اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم واﻟﺤﯿﺰ اﻟﺨﺎص
1
د .ﻋﺰﻣﻲ ﺑﺸﺎرة* "ﻟﻢ ﯾﻌﺪ أﺣﺪ ﯾﺤﺘﻤﻞ أﺣﺪاً" :ھﻜﺬا ﻧﺴﻤﻊ اﺣﺘﺠﺎج ﺻﺎﺣﺐ ﻓﺮح اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎرع اﻟﻌﺎم وأﻏﻠﻘﮫ ،ﺑﻌﺪ أن ﺻﻒ اﻟﻜﺮاﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﺣﯿﺘﯿﮫ ،وأﻗﺎم ﻓﯿﮫ اﺣﺘﻔﺎﻻً ﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن ﺗﺤﻮل إﻟﻰ اﺷﺘﺒﺎﻛﺎت ﻣﺘﺘﺎﻟﯿﺔ ﻣﻊ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﯿﺎرات .ھﻮ ﻻ ﯾﺪرك أن ھﻨﺎﻟﻚ ﺧﻄﺄ ﻣﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ،وﻻ ﯾﻠﺤﻆ اﻟﺨﻄﺄ إﻻ ﻓﻲ ﻗﻠﺔ ﺗﺴﺎﻣﺢ اﻟﻨﺎس .وھﻮ ﯾﻘﺼﺪ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻛﺮم اﻷﺧﻼق .ﻓﺎﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﺣﺘﻤﺎل اﻟﻨﺎس ﻟﺒﻌﻀﮭﻢ إذا ﺗﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﺑﺮأي ﻣﺨﺎﻟﻒ .أﻣﺎ اﻟﺘﺤﻤﻞ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺸﺄن اﻟﻌﺎم ﻓﻼ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎﻣﺢ .اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﺣﺘﺮام اﻻﺧﺘﻼف ،ﺧﺎﺻﺔ اﻻﺧﺘﻼف ﻓﻲ اﻟﺮأي .ﻣﻦ ﺣﻖ اﻹﻧﺴﺎن ان َﯾﻜﺮم ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮه ،وأن ﯾﺘﺤﻤﻞ اﺧﺘﺮاق ﺣﯿﺰه اﻟﺨﺎص ،أي ﺣﺪﯾﻘﺔ ﺑﯿﺘﮫ ،ﺑﻌﺪ اﺳﺘﺌﺬاﻧﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﺻﺤﺎب اﻟﺤﻔﻞ ﻣﺜﻼ .ﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻖ اﻟﻨﺎس ،أﻓﺮاداً ،أن ﯾﺘﺴﺎﻣﺤﻮا ﺑﺸﺄن اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﻓﮭﻮ ﻟﯿﺲ ﻣﻠﻜﮭﻢ أﻓﺮاداً ،وﻻ ﺣﺘﻰ ﻣﻠﻚ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﺗﻔﻘﺖ ﻋﻠﯿﮫ .وھﻮ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ﻟﯿﺲ ﻣﻠﻚ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺎرة .ﻓﮭﺬه ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺻﺪﻓﯿﺔ ﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻤﺠﻤﻮع اﻻﻋﺘﺒﺎري )اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ( اﻟﺬي ﻟﮫ ﺣﻖ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم )وﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﻣﻠﻜﯿﺔ(. وﻷن اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم واﻟﺤﯿﺰ اﻟﺨﺎص ﻏﯿﺮ واﺿﺢ إطﻼﻗﺎ ً ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﯾﻔﮭﻢ ﻣﺨﺘﺮق ھﺬا اﻟﺤﯿﺰ وﻣﻘﺘﺤﻤﮫ اﻟﺠﺮﯾﻤﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ .ﻛﻤﺎ ﻻ ﯾﻔﮭﻢ اﻟﻤﻨﺰﻋﺠﻮن أﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻘﮭﻢ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ،ﻛﻤﺎ أﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻘﮭﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎص ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺘﺤﻢ ،ﻻ ﺑﺄﯾﺪﯾﮭﻢ وﻻ "ﺑﺴﯿﻮﻓﮭﻢ" ،ﻷﻧﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﺘﯿﻦ ،ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻻﻗﺘﺼﺎص ،ﯾﺘﺼﺮﻓﻮن ﻛﺄن اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﻣﻠﻚ ﻟﮭﻢ ،ﻣﺆﻗﺘﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ إﻟﻰ أن ﺗﺘﻢ ﺗﺼﻔﯿﺔ ﻣﺼﺪر اﻹزﻋﺎج. واﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺮب ﻓﻲ اﻟﺪاﺧﻞ ﻣﻠﺘﺒﺴﺔ أﺻﻼً .ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ھﻮ اﻟﺪوﻟﺔ وﺳﯿﺎدة اﻟﻘﺎﻧﻮن واﻟﻀﺮاﺋﺐ ﻓﺈن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﮫ ﻋﻼﻗﺔ اﻏﺘﺮاب ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺪاراة واﻟﺘﻤﻠﻖ ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺪاء اﻟﺼﺮﯾﺢ ،وﻛﻠﮭﺎ ﺗﻌﺒﯿﺮات ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺔ اﻏﺘﺮاب .ﻟﻘﺪ ﻗﺎم اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺼﺎدرة اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻣﺎدي ھﻮ ﻣﺼﺎدرة وﻧﮭﺐ اﻷرض اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ .وﻻ ﯾﺮﻏﺐ اﻟﻤﻮاطﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ ﻣﺼﺎدرة اﻷرض ﻹﻗﺎﻣﺔ ﻣﺴﺘﻮطﻨﺔ ﯾﮭﻮدﯾﺔ أو ﻟﺸﻖ ﺷﺎرع .ﻓﮭﻮ ﻣﻐﺘﺮب ﻋﻦ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﺤﺪﯾﺚ ﺑﻤﺠﻤﻠﮭﺎ ﻛﻌﻤﻠﯿﺔ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﻮ ﻋﻠﻰ وطﻦ وﺳﺮﻗﺘﮫ .وﻻ ﯾﻘﻊ اﻟﻤﻮاطﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺧﺎرج اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم وﺣﺪه :ﻣﻦ ﺷﺎطﺊ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي ﺗﺤﺮﻣﮫ ﻣﻨﮫ ﻋﻨﺼﺮﯾﺔ رواده ،ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻨﺎطﻖ اﻟﺨﻀﺮاء اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﺎﺑﻌﺔ ل"اﻟﻘﯿﺮن ﻗﯿﯿﻤﺖ" )اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﻘﻮﻣﻲ اﻟﯿﮭﻮدي( أو اﻟﻮﻛﺎﻟﺔ ّ اﻟﯿﮭﻮدﯾﺔ .واﻟﺘﻄﻮﯾﺮ ﻻ ﯾﺘﻢ ﻣﻦ أﺟﻠﮫ ﻋﻠﻰ أﯾﺔ ﺣﺎل ،ﻟﻜﻦ ﯾﺴﻤﺢ ﻟﮫ ﻛﻀﯿﻒ ﺑﺎﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﮫ ،ﺷﺮط أن ﯾﻠﺘﺰم ﺷﺮوط اﻟﻀﯿﺎﻓﺔ وأدﺑﮭﺎ .ﯾﻘﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﺧﺎرج أھﻢ ﺗﺠﻠﯿﺎت اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم اطﻼﻗﺎ ،أي اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم ،اﻟﺬي ﯾﻨﺠﻢ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺎﻋﻼت ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ووﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺘﻲ ﯾﺘﯿﺤﮭﺎ واﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻓﯿﮫ وﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ واﻟﺪوﻟﺔ .ﻟﻜﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻤﻠﺘﺒﺴﺔ ﻣﻊ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﻻ ﺗﻨﺘﮭﻲ ﺑﺎﻻﻏﺘﺮاب ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ ورأﯾﮭﺎ اﻟﻌﺎم ،ﺑﻞ ﯾﺘﺠﺎوز ذﻟﻚ إﻟﻰ ﺗﻌﺜﺮ ﻋﻤﻠﯿﺔ . 1اﻟﻨﺺ ﻣﺄﺧﻮذ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب :ﻋﺰﻣﻲ ﺑﺸﺎرة ،طﺮوﺣﺎت ﻋﻦ اﻟﻨﮭﻀﺔ اﻟﻤﻌﺎﻗﺔ) ،رام ﷲ :ﻣﻮاطﻦ :اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ ،(2003 ،ص.121-113 :
ﺟـﺪل اﻟﻌﺪد اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﴩون /ﻛﺎﻧﻮن اﻻول 2016
1
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org
ﺗﺸﻜﻞ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻘﺮﯾﺔ واﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،ﻧﺎھﯿﻚ ﻋﻦ اﻷﻗﻠﯿﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﺑﻤﺠﻤﻠﮭﺎ أو اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ. واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أن اﻟﺠﯿﻞ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻟﻢ ﯾﻌﺮف ﺣﺘﻰ اﻟﺸﺎرع ،أي اﻟﻤﻠﻜﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻷوﻟﯿﺔ ،ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺤﺪدة ﺑﻤﺆﺳﺴﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﮭﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﺸﺎرع أﺻﻼً ﺣﯿﺰا ً ﻋﺎﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺤﺪﯾﺚ واﻟﻌﺼﺮي ﻟﮭﺬه اﻟﺘﻌﺎﺑﯿﺮ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﺟﺰءا ً ﻣﻦ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ :أرض ﻣﺮﻋﻰ ،ﯾﻨﺒﻮع ﻣﺎء ﻻ ﯾﻤﻠﻜﮫ أﺣﺪ أو ﯾﻌﻨﻲ ﺑﮫ ،إﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻧﻘﯿﺾ اﻟﻤﻠﻜﯿﺔ .وھﻮ ﻣﺸﺎع ﺗﺤﺖ ﺗﺼﺮف أھﺎﻟﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ أو اﻟﻌﺸﯿﺮة ﯾﻨﻈﻤﮫ ﺗﻘﻠﯿﺪ أو ﻋﺮف .ﻟﻜﻦ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم اﻟﺤﺪﯾﺚ ﺧﻼﻓﺎ ً ﻟﻠﻤﺸﺎع ﻣﺼﻨﻮع ﯾﻌﯿﺪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ إﻧﺘﺎﺟﮫ وﻟﯿﺲ ﻣﻌﻄﻰ طﺒﯿﻌﯿﺎً .ﻛﻤﺎ أﻧﮫ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﻰ رﻋﺎﯾﺔ واھﺘﻤﺎم ﻷﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﻣﻌﻄﻰ طﺒﯿﻌﯿﺎً .أﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﻣﺮﻋﻰ أو أرض ﻣﺸﺎع أو ﻧﺒﻊ ﻣﺎء .وھﻮ ﯾﺤﺘﺎج ﻷن ﯾﺘﻢ اﺳﺘﯿﻌﺎﺑﮫ واﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﮫ ﻋﻠﻰ درﺟﺔ أﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺮﯾﺪ ،ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾُﻠ َﻤﺲ داﺋﻤﺎ ﺣﺴﯿﺎ ً ﻣﺜﻠﻤﺎ ﯾُﻠ َﻤﺲ ﻋﻨﺪ اﻟﺘﻨﺰه ﻓﻲ ﺣﺪﯾﻘﺔ ﻋﺎﻣﺔ ھﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﺼﺢ اﻟﻤﺲ ﻓﺮدﯾﺎ ً ﺑﺄزھﺎرھﺎ ﻣﺜﻼً .وﻻ ﯾﺤﺘﺎج اﻟﻤﺮء إﻟﻰ ﻧﺒﺎھﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﯿﺪرك اﻧﮫ ﻻ ﯾﺼﺢ ﺗﻠﻮﯾﺚ ھﺬا اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم اﻟﻤﻠﻤﻮس اﻟﻤﺤﺴﻮس ﺑﺒﻘﺎﯾﺎ اﻟﻨﻔﺎﯾﺎت "اﻟﺨﺎﺻﺔ" ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﯾﺠﻮز إﻏﻼق ﺷﺎرع ﻟﻐﺮض ﺗﻨﻈﯿﻢ ﺣﻔﻠﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺳﺎھﺮة. إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﻟﯿﺲ داﺋﻤﺎ ﻣﻠﻤﻮﺳﺎ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻔﺮض ﻋﻠﻰ اﻹﻓﺮاد ﺑﺸﻜﻞ "ﻋﺎم" اﻟﺘﺰاﻣﺎت ﺗﻨﺘﺞ ﺑﺤﺪ ذاﺗﮭﺎ اﻟﻌﻤﻮﻣﯿﺔ .إﻧﮫ ﯾﺘﻄﻠﺐ ﺿﺮاﺋﺐ ،واﻟﻀﺮاﺋﺐ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺿﺮاﺋﺐ .وﻣﮭﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻋﺘﺎوة اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﺠﺒﻲ ﺑﺎﻟﻘﺴﺮ ﻓﻌﻼً إﻻ ﻣﻘﺘﻄﻌﺎت ﻣﻦ اﻷﺟﯿﺮﯾﻦ .أﻣﺎ اﻟﻤﺴﺘﻘﻠﯿﻦ ﻓﺘﺤﺘﺎج اﻟﺠﺒﺎﯾﺔ ﻣﻨﮭﻢ إﻟﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺿﺮاﺋﺐ ﺗﻌﻲ أھﻤﯿﺔ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم واﻟﻤﺴﺎھﻤﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺋﮫ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﺴﺮ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ. ﺗﺒﺪأ اﻟﻀﺮﯾﺒﺔ ﺑﺎﻟﻤﻘﺘﻄﻌﺎت اﻟﻄﻮﻋﯿﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺘﻨﻈﯿﻒ درج أو ﻣﺪﺧﻞ ﻋﻤﺎرة دون ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻣﺮورا ً ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﯿﻦ اﻟﺼﺤﻲ ،وﻣﺨﺼﺼﺎت اﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﻠﻤﺴﮭﺎ اﻟﻔﺮد ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﮫ ،واﻧﺘﮭﺎء ﺑﻀﺮﯾﺒﺔ اﻟﺪﺧﻞ اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﻠﻤﺴﮭﺎ إطﻼﻗﺎ ﻣﻦ دون درﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺮﯾﺪ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ وﻋﻲ ﺗﺎرﯾﺨﻲ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﺪوﻟﺔ ،وﻋﻲ ﻏﯿﺮ ﺳﻠﻄﺎﻧﻲ ،أي ﻏﯿﺮ ﻣﺘﻨﺎﻓﺮ ﻣﻊ اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﻜﯿﺎن ،إذا ﺻﺢ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ .وﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن اﻟﻔﺮد ﻗﺎدرا ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮر ﺣﯿﺰ ﻋﺎم ﯾﮭﻤﮫ ﻛﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺤﯿﺚ ﺗﺰداد أھﻤﯿﺔ اﺗﺴﺎع اﻟﺸﺎرع ﻗﺮب اﻟﺒﯿﺖ ،وأھﻤﯿﺔ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺒﯿﻮت ،واﻟﺤﺎﺟﺔ ﺗﻌﻮض اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﺎدي اﻟﺬي ﯾﻠﺘﻘﻲ ﻓﯿﮫ اﻟﻨﺎس ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ،وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﺘﻲ ّ ﻋﻦ ﺿﯿﻖ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻔﺮدي أﯾﻀﺎً ،وﻗﺪ ﺗﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﺗﺴﺎع اﻟﺒﯿﺖ .وﺗﻌﺘﺒﺮ ھﺬه ﻛﻠﮭﺎ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮر ﻧﻮﻋﯿﺔ اﻟﺤﯿﺎة ورﻗﯿﮭﺎ. إن اﻟﺪﻟﯿﻞ اﻷول ﻋﻠﻰ وﺟﻮد ﺗﺨﯿﻞ ﻟﻠﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ھﻮ ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ واﻟﺒﺮﺟﻮازﯾﺔ ﻣﻊ ﻧﺸﺎطﮭﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدي وطﺮﯾﻘﺔ ﺣﯿﺎﺗﮭﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل رؤﯾﺔ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ،وﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺠﺪﻟﻲ ﻣﻌﮫ .إن ﻣﻦ ﯾﺒﻨﻲ ﻓﯿﻼ ﻓﻮق ﻣﺰﺑﻠﺔ ،أو ﯾﻮﺳﻊ ﺣﺪﯾﻘﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﺮﺻﯿﻒ ،ﻻ ﯾﺪرك اطﻼﻗﺎ ً ﻣﺎ ھﻮ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم .وﯾﺘﻀﺢ ﻣﻊ اﻟﻮﻗﺖ أﯾﻀﺎ ً أن اﻟﺤﯿﺰ اﻟﺨﺎص ﻏﯿﺮ ﻣﺤﺪد ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﮫ ﻷن أدوات ﺗﺤﺪﯾﺪه ﻏﺎﺋﺒﺔ ،وﺗﺤﺪﯾﺪه ﯾﺘﻢ ﻗﯿﺎﺳﺎ ً إﻟﻰ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم اﻟﻤﻔﻘﻮد .وإذا وﺻﻞ أﺻﺤﺎب اﻟﻔﯿﻼت إﻟﻰ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺣﻮل ﻛﯿﻔﯿﺔ إدارة ﺣﯿّﮭﻢ ﺑﻨﻈﺎم ﯾﺘﺮك ﻣﺘﺴﻌﺎ ً ﻟﻠﻌﺎم ﻣﻦ دون أن ﯾﺄﺧﺬوا ﺑﻌﯿﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر اﻷﺣﯿﺎء اﻟﻔﻘﯿﺮة ﺗﺤﺖ أﻧﻮﻓﮭﻢ ،ﺑﺒﻨﺎء ﻧﻤﻂ ﯾَ ِﺨﺰ اﻟﻌﯿﻮن وﯾﺴﺘﻔﺰ اﻟﻨﻔﻮس ،ﻓﮭﺬا ﯾﻌﻨﻲ أﻧﮫ رﻏﻢ اﺗﻔﺎﻗﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺰ "اﻟﻌﺎم" اﻟﺨﺎص ﺑﮭﻢ ﻓﺈﻧﮭﻢ ﻻ ﯾﻔﻘﮭﻮن اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ اﻟﻌﺎم .إﻧﮭﻢ ﯾﻌﯿﺸﻮن واﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻔﻘﯿﺮة ﻋﻠﻰ ﺳﻔﯿﻨﺘﯿﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺘﯿﻦ ،وإن أوھﻤﻮا أﻧﻔﺴﮭﻢ ﻋﻜﺲ ذﻟﻚ ،ﺑﻞ ھﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ .إن ﻣﻦ ﯾﺒﻨﻲ ﻗﺼﺮا ً ﻓﻲ ﺣﻲ ﻣﻜﺘﻆ ﺑﺎﻟﻘﺼﻮر ﻻ ﯾﻔﮭﻢ أن اﻟﻘﺼﺮ واﻻﻛﺘﻈﺎظ ﻧﻘﯿﻀﺎن .وأن ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﻘﺼﻮر ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻨﻰ ﺧﺎرج اﻟﻤﺪن ﺑﻌﯿﺪا ً ﻋﻦ أﻋﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﺤﺎطﺔ ﺑﺴﺎﺣﺎت ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻷرض ﺗﻔﺼﻠﮭﺎ ﻋﻦ ﻣﺤﯿﻄﮭﺎ .اﺳﺘﺜﻨﯿﺖ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺣﺎﻻت رﻣﻮز اﻟﺴﯿﺎدة ﺟـﺪل اﻟﻌﺪد اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﴩون /ﻛﺎﻧﻮن اﻻول 2016
2
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org
اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ اﻟﻤﻔﺘﺮض أن ﺗﻔﺮض ھﯿﺒﺘﮭﺎ ﻛﻤﻤﺜﻞ ﻟﻠﻌﻤﻮم ،ﻟﻠﺪوﻟﺔ وﻟﻠﺤﺎﻟﺔ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ وﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺑﺮزت ﻛﻘﺼﻮر داﺧﻞ اﻟﻤﺪن. إن ﻣﻦ ﯾﺴﺘﺜﻤﺮ ﺟﺰءا ً أﺳﺎﺳﯿﺎ ً ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻓﻲ ﺳﻠﻊ اﺳﺘﮭﻼﻛﯿﺔ وﻣﻈﺎھﺮ ﻏﯿﺮ ﻣﻨﺘﺠﺔ إﻧﻤﺎ ﯾﺴﺎھﻢ ﻓﻲ ﺷﻞ ﻗﺪرة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺘﺎج ،وﯾﻮﺳﻊ اﻟﺨﺎص ﺑﺸﻜﻞ وﺣﺸﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﻌﺎم .إن اﻟﻮﺟﮫ اﻵﺧﺮ ﻟﺒﻨﺎء اﻟﺒﯿﻮت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻛﺄﻧﮭﺎ ﻣﺆﺳﺴﺎت ھﻮ ھﺰاﻟﺔ وﺿﻌﻒ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻧﺘﺎج ﺗﺼﻮر ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﯿﺲ ھﻮ ﻣﺠﺮد ﺗﺠﻤﻊ ﺗﺮاﻛﻤﻲ ﻷﻓﺮاد ،وﻧﺘﺎج ﻧﺸﻮء ﺻﺎﻟﺢ ﻋﺎم ﻻ ﯾﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﻔﺮدﯾﺔ ﻟﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل .وھﻮ أﯾﻀﺎ ً ﻟﯿﺲ ﻣﺸﺎﻋﺎً ،ﺑﻞ ھﻮ ﻣﻠﻚ ﻟﻠﺪوﻟﺔ أو اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ .وﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺤﺎﻻت ﯾﻔﺘﺮض أن ﺻﯿﺮورة ﻧﺸﻮﺋﮫ وﻗﯿﺎﻣﮫ واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﯿﮫ ﻻ ﺗﺘﺮك ﻟﻘﻮى اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺮﻋﻰ أو ﻧﺒﻊ اﻟﻤﺎء أو اﻟﻮادي اﻟﺬي ﺗﺸﺮب ﻣﻨﮫ اﻟﻤﻮاﺷﻲ ،ﺑﻞ ﻟﻘﻮى اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ .ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﻤﻜﻦ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ﺗﺮاث اﻟﻤﺸﺎع ﻟﺘﺜﺒﯿﺖ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم .ﻟﯿﺲ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﻣﻮﺿﻮع ﻣﻠﻜﯿﺔ ﻋﺎﻣﺔ، رﻏﻢ أﻧﮫ ﻗﺪ ﯾﻨﺘﮭﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﻠﻜﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻋﻼﻗﺘﮫ ﺗﺒﺪأ ﺑﺎﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﯾﺨﺘﺮق اﻟﻤﻠﻜﯿﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ. ﻗﺪ ﺗﻜﻮن اﻟﺼﺤﯿﻔﺔ ﻣﻠﻜﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،ﻟﻜﻨﮭﺎ ﻣﻦ دون ﺷﻚ أﯾﻀﺎ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم .وﻗﺪ ﯾﻜﻮن اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺗﺎﺑﻌﺎ ً ﻟﻤﻠﻜﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،ﻟﻜﻨﮫ ﺣﯿﺰ ﻋﺎم .وﺣﺘﻰ إدارة اﻟﻤﻘﮭﻰ ﻟﯿﺴﺖ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ .وﺗﺴﺘﻨﺪ أﺧﻼﻗﯿﺎت ﻣﮭﻨﺔ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ،ﻛﻤﺎ أﺧﻼﻗﯿﺎت ﻣﮭﻨﺔ اﻟﻄﺐ وﻏﯿﺮھﺎ ،إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺒﻌﺪ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ اﻟﺬي ﯾﺠﻌﻠﮭﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﮭﻦ ذات ﺑﻌﺪ ﻋﺎم ﻣﻘﻠﺺ وﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻣﺜﻞ اﻟﺘﺠﺎرة .وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﺒﻌﺪ اﻟﻌﺎم ﺗﻌﺮض ﺻﺎﺣﺐ أي ﻣﮭﻨﺔ ذات ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ،ﺻﺤﻔﻲ أو طﺒﯿﺐ أو ﻣﺤﺎﻣﻲ ،ﻛﺘﻌﺮض أي إﻧﺴﺎن أو ﻣﻮاطﻦ ﻟﻄﺎﺋﻠﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺠﻨﺎﺋﻲ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻣﺲ ﺑﺎﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم ﻷﻧﮫ أﺿﺮ ﺑﻘﯿﻢ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻘﺎم ﺑﺎﻟﻐﺶ أو اﻟﺴﺮﻗﺔ أو ﺣﯿﺎﺗﮫ اﻟﺨﺎﺻﺔ أو ﻓﻲ ﺗﺠﺎرﺗﮫ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،إذا ّ اﻟﻘﺘﻞ أو اﻟﻌﻨﻒ ،ﺣﺘﻰ داﺧﻞ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ وﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﮫ ﻣﻊ أطﻔﺎﻟﮫ أو زوﺟﺘﮫ .ﻓﺎﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺠﻨﺎﺋﻲ ﻟﯿﺲ دﻟﯿﻼً ﻋﻠﻰ ﺧﺼﻮﺻﯿﺔ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﻣﺠﺘﻤﻌﯿﺎ ً ﺑﻞ دﻟﯿﻞ ﻻ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﮫ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد اﻟﺪوﻟﺔ .واﻟﺪوﻟﺔ ھﻲ اﻟﻤﺪﻋﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺠﻨﺎﺋﻲ ﻷن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﯾﻌﺘﺒﺮ اﻟﺠﻨﺎﯾﺔ ﺟﺮﯾﻤﺔ ﺗﻀﺮ ﺑﮫ ﻛﻤﺠﺘﻤﻊ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺿﺤﯿﺘﮭﺎ ﻓﺮداً ،وﺣﺘﻰ ﻟﻮ أﺳﻘﻂ ھﺬا اﻟﻔﺮد ﺣﻘﮫ .ﻓﺎﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺠﻨﺎﺋﻲ ھﻮ أﺑﺴﻂ ﺗﺠﻠﯿﺎت اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ ﻛﺤﺎم ﻹﻣﻜﺎﻧﯿﺔ وﺟﻮد اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﺑﻘﻤﻊ اﻟﺘﺠﺎوزات اﻟﺠﻨﺎﺋﯿﺔ .وﻻ ﺷﻚ أن وﻟﻮج اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺠﻨﺎﺋﻲ إﻟﻰ ﺣﯿﺎة اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ھﻮ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻮة اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم .ﻛﻤﺎ أﻧﮫ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﯿﺮ اﻟﺤﺪود اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﺎص واﻟﻌﺎم ،اﻟﺬي ﯾﻤﯿﺰ ﺗﻄﻮر اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ ﺿﻤﻦ اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ وﺑﯿﻦ اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ .إذ ﺗﺆﺧﺬ ﻗﯿﻢ ھﺬه اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ ﺑﻌﯿﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر، وﺗﺆﺧﺬ أﯾﻀﺎ ً اﻟﻘﯿﻢ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻗﯿﻢ اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ ،ﺑﺎﻻﻋﺘﺒﺎر ذاﺗﮫ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺮف واﻟﻌﺎدة واﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﺮأة. واﻟﻤﻤﺘﻊ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﯿﺔ إﻋﺎدة ﺗﺸﻜﯿﻞ اﻟﺤﺪود اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﺨﺎص واﻟﻌﺎم أﻧﮭﺎ ﺗﺤﺪد ،وﺗﻌﻜﺲ ﺑﯿﺎﻧﯿﺎ ً إﻟﻰ ﺣﺪ ﺑﻌﯿﺪ ،ﺟﺪﻟﯿﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ )اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺗﺎرﯾﺨﯿﺎ ﺑﻨﺸﻮء ﻣﻔﺎھﯿﻢ ﻣﺜﻞ إرادة اﻟﻤﺠﻤﻮع وﺗﻤﯿﯿﺰھﺎ ﻋﻦ ﻣﺠﻤﻮع اﻻرادات اﻟﻔﺮدﯾﺔ ،وﻣﻔﺎھﯿﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم( وﺑﯿﻦ اﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﯿﺔ )اﻟﻤﺪاﻓﻌﺔ ﺗﺎرﯾﺨﯿﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﺮﯾﺎت اﻟﻔﺮدﯾﺔ واﻟﺤﻘﻮق ذات اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻔﺮدي واﻟﻤﻠﻜﯿﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪي ﺗﺤﻔﻈﺎ ً ﯾﻜﺎد ﯾﻜﻮن ﺗﻘﻠﯿﺪﯾﺎ ً ﻣﻦ ﺗﺠﺎوز اﻟﻌﺎم ﻟﺤﺪود اﻟﺤﯿﺰ اﻟﺨﺎص( .وﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ ھﺬه اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ ﻋﻨﺪ ﺣﺪود ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن ،أو ﻋﻨﺪ ﻋﻨﺎوﯾﻦ اﻟﻤﻠﻜﯿﺔ ،ﺑﻞ ھﻲ ﺗﻌﯿﺪ رﺳﻢ اﻟﺤﺪود ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار .وﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺟﻤﺎھﯿﺮﯾﺔ ،أو ﺣﻘﻮﻗﯿﺔ ،او ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ،أو ﻧﻘﺎﺑﯿﺔ ،ﺗﻄﺎﻟﺐ ﻗﻮى اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﺑﺘﺪﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم ،ﻟﺘﻔﺮض أو ﺗﻘﻮﻧﻦ ﺣﻘﻮﻗﺎ داﺧﻞ ﺣﯿﺰ أﻋﺘُﺒﺮ ﺧﺎﺻﺎ ً ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻓﺄﻋﺎدت ھﺬه اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ ﺗﻌﺮﯾﻒ ﺧﺼﻮﺻﯿﺘﮫ .ھﻜﺬا ﺣﺜّﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻨﺴﺎﺋﯿﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆون اﻋﺘﺒﺮت ﺣﺘﻰ ذﻟﻚ ﺟـﺪل اﻟﻌﺪد اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﴩون /ﻛﺎﻧﻮن اﻻول 2016
3
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org
اﻟﻮﻗﺖ ﻋﺎﺋﻠﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ .وھﻜﺬا ﺣﺜّﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻨﻘﺎﺑﯿﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮن ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرھﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﺷﺎﻧﺎ ً ﺧﺎﺻﺎ ً ﯾﺘﻢ ﺑﯿﻦ ﺟﺪران ﻣﻜﺎن اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺜﻤﺮ أو اﻟﻤﺸﻐﻞ .وھﻜﺬا ﻣﻨﻌﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺷﺮوط ﻋﻤﻞ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻏﯿﺮ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺗﻤﺖ ﺑﺮﺿﻰ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ ،اﻟﻌﺎﻣﻞ واﻟﻤﺸﻐﻞ ،ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺣﺮﯾﺔ اﻟﺘﻌﺎﻗﺪ .ﻓﻠﯿﺲ ﻟﺪى طﺮﻓﯿﻦ ﺧﺎﺻﯿﻦ ﻣﻦ ﺣﻖ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻗﺪ ﯾﺘﺠﺎوز أﻣﻮرا ً ﺑﺎﺗﺖ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺷﺄﻧﺎ ً ﻋﺎﻣﺎ ً ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﻜﻞ ،ﻣﺜﻞ ﺷﺮوط وظﺮوف اﻟﻌﻤﻞ. ﯾﺘﺠﺎوز اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﺣﻖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮر أﻋﻼه ﻓﻲ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﺟﻨﺎﺋﯿﺎ ً ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ،وذﻟﻚ ﻟﺴﺒﺒﯿﻦ ،أوﻻً :أن اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻋﺒﺮ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺠﻨﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﺳﺘﺜﻨﺎءات ھﻲ ﺧﺮق اﻟﻘﺎﻧﻮن ،ﻟﻜﻦ ﻏﺎﻟﺒﯿﺔ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ دوﻟﺔ ﺳﯿﺎدة اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻻ ﺗﺨﺮق اﻟﻘﺎﻧﻮن ﺣﺘﻰ دون أن ﺗﻌﺮﻓﮫ .ذﻟﻚ ﻷن اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﺑﺤﻤﺎﯾﺔ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺷﺘﻘﺎق ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ اﻟﺴﻠﯿﻢ ﻟﺪى ﻏﺎﻟﺒﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺘﺎرﯾﺨﻲ .وإذا ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﺤﺎل ﻛﺬﻟﻚ ،وإذا اﻋﺘﺒﺮت اﻟﻐﺎﻟﺒﯿﺔ ﺑﻌﻘﻠﮭﺎ اﻟﺴﻠﯿﻢ ،ﻣﺜﻼً ،أن اﻷرﺻﻔﺔ ،ﻛﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ،ﻏﯿﺮ ﺿﺮورﯾﺔ وﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ﺗﻮﺳﯿﻊ ﺣﺪﯾﻘﺔ اﻟﺒﯿﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺑﮭﺎ ،أو ﺗﺤﻮﯾﻠﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﻌﺎرض ﻟﻠﺒﺎﻋﺔ اﻟﻤﺘﺠﻮﻟﯿﻦ ،أو ﺣﺘﻰ إﻟﻰ ﻣﺠﻠﺲ ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺮ وﺷﺮب اﻟﺸﺎي ،ﺣﺘﻰ ﯾﺸﻌﺮ ﻋﺎﺑﺮ اﻟﺴﺒﯿﻞ اﻟﺬي ﯾﺴﺘﺨﺪﻣﮭﺎ أﻧﮫ ﻣﺘﻄﻔﻞ ﯾﺮﻣﻘﮫ ﻣﺤﺘﺴﻮ اﻟﺸﺎي واﻟﻘﮭﻮة ﺑﻨﻈﺮاﺗﮭﻢ ﻛﺄﻧﮫ اﺧﺘﺮق ﺧﺼﻮﺻﯿﺔ ﺟﻠﺴﺘﮭﻢ ،إذا ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻼ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن .ﻷن اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﻦ ﯾﻨﻈﻢ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎء ﺑﻞ اﻟﻘﺎﻋﺪة ،أي أﻧﮫ ﯾﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻗﻤﻊ ﺷﺎﻣﻠﺔ ،ﻗﺪ ﺗﻨﺠﺢ ،وﻗﺪ ﻻ ﺗﻨﺠﺢ .وﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﺘﯿﻦ ﺗﺰﯾﺪ اﻻﻏﺘﺮاب ﻋﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﻣﺆﺳﺴﺎﺗﮫ .وﺛﺎﻧﯿﺎً :ﻷن ﻏﺎﻟﺒﯿﺔ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﯾﻨﻈﻢ ﺑﺎﻷﺧﻼق وﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺘﻘﺎطﻊ ﻣﻊ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﻗﺪ ﻻ ﺗﺘﻘﺎطﻊ ،وﺗﺘﺠﺴﺪ ﺣﯿﺚ ﻻ ﺧﻮف ﻣﻦ طﺎﺋﻠﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن. ﻓﺄﺧﻼﻗﯿﺎت ﻣﮭﻨﺔ اﻟﻄﺐ أو اﻟﻤﺤﺎﻣﺎة ،اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﺖ ﺿﻤﻦ أﺧﻮﯾﺎت ﻓﻲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ،وﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﻨﻈﻢ ﻓﻲ ﻧﻘﺎﺑﺎت ﺗﺆرخ ﻟﺬاﺗﮭﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮات ،وﻻ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﻔﺼﯿﻞ وﻣﻤﺎرﺳﺔ إﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮن ﺟﻨﺎﺋﻲ ﯾﺒﯿﺢ وﯾﺤﻈﺮ ،ﺑﻞ ﺗﺤﻤﻞ ﺟﺰءا ً ﻋﺮﻓﯿﺎً ،ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻋﻘﺎﺋﺪﯾﺎً ،ﻣﺘﻌﻠﻘﺎ ً ﺑﺎﻟﻮاﺟﺐ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ .ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺤﺎل ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ل"أﺧﻼﻗﯿﺎت اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ" اﻟﺘﻲ ﺑﺎﺗﺖ ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻠﺘﻨﺎ وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﺰاوج ﻣﺘﻨﺎﻗﺾ وﻣﺴﺘﺤﯿﻞ ﺑﯿﻦ ﻛﻠﻤﺘﯿﻦ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺘﯿﻦ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺘﻌﺮﯾﻒ ) Contraditio .(in Adicto ﻻ ﺷﻚ أﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﺘﻨﻮرة أﯾﻀﺎ ً ھﻨﺎﻟﻚ ﺻﺤﺎﻓﺔ ﺻﻔﺮاء ﻻ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﯾﺔ أﺧﻼﻗﯿﺎت ،ﺑﻞ ﻋﻠﻰ ھﺪف اﻻﻧﺘﺸﺎر واﻟﺮﺑﺢ واﻟﺴﺒﻖ .وھﺬه أﻣﻮر ،إذا ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ھﺪف ﻗﺎﺋﻢ ﺑﺬاﺗﮫ ،ﻗﺪ ﺗﺆدي إﻟﻰ اﻟﺘﻀﺨﯿﻢ واﻟﻜﺬب اﻟﺼﺮﯾﺢ واﻻﺧﺘﻼق وﻧﺰع اﻷﻣﻮر ﻣﻦ ﺳﯿﺎﻗﮭﺎ واﻟﺘﻄﻔﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎة اﻟﻨﺎس اﻟﺨﺎﺻﺔ .ﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﺘﺤﻀﺮة ﺗﻌﻤﻞ داﺋﻤﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﺼﻔﺮاء ،ﺻﺤﺎﻓﺔ ﻣﺘﻤﺴﻜﺔ ﺑﺄﺧﻼﻗﯿﺎت اﻟﻤﮭﻨﺔ دون أن ﯾﺠﺒﺮھﺎ اﻟﻘﺎﻧﻮن .واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ "اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ" ﻛﻤﺎ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻓﮭﻤﮭﺎ أدوات اﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﺼﺤﻔﻲ ﺑﻤﺤﺪودﯾﺘﮭﺎ ،واﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﺧﺘﻼق اﻟﺪراﻣﺎ اﻟﺮﺧﯿﺼﺔ. أي أﻧﮫ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﺼﻔﺮاء ھﻨﺎك ﺻﺤﺎﻓﺔ ،أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻓﺌﺔ ﻏﯿﺮ ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﻔﯿﯿﻦ ،ﻣﺘﻤﺴﻜﺔ ﺑﺄﺧﻼﻗﯿﺎت اﻟﻤﮭﻨﺔ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻤﺴﺆوﻟﯿﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم .واﻟﻄﺎﻣﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﺗﺠﺪ إﻻ ﺻﺤﺎﻓﺔ ﺻﻔﺮاء ﯾﺘﻘﺎﺳﻢ ﺗﺤﺮﯾﺮھﺎ ﻣﻊ اﻟﻔﺎﻛﺲ أﺣﻘﺎد ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺠﺮﯾﺪة ،ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺣﻘﺪه ﻋﻠﻰ اﻧﺘﻤﺎﺋﮫ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺜﻼً ،وﻋﻘﺪه اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﻣﺼﺎﻟﺤﮫ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ً اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ وﻣﻮاﻗﻔﮭﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺮب ﻓﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﺑﻤﻜﺎﺗﺐ اﻟﺪﻋﺎﯾﺔ واﻹﻋﻼن ﻓﻲ ﺗﻞ أﺑﯿﺐ أو ﻓﻲ وزارات اﻟﺪوﻟﺔ. وأھﻢ ﻣﻦ ھﺬا ﺟﻤﯿﻌﺎ ً اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻮاﺟﺐ ،ﻓﻲ أﯾﺔ ﻣﮭﻨﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ،ﺗﺠﺎه اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم أو اﻟﺨﯿﺮ اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﺗﺴﺎھﻢ ھﺬه اﻟﻤﮭﻨﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺋﮫ .ﻓﺒﺪوﻧﮫ ﻻ ﺗﻘﻮم ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻟﻠﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﯾﺴﺘﻨﺪ إﻟﯿﮫ ھﺬا اﻟﺘﺠﺴﯿﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻺرادات اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﻤﺘﻘﺎطﻌﺔ .ﻓﺈذا ﻟﻢ ﯾﺘﻮﻓﺮ ﻓﻲ اﻹرادة اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻟﺴﻠﻮك اﻟﺨﺎص ﺑﻌﺪ ﻋﺎم ،ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻨﺸﺄ ھﺬا اﻟﺒﻌﺪ اﻟﻌﺎم ﻣﻦ ﺟـﺪل اﻟﻌﺪد اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﴩون /ﻛﺎﻧﻮن اﻻول 2016
4
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org
ﻣﺠﺮد ﺗﻘﺎطﻊ اﻹرادات اﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﮫ أن ﯾﻨﺸﺄ ﺑﻤﺠﺮد ﻓﺮﺿﮫ ﻗﺴﺮا ً ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج .إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻹرادات اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﺤﺴﺐ ،وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ وﺣﺪھﺎ ،ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺸﺊ ﺣﺎﻟﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻘﺴﺮ وﻓﺮض اﻟﻌﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺎص ﻋﺒﺮ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﻘﺪ ھﻮﺑﺲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. ﻓﺎﻟﻮﺟﮫ اﻵﺧﺮ ﻟﻠﺨﺎص اﻟﻤﻄﻠﻖ ھﻮ ﻧﺸﻮء اﻟﻌﺎم اﻟﻤﻄﻠﻖ اﻟﺬي ﯾﻨﻔﯿﮫ ﻧﻔﯿﺎ ً ﻣﺠﺮداً. ﻟﯿﺲ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم إذا ﻣﻜﺎﻧﺎ ً ﻋﺎﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ،وﻻ ھﻮ ﻣﻠﻜﯿﺔ ﻋﺎﻣﺔ داﺋﻤﺎً ،ﺑﻞ ھﻮ ﺣﺎﻟﺔ ذھﻨﯿﺔ ﺛﻘﺎﻓﯿﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮر اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم ،أو ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺿﮫ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺎ ً ﻣﻦ أﺟﻞ ردع اﻻﺳﺘﺜﻨﺎءات ﻏﯿﺮ اﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮره أو اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﮫ أو اﺣﺘﺮاﻣﮫ .وﯾﻠﺰم ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﺎرﯾﺨﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻓﺮز ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﺨﺎص واﻟﻌﺎم ﻓﻲ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت وﻓﻲ اﻟﻮﻋﻲ. وإذا ﺗﻢ إدراك اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﺑﺎﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻨﺎﺋﻲ وﺣﺪه ،ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﺘﻮرط ﻣﻊ اﻟﺪوﻟﺔ أو ﻣﻊ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم اﻟﻤﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﻤﺪﻋﻲ اﻟﻌﺎم ،وإذا ﺗﻤﺖ ﺻﯿﺎﻏﺔ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮن وﺣﺪه ،ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﯾﻜﻮن ﻗﺎﺋﻤﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻮﻋﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. وھﺬا ﯾﻌﻨﻲ أن اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﻏﯿﺮ ﻗﺎﺋﻢ ﻣﻦ دون دوﻟﺔ ،أي ﻏﯿﺮ ﻗﺎﺋﻢ ﺧﺎرج ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘﺴﺮ .ﻛﻤﺎ ﯾﻌﻨﻲ أﯾﻀﺎ ﻋﺪم ﺗﻮﻓﺮ ﻛﯿﺎن اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﺎم ﺧﺎرج ﻗﺴﺮ اﻟﺪوﻟﺔ وﺧﺎرج اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ أو اﻟﻌﺸﯿﺮة أو اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ،أي ﺑﻘﺎء اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﺎص واﻟﻌﺎم ﻣﻠﺘﺒﺴﺔ ﺗﺤﺪدھﺎ ﻋﻤﻮﻣﺎ آﻟﯿﺎت اﻟﻘﺴﺮ وآﻟﯿﺎت اﻟﺘﮭﺮب ﻣﻨﮭﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺪرﺟﺔ .وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ھﻲ اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ إﻧﺘﺎج اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﮫ ﻣﻦ ﺗﺠﺎوز اﻟﺨﺎص ،ﻓﻘﺪ ﯾﺘﺤﻮل اﻟﺤﯿﺰ اﻟﺨﺎص إﻟﻰ ﺿﺤﯿﺔ ﺗﺠﺎوزاﺗﮭﺎ .أﻣﺎ إذا ﻛﺎن وﺿﻊ اﻟﺪوﻟﺔ رﺛّﺎ ً ﺑﺎﻟﻤﺠﻤﻞ ﻓﺄﻧﮭﺎ ﺗﻄﺒﻊ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﺑﮭﺬا اﻟﻄﺎﺑﻊ ،ﻓﺘﺒﺪو اﻟﺒﻼد ﺧﺎرج ﺑﯿﻮت اﻟﻤﻮاطﻨﯿﻦ وﻗﺼﻮر اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ ﻣﺘﺮوﻛﺔ ﻣﮭﻤﻠﺔ ﻛﺄن ﻻ ﺻﺎﺣﺐ ﻟﮭﺎ. إن أي ﻓﺮز ﻟﻠﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم واﻟﺨﺎص ﻻ ﯾﻨﺘﺞ ﻋﻦ اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻤﻞ ﻓﯿﻤﺎ ﺗﺸﻤﻞ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺗﺸﻜﻞ اﻟﻮﻋﻲ ،ھﻮ ﻓﺮز ﻗﺴﺮي ﯾﺠﺎزف ﺑﺄن ﯾﺸﻜﻞ ﺑﺤﺪ ذاﺗﮫ ﻋﺎﺋﻘﺎ ً أﻣﺎم اﻟﻨﮭﻀﺔ .وﻟﯿﺲ اﻻﺳﺘﺒﺪاد اﻟﻨﺎﺷﺊ ھﻨﺎ اﺳﺘﺒﺪادا ﻣﺘﻨﻮرا داﺋﻤﺎ. ﻓﻘﺪ ﯾﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺑﺮﺑﺮﯾﺔ ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻓﻲ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﯿﺘﻲ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﺳﺘﺎﻟﯿﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص ،ﻣﺸﻜﻼ ﻋﺎﺋﻘﺎ أﻣﺎم اﻟﻨﮭﻮض ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﻜﻞ ﻟﻔﺘﺮة ﺗﺎرﯾﺨﯿﺔ طﻮﯾﻠﺔ .إن ﻓﺮض اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﺑﺎﻟﻘﺴﺮ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻗﺪ ﯾﺆدي إﻟﻰ اﺧﺘﺮاق اﻟﺨﺎص ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪوﻟﺔ إﻟﻰ درﺟﺔ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﺑﺴﻠﻮك اﻟﻔﺮد وذوﻗﮫ ،ﻣﻊ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺑﺎﺋﺴﺔ وﻣﺪﻣﺮة ﻹﻋﺎدة ﺻﯿﺎﻏﺔ ﺿﻤﯿﺮه ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻗﺪ ﯾﺆدي إﻟﻰ ﻛﻮارث ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻷﺧﻼق اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻟﻔﺮدﯾﺔ. ﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺰاوﯾﺔ اﻟﻤﻌﺎﻛﺴﺔ ﻟﮭﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﯾﺒﺪو اﻷﻣﺮ ﻛﺎﺧﺘﺮاق ﻟﻠﻌﺎم ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺨﺎص ﺣﺪ ﺗﺤﻮﯾﻞ اﻟﻌﺎم إﻟﻰ ﻣﻠﻜﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﺒﯿﺮوﻗﺮاطﯿﺔ ،ﺗُﻌﻤﻞ ﻓﯿﮫ اﻟﻔﺴﺎد واﻟﺴﺮﻗﺔ ،ﺟﺎﻋﻠﺔ ﻣﺮاﻓﻖ اﻟﺒﻠﺪ ﺳﺎﺣﺎت ﺑﯿﻮﺗﮭﺎ اﻟﺨﻠﻔﯿﺔ ،ﻣﻐﻠﻘﺔ اﻟﺸﻮارع ﻣﺘﻰ ﺷﺎءت وﻷي ﺳﺒﺐ ﺣﺘﻰ ﻟﻤﺠﺮد ﻣﺮور ﻣﻮاﻛﺒﮭﺎ ،ﻣﺤﻮﻟﺔ اﻟﻤﺴﺎرح إﻟﻰ ﺻﺎﻟﻮﻧﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﻟﺤﻔﻼت اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻘﯿﻤﮭﺎ .ﻟﺬﻟﻚ أﯾﻀﺎ ﯾﻜﻮن أول ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﮫ اﻟﺜﻮرات اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ ،أو ذات اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ،ھﻮ ﺗﺤﻮﯾﻞ اﻟﻘﺼﻮر اﻟﺨﺎﺻﺔ إﻟﻰ ﻣﺘﺎﺣﻒ ﻋﺎﻣﺔ ،واﻟﺤﺪاﺋﻖ اﻟﻤﻠﻜﯿﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺰھﺎت ﺟﻤﺎھﯿﺮﯾﺔ ،وھﻜﺬا .ﻷن ﻣﻦ ﻣﻐﺎزي اﻟﺜﻮرة اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ ،أو اﻹﺻﻼح ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ ،ﺗﺜﺒﯿﺖ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم وﻛﺄﻧﮫ ﺛﻮرة اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺤﻜﺎم اﻟﺨﺎﺻﺔ. وﻣﻦ ﺗﻌﺒﯿﺮات اﺧﺘﻼط اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻌﺎم أن ﺗﺼﺒﺢ ﻣﯿﺰاﻧﯿﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ھﻲ ذاﺗﮭﺎ ﻣﯿﺰاﻧﯿﺔ ﺣﻜﺎﻣﮭﺎ .وﻓﻲ ﺑﻠﺪان ﻻ ﺗﻘﻮم ﻣﯿﺰاﻧﯿﺘﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻀﺮاﺋﺐ ،وھﻲ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ اﻟﻤﻠﻤﻮﺳﺔ ﻟﻮﺟﻮد ﻗﻄﺎع ﻋﺎم ،وﺗﻌﯿﺶ ﻋﻠﻰ ﺑﯿﻊ ﺛﺮواﺗﮭﺎ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﺤﺎﻛﻢ أن ﯾﺠﻨﺪھﺎ ﺑﺪﯾﻨﺎﻣﯿﻜﯿﺔ ﻋﻼﻗﺎﺗﮫ وﺷﻄﺎرﺗﮫ ﻣﻊ ﺴﺎﺑﺎ وھﺎﺑﺎً". "اﻷﺟﺎﻧﺐ" ،ﻛﻤﺎ ﯾﺒﺪو اﻷﻣﺮ ﻟﻠﺠﻤﮭﻮر ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ،ﺗﺼﺒﺢ ﺳﻤﺔ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻷوﻟﻰ أن ﯾﻜﻮن "ﻛ ّ ﺟـﺪل اﻟﻌﺪد اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﴩون /ﻛﺎﻧﻮن اﻻول 2016
5
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org
ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺘﺞ ﺣﻜﺎﻣﮭﺎ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم ﺑﻜﺮﻣﮭﻢ )واﻷدق ﻣﻜﺮﻣﺎﺗﮭﻢ( ﺗﺘﺤﻮل أﯾﻀﺎ ً ﺣﯿﺎة اﻟﺤﻜﺎم اﻟﺨﺎﺻﺔ وﻋﻼﻗﺎﺗﮭﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﺘﺘﺨﺬ وزﻧﺎ ً رﺳﻤﯿﺎً ،وﯾﺼﺒﺢ ذوو اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ ﻣﺴﺆوﻟﯿﻦ أﯾﻀﺎ .وﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺬا اﻟﺘﻄﻮر ﺑﺸﻜﻞ اﻟﻨﻈﺎم ،ﻣﻠﻜﯿﺎ ً أو ﺟﻤﮭﻮرﯾﺎً ،ﺑﻞ ﺑﺒﻨﯿﺘﮫ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ،ﺣﯿﺚ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺠﺮد ﻗﻄﺎع ﻋﺎم ﯾﻤﻠﻚ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﺑﻞ ھﻲ أﯾﻀﺎ ﻗﻄﺎع ﺧﺎص ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻨﺨﺒﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ .وﻗﺪ ﯾﺘﺤﻮل إﻟﻰ أداة ﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻨﺨﺒﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ، ﺑﺼﻔﺘﮭﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﻟﻠﻘﻄﺎع اﻟﺨﺎص ﻓﻲ ﺛﺮواﺗﮫ. ھﺬا ﺑﺨﻼف اﻟﺤﺎﻻت اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺤﻮل ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﺪوﻟﺔ وﻣﺆﺳﺴﺎﺗﮭﺎ وﯾﺴﺘﻨﺒﻂ ﺣﻖ اﻟﺘﺼﻮﯾﺖ ﻣﻦ دﻓﻊ اﻟﻀﺮاﺋﺐ ،أي ﻣﻦ إﻋﺎﻟﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ذاﺗﮭﺎ .ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت ،وﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﺸﮭﺪ اﻹﻋﻼﻣﻲ وﺳﯿﻄﺮﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﮭﺪ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ،ﻧﺸﮭﺪ وﻟﻮج اﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم إﻟﻰ ﺣﯿﺎة اﻟﺤﻜﺎم اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺄﺷﻜﺎل ﻓﻀﺎﺋﺤﯿﺔ وﻣﺸﺎھﺪ إﺛﺎرة ﺗﺸﺒﻊ ﻏﺮاﺋﺰ اﻟﺠﻤﮭﻮر وﺣﺐ اﻻﺳﺘﻄﻼع ﻟﺪﯾﮫ واﺳﺘﺮاﻗﮫ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺣﯿﺎة "اﻟﻨﺠﻮم" اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﯿﻦ واﻟﻔﻨﯿﯿﻦ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،أي أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺤﻮﻟﮭﻢ اﻹﻋﻼم إﻟﻰ ﻧﺠﻮم ،واﻟﺬﯾﻦ ﯾﺤﺐ اﻟﺠﻤﮭﻮر ان ﯾﻤﺠﺪھﻢ ﺑﻐﯿﺮ ﺣﻖ وأن ﯾﺤﻄﻤﮭﻢ ﺑﺪون وﺟﮫ ﺣﻖ ،أن ﯾﻌﻈﻤﮭﻢ وأن ﯾﻘﺰﻣﮭﻢ .وﺗﺨﺮق ھﺬه اﻻﻧﺤﺮاﻓﺎت اﻟﺠﻤﺎھﯿﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻌﺘﺎش اﻹﻋﻼم وﺻﻨﺎﻋﺘﮫ ﻣﻦ ﺗﻌﺰﯾﺰھﺎ وﺗﻄﻤﺲ اﻟﺤﺪود ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﺰ اﻟﺨﺎص واﻟﺤﯿﺰ اﻟﻌﺎم .وﻟﻜﻨﮫ ﺧﺮق ﻣﻦ ﻧﻮع آﺧﺮ ،ﺧﺮق ﻣﻌﻜﻮس ،وﻻ ﺗﺠﻮز ﻣﻘﺎرﻧﺘﮫ ﺑﺘﺤﻮﯾﻞ اﻟﻌﺎم إﻟﻰ ﺧﺎص اﻟﺤﻜﺎم. *د .ﻋﺰﻣﻲ ﺑﺸﺎرة ھﻮ ﻣﺪﯾﺮ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻸﺑﺤﺎث ودراﺳﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت
ﺟـﺪل اﻟﻌﺪد اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﴩون /ﻛﺎﻧﻮن اﻻول 2016
6
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org