1
2
3
تدقيق امالئي وحنوي: زينب حسين
تنسيق الكتاب واخراجه: مروج أيمن القرماني 4
المقدمة هل الدين جزء من الثقافة؟ متحولون ومرسلون :الصدام بين ثقافة ودين- اإلرساليات الكاثوليكية اإلرساليات البروتستانتية تتر وموريس كيون الدول وصناعة عرقيات جديدة بناء على معالم دينية صناعة السلطات االستعمارية البريطانية في الهند للفئة العرقية الجديدة من المسلمين باكستان :دولة المسلمين أم دولة إسالمية؟ الحالة البوسنية في الهجرة اليهود بين الدين والثقافة النزاعات القومية الدينية الخاتمة
5
الحمد لله الذي ال تتم نعمة إال بفضله ،يعطي الكثير بالقليل ويجازي بما في القلوب.. دائما خلقنا في هذه الحياة مختلفين لنكمل بعضنا البعض ولكن األمر الذي يجمعنا ً تحت راية واحدة هو (اإلسالم) وهذا ملخص بسيط لكتاب (الجهل المقدس) للمؤلف (وليسفيه روا) الذي يتحدث فيه عن عالقة الثقافة بالديانات ومرحلة الحياة التي قضاها في الكنيسة وكيف أثرت رحلته العلمية في المرحلة الجامعية في التعمق في هذا الموضوع والبحث عنه بين النظرة العميقة في الفكر والثقافة في األديان.
نترككم مع الرحلة في الكتاب ،قراءة ممتعة يا أحبة.
6
❖ إن العالقة بين الدين والثقافة ليست بجديدة ،مثلما أن العولمة ليست بمستجدة ،غير أن التطور المعاصر للعولمة ينظم ويدخل بعدًا مستجدًا وهو التفريق بين األديان ما يستتبع قد ًرا أ كبر من االستقاللية للدين .إن هذه الالمساواة بين األديان حيال العولمة تفسر برحابة الخيارات المتخذة في هذا الكتاب ،فاألمر ال يتعلق بمبحث عام في العالقات بين الدين والثقافة. إن ظواهر التحول من دين إلى آخر تهمنا بوجه خاص ،ال ألنها قد تكون أ كثف مما كانت عليه في الماضي وإنما ألن التحوالت تصدر اليوم حصريًا عن اختيار فردي ،فهي إ ًذا مؤشرات جيدة على ً انفصاال بينًا عن الضغوط السياسية .وتطرح اليهودية حالة خاصة ،إنها قيام سوق للدين منفصلة دين عرقي من البداية ،ألنها تتماهى مع شعب لكنه شعب غدا شتات ًيا ومواج ًها بتغيير ثقافي ،ومذ ذاك تشهد اليهودية إشكالية تفريق منتظم بين المعالم الدينية والمعالم الثقافية .أما األنظمة األخالقية والفلسفية فلها منحى آخر .ما من شيء يعرف بأنه دين إال ما كان معتر ًفا به كدين من قبل الثقافة المهيمنة اليوم؛ فذلك قد يقوض حجتنا القائلة باالنفصال بين الثقافي والدين .غير أن توحيد النمط هذا هو نتيجة للعولمة :ألن العولمة تسمح ألديان أخرى بالظهور في هذا الشكل الجديد.
جا لثقافة محددة ،إننا نتناول كلمة ثقافة في معنيين: إن العولمة في ذاتها ليست نتا ً 7
-1منتجات أنظمة رمزية ،وعروض خيالية ،ومؤسسات خاصة بمجتمع. -2المنتجات الرمزية المقومة اجتماع ًيا كأصناف جمالية مستقلة ذات ًيا (الفن). نظاما رمزيًا بين أنظمة في المعنى األول يعالج علماء األناسة وعلماء االجتماع الدين بوصفة ً متمما من ثقافة محددة؛ إنه الثقافة .ومن جهة ثانية أخرى ،وعلى ذلك فهو مدرك بوصفه جز ًءا ً فإن كثي ًرا من األديان ال تدعي أنها شيء أو باألحرى إنها مبنية كدين من الخارج فقط مع كل ما يمكن أن ينطوي عليه ذلك من مفارقة تاريخية نزعة عرقية .على أن هذا التعريف يصطدم بسيطا بين أنظمة باالستثناء الديني :الدين الذي يرفض أن يكون نظام معتقدات ً أخرى ،ألنه يؤكد أنه الحقيقة .هذه األديان تعتبر أنها حاملة رسالة عالمية متعالية على الثقافات ألن اإليمان يطرح حقيقة أبعد من العالقة الثقافية .إذا ما تأملنا مل ًيا في األديان التي ترجع إلى نظام متعال ،نظام الحقيقة والمطلق ،نجد أن العالقة فيها بين دين وثقافة عرضية وظرفية ،ألن الدين مدرك على هذا النحو ويرغب أن يكون أبعد من كل ثقافة ،حتى وإن كان يمكنه أن يعتبر أنه مجسد على الدوام في ثقافة معينة في لحظة معينة .أو أنه نتاج ثقافة وهو تحول معايير دينية إلى مظهر خارجي ،أي إلى سلوكيات ُمستبطنة وثابتة ال تتبع ال اإليمان وال االعتقاد حتى؛ ويظهر هذا المفهوم الثاني في االستخدام المألوف لدى المسلمين لمفهوم «ثقافة إسالمية » ،حيث المقصود معايير ثقافية تخص العائلة ،واختالط الجنسين ،والحشمة ،والغذاء ...إلخ؛ وهي تختلف
8
عما يعنيه المستشرقون الغربيون بقولهم ثقافة إسالمية ،تلك التي تشتمل على الفن والهندسة المعمارية ،والحياة الحضرية ... ،إلخ ،وفى الحالتين ليس لما هو مفهوم تحت عبارة الثقافة مكانة ً انفصاال بينًا عن الثقافة ،والحال الدين في الواقع ،ال ُيطرح الدين بصفته دينًا إال عندما ينفصل أن أي دين ال يمكنه أن يلبي شروط العولمة وأن يصبح عالم ًيا ،إال إذا قدم نفسه على نحو مجرد على أنه غير ثقافي.
❖ أ -الثقافة وبادئاتها: كلما كان المراد النظر في العالقات بين الدين والثقافة يبدأ الدوران حول كلمة ثقافة تالع ًبا بالبادئات :فقدان الهوية الثقافية ،تثاقف ،اندراج ثقافي ،انسحاب من الثقافة .يتجرد الدين من الهوية الثقافية عندما يريد استئصال الوثنية (المسيحية الغازية في أمريكا ،اإلسالم التقليدي في شبه القارة الهندية)؛ ويتثاقف عندما يتكيف مع الثقافة المهيمنة عندما يتكيف مع الثقافة المهيمنة ،ويندرج في ثقافة عندما يسعى إلى الحلول في صلب ثقافة معينة ،وينسحب من ثقافة عندما يخال أنها غائص في ثقافة مهيمنة كان هو طر ًفا مستحو ًذا عليها .يمكن أن ينبثق دين من حضن ثقافة بطريقتين :من الداخل بواسطة وحي أو من الخارج عن طريق العمل
9
التبشيري بأشكاله ،وليست العالقة بالثقافة هي نفسها في الحالتين ففي األولى يحافظ الدين على عالقة وثيقة بالثقافة وفي الثانية عالقة خارجية. ب -التحول في ثقافة المتحول: كان كثير من المسيحيين األوائل يعتقدون أن المسيحية التي لم يكن لها اسم بعد التزال في نطاق اليهودية ،كانوا ال يشعرون أنهم يخرجون من عالم ثقافي ،بل يعلمون أنهم يأتون برسالة دينية جديدة هي البشارة ،وال يرون أن هذه الرسالة تطعن في اليهودية الثقافية ً أيضا. ت -التحول في ثقافة أخرى: إن التبشير والتحويل وإن كانا مبررين باعتبارات الهوتية فإن ممارسة التحويل ونفيها محددة دائما مسألة المتفضل بين الدين والثقافة .من تحديدًا عمي ًقا بالسياق الثقافي والسياسي وتطرح ً الخطأ االعتقاد أن المسيحيين والمسلمين والبوذيين سعوا «في كل األوقات» إلى تحويل جيرانهم ،كما أن من الخطأ القول إن اليهودية لم تعرف التحويل ،وغال ًبا ما ُيرى أن التحويل اليوم على أنه امتداد لمشروع سيطرة سياسية جهاد ،إرساليات أجنبية .أما قضية المحولين عن اإلسالم إلى الكاثوليكية من اإلسبان ،بعد إخراج العرب من إسبانيا ،فهي مثال مضاد خاطئ ،إذ لم يعترف يوما اعترا ًفا حقيق ًيا كمسيحيين صادقين ،وفي المقابل ،شهدنا بعد صمت دام مئتين بهم ً عاما ،دف ًقا من اإلرساليات البروتستانتية في نهاية القرن الثامن عشر. وخمسين ً
❖ 10
عندما أنشئت اإلرساليات كان التصور أنها ملحقة باالستعمار ،وتمسكت الدول األوروبية كل التمسك كل التمسك ال بمراقبة إرسالياتها الخاصة فحسب بل أ كدت فو ًرا وعلى وجه الخصوص حقها في التوطيد في مستعمراتها الخاصة .أنشئت جمعيات دينية متجاوزة للحدود اإلقليمية، دولية تجنيد عديدها ،ومرتبطة بالفاتيكان ارتباط مباش ًرا لتنصير الوثنين ،كما أسست معاهد لدعمها مثل المبرة لنشر االيمان.
❖ أمدت حركة اإلصالح الديني البروتستانتية على الفور االنفصال المطلق بين الدين والثقافة وهذا ما يفسر بوضوح التحفظ األولي عن العمل اإلرسال ،وكان نشر البروتستانتية في أوروبا عبر الكتابة في وسط مثقف وقابل للتأثير .يوجد الكثير من الثقافات لدى الشعوب لكن الدين واحد ،ففي العرف الكاثوليكي يدافع عن حدوث ثقافة جديدة ،وكذلك البروستاتتين يرى أن يعيش وف ًقا لدينه وال يطلب السيطرة على أي شعب من الشعوب ،فأدى هذا المنطق أن البروتستانتيين لم يقوموا بتنصير الهنود والعبيد السود عكس الكاثوليكيين الذين بذلوا في ذلك أقصى ما لديهم من جهد للتنصير ،فكل من الكاثوليكيين والبروتستانتيين يديرون الثقافة والدين بطريقة مختلفة فالكنسية الكاثوليكية تبحث عن عالقة تكافل مع الثقافة ،في حين أن الكنيس تماما فتجعل الثقافة بعيدة كليا عن الدين. معاكسا البروستاتتين تسلك طري ًقا ً ً 11
من أين أتت أهمية العِ رق: أتت لما رأوا البروتستانتيين أنهم أقليات في مجتمع الكاثوليكي ثقاف ًيا ،فجعلوا من ثقافتهم شرطا للدخول في الدين ،فأعلنوا على أن سكان البالد األصليين يكونوا إنجليز جسديًا الجديدة ً وثقاف ًيا .في عهد البابا بندوكس السادس كانت ال تزال فكرة أن الثقافة الغربية ال قيمة لها في ذاتها إال إذا ملهمة بالمسيحية ،فهذه الثقافة المسيحية كانت تدافع عن الكنائس في ذلك الوقت، وليس الثقافة الغربية بصفة عامة .ومن ضمن األشياء التي لم يذكرها الكاثوليك لنظرائهم من ً وأيضا التثقيف لصالح الحضارة البروتستانت هو أن التغريب مقدم بذاته حتى على التنصير، الغربية مقدم ،بل يضعون ذلك على الكنسية بأنهم يتثقفوا ويقبلوا الثقافات األخرى لصالح كنيستهم. قدوم الثقافات وأزمة الحضارة: بعد عام 1945م ،جاء مفهوم جديد على أيدي رجال سياسيين يقوم على تساوي الثقافات، وذلك للمساوة في المكانة والتعقيد ،فكان أهم من عمم في هذا الموضوع وساهم في نشره شخص يدعى –كلود ليفي -من فرنسا.
12
دين ،عرق ،أمة: وال يزال الصراع مستمر ،أما ثقافة مع دين وثقافة بال دين ،هذا الصراع كان أ كثر صلة بين معلما لمعالم أخرى كاللغة واألدب ،ولكن يمكنه أن المعلمين ،فأصبح معلم الدين ال يكون ً ً مفرغا من أي معنى ديني ،كما يمكنه أن يصبح المعلم الغالب للهوية دون معلما ثقاف ًيا يصبح ً أن يقترن بأي ممارسة دينية أصيلة وإن كان يفضلها ،فعلى هذا األساس كانت الهوية الثقافية أهم بكثير من الثقافة الدينية. المعالم الدينية والثقافية: منطقة سريان ترابدين منفردة بأن تكون سريان ًيا ،أن تكون مسيح ًيا تتكلم اللغة السريانية ،وال تكون كرد ًيا أو ترك ًيا .البامريون كانت ال عالقة منهجية لديهم بين اللغة والدين ،غير أن هذا التهامي مع السيد عن طريق الدين ما لبث أن طرح مجددًا ،كيف السبيل إ ًذا إلى اختيار هوية دينية ،ال تكون هوية السيد األبيض األنكلوسكسوني؟ ثمة خيار أول ممكن :خيار عالمي آخر ،اإلسالم ً مثال ،ولكنه سوف يرفض على وجهين مختلفين مع المعلم الثقافي .فتحت تأثير االتجاه ،محمد اختيار السود ،والمعلم الديني تابع للمعلم العرقي وتذهب كنائس مسيحية سوداء أخرى بدورها إلى تقديم نفسها على أنها (سوداء ً أوال) فالعالمية الدينية مرفوضة لصالح العرقية (عرقية محددة هنا وف ًقا للفئة القانونية التي وضعتها المحكمة العليا األميركية في نهاية القرن التاسع عشر :األسود هو كل إنسان لدية قطرة واحدة من دم 13
أسود) ،وهذا ما يستعيد في الواقع إيحاء العبوديين البروتستانت الذي أدى إلى نظام الفصل والتمييز العنصري ،عندئذ يصار إلى تطوير إعادة كتابة (سوداء) للتاريخ الديني ،تندرج في سياق الالهوت البلدي الذي أشرنا إليه أعاله ،الممتع رؤية بعض علماء األناسة السود ويجتهدون أنفسهم إلضفاء اعتبار المعلم العرقي هذا ،قد يكون الغناء اإلنجليزي هو التعبير عن تدين أفريقي محض ،بقي كركيزة ومن شأنه أن يجعل المسيحية (بيضاء) .تحت تأثير مؤمنين ذهبوا إلى مكة نشأ تيار تقليدي يقوده وارث الدين محمد ،نجل البشاه محمد ،الذي رفض في عام ،1975أثر وفاة والده ،كل عرقنه اإلسالم األمريكي وفضل آنذاك عالمية المعلم الديني .األمة ،جماعة المؤمنين ،وليس الجماعة السوداء وحدها كما كان شأن منظمة أمة اإلسالم .واليوم يسيطر التيار الوسطي بزعامة وارث الدين محمد وبات السود الذين يتحولون الى (إسالما أسود) ،غير أن اإلسالم ينضمون إلى هذا التيار في معظم األحيان .وال يسعهم أن يروا فيه ً قيام طائفة دينية فيما يتعدى األعراف ما زال بعيدًا ،ذلك أن اإلسالم التقليدي األمريكي يمثله بوجه خاص ،ابتداء من ثمانينيات القرن العشرين ،مهاجرون قادمون من الشرق األوسط ً جا الجنوبية ،يعتبرون أنفسهم (بيضا) ،وينتمون إلى طبقات وسطى وعليا وهم أ كثر اندما ً ً وتحصيال علم ًيا من السود األمريكيين المسلمين ،هنا لم يعد الحاجز عرق ًيا بدرجة كبيرة ،إنه حاجز اجتماعي .وعالوة على ذلك فبمعزل عن إرادة التقارب بين المتحولين إلى اإلسالم السود والمهاجرين المسلمين تبقى االستراتيجيات مختلة .فاألخرون يحاولون تقديم أنفسهم على أنهم 14
مسلمون أمريكيون ،حيث المعلم الثقافي أمريكي والمعلم الديني مسلم .وهم يتشاكلون وف ًقا للبيئة المحيطة .الفتى محمد سوف يطلب أن يدعى مو في المدرسة ،وسميع هللا سام .وفي معاكسا ،فيتخلون عن المقابل ينحو عدد من المتحولين إلى اإلسالم السود األمريكيين منحى ً أسمائهم (البيضاء) إذا ما كان ثمة اتفاق على التقليدية الدينية فالموقف من العالم الثقافية مختلف لدى الفريقين ،يسعى السود إلى تفريق/تكامل باسلتهم المعلم الثقافي ،يلتمس المهاجرون أمركة المعلم الديني .وعلى ذلك فاإلسالم يستخدم تارة لتعزيز الذاتية السوداء ،مثل المسيحية ،لمحاولة إذابة الهوية السوداء في جماعة إيمان أوسع .ثمة حالة خرى مثيرة لالهتمام هي حالة السود األمريكيين المتحولين إلى اليهودية ،في حالة الجماعات المنعزلة التي تدعى ا كتشاف أصولها اليهودية ،فالمقصود هو تحول ذاتي مقنع بحكاية أصول ،هي قبائل إسرائيل العشر المفقودة؛ وهم يؤكدون أن اإلسرائيليين القدماء كانوا سودًا أ كثر يهودية من اليهود الحاليين ،وقد هاجر مئات من اتباع هذه الفرقة الى إسرائيل ،لم ُيعترف بهم كيهود ،ولكنهم يمنحون في الغالب إذن إقامة.
15
❖ ثمة أمثلة أخرى على جماعات عرقية مغلوبة اعتنقت دين الغالب ،ولكن باإلكراه هذه المرة، وسبق أن ألممنا بحالة مسلمي إسبانيا ويهودها ،وكان تحول هؤالء إلى الكاثوليكية نتيجة إ كراه ال ً تحوال حقيق ًيا من قبل النظام الملكي اإلسباني الذي لم يسعه اختيار .فإن تحولهم لم يعتبر قط بكل وضوح أن يرى فيهم مسيحيين منتمين إلى ثقافة أخرى ،وعلى ذلك إن كان فقدان الهوية الثقافية في حالة العبيد السود األمريكيين نتيجة تلقائية إلخضاعهم للعبودية ،فإن أقليتي إسبانيا المسلمة واليهودية حافظتا على عالقتهما باألرض وعلى بناهما العائلية ،وتقوم حالة التتر الروس، األقل مأساوية على اإلشكالية نفسها .إن تركيبة المعلم العرقي والمعلم الديني معقدة هنا، فالمتحدرون من التتر المتحولين ما انفكوا ينعتون ب (المتحولين)؛ وكانت تسميتهم الرسمية في نهاية القرن التاسع عشر هي (طارئون متحولون) ،وفي مطلع القرن العشرين طلب عدد منهم العودة إلى اإلسالم ،وكانت الحجة المقدمة من قبل السلطات أن ثقافتهم على وجه التحديد لم تكن مرتبطة بالمسيحية ،وعلى ذلك بقيت مسيحتيهم مصطنعة الى حد ما .هنا ً أيضا نقع على تأكيد ذاتي للفكرة القائلة بأن ال وجود لدين بال ثقافة ،وإن كل ثقافة ال بد من أن تكون مرتبطة بدين.
16
إن كل التتر عادوا مسلمين مجددًا ،بل إن الذين ظلوا مسيحيين باتوا يقدمون أنفسهم على أنهم روس ،قد يكون هذا النموذج موجودًا في الحكم غير المتوقع ،الصادر عن المحكمة المصرية نظرت ،في كانون الثاني /يناير ،2008في طلب تقدم به أقطاب كانوا قد اعتنقوا األسالم بشأن ً أصال عن كونهم مسيحيين. إمكان عودتهم للمسيحية ،وقد حكمت المحكمة بأن هؤالء لم يكفوا
❖ شيوعا إن الدول هي صانعة كبرى لفئات عرقية جديدة انطال ًقا من معالم دينية ،والحالة األكثر ً طبعا .زرعت السكان على جماعات دينية تحتفظ بقوانين أحوال شخصية هي الملة العثمانية ً خاصة بها تحت أشراف سلطاتها الدينية ،وغال ًبا ما يحدث تقاطع فعلي ما بين عرق ودين فيما دائما ،ألنه إذا ما وجدت كنائس عدة يخص المسيحيين ،بيد أن المعيار الديني هو ما يطغى ً لجماعة عرقية لغوية بعينها تخلق ملة (قومية) لكل كنيسةً ، مثال هناك ملة أرمنية أرثوذكسية ،وملة أرمنية كاثوليكية... ،إلخ .كذلك يمكن ألقوام من أعراق مختلفة أن يحشروا في ملة واحدة :العرب األرثوذكس "الملكيون" حشروا في ملة " اليونانيين أرثوذكسية" (كهنتهم اليونانيون) وحددت ملة الموارنة بناء على خصوصية كنيستهم ،ال لغتهم (وهم ناطقون بالعربية). 17
إن تاريخ الملل المسيحية المعروفة جدًا ،بيد أن قيام الملل مسيحية متنوعة جدًا أحدث صدمة معاكسة وكان من شأنها تقليص أشكال التعبير في اإلسالم .قبالة عالم مسيحي منقسم يتعين إبراز وجه واحد لإلسالم ،ولنعرض هنا لثالث من حاالت صنع عرق جديد مسلم بناء على قرارات سياسية.
❖ في غمرة تنوع المشهد الديني والعرقي الهندي ،عمد البريطانيون أثناء اإلحصاء السكاني إلى تبسيط حاالت جماعات صغيرة ذات هويات معقدة وتصنيفهم كمسلمين ،قبل معاملتهم بهذه الصفة. ومن ذلك على سبيل المثال أن المسلمين من البنغال يحملون أسماء هندوسية ،ويستخدمون مفرداتهم الخاصة لقول (إله) أخذو يتسمون بأسماء مسلمة ويقولون (هللا) ،في الموازاة هذه المجانسة اإلدارية ،وفي انسجام التام ،نمت نزعة الجامعة اإلسالمية لدى المسلمون الهنود ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر ،بما في ذلك المالبس (اتخذوا الطربوش في أليغار ،والمالبس العربية
18
في مناطق أخرى) ،وكذلك جرى تثبيت اللغات للداللة على تمايز ديني ال عالقة له البتة بحقيقة لغوية ،فينقسم اللسان الهندوسي إلى اللغة األوردو (لغة المسلمين) والهندية (لغة الهندوس).
❖ أسفر خلق هيئتين ناخبتين وقسمة المجتمع الهندي بين هندوس ومسلمين ،على حساب هويات أ كثر تعقيدًا (عرقية ،ودينية ،ومنطقية) ،عن نتيجة منطقية تمثلت بوالدة حركة انفصالية مسلمة تنادي بإقامة دولة لمسلمي شبة قارة الهندية هي باكستان ،لكن تجدر اإلشارة أن اإلسالم كثقافة وليس كدين هو ما يحدد اإلسالم في نظر مؤسسها على الجناح (وهو ما المه عليه أبو األعلى المودودي) .وطالما ترددت باكستان بين تعريفين لكيانها :أن تصبح دولة أمة إقليمية يتفق أنها مسلمة أو حري بها أن تكون مسلمة عقائدية مدعوة إلى تمثيل كل مسلمي المنطقة ،بل األمة .بيد ان السياسة اإلسالمية هذه ال يمكن أن تسري إال انطالقا من ً محضا في مقابل ما يتعدى الثقافات تيارات إسالمية او أصولية – جديدة ،تحاول أن تقيم دينًا القائمة وال تعترف بالحصانة اإلقليمية للدولة الباكستانية ،ها نحن أ كثر من أي وقت مضى في غمار الجهل المقدس ،وذاك أن سيادة المعيار الديني تجهض كل محاولة إلقامة ثقافة.
19
❖ لم يكن مسلمو يوغوسالفيا السابقة جماعة عرقية في يوم من األيام ،وكانت حقوقهم الدينية مكفولة من قبل النمسا ،هنغاريا عند ضم البوسنة والهرسك ( .)1908ويتميز مسلمو البوسنة مصطنعا عن مسلمي (تكتب بميم صغيرة) يوغسالفيا اآلخرين ،أمثال مسلمي السنجق تمي ًزا ً (الواقع في صربيا) الذين يعرفون بمعلم ديني فقط (إنهم صربيون مسلمون) ،وإبان تفكيك يوغسالفيا هاجم الصربيون ،مسلمي البوسنة ولكنهم لم يمسوا مسلمي صربيا :فقد كانوا يستهدفون الجماعة العرقية – الجديدة من البوسنيين ال معتنقي اإلسالم كدين ،إذا لم تكن تلك الحرب حر بًا دين ًيا بل نتيجة لعرقنه االنتماء الديني.
❖ تعمل الفئة "المسلم " كفئة عرقية – جديدة وليست دينية .ويعود طبعا إلى ظواهر معقدة حيث تستخدم الكاثوليكية راية ينضوي تحتها الالتينيين ،وكذلك الكنائس البروتستانتية بالنسبة الى الكوريين .وعلى هذا النحو سوف يشاهد في أوربا تكون فئة " مسلم ".
20
❖ ال ريب في أن اللعبة الدائرة بين معلم ثقافي ومعلم ديني لم تكن في أي مكان بمثل هذا القدر من التعقيد على مدى حقبة من الزمن بمثل هذا الطول .في جميع البلدان المسلمة منها والمسيحية يفترض التمثل التحول ،حتى قرن التاسع عشر على كل حال ،وعلى ذلك فالمعلم الديني هو الذي يطغى لتحديد اليهودية ،وال سيما أن السلطات الدينية تدير شؤون الطائفة وتمثلها في غالب األحيان .استتبع الخروج من المعزل (الغيتو) محاوالت مختلفة إلعادة النظر في هوية يهودية ال تكون مرتبطة بعد باالحترام للحاالت: ً مماثال لألديان األخرى ،أو مستنس ً خا عن العمل -1اليهودية مصوغة باعتبارها (دينًا) المؤسسي والتدين الخاص بالمسيحية (هذا هو االنتقال من اليهودي إلى اإلسرائيلي في فرنسا). -2اليهود مفهومة باعتبارها سمة عرقية ،بل وعنصرية (بناء العنصر اليهودي باالنتقال من معاداة اليهودية الدينية إلى معاداة السامية العنصرية). -3اليهودية مرئية باعتبارها نوعا من الثقافة ،وروح يهودية ،ونزعة إنسانية منفصلة عن أي اعتقاد ديني معين
21
في إسرائيل يبدو أن تفاوت بين اإلسرائيليين ويهود الشتات أخذ في التفاقم ،وحتى مع استبعاد المساعي الواضحة لخلق هوية عرقية .ويمكن االستنتاج من كل ما تقدم أن المعلم الديني بات متس ًقا مع المعلم الثقافي بصورة نهائية ،ولكن على حساب البعد الديني ،وأننا بإزاء سيرورة عرقنه للديني ،نظ ًرا للصعوبات التي يجدها اليهود الملحدون في االعتراض على المعلم الديني، أنشأ كنيسة عبرانية ،وكانت هذه البادرة السياسية للغاية ممكنة على وجه الدقة لوجود سكان لسانهم عبراني وهم كاثوليك ،أزواج يهود إسرائيل بقوا مسيحيين ،ويهود اعتنقوا المسيحة وعرب كاثوليك انتقلوا إلى استخدام العبرية ،ثم إن تغير المعلم الديني بناء على المضمون الثقافي نفسه ،جديد منتهى الجدة ومقلق بال شك ،يمكن للمرء أن يكون ملح ًدا ،ألن ذلك ال يجعل المعلم الديني مثار للجدال ،ولكن هل يمكنه أن يكون يهوديًا مسيح ًيا ،يهوديًا من أجل المسيح؟
22
:
❖
أتحدث عن النزعات القومية الدينية وهي تتماهى كمؤسسة دينية بدولة وشعب ،فاألمر ال يتعلق إ ًذا بمجرد ارتباط وثيق بين كنيسة ودولة ،وإنما يتعلق بالفكرة القائلة تجسيد مؤسسة دينية لروح الشعب ً أيضا ،وفي المحصلة ال يمكن لهذه المؤسسة إال أن تكون مرتبطة أشد االرتباط بالمؤسسة السياسية للشعب المعني ،أ ًيا كانت الصلة التراتبية بين االثنين ،لكن ال جدال في أن حا إنما توجد في األرثوذكسية المسيحية ،حيث التماهي بين أشكال القومية الدينية األشد وضو ً طبعا أن المسيحية األرثوذكسية الكنيسة والشعب يمر عبر ارتباط وثيق بالدولة ،وهذا ال يعني ً "العرقية " في رؤيتها الدينية ،فالنعمة والرسالة معلنتان للعالم قاطبة ،لنأخذ مثال على ذلك: الكنيسة األرثوذكسية "الملكية" في الشرق األوسط: على أن األديان أثرت ً أيضا على نشر لغة غير دولية بغية التأثير في فئات جديدة من السكان ،كان األمر في الهند بخالف ذلك ،فاختيار لغة محلية غير مكتوبة سمح بعزل جماعة خاضعة ،وإعادة بنائها كمجموعة مسيحية .وفي فرنسا إبان اإلصالح الديني ،بقيت النخب البروتستانتية ومثلها الكاثوليكية متعلقة بالالتينية (كان كالفن يفضلها على الفرنسية في كتاباته) غير أنهم انتقلوا إلى اللفة المحلية األسباب مماثلة على وجه الدقة (للوصول الى الشعب) ،تقويها المنافسة بين كنيستين. 23
وبخالف ذلك كانت الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا تشجع على نحو متزايد التعبير الديني في اللغات اإلقليمية ،وال سيما أن هذه اللغات كانت منذ الثورة الفرنسية تعتبر مال ًذا للهوية الكاثوليكية في وجه اللغة الفرنسية يعقوبية ملحدة.
24
قد تكون وجدت ضالتك في هذا الكتاب ،فكر ًة كانت أو معلومة قد سرقت ُلب قلبك ،و ُر بما اقتبست منه نو ًرا يشع بك ،فهل ُتشارك اآلخرين هذا النور عبر حسابنا فنُضيء جم ًيعا؟
25
26