ٍ ثـــــوان... فـي “�أحب �أن �أتعلم ،و�أقر�أ الكثري من ملخ�صات الكتب ،و�أحب � ً أي�ضا قراءة كتب التاريخ .التعلم والقيادة هما مقدمة ونتيجة ،وال ميكن ف�صل املقدمة عن النتيجة” .تغريدة �أطلقها �سيدي �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل معان مكتوم “رعاه اهلل” ،كلمات قليلة حملت بني �سطورها ٍ عميقة ونهج ًا معرفي ًا تر�سخ منذ القدم على �شكل ملخ�صات زخرت بها مكتبات العرب و�ساهمت يف ن�شر العلم واملعرفة �آنذاك .لقد �ألهمت هذه الكلمات م�ؤ�س�ستنا ور�سمت اخلطى ملبادرة “كتاب يف دقائق” التي اطلقتها م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم م�ؤخر ًا لت�سهم يف ن�شر الإبداعات العاملية يف �شتى جماالت العلوم واملعرفة وبلغتنا العربية الأ�صيلة لأننا نعي�ش ع�صر ًا تتعاظم فيه م�س�ؤوليات الأفراد وتتزايد فيه ان�شغاالتهم وتتناق�ص فيه معدالت اهتمامهم بالقراءة واالطالع ،جاءت هذه املبادرة لتواكب منط هذا الزمن وتن�شر املعرفة ملن ي�سعون �إليها وال ميتلكون الوقت الكايف لها، وذلك من خالل طرح ملخ�صات تقدم ب�شكل �أنيق وممتع موجز ًا �سريع ًا ملختلف �أنواع الكتب التي مل ترتجم بعد يف خمتلف املجاالت احليوية الهامة. لقد ر�أينا �أن نركز كل �شهر على تلخي�ص موا�ضيع متنوعة يف الطاقة الإيجابية ،وفنون القيادة ودرو�سها� ،إ�ضافة �إلى موا�ضيع �شيقة تتمحور حول الأ�سرة واملجتمع والتاريخ. ويف هذا ال�شهر فقد اخرتنا لكم ثالثة كتب متميزه نتطلع من خاللها �إلى تلبية بع�ض �أهداف امل�شروع؛ وهي :كتاب امل�ؤثرون :ال�سمات اخلفية التي ت�صنع ال�شخ�صية املقنعة والقوية ،من ت�أليف :جون نيفينجر وماثيو كوهوت ،وي�ساعد باحلكم على �شخ�صيات الآخرين ،كتاب انطلق :كيف نتدفق مع احلياة ونن�ساب معها كاملياه من ت�أليف :ميهايل �شيكزنتميهايل ويعطي منظور ًا جديد ًا لل�سعادة ،و�أخري ًا كتاب جيل التطبيقات الإلكرتونية :كيف يحقق ال�شباب ذواتهم ورغباتهم وخياالتهم يف الع�صر الرقمي من ت�أليف :هوارد جاردنر وكاتي ديفيز والذي يحاكي العالقة بني جيلني عا�ش �أحدهما قبل التطور وعا�صره و�آخر ن�ش�أ فيه واندمج معه. جمال بن حويرب
الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم 1
كتاب في دقائق
حوار ف ّعال بني ثالثة �أجيال دار حوار بني امل�ؤلفني اللذين ينتمي �أحدهما �إلى جيل ما قبل الإنرتنت، وينتمي الثاين �إلى جيل الإنرتنت من ناحية ،وبني طالبة يف املدر�سة الثانوية تنتمي �إلى جيل التطبيقات الرقمية� ،أو جيل ما بعد الإنرتنت من ناحية �أخرى .كان احلوار جز ًءا جتريب ًيا وعمل ًيا من درا�سة وا�سعة الكت�شاف الدور الذي تلعبه التكنولوجيا يف حياة ال�شباب الذين �صاروا يعرفون با�سم “املواطنني الرقميني” ،لأنهم بد�أوا ي�شبون عن الطوق وهم غارقون بني الأجهزة الذكية وفوق برامج وتطبيقات الع�صر الرقمي. يعترب “هوارد جاردنر” امل�ؤلف الرئي�س“ ،مهاج ًرا رقم ًيا” مبفهوم متاما عن عامل تطبيقات اجليل هذا امل�صطلح املراوغ الذي يعني البعد ً اجلديد من احلا�سبات والأجهزة الذكية .وعندما كانت امل�ؤلفة امل�ساعدة “كاتي ديفي�س” يف املرحلة الثانوية مل يكن يف منزل والديها �سوى حمطة تلفزيون واحدة .وبالتايل ف�إنّ الع�صر الرقمي قد حلقها ومل ي�سبقها. فهي �إذن مواطنة “�شبه رقمية� ”.أما طالبة املدر�سة الثانوية التي �شاركت يف احلوار فال تتذكر حلظة واحدة من حياتها �أم�ضتها بدون �أجهزة كمبيوتر مكتبية �أو حممولة �أو هواتف ذكية �أو �إنرتنت .فهي “مواطنة
رقمية” منوذجية �أم�ضت كل حياتها وهي حتمل هات ًفا ذك ًيا ،متنقلة بني في�سبوك وتويرت وغريهما من جمتمعات ال�شبكات االجتماعية .وهكذا ف�إن هذا احلوار بني الأجيال قد �ساعد على �إجراء مقارنات بني ثالثة عالقات خمتلفة اختال ًفا جذر ًيا بالتكنولوجيا ال�شائعة بني ظهرانينا اليوم. وقد متخ�ض احلوار عن تعميق فهمنا لثالثة مو�ضوعات رئي�سية هي: � uشعور الإن�سان بذاته وهويته ال�شخ�صية؛ uعالقات الإن�سان احلميمة بالآخرين وت�أثريها يف نزعاته ورغباته؛ uوكيف نحلق بخيالنا بعيدا عن الواقع لنفعل قوانا الإبداعية اخلالقة عمل ًّي�أ على �أر�ض الواقع. من امل�ؤكد �أنّ طبيعة الب�شر مل تتغري ب�شكل جذري على مدار التاريخ، وقط ًعا مل تتغيرّ بعد ظهور الإنرتنت .ولكننا نزعم �أنّ هويتنا (�أي من نكون) وعالقاتنا احلميمة (كيف نحب ونتعامل بع�ضنا مع بع�ض) نت�صور امل�ستقبل ون�صنعه ونبتكره) ،هذه العنا�صر وخيالنا (كيف ّ الثالثة قد خ�ضعت لعملية �إعادة ت�شكيل يف العقدين الأخريين ب�سبب ت�أثري التكنولوجيا عموما ،والتطبيقات الرقمية على وجه اخل�صو�ص.
التطبيقات “التطبيق” appعبارة عن برنامج يتم ت�صميمه يف الغالب ليعمل على جهاز حممول ي�سمح للم�ستخدم بتنفيذ عملية واحدة �أو �أكرث .ميكن �أن تكون التطبيقات �ض ّيقة �أو وا�سعة ،ب�سيطة �أو مركبة� ،صغرية �أو كبرية، �شخ�صا �أو منظمة .ولذا ميكن اعتبار امل�صمم �سواء كان ولكنها تخ�ضع دائما لعملية حت ّكم �صارم من ِق َبل ً ِّ التطبيقات مواقع �إنرتنت موجزة� ،أو اخت�صارات مربجمة لت�أخذنا �إلى ما نبحث عنه مبا�شرة دون عناء ،ودون �شخ�صا تقليد ًيا وال ت�ستخدم احلاجة �إلى البحث على الإنرتنت �أو على �شريحة الذاكرة اخلا�صة بك �إذا كنت ً �أحدث معطيات التكنولوجيا .فالتطبيقات مواقع خمت�صرة ومربجمة لتعطينا ما نريد دون �أن نطلب.
جيل التطبيقات مل ينغم�س �شباب اليوم يف التطبيقات فح�سب ،بل �إنهم يفكرون يف العامل كمجموعة متكاملة من التطبيقات ،فريون حياتهم �سل�سلة من التطبيقات املطلوبة واملرغوبة� ،أو ك�أنها تطبيق واحد متوا�صل وممتد من املهد �إلى اللحد .لقد و�صفنا هذا التطبيق ال�شامل بـ “التطبيق الفائق” .)super-appفالتطبيقات وجدت لتل ّبي كل ما يرغب فيه الإن�سان؛ ف�إذا حدث وكان التطبيق املرغوب واملطلوب غري موجود ،فينبغي ت�صميمه على الفور من ِق َبل �شخ�ص ما (رمبا من يطلبه هو نف�سه). تت�سم التطبيقات بالأهمية �إذا كانت تُعنى بالأ�شياء العادية وبالتايل حتررنا ال�ستك�شاف م�سارات جديدة وتكوين عالقات �أكرث عم ًقا والت�أمل يف �أكرب �أ�سرار احلياة وت�شكيل هوية فريدة وذات مغزى. ولكن �إذا كانت التطبيقات ال تعمل �إال على حتويلنا �إلى جمموعة من الب�شر الك�سالى الأكرث مهارة الذين ال يف ّكرون من �أجل م�صلحتنا �أو يطرحون �أ�سئلة جديدة �أو يط ّورون عالقات هامة �أو ي�ش ّكلون ونا�ضجا ودائم التطور ،ف�إ ّنها مت ّهد الطريق نحو العبودية من الناحية النف�سية. �شعو ًرا ذات ًيا مالئ ًما ً وبالن�سبة للكلمات امل�ستحدَ ثة ،ف�إنّ التطبيقات التي ت�سمح لنا �أو ت�شجعنا على متابعة �إمكانات جديدة هي تطبيقات ت�ساعدنا ومتكننا ،وعلى النقي�ض من ذلك ،عندما ن�سمح للتطبيقات ب�أن تقيد �إجراءاتنا واختياراتنا و�أهدافنا �أو حتددها ،ف�إن ّنا ن�صبح عبيدا لتلك التطبيقات و تابعني لها. كتاب في دقائق
2
التطبيقات وت�أثرياتها الثالثة ال ُهو ّية وحتقيق الذات :ميكن للتطبيقات �أن تعوق ت�شكيل ال ُهو ّية بحيث تدفعك �إلى �أن تكون ال�صورة الرمزية �أو ال�صورة املن�سوخة من �أو عن �شخ�ص �آخر؛ (�أي �صورة والديك �أو �أحد �أ�صدقائك �أو �صورة من �إنتاج �أحد مبتكري التطبيقات) – �أو ميكنها ،من خالل �إعطاء �أولوية خليارات خمتلفة� ،أن ت�سمح لك بالتعامل مع م�س�ألة ت�شكيل ال ُهو ّية ب�صورة مت�أنية و�شاملة ومدرو�سة .وقد ينتهي بك الأمر مع هُ و ّية �أقوى و�أكرث ت�أث ًريا� ،أو قد ت�ست�سلم لهوية جاهزة �أو ارتباك ال نهائي يف اختيار الهوية ،فتعجز من ّثم عن �أن تكون �أنت. العالقات الإن�سانية و�إدارة التوا�صل :ميكن للتطبيقات �أن مت ّهد الطريق للعالقات ال�سطحية ،وتث ّبط التفاعالت واملقابالت ال�شخ�صية ،وت�ؤكد �أنّ جميع العالقات الإن�سانية ميكن ت�صنيفها �إن مل يكن حتديدها �سل ًفا � -أو ميكن من ناحية �أخرى �أن تفتح لك التطبيقات عاملًا �أو�سع بكثري ،وتوفر لك �سبلاً جديد ًة لالرتباط بالنا�س ،يف حني �أنها لن متنعك من �إغالق �أجهزتك عند ال�ضرورة -وهذا ي�ضعك مو�ضع امل�س�ؤولية عن التطبيقات ولي�س العك�س .وقد ينتهي بك الأمر �إلى �إقامة عالقات �أعمق و�أطول �أمدً ا مع الآخرين� ،أو عالقة �سطحية و�سريعة، قد تكون �إيجابية �أو �سلبية� ،أو اجتماعية و�إن�سانية ،وقد تكون �سادية وانعزالية� ،أو �ضعيفة �أو قوية ،هادفة ونبيلة �أو نفعية .املهم �أن كل هذا يعتمد على اختياراتك من التطبيقات، وقراراتك ب�ش�أن تلك العالقات التي تتحكم فيها بطرف واحد فقط ،هو طرفك �أنت. اخليال و�إدارة الواقع :ميكن للتطبيقات �أن جتعلك اً ك�سول ،و�أن تث ّبط همتك وحترمك من تطوير مهارات جديدة ،وتوقعك يف التقليد والت�شبه� ،أو �إجراء تعديالت �ضئيلة ال تقدم وال ت�ؤخر .وميكنها �أن تفتح لك �آفاق ًا وعوامل جديدة كاملة للتخيل والإبداع والإنتاج و�إعادة التوليف والت�أليف ،مما قد ي�ساعدك على تكوين هويات جديدة و�إنتاج �أ�شكال ثرية من العالقات واالبتكارات.
الهوية ال�شخ�صية يف ع�صر التطبيقات
كيف تت�شكل هويات ال�شباب ويتم التعبري عنها يف ع�صر التطبيقات؟ هل هي خمتلفة ب�شكل تام �أم �سطحي؟ تناولنا هذه الأ�سئلة بعدة طرق ،مبا يف ذلك عرب �إجراء مقابالت وحوارات مو�سعة مع معلمني خم�ضرمني .واكت�شفنا �أنّ هويات ال�شباب تتحول مع الزمن �إلى حزمة �أو �أيقونة متاثل �أو تندمج مع ا�سم �أو رمز التطبيق نف�سه .ومبعنى �آخر، يتم تطويرها وطرحها بحيث تنقل �صورة معينة مرغوبة – ومتفائلة ب�صرامة يف واقع الأمر – لل�شخ�ص املعني .تعبئة الهوية �أو �سجنها يف حزمة ويف �إطار متكرر ي�ؤدي �إلى تقليل الرتكيز على احلياة الداخلية وال�صراعات ال�شخ�صية وعلى التفكري الهادئ والتخطيط ال�شخ�صي .وكلما اقرتب ال�شاب من الن�ضج ،ف�إنّ و�ضع الهوية يف حزمة ي�شجع على املغامرة والتعر�ض للمخاطر .وب�صفة عامة ،ف�إنّ احلياة يف جمتمع غارق بالتطبيقات يعطينا العديد من ال�سمات ال�صغرية املجمعة واملتناق�ضة، ويغل ّفها وي�شكلها ويقدمها معب�أة بال�شخ�صية التي تبدو يف الظاهر حزمة واحدة �أو هوية واحدة ،مع �أنها �شتات متناق�ض.
الذات املج ّمعة واملغلفّة يرى امل�شاركون يف جمموعات احلوار والرتكيز �أنّ هويات جيل التطبيقات موجهة خارج ًيا ب�صورة �أكرب من هويات �شباب ما قبل و�سائل الإعالم الرقمية .بالن�سبة لل�شباب الأثرياء ،ف�إنهم يركزون ب�صورة �أكرب على تقدمي ذوات مغلفة وم�صقولة وملمعة من �ش�أنها �أن حتظى بالقبول لدى مكاتب القبول يف اجلامعات ولدى �أرباب العمل .ويبدو �أنهم يعتربون �أنف�سهم على نحو متزايد كائنات لها 3
كتاب في دقائق
كم ًّيا بالن�سبة للآخرين مثل :درجات اختبارات قيمة ميكن قيا�سها ِّ �سات � ،SATأو املتو�سط الرتاكمي للدرجات � ،GPAأو جمموعة من الر�سائل املتعلقة مبنتخبات اجلامعات� ،أو جوائز� ،أو �شهادات اخلدمة املجتمعية� ،أو غريها من اجلوائز .وهكذا يقا�س الإن�سان ويقولب رقم ًيا وي ّعرب عن نف�سه ،وينتمي �إلى جماعات مت�آلفة ومت�شابهة من اخلارج ،تركز على املظهر �أكرث من اجلوهر.
يتوجه مثل هذا الإدراك �إلى حتقيق �أكرب ا�ستفادة �سريعة بحيث تقا�س قيمة املرء بالنجاح الأكادميي واملهني فقط .يقول �أحد امل�شاركني يف جمموعات تركيز“ :عندما ُي�س�أل ال�شباب عن �آمالهم، ف�إنهم يعطون �إجابات واقعية وعملية قابلة للتحقيق تقع يف الوقت احلايل �أو امل�ستقبل القريب مثل “وظيفة جيدة” ب�صورة �أكرب مما
كان عليه احلال لدى ال�شباب الذين ينتمون لأجيال �سابقة ”.وخالل حديثنا مع �أخ�صائيي العالج النف�سي� ،أعلن �أحد امل�شاركني �إنّ العديد من �شباب اليوم يعانون من “وهم التخطيط”؛ �أي �أنهم يتوهمون �أنّ و�ضع اخلطط يكفي للنجاح ،فيتوقفون على احلد الفا�صل بني التخطيط والتطبيق.
وهم التخطيط وهم التخطيط هو الإميان اخلاطىء �أو االعتقاد الواهم ب�أنك �إذا ما قمت بو�ضع خطط دقيقة وعملية ،فلن يقف يف طريق جناحك �أي عقبات �أو حتديات م�ستقبلية. تقوم و�سائل الإعالم الرقمية مبنح ال�شباب الوقت والأدوات الالزمة ل�صياغة هوية جذابة من اخلارج ،ف�ض ًال عن اجلمهور الذي يرى تلك الهويات ويتجاوب معها .ي�ؤكد (الفي�سبوك) وغريه من مواقع ال�شبكات االجتماعية على تقدمي الذات من خالل تركيز هذه املواقع على ملفات التعريف الفردية للم�ستخدمني .ويتم ا�ستخدام العنا�صر القيا�سية مللف تعريف امل�ستخدم على (الفي�سبوك) – مثل قائمة �أ�صدقائه وملف تعريفه والقوائم التي تت�ضمن �أذواقه واهتماماته ال�شخ�صية – لتعبئة الذات لال�ستهالك العام� .أي تتحول الهوية �إلى عالمة جتارية و�سلعة مادية. ويربز االجتاه نحو التقدم التدريجي على الطريق امل�ؤدي �إلى النجاح ،حيث يظهر �أحيانا بع�ض ال�شباب العملي والرباجماتي يركز فقط على حياته املهنية ويت�سم مبزيد من الواقعية بحيث يتجه نحو التعامل مع امل�شكالت وال يت�ش ّبث بالت�صورات الأيديولوجية كث ًريا.
ال وقت “للذات”
الرتكيز على الفعل �أكرث من العي�ش تهدف التطبيقات وكل منتجات التكنولوجيا �إلى ت�سريع الإنتاج وتوفري الوقت من �أجل الت�أمل العفوي ولكن – ويا للمفارقة – يبدو �أنها �أعطت ت�أث ًريا عك�س ًّيا .فقد تال�شت اللحظات التي كنا نقعد فيها مبفردنا مع �أفكارنا �سواء كنا ننتظر موعدً ا يف مكتب الطبيب �أو ننتقل �إلى عملنا يف القطار �أو املرتو ،وح َّل حملها اال�ستماع الق�سري للمو�سيقى �أو �إر�سال الر�سائل الن�صية �أو ممار�سة الألعاب على �أجهزتنا الرقمية .وكث ًريا ما نفعل كل تلك الأ�شياء يف وقت واحد .فنكتب تغريداتنا حول الأحداث يف وقت تعر�ضنا لها ،ونرد على ر�سالة بريدية لأحد الأ�شخا�ص ونحن نتحدث �إلى �آخر ،ون�شارك يف كتابة عدة ر�سائل وحوارات ن�صية فورية يف الوقت نف�سه ،وهي عادة �شائعة بني ال�شباب .ومبعنى �آخر ،ف�إننا نركز على الفعل �أكرث من العي�ش .فنظ ًرا �إلى ميل ال�شباب �إلى االت�صال الظاهري الثابت مع الآخرين ،ف�إنهم ال مينحون �أنف�سهم الوقت واملكان ملعرفة �أفكارهم ورغباتهم؛ وبالتايل فهم “مع ّر�ضون للخطر” ب�سبب افتقارهم للمعرفة بالذات .فهم يعرفون التطبيقات وال يعرفون �أنف�سهم.
كتاب في دقائق
4
التطبيقات والعالقات احلميمة متاما عن نظرائهم يف مرحلة ما يتوا�صل �شباب اليوم بطرق تختلف ً قبل و�سائل الإعالم الرقمية .فنظ ًرا لقدرتها على تخطي احلواجز اجلغرافية والزمنية ،ف�إنّ الهواتف اخللوية املت�صلة بالإنرتنت والكمبيوترات اللوحية واملحمولة – كلها ُم�س ّلحة برت�سانة من التطبيقات ال�صاحلة جلميع املنا�سبات – قد غيرّ ت ما ميكن �أن ُيقال و�أين وملن وكيف يقال .ولعل التغيري الأبرز هو ثبات و�سرعة االت�صاالت التي �أ�صبحت ممكنة بف�ضل تكنولوجيا الهاتف املحمول. فما الذي يقوله املراهقون عرب تطبيقاتهم وملن؟ يخ�ص�ص املراهقون جز ًءا كب ًريا من ات�صاالتهم على الكمبيوتر لإجراء (و�أحيانا لإلغاء) ترتيبات �سريعة تتعلق بلقاء الأ�صدقاء وج ًها لوجه .يف �إحدى درا�ساتنا� ،س�ألنا املراهقني ما �أكرب �شيء �سيفتقدونه �إذا حرموا من الهاتف اخللوي� .أجابت �إحدى املراهقات وعمرها �ستة عاما قائلة“ :ي�ساعدنا الهاتف اخللوي على و�ضع خطط تتعلق ع�شرة ً
باختيار �أماكن الرحالت وال�سفروالتنزه حيث ال ن�ضع �أنا و�أ�صدقائي ً خططا باملعنى احلقيقي للكلمة� .إننا نتنزه فح�سب”. هذه العقلية التي تفكر وتعي�ش عرب التطبيقات تعزز االعتقاد ب�أنه ما دام ميكننا الو�صول �إلى املعلومات وال�سلع واخلدمات على الفور ،ف�إنه ميكننا �إدارة عالقاتنا مع كل النا�س بنف�س الن�سق. لقد �أطلق الباحثون يف جمال ات�صاالت املحمول على هذا ال�سلوك ا�سم “التن�سيق الدقيق” للتخطيط الفوري ،والحظوا �أنه ميكن �أن ينزلق نحو “تن�سيق مفرط” عندما يبد�أ املراهقون يف التفكري ب�أنهم م�ستب َعدون من الأو�ساط االجتماعية �إذا ما مت �إبعادهم عن �أجهزتهم املحمولة لأي فرتة من الوقت .فاملراهق الذي ال يقر�أ �آخر “حدث” �أو مل ت�صله �آخر “ر�سالة ن�صية” فال يح�ضر لقاء الأ�صدقاء� ،سيعترب ً منبوذا �أو غري مرغوب فيه ،ملجرد �أنّ التكنولوجيا مل متكنه نف�سه من امل�شاركة.
يف العالقات الإن�سانية :اختالف النوعية ال يعني الأف�ضلية و�ضوحا هو ما �إذا كان هذا التغيرّ يف كيفية عاما .والأقل متاما عما كانت عليه قبل ع�شرين ً قد تبدو التفاعالت االجتماعية ل�شباب اليوم خمتلفة ً ً �إقامة عالقات قد ّ حتول �إلى تغيرّ يف نوعية هذه العالقات .هل ال�شبكات االجتماعية ل�شباب اليوم �أكرب �أم �أ�صغر؟ هل هي �أعمق �أم هي �سطحية و�ضحلة مما كانت عليه يف مرحلة ما قبل و�سائل الإعالم الرقمية؟ هل العالقات ال�شخ�صية �أكرث �أو �أقل �أ�صال ًة وتالح ًما ووفا ًء؟ عندما نحاول الإجابة نتذكر منوذج املحلل النف�سي الدكتور “�إريك �إريك�سون” .يتعامل هذا النموذج للتنمية الب�شرية والعالقات الإن�سانية مع تكوين العالقات العميقة طويلة الأمد مع الآخرين باعتباره �سلو ًكا �ضرور ًيا وحمور ًيا ملرحلة التكوين وال�شباب وت�شكيل ال�شخ�صية؛ ويف ظل غيابها ،ت�سود م�شاعر ال�شعور بالعزلة وانقطاع العالقات وانف�صامها .يف احلالة الأخرية ،تزيد �صعوبة التعامل مع التحديات الالحقة يف احلياة مثل تربية الأ�سرة واالنطالق يف حياة عملية ناجحة. 5
كتاب في دقائق
من االت�صال �إلى العزلة العالقة بني العزلة االجتماعية وو�سائل الإعالم االجتماعي لي�ست وا�ضحة .يف الواقع ،يبدو هذا غري بديهي .كيف ميكن �أن تكون التكنولوجيا التي ُ�ص ّممت لربط النا�س هي يف نف�س الوقت الأداة التي جتعلهم ي�شعرون بندرة التوا�صل؟ وكيف ي�ؤدي االت�صال �إلى انف�صال!؟ لفهم هذه املفارقة الوا�ضحة ،دعونا ننظر يف خربات ال�شابة �أو الطالبة املدر�سية التي حاورنها مع الفي�سبوك .فخالل درا�ستها يف املرحلة الثانوية ،قررت هذه الفتاة �أن تقوم بتعطيل ح�سابها ال�شخ�صي على الفي�سبوك .لقد انتابها ال�سخط من �شعورها بالوقوع حتت �ضغط مالحقة الن�شاط امل�ستمر لأقرانها على الفي�سبوك. “بامتالك ح�ساب على الفي�سبوك ،ت�شعر ب�أن عليك �أن تدخل �إليه �أو �ستفقد �شي ًئا ما� ،أو �إذا ما كتب �أحدهم على �صفحتك فلي�س من حقك �أن تنتظر يومني �أو ثالثة �أيام حتى ترد .بل ت�شعر ب�أنه يتحتم عليك املتابعة با�ستمرار” .دفع ا�ستعرا�ض �صفحات الفي�سبوك �أي�ضا �إلى �شعور تلك الفتاة ب�أنها “لي�ست جز ًءا منه” وذلك عندما �شاهدت زمالء الدرا�سة وهم ي�ضعون الأ�سماء والتعليقات على �صور بع�ضهم ً بع�ضا ،وهي �صور �سريعة التقطتها الهواتف املحمولة. فال�صور وموجة التعليقات التي �أُ�ضيفت �إليها تر�سم �صورة ملجموعة متما�سكة من الأ�صدقاء الذين يعي�شون يف الظاهر حلظات من املرح ال�سعادة �أكرب مما كانت ت�شعر به تلك الطالبة لي ًال ونها ًرا.
فالتناق�ض بني املظهر اخلارجي لل�سعادة والتقلبات التي كانت تعرتي حياتها النف�سية الداخلية خ ّلف لديها �شعو ًرا ب�أنه ال ميكنها �أن توا�صل التفاعل مع العامل بهذه الطريقة الآلية. �أحيانا جتعلنا و�سائل الإعالم االجتماعي مثل الفي�سبوك ن�شعر انطباعا لدينا ب�أنّ “�أ�صدقاءنا” ميرحون مع بالوحدة لأنها تخلق ً �أ�شخا�ص رائعني و�أكرث �إثارة ،و�أنهم يعي�شون قد ًرا من املرح �أكرب مما ن�شعر به .وقد �سمعنا �أي�ضا من ال�شباب �أنهم يق�ضون �ساعات يبحثون عن �إجنازات �أقرانهم الذين ال يعرفونهم �إال عرب الفي�سبوك ،و�أنّ هذا الن�شاط الف�ضويل ي�شعرهم بالتناف�سية والدونية و�أنهم �أقل ً حظا. وتقدم الدكتورة “�شريي تريكل” الباحثة مبعهد “ما�سا�شو�سيت�س” للتكنولوجيا تف�س ًريا �آخر .فرغم �أن التطبيقات ت�سمح لنا ب�إجناز متاما لدعم العالقات العديد من العمليات ،فقد ال تكون منا�سبة ً العميقة التي حتافظ على العالقات وتغذيها .تقت�صر التغريدات على (تويرت) ،التي تتكون بال�ضرورة من 140حر ًفا بحد �أق�صى، على جوهر الر�سالة الرئي�سية .وتالحظ “تريكل” �أننا قد نتجنب عمدً ا االت�صاالت العميقة عرب الن�صو�ص ،مع �إدراكنا للطبيعة العابرة لتغريداتنا وكتاباتنا ،ف�ضلاً عن �شكوكنا �أنّ الأ�شخا�ص على الطرف الآخر قد ال يعريوننا اهتمامهم الكامل.
جتنب املخاطرة ي�ؤثر �سل ًبا على عمق العالقات هناك �سمة هامة للعالقات العميقة تتمثل يف �ضعف اهتمام الأطراف املعنية .فمن غري املريح مواجهة �شخ�ص �آخر ب�أفكارنا وعواطفنا مبا�شر ًة. ولكن الإقدام على هذه املخاطرة العاطفية هو ما يق ّربنا بع�ضنا �إلى بع�ض .فنحن ن�شاطر العلماء واملواطنني على حد �سواء قلقهم ب�أنّ التوا�صل من خالل �شا�شة اً بدل من اللقاء وج ًها لوجه يق�ضي كث ًريا على احلاجة �إلى الإقدام على املخاطر العاطفية يف عالقاتنا .فمن ال�سهل �إلكرتون ًيا �أن نقرر ما نريد قوله ،ونت�شارك فيه عن ُبعد ،وبالتايل نتجنب عدم الراحة الناجمة عن رد الفعل املرتبك وغري املتوقع يف الطرف الآخر الذي ال نراه وال يرانا. كتاب في دقائق
6
تعلمنا من خالل جمموعات الرتكيز � ً أي�ضا� ،أنّ بع�ض ال�شباب يعتربون �أنّ �إر�سال ر�سالة �إلى �شخ�ص ما اً بدل من مكاملته هاتف ًّيا �أم ًرا منطق ًيا لأنه �أقل تطف ًال ،ولي�س م�ستبعدً ا طب ًعا �أنّ يقوموا ب�إنهاء عالقاتهم عرب الر�سائل الن�صية �أو الفي�سبوك بد ًال من اللقاء وج ًها لوجه ،لأنهم هكذا بد�أوها .ومن امل�ؤكد �أن �إنهاء العالقات بهذه الطريقة عن ُبعد يفرغها قطع ًا من احلميمية احلقيقية .تقول الدكتورة “تريكل”“ :هناك خطر �أن ن�صل �إلى احلد الذي نرى فيه الآخرين جمرد كائنات ُيراد الو�صول �إليها – بل وال نرغب �إال يف الو�صول �إلى الأجزاء التي جندها مفيدة �أو مريحة �أو م�سلية فيهم”.
الت�أثري القا�سي لو�سائل الإعالم الرقمية هل ميكن �أن ت�ؤثر م�شاهدة العامل من خالل تطبيقاتنا بال�سلب على قدرتنا على م�شاهدة العامل بعيون الآخرين؟ للإجابة عن هذا ال�س�ؤال ،ننظر يف ا�ستطالع للر�أي �أجرته وكالة الأ�سو�شيتدبر�س بالتعاون مع �شبكة “�إم تي يف” عام ،2011 حيث ي�ؤكد �أنّ اخلطاب عرب الإنرتنت قد ي�ؤثر ت�أث ًريا قا�س ًيا على الطريقة التي يرتبط بها النا�س بع�ضهم ببع�ض .يف هذا اال�ستطالع ،ذكر %71من امل�شاركني الذين تراوحت �أعمارهم من � 14إلى � 24سنة �أنّ النا�س �أكرث مي ًال ال�ستخدام لغة عن�صرية �أو لغة غري الئقة �أخالقي ًا عرب الإنرتنت �أو من خالل الر�سائل الن�صية عن اللقاء وج ًها لوجه .مل تكن الطالبة ال�شابة التي حاورناها منده�شة من هذه الأرقام .فهي تعرف من خالل خربتها �أنّ النا�س ب�صفة عامة يكونون �أقل وقار ًا على �شبكة الإنرتنت عنهم يف احلياة الواقعية .فالأطفال يجدون �أنه من الأ�سهل ال�سخرية من �شخ�ص عرب ن�شرة �أو �صفحة خفية غري معروفة الهوية على الفي�سبوك �أو تويرت .فهم ين�سون �شخ�صيتهم على الإنرتنت وي�ستخدمون (ح�ساباتهم ال�شخ�صية على ال�شبكة) يف �صورة هوية منف�صلة تفقدهم ال�شعور بامل�س�ؤولية وال تكرتث للنتائج ،لأنها ترى فعلها جمرد حرب �أ�سود على �شا�شة .فال�صفحات العامة على الفي�سبوك ميكن �أنّ تكون مواقع ذات طابع عنيف ومتوح�ش“ .ميكن �أن يطلق النا�س العنان ل�سلبيتهم ووح�شيتهم عرب ردود �أفعالهم جتاه تتحول عملية التوا�صل �إلى مناق�شات تتع�صب فيها جمموعات من الر�سائل الأ�صلية لل�صفحة �أو تعليقات الآخرين .ويف هذه احلالة ،ميكن �أن ّ فتتحول العالقات �إلى �أزمات وم�شكالت”. الأ�صدقاء �ضد جمموعات �أخرىّ .
التطبيقات وخيال ال�شباب قد يفتح الإعالم الرقمي �آفا ًقا جديد ًة لل�شباب ليعبرّ وا عن �أنف�سهم ب�شكل خ ّالق .ي�ستطيع �شباب اليوم القيام ب�أعمال فنية كبرية ومثرية مثل �إعادة ال�صياغة و�إنتاج الفيديو والت�صوير والت�أليف املو�سيقي ب�صورة �أ�سهل و�أرخ�ص من نظرائهم يف مرحلة ما قبل الإعالم الرقمي .كما �أ ّنه من ال�سهل العثور على جمهور للإنتاج الإبداعي لأي م�شروع .ولكن ،ميكن �أن ي�ؤدي ت�صميم التطبيق �إلى عدم الرغبة يف جتاوز وظيفة الربنامج وم�صادر الإلهام املع َّلبة التي يخرجها حمرك البحث “جوجل” مث ًال .ونت�ساءل :ما هي الظروف التي جتعل التطبيقات ت�ساعدنا على �إطالق العنان خليالنا؟ وما هي الظروف التي جتعلها تدعم طريقة غري م�ستقلة �أو �ضيقة الأفق بالن�سبة للإبداع؟ مبعنى �آخر :ف�إننا عندما نعرث على ما نريد جاهزً ا و ُمعل ّبا ،ف�إننا ال ن�ضطر �إلى االبتكار والإ�ضافة ،ونتكفي بالتحويل والتعديل!
7
كتاب في دقائق
ت�أثري التطبيقات الرقمية يف الإبداع اً بدل من البحث يف نتائج التجارب حول الإبداع �أو عالقاته االرتباطية (مثل اللعب) ،اخرتنا فح�ص الإنتاج الإبداعي الفعلي لل�شباب .وف ّرت لنا هذه الطريقة نظرة �أكرث واقعية على العمليات الإبداعية لل�شباب .لتحقيق هذه الغاية، �أجرينا حتليلاً ً م�ستفي�ضا مكونا من الق�ص�ص الق�صرية والفنون املرئية التي �أبدعها طلبة املدار�س املتو�سطة والثانوية فيما بني عامي 1990و .2011
�أو ًال :الفنون املرئية عاما يف جملة ،Teen Inkوهي جملة دولية تُعنى ا�شتملت �أبحاثنا على حتليل 354قطعة من الفنون املرئية التي ُن�شرت على مدار ع�شرين ً بالإنتاج الأدبي والفني للمراهقني .ك�شف حتليلنا عن زيادة ملحوظة يف تعقيد الأعمال الفنية املن�شورة بني عامي 1990و .2011وقد قمنا بتحليل خلفية كل قطعة وتركيبها ،بجانب التقطيع وخربات الإنتاج والأ�سلوب ال�شامل الذي ا�ستخدمه الفنان. اً واكتمال مقارن ًة بالقطع الأقدم. uات�ضح �أنّ القطع الفنية الأحدث كانت �أكرث تطو ًرا نوعا ما مبوقع الأ�شكال التي ير�سمونها على امل�ستوى املرئي. uكان الفنانون املعا�صرون على الأرجح على دراية ً uبدا �أنّ الفنانني املعا�صرين �أكرث راحة عند تقدمي الأ�شكال التي ير�سمونها ب�شكل �أقل تقليدية من الفنانني الأوائل. uزاد عدد القطع التي ّمتت معاجلتها من خالل الو�سائل الرقمية (مثل الفوتو�شوب ،املعاجلة الفوتوغرافية التي تلي الإنتاج ،وما �إلى ذلك) عاما املا�ضية. ب�شكل ملحوظ على مدار الع�شرين ً وبفح�ص القطع ب�شكل �شامل من حيث املحتوى والأ�سلوب ،قمنا بت�صنيفها يف واحدة من ثالث فئات: 1حمافظة� :إذا كانت تتبع الأعراف التقليدية املتعلقة بالو�سط اخلا�ص بها بطريقة منا�سبة ومل تخرج عن �إطار املمار�سات التقليدية ال يف املحتوى وال يف الأ�سلوب. 2حمايدة� :إذا مل تتبع �أ�ساليب الفنون التقليدية ويف الوقت ذاته مل تقدم جان ًبا فريدً ا �أو ملفتًا فيما يتعلق مبو�ضوعها. 3غري تقليدية� :إذا ق ّدمت حمتوى �أو �أ�سلو ًبا مبتك ًرا ب�شكل وا�ضح. �أظهر حتليلنا انخفا�ض ن�سبة القطع املحافظة من %33للقطع القدمية �إلى %19للقطع احلديثة بينما ارتفع عدد القطع غري التقليدية من � %19إلى .%28 عاما التي �شملها بحثنا لو�ضع هذا الكتاب. هذا اخلروج عما هو م�ألوف ي�ؤكد زيادة التميز يف الفن الذي يقدمه الفنانون ال�شبان على مدار الع�شرين ً
ثان ًيا :الكتابة الإبداعية �أظهر حتليلنا للكتابة الإبداعية للمراهقني -بني طالب املدار�س املتو�سطة والثانوية – منط ًا من التغريات املختلفة الوا�ضحة .قيمنا �أمناط كل من :النوع الفني والفكرة وبنية الق�صة وم�سرح الأحداث والفرتة الزمنية. uوجدنا دليلاً على انخفا�ض كتابة الن�صو�ص املعدة للعر�ض والرواية امل�سرحية التي جتنح �إلى اخليال وتتطرق لل�سحر واملو�ضوعات العبثية وغري الواقعية. uوبالنظر �إلى فكرة كل ق�صة من ق�ص�ص طلبة املدار�س املتو�سطة ،حددنا ثالث فئات رئي�سية متاما) ،حبكة الأحداث اليومية ذات املعاجلة للحبكة :حبكة الأحداث اليومية (احلبكة العادية ً اخلا�صة (�أغلبها من النمط امل�ألوف �أو العادي لكنها تت�ضمن حلظة واحدة على الأقل من الأحداث املت�صاعدة التي ال ميكن حدوثها كل يوم) ،حبكة الأحداث اخليالية و�صعبة احلدوث (وتت�ضمن عنا�صر خيالية و�/أو حوادث م�ستحيلة) .والحظنا اً ً ملحوظا بني الق�ص�ص حتول املبتكرة والأحداث يتمثل يف االبتعاد عن الق�ص�ص �صعبة احلدوث �إلى تناول ق�ص�ص الأحداث اليومية .وقمنا بت�صنيف ما يقرب من ثلثي الق�ص�ص املبتكرة (� )%64ضمن فئة الق�ص�ص �صعبة احلدوث ،بينما ا�شتملت نف�س الفئة على %14فقط من الق�ص�ص احلديثة. كتاب في دقائق
8
uيف جمموعة بيانات طالب املدار�س الثانوية ،مالت الق�ص�ص الأقدم �إلى بنية ق�ص�صية غري خطية بينما مالت الق�ص�ص الأحدث �إلى التدفق وف ًقا للنمط اخلطي التقليدي .ومن بني ق�ص�ص طالب املدار�س املتو�سطة ،وجدنا �أنّ الأحداث يف الق�ص�ص الأقدم تقع على الأرجح يف مواقع غري م�ألوفة ،مثل معركة احلرب العاملية الثانية .بينما وقع ثلث الق�ص�ص الأقدم تقري ًبا ( )%32يف مواقع بعيدة ،حيث م�سرحا غري م�ألوف للأحداث �سوى يف ق�صة واحدة فقط من الق�ص�ص الأحدث ( .)%5وبالتوازي مع هذا االجتاه ،وجدنا مل جند ً �أنّ الفرتة الزمنية للق�ص�ص الأقدم تختلف عن الفرتة الزمنية التي مت ت�أليف الق�صة فيها مقارن ًة بالق�ص�ص الأحدث. وبالنظر يف كل هذه التفا�صيل تبني �أنه بينما اجتهت الفنون املرئية للمراهقني نحو منحى �أقل تقليدية مبرور الزمن ،ف�إنّ الكتابة الإبداعية النابعة من هذه املجموعة العمرية �أ�صبحت �أكرث تقليدي ًة باملقابل. وبالن�سبة للغة ،ف�إنّ اللغة يف الق�ص�ص الأحدث تعترب �أقل ف�صاحة مقارن ًة بالق�ص�ص الأقدم .فامل�ؤلفون املعا�صرون من ال�شباب بد�أوا مييلون �إلى لغة �ضحلة ومبتذلة تت�ضمن تعبريات �سوقية و� ً ألفاظا دارجة وكلمات م�ستحدَ ثة.
ما يقوله املعلمون حتدثنا مع �أ�ساتذة الفنون (الفنون املرئية ،واملو�سيقى ،والفنون التعبريية) الذين در�سوا عاما ومن ثم ميكنهم مالحظة التغيريات التي حدثت يف العمليات التخيلية �أكرث من ع�شرين ً لدى الطلبة مبرور الوقت .ورغم �أنّ ه�ؤالء الأ�ساتذة قد �أثنوا على املدى الوا�سع من الفر�ص اخلالقة املتاحة ل�شباب اليوم ،ف�إنّ العديد منهم الحظوا �أنّ طلبة اليوم يعانون من �صعوبة �أكرب يف �إبداع �أفكارهم اخلا�صة؛ فهم �أميل �إلى اقتبا�س الأفكار اجلاهزة .قال �أحد املعلمني: ال ي�ستطيع �أكرث الأطفال موهب ًة الإتيان بفكرة جديدة .لقد ح�صلوا على منح درا�سية كاملة يف كلية ما�سات�شو�ست�س للفن والت�صميم وال ي�ستطيعون ابتكار فكرة .فهم يذهبون حلوا�سيبهم املحمولة �أو ًال وي�ستنجدون بها .وقد وجدتني �أ�س�ألهم على الدوام عن ر�أيهم فيما ت�صور .وعندما يخرجون �أفكارهم اخلا�صة، يبدعون وماذا يعني ،فريدون :لي�س عندي ّ يجدون �صعوبة يف تنفيذها .وقال معلم �آخر“ :اعتادوا ،يف وقت �سابق ،على االنخراط يف العمل والنظر �إلى ما �ست�أخذهم املادة �إليه� ،أما الآن فهم ي�س�ألون ماذا ع�سانا �أن نفعل”.
هل هم مبدعون؟ توفر الإنرتنت لل�شباب القدرة على الو�صول �إلى قدر �أكرب ومدى �أو�سع من الأعمال الفنية عما كان عليه احلال فيما م�ضى .وباملقارنة ،ف�إنّ دخول ال�شباب على الو�سط الأدبي مل يتغري ب�شكل ملحوظ على مدار ال�سنني؛ يف الواقع� ،أدت �سيطرة الو�سط امل�صور �إلى �إزاحة الو�سط الأدبي .الحظت عاملة الأنرثوبولوجيا اللغوية “�شرييل براي�س هيث” �أنه بف�ضل الزيادة يف امل�ؤثرات الب�صرية التي حققها التلفزيون والإنرتنت مييل �شباب اليوم �أكرث �إلى القول “هل �شاهدت كذا؟” اً بدل من “هل �سمعت ذلك؟” �أو “هل قر�أت ذلك؟” ولذا �سين�صرف �شباب اليوم على الأرجح �إلى هذا املخزون من ال�صور املرئية عند ابتكار �أعمالهم الفنية .ويت�ضح يف �ضوء هذا �أنّ التعقيد املتزايد واخلروج عن امل�ألوف الذي اكت�شفناه يف الأعمال الفنية اخلا�صة باملراهقني قد يكون بعيدً ا عن اكت�شاف وا�ستطالع �آفاق و�أرا�ضني!! جديدة مقارن ًة بالتجديد املاهر للأعمال القدمية .وبالن�سبة لتحليلنا خليال املراهقني ،ف�إنّ ما الحظناه من التقليدية الزائدة وا�ستخدام اللغة العامية قد �أنتج لغة تفتقر للخيال الذي تُكتب بها التغريدات والن�صو�ص والر�سائل الفورية التي ت�ش ّكل جز ًءا كب ًريا من قراءات ال�شباب اليومية .وب�إيجاز ،ف�إنّ ما يبدو خالق ًا على ال�سطح قد يكون مك ّر ًرا وممجوجا يف واقع الأمر. ً
ر�ؤية احلفيد للعامل الرقمي حتدثت انا الدكتور امل�ؤلف “هوارد جاردنر” مع حفيدي ذي ال�ستة �أعوام ،حول خرباته مع الو�سائط الرقمية .ومل ت�صبني الده�شة ،ف�إنّ ال�صبي الذي كان دائم ًا حماط ًا بالو�سائط الرقمية .كان على �إطالع كامل و�شعور كامل بالراحة با�ستخدام امل�صطلحات والتقنيات .ولذا دفعته للتحدث عما تعنيه وما ال تعنيه الو�سائط الرقمية بالن�سبة له ،وما الذي و ّفرته له �أو حرمته منه .وقد �أ�ضاءت هذه املحادثة الكثري حول ما يت ّعلق بر�ؤية احلفيد للعامل؛ �أي ر�ؤيته الكونية الرقمية: هوارد :ماذا �سيكون �شعورك �إذا ما �أخذ والداك كل �أجهزتك الذكية وهواتفك بعيدً ا عنك لأ�سابيع قليلة؟ 9
كتاب في دقائق
احلفيد� :س�أ�شعر بال�ضيق قليلاً ،لكن هذا يف الواقع �سيعطيني قد ًرا �أكرب من احلرية... �س�ألهو ب�ألعابي ،و�س�ألهو مع �أختي ،و�س�أذهب لزيارة الأماكن مع والدتي ووالدي. هوارد :ماذا تعني بكلمة “حرية”؟ احلفيد� :أغلب النا�س لديهم و�سائل تكنولوجية (وهذه كلماته هو) ،وهم ي�شاهدون كل املباريات( ،و�أخرج �صوتًا يوحي بامللل) ،ويفعلون ذلك طوال اليوم ،وال يعملون �أي �شيء �سوى م�شاهدة التلفاز ...لذا �س�أمتكن من اللهو ب�ألعابي و�أ�شياء �أخرى. دار�سا للو�سائط الرقمية بكل ت�أكيد ،ومل يقر�أ عن املدينة الفا�ضلة هذا احلفيد لي�س ً والواقع املرير .ومل يناق�ش والديه �أو جديه ب�ش�أن الإغراءات الغام�ضة للو�سائط الرقمية. ومع ذلك ،ي�شعر وهو يف عمر ال�ساد�سة� ،أنّ الإن�سان ي�صبح حبي�س الو�سائل التكنولوجية احلديثة و�أنّ العامل الكامن خلفها يغري باكت�شافه ...و�أنّ الزمان واملكان ي�سمحان بذلك.
احلياة على التطبيقات من امل�ؤكد �أنّ حياتنا املعا�صرة �أكرب بكل ت�أكيد من جمموع التطبيقات التي تقع الآن يف متناول �أيدينا .لكن ت�أثري التطبيقات بد�أ يتغلغل .ونعتقد �أنه من املحتمل �أن تكون �أكرث �ضر ًرا يف امل�ستقبل .ويرجع هذا �إلى �أن ات�ساع التطبيقات و�سهولة الو�صول �إليها يغر�س �شعو ًرا واع ًيا بها؛ �إنها ر�ؤية العامل من خالل التطبيق؛ وهي الفكرة التي تتمثل يف وجود طرق حمددة لتحقيق كل ما نرغب يف حتقيقه �إذا كنا حمظوظني مبا فيه الكفاية المتالك املجموعة املنا�سبة من التطبيقات ،والو�صول من ثم �إلى “التطبيق الفائق” �أو “التطبيق اخلارق” لنحيا حياة مر�سومة يتم تقدميها لنا بطريقة غري طريقتنا .ليبقى ال�س�ؤال ال�ساخر الذي يطرح نف�سه“ :هل جمرد احل�صول على املجموعة املنا�سبة والكاملة من التطبيقات يعني احل�صول على حياة منا�سبة و�سعيدة ومثالية وكاملة؟” المؤلفان: هوارد جاردنر :أستاذ اإلدراك والتعلم والتربية في كلية التربية في جامعة هارفارد .حصل على جائزة العلوم االجتماعية لعام .2011 كاتي ديفيس :حصلت على درجة الدكتوراة في التربية من جامعة هارفارد وتعمل أستاذا مساعدا في جامعة واشنطن.
كتب مشابهة: 1. The Distraction Addiction Getting the Information You Need and the Communication You Want, Without Enraging Your Family. By Alex Soojung-Kim Pang. 2013. إدمان اللهو :كيف تعيش وتتواصل في عصر المعلومات دون اإلضرار بأسرتك. تأليف :ألكس سوجونج -كيم بانج.2013 .
2. The Parent’s Guide to Texting, Facebook, and Social Media Understanding the Benefits and Dangers of Parenting in a Digital World. دليل الوالدين إلى الرسائل النصية والفيسبوك واإلعالم االجتماعي :فهم دور األسرة في العالم الرقمي.
3. Youth and Media By Andy Ruddock. 2013. الشباب ووسائل اإلعالم .تأليف :آندي رادوك.2013 .
كتاب في دقائق
10
“نحن على الدوام م�أخوذون بفكرة البحث عن �أفكار جديدة ،ونظرا لتفكرينا املتوا�صل يف موا�صلة البحث ،ف�إننا ال ن�سمح ملا نكت�شفه من �أفكار بالر�سوخ يف �أذهاننا وتغيري فكرنا”.
نسيم الصمادي