بيان عبد اللطيف اللعبي هنا صوت العرب الرحرار .صوت أولئك الذين قرروا كسر قانون الصمت، مكافحة الكذب ،إعادة الصوت إلى من ل صوت لهم ،إسماع صرخة المعذبين ،نزع أغل ل الخضوع ،التنديد بالنذالت الكبرى والصغرى ،تعرية آليات الفساد والنهب، وخلع الحجاب عن البؤس المادي والخلقي ،باختصار :النتفاض ضد القدرية .وتحرير مجرى المل نحن نبث من مكان ما .مكان عصصصي علصصى مخيلصصة الجبصصابرة الضصصيقة .صصصحراء جوهرية رحيث َُأنِجبت الكلمة المتمردة ،ونبتت شجرة الذاكرة ،ثم غاصت بجذورها فصصي الرض المتعطشصصة للعدالصصة فنشصصرت أغصصصانها لسصصتقبا ل كلمصصة البصصارحثين عصصن الحقيقصصة، المتشققة شفاههم باللغاز. هنا صوت العرب الرحرار .رجا ل ونساء يرفضصصون التماثصصل ،تنفيصصذ الوامصصر، نشيد النتقام ،صصصخب الجزمصصات ،أسصصل ك الصصوطن الشصصائكة ،مهزلصصة الجمصصاع ،طصصاعون الخيلء ،سصجن اللغصة الورحيصدة ،الديانصة الورحيصدة ،فلكلصور العلمصات المميصزة المضصني: عماماتُ ،خَمٌر ،لِِحٌى ،رصائٌعُ ،سبٌَح ،تمائٌم وكصصل الخصصردات الصصتي اسصصتعملت منصصذ زمصصن بعيد لخصداع الشصعوب البريئصة .أكفصان تلصو الكفصصان أعصصدت لنصا منصذ المهصد نمزقهصا الن ونرمي بها في وجه الورحوش الدميمة التي أرادت وأدنا. أرحياء نحن ،ونحب الحياة ما وراء المحتمل والمطاق. نجن الراغبون ،المتيمون ،المحترقون من الداخل ،مجانين الحب ،نقتفي الحياة بالثر ،وبالشذا ،بل وبالصدى أيضا .نتسو ل عند بابها دون أن نفقصصد شصصيئا مصصن كرامتنصصا. آه ،أية مأدبة ،ذلك الفتات الذي تتفضل برميه إلينا ! هنا صوت العرب الرحرار .أشصصقاء وشصصقيقات سصصياميون لكصصل البشصصر الرحصصرار’ ومثلهم مرشحون للقتلع والمنافي. المنفصصى الصصداخلي أول .عنصصدما نرفصصض العصصواء مصصع الصصذئاب ،والتصصصفيق مصصع المأجورين ،والنحناء مع الذلء .عندما تنحصر الهوية فصصي مكصان الزديصصاد ،والسصصم، والمعتقصصد .عنصصدما يصصصبح الختل ف مصصدعاة للقصصصاء والوصصصم بالعصصار .عنصصدما يصصصير ش القصى مكاَن العيش الورحيَد فيحكم عليك بالدوران في ميدان الشقاء العمى. الهام ُ المنفى الخارجي ثانيصصا .آه مصصن دروب المنفصى الُملّغمصصة ! وفصصي منتهصصى الررحيصل، الرض الموعودة التي تنسحب رحينا تحت أقدامك .الصدع الذي يستقر .سو ف لن تكون رحقا هنا ،ول رحّقا هنا ك .لكنك تقبل رويصدا رويصدا بصذلك وبقسصاوة تعلمصك الجديصد .تسصكن الملجأ العائم للمؤقت .و تكتشف ،فوق كل ذلك ،أنك لست ورحصصد ك ،بصصل أنصصك تنتمصصي إلصصى شعب متنقل ،قبيلة أخوية معفاة من الدّية ،ساخرة من الحدود ،مولعة بالسئلة ،مسكونة
باللنهاية ،ليصصس ل نهايصة الفصاق الجغرافيصصة ،وإنمصا لنهايصة النصوع النسصصاني المعجصون باللحم والفكر ،والذي ل يمكن النفاذ إلى كنهه إل بعين الفؤاد. هنا صوت العرب الرحرار .نتحدث إليكم مصصن مكصصان مصصا ،والصصوقت علصصى وشصصك النفاد .ذلك أننا جزء من نوع مهدد بالنقراض ،وعلينا أل نصصتردد فصصي العصصترا ف بهصصذا. فالهواء يتقلص من رحولنا وقد عّم التلوث ،والدهى بالنسبة لنا هو تلوث اللغصصة .كصصم مصصن طيور ملطخة بالبنزين عجزت عن تحريك جنارحيها في رحلوقنا .كم من ورود محاصرة بالقمامات لم تعد قادرة على تحريصصر شصصذاها عصصن طيصصب خصصاطر .وكصصم مصصن كلمصصات نبيلصصة وصادقة يتم تمريغها في الورحل ،ودفعها إلى الدعارة ،وبيعها في مزاد لفتات العلن. إننا نتمرد ضصصد هصصذا العصصي المبرمصصج رحيصصث الغايصصة الظصصاهرة منصصه هصصي توضصصيب الضمائر قبل إعدامها. لذا فإن رسالتنا ،إذا كان من اللزم أن تكون هنصصا ك رسصصالة ،تتلخصص فصصي كلمصة وارحدة :المقاومة! أجل ،إن المخاطر لتتصاعد رحتى في » بيت الروح «. إننا ندعو إلى انتفاضة النساني في النسان .يتعلق المصصر ،فصصي النصصواة المعّتمصصة للهوية البشرية ،باسترجاع ذلك الجزء المضيء الذي بذ ل العديد من المرسصصلين أقصصصى ما في وسعهم لكشفه لنا والذي عمد أسلفنا الكثر اسصتنارة إلصصى اسصتعماله علصصى أفضصصل وجه ،رحيث شيدوا أندلسات نادرة لم تعد تجتذب فصصي أيامنصصا هصصذه سصصوى عمصصاليق أرحاديصصة العين ،سهلة الضغط على الزناد ،مستهلكة جامحة للزائل وللعدم. هنا صوت العرب الرحرار .ولسباب أخلقية ،نقوم بالبث ليل ،ل نهصصارا .إننصصا نريد تشريف قََسمنا كحراس أمناء للوضع النساني .لذا علينا أل نغمض عينا ،علينا أن نبقي ملكاتنا في رحالة رصد وتيقظ ،أن نربصصي الرق ،ونرعصصى النصصار المقدسصصة ،مراعصصي الحلم ،وموهبة الرؤيا ،وأل نتوقف عن شحذ رحد الكلمة ،كي نستقبل في الوقت المناسب أمواجهصصا الملهمصصة ،وطبولهصصا الداعيصصة إلصصى العصصصيان ،وكماناتهصصا وناياتهصصا الصصتي تجعصصل الحلمات تشرئب ،وعيدانها تسّبح بخفقان الشرنقات وهي على شفا الحماسة الحيوية. سو ف نبث كل ليلة إلى غاية انبل ج الفجر .وخلفا لبصصواق الَمطَرقَصصة الصصصائتة، سو ف تتخلل برامجنا بعض لحظات من الصمت .فليس هنا ك من كلمة رحقة سصصوى تلصصك ب .فضاء وزمان العودة إلى الذات ،والمتحصصان ،والشصصك، صبها الصمت الُمستََح ّ التي خ ّ ّ الضواء الصغيرة والشراق الرورحي ،ونََفس النعمة الهارب. هكذا إذن .يد الفجر سو ف تمحو قريبا لورحة الليل الملهمة .إنها لحظصة انسصحاب سللة شهرزاد على بنان أقدامهم .وغدًا ،علينا أن نبدأ من جديد .ذلك أن السيف سيكون مرة أخرى ُمصّلطا على رقابنا .فإلى متى؟ 5غشت 2001 الترجمة :إبراهيم الخطيب
2
هل يوجد كل شيء في الكتب؟ غوستابو مارتين غارثو كتبت إسا ك دينيسن تقو ل" :أقرأ بشهية فتاة تعتقد أنها ستجد فارس أرحلمها في الكتب" .إن الدب يجعلنا نعيش رحياتنا الخاصة بشكل مكثف ونصصدخل فصصي مغصصامرات قصصد تكون في مستوى آمالنا وأرحلمنا .على اللغة الشعرية ،رحسصصب هصصذه الكاتبصصة الدانمركيصصة، أن تستجيب للشعور بالمتعة كمصصا ينبغصصي لهصصا أن تسصصتجيب أيضصصا للشصصعور بصصالواجب .أن تحب شيئا معناه أن تسيطر على رحيويته كما يفعل القناص مع طرائده ،لكنه يعني أيضا أنك تتحمل مسؤوليته .وهذا ،فصي آخصر المطصا ف ،قريصب مصن تجربصة الحصب" .استسصلم سعيد" هكذا عر ف أورتيغا إي غاسيت الحب .هذا ما يحدث لنا عندما نقرأ كتابصصا نحبصصه. إننا نلج بفضله مكانا جديدا ،مكانا سارحرا قد ل نستطيع مغادرته .نبحث ،مثل مصاصي الدماء الليليين ،عن دم ليس لنا لنقوي به رحياتنا. إن كون الكتب قادرة على تغييرنا أمر ل خل ف عليه .طبعا ليست كل الكتصصب، لكن هنا ك منها من تملك هذه القوة التي ل تضاهى .هل يوجد كل شيء في الكتب؟ أجل بشكل ما ،لن الكتب هي من الحياة .لقصصد سصصمحت إديصصت وارتصصون لنفسصصها ،فصصي مقصصدمتها لكتاب "رحكايات أشباح" ،بصأن تنصصح الكتصاب المبتصدئين قائلصة لهصم" :إذا كنصت تريصد أن تكتب رحكاية أشباح فعليك أن تحس بالخو ف وأنت تكتبها" .مصصن المنطقصصي أن تقصصو ل لهصصم ذلك ،إذ كيف يمكن لهم أن ينقلوا الخو ف للقارئ إذا هم لم يحسوا به قط؟ يحتا ج الكاتب أن يعيش التجربة ليجعلها تمر إلى القراء عبر الكتابصصة ،غيصصر أن ذلصصك ل يعنصصي أن فعصصل القراءة مثل فعل الحياة .تمنحنا الكتب صورا وكلمات ربما ساعدت أناسا آخريصصن علصصى الحياة ،ويمكنها أن تساعدنا ،لكنها ل تتماهى مع الحياة ول يمكنها أن تحل محلها. الدب مثصصل خصصزان كصصبير .تحفصصظ فيصصه كصصل العواطصصف النسصصانية ،كصصل أرحلمنصصا وأسئلتنا .القراءة تعني أن ندخل إلى هذا الخزان ونختار منه مصصا نحتصصاجه .القصصارئ يعيصصد إلى الحياة ،عبر فعل القراءة ،ما أخذه منها الكاتب لتأليف كتبصصه وبصصذلك تكتمصصل الصصدائرة. كتب بيرنار شلينك رواية ،تحولت رحديثا إلى فيلصصم ،تعتصصبر اسصصتعارة لكصصل هصصذا .عنوانهصصا "القارئ" وتحكي قصة مراهق تعصصر ف علصصى امصصرأة تكصصبره بضصصعف عمصصره وبصصدأ معهصصا علقة غرامية .وخل ل لقاءاتهمصصا الجنسصصية كصصانت تطلصصب منصصه أن يقصصرأ لهصصا الكتصصب الصصتي يدرسها في مقرراته الدراسية .يقرأ الفتى فتعود كلمات هذه الكتب إلى الحياة على شكل مداعبات وقبل رحارة .هكذا سيتأثر الفتى إلى البد بهذا المز ج المقلق. المكتبات هي مثل مغارة علي بابا ،وتاريخ الدب هو تاريخ كيفيصصة تراكصصم هصصذه الغنائم السرية التي ل تنضب .القراءة هي تعلم النطق بالكلمصصات الصصتي تصصدخلنا إلصصى هصصذه الغنائم وتنقدها من النسيان .كلمات الشعر لها هذه الخاصية العجيبة وتنتمي فصصي الصصوقت ذاته إلى عالم الواقع وإلصى عصالم الرحلم .إن الشصعر يحملنصا إلصى المصاكن الصتي نحلمهصا والتي فيها ترقد الكنوز ،و يمكننا ،في الن نفسه ،من العودة منها بأكيصصاس مملصصوءة .مصصا جدوى وجود كنز إذا لم تكن هنا ك إمكانية سرقته؟ ل معنصصى لكنصصز بصصدون مكصصان واقعصصي يمكن أن يؤخذ منه أو يوزع فيه .هذا المكان الواقعي هو رحياة كل قراء العالم. يقدم خورخي لويس بورخيس في قصيدة المنن شكره على تنوع المخلوقات المشكلة لهذا الكون .يشكر وجه إلينا ومثابرة عوليس؛ يشكر الحب الصصذي يجعلنصصا ننظصصر
3
إلى الخرين كما ينظر إليهم اللهة؛ يشكر صوفية أنجيلصوس سيليسصصيوس؛ يشصصكر اليصوم الخيصصر لسصصقراط؛ يشصصكر ذلصصك الحلصصم السصصلمي الصصذي شصصملته ألصصف ليلصصة وليلصصة؛ يشصصكر سودينبورغ الذي كان يحادث الملئكة في شوارع لنصدن؛ يشصصكر خطصوط النمصر؛ يشصكر اللغة التي يمكن أن تتصنع الحكمة؛ يشكر الحلم والموت ...كل هصذه المنصصن تشصكل كتابصا وارحدا :كتاب ل ينبض ،وفيه تمتز ج اللغة بالحياة .الكتب مكونصصة مصن الكلمصات ،ورحياتنصصا أيضا .أن تكون إنسانا يعني أن تعيصش فصي اللغصة ،أن تتوصصل بهصذه المنصن الصتي أغلبهصا تمتز ج مع الكلمات .قا ل ستيفان مالرمي إن العالم خلق ليبلغ دروته فصصي كتصصاب جميصصل، ونعيش محاولين جعل رحياتنا تتحو ل إلى رحكاية يجذر الستماع إليها. عندما أدعى لعطاء محاضرات في مؤسسات التعليم الثانوي أقصصو ل للتلميصصذات والتلميذ أنه ل يمكنهم الفلت من الدب مهما رحاولوا .ل يهم أنهم ل يقرؤون أو أنهصصم لم يفتحوا كتابا قط ،لن الدب ،الشعر ،جزء منهم .بصصل أكصصثر مصصن ذلصصك ،لصصه علقصصة مصصع التجارب الكثر مصيرية في رحياتهم ،مع لحظات الرحتفصصا ل والمتعصصة الصصتي يسصصعون إلصصى تحقيقها .الحب ،مثل ،تجربة من هذه التجارب .الحب يقع في العالم ،إنه تجربة تنتمصصي إلى مجا ل ما هو واقعي ،لكنه في الوقت نفسه تجربة شعرية .إن اللحظصصات الكصصثر قصصوة في رحياتنا هي ذات طبيعة مزدوجة :تقع في العالم الواقعي وفي عصصالم الرحلم .الوسصصيلة الورحيدة للهروب من الدب ،كما أقو ل دائما لجمهوري مصصن الشصصباب ،هصصي التخلصصي عصصن الحياة أو العيش بطريقة مبتذلة ،وهو شيء ل يتمناه أي وارحد منهم .لذلك أشجعهم علصصى القراءة لن الحياة تكون جديرة بأن نعيشها فقط عندما نهيئها كما تهيأ الكتب الجيدة. ماذا تقو ل لنا هذه الكتب؟ شيء بسيط جدا :يمكننا أن نأتي بأشصصياء مصصن الرحلم. كتب كوليريد ج قصيدة يحلم فيها شاعر بحديقة خرافية كل شيء فيها كامل .وبينمصصا هصصو يتجو ل في ممراتها لمح رحقل من الورود فقطف منه وارحدة دون سبق انتبصصاه .لكصصن شصصيئا ما رحدث فوجد نفسه ،فجأة ،نائما في غرفة وسخة بإرحدى الفنادق البسيطة .ففهم مخذول أن تلك الحديقة إنما كانت موجودة في خيصصاله ،وعنصصدما رحصصاو ل أن يعصصود إلصصى النصوم رأى فوق الطاولة الوردة التي قطفها من الحديقة منذ لحظة .يمكن أن تكصون الحديقصة رحلمصصا، لكن هل أخذ منها وردة؟ هل هذا ممكن؟ الدب يقو ل بأن ذلك ممكصصن .والقصصصيدة نفسصصها خير دليل على ذلك .لكن كوليريد ج ل يكتفي بصصالحلم بمكصصان عجيصصب ،بصصل يكتصصب قصصصيدة يمكن أن نقرأها .هذه القصيدة وردة ،وردة من كلمات .قصصراءة القصصصيدة جولصصة فصصي تلصصك الحديقة الجذابة ،استنشاق لنكهاتها .أن تقصرأ القصصصيدة معنصصاه أن تحمصصل وردة الحلصصم بيصن يديك. ل نقرأ لننا نريد أن نهرب من العالم ،ول بغيصصة اسصصتبداله بصصآخر صصصنعناه علصصى مقاس متمنياتنا ،بل نقرأ لنكون واقعيين .تلك هي الغاية القصوى لكل الكتب الموجصصودة. "أريد أن أكون واقعيا!" هصصذا مصصا يقصصوله بتعجصصب كصصل قصصراء العصصالم عنصصدما يفتحصون كتابصصا جديدا .ومن المفارقة أن هذه المنية هي في رحد ذاتها الحلم الكثر غفوا وجمال. الترجمة :حسن بوتكى
4
الغوص أيضا كرستينا ريفيرا غارثو لو لم تْجَنح ،لما كن ُ ت خرجت من أرحشائها قصط .إن كلمصة "قصط" ليسصت طويلصة، لكنها الكلمة المناسبة في هذه الحالة .ما كن ُ ت خرجت قط من هنا ك .ورحتى أقو ل الشصصيء نفسه بعبارات أخرى يمكن أن أسجل "ما كن ُ ت بقيصصت هنصصا ك إلصصى البصصد" .دون إرحسصصاس بالزمن أو بانقضائه ،تقل أهمية "قط" أو "البصد" بشصكل رحاسصم .لكصن الحيتصان جنحصت، فاغتنمت مصصا أرحصصدثه الصصصطدام مصصن ثقصصوب بيصصن تشصصكيلت مادتهصصا القرنيصصة الصصتي ُتسصصمى ت .كنت مضطرا لذلك .لو لم أكصصن مضصصطرا لخصصر ج ،لكنص ُ شعيرات ،وخرج ُ ت مصصا أزا ل هنا ك ،بداخلها .رحيا. اعتد ُ ت أن أراقبها عن بعد .أتخذ لنفسي مكانا في أعلى طابق في البر ج وأنظصصر إليها من بعيد .أرحيانا أمشي رحتى أبلغ الرصيف الصخري ثم أقف فصصوق أعلصصى صصصخرة. الطحلب تحت قدمّي :أخضر فاقع .كان ذلك هو افتتاني الخاص :أراقصصب بانتبصصاه إلصصى أن تظهر ،قبيل خط الفق ،فّوارة المصصاء أو الظهصصر الصصذي بالكصصاد يصصبرز فصصوق سصصطح البحصصر. كانت تعطيني ،كلما صعدت من أرحشاء المحيط ،انطباعا بأنهصصا تنصصز ل أيضصصا مصصن سصصماء رائعة أو خيالية .زرقاء تماما ،أو رمادية تماما .أو خضراء بالكامل .وْرحدة واِرحصصدة .فصصي الحقيقة ،كان ثمة دائما لون رمصادي .نوعصا مصا زئبقصي وعصصبي .شصيء علصى وشصك أن يررحل .مبالغة صريحة .كنت أعيش خل ل تلك الفصو ل الشتوية التي كانت تمر خللهصصا قريبا جدا من الشاطئ كي تجعلني أرحلم .فأتصور أنني أرافقها ،وجسصصدي البشصصري تصصائه بين عظامها الكثيرة مثل كل الثدييات .أتصور أننصصي أركبهصصا ،كمصصا لصصو أن ركوبهصصا كصصان شيئا ممكنا .كما لو أن البحر كان سهل منبسطا. أيضا.
ك في عدة اتجاهات غير واضحة .والغوص السباحة تح ّر ٌ
كانت تعجبني دائما اليام الغائمة والماطرة؟ .أظن أن هذا المر يفسر شيئا ما. عادة مصصا يفررحنصصي المطصر .عنصدما يحتمصي العصصالم بكصامله فيمصصا يشصبه الضصصوء المعصاكس، يروقني ذلك إلى رحد الجنون أو الموت .السلوب غير المباشر .السصصطح المائصصل .وبينمصصا يشتكي الخرون من الجو الغائم أو قلة رحرارة الشمس ،كنت أتمشى عادة بحماس رحيصصن أقوم بذلك ،رحرفيا ،بين السصصحب .كآبصصة السصصحابة كصصانت تتحصصو ل ،فصصي بعصصض اليصصام ،إلصصى ضباب .أظن أنني بحثت طوا ل رحياتي عصصن مكصصان كهصصذا :مكصصان معتصصم ،رطصصب ،ومصصرن. كهف أو وشوشة أو شيء من هذا القبيصصل .علصصى أي رحصصا ل ،كنصصت دائمصصا أفضصصل أن أفكصصر لورحدي ،وورحيدا كنت أتابع صيرورة أفكاري وهصذياني .الن ،وأنصا أكتصب ذلصك بالمصداد على صفحة قرطاس أبيض ُجلب بالتأكيد من الشرق ،فإنني مقتنع أنني كنت أود طصصوا ل رحياتي أن أكون داخل جسد رحوت من الحيتان. قرأت ،مثل الجميع) Storia de un buratino ،رحكايةُ َكَركوز( .ولعل من
5
الدق ،مع ذلك ،أن أقو ل إنني بالرحرى سصصمعتها ،مثصصل الجميصصع ،مصصن شصصفاه المهصصات أو الباء تحديدا في بداية ليا ل مضطربة جدا .فقط بعد سنوات كصصثيرة عرفصصت ،بشصصيء مصصن القلق ،أن المر يتعلق بكتاب رحقيقي :مجموعة من النصوص نشرت بين سصصنتي 1882 و 1883على صفحات إرحدى الجرائد اليطالية .ابتكر كاْرلو لوريْنزو فيليبو جيوفصصاني لورينزيني ،الذي اشتهر باسم كاْرلو كولودي ،شخصية جيبيتو وذلصصك الَكَركصصوز الخصصر الذي كْنتُهُ أنا دائما .شيء من الخشب والفولذ .شيء ليعبر وجهه عن أي شصصيء .ذلصصك الشخص الذي كان يبحث ،كما في رحكاية الطفا ل ،عن نوع من المصالحة أو الهصصروب ي داخل العضاء الدافئة لجسد عظيم .مع مرور الوقت درست بنيته الداخليصصة .كصصان لصصد ّ وقت فائض .واهتمام زائد .كانت لدي عينان ،لكني كنت أملك بالخصوص أنفا وصصصوتا ويدين .ورحتى أطفو فوق الماء كنصصت أتصصوفر علصصى طبقصصة ذهنيصصة تحصصت الجلصصد .ولتنفصصس كانت لدي رئتان وقصبتان .كانت لدي زعنفة في الظهر ،وأخرى في الذيل .وذكريصصات أسلفي فوق اليابسة تظهر في العناصر العظمية على شكل أصابع .تتراوح مدة الحمصل س عدة أضصصلع .القلصصب .الكبصصد. بين تسعة وستة عشر شهرا ،هذا ما تعلمته هنالك .وتقّو ُ المثانة .القوة على تحمل التنفس أثناء الغطس العميق .مدة عشرين أو أربعين بصصل رحصصتى خمسين دقيقة .فيتجدد الوكسيجين بنسبة 80أو ٪ 90عند كل عملية استنشاق .تمكنت من تحديد مكاني بالضبط داخل جسده :قريبا جصصدا مصصن أنبصصوب التنفصصس ،وبالتحديصصد عنصصد النخفاض الضغطي رحيث يختلط الماء بالهواء قبل أن يتدّفق ف صّوارا ص ص عنيفصصا ،عموديصصا، وسريعا ص نحو الهواء .هذا ما تعلمته. وبد ل أن تتغير عاداتي ،صارت ،في الحقيقة ،أكثر صفاء .كّيف ُ ت نظام تنفسصصي مع نظامها ،شهيقا وزفيرا ،وفقا لليقاع القوي لنبوب تنفسها .أتغذى مثلهصصا علصصى علصصق البحر الذي يعلق بذقونها .كنت أرحمل معي متاعي القليل ،قصصرب جسصصدي .أقصصراص ضصصد نزلت الروماتيزم ،مثل .أو المصباح الصصصغير الصذي أسصتطيع بواسصصطته أن أقصرأ أثنصصاء فترات الغطس الطويلة في العماق .اسصصتغني ُ ت عصصن كصصل الكتصصب لرحتفصصظ بكتصصاب وارحصصد. الكتصصاب .كنصصت أقصصرأه مصصرات ومصصرات .وأكتفصصي بقراءتصصه .كتصصاب صصصغير ذو غل ف مصصن البلستيك .أرحيانا ،وبدافع السرور ،كنت أرفع صوتي .أصصصيح .أعصصوي .أزعصصق .أدمصصدم. فيجيبني الصدى بدقة سرعان ما اعتدت على أن أسميها دعابة .كنت أغني معها .أنتبصصه لخفقات قلبها التي ل تعد ول تحصى .إنني ل أكذب رحين أكتب هنا أننصصي كنصصت ،وقتئصصذ، إنسانا سعيدا. لقد رحاو ل الكثير من الناس تفسصصير سصبب جنورحهصا إلصى الشصصاطئ .بعضصصهم يلصوم البنية الجتماعية للقطعان :يكفي أن يضل رحوت مسيطر طريقه كي تتبعه كل الحيتصصان الخرى ،ساذجة ومذعورة .ويلقي البعض الخر بالمسؤولية على الصيادين ،الذين تفر منهم الحيتان فقط لتجد نفسها في َشَر ك مياه الجْزر ،وربما في الشاطئ .أمصصا المصصدافعون عصصن البيئصصة فيظنصصون أن أعصصداء الحيتصصان الحقيقييصصن هصصي المنصصاورات البحريصصة وأجهصصزة السونار .الكيد أنه ما من شيء أكثر رحزنا في الحياة من رؤية أجساد الحيتان الجانحة. موتها البطيء .تلك الطريقة التي تجت ّ ف بها أجسادها تحت أشعة الشمس .استسلمها.
6
أيضا.
ك في عدة اتجاهات غير واضحة .والمشي السباحة تح ّر ٌ
علوة على أشعة الشمس ،ما يزعج أكثر هو الضجيج .فصصي الحقيقصصة ،ل وجصصود لصمت البحر ،لكن الصوات تحت الماء ،وخصوصا داخل أجسصصادها ،كصصانت لهصصا قصصوة مختلفة .ينتشر الصوت بسرعة أكبر في الماء من الهواء .إن السوائل ،الصصتي هصصي أكصصثر كثافة ،وغير قابلة للنضغاط ،فوق ذلك )ل تتغير كثافتها كصثيرا تحصت الضصغط( تجعصل قوة الصوت تخف بحدة أقل .يبدو أن كل شيء يستمر هنا ك في العماق ،هذا مصصا أريصصد قوله .قليلة هي الشياء التي يبدو أن لها نهاية. لكن هذا المر موجود .النهاية .يوجد الطرد .يوجد الخرو ج على أربع من بيصصن شفتي ميت .ويوجد السكون ،إذا كان ممكنا ،في الحقيقة ،أن يوجد شيء من هذا القبيل. في الرسوم التزيينية الصصصلية الصصتي أنجزهصصا إْنريكصصو مصصازاْنتي ،يبصصدو الَكَركصصوز ورحشصصا أكصصثر منصصه طفل .ابتسصصامته تبعصصث علصصى الخصصو ف والريبصصة .عينصصاه تبصصدوان كأنهمصصا تنفتحان على عالم فظيع ،يعج بالمخاطر أو الطحالب أو الشياء المكسرة في وسصصطها. أظن أن هذه الوصا ف يمكن أن تنطبق علصّي عنصصدما أكصصون فصصوق سصصطح الرض .أظصصن أنني هكذا أرى نفسي ثوان قبل أن أغطس من جديد. الترجمة :سعيد بنعبد الواحد
7
دوميْنغو بيياْر خوف .1 :إرحساس بالقلق أمام أذى رحقيقي أو وهمي. .2رحذر أو توجس من إمكانية رحدوث شيء مخالف لما نرغب فيه. ص رحدث ذلك قبل عدة سنوات ،سيدي المفتش ص قا ل ماْركوس باْلبيْردي ص .بالكصصاد التقينا بعد ذلك. كان يرتصصدي بذلصصة سصصوداء وربطصصة عنصصق .كصصان كاْلصصدا ْ س يتسصصاء ل إن كصصان يضصصع الربطة بمناسبة الجنازة أم أن ذلصصك هصصو لباسصصه المعتصصاد .كصصان رجل نحيفصصا ،غيصصر طويصصل القامة .شعره أسود ،طويل وكثيف ،مسّرح إلى الوراء .وبالرغم من أن ْترابصصاثو أخصصبره أن َكْسطيلو ،وآْريا ْ س وباْلبيْردي كانوا في نفصس السصن عنصدما غصرق مركصب شصوريلو، كان ماْركوس باْلبيْردي يبدو أكثر شبابا مصصن الخرْيصصن .لصصم تكصصن علصصى وجهصصه التشصصققات التي تحدثها فيه الساعات الطوا ل في البحر ،فقصصط شصْيب صصصدغيه كصصان ينصصم جزئيصصا عصصن سنه. ص إذا كانت صداقتكم متينة ،فلماذا انقطعت لقاءاتكم؟ ص ل أعر ف ما أقو ل لكم .إنه أمر عادي ،ل أقل ول أكثر .أظن أنه رد فعل آلصصي كي ل نستمر في تذكر تلك الليلة المشؤومة باستمرار. ص هل يزعجك أن تحكي لي ما وقع؟ ص عندما غرقنا؟ ْ أومأ كاْلدا ْ س موافقا فتنهد بالبيْردي ليستجمع قواه. ص رحدث ذلك ليل ص بدأ قائل ص .كان كل شيء مظلما .والبحر هائج .الموا ج تمصصر فوق سطح المركب .كنصصا مضصصطرين لنصصصيح كصصي نسصصمع بعضصصنا .كصصان القائصصد فصصي دفصصة المركب ،يبذ ل كل ما في وسعه كي ل يضل الطريق. ص أين كنتم متجهين؟ ص قاطعه ِليو كاْلدا ْ س. ص في طريق العودة إلى باْنْكسون ،كنا على مقربة من جزيرة ساْلفورا. ص هذه النقطة بعيدة عن مكان تواجدنا ،لماذا لم تبحثوا عن ملجأ؟ ص من الجدر طرح هذا السؤا ل على القائد ص قا ل باْلبيْردي هامسا ص .لكن السصصبب أظن هو أن العنبر كان ممتلئا .كانت ثاني ليلة ،ونهايصة السصصبوع قريبصصة .لصصم يكصصن القائصصد يرغب في أن يتعفن السمك على ظهر المركب. ص فهم ُ ت ...وماذا رحدث؟ ص رحدث كل شيء بسرعة .أمرنا القائصصد وهصصو يصصصيح أن نتمّسصصك بقصوة .ثصصم ُسصصمع دوي مخيف ،كما لو أن الرض قد انشقت .ظل المركب واقفا لحظة فوق ش ّ ط رملي ثم ما ل بعد ذلك .قبل أن ندر ك ما وقع كنا وسط الماء ،وعندما أضصصاء الصصبرق البحصصر ،كصصان س وكصصان علينصصا أن نجتصصاز مْلِطصصم مركب شوريلو قد اختفصصى .رحينئصصذ سصصبحنا كمصصن بهصصم مص ّ الموا ج كي نصل إلى الشاطئ. صدر النجاة؟ ص هل كنتم تلبسون ُ
8
ص كنا قريبا ،لكن من دونها ما كنا استطعنا بلوغ اليابسة .أمرنا القائد أن نرتديها دقائق قبل أن نغرق. ص وهو ،ألم يرتد صدرية النجاة؟ ص قّدم له روبيو وارحدة ،لكني رحين رأيته لخر مرة كان متشبثا بالدفة ،ولصصم يكصصن يرتدي صدرية نجاة. أومأ كاْلدا ْ س موافقا في وقار. ص كان هّم القائد الورحيد هو أن يوجه المركصب ،دون أن يفكصصر رحصتى فصي نفسصه صص أضا ف ماْركوس باْلبيْردي ص .هكذا كان القائد سصصوزا ،رجل بكصصل مصصا تحمصصل الكلمصصة مصصن معنى .وكذلك ظل رحتى النهاية. ص ألم تروه مرة أخرى على قيد الحياة؟ نقر باْلبيْردي لسانه ليؤكد أنهم لم يروه مرة أخرى. ص ماذا رحدث بعد ذلك؟ ص كنا منهكين ،كدمات ورضوض تعلو أجسامنا ،ونحن نموت مصصن شصصدة الصصبرد، لكن ما إن بلغنا الصخور رحتى بدأنا نسير باتجاه الضواء .آْريا ْ س وأنصصا كنصصا نمشصصي فصصي صمت .لم يكف روْبيو عن البكاء .بعد ذلك ،طلع النهار ونقلونصصا إلصصى بيوتنصصا .لصصم يظهصصر القائد سوزا إل بعد بضعة أسابيع .وقعت جثته في شرا ك ُعّدة مركب للصيد. ص أعر ف ذلك ص قا ل كاْلدا ْ س ص .وماذا رحدث بينكم أنتم الثلثة ،بين البحارة؟ هز ماْركوس باْلبيْردي كتفيه. ص سلك كل وارحد منا دربا مختلفا في الحياة .ظل روْبيو يمارس الصصصيد ،وغصصادر آْريا ْ س القرية أما أنا فتجاوزت محنتي كما استطعت. ْ ألقى كالدا ْ س نظرة من رحوله ،على خطصصوط الصصصالة المسصصتقيمة ،وعلصصى النافصصذة الزجاجية المطلة على خليج البحر. ص إن وضعك ليس بالسيء. ص ل تنخدع بما تراه ،سيدي المفتش .لم أسكن دائما فصصي منصصز ل كهصصذا .لصصم يمصصن علّي أرحد بشيء مما أملك. ْ ص ل أشك في ذلك ص أكد ِليو كالدا ْ س. ص هل أستطيع أن أطرح عليكم سؤال ،سيدي المفتش؟ ص تفضل. ص لماذ تحققون في انتحار بّحار؟ ص إجراء روتنيي ص قا ل كاذبا. لم يصدق باْلبيْردي الكذبة. ص أيأتي شرطيان من بيغو فقط من أجل إجراء روتيني؟ ص تلك هصصي البيروقراطيصصة صص أكصصد كاْلصصدا ْ س ،ثصصم غيّصصر الموضصصوع صصص .هصصل تعلصصم أن خوْستو كاْسطيلو تعرض لمضايقات؟ ص سمعت شيئا كهذا .كتبوا تاريخ الغرق على الزورق .أتقصدون هذا المر؟ أكد له كاْلدا ْ س ذلك. ص ها أنتم ترون أنه من الصعب إخفاء المور هنا ص أكد باْلبيْردي. ص وبالقرب من التاريخ كتبوا كلمة ص كشف ِليو كاْلداس.
9
ص أية كلمة؟ ص قََتلة. ص كيف؟ ص سأ ل ،لكن تعابير وجهه كانت تنم على أنصصه ليصصس بحاجصصة ليسصصمع ذلصصك ثانية.
ص قََتلة ص قا ل المفتش مكررا ،على أي رحا ل. وبما أن ماْركوس باْلبيْردي ظل واجما ،فقد سأله ِليو كاْلدا ْ س: ص ألم تكن تعلم ذلك؟ نفى باْلبيْردي المر. ص وهل لديك فكرة عمن يمكن أن يكون صارحب تلك الكتابة؟ ص ل. ص ولم تر كتابة شبيهة من رحولك... ص من رحولي؟ ص في بيتك ،في سيارتك ،في مكتبك... ص طبعا ،ل. ص ولم ُيذّكر ك أرحد مؤخرا بتلك الليلة؟ ص ل أرحد غيركم. ص ولم تشعر كذلك أنك مهدد؟ ص في عملي يجب أن يكون المرء رحازما ،سيدي المفتصصش .كمصصا هصصو الحصصا ل فصصي عملكم .ل يمكنني أن أرضي الجميع. ْ ص لم يكن ذلك قصدي ص قا ل كالدا ْ س ص .أظن أنك تعلم أن هنا ك من يؤكد أنصصه رأى القائد سوزا. ْ ابتسم بالبيْردي بمرارة ثم نفخ بقوة بين أسنانه. ص قل لهؤلء إنني أنا أيضا رأيته ،سيدي المفتش .رأيته يمسك الدفة ويصيح بنصصا أن نتمّسك بينما المركب ينشق وسط العاصفة .ل أعر ف من له مصلحة في تصصذكر ذلصصك الكابوس. ص هل يمكن أن يفكر خوْستو َكْسطيلو بطريقة مختلفة؟ ْ ص لقد رآه الروبيو وهو يغرق .مثل آْريا ْ س .كما رأيته أنا ص قا ل بالبيْردي ،ثم ظل صامتا ،ينظر إلى الرض. ُ ص لكن َكْسطيلو كانت معه عدة تمائم ،من تلك الصصتي تسصصتعمل ليحمصصي بهصصا المصصرء نفسه ...ص وأبى أن يكمل الجملة. ص ليحمي المرء نفسه من أي أرحد؟ هز كاْلدا ْ س كتفيه. ص الخو ف رحر ،سيدي المفتش. ص وأنت لست خائفا؟ ص لقد عانيت كثيرا .ولكثرة ما عانيت لم أعد لقترب من البحر مرة أخرى .منذ أكثر من اثنتا عشرة سنة لم أبلل رحتى قدمّي في الشاطئ .أيبدو لكم هذا خوفا كافيا؟ ص ليس هذا قصدي. ص أتظن أنني قد أشعر بالخو ف من أمر آخر؟
10
لم يكن ِليو كاْلدا ْ س يعر ف ما هو. ص ل أظن. الترجمة :سعيد بنعبد الواحد
11
ْخواْن بيْدرو أّبريثيو أربع قصص كّمية الخيانة يتسلق الطفائي إلى أعلى سلم الغاثة .المرأة ،امرأة شصصابة ،تمصصد لصصه يصصدها مصصن كوة النافذة وهي تسعل وتبكي .عيناها زرقاوان وشعرها قصير" .هل معِك أرحد ما؟" ص ص يسألها الطفائي ،بينما يحاو ل أن يشدها بحزام .يبصصدو أنهصصا لصصم تفهصصم سصصؤاله فتنظصصر إليصصه شاردة ،نظرة فيها ،علوة على الهلع ،شيء مصصن الفضصصو ل والدهشصصة ،وكأنهصصا تسصصتغرب لمعرفته في مثل هذا الموقف الحر ج" .ل أرحد .ل أرحد ص تقو ل أخيصصرا صصص .إننصصي لورحصصدي". ينتهصصي الطفصصائي مصصن شصصدها بصصالحزام فتحيطصصه بصصذراعيها .ثصصم يبصصدآن النصصزو ل معصصا وهمصصا متشابكين بقوة .رحينئذ يلرحظ أنها بالكاد تتنفس ،بعد أن سممها الدخان الذي مل رئتيهصصا. "هّدئي من روعك" ،قا ل لها ،وبينما هو ينز ل بحذر ،وبسصصرعة ،تخيّصصل كيصصف يمكصصن أن تكون رحياته إلى جانبها ،بكل ذلك الجما ل والعذوبة ،إذ قبل أن يدركا الرض صرح لها بحبه وتزوجا ورزقا أطفال وكانا سعيدين .لسوء الحظ ،لم تستطع المصالح الطبية التي تنتظرهما في السفل القيام بأي شيء لنقاذ رحياتها وعنصصدما وصصصل الطفصصائي إلصصى بيتصصه وأبدت زوجته اهتمامها به شعر أنه لم يعد يحبها ،وأنه خانها مصصع امصصرأة أخصصرى ،فقصصرر أن يطلب منها الطلق. عن مجموعة نصيب الشيطان.2006 ، رسالة بل جواب قصالت إرحصدى الصصديقات معلقصة وهصي تنظصر إلصى وجههصا فصي المصرآة" :ل أرحصد يناديني بالجميلة ،لصصذا أقصصو ل ذلصصك لنفسصصي عصصدة مصصرات لرفصصع مصصن هّمصصتي" .خطصصر علصصى صوفيا ،التي لم تتوصل قط بأيصة رسصالة رحصب ،أن تبعصث لنفسصها بوارحصدة ،تكتبهصا بخصط يدها ،وتحمل توقيع روبيْرطو روْبليس الذي ابتكرْتهُ ويسكن في ِبياْلبا .ولضصصفاء مزيصصد من الواقعية على ذلك ،ركبت قطار الضوارحي ووضعت الرسائل في صصصندوق رسصصائل تلك البلدة .وبتلك الطريقة توصلت بعصصدة رسصائل ،رسصصالة كصل أسصبوع تقريبصصا .كصان مصن اللزم رؤيتها وهي تفتح بتوّهم الظر ف وتقصصرأ ورقصصة أو ورقصصتين مكتوبصصتين بخصصط اليصصد، وبحرو ف مستقيمة وثابتة ،ل تميل ذات اليمين ول ذات الشما ل. أرحيانا ،تحدث نقاشات بينها وبين روبيْرطو ،بل ويغضبان من بعضهما أيضصصا، كما يحدث بين كصصل الزيجصصات مصصن العشصصاق .كصصان روبيْرطصصو يصصصر علصصى أن يصصذهبا إلصصى بينيدوْرْم مدة أسبوع فتجد ضد ذلك أعذارا ،رغم أنها ترغب فصي المصر .تقصو ل لصه إنهصا ليست متأكدة من أن إقامتهما معا في غرفة وارحدة لمدة أسبوع فكرة جيدة .لكنهصصا كصصانت تحصصاو ل أن تكصصون وديعصصة ومقنعصصة لنهصصا ل تريصصد أن تفقصصده أو أن تغضصصبه ،لكصصن علصصى روبيْرطو أن يفهم أن علقتهما ليست بالطويلة كي تسمح لها بالعيش معا مدة أسبوع.
12
وبينما هما كذلك ،لم تصل رسصصالة روبيْرطصصو الخيصصرة .انتظصصرت مصصدة أسصصبوع، عشرة أيام ،شهرا ،ثصصم رفعصصت شصصكاية لمصصصالح البريصصد ،لكصصن الرسصصالة لصصم تصصصل نهائيصصا. شعرت بإهانة كبيرة بسبب الصمت" .ماذا يحسب نفسه؟" ص قالت لرحدى صديقاتها. ولم تكتب إليه مرة أخرى قط ،لنها لن تنحط إلى أدنى من ذلك. الرائعة كان الثلثة يتقاسصصمون الزنزانصصة .الو ل طويصصل وذو عينيصصن سصصوداوين ،والثصصاني ضخم البنية وعصبي المزا ج ،والثالث نحيصصف ورعديصصد .رحكمصصت عليهصصم محكمصصة شصصعبية بالعدام .هذا كل ما كصصانوا يعلمصونه ،لن المحكمصصة لصم تكلصف نفسصها رحصصتى عنصاء قصصراءة الحكم على مسصصامعهم بصصل ولصصم تحصصدد موعصصدا لتنفيصصذه .مصصن رحيصصن لخصصر ،كصصانوا يسصصمعون أصوات الوامر الموجهة لفصائل تنفيذ العدام القادمة من أرحد أفنية السجن ثصصم بعصصدها مباشرة طلقات البنادق. مرت اليام فتغلغلت رتابة الموت في أجسادهم مثصصل رحمصصى تجعلهصصم فصصي رحالصصة هيجان كبير .كصصان أضصصخمهم جسصصدا يلحصصس أرحيانصصا رحجصصارة الحصصائط بحثصصا عصصن مصصذاقات، ويركز أنحفهم على أشكا ل الحائط كما كان يفعصصل لييونصصاْردو بحثصصا عصصن اللهصصام ،رحسصصب قو ل البعض .أما أطولهم قامة فكصان يكتصب روايصة .لكصن ،بمصا أنصه لصم يكصن يتصوفر علصى قرطاس ،أو ريشصصة ،أو طبشصصورة ،أو أي أداة مصصن أدوات الكتابصصة ،فقصصد كصصان يقصصوم بصصذلك ذهنيا؛ يبني الكلمات بعناية ،يصححها ،يقرأها بصوت مرتفع ،ويناقشها مصصع رفيقيصصه ثصصم يعيد تصحيحها. هكذا ألف روايصصة تتجصصاوز ثلثمائصصة صصصفحة ،ثلثمائصصة وثلثصصة وثلثيصصن صصصفحة بالتحديد ،وكل صفحة تضم ثلثين سصصطرا ،رحسصب إرحصصائياته الذهنيصصة الدقيقصة .بعصصد أن رحفظها عن ظهر قلب ،قرأها على رفيقيه أكثر من مرة .لكن مرت اليام ولم ُينفصصذ فيهصصم الحكم ،وبما أن تلك القراءة كانت تستهويهم ،فقد تل عليهم الرواية عدة مرات رحتى أن أضخمهم استطاع أن يحفظهصصا بصصدوره عصصن ظهصصر قلصصب ،مصصع إبصصداء بعصصض التصصصحيحات والمقتررحات ،التي كصصان يأخصذ بهصا مؤلصصف الروايصة .فخطصصر عليهصصم ،رحينئصذ ،أن يحفظصوا جميعا الرواية عن ظهر قلب ،رحتى ينسخوها على الورق عندما تسمح الظصصرو ف بصصذلك فلربما ينجو وارحد منهم من رحكم العدام .،وكان الثلثة ُيجمعون على أنها أرحسن رواية كتبت في كل الزمنة. تحسنت الرواية أكثر مع توالي القراءات والتصحيحات ،لدرجة أنه ،رحين أتصصوا يبحثون عنهم ،لم يكن أي وارحد منهم يشك في أنها عمل أدبي رائع. ذات يوم أخذوا أطصصولهم قامصصة؛ وفصصي يصصوم آخصصر ،أخصصذوا أضصصخمهم جسصصدا؛ لكصصن ثالثهم ،النحيف الرعديد ،استفاد من العفصو .لصصم يسصتطع قصصط أن ينسصصخ الروايصة .ذاكرتصصه، المليئة بالثقوب مثل الحائط الذي تنها ل عليه طلقات بنادق العدام ،كانت عصصاجزة علصصى أن تقدمها له كاملة .بل إنه كان ل يستطيع رحتى إعادة تركيب الحبكة كاملصصة .ومصصع ذلصصك كان يؤكد أنها عمل رائع ،أرحسن رواية ُكتبت في كل الزمنة .وهكذا ظل مصرا دائمصصا على رأيه ،رحتى بعد مرور ثلثين سنة عن تلك الرحداث.
13
تذّكر نهائي أدر ك فورا أن المظلة لن ُتفتح .لكن ،نظرا للعلو الشصصاهق ،فصصإنه سصصيتأخر بضصصع دقائق قبل أن يرتطم بالرض .كصصان شصصابا صصصغيرا رحصصتى أنصصه لصصم يكصصن لصصديه الكصصثير ممصصا يتذّكره من رحياته الماضية بينما يأسف لضياع تلك الحياة التي لن يكتصصب لصه أن يعيشصها. رحينئذ رحدث في ذهنه تغير سرعة مفاجئ .لم تكن له خطيبة ،لكنه تعر ف علصصى فتصصاة فصصي المسبح وتزو ج بها .رزقا أطفال .أصبح الكصصبر جنصصديا مثلصصه .وصصصار الصصصغر ،بشصصكل مفاجئ ،كاتب سيناريوهات تلفزية .ونجصح فصي رحيصاته .كصان لصه رحفيصدان اثنصان ل غيصر، واسمهما دانييل وأديل ،وهما اسمان غير مألوفين في التقاليد العائلية .فقط كصصان يحزنصصه أنه لن يعيش بما يكفي ليحضر زفا ف رحفيدته ،رغم أنه ،بحكصصم الشصصيخوخة ،تعصصود علصصى الموت كما لو كان رحيوانا أليفا .ورحين ارتطم جسصصمه بصصالرض ،كصصان قصصد تجصصاوز الثالثصصة والثمانين من عمره. الترجمة :سعيد بنعبد الواحد
14
سَرار كْبرى الشعُر ُمستوَد ُ عأ ْ محمد بنيس أْنشَدت البشرية الشْعَر ،منذ القَِدم ،وهي تستكين فيه إلى ما يْختفي وراَء الكلمات ،هواءً س ،علصى الصدوام، يتحر ك من نَفس إلى نَفصس ،مصن دون استْئصصذان .فصي الشصعر كصان النصا ُ صصصلون. ُيحّسون بكْوٍن ينشأ ول َينتهيُ ،متكلما ً بأسراٍر كصّل مصصرة يتَسصصابقون نْحوهصصا فل يَ ِ ت ،وهُصصم ينُقصصصلون الكلَم ت ورحضصصارا ٍ تلصصك كصصانت طريقصصة الشصصعراء الساسصّيين ،فصصي لغصصا ٍ البشري إلى َمرتبة النشيد ال ْ صفى ،الُمتفّرِد واللُمقاَرن .من نفَصصس إلصصى نفَصصس .وهصصا هصصو تاريٌخ بكامله للقصيدة ُيعيد تشكيَل ذاته مع كصّل شصاعر يبلصُغ تلصك النقطصة الصتي هصي سصُّر التكوين. ت إلى عذاباته .أْعني الى تمزقاته وجَفا ف لغته .هذه الوْرحصصدةُ ولَزمِننا في الشعر أْن ُينص ُ المتصاعدة في رحياتنا ،هذا النشيُج المعزوُ ل في ُركن َما مصصن المكصصان ،يتطلبصصان رحضصصوَر الشصصعر ،ضصصوءاً ُمتمّوج صا ً برعشصصة المسصصتحيل .فالش صْعُر ل صْم ينطصصق بحقيقصصة ُمْحتَجصصزة فصصي ب المتصصارحف. الماضي البشر ّ ي ،بَما هو زمٌن لحياٍة تكاد تتحّو ل إلى مادة تستهوي أصحا َ نحن نشاهد الن النسانية بأْجمعها تسصصيُر نحصصو نَمصصط رحيصصاٍة ُيصصصبح فيصصه لجبَصصروت المصصا ل وبطش القرار السياسّي وُعنف السرعة وقساوة اللة ما ُيبعد النساَن عِن النسصاِن فيمصا هو َينزع مّنا ما نتوّرحد فيه من أْسرار الُوجود على الرض .كلمصصا ٌ ت مخنوقصصة أو تعصصابيُر لفساد الُحر والجميل ،هو ما يستبُّد بنصصا .لَننظصْر إلصصى خريطصصة الرض كصْي ُنبصصَر هصصذه س ،يوما ً بعد يوم. البرودة وهي تْكصتسُح النفو َ ي اخترَقنا صع ٌ ئ يَْسري في العضاء .ناٌر تضيُء ق هاِد ٌ وكلما اقترْبنا من الكلم الشعر ّ ت كان الشعراُء أدركوا طبقاِتها الُّسفلى وفيها أقاُموا ُمتمّسصكين بمصا ُيلقصي بالنصار في كلما ٍ ً ُ ُ والنور معا في جهاتنا الَمْستصورة .جهات الدخيلة وهصصي تلصصتئُم فصصي بُصصذور القصصصيدة ،كلمصصا ت البعيد .ذلك هصصو الشصصعُر عنصصدما ي في صْم ِ أقدم شاعٌر على الُّنطق وأْبصَر الُبعَد المتخفّ ّ ي أَرحٌد شيئا ً عن مصدر القصصصيدة ول عصْن نهايصصة ُيلقي بالكلمة ُمتهَّجَجة ،مْن غير أْن يْدر َ ً مْعناها .لمعة خالصة تْحيا بها القصيدُة ،راقصةُ ،مدّوَنة في َهواء السريرة .مجاهُل كلها ت ل ُتشبه الكلمات. س ،والنفا ٌ س في كلما ٍ تنتشُر في أنفا ٍ غريبة تلك الطرائ ُ ق المْدرسّية عن الشصصعر .فالقواع صُد كلهصصا ل َتخلصصق القصصصيدةَ رغصصم أّن ٌ القصيدة ل ُتوَجد إل بهذه القواعد .في الفرق بين القصيدِة وقاعدِتها فسصصحة م صَن الزرق ب منها لُننص َ ت إلى ما استْودَعه الشاعُر في ل نستطيُع المساَ ك بها أبدًا .نحن فقط نقتر ُ الكلمات ِمصْن مجهُصصوٍ ل لصهُ أْن يبقصصى مجهصصو ً ل ،بصل إن الشصاعَر الساسصّي هصو مصن ُيحصافظ للقصيدة على مجُهولها ،رحقيقةً تْسكُن ما يتعّدى الكلمات. ض كثيراً ما اعتقدَنا في خضوع القصيدة للكلم القابِل للتقليد والُمحاكاة ،ومْن ثّم للتعصصوي ِ ف عنهصصا .وهُصصو وْهصٌم يْنكشص ُ ف لنصصا فصصي إَعصصادة النظصصر إلصصى القصصصيدة .ذلصصك أّن بكلم مختلص ٍ ت التي سَع ْ ب ،نراهصصا اليصصوَم ت إلى اْستبداِ ل القصيدة بغْيرهصصا ،مْهَمصصا كصصان الخطصصا ُ الخطابا ِ ت عندما يتَخلى عنها الشصصعر .والشصصيُء خرساءَ أماَم برودة العالم .شيٌء ما يْنق ُ ص الكلما ِ ُ ص ل هو مجرُد رنيٍن تستطيُبه الذُن ول هصصو صصصورة يْمكصصن أْن نْسصصتبدلها بصصصورة الناق ُ ّ س المجهو ل. ص هو السراُر الكْبرى المْوُدوعة في القصيدة ،تتنف ُ غيرها .ما ينق ُ
15
لش ّ ك أننا بحاجة ،في زَمننا ،إلى إْعطصصاء مْعنصصى َجديصٍد لَحياتنصصا ومْوتنصصا .والشصصعُر يمتلص ُ ك رحقيقصَته .رحقيقةُ الشعر ذا ُ ت صْيرورة خاصة بها .في القصيدة وْرحَدها تنطق بمصصا يختل ص ُ ف عن الحقيقة في كلَمات أخرى ،خارَ ج القصيدة .عالُم َرحقيصقة الش صْعر أْوس صُع مصصن المسصصافة التي تْحتلها الكلما ُ ت على الصفحة ،وأطوُ ل مَن الزمن الذي يستغرقه إنصاُتنا لها .عصصالُم ض ،ومسافةٌ متمّوَجةٌ تْجري ،مرة تلو مرة ،رحتى ل نهايةَ لَما يبدأ في زَمٍن شْخصّي ينه ُ ي ،فصصي ُمنعرَجصصات أْسصصرار القصيدة ،رحقيقة تجّدد التكويَن ،ورحتى ل مص ّ ب سواَ ك ،سصصوا َ كبرى. من هنا يكون الشعُر ضرورةً في زمننا .لقد تناوَ ل شعراُء سصصابقون هصصذه الضصصرورةَ فصصي زمنهم بَما يجعلنا ننص ُ ت إلى أقوالهم بَبصيرة الَعارفينُ ،متجّنبين ما يجعُل هصصذه القصصواَ ل ُمنتِسَبة إلى ما َمضى .ذلك أّن الشعَر قادٌم مَن المستقبل باْسصصتمرار ،كلمصصا تخ ّ طصصى شصاعٌر ف ليَرى بعْيٍن ثالثٍة هذا الكوَن السريَع الُحدوث ،فصصي لْمصصح البصصصر، منطقة الَعادِة والمألو ِ ت شصصعري .وضصصرورةُ الشصصعر فصصي زمننصصا ت شصصعري وبيص ٍ لمعةً بين كلمة وكلمة ،بيصصن بيص ٍ ب ُمجاَهدةً لها فْعُل إْدرا ك الحقيقة الشعرية. تتطل ُ علينا أيضا ً أْن نتخلى عّما كنا نقرأه عْن نهايصصة القصصصيدة .إنّصصه ل يختلصصف فصصي شصْيٍء عصصن خطاب النهايصة الصذي يريصد لنصا أْن نقتنصَع بمصا تكصّذبه القصصيدة .وفصي العصودة ُمجصّدداً الصى خصيصة الشعر ،نتبيُّن الميلَد اللنهائي بالقصيدة وفي القصيدة لحقيقصصة الشصصعر .فنح صُن ضع أَمام القصيدة رحتى تُْع َ طى لنصصا .السصصراُر الكصصبرى مْوُدوعصصة فصصي الَن ُمطالبون بالتوا ُ ْ ّ ُ كلمات القصيدة ،وهي تنصر ف عن الْستكانة الصصى مصصا يهصددهاَ .مصن يتجصصرأ اليصصوَم علصصى القو ل بحقيقٍة قادرٍة على الجْهر بالحقائق كلها؟ َمْن يمتل ُ ك سلطة إْخضاع الشعر إلصصى مصصا ضصَع لحقيقصصة وارحصصدة ،هصَي رحقيقصصة ل رحقيقة له؟ َمصصا نعيشصُه ،فصصي زمننصصا ،أكصصبُر مصصن أْن َيخ َ القتصاد ،أْو رحقيقة السياسة ،أْو رحقيقة العلصصم .هصصذه الحقصصائ ُ ق كلهصصا عصصاجزةٌ عصصن التْبشصصير بفداَرحة الَمصير الذي تهّيئه لنا ،جميعًا. ضرورة الشعر هَي هذه الحقيقة التي َتحتفظ القصيدةُ بسّرَها .هصصي هصصذه اللمع صةُ المنبثقصصة في لْمح البصر ،رارحلة فينا وبنا َ إلى َما ل ينتهي .والُمجاهََدة التي تتطلُبها القصصصيدة ه صَي أساسا ً مقاومة يومّية لما يعتقُلنا من خطابات .لَ نافيٌة .مْن نار ُتضيء .في جسدنا تتكّون وتتنّفس .والقصيدة منشُأها .طري ٌ ق أخرى ُتعلن عنها القصيدةُ رحتى نصصدرَ ك الحقيقصصة الصصتي ي بأكمله .ومصصا ل َينتهصي ُهصو ل َتخضُع لمعيار المنفعِة الُمباِشرة ،ضّداً على مصير بشر ّ ت لنصصا ،بهمصصا نسصصتقبُل هذا الضوُء الخفُّي الذي ُيصارحبها ،ونحُن نسأ ل عن رحياٍة وعن مصو ٍ ً ضُ ،مْنفتِِحين على عالم يتسل ُ ي. ق الّدخيلةُ ،رحرًاُ ،متماديا في الّسر ّ سماًء ونمشي على أر ٍ ُ ً ً ك ،متمصّو ج ،ولصصو ٌ لنَُسصّم هصصذه النزعصصة شصصعرية .شصصعرية وْرحصصدها .فالشصصعُر ضصصوٌء متحصّر ٌ ع بالمستحيل .وإلى اللنهائّي نْنشُّد في القصيدة ،سائريَن على طريق الُمجاَهدة ،مصصن أجصصل صفائهاُ ،مشيرًة ،رّبما ،لّمارحًة ،من أجصصل هصصذا المصَدى الُكلصّي ،الصصذي هصَو ُبلوغ اللمعة في َ ضٍر هذا النزوُ ل ضيفاً نْحُن ،في رحياٍة و مو ٍ ضٍر أْو رحاضٌر في َرحا ِ ت لناُ .مستقصبٌَل في َرحا ِ صة ،مأُهولصصة بالُمتَجهّصصدين ،وفصصي على الدخيلة .هنا ك فقط تّتضُح القصيدة صحراَء ُمشّخ َ الدخيلة ذْبذبا ُ ت ضوٍء ل يَْنتهي.
16
كلرا أوسون نظم ُ ت أموري بحيث اتفقت مع سولْنْج أن نلتقي علصصى السصصاعة السادسصصة زوال في رحانة فندق "أوْم" )هي التي اختارت المكان ،أما أنا فما كان أن يخطر علصصى بصصالي(، وعلى الساعة العاشرة ليل من نفصس اليصوم ،فصي مطعصم "أمايصا" بشصارع راْمْبلس ،مصع القاضي للعشاء .وبجرة قلم وارحدة كنت سأجد رحل لمسألتين هامتين في رحياتي :ورحصصدتي وبؤسي المادي ،أو هذا مصا كنصت أتمنصصاه .لكصن ،ولمفارقصصة غريبصة ،رحيصن اسصتيقظت يصوم السبت صبارحا ،وجْدُتني بدون إرادة ،بصصد ل أن أكصصون عصصصبية ومتحمسصصة .لصصم تكصصن لصصدي رغبة في القيام بصأي شصيء ،ولصو أننصي انسصقت وراء دوافعصي الداخليصة ،لكنصت اتصصلت بأرملة "ماريْستاني" وبْخوان للغي التزاماتي معهما ،متذرعة بألم رحصصاد فصصي الصصرأس أو بشيء من هذا القبيل .منذ أسبوع وأنا أعيش علصصى أمصصل أنصه ،انطلقصصا مصصن يصصوم السصصبت، ستتحسن رحياتي .لكن الن ،وهصا قصد رحصل ذلصك اليصوم ،أظصن أن مصا كنصت أخشصاه هصو أن تتلشى تلك النتظارات ،وتتبخر ،فصصي النهايصصة ،ويكصصون علصصي فصصي اليصصوم المصصوالي ،يصصوم الرحد ،أن أقاوم اليأس وأرحاو ل أن أبتكر رحلما جديدا ،كمصصا فصصي مناسصبات عديصدة سصصابقا. تتلشى أضغاث الرحلم التي طالما بنيناها بالصبر قصورا من ورق لسصصاعات طصصوا ل، لكن بعد زوا ل الخيبة الولى ،وبعد أن ُنقسم ثلث أو أربع مرات ونضصصرب بقصصوة علصصى الطاولة ،التي ل ذنب لها ،ننحنصصي لنلملصصم الوراق المتنصصاثرة علصصى الرض ثصصم نضصصعها، وارحدة وارحدة ،فوق اللورحة ،مستعدين لعادة تشييد ذلك البناء الورقي الهش ،رحتى تلقي به أو ل هبة ريح على الرض .هكذا كنت أرى الحياة ،على القل ،رحياتي. هكذا جئت رحِذرة إلى موعصصدي مصصع سصولْنْج فصصي ذلصك الفنصصدق البصاذخ بتصصميمه الخاص ،كما تتبجح بذلك الدعاية التي تصصرو ج لصصه .وصصصلت متصصأخرة بعشصصر دقصصائق ،عصصن قصد ،لكن سولْنْج تفوقت علي؛ لم تكن قد وصلت بعد .من كان هنا ك هصصو "توْربصصان"، تاجر العما ل الفنية .عندما ولجت الرواق لم أره؛ كنصصت أبحصصث عصصن سصصولْنْج ،ولمصصا لصصم أجدها توجه ُ ت إلى طاولة الشرب في الحانة ،مستعدة لنتظرها ،لكنه نهض بكصل قصامته العملقة مصصن طاولصصة فصصي إرحصصدى الزوايصصا ونصصاداني .التقيصصت بتوربصصان مندهشصصة ،لصصم أكصصن أنتظره .استقبلني كعادته بكلم عذب عفا عليه الزمصصن ،يرتصصدي بذلصصة مختلفصصة عصصن تلصصك التي كان يرتديها يوم عرفته ،في متحف برشصصلونة للفصصن المعاصصصر ،لكنهصصا أنيقصصة أيضصصا. اعتذر لتأخر سولْنْج وسألني ماذا أريد أن أشرب .قلت له أريد شايا فسصصألني":أي نصصوع من الشاي؟"" .ل أدري ،أي شاي ،كل أنواع الشاي تعجبني" ،أجبته وأنصصا غاضصصبة مصصن نفسي لقلة ثقافتي الكونية وتفكيري العالمي .في بلد الوليد ،رحين تطلب شايا ،يقدمون لك ما توفر لديهم منه ،ل داعي لقو ل أي شيء .فنصحني توْرباْن بشاي أسود مصصن سصصيلن، "إنه لذيذ ،هو الرحسن في رأيي") .رحين ذقته ،لرحظت أنه ل تعجبني كل أنواع الشاي؛ وأن شاي سيلن السود يثير اشمئزازي( .هو كان يحتسي ويْسكي كصبير بالثلصج .أخصذنا نتحدث لتزجية الوقت ،فاكتشصصفت أن توْربصصاْن يخفصصي وراء مظهصصره المفصصرط فصصي الناقصصة رجل رائعا .تحدثنا عصصن الرسصصم ،ذلصصك الولصصع الصصذي نتقاسصصمه معصصا .نطصصق توْربصصاْن سصصهوا بأسماء ثلثة فنانين إسبان وفنان برتغالي ،تحت رعايته ،أثاروا إعجابي :إنهصصم ينتمصصون إلى صفوة الرسامين من آخر موجة في الفن الوروبي .سصصألني عصصن أعمصصالي ،فيصصم أنصصا
17
منهمكة الن؟ أين عرضت أعمالي؟ أدركت أن ما كنت أتمناه أن يحصل منصصذ سصصنوات، دون أن أومن رحقا أنه قد يقع ،هصصو بصصصدد الحصصدوث :تصصاجر فصصن مرمصصوق يبصصدي اهتمصصامه بأعمالي .إذا لم أقدم على أية خطوة خاطئة ،فإن توْرباْن قد يصير ممثلصصي الخصصاص وقصصد يصبح الن واقعا ذلك المستقبل من المجد والما ل الذي كان يبدو لي مسصصتحيل .اخصصتر ُ ت كلماتي بعناية فائقة .رحّدثته عن ميلي للفصن التصصصويري )"مصصا عصصداه ليصصس رسصما" أكصدت جازمة( وشررحت له أن لورحاتي تستوجب ساعات طصصوال مصصن المجهصصود لصصذلك فأعمصصالي قليلة .وأخبرته أنه قبل سنتين أقمت معرضا في بلد الوليد وبعت كل أعمالي )لصصم أخصصبره أن المقتني كان هو أبي ،إذ لم أعتبر ذلك شيئا ذا أهمية( .بعد ذلصصك ،وّرطصصت نفسصصي فصصي عصصرض رحصصو ل تقنيصصة الرسصصم ورحرفصصة الفنصصان ،وهصصي قيصصم ل يهتصصم بهصصا بعصصض الفنصصانين المعاصرين بشكل ل يمكن تفسيره ،بينما أنا أمارسها كصصثيرا .رحصصدثته عصصن ولعصصي بنسصصخ ث )"تعلمت الكثير وأنا أنسخ ِبلْثِك ْ لورحات ِبلْثِك ْ ث" ،قلت بنوع من عدم الدقصصة ،معتصصبرة أنني قد أنهيت مهمة كنت أخطط لها ،لكني لم أكن قد بدأتها بعصصد( .كصصان يعجبنصصي كصصثيرا انتباه ذلك الرجل النيق ،رحتى أن ظهور سولْنْج المفاجئ كاد يضايقني. وصل ْ ت تلهث من التعب ،تعتذر عن تأخرها بنبرة غاضبة ،رحصصتى أنهصصا جعلتنصصي أشعر بالذنب لنني أتيت في الوقت المحدد .كانت سولْنْج ثصصائرة العصصصاب ،مصصن ذلصصك النوع من الشخاص الذين يعطون النطباع بأنهم منشغلون على الدوام وليس لديهم مصصا يكفصصي مصصن الصصوقت؛ ل يكفصصون عصصن النظصصر إلصصى السصصاعة ،يتلقصصون باسصصتمرار رسصصائل أو مكالمات هاتفية ،ل يسعهم سوى أن يردوا عليها لنها مسصصتعجلة ،ويجلسصصون منتصصصبين على رحافة الكرسصصي ،مسصصتعدين للمغصصادرة بسصصرعة عنصصد أو ل مناسصصبة .مصصا يعيرونصصك مصصن اهتمام )وعليك أن تقدره كجميل غير مسصصتحق( يكصصون شصصاردا ومتبرمصصا ،لن عليهصصم أن يفكروا في عدة أمور في الصوقت ذاتصصه؛ بإمكصصانهم أن ينشصروا كصثيرا مصصن القلصصق رحصصتى أن الحديث معهم يكون دائما متوترا .هكذا ،ما إن جلست معنا سولْنْج ،رحتى أصصصبحنا جصصد متوترين نحن الثلثصصة .ولصصم يتحسصصن الجصصو عنصصدما رحصصاولت سصصولْنْج أن تشصصعل سصصيجارة، فاقترب من طاولتنا ناد ل ليشير لنا ،بكل أدب ،أن التدخين ممنوع في الحانة. ص هذا ما ينقصنا! ص انفجرت سولْنْج ص .ل يمكن للمرء أن يصصدخن فصصي أي مكصصان، فكيف ستكون نهايتنا ص ثم أضافت وهي تضع علبة السجائر فصي رحقيبتهصا صص :أظصن أنكمصا تحدثتما في الموضوع وأنتما بانتظاري ،أليس كذلك؟ ْ كان ظنها خاطئا ،كما أخبرهصا توْربصاْن .مصا جعصل سصولنْج تطلصق زفيصر تصبرم، وكأن لسان رحالها يقو ل" :علّي دائما أن أتكلف بكل المصصور شخصصصيا!" .وعلصصى الفصصور، وبنبرة غضب مكبوح صارت لطيفة شيئا فشيئا ،شررحت أن التعصاون المهنصي للمررحصوم زوجها مع هيْكتوْر ،آخر مساعد للستاذ وخَلفي ،لم يكن ُمرضيا .لصصم يكصصن هيْكتصصوْر فصصي المستوى المطلوب .كان أخرق ول ينجز عمله بإتقان .ل يتم اللورحات ،ولصصم يكصصن عملصه يصل ولو من بعيد إلى مستويات الجودة الفنية المنتظرة من أعما ل ماريْستاني .لقد كان ذلك مصدر قلق للفنان ،أخبرتني أرملتصصه ،وقصصد كصّدر المسصصتوى الرديصصء لعمصصاله الفنيصصة الخيرة صصْفو الشصصهور الخيصصر مصصن رحيصصاة ذلصصك الرجصصل العظيصصم" .ل أسصصتطيع القصصو ل إن هيْكتوْر قد قتله ،لكن ،"...قالت ملّمحة. ْكلرا أوسوْن ،قلب مببن النابببالم ،برشصصلونة ،سصصاْيك ْ س بصصاّرا ل ،2009 ،ص-154 . .158الترجمة :سعيد بنعبد الوارحد
18
أطباء سائقو سيارات أجرة سلبكو ثوبثيك إلى متنويل ماتوتي ،العراب والمعلم كانت الفكرة ترو ج منصصذ عصصدة أيصصام ،لكصصن الصصذي صصصاغها ،و تجصصرأ أخيصصرا علصصى صياغتها في لقاء عمومي ،كان هو ذلك البدين القصصصير المتخصصصص فصصي التوليصصد أثنصصاء الجمع العام للطباء الداخليين .كانوا قد ألقوا عدة خطابات – بأن الممرضات يتقاضصصين أكثر منا ،ورحتى الحراس ،وأن هذا الوضع ل ينبغي أن يسصصتمر ،وأن الفدراليصصة ل تقصصوم بأي شيء من أجلنا ،وأن الوزير ل يسصصتمع لمطالبنصصا ،وأن الجصصرة ل تكفصصي رحصصتى لداء واجب الكراء – وكان البدين القصير يطلب الكلمة من جهة الممرضات . -عندما سمع كلمة الكراء ،كاد يسرق مكبر الصوت من الطبيب ر 3في الجرارحة: أيها الزملء الداخليون ،ما أقتررحه أنا هو أنه ابتصصداء مصصن الن وخل ل السصصابيعالمقبلة وإلى أن يرفعوا من أجورنا ،يكتب كصصل طصصبيب داخلصصي بصصاللون البيصصض على زجا ج سيارته عبارة "طبيب سائق سيارة أجرة" ويتجصصو ل بهصصا هكصصذا فصصي شوارع المدينة لكي تعلم الفدرالية والوزارة ذلك ،لكي يعلمه الجميصصع .أراهنكصصم على أننا سنتصدر خل ل أسبوع كل نشرات الخبار. استقبلت فكرته بتصفيقات رحارة في الحا ل. طبيبة أنكولوجيا داخلية ورحيدة ،السصصمراء ذات الشصصعر الرحمصصر صصصارحبة النظصصارتين ذات الطار الزرق ،طلبت الكلمة وقدمت طررحهصصا ،الورحيصصد فصصي الجمصصع كلصصه ،المضصصاد لتلك الفكرة: لكن ،من تعتقدون أنفسكم يا سادة؟ أل يوجد منذ مصصدة زملء يتصصدبرون أمصصورهمبسياقة سيارات الجرة؟ هذا ل معنى له .ما ينبغي القيام به هو مراسلة ا ل... دافع الرجل البدين القصير على طررحه ببرهان ل غبار عليه جعله يصبح مباشصصرة زعيم الجمع. هذا صحيح أيتها الزميلة .لكنهم يفعلصصون ذلصصك سصصرا رحصصتى ل يعلصصم أرحصصد بصصالمر.فكرتنا مختلفة ،يجب أن نتصل بجميع الصصداخليين وأن تصصصبح كاراكصصاس ابتصصداء من الغد مليئة بسيارات أطباء سائقي سيارات أجرة. تكونت اللجنة على الفور وعلصصى رأسصصها البصصدين القصصصير ،وفصصي ذلصصك المسصصاء نفسصصه أرسلت الدعوة إلى الطباء الداخليين في المستشفيات الخرى.
19
كان البدين القصير قد قا ل ابتداء من الغد ،إل أن السيارات لم تبدأ فصصي الخصصرو ج إل في اليوم الثالث .في البداية كان الغرض من فكرة اليافطات أن تكون فقط بمثابة إشهار لتحسيس الناس بالجر الهزيل الذي يتقاضاه الطباء ،إل أنه لم يكن من الممكن تجنصصب مصصا تل ذلصصك:نظصصرا للواقصصع الصصذي كصصانت اليافطصصات تفضصصحه فقصصد بصصدأ الطبصصاء الصصداخليون يشتغلون من أو ل يوم سائقي سيارات أجرة. عندما علم البدين القصير بالمر ،بعث رسالة إلكترونية مشتركة ينذر فيها الجميصصع أن هذا السلو ك ستكون له نتائج عكسية وأنه يمس كرامة هيأة الطباء .كمصصا كتصصب قصصائل "إن هنصصا ك مجازفصصة خطيصصرة لن الجميصصع يعلصصم أنصصه فصصي هصصذه المدينصصة يمصصوت ،علصصى يصصد المجرمين ،على القل " ... هذا ما كتبه ،لكنه غير رأيه بعد يومين .وقد بدأت تلرحظ لدى أولئك الطباء الصصذين يشتغلون كسائقي سيارات أجرى رحالة من السعادة تميزهم بوضوح عن أولئك الذين ل يقومون بذلك :كانت وزراتهم أكثر بياضا ،مكوية بعناية ،وكان يبدو على محياهم كثير مصصن الرضصصى ،وعنصصدما يصصذهبون إلصصى المقهصصى يطلبصصون كؤوسصصا كصصبيرة مصصن القهصصوة وهامبورغيرات ،لم يعودوا يطلبون خبزا محشيا ول كؤوسا صغيرة من القهوة. بعد مرور أسبوعين ،أصبح الوضع القتصادي الجديد للداخليين ،بمن فيهم البصصدين القصير ،أكثر جلء :سددوا ديونهم ،زاد وزنهم بل وأصبحوا يربحون أكثر مما يربحه المتخصصون رغم أنهم يستعينون بالعمل في المصحات الخاصة. هذا المر الثاني هو الذي ضاعف المشروع ،وهو ،بدون شك ،المسؤو ل عن كون شوارع المدينة قد غزتها سيارات الجرة التي يسوقها الطبصصاء .فقصصد انتقصصل عصصددها مصصن خمسمائة – وهو عصصدد الطبصصاء الصصداخليين المشصصاركين – إلصصى سصصبعمائة ألصصف ،والشصصرط الورحيد الصذي تمكصن البصدين القصصير مصن أن يفرضصه فصي الجمصع العصام الصذي تقصرر فيصه انضمام المتخصصين هو أن تكتب على زجاجات السيارات ليصس فقصط عبصارة "طصبيب سائق سيارة أجرة" بل أيضا ،في رحالة المتخصصين ،مجا ل التخصص. وخلفا لما فكر فيه البدين القصير ،فقد أخصر ج هصذا الشصرط الطبصاء الصداخليين مصن العملية تماما :كان الزبناء يفضلون الركوب مع طصصبيب كتخصصصص للسصصبب نفسصصه الصصذي كانوا من أجله يفضلون السصائق الطصصبيب عصن السصائق العصصادي :إمكانيصة إجصصراء فحصصص. وهكذا تحولت سيارات الجرة – الحاملت كلها ليافطات من قبيل عيصادة طصب أطفصا ل، عيادة طب نساء ،عيادة طب نفسي ،عيادة أمراض الكلية ،عيادة أمراض الثدي ،إلخ – بشكل ما إلى عيادات متجولة ومواقفها إلى قاعات انتظار رحقيقية رحيث اغتنم البرارحون – الذين كانوا ينادون باتجاهات ورحدات النقل العمومي – الفرصصصة للمشصصاركة بالمنصصاداة بأسماء المراض التي يمكن أن يتم فحصها في كل سيارة: أمراض العصاب :تشنجات ،صرع ،عجز عن التركيز ،أوجصصاع العصصصاب،كل أنواع اللم .اصعدوا.
20
طاكسي الوعية الدموية :دوا ل ،أوعية ،تسربات ،قرح.لم تكن لظاهرة العيادات هذه آثار على المستويين السياسي والصحي فقصصط – جلصصس الوزير والفدرالية إلى طاولة الحوار ،بعثصصت المنظمصصة العالميصصة للصصصحة ملرحظيصصن يطلبون معطيات عن الوبئة المنتشرة ،خففت لوائح النتظار – بصصل غيصصرت بشصصكل ما أيضصصا جغرافيصصا المدينصصة .بصصدأت مجموعصصات الزبصصائن تفقصصد كثافتهصصا رحسصصب طبيعصصة المرض .هكذا قد يكون أو ل تقرب لطبيب أمراض عقليصة فصي "سصارحة فينيصزويل" من مريضا محبط عن طريق سؤا ل من قبيل: إلى أين أنت ذاهب؟ إلى شصصاكايطو؟ لكصصي أسصصاعد ك مصصن الرحسصصن الصصذهاب عصصبركاريكواو. نفصصس الشصصيء كصصان يفعلصصه الخصصصائيون فصصي أمصصراض الشصصيخوخة وفصصي الجصصروح، والجرارحون ،والباطنيون ،وأخصائيو الرئتين والجلد والعصاب والقلب ،والجرارحون، وأخصائيو أمراض الثدي وأمراض النسصصاء ،والصصداخليون الصصذين كصصانوا يحصصصلون علصصى تخصصاتهم مسبقا لكي ل يسصصتمروا فصصي السصصتفادة مصصن المشصصروع ورحصصتى ل يضصصطروا للخرو ج إلى الشارع بكلمتين فقط على زجاجات سياراتهم. دام الشغف بالشفاء ستة أسابيع تقريبا .رحتى موت طصصبيب نسصصاء وسصصرقة تعرضصصت لها سبع ورحدات لم يوقفاه .ما لم يستطع المجرمون تحقيقه بالسرقة وقتل الطبصصاء رحققصصه شخصان أو ثلثة من عديدي الضصصمير انتحلصصوا صصصفات أطبصصاء سصصائقي سصصيارات أجصصرة بارتصصصدائهم وزرات بيضصصصاء وكتصصصابتهم يافطصصصات علصصصى زجاجصصصات سصصصيارات سصصصرقوها تخصصات لم يسبق لهم أن درسوها قط وقدموا وصفات لم تكن في محلها. مات خمسة مرضى وتسصعة هصم رهصن العنايصة المركصزة فصي غصر ف النعصاش .هصذا الطارئ استدعى تدخل الوزير ،وبذلك أصبح ،منذ يومين ،ممنوعا منعا كليا الجمع بين ممارسة الطب وسياقة سيارة الجرة. الترجمة :حسن بوتكى
21
نساء ل يخفن كلرا خانيس كنت دائما معجبة بالمرأة السصبرطية عنصدما تصودع ابنهصا الصذاهب إلصى الحصرب وهي تتمناه أن يعود "رحامل الترس أو فصصوق الصصترس" ،أي إمصصا منتصصصرا أوميتصصا وكنصصت أرحس بأن قولة سصصيمون دي بوفصصوار "أسصصوأ لعنصصة تثقصصل كاهصصل المصصرأة هصصي إبعادهصصا عصصن البعثات الحربية" ليست واقعية رغم أن روسا شاثيل ترى ،مشصصيرة إليهصصا ،أن "الرجصصل يتحمل مجازفة رحياته والمرأة تتحمل مسؤوليتها". في وقتنا الحاضر ،وفي مجتمعنا ذي النماذ ج الغامضة والمتناقضة ،رحصصتى وإن قلنا لبنائنا تلك الجملصصة السصصبرطية فصصإنهم لصصن يسصصتطيعوا تأويلهصصا .لكصصن مصصا تصصزا ل هنصصا ك شعوب تعيش تحت ثقافصصات أقصصل "صصصنعة" ،وقصصد تجصد فيهصا تلصصك الجملصصة مكانصا طبيعيصا، مجتمعات انطلقت فيهصصا النسصصاء ،عنصصدما دعصصت الضصصرورة ومصصن دون أي مقصصدمات ،إلصصى النضا ل بكل مجازفة كما يفعلن في مواقف رحياتية أخرى. مجازفة ومسؤولية يشمل البداع ،المجازفة والمسؤولية بالحقيقصصة ،الصصذي يعنصصي انخراط الكائن نفسه – الحيصاة – فصصي العمصل .ربمصصا لصذلك نجصد أن نسصصاء وارحصد مصن هصذه الشعوب هن أيضا من خلقن هذه المجموعة ،بينما يتفرغ الرجل للتحضير فقط للحرب. أعني بالذكر نساء الباشتون )اللواتي يتكلمن لغة الباشصصتو( الفغانيصصات اللصصواتي هصصن فصصي معضصصمهن أميصصات و ،بصصالطبع ،ل يملكصصن سصصكنا خاصصصا ،يحملصصن معهصصن أشصصعارا غنائيصصة قديمة وجميلة جدا. وضعيتهن صعبة في مجتمع محصصارب بامتيصصاز تحكمصصه القيصصم الذكوريصصة وقصصانون يرتكز علصصى مبصصدأ الشصصر ف :يعتنيصصن بصصالقطيع ،يهيئصصن الصصدقيق ،يحضصصرن الخصصبز ،يغزلصصن الصصصو ف ،يخطصصن الملبصصس ،يجففصصن جلصصود الحيوانصصات ،يسصصقين الحقصصو ل ،ينقلصصن فصصوق رؤوسهن أوان ثقيلة ...لكنهن ل يسأمن من ترديد أشصعارهن الغنائيصة الصتي يصترنمن بهصا في الحفلت وأثناء جلبهن الماء من العيون .هؤلء النساء اللواتي َيقرن القو ل بالفعصصل و يبدين خضصصوعا ظاهريصصا للرجصصا ل ،يفخصصرن بالمجازفصصة بحيصصاتهن مصصن أجصصل القيصصام بثصصورة تفضصي ،علصى رأي سصيد بصارحودين مجصروح وهصو بصارحث جمصع أشصعارهن وأنقصذها مصن الضياع ،إلى أمرين جليين :النتحار والغناء. هذه الفتيات لسن في مجتمعهن سوى بضاعة مقايضة ،أما الحصصب عنصصدهن فهصصو ذنب فضيع يكصصون عقصصابه بصصالموت .ونتيجصصة لصصذلك فصصإن أشصصعارهن صصصيحات دائمصصة ضصصد الفراق ودعوات يظهر فيها الحبيب مرتبطا بنبرة شغف: هات يد ك ،يا رحبيبي ،وهيا بنا إلى المرو ج نتحاب ونسقط معا تحت ضربات الخناجر. أما الزو ج – وهو عادة مصصا يكصصون شصصيخا أو طفل – فحينمصصا يكصصون فصصي المقطصصع الغنصصائي يظهر ،على العموم ،بصفة "المرعب الصغير": ل يفعل المرعب الصغير شيئا :ل الحب ول الحرب يعود في الليل مليء البطن ،يصعد إلى السرير ويشخر رحتى الصباح إن السخرية التي تتضمنها هذه البيات ،وهي لهجة مألوفة فصصي الشصعر الغنصصائي
22
الباشتي ،نتيجة لثقة في النفس وثورية فريدتين: إذا كنت ،يا رحبيبي ،ترتعش بين ذراعّي فماذا أنت فاعل عندما تصير قرعات السيو ف آلفا من ومضات البرق؟ هذه ،من دون شك ،طريقة لمواجهة خطصصر المصصوت المسصصتمر ؛ هصصذا المصصوت الصصذي هصصو، بالمناسبة ،متصور على أنصصه شصصيء مصصادي .ل وجصصود فصصي المعجصصم الباشصصتي لثصصر لكلمصصة "الروح" .نجد كلمة "سا" الصصتي تعنصصي التنفصصس ،وعنصصدما يمصصوت أرحصصد يقصصا ل لقصصد أصصصابته "نهاية التنفس" .لذلك تهتم النساء أساسا في أشعارهن المغناة بمصصصير الجسصصد ويمجصصدن وارحدا من أعضائه :القلب ،موطن الرحاسيس ،ويقارننه بعصفور ،أو منبع دم ،أو فصصرن يبتلع لهبه. تتحدث المرأة الباشتية ،إذن ،عن جسدها وتصصصفه بصصأنه "ينمصصو هشصصا"" ،خصصالته كأنها نجوم" ،و"نهداه كأنهما قنبلتين" ودائما في إطار عابرية هذا الوجود: أسرع ،يا رحبيبي ،أريد أن أمنحك ثغري الموت يجو ل في البلدة وقد يأخذني. وتقو ل دون أن تفقد روح الدعابة: تعا ل تكن وردة على صدري فأنعشك كل صباح بانفجار من الضحك. ل يوجد أدنى تردد في هذه البيات ،ول أية مداراة لنها تعبير امرأة واثقة من نفسها ل تعر ف الخو ف وتحتقر الجبن ،تعر ف قدرها وتعلم أنه من أجل أن تسصصتمر الحيصصاة ل بصصد لها من أن تزرع البذور ،وتنسج ،وتذهب لجلب الماء من منبعه ،وتخبز ،وكأن الرجصصل مخلوق للقتا ل. هذا يبين كيف أن النساء ،ودون المرور بمررحلة انتقاليصة ،هصن اللصواتي نظمصن، بعد الختراق السوفياتي الذي دمر البلد ،إثر النقلب الشيوعي لسنة ،1978ونتجصصت عنه مذابح مثل مذبحة كيرال التي سقط فيها كل الرجا ل )كانوا ألفصصا وسصصبعمائة رجصصل(، انتفاضصصة كصصابو ل الكصصبرى :تصصوجهت فتيصصات مصصن مصصدارس التعليصصم البتصصدائي والثصصانوي، وطالبات من الجامعة ،ومدرسات ،ومستخدمات ،وربات بيوت إلى قصصصر الجمهوريصصة للوقو ف في وجه الدبابات .صارحت ناهد ،إرحدى منظمات المسيرة ،في وجه ضابط مصصن الحصصزب الشصصيوعي الفغصصاني كصصان يصصصوب سصصلرحه نحوهصصا وكأنهصصا تقصصو ل شصصعرا" :أيهصصا الجبان! إنك لست رجل ما دمت ل تستطيع الصصدفاع عصصن الشصصر ف .خصصذ رحجصصابي وضصصعه على رأسك وناولني السلح .نحن النساء سنعر ف كيف ندافع عن البلد أرحسن منك!" أطلق الضصابط الرصصاص فلفظصت ناهصد أنفاسصها الخيصرة .نصزح ثلثصة ملييصن أفغاني إلى باكستان .وفي المنفى ،ظل وجه النساء بينهم ثائرا وشامخا :بعضهن تعلمصصن الكتابة ،وأخريات سجلن أغانيهن على أشرطة ليصرن صلة وصل بينهن وبيصصن بلصصدهن الصلي .ورغم أن الضحك لصصم يعصصد قصصوة التحصصدي فصصي أشصصعارهن الغنائيصصة الحاليصصة ،فصصإن رحضور الموت فيها قائم بوصفه واقعا ل عل ج له ،كما أن نبرة النضا ل لصصم تنقصصص مصصن جمالها: أيها النسيم القادم من الجهة الخرى للجبا لماذا تحمل من أخبار؟ أين يقاتل رحبيبي؟
23
رسالة رحبيبك البعيد هي رائحة البارود هذه،وغبار الدمار هذا الذي أرحمله معي. مقتطف من كتاب سفر إلى المشرقين ،مدريد ،ثيرويل.2011 ، الترجمة :حسن بوتكى
24
ِمْل ح اليدين ريكاردو سومالفيا لربما بلغ المساء نهايته في المدينة. وأنا ما زلت أشعر بالمساء. مارتين آدم قصائد سيضطر في أي لحظة ليطل من الكوة .سأتظاهر بأنني ل أراه وسأفاجئ نفسي وأنا أرفع عينّي .سيبتسم كما يبتسم أي طفل ،وكمصا ابتسصَم طصوا ل رحيصصاته .سصصأتوقف عصن العمصصل .سصصأرتب ع صّدتي وسصصأغادر القبصصو مصصرة أخصصرى ،دون أي ضصصجيج ،ودن أن آخصصذ المعطف ،لنه ثقيل جدا. ذات صباح ،بينما كنا نتجو ل في ضوارحي الحديقصصة ،أقصصر لصصي برغبتصصه فصصي تعلّصصم رحرفتي" .لماذا؟" ،سألته دون أن تتبّدد رحيرتي .لم يجبني؛ فقط نجح في رفصصع كصصف يصصديه نحو فمه ولحسها بتؤدة .كان يبصدو أنصه يسصتلّذ وهصو يلحسصها بتثاقصل .وفجصأة قصام بحركصة ي .ثصصم زاد مصصن امتعاض وقا ل إنه ل يجد في يديه ذلك المذاق المالح الصصذي يجصصده فصصي يصصد ّ دهشتي ،رحين أمسك يصصدي ووضصصعها فصصوق شصصفتيه .رحصصائرا ،تصصذكر ُ ت تلصصك المناسصصبة رحيصصن ب طفصصل آخصصر رحصصاو ل أن يصصدفعه فصصوق وضعت يدي على فمه لمنعه من أن يستمر في س ّ بعض شجيرات الورد في الحديقة. ي. لم يسبق لي أبدا أن انتبهت إلى مذاق يد ّ تابعنا جولتنا .تجولنا كثيرا فصصي المدينصصة .كصصان شصصيئا رائعصا أن نمشصصي معصصا عصصبر الشوارع؛ هو يسير إلى جانبي ،أمامي أو خلفي ،وكأنني أتبعه بنفس الطريقة. ومنذئذ ،أظن منذ وقت طويل ،اعتدت أن ألحس أصابعي خفية .ربمصصا سيسصصخر مني لو رآني؛ لكن ،الن وقد تجعدت أصابعي وهرمصصت ،فصصإنني صصصرت أخصصرق بعصصض الشيء في إنجاز عملي. لذا قررت أن أتوقف عن العمل .سصأرتب عصّدتي وسصأغادر القبصو مصرة أخصصرى، دون ضجيج ،ودن أن آخذ المعطف؛ لنه ،أشدد على ذلك ،ثقيل جدا. دوامة ذات صباح من شهر يناير سنة ،1992ابتعلت دوامة مائية طونينو ،أخ كارمن الشاب ،الذي استأنف جولته العائلية على الشاطئ إثر عودته إلى البيت بعد أن قضى عدة أشهر مختبئا لنه فّر من الجندية عندما هاجمه مجموعة من أتباع جماعة الدرب المضيء المندّسين في صفو ف الجيش فوضعوا قناعا على رأسه في الحمام وأشبعوه ضربا كي يكشف عن معلومات بخصوص وظيفته في مكاتب القاعدة العسكرية التي ولج إليها لنه الورحيد الذي يعر ف القراءة والكتابة واستكمل دراسته
25
الثانوية قبيل أن يتم تجنيده أثناء مداهمة إرحدى الحفلت الشبابية رحيث كل ما كان يقوم به هو أنه كان يرقص ويدور كما لو أن دوامة تبتلعه. المر سيان التقت كاْرمن بريكاْردو بالصدفة ذات يوم من شهر يناير سنة ،1979بين الحادية عشر صبارحا والرابعة زوال ،في شاطئ آْغوا دوْلثي .كانت في ربيعها التاسع، وهو أكمل للتو عامه العاشر .رحينها لم يكن أي منهما يعر ف الخر ،من دون شك. وعائلتاهما أيضا .اكترى والداهما وارحدة من تلك الخيام الضيقة والمتسخة التي تصطف على الشاطئ .منها ذات ألوان الكريمة بشرائط زرقاء أو رحمراء أو خضراء. كانت عائلة ريكاْردو تفضل الخضراء؛ وعائلة كارمن تفضل الزرقاء .ارحتمت كارمن من رحر الشمس وكانت داخل الخيمة تتبو ل في ركن من أركانها تغطي السائل بشيء من رحبات الرمل .كان ريكاْردو يلعب في خيمته ،ينبش ويكتشف البحر الواسع من بين الشرائط الزرقاء والخضراء. الترجمة :سعيد بنعبد الواحد
26
الكرسي رودريغو سوطو صعدنا المساء كله عبر الطريق فوصلنا إلى المأوى قبيل الغروب .منذ الوهلة الولى ،أثار المكان شكوكي .أشياء نشعر بها ،ل يمكن تحديدها بالضبط .لكن ،لم يكن لدينا خيار آخر ،إذ يوجد المأوى الموالي على بعد ساعات من هنا ك .بعد أن تناولنا فطائر بالّتن وشربنا شايا باردا ،جلسنا في الطابق السفلي .لم يقترح أرحد أن ننام في الطابق العلوي .ول أرحد ،كذلك ،أشار إلى الرحساس بأن شيئا ما غامضا ومرعبا ول اسم له كان يتهيأ هنا ك. ما إن اضطجعنا رحتى بدأ ُ ت أسمع خدشا ،أرحيانا همسا ،ارحتكاكا يكاد ل يدر ك قادما من الغرفة العليا ،فأدركت أنني لن يغمض لي جفن .وفي وقت متأخر من الليل ازدادت رحدة الصوات فلم يتظاهر أرحد بتجاهلها .كان ل بد من القيام بشيء ما .أشعلت شمعة ولم أندهش لرؤيتهم جميعا مستيقظين ووجوهم منقبضة من الخو ف .الورحيدة التي كانت تنام هادئة وبريئة هي أماراْنطا ،أخت ْخواْن باْبلو الصغرى .كانت شارحبة، كلفاء ،ونحيفة .يوصينا بها أبواها كلما استطاعا ذلك ،متذرعين بأن مرضها ص كما يسميان ذلك الجنون الذي تعانيه ص ليس عذرا للتخلي عنها .فقبلناها على مضض ،فقط كي نتحاشى شعورا بالذنب يولده لدينا رفضها ولن الطفلة كانت ،في الحقيقة ،وديعة ول تزعج أرحدا. كانت تنام ،الن ،سعيدة بينما الخدش والهمس يزدادان سرعة هنا ك فوق .لم نحتج لتباد ل أي كلمة؛ ْخواْن باْبلو نفسه هو الذي رّجها ليوقظها .تقلبت أماراْنطا في كيس النوم وفتحت بتؤدة عينيها الضفدعّيتين. وكان أخوها هو من كّلمها: ص هنا ك فوق رحيوان ظريف نريد ك أن تري ما هو ص قا ل لها ص .إنه بانتظار ك. اصعدي وأرحضريه إلينا كي نتسلى به لحظة. ّ ُ أضاءت ابتسامة وجه المجنونة ثم نهضت دون تردد .سلمتها الشمعة فرأينا طيفها المتمايل يبتعد نحو السلم .وبينما هي تصعد ،كانت الظل ل تتراقص رحتى صارت الغرفة غير واضحة المعالم. لهثت أماراْنطا بشكل خفيف وهي تصعد آخر در ج ثم سمعنا صرير الباب عندما ُفتح .ثانية بعد ذلك ،شّلنا صراخها الذي يمزق القلب. عندما تغلبنا على الذعر وتمالكنا أنفسنا ،صعدنا على عجل ،وكن ُ ت في المقدمة .جامدةً أمام الباب ،كات أماراْنطا تشير إلى الغرفة .كل ما كان هنالك كرسي قديم ،شكله يورحي بأن أرحدا ما ربما كان جالسا عليه لحظة قبل ذلك .لن نعر ف أبدا ما رأته ،لن المجنونة خرست منذ تلك الليلة .لكن الرعب ظل مرسوما على وجهها مثل قناع ،مثلما ُرسم على قلوبنا الشعور بالذنب ،والشك ،والرعب .أرحاسيس صارت ترافقنا منذ ذلك الحين. الترجمة :سعيد بنعبد الواحد
27
غذاء الروح خورخي بولبي )المكسيك(1968 ، رمى المحفظة على البساط وأزا ل رحذاءه ثم دخصصل المطبصصخ لتصصوه .مصصرة أخصصرى، تجاوزت الساعة التاسعة ليل وهو لم يتناو ل بعد عشاءه؛ بل النكى من ذلصصك أن التعصصب الذي تراكم عليه طيلة السابيع السالفة قد ل يدعه ينام في سصصلم .وقصصد يتحصصو ل ليلصه مصصن جديد إلى كبة من أشباح وذكريات تترنح وسط السكر والعياء .فصك ربطصصة العنصصق بجصصرة وارحدة وكأن ذلك قد يزيل عنه أيضا طوق الهواء الذي يربطه بالعمل ،هذا العمل الذي، فوق ذلك كله ،هو نفسه من اختاره .بماذا سيفيده في هذه اللحظات النجصصاح والطمئنصصان اللذين رحققهما مقارنة مع التضحيات التي كان عليه أن يقدمها؟ كان يحس بالقنوط وسط هذا الظلم الذي ل يستره .استعد لتحضير عشائه ،عزائه الورحيد ،وهو ورحيد ومحبط و على الخصوص ،متعب ،متعب رحد التعب. بخل ف الرجا ل الصصذين يعيشصصون ورحيصصدين ،كصصان ل يحبصصذ فكصصرة الكتفصصاء بوجبصصة سريعة أو رحلوى من عجينة وجبن ،ولصصن يقبصصل قصصط بصصالنزو ل إلصصى مسصصتوى تنصصاو ل بيصصتزا زنخة أو يطلب بالهاتف وجبة رحقيرة من مطعم صيني .فتح الثلجة ووجد فيها الغزارة التي كانت تنقص في باقي أرجاء بيته :خضر وفواكه اختيرت بحب ،لحصصم دجصصا ج يلمصصع اشتري صباح ذلك اليوم نفسه ،كثير مصصن الفلفصصل الطصصري والجصصا ف .أخصصر ج مصصن صصصوان الثاث قدورا وبعض المقالي ،واللورحة التي يقطع فوقها ،وشحذ سكينه المفضل ثصصم بصصدأ في إعداد طعام هذه الليلة غير القابل للتأخير :مرق بلحم دجا ج وفلفل مماثل لذلك الصصذي كانت تحضره له جدته لمه ،ل ،بل أرحسن منه .ل يزعجه أن يظصصل فصصي المطبصصخ يقطصصع البصل ،ويقشر الفواكه ،ويزيل عروق الفلفل ،ويختار المقدار المناسب من كل صنف: هذا النتباه الدقيق للتفاصيل هو ورحده الذي ينقذه من عقم العالم. قبل منتصف الليل بقليل كان الطبق ،أخيرا ،جصصاهزا يتصصصاعد منصصه البخصصار ،أي كامل مكمول :كان الجمع بين ما هو رحلو وما هو مالح ومصصا هصصو رحصصار أمصصرا ضصصروريا. كل رحلوة وكل نوع من الذوق مخلط كان يوفر له سعادة رحميمية ،السعادة الورحيدة التي كان يحس بها منذ شهور أو أعوام :منذ أن تركته ‘‘ريناتا’’ بين عشصصية وضصصحاها دون أن تقدم له أدنى تفسير مقنع. كان دائما خل ل دراسته العدادية والثانوية ،ورحتى الجامعية ،من أولئك الصصذين ينعثهم المدرسون ب "المخلون بواجباتهم المدرسية" و"المشاكسصصون" مقابصصل "التلميصصذ الجيدون" ،المنضبطون والجديون .غير أن طبعه ،في الواقصصع ،كصصان يتناسصصب أكصصثر مصصع ذلك الصنف من الناس الذين يفضلون عدم الظهور ،الذين يسرهم أن ل يتعصر ف عليهصم أستاذهم في الشارع .في أغلب الرحيان كانت خطته تعطي نتائج عكسية :طبعا لصصم يكصصن مدرسه يتعر ف عليه خار ج القسم ،بل ل يتذكره رحصصتى داخلصصه؛ ولن فكرنصصا العصصام يربصصط دائما ما هو مجهو ل بما هو منحر ف ،فإنه لم يسمح لصارحبنا قط بالفلت من الرداءة. أو ل ما فكر فيه ،عندما أتم دراسصصته ،هصصو مسصصح تلصصك الصصصورة .وجصصد عمل فصصي مدينة أخرى ،فررحل إليها فصصورا دون أن يكصصترث للررحيصصل ولمكانصصات التطصصور الضصصئيلة فيها .ومنذ اليوم الو ل جعل الجميع يلرحظون تميزه :بقي في العمصصل الليصصل كلصصه يراجصصع بعض الحسابات ،وفي الصباح قدم نتيجة ممتازة .سر به رئيسصصه :الموظصصف الجديصصد آلصصة
28
عمل فعالة .عندما علم صارحبنا أن مرتبه تضاعف ،أدر ك أنه قد ضاع :ابتداء مصصن هصصذه اللحظة يستحيل عليه أن يعود إلى التفاهة التي تعود عليهصا .صصار قنصصاع "جصاد ل غبصصار عليه" يلتصق بوجهه شيئا فشيئا .لهذا فصصإنه الن ،رغصصم أنصصه ل يجصصرؤ علصصى العصصترا ف بذلك ،دائما أو ل من يصل إلى العمل ،رحوالي السابعة صبارحا ،قبل الكاتبات بكثير. فجأة ،وبالضبط في اللحظصصة الصصتي كصصان يتنصصاو ل فيهصصا اللقمصصة الخيصصرة مصصن طبصصق المانتشامانتيل ،1أخرجه صوت من لحظة اسصصتمتاعه الصصصامتة .كصصان عزفصصا علصصى نصصاي، أعذب موسيقى سمعها في رحياته .فصصي البدايصصة ،تسصصاء ل بغضصصب كيصصف يجصصرؤ أرحصصد علصصى العصصز ف علصصى آلصصة فصصي هصصذا الصصوقت دون إعصصارة أدنصصى اعتبصصار للجيصصران ،لكصصن يبصصدو أن الموسيقى نفسها هدأته. نهض وأطل من النافذة – كان يقطن بالطابق الثالث ،-لكنه لم يميز أي ضوء. كانت الموسيقى تصل إلى أذنيه بحرية وكأنها تولصصد هنصصا ك بالصصذات ،فصصي غرفتصصه نفسصصها. كيفما كان الحا ل ،فلن تسو ل له نفسه التأكد من مصدرها في تلك السصصاعة المتصصأخرة مصصن الليل .عاد إلى مائدته واستمتع قليل بترانيم الناي ،ثم ذهب ونام نوما عميقا لم يذقه منصصذ مدة. رن المنبه على الساعة السابعة صبارحا؛ امحت آثار الليل ،فنهض وكلصصه رحيويصصة قل نظيرها .لم يستطع أن يزيل من رأسه الذكرى الغريبة والممتعة لذلك اللحصصن .تصصوجه إلى عمله والبتسامة ل تغادر شفتيه .عند خروجه من العمارة سأ ل البصواب إن كصان قصد سمع صوت ناي في الليلة السابقة ،إل أن الرجل العجصصوز ،وهصصو شصصبه أصصصم وقصصد غلبصصه السهر ،أجابه أنه لم يسمع شيئا .شصصكره صصصارحبنا وابتعصصد وهصصو يصصصفر محصصاول تقليصصد مصصا أطلق عليه منذ ذلك الحين "موسيقى ليلية صغيرة". عاد إلصى بيتصه رحصوالي التاسصعة مسصاء غاضصبا وورحيصدا مثلمصا كصان فصي السصهرة السابقة .كانت سصصذاجته فصي بصصذ ل المجهصصود تسصتنز ف كصصل قصواه .مصا قيمصصة أن يقتصل نفسصصه بالعمل؟ هذه المرة لم يفك رحتى ربطة العنق ،لن يزيل ذلك الطوق الذي يخنقصه كليصصا .لصصم يجد هذه المصصرة الصصوقت الكصصافي رحصصتى للبحصصث عصصن المقصصادير الضصصرورية لتحضصصير طبصصق الكولوراديتو 2علصصى الطريقصصة الوتشصصاكية – 3تلصصك كصصانت شصصهوته ذلصصك اليصصوم – فاضصصطر للكتفاء بطهي قطعة من لحم خنزير بنبتة الرجلة ،هذا الطبق الذي يذكره دائما بصصأذواق طفولته .نسي الناي وهو يتمتع بطبقه ،غير أن الناي لم ينسه :اقتلعصصه مصصن تصصأملته علصصى الساعة الحادية عشرة ليل بالضبط. قبل الذهاب إلى العمصصل عصصاد للنقصصر علصصى بصصاب البصواب .خصصر ج العجصوز يسصصتقبله مرتديا قميصا باليا أنهكه السصصتعما ل ،أشصصعث ،يشصصد أزرار سصصرواله .دعتصصه لحيتصصه غيصصر المحلوقة وهالتاه اللتان تخفيان عينيه الصغيرتين أن يتخذ الحذر .قا ل له بلطف: معذرة .أنا المكتري الجديد في الرقم ،31هل تذكرني ،يا سيدي؟ manchamanteles 1أو : manchamantelطبق مكسيكي من لحم دجاج أو ديك رومي مع الفلفل والطماطم والناناس والموز. 2
3
:أكلة خفيفة مكسيكية عبارة عن محشي من لحم البقر مطحون مع تفاح ومرق طماطم وفلفل وبصل وثوم. نسبة إلى مدينة واتشاكا المكسيكية.
29
صوب إليه الخر إجابته قائل: هل من مشكل؟ ل ،ل .كنت فقط أريد أن أسألك ،يا سيدي ،هل من جيراننا من ... شكوى ما؟-
أريد فقط أن أعر ف هل هنا ك بين الجيران من يعز ف على الناي.
باغته العجوز بالجواب في ارتياح: إنها ماتيلدي .قلنا لها ألف مرة... لقد قلت لك ،يا سيدي ،إن المر ل يتعلق بشكوى .شكرا.رحاو ل طيلة اليوم أن يتخيل ماتيلدي.لم يكن لي من النساء اللصصواتي التقصصى بهصصن في السلم محيا فني رغم أنه ،في الحقيقة ،لم تكن لديه فكرة عصصن كيصصف يمكصصن أن تصصتزين عازفة. بعد إغلق المكتب ورغم التعب الذي ل يقل عن تعبصصه المعتصصاد ،عصصاد صصصارحبنا إلصصى بيتصصه ،فصصي العاشصصرة ليل ،وهصصو يسصصتعد لتحضصصير طبصصق مصصن سصصمك علصصى الطريقصصة البيراكروثية 4وللقاء ماتيلصصدي .جصصاءت الموسصصيقى فصصي الميعصصاد ،بنفصصس الكآبصصة والشصصفافية كالمعتصصاد فصصأرحس صصصارحبنا بالنتعصصاش :لو ل مصصرة يعطصصى لنفسصصه الفرصصصة لتخيصصل وجصصه ماتيلدي وهو ينصت إلى نغمات آلتها .اخترع لها يدين ملساوين وعنقصصا شصصامخا ،عينيصصن فيروزيتين وماضيا رحزينا بدون شك :ورحده مصصن سصصبق لصصه أن جصصرب المعانصصاة يمكنصصه أن يعز ف بتلك الطريقة .وبعد ذلك سمح لنفسه بأن يرسم لهصا عاشصقا قاسصي القلصب ونسصيانا مشؤوما .إذا لم يكن بفعل اللم ،فأي شيء آخر يمكن أن يجعل امرأة تأرق وهصصي تبكصصي تلك الموسيقى؟ صارحبنا الن يحلم يقظان ،وقد استلبه الناي السهران. كان الموعد يتكرر كل ليلة بدقة متناهية .وكأنهمصصا وقعصصا علصصى اتفاقيصصة ،يحضصصر هو طبقا جديدا – لحم بقر باللوز ،لحم خنزيصرة ملفصو ف فصي أوراق المصوز ومطهصو فصي الفرن أو تحت الرض ،فلفل مر محشو ،طبق من الفاصوليا علصصى الطريقصصة المكسصصيكية – ثصصم يصصتر ك نفسصصه لتلفصصه الموسصصيقى وتصصداعبه :كصصانت تبصصوح لصصه بآلمهصصا عصصبر المصصدار ج الموسيقية التي كانت ترسلها .كان صصصارحبنا يصصصقل تفاصصصيل تخيلتصصه وهصصو يلصصون يصصأس ماتيلدي بالحكايات الكثر إثصصارة للنصصدم .تبخصصرت نهائيصصا رتابصصة وجصصوده وقصصد محتهصصا تلصصك الحفلت الموسيقية الخاصة .هصصذه الموسصصيقى الصصتي يعرفهصصا الن عصصن ظهصصر قلصصب وهصصذه المرأة التي لم يرها قط تنقذانه. إل أن صارحبنا لم يكن يجصرؤ علصى كشصف قنصاع رفيقتصه المجهولصة ،وكصأن تلصك المواعيد المختلسة نتا ج الليصصل ليسصصت إل .لصصم يفكصصر قصصط فصصي الصصذهاب إلصصى شصصقة ماتيلصصدي وبالرحرى أن يكشف لها المتعة التي كانت تحققها لصصه .كصصان خصصو ف خفصصي يثنصصي فضصصوله 4
نسبة إلى مدينة بيراكروث المكسيكية.
30
وكأن فكرة اقتحام رحياة العازفة قد يعني نهاية الفتتان .لم يكن ينبغي لصصه أن يتصصدخل فصصي خصوصيات محبوبته ،خشية أن يفقدها إلى البد .بدأ صارحبنا شيئا فشيئا يركز وجصصوده على اللقاءات المتأخرة مع ماتيلدي .ل العمل ،ول التعب ول الساعات التي يقضيها في المطبخ استطاعت أن تثنيه عنها وعن موسيقاها .ثمة تكافل ،عميق لنصصه سصصري ،يجمصصع مصيريهما .هو كان يعيش فقط ليسمعها تعز ف وهي ،على ما يبصصدو ،تحيصصا لتعصصز ف لصصه. علقة كاملة. ذات ليلصصة ،اضصصطر بطصصل رحكايتنصصا أن يبقصصى فصصي مكتبصصه لتمصصام بعصصض المصصور المسصتعجلة ولصم يسصتطع الحضصور إلصى الصبيت فصي سصاعة موعصده المصزدو ج مصع الكصل والموسيقي .عندما وصل ،أخيرا ،إلى شقته ،لصم يجصد غيصر الصصمت .كصانت تلصك المصرة الورحيدة التي يتخلف فيهصا عصن اللقصاء فصأرحس بالخجصل والحصزن .كيصف يمكصن أن تخلصف ميعادها معه؟ ولكي يعتذر لها ،عاد إلصصى بيتصصه فصصي الليلصصة المواليصصة منصصذ السصصاعة السصصابعة مساء ،أسرع في تحضير أرغفة خضراء بسيطة من الصصذرة المطبوخصصة بمصصرق رحصصار ثصصم اسصصتلقى علصصى أريكتصصه وهصصو مسصصتعد لداء ثمصصن تهصصاونه .مصصرت السصصاعات ولصصم تظهصصر الموسيقى .فكر صارحبنا في أن ذلك الصمت كان زجرا بصصالغ القسصصوة ،لكنصصه تحملصصه دون شكوى. لكن ،ل في اليوم الموالي ول في الذي بعده كان هنا ك شيء ،ولو نوتة وارحصصدة. بدأ صارحبنا ييأس .رحتى الكل لم يعد يهمصصه ،الن وقصصد أصصصبح مصصن المفصصروض عليصصه أن يتناوله ورحده .هل تخلت عن رحبه؟ هل ارتكب كبيرة عندما تركها تنتظره تلك الليلة؟ أم أن شيئا أفظع قد رحصل؟ رفض أن يسأ ل البواب درءا لي سوء ظن .منصصح لنفسصصه أجصصل سهرة أخيرة قبل أن يتجرأ على التيقن مما كان يحدث. ل شيء. مرتجفا ،ذهب أمام بيت ماتيلدي ،في اليوم الموالي ،ودق الجصصرس .مصصرت عصصدة دقائق قبل أن تفتح له الباب شابة في الثلثين تقريبا وهي ترتدي ملبس سصصوداء .غمغصصم قائل: ماتيلدي.أدارت الشابة ظهرها دون أن تنبس ببنت شفة .عندما تبعهصصا إلصصى داخصصل الصصبيت ورأى أثواب الكريب السوداء والشموع المحيطة بصورة امرأة ذات عينين خضراوين قويتين ،فهم صارحبنا ما رحصل. أمك عازفة...أجابته الشابة: كصانت كصذلك .الن ل أرحصد يتصذكرها .منصصذ أن مرضصصت ل تقصدر رحصتى علصصىإمسا ك ناي. -لكنني كنت أسمعها تعز ف كل ليلة ...أنا أقطن تحتكم.
31
لقد كانت مهووسة بحفلها الخير .كانت تصر على أن تسصصمع تسصصجيله كصصلليلة .آسفة على الزعا ج. وهو لم يعرفها رحتى .لم يسمع رحتى صوتها .تجرأ وقا ل لها وهو مدمر: هل يمكن أن أطلب منك خدمة؟ هل يمكن أن تعيريني التسجيل؟ اليوَم فقط.قبلت الفتاة على مضض .بعد توديعها وشكرها ،انسحب صصصارحبنا وهصصو مسصصتعد لتحضير أرحسن أطباقه رحتى يتسنى له اقتسامه للمرة الخيرة مع موسيقى ماتيلدي. الترجمة :حسن بوتكى
32
33