واﻟﺪﻳﻨﻲ :أ ّم اﻟﻔﺤﻢ �ﻮذ ًﺟﺎ اﻻﺳﺘﻌ�ري ﺗﺤ ّﻮﻻت اﻟ ُﻬﻮ ّﻳﺔ ﺑ� ّ ّ
أﺣﻤﺪ اﻏﺒﺎرﻳّﺔ *
ﺗﻔﺼﺢ اﳌﺴ�ة اﻟﺘﻄ ّﻮرﻳّﺔ ﻷ ّم اﻟﻔﺤﻢ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻋﻦ ﺛﻼث ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻌﺎﻗﺒﺖ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻘﺮﻳﺔ /اﳌﺪﻳﻨﺔ ،ﻫﻲ ﻋﲆ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺘّﺎﱄ: .1
اﳌﺮﺣﻠﺔ اﻟﱰﻛ ّﻴﺔ -اﻟﱪﻳﻄﺎﻧ ّﻴﺔ.
.2
اﳌﺮﺣﻠﺔ اﻟﺼﻬﻴﻮﻧ ّﻴﺔ اﻷوﱃ.
.3
اﳌﺮﺣﻠﺔ اﻟﺼﻬﻴﻮﻧ ّﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ.
ﺗﺠﺴﺪت ﻋﲆ اﻷرض ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺑ� أﻏﻠﺒ ّﻴﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ وأﻗﻠّ ّﻴﺔ ﻣﺴﻴﺤ ّﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ، ﺗﺘﻤ ّﻴﺰ اﳌﺮﺣﻠﺔ اﻷوﱃ ﺑﻨﺰﻋﺔ اﻧﻔﺘﺎﺣ ّﻴﺔ ّ واﻋﺘ�د ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ أﺧﻼﻗ ّﻴﺔ واﺟﺘ�ﻋ ّﻴﺔ ّﻓﻼﺣ ّﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ .أ ّﻣﺎ اﳌﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺷﻬﺪت ﺗﺤ ّﻮ ًﻻ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺔ ّﻓﻼﺣ ّﻴﺔ اﻟﻔﻼﺣ ّﻴﺔ وﺗﺒ ّﻨﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺧﻼق واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻮﻃﻨ ّﻴﺔ .أ ّﻣﺎ ﺑﺨﺼﻮص ﻋ�ﻟ ّﻴﺔ ﻣﻊ اﻹﺑﻘﺎء ﻋﲆ اﳌﺮﺟﻌ ّﻴﺔ اﻷﺧﻼﻗ ّﻴﺔ ّ إﱃ أﺧﺮى ّ ﻋ�ﻟ ّﻴﺔ ﻛﺒ�ة ،ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ اﻟﻌﺎ ّم اﺳﺘﻬﻼﻲﻛّ ،ﻓﻴ� ﻣﺮﺟﻌ ّﻴﺘﻬﺎ اﻷﺧﻼﻗ ّﻴﺔ ﻤﺗﺜّﻞ اﳌﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ،ﻓﺘﺘﻤ ّﻴﺰ ﺑﺘﺤ ّﻮل اﻟﻘﺮﻳﺔ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ ّ ﻗﻄﻴﻌﺔ ﺣﺎ ّدة ﻣﻊ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ،وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﺗﺒﻨّﻴﻬﺎ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ أﺧﻼﻗ ّﻴﺔ ﻣﺴﺘ َﻤ ّﺪة ﻣﻦ ﻓﻜﺮ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣ ّﻴﺔ. وﻟﻮ أﺧﺬﻧﺎ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠﺔ اﻷﺧ�ة ،ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ ﻗ ّﻮﺗ� ﻛﺒ�ﺗ� ﺗﺘﻨﺎزﻋﺎن اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﲆ اﳌﺪﻳﻨﺔ؛ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻹﴎاﺋﻴﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﻄﺮ اﻟﺮوﺣﻲ ﺣﻴﻨ� ﺗﺴﻌﻰ ﺗﺠﲇ اﳌﺎ ّد ّي ﰲ ﻋﲆ ﺟﺴﺪﻫﺎ ،واﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣ ّﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﲆ روﺣﻬﺎ .ﻏ� أ ّن ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻨﻔﻲ ّ ّ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻹﴎاﺋﻴﻠ ّﻴﺔ إﱃ اﺣﺘﻮاء وﻋﻲ اﳌﻮاﻃﻨ� ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﻴﻤﻨﺘﻬﺎ اﳌﻄﻠﻘﺔ ﻋﲆ ﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﺘﺪرﻳﺲ اﳌﺪرﺳ ّﻴﺔ ،وﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻔﺼﻴﻞ ﻫﺬه اﳌﻨﺎﻫﺞ ﻋﲆ ﻣﻘﺎﺳﺎﺗﻬﺎ اﻷﻣﻨ ّﻴﺔ واﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟ ّﻴﺔ ،أو ﻣﻦ ﺧﻼل إﻛﺴﺎﺑﻬﺎ ﻋﺎدات وﺳﻠﻮﻛ ّﻴﺎت ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺗﺠﲇ اﻟﺮوﺣﺎ ّ� ﰲ اﳌﺎ ّد ّي ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺴﻌﻲ اﻟﺪؤوب ﻟﺪى اﻟﺤﺮﻛﺔ ﺻﻤﻴﻢ اﻟ ُﻬﻮﻳّﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨ ّﻴﺔ .ﻛﺬﻟﻚ ﻻ �ﻨﻊ ﻫﺬا ﻣﻦ ّ اﻹﺳﻼﻣ ّﻴﺔ إﱃ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﲆ اﻟﺤ ّﻴﺰ اﻟﻌﺎ ّم ﰲ اﳌﺪﻳﻨﺔ وإﺷﺒﺎﻋﻪ ﺑﺎﻟﺮﻣﻮز اﻟﺪﻳﻨ ّﻴﺔ اﳌﺴﺘ َﻤ ّﺪة ﻣﻦ ﻣﺮﺟﻌ ّﻴﺘﻬﺎ اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟ ّﻴﺔ .وﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﺑﺪ ًﻋﺎ ،ﻓﻤﻨﺬ ﺻﻌﻮدﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻔﺤ�وﻳّﺔ ﺣﺘّﻰ أﻳّﺎﻣﻨﺎ ﻫﺬه ،ﺳﻌﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣ ّﻴﺔ إﱃ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻠﺰم ﻣﻦ أﺟﻞ ﺻﻴﺎﻏﺔ ُﻫﻮﻳّﺔ ﺟﺪﻳﺪة :روﺿﺎت ﺧﻼل ﺑﻨﺎء ﺟﻬﺎز ﻣﻌﺮ ّﰲ ﻣﺘﻄ ّﻮر وﻣﺘﻌ ّﺪد اﻟﻐﺎﻳﺎت ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ ّ وﻣﺠﻼت )ﻣﺮﺋ ّﻴﺔ وﻣﻄﺒﻮﻋﺔ(؛ ﻣﻄﺎﺑﻊ؛ ﺟﻤﻌ ّﻴﺎت أﻫﻠ ّﻴﺔ؛ ﻟﺠﺎن ّ إﺳﻼﻣ ّﻴﺔ؛ ﻣﺪرﺳﺔ أﻫﻠ ّﻴﺔ؛ ﻛﻠ ّﻴﺔ ﴍﻳﻌﺔ؛ ﻣﺮﻛﺰ أﺑﺤﺎث؛ ﺻﺤﻒ واﳌﺆﺳﺴﺎت ﺳﻨﻮي ﻟﻸﻗﴡ ...وﻏ� ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻔ ّﻌﺎﻟ ّﻴﺎت ﺻﻠﺢ ﻋﺸﺎﺋﺮﻳّﺔ؛ رﺟﺎل دﻳﻦ و ُدﻋﺎة؛ ﻓﺮق إﻧﺸﺎد؛ ﻣﺴﺎﺟﺪ؛ ﻣﻬﺮﺟﺎن ّ ّ اﻟﻴﻮﻣﻲ ،وﰲ ذوﻗﻬﻢ اﻟﺠ� ّﱄ، اﻟﺘﻲ ﻣﻜّﻨﺖ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ﰲ أ ّم اﻟﻔﺤﻢ وأﺗﺎﺣﺖ ﻟﺨﻄﺎﺑﻬﺎ اﻟﺘﻐﻠﻐﻞ ﺑ� اﻟﻨﺎس واﻟﺘﺄﺛ� ﰲ وﻋﻴﻬﻢ ّ وﺗﻜﻴﻴﻔﻬﻢ ﳌﺨﺘﻠﻒ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﳌﺘﻌﻠّﻘﺔ ﺑﺨﻄﺎب ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ .واﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣ ّﻴﺔ إذ ﺗﻀﻊ ﻳﺪﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺤ ّﻴﺰ اﻟﻌﺎ ّم ،ﻓﺒﻐﻄﺎء ﻣﺘﻨﺎﻏ� اﻟﻐﻴﺒﻲ واﳌﺘﻌﺎﱄ اﻟﺬي ﻳﺴ ّﻮغ ﻟﻬﺎ ﻤﺗﻠﱡﻚ ﻫﺬا اﻟﺤ ّﻴﺰ وﺗﺠﻴ�ه ،ﺑﻞ ﻛﺬﻟﻚ إﻋﺎدة ﺻﻴﺎﻏﺘﻪ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻐﺪو ﻳﻮﻓّﺮه ﺧﻄﺎﺑﻬﺎ ً ّ 1 ﺟـﺪل اﻟﻌﺪدان اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩون واﻟﺜﺎﻣﻦ واﻟﻌﴩون /ﻳﻮﻟﻴﻮ 2016
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org
واﻟﺨﺎص ،ﻓﻌﲆ ﻣﻀﺾ؛ إذ ﰲ ُﻋﺮﻓﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺨﺎص ﻟﻠﺪﻳﻦ .وﻫﻲ وإنِ اﻋﱰﻓﺖ ﺑﺎﻟﺘﻔﺮﻗﺔ ﺑ� اﻟﺤ ّﻴﺰﻳﻦ ،اﻟﻌﺎ ّم ﻣﻊ ﻣﻔﻬﻮﻣﻬﺎ ّ ّ اﻟﺨﺎص واﻟﻌﺎ ّم ﻋﲆ ﺗﻔﺮﻗﺔ ﺑﴩﻳّﺔ ﻣﺤﻀﺔ ،ﻷ ّن اﻟﻨﺎﻇﺮ إﱃ اﻷرض ﻣﻦ اﻟﺴ�ء ﻻ ﻳﺒﴫ ﺗﻔﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ،ﺑﻞ ﻳﺘﺴﺎوى ّ ﺑﻜﻞ أﺛﺎﺛﻪ وأﺷﻴﺎﺋﻪ إﱃ أداة ﻃ ّﻴﻌﺔ ﻻ ﻳُﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ّإﻻ ﺑﺄن اﻋﺘﺒﺎر أ ّن ﻛﻠﻴﻬ� ﻣﻠﻚ ﻟﻠﺴ�ء .وﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ،ﻳﺘﺤ ّﻮل اﳌﻜﺎن ّ ﺗﻨﻄﻖ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ أو ﺑﺎﺳﻢ َﻣﻦ ﻳﺮاﻓﻌﻮن ﻋﻨﻪ .ﻫﻜﺬا ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻣﻊ ﻏﺎﻟﺒ ّﻴﺔ ﺷﻮارع اﳌﺪﻳﻨﺔ ،واﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ ،واﳌﺪارس، اﻟﻔﺤ�وي ﻳﻮﻣﻴًّﺎ ﻟﺘﻐﺪو زاده اﻟﺜﻘﺎ ّﰲ واﳌﺆﺳﺴﺎت ،واﳌﺴﺎﺟﺪ وﻏ�ﻫﺎ ،اﻟّﺘﻲ ﻤﺑﺮور اﻟﻮﻗﺖ ﺗﺤ ّﻮﻟﺖ إﱃ ﻧﺼﻮص ﻳﺴﺘﻬﻠﻜﻬﺎ ّ ّ واﻟﺮوﺣﻲ اﻟﺬي ﻳﻘﺘﺎت ﻋﻠﻴﻪ. ّ ﺗﺘﺠﲆ ﻫﺬه اﻟﻔﻮﴇ ﰲ اﻧﺘﻔﺎء اﻟﺬوق اﳌﻌ�ري ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ ﻳﻼﺣﻆ ﻓﻮﴇ ﻋﺎرﻣﺔ ﰲ اﻟﺒﻨﺎء ،وﻗﺪ ّ ﺑَﻴْ َﺪ أ ّن اﻟـ ُﻤﻌﺎﻳﻦ ﻟﻠﺠﺴﺪ ّ ﻳﻌﱪ ﻋﻦ ُﻫﻮﻳّﺔ ﻣﻌ�رﻳّﺔ واﺿﺤﺔ ،ﺑﻞ إ ّن ﻣﺎ ﻫﻮ ﻗﺎﺋﻢ ﻟﻴﺲ ّإﻻ اﻟﺠ� ّﱄ اﻟﻌﺎ ّم؛ إذ ﻟﻴﺲ ﻤﺛ ّﺔ أ�ﻮذج أو ﻃﺮاز ﰲ اﻟﺒﻨﺎء ّ ﺗﻌﱪ ﻋﻦ أذواق ﺷﺨﺼ ّﻴﺔ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﺗُﺴﺘﺠﻠَﺐ ﻣﻦ ﺧﺎرج اﳌﺪﻳﻨﺔ ،أي ﻣﻦ اﳌﺪن اﻟﻴﻬﻮدﻳّﺔ، ﻫﻮﻳّﺎت ﻓﺮدﻳّﺔ ﻟﻠﺒﻴﻮت واﻟﺒﻨﺎﻳﺎت ّ اﳌﺴﺘﻨﺴﺨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗ ُﺪ َﻣﺞ أو اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴّﺔ أو اﻷوروﺑ ّﻴﺔ .ﻓﺎﻟ ُﻬﻮﻳّﺔ اﳌﻌ�رﻳّﺔ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ ﻫﻲ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ اﻷذواق واﻟﺘﺼﺎﻣﻴﻢ َ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﳌﻼﻣﺢ اﳌﻌ�رﻳّﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ﻣﺆﻟﱢﻔ ًﺔ �ﻄًﺎ ﻫﺠﻴﻨًﺎ ﻏ� ﻣﺘﺂﻟﻒ اﻟﻌﻨﺎﴏ .وﻟﻮ ﻗﺎرﻧّﺎ ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﳌﻌ�ري ﻣﻊ ذﻟﻚ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻌﺘﻤ ًﺪا ﻗﺒﻞ ﻗﻴﺎم إﴎاﺋﻴﻞ ،ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ ﻣﺸﻬ ًﺪا ﻣﻐﺎﻳ ًﺮا ﻳَـﻤﻮج ﺑﺄ�ﺎط ﻋﻤﺮاﻧﻴّﺔ ﻛـَ "اﻟﺒﻴﺖ" َو ّ ﺗﻌﱪ ﻋﻦ "اﻟ َﻌﻘْﺪ" َو "اﻟﻌﻠّﻴّﺔ" ،وﻣﺎ ﺷﺎﻛﻞ ذﻟﻚ .وﻣﻊ أ ّن ﻫﺬه اﻷ�ﺎط ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﰲ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ اﳌﺰاﻳﺎ ،ﻓﺈﻧّﻬﺎ ّ ﺗﻈﻞ ّ وﻛﻞ ﻣﻦ رﻏﺐ ﰲ إﻧﺸﺎء ﺑﻴﺖ ذاﺋﻘﺔ ﻣﻌ�رﻳّﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳّﺔ وﻣﺘﺂﻟﻔﺔ .ﻓﺎﻟﺒﻨﺎء ﻛﺎن ﻳﺠﺮي ﺑﺎﻟﺘﺼﻤﻴﻢ ذاﺗﻪ وﺑﺎﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻋﻴﻨﻬﺎّ ، ﻣ� ﻫﻮ ﻗﺎﺋﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .أ ّﻣﺎ ﻣﻌ�رﻳّﺔ اﳌﺴﺎﺟﺪ ،ﻓﻬﻲ -ﻋﲆ ﻗﻠّﺘﻬﺎ- ﺟﺪﻳﺪ ،ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ ّإﻻ أن ﻳﻨﻈﺮ ﺣﻮﻟﻪ وﻳﺴﺘﻠﻬﻢ �ﻮذﺟﻪ ّ ﻢﻟ ﺗﻜﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﺑَﻴْ َﺪ أ ّن أﻛﺮﺜ ﻣﺎ �ﻴّﺰﻫﺎ ﻫﻮ ﻋﺪم اﻹﻓﺮاط ﰲ اﳌﺴﺎﺣﺔ وﰲ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ .أ ّﻣﺎ ﻣﻮا ّد اﻟﺒﻨﺎء اﻷ ّوﻟ ّﻴﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺑﺴﻴﻄﺔ اﳌﻌ�ري ﺑﺪأ ﻳﺘﺒ ّﺪل وﰲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﻴﺪ وﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ اﻵﺟ ّﺮ ،واﻟﻄّ� ،واﻟﺘﻦﺒ ،واﻷﺧﺸﺎب وﻏ�ﻫﺎ .ﺑَﻴْ َﺪ أ ّن ﻫﺬا اﳌﺸﻬﺪ ّ ﻋ�ﻟﻴّﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺻﺎر اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻳ ْﺆﺛِﺮ ﺑﻨﺎء ﺑﻴﺘﻪ ﺑﺎﻟﻄﺮاز ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﺗﺪرﻳﺠﻴًّﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎم إﴎاﺋﻴﻞ وﺗﺤ ﱡﻮل أ ّم اﻟﻔﺤﻢ إﱃ ﻗﺮﻳﺔ ّ ﻳﻘﻮم ﻫﻮ ﺑﺒﻨﺎﺋﻪ ﰲ اﳌﺪن اﻟﻴﻬﻮدﻳّﺔ ،وﰲ ﻛﺜ� ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﺑﺎﻟﺘﺼﻤﻴﻢ ﻧﻔﺴﻪ .وﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ﺑﺪأت "اﻟﻌﻘﻮد" َو "اﻟﺒﻴﻮت" ﺑﺄﻗﻮاﺳﻬﺎ َو "ﻋﻠّﻴّﺎﺗﻬﺎ" ﺗ ُ ْﺨﲇ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻟﻠﻤﻨﺎزل اﻟﺮﺣﺒﺔ واﳌﺮﺑّﻌﺔ اﳌﺒﻨ ّﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻮا ّد ﻛﺎﻟﺤﺪﻳﺪ واﻹﺳﻤﻨﺖ واﻟﻄﻮب ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﳌﺤﲇ اﺳﺘﻌ�ري ،ﺑﺪأت أ ّم اﻟﻔﺤﻢ ﺗﻔﻘﺪ ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ ﻣﺤﲇ إﱃ ّ ّ اﳌﻌ�ري ّ ّ ﺗﺼﻨﱠﻊ ﰲ اﳌﺪن اﻟﻴﻬﻮدﻳّﺔ .وﺣ� ﺗﺤ ّﻮل اﻟﺒﻨﺎء ﻣﻦ ّ ّ ﺗﻐ�ا ﻻﻓﺘًﺎ ﻃﺮأ ﻋﲆ ّ ﻟﺘﺤﻞ ﻣﻜﺎﻧﻪ أ�ﺎط ﻫﺠﻴﻨﺔ ﻏ� ﻣﺘّﺴﻘﺔ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﻔﻮﴇ ﻫﻲ اﻟﺴﺎﺋﺪة اﻟﻴﻮم .ﻳﻀﺎف إﱃ ذﻟﻚ أ ّن ﱡ ً ﻫﺬا اﳌﺸﻬﺪ ﻣﻨﺬ أواﺳﻂ اﻟﺜ�ﻧﻴﻨﻴّﺎت ،إذ ﺑﺪأ اﻟﻌﻤﺮان ﰲ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻳﻜﺘﴘ ﺑﺄزﻳﺎء إﺳﻼﻣﻴّﺔ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻋﻞ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻔﺤ�وﻳّﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ أن ﺑﺪأت ﺗﻈﻬﺮ أ�ﺎط ﻋﻤﺮاﻧﻴّﺔ ﻓﻴﻬﺎ إﺑﺮاز ﻟﻠﻤﻼﻣﺢ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ أﺳﺎﺳﺎ ﻣﻦ ﺗﺼﻤﻴﻢ اﳌﺴﺎﺟﺪ ،ﻛﺎﳌﺤﺎرﻳﺐ ،واﻟﺸّ ﺒﺎﺑﻴﻚ اﳌﻘ ّﻮﺳﺔ ،واﻷﻋﻤﺪة اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻷﺳﻄﻮاﻧﻴّﺔ ،ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ اﻹﻛﺜﺎر اﳌﺴﺘ َﻤ ّﺪة ً اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳَ ِﺴ ُﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺒﺎرز .وﻤﺑﺮور اﻟﻮﻗﺖ ،ﺑﺪأ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم واﻟﺰﺧﺎرف اﻟﺪاﺧﻠﻴّﺔ واﻟﺨﺎرﺟ ّﻴﺔ ذات اﻟﻄﺎﺑﻊ ّ ّ ﺗﺘﺠﲆ ﻫﺬه اﻟﻬﻴﻤﻨﺔ اﳌﻌ�رﻳّﺔ ﻤﺑﻈﺎﻫﺮ ﻛﻞ اﺗ ّﺠﺎﻫﺎﺗﻬﺎ ﺳﺎﻋﻴًﺎ إﱃ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﲆ ﺣﻴّﺰﻫﺎ اﻟﻌﺎ ّم .وﻗﺪ ّ اﳌﺪﻳﻨ َﺔ وﻳﺰﺣﻒ ﰲ ّ اﻟﻔﻼﺣﻴّﺔ ،ﻛ� ﺣﺪث ﻣﻊ ﻣﺴﺠﺪ اﻹﻏﺒﺎرﻳّﺔ ﻳﺠﺴﺪ اﻟ ُﻬﻮﻳّﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳّﺔ ّ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺘﺨﻠّﺺ ﻣﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻫﺪﻣﻪ ،ﻷﻧّﻪ ّ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬي ﻫﺪﻣﺘﻪ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ﰲ أواﺧﺮ اﻟﺜّ�ﻧﻴﻨﻴّﺎت دون إذن ﻣﻦ أﺣﺪ )وأﻋﻘﺒﻪ ﻫﺪم ﻣﺴﺠﺪ اﳌﺤﺎﺟﻨﺔ ّ ﻣﻦ ﻃﺮف ﻟﺠﻨﺔ ﻣﺤﻠّﻴّﺔ ﺷﻌﺒﻴّﺔ اﺳﺘﻠﻬﻤﺖ ﻋﻤﻠﻬﺎ -ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو -ﻣﻦ ﻫﺪم ﻣﺴﺠﺪ اﻹﻏﺒﺎرﻳّﺔ( ،ورﻏﻢ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﻦ ﻋﺮاﻗﺔ اﻟﺘﺠﺎري .وﻣﻦ اﳌﺼﺎدﻓﺎت وﻣﻜﺎﻧﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴّﺘ� ،ﺑﻞ ﻛﺬﻟﻚ آﺛﺮت أن ﺗﺒﻨﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻣﺴﺠ ًﺪا ﻫﻮ أﻗﺮب ﰲ ﻣﻌ�رﻳّﺘﻪ إﱃ اﳌﺠ ّﻤﻊ ّ اﻟﻄﺮﻳﻔﺔ أن أُﻃﻠِﻖ ﻋﲆ ﻫﺬا اﳌﺴﺠﺪ اﺳﻢ "ﻣﺠ ﱠﻤﻊ أﻲﺑ ﻋﺒﻴﺪة" ،وﻫﻮ اﺳﻢ ﻳﺠﻤﻊ ﺑُﻌ َﺪﻳْﻦ ﻣﻬ ّﻤ� ﰲ ﻓﻜﺮ اﻟﺤﺮﻛﺔ :اﻟﻀﺨﺎﻣﺔ َﻔﻲ اﻟﺬي ﻳﺜ� اﻟﺤﻨ� إﱃ "اﻟﺴﻠَﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ" ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻳﺤﻴﻞ إﱃ اﻟ ُﻬﻮﻳّﺔ اﻷﺻﻮﻟﻴّﺔ اﻟّﺘﻲ ﻻ ﺗ ّﺪﺧﺮ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﳌ ْﻔﺮِﻃﺔ ،واﻻﺳﻢ اﻟﺴﻠ ّ 2 ﺟـﺪل اﻟﻌﺪدان اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩون واﻟﺜﺎﻣﻦ واﻟﻌﴩون /ﻳﻮﻟﻴﻮ 2016
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org
ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ أو ﺷﺨﺼ ّﻴﺔ ﺟﻬ ًﺪا ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ .ﻏ� أ ّن ّ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ أ ّن اﳌﻜﺎن ،ﻣﺴﺠ ًﺪا ﻛﺎن أَم ﻏ َ�ه ،ﻳﺤﻤﻞ ُﻫﻮﻳّﺔ ّ ﻤﺗ ّﻴﺰه ،ﻷ ّن وﻇﻴﻔﺘﻪ اﻷداﺗ ّﻴﺔ ﺑﺎﺗﺖ ﺗﻠﻐﻲ ﺧﺼﻮﺻ ّﻴﺘﻪ اﳌﻌ�رﻳّﺔ ﻣﺠ ﱢﺮدة إﻳّﺎه ﻣﻦ ُﻫﻮﻳّﺘﻪ اﻟﺤﻀﺎرﻳّﺔ .وﻗﺪ ﺣﺪث ذﻟﻚ ﺣ� ﺣﻲ اﻟﱪاﻏﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺟﺮى اﺳﺘﻨﺴﺎخ ﻣﺴﺠﺪ "أﻲﺑ ﻋﺒﻴﺪة" ﰲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ﺑﺎﻟﺘﺼﻤﻴﻢ ذاﺗﻪ وﺑﺎﳌﻮاﺻﻔﺎت اﻟﻬﻨﺪﺳ ّﻴﺔ ﻋﻴﻨﻬﺎ ﰲ ّ ﺑﺎﺳﻢ آﺧﺮ ﻫﻮ "ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ" ،ﻻ ﻟﺴﺒﺐ ّإﻻ ﻷ ّن اﻟﻨﻤﻮذج اﻷ ّول ﻗﺪ ﻧﺠﺢ ،ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ إذًا ﻣﻦ ﺗﻜﺮار ﻫﺬا اﻟﻨﻤﻮذج ﰲ ﻣﻜﺎن ْ آﺧﺮ وﺑﺎﺳﻢ ﻣﻐﺎﻳﺮ .واﳌﻌﻨﻰ ﻣﻦ وراء ذﻟﻚ ﻫﻮ أ ّن اﻟ ُﻬﻮﻳّﺔ اﳌﻌ�رﻳّﺔ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﻟﻴﺴﺖ ذات أﻫ ّﻤ ّﻴﺔ ،وإ�ّ ﺎ ُﻫﻮﻳّﺘﻪ اﻷداﺗﻴّﺔ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺮؤﻳﺔ اﳌﺴﺠﺪﻳﻦ ﻻ �ﻠﻚ إﻻّ أن ﻳﺴﺘﻐﺮب، واﻟﻮﻇﻴﻔﻴّﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺎ أﻓﻘﺪ اﳌﺴﺠﺪﻳﻦ ﺧﺼﻮﺻ ّﻴﺘﻬ� اﻟﻔﻨّﻴّﺔ .إ ّن ّ وﻗﺪ ﻳﺸﻄﺢ ﺑﻪ اﻟﺨﻴﺎل ﻓﻴﻈ ّﻦ أ ّن ﻋﻔﺮﻳﺘًﺎ ﻣﻦ "أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ" ﻗﺪ ﻧﻘﻞ ﻣﺴﺠﺪ "أﻲﺑ ﻋﺒﻴﺪة" وﻃﺎر ﺑﻪ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﱃ ﻣﻜﺎن. ﻣﺆﺳﺴﺎت رﺳﻤﻴّﺔ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ﻛ� وأﻇ ّﻨﻨﻲ ﻻ أﺣﻴﺪ ﻋﻦ ﺟﺎدة اﻟﺼﻮاب إذا ﻗﻠﺖ إ ّن ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﳌﺴﺎﺟﺪ ﰲ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﺗﺤ ّﻮﻟﺖ إﱃ ّ اﻟﴩﻋﻲ ،وروﺿﺎت ،وﻣﻘ ًّﺮا ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ، ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ ﻣﺴﺠﺪ "اﺑﻦ ﺗﻴﻤ ّﻴﺔ" اﻟﺬي ﻳﺸﻤﻞ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﳌﺴﺠﺪ ،ﻣﺮﻛ ًﺰا ﻟﻠﺘﺤﻜﻴﻢ ّ اﳌﺆﺳﺴﺎت وﻟﻴﺲ اﻟﻌﻜﺲ. وﻏﺮﻓًﺎ ﻟﻠﻀﻴﺎﻓﺔّ . وﻛﺄ� ﺑﺎﳌﺴﺠﺪ ﻣﻠﺤﻖ ﺑﻬﺬه ّ ﺗﻘﻮد� ﻫﺬه اﻟﻨﻘﻄﺔ إﱃ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ َﻣﻠْﻤﺢ اﻟﻀﺨﺎﻣﺔ اﻟﺬي �ﻴّﺰ اﳌﺴﺎﺟﺪ واﳌﺂذن اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت ﺗﻨﺎﻃﺢ اﻟﺴﺤﺎب ،وﻫﻮ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،وﻻ ﺳﻴّ� ﺑﻌﺪ أن وﺿﻌﺖ ﻣﻠﻤﺢ ﻢﻟ ﻳﻜﻦ ﻣﺄﺛﻮ ًرا ﰲ اﻟﻔﱰات اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،واﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ وراﺋﻪ ﻫﻲ إﺑﺮاز ﻃﺎﺑﻊ اﳌﺪﻳﻨﺔ ّ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣ ّﻴﺔ ﻳﺪﻫﺎ ﻋﲆ اﳌﺴﺎﺟﺪ وﺻﺎرت ﺗﺪﺷّ ﻨﻬﺎ أو ﺗﻌﻴﺪ ﺑﻨﺎءﻫﺎ َوﻓﻖ ﺗﻘﻨﻴّﺎت ورﻣﻮز ﺗﺨﻔﻲ وراءﻫﺎ َﻣﺮاﻣﻴﻬﺎ ﲇ وواﺿﺢ ،وﻫﻮ إﺛﺎرة اﻟﺮﻫﺒﺔ واﻟﻔﻀﻮل ﻟﺪى ﻏ� اﳌﺘﺪﻳّﻨ� ﺑﻐﻴﺔ اﺳﺘ�ﻟﺔ أﻓﺌﺪﺗﻬﻢ اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴّﺔ .أ ّﻣﺎ اﻟﻀﺨﺎﻣﺔ ﻓﻬﺪﻓﻬﺎ ﺟ ّ ﻛﻞ َﻣ ْﻌﻠﻢ وﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﻮاﺣﻲ اﳌﺪﻳﻨﺔ، واﺳﺘﻘﻄﺎﺑﻬﻢ .ﺑﻴﺪ أ ّن اﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﺘﻮﻗّﻒ ﻋﻨﺪ اﳌﺴﺎﺟﺪ؛ ﻓﺎﺧﱰاق اﻟﺤﻴّﺰ اﻟﻌﺎ ّم ﻣﺎﺛﻞ ﰲ ّ ورﻤﺑﺎ ﻣﻦ أﻛﺮﺜ اﳌﻌﺎﻢﻟ ﻟﻔﺘًﺎ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠ ُﻬﻮﻳّﺔ اﻟﺪﻳﻨ ّﻴﺔ ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻹﺑﺮﻳﻖ اﳌﻌﺪ�ّ اﻟﻀﺨﻢ اﻟﺬي ﻳﺼﺎدﻓﻪ اﻟﺪاﺧﻞ إﱃ ّ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻴﺴﺎر ﻋﲆ ﻣﻨﺤﺪر ﻣﺸ ّﺠﺮ ﺑﺎﻟﻜﻴﻨﺎ ،وﻫﻮ ﻳُﻌﺘﱪ ﻣﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ اﻟﱰﻓﻴﻬ ّﻴﺔ واﳌﻔﻀّ ﻠﺔ ﰲ اﻟﺼﻴﻒ ﻟﺪى ﻳﺘﻮﺳﻂ ﺣﻮﺿً ﺎ ﻧُﻘﺸﺖ ﻋﻠﻴﻪ أﺳ�ء اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺴﻨﻰ ،وﻫﻮ ﻗﺎﺋﻢ داﺧﻞ ﺣﻮض ﺛﺎنٍ أوﺳﻊ ﻣﻦ اﻟﻜﺜ� ﻣﻦ اﻟﻔﺤ�وﻳّ� .ﻓﺎﻹﺑﺮﻳﻖ ّ اﻷ ّول ُ ْ� َﻸ ﰲ اﳌﻌﺘﺎد ﺑﺎﳌﺎء .وﻻ ﻳﺤﺘﺎج ﻫﺬا اﻹﺑﺮﻳﻖ إﱃ ﻛﺒ� ﻋﻨﺎء ﻟﻔﻬﻢ دﻻﻟﺘﻪ؛ ﻓﻬﻮ إﺑﺮﻳﻖ اﻟﻮﺿﻮء ،ﻏ� أ ّن اﳌﺒﺎﴍة ﰲ ﻣ� ﻳﻠ ّﻤﺢ ،وﻻ ﻳﻔﺴﺢ اﳌﺠﺎل ﻟﻠﺘﺄ ّﻣﻞ ،وذﻟﻚ ﻷ ّن ﴫح أﻛﺮﺜ ّ اﻟﺘﻌﺒ� أﻓﻘﺪت ﻫﺬا اﳌ َ ْﻌﻠﻢ ﺟ�ﻟﻴّﺘﻪ ،ﻷﻧّﻪ ﻣﺘ َﺨﻢ ﺑﺬاﺗﻪ ،ﻳ ّ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻻ ﺗﻄﻴﻖ اﻹﻳﺤﺎﺋ ّﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻘﺘﻞ ﻣﺮاﻣﻴﻬﺎ اﻟﺼﺎرﻣﺔ وأواﻣﺮﻫﺎ اﻟﻘﺎﻃﻌﺔ واﻟﻮاﺿﺤﺔ .وﻟﻴﺲ ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺮﺋﻴﴘ ﻣﻦ أﻋﲆ اﳌﻨﺤﺪر ،اﳌﻌﺮوف ﺑﺸﺎرع "اﻟﻘﺪس" ،ﺗﻘﻊ اﳌﺪرﺳﺔ اﻷﻫﻠﻴّﺔ اﳌﻮﺿﻊ ،وﺗﺤﺪﻳ ًﺪا ﰲ اﻟﺸﺎرع اﳌﻮازي ﻟﻠﺸﺎرع ّ ﺗﺘﻮﺳﻄﻬﺎ ﻗﺒّﺘﺎن ﻣﺬ ﱠﻫﺒﺘﺎن ،واﺣﺪة ﻛﺒ�ة وأﺧﺮى ﺻﻐ�ة ،ﺗﺠﻠﺲ ﻛﱪاﻫ� ﻋﲆ ﻗﺎﻋﺪة ﻣﻜ ّﻌﺒﺔ اﻟﺸﻜﻞ ﺗﺤﺎﻲﻛ ﺷﻜﻞ اﻟﺘﻲ ّ وﻟﻌﻞ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﳌﻌ�رﻳّﺔ دﻳﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ داﺧﻞ اﳌﺪرﺳﺔّ . اﻷﻗﴡ وﺗﺼﻤﻴﻤﻪ ،وﺗﺒﻐﻲ ،ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،إﺿﻔﺎء ﺟ ّﻮ ّ ﻣﺤﺎﻛﺎة ﻟﻠﻤﺪارس اﻷﻫﻠﻴّﺔ اﳌﺴﻴﺤﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎم ﻏﺎﻟﺒًﺎ إﱃ ﺟﻮار ﻛﻨﻴﺴﺔ أو دﻳﺮ. اﳌﻌ�ري اﻟﺴﺎﺋﺪ اﻟﻴﻮم ﰲ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻫﻮ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﺎﻣﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎزع ﰲ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻧﺰا ًﻋﺎ ﺧﻔﻴًّﺎ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﺤﻮاذ إ ّن اﻟﻨﻤﻂ ّ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال ،ﻓﺈ ّن اﻟ ُﻬﻮﻳّﺔ اﳌﻌ�رﻳّﺔ اﳌﺤﻠّﻴّﺔ ﻣﻔﻘﻮدة ﻧﻈ ًﺮا ﻻﺳﺘﻘﺪاﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ودﻣﺠﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻔﺤ�وي .وﰲ ّ ﻋﲆ اﻟﻔﻀﺎء ّ ﻣﻼﻣﺢ أﺧﺮى ﺗﻔﺘﻘﺮ ،ﰲ ﻛﺜ� ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ،إﱃ اﻻﺗّﺴﺎق اﻟﺠ� ّﱄ .ﻏ� أ ّن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ "اﻟﺨﺎرج" ﻻ ﺗﺘﻮﻗّﻒ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤ ّﺪ؛ واﻟﺴﻬﺮ وﻣﻨﺎﺳﺒﺎت ﻓﺎﻟﻜﺜ� ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎﻃﺎت اﻻﺟﺘ�ﻋﻴّﺔ ،ﻻ ﺳﻴّ� ﰲ اﻟﻌﻘﺪﻳﻦ اﻷﺧ�ﻳﻦ ،ﺑﺎﺗﺖ ﺗﻘﺎم ﺧﺎرج اﳌﺪﻳﻨﺔ ،ﻛﺎﻷﻓﺮاحّ ، ﻛﻞ أﺧﺮى ،ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن اﻟﻌﺮس ﺣﺪﺛ ًﺎ اﺟﺘ�ﻋﻴًّﺎ ﻛﺒ ً�ا ﺗﺸﺎرك ﻓﻴﻪ اﻷﴎة ﺑﻘﻀّ ﻬﺎ وﻗﻀﻴﻀﻬﺎ ،واﻷﻫ ّﻢ ﻣﻦ ّ اﻟﺤ�م واﻟﺰﻓّﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺸﺎرﻛﻦ ذﻟﻚ أ ّن اﻟﻌﺮس ﻛﺎن ﻳُﻘﺎم ﰲ اﻟﺒﻠﺪة ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻻ ﺧﺎرﺟﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺨﻠّﻠﻪ ﻣﺸﺎﻫﺪ ّ
3 ﺟـﺪل اﻟﻌﺪدان اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩون واﻟﺜﺎﻣﻦ واﻟﻌﴩون /ﻳﻮﻟﻴﻮ 2016
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org
ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻴ� ﰲ اﻟﺨﻠﻔ ّﻴﺔ ﺗﱪز اﳌﻌﺎﻢﻟ اﻟﺮﻳﻔ ّﻴﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪة .أ ّﻣﺎ اﻟﻴﻮم ،ﻓﻐﺎﻟﺒ ّﻴﺔ اﳌﻨﺎﺳﺒﺎت اﻻﺟﺘ�ﻋ ّﻴﺔ اﻟﺴﻌﻴﺪة ﺻﺎرت ﺗ ُﻘﺎم ﺧﺎرج اﻟﺒﻠﺪة ،ﺑﻴﻨ� اﳌﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ،ﻛﺎﻟﺠﻨﺎزات وزﻳﺎرة ﺑﻴﻮت اﻟﻌﺰاء ،ﻫﻲ اﳌﻨﺎﺳﺒﺎت اﻻﺟﺘ�ﻋ ّﻴﺔ اﻷﻛﺮﺜ اﻧﺘﺸﺎ ًرا داﺧﻞ اﻟﺒﻠﺪة. وﻻ ﺗﺘﻮﻗّﻒ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ "اﻟﺨﺎرج" ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤ ّﺪ ،ﻷ ّن اﳌﺪﻳﻨﺔ ﰲ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻨﻬﺎر ﻫﻲ أﻗﺮب ﻣﺎ ﻳﻜﻮن إﱃ ﻣﻌﱪ � ّﺮ ﻣﻨﻪ اﻟﻌ�ل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺎﻓﺮون ﻳﻮﻣﻴًّﺎ ﰲ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﺼﺒﺎح اﳌﺒﻜّﺮة إﱃ اﻟﻌﻤﻞ ﰲ اﻟﻨﺎس واﻟﺴﻴّﺎرات ،ﻓﻐﺎﻟﺒ ّﻴﺔ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻢ ﻣﻦ ّ ﻋ�ل اﻟﻀﻔّﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﰲ ورﺷﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﳌﺪن اﻟﻴﻬﻮدﻳّﺔ ،وﰲ اﳌﻘﺎﺑﻞ ﻳﺪﺧﻞ اﳌﺪﻳﻨ َﺔ ﻳﻮﻣﻴًّﺎ ﻋﺪد ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ ﻣﻦ ّ ﻟﻠﻌ�ل ﻣﻦ ﻟﻌ�ل اﻟﻀﻔّﺔ ﺑﺎﺗﺖ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ ﺗﻮﻓ� ﻫﺬه اﻟﻔﺮص ّ ﻓﻴﻬﺎ .واﳌﻔﺎرﻗﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﰲ أ ّن اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻓّﺮ ﻓﺮص ﻋﻤﻞ ّ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ .أ ّﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﺸﺘﻐﻠ� ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرة ﰲ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻔﺎوت ﻣﺴﺘﻮى اﳌﻌﻴﺸﺔ ﺑ� اﻟﻀﻔّﺔ واﻟﺪاﺧﻞ ّ اﳌﺤﲇ ،ﺑﻴﻨ� ﻛﺒﺎر اﻟﺘ ّﺠﺎر ﻳ ْﺆﺛِﺮون إﻧﺸﺎء اﳌﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻐﺎﻟﺒ ّﻴﺘﻬﻢ اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻣﻦ ﺻﻐﺎر اﻟﺘ ّﺠﺎر اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺘﻤﺪون ﻋﲆ اﳌﺴﺘﻬﻠِﻚ ّ ّ ﻣﺸﺎرﻳﻌﻬﻢ ﺧﺎرﺟﻬﺎ ،ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ أ ّن ﻓﻀﺎء اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﻀﻴّﻖ ﻣﺎ ﻋﺎد ﻳﺘّﺴﻊ ﻟﻄﻤﻮﺣﺎﺗﻬﻢ وﻣﺸﺎرﻳﻌﻬﻢ .أ ّﻣﺎ إذا اﺧﺘﺎرت ﻗﻠّﺔ ﻣﻨﻬﻢ اﻻﺳﺘﺜ�ر داﺧﻞ اﳌﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﺒﺎﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻣﻊ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﻤﺗ ّﺪﻫﻢ ﺑﺎﻟﻘ ّﻮة اﻻﺳﺘﻬﻼﻛﻴّﺔ اﳌﻄﻠﻮﺑﺔ ،إذ إ ّن ُﺟ ّﻞ أﺻﺤﺎب اﳌﺼﺎﻟﺢ اﻟﺘﺠﺎرﻳّﺔ اﻟﻜﱪى ﰲ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻳﺪﻳﻨﻮن ﺑﺎﻟﻮﻻء ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ وﻟﻔﻜﺮﻫﺎ ،وﻻ ﻳﺘﻮاﻧﻮن ﻋﻦ ﻣﺆازرة اﻟﺤﺮﻛﺔ ﺑﺎﳌﺎل ﻛﻠّ� اﺳﺘﺪﻋﻰ اﻷﻣﺮ ذﻟﻚ. ﺗﻘﺼﻴﻨﺎ أﻣﺮ اﻟﺰراﻋﺔ ﰲ اﳌﺪﻳﻨﺔ ،ﻟﻮﺟﺪﻧﺎﻫﺎ ﻣﻌﺪوﻣﺔ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺘﻘﻠّﺺ اﳌﺴﺎﺣﺔ اﻟﺨﴬاء ،ﻻ ﺳ ّﻴ� ﺗﻠﻚ اﳌﺸ ّﺠﺮة ﺑﺎﻟﺰﻳﺘﻮن، وﻟﻮ ّ إذا ﻗﻴﺴﺖ ﺑﺘﻄﻠّﻌﺎت اﻟﻨﺎس .ﻛ� أ ّن اﺗّﺴﺎع رﻗﻌﺔ اﻟﺒﻨﺎء وﺗﻘﻠّﺺ اﳌﺴﺎﺣﺎت اﻟﺰراﻋﻴّﺔ ﻗﻠّﻼ ﻋﲆ ﻧﺤ ٍﻮ ﻣﻠﺤﻮظ ﻣﻦ اﳌﻨﺎﻇﺮ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺎنٍ وﺟﺪاﻧﻴّﺔ وﻧﻔﺴﻴّﺔ .ﻫﺬه اﻟﺨﻼﺑﺔ واﻟﺨﴬاء ،وﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ﺗﻼﺷﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻮﺟﻮدﻳّﺔ ﻣﻊ اﻷرض ّ ّ ورﻤﺑﺎ اﻟﻌﻮاﻣﻞ وﻏ�ﻫﺎ دﻓﻌﺖ اﻟﻜﺜ�ﻳﻦ إﱃ اﻟﺰﺣﻒ إﱃ اﻟﻘﺮى اﳌﺠﺎورة ﺣﻴﺚ اﻟﻔﻀﺎء أرﺣﺐ وﻗﻄﻊ اﻷراﴈ أﻛﺮﺜ وﻓﺮةّ . ﻫﺬه واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻟﻌﻜﺴ ّﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻤﺗﻴّﺰ ﻫﺬه اﳌﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﺎﻟﻬﺠﺮة ﻟﻴﺴﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻞ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺨﻠ ّﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻴﺔ ﺗﺤﺘ ّﻴﺔ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أ ّن اﻟﻜﺜ� ﻣﻦ ُﺻﻠﺒﺔ وﻣﻦ ُﻣﻨﺸﺂت ﺣﻘﻴﻘﻴّﺔ ﺗﻠﺒّﻲ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت ﻣﺪﻳﻨﺔ ،ﺛ ّﻢ ﻫﻲ ﻻ ﺗﻮﻓّﺮ ﻓﺮص ﻋﻤﻞ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻷﺑﻨﺎﺋﻬﺎً ، ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻋﻮاﻣﻞ إﺿﺎﻓ ّﻴﺔ )ﻧﺤﻮ :ﻏﻴﺎب ﻧﺸﺎﻃﺎﺗﻬﺎ اﻻﺟﺘ�ﻋﻴّﺔ ﻓﻘﺪت ﺻﺒﻐﺘﻬﺎ اﳌﺤﻠّﻴّﺔ وﺻﺎرت ﺗﻘﺎم ﺧﺎرﺟﻬﺎ ،وإذا أﺿﻔﻨﺎ إﱃ ّ اﻟﻔﺤ�وي ،وإذا ﻣﺎ ﻇﻬﺮت ﻓﻠﻠﺘﺠﻤﻴﻞ؛ اﻋﺘﻜﺎف اﻟﻨﺨﺐ اﻟﺠﻤﻌﻴّﺎت اﻷﻫﻠﻴّﺔ ﻏ� اﻟﺤﺰﺑﻴّﺔ؛ اﺣﺘﺠﺎب اﳌﺮأة ﻋﻦ ﻛﻠّﻴّﺔ اﳌﺸﻬﺪ ّ ﺣﻲ وﻣﺤﻠّﺔ؛ اﳌﻌ�ري اﻟﻌﺎ ّم؛ اﻟﻌﻨﻒ اﻟﺬي ﺑﺎت ﻳﻌﺼﻒ وﻳﺰﻟﺰل ﰲ ّ اﳌﺜّﻘﻔﺔ ﰲ ﺻﻮﻣﻌﺎﺗﻬﺎ اﻷﻛﺎد� ّﻴﺔ؛ ﻏﻴﺎب اﻟﺬّوق ّ ﻛﻞ ّ واﳌﺆﺳﺴﺔ( ،ﻧﺠﺪ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺮﺗﻌﺸﺔ ﻗﺪ ﻓﻘﺪت ﺗﻮازﻧﻬﺎ ﺳﻄﻮة اﻟﻌﱪﻳّﺔ ﻋﲆ وﻋﻲ اﻟﻨﺎس وﻋﲆ ﻻ وﻋﻴﻬﻢ ،ﰲ اﻟﺸّ ﺎرع واﻟﺒﻴﺖ ّ واﻟﺮوﺣﻲ .ﻓﻬﻲ ،وإ ْن ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ ﻣﻮﻋﺪ ﻣﻊ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﰲ ﻋﻬﺪ ﺳﺎﺑﻖ ،أﺿﺤﻰ ﻫﺬا ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﻴﺪ اﳌﻨﺎل ﰲ اﻟﻔﱰة اﻻﺟﺘ�ﻋﻲ ّ ّ اﻟﺤﺎﻟﻴّﺔ ،ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺘﻌﺎﻗﺐ اﳌﺴﺘﻌ ِﻤﺮﻳﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﺑﺴﺒﺐ ارﺗﺪاﺋﻬﺎ ُﻫﻮﻳّﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ أو ﺳﻠﻴﻘﺘﻬﺎ .ﻓﺎﳌﺪﻳﻨﺔ ﻓﻘﺪت اﳌﺤﲇ ﻷﻧّﻬﺎ آﺧﺬة ﰲ اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ ذاﺗﻬﺎ وﻋﻦ أﺻﺎﻟﺘﻬﺎ ،أ ّﻣﺎ ﰲ اﻟﻔﱰات اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ،إﱃ ﺣ ّﺪ ﻣﺎ، ﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﲆ اﻹﻧﺘﺎج ّ ّ ﻣﺘ�ﻫﻴﺔ ﻣﻊ ذاﺗﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ ﻗﻴﺎم إﴎاﺋﻴﻞ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﺰراﻋﺔ ،وﻤﺗﻠﻚ ﻣﺴﻄّﺢ أر ٍ ﻤﺗﺴﻜﻬﺎ اض ً ﻫﺎﺋﻼ ،ﻓﻀ ًﻼ ﻋﻦ ّ اﻟﻔﻼﺣﻴّﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳّﺔ اﻟﺘﻲ أﺿﻔﺖ ﺟ ًّﻮا ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺔ اﻻﺟﺘ�ﻋﻴّﺔ .ﺑﻴﺪ أﻧّﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻓﻘﺪت ﻏﺎﻟﺒ ّﻴﺔ ﻣﺴﻄّﺤﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻷﺧﻼق ّ اﻟﻌ�ﻟﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﺖ اﻧﻔﺼﺎ ًﻣﺎ اﺟﺘ�ﻋﻴًّﺎ وﺛﻘﺎﻓﻴًّﺎ ﺣﺎ ﱠدﻳْﻦ ،ﻳُﻀﺎف إﱃ اﻟﺰراﻋﻴّﺔ ﺑُ َﻌﻴْﺪ إﻧﺸﺎء إﴎاﺋﻴﻞ ،واﻧﺘﻘﻠﺖ إﱃ اﻟﺤﺎﻟﺔ ّ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻣﻞ ﺣﺎﻟﺖ ذﻟﻚ اﻟﺴﻴﻄﺮة اﻟﺪﻳﻨ ّﻴﺔ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ،وﺳﻌﻴﻬﺎ اﻟﺪؤوب ﻟﻔﺮض ُﻫﻮﻳّﺔ ﻗﴪﻳّﺔ ﻋﲆ اﳌﺪﻳﻨﺔّ . دون ﺗﻄ ّﻮرﻫﺎ إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﴫﻳّﺔ ،ﻓﻬﻲ أﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻤﺑﴪح ﻟﻠﺘﺠﺮﻳﺐ واﻟﺘﻬﺠ� ﻳﺠﻌﻞ أﻣﺮ ﺗﺼﻨﻴﻔﻬﺎ ﻋﺴ ً�ا ،ﻓﻼ ﻫﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ وﻻ ﻫﻲ ﻗﺮﻳﺔ ،أ ّﻣﺎ ﻓﻀﺎؤﻫﺎ ﻓﺄﻗﺮب إﱃ ﻓﻀﺎء اﳌﺨﻴّﻢ .وإن ﻗﺎرﻧّﺎﻫﺎ ﻣﻊ ﻗﺮﻳﺔ ﻣﺠﺎورة ﻟﻬﺎ ﻛﻘﺮﻳﺔ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ،وﺟﺪﻧﺎ ﻫﺬه اﻷﺧ� َة ﺗﺸﻬﺪ ﻧَﻔ ًَﺴﺎ إﻧﺘﺎﺟﻴًّﺎ ﻣﺘﺰاﻳ ًﺪا ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﺗﻨﺸﻴﻂ اﻟﺰراﻋﺔ اﳌﺤﻠّﻴّﺔ ،ﻛﱰﺑﻴﺔ اﳌﻮاﳾ ،وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷﺟﺒﺎن وﻣﺸﺘﻘّﺎت 4 ﺟـﺪل اﻟﻌﺪدان اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩون واﻟﺜﺎﻣﻦ واﻟﻌﴩون /ﻳﻮﻟﻴﻮ 2016
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org
اﻟﺤﻠﻴﺐ ،وﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﺤﻞ وزراﻋﺔ اﻟﺰﻳﺘﻮن؛ وذﻟﻚ ﻛﻤﺼﺎدر رزق ﻗﻠّﻠﺖ ﻛﺜ ً�ا ﻣﻦ اﻟﺘﺒﻌ ّﻴﺔ ﻟﻠﻤﺴﺘﻌ ِﻤﺮ وﻹﻣﻼءاﺗﻪ اﻟﻈﺎﻫﺮة واﻟﺨﻔ ّﻴﺔ. روﺣﻲ وﻣﺎ ّد ّي إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﻘ ّﺪم ،ﻧﻘﻮل إ ّن أ ّم اﻟﻔﺤﻢ ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ ﺑﻠﺪة ﻗﺎدرة ﻋﲆ إﻧﺘﺎج ﻣﺎ ﻫﻮ إﺟ�ﻻً ّ ّ ﻳﻌﱪ ﻋﻦ ُﻫﻮﻳّﺔ راﺳﺨﺔ أو رؤﻳﺔ ﺣﻀﺎرﻳّﺔ واﺿﺤﺔ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻜﺎد ﺗﻌﻴﺶ اﻟﻌﺎ ّم اﺳﺘﻬﻼﻲﻛّ ،ﻏﺎﻟﺒ ّﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻻ ّ اﻟﺮﻳﻔﻲ ،وﻫﺬا ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ اﳌﺴﺘﻌ ِﻤﺮ اﻟﺬي ﻳﺴﻌﻰ ﺟﺎﻫ ًﺪا ،وﺑﻄﺮق ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻴﻌﺔ ﻣﻊ ﻣﺎﺿﻴﻬﺎ ّ ﺷﺘّﻰ ،إﱃ إﻓﺮاغ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﳌﺤﻠّ ّﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ اﻟﱰ ّاﻲﺛ ﺑﻐﻴﺔ زﻋﺰﻋﺔ اﳌﺮﺗﻜﺰات اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟ ُﻬﻮﻳّﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨ ّﻴﺔ .وﺣ� اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ،ﰲ أواﺧﺮ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴّﺎت ،ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴ�ة اﻟﺘﺠﻬﻴﻞ ﻫﺬه ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﺪاﻫﺎ، أﻃﻠّﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ﻋﲆ اﳌﺸﻬﺪ ّ واﻟﻔﺸﻞ اﻟﺬرﻳﻊ اﻟﺬي ُﻣ ِﻨﻴَ ْﺖ ﺑﻪ اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﻮﻃﻨﻴّﺔ، َ ﻓﺎﺳﺘﻐﻠّﺖ اﻟﺤﺮﻛ ُﺔ اﻟﻔﺮا َغ اﻟﺜﻘﺎ ّﰲ اﻟﺬي ﺧﻠّﻔﺘﻪ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ اﳌﺴﺘﻌ ِﻤﺮ، ﻷي ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟـ َﻤﻌﻴﺶ ،وإ�ّ ﺎ وﻻ ﺳﻴّ� ﰲ ﺗﺜﺒﻴﺖ ُﻫﻮﻳّﺔ ﻋﺮﺑﻴّﺔ؛ ﻓﻌﻤﻠﺖ ﻋﲆ ﺻﻴﺎﻏﺔ ُﻫﻮﻳّﺔ ﻻ ﺗﺸﻜّﻞ ﻧﺘﻴﺠﺔ ّ اﺋﺒﻲ .ﻓﺎﳌﺎﴈ اﻟﺬي ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣ ّﻴﺔ ﰲ ﺻﻴﺎﻏﺔ ُﻫﻮﻳّﺘﻬﺎ ﻫﻮ اﳌﺎﴈ اﻟﺒﻌﻴﺪ، ﻏﻴﺒﻲ ّ ﻫﺶ وﻏﺮ ّ ﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ واﻗﻊ ّ اﻹﺳﻼﻣﻲ -اﻧﺘﻘﺎ ّﻲﺋ ،ﻣﺒﺘﻮر وﻣﺸ ّﻮه ،ﺷﺨﺼﻴّﺎﺗﻪ ﻣﺜﺎﻟ ّﻴﺔ ﻻ ﺗﺎرﻳﺨﻴّﺔ، أي "اﻟﺴﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ" ،وﻫﻮ -وإ ْن ﻛﺎن ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ اﳌﻮروث ّ ﻛﻞ ذﻟﻚ ،إ ّن ﺧﻄﺎب اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻧﱪة إﻗﺼﺎﺋﻴّﺔ ﻓﻴﻬﺎ أﺳﺎﺳﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻌﺒﺌﺔ اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴّﺔ .ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ّ وﻫﻮ ُﻣ َﻌ ّﺪ ً اﻟﻔﺤ�وي اﳌﻨﺘﺴﺐ إﱃ ﺻﻔﻮف اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ﺗﺤﻴﻴﺪ ﻟﻠﻜﺜ� ﻣﻦ اﻟﻔﺌﺎت واﻟﴩاﺋﺢ اﻟﻔﺤ�وﻳّﺔ .وﺗﺒ ًﻌﺎ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﺈ ّن وﻋﻲ ّ ﺻﺎر ﻣﺸﺒ ًﻌﺎ ﺑﺎﻟﻐﻴﺒ ّﻴﺎت ،ﻓﱰاه ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﻓﻬﻢ اﻟﻮاﻗﻊ ّإﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗَـ ُﺤﻮل دون ﺗﻌﺎﻃﻴﻪ اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻣﻊ اﻟﻴﻮﻣﻲ .وﻳﺼﻞ اﻟﺤ ّﺪ ﺑﻬﺬه اﻟﺮؤﻳﺔ إﱃ ﺗﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﱰة اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺖ ﻇﻬﻮر اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ﰲ أ ّم اﻟﻔﺤﻢ ﺑﺄﻧّﻬﺎ ﺷﻜﻞ اﻟﻮاﻗﻊ ّ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﺠﺎﻫﻠﻴّﺔ ،ﺑﻴﻨ� اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴّﺔ ﻫﻲ "اﻟﻨﻮر" اﻟﺬي ﺑ ّﺪد ﻫﺬا اﻟﺠﻬﻞ ،ﻓﻼ ﻧﻌﺠﺐ إذا وﺟﺪﻧﺎ أ ّن اﺳﻢ اﳌﺪﻳﻨﺔ ﰲ اﻟﻴﻮﻣﻲ ﺑ� أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ،ﻫﻮ "أ ّم اﻟﻨﻮر" ﻻ "أ ّم اﻟﻔﺤﻢ" .ﻓﺎﳌﺪﻳﻨﺔ ﻣﻌﺰوﻟﺔ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ أدﺑﻴّﺎت اﻟﺤﺮﻛﺔ ،وﰲ ﻟﻐﺔ اﻟﺘﺨﺎﻃﺐ ّ واﻟﺪﻳﻨﻲ، اﻟﺪﻧﻴﻮي واﻟﺴ�وي ،أو ﺑ� اﻷرﴈ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﺒﻌﻴﺪ ،وﺗﻌﻴﺶ ﻣﺰا ًﺟﺎ روﺣﻴًّﺎ ﻣﺮﺗﺒﻜًﺎ ﺑ� اﻟﻘﺮﻳﺐ وﻋﻦ ﺗﺮاﺛﻬﺎ ّ ّ ّ ّ ّ ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ اﳌ�رﺳﺎت اﻟﻴﻮﻣﻴّﺔ ﻟﻠﻤﺴﺘﻌ ِﻤﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮغ ﻣﻔﻬﻮم "اﳌﻮاﻃﻨﺔ" ﻣﻦ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ ،وﺗﴫف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻣﺠ ّﺮد اﻟﺘﻌﻮﻳﻞ ﲇ .ﻟﻸﺳﺒﺎب اﳌﺬﻛﻮرة ﻣﺠﺘﻤﻌﺔً ،ﻓﺈ ّن ﻫﺬه اﳌﺪﻳﻨﺔ ﻻ ﺗﻨﺘﺞ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻦ ذاﺗﻬﺎ ،إذ ﻫﻲ ﻻ ﺗﻌﻴﺶ وﺿ ًﻌﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ واﻗﻊ ﻣﺴﺘﻘﺒ ّ ﻃﺒﻴﻌﻴًّﺎ ،ﺑﻞ ُﺟ ّﻞ ﻣﺎ ﻳُﻨﺘﺞ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻮ ﺗﺮدﻳﺪ ﻟﺸﻌﺎرات دﻳﻨﻴّﺔ ﻣﺴﺘﻬﻠَﻜﺔ ،أو اﻟﺘﻐ ّﻨﻲ ﻤﺑﻘﻮﻻت وﻃﻨ ّﻴﺔ ﻣﻤﺠﻮﺟﺔ. * د .أﺣﻤﺪ ﻣﺤﻤﻮد إﻏﺒﺎر ّﻳﺔ :ﺑﺎﺣﺚ ﰲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﻌﻠﻮم اﻹﺳﻼﻣ ّﻴﺔ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻞ أﺑﻴﺐ ،وﻳﺤﺎﴐ ﰲ اﳌﻌﻬﺪ ﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﻠﻮم وﻓﻠﺴﻔﺘﻬﺎ )ﻋﲆ اﺳﻢ ﻛﻮﻫ�( ،وﰲ ﻗﺴﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑ ّﻴﺔ واﻟﺪّ راﺳﺎت اﻹﺳﻼﻣ ّﻴﺔ.
5 ﺟـﺪل اﻟﻌﺪدان اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩون واﻟﺜﺎﻣﻦ واﻟﻌﴩون /ﻳﻮﻟﻴﻮ 2016
ﻣﺪى اﻟﻜﺮﻣﻞ www.mada-research.org