ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﯿﻢ
اﻟﻠﮭﻢ ﺻﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﯿﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻰ آﻟﮫ وأﺻﺤﺎﺑﺔ أﺟﻤﻌﯿﻦ
ﺗﻠﺨﯿﺺ ﻛﺘﺎب
رﺟﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ) اﻟﺠﺰء اﻷول (
اﻟﻤﺆﻟﻒ :اﻟﺸﯿﺦ ﻋﻠﻲ اﻟﻄﻨﻄﺎوي
2
اﻟﻔﮭﺮس
اﻟﻔﮭﺮس (2)................................................................................................................ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ (3)................................................................................................................. اﻟﻔﺼﻞ اﻻول (4).......................................................................................................... اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ (10)........................................................................................................ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ (18)....................................................................................................... اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ (28)...................................................................................................... اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ (34)....................................................................................................
2
اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ
إن ﻓﻲ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﯾﺦ واﻷدب واﻟﻤﺤﺎﺿﺮات واﻟﺮﺣﻼت آﻻﻓﺎ ً ﻣﻦ ﺳﯿﺮ اﻟﻌﻈﻤﺎء ﻟﯿﺴﺖ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺮاﺟﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺮﺗﮭﺎ . ﻟﻤﺎ ﻛﺘﺐ ﻟﻲ أن أزور اﻟﻘﺎرة اﻟﮭﻨﺪﯾﺔ وأﻧﺪوﻧﯿﺴﯿﺎ رأﯾﺖ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﯿﮭﺎ ﺗﺎرﯾﺨﺎ ً ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻓﮫ ،وﻟﻢ ﯾﺪ ّرس ﺑﺎﻟﻤﺪارس واﻟﻌﺠﺐ ﻣﻤﻦ ﯾﺰﻋﻢ أن اﻹﺳﻼم إﻧﻤﺎ اﻧﺘﺸﺮ ﺑﺎﻟﺴﯿﻒ !! ھﻞ ﻛﺎن ﻣﻊ اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ ﺳﯿﻒ ؟ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻷول ؟ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻊ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﯿﮫ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ وﺧﺪﯾﺠﺔ وﻋﻠﻲ وﺑﻼل وﺻﮭﯿﺐ وآﺧﺮون ﻣﻤﻦ ﺷﺮﻓﮭﻢ ﷲ ﺑﺎﻟﺴﺒﻖ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ھﻞ ﻛﺎن ﻣﻌﮭﻢ ﺳﯿﻒ ؟ اﻹﺳﻼم اﻧﺘﺸﺮ ﺑﺎﻟﺴﯿﻒ ! إﻧﮭﺎ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺟﺎھﻞ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ اﻟﺒﺸﺮي ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺋﻠﮭﺎ أن ﯾﺨﺠﻞ ﻣﻨﮭﺎ وأن ﯾﺘﻮارى ﺑﮭﺎ . اﻹﺳﻼم اﻧﺘﺸﺮ ﺑﺎﻟﺴﯿﻒ ! إﻧﮭﺎ دﻋﻮى ﺑﻼ دﻟﯿﻞ واﻟﺪﻟﯿﻞ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻻ ﻣﻌﮭﺎ ،إن اﻹﺳﻼم ﻋﻘﯿﺪة ،واﻟﻌﻘﯿﺪة ﻣﺰﯾﺞ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ وﻋﺎطﻔﺔ ، ﻓﻤﻦ ﺳﻤﻊ ﺑﺄن اﻟﻌﺎطﻔﺔ ﺗﺠﻲء ﺑﺎﻟﻘﻮة واﻟﺒﻄﺶ ؟ ) ﻻ إﻛﺮاه ﻓﻲ اﻟﺪﯾﻦ ( اﻟﺒﻘﺮة256 : إن ﺗﺎرﯾﺨﻨﺎ أﻋﻈﻢ ﺗﺎرﯾﺦ وﻟﻜﻨﻨﺎ أﻣﺔ ﺗﺠﮭﻞ ﺗﺎرﯾﺨﮭﺎ ،ھﺬا اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻟﯿﺲ ﻷﻣﺔ ﻣﺜﻠﮫ ،ھﺬا اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺬي ﯾﻔﯿﺾ ﺑﺎﻟﺤﺐ واﻟﻨﺒﻞ واﻟﺘﻀﺤﯿﺔ واﻟﺒﻄﻮﻟﺔ واﻹﯾﻤﺎن . ً وﻟﯿﺲ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ وﺣﺪه ﺑﻞ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﻌﻠﻤﻲ أﯾﻀﺎ أن ﺗﺎرﯾﺨﻨﺎ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ أﻧﻈﻒ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﺎﺛﻠﮫ ﻣﻦ ﺗﻮارﯾﺦ اﻷﻣﻢ ،وﻻ ﯾﺨﻠﻮ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﻦ أﻣﻮر ﺗﻘﺘﻀﯿﮭﺎ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﺒﺸﺮ ﯾﺨﻄﺌﻮن وﯾﺼﯿﺒﻮن وﯾﺤﺴﻨﻮن وﯾﺴﯿﺌﻮن ﻟﯿﺴﻮا ﻣﻼﺋﻜﺔ ﻻ ﯾﻌﺼﻮن ﷲ ﻣﺎ أﻣﺮھﻢ وﯾﻔﻌﻠﻮن ﻣﺎ ﯾﺆﻣﺮون.
ﻋﻠﻲ اﻟﻄﻨﻄﺎوي .
3
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
4
ﺳ ّﯾد رﺟﺎل اﻟﺗﺎرﯾﺦ
ﻣن ﺻور اﻟﮭﺟرة :
ﻧﺣن اﻵن ﻓﻲ ﻣﻛﺔ واﻟﺣرب ﻓﯾﮭﺎ ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﯾن اﻟﺗوﺣﯾد واﻟﺷرك ،ﺑﯾن ﻣﺣﻣد وﻗرﯾش وﺑذﻟت ﻗرﯾش ﻗوﺗﮭﺎ ،وﻣﺎﻟﮭﺎ ﻓﻲ أن ﺗﻣﻧﻊ ھذا اﻟﺧﯾر ﻋن اﻟدﻧﯾﺎ . ﻗﺎﻟوا ﻟﮫ ﺗﻌﺎل ﻧﻣﻠﻛك إن ﺷﺋت ﻋﻠﯾﻧﺎ ،وﻧﻣﻧﺣك أﻣواﻟﻧﺎ وﻧﺟﻌﻠك ﺳﯾد ھذا اﻟﺑﻠد ﻛﻠﮫ ،ﺑﻌدھﺎ اﻧطﻠﻘوا ﯾؤذوﻧﮫ وﺗوﻋدوﻧﮫ ﻟﻌل اﻟﺗرھﯾب ﯾﻔﻌل ﻓﯾﮫ ﻣﺎ ﻟم ﯾﻔﻌل اﻟﺗرﻏﯾب ،رﻣوا ﻓﻲ طرﯾﻘﮫ اﻟﺷوك وھو ﻣﺎش ،أﻟﻘوا ﻋﻠﯾﮫ أﺣﺷﺎء اﻟﻧﺎﻗﺔ وھو ﺳﺎﺟد ،رﻣوه ﺑﺎﻟﺣﺟﺎرة ﻓﻲ اﻟطﺎﺋف وﺳﻠطوا ﻋﻠﯾﮫ ﺳﻔﮭﺎﺋﮭم وﻛﺎن ﺟواﺑﮫ ) اﻟﻠﮭم اھد ﻗوﻣﻲ ﻓﺈﻧﮭم ﻻ ﯾﻌﻠﻣون ( وآذو اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻷوﻟﯾن ﻟﯾﻔﺗﻧوھم ﻋن دﯾﻧﮭم وﻋذﺑوھم ﻟﻛﻧﮭم اﺣﺗﻣﻠوا ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ﷲ اﻟﺿرب واﻟﺣرق واﻟﺟوع واﻟﺟرح واﻟﻌطش واﻟﺳﮭر ،ﺗﺷﻐﻠﮭم ﻟذة اﻟﻣﻔﺎﺟﺄة ﻋن ﻟذﻋﺔ اﻟﻌذاب وﻧﺷوة اﻷﻣل ﺑﺎﻟﺟﻧﺔ ﻋن ﺷﻘوة اﻷﻟم ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ . ودﻋﺎھم اﻟرﺳول إﻟﻰ ﻓراق اﻟوطن وﺗرك اﻷھل ﻓراراً ﺑدﯾﻧﮭم إﻟﻰ ﺑﻼد ﻟﯾﺳوا ﻣﻧﮭﺎ وﻟﯾﺳت ﻣﻧﮭم ،إﻟﻰ اﻟﺣﺑﺷﺔ ،وأوﻏﻠت ﻗرﯾش ﻓﻲ ﻛﻔرھﺎ وﺻدھﺎ وﻋﻧﺎدھﺎ ،وﻟﻛن ھل ﺗﻘدر ﻗرﯾش أن ﺗطﻔﻰء ﻧور ﷲ !! إن اﻟﺑﺧﺎر اﻟذي ﻣن طﺑﻌﮫ اﻻﻧطﻼق إﻟﻰ اﻟﻌﻼء ﻻ ﯾﺣﺻر ﻓﻲ زﺟﺎﺟﺔ وإن ﺣﺻرﺗﮫ وﺟد ﻣﻧﻔذاً أو ﻣزق اﻹﻧﺎء ،وﻛذﻟك ﺻﻧﻊ اﻹﺳﻼم .ھﺎﺟر اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺟﻣﯾﻌﺎ ً وﻟم ﯾﺑق ﻓﻲ ﻣﻛﺔ إﻻ اﻟﻧﺑﻲ ورﺟﻼن أﺣدھم ﺳﯾد اﻟﻛﮭول أﺑو ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق ﻣراﻓﻘﮫ ﻓﻲ اﻟﺳﻔر واﻵﺧر وﻛﯾﻠﮫ ﺳﯾد اﻟﺷﺑﺎب ﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ،اﺗﻔق زﻋﻣﺎء ﻗرﯾش ﻋﻠﻰ ارﺗﻛﺎب أﺑﺷﻊ ﺟرﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺟﻧس اﻟﺑﺷري ﺟرﯾﻣﺔ ﻟو ﺗﻣت ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت ھﻧﺎك ﺣﺿﺎرة إﺳﻼﻣﯾﺔ ﻋرﯾﻘﺔ !! ﺣﯾن اﺟﺗﻣﻌوا أﻣﺎم ﺑﺎب ﺑﯾﺗﮫ ﻣﺗﺳﻠﺣﯾن ﺑﺎﻟﺳﯾوف ﯾرﯾدون ﻗﺗﻠﮫ ،ھﻧﺎ ﯾظﮭر ﻧﺻر ﷲ ﻷوﻟﯾﺎﺋﮫ ﻋﻧدﻣﺎ ﺧرج ﯾﺷق ﺻﻔوﻓﮭم ﯾﻘﺗﺣم اﻟﺟﻣوع ،أردوا ﻗﺗﻠﮫ وأراد ﷲ ﺣﯾﺎﺗﮫ وأدرﻛت ﻗرﯾش اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺑﻌد ﻣﺎ ﻣﺿﻰ ﻣﺣﻣد وﻋم اﻟﺻرﯾﺦ ﻣﻛﺔ وﺿواﺣﯾﮭﺎ وﺧرﺟوا ﻓرﺳﺎﻧﺎ ً وﻣﺷﺎة ﻣذﻋورﯾن ﯾطﻠﺑوﻧﮫ . ﻣﺎﻟﻛم ﯾﺎﻧﺎس ؟! ﻗﺎﻟوا :ﺧرج ﻣﺣﻣد ! وﻣﺎذا ﺗطﻠﺑون ﻣﻧﮫ ؟ أﺧذ أﻣواﻟﻛم ؟ ﻗﺎﻟوا :ﻣﻌﺎذ ﷲ إﻧﮫ اﻷﻣﯾن اﻟﻣﺄﻣون أداھﺎ ﻋن آﺧرھﺎ ،أﺟرم ﺟرﯾﻣﺔ ﻓﺄﻧﺗم ﺗطﻠﺑوﻧﮫ ﺑﮭﺎ ؟ ﻗﺎﻟوا :ﺣﺎﺷﺎ @ إﻧﮫ أﺣس اﻟﻧﺎس ﺧﻠﻘﺎ ً وأطﮭرھم ﯾداً ،ﻓﻠﻣﺎذا ﺗطﻠﺑوﻧﮫ ؟ ﻗﺎﻟوا :ﺳﯾﺟﻧد 5
اﻟﻧﺎس ﻟﻣﺣﺎرﺑﺔ أﺻﻧﺎﻣﻧﺎ وآﻟﮭﺗﻧﺎ وﺗﺣطﯾم ﻣﺎﻧﻌﺑد ﻟﻛﻲ ﻧﻌﺑد ﷲ اﻟواﺣد اﻷﺣد دون ﺳواه .وھﺎﺟت ﻗرﯾش ﺿد ﻣﺣﻣد ووﺿﻌت اﻟﺟواﺋز ﻣﺎﺋﺔ ﻧﺎﻗﺔ ﻟﻣن ﯾﺄﺗﻲ ﺑﮫ ﺣﯾﺎ ً أو ﻣﯾﺗﺎ ً . وﺑﻌد أن ﻓﺎرق ﻣﺣﻣد وﺻﺎﺣﺑﮫ اﻟﻐﺎر ﻟﺣﻘﮭم ﻓﺎرس وﺧﺎف أﺑو ﺑﻛر وﻗﺎل :وﷲ ﻣﺎﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻲ ﺧﻔت وﻟﻛن ﻋﻠﯾك ،ﻓﺄﺟﺎب اﻟرﺳول اﻟﻛرﯾم ﺑﺎﻟﻛﻠﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻣﻊ ﻣﻌﺟزات اﻹﯾﻣﺎن :إن ﷲ ﻣﻌﻧﺎ . إن ﺟﮭﺔ ﻣﻌﮭﺎ ﷲ ﻻ ﺗﻧﻛﺳر وﻟو ﻛﺎن ﺿدھﺎ اﻟوﺟود ﻛﻠﮫ ! ﺣﺗﻰ أﺷرف ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وأﻗﺑﻠت ﺟﻣوع ﻛﺎﻟﺟﻣوع اﻟﺗﻲ ﺧﻠﻔوھﺎ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ وﻟﻛن ﺗﻠك ﻛﺎﻧت ﻟﻠﺷر ﺗﻧﺎدي ﺑﺎﻟﻣوت ﻟﻣﺣﻣد ،وھذه ﻟﻠﺧﯾر ﺗﻧﺎدي ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة ﻟرﺳول ﷲ ،وﻛﺎﻧت ھذه ﻧﻘطﺔ اﻟﺗﺣول ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ أﺑواب اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻗد ﺧرج أھﻠﮭﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻛﺑﺎراً وﺿﻐﺎراً ﻧﺳﺎءاً ورﺟﺎﻻً ﯾﺳﺗﻘﺑﻠون اﻟرﺳول : طﻠﻊ اﻟﺑدر ﻋﻠﯾﻧﺎ ..ﻣن ﺛﻧﯾﺎت اﻟوداع وﺟب اﻟﺷﻛر ﻋﻠﯾﻧﺎ ..ﻣﺎ دﻋﺎ $داع ھﺎھم اﻟﻧﺎس ﯾﺳﺄﻟون أﯾﮭم ﻣﺣﻣد ؟ ﻻ ﯾﻌرﻓون ﻷﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن ﻣﻠﻛﺎ ً ﯾﻠﺑس اﻟﺣرﯾر وﻻ ﻋﻠﻰ ﺟﺑﯾﻧﮫ اﻟﺗﺎج ﺑل ﻛﺎن ﻋﺑداً ﻣﺗواﺿﻌﺎ ً ﯾﻠﺑس ﻣﺎﯾﻠﺑس اﻟﻧﺎس وﯾﺄﻛل ﻣﺎﯾﺄﻛﻠون . وﺣﺳﺑوا أن أﺑﺎ ﺑﻛر ھو اﻟﻧﺑﻲ ،ﻓﻛﺎﻧوا ﯾﺳﻠﻣون ﻋﻠﯾﮫ وھو ﯾﺷﯾر إﻟﻰ اﻟرﺳول ﺑﯾدﯾﮫ :ھﺎ ھوا ذا ﻣﺣﻣد . وأﻗﺑﻠوا ﯾدﻋوﻧﮫ ﻟﯾﻧزل ﻓﯾﮭم ﯾﺗﺳﺎﺑﻘون ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺷرف ،ﻓﻣﺎذا ﺻﻧﻊ ؟ إﻧﮫ ﻻ ﯾرﯾد أن ﯾؤذي أﺣداً ﺑﺎﻟرﻓض ﻓﻘﺎل :اﺗرﻛوا اﻟﻧﺎﻗﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻣﺄﻣورة ،وﻣﺷت اﻟﻧﺎﻗﺔ ﺣﺗﻰ ﺑرﻛت ﻋﻧد دار أﺑﻲ أﯾوب اﻷﻧﺻﺎري . ﻧﺣن اﻵن ﻣﻊ ﻣﺣﻣد ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،إﻧﮫ ﯾؤﺳس اﻟدوﻟﺔ اﻟﺟدﯾدة ﻓﯾﻣﺎ ﺗروﻧﮫ ﯾﺑدأ ؟ ﺑﻣﮭرﺟﺎن ﻓﺧم ﯾﺑﺎﯾﻌوﻧﮫ ﻓﯾﮫ ﺑﺎﻟﻣﻠك ؟ إﻧﮫ ﻻ ﯾرﯾد اﻟﻣﻠك ! ﯾﺑﻧﻲ ﺛﻛﻧﺔ ﺑﺎﺣﺗﻔﺎل ﻋظﯾم وﯾﺟﯾش ﺟﯾﺷﺎ ً ؟ إﻧﮫ ﻻ ﯾﺑﺗﻐﻲ اﻟﻌﻠو ﻓﻲ اﻷرض ! ﯾﻔرض اﻟﺿراﺋب ؟ ﻻ وﻟﻛن ﺑدأ ﺑﻌﻣﺎرة اﻟﻣﺳﺟد .ﺑدأ ﺑﺎﻟﻣﺳﺟد ﻛﻣﺎ ﺑدأ اﻟوﺣﻲ ﺑﺂﯾﺔ اﻟﻘرآن واﻟﺗﻌﻠﯾم ﺑﺎﻟﻘﻠم ،ﺑدأ ﺑﺎﻟﻣﺳﺟد واﻟﻣﺳﺟد ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ھو اﻟﻣﻌﺑد رﻣز اﻹﯾﻣﺎن وھو اﻟﺑرﻟﻣﺎن رﻣز اﻟﻌدل وھو اﻟﻣدرﺳﺔ رﻣز اﻟﻌﻠم وﻟم ﯾﻐﺻﺑﮫ ﺑر ﺷراه ﺑﺎﻟﻣﺎل وذﻟك رﻣز اﻹﻧﺻﺎف وﻟم ﯾﺄﻣر ﺑﺑﻧﺎﺋﮫ وﻗﻌد ﺑل ﺷﺎرك أﺻﺣﺎﺑﮫ اﻟﻌﻣل وﺣﻣل اﻟﺣﺟﺎرة ﺑﯾده ،واﻟﻣﺳﺟد ﻟم ﯾﻐﺻﺑﮫ ﺑل اﺷﺗراه ﺑﺎﻟﻣﺎل وﺳﺎﻋد وھذا رﻣز اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾﺔ وﺑﻧﺎه ﻣن ﻟﺑن وطﯾن ﺑﻼ زﺧﺎرف وﻻ ﻧﻘوش وھذا رﻣز اﻟﺑﺳﺎطﺔ ،ﻓﻛﺎن ﻣن ھذه اﻟرﻣوز اﻹﯾﻣﺎن واﻟﻌدل واﻟﻌﻠم واﻹﻧﺻﺎف واﻟدﯾﻣوﻗراطﯾﺔ واﻟﺑﺳﺎطﺔ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن ﺷﻌﺎﺋر اﻹﺳﻼم . ھل ﺗروﻧﮭﺎ أﺛرت ھذه اﻷھوال ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ ﻋزﯾﻣﺔ ﻣﺣﻣد ؟ ﻟﻘد ﻋرﺿوا ﻋﻠﯾﺦ أﻗوى اﻟﻣﻐرﯾﺎت أن ﯾﻣﻠﻛوه وﯾﻌطوه اﻷﻣوال ،وﻗدﻣوا إﻟﯾﮫ أﺟﻣل اﻟﻧﺳﺎء ﻟﯾﺗزوج ﺑﻣن ﺷﺎء ،ﻓﻛﺎن ﻣوﻗﻔﮫ أن ﻗﺎل ﻟﻌﻣﮫ ) وﷲ ﯾﺎ ﻋ ّم ﻟو وﺿﻌوا اﻟﺷﻣس ﻓﻲ ﯾﻣﯾﻧﻲ واﻟﻘﻣر ﻓﻲ ﯾﺳﺎري ﻷﺗرك ھذا اﻷﻣر ﻣﺎ ﺗرﻛﺗﮫ ( واﺳﺗﻣر ھذا اﻷﻣر ﻟﺳﻧوات طوال ﻓﺑﻠﻎ اﻟطﺎﺋف وﻗﺻد ﺳﺎدة ﺛﻘﯾف اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻟﻌﻠﮫ ﯾﻠﻘﻰ ﻋﻧدھم ﻣﺎ ﻟم ﺑﻠق زﻋﻣﺎء ﻣﻛﺔ ،ﻟﻛﻧﮭم أﻏروا اﻟﺳﻔﮭﺎء ﯾﻠﺣﻘوﻧﮫ وﯾﺳﺑوﻧﮫ وھﻧﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﮭول ھذا اﻟﻣﺑﻠﻎ دﻋﺎ اﻟرﺳول ﺑدﻋﺎء )) اﻟﻠﮭم إﻧﻲ أﺷﻛوا 6
إﻟﯾك ﺿﻌف ﻗوﺗﻲ ،وﻗﻠﺔ ﺣﯾﻠﺗﻲ ،وھواﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس ،ﯾﺎ أرﺣم اﻟراﺣﻣﯾن ،أﻧت رب اﻟﻣﺳﺗﺿﻌﻔﯾن وأﻧت رﺑﻲ ،إﻟﻰ ﻣن ﺗﻛﻠﻧﻲ ؟ إﻟﻰ ﺑﻌﯾد ﯾﺗﺟﮭﻣﻧﻲ ؟ أم إﻟﻰ ﻋدو ﻋﻠﻲ ﻻ أﺑﺎﻟﻲ وﻟﻛن ﻋﺎﻓﯾﺗك ھﯾﺎ أوﺳﻊ ﻟﻲ ،أﻋوذ ﻣﻠﻛﺗﮫ أﻣري ؟ إن ﻟم ﯾﻛن ﺑك ﻏﺿب ّ ﺑﻧور وﺟﮭك اﻟذي أﺷرﻗت ﻟﮫ اﻟظﻠﻣﺎت ،وﺻﻠﺢ ﻋﻠﯾﮫ أﻣر اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة ،ﻣن أن ﺗﻧزل ﺑﻲ ﻏﺿﺑك ،أو ﯾﺣل ﺑﻲ ﺳﺧطك ،ﻟك اﻟﻌﻘﺑﻰ ﺣﺗﻰ ﺗرﺿﻰ ،وﻻ ﺣول وﻻ ﻗوة إﻻ ﺑك (( ھﺎ ھو ﻗد ﺟرب اﻟدﻋوة ﻓﻲ ﻣﻛﺔ واﻟطﺎﺋف ،ﻓﻠم ﯾﻧﺟﺢ وﺻﺑر 13ﺳﻧﺔ ! ﻓﻣﺎذا ﯾﺻﻧﻊ ؟ ﯾﮭﺎﺟر ﻟﯾﻔﺗﺢ ﻟﻠدﻋوة ﺑﺎب آﺧر ﺗطل ﻣﻧﮫ ﻋﻠﻰ اﻟدﻧﯾﺎ ،وﻛﺎن ھذا اﻟﺑﺎب ھو ﯾﺛرب ،ﻟم ﯾﺗرك إﻻ ﻋﻠﯾﺎ ً ﻧﺎﺋﻣﺎ ً ﻓﻲ ﻓراﺷﮫ ،وﻟﯾؤدي اﻟوداﺋﻊ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻋﻧده ﻟﻘرﯾش ،وھﺎﺟر ﻣﺗﺧﻔﯾﺎ ً ﻣﻊ ﺻدﯾﻘﮫ ،دﺧل اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻻ ﯾرﻓرف ﻋﻠﻰ رأﺳﮫ ﻋﻠم ،وﻻ ﯾﻣﺷﻲ وراءه ﻣوﻛب ﻓﯾﺎ أﯾﮭﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺗذﻛروا ﺑﺄن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠم ﻛﻠﻣﺎ ﺿﺎق ﻋﻠﯾﮫ ﻓﻲ ﺣﻲ أو ﺑﻠد أن ﯾﮭﺎﺟر إﻟﻰ ﺣﯾث اﻟظﻔر واﻟﻌزة واﻟﺣرﯾﺔ .وﺣﯾث ﯾﻧﺎدي اﻟﻣﻧﺎدي ) ﻻ إﻟﮫ إﻻ ﷲ ﻣﺣﻣد رﺳول ﷲ ( ﻓذﻟك وطن ﺑﮫ ﺳﺑل اﻟﻣﺳﻠم .
7
ﻣﻌﻠﻣﺔ اﻟرﺟﺎل اﻟﺳﯾده اﻟﺗﻰ أﺛﺑﺗت ﻟﻠدﻧﯾﺎ ﻣﻧذ أرﺑﻌﺔ ﻋﺷر ﻗرﻧﺎ ً أن اﻟﻣرأة ﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون أﻋﻠم ﻣن اﻟرﺟﺎل وأن ﺗﻛون أرﺟل ﻣن اﻟرﺟﺎل وأن ﺗﻛون ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ وﻣﺣﺎرﺑﺔ . ﻟم ﺗﺗﺧرج ﻣن اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ وﻟم ﯾﻛن ھﻧﺎك ﻓﻲ أﯾﺎﻣﮭﺎ ﺟﺎﻣﻌﺎت وﻟﻛﻧﮭﺎ ﺗدرس أﺛﺎرھﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﯾﺔ اﻵداب وﺗﻘرأ ﻓﺗﺎواھﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﯾﺎت اﻟدﯾن . اﻣرأه ﻣﻸت اﻟدﻧﯾﺎ وﺷﻐﻠت اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ ﻣر اﻟدھور ،ﻓﻠﻘد ﺗوﻻھﺎ ﻓﻲ طﻔوﻟﺗﮭﺎ ﺷﯾﺦ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وأﻓﺿﻠﮭم !! أﺑوھﺎ اﻟﺻدﯾق ، رﻋﺎھﺎ ﻓﻲ ﺷﺑﺎﺑﮭﺎ ﺧﺎﺗم اﻟرﺳل وأﻛرم اﻟﺑﺷر زوﺟﮭﺎ رﺳول ﷲ ) ﻋﺎﺋﺷﮫ رﺿﻲ ﷲ ﻋﻧﮭﺎ ( ﻛﺎﻧت اﻣرأه ﻛﺎﻣﻠﺔ اﻷﻧوﺛﮫ ﺗؤﻧس اﻟزوج وﺗرﺿﻰ اﻟﻌﺷﯾر وﻛﺎﻧت ﻋﺎﻟﻣﺔ واﺳﻌﺔ اﻟﻌﻠم . ﻓﮭﻲ أﻓﺿل اﻣرأه ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﺑﻌد ﺧدﯾﺟﺔ و ﻓﺎطﻣﺔ . أﻣﺎ ) ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ ﷲ ﻋﻧﮭﺎ ( ﻟﮭﺎ ﻋﻘل ﻻ ﺗوازﯾﮫ ﻋﻘول اﻟﻣﻔﻛرﯾن ﻣن اﻟرﺟﺎل وھﻲ أول ﻣن رﻋﻰ ھذا اﻟدﯾن ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻧﺑﺗﮫ ﺿﻌﯾﻔﮫ و ﻣﺎﺗت ﻗﺑل أن ﺗﺷﮭد ﻛﯾف ﺻﺎرت ھذه اﻟﻧﺑﺗﺔ دوﺣﺔ ﺑﺎﺳﻘﺔ اﻣﺗدت ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن ﺣﺗﻰ أظﻠت اﻟدﻧﯾﺎ . أﺣﺑت ﻣﺣﻣد وأﺧﻠﺻت ﻟﮫ ،ﻛﺎﻧت ﻟﮫ ﺧﯾر زوج و ﻛﺎﻧت ﻟﮫ ﻣﺛل اﻷم وﻛﺎﻧت ﻟﮫ درﻋﺎ ً ﻣن ﺳﮭﺎم اﻟﺣﯾﺎة . أﻣﺎ ) ﻓﺎطﻣﺔ رﺿﻲ ﷲ ﻋﻧﮭﺎ ( ﻓﻸﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺎدر ﺳﺟﺎﯾﺎھﺎ وﻋظﯾم ﻣزاﯾﺎھﺎ ﺑﺿﻌﺔ ﻣن رﺳول ﷲ وﺣﺳﺑﮭﺎ ذﻟك ﻓﺿﻼً ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺳﺎء. ﺗزوج اﻟرﺳول ﻧﺳﺎء ﻛﺑﯾرات ﺛﯾﺑﺎت وﺗزوج ﺑﻛراً وﻛﺎﻧت أﺣﺑﮭن إﻟﯾﮫ ﻋﺎﺋﺷﺔ وﻛﺎﻧت آﺛرھن ﻋﻠﯾﮫ اﺧﺗﺎر اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻋﻧدھﺎ ﻟﻣﺎ ﻣرض وﺗوﻓﻲ ﺑﯾن ﺳﺣرھﺎ وﻧﺣرھﺎ ودﻓن ﻓﻲ ﺑﯾﺗﮭﺎ وﻛﺎن ﯾﻧزل ﻋﻠﯾﮫ اﻟوﺣﻲ وھو ﻣﻌﮭﺎ وﻛﺎن ﺑراً ﺑﮭﺎ . أﻣﺎ ﻋﻠﻣﮭﺎ ﻓﻘد ﺑﻠﻐت ﻓﯾﮫ اﻟﻐﺎﯾﺔ وﻛﺎﻧت ﺑﻼﻏﺗﮭﺎ ﺗﻌﺎدل ﻋﻠﻣﮭﺎ وﻛﺎﻧت ﻛرﯾﻣﺔ اﻟﻧﻔس واﻟﯾد ﺻﺑرت ﻣﻊ اﻟرﺳول ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘر واﻟﺟوع ﻟم ﯾزﻋﺟﮭﺎ اﻟﻔﻘر وﻟم ﯾﺑطرھﺎ اﻟﻐﻧﻰ ﻷﻧﮭﺎ ﻟﻣﺎ ﻋظﻣت ﻧﻔﺳﮭﺎ ﺻﻐرت ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟدﻧﯾﺎ . ﻛﺎﻧت ﺷﺎﺑﺔ ﺟﻣﯾﻠﺔ ﺗﺷﻌر ﺑﺷﺑﺎﺑﮭﺎ وﺟﻣﺎﻟﮭﺎ وﻣﺣﺑﺔ اﻟرﺳول ﻟﮭﺎ وﻛﺎﻧت ﻣدﻟﻠﺔ وﻛﺎﻧت ﺗﻐﺎر وﻟﻛﻧﮭﺎ ﻏﯾرة ﻣﻘﺑوﻟﺔ . ﻟﻘد ﻣر ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺋﺷﺔ أرﺑﻌﺔ ﻋﺷر ﻗرﻧﺎ ً وﻟم ﺗﻌرف اﻟدﻧﯾﺎ اﻣرأة ﻣﺛﻠﮭﺎ رﺿﻲ ﷲ ﻋﻧﮭﺎ وأﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺎن ﻣﻧزﻟﮭﺎ ...
8
ﺳﯾدة ﺟﻠﯾﻠﺔ ﺳﯾدة أﺑوھﺎ وزوﺟﮭﺎ ﻋظﯾﻣﺎن وھﻲ ﻋظﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﻣواھﺑﮭﺎ وﻣواﻗﻔﮭﺎ وﻓﻲ أﻋﻣﺎﻟﮭﺎ ﺳﯾدة ذات ﻣﺑدأ وﻓتّ ﻟﮫ وﺛﺑﺗت ﻋﻠﯾﮫ وﺳﯾدة ﺷﺎرﻛت ﻓﻲ اﻟﺳﻠم وﻓﻲ اﻟﺣرب ﺳﯾدة ﻛﺎﻧت رﺑﺔ ﺑﯾت ﺻﺑرت ﻋﻠﻰ ﻣره وﻟم ﺗﺑطر ﺑﺣﻠوه ﺳﯾدة ﻛﺎن ﻟﮫ ﻋﻘل ﻛﺑﯾر وﻧﺑل اﻟﻘﻠب ﻣﺎﻟم ﯾﻛن ﻣﺛﻠﮫ إﻻ ﻟﻠﻘﻠﯾل ﻣن ﻋظﻣﺎء اﻟرﺟﺎل وﻓﻲ ﻗﺻﺗﮭﺎ ﻋﺑرة ﻟﻠﻧﺳﺎء وآﻣل ﻟﻣن اﺑﺗﻠﯾت ﺑﺎﻟﻔﻘر وإﺛﺑﺎت ﻟﻣن ﯾﺣﺗﻘر اﻟﻧﺳﺎء وﺑﯾﺎن ﻟﻣن ﻻ ﯾرﯾد ﺑﺎﻟﻣرأة إﻻ أن ﺗﻛون ﻣﺗﻌﺔ ﻻ ھم ﻟﮭﺎ إﻻ زﯾﻧﺗﮭﺎ وﺗﺑرﺟﮭﺎ .ھذه اﻟﺳﯾدة ﯾﺎ أﯾﮭﺎ اﻟﺳﺎدة ؛ أﺑوھﺎ اﻟﻣﺳﻠم ﺑﻌد رﺳول ﷲ ﺷﯾﺦ اﻹﺳﻼم أﺑو ﺑﻛر وزوﺟﮭﺎ أول ﻣن ﺳل ّ ﺳﯾﻔﺎ ً ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ﷲ راﺋد اﻟﺟﮭﺎد :اﻟزﺑﯾر واﺑﻧﮭﺎ اﻟﻔﺎرس اﻟﺷﮭﯾد أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻋﺑدﷲ ﺑن اﻟزﺑﯾر وھﻲ أﺳﻣﺎء ذات اﻟﻧطﺎﻗﯾن اﻟﻌﺟوز اﻟﺗﻲ وﻗﻔت ﯾوم ﻣﻘﺗل اﺑﻧﮭﺎ ﻣوﻗﻔﺎ ﻻ ﺗﻘوى ﻋﻠﯾﮫ ﺻﻧﺎدﯾد اﻟرﺟﺎل أﺳﻠﻣت ﺑﻌد ١٧ إﻧﺳﺎن وﺑﺎﯾﻌت اﻟرﺳول إﻧﮭﺎ ﻟﻣﺎ رأت اﻹﯾﻣﺎن ﻗد ﺗﻌﺎرض ﻣﻊ أﻗوى ﻋواطف اﻟﻧﻔس اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﺣب اﻷم ﻏﻠﺑت إﯾﻣﺎﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎطﻔﺗﮭﺎ إن اﻹﺳﻼم ﻻ ﯾﺣول أﺑد دون ﻋواطف اﻟﺧﯾر واﻟﺷر وﻻ ﯾﻘﺗل أﺑداً دواﻓﻊ اﻟﻧﺑل ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس ﻓﻠوﻻ اﻟﻣرأة ﻣﺎ اﺳﺗطﺎع اﻟرﺟﺎل ﺧوض ھذه اﻟﻐﻣرات ﻛﺎﻧت ﺣﺎﻣل ﯾوم اﻟﮭﺟرة ﻓوﺿﻌت ﻋﺑدﷲ وﻛﺎن أول ﻣوﻟود ﻓﻲ اﻹﺳﻼم إﻧﮭﺎ ﺻﺑرت ﻋﻠﻰ ھذا ﻛﻠﮫ ﻓﻛﺎﻧت اﻟﻌﺎﻗﺑﺔ أﻧﮭﺎ اﻏﺗﻧت واﻧﺻﺑت ﻋﻠﯾﮭﺎ وﻋﻠﻰ زوﺟﮭﺎ اﻟﻧﻌم وﻛذﻟك ﻛﺎن اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻛﺎﻧوا رﺟﺎل دﻧﯾﺎ ودﯾن وﻣﺎل وﺗﻘﻰ ﻛﺎﻧو ﺟﻧﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻧﮭﺎر ورھﺑﺎﻧﺎ ً ﻓﻲ اﻟﯾل أﻣﺎ ھذه اﻟﺳﯾدة اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﻓﻠم ﺗﺧﺟل أوﻻ ﻣن ﻓﻘر زوﺟﮭﺎ وﻟم ﺗﺑطر ﺑﻐﻧﺎه وﺑﻘﯾت ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻣرأة ﺧﯾر وﺑر وإﺣﺳﺎن وﻛﺎﻧت ﻓﻲ ﺷﺟﺎﻋﺗﮭﺎ أﺧت اﻟرﺟﺎل ﻣﺛل ﺣﻣﺎﺗﮭﺎ ﺻﻔﯾﺔ ﺑﻧت ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ﺷﺎرﻛت ﯾوم اﻟﯾرﻣوك ﻓﻲ اﻟﻘﺗﺎل وﻓﻌﻠت ﻓﻌل اﻷﺑطﺎل وﻛﺎﻧت ﻓﺻﯾﺣﺔ ﺑﯾﻧﺔ وأدﯾﺑﺔ ﺷﺎﻋرة وﻟﮭﺎ ﻓﻲ رﺛﺎء زوﺟﮭﺎ ﻣﻘطوﻋﺎت ھذه أﺳﻣﺎء اﻟﺳﯾدة اﻟﺟﻠﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺷرف ﺑﮭﺎ ﺗﺎرﯾﺦ اﻷﻣﺔ اﻟذي ﺗﻛون ﺳﯾرﺗﮭﺎ ﻓﯾﮫ !.
9
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
10
أﻣﯾ ُر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث
ﻣن ﻣﻧﺎ ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﺣﺻﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻛﺗب اﻟﺗﻲ أﻟﻔﮭﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻋﻠﻰ رأﺳﮭم ”ھوﻻﻛو“ اﻟﻛﺗﺎب اﻟذي ﻧﻌده ﺑﻌد اﻟﻘرآن وھو ﺻﺣﯾﺢ اﻟﺑﺧﺎري وﻟﻛن ﻟم ﯾﺑﻠﻎ أﺣد ﻣﻧﮭم ﻣﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﺑﺧﺎري ﺣﺗﻰ وﻻ ) اﻟﻣﺣدث اﻻﻛﺑر ( أﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑل ..إنّ ﻋﻠم اﻟﺣدﯾث ﻣن ﺣﯾث اﻟﺳﻧد وھو )طرﯾق اﻟرواﯾﺔ(؛ﻗد ﺑﻠﻎ اﻟﻛﻣﺎل ﻣﺎ ﻻ زﯾﺎدة ﻋﻠﯾﮫ.وھﺎ ﻧﺣن ﻗد ﺳﻣﻌﻧﺎ ﻓﻲ ﺣدﯾث ﻣﺿﻰ ﻗﺻﺔ ﻓﺗﺢ ﺑﺧﺎرى ﻋﻠﻰ ﯾد اﻟﻘﺎﺋد اﻟﻛﺑﯾر ﻗﺗﯾﺑﺔ،وﻟﻛن ﺑﺧﺎرى دﺧﻠت اﻹﺳﻼم وﻟن ﺗﻣﺿﻲ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻣدة ﻗﺻﯾرة ﺣﺗﻰ ﺻﺎرت ﻣن أﻛﺑر ﻣﻌﺎﻗﻠﮫ وأﻛﺑر ﺣﺻوﻧﮫ وﻟﻘد ﺣﺎوﻟت ﻓرﻧﺳﺎ ﻣراراً وﺗﻛراراً أن ﺗﺟﻌل اﻟﺟزاﺋرﯾن ﻓرﻧﺳﯾﯾن ﺑﺈﻋطﺎﺋﮭم اﻟﺟﻧﺳﯾﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ وﻟﻛن اﻟﻔﺎرﺳﻲ واﻟﺻﯾﻧﻲ ﯾﺻﯾر ﻣﺳﻠﻣﺎً،ﻷن اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ)ﺟﻧﺳﯾﺔ(و) ﻗوﻣﯾﺔ( واﻹﺳﻼم ﻋﻘﯾدة وﺗوﺣﯾد.... ﻟﻘد وﻟد اﻹﻣﺎم اﻟﺑﺧﺎري ﺑﻌد ﻓﺗﺢ ﺑﺧﺎرى ﺑﻣﺎﺋﺔ ﺳﻧﺔ وﻛﺎن أﺑوه ﻗد دﺧل اﻹﺳﻼم وﻛﺎن زاھدا ﻣﺗﻘﺷﻔﺎ ً ﻛرﯾﻣﺎ ً ﻣﺗواﺿﻌﺎ ◌ً ﺟﻧدﯾﺎ ﻣﺣﺎرﺑﺎ وﯾﺣﺑو اﻟﺳﺎﺋﻠﯾن وﻻﯾرد أﺣداً!!وﻗد ﺑﻠﻎ ﻣن اﻟﺟﺎه واﻟﻌظﻣﺔ ﻣن اﻟﻣﻧزﻟﺔ ﻟم ﯾﺑﻠﻐﮭﺎ اﻟﻣﻠوك ﻟﻘد ﺑدأ ﺑﺣﻔظ اﻟﺣدﯾث وھو اﺑن ﻋﺷر ﺳﻧﯾن وﺛم رﺣل ﻓﻲ طﻠب اﻟﻌﻠم ،،وإن رﺣﻼت اﻟﺑﺧﺎري ﻟو ﺗﺟﻣﻊ ﻟزادت ﻋن ﻣﺣﯾط اﻟﻛرة اﻻرﺿﯾﺔ ﻣرﺗﯾن وﻗﺿﻰ ﺣﯾﺎﺗﮫ ﻓﻲ ت داﺋﻣﺔ ﻓﻠم ﯾدع ﻣﺣدﺛﺎ ً وﻻ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً إﻻ أﺧذ ﻣﻧﮫ ﻣﺎ ﻋﻧده ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ ﻋﻧده ﻋﻣﺎ أﺧذه ﻋن أرﺑﻌﺔ آﻻف ﺷﯾﺦ!!وﻗد أﺟﻣﻌوا ﻋﻠﯾﮫ رﺣﻼ ٍ إﻧ ُﮫ اﻷﺳﺗﺎذ اﻷﻛﺑر ﻟﻌﻠم اﻟﺣدﯾث وﻛﺎن أﺳﺗﺎذﺗﮫ ﯾرﺟﻌون إﻟﯾﮫ !.ﺣﻔظ ﻣﻠﯾون ﺣدﯾث!وﺑﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺄﻟﯾف ﺳت ﻋﺷر ﺳﻧﺔ واﻟذي ﺟﻣﻊ ﻓﯾﮫ2761ﺣدﯾﺛﺎ ً..ھذا ھو) ﺻﺣﯾﺢ اﻟﺑﺧﺎري(اﻟذي اﺗﻔق اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻋﻠﻰ أن ﻛل ﻣﺎﻓﯾﮫ ﺻﺣﯾﺢ اﻟﺳﻧد واﻧﮫ ﺧﯾر ﻛﺗب اﻟﺣدﯾث واﻟذي اﻋﺗﻧﻰ ﺑﮫ أﺟل ﻋﻧﺎﯾﺔ ﻓﺷرح ﺛﻼﺛﮫ ﺷروﺣﺎت ﻛﺑﯾرة) ﺷرح اﺑن ﻋﺳﻘﻼﻧﻲ،ﺷرح اﻟﻌﯾﻧﻲ،ﺷرح اﻟﻘﺳطﻼﻧﻲ(؛؛وﻣﺎزال ﯾﻧﺞ اﻟﺑﺧﺎري ﻣن اﻟﻌﻠﻣﺎء ﯾﺷﺗﻐﻠون ﺑﮫ وﯾﻘﺑﻠون ﻋﻠﻰ اﻹﺳﺗﻔﺎدة واﻟﻌﻣل ﺑﮫ.ﻣﻊ اﻟﻌﻠم اﻧﮫ ﺟﺎء ﻓﯾﮫ أو ﻏﯾره ﻣﺎ ﯾﺧﺎﻟف اﻟﻘرآن..وﻟم ِ ) اﻟﻣﺣﻧﺔ ( ﻣﺣﻧﺔ ﺧﻠق اﻟﻘرآن اﻟذي ﻣن أﺟﻠﮭﺎ ﻓﺎرق ﺑﻠده وﻣﺎت ﻓﻲ ﺳﻣرﻗﻧد اﻟذي ﻓﺗﺣﮭﺎ ﻗﺗﯾﺑﺔ ﻣﺎت وﻟم ﯾﻣت ﻛﺗﺎﺑﮫ واﺳﻣﮫ وﺳﯾظل اﺑداً ﻣﺎﺑﻘﻰ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن. ) ﺟزاء ﷲ ﻋن ﺣدﯾث ﻧﺑﯾﮫ أﻓﺿل ﻣﺎ ﯾﺟزى ﺑﮭ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻌﺎﻣﻠﯾن(
11
َ اﻟﻌﺎِﻟ ُم اﻟ ّﻧ ِﺑﯾل ُ ﺑداﯾﺔ ھذه اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ أود أن أطرح ﻋﻠﯾﻛم ﺳؤاﻻً؟! ھل ﯾﺳﺗطﯾﻊ ﻣﻌﻠم أن ﯾدﺧل ﺻف ﯾوﺟد ﻓﯾﮫ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟطﻼب ﺑﻣراﺣﻠﮭم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﯾﻘول ﻗوﻟﮫ وﯾﻔﮭﻣﮫ وﯾرﺿﻰ اﻟﺟﻣﯾﻊ؟! ﻛﺎﻓﺔ اﻹﺟﺎﺑﺎت ﺳوف ﺗﻛون ﺑـ)ﻻ( إذن ﻻ أﺣد ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﻘﻧﻊ اﻟﺟﻣﯾﻊ ﺑﺄراﺋﮫ و أﻗواﻟﮫ.ﺣدﯾﺛﺎ اﻟﯾوم ﻋن ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻟﯾس ﻓﯾﮭﺎ ﻣن اﻟﺗﻘﻰ واﻟﺻﻼح وﻻ ﻓﻲ اﻹﺟﺗﮭﺎد واﻟﻔﻘﮫ وﻻ ﻓﻲ اﻟزھد واﻟورع ﺷﺧﺻﯾﺗﻧﺎ اﻣﺗﺎزت ﺑﺎﻟﻧﺑل واﻟﺳﯾﺎدة واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻘوﯾﺔ رﺟل دﯾن ﻛل ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻓﻲ رﺟل واﺣد ﺳﻠطﺗﮫ وﻗوﺗﮫ ﺳﺧرھﺎ ﻟرد اﻟﻣظﺎﻟم وإﻗﺎﻣﺔ اﻟﺣق وﻛف اﻷذى وﻟﻛن ﻛل ھذه اﻟﺳﻣﺎت ﻛﺎن ﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﻧﺻر ﻣذھب اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ وإﯾذاء أﺋﻣﺔ اﻟﺳﻧﺔ! إذا أﻧﺎ أﺗﻛﻠم ﻋن )أﺣﻣد ﺑن أﺑﻲ داؤد( ﻣن ﺑﻌض ﻣواﻗﻔﮫ أﺳردھﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺗﻣﺛﯾل :ﻏﺿب اﻟﻣﻌﺗﺻم ﻣرة ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻟد ﺑن ﯾزﯾد ﺑن ﻣزﯾد اﻟﺷﯾﺑﺎﻧﻲ اﻟﻔﺎرس اﻟﻣﻐوار اﻟﻌرﺑﻲ وﻗدم أﺣﻣد ﺑن أﺑﻰ داؤد ﻟﯾﺷﻔﻊ ﻟﮫ ﻓﻠم ﯾﻘﺑل اﻟﻣﻌﺗﺻم ﻓﺟﻠس ﺧﻼف ﻣﺟﻠﺳﮫ اﻟﻣﻌﺗﺎد ﻓﻘﺎل اﻟﻣﻌﺗﺻم ﻣﺟﻠﺳك ﯾﺎ أﺑﺎ ﻣﺣﻣد !ﻗﺎل :ﻣﺎﯾﻧﺑﻐﻲ ﻟﻲ أن أﺟﻠس ﻓﯾﮫ ﻷن اﻟﻧﺎس ﺗظن إن ﺟﻠﺳت ﻓﯾﮫ ﯾﺣق ﻟﻲ ﻣن أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻣﺎأﺷﻔﻊ ﺑﮫ .ﻗﺎل :ﻋد إﻟﻰ ﻣﻛﺎﻧك .ﻓﻘﺎل :ﻣﺷﻔﻌﺎ ً أو ﻏﯾر ﻣﺷﻔﻊ؟ ﻗﺎل :ﺑل ﻣﺷﻔﻌﺎ ً.ﻗﺎل :إن اﻟﻧﺎس ﻻ ﯾﻌﻠﻣون أﻧك ﻋﻔوت ﻋﻧﮫ ﺣﺗﻰ ﺗﺧﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ ﻓﺄﻣر ﻓﺧﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ ﻓﻘﺎل :إن ﻟﮫ راﺗب ﻛل ﺳﺗﺔ أﺷﮭر ﻓﻣر ﻟﮫ ﺑﮫ أن ﺗﻘم ﻣﻘﺎم اﻟﺟﺎﺋزة ﻓﺄﻣر ﻟﮫ ﺑﮭﺎ ﻓﺧرج واﻟﺧﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ واﻟﻣﺎل ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ .ﻓﻧﺎداه رﺟل: ﻣرﺣﺑﺎ ً ﺑك ﯾﺎﺳﯾد اﻟﻌرب ﻗﺎل :اﺳﻛت وﯾﺣك :ﺳﯾد اﻟﻌرب اﺑن أﺑﻰ داؤد وﻟﮫ ﻣوﻗف ﻋﺟﯾب ﺣﯾﻧﻣﺎ اﺷﺗد ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﺗﺻم اﻟﻣرض ﻓﺷﻛﻰ إﻟﯾﮫ اﻟﻣﻌﺗﺻم ﻣﺎﯾزول ﺑﮫ اﻷﻟم ﻓﻘﺎل ﻓﻲ اﻟﺳﺟن ﻣظﻠوﻣون ودﻋوة اﻟﻣظﻠوم ﻣﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﻓﺄﻣر ﺑﺈطﻼق ﺻراﺣﮭم ﻟﯾدﻋو ﻟك ﻓﻔﻌل ذﻟك ﻓﻘﺎل ﻟﮫ :إﻧﮭم ﯾﻌودون إﻟﻰ أھﻠﯾﮭم وأﯾدﯾﮭم ﺻﻔر رد أﻟﯾﮭن أﻣواﻟﮭم ﻓﺄﻣر ﺑذﻟك وﻟﮫ أﺧﺑﺎر ﻛﺛﯾرة ﻻ ﯾﺗﺳﻊ ﻟﻧﺎ ذﻛرھﺎ وﻟو أن ﻛل ﻋﺎﻟم ﯾﺗﺻل ﺑﺎﻟﺣﺎﻛم وﯾﺗﺑﻊ ﺳﻠطﺗﮫ وﻗرﺑﮫ ﻣﺛﻠﻣﺎ ﻓﻌل أﺣﻣد ﺑن أﺑﻰ داؤد ﻟﺻﻠﺣت أﺣوال اﻷﻣﺔ ﻟم ﯾﺑﻠﻎ ﻣﻧﺻﺑﮫ ھذا ﺑواﺳطﺔ أو ﺷﻔﺎﻋﺔ أو ﻧﺳب ﺑل ﺑﻧﺑوﻏﮫ وﻋﻠﻣﮫ ،ﻛﺎن ﻣن أﺑﻠﻎ ﺑﻠﻐﺎء ﻋﺻره ﻛﺎن راوﯾﺎ ً وﺷﺎﻋراً ﻛﺎن ﯾﺣﺳن اﻟﺗﺻرف وﻣﺧﺎطﺑﺔ اﻟﻣﻠوك ﻛﺎن ﯾﺣﻣﻲ اﻟﺷﻌراء واﻷدﺑﺎء ﻋﺎدى رﺟﻠﯾن ﻛﺑﯾرﯾن اﻷول ﻣن أﺟل اﻟدﻧﯾﺎ وھو اﻟﺷﺎﻋر اﻟوزﯾر أﺑو زﯾﺎت واﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن أﺟل اﻟدﯾن وھو أﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑل ﻋﺎش ھذا اﻟﺑطل ﺣﺗﻰ أﯾﺎم اﻟﻣﺗوﻛل ﻓﺄﺻﯾب ﺑﺎﻟﻔﺎﻟﺞ وﻋزل وﺑﻘﻲ أﺛره اﻟطﯾب اﻟﻧﺑﯾل ﺣﺗﻰ ﺑﻌد ﻋزﻟﮫ وﻟم ﺗؤﺛر ﻋﻠﯾﮫ ﻛﻣﺎ ُﻣدح ﺑﻣداﺋﺢ ﻟم ﯾﻣدح ﺑﮭﺎ أﺣد ﻗﺑﻠﮫ ﻣﻧﮭﺎ،، ﻓﻛﺎن ﻗول ﻣروان ﺑن أﺑﻰ اﻟﺟﻧوب : ﻟﻘد ﺣﺎزت ﻧزار ﻛل ﻣﺟد وﻣﻛرﻣﺔ ﻋﻠﻰ رﻏم اﻷﻋﺎدى 12
ﻓﻘل ﻟﻠﻔﺎﺧرﯾن ﻋﻠب ﻧزار وﻣﻧﮭم ﺧﻧدف وﺑﻧو أﯾﺎد رﺳول ﷲ واﻟﺧﻠﻔﺎء ﻣﻧﺎ وﻣﻧﺎ أﺣﻣد ﺑن أﺑﻰ داؤد وﻟﻣﺎ ﻣﺎت ﻗﺎم ﻋﻠﻰ ﻗﺑره ﺛﻼﺛﺔ ﻣن اﻟﺷﻌراء وﻗﺎل ﻛل ﻣﻧﮭم أﺑﯾﺎﺗـٍ ﻋﺎﺟزﯾن ﻋن إﻋطﺎﺋﮫ ﺣﻘﮫ ﻓﯾﮭﺎ.
13
اﻟﻔﻘِﯾ ُﮫ اﻷ ِﻣ َﯾر
ﻧﺣن اﻷن ﺳﻧﺗﻛﻠم ﻋن دوﻟﺔ ﻗﺑل أﻟف وﻣﺎﺋﺗﻲ ﺳﻧﺔ أ ُ ﺷﮭد ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺣﺿﺎرة أطﻠق ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺗوﻧس اﻟﺧﺿراء ﻣن ﺧﻼل ﺳﻔر طﺎﻟب إﻟﻰ اﻟﻣﺷرق ﻟﻠدراﺳﺔ واﻟﺗﺣﺻﯾل ﻓﻲ أﯾﺎﻣﻧﺎ ھذا اﻟطﺎﻟب ﯾذھب ﻟﻠﻐرب ﻣن أﺟل اﻟدراﺳﺔ ﻣﺳﺗﺑﻌداً دول اﻟﻣﺷرق ﻣن ﻓﻛره وﻻ ﯾﻌﻠم ﺣﻘﯾﻘﺔ أن اﻟﺣﺿﺎرة ﺑدأت ﻣن ھﻧﺎ ﻣن اﻟﺷرق وذھﺑت ﻟﻠﻐرب وھﻛذا ﺣﺗﻰ رﺟﻌت ﻟﻠﺷرق! ﺳﻧﻌود ﻟﻠوراء،ﺷﺎب ﻋﻣره ﺛﻼﺛون ﺳﻧﺔ ﻏرﯾب ﻋن ﺗوﻧس أﺻﻠﮫ ﻣن ﻧﯾﺳﺎﺑور وﻟد ﻓﻲ دﯾﺎر ﺑﻛر ذھب أﺑوه إﻟﻰ اﻟﻣﻐرب ﻓﻲ ﺣﻣﻠﺔ ﻟﻠﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ ﺛورة اﻟﺑراﺑرة ﻧﺷﺄ وﺗرﻋرع وأﺧذ اﻟﻌﻠم ﻓﻲ ﺗوﻧس .ﺣﺗﻰ أﺗﻰ ذﻟك اﻟﯾوم اﻟذي اﺟﺗﻣﻊ ﻓﯾﮫ أھل ﺗوﻧس ﻟوداﻋﮫ ﻋﻧدﻣﺎ أراد اﻟرﺣﯾل ﻣن أﺟل اﻟﻌﻠم ﻷﺷﮭر وﻟﯾس ﻛﻣﺎ ھو اﻟﺣﺎل اﻵن ﯾذھﺑون ﻟﻧﯾل اﻟﻣﺗﻊ ﺑطرق ﺳﮭﻠﺔ وﻣواﺻﻼت ﻣﺗﺎﺣﺔ ﻛﺎن ﺣﺎﻟﮭم ﻓﻲ اﻟﺳﻔر ﺷﺎﻗﺎ ً طوﯾﻼً ﯾﻣﺗد ٍ طوﯾﻠﺔ ﻛﺎن ذﻟك ﻓﻲ ﺳﻧﺔ 172ﻟﻠﮭﺟرة.ذھب ھذا اﻟﺷﺎب ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﺑﯾن اﻟﺑر واﻟﺑﺣر ﻛﺎن آﻧذاك ﻻﯾوﺟد ﻟﻠﻌﻠم ﺳوى ﻣرﻛزان' _ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺣﺎﻓظﺔ ﺗﻌﻧﻲ ﺑـ)اﻟﻧﻘل وﺑدراﺳﺔ اﻟﻧﺻوص(ﻣﻘرھﺎ اﻟﻣدﯾﻧﺔ واﺳﺗﺎذھﺎ اﻟﻣﺎﻟك. _ ﺟﺎﻣﻌﺔ )اﻟﺑﺣث واﻟﺣﻘوق( ﻣﻘرھﺎ اﻟﻌراق وأﺳﺗﺎذھﺎ أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ. ﻗﺻد اﻟﺷﺎب اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻟﯾﺗﻠﻘﻰ اﻟﻌﻠم اﻟﻛﺎﻣل ﻛﺎن اﻟﻌﻠم ﯾﻘﺎم ﺑﺎﻟﺟواﻣﻊ وﻟزم اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ﻛﺎﻧت طرﯾﻘﺔ اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ﻓﻲ ﺗدرﯾﺳﮫ ﻟطﻼﺑﮫ اﻹﺳﺗﻣﺎع ﺧﺎﻟﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺎت وطرح اﻷﺳﺋﻠﺔ واﻟﺗوﻗﻌﺎت ﻋﻛس اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻓﻲ اﻟﻌراق ھذا اﻟﺷﺎب ﻟم ﯾرﺿﻰ ﺑﮭذا اﻟﺣﺎل ﻓﻛﺎن ﯾﺳﺄل وﯾﻠﺢ ﺣﺗﻰ ﯾﺣﺻل ﻋﻠﻰ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻓﺿﺟر ﻣﺎﻟك ﻣن أﺳﺋﻠﺗﮫ ﻓﻘﺎل ﻟﮫ ﻋﻠﯾك ﺑﺎﻟﻌراق. ﻟﻛﻧﮫ اﺳﺗﻣر ﻣﻊ اﻹﻣﺎم ﻣدة ﺳﻧﺗﯾن ﺛم ﻗرر اﻟذھﺎب ﻟﻠﻌراق وطﻠب ﻣن إﻣﺎﻣﮫ أن ﯾوﺻﯾﮫ ﻓﻘﺎل ﻟﮫ" :أوﺻﯾك ﺑﺗﻘوى ﷲ ،واﻟﻘرآن، واﻟﻧﺻﯾﺣﺔ ﻟﻠﻧﺎس" ﻛﺎن آﻧذاك ﺑﺎﻟﻌراق ﻗد ﺗوﻓﻲ أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ ووﻟﻰ ﻣدرﺳﺗﮫ ﻷﺑو ﯾوﺳف وﻣﺣﻣد. اﻹﻣﺎم ﻣﺣﻣد ﻗد ﺗﺻدر ﻟﻠﺗدرﯾس واﻟﺑﺣث وﻛﺎن ﻣن ﺗﻼﻣﯾذه اﻹﻣﺎم اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ،أﺳﺗﺎذ اﻹﻣﺎم أﺣﻣد.ﺗﻠﻘﻰ ھذا اﻟﺷﺎب اﻟﻌﻠم ﺑدروﺳﮫ اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺧﺎﺻﺔ ﻟﻧﺗوﻗف ﻗﻠﯾﻼً !... أﺳﺗﺎذ ﻛﺑﯾر ﺗﺄﺗﯾﮫ ﺑﺎﻟﯾوم اﻵف ﻣن اﻟﻣﺳﺎﺋل ﻟﯾﻔﺗﻲ ﻓﯾﮭﺎ وﯾﻘدم ﻋﻠﯾﮫ ﺷﺎب ﯾطﻠب ﻣﻧﮫ ﺑﻌض ﻣن وﻗﺗﮫ ﻣن أﺟل دروﺳﮫ اﻟﺧﺎﺻﮫ.ھل ﯾواﻓق؟! ﻧﻌم واﻓق ﻋﻠﻰ ذﻟك وأﺳﻛﻧﮫ ﺑﻐرﻓﺔ ﻓﻲ ﺑﯾﺗﮫ دون ﻣﻘﺎﺑل ﻷن اﻟﻌﻠم ﻛﺎن ﯾﻘدس ﻋﻧدھم وﯾﻌﺗﺑروﻧﮫ ﻋﺑﺎدة ! ﺧﻼف ﻣﺎﻧﺣن ب.ﻟزم ھذا اﻟﺷﺎب ﻣﻊ اﻹﻣﺎم أﺣﻣد وﻛﺎن ھو أول ﻣن ﻋﻠﯾﮫ اﻵن اﻟوﻗت اﻟراھن ﻧطﻠب اﻟﻌﻠم ﻣن أﺟل اﻟوظﺎﺋف وﻣن أﺟل ﻣﻧﺻ ٍ ﺟﻣﻊ ﺑﯾن ﻣذھﺑﯾن )ﻣﺎﻟك ' أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ( .ﻗرر اﻟرﺣﯾل ﻣرة أﺧرى وﻛﺎن ﯾرﯾد ﻣﺻر ﻛﺎن ھﻧﺎك ﻋﺎﻟﻣﺎن ﻣن ﺗﻼﻣﯾذ اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ھﻣﺎ أﺷﮭب واﺑن اﻟﻘﺎﺳم ﻛﺎﻧﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎﻣﻠﺔ )أﺷﮭب ذو ﺣدة وﻓﻲ ﻟﺳﺎﻧﮫ طول،وﻓﻲ اﺑن اﻟﻘﺎﺳم أﻧﺎه وﻟﯾن( ﻟﻛن اﺟﺗﻣﻌﺎ ﻛﻠﯾﮭﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ إﻣﺎﻣﮫ ﻟﺑﻌض اﻟﻣﺳﺎﺋل.ﻓﻘرر اﻟﺷﺎب أن ﯾﻼزم أﺷﮭب ﺣﺗﻰ ﺣﺻل ﻣوﻗف ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ وذھب ﻹﺑن اﻟﻘﺎﺳم .ﻗرر اﻟﺷﺎب ﺟﻣﻊ 14
ﻛل ﻣﺎﺗﻠﻘﺎه ﻣن اﻟﻌﻠﻣﺎء ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ واﻟﻌراق وﻣﺻر ﻓﻲ)ﻣدوﻧﺔ( ﺳﻣﺎھﺎ "اﻷﺳدﯾﺔ" وﻗدر ﷲ ﻟﮭذا اﻟﻛﺗﺎب أن ﯾﻛون أﺳﺎس اﻟﻔﻘﮫ اﻟﻣﺎﻟﻛﻲ ﻛﻠﮫ .وﺑﻌد ﻣرور ﻋﺷرﯾن ﺳﻧﺔ أﻓﻧﺎھﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠم واﻟدراﺳﺔ ﻗرر اﻟﻌودة إﻟﻰ اﻟﻘﯾروان ﻋﺎﺻﻣﺔ اﻟﻣﻐرب.ﻛﺎن ﻋﻣره ﻗد ﻗﺎرب اﻟﺧﻣﺳﯾن ﻓﻌﻣل ﺑﺎﻟﺗدرﯾس ﻟﯾﻌطﻲ اﻟﺗﻼﻣﯾذ ﻣﺛل ﻣﺎ أﻋطﺎه أﺳﺎﺗذﺗﮫ. أﻣﺿﻰ ﻋﺷرﯾن ﺳﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﺣﺗﻰ أﺗﺂه ﻣﻧﺻﺑـﮫ ﻓﻌﻣل ﺑﺎﻟﻘﺿﺎء ﻣﻊ أﺑﻲ ﻣﺣرز .ﻛﻧت أﺗﺣدث ﻋن طﺎﻟب ﻋﻠم وﻟﻛن ﻣن ھو ؟!! ] إﻧﮫ أﺳد ﺑن اﻟﻔرات[. أﺳد طﺎﻟب اﻟﻌﻠم ،أﺳد اﻟﻔﻘﯾﮫ ،أﺳد اﻟﻘﺎﺿﻲ .إذاً ﻣﺎھو ﺧﺑر أﺳد اﻟﻘﺎﺋد اﻷﻣﯾر ؟!! آﻧذاك ﻛﺎن أطراف اﻟﺑﺣر اﻟﻣﺗوﺳط ﻣن ﻧﺻف اﻟﺳﺎﺣل اﻟﺷرﻗﻲ إﻟﻰ ﻧﺻف اﻟﺳﺎﺣل اﻟﻐرﺑﻲ واﻟﺳﺎﺣل اﻟﺟﻧوﺑﻲ ﯾﺣﻛﻣﮫ اﻟﻣﺳﻠﻣون واﻟﺷﻣﺎﻟﻲ ﺗﺣت ﺣﻣﺎﯾﺗﮭم ،وھﻧﺎک ﻋﮭود ﺗرﺑطﮭم ﺑﺈﯾطﺎﻟﯾﺎ وﺻﻘﻠﯾﮫ.وﻟﻛن ﺻﻘﻠﯾﮫ ﻧﻘﺿت اﻟﻌﮭد وﺣﺑﺳت أﺳرى اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وأﺳﺎءت ﻟﮭن ﻓﺗردد اﻟﺣﺎﻛم ھل ﯾﻌﻠن اﻟﺣرب أم ﻻ ﻓﺳﺄل اﻟﻘﺎﺿﯾﺎن ،ﻓﺄﺟﺎب أﺳد وﻛﺎن ﯾواﻓق ﻋﻠﻰ إﻋﻼن اﻟﺣرب وطﻠب ﻣن اﻷﻣﯾر أن ﯾذھب ﻣﻊ اﻟﻣﺟﺎھدﯾن ﻓﺄﺑﻰ ﺧوﻓﺎ ً ﻋﻠﯾﮫ ﻟﻛﻧﮫ أﻟﺢ ﻓوﻻه إﻣﺎرة اﻟﺣﻣﻠﺔ
ﻓﻛﺎن أول ﻣن ﺟﻣﻊ اﻟﻣﻧﺻﺑﯾن )ﻗﺎﺿﻲ و
أﻣﯾر(ُ .ﺟﮭز اﻷﺳطول وﻛﺎن ﻣؤﻟف ﻣن ﺛﻣﺎن وﺗﺳﻌﯾن ﻗطﻌﺔ وﻋﺷرة اﻵف رﺟل وﺗﺳﻊ ﻣﺎﺋﺔ ﻓﺎرس.ﺧرج اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻣﯾﻧﺎء ﺳوﺳﺔ ،وﺗﻛﻠم اﻟﺣﺎﻛم واﻟﺧطﺑﺎء ﺛم ﺗﻛﻠم اﻷﻣﯾر ﻗﺎﺋﻼً ﺑﺣﻛﻣﺔ وﻋﻠم " وﷲ ﯾﺎﻣﻌﺷر اﻟﻧﺎس ﻣﺎوﻟﻰ أب وﻻ ﺟد وﻻﯾﺔ ﻗط وﻣﺎ رأى أﺣد ﻣن أﺳﻼﻓﻲ ﻣﺛل ھذا ﻗط ،وﻣﺎ ﺑﻠﻐﺗﮫ إﻻ ﺑﺎﻟﻌﻠم ﻓﻌﻠﯾﻛم ﺑﺎﻟﻌﻠم إﺗﻌﺑوا ﻓﯾﮫ أذھﺎﻧﻛم ،وﻛدو ﺑﮫ أﺟﺳﺎدﻛم ،ﺗﺑﻠﻐوا ﺑـﮫ اﻟدﻧﯾﺎ َو اﻷﺧرة " اﻟﺟﻣﯾﻊ ﯾﺗﺳﺎﺋل ﻛﯾف ﻟﮭذا اﻟرﺟل اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺣرب وأﻣور اﻟﻘﺗﺎل؟!! ﻟﻛن ﯾﺎﺳﺎدة ﻗد ﻧﺟﺢ ﻧﺟﺎح ﻣﻧﻘطﻊ اﻟﻧظﯾر .ﻟﻣﺎ طﺎﻟت أﯾﺎم اﻟﻣﻌرﻛﺔ وﻗﻠت اﻟﻣؤن وﻣل اﻟﺟﻧد وﺗﺣرﻛت ﻗوات اﻟﻔﺳﺎد ﻋﺎزﻣﯾن ﻋﻠﻰ ﺧﺿوع اﻟﺣرب واﻟﻌﺻﯾﺎن! وﺣﻔوا ﺑﺎﻟﻘﺎﺿﻲ أﺳد ﺑن اﻟﻔرات .وأﻗﺑل زﻋﯾﻣﮭم أﺳد ﺑن اﻟﻔرات ﻗﺎدم ﯾﻌﻠن رﻏﺑﺔ اﻟﺟﻧد ﺑﺎﻟﻌودة إﻟﻰ دﯾﺎرھم ھﻲ رﻏﺑﺔ ظﺎھرھﺎ وﺑﺎطﻧﮭﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ.ﻓﻘﺎﺑﻠﮭﺎ أﺳد ﺑﺎﻟﺣﻛﻣﺔ وذھب ﯾﺑﯾن ﻟﮭم ﻗرب اﻟﻧﺻر وﻋظﯾم اﻷﺟر ﻓﻣﺎ ازدادو إﻻ ﻋﺗواً.وﺗﻘﺎﺑل اﻷﺳدان ھﻧﺎ ﻓﻌل اﻷﻣﯾرﺷﻲءٍ ﻟم ﯾﻔﻌﻠﮫ أﺣد ﻗﺑﻠﮫ ﻛﺎن ﯾﻣﺗﻠك ﻗوة ﺳﻣﺎوﯾﺔ ھﻲ }ﻗوة اﻹﯾﻣﺎن{.أﺧذ اﻟﺳوط ﻣن إﺣدى اﻟﺣرس وﺿرب اﻟﺛﺎﺋر ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮫ ھﺎﺗﻔﺎ ً ﻟﻠﺟﻧد „إﻟﻰ اﻷﻣﺎم„ ﻛﺎن اﻟﻧﺻر ﺣﻠﯾﻔﮭم وﻛﺎن اﺑﺗداء اﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﻌدﻣﺎ ﺗم ﻓﻘد أﻏﻠﻰ ﺛروة وھو اﺳﺗﺷﮭﺎد أﺳد ﺑن اﻟﻔرات وھو ﯾﺣﻣل راﯾﺔ اﻟﻧﺻر.
ھوى طﺎھر اﻷﺛواب ﻟم ﺗﺑق روﺿﺔ ﻏﺎدة ﺛوى إﻻ اﺷﺗﮭت أﻧﮭﺎ ﻗﺑر ﻋﻠﯾك ﺳﻼم ﷲ وﻓﻘﺎ ً ﻓﺈﻧﻧﻲ رأﯾت اﻟﻛرﯾم اﻟﺣر ﻟﯾس ﻟﮫ ﻗﺑر.
15
) َﺑﺎﻧﻰ ُﻣ ﱠراﻛِش
(
ھذا اﻟﺣدﯾث ﻋن ﻋﺑﻘري ﻣن ﻋﺑﺎﻗرة اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ..أﻋود ﺑﻛم إﻟﻰ اﻟﻘرن اﻟـ 5وأذھب ﺑﻛم إﻟﻰ ﺻﺣﺎري اﻟﻣﻐرب اﻷﻗﺻﻰ. وﻗد ﻛﺎﻧت ھذه اﻟﺻﺣﺎري ﻟﻘﺑﺎﺋل "زﻧﺎﺗﮫ" ﻓزاﺣﻣﺗﮭﺎ ﻣن اﻟﺟﻧوب ﻗﺑﺎﺋل ﺟدﯾدة وﻛﺎﻧوا ﻓﻲ اﻷﺻل ﻋﻠﻰ ﺟﮭﺎﻟﺔ ،ﻓﺄﺣب زﻋﯾﻣﮭم أن ﯾﻌﻠﻣﮭم اﻹﺳﻼم وأن ﯾﻧور ﺑﮫ ﻗﻠوﺑﮭم ،ﻓﺎﺧﺗﺎر اﻟﺷﯾﺦ ﻋﺑدﷲ اﻟﺟزوﻟﻲ وﻛﺎن ھذا اﻟﺷﯾﺦ ﺳﺑب ھداﯾﺔ ھذه اﻟﺧﻼﺋق وﻟم ﯾﻛن ﺳﺑب ھذا اﻟﻧﺟﺎح أﻧﮫ ﻛﺎن أﻋﻠم اﻟﻧﺎس وأﻧﮫ ﻛﺎن أﻓﺻﺣﮭم وﻟﻛن ﻛﺎن ﺳﺑﺑﮫ اﻷوﺣد أﻧﮫ ﻛﺎن ﻣؤﻣ ًﻧﺎ ﺣ ًﻘﺎ وﻟم ﯾﻛن ﯾطﻠب اﻟﺟﺎه وﻻ اﻟﻣﺎل ﺑل ﯾطﻠب ﷲ واﻟدار اﻻﺧرة. وﻛﺎﻧوا ﯾﻌرﻓون ﺑﺎﻟﻣﻠﺛﻣﯾن ﻓﺳﻣﺎھم اﻟﻣراﺑطﯾن وﺗوﻓﻰ ھذا اﻟﻔﻘﯾﮫ ﺑﻌدﻣﺎ أﺳس اﻷﺳس وأﻗﺎم اﻟدﻋﺎﺋم ﻟدوﻟﺔ اﻟﻣراﺑطﯾن وﻣن ھﻧﺎ ﺗرون أن ﻋﺎﻟ ًﻣﺎ وﺣﯾدًا ﯾدﻋوا إﻟﻰ ﷲ ،ﯾﺣﯾﻲ ﺑﮫ ﷲ أﻣﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ. واﻧﻔرد أﺑو ﺑﻛر اﻟﻠﻣﺗوﻧﻲ ﺑﻌد ﻣوت اﻟﻔﻘﯾﮫ ﺑﺎﻷﻣر ،ﻓﺟﺎء ﺑﺷﺎب ﻣن ﺑﻧﻲ ﻋﻣﮫ ﯾوﺳف ﺑن ﺗﺎﺷﻔﯾن ﻓوﻻه ﻗﯾﺎدة ﺷطر ﻣن اﻟﺟﯾش، ﻟﯾﺗم اﻟﻌﻣل اﻟذي ﺑدأه اﻟﺟزوﻟﻲ وﻻ ﻧﻌرف ﻣن أﯾن ﺟﺎء ﺗﺎﺷﻔﯾن وﻻ ﯾﺣدﺛﻧﺎ اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻋن ذﻟك ﺷﯾ ًﺋﺎ وﻻ ﻧﻌرﻓﮫ إﻻ ﯾوم وﻟﻰ ھذه اﻟﻘﯾﺎدة. ﺑدوا وﯾﺳﯾطرون ﻋﻠﻰ ﻗﺑﺎﺋﻠﮭﺎ ﻓﺳﺎر ﺑﮭم اﺑن ﺗﺎﺷﻔﯾن إﻟﻰ ﻣدن اﻟﻣﻐرب ﻓﺎﻓﺗﺗﺣﮭﺎ وﻟم ﯾﻛن ﻟﻠﻣراﺑطﯾن إﻻ اﻟﺻﺣراء ﯾﻌﯾﺷون ﻓﯾﮭﺎ ً ﺛم ﺗوﺟﮫ إﻟﻰ اﻟﺟزاﺋر ﺛم ﺗوﻧس وﻛﺎن ﻛل ﺑﻠدة أﻣﯾر ﯾظﻠم اﻟﻧﺎس ﻓﺎﻓﺗﺗﺣﮭﺎ وأﻗﺎم ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﻲ ﻛل ﺑﻠدة أﻣﯾراً ﯾﺣﻛم ﺑﻛﺗﺎب ﷲ وﺳﻧﺔ ﻧﺑﯾﮫ . ﻋﺎد اﺑن ﺗﺎﺷﻔﯾن وﺳﻛن ﻓﻲ ﻣراﻛش ﺳﻧﺔ 465ھـ وﻛﺎن ﻧﺣﯾف اﻟﺟﺳم ،أﺳﻣر اﻟﻠون ،دﻗﯾق اﻟﺻوت ،ﯾﺣﺳﺑﮫ ﻣن ﯾراه وﯾﺳﻣﻌﮫ رﺟﻼً ﺿﻌﯾﻔﺎ ً ﻣﺳﻛﯾ ًﻧﺎ ،ﻓﺈذا ﺧﺑره وﺟده اﻷﺳد ﻗوة وﻣﺿﺎء وﻛﺎن ﻣﺣﺎر ًﺑﺎ ﻟﯾس ﻟﮫ ﻧظﯾر وﻗﺎﺋداً ﻣن اﻟطﺑﻘﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟﻘواد وﻛﺎن ﺧﯾ ًرا ﻋﺎدﻻً وﯾﻣﯾل إﻟﻰ أھل اﻟﻌﻠم وﯾﻛرﻣﮭم وﯾﺗﺑﻊ ﺣﻛﻣﮭم ﻣﺎداﻣوا ﯾﺗﻛﻠﻣون ﺑﻠﺳﺎن اﻟﺷرع ،وﻛﺎن ﯾﺣب اﻟﺻﻔﺢ ،وﻛﺎن زاھدًا ﻣﺗﻘﺷ ًﻔﺎ ﻟم ﯾﺳﺗﺄﺛر ﺑﻣطﻌم وﻻ ﻣﺷرب ﻟم ﯾﻌرف ﺣﯾﺎة اﻟﺳرف واﻟﺗرف وﻛﺎن ﻗوي اﻟﺟﺳم وﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺣﺗﻰ ﻗﺎرب اﻟـ 100 ﻋﺎم . ﺣﺗﻰ ھذا اﻟوﻗت اﻟذي اﻧﺗﻘل ﻓﯾﮫ اﻟﻣﻐرب اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣن اﻟﻔرﻗﺔ واﻹﻧﻘﺳﺎم إﻟﻰ اﻟوﺣدة واﻟﻘوة وﻟﻛن ﻛﺎﻧت اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻷﻧدﻟس ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﻓﻘد زاﻟت دوﻟﺔ اﻟﻧﺎﺻر واﻟﻣﻧﺻور ﻣن ﺑﻌده وﻗﺎﻣت ھذه اﻟﺣﻛوﻣﺎت اﻟﺻﻐﯾرة ﺗﻌﺗدي ﻛل ﺟﺎرة ﻣﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺎراﺗﮭﺎ وﺑﻠﻎ اﻷﻣر إﻟﻰ أن ﻛل دوﻟﺔ ﻣﻧﮭﺎ ﺗﺳﺗﻌﯾن ﻋﻠﻰ أﺧﺗﮭﺎ ﺑﺎﻷﺳﺑﺎن ،ﺑﺎﻟﻌدو اﻟﻣﺷﺗرك! 16
وأﺧذ اﻷﺳﺑﺎن ﯾﺳﺗﻔﯾدون ﻣن ھذا اﻟﺧﻼف وﯾﺄﺧذون ﻣن أطراف اﻟﺑﻼد اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ وﺟﻌﻠت اﻟﻣدن ﺗﺗﺳﺎﻗط ﻓﻲ أﯾدﯾﮭم واﺣدة ﺑﻌد واﺣدة ﻣن ﺑﻌد طﻠﯾطﻠﺔ وھﻲ ﻗﻠﻌﺔ اﻹﺳﻼم ﺗوﺟﮭوا ﺟﻣﯾ ًﻌﺎ إﻟﻰ اﻟﻣﻐرب واﺳﺗﻧﺟدوا ﺑﺎﺑن ﺗﺎﺷﻔﯾن وﻟﺑﻰ اﻟطﻠب وﺣﺷد ﺟﯾ ً ﺷﺎ ﺿﺧ ًﻣﺎ وﺟﺎز ﺑﮫ اﻟﺑﺣر إﻟﻰ اﻷﻧدﻟس ،وﻣﺷﻰ اﻟﺟﯾﺷﺎن إﻟﻰ اﻟﻣﻌرﻛﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ اﻟﺗﻲ اﺟﺗﻣﻌت ﻓﯾﮭﺎ ﺟﯾوش اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻧب وﺟﯾوش اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﺟﺎﻧب وﻛﺎن اﻟﻠﻘﺎء ﻓﻲ ﺳﮭل اﻟزﻻﻗﺔ وﻛﺎﻧت اﻟوﻗﻌﺔ ﯾوم اﻟﺟﻣﻌﺔ ﻓﻲ 499/7/15ھـ وﻛﺎﻧت اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻣن أﻋظم اﻟﻣﻌﺎرك اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺑﺷر؛ ﻓﻘد اﺟﺗﻣﻌت ﻓﯾﮭﺎ ﻷول ﻣرة ﻗوى اﻹﺳﻼم ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ اﻷﻧدﻟس واﻟﻣﻐرب ﻓﻲ وﺟﮫ ﻗوى اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ أﺳﺑﺎﻧﯾﺎ وﻛﺎن اﺑن ﺗﺎﺷﻔﯾن ﯾوﻣﺋذ ﺷﯾﺧﺎ ً ﻓﻲ ﻧﺣو اﻟـ 80 ﻣن ﻋﻣره. ﯾﺎﺳﯾداﺗﻲ وﺳﺎدﺗﻲ : إن ﺗﺎرﯾﺧﻛم ﻓﯾﺎض ﺑﺎﻟﺑطوﻻت واﻟﻣﻔﺎﺧر واﻟﻣﻛﺎرم ،وﻟﻛﻧﻛم ﻻ ﺗﻛﺎدون ﺗﻌرﻓون ﺗﺎرﯾﺧﻛم.
17
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ
18
اﻟﺻﻘر اﻷﻣوي ھل ﻗرأﺗم ﻗﺻص اﻟﻣﻐﺎﻣرات اﻟﻛﺑرى أو رأﯾﺗم أﻓﻼﻣﮭﺎ ؟ ﺗﺻوروا أﻏرب ﻗﺻﺔ اﺑﺗﻛرھﺎ ﺧﯾﺎل أدﯾب ﻗﺻﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻗﺻﺔ رﺟل رﻣﺗﮫ اﻟﺣﯾﺎة ﺑﺄدھﻰ اﻟدواھﻲ وﻧزﻟت ﺑﮫ إﻟﻰ اﻟﺣﺿﯾض ﻓﻘﻔز ﻗﻔزة واﺣدة ﻣن ﺣﺿﯾض اﻹﺧﻔﺎق إﻟﻰ ذروة اﻟﻧﺟﺎح .ﻛﺎﻧت دﻣﺷق ﻓﻲ ﻋﮭد ﻣظﻠم ﻣن ﻋﮭودھﺎ اﻟﺳود ﯾﺣﻛﻣﮭﺎ ﺻﻐﺎر اﻟﻧﻔوس ،ﻛﺑﺎر اﻟﻣطﺎﻣﻊ واﻷھواء ،ﺟﺑﻧوا ﻋن اﻟﻣﻛﺎرم واﻟﻔﺗوح ،ﺟﻣﻌوا ﺑﯾن اﻟطﻐﯾﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس واﻟﻌﺑودﯾﺔ ﻟﻠﺷﯾطﺎن ھﻣﮭم ﺣﻔﻼت اﻟﻠﮭو ﯾﺑذرون أﻣواﻟﮭم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻐﻧﯾن و ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺳﺎء واﻟﺧﻣور . أوﻟﺋك ھم ﺑﻌض وﻻة ﺑﻧﻲ أﻣﯾﺔ ﻓﻲ أواﺧر اﻟﻌﮭد ﻧﺳﻰ اﻷﺣﻔﺎد ﺳﯾرة اﻷﺟداد وﻧزﻋت أﻣﯾﺔ ﺛوب اﻟﺟﮭﺎد وﻏﺎﺑت ﻋن ﺳﺟﻼﺗﮭﺎ ﺗﻠك اﻷﺳﻣﺎء اﻟﻛﺑﯾرة ﻓﻠم ﯾﻌد ﻓﯾﮭم ﻣﺛل ﻣﻌﺎوﯾﺔ وﻻ ﻋﺑداﻟﻣﻠك وﻻ اﻟوﻟﯾد وﻻ ﻓﻲ ﻗوادھﺎ ﻗﺗﯾﺑﺔ واﻟﻣﮭﻠب واﻋﺗﻠﻰ ﺳرﯾر اﻟﺧﻼﻓﺔ ﺧﻠﻔﺎء ﺻﻐﺎر ﺿﻌﺎف ظﻠﻣت أﻣﯾﺔ وﻓﺟرت وﻓﺗﺷت أﻣﯾﺔ ﻋن اﻟرﺟل اﻟذي ﯾﻌﯾد ﺳﯾرة أﺧﻼﻓﮭﺎ اﻷول :ﻣﻌﺎوﯾﺔ وﻋﺑداﻟﻣﻠك و ﻣروان وﻛﺎن ﻣروان ﻛﺎﺳﻣﮫ ﺻﺧراً ﺻﻠداً ﻟﻛﻧﮫ ﺟﺎء ﻣﻊ اﻷﺳف واﻟﻧﺎر ﻗد اﻧدﻟﻌت واﻣﺗدت ﺣﺗﻰ وﺻل ﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﻣﺷرﻗﯾن وﺿﺎﻋت أﻣﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﺑد. وﺿﺎع اﻟﻌرب وﻣﺎ أﺿﺎﻋﮭم إﻻ اﻹﻧﻘﺳﺎم واﻟﻌﺻﺑﯾﺔ اﻟﺟﺎھﻠﯾﺔ ﻓﺧﻠت ﻣن أﻣﯾﺔ اﻟﻘﺻور واﻣﺗﻸت ﺑﺎﻟﻘﺑور وﺗﺗﺑﻌت اﻟدوﻟﺔ اﻟﺟدﯾدة ﺑﻧﻲ أﻣﯾﺔ ﻗﺗﻼً و ﺣرﻗﺎ ً وﻟم ﯾﻔﻠت إﻻ ﺷﺎب واﺣد وھو اﻟﺑطل اﻟذي أﺣدﺛﻛم ﻋﻧﮫ :ﻋﺑداﻟرﺣﻣن ﺑن ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑن ھﺷﺎم وأﺧوه اﻟﺻﻐﯾر وﺧﺎدﻣﮫ ﺑدر ﻛﺎن ﻟﺑﻧﻲ أﻣﯾﺔ ﻣوﻗف ﻣﻘطوع ﻓﯾﮫ اﻷﻣل وﻟﻛن ﻋﺑداﻟرﺣﻣن ﻟم ﯾﯾﺄس ﻛﺎﻧت ﻟﮫ أﻋﺻﺎب ﻗدت ﻣن اﻟﻔوﻻذ وﺑﺻر ﻛﺄﻧﮫ ﯾﻧظر ﻣن وراء اﻟﻐﯾب و ﻋﻘل ﻻﺗدﻧو إﻟﻰ إدراك ﺗﻔﻛﯾره اﻟﻣﻌﻘول رﻣﻰ ﺑﺑﺻره إﻟﻰ اﻟﺑﻠدان ﻓوﺟدھﺎ ﻣﻐﻠﻘﺔ ﻓﻠم ﯾﺟد إﻻ اﻷﻧدﻟس وﻟﻛﻧﮫ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻌراق و أﯾن أﻧت ﯾﺎ أﻧدﻟس ﻣن اﻟﻌراق ؟ ﻟم ﯾﯾﺄس وﻣﺷﻰ إﻟﻰ اﻷﻧدﻟس ودون اﻷﻧدﻟس ﺳدس ﻣﺣﯾط اﻷرض واﻋﺗرﺿﮫ اﻟﻔرات ﻓﺄﻟﻘﻰ ﺑﻧﻔﺳﮫ ﯾﺳﺑﺢ وﻣﻌﮫ أﺧوه وﻛﻠت ﻗوى اﻟطﻔل وﻧﺎدوه ﺑﺎﻷﻣﺎن ﻓﻠم ﯾﺳﻣﻊ ﻧﺻﺢ أﺧﯾﮫ ﻓذﺑﺣوه أﻣﺎﻣﮫ وﻟم ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻌﮫ إﻻ ﻏﻼﻣﮫ ﺑدر. واﻧطﻠق ﯾﻣﺷﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﯾل وﯾﺧﺗﺑﺊ ﻓﻲ اﻟﻧﮭﺎر ﻣن ﻗرﯾﺔ إﻟﻰ ﻗرﯾﺔ واﻟطرﯾق ﻻ ﯾﻧﺗﮭﻲ ﻓـ ﻟﻌﺑداﻟرﺣﻣن أن ﯾﻣﺷﻲ ﻣن أطراف اﻟﻌراق إﻟﻰ اﻟﺷﺎم وﻣن اﻟﺷﺎم إﻟﻰ ﻣﺻر وﻣن ﻣﺻر إﻟﻰ طراﺑﻠس وﻣن طراﺑﻠس إﻟﻰ ﺗوﻧس وﻣن ﺗوﻧس إﻟﻰ اﻟﺟزاﺋر ﺛم إﻟﻰ أﻗﺻﻰ اﻟﻣﻐرب ﺛم ﯾﻌﺑر اﻟﺑﺣر وھو ﺿﻌﯾف ﻣطﺎرد ﻣﺎ ﻣﻌﮫ إﻻ ﻏﻼﻣﮫ ﺑدر. ووﺻل إﻟﻰ اﻷﻧدﻟس وﻛﺎﻧت اﻷﻧدﻟس ﻓﻲ ﻣﻌزل ﻋن اﻟدوﻟﺔ واﺳﺗطﺎع ھذا اﻟطرﯾد اﻟﺷرﯾد أن ﯾرﻣﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻣﻌﺔ وأن ﯾﻛون ﻛﺄﺑرع ﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ وأن ﯾﻛون ﻗﺎﺋداً ﻛﺄﺑرع ﻗﺎﺋد ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﯾﺧوض اﻟﻣﻌﺎرك واﻟﺣروب ﺣﺗﻰ ﺻﺎر ﺳﯾد اﻷﻧدﻟس .
19
إن ﺳﯾرة ﻋﺑداﻟرﺣﻣن اﻟداﺧل أروع ﺳﯾرة ﻓﻲ ﺗوارﯾﺦ اﻷﻣم اﻟرﺟل اﻟطرﯾد اﻟذي اﺳﺗﻠم إرث أﻣﯾﺔ ﻣﻠطﺧﺎ ﺑﺎﻟوﺣل ﻣﻐﻣوﺳﺎ ً ﺑﺎﻟدم ﻓﺟﻌﻠﮫ أﺳﻣﻰ ﻣن اﻟﻧﺟم وأﺑﮭﻰ ﻣن ﺳﻧﺎ اﻟﺷﻣس اﻟرﺟل اﻟذي أﻧﺷﺄ دوﻟﺔ ﻋﺎﺷت ﻗرﻧﯾن وﻧﺻف.
20
ﻗراﻗوش اﻟﻣﻔﺗري ﻋﻠﯾﮫ:
إﻧﮫ رﺟل راح ﺿﺣﯾﺔ اﻷدب اﻟﻣﻔﺗرى ھو ﻗراﻗوش اﻟذي ﺻﺎر ﻋﻠﻰ أﻟﺳﻧﺔ اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻛل زﻣﺎن وﻣﻛﺎن اﻟﻣﺛل اﻟﻣﺿروب ﻟﻛل ﺣﺎﻛم ﻓﺎﺳد ﻓﻛﻠﻣﺎ أراد اﻟﻧﺎس أن ﯾﺻﻔو ﺣﻛﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﺟور واﻟﻔﺳﺎد ﻗﺎﻟو ھذا ﺣﻛم ﻗراﻗوش. إن ﻗراﻗوش ﻟﮫ ﺻورﺗﺎن ﺻورة ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﺻﺎدﻗﺔ ،وﺻورة رواﺋﯾﺔ ﺻورھﺎ ﻋدو ﻟﮫ ﻣن ﻣﻧﺎﻓﺳﯾﮫ ﻓﺎﻟﺻورة اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ طﻣﺳت واﻟﺻورة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ اﻟﺑطﺎﻟﺔ ﺑﻘﯾت وﺧﻠدت ﻓﻼ ﯾذﻛر ﻗراﻗوش إﻻ ذﻛر اﻟﻧﺎس اﻟﺣﻛﺎﯾﺎت واﻷﺣﻛﺎم اﻟﻐرﯾﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﺳﺑت إﻟﯾﮫ ﻓﻣن ھو ﻗراﻗوش ؟ ھو أﺣد ﻗواد ﺑطل اﻹﺳﻼم ﺻﻼح اﻟدﯾن اﻻﯾﺑوﺑﻲ ﻛﺎن ﻣن أﺧﻠص أﻋواﻧﮫ وأﻗرﺑﮭم إﻟﯾﮫ ﻛﺎن ﻗﺎﺋداً وﺟﻧدﯾﺎ ً أﻣﯾﻧﺎ ً وﻣﮭﻧدﺳﺎ ً ﺣرﺑﯾﺎ ً وﻛﺎن ﻣﺛﺎل ﻟﻠرﺟل اﻟﻌﺳﻛري وﻛﺎن أﻋﺟوﺑﺔ ﻓﻲ أﻣﺎﻧﺗﮫ ﻟﻣﺎ أﺣس اﻟﻔﺎطﻣﯾون زوال ﻣﻠﻛﮭم ﺷرﻋوا ﯾﻌﺑﺛون ﺑﻧﻔﺎﺋس اﻟﻘﺻر وﯾﺣﻣﻠون ﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﺧف ﺣﻣﻠﮫ وﯾﻐﻠو ﺛﻣﻧﮫ وﻛﺎن اﻟﻘﺻر ﻣدﯾن ﺻﻐﯾرة ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻌد ﻣن اﻟﺗﺣف واﻟﻛﻧوز ﻓوﻛل ﺻﻼح اﻟدﯾن ﻗراﻗوش ﺑﺣﻔظ اﻟﻘﺻر ﻓﻧظر ﻓﺈذا أﻣﺎﻣﮫ اﻟﺟواھر واﻟﺣﻠﻰ اﻟﻧﺎدرة واﻟﻛؤوس واﻟﺛرﯾﺎت ﻣﺎﻻ ﻣﺛﯾل ﻟﮫ ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ . ﻓﻼ ﻓﺗﻧﮫ اﻟﺟﻣﺎل وﻻ أﻏواه اﻟﻣﺎل ووﻓﻰ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﺣﻘﮭﺎ وﻟم ﯾﺄﺧذ ﻟﻧﻔﺳﮫ وﻻ ﺗرك أﺣداً ﯾﺄﺧذ ﻣﻧﮭﺎ . وھو اﻟذي أﻗﺎم أﻋظم اﻟﻣﻧﺷﺂت اﻟﺣرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣت ﻓﻲ ﻋﮭد ﺻﻼح اﻟدﯾن ﻓﺈذا ذھﺑﺗم ﻣﺻر وزرﺗم اﻟﻘﻠﻌﺔ اﻟﻣﺗرﺑﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘطم ﻓﺄﻋﻠﻣوا أن ھذه اﻟﻣدﯾن اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ ﻣن آﺛﺎر ﻗراﻗوش وإذا رأﯾﺗم ﺳور اﻟﻘﺎھرة ﻓﺎﻋﻠﻣوا أن اﻟذي ﺑﻧﻰ اﻟﺳور و أﻗﺎم ﻓﯾﮫ اﻟﺟﺎﻣﻊ ھو ﻗراﻗوش وﻟﻣﺎ وﻗﻊ اﻟﺧﻼف ﺑﯾن ورﺛﺔ ﺻﻼح اﻟدﯾن ﻣﺎ ﻛﻔﮭم وﻻ أﺻﻠﺢ ﺑﯾﻧﮭم إﻻ ﻗراﻗوش . وﻟﻣﺎ ﻣﺎت اﻟﻌزﯾز اﻷﯾوﺑﻲ أوﺻﻰ ﺑﺎﻟﻣﻠك ﻻﺑﻧﮫ اﻟﻣﻧﺻور وﻛﺎن ﯾﺑﻠﻎ اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ ﻣن ﻋﻣره ﺟﻌل اﻟوﺻﻲ ﻋﻠﯾﮫ ﻗراﻗوش ﻓﻛﺎن ھو اﻟﺣﺎﻛم اﻟﻌﺎدل واﻷﻣﯾر اﻟﺣﺎزم ﻓﺄﺻﻠﺢ اﻟﺑﻼد وأرﺿﻰ اﻟﻌﺑﺎد ﻓﻣن أﯾن ﺟﺎءت ﺗﻠك اﻟوﺻﻣﺔ اﻟﺗﻲ وﺻﻣوا ﺑﮭﺎ ﻗراﻗوش وﻣن ذا اﻟذي ﺷوه ھذه اﻟﺻورة اﻟﺳوﯾﺔ ؟
إﻧﮭﺎ ﺟرﯾﻣﺔ اﻷدب ﯾﺎﺳﺎدة .ﻟﻘد أﺳﺎء اﻟﻣﺗﻧﺑﻲ إﻟﻰ ﻛﺎﻓور ﻓﺄﻟﺑﺳﮫ وﺟﮭﺎ ﻏﯾر وﺟﮭﮫ اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ و أﺳﺎء اﺑن ﻣﻣﺎﺗﻰ إﻟﻰ ﻗراﻗوش ﻓﺄﻟﺑﺳﮫ وﺟﮭﺎ ﻏﯾر وﺟﮭﮫ اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ واﺑن ﻣﻣﺎﺗﻰ ﻛﺎﺗب ﺑﺎرع وأدﯾب طوﯾل اﻟﻠﺳﺎن ﻛﺎن ﻣوظﻔﺎ ﻓﻲ دﯾوان ﺻﻼح اﻟدﯾن وﻛﺎن اﻟرؤﺳﺎء ﯾﺧﺷوﻧﮫ وﻟﻛن ﻗراﻗوش وھو اﻟرﺟل اﻟﻌﺳﻛري اﻟذي ﻻﯾﻌرف اﻟﻣﻠق وﻻ اﻟﻣداراة ﻟم ﯾﺧش ﺷره وﻟم ﯾدر أن ﺳن اﻟﻘﻠم أﻗوى ﻣن ﺳﻧﺎن اﻟرﻣﺢ ﻓﺄﻟف اﺑن ﻣﻣﺎﺗﻰ رﺳﺎﻟﺔ ﺻﻐﯾرة ﺳﻣﺎھﺎ "اﻟﻔﺎﻓوش ﻓﻲ أﺣﻛﺎم اﻟﻘراﻗوش" ووﺿﻊ اﻟﺣﻛﺎﯾﺎت وﻧﺳﺑﮭﺎ إﻟﯾﮭﺎ 21
ﻓﺻدﻗﮭﺎ اﻟﻧﺎس وﻣﺎت ﻗراﻗوش وﻋﺎش ﻗراﻗوش اﻟﻔﺎﻓوش ﻛﻣﺎ ﻣﺎت ﻛﺎﻓور اﻟﺗﺎرﯾﺦ وﻋﺎش ﻛﺎﻓور اﻟﻣﺗﻧﺑﻲ وﻛﻣﺎ ﻧﺳﻰ ﻋﻧﺗرة اﻟواﻗﻊ وﻋرف ﻋﻧﺗرة اﻟﻘﺻﺔ . وھذا ﯾﺎ ﺳﺎدة ﺳﻠطﺎن اﻷدب ﻓـ اﺗﻘوا ﷲ ﯾﺎ أﯾﮭﺎ اﻷدﺑﺎء ﻓﻲ ھذا اﻟﺳﻠطﺎن وﯾﺎ أﯾﮭﺎ اﻟﻧﺎس ﻻﺗﺧدﻋوا ﺑﺗزﯾﯾف اﻷدﺑﺎء.
22
ﻓﺎﺗﺢ اﻟﻣﺷرق:
أﺗرون ھذه اﻟﺑﻼد اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺗد ﻣن ﺳﺎﺣل اﻟﻣﺣﯾط اﻻطﻠﻧطﻲ ﺣﺗﻰ ﺗﺻل ﺑﺳﺎﺣل اﻟﻣﺣﯾط اﻟﮭﺎدي ﻣن ﻓﺎرس إﻟﻰ اﻟﺻﯾن إﻧﻧﺎ ﻟم ﻧﻔﺗﺢ ھذه اﻟﺑﻼد ﻟﮭواً ﻓﻧﺣن أرﻗﻧﺎ ﻓﯾﮭﺎ أﻧﮭﺎراً ﻣن دﻣﺎﺋﻧﺎ وﺿﺣﯾﻧﺎ ﻓﯾﮭﺎ ﺟﺑﺎل ﻣن أﺟﺳﺎدﻧﺎ وﺳﺧرﻧﺎ ﻟﮭﺎ ﻋﺑﻘرﯾﺎﺗﻧﺎ ووﻗﻔﻧﺎ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺑطوﻻﺗﻧﺎ اﻟﺗﻲ ﻟم ﯾﻌرف اﻟﺗﺎرﯾﺦ إﻻ اﻷﻗل ﻣﻧﮭﺎ وﺑﻘﻲ ﺳﺎﺋرھﺎ ﺳراً اﺣﺗﺳﺎﺑﺎ ﻟﻸﺟر ﻋﻧد ﷲ. ﻟﻛل ﻣﻧطﻘﺔ ﻗﺻﺔ راﺋﻌﺔ وﻟﻛل ﻣﻌرﻛﺔ ﻗواد ﻋﺑﺎﻗرة ﺗﺳﻣﻊ أﺧﺑﺎرھم ﻓﺗﻘول ھؤﻻء أﻋظم ﻗواد اﻟزﻣﺎن ﻓﺈذا ﺳﻣﻌت أﺧﺑﺎر ﻗﺎدة ﻣﻌرﻛﺔ اﻷﺧرى ﻗﻠت ھؤﻻء أﻋظم وأﻗدر . ﻟﻘد ﺗﻌﺎﻗب ﻋﻠﻰ ھذه اﻟراﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ اﻷﻓﻘﯾن وھذا اﻟﺣدﯾث ﻋن ﻗﺎدة ﻣن ھؤﻻء اﻟﻘواد اﻟﻛﺑﺎر ﻋن اﻟرﺟل اﻟذي ﺿم ﺑﺳﯾﻔﮫ إﻟﻰ اﻟوطن اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻼداً ﯾﺳﻛﻧﮭﺎ أﻗوى ﺷﻌوب اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻘدﯾم ﻋﻠﻰ اﻟﺣرب وأﺷدھﺎ ﺗﻣرﺳﺎ ً وﺑراﻋﺔ رﺟل ﻣﺎ رﻓﻌﮫ ﻧﺳﺑﮫ ﻓﻘد ﻛﺎن ﻣن أﺧس ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب وأﺣطﮭﺎ ﻣﻧزﻟﺔ ﻛﺎن ﯾﺳﺗﺣﯾﻲ أﺑﻧﺎؤھﺎ ﻣن اﻹﻧﺗﺳﺎب إﻟﯾﮭﺎ ھو اﻟﺷﺎب اﻟذي اﺧﺗﺎره اﻟﺣﺟﺎج ﻟﯾﺗوﻟﻰ اﻟﻘﯾﺎدة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﺟﯾش اﻟﻣﺷرق اﻟرﺟل اﻟذي ﻓﺗﺢ ﻣن ﺣدود إﯾران اﻟﯾوم إﻟﻰ أواﺧر ﺗرﻛﺳﺗﺎن أﻟم ﺗﻌرﻓوا ﺑﻌد ﻣن ھو ؟ إﻧﮫ ﻗﺗﯾﺑﺔ ﺑن ﻣﺳﻠم اﻟﺑﺎھﻠﻲ . ﻛﺎن ﻣرﻛز ﺟﯾش اﻟﻣﺷرق ﻣرو وﻛﺎﻧت اﻟﻔﺗن ﻋﺻﻔت ﺑﺎﻟﺟﯾش اﻟﺿﺧم اﻟذي ﻛﺎن ﯾﻘوده اﻟﻣﮭﻠب واﻧﮫ ﯾزﯾد ﻓﻠﻣﺎ ً ﻋرﺿﮫ ﻗﺗﯾﺑﺔ ﻟم ﯾﺟد إﻻ ﺛﻼﺛﻣﺎﺋﺔ درع ﻓﺎﻟﺗﺟﺄ إﻟﻰ آﺧر ﺣﻣﻰ ﯾﻠﺗﺟﺊ إﻟﯾﮫ ﻛل ﺟﯾش واﻟﺣﺻن اﻟذي ﯾﺣﺗﺻن ﺑﮫ وھو اﻹﯾﻣﺎن ﻓﻘﺎم ﯾذﻛرھم ﺑﺎ! وﯾﺣﺿﮭم ﻋﻠﻰ اﻟﺟﮭﺎد ﻹﻋﻼء ﻛﻠﻣﺔ ﷲ اﻟﺟﮭﺎد اﻟذي ﻻﯾﺛﻣر إﻻ إﺣدى اﻟﺣﺳﻧﯾن اﻟظﻔر أواﻟﺟﻧﺔ ھز ﻧﻔوﺳﮭم ﻓطرح ﻋﻧﮭﺎ أﺛﻘﺎل اﻷﺣﻘﺎد واﻟﺷﮭوات ﻓﻛﺎﻧت ھذه اﻟﻛﻠﻣﺎت ﻣﺳت ﺟواﻧب اﻻﯾﻣﺎن ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس وزاد اﻟﺟﯾش ﻋددا إﻟﻰ ﻋدده ﻓﺈذا ھو ﺟﯾش ﺟدﯾد ﻗوي ﻟو ﻗﺣم ﺑﮫ اﻟﺑﺣر ﻻﻗﺗﺣﻣﮫ . وﺗوﺟﮫ اﻟﺟﯾش ﻟﯾﻧﺷر اﻹﯾﻣﺎن ﻓﻲ أرض ﻟم ﯾﻧﺗﺷر ﻓﯾﮭﺎ ﺳﺎر ﻟﯾﺗﻣم اﻟرﺳﺎﻟﺔ وﯾﺣﻘق اﻟﻣﻌﺟزة وﻣﺎھﻲ إﻻ ﺟوﻻت ﺣﺗﻰ ﻋﺟم اﻷﻋداء ﻋوده وﻋرﻓوا أي ﺳﮭم ﻣﺎض رﻣﺎھم ﺑﮫ اﻟﺣﺟﺎج وﺟﻌﻠت ﺗﺗﺳﺎﻗط ﻋﻠﻰ ﻗدﻣﯾﮫ اﻟﺗﯾﺟﺎن وﺟﺎء ﻣﻠك اﻟطﺎﻟﻘﺎن واﻟﺻﻐﺎﻧﯾﺎن ﻣن ﻣﻠوك اﻟﺗرك ﻓﻘدﻣﺎ إﻟﯾﮫ ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ ﻣن اﻟذھب ﻋﻠﻰ وﺳﺎﺋد ﻣن اﻟﺣرﯾر رﻣزاً ﻟﻺﺳﺗﺳﻼم ﺑﻼ ﻗﯾد وﻻ ﺷرط وﻛذﻟك ﯾرﻓﻊ اﻟﻧﺎس وﺟوھﮭم إﻟﻰ اﻟﺳﻣﺎء ﻛﻠﻣﺎ ﺿﺎﻗت ﻋﻠﯾﮭم اﻟﺳﺑل ﻓﯾرون ﺑﺎب اﻟﺳﻣﺎء ﻣﻔﺗوﺣﺎ ً أﺑداً .
23
وﻛﺎن ﻟﻘﺗﯾﺑﺔ ﺟواﺳﯾس ﻓﻲ ﺟﯾش اﻟﻌدو ﻓﺄﻏروا ﻛﺑﯾرھم ﺑﺄن ﯾﻛون ﻣﻌﮭم ﻋﻠﻰ ﻗﺗﯾﺑﺔ وﺷروه ﻋﻠﻰ أن ﯾﻐﺷﮫ ﻓﺟﺎءه واﺧﺗﻠﻰ ﺑﮫ وﻣﻌﮫ أﺣد اﻟﻘواد ﻓﻘﺎل اﻟﺟﺎﺳوس إن اﻟﻌدو ﻛﺛﯾر و أﻧﺎ أرى أن ﺗﻧﺳﺣب ﺑﺎﻟﺟﯾش ﻗﺎل ﻛم ﻣن ﻓﺋﺔ ﻗﻠﯾﻠﺔ ﻏﻠﺑت ﻓﺋﺔ ﻛﺛﯾرة ﺑﺈذن ﷲ وأﻣﺎ أﻧت ﻓﻘد ﺧﻧت وﻗرره ﻓﺄﻗر ﻓﺿرب ﻋﻧﻘﮫ وﻗﺎل ﻟﻠﻘﺎﺋد ﻟم ﯾﺳﻣﻊ إﻻ أﻧﺎ وأﻧت وإﻻ ﻷﻟﺣﻘﻧك ﺑﺎﻟﺧﺎﺋن . واﺷﺗدت اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﺣﺗﻰ زﻟزﻟت اﻟﻣدﯾﻧﺔ واﺿطرب ﺟﯾش اﻷﻋداء ﻓطﻠﺑوا اﻟﺻﻠﺢ واﻟﻣﻌﺎھدة وﻟﻛﻧﮫ ﻟم ﯾﻛﺎد ﯾرﺟﻊ ﻋﻧﮭم ﺣﺗﻰ ﻧﻘﺿوه ﻓﻌﺎد إﻟﯾﮭم وﻛﺎﻧت اﻟﮭزﯾﻣﺔ وﻓﺗﺣت ﺑﯾﻛﻧد . وﻻ أرﯾد أن أﺻف اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺧﺗم ﺑﮭﺎ ﺟﮭﺎد ھذا اﻟﻣﺟﺎھد واﻟﻣﯾﺗﺔ اﻟﻔﺎﺟﻊ اﻟﺗﻲ ﻣﺎﺗﮭﺎ وإﻧﻲ ﻻﺧﺗﻣﮭﺎ ﺑﺄﻏرب ﻗﺻﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺣروب ﻟم ﯾﻘﻊ ﻷﻣﺔ ﻣﺛﻠﮭﺎ وﻻ أظن أن ﺗﻘﻊ ﻷﻣﺔ أﺧرى . ﻟﻘد ﻛﺎن ﻣن ﻓﺗﺢ ﻗﺗﯾﺑﺔ ﺳﻣرﻗﻧد ﺷﻲء ﻣن اﻟﻐدر ﻓﻠﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻣر ﺑن ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز رﻓﻊ إﻟﯾﮫ أھل ﺳﻣرﻗﻧد دﻋوى ﻋﻠﻰ اﻟﺟﯾش اﻹﺳﻼﻣﻲ أن ﺑﻠدھم ﻓﺗﺢ ﻏدراً ﻓﺄﻣر ﻋﻣر ﺑﺗﺄﻟﯾف ﻣﺣﻛﻣﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣن ﻗﺎض واﺣد ﻟرؤﯾﺔ اﻟدﻋوى وﺟﻠس اﻟﻘﺎﺿﻲ وأﺣﺿر اﻟﻣدﻋﯾن واﻟﻣدﻋﻲ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻘﺎﺋد اﻟﻌﺎم ﻟﻠﺟﯾش اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺳﻣﻊ أﻗواﻟﮭم وﺻدر ﺣﻛﻣﺎ ﺑﺑطﻼن اﻟﻔﺗﺢ ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﻏدراً وﻷﻧﮫ ﺧﺎﻟف ﻗواﻋد اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺣروب وﺷرع اﻟﺟﯾش ﺑﺎﻹﻧﺳﺣﺎب وﻟﻛن أھل اﻟﺑﻠد اﻟﻣدﻋﯾن اﻟذﯾن ذاﻗوا ﻧﻌﻣﺔ اﻟﺣﻛم اﻹﺳﻼﻣﻲ طﯾﻠﺔ اﻟﺳﻧﯾن ﻋﺎد ﯾطﻠﺑون اﺧﺗﯾﺎر أن ﯾﺑﻘوا ﺗﺣت راﯾﺔ اﻹﺳﻼم ﺑﮭذا اﻻﯾﻣﺎن واﻷﺧﻼق ﻻ ﺑﺳﯾوﻓﻧﺎ وﻻ رﻣﺎﺣﻧﺎ ﻓﺗﺣﻧﺎ اﻟﻌﺎﻟم وﺑﻣﺛل ھذا اﻹﯾﻣﺎن ﻧﺳﺗﻌﯾد ﻓﻠﺳطﯾن وﻧﻛﺗب ﺻﻔﺣﺔ أﻣﺟﺎدﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻣرة أﺧرى إن ﺷﺎء ﷲ .
24
ﻣن ورﺛﺔ اﻷﻧﺑﯾﺎء:
ھذه ﻗﺻﺔ ﻋﺎﻟم أﺧﻠص ﻟﻠﻌﻠم ﺣﺗﻰ ﺟﻌل طﻠﺑﮫ أﻛﺑر ﻏﺎﯾﺗﮫ وﻏﺎﯾﺔ ﺣﯾﺎﺗﮫ وﻛﺎن ﻓﻲ ھﯾﺑﺗﮫ وﺻراﺣﺗﮫ ﻣﻊ اﻟﻣﻠوك أﻣﺔ وﺣده وﻟﮫ ﻣواﻗف ﻣﻊ ﻋﺑداﻟﻣﻠك واﻟوﻟﯾد ﺗﺣﺳﺑﮭﺎ ﻣن أﺣﺎدﯾث اﻟﺧﯾﺎل وﻛﺎن ﻓﻘﯾﮭﺎ أدﯾﺑﺎ وﺷﺎﻋرا ﺑﻘﻲ أرﺑﻌﯾن ﺳﻧﺔ ﻻ ﯾﺳﻣﻊ اﻷذان إﻻ وھو ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد وﻟم ﯾﺑدل ﻣﻛﺎﻧﮫ ﻣن اﻟﺻف اﻷول ورأى اﻟﺣﺟﺎج ﻣرة ﯾﺳﻲء ﻓﻲ ﺻﻼﺗﮫ ﻓﻧﺑﮭﮫ وﻟم ﯾﺳﻣﻊ ﻓرﻣﺎه ﺑﻛف ﻣن ﺣﺻﻰ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد وأﻧﺎ ﻣﺣدﺛﻛم ﻋن ﻣﻧﻘﺑﺗﯾن ﻣن ﻣﻧﺎﻗﺑﮫ اﻟﻛﺛﯾرة اﻷوﻟﻰ ﻓﻠﺗروا ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻠﻘﻰ اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ﻋﻘﯾدﺗﮭم وﯾؤذون أﺟﺳﺎدھم وأﻣواﻟﮭم وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﻠﺗﻌﻠﻣوا أﻧﮭم ﻛﺎﻧوا إذا دﻋوا إﻟﻰ ﺧﯾر ﺑدؤوا ﻓﯾﮫ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭم ﻟم ﯾﻛن اﻟﻌﻠم ﻋﻧدھﺎ ﺑﺿﺎﻋﺔ ﻟﻠﺗﺻدﯾر ﻓﻘط ﻛﺎن ﺳﻌﯾد ﯾﻔﺗﻲ ﺑﺄن اﻟرﺳول ﻧﮭﻰ ﻋن ﺑﯾﻌﺗﯾن ﻓﻠﻣﺎ أراد ﻋﺑداﻟﻣﻠك ﺑن ﻣروان أن ﯾﺑﺎﯾﻊ ﻟوﻟدﯾﮫ اﻟوﻟﯾد وﺳﻠﯾﻣﺎن ﻣن ﺑﻌده وﺗﺑﻊ اﻟﻧﺎس وﺑﺎﯾﻌوا ﻟم ﯾﻧس ﺳﻌﯾد ﻓﺗواه وﻟم ﯾﺗﻧﺎﺳﮭﺎ وﻗف ﻣوﻗف اﻟﺣق وأﺑﻰ ﻋن اﻟﺑﯾﻌﺔ وﺑذل أﻣﯾر اﻟﻣدﯾن أﻧواع اﻟﺗرﻏﯾب واﻟﺗرھﯾب ﻓﺄﺑﻰ وھدده ﺑﺎﻟﺟﻠد ﻋﻠﻧﺎ ً ﻓذھب وﻓد ﻣن ﻛﺑﺎر اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻓﻌرﺿوا ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﺳﻛت ﻓﻼ ﯾﻘول ﻻ وﻻ ﻧﻌم ﻓﻘﺎل أﻧﺎ أﺳﻛت ﻋن اﻟﺣق؟ ﻻ ﻗﺎﻟو اﻋﺗزل ﻓﻲ ﺑﯾﺗك أﯾﺎﻣﺎ ً ﺣﺗﻰ ﺗﻣر اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﻗﺎل اﺑﻘﻰ ﻓﻲ ﺑﯾﺗﻲ ﻓﻼ أﺧرج إﻟﻰ اﻟﺻﻼة وأﻧﺎ أﺳﻣﻊ ﺣﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻼة وﻣﺎ ﺳﻣﻌﺗﮭﺎ ﻣن أرﺑﻌﯾن ﺳﻧﺔ إﻻ وأﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد؟ ﻻ .ﻗﺎﻟوا ﺑدل ﻣﻛﺎﻧك ﺣﺗﻰ إذا ﺟﺎء رﺳول اﻷﻣﯾر ﻟم ﯾﺟدك ﻗﺎل أﺧوﻓﺎ ﻣن ﻣﺧﻠوق؟ ﻻ أﺗﻘدم ﻋن ﻣﻛﺎﻧﻲ ﺷﺑراً وﻻ أﺗﺄﺧر ﺷﺑراً دﻋﺎه اﻷﻣﯾر ﻓﮭدده ﺑﺎﻟﻘﺗل ﻓﻛﺎن ﻻ ﯾﺳﻛت ﺧوﻓﺎ ﻣن اﻟﺳﯾف وﻻ ﯾﻛﺗم اﻟﻌﻠم .أﻣﺎ اﻟﻣﻧﻘﺑﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻟﻠﻌﻠﻣﺎء واﻟﻧﺎس ،وھﻲ درس اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻟو ﺣﻔظﮫ اﻵﺑﺎء ﻟﻣﺎ ﺑﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺑﯾت ﺑﻧت ﻛﺎﺳدة ،وﻟﻣﺎ ﺑﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺑﻠد ﺷﺎب ﻓﺎﺳق ﻧﺣن ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ إن اﻟﻧﺎس ﻗد ﺧرﺟوا إﻟﻰ اﻟطرﯾق واﻟﻧﺳﺎء ﻗد أطﻠﻠن ﻣن ﺷﻘوق اﻟﻧواﻓذ إن اﻟﻧﺎس ﯾرﺗﻘﺑون ﻣوﻛب رﺳول اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟﻣﻧدوب اﻟﺧﺎص ﻟﻌﺑداﻟﻣﻠك ﻗﺎدﻣﺎ ً ﺑﻣﮭﻣﺔ ﻟﻘد وﺻل اﻟﻣوﻛب وأﺳرع إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد ھو ﻣﺟﻣﻊ ﻛل أﻣر ﺟﻠل ﻓﯾﮫ ﺗﻛون اﻟﺑﯾﻌﺔ وﻓﯾﮫ ﯾﺳﺗﻘﺑل وﻓﯾﮫ ﺗﻠﻘﻰ اﻟدروس وﯾؤﺧذ اﻟﻌﻠم ﻓﮭو اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ وھو اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ وأﻗﺑل اﻟرﺳول ﺣﺗﻰ وﻗف ﻋﻠﻰ ﺣﻠﻘﺔ ﺳﻌﯾد ﻓﺄﺑﻠﻐﮫ ﺳﻼم أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن وأﻧﺔ ﻗﺎدم ﯾﺧطب إﻟﯾﮫ اﺑﻧﺗﮫ ﻟﻠوﻟﯾد وﻟﻲ ﻋﮭد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻏﺑط اﻟﻧﺎس ﺳﻌﯾداً ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﻧﻌﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﻧزﻟت ﻋﻠﯾﮫ وارﺗﻘﺑوا أن ﯾﮭش ﺳﻌﯾد وﯾﺑش وﯾطﯾر ﻓرﺣﺎ ً ﺑﮭذه اﻟﻧﻌﻣﺔ وﻟﻛن ﻣوازﯾن اﻟﻧﺎس ﻏﯾر ﻣﯾزان ﺳﻌﯾد ﻣﯾزاﻧﺔ ﻣﯾزان اﻟﺷرع اﻟﻧﺎس ﯾﻔﺗﺷون ﻋن اﻟﻣﺎل واﻟﺟﺎه وﻟﻛن ﺳﻌﯾداً ﯾﻔﺗش ﻻﺑﻧﺗﮫ ﻋن اﻟﺳﻌﺎدة اﻟزوﺟﯾﺔ ﻋن اﻟﺧﻠق واﻟدﯾن ﻓﻛر ﺳﻌﯾد ﻓﻲ ھذا واﻟرﺳول واﻗف ﯾﻧﺗظر ﺟواﺑﮫ وﻻ ﯾﺷك ﻓﻲ أﻧﮫ ﺟواب اﻟﻣواﻓﻘﺔ وﻻ ﺷك اﻟﻧﺎس وإذا ﺳﻌﯾد ﯾﻘول :ﻻ إﻧﮫ رﻓض أن ﯾﻌطﻲ اﺑﻧﺗﮫ ﻷﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن وﻣرت أﯾﺎم وﻛﺎن ﻟﮫ ﺗﻠﻣﯾذ اﺳﻣﮫ اﺑوداﻋﮫ ﻣﺗﯾن اﻟدﯾن رﺿﻰ اﻟﺧﻠق اﻧﻘطﻊ ﻋن اﻟدرس ﺛم ﺟﺎء ﻓﺳﺄﻟﮫ ﻓﻘﺎل :ﻣرﺿت زوﺟﺗﻲ ﻓﻣرﺿﺗﮭﺎ وﻋﻧﯾﺗﺑﮭﺎ ﺛم ﺗوﻓﯾت ﻓدﻓﻧﺗﮭﺎ ﻓﻘﺎل :ھل ﺗزوﺟت ﻏﯾرھﺎ 25
ﻗﺎل :وﻣن ﯾزوﺟﻧﻲ وﻻ أﻣﻠك إﻻ أرﺑﻌﺔ دراھم ؟ ﻓﻣن ﯾزوﺟﻧﻲ ﺑﺄرﺑﻌﺔ دراھم ؟ ﻗﺎل ﺳﻌﯾد :أﻧﺎ ﺳﻌﯾد اﻟذي رﻓض اﺑن أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن اﻟذي ﯾﻣﻠك ﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﺑﺣر اﻷطﻠﻧطﻲ وﺟﺑﺎل اﻟﺻﯾن ﯾزوج أﺑﺎ وداﻋﮫ اﻟذي ﻻ ﯾﻣﻠك إﻻ أرﺑﻌﺔ دراھم وﺷدة اﻟرﺟل وﻛذب أذﻧﮫ واﻧﻌﻘد ﻟﺳﺎﻧﮫ وﺣﺳب ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﻣﻧﺎم وﻟﻛن ﺳﻌﯾداً دﻋﺎ ﺑﺎﻟﺷﮭود وﻋﻘد اﻟﻌﻘد وذھب اﻟرﺟل إﻟﻰ داره وھو ﻻ ﯾزال ﻓﻲ ﺣﻣﻰ اﻟدھﺷﺔ وﻗدم ﻋﺷﺎءه وإذا ﺑﺎﻟﺑﺎب ﯾﻘرع ﻗﺎل :ﻣن ﻗﺎل :ﺳﻌﯾد ﻗﺎل أﺑو وداﻋﮫ :وﻣر ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻲ ﻛل ﺳﻌﯾد ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ اﻻ ﺳﻌﯾد ﺑن اﻟﻣﺳﯾب ﻷﻧﮫ ﻟم ﯾطرق ﺑﺎب أﺣد ﻣن أرﺑﻌﯾن ﺳﻧﺔ ﻓﻔﺗﺢ ﻟﮫ ﻓﻘﺎل :ﻛرھت أن ﯾﺳﺄﻟﻧﻲ ﷲ ﻋن وﺣدﺗك وﻟك زوﺟﺔ ،ﻓﺟﺋت ﺑﮭﺎ ،ودﻓﻊ اﻟﻌروس ھﻛذا
ﺑﻼ ﺣﻔﻼت وﻻ ﺟﮭﺎز ﻗﺎل :رﺣﻣك ﷲ ،أﻻ اﻧﺗظرت ﺣﺗﻰ أﺣﺻل ﻣﺎﻻً وأﻋد ﻟﻠﻌروس ﻋده
ﻗﺎل :أﻣﺎ ﻗﻠت :أن ﻣﻌك أرﺑﻌﺔ دراھم ﻓﻌﻼم اﻟﺣﻔﻼت ؟ ﻗﺎل أﺑو وداﻋﮫ :ورأﯾﺗﮭﺎ أﺟﻣل اﻣرأة وأﻛﻣﻠﮭﺎ وﻟﻣﺎ أﺻﺑﺣت ﻏدوت ﻷذھب ﻗﺎﻟت :إﻟﻰ أﯾن ؟ ﻗﻠت :إﻟﻰ ﻣﺟﻠس ﺳﻌﯾد ﻓﻘﺎﻟت :أﻗﻌد أﻋﻠﻣك ﻋﻠم ﺳﻌﯾد وإذا ھﻲ ﻋﺎﻟﻣﺔ ﻣﺣدﺛﺔ وﻟﻘد ﻛﻧﺎ ﺑﻌد إذا أﻋﯾت اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻣﺳﺄﻟﺔ رﺟﻌﻧﺎ إﻟﯾﮭﺎ إﻧﻲ ﻻ أﺳﺗطﯾﻊ أن أﺣدﺛﻛم ﺑﻣﻧﺎﻗﺑﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻠﻧﻘف ﻋﻧد ھﺎﺗﯾن اﻟﻣﻧﻘﺑﺗﯾن وﻟﻧﺄﺧذ ﻣﻧﮭﻣﺎ دروﺳﺎ ً درﺳﺎ ً ﻟﻠﻌﻠﻣﺎء ودرﺳﺎ ً ﻟﻶﺑﺎء ورﺣم ﷲ ﻣن ﯾﺳﻣﻊ ﻓﯾﻌﻲ وﯾﻌﻠم ﻓﯾﻌﻣل .
26
اﻹﻣﺎم اﻷﻋظم
ﻧﺣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻗﺎﻧوﻧﻧﺎ ھو اﻟﻘرآن ،و ﺷرﺣﮫ اﻟرﺳﻣﻲ اﻟﺣدﯾث ،و ﻣذﻛرﺗﮫ اﻹﯾﺿﺎﺣﯾﺔ أﺳﺑﺎب اﻟﻧزول و اﻟﺗﻔﺳﯾر ،ﻓﻣن اﻟﻧﺎس ﻣن ﻟم ﯾﺷﺗﻐل ﺑﺎﻟﻌﻠم ،ﻓﮭو ﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﻔﮭم اﻟﺣﻛم ﻣن اﻟﻘرآن و اﻟﺣدﯾث ،و ھذا ﺷﺊ طﺑﯾﻌﻲ ،ﻛﻣﺎ أن اﻟﺗﻘﻠﯾد طﺑﯾﻌﻲ ،إذ ﻣن اﻟﻧﺎس ﻣن ﯾﻧﻘطﻊ إﻟﻰ ﻋﻠم ﻣن اﻟﻌﻠوم ﻓﯾﺟﺗﮭد ﻓﯾﮫ ،و ﯾﻘﻠد ﻓﯾﮫ ﻏﯾره. و أول ﻣن أﻧﻘطﻊ ﻟﻠﻔﺗوى و اﻻﺳﺗﻧﺑﺎط ،و ﺟﻣﻌت أﻗواﻟﮫ و ﺗﻌدد أﺻﺣﺎﺑﮫ ﺣﺗﻰ ﺻﺎرت ﻟﮫ ﻣدرﺳﺔ أو ﻣذھب ھو أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ . اﺟﺗﻣﻊ ﺣوﻟﮫ طﺎﺋﻔﺔ ﻣن اﻟﺗﻼﻣﯾذ ﺻﺎروا ﺑﻌد أﻋﻼم اﻟدﻧﯾﺎ ،و ﻛﺎن ﻛل واﺣد ﻣﻧﮭم ﻣﺧﺗﺻﺎ ً ﺑﻧﺎﺣﯾﺔ ﻓﺈذا وردت ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺑﺣﺛوا ﻓﯾﮭﺎ و ﺗﻧﺎﻗﺷوا .و ﻗد ﯾﺑﺣﺛون اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺷﮭراً ﺣﺗﻰ ﯾﺗﺟﮫ ﻟﮭم اﻟﺣﻛم ﻓﯾﮭﺎ .ﻓﻛﺎن ﻣﺟﻠﺳﮫ ﺑرﻟﻣﺎﻧﺎ ً و ﻟﻛن أﻋﺿﺎءه ﻣن ﻧواﺑﻎ اﻟدھر . و ﻛﺎن ﻷﺑﻲ ﺣﻧﯾﻔﺔ ﻓﻘﮭﯾﺔ ﻋﺟﯾﺑﺔ ،و طرﯾق دﻗﯾق ﻓﻲ اﺳﺗﻧﺑﺎط اﻷﺣﻛﺎم ،و ﺑﯾﺎن ﻋﻠﻠﮭﺎ . و ﻛﺎن أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ إذا أﺷﻛﻠت ﻋﻠﯾﮫ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻗﺎل ﻷﺻﺣﺎﺑﮫ :ﻣﺎ ھذا إﻻ ﻟذﻧب أﺣدﺛﺗﮫ .ﻓﯾﺳﺗﻐﻔر ﷲ و ﯾﺻﻠﻲ ﺣﺗﻰ ﺗﺗﻔﺗﺢ ﻟﮫ .ﻓﻛﺎن ﯾﺻدر ﻓﻲ ﺗﻔﻛﯾره ﻋن ﺧﺷﯾﺔ ﷲ . ﻋﺎش ﺣﯾﺎﺗﮫ ﻛﻠﮭﺎ ﻣن ﻛﺳﺑﮫ ﯾوزع اﻟﻣﺎل و اﻟﻌﻠم ،و ﯾﻌﻠم اﻟﻧﺎس اﻟﻔﻘﮫ و اﻟﺗﻘﻰ و اﻟﻛرم ،أرادوه ﻋﻠﻰ اﻟوﻻﯾﺔ ﻣرﺗﯾن :ﻣرة أﯾﺎم ﺑﻧﻲ أﻣﯾﺔ و ﻣرة أﯾﺎم ﺑﻧﻲ اﻟﻌﺑﺎس ،و ﺿرب ﻓﻲ اﻟﻣرﺗﯾن ﻓرﻓض ،ﻓﻛﺎﻧت اﻷﺧﯾرة ﺳﺑب وﻓﺎﺗﮫ . و اﻟﻣذھب اﻟﺣﻧﻔﻲ اﻟﯾوم ،أوﺳﻊ اﻟﻣذاھب اﻧﺗﺷﺎراً ،و أوﺳﻌﮭﺎ ﻓروﻋﺎ ً و أﻗواﻻً ،و ھو أﻧﻔﻊ اﻟﻣذاھب ﻓﻲ اﺳﺗﻧﺑﺎط اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺟدﯾدة ،و اﻻﺟﺗﮭﺎدات اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ . رﺣم ﷲ اﻷﺋﻣﺔ و ﻣن ﻛﺎن ﻗﺑﻠﮭم و ﺑﻌدھم ﻣﻣن ﻟم ﯾدون ﻣذھﺑﮫ ،و ﻟم ﯾﻛن أﻗل ﻣﻧﮭم :اﻟﻠﯾث و اﻷوزاﻋﻲ و ﺳﻔﯾﺎن و ﺣﻣﺎد ،و رﺣم أﺑﺎ ﺣﻧﯾﻔﺔ ،ﻣن ﻛﺎن أﻗدﻣﮭم ؛ و ﻛﺎن أﻗدرھم ،و ﻣن دﻋﻲ ﺑﺣق ) اﻹﻣﺎم اﻷﻋظم ( .
27
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ
28
أﻛﺑر ﻣﻠوك اﻷرض أﻧﺗﻘل ﺑﻛم ﻓﻲ ھذا اﻟﺣدﯾث إﻟﻰ أزھر ﻋﮭد ﻣن ﻋﮭود اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ذروة ﻓﻲ ﺳﻠﺳﻠﺔ أﻣﺟﺎد اﻟﻌرب ،إﻟﻰ اﻟدور اﻟذھﺑﻲ ،إﻟﻰ اﻷﯾﺎم اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻛﻠﮭﺎ أﻋراﺳﺎ ً . إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﺷﮭدت ﻣن اﻟﻧرف و اﻟﺑذخ ،و اﻟﻌظﻣﺔ و اﻟﺟﻼل ،ﻣﺎ ﻟم ﺗﺷﮭد ﻣﺛﻠﮫ ﻣدﯾﻧﺔ . ﻣدﯾﻧﺔ ﻛﺎﻧت دﻧﯾﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺧﯾر و اﻟﺷر .اﻟﻌﻠم ﻓﯾﮭﺎ .و اﻟﻔﺳوق ﻓﯾﮭﺎ . ﺗﻠك ھﻲ ﺑﻐداد ..ﺑﻐداد ھﺎرون اﻟرﺷﯾد ،ﺑﻐداد أﻟف ﻟﯾﻠﺔ و ﻟﯾﻠﺔ ،ﺑﻐداد اﻟﺗﻲ ﺻﺎرت ﺣﻠﻣﺎ ً ﻣن اﻷﺣﻼم ،و وﺣﯾﺎ ً ﻟﻛل أدﯾب و ﺷﺎﻋر ،و واﺿﻊ ﻗﺻﺔ أو ﻓﻠم ،ﻣن ﺗﻠك اﻷﯾﺎم إﻟﻰ اﻵن ،و ﻣن أﻗﺻﻰ اﻟﻣﺷرق إﻟﻰ ھوﻟﯾود .ﻟﻘد ﻛﺎﻧت ﺑﻐداد ﺳرة اﻟدﻧﯾﺎ و ﻛﺎﻧت ﻗﺻﺑﺔ اﻷرض ،و ﻛﺎﻧت أﻣل ﻛل طﺎﻣﺢ ﻓﻲ اﻟﻣﺟد ،راﻏب ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ،آﻣل ﺑﺎﻟﻐﻧﻰ ،ھﺎﺋم ﺑﺎﻟﺟﻣﺎل .
29
ھﺎرون اﻟرﺷﯾد اﻟرﺷﯾد اﻟذي ﻛﺎن ﯾﺣﻛم وﺣده ﺣﻛﻣﺎ ً اﺳﺗﺑدادﯾﺎ ً ﻣطﻠﻘﺎ ً ،ﻋﺷرﯾن ﺣﻛوﻣﺔ ﻣن ﺣﻛوﻣﺎت اﻟﯾوم . اﻟذي ﻗﺎل ﻟﻠﺳﺣﺎﺑﺔ أﻣطري ﺣﯾث ﺷﺋت ﻓﺳﯾﺄﺗﯾﻧﻲ ﺧراﺟك ،اﻟذي ﻛﺎن دﺧل ﺧزاﻧﺗﮫ اﻟﺧﺎﺻﺔ 411ﻣﻠﯾون دﯾﻧﺎر ﻣن اﻟذھب ،اﻟذي ﻛﺎن ﺻورة ﻣن ﻋﺻره ،ﺻورة ﻣن ﺑﻐداد ،اﻟﺗﻲ ﻓﯾﮭﺎ ﻛل ﺷﻲ . ھذا ھو اﻟرﺷﯾد ،اﻟذي ﺟﻌﻠﮫ اﻟﺣظ أﺷﮭر ﻣﻠوك اﻹﺳﻼم . ﻛﺎن ﻣﺣﺑﺎ ً ﻟﻣﺟﺎﻟﺳﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء و اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ،و ﺳﻣﺎﻋﮫ اﻟﻣواﻋظ ،و ﺑﻛﺎؤه ﻟﮭﺎ ،ﻛﺎن ﯾﺑﻛﻲ ﺑﺈﺧﻼص و ﻛﺎن ﻋﻧد ﺳﻣﺎﻋﮫ ﻣﺳﺗﻐرﻗﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺟو اﻟدﯾﻧﻲ ،ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻋﻧد ﺳﻣﺎﻋﮫ اﻟﻐﻧﺎء ﯾﺳﺗﻐرق ﻓﻲ اﻟﺟو اﻟﻠﮭوي ،و ﻟم ﯾﻛن ﻣﻧﺎﻓﻘﺎ ً ،و ﻟﻛﻧﮫ ﻧوع ﻛﻣﺎ ﯾﺳﻣﯾﮫ ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻧﻔس إزدواج اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ،ﻣوﺟود ﻋﻧد ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﺎس ،و ﻟﻛن ﯾﺧﺗﻠف ﻣﻘداره و ﺗﺧﺗﻠف درﺟﺔ إﺣﺳﺎﺳﮭم ﺑﮫ . و ﻛﺎن اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻣﻌﮫ ﺛﻼﺛﺔ أﺻﻧﺎف :ﺻﻧف ﯾﺳﺎﯾره ﻟﯾرﺿﯾﮫ و ﯾﺄﺧذ ﻣن دﻧﯾﺎه ،و ﺻﻧف ﯾﻐﻠظ ﻟﮫ اﻟﻘول و ﯾﺷدد ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻣوﻋظﺔ ، و ﯾﻘوم ﺑﺣق ﷲ ﺑﻼ ﻣﺟﺎﻣﻠﺔ و ﻻ رﻋﺎﯾﺔ ﻟﻣﻘﺎﻣﮫ اﻟدﻧﯾوي . و ﺑﻠﻎ ﻣن ﺣﺑﮫ اﻟﻌﻠم أن رﺣل ھو ووﻟداه اﻷﻣﯾن و اﻟﻣﺄﻣون ﻟطﻠب اﻟﻌﻠم و ﻗراءة اﻟﻣوطﺄ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻟك ﻣن ﺑﻐداد إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،ﻛﻣﺎ ﯾرﺣل اﻟطﻼب اﻟﻣوﻓودون اﻟﯾوم ،و ھذا ﻟم ﯾﺳﻣﻊ ﻋن ﻣﻠك ﻓﻲ اﻟﺷرق و اﻟﻐرب إﻻ ﻋن ﺻﻼح اﻟدﯾن اﻷﯾوﺑﻲ ﻟﻣﺎ رﺣل إﻟﻰ اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ﻟﺳﻣﺎع اﻟﺣدﯾث . و ﺟﻌل ﻟطﻼب اﻟﻌﻠم رواﺗب ﯾﺑﻠﻎ أﻋﻼھﺎ أرﺑﻌﺔ آﻻف دﯾﻧﺎر ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ .و ﻛﺎن ﻟﻠﻌﻠﻣﺎء أﺳﻣﻰ اﻟﻣﻧﺎزل ﻓﻲ ﻣﺟﻠﺳﮫ و ﻛﺎن ﯾدﻋوھم إﻟﻰ ﻣﺎﺋدﺗﮫ اﻟﺧﺎﺻﺔ . ﯾﺧﺎطب اﻹﻣﺎم أﺑو ﯾوﺳف اﻟرﺷﯾد ﻓﯾﻘول : ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ،ﻟﻘد ﻗﻠدك ﷲ أﻣراً ﻋظﯾﻣﺎ ً ،ﺛواﺑﮫ أﻋظم اﻟﺛواب ،و ﻋﻘﺎﺑﮫ أﺷد اﻟﻌﻘﺎب ،ﻗﻠدك أﻣر ھذه اﻷﻣﺔ ...إﻟﻰ أن ﻗﺎل :إﻧك راع وإن اﻟراﻋﻲ اﻟﻣﺿﯾﻊ ﯾﺿﻣن ﻣﺎ ھﻠك ﻋﻠﻰ ﯾدﯾﮫ ،ﻓﺎﺣذر أن ﺗﺿﯾﻊ رﻋﯾﺗك ﻓﯾﺳﺗوﻓﻲ رﺑﮭﺎ ﺣﻘﮭﺎ ﻣﻧك ،و ﯾﺿﯾﻌك ﺑﻣﺎ أﺿﻌت أﻣﺎﻧﺗك ،و إن إﺻﻼح اﻟﻧﺎس ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟﺣدود ﻋﻠﯾﮭم و رﻓﻊ اﻟظﻠم ﻋﻧﮭم. ﯾﺎ ﺳﺎدة :ھل ﯾﺳﺗطﯾﻊ أﻛﺑر ﻋﺎﻟم أن ﯾﻘول ﻣﺛﻠﮫ اﻟﯾوم ﻷﺻﻐر أﻣﯾر . و ھل ﯾﻘﺑﻠﮫ اﻷﻣراء ،إن أﺳﺗطﺎﻋﮫ اﻟﻌﻠﻣﺎء ؟ . رﺣﻣﺔ ﷲ ﻋﻠﻰ أوﻟﺋك اﻟﻌﻠﻣﺎء ،و ﺟزاھم ﺧﯾراً ،و أراﻧﺎ أﻣﺛﺎﻟﮭم . 30
ﺟﺎﻣﻊ اﻟدﯾن واﻟدﻧﯾﺎ
ﻋﻠم ﺷﺎﻣﺦ ﻣن أﻋﻼم اﻹﺳﻼم وإﻣﺎم ﻣن أﺋﻣﺔ اﻟﻔﻘﮫ اﻟﻛﺑﺎر ھو اﻹﻣﺎم اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻠﯾث ﺑن ﺳﻌد وﻟد ﻓﻲ ﻗرﯾﺔ ﻣﺻرﯾﺔ ﺳﻧﺔ 94ھـ . ﻟم ﯾﺷﻐﻠﮫ ﻏﻧﻰ أھﻠﮫ ﻋن طﻠب اﻟﻌﻠم واﻟرﺣﻠﺔ ﺑﮫ ﻻ ﻛﻣﺎ ﯾرﺣل اﻟطﻼب اﻵن إﻟﻰ أوروﺑﺎ وأﻣرﯾﻛﺎ ﺑل ﻛﻣﺎ ﯾرﺣل اﻟﺳﻠف ﯾرﺣﻠون ﻟﯾﺗﻠﻘوا اﻟﻌﻠم ووﯾﺗﻠﻘوا ﻗﺑﻠﮫ اﻟدﯾن واﻟﺗﻘﻰ واﻟﺳﻠوك اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻗد أﺧذ ﻋن ﻋﻠﻣﺎء ﻣﺻر واﻟﺗﻘﻰ ﺑﺄﺋﻣﺔ اﻟﺣﺟﺎز. وﺑﻠﻎ ﻣﻧزﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث واﻟﻔﻘﮫ ﺷﮭد ﻟﮫ ﻓﯾﮭﺎ أﻛﺎﺑر اﻟﻌﻠﻣﺎء. ﻗﺎل أﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑل :ﻣﺎﻓﻲ اﻟﻣﺻرﯾﯾن أﺛﺑت ﻣن اﻟﻠﯾث وﻛﺎن ﯾﻘول :اﻟﻠﯾث ﺑن ﺳﻌد ﻣﺎ أﺻﺢ ﺣدﯾﺛﮫ وﻛﺎن ﯾﻌﯾش ﻣﻌﯾﺷﺔ اﻟﻣﻠوك وﻛﺎن إذا رﺣل ،رﺣل ﺑﺛﻼث ﺳﻔﺎﺋن :ﺳﻔﯾﻧﺔ ﻟﮫ وﻷﺿﯾﺎﻓﮫ وﺗﻼﻣﯾذه ،وﺳﻔﯾﻧﺔ ﻟﻌﯾﺎﻟﮫ وﺳﻔﯾﻧﺔ ﻟﻣطﺑﺧﮫ وﺧدﻣﮫ وﻛﺎن ﻛل ﻣن ﺟﺎءه ﻣن اﻟﺗﻼﻣﯾذ ﯾﺄﻛل وﯾﻧﺎم وﯾﻧﻔق ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎﺑﮫ ﻻ ﯾﻛﻠﻔﮫ ﻣن اﻟﻣﺎل ﺷﯾﺋﺄ ً وإذا أراد اﻟﺳﻔر أﻋطﺎه ﻧﻔﻘﺗﮫ وزاده! وﻛﺎن ﯾﻌطﻲ اﻟﻌﻠﻣﺎء رواﺗب داﺋﻣﺔ . ﺗوﻓﻰ اﻟﻠﯾث ﯾوم اﻟﺟﻣﻌﺔ 175/8/14ھـ وﻋﻣره 81ﺳﻧﺔ. ﻗﺎل ﺧﺎﻟد ﺑن ﻋﺑداﻟﺳﻼم اﻟﺻدﻓﻲ :ﺷﮭدت ﺟﻧﺎزة اﻟﻠﯾث ﻣﻊ أﺑﻲ ﻓﻣﺎ رأﯾت ﻗﺑﻠﮭﺎ وﻻ ﺑﻌدھﺎ ﻣﺛﻠﮭﺎ. ﻗﻠت :ﯾﺎ أﺑت ،ﻛﺄن ﻛل واﺣد ﻣن ھؤﻻء ھو ﺻﺎﺣب اﻟﺟﻧﺎزة. ﻓﻘﺎل :ﯾﺎﺑﻧﻲ ،ﻛﺎن ﻋﺎﻟ ًﻣﺄ ،ﻛرﯾ ًﻣﺄ ،ﻛﺑﯾر اﻟﻌﻘل ،ﻛﺛﯾر اﻷﻓﺿﺎل. ﯾﺎﺑﻧﻲ ،ﻟن ﺗرى ﻣﺛﻠﮫ أﺑدًأ.
31
ﻧﺎﺻ ُر اﻟﺳﻧﺔ
ھذه ﻗﺻﺔ راﺋﻌﺔ ﻣن ﻗﺻص اﻟﺛﺑﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺑدأ ،وﺣﻣل اﻷذى ﻓﻲ ﺳﺑﯾﻠﮫ ،واﻟﺗﺿﺣﯾﺔ ﺑﺎﻟﻧﻔس واﻟﻣﺎل ﻣن أﺟﻠﮫ. إن ﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ اﻟﻣﻛﺗوب ھو ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﻠوك ،أﻣﺎ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺷﻌب ﺑﻌﺎدﺗﮫ وأوﺿﺎﻋﮫ ..أﻣﺎ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻛر ﺑﺎﺗﺟﺎھﺎﺗﮫ وﻣﻘﺎوﻣﺎﺗﮫ ﻓﻠم ﯾﻛﺗب ! وﻟو ﻛﺎن ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻛر ﻣﻛﺗو ًﺑﺎ ﻟﻘرأﻧﺎ ﻓﯾﮫ أﻧﮫ ﻛﺎن ﻟﻠﻔﻛر ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﻌﺑﺎﺳﻲ اﻟذھﺑﻲ وﺟﮭﺗﺎن ﻣﺧﺗﻠﻔﺗﺎن:
1وﺟﮭﺔ اﻟﺗﻣﺳك ﺑﺎﻷﺛر واﻟوﻗوف ﻋﻧد ظواھر اﻟﺣدﯾث وﺗرك اﻟﻘﯾﺎس 2ووﺟﮭﺔ إطﻼق اﻟﻌﻘل ﻓﻲ اﻟﺑﺣث واﻟﻘﯾﺎس واﻟﻧظر.
وﻛﺎن اﻟﻧزاع ﺑﯾن اﻟﻣﻌﺳﻛرﯾن ﻧزا ًﻋﺎ ﻓﻛر ًﯾﺎ ﺣﺗﻰ ﺟﺎء اﻟﻣﺄﻣون ﻓﻘرب إﻟﯾﮫ اﻟوﺟﮭﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ وﺑذﻟك ﺑدأت اﻟﻣﺄﺳﺎة اﻟﺗﻲ ﻋرﻓت ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ ﺑﺈﺳم اﻟﻣﺣﻧﺔ. وأﻧﺎ ﻛﻠﻣﺎ ﻗرأت ﺧﺑر اﻟﻣﺣﻧﺔ ) اﻻﻣﺗﺣﺎن ( أﻗف ﻋﻧد أﻣور ﺛﻼﺛﺔ وأﻋﺟب ﻣﻧﮭﺎ أﺷد اﻟﻌﺟب.
أوﻟﮭﺎ :أن اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ھم أﺻﺣﺎب اﻟﻣذھب اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،ﻓﻛﯾف ﺳوغ ﻟﮭم ﺿد اﻟﻌﻘل أن ﯾﻛرھوا اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﻘوة ﻋﻠﻰ ﻗﺑول آراﺋﮭم ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻓﯾﮭﺎ؟! ﺛﺎﻧﯾﮭﺎ :أن اﻟﻣﺄﻣون ھو أﻋظم ﻣﻠوك ﺑﻧﻲ اﻟﻌﺑﺎس ﻓﻲ ﻋﻘﻠﮫ وﺧﻠﻘﮫ وﺣﻠﻣﮫ وﻓﻲ ﺳﻌﺔ ﻣدارﻛﮫ وﻋﻣق ﺗﻔﻛﯾره ﻛﯾف رﺿﻰ ﻟﻧﻔﺳﮫ أن ﯾوﺻم ﺑﺎﻟﻌدوان ﻋﻠﻰ ﺣرﯾﺔ اﻟﻔﻛر؟ ﺛﺎﻟﺛﮭﺎ :اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺳﺗﺣق ھذه اﻟﻌﻧﺎﯾﺔ وﻟﯾﺳت ﻣن أرﻛﺎن اﻟدﯾن وھﻲ :ھل اﻟﻘرآن ﻣﺧﻠوق أم ﻻ؟
ﺑدأت اﻟﻣﺣﻧﺔ ﺑورود ﻛﺗﺎب اﻟﻣﺄﻣون وﻛﺎن ﺑﺧراﺳﺎن وطﻠب أن ﯾﺟﻣﻊ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟرﺳﻣﯾﯾن ﻓﻲ ﺑﻐداد وﯾﺳﺄﻟﮭم ﻋن اﻟﻘرآن ﻓﻣن ﻟم ﯾﻘل أﻧﮫ ﻣﺧﻠوق ﻋزﻟﮫ ،وﻛﺎﻧوا ﺟﻣﯾ ًﻌﺎ ﻻ ﯾﻘوﻟون ﺑذﻟك وﻟﻛن اﻟﺿﻌف اﻟﺑﺷري دﻓﻌﮭم إﻟﻰ اﻟﺗظﺎھر ﺑﺎﻟﻣواﻓﻘﺔ وﺷدد ﻋﻠﻰ ﻣن ﻻ 32
ﯾواﻓق وأﻣر ﺑوﺿﻌﮭم ﻓﻲ اﻟﺣﺑس وإﺛﻘﺎﻟﮭم ﺑﻘﯾود اﻟﺣدﯾد ﻓواﻓق أﻏﻠﺑﮭم وﺑﻘﻲ ﻣﺣﻣد اﺑن ﻧوح وأﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑل ﻓﺄﻣر ﺑﺣﻣﻠﮭم إﻟﯾﮫ إﻟﻰ ﺧراﺳﺎن وﺗوﻓﻰ اﻟﻣﺄﻣون واﺑن ﻧوح ﻗﺑل أن ﯾﺻﻠوا ﻓﺑﻘﻰ أﺣﻣد وﺣده. وﻟﺑث أﺣﻣد ﻓﻲ اﻟﺳﺟن وأﺻﺑﺢ ﺿﻌﯾ ًﻔﺎ وﻟﻛﻧﮫ ﻛﺎن داﺋم اﻟﻌﺑﺎدة ،ﯾﺻﻠﻲ ﺑﺄھل اﻟﺳﺟن ﺻﺎﺑرا ﻣؤد ًﯾﺎ ﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﻌﻠم وﻛﻠﻣﺎ ﺷدد ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻣﻌﺗﺻم ﻟﯾﻧطق ﯾﻘول ﻟﮭم ھﺎﺗوا وھو ﻣﻘﯾد ﺑﻘﯾود اﻟﺣدﯾد وﻛﺎن ﯾﻌذب داﺋ ًﻣﺎ وﻟﻛﻧﮫ ﻛﺎن ً آﯾﺔ أو ﺣدﯾ ًﺛﺎ. ﺷﮭرا. ﻋﻧدﻣﺎ أﺷرف إﻟﻰ اﻟﻣوت ﺧﺎف اﻟﻣﻌﺗﺻم أن ﯾﺛور اﻟﻧﺎس إن ﻣﺎت ﻓرﻓﻊ ﻋﻧﮫ اﻟﺿرب وﺳﻠﻣﮫ ﻷھﻠﮫ ،ﺑﻌدﻣﺎ ﻟﺑث 28 ً وﻟﯾت اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﻛﺎﻧوا ﻗد ﺗرﻛوا اﻟﻐﻠو ﻓﻲ ﺗﺣﻛﯾم اﻟﻌﻘل ﻓﯾﻣﺎ ﻻ ﯾﻘدر اﻟﺣﻛم ﻋﻠﯾﮫ ،وأوﺿﺣوا ﻣﺎﻛﺎن ﻣﻧﮭم ﻣن ﺧطﺄ. ﺧﺗﺎ ًﻣﺎ ﺛواب أﺣﻣد ﻓﻲ اﻻﺧرة أﻛﺑر ،وﻣﻧزﻟﺗﮫ أﻋﻠﻰ .رﺣﻣﺔ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ.
33
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ
34
ﻣﻔﺗﻲ اﻟﺳﻠطﺎن ﺳﻠﯾم ً ﯾﺎوزا ﺣ ًﻘﺎ ﻧﺣن اﻵن ﻓﻲ ﺑﻼط اﻟﻣﻠك اﻟﻌظﯾم ،ﻓﺎﺗﺢ اﻟﺷﺎم وﻣﺻر وﻧﺎﻗل اﻟﺧﻼﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺷرك اﻟﻣﻠك اﻟذي ﻟﻘب ) ﯾﺎوز( وﻛﺎن ﺻﺎﻋﻘﺔ ﻣﻧﻘﺿﺔ ﻻ ﯾﻘف ﻓﻲ وﺟﮭﮭﺎ ﺷﻲء ،اﻟﺳﻠطﺎن ﯾﺎوز ﺳﻠﯾم ﺗﺎﺳﻊ ﻣﻠوك آل ﻋﺛﻣﺎن ھو اﻟذي أﻣن أھل ﺣﻠب ﻋﻠﻰ دﻣﺎﺋﮭم وأﻣواﻟﮭم ﺛم ﻓرض ﻋﻠﯾﮭم ﺿرﯾﺑﺔ ﺳﻣﺎھﺎ )ﻣﺎل اﻷﻣﺎن( وﻛﺎن اﻟﻘﺗل أھون ﺷﻲء ﻋﻠﯾﮫ وﻛﺎن اﻟرﺟل إذا ﺳﻣﻰ ﻟﻠوزارة ،ﻛﺗب وﺻﯾﺗﮫ ،وأﻋد ﻛﻔﻧﮫ وودع أھﻠﮫ ﻓﻼ ﯾدري ﻛﻠﻣﺎ ذھب ﻟﯾﻘﺎﺑل اﻟﺳﻠطﺎن أﯾﻌود ﻣﺎﺷ ًﯾﺎ ﻋﻠﻰ رﺟﻠﯾﮫ ،أم ﻣﺣﻣوﻻً ﻋﻠﻰ ﻗﻔﺎه. ﻓﻠم ﯾدع اﻟوزراء وأھل اﻟدﯾوان إﻻ دﺧول اﻟﺷﯾﺦ اﻟﻣﻔﺗﻰ ﻋﻠﯾﮭم وﻣﺎﻛﺎن ﻣن ﻋﺎدة اﻟﻣﻔﺗﻲ أن ﯾدﺧل اﻟدﯾوان وﻟﯾس ﻟﮫ ﺣﺎﺟﺔ وطﻠب ﻣﻧﮭم أن ﯾدﺧل ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻠطﺎن ﻓﺎﺳﺗﺄذﻧوا ﻟﮫ ﻓﺄذن ﻟﮫ وﺣده ﻓدﺧل وﺳﻠم ﻋﻠﯾﮫ وﺟﻠس واﻟﺳﻠطﺎن ﯾﻧظر إﻟﯾﮫ ﺑﻐﺿب وﺳﻛت ﯾرﻗب ﻣﺎﯾﺄﺗﻲ ﺑﮫ اﻟﺷﯾﺦ اﻟذي دﺧل ﻋﻠﯾﮫ ﺑﻼ دﻋوة! ﻓﻘﺎل اﻟﺷﯾﺦ :وظﯾﻔﺔ أرﺑﺎب اﻟﻔﺗوى أن ﯾﺣﺎﻓظوا ﻋﻠﻰ آﺧرة اﻟﺳﻠطﺎن وﻗد أﻣرت ﺑﻘﺗل 150ﻣن اﻟﻌﻣﺎل ﻻ ﯾﺟوز ﻗﺗﻠﮭم ﺷر ًﻋﺎ، ﻓﻌﻠﯾك ﺑﺎﻟﻌﻔو ﻋﻧﮭم. ﻓطﺎر اﻟﻐﺿب ﺑﻌﻘل اﻟﺳﻠطﺎن وﻗﺎل ﻟﮫ :إﻧك ﺗﺗﻌرض ﻷﻣر اﻟﺳﻠطﻧﺔ وﻟﯾس ذﻟك ﻣن وظﯾﻔﺗك. وﻟﻛن اﻟﺷﯾﺦ اﻋﺗرض وﻗﺎل :ﺑل أﺗﻌرض ﻷﻣر آﺧرﺗك وأﻧﮫ ﻣن وظﯾﻔﺗﻲ. وذﻛره ﺑﺎﻵﺧرة وأﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻌﺻﻣﮫ ﻣﻧﮭﺎ ﻣﻠﻛﮫ وﻻ ﯾﻧﺟﯾﮭﺎ ﺳﻠطﺎﻧﮫ ،وﻟم ﯾﻌد اﻟﺷﯾﺦ ھو اﻟذي ﯾﺗﻛﻠم ﺑل أﻋظم ﻣوﺟود ﻋرﻓﺗﮫ ھذه اﻟدﻧﯾﺎ :اﻹﺳﻼم.
وﻛذﻟك ﯾذل أﻛﺑر ﺟﺑﺎر أﻣﺎم اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺎﻟﺣق ،وﻋﻔﺎ اﻟﺳﻠطﺎن ﻋﻧﮭم ﺟﻣﯾﻌﺎ ً وﺑﻌد ذﻟك ﺟﺎﻟس اﻟﺷﯾﺦ وأﻛرﻣﮫ.
ھذا اﻟﻣﻔﺗﻲ ھو اﻟﻣوﻟﻰ ﻋﻼء اﻟدﯾن ﻋﻠﻲ ﺑن أﺣﻣد اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﺗوﻟﻰ اﻟﺗدرﯾس واﻟﻔﺗوى 26ﺳﻧﺔ ﯾﻣﺿﻲ وﻗﺗﮫ ﻛﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﺗﻼوة واﻟﻌﺑﺎدة واﻟدرس واﻟﻔﺗوى وﯾﺻﻠﻲ اﻟﺻﻠوات اﻟﺧﻣس ﻣﻊ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ وﻛﺎن ﻛرﯾم اﻟﻧﻔس ،طﯾب اﻷﺧﻼق ،ﺻدا ًﻋﺎ ﻟﻠﺣق ،وأﻟﻘﻰ ﷲ ھﯾﺑﺗﮫ ﻓﻲ ﻗﻠب اﻟﺳﻠطﺎن ﺳﻠﯾم. وظﯾﻔﺔ اﻟﻣﻔﺗﻲ ھﻲ اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ آﺧرة اﻟﺳﻠطﺎن ﻛﻣﺎ اﻟطﺑﯾب ﻣن وظﯾﻔﺗﮫ اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺣﺗﮫ. 35
ﻋﺻرا ﺧﻼ ﻣن أﻣﺛﺎل ھؤﻻء وﻟﻛﻧﮭم ﻣوﺟودون أﺑدًا ﻣﻌﺟزة ﺣﯾﺔ ﺑﺎﻗﯾﺔ ﻟﺧﺎﺗم وﻟو أن ً اﻷﻧﺑﯾﺎء ﻣﺣﻣد وﺗﺻدﯾ ًﻘﺎ ﻟﻘوﻟﮫ " :ﻻ ﺗزال طﺎﺋﻔﺔ ﻣن أﻣﺗﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺣق ﻻ ﯾﺿرھﺎ ﻣن ﺧﺎﻟﻔﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﺗﻘوم اﻟﺳﺎﻋﺔ".
36
اﻻﺣﺗﻔﺎل ﺑﺎﻟﻣوﻟد
إن أول ﻣن اﺑﺗدع اﻹﺣﺗﻔﺎء ﺑﮫ ھو اﻟﻣﻠك اﻟﻣظﻔر ﻓﻣن ھو؟ ﻛﺎن اﻟﻣﻠك اﻟﻣظﻔر ﻗﺎﺋدًا ﻣن ﻗواد اﻟﺳﻠطﺎن ﺻﻼح اﻟدﯾن اﻷﯾوﺑﻲ ،وﻋﺎﻣﻼً ﻣن ﻋﻣﺎﻟﮫ أم ﻟﻘب اﻟﻣﻠك ﻓﻛﺎن ﻓﻲ اﺻطﻼح ﺗﻠك اﻷﯾﺎم ﯾطﻠق ﻋﻠﻰ ﻛل وال أو ﺣﺎﻛم وﻟو ﻛﺎن ﺣﺎﻛم ﻗرﯾﺔ. وﻛﺎن أﺑوه ﻣن ﺷﺟﻌﺎن اﻟﺗرﻛﻣﺎن وﻛﺎن ﯾﻠﻘب ﺑـ )ﻛﺟك( وﻣﻌﻧﺎھﺎ ﺑﺎﻟﺗرﻛﯾﺔ :اﻟﺻﻐﯾر ،ﻷﻧﮫ ﺻﻐﯾر اﻟﺟﺳم وﻟﻛﻧﮫ ﻛﺎن ﻗو ًﯾﺎ ،ﺣﺿر اﻟوﻗﺎﺋﻊ اﻟﻌظﯾﻣﺔ وﻓﺗﺢ اﻟﻔﺗوح اﻟﺟﻠﯾﻠﺔ وﻛﺎن اﺑﻧﮫ اﻟﻣﻠك اﻟﻣظﻔر ﯾدﻋﻠﻰ )ﻛوﻛﺑوري( وﻣﻌﻧﺎه :اﻟذﺋب اﻷزرق وﺷﮭد ﻣﻊ ﺻﻼح اﻟدﯾن اﻷﯾوﺑﻲ اﻟﻣﺷﺎھد ﻛﻠﮭﺎ وﻛﺎن ﻣن أﺛﺑﺗﮭم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎرك ﻗد ًﻣﺎ ،وأﺟرﺋﮭم ﻗﻠ ًﺑﺎ ،ﻣﺎﻋرف اﻟﮭزﯾﻣﺔ ﻗط.
أﻣﺎ ﺳﯾرة اﻟﻣﻠك اﻟﻣظﻔر ﻓﻲ اﻟﺳﻠم ﻓﻠم ﺗﻛن دون ﺳﯾرﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺣرب ،ھﻧﺎﻟك اﻟﻧﺟدة واﻟﺛﺑﺎت واﻟظﻔر ،وھﻧﺎ اﻟﻌدل واﻹﺣﺳﺎن واﻟﻛرم وﻟﯾس ذﻟك ﻋﺟ ًﺑﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻌﺻر ﻓﺈن اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ دﯾن ﻣﻠوﻛﮭم وﻣﺗﻰ ﻛﺎن اﻟﺳﻠطﺎن ﻣﺛل ﺻﻼح اﻟدﯾن ﻛﺎن اﻷﻣراء ﻣﺛل اﻟﻣﻠك اﻟﻣظﻔر.
ﻟم ﯾﻛن ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ ﺷﻲء أﺣب إﻟﯾﮫ ﻣن اﻟﺻدﻗﺔ واﻟﺑذل ﻻ ﻟﻠﺷﻌراء وﻟﻛن ﻟﻠﻔﻘﮭﺎء واﻟﻔﻘراء وﻛﺎن ﯾﺟل اﻟﻌﻠﻣﺎء وﯾدﻧﻰ ﻣﺟﺎﻟﺳﮭم ورأﺳﻰ اﻟﻣرﺿﻰ ﻓﺑﻧﻰ ﻟﮭم 4ﻣﺳﺗﺷﻔﯾﺎت ووﻓر ﻓﯾﮭﺎ ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺗطﻠﺑﺎت اﻟﻣﺳﺗﺷﻔﻰ وﻛﺎن ﯾزور اﻟﻣرﺿﻰ واﺣدًا واﺣدًا ﯾﺳﺄل ﻋن طﻌﺎﻣﮭم وﻣﺎﯾﺷﻛو ﻣﻧﮫ وﯾﺑرھم ﺑﺎﻟﻣﺎل واﻟﻔﺎﻛﮭﺔ واﻟطرف. دارا ﻟﻠﺿﯾﺎﻓﺔ ،ﯾﻧزل ﻓﯾﮭﺎ ﻛل ﻣﺳﺎﻓر ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم وﻓﺗﺢ ﻣدرﺳﺔ ﻋظﯾﻣﺔ ﺟﻌﻠﮭﺎ ﻗﺳﻣﯾن: وأﻧﺷﺄ ً
1ﻗﺳ ًﻣﺎ ﻟﻠﺣﻧﻔﯾﺔ. 2ﻗﺳ ًﻣﺎ ﻟﻠﺷﺎﻓﻌﯾﺔ.
وﻓﺗﺢ ﻣدرﺳﺗﯾن ﻟﻠﺻوﻓﯾﺔ! 37
وﺟﻌل ﻟﻠﺣﺞ ﺑﻌﺛﺔ رﺳﻣﯾﺔ وﯾرﺳل ﻣﻊ اﻟﺣﺟﺎج 6000دﯾﻧﺎر ﻟﻔﻘراء اﻟﺣرﻣﯾن وﻛﺎن ﻟﮫ ﺑﻣﻛﺔ اﻟﻣﺂﺛر اﻟﺟﻠﯾﻠﺔ ،ﻣﻧﮭﺎ أﻧﮫ ﻛﺎن أول ﻣن أﺟرى اﻟﻣﺎء إﻟﻰ ﻋرﻓﺎت. ﻗد ﻗﻠت ﻟﻛم إن اﻟﻣﻠك اﻟﻣظﻔر ﻛﺎن أول ﻣن أظﻔر اﻻﺣﺗﻔﺎء ﺑﺎﻟﻣوﻟد وﻟم ﯾﻛن اﺣﺗﻔﺎء ﺿﺄ ( ﻛﮭذه اﻟﻣﻌﺎرض اﻟﺗﻲ ﺗﻘﯾﻣﮭﺎ دول أورﺑﺎ ﻓﻲ ھذه اﻷزﻣﺎن، دﯾﻧﻲ وإﻧﻣﺎ ﻛﺎن ) ﻣﻌر ً ﻓﯾﮫ اﻟﻠﮭو وﻓﯾﮫ اﻟﻐﻧﺎء وﻓﯾﮫ ﻛل ﺷﻲء. ھذه ﺳﯾرة رﺟل ﻛﺎن ﻣن أﻧﻔﻊ اﻟﻧﺎس ﻟﻠﻧﺎس واﺳﺄل ﷲ أن ﯾﻐﻔر ﻟﮫ إن ﻛﺎن ﻣن أﻧﺻﺎر اﻟﺑدع ﻓﻲ اﻟدﯾن ،وﻣن أﻋوان اﻟﻣﺗﺻوﻓﯾن اﻟﻣﺑﺗدﻋﯾن ﺗوﻓﻲ ﻟﯾﻠﺔ اﻷرﺑﻌﺎء 630/9/18ھـ
38
ﺷﺎرع اﻟﻘﺎﻣوس ) اﻟزﺑﯾدي (:
ھو أﺷﮭر ﻋﻠﻣﺎء زﻣﺎﻧﮫ ،وﻛﺎن أدﺑﯾﺎ ً ﺷﺎﻋراً ،وﻗوراً ﻣﮭﯾﺑﺎ ً وﻣﻊ ھﯾﺑﺗﮫ ﻛﺎن ﺧﻔﯾف اﻟروح ﻋذب اﻟﻧﻛﺗﺔ ،ﻣﺗﺣدﺛﺎ ً ﻗﻠﯾل اﻟﻧظﯾر . وﻛﺎن ﻣﻊ ھذا اﻟﺟﺎه واﻟﻌﻠم ﯾﺷﺗﻐل ﺑﺎﻟوﻋظ وﺑﺎﻟرﻗﻰ واﻟﺗﻣﺎﺋم ) اﻟﺣﺟب ( ،وﯾوھم اﻟﻧﺎس ﺑﺄﻧﮫ اﻟﻣﮭدي !. وﻛﺎن ﯾﻌرف ﻣن اﻟﻠﻐﺎت اﻟﺗرﻛﯾﺔ ،واﻟﻛرﺟﯾﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﺎرﺳﯾﺔ ،وإﺗﻘﺎﻧﮫ أﺳﺎﻟﯾب ﻣﻌﺎﺷرة اﻟﻣﻠوك واﻟﻛﺑراء،وأﺳﺎﻟﯾب اﻟﺗﺄﺛﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﻛﺎن ھذا ﻣن أﺳﺑﺎب ﻣﺎﻧﺎل ﻣن ﺷﮭرة ،وﻣﺎﻛﺎن ﻟﮫ ﻣن ﻣﻛﺎﻧﮫ ﻧﺎل ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠم اﻟﺣق ،وﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﮭذه اﻷﺳﺎﻟﯾب ! ووﻗﻊ ﻟﮫ ﺣﺎدث ﻏﯾر ﻣﺟرى ﺣﯾﺎﺗﮫ وﻗﻠﺑﮭﺎ رأﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻘب وﺣوﻟﮫ ﻣن اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻣﺿرب اﻟﻣﺛل ﻓﯾﮭﺎ إﻟﻰ ﻋزﻟﺔ واﻧطواء ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﮫ وھو وﻓﺎة زوﺟﺗﮫ اﻟﺗﻲ أﺣﺑﮭﺎ ﺣب ﻋظﯾم .ﻣﺿﻰ وﻟﻛﻧﮫ ﺧﻠف أﻛﺛر ﻣن ﺧﻣﺳﯾن ﻣﺻﻧﻔﺎ ،ﺣﺳﺑﮫ أن ﯾﻛون ﻣﻧﮭﺎ ﺷرح إﺣﯾﺎء ﻋﻠوم اﻟدﯾن وﺗﺎج اﻟﻌروس ﻓﻲ ﺷرح اﻟﻘﺎﻣوس .
39
أﺑو دﻻﻣﺔ :
ﺷﺎﻋر ﺧﻔﯾف اﻟروح أﻧﺷﮭر ﺑﻛﺛرة ﻧوادره ﻓﻲ اﻟﺷﻌر،وﻛﺎن ﺻﺎﺣب ﺑدﯾﮭﺔ ﯾداﺧل اﻟﺷﻌراء وﯾزﺣﻣﮭم ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ﻓﻧوﻧﮭم وﯾﻧﻔرد ﻓﻲ وﺻف اﻟﺷراب واﻟﺑﯾﺎض. ﻟﮫ ﻣواﻗف ﻣﻊ اﻟﺧﻠﻔﺎء ﯾطول ﺳردھﺎ ﺣﯾث ﻛﺎن ﯾﺣﺗﺎل ﻋﻠﯾﮭم ﺑﺷﻌره وﯾﺄﺧذ ﻣﺎ ﯾرﯾد ﻣن أﻣوال .
40
ﻋﺎﺋﺷﺔ اﻟﺗﯾﻣورﯾﺔ :
ﻧﺷﺄت ﻓﻲ أﺳرة ﺗرﻛﯾﺔ ﻏﻧﯾﺔ ﻓﺗﻌﻠﻣت اﻟﻘراءة واﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺻر ﻋﻠﻰ طرﯾﻘﺔ ﺑﻧﺎت اﻷﻛﺎﺑر وﻻﺣظت ﺷﻐﻔﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﺗﻌﻠﻣت اﻟﻧﺣو وطﺎﻟﻌت ﻛﺗب اﻷدب وﺣﻔظت ﻋﺷرات اﻟدواوﯾن . ﻋﺎﺷت ﺣﯾﺎة اﻟﻌز ﻓﻲ ﺑﯾت واﻟدھﺎ وﻟﻛن دوام اﻟﺣﺎل ﻣن اﻟﻣﺣﺎل ﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﺑﻧت اﺳﻣﮭﺎ ﺗوﺣﯾده ﺟﻣﻊ ﷲ ﻟﮭﺎ ﺟﻣﺎل اﻟﺧﻠق وﺳﻣو اﻟﺧﻠق ﻣﺎراھﺎ أﺣد إﻻ أﺣﺑﮭﺎ ﻓﻠﻣﺎ ﺑﻠﻐت ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ ﺗزوﺟت ﻓﻣﺎ ﻣر ﻋﻠﻰ ﻋرﺳﮭﺎ ﺷﮭر ﺣﺗﻰ أﺻﺎﺑﮭﺎ ﻣرض ﻣﻔﺎﺟﺊ ﻓﻣﺎﺗت. وروﻋت ﻋﺎﺋﺷﺔ اﻟﺻدﻣﺔ،وﻟم ﺗﺳﺗطﻊ اﻟﺗﺻﺑر وﻧﺳﯾت ﻛل ﺷﻲ إﻻ اﺑﻧﺗﮭﺎ ،وﺗرﻛت ﻛل ﺷﻲ إﻻ رﺛﺎء اﺑﻧﺗﮭﺎ ،واﺳﺗﻣرت ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺣﺎل ﺳﺑﻊ ﺳﻧﯾن ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺣﺗﻰ ذھب ﺑﺻرھﺎ ﺛم أﻟﮭﻣﮭﺎ ﷲ اﻟﺻﺑر وﻟﻛﻧﮭﺎ ﻟم ﺗﻧس ھذه اﻟﻧﻛﺑﺔ أﺑداً.
41
اﻟ َﺑ َرا ِﻣ َﻛﺔ
ﺳ َﻣ ْوا إﻟﻰ اﻟﺳﻣﺎء اﻟﻌز ،وﺑﻠﻐو ﻣن اﻟﺳﻌﺎدة ﻣﺎﻟم ﯾﻛن ﯾﺑﻠﻎ أﺣد ﻣﺛﻠﮫ وﻗﺎﺳوا ﻣن اﻟﺷﻘﺎء ،ﻓﻛﺎﻧوا ﻋﺟﺑﺎ ً ﻓﻲ رﻗﯾﮭم ﻗﺻﮫ رﺟل َ رﺟﺎل ﻛﺎﻧت ﻟﮭم ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ أﺿﺧم اﻷﺳﻣﺎء ،ﻣﻠﻛوا اﻟﻘﻠوب ﺑﺈﺣﺳﺎﻧﮭم وأﻋﺗﻘوھﺎ ،وﺛﺑﺗت ﻟﮭم ﻋﻠﻰ اﻟوﻻء وﺑﻘﯾت ﻋﻠﻰ ﺣﺑﮭﺎ ﻟﮭم ﺑﻌد ﻧﻛﺑﺗﮭم ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت أﯾﺎم ﺳﻌﺎدﺗﮭم . وﺿﻌت ﻓﻲ أﻋﻧﺎﻗﮭم أﻣﺎﻧﺔ اﻟﺳﮭر ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺔ ﻛﻠﮭﺎ ،ﻣن أﻗﺻﻰ اﻟﻣﺷرق إﻟﻰ أﻗﺻﻰ اﻟﻣﻐرب ،ﻓﺗرﻛوھﺎ وأﻗﺑﻠو ﻋﻠﻰ اﻟﻠذات ﻓﺳﻣﻌو وﻟﮭوا وﻟﻌﺑوا ،وإذا ﻣﻠوا وﺗﻌﺑوا ،ﻧﺎﻣوا ﻋن اﻟواﺟب ﻋﻠﯾﮭم ،ﻓﺟﻌل ﷲ ﻟﮭم اﻟﻌﻘوﺑﺔ ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ ،وﺟﻌل ﻣﻧﮭم ﺗﺣﻘﯾﻘﺎ ً ﻟﻣﺎ أﺧﺑر ﺑﮫ اﻟرﺳول_ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم_ ﺣﯾن ﻗﺎل)):ﻣن أﻋﺎن ظﺎﻟﻣﺎ ً ﻋﻠﻰ ظﻠﻣﮫ ﺳﻠطﮫ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ (( وﻣﺎ أﺳرد ﻗﺻﺗﮭم إﻻ ﻟﺗﻛون ﻋﺑرة ﻟﻣن ﯾﻐﺗر ﺑﮭذه اﻟدﻧﯾﺎ ،ﻟﯾرى أﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﻧﺎل ﻓﻠن ﯾﺑﻠﻎ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﮫ اﻟﺑراﻣﻛﺔ،ﺛم ﻟﻣﺎ ﻧزل ﺑﮭم اﻟﻘدر ھﻠك ﻋﻧﮭم ﻣﺎﻟﮭم ،وﻣﺎ أﻏﻧﻰ ﻋﻧﮭم ﺳﻠطﺎﻧﮭم.
ﻛﺎن ﻓﻲ )ﺑﻠﺦ( ﻣﻌﺑد ﺿﺧم ﯾﺳﻣوﻧﮫ )اﻟﺗوﺑﮭﺎر( وﻟم ﯾﻛن ﻣﻌﺑداً ﻟﻠﻧﺎر ﯾﻌﺑدوﻧﮭﺎ ﻣن دون ﷲ ،وﻛﺎن ﺳﺎدﻧﮫ ) ﺑرﻣك( رﺟل اﻟدﯾن ﻓﻲ اﻟﺑﻠد وﺳﺑﻘﮫ إﻟﻰ ھذا اﻟﺷرف أﺑوه ﻣن ﻗﺑﻠﮫ ،وﺟده ﻣن ﻗﺑل أﺑﯾﮫ ،ﻛﺎﻧوا رأس اﻟﻣﺟوﺳﯾﺔ،ﻓﺄطﻔﺄ اﻹﺳﻼم ﻧﺎر اﻟﺷرك ،ﻛﻣﺎ ﻋوﺿﮭم ﻣن ﻧﺎر اﻟظﻠم ،ﻓﺄﺑﺻروا اﻟﺣق ﻓﺎﺗﺑﻌوه ،وﻧﺷﺄ)ﺧﺎﻟد ﺑن ﺑرﻣك( ھذا ،ﻣﺳﻠم اﻟﻘﻠب ﻋرﺑﻲ اﻟﻠﺳﺎن .ﻣﺎاﺣﺗل اﻹﺳﻼم ﻗﻠب أﻣﮫ إﻻ اﺣﺗﻠت اﻟﻌرﺑﯾﺔ أﻟﺳﻧﺔ أھﻠﮭﺎ ،وﻛﺎن ﻓﻲ ھذه اﻟﺣﺿﺎرة ﻋﻧﺎﺻر ﻋﻘﻠﯾﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﻟﻛن اﻟﻌﻘﯾدة ﺑﻘﯾت إﺳﻼﻣﯾﺔ ﺧﺎﻟﺻﺔ واﻟﻠﺳﺎن ﺑﻘﻰ ﻋرﺑﯾﺎ ً ﺧﺎﻟﺻﺎ ً. وﻗﺎﻣت دوﻟﺔ ﺑﻧﻲ اﻟﻌﺑﺎس ﻋﻠﻰ أﻛﺗﺎف اﻷﻋﺟﺎم ،وﻓﺗﺢ اﻟﻣﺟﺎل ﻷھل اﻟﻛﺎﻓﯾﺔ واﻟﻣزاﯾﺎ ﻣﻧﮭم،ﻓﻛﺎن ﺧﺎﻟد ﻣﻊ ﻣن ظﮭر ﻓﺿﻠﮫ .وﺗدرج )اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳرﯾﺔ( اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻌﻣل ﻟﮭدم اﻟدوﻟﺔ اﻷﻣوﯾﺔ ،ﺣﺗﻰ ﺻﺎر ﻣن وﺟﮭﺎء أﺻﺣﺎب ﻗﺣطﺑﺔ ﺑن ﺷﺑﯾب،ووﻻه اﻹﺷراف ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺟﯾش وﻗﺳﻣﺔ اﻟﻐﻧﺎﺋم ،واﺗﺧذه ﻣﺳﺗﺷﺎراً ﻟﮫ ،وﻟﺑث داﺋﺑﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣل ﺣﺗﻰ ﻧﺟﺣت ھذه اﻟﺣرﻛﺔ،وﺗم اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻷﻣوﯾﯾن، وﻛﺎﻧت ﺑﯾﻌﺔ اﻟﺳﻔﺎح،ﻓدﺧل ﺧﺎﻟد ﻟﻠﺑﯾﻌﺔ ،ﻓﻠﻣﺎ ﺳﻣﻊ ﻛﻼﻣﮫ ورأى ﻓﺻﺎﺣﺗﮫ ﻟم ﯾﺷك أﻧﮫ ﻣن ﺻﻣﯾم اﻟﻌرب،وأﺑﻘﺎه ﻓﻲ ﻋﻣﻠﮫ ،ﺛم اﺗﻧﻘل إﻟﻰ دﯾوان اﻟﺧراج و دﯾوان اﻟﺟﻧد ،ﺛم رﻗﺎه إﻟﻰ ﻣﺎﯾﺷﺑﮫ ﻣﻧﺻب اﻟوزارة .وﺑﻘﻰ ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺣﺗﻰ ﻣﺎت اﻟﺳﻔﺎح ووﻟﻲ اﻟﻣﻧﺻور،ﻓﺄﻗره ﻓﻲ اﻟوزارة ﺳﻧﺔ وﺷﮭوراً ،وﺗﻘرب أﺑو أﯾوب اﻟﻣورﯾﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﻣﻧﺻور ﺳﻌﻰ ﺑﺧﺎﻟد وﻋﻣل ﻋﻠﻰ إﺑﻌﺎده ،ﻓوﻻه اﻟﻣﻧﺻور ﺑﻼد ﻓﺎرس ﺳﺑﻊ ﺳﻧﯾن ،ﺛم ﻋزل وﻧﻛب ،ﺛم أﻋﯾد أﻣﯾراً ﻋﻠﻰ اﻟﻣوﺻل،وﻟﺑث ﻓﯾﮭﺎ ﺣﺗﻰ وﻟﻲ اﻟﻣﮭدى ﻓﺄﻋﺎده إﻟﻰ ﻓﺎرس، ووﺟﮭﮫ ﻣﻊ وﻟده ھﺎرون ﻓﻲ إﺣدى ﻏزواﺗﮫ. 42
اﻧﺗﻘل ھذا اﻟرﺟل ﻣن اﺑن ﺳﺎدن ﻓﻲ ﻣﻌﺑد ﻧﺎر ﻓﻲ اﻷم اﻟﻣﻐﻠوﺑﺔ إﻟﻰ أﻣﯾر ووزﯾر ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ،وﻣﺎ أﻋﺎﻧﮫ ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻧﺳب وﻻ ﺣﺳب وﻻ ﻣﺎل وﻻ ﻧﺷب،ﺑل أﻋﺎﻧﮫ ﻋﻠﯾﮫ وأوﺻﻠﮫ إﻟﯾﮫ اﻟﻌﻠم واﻟﻔﺿل واﻻدب .
وھذى ﺻوره واﺣدة ﻣن ﺻﺣﺔ ﻋﻘﻠﮫ وﺻواب ﻣﺷورﺗﮫ ،وﺳﺑب ﺗﺑرك ﻗﺣطﺑﺔ اﻟﻘﺎﺋد ﺑرأﯾﮫ:ﻟﻣﺎ ﺑﻌث أﺑو ﻣﺳﻠم ﻗﺣطﺑﺔ ﺑﯾن ﺷﺑﯾب اﻟطﺎﺋﻲ ﻟﻣﺣﺎرﺑﺔ ﯾزﯾد ﺑن ﻋﻣر ﺑن ھﺑﯾرة اﻟﻔزارى واﻟﻰ اﻷﻣوﯾﯾن،ﻛﺎن ﺧﺎﻟد ﻓﻲ ﺟﻣﻠﺔ ﻣن ﻛﺎن ﻣﻌﮫ،ﻓﻧزﻟوا ﻓﻲ ﻗرﯾﺔ،ﻓﺑﯾﻧﻣﺎ ھم ﻋﻠﻰ ﺳطﺢ ﯾﺗﻐدون إذا ﻧظروا إﻟﻰ اﻟﺻﺣراء،وﻗد أﻗﺑﻠت ﻣﻧﮭﺎ أﻗﺎطﯾﻊ اﻟوﺣش وﻏﯾرھﺎ ﺣﺗﻰ ﻛﺎدت ﺗﺧﺎﻟط اﻟﻌﺳﻛر،ﻓﻧظروا ﻣﺗﻌﺟﺑﯾن وﻟم ﯾﻔﻛر أﺣد ﻓﻲ ﺷﺄﻧﮭﺎ.ﻓﻘﺎل ﺧﺎﻟد ﻟﻘﺣطﺑﺔ :أﯾﮭﺎ اﻷﻣﯾر ﻧﺎد ﻓﻲ اﻟﻧﺎس أن ﯾرﻛﺑوا وﯾﺳﺗﻌدوا ﻟﻠﻘﺗﺎل ﻗﺑل أن ﯾﮭﺟم ﻋﻠﯾﮭم اﻟﻌدو. ﻓﻘﺎم ﻗﺣطﺑﺔ ﻣذﻋوراً ﻓﻧظر ﻓﻠم ﯾرا أﺣداً ،ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ ﺧﺎﻟد ﻣﺎ ھذا اﻟرأى ؟ ﻗﺎل :اﻟﻌدو ﻣﺳرع إﻟﯾك،أﻣﺎ ﺗرى أﻗﺎطﯾﻊ اﻟوﺣش ﻗد أﻗﺑﻠت ؟ إن وراءھﺎ ﻟﺟﻣﻌﺎ ً ﻛﺛﯾﻔﺎ ً .ﻛﺎدو ﯾرﻛﺑون ﺣﺗﻰ طﻠﻊ ﻟﮭم ﻋﻠﯾﮭم اﻟﻌد ،ﻟوﻻ ﺧﺎﻟد ﻟﮭﻠﻛوا.
وﻧﺷﺄ وﻟده )ﯾﺣﯾﻰ( ﻓﻲ ﺑﯾت اﻟﻣﺎرة ،ﯾﻌﯾش ﻣﻊ أوﻻد اﻟﺧﻠﻔﺎء ﻛﺄﻧﮫ ﻣﻧﮭم ،أﺑﺎه ﻟم ﯾﺗرﻛﮫ ﯾﺳﺗﺳﻠم إﻟﻰ اﻟﻠﮭو واﻟﻌب ،ﺑل أﺧذه ﺑﺎﻟﻘراءة واﻷدب ،درﺑﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣل ،وﺻرﻓﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎﺻب ﺣﺗﻰ)ﻛﺎن ﻋﻠﻰ أﺣﺳن ﺣﺎل( ،وأﻋﺟب ﺑﮫ اﻟﻣﮭدي وﻗرﺑﮫ إﻟﯾﮫ ،ﺣﺗﻰ ﺳﻣﺢ أن ﯾرﺿﻊ وﻟده ھﺎرون )اﻟرﺷﯾد( ﻣن زوﺟﮫ ﯾﺣﯾﻰ ﻣﻊ وﻟده اﻟﻔﺿل ،وأن ﯾرﺿﻊ اﻟﻔﺿل ﻣﻊ اﻟﺧﯾزاران ،ﺟﻌﻠﮫ ﻣؤدﺑﺎ ً ﻟﮫ ،ﺑل ﻓوض أﻣر ﺗرﺑﯾﺗﮫ واﻟﻘﯾﺎم ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﺻﺎر ﻟﮫ أﺑﺎ ﺑﻌد أﺑﯾﮫ،وﺻﺎر ﯾدﻋوه )ﯾﺎ أﺑﻲ(،ﺗﺑدﻟت اﻟﺣﺎل،ﻓﺑﻌد أن ﻛﺎن ﺳراة ﻗرﯾش ﻓﻲ اﻟﺟﺎھﻠﺔ،ﻛﺎن أواﺋل اﻟﺧﻠﻔﺎء ﺑﻌد اﻹﺳﻼم ﯾﺑﻌﺛون ﺑﺄوﻻدھم ﻟﯾﺗرﺑوا ﻓﻲ ﺷﻣس اﻟﺻﺣراء وطﮭرھﺎ،ﺻﺎر اﻟﺧﻠﻔﺎء اﻟﻌﺑﺎﺳﯾون ﯾﺳﻠﻣون أوﻻدھم ﻟﻸﻋﺎﺟم ﻟﯾرﺑوھم وراء ﺟدران اﻟﻘﺻور ،ﻓﻛﺎن ذﻟك ﻣن أﺳﺑﺎب زوال دوﻟﺔ اﻟﻌرب.وأﺧﻠص ﯾﺣﯾﻰ ﻟﮭﺎرون،ورﻣﻰ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻟﻣوت ﻣن أﺟﻠﮫ ،ووﻗف ﻣوﻗﻔﺎ ً ﻟوﻻه ﻣﺎوﺻﻠت اﻟﺧﻼﻓﺔ إﻟﻰ ھﺎرون. وﻻ ﺑد ﻟﻲ ﻣن أن أذﻛر ھذا اﻟﻣوﻗف ﺑﻛﻠﻣﮫ ﻣن اﻟﺗﺎرﯾﺦ :ﻛﺎﻧت اﻟﺧﻼﻓﺔ ﺑﺎﻷﺻل رﯾﺎﺳﺔ ﯾﺧﺗﺎر اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻟﮭﺎ ﻣن ﺷﺎؤو ،ﻣن اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ،ﺛم ﻻ ﯾﻛون اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﻣﻠﻛﺎ ً ﻣﺳﺗﺑداً،وﻻ ﺣﺎﻛﻣﺎ ً ﻣطﻠﻘﺎً ،وﻟﻛن أﻣﯾراً ﻣﻘﯾداً ﺑﺎﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ ،ﻟﯾس ﻟﮫ أن ﯾﺣل ﺣراﻣﺎً،وﻻ ﯾﺣرم ﺣﻼﻻً. ﻓﻠﻣﺎ ﺟﺎء ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻣن اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ إﻟﻰ ﻣﻠﻛﯾﺔ ﻗﯾﺻرﯾﺔ ،وﻛﺎﻧت ﺑدﻋﺔ اﻣﺗدت ﺟذورھﺎ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ،ﻓﻧظرت وﺟدت ﺷوﻛﮭﺎ وأذاھﺎ ،وﻣﺎ رأﯾت ﺧﻼﻓﺎ ً وﻻ ﺣرﺑﺎ ً إﻻ ﺑﺳﺑﺑﮭﺎ ،وﻻ ﻛﺎن ھﺎذا اﻟﻠﻌب ﺑﺎﻟدﻣﺎء واﻷﻣوال إﻻ ﻣن ﺑﻌدھﺎ. وﻛﺎن ﻛل ﺧﻠﯾﻔﺔ ﯾﻣﮭد ﻟوﻟده ﻛﻣﺎ ﻣﮭد ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻟﯾزﯾد ،ﻟم ﯾﻛﻔﯾﮭم أن اﺗﺧذوا ﻋﺑﺎد ﷲ ﺧوﻻً،وﻣﺎل ﷲ دوﻻً،وﺧﺎﻟﻔوا ﻓﻲ أﺣﻛﺎم اﻹﺳﻼم وﺳﻧﺔ أﺑﻲ ﺑﻛر وﻋﻣر ،ﺣﺗﻰ ﺗﺻرﻓو ﻓﻲ اﻟﻧﺎس وھم أﻣوات ،ﻓﺄوﺻوا ﺑﮭم إﻟﻰ ﻣن أﺣﺑوا،واﺧﺗﺎروا ﻛﻣﺎ اﻟﻣرء ﺑﻧﻐﻣﺔ ﺷﺎﺋﮫ ودرھﻣﮫ ودﯾﻧﺎره..ھذه اﻟﺑدﻋﺔ اﻟﻣﮭدى ﺑن اﻟﻣﻧﺻور ﻓﻘﺳم اﻟﺑﻼد ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﮫ ﺑﯾن وﻟدﯾﮫ :ﻟﻣوﺳﻰ اﻟﻣﺷرق ﻛﻠﮫ،وﻟﮭﺎرون اﻟﻣﻐرب ﻛﻠﮫ ،اﻟﺷﺎم وﻣﺻر وأﻓرﯾﻘﯾﺔ ،وﺟﻌل ﯾﺣﯾﻰ ﻣﻌﮫ،إﻟﯾﮫ دﯾواﻧﮫ واﻟﻘﯾﺎم ﺑﻌﻣﻠﮫ،اﻟوﻛﺎﻟﮫ ﻋﻧﮫ إذا ﻏﺎب ،ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ )اﻷﻣﯾن اﻟﻌﺎم( ﻓﻲ ھذه اﻷﯾﺎم،ﺛم ﻛﺗب اﻟﻌﮭد ﻟﮭﻣﺎ ﻣن ﺑﻌد ،ﻟﻣوﺳﻰ أوﻻً ﺛم ﻟﮭﺎرون ﻣن ﺑﻌده،ﺑدا ﻓﺿل ھﺎرون ﻋﻠﻰ ﻣوﺳﻰ ﻓﻧﺟﺢ ﻓﻲ اﻹدارة، 43
وظﻔر ﻓﻲ اﻟﺣرب،وﻛﺎن )ﯾﺣﯾﻰ( ﺻﺎﺣﺑﮫ وﻣﺷﯾره،ﻓﺄﺣب اﻟﻣﮭدي ﯾﻘدﻣﮫ ﻋﻠﻰ ﻣوﺳﻰ ،ﻓﺑﻌث إﻟﯾﮫ ﻛﺎن ﺟرﺟﺎن أھل ﺑﯾﺗﮫ ﻟﯾﻧزل ﻋن وﻻﯾﺔ اﻟﻌﮭد ﻷﺧﯾﮫ طوﻋﺎ ً ﻟﺋﻼ ﯾﻧزﻟﮫ ﻗﺳراً وإﺟﺑﺎراً ،ﻓﻠم ﯾﺟب،ﻓﺑﻌث إﻟﯾﮫ رﺳوﻻً ﯾدﻋوه وﺿرب اﻟرﺳول وأﻋﻠن اﻟﻌﺻﯾﺎن،ﻏﺿب اﻟﻣﮭدي ،وأﺧذﺗﮫ ﻋزه اﻟﻣﻠك،ﻓﺳﺎر ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻟﯾرﯾﮫ ﻗدره وﯾﺄﺧذه ﺑﺎﻟطﺎﻋﺔ أﺧذاً،ﻓﻠم ﯾﺧرج ﻣن ﺑﻐداد ﺣﺗﻰ ﻛﺎن اﻷﺟل أﺳﺑق إﻟﯾﮫ ﻣن اﻷﻣل ،واﻟﻣن أﻋﺟل ﻣن اﻷﻣﻧﯾﺔ،ﻓﻣﺎت ﻓﺟﺄه،وﺑوﯾﻊ ﻣوﺳﻰ ﺑﺎﻟﺧﻼﻓﺔ وﺗﺳﻣﻰ ﺑـ )اﻟﮭﺎدي(
اﻗﺗرح اﻟﻘود ﻋﻠﻰ ھﺎرون وﻛﺎن ﻣﻊ أﺑﯾﮫ ﻓﻲ )ﻣﺎﺳﺑذان( أن ﯾﺣﻣﻠو اﻟﻣﮭدى إﻟﻰ ﺑﻐداد ﻟﯾدﻓن ﻓﯾﮭﺎ .ﻓﻘﺎل ھﺎرون :ادﻋوا إﻟﻰ أﺑﻲ )ﯾﺣﯾﻰ اﻟﺑرﻣﻛﻲ( ﻓﺻﺎر إﻟﯾﮫ ﻓﻘﺎل ﻟﮫ: ﯾﺎ أﺑت ﻣﺎ رأﯾك ﻓﯾﻣﺎ اﻗﺗرﺣوه؟ ﻓﻘﺎل:ﻣﺎ أرى ذﻟك. ﻗﺎل:وﻟم؟ ﻗﺎل:ﻷن ﻣن ﻋﺎدة اﻟﺟﻧد اذا ﻣﺎت ﺧﻠﯾﻔﺔ ﯾطﺎﻟﺑوا ﺑرواﺗب ﺳﻧﺗﯾن أو ﺛﻼث ﺳﻠﻔﺎً،أن ﯾﺗﻌﻠﻘوا ﺑﺎﻟﻧﻌش وأن ﯾﺗﺣﻛﻣوا وﻻﯾدﻋوه ﯾﺳﯾر ﺣﺗﻰ ﻣﺎ ﯾﻌطوا ﻣﺎﯾطﻠﺑون..وﺗﺄﻣر ﻟﻣن ﻣﻌك ﻣن اﻟﺟﻧد ﺑﺟواﺋز وﺗﻧﺎدي ﺑﺎﻟﻘﻔول ،اذا ﻗﺑﺿوا اﻟدراھم ﻟم ﯾﻛن ﻟﮭم ﻣﻘﺻد إﻻ أھﻠﮭم وأوطﺎﻧﮭم،ﻻ ﯾﻌرﺟون ﺑﺷﺊ دون ﺑﻐداد ،وﺻﺎح ﺑﺎﻟﺟﻧد ﻟﻣﺎ ﻗﺑﺿوا اﻟدراھم:ﺑﻐداد..ﺑﻐداد...ﻓﻌﺎد ﺑﮭم. وﺑدأ)ﯾﺣﯾﻰ(ﺧطواﺗﮫ اﻷوﻟﻰ اﺣﺗﻼل اﻟﻣﻛﺎن اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ. وﻟﻣﺎ وﺻل اﻟﺟﻧد إﻟﻰ ﺑﻐداد وﺗﻔرﻗوا أدرﻛوا اﻟﺧدﻋﺔ،وﻋرﻓو أن اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﻗد ﻣﺎت،ﻓﺗﺟﻣﻌو ﯾطﺎﻟﺑون ﺑﺎﻷرزاق،وﺳﺎرو إﻟﻰ ﻗﺻر اﻟرﺑﯾﻊ ودﺧﻠو.... واھﺗﻣت )أم اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ(ﺑﺎﻷﻣر،وﺧﺎﻓت ﻓﺑﻌﺛت إﻟﻰ اﻟرﺑﯾﻊ وإﻟﻰ ﯾﺣﯾﻰ ﺗﺷﺎورھم،اﻟرﺑﯾﻊ ﻟﺑﻰ وﺣﺿر،وﯾﺣﯾﻰ أدرك ﺑوﻓرة ﻋﻘﻠﮫ ﻧظر أن اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟﺟدﯾد ﯾﻐﺎر ﻋﻠﻰ أھﻠﮫ،وﯾﻛره ﻣن أﻣﮫ ﺧﺻوﺻﺎ ً اﻟﺗدﺧل ﻓﻲ أﻣور اﻟدوﻟﺔ،ﻟم ﯾﺣﺿر ﻓﻐﺿب ﻣوﺳﻰ ﻋﻠﻰ اﻟرﺑﯾﻊ ورﺿﻰ ﻋن ﯾﺣﯾﻰ،وأﻗر ﻣوﺳﻰ أﺧﺎه ھﺎرون ﻓﯾﻣﺎ وﻻه أﺑوه ،وأﻣر أن ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻌﮫ وأن ﯾﺗوﻟﻰ ﻣﺎﻛﺎن ﯾﺗوﻻه أﯾﺎم أﺑﯾﮫ.
وﻟﻛن ﺗﺑدﻟت اﻟﺣﺎل،وﺗﻐﯾر ﻗﻠب)اﻟﮭﺎدي(ﻋﻠﻰ ھﺎرون،وﻋﻣﻠت ﻋواﻣل:أظﮭرھﺎ ﺛﻼﺛﺔ:
١ـ أﻣﮫ اﻟﺧﯾزران :ﻛﺎﻧت ﻗوﯾﺔ اﻟطﺑﻊ،واﻟﻣﮭدي ﻣن ﺣﺑﮫ ﻟﮭﺎ ﯾﻐﺿﻰ ﻋﻧﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﻛﺎدت ﺗﻐﻠب ﻋﻠﯾﮫ،ﻓﻠﻣﺎ ﻣﺎت اﺳﺗطﺎﻋت أن ﺗظﮭر أﯾﺎم اﻟﺑﯾﻌﺔ ﻟﻣوﺳﻰ،ﻏرھﺎ ذﻟك وأﻏراھﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﻣطﺎﻟب ھواھﺎ،ﻓﺄﻗﺑﻠت ﺗﺧب ﻓﻲ أﻣور اﻟدوﻟﺔ وﺗﺿﻊ،وﺻﺎر ﺑﺄﺑﮭﺎ أﺣﻔل ﺑﺎﻟطﺎﻟﺑﯾن واﻟﻣراﺟﻌﯾن ﻣن ﺑﺎب اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ،وﻏﺿب ﻣوﺳﻰ،وﻛﺎﻧت ﻓﻲ رﺟوﻟﺔ،وﻏﯾره،وﻛﺎن ﯾﻌﻠم أن اﻟﻣرأة إﻧﻣﺎ ﺧﻠﻘت ﻟﺑﯾﺗﮭﺎ ﻓﻣﺎ 44
دﺧﻠت ﻓﻲ أﻣور اﻟدوﻟﺔ إﻻ أﻓﺳدﺗﮭﺎ،وﻟو ﻛﺎﻧت اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ﺗﺻﻠﺢ ﻷﻧﺛﻰ ﻟﺻﻠﺣت ﻟﺳﯾدة اﻟﻧﺳﺎء ﻋﺎﺋﺷﺔ أم اﻟﻣؤﻣﻧون .وﺣﺎول ﻣوﺳﻰ ﻣﻧﻌﮭﺎ وﯾﻘول ﻟﮭﺎ :ﻣﺎ ﻟﻠﻧﺳﺎء واﻟﻛﻼم ﻓﻲ أﻣر اﻟرﺟﺎل؟ ﻓﻠﻣﺎ ﻟم ﺗﺳﺗﻣﻊ؟ وﻟﻣﺎ ﻛﺛر ﺗرداد اﻷﻣراء ﻋﻠﯾﮭﺎ،ﺟﻣﻌﮭم وﻗﺎل ﻟﮭم: أﯾﻣﺎ ﺧﯾر،أﻧﺎ أم أﻧﺗم؟ ﻗﺎﻟوا:ﺑل أﻧت ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن. ﻗﺎل:ﻓﺄﯾﻣﺎ ﺧﯾر،أﻣﻲ أم أﻣﮭﺎﺗﻛم؟ ﻗﺎﻟوا:ﺑل أﻣك ﯾﺄﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن؟ ﻗﺎل:ﻓﺄﯾﻛم ﯾﺣب أن ﯾﺗﺣدث ﺑﺧﺑر أﻣﮫ ﻓﯾﻘوﻟوا:ﯾﻘول ﻓﻌﻠت أم ﻓﻼن ،ووﺿﻌت أم ﻓﻼن ؟ ﻗﺎﻟوا:ﻣﺎ أﺣد ﯾﺣب ذﻟك. ﻗﺎل:ﻓﻣﺎ ﺑﺎل ﯾﺟﯾﺋون أﻣﻲ ﻓﯾﺗﺣدﺛون ﺑﺣدﯾﺛﮭﺎ؟ ﻓﻠﻣﺎ ﺳﻣﻌوا ذﻟك اﻧﻘطﻌوا ﻋﻧﮭﺎ اﻟﺑﺗﺔ،ﻓﺷق ذﻟك ﻋﻠﯾﮭﺎ،وأﺧذت ﺗﻛﯾد ﻟﮫ وﺗﻣﯾل ﻣﻊ ھﺎرون ،ﻓﺄﻏرﺗﮫ ﺑﮫ ﻣن ﺣﯾث ﻻﺗﺷﻌر. ٢ـ وﺣﺎﺷﯾﺔ اﻟﺳوء:ﻣﻣن ﻛﺎن ﯾﺧﺷﻰ ﺳطوة ھﺎرون،ﻋﻣﻠوا ﻋﻠﻰ ﺻرف ﻗﻠب اﻟﮭﺎدي ﻋﻧﮫ واﻹﯾﻘﺎع ﺑﯾﻧﮫ ﺣﺗﻰ ھم ﺑﺧﻠﻌﮫ ٣ـ وﺗﻔوق ھﺎرون :ﻟﻣﻌدن ﻧﺟﻣﮫ وارﺗﻔﺎع ﻣﻧزﻟﺗﮫ ،ﻓﻘد ﻣس ﻣواطن اﻻﺛﺎره ﻣن اﻟﮭﺎدي،ﻓﻌزم ﻋﻠﻰ ﺗﺣوﯾل اﻟوﻻﯾﮫ إﻟﻰ اﺑﻧﮫ ﺟﻌﻔر،وأﻋﻠن ذﻟك ﻓواﻓﻘﮫ ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺑﺎر اﻟﻘواد،ﻣﻧﮭم ﯾزﯾد ،وﻋﺑدﷲ ،وﻋﻠﻲ،ﻓﺧﻠﻌوا ھﺎرون وﺑﺎﯾﻌوا ﺟﻌﻔر.
وﺗﻧﻛر اﻟﮭﺎدي ﻟﮭﺎرون وأﻋرض ﻋﻧﮫ،ﺛم زاد ﻓﺄﻣر أﻻ ﯾﺳﯾر أﻣﺎﻣﮫ ﺑﺣرﺑﺔ ،وأﻻ ﯾرﻛب ﻓﻲ ﻣوﻛب،ﻓﻐدا ﻛﺄﻧﮫ ﻣﻧﺑوذ. وﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟك ﯾرھﺑﮫ،وﯾﺗﺧذ اﻟوﺳﺎﺋل ﻟﯾﻧزل ﻋن وﻻﯾﮫ اﻟﻌﮭد ﻟﺟﻌﻔر،ﻣل ھﺎرون وﺿﺎق ﺻﺑره،ﻓﺄوﺷك أن ﯾﺳﺗﺟﯾب، ﻗﺎل :ﻣﺎ أﻋﯾش ﺑﮫ ﻣﻊ اﺑﻧك ﻋﻣﻰ؟)ﯾرﯾد زﺑﯾده وﻛﺎن ﯾﺣﺑﮭﺎ ﺣﺑﺎ ً ﺷدﯾداً( ﻗﺎل ﯾﺣﯾﻰ :وأﯾن ﻣن اﻟﺧﻼﻓﺔ؟وﻟﻌﻠﮫ أﻻ ﯾﺗرك ﻟك ﺷﯾﺋﺎ ً.. وﺳﻌﻰ إﻟﻰ اﻟﮭﺎدي ﺑﯾﺣﯾﻰ ،وﻗﯾل ﻟﮫ :إﻧﮫ ﻟﯾس ﻋﻠﯾك ﻣن ھﺎرون ﺧﻼف،وإﻧﻣﺎ ﯾﻔﺳده ﯾﺣﯾﻰ. ﻓﺄﻏﺿب اﻟﮭﺎدي ،وﺑﻌث إﻟﻰ ﯾﺣﯾﻰ ﻣن ﯾﺟﺊ ﺑﮫ ﻟﯾﻼً؛وﯾﺋس ﻣن ﻧﻔﺳﮫ،وودع أھﻠﮫ،وﻟم ﯾﺷك أﻧﮫ ﯾﻘﺗﻠﮫ. ﻗﺎل:ﯾﺎﯾﺣﻰ،ﻣﺎﻟﻲ وﻟك؟ ﻗﺎل:أﻧﺎ ﻋﺑدك ﯾﺄﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن،ﻓﻣﺎ ﯾﻛون ﻣن اﻟﻌﺑد إﻟﻰ ﻣوﻻه؟ ﻗﺎل:ﻓﻠم ﺗدﺧل ﺑﯾﻧﻲ وﺑﯾن أﺧﻲ ؟ 45
ﻗﺎل:ﻣن أﻧﺎ ﺣﺗﻰ أﺗدﺧل ﺑﯾﻧﻛﻣﺎ؟إﻧﻣﺎ ﺻﯾرﻧﻲ اﻟﻣﮭدي،وأﻣرﻧﻲ ﺑﺎﻟﻘﯾﺎم ﺑﺄﻣره،ﺛم أﻣرﻧﻲ ﻓﺎﻧﺗﮭﯾت إﻟﻰ أﻣرك. ﻗﺎل:ﻓﻣﺎ ﺻﻧﻊ ھﺎرون؟ ﻗﻠت :ﻣﺎﺻﻧﻊ ﺷﯾﺋﺎ ً. ﻓﻣﺳك ﻏﺿﺑﮫ ورده إﻟﻰ داره،ﻓذھب إﻟﻰ ھﺎرون ﻗد طﺎب ﻧﻔﺳﺎ ً ﺑﺎﻟﺧﻠﻊ،وﺑﻌﺛت اﻟﺧﯾزران ﺟﺎرﯾﺔ ﻟﮭﺎ أرﺿﻌت ھﺎرون،إﻟﻰ ﯾﺣﯾﻰ ﻓﺷﻘت ﺟﺑﯾﻧﮭﺎ ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ وﺑﻛت ﻗﺎﻟت: ﺗﻘول اﻟﺳﯾدة :ﻻﺗﻘﺗﻠﮫ ودﻋﮫ ﯾﺟﯾب أﺧﺎه ،ﻓﺑﻘﺎؤه أﺣب إﻟﻲ ﻣن ﺧﻼﻓﺗﮫ وﻣن اﻟدﻧﯾﺎ. ﻓﺻﺎح ﺑﮭﺎ ﯾﺣﯾﻰ:ﻣﺎ أﻧت وھذا؟ان ﯾﻣﻛن ﻣﺎﺗﻘوﻟﯾن ﻓﺈﻧﻰ أھﻠﻲ ﺳﻧﻘﺗل ﻗﺑﻠﮫ ﻓﺈن اﺗﮭﻣت ﻋﻠﯾﮫ ﻓﻠﺳت ﺑﻣﺗﮭم ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻲ وﻻ أوﻻدي.
ﺟﻠس اﻟﮭﺎدي ﻟﻠﻧﺎس،وﻗﺎل :ﻻﯾدﺧل ﻋﻠﻰ ﯾﺣﯾﻰ إﻻ آﺧر اﻟﻧﺎس. ﺣﺗﻰ إذا ﻟم ﯾﺑﻘﻰ أﺣد،أدﺧل ﻋﻠﯾﮫ ﯾﺣﯾﻰ ،وﻛﺎن ﺟﻠﺔ اﻟﻧﺎس وﻛﺑﺎر اﻟﻘود،ﻓﻣﺎ زال اﻟﮭﺎدي ﯾدﯾﻧﮫ وﯾﻘرﺑﮫ وﻓﺎل ﻟﮫ: إﻧﻲ ﻛﻧت أظﻠﻣك ﻓﺎﺟﻌﻠﻧﻲ ﻓﻲ ﺣل . ﻓﺗﻌﺟب اﻟﻧﺎس ﻣن إﻛراﻣﮫ ....ﻓﻘﺑل ﯾده ﯾﺣﯾﻰ وﺷﻛر ﻟﮫ ،ﻓﻘﺎل اﻟﮭﺎدي: ﻣن اﻟذي ﯾﻘول ﻓﯾك ﯾﺎﯾﺣﯾﻰ:
ﻟو ﯾﻣس اﻟﺑﺧﯾل راﺣﺔ ﯾﺣﯾﻰ
ﻟﺳﺧت ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺑذل اﻟﻧوال؟
ﻗﺎل:ﺗﻠك راﺣﺗك ﯾﺄﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن. وﻛﻠﻣﮫ ﻓﻲ ﺧﻠﻊ اﻟرﺷﯾد،ﻓﻠم ﯾرا ﻣﻧﮫ ﻗﺑوﻻً،ﻓﻠم ﯾﺟد اﻹ اﻹﺻرار ،ﻓﺄﻣر ﺑﮫ ﺑﺎﻟﺳﺟن . وﻟﺑث ﻓﻲ اﻟﺳﺟن،ﻓﺑﻌث ﺑرﻗﻌﺔ إﻟﻰ اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ أن ﯾﺳﻣﻊ ﻣﻧﮫ ،ﻓدﻋﺎ ﺑﮫ ﻓﺳﺄﻟﮫ ﻣﺎذا ﯾرﯾد ،ﻓﻘﺎل ﯾﺣﯾﻰ : ﯾﺄﻣﯾر ،أﺧﻠﻧﻲ .ﻓﺄﺧﻼه.ﻓﻘﺎل: ﯾﺄﻣﯾر ،اﺳﺄل ﷲ أﻻ ﺗﺑﻠﻐﮫ،ﯾرﯾد ﻣوت اﻟﮭﺎدي ،أﺗظﻧﮭم ﯾﺳﻠﻣون اﻟﺧﻼﻓﺔ ﻟﺟﻌﻔر وھو ﻟم ﯾﺑﻠﻎ اﻟﺣﻠم وﯾرﺿون ﺑﮫ ؟ ﻗﺎل ﻣﺎ أظن ذﻟك . ﻗﺎل:ﯾﺎأﻣﯾر،أﻓﺗﺄﻣن أن ﯾﺳﻣﻌو ﺑﻌض أھﻠك؟ﻓﺗﺧرج ﻋن وﻟد اﻟﻣﮭدي ،أو أن ﯾطﻣﻊ ﻓﯾﮭﺎ ؟ﻟو أن ھذا ﻟم ﯾﻌﻘد ﻷﺧﯾك،وﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗﻌﻘد ﻟﮫ؟ﻓﻛﯾف ﺑﺄن ﺗﺣﻠﮫ وﻗد ﻋﻘده اﻟﻣﮭدي ﻟﮫ؟ أرى أن ﺗﻘر ھذا اﻷﻣر ﯾﺎ أﻣﯾر ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﮫ ﻓﺈذا ﺑﻠﻎ ﺟﻌﻔر ﺑﺎﻟرﺷد ،ﻓﻛﺎن أول ﻣن ﯾﺑﺎﯾﻌﮫ. 46
ﻗﺎل:ﻧﺑﮭﺗﻧﻲ .وأﻣر ﺑﺈطﻼﻗﮫ . وﻟم ﯾﻠﺑث ﻣوﺳﻰ إﻻ اﻟﻘﻠﯾل ﺣﺗﻰ ﻣﺎت،وﻗﻌد ھﺎرون اﻟرﺷﯾد ﻋﻠﻰ ﺳرﯾراﻟﺧﻼﻓﮫ ،أﻗﻌد ﻋﻠﯾﮫ ﺑﻌد ﷲ اﻟذي ﻻﯾﻛون ﺷﺊ إﻻ ﺑﺄﻣره ،وھو ﯾﺣﯾﻰ ،ﺑﺛﺑﺎﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟوﻓﺎء،وھذا اﻷﺳﻠوب اﻟﻌﺟﯾب ﻓﻲ اﻟﺻراﺣﺔ واﻟﻣﻧطق اﻟذي ﻛﻠم ﺑﮫ ﻣوﺳﻰ،ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻌﻘل ﻣوﺳﻰ وﻗﺑوﻟﮫ ﺑﺎﻟﺣق،وﻟﻘد ﺷﮭد ﯾﺣﯾﻰ ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﻘﺎل: ﻣﺎﻛﻠﻣت أﺣداً ﻣن اﻟﺧﻠﻔﺎء أﻋﻘل ﻣن ﻣوﺳﻰ .
ﻛﺎن ﯾﺣﯾﻰ أول ﻣن ﻋﻠم ﺑﻣوت اﻟﮭﺎدي،ﻓﺟﺎء إﻟﻰ اﻟرﺷﯾد ﻓﻘﺎل: ﻗم ﯾﺎ أﻣﯾر:،ﻗﺎل:ﺗروﻋﻧﻲ ﺑﺧﻼﻓﺗﻲ وأﻧت ﺗﻌﻠم ﺣﺎﻟﻲ؟،ﻓﻘﺎل:ﻟﻘد ﻣﺎت ﻣوﺳﻰ .ﻓﻘﻌد ﻓﻲ ﻓراﺷﮫ،ﺟﺎءه رﺳول آﺧر ﻓﻘﺎل:وﻟد ﻟك ﻏﻼم. ﻓﺳﻣﺎه ﻋﺑدﷲ ،ﻛﺎن ھو ﻋﺑدﷲ اﻟﻣﺄﻣون،وﻛﺎﻧت ﻟﯾﻠﺔ ﻣن ﻟﯾﺎﻟﻲ اﻟدھر :ﻣﺎت ﻓﯾﮭﺎ ﺧﻠﯾﻔﺔ ،ووﻟﻰ ﺧﻠﯾﻔﺔ ووﻟد ﺧﻠﯾﻔﺔ! ﻣﺎﻛﺎن أﺳرع ﻣﺎﻧﺎل ﯾﺣﯾﻰ ﻣﺎزرع.وﻻه اﻟرﺷﯾد وزارﺗﮫ،وﻻه أﻛﺑر ﻣن اﻟوزاره :ﻧﯾﺎﺑﮫ اﻟﺧﻼﻓﺔ،ﻗﺎل ﻟﮫ: أﻧت أﺟﻠﺳﺗﻧﻲ ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺟﻠس ﻗﻠدﺗك أﻣر اﻟرﻋﯾﺔ،وأﺧرﺟﺗﮫ ﻣن ﻋﻧﻘﻲ،ﻓﺎﺣﻛم ﺑﻣﺎ ﺗرى اﻟﺻواب . ودﻓﻊ إﻟﯾﮫ ﺧﺎﺗﻣﮫ ،وﻗﺎم إﺑراھﯾم ﯾﻧﺷده ﻗﺻﯾدﺗﮫ ﯾﻘول ﻓﯾﮭﺎ: أﻟم ﺗرى أن اﻟﺷﻣس ﻛﺎﻧت ﺳﻘﯾﻣﺔ ﺑﯾﻣﯾن أﻣﯾن ﷲ ھﺎرون ذي اﻟﻧدى
ﻓﻠﻣﺎ وﻟﻰ ھﺎرون أﺷرق ﻧورھﺎ ﻓﮭﺎرون واﻟﯾﮭﺎ وﯾﺣﯾﻰ وزﯾرھﺎ
وﻛﺎﻧت اﻟﺧﯾزران اﻟﻧﺎظرة ﻓﻲ اﻷﻣور،وﻛﺎن ﯾﺣﯾﻰ ﯾﻌرﺿﮭﺎ ﻋﻠﯾﮭﺎ وﯾﺻدر ﻋن رأﯾﮭﺎ إﻟﻰ أن ﻣﺎﺗت. واﺑﺗدأ ﻣن ذﯾك اﻟﺳﺎﻋﺔ دوﻟﺔ اﻟﺑراﻣﻛﺔ،ﻟم ﯾﻛن ﻓﯾﮭﺎ ﻣن اﻟﻔﺿﺎﺋل إﻻ ﻧﺑل اﻟﻧﻔس ،وﻓﺻﺎﺣﺔ اﻟﻠﺳﺎن ،إﯾﻘﺎﻣﮫ ﺣدود ﷲ وﺗﺑﺎع ﺷرع ﷲ وﺣﻔظ أﻣوال اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻼ ﺗؤﺧذ إﻻﻣن ﺣﻠﮭﺎ،واﻟﺗﺧﻠق ﺑﺄﺧﻼق اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ،واﻟﺑﻌد ﻋن اﻟﻠﮭو واﻟﻌب واﻟﺣرام،ﻓﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻧﮫ ﻓﻲ ھذه اﻟدوﻟﺔ إﻻ اﻟﻘﻠﯾل.
داﻣت ھذه اﻟدوﻟﺔ ﺳﺑﻊ ﻋﺷره ﺳﻧﺔ....ﻛﺎن اﻟﺑراﻛﻣﺔ ھم اﻟﻣﺗﺻرﻓﯾن ﻓﯾﮭﺎ،ﻓﻲ ﺣﻛم ھﺎرون ،ﻟم ﯾﻛن ﺣﻛﻣﮭم ﻛﺣﻛم ﻣن ﺟﺎء ﺑﻌدھم ﻣن اﻟﺗرك أوﻻ،اﻟﺑوﯾﮭﯾﯾن ﺛﺎﻧﯾﺎ،واﻟﺳﻼﺟﻘﺔ أﺧﯾراً،ﺣﯾن ﻏدا اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ اﺳﻣﺎ ً ﺑﻼ رﺳوم،اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﯾﺣﻛم ﺣﯾن ﯾرﯾد اﻟﺣﻛم ،ذﻟك ﻷن
47
اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺑﺎﺳﯾﺔ ﻟم ﺗزل ﻓﻲ ﺷﺑﺎﺑﮭﺎ،وﻻ ﯾزال ﺧﻠﻔﺎﺋﮭﺎ ﺳﻠطﺎﻧﮭم،وﻟم ﯾﻛن اﻟﻣﻌﺗﺻم ﻗد أﺟرم ﺗﻠك اﻟﺟرﯾﻣﺔ اﻟﻣﻧﻛرة،ﻓﺻﺎرت اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ اﻧﺣدار ،وﻣﺎ زاﻟت ﺗﻧﺣدر ﻛﺎن ﻋﮭد اﻟﻣﻣﺎﻟﯾك ﯾﺷﺗرون ﺑﺎﻟﻣﺎل،ھم اﻟﻣﻠوك اﻟذﯾن ﯾﺗﺻرﻓون ﺑﺎﻷﻣوال وﺑﺎﻟرﺟﺎل.
ﻧﺎل ﯾﺣﯾﻰ اﻟوزارة أوﻻ،أم ﺗﻛن وزارة ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟذي ﺗﻔﮭﻣﮫ اﻟﯾوم،ﺑل ﻛﺎن ﻣﻧﺻﺑﮫ ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟوﻛﺎﻟﺔ ﻋن اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ،ھذه اﻟوﻛﺎﻟﺔ ﺗﺗﺳﻊ أو ﺗﺿﯾق ،ﺑﺎﺗﺳﺎع ﺻدر اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ وﺿﯾﻘﺔ ،وﻣﯾﻠﮫ إﻟﯾﮫ أو ﻣﯾﻠﮫ ﻋﻧﮫ. وﻛﺎن ھﺎرون رﺟﻼً ﻗوﯾﺎ ً ﻣﻘﺗدراً،وﻟﻛﻧﮫ ﻛﺎن ﻋﺎطﻔﯾﺎً،ﻓﻛﺎﻧت أﻋﻣﺎﻟﮫ ﻛﻠﮭﺎ ارﺗﺟﺎﻻت وﻣﻔﺎﺟﺎٓت،ﻟﻣﺎ ﺑﺷره ﯾﺣﯾﻰ ﺑﺎﻟﺧﻼﻓﺔ ھو اﻟﺳﺎﻋﻲ ﻟﮫ،واﻟﻣداﻓﻊ ﻋﻧﮫ،وذﻛر أﻧﮫ ﻟو ﻻﯾﺣﯾﻰ ﻟﻛﺎن ﺗﻧﺎزل ﻋن وﻻﯾﺔ اﻟﻌﮭد،ﻓﻣﻧﺣﮫ ﺗﻔوﯾﺿﺎ ً ﻣطﻠﻘﺎً،زاده اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ وﺿﺎف اﻟﺧﺎﺗم ﻣﻊ اﻟوزارة،وﺗﺳرب أوﻻده ،وﺗداوﻟوا اﻟوﻻﯾﺎت واﻟﻣﻧﺎﺻب اﻟﻛﺑرى ،وﯾﺣﯾﻰ ﯾﺗﺧﻠﻰ ﻋن ﺗﺑﻌﺎت اﻟﺣﻛم ﻷوﻻده،ﻓﺗرك اﻟﺧﺎﺗم أوﻻً،ﺛم ﺻﺎر ﻟﺟﻌﻔر ،وﻏدا ﯾﺣﯾﻰ ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ اﻟﻣﺳﺗﺷﺎر ﻟﻠﺧﻠﯾﻔﺔ واﻟﻣرﺷد ﻷوﻻده،وﻣﺎ ﯾﺗم ﺷﺊ إﻻ ﺑرأﯾﮫ.أراد اﻟرﺷﯾد ﻧﻘل اﻟوزارة ﻗﺎل ﻟﯾﺣﯾﻰ: إﻧﻲ أرﯾد أﺟﻌل اﻟﺧﺎﺗم ﻷﺧﻲ اﻟﻔﺿل،ﺟﻌﻔر،ﻓﻛﺗب إﻟﻰ وﻟده اﻟﻔﺿل: ﻗد أﻣر أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺗﺣوﯾل اﻟﺧﺎﺗم ﻣن ﯾﻣﯾﻧك إﻟﻰ ﺷﻣﺎﻟك . ﻓﻛﺗب اﻟﻔﺿل: ﻗد ﺳﻣﻌت ﻣﻘﺎﻟﮫ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻓﻲ أﺧﻲ وأطﻌت،وﻣﺎ اﻧﺗﻘﻠت ﻣن ﻧﻌﻣﮫ ﺻﺎرت إﻟﯾﮫ.وﻣﺎ ﻋن رﺗﺑﮫ طﻠﻌت ﻋﻠﯾﮫ. ﻗﺎل ﺟﻌﻔر !:اﺧﻲ،ﻣﺎ أﻧﻔس ﻧﻔﺳﮫ ،وأﻗوى اﻟﻌﻘل ﻓﯾﮫ. ووﻟﻰ اﻟرﺷﯾد اﻟﻔﺿﯾل ﺧرﺳﺎن ،ﻓوﺟﮫ إﻟﯾﮭﺎ وﻗﺎم ﺑﮭﺎ ،ﻓﻲ اﻟدوﻟﮫ داﺋرة ﺧﺎﺻﺔ ﺳرﯾﺔ ﻟﻣراﻗﺑﺔ أﻋﻣﺎل اﻟوﻻة،وإﺧﺑﺎر اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﺑﮭﺎ، ﻻﯾﻌرف اﻟوﻟﻲ ﺷﺧﺻﺔ وﻻﺳﻠطﺎن ﻟﮫ ﻋﻠﯾﮫ،ﻓﻛﺗب ﺻﺎﺣب اﻟﺑرﯾد ﻓﻲ ﺧرﺳﺎن إﻟﻰ اﻟرﺷﯾد ﺑﺧﺑره،ووﺻل اﻟﻛﺗﺎب ،وﯾﺣﯾﻰ ﺟﺎﻟس ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ. إن اﻟﻔﺿل ﺑن ﯾﺣﯾﻰ ﻣﺗﺷﺎﻏل ﺑﺎﻟﻣﺻﯾر وأدﻣﺎن اﻟﻠذات .ﻓﻠﻣﺎ ﻗرأه اﻟرﺷﯾد رﻣﻰ ﺑﮫ إﻟﻰ ﯾﺣﯾﻰ وﻗﺎل ﻟﮫ: اﻗرأ واﻛﺗب إﻟﯾﮫ ﺑﻣﺎ ﯾردﻋﮫ ﻋن ھذا. وال ﯾﺷﺗﻐل ﻋن اﻟرﻋﯾﮫ ﺑﻠذﺗﮫ . وﻣن ھﻧﺎ ﯾظﮭر ﺗﺳﻠط اﻟﺑراﻣﻛﺔ ﻋﻠﯾﮫ ،ﻟو أراد ﯾﻘﯾم ﺣﻛم ﷲ ﻋﻠﻰ ِ وﻛﺗب إﻟﯾﮫ ﯾﺣﯾﻰ ﻛﺗﺎﺑﺔ أب إﻟﻰ وﻟده اﻟﻣدﻟل:
اﻧﺻب ﻧﮭﺎراً ﻓﻲ طﻼب اﻟﻌﻼ
واﺻﺑرﻋﻠﻰ ﻓﻘد ﻟﻘﺎء اﻟﺣﺑﯾب
ﺣﺗﻰ إذا اﻟﻠﯾل أﺗﻰ ﻣﻘﺑﻼً
واﺳﺗﺗرت ﻓﯾﮫ وﺟوه اﻟﻌﯾوب
ﻓﻛﺎﺑد اﻟﻠﯾل ﺑﻣﺎ ﺗﺷﺗﮭﻲ
ﻓﺈﻧﻣﺎ اﻟﻠﯾل ﻧﮭﺎر اﻷرﯾب 48
ﻛم ﻣن ﻓﺗﻰ ﺗﺣﺳﺑﮫ ﻧﺎﺳﻛﺎ ً
ﯾﺳﺗﻘﺑل اﻟﻠﯾل ﺑﺄﻣر ﻋﺟﯾب
أرﺧﻰ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻠﯾل أﺳﺗﺎره
ﻓﺑﺎت ﻓﻲ ﻟﮭو وﻋﯾش ﺧﺻﯾب
وﻟذة اﻷﺣﻣق ﻣﻛﺷوﻓﺔ
ﯾﺳﻌﻰ ﺑﮭﺎ ﻛل ﻋدو رﻗﯾب
واﻟرﺷﯾد ﯾﻧظر إﻟﻰ ﻣﺎﯾﻛﺗب ﻓﻘﺎل ؟ ﺑﻠﻐت ﯾﺎ أﺑت.
وأﻗر ھذه اﻟﺧطﮫ اﻟﺧﺑﯾﺛﺔ اﻟﺗﻲ اﺧﺗطﮭﺎ ﻻﺑﻧﮫ:ﻟم ﯾﺄﻣر ﺑﺗﻘوى ﷲ ﻓﻲ اﻟﺳر وﻓﻲ اﻟﻌﻠن ،واﺟﺗﻧﺎب اﻟﻔواﺣش،وﻟم ﯾﻠﻘﻧﮫ ﺧﺷﯾﮫ ﷲ ﺑل ﺧﺷﯾﮫ اﻟﻧﺎس ،ﻋﻠﻰ أن اﻟﻔﺿل ﻗد ﺻﻠﺢ،وﻟم ﯾﻌد ﯾﻔﺎرق اﻟﻣﺳﺟد،ﻟﻣﺎ وﺻﻠو إﻟﻰ ﻣدﯾﻧﺔ ﺑﻠﺦ وﻓﯾﮭﺎ اﻟﻣﻌﺑد اﻟذي ﻛﺎن أﺟداده ﺳﻧده وﻛﺎﻧوا ﯾوﻗدون ﻓﯾﮫ اﻟﻧﺎر ﻛﺎﻧوا ﯾﻌﺑدوﻧﮭﺎ ﻣن دون ﷲ،أﻣر اﻟﻠﺿل ﺑﮭدﻣﮫ،ﻓﮭدم ﻧﺎﺣﯾﺔ ﻣﻧﮫ وأﻗﺎم ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺳﺟد،ووﻟﻰ ﺟﻌﻔر ﻧﯾﺎﺑﮫ ﻣﺻر،ﻓوﻟﻰ ﻋﻠﯾﮭﺎ رﺟﻼً وﻟم ﯾﺧرج إﻟﯾﮭﺎ ﺑﻧﻔﺳﮫ. ﺛم وﻻه رﺋﺎﺳﺔ اﻟﺣرس ،وﻟﻣﺎ ﺿرﺑت اﻟﺷﺎم واﺧﺗل أﻣرھﺎ دﻋﺎ اﻟرﺷﯾد ﺟﻌﻔراً ﻓﻘﺎل ﻟﮫ: إﻣﺎ أن ﺗﺧرج أﻧت،أو أﺧرج اﻧﺎ. ﻓﻘﺎل ﺟﻌﻔر:ﺑل أﻗﯾك ﻣن ﺑﻧﻔﺳﻲ. ﻓﺷﺧص ﺟﻌﻔر ﻓﻲ ﺟﯾش ﺿﺧم،ﻓﺄﺧﻣد اﻟﻔﺗﻧﺔ وﺳن ﺳﻧﺔ ﺳﯾﺋﺔ ﻣﺎرأﯾت ﻗﺑﻠﮫ ﻣن ﺻﻧﻌﮭﺎ،ﻓﺟﺎء ﺟﻌﻔر ﻓﻲ ھذه اﻟﺣﻣﻠﺔ،ﻓﺻﺎدر اﻷﺳﻠﺣﺔ وأدوات اﻟﻘﺗل،وﻣدﺣﮫ ﻣﻧﺻور ﻟﻣﺎ ﺗوﺟﮫ إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ﺑﻘﺻﯾدة:
ﻓﮭذا أو أن اﻟﺷﺎم ﺗﺧﻣد ﻧﺎرھﺎ
ﻟﻘد أوﻗدت ﺑﺎﻟﺷﺎم ﻧﯾران ﻓﺗﻧﺔ إذاﺟﺎش ﻣوج اﻟﺑﺣرﻣن ال َ ﺑرﻣك
ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺟﻧت ﺷﮭﺑﺎﻧﮭﺎ وﺷرارھﺎ
رﻣﺎھﺎ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺑﺟﻌﻔر
وﻓﯾﮫ ﺗﻼﻗﻰ ﺻدﻋﮭﺎ واﻧﺟﺑﺎرھﺎ أﺗﺎﻛم وإﻻ ﻧﻔﺳﮫ ﻓﺧﯾﺎرھﺎ
ﻓﺈن أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺑﻧﻔﺳﮫ
وﺻوﻻﺗﮫ ﻻ ﯾﺳﺗطﺎع ﺧطﺎرھﺎ
ھو اﻟﻣﻠك اﻟﻣﺄﻣول ﻟﻠﺑر واﻟﺗﻘوى
وﺻﻌدﺗﮫ واﻟﺣرب ﺗدﻣﻰ ﺷﻔﺎره
وزﯾر أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن وﺳﻔﯾﮫ
ﻓﻌﻧدك ﻣﺄواھﺎ وأﻧت ﻗرارھﺎ
وﻣن ﺗطو أﺳرار اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ دوﻧﮫ
وﻟم ﺗدن ﻣن ﺣﺎل ﯾﻧﺎﻟك ﻋﺎرھﺎ
وﻓﯾت ﻓﻠم ﺗﻐدر ﻟﻘوم ﺑذﻣﺔ 49
ﻣﻠﻣﺎت ﺧطب ﻟم ﺗرﻋﮫ ﻛﺑﺎرھﺎ
إذاﻣﺎ اﺑن ﯾﺣﯾﻰ ﺟﻌﻔر ﻗﺻدت ﻟﮫ
وﻟﻣﺎ ﻋﺎد دﺧل ﻋﻠﻰ اﻟرﺷﯾد ﻗﺑل ﯾدﯾﮫ وﻗﺎل: اﻟﺣﻣد! ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟذي آﻧس وﺣﺷﺗﻲ ،وأﺟﺎب دﻋوﺗﻲ،وأﻛرﻣﻧﻲ ﺑﻘرﺑﮫ واﻣﺗن ﺑﺗﻘﺑﯾل ﯾده،وردﻧﻲ إﻟﻰ ﺧدﻣﺗﮫ،ﻓﺄﻋﻠم أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧت ﺑﻣﻌﺎﺻﻲ وﺧطﺎﯾﺎ أﺣﺎطت ﺑﻲ،اﻟﺣﻣدﷲ اﻟذي ﻋﺻﻣﻧﻲ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﻐﯾﺑﺔ وأﻣﺗﻌﻧﻰ ﺑﺎﻟﻌﺎﻓﯾﺔ،وﻋرﻓﻧﻲ ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ وﻣﺳﻛﻧﻰ ﺑﺎﻟطﺎﻋﺔ،وﻟم أﻗدم إﻻ ﻋن اذﻧك وأﻣرك. وﷲ ﯾﺎأﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻟﻘد ﻋﺎﻧﯾت ﻣﺎﻟم ﺗﻌرض ﻟﻲ اﻟدﻧﯾﺎ ﻛﻠﮭﺎ ﻻﺧﺗرت ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻗرﺑك ....وﻟم ﯾﻘﺻر ﯾﺣﯾﻰ ﻋﻠﻰ وﻟدﯾﮫ ،ﺑل ﻓﺗﺢ ﺑﺎﺑﮭﺎ ﻷوﻻده ﺟﻣﯾﻌﺎً،ﺑل ﻟﻠﺑراﻣﻛﺔ ﻛﻠﮭم.
ﻓﻛﺎن ﻣوﺳﻰ ﯾﻧﺗدب ﻟﻠﻣﮭﻣﺎت اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ.ھﺎﺟت اﻟﻔﺗﻧﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﺷﺎم اﻧﺗدب ﻟﮭﺎ ﻣوﺳﻰ ،ﻓﺧرج إﻟﯾﮭﺎ وﻣﻌﮫ اﻟﻘواد واﻷﺟﻧﺎد ،ﻓﺳﻛﻧت اﻟﻔﺗﻧﺔ ،ﻓﻘﺎل إﺳﺣﺎق ﯾﺧﺎطب ﯾﺣﯾﻰ وﯾﺻﻔﮫ ﺑﺄﻧﮫ ﺣﺎﻣﻲ اﻹﺳﻼم ،وﻗد أﻗﺎم ﻓﻲ ﺑﻐداد وأوﻻده ﻓﻲ اﻷطراف: ﻣن ﺑﻠﻎ ﯾﺣﯾﻰ ودون ﻟﻘﺎﺋﮫ
زأرت ﻛل ﺧﻧﺎﺑس ھﻣﮭﺎ
وﻗﺎل ﻏﯾره:
ﻗد ھﺎﺟت اﻟﺷﺎم ھﯾﺟﺎ ً
ﯾﺷﯾب رأس وﻟﯾده
ﻓﺻب ﻣوﺳﻰ ﻋﻠﯾﮭﺎ
ﺑﺧﯾﻠﮫ وﺟﻧوده
ھو اﻟﺟواد اﻟذي َﺑ ﱠذ
ﻛل ﺟود ﺑﺟوده ﯾﺣﯾﻰ وﺟود ﺟدوده
أﻋداه ﺟود أﺑﯾﮫ
و)ﻣﺣﻣد( أﺧو ﯾﺣﯾﻰ وﻻه اﻟرﺷﯾد ﺣﺟﺎﺑﺗﮫ،ﻗﺳم ﺑﻼد اﻟﺧﻼﻓﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﺑﯾن ﺟﻌﻔر وﻓﺿل،ﻛﻣﺎ ﻗﺳم اﻟﻣﮭدي ﻣن ﻗﺑل ﺑﯾن وﻟدﯾﮫ،ﺛم ﻋﻘد وﻻﯾﺔ اﻟﻌﮭد ﻟواﻟدﯾﮫ اﻷﻣﯾن واﻟﻣﺄﻣون ،ﺿم اﻷول إﻟﻰ اﻟﻔﺿل،واﻟﺛﺎﻧﻲ إﻟﻰ ﺟﻌﻔر . وﺗوﺟﮫ اﻟﻔﺿل إﻟﻰ ﺧرﺳﺎن،ﻓﺄﺣﺳن اﻟﺳﯾرة،وﺑﻧﻰ اﻟﻣﺳﺟد،واﺗﺧذ ﺟﻧداً ﻣن اﻟﻌﺟم ،وﺟﮭز ﻣﻌﮭم ﺟﯾﺷﺎ ً ﺑﻠﻎ ﻧﺻف ﻣﻠﯾون ﺟﻧدي ﻟﮭم وﻗﯾود ورواﺗب،وﻗدم ﺑﻐداد ﻣﻧﮭم ،وﻓﻲ ذﻟك ﯾﻘول ﻣروان :
ﻋﻧد اﻟﺣرب إذا ﻣﺎ ﺗﺄﻓل اﻟﺷﮭب
ﻣﺎ اﻟﻔﺿل إﻻ ﺷﮭﺎب ﻻ أﻗول ﻟﮫ 50
أﺛﺑت ﺧﻣس ﻣﺋﯾن ﻓﻲ ﻋدادھم
ﻣن اﻷﻟوف اﻟﺗﻲ أﺣﺻت ﻟك اﻟﻛﺗب
ﯾﻘﺎرﻋون ﻋن اﻟﻘوم اﻟذﯾن ھ ُم
أوﻟﻰ ﺑﺄﺣﻣد ﻓﻲ اﻟﻔرﻗﺎن إن ﻧﺳﺑوا
ﺳ ْﻠم : وﻗﺎل َ وﻛﯾف ﺗﺧﺎف ﻣن ﺑؤس ﺑدار
ﺗﻛ ﱢﻧﻔﮭﺎ اﻟﺑراﻣﻛﺔ اﻟﺑﺣور
وﻗوم ﻣﻧﮭم اﻟﻔﺿل ﺑن ﯾﺣﯾﻰ
ﻧﻔﯾر ﻣﺎ ﯾوازﻧﮫ ﻧﻔﯾر ﻛﺄن اﻟدھر ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ أﺳﯾر
ﻟﮫ ﯾوﻣﺎن ﯾوم ﻧدى وﺑﺄس إذا ﻣﺎ اﻟﺑرﻣﻛﻰ ﻏدا اﺑن ﻋﺷر
َﻓ ِﮭ ﱠﻣ ُﺗﮫ وزﯾر أو أﻣﯾر
و أﺳوق ﻟﮫ ﺧﺑر ﻣﺎ ﻧﺎﻟﮫ ﻗﺎﺋد ﻣن ﺻﻐﺎر ﻗواده ھو إﺑراھﯾم ،ﻓﺧرج ﻣﻌﮫ وھو ﻛﺎره ﻟﻠﺧروج. )ﻗﺎل إﺑراھﯾم (: دﻋﺎﻧﻲ ﯾوﻣﺎً،ﻓدﺧﻠت ،ﻓﻠﻣﺎ ﺻرت ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ ﺳﻠﻣت ﻓﻣﺎ رد ﻋﻠﻲ،ﻛﺎن ﻣﺿطﺟﻌﺎ ً ﻓﺎ ﺳﺗوى ﺟﺎﻟﺳﺎ ً ﻓﻘﺎل ﻟﻲ ﯾﻔ ُر ْج َر ْو ُﻋك ﻓﺈن ﻗدرت ﺗﻣﻧﻌﻧﻲ ﻣﻧك. ﻓذھﺑت وﺟﻣﻌت ﺧراﺟﮭﺎ وﺟﺋﺗﮫ ،ﻓوھﺑﮫ ﻟﻲ وزادﻧﻲ ،ﻓﻌﺎد إﺑراھﯾم إﻟﻰ ﺑﻐداد ﺑﺳﺑﻌﺔ ﻣﻼﯾن ! .ﺑﻣﺛل ھذا اﻟﻛرم ﻛﺎﻧوا ﯾﻣﺗﻠﻛون اﻟﻘﻠوب ،ھﻲ أﻣوال ﷲ ﯾﺗﺻرﻓون ﻓﯾﮭﺎ ،ﯾﺟﻣﻌون اﻟﻣﺎل ﻣن اﻵف اﻟﻣؤﻟﻔﺔ ﻟﯾﻌطوھﺎ ﻟرﺟل واﺣد . وﻟﻣﺎ رﺟﻊ إﻟﻰ ﺑﻐداد ﺧرج اﻟرﺷﯾد ﻻﺳﺗﻘﺑﺎﻟك وﻣﻌﮫ اﻟﻘواد واﻟﻛ ّﺗﺎب واﻷﺷراف ،ﻓﺟﻌل اﻟﻔﺿل ﯾﻌطﻲ اﻟرﺟﺎل أﻟف أﻟف ،ﻓﻛﺎن ﻣﺎوزﻋﮫ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﯾوم ﺷﯾﺋﺎ ً ﯾﻔوق اﻟوﺻف،وﻗﺎل ﻓﯾﮫ ﻣروان:
إذا اﻟﻧﺎس رﻣوا ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻔﺿل ﻓﻲ اﻟﻧدى
وﻓﻲ اﻟﺑﺂس آﻟﻔوھﺎ ﻣن اﻟﻧﺟم أﺑﻌدا
ﺳﻣﺎ ﺻﺎﻋداً ﺑﺎﻟﻔﺿل ﯾﺣﯾﻰ وﺧﺎﻟد
إﻟﻰ ﻛل أﻣر ﻛﺎن أﺳﻧﻰ وأﻣﺟدا
وﻛﺎن ﯾﺣﯾﻰ ﻓﻲ ﻣﻧﺻب اﻟﻣﺳﺗﺷﺎر ﻟﻠﺧﻠﯾﻔﺔ واﻟﻣوﺟﮫ ﻟﻠدوﻟﺔ. وﻣﺎ زاﻟت دوﻟﺔ اﻟﺑراﻣﻛﺔ ﻓﻲ ﺻﻌود،ﺣﺞ اﻟرﺷﯾد وﻣﻌﮫ اﺑﻧﺎه اﻷﻣﯾن واﻟﻣﺄﻣون ،وﺣﺞ ﻣﻌﮫ ﯾﺣﯾﻰ وﻣﻌﮫ اﺑﻧﺎه ﺟﻌﻔر واﻟﻔﺿل ﻓﻠﻣﺎ ﺻﺎروا ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺟﻠس اﻟرﺷﯾد وﻣﻌﮫ ﯾﺣﯾﻰ ﻓﺄﻋطﻰ اﻟﻧﺎس ﻋطﺎءھم،واﻟﻌطﺎء ﻧوع ﻣن اﻟﺿﻣﺎن اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻓﻛﺎن أھل اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﯾﺳﻣون ذﻟك اﻟﻌﺎم ﻋﺎم اﻷﻋطﯾﺔ وﻓﻲ ذﻟك ﯾﻘول اﺑن ﻣﻧﺎذر: 51
أﺗﺎﻧﺎ ﺑﻧو اﻷﻣﻼك ﻣن آل ﺑرﻣك
ﻓﯾﺎ طﯾب أﺧﺑﺎر وﯾﺎ ﺣﺳن ﻣﻧظر
ﻟﮭم رﺣﻠﺔ ﻓﻲ ﻛل ﻋﺎم إﻟﻰ اﻟﻌدى
وأﺧرى إﻟﻰ ﺑﯾت اﻟﻌﺗﯾق اﻟﻣﻌطر ﺑﯾﺣﯾﻰ وﺑﺎﻟﻔﺿل ﺑن ﯾﺣﯾﻰ وﺟﻌﻔر
إذا ﻧزﻟو ﺑطﺣﺎء ﻣﻛﺔ أﺷرﻗت
وﻟﻣﺎ اﻧﺗﮭﻰ اﻟﺣﺞ اﺳﺗﻌﻔﻰ ﯾﺣﯾﻰ اﻟرﺷﯾد ﻣن اﻟوﻻﯾﺔ ﻓﺄﻋﻔﺎه،واﺳﺗﺄذﻧﮫ ﻓﻲ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﺑﻣﻛﺔ ﻓﺑﻘﻰ ﻓﯾﮭﺎ وﺗﺧﻠﻰ ﻋن اﻟدﻧﯾﺎ. ﻓﺻﻧﻊ ﻛل ﻣﺎﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺻﻧﻌﮫ ﻛل ﻋﺎﻗل،وﺑﻘﻰ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﺷﮭوراً،ﻋﺎد إﻟﻰ ﺑﻐداد ﺣﯾن ﺳﻣﻊ أن اﻟرﺷﯾد أطﻠق ﯾﻌﻘوب ﻣن ﺳﺟﻧﮫ. وذﻟك أن ﯾﻌﻘوب ،ﻛﺎن وزﯾراً ﻟﻠﻣﮭدي ،وﻟﻣﻊ ﻧﺟﻣﮫ ﺣﺗﻰ ﻗﺎل ﻓﯾﮫ ﺑﺷﺎر:
إن اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﯾﻌﻘوب ﺑن داود
ﺑﻧﻰ أﻣﯾﺔ ھﺑوا طﺎل ﻧوﻣﻛم
ﺷن ﻏﺿب ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻣﮭدي،وﺳﺟﻧﮫ ﻓﻲ ﺑﺋر ﻓﺑﻘﻰ ﻓﯾﮭﺎ وﺣده ﺧﻣس ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ ﻻﯾرى ﺿوءاً،إﻻ أﻧﮭم ﯾدﻟون ﻛل ﯾوم رﻏﯾﻔﺎ ً وﻛوز ﻣﺎء،ﻓوﻗﻔوه ﺑﯾن ﯾدي اﻟرﺷﯾد وﻗﺎﻟوا: ﺳ ﱢﻠ ْم ﻋﻠﻰ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن. ﻓﻘﺎل :اﻟﺳﻼم ﻋﻠﯾﻛم ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟﻣﮭدي. ﻗﺎل:ﻟﺳتُ ﺑﮫ. ﻗﺎل :اﻟﺳﻼم ﻋﻠﯾﻛم ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟﮭﺎدي. ﻗﺎل:ﻟﺳتُ ﺑﮫ. ﻗﺎل :اﻟﺳﻼم ﻋﻠﯾﻛم ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟرﺷﯾد. ﻗﺎل:ﻧﻌم.ﻗﺎل ﻟﮫ: وﷲ ﻟم ﯾﺷﻔﻊ ﻓﯾك ﻋﻧدي أﺣد،وﻟﻛﻧﻰ ﺣﻣﻠت اﻟﺑﺎرﺣﺔ ،ﻓرﺣﻣت ﻣﺎ أﻧت ﻓﯾﮫ ﻣن اﻟﺿﯾق ﻓﺄﺧرﺟﺗك. وأﻧﻌم ﻋﻠﯾﮫ وأﺣﺳن اﻟﯾﮫ.واﺷﺗم ﻣﻧﮫ ﯾﺣﯾﻰ راﺋﺣﮫ اﻟﺧطر ﻋﻠﻰ دوﻟﺗﮫ،ﻓﺄﺧذ ﯾﻛﯾد ﻟﮫ ،وﻓﮭم ذﻟك ﯾﻌﻘوب ﻓﺂﺛر اﻟﻔرار،ﻓﺎﺳﺗﺄذن اﻟرﺷﯾد ﻓﻲ اﻟذھﺎب إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ،ﻓﺄذن ﻟﮫ ،وﺑﻘﻰ ﻓﯾﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﻣﺎت أوﺗﻰ اﻟﺑراﻣﻛﺔ ﻣن اﻟﻣواھب ،وﺟﻣﻌوا اﻟﺳﯾﺎدة،وﺳﺑﻘوا ﺑﮫ اﻷﻗران. ﻓﻛﺎن ﺟﻌﻔر ﻓﻲ ﻋﻣﻠﮫ وﻓﺿﻠﮫ ،وﻛﺎﻧت ﺗوﻗﯾﻌﺎﺗﮫ ﻣﺛﻼ ﻓﻲ اﻟﺑﻼﻏﺔ. 52
اﻟﺗوﻗﯾﻌﺎت ھﻲ ﻣﺎ ﯾﻛﺗب اﻷﻣﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺻص اﻟﺗﻲ ﺗرﻓﻊ إﻟﯾﮫ،ﯾﺄﻣر ﻟﺻﺎﺣﺑﮭﺎ ﺑﻌطﺎء أو ﻣﻧﻊ . رﻓﻌت إﻟﯾﮫ ﺷﻛوى ﻣن ﻋﺎﻣل ﻣن ﻋﻣﺎﻟﮫ،ﻓوﻗﻊ ﻓﯾﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻣل )):ﻗد ﻛﺛر ﺷﺎﻛوك،ﻓﺈﻣﺎ اﻋﺗدﻟت وإﻣﺎ اﻋﺗزﻟت((. أرﺑﻊ ﻛﻠﻣﺎت أﺟﻣﻠت ﻗﺻﺗﮫ وأوﺿﺣت ﻏﻠطﺗﮫ.واﻋﺗذر رﺟل ﻓﻘﺎل ﻟﮫ)):ﻗد أﻏﻧﺎك ﷲ ﺑﺎﻟﻌذر ﻣﻧﺎ،وأﻏﻧﺎﻧﺎ ﺑﺎﻟﻣودة ﻟك ﻋن ﺳوء اﻟظن ﺑك((. وﻟم ﯾﻌﺗﻣد ﺣﻼوه اﻟﻠﻔظ وﻟو ﻛﺎن ﻓﯾﮭﺎ ﺿﯾﺎع اﻟﺣق،ﺑل ﻛﺎﻧت ﺗوﻗﻌﺎت ﺟﻌﻔر ﺗﺟﻣﻊ اﻟﻠﻔظ واﻟﻣﻌﻧﻰ.واﻟﻌﻠم واﻷدب ،وﻗﻊ ﯾوﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺿرة اﻟرﺷﯾد زﯾﺎدة ﻋن اﻟف ﺗوﻗﯾﻊ،ﺗﻘوﻟون:ﻣن أﯾن ﻟﮫ اﻟﻔﻘﮫ؟ﻣن اﻹﻣﺎم أﺑو ﯾوﺳف ،ﺿﻣﮫ إﻟﯾﮫ أﺑوه.
وﻛﺎن اﻷﺳﺗﺎذ اﻷول أﺑوه ﯾﺣﯾﻰ ،ﻛﺎن ﯾﻘول ﻟﮫ وﻹﺧوﺗﮫ:اﻛﺗﺑو أﺣﺳن ﻣﺎ ﺗﺳﻣﻌون،ﻛﺎﻧوا ﯾﻌﻣﻠون ﺑﮭذه اﻟﻧﺻﯾﺣﺔ،ﻓﻛﺎن ﺣدﯾﺛﮭم ﺻﻔوة اﻟﺻﻔوة وﻟﺑﺎب اﻟﺑﺎب. وﻛﺎن ﯾﺣﯾﻰ ﻣن اﻟﻌﻘﻼء اﻟﻛرﻣﺎء اﻟﺑﻠﻐﺎء.وﻣن ﻛﻼﻣﮫ)):ﺛﻼﺛﺔ ﺗدل ﻋﻠﻰ ﻋﻘول أرﺑﺎﺑﮭﺎ :اﻟﮭدﯾﺔ واﻟﻛﺗﺎب واﻟوﺳول((. ﻗﻠت :ﺑﮭذا ﺿﺎﻋت ﺧزاﻧﺔ اﻟدوﻟﺔ،ﺛم ﺿﺎﻋت اﻟدوﻟﺔ ﻛﻠﮭﺎ،وھﻲ ﻟﻌﻣرى ﺷر ﻧﺻﯾﺣﺔ،وﯾﻣﺳك ﺣﯾث ﯾؤﺛر اﻟﺷرع واﻹﻣﺳﺎك . )وﻣﻧﮫ(:ذﻛر اﻟﻧﻌﻣﺔ ﻣن اﻟﻣﻧﻌم ﺗﻛدﯾر. )وﻣﻧﮫ(:اﻟﻧﯾﺔ اﻟﺣﺳﻧﺔ ﻣﻊ اﻟﻌذر اﻟﺻﺎدق . )وﻣﻧﮫ(:أذا أدﺑر اﻷﻣر. ووﻟﻰ اﻟرﺷﯾد رﺟﻼً وﻻﯾﺔ،ﻓﻠﻣﺎ دﺧل ﻋﻠﯾﮫ ﯾودﻋﮫ ﻛﺎن ﻋﻧده ﺟﻌﻔر وﯾﺣﯾﻰ ﻓﻘﺎل ﻟﮭﻣﺎ :أوﺻﯾﺎه ﻓﻘﺎل ﻟﮫ ﯾﺣﯾﻰ :وﻓر. وﻗﺎل ﺟﻌﻔر:أﻧﺻف . وﻗﺎل اﻟرﺷﯾد:اﻋدل. وﺷﮭد اﻟﻣﺄﻣون،وھو ﻣن ھو ﻓﻲ اﻟﺑﻼﻏﺔ واﻟﻌﻘل،اﻧﮫ ﻟم ﯾﺑﻠﻎ ﻣﺑﻠﻎ ﯾﺣﯾﻰ ﻣن اﻟﻛﻔﺎﯾﺔ واﻟﺑﻼﻏﺔ. أﻣﺎ ﻛرﻣﮭم ﻓﻘد ﺟﺎوزوا ﺑﮫ ﻛل ﺳﺎﺑق،أﻣﺎ ﻣَنْ ﻋﻣد إﻟﻰ ﻣﺎل اﻷﻣﺔ اﻟذي اؤﺗﻣن ﻋﻠﯾﮫ ﻓﺑﺳط ﺑﮫ ﯾدﯾﮫ،وﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻔﻌل أﻛﺛر اﻟﺧﻠﻔﺎء واﻷﻣراء،أﻣﺎ ﻣن ﺻﻧﻊ ذﻟك ﻓﻘد ﺟﻧﻰ ﺟﻧﺎﯾﺔ وارﺗﻛب ﺟرﻣﺎ ً وﻛﺎن ھو واﻟﻠص ﺳواء،وﯾﻌﻣر دﻧﯾﺎه ﺑﺧراب دﯾﻧﮫ،وﯾﺑﯾﻊ دﯾﻧﮫ ﺑدﻧﯾﺎ ﻏﯾره ﻓﯾﻛون أﺧﺳر اﻟﻧﺎس . ﻓﻣن أﺧﺑﺎر ھذا اﻟﻛرم اﻟﻌﺟﯾب: أن إﺑراھﯾم اﻟﻣوﺻﻠﻰ اﻟذي أﺧذ ﻣن أﻣوال اﻷﻣﺔ،ﺑل أﺧذاه ﺑﺄﺻوات ﻟﺣﻧﺎھﺎ.ﺣرم اﻟﺧﻠﻔﺎء أﺻﺣﺎب اﻟﺣق ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﺎل،واﻧﻔﻘوه ﻓﻲ ﻟذات أﻧﻔﺳﮭم،وﻣن ﺑﻌده ﻣن ﻋرﻓﻧﺎ ﻣن اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرﯾن. 53
ﺟﺎء إﺑراھﯾم إﻟﻰ ﯾﺣﯾﻰ ﯾﺷﻛو إﻟﯾﮫ ﻓﻘﺎل ﻟﮫ: وﯾﺣك ﻣﺎ أﺻﻧﻊ ﺑك ؟ﻟﯾس ﻋﻧدﻧﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟوﻗت ﺷﺊ،ﻓﯾﮫ ﺟﻼً ﺑد ﺟﺎءﻧﻲ ﺧﻠﯾﻔﺔ ﺻﺎﺣب ﻣﺻر،ﯾﺳﺄﻟﻧﻲ أن أﺳﺗﮭدي ﺻﺎﺣﺑﮫ ﺷﯾﺋﺎً،أﺧﺑره أﻧﮭﺎ ﻗد أﻋﺟﺑﺗﻧﻲ ﻓﺈﯾﺎك أن ﺗﻧﻘﺻﮭﺎ ﻋن ﺛﻼﺛﯾن أﻟف وأﻧظر ﻛﯾف ﺗﻛون. ﻗﺎل إﺑراھﯾم :ﻣﺎﺷﻌرت إﻻ ﺑﺎﻟرﺟل وأﻓﺎﻧﻲ ﻓﺳﺎوﻣﻧﻲ ﺑﺎﻟﺟﺎﯾﺔ، ﻓﻘﻠت :ﻻ أﻧﻘﺻﮭﺎ ﻋن ﺛﻼﺛﯾن أﻟف ﻓﻠم ﯾزال ﯾﺳﺎوﻣﻧﻲ ،ﻓﻠﻣﺎ ﺳﻣﻌﺗﮭﺎ ﺿﻌف ﻗﻠﺑﻲ ﻋن ردھﺎ ﻓﺑﻌﺗﮭﺎ. ﻓﺻرت إﻟﻰ ﯾﺣﯾﻰ ﻓﻘﺎل ﻟﻲ : ﻛﯾف ﺻﻧﻌت ﻓﻲ ﺑﯾﻌك اﻟﺟﺎرﯾﺔ؟ﻓﺄﺧﺑرﺗﮫ: وﷲ ﻣﺎﻣﻠﻛت ﻧﻔﺳﻲ أن أﺟﺑن إﻟﻰ اﻟﻌﺷرﯾن أﻟﻔﺎ ً ﺣﯾن ﺳﻣﻌﺗﮭﺎ. ﻗﺎل:إﻧك ﻟﺧﺳﯾس،ﻓﺧذ ﺟﺎرﯾﺗك وھذا ﺧﻠﯾﻔﺔ ﺻﺎﺣب ﻓﺎرس ،ﻓﺈذا ﺳﺎوﻣك ﻓﻼ ﺗﻧﻘﺻﮭﺎ ﻻﺑد أن ﯾﺷﺗرﯾﮭﺎ ﻣﻧك. ﻓﺟﺎءﻧﻲ اﻟرﺟل ،ﻓﻠم ﯾزل ﯾﺳﺎوﻣﻧﻲ ﺣﺗﻰ أﻋطﺎﻧﻲ ﺛﻼﺛﯾن أﻟف ﻓﺿﻌف ﻗﻠﺑﻲ ﻋن ردھﺎ وﻟم أﺻدق ﺑﮭﺎ،ﺛم ﺻرت إﻟﻰ ﯾﺣﯾﻰ ﻓﻘﺎل:ﺑﻛم ﺑﻌت اﻟﺟﺎرﯾﺔ؟ﻓﺧﺑرﺗﮫ ﻓﻘﺎل: وﯾﺣك أﻟم ﺗؤدﺑك اﻷوﻟﻰ؟ ﻗﻠت:ﺿﻌف ﻗﻠﺑﻲ وﷲ ﻋن ردھﺎ . ﻗﺎل:ھذه اﻟﺟﺎرﯾﺔ ﺟﺎرﯾﺗك ﻓﺧذھﺎ إﻟﯾك. روى ھذه اﻟﻘﺻﺔ اﺑن ﺧﻠﻛﺎن،وﻟو وﻗﻌت ﻓﻲ أﯾﺎﻣﻧﺎ ھذه ﻓﺳﺎد ھذه اﻷﯾﺎم ﻷﺣﯾل ﻛل ﻣن اﺷﺗرك ﻓﯾﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺣﻛﻣﺔ اﻟﺟﻧﺎﯾﺎت؛ودﺧل ﻋﻠﯾﮫ اﻷﺻﻣﻌﻰ ﻓﻘﺎل ﻟﮫ: ﯾﺎ أﺻﻣﻌﻲ ھل ﻟك زوﺟﺔ؟ ﻗﺎل:ﻻ. ﻗﺎل:ﻓﺟﺎرﯾﺔ؟ ﻗﺎل:ﻻ. ﻓﺄﻣر ﺑﺈﺧراج ﺟﺎرﯾﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺣﺳن واﻟﺟﻣﺎل . )ﻗﺎل اﻷﺻﻣﻌﻲ(ﻓﻘﺎل ﻟﮭﺎ:ﻗد وھﺑﺗك. وﻗﺎل ﻟﻲ:ﯾﺎ أﺻﻣﻌﻲ ﺧذھﺎ ﻟك .ﻓﻠﻣﺎ رأت اﻟﺟﺎرﯾﺔ ذﻟك ﺑﻛت وﻗﺎﻟت: ﯾﺎﺳﯾدي ﺗدﻓﻌﻧﻲ إﻟﻰ ھذا ﻣﻊ ﻣﺎﺗرى ﻣن ﺳﻣﺎﺟﺗﮫ وﻗﺑﺣﮫ؟ ﻓﻘﺎل ﻟﻲ:ھل ﻟك أن أﻋوﺿك ﻋﻧﮭﺎ؟ 54
وأﻋﺎد اﻟﺟﺎرﯾﺔ وﻗﺎل ﻟﻲ: ﻓﺄردت أن أﻋﺎﻗﺑﮭﺎ ﺛم رﺣﻣﺗﮭﺎ. ﻗﻠت :ھﻼ أﻋﻠﻣﺗﻧﻲ ﻓﺄﺳرح ﻟﺣﯾﺗﻲ؟ ﻓﺿﺣك وأﻣر ﻟﻲ ﺑﺄﻟف. وﻛﺎن ﯾﺣﯾﻰ إذا رﻛب ﯾﻌطﻲ ﻛل ﻣن ﺗﻌرض ﻟﮫ ،ﻓرﻛب وﺗﻌرض ﻟﮫ رﺟﺎل ﻓﻘﺎل ﻟﮫ:
ﺳﻣﻰ اﻟﺣﺻور ﯾﺣﯾﻰ أﺗﯾﺣت ﯾﺎ ﱠ
ﻟك ﻣن ﻓﺿل رﺑﻧﺎ ﺟﻧﺗﺎن
ﻓﻠﮫ ﻣن ﻧواﻟﻛم ﻣﺎﺋﺗﺎن
ﻛل ﻣن ﻣر ﻓﻲ اﻟطرﯾق ﻋﻠﯾﻛم
ھﻲ ﻣﻧﻛم ﻟﻠﻘﺑﺎس اﻟﻌﺟﻼن
ﻣﺎﺋﺗﺎ درھم ﻟﻣﺛﻠﻲ ﻗﻠﯾل
ﻗﺎل ﯾﺣﯾﻰ :ﺻدﻗت،وأﻣر ﺑﺣﻣﻠﮫ إﻟﻰ داره،ﻓﻠﻣﺎء رﺟﻊ ﻣن دار اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﺳﺄﻟﮫ ﻋن ﺣﺎﻟﮫ،ﻓذﻛر أﻧﮫ ﺗزوج وﻗد أﺧذ ﺑواﺣدة ﻣن ﺛﻼث:اﻣﺎ أن ﯾؤدي اﻟﻣﮭر أرﺑﻌﺔ آﻻف،وأﻣﺎ أن ﯾطﻠق . ﻓﺄﻣر ﯾﺣﯾﻰ ﺑﺄرﺑﻌﺔ آﻻف ﻟﻠﻣﮭر ،وأرﺑﻌﺔ آﻻف ﻟﺛﻣن ﻣﻧزل . ﻓﺄﺧذ ﻋﺷرﯾن أﻟﻔﺎ ً ﺑﺛﻼﺛﺔ أﺑﯾﺎت ﻻﻣﻌﻧﻰ ﻟﮭﺎ وﻻﻣﺑﻧﻰ! وﻗﺎل ﻣﺣﻣد اﻟوﻗدي: ﻛﻧت ﺣﻧﺎطﺎ ً ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻓﻲ ﯾدي ﻣﺎﺋﺔ أﻟف ﻟﻠﻧﺎس أﺿﺎرب ﻣﻧﮭﺎ ﻓﺗﻠﻔت وﺿﺎﻋت،وأﻧﺳت ﺑﺎﻟﺧدم وﺳﺄﻟﺗﮭم أن ﯾوﺻﻠوﻧﻲ إﻟﯾﮫ ﻓﻘﺎﻟوا: اذا ﻗدم اﻟطﻌﺎم إﻟﯾﮫ ﻟم ُﯾﺣﺟب ﻋﻧﮫ أﺣد،ﻓﻠﻣﺎ ﺣﺿر طﻌﺎﻣﮫ أدﺧﻠوﻧﻲ ﻓﺄﺟﻠﺳوﻧﻲ ﻣﻌﮫ ﻓﺳﺄﻟﻧﻲ : ﻣن أﻧت ؟وﻣﺎ ﻗﺻﺗك؟ ﻓﻠﻣﺎ رﻓﻊ اﻟطﻌﺎم وﻏﺳﻠﻧﺎ دﻧوت ﻣﻧﮫ ﻷﻗﺑل رأﺳﺔ ﻓﺎﺷﻣﺄز،ﻓﻠﻣﺎ ﺻرت ،ﻟﺣﻘﻧﻲ ﺧﺎدم ﻣﻌﮫ أﻟف دﯾﻧﺎر ﻓﻘﺎل : اﻟوزﯾر ﯾﻘرأ ﻋﻠﯾك اﻟﺳﻼم وﯾﻘول :اﺳﺗﻌن ﺑﮭذا ﻋﻠﻰ أﻣرك وﻋد ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﻓﺄﺧذﺗﮫ واﻧﺻرﻓت وﻋدت ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﺟﻠﺳت ﻣﻌﮫ ﻓﯾﺳﺄﻟﻧﻲ ﻛﻣﺎ ﺳﺄﻟﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻻول. ﻓﻠﻣﺎ رﻓﻊ اﻟطﻌﺎم دﻧوت ﻣﻧﮫ ﻷﻗﺑل رأﺳﮫ ﻓﺎﺷﻣﺄز،ﻓﻠﻣﺎ ﺻرت ،ﻟﺣﻘﻧﻲ ﺧﺎدم ﻣﻌﮫ أﻟف دﯾﻧﺎر ﻓﻘﺎل : اﻟوزﯾر ﯾﻘرأ ﻋﻠﯾك اﻟﺳﻼم وﯾﻘول :اﺳﺗﻌن ﺑﮭذا ﻋﻠﻰ أﻣرك وﻋد ﻓﻲ ﻏد. ﻓﻌدت ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺛﺎﻟث ﻛﻣﺎ أﻣر ،ﻓﺄﻋطﯾت ﻣﺛل ذﻟك ،ﻓﻠﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﯾوم اﻟراﺑﻊ أﻋطﯾت ﻣﺛﻠﮫ وﺗرﻛﻧﻲ أﻗﺑل رأﺳﮫ وﻗﺎل : 55
إﻧﻣﺎ ﻣﻧﻌﺗك ﻷﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن وﺻل إﻟﯾك ﻣﻌروﻓﻲ ،ﻓﺎﻵن ﻗد ﻟﺣﻘك ﺑﻌض اﻟﻧﻔﻊ ﻣﻧﻲ ،ﯾﺎﻏﻼم أﻋطﮫ ﻣﺎﺋﺗﻲ أﻟف ﯾﻘﺿﻲ دﯾﻧﮫ ﺑﻣﺎﺋﺔ اﻟف وﯾﺻﻠﺢ ﺷﺄﻧﮫ ﺑﻣﺎﺋﺔ اﻟف ﺛم ﻗﺎل: اﻟزﻣﻧﻲ وﻛن ﻓﻲ داري . ﻓﻘﻠت:أﻋز ﷲ اﻟوزﯾر. ﻗﺎل:ﻗد ﻓﻌﻠت . وأﻣر ﺑﺗﺟﮭﯾزي ،ﻓﺷﺧﺻت إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻗﺿﯾت دﯾﻧﻲ ﺛم رﺟﻌت إﻟﯾﮫ .وﻛﺎن ﻟﮫ ﻛﺎﺗب ﯾﺧﺗص ﺑﺧدﻣﺗﺔ ،ﻛﺎن ﻟﮫ ﺻدﯾق ﻗد اﺧﺗﻠت أﺣواﻟﮫ وﺿﺎﻗت ﯾده،ﻓﻌﻣد ﻛﯾﺳﯾن ﻛﺑﯾرﯾن ﻓﺟﻌل ﻓﻲ أﺣدھﻣﺎ ﻣﻠﺣﺎ ً وﻓﻲ اﻵﺧر أﺷﻧﺎﻧﺎ ً ﻣطﯾﺑﺎ ً وﻛﺗب ﻣﻌﮭﺎ رﻗﻌﺔ : ﻟو ﺗﻣت اﻹدارة ﻷﺳﻌﻔتُ ﺑﺎﻟﻌﺎدة ،وﻟﻛن ﻗﻌدت اﻟﻘدرة ﻋن اﻟﺑﻐﯾﺔ . ﻓﻠﻣﺎ ﺣﺿر ﯾﺣﯾﻰ ﻋرض ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺗﺎﺑﮫ اﻟﮭداﯾﺎ ﺣﺗﻰ اﻟﻛﯾﺳﯾن واﻟرﻗﻌﺔ،ﻓﺎﺳﺗظرﻓﮭﺎ وأﻣر ﯾﻣﻸ اﻟﻛﯾﺳﺎن ﻣﺎﻻً و َﯾ َردا ﻋﻠﯾﮫ. وﻣﺿﻰ أوﻻده ﻋﻠﻰ ﺳﻧﺗﮫ ھذا اﻟذي ﺗﻌود اﻟﻧﺎس أن ﯾﺳﻣوه ﻛرﻣﺎً، ﻓﻛﯾف وھو أﻣوال اﻟﻧﺎس اﻟﺗﻲ اﺋﺗﻣﻧﮭم ﷲ ﻋﻠﯾﮭﺎ؛إﻧﮫ ﻻﯾﺳﻣﻰ إﻻ اﻟﺳرﻗﺔ ﺑﺄﺑﺷﻊ ﺻورھﺎ . ھذا ﺟﻌﻔر ﯾﺑذل أرﺑﻌﯾن أﻟف ﻓﻲ)ﻓرج(..ﺟﺎرﯾﺔ ،وأرﺑﻌون أﻟﻔﺎ ً ﻣن اھل ﺑﻐدادا،ﻻﯾﻛﻔﯾﮭم ﺣﺗﻰ ﯾﮭب اﻟﻣﺎل ﻟﻣن ﻻﺣق ﻟﮫ. ﻟم ﯾﻛﻣل اﻟﺑﺣث ،ﻓﺿﻌت اﻟﻣﮭﻣﺔ وﺿﺎﻋت اﻷﺻول ،ﻓﺂﺛرت أن اﻧﺷره ﻧﺎﻗﺻﺎ ً .
56
ﻣﻌن ﺑن زاﺋد
ﻛﺎﻧت أﺟﻣل ﺻﻔﺗﯾن ﻋﻧد اﻟﻌرب ھﻲ اﻟﺷﺟﺎﻋﺔ و اﻟﻛرم ،أﻣﺎ اﻟﺷﺟﺎﻋﺔ ﻓﻸﻧﮭم ﻛﺎﻧوا ﯾﻌﯾﺷون ﻓﻲ اﻟﺑﺎدﯾﺔ وﻻ ﯾﺣﻛم ﺑﯾﻧﮭم أﺣد ﻓﻣن ﻟم ﯾﻛن ذﺋﺑﺎ ً أﻛﻠﺗﮫ اﻟذﺋﺎب .و أﻣﺎ اﻟﻛرم ﻓﻠﻛرﻣﮭم ﻋﻠﻰ اﻟﻐرﺑﺎء و اﺳﺗﺿﺎﻓﺗﮭم و إطﻌﺎﻣﮭم .رﺳﺧت ھﺎﺗن اﻟﺻﻔﺗﺎن ﻓﻲ ﻧﻔوﺳﮭم ﺣﺗﻰ ﺻﺎرﺗﺎ ﺷﻌﺎر اﻟﻌرﺑﻲ و أﻣﺎرﺗﮫ ،و ﺗﻐﻧﻰ ﺑﮭﺎ اﻟﺷﻌراء و ﺑﻘﯾﺎ ﻓﯾﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﯾوم. و أﺣب أن ﺗﻌﻠﻣو أن اﻟﻛرم اﻟﺟﺎھﻠﻲ ھو ﻣن أﺿﺎع ﻣﻠﻛﻧﺎ. اﻟﺣدﯾث اﻟﯾوم ﻋن رﺟل ﺟﻣﻊ ھﺎﺗﯾن اﻟﺧﻠﺗﯾن،ﻓﻛﺎن ﻓﯾﮭﻣﺎ ﻣﺛﻼً ﻣﺿروﺑﺎ و ھو اﻟﻘﺎﺋد اﻟﻌرﺑﻲ :ﻣﻌن ﺑن زاﺋد اﻟﺷﯾﺑﺎﻧﻲ. ﻟﺣﯾﺎﺗﮫ ﺛﻼث ﻣراﺣل : ﻣرﺣﻠﺔ ﻓﻲ ذﻣﺔ ﺑﻧﻲ أﻣﯾﺔ،ﻛﺎن ﻣﻧﻘطﻌﺎ ً إﻟﻰ)ﯾزﯾد ﺑن ﻋﻣر ﺑن ھﺑﯾرة(أﻣﯾر اﻟﻌراﻗﯾن .و ﻟﻣﺎ ﺣﺎﺻر اﻟﻣﻧﺻور واﺳط وﻗف ﻓﻲ وﺟﮭﮫ و داﻓﻊ ﻋﻧﮭﺎ و أراه اﻟﻌﺟب ﻓﻠﻣﺎ آﻟت اﻟﺧﻼﻓﺔ إﻟﻰ ﺑﻧﻲ اﻟﻌﺑﺎس اﺧﺗﻔﻰ و طﻠﺑوه ﻓﻠم ﯾﺻﻠو إﻟﯾﮫ. ﯾوم ﻓﺎﺟﺄت طﺎﺋﻔﺔ ﻣن ﻣﺎرﻗﺔ ﺧرﺳﺎن اﻟﻣﻧﺻور ﺑﺛورة ﻋﺎرﻣﺔ ،ﺟﺑﮭوه ﺑﮭﺎ و ھم ﯾﺣﻔون ﺑﮫ ﻟﻠﺗﺳﻠﯾم ﻋﻠﯾﮫ ،ﻛﺎدوا ﯾﻘﺿون ﻋﻠﯾﮫ، و ﻛﺎن ﻣﻌن ﺣﺎﺿراً ﻣﺗﻧﻛراً ،ﻓﻠﻣﺎ رأى ذﻟك ،رﻓﻊ ﻟﺛﺎﻣﮫ و رﻣﻰ ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻋﻠﯾﮭم ﻛﺎﻟﺑﻼء اﻟﻧﺎزل،أﻋﻣل ﻓﯾﮭم ﺳﯾﻔﺎ ً ﻛﺄﻧﮫ ﺷﻌﻠﺔ ﻣن ﺟﻧﮭم ﺣﺗﻰ ﺷق اﻟطرﯾق إﻟﻰ اﻟﻣﻧﺻور ﻓﺣﻣﺎه ﻣﻧﮭم و ﻓرﻗﮭم ﻋﻧﮫ. ﺧرج اﻟﻣﻧﺻور ،و دﻋﺎ ھذا اﻟﺑطل اﻟﻣﺟﮭول اﻟذي اﻧﻘذه ﻣن اﻟﻣوت ﻗﺎل :ﻣن أﻧت؟ ﻗﺎل :أﻧﺎ ﻣن ﺗطﻠﺑﮫ ﺑذﻧﺑﮫ ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ،ﻣﻌن ﺑن زاﺋدة،و ھﺎ أﻧﺎ ﺑﯾن ﯾدﯾك ،ﻓﺎﺳﺗﺣﯾﺎ اﻟﻣﻧﺻور و ﺷﻛر ﻟﮫ ھذه اﻟﯾد و أﻛﺑرھﺎ، و ﻗرﺑﮫ ﻣن ذﻟك اﻟﯾوم ﺣﺗﻰ ﺻﯾره ﻣن أﻛﺑر ﻗواده.
و ﻛﺎن ﯾﺗﻧﻘل ﻓﻲ اﻟوﻻﯾﺎت ،ﻓوﻟﻰ اﻟﯾﻣﯾن و ﺳﺟﺳﺗﺎن و أﻋﻣﺎﻻً ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ،و ﻛﺎن ﺣﯾﺛﻣﺎ ﺳﺎر ﯾﻧﺛر اﻟﺑطوﻻت و اﻟﻌطﺎﯾﺎ ،ﺣﺗﻰ ﺻﺎر طﺎﺋﻲ ﻋﺻره و ﺟواد زﻣﺎﻧﮫ ،ووﻗف اﻟﺷﻌراء ﻗﺻﺎﺋدھم ﻋﻠﯾﮫ ﺣﺗﻰ أﺛﺎر ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﮫ ﺣﺳد اﻟﺧﻠﻔﺎء ،و ﻟوﻻ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣن ﺣﺿور اﻟﺑدﯾﮭﺔ و ﺣﺳن اﻟﺧﻠق ﻟﻧﺎل ﻣﻧﮭم أذى. أراد أﻋراﺑﻲ أن ﯾﻣﺗﺣن ﻛرﻣﮫ و ﺗواﺿﻌﮫ ،ﻓوق ﻋﻠﯾﮫ ﻓﻲ ﻣﺟﻠﺳﮫ ﻓﻘﺎل : أﺗذﻛر إذ ﻟﺣﺎﻓك ﺟﻠد ﺷﺎة
و إذ ﻧﻌﻼك ﻣن ﺟﻠد اﻟﺑﻌﯾر ؟ 57
ﻓﻐﺿﺑت اﻟﺣﺎﺷﯾﺔ ،و ھﻣوا ﺑﮫ ،و ﻟﻛن ﻣﻌﻧﺎ ً ﻛﻔﮭم زو ﻗﺎل :أذﻛر ذﻟﻛﯾﺎ أﻋراﺑﻲ وﻻ أﻧﺳﺎه. ﻗﺎل :ﻓﺳﺑﺣﺎن اﻟذي أﻋطﺎك ﻣﻠﻛﺎ ً
و ﻋﻠﻣك اﻟﺟﻠوس ﻋﻠﻰ اﻟﺳرﯾر
ﻗﺎل :ﺳﺑﺟﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻗﺎل :ﻓﻠﺳت ﻣﺳﻠﻣﺎ ً ﻣﺎ ﻋﺷت ﯾوﻣﺎ ً
ﻋﻠﻰ ﻣﻌن ﺑﺗﺳﻠﯾم اﻷﻣﯾر
ﻓﮭﺎج اﻟﺣﺎﺿرون ،و ﻟﻛن ﻣﻌﻧﺎ ً ﻣﻧﻌﮭم و ﻗﺎل :ﯾﺎ أﻋراﺑﻲ ،اﻟﺳﻼم ﺳﻧﺔ ،وأﻧت ﺣر أن ﺗﺳﻠم ﻋﻠﻰ اﻷﻣﯾر أو ﻻ ﺗﺳﻠم. وﻟو ﺿﺎق اﻟزﻣﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﯾر
ﻗﺎل :ﺳﺄرﺣل ﻋن ﺑﻼد أﻧت ﻓﯾﮭﺎ
ﻗﺎل :إن ﺟﺎورﺗﻧﺎ أھﻼ و ﻣرﺣﺑﺎ ً ،و إن رﺣﻠت ﻓﺑﺎﻟﺳﻼﻣﺔ. ﻗﺎل :ﻓﺟد ﻟﻲ ﯾﺎ اﺑن ﻧﺎﻗﺻﺔ ﺑﺷﻲء ﻗﺎل :ﻗﻠﯾل ﻣﺎ أﺗﯾت ﺑﮫ وإﻧﻲ
ﻓﺈﻧﻲ ﻗد ﻋزﻣت ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﯾر
ﻷطﻣﻊ ﻣﻧك ﺑﺎﻟﺷﻲء اﻟﻛﺛﯾر
ﻗﺎل :زﯾدوه أﻟﻔﺎ. ﻗﺎل :ﺳﺄﻟت ﷲ أن ﯾﺑﻘﯾك ذﺧراً
ﻓﻣﺎ ﻟك ﻓﻲ اﻟﺑرﯾﮫ ﻣن ﻧظﯾر
ﻗﺎل :ﻛم اﻋطﯾﺗﻣوه ﻋﻠﻰ ھﺟﺎﺋﮫ ﻓﻲ؟ ﻗﺎﻟزا :أﻟﻔﯾن.ﻗﺎل :أﻋطوه ﻋﻠﻰ ﻣدﺣﺗﮫ ﺛﻼﺛﺔ. و ﻛﺎﻧت أﺋﻣﺔ ﻣﻌن أن دس ﻟﮫ اﻟﺧوارج ﻧﺎﺳﺎ ً ﻣﻧﮭم ،ﻓدﺧﻠوه ﻣﻊ ﻋﻣﺎل ﯾﻌﻣﻠون ﻟﮫ ﻓﻘﺗﻠوه ،و ﻗد اﻧﺗﻘم ﻟﮫ اﺑن اﺧﯾﮫ اﻟﺑطل )ﯾزﯾد ﺑن ﻣزﯾد(.
58
اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻣﺗﺄﻧق
ﯾﺑدأ ھذا اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ ﻗرﯾﺔ ﻣﻧﻔردة ﻋن اﻟﻘرى ،ﺗطل ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺣر اﻟﻣﺗوﺳط ،ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻐرب ﻣن ظﮭور اﻷﻧدﻟس،ﻣﻊ رﺟل ﯾﻔﻛر ﻛﯾف ﯾﺻل إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻌظﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻣﻊ ﺑﮭﺎ وﻟم ﯾرھﺎ ،إﻟﻰ ﻗرطﺑﺔ ﻟﯾﺷﻛو إﻟﻰ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋدوان أن ﺟﺎره ﻋﻠﻰ أرﺿﮫ. و وﺟد ﻣن ﯾدﻟﮫ ﻋﻠﻰ اﻟطرﯾق ،ﺣﺗﻰ إذا وﺻل ﺑﮫ إﻟﻰ أﺑواب ﻗرطﺑﺔ ،رأى اﻟﻔﺧﺎﻣﺔ و اﻟﻌظم و أزدادت ﺣﯾرﺗﮫ و ﻟم ﯾدري أﯾﺎن ﯾﺳﻠك .ﻟﺣظ اﻟﻧﺎس ﺣﯾرﺗﮫ ﻓﺄﻗﺑﻠو ﻣﺗطوﻋﯾن ﻟدﻻﻟﺗﮫ ،ﺳﺄﻟﮭم أن ﯾرﺷدوه ﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﻓﻠﻣﺎ دﺧل ﺳﺄل :أﯾن اﻟﻘﺎﺿﻲ؟ ﻓوﻗﻔوه أﻣﺎم اﻟﻘﺎﺿﻲ ،ﻓﺈذا ھو ﯾرى ﺷﺎﺑﺎ ً ﺑزي اﻷﺣداث ﻟﮫ ﺟﻣﺔ ﻣﻔرﻗﺔ )ﺷﻌر طوﯾل ﻣﻔروق( و ﻋﻠﯾﮫ رداء ﻣﻠون ﻣﻌﺻﻔر_ﻛﺎﻟﻘﻣﺻﺎن اﻟﻣﻠوﻧﮫ اﻟﺗﻲ ﯾﻠﺑﺳﮭﺎ ﺷﺑﺎب اﻟﯾوم و اﻟﻛﺣل ظﺎھر ﻓﻲ ﻋﯾﻧﯾﮫ ،وأﺛر اﻟﺣﻧﺎء ﻓﻲ ﯾدﯾﮫ.و ﻓﻲ رﺟﻠﮫ ﻧﻌل ﺻرارة ،ﻓﺗوﻗف و رﺟﻊ ﯾﻘول ﻟﮭم: دﻟوﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﺿﻲ .ﻗﺎﻟوا :ھذا ھو اﻟﻘﺎﺿﻲ وأﺷﺎروا إﻟﯾﮫ ﻓﻘﺎل :إﻧﻲ رﺟل ﻏرﯾب ،وأﻧﺗم ﺗﺳﺗﮭزﺋون ﺑﻲ ،أﻧﺎ أﺳﺄﻟﻛم ﻋن اﻟﻘﺎﺿﻲ وأﻧﺗم ﺗدﻟوﻧﻧﻲ ﻋﻠﻰ رﻗﺎص ﺧﻠﯾﻊ ! ﺗرﻛﮭم و ذھب إﻟﻰ ﻣﺳﺟد ﻗرطﺑﺔ أوﺳﻊ ﻣﺳﺎﺟد اﻹﺳﻼم ،وﻛﺎن اﻟﯾوم اﻟﺟﻣﻌﺔ ﻓﻘﻌد اﻟرﺟل ﯾﻧﺗظر ﺣﺗﻰ إذا ﻛﺎﻧت اﻟﺻﻼة ،ودﻧت اﻟﺧطﺑﺔ ،رأى اﻟﻧﺎس اﻟﻣزدﺣﻣﯾن ﯾﻔﺗﺣون اﻟطرﯾق ﻟﻠﺧطﯾب ﻓﻧظر ﻓﺈذا ﺻﺎﺣﺑﮫ اﻟذي ﺣﺳﺑﮫ رﻗﺎﺻﺎً،وﻗد أﻗﺑل ﺑزﯾﮫ اﻟذي رأه ﻋﻠﯾﮫ، ﺣﺗﻰ ﺻﻌد اﻟﻣﻧﺑر ﻓﺧطب ﺧطﺑﺔ ﻣن أروع اﻟﺧطب ،وأﺑﻠﻐﮭﺎ ﻣﻘﺎﻻً ،و أﺻدﻗﮭﺎ ﻟﮭﺟﺔ ،وأﺣﻔﻠﮭﺎ ﺑﻛل ﻋﻠم ﻧﺎﻓﻊ ،و وﻋظ ﺑﺎﻟﻎ ،ﺛم أ ّم اﻟﻧﺎس ﻓﻘرأ ﻗراءة ﻣﺗدﺑر ﻣﺗﻔﮭم ،ﻣن ﻗﻠب ﺧﺎﺷﻊ ،ﻓﺑﻠﻎ ﻣن ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺧطﺑﺗﮫ و ﻗراءﺗﮫ ﻣﺎ ﻟم ﯾﺑﻠﻐﮫ اﻟﺧطﺑﺎء و اﻷﺋﻣﺔ أﺻﺣﺎب اﻟﻌﻣﺎﺋم اﻟﻛﺑﺎر ،و اﻟﺟﯾب اﻟواﺳﻌﺔ ،و اﻟﻠﺣﻰ اﻟﻌرﯾﺿﺔ. ﻓﻠﻣﺎ ﻗﺿﯾت اﻟﺻﻼة أﻗﺑل ﻋﻠﻰ ﺟﺎره ﯾﺳﺄﻟﮫ :ﻣن ھذا اﻟذي ﯾﻠﺑس ﻟﺑﺎس اﻟﻣﻐﻧﯾﯾن و ﯾﺗﻛﻠم ﻛﻼم اﻟزاھدﯾن؟ ﻓﯾﻌﺟب اﻟﻧﺎس و ﯾﻘوﻟون :أﻻ ﺗﻌرﻓﮫ؟ ﻓﯾﻘول :ﻻ .و ﻟﺳت ﻣن أھل ھذا اﻟﺑﻠد.ﻓﯾﻘوﻟون :ھذا ﻣﺣﻣد ﺑن ﺑﺷﯾر ﻗﺎﺿﻲ ﻗﺿﺎة اﻷﻧدﻟس ،و ﺷﻲ اﻹﺳﻼم ﻓﯾﮭﺎ ،و طﯾب ﻣﺳﺟدھﺎ اﻷﻋظم. ﻓﻛﺎن ﻣﻣﺎ ﺣدﺛوه ﻣن ﻣﻧﺎﻗﺑﮫ أﻧﮫ ﻛﺎن ﻟدﯾﮫ دﻋوى اﻟﺣﻛم ،ﻋﻠﻰ واﺣد ﻣن اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﻛﺎن ﯾظن أن ﻣن ﻋﻠو ﻣﻛﺎﻧﺗﮫ و ﺻﻠﺗﮫ ﺑﺎﻟﻣﻠك ﻣﺎ ﯾﻣﻛن ﻟﮫ ﻋﻧد اﻟﻘﺎﺿﻲ ،و إذا ﺑﺎﻟﻘﺎﺿﻲ ﯾﻘول ﻟﮫ :ﻗف ﺑﺣذاء ﺧﺻﻣك وﻻ ﺗﺗﻛﻠم ،ﺣﺗﻰ أﻛون أﻧﺎ اﻟذي أﺳﺄﻟك .ﻓﻠﻣﺎ أدﻟﻰ ﺑدﻋواه. ﻗﺎل ﻟﻠﻣدﻋﻲ ﻋﻠﯾﮫ :ﻣﺎ ﺗﻘول؟ ﻗﺎل :ﻟﯾس ﻋﻠﻲ ﺷﻲء أﺻﻠﺢ ﷲ اﻟﻘﺎﺿﻲ. ﻗﺎل اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻟﻠﻣدﻋﻲ :ھﺎت ﺑﯾﻧﺗك .ﻗﺎل :أﻻ ﯾﻛﻔﯾك ﻗوﻟﻲ؟ ﻗﺎل :ﻟو ﻛﻔﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﺳﺄﻟﺗك اﻟﺑﯾﻧﺔ .ﻗﺎل :أﻣﮭﻠﻧﻲ.
59
و ذھب اﻟﻌم إﻟﻰ اﻟﺣﻛم ﺻﺎﺣب اﻷﻧدﻟس ،اﻟﺣﻛم ﺑن ھﺷﺎم ﺑن ﻋﺑداﻟرﺣﻣن اﻟدال اﻷﻣوي ،ﻓﻘﺎل :أﻟﺳت ﺗﻌرف أن ﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻓﻼن ﻛذا؟ ﻗﺎل :ﺑﻠﻰ .ﻗﺎل :أﺗﺷﮭد ﻟﻲ؟ ﻗﺎل: أﻧت ﺗﻌرف اﻟﻘﺎﺿﻲ و أﺧﺎف أﻻ ﯾﻘﺑل ﺷﮭﺎدﺗﻲ! ﻗﺎل :ﻛﯾف و أﻧت اﻟذي وﻟﯾﺗﮫ اﻟﻘﺿﺎء؟ ﻗﺎل :ھو ﻣﺎ أﻗول ﻟك .ﻗﺎل :اﻣض ﺑﮭﺎ إﻟﯾﮫ و أﻧﺎ أﺧﺎف أﻻ ﯾﻘﺑﻠﮭﺎ. ﻓﻠﻣﺎ ﻛﺎن ﯾوم اﻟﻣﺣﺎﻛﻣﺔ ،و ﻗﺎل ﻟﮫ اﻟﻘﺎﺿﻲ :ﺑﯾﻧﺗك .أﺑرز ﻟﮫ ﺷﮭﺎدة اﻟﻣﻠك .ﻓﻘﺎل اﻟﻘﺎﺿﻲ :أﻧﺎ ﻻ أﻗﺑل ﺷﮭﺎدﺗك.
ﻓﺎﺳﺗﺷﺎط اﻟﻌم ﻏﺿﺑﺎً ،و ﺟن ﺟﻧوﻧﮫ ،وذھب إﻟﻰ اﺑن أﺧﯾﮫ ،وﻗﺎل :أﻧت ﻣﻠك اﻟﺑﻼد ،واﻟﻘﺎﺿﻲ رد ﺷﮭﺎدﺗك! ﻣﺎذا ﺑﻘﻲ ﻟك ﻣن اﻟﻛراﻣﺔ و اﻟﺳﻠطﺎن؟ و ﺿﺣك اﻟﺣﻛم وﻗﺎل :أﻟم أٌﻗل ﻟك ﯾﺎ ﻋم؟ إن اﻟﻘﺎﺿﻲ رﺟل ﺻﺎﻟﺢ ﻻ ﺗﺄﺧذه ﻓﻲ ﷲ ﻟوﻣﺔ ﻻﺋم ،ﻋﻣل ﻣﺎ ﯾﺟب ﻋﻠﯾﮫ ،ﻓﺄﺣﺳن ﷲ ﺟزاءه .ﻗﺎل :ﻓﺄﻋزﻟﮫ .ﻗﺎل :أﻋوذ ﺑﺎ .%أﻧﺎ أول اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﻋزل ﻣﺛﻠﮫ؟ أﻧﺎ ﻋﻣﻠت ﻣﺎ ﻋﻠﻲ و ﺷﮭدت ﻟك ،و ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ أن ﯾﻘﺑل اﻟﺷﮭﺎدة أو ﯾردھﺎ. وﻟﻣﺎ ﺳﺋل اﻟﻘﺎﺿﻲ :ﻟﻣﺎذا رددت ﺷﮭﺎدﺗﮫ؟ ﻗﺎل ﻟﻠﺳﺎﺋل :ﯾﺎ ﺟﺎھل وﷲ ﻣﺎ رددﺗﮭﺎ ﻟﻧﻘص ﻓﻲ ﻋداﻟﺗﮫ ،و ﻟﻛن ﻻﺑد ﻣن ﺳؤال اﻟﻣدﻋﻲ ﻋﻠﯾﮫ ﻋﻣﺎ ﯾﻘوﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﺷﺎھد ،ﻓﻣن ﻛﺎن ﯾﺟرؤ ﻋﻠﻰ اﻟطﻌن ﻓﻲ اﻟﺷﺎھد ﻟو ﻗﺑﻠﺗﮭﺎ ؟ ﯾﺎ أﯾﮭﺎ اﻟﺳﺎدة ..اﻧظروا ﻛﯾف ﻛﺎن ﻣﻠوﻛﻧﺎ وﻛﯾف ﻛﺎن ﻗﺿﺎﺗﻧﺎ. ﻗﺎل :ﻓﻛﯾف ﯾﺗﺧذ ھذا اﻟزي؟ ﻗﺎﻟوا :ﻟﻘد ﺳﺋل ھو ﻋن ذﻟك .ﻓﻘﺎل :ﺣدﺛﻧﻲ أﻧس ﺑن ﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﻣﻧﻛدر ،و ﻛﺎن ﺳﯾد اﻟﻘراء ،ﻛﺎﻧت ﻟﮫ ﻟﻣﺔ )ﺷﻌر طوﯾل( و أن ھﺷﺎم ﺑن ﻋروة ﻓﻘﯾﮫ اﻟﻣدﯾﻧﺔ )اﺑن ﻋروة ﺑن اﻟزﺑﯾر اﻟذي ﺣدﺛﻛم ﻋﻧﮫ( ﻛﺎن ﯾﻠﺑس اﻟﻣﻌﺻﻔر و أن ﻣﺣﻣد اﺑن اﻟﻘﺎﺳم ﻛﺎن ﯾﻠﺑس اﻟﺧز. ﻓﻠﻣﺎ ﺳﻣﻊ ذﻟك ﻏدا ورﻓﻊ إﻟﯾﮫ دﻋواه ،ﻓرأى ﻣن ﻋﻧده اﻟﻧزاھﺔ و اﻟﺣزم ،و ﻋﻠم أﻧﮫ ﻗد ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌﺎﺑد اﻟﻣﺗﺑﺗل ﻓﻲ زي رﻗﺎص أو ﻣﻐن .وﻗد ﯾﻛون اﻟدﺟﺎل اﻟﻣﺣﺗﺎل اﻟﺧﺗﺎل ﻓﻲ زي ﻋﺎﺑد ﻣﺗﺑﺗل ،وأن اﻟﻌﺑرة ﺑﺎﻟﻧﯾﺎت واﻷﻋﻣﺎل ﻻ ﺑﺎﻟﺻور و اﻷﺷﻛﺎل ،وأﻧﮫ ﻛﺎن ﺿﯾق اﻟﻧظر ﻣﺣدود اﻟﻔﻛر ،ﺣﯾن وﻗف ﻋﻧد ظﺎھر اﻟزي ،وﻟم ﯾﻣض ﺣﺗﻰ ﯾﺧﺗﺑر ﻣﺎ وراءه ﻣن اﻟﻣﻌﺎﻣﻠﺔ و ﺑﺎﻟﻔﻌل.
60
ﺧطﯾب اﻟزھراء
أﺣدﺛﻛم اﻟﯾوم ﻋن ﻗﺎض ﻛﺑﯾر ،ﻛﺎن ﻗﺎﺿﻲ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻷﻧدﻟس ،وﺧطﯾﺑﮭﺎ اﻷول ،و ﻋﺎﻟﻣﮭﺎ اﻷﻛﺑر ،وﻛﺎن ﯾﮭزل ﺣﺗﻰ ﻟﯾﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﻌﺟﺎﺋب ﻣن اﻟﻧﻛﺎت ،وﻟﻛﻧﮫ إذا ﺟد ﻟﺟد. ﻧﺣن اﻵن ﻓﻲ اﻻﻧدﻟس ،ﻓﻲ ﻋﺻر ﻻ أزھﻰ ﻣﻧﮫ وﻻ أﺑﮭﻰ ،ﻋﺻر اﻟﻣﻠك اﻟﻛﺑﯾر ،أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻋﺑداﻟرﺣﻣن اﻟﻧﺎﺻر ،ﺑﺎﻧﻲ اﻟزھراء. و ﻗد ﺟﻣﻌت اﻟدﻧﯾﺎ ﺑﻌظﻣﺗﮭﺎ و ﺑﺎﺋﮭﺎ ﻓﻲ اﻷﻧدﻟس ،و ﺟﻣﻌت اﻷﻧدﻟس ﻓﻲ ﻗرطﺑﺔ ،و ﺟﻣﻌت ﻗرطﺑﺔ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﯾوم ﻓﻲ اﻟﻘﺻر ،وأﻋد ﻻﺳﺗﻘﺑﺎل وﻓد ﻗﯾﺻر ،اﻟذى ﻗدم ﻣن اﻟﻘﺳطﻧطﯾﻧﯾﺔ. ﺗطﻠﻌت ﻧﻔوس اﻟﺧطﺑﺎء إﻟﻰ اﻟﻛﻼم ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻘﺎم ،و ﺗﻣﻧﻰ ﻛل ﻣﻧﮭم أن ﯾﺷﯾر إﻟﯾﮫ اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﺑﺎﻟرد ﻋﻠﻰ ﺧطﺑﺔ رﺋﯾس اﻟوﻓد ،و ﻟﻛن ﻧﺎﻟﮭﺎ اﻹﻣﺎم أﺑو ﻋﻠﻲ اﻟﻘﺎﻟﻲ اﻟﺑﻐدادي ﺿﯾف اﻷﻧدﻟس.
وﻗﺎم أﺑو ﻋﻠﻲ ﻟﯾﺗﻛﻠم ﻓﺎرﺗﺞ ﻋﻠﯾﮫ ،و اﻧﻘطﻊ ﻓﻣﺎ ﻗدر ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻣﺔ ،وﻛﺎد ﯾﺿطرب اﻷﻣر ،وإذا ﺑﺷﺎب ﯾﻘوم ﻣن ﺑﯾن اﻟﻌﻠﻣﺎء ،ﻓﯾﻘف ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺑر دون اﻟﻘﺎﻟﻲ ﺑدرﺟﺔ ،وﯾرﺗﺟل ﺧطﺑﺔ ،ﻟم ﯾﺳﻣﻊ اﻟﻧﺎس ﻣﺛﻠﮭﺎ ،ھز ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻘﻠوب و اﻟﻌواطف ،وﺟﺎء ﺑﺷﻲء ﻋﺟب ،ﻧﺑﮫ اﻟﻠﯾﻔﺔ إﻟﻰ ﻣﻛﺎﻧﮫ ،ﻓﺳﺄل اﺑﻧﮫ اﻟﺣﻛم ﻋﻧﮫ ،ﻓﻘﺎل :ھذا ﻣﻧذر ﺑن ﺳﻌﯾد اﻟﺑﻠوطﻲ ،ﻗﺎل :ﻷرﻓﻌن ﻣﻧﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻟذﻟك أھل .ﻓوﻻه اﻟﻘﺿﺎء و ﺧطﺎﺑﺔ اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺟﺎﻣﻊ .ﺛم ﻟﻣﺎ ﺑﻧﻰ ﻣدﯾﻧﺔ اﻟزھراء ،و ﻛﺎن اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﻗد اﺳﺗﻐرق ﻓﻲ اﻹﺷراف ﻋﻠﻰ ﺑﻧﺎﺋﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﻗﺎﻟو :إﻧﮫ أﺿﺎع ﺻﻼة اﻟﺟﻣﻌﺔ ﻣرة .وﺑﻧﻰ ﻓﯾﮭﺎ ﻗﺎﻋﺔ ﺟﻌل ﻓﯾﮭﺎ ﻗراﻣدھﺎ ﻣن اﻟذھب و اﻟﻔﺿﺔ ،وﺟش اﻟﻧﺎس ﻓﯾﮭﺎ ﻻﻓﺗﺗﺎﺣﮭﺎ ،و ﺟﻌل اﺑﺗداء ﺣﻔﻼت اﻻﻓﺗﺗﺎح ﺑﺻﻼة اﻟﺟﻣﻌﺔ ،وﻛﺎن اﻟﺧطﯾب ﻣﻧذر ﺑن ﺳﻌﯾد ﻓﺻﻌد اﻟﻣﻧﺑر ﻓﺑدأ اﻟﺧطﺑﺔ ﺑداﯾﺔ ﻋﺟﯾﺑﺔ ،ﺑﻘوﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ: َ ﺷ ُﺗم َﺑ َط ْ ﺻﺎﻧ َِﻊ َﻟ َﻌ ﱠﻠ ُﻛ ْم َﺗ ْﺧﻠُدُونَ )َ (129وإِ َذا َﺑ َط ْ ﷲ ﯾﻊ آ َﯾ ًﺔ َﺗ ْﻌ َﺑ ُﺛونَ )َ (128و َﺗ ﱠﺗ ِﺧ ُذونَ َﻣ َ ﺎرﯾنَ )َ (130ﻓﺎ ﱠﺗﻘُوا ﱠ َ ﺷ ُﺗ ْم َﺟ ﱠﺑ ِ )أ َﺗ ْﺑ ُﻧونَ ِﺑ ُﻛل ﱢ ِر ٍ ون )َ (131وا ﱠﺗﻘُوا ا ﱠﻟذِي أَﻣَدﱠ ُﻛم ِﺑ َﻣﺎ َﺗ ْﻌ َﻠﻣُونَ ) (132أَﻣَدﱠ ُﻛم ِﺑﺄ َ ْﻧ َﻌ ٍﺎم َو َﺑﻧِﯾنَ )َ (133و َﺟ ﱠﻧﺎ ٍ ﺎف ون ) (134إِ ﱢﻧﻲ أَ َﺧ ُ ت َو ُﻋ ُﯾ ٍ َوأَطِ ﯾ ُﻌ ِ ﯾم(. َﻋ َﻠ ْﯾ ُﻛ ْم َﻋ َذ َ اب َﯾ ْو ٍم َﻋظِ ٍ و وﺻل ذﻟك ﺑﻛﻼم ﺟزل ،وﻗول ﻓﺻل ،ذم ﻓﯾﮫ اﻟﺳرف واﻟﺗرف ،وإﺿﺎﻋﺔ أﻣوال اﻷﻣﺔ ﻓﻲ زﺧرﻓﺔ اﻟﻘﺻور ،ووﺻل ﺑﻘوﻟﮫ ودﻣوﻋﮫ ﺗﻧﺣدر ﻣن ﻟﺣﯾﺗﮫ :وﷲ ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ،ﻣﺎ ظﻧﻧت أن اﻟﺷﯾطﺎن_ أﺧزاه ﷲ_ ﯾﺗﻣﻛن ﻣﻧك ھذا اﻟﺗﻣﻛن ،ﺣﺗﻰ أﻧزﻟك ﻣﻧﺎزل اﻟﻛﺎﻓرﯾن ،ﻓﺟﻌﻠت ﻗواﻣد ﺑﯾﺗك ﻣن اﻟذھب و اﻟﻔﺿﺔ. 61
و ﻣﺎ زال ﻓﻲ ﻣﺛل ھذا ،ﺣﺗﻰ ﻧﺳﻰ اﻟﻧﺎس اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ و ﻧﺳوا اﻻﺣﺗﻔﺎل ،و ﺻﻐت اﻟﻘﻠوب إﻟﻰ ﷲ ،وﺻﻔت اﻟﻧﻔوس و ارﺗﺞ اﻟﻣﺳﺟد ﺑﺎﻟﺑﻛﺎء. ﻓﻠﻣﺎ ﻗﺿﯾت اﻟﺻﻼة اﻧﺻرف اﻟﺧﻠﯾﻔﮫ ﻣﻐﺿﺑﺎً ،وﻗﺎل ﻻﺑﻧﮫ :أرأﯾت ﺟرأﺗﮫ ﻋﻠﯾﻧﺎ ،وﷲ ... ﻣﺎذا ﺗروﻧﻲ ﯾﺎ ﺳﺎدة ﻓﺎﻋﻼً ﻣﻌﮫ ،إن ﻟم ﯾﻔﻌل إﻻ أن ﻗﺎل :وﷲ ﻻ ﺻﻠﯾت ﺧﻠﻔﮫ اﻟﺟﻣﻌﺔ أﺑداً. ﻗﺎل ﻟﮫ اﺑﻧﮫ :وﻣﺎ ﯾﻣﻧﻌك ﻣن ﻋزﻟﮫ؟ ﻓرﺟﻊ اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ إﻟﻰ ﻧﻔﺳﮫ وﻗﺎل :وﯾﺣك أﻣﺛل ﻣﻧذر ﺑن ﺳﻌﯾد ﻓﻲ ﻓﺻدﺿﻠﮫ و ورﻋﮫ و ﻋﻠﻣﮫ ﻻ أم ﻟك ﯾﻌزل ﻓﻲ إرﺿﺎء ﻧﻔس ﻧﺎﻛﺑﺔ ﻋن ﺳﺑﯾل اﻟرﺷد؟ إﻧﻲ ﻷﺳﺗﺣﻲ أن أﺟﻌل ﺑﯾﻧﻲ و ﺑﯾﻧﮫ إﻣﺎﻣﺎ ً ﻏﯾره ،وﻟﻛﻧﮫ ﻗﺳم ﺳﺑق. وأﻣر ﺑﻧﻘض اﻟذھب واﻟﻔﺿﺔ ﻣن اﻟﻘﺻر. ﯾﺎ أﯾﮭﺎ اﻟﺳﺎدة :إذا اردﺗم أن ﺗﻌرﻓوا ﻣن أﯾن ﺟﺎءﺗﮫ ھذه اﻟﮭﯾﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺻدور ،وھذه اﻟﺟﻼﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس ،ﻓﺎﻋﻠﻣوا أﻧﮭﺎ ﻣﺎ ﺟﺎءت إﻻ ﻣن إﺧﻼﺻﮫ #و وﻓﻲ ﻣ ّﻧﮫ و ﻋﺑﺎدﺗﮫ و اﺗﺻﺎﻟﮫ ﺑﺎ!. ﻗﺣط اﻟﻧﺎس ﻓﻲ أواﺧر ﻣدة اﻟﻧﺎﺻر ،ﻓﺄﻣر اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻣﻧذر ﺑن ﺳﻌﯾد ﺑﺎﻟﺧروج إﻟﻰ اﻹﺳﺗﺳﻘﺎء ﻓﺗﺄھب ﻟذﻟك واﺳﺗﻌد ،وﺻﺎم ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ) أي ﻗﺑﻠﮫ( ﺗﻼﺛﺔ أﯾﺎم ،و اﺳﺗﻐﻔر رﺑﮫ و اﺣﺻر ﺣﻘوق اﻟﻧﺎس ﻋﻠﯾﮫ ﻓردھﺎ ،وﺧرج وﺧرج ﻣﻌﮫ اﻟﻧﺎس ﺟﻣﯾﻌﺎ ً. وﻗﺎل ﻟﺻدﯾق :اذھب ﻓﺎﻧظر ﻣﺎ ﯾﺻﻧﻊ أﻣﯾر اﻟؤﻣﻧﯾن؟. ﻓﻌﺎد ﯾﻘول :ﻣﺎ رأﯾﻧﺎه ﻗط أﺧﺷﻊ ﻣﻧﮫ ﻓﻲ ﯾوﻣﻧﺎ ھذا ،إﻧﮫ ﻟﻣﻧﺗﺑذ ﺣﺎﺋر ﻻﺑس أﺣﺷن اﻟﺛﯾﺎب ،ﯾﺑﻛﻲ و ﯾﺳﺗﻐﻔر وﯾﻘول :ﯾﺎ رب ھذه ﻧﺎﺻﯾﺗﻲ ﺑﯾن ﯾدﯾك ،ﻓﺈن أذﻧﺑت أﺗراك ﺗﻌذب اﻟرﻋﯾﺔ ﺑذﻧﺑﻲ ،وأﻧت اﺣﻛم اﻟﺣﺎﻛﻣﯾن و أﻧت اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻲ ﻟن ﯾﻔوﺗك ﺷﻲء ﻣﻧﻲ .
ﻓﺗﮭﻠل وﺟﮫ اﻟﻘﺎﺿﻲ ،وﻗﺎل ﻟﻐﻼﻣﮫ :اذھب ﻓﺎﺣﻣل اﻟﻣﻣطر)اﻟﻣﺷﻣﻊ( ﻓﻘد أذن ﷲ ﺑﺎﻟﺳﻘﯾﺎ ،إذا ﺧﺷﻊ ﺟﺑﺎر اﻷرض ﻓﻘد رﺣم ﺟﺑﺎر اﻟﺳﻣﺎء. و ﻗﺎم ﯾدﻋو ،واﻟﻧﺎس ﯾﺿﺟون ﺑﺎﻟدﻋﺎء واﻟﺗوﺑﺔ واﻻﺳﺗﻐﻔﺎر ،ﻓﻣﺎ اﻧﺻرف ﺣﺗﻰ اﻣﺗﻸت اﻟﺳﻣﺎء ﺑﺎﻟﻐﯾوم و ﺑﻠل اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﻣطر. ھﻛذا ﻛﺎن ﻗﺿﺎة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن.
62
اﻟﻣﻠك اﻟﺻﺎﻟﺢ
وھذه ﺳﯾرة آﺧر ﻻ ﺗﻌرﻓوﻧﮫ ،و ﻣﺎ أﻛﺛر ﻣن ﻻ ﺗﻌرﻓوﻧﮫ ﻣن ﻋظﻣﺎء اﻹﺳﻼم ،ھو اﻟﻣﻠك اﻟﺣﻠﯾم ﻣظﻔر ﺑن ﻣﺣﻣود ،ﻣن ﻣﻠوك أﺣﻣد آﺑﺎد ﻓﻲ اﻟﮭﻧد. وﻟد ﯾوم اﻟﺧﻣﯾس 20ﺷوال ﺳﻧﺔ 875ھـ ﻓﻲ اﻟﺟﻣرات ،و ﻧﺷﺄ ﻧﺷﺄة ﻋﺎﻟم ﻋﺎﺑد ،ﻓﻲ أﺳرة أﻛﺛر ﻣﻠوﻛﮭﺎ ﺻﺎﻟﺣون ﻣﺗﻌﺑدون، وﻗرأ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻌروف ﻣن ﻛﺗب اﻟﻌﻠم ،و ﺑرع ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث ،ﻛﺎن ﻗد ﺗﻠﻘﺎه ﻋن اﻟﻣﺣدث ﺟﻣﺎل اﻟدﯾن اﻟﻣﺑﺎرك اﻟﺣﻣﯾري اﻟﺣﺿرﻣﻲ ،و ﻣﺟد اﻟدﯾن اﻹﯾﺟﻲ ،وﺷﺎرك ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم واﻟﻔﻧون ﻛﻠﮭﺎ ﺣﺗﻰ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻰ ،وﻛﺎن ﺧطﺎطﺎ ً ﺟﯾد اﻟﺧط ،ﯾﺗﻘن اﻟﻧﺳﺦ واﻟﺛﻠث وﺧط اﻟرﻗﺎع اﻟﻣﻌروف اﻟﯾوم ﺑﺎﻟرﻗﻌﻰ .و ﻛﺎن ﯾﻛﺗب اﻟﻣﺻﺣف ﺑﯾده و ﯾﺑﻌث ﺑﮫ إﻟﻰ اﻟﺣرﻣﯾن و ﺣﻔظ اﻟﻘرآن ﻓﻲ ﺷﺑﺎﺑﮫ ،وﻣﺎرس اﻟﺳﯾف واﻟرﻣﺢ واﻟرﻣﻲ ،واﻟﻔروﺳﯾﺔ واﻟﻣﺻﺎرﻋﺔ ،وأﺗﻘن اﻟﻔﻧون اﻟﺣرﺑﯾﺔ. وﻛذﻟك ﺗرون أن ﻓﻲ اﻟﮭﻧد اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻣﻠوﻛﺎ ً ﻓﻲ ﺛﯾﺎب ﻓﻘﮭﺎء وﻋﻠﻣﺎء و ﻣﺣدﺛﯾن ،رﺟﺎﻻً ﺟﻣﻌوا اﻟدﯾﻧﺎ و اﻟدﯾن ،واﻟﻌﻠم واﻟﻌﻣل. وﻛﺎن أﺳﻼﻓﮫ ﻛﻠﮭم ﻋﻠﻰ ھذا اﻟطرﯾق و ﻟﻛﻧﮫ ﻓﺎق أﺳﻼﻓﮫ. وﻟﻲ اﻟﻣﻠك 3رﻣﺿﺎن ﺳﻧﺔ 917وھو ﻓﻲ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺑﻌد اﻷرﺑﯾن ،وﺣﻛم إﻟﻰ أن ﺗوﻓﻲ ﻓﻲ 2ﺟﻣﺎدي اﻷول ،932ﻓﻛﺎﻧت ﻣدة ﺳﻠطﺎﻧﮫ ﺧﻣس ﻋﺷرﯾن ﺳﻧﺔ ،ﻣرت ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس ﻣﻣﺎ رأوا ﻓﯾﮭﺎ ﻣن ﻋدﻟﮫ و ﺳﺧﺎﺋﮫ ،وﺣزﻣﮫ وﺗﻘواه ،وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺧﻣس ﻋﺷرة ﯾوﻣﺎ ً. وﻛﺎن ﯾﺗﺑﻊ اﻟﺳﻧﺔ ،وﯾﻌﻣل ﺑﻣﺎ ﺣﻔظ ﻣن اﻷﺣﺎدﯾث اﻟﺻﺣﯾﺣﺔ ،وﻛﺎن ﻛﺛﯾر اﻹﻧﻔﺎق ﻓﻲ اﻟﺧﯾر ،ﻓﺳﺄل اﻟﻌﻼﻣﺔ ﺧرم ﺧﺎن وﻛﺎﻧت ﻟﮫ ﺛﻘﺔ ﺑﮫ ،وﻗﺎل ﻟﮫ :ﻟﻘد ﻧظت ﻓﯾﻣﺎ أﻧﻔﻘﺗﮫ ﻓﺈذا أﻧﺎ ﺑﯾن إﻓراط ﻓﻲ ﺻرف اﻟﻣﺎل ،وھو ﻣﺎل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺗﻔرﯾط ﻣﻧﻌﮫ ،ﻓﺈذا ﺳﺄﻟﻧﻲ رﺑﻲ ﻋن ذﻟك ﻓﺑﻣﺎذا أﺟﯾب؟ و ﻛﺎن ﯾﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ اﻟوﺿوء داﺋﻣﺎً ،و ﻋﻠﻰ ﺻﻼة اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ و ﻟم ﯾﻘرب اﻟﺧﻣر ﻗط ،وﻟم ﯾﻘﻊ ﻟﺳﺎﻧﮫ ﻓﻲ ﻋرض أﺣد ،وﻛﺎن ﯾﻌﻔو وﯾﺳﺎﻣﺢ ،وﯾﻌطﻲ و ﯾﺟﺗﻧب اﻹﺳراف واﻟﺗﺑذﯾر .وﻛﺎن ﻣطﻠﻌﺎ ً ﻋﻠﻰ أﺧﺑﺎر اﻟﻧﺎس ،ﯾﻘوم ﺑﻣﺎ دق و ﺟل ﻣن اﻟﺷؤون ﺑﻧﻔﺳﮫ .و رﺑﻣﺎ ﻏﯾر زﯾﮫ و رج ﻣن اﻟﻘﺻر ﻟﯾﻼً و ﻧﮭﺎراً ،ﯾﺧﺎﻟط اﻟﻧﺎس وھم ﻻ ﯾﻌرﻓوﻧﮫ ،و ﯾﺳﻣﻊ وﯾرى وﯾطﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺳﯾؤون ﻓﯾﮫ ،وﻣﺎ ﯾﺷﻛون ﻣﻧﮫ ،وﻛﺎن ﯾﺣﯾط اﻟﻣﻣﺎﻟك اﻟﻣﺟﺎورة ﻟﮫ ،ﻻ ﺳﯾﻣﺎ اﻟﮭﻧدﯾﺔ اﻟﻣﺟوﺳﯾﺔ ﺑﺷﺑﺎك ﻣن ﺟواﺳﯾﺳﮫ و ﻋﯾوﻧﮫ ،ﻓﻼ ﺗﺧﻔﻰ ﻋﻧﮫ ﺧﺎﻓﯾﺔ ﻣن أﻣورھم.
وﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺣرب ﻗﺎﺋداً ﻋﺑﻘرﯾﺎً ،إن ﻟم ﯾﻛن ﯾﺣب ﺧوض اﻟﺣروب. 63
وﻛﺎن ﯾﺑﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺣرﻣﯾن اﻷوﻗﺎف و ﯾرﺳل إﻟﯾﮭﻣﺎ اﻟﻣدد ،و ﻗد ﺻﻧﻊ ﻣرﻛﺑﺎ ً ﺷﺣﻧﮫ ﺑﺄﺛﻣن اﻟﻘﻣﺎش وأرﺳﻠﮫ ھدﯾﺔ ھو و ﻣﺎ ﻓﯾﮫ إﻟﻰ ﺟدة ،وﺑﻧﻰ ﺑﻣﻛﺔ رﺑﺎطﺎ ً ﻓﯾﮫ ﻣدرﺳﺔ و ﺳﺑﯾل و ﻣﺳﺎﻛن ،و وﻗﻔﺎ ً ﻛﺑﯾراً ،وﻛﺎﻧت ﻟﮫ ﻓﻲ ﻛل ﻣوﺳم ﺻﻼت ﺿﺧﻣﺔ ﯾﺑﻌث ﺑﮭﺎ إﻟﯾﮭم. و ﻛﺎن ﺧﺑر ﻣوﺗﮫ ﻋﺟﯾﺑﺎ ً ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺣﺳن اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ ،و ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻣن أھل اﻟﺟﻧﺔ. ﺧرج اﻟﺳﻠطﺎن إﻟﻰ اﻹﺳﺗﺳﻘﺎء و ﺑﻌد اﻻﺳﺗﺳﻘﺎء ﺑﻘﻠﯾل اﻋﺗراه اﻟﻛﺳل ،ﺛم ﺿﻌف اﻟﻣﻌدة ...وﻓﻲ ﺧﻼل ذﻟك ﻋﻘد ﻣﺟﻠﺳﺎَ ،ﺟﺎﻓﻼً ﺑﺳﺎدة اﻷﻣﺔ و ﻣﺷﺎﯾﺦ اﻟدﯾن ،ﻓﺄﺧذ ﯾﺷرح ﻣﺎ ﻣن ﷲ ﻋﻠﯾﮫ ﺑﮫ ﻣن ﺣﺳﻧﺔ وﻧﻌﻣﺔ ،و ﯾﻌﺗرف ﺑﻌﺟز ﺷﻛرھﺎ. وﻓﻲ أواﺧر أﯾﺎﻣﮫ و ﻛﺎن ﯾوم اﻟﺟﻣﻌﺔ ،ﺗوﺿﺄ و ﺻﻠﻰ رﻛﻌﺗﻲ اﻟوﺿوء ،و ﻗﺎم إﻟﻰ ﺑﯾت اﻟﺣرم ،واﺟﻣﻌت اﻟﻧﺳوة ﻋﻠﯾﮫ ﯾﺎﺋﺳﺎت ﺑﺎﻛﯾﺎت ﯾﻧدﺑن أﻧﻔﺳﮭن ﺣزﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻓراق ﻻ اﺟﺗﻣﺎع ﺑﻌده ،ﻓﺄﻣرھن ﺑﺎﻟﺻﺑر اﻟﻣؤذن ﺑﺎﻷﺟر ،وﻓرق ﻋﻠﯾﮭن ﻣﺎﻻً ،ﺛم ودﻋﮭن .وﺧرج وﺟﻠس ﺳﺎﻋﺔ ،ﺛم اﺳﺗدﻧﻰ ﻣﻧﮫ راﺟﮫ ﻣﺣﻣد ﺣﺳﯾن اﻟﻣﺧﺎطب ﺑﺄﺷﺟﻊ اﻟﻣﻠك ،وﻗﺎل ﻟﮫ :ﻗد رﻓﻊ ﷲ ﻗدرك ﺑﺎﻟﻌﻠم ،أرﯾد أن ﺗﺣﺿر وﻓﺎﺗﻲ وﺗﻘرأ ﻋﻠﻲ ﺳورة ﯾﺎﺳﯾن وﺗﻐﺳﻠﻧﻲ ﺑﯾدك ،وﺗﺳﺎﻣﺣﻧﻲ ﻓﯾﮫ .وﺳﻣﻊ أذاﻧﺎ ﻓﻘﺎل :أھو ﻓﻲ اﻟوﻗت؟ ﻓﺄﺟﺎب أﺳد اﻟﻣﻠك :ھذا أذان اﻻﺳﺗدﻋﺎء ﻻﺳﺗﻌداد ﺻﻼة اﻟﺟﻣﻌﺔ وﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﮭﻧد ﻋﺎدة ﻗﺑل اﻟوﻗت ،ﻓﻘﺎل :أﻣﺎ ﺻﻼة اﻟظﮭر ﻓﺄﺻﻠﯾﮭﺎ ﻋﻧدﻛم ،وأﻣﺎ ﺻﻼة اﻟﻌﺻر ﻓﻌﻧد رﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺔ إن ﺷﺎء ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﺛم أذن ﻟﻠﺣﺎﺿرﯾن ﻓﻲ ﺻﻼة اﻟﺟﻣﻌﺔ ،وطﻠب ﻣﺻﻼة ،و ﺻﻠﻰ و دﻋﺎ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﺑوﺟﮫ ﻣﻘﺑل ﻋﻠﯾﮫ ،وﻗﻠب ﻣﻧﯾب إﻟﯾﮫ ،دﻋﺎء ﻣﻔﺎرق ﻟﻠﻘﺻر ،ﻣﺷرف ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺑر ،ﺛم ﻛﺎن آﺧر دﻋﺎﺋﮫ :رب آﺗﯾﺗﻧﻲ ﻣن اﻟﻣﻠك و ﻋﻠﻣﺗﻧﻲ ﻣن ﺗﺄوﯾل اﻷﺣﺎدﯾث ﻓﺎطر اﻟﺳﻣوات و اﻷرض أﻧت وﻟﯾﻲ ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧره ﺗوﻓﻧﻲ ﻣﺳﻠﻣﺎ ً و أﻟﺣﻘﻧﻲ ﺑﺎﻟﺻﺎﻟﺣﯾن .وﻗﺎم ﻣن ﻣﺻﻼه وھو ﯾﻘول :اﺳﺗودﻋﺗﻛم ﷲ ،واﺿطﺟﻊ ﻋﻠﻰ ﺳرﯾره وھو ﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺣواس ،و وﺟﮭﮫ إﻟﻰ اﻟﻘﺑﻠﺔ وﻗﺎل :ﻻ إﻟﮫ إﻻ ﷲ ﻣﺣﻣد رﺳول ﷲ .وﻓﺎﺿت روﺣﮫ واﻟﺧطﯾب ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺑر ﯾدﻋو ﻟﮫ. رﺣﻣﮫ ﷲ وأوﺳﻊ ﻟﮫ ﻓﻲ دار اﻟﻧﻌﯾم اﻟﻣﻘﯾم.
64
اﻟﻌﺎﻟ ُم اﻟﻌﺎﻣل ُ
ﻣر ﻋﻠﯾﮫ 13ﻗر ًﻧﺎ ﯾﻣﻸ اﻷﺳﻣﺎع واﻟﻌﯾون واﻟﻘﻠوب آﯾﺔ ظﺎھرة وﻛﺎن أﻋظم وﻋﺎظ ﻧﺣن اﻟﯾوم ﻣﻊ إﻣﺎم ﻣن اﻷﺋﻣﺔ اﻟﻛﺑﺎر وﻗد ﱠ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺧﮫ ﻛﻠﮫ ھو ﺳﯾد اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن اﻟﺣﺳن اﻟﺑﺻري. اﻟﻘﺻﺎص ) اﻟذي ﯾﻘص اﻟﻘﺻص ( وﻛﺎن أﻛﺛرھم ﻣﻣن ﯾﺗﺧذ اﻟدﯾن ﺣرﻓﺔ واﻟﺗﻘوى ﺻﻧﺎﻋﺔ ،ﯾﻣﺧرﻗون ﻋﻠﻰ وﻛﺎن اﻟوﻋﺎظ ﯾدﻋون ّ اﻟﻘﺻﺎص ﻣن دﺧول اﻟﻣﺳﺟد ﻓﻲ اﻟﺑﺻرة إﻻ اﻟﺣﺳن اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺎﻟﻣظﮭر اﻟﺧداع واﻟﺧﺷوع اﻟﻛﺎذب ﻟذل ﻣﻧﻊ ﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب ّ اﻟﺑﺻري؛ ﻷﻧﮫ ﯾﻘول اﻟﺣق وﯾﺳرد اﻟﺣدﯾث اﻟﺻﺣﯾﺢ ،ﯾزھد اﻟﻧﺎس ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ وھو أول اﻟزاھدﯾن ﻓﯾﮭﺎ ،ﻻ ﯾزھدھم ﻓﯾﮭﺎ ،ﻟﯾﺧﺎﻟﻔﮭم إﻟﯾﮭﺎ وﯾزاﺣﻣﮭم ﻋﻠﯾﮭﺎ.
اﻟﻘﺻﺎص ﻣن ﻋﻠﻣﺎء اﻟﺳوء وﻟﻘد ﻗﺎل ﻓﯾﮭم ﻛﻠﻣﺔ اﻟﺣق: وﻛﺎن اﻟﺣﺳن ﻧﻔﺳﮫ ﺣر ًﺑﺎ ﻋﻠﻰ ھؤﻻء ّ دﺧل اﻟﻣﺳﺟد ﻣرة وﻣﻌﮫ ﻓرﻗد ،ﻓﻘﻌد إﻟﻰ ﺟﻧب ﺣﻠﻘﮫ ،ﻓﺄﻧﺻت ﯾﺳﺗﻣﻊ إﻟﻰ اﻟﺣدﯾث وھم ﯾﺗﻛﻠﻣون ﻓﻲ اﻟدﯾن واﻟزھد ﺛم أﻗﺑل ﻋﻠﻰ ﻓرﻗد ﻓﻘﺎل :ﯾﺎﻓرﻗد ،وﷲ ﻣﺎھؤﻻء إﻻﱠ ﻗوم ﻣ ﱠﻠو اﻟﻌﺑﺎدة وﺻﻌب ﻋﻠﯾﮭم اﻟﻌﻣل ﻓوﺟدوا اﻟﻛﻼم أھون ﻋﻠﯾﮭم ﻓﺗﻛﻠﻣوا! ھو اﻟﺣﺳن ﺑن ﯾﺳﺎر اﻟﺑﺻري ،أﺑوه ﻣوﻟﻰ زﯾد ﺑن ﺛﺎﺑت وأﻣﮫ ﺧﯾرة ﻣوﻻة ﻟزوﺟﺔ اﻟﻧﺑﻲ أم ﺳﻠﻣﺔ وﻛﺎن ﻣن ﺗﻣﺎم ﺣظﮫ أن أﻣﮫ ﻛﺎﻧت ﺗﻐﯾب ﻓﯾﺑﻛﻲ ﻓﺗﻌطﯾﮫ أم ﺳﻠﻣﺔ ﻣن ﺛدﯾﮭﺎ ،ﻓﮭل ﻓﻲ اﻟﺗﻛرﻣﺔ أﻛﺛر ﻣن ھﻛذا ! وﻋﺎش ﺑﯾن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ،ﻓﺄﻗﺑل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠم وﻛﺎن ﻣن اﻟﻔﺻﺎﺣﺔ واﻟﺑﯾﺎن ،وﻛ ﱠﻠﻣﺎ ﻗرأت ﻛﻼ ًﻣﺎ أﻛﻣل وﻻ أﺟﻣل وﻻ أﻧﺑل ﻣن ﻛﻼﻣﮫ وﻟﻘد ﺷﺑﮭوه ﺑﻛﻼم اﻷﻧﺑﯾﺎء. واﻟﻌﺟب إن ﻣﻧﺎھﺞ اﻷدب ﻓﻲ اﻟﻣدارس ﻟم ﺗﻌن ﺑدراﺳﺔ ھذا اﻟﻧﻣط ﻣن اﻟﻛﻼم اﻟﻌﺎﻟﻲ اﻟﻣطﺑوع وإﻧﻣﺎ اﺷﺗﻐﻠت ﺑﺎﻟﻣﺗﻛﻠف اﻟﻣطﺑوع ﻣن اﻟﻛﻼم اﻟﺧﺎﻟﻲ ﻣن اﻟروح واﻟﻔﺎرغ ﻣن اﻟﻣﻌﻧﻰ. وھﺎﻛم ﻣن ﻛﻼم اﻟﺣﺳن ،ﻟﺗروا ﻟو ًﻧﺄ ﻣن أﻟوان اﻟﺑﻼﻏﺔ ﻓﻲ ﻛﻼم ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟدﯾن واﻟﻌﻠم واﻟﻧظر اﻟﺳدﯾد. ﻣﻧﮭﺟﺎ ﻟﻠﺣﯾﺎة. ھذه ﻛﻠﻣﺔ ﻟﮫ ﻓﯾﮭﺎ ﻣن اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻣﺎﯾﺷرح ﻓﻲ ﻛﺗﺎب وﯾﺻﻠﺢ ً ﺳﺋل ﻋن اﻟرﺟل اﻟﻛﺎﻣل ،ﻓﻘﺎل :ھو ﻣن ﯾﻣﻠك ﻧﻔﺳﮫ ﻋﻧد اﻟرﻏﺑﺔ واﻟرھﺑﺔ وﻋﻧد اﻟﺷﮭوة وﻋﻧد اﻟﻐﺿب. ُ 65
وأﻧظروا إﻟﻰ ھﺎﺗﯾن اﻟﺻورﺗﯾن اﻟﺑﯾﺎﻧﯾﺗﯾن ﯾرﺳﻣﮭﺎ ھذا اﻟﻌﺑﻘري اﻟﺑﯾن ﺑﺄﻟﻔﺎظ ﻣﻌدودة، ﺻورة ﻓﻲ وﺻف أھل اﻟﺧﯾر واﻟﻛﻣﺎل ﻣن ﺻﺣﺎﺑﺔ اﻟرﺳول وﺻورة ﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﺳوء. أﻣﺎ اﻷوﻟﻰ ﻓﻘد ﻗﺎل ﻟﮫ ﺑﻌض اﻟﻘوم :أﺟزﻧﺎ ﻋن ﺻﻔﺔ أﺻﺣﺎب اﻟرﺳول ﻓﺑﻛﻰ وﻗﺎل: ظﮭرت ﻣﻧﮭم ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺧﯾر ﻓﻲ اﻟﺳﻣﺎء واﻟﺳﻣﺔ واﻟﮭدى واﻟﺻدق وﺧﺷوﻧﺔ ﻣﻼﺑﺳﮭم ﺑﺎﻻﻗﺗﺻﺎد وﻣﻣﺷﺎھم ﺑﺎﻟﺗواﺿﻊ وﻣﻧطﻘﮭم ﺑﺎﻟﻌﻣل وﻣطﻌﻣﮭم ﺑﺎﻟطﯾب ﻣن اﻟرزق وﺧﺿوﻋﮭم ﺑﺎﻟطﺎﻋﺔ ﻟرﺑﮭم. أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ :ﻓﺈﻧﮫ ﻣر ﺑﺑﺎب اﻷﻣﯾر اﺑن ھﺑﯾرة ﻓﺈذا ھو ﺑﺎﻟﻘراء ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺎب ﻓﻘﺎل :ﺗرﯾدون اﻟدﺧول ﻋﻠﻰ ھؤﻻء اﻟﺧﺑﺛﺎء؟ أﻣﺎ وﷲ ﻣﺎ ﻣﺟﺎﻟﺳﻛم ﺑﻣﺟﺎﻟس اﻷﺑرار أﻣﺎ وﷲ ﻟو زھدﺗم ﻓﯾﻣﺎ ﻋﻧدھم ﻟرﻏﺑوا ﻓﯾﻣﺎ ﻋﻧدﻛم ،ﻟﻛﻧﻛم رﻏﺑﺗم ﻓﯾﻣﺎ ﻋﻧدھم ﻓزھدوا ﻓﯾﻣﺎ ﻋﻧدﻛم. ووﺻف اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ﻓﻘﺎل :إن 7ﻋز وﺟل ﻋﺑﺎدًا ﻛﻣن رأى أھل اﻟﺟﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺔ وﻛﻣن رأى أھل اﻟﻧﺎر ﻓﻲ اﻟﻧﺎر ،ﻓﻲ اﻟﻠﯾل ﺻﺎﻓﺔ أﻗداﻣﮭم ،ﺗﺳﯾل دﻣوﻋﮭم ،ﯾﻠﺟﺄون إﻟﻰ رﺑﮭم رﺑﻧﺎ رﺑﻧﺎ وأﻣﺎ اﻟﻧﮭﺎر ﻓﺣﻠﻣﺎء ﻋﻠﻣﺎء ﺑررة أﺗﻘﯾﺎء. وﻛﺎن اﻟﺣﺳن ﺻدا ًﻋﺎ ﻟﻠﺣق ﻻ ﯾﺳﻛت ﻋن إﻧﻛﺎر ﻣﻧﻛر. إﻟﻲ ﻓﻲ وﻣن ﺻراﺣﺗﮫ أن ﻋﻣر ﺑن ھﺑﯾرة ﻟﻣﺎ وﻟﻰ اﻟﻌراق ،أرﺳل إﻟﻰ اﻟﺣﺳن وﻏﯾره ﻓﻘﺎل ﻟﮭم :إن ﯾزﯾد ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﯾﻛﺗب َ ﻓرﺟﺎ؟ أﺷﯾﺎء إن اطﻌﺗﮫ ﻓﯾﮭﺎ أﻏﺿب ﷲ وإن ﻋﺻﯾﺗﮫ ﻟم آﻣن ﺑطﺷﮫ وﻏﺿﺑﮫ ،ﻓﮭل ﺗرون ﻣﺗﺎﺑﻌﺗﻲ إﯾﺎه ً أھم ﻣﺎﻗﺎﻟﮫ اﻟﺣﺳن ﻟﻌﻣر :إن ﺗﻛن ﻣﻊ ﷲ ﻓﻲ طﺎﻋﺗﮫ ﯾرد ﻋﻧك ﻛﯾد ﯾزﯾد ﺑن ﻋﺑداﻟﻣﻠك وإن ﺗﻛن ﻣﻊ ﯾزﯾد ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺻﯾﮫ وﻛﻠك ﷲ إﻟﯾﮫ. وﺑﻌد ﻓﺈن ﺳﯾرة اﻟﺣﺳن اﻟﺑﺻري أﺟل ﻣن ﯾﺗﺳﻊ ﻟﮭﺎ ﺣدﯾث أو أﺣﺎدﯾث رﺣﻣﺔ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ ورﺿﻰ ﷲ ﻋﻧﮫ واﺳﺄل ﷲ أن ﯾﻣن ﻋﻠﻰ أﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﻓﯾﺟﻌل ﻓﯾﮭﺎ ﻋﻠﻣﺎء ﻣن أﻣﺛﺎل اﻟﺣﺳن.
66
اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟﻛﺎﻣل
أرﯾد ﻣﻧﻛم أن ﺗﺄﺧذوا اﻷﻗﻼم وﺗﺟﻣﻌوا أذھﺎﻧﻛم وﺗﻛﺗﺑوا ﻛل ﺻﻔﺣﺔ ﺗﺗﻣﻧون أن ﯾﺗﺻف ﺑﮭﺎ اﻟﺣﺎﻛم ...إذا اﻛﺗﻣﻠت اﻟﺻورة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺻورﺗﮭﺎ ،ﺟﺋﺗﻛم ﺑﺣﻘﯾﻘﺔ واﻗﻌﺔ ﻟﻣﻠك ﻣن ﻣﻠوﻛﻧﺎ ﺗﻌدﻟﮭﺎ وﻗد ﺗزﯾد ﻋﻠﯾﮭﺎ. ﻧﻣوذﺟﺎ ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗرى إﻻ ﻣرة واﺣدة! ﺧﻠﯾﻔﺔ ﻛﺎن ً ﻛﺎن ﻋﺎﻟ ًﻣﺄ ،ﻛﺎﺗ ًﺑﺎ وﻛﺎن دﯾ ﱠﻧﺄ دﯾن ﻓﻌل ﻻ دﯾن ﻗول وﻛﺎن ﻣﺗواﺿ ًﻌﺄ وﻛﺎن ﯾﻌﯾش ﻋﯾش اﻟﻔﻘر وﺑﯾده ﺧزاﺋن اﻷرض!
67
ﺳﻧﺔ 97ﻟﻠﮭﺟرة
ﻣرج داﺑق ﻗرﯾﺔ ﻓﻲ ﺣﻣﺎ ﺟﮭﺎت ﺣﻠب ﺗﺳﻣﻰ اﻵن ﺑﺎﻋزاز ،ﻛﺎن ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻣﻌﺳﻛر اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﻠﺟﺑﮭﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ وﻓﯾﮭﺎ اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﺳﻠﯾﻣﺎن ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣﻠك وﻣﻌﮫ اﻟﺟﯾش ورﺟﺎل اﻟدوﻟﺔ ،وھو ﻣراﺑط ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻧذ ﺷﺗﺎﺋﯾن .
ﯾﻘود اﻟﺟﯾش اﻟﻣﺣﺎﺻر ﻟﻠﻘﺳطﻧطﯾﻧﯾﺔ اﻟذي ﯾﻘوده أﺧوه ﻣﺳﻠﻣﺔ واﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻻ أﻣل ﻓﻲ رﺑﺣﮭﺎ وﻗد ﻓﺷﺎ اﻟﺿر ﻓﻲ اﻟﺟﯾش وﻓﺷت اﻟﺣﻣﻰ .وﻋﻼ اﻟﻣﻧﺑر ﯾﺧطب ،ﻓﺄﺻﺎﺑﺗﮫ اﻟﺣﻣﻰ ﺣﺗﻰ ﺣﻣل إﻟﻰ ﺑﯾﺗﮫ ﻣﺣﻣو ًﻣﺄ ،وﻋﮭد إﻟﻰ وﻟده اﻟﺻﻐﯾر وﻟﻛن ﻣﺳﺗﺷﺎره رﺟﺎء ﺑن ﺣﯾوة ﺣوﻟﮫ أن ﯾﻌﮭد إﻟﻰ ﻋﻣر ﺑن ﻋﺑداﻟﻌزﯾز وﻣﺎزال ﺑﮫ ﺣﺗﻰ رﺿﻰ ﺑﺷرط أن ﯾﻛون ﺑﻌد ﻋﻣر ﻷﺑﻧﮫ ﯾزﯾد ﺑن ﻋﺑداﻟﻣﻠك.
وﻛﺗب اﻟﻌﮭد ﻋﻠﻰ ذاك وﺗﻣت اﻟﻣﺑﺎﯾﻌﺔ ﻋﻣر ﺑن ﻋﺑداﻟﻌزﯾز ﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻷﻣوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺗد ﻣن ﻓرﻧﺳﺎ إﻟﻰ اﻟﺻﯾن . ﺑﻌد وﻓﺎة ﺳﻠﯾﻣﺎن أﻟﻘﻰ ﻋﻣر ﺑن ﻋﺑداﻟﻌزﯾز ﺧطﺑﺔ اﻟﻌرش وأﻋﻠن ﻓﯾﮭﺎ ﺑﯾﺎﻧﮫ وﺳﯾﺎﺳﺔ ﺣﻛوﻣﺗﮫ وأﻧﮫ ﻻﯾﻣﻠك اﻟﺗﺷرﯾﻊ؛ ﻷن اﻟﺷﺎرع ھو ﷲ وأﻧﮫ إن ﺧﺎﻟف اﻟﺷرﯾﻌﺔ وﺟﺑت ﻣﺧﺎﻟﻔﺗﮫ ،وأن اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﻟﯾس ﺳﯾد اﻷﻣﺔ وﻣﺎﻟﻛﮭﺎ وﻟﻛﻧﮫ ﺧﺎدﻣﮭﺎ.
إن ﻋﻣر ﺑن ﻋﺑداﻟﻌزﯾز ﻟم ﯾذھب إﻟﻰ زاوﯾﺔ ﻟﯾﻘرأ اﻷوراد ،ﺑل ﻗﻌد ﻣن ﻓوره ﯾﻣﻠﻰ اﻟﻛﺗب إﻟﻰ اﻷطراف وﯾﺿﻊ اﻟﺑرﻧﺎﻣﺞ ﻟﻠﺣﻛوﻣﺔ أﻣرا أﺻدره ھو ﻓك اﻟﺣﺻﺎر ﻋن اﻟﻘﺳطﻧطﯾﻧﯾﺔ ﺛم أﺻدر ﺗﺷﻛﯾﻼت ﺳرﯾﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎﺻب اﻟﻛﺑرى ،ﻓﻌزل اﻟﺟدﯾدة ،وﻛﺎن أول ً اﻷﻣراء اﻟظﻠﻣﺔ اﻟطﻐﺎة وأﻋطﻰ اﻟﻔﻘراء اﻟﻌﺎﺟزﯾن ﻋن اﻟﻌﻣل رواﺗب ﺗﺳرﯾﺢ داﺋﻣﺔ ،وﻋوض اﻟﺑﺎﻗﯾن ﻣﺎﻻً. ﻣر ﻋﻠﯾﮫ ﻟﯾﻠﺗﺎن ﺑﻼ ﻣﻧﺎم ﻓﺄﻏﻔﻰ ﯾﺳﺗرﯾﺢ ﺳﺎﻋﺔ ﻓدﺧل ﻋﻠﯾﮫ اﺑﻧﮫ ﻋﺑداﻟﻣﻠك وﻗﺎل :ﺗﻧﺎم وﻻ ﺗرد اﻟﻣظﺎﻟم؟ ﻗﺎل :ﯾﺎﺑﻧﻲ إﻧﻣﺎ ھﻲ ﺳﺎﻋﺔ . رد ﻋﻠﯾﮫ :وﻣن ﻟك ﺑﺄن ﺗﻌﯾش إﻟﻰ اﻟظﮭر؟ أﺗدرون ﻣﺎھﻲ اﻟﻣظﺎﻟم ؟ 68
ھﻲ اﻷﻣوال اﻟطﺎﺋﻠﺔ واﻟﺛروات اﻟﻌظﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﻠﻛﮫ أﺳرﺗﮫ وﺣﺎﺷﯾﺗﮫ ،ﻟﻘد ﻋزم ﻋﻠﻰ ردھﺎ إﻟﻰ أﺻﺣﺎﺑﮭﺎ إن ﻋرف ﻣن ھم أو إﻟﻰ اﻟﺧزاﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وأﺻدر ﻗﺎﻧون ) ﻣن أﯾن ﻟك ھذا؟ ( وﺑدأ ﻓﻲ ذﻟك ﺑﻧﻔﺳﮫ! ﻓﻘد ﻛﺎﻧت ﻟﮫ ﻋﻘﺎرات أﯾﺎم أﺳﻼﻓﮫ ﻣن اﻟﺧﻠﻔﺎء ﻓرأى اﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن ﻟﮭم ﺳﻠطﺔ ﺷرﻋ ﱠﯾﺔ ﻋﻠﯾﮭﺎ وأﻧﮭﺎ ﻣن أﻣﻼك اﻟدوﻟﺔ. وھذا ھو اﻟﻣﻘﯾﺎس اﻟﺻﺣﯾﺢ ﻟﻠدﯾن ،أن ﺗﺑدأ ﺑﻧﻔﺳك ﻓﺗﻌظﮭﺎ ،ﻗﺑل أن ﺗﻌظ اﻟﻧﺎس. واﺣﺻﻰ أﻣﻼﻛﮫ ﻓﺈذا ھﻲ ﻛﻠﮭﺎ ﻣن ﻋطﺎﯾﺎ اﻟﺧﻠﻔﺎء ،وﻟم ﯾﺟد إﻻ ﻋﯾ ًﻧﺄ ﻓﻲ اﻟﺳوﯾداء وﻓﻛر ﻓﻲ أوﻻده؛ ھل ﺗﻛﻔﯾﮭم ﻏ ّﻠﺔ ھذا اﻟﻌﯾن، دﯾﻧﺎرا ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ ﻓﻘط! وھﻲ 150 ً ﺛم ذﻛر أن اﻟرازق ھو ﷲ وأن ﻣﺎﻛﺎن ﻟك ﺳوف ﯾﺄﺗﯾك ﻋﻠﻰ ﺿﻌﻔك ،وﻣﺎﻛﺎن ﻟﻐﯾرك ﻟن ﺗﻧﺎﻟﮫ ﺑﻘوﺗك.
وﺗوﺟﮫ إﻟﻰ أﻣراء اﻟﺑﯾت اﻷﻣوي وﺑﯾن ﻟﮭم أن ﻟﯾس ﻟﮭم ﻣن اﻟﺣق ﻓﻲ أﻣوال اﻟﺧزاﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﻟﻺﻋراﺑﻲ ﻓﻲ ﺻﺣراء وأن ﻣﺎﺑﺄﯾدﯾﮭم ﻣن أﻣوال ﺟﻣﻌوھﺎ ﻣن ﺣرام ﻟﯾس ﻟﮭم وإﻧﻣﺎ ھﻲ /وأرادھم ﻋﻠﻰ ردھﺎ ﻓﺄﺑوا. واﺳﺗﺧدم أﺳﺎﻟﯾب اﻟﻠﯾن ﻟﯾﺳﺗﺟﯾﺑوا ﻓﻠﻣﺎ ﻋﺟزت ﻣﻌﮭم أﺳﺎﻟﯾب اﻟﻠﯾن ﻋﻣد إﻟﻰ اﻟﺷدة وأﻋﻠن أﻧﮫ ﻛل ﻣن ﻛﺎﻧت ﻟﮫ ﻣظﻠﻣﺔ وأﻟف ﻟذﻟك ﻣﺣﻛﻣﺔ ﺧﺎﺻﺔ وﺑدأ ﯾﺟردھم ﻣن ھذه اﻟﺛروات وﯾردھﺎ إﻟﻰ أﺻﺣﺎﺑﮭﺎ أو إﻟﻰ اﻟﺧزاﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. وﻋم اﻷﻣن وھﻣدت اﻟﺛروات ،وﺷﻣﻠت ﺳﻌﺎدة اﻟﻧﺎس واﺧﺗﻔت ﻣظﺎھر اﻟﺑذخ اﻟﻔﺎﺣش وﻣظﺎھر اﻟﻔﻘر اﻟﻣدﻗﻊ وﺻﺎرت ھذه اﻟﺑﻼد ﻛﺄﻧﮭﺎ ﺟﻣﻌﯾﺔ روﺣﯾﺔ ،ﺗﻌﯾش ﺑﺎﻟﺣب واﻟود واﻹﺧﻼص. وإﻧﻲ ﻷرﺟﻊ ﺑﻛم 50ﺳﻧﺔ إﻟﻰ ﻋﮭد ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب.
ﻛﺎن ﻋﻣر ﯾﻔﺗش ﻟﯾﻼً ﻛﻌﺎدﺗﮫ ﻓﻣر ﺑﻘوم ﻣن اﻷﻋراب ﻓﺳﻣﻊ اﻣرأة ﺗﻘول ﻹﺑﻧﺗﮭﺎ :اﻣذﻗﻲ ﻟﺑﻧك ﻗﺎﻟت اﻟﺑﻧت :وﻟﻛن ﻣﻧﺎدى ﻋﻣر ﻧﮭﻰ ﻋن ذﻟك ردت ﻋﻠﯾﮭﺎ :اﻣذﻗﯾﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻻﯾدري ﺑك .ﻗﺎﻟت ﻣﺎﻛﻧت ﻷطﯾﻌﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﻸ وأﻋﺻﯾﮫ ﻓﻲ اﻟﺧﻼء وإن ﻛﺎن ﻋﻣر ﻏﺎﺋ ًﺑﺎ ﻓﺈن رب ﻋﻣر ﺣﺎﺿر. ھﻛذا ﻛﺎﻧوا ﯾﺎﺳﺎدة ،ﻛﺎن اﻟﺣﺎﻛم ﯾرﺟو رﺿﻰ ﷲ وﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻧﺎس وﻛﺎن اﻟﻧﺎس ﯾﺗﻘرﺑون إﻟﻰ ﷲ ﺑطﺎﻋﺔ اﻟﺣﺎﻛم؛ ﻷﻧﮭم ﻛﺎﻧوا ﯾرون طﺎﻋﺗﮫ ﻓﻲ اﻟدﯾن. ﻓﻠﻣﺎ ﻛﺎن ﻏد ،ﺳﺄل ﻋﻧﮭﺎ ﻓﺈذا ھﻲ ﯾﺗﯾﻣﺔ وزوﺟﮭﺎ ﻻﺑﻧﮫ ﻋﺎﺻم ﻓﻛﺎﻧت ﺧﯾر اﻣرأة وأﻓﺿﻠﮭم. ﻓوﻟدت ﻟﮫ ﺑﻧ ًﺗﺄ دﻋﺎھﺎ أم ﻋﺎﺻم وأراد ﻋﺑداﻟﻌزﯾز ﺑن ﻣروان اﻟزواج ﻓﻘﺎل :دﻟوﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻣرأة ﺻﺎﻟﺣﺔ ﻓدﻟوه ﻋﻠﯾﮭﺎ ،ﻓﺗزوﺟﮭﺎ ﻓوﻟدت ﻟﮫ ﻋﻣر. ﻓﻌﻣر ﺑن ﻋﺑداﻟﻌزﯾز ،ﻛﺎن اﺑن أم ﻋﺎﺻم ﺑﻧت ﻋﺎﺻم ﺑن ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب. 69
ﺛم أن أﺑﺎه أراد ﻟﮫ اﻟﺧﯾر ﻓﺳﻠﻣﮫ إﻟﻰ اﻹﻣﺎم ﻋﺑدﷲ ﺑن ﻋﻣر ﻓرﺑﻰ ﺑﺈﺷراﻓﮫ. ﻧﺷﺄ ﻓﻲ اﻟﻧﻌﯾم ،وﺗﻘﻠب ﻓﻲ ﻓرش اﻟﺳﻌﺔ وﻣﺎﺑﻠﻎ اﻟﺷﺑﺎب ،ﺣﺗﻰ ﻛﺎن ﻣن ﺻدور اﻟﻌﻠم، وﻣن ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻌﺻر وﻣن ﺻﻠﺣﺎء اﻟﻌﺑﺎد. ﺛم زوﺟﮫ ﻋﺑداﻟﻣﻠك اﺑﻧﺗﮫ ﻓﺎطﻣﺔ .اﻟﺳﯾدة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻌﺻر ﻓﮭﻲ ﺑﻧت اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﻋﺑداﻟﻣﻠك وﺣﻔﯾدة اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﻣروان وأﺧوﯾﮭﺎ اﻟوﻟﯾد وﺳﻠﯾﻣﺎن ﻛﺎﻧوا اﻟﺧﻠﻔﺎء ﻣن ﺑﻌد وﻓﺎة واﻟدھم ﺛم زوﺟﮭﺎ ﻋﻣر وﻛﺎﻧت ﺟﻣﯾﻠﺔ وﻓﯾﺔ. ﻟﻘد ﻋﺎش ﻣﻌﮭﺎ ﻋﻣر ﺑﻌد اﻟﺧﻼﻓﺔ وﻛﺄﻧﮭﻣﺎ أﺧوان ﻟﯾس ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ إﻻ ﻣﺎﯾﻛون ﺑﯾن اﻷﺧوﯾن ،ﻣﺎذھب اﻟﺣب وﻟﻛن ذھب ﻓراغ اﻟوﻗت وﻓراغ اﻟﻘﻠب ﻓﻛﺎﻧت ﺧﻼﻓﺗﮫ ﻧﻌﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس ﻧﻘﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻣر وآل ﻋﻣر. ووﻟﻰ ﻋﻣر اﻟﻣﻧﯾﺔ ﻓﺟﻣﻊ طﺎﺋﻔﺔ ﻣن ﻋﻠﻣﺎﺋﮭﺎ وﺻﻠﺣﺎﺋﮭﺎ ﻓﺟﻌﻠﮭم ﻣﺳﺗﺷﺎرﯾﮫ. ھذه ﻗﺻﺔ ﺣﺎﻛم وﻟو ﺗوھم ﻣﺗوھم أﻛﻣل ﺻﻔﺎت اﻟﺣﻛﺎم ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت إﻻ ﺻﻔﺎﺗﮫ.
70
71