@Rawafed_k Rawafed-k
@Rawafed_k Rawafed-k
الكتاب :الفلسفة القرآنية كتاب عن مباحث الفلسفة الروحية والاجامتعية اليت وردت موضوعاهتا يف آايت الكتاب الكرمي. الاكتب :عباس محمود العقاد امللخص :عاليه سيت
أ
@Rawafed_k Rawafed-k
سارة محمد القحطاني أمل العيسى
ب
@Rawafed_k Rawafed-k
ج
@Rawafed_k Rawafed-k
الفهرس المقدمة
1
القرآن و العلم
3
األسباب و الخلق
5
األخالق
7
الحكم
10
الطبقات
12
المرأة
15
الزواج
18
الميراث
22
األسر أو"الرق"
24
العالقات الدولية
26
العقوبات
28
اإلله
30
مسألة الروح
35
القدر
39
الفرائض و العبادات
43
التصوف
45
الحياة األخرى
47
الخاتمة
48
د
@Rawafed_k Rawafed-k
املقدمة الكتاب مليء بالتساؤالت اليت تتوقد هبا األفكار و يهيج هبا العقل ،ومن ثم تأتي اإلجابات منطقية مقنعة تسكن هذه الفوضى .ويف كل جمال تبنى احلجة بالدالئل و تدعم و تنفى بآراء الفالسفة و املفكرين و كذلك كتب األديان .فاإلميان حاجة يف النفس البشرية تستقر هبا قرحيته .ومن إعجاز القرآن الكريم أنه ;كتاباً ال خيتلف عليه اخلاصة و العامة ،ألنه أتى مواكبا ملا مير به اإلنسان ،ومعاجلا ملشاكله يف كل زمان .ويف آياته سكينة واطمئنان للفكر وللضمري .وهدف هذا الكتاب كما ذكر الكاتب "هو صالح العقيدة اإلسالمية حلياة اجلماعات البشرية"
()1
@Rawafed_k Rawafed-k
القرآن و العلم
@Rawafed_k Rawafed-k
تتجدد العلوم اإلنسانية مع الزمن على سنة التقدم ،و لذلك ال يطلب من كتب العقيدة أن تطابق مسائل العلم ،ألنها تتوقف على محاوالت اإلنسان وجهوده ،كما تتوقف على حاجاته ،و أحوال زمانه .إن خير ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير ،و ال يتضمن حكما من األحكام يشل حركة العقل في تفكيره ،أو يحول بينه و بين اإلستزادة في العلوم. وكانت فضيلة اإلسالم الكبرى أنه يفتح للمسلمين أبواب المعرفة ،وبحثهم على ولوجها و التقدم فيها ،وقبول كل مستحدث من العلوم على تقدم الزمن ،وتجدد أدوات الكشف ووسائل التعليم.
()3
@Rawafed_k Rawafed-k
األسباب و اخللق
@Rawafed_k Rawafed-k
لكل شيء سبب ،ما في ذلك من خالف .و لكن الخالف األكبر ما هو السبب و ماذا يعمل؟ فكل ما يقرره العقل وهو واثق منه أن سبب الشيء يسبقه ،أو يقترن به .ولكن السبق ال يستلزم اإليجاد ،فصوت القذيفة ليست سببا للقذيفة ،و إن تكرر سماع الصوت بعده ألوف المرات. فكل ما هنالك -مما يسمى باألسباب الطبيعية -إنما هو مقارنات في الحدوث ،و ال تفسير فيها أمام العقل لتعليل اإليجاد .واذا نظرنا إلى أصول األسباب الكبرى تعذر على العقل أن ينسب الظواهر الطبيعية إلى هذه األسباب التي تالزمها ثم يقف عندها .ألن التسليم بهذا تسليم بوجود مئات من المادات كلها خالد ،موجود بذاته ،و مؤثر في غيره .وهو مستحيل .فالعقل ينتهي في مسألة األسباب إلى نتيجة واحدة تصح عنده بعد كل نتيجة :وهي أن األسباب ليست هي ِ موجدات الحوادث ،وال هي مقدمة عليها بقوة تخصها ،ولكنها مقارنات تصاحبها و ال تغنى عن تقدير المصدر األول ،لجميع األسباب و جميع الكائنات.
و الذي ينساق عندنا في مساق العقل أن الحوادث ال يمكن أن تحدث إال بإرادة اهلل ،و ليس بفعل األسباب و النواميس ،ألنها ال تملك قدرة االنطالق و التوافق التي يسبب بها ألف حادثة على نسق واحد .فال فرق بين الحادث الذي يقع مرة واحدة ،و الذي يقع ماليين المرات ،فكلها تتوقف على إرادة الخلق واإلنشاء( :كن فيكون).
()5
@Rawafed_k Rawafed-k
و مسألة المعجزات هي أنها شيء ال يخالف العقل ،و لكنه يخالف المألوف .فال يمتنع عقالً أن تقع معجزة ،و إنما أن تقع عبثا لغير ضرورة مع إمكان االستغناء عنها .وهكذا ينبغي أن يكون البحث في حقائق المعجزات .ألن تغيير الحوادث في قدرة العقل المطلق أهون من تغيير الفرض في عقل الرياضي وهو مغمض العينين .وقد أشار القرآن الكريم إلى الخوارق من باب اإلعجاز ،أو من باب السحر ،فردها كلها إلى السبب األخير ،وهو إرادة الخالق.
()6
@Rawafed_k Rawafed-k
األخالق
@Rawafed_k Rawafed-k
قيل في تعليل نشأة األخالق إنها مصلحة اجتماعية تتمثل في عادات األفراد لتيسير العالقات بينهم ،و هم متعاونون في جماعة واحدة .و من هنا وجبت على كل فرد لكي يضمن بهذا أكبر قسط مستطاع من الحرية و األمان .لكنك خليق أن تسأل :إذا تعاون خلقان في النفع االجتماعي أال يوجد هنالك مقياس نرجع إليه في تفضيل أحدهما على اآلخر؟
وقيل في تعليل نشأة األخالق أنها ترجع إلى مصدرين في كل جماعة بشرية ال إلى مصدر واحد ،وأنها في ناحية منها إلى مصلحة السادة ،وترجع من ناحية أخرى إلى مصلحة العبيد. و المرجح أن التفرقة بين أخالق الكرام و أخالق اللئام ملحوظ فيها هذا المعنى في اللغة العربية بين العرب األقدمين .ولكن ما هي األخالق القوية؟ هل هي أن يفعل القوي ما يشاء ألنه قادر على أن يفعله؛ و ألن الضعفاء عاجزون عن صده والوقوف في سبيله؟ قديما فسر (هويس ) الفيلسوف اإلنجليزي كل خلق حميد بأنه قوة أو دليل على قوة .ولكن ما هو الضابط إذن لألخالق القوية؟ هنالك مقياس البد من الرجوع إليه ،وهو صحة النفس ،وصحة الجسد على السواء .إن القوي الذي يفعل مايشاء ليس بصحيح؛ فال صحة بغير ضابط وقدرة على االمتناع أيا كان حكم االجتماع و مطلب االجتماع .أن المجتمع قد يملي على اإلنسان ما يليق ،ولكنه ال يغنيه عن هذا الضابط التي تناط به جميع األخالق ،ألنه دليل على صحة التكوين ،و خلو النفس من الخلل و التشويه.
()7
@Rawafed_k Rawafed-k
و في كتابنا (هتلر في الميزان) قلنا أن مقاييس التقدم كثيرة ،يقع فيها االختالف و االختالل ،إال مقياس واحدا و هو مقياس المسؤولية و احتمال التبعة .وما من خصلة حث عليها القرآن إال كان تقدير جمالها بمقدار نصيبها من الوازع النفسي ،أو بقدار ما يطلبه اإلنسان من نفسه ،فالحق الذي تعطيه و ال يضطرك إليه أحد هو من أجمل الحقوق .ومن واجب القوي القادر أن يرعى و يساعد األضعف منه ،ومرجع الفضل كله من النفس اإلنسانية .و ال تسقط الضرورة و ال الغضب هذا الواجب عن كاهل إنسان ينشد الكمال .و جماع هذه األخالق كلها هو تلك الصفات التي اتصف بها الخالق نفسه في أسمائه الحسنى ،وان المسلم ليؤمن بمصدر هذه األخالق، و يؤمن بأنها جميعا مفروضة عليه بأمر من اهلل.
()8
@Rawafed_k Rawafed-k
احلكم
@Rawafed_k Rawafed-k
إن وصفت الحكومة التي نص عليه القرآن بصفة من صفات الحكومة العصرية فهي الحكومة الديموقراطية في أصلح أوضاعها؛ ألنها حكومة الشورى و المساواة و منع "السيطرة الفردية" .و هي الحكومة لمصلحة المحكومين ،ال مصلحة الحاكمين .و ال يفهم من هذا أن األمر فيها لكثرة العدد ،فالرأي و الفضل و العلم ليست من صفات أكثر الناس على التعميم ،كما تكررت نصوص اآليات .ولكن ترجع الشورى إلى أهل الشورى و العلم .و أمانة الحكم في األمة مقرونة بأمانة الدعوة و اإلرشاد ،فعلى أبناء األمة أن يتعاونوا على المصلحة العامة ،واقامة الفرائض والفضائل .وما من جماعة بشرية تتم فيها أمانة الشورى ،و أمانة اإلصالح ،و أمانة التعاون ثم يعروها انحالل أو يخشى عليها من فساد. و يلحق بقواعد الحكم قواعد توزيع الثروة ،وهي في القرأن تمنع اإلسراف و تمنع الحرمان. و تمتحن األمة بالبالء في نظامها بإحدى اآلفتين :أموال مخزونة ال تنفق في وجوهها ،و فقراء ال يفتح لهم بابا العمل أو اإلحسان.
()10
@Rawafed_k Rawafed-k
الطبقات
@Rawafed_k Rawafed-k
أقر القرآن سنة التفاوت بين الناس في جميع المزايا التي يتفاضلون بها و ينتظم عليها العمل في الجماعة البشرية .ولكن هذا التفاوت ال يرجع إلى عصبية في الجنس ،أو األسرة ،إذ ال فرق في ذلك بين إنسان و إنسان ،و ال بين أمة وأمة ،وال بين قبيلة وقبيلة .و ال يمتنع التفاوت و ال يكون سببا للظلم و اإلجحاف بالحقوق ،بل سببا إلعطاء كل ذي حق حقه .و حكمة التفاوت ظاهرة ،و آفة التشابه و التساوي أظهر؛ ألن الحياة تفتقر إلى المزايا إذا ما جعلت كل األفراد نسخة واحدة .فالتفاوت موجود ،و التفاوت الزم ،ولكنه ال لزوم له إذا لم يقترن به رجاء و إشفاق ،ووثوق من الرزق و الجاه.
إن الماركسيون يتصورون أن تفاوت الحظوظ و األرزاق حيلة من حيل األسواق ،وشرك من أشراك المرابين و طالب األرباح .و يتصورون أن التفاوت ال يعمل عمله في بيئة المجتمع من جديد إذا عولجت مشاكله .ولكن تفاوت األرزاق و األجور نتيجة ال محيص عنها للتفاوت في أقدار الحياة ،ألنه هو التفاوت الذي يسعد و يشقي ،ويرفع و يضع ،وتناط به اآلمال و الجهود ،والغبطة و الرجاء.
()12
@Rawafed_k Rawafed-k
وقد تأسس النظام الشيوعي في البالد الروسية منذ ثالثين سنة ،ولكن بعد نشأة الصناعة الحكومية ،ظهرت بوادر التفاوت و احتاجوا إلى حفز الهمم بالتمييز بين المجتهد و المهمل ،فلم ينفعهم هذا التمييز في األجور؛ ألن صاحب األجر الكبير كصاحب األجر الصغير في القدرة على الشراء ،فأنشأوا الطبقات باليمين وهم يحاربونها باليسار .فكانت تجربة دامية لألمة الروسية ،و قد فعلت مدابرة الطبيعة فعلها في جميع نوازع الحياة ،وفي مقدمتها عبقرية األمة وملكاتها اإلنسانية. ومن بلغ من أد باء الروس نصيبا من النبوغ كان مآله الخمول أو االنتحار .وهكذا يفعل الحجر على سباق الحياة.
وكثي ار ما تسمع من دعاة "المادية" كالماً عن الظلم االجتماعي ،والعدالة االجتماعية، ولكنك لن تتخيل في الدنيا ظلما أوبل من ظلم التسوية بين غير المتساوين .وانما العدل الحق في مسألة الطبقات أن الناس متفاوتون بالفطرة ،فينبغي أن يظلوا متفاوتين بالفضل و الجدارة ،وليس بالمظهر و التقليد .وأن لهم من الحقوق بمقدار ما عليهم من الواجبات ،وهم في غير ذلك سواء.
()13
@Rawafed_k Rawafed-k
املرأة
@Rawafed_k Rawafed-k
ميزان العدل الصحيح هو التسوية بين حقوق المرء وواجباته .والتسوية بين الحقوق والواجبات ،هي العدل الذي فرضته الفلسفة القرآنية للمرأة .ألن الطبيعة ال تنشئ جنسين مختلفين، لتكون لها صفات الجنس الواحد .ومؤهالته ،وأعماله ،وغايات حياته .وكل مايقال في تعليل ذلك يرجع إلى علة واحدة :وهي تفوق الرجل على المرأة في القدرة والتأثير على العموم .فليست الجهالة أو االستبداد أو قلة المزاولة سببا في ذلك .وقد يرجع األمر إلى الخصائص النفسية ،فيحتفظ الرجل فيها بتفوقه على الرغم من استعداد المرأة بتلك الخصائص من أقدم عصور التاريخ .فمن اللجاجة أن يتجاهل المتجاهلون هذه الفوارق وهي أثبت من كل ما يثبته العلم و العلماء.
وقد أقام القرآن الفارق بين الجنسين على األساسين :أساس االستعداد الطبيعي ،و أساس التكاليف االجتماعية .فحق القوامة مستمد من التفوق الطبيعي في استعداد الرجل فهو أقدر من المرأة على كفاح الحياة ،ألنها تنصرف عن هذا الكفاح قس ار في فترة الحمل والرضاعة .فالمجتمع الذي يتزاحم فيه النساء و الرجال على عمل واحد ،لن يكون مجتمعا صالحا ،ألنه يختل فيه نظام العمل و السوق ،كما يختل نظام األسرة والبيت .وانما اآلفة كلها من حب المحاكاة بغير نظر إلى معنى المحاكاة .ولوال مرّكب النقص لكان فخر المرأة بمملكة البيت وتنشئة المستقبل ،ال يقل عن فخر الرجل بسياسة الحاضر .وقد لوحظ هذا االعتبار في تقسيم الميراث بين الذكور واإلناث.
()15
@Rawafed_k Rawafed-k
على أن هذه التفرقة بين الجنسين ال تتعدى تكاليف المعيشة ،و عالقات المجتمع إلى تكاليف العقيدة وفضائل األخالق ومطالب الروح؛ ألن المرأة تخاطب في القرآن الكريم كما يخاطب الرجل في هذه األمور .أما الحجاب ،فالقرآن لم يتعرض له إال بمقدار ما يحق لكل مجتمع سليم أن يتعرض لحياطة األخالق واألعراض .فالمرأة ال يجوز أن تخرج بزينتها لتتصدى للغواية بين الغرباء ،وهي حل بعد ذلك أن تلقى من تشاء .ومامن عقل سليم يبدو له أن حراسة األعراض و األخالق بمثل هذه الحيطة فضول من الشرائع و القوانين .ولعل الغربيين قد لمسوا من أضرار اإلباحة المطلقة و يدركون أن أخطار الشهوات الجنسية شيء يحسب له حساب في الشرائع و اآلداب.
()16
@Rawafed_k Rawafed-k
الزواج
@Rawafed_k Rawafed-k
من األوهام الشائعة أن الدين اإلسالمي هو الدين الوحيد الذي أباح تعدد الزوجات ،ولكنه لم يحرم في كتاب من كتب األديان الثالثة .ولم يحرم -حين حرم -إكبا ار للمرأة ،بل كانت الفكرة األولى في تحريمه أن المرأة شر يكتفى منه بأقل ما يستطاع .إن الزواج عالقة إنسانية في المجتمع بين الذكور و اإلناث من البشر الذين يزاولون المعاش ويتمرسون بضرورة دنياهم صباح مساء. اتفاق الزوجين على الوفاء والعشرة الدائمة كمال روحاني مفضل على العالقة بين رجل واحد وعدة زوجات .ولكن الكمال الروحاني والمالئكي ال يفرض بقوة القانون .و الطرف الثاني لهذه المبالغة في تنزيه الزواج هو طرف العالقة الحيوانية التي ال يرتبط فيها الزوجان بأكثر من العالقة بين ذكر الحيوان و أنثاه .ومن إنكار الواقع و المصلحة أن نجعل الزواج بين ملكين أو بين حيوانين .وهكذا اعترفت شريعة اإلسالم بأن الزوجة الواحدة أدنى إلى العدل و اإلحسان ،وأباحت تعدد الزوجات؛ ألنه حالة البد من حسبانها في الشرائع االجتماعية.
األقوال متفقة على أن انعقاد الزواج من ذكر وأنثى هو الزواج المثالي المفضل على غيره، ومعنى أنه “زواج مثالي" أنه عمل من أعمال الفضائل االختيارية و ليس بعمل أعمال الشرائع المفروضة على جميع الرجال وجميع النساء .و إذا كان الزواج الحيواني ،ذلك الذي يقوم على هوى الجنسين ،هو المثل األدنى للزواج بين أبناء النوع اإلنساني .فمن حق الشريعة أن تمنعه وال تقبله على وجه التعليل و ال على وجه االستثناء .فال نفسر الناس على أدب المالئكة ،و ال نقبل منهم خسة الحيوانية وقوام األمر بين الحالتين هو ما قضت به شريعة القرآن.
()18
@Rawafed_k Rawafed-k
وبالنسبة لإلحساس الذي يتولد من تعدد الزوجات ،فإن المرأة تالقي كثي ار من المحزنات و المغضبات التي ال حيلة فيها للمجتمع و ال للشريعة .وقد يهون احتمال الضرة لديها إذا قيس بما تحتمله في كثير من مآزق الحياة .ومهما يكن من إحساس المرأة لمشاركة الضرائر في زوجها فهو من أحاسيس الحياة الطبيعية التي تحدث في الزواج وغير الزواج .وليس في وسع الشريعة أن تزعم أنها تعفي النساء أو الرجال من أمثال هذه المنغصات .أما المسوغات لتعدد الزوجات فكثيرة ،ترجع تارة إلى خصائص الطبيعة ،وتارة إلى ضرورات المعيشة االجتماعية .و لكن تقوم الشريعة في تعدد الزوجات بما عليها ويقوم العرف االجتماعي بما عليه ،ويقع اإللزام حيث ينبغي أن يقع مع الرغبة و االختيار.
على أن تعريف الزواج نفسه هو أهم من تنظيم االنفراد أو التعدد في الزوجات؛ فهو واجب اجتماعي من وجهة المجتمع ،وسكن نفساني من جهة الفرد ،وسبيل مودة ورحمة بين الرجال و النساء .ولزيادة ثروة اإلنسان من العطف و المودة وتعويده أن ينظر إلى كثير من النساء نظرة مودة ال تشوبها شهوة كان هناك نساء محرمات من الزواج بهن مثل األخوات و غيرهم .فسنن القرآن الكريم لم تكن محصورة في عالقة الجسد أو عالقة النوع ،بل كان فيها متسع من األلوان من العواطف اإلنسانية.
()19
@Rawafed_k Rawafed-k
وليس الزوج سيدا للزوجة ،ولكنه وليها وله حقوق الولي وعليه واجباته ،ومنها حمايتها و يقوم اإلنفاق عليها .وللمرأة فيما عدا الوالية مثل الذي عليها .وفي حالة الغضب يجوز للرجل أن ّ خطأ امرأته بالوعظ أو الهجر ،أو الضرب ،أو التحكيم بين األهل إذا استعصى الوفاق بينهما .و ليس معنى إباحة الضرب إيجابية في كل حالة ومع كل امرأة ،فقد كان النبي عليه السالم -وهو أول المؤتمرين بأوامر القرآن -يكره الضرب .وجملة القول :إن هذه الوسائل تستنفد كل حيلة في الوسع لإلبقاء على صلة الزواج واتقاء الفرقة بين الزوجين .واال فالطالق حل ال مناص منه في النهاية بعد استنفاد جميع الحلول .و القرآن يخول المرأة أن تطلب الطالق إذا كرهت البقاء في عصمة زوجها .وكل ما يطلب من المرأة أن تعفي زوجها من النفقة و ترد إليه ماله.
()20
@Rawafed_k Rawafed-k
املرياث
@Rawafed_k Rawafed-k
أثبت القرآن أن نظام المواريث بتفصيالته لجميع ذوي القربى ،واعتبر اإلرث حقا مشروعا للوارث ال يجوز حرمانه منه بحيلة من حيل التهريب .و الميراث حق وعدل ومصلحة من وجوه كثيرة .أقواها أنه نظام ال ينفصل عن نظام األسرة ،وأن األسرة دعامة من أكبر دعائم االجتماع. ال تنعقد ثم تنفرط مرة في كل جيل ،بل هي وحدة تناط بالدوام .وهي الصلة العاطفية بين األفراد بالنسب و القربى.
ومن االجتماعيين من ينكر الميراث و األسرة ،ألنهما يغريان بتضخيم الثروة و تحكيم رءوس األموال في جهود العاملين .ولكنهم يترجمون المسألة بلغة المال فال يتجاوزونها إلى لغة الحياة أو الدوافع الحيوية .أما تضخيم الثروة فيعالج بمواضيع شتى غير وسيلة القضاء على نظام األسرة و نظام التوريث .و للميراث جانب من العدل الطبيعي كذلك ،ألن الولد يرث صفات أبويه جميلها وقبيحها ،وبذلك هو مفضل لوراثة ماله على غيره و اليتساوى فيه مع أبناء القاعدين عن الكسب و االدخار.
وقد نظر القرآن إلى الميراث في نطاق أوسع من هذا النطاق ،فأنكر منه ما يعيق التقدم سدا بين اإلنسان وحرية الفكر واالرتقاء .واذا كانت شريعة الميراث و يحجر العقول و يقيم العادات ّ تحمي األسرة ،وال تحجر على حرية األجيال فهي على هذا أصلح ما تصلح به الجماعات البشرية من نظام.
()22
@Rawafed_k Rawafed-k
"األسر أو"الرق
@Rawafed_k Rawafed-k
ال تزال الدول الغالبة توالي البحث في مسألة األسرى وتحاول أن تشرع لهم نظاما جديدا يوافق العالقات اإلنسانية التي تقررها بين الغالبين و المغلوبين وبين األمم كافة على التعميم. ويعترف الساسة والمفكرون أنه من الواجب و المروءة و كذلك المصلحة العالمية ،في تحسين العالقات ،تصحيح اآلداب اإلنسانية في معاملة المغلوبين .على أن النظرة العقلية أو الروحانية التي نظر بها حكماء الغرب ومصلحوه لم تسبق هذه النتيجة الواقعية بشيء كثير .فقد اعتبر “أفالطون” أن نظام االسترقاق نظاما مالزما للجمهورية الفاضلة في مثلها األعلى .وجعل “أرسطو” الرق نظاما مالزما لطبائع الخليقة البشرية .وكتب القديس “بولس” رسالة يأمر فيها العبيد باإلخالص في إطاعة السادة .ولكن القرآن أباح استخدام األسرى ،ألن األسر حالة البد من دخولها في الحساب مادام في الدنيا غالب ومغلوب ،ولكنه حث المسلمين بفك األسرى ،و قبول الفدية ،واإلحسان إليهم. بل وجعل اإلعتاق حسنة تكفر عن كثير من السيئات.
()24
@Rawafed_k Rawafed-k
العالقات الدولية
@Rawafed_k Rawafed-k
من المستحسن في كتاب عن عقيدة الجماعة اإلسالمية أن نلم بأصول األدب التي يتعلمها المسلمون من كتابهم في معامالتهم مع األمم األخرى .وقد أوجب القرآن الكريم على المسلمين الوفاء بعهودهم ،وجعل الخروج من فضيلة الوفاء كالخروج من فضيلة اإلنسانية .بل أمرهم أن يعاملوا الخائن بمثل عمله ،وال يتعدوه إلى الجور والتنكيل.
و شريعة القرآن لم تضع سيف قط في غير موضعه ،ولم تستخدمه قط حيث يستغنى عنه بغيره .السيف للسيف ،فإذا انكسر سيف السلطان بقي رعايا الدول أح ار اًر فيما يختارون ألنفسهم من دين آباءهم أو من الدين الجديد .ولم يقل الكتاب قاتلوهم حتى يسلموا كرها إن كانوا ال يسلمون اقتناعا .وعالقات الحرب والسلم بين المسلمين وجيرانهم أو معاهديهم هي أرفع معاملة عرفت في عصور الحضارة اإلنسانية ،حتى في معاملة األسرى والرسل والجواسيس .فقوام المعامالت في هذه العالقات على الرفق ما أمكن الرفق ،ثم على القوة المنصفة؛ التقاء ما ال يتقى بغيرها .وعلى مثل هذه المعاملة تصلح العالقات بين األمم و الحكومات ،وفيها كل ما يهيئ األسباب للوحدة العالمية بين الناس كافة.
()26
@Rawafed_k Rawafed-k
العقوبات
@Rawafed_k Rawafed-k
من المتفق عليه في عصرنا أن الجريمة فساد في نفس المجرم ،و أن العقوبة إصالح له ووقاية للمجتمع من فساده ،وأن مصلحة المجتمع مقدمة على مصلحة الفرد ،ولكن ال تغفل مصلحة الفرد إال إذا كانت إحدى المصلحتين معارضة لألخرى .والعقوبات في اإلسالم قسمان :قسم التعزير وهو يتناول الزجر و الغرامة و الحبس و الجلد ،و قسم الحدود وهي عقوبات الفساد و القتل و السرقة و الزنا و شرب الخمر .و ال يخفى أن الشرائع الدينية تستمد سلطانها من أمر اهلل .ولكن مبادئ التشريع التي تقوم على مصلحة األمة ال تعارض مبادئ اإلسالم .فاإلمام هو المسئول عن إقامة الحدود و األخذ فيها بالتشديد أو التخفيف ،ولكنه مسئول أمام الجماعة ،واجماع المسلمين مصدر من مصادر التشريع .و أخيرا ،إن قواعد العقوبات اإلسالمية بما فيها من الحيطة و الضمان و مباحث التصرف المالئم للزمان و المكان ،قد صلحت للتطبيق قبل ألف سنة ،وتصلح للتطبيق في هذه األيام ،وبعد هذه األيام.
()28
@Rawafed_k Rawafed-k
اإلله
@Rawafed_k Rawafed-k
العقيدة اإللهية في اإلسالم ،هي أكمل عقيدة في العقل ،و هي أكمل عقيدة في الدين. خالق واحد و عالم مخلوق ،يرجع إلى اهلل و يفنى كما يوجد .و بلغة الفلسفة قلنا :أنهما وجودان. وجود األبد ووجود الزمان .و الحقيقة أن الزمان غير األبد ننقصه كله فال يزيد في األبد شيء ،و نزيده كله فال يزيد على األبد شيء .واذا ثبت أحد الوجودين ثبوتا ال شك فيه فالوجود األبدي هو الثابت عقالً وهو وحده الذي يقبل التصور بغير إحالة في الذهن و الخيال .وهكذا يؤمن المسلم بوجود اإلله .ويكفي المسلم أن يعلم أن الزمان لم يوجد أبديا ،وأن وجود األبد أكمل من الوجود الموقوت ،وهذا هو غاية التنزيه الذي يفرضه اإلسالم على معتقديه ،وهذا -أيضا -هو غاية ما ينتهي إليه تمييز العقول .وال إعضال في فهم الصلة بين الوجودين :الوجود األبدي ،والوجود في الزمان .فالوجود األبدي كامل مطلق الكمال؛ وال يكون الكمال المطلق بغير قدرة وانعام ،وال تكون القدرة واإلنعام بغير خلق وابداع .ويستطرد بنا هذا الكالم على صفات اهلل تعالى في القرآن الكريم، فإن هذه الصفات هي الصفات التي تنبغي لكل كمال مطلق منزه عن الحدود.
()30
@Rawafed_k Rawafed-k
أكثر األقدمون متفقون على أن الكائنات العلوية كالشموس و األفالك ،خالدة ال تقبل الفناء؛ ألنها من نور ،والنور جوهر بسيط ،ال يقبل التركيب وهو من ثم ال يقبل االنحالل .وها نحن رأينا أن األجسام كلها ذرات ،وأن الذرات كلها تنفلق فتصير إلى شعاع أو نور .فمن أين لنا أن نحكم على بساطة الجوهر اإللهي حكماً نجريه مجرى اللزوم لما ينبغي عليه أن يكون عليه؟ غاية الغايات أن نقول إن الوجود األبدي أكمل وجود .وان أكمل وجود يخلق وجودا آخر دونه في الكمال ،وان الوجودين ال ينعزالن .واألديان جميعا تؤمن بهذه العالقة بين الخالق و المخلوق ،ولكنها تفرق بين عالقة الخالق بالمخلوقات وبين عالقة السبب المادي بالمسببات المادية ،ولكن األسباب المادية ال تقر طمأنينة اإليمان في قلب إنسان .و القرآن صريح في إثبات هذه العالقة بين العابد و المعبود، وكذلك في حث الناس على االستعانة بأنفسهم و االعتماد على قوتهم مع القوة اإللهية في مقام الدعاء والصالة .وليس المراد أن اإليمان باهلل قائم على الحاجة إليه وانما اإليمان بقدرته وكماله و عدله وسلطانه.
()31
@Rawafed_k Rawafed-k
وأكثر ما يعترض على حكمة الصالة أنها عمل خارج من الكون غير داخل فيه .أما إذا كانت الصالة داخلة في حساب الكون فشأنها في اآلثار و المؤثرات كشأن جميع األعمال و الحركات .و العجيب أن أدعياء العلم يشاهدون جذب المغناطيس و تأثيره و يسلمون أنه معقول، ولكنهم يستكثرون تأثير الروح في األرواح و تأثير العقل في العقول .و الوجود طبقات منها ماهو أقرب إلى الخصائص اإللهية و منها ماهو أقرب إلى الخصائص الطبيعية .فإذا كانت قدرة اإليجاد تختلف باختالف طبقات الوجود فأقرب الكائنات إلى اهلل هو الكائن الذي يعي ذاته ويعي موجده، ويستمد منه قبس من القدرة اإللهية يقصر عنه من دونه من هذه الكائنات .فجدوى الصالة ال تنفي نظام الكون؛ بل بطالن جدوى الصالة ينفي وجود اإلله.
إن أشهر الحجج التي اعتمدت عليها الفلسفة اإللهية ثالث ،وهي: -
برهان الخلق المعروف بالبرهان الكوني :أن المتحركات البد لها من محرك ،وأن
الممكنات البد لها من موجد وهو اهلل. -
برهان النظام المعروف ببرهان الغاية أو القصد :أن نظام العالم يدل على إرادة محيطة بما
فيها من األسباب والغايات. -
برهان االستعالء و االستكمال المعروف ببرهان القديس أنسلم :أن العقل إذا تصور شيئا
عظيما تصور ماهو أعظم منه.
()32
@Rawafed_k Rawafed-k
وتوكيد القرآن لوحدانية اهلل كتوكيده لوجود اهلل ،بل هو أشد وألزم في عقيدة اإلسالم .ألن اإليمان باهلل األحد ألزم من اإليمان بالعقيدة اإللهية على إطالقها .و الذين قالوا بغلبة الدليل الخطابي على الدليل القاطع في هذه الحجة زعموا أن اإلختالف بين اإللهين االثنين أو بين اآللهة الكثيرة غير الزم عقال لجواز االتفاق .وهو زعم مردود؛ ألن الوجودين اللذان يتفقان في البداية والنهاية وفي تقدير كل شيء وتصريف كل عمل ،وال يختلفان في األوصاف ،هما وجود واحد .أما اآللهة المتعددة فهي إن أطاعت اهلل ولم تخرج عن قضائه فحكمها حكم المخلوقات ،فال يستقيم على ذلك أمر الوجود.
()33
@Rawafed_k Rawafed-k
مسألة الروح
@Rawafed_k Rawafed-k
مسألة الروح أعضل مسائل العلم والفلسفة ومذاهب التفكير على التعميم ،وسواء فهمنا من الروح أنها جوهر مجرد أو أنها ظاهرة الحياة ،فال يزال العلم بحقيقتها قليال أو أقل من القليل .فمن معجزات القرآن الكريم أنه وضعها هذا الموضع الصحيح من الفلسفة و العلم ،فالعقل يهتدي إلى وجود اهلل من النظر إلى وجود األشياء ،ولكنه ال يهتدي إلى حقيقة الروح من هذا الطريق .و المباحث المتعلقة بالروح كثيرة ،إال أنه تعالى ذكر في الجواب( :قل الروح من أمر ربي) ،وهذا الجواب ال يليق إال بمسألتين :إحداهما عن الماهية؟ فأجاب اهلل تعالى بأنه جوهر بسيط مجرد، موجود يحدث من أمر اهلل وتكوينه وتأثيره في إفادة الحياة للجسد .و ثانيتهما :السؤال عن قدمها وحدوثها فإن لفظ األمر قد جاء بمعنى الفعل ثم احتج على حدوثه بقوله (وما أوتيتم من العلم إال قليال) يعني أن األرواح في مبدأ الفطرة خالية من العلوم كلها.
()35
@Rawafed_k Rawafed-k
وليس بين القائلين بالجوهر المجرد من المفكرون األقدمين والمحدثين اختالف كبير في غير أسلوب التعبير .فالمحدثون يقولون :إن الجسم ال ينشئ الحياة ،وال طاقة للمادة بتوليد القوة الحيوية .و الروح عند األقدمون "كمال أول لجسم طبيعي آلي" .أما المادييون يقولون أن الحياة حصلت ألنها حصلت ،أو ألنها قابلة للحصول .وان الخلية الحية قد تترقى بالتطور و التركيب المتالحق إلى اكتساب خصائص الحياة .ولكنهم ال يذكرون دليال واحدا ماديا معقوال على حدوث الحياة من مثل هذا التركيب .وبعض المتدينين يقول بقدم العالم كله؛ وقد يستشهد هؤالء على قدم الروح أنها من روح اهلل .ومنهم من يأتي وسطا بين المجردين و المجسدين ،فعندهم وجود الروح الحق لوجود الجسد ،وأقرب مايمثلون به وجود القصيدة في قريحة الشاعر ،أو اللحن في قريحة الموسيقار.
و السؤال الذي يتوارد على أصحاب الدين و العلم و الفلسفة على سواء ،هل السيطرة على األرواح مسألة قدسية إلهية ؟ أو آلية صناعية؟ وكيف نفسر أن عالم الروح كله لم يستطع أن ينفذ إلى عالم المادة ،وأن عالم المادة استطاع ببعض األجهزة أن ينفذ إلى عالم الروح؟ و لكن الروح في القرآن نسبت إلى اهلل بمعنى الرحمة تارة و بمعنى القوة أو الحياة تارة .وبهذه المعاني ترتفع الروح من الوجود المادي إلى الوجود المنزه عن المادة وخصائصها ،وقد تلحق بالوجود اإللهي الذي ال شبيه له في الموجودات.
()36
@Rawafed_k Rawafed-k
وينتهون جميعا إلى علم قليل في هذا المبحث العويص الذي ال يدانيه في اعتياصه مبحث آخر من مباحث الطبيعة أو ما وراء الطبيعة .ونسرد هذه الخالفات ألن مجرد السرد كاف لبيان إعجاز القرآن في وضع هذه المعضلة موضعها الصحيح بين معضالت الفلسفة الكبرى في جميع األزمان.
()37
@Rawafed_k Rawafed-k
القدر
@Rawafed_k Rawafed-k
يظهر أن اإليمان بالقدر مالزم لإليمان بالمعبود منذ أقدم العصور .فاإلنسان يعلم أن إرادته وحده ليست الشيء الوحيد فيما يشتهيه أو فيما يخشاه .وكل ماكان يستلزمه فهم القدر أنه سيطرة موهوبة تملك اإلنعام والحرمان .ولما أدرك اإلنسان شيئا من نظام األكوان ترقى بالقدر من معنى الهوى الجامح إلى معنى التنظيم و التدبير .فالبابليون كانوا أصحاب نجوم وأرصاد ،فعرفوا اإليمان بالقدر على ما يظهر من طريق األيمان بالتنجيم .ومن الراجح إن القول بالثنوية ،إنما كان حالً لمشكلة القدر عند حكماء المجوس األقدمين ،فجعلوا تقدير الخير إلله ،وتقدير الشر إلله .أما المصريون األقدمون فكانوا وسطا بين اإليمان بحرية اإلنسان واإليمان بسيطرة األرباب؛ ألنهم آمنوا بالثواب والعقاب في العالم اآلخر .وكان اليونان كثي ار ما يصورون القدر في أساطيرهم ورواياتهم غاشما ظالما يتجنى الذنوب على الناس .و لكن مسألة القضاء والقدر عندهم تحسب في ميدان الفلسفة والتفكير وليس في ميدان الدين والعقيدة.
و بالنسبة للفالسفة ،يرى أفالطون أن الشر موجود في هذا العالم ،ولكنه ليس من تقدير اإلله ،ووجوده الزم مع وجود الخير .أما أرسطو فمذهبه أن ال قدر هناك وال تقدير ،وكل إنسان حر فيما يختاره لنفسه .و لفالسفة اليونان مذاهب في القدر تتراوح بين مذهب الجبر و مذهب الحرية ،وتتوسط بينهما أحيانا في القول باالضطرار أو القول باالختيار .ومن اآلراء المهمة ،رأي افالطون ،ألنه على اتصال شديد بالمذاهب الدينية .وهو أن اإلنسان في حياته األرضية خاضع لقضاء سابق من أزل اآلزال.
()39
@Rawafed_k Rawafed-k
و أما بالنسبة لفالسفة العصر الحديث ،فيرى الفيلسوف توماس هوب أن اإلنسان يعمل ما يريد ،ولكنه ال يريد ما يريد ،بل يريد ما فرضته عليه الوراثة و البيئة و غيرها .و ديكارت يقول أن الجسد محكوم بقوانين الطبيعة كسائر األجسام المادية ،ولكن الروح طليقة وعليها أن تجاهد الجسد. ومذهب ليبنتز أن كل موجود في الكون وحدة مستقلة ال تتأثر بوحدة أخرى ،ولكنها قد تتفق .و الفيلسوف كان يقرر ضرورة األسباب في عالم التجارب المحسوسة ،ولكنه يرى أن هنالك عالما أعلى من العالم المحسوس .ويتلخص مذهب هيجل أن تاريخ العالم بأجمعه إنما هو ترويض اإلرادة الطبيعية الجامحة حتى تخضع من ثم لقاعدة كونية عامة تتولد منها الحرية الذاتية .و يقوم مذهب شوبنهور على اإلرادة و الفكرة ،ولكن اإلرادة عنده هي مصدر الشر كله في الكون وفي اإلنسان. و ال يزال فالسفة العصر يخوضون في المباحث على تفاوت كبير بين القول بالجبر والقول بالحرية اإلنسانية ،و القائلون بالمادة و القائلون بالعقل .و حين تقدمت الكشوف الذرية في أوائل القرن العشرين ضربت الحتمية -وهي القول بالجبر -ضربة قاصمة ،وفتحت الباب واسعا للقول بالحرية و االختيار .وليس معنى هذا أن الكون يجري بغير نظام ،وانما معناه أن النظام ال يمنع االختيار وال يغلق الباب على اإليمان.
()40
@Rawafed_k Rawafed-k
فلم يبق من فروض اإللهية الدينية غير فرض واحد يقبله العقل ويستقيم عليه االعتقاد، وهو فرض اإلله الذي يخلق الخلق على اختالف في التقدير و التكليف .و االعتراض عليه أن التفرقة ظلم يناقض صفة العدل التي يتصف بها اإلله .و لكن يتبين أن العدل األعظم يناط به قوام الموجودات ،و ال يكون ذلك مع المساواة المطلقة في التقدير و التكليف .وعلى هذا يستطيع المسلم أن يؤمن بأحكام القرآن في مسألة القضاء والقدر ،ألنه يؤمن عقال بأن وجود اهلل يبطل قيام التكليف ،وان قيام التكليف ال يبطل اختالف الحظوظ و األقدار .ولكن إيمان الغيب إيمانان : إيمان بما ال يعقل ،وتسليم مزعزع األساس ،وايمان بما ينتهي إليه العقل حين يبلغ مداه .وهكذا يكون اإليمان إن كان البد من إيمان.
()41
@Rawafed_k Rawafed-k
الفرائض و العبادات
@Rawafed_k Rawafed-k
الفريضة الدينية أدب يراد به صالح الفرد أو صالح الجماعة .ومن محاسن الفريضة اإلسالمية أن كل فريضة منها تؤدي إلى المقصدين ،وتُجعل إلنسان ذي ضمير ولجماعة ذات ضمير .فصالة الجماعة في يوم الجمعة خير من مطالب المعاش ،واذا صلى المسلم منفردا في سائر األيام فهو في انفراده ال يغيب عنه شعوره باصرة القربى ،ألنه يعلم أنه يتجه وجهة واحدة مع كل مسلم على وجه األرض يؤدي فريضة الصالة ،وفيها تمتزج حياة الفرد بالعنصر اإللهي .و الزكاة مصلحة للجماعة ألنها تقيم دعائم التعاون و تعالج مشكلة الفقر ،و هي أيضا رياضة للنفس يأخذ منها الواهب كما يأخذ منها الموهوب .أما الحج فمؤتمر عالمي يعقده المسلمون مرة في موعده المعلوم من كل عام ،ونعم العمل المشترك عمل ال ينقطع عاما من األعوام .أما الفرد فله من الحج رياضة على المشقة و منشط من طول اللبث و الجمام .و الصيام في مظهره االجتماعي يعطينا مظهر أسرة عظيمة ،فماليين من الناس يطعمون ويمسكون على نظام واحد .أما الفرد فيستفيد منه في ضبط النفس و شحذ عزيمتها على الفكاك من أسر العادات و تطويع الجسد لدواعي العقل و الروح .وأخي ار إن كانت للجماعة عقيدة دينية فالبد لها من شعائر ،وليس بين هذه الشعائر خير من شعائر اإلسالم.
()43
@Rawafed_k Rawafed-k
التصوف
@Rawafed_k Rawafed-k
من آراء بعض الباحثين أن التصوف دخيل على اإلسالم ،وأن اسمه مقتبس من كلمة يونانية (الثيوسوفس) أي الحكمة اإللهية .و اختلفوا فيها ،فتارة ردوها ألهل الصفة ،وتارة إلى لبس الصوف ،وتارة إلى الصفاء .ومنهم من قسمهم إلى قسمين :قسم يقوم على طلب المعرفة ،وقسم يقوم على تصفية النفس بالعبادة و االنقطاع عن الدنيا و الفناء في اهلل .لكن التصوف في الحقيقة غير دخيل في العقيدة اإلسالمية ،ألنه مبثوث في آيات القرآن الكريم ،فالمسلم الذي يق أر آيات قصة الخضر مع موسى في سورة الكهف ،يجد فيها غناء من األصول الصوفية ،و ال يفوته إذا اكتفى بها أن ينشئ منها مدرسة صوفية إسالمية .ولكن القرآن حين يفتح للمسلم أبواب الحياة الروحية يحرم عليه أن يوصد أبواب الحياة الجسدية .وال يوجب اإلسالم التنسك على جميع المسلمين؛ ألن أناسا منهم تخصصوا له ،ولكنه يجيزه بالقدر الذي بيناه ،وهو القدر الذي ال غنى عنه في تدبير حياة اإلنسان .واذا كان طالب القوة الروحية يؤثرها على جسده فلماذا نلومه ،وال ننحى على الالعب إذا آثر المهارة في اللعب على المهارة في فنون العقل أو الروح .والبد من هذه اإلباحة والبد من هذا اإلعفاء ،فإنهما يجريان بالقدر الذي يفيد ويمنع الضرر في كلتا الحالتين.
()45
@Rawafed_k Rawafed-k
احلياة األخرى
@Rawafed_k Rawafed-k
األديان الكتابية على اتفاق في اإليمان بالحياة بعد الموت ،وان اختلفت بينها بعض االختالف في تمثيل الحياة .و قد آمن الفالسفة بالحياة األخرى قبل األديان الكتابية جميعا وبعدها. فالنفس في مذهب أفالطون جوهر مجرد ال يقبل التجزئة وهي في قوام الحياة ،وماهو حياة ال يمكن أن يعود "الحياة" .وبقاء النفس عند كانت مرتبط برأيه في "القانون األخالقي" الذين تدين به فطرة اإلنسان ،ويدل على قوة إلهية فوق إرادة اآلحاد و الجماعات .ونريد من اإلشارة إلى رأي الفالسفة، أن يذكر الناظرون في مسألة الحياة بعد الموت أنها مسألة بحث وتفكير ،وليس قصارها أنها مسألة اعتقاد وايمان.
ولكن البد من توضيح الحقيقة االعتقادية بالمحسوسات في كثير من األحوال ،فالقرآن الكريم يفرض على المؤمنين عقيدة البعث والحساب ،ويدعوهم إلى اإليمان بالنعيم والعذاب .وال معدي إذن من إحدى صورتين لعقائد الجماعات البشرية :إما أسلوب يحقق الحكمة من العقيدة عند جميع الناس ،والبد فيه من التعبير عن المعاني بالمحسوسات .و إما أسلوب يترك الخاصة ألنفسهم، وينفى العامة عن حظيرة االعتقاد وهو ال يحقق الحكمة من العقيدة بحال .وقد رأينا في أن الفالسفة الذين قالوا ببقاء النفس يقولون بذلك؛ ألنهم وجدوا وجوبها الستقامة قضاء العدل اإللهي بين األخيار و األشرار .و للنبي عليه السالم أحاديث فحواها أن العذاب تطهير وتكفير ،وأن األنفس جميعا تتالقى في حظيرة الرضوان.
()47
@Rawafed_k Rawafed-k
اخلامتة و يف اخلتام ،كان هذا قبس من نور ،وجزء من كثري ،ونبذة من فصل .اكتشفنا بني الصفحات خطاب القرآن وعقيدته اليت تعمر الضمري و حترر العقل يف سبيل سعادة وراحة اإلنسان يف الدنيا واآلخرة .وأن كل األوامر و النواهي اليت عرضت يف القرآن الكريم تصب يف مصلحة الفرد و اجملتمع .وأخريا قد مت عرض الفلسفة القرآنية يف هذا الكتاب بطريقة حديثة لتوائم العصر احلديث و ختاطبه ،حيث أهنا عقيدة للجماعات اإلسالمية على مدى األزمان.
()48
@Rawafed_k Rawafed-k