وجــهــات نـــظــر
كيف نفهم مشاركة العرب في االنتخابات اإلسرائيليّة؟ إمطانس شحادة*
ترمي هذه المقالة إلى تقديم اقتراح إطار تحليليّ إمبريقيّ لدراسة السلوك االنتخابيّ للفلسطينيّين في إسرائيل ،بواسطة تقديم إجابات أوّليّة عن مسألتين (مركزيَتَيْن -حسب اعتقادي) تتعلّقان بأنماط المشاركة االنتخابيّة :مسألة المشاركة واالمتناع عن التصويت؛ ومسألة فهم توزيع تصويت الناخبين العرب بين القوائم العربيّة الثالث .بكلمات أخرى ،ترمي إلى ذلك عبْر اإلجابة عن السؤالين :لماذا يصوّت العرب في إسرائيل؟ وكيف يصوّت العرب؟ المشاركة ،المقاطعة ،وأنماط التصويت :أسئلة تتطلّب إجابات قدّم بعض األكاديميّين العرب تفسيرات للمشاركة السياسيّة والبرلمانيّة-االنتخابيّة للفلسطينيّين في إسرائيل من جوانب عديدة 1.وعلى الرغم من أهمّيّة التفسيرات المطروحة في المقاربات القائمة، تبقى بمعظمها مقاربات تأويليّة تعتمد البحث الكيفيّ وقراءة في نتائج االنتخابات على أرض الواقع، دون أن تقدّم أبحاثًا إمبريقيّة تعتمد البحث الكمّيّ .أمّا هذا المقال فيحاول ،استنادًا إلى المقاربات القائمة ،تقديمَ تحليل إمبريقيّ ألنماط التصويت لدى الناخب العربيّ ،عن طريق تحليل استطالع رأي
1
Rouhana, Nadim 1986. "Collective Identity and Arab Voting
Pttern", pp. 121-149, in: A. Arian & N.Shamir (ed), Elections in Israel 1984. New Brunswick, N.J: Ghanem, As'ad & Nadim Rouhana, Transaction 2001. "Citizenship and the Parliamentary Politics of Minorities in Ethnic States: The Palestinian Citizens of קהילתיות Israel", Nationalism& Ethnic Politics 7(4), pp: 66-86.
2002 000 57
3111 2002
جـدل العدد السابع عشر /أيار 3112
3112
1
مدى الكرمل www.mada-research.org
عامّ أجراه "مدى الكرمل" قبل االنتخابات األخيرة بأسبوع ،شمل عيّنة تمثيليّة مكوَنة من 705 مستطَلعًا. من يصوّت؟ وَفقًا لنتائج استطالع "مدى الكرمل" ،قال %96من المستطلَعين إنّهم سيشاركون في االنتخابات (النسبة الموزونة هي ،)%75.5وَ %07إنّهم لم يقرّروا بعد ،وقرابة %09إنّهم لن يصوّتوا .ونرى أنّ األسباب األساسيّة لعدم المشاركة وَفق االستطالع كانت :ال يهمّني ()%25؛ بسبب عدم وحدة األحزاب ()%20؛ ألسباب أيديولوجيّة (.)%25
2
أظهرت االمتحانات اإلحصائيّة عدم وجود فروق ذات داللة إحصائيّة بين مواصفات الفرد المشارك في االنتخابات وغير المشارك ،ال من حيث السنّ وال من حيث مستويات الدراسة وال الجنس وال الدين وال مكان اإلقامة .لكنّنا وجدنا فروقًا ذات دالالت إحصائيّة ،بين المشاركين وغير المشاركين، في مجال المواقف تجاه العمل البرلمانيّ لألحزاب العربيّة وفي تقييم أداء األحزاب العربيّة في الكنيست .من بينها :عمليّة سَنّ القوانين في الكنيست؛ الدفاع عن قضايا األرض والمسكن؛ حلّ مشاكل المواطنين العرب االقتصاديّة؛ حلّ مشاكل جهاز التعليم العربيّ ومشاكل العنف؛ إحباط سياسات عنصريّة تجاه الفلسطينيّين؛ المساهمة في إنهاء احتالل األراضي الفلسطينيّة؛ الكشف عن عنصريّة الدولة تجاه العرب .فحْصُ "عالقة االرتباط" اإلحصائيّة ) (Correlationsبين مسألةِ المشارَكة في االنتخابات ،ومواقفِ المستطلَعين تجاه أداء وعمل األحزاب العربيّة ،هذا الفحص أظهر وجود عالقة طرديّة واضحة بين تقييم األداء والمشارَكة .وتبيّن أنّ تدنّي تقييم عمل األحزاب العربيّة وأدائها يقلّل من احتمال المشاركة في االنتخابات ،والعكس صحيح. باإلضافة إلى الفروق في تقييم أداء وعمل األحزاب العربيّة في الكنيست ،يبرّر البعض عدم المشاركة في االنتخابات بوجود بدائل للمشاركة السياسيّة ،ال تقلّ أهمّيّة أو فاعليّة عن العمل البرلمانيّ ،يجب استعمالها .من بينها -على سبيل المثال -المشاركة عن طريق مؤسّسات المجتمع المدنيّ أو االحتجاج الشعبيّ المباشر (المظاهرات) والنضال الجماهيريّ .وقد فحصنا كذلك هذا الجانب .وما يهمّنا تحديدًا هو ما إذا كان للمشاركة السياسيّة البديلة أن تفسّر عدم المشاركة في االنتخابات .وقد أظهرت 2
09
جـدل العدد السابع عشر /أيار 3112
3
مدى الكرمل www.mada-research.org
االمتحانات اإلحصائيّة وجود فروق إحصائيّة ذات داللة بين المجموعتين (مجموعة المشارَكة ومجموعة عدم المشارَكة) ،تشير -على العكس من المتوقّع -إلى عالقة طرديّة بين المشارَكة في عمل وفعّاليّات مؤسّسات أهليّة وأعمال احتجاجيّة ،من جهة ،والمشاركة في االنتخابات ،من جهة أخرى. والمقصود أنّ ارتفاع معدّالت المشاركة في العمل األهليّ والمشاركة في االحتجاج يزيد احتمالَ التصويت في االنتخابات .كذلك وجدنا أنّه كلّما ارتفع تقييم المستطلَع لتأثير االحتجاج العربيّ بمختلف أشكاله على سياسات الحكومة ،ازداد احتمال التصويت مقابل االمتناع .وكذلك إنّ التقييم المرتفع للدَوْر الذي تقوم به األحزاب العربيّة في إنجاح االحتجاج العامّ يزيد احتمالَ التصويت .من هنا نجد أنّ ادّعاء وجوب استخدام أدوات مشارَكة سياسيّة بديلة ال يفسّر عدم المشارَكة في التصويت ،بل يفسّر المشارَكة .لذا ،نستنتج أنّ الفروق األساسيّة بين المشاركين في التصويت والممتنعين عنه هي في تقييم عمل وأداء األحزاب العربيّة في الكنيست ،وفي إمكانيّة تحقيق إنجازات في القضايا اليوميّة والمعيشيّة والقوميّة عن طريق البرلمان .المشاركون أقلّ تشاؤمًا من حيث إمكانيّات التأثير السياسيّ بواسطة العمل البرلمانيّ. لمن نصوّت؟ يتيح االستطالع تقديم إجابات أوّليّة للسؤال :كيف يختار الناخب العربيّ من بين األحزاب العربيّة؟ وهذه هي المرّة األولى (وَفق معلوماتنا واطّالعنا على األدبيّات القائمة) التي يجري فيها التطرّق إلى هذا الجانب في دراسة أنماط التصويت لدى الناحب العربيّ .في سبيل ذلك ،قمنا بفحص عدّة مجموعات من المتغيّرات التي تساهم في فهم قرار الناخب العربيّ ،من بينها :المواصفات الفرديّة؛ مواقف المستطلَع تجاه األحزاب العربيّة؛ تقييمه ألداء األحزاب العربيّة ،المتنافسة في االنتخابات ،في مجاالت معيشيّة يوميّة وتجاه قضايا الـهُوية والقوميّة .ابتغاء تحقيق ذلك ،قمنا بتحليل "معادالت االنحدار" ( (LOGISTIC REGRESSIONلجميع المتغيّرات (األسئلة) لدى مصوّتي كلّ حزب وجزب ،مقابل سائر المصوّتين :مصوّتي الجبهة مقابل سائر المصوتين؛ مصوّتي القائمة الموحّدة مقابل سائر المصوّتين؛ مصوّتي التجمّع مقابل سائر المصوّتين. بيّنت نتائج االمتحانات اإلحصائيّة وجود بعض الفروق في مواصفات الفرد بين ناخبي األحزاب العربيّة الثالثة ،إذ كان ثمّة اختالفٌ إحصائيّ ذو داللة وَفقًا للسنّ والديانة ومكان السكن ،وعدم وجود
جـدل العدد السابع عشر /أيار 3112
2
مدى الكرمل www.mada-research.org
فروق في مستويات الدراسة والجنس ومستويات المعيشة .اال ان التأثير اإلحصائيّ لهذه الفروق على اختيار الحزب ليس كبيرًا. أمّا من حيث تقييم أداء األحزاب العربيّة ،فوجدنا أنّ هناك تأثيرًا مركزيًا لهذه المتغيّرات على اختيار الناخب العربيّ ،وال سيّما تقييم المستطلَع الهتمام القائمة بالقضايا القوميّة وتقييمه لقيادات الحزب ومرشّحيه ،التي تؤثّر على مصوّتي القوائم الثالث .بكلمات أخرى ،وجدنا عالقة طرديّة ذات داللة إحصائيّة بين تقييمِ األداء في الجوانب القوميّة والتصويتِ للحزب؛ فكلّما ارتفع تقييم األداء ارتفع احتمال التصويت للحزب .وكذلك كلّما ارتفع تقييم كفاءة مرشّحي الحزب ارتفع احتمال التصويت للحزب .لكنّنا لم نجد تأثيرًا ،مثالً ،للبرامج السياسيّة التي تطرحها األحزاب على اختيار الحزب ،وال تأثيرًا الهتمام الحزب بالقضايا اليوميّة المعيشيّة. على الجملة ،يمكن القول إنّ اختيار الناخب العربيّ للحزب الذي سيصوت له ،يتأثر باألساس بتقييم أداء الحزب واهتمامه بالقضايا القومية وكفاءة قياداته ،اكثر مما يتأثر بالمواصفات الفرديّة للناخب ن والديانة ومكان السكن. مثل الس ّ خاتمة حاولتْ هذه المقالة تقديم دالئل أوّليّة إلمكانيّة تفسير التصرّف االنتخابيّ للفلسطينيّين في إسرائيل بشكل إمبريقيّ .نتائج التحليل اإلحصائيّ تشير إلى وعي الناخب العربيّ لمحدوديّة العمل البرلمانيّ والتأثير السياسيّ لألحزاب العربيّة ،وتوضّح كذلك أنّ الناخب العربيّ يرى أهمّيّة لوجود أحزاب عربيّة في البر لمان ،ويختار المشاركة بالرغم من المحدوديّات القائمة ،ويختار بين األحزاب العربيّة على أساس أدائها القوميّ وتقييم كفاءات القيادات ،ال على أساس إمكانيّة تقديم األحزاب إنجازات مادّيّة عينيّة ،دون أن نلغي أهمّيّة هذا الجانب بالمطلق .من هنا ،يمكن القول إنّه ثمّة مؤشّرات لتصرّف عقالنيّ لدى الناخب العربيّ الذي يستخدم أداة االنتخابات للتعبير عن استيائه .الناخب العربيّ يبحث عن منافع جماعيّة في مجال الهُويّة ومقارعة السلطة ،ال أن يؤثّر على السلطة خرَجاتها السياسيّة فقط ،وهو عمليًا يقوم بعمليّة تصويت احتجاجيّ .بطبيعة الحال ،هذه استنتاجات ومُ ْ أوّليّة تحتاج إلى أبحاث مستقبليّة إضافيّة وموسّعة لتدعيمها وتوضيحها. *امطانس شحادة هو منسّق برنامج دراسات إسرائيل في مدى الكرمل. جـدل العدد السابع عشر /أيار 3112
4
مدى الكرمل www.mada-research.org