كــلــمــة الـعــــدد إيناس عودة -حاجّ* أصبح الحديث عن تكريس هيمنة اليمين في االنتخابات اإلسرائيليّة ،وغياب ما يسمَى اليسار اإلسرائيليّ ،أمرًا شبه مفروغ منه في السنوات األخيرة ،ويكون السؤال المركزيّ عشيّة كلّ انتخابات هو حول توزيع المقاعد بين األحزاب اليمينيّة وتركيبة االئتالف الحكوميّ ،وسط ذوبان الفوارق بين أحزاب اليمين واليسار والتي كانت تُحدَد تاريخيًا في إسرائيل بحسب مواقف تلك األحزاب من القضايا السياسيّة واألمنيّة من جهة ،وتوجّهاتها االقتصاديّة من جهة أخرى. لعلّ من أهمّ مميّزات الحملة االنتخابيّة األخيرة هو انتقال أجِنْدتها من العامل "الخارجيّ"، المتمثّل بالقضايا السياسيّة الكبرى (كالموقف من الصراع الفلسطينيّ اإلسرائيليّ -على سبيل المثال)، إلى العامل "الداخليّ" المتعلّق بقضايا اجتماعيّة اقتصاديّة داخل المجتمع اإلسرائيليّ .ال يعني ذلك ي انخفاضًا في أهمّيّة العامل األوّل لصالح األخير ،بقدر ما يعكس إجماعًا داخل المجتمع اليهود ّ واألحزاب الصهيونيّة حول سُبُل التعامل مع ما يسمّى بالتهديدات الخارجيّة. لقد هيمن على الحملة االنتخابيّة شعار "تقاسم العبء" الذي رفعه حزب "يوجد مستقبل" ("يش عتيد") برئاسة يائير لبيد .ورغم أنّه قد يبدو -ظاهريًا -موجَهًا إلى اليهود المتزمّتين (الحريديم) ،فإنّه يرمي كذلك إلى إعادة صياغة العالقة بين الدولة والمواطنين العرب من خالل تحديد إطار شرعيّة المواطَنة اإلسرائيليّة ،وإخراج كلّ مَن ال يشارك في هذا "العبء" خارج إطار هذه الشرعيّة .إنّ فوز الحزب الذي تبنّى هذه المقولة بتسعة عشر مقعدًا ،ليكون القوّة الثانية في الكنيست، هو استمرار للقفزة التي حقّقها ليبرمان في االنتخابات الماضية من خالل إطالق شعار "ال مواطَنة دون والء" ،ذاك الشعار الذي وُجِه صراحة وجهارًا نحو نزع الشرعيّة عن المواطنين العرب الذين
جـدل العدد السابع عشر /أيار 1023
1
مدى الكرمل www.mada-research.org
ال ينضوون تحت مللّة اإلجماع الصهيونيّ .هذا األمر يؤكّد -وإن غاب "العدوّ الخارجيّ" عن ن "العد ّو الداخليّ" المتمثّل في المواطنين العرب يبقى حاضرًا فيها. األَجِنْدة االنتخابيّة -أ ّ أمّا على مستوى المواطنين العرب ،فرغم أنّ نسبة التصويت سجّلت ارتفاعًا طفيفًا عن االنتخابات الماضية لتصل إلى نحو ( %75مقابل نحو %75في العام ،)9002يبقى المعطى المركزيّ أنّ قُرابة نصف أصحاب حقّ االقتراع العرب يختارون عدم المشاركة في االنتخابات. ورغم وجود تفسيرات مختلفة لعدم المشاركة ،فإنّه -وَفقًا لالستطالع الذي أجراه مركز مدى الكرمل ن ثمّة أهمّيّة بالغة حتى بالغة جدًا لوجود أحزاب عربيّة قُبَيْل االنتخابات -يعتقد نحو ثلثي المستطلَعين أ ّ في الكنيست رغم أنّ التقييم العامّ ألداء األحزاب العربيّة وتحصيل اإلنجازات كان دون المتوسّط بقليل .هذا التناقض اللاهريّ يعكس ،في اعتقادي ،حالة من التخبّط لدى الناخبين العرب؛ فهُ ْم يدركون محدوديّة تأثير األحزاب العربيّة في الكنيست ،غير أنّهم -من جهة أخرى -ال يرغبون في ترك الساحة البرلمانيّة بدون مشروع بديل ،وبخاصّةٍ لِما لنتائج االنتخابات لدى المجتمع اليهوديّ ي ومتزايد من نتائج وتداعيات على أوضاعهم ومكانتهم السياسيّة. المنحرف يمينًا على نح ٍو منهج ّ يُخصَص العدد الحاليّ من "جدل" لقراءة نتائج االنتخابات البرلمانيّة األخيرة ،دالالتها وإسقاطاتها على المجتمعَيْن اليهوديّ والفلسطينيّ في إسرائيل .على مستوى المجتمع اإلسرائيليّ، يناقش د .مهنّد مصطفى الدالالت السياسيّة والخلفيّات االجتماعيّة لفوز حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد ويقول إنّه حزب الطبقة الوسطى والعليا اإلسرائيليّة وإنّ "خطابه االقتصاديّ لم يشدّد على دعم الطبقات المهمّشة والضعيفة في المجتمع اإلسرائيليّ ،بل على مساندة الطبقات الوسطى العليا". ويرى البروفيسور أمل جمّال أنّ الجديد في نتائج االنتخابات يتمحور في األشخاص ال في تبدُل المواقف والسياسات ،حيث إنّ "الخطاب "الناعم" الذي يتفوّه به يائير لبيد وجماعته ،وخطاب "األخويّة" الذي يتحدّث به نفتالي بينيت ،ما هما إالّ غطاء معسول لسياسات تبقى رهينة المعادلة السياسيّة المهيمنة" .أمّا الكاتب أنطون شلحت ،فيتطرّق إلى تداعيات نتائج االنتخابات على مستقبل العمليّة السياسيّة ،أو ما يسمَى عمليّة السالم ،ويرى أنّ "المؤسّسة السياسيّة اإلسرائيليّة مستمرّة في تطبيق المدلول الحقيقيّ لـِ "إرث أوسلو" ،وال سيّما تشديده على وجوب أن تكون أيُ تسوية للصراع مستند ًة إلى تلبية "حاجات إسرائيل األمنيّة" بموجِب مفهومها لهذه الحاجات".
جـدل العدد السابع عشر /أيار 1023
2
مدى الكرمل www.mada-research.org
على مستوى المجتمع العربيّ ،يقدّم الباحث امطانس شحادة اقتراحًا إلطار تحليليّ أمبيريّ لدراسة السلوك االنتخابيّ للفلسطينيّين في إسرائيل ،وذلك من خالل عرض نتائج استطالع "مدى ي الكرمل" فيما يتعلّق بأنماط التصويت لدى المواطنين العرب .ويرى السيّد شحادة أنّ الناخب العرب ّ ي وتقييم كفاءات القيادات ،ال على أساس إمكانيّة " يختار بين األحزاب العربيّة على أساس أدائها القوم ّ تقديم األحزاب إنجازات مادّيّة عينيّة ،دون أن نلغي أهمّيّة هذا الجانب بالمطلق" .وتستعرض السيّدة منال شلبي نتائج استطالع آخر أُجرِيَ في جامعة حيفا حول تأثير الشعور بالتهديد من الصراع المستمرّ على أنماط التصويت واختالفاتها بين المواطنين العرب واليهود ،حيث تقول إنّه "من المتوقّع أن يكون لألحداث السياسيّة الكبيرة ،كالحرب ،تأثير على تحليل القضايا السياسيّة لدى المواطنين ولدى متّخذي القرارات على حدّ سواء ،وبالتالي على أشكال مشاركتهم السياسيّة" .أمّا الصحفيّ وديع عواودة فيتطرّق إلى دَوْر اإلعالم العربيّ في تشكيل وعي الناخب العربيّ وسلوكه االنتخابيّ ،ويَخْلص إلى أنّ "اإلعالم العربيّ المحلّيّ ما زال ضعيفًا ،وأنّ تأثيره على السياسة العربيّة على وجه العموم ضعيف ،وهذا ينسحب على السلوك االنتخابيّ في انتخابات الكنيست .ونتيجة فقدان المعايير المهنيّة المفترَضة ،جرى تكريس حالة العزوف عن االنتخابات في الشارع العربيّ". *إيناس عودة-حاج هي المديرة المشاركة في مركز مدى الكرمل.
جـدل العدد السابع عشر /أيار 1023
3
مدى الكرمل www.mada-research.org