مجلة للعلم - عدد خاص

Page 1

‫ ‬ ‫ ‪6‬‬

‫ ‬ ‫ ‪16‬‬

‫‪ForScience.com‬‬

‫أﻛﺘـﻮﺑـﺮ ‪ForScience.com - 2017‬‬

‫ﻣﻌﻀﻠﺔ‬

‫اﻟﺘﻤﺮﻳﻨﺎت اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ‬ ‫وإﻧﻘﺎص اﻟﻮزن‬

‫ ­ ‪ ‬‬ ‫ ‪ ...‬‬ ‫ ﺮأ أ ﻳﻀﺎ‬

‫اﻗ‬

‫ ­ ‪­ ‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‪7‬‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‪12‬‬

‫ ‬

‫أﻛﺘـﻮﺑـﺮ‬ ‫‪2017‬‬

‫ ‬ ‫ ­ ‪ ‬‬ ‫ ‪50‬‬


Unique events committed to scientific excellence

Natureconferences are organized by the Nature Research editorial team with the goal of fostering communication and collaboration within the international scientific community.

UPCOMING EVENTS

Help your results stand out. Try our expert editing service today.

GENETICS

AGRICULTURAL GENOMICS 2017 - FUNCTIONAL GENOMICS TOWARD GREEN CROPS FOR SUSTAINABLE AGRICULTURE October 25-27, 2017 • Wuhan, China

IMMUNOLOGY

HIV IMMUNITY AND ERADICATION, A HERRENHAUSEN SYMPOSIUM November 2-3, 2017 • Hanover, Germany

MATERIALS SCIENCE

FERROIC MATERIALS: CHALLENGES AND OPPORTUNITIES October 25-27, 2017 • Xi’an, China MATERIALS ELECTROCHEMISTRY: FUNDAMENTALS AND APPLICATIONS January 13-15, 2018 • Shenzhen, China

MATERNAL & CHILD HEALTH

NATURE CONFERENCE ON MATERNAL AND CHILD HEALTH March 23-25, 2018 • Guangzhou, China

REGENERATIVE MEDICINE

REGENERATION November 16-18, 2017 • Milan, Italy

Language Editing • Scientific Editing Formerly known as NPG Language Editing and MSC Scientific Editing

authorservices.springernature.com

nature.com/natureconferences | A42289

@natureconf


‫أكـتـوبــر ‪2017‬‬ ‫الـعــدد ‪1‬‬

‫‪22‬‬

‫علم الكواكب‬

‫‪22‬‬

‫"كاسيـني" تسبر أغوار كوكب زحل‬

‫الرحلة االستكشافية التاريخية لكوكب زحل ذي الحلقات ‪ -‬والتي لم تشهد‬ ‫البشرية ً‬ ‫مثيل لها من حيث األهمية واالكتشافات ‪ -‬تصل إلى نهايتها‪.‬‬ ‫كارولين بوركو‬ ‫تطور‬

‫‪30‬‬

‫مفارقة التمرينات البدنية‬

‫تساعد الدراسات التي أُجريت حول كيفية حرق جسم اإلنسان للسعرات‬ ‫الحرارية على تفسير لماذا ال يؤثر النشاط البدني إال تأثيرًا محدو ًدا فيما‬ ‫يتعلق بالتحكم في الوزن‪ ،‬وكيف اكتسب البشر ً‬ ‫بعضا من أبرز الصفات‬ ‫المميِّزة لهم‪ .‬هيرمان بونتزر‬ ‫األلـم‬

‫‪36‬‬

‫هل من سبيل للقضاء على الصداع النصفي؟‬

‫بعد انقطاع طويل‪ ،‬علماء األعصاب يُع ُّدون مجموعة من العالجات الجديدة‬ ‫للقضاء على الصداع النصفي الحاد والحيلولة دون اإلصابة به من األساس‪.‬‬ ‫آر‪ .‬آالن بوردي‪ ،‬ديفيد دبليو‪ .‬دوديك‬ ‫صون الطبيعة‬

‫‪44‬‬

‫ومن الحب مـا قـتـل‬

‫قد يتفوق االتجار في الحيوانات البرية األليفة على فقدان البيئة الطبيعية‬ ‫باعتباره أحد العوامل المتسببة في المعاناة المتزايدة في الطبيعة‪.‬‬ ‫ريتشارد كونيف‬ ‫نظرية التطور‬

‫‪50‬‬

‫الكشـف عن حجـر رشيـد األحفـوري بالفيـوم‬

‫نجح الفحص والتحليل المختبري المضني ألحافير مصرية‪ُ ،‬عثر عليها‬ ‫بإحدى مناطق منخفض الفيوم في مصر‪ ،‬في تحديد نوع جديد من الثدييات‬ ‫المفترسة المنقرضة من آكالت اللحوم‪ .‬أحمد حسن بلح‬ ‫الطب‬

‫‪58‬‬

‫اكتشاف البصمة الكيميائية لمتالزمة التعب المزمن‬

‫أظهرت دراسة حديثة أجريت على مرضى مصابين بمتالزمة التعب‬ ‫المزمن‪ ،‬وجود شذوذ في ‪ 20‬مادة أيضية من أصل ‪ 612‬مادة جرت دراستها‪،‬‬ ‫ما يمنحنا األمل في تطوير عالج فعال لها‪ .‬عال الغزاوي‬ ‫العلوم‬

‫‪60‬‬

‫عشرون عا ًما مع الدكتور أحمد زويل‪..‬‬ ‫ما قبل نوبل وما بعدها‬

‫الدكتور أحمد زويل رمز قومي لبالدنا‪ ..‬وأسطورة عاشت معنا‪..‬‬ ‫وستبقى بيننا‪ .‬أحمد المسلماني‬ ‫على الغالف‬

‫بدنيا يحرق‬ ‫كان هناك اعتقاد سائد بأن الشخص النشيط ًّ‬ ‫نشاطا لكن الدراسات‬ ‫ً‬ ‫سعرات حرارية أكثر ممن هو أقل‬ ‫أثبتت أن األثنين يحرقان نفس السعرات‪.‬‬ ‫‪Image by Bryan Christie‬‬

‫‪Image by Edward Bell‬‬

‫‪10/10/17 12:25 PM‬‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫ ‪1‬‬

‫‪contents.indd 1‬‬


High impact science for the Arabic-speaking community

Nature Arabic Edition is a fully digital publication, providing Arabic speakers access to top quality science news, features and commentaries as well as summaries of all research papers from Nature, the leading multidisciplinary journal.

Nature Arabic Edition is home for:

· High impact research from Nature · Faster coverage of new research · Interactive science videos · Scientific terminology · Free podcasts

arabicedition.nature.com In partnership with:

A36141_Nature_Arabic_Edition_advert_P4.indd 1 contents.indd 2

01/03/2017 10/10/17 12:25 15:56 PM


‫‪5‬‬

‫من المحرر‬

‫‪6‬‬

‫قلة النوم تعرض الدماغ للتآكل‬

‫‪7‬‬

‫لماذا تطفئ الفتيات شعلة ذكائهن بأيديهن؟‬

‫‪8‬‬

‫تقدم علمي‬

‫‪18‬‬

‫الخداع البصري‪ ..‬العين ال ترى إال ما يراه العقل‬

‫‪20‬‬

‫المصريون ال يشبهون "قدماء المصريين"‬

‫‪62‬‬

‫حقنة تطعيم واحدة لكل الجرعات‬

‫‪63‬‬

‫إلحاق األطفال بالمدرسة قبل العمر المناسب قد يضرهم‬

‫‪64‬‬

‫كاميرتـك األمنيـة تراقبـك‬

‫دراسة صادرة حدي ًثا تؤكد على أن الدماغ يبدأ في تناول نفسه عندما ال يحصل‬ ‫على ما يكفي من النوم‪.‬‬ ‫دراسة حديثة تؤكد أن الفتيات منذ الصغر يبدأن عملية تنميط على أساس‬ ‫النوع مفادها أن الرجال أكثر ذكا ًء من النساء‪ ،‬مما يؤثر على عقولهن وتوجهاتهن‬ ‫التعليمية في المستقبل‪.‬‬ ‫رسائل من على حدود العلوم والتكنولوجيا والطب‪ :‬الوحدة الزمنية األصغر‬ ‫في الكون‪ .‬عصر اقتصاد الهيدروجين‪ .‬شاشة قابلة للطي بدوالر‪ .‬قماش يبرد‬ ‫الجسم‪ .‬جسيمات نانوية مضادة للسرطان‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫العين وظيفتها الرؤية‪ ،‬أما العقل فيبحث عن المعنى ويحاول تفسير الصور‬ ‫الواردة عبر العصب البصري‪ ،‬بل ويعقد المقارنات بين لون الجسم المنظور‬ ‫وألوان البيئة المحيطة به‪ ،‬مما يُسهل الوقوع في فخ الخداع البصري!‬

‫‪58‬‬

‫"أبناء الفراعنة" كلمة تطلق مجا ًزا على أهل مصر‪ ،‬ولكن إلى أي مدى تتوافق‬ ‫جينات المصريين المعاصرين مع أجدادهم من المصريين القدماء؟‬ ‫باحثون يطوّرون كبسوالت مجهرية‪ ،‬تشبه أكواب القهوة الصغيرة‪ُ ،‬ت َ‬ ‫مل باللقاح‬ ‫و ُتطلق جرعة أولية بعد حقنها في الجسم‪ ،‬ثم جرعات تعزيزية في أوقات مُ حددة‬ ‫يمكن أن تستمر مئات األيام‪.‬‬ ‫دراسة حديثة ترصد أضرارًا محتملة بصحة األطفال النفسية ومستقبلهم‬ ‫الدراسي‪ ،‬حال إلحاقهم بالمدرسة قبيل السن المناسبة‪ ،‬مقارنة بأقرانهم في‬ ‫الصف الدراسي عينِه‬ ‫يبدو األمر غريبًا أن ترى تصرفاتك حين ال يراك أحد‬

‫‪64‬‬

‫"للعلم" هي مجلة الكترونية اسستها دار سبرنجر نيتشر للنشر بدعم ورعاية من المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي التابع لرئاسة الجمهورية‪ ،‬وهي الطبعة العربية‬ ‫ِ‬

‫لمجلة ساينتفك أميريكان‪.‬‬

‫العنوان في الواليات المتحدة األمريكية‪ 1 :‬نيو يورك بالزا‪ ،‬نيو يورك‪ ،‬الرقم البريدي ‪10004-1562‬‬

‫العنوان في جمهورية مصر العربية‪ 3 :‬محمد توفيق دياب‪ ،‬مدينة نصر‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫بنك المعرفة (‪ )www.ekb.eg‬هو أكبر المشروعات القومية التي تهتم بالتعليم في مصر‪ .‬فهو أكبر مكتبة رقمية في العالم تهدف لخدمة جميع فئات الشعب عبر إتاحة‬ ‫كم هائل ومتنوع من مصادر المعرفة والثقافة بالمجان‪.‬‬ ‫للدعم الفني‪ - support@ekb.eg :‬للمبيعات‪shahd@wazner.net :‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪A361‬‬

‫‪10/10/17 3:32 PM‬‬

‫ ‪3‬‬

‫‪contents.indd 3‬‬


Scientific Data is an open access, online only publication for descriptions of scientifically valuable datasets. Each published article combines traditional narrative content with curated descriptions of research data. Articles are complementary to traditional research journals and data repositories, and foster data reuse, searching, linking and data mining – helping accelerate scientific discovery. Scientific Data exists to help you publish, discover, reuse and gain credit for research data and is built around six key principles:

C R ED IT

R EUS E

Q UA L ITY

Gain credit for depositing & sharing your data through exposure and citations

Complete, curated & standardized descriptions enable the reuse of your data

Rigorous community-based peer review of your article and data

D IS C O V ERY

O P EN S C IENC E

S ER V IC E

Helping you find and understand datasets relevant to your research

Both the data and article are available to all through a Creative Commons license

Rapid peer review, publication and a highly responsive in-house editorial team

Scientific Data publishes descriptions of data from a broad range of research disciplines, including descriptions of big or small datasets, from major consortiums to single research groups. Hosted on nature.com — the destination for millions of scientists globally every month — articles are disseminated to the widest possible audience through a programme of continuous online publication.

www.nature.com/scientificdata

5308_2016 SCIDATA4FP filler ad.indd 1 from the editor.indd

21/01/2016 13:02 10/10/17 12:26 PM


‫من‬ ‫المحرر‬

‫داليا عبد السالم‬ ‫رئيس تحرير مجلة للعلم‬

‫"للعلم"‪ ..‬المشروع‬ ‫الحلم!‬

‫مــا أصــدق عبــارة برناردشــو حيــن قــال‪" :‬احــذر مــن العلــم الزائــف؛ فهــو‬ ‫أخطــر مــن الجهــل"‪ .‬ومــا أكثــر العلــم الزائــف فــي أيامنــا هــذه؛ إذ تعــددت‬ ‫وســائل اإلعــام وشــبكات التواصــل االجتماعــي وأصبــح المحتــوى غزي ـرًا مــن‬ ‫حيــث الكــم‪ ،‬أمــا الكيــف فحــدث وال حــرج! صحيــح أن الســاحة ال تخلــو مــن‬ ‫محــاوالت جــادة ومحترمــة لنشــر الثقافــة العلميــة‪ ،‬ولكنهــا غيــر كافيــة إلحــداث‬ ‫األثــر المطلــوب ع ـلـى المجتمعــات‪ ،‬خاصـ ًة مجتمعنــا العر ـبـي‪ .‬وممــا يزيــد األمــر‬ ‫تعقي ـ ًدا أن المتلقــي ـفـي أغلــب األحــوال ال يكــون قــادرًا ع ـلـى فــرز الجيــد مــن‬ ‫الــرديء‪ ،‬خاص ـ ًة إذا كان مــن غيــر المتخصصيــن‪ .‬وألن ـنـي صحفيــة أعمــل ـفـي‬ ‫هــذا المجــال منــذ عــام ‪ 1994‬أســتطيع شــخصيًّا أن أنتقــي مــن بيــن المتــاح‬ ‫سـي بالمســؤولية‪ ،‬حيــن عــرض‬ ‫مــا أثــق أنــه لــن يضلل ـنـي! ومــن هنــا نمــا إحسا ـ‬ ‫علـ َّي الزميــل والصديــق محمــد يح ـيـى ‪-‬المحــرر التنفيــذي لنيتشــر لألبحــاث‬ ‫بالشــرق األوســط‪ -‬تكويــن فريــق العمــل ـفـي مجلــة "للعلــم"‪ ...‬فالهــدف نبيــل‬ ‫والحلــم َطمــوح وجميــل!‬ ‫فريق تحرير مجلة للعلم‬

‫فريق المراسلين‬

‫داليا عبد السالم‬

‫محمد منصور‬

‫ رئيس التحرير‬

‫محمد يحيى‬

‫ محرر تنفيذي‬

‫أحمد حسن بلح‬

‫محرر علمي درس الهندسة‬

‫الميكانيكية بجامعة حلوان المصرية‪.‬‬

‫وحصل على دورات متخصصة في‬ ‫الصحافة العلمية من جامعة ييل‪،‬‬

‫ محرر أول ومسؤول‬

‫ودورات في مجال صحافة الطاقة‬

‫هاني إبراهيم زايد‬

‫على القضايا العلمية المرتبطة بالتنمية‬

‫ إدارة المراسلين‬ ‫ محرر أول‬

‫داليا العصامي‬

‫ مدير أول النشر‬

‫أماني شوقي‬

‫ محرر وسائط‬

‫عمرو رحمة‬

‫في جامعة ستانفورد‪ ،‬يركز في عمله‬ ‫المجتمعية وقضايا التغير المناخي‪.‬‬

‫محمد السيد علي‬

‫صحفي مصري‪ ،‬حاصل على دبلوم‬

‫علياء حامد‬

‫ مدير تحرير الترجمة‬

‫فايقة جرجس حنا‬

‫ محرر أول ترجمة‬

‫لبنى أحمد نور‬

‫ محرر ترجمة‬

‫صحفية مصرية‪ ،‬متخصصة في‬

‫موضوعات العلوم والصحة‪ ،‬والثقافة‬

‫والفن‪ ،‬وحقوق المرأة‪ ،‬والتعليم‪ .‬كتبت‬

‫للعديد من المواقع العربية واألجنبية‪.‬‬

‫عال الغزاوي‬

‫داليا فاروق‬

‫مروة صالح‬

‫صحفية مهتمة بالشأن العلمي‬

‫رحاب عبد المحسن‬

‫صحفية حرة متخصصة في الكتابة‬

‫العلمية ومراسلة لعدد من المواقع‬

‫العلمية‪.‬‬

‫سعد لطفي‬

‫ومدون علمي مستقل‪،‬‬ ‫كاتب‬ ‫ّ‬

‫شغوف بقضايا التعليم وتوصيل‬

‫العلوم‪ ،‬ومسئول عن تنظيم عدد من‬

‫أمل القصري‬

‫حصلت على الدكتوراة في "المجسات‬ ‫الحيوية" من معهد ماكس بالنك‬

‫ألبحاث البوليمرات في ألمانيا‪،‬‬

‫بالصحافة عام ‪ .1996‬شاركت في‬

‫أحمد سمير‬

‫طبيب و مدرس مساعد بقسم‬

‫الباثولوجيا اإلكلينكية بالمعهد القومي‬

‫دورات تدريبية عن اإلعالم العلمي‬

‫بجامعة جون هوبكنز واإلتحاد الدولي‬

‫عاما‪ ،‬حصلت على جائزة سمير قصير‬ ‫ً‬

‫من الجمعية األوروبية للبنوك الحيوية‬

‫يركز عملها على التغيرات المناخية‪،‬‬

‫محمود العيسوي‪ ،‬صحفي‬

‫صحفي مصري مهتم بالشأن العلمي‬

‫المتحدة‪ ،‬وسنغافورة‪ ،‬والنمسا‪.‬‬

‫والعلوم والتكنولوجيا منذ بدء عملها‬

‫صحفية تخصصت في الشأن المجتمعي‬

‫محمود العيسوي‬

‫تامر الهاللي‬

‫العلمية من االتحاد الدولي للصحفيين‬

‫النانوتكنولوجي والبنوك الحيوية‪ .‬د‪.‬أحمد‬

‫عام ‪2006‬‬

‫كاتب مهتم بالشأن العلمي‬

‫محررة علمية تكتب في قضايا الصحة‬

‫داليا العقاد‪ ،‬صحفية علمية وعضو‬

‫لحرية الصحافة في دورتها األولى‬

‫رضا القاضي‬

‫باستخدام مواد جديدة مثل الجرافين‪.‬‬

‫واآلثار‪ .‬تعمل بالصحافة منذ عام ‪.1997‬‬

‫وملف حقوق اإلنسان ألكثر من ‪20‬‬

‫الدولي لإلعالميين العلميين‪.‬‬

‫كاتبة متخصصة في الشؤون العلمية‪،‬‬

‫عبير فؤاد‬

‫لألورام‪ ،‬جامعة القاهرة‪ .‬لديه عدة‬

‫دينا درويش‬

‫في الصحافة العلمية من االتحاد‬

‫الفعاليات العلمية في مصر‬

‫عمله على قضايا الصحة والبحث‬

‫ مسؤول اإلعالم‬

‫ مساعد التحرير‬

‫عام ‪2008‬‬

‫رشا دويدار‬

‫العلميين عام ‪.2012‬‬

‫للصحفيين العلميين ‪ -‬كندا‪ ،‬يركز‬

‫كاتبة متخصصة في شؤون السياحة‬

‫ االجتماعى‬

‫وعضو نقابة الصحفيين المصريين منذ‬

‫الصحافة العلمية‪ ،‬من االتحاد الدولي‬

‫ مصمم جرافيك‬

‫شيماء رمضان‬

‫حازم بدر‬

‫صحفي متخصص في الشأن العلمي‬

‫حاصلة على دبلوم في الصحافة‬

‫العلمي والتنمية‬

‫مصطفى علي‬

‫فلطالمــا حلــم اإلعالميــون العلميــون ـفـي العالــم العر ـبـي بمنصــة إعالميــة‬ ‫محترمــة‪ ،‬تتيــح للمنطقــة تغطيــات موثوقــة لألبحــاث العلميــة بلغــة واضحــة‬ ‫وبســيطة ويتــم مــن خاللهــا تقديــم حلــول علميــة للمشــكالت ال ـتـي يعا ـنـي منهــا‬ ‫المواطنــون العــرب فــي شــتى مناحــي الحيــاة‪ .‬فالتغطيــات العلميــة الجــادة‬ ‫المتخصصــة ليســت ع ـلـى قائمــة أولويــات الصحــف اليوميــة مــع األســف!‬ ‫وألن مؤسســة ســبرنجر نيتشــر لديهــا بالفعــل نمــوذج رائــع لمــا نصبــو‬ ‫إليــه هــو مجلــة "ســاينتفك أمريــكان"‪ ،‬المجلــة العلميــة األمريكيــة األقــدم‬ ‫واألشــهر علــى اإلطــاق والموجهــة للجمهــور العــام‪ ،‬كانــت الفكــرة أن نطلــق‬ ‫طبعــة عربيــة إلكترونيــة مــن تلــك المجلــة؛ لتضــاف إلــى ‪ 19‬طبعــة دوليــة‬ ‫بلغــات أخــرى‪ ،‬منهــا اإلســبانية والفرنســية واأللمانيــة واإليطاليــة والصينيــة‬ ‫والروســية‪.‬‬ ‫أدرك تما ًمــا المتغيــرات ال ـتـي تحــدث ع ـلـى الســاحة اإلعالميــة‪ ،‬والقوالــب‬ ‫الجديــدة ال ـتـي أتاحهــا التقــدم التكنولوجــي للتواصــل والتبســيط‪ ،‬كمــا أدرك‬ ‫الحاجــة الشــديدة والتعطــش للعلــوم الــذي يظهــر لــي واضحًــا مــن خــال‬ ‫أعــداد المتابعيــن لمجلــة "للعلــم"‪ ،‬ال ـتـي تتزايــد ِّ‬ ‫باطــراد دون أن نقــوم بدعايــة‬ ‫ُت َ‬ ‫ذكــر للتعريــف بالمجلــة!‬ ‫ســعيدة ج ـ ًّدا بالتجربــة‪ ،‬وطموحــي ال حــدود لــه‪ ،‬وممتنــة غايــة االمتنــان‬ ‫صـي للتعليــم والبحــث العلمــي التابــع لرئاســة الجمهوريــة‪،‬‬ ‫للمجلــس التخص ـ‬ ‫الــذي مــن دون دعمــه‪ ،‬لــم يكــن للحلــم أن يتحقــق!‬

‫أبحاث منشورة عن الخاليا الجذعية‪،‬‬

‫عضو في لجنة التعليم والتدريب في كل‬ ‫وكذلك في شبكة البنوك الحيوية في‬ ‫الدول منخفضة ومتوسطة الدخل‪.‬‬

‫محمد السنباطي‬

‫كاتب علمي مستقل‪ ،‬حاصل على‬

‫لإلعالميين العلميين‬

‫داليا العقاد‬

‫ومارست البحث العلمي في مجال‬ ‫علوم المواد والمجسات الحيوية‬

‫عملت في ألمانيا‪ ،‬وبريطانيا‪ ،‬والواليات‬

‫دعاء عبد الباقي‬

‫صحفية ومترجمة مصرية مهتمة‬ ‫بقضايا العلوم والتعليم‬

‫حنان بدوي‬

‫صحفية متخصصة فى شئون البيئة‬

‫الرابطة العربية لالعالميين العلميين‪.‬‬

‫والتنمية المستدامة‪ .‬أمين عام جمعية‬

‫وتكنولوجيا النانو‪ ،‬وبرامج مصر‬

‫على عدة جوائز فى تناول قضايا‬

‫النووية والفضائية‪.‬‬

‫خالد البرماوى‬

‫صحفي حر‪ ،‬متخصص في الصحافة‬

‫كتاب البيئة والتنمية (سويد)‪ .‬حاصلة‬ ‫التغيرات المناخية وتدوير المخلفات‬

‫من نادى دبي للصحافة العربية ونقابة‬

‫الصحفيين المصرية ووزارة البيئة وجائزة‬

‫سفانة الباهي‬

‫متخصص في شؤون البيئة والتنمية‬

‫ماجستير التواصل العلمي والمشاركة‬

‫واإلعالم الرقميين‪ ،‬شارك في تأسيس‬

‫التحقيق الصحفي حول المخلفات‪.‬‬

‫صالح الشاعر‬

‫األمريكية ألساتذة االتصال‪ ،‬زميل‬

‫بالمملكة المتحدة‪.‬‬

‫مصر والمنطقة العربية‪.‬‬

‫كاتبة مصرية متخصصة فى الشؤون‬

‫ محرر ترجمة‬

‫المستدامة‪ ،‬عضو الرابطة العربية‬

‫ محرر اللغة العربية‬

‫كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر‬

‫ مدير الشراكة المؤسسية‬

‫االتحاد الدولي لصون الطبيعة‬

‫وليام محفوظ‬

‫العسكرية العليا‪ ،‬وحاصل على جائزة‬

‫المجتمعية من جامعة إدنبرة‬

‫هناء مكاوي‬

‫كاتبة صحفية تخصصت في القضايا‬ ‫المجتمعية منذ ‪.1996‬‬

‫العديد من المشروعات اإلعالمية في‬

‫نيهال الشين‬

‫كاتبة ومحررة ومدربة في مجال‬

‫اإلعالم العلمي‪ ،‬حاصلة على دبلوم‬

‫مي الشافعي‬

‫العلمية والبيئية‬

‫محمد أبو زيد‬

‫صحفي مهتم بالشأن العلمي‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪5308_2‬‬

‫‪10/10/17 12:26 PM‬‬

‫ ‪5‬‬

‫‪from the editor.indd 5‬‬


‫العقل‬

‫هاني زايد‬ ‫محرر أول بمجلة للعلم‬

‫قلة النوم تعرض‬ ‫الدماغ للتآكل‬

‫ً‬ ‫حديثا تؤكد على أن الدماغ‬ ‫دراسة صادرة‬ ‫يبدأ في تناول نفسه عندما ال يحصل‬ ‫على ما يكفي من النوم‪.‬‬ ‫هاني زايد‬

‫ال ـتـي تصــل بيــن الخاليــا العصبيــة‪ ،‬ممــا يــؤدي إـلـى تدهــور ـفـي القــدرات المعرفيــة‬ ‫للمريــض وفقدانــه الذاكــرة‪.‬‬ ‫ل‬ ‫وحــول األعــراض التــي تشــير إــى تعــرض الدمــاغ للتــآكل‪ ،‬يؤكــد بيلســي أنــه‬ ‫"ليســت هنــاك أعــراض محــددة‪ ،‬إذ لــم ُتظهــر الفئــران ال ـتـي خضعــت للتجــارب أي‬ ‫نــوع مــن الســلوك المتغيــر ســوى رغبــة فــي مقاومــة الذهــاب إلــى النــوم"‪ .‬وينصــح‬ ‫سـي للدمــاغ والجســد م ًعــا"‪.‬‬ ‫سـي بـ"االهتمــام بالنــوم بشــكل جيــد وكافٍ ‪ ،‬إذ إنــه أسا ـ‬ ‫بيل ـ‬ ‫وفيمــا يتعلــق ببعــض اآلثــار النفســية والجســدية الســلبية ال ـتـى قــد تنتــج عــن‬ ‫قلــة عــدد ســاعات النــوم‪ ،‬يقــول عــادل كمــال ‪-‬أســتاذ علــم النفــس اإلكلينيكــي‬ ‫سي‏ بكليــة اآلداب بجامعــة بنه ـا‏‪ -‬لـ"للعلــم‪" :‬إن قلــة النــوم لهــا آثــار‬ ‫والتحليــل النف ـ‬ ‫ســلبية شــديدة ع ـلـى الحالــة النفســية للشــخص‪ ،‬مــا ينعكــس ســلبًا ع ـلـى حالتــه‬ ‫الجســدية؛ إذ َتحُــ ُّد مــن فــرص قــدرة األشــخاص علــى الحلــم بوصفــه إحــدى‬ ‫وســائل التغلــب علــى التوتــر والشــحنات الزائــدة مــن القلــق وتعويــض عجــز‬ ‫الشــخص عــن تلبيــة رغباتــه المكبوتــة‪ ،‬وبالتاـلـي فــإن قلــة النــوم تــؤدي إـلـى غيــاب‬ ‫الحلــم وزيــادة القلــق واالضطرابــات النفســية‪ ،‬ومــا يتبعهــا مــن زيــادة احتمــاالت‬ ‫التعــرض ألمــراض جســدية"‪.‬‬ ‫وكانــت دراســة أمريكيــة ســابقة أعدهــا فريــق مــن الباحثيــن بكليــة الطــب‬ ‫بواليــة بنســلفانيا حــذرت مــن أن نقــص النــوم مــن شــأنه "مضاعفــة خطــر الوفــاة‬ ‫بســبب احتشــاء عضلــة القلــب أو الجلطــة الدماغيــة لــدى األشــخاص الذيــن‬ ‫يواجهــون العوامــل ال ـتـي تتســبب ـفـي اإلصابــة بمخاطــر قلبيــة وعائيــة عــدة‪ ،‬مــن‬ ‫بينهــا البدانــة وارتفــاع ضغــط الــدم ومعــدل الكوليســترول الزائــد أو الســكري"‪.‬‬ ‫وانتهــى الباحثــون ‪-‬ـفـي دراســتهم ال ـتـي اعتمــدت ع ـلـى اختيــار عشــوائي لـــ‪1344‬‬ ‫بال ًغــا بمتوســط أعمــار يبلــغ ‪ 49‬عامًــا‪ ،‬منهــم ‪ %42‬مــن الرجــال‪ -‬إلــى أن "نتائــج‬ ‫الفحــوص واالختبــارات ال ـتـي أُجريــت أوضحــت أن أكثــر مــن ‪ %39‬مــن المشــاركين‬ ‫كانــت لديهــم ثالثــة ع ـلـى األقــل مــن عوامــل الخطــر ال ـتـي تشـ ِّـكل –مجتمعـ ًة‪ -‬متالزمة‬ ‫األيــض‪ ،‬مثــل داء الســكري وفــرط ضغــط الــدم وارتفــاع ـفـي حمــض اليوريــك‪.‬‬ ‫وخــال فتــرة متابعــة اســتمرت أكثــر مــن ‪ 16‬ســنة ـفـي المعــدل‪ ،‬توـفـي ‪%22‬‬ ‫مــن األشــخاص المشــاركين ـفـي الدراســة‪ ،‬وكان لــدى األشــخاص الذيــن يعانــون‬ ‫متالزمــة األيــض ممــن نامــوا أقــل مــن ســت ســاعات ـفـي المختبــر احتمــاالت أكبــر‬ ‫بـــ‪ 2.1‬مــرة للمــوت مــن جـرَّاء نوبــة قلبيــة أو جلطــة دماغيــة خــال هــذه الســنوات‬ ‫الـــ‪ 16‬مقارنــة مــع األشــخاص الذيــن لــم تكــن لديهــم عوامــل الخطــر القلبيــة‬ ‫الوعائيــة هــذه‪.‬‬

‫‪GETTY IMAGES‬‬

‫حــذرت دراســة حديثــة مــن أن الدمــاغ البشــري يتعــرض للتــآكل‬ ‫قســط كافٍ مــن النــوم فــي أثنــاء‬ ‫ٍ‬ ‫عندمــا ال يحصــل اإلنســان علــى‬ ‫الليــل‪ ،‬موضحـ ًة ـفـي الوقــت ذاتــه أن "األمــر ال يتســبب‪ ،‬بالضــرورة‪ ،‬ـفـي‬ ‫أضــرار صحيــة مقلقــة"‪.‬‬ ‫أجــرى الدراســة فريــق مشــترك مــن الباحثيــن ـفـي علــم األعصــاب‬ ‫بجامعتــي بوليتيكنيــك وبادوفــا اإليطاليتيــن وجامعــة ويسكونســن‬ ‫ضـي‪.‬‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬و ُنشــرت نتائجهــا بدوريــة جورنــال أوف نيــورو ســاينس‪ ،‬ـفـي مايــو الما ـ‬ ‫اعتمــدت الدراســة ع ـلـى متابعــة عينــات مــن الفئــران‪ ،‬اســتنا ًدا إـلـى فتــرات نومهــا‪،‬‬ ‫إذ رصــدت نشـ ً‬ ‫ـاطا غيــر معتــاد ـفـي الخاليــا النجميــة بالدمــاغ‪ ،‬لــدى الفئــران ال ـتـي‬ ‫جــرى حرمانهــا مــن النــوم‪ ،‬بخــاف الفئــران التــي نامــت بشــكل طبيعــي لمــدة‬ ‫تتــراوح بيــن ‪ 7‬إـلـى ‪ 8‬ســاعات ليـ ًـا‪.‬‬ ‫سـي ‪-‬أســتاذ علــم وظائــف األعضــاء وعلــم األعصــاب بجامعــة‬ ‫يقــول ميشــال بيل ـ‬ ‫بوليتيكنيــك اإليطاليــة‪ ،‬ورئيــس الفريــق البح ـثـي‪ -‬لـ"للعلــم‪" :‬إن الخاليــا النجميــة‬ ‫تتوـلـى ـفـي العــادة تنظيــف الدمــاغ عــن طريــق إزالــة نواتــج التــآكل العص ـبـي خــال‬ ‫اليــوم‪ ،‬وذلــك ـفـي أثنــاء عمليــة النــوم‪ .‬ولكــن عنــد حــدوث نقــص ـفـي معــدالت النــوم‪،‬‬ ‫تقــوم تلــك الخاليــا بــأكل نقــاط االشــتباك العص ـبـي‪ ،‬أي أن الدمــاغ يبــدأ ـفـي إيــذاء‬ ‫نفســه بـ ً‬ ‫ـدل مــن أن ينظــف نفســه!"‪.‬‬ ‫يوضــح وائــل أبــو هنــدي ‪-‬أســتاذ الطــب النفســي بكليــة الطــب بجامعــة‬ ‫الزقازيــق‪ -‬لـ"للعلــم"‪ :‬أن الخاليــا النجميــة هــي أحــد أربعــة أصنــاف مــن الخاليــا‬ ‫الدبقيــة الموجــودة ـفـي الجهــاز العص ـبـي المركــزي‪ ،‬وهــي‪ :‬الخاليــا النجميــة‪ ،‬والخاليــا‬ ‫قليلــة التغصــن‪ ،‬وخاليــا البطانــة العصبيــة‪ ،‬والخاليــا الدبقيــة الصغيــرة‪.‬‬ ‫ويضيــف أن‪" :‬الخاليــا النجميــة هــي خاليــا صغيــرة نجميــة الشــكل‪ ،‬تنتشــر ـفـي‬ ‫نســيج الجهــاز العص ـبـي المركــزي‪ ،‬ويســتطيع هــذا النــوع مــن الخاليــا امتصــاص‬ ‫واختــزان ثــم إفــراز بعــض الناقــات العصبيــة‪ ،‬مــا يجعلهــا مهمــة فــي التوصيــل‬ ‫العص ـبـي الكيميا ـئـي داخــل الجهــاز العص ـبـي المركــزي‪.‬‬ ‫وع ـلـى الرغــم مــن أن أكل نقــاط االشــتباك العص ـبـي ليــس أمــرا ً ضــارًّا بالضــرورة‪،‬‬ ‫إذ قــد يكــون بمنزلــة عمليــة تنظيــف داخــل الدمــاغ‪ ،‬أي أشــبه مــا تكــون بعمليــة‬ ‫التخلــص مــن األثــاث القديــم ـفـي المنــزل‪ ،‬إال أن قلــة النــوم تــؤدي إـلـى تحفيــز الخاليــا‬ ‫الدبقيــة وال ـتـي تنشــط بشــدة بأدمغــة المصابيــن بمــرض ألزهايمــر‪.‬‬ ‫ف‬ ‫سـي‪" :‬إن هنــاك أدلــة ع ـلـى أن اســتمرار الخاليــا الدبقيــة ــي نشــاطها‬ ‫يقــول بيل ـ‬ ‫بوتيــرة منخفضــة يــؤدي إـلـى اضطرابــات ـفـي الدمــاغ‪ ،‬كمــا يــؤدي إـلـى تراكــم أحمــاض‬ ‫األميلويــد بيتــا ال ـتـي تعمــل ع ـلـى ســد الفراغــات بيــن خاليــا الدمــاغ"‪.‬‬ ‫ويوضــح‪ :‬ي َُعــ ُّد تراكــم أحمــاض األميلويــد ركيــزة رئيســية لإلصابــة بمــرض‬ ‫ألزهايمــر‪ ،‬إذ تتراكــم بكميــات كبيــرة فــي المــخ وتدمــر الخاليــا العصبيــة بشــكل‬ ‫تدريجــي وتقطــع اتصاالتهــا بنظيراتهــا المجــاورة‪ ،‬وتكــون أعــداد هــذه اللويحــات‬ ‫أكبــر ـفـي الحــاالت الحــادة لإلصابــة بألزهايمــر‪ ،‬وـفـي حــال لــم يتــم تخلــص الدمــاغ من‬ ‫األميلويــد بيتــا‪ ،‬فإنــه يتراكــم ـفـي شــكل لويحــات تدمّ ــر نقــاط االشــتباك العص ـبـي‬ ‫‪ ForScience.com  6‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:30 PM‬‬

‫‪��� ����� ���� ������ ������_.indd 6‬‬


‫هناء مكاوي كاتبة صحفية تخصصت‬ ‫في القضايا المجتمعية منذ ‪1996‬‬

‫لماذا تطفئ الفتيات‬ ‫شعلة ذكائهن بأيديهن؟‬ ‫دراسة حديثة تؤكد أن الفتيات منذ الصغر يبدأن‬ ‫عملية تنميط على أساس النوع مفادها أن الرجال‬ ‫ذكاء من النساء‪ ،‬مما يؤثر على عقولهن‬ ‫أكثر‬ ‫ً‬ ‫وتوجهاتهن التعليمية في المستقبل‬ ‫هناء مكاوي‬

‫‪GETTY IMAGES/ BLEND IMAGES/ KIDSTOCK‬‬

‫هــل كوننــا ال نــرى ســوى عــدد محــدود مــن النســاء ـفـي درجــات ومناصــب رفيعــة‬ ‫المســتوى ـفـي مجــاالت التكنولوجيــا والفيزيــاء والرياضيــات يعــود إـلـى عــدم قدرتهــن‬ ‫ع ـلـى المنافســة مــع الرجــال ـفـي مثــل هــذه المجــاالت‪ ،‬ع ـلـى اعتبــار أنهــن أقــل ذكاءً؟‬ ‫وهــل هــذا هــو ســبب توقــف مســاعي تكافــؤ الفــرص بيــن الجنســين عنــد‬ ‫حــدود الصدامــات والدعــوات دون تحقيــق مــا هــو أبعــد؟‬ ‫أساســا‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫تســاؤالت صادمــة‪ ،‬ولكــن العلــم يكشــف أن لهــا ً‬ ‫دفــع مجموعــة مــن العلمــاء األمريكييــن إـلـى إجــراء سلســلة مــن االختبــارات‬ ‫علــى ‪ 400‬طفــل‪ ،‬ممــن تتــراوح أعمارهــم بيــن خمــس ســنوات وســبع‪،‬‬ ‫وتوصلــوا إـلـى أن الفتيــات يبــدأن عمليــة تنميــط ع ـلـى أســاس النــوع منــذ‬ ‫الصغــر‪ ،‬وهــو مــا يؤثــر ع ـلـى عقولهــن وتوجهاتهــن التعليميــة‪.‬‬ ‫ووف ًقــا للدراســة المنشــورة ـفـي مجلــة ســاينس‪ ،‬تبــدأ الفتيــات منــذ ســن‬ ‫السادســة ـفـي ربــط فكــرة أن تكــون "ذك ًّيــا ذكا ًء حقيق ًّيــا" بالرجــال أكثــر مــن‬ ‫النســاء‪ .‬ويبــدأ الربــط بيــن الرجــال والــذكاء ـفـي الظهــور مــع بــدء االلتحــاق‬ ‫بالمدرســة‪ ،‬مــا يتــرك تأثيـرًا ع ـلـى بقيــة مراحــل التعليــم مــدى الحيــاة ‪ ،‬كمــا‬ ‫قــد يســهم ـفـي تفســير األســباب ال ـتـي تــؤدي المتنــاع المزيــد منهــن عــن‬ ‫متابعــة مســاراتهن التعليميــة ـفـي مجــاالت ذات صلــة بالعلــوم‪.‬‬ ‫ويشــير الباحثــون إـلـى أن هــذه الفكــرة تنشــأ غال ًبــا عنــد البنــات ـفـي‬ ‫ســن مبكــرة نتيجــة للمؤثــرات المجتمعيــة والثقافيــة المحيطــة‪" .‬ح ـتـى‬ ‫وإن بــدأ االختــاف صغي ـرًا‪ ،‬فإنــه قــد يأخــذ حجمً ــا أكبــر بكثيــر"‪ ،‬هكــذا‬ ‫علــق أســتاذ علــم النفــس بجامعــة نيويــورك‪ ،‬آندريــه ســمبيان‪ ،‬الباحــث‬ ‫سـي ـفـي الدراســة‪.‬‬ ‫الرئي ـ‬ ‫والكتشــاف األشــياء ال ـتـي ترتبــط بمفهــوم الــذكاء لــدى الصغــار‪ ،‬عـرَّض‬ ‫الباحثــون ‪ 200‬طفــل و‪ 200‬فتــاة‪ ،‬تتــراوح أعمارهــم بيــن ‪ 7-5‬ســنوات لسلســلة‬ ‫متنوعــة مــن التمرينــات‪ .‬أظهــرت النتائــج ـفـي بــادئ األمــر أن األوالد والفتيــات ـفـي ســن‬ ‫الخامســة يعتبــرون أن النــوع الــذي ينتمــون إليــه هــو َمــن يتمتــع بنســبة ذكاء أع ـلـى‪.‬‬ ‫ـفـي إحــدى التجــارب‪ ،‬اســتمع األطفــال إـلـى قصــة تحكــي عــن شــخص ـفـي غايــة‬ ‫الــذكاء دون تعريــف جنســه‪ ،‬ثــم ُعــرض علــى األطفــال أربــع صــور‪ ،‬اثنتــان لنســاء‬ ‫واثنتــان لرجــال‪ ،‬ثــم ُطلــب منهــم تخميــن بطــل القصــة‪ .‬اختــار األوالد صــورًا لرجــال‪،‬‬ ‫بينمــا اختــارت البنــات صــورًا لنســاء بنســب بلغــت ‪ %70‬ـفـي كل مجموعــة‪.‬‬ ‫وباالنتقــال لمجموعــة أخــرى مــن األطفــال ـفـي ســن السادســة‪ ،‬اســتمر األوالد ع ـلـى‬ ‫اختياراتهــم لصــورة الرجــل‪ ،‬أمــا البنــات فاختــار بعضهــن صــورة الرجــل كذلــك‪ ،‬إذ بلــغ‬ ‫ربــط الفتيــات بيــن الــذكاء والنســاء نســبة ‪ ،%48‬ـفـي حيــن ظــل األوالد يربطــون بيــن‬ ‫الــذكاء والرجــال بنســبة ‪.%65‬‬ ‫يفســر ســمبيان النتائــج بــأن "األطفــال الصغــار يميلــون إلــى أن الذكــور‬ ‫يتمتعــون غال ًبــا بالموهبــة والــذكاء الفطــري أكثــر مــن اإلنــاث‪ ،‬وـفـي المراحــل األوـلـى‬

‫العقل‬

‫مــن العمــر يمكــن للصــور النمطيــة المجتمعيــة أن تتســبب فــي التأثيــر فيمــا‬ ‫بعــد ع ـلـى المســار األكاديمــي والوظيفــي"‪ ،‬مشــددا ً ع ـلـى أن الفتيــات قــد يتجنبــن‬ ‫دراســة العلــوم والتكنولوجيــا والهندســة والرياضيــات‪ ،‬لعــدم ثقتهــن بدرجــة كافيــة‬ ‫بقدراتهــن العقليــة‪.‬‬ ‫يقــول أســتاذ علــم االجتمــاع بجامعــة القاهــرة‪ ،‬ســعيد المصــري إن "الطفــل‬ ‫يكتســب إدراكــه لهويتــه مبكــرًا جــ ًّدا وفــق التقســيم النوعــي لــأدوار وتحديــد مــا‬ ‫تقــوم بــه الفتــاة ومــا يتوجــب ع ـلـى الص ـبـي القيــام بــه بنــا ًء ع ـلـى موروثــات نكتســبها‬ ‫مــن التنشــئة والمجتمــع المحيــط‪ .‬وح ـتـى قبــل الميــاد‪ ،‬تبــدأ األســرة ـفـي االســتعداد‬ ‫للبنــت بــكل مــا هــو وردي‪ ،‬ناعــم وأنثــوي‪ ،‬أمــا الولــد فاالتجــاه يكــون تلقائ ًّيــا لــأزرق‬ ‫ولــكل مــا يعكــس القــوة والخشــونة‪ ،‬كمــا تتــم رعايــة الطفــل الح ًقــا بنفــس االعتبــارات‬ ‫ـفـي جميــع المراحــل العمريــة مــن جميــع الدوائــر المحيطــة كاألهــل والمدرســة ع ـلـى‬ ‫أســاس النــوع‪ ،‬فالولــد ال بــد أن يكــون جري ًئــا‪ ،‬أمــا البنــت فــا بــد أن تبقــى ناعمــة‬ ‫خجولــة‪ .‬ويتــم توجيــه طمــوح الولــد إـلـى النجــاح ـفـي الحيــاة العامــة‪ ،‬ألن دوره األول هــو‬ ‫العمــل وكســب المــال‪ ،‬أمــا البنــت‪ ،‬فهدفهــا ال بــد أن يكــون إســعاد اآلخريــن واكتســاب‬ ‫المهــارات الالزمــة لذلــك‪ ،‬فهــي ـفـي األســاس ســيدة منــزل وأم"‪.‬‬ ‫ووفــق نتائــج الدراســة فــإن البنــات َيعِي ـ َن ذلــك بالفطــرة عنــد ســن السادســة‪،‬‬ ‫بدايــة ســن اإلدراك‪ .‬ويشــدد المصــري ع ـلـى أن مــا يحــدث بعــد ذلــك هــو أن الفتــاة‬

‫غال ًبــا ال تقــاوم تلــك الفطــرة هربًــا مــن الضغــوط النفســية واالجتماعيــة‪ ،‬فح ـتـى إذا‬ ‫أرادت االختــاف‪ ،‬فهــي تمتثــل لألمــر الغالــب ـفـي النهايــة وتقمــع طبيعتهــا وتروِّضهــا‬ ‫لمــا يناســب الــدور الــذي رســمه لهــا المجتمــع‪.‬‬ ‫فيمــا يخــص الفــروق الفســيولوجية بيــن عقــل الرجــل وعقــل المــرأة‪ ،‬تنفــي إيمــان‬ ‫جابــر ‪-‬مديــر إدارة طــب نفــس األطفــال والمراهقيــن باألمانــة العامــة للصحــة النفســية‬ ‫وعــاج اإلدمــان‪ -‬وجــود مثــل هــذه الفــروق‪ ،‬وتشــرح أنــه مــن الناحيــة العلميــة ال فــرق‬ ‫ـفـي الــذكاء بيــن الجنســين‪ ،‬ع ـلـى الرغــم مــن أن عقــل المــرأة يختلــف تشــريحيًّا عــن‬ ‫عقــل الرجــل مــن حيــث الحجــم بحكــم اختــاف البنيــة الجســدية للجنســين‪ ،‬ومــن‬ ‫حيــث التكويــن الختــاف القــدرة المهاريــة لـ ٍّ‬ ‫ـكل منهمــا‪.‬‬ ‫وتتابــع جابــر قائلــة‪ :‬إن المهــارات اللغويــة واالســتدالل االســتقرائي ومواكبــة‬ ‫المواقــف المتغيــرة‪ ،‬ع ـلـى ســبيل المثــال‪ ،‬متقدمــة عنــد المــرأة‪ ،‬ـفـي مقابــل تطــور الــذكاء‬ ‫ً‬ ‫اختالفــا ـفـي مســتوى‬ ‫المكا ـنـي عنــد الرجــل‪ .‬وتؤكــد‪" :‬تبا ُيــن المهــارات ال يع ـنـي أن هنــاك‬ ‫الــذكاء بيــن الجنســين"‪.‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:30 PM‬‬

‫ ‪7‬‬

‫‪��� ����� ���� ������ ������_.indd 7‬‬


‫تقدم علمي‬

2017 ‫ أكتـوبـر‬ForScience.com  8

_p8-17_advances section.indd 8

10/10/17 12:32 PM


‫رســائل مــن على حدود العلــوم والتكنولوجيا والطب‬

‫تعـرف على‬

‫ •الوحدة الزمنية األصغر في الكون‬ ‫ •عصر اقتصاد الهيدروجين‬

‫ •شاشة قابلة للطي بدوالر‬ ‫ •قماش يبرد الجسم‬

‫ •جسيمات نانوية مضادة للسرطان‬

‫الفيزياء‬

‫القوة الكونية‬ ‫الخامسة تقلب‬ ‫حسابات العلماء‬

‫يرتكز النموذج القياسي للفيزياء على‬ ‫أن هناك أربع قوى أساسية تحكم‬ ‫الكون‪ ،‬فهل سيتغير هذا الفهم في‬ ‫المستقبل القريب؟‬ ‫لعقود طويلة‪ ،‬استقرت العقيدة العلمية عند‬ ‫علماء الفيزياء النظرية على وجود أربع قوى‬ ‫أساسية في الكون‪ ،‬يحكم العالقة بينها نموذج‬ ‫قياسي لطالما جاهد علماء الفيزياء على تطويره‬ ‫وتنقيحه من كل شائبة وعيب‪ ،‬غير أن ذلك‬ ‫النموذج أصبح مؤخرً ا في مهب ريح التغيير‪ ،‬فقد‬ ‫أسفرت تجربة جديدة عن نتائج ربما تعصف بفهمنا‬ ‫المعاصر للفيزياء الحديثة‪.‬‬ ‫ففي ورقة بحثية‪ ،‬نشرت في إبريل الماضي على‬ ‫موقع «أرخيف» الشهير‪ ،‬وتخضع في الوقت الحالي‬ ‫لمناقشة جادة من جانب المجتمع العلمي‪ ،‬أفادت‬ ‫مجموعة من العلماء بحصولها على أدلة تُ شير إلى‬ ‫وجود قوة خامسة في الكون‪.‬‬

‫نتائج صادمة‬

‫بدأت القصة قبل عام‪ ،‬وبالتحديد داخل أروقة‬ ‫معهد األبحاث النووية التابع لألكاديمية المجرية‬ ‫للعلوم‪ ،‬في أثناء تنفيذ تجربة اعتيادية تهدف إلى‬ ‫إماطة اللثام عن طبيعة المادة المظلمة في‬ ‫ً‬ ‫شذوذ في‬ ‫الكون‪ ،‬عندما عثر علماء الفيزياء على‬ ‫متوقعا‪.‬‬ ‫النتائج لم يكن‬ ‫ً‬ ‫بدأت التجربة بقذف ذرات الليثيوم‪ 7-‬بمجموعة‬ ‫من البروتونات‪ ،‬غير أن النتائج جاءت صادمة؛‬ ‫فعبر تحليل البيانات الناتجة عن عملية القذف‪ ،‬عثر‬ ‫العلماء المجريون على بوزون جديد –وهو نوع من‬ ‫الجسيمات األولية التي تُ كسب المادة كتلتها‪-‬‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:32 PM‬‬

‫ ‪9‬‬

‫‪_p8-17_advances section.indd 9‬‬


‫تقدم علمي‬ ‫وقالوا إن القياسات تُ فيد أنه أثقل من اإللكترون‬ ‫بنحو ‪ 32.7‬مرة «ما يعني وجود جسيم جديد‬ ‫وفيزياء جديدة غير معروفة» على حد قول الدكتور‬ ‫عادل عوض‪ ،‬أستاذ الفيزياء النظرية بالجامعة‬ ‫البريطانية وجامعة عين شمس‪.‬‬ ‫عاما‪ ،‬جمع الفلكيون‬ ‫فعلى مدى أكثر من ‪ً 80‬‬ ‫بانتظام أدلة غير مباشرة على وجود المادة‬ ‫المظلمة‪ ،‬والجميع تقريبً ا يتقبل ذلك على أنه‬ ‫حقيقة‪ .‬لكن األدلة العلمية ال تزال غير كافية؛ إذ‬ ‫إنه ال يمكن استبعاد البدائل بشكل حاسم‪ .‬كما‬ ‫أنه ال يتوفر لدينا الكثير عن خصائص هذه المادة‬ ‫المفترضة‪ .‬إن كل ما نعرفه بشكل جوهري هو أن‬ ‫ً‬ ‫ثقاليا‬ ‫موفرة مرتكزً ا‬ ‫معا‬ ‫ًّ‬ ‫المادة المظلمة تتكتل ً‬ ‫للمجرات وللبنى األكبر من قبيل تجمعات المجرات‪.‬‬ ‫لكن المؤكد تقريبً ا هو أنها تتكون من نوع من‬ ‫َ‬ ‫المكتشفة حتى اآلن‪،‬‬ ‫الجسيمات األولية غير‬ ‫وفق ما جاء في عدد مجلة العلوم الصادر في‬ ‫(أغسطس‪ /‬سبتمبر ‪.)2003‬‬ ‫انتهت التجربة‪ ،‬ونشر الفيزيائيون المجريون نتائجها‬ ‫«المبهمة» على منصة «أرخايف»‪ ،‬وساد الجدل‬ ‫األوساط العلمية‪ ،‬إذ قال البعض إن الجسيم الجديد‬ ‫ً‬ ‫مجموعة‬ ‫ربما يفسر ظاهرة المادة المظلمة‪ ،‬إال أن‬ ‫من العلماء األمريكيين قرروا دراسة حالة الشذوذ‬ ‫رأسا على عقب‪.‬‬ ‫ليخرجوا بنتائج قد تقلب علم الفيزياء ً‬ ‫لم يكن أي عالم يفيد باحتمالية أن يكون ذلك‬ ‫مسؤوال عن حمل أي قوة أساسية كونية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫البوزون‬ ‫إال أن الفريق العلمي األمريكي بقيادة أستاذ الفيزياء‬ ‫النظرية «جوناثان فينج» رأى احتمالية أن يكون ذلك‬ ‫ً‬ ‫مسؤول عن حمل قوة خامسة في الكون‪.‬‬ ‫الجسيم‬

‫قوة كونية خامسة‬

‫ويشير«فينج» إلى‬ ‫أن فريقه البحثي استعان‬ ‫بنتائج تجريبية قام‬ ‫بها الفريق المجري‪:‬‬ ‫«قمنا بتحليل البيانات‬ ‫فقط‪ ،‬لم نقم بإجراء‬ ‫التجربة بأنفسنا» غير‬ ‫أنه عاد وأكد أن إثبات‬ ‫وجود القوة الخامسة‬ ‫ً‬ ‫«سيصنع‬ ‫ثوريا في‬ ‫حراكا ًّ‬ ‫الفيزياء الحديثة‪ ،‬فسوف‬ ‫يتغير فهمنا للجسيمات‬ ‫والقوى األساسية‪ ،‬وقد‬ ‫يكون االكتشاف له‬ ‫عظيم األثر على فهم‬ ‫المادة المظلمة‪ ،‬التي‬ ‫ُتشكل ‪ %85‬من المادة‬ ‫بالكون»‪.‬‬

‫حتى اآلن‪ ،‬يقول العلماء إن هناك ‪ 4‬قوى‬ ‫أساسية في الكون‪ ،‬وهي‪ :‬القوى الكهرومغناطيسية‬ ‫التي تنشأ كنتيجة مباشرة لحركة الشحنات‪ ،‬والقوى‬ ‫النووية القوية المسؤولة عن الترابط بين البروتونات‬ ‫والنيوترونات داخل الذرة‪ ،‬والقوى النووية الضعيفة‬ ‫نشاطا‬ ‫ً‬ ‫التي تُ عطي‬ ‫إشعاعيا لنواة الذرة‪ ،‬واألخيرة هي‬ ‫ًّ‬ ‫قوة الجاذبية‪ ،‬والتي تعمل على نطاق الكتل‪ ،‬ووفق‬ ‫النموذج القياسي للفيزياء؛ فإن كل قوة من األربع‬ ‫حمل على جسيم معروف‪ ،‬فالنووية القوية تمثلها‬ ‫تُ ّ‬ ‫الجلونات‪ ،‬والنووية الضعيفة تمثلها البوزونات‪،‬‬ ‫والقوى المغناطيسية تمثلها الفوتونات المسؤولة‬ ‫بالتبعية عن نقل تلك القوة‪.‬‬

‫تعديالت جوهرية‬

‫إن تعديالت النموذج القياسي في الفيزياء‬ ‫النظرية لن تكون هي األثر الوحيد لوجود تلك‬ ‫القوة حال اكتشافها وإثباتها بالفعل‪ ،‬فستكون‬ ‫هناك تعديالت جوهرية على عالقات تلك القوة‬ ‫بالقوى األساسية األربع‪ ،‬ومدى تأثيرها في‬ ‫الكون من حولنا‪ ،‬ومدى تفاعل الجسيم الحديث‬ ‫ً‬ ‫مع الجسيمات المعروفة‬ ‫سابقا‪ ،‬وهو ما سيحدد‬ ‫قياسيا‬ ‫نموذجً ا‬ ‫جديدا‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫«إن االدعاءات الكبيرة تحتاج إلى أدلة ضخمة»‬ ‫يقول الدكتور محمد صبري يوسف‪ ،‬أستاذ الفيزياء‬ ‫الحيوية بجامعة إلينوي األمريكية‪ ،‬والمهتم‬ ‫بفلسفة العلوم‪ ،‬والذي يقلل من رصانة هذه‬ ‫التجربة كدليل قاطع على وجود تلك القوى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مضيفا أن علينا أن نتذكر الضجة التي صاحبت ادعاء‬

‫وجود جسيم له سرعة تفوق سرعة الضوء‪ ،‬والذي‬ ‫ثبت بعد ذلك خطؤه نتيجة قصور شديد في إجراء‬ ‫التجربة‪ .‬لذا يجب التمهل كثيرً ا قبل الحديث بشكل‬ ‫قاطع عن وجود "القوة الخامسة"‪.‬‬ ‫ويرى دون لينكولن ‪-‬عالم الفيزياء النظرية‬ ‫بمعهد فيرمالب األمريكي للطاقات العالية‪ -‬أن‬ ‫النظريات واالكتشافات التي تزعم وجود القوة‬ ‫الخامسة لها تاريخ متقلب‪ ،‬وتعود إلى عقود سابقة‪،‬‬ ‫«إال أنها تختفي بمجرد ظهور بيانات موثقة»‪ ،‬وفق‬ ‫تصريحه لـ«للعلم»‪ ،‬غير أنه يعود ويؤكد أن الفرضية‬ ‫الجديدة «ليست سخيفة على اإلطالق»‪ ،‬مشيرً ا‬ ‫إلى وجود عدد من‬ ‫األحاج ّي التي ال يُ مكن تفسيرها‬ ‫ِ‬ ‫بنظريات الفيزياء الحديثة‪ ،‬منها على سبيل المثال‬ ‫وجود المادة المظلمة‪« ،‬وبالتالي يحاول العلماء‬ ‫تفسير تلك األلغاز كل يوم» على حد قوله‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬هل يُ رجح لينكولن وجود القوة الخامسة؟‬ ‫سؤال يقول عالِ م الفيزياء إنه لن يستطيع اإلجابة‬ ‫عنه‪" ،‬في تلك الحالة البيانات هي الملك‪ ،‬وأفضل‬ ‫طريقة لتقدير صحة األمر هي االنتظار وإجراء‬ ‫تجارب موسعة"‪.‬‬ ‫—محمد منصور‬

‫)‪PRECEDING PAGES: NASA, ESA, S. BECKWITH (STSCI), AND THE HUBBLE HERITAGE TEAM (STSCI/AURA‬‬

‫حلل الفريق البحثي التابع لجامعة كاليفورنيا األمريكية‬ ‫برئاسة «فينج» النتائج التي توصل إليها الفريق‬ ‫المجري‪ .‬وعبر دراسة تحليلية وإحصائية‪ ،‬توصل إلى‬ ‫احتمالية يصفها «فينج» بـ«الثورية»؛ فالجسيم‬ ‫المكتشف يشبه الفوتونات لكنه يملك كُ تلة تُ عادل‬ ‫‪ %2‬من كتلة البروتون‪ ،‬ولم تصفه أي تجربة فيزيائية‬ ‫سابقة‪ ،‬كما كشفوا عن أن البيانات التي نشرها‬ ‫تأت من الفوتونات المظلمة أو‬ ‫الفريق المجري لم ِ‬ ‫حتى من جسيمات المادة االعتيادية المعروفة‪ ،‬لكن‬ ‫من بوزون يحمل قوة أساسية خامسة في الكون‪.‬‬ ‫القوة الخامسة إذا كانت موجودة بالفعل فهي‬ ‫جدا‪ ،‬إذ إن طاقتها لن تتعدى ‪ 17‬فيرمي‬ ‫ضعيفة ًّ‬ ‫– الفيرمي أعلى مستوى طاقة يشغلها إلكترون‬ ‫عند درجة الصفر المطلق‪ -‬حسب الدكتور «جوناثان‬ ‫فينج» الذي يقول في تصريحات لـ«للعلم» إن‬ ‫إثبات وجود القوة األساسية الخامسة في الكون‬ ‫ال يزال في حاجة إلى مزيد من التجارب بغرض دحض‬ ‫وجودها أو إثباته‪.‬‬ ‫ويشير«فينج» إلى أن فريقه البحثي استعان‬ ‫بنتائج تجريبية قام بها الفريق المجري‪« :‬قمنا بتحليل‬ ‫البيانات فقط‪ ،‬لم نقم بإجراء التجربة بأنفسنا» غير أنه‬

‫عاد وأكد أن إثبات وجود القوة الخامسة «سيصنع‬ ‫ثوريا في الفيزياء الحديثة‪ ،‬فسوف يتغير فهمنا‬ ‫حراكً ا ًّ‬ ‫للجسيمات والقوى األساسية‪ ،‬وقد يكون االكتشاف‬ ‫له عظيم األثر على فهم المادة المظلمة‪ ،‬التي‬ ‫تُ شكل ‪ %85‬من المادة بالكون»‪.‬‬

‫ويتساءل الدكتور عادل عوض ‪-‬أستاذ الفيزياء‬ ‫النظرية بالجامعة البريطانية وجامعة عين شمس‪-‬‬ ‫عما إذا كانت القوى األربع هي الوحيدة في الكون‪،‬‬ ‫ويجيب في اللحظة نفسها‪« :‬تجربة المجريين التي‬ ‫حلل نتائجها علماء أمريكان قد تكون بداية اكتشاف‬ ‫قوة جديدة كُ ًّليا»‪.‬‬ ‫يرى عوض أن هناك تجربتين أساسيتين ستحسمان‬ ‫إذا ما كانت القوة الخامسة موجودة بالفعل أم‬ ‫ال‪ ،‬األولى هي تجربة الضوء المظلم‪ ،‬والثانية تجربة‬ ‫التصادم الهيدروني التي سيتم إجراؤها في مركز‬ ‫الطاقة النووية األوروبي «سيرن»‪ .‬ويقول أستاذ‬ ‫الفيزياء إن كل االحتماالت مفتوحة‪ ،‬فربما يكون‬ ‫ً‬ ‫الجسيم مجرد بوزون إضافي تم اكتشافه‬ ‫حديثا‪،‬‬ ‫وربما يكون هذا الجسيم يحمل بالفعل قوة خامسة‬ ‫و«وقتها‪ ،‬سيتغير مفهومنا عن الفيزياء لألبد»‪.‬‬

‫‪ ForScience.com  10‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:32 PM‬‬

‫‪_p8-17_advances section.indd 10‬‬

‫‪09:56‬‬


Training in Scientific Writing and Publishing With Nature Masterclasses online and face-to-face training, researchers learn from Nature journal editors how to turn great science into great papers

Find out more at masterclasses.nature.com

E masterclasses@nature.com W masterclasses.nature.com Follow us on LinkedIn

7383_2016 Nature Masterclasses _p8-17_advances section.indd FP 11ad.indd 1

12/09/2016 09:56 PM 10/10/17 12:32


‫ﺗﻘﺪم ﻋﻠﻤﻲ‬

‫أحد األلكترونات أﺛناء هروبﻪ‬ ‫الفيزياء‬

‫رﺻﺪ الوحﺪة‬ ‫الﺰمﻨية اﻷﺻﻐﺮ‬ ‫ﻓﻲ الكون‬

‫فريق بحثي من معهد «ماكس‬ ‫بالنك» يتمكن للمرة األولى من‬ ‫رصد الزيبتوثانية‪ ،‬الوحدة الزمنية‬ ‫األصغر حتى اآلن‪ .‬تجارب الفريق‬ ‫األلماني تُ كمل الطريق الذي مهد‬ ‫له زويل وتفتح ً‬ ‫آفاقا جديدة في‬ ‫مجال العلوم ما دون الذرية‪.‬‬

‫‪MARCUS OSSIANDER AND MARTIN SCHULTZE/MPQ‬‬

‫تمكن علماء من معهد ماكس بالنك‬ ‫األلماني للبصريات من قياس الزمن الضﺌيل‬ ‫الالزم لهروب اإللكترون من الذرة‪ ،‬ليسجل‬ ‫بذلك العلماء وحدة زمنية جديدة ُأطلِ ق‬ ‫عليها الزيبتوثانية‪ ،‬تُ عد أصغر جزء من الوقت‬ ‫تم قياسه حتى اآلن‪ ،‬وهو األمر الذي من‬ ‫شأنه أن يسهم في تطوير أنظمة االتصاالت‬ ‫وعلوم األدوية والموصالت الفائقة والعديد‬ ‫من التطبيقات األخرى في المستقبل‪.‬‬ ‫واحدا على تريليون مليار‬ ‫وتساوي الزيبتوثانية‬ ‫ً‬

‫واحدا على مليون من الفيمتوثانية‪.‬‬ ‫من الثانية‪ ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫بدأت التجربة بإطالق حزم من أشعة الليزر على‬ ‫كامال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ذرة هيليوم؛ وقياس التأثير الكهروضوئي‬ ‫وتحليل البيانات المستقاة‪ ،‬وهو ما ﱠ‬ ‫مكن الفريق‬ ‫البحثي من قياس الوقت الذي يستغرقه اإللكترون‬ ‫المقيد حول‬ ‫لتغيير حالته الكمية‪،‬‬ ‫وتحوله من الدوران ُ‬ ‫ﱡ‬ ‫الذرة‪ ،‬في مدار محدد‪ ،‬إلى الحالة الحرة‪.‬‬ ‫ومن المعروف أن اإللكترونات تدور حول الذرة‬ ‫ً‬ ‫طبقا لطاقة كل إلكترون‪،‬‬ ‫في مدارات ُمحددة‬ ‫وحين يسقط الضوء على اإللكترونات‪ ،‬تكتسب‬ ‫طاقة إضافية‪ ،‬تُ مكنها من تغيير حالتها الكمية‪،‬‬ ‫واالنتقال إلى مستوى آخر‪ ،‬أو حتى قد تترك الذرة‬ ‫تماما‪ ،‬وهو ما يُ عرف بظاهرة التأثير الكهروضوئي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويعلم العلماء على وجه الدقة كمية الطاقة‬ ‫الالزمة ليُ غير اإللكترون حالته الكمية‪ ،‬إال أنهم‬ ‫لم يتمكنوا من دراسة ما يحدث في أثناء عملية‬ ‫االنتقال‪ ،‬والزمن الذي تستغرقه‪ .‬واآلن؛ وبفضل‬ ‫أبحاث فريق معهد ماكس بالنك األلماني‬ ‫للبصريات‪ ،‬أصبح العلماء قادرين على رؤية عملية‬ ‫هروب اإللكترون وتسجيلها‪ ،‬وقياس مدتها‬ ‫الزمنية‪ ،‬وما يحدث بدقة خاللها قبل أن يترك‬ ‫اإللكترون ذرته‪.‬‬ ‫"استخدمنا مصدرين منفصلين يبعثان شعاعي‬ ‫ليزر ُمسلطين على ذرة هيليوم وينبضان لفترات‬ ‫قصيرة ال تتجاوز ‪ 200‬أتوثانية"‪ ،‬يقول ماركوس‬ ‫أوسيندر‪ ،‬الباحث بمعهد ماكس بالنك‪ ،‬لـ«للعلم»‪،‬‬ ‫مستطردا‪" :‬استطعنا أن نقيس الوقت الالزم لتغيير‬ ‫ً‬ ‫اإللكترون لحالته الكمية‪ ،‬وهو أصغر وحدة زمنية تم‬

‫‪ ForScience.com 12‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:32 PM‬‬

‫‪_p8-17_advances section.indd 12‬‬


‫قياسها حتى اآلن على اإلطالق"‪.‬‬ ‫استخدم علماء معهد ماكس بالنك ذرة‬ ‫الهيليوم إلجراء تجاربهم عليها‪ ،‬إذ تتميز ذرة‬ ‫الهيليوم بوجود إلكترونين فقط بها‪ ،‬ما يجعل‬ ‫مراقبة ما يحدث غير معقدة‪ ،‬وفق الدكتور أحمد‬ ‫عبد العليم‪ ،‬أستاذ الفيزياء المساعد بجامعتي زويل‬ ‫جديدا بامتياز"‪.‬‬ ‫وحلوان‪ ،‬والذي يعتبر التجربة "فتحً ا‬ ‫ً‬ ‫عندما تسقط جسيمات الضوء –المعروفة‬ ‫بالفوتونات‪ -‬على الذرة‪ ،‬تنبعث اإللكترونات منها‬ ‫كنتيجة مباشرة الكتساب الطاقة من الضوء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ووفقا لنظرية الكم؛ فإن تلك الطاقة إما أن يتم‬

‫استيعابها بالكامل من ِقبَ ل إلكترون واحد‪ ،‬أو‬ ‫تُ قسم على عدد من اإللكترونات‪.‬‬ ‫ومنذ أن وضع بيكريل التفسير األول لظاهرة‬ ‫النشاط اإلشعاعي‪ ،‬حاول العلماء تفسير الظاهرة‪.‬‬ ‫ففي بدايات القرن العشرين‪ ،‬الحﻆ العالِ م فرانك‬ ‫هيرتز أن سقوط الضوء على سطح معدني يُ حرر‬ ‫مجموعة من اإللكترونات‪ ،‬وقتها؛ قال إن النتائج‬ ‫التي توصل إليها ال يُ مكن تفسيرها ضمن قوانين‬ ‫الفيزياء الكالسيكية‪ ،‬والتي تقول إن للضوء طبيعة‬ ‫موجية وإنه ال يحمل أي طاقة‪ .‬تبنى آينشتاين‬ ‫ً‬ ‫مخالفا‪ ،‬إذ قال إن الضوء عبارة عن جسيمات‬ ‫رأيً ا‬

‫الطاقة‬

‫ﻋﺼﺮ اﻗﺘﺼاد‬ ‫الﻬيﺪروﺟيﻦ‬

‫هناك بالفعل طريقة الستخالص‬ ‫غاز الهيدروجين باستخدام الطاقة‬ ‫الشمسية‪ ،‬لكن العلماء يتوصلون‬ ‫إلى آلية جديدة من شأنها أن تجعل‬ ‫هذه العملية مستدامة‪.‬‬ ‫حاليا في تكرير النفط‬ ‫ُيستعمﻞ الهيدروجين ًّ‬ ‫الخام وصناعة األمونيا ‪-‬أحد المكونات الرئيسية‬ ‫في صناعة األسمدة الزراعية‪ .‬كما يتمتع بأهمية‬ ‫كبيرة كمادة خام أساسية في إنتاج الطاقة‬ ‫الكهربائية الصديقة للبيﺌة المتولدة من مصادر‬ ‫طبيعية‪ ،‬وكأحد عناصر خاليا الوقود الصديقة للبيﺌة‬ ‫التي تُ ستخدم في تشغيل السيارات والشاحنات‪.‬‬ ‫إال أن الطريقة المعتادة إلنتاج الهيدروجين تتم‬ ‫عبر تسخين الغاز الطبيعي بالبخار‪ ،‬تلك العملية‬ ‫التي يترتب عليها انبعاث غازات االحتباس الحراري‬ ‫وغيرها من المشكالت البيﺌية‪ ،‬مما جعل العلماء‬ ‫يحرصون على ابتكار عملية بديلة تعتمد على أحد‬ ‫مصادر الطاقة المتجددة‪ .‬وبالفعل جرى اإلعالن‬ ‫عن اكتشاف هذه القفزة العلمية المهمة في‬

‫‪Illustration by Thomas Fuchs‬‬

‫‪10/10/17 12:32 PM‬‬

‫تصوير التفاعالت الكيميائية على مستوى الجزيﺌات‬ ‫بتقنية الفيمتوثانية‪ ،‬مشيرً ا إلى أن تجارب الفريق‬ ‫األلماني "تُ كمل الطريق الذي مهد له زويل‪ ،‬وتفتح‬ ‫ً‬ ‫آفاقا جديدة في مجال العلوم ما دون الذرية"‪.‬‬

‫لها طاقة أطلق عليها اسم «الفوتونات»‪ ،‬وأثبت‬ ‫أن سقوط الضوء على سطح من المعدن يُ حرر‬ ‫مجموعة من اإللكترونات إذا ما كانت طاقة‬ ‫الفوتونات أكبر من الطاقة الالزمة لفك االرتباط‬ ‫بين اإللكترون وذرته‪ ،‬تلك هي النظرية المعروفة‬ ‫بنظرية آينشتاين للتأثير الكهروضوئي‪ ،‬وهي ما أهله‬ ‫للحصول على جائزة نوبل‪ ،‬ثم جاء العالِ م دي برولي‬ ‫ليقول إن للضوء «طبيعة مزدوجة»؛ إذ يسلك‬ ‫سلوك الموجات تحت ظروف معينة ويسلك‬ ‫سلوك الجسيمات في ظروف أخرى‪.‬‬ ‫طيلة األعوام الماضية‪ ،‬كان أمام العلماء‬ ‫عائق كبير‪ ،‬يتمثل في معرفة كيفية استيعاب‬ ‫إلكترون واحد لطاقة الجسيمات الضوئية أو كيفية‬ ‫تقسيم تلك الطاقة على عدد من اإللكترونات‪،‬‬ ‫ولم يتمكن أحد من معرفة ما يكفي من التفاصيل‬ ‫لدراسة ذلك األمر‪ ،‬إذ إن عملية امتصاص الطاقة‬ ‫تحدث بسرعة كبيرة‪ ،‬وانبعاث اإللكترونات من‬ ‫الذرة ال يستغرق أكثر من ‪ 15‬أتوثانية (األتوثانية‬ ‫هي ‪ 1‬على تريليون من الثانية)‪.‬‬ ‫يتذكر عبد العليم الضجة التي صاحبت ﱡ‬ ‫تمكن‬ ‫العالِ م المصري الراحل أحمد زويل‪ ،‬والحائز على جائزة‬ ‫نوبل في الكيمياء‪ ،‬من ابتكار كاميرا قادرة على‬

‫تُ عد تلك التجرية "األولى من نوعها" لقياس ما‬ ‫يحدث على مستوى الذرات‪ ،‬وكيفية توزيع الطاقة‬ ‫المستمدة من فوتونات الضوء على اإللكترونات‪،‬‬ ‫فقد أثبت العلماء أن هناك احتمالين فقط لتوزيع‬ ‫طاقة الفوتونات على اإللكترونات‪ :‬إما أن يمتصها‬ ‫إلكترون واحد فقط‪ ،‬وإما أن تتوزع على أكثر من‬ ‫ً‬ ‫ووفقا للدكتور أحمد عبد المنعم "يحتاج‬ ‫إلكترون‪،‬‬ ‫علماء ماكس بالنك إلى تطوير التجربة لمعرفة‬ ‫متى يمتص اإللكترون الطاقة كاملة ومتى تتوزع‬ ‫الطاقة بين اإللكترونات"‪.‬‬ ‫ووفق عبد العليم فإن دقة الزمن الذي رصده‬ ‫علماء معهد ماكس بالنك –والمساوية لواحد‬ ‫على مليون من الفيمتوثانية‪ -‬ستُ ﱢ‬ ‫مكن علماء‬ ‫الفيزياء البيولوجية والحيوية من رصد التفاعالت‬ ‫التي تحدث على مستوى الذرات‪ ،‬األمر الذي سيغير‬ ‫من مستقبل صناعات مثل األدوية والموصالت‬ ‫الفائقة وعدد مهول من التطبيقات األخرى‪.‬‬ ‫—محمد منصور‬

‫بحث نُ شر مؤخرً ا في دورية "‪"Nature Energy‬‬ ‫المتخصصة في الطاقة‪.‬‬ ‫تعتمد الطريقة الجديدة على أداة‬ ‫ضوئية كهروكيميائية‪ ،‬وهي عبارة عن‬ ‫نوع من الخاليا الشمسية‪ ،‬لها القدرة‬ ‫على تكسير جزيﺌات المياه بكفاءة أكبر‬ ‫من غيرها‪ .‬ولطالما حاول العلماء ابتكار‬ ‫أداة ضوئية كهروكيميائية تجمع بين‬ ‫الكفاءة والعمر الطويل مما يجعلها‬ ‫ُمجدية التكلفة‪ .‬كانت بداية التطورات‬ ‫صمم عالِ م‬ ‫عاما عندما ّ‬ ‫الكبيرة قبل ‪ً 18‬‬ ‫الكيمياء الكهربائية بالمختبر الوطني للطاقة‬ ‫المتجددة بالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬جون‬ ‫تيرنر‪ ،‬خلية شمسية تتألف من طبقات من مادتين‬ ‫شبه موصلتين هما فوسفيد إنديوم جاليوم‪،‬‬ ‫وزرنيخيد الجاليوم‪ ،‬اللتين من شأنهما تحويل‬ ‫ضوء الشمس إلى كهرباء بكفاءة عالية مقارنة‬ ‫بالخيارات األخرى‪.‬‬ ‫وقد حقق تصميم تيرنر الرقم القياسي ألعلى‬ ‫كفاءة في تحويل الطاقة الشمسية إلى هيدروجين‬ ‫حتى عام ‪ .2015‬إال أن المحلول الحمضي الذي‬ ‫كانت الخلية تتعرض له في أثناء تشغيلها سرعان ما‬ ‫كان يتسبب في تلفها‪ ،‬مما يجعل الهيدروجين التي‬ ‫ً‬ ‫مكلفا للغاية‪.‬‬ ‫تنتجه‬ ‫في التصميم الجديد للخلية الشمسية‪ ،‬أضاف‬ ‫الباحثون ‪-‬بقيادة الكيميائي جينج جو‪ ،‬من جامعة‬ ‫ً‬ ‫أغلفة إلى الطبقات شبه‬ ‫والية سان دييجو‪-‬‬

‫الموصلة‪ ،‬بحيث تحميها من التﺂكل الحمضي‪ .‬وقد‬ ‫أسهمت هذه األغلفة بشكل كبير في إطالة عمر‬ ‫خلية تيرنر عالية الكفاءة‪ ،‬وأصبحت هناك أداة‬ ‫ضوئية كهروكيميائية تستطيع الحفاظ على ‪%80‬‬ ‫من إمكانياتها وقدراتها خالل اختبارات التحمل‪ .‬قد‬ ‫ال يبدو اقتصاد الهيدروجين ‪-‬الذي يستطيع فيه‬ ‫المستهلكون صناعة ما يحتاجون من هيدروجين‬ ‫بأنفسهم لتشغيل سياراتهم وتدفﺌة منازلهم‬ ‫أو تبريدها‪ -‬وشيكً ا‪ ،‬لكن على األقل هذا االبتكار‬ ‫الهندسي يجعل هذا المستقبل أقرب إلى الحقيقة‬ ‫منه إلى الحلم المثالي بعيد المنال‪.‬‬ ‫—مﻴﻠﻴﺴﺎ ﺳﻲ‪ .‬ﻟوت‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪13‬‬

‫‪_p8-17_advances section.indd 13‬‬


‫ﺗﻘﺪم ﻋﻠﻤﻲ‬ ‫التكنولوجيا‬

‫ﺷاﺷة ﺷﻔاﻓة‬ ‫ﻗابلة للﻄﻲ بﺪوﻻر‬ ‫واحﺪ‬

‫باحثون كنديون يبتكرون شاشة‬ ‫مصنوعة من مادة حساسة ومرنة‬ ‫ﱢ‬ ‫يمكننا من‬ ‫وقابلة للطي والشد‪ ،‬بما‬ ‫كور الهاتف الذكي أو الكمبيوتر‬ ‫أن ُن ﱢ‬ ‫اللوحي ببساطة لنضعهما في‬ ‫الجيب الخلفي للبنطال‪ ،‬دون الخشية‬ ‫عليه من الكسر‪.‬‬ ‫ال أحد يرﻏﺐ أن يمر بتجربة تحطم شاشة هاتفه‬ ‫الجوال‪ ،‬ما قد يضطره إلى تحمل تكلفة تغييرها‬ ‫أو تشغيل جهازه عبر الضغط بأصابعه على الزجاج‬ ‫المتشظي لجهازه‪ .‬فقد باتت الشاشات مكونً ا‬ ‫أساسيا في أغلب األجهزة التي نستخدمها‪ ،‬بداية من‬ ‫ًّ‬ ‫الرفيق األقرب ألكثر من نصف سكان األرض "الهاتف‬

‫المحمول"‪ ،‬وحتى أجهزة الكمبيوتر والساعات وغيرها‬ ‫من األجهزة‪ .‬وتظل المشكالت األكبر أمام الشركات‬ ‫المعنية بصناعة الشاشات في العالم هي خدوش‬ ‫الشاشات وتهشمها ودوام فاعلية خاصية اللمس‪.‬‬ ‫وربما هذا ما دفع باحثين كنديين بجامعة‬ ‫"بريتﺶ كولومبيا ‪ "UBC‬بكندا إلى العمل على‬ ‫ابتكار شاشة مصنوعة من مادة حساسة‪ ،‬مرنة‬ ‫ﱢ‬ ‫كور الهاتف‬ ‫وقابلة للطي والشد‪ ،‬بما‬ ‫يمكننا من أن نُ ﱢ‬ ‫الذكي أو الكمبيوتر اللوحي ببساطة لنضعهما في‬ ‫الجيب الخلفي للبنطال‪ ،‬عندما ال تكون هناك حاجة‬

‫الستخدامه‪ ،‬دون الخشية عليه من الكسر‪ .‬كما‬ ‫تتيح هذه التقنية الجديدة ارتداء أجهزة االستشعار‬ ‫المصممة ألغراض صحية‪adaptive health sen-‬‬ ‫‪ sors‬التي تتكيف مع أجسادنا‪ ،‬وكأنها جلد اصطناعي‪.‬‬ ‫ُصنعت الشاشة الجديدة من مادة من "الجيل"‬ ‫المعالج‪ ،‬ذي القدرة الفائقة على توصيل الكهرباء‬ ‫ووضعت بين طبقتين من‬ ‫وامتصاص الضوء‪ُ ،‬‬ ‫السيليكون‪ً .‬إذا الشاشة الجديدة مكونة من ثالث‬ ‫طبقات‪ ،‬وجميع أجزائها مرنة وقابلة للطي في أي‬ ‫اتجاه‪ ،‬وفق ما نشره موقع ‪ ScienceAlert‬األمريكي‬ ‫المتخصص في األخبار العلمية‪ .‬يعرض الفيديو التالي‬ ‫النموذج األول لالبتكار الجديد‪.‬‬

‫كﻞ المميزات في واحدة‬

‫حاليا شاشات بتنقية ‪ 3D Touch‬ابتكرتها شركة‬ ‫توجد ًّ‬ ‫أبل ومتاحة في أجهزة آيفون ‪ ،6s‬وتتيح استشعار‬ ‫لمسة األصبع بمستويات مختلفة‪ ،‬وتجعل المستخدم‬ ‫يشعر بأثر ضغطته على الشاشة؛ كما ابتكرت‬ ‫سامسونجخاصية مشابهة ‪ AirViews‬تتيح التحكم في‬ ‫الشاشة بمرور خفيف على سطحها دون ضغط‪ ،‬وهناك‬ ‫ابتكارات عديدة أخرى تتعلق بالشاشات الشفافة أو‬ ‫المرنة‪ ،‬مثل ابتكار ‪ Fold Paper‬الذي قدمه قبل ثالثة‬ ‫أعوام مختبر اإلعالم اإلنساني بجامعة "كوينز" الكندية‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ .‬فما الجديد في ابتكار جامعة "بريتﺶ كولومبيا"‬

‫‪ gel electrodes‬المتضمنة في طبقات السيليكون‪،‬‬ ‫تولد ً‬ ‫بحيث ﱢ‬ ‫كهربائيا حول أجهزة االستشعار‪.‬‬ ‫حقال‬ ‫ًّ‬

‫‪CLARE KIERNAN, UNIVERSITY OF BRITISH COLUMBIA.‬‬

‫‪NEW ON EKB‬‬

‫الذي تم تمويله من ِقبَ ل مجلس العلوم الطبيعية‬ ‫والبحوث الهندسية في كندا؟‬ ‫يقول ميرزا ساكيوب سروار ‪Mirza Saquib Sar-‬‬ ‫‪ war‬قائد الفريق البحثي للمشروع‪" :‬ابتكارنا هو األول‬ ‫من نوعه في العالم الذي يجمع كل هذه التقنيات‬ ‫في شاشة واحدة‪ ،‬لديها خواص‪ :‬اللمس‪ ،‬والشفافية‪،‬‬ ‫والقابلية للطي‪ ،‬والتمدد"‪.‬‬ ‫لقد أصبح ً‬ ‫شيﺌا شبه عادي لو قررنا صنع جهاز طيع‬ ‫‪ malleable device‬يمكنه تسجيل اتصال باللمس‬ ‫على الرغم من كونه في حالة تشوه‪ ،‬لكن التحدي‬ ‫األكبر هو جعل نفس المادة قادرة على تعيين األصابع‬ ‫التي ليست حتى على اتصال مع الجهاز‪ .‬ولجعل هذا‬ ‫ممكنً ا‪ ،‬استخدم الفريق أقطاب الهيدروجيل ‪hydro-‬‬

‫‪ ForScience.com 14‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:32 PM‬‬

‫‪_p8-17_advances section.indd 14‬‬


‫ﺗﻘﺪم ﻋﻠﻤﻲ‬ ‫مكنت األقطاب أجهزة االستشعار من تسجيل أصابع‬ ‫تحوم على بُ عد بضعة سنتيمترات فوق المادة‪ ،‬لتنفيذ‬ ‫ما يشبه اللمسة االفتراضية ‪.virtual touch‬‬ ‫استغرق العمل في االبتكار الجديد حوالي عام‬ ‫ونصف تقريبً ا‪ ،‬وتم تصنيع نسخة تجريبية بمساحة ‪5‬‬ ‫سم‪ ،2‬ويضيف سروار‪" :‬الخطوة التالية صناعة تجارب‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‬ ‫بأحجام أكبر لشاشات الهواتف أو شاشات أكبر‪،‬‬ ‫سنجرب األمر على تطبيقات عديدة تخص األجهزة‬ ‫القابلة لالرتداء ‪ Wearable Devices‬حتى تصبح أشبه‬ ‫بالجلد البشري ويتيسر استخدامها"‪.‬‬

‫االستغالل التجاري‬

‫حاليا علوم الكمبيوتر والهندسة‬ ‫ويدرس ميرزا سروار ًّ‬ ‫الكهربائية بجامعة بريتﺶ كولومبيا‪ ،‬وعمل في فترة‬ ‫مهندس برمجيات بشركة سامسونج‬ ‫سابقة من حياته‬ ‫َ‬ ‫في بنجالديﺶ‪ .‬ومؤخرً ا‪ ،‬أثار ابتكاره لشاشة مرنة‬ ‫مصنوعة من الجل والسيليكون ردود فعل كبيرة عقب‬ ‫نشر ورقة بحثية عنه‪ ،‬منتصف مارس ‪ 2017‬في دورية‬ ‫‪ Science Advances‬وهي أحد اإلصدارات العلمية‬ ‫المتخصصة المعتمدة‪ .‬ورفض سروار التعليق على‬ ‫الجانب التجاري الستغالل الفكرة‪ً ،‬‬ ‫قائال‪" :‬هناك تعاقد‬ ‫بين الجامعة وإحدى الشركات‪ ،‬وال يمكنني الحديث‬ ‫في هذه التفاصيل اآلن"‪.‬‬

‫ندرة مادة اﻹنديوم‬

‫تحتاج الشاشات الحالية في عملها إلى غرفة كبيرة‬ ‫معقمة بصورة محكمة‪ ،‬وأنظمة ترسيب بخار‪Physical‬‬ ‫‪ Vapor Deposition‬وتجهيزات ضخمة تكلف الماليين‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى ندرة الخامات األولية المعتمدة على مادة‬ ‫"اإلنديوم" التي تكون مع القصدير المؤكسد ‪Indium‬‬ ‫‪ Tin Oxide‬الطبقة الرئيسية لشاشات ‪ LCD‬األكثر انتشارً ا‬ ‫في العالم؛ وتشير دراسات عدة إلى أن "اإلنديوم" من‬ ‫المصادر الطبيعية اآلخذة في االندثار؛ وحذرت مفوضية‬ ‫االتحاد األوروبي منتصف العام الماضي من ذلك‪ ،‬ودعت‬ ‫إلى إعادة تدوير الشاشات القديمة‪ ،‬وابتكار بدائل‪.‬‬ ‫يقارن سروار بين التجهيزات التي تتطلبها الشاشة‬ ‫القديمة وتلك التي ابتكرها فريقه‪ ،‬فيقول‪" :‬نستخدم‬ ‫مواد متوفرة على نطاق واسع‪ ،‬والتصنيع يحتاج إلى‬ ‫مساحة كمساحة مطبخ بها تجهيزات متقدمة‪ ،‬ويمكن‬ ‫تصنيع شاشة بحجم الغرفة‪ ،‬وتكلفة المتر الواحد‬ ‫ستكون في حدود دوالر واحد تقريبً ا"‪.‬‬ ‫ولكن ما موقف الشاشة الجديدة التي ابتكرتها‬ ‫جامعة "بريتﺶ كولمبيا" من ناحية جودة الصورة‬ ‫واستهالك الطاقة‪ .‬يشكك الدكتور ياسر عبد الباري‬ ‫مسؤول المبادرات اإللكترونية بهيﺌة تنمية صناعة‬‫تكنولوجيا المعلومات بمصر‪ -‬في قدرة االبتكار الجديد‬ ‫فيما يتعلق بجودة الصورة‪ ،‬وحساسية اللمس؛ نظرً ا‬ ‫لطبيعة المادة المستخدمة‪.‬‬ ‫ويعلق دكتور سروار على دقة خاصية اللمس‪،‬‬ ‫بقوله‪" :‬المقارنة في حساسية تقنية اللمس ستكون‬ ‫في صالح الشاشات التقليدية ‪ ، LCD‬أو الحديثة من‬ ‫نوعية ‪."OLED‬‬

‫وتبلﻎ سرعة استجابة شاشات ‪ OLED‬التي تقف‬ ‫وراء الثورة الحالية في صناعة الشاشات في العالم‬ ‫لدقتها ونحافتها وقلة استهالكها للطاقة‪ -‬ما يصل‬‫إلى ‪ 0.01‬ميلي في الثانية‪ ،‬في حين أن استجابة‬ ‫شاشات ‪LCD‬تصل إلى ‪ 1‬ميلي في الثانية‪ .‬ويرى الباحث‬ ‫بجامعة ‪ UBC‬أن معدل استهالك الطاقة متقارب؛‬ ‫"ألن كلتا التقنيتين تستخدم نفس معدل قراءات‬ ‫الدوائر الكهربائية"‪.‬‬ ‫وتقاس سرعة االستجابة بالملي ثانية‪ ،‬وعندما‬ ‫تكون االستجابة بطيﺌة تكون الشاشة عاجزة عن‬ ‫مجاراة المشاهد السريعة كأفالم الحركة ً‬ ‫مثال وتحدث‬ ‫انفصاالت للمشهد وتوقفات للصورة‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بجودة الصورة لالبتكار الجديد‪،‬‬ ‫فالقطعة التي تم تصنيعها حققت جودة تمثل ‪1mm‬‬ ‫مليمتر بيكسل‪ ،‬وهو ما يتسق مع الحد األدنى لمعايير‬ ‫الصناعة على حد قول سروار‪ ،‬ويضيف‪" :‬نسعى لنصل‬ ‫إلى ‪ ."4mm‬وهذا يعنى أن عنصر جودة الصورة‬ ‫سيكون في صالح شاشات ‪ OLED‬التي تصل جودتها‬ ‫إلى أكثر من ‪.20mm‬‬ ‫يقول سروار‪" :‬هذه أول شاشة من نوعها في‬ ‫العالم يمكن طيها وتظل خاصية اللمس فيها‬ ‫مفعلة‪ ،‬كما أن مرونتها تفتح المجال لعشرات‬ ‫التطبيقات الجديدة"‪.‬‬

‫مﺸكلة الﺸاشات المزمنة‬

‫عاما عمل سامح الجمل في مجال صيانة‬ ‫ألكثر من ‪ً 15‬‬ ‫أجهزة الهواتف الذكية في مصر والمنطقة العربية‪،‬‬ ‫ويأمل أن يقدم االبتكار ًّ‬ ‫حال لمشكالت الشاشات‬ ‫المتكررة‪ ،‬ويقول‪" :‬البطاريات والشاشات يمثالن‬ ‫المشكلة األكبر لصناعة الهواتف الذكية‪ ،‬وأغلب‬ ‫األعطال منهما"‪ .‬ويعتقد الجمل أن هذا يحد بصورة‬ ‫كبيرة من تطور صناعة اإلليكترونيات بشكل عام‪،‬‬ ‫واألجهزة المعتمدة على الشاشات بشكل خاصة‪.‬‬ ‫ورفض الجمل التعليق على الجوانب األخرى‬ ‫المتعلقة باالبتكار الجديد من ناحية تسويقه وقبول‬ ‫المستخدمين له‪ ،‬وذلك قبل أن يتاح في إطار تجاري‪،‬‬ ‫ويقول‪" :‬هذا النوع من الشاشات له استخدامات‬ ‫متعددة‪ ،‬وربما تكون فوائده األكبر أبعد من فكرة‬ ‫الهواتف الذكية"‪.‬‬ ‫ويرى جون مادن ‪-‬المشرف على البحث العلمي‪،‬‬ ‫واألستاذ في كلية العلوم التطبيقية بجامعة ‪ -UBC‬أن‬ ‫فرصا لدمج أجهزة‬ ‫هذه الشاشات المبتكرة قد توفر ً‬ ‫االستشعار في "جسم" الروبوت لجعل التفاعالت بين‬ ‫اإلنسان والروبوت أكثر أمانً ا‪.‬‬ ‫وتحذر أغلب إرشادات االستخدام التي تأتي مع‬ ‫أجهزة الروبوتات من احتمالية وجود خطر على اإلنسان‬ ‫جراء االحتكاك المباشر‪ ،‬نظرً ا للطبيعة الصلبة التي تُ صنع‬ ‫ﱠ‬ ‫منها تلك األجهزة‪ ،‬ويقول دكتور مادن‪" :‬باستخدام هذا‬ ‫االبتكار يمكن أن يحدث تفاعل مباشر بين البشر واألجهزة‬ ‫اآللية دون حدوث ضرر‪ ،‬ويمكننا تبادل األدوات بأمان‬ ‫معها‪ ،‬وكذلك التقاط األشياء دون اإلضرار بها"‪.‬‬ ‫—خالد البرماوي‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:32 PM‬‬

‫‪15‬‬

‫‪_p8-17_advances section.indd 15‬‬


‫تكنولوجيا‬

‫ﻗماش مﺼﻨوع مﻦ‬ ‫مادة تﺼﻨيﻊ بﻄارﻳات‬ ‫ﻳﺒ ﱢﺮد الﺠسﻢ‬ ‫قماش نانوي المسام بإمكانه‬ ‫خفض درجة حرارة جسم اإلنسان‪،‬‬ ‫ومن َثم ﱢ‬ ‫يقلص الحاجة إلى استخدام‬ ‫مكيفات الهواء‪.‬‬

‫كلما اشتد الﺤَ ر في العالم‪ ،‬ازداد عدد األشخاص‬ ‫الذين يلجؤون إلى استخدام مكيفات الهواء‪ .‬ولكن‬ ‫تبريد الهواء يتطلب طاقة‪ ،‬تؤدي بدورها إلى انبعاث‬ ‫غازات الدفيﺌة‪ .‬وفي الواليات المتحدة‪ ،‬تُ طلق‬ ‫مكيفات الهواء أكثر من ‪ 100‬مليون طن متري من‬ ‫سنويا‪.‬‬ ‫غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو‬ ‫ًّ‬ ‫لذا يريد يي تْ ُسوي ‪-‬أستاذ علم المواد‬ ‫والهندسة بجامعة ستانفورد‪ -‬أن يساعد الناس على‬ ‫تخفيف وطأة الحرارة وتبريد أجسادهم بواسطة‬ ‫المالبس ً‬ ‫بدال من استخدام مكيفات الهواء‪ .‬لكن‬ ‫حتى المالبس الخفيفة المصنوعة من القماش‬ ‫القطني تمتص األشعة تحت الحمراء التي تُ صدرها‬ ‫أجسامنا وتحتجز الحرارة‪ .‬وقد وجد تْ ُسوي وفريقه‬ ‫أن مادة تسمى البولي إيثيلين نانوي المسام ‪-‬التي‬ ‫تُ ستعمل في بطاريات الليثيوم أيون‪ -‬تدع اإلشعاع‬ ‫بعيدا عن الجسم‪ .‬وعلى عكس المالبس‬ ‫يخرج‬ ‫ً‬ ‫التعرق لتبريد‬ ‫الرياضية المتطورة‪ ،‬التي تعتمد على‬ ‫ﱡ‬ ‫مرتديها‪ ،‬فإن البولي إيثيلين نانوي المسام يعمل‬ ‫تعرق‪.‬‬ ‫دون الحاجة إلى ﱡ‬ ‫يأتي البولي إيثيلين نانوي المسام ‪ -‬الذي‬ ‫يساوي سعره سعر القماش القطني تقريبً ا ‪ -‬على‬ ‫شكل طبقات رقيقة ﱠ‬ ‫مثقبة بمسام متصلة فيما‬

‫‪ ForScience.com 16‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:32 PM‬‬

‫بينها تتراوح أقطارها بين ‪ 50‬و‪ 1000‬نانومتر‪.‬‬ ‫والمسام التي بهذا الحجم تدع األشعة تحت الحمراء‬ ‫تشتت الضوء المرئي‪ ،‬مما يجعل المادة‬ ‫تخرج بينما ﱢ‬ ‫معتمة غير شفافة (يتصف البولي إيثيلين العادي‬ ‫بأنه شفاف‪ ،‬وهذا بمنزلة عيب بارز بالنسبة ألقمشة‬ ‫المالبس)‪ .‬وتبدو طبقة البولي إيثيلين نانوي المسام‬ ‫كقطعة من البالستيك الضعيف ال تصلح أن تكون‬ ‫أقمشة مالبس‪ .‬لكن تْ ُسوي وفريقه نجحوا في‬ ‫تحويلها إلى مادة نسيج مقبولة‪ ،‬وذلك بطالئها‬ ‫بمادة كيميائية تمتص الماء‪ ،‬وبوضع طبقة من‬ ‫شبكة قطنية بين طبقتين من البولي إيثيلين نانوي‬ ‫المسام‪ ،‬وفتح ثقوب ضﺌيلة في ذلك القماش‬ ‫ﱡ‬ ‫التدفق‬ ‫بواسطة إبرة مكروية بحيث يستطيع الهواء‬ ‫عبرها بسهولة أكبر‪ .‬وبعد هذه التعديالت‪ ،‬وجد‬ ‫جلدا‬ ‫تْ ُسوي أن البولي إيثيلين نانوي المسام قد ﱠبرد ً‬ ‫يحاكي بشرة اإلنسان بمقدار درجتين مﺌويتين أكثر‬ ‫من القطن‪ .‬وقد نشر الفريق اكتشافه في عدد‬ ‫سبتمبر الماضي من مجلة "ساينس" ‪.Science‬‬ ‫ويوضح تْ ُسوي ً‬ ‫قائال‪« :‬إذا ارتديت مالبس‬ ‫مصنوعة من البولي إيثيلين نانوي المسام‪ ،‬فطالما‬ ‫أن درجة الحرارة الخارجية أقل من درجة حرارة‬ ‫جسمك‪ ،‬ستشعر ببرودة أكثر في جسمك»‪ .‬أما في‬ ‫األيام الحارة‪ ،‬فقد تحتاج إلى تشغيل مكيف الهواء‪،‬‬ ‫لكنك سوف تستطيع ضبط الترموستات على درجة‬ ‫حرارة أعلى؛ وتوضح األبحاث أن رفع درجة الحرارة في‬ ‫الترموستات ببضع درجات فقط يمكن أن يخفض‬ ‫استهالك الكهرباء إلى النصف تقريبً ا‪.‬‬ ‫لكن ال يزال على فريق العمل أن يختبر متانة‬ ‫القماش المصنوع من البولي إيثيلين نانوي المسام‬ ‫وآثار تبريده على بشرة إنسان حقيقية ومقدار الراحة‬ ‫في ارتدائه‪ ،‬كما يتعين عليهم ً‬ ‫أيضا تحديد كيفية‬ ‫تأثير األصباغ على أدائه‪ .‬وإذا اجتازت المادة تلك‬ ‫االختبارات‪ ،‬يرى تْ ُسوي أنها سوف تُ ستعمل في‬ ‫تصنيع مالبس ُعمال المصانع ومالبس األطباء‬ ‫والعاملين بالمستشفيات‪.‬‬ ‫—آني سنيد‬

‫‪Illustration by Daniel Stolle‬‬

‫‪_p8-17_advances section.indd 16‬‬


‫ﺗﻘﺪم ﻋﻠﻤﻲ‬

‫الصحة‬

‫ﺟسيمات مﻀادة‬ ‫للسﺮﻃان ﻋﺒﺮ‬ ‫مﺤاﻛاة الﺒﺮاﻛيﻦ‬

‫فريق علمي من جامعة آلتو الفنلندية‪،‬‬ ‫يضم باحثين مصريين‪ ،‬يبتكر مواد‬ ‫نانوية مضادة للسرطان من خالل‬ ‫محاكاة ظروف التفاعالت الكيميائية‬ ‫للبراكين تحت الماء‬

‫‪AALTO UNIVERSITY/MIKKO RASKINEN‬‬

‫نجﺢ باحﺜون في جامعة آلتو الفنلندية في تطوير‬ ‫مواد نانوية مضادة للسرطان عن طريق محاكاة‬ ‫ظروف الكيمياء الديناميكية التي يسببها وقوع‬ ‫بركان في أعماق المحيطات‪ .‬مكنت الطريقة‬ ‫الجديدة الباحثين من صنع تجمعات نانوية من‬ ‫مادة بيروكسيد الزنك دون استخدام أية مواد‬ ‫كيميائية ضارة‪.‬‬ ‫تسهم التقنية الجديدة في إنتاج تلك الجسيمات‬ ‫بحجم محدد وبطريقة سهلة وقابلة للتطوير‪ ،‬وفق‬ ‫الدراسة المنشورة في دورية نيتشر كومينكيشن‬ ‫مايو الماضي‪.‬‬ ‫فبالقرب من بوابات البراكين في أعماق‬ ‫المحيطات‪ ،‬أو تحت ظروف خاصة في المختبر‪،‬‬ ‫يمكن أن تغطي طبقة بخار مساحة كبيرة دون‬ ‫بعيدا عن سطح ساخن‪ ،‬بينما تتصرف‬ ‫أن ترتفع‬ ‫ً‬ ‫جزيﺌات السائل بطريقة استثنائية‪ ،‬إذ تبدأ في‬ ‫التحرك والرقص على ذلك السطح ً‬ ‫بدال من تبخرها‬ ‫بشكل سريع كما هو متوقع‪ ،‬وهو ما يُ عرف بتأثير‬ ‫ليدنفروست‪ ،‬الذي عمل باحثو الدراسة‬ ‫على محاكاته‪.‬‬ ‫يقول ماضي البحري ‪-‬األستاذ بقسم الكيمياء‬ ‫وعلوم المواد في جامعة آلتو في فنلندا‪ ،‬وأحد‬ ‫باحثي الدراسة‪" :-‬في الواقع‪ ،‬هذه ظاهرة مألوفة‬ ‫لنا كباحثين‪ ،‬ويمكن مالحظتها في أوقات كثيرة‬ ‫أثناء الطهي في المطبخ"‪.‬‬ ‫ويضيف‪" :‬قبل بضع سنوات‪ ،‬الحظت هذه‬ ‫الظاهرة في مطبخي‪ ،‬وتأملت في أصل حدوثها‬ ‫وآليته‪ ،‬وآنذاك تساءلت عما إذا كان من الممكن‬ ‫توظيفها في تخليق مواد نانوية"‪ ،‬ويستطرد‪:‬‬ ‫جديدا‬ ‫مفهوما‬ ‫واستنادا إلى تلك المعرفة‪ ،‬قدمت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عما يمكن أن نطلق عليه "ليدنفروست كيمياء‬ ‫النانو"‪ ،‬وهو ما يعني توليف الجسيمات النانوية‬ ‫باستخدام تأثير ليدنفروست‪.‬‬ ‫وتوفر الطبيعة الهيدروديناميكية لهذه الظاهرة‬

‫القدرة على السيطرة على حركة هذه التجمعات‪،‬‬ ‫ﱢ‬ ‫بحيث تتم في اتجاه المنطقة األكثر برودة‪ ،‬ما يمكن‬ ‫من االستفادة منها في عمليات التوجيه نحو الخاليا‬ ‫السرطانية دون غيرها‪.‬‬ ‫استخدم الفريق البحثي الماء كمذيب‪ ،‬على‬ ‫اعتباره أفضل مذيب كيميائي صديق للبيﺌة‪ ،‬وفق‬ ‫رمزي عبد العزيز‪-‬باحث دكتوراة بجامعة ألتو‪ ،‬وأحد‬ ‫الباحثين بالدراسة‪ -‬والذي يؤكد‪" :‬ال نستخدم في‬ ‫ً‬ ‫عادة في‬ ‫ستخدم‬ ‫مختبرنا أية مذيبات سامة كالتي تُ‬ ‫َ‬ ‫تخليق الجزيﺌات النانوية وتحديد أحجامها وأشكالها"‪.‬‬ ‫ويضيف‪ :‬في الكيمياء الحيوية تتصرف‬ ‫البيروكسيدات (ومنها بيروكسيد الزنك) كمصادر‬ ‫إمداد لألكسجين‪ ،‬وبالتالي يمكن توظيفها في عالج‬ ‫مجموعة واسعة من األمراض الناجمة عن عمليات‬ ‫االستقالب الالهوائية كالسرطان‪.‬‬ ‫وفي الطبيعة‪ ،‬تُ َعد الكيمياء الديناميكية إطارً ا‬ ‫فريدا من نوعه‪ ،‬يوفر حالة من التدفق المستمر‬ ‫ً‬ ‫في اتجاه عمليات تخليق كيميائي للمواد‪ ،‬كما تُ َعد‬ ‫الجسيمات الرائعة التي تشكلها عمليات الترسيب‬ ‫والفوران الخاطفة والسريعة للمحاليل فوق‬ ‫المشبعة عند فوهات البراكين في قاع البحر ً‬ ‫مثاال‬ ‫لمنتجات الكيمياء الديناميكية المتنوعة تحت الماء‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن التحدي القائم ليس تصميم‬ ‫طريقة قادرة على توليف مستدام للجسيمات‬ ‫النانوية فحسب‪ ،‬بل ً‬ ‫أيضا ضبط حجمها لتأدية‬ ‫الوظائف المطلوبة في الطب الحيوي‪.‬‬ ‫يقول البحري‪" :‬يؤثر ضبط حجم الجزيﺌات المنتَ جة‬ ‫تأثيرً ا مباشرً ا على عملية إطالق األكسجين‪ ،‬إذ‬ ‫مهما في هذه العملية العالجية‪،‬‬ ‫يؤدي الحجم دورً ا‬ ‫ًّ‬ ‫ولضمان حدوث تأثير موحد"‪ ،‬مشيرً ا إلى أن‬ ‫ضبط الحجم هو ما يُ سهم في تدمير خاليا الورم‬ ‫انتقائيا دون التأثير على الخاليا السليمة‪،‬‬ ‫السرطاني‬ ‫ًّ‬ ‫إذ المعتاد في عمليات إنتاج مثل تلك الجسيمات‬ ‫حدوث اختالف في التوزيع الحجمي‪ ،‬مما يؤثر سلبً ا‬ ‫على تطبيقاتها المهمة‪.‬‬ ‫ويشدد البحري على أن الظروف التي تقدمها‬ ‫كيميا ليدنفروست تحت الماء تستطيع تلبية هذه‬ ‫االحتياجات‪ ،‬من حيث الحجم المطلوب وكونها‬ ‫صديقة للبيﺌة ً‬ ‫أيضا‪ .‬ويضيف‪ :‬وبالتالي‪ ،‬فإن تفعيل‬ ‫المياه لتكون بمنزلة مفاعل ديناميكي صديق للبيﺌة‬ ‫لتصنيع الجسيمات النانوية المصممة‪ ،‬وفق حجم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جديدة للتوليف المستدام‬ ‫طريقا‬ ‫محدد‪ ،‬سيفتح‬ ‫للمواد التي يمكن إنتاجها ألغراض وظيفية‪.‬‬ ‫أجرى الفريق البحثي اختبارً ا للجزيﺌات النانوية‬ ‫الس ﱢمﱠية على عدد من الخاليا‪،‬‬ ‫المنتجة من حيث تأثير ﱡ‬ ‫على اختالف أنواعها‪ ،‬السرطانية والعادية‪ ،‬إلثبات‬ ‫قابليتها للتطبيق كعالج للسرطان‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بالخطوات التالية التي يخطط‬ ‫الفريق التخاذها‪ ،‬يؤكد البحري ضرورة إجراء مزيد من‬ ‫البحوث؛ للحصول على أفضل استجابة عالجية فيما‬ ‫يتعلق بحجم الجسيمات النانوية وجرعتها‪.‬‬ ‫—أحمد حسن بلح‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:32 PM‬‬

‫‪17‬‬

‫‪_p8-17_advances section.indd 17‬‬


‫العلوم المعرفية‬

‫الخداع البصري‪ ..‬العين‬ ‫ال ترى إال ما يراه العقل‬ ‫العين وظيفتها الرؤية‪ ،‬أما العقل فيبحث‬ ‫عن المعنى ويحاول تفسير الصور الواردة عبر‬ ‫العصب البصري‪ ،‬بل ويعقد المقارنات بين‬ ‫لون الجسم المنظور وألوان البيئة المحيطة‬ ‫به‪ ،‬مما ُيسهل الوقوع في فخ الخداع‬ ‫البصري!‬ ‫محمد منصور‬

‫قبــل نحــو أســبوع‪ ،‬نشــر عالــم النفــس اليابانــي أكيوشــي كيتــاوكا‬ ‫صــورة علــى صفحتــه الشــخصية بموقــع فيســبوك‪ ،‬الصــورة تحتــوي‬ ‫ع ـلـى خطــوط رماديــة متقاطعــة‪ُ ،‬تشــكل شــبكة هندســية تســمى بمربــع‬

‫محمد منصور محرر علمي درس الهندسة الميكانيكية بجامعة حلوان المصرية‪.‬‬ ‫وحصل على دورات متخصصة في الصحافة العلمية من جامعة ييل‪ ،‬ودورات في‬ ‫مجال صحافة الطاقة في جامعة ستانفورد‪ ،‬يركز في عمله على القضايا العلمية‬ ‫المرتبطة بالتنمية المجتمعية وقضايا التغير المناخي‪.‬‬

‫األلــوان المتباينــة‪ ،‬وتتألــق فــي داخــل المربــع اثنتــا عشــرة نقطــة ســوداء‪.‬‬ ‫حصــل المنشــور علــى الكثيــر مــن المشــاركات والتعليقــات‪ ،‬فالمتابعــون‬ ‫لــم يتمكنــوا مــن رصــد جميــع النقــاط ـفـي آن واحــد‪ ،‬مــا يجعــل تلــك الصــورة‬ ‫مثــاال ً صار ًخــا للخــداع البصــري‪ .‬ويبقــى الســؤال‪ :‬مــا الســبب العلمــي لتلــك‬ ‫الظاهــرة؟‬ ‫ظهــر فــن الخــداع البصــري ألول مــرة ـفـي منتصــف عشــرينيات القــرن‬ ‫الماضــي‪ ،‬حيــن قــام مجموعــة مــن المعمارييــن المنتميــن لمدرســة‬ ‫«الباوهــاوس» األلمانيــة –والتــي كانــت تســعى لخلــق تناغــم بيــن‬ ‫الشــكل والطبيعــة‪ -‬بتصميــم مجموعــة مــن األشــكال التــي تســتطيع‬ ‫خــداع الناظــر بســهولة اعتمــا ًدا ع ـلـى قوانيــن البصريــات وزوايــا ســقوط‬ ‫الضــوء‪.‬‬ ‫و ـفـي منتصــف الثالثينيــات‪ ،‬تمكــن فنــان الجرافي ـتـي فيكتــور فازري ـلـي‬ ‫مــن ابتــكار أول عمــل تــم تصنيفــه كلــون مــن ألــوان الخــداع البصــري؛ إذ‬ ‫صمــم لوحــة فنيــة مؤلفــة مــن خطــوط متموجــة ســوداء وبيضــاء‪ ،‬ووضــع‬ ‫داخلهــا حمــارًا وحشـيًّا تصعــب مالحظتــه دون تدقيــق‪.‬‬ ‫ويُعــرف الخــداع البصــري بأنــه رؤيــة خادعــة أو مضللــة‪ُ ،‬تصــور‬ ‫شـيء‬ ‫للناظــر مرئيــات ع ـلـى غيــر حقيقتهــا؛ إذ تــرى العيــن الصــورة أو ال ـ‬ ‫علــى خــاف الحقيقــة‪ ،‬نتيجــة مُ عالجــة خاطئــة للدمــاغ‪ .‬ويعتمــد فــن‬ ‫الخــداع البصــري – ـفـي الغالــب‪ -‬ع ـلـى مجموعــة مــن القوانيــن الرياضيــة‬ ‫والفيزيائيــة لتشــكيل لوحــات تخــدع الدمــاغ البشــري‪ ،‬و ُتعطــي الناظــر‬ ‫مجموعــة مــن االنطباعــات مغايــرة للحقيقــة‪.‬‬

‫‪ ForScience.com  18‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:35 PM‬‬

‫‪�������� �� ������_.indd 18‬‬


‫مهمة مستحيلة‬

‫وي َُعــد مربــع األلــوان المتباينــة الــذي نشــره كيتــاوكا علــى صفحتــه‬ ‫الشــخصية بموقــع التواصــل االجتماعــي «فيســبوك»‪ ،‬أحــد أمثلــة الخــدع‬ ‫البصريــة‪ ،‬فالمشــاهد ال يســتطيع إحصــاء عــدد النقــاط الســوداء ـفـي ذلــك‬ ‫المربــع؛ إذ تغــدو تلــك النقــاط بيضــاء مباشــرة بمجــرد أن ننقــل بصرنــا إ ـلـى‬ ‫نقطــة أخــرى فــي المربــع‪ ،‬وبالتالــي يســتحيل تعدادهــا فــي اآلن ذاتــه‪.‬‬ ‫ووفــق دراســة نشــرتها إســراء حامــد الباحثــة بكليــة التربيــة الفنيــة ـفـي‬ ‫جامعــة أســيوط المصريــة‪ ،‬فــإن التفســير العلمــي لذلــك ّ‬ ‫أن هــذه النقــاط‬ ‫أساســا داخــل المربــع‪ ،‬مشــير ًة إلــى أن التأكــد مــن‬ ‫الســوداء ال وجــود لهــا‬ ‫ً‬ ‫صحــة تلــك الفرضيــة يتــم عبــر تغطيــة أحــد األشــرطة الســوداء باليــد‪.‬‬ ‫ويمكــن تفســير ذلــك باعتبــار أن العيــن البشــرية عاجــزة عــن التنقــل بيــن‬ ‫لونيــن متعاكســين بســبب التبايــن الشــديد بينهمــا‪ُ « ،‬خدعــت أبصارنــا‬ ‫مــن ج ـرّاء هــذا التبايــن الشــديد بيــن اللونييــن» وفــق الدراســة المنشــورة‬ ‫قبــل نحــو عــام‪.‬‬ ‫يــرى أحمــد ســعيد إبراهيــم‪ ،‬الباحــث ـفـي مجــال طــب العيــون بالمركــز‬ ‫القومــي للبحــوث‪ ،‬أن المشــاهدة الخادعــة للنقــاط الســوداء فــي مربــع‬ ‫األلــوان المتباينــة تعــود إ ـلـى عــدم قــدرة العقــل ع ـلـى تمييــز كل مــا تقــع عليــه‬ ‫العيــن مــرة واحــدة وفــي الوقــت ذاتــه‪ ،‬إذ إن القشــرة المخيــة فــي الدمــاغ‬ ‫هــي المســؤولة عــن تفســير الصــور ال ـتـي ينقلهــا مركــز اإلبصــار ـفـي الشــبكية‪،‬‬ ‫مشــيرًا إلــى أن الخطــوط المائلــة المتقاطعــة تجــذب التركيــز أكثــر مــن‬ ‫الخطــوط العموديــة أو األفقيــة‪ ،‬قائـا ً ـفـي تصريــح لـ«للعلــم»‪« :‬إن العقــل ال‬ ‫يســتطيع اســتيعاب ذلــك كلــه‪ ،‬وبالتا ـلـي ينتبــه للنقطــة الموجــه إليهــا مركــز‬ ‫اإلبصــار ً‬ ‫أول‪ ،‬ويتجاهــل النقــاط األخــرى‪ ،‬وبالعكــس مــع كل حركــة لمركــز‬ ‫اإلبصــار تجــاه هــذه النقــاط»‪.‬‬ ‫صــورة مربــع األلــوان المتباينــة ليســت الوحيــدة التــي أثــارت الجــدل‬ ‫علــى مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬فقبــل أكثــر مــن عــام‪ ،‬نشــرت إحــدى‬ ‫الفتيــات صــورة لفســتان ع ـلـى موقــع ‪ ،Tumblr‬أثــار لونــه حالــة مــن الجــدل‬ ‫حــول العالــم‪ ،‬فالبعــض أكــد كونــه أزرق اللــون‪ ،‬فيمــا أصــر البعــض علــى‬ ‫أن لونــه ذهبــي‪ ،‬فكيــف اختلفــت اآلراء حــول لــون فســتان يــراه الجميــع‬ ‫بوضــوح علــى شاشــة الحواســيب واألجهــزة اللوحيــة؟‬ ‫ً‬ ‫إربــاكا للدمــاغ‪،‬‬ ‫لقــد ســبب انعــكاس الضــوء الصناعــي علــى الفســتان‬ ‫ظهــر بوضــوح حيــن اجتاحــت الصــورة وســائل التواصــل االجتماعــي‪ ،‬إذ‬ ‫ظهــر الفــرق واضحًــا وجليًّــا بيــن المشــاهدين مــع كثــرة أعدادهــم؛ إذ إن‬ ‫المســاحات العصبيــة الموجــودة فــي مؤخــرة العيــن ‪-‬والمعروفــة باســم‬ ‫المخاريــط العصبيــة‪ -‬والتــي تلتقــط األلــوان الرئيســية وتدمجهــا لتكــوِّن‬ ‫ً‬ ‫اختالفــا طفي ًفــا بيــن األشــخاص‪ ،‬إال أن ذلــك‬ ‫صــورة واضحــة‪ ،‬تختلــف‬ ‫االختــاف الطفيــف تضخــم وزاد بســبب اإلربــاك الــذي ســببه الضــوء‬ ‫الصناعــي‪ ،‬وفــق إبراهيــم‪.‬‬ ‫إدراك حســي متكامل‬

‫تعمــل العيــن ع ـلـى رؤيــة األشــياء المحيطــة بنــا بآليــة يعرفهــا العلمــاء منــذ‬ ‫قــرون‪ ،‬فالضــوء يدخــل عبــر العدســة مصطدمًــا بالشــبكية الواقعــة فــي‬ ‫الجــزء الخلفــي مــن العيــن‪ ،‬وال ـتـي تنقلــه بدورهــا عبــر العصــب البصــري إ ـلـى‬ ‫القشــرة الدماغيــة البصريــة‪ ،‬وهــو الجــزء المســؤول عــن تفســير المرئيــات‬ ‫ـفـي الدمــاغ‪ .‬ويبــدأ اإلدراك البصــري بامتصــاص الضــوء ‪-‬أو بشــكل أكثــر دقــة‬ ‫بامتصــاص مجموعــات صغيــرة منفصلــة مــن الطاقــة تســمى الفوتونــات‬ ‫أو وحــدات الكــم الضوئــي‪ -‬بواســطة مــا يُعــرَف بالمخاريــط والنبابيــت‬ ‫الواقعــة ـفـي الشــبكية‪ُ .‬تســتخدم المخاريــط للرؤيــة النهاريــة‪ ،‬أمــا النبابيــت‬ ‫فهــي مســؤولة عــن الرؤيــة الليليــة‪ .‬ويســتجيب مخــروط المســتقبل‬

‫الضوئــي بحســب عــدد وحــدات الطاقــة الضوئيــة التــي يأســرها‪ ،‬وتنتقــل‬ ‫اســتجابته إلــى نوعيــن مختلفيــن مــن العصبونــات مســؤولين عــن بــدء‬ ‫االســتثارة العصبيــة ووقفهــا‪ .‬وبدورهــا تــزود هــذه العصبونــات ً‬ ‫نوعــا آخــر‬ ‫مــن الخاليــا مــزودة بحقــل اســتقبال‪ ،‬بحيــث تعطــي اســتجابات متفاوتــة‬ ‫عندمــا يقــع النظــر ع ـلـى جســم مــا‪ ،‬اعتمــا ًدا ع ـلـى كميــة الضــوء النســبي ـفـي‬ ‫مركــز الحقــل وفــي المنطقــة المحيطــة بالجســم‪.‬‬ ‫وتشــير دراســة ســابقة أجريــت علــى األلــوان الخادعــة للبصــر إلــى أن‬ ‫معالجــة األلــوان ـفـي الدمــاغ تحــدث جن ًبــا إ ـلـى جنــب مــع معالجــة خــواص‬ ‫األشــياء األخــرى‪ ،‬مثــل األشــكال والحــدود‪ .‬ويُعتقــد أن حوالــي ‪%40‬‬ ‫مــن الدمــاغ البشــري ‪-‬أو أكثــر‪ -‬يُســتخدم فــي عمليــة اإلبصــار‪ .‬وتنتظــم‬ ‫العصبونــات فــي المناطــق التــي يتــم تنبيههــا مبكــرًا فــي أثنــاء المعالجــة‬ ‫ً‬ ‫تمثيــا لمجــال اإلبصــار مــن نقطــة إلــى‬ ‫اإلبصاريــة فــي خرائــط توفــر‬ ‫نقطــة‪ .‬ومــن هنالــك تنتشــر اإلشــارات البصريــة إ ـلـى أكثــر مــن ‪ 30‬منطقــة‬ ‫مختلفــة‪ ،‬متصلــة ً‬ ‫معــا بواســطة أكثــر مــن ‪ 300‬دائــرة‪ .‬ولــكل منطقــة‬ ‫مــن هــذه المناطــق وظائــف متخصصــة‪ ،‬مثــل معالجــة األلــوان والحركــة‬ ‫والعمــق والشــكل‪ .‬و ـفـي النهايــة‪ ،‬تتجمــع كل هــذه المعلومــات مــن قبــل كل‬ ‫سـي متكامــل‬ ‫هــذه المناطــق المختلفــة ـفـي الدمــاغ بطريقــة مــا ـفـي إدراك ح ـ‬ ‫للشــيء ذي الشــكل الخــاص واللــون الخــاص‪ ،‬أي يكتمــل معنــى الشــئ‬ ‫داخــل الدمــاغ‪ .‬وتخلــص الدراســة إ ـلـى أن الفهــم الحا ـلـي للدمــاغ ال يســتطيع‬ ‫تفســير جميــع األمــور ال ـتـي تحــدث ـفـي ظواهــر الخــداع البصــري‪ ،‬وأن األمــر‬ ‫قــد يكــون نتــاج محاولــة الدمــاغ للتوفيــق بيــن اإلشــارات المتباينــة الــواردة‬ ‫مــن العديــد مــن المســارات المتخصصــة‪.‬‬ ‫إزعاج الدماغ‬

‫والخــداع البصــري ليــس ً‬ ‫ً‬ ‫مرتبطــا بمشــكلة فســيولوجية‪،‬‬ ‫عرضــا ســيكولوجيًّا‬ ‫وفــق جمــال فرويــز؛ أســتاذ الطــب النفســي واستشــاري المــخ واألعصــاب‪،‬‬ ‫والــذي يقــول ـفـي تصريحــات لـ«للعلــم»‪ :‬إن الخــدع البصريــة ُتســبب ً‬ ‫نوعــا مــن‬ ‫«اإلزعــاج» للدمــاغ‪ ،‬إال أن «أثرهــا يــزول بشــكل مباشــر بمجــرد إبعــاد النظــر‬ ‫سـي‪ ،‬المتخصــص ـفـي‬ ‫عــن المســبب» ع ـلـى حــد قولــه‪ .‬ويشــير الطبيــب النف ـ‬ ‫األمــراض النفســية التــي لهــا جــذور فســيولوجية وعضويــة‪ ،‬إلــى أن الخــداع‬ ‫البصــري يختلــف تمامًــا عــن الهــاوس الدماغيــة‪ ،‬فــاألول لــه مُ ســبِّب‪،‬‬ ‫ويحــدث علــى نطــاق واســع بيــن البشــر مــن مختلِــف األعمــار‪ ،‬فيمــا تأتــي‬ ‫الهــاوس الدماغيــة دون مُ ســبِّبات واضحــة‪ ،‬وتنجــم عــن فقــدان الســيطرة‬ ‫ع ـلـى القــدرات اإلدراكيــة؛ بســبب تلــف مــا ـفـي الخاليــا الدماغيــة أو الهرمونــات‪.‬‬ ‫ويؤكــد فرويــز أن الدمــاغ البشــري ال يكتفــي بالرؤيــة فقــط‪ ،‬فتلــك‬ ‫هــي وظيفــة العيــون‪ ،‬لكنــه دائمــا يبحــث عــن المع ـنـى‪ ،‬ويحــاول اســتنتاج‬ ‫الصــور الــواردة لــه عبــر العصــب البصــري وتفســيرها‪ ،‬ويميــل الدمــاغ إ ـلـى‬ ‫عقــد المقارنــات بيــن لــون الجســم المنظــور وألــوان البيئــة المحيطــة‪ ،‬مــا‬ ‫يُســهل مــن عمليــة الخــداع القائمــة ع ـلـى التبايــن اللو ـنـي‪ ،‬وهــو مــا يجعــل‬ ‫النقــاط الســوداء –غيــر الموجــودة فعليًّــا‪ -‬فــي مربــع األلــوان المتباينــة‪،‬‬ ‫تختفــي بمجــرد إبعــاد النظــر عنهــا‪.‬‬ ‫الخــدع البصريــة ليســت كلهــا متعلقــة باأللــوان‪ ،‬فهنــاك خــدع‬ ‫هندســية‪ ،‬كمثلــث بانــروز الــذي صممــه عالــم الفيزيــاء اإلنجليــزي الشــهير‬ ‫روجــر بانــروز‪ ،‬وهــو أحــد األشــكال الهندســية ال ـتـي ال يمكــن تحقيقهــا إال ّ عــن‬ ‫طريــق الرســم ع ـلـى الــورق ببُعديــن هندســين اثنيــن‪ ،‬ويســتحيل تجســيده‬ ‫فــي الواقــع بثالثــة أبعــاد‪ ،‬عــاوة علــى خــدع متعلقــة باألحجــام واألطــوال‪،‬‬ ‫وخــدع الصــور المتحركــة‪ ،‬وخــدع المنظــور‪ ،‬وغيرهــا الكثيــر والكثيــر! ويأ ـتـي‬ ‫هــذا الفــن ليؤكــد أن الحــواس مــن الســهل خداعهــا‪ ،‬وهــذا الخــداع لديــه‬ ‫قــدرة حقيقيــة ع ـلـى إربــاك الدمــاغ!‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:35 PM‬‬

‫ ‪19‬‬

‫‪�������� �� ������_.indd 19‬‬


‫نظرية التطور‬

‫رحاب عبد المحسن صحفبة حرة متخصصة في الكتابة العلمية‬ ‫ومراسلة لعدد من المواقع العلمية‬

‫المصريون ال يشبهون‬ ‫"قدماء المصريين"‬

‫ً‬ ‫مجازا على أهل مصر‪،‬‬ ‫"أبناء الفراعنة" كلمة تطلق‬ ‫ولكن إلى أي مدى تتوافق جينات المصريين‬ ‫المعاصرين مع أجدادهم من المصريين القدماء؟‬

‫رحاب عبد المحسن‬

‫كشــفت دراســة موســعة أن التركيبــة الجينيــة للمصرييــن المعاصريــن‬ ‫مقاربــة لجينــات ســكان أفريقيــا جنــوب الصحــراء‪ ،‬أمــا جينــات قدمــاء المصرييــن‬ ‫فهــي تشــبه ســكان منطقــة الشــرق األوســط وأوروبــا أكثــر ممــا تشــبه المصــري‬ ‫المعاصــر‪.‬‬ ‫وقدمــت الدراســة للمــرة األولــى ً‬ ‫ً‬ ‫موســعا للتركيبــة الجينيــة لقدمــاء‬ ‫عرضــا‬ ‫المصرييــن ُنشــر بدوريــة "نيتشــر كوميونيكاشــنز" ـفـي ‪ 30‬مايــو ‪ ،2017‬فيمــا ي َُعــد‬ ‫إنجــا ًزا علم ًّيــا "غيــر مســبوق" ع ـلـى حــد وصــف يوهانــس كــروس‪ ،‬أحــد أفــراد الفريــق‬ ‫البح ـثـي ومديــر معهــد ماكــس بالنــك للتاريــخ والعلــوم ـفـي جينــا بألمانيــا‪ ،‬مضي ًفــا‬ ‫"للمــرة األوـلـى نمتلــك معلومــات موثوقــة عــن التركيبــة الجينيــة للحمــض النــووي‬ ‫‪ DNA‬للموميــاوات المصريــة"‪.‬‬ ‫ويؤكــد ماكــس أن المعلومــات والتحليــات الســابقة للحمــض النــووي‬ ‫لموميــاوات مصريــة لــم تتمكــن مــن إثبــات صحــة الحمــض النــووي‪" .‬علــى‬ ‫الرغــم مــن وجــود كشــوفات موســعة ســابقة عــن اآلثــار ووجــود ســجل تاريخــي‬ ‫للهجــرة البشــرية والحركــة ـفـي هــذه المنطقــة‪ ،‬إال أن الدراســات المعتمــدة ع ـلـى تتبــع‬ ‫وتحليــل الحمــض النــووي القديــم مــن المتوفيــن واجهتهــا صعوبــات بســبب ســوء‬ ‫حفــظ البقايــا القديمــة"‪.‬‬ ‫وحلــل الفريــق البح ـثـي نتائــج تحليــل الحمــض النــووي لـــ‪ 90‬موميــاء مــن قريــة‬ ‫"أبوصيــر الملــق" التابعــة لمركــز الواســطى بمحافظــة ب ـنـي ســويف بوســط مصــر‪،‬‬ ‫وتضمــن البحــث ثــاث حقــب تاريخيــة امتــدت لحواـلـي ‪ 1300‬ســنة‪ ،‬وهــي‪ :‬عصــر‬ ‫مــا قبــل البطالمــة‪ ،‬والعصــر البطلمــي‪ ،‬والعصــر الروما ـنـي‪ ،‬بجانــب بيانات اســتقرائية‬ ‫مــن بحــوث ســابقة رصــدت تحليــات جينيــة لســكان مصــر المعاصريــن‪.‬‬ ‫و أوضــح كــروس لـ"للعلــم" أن البحــث جــرى باســتخدام تقنيــة "تسلســل‬ ‫الحمــض النــووي" الحديثــة‪ ،‬والتــي ســمحت بالتأكــد مــن صحتــه‪ ،‬إلــى جانــب‬ ‫تحديــد الحقبــة الزمنيــة ال ـتـي ينتمــي إليهــا‪ ،‬وهــو مــا لــم يجــر اتباعــه مــن قبــل ـفـي‬ ‫الفحوصــات ال ـتـي خضعــت لهــا الموميــاوات المصريــة‪ ،‬ممــا "يمهــد الطريــق نحــو‬ ‫اكتشــاف وفهــم أشــمل للتاريــخ الســكاني المعقــد لمصــر"‪.‬‬

‫‪BPK/AEGYPTISCHES MUSEUM UND PAPYRUSSAMMLUNG‬‬

‫"أبناء العم"‬

‫فالتاريــخ الســكاني لمصــر ظــل محــل جــدل لفتــرات طويلــة‪ ،‬كمــا يشــرح الباحــث‪:‬‬ ‫"هنــاك مزاعــم بــأن الهيمنــة األجنبيــة ال ـتـي ســادت بعــد دخــول ٍّ‬ ‫كل مــن اإلســكندر‬ ‫األكبــر‪ ،‬والرومــان أو اآلشــوريين لمصــر‪ ،‬غيــرت مــن التركيبــة الجينيــة للمصرييــن‬ ‫القدمــاء‪ ،‬وجعلتهــا أكثــر ميـ ًـا للجينــات الـــ"أورو آســيوية"‪ ،‬ولكــن مــن خــال البحــث‬ ‫خرجنــا بملحوظــات معاكســة تما ًمــا‪ ،‬إذ مــا مــن أصــول جينيــة تربــط المصرييــن‬ ‫القدمــاء بســكان منطقــة الصحــراء األفريقيــة تقري ًبــا"‪.‬‬ ‫ويؤكــد كــروس أن جينــات المصرييــن القدمــاء كانــت أقــرب فــي الشــبه إلــى‬ ‫ســكان الشــرق األوســط منهــا إلــى المصرييــن المعاصريــن‪ ،‬وتحديــ ًدا ســكان‬ ‫األناضــول والمزارعيــن األوروبييــن القدامــى‪.‬‬

‫وبــررت الدراســة مــا وصفتــه بـ"االمتــزاج" بيــن المصرييــن وشــعوب أخــرى‪ ،‬بمــا‬ ‫تتمتــع بــه مصــر مــن موقــع مميــز كمفتــرق طــرق بيــن القــارات ووقوعهــا ع ـلـى البحــر‬ ‫األوســط القديــم‪ ،‬جعــل منهــا بيئــة خصبــة لتفاعــات طويلــة األمــد مــع الثقافــات‬ ‫األفريقيــة واآلســيوية واألوروبيــة منــذ األلفيــة األوـلـى قبــل الميــاد‪.‬‬ ‫وأوردت الدراســة أن البيانــات المســتقاة مــن بحــوث أخــرى كال ـتـي قامــت بهــا‬ ‫لــوكا باج ـنـي وفريقهــا التابــع لقســم الفنــون واآلثــار بجامعــة كامبريــدج ـفـي ‪2015‬‬ ‫و ُنشــرت بدوريــة "ســيل" تحــت عنــوان "تتبــع المســار البشــري بأفريقيا باســتخدام‬ ‫‪ 225‬تسلسـ ًـا ألحمــاض نوويــة مــن إثيوبيــا ومصــر"‪ ،‬خلصــت إـلـى أن ‪ %80‬مــن‬ ‫جينــات المصــري منــذ ‪ 750‬عا ًمــا "غيــر أفريقيــة"‪ ،‬فيمــا أظهــرت البيانــات األكثــر‬ ‫حداث ـ ًة تما ُز ًجــا أع ـلـى مــن ذلــك‪.‬‬ ‫ويتفــق محمــد صالــح ‪-‬مديــر المتحــف المصــري الســابق‪ -‬مــع مــا رصدتــه‬ ‫الدراســة‪" :‬تأثــرت مصــر بموجــات مــن الهجــرات بســبب موقعهــا ـفـي قلــب العالــم‪،‬‬ ‫ومنهــا الهجــرة مــن جنــوب القــارة للشــمال‪ ،‬وهجــرات قادمــة مــن ليبيــا ومــن بــاد‬ ‫الشــام‪ ،‬إـلـى جانــب االســتعمار‪ ،‬الــذي اســتقر لســنوات طــوال‪ ،‬مثــل غــزو الهكســوس‬ ‫ودخــول الليبييــن مصــر"‪.‬‬ ‫"خــال الـــ‪ 1300‬ســنة الماضيــة‪ ،‬اســتقبل المصريــون قــدرًا كبيــرًا مــن‬ ‫الجينــات المتدفقــة مــن ســكان جنــوب الصحــراء‪ ،‬بســبب عوامــل منهــا كثافــة‬ ‫التنقــل ع ـلـى طــول نهــر النيــل‪ ،‬أو تجــارة الرقيــق مــن وســط أفريقيــا" كمــا يعلــق‬ ‫كــروس‪.‬‬ ‫ف‬ ‫وأورد الباحثــون ــي ملحوظاتهــم أن البيانــات الجينيــة جــرى الحصــول‬ ‫عليهــا مــن موقــع واحــد ـفـي مصــر الوســطى‪ ،‬وقــد ال تكــون ممثلــة لــكل مصــر‬ ‫القديمــة‪ ،‬وهــو مــا انتقــده صالــح‪" :‬الدراســة ُت َعــد بدايــة جيــدة‪ ،‬ولكنهــا تحتــاج‬ ‫إـلـى االســتكمال‪ ،‬فطالمــا لــم يج ـر ِ الحصــول ع ـلـى عينــات مــن مناطــق متعــددة‬ ‫ومختلفــة فــي البــاد‪ ،‬فالموميــاوات تختلــف فــي مواصفاتهــا ً‬ ‫تبعــا للمنطقــة‬ ‫وللحقبــة الزمنيــة"‪.‬‬ ‫فيمــا رد كــروس ع ـلـى هــذا األمــر بــأن وقــوع القريــة ـفـي وســط مصــر يجعــل مــن‬ ‫العينــة ممث ـا ً جي ـ ًدا للســكان‪ ،‬فهــي ملتقــى لعــدة مناطــق‪" :‬بطبيعــة الحــال‪ ،‬فــإن‬ ‫المصرييــن الجنوبييــن ســيحملون أصــوال ً مــن أفريقيــا جنــوب الصحــراء أكثــر ممــا‬ ‫يحمــل الشــماليون‪ ،‬وربمــا كان هــذا هــو الحــال ً‬ ‫ضـي"‪.‬‬ ‫أيضــا ـفـي الما ـ‬ ‫كمــا لفــت إـلـى أن البيانــات الخاصــة بالمصرييــن المعاصريــن شــملت ســكان‬ ‫الشــمال المصــري‪.‬‬ ‫ويــرى كــروس أن أهميــة هــذه الدراســة تكمــن في إعــام المصرييــن المعاصرين‬ ‫بأنهــم مندمجــون وراث ًّيــا عبــر أزمنــة عــدة مــع كل مــن الشــرق األوســط وشــمال‬ ‫أفريقيــا وجنــوب الصحــراء‪ ،‬وأن هــذا الخليــط قــد حــدث ـفـي تاريخهــم الحديــث"‪.‬‬ ‫وهــو مــا أشــاد بــه صالــح‪ ،‬معتبــرًا الدراســة خطــوة مميــزة فــي طريــق ســبر‬ ‫المزيــد مــن أغــوار التاريــخ المصــري‪ ،‬لمــا قدمتــه مــن رصــد معتمــد علــى تتبــع‬ ‫الحمــض النــووي ومقارنتــه‪.‬‬

‫‪ ForScience.com  20‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:35 PM‬‬

‫‪�������� �� ������_.indd 20‬‬


Connect, network and exchange information with the scientific and medical research community with Nature Middle East • Latest news • In-depth features • Expert commentaries • Research highlights • Free podcasts • Interactive blog • Job vacancies • Local events • Nature journals

The Arab world has a rich history of scientific breakthroughs. Ensure you’re part of the scientific and medical community gaining access to the latest research in the region.

nature.com/nmiddleeast

�������� �� ������_.indd 21

10/10/17 12:35 PM


2017 ‫ أكتـوبـر‬ForScience.com  22

sad1017Porc3p_AR_.indd 22

10/10/17 12:41 PM


‫علم الكواكب‬

‫"كـاسـيـنــي" تسـبــر أغـوار كـوكــب زحــل‬

‫الرحلة االستكشافية التاريخية لكوكب زحل ذي الحلقات ‪ -‬والتي لم تشهد‬ ‫مثيل لها من حيث األهمية واالكتشافات ‪ -‬تصل إلى نهايتها‪.‬‬ ‫البشرية ً‬

‫كارولين بوركو‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:41 PM‬‬

‫ ‪23‬‬

‫‪sad1017Porc3p_AR_.indd 23‬‬


‫في واحدة من األمسيات الهادئة التي تكون فيها السماء صافية ويكون‬ ‫كوكب زحل في كبد السماء‪ ،‬انظر إلى ذلك الكوكب من خالل أحد‬ ‫التلسكوبات التي يقتنيها األشخاص في الفناء الخلفي لمنزلهم‪ ،‬وبعد‬ ‫أن تم ِّتع ناظريك بسحر هذا الكوكب وجماله‪ ،‬ابحث عبر اإلنترنت عن‬ ‫صور التقطتها مركبة الفضاء كاسيني التابعة لوكالة ناسا على مدار‬ ‫الثالثة عشر عامًا الماضية في أثناء رحالتها حول هذا الكوكب المبهر‬ ‫ذي الحلقات‪ .‬وعلى األرجح‪ ،‬فإن ما تراه سيثير دهشتك‪ :‬المسافة‬ ‫الهائلة التي قطعناها‪ ،‬ومدى براعتنا في استكشاف الكواكب‪ ،‬وحجم‬ ‫ذلك اإلنجاز الباهر المتمثل في استكشاف عا َلم في الفضاء السحيق‬ ‫مثل كوكب زحل وسبر أغواره بهذا القدر من الدقة والوضوح‪.‬‬

‫المســتقبليين‪ ،‬كمــا اكتشــفنا أقمــارًا جديــدة‪ ،‬مــن بينهــا فئــة كاملــة مــن األجــرام‬ ‫الصغيــرة المدمجــة فــي الحلقــات نفســها‪ .‬ثــم هنــاك مــا أعتبــره أنــا االكتشــاف‬ ‫األكبــر لكاســيني‪ :‬ـفـي القطــب الجنو ـبـي مــن القمــر إنســيالدوس‪ ،‬ثمــة أكثــر مــن مئــة‬ ‫ينبــوع مــاء حــار يتدفــق مــن محيــط تحــت الســطح ربمــا يكــون مــأوى لكائنــات‬ ‫حيــة فضائيــة‪ .‬وع ـلـى مــدار ثالثــة عشــر عا ًمــا‪ ،‬كانــت حيا ـتـي تتمحــور حــول الحــدود‬ ‫سـي‪ ،‬وهاهــي الرحلــة االستكشــافية العلميــة الثريــة تصــل‬ ‫المتراميــة للنظــام الشم ـ‬ ‫اآلن إـلـى نهايتهــا‪.‬‬ ‫نظرة عن كثب‬

‫أصبحــت الحاجــة إـلـى دراســة تفصيليــة وشــاملة لنظــام كوكــب زحــل واضحــة‬ ‫فــي بدايــة ثمانينيــات القــرن العشــرين‪ ،‬بعــد أن مــرت المركبتــان الفضائيتــان‬ ‫"فوياجــر" بالكوكــب‪ ،‬وقــد مثلــت هــذه األحــداث المميــزة بدايــة استكشــاف‬ ‫البشــر لكوكــب زحــل‪ .‬فقــد حــددت المركبتــان أبعــاد الكوكــب والخصائــص‬ ‫المميِّــزة لــه‪ ،‬إال أنهمــا تركتــا وراءهمــا أســئلة تحتــاج إلــى إجابــات؛ إذ كشــفت‬ ‫مركبتــا فوياجــر أن زحــل كوكــب لــه طبيعــة معقــدة مــن الداخــل وكذلــك‬ ‫سـي لــه‪ .‬وـفـي حلقــات زحــل –وهــي عبــارة عــن‬ ‫الغــاف الجــوي والغــاف المغناطي ـ‬ ‫قــرص هائــل المــع مــن األنقــاض الجليديــة‪ -‬ســجلت البعثــة إشــارات ع ـلـى وجــود‬ ‫سـي األوـلـي‬ ‫اآلليــات الفيزيائيــة نفســها ال ـتـي كانــت أساســية ـفـي تكـوُّن النظــام الشم ـ‬ ‫وأقــراص شــبيهة مــن تلــك المــواد حــول نجــوم أخــرى‪ .‬وقــد كشــف مــرور مركبتــا‬ ‫فوياجــر عبــر النظــام الداخ ـلـي لكوكــب زحــل عــن وجــود العديــد مــن األقمــار ذات‬ ‫القــوى الديناميكيــة العاملــة‪ .‬وقــد أغــرى تيتــان ‪-‬قمــر زحــل األكبــر‪ ،‬والــذي ظــل‬ ‫ســطحه غيــر مر ـئـي عبــر الضبــاب الكثيــف واســع االنتشــار‪ -‬المراقبيــن بوجــود‬ ‫عالمــات تشــير إلــى احتمــال وجــود محيــط مــن الهيدروكربونــات الســائلة‪.‬‬ ‫وهكــذا‪ ،‬بــدا نظــام كوكــب زحــل بأســره وجهــة مثاليــة لمزيــد مــن الدراســة‬ ‫واالستكشــاف المتعمــق‪.‬‬ ‫لقــد كان إطــاق المركبــة كاســيني مشــرو ًعا دول ًّيــا تقــوده وكالــة ناســا ووكالــة‬ ‫الفضــاء األوروبيــة‪ ،‬وكانــت مصمَّ مــة بحيــث تكــون طفــرة متقدمــة ع ـلـى مركب ـتـي‬ ‫فوياجــر ع ـلـى كافــة المســتويات‪ .‬وقــد ُصممــت المركبــة كاســيني‪ ،‬ال ـتـي يصــل‬ ‫حجمهــا إـلـى حجــم حافلــة مدرســية‪ ،‬أكبــر مــن فوياجــر ومــزودة بأحــدث المعــدات‬

‫فـي سـطــور‬ ‫عامــا فــي مــدار زحــل‪ ،‬أنهــت المركبــة‬ ‫بعــد قضــاء ‪ً 13‬‬ ‫الفضائيــة "كاســيني" مهمتهــا فــي ســبتمبر ‪،2017‬‬ ‫وذلــك مــن خــال اختــراق مخطــط للغــاف الجــوي‬ ‫للكوكــب‪.‬‬ ‫علــى مــدار رحلــة كاســيني‪ ،‬نجحــت المركبــة فــي‬ ‫استكشــاف الغــاف الجــوي لزحــل وحلقاتــه وأقمــاره‬ ‫فــي تفصيــل مبهــر‪ .‬وفــي عــام ‪ ،2005‬هبــط‬

‫المســبار هويجنــز الــذي كانــت تحملــه علــى ســطح‬ ‫القمــر تيتــان‪.‬‬ ‫مــن بيــن العديــد مــن االكتشــافات التــي حققتهــا‬ ‫المركبــة كاســيني‪ ،‬العثــور علــى بحيــرات ميثــان ســائل‬ ‫علــى ســطح القمــر تيتــان‪ ،‬ومحيــط ميــاه ســائلة دفيــن‬ ‫علــى ســطح القمــر إنســيالدوس‪ ،‬تهــرب مياهــه إلــى‬ ‫الســطح مــن خــال ينابيــع ميــاه ســاخنة‪ .‬ويعتقــد‬

‫العلمــاء أن هــذا البحــر الموجــود تحــت الســطح ربمــا‬ ‫يكــون قــادرً ا علــى إيــواء حيــاة فضائيــة‪.‬‬ ‫كمــا كشــفت كاســيني النقــاب ً‬ ‫أيضــا عــن موجــات‬ ‫هائلــة مــن األنقــاض واألقمــار الصغيــرة (القميــرات)‬ ‫فــي حلقــات زحــل‪ ،‬وكذلــك الظاهــرة التــي تســببت‬ ‫فــي تحويــل الغــاف الجــوي للكوكــب إلــى اللــون‬ ‫األزرق فــي الشــتاء‪.‬‬

‫‪PRECEDING PAGES: COURTESY OF NASA, JPL AND SPACE SCIENCE INSTITUTE‬‬

‫ـفـي وقــت كتابــة هــذه الســطور‪ ،‬مــن المخطــط إنهــاء رحلــة المركبــة الفضائيــة‬ ‫كاســيني حــول كوكــب زحــل فــي منتصــف شــهر ســبتمبر‪ ،‬وذلــك بــأن تغــوص‪،‬‬ ‫عندمــا تتلقــى األوامــر بذلــك‪ ،‬ـفـي الغــاف الجــوي للكوكــب؛ حيــث تحتــرق المركبــة‬ ‫وتتحــول إـلـى كــرة ناريــة ع ـلـى األرجــح لــن يراهــا أحــد‪ ،‬ممــا يضمــن أنهــا لــن تصطــدم‬ ‫ً‬ ‫ظروفــا مناســبة‬ ‫ي مــن أقمــار زحــل التــي ربمــا تحمــل علــى ســطحها‬ ‫عر ًَضــا بــأ ٍّ‬ ‫للحيــاة‪ ،‬ومــن َثــم تــؤدي إـلـى تلوثهــا‪.‬‬ ‫وبصف ـتـي قائــد فريــق التصويــر الخــاص بالبعثــة‪ ،‬فقــد بـ ُ‬ ‫ـدأت أنــا والعديــد‬ ‫مــن زمال ـئـي ع ـلـى جان ـبـي المحيــط األطلنطــي ـفـي العمــل ع ـلـى المركبــة كاســيني‬ ‫ـفـي أواخــر عــام ‪ ،1990‬وآنــذاك لــم يكــن المشــروع بأســره ســوى فكــرة‪ ،‬مجــرد‬ ‫ُ‬ ‫تابعــت مرحلــة التخطيــط وعمليــة اإلنشــاء‬ ‫تصــور يجــول بخاطرنــا‪ .‬وقــد‬ ‫بالكامــل‪ ،‬ورأيـ ُ‬ ‫سـي إطــاق المركبــة ـفـي ‪ 15‬أكتوبــر ‪ 1997‬مــن مدينــة كيــب‬ ‫ـت بنف ـ‬ ‫كانفــرال بواليــة فلوريــدا‪ ،‬وصمـ ُ‬ ‫ـدت طــوال رحلتهــا ال ـتـي اســتمرت ســبع ســنوات‬ ‫وكنــت ـفـي الصفــوف األماميــة ال ـتـي شــهدت وصولهــا إـلـى وجهتهــا النهائيــة ـفـي عــام‬ ‫‪ .2004‬وع ـلـى الفــور‪ ،‬أحدثــت كاســيني طفــرة ـفـي نظرتنــا إـلـى كوكــب زحــل وكل‬ ‫مــا يحيــط بــه‪.‬‬ ‫لــم يســبق أن نجحــت بعثــة فضائيــة مــن قبــل ـفـي استكشــاف نظــام كوك ـبـي‬ ‫ثــري مثــل كوكــب زحــل بهــذا العمــق وع ـلـى مــدار هــذه الفتــرة الزمنيــة‪ .‬ع ـلـى ســطح‬ ‫قمــر زحــل المســمى تيتــان‪ ،‬وجدنــا بحــارًا مــن الهيدروكربونــات وبيئــة ســطحية‬ ‫تنافــس ـفـي تعقيدهــا بيئــة كوكــب األرض‪ ،‬وراقبنــا األحــوال الجويــة للغــاف الجــوي‬ ‫لكوكــب زحــل‪ ،‬وشــهدنا ميــاد عواصــف عاتيــة وهيجانهــا ثــم انتهاءهــا‪ ،‬ورأينــا‬ ‫ظواهــر جديــدة ـفـي حلقــات زحــل كشــفت النقــاب عــن أســرار العمليــات المرتبطــة‬ ‫بتك ـوُّن األنظمــة الشمســية‪ ،‬متضمن ـ ًة مجموعتنــا الشمســية‪ .‬وع ـلـى غــرار واضعــي‬ ‫الخرائــط قديمً ــا‪ ،‬عملنــا ع ـلـى رســم خرائــط ألقمــار زحــل؛ لمســاعدة المستكشــفين‬

‫كارولين بوركو عالِ مة كواكب في معهد علوم الفضاء‬ ‫في بولدر بكولورادو‪ ،‬ورئيسة فريق تصوير بعثة كاسيني‪.‬‬ ‫كما أنها عالِ مة زائرة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي‪ ،‬وعضو‬ ‫بالمجلس االستشاري لمجلة "ساينتفك أمريكان"‪ .‬وقد‬ ‫–جزئيا‪ -‬عندما كانت الكاتبة‬ ‫كتبت بوركو هذا المقال‬ ‫ًّ‬ ‫العلمية المقيمة بمكتبة هنتنجتون في مدينة سان مارينو‬ ‫بكاليفورنيا‪.‬‬

‫‪ ForScience.com  24‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:41 PM‬‬

‫‪sad1017Porc3p_AR_.indd 24‬‬


‫‪1‬‬

‫القمر تيتان‪ ،‬قمر زحل األكبر‪ ،‬في أثناء توهجه‬ ‫(الصورة ‪( )1‬صورة مزيفة األلوان) ثم وهو يلوح في‬ ‫األفق (الصورة ‪ )2‬وراء القمر إنسيالدوس األصغر‬ ‫حجما وحلقات زحل‪.‬‬ ‫ً‬

‫بنــى عموديــة بــارزة فــوق ســطح الحلقــة تلقــي‬ ‫بظــال طويلــة واضحــة‪.‬‬ ‫وفــي نهايــة المطــاف‪ ،‬اســتغرقت عمليــات‬ ‫كاســيني المداريــة مــا يقــرب مــن نصــف ســنة مــن‬ ‫ســنوات زحــل (أو مــا يعــادل ‪ 13‬عامًــا وشــهرين‬ ‫ونصــف علــى األرض) منــذ بدايتهــا؛ فقــد وصلــت‬ ‫المركبــة بعــد وقــت قصيــر مــن ذروة الصيــف‬ ‫الجنوبــي للكوكــب‪ ،‬وســتنتهي البعثــة فــي ذروة‬ ‫الصيــف الشــمالي‪ .‬وقــد أتــاح لنــا هــذا اإلطــار الزم ـنـي‬ ‫المراقبــة علــى مــدار دورة موســمية كاملــة تقريبًــا؛‬ ‫فقــد شــهدنا انتقــال النصــف الجنو ـبـي لزحــل وتيتــان‬ ‫مــن الصيــف إـلـى الشــتاء‪ ،‬وكذلــك انتقــال النصــف‬ ‫الشــمالي لكليهمــا مــن الشــتاء إـلـى الصيــف‪ ،‬لقــد كان‬ ‫األمــر بمنزلــة خدعــة كونيــة‪ ،‬ولكنهــا نجحــت‪.‬‬ ‫األقمار‬

‫‪2‬‬

‫;)‪COURTESY OF NASA, JPL-CALTECH AND SPACE SCIENCE INSTITUTE (1‬‬ ‫)‪COURTESY OF NASA, JPL-CALTECH, SPACE SCIENCE INSTITUTE (2‬‬

‫العلميــة المتطــورة التــي يجــري إرســالها إلــى‬ ‫الفضــاء الخارجــي علــى اإلطــاق‪ .‬كمــا حملــت‬ ‫كاســيني علــى متنهــا ً‬ ‫أيضــا مســبار هويجنــز‪،‬‬ ‫وهــو جهــاز يبلــغ عرضــه أربعــة أمتــار ذو تصميــم‬ ‫ديناميكــي هوائــي مــزود بحمولــة مــن ســت‬ ‫أدوات‪ ،‬هبــط علــى ســطح القمــر تيتــان‪.‬‬ ‫وبعــد اجتيــاز المجموعــة الشمســية‪ ،‬اســتقرت‬ ‫المركبــة كاســيني بسالســة وســام حــول كوكــب‬ ‫زحــل فــي الثالثيــن مــن يونيــو ‪ ،2004‬وقــد كان‬ ‫مســارها حــول زحــل دقي ًقــا ومعقــ ًدا‪َّ ،‬‬ ‫تكشــفت‬ ‫مالمحــه علــى مــدار رحلتهــا التــي اســتغرقت ‪13‬‬ ‫عا ًمــا مثــل تف ُّتــح بتــات األزهــار‪ .‬وكــي نتمكــن مــن‬ ‫شـيء ـفـي النظــام الداخ ـلـي‬ ‫النظــر عــن كثــب إـلـى كل ـ‬ ‫ف‬ ‫لكوكــب زحــل‪ ،‬كانــت مــدارات المركبــة تختلــف ــي الحجــم والميــل واالتجــاه‪ .‬كمــا‬ ‫كان لدينــا ً‬ ‫أيضــا إمكانيــة تعديــل المــدارات بحيــث تتعمــق المركبــة إللقــاء نظــرة‬ ‫أخــرى‪ ،‬وـفـي بعــض األحيــان عــدة نظــرات‪ ،‬ع ـلـى األشــياء ال ـتـي اكتشــفناها ســابقا‪ً.‬‬ ‫كان طــول فتــرة بقــاء المركبــة كاســيني حــول زحــل عنصـرًا أساسـيًّا ـفـي نجاحنــا‪،‬‬ ‫فالمراقبــة علــى مــدار فتــرة طويلــة هــي الطريقــة الوحيــدة ليتســنى لنــا رؤيــة‬ ‫األحــداث غيــر المتوقعــة مثــل االصطدامــات النيزكيــة بحلقــات زحــل‪ .‬باإلضافــة إـلـى‬ ‫هــذا‪ ،‬فــإن الهجــرة المداريــة البطيئــة والثابتــة ألقمــار زحــل‪ ،‬باإلضافــة إـلـى التغ ُّيــرات‬ ‫الجويــة ال ـتـي تنشــأ عــن االختالفــات الموســمية الكبــرى ـفـي ضــوء الشــمس‪ ،‬كانــت‬ ‫تتطلــب م َّنــا جمــع المشــاهدات ع ـلـى مــدار أطــول فتــرة ممكنــة مــن الوقــت‪ .‬وقــد‬ ‫كان مــن المقــرر أن تســتمر مهمــة كاســيني األساســية أربـ َع ســنوات بحيــث تنتهــي‬ ‫ـفـي ‪ 30‬يونيــو ‪ ،2008‬غيــر أن االنتصــارات المدويــة ال ـتـي حققتهــا المركبــة ـفـي ذلــك‬ ‫الوقــت‪ ،‬والمنطــق الــذي ال يقبــل الجــدل بضــرورة إبقائهــا قيــد العمــل بصفتهــا أحــد‬ ‫األصــول المهمــة غزيــرة اإلنتــاج‪ ،‬ســاعدنا ع ـلـى المطالبــة باســتمرار مهمــة كاســيني‪.‬‬ ‫وقــد تكللــت مســاعينا بالنجــاح‪ ،‬وحصلنــا ع ـلـى التمديــد لعــدة فتــرات‪ ،‬ممــا كفــل‬ ‫لنــا ‪-‬ع ـلـى ســبيل المثــال‪ -‬مشــاهدة اإلضــاءة النــادرة العتــدال زحــل ـفـي أغســطس‬ ‫‪ ،2009‬عندمــا كشــفت أشــعة الشــمس الســطحية ع ـلـى حلقــات زحــل عــن وجــود‬

‫قبــل بدايــة عصــر استكشــاف الفضــاء‪ ،‬ظــن العلمــاء‬ ‫أن أقمــار المجموعــة الشمســية الخارجيــة عبــارة‬ ‫عــن كــرات مــن الجليــد عديمــة المالمــح مائتــة‬ ‫جيولوج ًّيــا‪ ،‬وقــد أثبتــت مركبتــا فوياجــر خطــأ هــذا‬ ‫االفتــراض‪ ،‬وتمثلــت مهمــة كاســيني ـفـي اســتطالع‬ ‫مجموعــة أقمــار زحــل ومحاولــة فهــم تاريخهــا‪ .‬وقــد‬ ‫اتضــح ‪-‬ـفـي بعــض الحــاالت‪ -‬أن ذلــك التاريــخ مميــز‬ ‫ومثيــر لالهتمــام ح ًّقــا‪.‬‬ ‫فلننظــر إلــى القمــر إيابيتــوس علــى ســبيل‬ ‫المثــال؛ فقــد كان مظهــره ذو اللونيــن –إذ إن أحــد‬ ‫نصفيــه أبيــض كالثلــج واآلخــر أســود قاتــم– يمثــل‬ ‫لغــ ًزا لفتــرة طويلــة‪ .‬وقــد تبيَّــن لنــا مــن الصــور‬ ‫عاليــة الدقــة ال ـتـي التقطتهــا كاســيني أنــه ح ـتـى ع ـلـى‬ ‫النطاقــات المحــدودة فــإن القمــر مزيــج َّ‬ ‫مرقــط مــن‬ ‫البقــع الداكنــة والفاتحــة‪ .‬وقــد كشــفت كاميــرات‬ ‫كاســيني ومعداتهــا الحراريــة الســبب وراء هــذا؛ إذ إن‬ ‫اختالفــات األلــوان بيــن النصفيــن والرقــع المرقطــة ســببها عمليــة حراريــة ســريعة‬ ‫تحــدث فقــط ع ـلـى هــذا القمــر الــذي يــدور ببــطء‪ .‬فالمناطــق ال ـتـي تبــدأ داكنــة اللــون‬ ‫تصبــح حــارة بمــا يكفــي لتصعــد إـلـى الجليــد‪ ،‬ومــن َثــم يصبــح لونهــا داك ًنــا أكثــر‬ ‫وحرارتهــا أع ـلـى‪ ،‬أمــا المناطــق ال ـتـي تبــدأ بيضــاء فتكــون أبــرد وتصبــح هــي المناطــق‬ ‫ال ـتـي يتكاثــف فيهــا البخــار المتصاعــد‪ .‬وبمــرور الوقــت يختفــي الجليــد ـفـي المناطــق‬ ‫الداكنــة ويعــود ليتراكــم ـفـي المناطــق البيضــاء‪ .‬كيــف يمكــن لنصــف قمــر كامــل‬ ‫أن يشــارك ـفـي هــذه العمليــة؟ يمــر إيابيتــوس ـفـي مــداره حــول كوكــب زحــل عبــر‬ ‫ســحابة مــن المــواد الداكنــة الدقيقــة ال ـتـي نشــأت عــن القمــر فويــب‪ ،‬وهــو أحــد‬ ‫األقمــار الخارجيــة غيــر النظاميــة لزحــل‪ ،‬وتعمــل هــذه الســحابة ع ـلـى تحويــل نصف‬ ‫إيابيتــوس كامـ ًـا إـلـى اللــون الداكــن وتجعلــه أكثــر دف ًئــا ومــن ثــم خال ًيــا مــن الجليــد‪،‬‬ ‫وهكــذا توصلنــا إـلـى حــل اللغــز‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وثمــة قمــر مميــز آخــر أيضــا هــو تيتــان؛ فقــد تمكنــت كاميــرات المركبــة‬ ‫كاســيني التــي تعمــل فــي النطــاق المر ئــي واألشــعة تحــت الحمــراء القريبــة‬ ‫وكذلــك جهــاز الــرادار مــن ُّ‬ ‫التوغــل عبــر ضبــاب القمــر تيتــان‪ ،‬كمــا أن هبــوط‬ ‫المســبار هويجنــز ـفـي بدايــة عــام ‪ 2005‬إـلـى الغــاف الجــوي للقمــر ع ـلـى مــدار‬ ‫ســاعتين ونصــف نجــح فــي التقــاط صــور بانوراميــة وقياســات لمكوِّنــات‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:41 PM‬‬

‫ ‪25‬‬

‫‪sad1017Porc3p_AR_.indd 25‬‬


‫‪ 13‬ﻋا ًما في زحل‬

‫مع انخفاض مصدر الوقود على متن المركبة الفضائية كاسيني‪ ،‬من المقرر أن تغوص المركبة في الغالف الجوي‬

‫عاما في المدار‪ .‬وطول مدة مهمتها‪ ،‬نجحت في‬ ‫لكوكب زحل في منتصف شهر سبتمبر ‪ 2017‬بعد أن قضت ‪ً 13‬‬ ‫تحقيق اكتشافات غير مسبوقة حول ذلك الكوكب المعقد وأقماره المختلفة وحلقاته‪ .‬لقد أماط ذلك المسبار‬

‫اللثام عن عوالم تتدفق فيها أنهار من الميثان في بحيرات هائلة‪ ،‬وتندفع تيارات متدفقة من البلورات الثلجية من‬

‫ضخما بالكامل‪ .‬وفيما يلي بعض‬ ‫تطوق كوكبً ا‬ ‫محيط تحت السطح إلى الفضاء‪ ،‬وعالم يمكن فيه لعاصفة واحدة أن‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬

‫أبرز اكتشافات المركبة‪.‬‬

‫اﻷﻗمار‬

‫إدوارد بل‬

‫إﻧﺴيالدوس‬

‫على ســطح هذا القمر‪ ،‬اكتشــفت المركبة‬ ‫كاســيني ينابيع ماء حار هائلة تندفع من‬ ‫منطقــة القطــب الجنوبي‪ ،‬كما نراها في هذا‬ ‫التصوير الفني‪ .‬وتشــير األدلة إلى أنها تنبع‬ ‫من محيط ماء تحت الســطح يحتوي على‬ ‫ُمركبــات عضويــة‪ ،‬وربما يكون قادرً ا على‬ ‫إيواء حياة‪.‬‬

‫ﺗيﺘان‬

‫القمــر تيتــان‪ ،‬أكبر أقمار زحل‪ ،‬هو المكان‬ ‫الوحيد في المجموعة الشمســية بخالف‬ ‫كوكب األرض الذي يحتوي على ســوائل‬ ‫ثابتة على ســطحه‪ .‬ويتمتع تيتان بالعديد من‬ ‫العمليات الجيولوجية والجوية المشــابهة‬ ‫لتلــك التــي تحدث على كوكبنا‪ ،‬والتي ينتﺞ‬ ‫تكون قنوات‬ ‫عنهــا أمطــار الميثان التي ِّ‬ ‫األنهــار والبحيــرات والبحار التي تحتوي على‬ ‫الميثان واﻹيثان السـ َ‬ ‫ـائلين‪ .‬وتظهر إحدى تلك‬ ‫البحيــرات فــي هذه الصورة (مزيفة األلوان)‬ ‫التي التقطها رادار كاســيني‪.‬‬

‫إﻳاﺑيﺘوس‬

‫كان هذا القمر غريب األطوار يمثل لغزً ا بسطحه‬ ‫ذي الوجهين الذي يتميز بأن نصفه أسود‬ ‫ونصفه اﻵخر أبيض‪ .‬يهبط الغبار داكن اللون‬ ‫في المسار المداري ﻹيابيتوس على‬ ‫حول‬ ‫الوجه األساسي للقمر‪ ،‬ثم تُ ّ‬ ‫عملية حرارية الثلﺞ من الوجه‬ ‫الداكن إلى الفاتح‪ ،‬وتكشف‬ ‫هذه الصورة القريبة أن‬ ‫العملية الحرارية نفسها‬ ‫تعمل على نطاقات‬ ‫صغيرة ً‬ ‫أيضا‪.‬‬

‫ﻫاﻳبرﻳون‬

‫وجدت المركبة كاسيني أن هذا القمر الشبيه‬ ‫بقطعة الهامبورجر مثقب مثل اﻹسفنﺞ‪ .‬ويعتقد‬ ‫العلماء أن االنخفاض الشديد في كثافته يجعل‬ ‫التصادمات تﺆدي إلى انبعاج السطح ً‬ ‫بدال من‬ ‫التسبب في تكوين حفر فيه‪.‬‬ ‫ﱡ‬

‫‪ ForScience.com 26‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:42 PM‬‬

‫‪sad1017Porc3p_AR_.indd 26‬‬


‫المركبة الفضائية‬

‫منذ استقرت كاسيني حول كوكب زحل في ‪ 30‬يونيو ‪،2004‬‬ ‫اختلفت مداراتها حول الكوكب ‪-‬التي وصل عددها إلى ‪ 293‬مدارً ا‪-‬‬ ‫في الحجم واالتجاه والزاوية؛ كي تمنحها نظرة قريبة وشاملة‬ ‫للعديد من المواقع في ذلك النظام‪ .‬وقد أكملت المركبة مهمتها‬ ‫األساسية المبدئية التي استمرت أربع سنوات في عام ‪ 2008‬ثم‬ ‫بدأت مهمة أخرى مدتها عامان في فترة االعتدال‪ ،‬تبعتها فترة تمديد‬ ‫أخرى مدتها سبع سنوات أطلق عليها مهمة االنقالب الشمسي‪.‬‬

‫الحلقات‬

‫مدارات كاسيني‬ ‫أسفر الفحص الدقيق الذي أجرته‬ ‫المركبة كاسيني لحلقات زحل عن‬ ‫التوصل إلى أن األشكال المروحية‬ ‫مثل تلك الموضحة في الصورة‪-‬‬‫عبارة عن اضطرابات ناجمة عن‬ ‫الجاذبية تسبب فيها قمر أصغر من‬ ‫أن ينجح في إضاءة المنطقة‪.‬‬ ‫القمر الضئيل دافنيس‪ ،‬والذي‬ ‫يظهر كنقطة صغيرة في الفجوة‬ ‫"كيلير" في حلقات زحل‪ ،‬يُ حدث‬ ‫تموجات في حواف الحلقات في‬ ‫أثناء مروره عبرها‪.‬‬

‫جدار هائل الحجم من أنقاض‬ ‫الحلقات يرتفع في بعض األماكن‬ ‫َ‬ ‫عموديا‬ ‫مسافة ‪ 3.5‬كيلومترات‬ ‫ًّ‬ ‫من الحلقة ‪ B‬من حلقات زحل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ويمتد على األقل‬ ‫مسافة ‪ 20‬ألف‬ ‫كيلومتر عبرها‪.‬‬ ‫القمر بان الذي يبلغ عرضه ‪28‬‬ ‫كيلومترً ا في فجوة "إنكي"‪ ،‬وصل‬ ‫إلى هذه الهيئة الكرتونية بسبب‬ ‫ُ‬ ‫تساقط مواد من الحلقات عليه‪.‬‬

‫المهمة األساسية‬ ‫المهمة في فترة االعتدال‬ ‫المهمة في فترة االنقالب‬ ‫الشمسي‬

‫الغالف الجوي‬

‫العاصفة الكبرى‬

‫في عام ‪ ،2010‬اندلعت عاصفة عاتية في الغالف الجوي لكوكب زحل‪ ،‬وبدأت في‬ ‫لتطوق‬ ‫االنتشار حول الكوكب (الصورة ‪ ،)1‬وفي غضون أشهر امتدت تلك العاصفة‬ ‫ِّ‬ ‫الكوكب بأسره‪ ،‬حتى إن بدايتها ونهايتها التقتا‪ .‬وقد صورت المركبة كاسيني صورة‬ ‫تفصيلية (مزيفة األلوان) لطبقات السحب المختلفة للعاصفة (الصورة ‪.)2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫الدوامة القطبية‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫غامضا‬ ‫سداسيا‬ ‫شكل‬ ‫كون دوامة من السحب في القطب الشمالي لكوكب زحل‬ ‫ًّ‬ ‫تُ ّ‬ ‫(الصورة ‪ )1‬وفي منتصفه إعصار جامح (الصورة ‪ .)2‬وقد قاست المركبة كاسيني‬ ‫عرض العين التي تغطي مساحة مذهلة بلغت ‪ 2000‬كيلومتر‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫; ) ‪RON MILLER ( E nceladus surface illustration‬‬ ‫; ) ‪NASA,JPL-CALTECH,ASI AND CORNELL ( T itan surface‬‬ ‫‪COURTESY OF NASA, JPL-CALTECH AND SPACE SCIENCE INSTITUTE‬‬ ‫) ‪( a ll other photographs ) ; EDWARD BELL ( S aturn vertical composite‬‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:42 PM‬‬

‫ ‪27‬‬

‫‪sad1017Porc3p_AR_.indd 27‬‬


‫تتكون حلقات زحل من عدد ال حصر له من الجسيمات الجليدية‪ ،‬بعضها كبير الحجم‬ ‫يضاهي حجم منزل‪ ،‬ويحتوي على فجوات بسبب الجذب الثقالي لألقمار‪.‬‬

‫وقــد تمكنــت المركبــة "كاســيني" مــن التحليــق عبــر ذلــك العمــود مــا يقــرب‬ ‫مــن اثن ـتـي عشــرة مــرة وتحليــل مــواده‪ ،‬وقــد توصلنــا إـلـى أن الجســيمات ال ـتـي‬ ‫نراهــا ـفـي الصــور‪ ،‬وال ـتـي كانــت عبــارة عــن قطــرات مــن المحيــط قبــل ســاعات‬ ‫فقــط‪ ،‬تحمــل دليـ ًـا ع ـلـى وجــود جزيئــات عضويــة كبيــرة الحجــم َّ‬ ‫ومركبــات‬ ‫تشــير إـلـى نشــاط حــراري ما ـئـي مشــابه لذلــك الــذي نــراه ـفـي الفوهــات الحرمائيــة‬ ‫ـفـي قيعــان البحــار والمحيطــات العميقــة ع ـلـى كوكــب األرض‪ .‬كمــا أنهــا تشــير‬ ‫إلــى أن ملوحــة المحيطــات شــبيهة بتلــك الموجــودة علــى األرض‪ ،‬وقــد كان‬ ‫البخــار المصاحــب لتلــك الجســيمات يتكــون مــن المــاء بصفــة أساســية لكنــه‬ ‫يحتــوي علــى كميــات ضئيلــة مــن مركبــات عضويــة بســيطة‪ ،‬وكذلــك ثانــي‬ ‫أكســيد الكربــون واألمونيــا‪ ،‬وجميعهــا مكوِّنــات أساســية لدعــم الحيــاة‪ ،‬بــل‬ ‫ونشــأتها ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫وتشــير النتائــج ال ـتـي توصلــت إليهــا المركبــة كاســيني بوضــوح إـلـى بيئــة تحــت‬ ‫الســطح علــى القمــر إنســيالدوس‪ ،‬قــد تكــون محتويــ ًة علــى نشــاط بيولوجــي‪.‬‬ ‫ويتعيــن علينــا اآلن التصــدي لألســئلة ال ـتـي طالمــا اقشــعرت لهــا األبــدان‪ :‬هــل يُؤوي‬ ‫ذلــك العالــم الجليــدي الصغيــر نشــأة ثانيــة للحيــاة ـفـي مجموعتنــا الشمســية؟ هــل‬ ‫يمكــن أن تكــون هنــاك عالمــات ع ـلـى وجــود حيــاة ـفـي ذلــك العمــود المتدفــق؟ هــل‬ ‫يمكــن أن تكــون الكائنــات المجهريــة منتشــر ًة ع ـلـى ســطحه؟ مــا مــن جــرم ســماوي‬ ‫آخــر يمتلــك بهــذا الوضــوح جميــع الخصائــص ال ـتـي نــرى أنهــا مقوِّمــات أساســية‬ ‫لوجــود الحيــاة‪ .‬إنــه يمثــل ـفـي الوقــت الراهــن المــكان األمثــل للبحــث عــن حيــاة ـفـي‬ ‫المجموعــة الشمســية‪ .‬وقــد افتتــن بعضنــا بهــذا االحتمــال ح ـتـى إننــا نعمــل ع ـلـى‬ ‫تصميــم بعثــات تعــود إـلـى القمــر إنســيالدوس الستكشــاف هــذا األمــر‪.‬‬ ‫حلقات زحل‬

‫إن هــذه الحلقــات بالطبــع هــي مــا يضفــي علــى كوكــب زحــل هــذا المظهــر‬ ‫الخــاب الــذي يميــزه‪ ،‬وقــد كان فهــم آليــة العمــل المعقــدة لتلــك الحلقــات ً‬ ‫هدفــا‬ ‫أساسـيًّا مــن أهــداف المركبــة كاســيني‪ .‬وهــذه الحلقــات مــا هــي إال الحالــة النهائيــة‬ ‫الطبيعيــة النهيــار ســحابة دوارة مــن األنقــاض‪ ،‬ومــن ثــم فإنهــا أقــرب شــبيه لقــرص‬ ‫األنقــاض الــذي نعتقــد أنــه قــدم المــواد الخــام لتكــوُّن مجموعتنــا الشمســية‪.‬‬ ‫كمــا أنهــا تمثــل نموذ ًجــا ألقــراص النجــوم األوليــة ال ـتـي ُتو َلــد مــن رحمهــا األنظمــة‬ ‫الشمســية الجديــدة‪ ،‬بــل وح ـتـى لمليــارات المــراوح مــن الغبــار والغــازات ال ـتـي نطلــق‬ ‫عليهــا المجــرات الحلزونيــة‪ .‬ومــن بيــن كل الظواهــر ال ـتـي تســتحق الدراســة ع ـلـى‬ ‫ســطح كوكــب زحــل‪ ،‬كانــت الحلقــات تمثــل الهــدف العلمــي األكبــر‪ ،‬الــذي يمتــد‬ ‫مــن جــوار كوكبنــا إـلـى آفــاق الكــون‪.‬‬

‫‪COURTESY OF NASA, JPL AND SPACE SCIENCE INSTITUTE‬‬

‫الغــاف الجــوي والشــفافية والريــاح ودرجــة الحــرارة قبــل أن يســتقر المســبار‬ ‫ع ـلـى ســطح القمــر‪ .‬وـفـي مجمــل األمــر‪ ،‬مــا توصلــت إليــه كاســيني ع ـلـى ســطح‬ ‫تيتــان ال يمكــن أن نصفــه ســوى بأنــه عا َلــم خــارج حــدود الخيــال العلمــي‪،‬‬ ‫حيــث كانــت المناظــر الطبيعيــة –مــن تضاريــس وســحب– يســهل تمييزهــا‬ ‫غيــر أنهــا مكونــة مــن مــواد غيــر تقليديــة‪ ،‬فيبــدو شــكل المــكان وكأنــه مألــوف‬ ‫ولكنــه ليــس كذلــك ح ًّقــا‪.‬‬ ‫وقــد اكتشــفنا أن القمــر تيتــان يحتــوي علــى بحيــرات وبحــار ال تتكــون مــن‬ ‫المــاء وإنمــا مــن الميثــان الســائل‪ .‬فعنــد القطــب الجنو ـبـي للقمــر‪ ،‬التقطــت كاميــرا‬ ‫المركبــة كاســيني عاليــة الدقــة بحيــرة ســائلة تقتــرب فــي الحجــم مــن بحيــرة‬ ‫أونتاريــو (ومــن هنــا أطلــق عليهــا اســم "أونتاريــو الكــوس") ـفـي وســط منطقــة مــن‬ ‫التضاريــس المماثلــة األصغــر حجمً ــا‪ .‬وقــد تحققــت األدوات األخــرى علــى متــن‬ ‫المركبــة ـفـي وقــت الحــق مــن أن هــذه البحيــرة تتكــون مــن الميثــان الســائل ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫ومنــذ ذلــك الحيــن‪ ،‬عثرنــا ع ـلـى العديــد مــن بحيــرات الميثــان الســائل مختلفــة‬ ‫ولســبب مــا تتمركــز تلــك البحيــرات فــي خطــوط العــرض الشــمالية‬ ‫األحجــام‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫البعيــدة‪ .‬كمــا كشــف الرصــد عبــر الــرادار عــن وجــود خطــوط ســاحلية صخريــة‬ ‫وعــرة تشــبه ســاحل ميــن ـفـي الواليــات المتحــدة األمريكيــة‪ .‬وع ـلـى النقيــض‪ ،‬فــإن‬ ‫الســهول االســتوائية ال ـتـي هبــط عليهــا مســبار هويجنــز جافــة ومغطــاة بالكثبــان‬ ‫التــي تمتــد لمســافات طويلــة‪ ،‬ال تقاطعهــا ســوى مناطــق مرتفعــة ً‬ ‫قليــا هنــا‬ ‫وهنــاك ـفـي جميــع أنحــاء ســطح ذلــك القمــر‪.‬‬ ‫وبطبيعــة الحــال‪ ،‬أدى وجــود البحيــرات والبحــار مــن المــواد العضويــة الســائلة‬ ‫علــى ســطح القمــر تيتــان إلــى ظهــور افتراضــات حــول مــا إذا كانــت تضــم بيــن‬ ‫جنباتهــا شـ ً‬ ‫ـكل مــن أشــكال الحيــاة‪ .‬غيــر أن درجــة الحــرارة ع ـلـى هــذا القمــر شــديدة‬ ‫االنخفــاض؛ إذ تصــل إلــى ‪ -180‬درجــة مئويــة‪ .‬وســيكون مــن المثيــر للدهشــة‬ ‫العثــور ع ـلـى تفاعــات كيميائيــة مشــابهة لتلــك ال ـتـي نــرى أنهــا مطلوبــة لعمليــات‬ ‫الكيميــاء الحيويــة القائمــة ع ـلـى المــاء ال ـتـي تحــدث ـفـي درجــات حــرارة مماثلــة‪ ،‬ولكــن‬ ‫إذا مــا توصلنــا إـلـى وجــود كيميــاء حيويــة "فضائيــة" تزدهــر ـفـي الميثــان‪ ،‬فــإن هــذا‬ ‫االكتشــاف مــن شــأنه أن يكــون اكتشـ ً‬ ‫ـافا تاريخ ًّيــا مذهـ ًـا‪.‬‬ ‫ولكــن ـفـي رأ ـيـي الشــخصي فــإن موضــع االكتشــاف األكبــر للمركبــة كاســيني هــو‬ ‫دون شــك ســطح القمــر إنســيالدوس‪ ،‬وهــو قمــر جليــدي يبلــغ حجمــه ُعشــر حجــم‬ ‫القمــر تيتــان‪ .‬وقــد كشــفت المركبتــان فوياجــر عــن وجــود امتــدادات شاســعة‬ ‫مــاض يتميــز بنشــاط داخلــي‬ ‫ومســتوية إـلـى حــ ٍّد مثيــر للدهشــة توحــي بوجــود ٍ‬ ‫مكثــف وربمــا طبقــة مــن المــاء الســائل مدفونــة تحــت القشــرة الجليديــة‪ ،‬كل هــذا‬ ‫ع ـلـى ســطح قمــر يبــدو أصغــر مــن أن تتكــون عليــه هــذه الظواهــر‪.‬‬ ‫جــاءت اإلشــارات األوـلـى ع ـلـى وجــود نشــاط ع ـلـى ســطح القمــر إنســيالدوس ـفـي‬ ‫وقــت مبكــر مــن عمــر هــذه البعثــة‪ ،‬ـفـي ينايــر ‪ ،2005‬عندمــا اكتشــفنا ُ‬ ‫تصاعــد عمــود‬ ‫مــن الجســيمات الجليديــة ينبعــث مــن القطــب الجنو ـبـي‪ ،‬وقــد أتيحــت الصــور ع ـلـى‬ ‫الفــور للعامــة‪ ،‬وأطلــق هــذا موجــة مــن الحماســة الشــديدة بيــن متابعــي المركبــة‬ ‫كاســيني ع ـلـى اإلنترنــت‪ .‬وســرعان مــا أكــدت أدوات كاســيني األخــرى أن هــذا العمود‬ ‫المتصاعــد حقيقــي بالفعــل‪ ،‬وجــاءت اســتجابة العامليــن ع ـلـى تشــغيل المركبــة‬ ‫ســريعة؛ إذ غيــروا مســارها للحصــول ع ـلـى نظــرة أكثــر قربًــا وتمع ًنــا‪ .‬وقــد أذهلنــا مــا‬ ‫اكتشــفناه عــن القمــر إنســيالدوس ـفـي أثنــاء ذلــك الجــزء المبكــر مــن البعثــة‪ ،‬غيــر أنــه‬ ‫لــم يتسـ َّ‬ ‫ـت ومــوارد هائلــة لفحــص هــذا المــكان المذهــل ســوى‬ ‫ـن لنــا تكريــس وقـ ٍ‬ ‫بعــد عــام ‪ ،2008‬عندمــا حصلنــا ع ـلـى موافقــة ناســا ع ـلـى مــد الوقــت المخصــص‬ ‫لمهمــة كاســيني‪.‬‬ ‫أصبحنــا نعــرف اآلن أن إنســيالدوس قمــر يتعــرض للشــد والجــذب بفعــل‬ ‫قــوى جاذبيــة المــد والجــزر لكوكــب زحــل‪ ،‬وتنتــج طاقــة المــد والجــزر هــذه‬ ‫طاقــة حــرارة داخليــة كافيــة لتكويــن محيــط ما ـئـي عالمــي‪ ،‬قــد يصــل ُســمكه ـفـي‬ ‫بعــض األماكــن إـلـى ‪ 50‬كــم‪ ،‬مدفــون تحــت طبقــة خارجيــة مــن الجليــد يبلــغ‬ ‫ســمكها بضعــة كيلومتــرات‪ .‬وثمــة أكثــر مــن ‪ 100‬ينبــوع مــاء حــار يتدفــق مــن‬ ‫أربعــة صــدوع بــارزة ـفـي منطقــة القطــب الجنو ـبـي‪ ،‬ممــا يــؤدي إـلـى نشــأة عمــود‬ ‫مــن جســيمات الجليــد الدقيقــة وبخــار يمتــد لمئــات الكيلومتــرات فوق الســطح‪،‬‬ ‫وتتســاقط معظــم الكتــل الصلبــة ـفـي ذلــك العمــود عائــدة إـلـى الســطح‪ ،‬ولكــن‬ ‫نســبة ضئيلــة منهــا تمتــد لتكــوِّن الحلقــة ‪ E‬الكبيــرة والمتفرقــة مــن حلقــات‬ ‫كوكــب زحــل‪.‬‬ ‫‪ ForScience.com  28‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:42 PM‬‬

‫‪sad1017Porc3p_AR_.indd 28‬‬


‫مــن خــال القياســات التــي رصدتهــا المركبــة كاســيني‪ ،‬توصلنــا إلــى فهــم‬ ‫لنشــأة الجــزء األكبــر مــن بنيــة حلقــات زحــل‪ .‬ففــي مواضــع محــددة‪ ،‬وجدنــا أن‬ ‫تأثيــر جاذبيــة أحــد األقمــار البعيــدة ال ـتـي تــدور حــول الكوكــب قــد تســبب ـفـي‬ ‫اضطــراب مــدارات جســيمات الحلقــات‪ ،‬ممــا تمخــض عــن تكـوُّن حــواف حــادة‬ ‫أو اضطرابــات موجيــة تنتشــر إـلـى الخــارج ـفـي نمــط حلزو ـنـي‪ .‬وـفـي مواضــع أخــرى‪،‬‬ ‫كانــت فيهــا األقمــار مدمجــة ـفـي الحلقــات‪ ،‬كانــت الجاذبيــة تــؤدي إـلـى تشــكيل‬ ‫الجســيمات ـفـي ب ـنـى جميلــة الشــكل‪ .‬فع ـلـى ســبيل المثــال‪ ،‬هــذا مــا فعلــه القمــر‬ ‫"بــان"‪ ،‬الــذي يبلــغ عرضــه ‪ 30‬كيلومتـرًا تقري ًبــا ويقــع ـفـي فجــوة "إنكــي" الحلقيــة‬ ‫فــي الجســيمات المحيطــة بــه‪ ،‬وبدورهــا أعــادت مــواد الحلقــة التــي تحركــت‬ ‫تحــت تأثيــر الجاذبيــة تشــكيل القمــر بــان‪ ،‬وجعلتــه يبــدو كمــا لــو أنــه يرتــدي‬ ‫تنــورة قصيــرة‪.‬‬ ‫وـفـي المناطــق مــن الحلقــات ال ـتـي تكــون فيهــا الجســيمات شــديدة الكثافــة‪،‬‬ ‫اكتشــفنا موجــات ذاتيــة التو ُّلــد يتــراوح طولهــا الموجــي مــن ‪ 100‬متــر إـلـى مئــات‬ ‫الكيلومتــرات تنتشــر عبــر القــرص‪ .‬ويمكــن أن تعكــس هــذه الموجــات تقطعــات‬ ‫حــادة ـفـي تركيــزات الجســيمات وتتداخــل مــع نفســها ومــع بعضهــا‪ ،‬ممــا يــؤدي‬ ‫إـلـى نشــأة ظواهــر جغرافيــة فوضويــة الشــكل‪ .‬ويتضمــن فهمنــا لبنيــة الحلقــات‬ ‫اآلن تأكي ـ َد مــا توقعتــه أنــا ومــارك مارـلـي‪ ،‬الــذي يعمــل حال ًّيــا ـفـي مركــز أميــس‬ ‫البح ـثـي التابــع لوكالــة ناســا‪ ،‬ـفـي عــام ‪ ،1993‬وهــو أن الذبذبــات الصوتيــة داخــل‬ ‫جســم كوكــب زحــل يمكــن أن تــؤدي ً‬ ‫أيضــا إـلـى نشــأة معالــم ـفـي الحلقــات‪ .‬وبهــذه‬ ‫الطريقــة‪ ،‬تعمــل حلقــات زحــل كجهــاز لقيــاس الــزالزل‪.‬‬ ‫توصلــت كاســيني إـلـى كبــرى المفاجــآت المتعلقــة بالحلقــات تقري ًبــا ـفـي أثنــاء‬ ‫فتــرة االعتــدال ـفـي أغســطس ‪ ،2009‬فقــد وجدنــا ع ـلـى طــول الحافــة الخارجيــة‬ ‫الحــادة للحلقــة األضخــم مــن حلقــات زحــل (الحلقــة ‪ )B‬سلســلة متصلــة مذهلــة‬ ‫مــن الظــال المدببــة يصــل طولهــا إـلـى ‪ 20‬ألــف كيلومتــر‪ ،‬ممــا يوحــي بوجــود‬ ‫"جبــال الحلقــات"‪ ،‬وهــي أمــواج مــن الجســيمات تمتــد مســافة ‪ 3‬كيلومتــرات‬ ‫فــوق ســطح الحلقــة‪ .‬وربمــا تكــون هــذه المعالــم قــد تكونــت نتيجــة الضغــط‬ ‫الهائــل للمــواد ال ـتـي تمــر حــول األقمــار الصغيــرة ال ـتـي وقعــت تحــت تأثيــر الرنيــن‬ ‫المــداري ع ـلـى حافــة الحلقــة‪ ،‬مثــل الميــاه المتدفقــة ال ـتـي ترتطــم بمنحــدر ضخــم‬ ‫ع ـلـى الشــاطئ‪.‬‬ ‫وفــي اكتشــاف آخــر‪ ،‬رأينــا ً‬ ‫نمطــا حلزونيًّــا دقي ًقــا للغايــة وشــديد اإلحــكام‬ ‫يســتمر دون انقطــاع مســاف َة ‪ 19‬ألــف كيلومتــر عبــر الجــزء الداخلــي مــن‬ ‫الحلقتيــن ‪ C‬و‪ .D‬وقــد كشــفت بعــض األبحــاث الدقيقــة التــي أجراهــا مــات‬ ‫هيدمــان ‪-‬الــذي يعمــل حال ًّيــا بجامعــة إيداهــو‪ -‬وزمــاؤه أن اصطدا ًمــا بأنقــاض‬ ‫مذنــب داخــل الحلقــات الداخليــة ـفـي عــام ‪ 1983‬هــو ع ـلـى األرجــح الــذي دفــع‬ ‫جميــع جســيمات الحلقــة فــي منطقــة التصــادم إلــى مــدارات منحرفــة‪ ،‬وهــذه‬ ‫المــدارات تــدور مثــل الدوامــة‪ ،‬بحيــث يكــون دوران المــدارات الداخليــة أســرع مــن‬ ‫الخارجيــة‪ .‬ومنــذ ذلــك الوقــت‪ ،‬أصبــح هــذا االضطــراب أكثــر تقيـ ًدا وإحكا ًمــا‪ ،‬ممــا‬ ‫أدى إـلـى نشــأة نمــط تمـوُّج حلزو ـنـي يصــل ارتفاعــه إـلـى ثالثــة أمتــار ـفـي الحلقــات‪.‬‬ ‫ولــم تكــن تلــك البنيــة موجــودة ـفـي أثنــاء مــرور مركب ـتـي فوياجــر‪ .‬لقــد تبيــن لنــا‬ ‫أن المجموعــة الشمســية عبــارة عــن أعجوبــة ديناميكيــة‪ ،‬وتم ِّثــل حلقــات زحــل ـفـي‬ ‫صـى مثـ ًـال نموذج ًّيــا ع ـلـى تعقيــد الجاذبيــة‬ ‫أشــكالها الســائلة ال ـتـي ال تعــد وال تح ـ‬ ‫والتوســع‪ .‬إنــه عمــل يفــوق ح ـتـى‬ ‫غيــر المحــدود وعالميتهــا وقدرتهــا ع ـلـى الزيــادة‬ ‫ُّ‬ ‫براعــة أكثــر الفنانيــن موهبــة وإبدا ًعــا‪.‬‬ ‫الغالف الجوي‬

‫فحصــت المركبــة كاســيني ً‬ ‫أيضــا تكويــن الغــاف الجــوي لكوكــب زحــل وســلوكه‬ ‫بتفصيــل شــديد‪ ،‬وكشــفت الســتار عــن بعــض الخصائــص غيــر المتوقعــة‪ .‬فقــد‬ ‫َّ‬ ‫تمكنــت المعــدات واألدوات ع ـلـى المركبــة مــن دراســة الغــاف الجــوي لزحــل ع ـلـى‬ ‫نطــاق واســع مــن االرتفاعــات‪ ،‬كاشــف ًة أنمــاط الــدوران العامــة لــه وتكوينــه وبنيتــه‬ ‫العموديــة‪ .‬ينقســم الغــاف الجــوي للكوكــب إـلـى نطاقــات عريضــة ع ـلـى غــرار‬ ‫الغــاف الجــوي لكوكــب المشــتري‪ ،‬رغــم أن نطاقــات زحــل أقــل وضو ًحــا مــن‬ ‫الخــارج نظ ـرًا لوجــود طبقــة كثيفــة مــن الضبــاب فــوق ســطح ســحب األمونيــا‬ ‫العليــا‪ .‬وعندمــا فحصــت المركبــة كاســيني أســفل الضبــاب وصـ ً‬ ‫ـول إـلـى طبقــة‬ ‫التروبوســفير‪ ،‬كشــفت أن عــرض نطاقــات زحــل يتنــاوب مــع دائــرة العــرض؛‬

‫إذ إن النطاقــات األضيــق تكــون داكنــة اللــون وتتوافــق مــع التيــارات المتدفقــة‬ ‫الســريعة‪ ،‬والنطاقــات األعــرض تميــل ألن تكــون فاتحــة اللــون أكثــر وتتوافــق‬ ‫مــع التيــارات األبطــأ وال ـتـي ربمــا تكــون ســاكنة‪ ،‬مقارنــة بالــدوران العــام للكوكــب‪.‬‬ ‫وبصــورة عامــة‪ ،‬يبــدو الغــاف الجــوي لزحــل ســاك ًنا إـلـى حـ ٍّد مــا مــع مــرور الوقــت‪،‬‬ ‫سـي الشــكل المثيــر للدهشــة عنــد القطــب الشــمالي‬ ‫ح ـتـى التيــار المتدفــق سدا ـ‬ ‫لــم يتغيــر ســوى ً‬ ‫قليــا‪ ،‬منــذ أن التقطتــه مركبــة فوياجــر للمــرة األولــى‪ ،‬كمــا‬ ‫ل‬ ‫أثبتــت كاســيني‪ .‬لقــد توصلنــا إــى أن الثبــات واالســتقرار ســمة شــائعة ألنظمــة‬ ‫الغــاف الجــوي هائلــة الحجــم ـفـي الكواكــب العمالقــة؛ ففــي ظــل عــدم وجــود‬ ‫ســطح صلــب أســفل الغــازات‪ ،‬مــا مــن احتــكاك لنشــر حركــة الغــاف الجــوي‬ ‫ال ـتـي بمجــرد مــا تبــدأ فإنهــا تســتمر‪.‬‬ ‫غيــر أننــا شــعرنا بســعادة غامــرة عندمــا اكتشــفنا أن الغــاف الجــوي لزحــل‬ ‫ليــس عديــم االســتجابة تما ًمــا لتغ ُّيــر الفصــول؛ إذ إنــه أع ـلـى الســحب ـفـي شــتاء‬ ‫النصــف الشــمالي‪ ،‬كان الكوكــب يُعِ ـ ُّد ً‬ ‫عرضــا غيــر متوقــع عندمــا وصلــت المركبة‬ ‫كاســيني ألول مــرة؛ إذ كان يرتــدي ثوبــه األزرق! نظــرًا ألن مــرور مركبتــي‬ ‫فوياجــر بالقــرب مــن الكوكــب كان بالقــرب مــن فتــرة االعتــدال وبالتاـلـي لــم‬ ‫يلتقــط أي صــور للشــتاء‪ ،‬فقــد كان ذلــك التلــوُّن الصــارخ مفاجــأة كبيــرة‪.‬‬ ‫واالحتمــال األرجــح لدينــا هــو أن انخفــاض ُّ‬ ‫تدفــق األشــعة فــوق البنفســجية ـفـي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫أثنــاء الشــتاء‪ ،‬إـلـى جانــب تأثيــر ظــال الحلقــة ــي حجــب الشــمس ــي نصــف‬ ‫الكــرة الــذي يتعــرض للشــتاء‪ ،‬يقلــل مــن إنتاجيــة الضبــاب المحيــط بالكوكــب‪،‬‬ ‫وصفــاء الغــاف الجــوي يع ـنـي فرصــة أفضــل لحــدوث ظاهــرة "تبعثــر ريليــه"‬ ‫وهــي العمليــة ال ـتـي ُتحـوِّل الغــاف الجــوي لــأرض إـلـى اللــون األزرق– وكذلــك‬‫فرصــة أفضــل للميثــان فــي الغــاف الجــوي المتصــاص األشــعة الحمــراء‬ ‫الصــادرة مــن الشــمس‪ .‬تلــك الهالــة البديعــة مــن اللــون األزرق الســماوي‬ ‫ال ـتـي تل ـوِّن نصــف الكوكــب الــذي يتعــرض للشــتاء ـفـي الصــور ال ـتـي التقطناهــا‬ ‫لكوكــب زحــل هــي ـفـي الواقــع جــزءًا مــن اقتــران الغــاف الجــوي لكوكــب نبتــون‬ ‫بالغــاف الجــوي لزحــل‪.‬‬ ‫ومــن أبــرز الخصائــص ال ـتـي تميــز كوكــب زحــل‪ ،‬وال ـتـي نعرفهــا منــذ قــرن مــن‬ ‫الزمــان‪ ،‬أنــه يتعــرض النــدالع عواصــف عاتيــة ع ـلـى نطــاق زم ـنـي مــن العقــود‪ ،‬ومــن‬ ‫ثــم كان مــن المثيــر للغايــة بالنســبة لنــا أن نشــهد إحــدى العواصــف فــي أواخــر‬ ‫عــام ‪ .2010‬فع ـلـى مــدار فتــرة تصــل إـلـى قرابــة ‪ 270‬يو ًمــا‪ ،‬راقبنــا هــذه العاصفــة‬ ‫العمالقــة العاتيــة ومــا ينتــج عنهــا مــن بــرق وهــي تولــد ـفـي صــورة اضطــراب صغيــر‬ ‫ـفـي نصــف الكوكــب الشــمالي‪ ،‬ثــم تنمــو وتنتشــر انتشــارًا واسـ ًـعا حــول الكوكــب ح ـتـى‬ ‫إن نهايتهــا المســت بدايتهــا‪ ،‬ثــم تختفــي فــي نهايــة المطــاف‪ .‬وقــد كانــت تلــك‬ ‫ظاهــرة أخــرى لــم يتسـ َّ‬ ‫ـن أليــة مركبــة فضائيــة أخــرى رؤيتهــا‪ .‬وـفـي اعتقادنــا‪ ،‬فــإن‬ ‫الميــاه ال ـتـي يتكــون منهــا الســطح العلــوي ألبعــد ســحب زحــل‪ ،‬يمكــن أن تكبــت‬ ‫الحمــل الحــراري فــي الغــاف الجــوي الــذي يتكــون بصــورة أساســية مــن غــاز‬ ‫الهيدروجيــن الخفيــف لفتــرة تصــل إـلـى عقــود‪ ،‬ح ـتـى تنتصــر قــوى الطفــو وينتــج‬ ‫عنهــا انفجــار حمــل حــراري هائــل‪.‬‬ ‫مستكشفة العوالم‬

‫لطالمــا كانــت المركبــة كاســيني ‪-‬منــذ بدايتهــا فــي عــام ‪ 1990‬وحتــى نهايتهــا‬ ‫الدراميــة ـفـي ســبتمبر مــن هــذا العــام‪ -‬تمثــل عنص ـرًا أساس ـيًّا حقــق نجا ًحــا باه ـرًا‬ ‫ـفـي مســاعي البشــرية ال ـتـي امتــدت ع ـلـى مــدار ســتة عقــود الستكشــاف الكــون وراء‬ ‫حــدود كوكبنــا‪ .‬فقــد كشــفت رحلتهــا االستكشــافية التاريخيــة حــول كوكــب زحــل‬ ‫تفاصيــل معقــدة فــي آليــة عمــل ذلــك النظــام الكوكبــي الجــذاب والغريــب‪ .‬لقــد‬ ‫وســعت آفــاق فهمنــا للقــوى ال ـتـي جعلــت كوكــب زحــل ومــا يحيــط بــه‪ ،‬ومجموعتنــا‬ ‫الشمســية‪ ،‬ومــن ثــم األنظمــة النجميــة والكوكبيــة األخــرى ـفـي أرجــاء الكــون‪ ،‬ع ـلـى مــا‬ ‫هــي عليــه اليــوم‪.‬‬ ‫إننــا علــى األرجــح لــن نــرى عــن قريــب عــودة بعثــة بإمكانيــات كاســيني‬ ‫وقدراتهــا إـلـى كوكــب زحــل‪ .‬وقــد كانــت مشــاركتي ـفـي هــذه المغامــرة الرائعــة تع ـنـي‬ ‫أن أعيــش حيــاة المستكشــف ‪-‬المرهقــة والمثمــرة ـفـي الوقــت نفســه‪ -‬الــذي يســبر‬ ‫أغــوار العوالــم البعيــدة‪ .‬لقــد انتهــت مشــاركتي ـفـي هــذا المشــروع اآلن‪ ،‬ولكــن يغمر ـنـي‬ ‫شــعور بالرضــا واالمتنــان ألننــي أعــرف أن قصــة كاســيني ســتظل مصــدر إلهــام‬ ‫للبشــرية لســنوات طويلــة قادمــة‪.‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:42 PM‬‬

‫ ‪29‬‬

‫‪sad1017Porc3p_AR_.indd 29‬‬


‫مفارقة التمرينات‬ ‫هل تحرق الرياضة مزي ًدا من‬ ‫حقا؟‬ ‫السعرات الحرارية ًّ‬ ‫تطور‬

‫تساعد الدراسات التي أُجريت حول كيفية حرق‬ ‫جسم اإلنسان للسعرات الحرارية على تفسير‬ ‫لماذا ال يؤثر النشاط البدني إال تأثي ًرا محدو ًدا فيما‬ ‫يتعلق بالتحكم في الوزن‪ ،‬وكيف اكتسب البشر‬ ‫ً‬ ‫بعضا من أبرز الصفات المميِّزة لهم‪.‬‬ ‫هيرمان بونتزر‬

‫فــي سـطـــور‬

‫بدنيا يحرقون‬ ‫ثمة اعتقاد سائد بأن األشخاص النشيطين ًّ‬ ‫نشاطا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سعرات حرارية أكثر مما يفعل األشخاص األقل‬ ‫لكن الدراسات تثبت أن المجتمعات البشرية القائمة على‬ ‫الصيد وجمع والتقاط الغذاء‪ ،‬والذين يعيشون حياة صعبة‬ ‫بدنيا‪ ،‬يحرقون نفس السعرات الحرارية التي يحرقها األشخاص‬ ‫ًّ‬ ‫الذين تتوفر لهم وسائل الراحة الحديثة‪.‬‬ ‫يثير اكتشاف أن إنفاق الطاقة في البشر تحكمه بعض‬ ‫ً‬ ‫أسئلة حول كيفية عمل دماغ اإلنسان كبير الحجم‪،‬‬ ‫القيود‬ ‫وحول كيفية تطور بعض الصفات األخرى المتطلبة للطاقة‪.‬‬ ‫تشير المقارنة بين إنفاق الطاقة في البشر وإنفاق الطاقة‬ ‫األيضي لدى البشر قد تطور‬ ‫المحرك‬ ‫في القردة العليا إلى أن‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫المتطلبة للطاقة‪.‬‬ ‫إلنجاز الكثير من العمل لدعم الخصائص‬

‫‪Illustration by Bomboland‬‬

‫‪10/10/17 12:45 PM‬‬

‫‪Exercise Paradox_new.indd 30‬‬


‫ت البدنية‬

Exercise Paradox_new.indd 31

10/10/17 12:45 PM


‫لم نر أي‬ ‫زرافات حتى‬ ‫اآلن‪،‬‬

‫هيرمان بونتزر عالم أنثروبولوجيا في كلية هانتر‪،‬‬ ‫ويدرس إنفاق الطاقة في البشر والقردة العليا‬ ‫الختبار الفرضيات المختلفة حول تطور فسيولوجيا‬ ‫وتشريح اإلنسان‬

‫لم نر أي زرافات حتى اآلن‪ ،‬كنا نحن األربعة‬

‫ي أول‬ ‫وُود مــن جامعــة يِيــل‪ ،‬طيلـ َة الشــهر الما ـ‬ ‫ضـي مــع قبيلــة الهــادزا ل ُنجــر َ‬ ‫قد سرنا نصف النهار مُ تع ِّقبين الزرافة‬ ‫ـارس أفــرا ُده‬ ‫قياســات مباشــرة ع ـلـى إنفــاق الطاقــة اليومــي ـفـي مجتمـ ٍـع يمـ ُ‬ ‫الجريحة التي أصابها مواساد‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫رجل من‬ ‫الصيـ َد والجمــع وااللتقــاط‪ .‬واشــترك ـفـي هــذه التجربــة بضعة وعشــرين ً‬ ‫رجل‬ ‫قبيلة الهادزا في أواخر الثالثينيات من العمر‪ ،‬في الليلة السابقة‪ .‬أطلق مواساد‬ ‫وامــرأة مــن الهــادزا‪ ،‬مــن بينهــم مواســاد‪ ،‬وطلبنــا منهــم أن يشــربوا زجاجــات‬ ‫َّ‬ ‫صغيــرة باهظــة الثمــن مــن المــاء المُ دعــم باثنيــن مــن النظائــر النــادرة‪ ،‬همــا‬ ‫على الزرافة سهمً ا خشبيًّا ذا ٍّ‬ ‫سن فوالذية عليها مَسحة من ُسمٍّ قوي مصنوع‬ ‫الديوتيريــوم واألكســجين ‪ .18‬وســيتيح لنــا تحليــل تركيــز هــذه النظائــر‬ ‫في المنزل‪ ،‬من مسافة حوالي ‪ 23‬مترًا تقريبًا‪ ،‬فأصابها في قاعدة العنق‪ .‬تعيش‬ ‫فــي عيِّنــات البــول مــن كل مشــاركٍ فــي الدراســة حســاب معــدل اإلنتــاج‬ ‫اليومــي لثا ـنـي أكســيد الكربــون ـفـي جســمه‪ ،‬ومــن ثــم حســاب معــدل إنفاقــه‬ ‫قبيلة الهادزا تقليد ًّيا على الصيد وجمع والتقاط الطعام‪ ،‬ويعيشون بعي ًدا عن‬ ‫مــن الطاقــة‪ .‬وهــذا النهــج‪ ،‬والمعــروف باســم اســتخدام المــاء غيــر المشــع‪،‬‬ ‫النباتات والحيوانات البرية في منطقة السافانا الجافة شمالي تنزانيا؛ ويعرفون‬ ‫هــو بمنزلــة المعيــار الذه ـبـي ـفـي مجــال الصحــة العامــة لقيــاس الســعرات‬ ‫المنطقة وساكنيها أفضل مما َت ُ‬ ‫عرف أنت الفرع المحلي القريب لمنزلك من‬ ‫الحراريــة ال ـتـي ُتحـرَق َّ‬ ‫كل يــوم ـفـي أثنــاء الحيــاة اليوميــة العاديــة‪ .‬إنهــا طريقـ ٌة‬ ‫ُ‬ ‫سلسل ِة متاجر "تريدر جوز"‪ .‬لقد َ‬ ‫المشــارك فــي‬ ‫مباشِ ــرة وآمنــة تمامًــا ودقيقــة‪ ،‬لكنهــا تتطلــب أن يشــرب‬ ‫ترك مواساد الزراف َة تجري ليُتيحَ وق ًتا للسمِّ‬ ‫التجربــة زجاجـ َة المــاء المدعــم إـلـى آخــر قطــرة‪ .‬ولقــد جاهدنــا كثيـرًا ِّ‬ ‫لنوضــح‬ ‫كي يظهر مفعوله‪ ،‬على أمل أن يعثر على الزرافة ميت ًة في الصباح‪ .‬إن حيوانًا‬ ‫للمشــاركين كيــف يجــب عليهــم أال يســكبوا قطــر ًة مــن الزجاجــة‪ ،‬وكيــف‬ ‫بهذا الحجم يكفي إلطعام مواساد وعائلته وقبيلته لمدة أسبوع‪ ،‬فقط لو‬ ‫يتحتــم عليهــم أن يشــربوا الجُرعــة كاملـ ًة‪ ،‬ويبــدو أن مواســاد قــد اســتوعب‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫تلــك التعليمــات جي ـدا وأخلــص ــي تطبيقهــا‪.‬‬ ‫تمكن من معرفة موقعها‪.‬‬ ‫فلنــدع دعابــة مواســاد جان ًبــا اآلن‪ ،‬لقــد تعلمنــا ‪-‬أنــا وزمال ـئـي‪ -‬الكثيــر عــن‬ ‫كيفيــة حــرق الجســم البشــري للســعرات الحراريــة مــن خــال دراســتنا ال ـتـي‬ ‫قــاد مواســاد مجموعتنــا ‪-‬ال ـتـي تضــمُّ ديــف ريتشــلين مــن جامعــة أريزونــا‪ ،‬وصب ًّيــا أجريناهــا ع ـلـى قبيلــة الهــادزا‪ .‬وباإلضافــة إـلـى النتائــج ال ـتـي توصــل إليهــا الباحثــون الذيــن‬ ‫مــن الهــادزا عمــره ‪ 12‬ســنة يُدعــى نيجــا‪ ،‬وأنــا‪ -‬وخ َرجْنــا مــن المعســكر بعــد طلــوع الفجــر يدرســون عشــائر أخــرى‪ ،‬كشــف بح ُثنــا عــن بعــض األفــكار الثاقبــة المثيــرة للدهشــة‬ ‫مباشــرة‪ .‬لــم ي َُكــن ـلـي أنــا وديــف فائــد ٌة ُتذكــر ـفـي هــذه المغامــرة؛ لقــد دعانــا مواســاد حــول األيــض البشــري‪ .‬تشــير بياناتنــا‪ ،‬علــى عكــس االعتقــاد الســائد‪ ،‬إلــى أن البشــر‬ ‫لمرافق ِتــه كلفتــة طيبــة ودودة مــن جانبــه‪ ،‬ولمســاعدتهم ـفـي حمْ ـ ِل الحيــوا ِن المذبــوح يميلــون إلــى حــرق نفــس العــدد مــن الســعرات الحراريــة‪ ،‬بغــض النظــر عــن مــدى‬ ‫والعــودة بــه إـلـى القبيلــة ـفـي حــال نجــاح جهــود البحــث عنــه‪ .‬وألننــا عال ِمــا أنثروبولوجيــا نشــاطهم البدنــي‪ .‬بيــد أننــا تطورنــا بحيــث نحــرق ســعراتٍ أكثــ َر كثيــرًا ممــا يفعــل‬ ‫نــدرس بيئ ـ َة اإلنســان وتطــوره‪ ،‬فقــد انتهزنــا الفرصــة لنصحبــه‪ ،‬إذ إن قــدرات رجــال أبنــاء عمومتنــا مــن الرئيســيات‪ .‬تســاعد هــذه النتائــج ع ـلـى تفســير لغ َز ْيــن قــد يبـ ُدوان‬ ‫ٌ‬ ‫قــدرات أســطورية‪ .‬وبالتأكيــد كانــت الرحلــة أفضــل مــن للوهلــة األوـلـى مختلفيــن ومنفصليــن لكنهمــا ـفـي الحقيقــة مرتبطــان‪ :‬األول هــو لمــاذا‬ ‫الهــادزا علــى التع ُّقــب هــي‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫تفشــل التمرينــات البدنيــة عمو ًمــا ــي إنقــاص الــوزن؟ والثا ــي هــو كيــف نشــأت بعــض‬ ‫قضــاء يــوم طويــل ـفـي العبــث بأجهــزة البحــث داخــل المعســكر‪.‬‬ ‫مشــينا بصعوبــة لمــدة ســاعة خــال ممــرات غيــر مطروقــة ـفـي بح ـر ٍ متم ـو ٍِّج مــن الصفــات الفريــدة ـفـي البشــر؟‬ ‫الحشــائش الذهبيــة التــي يصــل ارتفاعهــا حتــى الخصــر‪ ،‬والتــي تتخللهــا شــجيرات‬ ‫وأشــجار الســنط الشــائكة‪ ،‬مباشــرة ح ـتـى البقعــة الداميــة ال ـتـي أصيبــت فيهــا الزرافــة‪.‬‬ ‫اقتصاد السعرات الحرارية‬ ‫كان هــذا الجــزء مــن الرحلــة ـفـي حــد ذاتــه خدعــة إـلـى حــد مــا‪ ،‬إذ يُشـبِه أن يقــودك أحدهــم يركــز الباحثــون المهتمــون بتطــور اإلنســان وعلــم البيئــة ـفـي الغالــب ع ـلـى إنفــاق الطاقــة؛‬ ‫شـيء ـفـي علــم األحيــاء‪ .‬فيمكــن أن يعــرف المــرء الكثير‬ ‫إـلـى نقطـ ٍة ـفـي وســط حقـ ٍل مــن القمــح مســاحته ‪ 1000‬فــدان لكــي ُير ِ َيــك أيــن ســقطت ألن الطاقــة عنصــر جوهــري لــكل ـ‬ ‫منــه خ َّلــ ُة األســنان‪ ،‬ثــم بعــد ذلــك ينحنــي بهــدو ٍء وال مبــاالة لكــي يلتقطهــا‪ .‬وهكــذا عــن أي نــوع مــن األحيــاء‪ ،‬مــن خــال قيــاس األيــض؛ فالحيــاة ـفـي جوهرهــا لعبــة يتــم‬ ‫اســتمرت رحلــة تع ُّقــب آثــار الحيــوان الجريــح ســاعة بعــد ســاعة تحــت حــرارة الشــمس فيهــا تحويــل الطاقــة إـلـى أطفــال‪ ،‬وكل صف ـ ٍة يتــم ُ‬ ‫ضبطهــا عبــر االنتخــاب الطبيعــي‬ ‫لتعظيــم العائــد التطــوري لــكل ُســعر حــراري يتــم إنفاقــه‪ .‬وبصــورة نموذجيــة‪ ،‬تعمــل‬ ‫القاســية‪ ،‬ونحــن نتتبــع عالمــاتٍ آخــذ ًة ـفـي التضــاؤل‪.‬‬ ‫ي مــاء‪ .‬جلســنا فــي ظــل بعــض الدراســات ع ـلـى دراســة الجماعــات ـفـي البيئــات نفســها ال ـتـي تطــورت فيهــا األنــواع أصـ ًـا‪،‬‬ ‫لــد‬ ‫ال أثــر للزرافــة بعــد‪ ،‬ولكــن علــى األقــل كان َّ‬ ‫الشــجيرات‪ ،‬عقــب منتصــف النهــار بالضبــط لنســتريح‪ ،‬بينمــا كان مواســاد يفكــر ـفـي حيــث تكــون تلــك الضغــوط البيئيــة نفســها ال ـتـي شــكلت صفاتهــا البيولوجيــة ال تــزال‬ ‫ي ســوى ُر ْبــع فاعلــة‪ .‬وهــذا األمــر يصعــب تحقيقــه ـفـي الدراســات ع ـلـى البشــر؛ ألن معظــم البشــر‬ ‫أي اتجــاه يمكــن أن يكــون الحيــوان الجريــح قــد م ـ‬ ‫ضـى‪ .‬لــم يتبـ َّـق لــد َّ‬ ‫جالــون مــن المــاء‪ ،‬وقــد اعتقــدت أنــه كافٍ الجتيــاز حــرارة الظهيــرة‪ .‬غيــر أن مواســاد انفصلــوا عــن بدائيـ ِة ممارسـ ِة العمــل اليومــي المتمثــل ـفـي الحصــول ع ـلـى الطعــام مــن‬ ‫ي مــاء‪ ،‬كمــا هــي عــادة أبنــاء الهــادزا‪ ،‬وعندمــا كنــا نســتعد الســتئناف البيئــة البر ّيــة‪ .‬ع ـلـى مــدار قرابــة المليو ـ َنـي عــام الماضيــة‪ ،‬كان البشــر وأســافهم يعيشــون‬ ‫لــم ي ِ‬ ‫ُحض ـ ْر معــه أ َّ‬ ‫البحــث‪ْ ،‬‬ ‫عرضـ ُ‬ ‫ـت عليــه أن يشــرب‪ ،‬فرمق ـنـي بنظــر ٍة جانبيــة وابتســم وأخــذ الزجاجــة‪ ،‬وإذا ويتطــورون ـفـي جماعــات تعتمــد ع ـلـى الصيــد والجمــع وااللتقــاط‪ ،‬ولــم تبــدأ ممارســة‬ ‫بــه يشــرب كل مــا ـفـي الزجاجــة مــن مــاء ـفـي جَر َع ـ ٍة طويلــة واحــدة‪ ،‬وعندمــا انتهــى مــد الزراعــة إال قبــل نحــو ‪ 10‬آالف ســنة مضــت‪ ،‬أمــا المــدن الصناعيــة والتكنولوجيــا‬ ‫الحديثــة فعمرُهــا ال يتجــاوز بضعــة أجيــال‪ .‬ومــن َثــم‪ ،‬فــإن عشــائر مثــل الهــادزا‪ ،‬وال ـتـي‬ ‫يــده إلـ َّي ليعطي ـنـي الزجاجــة الفارغــة بالمبــاالة‪.‬‬ ‫إنهــا ســخرية القــدر! لقــد قضينــا أنــا ودِيــف ومعنــا عالــم األنثروبولوجيــا برايــان هــي واحــد ٌة مــن أواخــر العشــائر ال ـتـي تعيــش ع ـلـى الصيــد والجمــع وااللتقــاط المتبقيــة‬ ‫‪ ForScience.com  32‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:45 PM‬‬

‫‪Exercise Paradox_new.indd 32‬‬


‫فــي العالــم‪ُ ،‬تع َتبــر المفتــاح لفهــم كيــف تطــورت أجســامُ نا وكيــف كان أداؤهــا قبــل‬ ‫تســخير األبقــار واختــراع الســيارات وأجهــزة الكمبيوتــر‪.‬‬ ‫إن الحيــاة بالنســبة لقبيلــة الهــادزا صعبــة بدن ًّيــا‪ ،‬ففــي كل صبــاح تغــادر النســا ُء‬ ‫األكــواخ المصنوعــة مــن الحشــائش ـفـي مجموعــاتٍ صغيــرة‪ ،‬يحمـ ُـل ُ‬ ‫بعضهــن األطفــال‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ي أو مــا يمكــن أكلــه غيــر ذلــك‪.‬‬ ‫الرضــع ع ـلـى ظهورهــن ـفـي إزار‪ ،‬باحثــاتٍ عــن التــوت البـ ِّر ّ‬ ‫ً‬ ‫و ُت َعــد الدرنــات البريــة مكونــا أساســيًّا فــي طعــام الهــادزا‪ ،‬ويمكــن أن تقضــي النســا ُء‬ ‫العﺼــ ّي‪.‬‬ ‫ســاعات فــي الح َْفــر واســتخراج الدرنــات مــن األرض الصخريــة باســتخدام ِ‬ ‫ـال أميـ ًـاال َّ‬ ‫ويقطـ ُـع الرجـ ُ‬ ‫كل يــوم للصيــد باســتخدام األقــواس والســهام ال ـتـي يصنعونهــا‬ ‫بأنفســهم‪ .‬وعندمــا يكــون الصيــد شــحيحًا فإنهــم يســتخدمون الفــؤوس البســيطة‬ ‫لتقطيــع أطــراف األشــجار‪ ،‬غال ًبــا ع ـلـى ارتفــاع أكثــر مــن ‪ 12‬مت ـرًا أع ـلـى األشــجار‪ ،‬لجمــع‬ ‫العســل البــري‪ .‬وح ـتـى األطفــال يشــاركون‪ ،‬فيج ـرُّون جــرادل الميــاه إـلـى المــكان الــذي‬ ‫تســتوطنه القبيلــة مــن أقــرب عيــن أو مصــدر مــاء‪ ،‬والــذي يقــع أحيانًــا ع ـلـى مســاف ِة‬ ‫مي ـ ٍل أو أكثــر‪ .‬وـفـي المســاء يعــود الجميــع إـلـى أكــواخ القبيلــة‪ ،‬فيجلســون ع ـلـى األرض‪،‬‬ ‫ويتحدثــون حــول نيــران الطهــي البســيطة‪ ،‬ويتشــاركون حصيلــة اليــوم ورعايــة الصغــار‪.‬‬ ‫وعلــى هــذه الحــال يمضــون األيــام المختلفــة‪ ،‬فــي مواســم الجفــاف كمــا فــي مواســم‬ ‫المطــر‪ ،‬ع ـلـى مــدار آالف الســنين‪.‬‬ ‫ولكــن ال تتعجــل وتضــع أي تصــورات خياليــة عــن عيــش حيــاة مثاليــة؛ فالصيــد‬ ‫والجمــع وااللتقــاط عمليــات مرهقــة ذهن ًّيــا ومحفوفــة بالمخاطــر‪ ،‬إنهــا لعبــة تنطــوي‬ ‫ع ـلـى مجازفــة كبيــرة‪ ،‬العملــة فيهــا هــي الســعرات الحراريــة والطاقــة‪ ،‬واإلفــاس يع ـنـي‬ ‫المــوت‪ .‬إن الرجــال أمثــال مواســاد ينفقــون مئــات الســعرات الحراريــة يوم ًّيــا ـفـي الصيــد‬ ‫والمطــاردة‪ ،‬وهــي مقامــرة يأملــون أن يربحوهــا‪ .‬وللــذكاء نفــس أهميــة القــوة البدنيــة‪،‬‬ ‫فبينمــا تســتطيع الحيوانــات المفترســة االعتمــاد علــى ســرعتها وقوتهــا القتنــاص‬ ‫فرائســها‪ ،‬يتعيــن علــى البشــر أن يكونــوا أكثــر ذكا ًء وبراعــة مــن فرائســهم‪ ،‬واضعيــن‬ ‫ـفـي اعتبارهــم الميــول الســلوكية للطريــدة‪ ،‬ويحرصــون ع ـلـى تمشــيط البيئــة المحيطــة‬ ‫جيـ ًدا بح ًثــا عــن أي عامــات أو آثــار للفرائــس‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬ال يظفــر رجــال الهــادزا بصيــد‬ ‫ضخــم كالزرافــة إال مــر ًة واحــدة ـفـي الشــهر‪ ،‬وكان الجــوع ليفتــك بهــم لو أن نســاء الهــادزا ال‬ ‫ينفــذن اســتراتيجي ًة مكملــة الســتراتيجية الرجــال ومســاوية لهــا ـفـي التعقيــد‪ ،‬باالعتمــاد‬ ‫ع ـلـى معرفتهــن الموســوعية بالحيــاة النباتيــة المحليــة‪ ،‬ليجلبــن إـلـى المنــزل كميــة هائلــة‬ ‫مــن الطعــام يُعتمــد عليهــا كل يــوم‪ .‬وهــذا التعــاون المعقــد ـفـي البحــث عــن الطعــام هــو‬ ‫مــا يجعــل البشــر ناجحيــن بشــكل ال يصــدق‪ ،‬وهــو جوهــر تفـرُّد البشــر‪.‬‬ ‫لطالمــا افتــرض الباحثــون فــي مجالَــي الصحــة العامــة والتطــور أن أســافنا‬

‫ـعرات حراريــة‬ ‫الذيــن عاشــوا ع ـلـى الصيــد والجمــع وااللتقــاط‪ ،‬كانــوا يحرقــون سـ ٍ‬ ‫أكثــر ممــا يحرقــه النــاس ـفـي المــدن والضواحــي الحضريــة اليــوم‪ .‬وـفـي ظــل الجهـ ِد‬ ‫البد ـنـي الشــاق الــذي يبذلــه أبنــاء القبائــل البدائيــة مثــل الهــادزا‪ ،‬يبــدو مسـ ً‬ ‫ـتحيا أن‬ ‫نتصــور شــي ًئا آخــر‪ .‬وح ـتـى اآلن يجــادل الكثيــرون ـفـي مجــال الصحــة العامــة بــأن هــذا‬ ‫ﺸـي الســمنة‬ ‫االنخفــاض ـفـي اإلنفــاق اليومــي مــن الطاقــة هــو الــذي يقــف وراء َت َف ِّ ـ‬ ‫عالم ًّيــا ع ـلـى هــذا النحــو الوبا ـئـي ـفـي العا َلــم المتقــدم‪ ،‬إذ تتجمــع ُّ‬ ‫كل هــذه الســعرات‬ ‫الحراريــة التــي لــم يتــم ُ‬ ‫حرقهــا تدريجيًّــا فــي صــورة دهــون‪ .‬وكان أحــد دوافعنــا‬ ‫لقيــاس معــدالت األيــض ـفـي الهــادزا هــو تحديــد حجــم هــذا القصــور ـفـي الطاقــة‪،‬‬ ‫ومعرفــة كــم ينقصنــا ـفـي الغــرب مــن اإلنفــاق اليومــي للطاقــة‪ .‬وعقــب العــودة إـلـى‬ ‫الواليــات المتحــدة بعــد قضــاء موســم مــن العمــل الميدا ـنـي ـفـي الجــو الحــار والغبــار‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َح َزمْ ـ ُ‬ ‫محفوظ ـ ًة ـفـي الثلــج‬ ‫ـت قنينــات البــول ال ـتـي جُمِ َعــت مــن الهــادزا‪ ،‬وأرســل ُتها‬ ‫الجــاف إـلـى كليــة بايلــور للطــب‪ ،‬مقــر واحــد مــن أفضــل معامــل اختبــارات المــاء غيــر‬ ‫المشــع ـفـي الواليــات المتحــدة‪ ،‬بينمــا كنــت أتخيــل مــا يمكــن أن يُســفر عنــه تحليـ ُـل‬ ‫الســعرات الحراريــة‪.‬‬ ‫هــذه العينــات مــن كمي ـ ٍة مهول ـ ٍة مــن ُّ‬ ‫ولكــن جــاءت المفاجــأة عنــد فحــص العينــات بجهــاز مطيــاف كتلــة نســبة النظائــر‬ ‫المشــعة‪ ،‬فعندمــا عــادت التحليــات مــن بايلــور‪ ،‬بــدا أن أفــراد قبيلــة الهــادزا ال يختلفــون‬ ‫عــن أي شــخص آخــر‪ .‬لقــد تبيــن أن رجــال الهــادزا يتناولــون ويحرقــون ‪ 2600‬ســعر‬ ‫حــراري ـفـي اليــوم‪ ،‬ونســاء الهــادزا يتناولــن ويحرقــن ‪ 1900‬ســعر حــراري يوم ًّيــا‪ ،‬وهــي‬ ‫نفــس المعــدالت المســجلة للبالغيــن فــي الواليــات المتحــدة وأوروبــا‪ .‬أخذنــا ندقــق‬ ‫ـفـي تلــك البيانــات بــكل الطــرق الممكنــة‪ ،‬ووضعنــا ـفـي الحســبان تأثيــر حجــم الجســم‪،‬‬ ‫والنســبة المئويــة للدهــون‪ ،‬والعمــر والنــوع‪ ،‬ومــع ذلــك لــم يكــن هنــاك أي اختــاف‪ .‬كيــف‬ ‫يمكــن هــذا؟ مــا الــذي أغفلنــاه؟ ُتــرى مــا الــذي لــم نفهمــه جي ـ ًدا ـفـي مجــال البيولوجيــا‬ ‫وتطــور اإلنســان؟‬ ‫"ﻓتْ ِبت"‬ ‫أكاذيﺐ أﺟﻬزة ِ‬

‫يبــدو أنــه أمــر ج ـلـي للعيــان وال مهــرب منــه أن األشــخاص النشــطين يحرقــون ُســعراتٍ‬ ‫أكثــر‪ ،‬لدرجــة أننــا نتقبــل هــذه الفكــرة بغيــر كثيــر مــن التفكيــر النقــدي أو البحــث عــن‬ ‫برهــان تجريبــي‪ .‬ولكــن منــذ ثمانينيــات القــرن الماضــي وتســعينياته‪ ،‬ومــع ظهــور‬ ‫طريقــة "المــاء غيــر المشــع"‪ ،‬كثيــرًا مــا كانــت النتائــج التجريبيــة تتحــدى االعتقــاد‬ ‫الســائد فــي مجــال الصحــة العامــة والتغذيــة‪ .‬إن نتيجــة التجربــة التــي أُ ْجرِيَــت علــى‬ ‫الهــادزا‪ ،‬رغــم أنهــا تبــدو غريبــة‪ ،‬لــم تكــن مفاجــأة مُ َدوِّيــة ُولِــدت مــن المجهــول‪ ،‬لكنهــا‬

‫نــتــــاﺋـــﺞز ز‬ ‫ززززززز‬

‫●‬

‫أﺻحاب القدر اﻷكبر من الطاﻗة المبﺬولة‬

‫‪5‬‬

‫سعرات ﺣرارية‬ ‫ٍ‬ ‫افترض الﺨبراء أن األشﺨاص النشيطين يحرقون‬

‫نشاﻃا‪ .‬إال أن القياسات المباشرة للطاقة‬ ‫ً‬ ‫أكثر من أولئﻚ األقل‬

‫المبذولة في شعوب العصر الحديﺚ‪ ،‬التي تعيﺶ على الصيد‬

‫وجمع الثمار في الدول النامية مقارنة بسكان الحﻀر في الواليات‬ ‫المتحدة وأوروبا‪ ،‬أﻇهرت نتاﺋﺞ مماﺛلة‪ ،‬كما يتﻀﺢ في الرسم‬

‫محدودا جدا في البشر‪ ،‬فكيﻒ‬ ‫البياني أ‪ .‬إذا كان التمثيل الﻐذاﺋي‬ ‫ً‬

‫إذن تطورت لدينا السمات التي تميزنا عن أقرباﺋنا من الرﺋيسيات‪،‬‬

‫والتي تحتاج إلى بذل الكثير من الطاقة؛ مثل أدمﻐتنا الكبيرة‪،‬‬

‫عددا من السعرات‬ ‫وزيادة متوسﻂ العمر وغيرها؟ يستهلﻚ البشر‬ ‫ً‬

‫الحرارية يفوق ما تستهلكﻪ القردة العليا يوميا بالمئات كما في‬ ‫الرسم البياني ب‪ ،‬مما يشير إلى أن محركات التمثيل الﻐذاﺋي‬

‫لدينا تطورت ﺣتى تحرق الطاقة بسرعة أكبر‪ ،‬ألجل تشﻐيل ﺻفاتنا‬ ‫المكلفة التي تستهلﻚ سعرات ﺣرارية أكبر‪.‬‬

‫لمراعاة الفروق في قياسات الطاقة المبذولة‪ ،‬الناجمة عن اﺧتﻼف ﺣجم‬

‫الجسم؛ تم ﺣساب متوسﻂ القياسات الﻐربية بناء على أﺣجام أجسام تماﺛل‬

‫أﺣجام أجسام شعﺐ الهادزا‪ ،‬وتم ﺣساب متوسﻂ القياسات للقردة العليا‬

‫بناء على أﺣجام أجسام تماﺛل أﺣجام جسم اﻹنسان‪.‬‬

‫‪Graphic by Jen Christiansen‬‬

‫‪10/10/17 12:45 PM‬‬

‫ ) ­ ‪( ‬‬

‫‪SOURCES: “HUNTER-GATHERER ENERGETICS AND HUMAN OBESITY,” BY HERMAN PONTZER ET AL., IN PLOS ONE,‬‬ ‫‪VOL. 7, NO. 7, ARTICLE NO. E40503; JULY 25, 2012 (left); “METABOLIC ACCELERATION AND THE EVOLUTION OF HUMAN‬‬ ‫)‪BRAIN SIZE AND LIFE HISTORY,” BY HERMAN PONTZER ET AL., IN NATURE, VOL. 533; MAY 19, 2016 (right‬‬

‫‪ a‬‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫ ‪ ‬‬ ‫ ‪ ‬‬ ‫ ‬

‫‪4‬‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪25‬‬

‫‪50‬‬

‫‪75‬‬

‫ ) (‬

‫‪100‬‬

‫‪0‬‬

‫‪25‬‬

‫‪50‬‬

‫‪100‬‬

‫‪75‬‬

‫ ) (‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪33‬‬

‫‪Exercise Paradox_new.indd 33‬‬


‫‪FOR SCIENCE ONLINE‬‬

‫‪10/10/17 12:45 PM‬‬

‫ينفق أفراد قبيلة الهادزا في تنزانيا‪ ،‬الذين يعيشون على الصيد والجمع‬ ‫يوميا على هذه األنشطة‪ ،‬غير أنهم‬ ‫وااللتقاط‪ ،‬مئات السعرات الحرارية‬ ‫ًّ‬ ‫يحرقون نفس إجمالي عدد السعرات التي يحرقها ساكنو المدن في‬ ‫الواليات المتحدة‪.‬‬

‫الوبا ـئـي" يشــير إـلـى أنــه ع ـلـى الرغــم مــن أن هــذه التغيـرات الســلوكية يمكــن أن تــؤدي دورًا‪،‬‬ ‫فإنهــا ليســت كافيــة لتفســير الثبــات الملحــوظ ـفـي اإلنفــاق اليومــي للطاقــة‪.‬‬ ‫ثمــة احتماليــة أخــرى مثيــرة لالهتمــام‪ ،‬وهــي أن الجســم يتيــح المجــال لتكلفــة‬ ‫النشــاط اإلضاـفـي مــن خــال اختــزال الســعرات ال ـتـي تن َفــق ع ـلـى المهــام الكثيــرة غيــر‬ ‫المرئيــة ال ـتـي تســتهلك معظــم ميزانيــة الجســم اليوميــة مــن الطاقــة‪ ،‬مثــل عمليــات‬ ‫تنظيــف الجســم مــن الداخــل ال ـتـي تقــوم بهــا الخاليــا واألعضــاء ل ُتب ِقيَنــا أحيــاء‪ .‬إن ادخــار‬ ‫الطاقــة ال ـتـي ُتبـ َـذل ـفـي هــذه العمليــات يمكــن أن يتيــح المجــال ـفـي ميزانيــة الطاقــة‬ ‫اليوميــة‪ ،‬ممــا يتيــح لإلنســان إنفــاق المزيــد ع ـلـى النشــاط البد ـنـي مــن دون زيــادة إجماـلـي‬ ‫الســعرات الحراريــة التــي ُتن َفــق يوميًّــا‪ .‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬تق ِّلــل التمرينــات غالبًــا‬ ‫مــن النشــاط االلتهابــي الــذي يحدثــه الجهــاز المناعــي‪ ،‬مثلمــا يقلــل مــن مســتويات‬ ‫الهرمونــات الجنســية كاإلســتروجين‪ .‬ـفـي حيوانــات المعامــل‪ ،‬ال تؤثــر زيــادة التماريــن‬ ‫اليوميــة ع ـلـى اإلنفــاق اليومــي مــن الطاقــة‪ ،‬لكنهــا تــؤدي بـ ً‬ ‫ـدل مــن ذلــك إـلـى تقليــل عــدد‬ ‫دورات التبويــض‪ ،‬وإـلـى بــطء عمليــات إصــاح األنســجة؛ وـفـي الحــاالت المتطرفــة قــد‬ ‫تــؤدي ببعــض الحيوانــات إـلـى التهــام صغارهــا الرضيعــة‪ .‬ويبــدو أن البشــر والمخلوقــات‬ ‫األخــرى لديهــم عــدة اســتراتيجيات متطــورة لتقييــد اإلنفــاق اليومــي مــن الطاقــة‪.‬‬ ‫تشــير كل هــذه األدلــة إـلـى أن الســمنة مــرض ناجــم عــن الشــراهة أكثــر مــن كونــه‬ ‫ناجمً ــا عــن الكســل‪ ،‬فيــزداد وزن األشــخاص عندمــا تزيــد الســعرات ال ـتـي يتناولونهــا‬ ‫عــن الســعرات ال ـتـي ينفقونهــا‪ .‬وإذا كان اإلنفــاق اليومــي مــن الطاقــة لــم يتغيــر ع ـلـى‬ ‫سـي ـفـي مســألة االنتشــار الوبا ـئـي للســمنة‬ ‫مــدار التاريــخ البشــري‪ ،‬فــا بــد أن الجا ـنـي األسا ـ‬ ‫هــي الســعرات ال ـتـي يســتهلكها الشــخص‪ .‬وليــس هــذا بالخبــر الجديــد‪ ،‬فثمــة قــول‬ ‫مأثــور قديــم فــي الصحــة العامــة يقــول‪" :‬ال يســتطيع المــرء التغلــب علــى النظــام‬ ‫الغذا ـئـي الســيئ"‪ ،‬ومــا يعرفــه الخبــراء مــن خــال تجاربهــم الشــخصية ومــن الكثيــر مــن‬ ‫البيانــات أن مجــرد الذهــاب إـلـى صالــة األلعــاب الرياضيــة لخســارة الــوزن وســيلة غيــر‬ ‫فعالــة بصــورة مثيــرة لإلحبــاط‪ .‬لكــن العلــم الحديــث يســاعد ع ـلـى تفســير لمــاذا تعت َبــر‬ ‫التدريبــات البدنيــة أداة رديئــة إلنقــاص الــوزن؛ فاألمــر ليــس أننــا ال نحــاول ممارســة‬ ‫التمرينــات بشــكل كاف‪ ،‬وإنمــا أجســامنا هــي ال ـتـي تتآمــر علينــا منــذ البدايــة‪.‬‬ ‫ولكــن هــذا ال يع ـنـي أن تتــرك ممارســة التمرينــات الرياضيــة؛ فهــذا المقــال ليــس‬ ‫ذريعــة تتحجــج بهــا لتــرك التمرينــات الرياضيــة‪ ،‬فلممارســة الرياضــة أطنــان مــن‬ ‫الفوائــد الموثقــة‪ ،‬بــدءًا مــن زيــادة صحــة القلــب والجهــاز المناعــي إـلـى تحســين وظيفــة‬ ‫األيض َّي تجــاه‬ ‫المــخ وقضــاء شــيخوخة أكثــر صحــة‪ .‬إن ـنـي ـفـي الحقيقــة أظــن أن التكيــف ِ ـ‬ ‫النشــاط هــو أحــد أســباب أن التماريــن تحافــظ ع ـلـى صحــة اإلنســان؛ إذ إنهــا تشــتت‬

‫‪HARRY HOOK Getty Images‬‬

‫كانــت أشــبه بــأول تجســيد مــادي آلراء ونظريــات‪ ،‬وكانــت تلــوح فــي األفــق ويتــم‬ ‫تجا ُه ُلهــا ع ـلـى مــدار ســنين‪.‬‬ ‫لقــد أظهــرت أولــى الدراســات التــي أُجريَــت بأســلوب "المــاء غيــر المشــع" علــى‬ ‫الفالحيــن التقليدييــن ـفـي جواتيمــاال وجامبيــا وبوليفيــا أن إنفاقهــم مــن الطاقــة مشــا ِبه‬ ‫إـلـى حــد كبيــر لســكان المــدن‪ .‬وـفـي دراســة ُنشــرت عــام ‪ ،2008‬تمكنــت آمــي لــوك ‪-‬وهــي‬ ‫باحثــة ـفـي مجــال الصحــة العامــة مــن جامعــة لويــوال شــيكاغو‪ -‬مــن االنتقــال بهــذا النــوع‬ ‫مــن الدراســات إـلـى مســتوى أع ـلـى عندمــا قامــت بمقارنــة إنفــاق الطاقــة والنشــاط البد ـنـي‬ ‫بيــن النســاء الريفيــات بنيجيريــا والنســاء األمريكيــات مــن أصــول أفريقيــة ـفـي شــيكاغو‪.‬‬ ‫وع ـلـى غــرار نتائــج دراســة الهــادزا‪ ،‬لــم يتوصــل بح ُثهــا إـلـى أي اختــاف ـفـي اإلنفــاق اليومــي‬ ‫مــن الطاقــة بيــن المجموعتيــن‪ ،‬رغــم االختــاف الكبيــر بينهمــا ـفـي مســتويات النشــاط‬ ‫البد ـنـي‪ .‬وـفـي متابعـ ٍة لتلــك الدراســة‪ ،‬أجــرت الرا دوجــاس‪ ،‬وهــي مــن جامعــة لويــوال ً‬ ‫أيضــا‪،‬‬ ‫ومعهــا آمــي لــوك وآخــرون‪ ،‬تحليـ ًـا لبيانــات مــن ‪ 98‬دراســة حــول العالــم‪ ،‬وأثبتــوا أن‬ ‫إنفــاق الطاقــة ـفـي الجماعــات المُ د َّللــة بوســائل الراحــة الحديثــة ـفـي الــدول المتقدمــة‪،‬‬ ‫يشــبه نظيـرَه ـفـي الــدول األقــل تقد ًمــا وال ـتـي تتطلــب الحيــاة فيهــا مجهــو ًدا بدن ًّيــا أكبــر‪.‬‬ ‫والبشــر ليســوا النــوع الوحيــد مــن الكائنــات الــذي لديــه معــدل ثابــت مــن إنفــاق‬ ‫الطاقــة‪ ،‬ففــي أعقــاب دراســة الهــادزا مباشــرة‪ ،‬توليــت قيــادة مشــروع تعاو ـنـي ضخــم‬ ‫لقيــاس اإلنفــاق اليومــي مــن الطاقــة ـفـي الرئيســيات‪ ،‬وهــي مجموعــة الثدييــات ال ـتـي‬ ‫تشــمل الســعدان والقــردة وحيوانــات الليمــور والبشــر‪ .‬وقــد وجدنــا أن الرئيســيات ال ـتـي‬ ‫األســر‪ ،‬ـفـي المعامــل أو حدائــق الحيــوان‪ ،‬تحــرق العــدد نفســه مــن الســعرات‬ ‫تعيــش ـفـي ْ‬ ‫كل يــوم مثــل تلــك ال ـتـي تعيــش ـفـي البريــة‪ ،‬رغــم الفــروق الواضحــة ـفـي النشــاط البد ـنـي‪.‬‬ ‫وـفـي عــام ‪ 2013‬وجــد باحثــون أســتراليون معــدالتٍ مماثلـ ًة مــن إنفــاق الطاقــة ـفـي األغنــام‬ ‫والكنغــر‪ ،‬ســواء تلــك الحبيســة أو ال ـتـي تتجــول بحريــة‪ .‬وـفـي عــام ‪ 2015‬سـ َ‬ ‫ـجل فريـ ٌـق‬ ‫صي ـنـي معــدالتٍ مماثل ـ ًة إلنفــاق الطاقــة ـفـي حيوانــات البانــدا العمالقــة ال ـتـي تعيــش ـفـي‬ ‫حدائــق الحيــوان وتلــك ال ـتـي تعيــش ـفـي البريــة‪.‬‬ ‫ينفــق أفــراد قبيلــة الهــادزا فــي تنزانيــا‪ ،‬الذيــن يعيشــون علــى الصيــد والجمــع‬ ‫وااللتقــاط‪ ،‬مئــات الســعرات الحراريــة يوم ًّيــا ع ـلـى هــذه األنشــطة‪ ،‬غيــر أنهــم يحرقــون‬ ‫نفــس إجمالــي عــدد الســعرات التــي يحرقهــا ســاكنو المــدن فــي الواليــات المتحــدة‪.‬‬ ‫ولدراســة األمــر ع ـلـى نحــو أدق عبــر مقارنــة األفــراد بـ ً‬ ‫ـدل مــن متوســطات الجماعــات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انضمَ مْ ـ ُ‬ ‫ـت مؤخ ـرًا إـلـى لــوك وفريقهــا‪ ،‬الــذي يضــم دوجــاس أيضــا‪ ،‬لنفحــص النشــاط‬ ‫وإنفــاق الطاقــة فــي دراســة تحليليــة ضخمــة امتــدت لعــدة ســنوات ُتعــرف باســم‬ ‫"دراســة نمذجــة التحــول الوبا ـئـي" (‪ .)METS‬وـفـي هــذه الدراســة ارتــدى أكثــر مــن ‪300‬‬ ‫مشــارك أجهــز ًة لقيــاس الســرعة تشــبه أجهــزة " ِف ْتبِــت" ‪ ،Fitbit‬أو غيرهــا مــن أجهــزة‬ ‫متابعــة اللياقــة البدنيــة األخــرى‪ ،‬ع ـلـى مــدار اليــوم لمــدة أســبوع كامــل‪ ،‬بينمــا كان يتــم‬ ‫قيــاس إنفــاق الطاقــة اليومــي لهــم باســتخدام أســلوب المــاء غيــر المشــع‪ .‬وقــد وجدنــا‬ ‫ً‬ ‫مرتبطــا‬ ‫أن النشــاط البدنــي اليومــي الــذي رص َد ْتــه أجهــز ُة قيــاس الســرعة لــم يكــن‬ ‫باأليــض إال بدرجــة ضعيفــة‪ .‬ـفـي المتوســط‪ ،‬و ُِج ـ َد أن الكســالى الذيــن يقضــون معظــم‬ ‫أوقاتهــم ـفـي الجلــوس ومشــاهدة التليفزيــون يقــل إنفاقهــم مــن الطاقــة يوم ًّيــا بنحــو‬ ‫‪ 200‬ســعر فقــط عــن األشــخاص متوســطي النشــاط‪ ،‬أي أولئــك الذيــن يمارســون‬ ‫التماريــن البدنيــة خــال األســبوع وي ُِصــرُّون علــى صعــود الــ َّدرَج‪ .‬ولكــن األهــم‪ ،‬هــو‬ ‫أن إنفــاق الطاقــة َث َبـ َ‬ ‫ـت عنــد مســتويات النشــاط األع ـلـى‪ ،‬أي أن األشــخاص شــديدي‬ ‫النشــاط أحرقــوا نفــس عــدد الســعرات ـفـي اليــوم مثــل األشــخاص متوســطي النشــاط‪.‬‬ ‫ومــن َثــم‪ ،‬فــإن الظاهــرة نفســها ال ـتـي تجعــل إنفــاق الطاقــة لــدى قبيلــة الهــادزا مشــاب ًها‬ ‫لنظيــره ـفـي المجتمعــات األخــرى كانــت واضحــة ً‬ ‫أيضــا بيــن األفــراد ـفـي هــذه الدراســة‪.‬‬ ‫كيــف يتكيــف الجســم مــع المســتويات المرتفعــة مــن النشــاط إلبقــاء إنفاقــه مــن‬ ‫الطاقــة تحــت الســيطرة؟ كيــف يســتطيع أف ـراد الهــادزا إنفــاق المئــات مــن الســعرات‬ ‫الحراريــة علــى النشــاط يوميًّــا ومــع ذلــك يحافظــون علــى حــرق نفــس إجمالــي عــدد‬ ‫الســعرات تقري ًبــا ال ـتـي ينفقهــا األشــخاص الذيــن يقضــون وقتهــم جالســين دون نشــاط‬ ‫نســبيًّا ـفـي الواليــات المتحــدة وأوروبــا؟ لســنا ع ـلـى يقيــن مــن اإلجابــة بعــد‪ ،‬لكــن تكلفــة‬ ‫النشــاط ـفـي حــد ذاتــه ال تتغيــر‪ ،‬فنحــن نعــرف ع ـلـى ســبيل المثــال أن البالغيــن مــن أفـراد‬ ‫الهــادزا ينفقــون مــن الســعرات لكــي يســيروا مســاف َة مي ـ ٍل نفــس مــا ينفقــه الغربيــون‬ ‫عندمــا يســيرون نفــس المســافة‪ .‬مــن المحتمــل أن يكــون األشــخاص ذوو مســتويات‬ ‫النشــاط المرتفعــة يغيــرون ســلوكهم بطــر ٍق بارعــة ودقيقــة ُت ِّ‬ ‫وفــر الطاقة‪ ،‬مثــل الجلوس‬ ‫بـ ً‬ ‫ـدل مــن الوقــوف‪ ،‬أو النــوم بعمــق أكثــر‪ .‬غيــر أن تحليلنــا لبيانات "دراســة نمذجــة التحول‬

‫أقرأ أكثر في هذا الشأن وتعرف على كل جديد في مجال العلوم بزيارة موقع المجلة على شبكة األنترنت ‪FORSCIENCE.COM | LELELM.COM‬‬

‫‪Exercise Paradox_new.indd 34‬‬


‫الطاقــة بعيــ ًدا عــن أنشــطة مثــل االلتهابــات‪ ،‬التــي لهــا تبعــات ســلبية اذا اســتمرت‬ ‫طويـ ًـا‪ .‬فع ـلـى ســبيل المثــال‪ ،‬تــم ربــط االلتهــاب المزمــن بأمــراض القلــب واألوعيــة‬ ‫الدمويــة‪ ،‬وأمــراض المناعــة الذاتيــة‪.‬‬ ‫إن األطعمــة التــي نتناولهــا تؤثــر بالتأكيــد علــى صحتنــا‪ ،‬وممارســة التماريــن‬ ‫الرياضيــة المصحوبــة بتغييــر النظــام الغذا ـئـي يمكــن أن تــدرأ زيــادة الــوزن غيــر المرغــوب‬ ‫فيهــا بمجــرد وصــول الجســم إـلـى الــوزن الصحــي‪ ،‬لكــن األدلــة تشــير إـلـى أنــه مــن األفضــل‬ ‫أن تنظــر إـلـى النظــام الغذا ـئـي والتمريــن ع ـلـى أنهمــا أداتــان مختلفتــان‪ ،‬لهمــا نقــاط قــوة‬ ‫مختلفــة‪ .‬فعليــك بالتمريــن لتظــل أكثــر صحــة وحيويــة‪ ،‬وانتبــه لنظامــك الغذائــي‬ ‫للحفــاظ ع ـلـى وزنــك‪.‬‬ ‫ميزانية الطاقة والتطور‬

‫ضـي ع ـلـى توضيــح‬ ‫وح ـتـى ـفـي الوقــت الــذي يســاعد فيــه العلــم الحديــث ـفـي التكيــف األي ـ‬ ‫العالقــة بيــن التمرينــات الرياضيــة والبدانــة‪ ،‬فــإن األيــض المقيَّــد والتكيُّفــي يتــرك‬ ‫الباحثيــن أمــام أســئلة وجوديــة أكبــر‪ .‬فــإذا كان اإلنفــاق اليومــي مــن الطاقــة ثاب ًتــا ـفـي‬ ‫الواقــع‪ ،‬فكيــف يمكــن للجنــس البشــري التطــور بحيــث يكــون مختل ًفــا جذر ًّيــا هكــذا‬ ‫عــن أقاربنــا مــن القــردة؟ ال شــيء فــي الحيــاة مجانًــا؛ فالمصــادر محــدودة‪ ،‬وزيــادة‬ ‫االســتثمار ـفـي صف ـ ٍة واحــدة تع ـنـي حتمً ــا تقليـ َـل االســتثمار ـفـي صف ـ ٍة أخــرى‪ .‬ليســت‬ ‫مصادفـ ًة أن األرانــب تتكاثــر بأعــداد هائلــة لكنهــا تمــوت مبكـرًا‪ ،‬فــكل هــذه الطاقــة ال ـتـي‬ ‫ُتســتثمَ ر ـفـي إنتــاج الصغــار تع ـنـي تقليــص الطاقــة المخصصــة لصيانــة الجســم وإطالــة‬ ‫شـيء؛ فالتيرانوصــور ركــس كان لديــه رأس‬ ‫العمــر‪ .‬ح ـتـى الديناصــورات لــم َت ْحــظ بــكل ـ‬ ‫كبيــر وأســنان حــادة وطرفــان خلفيــان قويــان‪ ،‬ولكــن كان هــذا ع ـلـى حســاب ذراعيــه‬ ‫ويديــه الضئيلتيــن!‬ ‫سـي‪ :‬مبــدأ التقشــف‪ .‬إن أدمغــة‬ ‫لقــد اســتهان البشــر بهــذا المبــدأ التطــوري األسا ـ‬ ‫البشــر ضخمــة للغايــة؛ لدرجــة أنــك وأنــت جالــس تقــرأ هــذا المقــال‪ ،‬فــإن األكســجين‬ ‫أنفــاس تتنفســها يُســتخدم فــي‬ ‫ٍ‬ ‫ــس مــن كل أربعــة‬ ‫الــذي يدخــل إلــى جســمك فــي نَ َف ٍ‬ ‫ً‬ ‫تغذيــة الدمــاغ‪ .‬غيــر أن البشــر يلــدون أطفــال أكبــر حجمً ــا‪ ،‬ويتكاثــرون بمعــدالت أكبــر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ي مــن أقاربهــم مــن‬ ‫ويعيشــون أعمــارًا أطــول‪ ،‬ويمارســون‬ ‫نشــاطا بدنيًّــا أكثــر مــن أ ٍّ‬ ‫القــردة‪ .‬فمعســكرات الهــادزا تعــج بأطفــال فوضوييــن مبتهجيــن‪ ،‬ورجــال ونســاء ـفـي أتــم‬ ‫الصحــة والعافيــة وهــم ـفـي الســتينيات والســبعينيات مــن أعمارهــم‪ .‬إن إســرافنا ـفـي إنفــاق‬ ‫الطاقــة يمثــل لغـ ًزا تطور ًّيــا؛ فالبشــر مــن الناحيــة البيولوجيــة والوراثيــة يشــبهون كثيـرًا‬ ‫القــردة األخــرى ال ـتـي لطالمــا افتــرض الباحثــون منــذ وقــت طويــل أنهــا ً‬ ‫أيضــا مشــابهة‬ ‫لنــا ـفـي األيــض‪ .‬ولكــن إذا كان إنفاقنــا ـفـي الطاقــة م َقي ـ ًدا مثلمــا تشــير دراســتنا لقبيلــة‬ ‫الهــادزا ودراسـ ٌ‬ ‫ـات أخــرى‪ ،‬فكيــف أليـ ٍـض يفتقــر إـلـى المرونــة ويشــبه أيـ َـض القــردة أن‬ ‫يعالــج َّ‬ ‫كل الســعرات المطلوبــة لدعــم الصفــات البشــرية المكلفــة؟‬ ‫والموســعة لكيفيــة تعامُ ــل الرئيســيات مــع الطاقــة‪،‬‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫َن‬ ‫ر‬ ‫المقا‬ ‫ـتنا‬ ‫ـ‬ ‫دراس‬ ‫ـاب‬ ‫ـ‬ ‫أعق‬ ‫ـفـي‬ ‫َّ‬ ‫ئ‬ ‫بــدأت أتســاءل أنــا وزمال ــي عمــا إذا كانــت مجموعــة الخصائــص البشــرية التكيُّفيــة‬ ‫المك ِّلفــة ع ـلـى مســتوى الطاقــة يغذيهــا تطـوُّر تغيــري شــامل ـفـي الفســيولوجيا األيضيــة‪.‬‬ ‫لقــد وجدنــا ـفـي تلــك الدراســة أن الرئيســيات تحــرق فقــط مــا يعــادل نصــف الســعرات‬ ‫الحراريــة ال ـتـي تحرقهــا الثدييــات األخــرى ـفـي اليــوم‪ .‬إن المعــدالت األيضيــة المنخفضــة‬ ‫للرئيســيات تناســب معــدالت نموهــا وتكاثرهــا البطيئــة‪ .‬ربمــا ع ـلـى العكــس مــن ذلــك‪،‬‬ ‫كان التكاثــر األســرع والخصائــص المكلفــة األخــرى للبشــر مرتبطــة بتطــور معــد ٍل‬ ‫أيضــ ٍّي مرتفــع‪ .‬كان كل المطلــوب الختبــار هــذه الفكــرة هــو حَمْ ــل مجموعــات مــن‬ ‫قــردة الشــمبانزي المضطربــة‪ ،‬وقــرود البونوبــو الماكــرة‪ ،‬وأفــراد إنســان الغــاب هادئــة‬ ‫األعصــاب‪ ،‬والغوريــا فضيــة الظهــر الخجولــة‪ ،‬علــى أن تشــرب بعنايــة جرعــات مــن‬ ‫المــاء غيــر المشــع‪ ،‬دون أن تســكب منــه شــي ًئا‪ ،‬وأن تعطينــا عينــات مــن بولهــا! وـفـي‬ ‫إنجــاز علمــي ال يســتهان بــه‪ ،‬اســتطاع زميــاي ســتيف روس ومــاري بــراون ‪-‬وكالهمــا‬ ‫يعمــل ـفـي حديقــة حيــوان لينكولــن بــارك ـفـي شــيكاغو‪ -‬أن يتعاونــا مــع مقدمــي الرعايــة‬ ‫والبيطرييــن ـفـي أكثــر مــن اثن ـتـي عشــرة حديقــة مــن حدائــق الحيــوان ـفـي مختلــف أنحــاء‬ ‫الواليــات المتحــدة للحصــول علــى تلــك البيانــات‪ .‬اســتغرق األمــر عاميــن‪ ،‬لكنهمــا‬ ‫اســتطاعا تجميــع بيانــات كافيــة حــول إنفــاق الطاقــة ـفـي القــردة العليــا تكفــي إلجــراء‬ ‫مقارنــة مُ ح َْكمَ ــة مــع البشــر‪.‬‬ ‫وبالطبــع كانــت النتائــج التــي توصــا إليهــا هــي أن البشــر يحرقــون كل يــوم‬ ‫ي مــن أقاربنــا مــن القــردة العليــا‪ .‬وح ـتـى بعــد وضــع عوامــل ـفـي‬ ‫ســعرات أكثــر ممــا يفعــل أ ٌّ‬

‫االعتبــار مثــل حجــم الجســم ومســتوى النشــاط وغيرهــا مــن العوامــل‪ ،‬و ُِجـ َد أن البشــر‬ ‫يســتهلكون وينفقــون أكثــر ممــا يســتهلك قــرود الشــمبانزي والبونوبــو بنحــو ‪ 400‬ســعر‬ ‫حــراري يوم ًّيــا‪ ،‬واالختــاف أكبــر بيــن البشــر وبيــن الغوريــا وإنســان الغــاب‪ .‬وتمثــل‬ ‫الســعرات اإلضافيــة هــذه العمــل اإلضاـفـي الــذي يقــوم بــه جســم اإلنســان لدعــم الدمــاغ‬ ‫األكبــر حجمً ــا‪ ،‬وإنتــاج أطفــال أكثــر‪ ،‬والمحافظــة ع ـلـى أجســامنا لكــي نعيــش أطــول‪.‬‬ ‫األمــر ليــس ببســاطة أننــا نــأكل أكثــر ممــا تــأكل القــردة األخــرى (رغــم أننــا نفعــل ذلــك‬ ‫أيضــا)‪ ،‬فكمــا يعــرف جميعنــا جي ـ ًدا‪ ،‬فــإن ُ‬ ‫ً‬ ‫تراكــم الســعرات اإلضافيــة ـفـي الجســم غيــر‬ ‫ً‬ ‫المؤهــل الســتخدامها نتيجتــه الحتميــة هــي الســمنة‪ .‬إن أجســامنا‪ ،‬وصــول إـلـى مســتوى‬ ‫الخليــة‪ ،‬تطــورت لتحــرق الطاقــة أســرع ولتنجــز أعمـ ًـال أكثــر مــن أقاربنــا مــن القــردة‪.‬‬ ‫ولــم يــأت تطــور البشــر خاليًــا تمامًــا مــن الفــوز ببعــض الســمات مقابــل التضحيــة‬ ‫بالبعــض اآلخــر‪ :‬فقناتنــا الهضميــة أصغــر وأقــل اسـ ً‬ ‫ـتهالكا للطاقــة مــن القــردة األخــرى‪،‬‬ ‫وال ـتـي تحتــاج إـلـى أمعــاء كبيــرة وتســتهلك قــدرًا هائـ ًـا مــن الطاقــة لتهضــم طعامهــا‬ ‫النبا ـتـي الغ ـنـي باألليــاف‪ .‬لكــن التغيــرات الحاســمة ال ـتـي رســمت مالمــح البشــر كانــت‬ ‫تغذيهــا التحــوالت التطوريــة ـفـي مُ حرِّكنــا األيضـ ّي‪.‬‬ ‫مصير مشترك‬

‫ـفـي وقــت معيــن مــن بعــد ظهيــرة ذلــك اليــوم‪ ،‬غيرنــا طريقنــا باتجــاه المــكان الــذي‬ ‫تســتوطنه القبيلــة‪ ،‬فلــم يعــد مواســاد ينظــر إـلـى األرض بح ًثــا عــن عالمات بــل كان ينظر‬ ‫سـي‬ ‫أمامــه؛ لقــد كنــا عائديــن إـلـى المنــزل مــن دون الزرافــة‪ .‬وهنــا يظهــر الخطــر األسا ـ‬ ‫ـفـي اســتراتيجية البشــر عاليــة اســتهالك الطاقــة‪ ،‬فعــودة الشــخص إـلـى المنــزل خاـلـي‬ ‫الوفــاض كانــت واردة بنســبة كبيــرة‪ ،‬كمــا كان لهــا تبعاتهــا الخطيــرة ً‬ ‫أيضــا‪ .‬فالكثيــر مــن‬ ‫األطعمــة الغنيــة بالطاقــة ال ـتـي نحتــاج إليهــا لتغذيــة األيــض الســريع يصعــب الحصــول‬ ‫عليهــا ـفـي البريــة‪ ،‬ممــا يَزيــد مــن تكلفــة الطاقــة الالزمــة إليجــاد الطعــام‪ ،‬ويزيــد مــن‬ ‫مخاطــر التضــور جو ًعــا عنــد الرجــال والنســاء الذيــن ينتشــرون بح ًثــا عــن طعــام‪ ،‬وعنــد‬ ‫صغارهــم المنتظريــن ـفـي األكــواخ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ومــن حســن حــظ مواســاد أن البشــر ط ـ َّورُوا بعــض الحِ َيــل إلبعــاد شــبح الجــوع‪،‬‬ ‫فنحــن النــوع الوحيــد مــن الكائنــات الــذي َتع َّلــمَ الطهــي‪ ،‬وهــو مــا يرفــع قيمــة الســعرات‬ ‫الحراريــة لكثيــر مــن األطعمــة‪ ،‬ويجعــل هضمهــا أســهل‪ .‬إن إتقاننــا للتعامــل مــع النــار‬ ‫يجعلنــا قادريــن ع ـلـى تحويــل الخضــراوات الجذريــة غيــر الصالحــة لــأكل –مــن تلــك‬ ‫الســلع المتاحــة ع ـلـى أرفــف متاجــر "تريــدر جــوز" إـلـى الدرنــات البريــة عنــد قبيلــة الهــادزا–‬ ‫إـلـى قنابــل حقيقيــة مــن النشــويات‪ .‬كمــا أننــا تطورنــا ل ُتصبِــح أجســامُ نا ســمينة؛ ونحــن‬ ‫نعــرف هــذا جيـ ًدا مــن أزمــة الســمنة ال ـتـي تواجــه الغــرب اآلن‪ ،‬ولكــن ح ـتـى رجــال الهــادزا‬ ‫الذيــن يُعتبــرون ن ً‬ ‫ِحافــا بــأي مقيــاس بشــري‪ ،‬يحملــون مــن الدهــون ِضعـ َـف مــا تحملــه‬ ‫قــرد ُة الشــمبانزي ال ـتـي تتســكع ـفـي حدائــق الحيــوان‪ .‬ورغــم مــا ينطــوي عليــه هــذا األمــر‬ ‫مــن إشــكاليات ـفـي عصرنــا الحديــث‪ ،‬فــإن اســتعداد أجســامنا لتخزيــن الدهــون قــد‬ ‫تطــور ع ـلـى األرجــح بالتزامــن مــع األيــض الســريع‪ ،‬كجــدار حمايــة للطاقــة‪ ،‬ليتمكــن‬ ‫اإلنســان مــن البقــاء ع ـلـى قيــد الحيــاة ـفـي أوقــات ُّ‬ ‫الشــحِّ الغذا ـئـي‪.‬‬ ‫وبينمــا كانــت الشــمس تلقــي بأشــعتها البرتقاليــة فــوق قمــم األشــجار ـفـي طريقهــا‬ ‫للغــروب‪ ،‬وصلنــا إـلـى أكــواخ القبيلــة وتوجهــت أنــا وديــف إـلـى خيم َتينــا‪ ،‬ومواســاد ونيجــا‬ ‫إـلـى كو َخــي عائل َتيهمــا‪ٌّ ،‬‬ ‫وكل منــا ســعيد بالعــودة إـلـى المنــزل‪ .‬ورغــم خســارتنا للزرافــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ي منــا جائ ًعــا تلــك الليلــة‪ .‬بــدل مــن ذلــك‪ ،‬وبقليــل مــن الجلبــة أو الجهــد‬ ‫لــم يبــت أ ٌّ‬ ‫الواعــي‪ ،‬اســتخدمت القبيلــة أكثــر األســلحة البشــرية عبقريــ ًة وقــو ًة ضــد الجــوع‪ :‬أال‬ ‫وهــي المشــاركة‪ .‬إن مشــاركة الطعــام أمــر ـفـي غايــة األهميــة ـفـي التجربــة البشــرية‪ ،‬إنــه‬ ‫الخيــط المشــترك الــذي يربــط بيــن كل حفــات الشــواء‪ ،‬واحتفــاالت أعيــاد الميــاد‪،‬‬ ‫واالحتفــاالت الدينيــة‪ ،‬التــي نأخذهــا علــى أنهــا مــن المُ َســ َّلمات‪ ،‬بيــد أنهــا جــز ٌء فريــ ٌد‬ ‫سـي مــن إرثنــا التطــوري؛ فالق ـرَدة األخــرى ال تعــرف المشــاركة‪.‬‬ ‫وأسا ـ‬ ‫ً‬ ‫وبعي ـدا عــن متطلباتنــا الغذائيــة وعالقتنــا الوثيقــة بالدهــون‪ ،‬ربمــا يكــون التأثيــر‬ ‫األبــرز لزيــادة إنفاقنــا مــن الطاقــة هــو االلتــزام البشــري بالعمــل م ًعــا‪ .‬لقــد ربـ َـط تطــور‬ ‫األيــض الســريع مصائرنــا بعضهــا ببعــض‪ ،‬وهــو مــا وضــع أمــام البشــر االختيــار بيــن‬ ‫جالســا مــع ديــف وبرايــان نتســامر حــول مغامــرات‬ ‫التعــاون أو الهــاك‪ .‬وبينمــا كنــت ً‬ ‫اليــوم ـفـي أثنــاء تناوُلنــا وجبــة مــن الســردين المعلــب وشــرائح البطاطــس‪ ،‬تيقنــت مــن‬ ‫أن ـنـي لــم أكــن ســأفهم هــذه الحقيقــة بأيــة طريقــة أخــرى‪ .‬حس ـ ًنا‪ ،‬ال توجــد زرافــة‪ ،‬ال‬ ‫مشــكلة ـفـي ذلــك‪.‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:45 PM‬‬

‫ ‪35‬‬

‫‪Exercise Paradox_new.indd 35‬‬


‫ﺗـﻘــﺮﻳــــﺮ ﺧــــﺎص ﻋــﻦ اﻷﻟـﻢ‬

‫هل من سبيل للقضاء على‬

‫الصداع النصفي؟‬ ‫عدون مجموعة من‬ ‫بعد انقطاع طويل‪ ،‬علماء األعصاب ُي ُّ‬ ‫العلجات الجديدة للقﻀاء على الصداع النصفي الحاد والحيلولة‬ ‫دون اإلﺻابة به من األساس‪.‬‬ ‫بقلم آر‪ .‬آالن بوردي‪ ،‬ديفيد دبليو‪ .‬دوديك بتاريﺦ ‪ 20‬يوليو ‪2017‬‬

‫‪ ForScience.com 36‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:47 PM‬‬

‫‪Illustration by Guyco‬‬

‫‪migrane.indd 36‬‬


migrane.indd 37

10/10/17 12:47 PM


‫بدأت ستيفاني* تعاني من نوبات الصداع في السنوات األولى من العشرينيات من عمرها‪ ،‬وعلى مدار عامين ظلت‬ ‫تعيش تحت وطأة الصداع النصفي الذي كان يبدأ عاد ًة بتشوُّش في الرؤية أو ما ُيعرف باسم "أورة"؛ حيث تظهر‬ ‫خطوط متعرجة براقة تتحرك عبر مجال الرؤية وتتسع تدريجيًّا حتى تتحول إلى عتمة وتحجب الرؤية‪ .‬ثم يأتي بعد‬ ‫ذلك ألم ساحق يتركز في الجانب األيسر من رأسها‪ ،‬ثم يزداد الطين بلة مع تلك الحساسية الشديدة للضوء والصوت‬ ‫والروائح التي تجعل المثيرات العادية ‪-‬حتى رائحة العطر‪ -‬غير محتملة والصداع أسوأ‪.‬‬ ‫وعندمــا جــاءت ســتيفاني إـلـى عيــادة طــب الجهــاز العص ـبـي‬ ‫ـفـي مدينــة هاليفاكــس ـفـي نوفــا سكوشــا‪ ،‬حيــث كان آالن بــوردي‬ ‫(أحــد مؤلفــي المقــال) يعمــل‪ ،‬قالــت إنهــا جربــت العديــد مــن‬ ‫األدويــة‪ ،‬ولكــن جميعهــا إمــا فشــل أو أدى إلــى آثــار جانبيــة ال‬ ‫ضـي‪ ،‬أصبحــت‬ ‫ُتحتمــل‪ .‬وـفـي الوقــت نفســه‪ ،‬ع ـلـى مــدار العــام الما ـ‬ ‫األعــراض ال ـتـي تعانيهــا أكثــر حــدة وإثــارة للمخــاوف؛ فــاآلن مــع‬ ‫تشــوش الرؤيــة‪ ،‬يبــدأ إحســاس بالوخــز يتحــرك ببــطء ألع ـلـى‬ ‫مــن يدهــا اليم ـنـى عبــر ذراعهــا وأحيانًــا إـلـى وجههــا ولســانها‪ ،‬وهــي‬ ‫عالمــة علــى أن ألمً ــا حــا ًّدا فــي الــرأس علــى وشــك أن يعصــف‬ ‫بهــا‪ .‬وـفـي الوقــت نفســه‪ ،‬بــدأت تعا ـنـي مشــكل ًة ـفـي العثــور ع ـلـى‬ ‫الكلمــات المناســبة للتعبيــر عــن نفســها بوضــوح بحيــث‬ ‫يفهمهــا اآلخــرون‪ ،‬وبــدأ يســاورها القلــق مــن أن الصــداع النصفــي‬ ‫ســيؤدي إـلـى اإلصابــة بســكتة دماغيــة‪ ،‬وهــو مــا يمكــن أن يمثــل‬ ‫خط ـرًا حقيق ًّيــا‪.‬‬ ‫بالنســبة لبعــض األشــخاص‪ ،‬قــد يكــون الصــداع النصفــي‬ ‫مصــدر إزعــاج ً‬ ‫عارضــا‪ ،‬فــي حيــن أنــه بالنســبة للبعــض اآلخــر‬ ‫معانــاة مســتمرة‪ ،‬وبالنســبة لألشــخاص مثــل ســتيفاني‪ ،‬قــد‬ ‫تتضمــن نوبــات الصــداع تغ ُّيــرات غريبــة ـفـي اإلدراك واإلحســاس‪.‬‬ ‫ولكــن ـفـي كافــة أشــكاله ع ـلـى أيــة حــال‪ ،‬ي َُع ـ ُّد الصــداع النصفــي‬ ‫أحــد أكثــر االضطرابــات العصبيــة انتشــارًا؛ إذ يصيــب مــا يقــرب‬ ‫مــن ‪ 39‬مليــون شــخص فــي الواليــات المتحــدة األمريكيــة؛ أي‬ ‫حوالــي ســيدة مــن كل ‪ 5‬ســيدات ورجــل مــن كل ‪ً 16‬‬ ‫رجــا‪.‬‬ ‫في سطور‬ ‫التخلص من المعاناة‬

‫� يعاني ما يقرب من ‪ 39‬مليون شخص في الواليات المتحدة األمريكية من الصداع النصفي‪ ،‬ولكن‬ ‫ ‬ ‫أقل من ‪ %30‬منهم جرى تشخيصهم وعالجهم عالجً ا مناسبً ا‪.‬‬

‫ يرجع استخدام األدوية من عائلة التريبتانات ‪-‬أحدث فئة من أدوية الصداع النصفي موجودة في‬ ‫�‬ ‫األسواق‪ -‬إلى أوائل تسعينيات القرن العشرين‪ ،‬غير أنها فعالة مع ثلث مستخدميها فحسب‪ ،‬وال يستطيع‬ ‫الكثيرون تناولها بسبب مخاطر اإلصابة بأمراض القلب واألوعية الدموية‪.‬‬ ‫� تخضع اآلن للتجارب السريرية أجسام مضادة وحيدة النسيلة من شأنها أن تمنع التعرض للصداع من‬ ‫ ‬ ‫البداية عن طريق حجب المواد التي تحمل إشارات األلم إلى األعصاب القحفية‪.‬‬

‫ ثمة أدوية أخرى جديدة قد تقضي على الصداع بعد بدايته دون تقليص األوعية الدموية‪ ،‬مما يجعلها‬ ‫ ‬ ‫آمنة للمرضى المعرضين لإلصابة بالسكتات الدماغية‪.‬‬

‫إنــه داء غال ًبــا مــا يقــف حجــر عثــرة ـفـي طريــق العــاج والوقايــة‪.‬‬ ‫ووف ًقــا للدراســات الســكانية التــي أُجريــت فــي الواليــات المتحــدة‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬كان فقــط ربــع مَــن يعانــون مــن الصــداع النصفــي‬ ‫العــارض (أي أقــل مــن ‪ 15‬يومًــا مــن الصــداع فــي الشــهر) وأقــل‬ ‫مــن ‪ %5‬ممــن يعانــون مــن الصــداع النصفــي المزمــن (أي ‪15‬‬ ‫يو ًمــا أو أكثــر ـفـي الشــهر) قــد استشــاروا طبي ًبــا قــام بتشــخيصهم‬ ‫بدقــة وقــدم لهــم العــاج المناســب‪ .‬ويعــود اســتخدام المجموعــة‬ ‫األحــدث مــن األدويــة المتاحــة فــي األســواق إلــى وقــت مبكــر مــن‬ ‫تســعينيات القــرن العشــرين‪ .‬وإذا تنــاول المريــض ذلــك العــاج‬ ‫ضـي ع ـلـى األلــم لــدى أقل‬ ‫بعــد بــدء التعـرُّض لنوبــة الصــداع‪ ،‬فإنــه يق ـ‬ ‫ضـى الذيــن يســتخدمونه‪ ،‬ولــه آثــار جانبيــة محتملــة‬ ‫مــن ثلــث المر ـ‬ ‫تجعلــه خيــارًا غيــر مطــروح بالنســبة للكثيريــن‪.‬‬ ‫ضـى الصــداع‬ ‫ولكــن اآلن‪ ،‬ثمــة بريــق أمــل يلــوح ـفـي األفــق لمر ـ‬ ‫النصفــي يوحــي بــأن مأســاتهم قــد تنتهــي قري ًبــا‪ .‬فقــد تمخضــت‬ ‫الطفــرات فــي فهــم الشــبكات الدماغيــة والنواقــل الكيميائيــة‬ ‫التــي تســبب أعــراض الصــداع النصفــي عــن إنتــاج عــدد مــن‬ ‫العالجــات المتطــورة الجديــدة التــي ُتوقــف تلــك النوبــات أو‬ ‫تحــول دون وقوعهــا مــن األســاس‪ .‬ومثلمــا تكشــف األفــكار‬ ‫المتبصــرة الجديــدة عــن الدمــاغ ً‬ ‫طرقــا جديــدة للقضــاء ع ـلـى هــذا‬ ‫ً‬ ‫االضطــراب‪ ،‬فــإن دراســة الصــداع النصفــي تميــط اللثــام أيضــا‬ ‫عــن بعــض أســرار الدمــاغ‪.‬‬ ‫مرض قديم‬

‫ال ينافــس الصــداع النصفــي ع ـلـى لقــب أقــدم اضطــراب عص ـبـي‬ ‫معــروف ســوى مــرض الصــرع‪ .‬فقــد وصفــه المصريــون القدمــاء‬ ‫ـفـي الوثائــق الطبيــة ال ـتـي تعــود إـلـى عــام ‪ 1200‬قبــل الميــاد‪ ،‬ع ـلـى‬ ‫الرغــم مــن أن الفضــل ـفـي اكتشــافه كحالــة منفــردة عــاد ًة مــا يُنســب‬ ‫إـلـى أريتايــوس الكبادوكــي‪ ،‬الــذي تكشــف كتاباتــه ال ـتـي تعــود للقــرن‬ ‫الثا ـنـي مــن الميــاد عــن أشــخاص يتعرضــون لنوبــات متكــررة مــن‬ ‫صــداع حــاد ـفـي جانــب واحــد مــن الــرأس يصاحبــه ـقـيء‪.‬‬ ‫وتختلــف حــدة الصــداع النصفــي بشــكل كبيــر؛ فالمريــض‬ ‫ســعيد الحــظ قــد يتعــرض لصــداع حــاد بضــع مــرات ـفـي الســنة‬ ‫ويعالجــه باســتخدام مســكن متــاح دون الحاجــة إـلـى وصفة طبية‪،‬‬ ‫وال يعبــأ باستشــارة طبيــب‪ .‬ولكــن بالنســبة للغالبيــة العظمــى‬

‫تم تغيير اسم المريضة وكذلك بعض التفاصيل الخاصة بحالتها لحماية الخصوصية‪.‬‬ ‫‪ ForScience.com  38‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:47 PM‬‬

‫‪migrane.indd 38‬‬


‫ضـى‪ ،‬تحــدث هــذه النوبــات مــرة‬ ‫مــن المر ـ‬ ‫أو مرتيــن ـفـي الشــهر‪ ،‬وبالنســبة لمــا يقــرب‬ ‫مــن ربــع مرضــى الصــداع النصفــي فــي‬ ‫الواليــات المتحــدة‪ ،‬فــإن النوبــات تصبــح‬ ‫أكثــر تكــرارًا‪ ،‬مــع ظهــور األعــراض ـفـي نهايــة‬ ‫المطــاف يوم ًّيــا تقري ًبــا‪ .‬وبالنســبة لهــم‪ ،‬ـفـي‬ ‫حيــن أن هــذا المــرض ال يمثــل تهديـ ًدا ع ـلـى‬ ‫الحيــاة‪ ،‬فإنــه يغيرهــا وال شــك‪.‬‬

‫)‪A N D R E W TO O B O O N TA N G e t t y I m a g e s ( b i k e i n f r o n t o f s t o r e); S C I E N T I F I C A M E R I C A N M I N D ( b l u r‬‬

‫علــى الرغــم مــن أن العامــل األســوأ فــي‬ ‫الصــداع النصفــي هــو األلــم‪ ،‬فــإن العالمــة‬ ‫المميــزة األبــرز لــه (واألكثــر روعــة بالنســبة‬ ‫لعلمــاء األعصــاب أمثالنــا) هي تلــك "األورة"‬ ‫التــي تؤثــر علــى ثلــث مرضــى الصــداع‬ ‫النصفــي‪ .‬ـفـي معظــم األحيــان‪ ،‬تكــون األورة‬ ‫ظاهــرة بصريــة تتكــون مــن خطــوط‬ ‫متعرجــة ينتــج عنهــا مجــال مــن الرؤيــة‬ ‫المشوشــة أو غيــر الواضحــة‪ ،‬وفــي بعــض‬ ‫األحيــان توجــد نقطــة عميــاء ـفـي المنتصــف‪.‬‬ ‫وقــد كشــفت الدراســات القائمــة علــى‬ ‫التصويــر التشــخيصي أن تلــك الظاهــرة‬ ‫ال ـتـي يُطلــق عليهــا األورة الكالســيكية تنشــأ‬ ‫فــي القشــرة البصريــة فــي مؤخــرة الدمــاغ‬ ‫وتنتشــر إـلـى األمــام ع ـلـى مــدار عــدة دقائــق؛ وهــي ظاهــرة ُتعــرف‬ ‫باســم "االنضغــاط اللحا ـئـي (أو القشــري) المنتشــر" (انظــر الجــزء‬ ‫بعنــوان "الموجــة الطويلــة البطيئــة" فيمــا يلــي)‪.‬‬ ‫ومعظــم األشــخاص الذيــن ال يــرون تلــك األورة البصريــة‬ ‫يتعرضــون لتلــك األعــراض األوليــة المنــذرة –مثــل التثــاؤب‬ ‫والشــعور باإلرهــاق وتغ ُّيــر الحالــة المزاجية وآالم الرقبة والحساســية‬ ‫للضــوء– ال ـتـي قــد تمثــل تحذيـرًا للتعــرض لصــداع وشــيك‪ .‬وغال ًبــا‬ ‫مــا يرتبــط الصــداع النصفــي ً‬ ‫أيضــا بمخاطــر اإلصابــة بأمــراض‬ ‫أخــرى‪ ،‬مثــل الســكتة الدماغيــة اإلقفاريــة واالكتئــاب والصــرع‪.‬‬ ‫وترتفــع مخاطــر التعــرُّض للســكتات الدماغيــة لــدى النســاء‬ ‫بصــورة خاصــة‪ ،‬ال ســيما لــدى المدخنــات أو الال ـتـي يتعاطيــن أدويــة‬ ‫تحتــوي علــى إســتروجين مثــل أقــراص منــع الحمــل‪.‬‬ ‫لطالمــا الحــظ األطبــاء الســريريون أن الصــداع النصفــي يميــل‬ ‫إلــى االنتشــار بيــن أفــراد العائلــة الواحــدة‪ .‬وقــد حــددت األبحــاث‬ ‫الحديثــة أن أكثــر مــن ســتة وثالثيــن جي ًنــا يبــدو أنــه يرتبــط بهــذا‬ ‫االضطــراب‪ ،‬وتتضمــن هــذه الجينــات المســؤولة عمــا يُطلــق‬ ‫عليــه القنــوات والنواقــل الموجــودة ع ـلـى ســطح الخاليــا العصبيــة‬ ‫وغيرهــا مــن الخاليــا الدماغيــة‪ .‬وتتحكــم هــذه الب ـنـى ـفـي حركــة مــرور‬ ‫األيونــات (مثــل الصوديــوم والبوتاســيوم والكالســيوم) مــن الخاليــا‬ ‫والنواقــل العصبيــة وإليهــا عبــر المشــابك العصبيــة‪ ،‬ومــن ثــم فــي‬ ‫اســتثارة بعــض الخاليــا الدماغيــة والشــبكات الدماغيــة المحــددة‪.‬‬ ‫والجينــات األخــرى المرتبطــة بالصــداع النصفــي مســؤولة عــن‬ ‫توليــد األلــم والحفــاظ علــى صحــة األوعيــة الدمويــة‪ .‬وبالجمــع‬ ‫بيــن هــذه العوامــل‪ ،‬فــإن هــذا االختالفــات الجينيــة قــد تفســر‬ ‫فــرط اســتثارة الدمــاغ والحساســية الشــديدة للضــوء واألصــوات‬ ‫والعطــور‪ ،‬واأللــم‪ ،‬واضطرابــات األوعيــة الدمويــة ‪-‬التــي تشــمل‬ ‫الســكتات الدماغيــة‪ -‬المرتبطــة بالصــداع النصفــي‪.‬‬ ‫البحث عن الراحة‬

‫كانــت العالجــات األولــى للصــداع النصفــي قائمــة علــى‬

‫الخرافــات والســحر‪ ،‬تتــراوح بيــن إراقــة بعــض دمــاء المريــض‬ ‫إلــى فتــح ثقــب فــي الجمجمــة إلطــاق األرواح الشــريرة‪ .‬وفــي‬ ‫القــرن التاســع عشــر‪ ،‬كان الصــداع النصفــي ي َُع ـ ُّد ً‬ ‫مرضــا جســديًّا‬ ‫نفســيًّا‪ ،‬إلــى جانــب األمــراض األخــرى التــي تعانــي منهــا النســاء‬ ‫بصفــة أساســية‪ .‬وقــد بــدأت هــذه الفكــرة تتغيــر فــي منتصــف‬ ‫القــرن العشــرين‪ ،‬فقــد أدت سلســلة مــن التجــارب الرائعــة فــي‬ ‫أربعينيــات القــرن العشــرين ال ـتـي أجراهــا عالِــم األعصــاب هارولــد‬ ‫وولــف بمركــز كورنيــل الط ـبـي التابــع لمستشــفى نيويــورك‪ ،‬إـلـى‬ ‫ميــاد نظريــة األوعيــة الدمويــة الحديثــة عــن الصــداع النصفــي‪،‬‬ ‫ال ســيما أن ألــم الصــداع النصفــي ناتــج عــن توســع األوعيــة‬ ‫الدمويــة وتم ُّددهــا داخــل الجمجمــة وخارجهــا‪ .‬وقــد قــاس وولــف‬ ‫مــدى ســعة نبضــات األوعيــة الدمويــة ـفـي فــروة الــرأس ـفـي أثنــاء‬ ‫التعــرض لنوبــة صــداع نصفــي وبعــد الحصــول علــى عــاج‬ ‫يعمــل علــى تضييــق األوعيــة‪ .‬وقــد أدت النتائــج التــي توصــل‬ ‫إليهــا إـلـى اســتخدام أول دواء حقيقــي للصــداع النصفــي‪" :‬ترتــرات‬ ‫اإلرجوتاميــن"‪ ،‬وهــو دواء فعــال يعمــل علــى تقليــص األوعيــة‬ ‫الدمويــة مشــتق مــن فطــر اإلرجــوت‪ ،‬أدى إـلـى ُّ‬ ‫توقــف األلــم الــذي‬ ‫تزامــن مــع تق ُّلــص الشــرايين فــي فــروة الــرأس‪.‬‬

‫بالنسبة لبعض‬ ‫األشخاص يبدأ الصداع‬ ‫بتشوش‬ ‫النصفي‬ ‫ُّ‬ ‫بصري براق قد يؤدي‬ ‫جزئيا‪،‬‬ ‫إلى حجب الرؤية ًّ‬ ‫وتحاكي هذه الصورة‬ ‫ذلك التأثير‪.‬‬

‫ُي َع ُّد الصداع النصفي أحد أكثر‬ ‫انتشارا؛ إذ‬ ‫االضطرابات العصبية‬ ‫ً‬ ‫يصيب سيدة من كل ‪ 5‬سيدات في‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية ورجل من‬ ‫كل ‪ً 16‬‬ ‫رجل‪ ،‬وأغلبهم ال تعود عليه‬ ‫فعالة‪.‬‬ ‫حاليا بنتائج ّ‬ ‫العالجات المتاحة ًّ‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:47 PM‬‬

‫ ‪39‬‬

‫‪migrane.indd 39‬‬


‫الﻤوجة الﻄويلة البﻄيﺌة‬

‫يﻈــل أحــد األلﻐــاز العصيــة علــى الحــل فــي الصــداع النصفــي العالقــة بيــن‬ ‫آالم الصــداع الحــادة واألعــراض الحســية الﻐريبــة التــي تســبقها فــي بعــض‬ ‫األحيــان‪ .‬وقــد تكــون الﻈاهــرة المعروفــة باســم "االنضﻐــاط اللحائــي )أو‬ ‫القشــري( المنتشــر" هــي المســؤولة عــن األمريــن؛ إذ تتميــز هــذه الﻈاهــرة‬ ‫بموجــة مــن النشــاط الكهربــي الــذي ينتشــر ببــﻂء فــي القشــرة‪ ،‬تتبعهــا‬ ‫موجــة مــن الهــدوء‪ ،‬ممــا يــؤدي إلــى ﻇهــور األعــراض المرتبطــة بذلــك الجــزء‬ ‫مــن الدمــاغ الــذي تنتقــل خاللــه هــذه الموجــة‪.‬‬ ‫وبعــد أن تــؤدي أي مجموعــة مــن العوامــل إلــى إطــالق نوبــة الصــداع‬ ‫النصفــي‪ ،‬مثــل الضﻐــﻂ أو األضــواء المبهــرة‬ ‫أو التﻐيــرات الهرمونيــة أو عــدم الحصــول‬ ‫كاف مــن النــوم‪ ،‬يبــدأ االنضﻐــاط‬ ‫ـﻂ ٍ‬ ‫علــى قسـ ٍ‬ ‫اللحائــي المنتشــر عـ ً‬ ‫ـادة فــي القشــرة البصريــة‬ ‫فــي مؤخــرة الدمــاغ‪ ،‬ممــا يــؤدي إلــى إطــالق‬ ‫المتعــرج والرؤيــة الﻐائمــة التــي تميــز‬ ‫النمــﻂ‬ ‫ﱢ‬ ‫األورة المعروفــة‪ .‬ثــم قــد تنتقــل الموجــة‬ ‫بعــد ذلــك إلــى الشــريﻂ الحســي فــي الفــص‬ ‫الجــداري‪ ،‬مثيــرً ا اضطرابً ــا ينتقــل مــن اليــد‬ ‫إلــى األعلــى إلــى الوجــه واللســان‪ .‬وبالنســبة‬ ‫لبعــض مرضــى الصــداع النصفــي‪ ،‬فقــد تتأثــر‬ ‫ﻳتﺤﺮك اﻻنﻀﻐاط اللﺤاﺋﻲ المﻨتﺸﺮ‪ ،‬الﺬي ﻳﺒﺪأ ﻓﻲ الﻘﺸﺮة الﺒﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ مﺆﺧﺮة الﺪماغ )ﻳﺴارً ا(‪ ،‬إلﻰ اﻷمام‬ ‫القــدرة علــى الحديــث بعــد ذلــك‪ ،‬ممــا يــؤدي‬ ‫ً‬ ‫مﻄلﻘا اﻷورة‬ ‫ﻓﻲ ﺷﻜﻞ مﻮﺟﺔ من الﻨﺸاط الﻜﻬﺮﺑﻲ )اللﻮن اﻷرﺟﻮانﻲ( ﺑﺴﺮﻋﺔ ‪ 2‬إلﻰ ‪ 3‬ملﻢ ﻓﻲ الﺪﻗﻴﻘﺔ‪،‬‬ ‫إلــى فقــدان القــدرة علــى النطــق‪.‬‬ ‫الﺒﺼﺮﻳﺔ‪ .‬وﻋﻨﺪما ﻳﺼﻞ إلﻰ الﻘﺸﺮة الﺠﺪارﻳﺔ والﻘﺸﺮة الﺼﺪﻏﻴﺔ )المﻨتﺼﻒ(‪ ،‬رﺑما ﻳﺆدي إلﻰ ﺻعﻮﺑات ﻓﻲ‬ ‫ومــع اجتيــاز االنضﻐــاط اللحائــي المنتشــر‬ ‫الﻜﻼم‪ ،‬ﺛﻢ ﺑعﺪ ذلﻚ ﻋﻨﺪما ﻳﺼﻞ إلﻰ الﺸﺮﻳﻂ الﺤﺴﻲ )إلﻰ الﻴمﻴن ﺑاللﻮن اﻷﺧﻀﺮ(‪ ،‬ﻗﺪ ﻳﺆدي إلﻰ اﻹﺣﺴاس‬ ‫ﺑﻮﺧﺰ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﻃﺮاف أو ﻓﻲ الﺮأس‪.‬‬ ‫للدمــاغ‪ ،‬يمكنــه ً‬ ‫أيضا اســتثارة الخاليــا العصبية‬ ‫التــي تستكشــف األلــم إمــا بشــكل مباشــر أو‬ ‫مــن خــالل االلتهابــات التــي تثيــر األليــاف التــي‬ ‫تﻐــذي الســطﺢ الخارجــي الحســاس للدمــاغ‪ .‬وفــي النهايــة‪ ،‬تطلــق أليــاف‬ ‫علــى الخاليــا العصبيــة التــي تشــعر باأللــم فــي الدمــاغ‪ ،‬أو ربمــا تعمــل اآلليتــان‬ ‫األلــم تلــك مجموعــة مــن النواقــل العصبيــة الكيميائيــة أو البروتينيــة‪ ،‬مــن‬ ‫ــد جســرً ا‬ ‫معــا‪ .‬وفــي كلتــا الحالتيــن‪ ،‬فــﺈن االنضﻐــاط اللحائــي المنتشــر يُ َع ُّ‬ ‫ً‬ ‫بينهــا الببتيــد المرتبــﻂ بجيــن الكالســيتونين‪ ،‬القــادرة علــى نقــل إشــارات‬ ‫مناســبً ا بيــن ألــم الصــداع النصفــي وأعراضــه العصبيــة الملحوﻇــة‪.‬‬ ‫األلــم مــن الجهــاز العصبــي الطرفــي إلــى الجهــاز العصبــي المركــزي‪.‬‬ ‫وعلــى أيــة حــال‪ ،‬مــا يقــرب مــن ثلثــي األشــخاص الذيــن يعانــون مــن‬ ‫الصــداع النصفــي ال يــرون تلــك األورة‪ .‬وبالنســبة لهــم‪ ،‬ال يــزال الســبب الــذي‬ ‫يــؤدي إلــى اإلصابــة بالصــداع النصفــي مجـ ً‬ ‫ـاال نشـ ًـطا للبحــث‪ .‬وربمــا يحــدث‬ ‫االنضﻐــاط اللحائــي المنتشــر فــي األنســجة الدماغيــة القشــرية أو تحــﺖ‬ ‫القشــرية دون التسـُّـبب فــي األعــراض الحســية‪ ،‬أو ربمــا تــؤدي آليــات مختلفــة‬ ‫إلــى ميــالد نوبــة الصــداع النصفــي فــي البنــى الدماغيــة تحــﺖ القشــرية التــي‬ ‫تســاعد علــى معالجــة الضــوء والصــوت وغيرهــا مــن المثيــرات الحســية وتؤثــر‬

‫‪C O U R T E S Y O F R O B E R T H A R G R E AV E S‬‬

‫ثــم فــي ســبعينيات القــرن العشــرين وثمانينياتــه‪ ،‬الحــظ‬ ‫الباحثــون ـفـي جامعــة إراســموس روتــردام ـفـي هولنــدا وجامعــة نيــو‬ ‫ســاوث ويلــز فــي ســيدني بأســتراليا‪ ،‬وجــود عالقــة بيــن الصــداع‬ ‫النصفــي والســيروتونين؛ إذ انخفضــت مســتويات الناقــل العص ـبـي‬ ‫ـفـي الــدم وارتفعــت ـفـي البــول ـفـي أثنــاء نوبــات الصــداع‪ ،‬بعبــارة أخــرى‪،‬‬ ‫كان الجســم يفقــد الســيروتونين‪ .‬كمــا وجــد الباحثــون كذلــك أن‬ ‫ضـى ع ـلـى الســيروتونين ـفـي أثنــاء النوبــات يــؤدي إـلـى‬ ‫حصــول المر ـ‬ ‫تخفيــف األلــم‪ ،‬مثلمــا يفعــل اإلرجوتاميــن‪ .‬وكان التفســير ـفـي ذلــك‬ ‫الوقــت هــو أن فقــد الســيروتونين يــؤدي إـلـى فقــد األوعيــة الدمويــة‬ ‫لتماســكها وتم ُّددهــا‪ ،‬وبالتاـلـي الشــعور بــﺂالم الصــداع النصفــي‪.‬‬ ‫ولكــن كان لﻺرجوتاميــن والســيروتونين‪ ،‬كعــالج‪ ،‬مشــكالت‬ ‫خطيــرة‪ ،‬إذ كان لكليهمــا آثــار جانبيــة مزعجــة‪ ،‬منهــا الغثيــان‬ ‫والقــيء والتشــنجات‪ ،‬وال ـتـي قــد تمثــل مشــكلة كبيــرة لمــن يعا ـنـي‬ ‫مــن الصــداع النصفــي‪ ،‬كمــا يمكــن أن يتســبب اإلرجوتاميــن ً‬ ‫أيضــا‬ ‫ـفـي انخفــاض خطيــر ـفـي جريــان الــدم‪.‬‬ ‫وفــي ســبعينيات القــرن العشــرين‪ ،‬بــدأ باتريــك هامفــري‬ ‫والــذي كان آنــذاك أخصائ ًّيــا ـفـي علــم األدويــة والعقاقيــر في شــركة‬‫المســتحضرات الدوائيــة البريطانيــة "جالكســو"‪ -‬فــي البحــث‬

‫عــن طريقــة إلعــادة إنتــاج اآلثــار المفيــدة مــن الســيروتونين مــع‬ ‫ً‬ ‫مفترضــا أن اتســاع‬ ‫تجنــب اآلثــار الضــارة‪ .‬وكان هامفــري يعمــل‬ ‫األوعيــة الدمويــة داخــل الجمجمــة وخارجهــا هــو المســؤول عــن‬ ‫اإلصابــة بالصــداع النصفــي‪ ،‬وأن األدويــة التــي يمكنهــا االرتبــاط‬ ‫بمســتقبِالت الســيروتونين يمكــن أن تخفــف آالم المرضــى‪،‬‬ ‫ومــن ثــم‪ ،‬شــرع ـفـي تصميــم دواء يــؤدي هــذه المهمــة‪ .‬وكانــت‬ ‫النتيجــة بعــد عقــد مــن العمــل هــي ظهــور عقــار ســوماتريبتان‪،‬‬ ‫والــذي ‪-‬علــى غــرار اإلرجوتاميــن‪ -‬يخفــف األلــم ويــؤدي إلــى‬ ‫تقلــص األوعيــة الدمويــة‪ .‬وقــد كان هــذا العقــار هــو األول فــي‬ ‫عائلــة أدويــة التريبتانــات‪.‬‬ ‫غيــر أن أدويــة التريبتانــات ً‬ ‫أيضــا لهــا أوجــه قصــور‪ ،‬إذ إنهــا ال‬ ‫ضـى‬ ‫تــؤدي إـلـى الراحــة التامــة مــن األلــم إال ـفـي ‪ %30‬فقــط مــن مر ـ‬ ‫الصــداع النصفــي‪ ،‬وفــي حالــة الكثيريــن منهــم يعــود الصــداع فــي‬ ‫اليــوم نفســه‪ .‬كمــا يمكــن أن تتســبب أدويــة التريبتانــات ً‬ ‫أيضــا ـفـي‬ ‫عــدد مــن اآلثــار الجانبيــة الســيئة‪ ،‬ال ـتـي تتضمــن النعــاس والــدوار‬ ‫والشــعور بوخــز وضيــق الصــدر واالحمــرار الشــديد فــي الوجــه‬ ‫والرقبــة‪ .‬ونظــرًا ألن هــذه األدويــة يمكــن أن تــؤدي إلــى تقلــص‬ ‫األوعيــة الدمويــة فــي الجســم بأكملــه‪ ،‬فــال يمكــن لألشــخاص‬

‫‪ ForScience.com 40‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:47 PM‬‬

‫‪migrane.indd 40‬‬


‫الذيــن يعانــون مــن أمــراض القلــب أو تعرَّضــوا مــن قبــل للســكتات‬ ‫الدماغيــة اســتخدامها‪.‬‬ ‫بيــد أن أدويــة التريبتانــات كانــت بمنزلــة طفــرة هائلــة‬ ‫ضـى الصــداع النصفــي الذيــن أصبــح بإمكانهــم‬ ‫للمالييــن مــن مر ـ‬ ‫اآلن الحصــول علــى قــرص مســكن أو حقنــة مســكنة والتخلــص‬ ‫مــن ألــم الصــداع الحــاد فــي غضــون ‪ 30‬دقيقــة‪ .‬كمــا أن هــذه‬ ‫األدويــة كانــت بمنزلــة انتصــار ـفـي علــم تصميــم األدويــة‪ ،‬باســتثناء‬ ‫أن فهــم األســاس البيولوجــي العص ـبـي لــم يكــن صحي ًحــا تما ًمــا‪.‬‬ ‫سـي ـفـي ألــم‬ ‫فكمــا كشــفت األبحــاث الالحقــة‪ ،‬لــم يكــن الســبب الرئي ـ‬ ‫الصــداع النصفــي هــو اتســاع األوعيــة الدمويــة ـفـي الــرأس‪ ،‬والعامــل‬ ‫سـي الــذي تســاعد بــه أدويــة التريبتانــات ليــس عــن طريــق‬ ‫الرئي ـ‬ ‫تضييــق تلــك األوعيــة‪ ،‬بــل كان هنــاك شــيء آخــر يحــدث‪ ،‬وكان‬ ‫شـيء‪.‬‬ ‫تصميــم أدويــة أفضــل يعتمــد ع ـلـى التوصــل إـلـى ذلــك ال ـ‬ ‫صواريخ موجهة إلى الصداع النصفي‬

‫ـفـي ثمانينيــات القــرن العشــرين‪ ،‬ـفـي الوقــت نفســه تقري ًبــا الــذي‬ ‫كان هامفــري يعمــل فيــه ع ـلـى أدويــة التريبتانــات‪ ،‬توصــل الرس‬ ‫إدفينســون ‪-‬عالِــم األعصــاب بجامعــة لونــد ـفـي الســويد‪ -‬إـلـى مركــب‬ ‫يُطلــق عليــه "الببتيــد المرتبــط بجيــن الكالســيتونين" ـفـي األعصــاب‬ ‫المحيطــة باألوعيــة الدمويــة داخــل الجمجمــة‪ .‬وكان ذلــك المركــب‬ ‫قــد اك ُتشـ َـف مؤخـرًا ـفـي الجهــاز العص ـبـي المركــزي والطرـفـي‪ ،‬وتشــير‬ ‫األدلــة إـلـى أنــه يعمــل بمنزلــة ناقــل كيميا ـئـي لأللــم‪ ،‬كمــا أنــه فعــال ـفـي‬ ‫توســيع األوعيــة الدمويــة‪ ،‬وقــد افتــرض إدفينســون ‪-‬المتخصــص‬ ‫فــي دراســة إمــدادات الــدم فــي الدمــاغ‪ -‬أنــه قــد يســهم فــي تطــور‬ ‫الصــداع النصفــي‪.‬‬ ‫علــى مــدار العقديــن التالييــن‪ ،‬أكــدت التجــارب التــي أجراهــا‬ ‫العديــد مــن الباحثيــن تلــك الفكــرة‪ .‬فوجــد الباحثــون‪ ،‬ع ـلـى ســبيل‬ ‫المثــال‪ ،‬أن مســتويات الببتيــد المرتبــط بجيــن الكالســيتونين‬ ‫فــي الــدم ترتفــع فــي أثنــاء نوبــات الصــداع النصفــي ثــم تعــود إلــى‬ ‫المســتويات الطبيعيــة بعــد أن ُته ـ ِّدئ جرعــة مــن الســوماتريبتان‬ ‫األلــم‪ .‬وكان الدليــل المقنــع فــي هــذا الشــأن هــو أن ذلــك الببتيــد‬ ‫كان يثيــر باســتمرار نوبــة صــداع نصفــي عنــد حَقنِــه فــي مجــرى‬ ‫دم مرضــى الصــداع النصفــي‪ .‬وتوضــح الدراســات فــي كل مــن‬ ‫الحيوانــات والبشــر أن الببتيــد المرتبــط بجيــن الكالســيتونين‬ ‫ومســتقبالته توجــد ـفـي الب ـنـى الدماغيــة مثــل الوطــاء (تحــت المهاد)‬ ‫والمخيــخ وال ـتـي كان يُعتقــد لوقــت طويــل أنهــا تــؤدي دورًا ـفـي توليد‬ ‫نوبــات الصــداع النصفــي‪ .‬كمــا أنهــا موجــودة ً‬ ‫أيضــا فــي العصــب‬ ‫سـي يشــترك ـفـي معالجــة‬ ‫الثال ـثـي التوائــم‪ ،‬وهــو عصــب قحفــي أسا ـ‬ ‫اإلشــارات الحســية ال ـتـي ترتبــط ً‬ ‫أيضــا بالصــداع النصفــي‪ .‬باإلضافــة‬ ‫إـلـى هــذا‪ ،‬فقــد اتضــح أن هــذا الببتيــد أحــد المــواد الكيميائيــة ال ـتـي‬ ‫يطلقهــا الجســم ـفـي أثنــاء االنضغــاط اللحا ـئـي المنتشــر‪ ،‬وهــي اآلليــة‬ ‫المفتر َ​َضــة لتكــوُّن أورة الصــداع النصفــي‪.‬‬ ‫وفــي وقــت مبكــر مــن العقــد األول مــن القــرن الحــادي‬ ‫والعشــرين‪ ،‬تمكــن العلمــاء ـفـي شــركة األدويــة األلمانيــة "بورينجــر‬ ‫إنجلهايــم" مــن تخليــق جــزيء صغيــر مصمــم لالرتباط بمســتقبل‬ ‫الببتيــد المرتبــط بجيــن الكالســيتونين وإيقــاف نشــاطه‪ ،‬وهــي‬ ‫فئــة مــن المــواد ُتعــرف باســم "مضــادات المســتقبالت"‪ .‬وقــد‬ ‫ً‬ ‫مريضــا ُنشــرت فــي دوريــة "نيــو‬ ‫أكــدت دراســة شــملت ‪126‬‬ ‫إنجالنــد جورنــال أوف ميديســين" ‪New England Journal‬‬ ‫‪ of Medicine‬فــي عــام ‪ 2004‬أن هــذا الجــزيء ‪-‬والــذي يُح َقــن‬ ‫فــي الوريــد‪ -‬يوقــف الصــداع النصفــي لــدى بعــض المرضــى‪،‬‬ ‫وقــد فعــل هــذا دون تضييــق األوعيــة الدمويــة ـفـي الــرأس‪ .‬وكان‬

‫كانت العالجات األولى‬ ‫للصداع النصفي قائمة على‬ ‫الخرافات والسحر‪ ،‬تتراوح بين‬ ‫إراقة بعض دماء المريض إلى‬ ‫فتح ثقب في الجمجمة إلطالق‬ ‫األرواح الشريرة‪.‬‬ ‫هــذا االكتشــاف جوهر ًّيــا؛ إذ أثبــت أن النمــوذج الراســخ للصــداع‬ ‫النصفــي علــى أنــه مرتبــط باألوعيــة الدمويــة ليــس صحيحًــا‬ ‫تما ًمــا‪ ،‬وأن تضييــق األوعيــة الدمويــة ليــس أساسـيًّا ـفـي التخلــص‬ ‫مــن آالم هــذا الصــداع‪.‬‬ ‫وع ـلـى الرغــم مــن النتائــج الواعــدة‪ ،‬فقــد تعثــر التقـ ُّدم ـفـي تطويــر‬ ‫مضــادات مســتقبل الببتيــد المرتبــط بجيــن الكالســيتونين؛‬ ‫بســبب وجــود أثــر جان ـبـي خطيــر‪ ،‬وهــو تســمم الكبــد الــذي ظهــر‬ ‫فــي تجربــة ثالثــة مــن هــذه األدويــة‪ ،‬ومــن َثــم كان يتعيــن علــى‬ ‫الباحثيــن التوصــل إلــى طريقــة أخــرى إلحــراز تقــ ُّدم‪.‬‬ ‫وقــد قــرر البعــض اســتهداف الببتيــد المرتبــط بجيــن‬ ‫الكالســيتونين أو المســتقبِل الخــاص بــه باســتخدام جســم‬ ‫مضــاد وحيــد النســيلة‪ .‬واألجســام المضــادة عبــارة عــن بروتينــات‬ ‫ضخمــة يمكــن توجيههــا بدقــة إـلـى هــدف واحــد‪ ،‬وهــو مــا يشــبه‬ ‫إـلـى حــد كبيــر الصواريــخ الموجهــة بالليــزر‪ .‬ويقــوم مطــورو األدويــة‬ ‫عــاد ًة بإنتاجهــا مــن نســخ مــن خليــة مناعيــة واحــدة‪ ،‬ولهــذا‬ ‫توصــف بأنهــا وحيــدة النســيلة‪ .‬وع ـلـى غــرار البروتينــات األخــرى‪،‬‬ ‫فإنهــا ُتؤيَّــض إلــى أحمــاض أمينيــة عبــر األنســجة فــي مختلــف‬ ‫أنحــاء الجســم بـ ً‬ ‫ـدل مــن إثقــال العــبء ع ـلـى الكليتيــن أو الكبــد‪.‬‬ ‫وهكــذا‪ ،‬رغــم أنهــا قــد يكــون لهــا آثــار جانبيــة مرتبطــة بإعاقــة‬ ‫الهــدف المحــدد (مثــل الببتيــد المرتبــط بجيــن الكالســيتونين)‬ ‫فإنهــا ال تســبب آثــارًا جانبيــة بعيــدة عــن الهــدف أو آثــارًا ســامة‬ ‫مثــل اإلضــرار بالكليــة‪.‬‬ ‫واألجســام المضــادة أكبــر حجمً ــا مــن أن تمــر عبــر الحاجــز‬ ‫الدمــوي الدماغــي‪ ،‬غيــر أن أداء هــذه األدويــة كان مذهـ ًـا ح ـتـى اآلن‬ ‫ـفـي منــع الصــداع النصفــي ـفـي الدراســات األوليــة‪ .‬ومــن بيــن اآلليــات‬ ‫المحتملــة لهــذا النجــاح أنــه عــن طريــق حجــب الببتيــد المرتبــط‬ ‫بجيــن الكالســيتونين ـفـي مســارات العصــب الثال ـثـي التوائــم خــارج‬

‫التعريف بكاتب المقال‬

‫آر‪ .‬آالن بوردي أستاذ الطب بجامعة دالهاوسي في نوفا سكوشا‪ ،‬ورئيس‬

‫الجمعية األمريكية للصداع‪ ،‬ورئيس اللجنة التعليمية في الجمعية الدولية للصداع‪.‬‬ ‫ديفيد دبليو‪ .‬دوديك أستاذ طب الجهاز العصبي ومدير برنامج الصداع بأريزونا‬

‫التابع لمايو كلينيك‪ ،‬كما أنه رئيس الجمعية الدولية للصداع‪ ،‬ومدير المؤسسة‬ ‫األمريكية للصداع النصفي‪ ،‬والرئيس السابق للجمعية األمريكية للصداع‪.‬‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:47 PM‬‬

‫ ‪41‬‬

‫‪migrane.indd 41‬‬


‫الدمــاغ‪ ،‬فــإن األجســام المضــادة ربمــا تقلــل مــن نقــل اإلشــارات‬ ‫بيــن الجهــاز العصبــي الطرفــي والجهــاز العصبــي المركــزي‪ ،‬ممــا‬ ‫يقلــل مــن إشــارات األلــم ال ـتـي تدخــل إـلـى الدمــاغ‪.‬‬ ‫ومنــذ عــام ‪ ،2012‬أجــرى العديــد مــن الباحثيــن ‪-‬مــن بينهــم‬ ‫أحــد مؤلفــي المقــال (دوديــك)‪ -‬تجــارب ســريرية يجــري فيهــا‬ ‫اســتخدام دواء وهمــي لمقارنــة اآلثــار‪ ،‬تتضمــن أكثــر مــن ‪ 10‬آالف‬ ‫ضـى ـفـي التجربــة‬ ‫مريــض‪ .‬وقــد اســتخدمت نســبة كبيــرة مــن المر ـ‬ ‫العــالج ألكثــر مــن عــام دون التعــرض ألي آثــار جانبيــة‪ ،‬باســتثناء‬ ‫بعــض االحمــرار ـفـي موضــع الحَقــن‪ .‬وبالنســبة لمــا يصــل إـلـى ‪%70‬‬ ‫منهــم‪ ،‬فقــد انخفــض عــدد األيــام التــي يشــعرون فيهــا بالصــداع‬ ‫ضـى لــم يعــا ِن‬ ‫ألكثــر مــن النصــف‪ ،‬وواحــد تقري ًبــا مــن كل ســتة مر ـ‬ ‫ً‬ ‫إطالقــا فــي أثنــاء فتــرة العــالج‪ .‬وقــد ظهــر‬ ‫مــن الصــداع النصفــي‬ ‫التحســن بعــد ثالثــة أيــام فقط مــن بدء العــالج باألجســام المضادة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وقــد انتهــت شــركة األدويــة "أمجــن" مؤخـرًا مــن دراســات المرحلــة‬

‫آلية مقاومة‬ ‫العلجات الجديدة‬ ‫للصداع النصفي‬

‫تستهدف العالجات الجديدة‬ ‫الجزئ الناقل لﻸلم الذي يُ طلق‬ ‫عليه الببتيد المرتبﻂ بجين‬ ‫الكالسيتونين )الذي يﻈهر‬ ‫في الشكل في صورة دوائر‬ ‫خضراء(‪ ،‬حيث إنه يعمل على‬ ‫توسيع األوعية الدموية )الجزء‬ ‫العلوي(‪ ،‬واستثارة المراكز‬ ‫العصبية )في المنتصف(‪،‬‬ ‫ويتدفق عبر مجرى الدم )الجزء‬ ‫السفلي(‪ .‬عند تعاطي مضادات‬ ‫مستقبالت الببتيد المرتبﻂ‬ ‫بجين الكالسيتونين )التي تﻈهر‬ ‫في صورة أسطوانات زرقاء(‬ ‫لدى بدء الشعور بالصداع‪،‬‬ ‫فﺈنها تعوق ارتباط الببتيد‬ ‫المرتبﻂ بجين الكالسيتونين‬ ‫بمستقبالت معينة في‬ ‫الدماغ‪ ،‬وهكذا توقف األلم‪.‬‬ ‫وعلى العكس‪ ،‬يتم تعاطي‬ ‫األجسام المضادة وحيدة‬ ‫النسيلة )تأخذ شكل حرف (‬ ‫باستمرار لمنع الصداع النصفي‪،‬‬ ‫وذلك من خالل االرتباط‬ ‫بمستقبالت الببتيد المرتبﻂ‬ ‫بجين الكالسيتونين التي تقع‬ ‫على الخاليا العصبية واألوعية‬ ‫الدموية‪ ،‬والتهام الببتيد‬ ‫المرتبﻂ بجين الكالسيتونين‬ ‫هناك وفي الدم‪.‬‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫­ ‪ ‬‬ ‫ ‬

‫الثالثــة الجوهريــة‪ ،‬وســوف تتقــدم بطلــب قري ًبــا إـلـى إدارة الغــذاء‬ ‫والــدواء األمريكيــة للحصــول ع ـلـى تصريــح‪ .‬وثمــة ثــالث شــركات‬ ‫أخــرى –"ألــدر" للصناعــات الدوائيــة البيولوجيــة‪ ،‬و"إيلــي ليلــي"‬ ‫لألدويــة‪ ،‬و"تيفــا" للصناعــات الدوائيــة‪ -‬ـفـي خضــم تجــارب المرحلــة‬ ‫الثالثــة‪ .‬ومــن المقــرر أن يصبــح أول هــذه األجســام المضــادة متا ًحــا‬ ‫مــا لــم تظهــر مشــكالت غيــر متوقعــة‪ -‬ـفـي نهايــة عــام ‪ 2017‬أو ـفـي‬‫بدايــة ‪.2018‬‬ ‫وســوف تمثــل األجســام المضــادة وحيــدة النســيلة قفــزة‬ ‫هائلــة إـلـى األمــام مــن العالجــات الوقائيــة المتاحــة حال ًّيــا‪ ،‬وال ـتـي‬ ‫تتضمــن حاصــرات بيتــا مثــل البروبرانولــول ومجموعــة مــن‬ ‫أدويــة ضغــط الــدم‪ .‬ولــدى األدويــة األقــدم معــدالت اســتجابة‬ ‫مشــابهة‪ ،‬ولكــن قــد يســتغرق ظهــور اآلثــار الملحوظــة أســابيع‬ ‫أو شــهورًا‪ ،‬وغال ًبــا مــا تكــون هنــاك حاجــة لزيــادة الجرعــة بمــرور‬ ‫الوقــت‪ ،‬كمــا أن اآلثــار الجانبيــة‪ ،‬مثــل زيــادة الــوزن وفقــدان الشــعر‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‪ ‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫­ ‪ ‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫‪ ForScience.com 42‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:48 PM‬‬

‫‪migrane.indd 42‬‬


‫” ? ‪O P P O S I T E PA G E : TA M I TO L PA ; S O U R C E : “ C G R P - R E C E P TO R A N TA G O N I S T S: A F R E S H A P P R O A C H TO M I G R A I N E T H E R A P Y‬‬ ‫‪B Y PAU L L . D U R H A M , I N N E W E N G L A N D J O U R N A L O F M E D I C I N E , V O L . 3 5 0 , N O . 11; M A R C H 11, 2 0 0 4‬‬

‫ضـى‬ ‫والخلــل الوظيفــي اإلدراكــي والشــعور بالخــدر‪ ،‬قــد تمنــع المر ـ‬ ‫مــن الوصــول إلــى جرعــة فعالــة أو االســتمرار فــي تنــاول الــدواء‬ ‫ضـى الذيــن‬ ‫مــن األســاس‪ .‬ـفـي الواقــع‪ ،‬أكثــر مــن ‪ %85‬مــن المر ـ‬ ‫بــدأوا العــالج مــع األدويــة الوقائيــة المتاحــة حاليًّــا توقفــوا عــن‬ ‫اســتخدامها فــي غضــون عــام‪.‬‬ ‫غيــر أن اســتخدام األجســام المضــادة وحيــدة النســيلة لــن‬ ‫يكــون متاحًــا للجميــع ً‬ ‫أيضــا؛ إذ ســيحتاج المرضــى إلــى حقنهــا‬ ‫عبــر الوريــد‪ ،‬ممــا يتطلــب زيــارة للطبيــب كل ثالثــة شــهور‪ ،‬أو‬ ‫عبــر حقــن ذا ـتـي بصــورة شــهرية‪ .‬وال تــزال ثمــة أســئلة عالقــة حــول‬ ‫مــدى أمــان حجــب بروتيــن يوجــد ـفـي مختلــف أنحــاء الجســم ع ـلـى‬ ‫ضـى الذيــن‬ ‫المــدى البعيــد‪ ،‬وهــذه المخــاوف بالتحديــد واقعيــة للمر ـ‬ ‫ل‬ ‫ضـى الضغــط العاــي؛ نظـرًا‬ ‫يعانــون مــن أمــراض قلبيــة وعائيــة ومر ـ‬ ‫سـي ـفـي‬ ‫ألنــه يُعتقــد أن الببتيــد المرتبــط بجيــن الكالســيتونين أسا ـ‬ ‫تماســك األوعيــة الدمويــة والتعويــض عــن انخفــاض‬ ‫الحفــاظ ع ـلـى ُ‬ ‫إمــدادات الــدم إلــى الدمــاغ والقلــب فــي أثنــاء ال َّتعــرُّض للســكتات‬ ‫الدماغيــة واألزمــات القلبيــة‪ .‬كمــا أنــه مــن غيــر الواضــح ع ـلـى اإلطالق‬ ‫مــا إذا كانــت تلــك األدويــة ســتكون آمنــة لالســتخدام فــي أثنــاء‬ ‫الحمــل‪ ،‬وهــذا اعتبــار شــديد األهميــة؛ نظـرًا ألن معظــم َمــن يعانــون‬ ‫مــن الصــداع النصفــي ويذهبــون إـلـى عيــادات األطبــاء مــن الســيدات‬ ‫ـفـي عمــر اإلنجــاب (غال ًبــا مــا تقــل نســبة التعــرض للصــداع النصفــي‬ ‫مــع انقطــاع الطمــث)‪.‬‬ ‫وبالنســبة للمرضــى الذيــن ال يســتطيعون اســتخدام‬ ‫األجســام المضــادة‪ ،‬أو الذيــن ال تســاعدهم هــذه األدويــة‪،‬‬ ‫وبالنســبة للكثيريــن الذيــن يفضلــون عــالج الصــداع النصفــي‬ ‫فقــط عنــد التع ـرُّض إلحــدى نوباتــه‪ ،‬ثمــة حاجــة إـلـى عــالج آمــن‬ ‫وفعــال لتناولــه عنــد الحاجــة ـفـي حالــة التعــرض لنوبــات حــادة‪.‬‬ ‫وغالبًــا مــا ســتكون مســكنات األلــم عبــارة عــن أقــراص ولــن‬ ‫تــؤدي إـلـى تقليــص األوعيــة الدمويــة مثلمــا تفعــل التريبتانــات‪.‬‬ ‫وثمــة فئتــان مــن األدويــة واعدتــان علــى كافــة األصعــدة قيــد‬ ‫التطويــر ـفـي الوقــت الراهــن‪ .‬فقــد أوضحــت التجــارب الســريرية‬ ‫لمضــادات مســتقبل الببتيــد المرتبــط بجيــن الكالســيتونين أنهــا‬ ‫ع ـلـى نفــس قــدر فاعليــة التريبتانــات ولكــن دون آثارهــا الســامة‪.‬‬ ‫ومــن ثــم‪ ،‬يبــدو أن آثــار تســمم الكبــد ال ـتـي لوحظــت ـفـي التجــارب‬ ‫األوـلـى مرتبطــة بالــدواء نفســه وليــس بحجــب الببتيــد المرتبــط‬ ‫بجيــن الكالســيتونين‪.‬‬ ‫وهنــاك ً‬ ‫أيضــا عائلــة األدويــة "ديتــان" التــي تســتهدف‬ ‫مســتقبِالت الســيروتونين‪ ،‬والتــي تبــدو واعــدة هــي األخــرى‪ .‬إذ‬ ‫يختــار عقــار الســميديتان ‪-‬الــذي تطــوره ـفـي الوقــت الراهــن شــركة‬ ‫"كوليوســد للصناعــات الدوائيــة"‪ -‬مســتقبِالت الســيروتونين ال ـتـي‬ ‫تقــع فقــط ع ـلـى الخاليــا العصبيــة وليــس األوعيــة الدمويــة‪ ،‬وهــو‬ ‫مــا يعنــي أنهــا ســتكون آمنــة لنســبة ‪ %20‬مــن مرضــى الصــداع‬ ‫النصفــي الذيــن لديهــم مخاطــر مرتبطــة باألمــراض القلبيــة‬ ‫الوعائيــة‪ .‬وـفـي تجربــة ســريرية حديثــة لعقــار الســميديتان أجرتهــا‬ ‫شــركة "كوليوســد" شــملت ‪ً 2231‬‬ ‫مريضــا تلقــوا عالجًــا لنــوع‬ ‫ضـى مــن األلــم‬ ‫واحــد مــن الصــداع النصفــي‪ ،‬تخ َّلــص ثلــث المر ـ‬ ‫تما ًمــا ـفـي غضــون ســاعتين‪( .‬وقــد ســاعد دوديــك ع ـلـى تصميــم‬ ‫التجربــة وتحليــل النتائــج)‪ .‬ويشــبه معــدل النجــاح هــذا معــدل‬ ‫نجــاح أدويــة التريبتانــات ولكــن دون المخاطر المرتبطــة بانقباض‬ ‫ضـى ـفـي‬ ‫األوعيــة الدمويــة‪ .‬ـفـي الحقيقــة‪ ،‬أكثــر مــن ‪ %80‬مــن المر ـ‬

‫في دراسات ُأجريت على‬ ‫استخدام العلجات الجديدة التي‬ ‫تعتمد على األجسام المﻀادة‪،‬‬ ‫انخفض عدد أيام الشعور‬ ‫بالصداع ألكثر من النصﻒ لدى‬ ‫ما يصل إلى ‪ %70‬من المرضى‪،‬‬ ‫تماما مريض من كل‬ ‫وتعافى‬ ‫ً‬ ‫ستة مرضى من الصداع النصفي‪.‬‬ ‫الدراســة كان لديهــم عامــل أو أكثــر مــن عوامــل مخاطــر اإلصابــة‬ ‫باألمــراض القلبيــة والوعائيــة‪ ،‬ولكــن لــم تظهــر أيــة مشــكالت‬ ‫متعلقــة باألمــان‪.‬‬ ‫اﻷمل يلوح ﻓي اﻷﻓﻖ‬

‫تعكــس األدويــة الجديــدة ال ـتـي ـفـي طريقهــا للطــرح ـفـي األســواق‬ ‫قفــزات هائلــة فــي تحديــد المناطــق الدماغيــة التــي ينشــأ فيهــا‬ ‫الصــداع النصفــي واآلليــات التــي تــؤدي إلــى اإلصابــة بــه‪ ،‬وكانــت‬ ‫النتيجــة التوصــل إـلـى عــالج أكثــر تحدي ـ ًدا وذي آثــار جانبيــة أقــل‬ ‫مــن العالجــات األقــدم‪ .‬وغالبًــا مــا يــؤدي إنتــاج عــالج ناجــح إلــى‬ ‫دائــرة مفيــدة مــن المزيــد مــن األفــكار الثاقبــة حــول آليــات المــرض‬ ‫والجيــل التاـلـي مــن العالجــات‪ .‬وقــد انطبــق هــذا األمــر ع ـلـى األدويــة‬ ‫مــن عائلــة التريبتانــات‪ ،‬ومــن المؤكــد تقري ًبــا أنــه ســينطبق ع ـلـى‬ ‫األدويــة ال ـتـي هــي قيــد التطويــر اليــوم‪ .‬وحقيقــة أن جزي ًئــا ضخمً ــا‬ ‫مثــل الجســم المضــاد الــذي ال يســتطيع الوصــول إلــى الدمــاغ‬ ‫يمكنــه أن يمنــع نوبــات الصــداع ال ـتـي تنشــأ هنــاك تغيــر بالفعــل‬ ‫الطريقــة التــي نفكــر بهــا‪ ،‬ال فــي الصــداع النصفــي فحســب‪ ،‬لكــن‬ ‫ً‬ ‫أيضــا ـفـي الطريقــة ال ـتـي يعمــل بهــا الدمــاغ‪.‬‬ ‫واألهــم مــن ذلــك أن المرضــى‪ ،‬مثــل ســتيفاني‪ ،‬الذيــن لــم‬ ‫يجــدوا سـ ً‬ ‫ـبيال للتخلــص مــن آالمهــم باســتخدام العالجــات الحاليــة‬ ‫ســيحصلون أخيــرًا ‪-‬إذا ســارت األمــور علــى خيــر مــا يــرام‪ -‬علــى‬ ‫الرعايــة والعــالج الــذي يســتحقونه‪ .‬لقــد جربــت ســتيفاني علــى‬ ‫األقــل عشــرة أدويــة للتغلــب ع ـلـى الصــداع النصفــي‪ ،‬وكذلــك العديد‬ ‫مــن العالجــات البديلــة‪ ،‬مــن الوخــز باإلبــر إـلـى ممارســة اليوجــا إـلـى‬ ‫األنظمــة الغذائيــة المخصصــة‪ ،‬ولكــن دون جــدوى‪ .‬ونظــرًا ألن‬ ‫األعــراض التــي تعانــي منهــا ســتيفاني تجعلهــا معرضــة لﻺصابــة‬ ‫بســكتة دماغيــة‪ ،‬فقــد أســعدها وأثــار حماســتها كثي ـرًا أن تعلــم أن‬ ‫ثمــة أدويــة قــد تكــون أكثــر أمانًــا تلــوح ـفـي األفــق‪ ،‬إذ قالــت‪" :‬يبــدو‬ ‫رائعــا‪ ،‬ال أطيــق االنتظــار ح ـتـى الحصــول عليهــا!" ونحــن ً‬ ‫هــذا ً‬ ‫أيضــا‬ ‫ضـى الذيــن يكــون الصــداع‬ ‫بصفتنــا أطبــاء نــرى الكثيــر مــن المر ـ‬ ‫النصفــي الــذي يعانــون منــه مقاومًــا للعالجــات الحاليــة‪ ،‬فإننــا‬ ‫ننتظــر العالجــات الجديــدة ع ـلـى أحــر مــن الجمــر‪.‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:48 PM‬‬

‫‪43‬‬

‫‪migrane.indd 43‬‬


‫صون الطبيعة‬

‫قد يتفوق االتجار‬ ‫في الحيوانات‬ ‫البرية األليفة‬ ‫على فقدان البيئة‬ ‫الطبيعية باعتباره‬ ‫أحد العوامل‬ ‫المتسببة في‬ ‫المعاناة المتزايدة‬ ‫في الطبيعة‬

‫ومن الحب‬ ‫مـا‬ ‫قـتـل‬ ‫ريتشارد كونيف‬

‫‪ ForScience.com  44‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:49 PM‬‬

‫‪sad1017Conn3p_AR_.indd 44‬‬


‫سوق جاتينيجارا للحيوانات األليفة في جاكرتا‬ ‫بإندونيسيا يباع فيها صرصور الكريكيت داخل أنبوب‬ ‫من الخيزران (في وسط الصورة)‪ ،‬ومجموعة من‬ ‫الطيور والحيوانات األخرى المجمعة بطريقة غير‬ ‫قانونية من البرية‪.‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:49 PM‬‬

‫ ‪45‬‬

‫‪sad1017Conn3p_AR_.indd 45‬‬


‫ريتشارد كونيف كاتب علمي حاصل على جوائز‪ ،‬يكتب للعديد‬ ‫من المجالت‪ ،‬كما يكتب مقاالت رأي لصحيفة "نيويورك‬ ‫تايمز"‪ New York Times.‬وقد ألف العديد من الكتب من‬ ‫بينها ‪( ،House of Lost Worlds‬مطبعة جامعة ييل‪،)2016 ،‬‬ ‫و‪( ،The Species Seekers‬دبليو‪ .‬دبليو‪ .‬نورتون‪.)2010 ،‬‬

‫إبان رحلة العالِم المتخصص في علم الحفاظ على‬ ‫األحياء ديفيد إس‪ .‬ويلكوف لمراقبة الطيور في الجزيرة‬ ‫اإلندونيسية سومطرة في عام ‪ ،2012‬استدعى انتباهه‬ ‫أن بي ًتا تلو اآلخر في كل قرية زارها كان يحوي ً‬ ‫أقفاصا‬ ‫معلقة بالخارج تحوي أنوا ًعا من الطيور البرية كان‬ ‫َي َتوقع رؤيتها في الغابة‪ .‬تربي أسرة من كل خمس‬ ‫أسر في إندونيسيا الطيور البرية في المنزل‪ ،‬مما جعله‬ ‫يتساءل‪" :‬ما تأثير ذلك على الطيور؟"‪.‬‬

‫فـي سـطــور‬ ‫ً‬ ‫وفقــا للنظــرة التقليديــة لدعــاة صــون الطبيعــة‪،‬‬ ‫كان فقــدان الحيــوان لبيئتــه بمنزلــة التهديــد األكبــر‬ ‫للتنــوع البيولوجــي‪.‬‬

‫إال أن االتجــار فــي الحيوانــات األليفــة الغريبــة‬ ‫ً‬ ‫رئيســا مــن عوامــل اختفــاء الحيــاة‬ ‫عامــا‬ ‫أصبــح‬ ‫ً‬ ‫عالميــا‪.‬‬ ‫البريــة‬ ‫ًّ‬

‫أكثــر المناطــق تكالبً ــا علــى اقتنــاء الحيوانــات‬ ‫األليفــة التــي تُ صطــاد مــن البريــة‪ ،‬هــي الواليــات‬ ‫المتحــدة وأوروبــا‪.‬‬

‫;‪PRECEDING PAGES: MARK LEONG Redux Pictures‬‬ ‫)‪THIS PAGE: ALAMY (loris); GETTY IMAGES (parrots‬‬

‫ولإلجابــة عــن هــذا الســؤال‪ ،‬بـ َّدل ويلكــوف‪ ،‬الــذي ُيـ َدرِّس بجامعــة برينســتون‪،‬‬ ‫المســار المخطــط لرحلتــه كــي يــزور ســوق برامــوكا للطيــور ـفـي العاصمــة "جاكرتــا"‪،‬‬ ‫وهــي أكبــر األســواق ـفـي جنــوب شــرق آســيا لتجــارة الطيــور وغيرهــا مــن الحيوانــات‬ ‫البريــة بــدءًا مــن الخفافيــش وانتهــا ًء بالقــرود‪ .‬يســترجع ويلكــوف مشــهد الســوق‬ ‫ً‬ ‫قائــا‪" :‬كانــت الســوق بحجــم متجــر وول مــارت تقريبًــا‪ ،‬تتزاحــم فيهــا مئــات‬ ‫األكشــاك"‪ ،‬وكان كل كشــك يكتــظ بمئــات الطيــور‪ .‬ويضيــف قائـ ًـا‪" :‬كانــت تلــك‬ ‫الطيــور ـفـي حالــة يُر ـثـى لهــا‪ ،‬وقــد ظهــرت عليهــا عالمــات اإلعيــاء وتســاقط عنهــا‬ ‫ريشــها وبــدا عليهــا الوخــم أو أخــذت تهيــج داخــل أقفاصهــا‪ .‬فالكثيــر مــن هــذه‬ ‫الطيــور بــري لــم ي َ‬ ‫ُفطــر علــى العيــش داخــل أقفــاص"‪ .‬بعــض هــذه األنــواع ال‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫تســتطيع ح ـتـى حدائــق الحيوانــات ذات العمــال المحترفيــن المُ درَّبيــن جيـدا إبقــاءه‬ ‫ـفـي األســر‪ ،‬فســرعان مــا ســيلقى حتفــه بعــد بيعــه‪ ،‬فيمــا يصفــه ويلكــوف بـ"متالزمــة‬ ‫الــوردة المقطوفــة"‪ .‬ويســتطرد قائـ ًـا‪" :‬كان المشــهد مر ِّو ًعــا بالفعــل‪ ،‬لــم أ َر شــي ًئا‬ ‫كهــذا مــن قبــل"‪.‬‬ ‫فيمــا بعــد ربــط بحــث أجــراه ويلكــوف وزمــاؤه بيــن اإلقبــال ع ـلـى اقتنــاء‬ ‫الطيــور فــي ســوق الحيوانــات األليفــة فــي إندونيســيا وانخفــاض أعــداد أنــواع‬ ‫كثيــرة مــن الطيــور فــي البريــة‪ .‬وأشــاروا فــي دراســة أجروهــا فــي عــام ‪2015‬‬ ‫و ُنشِ ــرَت فــي دوريــة "بايولوجيــكال كونسرفيشــن" إلــى أن األســعار فــي ســوق‬ ‫الحيوانــات األليفــة يمكــن اعتبارهــا بمنزلــة جهــاز إنــذار النخفــاض أعــداد أنــواع‬ ‫قــد ال تلحظــه الدراســات الميدانيــة إال بعــد مــرور أعــوام أو ربمــا ال تلحظــه ع ـلـى‬

‫اإلطــاق‪ .‬فعندمــا ارتفــع متوســط ســعر طائــر الشــامة أبيــض الــردف‪ ،‬أحــد‬ ‫األنــواع الشــهيرة بالمســابقات اإلندونيســية للطيــور المغــردة‪ ،‬بنســبة ‪%1500‬‬ ‫مــن عــام ‪ 2013‬إـلـى عــام ‪ ،2015‬تن َّبــه دعــاة صــون الطبيعــة إـلـى أن الطائــر ـفـي‬ ‫ســبيله إلــى االنقــراض‪.‬‬ ‫أجــرى بيــرت هاريــس ‪-‬المؤلــف المشــارك لدراســة عــام ‪ 2015‬ويعمــل حال ًّيــا‬ ‫بمنظمــة "ريــن فوريســت تراســت" الواقعــة بواليــة فيرجينيــا‪ -‬دراســات ميدانيــة‬ ‫الحقــة لمتابعــة وضــع الطائــر ـفـي إندونيســيا‪َّ ،‬‬ ‫وتوصــل إـلـى أنــه مــا مــن أثــر لطائــر‬ ‫الشــامة أبيــض الــردف ح ـتـى ـفـي بيئتــه ال ـتـي تبــدو ســليمة وال ـتـي مــن المفتــرض أن‬ ‫يزدهــر بهــا‪ ،‬مثــل الغابــات ال ـتـي تبعــد خمســة كيلومتــرات عــن أقــرب طريــق‪ .‬يدفــع‬ ‫المشــترون أمـ ً‬ ‫ـوال أكثــر للحصــول ع ـلـى األنــواع المعرضــة لالنقــراض مــن الطيــور‬ ‫ـفـي الجزيــرة‪ ،‬ويجــري تمييــز العديــد منهــا حال ًّيــا باعتبارهــا أنوا ًعــا متفرقــة‪ ،‬بيــد أن‬ ‫جامعيهــا ُي َق ِّدرونهــا لســماتها المختلفــة مثــل الذيــل الطويــل أو التغريــد المميــز‪.‬‬ ‫يقــول ويلكــوف إنــه الحــظ أن تجــارة الحيوانــات األليفــة يمكنهــا أن "تتســبب ـفـي‬ ‫إنقــراض بعــض األنــواع‪ ،‬ح ـتـى وإن كانــت بيئتهــا مــا زالــت قائمــة وـفـي حالــة جيــدة‪،‬‬ ‫ودون أن ينتبــه أحــد لذلــك"‪.‬‬ ‫ال تتعلــق المشــكلة بالطيــور وحدهــا‪ ،‬وال تقتصــر علــى إندونيســيا أو غيرهــا‬ ‫مــن الــدول الناميــة؛ إذ ينتعــش االتجــار فــي الحيوانــات البريــة بالقــدر نفســه فــي‬ ‫الواليــات المتحــدة وأوروبــا بســبب التكالــب ع ـلـى اقتنائهــا‪ .‬فع ـلـى ســبيل المثــال‪،‬‬ ‫وف ًقــا لبعــض التقديــرات‪ ،‬هنــاك أحــد عشــر مليــون ســمكة وغيرهــا مــن الكائنــات‬

‫‪ ForScience.com  46‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:49 PM‬‬

‫‪sad1017Conn3p_AR_.indd 46‬‬


‫تُ جمع الحيوانات البرية بالماليين إلمداد تجارة الحيوانات األليفة‬

‫الغريبة‪ .‬في األغلب تُ باع هذه الحيوانات بطريقة غير قانونية في‬ ‫األسواق المحلية أو تُ َهَّرب عبر البحار‪ .‬يَ َ‬ ‫نفق الكثير منها في أثناء‬

‫نقله بسبب الظروف السيئة التي يتعرض لها‪.‬‬

‫البحريــة األخــرى‪ ،‬ال ـتـي ُتن َت ـ َزع ســنويًّا مــن الشــعاب المرجانيــة وينتهــي بهــا الحــال‬ ‫فــي أحــواض الســمك فــي الواليــات المتحــدة‪ .‬ويســتورد تجــار الحيوانــات األليفــة‬ ‫ـفـي أمريــكا ‪ 225‬مليــون حيــوان حــي ســنويًّا ـفـي المتوســط‪ ،‬وقــد جلبــوا أكثــر مــن‬ ‫ثالثــة مليــارات حيــوان ع ـلـى مــدار األربعــة عشــر عا ًمــا األوـلـى مــن القــرن الحاـلـي‪ ،‬وف ًقــا‬ ‫لدراســة حديثــة ُنشِ ـرَت بدوريــة "إيكــو هيلــث"‪ .‬وع ـلـى الرغــم مــن االعتقــاد الســائد‬ ‫بــأن حــب الحيوانــات األليفــة مــن أرـقـى ســمات الطبيعــة البشــرية‪ ،‬يشــير الباحثــون‬ ‫ع ـلـى نحــو متزايــد إـلـى أنــه أصبــح قــوة دافعــة رئيســة نحــو مــا يســمونه ترا ُجــع التنــوع‬ ‫الحيوا ـنـي‪ ،‬وهــو االختفــاء الكبيــر لألحيــاء البريــة مــن جميــع أنــواع الموائــل الطبيعيــة‬ ‫ـفـي كل مــكان تقري ًبــا‪.‬‬ ‫ما وارء فقد الموائل الطبيعية‬

‫)‪BULLIT MARQUEZ AP Photo (snakes); SUBHENDU SARKAR Getty Images (birds in cages‬‬

‫ع ـلـى مــدار عقــود‪ ،‬أكــد دعــاة صــون الطبيعــة أثــر تدميــر النظــام البي ـئـي ـفـي ترا ُجــع‬ ‫التنــوع البيولوجــي‪ .‬بيــد أن انتعــاش تجــارة الحيوانــات البريــة‪ ،‬واإلتيــان علــى‬ ‫المزيــد مــن األنــواع لتلبيــة الطلــب العالمــي‪ ،‬قــد تســببا فــي المزيــد مــن القلــق‪.‬‬ ‫يقــول كروفــورد أالن ‪-‬مــن شــبكة رصــد التجــارة ـفـي األحيــاء البريــة "ترافيــك" ال ـتـي‬ ‫أُنشــئت بالتعــاون بيــن الصنــدوق العالمــي للطبيعــة واالتحــاد الدولــي لصــون‬ ‫الطبيعــة‪" :-‬الفكــرة القائلــة بــأن فقــد البيئــة الطبيعيــة هــي الخطــر األكبــر الــذي‬ ‫يهــدد بقــاء األنــواع‪ ،‬أصبحــت م َحـ َّـل تســاؤل"‪ .‬ويضيــف‪" :‬هنــاك بعــض األنــواع ال ـتـي‬ ‫تتوافــر بيئتهــا الطبيعيــة‪ ،‬ومــع هــذا تختفــي مــن البريــة بمعــدالت تثيــر القلــق"‪.‬‬ ‫أثــار إقبــال المســتهلكين ع ـلـى اقتنــاء األنــواع النــادرة قلــق دعــاة صــون الطبيعــة‬ ‫ً‬ ‫خصوصــا‪ .‬وبالفعــل تحتــوي القائمــة الحمــراء‬ ‫مــن تجــارة الحيوانــات البريــة‬ ‫لألنــواع المهــددة باالنقــراض الصــادرة عــن االتحــاد الدوـلـي لصــون الطبيعــة أنوا ًعــا‬ ‫كثيــرة علــى شــفا االنقــراض بســبب اصطيادهــا لالتجــار فيهــا ‪ ،‬منهــا الطيــور‬ ‫(كطائــر باـلـي مينــا‪ ،‬وســبيكس مــكاو المتوطــن ـفـي أمريــكا الجنوبيــة)‪ ،‬وأحــد أنــواع‬ ‫الرئيســيات (اللوريســيات البطيئــة ال ـتـي تعيــش ـفـي جنو ـبـي شــرق آســيا)‪ ،‬وأســماك‬

‫زينــة (أســماك الطوربيــد األحمــر المتوطنــة فــي آســيا)‪ ،‬وزواحــف‬ ‫(الســلحفاتان أنغونــوكا والمشــععة المتوطنتــان ـفـي مدغشــقر)‪ .‬ويقــول‬ ‫ويلكــوف وهاريــس إن هــذه الحيوانــات هــي فقــط األنــواع ال ـتـي أُجر َيــت‬ ‫عليهــا دراســات وافيــة‪ .‬أمــا الغالبيــة العظمــى مــن الفقاريــات ال ـتـي تبــاع‬ ‫ـفـي األســواق والمتاجــر‪ ،‬فلــم يشــرع الباحثــون ح ـتـى اآلن ـفـي تقييــم مــدى‬ ‫تأثيــر التجــارة ع ـلـى المجموعــات البريــة منهــا‪.‬‬ ‫وبطبيعــة الحــال تتقــدم الدراســات الميدانيــة ‪-‬ال ـتـي مــن شــأنها‬ ‫أن تجيــب عــن هــذه األســئلة‪ -‬تقد ًمــا بطي ًئــا‪ ،‬ـفـي حيــن يمكــن لســوق‬ ‫الحيوانــات أن تنمــو بســرعة مدمــرة وغيــر متوقعــة‪ .‬فــي إحــدى‬ ‫الحــوادث البشــعة الشــهيرة التــي وقعــت فــي تســعينيات القــرن‬ ‫الماضــي‪ ،‬نشــر باحثــون أول توصيــف علمــي لـ"ســلحفاة رقبــة‬ ‫األفعــى" المتوطنــة ـفـي جزيــرة رو ـتـي ـفـي جنــوب إندونيســيا‪ ،‬تضمَّ ــن‬ ‫تفاصيــل عامــة بشــأن المــكان الــذي تعيــش فيــه‪ .‬فمــا كان مــن‬ ‫جامعــي الحيوانــات إال أن انقضــوا عليهــا لجمعهــا‪ ،‬وأصبــح هــذا النــوع‬ ‫فــي الوقــت الحالــي مهــد ًدا بشــدة باالنقــراض‪َ .‬و َعــى علمــاء األحيــاء‬ ‫هــذا الــدرس األليــم‪ ،‬ولــم يفصحــوا ـفـي عــام ‪ 2011‬عــن المعلومــات‬ ‫الدقيقــة للمــكان الــذي تعيــش فيــه أفعــى "ماتيلــدا ذات القــرون"‬ ‫َ‬ ‫المكتشــفة حدي ًثــا والمتوطنــة فــي مرتفعــات جنــوب تنزانيــا‪ .‬ومــع‬ ‫هــذا‪ ،‬جلــب التجــار األفعــى إ ـلـى الســوق ـفـي العــام نفســه بســعر يزيــد‬ ‫علــى ‪ 500‬دوالر أمريكــي للثعبــان الواحــد‪ ،‬وذلــك وف ًقــا لدراســة‬ ‫أُجريــت ـفـي عــام ‪ 2016‬حــول تجــارة الزواحــف ـفـي أوروبــا‪ ،‬و ُنشِ ـرَت ـفـي‬ ‫دوريــة "بايولوجيــكال كونسرفيشــن"‪.‬‬ ‫يقــول أحــد المحققيــن ـفـي تجــارة الزواحــف الــذي طلــب عــدم ذكــر اســمه إن‬ ‫التجــار وجامعــي الحيوانــات يبــررون بيــع الحيوانــات البريــة ع ـلـى أنهــا حيوانــات‬ ‫أليفــة بحجــة صــون الطبيعــة‪ .‬فهــم يقولــون‪" :‬نحــن نكفــل تأميــن مجموعــات‬ ‫مــن التعــرض لالنقــراض"‪ ،‬أو "نحــن نحمــي هــذه الحيوانــات مــن تعــرُّض‬ ‫بيئتهــا الطبيعيــة البريــة للتدميــر"‪ .‬وـفـي الغالبيــة العظمــى مــن الحــاالت‪ ،‬هــذا‬ ‫الــكالم ليــس لــه أســاس مــن الصحــة‪ .‬وباألحــرى‪ ،‬يؤكــد المحقــق أن االتجــار‬ ‫فــي الحيوانــات األليفــة هــو مــا يتســبب فــي القضــاء علــى القســم األعظــم مــن‬ ‫المجموعــات البريــة‪.‬‬ ‫فعلــى ســبيل المثــال‪ ،‬ســلحفاة أنغونــوكا الجميلــة ذات الصدفــة المقببــة‬ ‫الذهبيــة المهــددة بشــدة باالنقــراض‪ ،‬تعيــش فقــط ـفـي متنــزه "خليــج باـلـي الوط ـنـي"‬ ‫فــي شــمالي غــرب مدغشــقر‪ .‬حُظــر االســتغالل التجــاري لهــا منــذ عــام ‪1975‬‬ ‫بموجــب "اتفاقيــة االتجــار الدوـلـي بأنــواع الحيوانــات والنباتــات البريــة المعرضــة‬ ‫لالنقــراض" ‪ ،CITES‬وعمِ ــل دعــاة صــون الطبيعــة لعقــود ع ـلـى إعــادة زيــادة أعــداد‬ ‫الســلحفاة ـفـي البريــة إـلـى مــا يُقـ َّدر بســتمئة إـلـى ثمانمئــة ســلحفاة‪ .‬بيــد أنــه ع ـلـى مــدار‬ ‫األعــوام الخمســة الماضيــة أدى ارتفــاع مع ـ َّدالت الصيــد الجائــر إـلـى خفــض أعــداد‬ ‫الســلحفاة بمتنــزه "خليــج باـلـي" لتصــل إـلـى أقــل مــن مئــة ســلحفاة بالغــة‪ .‬ـفـي دول‬ ‫مثــل تايالنــد‪ ،‬وإندونيســيا‪ ،‬والصيــن ال ـتـي تنــزع إـلـى احتــرام قوانيــن اتفاقيــة "االتجــار‬ ‫الدوـلـي بأنــواع الحيوانــات والنباتــات البريــة المعرضــة لالنقــراض" ع ـلـى الــورق فقــط‪،‬‬ ‫دون أن تطبقهــا ع ـلـى أرض الواقــع‪ .‬أوصــل المضاربــون ســعر ســلحفاة أنغونــوكا‬ ‫البالغــة كبيــرة الحجــم إـلـى ‪ 100‬ألــف دوالر أمريكــي‪.‬‬ ‫ف‬ ‫كذلــك‪ ،‬كانــت المضاربــات الماليــة هــي الدافــع الواضــح ــي عــام ‪ 2015‬وراء‬ ‫إنفــاق رجــل أعمــال صينــي أكثــر مــن مئتــي ألــف دوالر أمريكــي لشــراء ســلحفاة‬ ‫البــرك ذات الرقبــة الحمــراء‪ ،‬أحــد األنــواع المتوطنــة ـفـي جنو ـبـي الصيــن وال ـتـي يُعتقــد‬ ‫حال ًّيــا أنهــا انقرضــت مــن البريــة‪ .‬يقــول ريــك هدســون ‪-‬عالِــم الزواحــف والبرمائيات‬ ‫ورئيــس َتحا ُلــف بقــاء الســاحف المائيــة ع ـلـى قيــد الحيــاة غيــر الربحــي الواقــع ـفـي‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:49 PM‬‬

‫ ‪47‬‬

‫‪sad1017Conn3p_AR_.indd 47‬‬


‫عــاد ًة التفريــق بيــن ســلحفاة النجمــة البورميــة وســلحفاة النجمــة الهنديــة أو بيــن‬ ‫األنــواع المختلفــة للســلحفاة رقيقــة الصدفــة"‪ .‬ويضيــف قائـ ًـا‪" :‬إن اتفاقيــة االتجــار‬ ‫الدوـلـي بأنــواع الحيوانــات والنباتــات البريــة المعرضــة لالنقــراض قــد تحظــر جميــع‬ ‫أنشــطة االتجــار ـفـي الســاحف البحريــة المهــددة باالنقــراض بشــدة أو الببغــاوات"‪،‬‬ ‫غيــر أن المهربيــن "ينظــرون إليهــا ببســاطة باعتبارهــا صن ًفــا أكثــر شــيو ًعا"‪،‬‬ ‫ويســتمرون ـفـي ممارســة عملهــم‪.‬‬

‫‪MANAN VATSYAYANA Getty Images‬‬

‫تكســاس‪" :-‬كلمــا اقتــرب النــوع مــن االنقــراض‪ ،‬زاد التجــار مــن اســتغالل هــذا األمــر‬ ‫للترويــج لــه وزادت أســعاره"‪.‬‬ ‫واألشــخاص المعنيــون بإمــداد التجــارة بأجــزاء الحيوانــات البريــة‪ ،‬بــدءًا‬ ‫مــن قــرون الكركــدن وانتهــا ًء بجلــود التماســيح‪ ،‬هــم أنفســهم مَــن يمــد‬ ‫تجــارة الحيوانــات األليفــة بالحيوانــات‪ .‬يقــول برايــان هــورن ‪-‬عالِــم الزواحــف‬ ‫والبرمائيــات بجمعيــة حفــظ األحيــاء البريــة‪" :-‬الكثيــر مــن هــؤالء األشــخاص‬ ‫الذيــن كانــوا يمارســون تجــارة الطــب التقليــدي سيتوســعون اآلن ـفـي أنشــطتهم‬ ‫بســبب النمــو الهائــل للتجــارة عاليــة الربــح ـفـي الحيوانــات األليفــة ـفـي الصيــن"‪،‬‬ ‫الصيد أم االستيالد؟‬ ‫وتســببوا ـفـي رفــع األســعار ـفـي أوروبــا والواليــات المتحــدة‪ .‬كمــا تورطــت كذلــك يقــول جــودي وآخــرون إنــه إذا كانــت تجــارة الحيوانــات األليفــة تهتــم بالحفــاظ‬ ‫عناصــر إجراميــة ـفـي بعــض األحيــان ـفـي اســتهداف منشــآت اســتيالد الحيوانــات‪ ،‬عليهــا‪ ،‬فيجــب علــى المورديــن وقــف اصطيــاد الحيوانــات مــن البريــة والتركيــز‬ ‫ال ـتـي أعدهــا المعنيــون بصــون الطبيعــة؛ إلعــادة زيــادة أعــداد األنــواع المعرضــة ع ـلـى اســتيالدها ـفـي األســر‪ .‬يقــول جــودي‪" :‬هنــاك نقطــة يجــب عندهــا أن تتفــق‬ ‫ضـي ـفـي تايالنــد وســرقوا تصرفاتــك مــع كالمــك‪ .‬هيــا نوقــف بالفعــل اســتيراد األحيــاء البريــة‪ ،‬ونوقــف‬ ‫للخطــر‪ .‬اقتحــم لصــوص منشــأ ًة كهــذه ـفـي العــام الما ـ‬ ‫س ـ ًّتا مــن ســاحف أنغونــوكا و‪ 72‬مــن المشــععة‪ .‬كمــا أنهــم يســتهدفون كذلــك اســتيراد الطيــور البريــة‪ ،‬ونوقــف اســتيراد الســاحف الروســية"‪ ،‬وهــي نــوع مــن‬ ‫ضـي‪ ،‬ع ـلـى ســبيل المثــال‪ ،‬اقتحــم اللصــوص الســاحف ال ـتـي تقطــن منطقــة وســط آســيا‪ ،‬يشــيع بيعهــا ـفـي الواليــات المتحــدة‬ ‫جامعــي الحيوانــات‪ .‬ففــي العــام الما ـ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫آالت‬ ‫ـاوزوا‬ ‫ـ‬ ‫وتج‬ ‫ـرف‬ ‫ـ‬ ‫الص‬ ‫ـير‬ ‫ـ‬ ‫مواس‬ ‫ـلقوا‬ ‫ـ‬ ‫تس‬ ‫بيــت إحــدى األســر ـفـي هونــج كونــج‪ ،‬إذ‬ ‫ي مــن هــذه المتاجــر‬ ‫أ‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫إ‬ ‫ـوا‬ ‫ـ‬ ‫"اذهب‬ ‫‪:‬‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫قائ‬ ‫ـتطرد‬ ‫ـ‬ ‫ويس‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫األليف‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫الحيوان‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫متاج‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ٍّ‬ ‫وشــاهدوا األعــداد المهولــة للحيوانــات‬ ‫التصويــر األمنيــة‪ ،‬لســرقة ‪ 23‬ســلحفاة‬ ‫ال ـتـي َتن َفــق يوم ًّيــا‪ .‬مــا الحاجــة إـلـى هــذا‬ ‫بحريــة معرضــة لالنقــراض يقــدر‬ ‫ُّ‬ ‫التدفــق المســتمر إـلـى الواليــات المتحــدة‬ ‫ثمنهــا بـــ‪ 116‬ألــف دوالر أمريكــي‪.‬‬ ‫مــن الحيوانــات ال ـتـي يجــري اصطيادهــا‬ ‫تتمثــل إحــدى الطــرق الواضحــة‬ ‫لإلبطــاء مــن وتيــرة إخــاء البيئــات‬ ‫مــن الب ِّر َّيــة؟"‪.‬‬ ‫الطبيعيــة مــن الحيوانــات‪ ،‬ـفـي القبــض‬ ‫ويقــول ويلكــوف إن اســتيالد‬ ‫علــى الذيــن يمارســون االتجــار‬ ‫الحيوانــات ـفـي األســر قــد يكــون الحــل‬ ‫غيــر المشــروع فــي األحيــاء البريــة‬ ‫لتجــارة الطيــور فــي إندونيســيا‪ ،‬حيــث‬ ‫تــؤوي الكثيــر مــن األ ُ َســر بالفعــل ببغــاء‬ ‫ومحاكمتهــم‪ .‬ففــي عــام ‪ 2016‬أصــدر‬ ‫قــاض حكمً ــا ضــد رجــل مــن واليــة‬ ‫الحــب المُ س ـ َتو َلد ـفـي األ َ ْســر‪ .‬ويــرى أنــه‬ ‫ٍ‬ ‫يمكــن إطــاق برنامــج يهــدف إـلـى زيــادة‬ ‫بنســلفانيا بالســجن عاميــن لتخطيطــه‬ ‫لتهريــب ســاحف خشــبية‪ ،‬أحــد األنــواع‬ ‫إتاحــة الطيــور الرخيصــة مثــل طائــر‬ ‫المهــددة‪ ،‬المتوطنــة بأمريــكا الشــمالية‪.‬‬ ‫البدجريقــة‪ ،‬والكنــاري‪ ،‬وغيرهــا مــن‬ ‫ووف ًقــا للمحققيــن الفيدرالييــن‪ ،‬فــإن‬ ‫األنــواع الصديقــة للحيوانــات األليفــة‪،‬‬ ‫جــون توكــوش ‪-‬الــذي كان يبلــغ ‪54‬‬ ‫ممــا قــد يســاعد ع ـلـى إقنــاع النــاس بعدم‬ ‫سالحف مهددة باالنقراض من مدغشقر‪ ،‬ضبطها موظفو جمارك في ماليزيا‬ ‫عا ًمــا آنــذاك‪ -‬جمــع ‪ 750‬ســلحفاة مــن‬ ‫الحاجــة إلــى "اقتنــاء طائــر الشــامة‪ ،‬أو‬ ‫بحوزة مهربين‪.‬‬ ‫منطقــة صغيــرة فــي بيتســبيرج‪ ،‬وقيــد‬ ‫شــراء بعــض مــن تلــك الطيــور التــي‬ ‫يجــري اصطيادهــا مــن البريــة وال ـتـي ال‬ ‫حركتهــا بواســطة شــريط الصــق‬ ‫تمهيــ ًدا لشــحنها‪ ،‬وباعهــا بأربعمئــة دوالر أمريكــي للســلحفاة الواحــدة لوســطاء يالئمهــا العيــش ـفـي األقفــاص"‪ .‬ويضيــف أنــه عندمــا كان طفـ ًـا‪ ،‬اســتخدم تسـ ً‬ ‫ـجيل‬ ‫يوردونهــا لتجــار الحيوانــات األليفــة ـفـي هونــج كونــج‪ .‬كمــا شــملت هــذه القضيــة "لطائــر يعــد بمنزلــة بافارو ـتـي الكنــاري" لتدريــب طائــره الكنــاري ع ـلـى الغنــاء‪ .‬ويــرى‬ ‫منافســا قو ًّيــا"‬ ‫الحكــم بالســجن ع ـلـى عامــل البريــد ـفـي لويزيانــا وأشــخاص مشــاركون ـفـي عمليــة ويلكــوف أنــه "ليــس هنــاك مــا يحــول دون أن تصيــر طيــور الكنــاري‬ ‫ً‬ ‫فــي منافســات التغريــد اإلندونيســية‪.‬‬ ‫التهريــب مــن شــيكاغو وكاليفورنيــا‪.‬‬ ‫بيــد أن هــذه المحاكمــات نــادرة الحــدوث نســبيًّا؛ فالحجــم الضخــم لتجــارة‬ ‫بيــد أن اســتيالد الحيوانــات الحبيســة قــد يكــون أصعــب ممــا يبــدو‪ .‬ففــي‬ ‫شـي الموا ـنـئ الذيــن عــام ‪ ،2014‬دشــن ائتــاف "إيكــو هيلــث أليانــس" ‪-‬غيــر الهــادف للربــح‪ ،‬الواقــع ـفـي‬ ‫الحيوانــات األليفــة داخــل البــاد وخارجهــا‪ ،‬يرهــق بالتأكيــد مفت ـ‬ ‫يعملــون علــى رصــد التهريــب‪ .‬يقــول أحــد المفتشــين التابعيــن للمؤسســة نيويــورك ســيتي‪َ -‬‬ ‫موقعــه اإللكترو ـنـي "إيكــو هيل ـثـي بيتــس"‪ ،‬ع ـلـى غــرار موقــع "مراقبــة‬ ‫األمريكيــة لألســماك والحيــاة البريــة‪ ،‬الــذي طلــب عــدم اإلفصــاح عــن اســمه نظـرًا المأكــوالت البحريــة" ‪ Seafood Watch‬التابــع لمتحــف خليــج مونتــري لألحيــاء‬ ‫ألنــه غيــر مخ ـوَّل بالحديــث إـلـى الصحافــة‪" :‬نجــري الكثيــر مــن هــذه الحمــات البحريــة؛ لتنبيــه المســتهلكين ألفضــل االختيــارات وأســوئها ـفـي اقتنــاء الحيوانــات‬ ‫الخاطفــة كمــا نطلــق عليهــا‪ ،‬وهــي أشــبه بالبحــث عــن إبــرة ـفـي كومــة مــن القــش‪ ...‬األليفــة الغريبــة‪ .‬تشــير القائمــة إـلـى اســتيالد الحيوانــات ـفـي األســر باعتبــاره طريقـ ًة‬ ‫نحــن نمتلــك جميــع األدوات‪ ،‬لدينــا المزيــد مــن المعــدات واألشــخاص‪ ،‬لدينــا وحدة لتقليــل المخاطــر الصحيــة التــي قــد يتعــرض لهــا العا َلــم الطبيعــي والضغــوط‬ ‫اســتخبارات كبيــرة‪ .‬لكــن يبــدو أننــا دائمً ــا ـفـي وضــع ســيئ‪ .‬ومــع الوقــت أدركنــا أن كل الواقعــة عليــه‪ .‬إال أن االفتقــار إـلـى الدعــم الماـلـي الــازم لتوســيع هــذا البرنامــج تســبب‬ ‫شـيء قــد تغيــر"‪ .‬ففــي إحــدى الحــاالت‪ ،‬قــام أحــد التجــار بتهريــب إنســان الغــاب ح ـتـى اآلن ـفـي اقتصــار القائمــة ع ـلـى ‪ 52‬نو ًعــا فقــط‪ ،‬وهــو ليــس باألمــر الكاـفـي إلرضــاء‬ ‫ـ‬ ‫إـلـى البــاد بقــص شــعره وصبغــه باللــون الب ـنـي ووضعــه ضمــن شــحنة قانونيــة لنــوع الكثيــر مــن الهــواة المبتدئيــن‪ ،‬فمــا بالــك بالخبــراء؟‬ ‫آخــر مــن الرئيســيات‪.‬‬ ‫ظلــت الصناعــة المرتبطــة بالحيوانــات األليفــة غامض ـ ًة فيمــا يخــص االلتــزام‬ ‫كمــا يقلــل التنـوُّع الهائــل ـفـي األنــواع ال ـتـي يتــم االتجــار بهــا مــن إمكانيــة كشــفها‪ .‬الواســع النطــاق باســتيالد الحيوانــات ـفـي األســر‪ ،‬والســبب ـفـي ذلــك يعــود جزئ ًّيــا‬ ‫يقــول إيريــك جــود ‪-‬مؤســس منظمــة حفــظ الســاحف البحريــة غيــر الربحيــة‪ ،‬إلــى أنــه لــم يتوصــل أحــد إلــى معرفــة كيفيــة اســتيالد العديــد مــن المجموعــات‬ ‫حيوانــات أليفــة‪ .‬وعندمــا يتوصلــون إلــى معرفــة‬ ‫ٍ‬ ‫الواقعــة فــي نيويــورك ســيتي‪" :-‬ال أحــد يعــرف جميــع أنــواع الطيــور‪ ،‬أو األســماك الحيوانيــة التــي تشــتهر بكونهــا‬ ‫االســتوائية‪ ،‬وال يعــرف المفتشــون كيــف يتعرفــون ع ـلـى هــذه األنــواع جميعهــا‪ ،‬إال إذا ذلــك‪ ،‬قــد يجــدون أن تربيــة الحيــوان ليصــل إـلـى ســن البلــوغ أكثــر تكلف ـ ًة بكثيــر‬ ‫اســتعنت بأمهــر علمــاء األســماك ع ـلـى مســتوى العالــم‪ .‬ال يوجــد ســوى ‪ 340‬نو ًعــا مــن مجــرد اصطيــاده مــن البريــة‪ .‬فع ـلـى ســبيل المثــال يقــول ســكوت فيلمــان‬ ‫مــن الســاحف البحريــة ]والبريــة[ ع ـلـى الكوكــب‪ ،‬لكــن المفتشــين ال يســتطيعون ‪-‬تاجــر التجزئــة ألســماك الزينــة‪ -‬ـفـي أحــد المنتديــات اإللكترونيــة‪ ،‬إنــه عندمــا عــرف‬ ‫‪ ForScience.com  48‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:49 PM‬‬

‫‪sad1017Conn3p_AR_.indd 48‬‬


‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ­‪ ­ ‬‬ ‫ ‪ ¡ ¢‬‬

‫ ‬ ‫­‪ ‬‬ ‫ ‬

‫للﻨـدرة ﺛمـن‬

‫يتسبب الطلب على الطيور بمتاجر الحيوانات‬ ‫األليفة في تراجﻊ أعدادها في البرية‪ ،‬إال أن حجﻢ‬ ‫التﺄﺛير ﻏير مﺆكد‪ .‬فﺈن رصد انﺨفاض أعداد الحيوانات‬ ‫في البرية عن ﻃريﻖ الدراﺳات الميدانية ﱢ‬ ‫مكلف‬ ‫لدرجة تحول دون إجرائه‪ .‬وعليه‪ ،‬توصلﺖ دراﺳة‬ ‫أجراها ديفيد إس‪ .‬ويلكوف ‪-‬من جامعة برينستون‪-‬‬ ‫وزمالؤه إلى أن بيانات السوق تستطيﻊ تحديد‬ ‫األنواع المهددة باالنقراض بتكلفة قليلة‪ .‬فزيادة‬ ‫السعر السوقي وانﺨفاض حجﻢ التجارة قد يﺸيران‬ ‫إلى انﺨفاض أعداد نوع معين في البرية‪.‬‬ ‫ ‪ ­ ­ £¤‬‬

‫ ‬

‫ ‪¥ ¦ ‬‬

‫ ‬

‫ ¨ ‪. ¢‬‬

‫ ­‪ ‬‬

‫ ­ ‬

‫ ‬

‫ ­ ‬

‫‪500−‬‬

‫‪0‬‬

‫ ‬

‫‪500‬‬

‫‪1,000‬‬

‫‪1,500‬‬

‫‪SOURCE: “USING MARKET DATA AND EXPERT OPINION TO IDENTIFY OVEREXPLOITED SPECIES IN‬‬ ‫‪THE WILD BIRD TRADE,” BY J. BERTON C. HARRIS ET AL., IN BIO LOGICAL CONSERVATION, VOL. 187; JULY 2015‬‬

‫المر ُّبــون الذيــن يعملــون ـفـي المجــال المربــح لتجــارة أســماك الزينــة‪ ،‬ال ـتـي تعيــش‬ ‫ـفـي الميــاه المالحــة‪ ،‬كيفيــة اســتياد ســمك المانداريــن الملــون‪" ،‬لــم ُت ـرِد ســوق‬ ‫الجملــة أن تدفــع أربعيــن دوالرًا ثم ًنــا لســمكة مســتولدة ـفـي األســر‪ ،‬ـفـي حيــن يمكنهــا‬ ‫الحصــول عليهــا مــن مصــادر الصيــد البــري مقابــل اثنــي عشــر دوالرًا"‪ .‬وأضــاف‬ ‫قائـ ًـا‪" :‬مــن المؤســف أننــا ‪-‬نحــن المحبيــن لهــذه الهوايــة‪ -‬ال نبــذل المزيــد لدعــم‬ ‫جهــود مماثلــة"‪.‬‬ ‫وممــا زاد األمــور تعقي ـ ًدا‪ ،‬أن الكثيــر مــن المنشــآت ال ـتـي تزعــم أنهــا منشــآت‬ ‫الســتياد الحيوانــات ـفـي األســر‪ ،‬تســد عجــز مخزونهــا مــن الحيوانــات مــن البريــة‪،‬‬ ‫لــذا فهــي ـفـي الحقيقــة ليســت ســوى ســتار النتــزاع أعــداد هائلــة مــن بيئتهــا‪.‬‬ ‫فع ـلـى ســبيل المثــال‪ ،‬ذكــرت العال ِمــة المتخصصــة ـفـي علــم الوراثــة المحافظــة‪،‬‬ ‫لــورا تينســين ‪-‬مــن جامعــة جوهانســبرج‪ -‬ـفـي دراســة أجرتهــا حــول مــزارع الحيــاة‬ ‫البريــة ُنشــرت ـفـي عــام ‪ 2016‬ـفـي دوريــة "جلوبــال إيكولوجــي آند كونسيرفيشــن"‬ ‫أن أعــداد طيــور بابــوا أبــو قــرن ال ـتـي يُز َعــم اســتيادها ـفـي األســر ويتــم تصديرهــا‪،‬‬ ‫"تتجــاوز بكثيــر األعــداد ال ـتـي تســتطيع منشــآت االســتياد اســتيعابها أو إنتاجهــا؛‬ ‫نظــرًا إلــى بــطء معــدالت تكاثــر الطائــر"‪ .‬بالمثــل‪ ،‬تبــدو أنــواع كثيــرة مــن‬ ‫الضفــادع والحربــاء غيــر مائمــة اقتصاد ًّيــا لبرامــج االســتياد؛ بســبب انخفــاض‬ ‫تناســلها ـفـي األســر‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬توضــح تينســين أنــه "يتــم االتجــار‬ ‫معــدالت نجــاح ُ‬ ‫فيهــا ع ـلـى أنهــا حيوانــات أليفــة بأعــداد تصــل إ ـلـى اآلالف تحــت ســتار االســتياد‬ ‫ـفـي األســر"‪.‬‬ ‫ح ـتـى لــو توصــل التجــار إـلـى طريقــة الســتياد جميــع األنــواع ال ـتـي يــود النــاس‬ ‫اقتناءهــا باعتبارهــا حيوانــات أليفــة‪ ،‬ـفـي األســر؛ فــإن جــزءًا مــن دعــاة صــون الطبيعــة‬ ‫يــرون أنــه ليــس عليهــم فعــل ذلــك‪ .‬عندمــا أجــرى عال ِمــا الزواحــف والبرمائيــات‬ ‫األســتراليان دانييــل ناتــوش‪ ،‬وجيســيكا ليونــز تحقي ًقــا مفصـ ًـا حــول االتجــار ـفـي‬ ‫أصلــة الشــجر الخضــراء المتوطنــة ـفـي إندونيســيا‪ ،‬ال ـتـي يُزعــم اســتيادها ـفـي األســر‪،‬‬ ‫توصــا إلــى أن العديــد مــن منشــآت اســتياد الحيوانــات فــي األســر لــم تكــن فــي‬ ‫الحقيقــة علــى درايــة بكيفيــة اســتياد الزواحــف علــى النحــو الصحيــح‪ ،‬بــل ولــم‬ ‫تملــك بعضهــا أماكــن مخصصــة لتجربــة االســتياد‪ .‬ق ـ َّدر الباحثــان أن ‪ %80‬مــن‬ ‫هــذه الثعابيــن ال ـتـي يجــري توريدهــا إـلـى تجــارة الحيوانــات األليفــة تــم اصطيادهــا‬ ‫مــن البريــة‪ .‬إال أن تجــارة أصلــة الشــجر الخضــراء ال ـتـي يتــم اصطيادهــا مــن البريــة‬ ‫بــدت مســتدامة لوفــرة األصلــة ـفـي البريــة‪.‬‬ ‫‪Graphic by Amanda Montañez‬‬

‫‪10/10/17 12:49 PM‬‬

‫‪2,000‬‬

‫يقــول ناتــوش إنــه ـفـي حــاالت كتلــك‪ ،‬ربمــا يكــون الصيــد‬ ‫البــري أفضــل لصــون الطبيعــة مــن االســتياد فــي األســر؛‬ ‫إذ "يمكنــك تحفيــز النــاس علــى حمايــة البيئــة الطبيعيــة‬ ‫للحيوانــات‪ ،‬ولــو اســتطعت صيــد هــذه الحيوانــات علــى‬ ‫نحــو مســتدام‪ ،‬يمكنــك أن تحصــل ع ـلـى عائــد مــن الغابــات‪،‬‬ ‫ولــن يتعيــن عليــك قطــع األشــجار بهــا"‪.‬‬ ‫يقــر ناتــوش ‪-‬الــذي يعمــل مستشــارًا لاتحــاد‬ ‫الدولــي لصــون الطبيعــة‪ -‬بــأن مُ َصــ ِّدري الحيوانــات قــد‬ ‫يُقدِمُ ــون ع ـلـى أفعــال شــنيعة مــن أجــل تجارتهــم‪ ،‬فع ـلـى‬ ‫ســبيل المثــال‪ ،‬قــد يحشــرون الثعابيــن داخــل الحقائــب‬ ‫وزجاجــات الميــاه الغازيــة لتهريبهــا مــن موظفــي‬ ‫الجمــارك‪ .‬كمــا يتفــق ً‬ ‫أيضــا ع ـلـى أن ســحب الثعابيــن مــن‬ ‫جماعاتهــا المتوطنــة فــي الجــزر أو الصخــور قــد يشــكل‬ ‫خطــورة ع ـلـى بقائهــا ع ـلـى قيــد الحيــاة‪ .‬إال أنــه يوضــح أن‬ ‫مشــكلة االســتياد فــي األســر تتمثــل فــي أنــه بمجــرد أن‬ ‫تجلــب هــذه الحيوانــات مــن البريــة‪ ،‬فإنــك تكــون قــد‬ ‫أحللــت التجــارة تما ًمــا مــن أي ســبب يدفعهــا إـلـى االعتنــاء‬ ‫بالبيئــة الطبيعيــة‪ .‬وع ـلـى العكــس تما ًمــا‪ ،‬يــرى ناتــوش أن‬ ‫االتجــار غيــر المشــروع ـفـي أصلــة الشــجر الخضــراء الــواردة‬ ‫مــن أرخبيــل راجــا أمبــات ـفـي إندونيســيا قــد دفــع ســكان‬ ‫الجــزر إلــى الحفــاظ علــى ســامة غاباتهــم‪( .‬إذ يتمتــع‬ ‫الثعبــان هنــاك بطفــرة نــادرة تجعــل لونــه أصفــر‪ ،‬ممــا‬ ‫ســاعد علــى جعــل تجــارة الثعابيــن مربحــ ًة هنــاك علــى‬ ‫وجــه التحديــد)‪.‬‬ ‫العرض والطلﺐ‬

‫يقــول تــوم ـبـي‪ .‬مورهــاوس ‪-‬عالِــم أحيــاء حفــظ األنــواع مــن جامعــة أوكســفورد‪،‬‬ ‫والباحــث الرئيــس لدراســة ُنشــرت ـفـي عــام ‪ 2017‬بدوريــة "كونسيرفيشــان ليتــرز"‬ ‫حــول موقــف المســتهلكين مــن الحيوانــات األليفــة الغريبــة‪ :-‬إن األشــخاص‬ ‫الذيــن يجمعــون األنــواع النــادرة غالبًــا مــا يكونــون "مقتنعيــن بأنهــم يُســ ُدون‬ ‫خدمــات رائعــة للحيوانــات" بإبعادهــا عــن البريــة وحمايتهــا مــن الجــوع والتعــرض‬ ‫لافتــراس‪ ،‬وغيرهــا مــن التهديــدات الطبيعيــة‪ .‬ويُل َحــظ أن البائعيــن يفترضــون‬ ‫ً‬ ‫أيضــا أنهــم "قــد أدوا واجباتهــم األخاقيــة فــور وصــول الحيــوان إـلـى الســوق"‪ ،‬ـفـي‬ ‫حيــن أن هــذا غيــر صحيــح‪ .‬ويضيــف مورهــاوس‪" :‬نحتــاج إ ـلـى شــن حملــة إلقنــاع‬ ‫النــاس أن الوضــع ليــس كذلــك‪ ،‬وأن اختياراتهــم لهــا تأثيــر هائــل‪ .‬إذا اختفــى‬ ‫الطلــب‪ ،‬فلــن يكــون هنــاك ســوق لبيــع الحيوانــات الغريبــة ال ـتـي اصطيــدت مــن‬ ‫البريــة‪ ،‬وبالتا ـلـي لــن تكــون هنــاك فائــدة مــن دفــع أمــوال ألحدهــم لصيدهــا"‪.‬‬ ‫علــى تجــارة الحيوانــات األليفــة أن تبــدأ فــي تقبُّــل مســألة كيفيــة تأثيرهــا‬ ‫الســلﺒي علــى جماعــات الحيوانــات فــي البريــة‪ .‬ويصــر مايــك بوبــر ‪-‬رئيــس‬ ‫المجلــس االستشــاري المشــترك المعنــي بالصناعــة المرتبطــة بالحيوانــات‬ ‫األليفــة‪ -‬ع ـلـى أن التجــارة مــا زالــت تهتــم بصــون الطبيعــة‪ .‬ويقــول‪" :‬نعتقــد أن‬ ‫الحيوانــات ال ـتـي اصطيــدت مــن البريــة والمســتولدة ـفـي األســر تحظــى بأهميــة‬ ‫ـفـي أغلــب هــذه المجتمعــات‪ .‬والمهــم هــو األســاليب المتبعــة ـفـي جمعهــا‪ .‬فعندمــا‬ ‫ُتجَمَّ ــع الحيوانــات علــى نحــو مســتدام‪ ،‬ال ســيما علــى يــد الســكان األصلييــن‬ ‫الذيــن يعتمــدون ع ـلـى هــذه الحرفــة باعتبارهــا مصــدرًا لررزقهــم‪ ،‬نكــون فخوريــن‬ ‫بذلــك‪ .‬أمــا عندمــا ُتجَمَّ ــع الحيوانــات بطريقــة ســيئة‪ ،‬فــإن هــذا يخ ِّلــف ضــررًا‬ ‫مباش ـرًا ع ـلـى صناعتنــا‪ .‬فنحــن نعتمــد ع ـلـى النظــم البيئيــة الصحيــة للحصــول‬ ‫علــى حيوانــات ســليمة‪ ،‬التــي مــن دونهــا لــن تكــون هنــاك تجــارة مزدهــرة‬ ‫للحيوانــات األليفــة"‪.‬‬ ‫ف‬ ‫لكــن األنظمــة البيئيــة الصحيــة أصبحــت نــادرة الوجــود ــي عصــر هيمنــة البشــر؛‬ ‫إذ مــا مــن معاييــر مناســبة لضمــان الجمــع المســتدام للحيوانــات‪ .‬إن عاجـ ًـا أو آجـ ًـا‬ ‫ســيحتاج محبــو الحيوانــات األليفــة ‪-‬وكــذا التجــارة‪ -‬إـلـى مواجهــة الحقيقــة وابتــكار‬ ‫ســبل أفضــل لجمــع الحيوانــات ـفـي عالــم بــدأت تخلــو فيــه الغابــات والمحيطــات‬ ‫والموائــل الطبيعيــة األخــرى مــن الحيوانــات‪.‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪49‬‬

‫‪sad1017Conn3p_AR_.indd 49‬‬


тАл тАм тАл┘Жя╗И╪▒┘К╪й ╪з┘Д╪кя╗Д┘И╪▒тАм

тАля║гя║а┬Хя║о ╪▒я║╖я╗┤┬Хя║ктАм тАл╪зя╗╖я║гя╗Ф┬Хя╗о╪▒┘К я║Ся║Оя╗Яя╗Фя╗┤я╗о┘ЕтАм тАля╗зя║ая║в ╪зя╗Яя╗Фя║дя║║ ┘И╪зя╗Яя║Шя║дя╗ая╗┤я╗Ю ╪зя╗Яя╗дя║ия║Шя║Тя║о┘К ╪зя╗Яя╗дя╗Ая╗ия╗▓ я╗╖я║гя║Оя╗Уя╗┤я║о я╗гя║╝я║оя╗│я║ФтАк┘П ╪МтАмя╗Ля║Ья║отАм тАля╗Ля╗ая╗┤я╗мя║О я║Ся║Ия║гя║к┘Й я╗гя╗ия║Оя╗Гя╗Ц я╗гя╗ия║ия╗Фя║╛ ╪зя╗Яя╗Фя╗┤я╗о┘Е я╗Уя╗▓ я╗гя║╝я║отАк ╪МтАмя╗Уя╗▓ я║Чя║дя║кя╗│я║к я╗зя╗о╪╣тАм тАля║Яя║кя╗│я║к я╗гя╗ж ╪зя╗Яя║Ья║кя╗│я╗┤я║О╪к ╪зя╗Яя╗дя╗Фя║Шя║оя║│я║Ф ╪зя╗Яя╗дя╗ия╗Шя║оя║┐я║Ф я╗гя╗ж ╪вя╗Ыя╗╝╪к ╪зя╗Яя╗ая║дя╗о┘ЕтАк.тАмтАм тАл╪гя║гя╗дя║к я║гя║┤я╗ж я║Ся╗ая║втАм

тАлтАк ForScience.com 50тАм╪г┘Г╪к┘А┘И╪и┘А╪▒ тАк2017тАмтАм

тАлтАк10/10/17 12:51 PMтАмтАм

тАлтАкRosetta Stone.indd 50тАмтАм


‫اﻹلﻪ المﺼري القديﻢ‬ ‫«أنوبيس» الﺬي يمتلك‬ ‫رأسا أﺷبﻪ برأس ثعلب‬ ‫ً‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:51 PM‬‬

‫‪51‬‬

‫‪Rosetta Stone.indd 51‬‬


‫أﺣمﺪ ﺣﺴﻦ ﺑﻠﺢ ‬ ‫ ‬

‫لوﻻ ﺣﺠر رﺷيﺪ لما كنا ﻗﺪ ﺗمﻜ �نا ﻣن ﻓﻚ أﺳرار الﻠﻐة الهيروﻏﻠيﻔية‬ ‫القﺪيمة الﺘﻲ ﻓتﺤﺖ لنا ﺑاﺑًا ً‬ ‫واﺳﻌا عﻠﻰ ﺣقبة ﺗاريﺨية ﻣهمة ﻣن ﺗاريﺦ‬ ‫البﺸرية‪ ،‬اﻣتﺪت ﻵﻻف السنين‪ .‬ولوﻻ األﺣاﻓير لما ﻧﺠﺤنا ﻓﻲ ﺗﺠسير‬ ‫ﺛﻐرات عﺪيﺪة ﻓﻲ السﺠﻞ التاريﺨﻲ ألﻧواع وﻓﺼاﺋﻞ ﺣيواﻧية ﺟاﺑﺖ‬ ‫كوكﺐ األرض ً‬ ‫ﺷرﻗا وﻏرﺑًا ﻓﻲ ﺣقﺐ ﺗاريﺨية ﺳاﺑقة‪ ،‬ﻓهﻲ ﺑمنزلة عين‬ ‫�‬ ‫ﺗمﻜننا ﻣن رؤية الﻌالﻢ كما ﺷهﺪه أﺳﻼﻓنا ﻓﻲ الماﺿﻲ البﻌيﺪ‪.‬‬

‫ومؤخـرًا‪ ،‬نجــح الفحــص والتحليــل المختبــري المض ـنـي ألحافيــر مصريــة‪ُ ،‬عثــر‬ ‫عليهــا بﺈحــدى مناطــق منخفــض الفيــوم ـفـي مصــر‪ ،‬فيمــا يُع ـرَف بالمنطقــة ‪،L-41‬‬ ‫ـفـي تحديــد نــوع جديــد مــن الثدييــات المنقرضــة مــن آكالت اللحــوم (اللحوميــات)‪،‬‬ ‫ينتمــي لعائلــة الهايينــودون ‪ .hyaenodonts‬ووف ًقــا للدراســة المنشــورة فــي ‪19‬‬ ‫أبريــل ‪ 2017‬ـفـي دوريــة ‪ PLOS‬بلــوس العلميــة‪ ،‬صنــف مؤلفــو الدراســة حفريــات‬ ‫مصريــة عمرهــا ‪ 34‬مليــون ســنة‪ ،‬أمكــن جمعهــا بشــكل تراكمــي عبــر ثالثــة عقــود‪،‬‬ ‫لنــوع جديــد مــن حيــوان الهايينــودون ـفـي حجــم الظربــان‪ .‬حــدد الفريــق البح ـثـي‬ ‫جمجمــة وفكيــن‪ ،‬وعظــام لﻸطــراف تعــود لذلــك الحيــوان‪ ،‬وقــد تمــت فهرســتها‪،‬‬ ‫وأخيـرًا تــم مســحها ضوئ ًّيــا ـفـي جامعــة ديــوك‪ ،‬وأصبــح مــن الممكــن اآلن مشــاركتها‬ ‫رقم ًّيــا مــع الباحثيــن ـفـي جميــع أنحــاء العالــم‪.‬‬ ‫أطلــق الفريــق البحثــي علــى الحفريــة المكتشــفة اســم »ماسراســكتور‬ ‫نانانوبيــس« ‪ ،Masrasector nananubis‬ـفـي إشــارة إـلـى أنوبيــس‪ ،‬اإللــه المصــري‬ ‫رأســا أشــبه بــرأس ثعلــب‪ .‬ـفـي حيــن تعــود تســمية عائلــة‬ ‫القديــم الــذي يمتلــك ً‬ ‫الهايينــودون ال ـتـى ينحــدر منهــا ماسراســكتور نانانوبيــس إـلـى األمريكــي د‪.‬جوزيــف‬ ‫اليــدي‪ ،‬الــذي قــام بوصــف ذلــك الحيــوان‪ ،‬عقــب اكتشــافه للمــرة األوـلـى ـفـي منتصــف‬ ‫القــرن الثامــن عشــر‪ ،‬وهــو يع ـنـي بالضبــط "ســن الضبــع" ‪ ،‬فـــ"دون" تع ـنـي الســن‪،‬‬ ‫و"هايينــا" تع ـنـي الضبــع‪.‬‬ ‫المﻔترس المﺼري‬

‫"يمﻜــن اﺳــتﺨﺪام الﺤﻔريــات المكتشــفة حدي ًثــا ـفـي تفســير المزيــد مــن العينــات‬ ‫المجــزأة‪ ،‬فاألمــر أشــبه باكتشــاف شــكل آخــر مــن حجــر رشــيد األحفــوري"‪ ،‬وفــق‬ ‫وصــف ماثيــو بورتــس ‪ ،Matthew Borths‬الباحــث بجامعــة أوهايــو األمريكيــة‪،‬‬ ‫والباحــث الرئيﺴــي للدراســة‪ ،‬وذلــك لالســتدالل علــى غيرهــا مــن حفريــات‬ ‫الهايينــودون‪ .‬وأضــاف بورتــس‪ :‬هــذه األحافيــر ُتظهــر لنــا العديــد مــن األنســاب مــن‬ ‫عائلــة الهايينــودون األفريقيــة‪ ،‬أو ضــواري مــا قبــل التاريــخ‪ ،‬وال ـتـي ارتبطــت ً‬ ‫ارتباطــا‬ ‫وثي ًقــا بعضهــا ببعــض‪ ،‬وكانــت تتطــور ـفـي أفريقيــا ع ـلـى امتــداد حقبــة طويلــة جـ ًّدا‬ ‫مــن الزمــن فاقــت ‪ 40‬مليــون ســنة‪.‬‬ ‫"لســوء الحــﻆ‪ ،‬معظــم الســجل األحفــوري للثدييــات ال ـتـي جــرى الكشــف عنهــا‬ ‫بعــد حقبــة وجيــزة مــن انقــراض الديناصــورات غيــر الطائــرة مجــزأ بشــكل كامــل"‪،‬‬ ‫يوضــح بورتــس‪ ،‬مــا يجعــل اكتشــاف ماسراســكتور نانانوبيــس مهمًّ ــا ج ـ ًّدا‪ ،‬فقــد‬ ‫أمكــن التعــرف عليهــا ضمــن عــدد كبيــر مــن العينــات‪ ،‬تتضمــن جماجــم كاملــة‬ ‫تقري ًبــا‪ ،‬باإلضافــة إـلـى الفكيــن‪ ،‬وأجــزاء مــن الهيــكل العظمــي‪.‬‬ ‫وينبهــر علمــاء األحافيــر بخصائــص الهايينــودون المتفــردة‪ ،‬ولكنــه مــن‬ ‫الحيوانــات ال ـتـي يصعــب دراســتها؛ نظ ـرًا لنــدرة األحافيــر الخاصــة بــه ال ـتـي ُعثــر‬ ‫عليهــا ح ـتـى اآلن‪ ،‬فثمــة هيــكل واحــد كامــل فقــط موجــود ع ـلـى وجــه األرض‪ ،‬وهــو‬

‫معــروض ـفـي المتحــف األمريكــي للتاريــخ الطبيعــي ـفـي نيويــورك‪ ،‬األمــر الــذي يمنــح‬ ‫الكشــف األخيــر ـفـي صحــراء الفيــوم قيمــة علميــة كبيــرة‪.‬‬ ‫"لقــد كنــت دائمً ــا مفتونًــا بدراســة آكالت اللحــوم األفريقيــة الحديثــة كاألســود‬ ‫والضبــاع‪ ،‬ودراســة الهايينــودون هــي تجربــة أخــرى لــي للتعــرف علــى كيفيــة أن‬ ‫مفترســا‪ ،‬وكيــف ظلــت تفعــل ذلــك بنجــاح لمالييــن الســنين قبــل أن‬ ‫تكــون ثدي ًّيــا‬ ‫ً‬ ‫تنقــرض"‪ ،‬كمــا يقــول بورتــس‪ .‬ويؤكــد‪" :‬تعطــي ماسراســكتور لنــا ً‬ ‫عرضــا مفصـ ًـال‬ ‫عــن نظامهــا الغذا ـئـي‪ ،‬وعــن الكيفيــة ال ـتـي تتبعــت بهــا فرائســها"‪.‬‬ ‫ويقــول إريــك ســيفرت ‪-‬المؤلــف المشــارك ـفـي الدراســة‪ ،‬واألســتاذ ـفـي العلــوم‬ ‫التشــريحية التكامليــة ـفـي جامعــة جنــوب كاليفورنيــا‪" :-‬تعطينــا رواســب الفيــوم‬ ‫رؤى أكثــر تفصيـ ًـال عــن التطــور المبكــر للثدييــات األصليــة ـفـي أفريقيــا"‪ .‬ويوضــح‬ ‫َ‬ ‫المكتشــفة فــي مواقــع الفيــوم كانــت معروفــة لنــا‪ ،‬فــي‬ ‫أن اللحوميــات الصغيــرة‬ ‫الســابق‪ ،‬فقــط مــن ِق َبــل بعــض شــظايا الفــك واألســنان ال ـتـي أمكــن عزلهــا مــن‬ ‫أماكــن اكتشــافها‪ ،‬وبالتاـلـي فــﺈن اكتشــاف جمجمــة كاملــة وعظــام األطــراف الخاصــة‬ ‫لماسراســكتور يوفــر الكثيــر مــن المعلومــات الجديــدة ال ـتـي تســمح لنــا بفهــم أفضل‬ ‫لمــا كانــت عليــه هــذه الحيوانــات‪ ،‬ومــا طــرأ عليهــا مــن تطــور مــن جــراء تكيُّفهــا مــع‬ ‫األنظمــة البيئيــة القديمــة ال ـتـي عاشــت فيهــا‪.‬‬ ‫وفيمــا يتعلــق باألهميــة العلميــة للكشــف‪ ،‬يشــدد د‪ .‬محمــد ســامح‪ ،‬مديــر عــام‬ ‫محميــات المنطقــة المركزيــة‪ ،‬باحــث مســتقل حائــز ع ـلـى الدكتــواره ـفـي الجيولوجيا‪،‬‬ ‫ع ـلـى أنــه "لــم يتــم تجميــع مثــل هــذه األجــزاء مــن كائــن واحــد مــن قبــل"‪ .‬يوضــح‪:‬‬ ‫معظــم حفريــات جبــل قطرا ـنـي‪ ،‬وهــذا المحجــر بالــذات‪ ،‬عبــارة عــن شــظايا وأجــزاء‬ ‫متفرقــة يتــم تجميعهــا‪ ،‬وهــذه هــي المــرة األوـلـى ال ـتـى يجــري فيهــا تجميــع جمجمــة‬ ‫كاملــة بشــكل رائــع كهــذا‪ ،‬هــذا باإلضافــة للحالــة الجيــدة للفكــوك‪ ،‬وهــو مــا يعتبــر‬ ‫إضافــة إـلـى ســجل اللحوميــات ال ـتـي تــم اكتشــافها مــن قبــل‪ .‬يســتطرد‪ :‬آخــر مــا‬ ‫تــم اكتشــافه‪ ،‬ـفـي هــذا اإلطــار‪ ،‬كان منــذ ثالثيــن عا ًمــا‪ ،‬مؤكـ ًدا ع ـلـى أن هــذه خطــوة‬ ‫مهمــة للتعــرف علــى البيئــة القديمــة‪ ،‬وبرهــان علــى أن المنطقــة كانــت تغطيهــا‬ ‫ضـي البعيــد‪.‬‬ ‫الغابــات ـفـي الما ـ‬ ‫و ُت َعــد المنطقــة ‪ L-41‬واحــدة مــن أهــم األماكــن ال ـتـي تتميــز بغــزارة األحافيــر‬ ‫المدفونــة بهــا ـفـي أفريقيــا‪ ،‬وتقــع ـفـي صحــراء الفيــوم ال ـتـي ُتعت َبــر نظا ًمــا بيئ ًّيــا مصونًــا‬ ‫لــم يتغيــر بفعــل الجنــس البشــري حتــى اآلن‪ ،‬وحافظــة لتاريــخ طويــل يمتــد‬ ‫لمالييــن الســنين‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫تقــع ‪ L-41‬التــى جــرى فيهــا الكشــف عــن ماسراســكتور ــي جبــل قطرا ــي‬ ‫بمحميــة قــارون الطبيعيــة‪ ،‬ويعــود اكتشــافها إـلـى العالــم األمريكــي الويــن ســيمون‬ ‫بمشــاركة العالــم تومــاس بــون‪ ،‬وفــق ســامح الــذي يوضــح أن الموقــع يعــود إـلـى‬ ‫عصــر اإليوســين المتأخــر‪ ،‬وقــد تكــون مــن الرواســب الطينيــة‪ ،‬فهــو أحــد جيــوب‬ ‫األنهــار القديمــة ال ـتـى جــرى عزلهــا عــن النهــر لتظهــر مســتنقعات صغيــرة ابتلعــت‬ ‫الحيوانــات النافقــة ال ـتـي جرفهــا النهــر إليهــا‪ ،‬مؤكـ ًدا ع ـلـى أن هــذا المحجــر يعــد مــن‬ ‫أغ ـنـى المحاجــر بالمنطقــة ال ـتـى حــوت العديــد مــن الحفريــات ال ـتـي جــرى اكتشــافها‪.‬‬ ‫ﺳيﻒ الﺴاموري‬

‫ﻓــﻲ ﺣيــن ﺗمتﻠــﻚ آكﻼت اللحــوم كلهــا زوجًــا واحــ ًدا مــن القواطــع الخلفيــة بيــن‬ ‫أســنانها علــى كل جانــب مــن جانﺒــي الفــك‪ ،‬تمتلــك الهايينــودون أو المفتــرس‬ ‫المصــري‪ ،‬كمــا أطلــق عليــه الباحثــون‪ ،‬ثــالث مجموعــات مــن هــذه القواطــع ع ـلـى‬ ‫كل مــن الجانبيــن‪� ،‬‬ ‫�‬ ‫تمكنهــا مــن قطــع اللحــوم كســيف الســاموراي‪.‬‬ ‫وتتفــاوت أحجــام الهايينــودون مــا بيــن حجــم حيــوان النمــس ‪mon-‬‬ ‫َ‬ ‫المكتشــف مؤخـرًا‪،‬‬ ‫‪ ،goose-sized‬وهــي أصغــر مــن حجــم ماسراســكتور نانانوبيــس‬ ‫ً‬ ‫وصــوال إلــى أنــواع فــي حجــم الخرتيــت ‪ .rhinocerous-sized‬كمــا كانــت هنــاك‬

‫‪ ForScience.com 52‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:51 PM‬‬

‫‪Rosetta Stone.indd 52‬‬


‫الهايينــودون العمالقــة‪ ،‬مثــل ميجيســتوثيريوم ‪Meg-‬‬ ‫‪ istotherium‬وهيينايلــوروس ‪ ،Hyainailouros‬مــن‬ ‫بيــن أكبــر الثدييــات تنـ ً‬ ‫ﻀـى‬ ‫ـاوال للحــوم عبــر أي وقــت م ـ‬ ‫علــى هــذا الكوكــب‪ .‬بعــض الهايينــودون التــي ُعثــر‬ ‫عليهــا ـفـي الفيــوم ً‬ ‫أيضــا كانــت كبيــرة ج ـ ًّدا‪ ،‬مثــل أســد‬ ‫بتيــرودون األفريقــي كبيــر الحجــم ‪lion-sized Pter-‬‬ ‫‪.odon africanus‬‬ ‫ســبقت الهايينــودون الحيوانــات الثدييــة أكلــة‬ ‫اللحــوم الحديثــة ‪modern terrestrial carnivores‬‬ ‫ال ـتـي عاشــت ـفـي أفريقيــا ً‬ ‫وأيضــا ـفـي أوروبــا وآســيا وأمريكا‬ ‫الشــمالية‪ ،‬وكان بعضهــا يســكن األشــجار؛ والبعــض‬ ‫اآلخــر يعيــﺶ ـفـي البريــة‪ .‬ومــع زوال هــذه الضــواري مــن‬ ‫أمثــال ماسراســكتور‪ ،‬شــغلت المفترســات الحديثــة‬ ‫مكانهــا‪ -‬فشــملت األســود والفهــود وبنــات آوى التــي‬ ‫تعيــﺶ ـفـي أفريقيــا اآلن‪ ،‬وغيرهــا مــن مجموعــة اللواحــم‬ ‫المعروفــة بيننــا‪ .‬يقــول بورتــس لـ"للعلــم"‪" :‬ســجالت‬ ‫الهايينــودون األفــرو‪ -‬عربيــة هــي األقــدم‪ ،‬ممــا يجعلهــا‬ ‫مفتا ًحــا لفهــم تطــور هــذه األنــواع الثدييــة المنقرضــة‬ ‫مــن آكالت اللحــوم"‪ .‬وتنتمــي الثدييــات الحديثــة مــن‬ ‫آكالت اللحــوم إلــى مجموعــة كارنيفــورا ‪،Carnivora‬‬ ‫وهــي الثدييــات التــي تطــورت أســنانها وأصبحــت‬ ‫قــادرة ع ـلـى قضــم اللحــوم‪ ،‬وتشــمل الــكالب والقطــط‬ ‫والدببــة وحيــوان النمــس والضبــاع‪ ،‬وغيرهــا مــن آكالت‬ ‫اللحــوم ذات الفــراء‪.‬‬ ‫ﺗﻌاون مﺼري أمريﻜﻲ‬

‫مخيﻢ الفريﻖ‬ ‫البحثي بالفيوم‪،‬‬ ‫جمﺠمة الحفرية‬ ‫المكتشفة‬ ‫«ماسراسكتور‬ ‫نانانوبيس‬

‫وعﻠــﻰ ﻣــﺪى عــﺪة عقــود‪ ،‬تراكمــت العينــات التــي‬ ‫جــرى الكشــف عنهــا مــن ِقبَــل علمــاء الحفريــات‬ ‫المصرييــن واألمريكييــن الذيــن نجحــوا فــي إزالتهــا‬ ‫بدقــة مــن الصخــور الطينيــة المالحــة التــي كانــت‬ ‫مطمــورة فيهــا كجــزء ال يتجــزأ منهــا‪ .‬فقــد بــذل‬ ‫الفريــق البحثــي جهــ ًدا مضنيًــا فــي تقســيم طبقــات‬ ‫الطيــن للكشــف عــن هــذه الحفريــات الثمينــة‪،‬‬ ‫وذلــك جن ًبــا إـلـى جنــب مــع المتعاونيــن مــن المتحــف‬ ‫الجيولوجــي بالقاهــرة‪ ،‬وجامعــة المنصــورة المصريــة‪،‬‬ ‫وجامعــة ديــوك األمريكيــة‪.‬‬ ‫وي َُعــد هــذا النــوع مــن العمــل البح ـثـي مجهـ ًدا جـ ًّدا‪،‬‬ ‫إذ إنــه يتطلــب دقــة وحرفيــة متناهيتيــن‪ً ،‬‬ ‫خوفــا مــن‬ ‫ي مــن الحفريــات ـفـي أثنــاء عمليــات البحــث أو‬ ‫تلــف أ �‬ ‫المعالجــة‪" .‬هــذه الدراســة هــي نتيجــة لجهــد المئــات‬ ‫الذيــن يحركــون الرواســب‪ ،‬ويجهــزون العينــات‪،‬‬ ‫ويتخــذون ســبل الحمايــة للحفــاظ علــى هــذه‬ ‫الحفريــات شــديدة الحساســة‪ ،‬إذ تحتــاج إـلـى أن تبقــﻰ‬ ‫ـفـي غرفــة مجهــزة للســيطرة ع ـلـى معــدالت الرطوبــة‬ ‫لتفــادي تأثيــرات الملــح والطيــن الضــارة عليهــا"‪ ،‬كمــا‬ ‫يشــرح بورتــس‪.‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:51 PM‬‬

‫‪53‬‬

‫‪Rosetta Stone.indd 53‬‬


‫باإلضافــة إـلـى كونهــا تجــرى ـفـي ظــروف مناخيــة تتســم بالصعوبــة والتطــرف‪،‬‬ ‫يحكــي بورتــس لنــا أنــه عندمــا ذهــب ـفـي المــرة األوـلـى إـلـى الفيــوم‪ ،‬ـفـي مــارس مــن عــام‬ ‫‪ ،2012‬كان يتوقــع أن تكــون الصحــراء ســاخنة وجافــة‪ ،‬لكنهــا ع ـلـى العكــس كانــت‬ ‫بــاردة ج ـ ًّدا‪ ،‬ع ـلـى الرغــم مــن أن الســماء‪ ،‬آنــذاك‪ ،‬كانــت صافيــة‪ ،‬ع ـلـى حــد وصفــه‪.‬‬ ‫ويضيــف‪ :‬الريــاح البــاردة كانــت تتحــرك بســرعة شــديدة عبــر الرمــال فكانــت‬ ‫كالســياط ع ـلـى أجســادنا‪ ،‬مــا كان يجبرنــا ع ـلـى ارتــداء أعــداد كبيــرة مــن المالبــس‬ ‫ـفـي الوقــت ذاتــه‪.‬‬ ‫يقــول بورتــس‪" :‬لــم أكــن أتوقــع أن أحتــاج إـلـى قفــازات خــال فتــرة مــا بعــد‬ ‫الظهــر ـفـي صحــارى مصــر! نحــن لــن نعــود كثي ـرًا ـفـي ذلــك الوقــت مــن الســنة"‪،‬‬

‫المؤلفان‬ ‫المشاركان‬ ‫في الدراسة‬ ‫«إريك سيفرت»‬ ‫و«مات بورثس»‪،‬‬ ‫هاينودون القريب‬ ‫لماسراسكتور‬ ‫نانانوبيس_ نوبو‬ ‫تامورا‬

‫ويوضــح الســبب وراء قــراره هــذا‪ :‬مــن الصعــب اســتخراج أيــة حفريــات عندمــا‬ ‫تكــون أصابعــك خــدرة تما ًمــا مــن شــدة البــرد‪.‬‬ ‫يشــرح محمــد ســامح خطــوات اســتخالص الحفريــات وحفظهــا‪ ،‬حيــث يقــول‬ ‫إنــه بعــد انتهــاء عمليــة االســتخالص يتــم إضافــة مــواد كيميائيــة‪ ،‬مــن شــأنها تقويــة‬ ‫وتصليــب الحفريــة وتحويلهــا مــن حالــة الهشاشــة إـلـى حالــة يمكــن التعامــل معهــا‪،‬‬ ‫ثــم يجــري الحفــر حــول العينــة لحيــن فصلهــا عــن الطبقــات الموجــودة فيهــا‪،‬‬ ‫مضي ًفــا‪ ،‬يجــري تغطيــة العينــة بمناديــل وورق األلمومنيــوم (الفويــل) بغــرض‬ ‫عمــل قميــص جبــس للحفــاظ ع ـلـي العينــة‪ ،‬إـلـى أن يتــم نقلهــا للمعمــل كــي تفصــل‬ ‫الرســوبيات عنهــا‪ ،‬وإعــادة لصــق األجــزاء المكســورة وترميمهــا واســتكمال المفقــود‬ ‫منهــا‪ ،‬وأخيـرًا عمــل نمــاذج للعينــة األصليــة‪.‬‬ ‫ضواري ما قبل التاريخ‬

‫ويتميــز الهايينــودون عــن غيــره مــن آكالت اللحــوم‪ ،‬ببعــض االختالفــات األخــرى فيما‬

‫يتعلــق بالجماجــم والهيــاكل العظميــة‪ ،‬ولكــن أســنانه‪ ،‬األشــبه بالمقصلــة‪ ،‬كانــت هــي‬ ‫العامــل األهــم الــذي ســاعد علمــاء الحفريــات ع ـلـى فصلــه عــن بقيــة اللحوميــات‪ .‬وقــد‬ ‫جعلــت كل تلــك األســنان اإلضافيــة رؤوس الهايينــودون تبــدو كبيــرة قليـ ًـا بالنســبة‬ ‫ألحجــام كامــل الجســم‪ ،‬وأكبــر كثيـرًا مــن مثيلتهــا ـفـي الحيوانــات األخــرى‪ .‬كمــا تتميــز‬ ‫الــرأس بمواقــع روابــط العضــات القويــة ع ـلـى عظامهــا‪ ،‬فهــي أكثــر كثافــة مــن غيرهــا‬ ‫مــن العديــد مــن اللحوميــات ذات األحجــام المماثلــة‪ ،‬األمــر أشــبه بــرأس ضخــم قابــع‬ ‫ع ـلـى عنــق قــوي وجســم ذي بنيــان أشــد قــوة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جميعــا قــادرة‬ ‫وإذا كانــت الهايينــودون عمو ًمــا مــن اللحوميــات‪ ،‬مــا يع ـنـي أنهــا‬ ‫ع ـلـى تقطيــع اللحــوم بواســطة أســنانها‪ ،‬إال أن ماسراســكتور نانانوبيــس‪ ،‬وبعــض‬ ‫المقربيــن مــن فصيلتــه‪ ،‬لــم يكونــوا يعتمــدون بشــكل كامــل ع ـلـى أكل اللحــوم‪ .‬فمن‬ ‫خــال فحــص أســنان الهايينــودون ومقارنتــه بالثدييــات الحديثــة آكلــة اللحــم‪،‬‬ ‫وجــد الباحثــون أن ماسراســكتور كان لــه ً‬ ‫أيضــا أســطح طحــن كبيــرة ع ـلـى أســنانه‪،‬‬ ‫مــن شــأنها أن تســمح لــه بتنــاول الفاكهــة والبــذور‪ ،‬كمــا هــو الحــال مــع فرائــس‬

‫‪ ForScience.com  54‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:51 PM‬‬

‫‪Rosetta Stone.indd 54‬‬


‫صحراء الفيوم‬ ‫حيث جرى العثور‬ ‫على الحفريات‪،‬‬ ‫الباحثان «إريك‬ ‫سيفرت» و«توم‬ ‫بون» في موقع‬ ‫الحفر‪ ،‬منخفض‬ ‫الفيوم حيث‬ ‫جرى العثور على‬ ‫الحفريات‬

‫‪PRECEDING AND CURRENT PAGES: MATTHEW BORTHS‬‬

‫الفقاريــات مثــل القــوارض ‪ rodents‬وحيوانــات الوبــر‬ ‫الصخــري ‪ hyraxes‬ال ـتـي عاشــت معهــا‪.‬‬ ‫افتراســا فــي أفريقيــا‬ ‫كانــت الهايينــودون األكثــر‬ ‫ً‬ ‫بعــد انقــراض الديناصــورات غيــر الطائــرة حتــى‬ ‫الوصــول ألقاربهــا مــن القطــط والــكالب‪ ،‬وـفـي أوروبــا‬ ‫وآســيا وأمريــكا الشــمالية كانــوا ً‬ ‫أيضــا مــن آكالت‬ ‫اللحــوم ال ـتـي تعت ـلـي القمــة‪ ،‬مــن حيــث قدرتهــا ع ـلـى‬ ‫االفتــراس؛ إذ مــن المرجــح أنهــا كانــت قــادرة علــى‬ ‫اصطيــاد حيوانــات ضخمــة وكبيــرة الحجــم كوحيــد‬ ‫القــرن والخيــول والخنازيــر‪.‬‬ ‫وكانــت دراســة أخــرى أجراهــا جــو هونــج يــو ‪-‬مــن‬ ‫المعهــد الوطنــي للمــوارد البيولوجيــة فــي جمهوريــة‬ ‫كوريــا‪ -‬وزمــاؤه قــد توصلــت إـلـى أن الحمــض النــووي‬ ‫الخــاص بــآكالت اللحــوم يشــكل نظامهــا الغذائــي‪.‬‬ ‫عقــد الفريــق البحثــي مقارنــة بيــن جينومــات ‪18‬‬ ‫حيوانًــا مــن الثدييــات‪ ،‬مِــن هــذه الثدييــات آكالت‬ ‫اللحــوم مثــل النمــور‪ ،‬وآكالت النبــات والحيــوان مثــل‬ ‫اإلنســان‪ ،‬والحيوانــات العاشــبة مثــل البانــدا العمالقــة‪ .‬وجــد الباحثــون أن جينومــات‬ ‫آكالت اللحــوم فقــدت العديــد مــن جينــات هضــم الكربوهيــدرات‪ ،‬وتتقاســم فيمــا‬ ‫بينهــا تغ ُّيــرات ـفـي الجينــات المعنيــة بقــوة العضــات وخفــة الحركــة؛ مــا يجعلهــا‬ ‫مــن نــوع الحيوانــات الصائــدة البارعــة‪.‬‬ ‫لماذا انقرضت الهايينودون؟‬

‫ويبقــى الســؤال األكثــر أهميــة‪ ،‬لمــاذا انقــرض الهايينــودون؟ يجيــب بروتــس‪:‬‬ ‫"ال تــزال هــذه منطقــة نشــطة جــ ًّدا مــن التحقيــق"‪ ،‬ويســتطرد‪ :‬ولكــن هنــاك‬ ‫بعــض العوامــل البيئيــة ال ـتـي قــد تكــون جــزءًا مــن ســبب زوالهــا‪ .‬قبــل مــا بيــن‬ ‫‪ 20‬و‪ 15‬مليــون ســنة‪ ،‬كانــت القــارة األفريقيــة متصلــة بأوراســيا‪ ،‬ومــع االنفصــال‬ ‫الكبيــر تغيــرت تيــارات الميــاه داخــل المحيطــات‪ ،‬مــا أدى إـلـى نشــوء منــاخ جــاف‬ ‫ضـي العشــبية ـفـي جميــع أنحــاء القــارة األفريقيــة‪ .‬ومــع تغ ُّيــر‬ ‫زاد مــن انتشــار األرا ـ‬ ‫المنــاخ‪ ،‬تغيــر المشــهد‪ ،‬وبــدأت أنــواع جديــدة مــن اللحوميــات ـفـي الظهــور‪ ،‬وشــمل‬

‫ذلــك األقــارب البعيــدة مــن القطــط الحديثــة والــكالب والضبــاع‪ .‬يوضــح بروتــس‪:‬‬ ‫تكيفــت الهايينــودون مــع كل هــذه التغيُّــرات لبعــض الوقــت‪ ،‬ولكــن فــي نهايــة‬ ‫المطــاف‪ ،‬يبــدو أن كل هــذا قــد دفــع بهــا إـلـى االنقــراض‪.‬‬ ‫ويــرى ل‪ .‬فرديليــن‪ ،‬المعــروف براعــي أحافيــر الفقاريــات بمتحــف التاريــخ‬ ‫الطبيعــي الســويدي ـفـي اســتوكهولم‪ ،‬مــن خــال أبحاثــه ال ـتـي أجراهــا ـفـي هــذا اإلطــار‪،‬‬ ‫أن اإلنســان هــو اآلخــر أدى دورًا ال يســتهان بــه ـفـي أفــول هــذه الحيوانــات الالحمــة‪ ،‬إذ‬ ‫تزامــن ذلــك مــع شــروع اإلنســان البدا ـئـي ‪ early Homo‬ـفـي تنــاوُل اللحــوم بكميــات‬ ‫منافســا الحيوانــات الالحمــة‪ .‬ويشــدد ع ـلـى أن اإلنســان قــد يكــون مسـ ً‬ ‫ـؤول‬ ‫أكبــر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫عــن انقــراض هــذه الضــواري ‪ beasts‬والــذي بــدأ قبــل مليو ــي ســنة‪ ،‬وذلــك قبــل‬ ‫وقــت طويــل مــن ظهــور اإلنســان العاقــل ‪ .Homo sapiens‬ويشــير فرديليــن إـلـى‬ ‫أن دخــول اإلنســان العاقــل ع ـلـى الخــط أدى إـلـى إطــاق تغيــرات واســعة النطــاق ـفـي‬ ‫أســفل السلســلة الغذائيــة‪ ،‬مؤثـرًا ـفـي الطرائــد وح ـتـى ـفـي النباتــات ال ـتـي تتغــذى عليهــا‬ ‫تلــك المخلوقــات‪.‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:51 PM‬‬

‫ ‪55‬‬

‫‪Rosetta Stone.indd 55‬‬


‫اكتشاف البصمة الكيميائية‬ ‫لمتالزمة التعب المزمن‬ ‫الطب‬

‫أظهرت دراسة حديثة أجريت على مرضى مصابين بمتالزمة التعب المزمن‪ ،‬وجود شذوذ في‬ ‫‪ 20‬مادة أيضية من أصل ‪ 612‬مادة جرت دراستها‪ ،‬ما يمنحنا األمل في تطوير عالج فعال لها‪.‬‬ ‫عال الغزاوي‬

‫‪ANASTASIIA_NEW/ ISTOCK / GETTY IMAGES PLUS‬‬

‫ـفـي دراســة حديثــة‪ ،‬أثبــت باحثــون وجــود بصمــة كيميائيــة لمتالزمــة التعــب المزمــن‬ ‫يمكــن التعــرف عليهــا مــن خــال دراســة تحليليــة لبالزمــا الــدم للنواتــج األيضيــة لبعــض‬ ‫العمليــات الحيويــة فــي الســيدات والرجــال علــى حــد ســواء‪ .‬وقــد أظهــرت الدراســة‬ ‫المنشــورة بتاريــخ ‪ 29‬أغســطس ‪ 2016‬ـفـي دوريــة ‪ PNAS‬تحــت عنــوان «مالمــح أيضيــة‬ ‫لمتالزمــة التعــب المزمــن»‪ ،‬أن تلــك المتالزمــة تنتــج عــن اضطـراب ـفـي العمليــة األيضيــة‬ ‫بالجســم‪ ،‬إذ تؤثــر ع ـلـى ســبعة أنظمــة حيويــة‪ ،‬مــن بينهــا جهــاز المناعــة‪ ،‬والجهــاز العص ـبـي‬ ‫الذا ـتـي‪ ،‬وبعــض وظائــف المــخ‪.‬‬ ‫و ُت َعــد متالزمــة التعــب المزمــن ‪-‬أو مــا يســمى أحيانًــا بالتهــاب الدمــاغ المؤلــم‬ ‫للعضــات‪ً -‬‬ ‫ضـى‬ ‫مرضــا عضو ًّيــا خطي ـرًا ومزم ًنــا‪ ،‬يحــد بشــكل كبيــر مــن أنشــطة المر ـ‬ ‫المصابيــن بــه‪ ،‬وفــق تعريــف المعهــد الط ـبـي لألكاديميــات الوطنيــة (‪ )IOM‬بالواليــات‬ ‫المتحــدة‪ ،‬فــي تقريــره الصــادر حــول إعــادة تعريــف المــرض عــام ‪.2015‬‬ ‫ويعا ـنـي األشــخاص المصابــون بمتالزمــة التعــب المزمــن مــن التعــب بشــكل يومــي‪،‬‬ ‫والــذي ال ينتهــي مــع النــوم أو الراحــة‪ ،‬كمــا أنهــم ً‬ ‫أيضــا قــد يعانــون آال ًمــا ـفـي العضــات‬ ‫‪ ForScience.com  56‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:52 PM‬‬

‫‪chronic fatigue.indd 56‬‬


‫وصعوبــة ـفـي التركيــز‪ .‬وقــد تســبب متالزمــة التعــب المزمــن كذلــك ً‬ ‫مرضــا وعجـ ًزا مزم ًنــا‪،‬‬ ‫ع ـلـى الرغــم مــن أن الكثيــر مــن المصابيــن يتحســنون مــع مــرور الوقــت‪.‬‬ ‫العامل األيضي‬

‫درس الباحثــون ‪ً 84‬‬ ‫مريضــا‪ %95 ،‬منهــم يعيشــون فــي واليــة كاليفورنيــا األمريكيــة‪،‬‬ ‫وجميعهــم تنطبــق عليهــم أع ـراض المتالزمــة ال ـتـي حددهــا تقريــر‪ ، IOM‬وال ـتـي تت ـراوح‬ ‫بيــن اختــال ـفـي أداء الوظائــف اليوميــة‪ ،‬وشــعور بالتعــب عقــب القيــام بــأي مجهــود‪،‬‬ ‫وتفاقــم األعــراض بعــد القيــام بــأي نشــاط جســدي‪ ،‬أو فكــري‪ ،‬أو عاطفــي‪ ،‬مــع عــدم‬ ‫اإلحســاس بالراحــة ح ـتـى بعــد النــوم‪.‬‬ ‫وجــدت الدراســة أنــه باختــاف الســبب المــؤدي إلصابــة الفــرد بالمتالزمــة فــإن رد‬ ‫متجانســا‪ ،‬أي أن اســتجابة الخاليــا مــع‬ ‫فعــل الخاليــا لــكل تلــك المؤث ـرات البيئيــة كان‬ ‫ً‬ ‫اختــاف المثيــر أو المســبب الخارجــي هــي ذاتهــا ـفـي كل مــرة‪ ،‬مــا يرجــح كــون الســبب‬ ‫ضـي‪.‬‬ ‫وراء المتالزمــة هــو العامــل األي ـ‬ ‫ضـى متالزمــة التعــب المزمــن وجــود شــذوذ ـفـي ‪ 20‬مــادة أيضيــة مــن‬ ‫فقــد أظهــر مر ـ‬ ‫أصــل ‪ 612‬مــادة جــرت دراســتها‪ ،‬وهــو مــا أطلــق عليــه الباحثــون البصمــة الكيميائيــة‪،‬‬ ‫ضـي ونقــص ـفـي ‪ %80‬مــن تلك المــواد ومنهــا البيورين‬ ‫وال ـتـى يصاحبهــا حــدوث خمــول أي ـ‬ ‫والدهــون الفوســفورية والالثوســتيرول وغيرهــا مــن المــواد الالزمــة لعمليــات حيويــة‬ ‫تحــدث داخــل الخليــة‪ ،‬وذلــك عنــد تعــرض الشــخص لضغــوط مــن البيئــة المحيطــة‪،‬‬ ‫متفقـ ًة بذلــك مــع متالزمــات نقــص األيــض‪.‬‬ ‫وعلــق كينيــث فريدمــان ‪-‬أســتاذ علــم العقاقيــر المســاعد المتقاعــد‪ ،‬كليــة طــب‬ ‫نيوجيرســي فــي الواليــات المتحــدة‪ -‬علــى هــذا االســتنتاج ً‬ ‫قائــا‪" :‬إن عالقــة متالزمــة‬ ‫التعــب المزمــن بمتالزمــة نقــص األيــض ال ـتـي تــم طرحهــا بالدراســة‪ ،‬ـفـي حاجــة إـلـى أن‬ ‫َ‬ ‫ستكشــف و ُت َّ‬ ‫وضــح بالكامــل‪ ،‬ومــن َثــم توضــع ـفـي اإلطــار الصحيــح"‪.‬‬ ‫ُت‬ ‫وأوضــح روبــرت نافيواكــس ‪-‬أســتاذ مقيــم‪ ،‬قســم الطــب بجامعــة كاليفورنيــا‪ ،‬ســان‬ ‫دييجــو ـفـي الواليــات المتحــدة‪ ،‬والباحــث الرئيــس بالدراســة‪ -‬أنــه لــدى جميــع الحيوانــات‬ ‫طريقــة ـفـي التعامــل مــع تغي ـرات ظــروف البيئــة المحيطــة ال ـتـي تهــدد بقاءهــا‪ .‬ووجــد‬ ‫الباحثــون أن البصمــة الكيميائيــة لمتالزمــة التعــب المزمــن شــابهت البصمــة التــي‬ ‫تتركهــا مرحلــة ديــوار ‪ ،dauer‬وهــي مرحلــة تدخــل فيهــا الديــدان األســطوانية عنــد‬ ‫وجــود ضغــوط ـفـي البيئــة المحيطــة بهــا‪ ،‬مثــل‪ :‬ارتفــاع درجــة الحـرارة‪ ،‬ونقص األكســجين‬ ‫ونقــص المــواد الغذائيــة‪ ،‬وال ـتـي تمنــع تلــك الديــدان مــن اســتكمال مراحــل نموهــا‪ ،‬فتبــدأ‬ ‫ضـي؛ كــى تتخطــى مؤث ـرات‬ ‫ـفـي وقــف نموهــا عــن طريــق التقليــل مــن نشــاطها األي ـ‬ ‫ضـي ع ـلـى حياتهــا‪.‬‬ ‫البيئيــة القاســية ال ـتـي قــد تق ـ‬ ‫ضـي الــذي جــرى تحديــده ـفـي المتالزمــة كان‬ ‫وجــدت الدراســة أن كل الشــذوذ األي ـ‬ ‫ينظــم مباشــرة عــن طريــق عمليــات األكســدة واالختــزال‪ ،‬أو بتوافــر فوســفات ثنائــي‬ ‫نوكليوتيــد أدينيــن نيكوتيناميــد (‪ )NADPH‬وهــو عامــل مســاعد ـفـي تفاعــات التمثيــل‬ ‫الغذا ـئـي‪ .‬وحــددت الدراســة أنــه مــن الممكــن نظر ًّيــا أن تدعــم التحســينات اإلضافيــة ـفـي‬ ‫إنتــاج ‪ ،NADPH‬وال ـتـي قــد تغيــر جذر ًّيــا ـفـي عمليــة التمثيــل الغذا ـئـي الالزمــة لتحويــل‬ ‫مرحلــة ديــوار (الخمــول) بمتالزمــة التعــب المزمــن إلــى الحالــة الصحيــة الطبيعيــة‪،‬‬ ‫وذلــك مــن خــال التدخــات ال ـتـي تســتهدف أيــض حمــض الفوليــك‪ ،‬فيتاميــن ‪،B12‬‬ ‫والجاليســين والســيرين‪ ،‬وفيتاميــن ‪ .B6‬إال أن ســامة هــذه التدخــات وفاعليتهــا لــم‬ ‫يج ـر ِ اختبارهــا ـفـي تجــارب ســريرية مصممــة بدقــة‪.‬‬ ‫وعلــق فريدمــان موض ًحــا أن نتائــج الدراســة متســقة مــع ملحوظــات ســابقة حــول‬ ‫نقــص بعــض المــواد‪" ،‬لقــد اســتطاع مقدمــو الرعايــة الصحيــة تحســين جــودة الحيــاة‬ ‫لمرضــى متالزمــة التعــب المزمــن مــن خــال تزويــد المرضــى بمكمــات غذائيــة‬ ‫تحتــوي ع ـلـى تلــك المــواد‪ "،‬واســتطرد موض ًحــا أنــه يجــب تطويــر آليــة لنشــر تقاريــر‬ ‫عــن الحــاالت ال ـتـي اســتخدمت تلــك المكمــات الغذائيــة‪ ،‬مــع تعييــن شــخص ليراقــب‬ ‫تلــك المدونــات والمواقــع اإللكترونيــة‪ ،‬وعندمــا يصبــح هنــاك حــاالت كافيــة يجــب أن‬ ‫ُتجمَ ــع المعلومــات و ُت َ‬ ‫نشــر ـفـي ورقــة بحثيــة للتأكــد مــن مــدى فاعليــة تلــك المكمــات‬ ‫الغذائيــة ـفـي عــاج المتالزمــة‪.‬‬ ‫ضـى الذيــن قامــت عليهم الدراســة‪،‬‬ ‫كمــا اعتــرض فريدمــان ع ـلـى العــدد الصغيــر للمر ـ‬ ‫وع ـلـى كونهــم ينتمــون إـلـى المــكان الجغراـفـي ذاتــه‪ ،‬قائـ ًـا‪" :‬الدراســة ـفـي حاجــة ألن تعــاد مــع‬ ‫ضـى مــن أماكــن جغرافيــة متفاوتــة"‪ .‬وأضــاف‪" :‬يجــب أن ُتعــاد ع ـلـى‬ ‫عــدد أكبــر مــن المر ـ‬ ‫ضـي أو تغييــر مشــابه لــه يحــدث ـفـي األطفال‬ ‫األطفــال لتحديــد إن كان نفــس التغييــر األي ـ‬ ‫و‪/‬أو البالغيــن"‪ ،‬وهــو مــا نصحــت بــه الدراســة كذلــك‪.‬‬

‫وقــد أكــدت الدراســة أن العالجــات الفعالــة لمتالزمــة التعــب المزمــن حتــى اآلن‬ ‫تتحقــق مــن خــال الحــرص ع ـلـى االهتمــام بالتغذيــة‪ ،‬واأليــض‪ ،‬والضغــوط ومثيراتهــا‪،‬‬ ‫والنشــاط البد ـنـي كمنظومــة متكاملــة‪ ،‬جن ًبــا إـلـى جنــب مــع فهم العمليــات البيولوجيــة التى‬ ‫تقــف وراء رد فعــل الخليــة ع ـلـى األخطــار ال ـتـى تواجههــا‪ ،‬وكذلــك الدخــول والخــروج مــن‬ ‫مرحلــة ديــوار وإليهــا‪.‬‬ ‫دراسات أخرى‬

‫ويختلــف الباحثــون حــول كــون المتالزمــة ً‬ ‫مرضــا واحـ ًدا أو مجموعــة مــن األمـراض ال ـتـي‬ ‫ً‬ ‫ضـى مختلفيــن‪ .‬فهــي أحيانــا توصــم بأنها أقــرب إلى‬ ‫قــد تكــون لهــا أســباب مختلفــة ـفـي مر ـ‬ ‫المــرض العق ـلـي منهــا إـلـى الجســدي‪.‬‬ ‫وـفـي حيــن ال توجــد إحصــاءات للمــرض ـفـي المنطقــة العربيــة‪ ،‬تكشــف أرقــام خاصــة‬ ‫بــه ـفـي الواليــات المتحــدة األمريكيــة وبريطانيــا أنــه يؤثــر ع ـلـى حيــاة مــا يقــرب مــن مليو ـنـي‬ ‫أمريكــي و‪ 250‬ألــف بريطا ـنـي‪ .‬وقــد ُقــدر العــبء االقتصــادي ـفـي الواليــات المتحــدة الــذي‬ ‫ضـى عــن‬ ‫يتســبب بــه المــرض بحواـلـي ‪ 24‬مليــار دوالر ســنويًّا‪ ،‬وذلــك بســبب عجــز المر ـ‬ ‫اإلنتــاج‪ ،‬باإلضافــة إـلـى التكلفــة الباهظــة للتشــخيص وال ـتـي قــد تصــل إـلـى ‪ 100‬ألــف دوالر‬ ‫للمريــض الواحــد عبــر ســنين مــن البحــث والتحاليــل الطبيــة‪.‬‬ ‫وربمــا كان هــذا مــا دفــع معاهــد الصحــة الوطنيــة األمريكيــة إـلـى بــذل المزيــد مــن‬ ‫الجهــود للتعامــل مــع المتالزمــة‪ ،‬إذ كانــت قــد أعلنــت ـفـي التاســع والعشــرين مــن أكتوبــر‬ ‫ضـى المتالزمــة ـفـي المعهــد الوط ـنـي‬ ‫‪ ،2015‬أنهــا ســتركز برنامجهــا البح ـثـي الخــاص بمر ـ‬ ‫لالضطرابــات العصبيــة والســكتة الدماغيــة‪ ،‬وتشــتمل خطــط البرنامــج على إجراء دراســة‬ ‫ضـى َظ َهـ َر عليهــم‬ ‫إكلينيكيــة بحــرم المعهــد ـــالواقع ـفـي بيثيســدا بواليــة ميريالنــدـ ع ـلـى مر ـ‬ ‫المــرض بشــكل مفاجــئ‪ ،‬غال ًبــا نتيجــة لعــدوى‪ ،‬وفــق مــا ذكرتــه دوريــة نيتشــر العلميــة‪.‬‬ ‫وكانــت دراســة ســابقة أجراهــا فريــق بحثي مــن المعهــد الوطني للســرطان بالواليات‬ ‫المتحــدة‪ ،‬وجــرى الكشــف عــن نتائجهــا عــام ‪ ،2009‬قــد بينــت أن كثيـرًا مــن المصابيــن‬ ‫بمتالزمــة التعــب المزمــن كانــوا مصابيــن بفيــروس يُع ـرَف اختصــارًا بـ"إكــس إم آر ـفـي"‬ ‫ينحــدر مــن مجموعــة مــن الفيروســات ال ـتـي تســبب ســرطانًا ـفـي الفئ ـران‪ .‬وكشــفت‬ ‫ضـى المصابيــن بمتالزمــة التعــب المزمــن‪ ،‬أو‬ ‫الدراســة عــن أن ‪ 68‬مــن ‪ 101‬مــن المر ـ‬ ‫ً‬ ‫‪ ،%67‬كانــوا مصابيــن بالفيــروس المذكــور‪ ،‬مقارنــة بـــ‪ %3.7‬مــن ‪ 218‬شــخصا مــن‬ ‫األصحــاء‪ .‬كمــا كشــف المزيــد مــن الفحــص بعــد نشــر الدراســة أن الفيــروس موجــود‬ ‫ـفـي نحــو ‪ %98‬مــن نحــو ‪ 300‬مريــض مصابيــن بالمتالزمــة‪ .‬واســتنتجت الدراســة أن‬ ‫الفيــروس يمكــن أن يوجــد ـفـي كل مريــض مصــاب بالمتالزمــة‪ ،‬إذ يؤثــر الفيــروس ـفـي‬ ‫جهــاز المناعــة‪ ،‬ويمكــن أن يســبب مجموعــة مــن العلــل‪ ،‬وقــد ينضــم إلــى فيروســات‬ ‫أخــرى ليســبب المتالزمــة‪.‬‬ ‫مــن جانــب آخــر‪ ،‬كشــفت دراســة أجراهــا علمــاء فــي جامعــة كولومبيــا بالواليــات‬ ‫المتحــدة‪ ،‬و ُنشــرت نتائجهــا العــام الماضــي فــي دوريــة التطــورات العلميــة‪ ،‬حــدوث‬ ‫ضـى المصابيــن‬ ‫زيــادة ـفـي مســتوى الجزيئــات المناعيــة المســماة "ســيتوكين" عنــد المر ـ‬ ‫بالمتالزمــة خــال المراحــل المبكــرة مــن المــرض‪.‬‬ ‫وأجــرى الفريــق البحثــي اختبــارات علــى عينــات دم مــن ‪ 300‬مريــض بمتالزمــة‬ ‫ـخصا مــن األصحــاء‪ ،‬إذ وجــدوا ً‬ ‫التعــب المزمــن‪ ،‬وكذلــك نحــو ‪ 350‬شـ ً‬ ‫نمطــا بعينــه مــن‬ ‫ضـى المصابيــن بالمــرض منــذ نحــو ثــاث ســنوات‪ .‬ووُجــد‬ ‫الجزيئــات المناعيــة ـفـي المر ـ‬ ‫عنــد هــؤالء المرضــى مســتوى أعلــى مــن الجزيئــات المناعيــة المســماة الســيتوكين‪،‬‬ ‫وخاصــة نــوع يســمى "إنترفيــرون غامــا"‪ ،‬وهــو مرتبــط بالتعــب الــذي ي ـلـي العديــد مــن‬ ‫ضـى ألكثــر مــن ثــاث ســنوات‬ ‫أنــواع العــدوى الفيروســية‪ ،‬أمــا األشــخاص األصحــاء والمر ـ‬ ‫فلــم يظهــر عندهــم هــذا النــوع مــن الجزيئــات‪.‬‬ ‫بعــض مَــن يُعانــون مــن هــذه المتالزمــة ال يعلمــون أنهــم مصابــون بهــا‪ ،‬ومــن‬ ‫هنــا تأ ـتـي أهميــة الدراســة األخيــرة ال ـتـى نجحــت ـفـي الوصــول إـلـى مــا يُعــرف بالبصمــة‬ ‫الكيميائيــة لهــا‪.‬‬ ‫يقــول نافيواكــس‪" :‬إن أحــد األســباب الرئيســية للدراســة األخيــرة هــو إعطــاء العلمــاء‬ ‫ضـي‪ ،‬ومراحــل تطورهــا؛ ح ـتـى يســتطيعوا دراســة‬ ‫أداة جديــدة لتحليــل حــاالت الخمــول األي ـ‬ ‫مواضــع التشــابه واالختــاف‪ ،‬ومــن َثــم يمكنهــم تطويــر عــاج جديــد"‪ ،‬وأوضــح أن الهــدف‬ ‫سـي للدراســة لــم يكــن إيجــاد عــاج لهــا‪ ،‬وبالرغــم مــن ذلــك قــد تكــون بدايــة الخيــط‪،‬‬ ‫الرئي ـ‬ ‫مسـ ً‬ ‫ـتكمل حديثــه لـ"للعِلــم"‪" :‬إن الدراســة التحليليــة للنواتــج األيضيــة كشــفت عــن "نافذة‬ ‫جديــدة" تطــل ع ـلـى بيولوجيــا متالزمــة التعــب المزمــن‪ ،‬ممــا يعطينــا األمــل ـفـي تطويــر‬ ‫عــاج فعــال قري ًبــا‪ ،‬بعــد أن يكــون قــد جــرى اختبــاره جيـ ًدا ـفـي تجــارب ســريرية محكمــة"‪.‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:52 PM‬‬

‫ ‪57‬‬

‫‪chronic fatigue.indd 57‬‬


‫العلوم‬

‫عشرون عا ًما مع‬ ‫الدكتور أحمد زويل‪..‬‬ ‫ما قبل نوبل وما‬ ‫بعدها‬ ‫الدكتور أحمد زويل رمز قومي لبالدنا‪..‬‬ ‫وأسطورة عاشت معنا‪ ..‬وستبقى بيننا‬ ‫أحمد المسلماني‬

‫شــهادة الدكتــوراة الفخريــة ـفـي جامعــة بودابســت بحضــور نخبــة مــن علمــاء أوروبــا‪.‬‬ ‫ومــن اجتماعــات تطويــر "مؤسســة قطــر" ـفـي الدوحــة إـلـى زيــارة مؤسســات‬ ‫بحثيــة ـفـي بوخارســت‪ .‬ثــم مــن زيــارة المنتديــات العلميــة ـفـي تونــس إـلـى زيــارة‬ ‫الجامعــة األردنيــة ـفـي عمّ ــان‪ ..‬إـلـى زيــارة النخبــة العلميــة ـفـي الســودان‪.‬‬ ‫ـفـي مصــر‪ ..‬وـفـي تلــك العواصــم العشــر ـفـي القــارات األربــع‪ ..‬كنــت أتعلــم ـفـي كل‬ ‫فيمتــو ثانيــة الكثيــر والكثيــر‪ .‬كان الدكتــور زويــل يملــك قــدرة هائلــة علــى إدارة‬ ‫الوقــت‪ ..‬كان يخطــط لــكل الرحلــة‪ ..‬وـفـي العــادة كان جدولــه كالتاـلـي‪ :‬نصــف الوقــت‬ ‫ـفـي الطريــق إـلـى المطــار يُجــري اتصــاالت هاتفيــة جــرى تحديدهــا ســل ًفا‪ ،‬والنصــف‬ ‫الثانــي كالم فــي الجوانــب االجتماعيــة والشــخصية‪ .‬ونصــف الوقــت فــي اســتراحة‬ ‫المطــار فــي قــراءة الصحــف الصــادرة فــي بلــد المطــار‪ ،‬والنصــف الثانــي فــي تنــاول‬ ‫بعــض المـــأكوالت ومتابعــة اللوجيســتيات واإلجــراءات‪ .‬وـفـي حــال تأ ُّخــر الطائــرة‪..‬‬ ‫توجــد "مكتبــة ـفـي الحقيبــة"‪ ..‬ـفـي العــادة مــن خمســة كتــب إـلـى عشــرة‪ ..‬باللغتيــن‬ ‫اإلنجليزيــة والعربيــة‪ ..‬اثنــان منهــا ـفـي حقيبــة اليــد‪ ..‬يتنــاول الدكتــور زويــل "الكتــاب‬ ‫المقــرر"‪ ..‬ثــم يقــرأ إـلـى حيــن الصعــود‪.‬‬ ‫علــى الطائــرة‪ ..‬يقــرأ حائــز نوبــل األبحــاث األكاديميــة واألوراق العلميــة‬ ‫ويكتــب الملحوظــات‪ ..‬وال يقــرأ الصحــف وال المجــات ع ـلـى الطائــرة‪ ..‬كمــا أنــه‬ ‫ال يفضــل الحديــث‪ ..‬ويتعامــل مــع مقعــد الطائــرة باعتبــاره مكت ًبــا طائ ـرًا‪.‬‬ ‫ـفـي الطريــق مــن المطــار إـلـى الفنــدق ـفـي بلــد الوصــول‪ ..‬ال يقــرأ الدكتــور زويــل‪..‬‬

‫‪DOUGLAS A. LOCKARD/ CHEMICAL HERITAGE FOUNDATION‬‬

‫قــال لــي الدكتــور أحمــد زويــل‪ :‬ســأنتظرك ـفـي بهــو الفنــدق الســاعة‬ ‫الحاديــة عشــرة صباحًــا‪ ..‬وحيــث إننــي "فــاح متقــ ِّدم" ســأكون فــي‬ ‫مقعــدي بالفيمتــو ثانيــة‪ ..‬وحيــث إ َّنــك "فــاح غيــر متقــ ِّدم" فأنــا‬ ‫أتوقــع‪ ..‬أنــك ســتتوه فــي شــوارع مانهاتــن عــدة ســاعات‪ ..‬وعلــى ذلــك‬ ‫ضـي‬ ‫فأنــا ســأجلس طيلــة موعــدك‪ ..‬ومعــي كتــاب أقــرأه‪ ..‬ألنــك قــد تق ـ‬ ‫زيارتــك إلــى نيويــورك‪" ..‬تائ ًهــا"!‬ ‫ْ‬ ‫كانــت هــذه هــى الشــخصية المرِحَــة للدكتــور زويــل‪ ..‬يمكنــه أن‬ ‫ـش‪..‬‬ ‫يحافــظ ع ـلـى االبتســامة طــوال الوقــت‪ ..‬وأن يــوازي ـفـي تناغــمٍ مدهـ ٍ‬ ‫بيــن عبقر ّيــة العلــم وعبقر ّيــة الحيــاة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫اتســمت شــخصية الدكتــور أحمــد زويــل بالثــراء الشــديد‪ ..‬فهــو‬ ‫ابــن الحضــارات الثــاث‪ ..‬األعــرق واألوســط واألحــدث‪ ..‬هــو ابــن‬ ‫الحضــارة الفرعونيــة‪ ..‬أعــرق الحضــارات ـفـي العالــم‪ ،‬وهــو ابــن الحضــارة‬ ‫العربيــة اإلســامية‪ ..‬أقــوى الحضــارات الوســطى وأعالهــا مكانــة‪ ..‬وابــن‬ ‫الحضــارة األمريكيــة المعاصــرة‪ ..‬أحــدث حضــارات اإلنســانية وأكثرهــا‬ ‫ســطو ًة وإبهــارًا‪.‬‬ ‫كان هــذا المثلــث الحضــاري هــو الحاكــم لشــخصية الدكتــور زويــل‪ ..‬مــن‬ ‫دمنهــور إـلـى دســوق ـفـي دلتــا مصــر‪ ،‬ومــن اإلســكندرية إـلـى بنســلفانيا‪ ..‬مــن شــاطئ‬ ‫سـي‪ ..‬ومــن جامعــة كالتــك ـفـي كاليفورنيــا إـلـى جامعــة‬ ‫المتوســط إـلـى مــا بعــد األطل ـ‬ ‫زويــل ـفـي القاهــرة‪ ..‬ـفـي رحلــة العــودة مــن الحضــارة األحــدث إـلـى الحضــارة األعــرق‪.‬‬ ‫طيلــة تشـرُّفي بالعمــل معـ ُه مستشــارًا لســنوات طويلــة‪ ،‬ومحــررًا لكتــاب "عصــر‬ ‫العلــم" الــذي يحمــل مذكراتــه ورؤيتــه للحضــارات الثــاث‪ ..‬وخــال صحبـ ٍة طويلـ ٍة‬ ‫ـت منهــا‪ ..‬كنـ ُ‬ ‫ـعدت بهــا‪ ..‬وتعلمـ ُ‬ ‫سـ ُ‬ ‫ـت شــاه ًدا ع ـلـى تج ِّليــات هــذا المثلــث الحضــاري‪..‬‬ ‫مــن اللقــاءات الفكريــة ـفـي منزلــه ـفـي منطقــة أهرامــات ســقارة‪ ..‬إـلـى زيــارات عائلتــه ـفـي‬ ‫اإلســكندرية‪ ..‬والدتــه وشــقيقاته الثــاث‪ :‬هانــم وســهام ونانــا زويــل‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ومــن تقديــم واجــب العِلــم ـفـي جامعــة الملــك عبــد هللا بــن عبــد العزيــز ــي جــدة‬ ‫ولقائنــا الملــك ســلمان ـفـي الريــاض‪ ..‬إـلـى تقديــم واجــب العــزاء ـفـي الراحــل رفيــق‬ ‫الحريــري ـفـي بيــروت‪ ..‬مــع تع ُّثــر مشــروع بنــاء جامعــة كبــرى ـفـي لبنــان بعــد أن‬ ‫انتصــرت السياســة ع ـلـى المعرفــة‪.‬‬ ‫ومــن حضــور محاضــرة ثقافيــة رفيعــة ـفـي مقــر منظمــة اليونســكو ـفـي باريــس إـلـى‬ ‫حضــور محاضــرة علميــة رصينــة ـفـي رحــاب جامعــة مدريــد‪ ..‬ومــن حضــور مراســم‬ ‫تســ ُّلم شــهادة الدكتــوراة الفخريــة فــي الجامعــة األميركيــة فــي بيــروت بحضــور‬ ‫المطربــة اللبنانيــة فيــروز واألميــر كريــم األغاخــان‪ ..‬إلــى حضــور مراســم تســ ُّلم‬ ‫‪ ForScience.com  58‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:54 PM‬‬

‫‪Zewail opinion_.indd 58‬‬


‫أحمد المسلماني كاتب صحفي مصري ومحرر كتاب "عصر العلم" للدكتور أحمد زويل‪،‬‬ ‫عمل مستشارا سياسيا للدكتور زويل ‪ .‬له مقاالت بالصحف المصرية والعربية وعدد من‬ ‫ً‬ ‫حديثا مركز القاهرة للدراسات االستراتيجية‪.‬‬ ‫المؤلفات في العلوم السياسية‪ .‬أسس‬

‫ويبــدأ األحاديــث ذات الطابــع المب ِهــج‪ ..‬والمضحــك‪ ..‬ليســأل عــن المواقــف‬ ‫الســاخرة وآخــر النــكات‪ ..‬بحيــث تصبــح الرحلــة مــن مطــار الوصــول أشــبه‬ ‫بمشــاهدة فيلــم كوميــدي أو فاصــل ترفيهــي‪.‬‬ ‫هكــذا كان الدكتــور زويــل ـفـي كل حياتــه‪ ..‬يعــرف تما ًمــا مــا الــذي ســيفعل‪..‬‬ ‫لديــه رؤيــة لــكل شــيء‪ ..‬وإجابــة علــى كل لحظــة‪ ..‬ينظــم المســافة بيــن العِلــم‬ ‫والراحــة‪ ،‬وبيــن السياســة والعائلــة‪ ،‬وبيــن الفكــر والتســلية‪ ..‬ـفـي قــدرة مثيــرة ع ـلـى‬ ‫ضبــط األوزان والمســافات‪ ..‬دون لحظــة ارتبــاك واحــدة‪.‬‬ ‫كان الدكتــور زويــل يكتــب كل يــوم أبــرز أحــداث ذلــك اليــوم‪ ..‬وقــد قــال ـلـي‬ ‫عــدة مــرات حيــن ســألته‪ :‬لمــاذا ال نكتــب كتابًــا ثان ًيــا عــن هــذه الملحوظــات‪ ..‬وعــن‬ ‫الجوانــب األكثــر إنســانية ـفـي حياتــه‪ ..‬وعــن آرائــه فيمَ ــن يــرى و َمــن يقابــل؟‪ ..‬أجاب ـنـي‬ ‫مؤســس علــم كيميــاء الفيمتــو‪ :‬ســوف أفعــل ذلــك ـفـي الوقــت المناســب‪.‬‬ ‫مـرّت ســنوات ع ـلـى ذلــك االســتعداد للكتابــة النهائيــة والنشــر‪ ..‬وكان يقــول ـلـي‬ ‫باســتمرار‪ :‬ســوف نحــرر هــذا الكتــاب ً‬ ‫معــا كمــا فعلنــا ـفـي كتــاب عصــر العلــم‪.‬‬ ‫سـى الشــديد إزاء فقــدان الدكتــور زويــل‪ ..‬وأننــا لــم‬ ‫أشــع ُر بالحــزن العميــق واأل ـ‬ ‫نتمكــن مــن نشــر هــذا العمــل الكبيــر ـفـي حياتــه‪.‬‬ ‫خــارج العلــم‪ ..‬كان الدكتــور زويــل مثق ًفــا حقيقيًّــا‪ ..‬كان يتحــدث مــع‬ ‫األســاتذة عبــد الرحمــن األبنــودي وبهــاء طاهــر وفــاروق جويــدة وعــاء األســواني‪..‬‬ ‫باســتمرار‪ ،‬وقــد ســمعته يــروي لألســتاذ نجيــب محفــوظ حيــن التقينــاه لكتابــة‬ ‫مقدمــة كتابــه "عصــر العلــم"‪ ..‬عــن صداقتــه مــع حائــزي نوبــل ـفـي اآلداب جارثيــا‬ ‫ماركيــز وجونتــر جــراس‪ ..‬وعــن لقائــه مــع قــادة مثقفيــن لهــم اطــاع واســع مثــل‬ ‫الرئيــس األمريكــي األســبق "بيــل كلينتــون" وزعيمــة ألمانيــا "أنجيــا ميــركل"‪.‬‬

‫وقــد توطــدت عالقــة الدكتــور زويــل بملــوك أوروبــا وقــادة عديديــن حــول‬ ‫العالــم‪ ..‬كان صدي ًقــا للرئيــس عبــد الــكالم ـفـي الهنــد‪ ،‬والدكتــور مهاتيــر محمــد ـفـي‬ ‫ماليزيــا‪ ،‬والرئيــس رجــب طيــب أردوغــان فــي تركيــا‪ ،‬وقــد قــال لــي‪ :‬إن أردوغــان‬ ‫حيــن اســتقبله للمــرة األوـلـى‪ ..‬قــال لــه‪" :‬يمكننــا التفاهــم بســهولة‪ ..‬إننــا مواليــد بــرج‬ ‫الحــوت‪ ..‬وكالنــا ـفـي يــوم واحــد‪ 26 ..‬فبرايــر"‪ ..‬وحكــى ـلـي كثيـرًا عــن تقديــره لحســن‬ ‫اســتقباله ـفـي إيــران‪ ..‬وكـرَّر ع ـلـى مســامعي مديحــه للرئيسـيْن رافســنجاني وخاتمــي‪.‬‬ ‫حيــن تحدثـ ُ‬ ‫ـت إـلـى نبيــل أحمــد زويــل ‪-‬نجــل العالِــم الكبيــر‪ ،‬وهــو خريــج قســم‬ ‫العلــوم السياســية فــي جامعــة جــورج تــاون‪َّ -‬أكــد لــي الخبــر المحــزن‪ ..‬وقــال إن‬ ‫العائلــة تحيــط بجثمانــه ـفـي المستشــفي بكاليفورنيــا قبــل أن يعــود إـلـى القاهــرة‪..‬‬ ‫كانــت هــذه واحــدة مــن أصعــب المكالمــات ـفـي حيا ـتـي‪ ..‬وكان هــذا الخبــر األكثــر‬ ‫صدمــة خــارج عائل ـتـي‪.‬‬ ‫وحيــن زرت العائلــة ـفـي اإلســكندرية واصطحبتهــا الســتقبال الجثمــان ـفـي مطــار‬ ‫القاهــرة‪ ..‬لــم تحتمــل مشــاعري ع ـلـى اإلطــاق طبيعــة اللقــاء مــع الدكتــور زويــل‬ ‫متمــد ًدا ـفـي صنــدوق عنــد مدخــل قاعــة كبــار الــزوار‪ ..‬لطالمــا كان العالِــم الكبيــر‬ ‫ممتــأ ً بالحيــاة واألمــل ونحــن نلتقــي ـفـي هــذه القاعــة‪ ،‬ولكننــا هــذه المــرة نلتقــي‬ ‫بعــد نهايــة الرحلــة وعنــد آخــر المشــوار‪.‬‬ ‫ســوف أظــل وف ًّيــا لذكــرى هــذا العالِــم الكبيــر ع ـلـى الــدوام‪ ..‬وال أحتــاج ألن أتذكــر‬ ‫حياتــه باســتمرار‪ ..‬ذلــك أنهــا ‪ً -‬‬ ‫أيضــا – جــزء مــن حياتــي‪ ..‬صدي ًقــا ومستشــارًا‪..‬‬ ‫مســافرًا ـفـي رحالتــه وكات ًبــا لمذكراتــه‪.‬‬ ‫إن الدكتــور أحمــد زويــل رمــز قومــي لبالدنــا‪ ..‬وأســطورة عاشــت معنــا‪..‬‬ ‫وســتبقى بيننــا‪.‬‬

‫راﺋﺪة اﻟﻌﻠﻮم ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ‬

‫‪In print‬‬

‫ﻣﺘـــﺎﺣــﺔ اﻵن ﻟﻠﺠـﻤـﻴـــــﻊ ‪..‬‬ ‫ٌ‬

‫‪Twitter‬‬

‫‪Facebook‬‬ ‫‪YouTube‬‬

‫دوﻣﺎ إﻳﺠﺎد ُﺳ ُﺒﻞ‬ ‫ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﻤﺘﻨﺎ ً‬ ‫ﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ أﺣﺪث‬ ‫ﺟﺪﻳﺪة وﻣﺒﺘﻜﺮة‬ ‫َ‬ ‫اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻮم‪،‬‬ ‫وﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻨﻘﺎش ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ‬ ‫دورﻳﺔ ‪Nature‬‬ ‫اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‪ .‬وﺗُ َﻌ ّﺪ‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ُﻣﻨْ ﺘَ َﺪاك اﻟﺨﺎص‬ ‫ﻟﻘﺮاءة أﺣﺪث اﻷﺑﺤﺎث‪ ،‬وﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻬﺎ‪،‬‬ ‫واﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬واﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫‪Nature‬‬ ‫‪Podcast‬‬

‫‪tumblr.com‬‬

‫‪arabicedition.nature.com‬‬ ‫‪MobileApp‬‬

‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:54 PM‬‬

‫ ‪59‬‬

‫‪Zewail opinion_.indd 59‬‬


‫العلوم‬

‫د‫‪ .‬معتز حسن إمام‪،‬أستاذ مساعد‪ ،‬ورئيس قسم الفيزياء بجامعة‬ ‫والية نيويورك كورتالند‫‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية‬

‫منهجية العلم‬ ‫والعلوم الزائفة‬

‫تضيع أنباء العلم الحقيقي ‪-‬‫الموجود‬ ‫ة ‪ -‬في خضم‬ ‫بالفعل بكثرة في بالدنا العربي ‫‬ ‫عواصف األنبا ‫ء الزائفة‬ ‫معتز إمام‬

‫‪ ForScience.com  60‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:55 PM‬‬

‫ِّ‬ ‫المحكــم العلمــي‫‪ ،‬وهــو عالِــم آخــر متخصــص فــي نفــس تخصــص‬ ‫األبحــاث إلــى‬ ‫البحــث‪ ،‬يتــم اختيــاره عشــوائيًّا أو بنــا ًء علــى تجــارب مســبقة‪ .‬فيقــرأ هــذا العالِــم‬ ‫البحــث ويراجعــه‪ ،‬ويتأكــد مــن كونــه بح ًثــا مطاب ًقــا لمنهجيــة العلــم‪ ،‬وأن الباحــث ع ـلـى‬ ‫درايــة بمــا يفعــل‪ ،‬ويُقـ ِّدر أهميــة الموضــوع ومــدى أحقيتــه بالنشــر‪ .‬وعــاد ًة مــا يطلــب‬ ‫المحكــم العلمــي مراجعــة البحــث‪ ،‬أوإضافــة توضيــح‪ ،‬وربمــا يرفــض البحــث بكاملــه‪.‬‬ ‫وأحيانًــا مــا يــدور حــوار بالمراســلة بيــن الباحــث والمحكميــن المجهوليــن لديــه ح ـتـى‬ ‫يتــم قبولــه ونشــره‪ .‬وال ينتهــي الموضــوع هنــا‪ ،‬فقــد ينشــأ بعــد النشــر حــوار علمــي بين‬ ‫العلمــاء حــول هــذا البحــث‪ ،‬وتظهــر نتائــج جديــدة ـفـي أوراق بحثيــة أخــرى تمــر بنفــس‬ ‫المراحــل‪ .‬فيــزداد الحــوار ويتوســع‪ ،‬ويَك ُبــر العلــم وتنمــو المعرفــة ‬‬‬‬‬‪.‬‬ ‫هــذه المراحــل الكثيــرة المتعــددة جــزء مــن المنهجيــة المتفــق عليهــا لينمــو العلــم‬ ‫ويصحــح نفســه بمــرور الوقــت‪ .‬وصاحــب العِلــم الزائــف ـفـي األغلــب ال يــدرك مــدى حجــم‬ ‫ط ‫‬‬‬‬‬‬‪.‬‬ ‫هــذه المراحــل وتفصيلهــا‪ ،‬ويعتمــد غال ًبــا ـفـي نشــر أفــكاره ع ـلـى اإلعــام فقـ ‫‬ ‫ال يظــن القــارئ أن ـنـي أدعــي أن نظــام المنهجيــة العلميــة هــذا نظــام مثاـلـي بــا ثغرات‪.‬‬ ‫هــذا غيــر صحيــح مطل ًقــا‪ ،‬واألمثلــة كثيــرة‪ .‬فكــم مــن مــرة ُنشــر بحــث ثبــت فيمــا بعــد أن‬ ‫فيــه أخطــاء‪ ،‬ليــس فقــط ـفـي فرضياتــه‪ ،‬ولكــن ـفـي طريقــة البحــث نفســها‪ .‬وقــد تمُ ـ ُّر هــذه‬ ‫األبحــاث ـفـي نظــام التحكيــم العلمــي و ُت ْق َبــل ـفـي ُكب ـرَى المجــات العلميــة‪ .‬ولكــن دائمً ــا‬ ‫مــا يظهــر لهــا نقــاد‫‪ ،‬طــال الزمــن أو ُ‬ ‫قصــر‪ .‬ويتجــه الناقــد الجــاد إـلـى كتابــة أبحــاث أخــرى‬ ‫تــرد ع ـلـى هــذه األخطــاء و ُتنشــر ـفـي المجــات‪ .‬ويــدور حــوار‪ ،‬فــإذا كان الخطــأ واض ًحــا فــإن‬ ‫مؤلــف البحــث المغلــوط ‪ ،‬إذا كان عال ِمً ــا حقيق ًّيــا‪ ،‬يكــون أول مــن يعتــرف بهــذا الخطــأ ‬‬‬‪.‬‬ ‫وهنــا‪ ،‬يظهــر لنــا فــرق آخــر بيــن منهجيــة العلــم والعلــم الزائــف‪ .‬العالِــم الحقيقــي‬ ‫ال يُكابــر‪ ،‬بــل يعتــرف بأخطائــه‪ .‬أمــا صاحــب العلــم الزائــف فليــس هدفــه الوصــول‬ ‫إـلـى الحقيقــة‪ ،‬لكنــه غال ًبــا مــا تكــون أهدافــه إمــا إعــاء نفســه أمــام النــاس‪ ،‬أوإعــاء‬ ‫فكــرة مســبقة عنــده نابعــة مــن وجهــة نظــر غيــر علميــة (عقائديــة مثـاً)‪ .‬ومــن هنــا‬ ‫مــن الصعــب جـ ًّدا ‪-‬وقــد يكــون مــن المســتحيل‪ -‬أن يتراجــع هــذا النــوع مــن النــاس‬ ‫عــن رأيــه‪ .‬ألنــه إذا فعــل ذلــك خســر مُ ريديــه وتراجعــت شــهرته وتوقــف الجميــع عن‬ ‫متابعتــه‪ ،‬أو ربمــا يحــدث مــا هــو أســوأ‪ ،‬إذا كانــت دوافعــه عقائديــة أو دينيــة واضطــر‬ ‫إـلـى الرجــوع عــن خطئــه‪ ،‬فقــد يعتبــر هــو هــذا ضربــة لدينــه ولعقيدتــه‪ ،‬ح ـتـي وإن كان‬ ‫هــذا غيــر صحيــح‪ .‬ولذلــك قلنــا ســاب ًقا وســنظل نقــول‪ :‬ال تخلطــوا العلــم بالديــن؛‬ ‫ألن ـفـي هــذا خطــورة ع ـلـى الديــن وليــس ع ـلـى العِلــم‪.‬‬

‫‪ZAIEIU/ ISTOCK / GETTY IMAGES PLUS‬‬

‫المســتغرب أن نق ـرأ خب ـرًا ـفـي وســائل اإلعــام مفــاده أن طال ًبــا شــابًّا قــد‬ ‫لــم يعــد مــن ُ‬ ‫أبــدع نظريــة ـفـي الفيزيــاء تفـوَّق فيهــا ع ـلـي أينشــتاين‫‪،‬‫أو أن باح ًثــا مغمــورًا قــد ابتكــر جها ًزا‬ ‫ً‬ ‫متفوقــا ـفـي ذلــك ع ـلـى األبحــاث العالميــة‫والعربيــة ال ـتـي ال ت ـزال‬ ‫يعالــج كل األم ـراض‪،‬‬ ‫تحبــو‫‫‪-‬بالنســبة لــه‪ -‬ـفـي هــذا المجــال ‫‪ .‬وكثي ـرًا مــا تلقــى هــذه األنبــاء –لألســف‪ -‬ترحي ًبــا‬ ‫مــن غيــر المتخصصيــن‪ ،‬بــل وأحيانًــا مــن بعــض المتخصصيــن ‫‪ .‬وهــذه الظاهــرة‪،‬‬ ‫المعروفــة بالعلــوم الزائفــة‪ ،‬منتشــرة ـفـي جميــع أنحــاء العالــم‪ ،‬إال أنهــا ذات صيــت ـفـي بالدنا؛‬ ‫بســبب تركيــز وســائل اإلعــام وأشــباه العلمــاء ع ـلـى تمجيدهــا وتأصيلهــا ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‪.‬‬ ‫للعلــم عمو ًمــا منهجيــة محــددة اتفــق العلمــاء عليهــا؛ ألنهــم وجــدوا‫بالتجربــة أنهــا‬ ‫المنهجيــة األفضــل الزدهــار العلوم‪.‬‫ويســتطيع الباحــث المتخصــص الــذي تعلم أصول‬ ‫هــذه المنهجيــة التعــرف ع ـلـى العلــم الزائــف فــورًا‪ ،‬ح ـتـى ولــو كان ـفـي غيــر تخصصــه‪.‬‬ ‫مثـا ً مــن أهــم الفــروق بيــن العلــم الحقيقــي والعلــم الزائــف اعتمــاد األول ع ـلـى التجربــة‬ ‫والرصــد بصــورة ممنهجــة لهــا قواعدهــا وأصوله ـا‫‪.‬‫العالِــم الحقيقــي يــدرك جي ـ ًدا أنــه‬ ‫ال يكفــي أن تكــون لديــه فكــرة منطقيــة أو نظريــة رياضيــة ح ـتـي يقــول بــكل ثقــة إنــه‬ ‫وصــل إـلـى الحقيقــة‪ .‬التجربــة المعمليــة أو الرصديــة هــي دائمً ــا المحــك والفيصــل‪.‬‬ ‫واتفــق العلمــاء ً‬ ‫أيضــا ع ـلـى أن تجربــة واحــدة ال تكفي‪ .‬يجــب أن يمر كل اكتشــاف جديد‬ ‫بمراحــل متعــددة ومتنوعــة‪ ،‬منهــا ع ـلـى ســبيل المثــال إعــادة التجربــة نفســها أكثــر مــن‬ ‫مــرة ع ـلـى يــد ِفـرَق بحــث مختلفــة ‪ ،‬بــل إنــه ـفـي بعــض األحيــان‪ ،‬ووفــق أهميــة الموضــوع‬ ‫وحجــم االدعــاء‪ُ ،‬تعــاد التجربــة مئــات الم ـرات باســتخدام أجهــزة مختلفــة أو تقنيــات‬ ‫أع ـلـى ـفـي دقتهــا‪ .‬ي ـلـي ذلــك تكويــن نظريــة تشــرح اآلليــات المنطقيــة والرياضيــة للواقــع‬ ‫الــذي تــم رصــده‪ .‬وباإلضافــة إـلـى قــدرة النظريــات ع ـلـى تفســير النتائــج الســابقة لهــا‪،‬‬ ‫اتفــق العلمــاء ً‬ ‫أيضــا ع ـلـى أن النظريــات الصحيحــة يجــب أن تكــون لهــا قــدرة تنبؤيــة‬ ‫بنتائــج التجــارب المســتقبلية‪ .‬بــل إنهــم يذهبــون إـلـى مــا هــو أبعــد مــن ذلــك‪ ،‬فيقومــون‬ ‫بتجــارب الهــدف منهــا نفــي النظريــة والعثــور ع ـلـى درجــات قصورهــا‪ ،‬فوجــب ع ـلـى كل‬ ‫نظريــة أن تحتــوي بداخلهــا ع ـلـى القــدرة ع ـلـى نفــي نفســه‫ا ‫‪ .‬وبمــرور الوقــت‪ ،‬وزيــادة‬ ‫التجــارب واألبحــاث ال ـتـي تؤكــد النظريــة وتب ـنـي عليهــا‪ ،‬ومــع عــدم وجــود أي نتيجــة‬ ‫معمليــة أو رصديــة تنفيهــا‪ ،‬يــزداد يقيــن العلمــاء بصحــة النظريــة‪ ،‬وفهمنــا للطبيعــة‬ ‫يتســع ويــزداد‪ ،‬فنكتشــف مــا هــو أعــم وأشــمل مِمــا كنــا نعرفــه ســاب ًقا‪ ،‬ولذلــك فــإن أي‬ ‫عالِــم حقيقــي يعلــم جيـ ًدا أنــه ال وجــود ألي حقيقــة مطلقــة ـفـي العلــوم‪ ،‬فالعلــم ليــس إال‬ ‫ُسـ َّلمً ا متصاعـ ًدا مــن الفهــم والتوســع ـفـي الفهــم ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‪.‬‬ ‫ويتخلــل كل هــذه المراحــل أســاليب نشــر كل درجــة مــن درجــات هــذا الفهــم‪.‬‬ ‫وهــو اليــوم مــا يســمى بالنشــر تحــت التحكيــم العلمــي‪ .‬فا ُّت ِفــق ع ـلـى أن كل عالِــم‬ ‫قــام بتجربــة َص ُغـرَت أو ك ُبـرَت‪ ،‬أو صــاغ فكــرة نظريــة جديــدة‪ ،‬عليــه أن يكتــب ورقــة‬ ‫بحثيــة بأســلوب متفــق عليــه‪ ،‬يشــرح تفصيــا ً أهدافــه وأســاليبه‪ ،‬واألجهــزة التــي‬ ‫اســتخدمها‪ ،‬والنتائــج ال ـتـي وصــل إليهــا‪ ،‬بطريقــة تســمح للقــارئ بــأن يُعيــد البحــث أو‬ ‫يقــوم بالتجربــة بنفســه إن أراد‪ .‬ويرســل الباحثــون تلــك األوراق البحثيــة إـلـي المجــات‬ ‫كل ـفـي تخصصــه‪ .‬يتســلم محــررو هــذه المجــات‪ ،‬وهــم ً‬ ‫العلميــة ٌّ‬ ‫أيضــا مــن العلمــاء‪،‬‬ ‫األبحــاث‪ ،‬ويقــررون تقريـرًا مبدئ ًّيــا إذا كانــت األبحــاث مالئمة للنشــر أم ال‪ .‬ثم يرســلون‬

‫‪Illustration by Illustrator‬‬

‫‪Fake science opinion.indd 60‬‬


Sign up to receive the best science news from around the web, direct to your inbox every day. nature.com/dailynews

Fake science opinion.indd 61

10/10/17 12:55 PM


‫التكنولوجيا‬

‫محمد السيد على محمد السيد علي‪ ،‬صحفي مصري‪ ،‬حاصل على‬ ‫دبلوم الصحافة العلمية‪ ،‬من االتحاد الدولي للصحفيين العلميين‬ ‫بكندا‪ ،‬يركز عمله على قضايا الصحة والبحث العلمي والتنمية‬

‫حقنة تطعيم واحدة‬ ‫لكل الجرعات‬

‫يطورون كبسوالت مجهرية‪ ،‬تشبه‬ ‫باحثون‬ ‫ّ‬ ‫أكواب القهوة الصغيرة‪ ،‬تُ َ‬ ‫مل باللقاح وتُ طلق‬ ‫جرعة أولية بعد حقنها في الجسم‪ ،‬ثم‬ ‫جرعات تعزيزية في أوقات ُمحددة يمكن أن‬ ‫تستمر مئات األيام‬ ‫محمد السيد على‬

‫طـ ّـور باحثــون أمريكيــون طريقــة جديــدة إلعطــاء األطفــال جميــع لقاحــات التطعيــم‬ ‫ـفـي حقنــة واحــدة‪ .‬ويمكــن للحقنــة أن تســتمر ـفـي إطــاق الجرعــات داخــل الجســم ـفـي‬ ‫مواعيــد محــددة مئــات األيــام‪.‬‬ ‫تغ ـنـي هــذه الحقنــة عــن إبــر التطعيمــات‪ ،‬كمــا أنهــا تقلــل مــن العــبء الماـلـي‬ ‫ع ـلـى الجهــات المعنيــة بذلــك‪ ،‬وبخاصــة ـفـي الــدول الفقيــرة؛ إذ يحتــاج األطفــال إـلـى‬ ‫تطعيمــات تؤخــذ ع ـلـى فتــرات متقاربــة بعــد الــوالدة ضــد أمــراض كثيــرة‪ ،‬مثــل‪:‬‬ ‫التيتانــوس‪ ،‬والســعال الديكــي‪ ،‬وشــلل األطفــال‪ ،‬والتهــاب الكبــد الوبائــي "ب"‪،‬‬ ‫والحصبــة‪ ،‬والنــكاف‪ ،‬وغيرهــا‪.‬‬ ‫الحقنــة طورهــا باحثــون مــن معهــد ماساتشوســتس للتكنولوجيــا بالواليــات‬ ‫المتحــدة‪ ،‬ونشــروا نتائــج أبحاثهــم ـفـي عــدد ‪ 14‬ســبتمبر الجــاري مــن دوريــة (‪.)Science‬‬ ‫وأوضــح الباحثــون أنهــم طــوروا نو ًعــا جديــ ًدا مــن الجزيئــات العضويــة الدقيقــة‪،‬‬ ‫يمكــن أن يجمــع كل الجرعــات ـفـي حقنــة واحــدة ـفـي كبســوالت مجهريــة‪ ،‬فيمــا يشــبه‬ ‫أكــواب القهــوة الصغيــرة الحجــم ال ـتـي ُتمـ َـأ باللقــاح‪ ،‬ثــم ُتغلــف بغطــاء‪.‬‬ ‫وأضافــوا أن هــذه األكــواب ُتصمَّ ــم بحيــث يمكــن تجزئــة محتوياتهــا وتفريغهــا ـفـى‬ ‫الجســم ـفـي الوقــت المناســب فقــط‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وأظهــرت مجموعــة مــن االختبــارات أجريــت علــى الفئــران أنــه يمكــن تفريــغ‬ ‫المحتويــات إـلـى الجســم بالضبــط بعــد ‪ 9‬أيــام و‪ 20‬يو ًمــا و‪ 21‬يو ًمــا مــن حقنهــا‪ .‬وأوضــح‬ ‫الباحثــون أنهــم اســتطاعوا ً‬ ‫أيضــا تطويــر جزيئــات أخــرى يمكــن أن تســتمر مئــات األيــام‪،‬‬ ‫ضـى ح ـتـى اآلن‪.‬‬ ‫لكــن لــم ُت ْج ـ َر اختبــارات ع ـلـى المر ـ‬ ‫مكتبة من الجزيئات‬

‫قــال البروفيســور روبــرت النجــر ‪-‬أحــد المشــاركين فــي البحــث‪ ،‬مــن معهــد‬ ‫ماساتشوســتس للتكنولوجيــا‪ -‬ـفـي حديثــه لـ«للعلــم»‪" :‬إنهــا المــرة األوـلـى ال ـتـي يمكن‬ ‫فيهــا تأســيس مكتبــة مــن جزيئــات اللقاحــات الصغيــرة المُ غطــاة‪ٌّ ،‬‬ ‫وكل منهــا‬ ‫مُ بر َمــج إلطالقهــا إـلـى الجســم ـفـي توقيــت مُ حــدد؛ ح ـتـى يتســنى لألشــخاص إمكانيــة‬ ‫الحصــول ع ـلـى حقنــة واحــدة"‪.‬‬ ‫يقــول خالــد أبــو شــنب ‪-‬أســتاذ الميكروبيولوجــي والمناعــة‪ ،‬كليــة الصيدلــة بجامعــة‬ ‫عيــن شــمس‪ -‬لـ"للعلــم"‪" :‬إن هــذه الحقــن تحــل الكثيــر مــن المشــكالت المتعلقــة‬ ‫بمخــاوف التخ ُّلــف عــن أخــذ تطعيمــات األطفــال‪ ،‬خاص ـ ًة ـفـي المناطــق النائيــة بــدول‬ ‫العالــم النامــي؛ إذ ِّ‬ ‫تمكنهــم مــن الحصــول ع ـلـى جميــع التطعيمــات مــرة واحــدة‪.‬‬

‫تحديات رئيسية‬

‫مــن جانبــه‪ ،‬قــال أبــو شــنب إن هــذه التقنيــة تواجــه تحديــات‪ ،‬أبرزهــا الحفــاظ‬ ‫ع ـلـى اســتقرار كــؤوس اللقاحــات مغلفــة ـفـي الجســم‪ ،‬وعــدم ُّ‬ ‫تأثرهــا بدرجــة حــرارة‬ ‫الجســم‪ ،‬ح ـتـى يأ ـتـي الموعــد المحــدد للتفريــغ‪ ،‬والــذي قــد يمتــد أســابي َع أو شــهورًا‪.‬‬ ‫ور ًّدا ع ـلـى ذلــك قالــت جاكلينيــك إن فريــق البحــث يركــز حالي ـا ً ع ـلـى اختبــار عــدة‬ ‫اســتراتيجيات لتحقيــق اســتقرار كــؤوس اللقاحــات داخــل الجســم‪.‬‬ ‫وأشــار أبــو شــنب إـلـى أن هنــاك تحد ًيــا آخـرَ‪ :‬هــو أن بعــض األطفــال قــد يكــون لديهــم‬ ‫حساســية ضــد لقاحــات معينــة‪ ،‬وإذا أخــذوا هــذه الحقنــة ال ـتـي تحتــوى ع ـلـى لقاحــات‬ ‫متعــددة فقــد تســبب لهــم فــرط الحساســية الســريع‪ ،‬الــذي تتفــاوت أعراضــه بيــن ظهور‬ ‫َه َّبــات متوهجــة‪ ،‬وحكــة‪ ،‬واحتقــان األنــف‪ ،‬وصعوبــة ـفـي التنفــس إـلـى هبــوط ضغــط الــدم‬ ‫بســرعة‪ ،‬مــا قــد يــؤدي إـلـى اإلغمــاء والصدمــة‪ ،‬بــل ح ـتـى إـلـى المــوت‪.‬‬ ‫فيمــا أكــدت جاكلينيــك أن فريــق البحــث يأخــذ ـفـي حســاباته كل هــذه التســاؤالت؛‬ ‫لتحديــد درجــة ُســمِّ يَّة اللقاحــات وفاعليتهــا‪ ،‬كمــا أننــا يعمــل حال ًّيــا ع ـلـى مجموعــة مــن‬ ‫اللقاحــات المتاحــة مثــل لقــاح شــلل األطفــال‪ ،‬ولقاحــات أخــرى جديــدة ال ت ـزال قيــد‬ ‫التطويــر‪ .‬ونوهــت إـلـى أن الفريــق يتطلــع إلنشــاء خــط إنتــاج لتصنيــع هــذه التكنولوجيــا؛‬ ‫ح ـتـى يتمكــن مــن التحـرُّك بأســرع وقــت ممكــن للوصــول إـلـى تجربــة هــذه الحقنــة ع ـلـى‬ ‫البشــر عبــر التجــارب الســريرية‪.‬‬

‫‪BANANASTOCK‬‬

‫كؤوس بحجم حبة الرمل‬

‫وـفـي حديــث لـ"للعلــم"‪ ،‬كشــفت آنــا جاكلينيــك ‪-‬أحــد المشــاركين ـفـي الدراســة‪ ،‬والباحثــة ـفـي‬

‫معهــد كــوش للبحــوث التكامليــة للســرطان لمعهد ماساتشوســتس‪ -‬إن "كــؤوس اللقاح‬ ‫ُتح َقــن ـفـي الجســم بحقنــة عاديــة‪ ،‬بالطريقــة نفســها الم َّتبعــة مــع اللقاحــات التقليدية"‪.‬‬ ‫وعــن إمكانيــة أن تحمــل الحقنــة لقاحــات مختلفــة‪ ،‬قالــت جاكلينيــك إن هــذه‬ ‫اإلمكانيــة متاحــة‪ ،‬إذ يمكــن تغليــف اللقاحــات المختلفــة ـفـي أكــواب مختلفــة‪ ،‬وخلطهــا‬ ‫م ًعــا ـفـي حقنــة واحــدة؛ إذ إن حجــم كــؤوس اللقاحــات أصغــر مــن حبــة الرمــل‪ ،‬وبالتاـلـي‬ ‫يمكــن لحقنــة واحــدة أن تحمــل آالف اللقاحــات المختلفــة‪.‬‬ ‫ويتخــوف البعــض مــن مهاجمــة الجهــاز المناعــي للجســم لهــذه الكــؤوس‪ ،‬لكــن‬ ‫جاكلينيــك تؤكــد أن كــؤوس اللقاحــات ال تشــكل خطـرًا ع ـلـى الجســم؛ إذ يبلــغ حجمهــا عــدة‬ ‫مئــات مــن الميكرومتــر (وحــدة طــول ـفـي النظــام الدوـلـي للوحــدات‪ ،‬وتعــادل جــزءًا مــن مليــون‬ ‫جــزء مــن المتــر)‪ ،‬وبمجــرد أن تطلــق جرعــات اللقاحــات‪ ،‬ســتتحلل إـلـى قطــع أصغر‪ ،‬وـفـي نهاية‬ ‫المطــاف إـلـى حمــض اللبنيــك والجليكوليــك الــذي يو َجــد عــاد ًة بشــكل طبيعــي ـفـي الجســم‪.‬‬ ‫وأشــارت إلــى أن الكــؤوس تتحلــل فــي الجســم إلــى قطــع صغيــرة مــن البوليمــر‪،‬‬ ‫وتــؤدي مادتهــا دورًا فــي تحفيــز االســتجابة المناعيــة التــي تســاعد علــى تقويــة عمــل‬ ‫اللقــاح‪ ،‬مؤكــد ًة أنــه يتــم اســتخدام المــواد المُ ص َّنــع منهــا الكــؤوس حال ًّيــا ـفـي تصنيــع‬ ‫خيــوط الجــروح والعمليــات الجراحيــة؛ فهــي آمنــة وجــرت تجربتهــا‪.‬‬

‫‪ ForScience.com  62‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:57 PM‬‬

‫‪injection for vaccination + perfect age.indd 62‬‬


‫العقل‬

‫تامر الهاللي صحفي مصري مهتم بالشآن العلمي‬

‫إلحاق األطفال‬ ‫بالمدرسة قبل العمر‬ ‫المناسب قد يضرهم‬

‫أضرارا محتملة بصحة األطفال‬ ‫دراسة حديثة ترصد‬ ‫ً‬ ‫النفسية ومستقبلهم الدراسي‪ ،‬حال إلحاقهم‬ ‫بالمدرسة قبيل السن المناسبة‪ ،‬مقارنة بأقرانهم‬ ‫في الصف الدراسي عينِ ه‬ ‫تامر الهاللي‬

‫كشــفت دراســة بريطانيــة حديثــة أن إلحــاق األطفــال بالمدرســة قبــل الســن‬ ‫المناســبة قــد يكــون ضــارًّا بصحتهــم ومســتقبلهم األكاديمــي‪.‬‬ ‫وأظهــرت الدراســة المنشــورة ـفـي دوريــة شــيلد العلميــة‪ ،‬مايــو ‪ ،2017‬أنــه‬ ‫ع ـلـى الرغــم مــن أن االلتحــاق المبكــر نســبيًّا بالمدرســة يبــدو مثي ـرًا لألهــل‪ ،‬إذ‬ ‫يرونــه إيجاب ًّيــا‪ ،‬فــإن نتائــج الدراســة انتهــت إـلـى أنــه يمثــل تحد ًيــا صع ًبــا لألطفال‬ ‫وأســرهم ـفـي بعــض الحــاالت‪.‬‬ ‫قــاد الدراســة باحثــون مــن كلية الطب بجامعة إكســتر البريطانية‪ ،‬وشــملت‬ ‫العينــة ‪ 2075‬طفـ ًـا مــن ‪ 80‬مدرســة ابتدائيــة ـفـي مدينــة ديفــون البريطانيــة‪،‬‬ ‫تراوحــت أعمارهــم بيــن ‪ 5‬و ‪ 9‬ســنوات‪ .‬اســتهدف الباحثــون استكشــاف العالقــة‬ ‫بيــن العمــر النســبي للتلميــذ ومســتوى ســعادته ـفـي المدرســة‪.‬‬ ‫جــرى تقييــم التطــور الســلوكي والعاطفــي لعينــة البحــث باســتخدام ثــاث‬ ‫اســتبانات‪ :‬اســتهدفت أوالهــا اســتبانة نقــاط «القــوة والصعوبــات»‪ ،‬للتعــرف‬ ‫مــن المعلميــن وأوليــاء األمــور ع ـلـى نقــاط القــوة ال ـتـي يتمتــع بهــا هــؤالء التالميــذ‬ ‫والصعوبــات ال ـتـي يواجهونهــا‪ ،‬فيمــا اســتهدفت الثانيــة دراســة الملحوظــات ال ـتـي‬ ‫يبديهــا المعلمــون وأوليــاء األمــور ً‬ ‫أيضــا ع ـلـى ســلوكهم‪ ،‬باإلضافــة إـلـى ثالثــة جــاءت‬ ‫تحــت عنــوان « كيــف أشــعر حيــال المدرســة» واســتهدفت تقييــم مــدى الســعادة ال ـتـي‬ ‫يشــعر بهــا هــؤالء األطفــال داخــل المدرســة‪.‬‬ ‫نقطة تحول‬

‫‪GETTY IMAGES‬‬

‫رصــدت الدراســة أن األطفــال األقــل سـ ًّنا مــن أقرانهــم ســجلوا نتائــج أع ـلـى ـفـي اســتبانة‬ ‫الصعوبــات‪ ،‬ونتائــج أكثــر ســلبية ـفـي اســتبانة الســلوك‪ ،‬مــا يؤشــر لمعــدالت متدنيــة فيما‬ ‫يتعلــق بالصحــة النفســية؛ إذ قــد يصبحــون أكثــر عرضـ ًة لتجربة مشــاعر ســلبية شــائعة‬ ‫مثــل القلــق والخــوف‪ ،‬كمــا أنــه مــن المرجــح أن يواجهــوا مشــكالت ســلوكية‪ ،‬وأخــرى‬ ‫تتعلــق بعــدم القــدرة ع ـلـى التركيــز‪.‬‬ ‫ورأت الدراســة أن التأثيــر فــي عمومــه لــم يكــن بالضخــم‪ ،‬إال أن اإلجهــاد والتوتــر‬ ‫اإلضاـفـي الــذي يبذلــه األطفــال األقــل سـ ًّنا لمواكبــة أقرانهــم األكبــر سـ ًّنا يمكــن أن يمثــل‬ ‫"نقطــة تحــول" لــدى بعــض الفئــات‪ ،‬مثــل الذيــن يعانــون صعوبــاتٍ ـفـي التعلــم‪ ،‬أو الذين‬ ‫وُلــدوا مبتســرين‪.‬‬ ‫تقــول أنــا برايــس ‪-‬إحــدى الباحثــات الرئيســيات فــي الدراســة‪ -‬فــي تصريحــات‬ ‫لـ"للعلــم"‪" :‬إن الدراســة أتاحــت فرصــة الحصــول ع ـلـى بيانــات أكثــر مــن ‪ 2000‬طفــل‬ ‫ـفـي المرحلــة االبتدائيــة‪ ،‬وكانــت فرصــة لبحــث األثــر النســبي للســن ع ـلـى ســامة األطفــال‬ ‫وســعادتهم وســلوكهم فــي المدرســة"‪ ،‬مضيفــ ًة‪ :‬علــى المســتوى الشــخصي‪ ،‬كنــت‬ ‫متحمس ـ ًة لدراســة هــذه المســألة بعــد إلحــاق اب ـنـي بتعليــم منزـلـي‪ ،‬نظ ـرًا إـلـى أن لديــه‬

‫صعوبــات ـفـي التعلــم‪ ،‬ولــم يكــن مســتع ًّدا لالنخـراط ـفـي المدرســة حيــن بلــغ الخامســة‪.‬‬ ‫وشــددت برايــس ع ـلـى أنــه ربمــا تكــون هــذه الدراســة هــي األوـلـى ال ـتـي تبحــث التأثيــر‬ ‫النســبي للعمــر علــى ســعادة األطفــال وســلوكهم فــي المرحلــة االبتدائيــة‪ ،‬كمــا توفــر‬ ‫معلومــات محدثــة عــن اآلثــار النســبية للســن ع ـلـى ســامة األطفــال النفســية ـفـي البيئــة‬ ‫المدرســية المعاصــرة‪.‬‬ ‫وكانــت دراســة ســابقة‪ ،‬أجراهــا باحثــون مــن قســم الدراســات النفســية لألطفــال‬ ‫والمراهقيــن بجامعــة كينجــز كوليــدج ـفـي لنــدن‪ ،‬قــد توصلــت إـلـى أن المعلميــن غال ًبــا‬ ‫مــا ينســون أن يضعــوا فــي اعتبارهــم األطفــال األقــل ســ ًّنا‪ ،‬ومــا يتطلبــه ذلــك منهــم‬ ‫مــن تســامح أكثــر ومرونــة أكبــر أو أي شــكل آخــر مــن المعاملــة الخاصــة‪ ،‬مــا يجعــل‬ ‫المعلميــن يتوقعــون منهــم مثــل مــا يتوقعــون مــن أقرانهــم األكبــر س ـ ًّنا‪ ،‬وهــو مــا قــد‬ ‫يتجــاوز قدراتهــم أحيانًــا ويجعلهــم أكثــر عرض ـ ًة للظهــور بمظهــر المتأخريــن دراس ـيًّا‪.‬‬ ‫فكرة ساذجة‬

‫سـي والمــخ واألعصــاب بجامعــة عيــن‬ ‫يعلــق إبراهيــم مجــدي ‪-‬استشــاري الطــب النف ـ‬ ‫شــمس‪ -‬ـفـي تصريحــات لـ"للعلــم"‪ ،‬بــأن إلحــاق األطفــال بالمدرســة مبكـرًا‪ ،‬كــي ال يتأخــر‬ ‫عا ًمــا دراسـيًا بســبب تأ ُّخــر شــهر ميــاده عــن زمالئــه المولوديــن ـفـي العــام نفســه‪ُ ،‬ي َعــد‬ ‫"فكــرة ســاذجة"‪.‬‬

‫ويقــول‪" :‬إن مــدة ســنة ُت َعــد طويلــة بالنســبة لعقــل الطفــل‪ ،‬بــل إن الشــهور تمثــل‬ ‫ً‬ ‫فارقــا ـفـي نمــو عقلــه‪ ،‬لــذا فــإن الطفــل المتقــدم ـفـي العمــر بفــارق ســنة لديــه قــدرات‬ ‫عقليــة ونفســية قــد تفــوق كثيـرًا ـفـي بعــض الحــاالت َمــن يصغــره نســبيًّا"‪ .‬ويؤكــد‪" :‬قــد‬ ‫يتســبب هــذا اإلج ـراء ـفـي ظهــور أع ـراض االكتئــاب لــدى الطفــل‪ .‬ـفـي كثيــر مــن األحيــان‬ ‫يمتنــع هــذا الطفــل عــن التعبيــر عــن تلــك المشــاعر؛ ً‬ ‫خوفــا مــن غضــب الوالديــن‪ ،‬مــا قــد‬ ‫إحساســا مزم ًنــا بعــدم األمــان‪.‬‬ ‫يخلــق لديــه‬ ‫ً‬ ‫صعوبات التعلم‬

‫وتقــول نهــال لطفــي ‪-‬مــدرس علــم النفــس التربــوي بجامعــة قنــاة الســويس‪" :-‬إن‬ ‫سـي نفســه ُي َعــد أحــد مســببات الضغــوط ع ـلـى‬ ‫التبا ُيــن ـفـي عمــر طــاب الصــف الدرا ـ‬ ‫الطــاب األصغــر سـ ًّنا؛ مضيفـ ًة ‪-‬ـفـي تصريحــات لـ"للعلــم"‪" :-‬هنــاك عوامــل أخــرى يمكن‬ ‫أن تســهم ـفـي إظهــار ذلــك التبايــن‪ ،‬ومنهــا مُ عامــل الــذكاء وصعوبــات التعلــم وبعــض‬ ‫الســمات الشــخصية ال ـتـي تدعــم التواصــل االجتماعــي ّ‬ ‫الفعــال مــع األق ـران"‪.‬‬ ‫وتشــير لطفــي إـلـى أن "األمــر يــزداد ســوءًا ـفـي حالــة مــا إذا كان األطفــال األصغــر سـ ًّنا‬ ‫ً‬ ‫انخفاضــا ـفـي مســتوى الــذكاء أو صعوبــاتٍ ـفـي بعــض العمليــات العقليــة‪.‬‬ ‫يعانــون‬ ‫وتضيــف‪ :‬وهنــاك بعــض الســمات الشــخصية مثــل االنطوائيــة أو العصبيــة ال ـتـي‬ ‫تجعــل التواصــل بيــن الطفــل وأقرانــه ومعلميــه أقــل فاعليــة‪ ،‬وهنــا تــزداد معانــاة‬ ‫الطفــل‪.‬‬ ‫أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:57 PM‬‬

‫ ‪63‬‬

‫‪injection for vaccination + perfect age.indd 63‬‬


‫ملفات تكنولوجية‬

‫كاميرتـك األمنيـة‬ ‫تراقبـك‬

‫غريبا أن ترى تصرفاتك حين‬ ‫يبدو األمر‬ ‫ً‬ ‫ال يراك أحد‬ ‫ديفيد بوج‬

‫أبـ�د ا الذعــر الــذي ســببته ـلـي القصــة القصيــرة "برايفيــت آي" �‪Pri‬‬ ‫لـ�ن أنسـ�ى ً‬ ‫‪ ،vate Eye‬للكاتبيــن هنــري كوتنــر وســي‪ .‬إل‪ .‬مــور‪ ،‬التــي ُنشــرت عــام ‪.1949‬‬ ‫ـفـي القصــة ِّ‬ ‫تمكــن تكنولوجيــا مســتقبلية "علمــاء االجتمــاع المختصيــن باألدلــة‬ ‫شـيء كان قــد حــدث ـفـي الســابق‪ ،‬ح ـتـى قبــل ‪50‬‬ ‫الجنائيــة" مــن إعــادة عــرض أي ـ‬ ‫ســنة‪ ،‬وذلــك بتحليــل الجــدران واألســطح‪ .‬يخطــط بطــل الروايــة ـفـي رأســه فقــط‬ ‫شـيء يقولــه ويفعلــه يجــري تســجيله‪ .‬ويقــول‬ ‫لعمليــة قتــل‪ ،‬بينمــا يعــرف أن كل ـ‬ ‫لنفســه‪" :‬إنــه ألمــر مقلــق ج ـ ًّدا أن تعــرف أنــك تعيــش تحــت رقابــة عيــن مــن‬ ‫خــارج هــذا الزمــن"‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫وبــدأب وجديــة ينخــرط ــي النهايــة طــوال ‪ 18‬شــهرًا ــي خدمــة وتملــق الرجــل‬ ‫الــذي ينــوي قتلــه؛ ليتخلــص مــن التحقيقــات ال ـتـي سـ ُتجرى ـفـي المســتقبل‪.‬‬ ‫تذكــرت تلــك القصــة وأنــا أراجــع مقاطــع لكاميــرا أمنيــة منزليــة مــن نــوع‬ ‫"نِســت كام آي كيــو" ‪ .Nest Cam IQ‬فع ـلـى غــرار معظــم الكاميــرات ال ـتـي تعمــل‬ ‫باالتصــال الالســلكي‪ِّ ،‬‬ ‫تمكنــك هــذه الكاميــرا مــن إلقــاء نظــرة ع ـلـى منزلــك مــن أي‬ ‫مــكان عــن طريــق هاتفــك‪ ،‬وح ـتـى العــودة بالشــريط لرؤيــة مــا حــدث مــن قبــل‪.‬‬ ‫ومقابــل أجــر معيــن‪ ،‬تقــوم هــذه الكاميــرا بتخزيــن محتــوى تســجيلي لمــا يصــل‬ ‫إـلـى ثالثيــن يو ًمــا‪.‬‬ ‫‪ ForScience.com  64‬أكتـوبـر ‪2017‬‬

‫‪10/10/17 12:57 PM‬‬

‫ديفيد بوج كبير محرّ ري األعمدة لدى موقع "ياهو تِ ك"‪ ،‬ومضيف‬ ‫عدة حلقات من سلسلة "نوفا" ‪ NOVA‬العلمية القصيرة التي تبثها‬ ‫ّ‬ ‫محطة الشبكة التلفزيونية األمريكية "ﭘﻲ‪ .‬بي‪ .‬إس" (‪.)PBS‬‬ ‫ّ‬

‫ُ‬ ‫وضعــت الكاميــرا أعلــى الــدرج مســلط ًة ألســفل‪ ،‬بمجــال رؤيــة ‪ 130‬درجــة‬ ‫َ‬ ‫يبيــن المطبــخ ومنطقــة تنــاول الطعــام‪ .‬فلــم تلتقــط قــط أي عمليــة ســطو‪ ،‬لكنهــا‬ ‫كشــفت عــن أشــياء كثيــرة لــم أكــن أتوقعهــا‪.‬‬ ‫كانــت األمــور بســيطة فــي البدايــة‪ .‬ذات صبــاح‪ ،‬بإعــادة تشــغيل شــريط‬ ‫التســجيل وإرجاعــه اكتشــفت شــي ًئا لــم أكــن أعرفــه مــن قبــل عــن ق ِِّطنــا ويلبــر‪ .‬كنــا‬ ‫دو ًمــا نظــن أنــا وزوج ـتـي أنــه ينــام طــوال الليــل عنــد نهايــة ســريرنا‪ .‬لكنــه ـفـي الواقــع‬ ‫اتضــح أنــه ينسـ ُّـل ـفـي منتصــف كل ليلــة وينــزل إـلـى الطابــق الســفلي‪ ،‬ويقــوم ببضــع‬ ‫دورات هادئــة ـفـي المطبــخ‪ ،‬ـفـي دوريــات بحــث قديمــة غريزيــة عــن الفئــران‪ ،‬أخفاهــا‬ ‫عنــا طــوال ‪ 15‬ســنة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫سـي‪ .‬كنــت‬ ‫وـفـي مــرة أخــرى وجــدت شــيئا مفاجئــا آخــر ــي التســجيل‪ :‬رأيــت نف ـ‬ ‫سـي‬ ‫أتســلل إـلـى األســفل ـفـي منتصــف الليــل لتنــاوُل وجبــة خفيفــة‪ ،‬مرتد ًيــا مالب ـ‬ ‫الداخليــة‪ ،‬وناسـيًا أمــر الكاميــرا الموضوعــة‪ .‬وكانــت هــذه أول مــرة ‪-‬وفــق مــا أذكــر‪-‬‬ ‫سـي وأنــا ال أعلــم أن ـنـي َ‬ ‫مراقــب‪ .‬فكــر ـفـي األمــر‪ :‬م ـتـى‬ ‫أشــاهد فيهــا مقطــع فيديــو لنف ـ‬ ‫تــرى فيلمً ــا مطـ ً‬ ‫ـول لنفســك‪ ،‬ال ُتقــط مــن الجانــب‪ ،‬مــن دون معرفتــك؟ ع ـلـى األرجــح‬ ‫لــن تــراه أبـ ًدا‪ ،‬إال ـفـي حــال أن تسـ ُـط َو ع ـلـى متجــر "ســفن‪-‬إليفن" ثــم تشــاهد فيلــم‬ ‫الكاميــرا األمنيــة ـفـي محاكمتــك‪.‬‬ ‫وقــد جعلنــي ذلــك أضطــرب بعــض الشــيء‪ .‬لــم أكــن أُدرك َقــط أننــي أفقــد‬ ‫اســتقامة ظهــري عندمــا أكــون من َه ًــكا‪.‬‬ ‫لــو كان الفــرق بيــن الفيديــو الــذي تعيــه والــذي ال تعيــه لــم يُفهــم تما ًمــا بعــد‪،‬‬ ‫فقــد حاولــت زوج ـتـي جاهــدة إفهامــه ـلـي‪ .‬حال ًّيــا‪ ،‬يعيــش ٌّ‬ ‫كل م َّنــا ع ـلـى شــاطئين‬ ‫متقابليــن لفتــرات مــن الزمــن‪ .‬وعندمــا نكــون بعيديــن عــن بعضنــا‪ ،‬نســتخدم‬ ‫مكالمــات الفيديــو والرســائل النصيــة والدردشــات الليليــة‪ ،‬مــن أجــل البقــاء ع ـلـى‬ ‫اتصــال مســتمر‪.‬‬ ‫لــذا ظننـ ُ‬ ‫ـت أنــه قــد يكــون مــن الرائــع ج ـ ًّدا أن ُندخِ ــل شــي ًئا مــن الحضــور عــن‬ ‫بُعــد ـفـي عالقتنــا‪ .‬اقترحـ ُ‬ ‫ـت شــراء كاميــرا مــن نــوع "نِســت" ووضعهــا ـفـي شــقتها‬ ‫بســان فرانسيســكو‪ ،‬بحيــث أشــعر بأن ـنـي موجــود هنــاك دائمً ــا‪ .‬ح ـتـى إنــه يمكننــا أن‬ ‫نتحــادث ـفـي أي وقــت؛ ألن الكاميــرا مــزودة بميكروفــون ومكبــرات للصــوت‪.‬‬ ‫لكنها لم تستلطف الفكرة‪ ،‬بل وجدتها مريبة‪.‬‬ ‫وكانت مح َّقة ً‬ ‫طبعا‪.‬‬ ‫كنــت طــوال ســنوات أســخر كثيــرًا ممــن يثيــرون ضجــة حــول مســألة‬ ‫الخصوصيــة‪ .‬نعــم‪ ،‬نعــم‪ ..‬شــركات التكنولوجيــا الكبيــرة تجمــع البيانــات ع َّنــا‪ .‬فمــا‬ ‫المشــكلة ـفـي ذلــك؟ إذا لــم يكــن لديــك مــا تخفيــه‪ ،‬فلمــاذا تكتــرث؟ إنــك تع ِّبــر عــن‬ ‫خــوف غيــر مبــرر‪.‬‬ ‫لكــن تجرب ـتـي مــع كاميــرا "نِســت" تلــك قــد علمت ـنـي شــي ًئا‪ :‬الرغبــة ـفـي أال ُت َ‬ ‫راقــب‬ ‫مــن دون علمــك هــي بالفعــل غيــر منطقيــة‪ .‬إنهــا عاطفيــة‪ -‬بــل فطريــة ـفـي واقــع‬ ‫األمــر‪ .‬ال يهــم أننــا لــم نفعــل شــي ًئا خطــأً‪ ،‬وال يهــم أن يكــون المرا ِقــب هــو الــزوج‪ ،‬وال‬ ‫ح ـتـى إن كنــا نســتمتع عــاد ًة بالظهــور أمــام الكاميــرا –مث ـلـي– أم ال (فقــد كنــت أحــب‬ ‫الظهــور منــذ أن كنــت طال ًبــا ـفـي المرحلــة االبتدائيــة)‪ .‬لكننــا ببســاطة نريــد فقــط أن‬ ‫نعــرف م ـتـى تكــون الكاميــرا ـفـي وضــع التشــغيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طبعــا ليــس لدينــا مــن مانــع إن كنــا نحــن مَــن يشــاهد الفيديــو‪ .‬بــل‬ ‫نســعد عندمــا تلتقــط الكاميــرات المخفيــة أفعـ ً‬ ‫ـال خطــأً‪ ،‬ســواء كانــت ُتظهــر‬ ‫ً‬ ‫لصوصــا‬ ‫شــخصية سياســية فاســدة ـفـي برنامــج "‪ 60‬دقيقــة" ‪ ،Minutes 60‬أو‬ ‫ـفـي منزلنــا‪ ،‬أو مقاطــع تظهــر وحشــية الشــرطة ملتقطــة بكاميــرا الهاتــف‪ .‬إن‬ ‫أولئــك النــاس‪ ،‬بتصرفاتهــم الســيئة‪ ،‬يتنازلــون عــن حقهــم فــي الخصوصيــة‪،‬‬ ‫أليــس كذلــك؟‬ ‫لــم ندخــل تما ًمــا بعــد ـفـي عالــم "برايفيــت آي"‪ ،‬لكننــا مــع كل ســنة تمــر يتــم‬ ‫تصويرنــا تلقائ ًّيــا بمزيــد مــن الكاميــرات‪ .‬وقــد يأ ـتـي وقــت قري ًبــا يكــون علينــا فيــه‬ ‫البــدء ـفـي النظــر ـفـي كيفيــة تصرفنــا عندمــا نكــون ـفـي مــكان "خــاص"‪ ،‬ســواء كان‬ ‫لدينــا مــا نخفيــه أم ال‪.‬‬ ‫‪Illustration by Jay Bendt‬‬

‫‪����� ������� ������.indd 64‬‬


Unique events committed to scientific excellence

Natureconferences are organized by the Nature Research editorial team with the goal of fostering communication and collaboration within the international scientific community.

UPCOMING EVENTS

Help your results stand out. Try our expert editing service today.

GENETICS

AGRICULTURAL GENOMICS 2017 - FUNCTIONAL GENOMICS TOWARD GREEN CROPS FOR SUSTAINABLE AGRICULTURE October 25-27, 2017 • Wuhan, China

IMMUNOLOGY

HIV IMMUNITY AND ERADICATION, A HERRENHAUSEN SYMPOSIUM November 2-3, 2017 • Hanover, Germany

MATERIALS SCIENCE

FERROIC MATERIALS: CHALLENGES AND OPPORTUNITIES October 25-27, 2017 • Xi’an, China MATERIALS ELECTROCHEMISTRY: FUNDAMENTALS AND APPLICATIONS January 13-15, 2018 • Shenzhen, China

MATERNAL & CHILD HEALTH

NATURE CONFERENCE ON MATERNAL AND CHILD HEALTH March 23-25, 2018 • Guangzhou, China

REGENERATIVE MEDICINE

REGENERATION November 16-18, 2017 • Milan, Italy

Language Editing • Scientific Editing Formerly known as NPG Language Editing and MSC Scientific Editing

authorservices.springernature.com

nature.com/natureconferences | A42289

@natureconf


‫ ‬ ‫ ‪6‬‬

‫ ‬ ‫ ‪16‬‬

‫‪ForScience.com‬‬

‫أﻛﺘـﻮﺑـﺮ ‪ForScience.com - 2017‬‬

‫ﻣﻌﻀﻠﺔ‬

‫اﻟﺘﻤﺮﻳﻨﺎت اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ‬ ‫وإﻧﻘﺎص اﻟﻮزن‬

‫ ­ ‪ ‬‬ ‫ ‪ ...‬‬ ‫ ﺮأ أ ﻳﻀﺎ‬

‫اﻗ‬

‫ ­ ‪­ ‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‪7‬‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‪12‬‬

‫ ‬

‫أﻛﺘـﻮﺑـﺮ‬ ‫‪2017‬‬

‫ ‬ ‫ ­ ‪ ‬‬ ‫ ‪50‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.