006 جيل التطبيقات الإلكترونية

Page 1


‫ٍ‬ ‫ثـــــوان‪...‬‬ ‫فـي‬ ‫“�أحب �أن �أتعلم‪ ،‬و�أقر�أ الكثري من ملخ�صات الكتب‪ ،‬و�أحب‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا قراءة كتب التاريخ‪ .‬التعلم والقيادة هما مقدمة‬ ‫ونتيجة‪ ،‬وال ميكن ف�صل املقدمة عن النتيجة”‪ .‬تغريدة‬ ‫�أطلقها �سيدي �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل‬ ‫معان‬ ‫مكتوم “رعاه اهلل”‪ ،‬كلمات قليلة حملت بني �سطورها ٍ‬ ‫عميقة ونهج ًا معرفي ًا تر�سخ منذ القدم على �شكل ملخ�صات‬ ‫زخرت بها مكتبات العرب و�ساهمت يف ن�شر العلم واملعرفة‬ ‫�آنذاك‪ .‬لقد �ألهمت هذه الكلمات م�ؤ�س�ستنا ور�سمت اخلطى‬ ‫ملبادرة “كتاب يف دقائق” التي اطلقتها م�ؤ�س�سة حممد بن‬ ‫را�شد �آل مكتوم م�ؤخر ًا لت�سهم يف ن�شر الإبداعات العاملية يف‬ ‫�شتى جماالت العلوم واملعرفة وبلغتنا العربية الأ�صيلة‬ ‫لأننا نعي�ش ع�صر ًا تتعاظم فيه م�س�ؤوليات الأفراد وتتزايد‬ ‫فيه ان�شغاالتهم وتتناق�ص فيه معدالت اهتمامهم بالقراءة‬ ‫واالطالع‪ ،‬جاءت هذه املبادرة لتواكب منط هذا الزمن‬ ‫وتن�شر املعرفة ملن ي�سعون �إليها وال ميتلكون الوقت الكايف لها‪،‬‬ ‫وذلك من خالل طرح ملخ�صات تقدم ب�شكل �أنيق وممتع‬ ‫موجز ًا �سريع ًا ملختلف �أنواع الكتب التي مل ترتجم بعد يف‬ ‫خمتلف املجاالت احليوية الهامة‪.‬‬ ‫لقد ر�أينا �أن نركز كل �شهر على تلخي�ص موا�ضيع متنوعة‬ ‫يف الطاقة الإيجابية‪ ،‬وفنون القيادة ودرو�سها‪� ،‬إ�ضافة �إلى‬ ‫موا�ضيع �شيقة تتمحور حول الأ�سرة واملجتمع والتاريخ‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�شهر فقد اخرتنا لكم ثالثة كتب متميزه نتطلع‬ ‫من خاللها �إلى تلبية بع�ض �أهداف امل�شروع؛ وهي‪ :‬كتاب‬ ‫امل�ؤثرون‪ :‬ال�سمات اخلفية التي ت�صنع ال�شخ�صية املقنعة‬ ‫والقوية‪ ،‬من ت�أليف‪ :‬جون نيفينجر وماثيو كوهوت‪ ،‬وي�ساعد‬ ‫باحلكم على �شخ�صيات الآخرين‪ ،‬كتاب انطلق‪ :‬كيف‬ ‫نتدفق مع احلياة ونن�ساب معها كاملياه من ت�أليف‪ :‬ميهايل‬ ‫�شيكزنتميهايل ويعطي منظور ًا جديد ًا لل�سعادة‪ ،‬و�أخري ًا كتاب‬ ‫جيل التطبيقات الإلكرتونية‪ :‬كيف يحقق ال�شباب ذواتهم‬ ‫ورغباتهم وخياالتهم يف الع�صر الرقمي من ت�أليف‪ :‬هوارد‬ ‫جاردنر وكاتي ديفيز والذي يحاكي العالقة بني جيلني عا�ش‬ ‫�أحدهما قبل التطور وعا�صره و�آخر ن�ش�أ فيه واندمج معه‪.‬‬ ‫جمال بن حويرب ‬

‫الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫حوار ف ّعال بني ثالثة �أجيال‬ ‫دار حوار بني امل�ؤلفني اللذين ينتمي �أحدهما �إلى جيل ما قبل الإنرتنت‪،‬‬ ‫وينتمي الثاين �إلى جيل الإنرتنت من ناحية‪ ،‬وبني طالبة يف املدر�سة‬ ‫الثانوية تنتمي �إلى جيل التطبيقات الرقمية‪� ،‬أو جيل ما بعد الإنرتنت‬ ‫من ناحية �أخرى‪ .‬كان احلوار جز ًءا جتريب ًيا وعمل ًيا من درا�سة وا�سعة‬ ‫الكت�شاف الدور الذي تلعبه التكنولوجيا يف حياة ال�شباب الذين �صاروا‬ ‫يعرفون با�سم “املواطنني الرقميني”‪ ،‬لأنهم بد�أوا ي�شبون عن الطوق وهم‬ ‫غارقون بني الأجهزة الذكية وفوق برامج وتطبيقات الع�صر الرقمي‪.‬‬ ‫يعترب “هوارد جاردنر” امل�ؤلف الرئي�س‪“ ،‬مهاج ًرا رقم ًيا” مبفهوم‬ ‫متاما عن عامل تطبيقات اجليل‬ ‫هذا امل�صطلح املراوغ الذي يعني البعد ً‬ ‫اجلديد من احلا�سبات والأجهزة الذكية‪ .‬وعندما كانت امل�ؤلفة امل�ساعدة‬ ‫“كاتي ديفي�س” يف املرحلة الثانوية مل يكن يف منزل والديها �سوى حمطة‬ ‫تلفزيون واحدة‪ .‬وبالتايل ف�إنّ الع�صر الرقمي قد حلقها ومل ي�سبقها‪.‬‬ ‫فهي �إذن مواطنة “�شبه رقمية‪� ”.‬أما طالبة املدر�سة الثانوية التي �شاركت‬ ‫يف احلوار فال تتذكر حلظة واحدة من حياتها �أم�ضتها بدون �أجهزة‬ ‫كمبيوتر مكتبية �أو حممولة �أو هواتف ذكية �أو �إنرتنت‪ .‬فهي “مواطنة‬


‫رقمية” منوذجية �أم�ضت كل حياتها وهي حتمل هات ًفا ذك ًيا‪ ،‬متنقلة بني‬ ‫في�سبوك وتويرت وغريهما من جمتمعات ال�شبكات االجتماعية‪ .‬وهكذا‬ ‫ف�إن هذا احلوار بني الأجيال قد �ساعد على �إجراء مقارنات بني ثالثة‬ ‫عالقات خمتلفة اختال ًفا جذر ًيا بالتكنولوجيا ال�شائعة بني ظهرانينا‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫وقد متخ�ض احلوار عن تعميق فهمنا لثالثة مو�ضوعات رئي�سية هي‪:‬‬ ‫‪� u‬شعور الإن�سان بذاته وهويته ال�شخ�صية؛‬ ‫‪ u‬عالقات الإن�سان احلميمة بالآخرين وت�أثريها يف نزعاته ورغباته؛‬ ‫‪ u‬وكيف نحلق بخيالنا بعيدا عن الواقع لنفعل قوانا الإبداعية‬ ‫اخلالقة عمل ًّي�أ على �أر�ض الواقع‪.‬‬ ‫من امل�ؤكد �أنّ طبيعة الب�شر مل تتغري ب�شكل جذري على مدار التاريخ‪،‬‬ ‫وقط ًعا مل تتغيرّ بعد ظهور الإنرتنت‪ .‬ولكننا نزعم �أنّ هويتنا (�أي من‬ ‫نكون) وعالقاتنا احلميمة (كيف نحب ونتعامل بع�ضنا مع بع�ض)‬ ‫نت�صور امل�ستقبل ون�صنعه ونبتكره)‪ ،‬هذه العنا�صر‬ ‫وخيالنا (كيف ّ‬ ‫الثالثة قد خ�ضعت لعملية �إعادة ت�شكيل يف العقدين الأخريين ب�سبب‬ ‫ت�أثري التكنولوجيا عموما‪ ،‬والتطبيقات الرقمية على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬

‫التطبيقات‬ ‫“التطبيق” ‪ app‬عبارة عن برنامج يتم ت�صميمه يف الغالب ليعمل على جهاز حممول ي�سمح للم�ستخدم‬ ‫بتنفيذ عملية واحدة �أو �أكرث‪ .‬ميكن �أن تكون التطبيقات �ض ّيقة �أو وا�سعة‪ ،‬ب�سيطة �أو مركبة‪� ،‬صغرية �أو كبرية‪،‬‬ ‫�شخ�صا �أو منظمة‪ .‬ولذا ميكن اعتبار‬ ‫امل�صمم �سواء كان‬ ‫ولكنها تخ�ضع دائما لعملية حت ّكم �صارم من ِق َبل‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫التطبيقات مواقع �إنرتنت موجزة‪� ،‬أو اخت�صارات مربجمة لت�أخذنا �إلى ما نبحث عنه مبا�شرة دون عناء‪ ،‬ودون‬ ‫�شخ�صا تقليد ًيا وال ت�ستخدم‬ ‫احلاجة �إلى البحث على الإنرتنت �أو على �شريحة الذاكرة اخلا�صة بك �إذا كنت‬ ‫ً‬ ‫�أحدث معطيات التكنولوجيا‪ .‬فالتطبيقات مواقع خمت�صرة ومربجمة لتعطينا ما نريد دون �أن نطلب‪.‬‬

‫جيل التطبيقات‬ ‫مل ينغم�س �شباب اليوم يف التطبيقات فح�سب‪ ،‬بل �إنهم يفكرون يف العامل كمجموعة متكاملة من التطبيقات‪ ،‬فريون حياتهم �سل�سلة من‬ ‫التطبيقات املطلوبة واملرغوبة‪� ،‬أو ك�أنها تطبيق واحد متوا�صل وممتد من املهد �إلى اللحد‪ .‬لقد و�صفنا هذا التطبيق ال�شامل بـ “التطبيق‬ ‫الفائق” ‪ .)super-app‬فالتطبيقات وجدت لتل ّبي كل ما يرغب فيه الإن�سان؛ ف�إذا حدث وكان التطبيق‬ ‫املرغوب واملطلوب غري موجود‪ ،‬فينبغي ت�صميمه على الفور من ِق َبل �شخ�ص ما (رمبا من يطلبه هو نف�سه)‪.‬‬ ‫تت�سم التطبيقات بالأهمية �إذا كانت تُعنى بالأ�شياء العادية وبالتايل حتررنا ال�ستك�شاف م�سارات‬ ‫جديدة وتكوين عالقات �أكرث عم ًقا والت�أمل يف �أكرب �أ�سرار احلياة وت�شكيل هوية فريدة وذات مغزى‪.‬‬ ‫ولكن �إذا كانت التطبيقات ال تعمل �إال على حتويلنا �إلى جمموعة من الب�شر الك�سالى الأكرث مهارة‬ ‫الذين ال يف ّكرون من �أجل م�صلحتنا �أو يطرحون �أ�سئلة جديدة �أو يط ّورون عالقات هامة �أو ي�ش ّكلون‬ ‫ونا�ضجا ودائم التطور‪ ،‬ف�إ ّنها مت ّهد الطريق نحو العبودية من الناحية النف�سية‪.‬‬ ‫�شعو ًرا ذات ًيا مالئ ًما‬ ‫ً‬ ‫وبالن�سبة للكلمات امل�ستحدَ ثة‪ ،‬ف�إنّ التطبيقات التي ت�سمح لنا �أو ت�شجعنا على متابعة �إمكانات جديدة‬ ‫هي تطبيقات ت�ساعدنا ومتكننا‪ ،‬وعلى النقي�ض من ذلك‪ ،‬عندما ن�سمح للتطبيقات ب�أن تقيد �إجراءاتنا‬ ‫واختياراتنا و�أهدافنا �أو حتددها‪ ،‬ف�إن ّنا ن�صبح عبيدا لتلك التطبيقات و تابعني لها‪.‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪2‬‬


‫التطبيقات وت�أثرياتها الثالثة‬ ‫ال ُهو ّية وحتقيق الذات‪ :‬ميكن للتطبيقات �أن تعوق ت�شكيل ال ُهو ّية بحيث تدفعك �إلى �أن تكون ال�صورة الرمزية �أو ال�صورة املن�سوخة‬ ‫من �أو عن �شخ�ص �آخر؛ (�أي �صورة والديك �أو �أحد �أ�صدقائك �أو �صورة من �إنتاج �أحد مبتكري التطبيقات) – �أو ميكنها‪ ،‬من خالل �إعطاء‬ ‫�أولوية خليارات خمتلفة‪� ،‬أن ت�سمح لك بالتعامل مع م�س�ألة ت�شكيل ال ُهو ّية ب�صورة مت�أنية و�شاملة ومدرو�سة‪ .‬وقد ينتهي بك الأمر مع هُ و ّية �أقوى‬ ‫و�أكرث ت�أث ًريا‪� ،‬أو قد ت�ست�سلم لهوية جاهزة �أو ارتباك ال نهائي يف اختيار الهوية‪ ،‬فتعجز من ّثم عن �أن تكون �أنت‪.‬‬ ‫العالقات الإن�سانية و�إدارة التوا�صل‪ :‬ميكن للتطبيقات �أن مت ّهد الطريق للعالقات‬ ‫ال�سطحية‪ ،‬وتث ّبط التفاعالت واملقابالت ال�شخ�صية‪ ،‬وت�ؤكد �أنّ جميع العالقات الإن�سانية ميكن‬ ‫ت�صنيفها �إن مل يكن حتديدها �سل ًفا ‪� -‬أو ميكن من ناحية �أخرى �أن تفتح لك التطبيقات عاملًا‬ ‫�أو�سع بكثري‪ ،‬وتوفر لك �سبلاً جديد ًة لالرتباط بالنا�س‪ ،‬يف حني �أنها لن متنعك من �إغالق‬ ‫�أجهزتك عند ال�ضرورة ‪ -‬وهذا ي�ضعك مو�ضع امل�س�ؤولية عن التطبيقات ولي�س العك�س‪ .‬وقد‬ ‫ينتهي بك الأمر �إلى �إقامة عالقات �أعمق و�أطول �أمدً ا مع الآخرين‪� ،‬أو عالقة �سطحية و�سريعة‪،‬‬ ‫قد تكون �إيجابية �أو �سلبية‪� ،‬أو اجتماعية و�إن�سانية‪ ،‬وقد تكون �سادية وانعزالية‪� ،‬أو �ضعيفة‬ ‫�أو قوية‪ ،‬هادفة ونبيلة �أو نفعية‪ .‬املهم �أن كل هذا يعتمد على اختياراتك من التطبيقات‪،‬‬ ‫وقراراتك ب�ش�أن تلك العالقات التي تتحكم فيها بطرف واحد فقط‪ ،‬هو طرفك �أنت‪.‬‬ ‫اخليال و�إدارة الواقع‪ :‬ميكن للتطبيقات �أن جتعلك اً‬ ‫ك�سول‪ ،‬و�أن تث ّبط همتك‬ ‫وحترمك من تطوير مهارات جديدة‪ ،‬وتوقعك يف التقليد والت�شبه‪� ،‬أو �إجراء تعديالت �ضئيلة‬ ‫ال تقدم وال ت�ؤخر‪ .‬وميكنها �أن تفتح لك �آفاق ًا وعوامل جديدة كاملة للتخيل والإبداع والإنتاج‬ ‫و�إعادة التوليف والت�أليف‪ ،‬مما قد ي�ساعدك على تكوين هويات جديدة و�إنتاج �أ�شكال ثرية من‬ ‫العالقات واالبتكارات‪.‬‬

‫الهوية ال�شخ�صية يف ع�صر التطبيقات‬

‫كيف تت�شكل هويات ال�شباب ويتم التعبري عنها يف ع�صر التطبيقات؟‬ ‫هل هي خمتلفة ب�شكل تام �أم �سطحي؟‬ ‫تناولنا هذه الأ�سئلة بعدة طرق‪ ،‬مبا يف ذلك عرب �إجراء مقابالت وحوارات مو�سعة مع معلمني خم�ضرمني‪ .‬واكت�شفنا �أنّ‬ ‫هويات ال�شباب تتحول مع الزمن �إلى حزمة �أو �أيقونة متاثل �أو تندمج مع ا�سم �أو رمز التطبيق نف�سه‪ .‬ومبعنى �آخر‪،‬‬ ‫يتم تطويرها وطرحها بحيث تنقل �صورة معينة مرغوبة – ومتفائلة ب�صرامة يف واقع الأمر – لل�شخ�ص املعني‪ .‬تعبئة‬ ‫الهوية �أو �سجنها يف حزمة ويف �إطار متكرر ي�ؤدي �إلى تقليل الرتكيز على احلياة الداخلية وال�صراعات ال�شخ�صية وعلى التفكري‬ ‫الهادئ والتخطيط ال�شخ�صي‪ .‬وكلما اقرتب ال�شاب من الن�ضج‪ ،‬ف�إنّ و�ضع الهوية يف حزمة ي�شجع على املغامرة والتعر�ض‬ ‫للمخاطر‪ .‬وب�صفة عامة‪ ،‬ف�إنّ احلياة يف جمتمع غارق بالتطبيقات يعطينا العديد من ال�سمات ال�صغرية املجمعة واملتناق�ضة‪،‬‬ ‫ويغل ّفها وي�شكلها ويقدمها معب�أة بال�شخ�صية التي تبدو يف الظاهر حزمة واحدة �أو هوية واحدة‪ ،‬مع �أنها �شتات متناق�ض‪.‬‬

‫الذات املج ّمعة واملغلفّة‬ ‫يرى امل�شاركون يف جمموعات احلوار والرتكيز �أنّ هويات جيل‬ ‫التطبيقات موجهة خارج ًيا ب�صورة �أكرب من هويات �شباب ما قبل‬ ‫و�سائل الإعالم الرقمية‪ .‬بالن�سبة لل�شباب الأثرياء‪ ،‬ف�إنهم يركزون‬ ‫ب�صورة �أكرب على تقدمي ذوات مغلفة وم�صقولة وملمعة من �ش�أنها‬ ‫�أن حتظى بالقبول لدى مكاتب القبول يف اجلامعات ولدى �أرباب‬ ‫العمل‪ .‬ويبدو �أنهم يعتربون �أنف�سهم على نحو متزايد كائنات لها‬ ‫‪3‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫كم ًّيا بالن�سبة للآخرين مثل‪ :‬درجات اختبارات‬ ‫قيمة ميكن قيا�سها ِّ‬ ‫�سات ‪� ،SAT‬أو املتو�سط الرتاكمي للدرجات ‪� ،GPA‬أو جمموعة‬ ‫من الر�سائل املتعلقة مبنتخبات اجلامعات‪� ،‬أو جوائز‪� ،‬أو �شهادات‬ ‫اخلدمة املجتمعية‪� ،‬أو غريها من اجلوائز‪ .‬وهكذا يقا�س الإن�سان‬ ‫ويقولب رقم ًيا وي ّعرب عن نف�سه‪ ،‬وينتمي �إلى جماعات مت�آلفة ومت�شابهة‬ ‫من اخلارج‪ ،‬تركز على املظهر �أكرث من اجلوهر‪.‬‬


‫يتوجه مثل هذا الإدراك �إلى حتقيق �أكرب ا�ستفادة �سريعة بحيث‬ ‫تقا�س قيمة املرء بالنجاح الأكادميي واملهني فقط‪ .‬يقول �أحد‬ ‫امل�شاركني يف جمموعات تركيز‪“ :‬عندما ُي�س�أل ال�شباب عن �آمالهم‪،‬‬ ‫ف�إنهم يعطون �إجابات واقعية وعملية قابلة للتحقيق تقع يف الوقت‬ ‫احلايل �أو امل�ستقبل القريب مثل “وظيفة جيدة” ب�صورة �أكرب مما‬

‫كان عليه احلال لدى ال�شباب الذين ينتمون لأجيال �سابقة‪ ”.‬وخالل‬ ‫حديثنا مع �أخ�صائيي العالج النف�سي‪� ،‬أعلن �أحد امل�شاركني �إنّ العديد‬ ‫من �شباب اليوم يعانون من “وهم التخطيط”؛ �أي �أنهم يتوهمون‬ ‫�أنّ و�ضع اخلطط يكفي للنجاح‪ ،‬فيتوقفون على احلد الفا�صل بني‬ ‫التخطيط والتطبيق‪.‬‬

‫وهم التخطيط‬ ‫وهم التخطيط هو الإميان اخلاطىء �أو االعتقاد الواهم ب�أنك �إذا ما قمت بو�ضع خطط‬ ‫دقيقة وعملية‪ ،‬فلن يقف يف طريق جناحك �أي عقبات �أو حتديات م�ستقبلية‪.‬‬ ‫تقوم و�سائل الإعالم الرقمية مبنح ال�شباب الوقت والأدوات الالزمة ل�صياغة هوية‬ ‫جذابة من اخلارج‪ ،‬ف�ض ًال عن اجلمهور الذي يرى تلك الهويات ويتجاوب معها‪ .‬ي�ؤكد‬ ‫(الفي�سبوك) وغريه من مواقع ال�شبكات االجتماعية على تقدمي الذات من خالل‬ ‫تركيز هذه املواقع على ملفات التعريف الفردية للم�ستخدمني‪ .‬ويتم ا�ستخدام العنا�صر‬ ‫القيا�سية مللف تعريف امل�ستخدم على (الفي�سبوك) – مثل قائمة �أ�صدقائه وملف تعريفه والقوائم التي تت�ضمن �أذواقه واهتماماته ال�شخ�صية‬ ‫– لتعبئة الذات لال�ستهالك العام‪� .‬أي تتحول الهوية �إلى عالمة جتارية و�سلعة مادية‪.‬‬ ‫ويربز االجتاه نحو التقدم التدريجي على الطريق امل�ؤدي �إلى النجاح‪ ،‬حيث يظهر �أحيانا بع�ض ال�شباب العملي والرباجماتي يركز فقط على‬ ‫حياته املهنية ويت�سم مبزيد من الواقعية بحيث يتجه نحو التعامل مع امل�شكالت وال يت�ش ّبث بالت�صورات الأيديولوجية كث ًريا‪.‬‬

‫ال وقت “للذات”‬

‫الرتكيز على الفعل �أكرث من العي�ش‬ ‫تهدف التطبيقات وكل منتجات التكنولوجيا �إلى ت�سريع الإنتاج وتوفري الوقت من �أجل الت�أمل‬ ‫العفوي ولكن – ويا للمفارقة – يبدو �أنها �أعطت ت�أث ًريا عك�س ًّيا‪ .‬فقد تال�شت اللحظات التي‬ ‫كنا نقعد فيها مبفردنا مع �أفكارنا �سواء كنا ننتظر موعدً ا يف مكتب الطبيب �أو ننتقل �إلى‬ ‫عملنا يف القطار �أو املرتو‪ ،‬وح َّل حملها اال�ستماع الق�سري للمو�سيقى �أو �إر�سال الر�سائل‬ ‫الن�صية �أو ممار�سة الألعاب على �أجهزتنا الرقمية‪ .‬وكث ًريا ما نفعل كل تلك الأ�شياء يف‬ ‫وقت واحد‪ .‬فنكتب تغريداتنا حول الأحداث يف وقت تعر�ضنا لها‪ ،‬ونرد على ر�سالة بريدية‬ ‫لأحد الأ�شخا�ص ونحن نتحدث �إلى �آخر‪ ،‬ون�شارك يف كتابة عدة ر�سائل وحوارات ن�صية‬ ‫فورية يف الوقت نف�سه‪ ،‬وهي عادة �شائعة بني ال�شباب‪ .‬ومبعنى �آخر‪ ،‬ف�إننا نركز على الفعل‬ ‫�أكرث من العي�ش‪ .‬فنظ ًرا �إلى ميل ال�شباب �إلى االت�صال الظاهري الثابت مع الآخرين‪ ،‬ف�إنهم‬ ‫ال مينحون �أنف�سهم الوقت واملكان ملعرفة �أفكارهم ورغباتهم؛ وبالتايل فهم “مع ّر�ضون‬ ‫للخطر” ب�سبب افتقارهم للمعرفة بالذات‪ .‬فهم يعرفون التطبيقات وال يعرفون �أنف�سهم‪.‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫‪4‬‬


‫التطبيقات والعالقات احلميمة‬ ‫متاما عن نظرائهم يف مرحلة ما‬ ‫يتوا�صل �شباب اليوم بطرق تختلف ً‬ ‫قبل و�سائل الإعالم الرقمية‪ .‬فنظ ًرا لقدرتها على تخطي احلواجز‬ ‫اجلغرافية والزمنية‪ ،‬ف�إنّ الهواتف اخللوية املت�صلة بالإنرتنت‬ ‫والكمبيوترات اللوحية واملحمولة – كلها ُم�س ّلحة برت�سانة من‬ ‫التطبيقات ال�صاحلة جلميع املنا�سبات – قد غيرّ ت ما ميكن �أن‬ ‫ُيقال و�أين وملن وكيف يقال‪ .‬ولعل التغيري الأبرز هو ثبات و�سرعة‬ ‫االت�صاالت التي �أ�صبحت ممكنة بف�ضل تكنولوجيا الهاتف املحمول‪.‬‬ ‫فما الذي يقوله املراهقون عرب تطبيقاتهم وملن؟‬ ‫يخ�ص�ص املراهقون جز ًءا كب ًريا من ات�صاالتهم على الكمبيوتر‬ ‫لإجراء (و�أحيانا لإلغاء) ترتيبات �سريعة تتعلق بلقاء الأ�صدقاء وج ًها‬ ‫لوجه‪ .‬يف �إحدى درا�ساتنا‪� ،‬س�ألنا املراهقني ما �أكرب �شيء �سيفتقدونه‬ ‫�إذا حرموا من الهاتف اخللوي‪� .‬أجابت �إحدى املراهقات وعمرها �ستة‬ ‫عاما قائلة‪“ :‬ي�ساعدنا الهاتف اخللوي على و�ضع خطط تتعلق‬ ‫ع�شرة ً‬

‫باختيار �أماكن الرحالت وال�سفروالتنزه حيث ال ن�ضع �أنا و�أ�صدقائي‬ ‫ً‬ ‫خططا باملعنى احلقيقي للكلمة‪� .‬إننا نتنزه فح�سب”‪.‬‬ ‫هذه العقلية التي تفكر وتعي�ش عرب التطبيقات تعزز االعتقاد‬ ‫ب�أنه ما دام ميكننا الو�صول �إلى املعلومات وال�سلع واخلدمات على‬ ‫الفور‪ ،‬ف�إنه ميكننا �إدارة عالقاتنا مع كل النا�س بنف�س الن�سق‪.‬‬ ‫لقد �أطلق الباحثون يف جمال ات�صاالت املحمول على هذا ال�سلوك‬ ‫ا�سم “التن�سيق الدقيق” للتخطيط الفوري‪ ،‬والحظوا �أنه ميكن �أن‬ ‫ينزلق نحو “تن�سيق مفرط” عندما يبد�أ املراهقون يف التفكري ب�أنهم‬ ‫م�ستب َعدون من الأو�ساط االجتماعية �إذا ما مت �إبعادهم عن �أجهزتهم‬ ‫املحمولة لأي فرتة من الوقت‪ .‬فاملراهق الذي ال يقر�أ �آخر “حدث”‬ ‫�أو مل ت�صله �آخر “ر�سالة ن�صية” فال يح�ضر لقاء الأ�صدقاء‪� ،‬سيعترب‬ ‫ً‬ ‫منبوذا �أو غري مرغوب فيه‪ ،‬ملجرد �أنّ التكنولوجيا مل متكنه‬ ‫نف�سه‬ ‫من امل�شاركة‪.‬‬

‫يف العالقات الإن�سانية‪ :‬اختالف النوعية ال يعني الأف�ضلية‬ ‫و�ضوحا هو ما �إذا كان هذا التغيرّ يف كيفية‬ ‫عاما‪ .‬والأقل‬ ‫متاما عما كانت عليه قبل ع�شرين ً‬ ‫قد تبدو التفاعالت االجتماعية ل�شباب اليوم خمتلفة ً‬ ‫ً‬ ‫�إقامة عالقات قد ّ‬ ‫حتول �إلى تغيرّ يف نوعية هذه العالقات‪ .‬هل ال�شبكات االجتماعية ل�شباب اليوم �أكرب �أم �أ�صغر؟ هل هي �أعمق �أم هي �سطحية‬ ‫و�ضحلة مما كانت عليه يف مرحلة ما قبل و�سائل الإعالم الرقمية؟ هل العالقات ال�شخ�صية �أكرث �أو �أقل �أ�صال ًة وتالح ًما ووفا ًء؟‬ ‫عندما نحاول الإجابة نتذكر منوذج املحلل النف�سي الدكتور “�إريك �إريك�سون”‪ .‬يتعامل هذا النموذج للتنمية الب�شرية والعالقات الإن�سانية‬ ‫مع تكوين العالقات العميقة طويلة الأمد مع الآخرين باعتباره �سلو ًكا �ضرور ًيا وحمور ًيا ملرحلة التكوين وال�شباب وت�شكيل ال�شخ�صية؛ ويف ظل‬ ‫غيابها‪ ،‬ت�سود م�شاعر ال�شعور بالعزلة وانقطاع العالقات وانف�صامها‪ .‬يف احلالة الأخرية‪ ،‬تزيد �صعوبة التعامل مع التحديات الالحقة يف احلياة‬ ‫مثل تربية الأ�سرة واالنطالق يف حياة عملية ناجحة‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫كتاب في دقائق‬


‫من االت�صال �إلى العزلة‬ ‫العالقة بني العزلة االجتماعية وو�سائل الإعالم االجتماعي لي�ست‬ ‫وا�ضحة‪ .‬يف الواقع‪ ،‬يبدو هذا غري بديهي‪ .‬كيف ميكن �أن تكون‬ ‫التكنولوجيا التي ُ�ص ّممت لربط النا�س هي يف نف�س الوقت الأداة التي‬ ‫جتعلهم ي�شعرون بندرة التوا�صل؟ وكيف ي�ؤدي االت�صال �إلى انف�صال!؟‬ ‫لفهم هذه املفارقة الوا�ضحة‪ ،‬دعونا ننظر يف خربات ال�شابة �أو‬ ‫الطالبة املدر�سية التي حاورنها مع الفي�سبوك‪ .‬فخالل درا�ستها‬ ‫يف املرحلة الثانوية‪ ،‬قررت هذه الفتاة �أن تقوم بتعطيل ح�سابها‬ ‫ال�شخ�صي على الفي�سبوك‪ .‬لقد انتابها ال�سخط من �شعورها بالوقوع‬ ‫حتت �ضغط مالحقة الن�شاط امل�ستمر لأقرانها على الفي�سبوك‪.‬‬ ‫“بامتالك ح�ساب على الفي�سبوك‪ ،‬ت�شعر ب�أن عليك �أن تدخل �إليه‬ ‫�أو �ستفقد �شي ًئا ما‪� ،‬أو �إذا ما كتب �أحدهم على �صفحتك فلي�س من‬ ‫حقك �أن تنتظر يومني �أو ثالثة �أيام حتى ترد‪ .‬بل ت�شعر ب�أنه يتحتم‬ ‫عليك املتابعة با�ستمرار”‪ .‬دفع ا�ستعرا�ض �صفحات الفي�سبوك‬ ‫�أي�ضا �إلى �شعور تلك الفتاة ب�أنها “لي�ست جز ًءا منه” وذلك عندما‬ ‫�شاهدت زمالء الدرا�سة وهم ي�ضعون الأ�سماء والتعليقات على‬ ‫�صور بع�ضهم ً‬ ‫بع�ضا‪ ،‬وهي �صور �سريعة التقطتها الهواتف املحمولة‪.‬‬ ‫فال�صور وموجة التعليقات التي �أُ�ضيفت �إليها تر�سم �صورة ملجموعة‬ ‫متما�سكة من الأ�صدقاء الذين يعي�شون يف الظاهر حلظات من‬ ‫املرح ال�سعادة �أكرب مما كانت ت�شعر به تلك الطالبة لي ًال ونها ًرا‪.‬‬

‫فالتناق�ض بني املظهر اخلارجي لل�سعادة والتقلبات التي كانت تعرتي‬ ‫حياتها النف�سية الداخلية خ ّلف لديها �شعو ًرا ب�أنه ال ميكنها �أن توا�صل‬ ‫التفاعل مع العامل بهذه الطريقة الآلية‪.‬‬ ‫�أحيانا جتعلنا و�سائل الإعالم االجتماعي مثل الفي�سبوك ن�شعر‬ ‫انطباعا لدينا ب�أنّ “�أ�صدقاءنا” ميرحون مع‬ ‫بالوحدة لأنها تخلق‬ ‫ً‬ ‫�أ�شخا�ص رائعني و�أكرث �إثارة‪ ،‬و�أنهم يعي�شون قد ًرا من املرح �أكرب مما‬ ‫ن�شعر به‪ .‬وقد �سمعنا �أي�ضا من ال�شباب �أنهم يق�ضون �ساعات يبحثون‬ ‫عن �إجنازات �أقرانهم الذين ال يعرفونهم �إال عرب الفي�سبوك‪ ،‬و�أنّ هذا‬ ‫الن�شاط الف�ضويل ي�شعرهم بالتناف�سية والدونية و�أنهم �أقل ً‬ ‫حظا‪.‬‬ ‫وتقدم الدكتورة “�شريي تريكل” الباحثة مبعهد “ما�سا�شو�سيت�س”‬ ‫للتكنولوجيا تف�س ًريا �آخر‪ .‬فرغم �أن التطبيقات ت�سمح لنا ب�إجناز‬ ‫متاما لدعم العالقات‬ ‫العديد من العمليات‪ ،‬فقد ال تكون منا�سبة ً‬ ‫العميقة التي حتافظ على العالقات وتغذيها‪ .‬تقت�صر التغريدات‬ ‫على (تويرت)‪ ،‬التي تتكون بال�ضرورة من ‪ 140‬حر ًفا بحد �أق�صى‪،‬‬ ‫على جوهر الر�سالة الرئي�سية‪ .‬وتالحظ “تريكل” �أننا قد نتجنب‬ ‫عمدً ا االت�صاالت العميقة عرب الن�صو�ص‪ ،‬مع �إدراكنا للطبيعة‬ ‫العابرة لتغريداتنا وكتاباتنا‪ ،‬ف�ضلاً عن �شكوكنا �أنّ الأ�شخا�ص على‬ ‫الطرف الآخر قد ال يعريوننا اهتمامهم الكامل‪.‬‬

‫جتنب املخاطرة ي�ؤثر �سل ًبا على عمق العالقات‬ ‫هناك �سمة هامة للعالقات العميقة تتمثل يف �ضعف اهتمام الأطراف املعنية‪ .‬فمن غري املريح مواجهة �شخ�ص �آخر ب�أفكارنا وعواطفنا مبا�شر ًة‪.‬‬ ‫ولكن الإقدام على هذه املخاطرة العاطفية هو ما يق ّربنا بع�ضنا �إلى بع�ض‪ .‬فنحن ن�شاطر العلماء واملواطنني على حد �سواء قلقهم ب�أنّ التوا�صل‬ ‫من خالل �شا�شة اً‬ ‫بدل من اللقاء وج ًها لوجه يق�ضي كث ًريا على احلاجة �إلى الإقدام على املخاطر العاطفية يف عالقاتنا‪ .‬فمن ال�سهل �إلكرتون ًيا‬ ‫�أن نقرر ما نريد قوله‪ ،‬ونت�شارك فيه عن ُبعد‪ ،‬وبالتايل نتجنب عدم الراحة الناجمة عن رد الفعل املرتبك وغري املتوقع يف الطرف الآخر الذي‬ ‫ال نراه وال يرانا‪.‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪6‬‬


‫تعلمنا من خالل جمموعات الرتكيز � ً‬ ‫أي�ضا‪� ،‬أنّ بع�ض ال�شباب يعتربون �أنّ �إر�سال ر�سالة �إلى �شخ�ص ما‬ ‫اً‬ ‫بدل من مكاملته هاتف ًّيا �أم ًرا منطق ًيا لأنه �أقل تطف ًال‪ ،‬ولي�س م�ستبعدً ا طب ًعا �أنّ يقوموا ب�إنهاء عالقاتهم‬ ‫عرب الر�سائل الن�صية �أو الفي�سبوك بد ًال من اللقاء وج ًها لوجه‪ ،‬لأنهم هكذا بد�أوها‪ .‬ومن امل�ؤكد �أن �إنهاء‬ ‫العالقات بهذه الطريقة عن ُبعد يفرغها قطع ًا من احلميمية احلقيقية‪ .‬تقول الدكتورة “تريكل”‪“ :‬هناك‬ ‫خطر �أن ن�صل �إلى احلد الذي نرى فيه الآخرين جمرد كائنات ُيراد الو�صول �إليها – بل وال نرغب �إال يف‬ ‫الو�صول �إلى الأجزاء التي جندها مفيدة �أو مريحة �أو م�سلية فيهم”‪.‬‬

‫الت�أثري القا�سي لو�سائل الإعالم الرقمية‬ ‫هل ميكن �أن ت�ؤثر م�شاهدة العامل من خالل تطبيقاتنا‬ ‫بال�سلب على قدرتنا على م�شاهدة العامل بعيون‬ ‫الآخرين؟‬ ‫للإجابة عن هذا ال�س�ؤال‪ ،‬ننظر يف ا�ستطالع للر�أي �أجرته وكالة‬ ‫الأ�سو�شيتدبر�س بالتعاون مع �شبكة “�إم تي يف” عام ‪،2011‬‬ ‫حيث ي�ؤكد �أنّ اخلطاب عرب الإنرتنت قد ي�ؤثر ت�أث ًريا قا�س ًيا‬ ‫على الطريقة التي يرتبط بها النا�س بع�ضهم ببع�ض‪ .‬يف هذا‬ ‫اال�ستطالع‪ ،‬ذكر ‪ %71‬من امل�شاركني الذين تراوحت �أعمارهم‬ ‫من ‪� 14‬إلى ‪� 24‬سنة �أنّ النا�س �أكرث مي ًال ال�ستخدام لغة عن�صرية �أو لغة غري الئقة �أخالقي ًا عرب الإنرتنت �أو من خالل الر�سائل الن�صية‬ ‫عن اللقاء وج ًها لوجه‪ .‬مل تكن الطالبة ال�شابة التي حاورناها منده�شة من هذه الأرقام‪ .‬فهي تعرف من خالل خربتها �أنّ النا�س ب�صفة عامة‬ ‫يكونون �أقل وقار ًا على �شبكة الإنرتنت عنهم يف احلياة الواقعية‪ .‬فالأطفال يجدون �أنه من الأ�سهل ال�سخرية من �شخ�ص عرب ن�شرة �أو �صفحة‬ ‫خفية غري معروفة الهوية على الفي�سبوك �أو تويرت‪ .‬فهم ين�سون �شخ�صيتهم على الإنرتنت وي�ستخدمون (ح�ساباتهم ال�شخ�صية على ال�شبكة)‬ ‫يف �صورة هوية منف�صلة تفقدهم ال�شعور بامل�س�ؤولية وال تكرتث للنتائج‪ ،‬لأنها ترى فعلها جمرد حرب �أ�سود على �شا�شة‪ .‬فال�صفحات العامة على‬ ‫الفي�سبوك ميكن �أنّ تكون مواقع ذات طابع عنيف ومتوح�ش‪“ .‬ميكن �أن يطلق النا�س العنان ل�سلبيتهم ووح�شيتهم عرب ردود �أفعالهم جتاه‬ ‫تتحول عملية التوا�صل �إلى مناق�شات تتع�صب فيها جمموعات من‬ ‫الر�سائل الأ�صلية لل�صفحة �أو تعليقات الآخرين‪ .‬ويف هذه احلالة‪ ،‬ميكن �أن ّ‬ ‫فتتحول العالقات �إلى �أزمات وم�شكالت”‪.‬‬ ‫الأ�صدقاء �ضد جمموعات �أخرى‪ّ .‬‬

‫التطبيقات وخيال ال�شباب‬ ‫قد يفتح الإعالم الرقمي �آفا ًقا جديد ًة لل�شباب ليعبرّ وا عن �أنف�سهم ب�شكل خ ّالق‪ .‬ي�ستطيع �شباب‬ ‫اليوم القيام ب�أعمال فنية كبرية ومثرية مثل �إعادة ال�صياغة و�إنتاج الفيديو والت�صوير والت�أليف‬ ‫املو�سيقي ب�صورة �أ�سهل و�أرخ�ص من نظرائهم يف مرحلة ما قبل الإعالم الرقمي‪ .‬كما �أ ّنه من‬ ‫ال�سهل العثور على جمهور للإنتاج الإبداعي لأي م�شروع‪ .‬ولكن‪ ،‬ميكن �أن ي�ؤدي ت�صميم التطبيق‬ ‫�إلى عدم الرغبة يف جتاوز وظيفة الربنامج وم�صادر الإلهام املع َّلبة التي يخرجها حمرك البحث‬ ‫“جوجل” مث ًال‪ .‬ونت�ساءل‪ :‬ما هي الظروف التي جتعل التطبيقات ت�ساعدنا على �إطالق العنان‬ ‫خليالنا؟ وما هي الظروف التي جتعلها تدعم طريقة غري م�ستقلة �أو �ضيقة الأفق بالن�سبة‬ ‫للإبداع؟ مبعنى �آخر‪ :‬ف�إننا عندما نعرث على ما نريد جاهزً ا و ُمعل ّبا‪ ،‬ف�إننا ال ن�ضطر �إلى االبتكار‬ ‫والإ�ضافة‪ ،‬ونتكفي بالتحويل والتعديل!‬

‫‪7‬‬

‫كتاب في دقائق‬


‫ت�أثري التطبيقات الرقمية يف الإبداع‬ ‫اً‬ ‫بدل من البحث يف نتائج التجارب حول الإبداع �أو عالقاته االرتباطية (مثل اللعب)‪ ،‬اخرتنا فح�ص الإنتاج الإبداعي‬ ‫الفعلي لل�شباب‪ .‬وف ّرت لنا هذه الطريقة نظرة �أكرث واقعية على العمليات الإبداعية لل�شباب‪ .‬لتحقيق هذه الغاية‪،‬‬ ‫�أجرينا حتليلاً‬ ‫ً‬ ‫م�ستفي�ضا مكونا من الق�ص�ص الق�صرية والفنون املرئية التي �أبدعها طلبة املدار�س املتو�سطة والثانوية‬ ‫فيما بني عامي ‪ 1990‬و ‪.2011‬‬

‫�أو ًال‪ :‬الفنون املرئية‬ ‫عاما يف جملة ‪ ،Teen Ink‬وهي جملة دولية تُعنى‬ ‫ا�شتملت �أبحاثنا على حتليل ‪ 354‬قطعة من الفنون املرئية التي ُن�شرت على مدار ع�شرين ً‬ ‫بالإنتاج الأدبي والفني للمراهقني‪ .‬ك�شف حتليلنا عن زيادة ملحوظة يف تعقيد الأعمال الفنية املن�شورة بني عامي ‪ 1990‬و‪ .2011‬وقد قمنا‬ ‫بتحليل خلفية كل قطعة وتركيبها‪ ،‬بجانب التقطيع وخربات الإنتاج والأ�سلوب ال�شامل الذي ا�ستخدمه الفنان‪.‬‬ ‫اً‬ ‫واكتمال مقارن ًة بالقطع الأقدم‪.‬‬ ‫‪ u‬ات�ضح �أنّ القطع الفنية الأحدث كانت �أكرث تطو ًرا‬ ‫نوعا ما مبوقع الأ�شكال التي ير�سمونها على امل�ستوى املرئي‪.‬‬ ‫‪ u‬كان الفنانون املعا�صرون على الأرجح على دراية ً‬ ‫‪ u‬بدا �أنّ الفنانني املعا�صرين �أكرث راحة عند تقدمي الأ�شكال التي ير�سمونها ب�شكل �أقل تقليدية من الفنانني الأوائل‪.‬‬ ‫‪ u‬زاد عدد القطع التي ّمتت معاجلتها من خالل الو�سائل الرقمية (مثل الفوتو�شوب‪ ،‬املعاجلة الفوتوغرافية التي تلي الإنتاج‪ ،‬وما �إلى ذلك)‬ ‫عاما املا�ضية‪.‬‬ ‫ب�شكل ملحوظ على مدار الع�شرين ً‬ ‫وبفح�ص القطع ب�شكل �شامل من حيث املحتوى والأ�سلوب‪ ،‬قمنا بت�صنيفها يف واحدة من ثالث فئات‪:‬‬ ‫‪ 1‬حمافظة‪� :‬إذا كانت تتبع الأعراف التقليدية املتعلقة بالو�سط اخلا�ص بها بطريقة منا�سبة ومل تخرج عن �إطار املمار�سات التقليدية ال‬ ‫يف املحتوى وال يف الأ�سلوب‪.‬‬ ‫‪ 2‬حمايدة‪� :‬إذا مل تتبع �أ�ساليب الفنون التقليدية ويف الوقت ذاته مل تقدم جان ًبا فريدً ا �أو ملفتًا فيما يتعلق مبو�ضوعها‪.‬‬ ‫‪ 3‬غري تقليدية‪� :‬إذا ق ّدمت حمتوى �أو �أ�سلو ًبا مبتك ًرا ب�شكل وا�ضح‪.‬‬ ‫�أظهر حتليلنا انخفا�ض ن�سبة القطع املحافظة من ‪ %33‬للقطع القدمية �إلى ‪ %19‬للقطع احلديثة بينما ارتفع عدد القطع غري التقليدية‬ ‫من ‪� %19‬إلى ‪.%28‬‬ ‫عاما التي �شملها بحثنا لو�ضع هذا الكتاب‪.‬‬ ‫هذا اخلروج عما هو م�ألوف ي�ؤكد زيادة التميز يف الفن الذي يقدمه الفنانون ال�شبان على مدار الع�شرين ً‬

‫ثان ًيا‪ :‬الكتابة الإبداعية‬ ‫�أظهر حتليلنا للكتابة الإبداعية للمراهقني ‪ -‬بني طالب املدار�س املتو�سطة والثانوية – منط ًا من‬ ‫التغريات املختلفة الوا�ضحة‪ .‬قيمنا �أمناط كل من‪ :‬النوع الفني والفكرة وبنية الق�صة وم�سرح الأحداث‬ ‫والفرتة الزمنية‪.‬‬ ‫‪ u‬وجدنا دليلاً على انخفا�ض كتابة الن�صو�ص املعدة للعر�ض والرواية امل�سرحية التي جتنح �إلى‬ ‫اخليال وتتطرق لل�سحر واملو�ضوعات العبثية وغري الواقعية‪.‬‬ ‫‪ u‬وبالنظر �إلى فكرة كل ق�صة من ق�ص�ص طلبة املدار�س املتو�سطة‪ ،‬حددنا ثالث فئات رئي�سية‬ ‫متاما)‪ ،‬حبكة الأحداث اليومية ذات املعاجلة‬ ‫للحبكة‪ :‬حبكة الأحداث اليومية (احلبكة العادية ً‬ ‫اخلا�صة (�أغلبها من النمط امل�ألوف �أو العادي لكنها تت�ضمن حلظة واحدة على الأقل من‬ ‫الأحداث املت�صاعدة التي ال ميكن حدوثها كل يوم)‪ ،‬حبكة الأحداث اخليالية و�صعبة احلدوث‬ ‫(وتت�ضمن عنا�صر خيالية و‪�/‬أو حوادث م�ستحيلة)‪ .‬والحظنا اً‬ ‫ً‬ ‫ملحوظا بني الق�ص�ص‬ ‫حتول‬ ‫املبتكرة والأحداث يتمثل يف االبتعاد عن الق�ص�ص �صعبة احلدوث �إلى تناول ق�ص�ص الأحداث‬ ‫اليومية‪ .‬وقمنا بت�صنيف ما يقرب من ثلثي الق�ص�ص املبتكرة (‪� )%64‬ضمن فئة الق�ص�ص‬ ‫�صعبة احلدوث‪ ،‬بينما ا�شتملت نف�س الفئة على ‪ %14‬فقط من الق�ص�ص احلديثة‪.‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪8‬‬


‫‪ u‬يف جمموعة بيانات طالب املدار�س الثانوية‪ ،‬مالت الق�ص�ص الأقدم �إلى بنية ق�ص�صية غري خطية بينما مالت الق�ص�ص الأحدث �إلى‬ ‫التدفق وف ًقا للنمط اخلطي التقليدي‪ .‬ومن بني ق�ص�ص طالب املدار�س املتو�سطة‪ ،‬وجدنا �أنّ الأحداث يف الق�ص�ص الأقدم تقع على‬ ‫الأرجح يف مواقع غري م�ألوفة‪ ،‬مثل معركة احلرب العاملية الثانية‪ .‬بينما وقع ثلث الق�ص�ص الأقدم تقري ًبا (‪ )%32‬يف مواقع بعيدة‪ ،‬حيث‬ ‫م�سرحا غري م�ألوف للأحداث �سوى يف ق�صة واحدة فقط من الق�ص�ص الأحدث (‪ .)%5‬وبالتوازي مع هذا االجتاه‪ ،‬وجدنا‬ ‫مل جند‬ ‫ً‬ ‫�أنّ الفرتة الزمنية للق�ص�ص الأقدم تختلف عن الفرتة الزمنية التي مت ت�أليف الق�صة فيها مقارن ًة بالق�ص�ص الأحدث‪.‬‬ ‫وبالنظر يف كل هذه التفا�صيل تبني �أنه بينما اجتهت الفنون املرئية للمراهقني نحو منحى �أقل تقليدية مبرور الزمن‪ ،‬ف�إنّ الكتابة الإبداعية‬ ‫النابعة من هذه املجموعة العمرية �أ�صبحت �أكرث تقليدي ًة باملقابل‪.‬‬ ‫وبالن�سبة للغة‪ ،‬ف�إنّ اللغة يف الق�ص�ص الأحدث تعترب �أقل ف�صاحة مقارن ًة بالق�ص�ص الأقدم‪ .‬فامل�ؤلفون املعا�صرون من ال�شباب بد�أوا مييلون �إلى‬ ‫لغة �ضحلة ومبتذلة تت�ضمن تعبريات �سوقية و� ً‬ ‫ألفاظا دارجة وكلمات م�ستحدَ ثة‪.‬‬

‫ما يقوله املعلمون‬ ‫حتدثنا مع �أ�ساتذة الفنون (الفنون املرئية‪ ،‬واملو�سيقى‪ ،‬والفنون التعبريية) الذين در�سوا‬ ‫عاما ومن ثم ميكنهم مالحظة التغيريات التي حدثت يف العمليات التخيلية‬ ‫�أكرث من ع�شرين ً‬ ‫لدى الطلبة مبرور الوقت‪ .‬ورغم �أنّ ه�ؤالء الأ�ساتذة قد �أثنوا على املدى الوا�سع من الفر�ص‬ ‫اخلالقة املتاحة ل�شباب اليوم‪ ،‬ف�إنّ العديد منهم الحظوا �أنّ طلبة اليوم يعانون من �صعوبة‬ ‫�أكرب يف �إبداع �أفكارهم اخلا�صة؛ فهم �أميل �إلى اقتبا�س الأفكار اجلاهزة‪ .‬قال �أحد املعلمني‪:‬‬ ‫ال ي�ستطيع �أكرث الأطفال موهب ًة الإتيان بفكرة جديدة‪ .‬لقد ح�صلوا على منح درا�سية‬ ‫كاملة يف كلية ما�سات�شو�ست�س للفن والت�صميم وال ي�ستطيعون ابتكار فكرة‪ .‬فهم يذهبون‬ ‫حلوا�سيبهم املحمولة �أو ًال وي�ستنجدون بها‪ .‬وقد وجدتني �أ�س�ألهم على الدوام عن ر�أيهم فيما‬ ‫ت�صور‪ .‬وعندما يخرجون �أفكارهم اخلا�صة‪،‬‬ ‫يبدعون وماذا يعني‪ ،‬فريدون‪ :‬لي�س عندي ّ‬ ‫يجدون �صعوبة يف تنفيذها‪ .‬وقال معلم �آخر‪“ :‬اعتادوا‪ ،‬يف وقت �سابق‪ ،‬على االنخراط يف‬ ‫العمل والنظر �إلى ما �ست�أخذهم املادة �إليه‪� ،‬أما الآن فهم ي�س�ألون ماذا ع�سانا �أن نفعل”‪.‬‬

‫هل هم مبدعون؟‬ ‫توفر الإنرتنت لل�شباب القدرة على الو�صول �إلى قدر �أكرب ومدى �أو�سع من الأعمال الفنية عما كان عليه احلال فيما م�ضى‪ .‬وباملقارنة‪ ،‬ف�إنّ دخول‬ ‫ال�شباب على الو�سط الأدبي مل يتغري ب�شكل ملحوظ على مدار ال�سنني؛ يف الواقع‪� ،‬أدت �سيطرة الو�سط امل�صور �إلى �إزاحة الو�سط الأدبي‪ .‬الحظت‬ ‫عاملة الأنرثوبولوجيا اللغوية “�شرييل براي�س هيث” �أنه بف�ضل الزيادة يف امل�ؤثرات الب�صرية التي حققها التلفزيون والإنرتنت مييل �شباب اليوم‬ ‫�أكرث �إلى القول “هل �شاهدت كذا؟” اً‬ ‫بدل من “هل �سمعت ذلك؟” �أو “هل قر�أت ذلك؟” ولذا �سين�صرف �شباب اليوم على الأرجح �إلى هذا‬ ‫املخزون من ال�صور املرئية عند ابتكار �أعمالهم الفنية‪ .‬ويت�ضح يف �ضوء هذا �أنّ التعقيد املتزايد واخلروج عن امل�ألوف الذي اكت�شفناه يف الأعمال‬ ‫الفنية اخلا�صة باملراهقني قد يكون بعيدً ا عن اكت�شاف وا�ستطالع �آفاق و�أرا�ضني!! جديدة مقارن ًة بالتجديد املاهر للأعمال القدمية‪ .‬وبالن�سبة‬ ‫لتحليلنا خليال املراهقني‪ ،‬ف�إنّ ما الحظناه من التقليدية الزائدة وا�ستخدام اللغة العامية قد �أنتج لغة تفتقر للخيال الذي تُكتب بها التغريدات‬ ‫والن�صو�ص والر�سائل الفورية التي ت�ش ّكل جز ًءا كب ًريا من قراءات ال�شباب اليومية‪ .‬وب�إيجاز‪ ،‬ف�إنّ ما يبدو خالق ًا على ال�سطح قد يكون مك ّر ًرا‬ ‫وممجوجا يف واقع الأمر‪.‬‬ ‫ً‬

‫ر�ؤية احلفيد للعامل الرقمي‬ ‫حتدثت انا الدكتور امل�ؤلف “هوارد جاردنر” مع حفيدي ذي ال�ستة �أعوام‪ ،‬حول خرباته مع الو�سائط الرقمية‪ .‬ومل ت�صبني الده�شة‪ ،‬ف�إنّ ال�صبي‬ ‫الذي كان دائم ًا حماط ًا بالو�سائط الرقمية‪ .‬كان على �إطالع كامل و�شعور كامل بالراحة با�ستخدام امل�صطلحات والتقنيات‪ .‬ولذا دفعته للتحدث‬ ‫عما تعنيه وما ال تعنيه الو�سائط الرقمية بالن�سبة له‪ ،‬وما الذي و ّفرته له �أو حرمته منه‪ .‬وقد �أ�ضاءت هذه املحادثة الكثري حول ما يت ّعلق بر�ؤية‬ ‫احلفيد للعامل؛ �أي ر�ؤيته الكونية الرقمية‪:‬‬ ‫هوارد‪ :‬ماذا �سيكون �شعورك �إذا ما �أخذ والداك كل �أجهزتك الذكية وهواتفك بعيدً ا عنك لأ�سابيع قليلة؟‬ ‫‪9‬‬

‫كتاب في دقائق‬


‫احلفيد‪� :‬س�أ�شعر بال�ضيق قليلاً ‪ ،‬لكن هذا يف الواقع �سيعطيني قد ًرا �أكرب من احلرية‪...‬‬ ‫�س�ألهو ب�ألعابي‪ ،‬و�س�ألهو مع �أختي‪ ،‬و�س�أذهب لزيارة الأماكن مع والدتي ووالدي‪.‬‬ ‫هوارد‪ :‬ماذا تعني بكلمة “حرية”؟‬ ‫احلفيد‪� :‬أغلب النا�س لديهم و�سائل تكنولوجية (وهذه كلماته هو)‪ ،‬وهم ي�شاهدون كل‬ ‫املباريات‪( ،‬و�أخرج �صوتًا يوحي بامللل)‪ ،‬ويفعلون ذلك طوال اليوم‪ ،‬وال يعملون �أي �شيء‬ ‫�سوى م�شاهدة التلفاز‪ ...‬لذا �س�أمتكن من اللهو ب�ألعابي و�أ�شياء �أخرى‪.‬‬ ‫دار�سا للو�سائط الرقمية بكل ت�أكيد‪ ،‬ومل يقر�أ عن املدينة الفا�ضلة‬ ‫هذا احلفيد لي�س ً‬ ‫والواقع املرير‪ .‬ومل يناق�ش والديه �أو جديه ب�ش�أن الإغراءات الغام�ضة للو�سائط الرقمية‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ي�شعر وهو يف عمر ال�ساد�سة‪� ،‬أنّ الإن�سان ي�صبح حبي�س الو�سائل التكنولوجية‬ ‫احلديثة و�أنّ العامل الكامن خلفها يغري باكت�شافه ‪ ...‬و�أنّ الزمان واملكان ي�سمحان بذلك‪.‬‬

‫احلياة على التطبيقات‬ ‫من امل�ؤكد �أنّ حياتنا املعا�صرة �أكرب بكل ت�أكيد من جمموع التطبيقات التي تقع الآن يف متناول �أيدينا‪ .‬لكن ت�أثري‬ ‫التطبيقات بد�أ يتغلغل‪ .‬ونعتقد �أنه من املحتمل �أن تكون �أكرث �ضر ًرا يف امل�ستقبل‪ .‬ويرجع هذا �إلى �أن ات�ساع التطبيقات‬ ‫و�سهولة الو�صول �إليها يغر�س �شعو ًرا واع ًيا بها؛ �إنها ر�ؤية العامل من خالل التطبيق؛ وهي الفكرة التي تتمثل يف وجود‬ ‫طرق حمددة لتحقيق كل ما نرغب يف حتقيقه �إذا كنا حمظوظني مبا فيه الكفاية المتالك املجموعة املنا�سبة من‬ ‫التطبيقات‪ ،‬والو�صول من ثم �إلى “التطبيق الفائق” �أو “التطبيق اخلارق” لنحيا حياة مر�سومة يتم تقدميها لنا‬ ‫بطريقة غري طريقتنا‪ .‬ليبقى ال�س�ؤال ال�ساخر الذي يطرح نف�سه‪“ :‬هل جمرد احل�صول على املجموعة املنا�سبة والكاملة‬ ‫من التطبيقات يعني احل�صول على حياة منا�سبة و�سعيدة ومثالية وكاملة؟”‬ ‫المؤلفان‪:‬‬ ‫هوارد جاردنر‪ :‬أستاذ اإلدراك والتعلم والتربية في كلية التربية في‬ ‫جامعة هارفارد‪ .‬حصل على جائزة العلوم االجتماعية لعام ‪.2011‬‬ ‫كاتي ديفيس‪ :‬حصلت على درجة الدكتوراة في التربية من جامعة‬ ‫هارفارد وتعمل أستاذا مساعدا في جامعة واشنطن‪.‬‬

‫كتب مشابهة‪:‬‬ ‫‪1. The Distraction Addiction‬‬ ‫‪Getting the Information You Need and the Communication You Want,‬‬ ‫‪Without Enraging Your Family. By Alex Soojung-Kim Pang. 2013.‬‬ ‫إدمان اللهو‪ :‬كيف تعيش وتتواصل في عصر المعلومات دون اإلضرار بأسرتك‪.‬‬ ‫تأليف‪ :‬ألكس سوجونج‪ -‬كيم بانج‪.2013 .‬‬

‫‪2. The Parent’s Guide to Texting, Facebook, and Social Media‬‬ ‫‪Understanding the Benefits and Dangers of Parenting in a Digital World.‬‬ ‫دليل الوالدين إلى الرسائل النصية والفيسبوك واإلعالم االجتماعي‪ :‬فهم دور األسرة في العالم الرقمي‪.‬‬

‫‪3. Youth and Media‬‬ ‫‪By Andy Ruddock. 2013.‬‬ ‫الشباب ووسائل اإلعالم‪ .‬تأليف‪ :‬آندي رادوك‪.2013 .‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫‪10‬‬


‫“نحن على الدوام م�أخوذون بفكرة‬ ‫البحث عن �أفكار جديدة‪ ،‬ونظرا لتفكرينا‬ ‫املتوا�صل يف موا�صلة البحث‪ ،‬ف�إننا ال‬ ‫ن�سمح ملا نكت�شفه من �أفكار بالر�سوخ يف‬ ‫�أذهاننا وتغيري فكرنا‪”.‬‬

‫نسيم الصمادي‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.