية الذي يعد كونه هو راوي احلديث من بديهيات اإلسالم؟ واحتمال‬ ‫كون السؤال يف التوقيع أيضاً عن مرجعية شخص خاص يف املسائل الشرعية مدفوع بعدم وجود‬ ‫جمال له مع نصب اإلمام عليه السالم نائباً خاصاً كان هو طريقه عليه السالم إىل الشيعة ومع‬ ‫إرسال إسحاق رسالته إىل اإلمام عليه السالم عربه‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫[وأما ما ذكره الكمباني] من (وباجلملة مبثل هذا وحنوه صار وجوب الرجوع إىل الرواة الثقات‬ ‫‪5‬‬ ‫من بديهيات اإلسالم)‪.‬‬

‫‪ 1‬حاشية االصفااني‪ :‬ص‪.214‬‬ ‫‪ 2‬ناج الفقاهة‪ :‬ص‪.301‬‬

‫‪ 3‬وهنال احتمال ثالث هو‪ :‬احتمال السائل وجاود شاخص آخار مجااول لاه ميار الاوكالء واألصاحاب المعاروفين ينكشاا لاه‬ ‫بالسؤال ورابل وخامس وساادس هاو ماا ذكرنااه بقولناا (ليطمائن قلباه أو لتطمائن قلاوب اوخارين وقاد يكاون للتعرياا‪ )...‬وربماا‬

‫أمكن القول باشترال بع‬

‫هذه بين الموردين فتيمل‪.‬‬

‫معين‪.‬‬ ‫‪ 4‬وقد يكون األرجح لخصوص هذا‪ ،‬شخص م‬ ‫‪ 5‬حاشية األصفااني‪ :‬ص‪.214‬‬

‫‪165‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ففيه]‪ :‬إن ذلك كان بديهياً يف زمان السؤال وهو زمان الغيبة ‪-‬بل قد يقال بأنه كان بديهياً‬ ‫حىت يف زمن الصادقني عليهما السالم إن مل نقل بكونه بديهياً قبل ذلك‪ -‬فال ميكن خفائه على‬ ‫إسحاق بن يعقوب حىت يكتبه يف عداد مسائل أشكلت عليه‪ ،‬مث كيف يعلل صحة السؤال عن‬ ‫أمر بديهي وعده مما أشكل بأن هذا األمر كان غري بديهي مث صادر بربكة رواية أمحد بن إسحاق‬ ‫وأشباهها ‪-‬من الروايات اليت كان أكثرها بل كلها تقريباً قبل زمان سؤال إسحاق بن يعقوب‪-‬‬ ‫بديهياً مع سبقها وسبق معلوهلا عليه؟‬ ‫[وأما ما ذكره الشهيدي] بقوله (بأنه من احملتمل قوياً أن يكون الالم يف احلوادث للعهد على‬ ‫احلوادث اليت سأل إسحاق عن حكمها فإفادته للعموم تتبع إرادة العموم منه يف السؤال وهي غري‬ ‫معلومة‪ ،‬إذ ليست عبارة السؤال بأيدينا فلعلها خمتصة ببعض احلوادث بأن كان السؤال عن‬ ‫‪1‬‬ ‫حوادث خمصوصة قد تعرض هلا يف السؤال)‪.‬‬

‫[فيرد عليه]‪- :‬إضافة إىل ما سبق‪ -‬إن من املستبعد جداً سؤاله عن حوادث خمصوصة كيف‬ ‫وقد أجابه اإلمام عليه السالم جبواب عام وأرجعه إىل رواة احلديث مع أنه عليه السالم قد تطرق‬ ‫قبل هذه الفقرة وبعدها لإلجابة عن كل سؤال سؤال طرحه إصحاق سواء كانت أسئلة شخصية‬ ‫(كالسؤال عن العمري وابن مهزيار وابن نعيم‪...‬اخل) ‪-‬عن الصلحاء منهم كالعمري وابن نعيم أو‬ ‫الطلحاء كاألجدع‪ -‬أو الشرعية كاخلمس والفقاع أو عقائدية كظهور الفرج وقول من زعم أن‬ ‫احلسني عليه السالم مل يقتل وعلة الغيبة ومل يرجع عليه السالم اإلجابة يف شيء من ذلك إىل‬ ‫آخرين‪.‬‬ ‫وإضافة إىل أنه عليه السالم مل يرجع يف سائر أجوبته على املسائل ‪-‬مبختلف أنواعها‪ -‬يف سائر‬ ‫‪2‬‬ ‫الرسائل بل أجاب عن كل واحدة واحدة باخلصوص فراجع مسائل األسدي واحلمريي وغريمها‪.‬‬ ‫فاملرجح أنه سأل عن حكم (احلوادث الواقعة) ال عن صغرياهتا (بأن ذكر عدة حوادث معينة‬ ‫سائالً عن حكمها) فأضرب اإلمام عن اإلجابة عليها إىل اجلواب عن الكربى بل قد يكون هذا‬ ‫خالف األصل فتأمل‪ ،‬وإن كان هذا أيضاً غري ضار بكلية الكربى وكون الالم للجنس كما‬ ‫فصلناه‪.‬‬ ‫‪ 1‬هداية الطالب إلر أسرار المكاسب للشايدي‪ :‬ص‪ ،331‬شرح ص‪.154‬‬

‫‪ 2‬راجل كلمة اإلما المادي عجل اهلل تعالر فرجه‪ ،‬ص‪ 199-163‬وكذا ما يلحقاا‪.‬‬

‫‪166‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ويتضح ذلك أكثر مبراجعة مسائل احلمريي‪ 1‬حيث افتتح كالمه بـ(فقهاؤنا قالوا إنا محتاجون‬

‫إلى أشياء تسأل لنا عنها) مث سأل أسئلة خاصة أجابه اإلمام عليه السالم على كل واحدة منها‪.‬‬

‫ويؤيده ضمري اجلمع يف (ارجعوا) حيث قد يستظهر منه أن السؤال كان (إىل من نرجع يف‬ ‫احلوادث الواقعة) ‪-‬مثالً‪ -‬إضافة إىل ما يستظهر من التعليل‪ :‬أنه عليه السالم يف مقام إعطاء‬ ‫الضابطة الكلية للموضوع الكلي كما بيّناه‪.‬‬ ‫كما جتري هنا بعض األجوبة السابقة فليالحظ كما اجري بعض ما ذكرناه هنا هناك‪.‬‬ ‫ومما يؤكد كون السؤال عن املرجع يف احلوادث الواقع ككربى كلية ال عن وقائع خاصة أو عن‬ ‫عالئم الظهور مثالً مثيالت هذه الرواية الشريفة‪ ،‬ومنها‪ :‬سؤال أمحد بن إسحاق حيث سأل أبا‬ ‫احلسن اهلادي عليه السالم‪( :‬من أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟) فقال عليه السالم‪:‬‬

‫(العمري ثقتي فما أدى إليك عني‪ ،‬فعني يؤدي‪ ،‬وما قال لك عني فعني يقول‪ ،‬فأسمع له‬ ‫وأطع فإنه الثقة المأمون) فمن وحدة املضمون يكشف وحدة املسئول عنه وحيث إن سؤاله كان‬ ‫شخصياً هنا وحيث مل تكن غيبة أرجعه اإلمام لشخص خاص‪ ،‬وحيث كانت الغيبة (وحيث‬ ‫يستظهر أن السؤال كان نوعياً أي إىل من نرجع يف احلوادث الواقعة كما سبق وكما يظهر من‬ ‫ارجعوا) أجاب اإلمام بإرجاعهم إىل مطلق رواة احلديث‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬سؤال عبد العزيز بن املهتدي قال‪ :‬سألت الرضا عليه السالم فقلت‪ :‬إين ال ألقاك يف كل‬ ‫وقت فعمن آخذ معامل ديين؟ فقال عليه السالم‪( :‬خذ عن يونس بن عبد الرحمن)‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬سؤال علي بن املسيب اهلمداين حيث قال لإلمام الرضا عليه السالم‪( :‬شقتي بعيدة‬

‫ولست أصل إليك في كل وقت‪ ،‬فممن آخذ معالم ديني؟) فقال عليه السالم‪( :‬من زكريا بن‬

‫آدم القمي)‪ ...‬إىل روايات أخرى‪ ،‬حيث جند إن اإلرجاع كان إجابة للسؤال عن املرجع وبالوجه‬ ‫الكلي‪.‬‬

‫‪ 1‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.167‬‬

‫‪167‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ب‪( -‬الواقعة)‬

‫الظاهر أنه مفسر ال خمرج‪ ،‬أي قيد توضيحي ال احرتازي‪ ،‬ولكن قال يف لسان العرب‪:‬‬ ‫(والواقعة‪ :‬الداهية‪ ،‬والواقعة‪ :‬النازلة من صروف الدهر)‪ 1‬وقال يف جممع البحرين‪( :‬الواقعة‪ :‬النازلة‬ ‫‪2‬‬ ‫الشديدة)‪.‬‬ ‫وكالمه هذا مرجح ملا اخرتناه سابقاً وأشكلنا به على الكمباين قده إذ عالئم الظهور ال توصف‬

‫بذلك‪- 3‬ولو مت هذا‪ 4‬كان مشول (الحوادث الواقعة) للحوادث غري الواقعة (أي غري اخلطرية)‬ ‫باألولوية إذ لو جاز الرجوع لرواة احلديث يف اخلطرية جاز يف غريها بطريق أوىل‪ ،‬إال أن يقال‬ ‫األولوية بلحاظ ما تضمنه من اجلواز ‪ -‬فتأمل‪ ،‬كما أن هذا يكون مؤيداً ملا ذهب إليه الشيخ قده‬ ‫من (أن املراد باحلوادث ظاهراً مطلق األمور اليت البد من الرجوع فيها عرفاً أو عقالً أو شرعاً إىل‬ ‫الرئيس)‪ 5‬ال أن املراد هبا الفروع املتجددة ‪-‬على ما احتمله الكبماين قده‪ 6‬وذهب إليه اإليرواين‬ ‫‪7‬‬ ‫قده‪.‬‬ ‫إال أن يعارض بظهور (فإنهم حجتي) يف التكليف ‪-‬فتأمل‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫[قد يقال]‪- :‬بناء على ما ذكره اللسان واجملمع‪ -‬إن (الحوادث الواقعة) ظاهرة يف أمثال‬ ‫احلرب واملعاهدات الدولية وأشباهها ال غري‪.‬‬ ‫[لكن فيه أوال]‪ :‬إنه يستلزم خروج احلوادث اإلاجابية ومشول احلوادث السلبية فقط (إذ هي‬ ‫املعرب عنها بالداهية والنازلة والنازلة الشديدة) فقط إال أن يقال بكونه من باب التغليب أو لشدة‬ ‫العناية أو يقال باملالك أو مبعممية التعليل ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫‪ 1‬لسان العرب‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪ 403‬مادة وقل‪.‬‬

‫‪ 2‬مجمل البحرين‪ :‬مادة وقل‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.408‬‬

‫‪ 3‬قد يقال بكون األمر بالعكس تماماً‪ ،‬إذ مناا الخسا بالبيداء والصيحة في السماء وخروج السفياني‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫‪ 4‬قااد يقااال بعااد تماميااة ذلاال إذ وقاوال (الواقعااة) صاافة لاا(الحوادث) مياار أفرادهااا بالااذكر فاااي ظاااهرة ‪-‬بمفردهااا‪ -‬فااي الداهيااة‬ ‫والنازلة‪ ،‬ولكناا إذ وقعت للحوادث تكون بسعتاا ومفسرة لاا وقد يؤيد ذلل بالفا العرفي‪.‬‬

‫‪ 5‬المكاسب‪ :‬ص‪.154‬‬

‫‪ 6‬حاشية الكمباني علر المكاسب‪ :‬ص‪.214‬‬

‫‪ 7‬حاشية اإليرواني علر المكاسب‪ :‬ص‪.156‬‬

‫‪ 8‬سييتي إن شااء اهلل تعاالر وجااه وقاد سابي أيضااً وال يخفار أن المعارضاة (علار تقادير تسالي ظااور حجتاي فاي التكلياا)‬ ‫إنما تت علر تقدير كون المراد من ارجعوا فيااا ارجاعااا باذاتاا لاراوي الحاديث ال إرجااال حكمااا ولاو فاي كال األماور الثالثاة‬

‫التي سبي القول بشمول الرواية لاا‪.‬‬

‫‪168‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[وثانيا]‪ :‬ما سبق من تغاير حاليت وقوعها صفة ومستقلة‪ ،‬ولذا قال يف امليزان (والواقعة صفة‬ ‫‪1‬‬ ‫توصف هبا كل حادثة)‪.‬‬ ‫والصفة كاملوصوف لكوهنا امساً جمردة عن الزمان‪ 2‬فهي تشمل إذن كل حادثة وقعت أو هي‬ ‫واقعة اآلن أو ستقع‪ ،‬فاحلوادث الواقعة يف ثبوت حكم (ارجعوا) هلا مل يؤخذ فيها الزمان أي أهنا ال‬ ‫بشرط بالنسبة له‪ ،‬فالرجوع يف ظرف حدوث أية حادثة الزم وإن كان ظرف احلدوث الحقاً‬ ‫لظرف صدور الرواية وذلك واضح‪.‬‬ ‫وجعل املاضي جزء مدلوهلا ليس أوىل من جعل املستقبل جزئه‪ ،‬إضافة إىل أن (املشتق) حقيقة‬ ‫يف املتلبس بلحاظ حال التلبس ماضياً كان أم مضارعاً فمهلالً ومكرباً ومستبشراً يف (جاء علي‬ ‫‪3‬‬ ‫عليه السالم مهلالً ومكرباً) و(ستفتح البلدة مستبشراً) حقيقة بلحاظ حال اجمليء والفتح‬

‫و(الحوادث) متصف بـ(الواقعة) حقيقة يف ظرف حصوهلا ماضياً كان أم حاالً أم مستقبالً كما‬ ‫أن (احلادثة) تصدق على كل حادث يف ظرفه ولذا كان كل من (وقعة حادثة كذا) و(ستقع‬ ‫احلادثة الفالنية) حقيقة بال كالم‪ ،‬وبذلك كله ظهر اندفاع ما نسب إىل احملقق العراقي قده من‬ ‫(أن لفظة ‪-‬الواقعة‪ -‬تنحل إىل ‪-‬اليت وقعت‪ -‬فيصبح املعىن هكذا‪ ،‬وأما احلوادث اليت وقعت‬ ‫‪4‬‬ ‫فارجعوا فيها وهذه جمهولة)‪.‬‬ ‫إضافة إىل النقض بأمساء الفاعل واملفعول وغريها املذكورة يف الروايات موضوعاً حملموالت شرعية‬ ‫املستلزم متامية ما ذكره لعدم داللتها على ثبوت احملموالت إال ملا مضى من املوضوعات الحنالل‬ ‫القاتل مثالً إىل (الذي قتل) السابق على ظرف صدور الرواية وكون الداللة على ما سيقع بعدم‬ ‫الفصل ال بالدليل اللفظي وهو واضح البطالن هذا‪.‬‬

‫‪ 1‬الميزان‪ :‬ج‪ ،19‬ص‪ 115‬في تفسير سورة الواقعة‪.‬‬

‫‪ 2‬قال في الكفاية‪( :‬ويؤيد ذلل اتفاي أهال العربياة علار عاد داللاة االسا علار الزماان ومناه الصافات الجارياة علار الاذوات)‬ ‫الكفاية‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.67‬‬

‫‪ 3‬قال قدس سره في الكفاية‪( :‬خامساا أن المراد بالحال في عنوان المسيلة هو حاال التلابس ال حاال النطاي ضارورة أن مثال‬

‫كان زيد ضارباً أمس أو سيكون ضارباً مداً حقيقة إذا كان متلبساً بالضرب في األمس في المثال األول ومتلبساً به فاي الغاد‬ ‫فااي الثاااني فجاارك المشااتي حيااث كااان بلحاااظ التلاابس وان مضاار زمانااه فااي أحاادهما ولا ياايت بعااد فااي اوخاار كااان حقيقااة بااال‬

‫خالا وال ينافيه‪...‬الخ) الكفاية‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.66‬‬

‫‪ 4‬المحاكمة في القضاء للشيخ الخاقاني قدس سره ص‪.48‬‬

‫‪169‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إضافة إىل أننا لو سلمنا ما ذكره فلنا أن نتمم الباقي بااللتزام بعدم الفصل بني كون ظرف وقوع‬ ‫الواقعة ماضياً أو مضارعاً وإلغاء خصوصية الزمان قطعاً وال قائل بالفصل أصالً‪ ...‬إضافة إىل‬ ‫عمومية العلة ومعمميتها‪.‬‬ ‫ج‪( -‬فارجعوا)‬

‫الرجوع يف كل شيء حبسبه‪.‬‬ ‫وسنوضح هذا يف كلمة فيها‪ ،‬وخطاب ارجعوا يشمل املوجودين واملعدومني زمن اخلطاب‬ ‫بإطالقه أو لضرورة االشرتاك يف األحكام‪.‬‬ ‫وهو موجه ملن وقعت احلادثة له أو ملن يرتبط به (فالواقعة أي الواقعة لكم أو ملن يتعلق بكم‬ ‫كما يف الويل وغريه) بالبداهة أو ملناسبة احلكم واملوضوع وال معىن لكون من ال ترتبط به احلادثة‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ فقد تقع لفرد وقد تقع جلمع وقد تقع‬ ‫إطالقاً مأموراً بالرجوع يف حكمها إىل راوي احلديث‬ ‫لدولة وقد تقع لشعب واملخاطب بارجعوا هو من وقعت له وشبهه وقد ميثل لذلك باملرأة الغائب‬ ‫عنها زوجها وبتنازع شخصني أو أشخاص ومبعاهدات الدولة وباحلرب والسلم والضرائب واجلواز‬ ‫واجلنسية وكافة قوانني الدولة املبتدعة وكذا بظهور البدع أو املبتدع أو احتماهلما وعامة الفنت‪...‬‬ ‫فليس على غري املبتلى هبا ‪-‬ممن ال تشمله عرفاً أنه قد حدثت له حادثة وواقعة‪ -‬الرجوع أو‬ ‫اإلرجاع إال من باب إرشاد اجلاهل وتنبيه الغافل واألمر باملعروف والنهي عن املنكر ومقدمة‬ ‫الواجب وقد يقال بكون املرشد األمر الناهي ممن وقعت له احلادثة‪.‬‬ ‫[ثم هل يشمل] اخلطاب بارجعوا الرواة أنفسهم كما لو حدثت حادثة لرا ٍو أو لرواة اجهلون‬

‫حكمها أو تنزاع راويان أو أكثر يف أمر أم ال؟ ال يبعد الشمول لإلطالق أو للمالك إذ الرجوع يف‬ ‫األحكام للجهل هبا ويف النزاعات حللها ويف املوضوعات للقيام بالشأن الالئق هبا‪ ،‬كما أن صحة‬ ‫االحتجاج موجودة هنا‪ ،‬كطما يصدق عليه أنه من هذا احليث (يف هذه املسألة اخلاصة اليت اجهل‬ ‫حكمها مثالً) غري را ٍو للحديث فعليه أن يرجع لراويه‪ 1‬فتأمل‪ ،‬إضافة إىل أن السائل حيث كان‬ ‫هو من رواه األحاديث ‪-‬على الظاهر‪ -‬وحيث مشله ارجعوا أمكن اجلزم بشمول هذا اخلطاب هلم‪.‬‬ ‫الحادثااة إلاار األطباااء أو إلاار‬

‫رجاال إلاايا ‪ -‬ارجع اوا فااي األم ا ار‬ ‫وللم ح‬ ‫‪ 1‬كمااا لااو قااال المااولر ‪-‬المفاارو مولويتااه للماارجعين إ‬ ‫أطباء البلدة الكذائية‪ ،‬شمل ذلل ‪-‬إطالقاً أو مالكاً‪ -‬طبيباً حدثت له حادثة مرضية يجال حكماا‪.‬‬

‫‪170‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مث هل يشمل هذا اخلطاب راوي احلديث املتصدي ألمر معني كإدارة شؤون الدولة مثالً إذا‬ ‫حدثت له حادثة كاحلرب واملعاهدة وشبههما وهو يرى أن حكمها كذا ‪-‬كمواجهة ٍ‬ ‫فئة احلكومة‬ ‫حبركة مسلحة ودار األمر بني أن يكون األصلح املقابلة باملثل والقتل واالغتيال أو سجنهم أو‬ ‫العفو عنهم‪ -‬احتماالن‪ ،‬وقد يضعف األول منهما بأن ظاهر احلديث إرجاع فئة إىل فئة وجعلهما‬ ‫قسمني فال يشمل أفراد الفئة املرجع إليها كما لو قال ارجعوا إىل علماء القانون أو األطباء فإنه ال‬ ‫يشمل عامل القانون والطبيب‪ ،‬إذا كان ذا رأي يف املسألة اليت حدثت له وال أقل من االنصراف إال‬ ‫أن يتمسك مبا سبق ومبا سيأيت فتأمل‪.‬‬ ‫ولو حدث خالف ونزاع بينه وبني را ٍو آخر يف األصلح فهل تشملهما الرواية ويكون مفادها‬ ‫وجوب رجوعهما يف هذه احلادثة إىل سائر الرواة؟ احتماالن‪.‬‬ ‫وأما مشول اخلطاب لألمة فيما إذا تنازع راويان (سواء كانا متصديني معاً للحكم ‪-‬مثالً‪ -‬أو‬ ‫أحدمها دون اآلخر أو مع عدم تصدي كليهما) فغري بعيد بل متعني لكونه صغرى هذه الكربى‬ ‫وكونه من احلوادث الواقعة عرفاً قطعاً خاصة يف شؤون األمة والدولة مما يعد من األمور اخلجرية ‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ الرجوع إىل سائر الرواة يف تشخيص األمر واحلكمية بينهما وسيأيت هذا بإذنه‬ ‫على األمرة‬ ‫جل وعال‪ ،‬وقد يستفاد لذلك من روايات تنزاع اجملتهدين أو القاضيني فتأمل‪.‬‬ ‫د‪( -‬فیها)‬

‫حيث إن ذات احلادثة ال معىن للرجوع فيها إىل الفقيه لكونه مستلزماً لطلب احلاصل أو‬ ‫لتحصيل احلاصل أو ألن الكالم سيكون لغواً‪ 1‬لذا يكون الرجوع يف كل حادثة حبسبها ففيها أي‬ ‫يف الشأن الالئق هبا ففي النزاع حله وفصل اخلصومة ويف الفروع املتحددة حكمها ويف الفنت طريقة‬ ‫مواجهتها وكيفيتها وذلك ألن حذف املتعلق مفيد للعموم واملذكور هنا هو متعلق املتعلق وحذفه‬ ‫مفيد للعموم ونسبة حلاالت متعلق املتعلق كما لو قال (ارجع يف اهلل إىل العامل الفالين‪ ،‬أو اسأل‬ ‫عن اهلل زيداً العامل أو أما النفس فارجع فيها إىل الروايات أو أما اإلسالم أو الدين الكذائي فارجع‬ ‫‪ 1‬إذ ال معنر للرجوال في نفس ماهية الحادثة الواقعة أو في نفس وجودها إلر الراوي للحديث ولذلل التجي البع‬

‫إلر تقدير‬

‫كلمة ‪‬حك ‪ ‬أي في حكماا فالرجوال علر هذا تشريعي ال تكويني فال طلب للحاصل والظاهر عد مجال لادعوك لازو طلاب‬ ‫الحاصل أو تحصيل الحاصل أصالً‪.‬‬

‫‪171‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫فيه إىل الكتاب الكذائي) وببيان آخر ليس األمر دائراً بني مقدرين أحدمها فسيم لآلخر حىت يلزم‬ ‫يف تقدير خصوص أحدمها الترجيح بال مرجح بل أحدمها مقسم لآلخر واجلنس معلوم تقديره‬ ‫واخلصوصية مشكوكة واألصل عدمها‪ 1‬إضافة إىل أن الفهم العريف على تقدير األعم‪ 2‬إضافة إىل‬ ‫إجراء قاعدة إذا تعذرت احلقيقة فأقرب اجملازات هو األوىل واألقرب إىل اإلرجاع يف نفس احلادثة‬ ‫الواقعة اإلرجاع يف كافة ما يتعلق هبا مما ميكن اإلرجاع فيه ومما من شأن الراوي الرجوع فيه إليه‪.‬‬ ‫وبذلك يتضح اندفاع ما ذكره السيد احلكم قدس سره من أن (وجه عدم املنافاة أنه البد من‬ ‫ارتكاب التقدير على كل حال‪ ،‬إذ احلادثة الواقعة ال معىن ال يكال نفسها إىل الغري ألنه حتصيل‬ ‫وتعني الثاين غري ظاهر)‪ 3‬كما‬ ‫احلاصل‪ ،‬فاملراد إما إيكال حكمها أو إيكال الشأن الالزم فيها إليه ّ‬ ‫يرد عليه أن حتصيل احلاصل إمنا يلزم لو أريد من ارجعوا اإلاجاد وبطالنه ّبني فال جمال لدعوى لزوم‬ ‫حتصل احلاصل‪.‬‬ ‫وأما إشكال األصفهاين‪ 4‬قدس سره فهو وارد على مثل الشيخ قدس سره ممن يرى الرجوع يف‬ ‫نفس احلوادث الواقعة لراوي احلديث ال على ما ذكرناه من الرجوع يف الشأن الالئق هبا إليه (أي‬ ‫يف كل ما يتعلق هبا مما‪ ...‬اخل كما سبق) إذ على هذا ال (يلزم سكوت اخلرب عن الرجوع إىل الرواة‬ ‫يف املسائل الشرعية ألنه رجوع إليهم يف حكم الوقائع ال نفسها) لكون حكم احلادثة من شؤوهنا‪،‬‬ ‫فالحظ‪.‬‬ ‫هـ‪( -‬رواة حديثنا)‬

‫هنا أمران‪:‬‬

‫[األول]‪ :‬أن الرجوع إليهم يصدق مع كل من الرجوع إىل أي واحد منهم‪ ،‬والرجوع إىل‬ ‫جمموعهم أو املتعدد منهم‪.‬‬ ‫‪ 1‬إال أن يقا ااال إن الجا اانس موجا ااود بوجا ااود فصا االه ومتحا ااد معا ااه والتركيا ااب اتحا ااادي ال انضا اامامي فا ااال يجا ااري األصا اال فا ااي‬ ‫الخصوصية‪ ،‬فتيمل‪.‬‬

‫‪ 2‬ولعاال لمااا ذكرنااا قااال فااي األوثااي (إن ظاااهر األماار بااالرجوال فااي الحاوادث الواقعااة إلاار الاارواة هااو الرجاوال إلاايا فااي معرفااة‬ ‫حكماا باالستفتاء أو في الحكومة بالقضاء)‪ ،‬ص‪.163‬‬

‫‪ 3‬ناج الفقاهة‪ :‬ص‪.301‬‬

‫‪ 4‬حاشيته علر المكاسب‪ ،‬ص‪ ،214‬س‪.18‬‬

‫‪172‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[والثاني]‪ :‬أن مرجعيتهم قد يكون للهيئة االجتماعية دخل فيها وقد ال يكون‪ ،‬أو بعبارة أخرى‬ ‫املرجع قد يكون الفرد ال بشرط وقد يكون اجلماعة (وهي الفرد بشرط)‪ ،‬حبسب مرحلة الثبوت‪.‬‬ ‫[أما األمر األول]‪ :‬فهو دليل على جواز الرجوع ألكثرية الفقهاء وحتكيمها إذ لو وجب الكلي‬ ‫وختري املكلف بني مصاديقه وكان التخيري بني مصاديقه عقلياً فإذا وجب الرجوع وكانت له‬ ‫مصاديق (منها الرجوع ا ىل هذا ومنها الرجوع إىل ذلك ومنها الرجوع للمتعدد ومنها الرجوع‬ ‫للمجموع) ثبت جواز كل منها إال أن يقوم دليل على اإلخراج وحرمة البعض ووجوب أحدها‬ ‫‪1‬‬ ‫معيناً‪.‬‬ ‫وأما صدق الرجوع مع الرجوع ملتعدد أو للمجموع فواضح‪ :‬أال ترى أن املوىل لو قال لعبده‪:‬‬ ‫ارجع إىل األطباء أو املهندسني ورجع إىل العديد منهم أو إىل مجيعهم وعمل يف مورد االختالف‬ ‫برأي أكثريتهم صدق أنه راجع األطباء واملهندسني ورجع إليهم وكيف يصدق على من رجع إىل‬ ‫واحد من الفقهاء مثالً أنه قد (رجع إىل رواة احلديث) وال يصدق على من رجع إليهم مجيعاً؟ ‪-‬‬ ‫والعرف ببابك‪ -‬وقد فصلنا احلديث حول هذا يف موضع آخر من الكتاب‪.‬‬ ‫وأما (باع القوم دواهبم) فلخصوصية املورد وللقرينة املقامية لعدم إمكان بيع كل منهم كل‬ ‫الدواب عرفاً وشرعاً‪ 2‬ولذا لو أمكن بيع مجيعهم مجيع الدواب (مبعىن أن يبيع هذا كلها وذاك كلها‬ ‫وهكذا) صدق باع القوم دواهبم قطعاً وكذا لو أمكن بيع اجلميع أكثر الدواب‪ ...‬ولذا جند صدق‬ ‫(زار القوم العلماء أو أكرم القوم األطباء أو أهان القوم الفساق وأطعم املكيّون ضيوفهم) مع زيارة‬ ‫كل واحد من القوم مجيع العلماء وإكرام كل واحد منهم مجيع األطباء وهكذا كما يصدق مع‬ ‫زيارة كل و ٍ‬ ‫احد من القوم واحداً من العلماء وهكذا‪ ،‬فعدم صدق العنوان يف ذاك املثال إمنا هو‬ ‫لعدم إمكان هذا املصداق ثبوتاً‪ 3‬ولو أمكن ثبوتاً قد إثباتاً بال شك‪.‬‬

‫‪ 1‬وبما ذكرناه يثبت أن المقتضي لجواز الرجوال لألكثرية موجود‪ ،‬وأما المانل وهو األدلة الدالة علر وجوب الرجوال لألعل ‪-‬‬ ‫مثالً‪ -‬فقد تحدثنا عنه مفصالً في موضل آخر من الكتاب فليراجل‪.‬‬

‫‪ 2‬إذ لاو تا البياال األول لغاار الثاااني‪ ،‬واال كااان تحصاايالً للحاصاال ولاو تقارناات البياوال وقلنااا بالصااحة وقلنااا فرضااً بااين المااؤثر‬ ‫المجماوال ‪-‬بمعناار أن يكااون كاال عقااد جاازء العلااة ‪-‬أو قلنااا فرضااً‪ -‬وفاار‬

‫المحااال لاايس بمحااال‪ -‬بكااون كاال عقااد تمااا العلااة‬

‫وتواردهاا جميعااً علار معلاول واحاد‪ ،‬صادي حينئاذ (بااال القاو دواباا ) قطعااً فعاد صادي المحماول إنماا هاو مان بااب السااالبة‬

‫بانتفاء الموضوال‪.‬‬

‫‪ 3‬ومثل ذال المثال‪ :‬قتل القو أعدائا أو دوابا ‪.‬‬

‫‪173‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[وأما األمر الثاني]‪ :‬فنقول إن هنا صورتني‪:‬‬ ‫األوىل ‪ -‬أن يرجع كل الناس أو يريدوا الرجوع يف احلوادث الواقعة إىل را ٍو واحد‪.‬‬ ‫الثانية ‪ -‬أن يتعدد من رجع الناس إليه أو يريدوا الرجوع للمتعدد‪.‬‬

‫[أما الصورة األولى]‪ :‬فقد يقال بأن يف ذلك خمالفة ملقتضى احلديث إذ ال يصدق (ارجعوا‬

‫فيها إلى رواة حديثنا) بل هو رجوع إىل أحد رواة احلديث وإعراض عن سائر الرواة‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫إذ قد اجاب أن الغرض حتصيل احلجة على احلكم الشرعي يف احلادثة الواقعة وهو حاصل‬ ‫بالرجوع إىل الواحد‪ ،‬هذا إضافة إىل أن املتفاهم العريف من ذلك هو كفاية الواحد كما لو قال‬ ‫املوىل (ارجعوا إىل األطباء) فرجعوا إىل واحد بأمجعهم يف مجيع األمراض فإهنم يعدون ممتثلني عرفاً‪.‬‬

‫ولكن يرد على األول‪ :‬أنه ال حمرز حلصول الغرض بذاك فقط بال شرط بل لعل التعدد شرط‬ ‫‪1‬‬ ‫احملصل‪،‬‬ ‫كما يف الذكورة يف مرجع التقليد وال جمال إلجراء األصل لكون الشك يف العنوان و ّ‬ ‫فتأمل‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل إمكان أن يكون الغرض قائماً بتحصيل احلجة على احلكم الشرعي وجبعل‬ ‫املنصب لرواة احلديث‪ 2‬وذلك جمموعاً أو مجيعاً بشرط االنضمام كما فصل يف موضع آخر كما لو‬ ‫قال املوصي ارجعوا إىل هؤالء اخلمسة يف تنفيذ وصييت أو قال املالك ارجعوا هلؤالء الثالثة يف بيع‬ ‫بأخوي‪ 3‬هذا إضافة إىل أن الغرض فيما لو‬ ‫الدار‪ ،‬أو قال القيّم‪ :‬شؤون ابين مرتبطة ‪-‬يف غيايب‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫كانت احلادثة فرعاً متجدداً (أصالً أو هلذا الشخص) هو حتصل احلجة على احلكم الشرعي ال يف‬

‫‪ 1‬وكاذا الحياااة بال حاار العدالاة (لااو فار‬ ‫مثالً) فتيمل‪.‬‬

‫‪ 2‬وأما إجراء األصل لنفي كون الغر‬

‫فاسااي صاادي اللاجااة محتااط فااي االجتاااد وانحصااار جااة فسااقه باساتماال الغيبااة‬ ‫زائداً علر تحصايل الحجاة فااو مثبات فاال يثبات كفاياة الواحاد للمرجعياة إضاافة إلار‬

‫اإلشكال في البمنر كما ذكرناه في المتن‪.‬‬

‫‪ 3‬وكذا يحتمل كون الغر‬

‫قائماً بذلل وبيمر آخر ‪-‬وان ل يكن له دخل في جاة الطريقية واألقربية للواقل في هذه الحادثة‬

‫الخاصة التي رجل فياا إلياه‪ -‬وذلال كإيجااد حالاة التناافس الموجباة للرقاي واإلزدهاار ‪‬وفاي ذلال فليتناافس المتنافساون‪ ‬أو لا‬

‫يكن له دخل فياا مطلقاً كصيرورته (أي الرجوال للمتعدد من الفقااء وكونا في الحلبة وفاي مجارك األماور ال خارجااا) سابباً‬ ‫لحفظ الدولة ‪-‬مثالً‪ -‬أو لحفظ الثغر وشباه حيث إن من الطبيعي أن يكون أساا من رجل إليه أكبر من أساا من أعر‬

‫عنه هذا إن ل يتخذ هذا األخير الموقا السلبي ‪-‬وقد فصلنا هذا فاي موضال آخار مان الكتااب إضاافة إلار كوناه مسالماً فاي‬

‫عل االجتماال والنفس‪ ،‬وقد ورد في الحديث الشريا‪ ،‬فتيمل‪.‬‬

‫‪174‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫غري ذلك وبعبارة أخرى لو رجع يف حكمها إليه كان لغرض حتصيل احلجة ال فيما لو رجع يف‬ ‫سائر شؤوهنا إليه إذ مفادها ٍ‬ ‫حينئذ الوالية وأشباهها وهي جمعولة للكل فال حيق ألحدهم اإلنفراد‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل أن ذاك الكالم على فرض متاميته متسك بالعام يف الشبهة املصداقية وبعبارة‬ ‫أخرى هذا مصادرة‪ ،‬إذ كون الغرض حتصيل احلجة على احلكم الشرعي ال يثبت أن الراوي حجة‬ ‫يف احلوادث الواقعة وكفاية الرجوع للواحد فرع كونه احلجة ال بشرط وال دليل عليه كما سبق‪.‬‬ ‫ويرد على الثاني‪ :‬إن فهم ذلك عرفاً يف أمثال (ارجعوا إىل األطباء) إمنا هو للقرينة اخلارجية ال‬ ‫لصدق (ارجعوا إىل األطباء) بالرجوع إىل واحد ‪-‬والقرينة هي‪ -‬إحراز املالك ومعلومية الغرض‪ ،‬إذ‬ ‫يعلم أن متام الغرض يف مثل ذلك يتحقق بالرجوع إىل الواحد وأن الالزم صرف اسرتشاد الطبيب‬ ‫ال غري‪ ،‬ولذا لو احتمل عدم كونه متام الغرض بأن احتمل كون التعدد دخيالً يف متامية املصلحة‬ ‫والغرض وأن الواحد غري و ٍ‬ ‫اف به‪ 1‬أو احتمل كونه جعالً للمنصب أيضاً فتنتفي القرينة اخلارجية‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ فال مقتضى لصرف اللفظ (ارجعوا إىل األطباء) عن ظاهره ومحله على كفاية الرجوع إىل‬ ‫الواحد منهم وال يصدق عرفاً ذلك وال يعدون ممتثلني لو مل يرجعوا لآلخرين أو ملقدار منهم‬ ‫يصدق عليه (األطباء) هذا‪.‬‬ ‫وال يستلزم ما ذكرناه وجوب الرجوع إىل كل الرواة يف احلوادث الواقعة بأن اجب الرجوع إىل كل‬ ‫جمتهد ر ْاو للحديث بل الواجب الرجوع إىل مقدار من الرواة حبيث يصدق عرفاً أهنم قد رجعوا إىل‬ ‫رواة احلديث وال ر يب أن الرجوع للمعروفني منهم‪ٍ 2‬‬ ‫كاف يف الصدق بل هو أظهر املصاديق إن مل‬ ‫نقل بأنه القدر املتيقن‪ ،‬ويف تأمل من جهات‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫[وأما الصورة الثانية]‪ :‬وهي أن يتعدد من يرجع إليه بأن ترجع مجهرة إىل هذا ومجهرة إىل ذاك‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ يكفي لكل جمموعة أن ترجع يف شؤوهنا اخلاصة هبا للمرجع وال يكفي رجوع كل‬ ‫وهكذا‬ ‫جمموعة يف الشؤون العامة الشاملة هلا ولسائر اجملموعات إىل مرجعها وذلك الستلزامه الضرر‬ ‫واإلضرار واهلرج واملرج واختالل النظام إن وجب على كل جمموعة العمل برأي مرجعها كما لو رأى‬ ‫أحدهم وجوب إقامة العالقات مع الدولة الكذائية واآلخر وجوب هدمها وختريبها أو رآى أحدهم‬ ‫‪ 1‬أو احتماال كونااه محققااً لغاار‬

‫ملااز آخاار ‪-‬وان لا يكاان لااه دخاال فااي جاااة الطريقيااة واألقربيااة للواقاال فااي هااذه المساايلة أو‬

‫الحادثة الخاصة التي رجل فياا إليه‪ -‬كعد فرار األطباء للخارج مثالً‪.‬‬

‫‪ 2‬كالرجوال إلر مراجل التقليد في الشؤون العامة‪.‬‬

‫‪175‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وجوب سوق الناس للجبهة ولو جرباً واآلخر وجوب كف الناس عنها ولو جرباً‪ ،‬وفي هذا المثال‬

‫‪1‬‬ ‫وإن لم يلزم اختالل النظام أحياناً لقاهرية أحد الرواة إال إن استلزم تشريع حجية آرائهم مجيعاً‬ ‫ونفوذ كل واحد على مقلديه‪ ،‬ذلك ولو أحياناً ٍ‬ ‫كاف إلبطال امللزوم وإن قيل بعدم الكفاية‬

‫لألخصية قلنا‪ :‬إن ذلك بضميمة ما ذكرناه يف الصورة األوىل ‪-‬من خمالفة الرجوع للواحد ملقتضى‬ ‫احلديث وحرمته وليست القاهرية من األدلة! ومن مسوغات خمالفة مقتضى احلديث‪ٍ -‬‬ ‫كاف فتدبر‬ ‫جيداً‪.‬‬ ‫إضافة إىل كفاية إثبات املطلب يف اجلملة‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫إضافة إىل أن تشريع وجوق اتباع كل جمموعة ملقلّدها ونفوذ حكمه يف حقها بل حىت جواز‬ ‫ذلك إما أن يقترن بتشريع جواز قاهرية أحدهم لكل من يرجع إىل سائر الرواة أو يقترن بتحرمي‬ ‫ذلك؟‬ ‫[وعلى األول]‪ :‬يلزم تشريع املتناقضني وجعلهما لكونه جعالً ألحد النقيضني ومللزوم اآلخر‪.‬‬ ‫توضيحه أن عدم الوجوب الزم جلواز القاهرية (أي عدم وجوب اتباع اجملموعة لرأي مقلدها‬ ‫الزم جلواز قاهرية اآلخر هلذه اجملموعة على اتباع آرائه) وفيه تأمل‪.‬‬

‫[إذ أوال]‪ :‬عدم الوجوب الزم للقاهرية فعالً ال جلوازها‪ ،‬إذ هبا يتحقق االضطرار ال به‪.‬‬

‫[وثانيا]‪ :‬إن التفكيك بني األحكام الظاهرية مما صرح كثري بإمكانه بل بوقوعه كما يف‬ ‫املختلفني اجتهاداً أو تقليداً أو تشخيصاً للموضوع اخلارجي‪ :‬يف أهنا زوجته أم ال (لالختالف يف‬ ‫عدد الرضعات اون لالختالف يف أن العقد عليها مت أم ال والطالق وقع أم ال وكان الرجل جازماً‬ ‫بوقوع العقد أو عدم الطالق وهي جازمة بالعكس) فله أو عليه دفع نفقتها وسائر شؤون الزوجية‬ ‫وعليها االمتناع فجواز قاهريته هلا مل يستلزم جواز التمكني وال تناقش بني احلكمني لعدم وحدة‬ ‫‪2‬‬ ‫املتعلق وفيه تأمل من وجوه‪.‬‬

‫‪ 1‬بل نقول إن االختالل والضرر ال زمان مطلقاً وان ل تبد معالمه في المدك القريب‪.‬‬

‫‪ 2‬مناا‪ :‬أن التفكيل بين األحكا الظاهرية في القضايا الشخصية مما ال يستلز الارج والمرج واختالل انظا وضعا شاوكة‬ ‫اإلسااال والمساالمين ولااو فاار‬

‫اسااتلزامه ذلاال أحيان ااً فحلااه بااالرجوال إلاار القاضااي المنصااوب لحاال وفصاال الخصااومات وأمااا‬

‫القضايا النوعية فال ريب في استل از جعل رأي كل مرجال نافاذاً وتجاويز قاار كال مرجال اوخارين علياه ‪-‬علار ماا فار‬

‫فاي‬

‫الصورة األولر‪ -‬لتلل المحاذير وال يقل النزاال الدائ المستلز للفشل وذهاب الريح‪ ،‬وجعل القاضي فاصالً مير نافل ومستلز‬

‫‪176‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وإذا مل ميكن إثبات االستحالة ثبوتاً كفى إثبات عدم جواز القاهرية لألصل ولألدلة املتعددة‬ ‫على ما فصلناه يف حمله‪ ،‬يف إبطال الوجه األول‪ ،‬إذ تكون تلك األدلة قرينة على عدم إرادة الوجه‬

‫األول من (‪...‬فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) فتأمل‪.‬‬

‫[وعلى الثاني]‪ :‬فالقاهرية حمرمة وللكل أو على الكل اتباع مرجعه فيلزم جتويز بل إاجاب ما‬ ‫يلزم منه اهلرج واملرج واإلخالل بالنظام وإن مل يلزم وقوع ذلك خارجاً دائماً‪ ،‬أ ال ترى قبح أن يأمر‬ ‫الشارع أو اجوز ظلم زيد عمراً وإن مل يستطع زيد ذلك؟ وعلمنا أنه لن يقع أبداً؟ إذ أن قبح‬ ‫وحسن التشريع ليس معلوالً لوقوع الشيء املأمور به أو املنهي عنه خارجاً وعدمه وأما الرجوع‬ ‫للواحد ‪-‬‬ ‫فمع قطع النظر عن خروجه عن الفرض‪ -‬فقد سبق رده يف الصورة األوىل إضافة إىل ما ذكرناه‬

‫مفصالً حول هذا الشق يف مواضع أخرى من الكتاب وأما التساقط والرجوع إىل األصل فليس‬ ‫بصحيح أيضاً وقد فصلنا احلديث مبىن وبناء يف موضع آخر من الكتاب ونزيد هنا أنه أيضاً ال‬ ‫حيل املشكل إذ األصل أيضاً خمتلف فيه فقد يراه البعض التخيري (وينقسم هؤالء إىل من يأخذ هبذا‬ ‫الطرف ومن يأخذ بذاك الطرف) وآخر الرباءة وثالث االشتغال التطريق لفرع آخر‪.‬‬ ‫وال اجري هنا ما رمبا يذكر يف فرع آخر وهو ما لو كان البائع ‪-‬مثالً‪ -‬مقلداً ملن يقول بصحة‬ ‫املعاطاة أو العقد الفارسي واملشرتي مقلداً ملن يقول بالبطالن حيث يرى السيد الوالد دام ظله‬ ‫واملرحوم اجلد قدس سره وغالب معاصريهم‪ 1‬الصلحة بالنسبة ملن يرى صحتها لعدم كون التالزم يف‬ ‫الصلحة والفساد واقعاً مالزماً لتالزمهما ظاهراً وأما اخلصومة فبدوية ترتفع باملراجعة إىل احلاكم‬ ‫‪2‬‬ ‫كسائر املوارد‪.‬‬

‫للغوية ذلل التشريل (تشريل نفوذ رأي كل مرجل‪...‬الخ) إذ ال يخلو مورد من اختالا االجتاادات فتيمل وسييتي تفصيل ذلل‬

‫إن شاء اهلل تعالر‪.‬‬

‫‪ 1‬منا آيات اهلل السايد الخاوئي‪ ،‬والسايد الكلبايكااني‪ ،‬والسايد الطباطباائي‪ ،‬والسايد الشاريعتمداري‪ ،‬ارجال حاشاية العاروة‪ ،‬ص‪8‬‬ ‫من الطبعة الثانية لدار الكتب اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ 2‬الفقه‪ :‬االجتااد والتقليد‪ :‬ص‪ 246-245‬بتصرا‪.‬‬

‫‪177‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إذ إن عدم التالزم تام‪ ،‬أما بالنسبة للخصومة فالفارق أن تلك األمثلة املذكورة وأشباهها األعم‬ ‫األغلب بل شبه املستغرق فيها عدم وقوع النزاع بني الطرفني إما للجهل باحلكم‪ 1‬أو للجهل‬ ‫باملوضوع‪ 2‬أو للغفلة أو لالمباالة‪ ،‬يدل على ذلك مراجعة احملاكم من صدر اإلسالم حىت اآلن‬ ‫فكم جتد متنازعني يف أشباه تلك األمثلة ولو وجدت موارد ‪-‬وإن كانت عديدة بل وإن بلغت‬ ‫األلوف فإهنا ليست بالغة واحداً باملأة بل واحداً باأللف من موارد تعامل املختلفني اجتهاداً أو‬ ‫تقليداً ومن الواضح ‪-‬على هذا املبىن‪ -‬عدم قبح جتويز الشارع لكل طرف أن يعمل مبقتضى رأيه‬ ‫أو رأي مقلده مما ال يستلزم نزاعاً إال يف موارد نادرة‪ ،‬بالنسبة جملموع املوارد وليست إال كاالستثناء‬ ‫يف مجيع موارد جعل حكم كلي‪ ،‬وجعل احلكومة لفصل اخلصومة يف تلك املوارد املستثناة‪ ،‬وأما‬ ‫جعل حكم يستلزم النزاع يف كل موارده مث إرجاع كل تلكل النزاعات إىل القضاة فهو لغو إذ كان‬ ‫األوىل اإلرجاع للقاضي أوالً إذ املآل إليه فجعل عمل كل مبقتضى رأيه ليعمل على طبق رأي‬ ‫القاضي أخرياً لغو بل قبيح ومستلزم للضرر‪ 3‬ولذا لو فرض يف مجيع موارد اختالف اجملتهدين‬ ‫ووقوع تعامل بني مقدليهما أو مقلديهم رجوع املقلدين إىل القضاة ‪-‬بسبب عدم اجلهل باحلكم‬ ‫واملوضوع وعدم الغفلة والال مباالة فرضاً‪ -‬كان تشريع أن يعمل كل برأي مقلده ليقع التنازع دوماً‬ ‫ويرجع إىل القضاة قبيحاً عقالً‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫وفيما نحن فيه‪ :‬تشريع وجوب عمل كل فئة برأي مرجعها يف الشؤون العامة من احلوادث‬ ‫الواقعة حيث مل يكن ملا سبق من استلزامه اهلرج واملرج والضرر‪ ...‬اخل ال ميكن دفع اإلشكال بأن‬ ‫ذلك كله مندفع باملراجعة إىل احلاكم ملا فصلناه قبل قليل من اللغوية يف وجوب إرجاع كل فئة إىل‬ ‫مرجعها ليحدث التنازع يف أكثر املوارد إن مل نقل يف كلها لكون الفقهاء املتنازعني ملتفتني إىل‬

‫‪ 1‬وما أكثر من يجال اشتراط مقلاده للعربياة أو اللفاظ أو البلاو أو ميرهاا وماا أكثار ماا يقال التعامال باين مان يشاترط ومان ال‬ ‫يشترط اجتااداً أو تقليداً خاصة معاطاة وخاصة من الصغار‪.‬‬

‫‪ 2‬كما في الجاهل أناا ارتضاعت معاه إحادك عشارة رضاعة ماثالً أو الجاهال موضاوعاً أن هاذا الماال المعطار لاه رباا (حياث‬ ‫يرك هو اجتااداً أو تقليداً عد مصاححية الضاميمة الحقيارة ألخاذ ال ازئاد علار القار ) ولا يادر أن هاذا الماال هاو عاين ذلال‬ ‫الميخوذ رباً أو من اشترك بضاعة كان قد اشتراها البائل سابقاً بالفارسية أو بالمعاطاة وان ت العقد بيناماا بالعربياة أو بااللفظ‬ ‫أو أقاار‬

‫ماان ياارك صااحة اإلق ا ار‬

‫فتيمل‪ -‬واألمثلة كثيرة جداً‪.‬‬

‫بزيااادة بضااميمة واقتاار‬

‫ماان ال ياارك ذلاال جاااهالً بااين الزيااادة ملكااه وأن لااه التقاااص ‪-‬‬

‫‪ 3‬إذ ال يخفر ما فيه من اتالا الوقت والمال واألعصاب والصفاء والتآخي‪ ...‬الخ وفي ذلل الضرر والحرج‪.‬‬

‫‪178‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫احلكم واملوضوع عادة‪ ،‬ولريجعوا بعد ذلك إىل القاضي‪ 1‬إضافة إىل قبح ذلك وإضافة إىل كون هذا‬ ‫مساوقاً لنفي مرجعية الرواة من احلوادث الواقعة ونفي الوالية‪ ،‬اللهم إال أن يقال بأن احلوادث‬ ‫الواقعة لشموهلا‪ :‬الشؤون العامة والفروع املتحددة صغرى وكربى ال يلزم من استثناء الشؤون العامة‬ ‫اللغوية يف تشريع رجوع كل لكل بل وال القبح وأما املرجعية فتنحصر ‪-‬بناء على هذا‪ -‬بغري‬ ‫الشؤون العامة الستلزامه فيها هذه احملاذير وفيه تأمل من وجوه‪ 2‬هذا‪.‬‬ ‫وأما القول اآلخر يف املسألة (أي يف ذلك الرفع) وهو عدم صحة البيع ‪-‬يف املثال‪ -‬من البائع‬ ‫أيضاً لتقومه بالطرفني فالالزم أن يكون صحيحاً من الطرفني‪ 3‬فال ميكن جريانه فيما حنن فيه كما‬ ‫ال خيفى‪.‬‬ ‫وأما العمل برأي اجلميع فواضح عدم إمكانه‪.‬‬

‫وأما اإلمجاع التام فقليل حتققه بل نادر ولو محلت الرواية عليه‪ 4‬لزم ختصيص األكثر فلم يبق إال‬ ‫الرجوع لألكثرية وقد فصلنا يف موضع آخر من الكتاب كوهنا موجبة لألقربية إىل الواقع وموافقتها‬

‫للعقل والنقل ونزيد هنا أن هذا يؤيد بقوله عليه السالم ‪‬يد اهلل مع الجماعة‪ 5‬حيث إن املراد‬ ‫ليس الكل لعدم التحقق إال نادراً جداً بل األكثر‪.‬‬ ‫وأما اإليراد على هذه الرواية وأشباهها بأن املراد باجلماعة مجاعة احلق وكذا سائر اإليرادات‬

‫فقد تطرقنا هلا يف موضع آخر من الكتاب فلرياجع وإمجال بعذ القول هنا أن مجاعة الفقهاء‬ ‫وأكثريتهم كجماعة الشيعة وأكثريتهم وكجماعة أهل اخلربة فيما هم خرباء فيه من مصاديق هذا‬ ‫‪ 1‬إضافة إلر اإلشكال في نفس كفاية مرجعية القاضي لحل الخاالا‪ ،‬إذ يقال االخاتالا فياه وأدلاة تقادي المادعي ميار تاماة‬ ‫علر ما هو مفصل في محله‪ ،‬أو علر األقل ميار تاماة عناد بعا‬

‫من الجانبين فتيمل‪.‬‬

‫أطاراا النازاال كثيا اًر ماا‪ ،‬إضاافة إلار كثارة كاون التاداعي‬

‫‪ 2‬مناا‪ :‬أن المحاذير لا تنشاي مان دعاوك شامول الرواياة للحاوادث الواقعاة مماا يارتبط بكال األماة وال يمكان فياه التفكيال حتار‬

‫ترتفاال بتخصاايص الروايااة بغيرهااا باال هااي نائيااة ماان دعااوك وجااوب رج اوال كاال جماعااة إلاار مقلاادها فااي الشااؤون العامااة وهااذه‬ ‫الاادعوك يلتااز باااا الكثياار ماان الفقااااء قطاال النظاار عاان هااذه الروايااة الش اريفة فلااو حملاات الروايااة علاار إرادة هااذا المعناار لااز‬

‫المحذور دون ما لو حملت علر إرادة الرجوال لكل الرواة أو لمجموعة منا (وهي األكثرية) ‪-‬علر ما فصلناه في محلاه‪ -‬أو‬

‫حملت علر إرادة األع من الرجوال للواحد وللمتعدد حسب اختالا الموارد من كوناه شايناً عامااً أو كوناه فرعااً فقايااً خاصااً‪،‬‬

‫فتيمل‪.‬‬

‫‪ 3‬العروة الوثقر‪ :‬المسيلة ‪ 55‬من باب التقليد‪.‬‬

‫‪ 4‬بين يجب الرجوال إليا إن اتفقوا أي بين تكون مرجعيتا مقيدة باإلجماال‪.‬‬ ‫‪ 5‬وسائر الروايات التي تفيد هذا المضمون‪ /‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.127‬‬

‫‪179‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫احلديث عرفاً ولفظاً ملكان اإلطالق لكونه مفرداً حملى بأل إضافة إىل مؤيديه االعتبار له إضافة إىل‬ ‫مطابقته مضموناً لرواية خذ مبا اشتهر بني أصحابك وغريها إىل غري ذلك‪.‬‬ ‫وأما الرجوع لألقلية فرتجيح للمرجوح وقد فصل ذلك أيضاً يف حمله‪.‬‬

‫و‪( -‬فإنهم)‬

‫تعليل لوجوب الرجوع ‪-‬والظاهر من هذا عمومية احلجية لقوهلم ولفعلهم وتقريرهم (فيما ثبت‬ ‫كوهنما استناداً بل عدم ثبوت كونه معصية كاف)‪ -1‬وإن قيل بعدم حجية اآلخرين من غري‬ ‫املعصوم ‪-‬بل وصفاهتم أيضاً كما سنبينه‪ 2‬وذلك ألن حذف املتعلق مفيد للعموم إذ مل ختصص‬ ‫احلجية بـ(فإن قوهلم أو فإن تقريرهم أو عملهم) كما أن العرف ال يستفيد ختصيصها بالقول أو‬ ‫العمل أو غريمها خاصة مع مالحظة ما ذكرناه يف كلمة (فيها) إذ قد يكون الرجوع يف الشأن‬

‫الالئق باحلادثة مستلزماً للقول وقد يكون للتصرف والعمل وقد يكون للتقرير‪.‬‬

‫وظهور اإلسناد يف أنه إىل الذات يندفع مبالحظة اخلرب (وهو حجتي) إذ ال ريب يف مشوله‬ ‫للقول بل االلتفات إىل أن الذات مبا هي ذات الراوي ‪-‬مع قطع النظر عن قوله وفعله وتقريره‪-‬‬ ‫حجة ‪-‬إن صح ذلك‪ -‬قد ال يتأتى يف النظرة األوىل واألصح القول بأن املعىن احلقيقي حيث‬ ‫تعذر إذ ال معىن إلرادة كون ذوات الفقهاء حجة املعصومني عليهم السالم على الناس وجب‬ ‫احلمل على أقرب اجملازات وهو كل ما يتعلق بالفقهاء مما ميكن اعتباره حجة قوالً أو فعالً أو تقريراً‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫وميكن التقدير بنحوين األول (فإن) قول (هم) وفعل (هم) وتقرير (هم) حجيت عليكم وبعبارة‬

‫أخرى (فإن) قول وفعل وتقرير (هم حجتي عليكم)‪ ،‬الثاين (فإنهم حجتي قوال وفعال وتقريرا‬

‫ونظرا وفصال للخصومة ومطالبة بالخمس وصفة‪...‬الخ) وقد يقال فإن ذاهتم حجة باعتبار‬ ‫القول والعمل والتقرير (وباعتبار الصفات أيضا)‪.‬‬

‫‪ 1‬فيستدل بفعله أو تقريره علر عد اعتباره ما ال نعل حرمته أو جوازه أو وجوبه مثالً حراماً‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي يحتج علر سائر األنا باعتبار تحليا بصفات خاصة‪.‬‬

‫‪180‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ز‪( -‬حجتي)‬

‫قد يقال احلجية يف األخبار والرأي ال فيما عدامها‪.‬‬

‫[قال الكمباني]‪( :‬مضافاً إىل أن مفاد احلجية صحة االحتجاج بالشخص أو بالشيء يف مقام‬ ‫املؤاخذة على خمالفة ما قامت عليه احلجة‪ 1‬فيناسب قيام الدليل على حكم شرعي سواء كان‬ ‫إخبار الراوي أو رأى اجملتهد ونظره وأما مطلق النظر كنظر الفقيه يف بيع مال اليتيم فال معىن‬ ‫التصافه باحلجية فإن البيع الواقع عن مصلحة بنظره صحيح نافذ ال أنه حجة له أو لغريه على‬ ‫أحد فما يف طي كالمه قدس سره من أن يناسب األمور اليت يكون املرجع فيها هو الرأي والنظر‬ ‫وإن كان صحيحاً يف اجلملة إال أنه ال دخل له بكل رأي ونظر كما ال خيفى على أهل النظر‬ ‫‪2‬‬ ‫فتبصر)‪.‬‬ ‫ّ‬

‫[وقال اإليرواني] (احلجية تكون يف تبليغ أمر فيختص مدلوهلا يف املقام بتبليغ األحكام‬ ‫الشرعية وال يشمل التصرفات الشخصية يف األموال والنفوس أو تصدي املصاحل العامة من‬ ‫احلكومة وفصل اخلصومة أو إجراء احلدود فإن كل ذلك أجنيب عن مفهوم احلجية اليت هي من‬ ‫االحتجاج فإن اهلل تعاىل حيتج على العباد ببعث األنبياء واألنبياء بنصف اخللفاء‪ ،‬واخللفاء باستنابة‬ ‫الفقهاء يف تبليغ األوامر والنواهي والتصرفات‪ ،‬ليس من حمل االحتجاج فالتوقيع الشريف أجنيب عن‬ ‫ما هو املدعى‪ ،‬ومنه يظهر عدم صالحيته لالستدالل به على نيابة الفقيه يف األمور املزبورة وخيتص‬ ‫‪3‬‬ ‫مدلوله بالفتوى)‪.‬‬

‫وقبل الشروع يف بيان ما يرد عليهما سنذكر جمموعة من األحاديث الشريفة اليت تدل أو تؤيد‬ ‫كون احلجية أعم من ذلك‪:‬‬ ‫قال أمري املؤمنني موىل املوحدين عليه السالم‪ :‬فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون‬

‫عمره عليه حجة وأن تؤديه أيامه إلى الشقوة‪ 4‬وقال عليه السالم‪ :‬أما والذي فلق الحبة وبرأ‬ ‫النسمة لوال حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر‪ 5‬وقال عليه السالم‪ :‬وإن أعظم‬

‫‪ 1‬أو ما اقتضته الحجة ‪-‬والمراد واحد‪ -‬فتيمل‪.‬‬ ‫‪ 2‬حاشيته علر المكاسب‪ :‬ص‪.214‬‬

‫‪ 3‬حاشية المكاسب لإليرواني قدس سره‪ :‬ص‪.156‬‬ ‫‪ 4‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.64‬‬

‫‪ 5‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪( 3‬الشقشقية)‪.‬‬

‫‪181‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫حجتهم لعلى أنفسهم‪ ...‬وإني لراض بحجة اهلل عليهم وعلمه فيهم‪ 1‬وقال عليه السالم‪:‬‬

‫‪‬وألقى إليكم المعذرة وأتخذ عليكم الحجة وقدم إليكم بالوعيد‪ 2‬وقال عليه السالم‪:‬‬ ‫‪‬وأعذروا من ال حجة لكم عليه وهو أنا‪ 3‬وقال عليه السالم‪ :‬وأرانا من ملكوت قدرته‬ ‫وعجائب ما نطقت به آثار حكمته‪ ...‬وما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته فظهرت‬

‫البدائع التي أحدثتها آثار صنعه وأعالم حكمته فصار كل ما خلق حجة له ودليال عليه وإن‬

‫كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة وداللته على المبدع قائمة‪ 4‬وقال عليه السالم‪ :‬وأن‬ ‫العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي ال يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم‬

‫والحسرة له ألزم‪ 5‬وقال عليه السالم‪ :‬بعث اهلل رسله بما خصهم به من وحيه وجعلهم حجة‬

‫له على خلقه‪ 6‬وقال عليه السالم‪ :‬وإنما الناس رجالن متبع شرعه ومبتدع بدعة‪ ،‬ليس معه‬ ‫من اهلل سبحانه برهان سنة وال ضياء حجة‪ 7‬وقال عليه السالم‪ :‬فالقرآن آمر زاجر‪ ،‬وصامت‬

‫ناطق‪ ،‬حجة اهلل على خلقه‪ 8‬وقال عليه السالم‪ :‬وترككم إياهم حتى يبدؤكم حجة أخرى‬

‫لكم‪ 9‬وقال عليه السالم‪ :‬ثم انظر في أمور عمالك‪ ...‬وتوخ منهم من أهل التجربة والحياء‬ ‫من أهل البيوتات الصالحة‪ ...‬ثم اسبغ عليهم األرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصالح‬

‫أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم أن خالفوا أمرك أو ثلموا‬

‫أمانتك‪ 10‬وقال عليه السالم‪ :‬وقد ابتالني اهلل بك وابتالك بي فجعل أحدنا حجة على‬

‫اآلخر‪ 11‬وقال عليه السالم‪ :‬والفقر يخرس الفطن عن حجته‪ 1‬وقال عليه السالم‪ :‬أرسله‬ ‫‪ 1‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.22‬‬ ‫‪ 2‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.86‬‬ ‫‪ 3‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.87‬‬

‫‪ 4‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪( 91‬األشباح)‪.‬‬ ‫‪ 5‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.110‬‬

‫‪ 6‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪( 144‬مبعث الرسل)‪.‬‬ ‫‪ 7‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.176‬‬ ‫‪ 8‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.183‬‬ ‫‪ 9‬ناج البالمة‪ :‬الكتاب ‪.14‬‬

‫‪ 10‬ناج البالمة‪ :‬الكتاب ‪( 53‬عاده لمالل األشتر)‪.‬‬ ‫‪ 11‬ناج البالمة‪ :‬الكتاب ‪.55‬‬

‫‪182‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫بوجوب الحجج وظهور الفلج‪ 2‬وقال عليه السالم‪ :‬يا أيها الناس إنه لم يكن هلل سبحانه‬ ‫حجة في األرض أوكد من نبينا محمد صلوات اهلل عليه وآله‪ 3‬وقال الصادق عليه السالم‪:‬‬

‫قصر في شكرها‪ 4‬وقال‬ ‫‪‬ما من عبد إال وهلل عليه حجة‪ ،‬إما في ذنب اقترفه وإما في نعمة ّ‬

‫عليه السالم‪ :‬لكيال تخلو أرض اهلل من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز‬ ‫عدالته‪ 5‬وقال عليه السالم‪ :‬لم تخل األرض منذ كانت من حجة عالم يحيى فيها ما يميتون‬ ‫من الحق‪ 6‬وقال علي عليه السالم‪ :‬اللهم البد لك من حجج في أرضك حجة بعد حجة‪...‬‬ ‫لئال يتفرق أتباع أوليائك ظاهر غير مطاع أو مكتتم خائف يترقب‪ ،‬إن غاب عن الناس‬

‫شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم وآدابهم‪ 7‬وقال‬ ‫عز وجل على‬ ‫اإلمام الباقر والصادق والرضا عليهم الصالة والسالم‪ :‬إن الحجة ال تقوم هلل َّ‬ ‫‪8‬‬ ‫خلقه إال بإمام حي يعرفونه‪.‬‬

‫[ويرد على اإليرواني]‪ :‬إن مراده من ‪‬احلجية تكون يف تبليغ أمر‪ 9‬إن كان هو ما ذكره‬

‫الكمباين قدس سره فريد عليه مجيع ما سنورده عليه‪ ،‬وإن كان مراده غري ذلك فنقول‪( :‬الحجية)‬

‫أعم من التبليغ‪ ،10‬إذ يتصف هبا (النظر) أيضاً ‪-‬فيمن اعترب الشارع نظره نافذاً‪ -‬كالنظر يف أموال‬ ‫القصر والغيب واألياتام والنظر يف أموال االبن والبنت لكون احلجية من احلتجاج كما ذكره‪ ،‬وكما‬ ‫حيتج اهلل على العباد ببعث األنبياء حيتج بنظر من له النظر كاإلمام واألب على خمالفه وممانعه فلو‬ ‫أدى نظر اإلمام عليه السالم إىل أصلحية زيد بن عمرٍو لقيادة اجليش أو حلكومة البصرة كان نظره‬ ‫‪ 1‬ناج البالمة‪ :‬قصار الحك ‪.3‬‬ ‫‪ 2‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.185‬‬ ‫‪ 3‬مرر الحك ‪.‬‬

‫‪ 4‬تنبيه الخواطر‪ :‬ص‪.403‬‬ ‫‪ 5‬الكافي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.168‬‬

‫‪ 6‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،23‬ص‪ 37‬عن إكمال الدين‪.‬‬

‫‪ 7‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،23‬ص‪ 54‬عن الغيبة للنعماني‪.‬‬

‫‪ 8‬بحار األنوار‪ :‬ج‪ ،23‬ص‪ 30‬واالختصاص‪ :‬ص‪.2‬‬

‫‪ 9‬أما (فيختص مدلولاا في المقا ‪ )...‬فيرد عليه جميل ما سنورده علر الكمباني قدس سره‪.‬‬

‫‪ 10‬مما يوضح ذلل الحديث األول والخامس والثالث ‪-‬إذ المراد بحجتا قتل عثمان‪ -‬والحاادي عشار والثااني عشار والثالاث‬ ‫عشر والسادس عشر والسابل عشر‪.‬‬

‫‪183‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫حجة وصح االحتجاج على من خالف ذلك ووىل عمرواً مثالً‪ ،‬كما يتصف هبا (التصرف) ‪-‬وهو‬ ‫عبارة أخرى عن الفعل‪ -‬ولذا اشتهر أن قول املعصوم وفعله وتقريره حجة ولذا أيضاً حيتج املوىل‬ ‫جل وعال بشرب شخص اخلمر عليه فشربه حجة عليه وبصالة وصوم وجهاد آخر على من مل‬ ‫يصر ومل يصم ومل اجاهد‪ ،‬كما يتصف هبا (الحق) أيضاً إذ يصح االحتجاج بكون احلق لعلي عليه‬ ‫السالم يف اخلالفة على غاصبها‪ ،‬وحبث عمرٍو يف األرض اليت سبق إليها وقام بتحجيها على من‬

‫أراد احليلولة دون تصرفه فيها أو حال دون ذلك‪ ،‬كما تتصف هبا (الوالية والقيمومة) أيضاً‪،‬‬ ‫ويتصف هبا (ذات الشيء ووجوده) أيضاً‪ ،‬وأشهد أن علياً حجة اهلل يعين أن ذاته وقوله وفعله‬ ‫وتقريره وحقه وواليته و‪ ...‬حيتج هبا اهلل كلها على العباد‪ 1‬هذا بعض الكالم‪ ،‬وسنذكر بعض‬ ‫التفصيل يف ذيل اإلشكال على الكمباين قدس سره اآليت‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫[ويرد على الكمباني]‪:‬‬ ‫إن كون مفاد احلجية هو ذلك ال يقتضي احنصارها يف قيام الدليل على حكم شرعي بل تشمل‬ ‫مطلق النظر حىت نظر الفقيه يف بيع مال اليتيم‪ 3‬النطباق مفادها عليه إذ يصح االحتجاج بنظر‬ ‫الفقيه (الذي تشمله كلمة الشيء) يف مقام املؤاخذة على خمالفة اآلخرين مقتضى هذا النظر وما‬ ‫أدى إليه وما قامت عليه وهو البيع يف املثال‪ ،‬فلو أدى نظر الفقيه إىل بيع مال اليتيم الفالين مل‬ ‫حيق ألحد خمالفته وممانعته ولو خالفه ومانعه صح احتجاج املوىل بنظر الفقيه على خمالفة زيد مثالً‬

‫‪ 1‬إضااافة إلاار أن م اراده إن كااان أن الحجيااة هااي تبليااأل أماار فلاايس بعااث األنبياااء ونصااب الخلفاااء واسااتنابة الفقااااء حجااة باال‬ ‫مسااتلز للحجااة إذ الحجااة عنااده تبليااأل األواماار والن اواهي إال أن يريااد أن الحجااة هااو قااول النبااي صاالر اهلل علي اه وآلااه بنصااب‬

‫الخليفة مثالً وفيه أنه خالا ظاهر كالمه أوالً‪ ،‬ومثر صحيح ثانياً‪ ،‬لكون نفس النصب مما يتحج باه اهلل علار العبااد فاالقول‬ ‫حجة علر النصب والنصب حجة علر العبد‪ ،‬فتيمل‪.‬‬

‫وان كان مراده أن الحجية أو الحجة ما يستلز تبليأل أمر‪ ،‬ففيه أوالً‪ :‬إن التبليأل حجة أيضاً‪ .‬وثانيااً‪ :‬إن تصادي الفقياه مساتلز‬

‫للتبليأل فتيمل‪.‬‬

‫‪ 2‬ال يخفر أن تطرقنا في طي كلماتنا هنا إلر إشكاالت بنائية ومبنائية عليه فليدقي‪.‬‬ ‫‪ 3‬وحتر نظره بين األصلح لتولمي هذا المحافظة زيد ولتلل عمرو‪ ...‬وهكذا‪.‬‬

‫‪184‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫لبيعه‪ 1‬وجازت له عقوبته إن حال دون ذلك وكان متجرياً إن توهم (أي زيد) أن عمله الكذائي‬ ‫حائل‪.‬‬

‫ولعل منشأ االشتباه اخللط بني املقتضي واملقتضى‪ ،‬إذ األول موصوف باحلجية ال الثاين وبذلك‬ ‫يظهر ما يف قوله (وأما مطلق النظر كنظر الفقيه يف بيع مال اليتيم فال معىن التصافه باحلجية‪ ،‬فإن‬ ‫البيع الواقع عن مصلحة بنظره صحيح نافذ ال أنه حجة له أو لغريه على أحد) إذ احلجة هو النظر‬ ‫ال البيع واملدعى كون نظر الفقيه حجة‪ 2‬كما أن نظر مسلّم الوالية والقيمومة كاألب حجة فـ(إهنم‬ ‫حجيت عليكم) يشمل القول والنظر وغريمها أي فإن قوهلم ونظرهم و‪ ...‬حجيت عليكم ‪-‬كما‬ ‫سبق بيان التعميم‪.-‬‬

‫وبذلك ظهر أن احلجية أعم‪ 3‬إذ حيتج برأي الفقيه أصلحية هذا من ذاك ‪-‬بناءً على حجيته‪-‬‬ ‫(كأصلحية هذا ملنصب القضاء وهذا ملنصب الوزارة وهذا لقيادة اجليش وهكذا) على خمالفه‬ ‫وممانعه‪ ،‬وكذا حيتج بواليته على خمالف مقتضاها‪ 4‬بأن له إقامة احلدود مثالً على من حيول دون‬ ‫ذلك أو من يريد هو إقامتها ومبطالبته اخلمس على مانع اإلعطاء وبفصله للخصومة على من مل‬ ‫يلتزم به من الطرفني كأن قضى بالدار هلذا‪ ،‬فلم يسلمها ذاك له‪ ،‬فإنه حماسب وخمالف ملقتضى‬ ‫احلجة‪ ،‬وكذا حيتج بفعله (كبيعه مال اليتيم) على من حيول دون ترتيب اآلثار وهبذا ظهر أن البيع‬ ‫أيضاً يتصف باحلجية ‪-‬حسب تعريف الكمباين قدس سره‪ -‬إذ يصح االحتجاج ببيع من له البيع‬ ‫يف مقام املؤاخذة على خمالفة ترتيب اآلثار الذي اقتضته احلجية‪ ،‬وكذا كافة األحكام الوضعية‬ ‫تتصف باحلجية أيضاً إذ حيتج مبلكه على من تصرف فيه بال مسوغ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫‪ 1‬يتضح هذا بمالحظة من له النظر في أمر (كالقي والمتولي وشبااما) فلو أراد األب بيال ماال ابناه أو تزويجاه ‪-‬بالشاروط‬

‫المقررة‪ -‬ل يجز ألحد مخالفته ومنعاه لكوناه منعااً عماا هاو حقاه وصاح احتجااج الماولر علار هاذا المخاالا الماانل باين حاي‬ ‫النظر لألب فلماذا خالفته ومانعته ولماذا حلت دون البيل والزواج ‪-‬مثالً‪ -‬وقد أدك إليه نظر األب؟‬

‫‪ 2‬وقد علل قدس سره عد اتصاا نظر الفقيه بالحجية باين البيال الواقال بنظاره ال يوصاا بااا! والبيال مسابب والنظار سابب‬

‫ولايس عااد اتصاااا األول بشاايء مسابباً لعااد اتصاااا الثاااني باه كمااا يتصااا الخباار بالخبرياة وال يتصااا المخباار عنااه باااا‪،‬‬

‫وكما يتصا الدال علر وجوب الصالة مثالً بالدليلية وال يتصا وجوباا باا ‪-‬وهذا واضح‪.-‬‬

‫‪ 3‬يوضح األعمية الحديث الثالث عشر والسادس عشر‪ ،‬إذ حجيتاا علياماا الساال ؟؟؟ فاي كال تلال الجااات ويوضاحه أكثار‬

‫جعله حجة علر اإلما عليه السال وكذا الحاديث الساادس والثاامن والتاسال عشار وكاذا األحادياث الدالاة علار أن عليااً علياه‬

‫السال وسائر المعصومين عليا السال حجج اهلل وسييتي‪.‬‬

‫‪ 4‬يوضحه أحاديث عديدة مناا الثالث عشر والسادس عشر والواحد والعشرون وميرها فتيمل‪.‬‬

‫‪185‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وكذا حيتج بذات الشخص أو الشيء‪ 1‬فنفس وجود اإلمام عليه السالم حجة وإن مل يتصرف‬ ‫ومل يتكلم إذ نفس وجوده حيتج به على اجلائر احلاكم‪ ،‬إذ كيف يتوىل املنصب مع وجود من له‬ ‫املنصب؟ كما حيتج به على األمة‪ ،‬إذ كيف مل تسع األمة إلعطائه حقه؟ وكيف ولّت من ليس‬ ‫أهالً؟ إال أن يقال بإرجاع ما سبق إىل احلكم التكليفي فتأمل‪.‬‬ ‫وببعض ما ذكرناه يظهر أن األصح تبديل احلكم باجلعل بأن يقال (فيناسب قيام الدليل على‬ ‫جعل شرعي)‪ 2‬ليشمل جعل الوالية والقيمومة وشبهها إال أن يعد جعلها حكماً شرعياً فتأمل‬ ‫هذا‪.‬‬

‫إضافة إىل أن ما ذكره يف (فيناسب)‪ 3‬يستلزم خروج قيام الدليل على أصل من أصول الدين‬ ‫‪5‬‬ ‫وعلى ما يتعلق هبا مع مشول (احلجة) ملا دل عليها‪ 4‬ويصح االحتجاج بالعقل يف مقام املؤاخذة‬ ‫على خمالفة ما قامت عليه احلجة (وهي العقل) كوجود اهلل وكوجوب شكر املنعم وقبح الظلم إال‬ ‫أن يريد من (فيناسب) ذلك بقرينة الصدر‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫وقد يستشكل على ختصيصه مفاد احلجية بصحة االحتجاج يف مقام املؤاخذة بأن احلجة أعم‬ ‫من ذلك إذ تشمل الدليل ولو مل يكن يف ذلك املقام ولذا يصح إطالق احلجة بال عناية على‬ ‫دليل إقامة شخص على وحدانية اهلل أو عدالته أو جترده أو أزليته وأبديته أو على أن املعاد‬ ‫جسماين أو روحاين أو على جتسم األعمال وعدمه بل وكذا على مطلق طيب أو فيزيائي أو‬ ‫هندسي ويكثر يف االستعماالت ‪-‬يف كل العلوم‪ -‬يل عليك حجة قوية أو حجة واهية مما ال ربط‬

‫‪ 1‬يوضحه الحديث الثالث عشر والساادس عشار كماا يرشاد إلياه الحاديث العشارون لمكاان التعليال‪ ،‬إذ إن نفاس وجاود الحجاة‬ ‫عليااه السااال حااافظ لألولياااء عاان التفااري ‪-‬كماا أن قولااه وفعلااه أيضااً حافظااان‪ -‬ويتضااح هااذا بمراجعااة تاااريخ العظمااا والقااادة‪،‬‬ ‫ومان أظاار األمثلاة لاه‪ :‬وفاااة النباي صالر اهلل علياه وآلااه ووفااة اإلماا الصاادي علياه السااال حياث تكونات فرقاة االسااماعيلية‬

‫وميرهااا ووفاااة اإلمااا الكاااظ عليااه السااال حيااث تكوناات الواقفيااة وميبااة اإلمااا الحج اة عجاال اهلل تعااالر فرجااه وهكااذا‪ ،‬وكااذا‬

‫الحديث الثاني والسادس والعاشر‪.‬‬

‫‪ 2‬وان كان هذا أخص أيضاً من معناها‪.‬‬

‫‪ 3‬بل وما قبله بناء علر عد تعميمه المخالفة للجوانحية‪.‬‬

‫‪ 4‬يوضحه الحديث الثامن والعاشر والخامس عشر والسادس عشر والثامن عشر والتاسل عشر وميرها فتيمل‪.‬‬

‫‪ 5‬ال يخفاار لاازو تعمااي المخالفااة للمخالفااة الجوانحيااة أيض ااً إذ ال شاال فااي صااحة احتجاااج المااولر جاال وعااال علاار عبااده‬ ‫بمخالفته مقتضر عقله وعد تسليمه وجود إله عادل واحد‪ ...‬الخ ‪-‬ولو كان مراده األخص ورد عليه هذا اإليراد‪.-‬‬

‫‪186‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫له مبقام املؤاخذة أو مل خيطر ببال احملتج ذلك أبداً‪ 1‬ومما يدل على ذلك أيضاً‪ :‬أن احلجة تسند إىل‬ ‫العبد أيضاً كما تسند إىل املوىل ‪-‬وهذا معروف يف األصول‪ -‬إذ حيتج العبد على مواله بالطرق اليت‬ ‫نصبها وإن خالفت الواقع ومن الواضح كون ذلك يف مقام برائة الذمة وتربئتها ال يف مقام املؤاخذة‬ ‫على خمالفة ما قامت عليه احلجة‪.‬‬ ‫ومما يدل على أعمية احلجية من احلكم والوالية والنفوذ وغريها أن الرسول صلى اهلل عليه وآله لو‬ ‫قال وهو يريد اخلروج من املدينة مثالً (ارجعوا يف احلوادث الواقعة إىل علي عليه السالم فإين قد‬ ‫جعلته حجة عليكم) أ ال يدل ذلك عرفاً على كونه مبنزلته وأن له عليه السالم ما كان له صلى اهلل‬ ‫عليه وآله مما يرتبط باحلوادث وحلها وفصلها وأنه نصب من قبله لتويل كافة شؤون احلوادث‬ ‫الواقعة؟ وهذا إضافة إىل أنه املتفاهم العريف من كلمة (حجة) تدل عليه القرينة املقامية‪ ،‬وهي‬ ‫موجودة فيما حنن فيه إذ أن اإلمام احلجة عجل اهلل تعاىل فرجه الشريف أرجع يف غيبته احلوادث‬ ‫إىل الرواة وكان السؤال حينها والظاهر كونه سؤاالً عن املرجع فيها حني غيابه هذا‪.‬‬ ‫ويستفاد مما ذكرناه هنا حول معىن احلجية يف تنقيح ما ذكره األصوليون هلا من املعىن من‬ ‫املنجزية واملعذرية وجعل املماثل وتنزيل ما ليس بعلم منزلته وغريها وقد نتحدث عن ذلك يف مكان‬ ‫آخر بإذنه تعاىل‪.‬‬ ‫ح‪( -‬حجتي علیكم)‬

‫ميكن االستدالل هبذه القطعة على حجية رأي أكثرية الفقهاء ووجوب اتباعها مبثل ما استدللنا‬ ‫به ذيل قطعة (رواة حديثنا) مع أدىن تغيري بل قد يكون االستدالل هبذه أوضح مبالحظة ما‬

‫‪ 1‬وممااا يوضااح مااا ذكرنااا الحااديث السااادس وكااذا الثااامن‪ ،‬إذ حجيااتا لااه علاار خلقااه مطلقااة تشاامل مااا ذكرناااه فااي المااتن ماان‬

‫مطلي ما يتعلاي بيصاول الادين وفروعاه وكاذا العاشار إذ حجياة القارآن ليسات مختصاة بآياات األحكاا بال كلاه حجاة‪ :‬أحكامااً‬ ‫وأصوالً وقصصاً وآداباً فتيمل‪ ،‬وكذا الرابل عشار والساادس عشار وكاذا العشارون‪ ،‬لمكاان التعليال وللاذيل ‪-‬وذيال هاذا الحاديث‬

‫مؤيد لما ذكرناه في الحديث العاشر‪ -‬وكذا الواحد والعشرون إذ االحتجااج بالشاخص أو الشايء فاي مقاا المؤاخاذة ال يتوقاا‬

‫علر كون اإلما حيااً وال علار معرفتاه بال يكفاي فاي صاحتاا صارا التبلياأل وماا ذلال إال لجااة القيموماة واإلشاراا والتوجياه‬ ‫وسد الثغور قدر المستطاال والوالية ال أقل من األعمية للكل وهذا دليل أيضاً علر أعمية (الحجية) من األحكا الشرعية كما‬ ‫م‬ ‫سبي‪ ،‬فتيمل‪.‬‬

‫‪187‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ذكرناه يف معىن احلجية‪ ،‬ونقول هنا أن املستفاد عرفاً من جعل املنصب لعدة أشخاص‪ 1‬هو لزوم‬ ‫العمل باألكثرية إن تعذر اإلمجاع خاصة فيما كانت موارد اإلجحماع فيه قليلة بل نادرة مما يستلزم‬

‫تقييده باإلمجاع خروج األكثر وأما نفوذ حكم السابق منهم فقد حتدثنا عن إبطاله يف موضع آخر‬ ‫ونزيد هنا أن ذلك أيضاً مستلزم للهجر واملرج واختالل النظام والضرر‪ ،‬إذ نفوذ حكم عدة‬ ‫أشخاص يف موارد متعددة ‪-‬كل يف مورد كان هو السابق فيه مع ما بني املوارد من التأثري والتأثر‪-‬‬ ‫مستلزم لذلك‪ ،‬ومن الواضح أن عدم وجود سياسة عامة للدولة يؤدي إىل أكرب اخللل‪ ،‬فمثالً لو‬ ‫رأى أحدهم اجلهاد مع دولة مث حدثت اضطرابات مع دولة أخرى‪ ،‬فاختذ آخر قراره قبل اآلخرين‬ ‫باجلهاد معها أيضاً واختذ ثالث قراره حبظر استرياى السالح مثالً من اخلارج قبل أن يبت اآلخرون‬ ‫فيه واختذ رابع قراراه بتصفية املعارضة الداخلية أو بالتسامح معها ‪-‬مما يرتك آثاره السلبية واالاجابية‬ ‫على القرار األول أو الثاين أو الثالث فرضاً‪ -‬قبل أن يتخذ اآلخرون يف ذلك قراراً واختذ خامس‬ ‫قراره بإعطاء احلكم الذايت ألقلية معينة أو عدمه مما يؤثر سلباً وإاجاباً على اجلهاد مع تلك الدولة‬ ‫أو على سائر القرارات‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ...‬أو قرر أحدهم إقامة عالقات جتارية مع الدول الفالنية وقرر اآلخر إمداد الدولة‬ ‫احملاربة لتلك الدولة بالسالح أو قرر أحدهم زيادة إنتاج النفط واآلخر طقع مضيق معني لغرض‬ ‫آخر مستلزم ضمناً عدم القدرة على زيادة إنتاجه‪.‬‬ ‫إال أن يقال إن حكم السابق نافذ جبميع لوازمه وملزوماته ومالزماته فتأمل‪ ،‬إذ ذلك مستلزم‬ ‫الحنصار الوالية ونفوذ التصرفات به تقريباً‪.‬‬ ‫وأما يف املرافعات فليس نفوذ حكم السابق مستلزماً لتلك احملاذير ونفوذ سائر األحكام بعده‬ ‫أيضاً هو املستلزم لتلك احملاذير ونفوذ حكم السابق وعدم حمل حلكم الالحق هو ما اقتضته‬ ‫روايات باب الرتافع مثل صحيحة أيب خداجة (‪ ...‬ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من‬

‫قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه)‪ 2‬وصحيحته األخرى قال‪( :‬بعثني‬ ‫أبو عبد اهلل عليه السالم إلى أصحابنا فقال‪ :‬قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو‬ ‫‪ 1‬مل عد إمكان نفوذ قول وتصرا كل مانا الساتلزامه الضارر واخاتالل النظاا وميرهماا كماا فصالناه ذيال (رواة أحاديثناا)‬ ‫وفي مكان آخر من هذا الكتاب فليراجل ‪-‬بل قد يمكن االستغناء عن هذه النقطة في االستدالل‪.-‬‬

‫‪ 2‬الوسائل‪ :‬الباب ‪ 1‬من أبواب صفات القاضي‪.‬‬

‫‪188‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫تدارى في شيء من األخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤالء الفساق اجعلوا بينكم‬

‫رجال قد عرف حاللنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضيا‪ 1)...‬ومقبولة ابن حنظلة‪( :‬قال‬ ‫سألت أبا عبد اهلل عليه السالم عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو‬

‫ميراث فتحاكما إلى السلطان‪ ...‬قال ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في‬

‫حاللنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما‪ )...‬وتفصيل‬ ‫الكالم يف ذلك يذكر يف حمله إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ط‪( -‬وأنا حجة هللا)‬

‫القياس قياس املساواة وينتج (إنهم حجج اهلل)‪ 2‬وال خيفى ما يف هذا القياس من قوة التأكيد‬

‫وشدة التنزيل ولكن ال يتم هذا على نسخة (وأنا حجة اهلل عليهم) إال أن يقال يكون املراد‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ (فإنهم حجة اهلل عليهم) أي أهنم حجج على أنفسهم وهو بعيد‪ ،‬إذ ال يناسب ذلك كونه‬

‫تعليالً لـ(ارجعوا) إضافة إىل بعده جداً عن الفهم العريف فينبغي االكتفاء بتشكيل قياس من الشكل‬ ‫األول ينتج فإهنم حجة اهلل عليهم وهو اإلمام عليه السالم‪.‬‬

‫‪ 1‬نفس المصدر‪ :‬الباب ‪ 12‬منه‪.‬‬

‫‪ 2‬ال يخفر أن االنتاج حسب قواعد الشكل األول ‪ -‬سيكون أنا حجة ِ‬ ‫حجة اهلل‪ ،‬فيكون قياس المساواة مكمالً‪.‬‬

‫‪189‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل الرابع‬ ‫في االستدالل بمجموعة من الروايات الشريفة الواردة حول االستشارة‬ ‫واتباع المشیر‬

‫‪190‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وميكن االستدالل مبجموعة مستفيضة بل متواترة من الروايات الشريفة الواردة حول االستشارة‬ ‫واتباع املشري‪ ،‬وسنقتصر هنا على ذكر أربع عشرة منها‪:‬‬ ‫[‪ ]1‬عن أيب عبد اهلل اجلاموراين‪ ،‬عن احلسن بن علي بن أيب محزة عن الصندل عن ابن‬

‫مسكان عن سليمان بن خالد قال‪ :‬مسعت أبا عبد اهلل عليه السالم يقول‪( :‬استشر العاقل من‬ ‫الرجال الورع‪ ،‬فإنه ال يأخر إال بخير‪ ،‬وإياك والخالف فإن مخالفة الورع العاقل مفسدة في‬

‫الدين والدنيا)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫[‪ ]2‬وعنه‪ ،‬عن احلسن بن علي‪ ،‬عن سيف بن عمرية‪ ،‬عن منصور بن حازم‪ ،‬عن أيب عبد اهلل‬

‫عليه السالم قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪( :‬مشاورة العاقل الناصح رشد ويمن‬ ‫وتوفيق من اهلل‪ ،‬فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإياك والخالف فإن في ذلك العطب)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫[‪ ]3‬وعنه‪ ،‬عن احلسن بن علي بن أيب محزة‪ ،‬عن احلسني بن علي‪ ،‬عن املعلى بن خنيس قال‪:‬‬

‫قال أبو عبد اهلل عليه السالم‪( :‬ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ماال قبل له به أن يستشير رجال‬ ‫عاقال له دين وورع‪ ،‬ثم قال أبو عبد اهلل عليه السالم أما إنه إذا فعل ذلك لم يخذله اهلل بل‬

‫يرفعه اهلل ورماه بخير األمور وأقربها إلى اهلل)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫[‪ ]4‬وعن علي بن أمحد بن موسى‪ ،‬عن حممد بن هارون‪ ،‬عن عبد اهلل بن موسى‪ ،‬عن عبد‬ ‫العظيم احلسين‪ ،‬عن علي بن حممد اهلادي‪ ،‬عن آبائه عليهم السالم قال‪ :‬قال أمري املؤمنني عليه‬ ‫السالم‪( :‬خاطر بنفسه من استغنى برأيه)‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫[‪ ]5‬أمحد بن حممد الربقي يف (احملاسن) عن جعفر بن حممد األشعري‪ ،‬عن ابن القداح‪ ،‬عن‬

‫جعفر بن حممد‪ ،‬عن أبيه عليهما السالم قال‪( :‬قيل‪ :‬يا رسول اهلل ما الحزم؟ قال‪ :‬مشاورة ذوي‬

‫الرأي واتباعهم)‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ 1‬وسائل الشيعة‪ :‬ج‪ ،8‬كتاب الحج‪ ،‬ص‪.426‬‬ ‫‪ 2‬وسائل الشيعة‪ :‬ج‪ ،8‬كتاب الحج‪ ،‬ص‪.426‬‬ ‫‪ 3‬وسائل الشيعة‪ :‬ج‪ ،8‬كتاب الحج‪ ،‬ص‪.426‬‬ ‫‪ 4‬المصدر‪ :‬ص‪.526-524‬‬

‫‪ 5‬وسائل الشيعة‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪.424‬‬

‫‪191‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[‪ ]6‬وعن عدة من أصحابنا‪ ،‬عن علي بن أسباط‪ ،‬عن عبد امللك بن سلمة‪ ،‬عن السري بن‬ ‫خالد‪ ،‬عن أيب عبد اهلل عليه السالم قال‪ :‬فيما أوصى به رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‪ ،‬علياً عليه‬

‫السالم قال‪( :‬ال مظاهرة أوثق من المشاورة‪ ،‬وال عقل كالتدبير)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫[‪ ]7‬وعن أبيه‪ ،‬عن حممد بن سنان‪ ،‬عن أيب اجلارود‪ ،‬عن أيب جعفر عليه السالم قال‪( :‬في‬

‫التوراة أربعة أسطر‪ :‬من ال يستشر يندم‪ ،‬والفقر الموت األكبر‪ ،‬كما تدين تدان‪ ،‬ومن ملك‬

‫استأثر)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫[‪ ]8‬وعن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن مساعة بن مهران‪ ،‬عن أيب عبد اهلل عليه السالم قال‪( :‬لن‬

‫يهلك امرء عن مشورة)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫[‪ ]9‬وعن اإلمام أمري املؤمنني عليه السالم‪( :‬من استبد برأيه هلك‪ ،‬ومن شاور الرجال‬

‫شاركها في عقولها)‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫[‪ ]10‬وعنه عليه السالم‪( :‬ومن استقبل وجوه اآلراء عرف مواقع الخطأ)‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫[‪ ]11‬وعنه عليه السالم‪( :‬فال تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل‪ ،‬فإني لست في‬

‫نفسي بفوق أن أخطئ وال آمن ذاك من فعلي إال أن يكفي اهلل من نفسي ما هو أملك به‬ ‫مني)‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫[‪ ]12‬وعنه عليه السالم‪( :‬ال غنى كالعقل‪ ،‬وال فقر كالجهل‪ ،‬وال ميراث كاألدب‪ ،‬وال‬

‫ظهير كالمشاورة)‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ 1‬وسائل الشيعة‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪.424‬‬ ‫‪ 2‬المصدر‪.‬‬

‫‪ 3‬وسائل الشيعة‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪.425-424‬‬

‫‪ 4‬ناج البالمة‪ :‬قصار الحك ‪ ،‬الحكمة رق ‪ 161‬وهي مذكورة أيضاً في مرر الحك ص‪ 266‬و‪ 284‬وفي ربيل األبرار باب‬ ‫العقل والفطنة للزمخشري‪.‬‬

‫‪ 5‬ناج البالمة الحكمة رق ‪ 173‬وهي مذكورة أيضاً في تحا العقول ص‪ 90‬وروضة الكاافي ص‪ 19‬والفقياه ج‪ 4‬ص‪278‬‬ ‫ودستور معال الحك للقضاعي ص‪ 28‬ومرر الحك لدمدي‪.‬‬

‫‪ 6‬ناااج البالمااة الخطبااة ‪( ،216‬وماان خطبااة لااه عليااه السااال خطباااا بصاافين) أواخاار الخطبااة المااذكورة فااي روضااة الكااافي‬ ‫ص‪.352‬‬

‫‪ 7‬قصاار الحكا ‪ ،‬الحكمااة ‪ ،54‬مااذكورة أيضااً فااي تحااا العقااول ‪ 201‬و‪ 89‬و‪ 94‬وفاي روضااة الكافيااة ص‪ 17‬وفااي األمااالي‬ ‫ص‪ 193‬وفي مرر الحك وفي البصائر والذخائر وميرها‪.‬‬

‫‪192‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[‪ ]13‬وعنه عليه السالم‪ ...( :‬وال شرف كالعلم وال عز كالحلم وال مظاهرة أوثق من‬

‫المشاورة)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫[‪ ]14‬وعنه عليه السالم‪( :‬واالستشارة عين الهداية‪ ،‬وقد خاطر من استغنى برأيه)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫[حجیة الروايات السابقة]‬

‫وهذه الروايات وإن كان بعضها ضعيف السند (كما فيما رواه اجلاموراين حيث وصفه الشيخ يف‬ ‫‪4‬‬ ‫رجاله بأنه ضعيف‪ 3‬وقال يف احللى‪ :‬ضعفه القميون‪ ،‬يف مذهبه ارتفاع)‪.‬‬ ‫وكذا رواية عبد العظيم احلسين الضعيفة مبحمد بن هارون إال أن بعضها معترب أوالً ‪-‬كما سيأيت‬ ‫تفصيله‪ -‬وبعضها مذكور يف هنج البالغة وهو حجة‪ ،5‬ولو مل نقل حبجيته فتكفينا الشهرة الروائية‬ ‫هلذه الروايات كما بينّا يف اهلامش بل من تعدد هذه األحاديث وكثرهتا وكثرة الكتب املنقولة فيها‬ ‫خاصة مع كون بعضها من أمهات الكتب املعتمدة للشيعة وللفقهاء طوال التاريخ كالكايف والفقيه‬ ‫والوسائل وهنج البالغة وحتف العقول‪ ،‬حيصل القطع بصدورها إمجاالً عن املعصوم عليه السالم‪،‬‬ ‫ومما يؤيد ما ذكرناه‪ ،‬ما ذكره الشيخ رضوان اهلل تعاىل عليه حيث قال‪( :‬هذه مجلة ما وقفت عليه‬ ‫من األخبار واملستدل هبا لالستصحاب‪ ،‬وقد عرفت عدم ظهور الصحيح منها وعدم صحة‬ ‫الظاهر منها‪ ،‬فلعل االستدالل باجملموع باعتبار التجابر والتعاضد)‪- 6‬هذا رغم أن روايات‬ ‫االستصحاب اليت ذكرها (‪ 5‬روايات) ال تبلغ ربع روايات االستشارة وليست مذكورة يف كل تلك‬ ‫األمهات من الكتب‪...‬‬

‫‪ 1‬الحكمة رق ‪ 113‬وهي موجودة في نفس المصادر السابقة‪.‬‬

‫‪ 2‬قصار الحك ‪ ،‬الحكمة رق ‪ 211‬وهذه مذكورة في تحا العقول ‪ 98‬وروضة الكاافي ‪ 16‬وأدب الادنيا والادين ‪ 162‬و‪273‬‬

‫و‪ 275‬وس اراج الملااول ‪ 185‬وماارر الحك ا ودسااتور معااال الحك ا ‪ 15‬ومطالااب الس اؤال ج‪ ،1‬ص‪ ،162‬وناايااة األرب ج‪،6‬‬

‫ص‪ ،85‬والنااية في مريب الحديث ج‪ ،3‬ص‪ ،421‬واوداب السلطانية ‪ ،15‬هذا وال يخفار أنناا اعتمادنا فاي معرفاة مصاادر‬ ‫هذه األحاديث الشريفة علر كتاب مصادر ناج البالمة للسيد عبد الزهراء الخطيب فشكر اهلل سعيه‪.‬‬

‫‪ 3‬رجال ابن داود صلر اهلل عليه وآله ‪ 313‬تحت كنية أبي عبد اهلل الجاموراني‪.‬‬ ‫‪ 4‬المصدر‪ :‬ص‪ 269‬تحت اس محمد بن أحمد الجاموراني‪.‬‬ ‫‪ 5‬كما ذهب إليه بع‬

‫األصوليين استناداً إلر قوة مضمونه والر قوة ناقله‪.‬‬

‫‪ 6‬الرسائل‪ :‬بحث االستصحاب‪ ،‬ص‪.334‬‬

‫‪193‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وكالمه قده على القاعدة‪ ،‬ألن الظن النوعي واالطمينان احلاصل من جمموعة أخبار (وإن كان‬ ‫الدال منها غري صحيح والصحيح غري دال) أقوى من الظن النوعي احلاصل من خرب واحد‬ ‫صحيح يشهد لذلك العرف والوجدان‪ ...‬وال فرق بني الظن املستند إىل لفظ واحد أو الظن‬ ‫املستند إىل عدة ألفاظ يكون جمموعها سبباً لـ(الظن النوعي) باملراد‪ ،‬لبناء العقالء على ذلك‬ ‫ولكون هذا الظن ناشئاً من تعاضد االحتماالت مستندة إىل اللفظ فتندرج يف (الظن اللفظي)‬ ‫ولشمول أدلة حجية الظواهر للقسمني ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫وألجل ذلك كله جند اآلخوند اخلراساين قدس سره يقول يف حبث خرب الواحد‪( :‬ومن املعلوم‬ ‫عدم احنصار أسباب الوثوق بالصدور بوثاقة الراوي بل هي ‪‬أي أسباب الوثوق بالصدور‪ ‬يكون‬ ‫يف األخبار املدونة يف الكتب املعتربة سيما الكتب األربعة اليت عليها املدار يف األعصار واألمصار‬ ‫وما حيذو حذوها يف االعتبار كثرية جداً‪ ،‬منها‪ :‬وجود اخلرب يف غري واحد من األصول املعتربة‬ ‫املتداولة يف األعصار السابقة‪ ،‬ومنها‪ :‬تكرره ولو يف أصل واحد بطرق خمتلفة وأسانيد عديدة‬ ‫معتربة‪ ،‬ومنها‪ :‬وجود يف اصل معروف االنتساب إىل من أمجع على تصديقه‪ :‬كزرارة ونظرائه‪،‬‬ ‫وعلى تصحيح ما يصح عنه‪ :‬كصفوان بن حيىي وأشباهه‪ ،‬ومنها‪ :‬كونه مأخوذاً من الكتب اليت‬ ‫شاع بني السلف الوثوق هبا واالعتماد عليها ولو مل يكن مؤلفوها من اإلمامية‪ ،‬إىل غري ذلك مما ال‬ ‫خيلو عن أكثرها الكتب اليت ألفت ليكون مرجعاً لألنام يف األحكام‪ ،‬ويشهد على ذلك أي على‬ ‫‪1‬‬ ‫كون العربة على الوثوق بالصدور مطلقاً أنه كان املتعارف بني القدماء‪.)...‬‬

‫ومن ذلك يظهر اندفاع توهم أن انضمام الال حجة ال يولد حجة لكون فاقد الشيء غري‬ ‫معطيه واجتماع الفواقد ال يسبب الوجود‪ ،‬إذ إن اخلرب غري سليم السند أو غري تام الداللة فاقد إذا‬ ‫كان بشرط ال‪ ،‬وواحد إذا اعترب بشرط شيء‪ ،‬أال ترى اآلحاد واألجزاء فاقدة للهيئة االجتماعية‬ ‫إذا كانت منفصلة وبشرط ال‪ ،‬وواجدة هلا إذا كانت متصلة وبشرط شيء‪ ،‬فال يقال كيف تنتج‬ ‫الفواقد ‪-‬وهي األجزاء‪ -‬اهليئة االجتماعية أو األثر اخلارجي املعني املعلول للمجموع مبا هو‬ ‫جمموع؟‬ ‫وأما أن اخلرب بشرط شيء واجد للظهور فألن الظهور اعتبار عقالئي حيث يكون الوضع التعيين‬ ‫والتعيين وكذا القرائن احلالية واملقالية دالة عليه وكاشفة عنه يف مرحلة اإلثبات وال شك أن الظهور‬ ‫‪ 1‬حاشية الرسائل لدخوند الخراساني‪ :‬بحث الظن‪ ،‬هام‬

‫قوله (وأما السنة فطوائا من األخبار) ص‪.70‬‬

‫‪194‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ليس مبنحصر يف خرب واحد جامع للشرائط بل يشمل أخباراً عديدة متعاضدة متجابرة‪ ...‬وللمنكر‬ ‫أو املرتدد أن يراجع العرف والسرية‪.‬‬ ‫ومن املقرر يف حمله أن طريقة الشارع يف حماوراته اليت قصد هبا تفهيم خماطبيه ليست أمراً خمرتعاً‬ ‫مغايراً لطريق أهل اللسان يف حماوراهتم املقصود هبا التفهيم‪.‬‬ ‫ومن الواضح كون األصل يف احملاورات هو التفهيم والتفهم وال خيرج عنه إال بدليل‪ ،‬هذا كربى‪،‬‬ ‫وأما صغرى فال ينبغي الريب يف أن تلك األحاديث اليت ذكرناها حول االستشارة مل تكن بغري‬ ‫قصد التفهيم وهل ميكن محل (فال تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل) و(من ال يسشتر‬

‫يندم) و(قيل يا رسول اهلل ما الحزم؟ قال‪ :‬مشاورة ذوي الرأي واتباعهم) على غري قصد‬ ‫التفهيم؟‬ ‫وال بأس بالتطرق اآلن لبيان متامية سند بعذ الروايات السابقة فنقول‪ ،‬وباهلل االستعانة‪:‬‬

‫أما الرواية الخامسة فهي عن أمحد بن حممد الربقي عن جعفر بن حممد األشعري عن ابن‬ ‫القداح وتفصيل بعض القول فهم‪:‬‬ ‫[أحمد بن محمد البرقي]‪:‬‬ ‫قال فيه النجاشي قده‪( :‬أمحد بن حممد بن خالد بن عبد الرمحن بن علي الربقي أبو جعفر أصله‬ ‫كويف‪ ...‬وكان ثقة يف نفسه يروي عن الضعفاء واعتمد املراسيل‪- 1‬وأما هذه الرواية فمعتربة ألن‬ ‫من روى عنهم معتمد عليهم كما سيجيء‪.‬‬ ‫وقال ابن داوود‪( :‬كان ثقة يف نفسه يروي عن الضعفاء ويعتمد املراسيل‪ ،‬صنف كثرياً‪ ،‬أقول‪:‬‬ ‫وذكرته يف الضعفاء لطعن الغضائري فيه‪ 2‬ويقوى [عندي] ثقته مشي أمحد بن حممد بن عيسى يف‬ ‫‪1‬‬ ‫جنازته حافياً حاسراً تنصالً مما قذفه به)‪.‬‬

‫‪ 1‬رجال النجاشي‪ ،‬أحمد بن محمد‪ ،‬ص‪.55‬‬

‫‪ 2‬ال يخفر أن طعن الغضائري ال يعتد به الفراطه في الطعن في أصحاب األئمة عليا السال والعلماء رضاوان اهلل علايا‬

‫‪-‬كما حقي في محله قال الشيخ األعظ األنصاري في رسائله‪( :‬لكن سند الرواية ‪-‬أي رواية الخصال‪ -‬ضعيا بالقاسا بان‬

‫يحير لتضعيا العالمة له في المختلا وان ضعا ذلل باستنادة إلر تضعيا ابن الغضايري المعاروا عاد قدحاه فتيمال)‬ ‫الرسااائل‪ -‬بحااث االستصااحاب‪ ،‬ص‪ ،334‬والشاااهد فااي اعت ارفااه قااده ب اا(المعروا عااد قدحااه)‪ ،‬كمااا أن الظاااهر رج اوال قولااه‬‫فتيمل إلر تطبيي الكبرك علر الصغرك ال إلياا‪.-‬‬

‫‪195‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقد عده السيد اخلوئي يف (املعجم) ممن يثبت بقوله (احلسن والوثاقة) قال عند تعداد ما تثبت‬ ‫به الوثاقة واحلسن‪:‬‬ ‫(‪ -2‬نص أحد األعالم املتقدمني‪ :‬ومما تثبت به الوثاقة أو احلسن أن ينص على ذلك أحد‬ ‫األعالم كالربقي وابن قولويه والكشي والصدوق واملفيد والنجاشي والشيخ وأضراهبم وهذا أيضاً ال‬ ‫إشكال فيه وذلك من جهة الشهادة وحجية خرب الثقة)‪ 2‬فقد علل ثبوت الثوقاة بتوثيق الربقي‬ ‫وأمثاله‪ ،‬بـ(حجية خبر الثقة) الظاهر منه أنه يرى الربقي وابن قولويه‪ :‬اخل صغرى (خبر الثقة) وقال‬ ‫املامقاين يف أبواب اهلمزة من نتائج التنقيح (‪ -496‬أمحد بن حممد بن خالد الربقي‪ :‬ثقة على‬ ‫‪3‬‬ ‫األقوى)‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ولقد أسهب العالمة املامقاين يف احلدث عن الربقي قدمها وتوثيقه فلرياجع‪.‬‬ ‫[جعفر بن محمد األشعري]‬ ‫وأما جعفر بن حممد األشعري فقد يعد ثقة باعتبار رواية (حممد بن أمحد بن حيىي) عنه‪.‬‬ ‫قال الوحيد ‪-‬قدس سره‪( -‬روى عنه حممد بن أمحد بن حيىي ومل تستثن روايته من رجاله‪ ،‬وفيه‬ ‫‪5‬‬ ‫دليل على ارتضائه وحسن حاله بل مشعر إىل وثاقته)‪.‬‬ ‫وقال النجاشي‪( :‬وكان حممد بن احلسن بن الوليد يستثين من رواية حممد بن أمحد بن حيىي ما‬ ‫رواه عن حممد بن موسى اهلمداين أو ما رواه عن رجل أو‪ ...‬قال أبو العباس بن نوح‪ :‬وقد أصاب‬ ‫شيخنا أبو جعفر حممد بن احلسن بن الوليد يف ذلك كله وتبعه أبو جعفر بن بابويه على‬ ‫‪6‬‬ ‫ذلك‪.)...‬‬

‫بل إن المامقاني قده قد ناق‬

‫في الصغرك أيضاً حيث قاال‪ ..( :‬وفياه‪ :‬إن ابان الغضاائري لا يطعان فياه بال رد الطعان عناه‬

‫بنقل طعن القميين عليه ورده بين الطعن ليس فياه بال فايمن ياروي عناه كماا سامعت) ‪-‬تنقايح المقاال‪ ،‬الجازء األول‪ ،‬ص‪،83‬‬ ‫الرق ‪.496‬‬

‫‪ 1‬رجال علي بن داود الحلي‪ :‬رق ‪ 122‬من القس األول‪ ،‬ص‪.43‬‬ ‫‪ 2‬معج رجال الحديث‪ :‬المجلد األول‪ ،‬ص‪.41‬‬ ‫‪ 3‬التنقيح‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.10‬‬

‫‪ 4‬التنقيح‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،82‬رق ‪.496‬‬

‫‪ 5‬معج رجال الحديث‪ :‬المجلد الرابل‪ ،‬ص‪ 100‬رق ‪ 2237‬وراجل المجلد األول ص‪.74‬‬ ‫‪ 6‬رجال النجاشي ص‪ 246‬محمد بن أحمد بن يحير‪.‬‬

‫‪196‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وميكن عده ثقة باعتبار رواية (إبراهيم بن هاشم) عنه‪ 1‬حيث حيكم بوثاقة مجيع مشايخ علي بن‬ ‫إبراهيم الذي روى عنهم يف تفسريه‪- 2‬كما سبق ذكر ذلك‪.‬‬ ‫هذا وقد ذكره ابن داود يف القسم األول من رجاله وأما املامقاين فقد ذكر يف باب اجليم من‬ ‫‪3‬‬ ‫نتائج التنقيح (‪ -1846‬جعفر بن حممد األشعي‪ :‬حسن)‪.‬‬ ‫[ابن القداح]‬ ‫وأما ابن القداح (عبد اهلل بن ميمون القداح) فقد قال فيه النجاشي‪( :‬عبد اهلل بن ميمون بن‬ ‫‪4‬‬ ‫األسود القداح‪ ...‬كان ثقة له كتب منها‪.)...‬‬ ‫‪5‬‬ ‫وقال فيه ابن داود احللي‪ ...( :‬ممدوح ثقة)‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫وذكره السيد اخلوئي يف معجمه ودافع عنه فلرياجع‪.‬‬ ‫وقال املامقاين قده يف أبواب العني من نتائج التنقيح‪ 7088( :‬عبد اهلل بن ميمون األسود‬ ‫القداح‪ :‬ثقة)‪ 7‬وقال يف التنقيح‪( :‬وقد وثقه يف البلغة واملشرتكاتني واحلاوي وغريها‪ ...‬وعلى كل‬ ‫حال فاخراج الرجل من برج الوثاقة إىل برج املوثقية مبثل هذه الرواية يف قبال شهادة النجاشي‬ ‫‪8‬‬ ‫وغريها مما ال يليق بالفاضل اجمللسي)‪.‬‬ ‫وأما الرواية الثانية‪ :‬فهي عن عثمان بن عيسى عن مساعة بن مهران وتفصيل بعض القول‬ ‫فيهما‪:‬‬ ‫[عثمان بن عيسى]‬

‫‪ 1‬المعج ‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪ ،99‬رق ‪.2237‬‬ ‫‪ 2‬المعج ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.49‬‬

‫‪ 3‬تنقيح المقال‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.27‬‬

‫‪ 4‬رجال النجاشي ص‪ 148‬عبد اهلل بن ميمون بن األسود القداح‪.‬‬ ‫‪ 5‬رجال ابن داود‪ ،‬ص‪ ،124‬رق ‪ 910‬من القس األول‪.‬‬ ‫‪ 6‬المعج ‪ ،‬المجلد العاشر‪ ،‬ص‪ ،354‬الرق ‪.7185‬‬ ‫‪ 7‬تنقيح المقال‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.92‬‬

‫‪ 8‬التنقيح‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ ،220‬الرق ‪.7088‬‬

‫‪197‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫عثمان بن عيسى‪ ،‬ثقة أو موثق‪ ..‬قال العالمة املامقاين قدس اهلل نفسه الزكية‪( :‬عثمان بن‬ ‫عيسى أبو عمرو الرواسي العامري الكاليب‪ ..‬وتنقيح املقال أن املتحصل يف الرجل أقوال‪ :‬أحدها‪،‬‬ ‫أن ضعيف‪ ...‬ثانيها‪ :‬أنه موثق معتمد وهو الذي نص عليه الفاضل اجمللسي يف الوجيزة‪ ،‬وهو‬ ‫ظاهر العالمة يف التحرير حيث قال‪ :‬ورجال السند كلهم ثقات وإن كان فيه عثمان بن عيسى‬ ‫وهو واقفي انتهى‪ ،‬وصاحب الذخرية بل نسبه احملقق حممد بن صاحب املعامل إىل املعروف بن‬ ‫املتأخرين حيث قال‪ :‬املعروف بني املتأخرين عد احلديث املشتمل عليه موثقاً انتهى‪ ،‬وحجة هذا‬ ‫القول أن وقفه ال شك فيه لكن وثاقته تستفاد من أمور‪ :‬فمنها‪ :‬ما أشار إليه يف الذخرية بقوله‪:‬‬ ‫عثمان بن عيسى واقفي إال أنه نقل الكشي قوالً‪ :‬بأنه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما‬ ‫يصح عنه‪ ،‬وأقروا له بالعلم والفقه‪ ،‬وصرح الشيخ يف العدة بعمل األصحاب بروايته على وجه يؤذن‬ ‫حسن طريق الصدوق إىل مساعة وفيه عثمان بن عيسى‪ ...‬وعد بعضهم‬ ‫باالتفاق والعالمة ره ّ‬ ‫رواياته من الصحاح بل هو ظاهر احملقق يف املعترب‪ ...‬ومنها‪ :‬أن األجلة الثقات قد أكثروا من‬ ‫الرواية عنه كما سنعددهم عند الكالم يف التمييز ولو مل يكن موثقاً معتمداً ملا أكثروا من الرواية‬ ‫تأم َل يف رواية من رواياته يف موضع من‬ ‫عنه‪ ،‬ومنها‪ :‬إنا مل نقف على أحد من فقهائنا السابقني ّ‬ ‫املواضع بسببه‪...‬‬ ‫ومنها‪ ...:‬إن رواياته مقوبلة بل مفىت هبا وإن أهل الرجال رمبا ينقلون عنه ويعتمدون عليه كما‬ ‫مر يف أسامة بن حفص وغريه‪ ..‬ثالثها‪ :‬أنه ثقة‪ ...‬وقد تلخص مما ذكرنا كله أن األظهر كون‬ ‫‪1‬‬ ‫حديث الرجل من املوثق كالصحيح أل ّن رجوعه عن الوقف وتوبته ال ينبغي التأمل فيه‪.)...‬‬ ‫وقال السيد اخلوئي يف املعجم‪ ...( :‬ولكنه مع ذلك كان ثقة بشهادة ابن قولويه والشيخ وعلي‬ ‫‪2‬‬ ‫بن إبراهيم وابن شهر آشوب املؤيدة بدعوى بعضهم أنه من أصحاب اإلمجاع)‪.‬‬ ‫[سماعة بن مهران]‬ ‫وأما مساعة بن مهران فهو ثقة أيضاً‪ ،‬قال العالمة املامقاين يف أبواب السني من نتائج التنقيح‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫(‪ -5271‬مساعة بن مهران بن عبد اهلل احلضرمي‪ :‬ثقة على األقوى)‪.‬‬ ‫‪ 1‬تنقيح المقال في عل الرجال‪ :‬المجلد الثاني‪ ،249-247 ،‬باب عثمان‪ ،‬الرق ‪.7800‬‬ ‫‪ 2‬معج رجال الحديث‪ :‬الجزء ‪ ،11‬ص‪ ،120‬الرق ‪.7610‬‬

‫‪198‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقال النجاشي قده‪( :‬مساعة بن مهران بن عبد اهلل احلضرمي‪ ...‬روى عن أيب عبد اهلل وأيب‬ ‫‪2‬‬ ‫احلسن عليهما السالم ومات باملدينة‪ ،‬ثقةٌ ثقةٌ‪.)...‬‬ ‫وقال يف التنقيح‪ ..( :‬مث اعلم أن الذي يظهر من جمموع كلماهتم أن يف مساعة قولني‪ :‬أحدمها‪:‬‬ ‫أنه واقفي‪ ...‬ثانيهما‪ :‬أنه اثىن عشري ثقة‪ ،‬وهو ظاهر النجاشي حيث وثقه مكرراً ومل يتعرض‬ ‫لوقفه مع ما علم من طريقته من عدم االقتصار على توثيق من هو واقفي أو فطحي أو حنومها بل‬ ‫يصرح باالحنراف والوثاقة مجيعاً‪ ...‬أما وثاقته فلشهادة النجاشي هبا املؤيدة بتوثيق مج ٍع ممن سلّم‬ ‫وقفه كالعالمة يف اخلالصة واحملقق يف املعترب والفاضل اجمللسي يف الوجيزة واحملقق البحراين يف البلغة‬ ‫والطرحيي والكاظمي يف املشرتكاتني وغريهم‪ 3‬مث تطرق إلثبات كونه إمامياً بوجوه وميؤدات عديدة‬ ‫‪4‬‬ ‫مل نذكرها لطوهلا فلرياجع‪ ،‬مث قال‪( :‬فاحلق احلقيق باالتباع وثاقة الرجل وعدم وقفه)‪.‬‬ ‫وقال يف املعجم‪ ...( :‬بقي الكالم يف أمرين‪ :‬األول‪ :‬ال إشكال يف وثاقة مساعة بن مهران‬ ‫وحجية روايته بناء على ما هو الصحيح من حجية خرب الثقة وإن مل يكن عادالً وأما بناء على‬ ‫اختصاص احلجية خبرب العادل فرمبا يتوهم عدم حجية روايته من جهة وقفه ولذلك ذكره العالمة‬ ‫وابن داود يف القسم الثاين‪ ...‬وظاهر النجاشي من تكرير كلمة ثقة وعدم التعرض لوقفه‪ ،‬عدم‬ ‫وقفه‪ ،‬وهذا هو الظاهر فإن مساعة من أجل الرواة ومعاريفهم فلو كان واقفياً لشاع وذاع‪ ،‬كيف ومل‬ ‫يتعرض لوقفه الربقي والكشي وابن الغضايري ومل ينسب القول به إىل غري الصدوق قدس سره‬ ‫‪5‬‬ ‫ويؤيد عدم وقفه‪.)...‬‬

‫‪ 1‬تنقيح المقال‪ :‬المجلد األول‪ ،‬ص‪.69‬‬

‫‪ 2‬رجال النجاشي‪ ،‬ص‪ ،138‬سماعة بن ماران‪.‬‬

‫‪ 3‬تنقيح المقال‪ :‬المجلد الثاني‪ ،‬ص‪ ،67‬رق ‪.5271‬‬ ‫‪ 4‬المصدر‪ ،‬ص‪.68‬‬

‫‪ 5‬معج رجال الحديث ج‪ ،8‬ص‪ ،299-298‬الرق ‪.5546‬‬

‫‪199‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫االستدالل بالروايات السابقة‬

‫وتقريب االستدالل هبذه الروايات‪:‬‬ ‫[أما على القول بأنها إرشادية] ‪-‬كما هو الظاهر منها كقوله‪ :‬قيل يا رسول اهلل ما احلزم؟‬ ‫قال‪ :‬مشاورة ذوي الرأي واتباعهم وقوله عليه السالم‪ :‬من استبد برأيه هلك‪ ،‬ومن شاور الرجال‬ ‫شاركها يف عقوهلا‪ ،‬وقوله عليه السالم‪ :‬وإياك واخلالف فإن خمالفة الورع العاقل مفسدة يف الدين‬ ‫‪1‬‬ ‫والدنيا‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫حينئذ حبكم العقل املرشد إليه هبذه الروايات فال يضر ٍ‬ ‫فواضح إذ يكون التمسك ٍ‬ ‫حينئذ ضعف‬ ‫سندها‪ ،‬إذ ليس االستدالل هبا بل بقسيمها ومن البديهي حكم العقل مبضمون هذه الروايات‪.‬‬ ‫[وأما إن قلنا بكونها مولوية] ‪-‬وكون بعض تلك اجلمل إنشائية بصيغة اإلخبار‪ -‬فنقول‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬ليس كل الروايات ضعيفة بل فيها املعترب سنداً ‪-‬كما مر وكما يظهر للمتتبع يف سائر‬ ‫األخبار‪.‬‬ ‫[وثانيا]‪ :‬لو فرض ضعف الكل (كل بإنفراده) كانت كثرهتا وتعددها وشهرهتا شهرة عظيمة‬ ‫روائية موجبة لالطمئنان (إن مل نقل للقطع) بصدورها ولو بنحو التواتر اإلمجايل أو تواتر املضمون‪.‬‬ ‫[وثالثا]‪ :‬سلمنا لكن نقول‪ :‬إن استداللنا ٍ‬ ‫حينئذ حبكم العقل املستقل بكون االستشارة حسنة‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ للتأييد وجلالء احلكم‬ ‫وأن املستشري أقل وقوعاً يف اخلطأ من غريه‪ ،‬ويكون ذكر الروايات‬ ‫العقلي أكثر فأكثر‪.‬‬ ‫أما تقرير االستدالل هبا فمن وجوه‪:‬‬

‫‪ 1‬وجاه‪ :‬إن المسايلة مبنياة علار الخاالا الموجاود فاي ماالل المولوياة واإلرشاادية‪ ،‬فاإن كاان ماالل كاون األمار إرشاادياً‪ :‬ماا‬ ‫لزمن من إعمال المولوية فياه اللغوياة‪ ،‬أو كاان الماالل ماا لاز مان أعمالااا محاذور عقلاي كالادور والتسلسال ‪-‬كماا فاي أوامار‬

‫طاعة المولر حيث يلز من كون (أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول) مولوياً‪ ،‬التسلسل لحدوث أمر جديد‪ -‬أو الدور‪ ،‬فيكون األمر‬

‫فيما نحن فيه مولوياً‪ ،‬إذ ال يلز من األمر باالستشارة اللغوية أو الدور أو التسلسل‪.‬‬

‫وأما إن كان مالل اإلرشادية‪ :‬إن كل مورد حك به العقل باالستقالل (كقابح الظلا وحسان اإلحساان والعادل) فااور إرشاادي‪،‬‬

‫فيكون األمر فيما نحان فياه إرشاادياً‪ ،‬إذ العقال مساتقبل ‪‬بحسان االستشاارة‪ ‬وتحاري اوراء واالعتضااد بالمستشاارين وقاد يرشاد‬

‫إليه لحن الروايات‪ -‬فتيمل وهنال أقوال أخرك في مالل المولوية واإلرشادية فلتالحظ‪.‬‬

‫‪200‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الوجه األول‪:‬‬

‫لو لزم األخذ برأي املشري العاقل الناصح وإال لزم العطب ومفسدة الدين والدنيا واهلالك ‪-‬كما‬ ‫ورد يف الروايات‪ -1‬لزم األخذ برأي املشريين املتعددين (وهم األكثرية) باألولوية إذ أن احتمال‬ ‫العطب واملفسدة يف رأي الناصح املشري الواحد أكرب من احتماله يف رأي عدة ناصحني ممن أشاروا‬ ‫بشيء ‪-‬فعلى عامة الشعب االلتزام برأي أكثرية شورى الفقهاء‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬إهنا ال تشمل صورة تعارض املستشارين‪ 2‬حىت يقدم رأي األكثرية على األقلية؟‬

‫[إذ يقال]‪ :‬الروايات السابقة وغريها تنقسم إىل أربع طوائف‪:‬‬ ‫الطائفة األوىل‪ :‬ما أرشد فيه أوامر فيه باستشارة رجل عاقل كالرواية الثالثة‪.‬‬ ‫الطائفة الثانية‪ :‬ما أمر فيه باستشارة العاقل الناصح أو الورع كاألوىل والثانية‪.‬‬ ‫الطائفة الثالثة‪ :‬ما أرشد فيه أوامر فيه باستشارة ذوي الرأي والرجال كالرواية اخلامسة والتاسعة‪.‬‬ ‫الطائفة الرابعة‪ :‬ما حذف فيه املتعلق كالرابعة والسادسة والسابعة والثامنة واحلادية عشرة وما‬ ‫بعدها‪.‬‬ ‫ففي الطائفة األولى وهي ما كان املتعلق منكراً فاستشارته وإن كانت ال بشرط بالنسبة لألكثر‬ ‫إال أن صورة التعارض خارجة موضوعاً عنها فتأمل‪.‬‬

‫وفي الطائفة الثانية وهي ما كان املتعلق مفرداً حملى بأل فإن كانت الالم للجنس (كما هو‬ ‫األصل فيها) فتشمل استشارة الواحد واملتعدد‪ ،‬فإن قلنا بشمول أدلة احلجية وشبهها للمتعارضني‬ ‫فإما أن نقول بالتخيري يف صورة التكافؤ والرتجيح يف صورة الرتاجح ونقول بكون األكثرية من‬ ‫املرجحات كما فصلنا احلديث عن ذلك يف موضع آخر‪ ،‬وإما أن نقول بغري ذلك‪ ،‬فعلى األول‬ ‫ميكن االستدالل هبذه الروايات‪ ،‬وعلى الثاين ال‪ ،‬وكذا لو قلنا بعدم مشول أدلة احلجية للمتعارضني‬ ‫وال يلزم من عدم مشول الطائفة الثانية هلما استثناء األكثر كما ال خيفى (كما لزم من عدم مشول‬ ‫الطائفة الثالثة) فال يكون ذلك دليالً على عدم إمكان القول بعدم الشمول‪.‬‬ ‫وكذا الكالم بعينه جار يف الطائفة الرابعة وهي ما حذف فيه متعلق املشورة أي املستشار‪.‬‬

‫‪ 1‬ال يخفر أن بع‬

‫الروايات ال كلاا كان ناطقاً بلزو األخذ أو رجحانه إرشادية أو مولوية‪.‬‬

‫‪ 2‬كما ال تشمل صورة تعار‬

‫مستشارين اثنين‪.‬‬

‫‪201‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫تنبيه‪ :‬ال خيفى أن حديث التعارض جا ٍر يف ما أمر فيه باالستشارة واالتباع ويف غريه بناء على‬ ‫العينيّة أو التالزم وإال فال معىن للتعارض إطالقاً‪.‬‬

‫وأما الطائفة الثالثة‪ :‬وهي ما كان املتعلق مجعاً حملى بأل فتفصيل الكالم فيها أنه إما على‬ ‫املولوية فال ينبغي الريب يف مشوهلا‪ ،‬هلا‪ ،‬إلطالقها‪ ،‬مثل‪ :‬رواية ابن القداح السابقة (قال‪ :‬مشاورة‬

‫ذوي الرأي واتباعهم) ورواية مساعة‪( :‬لن يهلك امرء عن مشورة) إذ إن من الواضح أن ذوي‬ ‫الرأي يكونون عادة خمتلفي الرأي وقلما اتفقوا على رأي‪ ،‬فحمل هذه الروايات على صورة االتفاق‬

‫محل على فرد نادر‪ 1‬فال مناص من إرجاع الضمري يف (واتباعهم) إىل األكثرية‪ ،‬كما أن من‬ ‫الواضح أن اتباع رأي األكثرية أقرب إىل ‪‬الظهيرية‪ ‬من اتباع رأي األقلية (وال ظهير كالمشاورة)‬ ‫فتأمل‪.‬‬‫ومن هنا ظهر أننا حىت لو قلنا ‪-‬يف حبث تعارض اخلربين مثالً‪ -‬بعدم مشول أدلة حجية خرب‬ ‫الواحد للخربين املتعارضني ‪-‬مما يستلزم تساقطهما‪ ،-‬ال مناص لنا من القول هنا ‪-‬يف الطائفة‬ ‫الثالثة‪ -‬بشمول أدلة حسن الشورى ملا تعارضت فيه اآلراء‪ 2‬وإال لزم محلها على الفرد النادر‪.‬‬ ‫اللهم إال أن ختصص هذه الروايات‪ 3‬مبا لو استشار فرداً واحداً وهو خالف الظاهر بل ال وجه‬ ‫له يف بعضها أصالً‪.‬‬ ‫وأما على اإلرشادية‪ :‬فالعقل ال يرى بداً من اتباع رأي أكثرية املستشارين عند دوران األمر بني‬ ‫اتباع األقلية واألكثرية‪.‬‬

‫‪ 1‬هذا في مير ما كان من الطائفة الرابعة والثانية‪.‬‬

‫‪ 2‬ال معنر لذلل إن قلنا باستحالة شامول الحجياة للمتعارضاين إال أن علار هاذا القاول الباد مان اإللتا از بجعال هاذه الرواياات‬ ‫الحجية ألكثرية اوراء وان كان اللساان ظااه اًر فاي جعلااا للجميال إال أناه الباد مان رفال الياد عناه لتلال االساتحالة وأماا الحمال‬

‫علر جعل الحجية لألكثرية فلئال يلز لغوية هذه الروايات‪.‬‬

‫‪ 3‬المقصود الرواية الخامسة فصاعداً‪.‬‬

‫‪202‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الوجه الثاني‪:‬‬

‫‪1‬‬

‫إذا كان يف اتباع رأي املشري الناصح (أقربية للواقع) سواء يف الشؤون الدينية أو الدنيوية حيث‬

‫قال عليه السالم‪( :‬فإنه ال يأمر إال بخير) وقال‪( :‬بل يرفعه اهلل ورماه بخير األمور وأقربها إلى‬ ‫اهلل) وقال‪( :‬مشاورة العاقل الناصح رشد ويمن وتوفيق من اهلل) وإذا كان يف خمالفته األبعدية‬ ‫عن الواقع بل (مفسدة الدين والدنيا) و(فإن في ذلك العطب) فماذا ترى يف اتباع عدة مشريين‬ ‫ناصحني؟ ويف خمالفة جمموعة منهم؟ وأما يف صورة ختالف النصائح وتناقض آراء املشريين فاتباع‬ ‫رأي أكثرة الناصحني هو احملتم كما سنفصله بعد صفحات عند التطرق للمقوبلة واملرفوعة والتوقيع‬ ‫املبارك ونزيد هنا أن السر يف كون اتباع الناصح املشري رشداً وميناً وخرياً وأقرب إىل اهلل هو أنه يرى‬ ‫ما ال يراه املستشري كما ورد عنه عليه السالم‪( :‬من استقبل وجوه اآلراء عرف مواقع الخطأ)‬

‫ولذا ورد‪( :‬أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله) ‪-‬إذ أن كل عقل يرى جهة ويقرتح‬

‫اقرتاحاً فيكون باجتماعها التكامل‪ -‬وقد نقل عنه عليه السالم‪( :‬والعقل حفظ التجارب)‪ 2‬ومن‬ ‫الواضح أن العقول املتعددة هلا جتارب تفوق جتارب إحداها‪ ،‬وعنه عليه السالم‪( :‬ومن شاور‬

‫الرجال شاركها في عقولها)‪ 3‬وإذا كان لذلك‪ ،‬األمر باتباع الناصح الواحد‪ ،‬ففيما تعدد‬ ‫الناصحون املشريون وختالفت آرائهم وكانت األكثرية على رأي معني كان الالزم اتباعها للمناط‬ ‫املذكور ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫[وأما] سائر الروايات فداللتها على املدعى تامة أيضاً فقوله عليه السالم‪( :‬من ال يستشر‬

‫يندم) وقوله عليه السالم‪( :‬لن يهلك امرء عن مشورة) وقوله عليه السالم‪( :‬من استبد برأيه‬

‫هلك) وقوله عليه السالم‪( :‬من استقبل وجوه اآلراء عرف مواقع الخطأ) وتعليله عليه السالم‬ ‫قوله‪( :‬فال تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل) بقوله‪( :‬فإني لست في نفسي بفوق أن‬

‫أخطيء) مما يعين أن املقالة باحلق واملشورة بالعدل تقي من اخلطأ وقوله عليه السالم‪( :‬االستشارة‬ ‫عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه) وقوله صلى اهلل عليه وآله يف جواب ما احلزم؟‬

‫(مشاورة ذوي الرأي واتباعهم)‪ ..‬هذه األقوال كلها دالة على أن ‪‬االنفراد بالرأي‪ ‬ورأي‬ ‫‪ 1‬األولر جعل هذا وسابقه وجااً واحداً‪.‬‬ ‫‪ 2‬ناج البالمة‪ :‬الكتاب ‪.31‬‬

‫‪ 3‬ناج البالمة‪ :‬قصار الحك ‪ ،‬الحكمة رق ‪.161‬‬

‫‪203‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الشخص بذاته أبعد عن الصواب وموجب للوقوع يف اخلطأ بل موجب للهالك والندم‪ ،‬أما‬ ‫(االستشارة) فهي (عين الهداية) ومن الواضح أن محل هذه الرواية وأشباهها على صورة اتفاق‬ ‫املشريين ‪-‬فيما من شأنه استشارة عدة كما يف اخلطرية أو حىت فيما ليس من شأنه االستشارة من‬ ‫عديدين وكفاية االستشارة من واحد عرفاً‪ -‬كما يف شراء دار مثالً ‪-‬ومع ذلك استشارة من عدة‬ ‫احتياطاً وتثبتاً‪ -‬خالف الظاهر لكونه ختصيصاً بال دليل‪ ،‬بل إنه ختصيص األكثر كما ال خيفى‬ ‫وهو قبيح على احلكيم إذ الغالب اختالف املشريين بل قد يقال بأنه محل على فرد نادر ‪-‬كما‬ ‫سبق‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫وكذا محلها وأشباهها على صورة استشارة واحد فقط بأن يكون معىن الرواية (االستشارة من‬

‫واحد عين الهداية) أما االستشارة من عدة فليس عينها؟ وكذا (لن يهلك امرء عن مشورة من‬

‫واحد) ولكنه يهلك عن استشارة املتعدد؟ وكذا (من استقبل وجوه اآلراء التي يذكرها شخص‬ ‫واحدة عرف مواقع الخطأ) أما من استقبل وجوه اآلراء املتعددين فال؟‪ -‬فخالف الظاهر جداً‪.‬‬

‫االعتراض بعدم داللتها على لزوم االتباع‬

‫[وأما االعتراض] على االستدالل هبذه الروايات على لزوم األخذ برأي األكثرية‪ ،‬بأهنا تدل‬ ‫على أن االستشارة توجب معرفة جهات اخلطأ واخللل ومعرفة الطريقة األفضل وأن تقليب وجوه‬ ‫اآلراء بوجي احلفظ عن اهلالك وال تدل على لزوم األخذ برأي أكثرية املشريين وإن كان ما توصل‬ ‫إليه بعد االستشارة وبعد تقليب وجوه اآلراء خمالفاً لرأي األكثرية؟ ولذا قال عليه السالم‪( :‬من‬

‫استقبل وجوه اآلراء عرف مواقع الخطأ) فصرف حتري آراء اآلخرين يوجب معرفة مواقع اخلطأ‬ ‫ويسبب البعد عن اهلالك ال استقبال اآلراء واتباع أكثريتها؟‬ ‫فريد عليه ‪-‬إضافة إىل ما سبق يف مكان آخر‪:-‬‬ ‫[أوال]‪ :‬إن الرسول صلى اهلل عليه وآله اعترب (احلزم) ‪‬وهو يعين ضبط األمر واتقانه وإحكامه‬

‫مما يستلزم طبيعياً قلة اخلطأ واالشتباه فيه‪ ‬يف (مشاورة ذوي الرأي واتباعهم) ال يف صرف‬ ‫املشاورة‪ ،‬فاملشاورة واالتباع أقرب للواقع ولضبط األمر من املشاورة وحدها‪ ،‬وإن كانت األخرية‬ ‫أقرب للواقع من االنفراد بالرأي‪ ،‬وكذلك يف روايات أخرى ذكرنا بعضها هنا وبعضها يف موضع‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫‪204‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ال يقال]‪ :‬النسبة بني رواية احلزم وأشباهها‪ 1‬ورواية (من استقبل) وأشباهها‪ 2‬نسبة املطلق‬

‫واملقيد وحيث إهنما مثبتان فال تقيد رواية (من استقبل) برواية احلزم؟ فالنتيجة هل التخيري وكون‬ ‫املقيد هو الفرد األفضل ال املتعني؟‬ ‫محصل‪ ‬لذلك العنوان أو‬ ‫[إذ يقال]‪ :‬كلما كان (العنوان) و(الغاية) معينة‪ ،‬وذكر يف مكان ‪ّ ‬‬ ‫لتلك الغاية ويف مكان آخر ذكر ‪‬حمصل أخص‪ ،‬لزم إاجاد احملصل األخص‪ ،‬أال ترى أن (الصالة)‬ ‫عنوان معني فلو اقتصر يف حديث على ذكر بعض شرائطها (كالطهارة واالستقبال) وذكر يف آخر‬ ‫الشرائط مع إضافة (كالسرت واالستقبال) وذكر يف آخر الشرائط مع إضافة (كالسرت واالستقرار)‬ ‫كان الالزم االتيان جبميع القيود إلحراز العنوان؟ وإلحراز الغاية (املقربية هلل تعاىل)؟ أو (النور‬ ‫اخلاص)؟ ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫وفيما حنن فيه (الغاية) هي ‪‬معرفة مواقع اخلطأ وعدم اهلالك‪ ‬وقد ذكر يف رواية ‪‬من استقبل‪‬‬ ‫قيد واحد ويف رواية احلزم قيدان أو مقومان ملعرفة اخلطأ وعدم اهلالك‪ ،‬وإمنا ال يكون املقيد املثبت‬ ‫مقيداً للمطلق املثبت‪ ،‬إذا مل يكن هناك ‪‬عنوان‪ ‬تعلق به األمر أو غاية صرح هبا األمر‪ ،‬بل كان‬ ‫املطلق بنفسه متعلق األمر والنهي وكذا املقيد كاعتق رقبة أو اعتق رقبة مؤمنة‪.‬‬ ‫إال أن يقال ببناء املسألة على مبحث استفادة تعدد الغرض ووحدته فليالحظ‪.‬‬ ‫ويؤيد ما ذكرناه تصرحيه عليه السالم بـ(فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإياك والخالف فإن‬

‫في ذلك العطب) وبـ(وإياك والخالف فإن مخالفة الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا)‪.‬‬

‫[ثانيا]‪ :‬إن األمر بـ(االستشارة) عرفاً‪ ،‬أمر باتباع أكثرية رأي املشرين‪ ،‬ولو أنكر هذا على‬ ‫إطالقه فال جمال النكاره فيما لو كان املأمور باالستشارة عامياً غري قادر على التشخيص واحملاكمة‬ ‫بني خمتلف األقوال وأدلتها ‪-‬وسيأيت ما يوضح ذلك‪ -‬أ ال ترى أن املوىل لو أمر عبده باستشارة‬ ‫مخسة من األشخاص فيما أ ّمل به من األمور والدواهي كان عليه اتباع رأي أكثريتهم عند التعارض‬ ‫فيما لو مل اجعل املوىل الرتجيح مع أحدهم؟‬ ‫والذي يدل على كون األمر باالستشارة أمراً باتباع األكثرية عرفاً قوله عليه السالم‪( :‬من استبد‬

‫برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها) حيث جعل عليه السالم (ومن شاور) عدالً‬ ‫‪ 1‬مما رتبت فيه اإلصابة واألقربية للواقل والاداية علر المشاورة واالتباال‪.‬‬ ‫‪ 2‬مما رتب فيه كل ذلل علر مجرد االستشارة‪.‬‬

‫‪205‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقسيماً ومقابالً لـ(من استبد) ومن الواضح أن املستبد يطلق على من مل يستشر أصالً كما يطلق‬ ‫على من استشار وخالف رأي األكثرية‪ ،‬فتكون االستشارة لو مل نقل بكوهنا حقيقة يف اتباع رأي‬ ‫األكثرية‪ ،‬جمازاً فيه‪ ،‬بقرينة املقابلة وبقرينة الفهم العريف ‪-‬فتأمل‪.‬‬

‫[ثالثا]‪ :‬سلمنا‪ ...‬لكن نقول‪:‬‬ ‫إن هناك فرقاً بني ما كان املستشري من أهل اخلربة وما مل يكن‪ ،‬فإن كان من أهل اخلربة كان‬ ‫مبقدرته تقليب وجوه اآلراء وتقييم وجهات النظر املختلفة والنظر يف أدلتها وشواهدها ومتحيصها‬ ‫فيحصل له ‪‬الظن‪ ‬مبا هو الصواب فال حمالة يرى الرأي املخالف ‪-‬وإن كانت عليه األكثرية‪-‬‬ ‫باطالً ال حيق له اتباعه فتأمل‪ ،1‬وظنه حجة فعليه اتباعه حسب هذا املبىن وله اتباعه حسب مبىن‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫أما من مل يكن من أهل اخلربة فليس مبقدرته ذلك ‪-‬إال فيما مل يكن حباجة إىل خربوية بأن كان‬ ‫العرف العام قادراً على التشخيص‪ -2‬فال حيصل له الظن أو املعترب منه‪ ،‬أ ترى العامي عند‬ ‫اختالف األطباء يف ماهية املرض ‪-‬قادراً على التشخيص من استماع أقواهلم وأدلتهم وشواهدهم‬ ‫خاصة إذا كانت املسائل دقيقة عميقة ترجع إىل أصول ومباين عديدة؟ هذا‪ ،‬ولو حصل له الظن‬ ‫بأحد األطراف فليس حبجة‪ ،‬إذ األصل يف الظن عدم احلجية وال دليل على حجية ظن غري أهل‬ ‫اخلربة فيما حيتاج إىل اخلربة‪ ،‬بل إن بناء العقالء على عدم حجيته‪.‬‬ ‫وعلى هذا فلو استشار َمن ال خربة له عدة خرباء فيما حيتاج إىل اخلربوية‪ ،‬توقف جناته من‬ ‫اهلالك والعطب وبعده عن اخلطأ ‪-‬حسب هذه الروايات‪ -‬على اتباع رأي أكثريتهم‪ ،‬إذ ليس‬ ‫مبقدوره أن (يعرف مواقع اخلطأ) لعدم خربويته ولو فرض حصول الظن له مل يكن حجة‪...‬‬ ‫ولو نوقش فيما ذكرناه على إطالقه‪ ،‬مل يكن حمل للنقاش يف (اجملتهد= اخلبري يف الفقه)‬ ‫و(املقلد)‪ ،‬إذ إنه ال ميكنه معرفة مواقع خطأ استدالل الفقهاء باستماعه إىل أدلتهم وردودها وهل‬ ‫ترى العامي يفهم حجية األصل املثبت والشك السبيب واملسبيب والتزاحم والتعارض واألمر الواقعي‬

‫‪ 1‬إذ قد ذكرنا في موضل آخر من هذا الكتاب جاواز عمال المجتااد ‪-‬ومطلاي أهال الخبارة‪ -‬بارأي المشااور حياث يكاون كاال‬ ‫الرأيين (رأيه هو ورأي المشاور) حجة بمعنر المنجزية والمعذرية أو جعل المماثل‪.‬‬

‫‪ 2‬ال خيىا أن االستثناء هنا منقطل وبنحو الخروج الموضوعي‪.‬‬

‫‪206‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫والظاهر و‪ ...‬ولو فهم فهل ميكنه احملاكمة بينها؟ إذن لكان جمتهداً ال مقلداً‪ ،‬هذا صغرى‪ ،‬وأما‬ ‫كربى‪ :‬فلو فرض حصول الظن له بأحد األطراف فمما ال شك فيه أن ظنه ليس حبجة‪.‬‬

‫إذا تمهد ذلك فنقول‪ :‬إذا كان (الشؤون العامة) و(الموضوعات المستنبطة) بيد الفقيه‬ ‫وكان على املقلدين اتباعهم فيها (مبعىن أهنم لو أفتوا باجلهاد وجب‪ ،‬وبالصلح ثبت‪ ،‬وباملعاهدة‬ ‫الدولة لزمت‪...‬اخل) فلو فرض اختالف الفقهاء يف تلك الشؤون وأفىت أحدهم باحلرب واآلخر‬ ‫بالضلح فإن ظن املقلد بأحد اجلوانب ليس حبجة‪ ،‬ولو حصل من احملاكمة بني أدلة القولني واملعرفة‬ ‫الظنية مبواقع اخلطأ هلما‪ ..‬إذن فاملقلد خارج ‪-‬عقالً وعرفاً‪ -‬ما دام مقلداً وما دام ليس من أهل‬ ‫اخلربة باملوضوعات املستنبطة جبانبيها الشرعي عن كربى (األخذ مبا أدى إليه نظره بعد استشارة‬ ‫اخلرباء أو التحاكم إليهم) أما كربى (استشارهتم أو التحاكم إليهم‪ ،‬مث االلتزام ‪-‬لكونه من غري‬ ‫أهل النظر‪ -‬مبا أدت إليه آراء أكثريتهم حسب كالمه صلى اهلل عليه وآله استشارة ذوي الرأي‬ ‫واتباعهم وحسب أرجحية اتباع أكثرية أهل اخلربة وغري ذلك) فال موجب للخروج عنها إال ما رمبا‬ ‫يقال من وجوب رجوع املقلد إىل مقلده تعييناً وقد سبق بعض الكالم فيه وسيأيت بعض آخر بإذن‬ ‫اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫نعم‪ :‬اجملتهد داخل يف الكربى األوىل لقدرته على احملاكمة والتمحيص كما ال خيفى وحلجية ظنه‬ ‫ولبناء العقالء على حجية رأي اخلبري واجملتهد لنفسه‪ ،‬وإن كان مشهور اخلرباء خبالفه إال أنه ميكن‬ ‫استثناء الشؤون العامة كما فصلناه يف مواضع أخرى فلرياجع وليتأمل‪.‬‬ ‫الوجه الثالث‬

‫وميكن بيان االستدالل هبذه الروايات بنحو آخر يتلخص بأمور‪:1‬‬ ‫[أوال]‪ :‬إن هذه الروايات شاملة ملا لو كان املستشري من أهل اخلربة (وجمتهداً) أو غريه‪ ،‬وعلى‬ ‫التقدير الثاين شاملة ملا لو حصل له الظن بأحد الطرفني أوالً‪ ،‬وملا لو كان قادراً على التشخيص‬ ‫لوضوح أدلة الطرفني وكوهنا لو نبه عليها العامي ألدركها بفطرته وأمكن له احلكم عليها‪ ،‬وما لو مل‬

‫‪ 1‬لو ت هذا الجواب كاان مماا يحال باه التعاار‬ ‫بغير الشؤون العامة‪.‬‬

‫(علار فرضاه) باين أدلاة الشاورك والتقلياد‪ ،‬إذ يكاون مخصصااً ألدلاة التقلياد‬

‫‪207‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫يكن قادراً عليه وذلك لوضوح أن (من استبد برأيه هلك) و(لن يهلك امرء عن مشورة) و(من‬ ‫ال يستشر يندم) و(مشاور ذوي الرأي واتباعهم) ال خيتص بالقسم األول كما ال خيتص بغريهز‬

‫[ثانيا]‪ :‬إن اخلبري واجملتهد وكذا العامي فيما لو قدر على التشخيص بإمكاهنم (معرفة مواقع‬ ‫اخلطأ) باالستشارة وبالنظر يف حجج املشريين وبذلك تكون االستشارة وحدها سبباً للخالص من‬ ‫(التهلكة والندم واخلطأ) وإن مل يتبع رأي األكثرية‪- 1‬وذلك أيضاً هو مقتضى حجية ظنه ومقتضى‬ ‫بناء العقالء على حجية ظن العامي فيما لو كان قادراً على التشخيص نوعاً‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫أما العامي غري القادر على التشخيص فليس بإمكان ذلك ‪-‬وإال لزم اخلروج املوضوعي‬ ‫واخللف‪ ،‬إذ يكون ٍ‬ ‫حينئذ قادراً عليه‪ -‬فال تكون االستشارة سبباً للخالص عن اهلالك والندم لعدم‬ ‫قدرته على تشخيص مواقع اخلطأ يف االستدالل ‪-‬لو فرض تصوره وفهمه للحجج واألدلة‪ -‬فال‬ ‫حمالة يكون خالصة عن اهلالك والندم موقوفاً على اتباع رأي أكثريتهم وإال لزم لغوية حضه على‬

‫االستشارة ولغوية استشارته‪ ،‬وااللتزام خبروجه عن عموم روايات (من استبد برأيه هلك) ‪-‬مما يأىب‬ ‫عنه لساهنا جداً‪ ،‬مع أنه يستلزم خروج الكثري بل قد يقال باستلزامه خروج األكثر املعلوم قبحه ‪-‬‬ ‫إذ ختصيص األكثر مستهجن‪ -‬إذ الغالب يف الناس كوهنم من غري أهل اخلربة فيما يستشريون من‬ ‫‪2‬‬ ‫شؤوهنم ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬أن (الموضوعات المستنبطة) و(الشؤون العامة) مما ليس باستطاعة املقلد تشخيصها‬ ‫ومعرفة وجوه االستدالل وضروبه فيها ذلك أهنا ‪-‬مما حيتاج جلانبني خربوي وفقهي لكوهنا‬ ‫موضوعات خارجية مرتددة بني عدة كربيات شرعية‪ ،‬وكذا بني كوهنا من مصاديق العناوين األولية‬ ‫أو أهنا داخلة حتت عنوان ثانوي فمثالً (الرسوم اجلمركية) مما ال ميكن احلكم عليها إال لو توفرت‬ ‫للمرء خربوية اقتصادية ومعرفة فقهية حيث إن احلكم حبليتها موقوف على حلاظ عدة أمور‪:‬‬ ‫‪ -1‬التضخم والتنزل يف البلدين‪.‬‬ ‫‪ -2‬روايات حتريك املكوس‪.‬‬ ‫‪ 1‬هاذا لاو قطعناا النظار عماا ذكرناا مان ساببية االستشاارة للاتخلص مان أخطااء كثيارة ال مان كلااا وساببية اتبااال رأي األكثريااة‬ ‫للتخلص من أخطاء أكثر وكون الظن النوعي مناا أقوك ‪-‬فتيمل‪.‬‬

‫‪ 2‬ويمكن الدفاال بيولوية الشؤون العامة من ميرها في لزو االتباال لعظ خطرها‪.‬‬

‫‪208‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫‪ -3‬الفارق التجاري بني البلدين وتفاوت حجم العرض والطلب فيهما مما خيول التاجر حقاً‬ ‫طبيعياً متعارفاً عليه يف االسرتباح حسب كمية الطلب شدة وضعفاً‪.‬‬ ‫‪ -4‬قاعدة ال ضرر وتعارض (ال ضررين)‪ :‬الال ضرر الشخصي‪ ‬يف هذا التاجر و ‪‬الال ضرر‬

‫النوعي‪ ‬يف االقتصاد الوطين بل تعارض ال ضررين نوعيني بأن كان استرياد البضائع اخلارجية بال‬ ‫رسوم وبيعها بقيم خمففة ذا نفع نوعي لعموم الناس وذا ضرر نوعي لكافة منتجي البضائع الوطنية‬ ‫مث املعادلة بينهما وتشخيص أن هذا ربح موقت وذاك خسارة اسرتاتيجية أم العكس‪ ،‬وكذا لو‬ ‫تعارض ضرران نوعيان بأن كان الطرفان مها البلدان املصدر واملستورد وكانت الرسوم تضر بأحدمها‬ ‫وتنفع اآلخر مع كوهنما ‪-‬فرضاً‪ -‬بلدين إسالميني‪ ،‬أ فال يتوقف تشخيص هذا البند الرابع وكذا‬ ‫الثاين على االجتهاد؟ مث مالحظة نسبته مع البنود الثالثة األول؟ أ يتيسر ذلك لعامة الناس؟ أم أنه‬ ‫مما اجب أن يرجعوا فيه إىل الفقهاء اخلرباء‪1‬؟ وإذا رجع عامة الشعب إىل مقلديه واختلفوا ‪-‬فحيث‬ ‫ال ميكن التفكيك كما أسلفناه أول هذا الربهان‪ -‬فحيث إن جتنبه مواطن اخلطأ غري ممكن له‬ ‫بصرف االستشارة واستعراض آراء خمتلف الفقهاء مشفوعة بأدلتهم فال مناص له عقالً وحسب‬ ‫تلك الروايات ‪-‬كما بيناه يف األمر الثاين‪ -‬من الرجوع إىل رأي أكثرية املراجع املقلدين فتكون هل‬ ‫امللزمة النافذة‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل أنه لو سلمنا قدرته على تشخيص احلكم وقدرته على حتليل اجلانبني اخلربوي‬ ‫والشرعي أحياناً‪ ،‬نقول إن ظنه ليس حبجة لعدم حجية ظن املقلد قبال اجملتهد‪ ،‬ولو سلمنا حجية‬ ‫ظنه ههنا نقول‪ :‬إنه مع ذلك ال يصح إرجاع األمر إليه ‪-‬أي الشعب‪ -‬لعدم إمكانه غالباً إذ أن‬ ‫آراء الشعب ستكون خمتلفة طبيعياً وإجراء استفتاء يف كون الشؤون العامة مع توضيح كافة جوانبها‬ ‫اخلربوية والفقهية مع أدلة كل األطراف مما ليس بعملي كما ال خيفى على من له أدىن معرفة‪ ،‬إن مل‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ من كون‬ ‫يستلزم ‪-‬على فرض إمكانه وعمليته‪ -‬اهلرج واملرج واختالل النظام فال مناص‬ ‫احملكم هو رأي أكثرية شورى من قلدهم الشعب وفوض إليهم أمر دينه ودنياه ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫‪ 1‬ال يخفر أن تمامية ما ذكر هانا يستلز عد حجية رأي المجتاد مير الخبير فيما له جانبان فقااي وخباروي اقتصاادي أو‬ ‫سياسي أو ميره‪ ،‬بل الحجة هو رأي أكثرية المجتادين الخبراء ‪-‬فتيمل‪ ،‬إذ قد يقال بكون اإلما عليه السال قد جعل الفقاااء‬

‫حكاماً دون تقييد باذا القيد فتيمل‪ ،‬إذ قد ذكر في بع‬

‫الروايات هذا القيد أوالً وثانياً علر فر‬

‫تسلي عد الذكر فإنماا هاو‬

‫الرتكازيتااه وكااون بناااء العقااالء عليااه ولاايس اإلطااالي بحيااث يصاالح أن يكااون رادع ااً ‪-‬فتيماال‪ ،‬وربمااا ساانتطري لاااذا البحااث‬

‫بالتفصيل في المجلد الثاني بإذنه تعالر‪.‬‬

‫‪209‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الوجه الرابع‬

‫وميكن االستدالل هبذه الروايات بطريق آخر‪ 1‬هو‪:‬‬ ‫أن إيقاع النفس يف التهلكة حرام‪ ،‬وحيث إن االستبداد إيقاع للنفس فيها لصريح قوله عليه‬

‫السالم‪( :‬من استبد برأيه هلك) وغري ذلك من الروايات فهو حمرم‪ ،‬وال ريب يف صدق‬

‫(االستبداد) فيمن ح ّكم رأيه على خالف رأي األكثرية‪...‬‬

‫وبقرينة (هلك) ميكن دعوى انصراف هذه الرواية وأشباهها إىل االستبداد يف األمور اخلطرية‬ ‫لعدم استلزام االستبداد يف غريها اهلالك‪ ،‬وال شك يف كون الشؤون العامة من األمور اخلطرية بل‬ ‫من أجلى مصاديقها‪.‬‬ ‫اللهم إال أن يدعى ‪-‬بقرينة وحدة اللسان يف أمثال هذه الرواية ويف (من ال يستشر يندم)‬

‫وأشباهها‪ -‬إن املراد من (الهالك) األعم من املعىن احلقيقي واجملازي فيشمل ما لو اشرتى داراً أو‬

‫عقد على امرأة دون استشارة حيث يعرب عن ابتالئه باملصائب واملشاكل بـ(الهالك) جمازاً ‪-‬فتأمل‪،‬‬ ‫وال خيفى عدم إضرار هذا املعىن األعم باملدعى‪ ،‬إذ ال مانعة مجع بني كون التحرز عن (اهلالك‬ ‫اجملازي) مستحباً وكونه عن (اهلالك احلقيقي) واجباً‪...‬‬ ‫[إال أن يقال]‪ :‬إنه يستلزم استعمال اللفظ يف أكثر من معىن واحد وهو حمال‪.‬‬

‫[وفيه أوال]‪ :‬أما مبىن‪ ،‬فبعدم احملالية‪ ،‬إذ ليست علقة اللفظ باملعىن علقة الفاين يف املفين فيه‬ ‫حىت ال يعقل فناء شيء يف شيئني ‪-‬كما ذكره اآلخوند قده‪ -‬بل إن األلفاظ مشرية للمعاين‬ ‫وحديث الفناء مما ال دليل عليه‪ ،‬ومن الواضح إمكان إشارة شيء واحد إىل أكثر من أمر بتعدد‬ ‫االعتبارات وداللة اللفظ على املعىن أمر اعتباري جمعول وليست ذاتية له وكما ميكن اعتباره داالً‬ ‫على معىن‪ ،‬ميكن اعتباره داالً على معىن‪ ،‬ميكن اعتباره داالً على آخر أيضاً طوالً أو عرضاً بل حىت‬ ‫لو كانت الداللة ذاتية لأللفاظ‪ ،‬إذ ما املانع من انتزاع ذاتيني بذايت باب الربهان من شيء واحد‬ ‫من جهات متعددة؟ أ ال ترى (زيداً) مثالً ينتزع منه اإلمكان باعتبار والفردية باعتبار واملعلولية‬

‫‪ 1‬قد تطرقنا لاذا الطريي بشكل مفصل ضمن بيان األدلة العقلية علر وجوب اتباال األكثرية‪.‬‬

‫‪210‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫باعتبار واحلدوث باعتبار واملاهية باعتبار (بناء على أصالة الوجود أو الوجود؟؟ بناء على‬ ‫أصالتها)‪ ،‬إضافة إىل أنه ميكن تصويره بـ(متمم اجلعل) ‪-‬فتأمل‪.‬‬

‫وأما بناءً‪ :‬فلو قبلنا استحالته نقول‪[ :‬ثانيا]‪ :‬بأن املستحيل استعمال اللفظ يف أكثر من معىن‬ ‫على أن يكون كل منهما أو منها مدلوالً مطابقياً ومتام املراد واملستعمل فيه لللفظ ال فيما كان كل‬ ‫‪1‬‬ ‫منهما أو منها بعض املدلول واملستعمل فيه على حنو الداللة التضمنية‪.‬‬ ‫[وثالثا]‪ :‬إن (الجامع) ولو االنتزاعي منه ٍ‬ ‫كاف‪ ،‬فاللفظ مستعمل فيه ال يف معنيني‪ ،‬أال ترى أن‬

‫اجلامع بني الركوع والذكر والنية و‪ ..‬ليس أمراً حقيقياً بل إنه أمر اعتباري لكون بعض أجزاءها من‬ ‫مقولة الفعل وبعضها من مقولة الوضع وبعضها من مقولة الكيف ‪-‬وال جامع بينها لكوهنا أجناساً‬ ‫عالية‪ -‬وقد استعمل الشارع واملتشرعة وكل الناس (الصالة) يف ذلك اجلامع‪ ،2‬وأال ترى (املخلوق)‬ ‫و(املعلول) وكذا (اجلنس العايل) داالً على األجناس العالية العشرة مع عدم وجود جامع حقيقي‬ ‫بينها لعدم وجود جنس هلا بل اجلامع أمر اعتباري فقط؟!‬ ‫هذا‪ .‬إضافة إىل أننا ال حنتاج إىل اجلامع بني الوجوب واالستحباب لتثبيت املدعى‪ ،‬إذ قوله‪ :‬من‬ ‫استبد برأيه هلك‪ ،‬لو مشل األمور اخلطرية وغريها بأن مشل ما يصدق عليه عرفاً أنه ‪‬هتلكة‪ ‬كالقتل‬ ‫واملرض الشديد وحتطيم االقتصاد الوطين و‪ ...‬فتكون الرواية مبينة للموضوع وأن االستبداد سبب‬ ‫للهالك ومن الواضح أن (اهلالك) و(التهلكة) موضوع للحرمة فيكون االستبداد حمرماً إال فيما كان‬ ‫اهلالك جمازياً فتأمل‪.‬‬ ‫[ومما يرشد]‪ :‬إىل ما ذكرناه من حكم العقل باتباع األكثرية‪ :‬الفرض التايل وهو أنه لو فرضنا‬

‫عشرة أشخاص يف غابة خطرة حبيث لو تفرقوا هللكوا مجيعاً لتوقف دفع خطر احليوانات على‬ ‫وجودهم مجيعاً‪ ،‬ووصلوا إىل مفرتق طرق مث ارتأى سبعة منهم مثالً أن هذا الطريق آمن وذاك‬ ‫‪3‬‬ ‫مهلك وثالثة ارتأوا العكس ومل يكن بإمكاهنم التفرق أو املكوث هناك ألدائه إىل هالكهم مجيعاً‬ ‫ودار األمر بني الطريقني‪ ،‬أال ترى العقل يقبح اتباع األكثرية هنا لألقلية يف سلوك الطريق الذي تراه‬ ‫األقلية آمناً‪ ،‬ويوجب اتباع األقلية لألكثرية يف طريقهم وإن أوجب ‪-‬باعتقادهم‪ -‬اهلالك؟ وأال ترى‬ ‫‪ 1‬هذا الجواب منقح للجواب األول وقد يعد مبنائياً‪.‬‬

‫‪ 2‬إن ل إينكر الجامل البسيطج ويدعر كوناا موضوعة للمجموال دالة علر كل جزء بالتضمن‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا المثال ينطبي علر ما نحن فيه من شورك المراجل تماماً ‪-‬فراجل األمر األول واألمر الثاني المذكورين سابقاً‪.‬‬

‫‪211‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أن الشخص احلادي عشر لو فرض وجوده سريجح اتباع طريق األكثرية ‪-‬وإن أمكن التفكيك بأن‬ ‫مل يكن يف تفرقهم هالكهم مجيعاً‪ -‬حيث انتخبت األقلية طريقاً واألكثرية طريقاً آخر؟‪- 1‬فتأمل‪.‬‬ ‫ومما يرشد إىل ما ذكرنا أيضاً‪ :‬ما التزم به الكثري من الفقهاء من كون الشهرة الفتوائية جابرة‬ ‫للرواية الضعيفة السند‪ ،‬وكون الشذوذ كاسراً ومضعفاً للرواية الصحيحة السند! وما ذلك إال‬ ‫لرجحان اتباع األكثرية باعتبار أقربية نظرهم إىل الواقع من آراء األقلية وكون إعراضهم أو استنادهم‬ ‫كاشفاً عن جهة رجحان أو خلل يف الرواية وإن خفي علينا ذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬وهذا المثال ينطبي علر ما نحن فيه أيضاً لدوران أمر الشعب بين اتباال رأي أكثرية شورك الفقااء أو األقلية‪.‬‬

‫‪212‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل الخامس‬ ‫في االستدالل بمقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة‬

‫‪213‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ومما يرشد إىل ما ذكرنا أيضاً قوله عليه السالم يف املرفوعة‪:‬‬

‫(خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر‪ ،‬فقلت يا سيدي‪ :‬إنهما معا مشهوران‬

‫مأثوران عنكم‪ ،‬فقال‪ :‬خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك) ويف املقبولة (قال‪:‬‬

‫ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ‬ ‫به من حكمها ويترك الشاذ الذي ليس بمهشور عند أصحابك فإن المجمع عليه ال ريب‬

‫فيه‪ ،‬وإنما األمور ثالثة‪ :‬أمر بيّن رشده فيتبع‪ ،‬وأمر بيّن غيّه فيجتنب‪ ،‬وأمر مشكل يرد‬ ‫حكمه إلى اهلل قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله ٌ‬ ‫حالل بيّن وحر ٌام بيّن وشبهات بين ذلك‪،‬‬

‫فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من‬

‫حيث ال يعلم)‪.‬‬ ‫االستدالل بالمقبولة‬

‫فقد أمر اإلمام عليه السالم باألخذ بـ(المجمع عليه) وعلله بـ‪:‬‬

‫(فإن المجمع عليه ال ريب فيه) واملراد بـ(ال ريب فيه) عدم الريب اإلضايف ال احلقيقي كما‬ ‫سيأيت تفصيله فاجملمع عليه أقل ريباً مما يعين أنه أقرب للواقع من غريه ولذلك أمرنا بالتمسك به‪.‬‬

‫[ال يقال]‪ :‬إن الالم يف (فإن المجمع عليه ال ريب فيه) للعهد فتدل الرواية على نفي الريب‬ ‫عن خصوص (اخلرب اجملمع عليه) ال مطلق ما ال ريب إضايف فيه وإن كان اجتهاداً واستنباطاً؟‬ ‫[إذ يقال‪ :‬أوال]‪ :‬األصل يف الالم اجلنس‪ ،‬كما فصلناه يف موضع آخر‪.‬‬

‫[ثانيا]‪ :‬إن ظاهر التعليل هو التعليل بكربى ارتكازية ال تعبدية وختصيص الكربى بـ(الرواية‬ ‫اجملمع عليها) خيرجها عن االرتكازية إىل التعبدية واحتمال خصوصية يف اخلرب والرواية موجبة‬ ‫لرتجيحه بالشهرة دون غريه يدفع باألصل‪...‬‬ ‫ومن ذلك يظهر أن سبق (الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك) غري مضر وغري‬

‫موجب لعهدية الالم يف (فإن المجمع عليه)‪ ،‬أال ترى أن الطبيب أو املوىل إذا قال للمريض أو‬ ‫لعبده (إرشاداً على األول ومولوية على الثاين) (ال تأكل الرمان احلامض فإن احلامض كذا وكذا) ال‬ ‫يسبب سبق احلامض محل (فإن احلامض) على خصوص الرمان بل العرف يرى الالم للجنس ال‬ ‫‪214‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫للعهد رغم سبق معهود‪ ،‬ولو أكل برتقاالً حامضاً المه العقالء على ذلك ومل يقبلوا منه تعلله بأن‬ ‫الالم للعهد؟‬

‫هذا إضافة إىل ما سبق مفصالً عند الكالم حول اآلية الكرمية ‪‬وشاورهم في األمر‪ ‬من أن‬ ‫سبق معهود ال يسبب محل الالم على العهد فيما كان املقام مقام تعليل وفيما ذكر احمللى بال يف‬ ‫ضمن العلة‪ ،‬نعم لو مل يكن املقام مقام التعليل يكون السبق سبباً لكون الالم للعهد كما يف‬

‫‪‬أرسلنا إلى فرعون رسوال فعصى فرعون الرسول‪ ‬ولذا ال حتمل الالم على العهد عرفاً لو وقع‬

‫(الرسول) ضمن علة كما لو قال تعاىل (أرسلنا إىل فرعون رسوالً ألن رمحتنا تقتضي إرسال الرسول‬ ‫أو ألن الرسول سبب هلداية بعض والمتام احلجة على بعض آخر‪ )..‬ولو كان تألملٌ يف حملى بال‬ ‫وقع علة ملا وقع فال جمال له يف حملى جعل علة لألمر أو النهي كما فيما حنن فيه (فيؤخذ به من‬ ‫حكمهما ويرتك الشاذ الذي ليس مبشهور عند أصحابك فإن اجملمع عليه ال ريب فيه) وكما يف‬ ‫قول املوىل (انصر زيداً إذا ظلم أو انصر هذا الرجل املظلوم فإن املظلوم جتب نصرته إىل غري ذلك‬ ‫من األمثلة)‪.‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬سلمنا أن الالم للعهد إال أن احلكم هنا (وهو الرتجيح) منصوص العلة (فإن اجملمع‬ ‫عليه ال ريب فيه) والعلة معممة وخمصصة لدوران احلكم مدارها فيتدعى من هذا املوضوع (اخلرب)‬ ‫إىل موضوع آخر كاالجتهاد مثالً ملعممية العلة كما يتعدى من اخلمر إىل النبيذ لعلة اإلسكار‬ ‫واحتمال خصوصية يف اخلرب‪ ،‬وحلاظ جانيب املوضوعية والطريقية يدفع باألصل كما يف ال تشرب‬ ‫اخلمر ألن اخلمر مسكر فتأمل‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬ليست العلة هي عدم الريب اإلضايف وإن كان فيه ألف ريب (لتوقفه على عدم‬ ‫كون الرواية املشهورة يف نفسها مما ال ريب فيها مع أن الشهرة يف الصدر األول بني الروات‬ ‫وأصحاب األئمة موجبة لكون الرواية مما يطمئن بصدورها حبيث يصح أن يقال عرفاً أهنا مما ال‬ ‫ريب فيها كما ال خيفى وال بأس بالتعدي منه إىل مثله مما يوجب الوثوق واالطمينان بالصدور ال‬ ‫‪1‬‬ ‫إىل كل مزية ولو مل توجب إال أقريبة ذي املزية إىل الواقع من املعارض الفاقد هلا)‪.‬‬

‫‪ 1‬الكفاية‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.398‬‬

‫‪215‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[فإنه يقال]‪[ 1:‬أوال]‪ :‬إن هذه الدعوى عهدهتا على مدعيها خاصة وأن الشهرة روائية ال‬ ‫فتوائية ونقل املشهور لرواية أعم من االلتزام بصدورها أو داللتها وكوهنا ال ريب فيها يف نفسها ولذا‬ ‫رووا روايات ضعافاً كثرية يف كتبهم حيث مل يكن مبناهم على نقل صحاح السند فقط بل كان‬ ‫على نقل خمتلف الروايات فصرف الشهرة الروائية ال توجب نفي الريب احلقيقي عن الرواية بل‬ ‫غايته النسيب واإلضايف فتأمل‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬إن املرجحات الصدورية لو وجب األخذ هبا فليس ذلك إال الفادهتا أقوائية كون‬ ‫املضمون هو حكم اهلل وذلك ألن صدور احلكم عن اإلمام ملحوظ طريقاً إىل كشف أحكام اهلل‬

‫الواقعية وحجية كلماهتم إمنا هي بلحاظ كوهنم الوسيلة إىل اهلل والطريق إليه ولذا قال تعاىل‪َ  :‬ول َْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ض األَقا ِو ِ‬ ‫ين‪ 2‬و‪َ ‬وما َعلَى‬ ‫تَ َق َّو َل َعلَْينا بَ ْع َ‬ ‫يل ‪ ‬ألَ َخ ْذنا م ْنهُ بالْيَمي ِن ‪ ‬ثُ َّم لَ​َقطَ ْعنا م ْنهُ ال َْوت َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين‪ 3‬ولذا لو انفكا مل يعمل به حىت يف صورة القطع بالصدور ‪-‬فكيف‬ ‫الر ُسول إِالَّ الْبَالغُ ال ُْمب ُ‬ ‫يف صورة الرتجيح فقط‪ -‬فلو قطعنا بصدور خرب وشككنا يف كون مضمونه حكم اهلل إما الحتمال‬ ‫التقية أو الحتمال كون األمر صورياً أو إرادة معىن آخر كناية أو ما أشبه ذلك ملا وجب علينا‬ ‫العمل به إال لو دل دليل أو أصل على نفي تلك االحتماالت مما يرجع باآلخرة إىل قيام حجة‬ ‫على متامية املضمون وكاشفيته عن حكم اهلل أما لو مل تقم حجة على كون هذا املضمون حكماً‬ ‫‪4‬‬ ‫إهلياً ملا وجب العمل به‪.‬‬ ‫وال خيفى أن مرادنا من املضمون هو ‪‬مدلول الدليل وهو حكم اهلل‪ ‬ال ما اصطلح عليه الشيخ‬ ‫قدس سره يف حبث املرجحات املضمونية‪- 5‬فتأمل‪ ،‬هذا لو قطعنا النظر عن عدم متامية جعل‬ ‫املرجح املضموين قسيماً للصدوري والداليل إذ احتمال االشتباه يف التعبري يعين احتمال ذكره العام‬ ‫خاصاً واملطلق مقيداً أو بالعكس (بأن تكون الالم للعهد فيتومهها للجنس فيعرب بكلمة كل أو‬ ‫باجلمع احمللى ‪-‬أو بالعكس) أو إبدال املشرتك اللفظي بأحد معنييه أو معانيه مما تبادر إىل ذهنه‬ ‫أنه املراد (كإبدال القرء باحليض أو بالطهر) أو التقدمي والتأخري (كإبدال ما ضرب زيداً إال عمرو‬ ‫‪ 1‬مير خفي أن بع‬

‫هذه األجوبة وارد عليه قده وبعضاا علر تطبيي كالمه علر المقا فليالحظ‪.‬‬

‫‪ 2‬سورة الحاقة‪ :‬اوية ‪.47-44‬‬ ‫‪ 3‬سورة العنكبوت‪ :‬اوية ‪.18‬‬

‫‪ 4‬قد يكون األفضل التمثيل بما إذا علمنا بالصدور وعلمنا بينه صدر تقية أو صورياً أو مير ذلل‪.‬‬ ‫‪ 5‬الرسائل‪ :‬التعادل والتراجيح‪ ،‬ص‪.451‬‬

‫‪216‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫عمرو إال زيداً") وهكذا ومن الوضاح أن معىن هذا االحتمال (احتمال االشتباه) هو‬ ‫بـ"ما ضرب ٌ‬ ‫احتمال عدم الصدور ‪‬عدم صدور هذه الكلمة اخلاصة الدالة على حكم خاص واحتمال صدور‬ ‫غريها مما يدل على حكم آخر أعم أو أخص أو مباين‪ ‬أو احتمال عدم الداللة ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫فمورد الرجحان هو الصدور أو الداللة وإن كان حمل املرجح هو املنت ‪-‬كما يف مثال النقل‬ ‫باللفظ واملعىن‪ -‬أو اخلارج كما يف الشهرة الفتوائية اليت ترجح صدور ما طابقته من اخلربين ال‬ ‫مضمونه دون صدوره وكذا ما ميكن فرضه من املرجحات املضمونية ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫ومما ذكرنا يظهر وجه اإلشكال فيما ذكره الشيخ من (وإما أن يكون من حيث املضمون بأن‬ ‫يكون مضمون أحدمها أقرب يف النظر إىل الواقع)‪ 1‬وقد علق عليه اآلخوند بقوله‪( :‬ال خيفى أنه‬ ‫ميكن أن اجعل هذا أيضاً من موارد مرجح الصدور بداهة أن كون مضمون اخلرب أقرب يف النظر إىل‬ ‫‪2‬‬ ‫الواقع يوجب أقربية صدوره كأفصحية لفظه بل هو أوىل بذلك كما ال خيفى فتدبر جيداً)‪.‬‬

‫وألجل ما ذكرناه يقدم املرجح الداليل على املرجح الصدوري وذلك لكون كاشفية اخلاص مثالً‬ ‫عن حكم اهلل أقوى من كاشفية العام عنه يف مادة االجتماع ‪-‬ألنه نص أو أظهر بالنسبة له‪ -‬وقوة‬ ‫سند العام بل قطعيته ال تنفع يف تقدميه لعدم إفادهتا قطعية كون هذا املضمون حكم اهلل ولو ال‬ ‫حلاظ طريقية مرجحات الصدور ألقوائية كون هذا املضمون هو حكم اهلل ملا مت ذلك‪ ،‬وقولنا كلما‬ ‫كان السند أقوى أفاد أقوائية املضمون ليس على حنو العلة التامة كي ال ميكن التخلف ويستشكل‬ ‫بتقدمي األرجح داللة على املقطوع صدوراً بل يعين أن اخلربين لو تساويا داللة وجهة أو داللة فقط‬ ‫على املسلكني‪ -‬كان املرجح الصدوري سبباً ألقوائية كون مضمونه هو حكم اهلل‪ ،‬أما مع أقوائية‬‫أحدمها داللة فليس موجباً لتلك األقوائية فسببيته مشروطة بفقد املرجح الداليل إذ هو مقتضي ال‬ ‫غري‪ ،‬أو يقال بكونه جزء العلة واجلزء اآلخر هو تساويهما داللة‪.-‬‬ ‫واخلالصة‪ :‬إن الوثوق بالصدور ال موضوعية له بل إمنا لوحظ طريقاً للوثوق بكون مضمون‬ ‫الصادر هو حكماهلل‪ ،‬للشواهد اآلنفة الذكر ولغريها فليتدبر جيداً وإذا كان كذلك لزم التعدي‬ ‫منها إىل كل ما هو أقرب للواقع وإن كان بسبب التعدد (كتظافر أكثرية أهل اخلربة على أمر)‪.‬‬

‫‪ 1‬الرسائل‪ :‬التعادل والتراجيح‪ ،‬ص‪.462‬‬

‫‪ 2‬حاشية اوخوند علر الرسائل ص‪ 281‬قبل عنوان (في المرجحات السندية) وقد يكون األولر إضاافة (أو داللتاه) كماا فاي‬ ‫بع‬

‫األمثلة مما سبي‪.‬‬

‫‪217‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ورابعا]‪ :‬سلمنا أن الشهرة الروائية (يف نفسها مما ال ريب فيها) (ال أهنا ال ريب فيها باإلضافة)‬ ‫وسلمنا أهنا ال ريب فيها صدور ال مطلقاً (فإنه املرتقب من الشهرة يف الرواية ونفي الريب من مجيع‬ ‫اجلهات خمصوص باملشهور رواية وفتوى وعمالً وهو غري مفروض يف املقبولة واملرفوعة وال يف‬ ‫غريمها)‪ 1‬وسلمنا أن الال ريبية الصدورية ليس ملحوظة من حيث سببيتها للالريبية املضمونية‪...‬‬ ‫لكن نقول‪ :‬إن حتيث العلة حبيثية عند حلاظها باعتبار املورد ومنسوبة إليه خلصوصية فيه ال خيرجها‬ ‫عن املعممية‪ ...‬بيان ذلك يظهر باملثال التايل‪ :‬فلو قال املوىل لعبده (ال تكرم زيداً ألنه ال ينصر‬ ‫املظلوم) وكان املرتقب من زيد لكونه ثرياً نصرته باملال‪ ،‬فهل تعمم العلة احلكم لكل من ال ينصره‬ ‫باملال ممن من شأنه ذلك فقط أم أهنا تعمم احلكم ملطلق من ال ينصره سواء مل ينصره باملال أم‬ ‫باللسان ‪-‬ممن من شأنه تلك النصرة وترتقب منه‪.-‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬خصوصية املورد ال ختصص الوارد فكون زيد مرتقباً منه النصرة املالية ال خيصص‬ ‫الوارد (فإنه ال ينصر املظلوم) حىت يتقيد احلكم بصورة معينة وكذا لو قال (أكرمه فإنه خدوم) أو‬ ‫(فإنه ناصرنا)‪ 2‬وكانت حيثيات وأنواع اخلدمة أو النصرة خمتلفة‪ 3‬بل حىت لو مل يكن اجمعها إال‬ ‫جامع انتزاعي كالضرب بالسيف يف خدمة مواله‪ ،‬وهبة املال وعدم احرتام من أهان املوىل وعدم‬ ‫ترواجه‪ ،‬وكونه مطأطأ رأسه يف حضوره ‪-‬وكان املرتقب منه أحد تلك األقسام لعدم تأيت سائرها منه‬ ‫فرضاً‪ -‬فإنه ال جامع حقيقي بني الوجود والعدم وبني مقوليت الفعل والوضع)‪...‬‬ ‫وفيما حنن فيه‪ :‬تسليم كون الشهرة الروائية مما ال ريب فيها يف نفسها صدوراً ال يسبب ختصيص‬ ‫الوارد (فإن المجمع عليه ال ريب فيه) بـ‪ :‬خصوص ما ال ريب فيه يف نفسه صدوراً باعتبار أن‬

‫املورد كذلك‪ ،‬وبعبارة أخرى حتيث هذه العلة هباتني احليثيتني إمنا هو بلحاظها منسوبة للمورد‬ ‫وملحوظة بالنسبة إليه ال يف حد ذاهتا ولو سبب ذلك خروجها عن العموم خلرجت جل العلل لو‬ ‫مل نقل كلها عن املعممية إال لواجد خصوصية املورد‪.‬‬

‫‪ 1‬نااية الدراية‪ :‬المجلد الثالث‪ ،‬ص‪.174‬‬

‫‪ 2‬قد يكون األولر التمثيل بيكر زيداً ألن العال يكر وكان عالماً بالطب النطباقاه علار الماورد أكثار وقاد سابي الجاواب عان‬ ‫احتمال كون الال للعااد ولكان األمار هاين‪ ،‬إذ الكاال هاناا مان حياث خصوصاية الماورد وأن المترقاب مان الارواة كاذا ال مان‬

‫حيث األلا والال إضافة إلر عاد احتماال كاون الاال للعااد باعتباار أقوائياة الصادور‪ ،‬إذ المعااود الماذكور هاو الخبار فقاط‬

‫وأقوائية الصدور مورد ال مير‪.‬‬

‫‪ 3‬وكان قد اتصا بواحد مناا فقط‪.‬‬

‫‪218‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫هذا إضافة إىل لزوم أن يلتزما (اآلخوند والكمباين قدمها) بالتعدي عن مورد الرواية إىل خصوص‬ ‫املرجحات الصدورية الداخلية ال مطلقاً حىت لو كانت خارجية لكون املورد مرجحاً ال ريب فيه يف‬ ‫نفسه وصدورياً داخلياً‪ ،‬فما وجه التقييد يف التعدي باألولني دون األخري؟‬

‫[وخامسا]‪ 1:‬إن دعوى إرادة عدم الريب صدوراً من (فإن المجمع عليه ال ريب فيه) مما ال‬ ‫وجه هلا بل الظاهر إرادة عدم الريب مطلقاً صدوراً وداللة وجهة إن كان على الكل اإلمجاع وإال‬ ‫ففيما كان اإلمجاع عليه لعدم التقييد أوالً وبقرينة أمره عليه السالم باألخذ باملشهور معلالً إياه بأن‬ ‫اجملمع عليه ال ريب فيه ومن الواضح أن لزوم األخذ خبرب متفرع على عدم الريب فيه من اجلهات‬ ‫الثالث وال يصح تفريع لزوم األخذ على قوة السند فقط إال أن يقال بكون سائر اجلهات مفروغاً‬ ‫عنها مفروضة التساوي أو مقطوع عنها النظر ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫[ومنه يظهر]‪ :‬وجه النظر فيما ذكره اآلخوند قدس سره بقوله معلقاً على قول الشيخ‪( :‬ال ريب‬ ‫أن املشهور هبذا املعىن ليس قطعي املنت والداللة)‪( :2‬ال خيفى أن حيثية الداللة أجنبية عما هو‬ ‫مفروض املقام إذ الكالم إمنا هو من حيث خصوص الرتجيح بني اخلربين بالسند ال الداللة وال‬

‫األعم منهما)‪[ 3‬إذ يرد عليه]‪ :‬إن أجنبية الداللة عن مفروض الشيخ يف املقام ‪-‬لو سلم ذلك‪-‬‬ ‫ال يستلزم أجنبيتها عن الرواية الشريفة وليس يف الرواية ختصيص بأن الكالم يف املرجحات السندية‬ ‫كما ال خيفى خاصة وأن احلاكمني إمنا استندا إىل روايتني يف حكمهما لتمامية السند والداللة‬ ‫واجلهة عندمها وكون رجوع العامي إليهما بعد الفراغ عن ذلك ولذا حكم كل على طبق رواية‬ ‫فاألمر باألخذ بالرواية املشهورة أمر باألخذ حبكم من استند إىل الرواية املشهورة لكونه مورد‬ ‫السؤال بل قد صرح عليه السالم حبكمه أوالً حيث قال‪ ...( :‬فليرضوا به حكما فإني قد جعلته‬

‫عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه) إضافة إىل ظهور كالم السائل يف األعمية سند‬ ‫احلديثني أو داللتهما أو جهتهما‪ ،‬ومما يشهر به أيضاً ورود كلمة (نظر في حاللنا وحرامنا) وجعل‬ ‫اإلمام الرتجيح بالفقاهة املعتربة يف استنباط الداللة كالسند بل بشكل أقوى ‪-‬فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬هذا الجواب مقد رتبة علر الجواب الرابل لفر‬ ‫‪ 2‬الرسائل‪ :‬ص‪.450‬‬

‫تسلي أن الشارة الروائية مما ال ريب فياا صدو اًر فقط ال مطلقاً‪.‬‬

‫‪ 3‬حاشية اوخوند علر الرسائل‪ :‬ص‪.273‬‬

‫‪219‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقد يقال إن السياق ظاهر يف كون الرتجيح بالشهرة من حيث السند ال غري خاصة مع ذكر‬ ‫(قد رواهما الثقات عنكم) واعتباره تفسرياً لـ(مشهورين) ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫وحيث إن عدم الريب احلقيقي صدوراً وجهة وداللة غري ممكن إرادته وإال ملا أمكن فرضهما‬ ‫مشهورين كان املراد عدم الريب اإلضايف فيكون مناط الرتجيح ما لو كان أحدمها أقل ريباً من‬ ‫اآلخر ‪-‬فتأمل‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ :‬الريب‪ ‬يف ‪‬ال ريب‪ ‬إما أن يراد به األعم من البطالن القطعي والظين‬ ‫والشكي والومهي مطلقاً (أي صدوراً وداللة وجهة) أو األعم من الثالثة مطلقاً أيضاً أو األعم منها‬ ‫صدوراً فقط‪.‬‬

‫واألول‪ :‬مساوق للقطع بالصحة وإرادته ممتنعة للقطع‪ 2‬بعدم حصول القطع بالصحة من الشهرة‬ ‫الروائية والمتناع فرضهما مشهورين المتناع تعارض دليلني قطعيني من مجيع اجلهات والمتناع‬ ‫احلكم مع شهرهتما بالرجوع إىل املرجحات األخر‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬مساوق للظن بالصحة وحيث تعذر املعىن احلقيقي وكان هذا أقرب اجملازين تعني محله‬ ‫عليه إضافة إىل ما سبق من كون التقييد بـ(ال ريب فيه صدوراً) خالف األصل‪ ،‬ببيان آخر ‪‬ال‬ ‫ريب فيه‪ ‬له إطالقان من جهتني (شكاً وومهاً‪ ،‬صدوراً وداللة) واخلروج عن اإلطالق األول لدليل‬ ‫ال يستلزم اخلروج عن اإلطالق الثاين بال دليل كما هو واضح‪.‬‬ ‫وال يرد (وال ميكن إرادته من اخلرب واألمل يعقل فرض الشهرة يف الطرفني مع أنه مفروض يف‬ ‫املقبولة واملرفوعة لكنه إمنا أريد من نفي الريب بقول مطلق نفيه من حيث الصدور فإنه‬ ‫املرتقب‪- 3)...‬إن كان مرجع الضمري يف (إرادته) هو االحتمال الثاين ال األول مما ذكرناه من‬ ‫االحتماالت الثالثة‪.-‬‬ ‫وذلك‪ :‬ألن تعارض ما كان حجيتهما من باب الظن النوعي غري عزيز‪ ،‬فكون الشهرة الروائية‬ ‫موجبة لنفي الريب مطلقاً (صدوراً وداللة) باملعىن الثاين‪ 4‬يعين أهنا توجب الظن بالصحة فلو كان‬

‫‪ 1‬هذان من باب األولوية ال لشمول ال ريب لاما‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا الوجه لعد الوقوال واألخيران لالمتناال‪.‬‬ ‫‪ 3‬نااية الدراية‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.174‬‬

‫‪ 4‬إذ يعني (ال شل فيه) وان كان الوه علر خالفه‪.‬‬

‫‪220‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫املراد الظن الشخصي ملا أمكن فرض مشهورين متخالفني لعدم إمكان اجتماع ظنني شخصيني‬ ‫على اخلالف أما لو كان املراد الظن النوعي فال مانع من فرض الشهرة يف الطرفني‪ ،‬أال ترى أن‬ ‫املوىل لو قال‪( :‬خرب الواحد العدل املؤمن الضابط‪...‬اخل) حجة‪ ،‬كان للعبد أن يسئل وماذا لو‬ ‫تعارض خربان بتلك الصفة عامان من وجه أو متباينان كالمها موافق أو خمالفان هلم؟‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬لو كان املراد من (ال ريب) الال ريب الشخصي مل ميكن ذلك افرض ال ما لو‬ ‫أريد النوعي‪.‬‬ ‫وبعبارة ثالثة‪ :‬إن كون اجملمع عليه ال ريب فيه إمنا هو بنحو املقتضي ال العلية التامة مبعىن أن‬ ‫الشهرة الروائية تقتضي نفي الريب ال أهنا علة تامة له إذ من الواضح تقيد هذه القضية بعدم املانع‬ ‫كقولك النار حمرقة املقيد بعدم الرطوبة املانعة عن اإلحراق وخرب الواحد حجة أو الظواهر حجة‬ ‫املقيدين بعدم املانع عن احلجية (كوجود معارض أقوى ووجود قرينة على اخلالف) ‪-‬فلو تعارضا‬ ‫كان العلم بكذب أحدمها إمجاالً مانعاً عن ال ريبيتهما فيكون يف كليهما ريب ولذا ارجع اإلمام‬ ‫إىل سائر املرجحات عند ذلك حيث ينفى الريب هبا‪.‬‬ ‫أال ترى أن الصحيح األعالئي التام الداللة ال ريب فيه‪ ،‬مع صحة السؤال عن صورة معارضته‬ ‫آلخر ومع تقيد حجيته بعدم وجود متواتر قطعي الداللة أو ظنيها وكوهنا نصاً أو أظهر من ذلك‬ ‫الصحيح ‪-‬على خالفه؟ وميكن جعل ما ذكر يف‪ :‬وبعبارة ثالثة جواباً آخر عن كالم االصفهاين‬ ‫بناء على كون مرجع الضمري هو االحتمال األول بأن أريد ال ريب فيه حىت ومهاً‪ ،‬إذ ال شك يف‬ ‫أن نفي الريب عنه نفي حكمي ال حقيقي أي هو مبنزلة القطع يف ترتب اآلثار وإذا كان املراد‬ ‫ذلك بنحو االقتضاء مل يكن مانع من فرض التعارض‪.‬‬ ‫[سادسا]‪ :‬إن ختصيص (فإن المجمع عليه ال ريب فيه) بالال ريبية صدوراً خيرج التعليل عن‬ ‫كونه تعليالً بأمر ارتكازي إىل التعليل بأمر تعبدي وهو خالف األصل لكون األصل يف التعليل‬ ‫االرتكازية ملا ذكره السيد احلكيم قدس سره (ألن الغرض من التعليل التنبيه على وجه احلكم‬ ‫حبسب ما عند املخاطب فلو كان تعبدياً مل يرتتب عليه الغرض املذكور)‪ 1‬أو لغريه‪.‬‬ ‫وقد التزم هبذا األصل اآلخوند قدس سره بنفسه يف مواضع منها عند االستدالل بصحيحة زرارة‬ ‫حيث ضعّف احتمال اختصاص (وال ينقض اليقين بالشك أبدا) باليقني والشك يف باب الوضوء‬ ‫‪ 1‬حقائي األصول‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.402‬‬

‫‪221‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫بـ(فإنه ينايف ظهور التعليل يف أنه بأمر ارتكازي ال تعبدي قطعاً)‪ 1‬كما قال قبل ذلك (أنه ال ريب‬ ‫يف ظهور قوله عليه السامل وإال فإنه على يقني‪ ..‬اخل عرفاً يف النهي عن نقض اليقني بشيء بالشك‬ ‫فيه وأنه عليه السالم بصدد بيان ما هو علة اجلزاء املستفاد من قوله عليه السالم (ال) يف جواب‬ ‫فإن حرك يف جنبه‪ ..‬اخل وهو اندراج اليقني والشك يف مورد السؤال يف القضية الكلية االرتكازية‬ ‫‪2‬‬ ‫الغري املختصة بباب دون باب)‪.‬‬ ‫وأما كون التخصيص بالصدور موجباً لتعبدية التعليل فألن العقل والعرف ال يريان خصوصية يف‬ ‫الصدور ليكون الال ريب فيه فقط موجباً ألرجحيته دون الداللة ووجه الصدور بل إهنم إما أن‬ ‫يرون الال ريبية احلقيقية أو اإلضافية موجبة للرتجيح مطلقاً أو ال مطلقاً ‪-‬فليتدبر هذا‪ .‬وقد حتدثنا‬ ‫‪3‬‬ ‫عن تعبدية التعليل أو ارتكازيته يف مكان آخر من هذا الكتاب فلرياجع‪.‬‬ ‫هذا متام الكالم يف مجلة (فإن المجمع عليه ال ريب فيه)‪.‬‬

‫[وأما الجملة األخرى من المقبولة) (وإنما األمور ثالثة‪ )...‬فيمكن االستدالل هبا على‬ ‫املدعى أيضاً‪ 4‬إذ إن اإلمام عليه السالم اعترب (املشهور) (أمراً بيناً رشده) و(الشاذ) (أمراً بينّاً غيه)‬ ‫حيث عقب قوله (ينظر إلى ما كان من‪ ،...‬فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذ‪ ..‬فإن‬

‫المجمع عليه ال ريب فيه) بقوله (وإنما األمور ثالثة‪ :‬أمر بيّن رشده فيتبع‪ ،‬وأمر بيّن غيه‬ ‫فيجتنب‪ )...‬حيث إن ظاهره إن مل يكن صرحيه تطبيق (أمري بين رشده) على (المجمع عليه‬ ‫البني رشده باالتباع ويف اجملمع عليه باألخذ وكذا يف األمر‬ ‫بين أصحابك) ولذا حكم يف األمر ّ‬ ‫البني غيه باالجتناب ويف الشاذ بالرتك مع أنه القسمة حاصرة فال خيرج اجملمع عليه والشاذ عن‬ ‫األقسام الثالثة‪ ،‬وحيث إن اجملمع عليه ليس أمراً مشكالً ألنه عليه السالم صرح بكونه ال ريب فيه‬ ‫وألن املشكل حكمه الرد إىل اهلل أما اجملمع عليه فقد جعل حكمه ‪‬األخذ‪ ‬وليس أمراً بيناً غيه‬

‫وإال حلكم عليه باالجتناب ال باألخذ‪ ،‬فهو إذن (أمر بيّن رشده)‪.‬‬ ‫‪ 1‬الكفاية‪ :‬المجلد الثاني‪ ،‬ص‪.284‬‬ ‫‪ 2‬المصدر‪ :‬ص‪.282‬‬ ‫‪ 3‬ال يخفر أن بع‬

‫هذه اإلشكاالت الستة وارد علر كال اوخوند قده بلحاظ ما ذكره الكمباني قده دفاعاً عنه ‪-‬فتيمل‪.‬‬

‫‪ 4‬االسااتدالل إمااا بلحاااظ اعتبااار إرادة الشااارة االصااطالحية ماان المقبولااة بقرينااة المقابلااة بالشاااذ وفاار‬

‫تعااار‬

‫الااروايتين‬

‫المشاااورتين وفيااه مااا ال يخفاار وامااا بلحاااظ إدعاااء كااون مااا نحاان بصاادده ماان مصاااديي (أماار با ماين رشااده فيتباال) باألدلااة التااي‬ ‫أقيمت في هذا الكتاب عقالً ونقالً فيكون مرجعه إلياا‪.‬‬

‫‪222‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ومن الواضح أن (اجملمع عليه) لو مل يكن أقرب إىل الواقع صدوراً وجهة وداللة ملا كان أمراً بيناً‬ ‫رشده وملا كان حالالً بيناً‪ ،‬ولو مل يكن (الشاذ) أبعد عنه ملا كان أمراً بيناً غيه (أو أمراً مشكالً ‪-‬‬ ‫حسب احتمال) وملا كان حراماً بيناً (أو شبهات بني ذلك ‪-‬على احتمال) وملا هنينا عن األخذ به‬ ‫إال أن يستشكل مبا سبق فليالحظ‪.‬‬ ‫إىل هنا انتهينا من احلديث عن املقبولة فلنعطف الكالم إىل‪:‬‬ ‫الحديث عن المرفوعة‬

‫فنقول‪:‬‬ ‫إن اإلمام عليه السالم يف املرفوعة قدم الرتجيح بالشهرة والشذوذ على الرتجيح بصفات الراوي‬ ‫مما يعين أن الرواية املشهورة تقدم وإن كانت أضعف سنداً على الرواية الشاذة رغم صحة سندها‬ ‫وذلك كله يعين أن الظن النوعي احلاصل من (الشهرة) أقوى من الظن النوعي احلاصل من‬ ‫(الصحة واحلسن واملمدوحية) حسب الضوابط املذكورة يف األصول والدراية وأن (املشهور) أقرب‬ ‫إىل الواقع من غريه وإن كانت له سائر املرجحات واملقبولة وإن قدمت الرتجيح بالصفات على‬ ‫الرتجيح بالشهرة والشذوذ فتأمل‪ 1‬إال أن عمل الفقهاء على العكس فـ(املرفوعة وإن كانت ضعيفة‬ ‫السند إال أهنا موافقة لسرية العلماء يف باب الرتجيح فإن طريقتهم مستمرة على تقدمي املشهور على‬ ‫الشاذ واملقبولة‪ ،‬وإن كانت مشهورة بني العلماء حىت مسيت مقبولة إال أن عملهم على طبق‬ ‫املرفوعة وإن كانت شاذة من حيث الرواية حيث مل يوجد مروية يف شيء من جوامع األخبار‬ ‫‪2‬‬ ‫املعروفة ومل حيكها إال ابن أيب مجهور عن العالم مرفوعاً إىل زرارة)‪.‬‬ ‫ولئن تردد يف ترجيح املشهور رواية على الشاذ لكون نقل املشهور رواية أعم من التزامهم‬ ‫بصحتها فال إشكال يف ترجيحه إذا وافقته الشهرة الفتوائية بل إن املشهور التزموا مبرجحية الفتوائية‬ ‫وإن جتردت عن الروائية‪..‬‬

‫‪ 1‬إذ الترجيح بالصفات ترجيح ألحد الحكمين علر اوخر ال إلحدك الروايتين علر األخرك في مقا التعار ‪.‬‬ ‫‪ 2‬الرسائل‪ :‬التعادل والتراجيح‪ ،‬ص‪.447‬‬

‫‪223‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ومن هنا يظهر]‪ :‬ما يف كالم الشيخ قده (وال دليل على الرتجيح بالشهرة العملية)‪ 1‬وما ذكره‬ ‫بعد ثالث صفحات عند استدالله للتعدي عن املرجحات املنصوصة بـ(ومنها‪ :‬تعليله األخذ‬ ‫باملشهور بقوله فإن اجملمع عليه ال ريب فيه) حيث قال‪( :‬فيصري حاصل التعليل ترجيح املشهور‬ ‫على الشاذ بأن يف الشاذ احتماالً ال يوجد يف املشهور‪ ،‬ومقتضى التعدي عن مورد النص يف العلة‬ ‫وجوب الرتجيح بكل ما يوجب كون أحد اخلربين أقل احتماالً ملخالفة الواقع)‪ 2‬فكيف ال يوجد‬ ‫دليل على الرتجيح بالشهرة العملية مع التزامه قده بـ(التعدي عن مورد النص) و(الرتجيح بكل ما‬ ‫يوجب كون أحد اخلربين أقل احتماالً ملخالفة الواقع) هذا مع أقوائية الشهرة العملية من الشهرة‬ ‫الروائية باعتبار أن نقل املشهور للرواية أعم من التزامهم بصحتها سنداً وبداللتها متناً‪ ،‬أما الشهرة‬ ‫العملية (ومورد الكالم فيها يف حبث التعادل والرتاجيح هو ما لو وجدت رواية أفىت املشهور على‬ ‫طبقها وهو املسمى بالضعيف املنجرب بعمل الفقهاء به) والتزامهم مبؤدى الرواية فهو يعين التزامهم‬ ‫بصحتها سنداً وداللتها متناً فتأمل‪ .‬هذا‪.‬‬ ‫ولو سلمنا عدم األقوائية بل وعدم املساواة فال أقل من أن الشهرة العملية توجب أقلية‬ ‫االحتمال فتندرج يف عموم العلة فكيف ال يوجد دليل على الرتجيح هبا؟‬ ‫[ال يقال]‪( :‬إن الشهرة مبعىن الووضح ومنه قوهلم شهر فالن سيفه وسيف شاهر فمعىن كون‬ ‫الروايتني مشهورتني أهنما حبيث قد روامها مجيع األصحاب وعلم صدرومها عن املعصوم عليه‬ ‫السالم وظهر مبا ذكرناه عدم صحة االستدالل مبا يف املرفوعة من قوله عليه السالم ‪‬خذ مبا اشتهر‬ ‫بني أصحابك‪ ‬على الرتجيح بالشهرة االصطالحية)‪ 3‬ويدل على ما ذكره دام ظله ما ذكره يف‬ ‫لسان العرب قال (‪ ...‬اجلوهري‪ :‬الشهرة وضوح األمر‪ ...‬وقال أبو العباس‪ :‬إمنا مسي شهراً لشهرته‬ ‫وذلك أن الناس يشهرون دخوله وخروجه ومثله قال الزجاج‪ ..‬والشهر القمر مسي بذلك لشهرته‬ ‫‪5‬‬ ‫وظهوره‪ 4)...‬وقال يف جممع البحرين‪ ...( :‬والشهر واملشهور‪ :‬املعروف وشهر سيفه أي سله)‬ ‫ويؤيده حلول املشهور حمل اجملمع عليه يف املقبولة يف كالم اإلمام عليه السالم والراوي‪.‬‬ ‫‪ 1‬المصدر‪ :‬ص‪.448‬‬ ‫‪ 2‬المصدر‪ :‬ص‪.450‬‬

‫‪ 3‬مصباح األصول‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.413‬‬

‫‪ 4‬لسان العرب‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪ 432-431‬مادة شار‪.‬‬

‫‪ 5‬مجمل البحرين للطريحي‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪ 357‬مادة شار‪.‬‬

‫‪224‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وال يرد عليه‪ :‬تأخري الرتجيح بالشهرة عن الرتجيح بالصفات يف املقبولة فلو مل يكن املراد الشهرة‬ ‫االصطالحية كان الالزم العكس إذ الرتجيح بالصفات فيها ترجيح ألحد احلكمني على اآلخر‬ ‫ملكان إضافة الصفات يف املقبولة إىل احلاكمني والرتجيح بالشهرة ترجيح إلحدى الروايتني على‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫[فإنه يقال]‪ :‬من املمكن أن يلتزم بإرادة الشهرة باملعىن العريف املتداول حالياً واملراد يف األصول‬

‫أيضاً عادة من (اشتهر) و(املشهور) يف املرفوعة‪[ ،‬أوال]‪ :‬لألصل العقالئي يف نقل األلفاظ‬ ‫[وثانيا]‪ :‬ملقابلته بالشذوذ والندرة يف الرواية حيث يراد بالشذوذ ما يقابل الشهرة باملعىن‬ ‫المستعمل يف العرف اخلاص والعام‪ ،‬قال يف لسان العرب‪( :‬شذ عنه يَشذ ويشذ شذوذاً‪ :‬انفرد عن‬ ‫اجلمهور وندر فهو شاذ‪ ..‬وجاؤوا شذاذ أي قالال‪ ...‬وشذاذ الناس متفرقوهم‪ ...‬شذ الرجل إذ‬ ‫انفرد عن أصحابه وكذلك كل شيء منفرد فهو شاذ)‪ 1‬وقال يف جممع البحرين (ويف القاموس نوادر‬ ‫الكالم ما شذ وخرج من اجلمهور‪ ..‬والندرة‪ :‬القلة)‪ 2‬فتأمل‪.‬‬ ‫[وثالثا]‪ :‬إن الشهرة لو كانت (مبعىن الوضوح) ولو كان (معىن كون الروايتني مشهورتني أهنما‬ ‫حبيث قد روامها مجيع األصحاب وعلم بصدورمها عن املعصوم عليه السالم) ملا كان جمال للرتجيح‬ ‫باألعدلية واألوثقية بعد فرض كون الروايتني مشهورتني إذ فرض كوهنما واضحتني معلوميت الصدور‬ ‫عن املعصوم ال ينجسم مع الرتجيح باملرجحات السندية‪ 3‬بل اجري ذلك حىت لو أريد من الوضوح‬ ‫مرتبة االطمئنان أيضاً‪ ،‬وأما إرساهلا فنجرب بكون عمل املشهور على طبقها ‪-‬فتأمل‪.‬‬

‫[ورابعا]‪ :‬إن تقدمي ما علم صدوره من املعصوم عليه السالم على غريه أو حىت ما اطمئن‬ ‫بصدوره من البديهيات املفروغ عنها فال ميكن أن يكون مورد السؤال واجلواب ذلك لو مت ما ذكره‬ ‫كان إطالق السؤال ‪-‬وبقرينة اجلواب أيضاً بناء على كون معىن الشهرة ما ذكره‪ -‬يشمل ما علم‬ ‫صدور أحدمها أو صدور كليهما وال حتري يف ما لو علم صدور أحدمها بني ترجيحه على غريه‬ ‫وغريه‪ ،‬وكذا ال حتري فيما لو علم بصدورمها من حيث السند فكيف يقع اجلواب الرتجيح السندي؟‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫‪ 1‬لسان العرب‪ :‬مادة شذذ ج‪ ،3‬ص‪.495-494‬‬ ‫‪ 2‬مجمل البحرين‪ :‬مادة ندر ج‪ ،3‬ص‪.490‬‬

‫‪ 3‬هذا الجواب مقتبس من (دروس في عل األصول) الحلقة الثالثة‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ص‪.403‬‬

‫‪225‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[وخامسا]‪ :‬إن ما ورد يف كتب اللغة من كون الشهرة مبعىن الوضوح لو سلم إرادته هنا فهو‬ ‫أعم من العلم واالطمئنان النوعي فال داعي جلعل معىن كون الرواتني مشهورتني العلم بصدورمها‬ ‫عن املعصوم إال أن يقال بكون مراده من العلم األعم من الظن النوعي ‪-‬فتأمل‪ -‬هذا‪.‬‬ ‫وإذا كان املراد من الشهرة الوضوح بل وكذا لو أريد معناها االصطالحي فال ميكن االستدالل‬ ‫هبذه الرواية على حجية رأي األكثرية إال بإثبات كون املراد بـ(ما) األعم من الرواية وفيه ما ال خيفى‬ ‫أو إثبات كون املالك يف ترجيح أحد اخلربين هو صرف الشهرة لقاعدة ارتكازية التعليل وغري ذلك‬ ‫كما مر مفصالً‪ ،‬ولو أريد من الشهرة الوضوح كان األمر أوضح وإثبات أن أكثرية الفقهاء من‬ ‫مصاديق املشهور مبعىن الواضح عرب ما مر وسيجيء مفصالً ومنه أن اجتهاد الواحد اجلامع‬ ‫للشرائط إذا كان من مصاديق الواضح (لوضوح حجيته ببناء العقالء وغريه) كان اجتهاد املتعدد‬ ‫من مصاديقه بشكل أوىل وليتأمل يف ما سبق ذكره واهلل اهلادي‪.‬‬ ‫[ومما يؤيد]‪ :‬كون رأي األكثرية أقرب إىل الواقع ما ذكره صاحب اجلواهر رضوان اهلل تعاىل‬ ‫عليه يف كتاب القضاء حيث حكم جبواز التشريك بني القاضيني يف اجلهة الواحدة على جهة‬ ‫االجتماع على احلكم الواحد مشبهاً إياه بالوضيني الوكيلني وعلله بـ(لألصل وألنه أضبط وأوثق‬ ‫للحكم خصوصاً بناء على ما هو احلق عندنا أن املصيب واحد)‪ 1‬وقال يف مقتاح الكرامة‪( :‬وكونه‬ ‫يف معىن قصر واليتهما مبا يتفقان عليه فيكون أوثق وأضبط)‪ ..2‬وسنتكلم حول هذا الفرع‬ ‫بالتفصيل يف موضع آخر إن شاء اهلل‪..‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬ما ذكر ههنا ‪-‬من حجية الشهرة‪ ،‬والرتجيح هبا عند التعارض‪ ،‬وكون ما انعقدت‬

‫عليه أقرب للواقع من غريه‪ -‬يناقض ما ذكر سابقاً من عدم كون الشهرة ظناً معترباً‪ ،‬يف اجلواب‬ ‫الثاين عن إشكال عدم فهم الفقهاء من اآلية الكرمية الوجوب؟‬

‫[إذ يقال]‪ :‬إن ما ذكر هناك هو عدم حجية الشهرة للمجتهد وللخبري ولذا جرت سرية‬ ‫العقالء على اتباع اجتهادهم لو كانوا من أهل اخلربة وإن خالفهم املشهور‪ ،‬وعليه بنائهم‪ ،‬وما ذكر‬

‫‪ 1‬جواهر الكال ‪ :‬كتاب القضاء‪ ،‬المجلد ‪ ،40‬ص‪.60‬‬ ‫‪ 2‬مفتاح الكرامة‪ :‬المجلد ‪ ،10‬ص‪ 12‬كتاب القضاء‪.‬‬

‫‪226‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫هنا هو حجية الشهرة لغري اخلبري ولغري اجملتهد بل املقصود إثباته هنا‪ :‬حجية قسم خاص من‬ ‫‪1‬‬ ‫الشهرة وهو شهرة مراجع التقليد يف الشؤون العامة فتأمل‪.‬‬ ‫ومن هنا يتضح أن ما فرضناه من عشرة أشخاص يف غابة وحكم العقل باتباع الشخص احلادي‬ ‫عشر لألكثرية إمنا هو فيما لو مل يكن خبرياً أدى ظنه إىل كون الطريق الفالين آمناً وفيما مل يكن‬ ‫عامياً قادراً على التشخيص وفهم األدلة ومعارضاهتا ومزامحاهتا وإال جاز له اتباع رأيه عقالً‪ ،‬وأما‬ ‫وجوب اتباع ما أدى إليه ظنه‪ ،‬عقالً‪ ،‬فمحل تأمل ‪-‬فتأمل واهلل العامل اهلادي‪.‬‬ ‫تنبیه‪:‬‬

‫الروايات اليت ذكرت يف هذا الفصل والفصل السابق إن كانت إرشاداً إىل حكم العقل فهذا‬ ‫الدليل عقلي‪ ،‬وإن مل تكن فنقلي باعتبارها وإن كان عقلياً باعتبار ما ذكر من استقالل العقل‬ ‫وبناء العقالء على مؤداها كما أنه تضمن براهني عديدة على املدعى ذكرت يف طي الربهان العام‬ ‫فلرياجع‪.‬‬

‫‪ 1‬وجاه‪:‬‬

‫أن رأي األكثرية لو كاان أقارب للواقال مان رأي المجتااد المنفارد ‪-‬للرواياات ولحكا العقال‪ -‬لاز عاد حجياة رأي ميرهاا مطلقااً‬

‫سواء كان مجتاداً أ ميره‪ ،‬إال أن يقال بينه ال تالز باين كاون رأيااا أقارب للواقال وباين عاد حجياة رأي كال فقياه لنفساه‪ ،‬أال‬

‫تاارك حجيااة رأي مياار األعلا لنفسااه ‪-‬علاار بعا‬

‫المباااني باال كلاااا لكااون الخااالا فااي حجيااة رأي مياار األعلا لغياره وجاواز‬

‫تقليده وعدمه مال وجاود األعلا ال لنفساه ‪-‬مال كاون رأي األعلا ‪-‬خاصاة مال تحقيقاه فاي تلال المسايلة وعاد مخالفتاه ال علا‬

‫آخر في عصر آخر‪ -‬أقرب للواقل‪ ،‬وعلر ذلل بناء العقالء وسيرتا ولذا يارون رأي الخبيار حجاة لنفساه وان عارضاه خبيار‬

‫أعل في الطب والاندسة وسائر الشؤون‪.-‬‬

‫وعلر ذلل تكون األدلة الدالة علر حجية ظن المجتاد لنفسه شاملة لما لاو انعقادت األكثرياة علار خالفاه وال ماانل مناه ثبوتااً‬ ‫إلمكان وجود مصلحة في ذلل‪ ،‬وكون األصل في األدلة الطريقية ال يعني عد حجية رأيه لمحكوميته ‪-‬أي األصل‪ -‬بعماو‬

‫الاادليل‪ ،‬ويتضااح ذلاال أكثاار لااو التزمنااا بااين الحجيااة تعنااي جعاال حك ا ظاااهري علاار طبااي مااؤدك الاادليل أو تعنااي المنجزيااة‬

‫والمعذرية‪ ،‬اللا إال لو أمكن استثناء انعقاد األكثرية في الشئون العامة علر خالا رأي الفقيه كما أسابنا الكال عنه‪.‬‬

‫‪227‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل السادس‬ ‫في تفصیل االستدالل ببرهان الدوران والترديد‬

‫‪228‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫برهان الدوران والترديد‬

‫وميكن االستدالل حبكم العقل على حكومة رأي أكثرية الفقهاء عن طريق برهان الدوران‬ ‫والرتديد‪ ،‬فنقول وباهلل نستعني‪:‬‬ ‫إن األمر يدور ‪-‬عند تعارض آراء وقرارات املراجع‪ -‬بني‪:‬‬ ‫أ‪ -‬نفوذ أمر كل فقيه على مقدليه فحسب‪.‬‬ ‫ب‪ -‬نفوذ أمر أحدهم غري املعني على اجلميع‪.‬‬ ‫ج‪ -‬نفوذ حكم أحدهم املعني‪.‬‬ ‫د‪ -‬نفوذ حكم أحدهم املخري‬ ‫هـ‪ -‬نفوذ حكم األكثرية‬ ‫أما األول‪:‬‬

‫فغري صحيح الستلزامه اهلرج واملرج واختالف النظام والضرر النوعي إذ من الواضح أن فقيهاً لو‬ ‫أمر باحلرب‪ ،‬وأمر آخر بالصلح وقلنا بنفوذ حكم كل منهما على مقلديه وجب على مقلدي‬ ‫األول اجلهاد واالعداد‪ ،‬وعلى مقديل الثاين عدمهما‪ ،‬وذلك يستلزم دخول الدولة بنصف قواها إىل‬ ‫املعركة ‪-‬أو أكثر أو أقل‪ -‬مما يؤدي إىل هزميتها أمام العدو أحياناً كثرية وأوضح من ذلك ما لو‬ ‫حكم الفقيه األول‪ :‬بأن األولوية للحرب مع الدولة ‪‬ألف‪ ،‬والثاين‪ :‬باألولوية للحرب مع الدولة‬ ‫‪‬ب‪ ،‬والثالث‪ :‬باألولوية للحرب مع الدولة ‪‬ج‪ ،‬والرابع‪ :‬د‪ 1‬فهل ميكن لشخص أن يلتزم باخليار‬ ‫األول ٍ‬ ‫حينئذ (نفوذ أمر كل فقيه على مقدليه فحسب)؟ مما يستلزم فتح أربع جهات عسكرية يف‬ ‫وقت واحد أمام أربعة دول تفوق كل واحدة منها الدولة اإلسالمية كماً وكيفاً؟ وأال يلزم من ذلك‬ ‫أكرب الضرر واختالل النظام واهلرج واملرج؟‬

‫‪ 1‬ول اايس ه ااذا مث اااالً خياليا ااً‪ ،‬إذ إن م اان الواض ااح اخ ااتالا الفقا اااء والسياس اايين حاليا ااً ف ااي أولوي ااة ص ااب ك اال الطاق ااات ض ااد‬ ‫االستعمار األميركي أو البريطاني أو الروسي في كثير من الدول التي تاددها هذه الثالثة بشكل أو بآخر‪.‬‬

‫‪229‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وكذا لو ارتأى فقيه اختاذ سياسة (تصدير الثورة) ودعم احلركات التحررية بالسالح واملال‬ ‫واإلعالم وتفجري الداخل وحكم به‪ ،‬وارتأى اآلخر عكس ذلك متاماً‪ ،‬بأن رجح إقامة عالقات‬ ‫دبلوماسية قوية مع الدول اجملاورة وغريها وضرب حركات التحرر عرب حتديد أو مالحقة قادهتا كوهنا‬ ‫حائلة دون حتسن العالقات مع سائر الدول وحكم به‪ ،‬فإن من البديهي أن نفوذ حكميهما على‬ ‫مقلديهما يستلزم ما ذكر من احملذورات‪.‬‬ ‫ومن الثابت أن (حفظ نظام النوع) من الوجابات وأن اإلخالل بالنظام واهلرج واملرج مما ردع عنه‬ ‫العقل والشارع ولذا قالت الصديقة الطاهرة عليها السالم‪( :‬وطاعتنا نظاماً للملة) ولذا قال يف‬ ‫املستند يف كتاب القضاء‪( :‬الثالثة‪ :‬القضاء واجب على أهله حبق النيابة لإلمام ويف زمان الغيبة يف‬ ‫‪1‬‬ ‫اجلملة بإمجاع األمة بل الضرورة الدينية لتوقف نظام نوع اإلنسان عليه‪.)...‬‬ ‫وأما ما رمبا يقال من اندفاع اهلرج واملرج واختالل النظام بتحكيم رأي الفقيه احلاكم فسيأيت‬ ‫اجلواب عنه تفصيالً عند التطرق للشق الثالث بإذنه تعاىل‪.‬‬ ‫ويمكن توضيح ما ذكرناه أكثر فأكثر مباحلظة أمرين‪:‬‬

‫[األمر األول]‪ :‬إن من الواضح عدم تطابق اخلارطتني اجلغرافية والبشرية ‪-‬التقليدية ذلك أن‬ ‫مقلدي املراجع يتوزعون يف دول عديدة حيث تضم كل دولة مقلدين لعدة مراجع حيث مل‬ ‫تستطع (احلدود اجلغرافية) أن تأقلم (حدود الوالء) لتحتكر كل دولة لنفسها مرجعاً واحداً فارضة‬ ‫حصاراً حديدياً أمام تقليد شرائح من الشعب ملراجع آخرين وهكذا كان لكل مرجع مقلدون‬ ‫عديدون يف عدة بالد وكانت شعوب كل دولة ترجع إىل عدة فقهاء وإن كان ذلك بنسب‬ ‫متفاوته‪.‬‬ ‫ولقد اشتهر الشيعة منذ القدم وعلى مر اإلعصار بذلك حيث أن فتح باب االجتهاد‪ ،‬وتعددية‬ ‫مراجع التقليد‪ ،‬أشهر من نار على علم وكذلك رجوع الناس من أية قومية كانوا إىل املرجع مهما‬ ‫كان صنفه‪ ،‬فرتى العريب يقلد مرجعاً إيرانياً (كالشيخ األنصاري قده واملريزا الشريازي قده والسيد‬ ‫أيب احلسن االصفهاين قده) أو أفغانياً (كاآلخوند اخلراساين اهلروي قده) وترى اإليراين يقلد مرجعاً‬ ‫عراقياً (كالعالمة احللي قده واحملقق احللي قده وابن سعيد احللي قده وابن طاووس قده والشيخ‬

‫‪ 1‬مستند الشيعة‪ :‬كتاب القضاء‪ ،‬ص‪.514‬‬

‫‪230‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫املفيد قده) أو لبنانياً (كالشيخ البهائي قده والشهيد األول قده والشهيد الثاين قده واحملقق الكركي‬ ‫قده) وهكذا وهلم جراً‪...‬‬ ‫كما جند مراجع عديدين إىل جنب املرجع األعلى لو وجد (اآلخوند اخلراساين واملريزا حممد تقي‬ ‫الشريازي‪ ،‬وصاحب العروة اليزدي‪ ،‬مث السيد أبو احلسن االصفهاين واملريزا النائيين والسيد حسني‬ ‫القمي‪ ،‬وكاشف الغطاء واملرحوم الكمباين‪ ،‬مث السيد احلكيم والسيد الشاهرودي والسيد امليالين‬ ‫والسيد الربوجردي والسيد اخلوانساري والسيد عبداهلادي الشريازي والسيد مريزا مهدي الشريازي‬ ‫والشيخ حممد كاظم الشريازي والسيد إبراهيم االصطهبانايت والسيد حممد حجة الكوهكمري قدس‬ ‫اهلل أسرارهم‪ -‬مث املراجع احلاضرون حفظهم اهلل تعاىل)‪.‬‬ ‫ولرمبا تطرقنا إىل تفصيل ذلك وإىل دراسة احلركة املرجعية طوال التاريخ يف كتاب آخر إن شاء‬ ‫اهلل‪.‬‬ ‫[األمر الثاني]‪ :‬إن كثرياً من القرارات ال تتحد يف إطار مقلدي املرجع الواحد بل تتسع تأثرياهتا‬ ‫لتشمل مقلدي سائر املراجع سلباً أو ااجاباً فعلى صعيد الدولة ميكن التمثيل بـ‪ :‬نظام الضرائب‪،‬‬ ‫التأميم وعدمه‪ ،‬حتديد التجارة اخلارجية وفرض املكوس والرسوم اجلمركية‪ ،‬قطع العالقات‬ ‫االقتصادية والدبلوماسية مع هذه الدولة أو تلك‪ ،‬احلرب والصلح‪ ،‬نظام اجلندية االجبارية‪ ،‬وأما يف‬ ‫خارج إطار الدولة فيمثل بـ‪ :‬اختاذ أسلوب العمل الثوري يف مواجهة احلاكم اجلائر (كما ارتآه‬ ‫اآلخوند اخلراساين صاحب الكفاية قده يف املشروطة مثالً) أو انتهاج سبيل االنعزال واالبتعاد عن‬ ‫العمل السياسي (كما ارتضاه الطباطبائي اليزدي صاحب العروة قده يف تلك احلادثة) أو اتباع‬ ‫طريقة (التغيري الثقايف) عرب تقوية نظام الوكالء والرتكيز على بناء املؤسسات الدينية واالجتماعية‬ ‫والثقافية (كاملساجد واملدارس واحلسينيات وغريها) كما سلكه السيد أبو احلسن االصفهاين قده‬ ‫عندما آلت إليه املرجعية بعد وفاة صاحيب الكفاية والعروة قدمها‪.‬‬ ‫وكذلك يف املوقف من كل فتنة عارضة وما أكثر أمثلتها ‪-‬وكذلك يف السياسة العامة اليت يسري‬ ‫عليها املرجع طوال حياته‪.‬‬ ‫ومن الواضح أن أي موقف من املواقف السابقة ال ينحصر تأثريه يف مقلدي املرجع صاحب‬

‫املوقف املعني‪ ،‬إذ إن اختاذ أسلوب العمل الثوري يف مواجهة الطاغوت يف دولة ما‪ ،‬إما أن يؤدي‬ ‫إىل إسقاطه أوالً‪ ،‬وعلى التقدير األول‪ ،‬إما مع تضحيات يف األنفس وخسائر يف األموال أوالً مث‬ ‫‪231‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إما مع سقوط احلكم بيده أم ال وعلى هذين التقديرين فإما أن يقع بيد األحسن أو األسوء أو‬ ‫املساوي‪ ،‬ويف مجع هذه الصور‪ :‬من بعض الوجوه أو كلها أو بالتخالف‪ ،‬وعلى التقدير الثاين إما‬ ‫تكربه وجتربه ودكتاتوريته وغصبه للحقوق وهدره للدماء أو يسبب العكس أو‬ ‫أن يسبب ذلك زيادة ّ‬ ‫ال يؤثر أصالً ال سلباً وال إاجاباً وعلى تقديري الزيادة وعكسها‪ ،‬إما أن يسبب ذلك سرعة‬ ‫سقوطه‪ 1‬أو بطؤه وهكذا وهلم جراً ومن الواضح أنه على مجيع التقادير بعد إخراج مستحيل‬ ‫الوقوع ومستبعده تكون التأثريات منعكسة على الشعب بأكمله أو قطاعات واسعة منه ال تكون‬ ‫بالضرورة مقلدة بأمجعها للمرجع متخذ القرار‪.‬‬ ‫وكذلك قرار العمل الثقايف واالنعزال‪ ،‬إذ من الواضح أن متخذي القرار يرون فيهما املصلحة أو‬ ‫املفسدة األقل ويف عكسهما املفسدة أو املفسدة األكثر وعلى مجيع التقادير ال تنحصر املصلحة‬ ‫واملفسدة يف مقلديهما‪.‬‬ ‫فلو قلنا بنفوذ حكم كل فقيه على مقلديه استلزم ذلك ‪-‬مع حلاظ ما سبق من األمرين‪ -‬اهلرج‬ ‫واملرج واختالل النظام والضرر النوعي فتأمل‪ ،‬إذ قد يقال بكون الدليل أخص من املدعى هذا‪.‬‬ ‫مرجح نفوذ حكم هذا‬ ‫إضافة إىل ورود إشكال آخر على االلتزام بالشق األول وهو أن جعل ّ‬ ‫الفقيه هو كونه مقلداً‪ ،‬بال دليل‪ ،‬لعدم قيام دليل على كون النافذ حكمه هو ا ملقلد‪ ،‬وعلى التالزم‬ ‫بني الرجوع إىل شخص يف التقليد وبني نفوذ أحكامه‪ ،‬بل الدليل على العدم إذ أدلة والية الفقيه‬ ‫مطلقة شاملة لكل جامع للشرائط مقلداً كان أو غريه‪ ،‬فتخصيصها مبا لو قلده الشخص ختصيص‬ ‫بال خمصص هذا‪.‬‬ ‫وال خيفى أن هذا الشق األول مندرج يف الشق الثالث ومن مصاديقه‪.‬‬ ‫وأما الثاني‪:‬‬

‫فغري تام أيضاً‪ ،‬إذ أنه مستحيل إن أريد بـ(غير المعين) غري املعني يف مرحلة الثبوت‪ ،‬إذ ال‬ ‫وجود للواحد املردد يف اخلارج ألن كل شيء هو هو وال يعقل أن يكون هو أو غريه‪ ،‬إذ ثبوت‬ ‫‪ 1‬علار تقادير زيااادة الضاغط حساب قاعاادة الضاغط يولااد االنفجاار وكال شاايء جااوز حااده انقلاب ضاده‪ ،‬وعلاار تقادير العكااس‬ ‫واعطائه نوعاً من الحريات قد يفتح ذلل مجاالً لمزيد من التحرل السياسي واالجتماعي والثوري مما يسا في نضج المفاهي‬ ‫بشكل أسرال في أذهان الشعب وتبلور صيغة المقاومة بشكل أكثر‪.‬‬

‫‪232‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الشيء لنفسه ضروري وسلبه عنه حمال وإال لزم اجتماع النقيضني‪ ،‬وال معىن له إن أريد به (غير‬

‫المعين في مرحلة اإلثبات)‪ 1‬إذ ال معىن لألمر باتباع شخص غري معني من جمموعة بل هو‬ ‫مستحيل من اآلمر امللتفت ومن املأمور‪ ،‬أما من اآلمر فلعدم إمكان البعض حنو ما ال ميكن‬ ‫االنبعاث إليه من امللتفت وال ميكن (تنجيز) األمر باتباع أي واحد منهم لكونه مردداً بني احلجة‬ ‫والال حجة أال ترى عدم إأمكان تنجز األمر باتباع النيب صلى اهلل عليه وآله لو جهل وتردد بني‬ ‫من هو نيب ومن ليس بنيب؟ ملن جهله ومل يكن له طريق إىل معرفته قصوراً‪ ،‬ضرورة كون التنجز فرع‬ ‫االلتفات وقبح تكليف غري امللتفت إال باعتبار اختيارية مقدمات قد قصر فيها إضافة إىل أن‬ ‫الشك يف احلجية موضوع عدم احلجية‪ ،‬أما من املأمور فكذلك ألن االتباع فرع االلتفات فتأمل‪.‬‬ ‫إال أن يقال إن اتباع شخص مبا أنه مأمور باتباع قوله فرع االلتفات‪ ،‬أو يقال (االتباع) ال يطلق‬ ‫عرفاً على من مشى على طريقة شخص غري ملتفت إىل أهنا طريقته وغري مستند إليه ٍ‬ ‫ناسب ذلك‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫وأما الثالث‪:‬‬

‫وهو نفوذ حكم أحدهم املعني‪ :‬فريد عليه أنه ليس أوىل من نفوذ حكم اآلخرين عليه‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬الذي ينفذ حكمه هو األعلم‪ ،‬ألنه الواجب تقليده‪.‬‬

‫[إذ يقال‪ :‬أوال وثانيا]‪ :‬إنه غري تام مبىن وبناءً‪ ،‬أما مبنى فألن تقليد األعلم غري واجب وقد‬ ‫مر احلديث حبمد اهلل عن ذلك وعن عدم صحة سائر األدلة اليت أقيمت لنفوذ حكم األعلم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأما بناء‪ :‬فلو سلمنا وجوب تقليد األعلم‪ ،‬وأن ذلك يستلزم نفوذ حكمه هو ال غري‪ ،‬وفرض‬ ‫وجود أعلم يسلم اجلميع أعلميته والتزم اجلميع بوجوب تقليد األعلم صح ما ذكر‪ ،‬ولكن سيأيت‬ ‫إبطال االستلزام‪ ،‬وأما الفرض فهو غري واقع واخلارج على خالفه إذ ال التزام من اجلميع بذلك‪،‬‬ ‫وعلى فرضه الفنزاع الصغروي مما ال ينكر‪ ،‬إذ االختالف بني الناس والفضالء يف صغرى ‪‬األعلم‪‬‬

‫‪ 1‬الفري بين هذا القس الثاني بشقيه وبين القس الرابل اوتي أن الحجية مجعولة في القسا ال اربال لكاال الارأيين لكان ال بشارط‬

‫ال بمعناار ج اوا اتباااال ذال وذا والواجااب الجااامل فيي ااً منامااا اتباال كااان منج ا اًز أو معااذ اًر وفااي الشااي األول ماان القس ا الثاااني‬

‫مجعول ألحدهما مير المعين ثبوتاً دون اوخار ميار المعاين ثبوتااً أيضااً وذال هاو الجاائز االتبااال (باالمعنر األعا ) والمنجاز‬

‫أو المعذر‪ ،‬وأما في الشي الثاني من القس الثاني فمجعولة ألحدهما المعين ثبوتاً وهو المنجز أو المعذر دون اوخر‪.‬‬

‫‪233‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ال خيفى على أحد‪ ،‬إذ كل يدعي أن مقلَّده ومرجعه هو األعلم‪ ،‬فأتباع اآلخوند قده كانوا يدعون‬ ‫أعلميته وكذا أتباع اليزدي‪ ،‬وقل مثل ذلك يف النائيين واالصفهاين والعراقي وهكذا نازالً وصاعداً‪...‬‬ ‫وليس هذا االختالف ناشئاً عن اهلوى والتعصب‪ ،‬بل أنه كثرياً ما يرجع إىل‪:‬‬

‫أ‪ -‬االختالف في ‪‬ضابط األعلمية‪ ‬فهل هو العمق والتدقيق‪ ،‬أم السعة والشمول أم غريمها؟‬ ‫فالشيخ األنصاري قدس سره أدق وصاحب اجلواهر قدس سره أمشل‪ ،‬فمن األعلم؟‬ ‫قال يف (املهذب)‪( :‬األعلمية من املوضوعات العرفية وحمتمالهتا يف املقام أربعة‪ :‬األول‪ :‬أن يكون‬ ‫أكثر علماً من غريه‪ ...‬الثاين‪ :‬أن يكون أكثر استحضاراً للفروع الفقهية ومسائلها‪ ...‬الثالث‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫أقرب إصافة إىل الواقع‪ ...‬الرابع‪ :‬أجود فهماً وأحسن تعييناً للوظائف الشرعية‪.)..‬‬ ‫وقال يف (الفقه)‪( :‬الظاهر أن األعلمية عبارة عن قوة امللكة وشدهتا‪ ،‬وما ذكره املصنف وغريه‬ ‫من عللها أو معلوالهتا ال حقيقتها‪ ،‬إذ كثرة االطالع وجودة الفهم سببان لقوة امللكة وحسن‬ ‫االتنباط متفرع عليها‪- 2)...‬فتأمل‪.‬‬ ‫وال بأس بنقل كالم املوىل أمحد النراقي رضوان اهلل تعاىل عليه بطوله ملا فيه من فائدة ت وضيح‬ ‫ما ادعيناه (من ندرة االتفاق على األعلم) قال قده يف املستند‪( :‬واملراد باألعلمية‪ :‬األعلمية يف‬ ‫األحاديث‪ ،‬ويف دين اهلل ‪-‬كما يف الروايتني‪ ...-‬واألعلمية يف األحاديث تكون تارة‪ :‬بأكثرية‬ ‫اإلحاطة هبا‪ ،‬واالطالع عليها‪ ،‬وأخرى‪ :‬باألفهمية هلا‪ ،‬وأدقية النظر‪ ،‬وأكثرية الغور فيها‪ .‬وثالثة‪:‬‬ ‫بزيادة املهارة يف استخراج الفروع منها‪ ،‬ورد اجلزئيات إىل كلياهتا‪ .‬ورابعة‪ :‬بزيادة املعرفة بصحيحها‬ ‫وسقيمها وأحوال رجاهلا‪ ،‬وفهم وجوه اخللل فيها‪ .‬وخامسة‪ :‬بأكثرية االطالع على ما يتوقف فهم‬ ‫األخبار عليها من علم اللغة وقواعد العربية والنحو والصرف والبديع والبيان وحنوها‪ .‬وسادسة‪:‬‬ ‫باستقامة السليقة‪ ،‬ووقادة الذهن‪ ،‬وحسن الفهم فيها‪ ،‬كما أشار إليه يف بعض األخبار املتقدمة‬ ‫بقوله‪( :‬وحسن االختيار)‪ .‬وسابعة‪ :‬بأكثرية االطالع على أقوال الفقهاء اليت هي كالقرائن يف فهم‬ ‫األخبار‪ ،‬ومواقع اإلمجاعات‪ ،‬وأقوال العامة اليت هي من املرجحات عند التعارض‪ ،‬ويف فهم القرآن‬ ‫الذي هو أيضاً كذلك‪ .‬واألعلم الذي ميكن احلكم الصريح بوجوب تقدميه هو‪ :‬األعلم جبميع‬ ‫تلك املراتب‪ ،‬أو يف بعضها مع التساوي يف البواقي‪ .‬وإال فيشكل احلكم بالتقدمي‪ .‬ومن ذلك تظهر‬ ‫‪ 1‬ماذب األحكا ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.32‬‬

‫‪ 2‬الفقه‪ :‬االجتااد والتقليد‪ ،‬ص‪.100‬‬

‫‪234‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ندرة ما حيكم فيه بوجوب التقدمي البتة‪ ،‬واهلل سبحانه العامل)‪ 1‬ومن ذلك كله اتضح ما ذكرناه‬ ‫يف سبب االختالف يف مصداق األعلم وهو االختالف يف الضابط وتبعض تلك املراتب السبعة‬ ‫وعدم اجتماعها مجيعاً يف فقيه غالباً وامتالك فقيه لبعضها يف حث امتالك فقيه آخر لبعضها‬ ‫اآلخر وهكذا‪.‬‬ ‫ب‪ -‬االختالف في (التشخيص) عن قناعة تامة‪ ،‬أال ترى الناس خمتلفني يف أمهر األطباء‬ ‫وأعلمهم؟ وكذا يف أفضل املهندسي والنبائني و‪ ..‬و‪ ..‬وهل ذلك تابع يف األكثر إال عن اختالف‬ ‫التشخيص والقناعة التامة بذلك ال هلوى وتعصب؟‬ ‫ولعلماء النفس واالجتماع حتليلهم يف هذا املقام قد نتطرق له يف كتاب آخب بإذن اهلل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ إذا اختلف الناس في األعلم فإن قلنا بنفوذ حكم األعلم يف حق اجلميع‪ :‬مقلدية‬

‫ومقديل غريه ‪-‬بناء على تسليم الكربى من اجلميع وأن األعلم هو واجب االتباع‪ -‬لزم ‪-‬إن قلنا‬ ‫بنفوذ حكم األعلم اإلثبايت بأن قلنا بنفوذ حكم من اطمئن بعض بأعلميته علم‪ -‬نفوذ أحكام‬ ‫عدة مراجع ‪-‬ممن ادعى بعض الناس أعلميته سواء لالختالف يف الضابط أم لالختالف يف‬ ‫التشخيص بعد االتفاق على الضابط‪ -‬على كل الشعب وهذا حمال الستلزامه طلب النقيضني أو‬ ‫الضدين من املكلف‪ ،‬مثالً لو حكم أحدهم بتجنيد كل الطاقات للحرب على اجلبهة الشمالية‬ ‫واآلخر بتجنيد كلها للحرب على اجلبهة اجلنوبية مثالً أو حكم أحدهم باحلرب واآلخر بعدمها‪،‬‬ ‫أما إن قلنا بنفوذ حكم األعلم الثبويت‪- 2‬وإن كان اإلثبايت عكسه‪ -‬فيلزم احملاذير اليت ذكرت يف‬ ‫اخليار الثان كما يلزم تكليف ما ال يطاق‪.‬‬ ‫والكالم بعينه يجري فيما لو وجد أعلم يسلم اجلميع أعلميته ولكن مل يلتزموا بأمجعهم بوجوب‬ ‫تقليد األعلم‪ ،‬بأن ارتأى بعض الفقهاء جواز تقليد غري األعلم بل نقول بذلك حىت لو ارتأى‬ ‫العوام أو كثري منهم أو بعضهم جواز تقليد غري األعلم‪ ،‬إذ إن وجوب تقليد األعلم تعينياً يف‬ ‫مسألة تقليد األعلم دوري‪ ،‬إذ وجوب تقليده يف هذه املسألة فرع وجوب تقليده تعييناً مطلقاً فلو‬ ‫توقف وجوب تقليده تعييناً مطلقاً على وجوب تقليده ‪-‬الثابت بقوله‪ -‬يف هذه املسألة دار‪ ،‬نعم‬ ‫لو كان احلاكم وامللزم هو العقل ال قول األعلم بوجوب تقليد األعلم ارتفع الدور‪ ،‬وإذا كان احلاكم‬ ‫‪ 1‬مستند الشيعة في أحكا الشريعة للمرحو النراقي‪ :‬كتاب القضاء والشاادات‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬ص‪ 522‬الطبعة القديمة‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي األعل في مرحلة الثبوت والواقل‪ ،‬سواء ثبتت أعلميته في مرحلة اإلثبات والعل أ ال‪.‬‬

‫‪235‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫هو العقل فإننا جند كثرياً من العقالء (غري اجملتهدين) ال يرون وجوب الرجوع لألعلم تعييناً لو مل‬ ‫نقل بأن بناء العقالء على عدمه‪.‬‬ ‫ويف هذه الصورة من الطبيعي أن يرى كل من األعلم وغري األعلم نفوذ حكمه هو على مقلديه‬ ‫(أو على اجلميع) وأن يرى مقلدوا األعلم نفوذ حكمه عليهم ومقلدوا غريه نفوذ حكم هذا الغري‬ ‫عليهم ويعود الكالم السابق (قبل صفحة تقريباً) بعينه ههنا (من القول بنفوذ حكم األعلم وغري‬ ‫األعلم على املقدلني وبنفوذ حكم كل منهما على اجلميع) وال ميكن القول بعدم صحة حكم غري‬ ‫األعلم يف حق مقدليه‪ ،‬إذ إن قوله هو احلجة عليهم شرعاً وعقالً ختيرياً (ملا توصولوا إليه بعقوهلم ‪-‬‬ ‫حسب اعتقادهم‪ -‬من عدم وجوب تقليد األعلم تعييناً) أو تعييناً بناء على عدم جواز العدول‬ ‫فتأمل‪.‬‬ ‫وكذا ال ميكن القول بأن الواجب عليه هو اتباع األعلم ألنه يرى رأيه املوافق للموازين الفقهية‬ ‫ورأي غريه باطالً‪ ،‬ولذا قال يف العروة يف كتاب القضاء (مسألة‪ :5‬البد للقاضي أن حيكم مبقتضى‬ ‫رأي نفسه ال رأي غريه وإن كان أعلم)‪ ،‬وقال يف املهذب (ألنه املناسق من األدلة‪ ،‬وألصالة عدم‬ ‫االعتبار يف غريه ولكن لو اتفق رأيه مع رأي غريه من حيث متامية الدليل لديه ال اعتماداً على‬ ‫ٍ ‪1‬‬ ‫نظره يصح حينئذ)‪.‬‬ ‫وقال يف املستند (الثانية عشرة إذا كان تنازع املتخاصمني عند حاكم يف أمر الختالف‬ ‫اجملتهدين‪ ...‬اجب على احلاكم املرتافع إليه احلكم يف الواقعة مبقتضى رأيه وفتواه إمجاعاً ألنه حكم‬ ‫اهلل عنده ويف حق كل من يقلده أو يرتافع إليه‪ 2)...‬وقال يف الفقه (‪ ...‬وذلك ألنه يصدق أنه‬ ‫‪3‬‬ ‫حكم حبكمهم وأن الراد عليهم كالراد عليهم عليهم السالم)‪.‬‬ ‫وال خيفى جريان ما ذكر يف املهذب واملستند والفقه من التعليل يف أمر احلكم يف الشؤون العامة‬ ‫فليالحظ‪ ،‬وحنن يف غىن عن إثبات ذلك‪ ،‬إذ مل يقل أحد بوجوب اتباع ‪-‬بل حىت جبواز اتباع‬ ‫فتأمل‪ -‬اجملتهد لغريه يف الفتاوى نعم يف القضاء عليه االتباع‪ ،‬وأما يف احلكم فقد تطرقنا ههنا‬ ‫جلانب من البحث وسنتكلم عنه يف مكان آخر أيضاً إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬وسنتطرق إىل صورة‬ ‫‪ 1‬ماذب األحكا ‪ :‬المجلد ‪ ،27‬ص‪.50‬‬ ‫‪ 2‬مستند الشيعة‪ :‬المجلد‪ ،2‬ص‪.531‬‬

‫‪ 3‬الفقه‪ :‬كتاب القضاء‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.114‬‬

‫‪236‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫حدوث التدافع أيضاً‪ ،‬بأن رأي األعلم نفوذ حكمه على سائر اجملتهدين ورأي غري األعلم عدمه‬ ‫أو بالعكس بأن رأي غريه نفوذ حكم السابق أعلم أو غريه!‬ ‫اللهم إال أن يقنعوا مجيعاً (وهو فرض غري واقع) بلزوم تقليد األعلم‪ ،‬فريجع الكالم إىل الفرض‬ ‫السابق‪..‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬لنا أن نلتزم بأن الذي ينفذ حكمه هو (ولي األمر)؟‬

‫[فإنه يقال]‪( :‬ولي األمر) هو الرسول صلى اهلل عليه وآله واألئمة عليهم أفضل الصالة‬ ‫والسالم‪ ،‬ولو تعدى منهم إىل خلفائهم كان كل املراجع أولياء لألمر‪ ،‬ال أحدهم بعينه‪ ،‬إذ دليل‬ ‫التعدي عام يشمل كل من مجع الشرائط‪ ،‬فمثالً قوله عليه السالم يف املقبولة (ينظران من كان‬ ‫منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حاللنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني‬

‫قد جعلته عليكم حاكما) وقوله عليه السالم (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة‬

‫حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اهلل) وقد مر تفصيل الكالم حول ذلك واالستدالل هبذه‬ ‫الروايات وسائر الروايات فلرياجع‪.‬‬ ‫[ولو قيل]‪ :‬بأن الذي ينفذ حكمه هو (الحاكم الفعلي) الذي تسلم أزمة أمور الدولة بيده‬ ‫وهو قائد الثورة الذي أسقط احلكم السابق وأقام مقامه حكومة جديدة‪.‬‬ ‫[قلنا]‪ :‬إن (والية الفقيه) على القول هبا مل يقيدها أحد من الفقهاء بسقوط السلطة بيده‪،‬‬ ‫فللفقيه الوالية شرعاً داخل احلكم كان أم خارجه‪ 1‬ولذا قال يف (احلكومة اإلسالمية)‪( :‬ويف حالة‬ ‫عدم إمكان تشكيل تلك احلكومة فالوالية ال تسقط ألن الفقهاء قد والهم اهلل فجيب على الفقيه‬ ‫أن يعمل مبوجب واليته قدر املستطاع فعليه أن يأخذ الزكاة واخلمس واخلراج واجلزية إن استطاع‬ ‫‪2‬‬ ‫لينفق كل ذلك يف مصاحل املسلمني وعليه إن استطاع أن يقيم حدود اهلل)‪.‬‬ ‫ومن هنا يظهر عدم صحة (وإذا هنض بأمر تشكيل احلكومة فقيه عامل عادل فإنه يلي من أمور‬ ‫اجملتمع ما كان يليه النيب صلى اهلل عليه وآله منهم ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا)‪ 3‬إن‬

‫‪ 1‬كمااا أن للمجتاااد العااادل القضاااء نصاابته الحكومااة أ نصاابت قاضااياً فاسااقاً أو مياار مجتا اد وكمااا أن الواليااة لااألب والجااد‬ ‫والوصي ‪-‬فيما لا الوالية فيه‪ -‬سواء سمحت لا الحكومة أو ميرها بإعمال واليتا أ ل تسمح‪.‬‬

‫‪ 2‬الحكومة اإلسالمية‪ :‬ص‪.52‬‬ ‫‪ 3‬المصدر‪ :‬ص‪.49‬‬

‫‪237‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أراد من (الناس) ما يشمل سائر الفقهاء املراجع‪ ،‬بل هذا الكالم ينايف ما ذكره من (ألن الفقهاء‬ ‫قد والهم اهلل) مستدالً به على عدم سقوط الوالية إن أراد سقوط واليتهم مبجرد تويل فقيه آخر‬ ‫للحكم فإذا كان اهلل قد والهم فما املسقط لواليتهم عند تصدي فقيه للحكم‪ ،‬اللهم إال لو قام‬ ‫دليل خاص على االستنثاء وأن الوالية ثابتة للفقهاء مطلقاً سواء كانوا داخل احلكم أو خارجه إال‬ ‫يف صورة وقوع احلكم بيد أحدهم‪ ،‬وليس يوجد ما يدل على هذا التخصيص بل الدليل على‬ ‫عدمه كما أوضحناه هيهنا وفصلناه يف مواضع آخر من هذا الكتاب فلرياجع‪ ،‬ومن هنا اتضح‬ ‫متامية ما ذكره دام ظله من (وعلى الفقيه أن يعمل مبوجب واليته قدر املستطاع‪ )...‬وكون إطالقه‬ ‫وعدم تقييده مبا لو وقع احلكم بيد أحد الفقهاء هو مقتضى القاعدة‪ ،‬وبناء على ذلك يكون من‬ ‫الواجب على احلاكم فقيهاً كان أو غريه السماح لسائر الفقهاء بإعمال واليتهم‪ ،‬ويكون سلب‬ ‫قدرة الفقيه على إعمال واليته‪ ،‬أو عدم السماح له بتحصيلها صداً عن املعروف ومنعاً للحق عن‬ ‫ذي احلق وكالمها حمرم‪ ،‬ولو منعت احلكومة الفقيه عن ذلك كان عليه أن يعمل واليته قدر‬ ‫استطاعته ‪-‬كما مر من كالمه‪ -‬وعليه أن يسعى ليصل إىل مقدار ماله من الوالية مما اعتربه الشرع‬ ‫املقدس للفقيه‪ ،‬وأما لزوم اهلرج واملرج فقد فصلنا احلديث عنه يف موضع آخر وذكرنا أنه يندفع‬ ‫بشورى الفقهاء إضافة إىل أجوبة أخرى فلرياجع‪.‬‬ ‫ومما يوضح عدم متامية ما ذكره لو أريد به تعميم الوالية ووجوب اإلطاعة‪ ،‬أنه قد استفاد والية‬ ‫الفقيه من جمموعة روايات مطلقة مل تقيد فيها واليته ووجوب متابعته بسيطرته على الدولة أو عدم‬ ‫سيطرة غريه من الفقهاء عليهات‪ ،‬فمن الروايات اليت استدل هبا قول أمري املؤمنني عليه السالم‪:‬‬ ‫(قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله اللهم ارحم خلفائي ‪-‬ثالث مرات‪ -‬قيل يا رسول اهلل‬ ‫ومن خلفاؤك؟ قال‪ :‬الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي فيعلمونها الناس من‬

‫بعدي)‪ 1‬حيث قال‪ ...( :‬وال جمال للشك يف داللة الرواية على والية الفقيه وخالفته يف مجيع‬ ‫الشؤون)‪ 2‬وإذا كان ذلك‪ ،‬فأين التقييد بصورة توليه للحكم أو صورة عدم تويل غريه له؟ بل إن ما‬ ‫ذكره مد ظله بعد ذلك (واخلالفة الواردة يف مجلة (اللهم ارحم خلفائي) ال خيتلف مفهومها يف‬

‫‪ 1‬الوسائل‪ :‬كتاب القضاء‪ ،‬الباب ‪ 8‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬الحديث ‪.50‬‬ ‫‪ 2‬الحكومة اإلسالمية‪ :‬ص‪.61‬‬

‫‪238‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫شيء عن اخلالفة اليت تستعمل يف مجلة (علي خليفيت))‪ 1‬كالصريح يف نفي هذا التقييد إذ مما ال‬ ‫شك فيه أن (خالفة اإلمام علي عليه السالم) ال ختتص بصورة توليه احلكم أو بصورة عدم تويل‬ ‫غريه للحكم‪ ،‬فإذا كان العلماء خلفاء للرسول صلى اهلل عليه وآله كخالفة علي عليه السالم متاماً‬ ‫على ما صرح به‪ -‬فينبغي أن ال تناط خالفتهم وواليتهم بالسلطة الظاهرية أبداً وجوداً وعدماً‪.‬‬‫ومثل ذلك جا ٍر يف الرواية األخرى اليت استند إليها يف إثبات والية الفقيه‪ ،‬قال الكاظم عليه‬ ‫السالم‪( :‬إذا مات المؤمن بكت عليه المالئكة وبقاع األرض التي كان يعبد اهلل عليها وأبواب‬ ‫السماء التي كان يصعد فيها بأعماله وثلم في اإلسالم ثلمة ال يسدها شيء‪ ،‬ألن المؤمنين‬

‫الفقهاء حصون اإلسالم كحصون سور المدينة لها‪ 2)...‬قال‪( :‬قوله عليه السالم ‪‬ألن املؤمنني‬ ‫‪3‬‬ ‫الفقهاء حصون اإلسالم‪ ...‬تكليف للفقهاء أن حيفظوا اإلسالم بعقائده وأحكامه وأنظمته‪)...‬‬ ‫فهل تنحصر حصنية الفقيه لإلسالم ‪-‬اليت استفيد منها والية الفقيه‪ -‬وكذا (تكليف الفقهاء بأن‬ ‫حيفظوا اإلسالم بعقائده وأحكامه وأنظمته‪ )...‬بالفقيه املتويل للسلطة حىت خيرج كافة الفقهاء‬ ‫الذين مل تقع السلطة بأيديهم عن احلصنية وعن التكليف حبفظ اإلسالم؟! مع وجود اجلمع احمللى‬ ‫بأل‪ ،‬وإال يلزم من ذلك ختصيص األكثر وبال خمصص‪.‬‬ ‫ونفس الكالم اجري يف سائر الروايات اليت استند إليها فلرياجع خاصة املقبولة ص‪ 86‬ورواية أيب‬ ‫خداجة ص‪ 89‬ورواية حتف العقول ص‪ 102‬الواردة يف ظرف عدم تسلم الفقيه والقاضي للسلطة‪.‬‬ ‫وكيف كان‪ .‬فإن سقوط الفقيه عن الوالية وعن نفوذ التصرفات مبجرد تسلم فقيه آخر للسلطة‬ ‫هو احملتاج للدليل ‪-‬بل نقول إن الدليل قائم على العدم حيث إن إطالقات أدلة الوالية "وهي‬ ‫الروايات واآليات" تشمل صوريت تسلم الفقيه للحكم وعدمه‪ -‬وقد ذكرنا اآلن بعض الروايات‬ ‫وذكرنا سابقاً ما ميكن أن يستدل به منها فلرياجع‪ ،‬ومما يدل على ذلك أننا ال جند وال يف رواية‬ ‫واحدة تعليق الوالية على صورة وقوع السطلة الظاهرية بيد الفقيه أو اشرتاطها بعدم وقوعها بيد‬ ‫فقيه آخر فليالحظ‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬النافذ حكمه هو السابق يف إصدار احلكم ‪-‬كما قالوا بذلك يف باب القضاء‪.-‬‬ ‫‪ 1‬المصدر‪.‬‬

‫‪ 2‬الكافي‪ :‬كتاب فضل العل ‪ ،‬باب فقد العلماء‪ ،‬الحديث ‪.3‬‬ ‫‪ 3‬الحكومة اإلسالمية‪ :‬ص‪.63‬‬

‫‪239‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[إذ يقال]‪ :‬قياس ما حنن فيه بباب القضاء باطل وذلك لسببني‪.‬‬

‫[أما أوال]‪ :‬فألن حكم احلاكم اجلامع للشرائط يف باب القضاء إمنا ينفذ (لوجود املقتضي‬ ‫وانتفاء املانع) إمنا الكالم يف أنه هل للحاكم اآلخر ‪‬رفع‪ ‬ونقض ذلك احلكم الثابت أم ال؟‬ ‫فيقال‪ :‬بأنه ال اجوز ‪-‬خاصة يف صورة الشك واحتمال صدور حكمه صحيحاً‪ -1‬نقض حكمه‬ ‫إلطالق قوله عليه السالم يف املقبولة‪.‬‬ ‫(فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم اهلل استخف وعلينا قد رد والراد علينا الراد‬

‫على اهلل وهو على حد الشرك باهلل) حيث قالوا بشمول إطالقه لصورة الشك وقيام العلمي على‬ ‫‪2‬‬ ‫اخلالف أيضاً ولإلمجاع ولطفرية وعقالئية قبح نقض حكم القاضي ولذا جند اتفاق امللل عليه‪.‬‬ ‫أما يف باب حكومة الدولة فليس الكالم يف أنه هل للحاكم اآلخر ‪-‬وكذا هل ألكثرية‬ ‫الفقهاء‪ -‬نقض ورفع حكم احلاكم األول يف (الشؤون العامة) أم ال‪ ،‬بل الكالم يف أنه هل حيق‬ ‫للفقيه اجلامع للشرائط أن حيكم يف (الشؤون العامة) دون استشارة سائر الفقهاء ودون اعتقاد‬ ‫األكثرية ملا ارتآه‪ ،‬وأن من له صالحية (احلكم) يف (الشؤون العامة) هو كل فقيه فقيه منفرداً أم‬ ‫شورى الفقهاء؟‬ ‫وبعبارة أخرى (الكالم يف املقتضي لنفوذ حكم الفقيه الواحد ال الرافع بعد تسليم املقتضي‪،‬‬ ‫فمدعى شورى الفقهاء يدعي عدمه ومنكرها يدعي وجوده)‪ 3‬فال يصح ‪-‬على هذا‪ -‬التمسك‬ ‫بإطالق (الراد عليهم كالراد علينا والراد علينا الراد على اهلل) إذ الراد على الفقيه فيما هو من‬ ‫شأنه وفيما نصبه اإلمام عليه السالم حاكماً فيه ريد على اإلمام ال يف غري ذلك‪ ،‬أال ترى أن‬ ‫املشهور إن مل نقل اإلمجاع أفتوا بأن الفقيه ال ينفذ حكمه يف املوضوعات الصرفة (ككون هذا‬ ‫مخراً وتلك شاة) وللمقلد أن يعمل بظنه هو إن كان من أهل اخلربة أو يعمل بقول خبري يف ذلك؟‬ ‫‪ 1‬إنما قلنا ‪‬خاصة في صورة‪ ...‬ألنه في صورة تغاير االجتاادين ومخالفة حكا األول لماا هاو صاواب عناد الثااني بحساب‬ ‫األدلة الظنية‪ ،‬التز البع‬

‫‪-‬ومنا الشيخ وابن حمزة وابنا سعيد والفاضل‪ -‬بجواز النق‬

‫المسيلة الخامسة من البحث الثالث‪ -‬علر إرادة صورة التقصير في االجتااد فتيمل‪.‬‬

‫‪ 2‬لايس كالمناا اون فااي صاحة هاذه األدلااة التاي أقيماات لعاد جاواز نقا‬

‫وان حمله في المستند ‪-‬ص‪528‬‬

‫حكا القاضااي‪ ،‬إذ ال تخلاو مان اإلياراد‪ ،‬بال مرادنااا‬

‫بيان أناا علر تقدير صحتاا تختص بالقاضي وال تشمل حاك الدولة في شؤوناا‪.‬‬

‫‪ 3‬قد سبي مفصالً الحديث عن عد وجود المقتضي لنفوذ حك الواحد وأن المقتضي هو الايئة االجتماعية لألكثرية وسييتي‬ ‫أيضاً ‪-‬بإذن اهلل تعالر‪.‬‬

‫‪240‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وال يعد هذا رداً على اإلمام عليه السالم‪ ،‬إذ مل ينصبه حاكماً يف هذا األمر ليكون رده كرده عليه‬ ‫السالم وأال ترى أنه مع علم الفقيه اآلخر بعدم أهلية احلاكم األول له أن ينقض حكمه بل قد‬ ‫اجب لعدم املوضوع حلرمة النقض ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مقتض لنفوذ حكم األول وفيما حنن فيه لو‬ ‫حينئذ‪ ،‬إذ ال يوجد‬ ‫سلّم نصب اإلمام عليه السالم كل واحد واحد من الفقهاء منفرداً‪ ،‬حاكماً يف الشؤون العامة‬ ‫املرتبطة بكافة املقلدين (وبغريهم أيضاً) لكان املقتضي لنفوذ حكم األول موجوداً فيقال‪ :‬ال اجوز‬ ‫للثاين (أو لألكثرية) نقض حكمه ألنه يعترب رداً عليه والرد عليه رد على اإلمام عليه السالم‪ ،1‬أما‬ ‫لو نوقش يف ذلك وادعي أن املستفاد من األحاديث ‪-‬كما تطرقنا لذلك مفصالً وسيجيء أيضاً‪-‬‬ ‫نصب املام عليه السالم للفقيه بشرط االجتماع (أي جملموعة الفقهاء) حاكماً فال يكون الرد عليه‬ ‫وحده رداً على اإلمام عليه السالم ألنه ليس منصوباً من قبله منفرداً يف ذلك فحكمه كحكم أي‬ ‫إنسان عادي‪ ،‬نعم يكون رد حكم شورى الفقهاء رداً لإلمام عليه السالم لكوهنم منصوبني من‬ ‫قبله عليه السالم‪.‬‬ ‫[وأما ثانيا]‪ :‬فألن السبب يف جعل حكم السابق هو النافذ يف باب القضاء وعدم جواز نقض‬ ‫الالحق له قد يكون هو أن عدم جعل ذلك مع حلاظ عدم إمكان جعل احلاكم يف القضاء هو‬ ‫األكثرية لكون القضايا اليت يرجع فيها للقضاء مما ال تعد وال حتصى مما يستلزم تعطيل أكثر‬ ‫املنازعات‪ ،‬مستلزم للهرج‪ -‬واملرج واختالل النظام‪ ،‬أما يف الشؤون العامة فيمكن حملدوديتها اإلرجاع‬ ‫لألكثرية وبه يرتفع اختالل النظام فال يتوقف الرفع على جعل األسبق هو النافذ فتأمل‪ ،‬وقد فصلنا‬ ‫احلديث عن هذا يف موضع آخر‪.‬‬ ‫وأما اإلجماع فليس حمققاً يف مسألة حاكم الدولة وإن ادعي يف مسألة القاضي‪.‬‬

‫وكذا ال اتفاق للملل على عدم نقض حاكم الدولة اجلديد ألحكام احلاكم القدمي‪ ،‬بل األمر‬ ‫بالعكس‪ ،‬إذ غالباً ما ينقض الالحق أحكام السابق وال ترى امللل وال العقل يف ذلك قبحاً‪.‬‬

‫وكذلك ال اتفاق للملل ‪-‬يف مرحلة املقتضي‪ -‬على أن نفوذ حكم احلاكم مشروط بالوحدة‪،‬‬ ‫ولذا جند العديد من احلكومات الشوروية بشكل أو بآخر يف التاريخ منها‪ :‬ممالك اليونان‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪ 1‬قد ذكرنا في موضل آخر من الكتاب المناقشة في ذلل أيضاً وأن رد الفقيه وخر ليس رداً لإلما ألنه منه أيضاً فليراجل‪.‬‬

‫‪241‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ت ِ‬ ‫قاط َعة‬ ‫مملكة سبأ‪ ،‬قال تعاىل يف كتابه احلكيم ‪‬قال ْ‬ ‫َت يا أَيُّ َها ال َْمألُ أَفْ تُونِي فِي أ َْم ِري ما ُك ْن ُ‬ ‫أَمرا حتَّى تَ ْش َه ُد ِ‬ ‫ون‪1‬و‪ -2‬فتأمل‪.‬‬ ‫ْ َ‬

‫نعم من القبيح عقالً أن يكون لدولة واحدة عدة حكام عرضيني لكل منهم أن ينقض حكم‬ ‫اآلخر مىت شاء‪ ،‬ألنه يستلزم اهلرج واملرج واختالل النظام والضرر العام كما ال خيفى والقبح يرتفع‬ ‫من باب التخصص واخلروج املوضوعي‪ -‬فيما لو كان احلاكم واحداً سواء كان يف طوله حاكم‬‫آخر أم ال وكذا لو كان احلاكم جمموعة (وهم األكثرية) إال أنه عند الدوران بينهما يكون الثاين هو‬ ‫املقدم كما يوضحه هذا الربهان ‪-‬برهان الدوران والرتديد‪ -‬ببنوده وكذا سائر الرباهني اليت ذكرناها‬ ‫يف هذا الكتاب‪.‬‬ ‫هذا كله إضافة إىل أن هذا احلل (كون النافذ حكمه هو السابق يف إصدار احلكم) ال ينفع‬ ‫لدفع اإلشكال على إطالقه إذ ما هو احلل‪:‬‬ ‫أ‪ -‬فيما لو تقارنت األحكام فمن املقدم؟‬ ‫ب‪ -‬وكذا لو تتابعت ‪-‬ثبوتاً‪ -‬ولكن مل يعلم السابق ‪-‬إثباتاً‪ -‬اللهم إال أن يقال‪:‬‬ ‫أ‪ -‬بندرة هاتني الصورتني‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أو يقال‪ :‬بالتساقط عند التقارن وعند اجلهل باملتقدم كما يف تزويج وكيلي امرأة‬ ‫إياها لرجلني يف آن واحد أو جهل املتقدم‪ ،‬وكما يف حكم قاضيني يف آن واحد‪،‬‬ ‫والرجوع إىل القرعة مثالً‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ‪.‬‬ ‫ج‪ -‬أو يقال‪ :‬بتخيري األمة‬ ‫د‪ -‬أو يقال‪ :‬بالرجوع إىل األكثرية يف هذه الصورة فقط أو غري ذلك‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬النافذ حكمه من (الفقهاء) هو الذي اختارته أكثرية األمة حاكماً؟‬ ‫[إذ يقال]‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬ال منافاة بني اختيار أكثرية األمة ملرجع تقليد كحاكم وبني كون إختاذ القرار النهائي‬ ‫منوطاً بأكثرية معينة‪ ،‬أال ترى يف كل دول العامل الدميقراطي أن األكثرية تنتخب حاكماً (رئيس‬ ‫مجهورية أو رئيس وزراء) ومع ذلك يكون القرار النهائي يف الشؤون اخلطرية ألكثرية الربملان أو‬ ‫‪ 1‬سورة النمل‪ :‬اوية ‪.32‬‬

‫‪ 2‬قد نتحدث عن الحكومات الشوروية في التاريخ في كتاب آخر إن شاء اهلل تعالر‪.‬‬

‫‪242‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫جملس الشعب أو ما أشبه؟! فالدليل أخص من املدعى إذن‪ ،‬أي أن انتخاب أكثرية األمة ملرجع‬ ‫تقليد كحاكم ال يستلزم بالضرورة اعطائه صالحيات احلاكم الدكتاتوري بل قد تكون صالحياته‬ ‫هي صالحيات احلاكم الدميقراطي‪ ،‬فانتخابه حاكماً ال يعين نفوذ حكمه يف الشؤون العامة منفرداً‬ ‫ودون استشارة وحىت مع معارضة األكثرية له‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬إن رأي (أكثرية الشعب) إمنا يكون صحيحاً نافذاً لو كان يف اإلطار السليم ويف حدود‬ ‫الشريعة إذ من الواضح أن األكثرية لو ارتأت جواز السرقة وإباحة الزنا وحرمة الصوم يف رمضان‬ ‫(للعامل مثالً باعتبار أنه يضر باقتصاد البلد!) مل اجز اتباعها بل وجب إرشادها وكذلك لو‬ ‫انتخبت األكثرية ‪‬قاضياً‪ ‬فاقداً للشروط املنصوصة من الشارع (كاالجتهاد والعدالة وطهارة‬ ‫املولد‪ )...‬مل يصح ذلك‪ ،‬وكذلك لو انتخبت األكثرية ‪‬حاكماً‪ ‬فاقداً ملا اشرتطه الشارع فيه‬ ‫(كعادلة وطهارة املولد واملذكورة واحلرية وغريها) فإنه غري صحيح‪.‬‬ ‫مشرعاً وليس يف عرض الشارع بل يف طوله فعلينا‬ ‫وإذا تضح ذلك يتضح أن رأي األكثرية ليس ّ‬ ‫أن نرجع للشارع أوالً لنجد أنه هل اشرتط يف الفقهي احلاكم اعتبار انضمام رأي أكثرية الفقهاء‬ ‫املراجع يف الشؤون العامة وكون قراراته نافذة إن صوبتها أكثرية املراجع وأنه ال حق له يف االنفراد‬ ‫واالستبداد باختاذ القرار‪ ،‬أم مل يشرتط ذلك؟ فإذا كان الشرع قد اشرتط ذلك وحدد صالحية‬ ‫احلاكم هبذا احلد فليس لألكثرية خمالفة الشرط ونصب فقيه حاكماً على أن له أن يعمل ما يشاء‬ ‫وافقته أكثرية املراجع أم ال‪ ،‬ولو فعلت ذلك كان باطالً ملخالفته للشرع كما لو انتخبت فاسقاً أو‬ ‫امرأة أو طفالً حاكماً‪.‬‬ ‫وعلى هذا فال ميكن التمسك بـ(انتخاب األكثرية للفقيه حاكماً) على صحة حاكميته يف‬ ‫الشؤون العامة مبفرده ونفوذ حكمه ال بشرط االجتماع مع سائر الفقهاء‪ ،‬كما أنه ال ميكن العكس‬ ‫أيضاً ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬ما سبق قبل صفحات من أن (والية الفقيه) حسب املفتساد من الروايات الدالة عليها‬ ‫ومن كلمات الفقهاء‪ ،‬غري مقدية مبا لو انتخبته أكثرية األمة حاكماً فال ميكن القول بأن (النافذ‬ ‫حكمه من الفقهاء من اختارته أكثرية األمة حاكماً) بأن تقيد واليته باالختيار ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫وأما تقييد واليته يف الشؤون العامة (اليت تشمل مقلديه وغريهم) بوالية سائر الفقهاء املراجع‬ ‫واشرتاط نفوذها مبوافقة األكثرية فقد سبق وجهه واستفادته من األخبار وغريها‪.‬‬ ‫‪243‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫وأما الرابع‪:‬‬

‫(وهو نفوذ حكم أحدهم المخير) كتخري املكلف يف خصال الكفارة‪ ،‬فغري تام أيضاً‬ ‫الستلزامه اهلرج واملرج واختالل النظام والضرر النوعي‪ ،‬إذ لو اختار بعض الشعب رأي الفقيه األول‬ ‫(من احلرب مع الدولة الفالنية) وبعضهم اآلخر رأي الفقيه الثاين (من احلرب مع دولة أخرى)‬ ‫وهذكا لزم األخري‪ ،‬أو اختار بعضهم رأيه باحلرب وبعضهم رأي اآلخر بالسلم أو الصلح‪ ،‬لزم‬ ‫الكل وإذا مل تصح تلك الصور السابقة بأمجعها فال مناص من االلتزام بالشق اخلامس (نفوذ حكم‬ ‫األكثرية)‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬نفوذ حكم األكثرية ليس أوىل من نفوذ حكم األقلية؟‬

‫[فإنه يقال]‪ :‬إن يف تقدمي رأي األقلية ترجيحاً للمرجوح بال شك حلكم الوجدان والعقل‬ ‫بذلك‪ ،‬وحلكمهما بأن رأي األكثرية أقرب إىل الواقع ويرشد إىل ذلك الروايات الواردة حول‬ ‫االستشارة وقد حتدثنا عن هذه الروايات مبا ينفع املقام جداً يف فصل الروايات الشريفة فلرياجع‪.‬‬

‫‪244‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل السابع‬ ‫في االستدالل بقاعدة دفع الضرر المحتمل‪ ،‬وأدلة أخرى مع التطرق‬ ‫وبالتفصیل لكون الحجج طريقیة‪ ،‬أو طريقیة ‪ -‬تعبدية‪ ،‬وتأسیس األصل في‬ ‫ذلك‬

‫‪245‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫االستدالل بدفع الضرر المحتمل‬

‫ومما ميكن أن يستدل به على وجوب الشورى‪:‬‬ ‫إن دفع الضرر احملتمل واجب‪ ،‬وذلك يف األمور اخلطرية مما ال ريب فيه‪ ،‬اللهم إال أن يكون‬ ‫منجز ولذا ال يقدم‬ ‫االحتمال لشدة ضعفه ملغى يف نظر العقالء‪ ،‬فاالحتمال العقالئي للضرر فيها ٌ‬ ‫العقالء على شرب سائل حمتمل املسمومية إال لو عارضه ضرر آخر أشد‪ ،‬ولو أقدم لكان عند‬ ‫العقالء ملوماً‪ ..‬وذلك مما يستقل به العقل‪ ،‬وعليه بناء العقالء لكونه إلقاءً للنفس أو ما يتعلق هبا‬ ‫َّهلُ َك ِة‪.‬‬ ‫يف التهلكة وقد أرشدت اآلية الشريفة إىل حرمته ‪َ ‬وال تُلْ ُقوا بِأَيْ ِدي ُك ْم إِلَى الت ْ‬ ‫وألن رأي أكثرية الشورى أقرب إىل الواقع من رأي اجملتهد ‪-‬كما برهنّاه سابقاً‪ -‬ففيها إذن دفع‬ ‫الضرر احملتمل وال ريب أن ما ندعي وجوب الشورى فيه (وهي الشؤون العامة) من األمور اخلطرية‬ ‫لكون تلك األمور مما تلحق الضرر ‪-‬إن كان االجتهاد فيها خاطئاً‪ -‬ال بأوامل وأعراض وأنفس‬ ‫شخص واحد أو عدة أشخاص بل بطائفة كبرية من الناس‪ ،‬وذلك مثل األمر باحلرب حيث‬ ‫يسبب ذلك قتل مئات األشخاص وتلق األموال وضعف شوكة املسلمني ‪-‬إن كان االجتهاد‬ ‫خاطئاً‪ -‬وكذا األمر بالصلح حيث سبب ضعف شوكة اإلسالم واملسلمني إن كان أمراً يف غري حمله‬ ‫وقد يسبب قتل املئات وتلف األموال أحياناً لتجرأ اخلصم والستغالله فرصة الصلح ‪-‬ولو املوقت‪-‬‬ ‫لتقوية الذات وهزمية الطرف املقابل‪ ،‬والصلح املفروض على أمري املؤمنني عليه أفضل الصالة‬ ‫والسالم يف معركة صفني يف قصة التحكيم أبرز شاهد على ذلك حيث كان اإلمام عليه السالم‬ ‫يرى االستمرار يف احلرب‪ ،‬إذ أهنا لو استمرت ساعات النتصر عليه السالم على جيش معاوية‬ ‫ولرجع األشرت برأس معاوية إال أن (اخلوارج) أصروا على (التحكيم) وكان فيه جناة معاوية وعسكره‬ ‫ومقدمةً الستيالئه على البالد اإلسالمية وارتكابه ما ارتكب من أفظع اجلرائم وأشنع اآلثام‪،‬‬ ‫ولذلك كان رفضه عليه السالم القاطع للتحكيم حىت أكره عليه‪ ...‬يقول عليه السالم‪( :‬وقد كنت‬

‫علي آباء المنابذين حتى صرفت رأيي إلى هواكم)‪ 1‬وقد‬ ‫نهيتكم عن هذه الحكومة فأبيتم ّ‬

‫‪ 1‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.36‬‬

‫‪246‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫فصل يف حمله أن قبوله عليه السالم الصلح بالنظر إىل انشقاق جيشه وقيام اخلوارج ضده كان هو‬ ‫األصلح بالعنوان الثانوي‪.‬‬ ‫وإذا كانت الشؤون العامة من األمور اخلطرية‪ ،‬وكان رأي األكثرية أقرب إىل الواقع من رأي‬ ‫الفرد الواحد ‪-‬كما أثبتناه سابقاً‪ -‬كان يف اتباع رأي الفرد الواحد إلقاءً للنفس واآلخرين يف‬ ‫التهلكة وتضعيفاً لشوكة اإلسالم واملسلمني وإذالالً ألهل احلق وإعزازاً ألهل الباطل وذلك ألن‬ ‫املصاحل واملفاسد إذا كانت يف املتعلقات ‪-‬كما هو مسلك العدلية واملعتزلة‪ -‬كان يف اتباع الطريق‬ ‫األكثر خطأً مفسدة أكثر ووقوع يف الندم واتباع ملا يوجب الوقوع يف الضرر ويف اتباع الطريق األقل‬ ‫خطأً واألكثر إصافة واألقرب إىل مطابقة الواقع مفسدة أقل ودفع للضرر احملتمل تفصيالً واملتيقن‬ ‫إمجاالً (لكون الوقوع يف الضرر يف كل جزئي جزئي من املؤديات حمتمالً‪ ،‬ويف اجملموع متيقناً لفرض‬ ‫كونه أقرب إىل مطابقة الواقع من غريه)‪...‬‬

‫وإثبات صحة كون املصلحة يف األمر ال يف املتعلق بل إثبات وقوعه يف بعض األوامر‪ ،‬غري ضار‬ ‫اجنَ ْح‬ ‫لعدم كون ما حنن فيه من هذا القبيل لوضوح كون املصلحة يف ‪َ ‬وإِ ْن َجنَ ُحوا لِ َّ‬ ‫لسل ِْم فَ ْ‬ ‫وه ْم َحتَّى ال تَ ُكو َن فِ ْت نَةٌ‪ ‬و(جابية خراجها وجهاد عدوها واستصالح أهلها‬ ‫لَها‪ ‬و‪‬قاتِلُ ُ‬ ‫وعمارة بالدها)‪ 1‬و(إن شر وزرائك من كان لألشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في اآلثام فال‬ ‫فول من جنودك أنصحهم في نفسك هلل ولرسوله وإلمامك)‪( 3‬وتفقد‬ ‫يكونن لك بطانة)‪ّ ( 2‬‬ ‫أهل الخراج بما يصلح أهله)‪ ،4‬وغري ذلك مما يرتبط باحلكم والشؤون العامة يف متعلق األمر ال‬ ‫فيه نفسه هذا وقد ميكن دعوى أن األصل هو ذلك أيضاً‪.‬‬

‫[ال يقال]‪ :‬رأي الفقيه‪ ‬حجة شرعاً وإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد‪ ،‬فإن‬ ‫أصاب فرأيه منجز وإن أخطأ فمعذر‪ ،‬فرأيه لكونه دليالً شرعياً واجب االتباع على مقلديه ويكون‬ ‫هو املؤمن من العقاب والضرر ال أقل من كونه جائز االتباع لو فرض كون رأي الشورى حجة‬ ‫شرعية أيضاً فيتخري املقلد بينهما ‪-‬إن قلنا بالتخيري يف تعارض الطريقني‪ ،‬أو قلنا بأهنما داخالن‬

‫‪ 1‬ناج البالمة‪ :‬الكتاب ‪ ،53‬كتابه لمالل األشتر‪.‬‬ ‫‪ 2‬نفس المصدر‪.‬‬ ‫‪ 3‬نفس المصدر‪.‬‬ ‫‪ 4‬نفس المصدر‪.‬‬

‫‪247‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫يف باب التزاحم وإال فيتساقطان ويرجع إىل األصل أو اجب االحتياط‪ -‬ال أنه يتعني عليه الرجوع‬ ‫لرأي األكثرية؟ وهذا اإلشكال عام يرد على كثري مما سبق من األدلة وما سيلحق مما دل على‬ ‫حجية رأي األكثرية فتسقط بأمجعها عن الداللة على املدعى بتمامه‪.‬‬ ‫[فإنه يقال]‪[ :‬أوال]‪ :‬ال نسلّم مشول أدلة احلجية لرأي الفقيه منفرداً ‪-‬ولو ملقلديه‪ -‬يف‬ ‫املوضوعات والشؤون العامة‪ ،‬إذ إن أدلة التقليد ال يسلّم مشوهلا للمقام‪ 1‬وما يشمل منها املقام‪ 2‬ال‬ ‫يستفاد منه حجية رأي الفقيه الواحد يف الشؤون العامة ووجوب اتباعه وإن خالفه رأي األكثرية ‪-‬‬ ‫وقد سبق تفصيل الكالم يف ذلك وسيأيت بعضه أيضاً بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬حجية رأي الفقيه ملقلديه يف األحكام يستفاد من أدلة حجية الفتوى وهي‬ ‫خاصة باألحكام فال تنفع داللتها على حجية رأي الفقيه منفرداً إلثبات حجية رأيه منفرداً يف‬ ‫املوضوعات والشؤون العامة ملقام التباين وأما هذه فحجية رأيه فيها يستفاد من أدلة احلكومة وهي‬ ‫دالة على جعل احلجية والنفوذ للفقيه بشرط انضمام أكثرية الفقهاء إليه كما فصلناه يف موضع‬ ‫آخر فليالحظ ‪-‬ولو وجد دال على كال القسمني كان كالثاين‪ -‬فتأمل‪ ،‬وإذا انتفت احلجية انتفى‬ ‫ِّ‬ ‫املؤمن بل قد يقال بأن احلجية مؤمنة من الضرر األخروي ال الدنيوي ومع احتماله احتماالً‬ ‫عقالئياً البد من الفحص أو االحتياط رغم قيام الدليل االجتهادي على العدم فتـأمل‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬سلمنا مشول أدلة احلجية لرأي الفقيه منفرداً يف الشؤون العامة‪ ...‬لكن نقول‪ :‬إن ذلك‬ ‫ال يستلزم وجوب بل وال جواز اتباعه عند معارضته لرأي أكثرية الفقهاء‪...‬‬ ‫‪3‬‬ ‫وبيان ذلك يتم ضمن أمور‪:‬‬

‫[األمر األول]‪ :‬إن حجية ما عدا القطع ليست ذاتية‪ ،‬بل هي باجلعل واالعتبار‪ ،‬فلو ال اعتبار‬ ‫الشارع خرب الواحد حجة ملا كان حجة كالقياس سواء كان اعتباره بالدليل اللفظي املتواتر أم‬

‫‪ 1‬كقولااه تعااالر‪ :‬فلووو ن فروور ك و الون رك و ةَ كفرْووْ ك و الوفهم ك‬ ‫َتَر و وْ كيترِّي ره وول كفووذ ل و ك‬ ‫ةين وك ري الف و ك ررول ْو الوو ره الم ك ل رج رع وول ك و الوي كه الم علي رهو الوم‬ ‫ال‬ ‫ال‬ ‫ر ال‬ ‫ي الح ررون‪ ،‬التوبة‪ ،122 :‬فتيمل‪.‬‬ ‫‪ 2‬كقوله عليه السال ‪ :‬وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فياا إلر رواة حديثنا‪.‬‬

‫‪ 3‬يمكن تلخيص الجواب‪ :‬بين التخيير وكذا التساقط والرجوال إلر األصل أو االلت از باالحتياط فرال التساوي وعاد الرجحاان‪،‬‬ ‫فإذا كان رأي األكثرية أقرب للواقل كان الالز األخذ به كماا تطرقناا بالتفصايل إلثباات المقاد والمالزماة فاي هاذا الكتااب كماا‬

‫سيجيء التطري إلثبات الفرعية وشمول أدلة الحجية للمتعارضين‪.‬‬

‫‪248‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫بامضاء بناء العقالء كما يف حجية الظواهر حيث أمضى طريقتهم ومشى على طبقها أو غري‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫[األمر الثاني]‪ :‬إن مشول أدلة احلجية لشيء ال يستلزم حجيته مطلقاً لعدم كونه علة تامة‬ ‫ٍ‬ ‫مقتض له لوضوح كون عدم املانع شرطاً‪ ،‬فإن خرب الواحد ‪-‬مثالً‪ -‬حجة إن مل‬ ‫للحجية بل هو‬ ‫يعارضه معارض أقوى من متواتر أو حمفوف بالقرائن القطعية أو ذي مرجح منصوص أو مطلقاً‪،‬‬ ‫وكذا سائر احلجج‪.‬‬ ‫[األمر الثالث]‪ :‬إن (نظر الفقيه) صغرى (احلجة) و(الدليل) فيندرج يف عموم ما ذكرناه يف‬ ‫األمر الثاين فإذا عارضها معارض أقوى اتبع‪ ،‬ورأي أكثرية الفقهاء لكونه أقرب إىل الواقع حسب‬ ‫مر بيانه‪ -‬معارض أقوى فالالزم اتباعه كلما تعارض مع رأي فقيه وسيأيت‬ ‫العقل والروايات ‪-‬كما ّ‬ ‫عند اجلمع بني أدلة الشورى وأدلة التقليد‪ ،‬إن أدلة الشورى حاكمة أو خمصصة ألدلة التقليد‪ ،‬أو‬ ‫مباينة إن قلنا بعدم مشول أدلة التقليد للموضوعات العامة‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬هذا يتم لو كان رأي الفقيه حجة من باب الطريقية أما لو كان حجة تعبداً فال؟‬ ‫وذلك لعدم حلاظ ‪‬األقربية للواقع‪ ‬فيما كان حجيته ال مبالكها ومل ينط اعتباره بالكشف عن‬ ‫الواقع‪...‬‬ ‫[ألنه يقال]‪ :‬استظهار الفقيه ‪‬أمارة‪ ‬وليس ‪‬أصالً‪ ‬مبعىن أن حجيته مبالك الكشف عن الواقع‬

‫واإليصال إليه ال أنه وظيفة الشاك يف مقام العمل سواء بالنسبة إىل نفسه أو إىل مقلده لكون‬ ‫االستظهار قسيماً للشك واملستظهر للشاك بل حىت لو كان مؤدى االستظهار أصالً كان حجيته‬ ‫ألماريته وذلك لكاشفيته عنه ظناً وهذا الظن معترب لبناء العقالء على اعتبار ظن أهل اخلربة‪ ،‬وكون‬

‫املدلول أصالً ال يستلزم كون الدال عليه أصالً كذلك‪ ،‬أال ترى ‪‬رفع ما ال يعلمون‪ ‬داالً على‬

‫أصل الرباءة مع كونه دليالً اجتهادياً؟ ومدلول ‪‬أخوك دينك فاحتط لدينك‪ ‬أصالً مع كونه‬ ‫أمارة؟ فاالستظهار كاشف سواء كان املنكشف به حكماً واقعياً أولياً أو حكماً ظاهرياً ‪ -‬وبعبارة‬ ‫أخرى (االجتهاد) لكاشفيته عن الواقع جعل حجة‪ ،‬ال أن حجيته للعجز عن حتصيل الواقع‬ ‫واعتباره وظيفة يف مقام العمل فليتدبر‪ ...‬منتهى األمر أن حتصيل الواقع تارة يكون باملباشرة للقادر‬ ‫على االستنباط وتارة يكون بالواسطة فحال املقلد بالنسبة للمجتهد كحاله بالنسبة إىل الروايات‬ ‫وغريها من األدلة وألجل كونه أمارة بالنسبة إليه التزموا بكون مثبتات كالمه حجة بالنسبة له‪ ،‬يدل‬ ‫‪249‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫على ذلك مالحظة أدلة حجية رأي اجملتهد ملقلده كبناء العقالء على احلجية لكونه من مصاديق‬ ‫أهل اخلربة‪.‬‬ ‫وإذا ثبت كونه أمارة فنيدرج يف األمر الثاين حيث ذكرنا أن ما حجيته من باب األمارية ومبالك‬ ‫الكشف عن الواقع يسقط عن احلجية مبعارضته بأمارة أقوى‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬هب إن االجتهاد أمارة لكن كما أن يف بعض األمارات تؤخذ بعض اخلصوصيات‬ ‫تعبداً ‪-‬كما يف اشرتاط العدالة يف مرجع التقليد حيث ال اجود تقليد الفاسق وإن كان صادق‬ ‫اللهجة وإن كان أعلم من مجيع اجلهات مما يستلزم كون رأيه أقرب إىل الواقع وكما يف اشرتاط‬ ‫طهارة املولد يف املرجع والقاضي وهكذا‪ -‬كذلك قد تكون ‪‬الوحدة‪ ‬مأخوذة تعبداً يف حجية رأي‬ ‫الفقيه ولزوم اتباعه فينبغي اتباع الفقيه الواحد املقلَّد وإن كان رأي أكثرية الفقهاء أقرب للواقع‪ ،‬أو‬ ‫يقال بأن ‪‬تقليد شخص‪ ‬مأخوذ تعبداً يف حجية آرائه يف سائر املواضع (كاملوضوعات والشؤون‬ ‫العامة) وإن كان رأي غالبية الفقهاء أقرب للواقع فيها؟‬ ‫[إذ يقال]‪ :‬األصل عدم أخذ شيء تبعداً يف حجية األمارة‪ ،‬ولذا كان اعتبار العدالة وطهارة‬ ‫املولد واحلرية والذكورة يف جمرع التقليد ويف القاضي واحلاكم هو احملتاج للدليل‪.‬‬

‫بل إن كثرياً من الفقهاء ألغو يف كثري من املوارد خصوصية معينة مأخوذة يف الدليل ‪-‬مما ظاهره‬ ‫اعتبارها تعبداً أو مما يستلزم باملفهوم عدم حجية فاقد اخلصوصية لكون احلجة هو املقيد هبذا القيد‬ ‫ففاقده ال دليل على حجيته‪ -‬ومحلوها على جهة أخرى كالتمثيل أو بيان انطباق الكربى على‬ ‫املورد‪ ،‬وكذا عند الدوران بني التعبدية والطريقية رجحوا الطريقية‪ ...‬وهناك موارد عديدة كثرية‪:‬‬ ‫نذكرها مشريين يف ضمن ذكر هذه املوارد ‪-‬وبالتفصيل‪ -‬إىل وجوهٍ أخرى عديدة إجابة عن هذا‬ ‫اإلشكال وإثباتاً للطريقية كما سنذكر موارد ذكرها الفقهاء ميكننا أن ننتقل منها الثبات املدعى‪:‬‬ ‫[فمنها]‪:‬‬ ‫ما افىت به املشهور ‪-‬كما يف املستند واجلواهر والفقه وغريها‪ -‬بل عن االنتصار والغنية واخلالف‬ ‫وهنج احلق وظاهر السرائر‪ :‬اإلمجاع عليه‪ :‬من جواز أو وجوب قضاء القاضي بعمله رغم أن‬

‫عني طرقاً معينة للقضاء‪ ،‬ففي صحيح هشام‪ 1‬عن أيب عبد اهلل عليه السالم‪( :‬قال رسول‬ ‫الشارع ّ‬ ‫‪ 1‬الوسائل‪ :‬ب‪ ،2‬من أبواب كيفية الحك ‪ ،‬ح‪.1‬‬

‫‪250‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وآله إنما أقضي بينكم بالبيان واإليمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض)‬

‫واحلصر فيها واضح وقال صلى اهلل عليه وآله‪ :‬البينة على المدعي واليمين على من أنكر‪ ‬وقال‬ ‫أمري املؤمنني عليه السالم يف خرب إمساعيل بن أويس‪ :1‬جميع أحكام المسلمين على ثالثة‪:‬‬ ‫شهادة عادلة أو يمين قاطعة أو سنة جارية مع‪ 2‬أئمة هدى‪ ‬بضميمة ندرة موارد عملهم عليهم‬

‫السالم بالعلم‪ ،‬فال يصدق عليها ‪‬سنة جارية‪ ‬كما ال خيفى‪.‬‬

‫بل قد يقال بعدم صدق (سنة) على تلك املوارد لكون السنة ما ُس ّن ليمشى على طبقه‬ ‫وعملهم يف موارد نادرة على طبق العلم ال يثبت كونه مما ُس ّن ليعمل على طبقه ألن العمل مما ال‬ ‫جهة له ‪-‬كما سبق بيانه‪ -‬والحتمال كونه قضية يف واقعة‪ ،‬فتأمل‪ ،‬ويؤيد هذا االحتمال ندرة‬ ‫عملهم بالعلم مع القطع بأن موارد تعارض عملهم مع البينات واإلميان ليست بالقليلة فلعل‬ ‫عملهم به يف تلك املوارد لعنوان ثانوي وضرورة قاضية ولذا وجه يف الفقه قتل علي عليه السالم‬ ‫ألعرايب ك ّذب الرسول صلى اهلل عليه وآله يف دعواه صلى اهلل عليه وآله تسليمه سبعني درمهاً مين‬ ‫ناقة اشرتاها صلى اهلل عليه وآله منه بأن ذلك كان لسد باب تكذيب الرسول صلى اهلل عليه وآله‬ ‫‪3‬‬ ‫فتسقط مكانته عن القلوب ‪-‬حسب ختطيط املشركني‪ -‬فراجع‪.‬‬ ‫يدل عليه ما رواه أبو عبيدة احلذاء عن أيب جعفر عليه السالم يف‬ ‫ويؤيد ذلك االحتمال بل ّ‬

‫حديث قال‪( :‬إذا قام قائم آل محمد صلى اهلل عليه وآله حكم بحكم داود ال يسأل بيّنة)‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وما رواه أبان عن أيب عبد اهلل عليه السالم قال‪( :‬ال تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني‬ ‫‪5‬‬

‫يحكم بحكومة آل داود عليه السالم وال يسأل بيّنة يعطي كل نفس حقها)‪.‬‬ ‫حيث دال على أن اإلمام احلجة عليه السالم هو الذي حيكم بعلمه وأن الدنيا ال تذهب حىت‬ ‫خيرج فيعمل بعلمه مما يعىن أن من سبقه من احلجج صلوات اهلل وسالمه عليهم أمجعني مل يكن‬

‫يعمل بعلمه عموماً وال ينايف ذلك عملهم به أحياناً لعلة‪ ،‬وبذلك يظهر عدم متامية ما ذكره يف‬ ‫الفقه بقول (ويف الكل ما ال خيفى إذ الروايات األربع تدل على عدم ذلك يف اخلارج ال على عدم‬ ‫‪ 1‬الوسائل‪ :‬ب‪ ،1‬من أبواب كيفية الحك ‪ ،‬ح‪.6‬‬ ‫‪ 2‬ربما يكون األصل هو (من)‪.‬‬

‫‪ 3‬الفقه‪ :‬كتاب القضاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.109‬‬ ‫‪ 4‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.108‬‬ ‫‪ 5‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.108‬‬

‫‪251‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫اجلواز فإن رواييت قصة داود عليه السالم تدالن على أن القائم عليه السالم يفعل ذلك خارجاً ال‬ ‫‪1‬‬ ‫أنه اجوز له وال اجوز لغريه)‪.‬‬

‫إذ يرد عليه‪ :‬كفاية عدم وقوع ذلك يف اخلارج ألن ما مل يقع يف اخلارج منهم عليهم السالم‬

‫فليس من مصاديق ‪‬السنة‪ ‬فال دليل على حجيته بل الدليل على العدم حلصر احلجة يف رواية‬ ‫إمساعيل بن أويس‪ :‬يف شهادة عادلة أو ميني قاطعة أو سنة جارية مع أئمة هدى‪ ،‬ومن الواضح أن‬ ‫عدم الدليل على حجية شيء مالك عدم احلجية فإذا مل يكن األئمة عليهم السالم عاملون بالعلم‬ ‫يف باب القضاء ‪-‬حيث سلّم داللتهما على عدم ذلك يف اخلارج‪ -‬فمدعى احلجية البد له من‬ ‫دليل فكيف لو قام دليل على العدم فاالستدالل بالروايتني على عدم اجلواز إمنا هو مبضميمة رواية‬ ‫إمساعيل فتدالن على عدم اجلواز فال يصح القول (الروايات األربع تدل على عدم ذلك يف اخلارج‬ ‫ال على عدم اجلواز)‪.‬‬ ‫ومن كل ما ذكرناه تظهر اخلدشة فيما ذكره يف املستند بقوله (وميكن أن يستدل أيضاً برواية أيب‬ ‫محزة (أحكام املسلمني على ثالثة‪ :‬شهادة عادلة أو ميني قاطعة أو سنة ماضية من أئمة اهلدى)‬ ‫فإن سنتهم كانت قضائهم مبا يعلمون كما دلت عليه األخبار)‪ 2‬ملا أوضحناه من عدم صدق‬ ‫‪‬سنة جارية‪ ‬أو ماضية‪ ،‬بل عدم صدق ‪‬سنة‪ ‬على عملهم بعلمهم عليهم السالم لندرة موارده‪،‬‬ ‫ولذلك كله جند اجلواهر والفقه وغريمها ذكروا هذه الرواية يف عداد األدلة الدالة على عدم جواز‬ ‫احلكم بالعلم‪ ،‬بل إن ادعى أن ‪‬سنتهم‪ ‬كانت على عدم العمل بالعلم لندرة عملهم به مل يكن‬ ‫ذلك بعيداً بل كان متحتماً إلطالق السنة عرفاً على نقيض ما كان الغالب هو نقيضه (أي على‬ ‫ما الغالب اجلري عليه)‪.‬‬ ‫ورغم ذلك كله من الروايات الدالة على تعيني طرق خاصة للحكم بني الناس وعدم جواز اتباع‬ ‫غريها‪ ،‬جند املشهور يفتون جبواز ‪-‬أو وجوب‪ -‬قضاء القاضي بعلمه وليس ذلك إال ألن بنائهم‬ ‫على اعتبار احلجج من باب الطريقية احملضرة وكون املركوز يف أذهاهنم إلغاء اخلصوصية وإن أخذت‬ ‫يف الدليل مما ظاهره التعبدية ومحل ذكرها على التمثيل أو بيان الغالب أو بيان املورد وما إىل ذلك‬ ‫ككون احلصر إضافياً أو عدم عملهم بعلمهم لضرورات معينة‪ -‬وإال فلوال بنائهم على كون‬‫‪ 1‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.108‬‬

‫‪ 2‬المستند‪ :‬كتاب القضاء والشاادات‪ ،‬ص‪( 530‬العاشرة)‪.‬‬

‫‪252‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫(البينة) و(اليمني) حجة لصرف التعبدية أو هلما وللطريقية ملا أمكن قوهلم حبجية (العلم) يف احلكم‬ ‫مع حصر األدلة احلجة يف باب القضاء هبما؟‬ ‫[ال يقال]‪ :‬لقد استدل املشهور بأدلة عديدة دالة على جواز ‪-‬أو وجوب‪ -‬العمل بالعلم هو‬ ‫اآليات والروايات اخلاصة ال أن الروايت حصرت احلجية يف البينة واليمني وعممها الفقهاء للعلم‪،‬‬ ‫مبالك متحض البينة واليمني يف الطريقية؟‬

‫[إذ يقال]‪ :‬إن أدلتهم ال تدل على كون (العلم) حجة يف باب القضاء وجواز أو وجوب‬ ‫العمل به بل استدلوا مبا يتوقف متامية االستدالل به على االلتزام بكون (البينة) واليمني حجة من‬ ‫باب األمارية احملضة ولنذكر بعضها‪:‬‬ ‫قال يف املستند‪( :‬ويدل عليه ‪‬أي على مدعى املشهور‪ ‬أيضاً قوله سبحانه‪ :‬ومن لم يحكم‬

‫بما أنزل اهلل فأولئك هم الكافرون‪- ‬الفاسقون‪- ‬الظالمون‪ ‬فإن العامل باحلق إن‬ ‫سكت فيكون ممن مل حيكم مبا أنزل اهلل وإن حكم بغري ما يعلم فكذلك بزيادة احلكم بغري ما أنزل‬

‫اهلل)‪ 1‬ونقول‪ :‬إن موضوع (الكافرون) هو (من لم يحكم بما أنزل اهلل) وصدق هذا العنوان على‬ ‫شخص موقوف على كون مدخول عدم حكمه هو (ما أنزل اهلل) إذ عدم احلكم مبا أنزل اهلل هو‬

‫املستلزم للكفر ال عدم احلكم بغريه‪ ،‬و(ما أنزل اهلل) يف باب القضاء هو ‪-‬حد السارق وجلد‬ ‫الزاين وإعطاء الدين للدائن و‪ -..‬فاحلد واجللد وغريمها ‪-‬وهو ما أنزل اهلل‪ -‬متعلق بالسارق والزاين‬ ‫واملدين و‪...‬اخل‪ ،‬لكن ما هو احلجة على أن هذا سارق أو زان؟ الروايات السابقة حتصر احلجة يف‬ ‫تشخيص املوضوع بالبينة واليمني ‪-‬فلو قامت البينة على أن سارق ثبت املوضوع للحد فوجب‬ ‫احلكم ومن مل حيكم فهو كافر‪ -‬فما الدليل على أن ‪‬العلم‪ ‬هو اآلخر حجة شرعاً لتشخيص‬ ‫املوضوع يف باب القضاء؟ وهل يتم ذلك إال بإذعاهنم أن (البينة واليمني) ‪-‬رغم حصر الروايات‬ ‫هبما‪ -‬مأخوذان من باب الطريقية احملضة‪ 2‬فيكون العلم ‪-‬لكونه أقوى طريقية‪ -‬حجة ‪-‬ولو كانا‬ ‫مأخوذين تعبداً‪ -‬إلثبات املوضوع (السارق والزاين و‪...‬اخل) فكيف تكون هذه اآليات دليالً لكون‬ ‫العلم أيضاً طريقاً إلثباته مع أن احلكم (وهو هنا‪ :‬ومن لم يحكم‪ ..‬فأولئك هم الكافرون) ال‬

‫‪ 1‬المستند‪ :‬ص‪.530‬‬

‫‪ 2‬كما صرح بذلل في الجواهر أيضاً حيث قال‪( :‬مضافاً إلر ظاور كاون العلا أقاوك مان البيناة شارعاً المعلاو إرادة الكشاا‬ ‫مناا) وقال (فإن الساري والزاني تلبس باذا الوصا ال من أقربه أو قامت عليه به البينة)‪ ،‬ص‪.88‬‬

‫‪253‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫يتكفل بيان املوضوع (أي من هو السارق مثالً) وال بيان طريق إثبات املوضوع (ما املثبت لكون‬ ‫هذا سارقاً) أترى الشارع لو قال (اخلمر حرام) يكون ذلك متكفالً إلثبات أي شيء هي اخلمرة ‪-‬‬ ‫هذا يف مرحلة الثبوت وال ثبات أن مثبت كون هذه مخرة كذا وكذا‪ -‬وهذه مرحلة اإلثبات؟ ‪-‬ولوال‬ ‫بداهة وارتكازية الطريقية يف نظرهم ملا استدلوا هبذه األدلة بأمجعهم‪.-‬‬ ‫فمبىن استدالل املشهور هبذه اآليات على أن احلجج مأخوذة بعنوان الطريقية فإذا علمنا أن هذا‬ ‫سارق ومل حنكم عليه باحلد انطبق ‪‬ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الكافرون‪ ‬ولو‬ ‫كان الدليل تعدبياً توقيفياً ملا كان عدم حكمنا على من علمنا سرقته ومل يقم ذلك الدليل التعبدي‬ ‫عليه عدم حكم مبا أنزل اهلل لكون ما أنزل اهلل على هذا املبىن ‪-‬هو حد السارق الثابت سرقته‬ ‫بطريق خاص وما ذكرناه اجري بعينه يف سائر األدلة اليت ذكرها املشهور وقد استوفاها املستند فقال‬ ‫(ألدلة وجوب األمر باملعروف)‪ 1‬فهل احلكم (الوجوب) يتكفل بيان الطريق املثبت ملتعلق املوضوع‬ ‫(املوضوع هو ‪‬األمر باملعروف‪ ‬ومتعلقه ‪‬املعروف‪ )‬فكيف تكون أدلة وجوب األمر باملعروف دالة‬ ‫على كون العلم حجة لتشخيص املوضوع إال لو كان املبىن على حجية البينة واليمني مبالك األمارية‬ ‫احملضة فيثبت متعلق املوضوع بالعلم فيحمل الوجوب عليه ‪ -‬وقال (ولعموم أدلة احلكم مع وجود‬ ‫الوصف املعلق عليه كقوله تعاىل‪ :‬والسارق والسارقة والزاين والزانية‪ ...‬وأدلة إعانة الضعيف وإغاثة‬ ‫امللهوف ودفع الظلم عن املظلوم‪ ...‬وكونوا قوامني بالقسط‪ 2)...‬ففي كل هذه عندنا موضوع هو‬ ‫(الضعيف‪ ،‬امللهوف‪ ،‬املظلوم‪ ،‬القسط) وحممول وهو (وجوب اإلعانة واإلغاثة والدفع والقيام) وال‬ ‫يتم االستدالل بثبوت هذه احملموالت ملوضوعاهتا على حجية العلم يف إثبات املوضوع إال لكون‬ ‫البناء على أن األثر (وهو احملمول) أثر صرف املوضوع وكون البينة أمارة حمضة فلو ثبت املوضوع‬ ‫بالعلم ترتب عليه احملمول وإال لزم التناقض كما فصل يف حبث القطع الطريقي واملوضوعي‪ -‬واجري‬ ‫ما ذكرناه بأمجعه فيما ذكره يف اجلواهر والفقه من األدلة فراجع‪.‬‬ ‫ولعل إىل ما ذكرنا يشري صاحب اجلواهر رضوان اهلل عليه بقوله (لكن االنصاف أنه ‪-‬أي قول‬ ‫ابن اجلنيد‪ -‬ليس بتلك املكانة من الضعف‪ ،‬ضرورة أن البحث يف أن العلم من طرق احلكم‬ ‫والفصل بني املتخاصمني ولو من غري املعصوم يف مجيع احلقوق أوالً وليس يف شري من األدلة‬ ‫‪ 1‬المستند‪ :‬ص‪.530‬‬ ‫‪ 2‬المصدر‪.‬‬

‫‪254‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫املذكورة ‪-‬عدا اإلمجاع منها‪ -‬داللة على ذلك) جواهر الكالم‪ ،‬كتاب القضاء‪ ،‬ج‪ 40‬ص‪،89‬‬ ‫نعم بعض األدلة اليت ذكرها يف املستند والفقه قد يقال بعدم توقفها على إثبات األمارية احملضة‬ ‫فليالحظة وليتأمل جداً‪...‬‬ ‫[ومن كل ما سبق]‪ :‬يظهر وجه النظر يف ما ذكره املستند بقوله (وقد يستدل بوجوه أخر غري‬ ‫تامة كاإلمجاع املنقول وكون العلم أقوى من البينة و‪ ...‬فإن يف األول عدم احلجية ويف الثاين عدم‬ ‫‪1‬‬ ‫معلومية العلة يف البينة حى يقاس عليها العلم)‪.‬‬

‫[إذ يرد عليه أوال]‪ :‬ما ذكره يف اجلواهر بقوله (ماضافاً إىل ظهور كون العلم أقوى من البينة‬ ‫‪2‬‬ ‫املعلوم إرادة الكشف منها)‪.‬‬ ‫[وثانيا]‪ :‬إن هذا يناقض استدالله بتلك األدلة السابقة إذ لو مل ميكن القياس لعدم معلومية‬ ‫العلة فال يعلم كون العلم حجة يب باب القضاء لعدم العلم بكون كل املالك الطريقية فال يثبت به‬ ‫املوضوع (السارق والزاين واملعروف واملنكر والضعيف وامللهوف واملظلوم) فال يرتتب عليه احملمول‬ ‫فكيف تكون تلك األدلة الدالة على ثبوت احملموالت ملوضوعاهتا دالة على جواز أو وجوب اتباع‬ ‫العلم بتحقق موضوع منها ‪-‬مع كون العلم يف نظره لعدم معلومية العلة غري مفيد‪ -‬وهل هذا إال‬ ‫حكم بثبوت احملمول ملا مل يعلم موضوعيته التامة له؟ وتشنيع على تارك احملمول لعدم ثبوت‬ ‫موضوعه ‪-‬لعدم معلومية كون العلم مثبتاً له واحتمال حلاظ خصوصية خاصة يف البينة أو يف ما‬ ‫أدت إليه حسب كالمه قده‪ -‬بأن احلكم قد ثبت ملوضوعه الكذائي وخالفه فسق وكفر‬ ‫وحرام؟‪ ...‬بل ان استثناء القائلني بعدم جواز قضاء القاضي بعلمه لصورة ما إذا علم القاضي خبطأ‬ ‫الشهود أو كذهبم حيث اجوز له ٍ‬ ‫حينئذ القضاء بعلمه‪ ،3‬دليل على شدة ارتكاز الطريقية يف أذهان‬ ‫الفقهاء حىت املنكر هلا إذ لو مل تكن احلجية مبالك الطريقية ‪-‬مما يتفرع عليه عدم جواز قضاء‬ ‫القاضي بعلمه وإن كان العلم أقوى من البينة لعدم معلومية العلة يف البينة حىت يقاس عليها العلم‬ ‫كما ذكره املستند‪ -‬ملا جاز إسقاط البينة وطرحها للعلم خبطأها أو كذهبا إذ أن ما مناط حجيته‬‫الطريقية‪ ،‬يسقط عن احلجية بثبوت عدم طريقيته (للخطأ أو للكذب) أما ما ال تكون الطريقية‬ ‫‪ 1‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.530‬‬

‫‪ 2‬جواهر الكال ‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪.88‬‬ ‫‪ 3‬ذكر هذا االستثناء من ِقحبلِا المسالل والمستند والجواهر وميره فليراجل‪.‬‬

‫‪255‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مالحك حجيته ‪-‬كما يف البينة حسب كالمهم‪ -‬فإنه ال يسقط عنها بثبوت عدم طريقيته‪ ...‬ومما‬ ‫يوضح ذلك ما هو مقرر يف باب التعادل والرتاجيح من عدم كون األصول ‪-‬مما كان حجيته من‬ ‫باب التعبد‪ -‬مرجحة ألحد اخلربين املتعارضني ‪-‬مما كان حجيته من باب الطريقية‪ -‬ألهنا ال‬ ‫توجب أقوائية مالك ما طابقته‪ ،‬ولذا تكون األصول عند التكافؤ من سائر اجلهات مرجعاً ال‬ ‫مرجحاً‪...‬‬ ‫اللهم إال أن يقال‪ :‬إن ذلك صحيح فيما كانت حجيته من باب التعبدية احملضة‪ ،‬أما ما كانت‬ ‫حجيته لطريقيته مع أخذ خصوصية خاصة تعبداً فيه ‪-‬كاجتهاد اجملتهد حيث إن حجيته لطريقيته‬ ‫مع أخذ العدالة تعبداً فيه‪ -‬فال إذ بالعلم بالكذب أو اخلطأ يعلم بعدم الطريقية فتسقط البينة عن‬ ‫احلجية لتقومها بالركنني‪ :‬الطريقية والكاشفية النوعية عن الواقع مع خصوصية ما (كانت هي‬ ‫الباعثة لعدم جواز قياس العلم بالبينة)‪.‬‬ ‫[ومنها]‪:‬‬ ‫لتعني تقليد األعلم من بناء العقالء على الرجوع إليه ال غري مع اإلمكان‬ ‫ما استدل به املشهور ّ‬ ‫فإن بناء العقالء على ذلك ‪-‬إن سلّم‪ -‬ليس إال مبالك كونه أقرب للواقع‪...‬‬ ‫[ال يقال‪ :‬أوال]‪ :‬ليس بنائهم على ذلك حمرزاً وإال لزم تعطيل املفضول يف املهن والتايل باطل‪.‬‬

‫[وثانيا]‪ :‬لو سلّم بنائهم فال نسلّم كون مبناه كونه أقرب إذ ال تعلم أقربية فتوى األعلم من‬ ‫غريه ال دائماً وال غالباً لكثرة مطابقة فتوى املفضول للمشهور أو لرأي ميت أعلم من هذا احلي أو‬ ‫ميت ال يعلم أعلمية هذا احلي منه فال تعلم األقربية‪ ،‬أو لالحتياط‪.‬‬

‫[إذ يقال‪ :‬أوال]‪ :‬الكالم أن املشهور التزموا بكون بناء العقالء على ذلك‪ ،‬لنفرع عليه أن رأي‬ ‫أكثرية الشورى لكونه أقرب للواقع هو الواجب اتباعه على مبناهم وما التزموا به‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬لو سلّم عدم إحراز بنائهم على الرجوع لألعلم مطلقاً فال ميكن إنكار بنائهم على‬ ‫الرجوع إليه إن أحرزت األعلمية باخلصوص يف مورد ختالف الفتوايني بأن علم كونه أعلم يف هذه‬ ‫املسألة اخلاصة ومل تعارضه فتوى ميت أعلم أو فتوى املشهور أو االحتياط أو ما أشبه ذلك خاصة‬ ‫إذا كان األمر خطرياً‪ ،‬أال ترى أن املبتلى بداء خطري لو أحرز كون هذا الطبيب أعلم يف خصوص‬ ‫هذا املرض من غريه وكان اخلطأ يف التشخيص والعالج موجباً هلالكه ومل يكن يف الرجوع إليه مانع‬ ‫‪256‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫من عسر شديد أو غريه‪ ،‬أتراه يراجع الطبيب املفضول يف هذه املسألة؟ وأال تراه ملوماً معاتباً عند‬ ‫العقالء لو راجع املفضول وهلك‪ ،‬ومعذوراً عندهم لو راجع الفاضل وهلك؟‬ ‫وليس ذلك البناء يف هذه الصورة إال لكون رأيه أقرب إىل الواقع بنظرهم‪ ،‬لكونه أعلم‪ ،‬من غريه‪.‬‬ ‫ومن ذلك يعلم عدم صحية تسليم بنائهم وإبطال مبناهم إذ لو مل تكن يف مورد أقربية مل يكن‬ ‫بنائهم عليه أيضاً ومل يكن معىن لذاك البناء فتأمل‪ ،‬ومما سبق يظهر أن ما ذكر من لزوم تعطيل‬ ‫املهن غري تام إذ تعطيلها إمنا يلزم لو بين على وجوب الرجوع لألعلم مطلقاً سواء خالفه املشهور‬ ‫أم ال‪ ،‬وافق االحتياط أم ال‪ ،‬عارض رأي ميت أعلم أم ال‪ ...‬اخل مع إحراز اجلميع كون هذا أعلم‬ ‫مع عدم تعذر أو تعسر رجوع اجلميع إليه‪ ،‬أما لو انتفى أحد الشروط الثالثة بأن بىن على وجوب‬ ‫الرجوع لألعلم فيما مل خيالفه املشهور وال أعلم آخر‪ ...‬اخل فال يلزم تعطيل مهن املفضولني‪ ،‬وكذا‬ ‫لو بىن على وجوب الرجوع إليه مطلقاً مع اختالف الناس يف األعلم وكذا لو بىن على وجوب‬ ‫الرجوع إليه مطلقاً ومل خيتلف الناس فيه لكن تعذرا وتعسر الرجوع إليه‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬لو صح ما ذكر من كون بنائهم على اتباع األقرب للواقع وحجية هذا البناء‪ ،‬لزم‬ ‫حجية بنائهم على اتباع القياس لكونه أقرب يف نظرهم إىل الواقع من خرب الواحد يف كثري من‬ ‫األحيان كما يظهر ذلك جلياً يف مسألة دية أصابع املرأة‪.‬‬

‫[إذ يقال]‪ :‬ال شك يف بنائهم على اتباع األقرب للواقع إال أن الشارع لكونه حميطاً بكل‬ ‫اجلهات عاملاً بكثري مما ال تصل إليه عقولنا قد يرى ما يتومهه العقالء أقرب أبعد وما يتومهونه أبعد‪،‬‬ ‫أقرب‪ ،‬فلو انكشف هلم أن ما تومهوه أقرب أبعد لرتكوه والعكس بالعكس ‪-‬مما يؤكد أن املالك‬ ‫عندهم على القرب والبعد‪ -‬وال حميص لنا حنن إلمياننا بالشارع وإحاطته عن قبول كون القياس‬

‫أبعد عن الواقع إلخبار الشارع بذلك ‪‬والشريعة إذا قيست محق الدين‪ ‬واخلرب أقرب ألمره‬ ‫باتباعه وإن عارضه القياس‪.‬‬ ‫وبذلك يعلم أن النقاش يف الصغرى وأن أي شيء أقرب للواقع وال نقاش يف أن حممول ‪‬األقرب‬ ‫للواقع‪ ‬الثبويت‪ ،‬وكذا ‪‬ما ثبت كونه أقرب للواقع شرعاً‪ ‬هو جواز االتباع ‪-‬باملعىن األعم‪.-‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬أن املالزمة اليت ادعاها املستشكل غري تامة إذ يلزم من حجية بنائهم على ابتاع‬ ‫األقرب لزوم اتباع ‪‬ما هو أقرب واقعاً‪- ‬وهو اخلرب ال القياس‪ -‬ال ما هو أقرب يف نظرهم اجملرد‬ ‫وقبل مراجعة الشارع مع كون األقرب غريه مما كشف عنه الشارع‪.‬‬ ‫‪257‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وبعبارة ثالثة إن بنائهم على اتباع األقرب حجة ما مل يدل دليل على عدم كونه أقرب فال يكون‬ ‫حجية ٍ‬ ‫حينئذ من باب السالبة بانتفاء املوضوع ال احملمول وبعبارة أخرى بنائهم على حجية شيء‬ ‫ٍ‬ ‫مقتض للحجية وشرطه عدم ردع الشارع‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬ما الدليل على كون رأي أكثرية الشورى أقرب للواقع ثبوتاً إذ لعلها كالقياس؟‬

‫[إذ يقال]‪ :‬الدليل هو روايات االستشارة (من استبد برأيه هلك) و(مشاورة ذوي الرأي‬

‫واتباعهم) و(من استقبل وجوه اآلراء عرف مواقع الخطأ) وقد سبق تفصيل الكالم حول‬ ‫إفادهتا أقربية رأي األكثرية للواقع كما سبق ذكر أدلة أخرى عقلية دالة على األقربية فراجع‪.‬‬ ‫ومما سبق قبل أسرط يعلم سر توقف حجية بناء العقالء عى إمضاء الشارع أو عدم ردعه‬ ‫فتدبر‪.‬‬ ‫[تنبيه]‪ :‬إن استدالل املشهور ببناء العقالء على وجوب الرجوع لألعلم ‪-‬الذي مالكه األقربية‬ ‫للواقع جزماً‪ -‬رغم إطالقات أدلة التقليد اليت مل تكن خافية عليهم قطعاً واليت لو سلمت بأركاهنا‬

‫الثالثة مل يكن ب ّد من رفع اليد عن بنائهم ورغم ظهور (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى‬

‫رواة حديثنا) يف صحة الرجوع إىل مطلق راوي احلديث وكون التقييد باألعلم خالف املنساق منها‬ ‫ومن أشباهها من أدلة التقليد‪ ،‬دليل واضح على أن بنائهم يف األمارات على الطريقية احملضة وأن‬ ‫ما أحرز كونه أقرب للواقع هو الالزم اتباعه وإن كان ظهور الدليل أو إشعاره على األقل على‬ ‫جواز الرجوع إىل غريه ‪-‬حسب مبناهم من كون رأي األعلم أقرب للواقع من رأي غريه‪ -‬وإن كنا‬ ‫ال نقبل هذا املبىن على إطالقه ‪-‬ولوال شدة ارتكاز الطريقية يف أذهاهنم وبنائهم عليها ملا رفعوا اليد‬ ‫عن ظهور األدلة يف جواز الرجوع إىل غري األعلم وتصرفوا فيه بقرينة بناء العقالء أو ملا التجأوا إىل‬ ‫عدم كون هذه املطلقات يف مقام البيان من هذه اجلهة مع وضوح ظهورها عرفاً يف البيان بل ومع‬ ‫كون بعضها عمومات ال مطلقات‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫[ومما ذكرنا ظهر] عدم صحة ما ذكره اآلخوند قده بقوله (وال إطالق يف أدلة التقليد بعد‬ ‫الغض عن هنوضها على مشروعية أصله لوضوح أهنا إمنا تكون بصدد بيان أصل جواز األخذ بقول‬

‫‪258‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫العامل ال يف كل حال من غري تعرض أصالً لصورة معارضته بقول الفاضل كما هو شأن سائر‬ ‫‪1‬‬ ‫الطرق واألمارات على ما ال خيفى)‪.‬‬ ‫[إذ يرد عليه أوال]‪:‬‬ ‫إن أدلة التقلتيد ليست بأمجعها مطلقات بل فيها عمومات فال يكفي نفيها يف نفيها إال إذا‬

‫أريد األعم فيكون اإلشكال عليه أمت وذلك مثل (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة‬

‫حديثنا) واجلمع احمللى واملضاف مفيدان للعموم ولسنا حباجة إىل اإلطالق األحوايل إذ احلوادث‬

‫بعمومه يشمل احلادثة املعارضة وغريها‪ ...‬وكذا قوله عليه السالم (من كان من الفقهاء) بناء على‬ ‫كون املوصول للعموم كما ذهب إليه مجع من احملققني‪ ،‬قال اآلشتياين قده (وإن ذكرنا يف حمله تبعاً‬ ‫‪2‬‬ ‫للمحققني أن املوصول للعموم)‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬إن قوله (إمنا تكون بصدد بيان أًل جواز األخذ) دعوى بال دليل بل الدليل على‬ ‫عدمها‪ ،‬أ ترى العرف يفهمون من (يونس بن عبد الرمحن ثقة خذ منه معامل دينك) وغري ذلك‬

‫كقوله تعاىل‪ :‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون‪ ‬أصل جواز السؤال أم اإلطالق وأن‬

‫أي شخص تعنون بعنوان أهل الذكر يسأل منه وكذا قوله (من كان من الفقهاء) ‪-‬إن قلنا بكون‬ ‫املوصول لإلطالق‪ ،‬وإخراج صورة التعارض عن مشول اآلية هلا هو احملتاج للدليل على ما يفهمه‬ ‫العرف ولذا يتحريون لو تعارض كالم أهل الذكر حيث يرون اآلية دالة على احلجية وقد تعارضت‬ ‫احلجتان ولو نوقش يف اآلية فال نقاش يف سائر األدلة‪ -‬إضافة إىل أن (عدم التعرض أصالً لصورة‬ ‫املعارضة) مما مفهومه متامية اإلطالق من سائر اجلهات ينايف ادعاء كوهنا بصدد بيان أصل جواز‬ ‫األخذ ال غري ‪-‬فتأمل‪ ،‬وبعبارة أخرى إنه إن أراد عدم اإلطالق مطلقاً أجبنا مبخالفته للفهم العريف‬ ‫وهل تراه هو يلتزم بذلك يف سائر املطلقات وهل ميكن االلتزام بأن أكرم العادل يف مقام بيان أصل‬ ‫جواز أو وجوب اإلكرام وكذا (من جائين أكرمته) أ ميكن االلتزام بعدم إطالقه‪ ،‬وإن أراد عدم حتقق‬ ‫اإلطالق من هذه اجلهة مبعىن عدم مشوهلا لصورة التعارض لعدم كونه يف مقام البيان من هذه‬ ‫اجلهة‪ ،‬ففيه أن العرف يفهمون اإلطالق والشمول لذا يتحريون عند التعارض يف العمل بأيهما ولو‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ مجيعاً غري واجبني أو غري حجة‪ ،‬أال‬ ‫حتري يف العمل بأيهما إذ كانا‬ ‫مل يشملهما الدليل ملا ّ‬ ‫‪ 1‬الكفاية‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.439‬‬

‫‪ 2‬بحر الفوائد‪ :‬بحث االستصحاب‪ ،‬ص‪.136‬‬

‫‪259‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ترى أنه عند تعارض خربين مع ورود أعمل خبرب الواحد ال يرى العرف عدم مشول الدليل هلما معاً‬ ‫ولذا ال يطرحهما معاً بل يرى مشوله هلما غاية األمر لعلمه بكذب أحدمها يبحث عن املرجح‬ ‫ألحد اخلربين والرتجيح فرع احلجية الشأنية للطرفني ‪-‬مبعىن وجود املقتضي للحجية‪ -‬مبقتضى مشول‬ ‫أدلة احلجية هلما ‪-‬فتأمل‪ ،‬ولذا جنده نفسه قده يلتزم بشمول أدلة حجية خرب الواحد وكذا سائر‬ ‫الطرق واألمارات للمتعارضني كما صرح بذلك يف باب التعادل والرتاجيح‪ ،‬والذي يدل على ذلك‬ ‫أيضاً تعريفهم للتعارض بأنه تنايف الدليلني أو األدلة حبسب األدلة فلو كان دليل احلجية غري شامل‬ ‫لصورة التعارض ملا تنايف (الدليالن)؟ بل مل يكونا دليلني أصالً لعدم املقتضى للدليلية وهو مشول‬ ‫الدال هلما ‪-‬واخلالصة أن العرف ال يرى فرقاً بني املطلقات والعمومات يف مشوهلا للمتعارضني‬ ‫‪1‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ إىل املرجحات فتدبر‪.‬‬ ‫والرجوع‬

‫[ال يقال]‪ :‬إن إثبات اإلطالق ينايف مسلك املشهور من ذهاهبم إىل وجه؟؟؟ ص‪ 323‬تقليد‬ ‫األعلم‪.‬‬

‫[ألنه يقال]‪ :‬الغرض إثبات عدم قصور مطلقات أدلة التقليد عن سائر املطلقات والعمومات‬ ‫من جهة كوهنا يف مقام البيان ‪-‬وهو الذي نفاه اآلخوند قده‪ -‬أو وجود قدر متيقن ‪-‬لعدم وجود‬ ‫قدر متيقن يف مقام التخاطب‪ -‬وال يتنايف ذلك مع االلتزام بعدم اإلطالق لوجود قرينة على‬ ‫اخلالف عندهم وهي بناء العقالء على الرجوع لألعلم (أو األقربية للواقع يف األعلم‪ ،‬أو أدلة باب‬ ‫القضاء كما سيأيت)‪ -‬إال أن يقال إن ذلك موقوف على عدم كون جهة عدم تسليمهم اإلطالق‬ ‫عدم كون املوىل يف مقام البيان أو وجود قدر متيقن إضافة إىل عدم التزامهم مبخصصية بناء‬ ‫العقالء للعمومات ‪-‬لكن فيه‪ :‬إنه لو سلّم ذلك‪ -‬وإن جهة عدم متامية اإلطالق عندهم عدم‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ أن‬ ‫حتقق املقدمتني األوليني من مقدمات احلكمة ال عدم حتقق الثالث ‪-‬مل يضر إذ يقال‬ ‫سبب التزامهم بعدم كونه يف مقام البيان هو ارتكازية بناء العقالء على الرجوع لألعلم عندهم مما‬ ‫يكون قرينة ‪-‬ال على اخلالف بل على عدم كون املوىل يف مقام البيان حسب كالمهم‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫هذا على مسلك املشهور‪ ،‬وأما إن قلنا بوجوب الرجوع لألعلم يف صورة واحدة فقط (وهي‬ ‫صورة نادرة) فاألمر أوضح‪ ،‬إذ تسليم اإلطالق مبقدماته الثالث ال ينايف تقدمي أحد املتعارضني‬ ‫لوجود مزية فيه أو طرح اآلخر ‪-‬فتدبر‪ ،‬ويتضح ذلك مبراجعة باب التعادل والرتاجيح من األصول‪،‬‬ ‫‪ 1‬قد تطرقنا هانا لاذا البحث بشكل سريل بدائي وتفصيل الكال في ذلل ذكرناه في موضل آخر‪.‬‬

‫‪260‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫هذا إضافة إىل عدم مضرية إثباتنا اإلطالق وتنافيه مع مسلك املشهور إذ املضر التزامهم باإلطالق‬ ‫مع حفظ مسلكهم‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫وكون بناء املشهور ومرتكزهم غري حجة ليس مبضر فيما حنن بصدده من إثبات صحة التمسك‬ ‫على وجوب اتباع رأي األكثرية بكونه أقرب للواقع‪ ،‬على مبىن املشهور‪ 1‬وأما حنن فلنا طرق أخرى‬ ‫ذكرناها قبل صفحات وتظهر من مطاوي ما سبق وسيأيت باذن اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫كما أن الغرض مما ذكرناه ليس قبول ما ذهر إليه املشهور من عدم كون املطلقات يف مقام‬ ‫البيان ووجوب تقليد األعلم استناداً ملا ادعوه من بناء العقالء‪ ،‬بل الغرض ‪-‬كما سبق‪ -‬إثبات‬ ‫صحة املدعى على مبناهم ‪-‬فتدبر‪.‬‬ ‫ومما ذكرنا يظهر الكالم حول الدليل اآلخر الذي متسك للمشهور إلثبات وجوب تقليد‬ ‫األعلم وهو (إن رأي األعلم أقرب للواقع وكلما كان أقرب يتعني األخذ به عقالً)‪ 2‬أو (إن الظن‬ ‫احلاصل من قول األعلم أقرب للواقع)‪ 3‬وال يرد ‪-‬على ما حنن فيه‪ -‬عدم تسليم كون املعيار يف‬ ‫باب احلجية هو األقربية يف نظرنا لكون األقربية يف باب الشورى ثابتة بالدليل ‪-‬كما سبق‪ -‬ال‬ ‫بنظرنا احملتمل خمالفته ملا هو األقرب واقعاً مما ال يكون الكاشف عنه إال الشارع احمليط باخلفيات‪.‬‬ ‫دل على أن الظن احلاصل من‬ ‫كما ال يرد عدم صحة (املبىن) على ما حنن فيه ألن الدليل لو ّ‬ ‫فصله الفقهاء يف باب التعادل والرتاجيح‬ ‫شيء أقوى من آخر كان الالزم اتباعه عند التعارض ملا ّ‬ ‫يف صورة تعارض احلجتني‪ ،‬نعم لو مل يقم دليل على ذلك بل قام الظن على أن الظن الكذائي‬ ‫أقوى من الظن الكذائي مل يصح املبىن كما ذكره املستشكل‪.‬‬ ‫[وال يرد ما ذكره اآلخوند] قده بقوله (وأما الكربى فألن مالك حجية قول الغري تعبداً ولو‬ ‫على حنو الطريقية مل يعلم أنه القرب من الواقع فلعله يكون ما هو األفضل وغريه سيان ومل يكن‬ ‫لزيادة القرب يف أحدمها دخل أصالً‪ ،‬نعم لو كان متام املالك هو القرب كما إذا كان حجة بنظر‬ ‫‪4‬‬ ‫العقل لتعني األقرب قطعاً فافهم)‪.‬‬

‫‪ 1‬بكونه متعلي بالتمسل وعلر مبنر متعلي بصحة‪.‬‬ ‫‪ 2‬الفقه‪ :‬االجتااد والتقليد‪ ،‬ص‪.66‬‬ ‫‪ 3‬ماذب األحكا ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.24‬‬

‫‪ 4‬الكفاية‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.441-440‬‬

‫‪261‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[إذ يرد عليه‪ :‬أوال]‪ :‬إنه كما حيتمل أن ال يكون لزيادة القرب مدخل أصالً يف املالك حيتمل‬ ‫كذلك مدخليته فعلى تقدير املدخلية يكون هو احلجة دون قسيمه وعلى تقدير عدمها يكونان‬ ‫سيان يف احلجية فاألقرب للواقع مقطوع احلجية اذن وغريه حمتملها فيكون العقل حاكماً بضرورة‬ ‫الرجوع إليه دون غريه لقاعدة دوران األمر بني التعيني والتخيري وإنكار هذا‪ ،‬إنكار لنفس دليله‬ ‫تعني الرجوع لألعلم من (فالبد من الرجوع إىل األفضل إذا احتمل تعينه للقطع‬ ‫الذي أٌامه على ّ‬ ‫حبجيته والشك يف حجية غريه)‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬إن ما كانت حجيته من باب حمض التعبدية ال تكون لألقربية للواقع مدخلية فيها‬ ‫أصالً سلباً أو إاجاباً‪ ،‬أما ما كانت حجيته تعبدية طريقية (إن مالك حجية قول الغري تعبداً ولو‬ ‫‪1‬‬ ‫على حنو الطريقية)‪.‬‬ ‫فال يعقل عدم مدخلية األقربية للواقع يف احلجية لكوهنا جزء قوامها فكيف ال تكون شدهتا‬ ‫وضعفها مؤثرة يف شدهتا وضعفها (مما يستلزم الرتجيح هبا عند التعارض) هذا خلف ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫تعني تقليد األعلم من الدوران‬ ‫[ثالثا]‪ :‬إضافة إىل أنه لو صح ما ذكره لزم بطالن دليله على ّ‬ ‫بني التعيني والتخيري لوجود أصل حاكم‪ ،‬إذ إن مدخلية رتبة معينة من القرب للواقع يف مالك‬ ‫احلجية حمرز (لفرض كون املالك طريقياً ‪-‬تعبدياً) ويشك يف مدخلية وتأثري واعتبار مرتبة أعلى منها‬ ‫يف مالك احلجية واألصل العدم فال دوران‪ ،‬وال شك يف حجية ذي الطريقية األقل إذ يرفع باألصل‬ ‫فتأمل‪.‬‬‫كما أن استدالهلم لوجوب تقليده بورود األمر بالرجوع إىل األفقه يف القضاء عند اختالف‬ ‫القضاة شاهد آخر على أن مبناهم إلغاء اخلصوصية ونفي التعبدية وكون املالك حمض الطريقية‬ ‫املشرتك بني بايب القضاء والتقليد‪ ،‬وسيأيت تفصيل الكالم حول هذا الدليل بإذن اهلل تعال‪ ،‬هذا‪...‬‬

‫ولو قيل بأن وجه حتتم الرجوع إىل األعلم هو (القطع حبجيته والشك يف حجية غريه)‪ 2‬ومل‬ ‫نناقش مبا سبق ‪-‬كان ذلك داالً على املدعى أيضاً‪ -‬من وجوب الرجوع إىل ما هو أقرب للواقع‬ ‫وإن مل يدل على كون األصل الطريقية ‪ -‬إذ إن سبب (القطع حبجية قول األعلم) هو أحد أمور‪:‬‬ ‫‪ 1‬ومن الواضح كون حجية رأي الفيه طريقية ‪ -‬تعبدية‪ ،‬أما الطريقية فلكونه كاشفاً نوعياً عن الواقل وفي ظارا الشال ال أن‬ ‫موضوعه الشل‪ ،‬أما التعبدية فألخذ العدالة وطاارة المولد وأشباهاما في حجية قوله‪.‬‬

‫‪ 2‬الكفاية‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.438‬‬

‫‪262‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫‪ -1‬إما ألقربيته للواقع والقطع أو احتمال مدخليتها‪.‬‬

‫‪ -2‬أو إلحراز بناء العقالء على اتباع األعلم وعدم إحراز اتباع غريه أو إحراز العدم‪ ،‬وقد‬ ‫أوضحنا أن كال الوجهني مما يدل على املدعى من لزوم اتباع األقرب للواقع جميبني عن اإلشكاالت‬ ‫الواردة عليها ‪-‬قبل قليل‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن الروايات ال تدل على أزيد من حجية قول األعلم لعدم إطالقها‪ ،‬إذ ليست يف مقام‬ ‫البيان‪.‬‬

‫ويرد عليه أوال‪ :‬إن الدال على حجية قول األعلم لو كان هو الروايات ومل يلتزم بإطالقها ملا‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ يف حجية قول غريه‪ ،‬إذ عدم الدليل على احلجية مالك عدمها فال شك يف حجية‬ ‫شك‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ فعلم بذلك التنايف بني األمرين‪ :‬االلتزام بـ(القطع حبجية قول األعلم والشك يف‬ ‫قول غريه‬ ‫حجية قول غريه) وااللتزام بعدم اإلطالق يف أدلة التقليد بضرس قاطع‪ ،‬كما قال قده (لوضوح أهنا‬ ‫إمنا تكون بصدد بيان أصل جواز األخذ بقول العامل ال يف كل حال من غري تعرض أصالً بصورة‬ ‫معارضته بقول الفاضل)‪ 1‬فال يصح تعليل أحدمها باآلخر وبعبارة أخرى ال يصح تعليل‪ :‬الدوران‬ ‫‪2‬‬ ‫بني التعيني والتخيري بعدم إطالق روايات التقليد‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫نعم لو شككنا يف اإلطالق والتقييد دار األمر بني التعيني والتخيري‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬عدم إحراز الدليل على احلجية (للدوران بني التعيني والتخيري) أيضاً مالك عدمها‬ ‫فال شك فيها‪ ،‬وبعبارة أخرى ملا مل حيرز الدليل عليها كان األصل عدمها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫[فإنه يقال]‪ :‬هذا الشك مسبيب فال اجري األصل فيه‪ ،‬لكون الشك يف احلجية‬ ‫حينئذ مسبباً‬

‫عن الشك يف اإلطالق والتقييد لتفرعها وجوداً وعدماً عليهما فعلينا التمسك باألصول اجلارية‬ ‫فيهما ‪-‬إن مل يكن ظن نوعي يف املقام كاشف عن املرام‪ -‬نعم لو قلنا بأن التقابل بني اإلطالق‬ ‫والتقييد هو تقابل التضاد‪ ،‬تعارض األصالن السببيان فتصل النوبة للمسببيني ‪-‬فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.439‬‬ ‫‪ 2‬التيمل من وجاين‪:‬‬

‫األول‪ :‬الحتمال أن يكون منشي الشل احتماال بنااء العقاالء علار حجياة قاول مياره وعاد إحاراز بناائا علار عاد الحجياة‪ ،‬ال‬

‫إحراز عد اإلطالي في األخبار حتر ال يكون شل‪ ،‬إلحراز العد ‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬إمكان كون المراد من الشل البدوي أي الشل الموجود قبل مالحظة قاعدة عد الدليل دليل العد ‪ ،‬فتيمل‪.‬‬

‫‪263‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وبعبارة أخرى‪ 1‬عدم إحراز الدليل على احلجية إمنا يكون مالك عدمها لو مل يكن هناك أصل‬ ‫حاكم‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬سلمنا‪ ...‬لكن يرد عليه مبىن مبا ذكرناه مفصالً من متامية اإلطالق فيها من حيث‬ ‫كونه يف مقام البيان‪.‬‬

‫[ثالثا]‪ :‬سلمنا لكن يرد عليه بناءً‪ ،‬أن عدم داللة الروايات على حجية أزيد من قول األعلم‬ ‫أيضاً ال ينايف كون مالك احلجية هو األقرب للواقع ولزوم الرجوع إليه بل قد يدل عليه ولو بداللة‬ ‫االقتضاء ملا قد سبق من تبعية األحكام ملصاحل ومفاسد يف منت الواقع فليس احلكم باتباع هذا‬ ‫الطريق دون ذاك عبثاً بل ٍ‬ ‫لعلة يف مرحلة الثبوت ولكون االرتكاز والبناء على الطريقية‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬عدم جعل احلجية يف لسان الروايات معلول علة هي عدم القرب أو عدم األقربية‬ ‫بشهادة بناء العقالء‪ ،‬ولذا يرون العلة يف جعل الشارع قول األعلم حجة دون غريه ‪-‬لو فرض‪-‬‬ ‫صرف األقربية للواقع وأما مصلحة التسهيل مثالً فتقتضي العكس أو ال تقتضي عدم حجية قول‬ ‫غريه على األقل‪.‬‬ ‫دل الدليل‬ ‫تنبيه آخر‪ :‬ظهر مما ذكرنا أن املقياس يف باب احلجج هو األقربية إىل الواقع اليت ّ‬ ‫عليها‪ ،‬ال األقربية يف نظرنا فال يرد استلزام ذلك حجية ما توصل إليه بالرمل واجلفر من األحكام‬ ‫الشرعية‪ ،‬إذ ليست للرمل أقربية قد دل عليها الدليل‪.-‬‬ ‫[ومن ذلك كله ظهر]‪ :‬عدم متامية ما يقال من (أنه ال منافاة بني الطريقية وبني حجية قتوى‬ ‫غري األعلم أيضاً‪ ،‬نظري تعارض البينتني فإن أقربية إحدامها إىل الواقع ‪-‬كما إذا كانت أعرف‬ ‫باحلال من األخرى‪ -‬ال يوجب تعيينها وسقوط البينة األخرى عن احلجية مع أهنما طريقان‪ ،‬ولذا‬ ‫ذهب املشهور إىل التساقط فيهما وليس ذلك إال للتزاحم ووجود مالك احلجية يف كليهما وإال ملا‬ ‫‪2‬‬ ‫أوجبت األمارة غري األقرب سقوط األقرب أيضاً كما ال خيفى)‪.‬‬ ‫[إذ يرد عليه] ‪-‬إضافة إىل ما سبق‪:-‬‬

‫[أوال]‪ :‬إن الشاهد يناقض املستشهد له‪ ،‬غذ إن املستشهد له هو عدم املنافاة بني الطريقية‬ ‫وبني حجية فتوى غري األعلم مما يقتضي التخيري وهو الذي يريد إثباته لكونه يف مقام إثبات عدم‬ ‫‪ 1‬اللا والنشر مشو ‪.‬‬

‫‪ 2‬شرح العروة الوثقر‪ :‬ص‪ 174‬للسيد الع دا ظله‪.‬‬

‫‪264‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫تعني الرجوع لألعلم وأما الشاهد هو تعارض البينتني املوجب للتساقط حسب ما ذكره فقد كانت‬ ‫ّ‬ ‫هناك منافاة بني الطريقية وبني حجية املتعارضني لسقوطهما كليهما عن احلجية بالتعارض‪.‬‬

‫[ثانيا]‪ :‬إن تعليله (وليس ذلك إال للتزاحم ووجوب مالك احلجية يف كليهما) غري تام لوجهني‪:‬‬ ‫أ‪ -‬إن هذا ليس تزامحاً بل هو تعارض‪ ،‬إذ املتزامحان متنافيان يف مرحلة االمتثال ال اجلعل‬ ‫فالتزاحم مانع عن (التنجز) ال غري واألمارات كلها ‪-‬إن ختالفت‪ -‬متعارضة لكون التنايف يف مرحلة‬ ‫اجلعل‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬مع كون أحدمها طريقاً إىل الواقع ال يعقل كون اآلخر طريقاً إليه أيضاً لكونه‬ ‫ضده أو نقيضه وإال لزم تناقض الواقع أو تضاده وتناقض أو تضاد حكم اهلل يف الواقعة هذا يف‬ ‫مرحلة الثبوت وأما يف مرحلة اإلثبات فكذلك للعلم اإلمجايل ‪-‬عند تنايف الدليلني‪ -‬بكذب‬ ‫أحدمها فكيف يوجد مالك احلجية فيهما ثبوتاً أو إثباتاً؟ اللهم إال أن يريد مبالك احلجية الشأنية‬ ‫واالقتضاء فريد عليه ٍ‬ ‫حينئذ إشكاالن آخران فليالحظ‪.‬‬ ‫نعم لو قال حبجية البينة من باب السببية لتزامحت البينتان لكون كل منهما حال التزاحم أيضاً‬ ‫على ما كان عليه من املصلحة التامة املقتضية لإلاجاب وإمنا التزاحم مانع عن التنجز‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫تعني أحدمها إن كان ذا مالك آكد ال التساقط‪،‬‬ ‫ب‪ -‬إن مقتضى التزاحم هو التخيري أو ّ‬ ‫وبذلك ظهر عدم متامية قوله (وإال ملا‪ )...‬إذ على التزاحم ووجود مالك احلجية يف كليهما‪ ،‬ال‬ ‫يوجب أي منهما سقوط اآلخر ككل متزامحني‪...‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬إن املشهور مل يذهبوا إىل التساقط بل إهنم ذهبوا يف صورة كون العني بيد أحدمها وأقام‬ ‫كل منهما بينة إىل ترجيح بينة اخلارج مطلقاً وقيل‪ :‬الداخل مطلقاً أو اخلارج مطلقاً إال إذا انفردت‬ ‫بينة الداخل بذكر السبب أو اخلارج مطلقاً إال مع أعدلية بينة الداخل مث أكثريتها فيرتجح أو‬ ‫الرجوع إىل القرعة مطلقاً أو غري ذلك من األقوال وليس فيها قول بالتساقط‪ 1‬والقول األول هو‬ ‫املشهور بني األصحاب شهرة عظيمة‪ 2‬ويف صورة كون العني بيدمها وأقاما البينة يقضي بينهما‬ ‫نصفني من دون إقراع وال مالحظة ترجيح بأعدلية أو أكثرية على األشهر بل عليه عامة من تأخر‬

‫‪ 1‬راجل المستند‪ :‬كتاب القضاء والشاادات‪ ،‬ص‪.589-587‬‬ ‫‪ 2‬الجواهر‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪.416‬‬

‫‪265‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إال من ندر‪ 1‬وبال خالف أجده بني من تأخر عن القدميني احلسن وأيب علي بن صرح غري واحد‬ ‫‪2‬‬ ‫منهم بعدم االلتفات إىل املرجحات اآلتية يف غري هذه الصورة‪.‬‬ ‫وعن املسالك (ال إشكال يف احلكم بينهما نصفني لكن اختلف يف سببه فقيل‪ :‬لتساقط البينتني‬ ‫بسبب التساوي فيبقى احلكم كما لو مل تكن بينة وقيل ألن مع كل منهما مرجحاً باليد على‬ ‫نصفها فقدمت بينته على ما يف يده‪ ،‬وقيل ألن يد كل واحد على النصف وقد أقام اآلخر بينة‬ ‫عليه فيقضي له مبا يف يد غرميه بناء على تقدمي بينة اخلارج فكل منهما قد اعتربت فيما ال تعترب‬ ‫فيه األخرى ولذا مل يلحظ ترجيح بالعدد وال بالعدالة وهذا هو األشهر‪ 3)..‬فليس املشهور هو‬ ‫التساقط‪.‬‬ ‫ويف صورة كون العني يف يد ثالث‪ :‬بقضى بأرجح البينتني عدالة ومع التساوي يف العدالة يقضى‬ ‫بأكثرمها عدداً ومع التساوي يقرع بني املتداعيني على املشهور بني األصحاب خصوصاً املتأخرين‬ ‫بل عليهم عامتهم كما قيل‪ 4‬ويف املسالك وغريها نسبته إىل الشهرة بل يف الغنية اإلمجاع عليه بل‬ ‫يف الرياض نسبته إىل األشهر بل عامة متأخري أصحابنا‪ 5.‬واجلواهر وإن ناقش يف حتقق الشهرة إال‬ ‫أنه ال مناقشة يف عدم انعقاد الشهرة على التساقط فتدبر‪ ،‬هذا لو فرض وجود قول به‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫وأما لو مل تكن العني بيد أحدمها وأقاما بينة فظاهر عبارة الصدوقني قدمها أن حكمه حكم يد‬ ‫الثالث وقال بعض فضالئنا املعاصرين أنه األوىل وهو كذلك إلطالق أكثر األخبار املتقدمة إن مل‬ ‫نقل مجيعها بالنسبة إىل هذه الصورة أيضاً‪ 6‬اللهم إال أن يقال بأن املقصود هو تعارض البينتني يف‬ ‫غري املاليات فيندفع اإلشكال‪.‬‬ ‫لتعني األخذ بذيها للزم يف الصورتني األوليني‬ ‫[ال يقال]‪ :‬لو كانت األقربية للواقع موجبة ّ‬ ‫الرتجيح بالعدد والعدالة وأشباههما ال احلكم برتجيح بينة اخلارج مطلقاً يف الصورة األوىل‬ ‫والتنصيف يف الثانية؟‬

‫‪ 1‬المستند‪ :‬ص‪.590‬‬

‫‪ 2‬الجواهر‪ :‬ص‪.410‬‬

‫‪ 3‬الجواهر‪ :‬ص‪.411-410‬‬ ‫‪ 4‬المستند‪ :‬ص‪.591‬‬

‫‪ 5‬الجواهر‪ :‬ص‪.424‬‬ ‫‪ 6‬المستند‪ :‬ص‪.592‬‬

‫‪266‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[فإنه يقال]‪ :‬إن عدم الرتجيح فيهما لوجود الدليل اخلاص على تقدمي بينة اخلارج وعلى‬ ‫التنصيف وهي الروايات ومنها املستفيضة املصرحة بأن البينة على املدعي واليمني على من أنكر‪،‬‬ ‫حيث استفاد منها الفقهاء اختصاص قبول البينة باملدعي لكون التفصيل قاطعاً للشركة وهذه‬ ‫الرواية وإن أشكل يف داللتها على املدعى إال أن املستشكلني استندوا إىل روايات أخرى دالة على‬ ‫تقديرم بينة اخلارج كالتعليل املذكور يف خرب منصور الذي هو بالشهرة جمبور (ألن اهلل تعاىل إمنا أمر‬ ‫أن يطلب البينة من املدعي فإن كانت له بينة وإال فيمني الذي هو يف يده‪ ،‬هكذا أمر اهلل عز‬ ‫وجل)‪ 1‬وكذا الرضوي املنجرب بعمل الفقهاء‪.‬‬ ‫فعدم ترجيح بينة الداخل بالعدد والعدالة إمنا هو لعدم كون بينته مقبولة شرعاً ‪-‬حسب‬ ‫الروايات‪ -‬ال لعدم االعتناء مبرجحاهتا بعد الفراغ عن مقبوليتها‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬ليست بينته بينة‬ ‫شرعاً وبعبارة أخرى ليس هو حمالً هلا كما ليست املرأة حمالً للقضاوة وذلك مما يكشف إنّاً عن‬ ‫كون حجيتها ههنا تعبدية ال طريقية حمضة ومبالك الكاشفية النوعية احملضة عن الواقع ولذا التزم‬ ‫املوىل النراقي رضوان اهلل عليه بعدم كون حجيتها من باب الظن حىت تكون بينة الداخل مقدمة‬ ‫فيما لو كان النظن احلاصل منها أقوى من احلاصل من بينة اخلارج كما لو كانت أكثر عدداً أو‬ ‫‪2‬‬ ‫أشد عدالة‪.‬‬ ‫وما ادعيناه من لزوم العمل باألقرب من املتعارضني ليس يف صورة تعبد الشارع بالعمل بأحدمها‬ ‫غري األقرب وال يف صورة عدم قيام الدليل على أن هذا أقرب‪ ،‬بل كان الظن قائماً عليه وبعبارة‬ ‫أخرى (األقرب يف نظرنا) بل إمنا هي يف صورة العلم بالطريقية احملضة أو الشك بينها وبني التعبدية‬ ‫لكون األصل الطريقية وعدم حلاظ الشارع أمراً زائداً على صرف اإليصال إىل الواقع‪ ،‬وألنه مقتضى‬ ‫دوران األمر بني التعيني والتخيري ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫وكذا يف صورة حتضيض الشارع على اتباع أحد املتعارضني فكيف إذا علله الشارع بأنه أقرب‬ ‫للواقع وبأن يف عدمه الضرر والوقوع يف الندم ‪-‬كما يف الروايات الدالة على الشورى‪.-‬‬ ‫هذا وميكن إنكار املالزمة بوجه آخر وهو أنه‪ :‬قد يكون ترجيح بينة اخلارد مطلقاً لكوهنا أقرب‬ ‫نوعاً إىل الواقع من بينة الداخل يف نظر الشارع وإن كانت بينة الداخل أكثر عدداً وعدالة‪ ،‬مبعىن‬ ‫‪ 1‬الوسائل‪ :‬ب‪ 12‬من أبواب كيفية الحك ‪ ،‬ح‪.14‬‬ ‫‪ 2‬راجل المستند‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.587‬‬

‫‪267‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أنه رأى كون أكثر مواقع دعوى اخلارج ما يف يد آخر وإقامته البينة مطابقة للواقع وكون األقل‬ ‫مطابقاً للداخل وإن كانت بينته أكثر وأقوى‪.‬‬ ‫والفرق بني الوجهني أن األول مبين على االلتزام بالتعبدية يف البينة‪ ،‬والثاين على االلتزام بالطريقية‬ ‫فيها ومن تقرير هذا الوجه الثاين يظهر أن هناك شقاً ثالثاً ميكن به التخلص عما استشكله املستند‬ ‫على نفسه بقوله (فال يرد عليهم أنه إن كان بنائهم على عدم حجيتها فهو مناف لقبوهلا يف بعض‬ ‫‪1‬‬ ‫املوارد وإن كان على قوة الظن فقد يكون الظن احلاصل من بينة الداخل أقوى من بينة اخلارج)‬ ‫وهو كون البناء على حجيتها من باب أقربيتها إىل الواقع نوعاً بنظر الشارع وإن كان الظن احلاصل‬ ‫من بينة الداخل ‪-‬لكثرة العدد أو العدالة‪ -‬أقوى ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫نعم‪ ..‬ال اجري هذا الوجه يف الصورة الثانية وهي ما لو كانت العني بيدمها حيث حكم‬ ‫بالتنصيف‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫ومما ذكرنا يف جواب هذا اإلشكال ظهر اجلواب عن النقض بكل موارد تقدمي الشارع ما يتوهم‬ ‫كونه غري أقرب أو ما يكون غري أقرب واقعاً ‪-‬من أول الفقه إىل آخره‪.-‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬حجية رأي الفقيه ليست طريقية حمضة وإال ملا اعتربت فيه الذكورة واحلرية وأشباهها‬ ‫وملا وجب اتباع العامل العادل وإن خالفه يف املسألة أعلم فاسق حمرز صدقه فهي طريقية ‪ -‬تعبدية‬ ‫ودل الدليل على ذلك مل يلزم بل مل يصح اتباعه لعدم كون‬ ‫فلو سلم وجود ما هو أقرب للواقع منه ّ‬ ‫مالك احلجية حمض الطريقية بل أهنا جمهولة املالك أو يقال إن القرب للواقع جزء املقتضي فلعل‬ ‫األقرب فاقد للجزء اآلخر فال يكون حجة فال اجوز العمل به فكيف بتقدميه؟ ولذا لو سلمنا كون‬ ‫رأي أكثرية شورى الفقهاء أقرب للواقع فال يستلزم ذلك حجية ووجوب أو جواز اتباع رأيهم إذ مل‬ ‫يكن القرب متام املالك؟‬

‫[فإنه يقال]‪[ :‬يرد عليه أوال]‪ :‬إن ثبوت تعبدية الدليل من جهة ال يستلزم تعبديته من جهة‬ ‫أخرى‪ ،‬إذ التعدية إسراء للحكم من موضوع إىل آخر بال دليل‪ ،‬إضافة إىل أن حلاظ شيء خاص‬ ‫يف دليلية الدليل خالف األصل‪ ،‬لكون األصل عدم حدوث احلادث فال خيرج عنه إال بدليل‬ ‫والدليل الدال على كون حيثية معينة ملحوظة ومأخوذة يف الدليل تعبداً غري متكفل لسائر‬ ‫احليثيات فيه‪...‬‬ ‫‪ 1‬المستند‪ :‬ص‪.587‬‬

‫‪268‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أال ترى أن اعتبار البلوغ واإلسالم واإلميان وطهارة املولد يف الشاهدين ‪-‬تعبداً (إذ ال حجية يف‬ ‫شهادة غري املسلمني أو املؤمنني وإن كان الظن احلاصل من قوهلما أقوى وإن كان مدعامها أقرب‬ ‫للواقع وإن كانا متحرزين عن الكذب جداً ومل تكن البينة األخرى من املسلمني املؤمنني كذلك) ال‬ ‫يستلزم إطالقاً كون احلرية أيضاً مأخوذة فيهما تعبداً (بأن تقدم شهادة احلرين وإن كان شهادة‬ ‫العبدين أقرب وبأن ال تقبل شهادة العبدين وإن مل يعارضها شهادة حرين كما ال تقبل شهادة‬ ‫الكافرين وإن مل تعارضها شهادة إال لو دخل ذلك يف باب آخر كما ال خيفى) ولذا ذهب األشهر‬ ‫بل املشهور ‪-‬خالفاً ألكثر العامة والبن أيب عقيل‪ -‬إىل قبول شهادة اململوك مطلقاً إال على‬ ‫‪1‬‬ ‫مواله‪.‬‬ ‫ومن الواضح أننا لو شككنا يف اشرتاط الشهادة باحلرية وأخذها تعبداً كان األصل عدمها وال‬ ‫يلتزم فقيه بعكس ذلك‪...‬‬ ‫كما أن من الواضح كون الشهادة طريقية ‪ -‬تعبدية ولذا دلت الروايات على اعتبار ارتفاع‬ ‫التهمة يف قبوهلا بأن ال تكون بينهما عداوة دنيوية تضمنت فسقاً أم ال وال يكونا ممن اجر بشهادته‬ ‫نفعاً‪ ،‬ولذا أيضاً مل تقبل شهادة (املغفل الذي يف جبلته البله فرمبا استغلط لعدم تفطنه ملزايا األمور‬ ‫وتفاصيلها ويدخل عليه الغلط والتزوير من حيث ال يشعر)‪ 2‬ومن الواضح أنه لوال اعتبارها من‬ ‫باب الكاشفية النوعية عن الواقع ملا اشرتط فيها ارتفاع التهمة ا ملعلوم من اشرتاطه االحرتاز عن‬ ‫خمالفة الواقع‪ ،‬وكذلك لوضوح كوهنا أمارة ال أصالً‪...‬‬ ‫ومن هنا انقدح جواب آخر عما ذكره يف الكفاية (وأما الكربى فألن مالك حجية قول الغري‬ ‫‪3‬‬ ‫تعبداً ولو على حنو الطريقية مل يعلم أنه القرب من الواقع‪.)...‬‬ ‫[وثانيا]‪ :‬سلمنا‪ ..‬لكن نقول إن اجلهل مبالك حجية قول الفقيه ال يضر مبا حنن يف صدده من‬ ‫إثبات حجية رأي شورى الفقهاء للعلم قطعاً بوجود املالك يف أكثريتهم وذلك لفرض كون كل‬ ‫واحد من أكثرية شورى الفقهاء جامعاً لشرائط التقليد فكالمهم حجة قطعاً‪ ،‬بل متعني الرجوع‬ ‫ألقربية رأيهم وهي جزء املالك واملقتضي‪.‬‬

‫‪ 1‬جواهر الكال ‪ :‬ج‪ ،41‬كتاب الشاادات‪ ،‬ص‪.92‬‬ ‫‪ 2‬نفس المصدر‪ :‬ص‪ 15‬مزجاً مل الشرائل‪.‬‬

‫‪ 3‬الكفاية‪ :‬االجتااد والتقليد‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.440‬‬

‫‪269‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وأما احتمال اعتبار الوحدة واالنفراد يف حجية رأي الفقيه مبعىن كون رأي هذا الفقيه حجة‬ ‫بشرط ال‪ ،‬فمدفوع بعد غاية بعده وعدم تعقل وجه له ‪ -‬باألصل‪ ،‬وقد فصلنا الكالم حول ذلك‬ ‫يف موضع آخر‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى العدالة وشبهها معتربة تعبداً يف حجية رأي الفقيه وأما اعتبار عدم التعدد والوحدة‬ ‫كذلك فال دال عليه ورمبا أمكن إرجاع هذا اجلواب إىل األول‪...‬‬ ‫ومبا ذكرناه انقدح اجلواب عن البيان اآلخر لإلشكال (إن يقال أو القرب للواقع جزء املالك‪)...‬‬ ‫فليتدبر‪.‬‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫ما التزم به كثري من الفقهاء يف باب التعادل والرتاجيح من عدم االقتصار على املرجحات‬ ‫املنصوصة والتعدي منها إىل غريها‪...‬‬ ‫قال الشيخ األعظم قدس سره (ولذا ذهب مجهور اجملتهدين إىل عدم االقتصار على املرجحات‬ ‫اخلاصة بل ادعى بعضهم ظهور اإلمجاع وعدم ظهور اخلالف على وجوب العمل بالراجح من‬ ‫الدليلني بعد أن حكى اإلمجاع عليه من مجاعة)‪ 1‬فرغم اقتصار اإلمام عليه السالم على ذكر‬ ‫مرجحات خاصة وحكمه بعد فقدها بالتخيري أو التوقف إال أن كثرياً منهم تعدى إىل مطلق‬ ‫املرجح وحكم بلزوم األخذ به وطرح املرجوح (كالرتجيح باألضبطية والنقل باللفظ وعدم‬ ‫االضطراب) ال التخيري أو التوقف الستظهار كون الرتجيح مبناط األقربية للواقع وال مدخلية‬ ‫خلصوص مرجح وعدم كون الرتجيح تعبدياً وأولوا؟؟؟ص‪ 334‬ذكر املرجحات اخلاصة دون غريها‬ ‫بأهنا كانت للتمثيل‪ ،‬أو لألمهية‪ ،‬أو ملعرفة السائل سائر املرجحات أو لكثرة االبتالء هبذه‬ ‫املرجحات أو إرادة السائل تساوي الروايتني من سائر اجلهات رغم ظهور احلديث يف الرتتيب‬ ‫اخلاص مث التخيري أو التوقف‪ ،‬وختالف الرتتيب يف الروايات ال خيل هبذا الظهور‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫وقال الشيخ قده (ومقتضى التعدي عن مورد النص يف العلة وجوب الرتجيح بكل ما يوجب‬ ‫كون أحد اخلربين أقل احتماالً ملخالفة الواقع)‪ 2‬ومن الواضح عدم إمكان التعدي عن مورد العلة‬ ‫‪ 1‬الرسائل‪ :‬التعادل والتراجيح‪ ،‬ص‪.450‬‬ ‫‪ 2‬نفس المصدر‪.‬‬

‫‪270‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ للجهل باملالك الواقعي إذ لعله عدم‬ ‫املنصوصة مع التعبدية لعدم كوهنا معممة خمصصة‬ ‫الريب اخلاص ال املطلق‪.‬‬ ‫ومما سبق من اإلشكال على ما ذكره اآلخوند قده يف حبث االجتهاد والتقليد صفحة ‪440‬‬ ‫ظهر اإلشكال على ما ذكره قدس سره هنا بقوله يف جواب إشكال (ومنها أنه لو مل اجب ترجيح‬ ‫ذي املزية لزم ترجيح املرجوح على الراجح وهو قبيح عقالً بل ممتنع قطعاً)‪( :‬وفيه‪ :‬إنه إمنا اجب‬ ‫الرتجيح لو كانت املزية موجبة لتأكد مالك احلجية يف نظر الشارع ضرورة إمكان أن تكون تلك‬ ‫املزية باإلضافة إىل مالكها كاحلجر يف جنب اإلنسان وكان الرتجيح هبا بال مرجح وهو قبيح كما‬ ‫هو واضح)‪ 1‬إذ غاية األمر كون حجية اخلرب طريقية تعبدية فرتد اإلشكاالت األربعة السابقة‬ ‫فلرياجع‪ ،‬ومنها ما يتم ولو مع االلتزام بالتعبدية احملضة‪ ،‬فدقق‪.‬‬ ‫وأما ما ذكره اآلخوند قده يف التعادل والرتاجيح إشكاالً على ما ذكره الشيخ قده من التعدي‬ ‫عن مورد النص يف العلة للتعليل بـ(فإن المجمع عليه ال ريب فيه) بقوله (وأما الثاين فلتوقفه على‬ ‫عدم كون الرواية املشهورة يف نفسها مما ال ريب فيه‪ 2)...‬فقد سبق أن أجبنا عنه عند التطرق‬ ‫إلشكال كون االم يف (اجملمع) للعهد‪.‬‬ ‫ومنه ينقدح دليل آخر على كون األقرب للواقع واجب االتباع ‪-‬وهو هذه الرواية الشريفة‪.-‬‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫ما ذكره العديد من األصوليني من أن األصل يف التعليل‪ ،‬التعليل بأمر ارتكازي ال تعبدي‪ ،‬وقد‬ ‫سبق نقل ذلك عن املرحومني اآلخوند واحلكيم قدس سرمها فلرياجع‪.‬‬ ‫وجه الداللة‪ :‬أهنم عند الدوران بني التعبدية والطريقية التزموا باألخرية معتربينها األصل بل إهنم‬ ‫مل يستثنوا ما لو كانت حجية الدليل املعلل مدلوله واحلكم الذي تضمنه بعلة منصوصة طريقية ‪-‬‬ ‫تعبدية بل أجروا هذه القاعدة حىت يف تلك املوارد‪.‬‬ ‫وببيان آخر‪ :‬حيث إن احلكم معلول علة فإذا ذكرت علة للحكم يف لسان الشارع وكان األصل‬ ‫يف التعليل االرتكازية كان ذلك املذكور يف لسانه متام املالك للحكم إن كانت ارتكازيتها مقتضية‬ ‫‪ 1‬الكفاية‪ :‬التعادل والتراجيح‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.396-395‬‬ ‫‪ 2‬الكفاية‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.398‬‬

‫‪271‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫لذلك بل ال حاجة هلذا القيد مع مالحكة ما سيأيت‪ ،‬فيدور احلكم مدار حتقق بدون حلاظ شيء‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ‬ ‫آخر إال لو قام دليل على اخلارج على كون شيء شرطاً أو مانعاً فلم يكن مالك احلكم‬ ‫جمهوالً حىت ال يعلم بتحققه عند داللة غري احلجج الشرعية املعينة عليه وإن كان أقرب للواقع منها‬ ‫وحىت يكون خصوصية طريق معني مأخوذة احتماالً يف حتقق احلكم أو تنجيزه وتعذيره‪ ،‬إال أن‬ ‫يقال هذا الدليل أخص من املدعى أو يقال احتمال اعتبار الشارع شيئاً شرطاً أو مانعاً حيث كان‬ ‫وارداً كان احتمال التعبدية وارداً وذلك لكون العلل املذكورة يف لسان الشرع مقتضيات ال علالً‬ ‫‪1‬‬ ‫تامة‪ ،‬فتأمل جداً‪.‬‬ ‫وبوجه آخر‪ :‬إهنم التزموا بكون العلة املذكورة يف لسان الشارع معممة وخمصصة لغم كون العلل‬ ‫الشرعية مقتضيات لتقييدها على األقل بالشروط العامة (كالقدرة واالختيار) ولكون االضطرار‬ ‫وشبهه مانعاً‪ ،‬فيحتمل أن تكون العلة التامة للحكم أمراً مركباً مما يشتمل على ما ذكره الشارع‬ ‫وعلى جهة تعبدية‪ 2‬كما حيتمل أن تكون أمراً مركباً مشتمالً على ما ذكره وعلى جهات آخر‬ ‫ارتكازية‪ 3‬ومع ذلك التزموا بأمجعهم بكون العلة معممة خمصصة وكالمهم على مقتضى األصل‬ ‫لرجوع الشك إىل أخذ أمر زائد على املقتضي املذكور يف لسان الدليل والشرائط العامة واملوانع‬ ‫العامة أم ال‪ ،‬واألصل عدمه فال تصل النوبة لألصل املسبيب (الشك يف تركب العلة التامة مما‬ ‫يشتمل على جهة ارتكازية أو تعبدية)‪.‬‬ ‫وهبذا البيان ميكن تعميم الكالم ملا مل تذكر فيه العلة ضرورة استحالة املعلول بال علة فال يعقل‬ ‫حكم دون علة ثبوتاً‪ ،‬فإذا شككنا يف أخذ طريق آخر يف تنجز احلكم أو معذريته كان األصل‬ ‫عدمه‪ ،‬نعم ينبغي احراز كون الطريق اجلديد ظناً نوعياً معترباً وقيام الظن املعترب على كونه ال يقل‬ ‫طريقيه عن األول وأما األقربية فإن قام دليل عليها حبد الرجحان أو التعيني فبها وإن شك جرت‬ ‫قاعدة الدوران بني التعيني والتخري إن مل يكن عموم أو إطالق فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬أحد وجوه التيمل ما سنذكره في (وبوجه آخر)‪.‬‬ ‫‪ 2‬فال تكون العلة حينئذ معممة ومخصصة‪.‬‬

‫‪ 3‬فتكون معممة ومخصصة إن عرفنا تلل الجاات وأحرزنا وجودها والوجه اوخار أن احتماال التعبدياة مسابب ينتفاي باإجراء‬ ‫األصل في سببه‪.‬‬

‫‪272‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫ما ذكره الفقهاء استدالالً لوجوب تقليد األعلم من األخبار الكثرية املستفيضة الدالة على‬ ‫وجوب تقليده وتقدميه كقوله عليه السالم يف مقبولة عمر بن حنظلة (الحكم ما حكم به‬ ‫أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما وال يلتفت إلى ما يحكم به اآلخر)‬

‫وقوله يف رواية داود بن احلصني (ينظر إلى قول أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا) وقوله عليه السالم‬

‫يف عهده لألشرت (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك) رغم كون هذه الروايات مرتبطة‬ ‫بباب احلكومة والقضاء‪ ...‬قال يف املهذب يف سياق ذكر أدلة وجوب تقليد األعلم الرابع أنه قد‬ ‫ورد الرجوع إىل األفقه يف القضاء عند اختالف القضاة)‪ 1‬وقال يف الكفاية (ثانيها‪ :‬األخبار الدالة‬ ‫على ترجيحه مع املعارضة كما يف املقبولة وغريها أو على اختياره للحكم بني الناس كما دل عليه‬ ‫املنقول عن أمري املؤمنني عليه السالم اخرت للحكم بني الناس أفضل رعيتك)‪ 2‬وذلك واضح ملن‬ ‫الحظ صدر الرواية‪ ،‬ففي املقبولة (قال سألت أبا عبد اهلل عليه السالم عن رجلين من أصحابنا‬ ‫يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة‪ ،‬أ يحل ذلك؟‬ ‫قال عليه السالم من تحاكم إليهم في حق أو باطل‪ ،‬فإنما تحاكم إلى الطاغوت‪ ...‬قلت‬

‫فكيف يصنعان؟ قال ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حاللنا وحرامنا‬

‫وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما‪ ،‬فإني قد جعلته عليكم حاكما‪ ،‬فإذا حكم بحكمنا فلم‬

‫يقبل منه فإنما بحكم اهلل استخف وعلينا قد ر ّد والراد علينا الراد على اهلل وهو على حد‬ ‫الشرك باهلل‪ ،‬قلت‪ :‬فإن كان كل رجل يختار رجال من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في‬

‫حقهما فاختلفا فيما حكما وكالهما اختلفا في حديثكم؟ قال الحكم ما حكم به أعدلهما‬

‫وأفقههما‪.)...‬‬ ‫ولو ال كشفهم املالك يف الرتجيح وأنه هو القرب إىل الواقع يف املقيس عليه‪ ،‬ملا مت ذلك‪.‬‬

‫[وال يرد]‪ :‬ما ذكره يف الفقه بقوله (وفيه أن هذه الروايات واردة يف مقام احلكومة والقضاء‪ ،‬إن‬ ‫قلت‪ :‬نتعدى من موردها باملناط‪ ،‬إذ املالك هو األخذ بالواقع وكلها طرق إليه؟ قلت‪ :‬إسراء احلكم‬ ‫من باب احلكومة واإلمامة إىل الفتوى حيتاج إىل مناط قطعي وال مناط هنا‪ ،‬إذ فرق بني باب‬ ‫‪ 1‬ماذب األحكا ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.24‬‬ ‫‪ 2‬الكفاية‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.440‬‬

‫‪273‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫احلكومة وباب الفتوى‪ ،‬فإن احلاكم جعل لفصل اخلصومة وال حيصل ذلك مع االختالف فالبد‬ ‫من الرتجيح خبالف باب الفتوى فإنه ال حيتاج إال إىل احلجة‪ ،‬بل احتمال خصوصية احلكومة‬ ‫ٍ‬ ‫كاف يف عدم جواز اإلسراء‪ ،‬بل يف باب احلكومة أيضاً وجوب الرجوع إىل األعلم حمل نظر‪...‬‬ ‫‪1‬‬ ‫وكيف كان فقياس باب الفتوى ببايب احلكومة واإلمامة مع الفارق)‪.‬‬ ‫[إذ يجاب]‪[ :‬أوال]‪ :‬إن جعل احلاكم لفصل اخلصومة أعم من ترجيح حكم األفقه‪ ،‬إذ يتم‬ ‫فصلها باحلكم برتجيح قول غري األفقه‪ ،‬وببيان أوضح‪ :‬فصل اخلصومة حيصل بتقدمي أي منهما‬ ‫تعييناً ال بتقدمي خصوص قول األفقه تعييناً‪ ،‬فلماذا قدم قول األفقه؟ ال مناص إال بالتزام كون ذلك‬ ‫ألقربيته إىل الواقع مث أ مل يكن ترجيح حكم املفضول قبيحاً عقالً وعرفاً؟ وما ذلك إال لذلك‪ ،‬وقد‬ ‫يقال بتمامية كالمه دام ظله إذ أنه ال ينكر ‪-‬ههنا‪ -‬أقربية قول األعلم للواقع من غريه بل يرى أن‬ ‫هذه األقربية يف باب احلكومة موجبة ‪-‬على فرض التسليم‪ 2-‬لتعني الرجوع يف القضاء لألعلم‬ ‫مبضمية أنه البد يف باب القضاء لكونه جمعلوالً لفصل اخلصومة من جعل احلجة التعيينية ال‬ ‫التخيريية‪ ،‬وغري موجبة لذلك يف باب الفتوى لعدم تلك الضميمة فتبقى أدلة حجية فتوى اجملتهد‬ ‫على إطالقها املقتضية للحجية التخيريية ‪-‬فتأمل‪ ،‬وغري خفي أن عدم قبولنا ما ذكروه غري ضار إذ‬ ‫الكالم يف استفادة الفقهاء الطريقية ونفي التعبدية يف حمتملها هذا‪.‬‬ ‫إضافة إىل ما سبق يف (ونظر في حاللنا وحرامنا وعرف أحكامنا) و(فإذا حكم بحكمنا فلم‬

‫يقبل منه فإنما بحكم اهلل استخف) وما يف حلوق تعليل تقدمي اجملمع عليه على الشاذ بـ(إن‬

‫المجمع عليه ال ريب فيه) وتعليل تقدمي خمالف العامة بأن (فيه الرشاد) من الداللة القوية على‬ ‫أن الرتجيح هبذه املرجحات إمنا هو مبالك األقربية للواقع‪ ،‬أما وجه داللة سبق (ونظر‪ )...‬فواضح‬

‫حيث إن الظاهر أن سؤاله (قلت فإن كان كل رجل‪ )...‬إمنا هو سؤال عن تعيني (حاللنا‪،‬‬ ‫وحرامنا‪ ،‬وأحكامنا‪ ،‬وحكمنا‪ ،‬وبحكم اهلل) السابق يف كالم اإلمام عليه السالم فعيّنه له اإلمام‬ ‫وأنه ما حكم به األعدل األفقه‪ ،‬أما داللة ما حلق فباملطابقة كما ال خيفى‪...‬‬

‫‪ 1‬الفقه‪ :‬االجتااد والتقليد‪ ،‬ص‪.68-67‬‬

‫‪ 2‬إذ تلاال الضااميمة ال تقتضااي أكثار ماان جعاال حجااة تعيينااً وضااماا إلاار أقربيااة حكا األعلا ال يجاادي إال فااي فاار‬

‫إثبااات‬

‫كوناا بحد اإلل از لرجحاناا التا مل عد معارضة مصلحة كمصلحة التسايل مثالً‪ ،‬إذ يمكن فصل الخصومة بجعال الحجاة‬ ‫التعيينيااة حك ا ماان ت ارجاال إليااه المتخاصاامان أو حك ا السااابي أو مياار ذلاال‪ ،‬ولااذا قااال (ب ال فااي باااب الحكومااة أيض ااً وجااوب‬

‫الرجوال لألعل محل نظر)‪.‬‬

‫‪274‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫فمناط التقدمي ‪-‬على هذا‪ -‬معلوم وهو األقربية للواقع بقرينة ما سبق وما حلق ولكون التعبدية‬ ‫على خالف األصل كما سبق تقريره من وجوه عديدة‪.‬‬ ‫وبذلك يظهر الكالم فيما ذكره املشكيين قده (واألوىل أن اجاب أوالً بأن التعدي عن موردها‬ ‫‪1‬‬ ‫قياس فال يتعدى عن مورد املقبولة إىل غريه من موارد القضاء فضالً عن باب االفتاء)‪.‬‬ ‫كما ظهر اجلواب عما ذكره يف الكفاية (ألن الرتجيح مع املعارضة يف مقام احلكومة ألجل رفع‬ ‫‪2‬‬ ‫اخلصومة اليت ال تكاد ترتفع إال به ال يستلزم الرتجيح يف مقام الفتوى كما ال خيفى)‪.‬‬ ‫إذ اتضح إن هذا الفرق غري فارق الرتفاع اخلصومة بتقدمي قول غري األفقه األعدل األصدق‬ ‫األورع أيضاً وكذا بتقدمي حكم من تراجعا إليه أو حكم السابق فتقدمي قول األفقه األعدل ليس‬ ‫إال مبالك األقربية للواقع كما فصلناه قبل قليل‪ ،3‬إال أن يدل دليل من اخلارج على جواز اتباع غري‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ بالتخيري وإال فمقتضى‬ ‫األقرب مما يكون ألجل مصلحة أخرى كمصلحة التسهيل فيلتزم‬ ‫القاعدة التعيني ملا سبق وال أقل لدوران األمر بني التعيني والتخيري‪...‬‬ ‫وألجل ذلك (أي للدليل اخلارجي) نلتزم بعدم وجوب الرجوع للقاضي األعلم ابتداءً‪ 4‬بعدم‬ ‫تعدينا عن مورد املقبولة (اختيارمها الرجوع إىل شخصني) إىل سائر موارد القضاء ألجل الدليل‬ ‫اخلارجي ال ملا ذكره املشكيين قده من كونه قياساً‪ ،‬إذ بينا املالك يف التقدمي املوجود بعينه فيما حنن‬ ‫فيه ولئن نوقش يف وجوده يف موارد الفتوى فال شك يف وجوده يف سائر موارد القضاء‪ ،‬والدليل هو‬ ‫‪5‬‬ ‫إطالق أو عموم أدلة النصب املقتضى حلجية قضاء مجيع القضاة على الناس كخربي أيب خداجة‬ ‫ومقبولة ابن حنظلة‪ 6‬وخرب داود بن احلصني‪ 7‬والنمريي‪ 8‬وللسرية املستمرة يف االفتاء واالستفتاء‬ ‫منهم مع تفاوهتم يف الفقه والعدالة وغريها‪ ،‬ويف اجلواهر (بل لعل أصل تأهل املفضول وكونه‬ ‫‪ 1‬حاشية المشكيني قده علر الكفاية‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.440‬‬ ‫‪ 2‬الكفاية‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.440‬‬

‫‪ 3‬اللا إال أن يريد أصل الترجيح فتيمل‪.‬‬

‫‪ 4‬ال يخفر أن البحث فيما سبي وسييتي كله كباروي مال قطال النظار عان النقاا‬ ‫أقرب لمخالفته للمشاور أو ألعل ميت أو ما أشبه فتدبر‪.‬‬

‫فاي الصاغرك وأن رأي األعلا قاد ال يكاون‬

‫‪ 5‬الوسائل‪ :‬الباب ‪ 1‬من أبوبا صفات القاضي‪ ،‬الحديث ‪ ،5‬والباب ‪ ،11‬الحديث ‪.6‬‬

‫‪ 6‬الوسائل‪ :‬الباب ‪ ،11‬الحديث ‪ ،1‬والباب ‪ ،9‬الحديث ‪ ،1‬والباب ‪ ،12‬الحديث ‪ 9‬متقطعاً‪.‬‬ ‫‪ 7‬نفس المصدر‪ :‬الباب ‪ ،9‬الحديث‪.20‬‬ ‫‪ 8‬نفس المصدر‪ :‬الباب ‪ ،9‬الحديث‪.45‬‬

‫‪275‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫منصوباً اجري على قبضه وواليته جمرى قبل األفضل من القطعيات اليت ال ينبغي الوسوسة فيها‬ ‫خصوصاً بعد مالحظة نصوص النصب الظاهرة يف نصب اجلميع املوصوفني بالوصف املزبور ال‬ ‫األفضل منهم وإال لوجب القول (انظروا إىل األفضل منكم ال رجل منكم كما هو واضح بأدىن‬ ‫‪1‬‬ ‫تأمل‪.)...‬‬ ‫والستلزام وجوب الرجوع لألعلم العسر واحلرج عليه وعلى الناس كما ال خيفى خصوصاً الذين‬ ‫يسكنون بالداً أخرى‪ ...‬ولعل عموم النصب كان ألجل مصلحة التسهيل هذه‪.‬‬ ‫هذا بناء على ما ارتضيناه من جواز الرجوع إىل القاضي غري األعلم ابتداءً أما على مسلك‬ ‫األشهر ‪-‬كما عن املسالك‪ -‬بل اجملمع عليه كما (حكاه املرتضى قده يف ظاهر الذريعة واحملقق‬ ‫الثاين يف صريح حواشي كتاب اجلهاد من الشرائع)‪ 2‬ونسبه يف اجلواهر إىل األصحاب (ومن‬ ‫الغريب اعتماد= األصحاب عليها يف إثبات هذا املطلق حىت أن بعضاً منهم جعل مقتضاها ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫مع العلم باخلالف الذي عن مجاعة من األصوليني دعوى اإلمجاع على تقدميه‬ ‫حينئذ ال مطلقاً‬ ‫فجنح إىل التفصيل يف املسألة بذلك)‪- 3‬وإن ناقش يف حتقق اإلمجاع ويف نسبته للمحقق واملرتضى‬ ‫قدمها‪ -‬فاألمر أوضح حيث إهنم انقلوا من حكم اإلمام عليه السالم بالرتجيح يف مورد خاص إىل‬ ‫الرتجيح يف مورد آخر (الرجوع إىل القاضي األعلم ابتداءً) وكذا (تقليد األعلم) وما ذلك إال‬ ‫لبنائهم على إلغاء اخلصوصية ونفي التبعدية وكون املالك أقوائية الظن واألقربية للواقع بل إهنم‬ ‫صرحوا بذلك حيث كان مستند قوهلم هو (ومن أن الظن بقول األعلم أقوى فيجب اتباعه إذ‬ ‫أقوال املفتني بالنسبة للمقلد كاألدلة بالنسبة إىل اجملتهد يف وجوب اتباع الراجح)‪ 4‬وبالنسبة لتقليد‬ ‫‪5‬‬ ‫األعلم (اخلامس أن الظن احلاصل من قول األعلم أقرب إىل الواقع)‪.‬‬ ‫وأما ما استشكله يف املهذب (وفيه‪ :‬أن كون اعتبار احلكم من ج هة الظن احلاصل منه أول‬ ‫الدعوى)‪ 6‬فقد سبق أن أجبنا عنه مفصالً إضافة إىل أن كالمنا اآلن هو متامية املدعى على‬ ‫‪ 1‬الجواهر‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪.45-44‬‬

‫‪ 2‬مفتاح الكرامة‪ :‬ج‪ ،10‬ص‪ ،4‬كتاب القضاء‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجواهر‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪.45‬‬

‫‪ 4‬نفس المصدر‪ :‬ص‪ ،43‬والمستند‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ ،521‬وماذب األحكا ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.103‬‬ ‫‪ 5‬ماذب األحكا ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.24‬‬ ‫‪ 6‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.103‬‬

‫‪276‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مسلك هؤالء‪ ،‬كما أن استدالهلم باألخبار كاملقبولة ورواية احلصني والنمريي رغم كون موردها‬ ‫تراضيهما باحلكمني ورغم كون الوارد غري عام دليل آخر على أن مبناهم على إلغاء اخلصوصية‬ ‫واستنباط أن مالك الرتجيح هو األقربية للواقع كما هي مالك احلجية أيضاً‪.‬‬

‫[وأما ما ذكره في المستند] (واجلواب عن األول‪ :‬أما أوالً‪ :‬فبأنه إمنا يتم على القول بأن‬ ‫متابعة املقلد لقول جمتهده ألجل أنه حمصل للظن بالواقع وهو ممنوع جلواز أن يكون هذا حكماً‬ ‫آخر نائباً مناب احلكم الواقعي وإن مل حيصل الظن به كالتقية وشهادة الشاهدين واليمني ولو كان‬ ‫بناء الفقهاء على الظنون لزم عدم مساع دعوى كناس على جمتهد أنه أجره للكناسة ودعوى شرير‬ ‫متغلب على جمتهد عادل يف دراهم ولزم أن يقضى بالشاهد الواحد‪ ،‬إذا كان مفيداً للظن‪ ،‬سيما‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ فال دليل على اعتبار‬ ‫إذا كان املدعي معروفاً بالصالح والسداد واملدعى عليه خبالفه‬ ‫‪1‬‬ ‫‪‬الظن‪ ‬األقوى)‪.‬‬ ‫[فيرد عليه]‪ :‬أما قوله (وهو ممنوع لجواز‪ )...‬ففيه‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬إن هذا خالف األصل ولذا كان رفع اليد عن احلكم الواقعي هو احملتاج للدليل إثباتاً‬ ‫وللسبب ‪-‬كالتقية‪ -‬ثبوتاً‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬نيابة حكم مناب احلكم الواقعي خالف األصل فال‬ ‫يرفع اليد عن عمومات األدلة الواقعية إال لدليل وال يكفي صرف االحتمال‪.‬‬ ‫[ثانيا]‪ :‬إضافة إىل أن األدلة الدالة على لزوم التقليد أو االحتياط ملن ليس مبجتهد تنفي كون‬

‫لزوم اتباع اجملتهد‪ 2‬حكماً آخر نائباً مناب احلكم الواقعي‪ ،‬أ ترى كون الفطرة احلاكمة بوجوب أن‬ ‫يكون املرء يف عباداته ومعامالته جمتهداً أو مقلداً أو حمتاطاً حاكمة به مبالك غري مالك حتصيل‬ ‫الواقع وترى كون كالم املقلَّد حكماً نائباً مناب الواقع؟ خاصة إذا كان مستند هذا احلكم علم‬ ‫املكلف بأنه ليس كالبهائم واحتماله العقاب يف ترك التعرض لتحصيل التكاليف الواقعية بل حىت‬ ‫لو كان مستنده القريب حكم العقل بوجوب شكر املنعم والبعيد احتماله العقاب ووجوب دفع‬ ‫‪ 1‬المستند‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.522‬‬

‫‪ 2‬إذ الظاااهر عااود هااو إلاار مقا مادر مضاااا إلاار (متابعااة المقلااد) وهااو (وجااوب) وعلاار هااذا فالظاااهر أن مبناااه علاار المصاالحة‬ ‫السوكية‪ ،‬وأما رجوعه إلر (قول المجتاد) بين يكون قولاه (صاالة الليال واجباة) ماثالً هاو الحكا اوخار النائاب فااو بعياد ولاو‬

‫كان مراداً ول يرجل لألول ورد عليه وعلر سابقه ماا ذكرنااه فاي الماتن مان أدنار تغييار وال يخفار أنناا فاي كلماتناا مشاينا تاارة‬

‫علر االحتمال األول وأخرك علر اوخر وللمرء أن يضل مأياً مناما مكان اوخر‪ ،‬ويوجد احتمال ثالث هو كون قول المجتااد‬ ‫سبباً النشاء حك ظاهري علر طبقه‪ ،‬فتيمل‪.‬‬

‫‪277‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الضرر احملتمل بل حىت لو كان مستنده وجوب شكر املنعم فقط‪ ...‬ولذا قال يف املهذب (كما أن‬ ‫‪1‬‬ ‫هذا الوجوب طريقي حمض ال نفسية فيه بوجه فيكون املناط كله على الواقع)‪.‬‬ ‫وقال تعليقاً على ما ذكره يف العروة من (مسألة ‪ -2-‬األقوى جواز العمل باالحتياط جمتهداً‬ ‫كان أو ال)‪( :‬ملا تقدم من أنه ال موضوعية للطرق الثالثة وإمنا هي طريق حمض لدرك الواقع ‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫واالحتياط أوثقها وأقواها)‪.‬‬ ‫وقال يف الفقه (فإن أدلة وجوب التعلم اآلتية مبعونة أن ليس املراد منها إال العمل على طبق‬ ‫‪3‬‬ ‫الواقعيات تفيد وجوب إحدى الثالث)‪.‬‬ ‫ومما يوضح ما ذكرناه أن التقليد من باب رجوع اجلاهل للعامل وال ريب أن العقل يلزمه بالرجوع‬ ‫إليه إلدراك الواقع ال ألن لكالمه موضوعية أو لقسيميه‪ ،‬والوجدان بذلك شاهد كما يشهد له أن‬ ‫من الواضح حكم العقل بعدم جواز اتباعه لو علم املقلد خطأه ولو كانت لكالمه موضوعية لكان‬ ‫قسيماً للواقع الزم االتباع وإن خالفه‪ ،‬إال أن يقال مبوضوعية كالمه ونيابته مناب احلكم الواقعي‬ ‫بشرط عدم العلم خبطأه‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫[وأما األدلة األخرى] اليت أقيمت على جواز أو وجوب التقليد فإن قيل بكوهنا إرشادية فاألمر‬ ‫كما ذكر‪...‬‬ ‫[وأما على المولوية]‪:‬‬

‫[فنقول أما اآليات] اليت استدل هبا على ذلك فالظاهر من ‪‬فَ لَ ْو ال نَ َف َر ِم ْن ُك ِّل فِ ْرقَ ٍة ِم ْن ُه ْم‬ ‫طائَِفةٌ لِيَتَ َف َّق ُهوا فِي الدِّي ِن َولِيُ ْن ِذ ُروا قَ ْوَم ُه ْم إِذا َر َجعُوا إِل َْي ِه ْم ل َ​َعلَّ ُه ْم يَ ْح َذ ُرو َن‪ ‬أن املقصود معرفة‬ ‫املنذرين بالدين وأحكامه وحذرهم من خمالفتها‪ ،‬وكون اإلنذار طريقاً إىل معرفة الدين ال أن يكون‬ ‫تفقههم سبباً ملوضوعية أقواهلم ونيابتها مناب احلكم الواقعي!‪ ..‬كما أن ظاهر قوله تعاىل‬ ‫‪‬فَ ْسئَ لُوا أ َْهل ِّ‬ ‫الذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُمو َن‪ ‬هو ذلك حيث فرع اسألوا على عدم العلم فيقتضي‬ ‫َ‬ ‫ارتفاعه بوجود السؤال وبعبارة أخرى ظاهر اسألوا إن كنتم ال تعلمون‪ ،‬اسألوا إن مل تعلموا الواقع‬ ‫لتعلموا فالسؤال طريق للعلم (األعم من الدقي والعريف ومما يساوق االطمينان) بالواقع‪.‬‬ ‫‪ 1‬ماذب األحكا ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.3‬‬ ‫‪ 2‬نفس المصدر‪ :‬ص‪.4‬‬

‫‪ 3‬الفقه‪ :‬االجتااد والتقليد‪ ،‬ص‪.4‬‬

‫‪278‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وكذا قوله سبحانه‪ :‬إِ ْن جاء ُكم ِ‬ ‫فاس ٌق بِنَبٍَإ فَ تَبَ يَّ نُوا‪ ...‬فمنطوقها يدل على أن وجوب التبني‬ ‫َ ْ‬ ‫ألجل أن ال يصيب قوماً جبهالة وعدم وجوبه يف العادل إللغاء احتمال الكذب وإصابة القوم‬ ‫جبهالة لضعفه‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬وجوب التبني يف خرب الوافسق ليس من حيث هو هو بل خمافة‬ ‫إصابة القوم جبهالة وباعتبار أدائه ‪-‬احتماالً قوياً‪ -‬إىل خمالفة الواقع وتسبيبه الوقوع يف الندم‪ ،‬وأما‬ ‫مفهوم الوصف فهو‪ :‬اجوز ‪-‬باملعىن األعم‪ -1‬قبول خرب العادل لعدم تلك املخافة عرفاً وعدم ذلك‬ ‫التسبيب عادة‪ ،‬فليس قبوله مبا هو هو‪ ،‬بل ألنه مصيب ومطابق للواقع عرفاً واحتمال خمالفته‬ ‫التبني وعدمه ‪-‬إذن‪ -‬هي خمالفة الواقع وعدمها لكون‬ ‫للواقع ‪-‬لضعفه‪ -‬ملغى عقالً فعلة وجوب ّ‬

‫‪‬أن تصيبوا‪ ‬مبنزلة التعليل لـ‪‬تبينوا‪.‬‬

‫[وأما الروايات]‪ :‬فالتوقيع الوارد عن احلجة عليه السالم (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها‬

‫إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اهلل) ظاهره أيضاً حجية قول الفقيه من حيث‬ ‫إنه كاشف عن قول اإلمام الكاشف عن حكم اهلل‪ ،‬ال أن هنا حكماً آخر نائباً مناب احلكم‬ ‫الواقعي‪ ،‬أ ترى أن املوىل لو قال لعبده (هذا حجيت عليك) استفيد منه أن هنا حكماً ظاهرياً نائباً‬ ‫مناب األحكام اليت يصدرها املوىل وأن حجية كالمه من حيث هو هو؟ أم أن حجيته من حيث‬ ‫كونه موصالً إىل تكاليف املوىل وأحكامه حبيث لو سلبت عنه هذه اجلهة وصار قسيماً لكالم‬ ‫املوىل وأحكامه مل تكن له حجية أبداً وملا وجب اتباعه قطعاً‪...‬‬

‫ويؤيده بل يدل عليه أن احلجية ما حيتج به املوىل على عبده‪ ،‬ولو ال كون كلمات الفقهاء طريقاً‬ ‫موصالً لروايات األئمة عليهم السالم ملا كانوا حجتهم علينا وملا صحت إضافة احلجية لياء‬ ‫املتكلم‪ ،‬إذ لو قطع النظر عن حيثية كاشفية كالم الفقيه عن حكم املعصوم وروايته ملا كانت له‬ ‫رابطة به عليه السالم حىت تكون كلماته حجة اإلمام علينا‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫وقد ميثل بالفرض التايل‪ :‬أ ترى يصح أن اجعل رواة األحاديث املكذوبة ‪-‬كأيب هريرة وأشباهه‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ هذه اإلضافة‬ ‫مثالً حجة اإلمام علينا؟ وما ذلك إال لعدم طريقيتها إىل أقواهلم فال تصح‬

‫(حجتي) وفيه تأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬المستفاد من (إن جائك عادل بنبي فال تتبينوا) بضميمة ظاور إرادة نفي وجوب التبين ال جوازه‪.‬‬

‫‪279‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫نعم التقية‪ :‬حكم واقعي ثانوي نائب مناب احلكم الواقعي األويل فمع العلم بأن هذا اليوم من‬

‫رمضان اجب اإلفطار ألجلها‪ ،‬ويشعر مبا ذكرناه أيضاً سبق (رواة أحاديثنا) فتدبر‪ .‬كما يشعر به‬ ‫أو يدل عليه قياس املساواة املذكور يف كالم اإلمام عليه السالم (إهنم حجيت عليكم وأنا حجة اهلل‬ ‫مما يعين أهنم حجة اهلل) ومن املسلّم أن كوهنم حجة علينا من حيث إهنم الطريق إىل اهلل والوسيلة‬ ‫ض األَقا ِو ِ‬ ‫يل‪‬‬ ‫إليه ال مع قطع النظر عن هذه احليثية‪ ،‬ولذا ورد قوله تعاىل‪َ  :‬ول َْو تَ َق َّو َل َعلَْينا بَ ْع َ‬ ‫كما أن من املسلّم أن حجية قوهلم من حيث إفادهتا العلم أو الظن النوعي حبكم اهلل ولذا ال اجب‬ ‫اتباع حكمه عليه السالم لو كان الظن النوعي على اخلالف وإن ما ذكره عليه السالم ليس حبكم‬ ‫اهلل بأن كان اإلمام عليه السالم يف حالة التقية ‪-‬مثالً‪ -‬فحكم حبكم موافق للعامة تقية ومن باب‬ ‫جراب النورة فتأمل‪.‬‬ ‫وكذا رواية ابن أيب يعفور قال‪( :‬قلت ألبي عبد اهلل عليه السالم إنه ليس كل ساعة ألقاك وال‬

‫يمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه؟ فقال ما‬

‫يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيها) ‪-‬بناءً على ع ّد هذه‬ ‫الرواية من أدلة جواز التقليد‪ -‬إذ علل عليه السالم الرجوع إىل ابن مسلم بسماعه من الباقر عليه‬ ‫السالم وكونه وجيهاً عنده‪ ،‬ومن الواضح أن العرف امللقى إليه هذا الكالم يستفيد حجية كالم ابن‬ ‫مسلم من حيث طريقيته لكالم اإلمام وإيصاله إليه ال أن صرف السماع يسبب موضوعية لكالمه‬ ‫حبيث ينشأ حكم آخر على منواله نائباً عن احلكم الواقعي ‪-‬كما ادعاه املستند‪ -‬كما أن من‬ ‫الواضح أن (كونه وجيهاً) سبب حلصول الظن بالواقع وبكالم اإلمام عليه السالم منه ‪-‬وإمنا قلنا‬ ‫الظن ال العلم لوجود احتمال السهو واخلطأ والنسيان يف الراوي والتقية وغريها يف الراوي واملروي‬ ‫عنه‪ -‬بل املتبادر إىل الذهن من كالم اإلمام عليه السالم كونه بصدد بيان ما يكشف عن الواقع‬ ‫ظناً‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫هذا إضافة إىل أن (فإنه) تعليل والعلة معممة وخمصصة ففي أي مورد انتفى (السماع منه عليه‬ ‫السالم) أو مل يعلم باملعىن األعم ‪-‬وجوده مل يلزم األخذ بكالمه وإن علم لزم‪...‬‬ ‫وال يخفى مشول (فإنه سمع من أبي) ملا لو مسع منه عليه السالم احلكم أو مسع منه مستند‬ ‫احلكم وما يستنبط منه احلكم وال فرق بينهما عرفاً يف صحة االسناد واالستناد فيمكن اسناد‬ ‫إخبارات اجملتهد احلدسية املستندة إىل إعمال قواعد العام واخلاص‪ ،‬واملطلق واملقيد‪ ،‬واحلاكم‬ ‫‪280‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫والوارد‪ ،‬والتعادل والرتاجيح‪..‬اخل‪ ،‬إىل الشارع وال يقدح انسباق مساع احلكم من (فإنه سمع‪)...‬‬ ‫لكونه بدوياً‪ ،‬ولذا لو مسع من اإلمام عليه السالم حرمة نقض اليقني بالشك فأفىت العامي ببقاء‬ ‫زوجية زوجته عند شكه يف طالقها صدق استناده يف حكمه إىل اإلمام عليه السالم لسماعه منه‬ ‫مستند احلكم ولو مسع منه عليه السالم حجية خرب الثقة وحجية االستصحاب واعمل قاعدة‬ ‫احلكومة أو الورود (على املسلكني يف تقدمي خرب الواحد على االستصحاب) مث أفىت العامي الشاك‬ ‫يف طالق زوجته بانقطاع الزوجية إلخبار ثقة بإجراء صيغة الطالق كان األمر كذلك أيضاً‪.‬‬ ‫وكذلك رواية اهلمداين قال قلت للرضا عليه السالم (شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل‬

‫وقت فممن آخذ معالم ديني قال من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا) حيث‬

‫يشعر بل يدل ‪-‬عرفاً‪ -‬وصفه عليه السالم زكريا بـ(المأمون على الدين والدنيا) على كونه سبب‬ ‫احلكم بأخذ معامل الدين منه‪ ،‬ومن الواضح كون مأمونية شخص على الدين والدنيا‪ ،‬سبباً للظن‬ ‫النوعي بالواقع ومطابقته لقول اإلمام عليه السالم‪ ...‬وهكذا حال روايات آخر يطول بذكرها‬ ‫املقام‪.‬‬

‫كل ذلك إضافة إىل استلزامه على االحتمالني األخريين ‪-‬مما ذكرناه يف اهلامش‪ -‬جعل حكم‬ ‫ظاهري عند االصابة وهو كما ترى لللغوية واستحقاق العقوبتني عند املخالفة أو كون استحقاق‬ ‫العقوبة على خمالفة احلكم الظاهري ال الواقعي املطابق له‪.‬‬ ‫وال ميكن إنكار اماللزمة بدعوى جعل احلكم الظاهري عند اخلطأ فقط لكونه خالف كالمه‬ ‫أوالً‪ 1‬وألن االلتزام بكون قول اجملتهد حجة لكونه حمصالً للظن بالواقع يستلزم املعذرية ‪-‬عقالً‪-‬‬ ‫عند اخلطأ‪.‬‬ ‫وال حاجة إىل جعل حكم ظاهري عنده‪ ،‬إذ كون هذا الطريق غالب اإليصال للواقع ٍ‬ ‫كاف جلعله‬ ‫حجة‪ ،‬وإن مل يوصل أحياناً لغلبة هذه املصلحة على تلك املفسدة‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫مضافا إىل كل ذلك استلزامه وجود ثالثة أحكام فيما لو خالق اجملتهد احلكم الواقعي الثانوي‬ ‫وهي‪ :‬احلكم الواقعي األويل‪ ،‬والواقعي الثانوي‪ ،‬وحكم ثالث هو ما أدى إليه رأي اجملتهد لقوله‬

‫(لجواز أن يكون هذا حكما آخر نائبا مناب الحكم الواقعي) فمثالً‪ :‬احلكم الواقعي األويل‬

‫‪ 1‬إذ فيه تراجل عما ذكره من (القول بين متابعة المقلد لقول مجتاده ألجل أنه محصل للظن بالواقل وهو ممنوال)‪.‬‬

‫‪281‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫حرمة اخلمر والثانوي وجوهبا التعيين الحنصار النجاة هبا وقد أدى رأيه إىل وجوهبا التخيريي لتومهه‬ ‫كون النجاة هبا وبشرب البول مثالً على سبيل البدل‪ ،‬أو منثل مبا لو كان احلكم الواقعي وجوب‬ ‫التسبيحات الثالث والثانوي حرمتها ‪-‬لضيق الوقت فرضاً أو لتعرضه خلطر إن أطال الصالة‪-‬‬ ‫وكان قوله استحباهبا إما للغلفة عن ضيق الوقت أو مع االلتفات إليه وااللتزام باستحباهبا عند‬ ‫الضيق‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫هذا وقد حقق يف حمله أن احلجج الشرعية إمنا هي كواشف ناقصة عن الواقع وقد أكمل الشارع‬ ‫كاشفيتها بأدلة حجيتها أو منجزات ومعذرات وليست جعالً للحكم فلرياجع‪.‬‬

‫[وأما قوله (كالتقية) ففيه] إن احلكم يف مواردها واقعي ثانوي ‪-‬وهو احلكم املرتب على‬ ‫املوضوعات بعناوينها الثانوية الطارئة كاالضطرار واالكراه غري عنوان مشكوك احلكم‪ -‬ووجوب‬ ‫دفع اخلمس وحرمة اخلمر واستحباب صالة الليل مثالً على املقلد واجملتهد أحكام واقعية أولية ‪-‬‬ ‫على ما حقق‪ -‬ولذا وجب اتباع احلكم الثانوي وإن علم باحلكم األويل لكون مصلحة األول‬ ‫غالبة فيجب أكل امليتة لالضطرار والصالة مكتوفاً له‪ ،‬أما لو علم خبطأ اجملتهد حرم اتباعه ولزم‬ ‫اتباع احلكم الواقعي ‪-‬بأن علم مثالً خطأ اجملتهد يف االكتفاء بتسبيحة واحدة‪ -‬فرضاً ‪-‬بل وكذا لو‬ ‫حصل له ظن نوعي خبطأه أو مبخالفته للحكم الواقعي‪ -‬كأن أفىت حالة اضطراب شديد (بحيث‬

‫ال يبني العقالء على االعتداد بكلمات من اعترته هذه الحالة) أو اعتماداً على كتاب ظنه‬ ‫الوسائل مثالً وبأن للمقلد أنه كتاب آخر مما ال يعتمد عليه هذا الفقيه‪.-‬‬ ‫[وأما قوله] (وشهادة الشهادين) فقد أجبنا عنه مفصالً فيما سبق‪.‬‬

‫[وأما قوله] (ولو كان بناء الفقهاء على الظنون لزم عدم سماع‪[ )...‬فيرد عليه]‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬إن مساع تلك الدعوى ‪-‬على فرض التسليم‪ -‬إمنا هو إلطالقات أدلة مساعها‪ ،‬وال‬ ‫منافاة بني حجية ظن نوعي وبني تقدم ظن نوعي آخر عليه حكومة أو وروداً أو ختصيصاً كما ال‬ ‫منافاة بني حجية الظن مطلقاً وبني تقدم بعض الظنون على البعض اآلخر‪ ،‬وهل ترى االنسدادي‬ ‫إال كاالنفتاحي يف تقدمي خرب الواحد على االستصحاب وشهادة العدلني على إدعاء العدل‬ ‫الواحد؟‬

‫‪282‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وبذلك اضتح عدم صحة املالزمة املذكورة يف كالمه قده (ولو كان‪ ...‬لزم‪ )...‬وبعبارة أخرى‪:‬‬ ‫بناء الفقهاء لو كان على الظنون فإمنا هو بنحو املقتضي فال حمضور يف عدم العمل هبا إذا ابتليت‬ ‫باملزاحم األقوى (وهو إطالقات أدلة مساع الدعوى فيما حنن فيه)‪.‬‬

‫[وثانيا]‪ :‬إن لنا إنكار مساع هذه الدعوى لو كان ظن نوعي على اخلالف وكان بناء العقالء‬ ‫على عدم السماع وعدم االعتناء (إذ إننا ال ندعي حجية كل ظن وحجية الظنون الشخصية ما مل‬ ‫تصل حد االطمينان بل ندعي حجية الظنون النوعية أي مطلق ما كان عليه بناء العقالء وسرية‬ ‫العرف إال ما ثبت بدليل خاص خروجه كالقياس) ففي دعوى شرير متغلب على جمتهد عادل لو‬ ‫كان بناء العقالء على عدم االعتناء يلتزم فيه حىت صاحب املستند ‪-‬على القاعدة‪ -‬بعدم مساعها‬ ‫(كما لو وجد شرير متغلب يدعي كل يوم دعوى سخيفة على أحد اجملتهدين العدول‪ ،‬أ ترى‬ ‫القاضي بعد تكرر عدة حوادث خالل مدة قصرية وعدم قدرة الشرير على اإلثبات أتراه يسمع‬ ‫دعواه السادسة والسابعة و‪ ...‬وحيضر ذلك اجملتهد العادل إىل احملكمة ويستحلفه ويسري معه‬ ‫حسب ضوابط املدعي واملدعى عليه‪...‬؟!)‪.‬‬ ‫ولذا قال يف اجلواهر‪( :‬وباجلملة فاملدار على ما يتعارض من اخلصومة بسببه سواء كان جبزم أو‬ ‫ظن أو احتمال‪ ،‬أما ما ال يتعارف اخلصومة به كاحتمال شغل ذمة زيد أو جنايته مبا يوجب ماالً‬ ‫‪1‬‬ ‫أو حنو ذلك مما ال اجري التخاصم به عرفاً فال مساع للدعوى فيه)‪.‬‬ ‫وليس استشهادنا بصغرى كالمه حىت يستشكل بـ(أما العرف فإهنم يراجعون يف مثل ما نفاه‬ ‫ويدل عليه احلضور يف احملاكم ليشاهد اإلنسان ذلك بأم عينيه)‪ 2‬بل بالكربى و(إن ما ال اجري‬ ‫التخاصم به عرفاً فال مساع للدعوى فيه)‪.‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬النقض بقاعدة اليد وأشباهها‪ ،‬فمع أن اليد أمارة امللكية بال شك‪ ،‬مع ذلك تسمع‬ ‫دعوى اخلارج الذي ادعى ملكيته هلا ويستدعى ذو اليد للمحكمة فهل يصح ألحد أن يقول‪( :‬لو‬ ‫كان بناء الفقهاء على أمارية اليد‪ ،‬لزم عدم مساع دعوى اخلارج على ذي اليد)؟‬ ‫[رابعا]‪ :‬إن مساع الدعوى ال يعين تصديقها وقبوهلا بل ال يعين اال استدعاء املدعى عليه وطلب‬ ‫البينة من املدعى مث مع فقدها إحالف املنكر مث املدعي إن نكل‪ ،‬فسماعها إمنا هو نوع من‬ ‫‪ 1‬الجواهر‪ :‬كتاب القضاء‪ ،‬ج‪ ،40‬ص‪.156‬‬ ‫‪ 2‬الفقه‪ :‬كتاب القضاء‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.196‬‬

‫‪283‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫(الفحص) أو مقدمة له‪ ،‬ومن الواضح عدم املنافاة بني حجية ظن وبني كون فعليتها متفرعة على‬ ‫الفحص عن املعارض أو احلاكم والوارد واملخصص‪ ،‬أال ترى العام رغم حجيته مرتفعة حجيته‬ ‫الفعلية على الفحص عن املخصص وشبهه؟‬ ‫[وأما قوله] (ولزم أن يقضى بالشاهد الواحد‪ )...‬فيعلم جوابه مما سبق إضافة إىل أن ردع‬ ‫الشارع عن العمل بظن معني مما ال إشكال فيه وقد ردع هنا حلصره بالشاهدين‪ ،‬وبعبارة أخرى إن‬ ‫عدم العمل هبذا الظن قد يكون لعدم املقتضي وقد يكون لوجود املانع وال يكون األعم دليل‬ ‫األخص فتدبر جيداً‪.‬‬ ‫هذا وحيتمل يف كالم املرحوم النراقي قده احتمال آخر‪ ،‬لكن ال يالئمه التمثيل بالتقية كما ال‬ ‫يصح سوق التقية والشهادة بعصى واحدة كما ال يالئمة التصريح بالنيابة مناب احلكم الواقعي ‪-‬‬ ‫فليدقق‪.‬‬ ‫هذا‪ ...‬ويؤيد الطريقية بل يدل عليها يف باب الشهادة القيود والشروط املعتربة يف حجيتها يف‬ ‫لسان الروايات‪.‬‬ ‫ولنختم الكالم إذ طال بنا املقام ولرمبا ذكرنا تفصيل ذلك وموارد أخرى عديدة دالة على أصالة‬ ‫الطريقية يف اجمللد الثاين من الكتبا مبناسبة أخر‪ ،‬واهلل املستعان‪.‬‬

‫‪284‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل الثامن‬ ‫االستدالل بالتركیب‪ ،‬وبالصدق على القلیل والكثیر والجواب عن ما قد يقال‬ ‫بمانعیته‬

‫‪285‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫االستدالل بالتركب وبالصدق على القلیل والكثیر‬

‫[ومما يمكن] أن يستدل به على حجية رأي أكثرية شورى الفقهاء‪:‬‬ ‫أن رأي األكثرية حجة حتماً لرتكبها من آحاد رأي كل واحد منهم حجة قطعاً (لفرض كون‬ ‫أعضاءها الفقهاء جامعي الشرائط) وليس انضمام رأي فقيه آخر إىل رأي الفقيه املقلَّد مانعاً عن‬ ‫حجيته كما ال خيفى لوضوح عدم أخذ عدم املطابقة لقول آخر شرطاً يف حجية رأيه وإذا كانت‬ ‫مطابقة فتوى الفقيه للقياس ال عن استناد إليه غري مسقطة حلجية رأيه فكيف مبطابقته لرأي فقيه‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫[وفيه]‪ :‬إن هذا ال ينتج حجية رأي األكثرية مبا هي أكثرية إذ اهليئة االجتماعية أجنبية عن‬ ‫جهة احلجية بل غاية اإلنتاج كون رأي كل فقيه حجة واهليئة االجتماعية غري ضارة وعلى ذلك فال‬ ‫تكون مزية لألكثرية على األقلية بل على الواحد أصالً‪.‬‬

‫[ويمكن االستدالل] على احلجية بوجه آخر هو ما ذكره السيد احلكيم قده قال يف حبث‬ ‫التقليد (فإن اتفقوا فالظاهر أنه ال دليل على تعيني واحد منهم فيجوز تقليد َمجيعهم كما اجوز‬ ‫تقليد بعضهم وأدلة حجية الفتوى ‪-‬كأدلة حجية اخلرب‪ -‬إمنا تدل على حجية الفتوى بنحو صرف‬ ‫الوجود الصادق على اقليل والكثري‪ ،‬فكما أنه لو تعدد اخلرب الدال على حكم معني يكون اجلميع‬ ‫حجة على ذلك احلكم كما يكون البعض كذلك وال ختتص احلجية بواحد منها معني أو مردد‬ ‫كذلك لو تعددت الفتوى ويشري إىل ذلك أييت النفر والسؤال بناء على ظهورمها يف التقليد ورواية‬ ‫ابن مهزيار الواردة يف حكم اإلمتام مبكة‪ ...‬ومنه يظهر ضعف أخذ التعيني للمجتهد يف مفهوم‬ ‫‪1‬‬ ‫التقليد)‪.‬‬ ‫وهذا ينتج حجية األكثرية فيما حنن فيه ككل ما دل الدليل على حجية أمر وشبهه وإن مل ينتج‬ ‫االمتياز اللهم إال مع الضميمة‪.‬‬ ‫وقال السيد الوالد‪( :‬ولو كان اجلس يف جملس احلكم حكام على حنو الشورى فينظرون يف‬ ‫األحكام ويقضون بأكثرية اآلراء فالظاهر أنه ال بأس به ألنه اتقن من حكم القاضي الواحد‬ ‫ويشمله إطالقات األدلة وال إشكال يف ذلك إذا كان القضاة متساوين أو كان األعلم يف جانب‬

‫‪ 1‬مستمسل العروة الوثقر‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.13-12‬‬

‫‪286‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫األكثرية أما إذا كان األعلم يف جانب األقلية فالظاهر عدم اإلشكال فيه‪ ،‬إذ املفروض أن األكثرية‬ ‫حكموا واألقلية مل حتكم وإمنا قالت يف حبث تداول اآلراء رأيها وفرق بني إبداء الرأي وبني احلكم‬ ‫ومل يستشكل ‪-‬من يشرتط األعلمية يف القاضي‪ -‬يف حكم غري األعلم مع وجود األعلم فيما إذا‬ ‫مل حيكم)‪ 1‬وفيما سبق تأمالت فتأمل‪.‬‬ ‫[هذا] لو وافق رأي املقلَّد رأي أكثرية الشورى‪.‬‬ ‫[أما لو تخالف] رأي املقلَّد ورأي األكثرية فهل اجوز ملقلِّد هذا الفقيه الرجوع إىل رأي‬ ‫األكثرية؟‬ ‫ما رمبا يتوهم مانعاً هو أحد أمور‪:‬‬ ‫‪ -1‬عدم جواز التبعيض يف القليد‪.‬‬ ‫‪ -2‬عدم جواز العدول سواء قلنا بوجوب تقليد األعلم أو مل نقل فال اجوز العدول من املقلد‬ ‫إىل غريه‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪ -3‬وجوب تقليد األعلم‪.‬‬ ‫[أما األوالن ففيهما]‪ :‬إن األدلة اليت أقيمت على عدم جواز التبعيض والعدول غري تامة‪ ،‬بل‬ ‫الدليل قائم على العكس‪ ،‬وتفصيل ذلك‪:‬‬ ‫إن ما ذكر دليالً للمنع هو‪- :‬أصالة عدم حجية رأي الفقيه الثاين بعد االلتزام بتقليد الفقيه‬ ‫األول وإن ذلك هو مقتضى القاعدة عند دوران األمر بني التعيني والتخري والاستصحاب واإلمجاع‪.‬‬

‫[ويرد عليها جميعا]‪ :‬إن الوجوب التخيريي للتقليد ‪-‬بينه وبني االجتهاد واالحتياط‪ -‬فطري‬ ‫أو عقلي أو شرعي وعلى األولني بل والثالث أيضاً‪:‬‬

‫[إن كان األمر إرشاديا] ‪-‬بناء على كون مالكه ما كان يف مورده حكم عقلي و فطري‪-‬‬ ‫فاألمر واضح جلي‪ ،‬إذ العقل حاكم بوجوب الرجوع إىل العامل وإىل أهل اخلربة (أو مدرك لذلك‬ ‫بناء على أنه ليس إال مدركاً فحسب) وال خيتلف يف نظره الرجوع إىل هذا اخلبري يف كل املسائل أو‬

‫‪ 1‬الفقه‪ :‬القضاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.54‬‬ ‫‪ 2‬قد تحدثنا عن بع‬ ‫هانا إلر ما هنالل‪.‬‬

‫هذه البنود وعن بنود أخرك ل نذكرها هنا في موضل آخر مان الكتااب بالتفصايل فلي ارجال وليضا ماا‬

‫‪287‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫يف بعضها والرجوع يف البعض اآلخر إىل آخر أو االستمرار يف الرجوع إىل هذا اخلبري أو االنتقال‬ ‫إىل غريه بل هو مستقل بكفاية كل واحد من تلك الصور‪.‬‬ ‫ومما يكشف عن ذلك سرية العقالء وبنائهم‪ ...‬أال ترى سريهتم قد جرت على الرجوع إىل هذا‬ ‫الطبيب فرتة مث العدول لطبيب آخر ال ألعلميته بل ملجرد أقربية مكانه إىل داره أو حلسن أخالقه‬ ‫أو لصداقته أو ملضبوطية مواعيده أو ألي سبب آخر ال مساس له جبهة الطريقية‪...‬‬ ‫وأال تراهم يرجعون إىل هذا الطبيب العام يف مرض مث إىل طبيب عام آخر يف مرض آخر أو يف‬ ‫ذات املرض بل وإن ختالفت اآلراء وال يرون لألسبقية ميزة إال لو أوجبت تفاوتاً يف جهة‬ ‫الطريقية‪...‬‬ ‫بل إن طرح هذا التفصيل على العقالء مثار لالستغراب إن مل يكن باعثاً على السخرية‪ ...‬أال‬ ‫تراهم يسخرون ممن يقول ال تراجع طبيباً جديداً لدوران األمر بني التعيني والتخيري‪ ،‬ألن رأي األول‬ ‫حجة قطعاً أما الثاين فحجيته التخيريية غري ثابتة فال اجوز الرجوع؟! أو من يقول إن األصل عدم‬ ‫حجية رأي اجلديد أو أن االستصحاب يقتضي كذا‪...‬؟!‬ ‫وكذلك دينهم وبناؤهم يف كافة الشؤون من اهلندسة والفيزياء والكيمياء والسفر واحلضر أال‬ ‫تراهم يسألون هذا املعلم يف مسألة فيزيائية ويقبلون منه حكمها وإن مل يفهموا برهاهنا مث يسألون‬ ‫آخر يف مسألة أخرى أو ينتقلون كلياً إىل آخر؟! وأال ترى التعليل بأذكر غريباً عليهم‪ ،‬نعم قد ال‬ ‫يفعلون لعلة أخرى‪...‬‬ ‫ومع وجود حكم العقل ال جمال لالستصحاب لوروده عليه‪ ،‬إذ ال شك الحق وال لتلك األصالة‬ ‫أو القاعدة للورود أيضاً أو للتخصص‪ ..‬فتأمل‪ ..‬هذا مضافاً إىل ما سيأيت خمتصراً من اإلشكال‬ ‫على كل واحد من هذه الوجوه‪.‬‬ ‫[وأما بناء] على كون الوجوب شرعياً واألمر مولوياً فكذلك أيضاً‪ ،‬إذ يرد إضافة إىل ما سبق‬ ‫أنه ليس يف ما استدل به جلواز التقليد ما يدل على عدم جواز العدول أو التبعيض بل هي دالة‬ ‫على اجلواز إلطالقها أو لعمومها‪ ...‬أال ترى أن آية النبأ والنفر والذكر مطلقة واملتفاهم العريف منها‬ ‫حجية كالم املنذر وأهل الذكر والعادل سواء رجع إليه يف مسائله اآلخر أم رجع إىل آخر فيها‬ ‫وسواء كان هو مرجعه سابقاً أو غريه‪..‬‬

‫‪288‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وهل حيق للعبد االعتذار عن عدم مساع إنذار املنذر أو خرب العادل أو أهل الذكر بأن منذره‬ ‫وخمربه كان يف السابق شخصاً آخر وأن يف مساع كالم هذا عدوالً أو تبعيضاً؟ وأال ترى بالوجدان‬ ‫‪1‬‬ ‫استحقاقه للعقاب والذم لو خالف؟!‬ ‫وأال تراهم ‪-‬بعد مساعهم اآليات‪ -‬يتحريون أن ختالف املنذران واملخربان وإن كان أحدمها هو‬ ‫املرجع هلذه الطائفة عادة واآلخر لتلك إال لو كان اطمينان بقول من يرجع إليه عادة وهو خروج‬ ‫عن حمل البحث ولذا لو وجد االطمينان بكالم اآلخر دونه رجعوا لآلخر‪..‬‬ ‫مث هل ترى أن املنذرين يف زمن الرسول صلى اهلل عليه وآله وزمن نزول اآليات كانوا إذا سألوا‬ ‫منذراً مسألة وعملوا على طبقها ألزموا أنفسهم بالرجوع إليه يف كل املسائل أو اعرتض عليهم‬ ‫معرتض بعدم اجلواز؟! ويتضح ذلك أكثر مبالحظة أوامر املوايل العرفية فلو قال املوىل لعبيده ارجعوا‬ ‫يف معرفة أحكامي إىل وكالئي‪ ،‬فهل تراه يفهمون إال ما ذكرنا وهل ترى مقبحاً لعبد سأل هذا‬ ‫الوكيل مسألة مث سأل اآلخر أخرى أو سأل هذا مسائل مث عدل يف أسئلته إىل آخر‪..‬؟!‬ ‫وهل ترى يف كل الروايات ردعاً عن سؤال زرارة مثالً ملن كان يسئل أبان أو محران أوالً‪ ،‬أو عن‬ ‫التبعيض يف سؤال من وجد من الرواة‪ ،‬علماً بأن الرواة مل يكونوا صرف ناقلني للروايات بل‬ ‫مستنبطني وروايات باب التعادل والرتاجيح وغريها بذلك شاهدة‪ ،‬فعدم الردع مع كون املسألة‬ ‫عامة االبتالء بل وكون العرف غري مفرق دليل قوي على اجلواز فليدقق‪.‬‬ ‫[ويجري] مجيع ما ذكرناه يف الروايات اليت استدل هبا جلواز التقليد كالتوقيع املروي عن احلجة‬

‫عليه أفضل الصالة والسالم (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي‬

‫عليكم وأنا حجة اهلل) وأال يـُ َع ّد استفادة البشرط الئية نسبة للراوي اآلخر الذي يراد الرجوع إليه‬ ‫بعد الرجوع فرتة إىل را ٍو سابق بل احتماله خمالفاً للفهم العريف وللمنساق منها ولعمومها وأال يكون‬ ‫من رجع إىل را ٍو يف حادثة وإىل آخر يف أخرى من نوع واحد أو من ماهيتني خمتلفتني ممتثالً هلذا‬ ‫‪ 1‬فيما لو أمكنه الرجوال إلر مرجعه وتساامح أو تكاسال ولا يرجال إلياه‪ ،‬فحينئاذ لاو تحقاي ماا أناذره باه الخبيار اوخار اساتحي‬ ‫المالمة والعقوبة ولو ل يتحقي كان متجرياً‪ ،‬وانما قيدنا بذينل القيادين ألناه لاو لا يمكناه الرجاوال لمرجعاه فاال كاال فاي جاواز‬ ‫باال وجااوب الرج اوال لغي اره واسااتحقاقه العقاااب والمالمااة علاار المخالفااة كمااا لااو تعااذر الرج اوال لألعل ا ‪ ،‬ولااو أمكنااه الرج اوال ول ا‬

‫يتسامح ويتكاسل بل رجل إليه وكان رأيه عد الحرمة وعد وجود خطر‪ ،‬فال إشكال حينئذ لو اقتح وكان ضرر واقعاً دنيوي‬ ‫أو أخروي‪ ،‬في عد استحقاقه للعقاب والمالمة التباعه رأي الخبير ولو كان أرياه موافقااً لارأي اوخار وخالفاه اساتحي العقوباة‬

‫لمخالفته ال لمخالفة ذلل‪.‬‬

‫‪289‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫احلديث وأال يكون راجعاً إىل رواة أحاديثهم عليهم السالم‪ ،‬ال شك يف عدم صحة السلب هذا‬ ‫إضافة إىل أن العلة معممة وخمصصة‪ ،‬فإذا علل عليه السالم وجوب الرجوع لرواة احلديث بأهنم‬ ‫حججه علينا فما املخصص حلجية كالمهم علينا مبا لو مل يسبق رجوع إىل فقيه آخر يف هذه‬ ‫املسألة أو غريها؟! وأن هو ما سبقه إال رفع اليد عن العموم واإلطالق بال وجه أصالً‪...‬‬ ‫[وال مجال] للنقاش يف اإلطالق باعتبار عدم ثبوت كونه يف مقام البيان من هذه اجلهة وإال‬

‫لزم عدم متامية أكثر اإلطالقات (أحل اهلل البيع وحرم الربا‪ ،‬وأقم الصالة‪ ،‬واسألوا أهل الذكر)‬ ‫وغريها لكونه تعاىل يف مقام أصل التشريع أو لعدم إحراز كونه تعاىل يف مقام البيان من هذه اجلهة‬ ‫أو تلك (كاشرتاط اللفظ والعربية وتقدمي اإلاجاب مثالً وكجزئية شيء أو شرطيته وكون املسؤول‬ ‫حراً أو عبداً طاهر املولد أو غريه كبرياً أو صغرياً) وقد سبق بعض الكالم حول ذلك وال داعي‬ ‫لإلعادة‪ ،‬ونزيد هنا‪ :‬إن املشهور ذهبوا إىل الربائة يف الشك يف اجلزئية والشرطية يف األقل واألكثر‬ ‫االرتباطيني قال يف الكفاية‪( :‬ولذا ذهب املشهور إىل الربائة مع ذهاهبم إىل الصحيح)‪ 1‬ومنشأ‬ ‫الذهاب إليها إما التمسك باإلطالقات ‪-‬كأقم الصالة‪ -‬أو أرجاع الشك إىل الشك يف التكليف‬ ‫وإحنالل العلم اإلمجايل وكال الشقني نافع يف املقام‪ ،‬أما األول فواضح‪ ،‬أما الثاين فاللتزامهم بالبرائة‬ ‫مع دوران األمر بني التعيني والتخيري‪ ،‬إذ يدور األمر بني تعيني األكثر أو التخيري بينه وبني األقل‪،‬‬ ‫فالنسبة بني املسألتني العموم املطلق ألعمية مسألة الدوران بني التعني والتخيري من مسألة الدوران‬ ‫بني األقل واألكثر لشمول األوىل الدوران بني املتباينني‪.‬‬ ‫[وال يستشكل] بأن يف صورة الدوران بني األقل واألكثر‪ ،‬يكون األكثر موضوعاً لقاعدة البارئة‬ ‫العقلية أو الشرعية فال دوران ٍ‬ ‫حينئذ‪ ،‬عكس املقام مما دار فيه األمر بني املتابينني (تقليد األول أو‬ ‫العدول للثاين) وذلك ألن يف املقام أيضاً إن مت اإلطالق فال دوران بني التعيني والتخيري لشمول‬ ‫ديل احلجية للطرفني فهو خمري حتماً فال موضوع للقاعدة وإن مل يتم فقول الفقيه الثاين ليس حبجة‬ ‫ملن قلد أوالً غريه والشك يف احلجية موضوع عدم احلجية فال معىن لـ(الدوران بني التعني والتخيري)‬ ‫يف املقام وإال لصح دعوى الدوران بني تعيني الرجوع إىل خرب الثقة أو التخيري بينه وبني الرجوع إىل‬ ‫قول الرمال وأشباهه واألصل التعيني ‪-‬فتأمل هذا‪.‬‬

‫‪ 1‬الكفاية‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ 43‬بحث الصحيح واألع ‪.‬‬

‫‪290‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إضافة إىل وجود استصحاب عدم التعيني لكونه حادثاً وهو حاكم على مقتضى األصل عند‬ ‫الدوران بني التعني والتخيري أو وارد أو نقول باستصحاب احلجية ومها مقدمان عليه لكونه مسبباً‪.‬‬ ‫ومن هنا يظهر جواب آخر عن خصوص قاعدة الدوران وهو النقض مبسألة‪( :‬جواز االحتياط‬ ‫ولو كان مستلزماً للتكرار وأمكن االجتهاد والتقليد)‪ ،1‬إذ كيف يلتزم بعدم جواز العدول عن احلي‬ ‫إىل احلي لقاعدة الدوران ويلتزم جبواز االحتياط مع وجود هذه القاعدة؟‬ ‫قال يف املستمسك ذيل املسألة احلاديثة عشرة تعليالً لكالم املاتن من عدم جواز العدول من‬ ‫احلي إىل احلي‪( :‬ويقتضيه األصل العقلي املتقدم للشك يف حجية فتوى من يريد العدول إليه‬ ‫والعلم حبجية فتوى من يريد العدول عنه ويف مثله يبىن على عدم حجية مشكوك احلجية) مث قال‬ ‫‪2‬‬ ‫(فال مرجع إال األصل العقلي وهو أصالة التعيني عند الرتدد يف احلجية بني التعيني والتخيري)‪.‬‬ ‫والتزم يف املسألة الرابعة بكالم املاتن أيضاً‪:‬‬ ‫(األقوى جواز االحتياط ولو كان مستلزماً للتكرار وأمكن االجتهاد أو التقليد)‪ ،‬ورمبا سيأيت هلذا‬ ‫البحث تتمة يف موضع آخر بإذنه تعاىل‪.‬‬ ‫وأما اإلمجاع فليس بتام صغرى ولو حتقق فهو حمتمل االستناد بل معلومه‪.‬‬

‫‪ 1‬العروة الوثقر‪ :‬المسيلة الرابعة‪.‬‬

‫‪ 2‬مستمسل العروة الوثقر‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.25‬‬

‫‪291‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫خاتمة‬ ‫في ملخص النسبة بین أدلة الشورى وأدلة التقلید‬

‫‪292‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫‪‬ملخص النسبة بین أدلة الشورى وأدلة التقلید‪‬‬

‫البد ملعرفة النسبة بني أدلة التقليد وأدلة الشورى من مالحظة كل دليل دليل من أدلة التقليد‬ ‫ونسبته ألدلة الشورى واحدة واحدة فنقول‪:‬‬ ‫األدلة اليت استدل هبا على وجوب التقليد ولزوم اتباع اجلاهل للعامل هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬بناء العقالء‪.‬‬ ‫‪ -2‬حكم العقل‪.‬‬ ‫‪ -3‬اآليات الكرمية‪.‬‬ ‫‪ -4‬الروايات الشريفة‪.‬‬ ‫‪ -5‬السرية‪.‬‬ ‫‪ -6‬اإلمجاع‪.‬‬ ‫[أما بناء العقالء] [ففيه أوال]‪ :‬أنه غري مسلم يف املوضوعات مع معارضة األكثرية ملن انتخبه‬ ‫لالتباع بل البيناء على اتباع األكثرية‪ 1‬وال أقل من التخيري وقد سبق تفصيل احلديث حول عدم‬ ‫داللة أي واحد من أدلة التقليد على تعيني التقليد وعدم جواز العدول أو التبعيض كما قد مضى‬ ‫يف موضع آخر كون األكثرية عبارة عن رأي اخلبري مع زيادة االنضمام‪.‬‬ ‫[إال أن يورد] بأن البناء على اتباع األعلم وإن عارضته أكثرية اخلرباء‪.‬‬

‫[وفيه]‪[ :‬إضافة] إىل ما سبق تفصيالً من النقاش املبنائي وأنه ال دليل على تعني تقليد األعلم‬ ‫مع معارضته لغريه وإن مل تكن األكثرية موافقة للمفضول فلرياجع‪.‬‬ ‫[إن] معارضة األكثرية له مع علمهم بأعلميته موهنة حلجية قوله ومسقطة لالطمئنان به بل‬ ‫حىت مع ادعائهم عدم أعلميته بل حىت مع قطعهم النظر عن وجوده وخمالفته أو مع عدم علمهم‬ ‫بذلك ولذا قال عليه السالم‪( :‬فإن اجملمع عليه ال ريب فيه) وكيف يصح دعوى بناء العقالء يف‬ ‫املوضوعات على االكتفاء باجتهاد الواحد مع التفاهتم إىل ما ذكرناه بالتفصيل من أن يف العمل‬ ‫باجتهاد الواحد احلدسي يف األمور اخلطرية الدنيوية ضرراً حمتمالً احتماالً عقالئياً‪ ،‬ويف العمل برأي‬ ‫األكثرية دفعاً للضرر احملتمل كون رأي األكثرية أقرب إىل الواقع نوعاً فلرياجع تفصيله فيما سبق‬

‫‪ 1‬أما في األحكا فنلتز بالتخيير‪.‬‬

‫‪293‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫حيث استندنا يف إثبات ذلك إىل الروايات وإىل العقل كما سبق ذكر أجوبة أخرى عن مسألة‬ ‫األعلم كما سبق ذكر موانع أخرى عن لزوم اتباع األكثرية مع أجوبتها‪.‬‬

‫[وثانيا]‪ :‬إنه على تقدير تسليمه فإن (وأمرهم شورى) و(شاورهم في األمر) مضيق لدائرته‬ ‫‪1‬‬ ‫ككل آية أو رواية عارضت بالتباين أو بالعموم من وجه أو بالعموم واخلصوص املطلق بناءً‬ ‫للعقالء كما يف القياس وشروط البيع وغري ذلك‪ ،‬فالواجب اتباع أحد اخلرباء على سبيل البدل يف‬ ‫غري ما كانت فيه الشورى (كشؤون الحكم وشبهه) ‪-‬مما هو ظاهر اآليتني أو منصرفهما‪-‬‬ ‫وانعقدت فيه األكثرية وأما فيه فيجب اتباعها وقد سبق تفصيل الكالم عن ذلك عند التطريق‬ ‫لآليتني الشريفتني‪.‬‬ ‫[وبعبارة أخرى]‪- :‬أدلة احلكومة كـ(فإني قد جعلته عليكم حاكما) حاكمة على أدلة التقليد‬ ‫بأمجعها واآليتان الشريفتان مبينتان فيما تبينانه لكيفية احلكومة وبتعبري أدق مبنيتان لكون احلاكمية‬ ‫بيد األكثرية أو لكون احلاكم أحدهم بشرط انضمام األكثر فاألدلة الثالثة تتسلسل هكذا‪ -:‬أدلة‬ ‫التقليد تقتضي لزوم اتباع اخلبري وأدلة احلكومة تقتضي اتباع حكم احلاكم ‪-‬ال مطلق اخلبري‪ -‬يف‬ ‫شؤون احلكم ‪-‬وقد سبق أهنا حاكمة عليها لكوهنا ناظرة إليها إضافة إىل انعقاد اإلمجاع على تقدم‬ ‫احلكم على الفتوى إضافة إىل أن الضرورة الداعية لتشكيل احلكومة‪ -‬وهي تتوقف نظام النوع‬ ‫عليها‪ -‬هي املقتضية لنفوذ حكم احلاكم وإال لنقض الغرض‪ ،‬إضافة إىل األولوية من باب‬ ‫القضاء‪.-‬‬ ‫وأدلة الشورى ناطقة بأن على احلاكم أن يستشري ويتبع األكثرية وبتعبري أدق تقول إن احلكومة‬ ‫لكل الفقهاء ال ألحدهم أو ألحدهم مشروطاً بإمضاء األكثرية ‪-‬على ما فصلناه عند االستدالل‬ ‫بـ(فإني قد جعلته عليكم حاكما) ويف مواضع أخرى‪ -‬فلرياجع‪.‬‬

‫[هذا كله] فيما لو قلنا بشمول أدلة التقليد وحجية رأي الفقيه للموضوعات كما هو مقتضى‬ ‫استنادنا يف حجية رأيه إىل بناء العقالء ‪-‬فيما لو كان خبرياً هبا‪ -‬ال فيما لو استندنا إىل الروايات‬ ‫واآليات‪ ،‬إذ ظاهرها جعل احلجية يف األحكام فقط وعلى هذا قالوا بعدم حجية آرائه يف‬ ‫املوضوعات مبا هو فقيه ال مبا هو خبري فيكون دليل التقليد أجنبياً عن دليل احلكومة الختصاصها‬

‫‪ 1‬مير خفي أن التباين مستلز لإللغاء ال للتضييي‪.‬‬

‫‪294‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫باملوضوعات والشؤون العامة وكذا عن أدلة الشورى بناء على انصرافها إىل املوضوعات ا و كوهنا‬ ‫القدر املتيقن منها‪.‬‬ ‫هذا كله مضافاً إىل أن الروايات الدالة على أن يف التفرد اهللكة ويف الشورى واالستشارة النجاة‬ ‫كما فصلناها‪ -‬رادعة عن العمل‪ ،‬ببناء العقالء على اتباع الواحد فيما فيه الشورى ويف شؤون‬‫احلكومة‪.‬‬ ‫[وأما العقل]‪ :‬فإن حكم باالتباع عند التعارض ومل حيكم بالتساقط وعدم مشول ديل الحلجية‬ ‫لكليهما ‪-‬كما يراه بعض األصوليني‪ -‬فإنه حاكم بتقدمي األكثرية لكون األدلة معتربة من باب‬ ‫الطريقية وكون رأيها هو األقرب للواقع عقالً ورواية وقد مر تفصيله يف حمله كما سبق ذكر أدلة‬ ‫عقلية عديدة على املدعى وأن حكم بالتساقط ‪-‬وهو غري تام كما عليه املشهور‪ -‬فهو مقتضى‬ ‫القاعدة األولية أما القاعدة الثانوية فهي الرتجيح ‪-‬بناء على التعدية‪ -‬باملرجحات املنصوصة ‪-‬‬ ‫ومنها الشهرة‪ -‬أو مبطبق املرجح والعدد منه ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫ك إِالَّ ِرجاال نُ ِ‬ ‫وحي إِل َْي ِه ْم‬ ‫[وأما اآليات]‪- :‬فأوضحها داللة آية الذكر ‪َ ‬وما أ َْر َسلْنا ِم ْن قَ ْبلِ َ‬ ‫فَ ْسئَ لُوا أ َْهل ِّ‬ ‫الذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُمو َن‪ ‬وآية النفر‪ ،‬فإن مل نقل باختصاصها وظهورها أو‬ ‫َ‬ ‫انصرافها‪ 1‬إىل احملموالت الشرعية واألمور االعتقادية مما يستلزم كوهنا أجنبية عن دائرة الشورى يف‬ ‫احلكم وهي املوضوعات‪ ،‬فإن النسبة بينها وبني أدلة الشورى هي العموم واخلصوص املطلق فتكون‬ ‫مقدمة عليها وخمصصة هلا وذلك لظهور أو انصراف (وأمرهم شورى بينهم) (وشاورهم في‬

‫األمر) إىل املوضوعات‪ ،‬إذ ال ريب يف عدم معرفة الناس مبالكات األحكام وتزامحاهتا ومقتضياهتا‬ ‫و‪ ...‬فال ميكن اإلرجاع إليهم يف جعل األحكام كما فصلنا ذلك يف موضع آخر ولعدم صدق‬ ‫(أمرهم) على األحكام‪ ،‬إذ هو أمر اهلل ‪-‬فتأمل‪.‬‬

‫ولو قبل بكون (اسئلوا أهل الذكر) وشبهها شاملة للموضوعات واألحكام والعقائد وكون‬

‫(وشاورهم) و(أمرهم شورى) شاملة للموضوعات وأحلكام باعتبار صحة إضافة احلكم هلل لكونه‬ ‫جاعله ولإلنسان لكونه املتعلق له فيصدق أمرهم ٍ‬ ‫حينئذ حيث يضاف األمر للفاعل وملوضوعه أي‬ ‫من تعلق به وباعتبار أن الشورى ليست يف جعل احلكم الشرعي بل يف استكشافه بأن تتشكل‬ ‫‪ 1‬آية الذكر ليست ظاهرة في خصاوص ماا ذكار لكاون الماورد ال يخصاص الاوارد‪ ،‬إال أناه ال تبعاد دعاوك االنصاراا بقريناة‬ ‫أهل الذكر وكون شينا مير الموضوعات‪.‬‬

‫‪295‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫جلنة من الفقهاء مثالً لدراسة األدلة اليت أقيمت أو ميكن أن تقام الستنباط حكم معني ومدى‬ ‫صحتها فالشورى يف كشف ولكشف الطريق املوصل ألحكام اهلل ال فيها ‪-‬فتأمل‪ ،‬كانت خمصصة‬ ‫هلا أيضاً إن مل تكن حاكمة‪ ،‬ولو فرض تساوي األدلة من الطرفني كانت أدلة الشورى حاكمة‬ ‫على ما بيناه يف موضع آخر‪.‬‬ ‫[وأما الروايات]‪- :‬فمنها ما هو ظاهر يف االختصاص بغري املوضوعات كرواية احلسن بن علي‬ ‫بن يقطني عن الرضا عليه السالم ورواية علي بن املسيب اهلمداين عنه عليه السالم وحسنة عبد‬ ‫العزيز بن املهتدي عنه عليه السالم وقول الصادق عليه السالم ألبان بن تغلب لظهور كلمة االفتاء‬ ‫يف ذلك وكذا صحيحة أمحد بن إسحاق عن اهلادي عليه السالم ملكان (عني) إىل غري ذلك من‬

‫الروايات‪ ،‬فإن قلنا باختصاص أدلة الشورى باملوضوعات فال تعارض بني الطائفتني ألجنبية كل‬ ‫منهما عن األخرى ولو قيل بعمومية أدلة الشورى لألحكام واملوضوعات ‪-‬وهو خالف التحقيق‪-‬‬ ‫كانت روايات التقليد خمصصة لروايات الشورى فتختص باملوضوعات‪ ،‬لكن بناء على االلتزام‬ ‫حباكمية أدلة الشورى يف فرض التساوي وشبهه ينبغي االلتزام هنا أيضاً هبا ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫ومنها ما يشمل بظهاره املوضوعات واألحكام كالتوقيع املروي عن صاحب الزمان عجل اهلل‬ ‫تعاىل فرجه الشريف‪ ،‬إن مل نقل بظهورها عرفاً يف خصوص املوضوعات أو اختصاصها خبصوص‬ ‫احملموالت ‪-‬كما ارتأه بعض‪ -‬وقد مر تفصيل احلديث عن ذلك يف حمله فلرياجع‪.‬‬ ‫فإن قلنا باختصاص أدلة الشورى باملوضوعات كانت خمصصة هلا إن مل نقل باحلاكمية ولو قيل‬ ‫بالعمومية التزمنا باحلاكمية ورمبا أمكن اجلمع حبمل أدلة الشورى على املوضوعات وتلك على‬ ‫احملموالت فتأمل‪ ،‬أما لو قلنا باختصاص التوقيع خبصوص األحكام كما ذهب إليه مجع‪ ،‬فحكمه‬ ‫حكم الطائفة السابقة ولو قلنا باستفادة حجية رأي األكثرية ولزوم الشورى من نفس التوقيع‬ ‫املبارك كما فصلناه يف فصل الروايات فال جمال لتوهم التنايف بني أدلة الشورى وهذا التوقيع كما ال‬ ‫خيفى إذ يكون من صغرياهتا بل التنايف يكون بينه وبني سائر ما دل على لزوم التقليد مما كان أعم‪.‬‬ ‫ولكن الظاهر هو ما سبق تفصيالً من داللة هذه الرواية ‪-‬بداللة االقتضاء وغريها‪ -‬على حتكيم‬ ‫األكثرية يف املوضوعات فلرياجع‪.‬‬ ‫[وأما السيرة]‪- :‬حيث يقال بأن السرية على اتباع الواحد واتباع املتعدد واألكثرية خالف‬ ‫السرية ففيه‪:‬‬ ‫‪296‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أوال‪ :‬ال سرية يف املوضوعات على اتباع الفقيه الواحد وكذا غريه حىت لو عارضته أكثرية اخلرباء‪.‬‬

‫وثانيا‪ :‬مع عدم حتقق املوضوع ال جمال لدعوى السرية على هذا الطرف أو ذاك‪ ،‬إذ مل تقع‬ ‫السلطة إال نادراً بأيدي الفقهاء حىت تكون السرية على اتباع الواحد أو األكثر‪ ،‬وهذا كالقول‬ ‫بكون ركوب الطائرة أو مراجعة البنك خالف السرية‪ ،‬إذ فيه أن عدم السرية من باب السالبة‬ ‫بانتفاء املوضوع‪ ،‬وأما حتقق بعض النماذج فإنه ال تتحقق به السرية إضافة إىل عدم اتصاهلا بزمان‬ ‫املعصوم عليه السالم‪.‬‬ ‫وثالثا‪- :‬إن السرية‪ -‬يف الشؤون العامة مما يرتبط باحلكم ‪-‬على اتباع الواحد رغم معارضة‬ ‫األكثرية له ‪-‬لو سلمت‪ -‬ليست حجة لكوهنا أو الحتمال كوهنا ناشئة من قلة االهتمام نظري ما‬ ‫ذكره الشيخ األنصاري قده يف البيع املعاطايت خاصة مع مالحظة معارضتها للدليل ‪-‬فتأمل‪ .‬إضافة‬ ‫إىل قوة احتمال أن تكون السرية على اتباع الفقيه احلاكم الواحد أو غريه ناشئة من االضطرار أو‬ ‫اجلهل أو غري ذلك ومع ذاك االحتمال ال ميكن استكشاف رأي املعصوم عليه السالم منها‪.‬‬ ‫ورابعا‪ :‬إن عدم السرية ع ىل الشورى ليس دليل احلرمة بل هو دليل عدم الوجوب بل ال يدل‬ ‫على أكثر من عدم الوجوب التعييين التباع األكثرية‪.‬‬ ‫وخامسا‪ :‬إهنا على فرض حتققها يف املقام وااللتزام حبجيتها كربى ليست حبجة ههنا ملعارضتها‬ ‫باألدلة الكثرية اليت أقيمت على خالفها فلرتاجع‪.‬‬ ‫[وأما اإلجماع]‪ :‬فلو فرض حجيته فهو ّليب‪ ،‬قدره املتيقن يف غري صورة التعارض مطلقاً أو يف‬ ‫غصر صورة معارضة األكثرية‪ ،‬بل حىت لو كان له معقد مطلق فهو خمصص باألدلة اليت سبقت‬ ‫واهلل العامل‪.‬‬

‫‪297‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الباب الثاني‬ ‫الحديث عن مسائل عديدة ترتبط بشورى الفقهاء أو بالحكومة اإلسالمیة‬

‫‪298‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل األول‬ ‫في االستدالل على مسائل سبع وهي‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب االشارة‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة المنع‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب ردع المانع‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب سعي المشیر لتطبیق محتواها‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب طلبها‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب العمل على طبقها‬ ‫‪ -7‬وجوب الفحص عن صحة الرأي‬

‫‪299‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫في وجوب اإلشارة وحرمة المنع ومسائل أخرى‬

‫[ههنا مسائل ست]‪ :1‬وجوب اإلشارة‪ ،‬عدم جواز منع املشري منها‪ ،‬وجوب ردع األمة مانعها‪،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وجوب سعي املشري لتطبيق حمتواها‪ ،‬وجوب طلبها‪ ،‬وجوب العمل على طبقها‪.‬‬ ‫[ويمنك أن يستدل لذلك بأدلة عديدة]‪:‬‬ ‫الدلیل األول‬

‫إن ذلك من صغريات (الدعوى إىل اخلري) و(األمر باملعروف والنهي عن املنكر) و(إرشاد‬ ‫اجلاهل والضال) و(حفظ حدود اهلل)‪.‬‬ ‫[أما الكبرى]‪ :‬فواضحة إذ يدل عليها صريح الكتاب‪َ  :‬ولْتَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ َُّمةٌ يَ ْدعُو َن إِلَى الْ َخ ْي ِر‬ ‫ويأْمرو َن بِالْمعر ِ‬ ‫ك ُه ُم ال ُْم ْفلِ ُحو َن‪ 3‬و‪‬التَّائِبُو َن الْعابِ ُدو َن‬ ‫وف َويَ ْن َه ْو َن َع ِن ال ُْم ْن َك ِر َوأُولئِ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ​َ ُ​ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫َّاهو َن َع ِن ال ُْم ْن َك ِر‬ ‫السائِ ُحو َن َّ‬ ‫الراكِعُو َن َّ‬ ‫ْحام ُدو َن َّ‬ ‫اج ُدو َن اآلم ُرو َن بِال َْم ْع ُروف َوالن ُ‬ ‫والْحافِظُو َن لِح ُد ِ‬ ‫ود ا ِ‬ ‫هلل‪ 4‬وآيات أخرى كثرية إضافة إىل متواتر الروايات والعقل واإلمجاع بل قد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يدعى ضرورة ذلك هذا‪.‬‬ ‫ومن الثابت أن وجوب واستحباب (الدعوى واألمر والنهي واإلرشاد واحلفظ) تابعة لوجوب أو‬ ‫استحباب املتعلق وكذا يف اإلباحة والكراهة واحلرمة ما مل يطرء عنوان ثانوي‪ ،‬اللهم إال يف احلفظ‬ ‫فقد يقال بوجوب حفظ احلدود مطلقاً وضعية أو تكليفية بأقسامه اخلمسة فتأمل‪ ،5‬وحفظ كل‬ ‫‪ 1‬باال ساابل والسااابعة ‪-‬وهااي سااابقة رتبااة علاار بعا‬

‫المسااائل الساات‪ :-‬وجااوب الفحااص عاان صااحة رأي وتشااخيص وموقااا‬

‫الفقيه من الحوادث الواقعة أو عد الصحة قصو اًر أو تقصي اًر بما ينافي العدالة أوالً‪.‬‬

‫‪ 2‬ال يخفر أننا تعرضنا لبع‬ ‫‪ 3‬آل عمران‪.104 :‬‬

‫هذه المسائل في مواضل أخر من الكتاب وبالتفصيل وبيدلة أخرك‪.‬‬

‫‪ 4‬التوبة‪ ،112 :‬وهذه جملة خبرية في مقا اإلنشاء أو بقوته بل يرك العديد من األصوليين ومنا اوخوند قدس سره أقوائية‬ ‫الجملة الخبرية من اإلنشائية‪.‬‬

‫‪ 5‬يادل علاار تعمااي الحادود للوضااعية والتكليفيااة قولاه تعااالر‪ :‬فوكن الن َليِّهووت فووح رجفووتْ عل الي كه ووت ا الن يترلجعووت ك الن ُ يفووت ا الن ري كِّي ووت‬ ‫لِ وكت اللو حو ر ور ك‬ ‫حو ر و ك‬ ‫لِ ريب ةي رفهووت كِّ الووم ي العل ر وون‪ ‬البقارة‪ ،230 :‬وحادود اهلل هااي‪ :‬إعطااء النفقاة‪ ،‬إطاعاة الازوج‪ ،‬التمكااين‪...‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ف ت تر ا الزولج ركم ك الن م ي رك الن ه ين و و فكن الن كتن ه ين و و ‪  ...‬كت الل ح ر ور ك‬ ‫ك‬ ‫لِ‪ ...‬النساء‪:‬‬ ‫ص‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫‪‬‬ ‫سبحانه‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫الخ‪،‬‬ ‫ر ال ال ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ر ال‬ ‫ك‬ ‫ك‬ ‫ك‬ ‫‪ ،13-12‬وقوله تعالر‪ :‬و الن ي الع ك‬ ‫وين‪ ‬النسااء‪،14 :‬‬ ‫وه فوت لرخ خت و لخ فيهوت و ر‬ ‫سو ره ويتعو ي رحو ر و ر ري ال خ الل ر‬ ‫لِ ر كه و‬ ‫وه عو و‬ ‫ص لِ ور ر‬ ‫وليس تعدي حدود اهلل مختصاً بشيء معين بل كل ما ح ماده اهلل مشامول لدياة فمان جلاس علار مساند الخالفاة بغيار حاي فقاد‬ ‫حد اهلل ومالكية الزوج لنصا ما تركته الزوجة إن ل يكن لااا ولاد‬ ‫حد اهلل ومن أكل في دار من ذكرتا اوية كان في م‬ ‫تعدك م‬

‫‪300‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ك بِال ِ‬ ‫شيء حبسبه فحفظ الدين مثالً بالدعوى احلسنة إليه ‪‬ا ْدعُ إِلى َسبِ ِ‬ ‫ْح ْك َم ِة َوال َْم ْو ِعظَ ِة‬ ‫يل َربِّ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الْح ِ ِ‬ ‫س ُن‪ 1‬وجبهاد العدو وحبفظ اإلمام عليه السامل والذب عنه‪ ،‬مث‬ ‫سنَة َوجادل ُْه ْم بِالَّتي ه َي أ ْ‬ ‫َح َ‬ ‫َ​َ‬ ‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم‪ 2‬ويف احلديث عن‬ ‫حبفظ رواة حديثه وبنصب الوصي عليه السالم ‪‬الْيَ ْوَم أَ ْك َمل ُ‬ ‫أمري املؤمنني عليه السالم‪( :‬إنما المستحفظون لدين اهلل هم الذين أقاموا الدين ونصروه‬ ‫وحاطوه من جميع جوانبه وحفظوه على عباد اهلل ورعوه)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫وعنه عليه السالم‪( :‬ست من قواعد الدين‪ :‬إخالص اليقين ونصح المسلمين وإقامة الصالة‬

‫وإيتاء الزكاة وحج البيت والزهد في الدنيا)‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫[وأما الصغرى]‪ :‬فإن اإلشارة إىل احلاكم بالعفو عن املعارضة أو بتخفيف العقوبة من اإلعدام‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫استَ غْ ِف ْر ل َُه ْم‪‬‬ ‫ص َف ُحوا‪ ‬و‪‬فَا ْع ُ‬ ‫إىل السجن مثالً‪ ،‬لقوله تعاىل‪َ  :‬ولْيَ ْع ُفوا َولْيَ ْ‬ ‫ف َع ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫مان حاادود اهلل وحقااه فااي الرجاوال إلياااا فاي العاادة الرجعيااة ماان حاادود اهلل وحااي التحجياار مان حاادوده و(كاال ماان لا يحااب علاار‬

‫الدين ول يبغ‬

‫علر الدين فاال ديان لاه) بالبحاار‪ :‬ج‪ ،69‬ص‪ 250‬عان الكاافيب مان حادوده و(ال ديان لمان دان بوالياة إماا‬

‫جائر ليس من اهلل) بالبحار‪ :‬ج‪ ،72‬ص‪ 135‬من حدوده‪ ،‬وهكذا ‪-‬فتيمل‪.‬‬

‫وفي الحديث الشريا عن اإلما الباقر عليه السال ‪( :‬إن اهلل تبارل وتعاالر‪ ...‬جعال لكال شايء حاداً وجعال علياه دلايالً يادل‬

‫عليه وجعل علر من تعدك ذلل الحد حداً) بالكافي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪59‬ب وعن اإلما الصادي عليه السال ‪( :‬ما مان شايء إال ولاه‬ ‫حد كحدود داري هذه‪ ،‬فما كان في الطريي فاو من الطريي وما كان في الدار فااو مان الادار) بالبحاار‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 170‬عان‬

‫المحاسنب هذا‪.‬‬

‫ووجه التيمل يتضح بمالحظة هاذا الحاديث عان اإلماا البااقر علياه الساال ‪ ...( :‬نعا أناا أقاول إناه لايس شايء مماا خلاي اهلل‬

‫صغي اًر وكبي اًر إال وقد جعل اهلل له حداً إذا جوز به ذلل الحاد فقاد تعادك حاد اهلل فياه‪ ،‬فقاال فماا ح ماد مائادتل هاذه؟ قاال‪ :‬تاذكر‬ ‫اس اهلل حين توضل‪ ،‬وتحمد اهلل حين ترفل وتق ما تحتاا‪ )...‬بالبحار‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 171‬عن المحاسنب‪.‬‬

‫هذا بالنسبة للحد وأما (الحفظ) فليس (الحفظ) فاي اوياة الشاريفة مخصصااً بح ماد معاين مان حادود اهلل بال يشامل كافاة الحادود‬ ‫لكونه جمعاً مضافاً وهو مفيد للعمو وال ريب في داللته علار ذلال عرفااً فتولياة الخالفاة لمان هاو أهال لااا ‪-‬كايمير الماؤمنين‬

‫علااي عليااه السااال ‪ -‬ماان حاادود اهلل الواجااب علاار األمااة حفظاااا‪ ،‬والعاادل شخصااياً كااان أو نوعي ااً حااد واجااب الحفااظ‪ ،‬وجااااد‬

‫المشااركين حااد وهكااذا وهل ا ج ا اًر‪ ،‬وهاال ظاااهره وجااوب حفااظ كاال واحااد لكاال واحااد ماان الحاادود أو الحفااظ المجم اوال للمجم اوال؟‬ ‫الظاهر الثاني كما لو أمر الجي‬

‫‪ 1‬النحل‪.125 :‬‬

‫بالمرابطة علر ثغرات الحصن‪.‬‬

‫‪ 2‬المائدة‪.3 :‬‬

‫‪ 3‬مرر الحك لدمدي كلمة (إنما)‪.‬‬ ‫‪ 4‬نفس المصدر حرا السين‪.‬‬ ‫‪ 5‬النور‪.22 :‬‬

‫‪ 6‬آل عمران‪.159 :‬‬

‫‪301‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫اص َف ُحوا‪ 1‬أو لكون العفو عنهم موجباً لقوة اإلسالم وحتبيبه إىل القلوب والعقوبة‬ ‫و‪‬فَا ْع ُفوا َو ْ‬ ‫موجبة هلوان املسلمني أو ارتداد طائفة منهم‪ ،‬هي دعوى إىل (الخير) وأمر بـ(المعروف) وحفظ‬

‫لـ(حدود اهلل) دون ريب‪ ،‬واخلري واملعروف وحدود اهلل وإن كانت امساً ملعنوناهتا وملصاديقها‬ ‫اخلارجية الواقعية ال املتومهة إال أن ما دل على كون هذا املصداق من مصاديق ذلك العنوان لو كان‬ ‫ظناً معترباً كان حجة منقحاً للموضوع‪.‬‬ ‫ولو فرض كون العقوبة كذلك بأن كان العفو يوجب مزيداً من جرأة العدو وشراسته وسبباً‬ ‫النتهازه الفرصة لتجميع قواه وإعدادها لضرب املسلمني كانت اإلشارة هبا أمراً باملعروف وحفظاً‬ ‫للحد‪..‬اخل‪ ،‬وكذا اإلشارة باحلرب أو بالصلح وبإجراء معاهدة دولية معينة وعدمه وهكذا‪.‬‬ ‫وحيث ثبت كون ما حنن فيه صغرى كربى األمر باملعروف والنهي عن املنكر والدعوة‬ ‫للخري‪...‬اخله‪ ،‬ثبتت املسائل اخلمس مجيعاً فتجب اإلشارة وال اجوز منع املشري منها لكونه منعاً‬ ‫لآلمر باملعروف والناهي عن املنكر عنهما ووجب سعي املشري لتطبيق حمتواها لوجوب األمر‬ ‫باملعروف والنهي عن املنكر قلباً ولساناً ويداً لكونه مصداقاً حلفظ حلدود اهلل ووجب طلبها ووجب‬ ‫العمل على طبقها‪.‬‬ ‫[وجميع] ما ذكرناه من األحكام اخلمسة يف غري اجملتهد واضح وإنكار ذلك ‪-‬بأن مل يلزم على‬ ‫العامي االئتمار باملعروف والسؤال عنه ومل اجب على غريه أمره به والسعي لتطبيق املأمور به‪..‬اخل‪-‬‬ ‫مساوق إلنكار الكربى وليس اعتقاد العامي كون ما يفعله من املنكر معروفاً وما يرتكه من املعروف‬ ‫منكراً مسوغاً جلواز ترك األمر باملعروف والنهي عن املنكر بل اجب تنبيهه وإرشاده ولو بقى على‬ ‫اعتقاده وجب احلض أو الردع العملي‪ ،‬ولو مل نقل بوجوب ذلك يف املعاصي الشخصية كشارب‬ ‫اخلمر أو البول جهالً باملوضوع وتارك الصوم جهالً بأن هذا الوقت شهر رمضان‪ 2‬مل يكن لنا‬ ‫مناص من القول بالوجوب يف املعاصي االجتماعية وما يتعدى إىل الغري فمن يريد قتل زيد املؤمن‬ ‫متومهاً أنه كافر اجب احليلولة دون ذلك إما بتنبيهه قوالً إىل خطأه أو بتنبيه الطرف اآلخر أو‬

‫‪ 1‬البقرة‪.109 :‬‬

‫‪ 2‬وجه القول بالوجوب أمور‪ ،‬منااا‪ :‬شامول أدلاة النااي عان المنكار لااا (للمعاصاي الشخصاية) لكاون الحكا تابعااً للموضاوال‬ ‫وهو محقي بنظر اومر الناهي وربما فصلنا الحديث عن هذا في موضل آخر‪.‬‬

‫‪302‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الدفاع عمالً‪ 1‬مع قطع النظر عن العناوين الثانوية ‪-‬وكذا من يريد منع الناس حقوقهم بتوهم أهنا له‬ ‫أو للدولة كشيوعي أو متأثر بالشيوعية يرى ملكية الدولة للشركات الكربى وللمعادن وغريها‬ ‫وذلك لكون األحكام تابعة للعناوين الواقعية ال املتومهة وليس املنكر واملعروف مقيداً بكونه كذلك‬ ‫يف نظر الفاعل والتارك‪ ،‬وكذا يعلل ذلك بكونه مقدمة للواجب إضافة إىل حكم العقل وبناء‬ ‫العقالء وأهل امللل على ذلك‪ ،‬وكذا يدل عليه ما دل على وجوب حفظ حدود اهلل إضافة إىل أن‬ ‫عدم ذلك يؤدي إىل اهندام الدين‪.‬‬ ‫[وأما لو كان] االختالف يف املنكر واملعروف اجتهادياً وكان هذا العامي مقلداً ملن يرى أن‬ ‫اخلمسة عشرة رضعة هي احملرمة‪ ،‬فتزوج من ارتضعت معه ثالث عشرة رضعة مثالً وذاك جمتهداً أو‬ ‫مقلداً ملن يرى نشرها بعشرة‪.‬‬ ‫[فلو قيل] بعدم وجوب النهي يف هذه الصورة وأشباهها‪.‬‬

‫[فإنما هو] لدعوى انصراف أدلة النهي عن مثلها وللسرية إن مل تكن جلهة القول بالتخصص‪،‬‬ ‫أما االختالف يف األمور العامة كمن اجتهد أو قلّد من يرى ملكية الدولة لألنفال مثالً أو حرمة‬ ‫بعض الشعائر احلسينية مثالً فال انصراف ألدلة األمر والنهي‪ 2‬ولو شك فاألصل العدم واملرجع‬ ‫عمومات وجوب األمر والنهي‪.‬‬

‫‪ 1‬ليس البحث في من يجب عليه ذلل وأناه حااك الشارال أو عادول الماؤمنين أو مطلاي النااس وجوبااً كفائيااً‪ ،‬بال البحاث عان‬ ‫أصل الوجوب وان كان ثابتاً في هذا المورد علر الكل‪.‬‬

‫‪ 2‬وال يخفر أننا لو قلنا بجواز التبعي فاي التقلياد وجاواز العادول مان مقلاد إلار آخار ‪-‬علار ماا مبينااه فاي موضال آخار‪ -‬لا‬ ‫يكن شل في جواز األمر والناي حسب ما يراه معروفاً ومنك اًر‪ ،‬أما الوجوب فاو علر هذا المبنر أقرب كما ال يخفار النتفااء‬ ‫مااا يتااوه مانع ااً ‪-‬وهااو وجااوب االلت ا از ب ارأي مرجاال تقليااده‪ -‬قطع ااً‪ ،‬نع ا ‪ :‬هنااال مااانل آا هااو‪ :‬ج اواز عااد العاادول والتبعااي‬ ‫وااللت از برأي مقلده ولو ت كان مانعاً عن شمول أدلة األمر والناي بما هي ملزمة تعييناً‪ ،‬فتيمل‪.‬‬

‫وأما علر ذال المبنر فيقال‪ :‬إضافة إلر ما ذكر من السيرة ومن عمومات األمر والناي الحاكمة علار أدلاة التقلياد لناظريتااا‬

‫إلياا وكوناا مفسرة لاا‪ ،‬فتيمل‪ ،‬وال أقال مان التعاار‬

‫‪-‬فاي ماادة االجتمااال‪ -‬والتسااقط فيرجال إلار األصال وهاو عاد مانعياة‬

‫رأي فقيااه ماان وجااوب اإلشااارة علاار الفقيااه اوخاار أو ماان جوازهااا فتيماال‪ -‬إن عااد ج اواز العاادول أو التبعااي‬

‫علاار المقلااد ال‬

‫يالز عد جاواز ردال المجتااد اوخار لاه لكوناه يارك ماا جاوزه اوخار أو أوجباه منكا اًر وماا حرماه معروفااً‪ ،‬وذلال ألن التفكيال‬

‫بين األحكا الظاهرية مير عزيز فال يكون ذلل دليالً علر خالا ما ادعيناه فلتدبر‪.‬‬

‫قاد يقاال بكاون هااذا تامااً بالنسابة للمجتااد إذ قيااا الادليل علار كاون آراء المجتاااد اوخار حجاة لنفساه ومقلديااه مال قياماه علاار‬ ‫وجااوب األماار بااالمعروا والناااي عاان المنكاار قااد يوجبااه بيحااد الوجااوه الثالثااة أمااا بالنساابة للمجتاااد ومقلااده فااال‪ ،‬إذ تكااون أدلااة‬

‫احجية فتواه منقحة لموضوال أدلة األمر بالمعروا والناي عن المنكر ‪-‬فتيمل‪.‬‬

‫‪303‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[وكذا السيرة] على العكس ولذا جند أن بعض الفقهاء حيث كان يرى حرمة الدخول يف النار‬ ‫يف عاشوراء أو التطبري حاول التأثري على اجلميع‪ ،‬واألكثر حيث رأوا جواز بل رجحان ذلك (بل‬ ‫رأى بعضهم وجوبه لكونه شعرية من شعائر اهلل ولكونه رمز التشيع وبه إعزاز احلق وأهله) افتوا‬ ‫بذلك وسعوا للتنفيذ والقناع اجلميع وكذا األمر بالنسبة إىل (احلزب) حيث اخلتفوا اجتهاداً بني‬ ‫موجب وجموز وحمرم وحيث يراه احملرم منكراً اجب النهي عنه واملوجب معروفاً اجب األمر به‪،‬‬ ‫وحيث سعى كل لتطبيق مؤدى اجتهاده حىت يف حق مقلدي اآلخرين‪ ،‬وكذا األمر يف إباحة الغناء‬ ‫ولو عمالً ‪-‬مبعىن إخراج ما يعرض يف الراديو والتلفزيون عن الغناء موضوعاً بدعوى عدم الصدق‬ ‫العريف!‪ -‬وهكذا واألمثلة كثرية جداً قدمياً وحديثاً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عاونُوا َعلَى ا ِإلثْ ِم‬ ‫عاونُوا َعلَى الْب ِّر َوالتَّ ْقوى َوال تَ َ‬ ‫[إضافة] إىل مشول قوله تعاىل‪َ  :‬وتَ َ‬ ‫والْع ْد ِ‬ ‫وان‪ 1‬ملا حنن فيه‪ ،‬إذ (الصلح أو الشعائر أو املعاهدة) مثالً ّبر يف نظره و(الغناء واحلرب‬ ‫َ ُ‬ ‫والتأميم) إمث وعدوان يف نظره فعليه احلض واملنع وليست معذورية اآلخر وخطأه سبباً لعدم وجوب‬ ‫احلض واملنع على من يرى األمر بالعكس‪ ،‬إذ املعذورية رافعة للعقاب ال لوجوب أمر وهني من يراه‬ ‫خمطئاً وال دليل على كون األمر والنهي لدفع العقاب عن املأمور واملنهي فقط‪ ،‬حبيث لو ارتفع‬ ‫ارتفع وجوهبما فيكون كمن تصور حيواناً عن بعد غزاالً وهو إنسان فأراد رميه‪ 2‬فإنه معذور ال أن‬ ‫خطأه واستفراغه الوسع يف حتصيل اواقع رافع للتكليف عمن يرى أنه إنسان حمقون الدم‪ 3‬وال أقل‬ ‫من عدم وجود ديل على ذلك‪[ ،‬وكذا] األمر يف الشبهة احلكمية ولذا لو رجع قريب من أقرباء‬ ‫الطبيب مثالً إىل طبيب آخر ورأى الطبيب األول خطأه يف التشخيص مما يؤدي إىل هالك املريض‬ ‫بنظره‪ ،‬سعى لصرفه عن أدوية األول وعلى ذلك بناء العقالء وسريهتم‪ ،‬ولو مل يسع لذلك كان إما‬ ‫لشكه أو لتكاسله وال مباالته‪ ،‬ولذا جند أنه لو مات املريض بأدوية األول‪ ،‬عاتبه العقالء وعنفوه‪،‬‬ ‫ولو مات بأدوية الثاين مل يكن عند العقالء ملوماً إن مل يكن مقصراً متهاوناً متسرعاً‪ ،‬وإال كان‬ ‫العتاب على التهاون ال على الصرف عن رأي األول باجتهاده الذي استفرغ فيه وسعه‪.‬‬

‫‪ 1‬المائدة‪.2 :‬‬

‫‪ 2‬وكذا لو تصور إنساناً‪ ،‬أسداً مفترساً وجب علر اوخر ردعه ولاو ردعاه فلا يار فباان أساداً كاسا اًر كاان الارادال معاذو اًر عان‬ ‫العقالء وان كان األول لو رمر فبان إنساناً كان معذو اًر أيضاً‪.‬‬

‫‪ 3‬وأما الراد عليا الراد علينا فقد أجبنا عنه في موضل آخر‪.‬‬

‫‪304‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ولذا نجد] يف فرع مشابه ملا حنن فيه وهو (ما لو كان املتصدي لتفريغ ذمة الغري هو املتربع أو‬ ‫الويل كالولد األكرب اذا أراد تفريغ ذمة والده امليت من الصالة والصيام) أنه (ال مناص من أن يفرغ‬ ‫ذمة امليت مبا هو الصحيح عندمها حىت يسوغ هلما االجتزاء به يف تفريغ ذمته ‪-‬وجوباً أو‬ ‫‪1‬‬ ‫استحباباً‪.)-‬‬

‫[وأما التعليل] املذكور لعدم إجزاء اتيان الوكيل أو الوصي مبا هو الصحيح عندمها‪[ 2‬فهو]‬ ‫على فرض تسليم متاميته ال اجري فيما حنن فيه كما ال خيفى‪ 3‬ويظهر ذلك أكثر مبالحظة ما ذكره‬ ‫دام ظله بعد صفحة حيث قال (وال ميكن قياس الوصي والوكيل باملتربع والويل فإن التكليف من‬ ‫االبتداء متوجه إليهما وجوباً أو استحباباً فال مناص من مراعاة نظرمها)‪ 4‬هذا‪.‬‬ ‫ومتامية هذا الكالم يف هذا الفرع تستلزم باألولوية متاميته فيما حنن فيه‪ ،‬بل حىت لو مل نقل به‬ ‫هنا قلنا به هناك ملا سبق تفصيله‪.‬‬ ‫[وأما في المجتهد]‪ :‬فقد يتوهم أن اجتهاده مانع دون األحكام اخلمسة السابقة‪ ،‬ألنه إن‬ ‫أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد‪ ،‬ولكون فتاواه أحكاماً ظاهرية يف حقه أو أهنا منجزة‬ ‫ومعذرة ال حكماً مماثالً‪.‬‬ ‫[والجواب]‪ 5:‬إن وجود أجر له ال ينايف ما ذكر‪ ،‬إذا األجر على النبية واجلهد للوصول إىل‬ ‫احلق ال على نفس العمل الذي ّأدت إليه الفتوى‪ 6‬نظري العقوبة يف التجري وال مانعة مجع‪ ،‬إذ رمبا‬ ‫يثاب املرء على املوصل ملا اجب على اآلخرين الردع عنه أو على نفسه على القول اآلخر كما يف‬ ‫من يريد قتل نيب أو مؤمن بتوهم كونه شخصاً آخر واجب القتل‪ ،‬لكونه منقاداً مطيعاً متقلداً قيد‬ ‫العبودية له تعاىل‪.‬‬

‫‪ 1‬التنقيح في شرح العروة الوثقر‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.383‬‬ ‫‪ 2‬راجل المصدر السابي‪.‬‬

‫‪ 3‬إذ ليس مراجل التقليد وكالء بعضا عن بع‬

‫في البت ‪-‬في الحوادث الواقعة‪ -‬كي يقال بكون أحده وجوداً تنزيلياً عن‬

‫اوخر وان عمل الوكيل عمل للموكل بالتسبيب‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫‪ 4‬التنقيح‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.384‬‬

‫‪ 5‬وال يخفر أنه يجري فيه بع‬

‫ما ذكرناه بالنسبة للعامي قبل أسرط (وذلل لكون األحكا ‪.)...‬‬

‫‪ 6‬أو علر نفس الفتوك من حيث هي ال من حيث سبقاا بالنية الخالصة والجاد‪.‬‬

‫‪305‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وبعبارة أخرى يكفي يف وجبو النهي عن املنكر كون املعصية فعلية وإن مل تكن فاعلية ‪-‬بالقيد‬ ‫الذي ذكرناه‪[ -‬وبذلك] يثبت وجوب اإلشارة ووجوب سعي املشري لتطبيق حمتواها وأما الثالثة‬ ‫األخرى‪ 1‬فقد ذكرنا أدلتها يف موضع آخر‪.‬‬

‫[وكون] الفتوى حكماً ظاهرياً‪ 2‬ال مينع وجوب اإلشارة ووجوب السعي للتطبيق على اجملتهد‬ ‫اآلخر‪ 3‬لكون احلكم الظاهري نافذاً يف حق األول دونه وعلى هذا األخري العمل وفق ما اقتضته‬

‫حجته وعلى ذلك بناء العقالء وسريهتم‪ 4‬ولذا جند الفهاء قدمياً وحديثاً يعرتض أحدهم على‬ ‫اآلخر يف موقفه من (الحوادث الواقعة) وحياول تغيريه أو تغيري املوقف العام‪ ،‬ويكفينا للتمثيل أن‬ ‫نذكر السيد الطباطبائي اليزدي صاحب العروة الوثقى والشيخ اآلخوند اخلراساين صاحب كفاية‬ ‫األصول قدس سرمها يف قصة الثورة املشروطة‪ 5‬واألمثلة كثرية تطلب من مظاهنا وقد سبق بعضها‪.‬‬ ‫[ولنا أن نجيب] أيضاً بأن األدلة الدالة على حجية رأي الفقيه ‪-‬باعتباره عاملاً أو خبرياً‪ -‬ال‬ ‫تدل على أزيد من حجيتها لنفسه وملتبعه وال داللة فيها أصال على حكم مورد ختالف‬

‫‪ 1‬قد يقال في خصوص عد جواز منال المشاير منااا باين ذلال مقتضار فاتح بااب االجتاااد وكاونا رواة للحاديث منصاوبين‬

‫م ارجاال وهاال يجااوز لاراو للحااديث مناال راو آخاار منااه لمجاارد تخالفامااا فااي االسااتنباط ماال عموميااة الحجيااة لامااا؟ والبحااث هنااا‬

‫حسب القاعدة األولية وقد نتطري لاذا في موضل آخر بإذنه تعالر‪ ،‬وأما وجوب طلباا فتدل عليه آية ‪‬و ك‬ ‫شتو الرره الم‪ ‬وميرهما‬ ‫مما سبي أو ييتي‪ ،‬إن ل يستفد مناا األكثر وهو وجوب العمال حساب ماا أدت إلياه اإلشاارة‪ ،‬وحاديث الحكا الظااهري مادفوال‬ ‫إضافة إلر ما في المتن وما في الاام‬

‫اوتي بين االستشارة قبل إصدار الحك والوصول إلر رأي فال تعار‬

‫أصالً بيناا‬

‫وب ااين حجي ااة الحكا ا الظ اااهري وذل اال ككاف ااة م ااا يالحظ ااه الفقيا اه أثن اااء عملي ااة االس ااتنباط م اان مالحظ ااة المرجح ااات الس ااندية‬

‫والداللية‪ ...‬الخ هذا‪ ،‬ولو دلت اوية علر وجوب اتباال مؤدك االستشارة كان مؤداها هو الحك الظاهري‪.‬‬

‫‪ 2‬وال يخفر أن هذا مبنر علار تسالي كاون فتاوك الفقياه فاي الحاوادث الواقعاة مماا يارتبط بكال األماة حجاة ال بشارط واال باان‬

‫رجح كون فتواه حجة ال بشرط في األحكا الشرعية والشؤون الخاصة فقاط‪ ،‬أماا الشاؤون العاماة فاال حجياة لارأي فقياه منفارداً‬ ‫الستلزامه الارج والمرج والضرر في ذلل ‪-‬كما فصلنا ذلل في عدة مواضل من هذا الكتاب‪ -‬بل المرجل المجموال مان حياث‬

‫المجموال أو األكثرية‪ ،‬كان هذا إشكاالً آخر وهو مبنائي‪ ،‬إذ يعود إلنكار كون فتواه فياا حكمااً ظاهريااً وعاد كونااا حجاة أي‬ ‫مسلل ارتضيناه في معنر الحجية‪.‬‬

‫‪ 3‬ال يخفاار أن هااذا مبنااي علاار كااون المجعااول فااي ماوارد الطااري واألمااارات الحكا المماثاال‪ ،‬وأمااا لااو قلنااا بااين المجعااول هااو‬

‫الكاشفية والطريقية ومتممية الكشا بإلغاء احتمال الخالا بل إمضاء ذلل‪ ،‬فالجواب أيضاً واضح وسييتي تفصيله بعد قليل‬ ‫(ونعود فنقول‪ )...‬وكذا لو قلنا بين الحجية ال تعني إال المنجزية والمعذرية‪.‬‬

‫‪ 4‬يستثنر ترل ذلل تقية أو جبناً وما شاكل ذلل ‪-‬وهو واضح وعد إض ارره بما نحن بصدده أوضح‪.-‬‬

‫‪ 5‬وقد يمثل بالسيد الرضي والسيد المرتضر قدس سرهما في التعامل مل مير المسلمين من الشعراء واألدباء وميره ‪.‬‬

‫‪306‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫االجتهادين‪ 1‬ومانعية حجية فتوى الفقه لنفسه وملن اتبعه عن وجوب عمل سائر الفقهاء واخلرباء‬ ‫مبقتضى اجتهادهم ووجوب إشارهتم حسب ما يشخصونه من املعروف واملنكر‪.‬‬ ‫أما آية الذكر ‪‬فَ ْسئَ لُوا أ َْهل ِّ‬ ‫الذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُمو َن‪ ‬فهي دالة على وجوب أن يسأل‬ ‫َ‬ ‫العامل من ال يعلم وال ربط هلا مبا حنن فيه من حكم ختالف شخصني من أهل الذكر يف الفتوى‪.‬‬ ‫وأما آية النفر ‪‬فَ لَ ْو ال نَ َف َر ِم ْن ُك ِّل فِ ْرقَ ٍة ِم ْن ُه ْم طائَِفةٌ لِيَتَ َف َّق ُهوا فِي الدِّي ِن َولِيُ ْن ِذ ُروا قَ ْوَم ُه ْم‬ ‫إِذا َر َجعُوا إِل َْي ِه ْم ل َ​َعلَّ ُه ْم يَ ْح َذ ُرو َن‪ ‬فهي دالة على إنذار من يعلم من ال يعلم أو من يعلم معانداً‬ ‫ولو فرض داللتها على وجوب إنذار من يعلم من يعلم خمالفاً اجتهاداً كانت دليالً على ما‬ ‫ارتضيناه‪.‬‬ ‫وأما آية النبأ ‪‬إِ ْن جاء ُكم ِ‬ ‫فاس ٌق بِنَبٍَإ فَ تَبَ يَّ نُوا‪ ‬فهي خمتصة مفهوماً باحلسي على ما ّبني يف‬ ‫َ ْ‬ ‫حمله ولو فرض مشوهلا للحدسي فهي ظاهرة فيمن أخرب من ال يعلم (باملعىن األعم من العلم أو‬ ‫العلمي) أو منصرفة إليه قطعاً وإال لغى االجتهاد ووجب أن يقبل كل جمتهد رأي كل جمتهد أخربه‬ ‫باجتهاده! إضافة إىل أن اجملتهد ذا الرأي املخالف من (من تبني) فكيف يشمله املفهوم فتأمل‪.‬‬ ‫فهذه اآليات مجيعاً مبنية للعلقة بني اجلاهل والعامل ال العامل ونظريه فتدبر‪.‬‬ ‫وكذا اآليات والروايات الدالة على حجية ظواهر الكتاب ووجوب العمل هبا واألحاديث الدالة‬ ‫على حجية سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وعلى األخذ بروايات األئمة املعصومني عليهم‬ ‫الصالة والسالم‪- 2‬بناء على داللتها‪.-‬‬ ‫وكذا األدلة الدالة على جواز التقليد ‪-‬باملعىن األعم‪ -‬مثل رواية علي بن املسيب اهلمداين قال‬

‫(قلت للرضا عليه السالم‪ :‬شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم‬ ‫ديني؟ قال عليه السالم من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا) ورواية احلسني بن‬ ‫علي بن يقطني وحسنة عبد العزيز بن املهتدي وصحيحة أمحد بن إسحاق والتوقيع املبارك‪ 3‬وغري‬

‫‪ 1‬المقصود‪ :‬من حيث مانعية حجية رأي هذا عن وجوب إشارة ذال عليه بما ياراه ال مان حياث حجياة فتاواه لنفساه باين يقاال‬ ‫بعد شمول أدلاة الحجياة لماورد تخاالا االجتااادين كماا ارتضااه السايد الخاوئي وتعرضانا لاه بالتفصايل فاي موضال آخار مان‬

‫الكتاب‪ ،‬فكالمنا هنا بعد الف ار عن تسلي كون كال الفتويين حجة‪.‬‬

‫فصلاا السيد الع في شرح العروة الوثقر‪ :‬ص‪ 15-11‬فليراجل‪.‬‬ ‫‪ 2‬وقد م‬ ‫‪ 3‬راجل المصدر‪ :‬ص‪.26-25‬‬

‫‪307‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ذلك من الروايات الدالة على وجوب الرجوع يف الفتوى إىل رواة الشيعة الظاهرة أو الصرحية يف‬ ‫العلقة بني اجلاهل والعامل‪.‬‬ ‫وكذا الطائفة الثانية من األخبار الدالة على جواز االفتاء املالزم عرفاً جلواز األخذ به وتقليد الغري‬ ‫له مثل قول الصادق عليه السالم ألبان بن تغلب (اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني‬ ‫‪1‬‬

‫أحب أن يرى في شيعتي مثلك)‪.‬‬ ‫فجواز االفتاء أو وجوبه ال يدل على عدم وجوب اإلشارة عليه خبطأه يف رأي وردعه عنه بأية‬ ‫واحدة من الدالالت الثالث خاصة مع حلاظ جواز أو وجوب ذلك لآلخر أيضاً إضافة إىل كون‬ ‫العلقة كما سبق‪.‬‬ ‫وهكذا األمر يف الطائفة الثالثة أيضاً‪ 2‬هذا‪.‬‬ ‫وخالصة القول إن حجية فتوى الفقيه إن كانت تعبدية تأسيسية فال يستفاد من أدلتها املنع عن‬ ‫اإلشارة أو الردع كما فصلناه وإن كانت امضائية وكانت الروايات إرشاداً حلكم العقل وطريقة‬ ‫العقالء فكذلك أيضاً كما سيجيء تفصيله يف (ونعود فنقول‪ )...‬وميكن أيضاً على اإلرشادية‬ ‫كشف حكم العقل بربهان اإل ّن من بعض الروايات فتأمل‪.‬‬ ‫هذا [وإذا ضممنا] مجيع ما ذكر إىل متواتر الروايات املفيدة لتحول املعروف منكراً واملنكر‬

‫معروفاً استفدنا جواباً آخر سنذكره بعد ذكر بعض الروايات الشريفة (‪...‬يعملون في الشبهات‬ ‫ويسيرون في الشهوات‪ ،‬المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا‪ ،‬مفزعهم في‬ ‫المعضالت إلى أنفسهم‪ ،‬وتعويلهم في المهمات على آرائهم‪ ،‬كأن كل امرء منهم إمام نفسه‪،‬‬ ‫قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات وأسباب محكمات)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫(وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق‪ ...‬وال في البالء شيء‬

‫أنكر من المعروف وال أعرف من المنكر‪ ،‬فقد نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته‪ ...‬كأنهم‬

‫‪ 1‬المصدر‪ :‬ص‪.30‬‬ ‫‪ 2‬المصدر‪ :‬ص‪.31‬‬

‫‪ 3‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.88‬‬

‫‪308‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم‪ ...‬ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثله وسموا صدقهم‬

‫على اهلل فرية‪.)...‬‬

‫‪1‬‬

‫تصرمت وأذنت بانقضاء وتنكر معروفها‪.)...‬‬ ‫(أال وإن الدنيا قد ّ‬ ‫(أجور الناس من ع ّد جوره عدال منه)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫(ولنحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم)‪ 4‬وروايت كثرية جداً حول العامل غري العامل بعلمه‬

‫أو الظامل أو املبتدع هذا‪ ،‬وال تالزم بني كون الشيء منكراً وقاعياً وبني العلم بكونه كذلك‪ ،‬كما ال‬ ‫تالزم بني كون الشخص مبتدعاً وبني علمه بذلك أو ظاملاً أو حتمله ذنوب السفهاء وبني العلم‪،‬‬ ‫ضرورة عدم التالزم بني الثبوت واإلثبات كما ال تالزم بني العدالة ابتداءً واستمراراً ‪-‬وسيأيت تفصيل‬ ‫ذلك بأمجعه بإذنه تعاىل‪.-‬‬ ‫وإذا مت ذلك وجبت اإلشارة وغريها عقالً ‪-‬وهذا طريق آخر سيأيت إفراده باالستدالل‪ -‬خاصة‬

‫مبالحظة الروايات الكثرية الدالة على (من استبد برأيه هلك) (ما خاب من استشار) (أعقل‬

‫الناس من جمع عقول الناس إلى عقله)‪ ...‬إىل غري ذلك مما سبق التطرق له مما يشمل اخلطأ‬ ‫القصوري والتقصريي واملتعمد حيث إن حجية رأي الفقيه منوطة بالعدالة وهي غري حمرزة إال‬ ‫بالتتبع يف ما يتخذه من الرأي واملوقف قبال احلوادث الواقعة وسيأيت ذلك‪...‬‬ ‫ونعود فنقول‪ :‬إن األمارات املعتربة شرعاً طرق عقالئية يعمل هبا العقالء يف أمورهم وقد أمضاها‬

‫الشارع‪ 5‬ومن األمارات اليت أمضاها الشارع رأي اخلبري املعرب عنه بـ(الفتوى) لو كان اخلبري خبرياً يف‬ ‫‪ 1‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.147‬‬ ‫‪ 2‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.48‬‬ ‫‪ 3‬الغرر لدمدي‪.‬‬

‫‪ 4‬بحااار األناوار‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ ،22‬ح‪ ،63‬ونصاااا‪( :‬عاان الحااارث باان المغيارة قااال‪ :‬لقينااي أبااو عبااد اهلل عليااه السااال فااي بعا‬

‫طري المدينة ليالً فقال لي‪ :‬يا حارث‪ ..‬فقلت‪ :‬نع ‪ ،‬فقال‪ :‬أما لتحملن ذنوب سفاائك علر علمائك ث مضار‪ ،‬قاال‪ :‬ثا أتيتاه‬

‫ف استيذنت عليه فقلت‪ :‬جعلت فدال لا قلات‪ :‬لاتحملن ذناوب سافاائك علار علماائك ؟ فقاد دخلناي مان ذلال أمار عظاي ‪ ،‬فقاال‪:‬‬ ‫نع ما يمنعك إذا بلغك عن الرجل منك ما تكرهونه مماا يادخل باه عليناا األذك والعياب عناد النااس أن تايتوه فتاينبوه وتعظاوه‬

‫وتقولوا له قوالً بليغاً؟ فقلت له‪ :‬إذا ال يقبل منا وال يطيعنا؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬فإذا فاهجروه عند ذلل واجتنبوا مجالسته)‪.‬‬

‫‪ 5‬راجل مصباح األصول‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ ،104‬حيث نقل ذلل عن المحقي النائيني قده وراجل تاذيب األصول‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪،134‬‬ ‫وقااال فااي مصااباح األوصاال ص‪( 98‬هااذا مضااافاً إلاار أن مالااب األمااارات باال جميعاااا طااري عقالئيااة ال تيسيسااية ماان قباال‬

‫الشارال‪.)...‬‬

‫‪309‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫‪1‬‬ ‫البني أن العقالء ال يرون مانعية حجية رأي هذا اخلبري لنفسه‬ ‫ومن‬ ‫شؤون الدين جامعاً للشرائط‬ ‫ّ‬ ‫وملتبعيه عن جواز أو جوب ردع سائر اخلرباء له عن معتقده فيما لو رأوا فيه هالكه فكيف مبا لو‬ ‫كانت مصائرهم مرهونة به مما كان يف تطبيق معتقده هالكهم أمجع أرأيت لو جاءنا نبأ من بلد‬ ‫ٍ‬ ‫ناء بأن أحد اخلرباء رأى عدم توجه خطر على البالد من جهة خاصة وكان حمرزاً عند سائر اخلرباء‬ ‫أو عند بعضهم توجه اخلطر فسكتوا فدامههم العدو أو السيل أو غري ذلك فأهلكهم مجيعاً أو‬ ‫أخرب بالدهم أترى العقالء يعذرون الساكتني وهل تراهم ‪-‬لو وصلهم النبأ قبل توجه اخلطر‪-‬‬ ‫يرون أن على سائر اخلرباء السكوت وعدم اإلشارة والنصح جملرد كون أحد خربائهم ‪-‬وإن كان‬ ‫بيده األمر وكان له املنصب‪ -‬يرى ذلك؟‬ ‫عن احلارث بن املغرية قال ‪ :‬لقيين أبو عبد اهلل عليه السالم يف بعض طرق املدينة ليال فقال يل ‪:‬‬ ‫يا حارث فقلت ‪ :‬نعم فقال ‪ :‬أما لتحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم مث مضى ‪ ،‬قال ‪ :‬مث‬ ‫أتيته فاستأذنت عليه فقلت ‪ :‬جعلت فداك مل قلت ‪ :‬لتحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم ؟‬ ‫فقد دخلين من ذلك أمر عظيم ‪ ،‬فقال ‪ :‬نعم ما مينعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهونه‬ ‫مما يدخل به علينا األذى والعيب عند الناس أن تأتوه فتأنبوه ( ‪ ) 1‬وتعظوه وتقولوا له قوال بليغا ؟‬ ‫فقلت له ‪ :‬إذا ال يقبل منا وال يطيعنا ؟ قال ‪ :‬فقال ‪ :‬فإذا فاهجروه عند ذلك واجتنبوا جمالسته‪.‬‬

‫[وإذا تم ذلك] ثبت ستة من املسائل السبع التسابقة فليتدبر‪ ،‬خاصة وجوب طلب اإلشارة‬ ‫واإلشارة ووجوب ردع األمة مانعها لكوهنا سبباً النكشاف األمر أكثر فأكثر ومعرفة كل أو غالب‬

‫ما خفى من جوانبه وزواياه فـ(االستشارة عين الهداية) و(أعقل الناس من جمع عقول الناس‬

‫إلى عقله) ‪-‬وقد مر تفصيل ذلك‪.-‬‬

‫[ويمكن اإلجابة] عن اإلشكال بنحو آخر هو‪ :‬إن (احلكم الواقعي) إذا أمكن رفع الشارع‬ ‫‪3‬‬ ‫اليد عنه‪ 2‬فيما لو جعلت احلجية لألمارات وأوجب التعبد هبا مع أهنا قد تؤدي إىل خالف الواقع‬ ‫وذلك ملا يف االحتياط من العسر الشديد واحلرج األكيد فكيف ال ميكن رفع اليد عن (احلكم‬

‫‪ 1‬الظاهر عد اشتراط الجامعية للشرائط في تحقي الموضوال (أي صدي الفتوك) بل هي شرط لحجيتاا واعتبارها شرعاً‪.‬‬ ‫‪ 2‬ترفل اليد عن مرتبة التنجز‪.‬‬

‫‪ 3‬وذلل رم بقاء الحك الواقعي علر ما هو عليه مان المصالحة أو المفسادة لعاد قصاور فاي مقتضايات األحكاا ومالكاتااا‬ ‫في موارد قيا األمارة واألصل علر خالفاا‪.‬‬

‫‪310‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الظاهري)؟ وإذا أمكن رفع اليد عن ما يف الواقع من املصلحة واملفسدة فكيف ال ميكن رفع اليد‬ ‫عما ال مصلحة فيه وال مفسدة‪1‬؟ بل إن كانت ففي غالبية تأديته للواقع حيث كان جعله حجة‬ ‫ملصلحة التحفظ عليه وكيف ال ميكن رفع اليد عنه إن كان األمر ‪-‬يف موارد التعارض‪ -‬باتباع رأي‬ ‫األكثرية موجباً ألغلبية املطابقة للواقع‪ 2‬وكانت حجية رأيها سبباً للتحفظ عليه مبا ال يصل إليه‬ ‫جعل فتوى أحدهم حجة يف مورد التعارض‪.‬‬ ‫[وكيف] ال ميكن األمر باإلشارة واالستشارة ملن كانت فتواه حكماً ظاهرياً يف حقه وحق‬ ‫مقلديه مع حلاظ كوهنا بالغة ما بلغت غري بالغة مرتبة القطع لكون حجيته ذاتية وحجيتها جمعولة‪،‬‬ ‫وال مينع القطع من حكم العقل والعقالء وشهادة صريح الوجدان بوجوب اإلشارة بل الردع ملن‬ ‫قطع يف الشؤون مبا نراه ضاراً باألمة بل لو قطع يف موضوع جزئي كما لو قطع بكون هذا‬ ‫الشخص كافراً حربياً مع كونه مسلماً أو ذمياً ‪-‬حسب ما نراه‪ -‬مل مينع ذلك من وجوب تنبيهه‬ ‫واإلشارة له بذلك وحماولة رفع جهله املركب وإال وجب احليلولة عمالً دون قتله‪.‬‬

‫[وأما] الراد عليهم الراد علينا [فيرد عليه] إضافة إىل ما ذكرناه يف مكان آخر أن اإلشارة قبل‬ ‫االفتاء ليست رداً بل اإلشارة وبيان الوجوه املختلفة وإيراداهتا ومؤيداهتا بعد اإلفتاء ليست رداً‬ ‫أيضاً‪ ،‬إذ الرد هو اإلنكار واملخالفة قوالً أو عمالً أما ابداء االحتمال املخالف وذكر أدلته مما قد‬ ‫يؤدي إىل تغري رأي املفيت مع التسليم له ‪-‬إن كان غري جمتهد‪ -‬أو جمتهداً يرى والية الفقيه احلاكم‬ ‫عليه (ويف هذا يكون التسليم عمالً أما رأياً فال كما ال خيفى)‪ -‬إن ثبت على رأيه فليس رداً عرفاً‬

‫‪ 1‬اللا إال مصلحة سلوكية علر القول باا ‪-‬وهي مير نافعة كما أوضحناه‪.-‬‬

‫‪ 2‬قاد مبيناا تمامياة المقاد فاي مواضال عديادة مان هاذا الكتااب كماا أثبتناا المالزماة فاي مواضال عديادة أيضااً‪ ،‬وال يخفار أن مااا‬ ‫ذكر من (أن الحك الواقعي إذا أمكن رفل اليد عنه‪ ...‬الخ) إشاارة لمرحلاة الثباوت وماا ذكرنااه ساابقاً مان (بنااء العقاالء وسايرة‬ ‫الفقااء ونعود فنقول‪ )...:‬إشارة إلر مرحلة اإلثبات وكذا ما سييتي من مثال القطل‪ ،‬هذا‪ .‬وتمامية ماا ذكرنااه تعناي‪ :‬أن فتاوك‬

‫الفقيااه تتوقااا حجيتاااا لااه ولمقلديااه علاار االستشااارة ومالحظااة آراء اوخ ارين فااي الشااؤون العامااة‪ ،‬إذ ال ريااب فااي أقربيااة رأي‬

‫المستشير إلر مطابقة الواقل من ميره ولكون االجتاااد اساتفراماً للوسال ولايس مان لا يالحاظ آراء اوخارين مساتفرماً لاه‪ ،‬واذا‬

‫كان الفقيه في المسيلة األصولية أو الفقاية الواحدة يختلا حاله كثي اًر بمالحظة أقوال سائر الفقااء واألصوليين وعدماا عند‬

‫االفتاء ويكون مير مستفر للوسل إن ل يالحظ آراء العديد من الفقااء خاصة في المسائل الخطيرة كالفروج والادماء‪ ،‬فكياا‬ ‫بالشااؤون العامااة وعظ ا خطرهااا وعااد قاادرة الواحااد علاار اسااتيعاب واستقصاااء منافعاااا ومضااارها للحك ا علاار ضااوء التعااادل‬

‫والترجيح في ذلل ‪-‬فيكون حال من ل يستشر ولا يالحاظ آراء ساائر الفقاااء كحاال مان أفتار دون مالحظاة تماا األدلاة وماا‬ ‫له دخل في االستنباط فتيمل‪.-‬‬

‫‪311‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وعقالً بل تعاون على الرب ومقربية إىل الواقع بل قد جرت السرية من الفقهاء والطالب على إبداء‬ ‫احتمال اخلالف واالستشهاد له‪.‬‬ ‫الدلیل الثاني‪:‬‬

‫الروايات الشريفة وهي كثرية جداً وتواترها اإلمجايل حمرز ال ريب فيه إضافة إىل صحة سند‬ ‫بعضها‪ 1‬فمنها‪:‬‬ ‫[‪ -]1‬قوله عليه السالم (فال تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي‬

‫بفوق أن أخطأ وال آمن ذلك من فعلي إال أن يكفي اهلل من نفسي ما هو أملك به مني)‬

‫‪2‬‬

‫دلت على النهي عن عدم اإلشارة‪[ 3‬والمراد] من الكف الرتك ال منع النفس وصرفها ولو بقرينة‬ ‫احلكم واملوضوع وعدم وجود خصوصية يف ما هو أخص من مطلق الرتك‪ ،‬معللة ذلك باحتمال‬ ‫اخلطأ يف املشار عليه‪ 4‬الدال على أن علة وجوب اإلشارة احتمال اخلطأ أو العلم به فتأمل‪،‬‬ ‫واألصح أن يقال بوجوب اإلشارة عند العلم باخلطأ وما هو احلق أو العدل أو ما هو مبنزلته وأما‬ ‫صورة احتمال خلطأ فخارج عن مدلوهلا املطابقي أو االلتزامي‪ 5‬غاية األمر وجوب الفحص لكوهنا‬ ‫أمراً خطرياً ولو كانت بدوية فتأمل‪.‬‬

‫[وكون] املتعلق (املشورة بالعدل واملقالة باحلق) ال يدل إال على لزوم اإلشارة مبا قامت لديه‬ ‫احلجة على أنه عدل أو حق أي ما هو عدل وحق إثباتاً ال ما هو عدل وحق ثبوتاً ويف نفس‬ ‫األمر حىت يقال بعدم علم أحد اجملتهدين مثالً بأن ما يراه حقاً هو احلق ثبوتاً كي يشمله هذا‬ ‫اخلطاب لكن األصح القول بأنه حيث كانت األمساء أمساء ملسمياهتا الواقعية وأن األحكام متعلقة‬

‫‪ 1‬كما تطرقنا لذلل في موضل آخر فلي ارجال وذكرناا أيضااً رواياات أخارك لا ناذكرها هاناا كماا ذكرناا هناا بعا‬ ‫هنال‪.‬‬

‫ماا لا ناذكره‬

‫‪ 2‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪ ،216‬وروضة الكافي‪ :‬ص‪.352‬‬

‫‪ 3‬وكيفية استتباال ذلل لسائر المسائل قد مبيناه سابقاً‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا االحتمال ‪-‬بالنظر إلر عصمة اإلما عليه السال ‪ -‬منتا ولذا قال عليه السال (إال أن يكفي‪.)...‬‬

‫‪ 5‬وأما (لست في نفسي ‪ ...‬وال أمن) فاو فاي المشاار علياه ال فاي المشاير‪ ،‬أي أناه محتمال للخطاي فاي فعلاه أماا أن المشاير‬ ‫محتمل أو عال فاو أمر آخر‪ ،‬إال أن يدعر داللته عرفاً عليه لكون مسااي الكاال نفيااً للبنااء علار الصاحة فاي كال ماا يقاو‬

‫به الحاك فتيمل‪.‬‬

‫‪312‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫بالعناوين الثبوتية كان النهي عن ترك ما هو مصداق (املشورة بعدل) ثبوتاً‪ ،‬وحيث إن العلم‬ ‫والعلمي طريق عقالئي إلحراز املعنونات واملتعلقات كان احملمول ثابتاً لكل ما قامت احلجة على‬ ‫أنه من أفراد املوضوع فمن قامت عنده احلجة يرى الواقع هو هذا فريتب احملمول‪ ،‬وإال مل يستقر‬ ‫حجر على حجر ومل يثبت حممول ملوضوع وقصر األمر على العلم ال وجه له ملا ّبني مفصالً يف‬ ‫وجه حجية العلمي كما أن حصر (اخلطأ) يف ما هو مسلم اخلطأ وما هو بالضرورة خطأ غري تام‬ ‫كما ال خيفى‪.‬‬

‫[‪ -]2‬ومنها قوله عليه السالم (أعقل الناس من أطاع العقالء)‪ 1‬إرشاد إىل ما يف إطاعتهم‬ ‫من العقل والسداد ونظريها‪:‬‬ ‫[‪ -]3‬قول الصادق عليه أفضل الصالة وأزكى السالم‪( :‬قيل لرسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬

‫ما الحزم؟ قال‪ :‬مشاورة ذوي الرأي واتباعهم)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫[‪ -]4‬وقول اإلمام الكاظم عليه صلوات املصلني‪( :‬يا هشام مشاورة العاقل الناصح يمن‬

‫وبركة ورشد وتوفيق من اهلل‪ ،‬فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخالف‪ ،‬فإن في ذلك‬

‫العطب)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫[‪ -]5‬وقال صلى اهلل عليه وآله‪( :‬الحزم أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره)‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫[‪ -]6‬وقال صلى اهلل عليه وآله‪( :‬إذا أشار عليك العاقل الناصح فأقبل وإياك والخالف‬

‫عليه فإن فيه الهالك)‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫[‪ -]7‬وقال صلى اهلل عليه وآله‪( :‬استرشدوا العاقل ترشدوا وال تعصوه فتندموا)‪.‬‬ ‫[‪ -]8‬وقال علي عليه السالم‪( :‬شاور ذوي العقول تأمن الزلل والندم)‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ 1‬مرر الحك ‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.175‬‬

‫‪ 2‬مكار األخالي‪ :‬ص‪ ،171‬والمحاسن‪ :‬ص‪ ،600‬والوسائل‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪( 424‬نقالً عن‪ :‬شورك در قرآن وحديث)‪.‬‬ ‫‪ 3‬تحا العقول‪ :‬ص‪.398‬‬

‫‪ 4‬البحار‪ :‬ج‪ ،75‬ص‪ ،105‬عن إعال الدين وورد نظيره في تحا العقول (نقالً عن المصدر السابي)‪.‬‬ ‫‪ 5‬نفس المصدر‪.‬‬

‫‪ 6‬أمالي الطوسي والبحار‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪ ،100‬والدر المنثور‪ :‬ج‪ ،6‬ص‪( 10‬نقالً عن المصدر السابي)‪.‬‬ ‫‪ 7‬الغرر والدرر‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪( 91‬نقالً عن المصدر السابي)‪.‬‬

‫‪313‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[‪ -]9‬وقال الصادق عليه السالم‪( :‬ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما ال قبل له به أن‬

‫يستشير رجال عاقال له دين وورع) مث قال أبو عبد اهلل عليه السالم (أما إنه إذا فعل ذلك لم‬ ‫يخذله اهلل بل يرفعه اهلل ورماه بخير األمور وأقربها إلى اهلل)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫[‪ -]10‬وعنه عليه السالم‪( :‬استشر العاقل من الرجال الورع‪ ،‬فإنه ال يأمر إال بخير وإياك‬

‫والخالف فإن خالف الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫[‪ -]11‬وقال الصادق عليه السالم‪( :‬استشر في أمرك الذين يخشون ربهم)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫[‪ -]12‬وقال صلى اهلل عليه وآله‪( :‬من جائكم يريد أن يفرق الجماعة ويغصب األمة أمرها‬

‫ويتولى من غير مشورة فاقتلوه فإن اهلل قد أذن ذلك)‪ ،4‬إىل غري ذلك من الروايات الواردة من‬ ‫طرق اخلاصة وقد ذكرنا قسماً آخر منها يف موضع آخر من الكتاب‪ ،‬وأما روايات العامة يف ذلك‬ ‫فكثرية ال داعي لذكرها اآلن‪.‬‬

‫[وليس] املراد من (أعقل الناس من أطاع العقالء) إطاعة العقالء فيما لو أمجعوا لكون ذلك‬ ‫محالً له على الفرد النادر بل األعم منه ومما ارتضاه أكثريتهم ومشهورهم ‪-‬فيما مل يكف فيه عرفاً‬ ‫اشتارة الواحد‪ -‬ومما ارتضاه أحدهم ‪-‬فيما كفى فيه عرفاً ذلك‪ -‬كما يظهر ذلك بوضع (من أطاع‬ ‫األطباء) ‪-‬مثالً‪ -‬مكان املوضوع‪ ،‬ومبالحظة (حشر مع الناس عيد) حيث إن املراد حشر مع‬ ‫أكثريتهم ومشهورهم ال مجيعهم وحديث عدم مشول أدلة احلجية للمتعارضني قد أشكلنا عليه‬

‫‪ 1‬المحاسن‪ :‬ص‪ ،602‬والوسائل‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪.426‬‬ ‫‪ 2‬نفس المصدر‪.‬‬

‫‪ 3‬الحديث صحيح أو موثي رواه أحمد بن محمد البرقي في المحاسن عن موسر بان القاسا عان جاده معاوياة بان وهاب عان‬ ‫أبااي عبااد اهلل عليااه السااال أمااا البرقااي فقااد قااال عنااه اباان داوود فااي رجالااه (كااان ثقااة فااي نفسااه يااروي عاان الضااعفاء ويعتمااد‬

‫المراسيل صنا كثي اًر‪ ،‬أقول‪ :‬وذكرته في الضعفاء لطعن الغضائري فيه ويقوك عندي ثقته مشاي أحماد بان محماد بان عيسار‬ ‫في جنازته حافياً حاس اًر تنصالً مما قذفاه باه) رجاال علاي بان داوود ص‪ ،43‬بااب الامازة‪ ،‬رقا ‪ ،122‬ونقال فاي القسا الثااني‬

‫ص‪ ،229‬توثيااي الفارساات والنجاشااي لااه و ارجاال النجاشااي ص‪ 55‬وأمااا طعاان اباان الغضااائري فغياار ضااائر لمطعانيتااه وقااد‬ ‫تحدثنا عن البرقي أكثر فيما سبي فليراجل وأما موسار بان القاسا فقاد قاال عناه ابان داوود (موسار بان القاسا بان معاوياة بان‬ ‫وهاب عرباي بجلاي كاوفي ثقاة كماا فاي الفارسات‪ ...‬ثقاة ثقاة واضاح الحاديث حسان الطريقاة) ص‪ ،194‬وقاال عناه النجاشااي‪:‬‬

‫(ثقااة ثقااة جلياال واضااح الحااديث حساان الطريقااة) ص‪ ،289‬وأمااا معاويااة باان وهااب فقااد قااال عنااه النجاشااي (عربااي صاامي ثقااة‬

‫حسن الطريقة) ص‪ ،293‬وقال عنه ابن داوود (ثقة صحيح) ص‪ ،191‬رق ‪.1590‬‬

‫‪ 4‬عيون أخبار الرضا عليه السال ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،62‬الباب ‪ ،31‬الحديث ‪.254‬‬

‫‪314‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مفصالً يف موضع آخر من الكتاب فلرياجع‪ ،‬هذا وإذا كان العقل واحلزم وإطاعة العقالء‪ 1‬وكان‬ ‫‪8‬‬ ‫الرشد فيها‪ 2‬وكانت الرفعة فيها‪ 3‬وكان يف خالفها العطب‪ 4‬واهلالك‪ 5‬والندم‪ 6‬والزلل‪ 7‬واخلذالن‬ ‫ومفسدة الدين والدنيا‪ 9‬كان اتباعهم يف األمور اخلطرية واجباً عقالً دون ريب‪ 10‬هذا‪.‬‬ ‫[ويستفاد] من قوله (مشاورة ذوي الرأي واتباعهم‪ )...‬و(أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره)‬ ‫أن االستشارة أمر مغاير للعمل مبقتضاها لظهور العطف يف بينونة املعطوف عن املعطوف عليه‬ ‫وبُعد كونه تفسريياً فال يكفي على هذا إثبات وجوب االستشارة ‪-‬كما سبق يف آية وشاورهم‪-‬‬ ‫إلثبات وجوب االتباع ووحدة احلكم غري وحدة املوضوع‪ ،‬فينبغي يف اآلية الشريفة الرجوع إىل‬ ‫األجوبة األخرى فليالحظ‪.‬‬ ‫وينبغي التنبيه على أمور‪:‬‬

‫[األول]‪ :‬إن بعض الروايات (كالثانية والثالة والثامنة واحلادية عشرة) ظاهرة يف اإلشارة إىل‬ ‫إطاعة العقالء واستشارهتم وأن احلزم ورفع الزلل والندم يف ذلك‪ ،‬وبعضها (كالرابعة واخلامسة‬ ‫والسادسة والسابعة والتاسعة والعاشرة) ظاهرة يف االكتفاء باسرتشاى واستشارة واتباع العاقل‬ ‫الواحد‪.‬‬ ‫[فربما يقال]‪ :‬بعدم التعارض وصحة االكتفاء بكل منهما لكوهنما مثبتني كما يف أعتق رقبة‬

‫وأعتق رقبة مؤمنة وكون كل عاقل يف (العقالء) مصداقاً مبائناً لآلخر ال صفة كما يف مؤمنة غري‬ ‫‪ 1‬كما في الحديث الثاني والثالث‪.‬‬ ‫‪ 2‬كما في الحديث الرابل والسابل‪.‬‬ ‫‪ 3‬كما في الحديث التاسل‪.‬‬ ‫‪ 4‬كما في الحديث الرابل‪.‬‬

‫‪ 5‬كما في الحديث السادس‪.‬‬ ‫‪ 6‬كما في الحديث السابل‪.‬‬ ‫‪ 7‬كما في الحديث الثامن‪.‬‬

‫‪ 8‬المستفاد من مفاو الحديث التاسل‪.‬‬

‫‪ 9‬كما في الحديث العاشر‪ ،‬وال يخفر أن الزلل والند والخذالن في الحديثين الثامن والتساال رتبت علر عد المشورة ال علر‬ ‫عد االتباال ‪ -‬فتيمل‪.‬‬

‫‪ 10‬كما ثبت بما ذكرناه بع‬

‫المسائل األخرك كوجوب طلب اإلشارة وميرها‪ ،‬ألن فياا توقياً عن إلقاء النفس في التالكة‪.‬‬

‫‪315‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ضائر بعد إمكان إرجاع ذلك إىل الوصف وشبهه حاالً أو شرطاً كأن يقال (العاقل منضماً إىل‬ ‫عاقل آخر أو أكثر واجبة استشارته أو العاقل اذا انضم أو العاقل املنضم إليه) أو بعد ادعاء وحدة‬ ‫املالك فيكون استشارة األكثر من الواحد هو الفرد األكمل وعليه حيمل فليس العمل مبا دل على‬ ‫دل على األكثر يف الوجوب‬ ‫دل على األكثر بل هو مقدم عليه لكون ظهور ما ّ‬ ‫الواحد إلغاء ملا ّ‬ ‫دل على الواحد يف كفاية فيحمل األكثر على الفرد األكمل‪.‬‬ ‫أضعف من ظهور ما ّ‬

‫[والجواب]‪ :‬أوال‪ :‬إن املراد من عدم مقيدية ذي الوصف لفاقده ليس هو كفاية إتيان فاقد‬ ‫الوصف يف امتثال األمر بذي الوصف بل املراد كفاية إتيان فاقد الوصف يف إصقاط األمر املتعلق‬ ‫به وعدم محل الفاقد على الواجد املستلزم لعدم كفاية الفاقد فليدقق‪ ،‬ولو أريد به غري ما ذكرناه‬ ‫كان مردوداً‪.‬‬ ‫وثانيا‪ :‬إن داللة استشر العاقل وشبهه على عدم لزوم استشارة األكثر إمنا هو مبفهوم الوصف‬ ‫وداللة استشر العقالء على لزوم األكثر باملنطوق وهو مقدم عليه‪.‬‬

‫وثالثا‪ :‬إذا كان احلزم يف استشارة ذي الرأي وإطاعته (الرواية اخلامسة) فهو يف استشارة وإطاعة‬ ‫املتعدد أوىل وأقوى (الرواية الثالثة) ‪-‬كما هو واضح‪ -‬وإذا كان العطب يف خمالفة العاقل الواحد‬ ‫وكذا اهلالك والندم واخلذالن ومفسدة الدين والدنيا (الروايات‪ )10-9-7-6-4 :‬كان كل ذلك‬ ‫يف خمالفة املتعدد واألكثرية أقوى وأشد وألزم‪ ،‬وبعبارة أخرى التعليل املذكور ‪-‬أو ما هو مبنزلته‪ -‬يف‬ ‫تلك الروايات يستلزم وجوب استشارة األكثر من الواحد يف األمور اخلطرية ‪-‬والشؤون العامة‬ ‫منها‪ -‬لنفس العلة‪ ،‬إذ يف عدم استشارة األكثر العطب واهلالك و‪ ...‬اخل‪ ،‬أما يف غريها فليس فيه‬ ‫ذلك عرفاً‪.‬‬ ‫ورابعا‪ :‬إن املراد بـ(العاقل) اجلنس والطبيعة يف مقابل غريه‪ ،‬ال الفرد‪ ،‬فهو منطلق على الكثري‬ ‫والقليل ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫[الثاني]‪ :‬إن ظاهر بعض الروايات السابقة (كالثامنة واحلادية عشرة) أن نفس املشاورة مؤمنة‬

‫من الزلل والندم فال تدل على لزوم االتباع‪ 1‬وفيه‪:‬‬

‫‪ 1‬إذ الظاهر أن االستشارة لغة وعرفاً تطلي علر صرا استعال اوراء‪ ،‬وأما المثال فعد الصدي إنماا هاو إذا أخاذت (مان)‬ ‫نشوية‪ ،‬أما إذا كان المراد من عمل عن مشورة البعدية صدي اإلطالي عرفاً‪.‬‬

‫‪316‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أوال‪ :‬إمكان ادعاء أن املشاورة أو االستشارة ال تعين صرف سؤال اآلخرين عن آرائهم بل تعين‬ ‫‪1‬‬ ‫اإلطاعة واالتباع أيضاً‪ ،‬فال يقال ملن سأل عدة آرائهم مث خالفهم أنه عمل عن مشورة‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫وثانيا‪ :‬إن ترتيب األمن من الزلل والندم يف الرواية الثامنة على املشاورة‪ ،‬ترتيب على جزء‬ ‫املقتضي وبعض العلة‪ ،‬ال متامها بقرينة سائر الروايات حيث رتّب األمن منهما ونظائرمها على‬ ‫املشاورة واإلطاعة‪ ،‬فوزاهنا وزان ما رتب فيه دخول اجلنة ووجوهبا على الصالة يف بعض الروايات‬ ‫كقول اإلمام الصادق عليه السالم (هذه الصلوات الخمس المفروضات من أقامهن وحافظ‬

‫على مواقيتهن لقى اهلل يوم القيامة وله عنده عهد يدخل به الجنة)‪ 2‬وغريها كثري‪ ،‬وكذا ما رتّب‬ ‫فيه دخوهلا على غريها فيما لو ضم إليها ما رتّب فيه دخوهلا على غريها أيضاً وكوهنا علالً على‬ ‫سبيل البدل بعيد ولو فرض ذلك فيها مل يصح فيما حنن فيه بداللة واضح لسان الروايات‬ ‫السابقة‪.‬‬ ‫وثالثا‪ :‬عدم بعد إرادة االستشارة املتبوعة باإلطاعة من الرواية بقرينة قوله عليه السالم‬

‫(استرشدوا العاقل ترشدوا وال تعصوه فتندموا) حيث إن الظاهر كون وال تعصوه فتندموا عطفاً‬ ‫تفسريياً بقرينة ترتيب ترشدوا على اسرتشدوا وظهور تقدير واتبعوه بعد اسرتشدوا العاقل بقرينة‬ ‫الذيل‪ ،‬فاملراد باملشاورة االتباع جمازاً يف الكلمة بإرادة الالحق أو أنه مقدر فتأمل‪ ،‬هذا‪.‬‬ ‫[ولكن] ورد يف بعض الروايات تعليل لزوم االستشارة مبعرفة مواقعة اخلطأ الكاشف عن كوهنا‬ ‫ملعرفة الصحيح من الباطل ال لالتباع ويف بعضها التصريح بكون اختيار أحد اآلراء للمستشري‬

‫كقول أمري املؤمنني عليه السالم يف وصيته حملمد بن احلنفية (أضمم آراء الرجال بعضها إلى‬

‫بعض ثم اختر أقربها من الصواب وأبعدها من االرتياب)‪ 3‬وقوله عليه السالم (من استقبل‬

‫‪5‬‬

‫وجوه اآلراء عرف مواقع الخطأ)‪ 4‬وقوله عليه السالم (ما استنبط الصواب بمثل المشاورة)‬ ‫إضافة إىل حكم العقل فيمن استشار واقتنع خبالف رأي املشري بلزوم اتباعه رأيه إن كان هو من‬ ‫أهل اخلربة نعم لو توقف كان عليه االتباع‪.‬‬ ‫‪ 1‬ال يخفر أننا تطرقنا لاذا البحث سابقاً فليالحظ ما ذكر هانا مل ما ذكر هنالل‪.‬‬

‫‪ 2‬الوسائل‪ :‬الباب ‪ 1‬من أبواب المواقيت‪ ،‬الحديث ‪ 1‬من كتاب الصالة مل اختالا يسير في اللفظ‪.‬‬ ‫‪ 3‬من ال يحضره الفقيه‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪ ،384‬ح‪.5834‬‬ ‫‪ 4‬ناج البالمة‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪ ،42‬ح‪.173‬‬

‫‪ 5‬موسوعة أحاديث أهل البيت عليا السال ‪ :‬ج‪ ،10‬ص‪ ،266‬ح [‪.39 ]12894‬‬

‫‪317‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[والجواب] أوال‪ :‬على تقدير متامية داللتها فهي معارضة بالروايات السابقة وما مبضموهنا وهي‬ ‫املقدمة حيث ال يبعد دعوى قطعية صدور البعض منها ال أقل من الطمينان إن مل نقل بتواتر‬ ‫مضموهنا‪.‬‬ ‫وثانيا‪ :‬مبالحظة ما ذكرناه من األدلة على لزوم اتباع األكثرية فالالزم إما ختصيص هذه الروايات‬ ‫مبا لو تكافأت آراء املشريين أو صرفها إىل غري الشؤون العامة مما ال جتب فيه االستشارة واتباع‬ ‫األكثرية بل ما ذكر يف حمله من الدليل على كون رأي األكثرية أقرب للواقع يكون منقحاً ملوضوع‬ ‫الرواية األوىل وملتعلق الثانية‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫وأما ما ذكر من حكم العقل فقد أجبنا عنه بالتفصيل يف مكان آخر فلرياجع‪.‬‬ ‫[الثالث]‪ :‬الظاهر إطالق تلك الروايات ومشوهلا ملا لو مل يقتنع برأي املشري إضافة إىل عدم‬ ‫احلاجة للتحدذير والتهديد خاصة مع ذلك التأكيد على املخالفة فيما لو اقتنع وإمنا يكون هلما‬ ‫مورد فيما لو مل يتقنع ضرورة أن قوله عليه السالم (وإياك والخالف عليهم فإن فيه الهالك)‬

‫و(إياك والخالف‪ ،‬فإن خالف الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا) اخل‪...‬‬ ‫ظاهر فيمن مل ير رأيهم خاصة مع تكرار ذكر الورع العاقل الناصح يف التعليل املشعر بأن‬ ‫خمالفته املالك يف ترتب املفسدة وبتعبري آخر احلكم معلل والعلة معممة وخمصصة إضافة إىل ظهور‬ ‫(فإنه ال يأمر إال بخير) يف تأسيس كربى كلية وإن ما يأمر به خري وإن مل يفهم املستشري وجهها‬ ‫ويف الردع عن خمالفته لتوهم عدم الصحة‪.‬‬ ‫الدلیل الثالث‪:‬‬

‫ويدل على وجوب اإلشارة ووجوب ردع األمة ملن مينعها حاكماً كان أم حمكوماً فقيهاً أو غريه‪:‬‬ ‫(‪)2( )1‬‬ ‫العقل (وتقريره أن) العلماء على أقسام‪.‬‬

‫‪ 1‬حيااث إن الحااديث عاان شااورك الفقااااء خصصاانا الحااديث فااي المااتن با ا وأمااا فااي ميااره فيجااري مااا ذكرناااه ماال تغيياار مااا‬ ‫وبشكل أوضح‪.‬‬

‫‪ 2‬لكي تكون القسمة حاصرة حصا اًر اساتقرائياً ولائال تتاداخل األقساا ينبغاي القاول علار وجاه التقرياب‪ :‬أن المسامر بالعاال أو‬

‫المدعر عالميته قاد ال يكاون عالمااً وقاد يكاون واألول إماا لكوناه ال يعارا شايئاً (مطلقااً كاان يادعي علمااً ال يعارا مناه شايئاً‬

‫إطالقاً أو يدعر ذلل له) أو بحيث يصح في عرا العقالء إطالي العال عليه أو لكونه جاهالً مركباً لقصاور أو تقصاير أو‬

‫‪318‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫غر مجعاً وخدعهم‬ ‫[فمنهم]‪ :‬من هو خارج موضوعاً عن العلماء لكنه متظاهر بالعلم قد ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ يكون إطالق العامل عليه جمازاً وقد يكون اخلروج املوضوعي عن (العلم‬ ‫وأومههم أنه عامل‬ ‫احلق أو احلقيقي) فيكون داخالً يف أحد القسمني الالحقني‪ ...‬قال علي عليه صلوات املصلني‬

‫(وآخر قد تسمى عالما وليس به فاقتبس جهائل من جهال وأضاليل من ضالل‪ 1‬ونصب‬ ‫للناس إشراكا من حبائل غرور وقول زور قد حمل الكتاب على آرائه وعطف الحق على‬ ‫أهوئه يؤمن الناس من العظائم ويهون كبير الجرائم يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع‬ ‫ويقول اعتزل الشبهات وبينها اضطجع فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان)‪ 2‬وقال‬

‫عليه السالم (أبغض الخالئق إلى اهلل رجالن رجل وكله اهلل إلى نفسه‪ ..‬ورجل قمش جهال‪...‬‬ ‫قد سماه أشباه الرجال عالما وليس به بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثير حتى‬

‫إذا ارتوى من آجل وأكثر من غير طائل جلس بين الناس مفتيا قاضيا ضامنا لتخليص ما‬

‫التبس على غيره‪ ...‬وإن نزل به إحدى المهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه ثم قطع به فهو‬ ‫من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت ال يدري أصاب أم أخطأ‪ ،‬إن أصاب خاف أن‬

‫يكون قد أخطأ وإن أخطأ رجى أن يكون قد أصاب‪ ...‬ال يحسب العلم في شيء مما أنكره‬

‫وال يرى من رواء ما بلغ منه مذهبا لغيره‪ ...‬وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل‬

‫نفسه)‪ 3‬وقال صلى اهلل عليه وآله وسلم (إياكم وأهل الدفاتر وال يغرنكم الصحفيون)‪ 4‬هذا‪،‬‬ ‫وقد يكون الرجل عاملاً من جهة جاهالً من جهة أخرى (علمني كانت اجلهتان أو مسألتني) فرمبا‬ ‫يكون املتصدي لألمر (أو املتصدون له) أفقه الفقهاء فقهاً وأصوالً ال سياسة واقتصاداً أو فقيهاً يف‬ ‫مسألة سياسية جاهالً بأخرى وال فرق فيما حنن بصدده من وجوب اإلشارة ووجوب ردع مانعها‬

‫لكونه عالماً بالباب دون المسيلة (حيث يطلي علياه العاال بالفقاه ماثالً وان جاال العدياد مان المساائل) أو بعلا دون آخار هاو‬

‫مير عال باعتبار تلل المسيلة وذلل العال اوخر وعال بالقياس إلر الباب والعل األول‪.‬‬

‫‪ 1‬فاااو جاهاال مركااب‪ ،‬وكالمااه عليااه السااال فااي بع ا‬ ‫با(وليس به) إما النفي حقيقة أو تنزيالً‪.‬‬

‫مقاطعااه يحتماال الجاهاال المركااب والعااال الضااال المضاال‪ ،‬فااالمراد‬

‫‪ 2‬ناج البالمة الخطبة ‪ ،87‬والعوال ص‪ 367‬عنه‪.‬‬

‫‪ 3‬العوال ص‪ ،593‬عن االحتجاج وبمضمونه روايات أخرك في أمالي الطوسي وميره فليراجل‪.‬‬ ‫‪ 4‬العوال ‪ 411‬عن موالي اللئالي‪.‬‬

‫‪319‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫كما سنوضحه‪ -‬من االلتزام بكون احلكومة للفقيه بالغلبة (مبعىن أن من قهر كا هو ويل األمر!)‬‫أو له بشرط انتخاب أكثرية األمة له أو لشورى الفقهاء‪.‬‬

‫[ومنهم]‪ :‬من ينحرف عن الصواب ويقع يف اخلطأ يف موارد علديدة مع كونه عاملاً عادالً لكونه‬ ‫منه قصوراً ال تقصرياً ووقوع ذلك لكل العلماء ‪-‬باستثناء املعصومني عليهم الصالة والسالم‪ -‬يف‬ ‫صغري املسائل وكبريها مما ال ريب فيه ولو فرض مستثىن من ذلك بأن ال يقع يف اخلطأ قصوراً ‪-‬‬ ‫سهوراً أو جهالً‪ ،‬أو خطأً أو نسياناً أو اضطراراً إىل غري ذلك‪ -‬فهو نادر جداً ثبوتاً وال حمرز له‬ ‫اثباتاً‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وآله (زلة العالم كانكسار السفينة تَغرق وتُغرق)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫[ومنهم]‪ :‬من يكون كذلك تقصرياً‪ :‬مبا يسقط العدالة كالكبائر واإلصرار على الصغائر أو ال‪،‬‬ ‫والعلل متعددة نذكر منها الدخول يف الدنيا والعصبية وحب املدح وقلة احلياء من اهلل وحب‬ ‫الرئاسة واستنكاف أن يقول ال أعلم فيفيت مبا ال يعلم‪ ...‬إىل غري ذلك‪.‬‬ ‫قا صلى اهلل عليه وآله‪( :‬الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا‪ ،‬قيل يا رسول اهلل وما‬

‫دخولهم في الدنيا؟ قال‪ :‬اتباع السلطان‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك فأحذروهم على دينكم)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وقال الصادق عليه السالم‪( :‬من حرم الخشية ال يكون عالما وإن شق الشعر في متشابهات‬

‫العلم‪ ،‬قال اهلل عز وجل "إنما يخشى اهلل من عباده العلماء" وآفة العلماء ثمانية‪ :‬الطمع‬

‫والبخل والرياء والعصبية وحب المدح والخوض فيما لم يصلوا إلى حقيقته والتكليف في‬ ‫تزئين الكالم بزوائد األلفاظ وقلة الحياء من اهلل واالفتخار وترك العمل بما علموا)‪ 3‬وقال‬

‫صلى اهلل عليه وآله‪( :‬من أفتى بغير علم لعنته مالئكة السماء ومالئكة األرض)‪ 4‬وقال صلى‬

‫اهلل عليه وآله‪( :‬أخوف من أخاف على أمتي األئمة المضلون)‪ 5‬وقال عليه عليه السالم‪...( :‬‬ ‫فإن العلم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي ال يستفيق من جهله بل الحجة عليه‬

‫‪ 1‬العوال ‪.369‬‬

‫‪ 2‬مسااتدرل الوسااائل الباااب ‪ 38‬ماان أب اواب مااا يكتسااب بااه الحااديث ‪ 8‬بسااند صااحيح والكااافي كتاااب فضاال العل ا الباااب ‪13‬‬ ‫الحديث ‪.5‬‬

‫‪ 3‬العوال ‪ 371‬عن مصباح الشريعة‪.‬‬

‫‪ 4‬العوال ‪ 427‬و‪ ،428‬عن نوادر الراوندي وعيون أخبار الرضا عليه السال والمحاسن وصحيفة الرضا عليه السال ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ناج الفصاحة‪.‬‬

‫‪320‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أعظم والحسرة له ألزم وهو عند اهلل ألوم)‪ 1‬وقال صلى اهلل عليه وآله‪( :‬من طلب العلم ال ربع‬ ‫دخل النار ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه أو يأخذ به‬

‫من األمراء)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وقال علي عليه السالم‪( :‬والناس منقوصون مدخولون إال من عصم اهلل سائلهم متعنت‬

‫ومجيبهم متكلف‪ ،‬يكاد أفضلهم رأيا يرده عن فضل رأيه الرضا والسخط ويكاد أصلبهم‬

‫عودا تنكؤه اللحظة وتستحيله الكلمة الواحدة)‪ 3‬وإذا كان كذلك [لزمت الدقة والفحص‬

‫أوال] عن كونه عاملاً أو متظاهراً بالعلم وأنه ممن يهيأ للمهمات حشواً رثاً من رأيه أم ال‪ ،‬وأنه حيمل‬ ‫الكتاب على آرائه أم ال؟ وقد ال يستطاع ذلك إال بطول املدة وشدة الفحص والتحقيق وسؤال‬ ‫العديد من أهل اخلربة ومن ذوي األذواق املختلفة واخلطوط املتعددة لتنكشف بذلك معايبه ومثالبه‬ ‫ولتعرف بذلك جهاته وهل أنه ممن يقول أقف عن الشبهات وفيها وقع‪ ،‬ويقول أعتزل الشبهات‬ ‫وبينها اضطجع أم ال؟ وال يكتفي بالتعديل من جهة واحدة فلرب جارح من جهة أخرى‪ 4‬خاصة‬ ‫يف مثل هذا الزمن الذي كثرت فيه الفنت والضالالت والبدع وعلماء السوء وهل ترى أن اتباع علي‬ ‫حممد الباب وكسروي ومن تبعه من بعده وحممد بن عبد الوهاب والشلمغاين من قبل وكذا الواقفية‬ ‫والفطحية وغريهم‪ ،‬معذورون لصرف توثيق من كان يعتقد بأولئك هلم أو كوهنم ثقات سابقاً؟‬ ‫واستثناء اجلاهل القاصر غري امللتفت إىل احتمال احنراف من يتبعه أو الذي ال سبيل له إىل‬ ‫التحقيقي والفحص والسؤال غري ضار مبا حنن بصدده من وجوب الفحص على امللتفت كما يف‬ ‫كافة التكاليف حىت ما ينبغي اعتقاده يف أصول الدين كما يلزم الفحص عن كونه عاملاً يف هذه‬ ‫املسألة باخلصوص أو هذا العلم أم ال‪ ،‬فال يكتفى مثالً بكونه فقهياً متبحراً وأصولياً متعمقاً يف‬ ‫الرجوع إىل آرائه يف السياسة واالقتصاد مثالً‪.‬‬

‫‪ 1‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪ ،110‬وراجل العوال ص‪ 320‬فصاعداً تجد روايات كثيرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬العوال ص‪ 332‬عن المنية وبمضمونه أحاديث عديدة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ناج البالمة‪ :‬قصار الحك ‪.343‬‬

‫‪ 4‬نظير ما يصنل في عل الرجال حيث ال يكتفي بتعديل معدل للاراوي بال يبحاث عان جارحاه بال قاد يقاال باألولوياة هناا‪ ،‬إذ‬ ‫الراوي يرجل إليه في مسيلة فقاية أو في عادة مساائل بال حتار فاي العشارات منااا‪ ،‬أماا اإلماا والقائاد والمرجال فاإن الشاخص‬

‫يرجل إليه في كل شؤونه أصوالً وفروعاً وحباً وبغضاً وأدباً وسلوكاً وبتعبير آخر يقلده دينه‪.‬‬

‫‪321‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ولزم ثانيا]‪ :‬الفحص والتنقيب ‪-‬على تقدير إحراز دخوله موضوعاً يف العلماء‪ -‬عن علة رأيه‬ ‫أو موقفه يف احلوادث الواقعة مثالً؟ فهل أن إصرار هذا الفقيه احلاكم مثالً على االستمرار يف‬ ‫احلرب نابع من العصبية وهيجان القوة الغضبية‪ 1‬أم ال؟ وهل أن اقرتاب هذا العامل من السلطان‬ ‫اجلائر وتعاونه معه ‪-‬يف أي حد كان التعاون ابتداءً من التزاور وإعطاء بعض التسهيالت احلكومية‬ ‫إزائها وانتهاءً إىل تأييد الدولة اجلائرة‪ -‬نابع من تشخيص واقعي للمصلحة أم سببه (الدخول في‬

‫الدنيا) كما سبق يف احلديث الشريف عنه صلى اهلل عليه وآله‪ 2‬أو سببه الطمع وحب املدح وحب‬ ‫الرئاسة كما يف احلديث اآلخر أو سببه اخلوف والرعب يف غري حملهما؟ وهل حماربته لعامل آخر أو‬ ‫للفئة األخرى نابعة من احلسد‪ 3‬وقد جعل الدين غطاءً أو ستاراً أم ال؟ وهذكا وهلم جراً‪...‬‬

‫[ولزم ثالثا]‪ 4:‬الفحص عما لو كان رأيه وموقفه من احلوادث الواقعة نابعاً من خطأ قصوري ‪-‬‬ ‫جهالً أو نسياناً أو سهواً أو غفلة أو أنه نابع من االضطرار واإلجبار واإلكراه مما يشرتك مع اخلطأ‬ ‫القصوري يف املعذورية ‪-‬وأن تشخصيه ‪-‬مثالً‪ -‬ضرورة حرب هجومية ضد دولة جماورة نابع من‬ ‫تضخيم متعمد أو غري متعمد لقنواته املعلوماتية عن حجم القوة العسكرية للعدو وإعداداته‬ ‫للهجوم مثالً وعن نواياه اخلفية أو عن حتريف يف النقل وغري ذلك وكذا العكس وكذا هل أن‬ ‫تشخيصه ضرورة التحالف من دولة ما نابع عن معلومات صحيحة عن ثقل تلك الدولة الواقعي‬ ‫يف موازين القوى العاملية واحمللية وأرجحية التحالف معها على التحالف مع دولة أخرى معادية هلا‬ ‫وعن مدى التزامها ببنود االتفاق ووفائها به أم ال؟ وهل أن (لوبياً) معيناً وحماور قوى خاصة قد‬ ‫صنعت أجواء خاصة وولدت ضغوطاً معينة أم ال؟ وهكذا‪.‬‬ ‫[وأما] إحراز عدالته ابتداءً [فال] تكفي لدفع اخلطأ القصوري‪ ،‬إذ ال علقة بينهما أصالً كما‬

‫ال خيفى‪ ،‬وأما االحنراف املتعمد فقد ال يكون تناف بينه وبينها يف بعض املوارد ‪-‬فتأمل‪[ ،‬إضافة]‬ ‫إىل أن اإلحراز االبتدائي غري كاف بل البد من اإلحراز استدامة املوقوف على التحقيق يف كل‬ ‫حادثة واقعة اختذ فيها موقفاً [إال] أن يكتفى باستصحاهبا فتأمل‪[ ،‬إذ قد يقال] بعدم جريانه يف‬

‫‪ 1‬كما مر في الحديث الشريا أن من آفة العلماء العصبية والتعصب (يرده عن فضل رأيه الرضا والسخط)‪.‬‬ ‫‪ 2‬أو سببه الطمل وحب المدح وحب الرئاسة كما في الحديث اوخر‪.‬‬ ‫‪ 3‬حيث ورد (تسعة أعشار الحسد في العلماء)‪.‬‬ ‫‪ 4‬كما تلز اإلشارة وسائر ما ذكر‪.‬‬

‫‪322‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫األمور اخلطرية مع احتمال اخلالف وإمكان الفحص‪ ،‬أال ترى أن من كان ممره على منطقة آمنة مث‬ ‫احتمال احتماالً عقالئياً جميء سيل أو كمون عدو أو مفرتس‪ ،‬ال يسلكه إال بعد الفحص ولو‬ ‫سلكه فذهب به السيل أو قتله العدو أو املفرتس مل يكن معذوراً بل كان ملوماً؟ وهل ترى إحدى‬ ‫الدولتني املتحاربتني تبقى عساكرها يف مواقعها الستصحاب إبقاء تلك الدولة األخرى عسكرها يف‬ ‫موضعه السابق أم تفحص وتبحث؟ ولو فعل ذلك قائد أحد اجليشني معتمداً على استصحاب‬ ‫بقاء جيش العدو يف مواضعه أو يف بلده فغزى يف عقر داره من طريق وثغر آخر‪ ،‬أال يكون ملوماً‬ ‫عند كافة العقالء وهل يعده أحدهم معذوراً؟ واألمثلة كثرية والوجدان هبا شاهد هذا‪.‬‬ ‫ولو قيل جبريانه يف األمور األخروية يف مثل تلك الصورة‪ 1‬مل ميكن القول به يف األمور الدنيوية يف‬ ‫مثلها وبناء العقالء بذلك شاهد‪ ...‬هذا‪.‬‬ ‫[وحيث] استلزم رأي الفقيه يف احلوادث الواقعة ضرراً كبرياً دنيوياً ‪-‬يف النفس أو املال أو‬ ‫العرض باملعىن األعم‪ -‬إن مل يكن نابعاً حقيقة عن تشخيصه للواقع‪ 2‬بل عن أحد العلل السابقة‬ ‫الذكر يف القسم الثالث من أقسام العلماء وحيث احتملت تلك العلل احتماالً عقالئياً كما‬

‫أرشدت إليه األحاديث السابقة (آفة العلماء ثمانية‪ ...‬وتسعة أعشار الحسد في العلماء‪..‬‬ ‫ومن طلب العلم ألربع‪ ...‬الخ) [وجب] عند العقل والعقالء الفحص عن سبب موقفه وأنه‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ وعدمها‬ ‫اهلوى وأشباهه أم الورع والعقل؟ وبتعبري آخر‪ :‬وجب الفحص عن عدالته‬ ‫مر يف اهلامش‪ -‬إال لدفع العقوبة األخروية كما لو‬ ‫واستصحاهبا على فرضه غري كاف ‪-‬كما ّ‬ ‫استصحب عدالته فصلى خلفه أو استصحبها فدفع له املال فيما لو نذر دفعه لفقري عادل أو‬

‫‪ 1‬وهي األمار الخطيار مال قاوة احتماال الخاالا وامكاان الفحاص كماا لاو احتمال قويااً ارتضااال زوجتاه الصاغيرة ممان يوجاب‬ ‫ارتضااعاا منااا الحرماة كزوجتاه الكبيارة أو أماه ماثالً‪ ،‬وكماا لااو استصاحب عدالتاه للصاالة خلفاه أو لترتياب ساائر ماا يتوقااا‬

‫علر العدالة من الشرعيات فال عقوبة حينئذ لو بان الخالا ولعل السر في ذلل كون الشريعة مبنياة علار التساايل أو كفاياة‬ ‫مؤمن مثال أدلاة االستصاحاب مان العقوباة األخروياة أو ميار ذلال مماا ال يجاري فاي الشاؤون الدنيوياة كماا فاي مثاال الطرياي‬ ‫م‬ ‫مؤمنة مان خطار القتال أو هجاو العادو وهاي تشاريعية وتلال تكوينياة‬ ‫والجي السابي في المتن وهل تكون أدلة االستصحاب م‬ ‫وتيميناا من العقوبة األخروية ال يدفل اوثار التكوينية الخارجية للشيء‪ ،‬ومصلحة التسايل ‪-‬إن تمت في الشاريعة‪ -‬ال ي ارهاا‬

‫العقااالء فااي شااؤونا الدنيويااة الخطي ارة إذ هااي نق ا‬

‫الضرر المحتمل هذا‪.‬‬

‫للغاار‬

‫وتاارجيح للمرجااوح عق االً قطع ااً فااي قبااال إل ازمااه بااالفحص لاادفل‬

‫‪ 2‬بل قد أدخلنا سابقاً حتر هذه الصورة في لزو الفحص وسييتي مزيد بيان له أيضاً بإذنه تعالر‪.‬‬

‫‪323‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫استصحبها يف الشاهدين فحكم على مقتضى شهادهتما أو غري ذلك من األمثلة‪ ،‬ال الضرر‬ ‫مؤمن منه؟! هذا‪.‬‬ ‫الدنيوي الذي ال ّ‬

‫إضافة إىل كون هذا االستصحاب مثبتاً‪ ،‬إذ معلولية هذا الرأي للتشخيص اجملرد عن الغضب‬ ‫واحلسد و‪ ...‬الزم عقلي أو عادي إلبقاء العدالة فتأمل‪ ،‬إذ قد يقال بكون الالزم الذي يراد إثباته‬ ‫هو جواز االتباع كما تستصحب العدالة إلثبات جواز االقتداء فتأمل‪ ،1‬إذ قد يقال بأن جوازه‬ ‫متفرع على صدور الرأي جمرداً عن منافيات العدالة املتفرع عليها فهو الزم شرعي لالزم العقلي‬ ‫فتأمل‪ ،‬إذ قد يقال خيفاء الواسطة أو برتتب اللوازم الشرعية لللوازم العقلية مطلقاً‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫[وقد يمكن االستدالل] على بعض صور املسألة وهي ما لو اهتم الفقيه يف رأيه وموقفه من‬

‫احلوادث الواقعة بل لو احتمل اهتامه بكونه عن غضب أو هوى‪ ..‬اخل باملناط احملقق يف علم‬ ‫الرجال املوجب للبحث عن اجلارح ولو فيمن كانت عدالته حمرزة يف زمن مث وجد جارج أو احتمل‬ ‫وجوده احتماالً عقالئياً يف الزمان الالحق الذي صدرت فيه عن الراوي الرواية هذا‪.‬‬ ‫وأما كونه منصوباً حاكماً يف احلوادث الواقعة فال يدفع وجوب الفحص عن خطأه القصوري‬ ‫والتقصريي‪ 2‬إذ غريه أيضاً منصوب حاكماً فيها كما بيّناه يف حمله‪ 3‬أو نقول غريه أيضاً مكلف‬ ‫بإحقاق احلق وإبطال الباطل وكونه منصوباً ال يستلزم كون احلق ما حكم به لبطالن التصويب‪...‬‬ ‫رده‪ ...‬إضافة‪ 4‬إىل أن منصوبيته مشروطة بالعدالة ومع الشك فيها ‪-‬فيما‬ ‫فإذا رأى بطالنه كان له ّ‬ ‫حتمل االحنراف املتعمد أي تقصرياً‪ -‬ال جمال للتمسك مبنصوبيته لدفع وجوب الفحص لكون‬

‫‪ 1‬إذ جواز االتباال علر فرضه ال يدفل اال العقوبة األخروية ‪ -‬وال يدفل الضرر الدنيوي‪.‬‬

‫‪ 2‬كما ال يادفل وجاوب اإلشاارةك علياه بخطايه وتنبيااه إلياه كماا ال يسابب جاواز منال المشاير منااا وال عاد وجاوب طلبااا وال‬ ‫عد وجوب ردال األماة مانعااا وأماا وجاوب ساعي المشاير لتطبياي محتواهاا ففياه تفصايل تطرقناا لاه فاي موضال آخار‪ ،‬ونقاول‬ ‫هنااا‪ :‬إن اسااتل از ذلاال للااارج والماارج واخااتالل النظااا مياار تااا ‪ ،‬إذ كمااا يرتفاال ذلاال بنصااب الواحااد وتح اري مخالفااة اوخ ارين‬

‫مقتضر حكمه يرتفل بنصب الجميل وتحري مخالفة األقلية رأي األكثرية‪ ،‬وال يكون الاالز األعا دلايالً علار أحاد الملازومين‪،‬‬ ‫إضافة إلر أن السعي نحو ذلل لو كان باللتي هي أحسن ال بالقوة والعنا ل يستلز ذلل فتيمل‪.‬‬

‫أي منا استقالالً ‪-‬كما في وكيلي شخص في معاملة جعل لكل مناما‬ ‫‪ 3‬لو كان المنصوب كل واحد منا بحيث ينفذ حك م‬ ‫الحي في البيل استقالالً‪ -‬ل يستلز منصوبية اوخر وجوب فحصه بل لو فحص وبان لاه الخطاي لا يكان لاه المخالفاة‪ ،‬وفياه‬ ‫أن هذا قد يمكن االلت از به في القضايا الشخصية وموارد القضاء الفردي دون الشؤون العامة واألماور النوعياة كماا مبينااه فاي‬ ‫مكان آخر فليراجل‪.‬‬

‫‪ 4‬هذا علر تقدير تماميته أخص من المدعر‪ ،‬وقد ذكرنا سابقاً وجااً آخر للازو الفحاص عان خطايه قصاو اًر كاان أو تقصاي اًر‬ ‫فليراجل‪.‬‬

‫‪324‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مر الكالم فيه بل‬ ‫الشك فيها شكاً فيها واستصحاب املنصوبية مسبيب واستصحاب العدالة قد ّ‬ ‫اجري نظريه يف استصحاب املنصوبية‪...‬‬

‫[إضافة] إىل أن بناء العقالء على ما ذكرناه يف الشؤون اخلطرية حىت يف املنصوب‪ ،‬أال تراهم لو‬ ‫نصبوا خبرياً إلرشادهم إىل الطريق اآلمن يف متاهة عظيمة‪ ،‬يلزمون أنفسهم أو سائر خربائهم فيما‬ ‫لو احتملوا احتماالً عقالئياً خطأ هذا املنصوب قصوراً أو تعمده تقصرياً بالفحص والتحقيق عن‬ ‫صواب ما أشار به وخطأه وتراهم لو احتملوا ذلك حيققون عن سبب إشارته إىل هذا الطريق‬ ‫اخلاص وأنه حمض رأي أم نابع عن عصبية ‪-‬يف موارد احتماهلا كما لو احتمل إرادته هالك القوم‬ ‫أثر معاقبتهم له يف أمر ما قبل قليل‪ -‬أو غضب أو هوى أو عجلة‪ ...‬اخل كما أن اخلبري اآلخر لو‬ ‫رأى خطأه ومل يشر ومل ينبه فهلكوا كان ملوماً معاقباً ولو أراد اإلشارة والتنبيه فمنعه مانع فهلكوا‬ ‫كان ملوماً مذموماً وكذا لو مل يطلبها اخلبري املنصوب مع احتماله خطأه قصوراً وأن يف القوم من‬ ‫حيتمل معرفته بالطريق وأن استشارته حيتمل كوهنا منجية من اهلالك‪ .‬فهلكوا‪ 1‬كان ملوماً وكذا لو مل‬ ‫يردع القوم مانع اإلشارة فهلكوا كانوا ملومني مذمومني‪ 2‬ولو مل يسع اخلبري الذي يرى خطأ الطريق‬ ‫دل عليه اخلبري املنصوب‪ ،‬حلمل الناس على سلوك الطريق اآلخر الذي يراه منجياً‪ ،‬كان‬ ‫الذي ّ‬ ‫أيضاً ملوماً مذموماً‪.‬‬

‫[وال فرق] يف ذلك بني املنصوبني من قبل العقالء‪ ،‬واملنصوب من قبل حجة اهلل ملا سبق قبل‬ ‫صفحة‪ 3‬تقريباً ولفرض عدم عصمته ‪-‬إذ الكالم يف مراجع التقليد‪ 4-‬ولكون الدال على النصب‬ ‫كقوله عليه السالم فإين قد جعلته عليكم حاكماً‪ -‬داالً على تنزيله منزلة احلاكم العريف يف نفوذ‬‫حكمه ال أكثر‪ ،‬فيكون مثله وليس احلاكم العريف لو أخطأ أو احتمل خطأه يف القضايا اخلطرية‬ ‫حبيث حيكم العقل بلزوم اتباعه ويبين العقالء على لزوم طاعته وعدم الفحص عن خطأه وعدم‬ ‫الردع عنه بل األمر بالعكس متاماً‪.‬‬

‫‪ 1‬وقد ورد في الحديث الشريا إرشاداً (من استبد برأيه هلل ومن شاور الرجال شاركاا في عقولاا)‪.‬‬ ‫‪ 2‬من الواضح استثناء مفلتا قصو اًر عن ذلل االحتمال كما في كل تكليا مفل عنه قصو اًر‪.‬‬ ‫‪ 3‬عند قولنا (إذ ميره أيضاً ‪.)...‬‬

‫‪ 4‬وحيث إن واليته مقيدة بالعدالة جرك هنا ما ذكرناه سابقاً فليراجل‪.‬‬

‫‪325‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وكون رأيه حجة لنفسه وملن تبعه ال مينع وجوب الفحص واإلشارة ووجوب ردع مانعها‪ ...‬اخل‬ ‫كما بيّناه‪.‬‬ ‫وال خيفى عدم الفرق يف مجيع ما ذكرناه بني ما لو التزمنا بوالية الفقيه الواحد ‪-‬وهو األعلم أو‬ ‫من بيده السلطة مثالً‪ -‬أو بوالية كل الفقهاء ونفوذ حكم األكثرية فيجب على سائر اجملتهدين‬ ‫واخلرباء الفحص ‪-‬وجتب اإلشارة وحيرم منعها واجب طلبها‪ ...‬اخل‪ ،‬جلريان بعض األدلة السابقة‬ ‫فتأمل‪.‬‬

‫[وقد يقال] إن جمموع ما ذكر من وجوب اإلشارة ووجوب االستشارة وحرمة منعها ووجوب‬ ‫سعي املشري لتطبيق حمتواها يدل بالداللة االلتزامية عرفاً على وجوب االلتزام برأي األكثرية وفيه ما‬ ‫ال خيفى‪ ،‬وبتعبري آخر إن وجوب اإلشارة ووجوب طلبها مقدمة طبيعية للعمل برأي األكثرية‪ ،1‬إذ‬ ‫هي تؤدي إىل ذلك عادة فيكون طلبها طلبها‪ ،‬فاملرجع القائد ‪-‬مثالً‪ -‬لو استشار يف شؤونه العامة‬ ‫سائر املراجع وأشاروا عليه ّأدى بلورة اآلراء وتبادل وجهات النظر إىل وجود أكثرية اقتناعاً أحياناً‪،‬‬ ‫كما يؤدي ضغطهم العملي وإعمال الفقيه قاعدة األهم واملهم إىل ذلك أحياناً أخرى حيث يرى‬ ‫عدم العمل بآرائهم مشتمالً على ضرر أكرب من شرر العمل مبا يرى أنه األصلح لو خلى وطبعه‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬ضرر العمل مبا أدى إليه نظره لكونه خمالفاً آلراء أكثرية الفقهاء أكرب من ضرر‬ ‫مؤدي نظرهم مبا هو‬ ‫العمل مبا أدت إليه آرائهم وإن كان يرى حسب تشخيصه اخلاص الضرر يف ّ‬ ‫هو وبعبارة أخرى‪:‬‬ ‫العمل برأيه راجح يف ح ّد ذاته مرجوح بالنظر إىل خمالفتهم له حبد احلرمة فمثالً‪ :‬هو يرى احلرب‬ ‫وهم يرون الصلح فهل يا ترى لو استشار ابتداءً واستدامة يلتزم مبا رآه مع رؤيته خمالفة األكثرية هلا‬ ‫مع ما يرى من ضعف شوكته وقلّة قدرته مبخالفتهم هلا ودعوهتم للصلح مما يستلزم هزميته يف احلرب‬ ‫لو أقدم عليها‪ 2‬فإنه لو جترد عن سيطرة القوة الغضبية والعصبية ‪-‬كما مر من كون العصبية آفة‬ ‫‪ 1‬فيكون إرادتاا (اإلشارة وسائر ما ذكر) إرادة له بااللت از العرفي‪.‬‬

‫‪ 2‬أو يستلز زلزلة شخصيته االعتبارية وضعا هيمنته علار النااس المساتلز لتشاكيكا فاي بعا‬

‫مبانياه األخارك األساساية‬

‫لديه أو ضعا تيثيره علر الناس فيما كان بصدد التيثير عليا وتوجياا في ميادين شتر أو يستلز انفضا‬

‫الفقاااء عناه‬

‫وترجيحا لغيره عليه كما حدث ذلل أو عكسه في زمن المرحومين الخ ارسااني والطباطباائي قادهما وفاي زمان المرحاو السايد‬

‫أبااي الحساان األصاافااني قااده حيااث انفض اوا عاان مي اره إليااه ماال كونااه أحااد تسااعين مرجع ااً طبع اوا رسااائلا العمليااة بعااد وفاااة‬ ‫الطباطبائي قده وكما حدث في زماننا مما يرك بالعيان وال حاجة للبيان‪.‬‬

‫‪326‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مر أوائل الكتاب من عدوله صلى‬ ‫للعلماء وغري ذلك‪ -‬ملال عنها وعدل وميكن التمثيل لذلك مبا ّ‬ ‫اهلل عليه وآله عن رأيه إىل رأي األكثرية يف تلك املعركة مع ما استلزمه اتباع آرائهم من الضرر وقد‬ ‫مر تفصيله ولسنا حباجة إىل إثبات صحة السند لكون ما عمله صلى اهلل عليه وآله على فرضه‬ ‫‪1‬‬ ‫مطابقاً للقاعدة العقلية‪.‬‬ ‫يؤدي إىل ذلك أحياناً أخرى حماولته كسب األكثرية إىل جانبه حيث وجب عليه طلب‬ ‫كما ّ‬ ‫إشارهتم وحرم عليه منعهم منها ووجب عليهم اإلشارة عليه وحيث رأى ما يف انعقاد األكثرية‬ ‫ض ّده من الضرر هذا‪ ،‬ولكن ال خيفى ما فيما ذكرناه من أوجه التأمل‪ 2‬فتأمل‪.‬‬

‫[وقد يقال]‪ :‬إن أمر الفقيه حيث دار بني االحتماالت الثالثة املتقدمة وحيث كان احملتمل من‬ ‫األمور اهلامة وجب عقد جملس شورى من الفقهاء واتباع أكثريتهم لكون تلك الثالثة يف أكثرية‬ ‫الفقهاء أضعف بكثري من الواحد‪ 3‬ويؤيده‪ 4‬أن نفس وجود الفقهاء يف (جملس شورى) له االعتبار‬ ‫الرمسي والعريف ‪-‬مما خيوهلم سلطة اعتبارية يف احلكومة أقوى مما لو مل يكونوا فيه‪ -‬ادعى لردع‬ ‫أحدهم عن اختاذ موقف خاطىء قصوراً‪ 5‬وتقصرياً‪ 1‬إذ من املسلم أن من يرى نداً يف قباله حياول‬

‫‪ 1‬ال يخفار كثارة أملاة اتبااال رأي اوخارين وتارل مااا أدك إلياه أرياه بال وقطال باه لكااون ضارر مخاالفتا أكثار ‪-‬ولاو مال قطاال‬

‫النظر عن مسيلة األكثرية‪ -‬مثالً حادثة التحكي في قصة صفين مل كوناا بضرر اإلسال وحيلاة مان معاوياة حياث اضاطر‬

‫اإلما عليه السال إلر قبول ذلل نظ اًر لضغط الخوارج وترتب أضرار أكبر لو خالفا عليه الصالة والسال ‪.‬‬

‫‪ 2‬مناا‪ :‬كون النسبة بين ما ادعيناه من وجوب اتباال األكثرية وبين الادليل عمومااً مان وجاه وعاد الاتالز بيناماا ال عقاالً وال‬

‫عرفاً‪.‬‬

‫ومنااا‪ :‬الاانق‬

‫بمااا لااو كاناات مخلفااة أحااد الفقااااء ‪ -‬لكونااه أطااول باعااً وأكثاار تاايثي اًر وأنصااا اًر أو لاابع‬

‫ذلاال أو لغياار ذلاال ‪-‬‬

‫يؤدي ضغطه العملي ‪-‬حسب ما فصلناه‪ -‬إلر االلت از برأيه‪.‬‬ ‫مستلزمة للمحذور المذكور إذ م‬ ‫اؤدي إلار انتخااب رأي األقلياة‬ ‫ومناا‪ :‬أن محاالوة كساب األكثرياة أعا مان كساباا وكاذا بلاوة اوراء وتباادل وجااات النظار قاد ي م‬ ‫وكذا قد يرك األصلح محاولة كسب األقلية‪.‬‬ ‫ومناا‪ :‬عد انتاج ذلل إال موجبة جزئية إال أن يتمسل بعد الفصل‪.‬‬

‫ومناا‪ :‬أقربية ذلل لالستحسان منه للبرهان والتنزيل مير مسل ‪ ،‬فليتيمل في جميل ما ذكرناه استدالالً واشكاالً واهلل الاادي‪.‬‬

‫‪ 3‬قاد تكلمناا حاول هااذا الادليل فاي موضاال آخار مان الكتااب ‪-‬لكاان دون التطاري لالحتمااالت المطروحااة هناا‪ -‬بشاكل مفصاال‬ ‫فليراجل‪.‬‬

‫‪ 4‬ما ذكر هانا يعد أحد المقربات لما ذكرنااه فاي محلاه مفصاالً مان أن طريقياة الشاورك للواقال أقاوك بنسابة معنتار بااا عقاالً‬ ‫وعرفاً من طريقية رأي الواحد له فليض هذا لذال ‪ -‬فتيمل‪.‬‬

‫‪ 5‬التوقي عن الخطي القصوري ين ‪-‬إلر حد ماا‪ -‬عبار ش مادة التثبات واالحتيااط وكثارة التحقياي والفحاص مماا لاو تركاه لا يعاد‬ ‫خطي تقصيرياً فتيمل‪.‬‬

‫‪327‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫س ّد نواقصه وجربها وحتسني عمله كماً وكيفاً حسب قانون التنافس ‪‬استَبِ ُقوا الْ َخير ِ‬ ‫ات‪‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ك فَ لْيَتَنافَ ِ‬ ‫سو َن‪ ‬و‪َ ‬وسا ِرعُوا إِلى َمغْ ِف َرةٍ ِم ْن َربِّ ُك ْم‪.‬‬ ‫و‪َ ‬وفِي ذلِ َ‬ ‫س ال ُْمتَناف ُ‬

‫[ومما يوضح ذلك] أن الفقيه يف املسائل الشريعة ‪-‬لو انفرد بالنظر والتأمل‪ -‬خيتلف حاله عما‬ ‫لو طرح املسألة يف جممع علمي يشرتك فيه فحول العلماء وتطرقوا هلا باملناقشة واإلشكال واجلواب‬ ‫واألخذ والرد‪ ،‬من جهتني‪:‬‬ ‫من جهة‪ :‬بذله مزيداً من الدقة والفكر والوقت واجلهد يف حتقيق املسألة وتنقيحها وذلك أمر‬ ‫طبيعي وبديهي ومن جهة استفادته من اآلخرين يف جرح وتعديل ما يراه ولرمبا انصرف عن معتقده‬ ‫إىل معتقد اآلخر أو قال بالتفصيل أو تردد‪ 3‬ومعرفة هذه اجلهة كافية للحكم ‪-‬يف الشؤون العامة‪-‬‬ ‫مبا يف اإلشارة واالستشارة من الفائدة الكبرية يف بذل كل منهم جهده لتقدمي األطروحة األكثر‬ ‫تكامالً واألنفع للعباد والبالد ويف بذل قصارى جهده لتنجنب اخلطأ والنقص يف النظرية أو‬ ‫التطبيق‪ 4‬وبكوهنا ملزمة وإن مل تكف للحكم بوجوب اتباع أكثرية الفقهاء إال من الطريق الذي‬ ‫تطرقنا له تفصيالً يف أماكن أخرى من الكتاب‪.‬‬

‫‪ 1‬خاصة مل مالحكة قاعدة (التدافل) قال تعالر‪ :‬و و ن فالع ك‬ ‫لت‬ ‫لِ ل يفتس ب العض ره الم كبب العض ره ة الت صول ك عر وكبيوعو وصولو و‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫و ست كج ر ي الكر كفيهت لسم ك‬ ‫لِ ك كثي لرخ‪.‬‬ ‫ر ر‬ ‫ال ر‬ ‫‪ 2‬وبداهة ذلل تتضح بمالحظة كل متنافسين في أي حقل من الحقول‪.‬‬

‫‪ 3‬والمثااال الااذي يمكاان ذك اره لنظياار (المجماال العلمااي) هااو‪ :‬مااا تااداول فااي الحااوزات ماان عقااد مجلااس بحااث علمااي يساامر‬ ‫باا(الكمباني) عااادة حيااث يتشااكل ماان عاادة علماااء متقاااربي المسااتوك أو يتشااكل ماان أسااتاذ الخااارج وماان أباارز تالميااذه وأكثااره‬

‫ذكاء وتفوقاً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 4‬قد تكلمنا حول هذا الدليل في موضل آخر من الكتاب بشكل مفصل فليراجل‪.‬‬

‫‪328‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل الثاني‬ ‫في بیان حكم تخالف رأي أكثرية شورى الفقهاء مع أكثرية األمة‬

‫‪329‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[إذا] ختالف رأي أكثرية شورى الفقهاء مع رأي أكثرية األمة فأيهما املقدم؟‬

‫[فإن قلنا] بكون حكومة احلاكم نوعاً من الوكالة حيث توكله األمة يف إدارة شؤوهنا كان الرأي‬ ‫لألمة‪ ،‬إذ ال رأي للوكيل مع معارضته لألصيل‪ ،‬وأما مع خمالفة بعض األمة للحاكم فالرأي له وإن‬ ‫كان وكيالً عن اجملموع كي ال يلزم اختالل النظام‪ ،‬وأما اشرتاط تقدم رأي الوكيل عند التعارض‬ ‫فخالف مقتضى الوكالة إال إذا كان شرطاً يف ضمن عقد آخر وقد ذكرنا يف موضع آخر ما يبعد‬ ‫كون احلكومة وكالة وقد يكون منه‪- :‬نفوذ حكمه على األقلية املعارضة يف مسئلة معينة وإن‬ ‫انتخبته كحاكم رغم كونه وكيالً عنها كغريها وكذا نفوذ حكمه على األقلية اليت مل تنتخبه رغم‬ ‫‪1‬‬ ‫عدم توكليها إياه وانتخاهبا له وكذا قد يكون منه (أن أكثرية الوكالء يشرعون ال كل الوكالء)‬ ‫اللهم إال أن يقال بكون توكيل األمة هلم على هذا النحو بأن يكون نفوذ حكم الوكالء مشروطاً‬ ‫بانعقاد أكثريتهم عليه ال كلهم ‪-‬كما هو كذلك خارجاً وارتكازاً‪ -‬فتأمل‪.‬‬

‫[وإن قلنا] بكوهنا عقداً مستقالً بني األمة واحلاكم ‪-‬وهو عقد معترب عند العقالء فتشمله أدلة‬ ‫لزوم الوفاء بالعقد‪ -‬كان على طبق ما تعوقد عليه فإن مت ‪-‬ولو ارتكازاً‪ -‬على أن يكون األمر‬ ‫لألمة عند التعارض ‪-‬كما يف دميقراطيات عامل اليوم‪ -‬كان هلا وإال كان له كما أن مدة واليته‬ ‫تابعة ملا تعوقد عليه كما ألحد الطرفني الفسخ بالشرط وال يلزم من التعاقد على أن يقدم رأي‬ ‫أكثرية األمة أو أكثرية أهل احلل والعقد الذين ارتضتهم األمة‪ ،‬اهلرج واملرج واختالل النظام كما‬ ‫نرى ذلك يف كل احلكومات الدميقراطية اليت حيق ألكثرية األمة فيها نقض ورفض ما قرره احلاكم‬ ‫إضافة إىل أن ذلك ال حيدث إال نادراً‪.‬‬

‫[وإن قلنا] بكوهنا منصباً من قبل املعصوم عليه السالم ‪-‬كما هو ظاهر قوله عليه السالم‬ ‫(فإني قد جعلته عليكم حاكما) و(مجاري األمور بيد العلماء باهلل األمناء على حالله‬ ‫وحرامه) وكما هو ظاهر كلمة (قيم) يف قوله الرضا عليه السالم يف خرب الفضل بن شاذان‬

‫(فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود واألحكام) وقوله فيه (ومنها أنه‬ ‫لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا‪.)...‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ 1‬الفقه‪ :‬القضاء‪ ،‬ص‪.8‬‬

‫‪ 2‬عيون أخبار الرضا عليه السال ‪ :‬الباب ‪ ،34‬الحديث ‪ ،1‬وعلل الشرايل‪ :‬الباب ‪ ،182‬الحديث‪.9‬‬

‫‪330‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقول علي عليه السامل (ومكان القيم باألمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه فإذا‬

‫انقطع النظام تفرق الخرز وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وال خيفى ما يف إشعار أو داللة (مكان النظام‪ )...‬على نفوذ كلمته ولو عند التعارض فتأمل‪،‬‬ ‫إال أن يقال بأن معىن قيّم لغة القائم باألمر فال داللة فيه على ما ذكر‪ .‬قال يف لسان العرب (وقيّم‬ ‫األمر‪- :‬مقيمه‪ ،‬والقيّم‪ :‬السيد وسائس األمر‪ ،‬وقيم القوم‪ :‬الذي يقومهم ويسوس أمرهم)‪ 2‬إال أن‬ ‫يقال باستفادة املنصبية منه عرفاً كما يف قولك قيم الصغار وشبهه بل ولغة لقوله (الذي يقومهم‬ ‫ويسوس أمرهم) الظاهر منه ذو املنصب الذي ينفذ كالمه على غريه‪ ،‬إذ هذا شأن املقوم والسائس‬ ‫مقوماً‪ ،‬وملا كان سائساً بل مسوساً‪ ،‬وكذا ظاهر كلمة السيد‪ ،‬لكن النفوذ‬ ‫مقوماً بل َّ‬ ‫وإال ملا كان ِّ‬

‫أعم من املنصبية ‪-‬كان الرأي ألكثرية شورى الفقهاء ويؤيده قوله عليه السالم‪( :‬وأما حقي‬ ‫عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب واإلجابة حين أدعوكم والطاعة حين‬

‫آمركم)‪ 3‬إذ مقتضى الوفاء بالبيعة اإلطاعة وتنفيذ األوامر إضافة إىل االلتزام باألصل وعدم العزل‬ ‫فتأمل‪ ،‬أما قوله (واإلجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم) فله إطالق فيشمل‪ :‬حالة‬ ‫التكاسل والتثاقل وحالة اجتهادهم خبالف رأي اإلمام ورؤيتهم أمره ودعوته غري صحيحة‪ ،‬إال أن‬ ‫يقال باالنصراف لألول‪ ،‬ويدل عليه قوله (والنصيحة في المشهد والمغيب) حيث يشمل حاليت‬ ‫وضوح األمر وختالف االجتهاد‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫أو يقال بأن هذا بيان حلقه عليه السالم مبا هو منصوب من قبل اهلل وإمام معصوم ال مبا هو‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ فاإلطالق مسلم ال ريب فيه فتأمل‪ .‬وكذا يؤيده ما عن دعائم اإلسالم عنه عليه‬ ‫حاكم‬ ‫السالم (والية أهل العدل الذين أمر اهلل بواليتهم وتوليتهم وقبولها والعمل لهم فرض من اهلل‬ ‫وطاعتهم واجبة وال يحل لمن أمروه بالعمل لهم أن يتخلف عن أمرهم)‪ .‬هذا‪.‬‬

‫[ويمكن القول] بكون اشرتاط رضى الناس ‪-‬على القول به‪ -‬خمتصاً بأصل واليته ال يف‬ ‫أحكامه بعد واليته‪ ،‬إذ ذلك هو مقتضى املنسبية وللزوم اهلرج واملرج لواله كما هو احلال يف‬ ‫القاضي فتأمل‪.‬‬ ‫‪ 1‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.146‬‬

‫‪ 2‬لسان العرب‪ :‬ج‪ ،12‬ص‪ ،502‬مادة قو ‪.‬‬ ‫‪ 3‬ناج البالمة الخطبة ‪.34‬‬

‫‪331‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ولكن يرد عليه]‪ :‬أما (إذ ذلك مقتضى المنصبية) ففيه أن ثبوت املنصب أعم من نفوذ‬ ‫احلكم مطلقاً أي ولو مل يرض الطرف اآلخر به‪ ،‬إذ قد يكون املنصب ثابتاً مع كون نفوذ احلكم‬ ‫مشرتطاً بالرضى‪ ،‬إذ ليس جعل املنصب علة تامة لنفوذ احلكم‪ ،‬إذ كما يكون نفوذه مقيداً بالغبطة‬ ‫مثالً كما يف ويل النكاح كذلك قد يكون مقيداً بالرضى وذلك كما يف ويل البكر الرشيدة ‪-‬على‬ ‫قول‪ -1‬حيث التزم باشرتاط رضاها يف نفوذ تزواجه استناداً إىل موثقة صفوان قال‪( :‬استشار عبد‬ ‫الرمحن موسى بن جعفر عليهما السالم يف تزويج ابنته البن أخيه فقال عليه السالم‪ :‬افعل ويكون‬ ‫ذلك برضاها فإن هلا يف نفسها نصيباً‪ ،‬قال واستشار خالد بن داوود موسى بن جعفر عليهما‬ ‫السالم يف تزويج ابنته علي بن جعفر عليهما السالم فقال افعل ويكون ذلك برضاها فإن هلا يف‬ ‫نفسها حظاً) وال خيفى ما يف تعليل هذه الرواية ‪-‬والعلة معممة وخمصصة‪ -‬من الداللة على‬ ‫اشرتاط نفوذ حكم الفقيه يف األمة برضاها ألن هلم يف أنفسهم حظاً ونصيباً بل احلكم هنا أوىل ‪-‬‬ ‫فتأمل‪.‬‬ ‫[ولكن قد يقال] إن احتمال كون نفوذ احلكم لذي املنصب مقيداً بالرضى مدفوع باألصل‬

‫إضافة إىل أن املدار ليس على كلمة (المنصب) لعدم ورودها يف الروايات بل على كلمة (حاكما)‬ ‫و(مجاري األمور) وشبهها ومن الواضح أن ظاهرها كون األمر للفقيه ونفوذ حكمه وإن مل ترتضه‬ ‫األمة على ما هو شأن احلاكم ومن بيده جمرى األمر‪ ،‬إال أن يقال بكون (وشاورهم في األمر)‬

‫دليالً على اشرتاط نفوذ حكمه باملشورة وموافقة األكثرية بناء على كون (فإذا عزمت) مبعىن إذا‬ ‫عزمت على ما اقتضته املشورة‪ ،‬كما يف قولك‪ :‬استشر الطبيب فإذا عزمت فتوكل على اهلل الظاهر‬ ‫يف العزم على ما أشار إليه الطبيب ‪-‬كما سبق‪ -‬إال أن يورد بأن (فإذا عزمت) غري ظاهر يف لزوم‬ ‫العزم ووجوبه وإن كان متعلق العزم هو ما ارتضته أكثرية املشريين وذلك ألن تعليق أمر (كالتوكل)‬ ‫على أمر (كالعزم) ال يدل على وجوب حتقيق املقدم وإن وقعت اجلملة عقيب أمر كما يف قولك‪:‬‬ ‫اذهب إىل السوق فإن اشرتيت اللحم فادخره حيث ال يدل على وجوب شراء اللحم وكذا قوله‬ ‫ِ‬ ‫لصالةِ ِم ْن‬ ‫ي لِ َّ‬ ‫تعاىل ‪َ ‬وشا ِوْرُه ْم فِي األ َْم ِر فَِإذا َع َزْم َ‬ ‫ت فَ تَ َوَّك ْل‪ ‬وكما يف قوله تعاىل ‪‬إِذا نُود َ‬ ‫ي وِم ال ِ‬ ‫اسعوا إِلى ِذ ْك ِر ِ‬ ‫اهلل َوذَ ُروا الْبَ ْي َع‪ ‬فتأمل‪.‬‬ ‫َْ ُ‬ ‫ْج ُم َعة فَ ْ َ ْ‬

‫‪ 1‬للمفيد والحلبيين وظاهر الوسائل والمنسوب إلر المسالل والحدائي وشرح المفاتيح‪.‬‬

‫‪332‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إال أن يقال بكون ظاهراً يف وجوب حتقيق املقدم عرفاً ومبالحظة اجلملة كلها أو يقال بلزوم‬ ‫نقض الغرض من وجوب االستشارة لو مل تتبع ولغري ذلك فتأمل‪ 1‬وكذا قوله تعاىل (وأمرهم شورى‬

‫بينهم) إذ لو نفذ أمر الفقيه مطلقاً مل يكن أمر األمة شورى بينهم بل كان أمر األمة بيد الفقيه إال‬ ‫أن يقال مبخصصية روايات والية الفقيه لذلك فتأمل‪ ،‬وسيأيت تفصيله هنا ويف اجمللد الثاين‪ ،‬حبوله‬ ‫تعاىل‪ ،‬ولو كان احلكم شورى بني الفقهاء ونفذ حكمهم مطلقاً مل يكن أمر األمة شورى بني األمة‬

‫بل بني الفقهاء والظاهر عود ضمري (بينهم) إىل نفس ما عاد إليه ضمري (وأمرهم) وكونه شورى‬ ‫بينهم يتحقق بانتخاهبم جمموعة من الفقهاء ‪-‬الشرتاط رضى اهلل‪ -‬للتشاور ورضى املنتخبني إمجاالً‬ ‫أو تفصيالً مبا انتهى إليه فإن مل يرضوا حبكم وأنفذه الفقهاء مل يصدق أن أمرهم كان شورى بينهم‬ ‫يف هذه املسألة‪.‬‬

‫[أو] يتمسك بسائر األدلة على اعتبار رضى الناس كما سيأيت تفصيله بعد مالحظة النسبة‬ ‫بينها وبينها‪.‬‬ ‫[أو يقال] بأن املنصب واحلكومة إن اشرتط يف ثبوته وفعليته رضى الناس كما بينها يف موضع‬ ‫آخر اشرتط يف نفوذ احلكم ذلك أيضاً لكون الفرع أوىل بكونه حتت االختيار بعد كون األصل‬ ‫حتته كما يف الوكيل والوصي ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫أو يقال‪ :‬بأن منصب احلكومة جمعول لواحد (أو جملموعة تصدق عليهم الشورى) ممن مجع‬ ‫الشرائط على سبيل البدل فلألمة أن ترجع يف كل واقعة إىل أحدهم (أو هذه اجملموعة دون تلك)‬ ‫كما يف القاضي وكما يف مرجع التقليد على ما التزمنا به من جواز التبعيض يف التقليد وكما يف‬ ‫احلجج املتعددة اجملعولة يف املورد الواحد املستلزمة للتخيري وقد حتدثنا تفصيالً حول كل ذلك يف‬ ‫مواضع أخرى من الكتاب فلرياجع‪.‬‬ ‫أما اهلرج واملرج فال يلزم من اشرتاط نفوذ حكمهم برضى األمة اهلرج واملرج كما ال خيفى وقد‬ ‫سبق والقياس على القاضي مع الفارق لكونه منصوباً حلسم اخلصومات املتوقف على عدم اشرتاط‬ ‫الرضى هذا‪.‬‬

‫‪ 1‬قد سبي ما يدفل اإلشكال فليراجل وليتيمل‪.‬‬

‫‪333‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[وقال السيد الوالد]‪)( :‬أما وجوب املشورة يف أمور الناس بعد جميئه إىل احلكم فألن للحاكم‬ ‫بقدر ختويل الناس له الصالحية ففي غريه حيتاج إىل إذهنم‪ ،‬واحلاصل أن ما كان من شأن الناس‬ ‫حيتاج إليها ابتداء واستدامة‪ ،‬إن قلت‪ :‬أ ليس مرجع التقليد منصوباً من قبلهم عليهم السالم‬ ‫فاتباعه الواجب‪ ،‬قلت‪ :‬أوالً‪ :‬اختيار هذا املرجع دون ذاك بيد الناس كاختيار إمام اجلماعة‬ ‫والقاضي وما أشبه‪ ،‬وثانياً‪ :‬إذا كان هناك مراجع اختارهم الناس‪ ...‬فال حق له لتنفيذ رأيه على‬ ‫مقدليه بالقسر سواء القسر الظاهر أو املغلف إذ انتخاب املقلدين له يف هيئة للحكومة ليس معناه‬ ‫ختويلهم له الصالحية املطلقة لتصرفه يف أمواهلم ودمائهم وأنفسهم بل بقدر ما يرى املقلدون‪ ،‬فإذا‬ ‫رأى هو احلرب واملقلدون السلم فال حق له يف إدخال الناس يف احلرب وقوله عليه السالم‪ :‬فإذا‬ ‫حكم حبكمنا ال داللة فيه على نفوذ رأيه إذا مل ير املقلدون أنه حبكمهم عليهم الصالة والسالم‬ ‫واملراد باملقلدين له أو باملراجع األكثرية ألن دليل الشورى حاكم على دليل التقليد وإال مل يبق‬ ‫‪1‬‬ ‫لدليل الشورى جمال كما ذكروا يف العناوين الثانوية احلاكمة على العناوين األولية)‪.‬‬

‫[وقد يورد عليه أوال]‪ :‬إن اجلواب األول ال ربط له باإلشكال‪ ،‬إذ الكالم عن نفوذ حكمه‬ ‫بعد ثبوت املنصب ال عن أصل ثبوت املنصب له حىت يقال بكونه بيد الناس واشرتاط ثبوته له‬ ‫برضاهم‪ ،‬فعلى تقدير تسليم االشرتاط ال يدل على عدم النفوذ إال أن يتمم مبا ذكرناه قبل صفحة‬ ‫(أو يقال بأن املنصب واحلكومة إن اشرتط‪ )...‬ولكن قد يورد عليه بأن اإلمام عليه السالم ‪-‬على‬ ‫هذا‪ -‬قد جعل أحدهم ‪-‬وهو اجلامع للشرائط ومنها انتخاب األمة‪ -‬حاكماً له ما للحاكم من‬ ‫فأي منهم انتخبته األمة كان له ما للحاكم جبعل اإلمام عليه‬ ‫النفوذ حىت وإن عارضته األكثرية‪ّ ،‬‬ ‫السالم وقد حتدثنا يف موضع آخر‪ 2‬عن كون مقتضى جعله حاكماً تنزيله منزلة احلاكم العرفيني‬ ‫وذكرنا أن مقتضى ذلك هل هو النفوذ أم ال؟‬ ‫[وثانيا]‪ :‬إن قوله (إذ انتخاب املقلدين‪ )...‬مبىن على أن تكون احلكومة وكالة أو عقداً جديداً‬ ‫مشرتطاً فيه ولو ارتكازاً كون الرأي لألمة عند التعارض دون العكس‪ ،‬حىت يكون للفيه من‬ ‫الصالحية بقدر ما أعطي‪ ،‬أما بناء على كوهنا منصباً من قبل املعصوم كما هو املقرر يف اإلشكال‬ ‫وسلمه يف اجلواب حيث مل يرده وكما هو مبناه دام ظله خارجاً‪ -‬فليس معطي الصالحية هو‬‫‪ 1‬الشورك في اإلسال ‪ :‬ص‪.22-21‬‬

‫‪ 2‬عند الحديث عن رواية (فإني قد جعلته عليك حاكماً) وسييتي في الجزء الثاني بإذنه تعالر‪.‬‬

‫‪334‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫األمة حىت تتبع سعة وضيفاً إرادهتا بل هو اإلمام عليه السالم إال أن اجاب مبا ذكرناه قبل‬ ‫صفحتني (إذ قد يكون املنصب ثابتاً مع كون نفوذ احلكم مشرتطاً بالرضى‪ )...‬مذيالً مبا ذكرناه‬ ‫قبل صفحة (إال أن يقال بكون وشاورهم يف األمر دليالً على اشرتاط‪.)...‬‬

‫[وثالثا]‪ :‬إن قوله (ال داللة له على نفوذ رأيه إذا مل ير املقلدون أنه حكمهم عليهم السالم) قد‬ ‫يورد عليه‪ :‬بأن ظن املقلد بأن هذا حكمهم وذاك ليس حبكمهم ليس حبجة يف قبال ظن اجملتهد‪،‬‬ ‫اللهم إال أن حيصل هلم القطع وهو حجة ذاتاً لكنه نادر أو يكونوا من أهل اخلربة يف الشؤون‬ ‫العامة فيكون ظنهم ظن اخلري وهو حجة‪ ،‬إذ ملرجع البحث يف أن هذا (كعقد معاهدة دولية)‬ ‫حكمهم أم ال‪ ،‬إىل أن فيه مصلحة األمة أم ال وظن اخلبري يف هذا حجة فإذا توضح املقدم اتضح‬ ‫التايل‪ 1‬وإن احلكم بإجراء املعاهدة مثالً حكمهم عليه السالم ‪-‬إن كان ذا مصلحة‪ -‬أم ال ‪-‬إن مل‬ ‫يكن‪ -‬ولكن قد ينقض‪ 2‬بالقاضي حيث ينفذ حكمه يف املتحاكمني مطلقاً أي وإن رأى احملكوم‬ ‫عليه خطأه قال الوالد (والالزم على املرتافعني تنفيذ حكمه إال يف صورة القطع وذلك ألنه يصدق‬ ‫أنه حكم حبكمهم وأن الراد عليهم كالراد عليهم عليهم السالم)‪ 3‬إذ يرد عليه نفس ما ذكره هنا‬ ‫بقوله (وقوله عليه السالم "فإذا حكم حبكمنا" ال داللة له على نفوذ رأيه إذا مل ير املقلدون أن‬ ‫حكمهم عليهم السالم)‪ 4‬فما الفارق بني البابني (احلكمة يف الشؤون العامة والقضاء) إذ يف‬ ‫كليهما ال يرى املقلد واحملكوم عليه أن هذا مما يصدق عليه (حكمنا)‪ 5‬ورمبا ألجل ذلك كان دام‬ ‫ظله يف كتاب احلكم يف اإلسالم قد أحلق باب احلكومة بباب القضاء يف نفوذ حكم احلاكم فيه‬ ‫‪6‬‬ ‫أيضاً وإن مل يره احملكوم صحيحاً‪ ،‬استناداً إىل نفس هذه الرواية الشريفة‪.‬‬ ‫اللهم إال أن يكون االلتزام بالنفوذ يف باب القضاء بأدلة أخرى ‪-‬ككونه موضوعاً ألجل فصل‬

‫اخلصومات‪ -‬وكصحيحة أيب خداجة‪( :‬انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه‬ ‫‪ 1‬في القول ‪-‬مثالً‪ -‬كلما كان في هذا مصلحة كان الحك بإيجاده حكما عليا السال ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ما ذكره من (ال داللة له‪ )...‬وما ذكرناه دفاعاً عنه من (أو يكونوا من ‪.)...‬‬ ‫‪ 3‬الفقه القضاء‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.114‬‬ ‫‪ 4‬الشورك في اإلسال ‪ :‬ص‪.22‬‬

‫‪ 5‬كما يمكن في بااب القضااء تطبياي ماا ذكرنااه فاي بااب الحكوماة (إذ مبنار البحاث فاي أن‪ )...‬باين نقاول‪( :‬إذ مبنار الحكا‬

‫باين هااذه الاادار لزياد هااو االعتقاااد بعدالااة الشااهدين مااثالً وظاان المقلاد بعااد عاادالتاما ‪-‬كظنااه بعادالتاما حجااة لكااون موضااوعاً‬ ‫خارجياً يتساوك فيه ظن المقلد والمجتاد)‪.‬‬

‫‪ 6‬الفقه الحك في اإلسال ‪ :‬ص‪.93‬‬

‫‪335‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫بينكم فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه) واألخرى (اجعلوا بينكم رجال ممن عرف حاللنا‬

‫وحرامنا‪ ،‬فإني قد جعلته قاضيا)‪ 1‬بضميمة أن نفوذ احلكم وقطع املنازعة من شأن القاضي وأن‬

‫علة جعله هو ذلك وإال لزم نقض الغرض إال أن تقيد أمثال هذه الرواية بـ(فإذا حكم بحكمنا) ‪-‬‬ ‫بناء على إرادة ما يراه املقلد حكمهم عليهم السالم فتأمل‪.‬‬ ‫وإال فهذه الرواية الشريفة دالة على وحدة احلكم يف البابني بناء على فرض مشلوها هلما‪ ،‬فإن قلنا‬

‫بأن (حكمنا) يصدق وإن مل يره ‪-‬علماً أو علمياً‪ -‬احملكوم عليه (حكمهم عليهم السالم) لزم‬ ‫على الشعب يف باب احلكومة والدولة وعلى املرتافعني يف باب القضاء التسليم وإال مل اجب يف‬ ‫كال البابني‪.‬‬

‫[وقد يجاب] عن ما ذكره حالً‪ :‬بأن (بحكمنا) إشارة إىل كون حكمه مستنداً لألدلة رأى‬ ‫املقلد صدقه أم ال يف قبال ما لو كان مستنداً لألهواء ال إىل كون هذا العنوان (حكمنا) صادقاً‬ ‫عند املقلد أي أن معىن فإذا حكم حبكمنا ليس فإذا حكم مبا هو حكمنا عند املقلد واحملكوم عليه‬ ‫بل‪ :‬فإذا حكم حبكمنا حسب ما استنبطه من األدلة ولذا قال الوالد‪( :‬ألنا نقول معىن حكم‬ ‫‪2‬‬ ‫حبكمنا احلكم الصادر عن األدلة املستندة إليهم ال معرفة أنه حكمهم عليهم السالم واقعاً)‪.‬‬

‫[إال أن يقال]‪ :‬بكون األمساء والعناوين موضوعة للمعنون الثبويت ال ملا يرى ويعتقد أنه املعنون‬ ‫ٍ‬ ‫وحينئذ فال اجب على املقلد القبول مع رؤيته عدم انطباق رأي الفقيه‬ ‫بل الرؤية واالعتقاد كاشف‬ ‫على املعنون الثبويت وهو (حكمنا)‪.‬‬

‫[وفيه]‪ :‬ظهور هذا احلديث وأشباهه يف كون الكاشف املعترب شرعاً عن (حكمنا) هو نظر‬ ‫الفقيه فتكون هذه األحاديث حاكمة أو خمصصة ملا دل على أن رأي اخلبري حجة وبعبارة أخرى‪:‬‬

‫ميكن ادعاء ظهور (فإذا حكم بحكمنا) يف احلكم املستند لألدلة‪ ،‬عرفاً كما يف قول املوىل لعبيده‬ ‫(إين جعلت زيداً حاكماً عليكم فإذا حكم حبكمي فأطيعوه) فإذا استند زيد يف معرفة حكمه إىل‬

‫الطرق اليت وضعها املوىل مل يكن للعبيد االعتذار عن عدم االتباع بعدم معلومية كونه (حكمه)‬ ‫لديهم‪ ،‬إضافة إىل أن التفسري اآلخر يستلزم ختصيص لزوم االتباع بصورة علم املقلد أو قيام علمي‬

‫لديه على أنه (حكمهم) وهو خالف املنساق من احلديث ومستلزم لتخصيص الكثري أو األكثر‬ ‫‪ 1‬المستند كتاب القضاء والشاادات‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.516‬‬ ‫‪ 2‬الفقه‪ ،‬االجتااد والتقليد‪ :‬ص‪.256‬‬

‫‪336‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وخالف مقتضى جعله حاكماً ‪ -‬فتأمل‪ ،‬كما قد يورد عليه بأن عدم بقاء جمال لدليل الشورى‬ ‫أعم من احلكومة‪ ،‬إذ األمر يف املخصص أيضاً كذلك وكذا الوارد‪.‬‬ ‫[وقد] يورد عليه أيضاً‪ :‬النقض بكل موارد ختالف اجتهاد جمتهد مع حكم احلاكم اجلامع‬ ‫للشرائط أو مع حكم أكثرية شورى الفقهاء‪ ،‬إذ ال يرى هذا اجملتهد ما حكم به احلاكم (حكمهم‬

‫عليهم السالم) على ما ذكره‪ ،‬اللهم إال أن يلتزم يف هذا املورد أيضاً بعدم النفوذ‪ ،‬هذا‪.‬‬ ‫وميكن القول بعدم النفوذ إال إذا لزم اهلرج واملرج واختالل النظام أو ترتب حمذور أهم فتأمل‪.‬‬

‫وميكن اجلواب عن أصل اإلشكال بأن الضمري يف (حكم) من قوله عليه السالم (فإذا حكم‬

‫بحكمنا) يرجع إىل احلاكم اجلامع للشرائط املذكور بعضها يف صدر الرواية وبعضها يف أدلة أخرى‬ ‫(كالذكورة والعدالة وغريها) ومنها موافقة األكثرية ‪-‬حسب ما دل على ذلك مما ذكرناه‬ ‫بالتفصيل‪.-‬‬ ‫فال يلزم االلتزام حبكم من فقد أحدمها‪...‬‬ ‫[وهل يمكن] االستدالل بـ(الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم) لتقدمي رأي األكثرية‬ ‫فيما يتعلق هبا على رأي الفقيه أو شورى الفقهاء؟‬ ‫[الظاهر العدم] لكون الناس مسلطون حمكوماً لـ(فإني قد جعلته عليكم حاكما) و(مجاري‬ ‫األمور بيد العلماء باهلل األمناء على حالله وحرامه) وشبهها‪.‬‬ ‫[وأما ما قيل] من (وكما أن الوجدان يلزمنا بإطاعة اإلمام املنصوب يلزمنا بإطاعة اإلمام‬ ‫املنتخب أيضاً‪ ،‬فإن طبع والية األمر إذا كانت عن حق يقتضي اإلطاعة وإال ملا مت األمر وحصل‬ ‫‪1‬‬ ‫النظام والشرع أيضاً بإمضائه لالنتخاب يلزمنا باإلطاعة)‪.‬‬

‫[فقد يورد عليه] صغرى بعدم ثبوت كونه والية لألمر إذ قد يكون وكالة األمر أو عقداً جديداً‬ ‫عليه نعم مع متامية أدلة والية الفيه يتم ذلك‪.‬‬ ‫وكربى أن جعل هذه الوالية لو كان بيد األمة استقالالً أو كانت فعليتها مشرتطة باالنتخاب ‪-‬‬ ‫على ما هو مقتضى االنتخاب‪ -‬كان تابعاً سعة وضيقاً لكيفية جعلها وحدوده كما سبق فلرياجع‪،‬‬

‫‪ 1‬دراسات في والية الفقيه وفقه الدولة اإلسالمية‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.575‬‬

‫‪337‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إضافة إىل ما سبق من أن الوالية أعم كما يف البكر الرشيدة فليس طبع مطلق والية األمر ما ذكر‪،‬‬ ‫وأما قوله (وإال ملا مت األمر وحصل النظام) فريد عليه ما سبق تفصيالً‪.‬‬ ‫وأما اإلمضاء فهو أعم كما يف إمضائه للوكالة فهو تابع لكيفية املمضى ونوعه فإن كان‬ ‫االنتخاب وكالة أو والية مقيدة كما فصلناه فال تلزم اإلطاعة وإن كان والية مطلقة لزمت وإن كان‬ ‫عقداً جديداً فعلى حسب ما تعوقد عليه‪.‬‬

‫[وأما قوله] (ولكن إيكال األمر إىل الغري فقد يكون باالذن له فقط وقد يكون باالستنابة بأن‬ ‫يكون النائب وجوداً تنزيلياً للمنوب عنه وكان العمل عمل املنوب عنه وقد يكون بإحداث الوالية‬ ‫والسلطة املستقلة للغري مع قبوله واألول ليس عقداً‪ ،‬والثاين عقد جائز على ما ادعوه من اإلمجاع‪،‬‬ ‫وأما الثالث فال دليل على جوازه بل إطالق قوله تعاىل (اوفوا بالعقود) يقتضي لزومه)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫[فقد يشكل فيه] بعدم صحة إاجاد الوالية للغري على نفسه مطلقاً بأن ال يكون له الرد وإن‬

‫رأى الصالح يف خالفه ‪-‬عرفاً وعقالً‪ -‬إال أن يتمسك بعموم (الناس مسلطون على أموالهم‬ ‫وأنفسهم) لو مل نقل باالنصراف عن مثل هذا أو ينقض مبوارد إاجادها وهي عديدة ‪ -‬فتأمل‪.‬‬

‫[وأما قوله] (وسرية العقالء أيضاً استقرت على ترتيب آثار اللزوم عليها حبيث يذمون الناقض‬ ‫‪2‬‬ ‫هلا)‪.‬‬

‫[ففيه] إن السرية غري ثابتة يف حالة خمالفة حكم احلاكم ملا يرونه الصاحل مع قدرهتم على‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ املوافق والسرية املوجودة إمنا هي حالة عدم القدرة على التخلف أو‬ ‫النقض بل هم يذمون‬ ‫ترتب حمذور أهم عليه وهي غري مفيدة كما ال خيفى وعلى األقل نقول بأن القدر املتيقن منها هو‬ ‫ذلك فقط‪.‬‬

‫‪ 1‬دراسات في والية الفقيه وفقه الدولة اإلسالمية‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.576-575‬‬ ‫‪ 2‬دراسات في والية الفقيه وفقه الدولة اإلسالمية‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.576‬‬

‫‪338‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل الثالث‬ ‫في بیان وجوب االستشارة واالتباع حتى لو لم ير سائر الفقهاء ذلك‬ ‫وعدمه‬

‫‪339‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫في وجوب االستشارة واالتباع مطلقا ً وعدمه‬

‫[إذا] مل ير بعض الفقهاء أو أكثرهم جواز تويل احلكومـة أو رأوا ذلـك ومل يـروا كوهنـا شـورى بـل‬ ‫رأوا صــحة تــويل الواحــد فهــل علــى الفقيــه احلــاكم أو الفقهــاء احلــاكمني إذا كــانوا ممــن يـرون وجــوب‬ ‫الشورى استشارهتم واتباع رأي األكثريـة أم ال؟ [وجهان‪ :‬األول]‪[ :‬الوج وب] إلطالقـات األدلـة‪،‬‬ ‫وعدم اعتقاده بوجوب استشارته هلم ال يغري حكم من يعتقد بالوجوب كمن رأى َّ‬ ‫أن لزي ـ ـ ــد علي ـ ـ ــه‬ ‫حقاً مثالً ومل َير زيد ذلك فإن عليه إيصاله إليه‪ ،‬أو رأى اجتهاداً عمل زيد منكراً أو بدعة أو ضـاراً‬ ‫باإلسالم واملسلمني ومل يره زيد كذلك اجتهاداً فإن عليه النهي إذ على كل أن يعمل بوظيفته‪.‬‬

‫[وع دم نف وذ حكم ه] إن مل يستشــر أو استشــار ومل يشــريوا لكــون انضــمام آراء األكثريــة إليــه‬ ‫شرط نفوذ الرأي كما لو وكل مخسة على سبيل االجتماع بأن يكون الرأي ألكثريتهم أو لكلهم أو‬ ‫ألحــدهم مشــروطاً بانضــمام اآلخـرين بعضـاً أو كـالً وقــد ميثــل لــذلك بــالويل إذا مل يعتقــد هــو بواليــة‬ ‫نفسه موضوعاً بأن مل يكن يرى كونه جداً هلـذا أو حكمـاً فـال ينفـذ حكـم غـريه دون إذنـه وكـذا لـو‬ ‫كــان أوليــاء متعــددون مل يــر أحــدهم كونــه وليـاً موضــوعاً أو اجتهــاداً فتأمــل ويؤيــده عــدم اختصــاص‬ ‫أكثــر احلِ َكــم املــذكورة يف روايــات االستشــارة بغــري مــا ذكــر يف السـؤال وعــدم حتقــق بعضــها فيهــا غــري‬ ‫ضار بعد كوهنا ِحكمه‪.‬‬ ‫[الث اني‪ :‬ع دم الوج وب] النص ـراف األدلــة عــن مثــل هــذه الصــورة وقــد يلتــزم يف مســألة تغــاير‬ ‫االجتهادين يف املعروف واملنكر بعدم الوجوب‪ ،‬لالنصـراف أيضـاً وهـل يلتـزم أحـد بوجـوب ردع مـن‬ ‫يــرى اجتهــاداً حمرميــة الرضــعات العشــر‪ ،‬ملــن ت ــزوج مــن ارتضــعت معــه عشــر رضــعات لكونــه ي ــرى‬ ‫اجتهاداً أو تقليداً عدم نشرها للحرمة؟ وهل له أن يردعه لساناً فإن مل ينفع فيداً؟‬

‫[اللهم إال أن يقال] بأن ذلك إن مت يف أدلة املنكر فال يـتم يف أدلـة البدعـة واإلضـرار باإلسـالم‬ ‫واملسلمني وشبه ذلك‪ ،‬حيـث ميكـن أن يـدعى أن بنـاء العقـالء أيضـاً علـى ذلـك فمـن رأي اجتهـاداً‬ ‫أو تقليــداً أن يف مــا يعملــه اآلخــر ‪-‬كــإجراء معاهــدة دوليــة مــثالً‪ -‬الضــرر البــالغ للدولــة واألمــة كــان‬ ‫عليــه عق ـالً وعقالئي ـاً الــردع القــويل والعملــي إن اســتطاع‪ ،‬وإن كــان رأي اآلخــر أن يف العــدم الضــرر‬ ‫البالغ‪ ،‬وقد سبق أن املستفاد من الروايات وغريها أن يف ترك الشورى واالستشارة ضرراً خطرياً‪.‬‬ ‫[ونفوذ الحكم] فيما لو تعذرت االستشارة أو استشار ومل يشريوا دون ما لـو مل يستشـر تشـهياً‬ ‫لكون توقف النفوذ على احلكم بالشورى من باب تعدد املطلوب فإن تعذر حكـم الفقيـه بالشـورى‬ ‫‪340‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وجب حكمه ونفذ دوهنا كما لو تعـذر الفقيـه حيـث اجـب علـى آحـاد املـؤمنني ذلـك‪ ،‬كمـا فصـلناه‬ ‫يف موضع آخر‪ .‬وقد يستند يف ذلك إىل قاعدة امليسور‪ ،‬إذ اجب استشارة سائر الفقهـاء فـإن تعـذر‬ ‫وجب استشارة الباقني وكذا يتوقف النفوذ على موافقة األكثرية فإن تعذر توقف علـى مـا بقـى كمـا‬ ‫لو جعل املوىل الوالية جملموعة مث مات بعضهم أو تعذر الوصول إليه فينفذ رأي الباقني فتأمل‪.‬‬ ‫واالستدالل هبا مبىن على عمومية روايات القاعـدة لألفـراد واألجـزاء أو علـى كوهنـا لألفـراد بقرينـة‬ ‫املورد يف بعضها واألول الظاهر وال يلزم حمذور اسـتعمال اللفـظ يف أكثـر مـن معـىن‪ ،‬إذ هـو فيمـا لـو‬ ‫أريد كل من املعنيـني بالداللـة املطابقيـة علـى أن يكـون كـل منهمـا متـام املـدلول دون مـا لـو أريـد كـل‬ ‫منهما بالداللة التضمنية بأن يكون كل منهما بعضه‪ ،‬هذا إضافة إىل عدم املانع منه لو كان جـامع‬ ‫و(شيء) و(امليسور) و(ما) تصلح جامعاً كما ال خيفى‪ ،‬كما أن الظاهر داللة روايات القاعدة على‬ ‫عدم سقوط امليسـور عـن مـا كـان للمعسـور مـن احلكـم وجوبـاً أو نـدباً وهـذا ظـاهر مـا يثبـت احلكـم‬ ‫بلسان إثبات املوضوع‪.‬‬ ‫[أما] إذا مل يستشر تشهياً فالظاهر عدم نفوذ حكمه لكون الغبطة واملصلحة فيهـا واملفسـدة يف‬ ‫عدمها على ما فصلنا الكالم فيه‪ ،‬فهو أوىل من ما لو تصرف الويل يف أموال املوىل عليه دون غبطة‬ ‫أو م ــع املفس ــدة واألصــل ع ــدم واليت ــه ب ــدوهنا والق ــدر املت ــيقن أو املنصــرف م ــن أدل ــة الوالي ــة ونف ــوذ‬ ‫التصرف ما كان معها لو مل نقل بقيام الدليل على ذلك إضافة إىل مشول ال ضرر للمقام فتأمل‪.‬‬ ‫بل الظاهر من األحاديث اليت ذكرناها كاملقبولة وكـالتوقيع املبـارك كـون الواليـة جملمـوعهم كمـا لـو‬ ‫أرسل رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله مخسة إىل مصر حكاماً حيث يكون الظـاهر عـدم نفـوذ حكـم‬ ‫أحـدهم دون انضــمام اآلخـرين‪ ،‬وقولـه (ف إني ق د جعلت ه عل يكم حاكم ا) و(ف ارجعوا فيه ا) كقــول‬ ‫املالك (من مجـع مـن الشـرائط كـذا وكـذا مـن أوالدي فلـه الواليـة علـى عبيـدي وبيـويت) حيـث تكـون‬ ‫لكل من مجع الشرائط الواليـة وال ينفـذ تصـرف أحـدهم دون االنضـمام كمـا هـو املسـتفاد عرفـاً مـن‬ ‫هذا الكالم‪ ،‬وقد فصلنا الكالمل يف موضع آخر‪.‬‬ ‫[وربما يحتمل] عـدم وجـوب استشـارة كـل الفقهـاء بـل يكفـي استشـارة الـبعض النـدفاع الضـرر‬

‫احملتمل احتماالً عقالئياً بـذلك وصـدق (م ن ش اور الرج ال ش اركها ف ي عقوله ا)‪ 1‬وغـري ذلـك مـن‬

‫الروايات ‪-‬بـذلك وفيـه ظهـور الضـمري يف (وش اورهم) يف الرجـوع إىل كـل املـؤمنني فـإن تعـذر‪ -‬كمـا‬ ‫‪ 1‬التفسير اوصفي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.180‬‬

‫‪341‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫هو كذلك غالباً‪ -‬وجوب استشارة كافـة مـن ترجـع إلـيهم األمـة أمورهـا فتكـون استشـارهتم استشـارة‬ ‫األمة لكوهنم وكالئها‪ 1‬ولظهور كون الضمري يف بينهم راجعاً إىل مـا رجـع إليـه الضـمري يف أمـرهم يف‬ ‫قولــه تعــاىل (وأم رهم ش ورى بي نهم) فــأمر املــؤمنني شــورى بــني أولئــك املــؤمنني ال بــني بعضــهم وال‬ ‫يتحقق باستشارة بعض مـن ميثـل األمـة‪ ،‬نعـم لألمـة أن تنتخـب جمموعـة تكـون هـي املستشـارة للفيـه‬ ‫احلــاكم وأكثريتهــا احملكمــة ويشــرتط فيهــا مــا يشــرتط يف حــاكم الشــرع مــن الشـرائط فتصــدق اآليتــان‬ ‫الشريفتان‪.‬‬

‫[وه ل] ملــن رشــحته األمــة عــدم القبــول‪ ،‬الظــاهر ذلــك يف صــورة وجــوب مــن بــه الكفايــة‪ ،‬إال إذا‬ ‫قيـل بكــون اجلامعيــة للشـرائط مــع انتخــاب األمــة علـة تامــة لثبــوت املنصــب وكونــه حاكمـاً غــري قابــل‬ ‫لإلسقاط واالحتمال اآلخر كون انضمام رضاه إىل ذينك جزء العلة لثبـوت املنصـب لكونـه األصـل‬ ‫يف الكفائي‪ ،‬والعدم يف صورة االحنصار وهو األقرب‪.‬‬ ‫وإذا قبل فهل له بعد ذلك االستقالة؟ مبين على كوهنا حقاً فهي قابلـة لإلسـقاط أو حكمـاً وهـو‬ ‫الظاهر فال تقبل كوالية األب واجلـد علـى االبـن غـري القابلـة لإلسـقاط واشـرتاط الرضـى لثبـوت هـذا‬ ‫احلكــم خمــتص بعــدم االنصــحار وإن اعتربنــا ذلــك عقــداً جديــداً بــني األمــة واحلــاكم كــان تابع ـاً ملــا‬ ‫يشرتط يف ضمن العقد ولو ارتكازاً ومل مل يتصد الفقهاء للحكومـة ومل يعينـوا أحـداً هلـا سـقط اعتبـار‬ ‫مر يف موضع آخر من حكم العقل باحلاجة للحكومة وتوقف نظام النوع عليها فلو تعـذر‬ ‫إذهنم ملا ّ‬ ‫الفاضـل وجــب املفضـول ملــا ســبق مـن كــون حكومـة الفقيــه مــن بـاب تعــدد املطلـوب‪ ،‬وباألولويــة ممــا‬ ‫ذكروه يف كتاب النكاح من سقوط اعتبـار إذن الـويل إن غـاب أو سـجن وكـان علـى األمـة انتخـاب‬ ‫أحد املؤمنني بأكثرية اآلراء لكـون النـاس مسـلطني علـى أمـواهلم وأنفسـهم فلهـم انتخـاب مـن شـاؤوا‬ ‫خرج صورة وجود الفقيه وتيسر تسلمه للحكم ‪-‬إذ ال سلطة هلم‪ ،‬بناء على والية الفقيه‪ ،‬النتخاب‬ ‫غريه‪ -‬فبقي الباقي على مقتضى األصل هذا‪.‬‬

‫[ولو] مل يشرتك أكثرية النسا يف االنتخابات فإن أدى ذلك إىل تعطل احلكومة ‪-‬أية حكومـة‪-‬‬ ‫وزواهلــا كــان حمرمـاً لكونــه ســبباً الخــتالل النظــام واهلــرج واملــرج ووجــب علــى الفقيــه وغــريه هنــيهم عــن‬ ‫املنك ــر لس ــاناً مث ج ــربهم عل ــى االنتخ ــاب إن أمك ــن ومل يرتت ــب حم ــذور أه ــم‪ ،‬وإن مل ي ــؤد إىل تل ــك‬

‫‪ 1‬قد يكون األولر التعبير با(ظاور الضمير في الرجوال إلر كل المؤمنين) والرجوال إليا كماا يصادي باالرجوال إلايا مباشارة‪،‬‬ ‫يصدي بالرجوال إلر أهل الحل والعقد ممن فوضت األمة إليا أمرها فال يرد كون ذال تكليفاً بما هو نادر الوقوال فتيمل‪.‬‬

‫‪342‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫احملــاذير بــأن شــكلت األقليــة حكومــة فــال حرمــة لعــدم اش ـرتاك األكثريــة يف االنتخابــات‪ ،‬ونفــذت‬ ‫أحكامه ووجبت إطاعته ‪-‬ما داموا مل يشكلوا حكومة أخـرى‪ -‬دفعـاً الخـتالل النظـام واهلـرج واملـرج‬ ‫فتأمل‪ ،‬وهذه املسألة كنظائرها مما مر وسيجيء حباجة إىل حتقيق أكثر نوكله إىل اجلزء الثاين مبناسبة‬ ‫أو حتت عنوان (ملحقات باجلزء األول) واهلل املستعان‪.‬‬

‫‪343‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل الرابع‬ ‫في عزل األمة للحاكم وانعزاله بفقد الشرائط قهراً‬

‫‪344‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫في عزل الحاكم وانعزاله القهري‬

‫[فرع ان]‪ :‬ه ــل لألم ــة ع ــزل احل ــاكم أو ش ــورى الفقه ــاء احل ــاكمني أم ال؟ وه ــل ينع ــزل بفقدان ــه‬

‫للشرائط قهراً؟ [فههنا]‬

‫فقد يقال بالعدم وذلك‪:‬‬

‫مسألتان‪ :‬أما األولى‪:‬‬

‫(‪ -)1‬لقولــه عليــه الســالم (ولعم ري ل ئن كان ت اإلمام ة ال تنعق د حت ى تحض رها عام ة الن اس‬

‫فم ا إل ى ذل ك س بيل ولك ن أهله ا يحكم ون عل ى م ن غ اب ث م ل يس للش اهد أن يرج ع وال‬ ‫للغائب أن يختار)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫(‪ -)2‬وقوله عليه السالم (وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب‬

‫واإلجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫(‪ -)3‬وقــول أيب عبــد اهلل عليــه الســالم‪( :‬م ن ف ارق جماع ة المس لمين ونك ث ص فقة اإلم ام‬ ‫‪3‬‬

‫جاء إلى اهلل أجذم)‪.‬‬ ‫وللزوم اهلرج واملرج لو كان نصب احلاكم وعزلـه بيـد األمـة ولكـون الفقيـه منصـوباً مـن قبـل اإلمـام‬ ‫عليه السالم حسب روايات عديدة والعزل بيد من بيده النصب‪.‬‬

‫[وقد يورد] [على االستدالل بالرواية األولى] بعد ضعف السند بأن عـدم الرجـوع كـان شـرطاً‬ ‫ارتكازي ـاً يف ضــمن عقــد البيعــة‪ ،‬إذ كــان مبــىن البيعــة علــى ثبوهتــا مــدة احليــاة مــا دام قائم ـاً بش ـرائط‬ ‫اإلمامــة فــال يــدل علــى عــدم ج ـواز الرجــوع لــو مل يشــرتط ذلــك أو اشــرتط صــحة الرجــوع كمــا هــو‬ ‫الشرط االرتكازي يف انتخابات عامل اليوم هذا‪.‬‬ ‫وأما القول بأنه عليه السالم قال‪( :‬ثم ليس للشاهد أن يرجع) ومل يقـل (مث لـيس ألكثريـة أهلهـا‬ ‫أن يرجعـوا) فــال يــدل نفــي ذاك علــى نفــي هــذا‪ ،‬فمــردود بكــون كالمــه مطلقـاً‪ ،‬إذ لــيس للشــاهد أن‬ ‫يرجع سواء كـان مـن أهـل احلـل والعقـد‪ ،‬أم ال‪ ،‬وسـواء انضـم إليـه أكثريـة أهلهـا أم ال‪ ،‬اللهـم إال إذا‬ ‫ثبت وجود مقيد هلذا اإلطالق فليس للشاهد أن يرجع إال إذا انضم إليه األكثرية‪.‬‬ ‫‪ 1‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.173‬‬ ‫‪ 2‬ناج البالمة‪ :‬الخطبة ‪.34‬‬

‫‪ 3‬الكافي كتاب الحجة باب ما أمر النبي صلر اهلل عليه وآله بالنصيحة ألئمة المسلمين الحديث ‪.5‬‬

‫‪345‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[وأما الرواية الثانية فقد يورد عليها] إضافة إىل ما سبق بأن االستدالل هبا يتوقف على إثبات‬ ‫كون الوفاء بالبيعة حقاً له عليه السالم مبا هو حاكم حىت يكون الوفاء بالبيعة حقاً لكل حاكم مبا‬ ‫هـو حــاكم ال مبــا هــو إمــام منصــوب معصــوم‪ ،‬إال أن يقـال بكــون الظــاهر هــو األول بقرينــة مــا ســبق‬ ‫وما حلق حيث إهنا حقوق األمة على كل حاكم وحقوق كل حاكم على أمته فتأمل‪.‬‬ ‫[وأم ا الرواي ة الثالث ة في رد عليه ا]‪ :‬احتمــال إرادة اإلمــام املعصــوم عليــه الســالم بــإرادة اإلمــام‬ ‫املعهــود فيكــون اإلمــام جممـالً مــردداً بــني األخــص واألعــم‪ ،‬واألخــص متــيقن فيؤخــذ بــه فقــط فتأمــل‪،‬‬ ‫إضــافة إىل ظهــور كــون الناكــث خمالفـاً ألكثريــة املســلمني ومجــاعتهم لكــون (ونك ث ص فقة اإلم ام)‬

‫عطفاً تفسريياً لــ(م ن ف ارق جماع ة المس لمين) أو هـو مـن عطـف اخلـاص علـى العـام‪ ،‬دون مـا لـو‬ ‫كان موافقاً هلا‪.‬‬ ‫[وقد يلتزم] بأن لألمة ذلك استناداً إىل‪:‬‬

‫[‪ -]1‬قولــه تعــاىل (وأم رهم ش ورى بي نهم) حيــث يشــمل بإطالقــه أمــر احلكــم فيكــون نصــب‬ ‫احلاكم كعزله مما تدخله الشورى‪.‬‬ ‫[‪ -]2‬وإىل قولــه تعــاىل (وش اورهم ف ي األم ر) قــال الســيد الوالــد‪( :‬وهنــا إشــكاالت‪ :‬األول أن‬ ‫هــذه اآليــة ال تــدل علــى الشــورى يف تعــني احلــاكم بــل علــى الشــورى علــى نفــس احلــاكم فمــن أيــن‬ ‫وجــوب الشــورى يف األول‪ ...‬واجلـواب عــن األول أن اآليــة تــدل بــاملالك األولــوي علــى الشــورى يف‬ ‫تعيــني احلــاكم بعــد أن مل يكــن املنصــوب عــن اهلل حاضـراً كمــا يف احلــال احلاضــر حيــث غيبــة اإلمــام‬ ‫املهدي (عجل اهلل تعاىل فرجه الشريف) فهل ميكن وجوب الشورى يف األمور العامة وعدم وجوهبـا‬ ‫‪1‬‬ ‫يف تعيني القيادة اليت هي األصل واألولوية بعد وضوحها عرفاً وهم امللقى إليهم الكالم‪.)...‬‬ ‫بــل قــد يقــال بداللــة اآليــة عل ـى الشــورى يف تعــني احلــاكم بالداللــة التضــمنية حيــث إن األمــر يف‬ ‫(وش اورهم ف ي األم ر) بإطالقــه شـامل ألمـر القيـادة‪ ،‬وإذا وجـب علــى الرسـول صـلى اهلل عليـه وآلــه‬ ‫استشارة األمـة يف أمـر القيـادة ‪-‬يف غـري مـن عينـه اهلل تعـاىل بـالنص وهـم األئمـة علـيهم السـالم كمـا‬ ‫فصــلنا احلــديث عــن ختصــيص الــنص ألدلــة الشــورى ســابقاً‪ -‬كــان هلــا حــق املشــورة ونفــوذ ال ـرأي يف‬ ‫أمرها يف سائر األزمنة فإذا كان هلا النصب كان بيدها العزل ‪-‬فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬الشورك في اإلسال ‪ :‬ص‪.16-15‬‬

‫‪346‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وال خيفى أن الروايات السابقة إن متت كانت خمصصة لـ(وأمرهم شورى بينهم) حيث إن أمرهم‬ ‫يشمل كل الشؤون العامة ومنها نصب احلاكم وكذا عزله والروايات السابقة خمتصة بصورة العزل‪.‬‬ ‫[‪ -]3‬وق ــد يس ــتند إىل قاع ــدة الس ــلطنة أيضـ ـاً إذ احلكوم ــة تص ــرف يف أمـ ـوال الن ــاس وأنفس ــهم‬ ‫وحق ــوقهم‪ ،‬فل ــيس للح ــاكم أن حيك ــم إال م ــا دام الرض ــى واإلذن موج ــوداً وال خيف ــى كوهن ــا حمكوم ــة‬ ‫للروايات السابقة على فرض متاميتها‪.‬‬ ‫[‪ -]4‬وقد يدعى التالزم بني كون حدوث احلكومة باالنتخاب وكون بقائها كذلك فتأمل‪.‬‬

‫[‪ -]5‬وقد يستند إىل وحدة املالك بني باب احلكومة وباب القضـاء حيـث للرجـل أن يرجـع يف‬ ‫جمموعــة مــن قضــاياه إىل قـ ٍ‬ ‫ـاض معــني مث يعــدل عنــه يف قضــاياه الالحقــة إىل قــاض آخــر‪ ،‬بــل نقــول‬

‫لســان البــابني واحــد (ف إني ق د جعلت ه عل يكم حاكم ا) يف مقبولــة عمــر بــن حنظلــة و(قاض يا) يف‬ ‫مشهورة أيب خداجة وذلك هو مقتضى نصب جمموعة اجـب الرجـوع إىل أحـدهم علـى سـبيل البـدل‬ ‫أو إىل املتعدد منهم ‪-‬ممن تصدق عليه الشورى‪ -‬على سبيل البدل أيضاً‪ ،‬إذ يكون املكلـف حينئ ٍـذ‬ ‫باخليــار يف الرجــوع إىل أي واحـ ٍـد أو أيــة جمموعــة كانــت وأمــا مــا ذكــره املكلــف حينئـ ٍـذ باخليــار يف‬ ‫الرجــوع ا ىل أي واحـ ٍـد أو أيــة جمموعــة كانــت وأمــا مــا ذكــر مــن الوجــه للتعيــني فقــد ســبق رده ولعــل‬ ‫ألجـ ــل مـ ــا ذكـ ــر مجيع ـ ـاً أو بعض ـ ـاً قـ ــال السـ ــيد الوالـ ــد (أمـ ــا مـ ــدة بقـ ــاء ال ـ ـرئيس يف منصـ ــبه وسـ ــائر‬ ‫اخلصوصيات فرتجع إىل رضاية األمة كما أن الرئيس يعزل مبجرد خروجه عن األهلية كما ذكروه يف‬ ‫‪1‬‬ ‫باب التقليد كذلك بانتهاء مدته لفقده ٍ‬ ‫حينئذ شرط رضاية األمة)‪.‬‬ ‫[وقد يقال]‪ :‬بأن احلكومة إن كانت وكالة انعزل احلاكم بعـزل األمـة كمـا ال خيفـى‪ ،‬وإن كانـت‬ ‫عقداً مستأنفاً‪ ،‬كان إمكان عزله وعدمه تابعاً ملا بين عليه العقد من الشرط‪ ،‬وإن كانت منصباً كان‬ ‫األمــر لألمــة أيضـاً بنــاء علــى جعــل هــذا املنصــب ملتعــدد قــد وجــب علــى األمــة الرجــوع إىل أحــدهم‬ ‫على سبيل البدل كما يف القاضي‪ ،‬هذا‪.‬‬ ‫[ولكن] مما يبعد كون احلكومة وكالة عدم نفوذ حكم الوكيل على املوكل أو علـى أحـد املـوكلني‬ ‫بينما تنفذ حكومة احلاكم على احملكومني مع موافقة األكثرية له وال تنفذ أحكام الوكيل علـى أحـد‬ ‫موكليه وإن وافقته أكثرية املوكلني‪.‬‬

‫‪ 1‬الفقه الحك في اإلسال ‪ :‬ص‪.42‬‬

‫‪347‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫وأما المسألة الثانیة‬

‫فنقــول‪ :‬إن هــذا كلــه لــو مل يفقــد احلــاكم أو شــورى احلكومــة الش ـرائط املعتــربة يف احلــاكم كعدالــة‬ ‫واالجتهاد واإلسالم وإال فإنه سينعزل قهراً ويدل عليه إضـافة إىل األولويـة القطعيـة مـن بـاب االفتـاء‬ ‫والقضــاء‪ ،‬العديــد مــن الروايــات منهــا قولــه عليــه الســالم يف مشــهورة أيب خداجــة (إي اكم إذا وقع ت‬

‫بينكم خصومة أو تداري بينكم في شيء من األخذ والعطاء أن تتحاكموا إلى أحد م ن ه ؤالء‬ ‫الفساق) إذ ال فرق بني كونـه فاسـقاً أو صـريورته ذكلـك لصـدق التحـاكم إىل الفاسـق عنـد الرجـوع‬ ‫يف قضــية مســتأنفة إىل مــن صــار فاســقاً ورجــع إليــه زمــن فســقه‪...( .‬وإي اكم أن يخاص م بعض كم‬

‫بعضا إلى السطان الجائر)‪ 1‬وذلك بضميمة أن صحة التحـاكم وجـوازه متفـرع علـى كونـه ذا واليـة‬ ‫أو ذا صــالحية للقضــاء أو للحكومــة شــرعاً ومبضــميمة املفهــوم مــن هــذه الروايــة الش ـريفة حيــث ورد‬ ‫فيه ــا (اجعل وا بي نكم رج ال م ن ق د ع رف حاللن ا وحرامن ا ف إني ق د جعلت ه عل يكم قاض يا‬

‫وإي اكم‪ )...‬حيــث إن مــن مل يعــرف احلــالل واحل ـرام أو كــان فاســقاً ‪-‬بســائر مــا دل علــى اش ـرتاط‬ ‫العدالــة‪ -‬غــري جمعــول حــدوثاً واســتمراراً‪ ،‬ويــرد عليــه أن الروايــة خمتصــة ببــاب القضــاء ظــاهراً وقولــه يف‬ ‫مقبولة عمر بن حنظلة (فقال‪ :‬من تحاكم إليهم في حق أو باطل‪ ،‬فإنما تح اكم إل ى الط اغوت‬ ‫وما يحكم له فإنما يؤخذ سحتا وإن ك ان حق ا ثابت ا ل ه‪ ،‬ألن ه أخ ذه بحك م الط اغوت وق د أم ر‬

‫اهلل أن يكف ر ب ه ق ال تع الى‪ :‬يري دون أن يتح اكموا إل ى الط اغوت وق د أم روا أن يكف روا ب ه‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬فكيف يصنعان؟ قال‪ :‬ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حاللنا‬ ‫‪2‬‬

‫وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما‪.)...‬‬ ‫وال خيف ــى أن اإلم ــام علي ــه الس ــالم اس ــتفاد احلك ــم الوض ــعي م ــن اآلي ــة الشـ ـريفة وتس ــتفاد احلرم ــة‬ ‫التكليفي ــة منه ــا أيض ـ ـاً واالس ــتدالل هب ــذه الرواي ــة كس ــابقها‪ ،‬وق ــول الص ــادق علي ــه الس ــالم (اتق وا‬

‫‪ 1‬الوسائل‪ :‬الباب ‪ 1‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬الحديث ‪ ،5‬والباب ‪ ،11‬الحديث ‪.6‬‬ ‫‪ 2‬الوسائل‪ :‬الباب ‪ 11‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬الحديث ‪.1‬‬

‫‪348‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الحكومة فإن الحكومة إنم ا ه ي لام ام الع الم بالقض اء الع ادل ف ي المس لمين لنب ي أو وص ي‬ ‫‪1‬‬

‫نبي)‪.‬‬ ‫وكــون احلكومــة للفيــه أيضـاً إمــا بــدعوى مشــول وصــي النــيب صــلى اهلل عليــه وآلــه لــه أو بضــم ســائر‬ ‫الروايــات إىل هــذه الروايــة الدالــة علــى جعــل الوصــي للفيقــه قاضــياً وحاكم ـاً‪ ،‬أو بالتمســك بــإطالق‬

‫صدر الرواية ومحل الذيل على التمثيل بأبرز املصاديق وقول اإلمام احلسني عليه السالم (ذل ك ب أن‬

‫مجاري األمور واألحكام على أيدي العلماء باهلل األمناء على حالله وحرامه)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وقول اإلمـام احلسـن عليـه السـالم يف حضـور معاويـة (إنم ا الخليف ة م ن س ار بكت اب اهلل وس نة‬

‫نبيه صلى اهلل علي ه وآل ه ول يس الخليف ة م ن س ار ب الجور)‪ 3‬وال فـرق يف هـذه الروايـة ومـا سـبقها‬ ‫وما سيأيت بني احلدوث والبقاء‪ :‬وقول اإلمام احلسني عليه السالم يف جواب أهل الكوفـة (فلعمري‬

‫م ا اإلم ام إال الح اكم بالكت اب الق ائم بالقس ط ال دائن ب دين الح ق الح ابس نفس ه عل ى ذات‬

‫اهلل)‪ 4‬وقــول اإلمــام البــاقر عليــه الســالم (ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وآل ه ق ال اهلل ع ز‬ ‫وج ل‪ :‬ألع ذبن ك ل رعي ة ف ي اإلس الم دان ت بوالي ة إم ام ج ائر ظ الم ل يس م ن اهلل وإن كان ت‬

‫الرعية عند اهلل بارة تقية وألعفون ع ن ك ل رعي ة ف ي اإلس الم دان ت بوالي ة ك ل إم ام ع ادل م ن‬ ‫اهلل وإن كانت الرعية في أعمالها ظالمة مسيئة)‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫وقول اإلمام الصادق عليه السالم (والية أهل العدل الذين أمر اهلل بواليتهم وتوليتهم وقبولها‬

‫والعم ل له ا ف رض م ن اهلل ع ز وج ل وط اعتهم واجب ة وال يح ل لم ن أم روه بالعم ل له م أن‬ ‫يتخلف عن أمرهم ووالية أهل الجور واتباعهم والعاملون لهم في معص ية اهلل غي ر ج ائزة لم ن‬

‫دعوه إلى خدمتهم والعمل لهم وعونهم وال القبول منهم)‪.‬‬

‫‪ 1‬الوسائل‪ :‬الباب ‪ 3‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬الحديث ‪.3‬‬ ‫‪ 2‬تحا العقول‪ :‬ص‪.237‬‬

‫‪ 3‬مقاتل الطالبيين‪ :‬ص‪.47‬‬

‫‪ 4‬اإلرشاد للمفيد‪ :‬ص‪ ،204‬وفي طبعة أخرك ص‪.186‬‬ ‫‪ 5‬إثبات الاداة‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.123‬‬

‫‪ 6‬دعائ اإلسال ج‪ ،2‬ص‪ ،527‬كتاب آداب القضاء‪ ،‬الحديث ‪.1876‬‬

‫‪349‬‬

‫‪6‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وكذلك رواية حتف العقول‪ 1‬وغريها كثري فلرياجع‪ ،‬وكـذلك قولـه تعـاىل (ل ن يجع ل اهلل للك افرين‬

‫عل ى الم ؤمنين س بيال) وإثبــات احلكومــة للحــاكم املســلم حــىت بعــد كفــره جعــل ســبيل هلــم علــيهم‪،‬‬ ‫وكــذا قولــه صــلى اهلل عليــه وآلــه‪ :‬اإلســالم يعلــو وال يعلــى عليــه‪ ،‬وقــد اســتدل هبمــا يف اجل ـواهر علــى‬ ‫اشرتاط اإلسالم يف القاضي‪.‬‬ ‫[كما قد يستدل] بأية النبأ على اعتبار العدالة حدوثاً وبقاءً بتقريب أن احلكومة أهم من النبأ‪،‬‬ ‫فإذا كان قبول اخلرب مشروطاً بالعدالة كانت احلكومة مشروطة هبا بطريق أوىل ‪ -‬كما استدل بذلك‬ ‫‪2‬‬ ‫على اعتبار العدالة يف القاضي‪.‬‬ ‫[كما قد يستدل] باألولوية من باب صالة اجلماعة املعترب فيهـا العدالـة حـدوثاً وبقـاءً‪ ،‬كمـا قـد‬

‫يسـتدل بقولـه تعـاىل (وال تركن وا إل ى ال ذين ظلم وا فتمس كم الن ار)وال ريـب يف أن حتكـيم احلــاكم‬ ‫اجلــائر أو الفاســق ركون ـاً للــذين ظلم ـوا بضــميمة قولــه تعــاىل (والفاس قون ه م الظ المون) والبحــث‬ ‫املستوعب يف هذا املقام مما يطول به الكالم فلنكتف هبذا املقدار‪.‬‬

‫[ولو سقط] عن العدالة أو االجتهاد أو سائر الشـرائط ثبوتـاً وظهـر ذلـك بعـد مـدة مـن الزمـان‪،‬‬ ‫فالظاهر أن كل أحكامه يف فرتة فقدانه للشرائط غري نافذة لألولوية من باب القضاء‪ ،‬وألن الظاهر‬ ‫أن هذه الشروط واقعية ال علمية لكـون ظـاهر تعليـق أمـر علـى عنـوان كونـه بوجـوده الـواقعي شـرطاً‪،‬‬ ‫وكون توهم وجوده جهالً مركباً وذلك لكون األمساء جمعولة ملسمياهتا الثبوتية‪...‬‬ ‫وال جمال لالستصحاب لظهور أدلة شرطية ما اشرتط يف احلدوث والبقاء‪.‬‬ ‫ولــو علــم هــو بفقدانــه الش ـرائط ومــع ذلــك حكــم فقــد فعــل حمرم ـاً الظــاهر اســتحقاقه للتعزيــر ‪-‬‬ ‫كتصرف كل شخص يف مال غريه ونفسه دون إذنه‪ -‬كمـا أن الظـاهر ضـمانه مـا تلـف حبكمـه مـن‬ ‫نفس أو مال أو حق‪ ،‬نعم للحاكم الالحق اإلمضاء كما يف كل فضويل؛ وإن مل يعلم هو بالفقدان‬ ‫وعلم احملكوم له كان عليه الضمان‪.‬‬ ‫وسواء علم بالفقدان أو مل يعلـم وعلـم بعـض أعضـاء احلكومـة بفقدانـه الشـرائط سـواءً حـدوثاً أو‬ ‫بقــاءً فهــل هلــم اإلعـراض عــن أوامــره أم جتــب علــيهم إطاعتــه مــا دام مل يعــزل رمسيـاً؟ فلــو أمــره بــإجراء‬

‫‪ 1‬تحا العقول‪ :‬ص‪.332‬‬

‫‪ 2‬الفقه‪ :‬كتاب القضاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.15‬‬

‫‪350‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫معاهــدة دوليــة أو نقضــها أو شــن حــرب أو إقامــة صــلح أو غــري ذلــك فهــل عليــه االمتثــال أم حيــرم؟‬ ‫وهل على من علم من األمة ذلك املخالفة أم جتب عليه اإلطاعة؟‬

‫[ق د يق ال] بوجــوب اإلطاعــة واالمتثــال للــزوم اهلــرج واملــرج واخــتالل النظــام لــوال ذلــك إذ لــيس‬ ‫هناك حاكم جتمع األمة على عدالته وسائر الصفات املشرتطة فيه إال نادراً جداً‪.‬‬

‫[وقد يقال] بعدم وجوهبا ألن األدلة دلت على والية اجلامع للشرائط وهذا احلاكم ليس جامعـاً‬ ‫للشرائط بنظر هذا العامل بفقده للشرائط ونظري هذه املسألة ما قالـه الفقهـاء يف بـاب القضـاء فـيمن‬ ‫علم أن حكم القاضي باطـل السـتناده مـثالً إىل شـاهدين علـم هـذا الشـخص فسـقهما‪ ،‬فـإن لـه أن‬ ‫ال يرتب األثر بل عليه أن يرتب آثار ما علم‪ ،‬فلـو علـم بأهنـا زوجـة زيـد وقـد حكـم احلـاكم بعـدمها‬ ‫مل يكن له تزواجها ولو علم بأهنا زوجته وحكم احلاكم بعدم الزوجية كـان عليـه دفـع مهرهـا ونفقتهـا‬ ‫وهكــذا وكــذا مــا قالــه الفقهــاء فيمــا لــو علــم القاضــي خطــأ حكمــه موضــوعاً كمــا إذا عــرف فســق‬ ‫الشــاهدين أو حكم ـاً كمــا لــو قطــع خبطــأ اســتدالله‪ ،‬فــإن الــنقض واجــب يف هــاتني الصــورتني لقولــه‬

‫تعاىل (ومن ل م يحك م بم ا أن زل اهلل فأولئ ك ه م الظ المون‪ ،‬الفاس قون‪ ،‬الك افرون) وألنـه منكـر‬ ‫استند إليه فالواجب إزالته فإن املنكر وإن وجب على كل أحد إزالته إال أن فاعله أوىل بإزالته شرعاً‬ ‫وعقالً كما ذكروا ذلك يف مسألة تنجيس اإلنسان املسجد حيث إنه أوىل باإلزالـة وإن وجـب علـى‬ ‫‪1‬‬ ‫اجلميع‪.‬‬ ‫وكذا ما لو علم اجملتهد اآلخر خطأ احلاكم األول فإن له النقض وقد ادعي على ذلك اإلمجاع‪.‬‬ ‫[وأم ا ل زوم] اهلــرج واملــرج واخــتالل النظــام [فق د ي ورد علي ه‪ :‬مض افا] إىل أخصــية الــدليل مــن‬ ‫املــدعى جــداً‪ ،‬إذ لــيس كلمــا مل ميتثــل بعــض أف ـراد األمــة أو بعــض أعضــاء احلكومــة أمــر احلــاكم لــزم‬ ‫اهلرج واملرج واختالل النظام ‪-‬يف حده القبيح عقالً‪:-‬‬

‫[إنه] ال دليل على حرمة ما يوجبها‪2‬خاصة إذا كان به التوصل إىل إحقاق احلق وإبطان الباطـل‬ ‫فيما لو كان مصلحته أهم من مصلحة عـدم إخـالل النظـام علـى مـا هـو مقتضـى بـاب التـزاحم‪-‬‬‫وإال لوجب على كل حاكم باحلق أن يتخلى عن حكمه إذا ثـارت ضـده جمموعـة مـن البغـاة حيـث‬ ‫إن مواجهتــه هلــم ‪-‬خاصــة إذا كــانوا أقويــاء‪ -‬مســتلزم للهــرج واملــرج واخــتالل النظــام‪ ،‬وحلــرم الســعي‬ ‫‪ 1‬الفقه‪ :‬كتاب القضاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.118‬‬

‫‪ 2‬إال من باب كوناا مقدمة للمحر كإراقة الدماء وهتل األع ار‬

‫‪351‬‬

‫وسرقة األموال وما أشبه ذلل‪.‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫لتويل احلاكم العادل شؤون البالد الستلزام تبدل احلكومة عادة اهلرج واملرج واختالل النظـام كمـا يف‬ ‫ثورة املختار وثورة زيد بن علي بن احلسني عليهم السـالم ولكانـت ثـورة اإلمـام احلسـني عليـه أفضـل‬ ‫الصـالة والسـالم باطلـة ومــن البـديهي صـحتها ووجوهبــا وكـذلك حـرب مســلم بـن عقيـل يف الكوفــة‪،‬‬ ‫ولكان سعي الرسول األكرم صلى اهلل عليه وآله إلقامة احلكمـة اإلسـالمية مبـا اسـتلزم مـن أكثـر مـن‬ ‫مثانني حرباً واختالل نظام دولة املشركني‪ ،‬غري صحيح ومن البديهي صحته كتاليه ولكانت مواجهة‬ ‫اإلمــام أمــري املــؤمنني عليــه الســالم ملعاويــة يف صــفني غــري صــحيحة ولكــان عليــه أن يســلم لــه مقاليــد‬ ‫احلك ــم ل ــئال يل ــزم اهل ــرج وامل ــرج واخ ــتالل النظ ــام! وال خيف ــى التأم ــل يف بع ــض األمثل ــة وع ــدم متامي ــة‬ ‫املالزمة‪ ،‬هذا‪.‬‬ ‫[مض افا] إىل أن تســليم وجــوب اإلطاعــة لــئال يلــزم اهلــرج واملــرج واخــتالل النظــام مســتلزم للغويــة‬ ‫اآليات والروايات الدالة على النهي عن التحاكم إىل أئمة اجلور والركون إليهم وإطاعتهم‪.‬‬ ‫فــإن قيــل‪ :‬بعــدم اســتلزام ذلــك اهلــرج واملــرج قلنــا‪- :‬بعــدم اســتلزامه لــه أيض ـاً يف مســألتنا‪ ،‬وبعبــارة‬ ‫أخرى‪ :‬مجيع األدلـة الدالـة علـى عـدم جـواز الركـون إىل أئمـة اجلـور وعـدم جـواز التحـاكم للطـاغوت‬ ‫وعدم جواز اتباعه‪ ...‬تدل على عدم جواز إطاعة من علم فقده للشرائط بقاء‪.‬‬ ‫[مض افا] إىل أن األمــر بإطاعــة مــن علــم فســقه أو فقدانــه لســائر الشـرائط مســتلزم لتجريــه أكثــر‬ ‫فأكثر كما جنده يف اخللفاء اجلائرين الذين روج علماء السنة وجوب إطاعتهم مطلقـاً كمـا أن األمـر‬ ‫بعدم إطاعته مستلزم ‪-‬ولو يف اجلملة‪ -‬الرتداعه عن املنكر فلو علم احلاكم أن األمة ال تطيعه فيما‬ ‫لــو أعلــن احلــرب مــثالً ملــا أعلنهــا لعلمــه هبزميتــه حينئـ ٍـذ ولــو مل تطعــه األمــة ‪-‬لفســقه‪ -‬يف أي شــيء‬ ‫الضــطر إمــا إىل إصــالح نفســه أو االســتقالة‪ ،‬بــل إطاعــة هــذا احلــاكم حمرمــة‪ ،‬وإن كــان مــا أمــر بــه‬ ‫مبصــلحة األمــة يف رأي املــأمور بــه أيضـاً وذلــك لــنص مقبولــة عمــر بــن حنظلــة يف املوضــوعية يف نظــر‬ ‫املســألة والتعمــيم إمــا للمــالك أو لعمــوم التعليــل‪ ..( :‬ق ال‪ :‬م ن تح اكم إل يهم ف ي ح ق أو باط ل‬

‫فإنم ا تح اكم إل ى الط اغوت وم ا يحك م ل ه فإنم ا يأخ ذ س حتا وإن ك ان حق ه ثابت ا ألن ه أخ ذه‬

‫بحكم الط اغوت‪ ،‬وإنم ا أم ر اهلل أن يكف ر ب ه ق ال اهلل تع الى‪ :‬ويتح اكمون إل ى الط اغوت وق د‬ ‫أمروا أن يكفروا به)‪.‬‬ ‫وبذلك كله يعلم وجوب السعي إلزالة حكم من علم فسقه‪ ،‬ألن الويل املنصوب من قبل اإلمام‬ ‫عليــه الســالم غــريه‪ ،‬إحقاقـاً للحــق وإبطــاالً للباطــل وأمـراً بــاملعروف ‪-‬لســاناً ويــداً‪ -‬وهنيـاً عــن املنكــر‪،‬‬ ‫‪352‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫فيكون حكـم مـن غصـب حكومـة الفقيـه العـادل املنصـوب مـن قبـل اإلمـام عليـه السـالم حكـم مـن‬ ‫غصــب حكومــة اإلمــام عليــه الســالم‪ 1‬وكمــا اجــب علــى املســلمني كفايــة ردع غــري ويل الطفــل وغــري‬ ‫القيم على الوقف‪ ،‬إذا نصب نفسه وليـاً وقيمـاً اجـب الـردع باألولويـة القطعيـة ملـن نصـب نفسـه وليـاً‬ ‫علــى املســلمني وهــو غــري جــامع للشـرائط الــيت اشــرتطها اإلمــام عليــه الســالم ولنرجــع إىل مــا كنــا فيــه‬ ‫فنقول‪ :‬ومما يؤيد أو يدل على ما ذكرناه اإلطالق املوجود يف كلمات الفقهـاء يف بـاب القضـاس ‪-‬‬ ‫بعـد وحــدة املــالك يف البـابني بــل أولويتــه يف بــاب احلكومـة وبعــد اســتفادة احلكـم يف كــال البــابني مــن‬

‫روايـة (فإني قد جعلت ه علي ك حاكم ا) وشـبهها‪ -‬قـال يف الشـرائع‪( :‬إذا ح دث م ا يمن ع االنعق اد‬ ‫انعزل وإن لم يشهد االما بعزله كالجنون والفسق ولو حكم ل م ينف ذ حكم ه) وتبعـه علـى ذلـك‬

‫اجلواهر‪ 2‬واملسالك‪ 3‬وغريمها وهذا شامل بإطالقه ملـا لـو علـم كـل أهـل اخلـربة ذلـك أو بعضـهم وكـذا‬ ‫لو علمت كل األمة بذلك أو بعضها هذا‪.‬‬ ‫[ولو اتهم] احلاكم أو بعض أعضـاء شـورى احلكومـة مبـا يسـقطه عـن العدالـة واختلـف فيـه أهـل‬ ‫اخلربة كان املرجع هو القاضـي لشـمول إطالقـات أدلـة القضـاء لـذلك لكوهنـا دعـوى مقتضـاها عـدم‬ ‫والية هذا عليه وعلى األمة وعدم نفوذ تصرفاته كما لو ادعى املـوىل عليـه عـدم مراعـاة الـويل للغبطـة‬ ‫مثالً‪ .‬وأدلة القضاء ‪-‬كما ذكرها املستند‪ -‬هي‪( :‬توقف نظـام نـوع اإلنسـان عليـه‪ ،‬وألن الظلـم مـن‬ ‫طبائع هذه األشخاص واختالف نفوسهم اجملبولة على حمبة الرتفع والتغلب وإرادة العلو والفساد يف‬ ‫األرض ولو ال دفع اهلل الناس بعضهم ببعض لفسدت األرض وأن كثرياً من اخللطـاء ليبغـى بعضـهم‬ ‫على بعض فالبد من حاكم بينهم ينتصف من الظامل للمظلوم ويردعه عن ظلمـه‪ ،‬وملـا يرتتـب عليـه‬ ‫مـن األمـر بــاملعروف والنهـي عـن املنكــر ولألمـر بــه يف الكتـاب والسـنة قــال اهلل سـبحانه‪ :‬يــا داود إن‬ ‫جعلنــاك خليفــة يف األرض فــأحكم بــني النــاس بــاحلق‪ ،‬وقــال تعــاىل شــأنه‪ :‬إنــا أنزلنــا عليــك الكتــاب‬ ‫باحلق فاحكم بني الناس مبا أراك اهلل‪.‬‬

‫‪ 1‬في أصل الحرمة ال في شدتاا ودرجتاا كما هو واضح‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجواهر‪ :‬ج‪ ،40‬كتاب القضاء‪ ،‬ص‪.61‬‬ ‫‪ 3‬المسالل‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.286‬‬

‫‪353‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ويف رواية معلى بن خنيس وأمرت األئمة أن حيكمـوا بالعـدل وأمـر النـاس أن يتبعـوهم وغـري ذلـك‬ ‫‪1‬‬ ‫من األخبار)‪.‬‬ ‫وهذه األدلة ‪-‬كما تـرى‪ -‬شـاملة بإطالقهـا ‪-‬أو مبالكهـا وباألولويـة‪ -‬مـا حنـن فيـه هـذا وقـد ذكـر‬ ‫‪2‬‬ ‫الفقهاء يف كتاب القضاء‪ :‬ما لو ادعى فسق احلاكم ورجوعهما إىل حاكم آخر فلرياجع‪.‬‬ ‫وق ــد ذكرن ــا يف مس ــألة أخ ــرى (مس ألة فص ل الس لطات) م ــا ينف ــع املق ــام ه ــذا‪[ .‬ول و تغ اير]‬ ‫االجتهاد بـأن كـان أكثريـة أهـل احلـل والعقـد مـن الفقهـاء يـرون للعدالـة معـىن أعـم وكـان هـذا الفقيـه‬ ‫يرى هلا معىن أخص أو كانوا ال يرون اشرتاط االجتهاد يف احلاكم وكان يرى ذلك فهل عليه االتباع‬ ‫إن انتخب حاكم أو انتخبت شورى ال تتصف بالعدالة باملعىن األخص أو االجتهاد أم ال؟‬ ‫[ق د يق ال] بالعــدم إذ ال يـراه هــذا مــن (العلم اء ب اهلل) أو (األمن اء عل ى حالل ه وحرام ه) مــثالً‬ ‫حىت يرتتب عليه احملمول الذي ذكره اإلمام عليه السالم وهو كون جماري األمور بيده أو ال يراه ممن‬ ‫نظر يف حاللنا وحرامنا ليكون هو اجملعول حاكماً فليست وظيفته اإلطاعة وإن كـان للحـاكم إلزامـه‬ ‫هبا حيث يرى نفسه جامعاً للشرائط منصوباً من قبل اإلمام عليه السالم فعليه اإلطاعة فيما اضطر‬

‫فقــط وفيمــا لــزم مــن عــدمها اخــتالل النظــام أو ترتــب حمــذور أهــم [إال أن يق ال] بــأن لإلمــام عليــه‬ ‫السالم أن اجعل حكم أحد املتخالفني يف االجتهاد نافذاً على اآلخر ‪-‬كما يف اجملتهدين املرتافعني‬ ‫إىل ٍ‬ ‫قاض‪ -‬ومعىن ذلك إلغاء حجية ظنهه يف هـذه الصـورة هـذا ثبوتـاً وقـد فصـلنا احلـديث عـن هـذا‬ ‫يف موضــع آخــر‪ ،‬وأمــا إثبات ـاً في ــدور األمــر بــني جعــل رأي أكثري ــة أهــل احلــل والعقــد يف تش ــخيص‬ ‫املوضوع حجـة أو أقليـتهم ‪-‬يف صـورة التخـالف‪ -‬فالبـد مـن جعـل أحـدمها احلجـة الـالزم االتبـاع ‪-‬‬ ‫وإال لزم اخـتالل النظـام ونقـض الغـرض مـن جعـل القاضـي واحلـاكم الـذي هـو فصـل اخلصوصـمات‬ ‫وبت األمر وإدارة شؤون األمة‪ -‬وأيهما جعل كان ظن اآلخر غري حجة وغري متبع واألوىل باحلجية‬ ‫رأي األكثرية لكونه ترجيحاً للراجح ‪-‬فتأمل وقد مرت وجوه عديدة للتأمل يف ما ذكر‪.‬‬ ‫[وق د يق ال] برفــع األمــر إىل القاضــي كمــا ذكرنــاه يف املســألة الســابقة حيــث إن بنــاء العقـالء يف‬ ‫نزاع احلاكم واحملكوم وسريهتم على ذلك فتأمل هذا‪.‬‬

‫‪ 1‬المستند‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ ،514‬كتاب القضاء‪.‬‬ ‫‪ 2‬المصدر‪ :‬ص‪.529‬‬

‫‪354‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ولو فقد الحاكم] بعض الشرائط كالعدالة مثالً مث رجع عادالً فهل تعود واليته أم ال؟ وجهـان‬ ‫وجه العدم‪ :‬االستصحاب بسقوطه عن املنصب فعـوده حيتـاج للـدليل‪ ،‬ووجـه العـود‪ :‬إطالقـات أدلـة‬ ‫النصب حالة وجود الشرائط كمـا لـو قـال أكـرم العـدول‪ ،‬ففسـق أحـدهم مث رجـع عـادالً‪ ،‬إذ تشـمله‬ ‫بعــد العــود العمومــات واإلطالقــات وال جمــال مــع الــدليل لألصــل والزمــان‪ ،‬وإن كــان ظرف ـاً للنصــب‬ ‫بالنسبة للشخص الواحد فهناك نصب واحد ممتد بامتداد الزمان ما دام عادالً فا أفـراد متعـددة منـه‬ ‫إال أنه بفسقه ارتفع هذا الفـرد وبعـوده عـادالً حتقـق مـرة أخـرى لتحقـق املوضـوع كمـا يف كـل حممـول‬ ‫حتقق متام موضوعه يف زمن مث ارتفع مث عـاد كمـا يف املفـيت وغـريه هـذا لـو مل نشـرتط رضـاية األمـة يف‬ ‫فعليــة التــويل وإال فــإن اشــرتط أو ارتكــز أحــد الطــرفني فيهــا فوجهــان مــن كــون الزمــان ظرف ـاً للرضــى‬ ‫بالوالية أو مفرداً وعلى الثاين استفادة إطالق من الرضى أم ال فتأمل‪.‬‬ ‫وهــذه البحــوث حباجــة إىل تتبــع وحتقيــق أكثــر وسنفصــل احلــديث بإذنــه تعــاىل يف اجلــزء الثــاين مــن‬ ‫الكتاب‪.‬‬

‫‪355‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل الخامس‬ ‫في أن الوالية لكل مجتهد جامع للشرائط ال لخصوص بعضهم‬

‫‪356‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫هل الوالية لكل مجتهد جامع للشرائط‬

‫[مسألة] رمبا يستظهر من األدلة على والية الفقيه ‪-‬بناء على متاميتها‪ -‬كون الوالية لكل جمتهد‬ ‫جامع للشرائط‪ 1‬ال خلصوص مراجع التقليد وذلك إلطالق أدلة والية الفقيه وعدم وجود املقيد أما‬ ‫إطالقها فظاهر‪ ،‬إذ األدلة اليت استدل هبا على والية الفقيه هي‪:‬‬ ‫مقبولة عمر بن حنظلة وفيها‪( :‬انظ روا إل ى م ن ك ان م نكم ق د روى ح ديثنا ونظ ر ف ي حاللن ا‬

‫وحرامنا وعرف أحكامنا فأرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وكــذا حــديث (الله م ارح م خلف ائي)‪ 3‬وحــديث (العلم اء ورث ة األنبي اء)‪ 4‬وحــديث (الفقه اء‬

‫حص ون اإلس الم)‪ 5‬وحــديث (الفقه اء أمن اء الرس ل)‪ 6‬والتوقيــع املبــارك وحـديث (العلم اء حك ام‬

‫على الناس)‪ 7‬وحـديث (مج اري األم ور واألحك ام عل ى أي دي العلم اء ب اهلل)‪ 8‬وغريهـا وكـل هـذه‬ ‫األحادي ــث ‪-‬عل ــى تق ــدير متاميته ــا‪ -‬ت ــدل عل ــى ثب ــوت الوالي ــة واحلكوم ــة ‪-‬عل ــى س ــبيل الب ــدل أو‬ ‫االجتمــاع أو غــري ذلــك‪ -‬لكــل مــن روى احلــديث ونظــر يف احلــالل واحل ـرام ولكــل عــامل وفيقــه وأن‬ ‫املنصوب من قبلهم مطلق اجملتهد‪ ،‬وال دليل علـى ختصـص هـذه الواليـة مبـن قلـده النـاس خاصـة مـع‬ ‫كون املقبولة بياناً يف موضع احلاجة الفعليـة ولـو كـان الرجـوع إىل املقلـد شـرطاً لكـان إغـراء باجلهـل‪،‬‬ ‫إال أن يقــال إن حمــل احلاجــة كــان شــأن القضــاء ال احلكــم إضــافة إىل وضــوح كــون غــري املقلــد أيضـاً‬ ‫حصناً لإلسالم ووارثاً لألنبياء وأميناً للرسل وغري ذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬ومن جملتاا رضر الناس به حاكماً وانتخابا له كما فصلناه في موضعه‪ ،‬ولو ل نعتبر هذا الشرط كانات الوالياة ألكثرياة‬ ‫مجلس الشورك المؤلا من جميل المجتادين فتيمل‪.‬‬

‫‪ 2‬الكافي‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪ ،412‬ح‪.5‬‬

‫‪ 3‬من ال يحضره الفقيه‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪ ،420‬ح‪.5919‬‬ ‫‪ 4‬الكافي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،32‬ح‪.2‬‬ ‫‪ 5‬الكافي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،38‬ح‪.3‬‬ ‫‪ 6‬الكافي‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،46‬ح‪.5‬‬

‫‪ 7‬جامل أحاديث الشيعة‪ :‬ج‪ ،25‬ص‪ ،18‬ح‪.27‬‬ ‫‪ 8‬تحا العقول‪ :‬ص‪.238‬‬

‫‪357‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫إضــافة إىل عــدم حتقــق التقليــد ‪-‬بالشــكل الفعلــي‪ -‬زمــن صــدور هــذه الروايــات ‪-‬بــل كــان كــل‬ ‫شـخص يرجـع ألي را ٍو للحـديث ممــن نظـر يف احلـالل واحلـرام إذا اطمــئن بـه‪ -‬حـىت يقـال بانصـراف‬ ‫الروايات إىل (مراجع التقليد) باملعىن األخص املتداول يف ما بعد تلك األعصار‪.‬‬ ‫[إضافة] إىل ما قلناه يف موضع آخر من أجنبية التقليد عن احلكم كأجنبيته عن القضاء والفقيه‬ ‫على تقدير متامية األدلة‪ -‬له مناصب ثالثة‪ :‬االفتاء والقضـاء والواليـة فلمـن لـه االفتـاء الواليـة‪ 1‬ال‬‫أهنا ملن استفتاه الناس فقط‪ ،‬كما أن ملن له القضـاء االفتـاء ال ملـن استقضـاه النـاس‪ ،‬كمـا أن ملـن لـه‬ ‫الوالية االفتاء والقضاء ال ملن استواله الناس فقط‪ ،‬ومل يقل أحد خـالف ذلـك‪ ،‬ولـيس تقليـد النـاس‬ ‫ألحد مستلزماً الرتضائهم إياه والياً كمـا هـو واضـح خارجـاً كمـا أن تقليـدهم لشـخص غـري مسـتلزم‬ ‫لرجوعهم إليه يف القضاء ولعدم التالزم بني أهليته لالفتـاء وأهليتـه إلدارة احلكومـة فقـد يكـون حمققـاً‬ ‫مــدققاً يف األحكــام الشــرعية جــاهالً بشــؤون احلكــم والسياســة وبنــاء علــى ذلــك قــد يكــون مراجــع‬ ‫التقليد مخسة مثالً ويكون املتصدون للحكم مخسة غريهم‪ ،‬اللهم إال أن يتمسك للزوم كون شورى‬ ‫الفقهــاء متش ـ كلة مــن مراجــع التقليــد بــبعض األدلــة الســباقة الدالــة علــى خصــوص ذلــك فلــتالحظ‬ ‫وليتأمل‪.‬‬ ‫[ومم ا س بق] ‪-‬مــن أن املعتــرب يف احلــاكم جامعيتــه للش ـرائط إضــافة إىل رضــى األمــة‪ -‬يظهــر أن‬ ‫لألمة ‪-‬جوازاً باملعىن األعم‪ -‬انتخاب جمموعة من الفقهاء لتشكيل شورى احلكومـة علـى أن يكـون‬ ‫رأي أحــدهم نافــذاً يف االقتصــاديات لكونــه أخــرب هبــا‪ ،‬واآلخــر يف السياســيات‪ ،‬والثالــث يف شــؤون‬ ‫احلرب والسلم‪ ،‬وهكذا واجب على كل منهم االستشارة من جمموعة من الفقهاء تنتخـبهم األمـة أو‬ ‫ينتخبهم هو ‪-‬إن فوضت األمة إليه ذلك‪ -‬واتباع آراء أكثريتهم وذلك مجعاً بني أدلة ثالثة وهي‪:‬‬ ‫دليل اشرتاط رضى اهلل وكون املنصوب مـن قبلـه هـو اجملتهـد اجلـامع للشـرائط‪ ،‬ودليـل اعتبـار ضـى‬ ‫األمة‪ ،‬ودليل الشورى‪.‬‬ ‫وأما إن مل يكن املستشـارون جمتهـدين فـال يلـزم اتبـاع أكثـريتهم وإال لـزم حتكـيم مـن لـيس منصـوباً‬ ‫من قبله جل وعال فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬الوالية الشينية أو الفعلية‪ ،‬علر ما فصلناه في محله‪.‬‬

‫‪358‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[وربما احتمل] أو قيـل بكـون الواليـة‪ 1‬ألهـل اخلـربة مـن املـؤمنني ‪-‬وإن مل يكونـوا جمتهـدين‪ -‬إن‬ ‫انتخبــتهم األمــة‪ 2‬أو للمــؤمنني ‪-‬وإن مل يكون ـوا جمتهــدين وال مــن أهــل اخلــربة ‪-‬مــع االنتخــاب وهــو‬ ‫مستند إىل‪-:‬‬

‫[أوال]‪- :‬بعض اآليات والروايات الشريفة اليت يسـتفاد منهـا صـحة احلكـم بالعـدل والقسـط مـن‬

‫كل مؤمن كقوله تعاىل‪( :‬إن اهلل ي أمركم أن ت ؤدوا األمان ات إل ى أهله ا وإذا حكم تم ب ين الن اس‬

‫أن تحكموا بالعدل)‪ 3‬وهذه اآلية وإن مل يكن املراد هبا (احلكومة) وما هـو مـن شـأن الـوايل لكوهنـا‬ ‫ظــاهرة يف املنازعــات ملكــان (ب ين الن اس) أعــم مــن كوهنــا فرديــة واجتماعيــة وعقائديــة ‪-‬نظ ـراً ملــورد‬ ‫اآلية‪ -4‬إال أهنا تشمل بعض شـؤون احلـاكم لكـون فـض الفـنت االجتماعيـة مـن شـأنه والظـاهر كـون‬ ‫احلكــم بــني النــاس للكــل إذ اخلطــاب عــام‪ ،‬وملســبوقيته ب ــ(إن اهلل ي أمركم أن ت ؤدوا األمان ات إل ى‬

‫أهله ا ) الظ ــاهر يف ع ــدم التخص ــص بفئ ــة معين ــة ف ــال وج ــه مل ــا ذك ــره الفخ ــر الـ ـرازي‪( :‬قول ــه "وإذا‬ ‫‪5‬‬ ‫حكمتم‪ "...‬كالتصريح بأنه ليس جلميع الناس أن يشرعوا يف احلكم)‪.‬‬ ‫وقوله (يا أيها ال ذين آمن وا كون وا ق وامين هلل ش هداء بالقس ط وال يج رمنكم ش نئان ق وم عل ى‬

‫أن ال تعدلوا)‪ 6‬والالم يف (هلل) للغاية فاملـأمور بـه هـو القواميـة بكـل أمـر خـري وبكـل معـروف ألجـل‬ ‫اهلل ال خصوص القوامية يف الشهادة لكون حذف املتعلق مفيـداً للعمـوم واجلملـة الالحقـة مـن بـاب‬ ‫ذكر اخلاص بعد العام والوايل العادل قائم باخلري واملعروف هلل‪.‬‬ ‫وقوله (يا أيها الذين آمن وا كون وا ق وامين بالقس ط ش هداء هلل ول و عل ى أنفس كم أو الوال دين‬

‫أو األق ربين)‪ 7‬والـوايل احلــاكم العـادل قــائم بالقسـط بعكـس احلــاكم اجلـائر فاحلــاكم إذا أثقـل كأهــل‬ ‫األمــة بالضـرائب بالباطــل ومنــع النــاس مــن التجــارة ومــن الســفر واإلقامــة ومــن متلــك ســائر املســلمني‬

‫‪ 1‬الظاااهر أن األدلااة الالحقااة بناااء علاار تماميتاااا دلياال علاار صااحة القيااا باايمر الحكومااة للمااؤمن فقااط ال علاار ثبااوت الواليااة‬ ‫فليالحظ‪.‬‬

‫‪ 2‬أو دون االنتخاب إن ل نعتبر رضاها‪.‬‬ ‫‪ 3‬سورة النساء‪.58 :‬‬

‫‪ 4‬الميزان‪ :‬ج‪ ،5‬ص‪.378‬‬

‫‪ 5‬التفسير الكبير‪ :‬ج‪ ،10‬ص‪ ،142‬ذيل اوية الشريفة‪.‬‬ ‫‪ 6‬المائدة‪.8 :‬‬

‫‪ 7‬النساء‪.135 :‬‬

‫‪359‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الــدار والعقــار ومــن الــزواج بــامرأة مســلمة مــن بلــدة أخــرى وســلب النــاس حريــة إبــداء الـرأي وصــادر‬ ‫أمـوال النــاس ومــنعهم مــن حيــازة املباحــات و‪ ...‬و‪ ...‬كــان قائمـاً بــاجلور وإال كــان قائم ـاً بالقســط‬ ‫والعدل‪ ،‬وأما احتمال كون تلك مشرتطة باإلذن حبيث لواله ملا كان قياماً بالقسط فبعيـد جـداً نعـم‬ ‫لو كان اإلذن شرطاً كان قيامه باحلكم غصباً حمرماً‪ ،‬ال أن تلك األعمال مل تكن قياماً بالقسط‪.‬‬ ‫ومفهوم قوله تعـاىل (وم ن ل م يحك م بم ا أن زل اهلل فأولئ ك ه م الك افرون)‪ ...( 1‬الظ المون)‬

‫(‪ ...‬الفاسقون)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫وقول علي عليه السـالم‪( :‬الحك م حكم ان حك م اهلل وحك م الجاهلي ة فم ن أخط أ حك م اهلل‬

‫حكم بحكم الجاهلية)‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وقول اإلمام الباقر عليه السالم‪( :‬الحكم حكمان حكم اهلل وحكم الجاهلية وقد قال اهلل عز‬

‫وج ل‪" :‬وم ن أحس ن م ن اهلل حكم ا لق وم يوقن ون" وأش هد عل ى زي د ب ن ثاب ت لق د حك م ف ي‬ ‫‪5‬‬

‫الفرائض بحكم الجاهلية)‪.‬‬ ‫قال يف اجلواهر (إىل غري ذلك من النصوص البالغة بالتعاضد أعلى مراتب القطع الدالـة علـى أن‬ ‫املدار احلكم باحلق الذي هو عنـد حممـد وأهـل بيتـه صـلوات اهلل علـيهم وأنـه ال ريـب يف انـدراج مـن‬ ‫مســع مــنهم علــيهم السـالم أحكامـاً خاصــة وحكــم فيهــا بــني النــاس وإن مل يكــن لــه مرتبــة االجتهــاد‬ ‫والتصــرف)‪ 6‬وقــال أيض ـاً‪( :‬إىل غــري ذلــك مــن النصــوص الظــاهرة والصــرحية يف اإلذن بــاحلكم بــاحلق‬ ‫والعدل وهو الذي عندهم‪ ،‬وشيعتهم أمجع نواب عنهم يف ذلـك ألن املـدار علـى احلكـم بـني النـاس‬ ‫‪7‬‬ ‫حبكمهم)‪.‬‬

‫‪ 1‬المائدة‪.44 :‬‬ ‫‪ 2‬المائدة‪.45 :‬‬ ‫‪ 3‬المائدة‪.47 :‬‬ ‫‪ 4‬وج تهت فذ ل كتفذ‪ :‬ج‪ ،7‬ص‪ ،407‬بتِ اصفتف ل ِّضتة‪ ،1ْ ،‬و كفهت عن لإل تم ل صت ق عليه ل سحم‪.‬‬ ‫‪ 5‬الوسائل‪ :‬الباب ‪ 4‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬الحديث‪.8‬‬

‫‪ 6‬الجواهر‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪ 16‬كتاب القضاء‪ ،‬وال يخفار أن كالماه هاذا فاي القضااء وقاد ذكرنااه هناا لجرياناه بعيناه هاناا كماا ال‬ ‫يخفر‪.‬‬

‫‪ 7‬الجواهر‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪.30‬‬

‫‪360‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقال أيضـاً‪( :‬فـدعوى قوصـر مـن علـم مجلـة مـن األحكـام مشـافهة أو بتقليـد جملتهـد عـن منصـب‬ ‫القضــاء مبــا علمــه خاليــة عــن الــدليل بــل ظــاهر األدلــة خالفهــا‪ ،‬بــل ميكــن دعــوى القطــع خبالفهــا‬ ‫ونصب خصوص اجملتهد يف زمان الغيبة بناء على ظهور النصوص فيه ال يقتضي عدم جواز نصـب‬ ‫‪1‬‬ ‫الغري)‪.‬‬ ‫ولك ــن ق ــال أيضـ ـاً‪( :‬الله ــم إال أن يق ــال ب ــأن النص ــوص دال ــة عل ــى اإلذن م ــنهم عل ــيهم الس ــالم‬ ‫لشــيعتهم املتمســكني حبــبلهم احلــافظني ألحكــامهم يف احلكــم بــني النــاس بأحكــامهم الواصــلة إلــيهم‬ ‫‪2‬‬ ‫بقطع أو اجتهاد صحيح أو تقليد كذلك فإهنم العلماء وشيعتهم املتعلمون وباقي الناس غثاء)‪.‬‬ ‫[وثانيا] ادعاء أن احلكام والوالة الذين نصـبهم الرسـول صـلى اهلل عليـه وآلـه وعلـي عليـه السـالم‬ ‫مل يكونوا كلهم من اجملتهدين‪.‬‬ ‫[وثالثا] بل قد يقال بشمول بعض أدلة والية الفقيه لبعض املؤمنني غري اجملتهدين لصدق العـامل‬ ‫والفيه وراوي احلديث على املقلد املطلع‪.‬‬ ‫[ورابع ا] أن مجيـ ــع اآليـ ــات املتضـ ــمنة إلقامـ ــة العبـ ــادات والقيـ ــام بـ ــأمر اجلهـ ــاد وإج ـ ـراء احلـ ــدود‬ ‫والقصــاص واألمــر بــاملعروف والنهــي عــن املنكــر قــد وجهــت اخلطــاب إىل عامــة املــؤمنني دون فئــة‬ ‫خاصـ ــة مـ ــنهم كاجملتهـ ــدين قـ ــال تعـ ــاىل‪( :‬الت ائبون العاب دون الحام دون الس ائحون الراكع ون‬

‫‪3‬‬

‫الساجدون اآلمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود اهلل وبشر الم ؤمنين)‬ ‫وال ريب أن يف حكومة احلق حفظ حـدود اهلل بـل هـي أهـم مـا حتفـظ بـه احلـدود وقـد جعـل احلفـظ‬ ‫صفة للمؤمنني وكذا األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬ ‫وقال (ولتكن منكم أمة يدعون إل ى الخي ر وي أمرون ب المعروف وينه ون ع ن المنك ر وأولئ ك‬

‫ه م المفلح ون)‪ 4‬وقــال (وأقيم وا الص الة)‪( 5‬وأنفق وا ف ي س بيل اهلل)‪( 6‬كت ب عل يكم الص يام)‬ ‫‪ 1‬الجواهر‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪.18‬‬ ‫‪ 2‬الجواهر‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪.17‬‬ ‫‪ 3‬التوبة‪.112 :‬‬

‫‪ 4‬آل عمران‪.104 :‬‬ ‫‪ 5‬النساء‪.77 :‬‬

‫‪ 6‬البقرة‪.195 :‬‬ ‫‪ 7‬البقرة‪.183 :‬‬

‫‪361‬‬

‫‪7‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫(وجاه دوا ف ي س بيله)‪( 1‬وجاه دوا ف ي اهلل ح ق جه اده)‪( 2‬الزاني ة والزان ي فاجل دوا ك ل واح د‬ ‫منهما مأة جلدة)‪( 3‬والسارق والسارقة فاقطعوا أي ديهما)‪( 4‬وأقيم وا الش هادة هلل)‪( 5‬واعتص موا‬

‫بحب ل اهلل جميع ا وال تفرق وا)‪( 6‬أن أقيم وا ال دين هلل وال تتفرق وا في ه)‪( 7‬ولك م ف ي القص اص‬

‫حياة)‪ 8‬إىل غري ذلك‪.‬‬ ‫قال العالمة الطباطبائي (ويستفاد من اجلميع أن الدين صبغة اجتماعية محله اهلل علـى النـاس وال‬ ‫يرضى لعباده الكفر ومل يرد إقامته إال منهم بأمجعهم فاجملتمع املتكون منهم أمره إليهم من غري مزيـة‬ ‫يف ذلك لبعضهم وال اختصاص منهم ببعضهم‪ 9‬وقد استثىن زمـن النـيب صـلى اهلل عليـه وآلـه واإلمـام‬ ‫عليــه الســالم حيــث احلكومــة هلمــا) مث قــال‪( :‬ولكــن علــى أي حــال أمــر احلكومــة إىل املســلمني مــن‬ ‫غري إشكال والذي ميكن أن يستفاد من الكتاب يف ذلك أن علـيهم تعيـني احلـاكم يف اجملتمـع علـى‬ ‫ســرية رســول اهلل ص ــلى اهلل علي ــه وآل ــه وه ــي ســنة اإلمام ــة دون امللوكي ــة واالمرباطوري ــة والس ــري ف ــيهم‬ ‫حبافظة األحكام من غري تغيري والتويل بالشور يف غري األحكام من حوادث الوقت واحملل كما تقدم‬ ‫والدليل على ذلك كله مجيع ما تقدم من اآليات يف والية النيب صلى اهلل عليه وآله مضافة إىل قوله‬ ‫‪10‬‬ ‫تعاىل (لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة‪ ..‬األحزاب ‪.)21‬‬ ‫وقــد اســتدل الشــهيد يف القواعــد علــى ج ـواز تــويل اآلحــاد مــع تعــذر احلكــام‪ ،‬آحــاد التصــرفات‬ ‫احلكميــة كــدفع ضــرورة اليتــيم بعمــوم قولــه تعــاىل (وتع اونوا عل ى الب ر والتق وى) وقولــه عليــه الســالم‬ ‫‪11‬‬ ‫(واهلل تعاىل يف عون العبد ما كان العبد يف عون أخيه) وقوله (كل معروف صدقة))‪.‬‬

‫‪ 1‬المائدة‪.35 :‬‬ ‫‪ 2‬الحج‪.78 :‬‬ ‫‪ 3‬النور‪.2 :‬‬

‫‪ 4‬المائدة‪.38 :‬‬ ‫‪ 5‬الطالي‪.2:‬‬

‫‪ 6‬آل عمران‪.103 :‬‬ ‫‪ 7‬الشورك‪.113 :‬‬ ‫‪ 8‬البقرة‪.179 :‬‬

‫‪ 9‬الميزان‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.123-122‬‬

‫‪ 10‬الميزان‪ :‬ج‪ ،4‬ص‪.125-124‬‬

‫‪ 11‬المكاسب‪ :‬ص‪ 155‬بحث والية عدول المؤمنين‪.‬‬

‫‪362‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وغــري خفــي أن مقتضــى أدلتــه جـواز تــويل اآلحــاد ‪-‬كــل اآلحــاد علــى ســبيل البــدل ككــل واجــب‬ ‫كفائي أو اآلحاد الـيت انتخبتهـا األمـة‪ -‬أو غـري ذلـك حسـب مـا يسـتفاد مـن مجـع األدلـة مـع تعـذر‬ ‫احلكام ‪-‬أو مع وجود الفقيه اجلامع للشرائط وعدم متاميـة أدلـة واليـة الفقيـه‪ -‬كافـة شـؤون احلكومـة‬ ‫لشــمول عمــوم (وتع اونوا عل ى الب ر والتق وى) لــذلك وأ لــيس إج ـراء معاهــدة دوليــة تكــون لنفــع‬ ‫املسلمني تعاوناً على الرب والتقوى؟ إىل غري ذلك من األمثلة‪.‬‬

‫[وربما يورد على الوجه األول]‪:‬‬ ‫إن اآليات وإن كانت ظاهرة يف كونه القيام بالقسط واحلكم بالعدل واجباً كفائياً لكل مؤمن إال‬ ‫أن روايــات واليــة الفقيــه دالــة علــى كــون احلكومــة للفقيــه اجلــامع للشـرائط فهــي خمصصــة هلــا ومقيــدة‬ ‫إلطالقاهتا‪ ،‬نعم من مل تتم عنده أدلة والية الفقيه يسلم اإلطالق عنده عن املخصص وكذا ل متت‬ ‫عنده ولكن ذهب إىل ما ذهب إليه بعض األصـوليني مـن عـدم مقيديـة أحـد املثبتـني لآلخـر كـأكرم‬ ‫العلمــاء وأكــرم العلمــاء العــدول حيــث يكتفــي بــإكرام مطلــق العــامل ويكــون إكرامــه امتثــاالً ألكــرم‬ ‫العلمــاء وحيــم ذو الوصــف علــى االســتحباب‪ 1‬وكــذا مــا حنــن فيــه إذ تــدل بعــض األدلــة علــى وجــوب‬ ‫التص ــدي للحك ــم بالع ـدل لك ــل م ــؤمن وبعض ــها عل ــى وجوب ــه للمجته ــد اجل ــامع للشـ ـرائط [إال أن‬

‫يقال] مبقيدية أحد املثبتني لآلخر عرفاً وكون ظهور املقيد يف اإللزام بالقيد أقوى‪ 2‬من ظهور املطلق‬ ‫يف اإلطالق املقتضى حللم املقيد على االستحباب لو كان هو األقوى أ ال ترى املوىل لو قال لعبده‬ ‫اشرت اللحم مث قال اشرت حلم الغـنم فاشـرتى غـريه كـان لـه عقابـه وكـذا لـو قـال اشـرت يل عبـداً مث قـال‬ ‫اش ــرت يل عب ــداً أس ــود أو عب ــداً خبـ ـرياً بالزراع ــة أو غ ــري ذل ــك فاش ــرتى غ ــريه ذم ــه العق ــالء واس ــتحق‬ ‫‪ 1‬هذا لو ل يساتظار كاون األمار بالمقياد مان بااب تعادد المطلاوب فيكاون إكا ار العاال حينئاذ مساقطاً ألكار العاال دون أكار‬

‫العال العادل فال يجازي امتثاال األعا عان امتثاال األخاص نعا عناد تعاذره يكاون هاو الاالز االتياان وجوبااً والظااهر كاون ماا‬

‫نحن فيه من هذا القبيل‪.‬‬

‫‪ 2‬ال يخفر أن هذا في صورة استظاار وحدة المطلوب واال لما تنافيا حتر يحمل أحدهما علر اوخر‪[ .‬و و ش ] في وحادة‬ ‫المطلوب وتعدده كان مقتضار قاعادة الادوران باين التعياين والتخييار االتياان بواجاد القياد [ ن ان يِّوتَ] بتفصايل ال يبقار معاه‬

‫مجال للقاعدة بين يقال إن الشل إن كان في العنوان والمحصل فال مجال للبرائة وان ل يكن فإن سابي صادور المطلاي كاان‬ ‫ورود المقيد فيما بعد سبباً للشال فاي تعلاي تكلياا جدياد أو حادوث تضاييي جدياد (بنااء علار تعادد المطلاوب أو علار وحدتاه‬ ‫وحمل المطلي علر المقيد) واألصل عدمه وأصالة عد التعدد معارضة بيصاالة عاد التوحاد كماا أن أصاالة عاد حمال هاذا‬

‫علر ذال معارضة بيصالة عد إرادة خالا الظاهر من ذال‪ ،‬وان تيخر فقد يقال باستظاار عد حمل المطلي علار المقياد‬ ‫وكون السابي قرينة علر تقيد الالحي بالقيد السابي مضافاً إلر استصحاب الحالة السابقة ‪-‬فتيمل‪.‬‬

‫‪363‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫العق ــاب‪ ،‬خاص ــة م ــع مالحظ ــة تدراجي ــة األحك ــام وورود املطلق ــات أوالً مث بي ــان القي ــود بالت ــدريج‬

‫[وبتعبي ر آخ ر] إمــا أن يعلــم بوحــدة املطلــوب وإم ــا أن يعلــم بتع ــدده وإم ــا أن يشــك‪ ،‬ف ــإن علــم‬ ‫بالوحدة فإما أن يقال مبقيدية أحد املثبتني لآلخر أم ال‪ ،‬فعلى األول ينبغي محل املطلق على املقيـد‬ ‫وااللتـ ـزام بع ــدم حص ــول امتث ــال املطل ــق باتي ــان فاق ــد القي ــد‪ ،‬وعل ــى الث ــاين ينبغ ــي مح ــل القي ــد عل ــى‬ ‫االستحباب وحصول االمتثال بذاك‪ .‬وإن علم بالتعـدد فـال جمـال للقـول حلمـل أحـدمها علـى اآلخـر‬ ‫واجزي اتيان فاقد القيد يف امتثال املطلق ال املقيد وإن شك فاألمر كما فصل يف اهلامش‪.‬‬ ‫مضــافاً إىل ظهــور بعــض روايــات واليــة الفقيــه يف االحنصــار لظهــور (نظ ر ف ي حاللن ا وحرامن ا‬

‫وعرف أحكامنا) يف اجملتهد ومن املستبعد جداً كون هذا القيد غـري الزم التحقـق بـالنظر إىل سـياق‬ ‫الكالم إال أن يناقش يف ظهوره يف اجملتهد فتأمل‪.‬‬

‫[وربما يدعى] انصراف اآليات عن احلكومة والوالية العامة بل قـد يقـال بأجنبيـة بعـض اآليـات‬

‫والروايــات عــن املــدعى أص ـالً ففــي آيــة (وإذا حكم تم‪ )...‬ألن املقــدم يف قضــية شــرطية كهــذه ال‬

‫يتكفل بيان من له احلكم فهو مثل (إذا طلقتموهن) ويف رواية (‪ ..‬فمن أخطأ) ألن نفس تصدي‬ ‫احلكــم ملــن مل يثبــت مشــروعية ذلــك لــه صــغرى هــذه الكــربى‪ ،‬فكي ــف يثبــت ج ـواز التصــدي ممــا‬ ‫مفهومــه املســتدل بــه يف املقــام متفــرع عليــه إضــافة إىل كــون امل ـراد يف املفهــوم فمــن مل خيطــئ ممــن لــه‬ ‫التصــدي للحكــم للقرينــة العقليــة وال يعلــم كــون املــؤمن مطلقـاً ممــن لــه التصــدي ‪ -‬وال خيفــى التأمــل‬ ‫فيما ذكر فتأمل‪.‬‬ ‫وإذا مت مــا ذكــر ظهــر أن املــدار أوالً هــو احلكــم بــاحلق مــن شــخص خــاص هــو الفقيــه ال مطلــق‬ ‫املؤمن نعم بفقده تصل النوبة لوالية عدول املؤمنني‪.‬‬ ‫وبذلك يظهر اجلواب عن الوجه الرابع أيضاً‪.‬‬

‫[وي رد عل ى الوج ه الث اني]‪ :‬كــون االجتهــاد خفيــف املؤونــة يف تلــك األزمنــة‪ ،‬فــال يبعــد كــوهنم‬ ‫بأمجعهم جمتهدين واالحتمال غري ٍ‬ ‫كاف يف إثبات املدعى‪ .‬إضافة إىل أن الكالم يف جواز تـويل غـري‬ ‫اجملتهد احلكم دون إذن خاص من النيب صلى اهلل عليه وآله واإلمام عليه السالم بأن يكون اسـتناداً‬ ‫لألدلــة العامــة الدالــة علــى الواليــة ولــو فــرض عــدم كــوهنم جمتهــدين إال أن واليــتهم كانــت بــإذن النــيب‬ ‫صلى اهلل عليه وآله واإلمام عليه السالم فال ميكن االستدالل بتويل غري اجملتهد مع إذن خاص على‬ ‫صحة التويل دونه اللهم إال أن يثبت اإلذن العام دون مقيد أو عدم الفصل‪.‬‬ ‫‪364‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ويرد على الوجه الثالث]‪ :‬إن سلم صدق العامل والفقيه وراوي احلـديث علـى املقلـد املطلـع ‪-‬‬ ‫كمــا ال يبعــد‪ -‬مــا ورد علــى الوجــه األول والرابــع مــن مقيديــة املقبولــة‪ 1‬وكــذا روايــة فــإين قــد جعلتــه‬ ‫عليكم حاكماً‪ 2‬وغري ذلك هلذا اإلطالق هذا‪.‬‬ ‫ولــو مل تــتم داللــة املقبولــة أو غريهــا علــى تقييــد الواليــة وجـواز تــويل احلكــم باجملتهــد فــإن احتمــال‬ ‫كون مطلوبيته خمتصة بالفقيه أو اإلمام عليه السالم غري مصحح للرجوع إىل أصالة عدم املشروعية‬ ‫كمــا ادعــاه الشــيخ قــده‪ -3‬إذ ال جمــال لألصــل مــع وجــود اإلطالقــات والعمومــات الكثــرية الــيت‬‫ذكرت يف الوجه األول والرابع وهي املخرجـة عـن األصـل األويل احلـاكم بعـدم صـحة أي تصـرف يف‬ ‫مال الغري ونفسه وحقه‪.‬‬ ‫[ال يقال]‪ :‬إنه مع احتمـال كـون مطلوبيتـه مشـروطة بـاإلذن حيتمـل أن ال يكـون (قيامـاً بالقسـط‬ ‫والعدل) وال (معروفاً) وال (حفظاً حلدود اهلل) فال ميكن التمسك بتلك املطلقات والعمومات لكونه‬ ‫فرع إحراز املوضوع‪.‬‬ ‫[ألنه يقال]‪ :‬إنه ال ريـب يف صـدق تلـك العنـاوين علـى مـن حكـم فعـدل عرفـاً غايـة األمـر ‪-‬يف‬ ‫فرصا (فرض) عدم اإلذن‪ -‬عـدم مشـروعية قيامـه بـاألمر وحفظـه للحـدود وحكمـه مبـا أنـزل اهلل ‪-‬إذ‬ ‫كان هذا احلق لغريه‪ -‬وهذه املطلقات والعمومات تدل على املشروعية وال مقيد هلا‪.‬‬ ‫وباجلملــة اإلذن وعدمــه دخــيالن يف احلكــم ال املوضــوع فــإن كانــت معصــية ففاعليــة ال فعليــة وال‬ ‫ريب يف صـحة أن يقـال (القيـام بالقسـط وحفـظ حـدود اهلل واحلكـم مبـا أنـزل اهلل واجـب علـى الفئـة‬ ‫الفالنية وحمرم على الفئة الكذائية مع وجود الفئة األوىل وعدم إذهنا أو مطلقاً)‪.‬‬

‫[ومما ذكرن اه ظه ر وج ه اإلش كال] علـى مـا ذكـره احملقـق اإليـرواين يف فـرع آخـر قـال‪( :‬فـإن مل‬ ‫حيتمل اختصاص التكليف به بأشخاص معينـة أو طائفـة خاصـة كالعـدول مـثالً تـواله كـل أحـد بـال‬ ‫مــا يــرجح بعض ـاً علــى بع ــض وإن احتمــل ذاك تــواله خص ــوص أولئــك األش ــخاص وتلــك الطائف ــة‬ ‫احملتملــة ألهنــا املتــيقن مــن مشــروعية ذلــك الفعــل‪ ...‬نعــم إن مل يقطــع ببقــاء التكليــف كــان األصــل‬

‫‪ 1‬ال باعتبااار كلمااة (رواة حااديثنا) إذ الفاار‬ ‫المقبولة‪.‬‬

‫تساالي األعميااة باال باعتبااار الصاادر والااذيل وقااد ماار تفصاايله عنااد التطااري لاااذه‬

‫‪ 2‬وسييتي تفصيله عند التطري لاذه الرواية الشريفة في المجلد الثاني بإذنه تعالر‪.‬‬ ‫‪ 3‬المكاسب‪ :‬ص‪.155‬‬

‫‪365‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الربائة ومل اجر دليل كـل معـروف صـدقة حينئ ٍـذ لعـدم إحـراز موضـوع املعـروف‪ ،‬وكـون الفعـل مـن كـل‬ ‫‪1‬‬ ‫أحد معروفاً أول الكالم)‪.‬‬

‫[إذ ي رد علي ه]‪ :‬إن ــه ال ري ــب يف ص ــدق املع ــروف عرف ـاً علــى احلك ــم بالعــدل يف النــاس وإنق ــاذ‬ ‫اإلسالم واملسلمني من اهللكة بإجراء معاهدة دولية مثالً‪ ،‬وإطالق حريات التجارة والصناعة وغريها‬ ‫للناس ولذا ال يقول أحد بأن أدلة األمر باملعروف تقتصر داللتهـا علـى أمـر احلكـام الظلمـة بتسـليم‬ ‫احلكــم إىل أهلــه وال يســتفاد منهــا وجــوب أمــر احلكــام حبفــظ الثغــور قبــال هجمــات الكفــار وأمــرهم‬ ‫مبمانعــة اللصــوص والقتلــة والتصــدي هلــم وحبفــظ النظــام وأمــرهم بإغاثــة املســلمني املعتــدى علــيهم يف‬ ‫دول ــة ك ــافرة جم ــاورة وغ ــري ذل ــك اس ــتناداً إىل ع ــدم ك ــون ذل ــك معروف ـاً عن ــد ع ــدم اإلذن لغ ــري ج ــامع‬ ‫الشرائط بالتصدي للحكـم أو عـدم العلـم بكـون ذلـك معروفـاً عنـد احتمـال اشـرتاط تـويل أشـخاص‬ ‫معينني‪ ،‬وكذا ال ميكن أن يقال باستفادة وجوب ردع احلاكم الفاسق عن إجرائـه معاهـدة دوليـة مـع‬ ‫دولة كافرة تكون تلك مقدمة لسيطرهتم وعن تعاونه مع عصابات املهربني للمخدرات وغريها وعـن‬ ‫متهيــده الســبيل للفئــات الضــالة املنحرفــة إســالمية أم غريهــا ‪-‬كالوهابيــة والشــيوعية‪ -‬لتغلغلهــا داخــل‬ ‫البالد‪ ...‬اخل من أدلة وجـوب النهـي عـن املنكـر مـن حيـث أن منشـأ كونـه منكـراً كونـه ممـن لـيس لـه‬ ‫تصـدي احلكــم ال كــون متعلــق إرادتــه أو مــا قــام بـه ضــاراً باإلســالم واملســلمني‪ ،‬وإذا كــان كــذل كــان‬ ‫مقابله وهو النافع لإلسالم واملسلمني معروفاً لكوهنما ضدين ال ثالث هلما مطلقاً يف األفعـال أو يف‬ ‫غري املباح منها‪ ،‬فال جمال للقول بكفاية عدم حتقق أحد القيدين (كونه ممن له األمر شرعاً مع كون‬ ‫الفعــل مطلوب ـاً) يف كونــه منك ـراً واش ـرتاط حتققهمــا يف كونــه معروف ـاً إال بلحــاظ تعــدد اجلهــة فيكــون‬ ‫اجد أحدمها معروفاً من جهته منكراً من اجلهة األخرى فتأمل‪.‬‬ ‫و ُ‬ ‫ولــو فــرض تســليم عــدم صــدق املعــروف كفــى صــدق حفــظ حــدود اهلل والقيــام بالقســط وكونــه‬ ‫حكماً مبا أنزل اهلل فإذا صدق املوقوع مشلت اإلطالقات اجلميع فال معىن للقدر املتيقن‪.‬‬ ‫[اللهم إال أن يقال] إن ما سبق مبىن على أن يراد مـن املعـروف والعـدل واحلـدود العـريف منـه يف‬ ‫لسان هذه األدلة‪.‬‬ ‫أما لو قيل باحلقيقة الشرعية فيهـا ‪-‬وهـو بعيـد‪ -‬أو قيـل بـإرادة املعـروف والعـدل الـواقعي كمـا هـو‬ ‫مقتضى كون األمساء أمساء ملسمياهتا الثبوتية فال يعلم مع احتمال امنع كونه معروفاً وعدالً واقعـاً إذ‬

‫‪ 1‬حاشية المكاسب لإليرواني‪ :‬ص‪.158‬‬

‫‪366‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫كمــا حيتمــل املنــع لكونــه معروف ـاً وعــدالً مزامح ـاً بــاألقوى حيتمــل عــدم كونــه معروف ـاً وعــدالً وختطئــة‬ ‫الشارع للعرف يف تومهه ذلك فال إحراز للموضوع‪ -‬فتأمل‪.‬‬

‫[وأم ا ق ول الكمب اني]‪( :‬والتحقيـ ـ ــق أن املعـ ـ ــروف واإلحسـ ـ ــان وحنومهـ ـ ــا عن ـ ـ ـوان للواجبـ ـ ــات‬ ‫واملستحبات) فإن أراد به جعله هلما شرعاً ففيه‪ :‬إن الظاهر عـدم ذلـك فـال حقيقـة شـرعية وإن أراد‬ ‫مساواة املعروف للواجبات واملستحبات فغري بعيد فتأمل‪.‬‬ ‫ولتحقيـ ــق هـ ــذا البحـ ــث جمـ ــال آخـ ــر وميكـ ــن االسـ ــتفادة أيض ـ ـاً مـ ــن التحقيـ ــق حـ ــول (الطيب ات‬

‫والخبائث) فلرياجع اجلواهر كتاب األطعمة واألشربة ج‪ ،36‬ص‪ 238‬وكذا املستند وغريه هذا‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫[إضافة] إىل بداهة صحة التصرف يف مال الغري ونفسه وحقه بإذنه فلمـن انتخبتـه األمـة ذلـك‬ ‫مع وضوح ضرورة وجود احلكومة واالحتياج املربهم إليها كما ذكره أول املكاسـب فليسـت مطلوبيـة‬ ‫احلومــة إذن خمتصــة باإلمــام أو الفقيــه حبيــث لــو تعــذرا كانــت احلكومــة غــري مطلوبــة ولــذا ورد (البــد‬ ‫للنــاس مــن أمــري بــر أو فــاجر)‪ 2‬و(حــاكم ظلــوم خــري مــن فتنــة تــدوم)‪ 3‬إىل غــري ذلــك مــن الروايــات‬ ‫الكثــرية جــداً ومــع حكــم العقــل بــذلك لتوقــف نظــام النــوع عليهــا ال جمــال هلــذا االحتمــال أصـالً وال‬ ‫يبعد عدم إرادة الشيخ قده من قوله (نعم لو احتمل كون مطلوبيته خمتصة بالفقيه أو اإلمام‪ )...‬مـا‬ ‫يشمل احلكومة‪.‬‬ ‫فالقيام بأمر احلكومة وإن كان مطلوبـاً أوالً وبالـذات مـن الفقيـه‪ ،‬إال أنـه مطلـوب عنـد تعـذره مـن‬ ‫غريه قطعاً فنظارته شرط مع إمكانه ال شرط مطلق كما ذكره الشيخ قده‪.‬‬ ‫ولذا قال الشهيد يف القواعد (وهـل اجـوز أخـذ الزكـوات واألمخـاس مـن املمتنـع وتفريقهـا يف أرباهبـا‬ ‫وكذا بقية وظائف احلكام غري ما يتعلق بالدعاوى فيه وجهان وجه اجلـواز مـا ذكرنـاه‪ ،‬وألنـه لـو منـع‬ ‫‪ 1‬وبذا ظار عد ورود كال الشيخ علر ما ذكرناه حيث قال (فمجرد كون التصرا معروفاً ال ينا‬

‫في تقييد ما دل علار‬

‫عد والية أحد علر ما أحاد أو نفساه‪ ،‬ولااذا ال يلاز عقاد الفضاولي علار المعقاود لاه بمجارد كوناه معروفااً ومصالحة وال يفاا‬

‫من أدلة المعروا والية للفضاولي علار المعقاود علياه ألن المعاروا هاو التصارا فاي الماال أو الانفس علار الوجاه المايذون‬ ‫فيه من المالل أو العقل أو الشرال من مير جاة نفاس أدلاة المعاروا) بالمكاساب‪ :‬ص‪155‬ب إذ قاد اعتبرناا رضار األماة فاي‬

‫تااولي آحاااد المااؤمنين للحكا ‪ ،‬نعا خصااوص هااذا الاادليل مياار دال علاار الواليااة باال الوكالااة وشاابااا‪ ،‬أمااا مااا ساابقه فاادال علاار‬

‫الوالية كما ال يخفر وكذا ما لحقه ‪ -‬فتيمل‪.‬‬

‫‪ 2‬ناج البالمة‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪ ،91‬ا‪.40‬‬

‫‪ 3‬موسوعة أحادياث أهال البيات علايا الساال ‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪ ،294‬ح[‪ ،38 ]10042‬والرواياة عان أميار الماؤمنين علياه الساال‬ ‫نصاا كما يلي‪( :‬وال ظلو مشو ‪ ،‬خير من فتنة تدو )‪.‬‬

‫‪367‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫من ذلك لفاتت مصاحل صرف تلك األموال وهي مطلوبة هلل تعاىل وقال بعض متأخري العامة (إن‬ ‫القيام هبذه املصاحل أهم من ترك تلك األموال بأيدي الظلمة يأكلوهنا بغري حقها ويصرفوهنا إىل غري‬ ‫مستحقها) فإن توقع إمام يصرف ذلك يف وجهه حفـظ املـتمكن تلـك األمـوال إىل حـني متكنـه مـن‬ ‫صرفها إليه وإن يئس من ذلـك كمـا يف هـذا الزمـان تعـني صـرفه علـى الفـور يف مصـارفه ملـا يف إبقائـه‬ ‫من التغرير وحرمان مستحقيه من تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه ولو ظفـر بـأموال مغصـوبة‬ ‫حفظها ألرباهبا حىت يصل إلـيهم ومـع اليـأس يتصـدق هبـا عـنهم وعنـد العامـة تصـرف يف املصـارف‬ ‫‪1‬‬ ‫العامة)‪.‬‬

‫‪ 1‬المكاسب‪ :‬ص‪155‬‬

‫‪368‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫الفصل السادس‬ ‫في استقالل القوة القضائیة‬

‫‪369‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫في استقالل القوة القضائیة‬

‫[مسألة] هل القضاء سلطة مستقلة عن (شورى الفقهاء) أو (الفقيه الحاكم) أم ال؟‬ ‫البد لتحقيق ذلك من التطرق ملسائل ثالث‪:‬‬ ‫[األولى] إن نصب القاضي هل هو بيد الفقيه احلاكم أم ال؟ وهل هو حمتاج إىل إذنه أم ال؟‬

‫[الثانية] هل له أن يعزله مطلقاً أو فيما مل يكن اقرتاحاً وتشهياً؟‬ ‫[الثالثة] هل تسمع دعـوى أحـد الرعيـة علـى احلـاكم إذا اشـتكى عليـه ظلمـاً شخصـياً أو نوعيـاً‬ ‫وهل للقاضي ‪-‬سواء كان نصبه بيـد الفقيـه أم ال‪ -‬احلكـم علـى احلـاكم إذا ادعـى عليـه أحـد الرعيـة‬ ‫أم ال؟ ولنقدم البحث يف‪:‬‬ ‫المسألة الثالثة‬

‫[فنقول]‪:‬‬ ‫املشهور ‪-‬يف القاضي‪ -‬على مساع الدعوى عليه مطلقاً قـال يف اجلـواهر ممزوجـاً مـع الشـرائع‪( :‬لـو‬ ‫ادعـى أحـد الرعيـة علــى القاضـي مسعـت كمـا تســمع علـى غـريه إلطـالق األدلــة السـامل عـن معارضــة‬ ‫منافــاة ذلــك لرئاســة القضــاة‪ ،‬بعــد حضــور أمــري املــؤمنني عليــه الســالم مــع يهــودي جملــس القضــاء‪،‬‬ ‫وحضـور عمـر مــع زيـد بـن ثابــت‪ ،‬واملنصـور مــع مجـال‪ ،‬فـإن كــان هنـاك إمـام رافعــة إليـه وإن مل يكــن‬ ‫وكـان يف غـري واليتـه رافعـة إىل قاضــي تلـك الواليـة الندراجـه حينئـ ٍـذ يف املـوىل عليـه مـن احلاضـرين يف‬ ‫‪1‬‬ ‫تلك الوالية وإن كان يف واليته وكان له خليفة رافعة إىل خليفته)‪.‬‬ ‫وقــال فيــه "الفقــه"‪( :‬إذا ادعــى أحــد مــن الرعيــة علــى القاضــي مسعــت الــدعوى بــال إشــكال وال‬ ‫خالف كما يظهر من إرساهلم املسألة إرسال املسلمات وذلك إلطالق األدلة وال يتوهم أنه مناف‬ ‫هليبة القاضي‪ ،‬إذ احرتام هيبة احلق أوىل من احرتام هيبة القاضي‪ ...‬ولعل املسالك واجلواهر وغريمها‬ ‫حيث ذكروا يف املقام حضور عمر مع زيد بـن ثابـت‪ ،‬واملنصـور مـع اجلمـال‪ ،‬أرادوا بيـان أنـه كـذلك‬ ‫عنـد العامـة أيضـاً‪ ،‬كمــا أن اإلمـام زيـن العابـدين عليــه السـالم مـع زوجتـه حضـرا عنـد القاضـي‪ ،‬ومــع‬

‫‪ 1‬الجواهر‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪ 158‬كتاب القضاء المقصد الثاني المسيلة الرابعة‪.‬‬

‫‪370‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫حمم ــد ب ــن احلنيفي ــة حتاكم ــا‪ ،‬وك ــذلك ورد احلض ــور م ــع اخلص ــم بالنس ــبة إىل بع ــض األئم ــة عل ــيهم‬ ‫‪1‬‬ ‫السالم)‪.‬‬ ‫وأما النادر فذهبوا إىل عدم مسـاع الـدعوى [فق د اح تج] احملقـق األردبيلـي علـى عـدم مسـاع البينـة‬ ‫مطلقاً‪ :‬بأن القاضي أمني اإلمام وفتح هذا الباب موجـب لعـدم إجـراء األحكـام والطعـن يف احلكـام‬ ‫فال يقبلون القضاء‪.‬‬ ‫[وي رد علي ه]‪ :‬أن القاض ــي اجل ــامع للش ـرائط أم ــني اإلم ــام‪ ،‬والبين ــة تثب ــت فس ــقه فل ــيس جامعـ ـاً‬ ‫للشـ ـرايط ليك ــون أم ــني اإلم ــام فالبين ــة حاكم ــة أو واردة عل ــى قاع ــدة (القاض ي أم ين اهلل) لك ــون‬ ‫القاضي اجلامع للشرايط أميناً والبينة منقحة للموضوع‪ ،‬هذا فيما لو قامت بينة على فسقه كما هو‬ ‫ظاهر كالمه ال يف صورة صـرف الـدعوى عليـه بـذلك‪ ،‬وأمـا فيهـا فـاألمر كمـا مـر يف اجلـواهر والفقـه‬ ‫وكما سيجيء‪.‬‬ ‫هذا إضافة إىل أنه ال ميتنع على أمني اإلمام تعمد النحـراف كمـا يف الواقفيـة وكثـري مـن أصـحاب‬ ‫املعصومني عليهم السالم كبين فضال والشلمغاين وغريهم ومرجـع هـذا إىل وضـوح عـدم الـتالزم بـني‬ ‫حدوث األمانة وبقائها وليس جعله أمينه إال دليالً على كونه أميناً ال على بقائه كذلك‪.‬‬ ‫هــذا مضــافاً إىل أخصــية الــدليل مــن املــدعى إذ ال مانعــة مجــع بــني األمانــة وبــني كونــه مشــتبهاً يف‬ ‫احلكــم أو يف مســتندة‪ ،‬إذ علــى فــرض تســليم إح ـراز عــدم تعمــد االحن ـراف واحلكــم بالباطــل مطلق ـاً‬ ‫لفرض كونه أميناً فال حيرز عدم السهو واخلطأ ومن الواضح أن الدعوى على احلاكم علـى قسـمني‪:‬‬ ‫‪ -1‬اشتباهه يف احلكم‪ -2 ،‬تعمده احلكم بالباطل‪ ،‬وإطالقات أدلة مساع الدعوى تشملهما‪.‬‬ ‫هذا كله يف املنصوب باخلصوص املستكشف أمانته باخلصوص من ذلـك النصـب وأمـا املنصـوب‬ ‫بالنصب العام فاألمر فيه أوضح بل أوىل‪.‬‬ ‫[وأما قوله]‪ :‬فتح هذا الباب موجب لعدم إجراء األحكام [ففيه]‪:‬‬ ‫أنه إن أريد عدم إجراء األحكـام احلقـة ثبوتـاً فهـو أول الكـالم‪ ،‬إذ النـزاع يف أن هـذا احلكـم حقـو‬ ‫أو جور‪ ،‬وإن أريد عدم إجراء األحكام احملتمل حقيتها أو اليت يراها هذا حقةً فال بأس فيه‪.‬‬ ‫إضــافة إىل أن فــتح هــذا البــاب غــري موجــب ملــا ذكــره‪ ،‬إذ بعــد مســاع الــدعوى والتحقيــق إن ثبــت‬ ‫بطالهنا ثبـت كونـه قاضـياً جامعـاً للشـرايط فينفـذ حكمـه‪ ،‬وإن ثبـت صـحتها فغايـة األمـر بعـد مسـاع‬ ‫‪ 1‬الفقه‪ :‬كتاب القضاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.200‬‬

‫‪371‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫الــدعوى وثبوهتــا الرجــوع إىل حــاكم آخـر تراضــيا عليــه أو عينــه املــدعي‪ ،‬فيجــريي احلكــم الســابق أو‬ ‫نقيضه ٍ‬ ‫بعدئذ وأما لزوم التسلسل صغرى بأن ينقل احملكوم عليـه الـدعوى إىل احلـاكم اآلخـر وهكـذا‬ ‫فنــادر الوقــوع أو غــري واقــع أبــداً‪ ،‬إضــافة إىل االلت ـزام بعــدم مساعهــا لــو خرجــت عــن احلــد املتعــارض‬ ‫فينقطع التسلسل‪ ،‬إضافة إىل ما التزم به "املستند" يف نظري املسألة حيث قال‪:‬‬ ‫(مث يف مجيع الدعاوي املذكورة إن كـان هنـاك حـاكم يقبلـه اخلصـمان يتحاكمـان إليـه وإال فيكـون‬ ‫كسائر الـدعاوي الـيت ال حكـم فيهـا فـال تسـلط ملـن عليـه اإلثبـات علـى خصـمه بـل يعمـل باألصـل‬ ‫حىت يظهر األمر)‪ ،‬فتأمل‪.‬‬ ‫[وأم ا قول ه] بــأن فــتح هــذا البــاب موجــب للطعــن يف احلكــام وتفســيقهم فــال يقبلــون القضــاء‬

‫‪1‬‬

‫[فيرد عليه]‪:‬‬ ‫إن اغالقــه موجــب لتضــييع كثــري مــن احلقــوق إضــافة إىل كونــه موجبـاً لتجــري احلكــام‪ ،‬مضــافاً إىل‬ ‫عدم ترتب احملذور الذي ذكره (وهو‪ :‬فال يقبلـون القضـاء) علـى فـتح هـذا البـاب كمـا نشـاهد ذلـك‬ ‫يف فــتح هــذا البـاب يف األزمنــة الســابقة (كمــا يف قصــص الرســول صــلى اهلل عليــه وآلــه واإلمــام أمــري‬ ‫املؤمنني عليه السالم واإلمام زين العابـدين عليـه السـالم وغـريهم وكـذا عمـر واملنصـور وغريمهـا) وكـذا‬ ‫يف هــذه األزمنــة يف العديــد مــن الــدول‪ ،‬مضــافاً إىل إمكــان رفــع احملــذور بــأن يؤخــذ اإلق ـرار مــن كــال‬ ‫املرتافعني قبل احلكم على عدالة القاضي فتأمل‪ ،‬مضافاً إىل ما ذكـره املرحـوم النراقـي قـدس سـره مـن‬ ‫أنــه‪( :‬ميكــن ســد بــاب تفســيق ســاير احلكــام بتعزيــر املــدعي حيــث أهــان العلمــاء مــع أن العــدول‬ ‫واحلــاكم اآلخــر أيضـاً أمنــاء اهلل‪ ،‬فــإن كــان احلــاكم األول أمينـاً ال يقــدحون فيــه وال يضــر القــدح بــل‬ ‫ذلك موجب لسعي القضاة يف االجتنـاب عـن العيـوب أو سـرتها فهـو أيضـاً مصـلحة تامـة)‪ 2‬تفأمـل‬ ‫إذ للمــدعي أن يــدعي أنــه مل يهــن العلمــاء بــل ادعــى مــا قــام عليــه العلمــي وهــو البينــة أو ادعــى مــا‬ ‫اطمــأن بــه ومل يكــن القصــد إال إحقــاق احلــق وإبطــال الباطــل مبعونــة أصــالة الصــحة‪ ،‬فــإن ع ـ ّد هــذا‬ ‫إهانة موضوعاً فليس مبحرم حكماً بل جايز أو واجب‪ ،‬نعم لو ادعى دون بينة ومل يستطع اإلثبات‬ ‫مت ذلك فتأمل‪.‬‬ ‫‪ 1‬يمكن تقسي هذا الكال إلر شطرين‪ -1 :‬فتح هذا الباب موجب للطعن في الحكا وتفسيقا وهو ميار صاحيح فاي نفساه‪،‬‬ ‫‪ -2‬أنه مير صحيح الستلزامه عد قبوله القضاء‪ ،‬وان كان صريحه هو الشي الثاني وقد أجبنا عن كلياما‪.‬‬ ‫‪ 2‬المستند‪ :‬كتاب القضاء‪ ،‬المسيلة السابعة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.529‬‬

‫‪372‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وقــد احــتج علــى عــدم الســماع بــدون البينــة بلــزوم الفســاد وفيــه‪ :‬أنــه أي فســاد يلــزم؟ إذ غايــة مــا‬ ‫يتوهم لزوم هتك حرمة القاضي واحلاكم وفيه أنه إن ثبت بعد التحاكم ما ادعـى عليـه كـان ت تكـه‬ ‫يف حمل ــه ومل تك ــن ل ــه عن ــد اهلل حرم ــة‪ ،‬وإن ثب ــت عدم ــه ك ــان ل ــه يف ذل ــك رفع ــه إض ــافة إىل ال ــنقض‬ ‫بالــدعوى علــى العلمــاء غــري القضــاة‪ ،‬وعلــى أئمــة اجلماعــة مــثالً بــل علــى كــل مــؤمن‪ ،‬بــل يف عــدم‬ ‫السماع الفساد الستلزامه ضياع احلقوق‪.‬‬ ‫[وأما]‬ ‫المسألة األولى‬

‫فالظــاهر أن نصــب القاضــي لــيس بيــد الفقيــه احلــاكم ولــيس حمتاج ـاً إىل إذنــه بــل لكــل مــن مجــع‬ ‫الشرائط أن يقضي بني الناس وذلك لعمومية أدلة النصب الدالة على جعل هذا املنصب لكـل مـن‬ ‫مجع شرائط الفتوى ‪-‬بل لغريه أيضاً عندنا‪ -‬كرواييت أيب خداجة ومقبولة عمر بن حنظلة وخرب داود‬ ‫بن احلصني وخرب النمريي ومرسلة الفقيه واملروي يف الفقه الرضوي واملروي يف حتف العقول وكـل مـا‬ ‫‪1‬‬ ‫استدل به أو أيد به ثبوت اإلذن من املعصومني عليهم السالم للفقيه بالقضاء‪.‬‬ ‫وهذه األدلة املستدل هبا علـى ثبـوت منصـب القضـاء للفقيـه هـي األدلـة املسـتدل هبـا علـى ثبـوت‬ ‫منصب احلكومـة والواليـة العامـة لـه فلـيس القضـاة يف طـول احلكـام وليسـت واليـتهم مكتسـبة مـنهم‬ ‫فل ــيس نص ــبهم بي ــدهم‪ ،‬ب ــل والي ــة القض ــاة يف ع ــرض والي ــة احلك ــام كلتامه ــا مكتس ــبتان م ــن اإلم ــام‬ ‫املعصــوم هبــذه األدلــة العامــة فالفقيــه منصــوب قاضــياً هبــذه الروايــات رضــى بــه الفقيــه احلــاكم أم ال‬ ‫كالعكس‪ ،‬لإلطالق‪.‬‬ ‫[ولكن قال في الفقه]‪( :‬نعـم ينبغـي أن يـتكلم يف أنـه إذا كـان فقيـه مبسـوط اليـد مسـتويل علـى‬ ‫البالد ينصب الوالة والقضاة واجيب األموال ويقوم بشؤون احلرب والسلم إىل غـري ذلـك مـن الشـؤون‬ ‫العامة لألمة‪ ،‬فهل حيق ملتخاصـمني أن يتحاكمـا إىل جمتهـد آخـر لـيس منصـوباً للقضـاء مـن جانـب‬ ‫الفقيه املبسوط اليد؟ احتماالن‪ :‬من إطالق أدلة التحاكم إىل اجلامع للشرائط فأي تـأثري بعـد ذلـك‬

‫‪ 1‬راجل المستند‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪ 516‬كتاب القضااء‪ ،‬المطلاب األول‪ ،‬البحاث األول‪ ،‬المسايلة الثالثاة‪ ،‬والجاواهر‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪-31‬‬

‫‪.33‬‬

‫‪373‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ملبسوط اليد ومن أن مثـل ذلـك يوجـب اهلـرج واملـرج وأن اإلذن بـالرجوع إىل كـل جـامع للشـرائط ال‬ ‫يشمل املقام النصرافه عما إذا كان حكم قائم بإذهنم عليهم السالم‪.‬‬ ‫وإن شئت قلت‪ :‬إن إعطائهم الوالية العامـة للفقيـه املسـتويل يـالزم عرفـاً مشـول إذهنـم اإلذن العـام‬ ‫لكــل جــامع للش ـرائط يف حــال اســتيالء الفقيــه وإال جــاز أن يقــاطع النــاس قاضــي الفقيــه املســتويل‬ ‫وينصــرفوا إىل قــاض آخــر ويف ذلــك تضــعيف ملقــام الدولــة الشــرعية وهــذا وإن كــان أقــرب لالعتبــار‬ ‫خصوصاً مع مالحظة أن املستويل حاله حال اإلمام املبسوط اليد‪ ،‬ألهنم حجتهم علـى النـاس كمـا‬ ‫أن األئمة عليهم السالم حجة اهلل مما يدل على الوالية العامـة يف كـل الشـؤون إال مـا خـرج بالـدليل‬ ‫‪1‬‬ ‫وليس املقام مما خرج إال أن اجلزم به حباجة إىل تتبع أكثر وتأمل أعمق)‪.‬‬ ‫[ويرد على ما ذكره من (إيجابه الهرج والمرج)]‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬عدم لزوم اهلرج واملـرج وهـل هـو إال كرجـوع النـاس إىل مـن أحبـوا مـن األطبـاء أو إىل أي‬ ‫خبري يف أي حقل فإذا صح أن ال حق للناس يف الرجوع إىل أي طبيب بل إىل الطبيب الذي تعينه‬ ‫الدولة ‪-‬كما هو كذلك يف كثري من الدول اليوم‪ -‬صح أن ال حق هلم يف الرجوع إىل أي قاض بل‬ ‫إىل القاضــي الــذي تعينــه الدولــة وكمــا ال يلــزم اهلــرج واملــرج مــن رجــوع النــاس إىل أي طبيــب ‪-‬وإن‬ ‫ادعى ذلك اجلدد‪ -‬بشهادة العصور السابقة حيـث مل يكـن الطبيـب مقيـداً بإجـازة الدولـة ومل يلـزم‬ ‫اهلرج واملرج كذلك ال يلزم من رجوعهم إىل أي ٍ‬ ‫قاض‪.‬‬ ‫نعم للدولة يف كال املوردين فيما إذا مل يكن مدعى الطب طبيباً أو القاضي أهالً أن ترشد الناس‬ ‫إىل ذلك لعمومات األمر باملعروف وإرشاد اجلاهل‪.‬‬ ‫[وهل لها منعهما احتماالن]‪:‬‬

‫من‪( :‬الناس مس لطون) فلكـل أن يرجـع ملـن شـاء وظهـور الروايـات يف أن تعيـني القاضـي اجلـامع‬

‫للشرائط بيد املرتافعـني (اجعلوا بينكم رجال ممن قد عرف حاللنا وحرامنا) (انظروا إلى من كان‬ ‫م نكم ق د روى ح ديثنا ونظ ر ف ي حاللن ا وحرامن ا وع رف أحكامن ا فأرض وا ب ه حاكم ا) إىل غــري‬ ‫ذلــك‪ ،‬الظــاهر يف أن تشــخيص املوضــوع (كونــه جامع ـاً للش ـرائط) بيــدمها كمــا هــو كــذلك يف كــل‬

‫املوضــوعات الــيت رتــب الشــارع عليهــا أحكامـاً وحممــوالت بــل املقبولــة (انظ روا‪ )...‬صــرحية يف ذلــك‬

‫‪ 1‬الفقه‪ :‬كتاب القضاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.33‬‬

‫‪374‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وكمـا هـو كـذلك يف مرجـع التقليـد ومـن‪ :‬أن شـأن احلـاكم ذلـك فروايـات احلكومـة حاكمـة علـى مــا‬ ‫‪1‬‬ ‫ذكر من وجهي االحتمال األول فتأمل‪.‬‬ ‫وقد يقال بأن للفقيه احلاكم عند تشخيصه عدم صـالحية هـذا القاضـي للقضـاء أن يرفـع دعـوى‬ ‫عليه إىل قاض آخر وهي دعوى مسموعة ويكون احلكم ما حكم بـه القاضـي اآلخـر فيكـون األمـر‬ ‫يف هــذه املســألة كعكســها وهــي مــا لــو ادعــى قــاض ‪-‬أو غــريه‪ -‬علــى حــاكم أو مــن رشــح نفســه‬ ‫للحكومة فقدانه للشرائط هذا‪.‬‬

‫[ثانيا]‪ :‬عدم حرمـة كلمـا اسـتلزم مطلـق اهلـرج واملـرج بـل اهلـرج واملـرج املسـتلزم لدرجـة خاصـة مـن‬ ‫اختالل النظام هو احملرم ‪-‬كمـا مـر يف موضـع آخـر‪ -‬وإال لكـان لقائـل أن يقـول بعـدم جـواز حكـم‬ ‫أي فقيه باهلالل مثالً مع وجود الفقيه احلاكم وأن يقول بعدم صحة اعـرتاض أي فقيـه أو أي خبـري‬ ‫علــى الدولــة ‪-‬الســتلزام كليهمــا نوعـاً مــن اهلــرج واملــرج وأن يقــول بعــدم ج ـواز تأســيس أيــة شــركة إال‬ ‫بإذن الدولة‪ -‬كمـا هـو يف قـانون بعـض الـدول‪ -‬لـذلك وهكـذا وهلّـم جـراً ممـا يـؤدي إىل الدكتاتوريـة‬ ‫وإىل االشرتاكية هذا‪.‬‬ ‫ووجود حكم قائم بإذهنم ال ينايف اإلذن العام لكل جامع للشرائط بالقضاء‪.‬‬ ‫ودعوى االنصراف غري تامة وال أقل من كونه بدوياً إضافة إىل ما سبق من أن الدليل الدال على‬ ‫اإلذن للفقيــه باحلكومــة ونصــبه هلــا هــو نفــس الــدليل الــدال علــى اإلذن لــه بالقضــاء ونصــبه لــه وهــو‬ ‫ظاهر يف أن لكل فقيه منصبني احلكومة والقضاء ‪-‬سواء وصل إىل السلطة أم ال‪ -‬وكمـا ال يسـقط‬ ‫ســائر الفقهــاء عــن منصــب احلكومــة بتســلم أحــدهم للســلطة ‪-‬املقتضــي لكــون احلكــم شــورى بــني‬ ‫الفقهاء كما سبق أن ذكرناه‪ -‬كذلك ال يسقطون عن منصب القضاء الدالة أدلتـه علـى فعليتـه هلـم‬ ‫مع مجع الشرائط‪.‬‬ ‫[وأما قوله‪( :‬وإن شئت قلت‪ )..‬ففيه]‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬إن الكــالم يف نفــس دعــوى إعطــاء الواليــة العامــة حبيــث تشــمل ســاير اجملتهــدين‪ ،‬إذ ال‬ ‫يعلم من األدلة الدالة على إعطائه منصب احلكومة ‪-‬والدالة على أعطائه منصب القضاء كاملقبولة‬ ‫وخــربي أيب خداجــة وغريهــا‪ -‬كــون واليتــه حبيــث ال إذن لغــريه يف التصــدي للقضــاء مــع وجــوده بــل‬ ‫سيأيت ظهور األدلة يف العدم ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫‪ 1‬إذ قد يستشكل بكونه شينه أو يقال بين ظاهر ونص تلل الروايات مقيد ومبين لدائرة حدود اختيارات الحاك ‪-‬فتيمل‪.‬‬

‫‪375‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[وثانيا]‪ :‬إن اإلمام أعطى الوالية العامة للفقيه ال (للفقيه املستويل) فال ميكن دعوى استلزامه ملا‬ ‫ذكره من الالزم وإال بأن ادعي إعطاء الوالية للفقيه املستويل فقط لزم استثناء األكثر شبه املستغرق‬ ‫بل الكل‪ ،‬وأما دعوى إعطائها للكل يف صـورة عـدم اسـتيالء أحـدهم وللمسـتويل يف صـورة اسـتيالء‬ ‫أحدهم فعارية عن الدليل بل الدليل على خالفها كما سبق‪.‬‬ ‫[ثالثا]‪ :‬استلزام ذلك لعدم كون الفقيه احلاكم منصوباً للقضاء مبا هو جامع للشرائط بل مبا هو‬ ‫منصوب من قبل نفسه ‪-‬إن صح ذلك‪ -‬فيلزم االلتزام إمـا بعـدم صـحة كونـه قاضـياً أو كونـه قاضـياً‬ ‫منصوباً من قبل نفسه وكالمها كما ترى ‪-‬فتأمل‪.‬‬ ‫[وأما قوله] (وإال جاز‪ ...‬وفي ذلك تضعيف لمقام الدولة الشرعية) [ففيه]‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬إنــه ال تــالزم بــني عــدم ج ـواز مقاطعــة قاضــي الفقيــه املســتويل وبــني عــدم نصــب ســائر‬ ‫الفقهاء باإلذن العام وال بني اجلواز والنصب‪ ،‬فيلتزم بنصب سائر الفقهاء وجبواز رجوع الناس إليهم‬ ‫ال إىل ح ّد اإلعراض املطلق عن قاضي الفقيه وبعبارة أخرى هذا الدليل أخص من املدعى‪.‬‬

‫[وثانيا]‪ :‬إنه ال دليل على حرمة تضعيف الدولة الشرعية إذا كان باحلق وهل ذلك إال كـإعراض‬ ‫الناس عن تقليد أحد الفقهاء أو عن الرجوع إىل أحد القضاة ‪-‬يف زمـان عـدم اسـتيالء الفقيـه علـى‬ ‫احلكــم‪ -‬املســتلزم لتضــعيف مقــام هــذا الفقيــه أو القاضــي الشــرعي املنصــوب مــن قبــل اإلم ـام عليــه‬ ‫السالم وهل يلتزم أحد بذلك؟‬ ‫فإذا كان املنصوبون من قبل اإلمـام عليـه السـالم للقضـاء متعـددين كـان النـاس خمـريين يف الرجـوع‬ ‫ألي واحد شاؤوا وليس للفقيه أن يلزمهم بالرجوع ملن عينه ككل واجب ختيريي وهذا التضعيف ال‬ ‫بأس به وهـل هـو إال كـإعراض النـاس عـن شـرائ بضـائع الدولـة وإقبـاهلم علـى شـراء بضـائع التجـار؟‬ ‫وهل يلتزم حبرمة ذلك ألنـه تضـعيف للدولـة وكـذا يف أشـباهه وهـو كثـري وهـل حيـق للفقيـه احلـاكم أن‬ ‫ينتخــب أحــد أف ـراد الواجــب التخيــريي مث اجــرب النــاس علــى انتخابــه بــدعوى أن يف عدمــه تضــعيفاً‬ ‫للدولة الشرعية؟‬ ‫[وثالثا]‪ :‬إن املقاطعة مبا هي متضمنة للتضعيف وبقصد التضعيف حمرمة ال مبا هي وال يلزم مـن‬ ‫عمومية اإلذن األول ‪ -‬فتأمل‪.‬‬ ‫[ورابعا]‪ :‬إن هذا الديل إن مت يستلزم عدم صحة اإلذن العام لكل جامع للشرائط لتويل القضاء‬ ‫ال عدم الوقوع والصحة مسلمة‪.‬‬ ‫‪376‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[وأما قول ه] (خصوص ا م ع مالحظ ة‪[ )...‬ففي ه]‪ :‬مـا سـبق مـن كـون حجيـتهم علـى النـاس يف‬ ‫عــرض حجيــة القضــاة علــيهم‪ ،‬إضــافة إىل أن كــون شــخص حجــة مــوىل أعــم مــن ثبــوت مــا لــه مــن‬ ‫‪1‬‬ ‫احلقوق واألحكام الوضعية‪ ،‬له‪.‬‬ ‫إضــافة إىل أن املقــام ممــا خــرج لعمومــات وإطالقــات اإلذن بتــويل القضــاء لكــل مــن مجــع الشـرائط‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫[أما المشهور]‪ :‬فظاهر إطالقاهتم أن لكل من مجع الشرائط أن يقضـي بـني النـاس دون حاجـة‬ ‫إلذن الفقيه احلاكم‪.‬‬ ‫قال يف الشرايع‪( :‬ومع عدم حضور اإلمام عليه السالم ينفذ قضاء الفقيه مـن فقهـاء أهـل البيـت‬ ‫اجلــامع للش ـرائط املشــرتطة يف الفتــوى لقــول أيب عبــد اهلل عليــه الســالم فــاجعلوه بيــنكم قاضــياً فــإين‬ ‫جعلته قاضياً فتحاكموا إليه)‪.‬‬ ‫وتبعه اجلواهر‪ ،2‬واملسالك‪ 3‬وغريمها‪.‬‬ ‫وأما المسألة الثانیة‬

‫[فإن قلنا] باحتياج الفقيـه الـذي يريـد تـويل القضـاء إىل إذن الفقيـه احلـاكم كمـا احتملـه أو قربـه‬ ‫الســيد الوالــد دام ظلــه وقلنــا بــأن للفقيــه احلــاكم أن يعــزل قاضــيه اقرتاح ـاً ‪-‬أي دون أن يفقــد أحــد‬ ‫الشرائط املعتـربة يف القاضـي ودون أن تقتضـي املصـلحة ذلـك‪ -‬كمـا ارتضـاه اجلـواهر والفقـه فاملوازنـة‬ ‫ب ــني احل ــاكم أو (ش ــورى احلكوم ــة) وب ــني القاض ــي أيضـ ـاً حمفوظ ــة‪ ،‬إذ للح ــاكم أن يع ــزل القاض ــي‪،‬‬ ‫وللقاضي بل ألي واحد من أفراد األمة أن يرفع دعوى على احلـاكم ‪-‬فيمـا إذا حـاد عـن الصـراط‪-‬‬ ‫فيرتافعــان إىل قـ ٍ‬ ‫ـاض آخــر إذ قــد ســبق مســاع الــدعوى علــى القاضــي ‪-‬كمــا ارتضــاه اجل ـواهر والفقــه‬ ‫أيضاً‪.‬‬

‫‪ 1‬لااذا كااان األولاار االسااتدالل باا(فإني قااد جعلتااه علاايك حاكمااً) الاادال علاار أن لااه كاال مااا هااو ماان شااين الحاااك ومنااه نصااب‬ ‫القضاة‪ ،‬وفيه أنه ل يثبت أنه من شينه ومن حقه عرفاً منل المتحاكمين من اختيار قا‬

‫‪ 2‬الجواهر‪ :‬ج‪ ،40‬ص‪.31‬‬ ‫‪ 3‬المسالل‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪.284‬‬

‫‪377‬‬

‫آخر‪.‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[وأما لو قلنا] بعدم احتياج الفقيه يف القضاء إىل إذن الفقيه احلاكم كما هو املشهور وقلنا بـأن‬ ‫لــه أن يعــزل قاضــيه الــذي نصــبه هــو اقرتاحـاً كمــا هــو املنصــور فحفــظ التـوازن بــني احلــاكم والقاضــي‬ ‫أوضح‪ ،‬إذ للحاكم أن يعزل من نصبه هو للقضاء ال سائر الفقهـاء القضـاة الـذين مل ينصـبهم هـو‪،‬‬ ‫‪1‬‬ ‫وله أن يعزل من نصبه‪.‬‬ ‫وعلـى هـذا فالقضـاء ســلطة مسـتقلة عـن ســلطة احلكومـة‪ ،‬إذ كـل مـن مجــع الشـرائط لـه أن يتلــوى‬ ‫القضــاء ولــيس للحــاكم عــزل مــن مل ينصــبه هــو مــنهم‪ ،‬وكمــا تســمع دعــوى القاضــي علــى احلــاكم‬ ‫تسمع دعوى احلاكم على القاضي‪.‬‬ ‫[وأم ا ل و قلن ا] بعــدم احتيــاج الفقيــه يف القضــاء إىل إذن الفقيــه احلــاكم وقلنــا بعــدم صــحة عزلــه‬

‫لقاضـيه اقرتاحـاً كمـا انتخبــه الشـرايع وبعــض آخـر‪ ،‬فاســتقالل القـوة القضــائية عـن احلــاكم أو شــورى‬ ‫الفقهاء أوضح‪ ،‬ودعوى كل منهما على اآلخر مسموعة وليس له أن يعزل من نصبه اقرتاحاً بل إذا‬ ‫انت املصلحة يف ذلك فإن ادعى القاضي عليه عزله اقرتاحاً مسعت الدعوى وترافعا إىل ٍ‬ ‫قاض آخر‪،‬‬ ‫فال ميكن لذا أن حييد عن احلق وال ميكن لذاك‪ ،‬إذ كل منهما لباملرصاد لآلخر‪.‬‬ ‫واهلل املوفــق املســتعان واحلم ــد هلل رب العــاملني وصــلى اهلل عل ــى حمم ــد ص ــلى اهلل علي ــه وآل ــه وآل ــه‬ ‫الطاهرين عليهم السالم‪.‬‬

‫‪ 1‬عزله عن المنصب الرسمي واال فله أن يقضي إذا تروفل (ترافل) إليه‪.‬‬

‫‪378‬‬


‫شورى الفقهاء‬

‫خاتمة‬ ‫في بیان عدم استلزام شمول أدلة الحجیة للمتعارضین الجمع بین‬ ‫الممتناقضین أو المتضادين‬

‫‪379‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫حيث قد سبق كثرياً يف الكتاب االستناد إىل مشول أدلـة احلجيـة للمتعارضـني وإدعـاء عـدم حماليـة‬ ‫ذلك‪ ،‬كان من احملبذ التطرق لذلك مستوعباً فنقول‪:‬‬ ‫قــال الســيد اخلــوئي مــد ظلــه يف التنقــيح (ويــرد علــى التمســك بــاإلطالق‪ ،‬إنــا ذكرنــا غــري مــرة أن‬ ‫إطالق أدلة احلجية ال يشمل املتعارضني وال جمال فيها للتمسـك بـاإلطالق‪ ،‬بـال فـرق يف ذلـك بـني‬ ‫الشــبهات احلكميــة واملوضــوعية كمــا إذا ورد خ ـربان دل أحــدمها علــى وجــوب شــيء واآلخــر علــى‬ ‫حرمته‪ ،‬أو ‪-‬قامت بينة على طهارة شيء واألخرى على جناسته‪ ،‬فإنـه ال يشـمل أدلـة اعتبـار اخلـرب‪،‬‬ ‫أو البينة أو غريمها من احلجج واألمارات شيئاً منها وسـره أن مشوهلـا لكـال املتعارضـني يسـتلزم اجلمـع‬ ‫بني الضدين أو النقيضـني ومشوهلـا ألحـدمها املعـني دون اآلخـر بـال مـرجح‪ ،‬وألحـدمها املخـري‪ ،‬أعـىن‪:‬‬ ‫أحـدمها ال بعينــه ال دليــل عليــه‪ ،‬ألن مفـاد أدلــة االعتبــار إمنــا هـي احلجيــة التعيينيــة ال حجيــة هــذا أو‬ ‫ذاك‪ .‬إذاً مقتضــى القاعــدة هــو التســاقط يف كــل دليلــني متعارضــني‪ ،‬اللهــم إال أن يقــوم دليــل علــى‬ ‫ترجيح أحدمها أو على التخيري كاألخبار العالجية وهو خمتص باخلربين املتعارضني وال دليل عليه يف‬ ‫سائر الدليلني املتعارضني‪ ،‬واملقام من هذا القبيل فإطالقات أدلـة التقليـد غـري شـاملة لفتـويي األعلـم‬ ‫‪1‬‬ ‫وغريه مع املعارضة‪ ،‬بل البد من احلكم بتساقطهما كما يف غري املقام)‪.‬‬ ‫[وربما يورد عليه بوجوه]‪:‬‬

‫[األول]‪ :‬ال ــنقض‪- 2‬يف الش ــبهات املوض ــوعية‪ -‬مب ــن قام ــت عن ــده البين ــة عل ــى جناس ــة ش ــيء‪،‬‬ ‫فوظيفته االجتهاب عنه‪ ،‬كما أن م مل تقم عنده البينة على جناسته وظيفته احلكم بطهارته‪ ،‬حسـب‬ ‫‪3‬‬ ‫قاعدة الطهارة‪ ،‬لتحقق موضوعها بالوجدان وهو الشـك يف الطهـارة ‪-‬وقـد التـزم بـذلك يف التنقـيح‬ ‫فكما يستحيل اعتبار املتضادين أو املتناقضني يستحيل االعتبار وعدم االعتبـار وال فـرق بـني وجـود‬ ‫دليل واحد يسـتلزم بعمومـه اجلمـع بـني الضـدين أو النقيضـني وبـني وجـود دليلـني يـدل أحـدمها علـى‬ ‫أحد النقيضني أو الضدين واآلخر على اآلخر‪.‬‬

‫‪ 1‬التنقيح في شرح العروة الوثقر‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.137‬‬

‫‪ 2‬ال يخفر أن هذا الجواب متضمن للجواب الحلي أيضاً وسييتي بعد أسطر‪.‬‬ ‫‪ 3‬التنقيح في شرح العروة الوثقر‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.43‬‬

‫‪380‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ولو قيل]‪ :‬إن االعتبار بالنسبة إىل شخص‪ ،‬وهو من قامت عنده البينة وعدم االعتبار بالنسبة‬ ‫إىل شخص آخر وهو من مل تقم‪ ،1‬أو بالنسبة إىل جزء دون آخر‪.‬‬ ‫[قلن ا]‪ :‬اجل ـواب‪ ،‬اجل ـواب‪ ،‬إذ نق ــول حجي ــة رأي األعل ــم واعتب ــاره ملقل ــده ‪-‬أو لآلخ ــذ بقول ــه‪-‬‬ ‫واعتبار أي ذاك اآلخر ملقلده‪.‬‬ ‫وال يلزم من مشول أدلة احلجية لكليهما اجلمع بني الضدين أو املتناقضني‪ ،‬إذ هـذا يـتم لـو التزمنـا‬ ‫بوجوب تقليد العامي جلميع اجملتهدين‪ ،‬وهو واضح البطالن‪ ،‬أما لو التزمنا بوجـوب تقليـد ‪-‬العـاملي‬ ‫جمتهداً واحداً‪ -‬يف املسألة املعينة ‪ -‬فـال يلـزم مـن اعتبـار الـرأيني‪ ،‬اجلمـع بـني املتضـادين ال يف مرحلـة‬ ‫اجلعل وال يف مرحلة االمتثال‪ ،‬إذ مل يعتربا يف حق شخص واحد بل اعترب كل يف حق مقلِّد وال يلزم‬ ‫مــن اعتبــار الوجــوب يف حــق شــخص ‪-‬وهــو مقلــد زيــد مــثالً‪ -‬واعتبــار احلرمــة يف حــق آخــر ‪-‬وهــو‬ ‫مقلد عمرو مثالً‪ -‬التضاد‪ ،‬كما ال خيفى لعدم وحدة املتعلق‪.‬‬ ‫فكمــا أن اعتبــار الطهــارة يف حــق زيــد وعــدم اعتبارهــا يف حــق زيــد نفســه مســتلزم للتنــاقض دون‬ ‫اعتبارها يف حق زيد وعـدم اعتبارهـا يف حـق عمـرو ‪-‬ولـو لتبـدل املوضـوع علـى مـا ذكـره دام ظلـه‪-2‬‬ ‫كذلك اعتبار احلرمة ‪-‬وهي فتوى املرجع األول‪ -‬واعتبـار الوجـوب ‪-‬وهـي فتـوى املرجـع الثـاين‪ -‬يف‬ ‫حق شخص واحد أو يف حق الشخصني‪.‬‬ ‫هذا مع وضوح َّ‬ ‫أن من ادعى مشول إطالقات أدلة احلجية لصورة التعارض مل يدع حجيتهما معـاً‬ ‫وبشرط شيء يف حق الشخص الواحد‪ ،‬بل أراد حجية رأي هذا ملقلده فقط‪ ،‬وذاك ملقلده فقـط ‪-‬‬ ‫هذا بناءً على‪ -‬عدم جواز العدول أو التبعيض يف التقليد‪ ،‬أما بناء على جوازمها فاألمر كذلك‪ ،‬إذ‬ ‫مل يقــل باعتبــار كــال الـرأيني ولــزوم اتباعهمــا يف زمــن واحــد بــل يف زمنــني‪ ،‬ففــي زمــن تقليــد هــذا رأيــه‬ ‫حجة ويف زمن األخذ برأي اآلخر رأيه هو احلجة‪.‬‬ ‫[وال ي رد] مــا ذكــره يف املصــباح بقولــه (ال يقــال‪ :‬ميكــن تقييــد احلجيــة يف كــل منهــا باألخــذ بــه‬ ‫ونتيجـة ذلـك هـو التخيـري وجـواز األخـذ بـأي منهـا شـاء املكلــف فإنـه يقـال‪ :‬كـال‪ ،‬فـإن الزمــه أن ال‬ ‫يكون شيء من املتعارضـني حجـة يف فـرض عـدم األخـذ هبمـا أصـالً‪ ،‬فيكـون املكلـف مطلـق العنـان‬ ‫بالنسبة إىل الواقع فيتمسـك بالربائـة‪ ،‬لـو مل يكـن يف البـني دليـل آخـر مـن عمـوم أو إطـالق أو أصـل‬ ‫‪ 1‬وذلل مستلز لكون أحد الحكمين واقعياً واوخر ظاهرياً فتيمل (وسييتي وجاه)‪.‬‬ ‫‪ 2‬المصدر‪.‬‬

‫‪381‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مثبت‪ ،‬للتكليف وال يلتزم القائل بالتخيري بذلك وال يقاس املقـام علـى التخيـري الثابـت بالـدليل فإنـه‬ ‫لو متت األخبار الدالة على التخيري يف تعارض اخلربين فهي بنفسها تدل على لزوم األخذ بأحدمها‬ ‫وعنــد تركــه يؤاخــذ ‪-‬مبخالفــة الواقــع نظــري الشــبهات قبــل الفحــص الــيت ال جتــري الربائــة فيهــا وهــذا‬ ‫خبالف ما إذا استفيد التخيري من تقييد دليل االعتبار فإن مفاده بنـاءً علـى التقييـد لـيس إال حجيـة‬ ‫‪1‬‬ ‫كل من املتعارضني يف صورة األخذ بواحد منها وال تعرض له لوجوب األخذ وعدمه)‪.‬‬ ‫[إذ يرد عليه]‪:‬‬

‫[أوال]‪ :‬إن داللــة أدلــة التخيــري علــى لــزوم األخــذ بأحــدمها ال يرفــع اإلشــكال‪ ،‬إذ إن حجيــة كــل‬ ‫منهمــا لــو قيــد باألخــذ بــه فإهنــا س ـرتتفع بعــدم األخــذ هبــا وجــب األخــذ أو مل اجــب فلــيس وجــوب‬ ‫األخذ فارقاً بني ما لو ثبت التخيري بالدليل وما استفيد من تقييد دليل االعتبار‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬لو مل يأخذ بأحدمها فعل حمرماً ‪-‬تكليفاً‪ -‬أما وضـعاً فكالمهـا لـيس حبجـة لفـرض‬ ‫كون احلجية مقيدة باألخـذ ‪-‬وال يلتـزم هـو دام ظلـه بـذلك (كمـا مل يكـن القائـل بـالتخيري فيمـا لـو‬ ‫اســتفيد مـن تقييــد دليــل االعتبــار ملتزمـاً بــذلك) أتـراه يلتــزم يف مـوارد التخيــري الثابــت بالــدليل‪ -‬بنــاءً‬ ‫على متامية األخبار الدالة على التخيـري يف تعـارض اخلـربين‪ - 2‬بعـدم حجيـة كـال اخلـربين؟ وإن كـان‬ ‫يستحق العقاب برتكهما؟‪.-‬‬ ‫هذا إضافة إىل أسوئية األمر ههنـا‪ :‬إذ كيـف يسـتحق العقـاب علـى خمالفـة مـا لـيس حبجـة (سـواء‬ ‫قلنا إن احلجية مبعىن جعل املماثل أو مبعىن املنجزية واملعذرية أو مبعىن الكاشفية والطريقية وجعل مـا‬ ‫ليس بعلم علماً على ما مسلكه)‪ 3‬مع كون وجوب األخذ بأحد اخلربين طريقياً فإذا مل يكونا حجة‬ ‫يعــين أهنمــا ليســا بطـريقني وال كاشــفني وكيــف يكــون تـرك األخــذ مبــا لــيس بطريــق وال كاشــف حمرمـاً‬ ‫‪4‬‬ ‫مستحقاً عليه العقاب‪ ،‬اللهم إال أن يلتزم بالوجوب النفسي وهو كما ترى ‪ -‬فتأمل‪.‬‬

‫‪ 1‬مصباح األصول‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.367-366‬‬ ‫‪ 2‬إذ إن كالمه مد ظله في هذا الفر‬ ‫‪ 3‬التنقيح‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.243‬‬

‫وعلر هذا المبنر‪.‬‬

‫‪ 4‬وجاه‪ :‬إمكان أن يلتز بحرمة التسبيب لعد الحجية (أي يحر عاد األخاذ بااا المسابب لعاد الحجياة فتيمال وقاد يقاال فاي‬ ‫وجاه أمر آخر)‪.‬‬

‫‪382‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫[ثانيا]‪ :‬سلمنا رفعه لإلشكال لكن نقول‪ :‬ههنا أيضاً ‪-‬أي يف صورة استفادة التخيري من تقييـد‬ ‫دليل االعتبار‪ -‬لنا دال على لزوم األخـذ بأحـدمها (وإن مل يكـن الـدليل اللفظـي الـدال علـى حجيـة‬ ‫كل يف صورة األخذ به‪ ،‬داالً على لزوم األخذ)‪:‬‬ ‫وهو‪ :‬العلم اإلمجايل بأن أحدمها طريق ولـو مل يبتـل باملعـارض لكـان الـالزم األخـذ بـه والعلـم بـأن‬

‫يف تركهما املخالفة القطعية ‪ -‬فتأمل‪ 1‬أو نقول بناء العقالء على لزوم األخذ بأحـدمها (إذ ال ش ك‬

‫ف ي ك ون بن ائهم عل ى ل زوم األخ ذ بق ول أح د الخبي رين إذا تعارض ا ال طرحهم ا والرج وع إل ى‬

‫أصل ‪-‬البراءة أو االشتغال مثال‪ -‬ال أق ل م ن مس لمية بن ائهم عل ى ذل ك ع ن تع ارض األعل م‬ ‫وغيره‪ ،‬فتأمل)‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫[ثالث ا]‪ :‬إن احملــذور الثبــويت الــذي ذكــره ال يرتفــع فيمــا لــو دل الــدليل اخلــارجي علــى لـزوم األخــذ‬ ‫بأحدمها فيمـا لـو متـت داللـة األخبـار علـى التخيـري ‪-‬كمـا ادعـاهُ إذ نعـود فنسـأل‪ -‬يف صـورة وجـود‬ ‫الــدال علــى لــزوم األخــذ بأحــدمها فهــل أحــدمها املــأخوذ بــه حجــة مطلقـاً؟ أم مقيــداً بــرتك اآلخــر‪ ،‬أم‬ ‫مقيـداً باألخــذ بــه؟ فــإن كـان حجــة مطجلقـاً لــزم التعبــد باملتناقضـني أو املتضــادين ‪-‬علــى مــا ذكــره‪-‬‬ ‫وإن كان حجة بشرط ترك اآلخر لزم اتصاف كل منهما بصفة احلجية عند تـرك األخـذ هبمـا فيعـود‬ ‫حمــذور التعبــد باملتناقضــني ‪-‬علــى ذكــره أيض ـاً‪ -‬وإن كــان حجــة بشــرط األخــذ بــه لــزم أن ال يكــون‬ ‫شيء من املتعارضني حجة يف فرض عدم األخـذ هبمـا أصـالً ‪-‬كمـا ذكـره أيضـاً‪ -‬ومـن الواضـح أنـه‬ ‫‪3‬‬ ‫ال ميكنــه االلتـزام حبجيــة أحــدمها بعينــه ملــا ذكــره أيضـاً مــن لــزوم الرتجــيح بــال مــرجح فراجــع املصــباح‬ ‫وكلما أجاب به عن هذا اإلشكال جنيب به على إشكاله على ما حنن فيه فليدقق‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ :‬حجية كل منهما مشروطة برتك اآلخر أو باألخذ به أوالً‪ ...‬اخل‪.‬‬ ‫[الوجه الثاني‪ :‬إن الحجية إن كانت] مبعىن املنجزية واملعذرية ‪-‬كما التزمـه اآلخونـد‪ -‬فـال يلـزم‬ ‫مـن التعبـد باملتعارضـني وجعلهمـا حجـة اجلمـع بـني الضـدين أو النقيضـني والتعبـد هبمـا‪ ،‬إذ ال مانعـة‬ ‫مجــع بــني كــون كــال الـرأيني املتعارضــني ‪-‬مــثالً‪ -‬معــذرين (فيمــا لــو أخطــأ) فكالمهــا للعبــد أن يعتــذر‬

‫‪ 1‬إذ قد يقال باحتمال كون ميرهما طريقاً ا و يقال بعد منجزيته فيما لو كان المتعلي أمران متعارضا الطريقية فتيمل‪.‬‬

‫‪ 2‬إذ لااو ساال بنااائا ‪-‬فااي هااذه الصااورة‪ -‬فاااو علاار تقليااد األعل ا ال علاار لاازو األخااذ بيحاادهما إال أن يقااال‪ :‬إن لاازو تقليااد‬ ‫األعل يستفاد من بنائا وتعمي الحجية يستفاد من إطالقات أدلة التقلياد وبضاماا مال عاد إمكاان الجمال يساتفاد لازو األخاذ‬

‫بيحدهما ‪ -‬فتيمل‪.‬‬

‫‪ 3‬المصباح‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.337-336‬‬

‫‪383‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫هبما عن املخالفة‪ 1‬وكون أحدها منجزاً واآلخر معذراً (لو أصـاب أحـدمها) وكوهنمـا معـذرين يتصـور‬ ‫حــىت يف حــق الشــخص الواحــد يف املــورد الواحــد‪ ،‬أمــا كــون أحــدمها منج ـزاً واآلخــر معــذراً يف حــق‬ ‫الشخصــني (ومهــا مقلــدا املــرجعني) فواضــح أمــا كوهنمــا مع ـاً يف حــق شــخص واحــد بــل ويف مســألة‬ ‫واحــدة أيض ـاً فــيمكن تصــويره أيض ـاً بــأن تكــون املنجزيــة واحتجــاج املو ــل علــى العبــد واس ــتحقاقه‬ ‫العقاب مشروطة بعدم سلوك اآلخر أو مشروطة باألخذ به واإلشكال عليه مندفع مبا سبق‪.‬‬

‫[وإن كان ت] مبعــىن جعــل املماثــل فكـذلك أيضـاً إذ ال مــانع‪ 2‬مــن جعـل حكمــني ظــاهريني علــى‬ ‫طبــق مــؤدى األمــارة لشخصــني أو جعــل احلكــم املماثــل يف حــق مــن أصــاب ومقلــده وعــدم جعــل‬ ‫شيء يف حق من أخطأ أو بالعكس (بأن اجعل حكـم علـى طبـق مـؤدى األمـارة إن خالفـت الواقـع‬ ‫‪3‬‬ ‫وال اجعل شيء إن أصابته) (ومن هنا قالوا إن ظنية الطريق ال تنايف قطعية احلكم)‪.‬‬

‫[وإن كانت] احلجية مبعىن جعل ما ليس بعلم علماً تعبداً أعين جعل الطريقية إىل الواقـع ‪-‬علـى‬ ‫مــا هــو مســلكه‪ 4‬والــذي يكــون أثــره تنجيــز الواقــع علــى تقــديل املصــادفة والتعــذير عنــه علــى تقــدير‬ ‫اخلطـأ‪ 5‬فــاألمر أيضـاً كــذلك ‪-‬أي ال يسـتحيل جعــل املتعارضـني حجــة وال يسـتلزم ذلــك اجلمـع بــني‬ ‫الضدين أو النقيضني‪ -‬إذ أي مجع بني الضدين أو النقيضـني يف جعـل هـذا طريقـاً إىل الواقـع ونـازالً‬ ‫منزلة العلم يف حق مقلد زيد وجعل ذاك طريقـاً إىل الواقـع ونـازالً منزلـة العلـم يف ترتيـب اآلثـار ‪ -‬يف‬ ‫حق مقلد عمرو؟‬ ‫وكما ال تستلزم حجيـة رأي ك ِّـل فقيـه لنفسـه علـى هـذا املبـىن وعلـى سـائر املبـاين ‪-‬حـىت يف صـورة‬ ‫تعــارض آراء الفقهــاء واجملتهــدين‪ -‬اجلمــع بــني النقيضــني أو الضــدين ال يف مرحلــة االمتثــال وال يف‬ ‫مرحلــة اجلعــل كــذلك ال تســتلزم حجيــة رأي كــل فقيــه ملقلــده ذلــك‪ ،‬بــل هــو أوىل لتبعيــة حجيــة رأي‬ ‫الفقيه ملقلده‪ ،‬حلجية رأيه لنفسه وجلعل الشارع الطريقية للواقع آلرائه فتأمل‪.‬‬ ‫وال يريــد القائــل بشــمول أدلــة احلجيــة للفتــويني املتعارضــتني أزيــد مــن ذلــك‪ ،‬أي حجيــة رأي كــل‬ ‫فقيه ملقلـده وجـواز تقليـد كـل شـخص ألي جمتهـد ابتـداءً أو ابتـداءً واسـتمراراً ‪(-‬وال مانعـة مجـع بـني‬ ‫‪ 1‬وقد التز في التنقيح بذلل في صورة عد العل بالمخالفة فراجل ص‪.166‬‬

‫‪ 2‬أي ال يلز المانل الذي ذكره دا ظله من الجمل بين الضدين أو النقيضين‪.‬‬ ‫‪ 3‬التنقيح‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.244-243‬‬ ‫‪ 4‬التنقيح‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.166‬‬ ‫‪ 5‬المصدر‪.‬‬

‫‪384‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫االعتبــارين‪ ،‬كمــا ال مانعــة مجــع بــني اعتبــار هــذه الــدار ملكـاً لزيــد وتلــك لعمــرو‪ ،‬واعتبــار هــذه ملكـاً‬ ‫لزيــد دون عمــرو) بــل لنـا أن نقــول إن كوهنمــا حجــة يف حــق الشــخص الواحــد يف املــورد الواحــد ال‬ ‫يستلزم حمذوراً‪ ،‬بيانه‪ :‬إن تنزيل ما لـيس بعلـم منزلـة العلـم‪ ،‬إمنـا هـو بلحـاظ األثـر‪ ،‬فـإذا كانـت اآلثـار‬ ‫متعددة أمكن التنزيل بلحاظ هذا األثر وعدمه بلحاظ ذاك‪ ،‬أو تنزيل هذا بلحاظ األثر وتنزيل ذاك‬ ‫بلحاظ ذاك‪ ،‬فيمكن جعل الفتويني حجة لزيد مثالً مبعىن تنزيلهما منزلة العلـم ‪-‬فتنـزل هـذه الفتـوى‬ ‫باحلرم ــة منزل ــة العل ــم هب ــا يف املنجزي ــة‪ 1‬وتل ــك منزل ــة العل ــم ب ــالوجوب يف املعذري ــة (ل ــو كان ــت األوىل‬ ‫مصيبة يف نفس األمر‪ ،‬والثانية خمطئة) أو ينزل كالمها منزلته يف املعذرية‪( 2‬لـو كانتـا خمطئتـني يف مـنت‬ ‫الواقع) وال تلزم اللغوية من التنزيلني‪ ،‬إذ قد تكون ملصلحة التسهيل والتوسعة على املكلفـني أو لغـري‬ ‫ذل ــك م ــن املص ــاحل (إذ يف تنزيلهم ــا منزل ــة العل ــم وتس ــويغ الرج ــوع إىل املتس ــاويني يف العلمي ــة أو إىل‬ ‫األعلــم وغــريه ‪-‬تســهيالً وتوس ــعة ال ختفــى عل ــى النــاظر)‪ -‬وال منافــاة بــني التن ـزيلني واالعتبــارين إذ‬ ‫اعتبا هذه الصـالة ‪-‬كاجلمعـة مـثالً‪ -‬واجبـة (لتنزيـل الفتـوى هبـا منزلـة العلـم هبـا) بلحـاظ املنجزيـة ‪-‬‬ ‫مــثالً‪ -‬واعتبــار تلــك ‪-‬كــالظهر مــثالً‪ -‬واجبــة بلحــاظ املعذريــة‪ ،‬وال تنــايف بــني االعتبــارين يف مرحلــة‬ ‫‪3‬‬ ‫اجلعل ‪-‬كما اعرتف به دام ظله وال يف مرحلة االمتثال إن التزمنا بكون اتباع أحد القولني مسقطاً‬ ‫لآلخر عن احلجية واجلعل التنزيلي بأن كانت حجية كل منها مشروطة باألخذ به‪ ،‬واخلالصة تعـدد‬ ‫األثر ينتج إمكان التعبد هبا جعالً وعدم إمكان اجلمـع امتثـاالً ينـتج التخيـري ومشـروطية ك ِّـل باألخـذ‬ ‫‪4‬‬ ‫به وبعبارة أخرى يوجب رفع اليد عن إطالق دليل االعتبار بالنسبة إىل كل منها ‪-‬فتأمل جداً‪.‬‬ ‫[الوج ه الثال ث]‪ :‬إن الــدليل الــذي أقامــه ‪-‬وهــو لــزوم اجلمــع بــني الضــدين أو النقيضــني‪ ،‬علــى‬ ‫فرض تسليمه‪ -‬أعم مـن املـدعى ومـن مـا يضـاده‪ ،‬بيـان ذلـك‪ :‬إن حماليـة اجلمـع يقتضـي أحـد أمـرين‬ ‫علــى ســبيل البــدل‪ ،‬أحــدمها عــدم مشــول دليـل احلجيــة للمتعارضــني‪ ،‬وثانيهمــا‪ :‬مشولــه هلمــا ورفــع اليــد‬ ‫عن إطالقهما املقتضي للتعيني‪ ،‬وبعبارة أخرى إن حمذور اجلمع بني الضدين والنقيضـني يرتفـع بكـل‬ ‫واحد منهما وال يكون الالزم األعـم دلـيالً علـى أحـد امللـزومني بعينـه (إذ االسـتحالة الزمـة للشـمول‬

‫‪ 1‬وحينئذ تكون منجزية هذا ومعذرية ذال مشروطة باألخذ به الستحالة كوناا مطلقة‪.‬‬

‫‪ 2‬والمعااذريتان وان ل ا تتعااددا نوعا ااً‪ ،‬إال أناااا متعااددتان شخصا ااً السااتحالة صاادور الواحااد الشخص ااي ماان علتااين مس ااتقلتين‬ ‫اجتماعاً وتبادالً وتعاقباً‪.‬‬

‫‪ 3‬في مصباح األصول‪ :‬المجلد الثاني‪ ،‬ص‪.108‬‬

‫‪ 4‬هذا المبحث يرتبط من وجه ‪ -‬ببحث اجتماال األمر والناي وحيث إنه واد عميي نتركه لمحله‪.‬‬

‫‪385‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مع اإلطالق وترتفـع بارتفـاع الشـمول كمـا ترتفـع بارتفـاع اإلطـالق) وبعبـارة أدق‪ :‬ال يسـتلزم بطـالن‬ ‫وحماليــة الــالزم املتفــرع علــى جممــوع املوصــوف والصــفة عــدم خصــوص املوصــوف بــل يــتم مــع عــدم‬ ‫خصــوص الصــفة (املوصــوف‪ :‬احلجيــة‪ ،‬والصــفة‪ :‬إطالقهــا) وقــد صـ ّـرح هــو ‪-‬أيض ـاً‪ -‬بوجــود هــذين‬ ‫اإلطالقــني أي إطــالق أدلــة احلجيــة لشــموهلا هــذه الفتيــا وتلــك وإطــالق آخــر مــن جهــة أخــرى وهــو‬ ‫حجيــة كــل منهمــا أخــذ بــاآلخر أم مل يؤخــذ بــه كمــا صــرح بعــدم إمكــان األخــذ بإطالقهــا مــن كلتــا‬ ‫اجلهتني الستلزامه اجلمع بني الضدين أو النقيضني‪ 1‬ومن الواضح ارتفاع احملذور برفع اليد عن أيهما‬ ‫كمــا أوضــحناه قبــل قلي ــل ‪-‬بــل نقــول إن اإلط ــالق مــن اجلهــة األوىل لكونــه غــري مســتلزم للجمــع‬ ‫بينهما‪ -‬بل لعدم وجود التعارض بني ما مشلهما هذا اإلطالق ال مقتضي لرفع اليد عنه‪ ،‬وإمنا اجب‬ ‫أن يرفــع اليــد عــن اإلطــالق الثــاين لكــون التعــارض والتهافــت ناشــئاً مــن قبلــه‪ ،‬إذ بــه يوجــد التعــارض‬ ‫وبعدمه يرتفـع ومـن املسـلم أن التسـاقط علـى فـرض تسـليمه ‪-‬فـرع التعـارض‪ ،‬فـإذا كـان التعـارض يف‬ ‫جهة خاصة وناشئاً من قبلها ‪-‬وهو جود اإلطالق الثاين‪ -‬كان التساقط يف تلك اجلهة‪.‬‬ ‫[وب ذلك] اتض ــح ع ــدم متامي ــة م ــا ذك ــره يف التنق ــيح م ــن (أن احلجي ــة يف املتعارض ــني إذا ك ــان‬ ‫بــاإلطالق‪ ،‬فلوجــود إطــالق مــن جهــة أخــرى أي حجيــة كــل منهمــا أخــذ بــاآلخر أم مل يؤخــذ بــه)‬ ‫يكون رفع املعارضة بينها منحصراً يف أحد صور هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬رفــع اليــد عــن كــال اإلطالقــني يف أحــدمها وااللت ـزام هبمــا يف اآلخــر أي االلت ـزام حبجيــة أحــد‬ ‫املتعارضني دون اآلخر رأساً‪2 ،‬و‪ -3‬االلتزام بكال اإلطالقني يف أحدمها وبـاإلطالق األول فقـط يف‬ ‫اآلخــر أي أن تك ــون حجي ــة أحــدمها ‪-‬كفت ــوى األعل ــم‪ -‬مطلق ــة وحجي ــة األخ ــرى ‪-‬كفت ــوى غ ــري‬ ‫األعلم‪ -‬مقيدة وبالعكس‪ -4 ،‬االلتزام باإلطالق األول يف االثنني ورفع اليد عن اإلطالق الثاين يف‬ ‫كليهما‪ ،‬أي االلتزام حبجية كل منهما مقيدة مبـا إذا مل يؤخـذ بـاآلخر ‪-‬مـثالً‪ -‬وحيـث إن شـيئاً مـن‬ ‫ذلك ال مرجح له فال ميكننا التمسك باإلطالق يف شيء من املتعارضني ال يف أصل احلجية وال يف‬ ‫إطالقها وتقييدها وهو معىن التساقط كما قدمناه)‪ 2‬انتهى مع تلخيص وإضافة توضيحية‪.‬‬ ‫[إذ إن التعارض] إذا كان ناشئاً من اإلطالق الثاين كان االلتزام بغري الصورة الرابعة ترجيحاً بال‬ ‫مرجح ال هبا‪ ،‬فإن اإلطالق األول ال مقتضي لرفع اليد عنه لعدم طرو التعـارض مـن قبلـه ورفـع اليـد‬ ‫‪ 1‬التنقيح‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.139‬‬ ‫‪ 2‬المصدر‪.‬‬

‫‪386‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫عن اإلطالق الثاين يف أحدمها دون اآلخر ترجيح بال مرجح فال حميص عن رفع اليـد عنـه فيهمـا إذ‬ ‫االلتزام به فيهـا مسـتلزم للتعبـد باملتناقضـني أو املتضـادين ‪-‬علـى مـا ذكـره‪ -‬وممـا يؤيـد ذلـك بـل يـدل‬ ‫عليه‪ :‬ما إذا ورد (أكرم العلماء) مثالً وعلمنا خارجاً أن زيـداً وصـديقه ‪-‬مـثالً‪ -‬ال يشـملهما حكـم‬ ‫واحــد أبــداً (ومثلــه مــا لــو كــان املكلــف عــاجزاً عــن اجلمــع) فــدار األمــر بــني احلكــم بعــدم وجــوب‬ ‫إكرامهمــا للتســاقط وبــني الــتحفظ علــى الوجــوب يف كليهمــا ورفــع اليــد (عــن) إطالقهمــا يف التعيــني‬ ‫(وهو اإلطالق الثاين) فإنه يتعني ٍ‬ ‫حينئذ األخري وهو يقتضي احلكم بوجوب كل منهما ختيرياً‪ 1‬وهذا‬ ‫مــا التــزم بــه الســيد اخلــوئي وأضــاف (ومعــه ال مقتضــي يف املقــام لرفــع اليــد عــن حجيــة فتــوى األعلــم‬ ‫وغريه أعين احلكم بتساقطهما بل البد من األخذ باحلجية يف كلتا الفتويني ورفع اليد عن إطالقهما‬ ‫املقتضي للتعيني وهذا ينتج حجية كل منهما على وجه التخيري)‪.‬‬ ‫[وأم ا م ا ذك ره] دام ظلــه مــن اجل ـواب عــن هــذا اإلشــكال ب ــ‪( :‬ويــرده أن م ـوارد التعــارض بــني‬ ‫الدليلني اليت منها املقام ال ميكـن قياسـها مبـا إذا كـان لكـل مـن الـدليلني نـص وظـاهر وأمكـن اجلمـع‬ ‫بينهما حبمل الظاهر من كل منهما على نص اآلخـر فـإن القيـاس مـع الفـارق‪ ،‬إذ يف تلـك املـوارد ال‬ ‫مقتضي لرفع اليد عن كال الوجوبني‪ ،‬بل يؤخـذ بـنص كـل مـن الـدليلني يف الوجـوب ويطـرح ظاهرمهـا‬ ‫يف التعيــني فتكــون النتيجــة هــي الوجــوب التخيــريي كمــا مــروا مــا يف أمثــال املقــام الــيت لــيس للــدليلني‬ ‫فيها نص وظاهر بل داللتهما بالظهور واإلطالق فال مناص عن احلكم بتساقطهما فإن احلجيـة يف‬ ‫‪2‬‬ ‫املتعارضني إذا كانت باإلطالق)‪.‬‬ ‫[فيرد عليه] عدم متامية بل عدم وجـود الفـرق الـذي ذكـره بـني مـا حنـن فيـه وبـني الـدليل الواحـد‬ ‫باإلضافة إىل أفراد موضوعه كما إذا ورد أكرم العلماء‪ ...‬اخل‪ ،‬إذ إن أصل مشـول أكـرم العلمـاء هلـذا‬ ‫الفرد ‪-‬كزيد يف املثال‪ -‬وذاك ‪-‬كصديقه‪ -‬إمنا هو بالظهور والعموم ال بالنص إذ إن العام نص يف‬ ‫العموم ال يف هذا الفرد وذاك‪- 3‬ولذا كان اخلاص مقدماً عليه لكـون اخلـاص نصـاً يف الفـرد‪ -‬والعـام‬ ‫ظاهراً فيه كما صرحوا بذلك أمجعني‪ -‬كما أن املطلق نـص يف اإلطـالق ال يف الفـرد وكمـا أن الكـل‬ ‫نــص فيــه ال يف اجلــزء‪ ،‬ففــي الــدليل الواحــد باإلضــافة إىل أفـراد موضــوعه لــيس لنــا نــص وظــاهر‪ ،‬أي‬ ‫‪ 1‬المصدر‪ :‬ص‪.138‬‬

‫‪ 2‬التنقيح‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.139-138‬‬

‫‪ 3‬فعلر األول داللته بالمطابقة وعلر الثاني بالتضمن‪.‬‬

‫‪387‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫نص يف وجوب إكرام زيد وظهور يف كونه تعيينياً بل لنا ظاهر أن ظهور يف مشول أكرم العلماء لزيد‬ ‫وظهور يف كونه تعينياً (أي غري مقيد برتك األخـذ والعمـل بـاآلخر) فكمـا ترفـع اليـد يف مـورد الـدليل‬ ‫الواحد باإلضافة إىل أفراده فيما لو علم عدم مشـول احلكـم الواحـد لزيـد وصـديقه املسـتلزم للتعـارض‬ ‫لو حتفظنا على كال اإلطالقني ‪-‬على الوجوب والتعيني‪ -‬عن الظهور الثاين ال األول كذا فيمـا حنـن‬ ‫فيه وبتعبري أدق‪ :‬ما حنن فيه صغرى هذه الكربى ‪-‬الـيت سـلم رفـع اليـد فيهـا عـن الظهـور يف التعيـني‬ ‫ال عــن أصــل الوجــوب وهــو الــدليل الواحــد باإلضــافة إىل أف ـراده‪ ،‬إذ إن عن ـوان (الع الم) و(الفقي ه)‬ ‫وغريمها من العناوين الواردة يف الروايات يكون الفقيهـان فـردين لتلـك العنـاوين الـيت هـي موضـوعات‬ ‫للحجيــة ولــزوم األخــذ واالتبــاع وحيــث نعلــم عــدم إمكــان مشــول هــذا احلكــم للفقيهــني املختلفــني يف‬ ‫الفتـوى يـدور األمــر بـني رفـع اليــد عـن أصـل حجيــة قوهلمـا وبـني الــتحفظ علـى ذلـك ورفــع اليـد عــن‬ ‫اإلطــالق يف التعيــني فهــذه إذاً صــغرى الكــربى الــيت ذكرهــا مــن الــدليل الواحــد باإلضــافة إىل أف ـراد‬ ‫موضوعه‪ ...‬اخل‪.‬‬ ‫وهو قد سلم مشول هذه العناوين للفقيهـني يف صـورة عـدم االخـتالف وكـذا يف صـورة عـدم العلـم‬ ‫بــاالختالف وأنكــر مشوهلــا هلمــا يف صــورة العلــم بــاالختالف للمــانع الــذي ذكرنــاه عنــه أول البحــث‬ ‫ولذا قال (وال مانع من أن تشـمل إطالقـات أدلـة احلجيـة فتـوى كـل مـن اجملتهـدين املتسـاويني)‪ 1‬أي‬ ‫يف صورة عدم العلـم بـاخلالف وأكثـر صـراحة مـن ذلـك مـا ذكـره قبـل ذلـك بصـفحات ذيـل املسـألة‬ ‫‪2‬‬ ‫‪ 12‬فلرياجع‪.‬‬ ‫[والغ رض] مــن ذكــر هــذا الكــالم بيــان أنــه يــرى لتلــك العنــاوين عمومـاً أو إطالق ـاً ويــرى حجيــة‬ ‫تلك األدلة اللفظية مثل أكرم العلماء يف املثال ‪-‬إال أنه منع عن مشوهلا لصورة العلم باملخالفة ملـانع‬ ‫فنقــول لــه عــدم إمكــان مشــول احلكــم للفــردين يســتلزم دوران األمــر بــني احلكــم بعــدم احلجيــة إطالقـاً‬ ‫(عــدم اإلطــالق األول) وبــني الــتحفظ علــى احلجيــة يف كليهمــا ورفــع اليــد عــن إطالقهمــا يف التعيــني‬ ‫والثــاين هــو املتعــني حســب الضــابط الــذي ذكــره يف أف ـراد موضــوع الــدليل الواحــد ‪-‬فليتــدبر جيــداً‪-‬‬ ‫واخلصــالة أنــا نقــول قولــه (بــل يؤخــذ بــنص كــل مــن الــدليلني يف الوجــوب‪ )...‬إن أريــد كــون الــدليل‬ ‫الواحــد املــذكور يف عبارتــه ســابقاً نصـاً يف وجــوب هــذا الفــرد ففيــه أنــه ظــاهر فيــه ال نــص ومــع كونــه‬ ‫‪ 1‬المصدر‪ :‬ص‪.166‬‬

‫‪ 2‬المصدر‪ :‬ص‪ 159‬فصاعداً‪.‬‬

‫‪388‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ظــاهراً إذا قــدم اإلطــالق األول علــى الثــاين كــان مــا حنــن فيــه منــه‪ ،‬وإن أريــد كونــه نص ـاً يف طبيعــي‬ ‫الوجوب املراد منه الطبيعية املهملة ففيه أن أدلة احلجية كذلك أيضاً نص يف طبيعيها فما الفارق؟‬ ‫ومن ذلك كله ظهر عدم متامية ما ذكره أخرياً (وحيث إن شيئاً من ذلك ال مرجح له‪.)...‬‬

‫[ومم ا ي دل] أيضـاً علـى مــا ذكرنــا (مـن أن التعــارض إذا كـان ناشــئاً مـن اإلطـالق الثــاين‪ )...‬مــا‬ ‫التزمه هو دام ظله يف باب التعادل والـرتاجح يف املتعارضـني بـالعموم مـن وجـه‪ 1‬حيـث التـزم فيمـا لـو‬ ‫كان العموم يف كل منهمـا مسـتفاداً مـن اإلطـالق بسـقوط الـروايتني يف مـادة االجتمـاع ‪-‬بـال رجـوع‬ ‫إىل املرجحــات‪ -‬ال غــري معل ـالً ذلــك بعــدم التعــارض بــني اخل ـربين باعتبــار نفــس مــدلوليهما لكــون‬ ‫اللفظ موضـوعاً للمهيـة املهملـة املعـرب عنـه بالالبشـرط املقسـمي وال تنـايف بـني احلكـم بوجـوب إكـرام‬ ‫العامل على حنو اإلمهال وحرمة إكرام الفاسق كذلك‪ ،‬وحيث إن اإلطالق ‪-‬وهـو خـارج عـن مـدلول‬ ‫اللفظ‪ -‬فيهما مستلزم للجمع بني الضـدين‪ -‬أي أن التعـارض ن ٍ‬ ‫ـاش منـه ال مـن الـدليلني مبـا مهـا مـع‬ ‫قطع النظر عن الدال اخلارجي على اإلطالق وهو مقدمات احلكمة‪ -‬نرفع اليد عنهمـا إذ رفـع اليـد‬ ‫عن أحدمها دون اآلخر ترجيح بال مرجح‪.‬‬ ‫وال خيفى أن ما التزمه هنا من سقوط ما نشأ التعارض من قبله ال غري اجـري بعينـه فيمـا حنـن فيـه‬ ‫من مشول أدلة احلجية للمتعارضني‪ ،‬لـو قيـل بـأن الشـمول والعمـوم بـاإلطالق‪ ،‬حيـث نشـأ التعـارض‬ ‫من اإلطالق الثاين ال األول فكيف يقال بأن الصورة الرابعة ‪-‬وهي رفع اليد عن اإلطالق الثاين يف‬ ‫كليهما دون اإلطالق األول فيهما‪ ،‬ترجيح بال مـرجح مـع انطبـاق املـالك املـذكور يف املصـباح علـى‬ ‫ما حنـن فيـه ممـا ذكـره يف التنقـيح‪ 2‬بـل رفـع اليـد عـن كـال اإلطالقـني بـال مـرجح وبـال مقتضـى بـل مـع‬ ‫مقتضى العدم كما ال خيفى‪.‬‬ ‫وأمـا فيمــا لــو كــان العمـوم يف كــل منهمــا ‪-‬أي العــامني مــن وجـه‪ -‬بالوضــع فملخــص كالمــه‪ 3‬إنــه‬ ‫حيــث ك ــان حجيــة الك ــالم ممــا يتع ــدد بتعــدد امل ــدلول دون تعــدد الــدال‪ ،‬أمكــن التفكي ــك باعتبــار‬ ‫املدلول فلو سقط بعض املدلول (وهو مادة االجتماع) عن احلجية ‪‬وال وجه لسـقوطه إال التعـارض‬

‫‪ 1‬مصباح األصول‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.430-429‬‬

‫‪ 2‬والخالصااة أن األخااذ بالعااامين ماان وجااه فااي مااادة االفتاراي دون االجتماااال لاايس بااال ماارجح‪ ،‬إذ التعااار‬ ‫األولر فكذا في اإلطالقين‪.‬‬

‫‪ 3‬المصدر‪.429-428 :‬‬

‫‪389‬‬

‫فااي الثانيااة دون‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫كما ال خيفى‪ ‬مل يكن وجه لسقوط بعضه اآلخـر (وهـو مـادة االفـرتاق) ‪‬ومـا ذلـك إال لعـدم نشـوء‬ ‫التعارض من قبله‪ ‬ومبىن هذا الكالم كما ترى اجري بعينه فيما حنن فيه ‪-‬لو كان مشول أدلة حجية‬ ‫فتوى الفقيه بالوضع‪ -‬حيث كان التعارض ناشئاً من إطـالق حجيـة كـل مـن الفتـويني أخـذ بـاآلخر‬ ‫‪1‬‬ ‫ال ‪-‬مثالً‪ -‬وهذا هو اإلطالق الثاين ال من اإلطالق األول وهو مشول دليل احلجية لالثنني مهمالً‬ ‫(أي أصل حجية كل منهما ال احلجية املطلقة لكل منهما)‪.‬‬ ‫ومــن الواضــح عــدم جريـان مــا ذكــره يف الداللــة االلتزاميــة ‪-‬حيــث تســقط بســقوط املطابقيــة علــى‬ ‫مبنــاه مــن تبعيتهــا للمطابقيــة ثبوت ـاً وإثبات ـاً تبعيــة املعلــول لعلتــه فيمــا حنــن فيــه‪ ،‬وذلــك لعــدم تبعيــة‬ ‫اإلطالق الثاين لألول وعدم كونه الزماً له كما ال خيفـى‪ ،‬إذ مـع متاميـة األول ميكـن أن يوجـد الثـاين‬ ‫لو متت مقدمات احلكمة فيه ومل يوجد مانع كاستلزامها اجلمع بني الضدين أو النقيضني‪ -‬وميكن‬‫‪2‬‬ ‫أن ال يوجد لو مل تقم ووجد مانع ‪ -‬فتدبر‪.‬‬ ‫هــذا إضــافة إىل أن الشــمول ملــورد االف ـرتاق إن كــان بــالنص فلمــورد االجتمــاع كــذلك‪ ،‬وإن كــان‬ ‫بــالظهور ‪-‬كمــا هــو احلــق‪ -‬فلمــورد االجتمــاع كــذلك فيــدخل مــا حنــن فيــه حتــت ك ـرباه املــذكورة يف‬ ‫التنقيح (ويرده أن موارد التعارض بني الدليلني اليت منها املقام ال ميكن قياسها مبا إذا كان لكل مـن‬ ‫الــدليلني نــص وظــاهر وأمكــن اجلمــع بينهمــا حبمــل الظــاهر مــن كــل منهمــا علــى نــص اآلخــر فــإن‬ ‫القياس مع الفـارق‪ ،‬إذ يف تلـك املـوارد ال مقتضـي لرفـع اليـد عـن كـال الوجـوبني بـل يؤخـذ بـنص كـل‬ ‫من الدليلني يف الوجوب ويطرح ظاهرمها يف التعيني وتكون النتيجة هو الوجـوب التخيـريي كمـا مـر‪،‬‬ ‫وأمــا يف أمثــال املقــام الــيت لــيس الــدليلني فيهمــا نــص وظــاهر بــل داللتهمــا بــالظهور واإلطــالق فــال‬ ‫مناص من احلكم بتساقطهما‪ 3)...‬وبذلك ظهر التناقض بني كالميه فدقق‪.‬‬ ‫[الوج ه الراب ع]‪ :‬إن العــرف والوجــدان حاكمــان بعــدم التســاقط يف صــورة التعــارض بــل بــالرجوع‬ ‫إىل املرجــدح إن كــان‪ ،‬وإال فــالتخيري‪ ،‬أال تــرى أن مــن أشــاع الطريــق يف َمســبعة ‪-‬أو حــىت يف مكــان‬ ‫عادي‪ -‬فدلّه خبري على طريق وآخر على آخر‪ ،‬أال تراه إن فقـد املـرجح يـرى التخيـري بـني الطـريقني‬

‫‪ 1‬المذكور في التنقيح في السطر األول من ص‪.139‬‬

‫‪ 2‬هذا ولنا إشكاالت عديدة علر أصل ما التزمه في العامين من وجه (من ص‪ 427‬إلر ‪ )430‬أضربنا عناا لعد ارتباطاا‬ ‫بما نحن فيه‪.‬‬

‫‪ 3‬التنقيح‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪.138‬‬

‫‪390‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫ال التساقط والرجوع إىل األصل كما أنه ال يسلك الطريق الثالث ‪-‬وإن احتمل بدواً بـال قيـام أمـارة‬ ‫عليه كونه موصالً ولو كان املوىل قد أمره سلوك ما أخربه به أي عبد من عبيده فأخربه كـل بطريـق‪،‬‬ ‫أال تراه‪ ،‬إن سلك أحدمها معذوراً دون ما لو سلك الثالث؟ وأال يـرى نفسـه إن سـلك أحـدمها يبء‬ ‫الذمـة دون مــا لــو ســك الثالــث؟ وكــذا لــو أمــره بإعطــاء الــدرهم ألحــوج فقــري أخــربه عنــه أحــد مواليــه‬ ‫فأخربه موىل‪ ،‬إن هذا هو األحوج وآخران ذاك هو األحوج أتراه حيق له إعطائه لثالث‪ ،‬حيتمل بـدواً‬ ‫ أحوجيت ــه؟ وب ــذلك ظه ــر أيضـ ـاً م ــا يف التزام ــه بع ــدم اإلش ــكال يف االلتـ ـزام بالثال ــث بع ــد س ــقوط‬‫املتعارضــني عــن احلجيــة بالنســبة للمــدلول املطــابقي للمعارضــة‪ 1‬بــل ميكــن أن يكشــف إنَّـاً مــن عــدم‬ ‫جواز سـلوك الثالـث وجـداناً وعرفـاً ولـو مـع احتمالـه بـدوًا‪ ،‬إن املتعارضـني غـري متسـاقطني ‪ -‬فتـدبر‪،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وبذلك يكون العرف والوجدان هو املرجح‪ ،‬لاللتزام بالصورة الرابعة من صوره اآلنفة الذكر‪.‬‬

‫[الوجه الخ امس] الـنقض مبـا لـو تبـدل رأي اجملتهـد فعليـه أن يلتـزم بعـدم حجيـة كـال الـرأيني‪ ،‬إذ‬ ‫مشول أدلة احلجية هلما مستلزم للتناقض أو التضاد على ما ذكره فتأمل‪- 3‬ومبا لو تناقض رأي أعلم‬ ‫هــذا الزمــان مــع أعلــم زمــان ســابق أو مــع مطلــق مــن ك ـان فقيه ـاً‪ ،‬فلــو مل يلــزم التنــاقض يف مرحلــة‬ ‫االمتثال ‪-‬لتعدد الزمان أو املكلف‪ -‬مما يكون جواباً أيضاً عن مشول دليل احلجية للمتقارنني ‪ -‬لزم‬ ‫يف مرحلة اجلعـل لكـون موضـوع األحكـام الكلـي الطبيعـي والزمـان ظـرف‪ ،‬فتأمـل اللهـم إال أن يلتـزم‬ ‫بكال النقضني فتأمل‪.‬‬ ‫واحلمد هلل رب العاملني‬

‫‪ 1‬مصباح األصول‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪.370‬‬

‫‪ 2‬وبعبارة أخرك‪ :‬األمر يدور بين كون عد إمكان اإلطالي الثاني دليالً علر عد الشامول أصاالً‪ ،‬أو الشامول قريناة إمقامياة‬ ‫علر عد اإلطالي الثاني والعارا والوجادان يحكماان الثااني أي يارون شامول دليال الحجياة لإلثناين ورفال الياد عان إطالقاماا‬

‫الثاني‪.‬‬

‫‪ 3‬إذ قااد يجااوز لااه اتب ااال ال ارأي األول ‪-‬لعااد العل ا بينااه ساايوجد لااه رأي مخااالا‪ -‬فتناادرج هااذه الصااورة فااي صااورة الجااال‬ ‫بالمخالفة (األع من السالبة بانتفاء الموضوال) التي التز فياا يجواز التقليد‪.‬‬

‫‪391‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مسیرة العالم المجاهد‬ ‫السید مرتضى الشیرازي‬ ‫النشأة والشخصیة‬

‫ُولد مساحة العالمة احملقق حجة اإلسالم واملسلمني السيد مرتضى احلسيين الشريازي يف مدينة‬ ‫العلم واألدب واجلهاد مدينة كربالء املقدسة عام ‪ 1385‬ت‪ 1965 ،‬م حيث يرقد معلم احلرية‬ ‫وشهيد احلق واإلنسانية اإلمام احلسني بن علي عليهما السالم‪.‬‬ ‫وهو ثاين أجنال املرجع الديين األعلى آية اهلل العظمى السيد حممد الشريازي دام ظله‪.‬‬ ‫ينحدر من أسرة علمية عريقة يف العلم واجلهاد واملرجعية‪.‬‬ ‫فمنذ أكثر من قرن واملرجعية الدينية مل تنقطع عن هذه األسرة‪ ،‬فقد تسلم عام ‪ 1382‬ت‬ ‫املرجعية والزعامة الدينية عميد هذه األسرة آية اهلل العظمى السيد حممد حسن الشريازي‬ ‫(ت‪1312‬ت) وهو الذي خلّد التاريخ امسه بأحرف من نور وذلك ملواقفه اإلسالمية ضد‬ ‫االستعمار‪ ،‬فما من باحث يف التاريخ املعاصر إال وركع إجالالً ملواقف هذا العامل العمالق‪،‬‬ ‫خصوصاً موقفه الذي جتسد يف تفواه الشهرية اليت أشعلت نار املقاومة اإلسالمية يف إيران ضد‬ ‫االستعمار‪.‬‬ ‫وإذا عرفنا أن حركات املقاومة ضد املستعمرين استلهمت من ثورة اجملدد اإلصالحية‪ ،‬ألدركنا‬ ‫مدى أمهية فتوى اجملدد (قدس سره)‪.‬‬ ‫وبعد اجملدد انتقلت املرجعية إىل واحد من أبرز تالمذته وهو آية اهلل العظمى املريزا حممد تقي‬ ‫الشريازي (ت‪ 1388‬ت) الذي سار على هنج أستاذه اجملدد وقاد ثورة العشرين يف العراق‪.‬‬ ‫ومن أعالم هذه األسرة آية اهلل العظمى املريزا علي الشريازي جنل اجملدد الشريازي‬ ‫(ت‪1355‬ت)‪.‬‬ ‫ومن أعالمها آية اهلل العظمى السيد عبد اهلادي الشريازي (ت‪ 1382‬ت) وآية اهلل العظمى‬ ‫السيد مهدي الشريازي (ت‪ 1380‬ت) الذي وجدت األمة فيهما مصداقاً كامالً للفضيلة والعلم‬ ‫والتقوى والورع‪.‬‬

‫‪392‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫والده‪:‬‬

‫هو آية اهلل العظمى السيد حممد احلسيين الشريازي دام ظله‪.‬‬ ‫كتب موسوعة ضخمة يف الفقه االستداليل العميق وقد بلغ عدد أجزائها ‪ 125‬جملداً‪ ،‬وال زال‬ ‫يواصل مسرية التصنيف‪.‬‬ ‫واستناداً إىل هذه املوسوعة العلمية النادرة وإىل كتب األصول اليت ألفها مساحته‪ ،‬فقد شهد مجع‬ ‫من اجملتهدين من أهل اخلربة ألعلمية مساحته يف هذا العصر‪.‬‬ ‫ومساحته اليوم من أبرز العلماء املتصدين إلدارة شؤون األمة اإلسالمية‪ ،‬واملشهور يف احلوزات‬ ‫العلمية حبسن إدارته ووعيه لقضايا األمة‪ ،‬وميارس دوره من بيته املتواضع يف مدينة قم املقدسة‬ ‫ويرعى الكثري من املؤسسات العلمية واإلنسانية يف العديد من بالد العامل‪.‬‬ ‫أساتذته‪:‬‬

‫أهنى العالمة السيد مرتضى الشريازي دراسته االبتدائية يف كربالء املقدسة وذلك يف مدارس‬ ‫حفاظ القرآن الكرمي‪ ،‬اليت كان والده املعظم قد أسسها ورعاها لغرض تربية جيل إسالمي جديد‪،‬‬ ‫ليحمل لواء اإلسالم عالياً‪ ،‬ويدافع عن مبادئه يف كل مكان‪ ،‬وحتقق هذا اهلدف السامي‪ ،‬رغم‬ ‫محالت اإلبادة اليت كانت تشنها زمرة الطغيان يف بغداد على مؤسسات والده‪.‬‬ ‫مث التحق حبلقات الدروس احلوزوية الدينية يف (مدرسة الرسول األعظم صلى اهلل عليه وآله) يف‬ ‫الكويت‪ ،‬اليت أسسها مساحة اإلمام الشريازي‪.‬‬ ‫وقد أواله والده املعظم أشد عناية‪ ،‬فكان أستاذه األول‪ ،‬وأخذ من علومه الفقهية واألصولية وما‬ ‫يتعلق بأصول استنباط األحكام الشرعية‪ ،‬فغدا العالمة السيد مرتضى الشريازي بعد حوايل العقدين‬ ‫من الزمان ‪-‬معبئني بالبحوث العلمية والدراسة ومالزمة أبيه‪ -‬غدا جمتهداً قادراً على استنباط‬ ‫األحكام‪ ،‬وهو مل يزل يف ريعان شبابه‪ ،‬مما حدا جبمع من الفقهاء أن يشهدوا مبستواه العلمي‬ ‫املتميز وكتبوا له إجازات االجتهاد‪ ،‬منهم‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مساحة آية اهلل املعظم الشيخ مسعود السلطاين (قدس سره)‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مساحة آية اهلل املعظم السيد حممد الفاطمي‪.‬‬

‫‪ 1‬من أجال العلماء وأساتذة الخارج في ق ‪ ،‬توفي عا ‪ 1412‬ه‪.‬‬

‫‪393‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫‪2‬‬

‫مساحة آية اهلل املعظم الشيخ األردكاين‪.‬‬ ‫وآخرين طلبوا عدم ذكر أمسائهم‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ودرسه‬ ‫خاصة‬ ‫عناية‬ ‫أواله‬ ‫قد‬ ‫كما أن عمه مساحة آية اهلل املعظم السيد صادق الشريازي‬ ‫ّ‬ ‫خمتلف العلوم اإلسالمية الفقهية واألصولية‪.‬‬ ‫كما أنه درس عند مساحة آية اهلل العظمى الشيخ حسني الوحيد‪ 4‬لسنوات عديدة‪.‬‬ ‫التدريس‪:‬‬

‫منذ حوايل مخسة عشر عاماً بدأ بتدريس الفقه واألصول وقد اشتغل بتدريس (الرسائل) للشيخ‬ ‫األنصاري عام (‪ 1410‬ت) وكان حيضر درسه من كان ميتلك الذهن احلاد والقابلية والذكاء‪ ،‬ألن‬ ‫درسه متيز بالعمق العلمي والدقة يف البحث والتعبري‪.‬‬ ‫درس كتاب (كفاية األصول) للمحقق اآلخوند اخلراساين وكتاب (شرح املنظومة)‬ ‫كما أنه ّ‬ ‫للمحقق السبزواري‪.‬‬ ‫كما أنه حماضر خمضرم وقدير وله الكثري من احملاضرات الفكرية املسجلة‪.‬‬ ‫ومتكن من خالل دراساته وحماضراته وضمن جهاز والده‪ ،‬أن يريب مجعاً غفرياً من التالمذة الذي‬ ‫حتملوا مسؤولياهتم خلدمة مسرية األمة اإلسالمية‪ ،‬فمنهم اخلطباء والكتاب واملدرسون‪.‬‬ ‫ومن املؤمل أن يكون هلذا اجليل املثقف الصاعد شأن كبري ودور إاجايب وبناء يف املستقبل بإذن‬ ‫اهلل‪.‬‬

‫‪ 1‬ماان العلماااء األجااالء واألساااتذة المشاااود لاا بالفضاال وهااو ماادرس بحااث الخااارج‪ ،‬لااه حاشااية مطبوعااة علاار العااروة الااوثقر‬ ‫للمحقي اليزدي (قدس سره)‪.‬‬

‫‪ 2‬من كبار علماء طاران المشاور بعلمه وتقواه‪.‬‬

‫‪ 3‬من العلماء الذين يشار إليه بالبناان‪ ،‬مؤلاا شااير وأساتاذ بحاث الخاارج فاي قا ‪ ،‬مشااود لاه باالعمي العلماي ومنتاار الاورال‬ ‫واالحتياط في الدين‪ ،‬صدر له ستون مؤلفاً علمياً من أبرزها (بيان األصول) و (شرح العروة الوثقر)‪.‬‬

‫ويع ماد درساه الياو أها درس فاي حاوزة قا العلمياة حياث يحضاره‬ ‫‪ 4‬من كبار العلماء والمجتادين المشاود لاه باالتفوي العلماي إ‬ ‫آالا الطلبة والمدرسين‪.‬‬

‫‪394‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫كتاب شورى الفقهاء‬

‫نظرية شورى الفقهاء‪ ،‬مشروع تقدمي هنضوي إلصالح وضع احلوزات العلمية وواقع األمة‪،‬‬ ‫والسري هبا قدماً إىل األمام‪ ،‬وهي تعين قيام مهمة جبهة موحدة‪ ،‬والعمل املشرتك اجلميع خلدمة‬ ‫اإلسالم‪ ،‬والنقاذ املسلمني من واقعهم املأساوي األليم‪.‬‬

‫وقد أنزل اهلل تعاىل سورة حتت عنوان (الشورى) وقال يف صفة املؤمين (وأمرهم شورى بينهم)‪.‬‬ ‫أكد على هذه النظرية‪ ،‬وهندسها‪ ،‬وعاجل مشكالهتا العلمية والفقهية‪ ،‬مساحة اإلمام الشريازي‬ ‫دام ظله‪ ،‬منذ ثالثني عاماً‪ ،1‬وكان ممن آمن هبذه النظرية عن وي وإدراك عميقني‪ ،‬هو جنله مساحة‬ ‫العالمة اجلليل السيد مرتضى الشريازي‪ ،‬فانربى متحمساً حياضر ويكتب واجاهد بأساليب خمتلفة‬ ‫لنشر هذه النظرية يف األوساط العلمية والثقافية والسياسية‪.‬‬ ‫من اخلطوات املركزية اليت خطاها مساحته خلدمة الفكر واحلوزات العلمية تأليفه لكتاب (شورى‬ ‫الفقهاء ‪ -‬دراسة فقهية أصولية)‪ ،2‬وقد أمتّ اجلزء األول من الكتاب يف ‪ 13‬رجب املرجب ‪1410‬‬ ‫ت‪ ،‬ويقع يف (‪ )500‬صفحة‪ ،‬وطبع مرتني‪ ،‬ويقع اجملموع يف ستة أجزاء مل تطبع حلد اآلن‪.‬‬ ‫واجلدير بالذكر أن ننوه إىل النقاط التالية حول هذه الدراسة‪:‬‬ ‫‪ -1‬العمق العلمي‪:‬‬

‫تثمن مبدى عمقها العلمي‪ ،‬فيكتب هلا اخللود علمياً‪ ،‬أو تذهب مع أدراج‬ ‫كل كتاب أو دراسة َّ‬ ‫الرياح‪ ،‬وحقيقة األمر َّ‬ ‫أن هذا الكتاب هو مثرة جهود مضنية جملتهد فاضل‪ ،‬أستاذ حمقق‪ ،‬وجاءت‬ ‫مواضيعه مشبعة بالتحقيق‪ ،‬وتناولت كل إشكال حمتمل‪ ،‬وكل فرع فقهي ميس صميم البحث‪،‬‬ ‫وناقشته بأسلوب موضوعي دقيق‪ ،‬ووضع أما كل سؤال أحسن األجوبة‪.‬‬ ‫واعتمد املؤلف يف حبث الفريد على ‪ 93‬مصدراً علمياً منها ‪ 14‬كتاب تفسري و‪ 7‬كتب من‬ ‫أمهات كتب احلديث و‪ 22‬كتاباً فقهياً مثل اجلواهر واملكاسب وحاشية اإليرواين واالصفهاين‬ ‫واليزدي وموسوعة الفقه‪ ،‬وغريها‪ ،‬كما واعتمد على ‪ 14‬كتاباً أصولياً مثل حاشية اآلخوند على‬ ‫الرسائل وحبر الفوائد وكتاب األصول لوالده املعظم اإلمام الشريازي‪.‬‬ ‫‪ 1‬راجل كتاب سماحته (حوار حول تطبيي اإلسال ) الذي طإبل قبل حوالي ثالثين عاماً‪.‬‬

‫‪ 2‬هااذا الكتاااب وثيقااة علميااة اعتمااد علياااا جماال ماان الفقااااء فااي إج ازات االجتااااد التااي حرروهااا لسااماحة الساايد المرتضاار‬ ‫الشيرازي ‪-‬المترج له‪.-‬‬

‫‪395‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫وأما يف التحقيقات السندية فاعتمد على أهم الكتب الرجالية مثل الفهرست‪ ،‬ورجال‬ ‫النجاشي‪ ،‬ورجال الكشي‪ ،‬ومعجم رجال احلديث وغريها‪.‬‬ ‫ومن البحوث اليت تناوهلا املؤلف يف (الباب األول‪ ،‬الفصل السادس) تفصيل االستدالل (بربهان‬ ‫الدوران والرتديد) وناقش الدليل يف ‪ 23‬صفحة‪ ،‬مث انتقل إىل (الفصل السابع) وأحبر يف االستدالل‬ ‫بقاعدة (دفع الضرر احملتمل) وناقشه مفصالً يف ‪ 52‬صفحة‪.‬‬ ‫ويف (الباب الثامن‪ ،‬الفصل األول) تناول بالبحث مسائل سبع وهي‪:‬‬ ‫وجوب اإلشارة‪ ،‬حرمة املنع‪ ،‬وجوب ردع املانع‪ ،‬وجوب سعي املشري لتطبيق حمتواها‪ ،‬وجوب‬ ‫طلبها‪ ،‬وجوب العمل على طبقها‪ ،‬وجوب الفحص عن صحة الرأي‪.‬‬ ‫ويف الفصل الثاين من نفس الباب تناول (بيان حكم ختالف رأي أكثرية شورى الفقهاء مع‬ ‫أكثرية األمة)‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ...‬نشاهد أنه حبث أدق املسائل العلمية‪ ،‬وعاجلها بالدليل االجتهادي‪ ،‬وإن فقد‬ ‫فباألصل العملي‪.‬‬ ‫وأسلوبه يف البحث العلمي‪ ،‬كأسلوب الفقهاء يف الكتب االستداللية مثل املسالك واجلواهر‬ ‫ومفتاح الكرامة وموسوعة الفقه وغريها‪ ...‬إال أنه حاول أن اجمع بني العمق العلمي والسالسة‬ ‫األدبية حسب اإلمكان‪.‬‬ ‫‪ -2‬اإلبداع‪:‬‬

‫لقد اعتاد العلماء يف احلوزات العلمية يف حبوثهم أن يطوروا األبواب واملواضيع املطروحة‪،‬‬ ‫فيفصلون فيها‪ ،‬ويذهبون يف التعمق يف تفريعاهتا وأدلتها‪.‬‬ ‫أما كتاب (شورى الفقهاء) فهو األول يف موضوعه‪ ،‬ومل يتناول إىل اآلن عامل حتقيق هذا‬ ‫البحث‪ ،‬هبذه الصورة واملستوى الذي طرحه مساحة السيد مرتضى الشريازي يف دراسته‪ ،‬إذ أن كتب‬ ‫الفقهاء تتطرق غالباً إىل حبوث العبادات أو املعامالت أو اإليقاعات أو ما شاهبها‪ ،‬أما هذا‬ ‫الكتاب فتح باباً علمياً جديداً على مصراعيه‪ ،‬وسيدخله يف املستقبل كل من يهمه معاجلة أوضاع‬ ‫املرجعية واحلوزات العلمية‪ ،‬واألمة بوجه عام‪.‬‬ ‫‪396‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫‪ -3‬أهمیة الموضوع‪:‬‬

‫إن نظرية (شورى الفقهاء) تشكل أساساً اسرتاتيجياً يف حل معضالت عاملنا اإلسالمي الذي‬ ‫يرتطم بأمواج الديكتاتورية‪ ،‬سواءً على صعيد احلكم حيث سلطة احلاكم الواحد‪ ،‬واحلزب الواحد‪،‬‬ ‫أو على صعيد املرجعية‪ ،‬حيث تبذل جهود مكثفة من بعض احملسوبني على مرجعيات معينة‬ ‫لتضعيف املرجعيات األخرى املنافسة‪ ،‬وأن تأسيس جملس لشورى الفقهاء‪ ،‬يضمن حقوق كل‬ ‫األطراف املرجعية وحترتم آراء األمة‪ ،‬وترتفع الكفاءات إىل سدة املرجعية‪ ،‬وطرح هكذا مشروع‬ ‫‪1‬‬ ‫جمللس فقهاء‪ ،‬لقيادة األمة دينياً‪ ،‬إمنا هو يف غاية األمهية كما هو أوضح من أن خيفى‪.‬‬ ‫كراس مجيل حول بطل اإلسالم األول‪ ،‬اإلمام أمري املؤمنني عليه السالم حتت عنوان‬ ‫وللمؤلف ّ‬ ‫(أضواء على حياة أمري املؤمنني) كتبه للشباب بأسلوب مجيل ومعلومات جذابة‪.‬‬

‫‪ 1‬للتفصيل راجل (شورك الفقااء المراجل دراسة تحليلية حول القيادة المرجعية الجماعية) للشيخ ناصر حساين األسادي حاول‬ ‫أهمية هذا الموضوال‪.‬‬

‫‪397‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫المصادر‬

‫القرآن الكريم‬ ‫نهج الفصاحة‬

‫نهج البالغة‬

‫‪ -1‬التفاسير‬ ‫تفسري علي بن إبراهيم القمي‬ ‫التبيان‬ ‫التفسري الكبري‬ ‫تفسري ابن عباس‬ ‫تفسري ابن أثري‬ ‫تفسري ابن كثري‬ ‫تفسري اخلازن‬ ‫اجلواهر يف تفسري القرآن الكرمي‬ ‫روح املعاين ‪ -‬الكشاف‬ ‫امليزان يف تفسري القرآن‬ ‫الفرقان يف تفسري القرآن‬ ‫املنار‬ ‫مدارك التنزيل وحقائق التأول‬ ‫جممع البيان‬ ‫‪ -2‬كتب الحديث‬ ‫حبار األنوار‬ ‫حتف العقول‬ ‫عوامل العلوم واملعارض واألحوال‬ ‫غرر احلكم‬ ‫وسائل الشيعة إىل حتصيل مسائل الشريعة‬ ‫‪398‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫مستدرك الوسائل‬ ‫ميزان احلكمة‬ ‫‪ -3‬الكتب الفقهية‪:‬‬ ‫مستند الشيعة يف أحكام الشريعة‬ ‫مفتاح الكرامة يف شرح قواعد العالمة‬ ‫مسالك األفهام يف شرح شرائع اإلسالم‬ ‫جواهر الكالم يف شرح شرائع اإلسالم‬ ‫املكاسب‬ ‫حاشية اإليرواين على املكاسب‬ ‫حاشية االصفهاين على املكاسب‬ ‫حاشية املكاسب لليزدي‬ ‫هداية الطالب إىل أسرار املكاسب‬ ‫العروة الوثقى‬ ‫مستمسك العروة الوثقى‬ ‫التنقيح يف شرح العروة الوثقى‬ ‫شرح العروة الوثقى‬ ‫هنج الفقاهة‬ ‫االجتهاد والتقليد (الفقه)‬ ‫احلكم يف اإلسالم (الفقه)‬ ‫الواجبات واحملرمات (الفقه)‬ ‫البيع (الفقه)‬ ‫القضاء (الفقه)‬ ‫مهذب األحكام‬ ‫احملاكمة يف القضاء‬ ‫‪399‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫دراسات يف والية الفقيه وفقه الدولة اإلسالمية‬ ‫‪ -4‬الكتب األصولية‬ ‫الرسائل‬ ‫حاشية اآلخوند على الرسائل‬ ‫حبر الفوائد يف شرح الفرائد‬ ‫أوثق الوسائل يف شرح الرسائل‬ ‫كفاية األصول‬ ‫حاشية املشكيين على الكفاية‬ ‫الوصول إىل كفاية األصول‬ ‫هناية الدراية‬ ‫هناية األفكار‬ ‫حقائق األصول‬ ‫حماضرات يف أصول الفقه‬ ‫مصباح األصول‬ ‫دروس يف علم األصول‬ ‫األصول‬ ‫‪ -5‬الكتب الرجالية واللغوية‬ ‫رجال علي بن داود‬ ‫رجال النجاشي‬ ‫رجال الكشي‬ ‫الفهرست‬ ‫تنقيح املقال يف علم الرجال‬ ‫اجلامع يف الرجال‬ ‫‪400‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫معجم رجال احلديث‬ ‫لسان العرب‬ ‫جممع البحرين‬ ‫‪ -6‬كتب إسالمية مختلفة‬ ‫االرشاد‬ ‫احلكمة اإلسالمية‬ ‫الذريعة إىل تصانيف الشيعة‬ ‫الشورى يف اإلسالم‬ ‫شورى در قرآن وحديث‬ ‫الصحيح من سرية النيب األعظم صلى اهلل عليه وآله‬ ‫مصادر هنج البالغة‬ ‫كلمة اإلمام املهدي عجل اهلل تعاىل فرجه الشريف‬ ‫باإلضافة إلى الكتب المنقول عنها بالواسطة مثل‪:‬‬ ‫أنوار التنزيل‬ ‫االحتجاج‬ ‫دعائم اإلسالم‬ ‫روضة الكايف‬ ‫الفقيه‬ ‫دستور معامل احلكم‬ ‫البصائر‬ ‫الذخائر‬ ‫النهاية يف غريب احلديث‬ ‫تنبيه اخلواطر‬ ‫‪401‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫أحكام القرآن‬ ‫مكارم األخالق‬ ‫قرب االسناد‬ ‫الصايف‬ ‫عيون أخبار الرضا عليه السالم‬ ‫إكما الدين وإمتام النعمة‬ ‫أدب الدنيا والدين‬ ‫سراج امللوك‬ ‫مطالب السئول‬ ‫هناية األرب‬ ‫شرح املفاتيح‬ ‫تفسري النعماين‬ ‫منية املريد‬ ‫علل الشرائع‬ ‫الغيبة‬ ‫املناقب‬ ‫الدر املنثور‬ ‫نوارد الراوندي‬ ‫مقاتل الطالبيني‬ ‫االمتاع البن هشام‬ ‫السرية البن هشام‬ ‫السرية للمقريزي‬ ‫إثبات اهلداة‬ ‫أمايل الصدوق‬ ‫أمايل الطوسي‬ ‫‪402‬‬


‫شورى الفقهاء‬ ‫علل الشرائع‬ ‫روضة الواعظني‬ ‫اخلصال‬ ‫مغازي الواقدي‬ ‫غوايل اللئايل‬ ‫إعالم الورى‬ ‫االختصاص‬ ‫كنز الكراجكي‬ ‫كتاب سليم بن قيس اهلاليل‬ ‫احملاسن‬ ‫صحيفة الرضا عليه السالم‬ ‫بصائر الدرجات‬ ‫معاين األخبار‬ ‫قرب اإلسناد‬

‫‪403‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.