ٍ ثـــــوان... فـي “�أحب �أن �أتعلم ،و�أقر�أ الكثري من ملخ�صات الكتب ،و�أحب � ً أي�ضا قراءة كتب التاريخ .التعلم والقيادة هما مقدمة ونتيجة ،وال ميكن ف�صل املقدمة عن النتيجة” .تغريدة �أطلقها �سيدي �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل معان مكتوم “رعاه اهلل” ،كلمات قليلة حملت بني �سطورها ٍ عميقة ونهج ًا معرفي ًا تر�سخ منذ القدم على �شكل ملخ�صات زخرت بها مكتبات العرب و�ساهمت يف ن�شر العلم واملعرفة �آنذاك .لقد �ألهمت هذه الكلمات م�ؤ�س�ستنا ور�سمت اخلطى ملبادرة “كتاب يف دقائق” التي اطلقتها م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم م�ؤخر ًا لت�سهم يف ن�شر الإبداعات العاملية يف �شتى جماالت العلوم واملعرفة وبلغتنا العربية الأ�صيلة لأننا نعي�ش ع�صر ًا تتعاظم فيه م�س�ؤوليات الأفراد وتتزايد فيه ان�شغاالتهم وتتناق�ص فيه معدالت اهتمامهم بالقراءة واالطالع ،جاءت هذه املبادرة لتواكب منط هذا الزمن وتن�شر املعرفة ملن ي�سعون �إليها وال ميتلكون الوقت الكايف لها، وذلك من خالل طرح ملخ�صات تقدم ب�شكل �أنيق وممتع موجز ًا �سريع ًا ملختلف �أنواع الكتب التي مل ترتجم بعد يف خمتلف املجاالت احليوية الهامة. لقد ر�أينا �أن نركز كل �شهر على تلخي�ص موا�ضيع متنوعة يف الطاقة الإيجابية ،وفنون القيادة ودرو�سها� ،إ�ضافة �إلى موا�ضيع �شيقة تتمحور حول الأ�سرة واملجتمع والتاريخ. ويف هذا ال�شهر فقد اخرتنا لكم ثالثة كتب متميزه نتطلع من خاللها �إلى تلبية بع�ض �أهداف امل�شروع؛ وهي :كتاب امل�ؤثرون :ال�سمات اخلفية التي ت�صنع ال�شخ�صية املقنعة والقوية ،من ت�أليف :جون نيفينجر وماثيو كوهوت ،وي�ساعد باحلكم على �شخ�صيات الآخرين ،كتاب انطلق :كيف نتدفق مع احلياة ونن�ساب معها كاملياه من ت�أليف :ميهايل �شيكزنتميهايل ويعطي منظور ًا جديد ًا لل�سعادة ،و�أخري ًا كتاب جيل التطبيقات الإلكرتونية :كيف يحقق ال�شباب ذواتهم ورغباتهم وخياالتهم يف الع�صر الرقمي من ت�أليف :هوارد جاردنر وكاتي ديفيز والذي يحاكي العالقة بني جيلني عا�ش �أحدهما قبل التطور وعا�صره و�آخر ن�ش�أ فيه واندمج معه. جمال بن حويرب
الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم 1
كتاب في دقائق
كيف نحكم على ال�شخ�صيــة عندما نلتقي الآخرين �سرعان ما نبادر �إلى �إ�صدار الأحكام عليهم وعلى �شخ�صياتهم .ويت�ضح �أننا حينما نتخذ قرا ًرا ب�ش�أن كنه م�شاعرنا جتاه �أحد الأ�شخا�ص ف�إننا حينئذ ن�صدر حكمني ،ال حك ًما واحدً ا .واملعياران اللذان يعت ّد بهما يف هذا ال�سياق هما “املقدرة” �أو قوة الأداء والقدرة على الفعل، و“الدفء” �أو قوة امل�شاعر واحلميمية والإح�سا�س بالآخر. املقدرة :تعني قدرة املرء على الفعل و�إجناز املهام بح�شد الإمكانات و�إنفاذ الإرادة .وحينما يظهر ال�شخ�ص املقدرة يكون على الآخرين �أن يطيعوه ويتبعوه ويحرتموه وين�صتوا �إليه. �شخ�صا ما ي�شاركنا م�شاعرنا واهتماماتنا الدفء :هو الإح�سا�س ب�أن ً ور�ؤيتنا للعامل .وحينما يظهر ال�شخ�ص عن�صر الدفء ف�إننا نعجب به ونتعاطف معه ونتفهم دوافعه ومننحه دعمنا وحما�سنا وت�أييدنا حتى دون �أن يطلب ذلك. ال�شخ�ص الذي يبدي كال العن�صرين يرتك ت�أث ًريا كب ًريا فينا ،لأنه ي�ؤدي بجر�أة ويعمل ب�صدق لتحقيق �أف�ضل م�صلحة لنا؛ ولذا فنحن نوليه ثقتنا ونع ّده من �أ�صحاب الر�أي ال�سديد والفكر الر�شيد ،ومن قادة التجديد. مثل هذا ال�شخ�ص يتمتع بالإرادة (الدفء) والقدرة (القوة) لالعتناء مب�صاحلنا ،لذا فنحن نعتربه قائدً ا ،ون�شعر بالراحة لأننا نعلم �أنه مي�سك بزمام الأمور.
“املقدرة والدفء هما املعياران الرئي�سيان اللذان تتمحور حولهما كل الأحكام االجتماعية التي ن�صدرها على الدوام”.
�إلى العامل (�إلى الآخرين) .فهل نختار �أن نربز الدفء ،الذي من �ش�أنه �أن ي�ؤمن لنا �إعجاب الآخرين؟ �أم الأف�ضل �أن نظهر املقدرة ،التي من �ش�أنها �أن تفر�ض احرتامنا على الآخرين ً فر�ضا؟ �أم الأف�ضل �أن نبذل ق�صارى جهدنا لإظهار املقدرة والدفء م ًعا، ونحن ندرك �أنّ �أحدهما قد يطغى ويق ّو�ض الآخر فينتهي بنا الأمر �إلى الف�شل يف �إظهار �أي منهما ،يف ذات املوقف ونف�س الوقت؟
�إال �أنّ التحدي الذي يواجهنا ب�ش�أن هذين املعيارين هو �صعوبة �إبرازهما م ًعا ،والتعامل معهما ب�شكل متكامل .لأنّ كال منهما ً يبدو م�ضادًا ومتناق�ضا مع الآخر .فم�صدر ال�صعوبة هو �أنّ املقدرة والدفء بينهما توتر ومواجهة مبا�شرة� ،أحدهما مقابل الآخر .ومن �ش�أن هذا التوتر �أن يطرح �أمامنا مع�ضلة :حيث علينا �أن نقرر يف كل حلظة � ّأي نوع من الإ�شارات االجتماعية �سرن�سل
قدرتنا على ت�س ُّيد املوقف والتحكم يف توتر مب�ستوى هذا ال�ضغط العايل ،لكي نظهر ونعرب عن قوتنا وحميميتنا ،وعن ثقتنا ب�أنف�سنا ورحابة م�شاعرنا ،يف الوقت ذاته فهو �أمر �صعب ونادر احلدوث ،لدرجة �أننا نحتفي ونحتمي بالأ�شخا�ص الذين يتمكنون من التح ّكم فيهما م ًعا ،فن�ضعهم يف القمة ويتملكنا �شعور بالغبطة نحوهم .ولقد �أطلقنا م�سميات كثرية على هذه “الهبة الإلهية” منها :عظمة ،وقيادة ،وبطولة ،و�شجاعة ،وت�أثري ،ومتيز ،وت ّفرد، ونلخ�صها �أحيانا بكلمة واحدة كبرية ن�سميها“ :كاريزما”.
كيف نفهم املقدرة املقدرة ت�ضمن �إجناز املهام .وبو�صفها �سمة �شخ�صية فهي معيار للقدر الذي يتمكن به املرء من فر�ض �إرادته على عاملنا .فكل من يظهر هذه ال�سمة يجذب اهتمامنا ،و�سبب ذلك ،هو �أن ّنا نحتاج �أن نعرف ما �إذا كان �سي�ستغل مقدرته هذه مل�ساعدتنا �أم �ضدنا؛ ل�صاحلنا وهو معنا� ،أم ل�صاحله هو فقط .و�سواء خاجلنا �شعور باحل�سد �أو بالغبطة ،فنحن نظهر االحرتام لكل الأ�شخا�ص الذين تربز فيهم �سمة املقدرة. ً ارتباطا ال تنف�صم عراه .ونحن ننظر �إلى ال�شخ�ص �صاحب املقدرة وترتبط القيادة ب�سمة املقدرة كقائد لأنه ي�ستطيع �أن يوفر احلماية لنا �ضد املخاطر التي تتهددنا �شخ�ص ًيا �أو تهدد جمتمعنا .لأنّ املقدرة تت�شكل بدورها من عن�صرين �أ�سا�سيني :القدرة على �إحداث الت�أثري يف العامل ،والتح ّلي بروح املبادرة للقيام بعمل ما.
• القدرة
تت�ضمن القدرة �أي �شيء ي�سمح لك بالت�أثري يف العامل .وي�شتمل هذا على �سمات القوة اجل�سمانية واملهارات التقنية املكت�سبة واملهارات االجتماعية الذكية واحلكمة التي هي ثمرة التجارب املح َّنكة .وي�شري علماء االجتماع �إلى جممل ذلك كله مب�صطلح �أو مفهوم“ :الكفاءة”.
• الإرادة
�إذا كانت القدرة تعني �أن متتلك الأدوات لإجناز املهام ،فالإرادة هي املقدرة ال�شخ�صية الالزمة لل�شروع يف الفعل. قدما ،بل (�أو على وجه اخل�صو�ص) يف مواجهة العقبات واملقاومة وال�صمود. فالإرادة تتب ّدى بو�صفها التزاما بامل�ضي ً ً فنحن نتحدث عن هذه ال�صفة طوال الوقت ون�سميها الت�صميم� ،أو العزم� ،أو التحفيز� ،أو الطموح� ،أو املرونة.
كتاب في دقائق
2
• الدفء
�أما الدفء فهو ما ي�ست�شعره النا�س حينما يدركون �أنهم يت�شاركون يف امل�صالح والهموم� .إ ّنه ال�شعور باالنتماء �إلى فريق �أو م�ؤ�س�سة �أو جمتمع �أو وطن .ف�إذا كانت املقدرة تتعلق با�ستطاعة املرء تنفيذ ما عزم عليه ،فالدفء يتعلق مبا �إذا كنت �ستكون �سعيدً ا ومتفائلاً ومتحم�سا لقطف ً ثمار جهودك .فحينما يظهر الأ�شخا�ص الدفء ف�إننا نعجب بهم ،ونعمل على توطيد عالقتنا معهم .والدفء ي�شتمل على مفاهيم ومكونات ذات �صلة منها :التعاطف ،والألفة ،واحلب.
• التعاطف �أو التفهم
�إظهار التعاطف يعني �أن ت�ضع نف�سك مو�ضع الآخرين. التعاطف مينحنا الراحة ،ذلك ال�شعور ب�أننا ل�سنا وحدنا� .إال �أنّ التعاطف ال ينتهي عند امل�شاعر وح�سب؛ فثمة ُبعد �إدراكي للتعاطف� ،إذ �إنّ ال�شعور امل�شرتك يقوم على �إدراك م�شرتك ،وتتوثق و�شائجه بامل�شاركة والتفهم املتبادل .ويتجلى هذا بو�ضوح عندما نقول�“ :أُ ُ درك هذا”، أفهم �سبب �شعورك هذا”. مبعنى “� ُ
• الألفة
�شخ�صا �أو �شي ًئا غري م�ألوف ف�إننا نكون حذرين – �أي نكون الأ�شياء والأحا�سي�س امل�ألوفة م�صدر �ضروري خللق ال�شعور باالرتياح .فحينما نواجه ً م�ستعدين لال�ستجابة بقوة (لأننا خائفون) – ونبقى مت�أهبني حتى نت�أكد �أن ال خطر حقيقيا وكبريا يتهددنا.
• احلب
حدد الباحثون ثالث منظومات �أو حاالت بيولوجية خمتلفة نطلق عليها ا�سم “احلب” :وهي احلب الرومان�سي �أو الأفالطوين احلامل، واالجنذاب اجل�سدي يف احلب الغريزي ،وم�شاعر املودة العامة �أو التفاعل ال�شخ�صي واجلماعي .والنوع الثالث – �أي م�شاعر املودة والتعلُّق والتفهم – هي التي تعنينا يف مو�ضوع الدفء وتطبيقاته يف القيادة والت�أثري.
الهالة والطاقة املتحركة املقدرة والدفء عن�صران يكمل �أحدهما الآخر ،ولي�سا �ضدان �إذا ح�ضر �أحدهما غاب الآخر ،وهناك قدر كبري من التفاعل املتبادل بينهما. فهناك �أو ًال ت�أثري الهالة :فنحن منيل �إلى �أن نن�سب �سمات �إيجابية للأ�شخا�ص الذين يتمتعون ب�سمات �إيجابية �أخرى. على �سبيل املثال� :إذا كان املرء منا يعجب بطبيبه اخلا�ص فلرمبا �أخرب الأ�صدقاء ب�أن الطبيب نبيه للغاية وبارع ،حتى �إذا مل يكن لدينا �أي مربر لإ�صدار �أحكام ب�ش�أن الكفاءة الطبية التي يتمتع بها �أو م�ستوى ذكائه العلمي وقدراته الفنية.
طاقة الدفء واملقدرة متحركة ومتنقلة مبجرد �أن نعجب ب�شخ�ص ما ينطلق ت�أثري الهالة ويبد�أ عمله ،فنجد �أنه من ال�سهولة مبكان �أن نك ّون ر�أ ًيا مغال ًيا ب�ش�أنه وي�صبح من ال�صعب �أن نظن �أي �شيء �آخر .غري �أنّ هناك �آلية �أخرى تتدخل هنا، وهي يف �صراع مع ت�أثري الهالة. هناك ت�أثري هيدروليكي ومتحرك ومتنقل ومتبادل بني املقدرة والدفء :فحينما يرتفع �أحد العن�صرين عادة ،يهبط من�سوب العن�صر الآخر .ارفع �صوتك حتى ي�صل �إلى م�سامع الآخرين خالل اجتماع، و�ستبدو وك�أنك غا�ضب� .أظهر مزيدً ا من االحرتام ب�صدر رحب جتاه زمالئك ،و�ستبدو كما لو كنت �شخ�صا م�ستكي ًنا .فكل ما تفعله تقري ًبا لزيادة مقدرتك يقلل من �سمة �أو طاقة الدفء لديك .وكل ما ً تفعله لزيادة حميميتك يقلل من �سمة ومن طاقة املقدرة لديك �أي�ضا. 3
كتاب في دقائق
املقدرة +الدفء �أب�سط طريقة للتفكري ب�ش�أن كم املقدرة والدفء اللذين يظهرهما �شخ�ص ما هو قيا�س امل�شاعر التي تعرتينا حيال ت�صرفاته .لقد ر�أى مكيافيلي �أن املقدرة العالية ميكن �أن تثري اخلوف ،بينما ميكن للإ�سراف يف الدفء �أن يثري املحبة .وتبدو ال�صورة �أعقد قلي ًال حينما ننظر �إلى �أ�شكال خمتلفة من امتزاج املقدرة بالدفء .فقد قدمت “�إميي كادي” من جامعة هارفارد ،بح ًثا هو مبثابة بذرة ملا تاله من �أبحاث .وبينما ركز البحث على فهم كيفية �إ�صدار الأحكام ب�آلية منطية ،فقد اعترب عن�صري( :املقدرة والدفء) عاملني عامليني ي�شكالن �أحكامنا ب�ش�أن الآخرين .ويو�ضح ال�شكل التايل ا�ستجاباتنا ال�شعورية جتاه الأ�شخا�ص الذين يظهرون م�ستويات خمتلفة من املقدرة والدفء.
املقدرة الركن الأمين يف الأعلى هو بكل و�ضوح ركن امل�ستقبل. الأ�شخا�ص املوجودون به ينتمون �إلى فريقنا ،وهم �أف�ضل الالعبني .هناك ،يقبع الأ�شخا�ص �أو القادة الذين نخلع عليهم �سمة “الكاريزما” .وهناك ،ال ترى �أ�شخا�صا كثريين ،لأنه من ال�صعب ال�سيطرة على التوتر �أو حالة ال�شد واجلذب بني كل من املقدرة والدفء و�إظهار ما يكفي من كليهما يف الوقت ذاته من �أجل ك�سب عميق االحرتام وخال�ص املودة.
الإعجاب
احل�سد/اخلوف
التعاطف
الإزدراء
الدفء
قانون “الطماطم” تعمل �سمة الدفء على �أ�سا�س نطلق عليه ا�سم “قاعدة �أو مبد�أ الطماطم” :فمثلما ميكن لليلة باردة واحدة �أن تدمر حقل طماطم ب�أكمله ،كذلك قد تت�سبب واقعة واحدة تظهر فيها ال مباالتك – ب�أنك اهتماما مبا ي�شعر – مما يجعل �إعادة بث ال�شعور �شخ�صا �آخر م�صاحله �أو ال تبدي ال ت�شارك ً ً بالدفء بينكما �أم ًرا �صع ًبا� .إذا ما ت�صرفت بـال مباالة ولو ملرة واحدة ف�إنّ االنطباع ال�سلبي �سيلت�صق بالأذهان� .أما املقدرة فتعمل بطريقة معاك�سة :ف�إذا ما �أظهرت مقدرتك و�أكدتها ملرة واحدة وح�سب فمن �ش�أن هذا �أن يث ّبت قدميك ك�شخ�ص مقتدر وقوي وم�ؤثر.
بطاقاتك و�أدواتك و�إدارة اللعبة من �أول الأ�شياء التي يعرفها النا�س عنك ال�سمات اجل�سمانية :جن�سك ،ج�سمك ،مالحمك، عرقك� ،أ�صلك وف�صلك ،وعمرك .وبقدر ما تتكون هذه املعرفة املبدئية بطريقة �سريعة و�سطحية ،ف�إنّ هذه ال�سمات توحي بالفعل ب�صورة ظلية �أو �شبحية �أو منعك�سة ل�صورتك العامة املكونة من املقدرة والدفء. جن�سك وانتما�ؤك العرقي ومالحمك هي البطاقات التي بحوزتك .و�أ ًيا كانت �صفات وم�سميات هذه البطاقات فب�إمكانك �أن تلعب بها جيدً ا بحيث يدرك الآخرون ال�سمات العظيمة ل�شخ�صيتك .ولكي تبد�أ ف�سوف ي�ساعدك كث ًريا �أن تفهم كيف ت�سري الأمور بينك وبني النا�س. كتاب في دقائق
4
لقد طورنا كب�شر ،جمموعة من الدوائر الع�صبية الكثرية لإ�صدار �أحكام قيمية وحلظية قائمة على عوامل ج�سدية �أ�سا�سية .هذه احل�سابات ال�سريعة حتدث ب�صورة تلقائية ،فيما وراء العقل الواعي ،بقدر �ضئيل للغاية من املجهود .ولي�ست الأولويات هنا هي حتري املو�ضوعية والدقة ،فالتقييمات الكافية وال�سليمة قد تفي بالغر�ض و�إن كانت �سريعة .يف كتابه “التفكري ب�سرعة والتفكري ببطء -ال�صادر عام )2011يطلق عامل النف�س “دانيال كامنان” احلا�صل على جائزة نوبل يف االقت�صاد ال�سلوكي ،على هذه العمليات
القائمة على التفكري ال�سريع “�آلة القفز �إلى اال�ستنتاجات”. من �ش�أن القفز �إلى اال�ستنتاجات حول الآخرين �أن يجعلنا ن�شعر بثقة �أكرب وقدر �أقل من ال�شك �إزاء العامل من حولنا .لكن مبجرد �أن �شخ�صا ما ،ف�إننا جنري عملية تر�شيح نبد�أ يف التفكري ب�أننا نفهم ً للمعلومات الآتية ومنيل �إلى ا�ستبعاد الأفكار التي ال تتواءم وال�صورة التي ر�سمناها يف �أذهاننا على عجل ،بو�صفها جمرد انحرافات تفتقر �إلى املغزى .وبهذا ي�صبح املرء �سجني ت�صوراته امل�سبقة، وكذلك يكون الآخرون الذين يخ�ضعون لأفكارنا النمطية امل�سبقة.
النوع االجتماعي (اجلن�س) من امل�سلمات �أن الرجال �أقوياء ،و�أنهم غري ودودين �إلى حد ما .باملقابل نفرت�ض �أنّ الن�ساء يتمتعن بدفء �أكرب لكنهن �أ�ضعف. وهناك �سبب بيولوجي وراء ذلك :فلدى الرجال ن�سبة �أكرب من هرمون “التي�ستو�سرتون” مقارنة بالن�ساء الالئي لديهن ن�سبة �أكرب من هرمون “�إ�سرتوجني ”.يرتبط هرمون التي�ستو�سرتون بالقوة اجل�سمانية والت�صميم ،لكنه يتعلق � ً أي�ضا باالنف�صال االجتماعي والعاطفي .وعلى النقي�ض يت�صل هرمون �إ�سرتوجني بالتناغم �أكرث مع م�شاعر الآخرين .كما ينظر �إلى الرجال على �أنهم �أقدر على املوازنة بني املقدرة والدفء ب�شكل عام .يف حني تعترب الن�ساء �أ�ضعف ،مع جرعات فائ�ضة من الدفء العاطفي.
االنتماء العرقي مفتاحا لفهم اخلربات احلياتية التي رمبا يكون مثل اجلن�س والعمر يعد االنتماء العرقي �أحد املحددات املرئية التي تقدم للرائي ً �شخ�ص ما قد مر بها .ففي حني �أنّ الب�شر مييلون �إلى التوا�صل االجتماعي مع �أقرانهم من داخل جماعتهم ،هناك بالفعل درجة معقولة من االتفاق عرب الثقافات ب�ش�أن � ّأي الثقافات تتمتع بدفء �أكرب و�أ ّيها يتمتع مبقدرة �أكرب ب�صورة عامة .فمثال يعتقد البلجيكيون �أنّ الربازيليني يتمتعون بدفء �أكرب ،لكنهم �أقل كفاءة ،لكنهم – � ْأي البلجيكيون – يرون اليابانيني �أكف�أ و�أقل متت ًعا بالدفء العاطفي مقارنة بهم .فالأ�شخا�ص الذين يعي�شون يف دول ذات دخل متو�سط يعتربون الآخرين يف الدول ذات الدخل املادي الأعلى ب�صفة عامة �أقوى ،لكنهم �أقل دف ًئا مقارنة ب�أنف�سهم.
العمر هناك عالقة �أ�سا�سية بني املقدرة والدفء والعمر يف بع�ض الثقافات� .إذ ينظر �إلى الأطفال وكبار ال�سن باعتبارهم �أقل كفاءة وقدرة ،لكنهم يتمتعون بدفء �أكرب من البالغني .وبالن�سبة �إلى الكفاءة ،يحتاج ك ٌّل من �صغار ال�سن وكبار ال�سن �إلى م�ستويات متفاوتة من العون فيما يتعلق بالوظائف الأ�سا�سية يف احلياة اليومية� .أما بالن�سبة �إلى الدفء فهو �أمر منطقي � ً أي�ضا :فبداخلنا تعاطف �إن�ساين طبيعي جتاه ال�ضعفاء .يولد ال�صغار ولهم جاذبية كبرية لأنهم يعتمدون علينا .وتتبع القوة منحنى اجلر�س فت�صل �إلى القمة يف وقت مبكر بالن�سبة �إلى الريا�ضيني ،ثم �إلى املحرتفني. �أما منط كبار ال�سن فهو مرن� ،أو على الأقل فيما يتعلق بغياب الكفاءة .فلدى الغالبية العظمى م ّنا والد �أو ج ّد �أو عمة �أو خال يجدون �صعوبة متاما عن التعامل مع مواقف احلياة اليومية. يف تذكر الأ�سماء �أو يقودون �سياراتهم وهم يف حالة �شرود ،وفج�أة ي�صبح هذا ال�شخ�ص عاجزً ا ً وغال ًبا ما نعترب ذلك عالمة على ال�ضعف واله�شا�شة ال باعتبارها م�س�ألة م�ستقلة ،بل باعتبارها بداية منزلق ،وهذا يعني �أننا منيل �إلى �إغفال �إ�شارات �أخرى ب�أنّ كبار ال�سن ما زالوا �أقوياء وقادرين. 5
كتاب في دقائق
ا�ستثمار ما لديك يف حني �أنّ �أغلب ال�سلوكيات تتم بطريقة غري واعية ،ف�إنه ميكن �إخ�ضاعها كلها تقري ًبا لالختيار الواعي. ب�إمكانك �أن تختار -لي�س فقط � -أن تت�صرف بطريقة مغايرة ،بل و�أن تتعلم كيف تت�صرف بطريقة مغايرة: ميكنك �أن تتخذ خطوات تغري من الأ�سلوب الذي ت�ستجيب به بطريقة غري �شعورية يف امل�ستقبل .وهناك طرق عديدة ميكنك �أن ُتظهِ ر من خاللها مقدرة �أكرب ودف ًئا �أكرب لتحقق التوازن بني الإ�شارات التي تر�سلها. وبعبارة �أخرى :ميكنك تغيري الواقع.
التوا�صل بغري كالم يرتبط التوا�صل ال�صامت مبا�شرة بالثقة .حينما حتت�شد كل الإ�شارات – تعبريات الوجه وو�ضع اجل�سد والإمياءات ونغمة ال�صوت والكلمات – لرتوي حكاية مت�سقة ،ف�إننا نثق ب�أنّ هذه الإ�شارات هي تعبري دقيق عما ي�شعر به ال�شخ�ص .وعلى النقي�ض ،حينما تخربنا �إ�شارات خمتلفة بق�ص�ص خمتلفة ،ف�إنّ ال�شك يخامرنا ب�أن هذا ال�شخ�ص متناق�ض وح�ضوره ال يبعث على االطمئنان ،بل رمبا هو يحاول �أن يخفي �شي ًئا .ومن غري التفكري ب�صورة واعية يف الأمر ،نلحظ التناق�ضات غري اللفظية ون�ستخدمها لكي ن�ست�شعر غياب الأمان وال�شك وال�ضعف .هذه الو�سائل هي التي متكننا من معرفة �أنّ هناك �شي ًئا ما غري �صحيح.
امل�ساحة امتالك امل�ساحة �أمر يتعلق باملقدرة �أكرث مما يتعلق بالدفء .الطريقة التي تَ�ستغل بها امل�ساحات يف املكان تقول الكثري عن مقدرتك. الأقوياء واملقتدرون يت�صرفون ب�أريحية يف �أي مكان ،وي�شغلون م�ساحة كبرية ويتحركون بحرية وبال قيود .عندما يتوا�صل طرفان ،ف�إنّ �أحدهما يق ّرب امل�سافة ت�أكيدً ا للهيمنة .وقد ي�ستخدم امل�ساحة بطريقة مغايرةْ � :أي يبتعد ويتجنب الآخرين .فعندما يهيمن �شخ�ص ما على معظم امل�ساحة ف�إنه يوحي للآخرين مبن هو القائد يف هذا املكان .كما �أنّ تقريب امل�سافات هو ما نفعله ب�صورة منوذجية حينما نظهر الدفء .وعلى العك�س ،فاالبتعاد عن �شخ�ص ما قد يوحي بغياب الدفء ،حتى و�إن كان هذا االبتعاد ناجت عن االحرتام.
كتاب في دقائق
6
و�ضع اجل�سد
و�ضع اجل�سد وحتريكه ب�صورة م�ستقيمة ومالئمة تظهر املقدرة .الأمر هنا يتعلق بامتالك م�ساحة كبرية ،ر�أ�س ًيا فقط :فمن �ش�أن الوقوف بقامة م�ستقيمة �أن يظهر ثقتك بنف�سك .كما �إنّ اتخاذ و�ضعية ج�سدية متلأ امل�ساحات من �ش�أنه �أن ير�سل ر�سالة �ضمنية وغري لفظية ال تختلف يف فحواها كث ًريا عن امتالكك �سيارة فارهة �أو منز ًال فخ ًما :انظروا �إ ّ يل؛ �أنا �شخ�ص مهم.
الإمياء
كيف ميكننا �إظهار املقدرة والدفء با�ستغالل الذراعني؟ ل َرن �أو ًال كيف نظهر املقدرة. • امل�سافة :ميكنك �أن تظهر مقدرتك بتحريك الذراعني والكوعني ،بعيدً ا عن جذعك. وق�صد وهدوءٍ ور�شاق ٍة .والهدف من ذلك • التحكم :لي�س املحك �أن حترك الذراعني ع�شوائ ًيا ك�أنك م�ستثار ،بل �أن حتركهما بت�أنٍّ ٍ تاما يف مكان ج�سدك ويف امل�ساحة التي ت�شغلها. �أن تظهر حتك ًما ً
ال�سرعة
مرتاحا �أو منتب ًها �أو ع�صب ًيا .يفيد م�ستوى االرتياح واالنتباه يف �إظهار كل من املقدرة توحي �إمياءاتك كذلك مب�ستوى طاقتك� :أي ما �إذا كنت ً ً منخف�ضا للغاية ف�إن هذا ي�ستنفد كال من مقدرتك ودفئك. والدفء .وعلى النقي�ض ،حينما يكون م�ستوى طاقتك مرتف ًعا للغاية �أو
اليدان
الطريقة التي حترك بها يديك تر�سل �إ�شارة �إلى املحيطني بك .ف�إذا ثنيت �أ�صابعك لت�شكل قب�ضة بيديك� ،أو ب�سطت يديك كما لو كنت ت�ؤدي �إحدى حركات لعبة الكاراتيه ف�أنت توحي باملقدرة� .أما الإ�شارة بال�سبابة فهي حركة توحي بقوة مبالغ فيها ،ولذا ف�إن ال�سا�سة يتجنبون مثل هذه الإمياءة.
الكرة ال�سحرية هناك تطبيق ف ّعال ميكنك الإعتماد عليه لإظهار “املقدرة” بحركات يديك .تخيل �أنك مت�سك بكرة لعبة الطائرة بيديك على م�ستوى خ�صرك ،وبعيدً ا عن ج�سدك بقليل� .أثن �أ�صابعك كما لو �أن هناك كرة فع ًال بني �أ�صابعك .والآن �أنظر يف املر�آة .من هذا الو�ضع ميكنك تو�سيع امل�سافة بني كفيك ك�أنك مت�سك بكرة �أكرب متاثل كرة ال�سلة� ،أو كرة �أ�صغر يف حجم كرة �أطفال مت�سكها بيد واحدة ،بينما الذراع الأخرى �إلى جانبك .ميكنك �أن ت�س ّلم الكرة للجمهور اجلال�س �أمامك �أو تتابع حديثك وتهز الكرة بيدك قلي ًال كي ت�ضفي مزيدً ا من الت�أكيد على منطقك يف الإقناع .قد تبدو هذه ال�صورة غريبة ،لكنك �سرتى متاما .ف�إن �شعرت باحلرج يف بنف�سك عددًا ال ح�صر له من املتحدثني يفعلون ذلك ،ويبدو الأمر طبيع ًيا ً � ّأي وقت و�أنت تتحدث للجمهور ،وال تدري ماذا �ستفعل بيديك ،تذكر هذه الكرة .توفر لك �صورة الكرة عددًا ال ح�صر له من الأو�ضاع واحلركات الدائرية التي ت�ضفي دف ًئا على �أدائك ،ب�شرط �أن تكون راحة اليد مفتوحة والأ�صابع مثنية والكوعان بعيدين عن جذعك قلي ًال.
وجه ي�شع دف ًئا �أف�ضل بداية لتحليل العنا�صر املرئية املتعلقة بالدفء تبد�أ من الوجه ،و�أول طريقة نظهر بها الدفء هي االبت�سامة .االبت�سامة و�سيلة �أ�سا�سية للتوا�صل غري اللفظي را�سخة يف �أعماق ال�سلوك الإن�ساين يف كل العامل .فنحن نن�سب ال�صفات احلميدة ملن يبت�سمون يف وجوهنا ،ونراهم دائ ًما �سعداء وجذابني و�أذكياء وناجحني و�إيجابيني .كما �إنّ االبت�سامة ت�صنع الهالة ،مما يجعلنا نك ّون عالقات وروابط مع كل من يقابلوننا باالبت�سام. 7
كتاب في دقائق
�سلوكك وت�أثريك يف بيئة العمل عقدت �إحدى امل�ست�شارات اجتماعني مع اثنني من املديرين يف �شركتني من �أكرب �شركات قائمة جملة “فورت�شن .”500كان �أحدهما مدير بنك ،والثاين مدير جمموعة �إعالمية. ً حمافظا للغاية :حلة �سوداء ،وت�صفيفة �شعر لبا�سا يف لقائها مع مدير البنك ارتدت ً كال�سيكية ،وكيا�سة يف حديثها و�إتزان يف حركاتها .ومل تفاج�أ �أن �سار اجتماعها على نحو جيد لأنّ مظهرها نا�سب ثقافة �إدارة البنك وتوقعاتهم .يف ذات اليوم ،ح�ضرت اجتماع ال�شركة الإعالمية بنف�س الهيئة وت�صرفت بنف�س الطريقة .يف بداية االجتماع الحظت �أنّ مديري ال�شركة كانوا ودودين جتاهها ،ثم تبني لها تدريج ًيا �أنهم كانوا �أي�ضا مت�شككني ومتحفظني جتاه �شخ�صيتها القوية و�سلوكها اجلاد والر�سمي �أكرث مما ينبغي .و�سرعان ما وجدت نف�سها جتاهد لكي تقنعهم ب�أنها تفهم ثقافة �شركتهم التي ت�ضع االنفتاح والب�ساطة والإبداع والتعاون على ر�أ�س �أولوياتهم. كانت ثقافة البنك قوية ور�سمية وحتتاج لإظهار املقدرة ،بينما متتاز ثقافة ال�شركة الإعالمية بالدفء واالنطالق واالبتكار �أكرث من الروتني .لقد فازت مع البنك لأنها �أبرزت املقدرة، وخ�سرت مع �شركة الإعالم لأنها جتاهلت الدفء ،مما �أوحى للمديرين �أنها لن تفهم ثقافتهم ولن ت�ستطيع الغور يف �صميم احتياجاتهم.
اخرتاق دائرة جمهورك كيف تدخل دائرة م�ستمعيك؟ يريد جمهورك دائما معرفة ما �إذا كنت تتعاي�ش معهم على نف�س املوجة الوجدانية التي ي�ست�شعرونها. مفتاح الولوج �إلى هذه الدائرة ب�سيط� :أظهر مل�ستمعيك �أنك ت�شعر بالطريقة ذاتها التي ي�شعرون بها لتمنح م�شاعرهم ما ت�ستطيع من امل�شروعية وامل�صداقية. �إذا كان م�ستمعوك ي�شعرون بالإحباط جتاه م�س�ألة ما وكذلك �أنت، فاظهر لهم �شعورك بالإحباط .و�إذا كان م�ستمعوك ي�شعرون بال�سعادة حيال �أمر ما و�أنت � ً أي�ضا� ،شاركهم الإح�سا�س بال�سعادة. و�إذا كان جمهورك ي�شعر باالرتباك والتناق�ض الوجداين ب�ش�أن م�س�ألة ما ،ف�أظهر لهم �أنك ت�شعر مبا ي�شعرون. عندما ال تتفق مع م�ستمعيك �أو وجدت نف�سك ال ت�شعر بنف�س م�شاعرهم ،ف�إنّ الولوج �إلى الدائرة يكت�سب �أهمية �أكرب ،لكنه لن يكون �سه ًال بكل ت�أكيد .يف هذه احلالة عليك �أن تتوا�صل مع م�ستمعيك وجدان ًيا وفكر ًيا ،حتى على الرغم من اختالفك مع ر�ؤيتهم .فكيف ميكن فعل ذلك؟
�أو ًال :عليك �أن تظهر تعاطفك .حدد �شي ًئا ما ي�شعر به جمهورك وميكنك �أن ت�شعر به � ً أي�ضا ،ثم �أظهر لهم �أنك ت�شعر مثلهم متاما. �إذا كنت ترغب يف �أن يتعامل الآخرون مع وجهة نظرك بجدية فعليك �أن تتعامل مع وجهات نظرهم بنف�س اجلدية. لكن ماذا لو �أنّ الإجابة مل تعجبك؟ وماذا لو �أن امل�ستمعني �أظهروا حدة يف الطبع و�شي ًئا من العناد وكث ًريا من التع�صب...؟ ا�س�أل نف�سك عن الظروف التي جعلتهم ي�شعرون ب�شعور معنيّ� .إذا كان م�ستمعوك ي�ضمرون الكراهية ،فيمكنك �أن تتعاطف مع م�شاعر الإحباط التي دفعتهم لتبني هذه الكراهية .ا�س�أل نف�سك :ماذا لو وجدت نف�سك تعي�ش نف�س الظروف وتعاين نف�س املعاناة! ف�أنت دائما بحاجة لأن تعرب عن ذاتك وتقر ،بل وتعلن �أنك وم�ستمعوك ميكن أعم و�أهم من �شكاوى فعلاً �أن تتفقوا .ما �ستتطلع �إليه� ،سيبقى دائما � ّ م�ستمعيك اخلا�صة – التي تختلف معهم ب�ش�أنها – ولذا عليك دائ ًما �أن تعرب عن امل�شاعر التي وراء ال�شكاوى.
كتاب في دقائق
8
دالالت ا�ستخدام “�أنا” و“نحن” ا�ستخدام ال�ضمريين “�أنا” و“نحن” ينبئنا بالكثري عن املقدرة والدفء .فقد علمتنا اخلربات واحلياة �أنّ الإفراط يف ا�ستخدام ال�ضمري “�أنا” يوحي بالتمركز حول الذات والأنانية ،وهو ما يث ّبت �سمة املقدرة ويلغي �سمة الدفء .وقد يوحي هذا ال�سلوك �أنّ املتكلم يعاين من بع�ض املخاوف التي يحاول �إخفاءها .ويف كل الأحوال ف�إن الإ�سراف يف ا�ستخدام ال�ضمري “�أنا” ال يعبرّ عن الدفء. فر�صا لإبراز �إدراكك وفهمك باملقابل ف�إنّ ا�ستخدام ال�ضمري “نحن” يظهر وع ًيا بالآخرين ،ويوفر ً لأفكارهم وم�شاعرهم .فهذا ي�ساهم يف �إظهار الدفء من خالل نقل الإح�سا�س باالهتمامات وامل�صالح امل�شرتكة .عندما ن�ستخدم “نحن” بهذه الطريقة ف�إننا نفكر فيها باعتبارها “لغة الدائرة”؛ فهي ت�سمح لك بالولوج �إلى الدائرة مع م�ستمعيك من خالل ر�سم الدائرة لت�شملهم وت�شملك معهم. عندما ي�ستخدم قادة امل�ؤ�س�سات ال�ضمري “نحن” وهو ما يفعلونه كث ًريا ،ف�إنهم ي�ستخدمونه للحديث نيابة عن امل�ؤ�س�سة كلها ،وهذا �أ�سلوب قد يخلق ن�أ ًيـا وتباعدً ا عاطف ًيا بد ًال من �أن ي�سد الفجوة؛ فحينما يخرب رئي�س مر�ؤو�سيه“ :نحن بحاجة �إلى �إجناز هذا الأمر” ف�إنّ م�ضمون لهجته الآمرة ينبىء بغياب الدفء والتعاطف .فهم يدركون �أنه ي�أمرهم ،ولن ي�شاركهم العمل مبا�شرة. الأف�ضل �أن يقول�“ :أنتم �ستنجزون هذا العمل مبنتهى الفعالية وال�سرعة ،و�س�أكون دائما م�ستعدً ا لدعمكم وم�ؤازرتكم” فهنا متتزج قدرته بقدرتهم ،ودفئه بدفئهم، وي�شعرون �أنهم فري ًقا واحدً ا ،القائد مثل التابع ،واملدير مثل الأجري.
القيادة عندما نفكر بكيفية اختيار امل�ؤ�س�سات للقيادات ،فغال ًبا ما نكت�شف عدم املوازنة بني املقدرة والدفء .ال مييل من يختارون القادة ب�صورة منطية �إلى االهتمام با�صطفاء ال�شخ�ص القادر على �إجناز املهام فقط؛ فهم ال يرون -على الأرجح � -إال اجلانب امل�شرق يف املوظفني املر�شحني للرتقيات .وغال ًبا ما يتم احلط من �ش�أن �سمة الدفء. �أما �إذا نظرنا �إلى املهارات التي يحتاجها القادة الأكفاء ،ف�سيت�ضح لنا �أنّ الدفء واملقدرة ي�سريان جنبا �إلى جنب يف �شخ�صية كل قائد م�ؤثر. هناك العديد من مناذج القيادة التي يناف�س بع�ضها ً بع�ضا ،ومنها :النموذج التفاو�ضي والتحويلي واملرن والكاريزمي والرئا�سي والأبوي ،وهذه جمرد �أمثلة حمدودة وح�سب .وقد حاول الدكتور “جوزيف ناي” من جامعة هارفارد ت�صنيف املهارات التي تكون القائد ال�شامل� .أجرى م�سحا لكل ت�صنيفات ودرا�سات القيادة م�ستخدما القيادة الرئا�سية كنموذج ،فخرج بتوليفة القائد ال�شامل التي �شملت القدرات التالية: “ناي” ً التوا�صل الذكاء العاطفي املهارات ال�سيا�سية �أو املكيافيلية
املهارات التنظيمية الر�ؤية الذكاء املرتبط بال�سياق (القيادة املوقفية)
الذكاء العاطفي مي ّكن القادة من فهم �أنف�سهم والآخرين بطريقة ت�سمح لهم بحفز النا�س على العطاء والفعل .وقد الحظ “جوزيف ناي” �أنّ الذكاء العاطفي ي�شمل :ت�صعيد الذات (التحكم واملقدرة) ،والو�صول �إلى الآخر (الدفء). التوا�صل يظهر املقدرة والدفء م ًعا .وتعد مهارة التوا�صل الفعال �سمة ملقدرة القائد وحتكمه ،بينما تعد القدرة على التوا�صل مع املر�ؤو�سني ممار�سة لعن�صر الدفء. الر�ؤية هي منظور القائد الذي ي�صف احلا�ضر وي�صوغ فكره ب�ش�أن كيفية الو�صول مل�ستقبل �أف�ضل .فالقدرة على ابتداع ر�ؤية مقنعة تعد و�سيلة قوية لت�أ�سي�س �شعور بوجود م�صالح واهتمامات م�شرتكة مما يقوي عن�صر الدفء. املهارات التنظيمية ت�سمح للقادة بفهم وت�صميم وتنفيذ النظم التي توجه املوارد املطلوبة للحفاظ على �سري العمل بفاعلية وكفاءة .ويتج ّلى �أثر امتالك املهارات التنظيمية املمتازة يف �إبراز عن�صر املقدرة. 9
كتاب في دقائق
املهارات ال�سيا�سية املكيافيلية تكون �أعلى جتليات املقدرة التي ميكن حتديدها ب�سهولة� .إ ّنها القدرة على تقييم الآخرين والتعامل مع ما يطلق عليه “جوزيف ناي” مواقف “القوة اخل�شنة” التي تتطلب �إما الرتغيب و�إما الرتهيب؛ �أي ا�ستخدام اجلزرة والع�صا جنبا �إلى جنب.
الذكاء املوقفي (املرتبط بال�سياق) ويعني القدرة على قراءة املوقف وحتديد املقاربة املالئمة للتحدي الذي يفر�ضه .وكما �أو�ضح الربوفي�سور “ناي” فكل موقف يتطلب اال�ستعداد للتعامل مع ثقافة امل�ؤ�س�سة (الدفء) ،و�سيا�سات القوة (املقدرة) ،واحتياجات �أع�ضاء امل�ؤ�س�سة (الدفء) ،والفي�ض املعلوماتي وكرثة اخليارات والبدائل املتاحة (املقدرة).
هذه املهارات جميعها �ضرورية للتعامل مع حتديات القيادة ،على الرغم من �أنّ الثقل الن�سبي لكل واحدة من هذه املهارات ومدى �أهميتها هما �أمران يعتمدان على ال�سياق.
املقدرة والدفء وحاالت التناغم ال الت�صادم إح�سا�سا بالإنتماء .الت�س ّيد والإنتماء املقدرة والدفء طاقات ،وقوى حياتية �أ�سا�سية .املقدرة متنحنا �شعو ًرا بالت�س ّيد� ،أما الدفء في�سبغ علينا � ً هما الو�سيلتان اللتان نتمكن بهما من التحكم يف م�شاعر القلق البدائية لدينا ،وعندما ي�سعدنا احلظ ف�إننا ن�ست�شعر الإثارة التي تنطوي عليها احلياة .املقدرة متكن الدفء ،وتعطيه م�ساحة �أرحب .ذوو املقدرة فقط ،يدافعون عن ر�ؤاهم ،وذوو املقدرة والدفء يدافعون عن م�شاعر الآخرين وعن ر�ؤاهم .والدفء � ً أي�ضا ميكن املقدرة ،فيداوي جراحنا ومينحنا هد ًفا يجعلنا �أقوياء .لكل من املقدرة والدفء فوائدهما اخلا�صة ،ولكن حينما يتناغمان وين�سجمان ،ف�إنّ احلياة كلها ت�ستقيم وت�صبح لها � ً أي�ضا نكهتها اخلا�صة. هذا ما يحدث عندما متتزج العنا�صر بع�ضها ببع�ض .فالأمر �أكرب من كونك ال تخ�شى ظلك ،و�أكرب من جمرد �إتقان مهارات تواجه بها احلياة. هو �أكرب لأنه ي�صنع حياة من نوع خا�ص؛ بل ي�صنع حيوات لها نكهاتها وغاياتها .فالأمر يتعلق بالإنخراط وجدان ًيا يف اللحظة ،من خالل �إدراك �أقوالك ،والإح�سا�س ب�أفعالك التي تعرب عن مقدرتك ودفئك .يف تلك اللحظات ت�شعر ب�أنك قوي ومت�صل ح ًقا بالعامل وبالآخر .وهذا هو ما يجعلك مقن ًعا �أمام الآخرين ،لأنك حتما �ستكون مقن ًعا �أمام نف�سك. المؤلفان: “جون نيفينجر” و “ماثيو كوهوت” شريكان في شركة “كيه إن بي لإلتصاالت” اإلستشارية ،وهي شركة متخصصة في فنون العرض والتقديم والتدريب واستراتيجيات اإلتصال .ويدرس المؤلفان الشريكان ً أيضا في كلية هارفارد لألعمال.
كتب مشابهة: 1. Influence The Psychology of Persuasion. By Robert Cialdini. 2006 التأثير وسيكولوجية اإلقناع .تأليف :روبرت سيالديني2006 . 2. Letters from Leaders Personal Advice for Tomorrow’s Leaders from the World’s Most Influential People. By Henry O. Dormann. 2009 رسائل القادة :نصائح شخصية للقيادات المستقبلية من أكثر الشخصيات العالمية تأثيرا .تأليف :هنري دورمان2009 . 3. Getting to Yes Negotiating Agreement Without Giving In. By Roger Fisher. 2011 الحصول على “نعم” :مفاوضات بال تنازالت .تأليف :روجر فيشر2011 . كتاب في دقائق
10
“احلقيقة الب�سيطة هي �أنك �إذا �أردت �أن حتوز الإعجاب وتقود ،فعليك �أن تكون حمبو ًبا .و�إذا �أردت �أن تكون حمبو ًبا، فعليك �أن حتب النا�س بال �شروط”
“جون نيفينجر” و“ماثيو كوهوت”