ثورات في أوقات سيئة

Page 1

‫جامعة القاهرة‬ ‫كلية االقتصاد والعلوم السياسية‬ ‫برنامج الدكتوراة ‪3102-3102‬‬

‫عرض مقالة‬

‫‪Revolutions in Bad Times‬‬ ‫‪By: Asef Bayat‬‬ ‫مقدم إلى‬

‫ا‪.‬د‪ .‬علي الدين هالل‬ ‫عرض‪ :‬سناء البنا‬


‫ثورات في أوقات سيئة‬ ‫برنامج الدكتوراة ‪3102-3102‬‬

‫تأليف‪ :‬آصف بيات‬ ‫عرض‪ :‬سناء البنا‬

‫تقديم‬ ‫بعد مرور عامين على يوتوبيا "ميدان التحرير" و سقوط الدكتاتوريات في دول الربيع العربي‪ -‬مصر‬ ‫وتونس واليمن‪ ،-‬ال تنبئ مجريات األحداث بوقوع تغيير كبير في مؤسسات وقواعد النخب السياسية القديمة‪،‬‬ ‫بل تفيد الوقائع بقاء مؤسسات الدولة‪ -‬الشرطة والقضاء واإلعالم الموجه والنخب االقتصادية وشبكات‬ ‫المحسوبية واألحزاب السياسية القديمة ‪ -‬على حالها بشكل أو بآخر‪ .‬وتشير تلك التناقضات – أي بين قوة‬ ‫المد الثوري وضعف نتائج التغيير على أرض الواقع‪ -‬إلى الطبيعة اإلشكالية لثورات العالم العربي‪ ،‬حيث‬ ‫يرى آصف بيات أنها ثورات إصالحية بالضرورة‪ ،‬نظرً ا لظهورها في عصر سقوط األيدولوجيات الثورية‬ ‫الكبرى وفي سياق دولي ال يتواتي التغيير‪ ،‬ومن هنا عنوان مقالته "ثورات في أوقات سيئة"‪.1‬‬ ‫وينتقد بيات "روايات" الثورات في العالم العربي‪ ،‬والتي تتناولها باعتبارها "حركة" ‪Revolution as‬‬ ‫‪ movement‬ومن ثم تستطرد في سرد تفاصيل الحشد الجماهيري والتفاعالت البينية‪ -‬مثل اختفاء األنانية‬ ‫واالنقسامات الفئوية وسيادة المساواة بين الجنسين – و انتشار وسائل صنع القرار الديمقراطي‪ .‬ويرى بيات‬ ‫أن تلك الروايات تطمس الجانب األهم من الثورات وهو كونها إحدى ظواهر "التغيير" ‪revolution as‬‬ ‫‪ ، change‬كما ال تهتم ببحث التفاعالت المتشابكة في اليوم التالي لسقوط الديكتاتوريات‪ ،‬والذي أفضت فيه‬ ‫مثاليات التحرير والرؤى الواسعة إلى تفكيك المشاريع السياسية وشبكات الثوار‪ ،‬وفيما يلي عرض ألهم ما‬ ‫ورد في المقالة‪.‬‬ ‫االستراتيجيات التحولية ‪Transformative Strategies‬‬

‫‪Asef Bayat, “Revolutions in Bad Times” New Left Review, Apr.-Mar 2013, pp:47-60.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬


‫ثورات في أوقات سيئة‬ ‫برنامج الدكتوراة ‪3102-3102‬‬

‫تأليف‪ :‬آصف بيات‬ ‫عرض‪ :‬سناء البنا‬

‫أدت إخفاقات الديمقراطية الليبرالية‪ ،‬وغياب المحاسبة لغالبية الحكومات المعاصرة‪ ،‬وازدياد اإلحساس‬ ‫بالحرمان وعدم المساواة والظلم‪ -‬حتى بين قطاعات المتعلمين‪ -‬إلى إشعال زخم سياسي كبير أبرز الحاجة‬ ‫إلى التغيير الجذري‪ .‬وخال ًفا للثورات العالمية التي يتصدرها نموذج الثورة الشيوعية واإلعالن الشيوعي‬ ‫الشهير ‪ ،The Communist Manifesto‬فإن ثورات العالم العربي ال تبدو كثورات القرن العشرين‪ -‬من‬ ‫حيث كونها "تغيير"جذري‪ ،‬بقدر ما تبدو ثورات من حيث "الحركة"‪ ،‬كما أنها ال تشبه أيًا من طرق التغيير‬ ‫السياسي التي عهدها العالم الحديث‪ :‬اإلصالح‪ ،‬التمرد‪ ،‬أو االنفجار‪.‬‬ ‫فنموذج اإلصالح السياسي يعني تنظيم اإلصالحيين لحركة اجتماعية تجبر النخب السياسية على إحداث‬ ‫التغييرات في المؤسسات والقوانين داخل اإلطار السياسي القائم‪ ،‬ومثال ذلك الثورة الخضراء في إيران‬ ‫والبرازيل والمكسيك في الثمانينيات‪ .‬وحتى لو بقي اإلصالح سطحيا ً‪ -‬في هذا النموذج‪ ،-‬فإن تراكمه يفضي‬ ‫إلى تغيير سياسي وقانوني ومؤسسي على المدى البعيد‪.‬‬ ‫أما نموذج التغيير من خالل حركات التمرد ‪ ،‬فإنه يعتمد على نخبة ثورية تنشئ على مدار زمني طويل‪،‬‬ ‫وتنجح في تكوين قيادات وهياكل تنظيمية تتشكل بها حكومة الظل‪ ،‬بينما تشتد الصدامات العنيفة مع النظام‬ ‫القائم‪ .‬وتحل هذه النخبة‪ -‬إن قدر لها النجاح‪ -‬محل النظام القائم حالما يسقط‪ ،‬وينتهي وضع القوى المزدوجة‬ ‫‪ ،dual power‬وتصاحب النخب الجديدة هياكل وأيدلوجية ومشاريع سياسية مغايرة للنظام السابق‪ .‬ونموذج‬ ‫هذا القسم ثورات كوبا ‪ ،9191‬وإيران ‪ ،9191‬وليبيا في موجة الربيع العربي‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬يتمثل نموذج "االنفجار" في سقوط النظام القائم ذاتيًا تحت ضغط الحركات الثورية وسيادة الفوضى‬ ‫والال‪-‬قانون‪ ،‬ويعقبه‪ -‬في الغالب‪ -‬نظم ثورية قليلة الخبرة بالسياسة كما حدث في رومانيا ‪ .9191‬و‬ ‫الخالصة‪ ،‬أن نماذج التغيير السياسي من خالل التمرد واالنفجار تعني انهيار األطر القائمة للنظام السياسي‬ ‫ومحاولة تغييرها واستبدالها‪ ،‬بينما يتمثل نموذج اإلصالح في اعتماد تلك األطر والسعي للتغيير من خاللها‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫ثورات في أوقات سيئة‬ ‫برنامج الدكتوراة ‪3102-3102‬‬

‫تأليف‪ :‬آصف بيات‬ ‫عرض‪ :‬سناء البنا‬

‫كيف سارت الثورات في العالم العربي؟‬ ‫لم تتشابه الثورات في مصر وتونس واليمن مع أي من السبل الثالث التي سبق ذكرها للتغيير السياسي‪ .‬فقد‬ ‫ً‬ ‫واحدا‪ -‬وتم بعدها‬ ‫اتسمت تلك الثورات بالسرعة الشديدة‪ :‬فتواصلت في مصر ‪ 99‬يومًا وفي تونس شهرً ا‬ ‫إسقاط السلطة السياسية الدكتاتورية وتفكيك عدد من المؤسسات المرتبطة بها‪ -‬مثل األحزاب السياسية‬ ‫والجهات التشريعية وبعض الوزارات‪ -‬بينما اهتم الثوار بمطالب اإلصالح السياسية والدستورية‪ .‬وقد‬ ‫تحققت تلك المكتسبات عبر وسائل سلمية مدنية‪ -‬إلى حد كبير‪ ،‬غير أنها اتسمت بالسرعة الشديدة‪ .‬وربما‬ ‫يرجع فشل الثوار‪ -‬في حالتي مصر وتونس‪ -‬في تكوين الحكومة البديلة‪ -‬بعكس حالتي ليبيا واليمن التي‬ ‫شهدتا صراعا ً سياسيًا طويالً‪ -‬لهذه السرعة التي جرت بها التغييرات‪ .‬واألدهى‪ ،‬أن الثوار في الحالة‬ ‫ً‬ ‫نيابة عن الثورة‪ -‬مثل تعديل الدستور‪ ،‬وعقد‬ ‫المصرية طالبوا المؤسسة العسكرية بإيقاع اإلصالحات الالزمة‬ ‫االنتخابات‪ ،‬وضمان الحريات لألحزاب السياسية ومأسسة الحكومة الديمقراطية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬حازت تلك‬ ‫الثورتان الوجاهة االجتماعية دون التنظيم اإلداري‪ ،‬والسيطرة الكافية دون الحكم ـ فاستمرت النظم‬ ‫الدكتاتورية وظهرت بعض المؤسسات والوسائل الحكومية الجديدة التي تمثل إرادة الثورة وتزعمتها‬ ‫القيادات التقليدية المنظمة والتي بقيت على هامش الصراع مع السلطة الدكتاتورية طوال فترة الثورة‪.‬‬ ‫ورغم أن ثورات دول شرق أوروبا في ‪ 9191‬كانت على قدر مماثل من السرعة‪ -‬عشر أيام في ألمانيا‬ ‫الشرقية وخمس أيام في رومانيا‪ -‬إال أن الفارق بين مطالب الثوار ( الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق)‬ ‫واألوضاع السائدة ( الدولة واالقتصاد الشيوعي) كان كبيرً ا بحيث كان التغيير المطلوب تغييرا ثوريًا‪ ،‬كما‬ ‫كان التغيير النصفي أو اإلصالح الشكلي‪ -‬في تلك الحاالت‪ -‬خاضعًا للمقاومة وسرعة الرصد من قبل الثوار‪.‬‬ ‫أما في مصر وتونس‪ ،‬فقد كانت مطالب التغيير فضفاضة عامة – الحرية‪ ،‬العدالة االجتماعية‪ -‬بحيث أمكن‬

‫‪4‬‬


‫ثورات في أوقات سيئة‬ ‫برنامج الدكتوراة ‪3102-3102‬‬

‫تأليف‪ :‬آصف بيات‬ ‫عرض‪ :‬سناء البنا‬

‫إدماجها في برامج القائمين على الثورة المضادة‪ ،‬وهو ما جعلهما أشبه بحالة الثورة البرتقالية في أوكرانيا –‬ ‫‪ 4009/4002‬والثورة الوردية في جورجيا – ‪ ،-4002‬ومن ثم كان زخم التغيير إصالحيًا ال ثوريًا‪.‬‬ ‫ورغم ذلك‪ ،‬يرى بيات أن للثورات العربية جانبًا مضي ًئا هو المد الثوري القوي الذي يغذي مطالب الثوار‬ ‫بتحقيق تغيير أبعد مما انتهت إأليه ثورتي رومانيا وجورجيا‪ .‬كما نتج عن تنحي السلطات الدكتاتورية عن‬ ‫سدة الحكم في مصر وتونس خلق مساحة واسعة لحرية المواطنين‪ -‬وخصوصًا الطبقات الشعبية‪ -‬للمطالبة‬ ‫بالحق في مجتمعاتهم وإثبات الذات‪ .‬كما تم إطالق العديد من الطاقات التي حولت أوضاع المجال العام‪،‬‬ ‫فظهرت األحزاب السياسية – التي ظلت كامنة في الظل‪ -‬إلى النور‪ ،‬وأنشأت أحزاب جديدة – ‪ 94‬حزبًا‬ ‫على األقل في مصر وأكثر من مائة في تونس‪ -‬وارتفعت أصوات المنظمات االجتماعية‪ ،‬وكثرت المبادرات‬ ‫الشعبية‪ ،‬وحارب العمال من أجل حقوقهم‪ ،‬وتسارعت وتيرة التظاهرات الصناعية غير الرسمية‪ ،‬بينما‬ ‫اتخذت االتحادات العمالية في تونس خطوة أكثر تقدمًا عنها في مصر‪.‬‬ ‫وفي مصر‪ ،‬دفع العمال بمطالبهم من أجل اتحادات عمالية جديدة‪ ،‬وأكد اتحاد عمال ثورة ‪ 49‬يناير مطالب‬ ‫الثورة‪ :‬التغيير‪ ،‬الحرية‪ ،‬العدالة االجتماعية‪ ،‬كما طالب صغار الفالحين بالنقابات المستقلة وأنشأ أهالي‬ ‫العشوائيات أولى منظماتهم‪ ،‬وكافحت التجمعات الشبابية من أجل تطوير العشوائيات‪ ،‬وقاموا على تنفيذ‬ ‫برامجهم المدنية في هذا الصدد‪ ،‬كما اندفع الطالب في الشوارع للمطالبة بتغيير المناهج‪ ،‬وتشكلت‬ ‫مجموعات جديدة مثل‪ :‬جبهة التحرير الثورية في مصر والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة في تونس‬ ‫للضغط على ىسلطات ما بعد الثورة لتنفيذ اإلصالحات‪.‬‬ ‫ورغم أن هذا الحشد الشعبي يرتبط بالمد الثوري إلى حد كبير‪ ،‬إال أنه يعبر عن انتشار روح التحرير‪،‬‬ ‫والرغبة الجارفة في إثبات الذات‪ ،‬وتحقيق نظام للعدالة االجتماعية‪ ،‬والرغبة في " كل ما هو جديد"‪ ،‬وهذا‬

‫‪5‬‬


‫ثورات في أوقات سيئة‬ ‫برنامج الدكتوراة ‪3102-3102‬‬

‫تأليف‪ :‬آصف بيات‬ ‫عرض‪ :‬سناء البنا‬

‫ما ميز روح الثورات في البلدين‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يظهر اإلشكال األبرز في حالتي مصر وتونس وهو البون‬ ‫الشاسع بين المد الثوري والشغف بكل "جديد" من جهة‪ ،‬واعتماد مطالب إصالحية تستبقي "القديم"‪.‬‬ ‫هل هي "ثورات إصالحية ‪ "Refolutions‬؟‬ ‫ال تعد الثورات في مصر وتونس واليمن ثورات بالمعنى التقليدي ‪ ،‬كما ال تعني "إصالح سياسي" بالمقابل‪،‬‬ ‫بل تعد ثورات إصالحية ‪ ،-Refolutions -‬أي ثورات تسعى لإلصالح من خالل مؤسسات األنظمة‬ ‫القائمة‪ .‬وتعبر هذه الحالة عن عدد من الحقائق‪ ،‬منها‪ :‬مزية ضمان التحول المنتظم وتجنب العنف والتدمير‬ ‫والفوضى‪ .‬ويتوقف نجاح التحول من خالل تلك اإلصالحات المنتظمة‪ -‬وما تتطلبه من تحالفات اجتماعية ‪-‬‬ ‫على قدرة المنظمات االجتماعية‪ -‬مثل الطبقات الشعبية‪ ،‬الهيئات المدنية‪ ،‬االتحادات التجارية‪ ،‬الحركات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬واألحزاب السياسية‪ -‬على الحشد و ضمان الفاعلية‪ ،‬وإال حملت ثورات اإلصالح بذور الثورات‬ ‫المضادة‪ ،‬حيث لم تخترق األولى صلب المؤسسات السياسية الهامة‪ ،‬كما قد يعرقل هذا النجاح سعي طبقة‬ ‫أصحاب النفوذ والمصالح السياسية – بعد انهزامها إزاء المد الثوري‪ -‬إعادة شملها‪ ،‬ودفع الدعاية السوداء‬ ‫ضد الثورة‪ ،‬ونشر اإلحباط بين الثوار‪ ،‬وإذاعة الخوف من الفوضى بين الجماهير‪ ،‬وخلق "نوستالجيا الزمن‬ ‫اآلمن" في ظل النظام القديم‪.‬‬ ‫ففي اليمن‪ ،‬تأثرت مطالب اإلصالح السياسي باستمرار نفوذ العناصر الرئيسية للنظام القديم حتى بعد انتشار‬ ‫المد الثوري وأحالم الحرية والنشاط السياسي الحر‪ .‬كما تحاول المافيا االقتصادية والقوى الحاكمة في النظام‬ ‫القديم في تونس عرقلة طريق التغييرمن خالل شبكاتهم االقتصادية والسياسية القوية‪ .‬وفي مصر كان‬ ‫المجلس العسكري مسؤوالً عن القمع العام واضطهاد أعداد كبيرة من الثوار وغلق المنظمات المعارضة‪،‬‬ ‫وازداد التخوف من وقوع إصالحات شكلية بينما انخفض المد الثوري وعادت المياة لمجاريها المعتادة‬ ‫وانعزل الناس عن الثورة معاودين االنخراط في حياتهم اليومية‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫ثورات في أوقات سيئة‬ ‫برنامج الدكتوراة ‪3102-3102‬‬

‫تأليف‪ :‬آصف بيات‬ ‫عرض‪ :‬سناء البنا‬

‫أوقات مختلفة ‪Different Times‬‬ ‫لماذا اكتسبت الثورات ‪ uprising‬في العالم العربي وصف الثورات اإلصالحية؟ لماذا استمرت مؤسسات‬ ‫النظام القديم على حالها بينما تم تهميش الثوار؟ يرى بيات أن هذا يرجع جزئيا إلى السقوط السريع‬ ‫للدكاتوريات‪ ،‬ما أوحي بانتهاء الثورة‪ ،‬دون أن يصاحب ذلك سقوط لهياكل وأبنية القوة في النظم القديمة‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬لم يبق "النصر السريع" فرصة للثوار في تكوين الهياكل البديلة للقوة القائمة‪ ،‬ومن ثم كانت تلك‬ ‫الثورات ثورات ذاتية المحدودية ‪ .self-limiting‬أما هياكل القوة القائمة‪ ،‬فقد بقت النخب الثورية خارجها‬ ‫ألنها لم تنتو حيازتها أو السيطرة عليها من األصل‪ ،‬وحينما أدركت الحاجة إليها–متأخرً ا‪ -‬افتقدت الموارد‬ ‫السياسية والتنظيمية‪ ،‬والقيادة‪ ،‬والرؤية االستراتيجية وهو ما كان الزمًا لتحجيم نفوذ الراكبين على ظهر‬ ‫الثورة ‪ free-riders‬مثل اإلخوان والسلفيين والنخب السياسية القديمة‪ .‬إال أن بيات يرى الفارق األبرز بين‬ ‫تلك الثورات وسابقتها في القرن العشرين هو ظهور الثورات العربية في أوقات أيدولوجية غير مواتية‪.‬‬ ‫فحتى التسعينيات ‪ ،‬استندت آلية الثورة كوسيلة للتغيير الجذري إلى ثالث موجات أيدلوجية‪ :‬اإلسالموية‪،‬‬ ‫والوطنية المعادية للكولونيالية‪ ،‬والماركسية‪ ،‬وقد ظهرت الثورات العربية في وقت فقدت فيه فكرة "الثورة"‬ ‫شرعيتها في كل من تلك الموجات‪ .‬وكان هذا مختلفا عما كانت عليه األوضاع في السبعينيات في إيران‬ ‫حيث كان تفكير الثوار دائرً ا في مساحة "الثورة"‪ -‬من حيث السيطرة على قصر الشاه وإعادة توزيع‬ ‫األراضي التي اغتصبها اإلقطاعيون‪ ،‬الخ‪ .‬أما ثوار الشرق األوسط واأللفية الجديدة‪ ،‬فلم يتخيلوا أيًا من تلك‬ ‫التغيرات‪ ،‬بل استطاع قلة قليلة منهم التعامل مع الثورة بمنطق استراتيجي‪ ،‬بينما انحصرت أقصى تصورات‬ ‫البقية في إصالحات مجتزئة أو مطالب التغيير الحقيقي ضمن الترتيبات السياسية القائمة‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬يرى بيات أن أقل ما توصف به تلك الثورات هو أنها "لم تنته بعد"‪ ،‬خاصة وأن النخب االنتهازية‬ ‫وقوى النظام القديم لم تزل تحبط المطالب الجماهيرية نحو التغيير الحقيقي‪ .‬ويمكن التأسي في ذلك بأن‬ ‫‪7‬‬


‫ثورات في أوقات سيئة‬ ‫برنامج الدكتوراة ‪3102-3102‬‬

‫تأليف‪ :‬آصف بيات‬ ‫عرض‪ :‬سناء البنا‬

‫معظم الثورات الحقيقية في القرن العشرين‪ -‬كالتي وقعت في روسيا وفرنسا والصين وكوبا‪ -‬أفرزت أنظمة‬ ‫أشد ديكتاتورية وقمعًا من سابقتها‪ ،‬كما أنها صاحبت قدرً ا هائالً من العنف‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ال يسعنا القول أن ثوار‬ ‫مصر وتونس يتمنون تكرار ما حدث في ليبيا في بلدانهم‪ -‬من حيث سرية التنظيم الثوري وشيوع المليشيات‬ ‫المسلحة دون ضابط والتدخل األجنبي واالختالالت األمنية واإلدارية‪ ،-‬وليس القصد من ذلك تشنيع فكرة‬ ‫الثورات الراديكالية‪ ،‬بل إبراز حقيقة أن اإلسقاط الثوري لألنظمة الدكتاتورية ال يعد بأنظمة أكثر عدالة‬ ‫واحتواءًا‪ ،‬فقد تحمل العقائد السياسية الثورية بذور االستبداد السياسي‪ -‬عندما يفسح إسقاط الدولة والمنافسين‬ ‫السياسيين مجاالً ضي ًقا للتعددية والتنافس الديمقراطي‪.‬‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬تقدم الثورات اإلصالحية بيئة أفضل لتقرير الديمقراطية االنتخابية ألنها‪ -‬بالتعريف‪ -‬ال تحتكر‬ ‫سلطة الدولة بل تفسح المجال لتعددية مركاز القوى السياسية بما فيها قوى الثورات المضادة والتي يمكنها‬ ‫موازنة شطحات النخب السياسية الصاعدة‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬يرى بيات إعادة بناء مفهوم "الثورة" في العصر الحديث‪ -‬عصر العولمة ومابعد الحداثة‪ -‬بما‬ ‫ذكره رايموند ويليامز عن الثورة "الطويلة" ‪ – long revolution‬وهي عملية صعبة‪ ،‬متعددة األوجه‪،‬‬ ‫شاملة للمجاالت االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وإنسانية في عالقاتها ومشاعرها‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يحسن تعريف الثورات‬ ‫العربية بأنها "ثورات طويلة" قد تثمر ثمارها بعد عشرين عامًا‪ ،‬بعد ظهور أساليب جديدة للتفكير في‬ ‫السياسية وممارسة السلطة‪ ،‬بدالً من التركيز على المكتسبات العاجلة والمطالب الحالة‪.‬‬ ‫لكن يبقى التحدي األهم هو كيفية التحول من األبنية القديمة للسلطة السياسية الدكتاتورية وخلق تحول‬ ‫ديمقراطي حقيقي دون انتهاج العنف أو الظلم‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يرى بيات أن التحول لن يتأتى إال بالنضال‬ ‫المتواصل‪ ،‬والحشد الجماهيري الدائم في المجاالت العامة والخاصة‪ ،‬فقد تبتدئ الثورات الطويلة حيثما‬ ‫تنتهي القصيرة‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫ثورات في أوقات سيئة‬ ‫برنامج الدكتوراة ‪3102-3102‬‬

‫تأليف‪ :‬آصف بيات‬ ‫عرض‪ :‬سناء البنا‬

‫وفي تعليقه على مقالة بيات‪ ،‬يرى ا‪.‬د‪.‬علي الدين هالل أن أبرز ما ورد فيها هو التأكيد على أن العصر‬ ‫الحالي ليس عصر الثورات الراديكالية‪ ،‬بل هو عصر "اتفاق واشنطن" ‪ Washington Consensus‬الذي‬ ‫تتكيف فيه المجتمعات مع األيدولوجية الليبرالية المهيمنة‪ ،‬وتأتي الثورات فيه تطبي ًقا لما يريده النظام الدولي‪.‬‬ ‫ومن ثم ‪ ،‬يؤكد ا‪.‬د‪/‬هالل على ما ذكره بيات من اختفاء الدعائم الفكرية والثقافية للثورات الراديكالية‪ -‬سواء‬ ‫اإلسالموية أو االشتراكية أو القومية‪ -‬وما تمثله من خروج على النظام العالمي‪ ،‬ويؤكد أنه ال ينبغي محاكمة‬ ‫الثورات الحالية – في عصر العولمة وما بعد الحداثة‪ -‬إلى ثورات القرن العشرين‪ .‬كما يفرق ا‪.‬د‪ .‬هالل بين‬ ‫وجود البيئة المحفة للثورة والنخبة القادرة على إنجازها وإقامة النظام البديل‪ ،‬ويرى أن القوى الثورية‬ ‫انحصرت قدراتها في الحشد الجماهيري بينما قصرت عن التنظيم الذاتي ووضع البرامج واآلليات التي تلي‬ ‫سقوط النظام‪ ،‬فاضطرت إلى صندوق االنتخابات الذي أفضى بالحركة الثورية إلى مطالبات اإلصالح بعد‬ ‫الفشل في الوصول للحكم‪.‬‬

‫‪9‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.