نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد

Page 1

‫ـ‪ 1‬ـ‬


‫ـ‪ 2‬ـ‬


‫دليل الكتاب ‪:‬‬ ‫مق ّدمة ادلركز ‪5 ................................. ................................‬‬ ‫سبهيد ‪7 ....................................... ................................‬‬ ‫افًتاء ابن تيمية على الشيخ نصَت الدين الطوسي ‪9 .................................‬‬ ‫نص ما قالو ابن تيميّة ‪11 ....................... ................................‬‬ ‫الرجوع يف قضية سقوط بغداد إىل َمن شهد الواقعة ‪15 ..............................‬‬ ‫الرجوع إىل ابن الفوطي ‪15 ...................... ................................‬‬ ‫الرجوع إىل ابن الطقطقي ‪17 .................... ................................‬‬ ‫الرجوع إىل أيب الفداء ‪19 ....................... ................................‬‬ ‫الرجوع إىل الذىيب ‪22 .......................... ................................‬‬ ‫الرجوع إىل ابن شاكر الكتيب ‪22 ................. ................................‬‬ ‫الرجوع إىل الصفدي ‪24 ........................ ................................‬‬ ‫الرجوع إىل ابن خلدون ‪25 ...................... ................................‬‬ ‫الرجوع إىل السيوطي ‪26 ........................ ................................‬‬ ‫الرجوع إىل أصحاب ابن تيمية ‪26 ............... ................................‬‬ ‫الثناء على الشيخ نصَت الدين الطوسي ‪31 ........ ................................‬‬ ‫خاسبة البحث ‪37 .............................. ................................‬‬

‫ـ‪ 3‬ـ‬


‫ـ‪ 4‬ـ‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫مق ّدمة المركز ‪:‬‬

‫ال سنفى أنّنا ال زلنا حباجة إىل تكريس اجلهود ومضاعفتها حنو الفهم الصحيح‬ ‫اجلاد بالربامج‬ ‫واالفهام ادلناسب لعقائدنا احل ّقة ومفاىيمنا الرفيعة ‪ ،‬ممّا يستدعي اإللتزام ّ‬ ‫وادلناىج العلمية اليت توجد حالة من ادلفاعلة الدائمة بُت االُّمة وقيمها احل ّقة ‪ ،‬بشكل‬ ‫التطور التقٍت احلديث‪.‬‬ ‫يتناسب مع لغة العصر و ّ‬ ‫وانطالقاً من ذلك ‪ ،‬فقد بادر مركز األحباث العقائدية التابع دلكتب مساحة آية اهلل‬ ‫العظمى السيد السيستاين ـ م ّد ظلّو ـ إىل ّازباذ منهج ينتظم على ع ّدة زلاور هبدف طرح‬ ‫الفكر اإلسالمي الشيعي على أوسع نطاق ممكن‪.‬‬ ‫ادلختصة ‪ ،‬باستضافة خنبة من أساتذة‬ ‫ومن ىذه احملاور ‪ :‬عقد الندوات العقائديّة‬ ‫ّ‬ ‫اذلامة ‪ ،‬حيث رنري‬ ‫احلوزة العلمية ومف ّكريها ادلرموقُت ‪ ،‬اليت تقوم نوعاً على ادلوضوعات ّ‬ ‫تناوذلا بالعرض والنقد‬

‫ـ‪ 5‬ـ‬


‫والتحليل وطرح الرأي الشيعي ادلختار فيها ‪ ،‬مث سنضع ذلك ادلوضوع ـ بطبيعة احلال ـ‬ ‫احلرة لغرض احلصول على أفضل النتائج‪.‬‬ ‫للحوار ادلفتوح وادلناقشات ّ‬ ‫وألجل تعميم الفائدة فقد أخذت ىذه الندوات طريقها إىل شبكة اإلنًتنت العادلية‬ ‫صوتاً وكتابةً‪.‬‬ ‫كما رنري تكثَتىا عرب التسجيل الصويت وادلرئي وتوزيعها على ادلراكز وادلؤسسات‬ ‫العلمية والشخصيات الثقافية يف شىت أرجاء العامل‪.‬‬ ‫وأخَتاً ‪ ،‬فإ ّن اخلطوة الثالثة تكمن يف طبعها ونشرىا على شكل كراريس ربت عنوان‬ ‫« سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء رلموعة من اخلطوات التحقيقية والفنيّة الالزمة‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫الكراس ادلاثل بُت يدي القارئ الكرمي واح ٌد من السلسلة ادلشار إليها‪.‬‬ ‫وىذا ّ‬ ‫سائلينو سبحانو وتعاىل أن ينالو بأحسن قبولو‪.‬‬ ‫مركز األبحاث العقائدية‬ ‫الحسون‬ ‫فارس ّ‬

‫ـ‪ 6‬ـ‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫تمهيد ‪:‬‬ ‫زلمد وآلو الطاىرين ‪ ،‬ولعنة اهلل‬ ‫احلمد هلل ّ‬ ‫رب العادلُت ‪ ،‬والصالة والسالم على سيّدنا ّ‬ ‫األولُت واآلخرين‪.‬‬ ‫على أعدائهم أمجعُت من ّ‬ ‫سألتم عن دور احلكيم االذلي الشيخ احملقق العظيم اخلواجة نصَت الدين الطوسي يف‬ ‫سقوط بغداد على يد ىوالكو‪.‬‬ ‫ألنّو قد ينسب يف بعض الكتب إىل الشيخ نصَت الدين الطوسي أ ّن لو ضلعاً يف‬ ‫سقوط بغداد على يد ادلشركُت ‪ ،‬وما ترتّب على ىذه احلادثة من آثار سيّئة بالنسبة إىل‬ ‫اإلسالم وادلسلمُت ‪ ،‬من قتل النفوس ‪ ،‬وزبريب البالد ‪ ،‬وادلدارس العلميّة ‪ ،‬وسائر ما ترتب‬ ‫على ىذه احلادثة العظيمة من اآلثار السيّئة‪.‬‬

‫ـ‪ 7‬ـ‬


‫ـ‪ 8‬ـ‬


‫افتراء ابن تيمية على‬ ‫الشيخ نصير الدين الطوسي‬ ‫لعل من أش ّد الناس على الشيخ نصَت الدين الطوسي ; يف ىذه القضيّة ىو ابن تيميّة‬ ‫ّ‬ ‫الّتام ىذا الشيخ هبذا‬ ‫عما إذا كان السبب األصلي ّ‬ ‫‪ ،‬ممّا يثَت الشك ويدعو إىل البحث ّ‬ ‫األمر ىو االختالف العقائدي ‪ ،‬وما كان للشيخ نصَت الدين الطوسي من دور نشر ادلذىب‬ ‫الشيعي ‪ ،‬ودعمو باألدلّة والرباىُت ‪ ،‬والسيّما بتأليفو كتاب ذبريد اإلعتقاد ‪ ،‬ىذا الكتاب‬ ‫يدرس وما زال ىذا‬ ‫الذي أصبح من ادلتون األصلية واألوليّة يف احلوزات العلميّة كلّها ‪ ،‬وكان ّ‬ ‫يدرس يف بعض احلوزات العلميّة ‪ ،‬ولذا كثرت عليو الشروح واحلواشي من علماء‬ ‫الكتاب ّ‬ ‫وحىت أ ّن كتاب ادلواقف للقاضي اإلرني ‪ ،‬وكتاب ادلقاصد للسعد التفتازاين ‪،‬‬ ‫الشيعة والسنّة ‪ّ ،‬‬ ‫يف كتاب التجريد ‪،‬‬ ‫ىذان الكتابان أيضاً ّإدنا أُلّفا نظراً إىل ما ذكره اخلواجو نصَت الدين‬ ‫يردوا عليو آراءه وأفكاره ‪ ،‬ولرّدبا‬ ‫وزناولون أن ّ‬

‫ـ‪ 9‬ـ‬


‫يذكرون امسو بصراحة ‪ ،‬وقد عثرنا على مورد يف إحدى تلك الكتب حيث جاء‬ ‫التهجم عليو والسب لو ‪ ،‬وىو كتاب شرح‬ ‫التصريح باسم الشيخ نصَت الدين الطوسي مع‬ ‫ّ‬ ‫ادلقاصد‪.‬‬ ‫يتعرض للخواجة نصَت الدين الطوسي دبناسبة أ ّن العالّمة احللّي ـ‬ ‫و ّأما ابن تيميّة ‪ّ ،‬‬ ‫فإدنا ّ‬ ‫تلميذ اخلواجة ـ ينقل عن أُستاذه استدالالً لدعم ادلذىب الشيعي وإثبات عقيدة اإلماميّة ‪،‬‬ ‫على أساس حديثُت صحيحُت واردين يف كتب الفريقُت‪.‬‬ ‫احلق بعد رسول اهلل ‪ ،‬فأجاب بأ ّن‬ ‫ينقل العالّمة ; عن أُستاذه أنّو سئل عن ادلذىب ّ‬ ‫رسول اهلل ‪ 6‬قد أخرب يف احلديث ادلتفق عليو بأ ّن االُّمة ستفًتق من بعده على ثالث‬ ‫وسبعُت فرقة ‪ ،‬وىذا احلديث متّفق عليو‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬فمع كثرة ىذه الفرق قال رسول اهلل ‪ :‬فرقة ناجية والباقي يف النار‪.‬‬ ‫عُت تلك الفرقة الناجية بقولو ‪ّ « :‬إدنا مثل أىل بييت كمثل سفينة‬ ‫مثّ إ ّن رسول اهلل ّ‬ ‫نوح من ركبها جنا »‪.‬‬ ‫األول ‪ ،‬وال يف‬ ‫وىذا اإلستدالل ال شنكن الحد أن يناقش فيو ‪ ،‬ال يف احلديث‬ ‫احلديث الثاين ‪ ،‬وال يف النتيجة ادلًتتبة على ىذين احلديثُت‪.‬‬

‫ـ ‪ 10‬ـ‬


‫أي إيراد علمي يف مقابل‬ ‫أي مناقشة وإبداء ّ‬ ‫وحينئذ نرى ابن تيميّة العاجز عن إظهار ّ‬ ‫يتفوه بو مسلم بالنسبة‬ ‫ىذا اإلستدالل ‪ ،‬نراه ّ‬ ‫يتهجم على الشيخ نصَت الدين ‪ ،‬ويسبّو دبا ال ّ‬ ‫اىل فرد عادي من أفراد الناس‪.‬‬ ‫نص ما قالو ابن تيميّة يف الشيخ نصَت الدين الطوسي ‪:‬‬ ‫وال بأس بأن أقرأ لكم ّ‬ ‫نص ما قاله ابن تيميّة ‪:‬‬

‫يقول ابن تيمية ‪ :‬ىذا الرجل قد اشتهر عند اخلاص والعام أنّو كان وزيراً ادلالحدة‬ ‫الباطنية اإلمساعيليّة يف األدلوت ‪ ،‬مثّ دلا قدم الًتك ادلشركون إىل بالد ادلسلمُت ‪ ،‬وجاؤوا إىل‬ ‫ّ‬ ‫منجماً مشَتاً دللك الًتك ادلشركُت ىوالكو ‪ ،‬أشار عليو بقتل‬ ‫بغداد دار اخلالفة ‪ ،‬كان ىذا ّ‬ ‫اخلليفة وقتل أىل العلم والدين ‪ ،‬واستبقاء أىل الصناعات والتجارات الذين ينفعونو يف الدنيا‬ ‫‪ ،‬وأنّو استوىل على الوقف الذي للمسلمُت ‪ ،‬وكان يعطي منو ما شاء اهلل لعلماء ادلشركُت‬ ‫وشيوخهم من البخشية السحرة وأمثاذلم‪.‬‬ ‫وأنّو دلا بٌت الرصد الذي دبراغة على طريقة الصابئة ادلشركُت ‪ ،‬كان أخبس الناس نصيباً‬ ‫ّ‬ ‫منو من كان إىل أىل ادللل‬

‫ـ ‪ 11‬ـ‬


‫ادلشركُت ومثل‬

‫أقرب ‪ ،‬وأوفرىم نصيباً من كان أبعدىم عن ادللل ‪ ،‬مثل الصابئة‬ ‫ادلعطلة وسائر ادلشركُت‪.‬‬ ‫وزلرماتو ‪ ،‬ال زنافظون على‬ ‫ومن ادلشهور عنو وعن أتباعو اإلستهتار بواجبات اإلسالم ّ‬ ‫الفرائض كالصلوات ‪ ،‬وال ينزعون عن زلارم اهلل من الفواحش واخلمر وغَت ذلك من ادلنكرات‬ ‫حىت ّأّنم يف شهر رمضان يذكر منهم من إضاعة الصلوات وارتكاب الفواحش وشرب‬ ‫‪ّ ،‬‬ ‫اخلمور ما يعرفو أىل اخلربة هبم‪.‬‬ ‫شر من دين اليهود والنصارى ‪،‬‬ ‫ومل يكن ذلم ّقوة وظهور إالّ مع ادلشركُت الذين دينهم ّ‬ ‫وذلذا كان كلّما قوي اإلسالم يف ادلغل وغَتىم من الًتك ضعف أمر ىؤالء ‪ ،‬لغرض معاداّتم‬ ‫لإلسالم وأىلو ‪...‬‬ ‫يعرف‬ ‫وباجلملة فأمر ىذا الطوسي وأتباعو عند ادلسلمُت أشهر‬ ‫وأعرف من أن ّ‬ ‫ويوصف‪.‬‬ ‫ومع ىذا فقد قيل ‪ :‬إنّو يف آخر عمره زنافظ على الصلوات اخلمس ‪ ،‬ويشتغل بتفسَت‬ ‫البغوي وبالفقو وحنو ذلك ‪ ،‬فإن كان قد تاب من اإلحلاد ‪ ،‬فاهلل يقبل التوبة عن عباده ويعفو‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫َس َرفُوا َعلَى أَنْ ُف ِس ِه ْم الَ تَ ْقنَطُوا‬ ‫ين أ ْ‬ ‫عن السيّئات ‪ ،‬واهلل تعاىل يقول ‪ ( :‬يَا عبَادي الذ َ‬

‫ـ ‪ 12‬ـ‬


‫ِمن رحم ِة ِ‬ ‫اهلل َّن اهللَ يَ ْ ِف ُر ُّذ‬ ‫وب َ ِميعاًا ) (‪.)1‬‬ ‫الذنُ َ‬ ‫ْ ََْ‬ ‫لكن ما ذكره ىذا ‪ ،‬إن كان قبل التوبة مل يقبل قولو ‪ ،‬وإن كان بعد التوبة مل يكن قد‬ ‫ّ‬ ‫تاب من الرفض ‪ ،‬بل من اإلحلاد وحده ‪ ،‬وعلى التقديرين فال يقبل قولو‪.‬‬ ‫منجماً للمغل ادلشركُت ‪ ،‬واالحلاد‬ ‫واألظهر أنّو ّإدنا كان رنتمع بو وبأمثالو دلّا كان ّ‬ ‫معروف من حالو إذ ذاك ‪ ،‬فمن يقدح يف مثل أيب بكر وعمر وعثمان وغَتىم من السابقُت‬ ‫األولُت من ادلهاجرين واألنصار ‪ ،‬ويطعن على مثل مالك والشافعي وأيب حنيفة وأمحد بن‬ ‫ويعَتىم بغلطات بعضهم يف مثل إباحة الشطرنج والغناء ‪ ،‬كيف يليق بو أن‬ ‫حنبل وأتباعهم ّ‬ ‫حرم اهلل‬ ‫ّ‬ ‫زنرمون ما ّ‬ ‫زنتج دلذىبو بقول مثل ىؤالء الذين ال يؤمنون باهلل وال باليوم اآلخر ‪ ،‬وال ّ‬ ‫حىت يعطوا اجلزية عن يد وىم‬ ‫ورسولو ‪ ،‬وال يدينون دين احلق ‪ ،‬من الذين أُوتوا الكتاب ّ‬ ‫احملرمات اجملمع على ربرشنها ‪ ،‬كالفواحش واخلمر يف شهر رمضان ‪،‬‬ ‫صاغرون ‪ ،‬ويستحلّون ّ‬ ‫دبحرمات الدين ‪،‬‬ ‫الذين أضاعوا الصالة واتّبعوا الشهوات وخرقوا سياج الشرائع ‪ ،‬واستخفوا‬ ‫ّ‬ ‫وسلكوا غَت طريق ادلؤمنُت ‪...‬‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬سورة الزمر ‪.53 :‬‬

‫ـ ‪ 13‬ـ‬


‫لكن ىذا حال الرافضة دائماً يعادون أولياء اهلل ادلتقُت ‪ ،‬من السابقُت األولُت من‬ ‫ادلهاجرين واألنصار والذين اتّبعوىم بإحسان ‪ ،‬ويوالون الك ّفار وادلنافقُت ‪ ...‬إىل آخر كالمو‬ ‫(‪.)1‬‬ ‫ىذا جوابو على استدالل العالّمة بكالم أُستاذه ‪ ،‬اإلستدالل الذي ذكرناه ‪ ،‬ألن‬ ‫اإلستدالل قوائمو حديث متفق عليو ‪ :‬ىو « ستفرق ّأميت » وحديث آخر أيضاً متّفق عليو‬ ‫‪ ،‬احلديث الثاين يقول ‪ :‬ال جناة إالّ بركوب سفينة أىل البيت ‪ ،‬والنتيجة واضحة‪.‬‬ ‫وىذا جواب ابن تيميّة على ىذا اإلستدالل !!‬ ‫لكن علينا أن نبحث عن أصل ادلسألة اليت طلبتم البحث عنها يف ىذه اللّيلة‪.‬‬

‫__________________‬ ‫(‪ )1‬منهاج السنة ‪ 445 / 3‬ـ ‪.451‬‬

‫ـ ‪ 14‬ـ‬


‫الر وع في قضية سقوط ب داد‬ ‫لى َمن شهد الواقعة‬ ‫يف مثل ىذه القضيّة ‪ ،‬وىي قضيّة واقعة يف القرن السابع ‪ ،‬ويف أواسط ىذا القرن ‪،‬‬ ‫ادلؤرخُت‬ ‫الب ّد وأ ْن نرجع إىل من شهد تلك الواقعة وكان حاضراً فيها وسنرب عنها ‪ ،‬وأيضاً إىل ّ‬ ‫حىت يقال بأ ّن الشيعة‬ ‫ادلؤرخُت الشيعة ّ‬ ‫قرييب العهد من تلك احلادثة ‪ ،‬ال أقول نرجع إىل ّ‬ ‫وإدنا أقول نرجع إىل‬ ‫أي شيء يطعن فيهم بو ‪ّ ،‬‬ ‫يربئوا ساحة علمائهم وكربائهم من ّ‬ ‫زناولون أن ّ‬ ‫ادلؤرخُت من أىل السنّة أنفسهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الر وع لى ابن الفوطي ‪:‬‬ ‫لعل خَت كتاب شنكننا الرجوع إليو بالدرجة األوىل كتاب‬ ‫ّ‬ ‫تأليف العالّمة ابن الفوطي‪.‬‬ ‫أذكر لكم باختصار عن بعض ادلصادر ادلعتربة ترمجة ابن‬

‫ـ ‪ 15‬ـ‬

‫احلوادث اجلامعة ‪ ،‬وىو‬


‫الفوطي احلنبلي البغدادي ادلتوىف سنة ‪ 723‬ى ‪:‬‬ ‫ترجم لو الذىيب قائالً ‪ :‬ابن الفوطي العامل البارع ادلتفنّن احمل ّدث ادلفيد ‪ ،‬مؤرخ االفاق‬ ‫زلمد بن أيب ادلعايل‬ ‫‪ ،‬مفخر أىل العراق ‪ ،‬كمال الدين أبو الفضائل عبد الرزاق بن أمحد بن ّ‬ ‫احملرم سنة ‪ 642‬ببغداد ‪ ،‬وأُسر يف الوقعة وىو َح َدث ـ أُسر‬ ‫الشيباين ابن الفوطي ‪ ،‬مولده يف ّ‬ ‫يف الوقعة ‪ :‬وقعة بغداد ـ مثّ صار إىل أُستاذه ومعلّمو خواجة نصَت الدين الطوسي يف سنة‬ ‫‪ ، 660‬فأخذ منو علوم األوائل ‪ ،‬ومهر على غَته يف األدب ‪ ،‬ومهر يف التاريخ والشعر وأيام‬ ‫الناس ‪ ،‬ولو النظم والنثر ‪ ،‬والباع األطول يف ترصيع تراجم الناس ‪ ،‬ولو ذكاء مفرط ‪ ،‬وخط‬ ‫منسوب رشيق ‪ ،‬وفضائل كثَتة ‪ ،‬مسع الكثَت ‪ ،‬وعٍت هبذا الشأن (‪.)1‬‬ ‫يعرب عنو ب ‪:‬‬ ‫ويعرب عنو صاحب فوات الوفيات ابن شاكر الكتيب ‪ ،‬عندما يعنونو ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫ادلؤرخ األخباري الفيلسوف ‪.‬‬ ‫الشيخ اإلمام احمل ّدث ّ‬ ‫ادلؤرخ كمال الدين ابن‬ ‫و ّأما ابن كثَت ‪ ،‬فيذكر ابن الفوطي يف تارسنو قائالً ‪ :‬اإلمام‬ ‫ّ‬ ‫الفوطي أبوالفضل عبد الرزاق ‪ ،‬ولد سنة‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬تذكرة احلفاظ ‪.1493 / 4‬‬ ‫(‪ )2‬فوات الوفيات ‪.319 / 2‬‬

‫ـ ‪ 16‬ـ‬


‫‪ 642‬ببغداد ‪ ،‬وأُسر يف واقعة التتار ‪ ،‬مثّ زبلّص من األسر ‪ ،‬فكان مشرفاً على الكتب‬ ‫بادلستنصريّة ‪ ،‬وقد صنّف تأرسناً يف مخس ومخسُت رللّداً ‪ ،‬وآخر ـ أي كتاباً آخر ـ يف حنو‬ ‫عشرين ‪ ،‬ولو مصنّفات كثَتة ‪ ،‬وشعر حسن ‪ ،‬وقد مسع احلديث من زلي الدين ابن اجلوزي‬ ‫احملرم يف السنة اليت ذكرناىا (‪.)1‬‬ ‫‪ ،‬وتويف يف ثالث ّ‬ ‫مؤرخ‬ ‫ادلؤرخ ‪ ،‬الذي شاىد القضيّة ‪ ،‬وحضرىا ‪ ،‬وأُسر فيها ‪ ،‬وىو إمام ّ‬ ‫فهذا العامل ّ‬ ‫معتمد ‪ ،‬يذكره علماء أىل السنّة بالثناء اجلميل ‪ ،‬ويذكرون كتبو يف التاريخ ‪ ،‬ىذا الرجل لو‬ ‫يتعرض لقضيّة سقوط بغداد على يد ىوالكو ‪،‬‬ ‫كتاب احلوادث اجلامعة ‪ ،‬يف ىذا الكتاب ّ‬ ‫وليس خلواجة نصَت الدين اسم يف ىذه القضيّة وال ذكر أبداً ‪ ،‬يذكرون أنّو قد ألّف كتابو ىذا‬ ‫بعد الواقعة بسنة واحدة ‪ ،‬أي أ ّن سنة ‪ 657‬تاريخ تأليف كتاب احلوادث اجلامعة‪.‬‬ ‫الر وع لى ابن الطقطقي ‪:‬‬ ‫ادلتوىف سنة ‪ ، 709‬ىذا‬ ‫مثّ بعد ابن الفوطي ‪ ،‬نرى ابن الطقطقي ادلولود سنة ‪ 660‬و ّ‬ ‫صاحب كتاب الفخري يف اآلداب‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬البداية والنهاية ‪.106 / 14‬‬

‫ـ ‪ 17‬ـ‬


‫السلطانيّة والدول اإلسالميّة ‪ ،‬يروي احلوادث ‪ ،‬حوادث بغداد ‪ ،‬بواسطة واحدة فقط ‪ ،‬وال‬ ‫ذكر يف ىذا الكتاب حيث يذكر احلوادث خلواجة نصَت الدين يف القضيّة أصالً ‪ ،‬ال من‬ ‫قريب وال من بعيد‪.‬‬ ‫يبُت دخول ابن العلقمي على ىوالكو‪.‬‬ ‫مرةً واحدةً ‪ ،‬حيث ّ‬ ‫نعم يذكر اسم اخلواجة ّ‬ ‫ادلستعصم العباسي من‬ ‫ابن العلقمي كان وزير ادلستعصم العباسي ‪ ،‬أصبح بعد‬ ‫الشخصيّات ادلرموقة يف بغداد ‪ ،‬وينسب إليو أيضاً من قبل بعض كتّاب السنّة ـ السابقُت‬ ‫والالّحقُت ـ أ ّن لو يداً يف سقوط بغداد ‪ ،‬لكن حبثنا اآلن يف خواجة نصَت الدين وليس يف‬ ‫ابن العلقمي ‪ ،‬وبإمكانكم أن ترجعوا إىل كتاب أعيان الشيعة للسيّد االمُت العاملي ; يذكر‬ ‫ىناك ما يقال عن ابن العلقمي وبراءة ساحة ىذا الرجل أيضاً‪.‬‬ ‫مرًة‬ ‫ففي كتاب الفخري يف اآلداب السلطانيّة يذكر الشيخ نصَت الدين الطوسي ّ‬ ‫واحد ًة دبناسبة أ ّن الشيخ نصَت الدين كان واسطة يف دخول ىذا الوزير ‪ ،‬أي ابن العلقمي‬ ‫توىل ترتيبو يف احلضرة السلطانيّة الوزير السعيد‬ ‫على ىوالكو ‪ ،‬يقول ‪ :‬وكان الذي ّ‬

‫ـ ‪ 18‬ـ‬


‫زلمد الطوسي ق ّدس اهلل روحو (‪.)1‬‬ ‫نصَت الدين ّ‬ ‫الر وع لى أبي الفداء ‪:‬‬ ‫مثّ ننتقل إىل تاريخ أيب الفداء ‪ ،‬ادلولود سنة ‪ 672‬وادلتوىف سنة ‪ ، 732‬وىذا قريب‬ ‫العهد بالواقعة ‪ ،‬ألن الواقعة كانت سنة ‪ ، 656‬وىذا مولود يف سنة ‪ ، 672‬أي بعد سنوات‬ ‫قليلة ‪ ،‬ومتوىف يف سنة ‪.732‬‬ ‫فنراه يذكر قضيّة فتح بغداد ‪ ،‬واستيالء ادلشركُت والتًت على بغداد ‪ ،‬وانقراض احلكومة‬ ‫العبّاسيّة ‪ ،‬يقول ‪ :‬يف ّأول ىذه السنة ـ سنة ‪ 656‬ـ قصد ىوالكو ملك التًت بغداد ‪ ،‬وملكها‬ ‫احملرم ‪ ،‬وقتل اخلليفة ادلستعصم باهلل ‪ ،‬وسبب ذلك أ ّن وزير اخلليفة مؤيّد‬ ‫يف العشرين من ّ‬ ‫الدين ابن العلقمي كان رافضيّاً ‪ ،‬وكان أىل الكرخ أيضاً روافض ‪ ،‬فجرت فتنة بُت السنّـيّة‬ ‫والشيعة ببغداد على جاري عادّتم‪.‬‬ ‫[ دائماً ىذه الفنت كانت موجودة يف بغداد بُت الشيعة والسنّة ‪ ،‬منذ زمن الشيخ‬ ‫ادلفيد والشيخ الطوسي ‪ ،‬ويف بعض ىذه الفنت‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬الفخري يف اآلداب السلطانية ‪.338 :‬‬

‫ـ ‪ 19‬ـ‬


‫أسس احلوزة العلميّة ‪ ،‬لذلك يقول ‪:‬‬ ‫ىاجر الشيخ الطوسي من بغداد إىل النجف األشرف و ّ‬ ‫على جاري عادّتم ‪ ،‬أي ىذا شيء معتاد بينهم ‪ ،‬زللّة الكرخ واحمللّة اليت تقابلها ‪ ،‬ىؤالء‬ ‫شيعة وأُولئك أىل سنّة ‪ ،‬جرت فتنة ]‪.‬‬ ‫فأمر أبوبكر ابن اخلليفة وركن الدين الدوادار [ ىذا رئيس العسكر ] العسكر ‪ ،‬فنهبوا‬ ‫منهن الفواحش‪.‬‬ ‫الكرخ ‪ ،‬وىتكوا النساء ‪ ،‬وركبوا ّ‬ ‫فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي ‪ ،‬وكاتب التًت وأطمعهم يف ملك بغداد ‪ ،‬وكان‬ ‫عسكر بغداد يبلغ مائة ألف فارس ‪ ،‬فقطّعهم ادلستعصم ليحمل إىل التًت متحصل اقطاعاّتم‬ ‫‪ ،‬وصار عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس ‪ ،‬وأرسل ابن العلقمي إىل التًت أخاه‬ ‫عسكر اخلليفة لقتاذلم‬ ‫يستدعيهم ‪ ،‬فساروا قاصدين بغداد يف جحفل عظيم ‪ ،‬وخرج‬ ‫ومق ّدمهم ركن الدين الدوادار ‪ ،‬والتقوا على مرحلتُت من بغداد ‪ ،‬واقتتلوا قتاالً شديداً ‪ ،‬فاّنزم‬ ‫عسكر اخلليفة ‪ ،‬ودخل بعضهم بغداد وسار بعضهم إىل جهة الشام‪.‬‬ ‫ونزل ىوالكو على بغداد من اجلانب الشرقي ‪ ،‬ونزل باجو ـ وىو مق ّدم كبَت ـ يف‬ ‫اجلانب الغريب ‪ ،‬على قرية قبالة دار اخلالفة ‪ ،‬وخرج مؤيد الدين الوزير ابن العلقمي إىل‬ ‫ىوالكو ‪ ،‬فتوثّق منو‬

‫ـ ‪ 20‬ـ‬


‫لنفسو ‪ ،‬وعاد إىل اخلليفة ادلستعصم وقال ‪ :‬إ ّن ىوالكو يبقيك يف اخلالفة كما فعل‬ ‫بسلطان الروم ‪ ،‬فخرج إليو ادلستعصم يف مجع من أكابر أصحابو ‪ ،‬وأنزل يف خيمتو ‪ ،‬مثّ‬ ‫ادلدرسون ‪ ،‬وكان‬ ‫استدعى الوزير الفقهاء واألماثل ‪ ،‬فاجتمع ىناك مجيع سادات بغداد و ّ‬ ‫فلما‬ ‫منهم زلي الدين ابن اجلوزي وأوالده ‪ ،‬وكذلك بقي سنرج إىل التًت طائفة بعد طائفة ‪ّ ،‬‬ ‫تكاملوا قتلهم التًت عن آخرىم ‪ ،‬مثّ م ّدوا اجلسر وعدا باجو ومن معو ‪ ،‬وبذلوا السيف يف‬ ‫كل من كان فيها من األشراف ‪ ،‬ومل يسلم إالّ من‬ ‫بغداد ‪ ،‬وىجموا على دار اخلالفة وقتلوا ّ‬ ‫كان صغَتاً ‪ ،‬فأُخذ أسَتاً ‪ ،‬ودام القتل والنهب يف بغداد حنو أربعُت يوماً ‪ ،‬مثّ نودي باألمان‪.‬‬ ‫فإّنم قتلوه ‪ ،‬ومل يقع االطّالع على كيفيّة قتلو ‪ ،‬فقيل خنق ‪ ،‬وقيل وضع‬ ‫ّأما اخلليفة ّ‬ ‫حىت مات ‪ ،‬وقيل غرق يف دجلة ‪ ،‬واهلل أعلم حبقيقة ذلك ‪ ،‬وكان ادلستعصم‬ ‫يف عدل ورفسوه ّ‬ ‫ضعيف الرأي ‪ ،‬قد غلب عليو أُمراء دولتو لسوء تدبَته ‪ ،‬وىو آخر اخللفاء العبّاسيُّت (‪.)1‬‬ ‫وال ذكر خلواجو نصَت الدين الطوسي أبداً ‪ ،‬و ّأما ما ذكر عن ابن‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬ادلختصر يف أحوال البشر ‪ 193 / 3‬ـ ‪.194‬‬

‫ـ ‪ 21‬ـ‬


‫العلقمي ففيو نظر ‪ ،‬فالب ّد وأ ْن زن ّقق عنو‪.‬‬ ‫الر وع لى الذهبي ‪:‬‬ ‫و ّأما الذىيب ‪ ،‬الذىيب ىو تلميذ ابن تيميّة وإ ْن كان سنالفو يف بعض اآلراء ‪ ،‬إالّ أنّو‬ ‫تلميذه ‪ ،‬وقد خلّص كتاب منهاج السنّة أيضاً ‪ ،‬فمن مؤلفات الذىيب منهاج اإلعتدال وىو‬ ‫تلخيص منهاج السنّة‪.‬‬ ‫يقول الذىيب يف حوادث سنة ‪ : 656‬كان ادلؤيد ابن العلقمي قد كاتب التًت ‪،‬‬ ‫وحرضهم على قصد بغداد ‪ ،‬ألجل ما جرى على إخوانو الرافضة من النهب واخلزي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فذكر الواقعة كما تق ّدم عن أيب الفداء ‪ ،‬وليس فيها ذكر لنصَت الدين الطوسي أصالً‬ ‫(‪.)1‬‬ ‫الر وع لى ابن شاكر الكتبي ‪:‬‬ ‫وصاحب فوات الوفيات ابن شاكر الكتيب ادلولود سنة ‪ ، 686‬أي بعد الواقعة بثالثُت‬ ‫سنة ‪ ،‬وادلتوىف سنة ‪ ، 764‬يًتجم اخلليفة العبّاسي ويًتجم نصَت الدين الطوسي كليهما يف‬ ‫كتابو ‪ ،‬وال يذكر‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬العرب يف خرب من غرب ‪.277 / 3‬‬

‫ـ ‪ 22‬ـ‬


‫شيئاً من دخل اخلواجة يف حوادث بغداد أبداً ‪ ،‬وبًتمجة اخلليفة يقول ‪:‬‬ ‫متمسكاً دبذىب أىل السنّة واجلماعة على ما كان عليو والده وج ّده ‪ ،‬ومل‬ ‫كان متيناً ّ‬ ‫اذلمة ‪ ،‬بل كان قليل ادلعرفة والتدبَت والتي ّقظ ‪ ،‬نازل‬ ‫يكن على ما كانوا عليو من التي ّقظ و ّ‬ ‫اذلمة ‪ ،‬زلبّاً للمال ‪ ،‬مهمالً لالُمور ‪ ،‬يتّكل فيها على غَته ‪ ،‬ولو مل يكن فيو إالّ ما فعلو مع‬ ‫ّ‬ ‫ادللك الناصر داود يف الوديعة لكفاه ذلك عاراً وشناراً ‪ ،‬واهلل لو كان الناصر من الشعراء ‪،‬‬ ‫يتعُت عليو أن ينعم عليو‬ ‫وقد قصده ّ‬ ‫وتردد عليو على بعد ادلسافة ومدحو بع ّدة قصائد ‪ ،‬كان ّ‬ ‫بقريب من قيمة وديعتو من مالو ‪ ،‬فقد كان يف أجداد ادلستعصم باهلل من استفاد منو آحاد‬ ‫الشعراء أكثر من ذلك‪.‬‬ ‫ومل يرجعها إىل‬ ‫تصرف فيها‬ ‫[ ّ‬ ‫كأدنا كانت عنده وديعة لشخص ‪ ،‬وىذه الوديعة ّ‬ ‫صاحبها ‪ ،‬يذكر ىذه القضيّة ‪ ،‬إىل غَت ذلك من االُمور اليت كانت تصدر عنو ‪ ،‬ممّا ال‬ ‫يناسب منصب اخلالفة ‪ ،‬ومل يتخلّق هبا اخللفاء قبلو ]‪.‬‬ ‫فكانت ىذه األسباب كلّها مق ّدمات دلا أراد اهلل تعاىل باخلليفة والعراق وأىلو ‪ ،‬وإذا‬ ‫أراد اهلل تعاىل أمراً ىيّأ أسبابو‪.‬‬ ‫[ ومل يذكر سائر أعمال ىذا اخلليفة وأسالف ىذا اخلليفة ‪ ،‬من‬

‫ـ ‪ 23‬ـ‬


‫اخلالعة واجملون واإلستهتار بالدين والسكر وشرب اخلمر ورلالس اللهو واللعب ‪ ،‬وإىل‬ ‫أي حكومة تكون ]‪.‬‬ ‫كل ذلك أسباب إلنقراض احلكومة ّ‬ ‫آخره ‪ّ ،‬‬ ‫قال ‪ :‬واختلفوا كيف كان قتلو ‪ ،‬قيل ‪ :‬إ ّن ىوالكو دلا ملك بغداد أمر خبنقو ‪ ،‬وقيل‬ ‫ّ‬ ‫رفس إىل أن مات ‪ ،‬وقيل كذا إىل آخره واهلل أعلم حبقيقة احلال‪ .‬وكانت واقعة بغداد وقتل‬ ‫اخلليفة من أعظم الوقائع (‪.)1‬‬ ‫ومل يذكر شيئاً يتعلّق باخلواجة نصَت الدين الطوسي أبداً‪.‬‬ ‫الر وع لى الصفدي ‪:‬‬ ‫وإذا راجعتم كتاب الوايف بالوفيات للصفدي ‪ ،‬ىذا الرجل مولود يف سنة ‪ 696‬أي‬ ‫بعد أربعُت سنة من الواقعة ‪ ،‬ومتوىف يف سنة ‪.764‬‬ ‫متمسكاً‬ ‫يقول بًتمجة اخلليفة ‪ :‬كان حليماً كرشناً ‪ ،‬سليم الباطن ‪ ،‬حسن الديانة ‪ّ ،‬‬ ‫بالسنّة ‪ ،‬ولكنّو مل يكن كما كان عليو أبوه وج ّده ‪ ،‬وكان الدوادار والشرايب ذلم االرض ‪ ،‬جاء‬ ‫ىوالكو البالد يف حنو‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬فوات الوفيات ‪.230 / 2‬‬

‫ـ ‪ 24‬ـ‬


‫ادلدرسون واألعيان حنو‬ ‫مائتُت ألف فارس ‪ ،‬وطلب اخلليفة وحده فطلع ومع القضاة‬ ‫و ّ‬ ‫فلما وصلوا إىل احلريبة جاء األمر حبضور اخلليفة وحده ‪ ،‬ومعو سبعة عشر‬ ‫سبعمائة نفس ‪ّ ،‬‬ ‫نفساً ‪ ،‬فساقوا مع اخلليفة وأنزلوا من بقي من خيلهم وضربوا رقاهبم ‪ ،‬ووقع السيف يف بغداد‬ ‫‪ ،‬وعمل القتل أربعُت يوماً ‪ ،‬وأنزلوا اخلليفة يف خيمة وحده والسبعة عشر يف خيمة أخرى ‪،‬‬ ‫مثّ إ ّن ىوالكو أحضر اخلليفة وجرت لو معو ومع ابنو أيب بكر زلاورات وأخرجا ورفسوذنا إىل‬ ‫أ ْن ماتا ‪ ،‬وع ّفي أثرذنا (‪.)1‬‬ ‫الر وع لى ابن خلدون ‪:‬‬ ‫ننتقل إىل ابن خلدون ‪ ،‬ابن خلدون متولّد يف سنة ‪ ، 732‬ووفاتو سنة ‪ ، 808‬يذكر‬ ‫يف تارسنو خرب ادلستعصم آخر ملوك بٍت العبّاس ببغداد ‪ ،‬فلم يصف اخلليفة دبا وصفو بو غَته‬ ‫من الصفات الدنيئة ادلوجبة للعار والشنار ‪ ،‬وادلسببة دلا وقع بو وبأىل بغداد ‪ ،‬بل وصفو‬ ‫بقولو ‪ :‬كان فقيهاً زل ّدثاً ‪ ...‬مثّ ذكر ما كان من السنّة ض ّد الشيعة يف الكرخ بأمر من‬ ‫اخلليفة وابنو أيب بكر وركن الدين‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬الوايف بالوفيات ‪.641 / 17‬‬

‫ـ ‪ 25‬ـ‬


‫الدوادار ‪ ،‬مثّ ذكر زحف ىوالكو إىل العراق ودخول بغداد وقتل اخلليفة وغَته‪.‬‬ ‫وليس يف شيء ممّا ذكر ذكراً لنصَت الدين الطوسي أبداً ‪ ،‬فالحظوا تارسنو (‪.)1‬‬ ‫الر وع لى السيوطي ‪:‬‬ ‫وذكر جالل الدين السيوطي يف تارسنو تاريخ اخللفاء ‪ ،‬السيوطي وفاتو سنة ‪، 911‬‬ ‫ذكر أخبار التًت ‪ ،‬وورودىم إىل بغداد ‪ ،‬وقتل اخلليفة وغَت ذلك ‪ ،‬يف صفحات كثَتة ‪،‬‬ ‫وليس فيها ذكراً لنصَت الدين الطوسي أبداً (‪.)2‬‬ ‫فأين ما ذكره ابن تيميّة حول نصَت الدين الطوسي ; فيما يتعلّق بقضيّة بغداد‪.‬‬ ‫الر وع لى أصحاب ابن تيمية ‪:‬‬ ‫ادلقربُت منو ‪ ،‬وىم ثالثة ‪ :‬الذىيب ‪ ،‬وابن كثَت ‪،‬‬ ‫حينئذ ننتقل إىل أصحاب ابن تيميّة و ّ‬ ‫وابن القيّم‪.‬‬

‫__________________‬

‫(‪ )1‬تاريخ ابن خلدون ‪.1104 / 6‬‬ ‫(‪ )2‬تاريخ اخللفاء ‪ 467 :‬ـ ‪.477‬‬

‫ـ ‪ 26‬ـ‬


‫الذىيب ذكرنا عبارتو ‪ ،‬ووجدناه ال يشَت ال من قريب وال من بعيد إىل ما ذكره ابن‬ ‫تيميّة ‪ ،‬وكذا بًتمجة ادلستعصم إذا راجعتم سَت أعالم النبالء حيث ذكر الواقعة ناقالً شرحها‬ ‫عن مجال الدين سليمان بن رطنُت احلنبلي ‪ ،‬والظهَت الكازروين ‪ ،‬وغَتذنا ‪ ،‬وليس يف ذلك‬ ‫ذكراً لنصَت الدين الطوسي أبداً (‪.)1‬‬ ‫ّأما ابن كثَت ‪ ،‬ابن كثَت والدتو سنة ‪ 700‬أي بعد الواقعة حدود اخلمسُت سنة ووفاتو‬ ‫سنة ‪ ، 774‬ترجم لنصَت الدين الطوسي ‪ ،‬ومل ينسبو إىل شيء أو مل ينسب شيئاً ممّا ذكر‬ ‫ابن تيميّة إىل اخلواجة نصَت الدين ‪ ،‬من اإلخالل بالصلوات وشرب اخلمر وارتكاب‬ ‫وإدنا ذكر ما نسب إليو من االشارة على ىوالكو‬ ‫الفواحش ‪ ،‬مل يذكر شيئاً من ىذه أبداً ‪ّ ،‬‬ ‫نص ما قالو ابن كثَت يف‬ ‫بقتل اخلليفة ‪ ،‬بعبارة ظاىرة ج ّداً يف التشكيك يف ذلك ‪ ،‬وإليكم ّ‬ ‫تارسنو يف ىذه القضية ‪:‬‬ ‫يقول ‪ :‬ومن الناس من يزعم أنّو ـ اخلواجو نصَت الدين ـ أشار على ىوالكو خان بقتل‬ ‫اخلليفة ‪ ،‬فاهلل أعلم‪.‬‬ ‫ال يقول أكثر من ىذا ‪ ،‬ومن الناس من يزعم ‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫وال ب ّد وأنّو يقصد من الناس ابن تيميّة‪.‬‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬سَت أعالم النبالء ‪.181 / 23‬‬

‫ـ ‪ 27‬ـ‬


‫مثّ يقول بعد أن يذكر ذلك عن بعض الناس ‪ :‬وعندي أ ّن ىذا ال يصدر من عاقل‬ ‫وال فاضل ‪ ،‬وقد ذكره بعض البغاددة [ أي أىايل بغداد ] فأثٌت عليو وقال ‪ :‬كان عاقالً‬ ‫فاضالً كرمي األخالق ‪ ،‬ودفن يف مشهد موسى بن جعفر ‪ ،‬يف سرداب كان قد أُع ّد للخليفة‬ ‫الناصر لدين اهلل (‪.)1‬‬ ‫وىذا من مجلة ادلواضع اليت ال يوافق فيها ابن كثَت شيخو ابن تيميّة‪.‬‬ ‫يبقى ابن قيّم اجلوزيّة ‪ ،‬ابن قيّم اجلوزيّة مل يتبع ابن تيميّة فقط ‪ ،‬بل زاد على ما قال‬ ‫شيخو أشياء أُخرى أيضاً ‪ ،‬الحظوا عبارتو بالنص عندما يذكر نصَت الدين الطوسي يقول ‪:‬‬ ‫نصَت الشرك والكفر واالحلاد ‪ ،‬وزير ادلالحدة النصَت الطوسي ‪ ،‬وزير ىوالكو ‪ ،‬شفى‬ ‫حىت شفى إخوانو من ادلالحدة‬ ‫نفسو من أتباع الرسول وأىل دينو ‪ ،‬فعرضهم على السيف ّ‬ ‫واشتفى ىو ‪ ،‬فقتل اخلليفة ادلستعصم والقضاة والفقهاء واحمل ّدثُت‪.‬‬ ‫[ كلمة « احملدثُت » مادام ىي بالنصب ‪ ،‬الب ّد أ ْن تقرأ الكلمة ‪ :‬قَـتَ َل ‪ ،‬أي قتل‬ ‫ادلستعصم والقضا َة والفقهاء واحمل ّدثُت‪.‬‬ ‫نصَت الدين‬ ‫َ‬ ‫__________________‬

‫(‪ )1‬البداية والنهاية ‪.267 / 13‬‬

‫ـ ‪ 28‬ـ‬


‫هم إالّ أ ْن نرجع الضمَت إىل ىوالكو ‪ ،‬لكن بأمر اخلواجة نصَت الدين ]‪.‬‬ ‫اللّ ّ‬ ‫ادلنجمُت والطبايعيُت والسحرة ‪ ،‬ونقل أوقاف ادلدارس وادلساجد‬ ‫واستبقى الفالسفة و ّ‬ ‫ونصَر يف كتبو قدم العامل وبطالن ادلعاد وإنكار‬ ‫والربط إليهم ‪ ،‬وجعلهم خاصتو وأولياءه ‪َ ،‬‬ ‫جل جاللو من علمو وقدرتو وحياتو ومسعو وبصره ‪ ،‬و ّازبذ للمالحدة مدارس ‪،‬‬ ‫صفات ّ‬ ‫الرب ّ‬ ‫ورام جعل إشارات إمام ادللحدين ابن سينا مكان القرآن ‪ ،‬فلم يقدر على ذلك فقال ‪ :‬ىي‬ ‫قرآن اخلواص وذلك قرآن العوام ‪ ،‬ورام تغيَت الصالة وجعلها صالتُت ‪ ،‬فلم يتم لو األمر ‪،‬‬ ‫وتعلّم السحر يف آخر األمر فكان ساحراً يعبد األصنام ‪ ،‬انتهى‪.‬‬ ‫ابن تيميّة قال ‪ :‬يف آخر األمر تاب نصَت الدين الطوسي ‪ ،‬قرأنا عبارتو يف أنّو يف آخر‬ ‫األمر تاب نصَت الدين الطوسي وكان يصلّي وتعلّم الفقو وقرأ تفسَت البغوي يف آخر عمره‪.‬‬ ‫وىذا يقول ‪ :‬تعلّم السحر يف آخر األمر ‪ ،‬فكان ساحراً يعبد األصنام !!‬ ‫تبُت أ ّن ما ينسب سابقاً والحقاً إىل اخلواجة نصَت الدين الطوسي ليس لو‬ ‫وإىل ىنا ّ‬ ‫سبب ‪ ،‬سوى أ ّن ىذا الرجل العظيم استفاد من تلك الظروف لِصاحل ىذا ادلذىب ادلظلوم ‪،‬‬ ‫وسب ّكن من‬

‫ـ ‪ 29‬ـ‬


‫يدرس يف‬ ‫تأليف كتابو ذبريد اإلعتقاد ‪ ،‬وأصبح ىذا الكتاب ىو الكتاب الذي‬ ‫ّ‬ ‫األوساط العلميّة ‪ ،‬وطرحت أفكار اإلماميّة يف األوساط العلميّة ‪ ،‬بعد أن مل تكن ألفكار‬ ‫أي رلال ألن يذكر شيء منها يف‬ ‫ىذه الطائفة أيّة فرصة ‪ ،‬ومل يكن آلراء ىذه الطائفة ّ‬ ‫ادلدارس العلميّة واألوساط العلميّة ‪ ،‬حينئذ أصبح اآلخرون عياالً على اخلواجة نصَت الدين‬ ‫الطوسي يف علم الكالم والعقائد ‪ ،‬وبتبع كتاب التجريد أُلّفت كتبهم يف العقائد ‪ ،‬وىذا ممّا‬ ‫يغتاظ منو القوم ‪ ،‬فهذا كان ىو السبب العمدة ألن ينسب ما مسعتم إىل ىذا الرجل العظيم‪.‬‬ ‫الصحة ‪ ،‬إستناداً إىل‬ ‫كل ما ينسب إليو باطل ‪ ،‬وال أساس لو من ّ‬ ‫وقد ثبت أ ّن ّ‬ ‫ادلؤرخُت من أىل السنّة أنفسهم ‪ ،‬من ابن الفوطي الذي عاصر القضيّة وكان من‬ ‫كلمات ّ‬ ‫األسرى يف الواقعة ‪ ،‬مثّ ابن الطقطقي ‪ ،‬مثّ ابن كثَت ‪ ،‬مثّ الذىيب ‪ ،‬والصفدي ‪ ،‬وابن شاكر‬ ‫الكتيب ‪ ،‬وغَتىم ‪ ،‬وىؤالء كلّهم من أىل السنّة ‪ ،‬وىكذا أبوالفداء ‪ ،‬ومل ننقل شيئاً لتربئة‬ ‫ساحة ىذا الشيخ العظيم عن أحد من علماء الشيعة‪.‬‬

‫ـ ‪ 30‬ـ‬


‫الثناء على الشيخ نصير الدين الطوسي‬ ‫واآلن ‪ ،‬ال بأس أن أذكر لكم بعض النصوص يف الثناء اجلميل على ىذا الشيخ‬ ‫العظيم من كتب القوم‪.‬‬ ‫زلمد‬ ‫زلمد بن عبداهلل [ لكن والده ّ‬ ‫الحظوا عبارة ابن كثَت يقول ‪ :‬النصَت الطوسي ّ‬ ‫زلمد ] كان يقال لو ادلوىل نصَت الدين ‪ ،‬ويقال اخلواجة نصَت الدين ‪ ،‬اشتغل‬ ‫زلمد بن ّ‬ ‫فهو ّ‬ ‫وحصل علم األوائل جيّداً ‪ ،‬وصنّف يف ذلك يف علم الكالم ‪ ،‬وشرح اإلشارات‬ ‫يف شبيبتو ‪ّ ،‬‬ ‫البن سينا ‪ ،‬ووزر ألصحاب قالع األدلوت من اإلمساعيليّة ‪ ،‬مثّ وزر ذلوالكو ‪ ،‬وكان معهم يف‬ ‫واقعة بغداد ‪ ،‬ومن الناس من يزعم أنّو أشار على ىوالكو بقتل اخلليفة ‪ ،‬فاهلل أعلم ‪ ،‬وعندي‬ ‫أ ّن ىذا ال يصدر من عاقل وال فاضل ‪ ...‬إىل آخر ما قرأناه سابقاً‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬وىو الذي كان قد بٌت الرصد يف مراغة ‪ ،‬ورتّب فيو احلكماء من الفالسفة‬ ‫وادلتكلّمُت والفقهاء واحمل ّدثُت واألطبّاء ‪،‬‬

‫ـ ‪ 31‬ـ‬


‫وغَتىم من الفضالء ‪ ،‬وبٌت لو فيو قبّة عظيمة ‪ ،‬وجعل فيو كتباً كثَتةً ج ّداً ‪ ،‬تويف يف‬ ‫بغداد يف الثاين عشر من ذي احلجة من ىذه السنة ‪ ،‬ولو مخس وسبعون سنة ‪ ،‬ولو شعر‬ ‫قوي ‪ ،‬وأصل اشتغالو على ادلعُت سامل بن بدران بن علي ادلصري ادلعتزيل ادلتشيّع ‪ ،‬فنزع‬ ‫جيّد ّ‬ ‫حىت أفسد اعتقاده‪.‬‬ ‫فيو حروب كثَتة منو ّ‬ ‫ىذا كلّو ذكره يف ترمجة نصَت الدين الطوسي ‪ ،‬وفيو الثناء اجلميل على علمو ‪ ،‬إالّ أنّو‬ ‫يعرض بو ألجل مذىبو (‪.)1‬‬ ‫ّ‬ ‫زلمد بن‬ ‫وقال الذىيب يف وفيات سنة ‪ : 672‬كبَت الفالسفة خواجة نصَت الدين ّ‬ ‫زلمد بن حسن الطوسي صاحب الرصد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫زلمد بن احلسن ‪،‬‬ ‫زلمد بن‬ ‫ّ‬ ‫وقال أيضاً ‪ :‬خواجو نصَت الدين الطوسي أبو عبداهلل ّ‬ ‫احلجة ببغداد ‪ ،‬وقد نيّف على الثمانُت ‪ ،‬وكان رأساً يف علم األوائل ‪ ،‬ذا منزلة‬ ‫مات يف ذي ّ‬ ‫من ىوالكو (‪.)2‬‬ ‫وقال أبو الفداء ‪ :‬وفيها ـ أي يف السنة ادلذكورة ـ يف يوم األثنُت ( ‪ ) 18‬ذي احلجة ‪،‬‬ ‫زلمد اإلمام ادلشهور ‪ ،‬وكان سندم‬ ‫زلمد بن ّ‬ ‫تويف الشيخ العالّمة نصَت الدين الطوسي ‪ ،‬وامسو ّ‬ ‫صاحب األدلوت ‪ ،‬مثّ خدم ىوالكو ‪ ،‬وحظي عنده ‪ ،‬وعمل ذلوالكو‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬البداية والنهاية ‪.276 / 13‬‬ ‫(‪ )2‬العرب يف خرب من غرب ‪ ، 326 / 3‬دول اإلسالم‪.‬‬

‫ـ ‪ 32‬ـ‬


‫يتضمن اختالط األوضاع‬ ‫رصداً دبراغة وزرناً ولو مصنفات عديدة كلّها نفيسة ‪ ،‬منها أقليدس ّ‬ ‫‪ ،‬وكتاب اجملسطي ‪ ،‬والتذكرة يف اذليئة مل يصنّف يف فنّها مثلها ‪ ،‬وشرح اإلشارات ‪ ،‬وأجاب‬ ‫عن غالب إيرادات فخرالدين الرازي ‪ ،‬وكانت والدتو يف احلادي عشر مجادى األوىل سنة‬ ‫سبع وتسعُت ومخسمائة ‪ ،‬وكانت وفاتو ببغداد ‪ ،‬ودفن يف مشهد موسى اجلواد (‪.)1‬‬ ‫[ يعٍت موسى واجلواد « الواو » ىذه الب ّد منها ]‪.‬‬ ‫زلمد بن احلسن نصَت الدين الطوسي‬ ‫زلمد بن ّ‬ ‫وقال الصفدي ‪ :‬نصَت الدين الطوسي ّ‬ ‫‪ ،‬الفيلسوف ‪ ،‬صاحب علم الرياضي ‪ ،‬كان رأساً يف علم األوائل ‪ ،‬ال سيّما يف األرصاد‬ ‫واجملسطي ‪ ،‬فإنّو فاق الكبار ‪ ،‬قرأ على ادلعُت سامل بن بدران ادلعتزيل الرافضي وغَته ‪ ،‬وكان‬ ‫ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند ىوالكو ‪ ،‬وكان يطيع على ما يشَت عليو ‪ ،‬واألموال يف‬ ‫تصريفو ‪ ،‬وابتٌت دبراغة قبّة ورصداً عظيماً ‪ ،‬وازبذ يف ذلك خزانة عظيمة ‪ ،‬فسيحة األرجاء‬ ‫ذبمع فيها زيادة على أربعمائة‬ ‫ومالىا من الكتب اليت ّنبت من بغداد والشام واجلزيرة ‪ّ ،‬‬ ‫حىت ّ‬ ‫أقر‬ ‫ألف رللّد [ فأين تلك الكتب ] و ّ‬ ‫__________________‬

‫(‪ )1‬ادلختصر يف أخبار البشر ‪.8 / 4‬‬

‫ـ ‪ 33‬ـ‬


‫ادلنجمُت والفالسفة ‪ ،‬وجعل ذلم األوقاف ‪ ،‬وكان حسن الصورة ‪ ،‬مسحاً كرشناً جواداً‬ ‫بالرصد ّ‬ ‫حليماً حسن العشرة غزير الفضل‪.‬‬ ‫حكي أنّو دلا أراد العمل بالرصد رأى ىوالكو ما يقدم عليو ‪ ،‬فقال لو ‪ :‬ىذا العلم‬ ‫ّ‬ ‫ادلتعلق بالنجوم ما فائدتو ‪ ،‬أيدفع ما ق ّدر أن يكون ؟ فقال ‪ :‬أنا أضرب لك مثالً ‪ ،‬يأمر‬ ‫القان من يطلع إىل ىذا ادلكان ‪ ،‬ويرمي من أعاله طشتاً حناساً كبَتاً من غَت أن يعلم بو أحد‬ ‫كل من ىناك ‪ ،‬وكاد بعضهم‬ ‫‪ ،‬ففعل ذلك ‪ ،‬ودلّا وقع كان لو وقعة عظيمة ىائلة ّروعت ّ‬ ‫فإّنما ما حصل ذلما شيء لعلمهما بأ ّن ذلك يقع ‪ ،‬فقال لو ‪:‬‬ ‫فأما ىو وىوالكو ّ‬ ‫يصعق ‪ّ ،‬‬ ‫ىذا العلم النجومي لو ىذه الفائدة ‪ ،‬يعلم ادلتح ّدث فيو ما زندث ‪ ،‬فال زنصل لو من الروعة‬ ‫ما زنصل للذاىل الغافل عنو ‪ ،‬فقال لو ‪ :‬ال بأس هبذا ‪ ،‬وأمره بالشروع فيو ‪ ،‬إىل آخره‪.‬‬ ‫ومن دىائو ما حكي ‪ :‬أنّو حصل ذلوالكو غضب على عالء الدين اجلويٍت صاحب‬ ‫الديوان ‪ ،‬فأمر بقتلو ‪ ،‬فجاء أخوه إىل النصَت وذكر لو ‪ ،‬فقال النصَت ‪ ...‬إىل آخره فسعى‬ ‫يف خالص ىذا الشخص‪.‬‬ ‫وممّا وقف لو عليو أن ورقة حضرت إليو عن شخص من مجلة ما فيها ‪ :‬يا كلب يابن‬ ‫الكلب ‪ ،‬فكان اجلواب منو ّأما قولو ‪ :‬يا كلب ‪،‬‬

‫ـ ‪ 34‬ـ‬


‫فليس بصحيح ‪ ،‬أل ّن الكلب من ذوات األربع وىو نابح طويل األظفار ‪ ،‬و ّأما أنا‬ ‫فمنتصب القائمة بادي البشرة عريض األظفار ناطق ضاحك ‪ ،‬فهذه الفصول واخلواص غَت‬ ‫تلك الفصول واخلواص ‪ ،‬وأطال يف نقض كل ما قالو ذلك القائل‪.‬‬ ‫ىكذا ّرد عليو حبسن طوية وتأن غَت منزعج ‪ ،‬ومل يقل يف اجلواب كلمة قبيحة‪.‬‬ ‫مثّ ذكر تصانيفو ‪ ،‬مثّ ذكر بعض القضايا االُخرى (‪.)1‬‬ ‫كل ما يف كتاب الوايف بالوفيات‪.‬‬ ‫وال أُريد أن أُطيل عليكم بقراءة ّ‬ ‫والحظوا ىذه العبارة من كالمو ‪ ،‬أقرؤىا عليكم ‪ ،‬يقول ‪ :‬وكان للمسلمُت بو نفع‬ ‫يربىم ويقضي أشغاذلم وزنمي أوقاّتم ‪،‬‬ ‫خصوصاً الشيعة والعلويُت واحلكماء وغَتىم ‪ ،‬وكان ّ‬ ‫وكان مع ىذا كلّو فيو تواضع وحسن ملتقى ‪ ،‬وكان نصَت قدم من مراغة إىل بغداد ‪ ،‬ومعو‬ ‫كثَت من تالمذتو وأصحابو ‪ ،‬فأقام هبا م ّدة أشهر ومات ‪ ،‬ومولد النصَت بطوس سنة كذا‬ ‫ووفاتو سنة كذا ‪ ،‬وشيّعو صاحب الديوان والكبار ‪ ،‬وكانت جنازتو حفلة ‪ ،‬ودفن يف مشهد‬ ‫الكاظم‪.‬‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬الوايف بالوفيات ‪.179 / 1‬‬

‫ـ ‪ 35‬ـ‬


‫وىل يف ىذا النص على طولو من نقص ‪ ،‬من طعن ؟! والوايف بالوفيات كتاب معترب‬ ‫‪ ،‬ومؤلّفو من أىل السنّة ادلعروفُت ادلشهورين ادلعتمدين‪.‬‬ ‫زلمد بن‬ ‫وأقرأ لكم ما جاء يف فوات الوفيات يقول ‪ :‬اخلواجة نصَت الدين الطوسي ّ‬ ‫زلمد بن احلسن نصَت الدين ‪ ،‬كان رأساً يف علم األوائل ‪ ،‬ال سيّما يف االرصاد واجملسطي ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكان يطيعو ىوالكو فيما يشَت عليو ‪ ،‬واألموال يف تصريفو‪.‬‬ ‫[ ىذه تقريباً عبارات الوايف بالوفيات وإىل أ ْن يقول ] ‪ :‬وكان حسن الصورة مسحاً‬ ‫كرشناً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضائل جليل القدر داىية‪.‬‬ ‫إىل أ ْن ذكر تصانيفو وىي كثَتة ج ّداً ‪ ،‬وذكر كلمات بعض العلماء يف ح ّقو قال ‪:‬‬ ‫ودفن يف مشهد الكاظم ;‪.‬‬ ‫وكذا ذبدون الثناء عليو يف النجوم الزاىرة (‪.)1‬‬ ‫وكذا غَت ىؤالء من ادلؤلفُت وادلؤرخُت‪.‬‬ ‫فأين ما ذكره ابن تيميّة أو ما زاد عليو تلميذه ابن قيّم اجلوزيّة ؟‬ ‫والعمدة ما ذكرتو لكم‪.‬‬ ‫__________________‬ ‫(‪ )1‬النجوم الزاىرة يف ملوك نصر والقاىرة ‪.245 / 7‬‬

‫ـ ‪ 36‬ـ‬


‫خاتمة البحث‬ ‫والعجيب أنّكم لو قرأمت كتب علمائنا يف الًتاجم وسَت العلماء ويف التواريخ ‪ ،‬لن‬ ‫حق علماء الشيعة ‪ ،‬لن‬ ‫ذبدوا لفظة واحدة من ىذه األلفاظ اليت تصدر من بعض ىؤالء يف ّ‬ ‫فإدنا‬ ‫حق علماء السنة ‪ ،‬فإن ذكروا شيئاً عن بعض علماء أىل السنّة ‪ّ ،‬‬ ‫ذبدوا لفظةً منها ىف ّ‬ ‫يذكرونو بأدب ومتانة ‪ ،‬فكيف وأن ينسبوا إىل أحد منهم ما ليس فيو ‪ ،‬وما ال رنوز نسبتو‬ ‫إليو ‪ ،‬الحظوا الكتب ‪ ،‬قارنوا بُت كتبنا وكتبهم ‪ ،‬قارنوا بُت أساليب علمائنا وأساليب شيخ‬ ‫احلق وتكونوا من أتباع احلق‪.‬‬ ‫إسالمهم ‪ ،‬لتعرفوا ّ‬ ‫تردد‪.‬‬ ‫احلق تعرفون أىلو ‪ ،‬وإذا عرفتم احلق تتّبعونو بال ّ‬ ‫إذا عرفتم ّ‬ ‫إذن ‪ ،‬عرفنا يف ىذا البحث أموراً ‪ ،‬وكان ذلذا البحث فوائد عديدة ‪ ،‬وال حاجة إىل‬ ‫اإلطالة بأكثر ممّا ذكرتو لكم‪.‬‬ ‫زلمد وآلو الطاىرين‪.‬‬ ‫وصلّى اهلل على ّ‬

‫ـ ‪ 37‬ـ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.