ٍ ثــــــــوان... فـي يف كلمات م�ضيئة جمعت بني حناياها خربات ال�سنني و�ضمت يف طياتها عمق الر�ؤية و�سداد الب�صرية ،ير�سم �سيدي �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل مكتوم نائب رئي�س الدولة رئي�س جمل�س الوزراء حاكم دبي “رعاه اهلل” خارطة طريق الوطن نحو الريادة امل�ستدامة ،حيث يقول �سموه“ :كل املطلوب لتحقيق �أهدافنا �أن نقود ال�شعب يف الطريق ال�صحيح ونن ّمي يف بناته و�أبنائه روح االبتكار والإبداع والثقة بالنف�س والت�صميم على الإجناز والقدرات القيادية” .بهذه الكلمات،مل يكتف �سموه برفع �سقف طموحات الوطن ،ومل تقت�صر املعاين على ر�سم خطوات طريق النجاح ،بل جاءت املفردات مبثابة و�صفة حكيم� .إن االبتكار يف التعليم ين�شئ جي ًال مبدع ًا ،و�صفة الإبداع تُك ّون نفاذ الب�صرية وتُك�سب الثق َة بالنف�س ،و�إذا ما اجتمع االبتكار والإبداع مع نفاذ الب�صرية والثقة بالنف�س تتكون �شخ�صية وقدرات جيل ميتلك مكونات قيادة امل�ستقبل نحو الريادة ،وقيادة بتلك املوا�صفات البد و�أن تر�سم �سيا�سات مبنية على ت�أ�صيل روح االبتكار يف الأجيال اجلديدة ،لنجد �أنف�سنا �أمام دائرة مبدعة تُعيد �إنتاج ذاتها حتت عنوان الريادة امل�ستدامة. ويف �إطار �سعي م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم الدائم على ن�شر وطباعة امل�ؤلفات التي تُرثي العقول وترتقي مبكت�سبات الوطن والتي ت�ؤكد على منهجية توجهات ور�ؤى قيادتنا الر�شيدة ،ت�أتي ملخ�صات الدفعة ال�سابعة مبدع ملبادرة “كتاب يف دقائق” لت�شمل 3موا�ضيع معنية ب�أهمية تن�شئة ٍ طفل ٍ مبتكر وقاد ٍة قادرين على �إحداث التغيري. ٍ وجيل ٍ ويف دفعتنا اجلديدة �سي�أخذكم ملخ�ص كتاب “التعلُّم بال ّلعب” يف رحلة ع�صف ذهني حول ما �إذا كان نظام التعليم الإلزامي املُطبق يف العامل حالي ًا هو الأجنع لأطفالنا والأقدر على تن�شئة جيل مبدع؟ �أم �أن غريزة التعلم الفطرية لدى الأطفال ،املبنية على الف�ضول والتلقائية ،تفقد بريقها وتنحرف عن امل�سار مبجرد حتجيمها يف قالب روتيني جامد ُي َ�س َّمى التعليم الإلزامي؟ �أما ملخ�ص الكتاب الثاين فيحمل ا�سم“ :ر�ؤية الالمرئي :كيف تتمتع بنظرة ثاقبة وب�صرية نافذة؟” ،حيث يناق�ش خالله م�ؤلف الكتاب ،جاري كالين، �أهم حمفزات نفاذ الب�صرية والتفكري الإبداعي ،والتي يلخ�صها يف خم�سة عوامل هي :الروابط وامل�صادفات والف�ضول واملتناق�ضات والي�أ�س الإبداعي. وتختم ملخ�صات الدفعة ال�سابعة بكتاب “القادة ُي�ؤ ِثرون ف ُي�ؤ ِّثرون” من ت�أليف �سيمون �سينيك ،الذي يتبنى نظرية مثرية لالهتمام ،حيث يرى الكاتب �أن املحفزات التي ت�سهم يف حت�سني �سلوك الأفراد على ال�صعيد ال�شخ�صي هي ذاتها التي ت�ساعد امل�ؤ�س�سات التجارية يف حتقيق النجاحات. ويف اخلتام �أمتنى �أن تنعموا بقراءة مفيدة و�أن تنال ملخ�صات الدفعة ال�سابعة من “كتاب يف دقائق” ر�ضاكم� ،آم ًال �أن نكون قد �ساهمنا يف تنوير العقول وتعزيز قيمة العلم ولو باجلزء الي�سري من �أجل امل�ساهمة يف تطوير جمتمع متقدم ،يتخذ من العلم والثقافة والأدب �سند ًا وظهري ًا يتكئ عليه يف رحلته نحو الريادة امل�ستدامة. جمال بن حويرب 1
الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم
كتاب في دقائق
ال�شفافيـَّة وتـَوهـُّ ُج ال�ضوء اعتاد الدكتور “مارتن ت�شايف” �أ�ستاذ البيولوجيا يف جامعة كولومبيا �إجراء �أبحاثه على اجلهاز الع�صبي للديدان ،واملكوث لفرتات طويلة وهو يراقبها يف املعمل .ويف �أحد الأيام �شارك يف ندوة ذات مو�ضوع بعيد عن تخ�ص�صه الدقيق ،ليخرج بعدها وقد ملعت يف ذهنه فكرة ال تقدر بثمن! كانت الديدان التي يفح�صها “ت�شايف” �شفافة اجللد ،الأمر الذي ي�ضطر م�ساعديه لقتلها ليتمكنوا من فح�ص �أن�سجتها و�إجراء التجارب عليها .وكانت هذه طريقة �شائعة يطبقها كل الباحثني يف ذلك املجال ،مع �أن الأن�سجة امليتة مل تكن ذات نفع كبري يف الدرا�سة. تناول �أحد العلماء املتحدثني يف تلك الندوة عدد ًا من امل�سائل التي مل تهم “ت�شايف” ومل جتذب انتباهه� ،إلى �أن بد�أ املتحدث ي�صف الطريقة التي تنتج بها “قناديل البحر” ال�ضوء ،وكيف تتم عملية التلأل�ؤ البيولوجي وت َوهُ ج ال�ضوء� .أ�شار املتحدث �إلى �أن ال�ضوء ي�شع من القناديل عندما تنعك�س �أ�شعة ال�شم�س فوق البنف�سجية على ج�سد القنديل ،فيحدث تفاعل وي�سطع الوهج الأخ�ضر. يف تلك اللحظة ،ملعت الفكرة يف ر�أ�س “ت�شايف” .و�أدرك �أنَّ ب�إمكانه حقن الديدان ال�شفافة بالربوتني الأخ�ضر امل�ضيء ،ثم ي�س ِّلط الأ�شعة فوق البنف�سجية عليها ،فريى اخلاليا احل َّية من دون احلاجة �إلى قتلها .واليوم ،تعد هذه التقنية ممار�سة معتادة يف جمال البيولوجيا اجلزيئية .وهناك من ُي َ�شـ ِّبهها باخرتاع املجهر “امليكرو�سكوب” ،لأنها م َّكنت العلماء من ر�ؤية غري املرئي. لقد فاز “ت�شايف” بجائزة “نوبل” للكيمياء ب�سبب قوة مالحظته وب�صريته النافذة� .إال �أن التمتُّع بر�ؤية ثاقبة لي�س حكر ًا على العلماء و�أ�صحاب جوائز “نوبل” فقط .فكلنا ب�صفة عامة ،منلك وجل ِّية للأمور ،لكنها تختلف عمق ًا ونفاذ ًا من �شخ�ص نظرة فطرية َ �إلى �آخر .فنحن نرى الروابط بني الأ�شياء ،ونالحظ التناق�ضات واالختالفات ،والتفاعل والتكامل بينها �أي�ض ًا .و�أحيان ًا نتح َّم�س حني نت َو َّ�صل �إلى �أ�ساليب جديدة ملعاجلة الأمور .فال تعوزنا القدرة على الر�ؤية العميقة والب�صرية املت َوقـِّدة ،الأمر الذي مُي ِّكننا من تغيري طـُرقنا يف التفكري والت�صرف واال�ستنباط .فالر�ؤية البعيدة والب�صرية النافذة تغريان واقعنا ،وتـُح ِّوالن ك ًال منا من �إن�سان عادي �إلى ا�ستثنائي.
�أ�سهم الأداء الإبداعي مع مطلع القرن احلادي والع�شرين ،ظهرت حركة علمية جديدة �أطلق عليها “علم النف�س الإيجابي” .وكان �أول من حت َّدث يف هذا املجال الدكتور “مارتن �سليجمان” وهو عامل نف�س مرموق ،الحظ �أنَّ تطبيقات علم النف�س يف احلياة العملية تفتقر �إلى التوازن .تن َّبه “�سليجمان” �إلى �أن الأخ�صائيني يف جماله يعملون دائم ًا على جعل الأ�شخا�ص ال�سلبيني واملكتئبني� ،أقل ب�ؤ�س ًا وتعا�سة فقط ،دون �أية حماولة لإ�ضافة هدف �أو معنى �إلى حياتهم .فبد�أ يبحث عن طرق جديدة لإ�ضفاء البهجة وال�سعادة على حياة النا�س ،واخرتاق حاجز التفكري التقليدي؛ ب�أن دوره َّ يتلخ�ص يف تخلي�صهم من ك�آبتهم فح�سب. باملقابل كان الدكتور “دونالد كليفتون” يقود �أبحاث ًا موازية برعاية منظمة “جالوب” العاملية املتخ�ص�صة يف البحوث امليدانية؛ االجتماعية منها والإدارية .وعندما تزامل العاملان يف “جمعية علم النف�س الإيجابي” التي �شاركا يف ت�أ�سي�سها انتبه “كليفتون” بر�ؤيته العابرة للحدود بني العلوم� ،أنَّ م�ؤ�شرات الأبحاث التي جتريها “جالوب” ت�ؤكد �أنَّ طروحات “�سليجمان” تنطبق �أي�ض ًا على عملية �صنع واتخاذ القرارات� .إذ الحظ �أنَّ النا�س يفكرون دائم ًا يف تقلي�ص الأخطاء عندما يتخذون قرار ًا ،بد ًال من ا�ستثمار ب�صريتهم النافذة ليتم َّكنوا من اتخاذ قرارات �سليمة من حيث املبد�أ .وهكذا و�ضع العاملان املعادلة التالية: حت�سني الأداء = الأخطاء � +إنفاذ الب�صرية وعلى الرغم من �أنَّ الرتكيز على التخلُّ�ص من الأخطاء ،يجعلنا �أقل قدرة على الإبداع� ،إال �أننا يف الغالب ننظر باجتاه ال�سهم الهابط ،لأن معاجلة الأخطاء �أ�سهل من �إعمال العقل و�شحذ الب�صرية؛ مما يحتم علينا النظر باجتاه ال�سهم ال�صاعد �أي�ض ًا ،حتى نتمتع بر�ؤية متوازنة، ونـُ َّف ِعـل النقي�ضني؛ بالدمج بني تقليل الأخطاء ،ونفاذ الب�صرية.
حمفِّزات الب�صرية والتفكري الإبداعي كانت الدرا�سات املرتبطة بنفاذ الب�صرية قبل االكت�شافات العلمية الأخرية غري ف َّعالة ،نظر ًا ل�صعوبة �إجراء جتارب معملية عليها .ثم �أثمرت الأبحاث امل�شار �إليها عن اكت�شاف خم�سة حمفـِّزات ت�ساعد على �شحذ الب�صرية هي: الروابط ،وامل�صادفات ،والفـ�ضول ،واملتناق�ضات ،والي�أ�س الإبداعي.
-1الروابط هذه اال�سرتاتيجية تُـع ِّرف الب�صرية ب�أنها ما يربط بني جمموعة من النقاط املختلفة لتكوين �صورة �أكرب �أو �أو�ضح ،وتقرتح ب�أنه ميكننا �صقل ب�صريتنا بالتع ُّر�ض لأفكار خمتلفة ومفاجئة ،مما ي�ساعدنا على ت�شكيل َومد روابط جديدة. عندما كان “بل جيت�س” يف ال�سنة الثالثة يف جامعة هارفارد� ،أخربه �صديقه “بول �ألن” �أنه قر�أ مقالة علمية حول اخرتاع املعالج الرقمي “ميكروبرو�سي�سور” ،و�س�أله :ماذا ميكننا �أن نفعل؟ ف�أجابه “جيت�س” :ميكننا �أن نفعل كل ما نريد يف معاجلة املعلومات .فعندما ربط ال�صديقان بني االخرتاع اجلديد ،وحاجة الأجهزة ال�صغرية لنظم ت�شغيل ،ترك “جيت�س” اجلامعة دون ا�ستكمال درا�سته ،وتف َّرغ لت�أ�سي�س �شركة “ميكرو�سوفت” .لقد �أدى الربط بني اخرتاع املعالج الإلكرتوين ،وبني لغة الآلة املربجمة� ،إلى واحدة من �أ�شهر ق�ص�ص نفاذ الب�صرية يف التاريخ .وهي ق�صة ما زالت ف�صولها رْتتى حتى اليوم ،ورمبا ل�سنوات طويلة قادمة. كتاب في دقائق
2
امل�صادفـــــــات
تت�شكل امل�صادفات من مواقف مفاجئة قد نتجاهلها �أحيان ًا ،رغم �أنها ت�شري �إلى منط جديد مل ندركه من قبل .وهي قد تغري طريقة مالحظتنا للأ�شياء ،وت�ضعنا على طريق مفاجىء ،ينتهي بنا �إلى اكت�شاف جديد .كما ميكن �أن تـُ َغيـِّر الطريقة التي نت�صرف بها ،فنعرف ما نحتاج �إلى تغيريه لك�سر الأمناط التي مل نكن نفهمها. قبل مباراة يف كرة القدم اجتمع مدرب الفريق بالعبيه لي�شاهدوا مباريات �سابقة للفريق املناف�س ،الذي قيل عنه “�إنه ال يقهر” ،وبعد م�شاهدة عدة مباريات ،اكت�شف املدرب �أن الفريق اخل�صم ي�ضع �أحد العبي الدفاع يف مكان غري معهود ،لي�صد �أي مهاجم يتخطى بقية املدافعني .الحظ املدرب ذلك مبح�ض ال�صدفة ،ور�سم خطته ليتو ّلى �أحد العبي خط الو�سط جتاوز ذلك املدافع بد ًال من املهاجمني .وبالفعل فاز فريقه على خ�صم ق�ضت البديهيات ب�أنه ال يقهر.
الف�ضول ت�أتينا بع�ض الر�ؤى والأفكار الالمعة بالتع ُّر�ض حلدث �أو �أمر غريب ُيح ِّرك ف�ضولنا ،ويجعلنا ُ أمر ما، نت�ساءل“ :ما الذي يحدث هنا؟” يدفع الف�ضول الإن�سانَ �إلى البحث ٍ ب�شكل �أعمقَ يف � ٍ مما ي�صقل ب�صريته ،ويمُ ِّكنه من ا�ست�شراف فكرة المعة. لقد َّمت اخرتاع الراديو “الرتانز�ستور” ب�سبب الف�ضول ،وذلك يف �أربعينيات القرن املا�ضي، حينما َج َّرب “را�سل �أوهل” ا�ستخدام ال�سيليكون للح�صول على ا�ستقبال �أف�ضل للراديو .يف �أحد الأيام ،ا�ستخدم “�أوهل” دون ق�صد قطعة �سيليكون مت�ش ِّققة .عندما تع َّر�ضت القطعة لل�ضوء ،زاد التيار ال�ساري بني جوانب ال�شقوق ب�شكل ملحوظ� .أثار هذا ف�ضول “�أوهل” الذي اكت�شف �أنَّ هذا ال�شق كان يف�صل بني ال�شوائب املوجودة يف قطعة ال�سيليكون .فت َو َّ�صل �إلى �أنَّ ال�شوائب هي التي غيرَّ ت الطريقة التي قاوم بها كل جزء من قطعة ال�سيليكون التيا َر الكهربائي� .أدى اكت�شاف “�أوهل” �إلى اخرتاع “الرتانز�ستور” وكل الناقالت ثنائية ال�صمام. لي�صمم �أول خلية �شم�سية م�صنوعة من ال�سيليكون. كما اعتمد الحق ًا على هذا االكت�شاف ِّ
املتناق�ضات
3
حت ِّفز الر�ؤى املتناق�ضة �شعور ًا عاطف ّي ًا بداخلنا يقول لنا “هذا م�ستحيل!” نحن دائم ًا نقول �أو نف ِّكر يف هذا ب�شكل تلقائي ،كلما واجهنا �أفكار ًا غري منطقية ال ميكن ت�صديقها �أو ا�ستيعابها. للتو�صل �إلى نظريته حول مر�ض “الكولريا” يف منت�صف القرن التا�سع دفعت حالة من عدم الت�صديق “جون �سنو” ُّ ع�شر .يف ذلك الوقت تب َّنى العلماء نظرية الهواء امللوث ،حيث ر�أوا �أنَّ الأمرا�ض امل�شابهة للكولريا ،تنت�شر عرب اجلو والروائح غري ال�صحية .اهتم “�سنو” بدرا�سة �سبب انت�شار الكولريا ،بعدما قر�أ خرب ًا ال يخلو من التناق�ضات. بحار توفيِّ ب�سبب الكولريا� ،أثناء �إقامته يف �أحد الفنادق الراقية ،وبعد عدة �أيام �أ�صيب �شخ�ص �آخر �أقام فهناك َّ يف نف�س الغرفة ،ثم �أ�صيب �آخرون يف الفندق ،حتى انت�شر املر�ض يف املنطقة املجاورة .ال تت�سق هذه احلادثة مع نظرية الهواء امللوث .كما ر�أى “�سنو” �أ َّنه من املفرت�ض �أن يتعر�ض املري�ض لإ�صابات يف الرئة ما دام املر�ض ينت�شر عرب الهواء .وبعد الفح�ص وجد �أنَّ رئة املري�ض �سليمة ،لكنَّ جهازه اله�ضمي م�صاب ب�شكل خطري ،مما ي�شري �ضمن ّي ًا �إلى �أنَّ الإ�صابة بـ “الكولريا” حدثت ب�سبب طعام �أو �شراب تناوله املري�ض .ب�صرية “�سنو” مكنته التو�صل �إلى هذا .وب�إجراء املزيد من الأبحاث ،عرف “�سنو” �أنَّ املياه امللوثة هي �سبب انتقال املر�ض. من ُّ كتاب في دقائق
الي�أ�س الإبداعي يبدو هذا املفهوم غريب ًا بع�ض ال�شيء ،واملق�صود به التو�صل �إلى طريقة عادية هنا هو حالة الي�أ�س من ُّ ملعاجلة الأمور ،مما يدفعنا �إلى البحث عن طرق جديدة وا�ستثنائية للخروج من �أزمات قد تبدو بال خمرج.
تعمل “�شرييل كني” مديرة مالية يف م�ؤ�س�سة للبحوث الثقافية .وعندما طلب منها رئي�سها توزيع التكاليف على امل�شروعات املختلفة ،طلبت من املوظفني ملء جداول العمل يف نهاية كل �أ�سبوع ،لتحدد عدد ال�ساعات امل�ستثمرة يف كل بحث .ونظر ًا لعدم ا�ستجابة الباحثني ،بد�أت تالحقهم وتكلمهم بعنف. �أ�صيبت “كني” بالي�أ�س ،وبد�أت تت�صرف بع�صبية يف املنزل والعمل .وبعد تفكري عميق ،قررت ا�ست�شارة والدتها .ف�س�ألتها والدتها“ :ملاذا ال جتدين طريقة ملكاف�أتهم ،بد ًال من لومهم؟” �أدركت “كني” �أنَّ احلل ب�سيط .فبد�أت تقدِّ م جوائز رمزية لكل من يقدِّ م جدوله �أو ًال� .شملت حوافزها �أقالم حرب ،وتذاكر م�سرح ،ودعوة على الغداء مع املدير العام .فبد�أ الباحثون يـُق ِبلون على ملء البطاقات وتوزيع �ساعات العمل على امل�شروعات؛ بل ويت�سابقون �إلى تقدمي التقارير واختيار اجلوائز الأف�ضل �أو ًال .وهكذا ،بطرحها املكاف�آت كبديل للعقوبات ،ب ّثت “كني” احلما�س يف الفريق ،بعدما كانت تظن �أنَّ التهديد �سيحقق لها ما تريد.
ما الذي يعرت�ض ب�صائرنا؟ عند �سماعه بنظرية “داروين ”،ع َّلق “ت.هـ .هك�سلي” قائ ًال“ :من الغباء ال�شديد �أنني مل �أفكر يف هذا الأمر من قبل!” الأ�شخا�ص من �أمثال “هك�سلي” لي�سوا �أغبياء ،لكنهم ي�شعرون على هذا النحو عندما تعجز ب�صائرهم عن ر�ؤية فكرة وا�ضحة .فما الذي يعوق الب�صرية عن ر�ؤية فكرة موجودة؟ ت�شرح حاالت بع�ض الأ�شخا�ص َمن يتمتع بب�صرية نافذةَ ،ومن ال يتمتع �سميه بظاهرة �أو متالزمة “التوائم املتناق�ضة ”.يف �إحدى بها ،ما ُن ِّ التجاربُ ،قدِّ م لكل تو�أمني جمموعة متماثلة من املعلومات عن مو�ضوع تو�صلنا �إلى �أربعة ما؛ وبعد درا�سة وحتليل ما فعله كل تو�أم باملعلوماتَّ ، �أ�سباب تعوق ب�صريتنا ،فال نرى الوا�ضح بو�ضوح.
كتاب في دقائق
4
-1معتقدات خاطئة ر َّكزت بع�ض التوائم على �أفكار خاطئة �ش َّو�شت ر�ؤيتهم وجعلتهم غري قادرين على االكت�شاف .انظر مث ًال �إلى الطريقة التي تعامل بها املجتمع الطبي مع نظرية الهواء املل َّوث ،واعتبارها �سبب انت�شار “الكولريا ”.يف هذه احلالة ،نعترب الباحثني هم التو�أم الذي يفتقر �إلى الب�صرية� .أما الدكتور “�سنو” فهو التو�أم الذي يتمتع بب�صرية و�س ِخروا من ر�أي “�سنو” نافذة .رف�ض الباحثون املعلومات التي تخالف نظريتهمَ ، حول املياه امللوثة .وعلى العك�سَ ،ق ِب َل “�سنو” البيانات والإ�شارات اجلديدة ،على الرغم من تب ِّنيه يف البداية لنف�س النظرية القدمية .اال�سرتاتيجية الناجحة للتو�أم نافذ الب�صرية هي الت�أ ُّمل وو�ضع احتماالت جديدة ،ثم فح�صها الكت�شاف ما قد ي�صح منها� .أما التو�أم غائم النظر ،فيتم�سك باملعتقد اخلاطئ ،ويرف�ض كل ما عداه متام ًا. لدى ٍّ كل م َّنا جمموعة من املعتقدات الرا�سخة التي ت�ؤثر على فهمنا للأمور ،ونلج�أ �إلى هذه املعتقدات عند معاي�شة الأحداث من حولنا �أثناء ا�ستك�شاف �أي جديد. امل�شكلة يف هذا �أ َّننا عندما نواجه �أمر ًا غريب ًا� ،أو حدث ًا غام�ض ًا ،منيل للبحث عن تف�سري له ،ب�شرط �أال يخالف هذا التف�سري �أفكارنا ال�سابقة .فنحن نرف�ض �إعادة فح�ص نظرياتنا.
دروع مقاومة املعرفة الت�ش ُّبث بكل النظريات القائمة خط�أ ،مثل الثقة ببع�ض البيانات املغلوطة ،رغم بروز دالئل تدح�ضها .يقول “بول فليتوفيت�ش” �إنَّ مقوالت مثل: “ما ال نعرفه قد ُ ي�ض ُّرنا ،وما نعرفه متام املعرفة لن ي�ؤذينا” ت�سمى “دروع مقاومة املعرفة ”.يظهر مثل هذا الأمر جل ّي ًا يف حاالت الأطباء الذين يت�ش َّبثون ب�أول ت�شخي�ص يتو�صلون �إليه ،حتى ولو ثبت خط�ؤهم الحق ًا! ويطبق العلماء العديد من الأ�ساليب لتربير ظهور �أي تعار�ض يف جتاربهم� ،إذا كان �سيلغي م�سل َّماتهم ،ومنها: uالت�شكيك يف �صحة الأ�ساليب امل�ستخدمة يف جمع البيانات. uالبحث عن م ِّربر لعدم ات�ساق البيانات مع نظريتهم. ف�سر �سبب اختالف النتائج عن املتوقع. uالبحث عن �أي خط�أ يف �أبحاثهم ُي ِّ � uإجراء تعديالت ب�سيطة و�سطحية على نظريتهم.
-2االفتقار �إلى اخلربة يعاين كثريون من عدم نفاذ الب�صرية ب�سبب افتقارهم للخربات والتجارب .اخلربة هنا ال تعني املعرفة فقط ،بل ت�شمل كيفية توظيف املعرفة لنكون �أكرث انتباه ًا ملا حولنا .فخلفيتنا الثقافية واملعرفية قد جتعلنا �أكرث �إدراك ًا ووعي ًا ب�إ�شارات و�أمناط ب�سيطة قد ال يالحظها غرينا .الدكتور “ت�شايف” دفعته خربته يف املعمل �إلى الت�ص ُّرف ب�شكل يختلف عن كل من ح�ضروا الندوة ،والذين تل ُّقوا نف�س املعلومة مثله. فالبقاء يف حالة انتباه ،يعني التمتُّع بذهن حا�ضر ومت�أهب اللتقاط كل �شيء.
5
كتاب في دقائق
-3التفكري ال�سلبي يعاين بع�ض من يفتقرون �إلى النظرة الثاقبة من ال�سلبية ،فنجدهم ي�أبهون باملهام ال�ضرورية املطلوبة منهم فقط ،وال يحاولون البحث عن فر�ص �سانحة قد تقابلهم �أثناء التنفيذ. واجه “توم” م�شكلة عوي�صة حني حاول تغيري مكان عمله .فقد �سبق و�أن و َّقع �إقرار ًا عندما ح�صل على وظيفة يف �إحدى ال�شركات؛ مينعه من العمل مع �أي عميل من عمالء ال�شركة �إذا تركها وبحث عن وظيفة �أخرى .وعندما انتقل �إلى العمل يف �شركة جديدة� ،أخربه امل�ست�شار القانوين �أنَّ عليه االلتزام باالتفاقية ،ما يعني فقدانه الوظيفة .يف هذا املوقف ي�ست�سلم ال�شخ�ص ال�سلبي �ضعيف الب�صرية ،وال يجد خمرج ًا من امل�أزق� .أما “توم” فقد ت�ص َّرف ب�شكل خمتلف؛ �إذ ات�صل بامل�ست�شار القانوين يف �شركته القدمية وطلب قائمة بكل عمالء ال�شركة كي ال يبحث عن عمل لديهم ،التزام ًا بالإقرار الذي و َّقعه .كان “توم” بب�صريته النافذة يعلم �أنَّ حتقيق مثل هذا املطلب �صعب ،وبخا�صة �أنه على و�شك العمل لدى �أحد املناف�سني .وبالفعل رف�ض امل�ست�شار تقدمي القائمة لـ“توم” الذي �أجاب بدوره �أ َّنه ال ي�ستطيع االلتزام بالإقرار �إن مل يح�صل على القائمة .فلم يجد امل�ست�شار القانوين ح ًال �سوى �إعفائه من الإقرار متام ًا.
-4التفكري اجلامد يختلف النا�س �أحدهم عن الآخر يف تعاملهم مع التناق�ضات والغمو�ض ،مما ي�ؤثر على امتالكهم لب�صرية نافذة .فبع�ض الأ�شخا�ص ال يتمتَّعون بال�صرب الكايف للتعامل مع التخمينات ،ويتبعون �أ�سلوب ًا جامد ًا يف التفكري والتعامل مع احلقائق فقط ،وال يقرتب نهائ ّي ًا من االفرتا�ضات �أو التخ ُّيالت .بينما يعتمد التفكري اخل َّالق على التوفيق بني الأفكار املختلفة ،وتخ ُّيل عدة �سيناريوهات افرتا�ضية .ويختلف الأمر هنا عن التمتُّع مبوقف ف َّعال �أو �سلبي ،فاملوقف الذي نتخذه قد يتغيرَّ باختالف التجارب والظروف� ،أما �أ�سلوب التفكري – �سواء كان جامد ًا �أو خالق ًا -فيكاد يكون �سمة �شخ�صية ثابتة ال تتغري.
امل�ؤ�س�سات وعرقلة الر�ؤى َتكـبـِت بع�ض امل�ؤ�س�سات -من دون ق�صد -ميول العاملني بها للتمتُّع بب�صائر نافذة .يحدث هذا ب�أ�ساليب قدمية ورا�سخة وغري مرئية .لفهم هذه الإ�شكالية يجب معرفة الدوافع التي جتعل بع�ض امل�ؤ�س�سات حتول دون نفاذ ب�صائر موظفيها. كتاب في دقائق
6
-1الدوافع u
ُّ فخُّ التوقعات :تخنق بع�ض امل� َّؤ�س�سات �إبداع موظفيها وحتجب ب�صائرهم ب�سبب عوامل كامنة يف منظومتها ،فهي ت�ضع تو ُّقعات ملوظفيها ،فتح�صرهم داخلها ،مما َيكبـِت قدرات املوظف الإبداعية ،ويـُلغي احتماالت خروجه ب�أ َّية مفاج�آت� ،أو متتُّعه بر�ؤية تخ�صه دون غريه .ي�ؤدي التمتُّع بر�ؤية ثاقبة �إلى نتائج تختلف عن املتو َّقع .ومن ثم يت ُّم التعامل مع هذه ال�سمة باعتبارها �أمر ًا �ضار ًا، ي�أتي من دون �سابق �إنذار ،ويفتح جما ًال الحتماالت ي�صعب تو ُّقعها، وتعقيدات ال ميكن التن ُّب�ؤ بها ،وم�آزق قد توقع امل� َّؤ�س�سة يف املتاعب. ب�سبب كل ما �سبق ،تدعم امل� َّؤ�س�سات الت�صرفات املت َو َّقعة ،لتتم َّكن من �إدارة م�شاريعها ب�شكل �أف�ضل. قد َي َّدعي املديرون �أ َّنهم يح ُّثون موظفيهم على تقدمي �أفكار مبدعة ،لكن الواقع مغاير لهذا ،فهم يـُف�ضلون الأفكار اجلديدة التي تت�سق مع املمار�سات ال�سائدة يف امل� َّؤ�س�سة فح�سب .مثل هذا النهج ال ي�ساعد املوظفني على التمتع بب�صائر نافذة وتفكري �إبداعي.
uفخُّ الكمال :ترغب امل�ؤ�س�سات يف حتقيق املثال والكمال ،وتتوقع �أعما ًال خالي ًة متام ًا من الأخطاء .ولهذا َيـق�ضي املديرون ُج َّل وقتهم يف البحث عن الأخطاء لت�صحيحها؛ فمن الأ�سهل -من وجهة نظرهم -تقلي�ص الأخطاء ،بد ًال من دعم موظفيهم للخروج ب�أفكار جديدة .ف�أنت كمدير تعرف كيف تالحظ ت�شجع موظفيك على التمتُّع بر�ؤى الأخطاء ،لكنك ال تعرف كيف ِّ ثاقبة .مع �أنَّ الر�ؤى اخلالقة قد تقفز مب� َّؤ�س�ستك �إلى �آفاق غري م�سبوقة ،وقد مت ُّدك ب�أفكار لتطوير كل خططك .فلماذا يتق َّيد املديرون بالأهداف املبدئية ،يف حني يمُ كنهم حتقيق اكت�شافات جديدة متام ًا؟ �إنَّ ال�سعي وراء الكمال واملثال ،مع احتماالت التع ُّر�ض مل�آزق كبرية، قد ال ي�سفر عن الكثري من العوائد ،وقد يزيد من احتماالت الف�شل .ولذا ،ف�إن املديرين الذين يغرقون يف التفا�صيل طلب ًا للكمال ،يقعون يف “فخّ الكمال” املطلق.
الأ�ساليب متيل امل� َّؤ�س�سات �إلى دعم وتعزيز ال�سهم الهابط وت�صحيح الأخطاء من خالل: uفر�ض معايري �صارمة جد ًا. uرفع درجة التح ُّكم يف كل العمليات. � uإجبار املوظفني على توثيق كل م�صادرهم. uالإ�صرار على تعريف افرتا�ضاتهم وتو�ضيح توقعاتهم ب�شكل مبالغ فيه. uزيادة �أعداد و�أنواع تقارير املراجعة. uالتعامل مع اال�ستنتاجات واالفرتا�ضات ب�صرامة �شديدة. � uإلزام املوظفني بالإبداع طبق ًا للوائح و�إجراءات معينة. uزيادة تفا�صيل وبنود اجلداول التي يجب االلتزام بها.
التدخُّ ل الإداري لدعم ال�سهم الهابط ،يتم و�ضع معايري �صارمة ،والتحكم الكامل بالعمليات، وحث املوظفني على �شرح النتائج التي تو�صلوا �إليها بدقة� ..إلخ .ولهذه الطرق مميزات كثرية .ولكن تظهر عيوبها عندما تط َّبق بت�ش ُّدد مينع املوظف من الإبداع وجتربة ر�ؤيته اخلا�صة .ومثل هذا الت�ش ُّدد يف التطبيق ي�ؤدي �إلى: uت�شتيت املوظف :ي�ضيع �أغلب وقت العاملني يف االلتزام مبهام ال ت�ساعدهم على الت�أ ُّمل والتفكري. uقتل الرغبة يف الت�أ ُّمل الإبداعي :ي�ؤدي فر�ض قيود على املوظف لتجنب الأخطاء �إلى فقدان الثقة يف حد�سه� ،إذ ال تبقى لديه م�ساحة للتجريب واملحاولة واخلط�أ. 7
كتاب في دقائق
uو�صف نفاذ الب�صرية بال�سلبية :تعزِّ ز ثقافة بع�ض امل� َّؤ�س�سات فكرة �أن كل ما يناف�س خطة العمل ،ويتداخل مع جدول تنفيذها هو بال�ضرورة تهديد خطري ،بغ�ض النظر عن الإيجابيات التي قد تنتج عنه. ت�شجع على التغا�ضي عن غري امل�ألوف� :إذ يعترب كل ما هو غري م�ألوف من م�س ِّببات الفو�ضى ،وكلما زادت غرابته ،زادت �شكوك ِّ u املديرين فيه ،وخوفهم من التعامل معه؛ لذلك يتجاهلونه وك�أ َّنه غري موجود. ت�شجع ال�سلبية :حت�صر هذه الأ�ساليب تفكري املوظف يف االلتزام باللوائح وب�إجراءات حمددة ،حني يبعث املديرون للعاملني بر�سائل ِّ u مفادها :ال تفكروا ،واتبعوا اخلطوات فح�سب .وهكذا ،يدخل املوظفون يف حالة من ال�سلبية ،تعوق ب�صريتهم ومتنعهم من الإبداع.
متكني الر�ؤى الثاقبة بعدما ناق�شنا ما يح ِّفز الب�صرية النافذة وما يعوقها� ،سنناق�ش بع�ض الأ�ساليب التي مت ِّكننا من دعمها وتعزيزها داخلنا .رمبا يبدو الأمر يف البداية �صعب ًا ،لكن ا�ستك�شاف كل �أ�سلوب وفح�صه على حدة� ،سيجعل الأمر �أكرث �سهولة.
-1التناق�ض :من الأمور التي متكننا من اكت�ساب ب�صرية نافذة ،ا�ستغالل طاقة الآراء املناق�ضة لآرائنا. كان قائد مركز الإطفاء يف “لو�س �أجنلو�س” يواجه م�شكلة مع �أحد الإطفائيني اجلدد، �أو هكذا خـُيـِّل له .كان يرى �أنَّ الإطفائي ال�شاب يعاين من م�شكلة يف طريقة تعامله مع كل �شيء .وعندما خرج مع وحدته يف مهمة لإطفاء �إحدى احلرائق ،كلفه القائد مبهام ال ين ِّفذها بال�شكل املتو َّقع منه كالعادة .بعد عودة فريق الإطفاء ،ا�ستدعى القائد الإطفائي ال�شاب لتوبيخه ،و�إخباره بعدم �أهليته لهذا العمل ،وكتابة تقرير ي�شرح �أ�سباب طرده من العمل .وقبل �أن ي�شرع القائد يف تقريع الإطفائي ،تذ َّكر تدريب ًا كان قد تل َّقاه يف ال�سابق ،ي�شرح �أ�ساليب خمتلفة يف التعامل مع املوظفني اجلدد ،مثل طرح �أ�سئلة لفهم ما يحاولون فعله ،بد ًال من البدء بلومهم .ولذا� ،س�أل القائد الإطفائي عما كان يدور يف ذهنه عندما ن َّفذ املهام املكلف بها ب�شكل يختلف عن املتو َّقع .وهنا فوجئ القائد ب�أنَّ الإطفائي كان قد ر�سم يف خميلته خطة �سليمة وخمتلفة عن املعهود ،لين ِّفذ مهامه طبق ًا لها .عندها �أدرك القائد �أنَّ امل�شكلة تكمن فيه ،ال يف الإطفائي ال�شاب! لقد �شحذ القائد ب�صريته بالرت ُّيث والتح ُّدث مع ال�شاب ،فعرف ما يجول بخاطره ،ليكت�شف �أ َّنه هو من يت�س َّبب يف م�شكالت ال داعي لها ،ب�سبب غ�ضبه من عدم التزام العاملني بتعليماته حرف ّي ًاَّ .منى القائد ب�صريته لأ َّنه �سعى ملعرفة وجهة نظر خمتلفة عن وجهة نظره ،وتب َّنى موقف ًا مناق�ض ًا ملوقفه. ي�شجعنا على �إعادة النظر يف افرتا�ضاتنا ،مع جتاهل ال�ضعيف منها .فنحن نواجه الكثري من -2الإبداعِّ : االفرتا�ضات عند التع ُّر�ض ملواقف �صعبة ،وت�سجيل كل افرتا�ض منها يعترب �أمر ًا مرهق ًا� .أف�ضل ا�سرتاتيجية ميكن اتباعها هنا ،هي “التفكري االنتقادي واالنتقائي” التي تقدم حتلي ًال منهج ّي ًا للأدلة املتاحة لنا .هذه اال�سرتاتيجية عبارة عن عملية ذهنية حتدث داخل عقولنا ،لفح�ص االفرتا�ضات التي جتول يف خواطرنا، دون احلاجة لو�ضع قائمة بتلك االفرتا�ضات ،وهذا ما يحدد يف النهاية ما �إذا كان علينا ت�صديق �أو نفي فر�ضية معينة. كتاب في دقائق
8
-3الربط :ينجح هذا الأ�سلوب �إذا كانت لدينا �أفكار حتتاج �إلى �إيجاد روابط بينها. التو�صل الكت�شافات جديدة. وكلما زاد زخم وت�صارع الأفكار يف عقولنا ،زادت فر�ص ُّ يقدم “�ستيفن جون�سون” يف كتابه“ :من �أين ت�أتي الأفكار الرائعة” ن�صائح لزيادة زخم الأفكار املبدعة .من تلك الن�صائح؛ التعر�ض ملواقف تزيد كثافة �أفكارنا ،والتعامل مع الكثري من املبدعني ،والت�أ ُّثر ب�أفكارهم ب�شكل �إيجابي .و�أن نرتك �أنف�سنا عر�ضة لل�صدف ،كي تتداعى �أفكارنا ب�شكل ع�شوائي وتلقائي .ينجح هذا الأ�سلوب �أكرث حينما ننفذه على م�ستوى جماعي ،لأنَّ اجلهود الفردية ال ت�ؤدي دائما �إلى النتائج املرج َّوة. وعلينا �أي�ض ًا �أن منار�س بع�ض الهوايات املختلفة لتعزيز فر�صنا يف �إيجاد روابط غري متو َّقعة بني �أفكارنا. عندما طلب “�ستيف جوبز” ت�صميم مبنى “بيك�سار” اجلديد ل�شركة “�أبل” ،عمل على زيادة التفاعل الإيجابي بني �أفكار العاملني؛ بت�شجيعهم على عقد املناظرات وجه ًا لوجه يف بهو املبنى ،لي�شارك اجلميع وي�ستفيدوا من الأفكار املطروحة. ورغم كل ما �سبق ،علينا �أن نتعامل ب�أ�سلوب ناقد وانتقائي عندما ت َُ�ص ُّب �أفكا ٌر كثرية يف عقولنا .فكلما زادت ع�شوائية هذه الأفكار ،زاد املجهود الذي �سنبذله يف غربلتها ملعرفة ال�صالح فيها من الطالح .ويف هذا يقول “هرني بوانكريه”“ :الإبداع هو اجلمع يف توليفة واحدة بني جمموعة �أفكار كلها نافعة”.
الإرادة امل� َّؤ�س�سية يف بع�ض الأحيان تتعدى م�شكلة امل� َّؤ�س�سة م�س�ألة تثبيط همم موظفيها وعدم ت�شجيعهم على التمتُّع بر�ؤاهم النافذة .وهناك م� َّؤ�س�سات تفعل العك�س ،من دون �أن ت�ستفيد من الر�ؤى والأفكار التي يقدمها موظفوها ،لأ َّنها ال تتمتَّع بالإرادة الكافية لإحداث تغيري .رمبا يعلم بع�ض القادة �أنَّ هذه الر�ؤى مفيدة ،ويعرفون كيف يطبقونها على �أر�ض الواقع ،لكنهم ال يعرفون كيف َي ْح ِ�شدون الطاقات الالزمة لتنفيذها. �أف�ضل مثال على هذا هو �شركة “�إي�ستمان كوداك” التي ت� َّأ�س�ست عام ،1880وقدمت يف عام � 1888أول فيلم مرن للت�صوير الفوتوغرايف ،و�أنتجت �أول كامريا عام ،1900وطرحتها يف الأ�سواق مقابل دوالر واحد للكامريا ،مما جعل الت�صوير متاح ًا للجماهري. وهكذا هيمنت “كوداك” على ال�سوق �أكرث من قرن ،حتى بلغت ح�صتها من �سوق الكامريات عام 1976يف �أمريكا ،%85 ،ون�سبة مبيعاتها للأفالم .%90ثم بد�أ �أدا�ؤها يف الرتاجع ،لأنها مل تدرك النقلة التقنية التي حدثت عندما ح َّلت الكامريات الرقمية حمل الكامريات التقليدية. مل تتخ َّلف “كوداك” عن االبتكار ،لأن �أول من �ص َّمم كامريا رقمية عام 1975هو املهند�س “�ستيف �سا�سون” الذي يعمل حل�سابها، وح�صل على براءة اخرتاع هذه الكامريا عام .1978فال ميكن القول ب�أن “كوداك” مل تلحق مبوجة الت�صوير الرقمي ،لأنها هي التي بد�أتها .وهذا يعني �أنها مل تكن تعاين من افتقار موظفيها للإبداع. فال�شركة كانت تعرف كيف �ستغيرِّ التكنولوجيا الرقمية ال�سوق ،لكنها 9
كتاب في دقائق
تر َّددت يف التخ ِّلي عن �أرباحها العالية من بيع الأفالم الفوتوغرافية، مقابل حتقيق �أرباح �أقل بكثري من بيع الكامريات الرقمية. قامت “كوداك” بالنقلة التكنولوجية اجلديدة ،لكنها مل ت�شعر ب�أهمية حتقيق هذا ب�سرعة و�إجراء تطوير جذري يف خطوط �إنتاجها. وحتى عندما ا�ستوعبت �أهمية ذلك ،وبد�أت يف ت�سويق الكامريات الرقمية ،ف�شلت ب�سبب قوة ومتيز مناف�سيها اجلدد“ :نيكون”، و“�سوين ”،و“كانون” .لقد افتقرت “كوداك” �إلى الإرادة الالزمة لتطبيق التغيري ،وظلت عالقة يف براثن منوذج العمل الذي جنح معها يف ال�سابق ،فذهبت �ضحية لنجاحها الكبري. تظهر قوة �إرادة امل� َّؤ�س�سات عندما تتم َّكن من اال�ستفادة من الإبداعات الناجتة عن ر�ؤى العاملني فيها ،وتطبيقها على �أر�ض الواقع .فتمتُّع املوظفني بر�ؤى �إبداعية ثاقبة ،ال يعني تعاملهم مبرونة ومهارة مع اخلطط املو�ضوعة للو�صول �إلى هدف بعينه؛ �إمنا يعني تغيري الهدف املح َّدد م�سبق ًا ،وو�ضع هدف �أعلى والعمل على حتقيقه.
�سر الب�صرية ال�ساحرة! تبدو الب�صرية والر�ؤية الإبداعية �أحيان ًا مثل ال�سحر؛ فالنتيجة النهائية هي ما يقفز �أمامنا فج�أة ،كما يقفز الأرنب خارج ًا من قبعة ال�ساحر .نحن ال نرى اخلطوات التي ت�سبق ذلك ،وال ال�شهور التي ق�ضاها ال�ساحر وهو يتدرب على ت�صميم القبعة ،ويف تدريب الأرنب؛ فما نراه هو النتيجة النهائية فقط! رمبا ال ن�ستطيع تو ُّقع �أو حتديد اللحظة التي تتج َّلى فيها للإن�سان ر�ؤية �إبداعية تخرج بهذه النتيجة ،رغم �أن العملية نف�سها غري غام�ضة على الإطالق ،بل ي�سهل فهمها؛ حيث تقدِّ م �أ�ساليب اكت�ساب و�صقل الب�صرية التي �شرحناها �آنف ًا مدخ ًال لفهم هذه العملية .وميكن بتطبيق هذه الأ�ساليب �أن ُنغيرِّ ال�صورة التي كنا نرى بها الأمور ،مما يف�سح املجال �أمام عقولنا كي تنطلق بالكثري من الأفكار والر�ؤى الإبداعية الثاقبة. التمتع بب�صرية نافذة يجعل عقولنا تخرج با�ستنتاجات �أعمق واكت�شافات �أدق ،ت�أخذ مكان �أفكارنا القدمية� .إذ يكمن �سر الب�صرية النافذة يف متكينها ل�صاحبها من مالحظة الروابط وامل�صادفات والظواهر الغريبة، ِ وتـَم ِّكنه من فهم املتناق�ضات ،وحت ِّرك الإبداع يف داخله ،كلما �شعر ب�أ َّنه قد و�صل �إلى طريق م�سدود .هذا ال�سر موجود دائم ًا يف داخلنا ،وهو دائم ًا ينتظر �أن نن ُف َ ـ�ض عنه الغبار كي ينبثق وينطلق.
المؤلف: مؤسسة “ماكروكوجينيشن ”،ولعب دورا ً رئيس ًا في تأسيس جاري كالين :كبير العلماء في َّ نظرية صنع القرار الطبيعي .كما حصل على الدكتوراه في علم النفس التجريبي من جامعة “بيتسبرج” بوالية بنسلفانيا.
كتب مشابهة:
1. The Art of Insight How to Have More Aha! Moments. By: Charles Kiefer and Malcolm Constable. 2013
فن االستبصار :كيف تحصل على المزيد من لحظات اإلبداع .تأليف :تشارلز كيفر ومالكوم كونستابل2013 ،
2. Leading Teams A Collection of 40 Brief and Essential Insights for Improving Group Performance. By: Sean Glaze. 2013 قيادة الفرق 40 :رؤية ضرورية لتحسين أداء المجموعات .تأليف :شين جليز2013 ،
3. Data Smart Using Data Science to Transform Information into Insight. By: John W. Foreman. 2013 الذكاء المعلوماتي :توظيف علم تحليل البيانات لتحويل المعلومات إلى رؤى .تأليف :جون فورمان2013 ، كتاب في دقائق
10
“ت�أتينا بع�ض الر�ؤى والأفكار الالمعة بالتعر�ض حلدث �أو �أمر غريب
يحرك ف�ضولنا حيث يدفع الف�ضول الإن�سان �إلى البحث ب�شكل �أعمق مما ي�صقل ب�صريته وميكنه من ا�ست�شراف فكرة المعة”.
جاري كالين