021 رؤية اللامرئي

Page 1


‫ٍ‬ ‫ثــــــــوان‪...‬‬ ‫فـي‬ ‫يف كلمات م�ضيئة جمعت بني حناياها خربات ال�سنني و�ضمت يف طياتها عمق‬ ‫الر�ؤية و�سداد الب�صرية‪ ،‬ير�سم �سيدي �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد‬ ‫�آل مكتوم نائب رئي�س الدولة رئي�س جمل�س الوزراء حاكم دبي “رعاه اهلل”‬ ‫خارطة طريق الوطن نحو الريادة امل�ستدامة‪ ،‬حيث يقول �سموه‪“ :‬كل املطلوب‬ ‫لتحقيق �أهدافنا �أن نقود ال�شعب يف الطريق ال�صحيح ونن ّمي يف بناته و�أبنائه‬ ‫روح االبتكار والإبداع والثقة بالنف�س والت�صميم على الإجناز والقدرات‬ ‫القيادية”‪ .‬بهذه الكلمات‪،‬مل يكتف �سموه برفع �سقف طموحات الوطن‪ ،‬ومل‬ ‫تقت�صر املعاين على ر�سم خطوات طريق النجاح‪ ،‬بل جاءت املفردات مبثابة‬ ‫و�صفة حكيم‪� .‬إن االبتكار يف التعليم ين�شئ جي ًال مبدع ًا‪ ،‬و�صفة الإبداع تُك ّون‬ ‫نفاذ الب�صرية وتُك�سب الثق َة بالنف�س‪ ،‬و�إذا ما اجتمع االبتكار والإبداع مع‬ ‫نفاذ الب�صرية والثقة بالنف�س تتكون �شخ�صية وقدرات جيل ميتلك مكونات‬ ‫قيادة امل�ستقبل نحو الريادة‪ ،‬وقيادة بتلك املوا�صفات البد و�أن تر�سم‬ ‫�سيا�سات مبنية على ت�أ�صيل روح االبتكار يف الأجيال اجلديدة‪ ،‬لنجد �أنف�سنا‬ ‫�أمام دائرة مبدعة تُعيد �إنتاج ذاتها حتت عنوان الريادة امل�ستدامة‪.‬‬ ‫ويف �إطار �سعي م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم الدائم على ن�شر وطباعة‬ ‫امل�ؤلفات التي تُرثي العقول وترتقي مبكت�سبات الوطن والتي ت�ؤكد على‬ ‫منهجية توجهات ور�ؤى قيادتنا الر�شيدة‪ ،‬ت�أتي ملخ�صات الدفعة ال�سابعة‬ ‫مبدع‬ ‫ملبادرة “كتاب يف دقائق” لت�شمل ‪ 3‬موا�ضيع معنية ب�أهمية تن�شئة ٍ‬ ‫طفل ٍ‬ ‫مبتكر وقاد ٍة قادرين على �إحداث التغيري‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وجيل ٍ‬ ‫ويف دفعتنا اجلديدة �سي�أخذكم ملخ�ص كتاب “التعلُّم بال ّلعب” يف رحلة‬ ‫ع�صف ذهني حول ما �إذا كان نظام التعليم الإلزامي املُطبق يف العامل حالي ًا‬ ‫هو الأجنع لأطفالنا والأقدر على تن�شئة جيل مبدع؟ �أم �أن غريزة التعلم‬ ‫الفطرية لدى الأطفال‪ ،‬املبنية على الف�ضول والتلقائية‪ ،‬تفقد بريقها وتنحرف‬ ‫عن امل�سار مبجرد حتجيمها يف قالب روتيني جامد ُي َ�س َّمى التعليم الإلزامي؟‬ ‫�أما ملخ�ص الكتاب الثاين فيحمل ا�سم‪“ :‬ر�ؤية الالمرئي‪ :‬كيف تتمتع بنظرة‬ ‫ثاقبة وب�صرية نافذة؟”‪ ،‬حيث يناق�ش خالله م�ؤلف الكتاب‪ ،‬جاري كالين‪،‬‬ ‫�أهم حمفزات نفاذ الب�صرية والتفكري الإبداعي‪ ،‬والتي يلخ�صها يف خم�سة‬ ‫عوامل هي‪ :‬الروابط وامل�صادفات والف�ضول واملتناق�ضات والي�أ�س الإبداعي‪.‬‬ ‫وتختم ملخ�صات الدفعة ال�سابعة بكتاب “القادة ُي�ؤ ِثرون ف ُي�ؤ ِّثرون” من ت�أليف‬ ‫�سيمون �سينيك‪ ،‬الذي يتبنى نظرية مثرية لالهتمام‪ ،‬حيث يرى الكاتب �أن‬ ‫املحفزات التي ت�سهم يف حت�سني �سلوك الأفراد على ال�صعيد ال�شخ�صي هي‬ ‫ذاتها التي ت�ساعد امل�ؤ�س�سات التجارية يف حتقيق النجاحات‪.‬‬ ‫ويف اخلتام �أمتنى �أن تنعموا بقراءة مفيدة و�أن تنال ملخ�صات الدفعة‬ ‫ال�سابعة من “كتاب يف دقائق” ر�ضاكم‪� ،‬آم ًال �أن نكون قد �ساهمنا يف تنوير‬ ‫العقول وتعزيز قيمة العلم ولو باجلزء الي�سري من �أجل امل�ساهمة يف تطوير‬ ‫جمتمع متقدم‪ ،‬يتخذ من العلم والثقافة والأدب �سند ًا وظهري ًا يتكئ عليه يف‬ ‫رحلته نحو الريادة امل�ستدامة‪.‬‬ ‫جمال بن حويرب ‬ ‫‪1‬‬

‫الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم‬

‫كتاب في دقائق‬

‫ال�شفافيـَّة وتـَوهـُّ ُج ال�ضوء‬ ‫اعتاد الدكتور “مارتن ت�شايف” �أ�ستاذ البيولوجيا يف جامعة‬ ‫كولومبيا �إجراء �أبحاثه على اجلهاز الع�صبي للديدان‪ ،‬واملكوث‬ ‫لفرتات طويلة وهو يراقبها يف املعمل‪ .‬ويف �أحد الأيام �شارك يف‬ ‫ندوة ذات مو�ضوع بعيد عن تخ�ص�صه الدقيق‪ ،‬ليخرج بعدها وقد‬ ‫ملعت يف ذهنه فكرة ال تقدر بثمن!‬ ‫كانت الديدان التي يفح�صها “ت�شايف” �شفافة اجللد‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫ي�ضطر م�ساعديه لقتلها ليتمكنوا من فح�ص �أن�سجتها و�إجراء‬ ‫التجارب عليها‪ .‬وكانت هذه طريقة �شائعة يطبقها كل الباحثني يف‬ ‫ذلك املجال‪ ،‬مع �أن الأن�سجة امليتة مل تكن ذات نفع كبري يف الدرا�سة‪.‬‬ ‫تناول �أحد العلماء املتحدثني يف تلك الندوة عدد ًا من امل�سائل التي‬ ‫مل تهم “ت�شايف” ومل جتذب انتباهه‪� ،‬إلى �أن بد�أ املتحدث ي�صف‬ ‫الطريقة التي تنتج بها “قناديل البحر” ال�ضوء‪ ،‬وكيف تتم عملية‬ ‫التلأل�ؤ البيولوجي وت َوهُ ج ال�ضوء‪� .‬أ�شار املتحدث �إلى �أن ال�ضوء‬ ‫ي�شع من القناديل عندما تنعك�س �أ�شعة ال�شم�س فوق البنف�سجية‬ ‫على ج�سد القنديل‪ ،‬فيحدث تفاعل وي�سطع الوهج الأخ�ضر‪.‬‬ ‫يف تلك اللحظة‪ ،‬ملعت الفكرة يف ر�أ�س “ت�شايف”‪ .‬و�أدرك �أنَّ‬ ‫ب�إمكانه حقن الديدان ال�شفافة بالربوتني الأخ�ضر امل�ضيء‪ ،‬ثم‬ ‫ي�س ِّلط الأ�شعة فوق البنف�سجية عليها‪ ،‬فريى اخلاليا احل َّية من دون‬ ‫احلاجة �إلى قتلها‪ .‬واليوم‪ ،‬تعد هذه التقنية ممار�سة معتادة يف‬ ‫جمال البيولوجيا اجلزيئية‪ .‬وهناك من ُي َ�شـ ِّبهها باخرتاع املجهر‬ ‫“امليكرو�سكوب”‪ ،‬لأنها م َّكنت العلماء من ر�ؤية غري املرئي‪.‬‬ ‫لقد فاز “ت�شايف” بجائزة “نوبل” للكيمياء ب�سبب قوة مالحظته‬ ‫وب�صريته النافذة‪� .‬إال �أن التمتُّع بر�ؤية ثاقبة لي�س حكر ًا على‬ ‫العلماء و�أ�صحاب جوائز “نوبل” فقط‪ .‬فكلنا ب�صفة عامة‪ ،‬منلك‬ ‫وجل ِّية للأمور‪ ،‬لكنها تختلف عمق ًا ونفاذ ًا من �شخ�ص‬ ‫نظرة فطرية َ‬ ‫�إلى �آخر‪ .‬فنحن نرى الروابط بني الأ�شياء‪ ،‬ونالحظ التناق�ضات‬ ‫واالختالفات‪ ،‬والتفاعل والتكامل بينها �أي�ض ًا‪ .‬و�أحيان ًا نتح َّم�س‬ ‫حني نت َو َّ�صل �إلى �أ�ساليب جديدة ملعاجلة الأمور‪ .‬فال تعوزنا القدرة‬ ‫على الر�ؤية العميقة والب�صرية املت َوقـِّدة‪ ،‬الأمر الذي مُي ِّكننا من‬ ‫تغيري طـُرقنا يف التفكري والت�صرف واال�ستنباط‪ .‬فالر�ؤية البعيدة‬ ‫والب�صرية النافذة تغريان واقعنا‪ ،‬وتـُح ِّوالن ك ًال منا من �إن�سان‬ ‫عادي �إلى ا�ستثنائي‪.‬‬


‫�أ�سهم الأداء الإبداعي‬ ‫مع مطلع القرن احلادي والع�شرين‪ ،‬ظهرت حركة علمية جديدة �أطلق عليها “علم‬ ‫النف�س الإيجابي”‪ .‬وكان �أول من حت َّدث يف هذا املجال الدكتور “مارتن �سليجمان”‬ ‫وهو عامل نف�س مرموق‪ ،‬الحظ �أنَّ تطبيقات علم النف�س يف احلياة العملية تفتقر �إلى‬ ‫التوازن‪ .‬تن َّبه “�سليجمان” �إلى �أن الأخ�صائيني يف جماله يعملون دائم ًا على جعل‬ ‫الأ�شخا�ص ال�سلبيني واملكتئبني‪� ،‬أقل ب�ؤ�س ًا وتعا�سة فقط‪ ،‬دون �أية حماولة لإ�ضافة هدف‬ ‫�أو معنى �إلى حياتهم‪ .‬فبد�أ يبحث عن طرق جديدة لإ�ضفاء البهجة وال�سعادة على‬ ‫حياة النا�س‪ ،‬واخرتاق حاجز التفكري التقليدي؛ ب�أن دوره َّ‬ ‫يتلخ�ص يف تخلي�صهم من‬ ‫ك�آبتهم فح�سب‪.‬‬ ‫باملقابل كان الدكتور “دونالد كليفتون” يقود �أبحاث ًا موازية برعاية منظمة “جالوب” العاملية املتخ�ص�صة يف البحوث امليدانية؛ االجتماعية‬ ‫منها والإدارية‪ .‬وعندما تزامل العاملان يف “جمعية علم النف�س الإيجابي” التي �شاركا يف ت�أ�سي�سها انتبه “كليفتون” بر�ؤيته العابرة للحدود بني‬ ‫العلوم‪� ،‬أنَّ م�ؤ�شرات الأبحاث التي جتريها “جالوب” ت�ؤكد �أنَّ طروحات “�سليجمان” تنطبق �أي�ض ًا على عملية �صنع واتخاذ القرارات‪� .‬إذ الحظ‬ ‫�أنَّ النا�س يفكرون دائم ًا يف تقلي�ص الأخطاء عندما يتخذون قرار ًا‪ ،‬بد ًال من ا�ستثمار ب�صريتهم النافذة ليتم َّكنوا من اتخاذ قرارات �سليمة من‬ ‫حيث املبد�أ‪ .‬وهكذا و�ضع العاملان املعادلة التالية‪:‬‬ ‫حت�سني الأداء = الأخطاء ‪� +‬إنفاذ الب�صرية‬ ‫وعلى الرغم من �أنَّ الرتكيز على التخلُّ�ص من الأخطاء‪ ،‬يجعلنا �أقل قدرة على الإبداع‪� ،‬إال �أننا يف الغالب ننظر باجتاه ال�سهم الهابط‪ ،‬لأن‬ ‫معاجلة الأخطاء �أ�سهل من �إعمال العقل و�شحذ الب�صرية؛ مما يحتم علينا النظر باجتاه ال�سهم ال�صاعد �أي�ض ًا‪ ،‬حتى نتمتع بر�ؤية متوازنة‪،‬‬ ‫ونـُ َّف ِعـل النقي�ضني؛ بالدمج بني تقليل الأخطاء‪ ،‬ونفاذ الب�صرية‪.‬‬

‫حمفِّزات الب�صرية والتفكري الإبداعي‬ ‫كانت الدرا�سات املرتبطة بنفاذ الب�صرية قبل االكت�شافات العلمية الأخرية غري ف َّعالة‪ ،‬نظر ًا ل�صعوبة �إجراء جتارب‬ ‫معملية عليها‪ .‬ثم �أثمرت الأبحاث امل�شار �إليها عن اكت�شاف خم�سة حمفـِّزات ت�ساعد على �شحذ الب�صرية هي‪:‬‬ ‫الروابط‪ ،‬وامل�صادفات‪ ،‬والفـ�ضول‪ ،‬واملتناق�ضات‪ ،‬والي�أ�س الإبداعي‪.‬‬

‫‪ -1‬الروابط‬ ‫هذه اال�سرتاتيجية تُـع ِّرف الب�صرية ب�أنها ما يربط بني جمموعة من النقاط املختلفة‬ ‫لتكوين �صورة �أكرب �أو �أو�ضح‪ ،‬وتقرتح ب�أنه ميكننا �صقل ب�صريتنا بالتع ُّر�ض لأفكار خمتلفة‬ ‫ومفاجئة‪ ،‬مما ي�ساعدنا على ت�شكيل َومد روابط جديدة‪.‬‬ ‫عندما كان “بل جيت�س” يف ال�سنة الثالثة يف جامعة هارفارد‪� ،‬أخربه �صديقه “بول �ألن” �أنه‬ ‫قر�أ مقالة علمية حول اخرتاع املعالج الرقمي “ميكروبرو�سي�سور”‪ ،‬و�س�أله‪ :‬ماذا ميكننا �أن‬ ‫نفعل؟ ف�أجابه “جيت�س”‪ :‬ميكننا �أن نفعل كل ما نريد يف معاجلة املعلومات‪ .‬فعندما ربط‬ ‫ال�صديقان بني االخرتاع اجلديد‪ ،‬وحاجة الأجهزة ال�صغرية لنظم ت�شغيل‪ ،‬ترك “جيت�س”‬ ‫اجلامعة دون ا�ستكمال درا�سته‪ ،‬وتف َّرغ لت�أ�سي�س �شركة “ميكرو�سوفت”‪ .‬لقد �أدى الربط‬ ‫بني اخرتاع املعالج الإلكرتوين‪ ،‬وبني لغة الآلة املربجمة‪� ،‬إلى واحدة من �أ�شهر ق�ص�ص نفاذ‬ ‫الب�صرية يف التاريخ‪ .‬وهي ق�صة ما زالت ف�صولها رْتتى حتى اليوم‪ ،‬ورمبا ل�سنوات طويلة‬ ‫قادمة‪.‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪2‬‬


‫امل�صادفـــــــات‬

‫تت�شكل امل�صادفات من مواقف مفاجئة قد نتجاهلها �أحيان ًا‪ ،‬رغم �أنها ت�شري �إلى منط جديد مل ندركه من قبل‪ .‬وهي قد تغري طريقة مالحظتنا‬ ‫للأ�شياء‪ ،‬وت�ضعنا على طريق مفاجىء‪ ،‬ينتهي بنا �إلى اكت�شاف جديد‪ .‬كما ميكن �أن تـُ َغيـِّر الطريقة التي نت�صرف بها‪ ،‬فنعرف ما نحتاج �إلى‬ ‫تغيريه لك�سر الأمناط التي مل نكن نفهمها‪.‬‬ ‫قبل مباراة يف كرة القدم اجتمع مدرب الفريق بالعبيه لي�شاهدوا مباريات �سابقة للفريق املناف�س‪ ،‬الذي قيل عنه “�إنه ال يقهر”‪ ،‬وبعد م�شاهدة‬ ‫عدة مباريات‪ ،‬اكت�شف املدرب �أن الفريق اخل�صم ي�ضع �أحد العبي الدفاع يف مكان غري معهود‪ ،‬لي�صد �أي مهاجم يتخطى بقية املدافعني‪ .‬الحظ‬ ‫املدرب ذلك مبح�ض ال�صدفة‪ ،‬ور�سم خطته ليتو ّلى �أحد العبي خط الو�سط جتاوز ذلك املدافع بد ًال من املهاجمني‪ .‬وبالفعل فاز فريقه على‬ ‫خ�صم ق�ضت البديهيات ب�أنه ال يقهر‪.‬‬

‫الف�ضول‬ ‫ت�أتينا بع�ض الر�ؤى والأفكار الالمعة بالتع ُّر�ض حلدث �أو �أمر غريب ُيح ِّرك ف�ضولنا‪ ،‬ويجعلنا‬ ‫ُ‬ ‫أمر ما‪،‬‬ ‫نت�ساءل‪“ :‬ما الذي يحدث هنا؟” يدفع‬ ‫الف�ضول الإن�سانَ �إلى البحث ٍ‬ ‫ب�شكل �أعمقَ يف � ٍ‬ ‫مما ي�صقل ب�صريته‪ ،‬ويمُ ِّكنه من ا�ست�شراف فكرة المعة‪.‬‬ ‫لقد َّمت اخرتاع الراديو “الرتانز�ستور” ب�سبب الف�ضول‪ ،‬وذلك يف �أربعينيات القرن املا�ضي‪،‬‬ ‫حينما َج َّرب “را�سل �أوهل” ا�ستخدام ال�سيليكون للح�صول على ا�ستقبال �أف�ضل للراديو‪ .‬يف‬ ‫�أحد الأيام‪ ،‬ا�ستخدم “�أوهل” دون ق�صد قطعة �سيليكون مت�ش ِّققة‪ .‬عندما تع َّر�ضت القطعة‬ ‫لل�ضوء‪ ،‬زاد التيار ال�ساري بني جوانب ال�شقوق ب�شكل ملحوظ‪� .‬أثار هذا ف�ضول “�أوهل”‬ ‫الذي اكت�شف �أنَّ هذا ال�شق كان يف�صل بني ال�شوائب املوجودة يف قطعة ال�سيليكون‪ .‬فت َو َّ�صل‬ ‫�إلى �أنَّ ال�شوائب هي التي غيرَّ ت الطريقة التي قاوم بها كل جزء من قطعة ال�سيليكون التيا َر‬ ‫الكهربائي‪� .‬أدى اكت�شاف “�أوهل” �إلى اخرتاع “الرتانز�ستور” وكل الناقالت ثنائية ال�صمام‪.‬‬ ‫لي�صمم �أول خلية �شم�سية م�صنوعة من ال�سيليكون‪.‬‬ ‫كما اعتمد الحق ًا على هذا االكت�شاف‬ ‫ِّ‬

‫املتناق�ضات‬

‫‪3‬‬

‫حت ِّفز الر�ؤى املتناق�ضة �شعور ًا عاطف ّي ًا بداخلنا يقول لنا “هذا م�ستحيل!” نحن دائم ًا نقول �أو نف ِّكر يف هذا ب�شكل‬ ‫تلقائي‪ ،‬كلما واجهنا �أفكار ًا غري منطقية ال ميكن ت�صديقها �أو ا�ستيعابها‪.‬‬ ‫للتو�صل �إلى نظريته حول مر�ض “الكولريا” يف منت�صف القرن التا�سع‬ ‫دفعت حالة من عدم الت�صديق “جون �سنو” ُّ‬ ‫ع�شر‪ .‬يف ذلك الوقت تب َّنى العلماء نظرية الهواء امللوث‪ ،‬حيث ر�أوا �أنَّ الأمرا�ض امل�شابهة للكولريا‪ ،‬تنت�شر عرب اجلو‬ ‫والروائح غري ال�صحية‪ .‬اهتم “�سنو” بدرا�سة �سبب انت�شار الكولريا‪ ،‬بعدما قر�أ خرب ًا ال يخلو من التناق�ضات‪.‬‬ ‫بحار توفيِّ ب�سبب الكولريا‪� ،‬أثناء �إقامته يف �أحد الفنادق الراقية‪ ،‬وبعد عدة �أيام �أ�صيب �شخ�ص �آخر �أقام‬ ‫فهناك َّ‬ ‫يف نف�س الغرفة‪ ،‬ثم �أ�صيب �آخرون يف الفندق‪ ،‬حتى انت�شر املر�ض يف املنطقة املجاورة‪ .‬ال تت�سق هذه احلادثة‬ ‫مع نظرية الهواء امللوث‪ .‬كما ر�أى “�سنو” �أ َّنه من املفرت�ض �أن يتعر�ض املري�ض لإ�صابات يف الرئة ما دام املر�ض‬ ‫ينت�شر عرب الهواء‪ .‬وبعد الفح�ص وجد �أنَّ رئة املري�ض �سليمة‪ ،‬لكنَّ جهازه اله�ضمي م�صاب ب�شكل خطري‪ ،‬مما‬ ‫ي�شري �ضمن ّي ًا �إلى �أنَّ الإ�صابة بـ “الكولريا” حدثت ب�سبب طعام �أو �شراب تناوله املري�ض‪ .‬ب�صرية “�سنو” مكنته‬ ‫التو�صل �إلى هذا‪ .‬وب�إجراء املزيد من الأبحاث‪ ،‬عرف “�سنو” �أنَّ املياه امللوثة هي �سبب انتقال املر�ض‪.‬‬ ‫من ُّ‬ ‫كتاب في دقائق‬


‫الي�أ�س الإبداعي‬ ‫يبدو هذا املفهوم غريب ًا بع�ض ال�شيء‪ ،‬واملق�صود به‬ ‫التو�صل �إلى طريقة عادية‬ ‫هنا هو حالة الي�أ�س من ُّ‬ ‫ملعاجلة الأمور‪ ،‬مما يدفعنا �إلى البحث عن طرق‬ ‫جديدة وا�ستثنائية للخروج من �أزمات قد تبدو بال‬ ‫خمرج‪.‬‬

‫تعمل “�شرييل كني” مديرة مالية يف م�ؤ�س�سة للبحوث الثقافية‪ .‬وعندما طلب منها رئي�سها توزيع التكاليف على امل�شروعات املختلفة‪ ،‬طلبت من‬ ‫املوظفني ملء جداول العمل يف نهاية كل �أ�سبوع‪ ،‬لتحدد عدد ال�ساعات امل�ستثمرة يف كل بحث‪ .‬ونظر ًا لعدم ا�ستجابة الباحثني‪ ،‬بد�أت تالحقهم‬ ‫وتكلمهم بعنف‪.‬‬ ‫�أ�صيبت “كني” بالي�أ�س‪ ،‬وبد�أت تت�صرف بع�صبية يف املنزل والعمل‪ .‬وبعد تفكري عميق‪ ،‬قررت ا�ست�شارة والدتها‪ .‬ف�س�ألتها والدتها‪“ :‬ملاذا ال‬ ‫جتدين طريقة ملكاف�أتهم‪ ،‬بد ًال من لومهم؟” �أدركت “كني” �أنَّ احلل ب�سيط‪ .‬فبد�أت تقدِّ م جوائز رمزية لكل من يقدِّ م جدوله �أو ًال‪� .‬شملت‬ ‫حوافزها �أقالم حرب‪ ،‬وتذاكر م�سرح‪ ،‬ودعوة على الغداء مع املدير العام‪ .‬فبد�أ الباحثون يـُق ِبلون على ملء البطاقات وتوزيع �ساعات العمل على‬ ‫امل�شروعات؛ بل ويت�سابقون �إلى تقدمي التقارير واختيار اجلوائز الأف�ضل �أو ًال‪ .‬وهكذا‪ ،‬بطرحها املكاف�آت كبديل للعقوبات‪ ،‬ب ّثت “كني” احلما�س‬ ‫يف الفريق‪ ،‬بعدما كانت تظن �أنَّ التهديد �سيحقق لها ما تريد‪.‬‬

‫ما الذي يعرت�ض ب�صائرنا؟‬ ‫عند �سماعه بنظرية “داروين‪ ”،‬ع َّلق “ت‪.‬هـ‪ .‬هك�سلي” قائ ًال‪“ :‬من‬ ‫الغباء ال�شديد �أنني مل �أفكر يف هذا الأمر من قبل!” الأ�شخا�ص من‬ ‫�أمثال “هك�سلي” لي�سوا �أغبياء‪ ،‬لكنهم ي�شعرون على هذا النحو عندما‬ ‫تعجز ب�صائرهم عن ر�ؤية فكرة وا�ضحة‪ .‬فما الذي يعوق الب�صرية عن‬ ‫ر�ؤية فكرة موجودة؟‬ ‫ت�شرح حاالت بع�ض الأ�شخا�ص َمن يتمتع بب�صرية نافذة‪َ ،‬ومن ال يتمتع‬ ‫�سميه بظاهرة �أو متالزمة “التوائم املتناق�ضة‪ ”.‬يف �إحدى‬ ‫بها‪ ،‬ما ُن ِّ‬ ‫التجارب‪ُ ،‬قدِّ م لكل تو�أمني جمموعة متماثلة من املعلومات عن مو�ضوع‬ ‫تو�صلنا �إلى �أربعة‬ ‫ما؛ وبعد درا�سة وحتليل ما فعله كل تو�أم باملعلومات‪َّ ،‬‬ ‫�أ�سباب تعوق ب�صريتنا‪ ،‬فال نرى الوا�ضح بو�ضوح‪.‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫‪4‬‬


‫‪ -1‬معتقدات خاطئة‬ ‫ر َّكزت بع�ض التوائم على �أفكار خاطئة �ش َّو�شت ر�ؤيتهم وجعلتهم غري قادرين على‬ ‫االكت�شاف‪ .‬انظر مث ًال �إلى الطريقة التي تعامل بها املجتمع الطبي مع نظرية الهواء‬ ‫املل َّوث‪ ،‬واعتبارها �سبب انت�شار “الكولريا‪ ”.‬يف هذه احلالة‪ ،‬نعترب الباحثني هم‬ ‫التو�أم الذي يفتقر �إلى الب�صرية‪� .‬أما الدكتور “�سنو” فهو التو�أم الذي يتمتع بب�صرية‬ ‫و�س ِخروا من ر�أي “�سنو”‬ ‫نافذة‪ .‬رف�ض الباحثون املعلومات التي تخالف نظريتهم‪َ ،‬‬ ‫حول املياه امللوثة‪ .‬وعلى العك�س‪َ ،‬ق ِب َل “�سنو” البيانات والإ�شارات اجلديدة‪ ،‬على‬ ‫الرغم من تب ِّنيه يف البداية لنف�س النظرية القدمية‪ .‬اال�سرتاتيجية الناجحة للتو�أم‬ ‫نافذ الب�صرية هي الت�أ ُّمل وو�ضع احتماالت جديدة‪ ،‬ثم فح�صها الكت�شاف ما قد ي�صح‬ ‫منها‪� .‬أما التو�أم غائم النظر‪ ،‬فيتم�سك باملعتقد اخلاطئ‪ ،‬ويرف�ض كل ما عداه متام ًا‪.‬‬ ‫لدى ٍّ‬ ‫كل م َّنا جمموعة من املعتقدات الرا�سخة التي ت�ؤثر على فهمنا للأمور‪ ،‬ونلج�أ‬ ‫�إلى هذه املعتقدات عند معاي�شة الأحداث من حولنا �أثناء ا�ستك�شاف �أي جديد‪.‬‬ ‫امل�شكلة يف هذا �أ َّننا عندما نواجه �أمر ًا غريب ًا‪� ،‬أو حدث ًا غام�ض ًا‪ ،‬منيل للبحث عن‬ ‫تف�سري له‪ ،‬ب�شرط �أال يخالف هذا التف�سري �أفكارنا ال�سابقة‪ .‬فنحن نرف�ض �إعادة‬ ‫فح�ص نظرياتنا‪.‬‬

‫دروع مقاومة املعرفة‬ ‫الت�ش ُّبث بكل النظريات القائمة خط�أ‪ ،‬مثل الثقة ببع�ض البيانات املغلوطة‪ ،‬رغم بروز دالئل تدح�ضها‪ .‬يقول “بول فليتوفيت�ش” �إنَّ مقوالت مثل‪:‬‬ ‫“ما ال نعرفه قد ُ‬ ‫ي�ض ُّرنا‪ ،‬وما نعرفه متام املعرفة لن ي�ؤذينا” ت�سمى “دروع مقاومة املعرفة‪ ”.‬يظهر مثل هذا الأمر جل ّي ًا يف حاالت الأطباء‬ ‫الذين يت�ش َّبثون ب�أول ت�شخي�ص يتو�صلون �إليه‪ ،‬حتى ولو ثبت خط�ؤهم الحق ًا! ويطبق العلماء العديد من الأ�ساليب لتربير ظهور �أي تعار�ض يف‬ ‫جتاربهم‪� ،‬إذا كان �سيلغي م�سل َّماتهم‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫‪ u‬الت�شكيك يف �صحة الأ�ساليب امل�ستخدمة يف جمع البيانات‪.‬‬ ‫‪ u‬البحث عن م ِّربر لعدم ات�ساق البيانات مع نظريتهم‪.‬‬ ‫ف�سر �سبب اختالف النتائج عن املتوقع‪.‬‬ ‫‪ u‬البحث عن �أي خط�أ يف �أبحاثهم ُي ِّ‬ ‫‪� u‬إجراء تعديالت ب�سيطة و�سطحية على نظريتهم‪.‬‬

‫‪ -2‬االفتقار �إلى اخلربة‬ ‫يعاين كثريون من عدم نفاذ الب�صرية ب�سبب افتقارهم للخربات‬ ‫والتجارب‪ .‬اخلربة هنا ال تعني املعرفة فقط‪ ،‬بل ت�شمل كيفية توظيف‬ ‫املعرفة لنكون �أكرث انتباه ًا ملا حولنا‪ .‬فخلفيتنا الثقافية واملعرفية قد‬ ‫جتعلنا �أكرث �إدراك ًا ووعي ًا ب�إ�شارات و�أمناط ب�سيطة قد ال يالحظها‬ ‫غرينا‪ .‬الدكتور “ت�شايف” دفعته خربته يف املعمل �إلى الت�ص ُّرف ب�شكل‬ ‫يختلف عن كل من ح�ضروا الندوة‪ ،‬والذين تل ُّقوا نف�س املعلومة مثله‪.‬‬ ‫فالبقاء يف حالة انتباه‪ ،‬يعني التمتُّع بذهن حا�ضر ومت�أهب اللتقاط‬ ‫كل �شيء‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كتاب في دقائق‬


‫‪ -3‬التفكري ال�سلبي‬ ‫يعاين بع�ض من يفتقرون �إلى النظرة الثاقبة من ال�سلبية‪ ،‬فنجدهم ي�أبهون باملهام ال�ضرورية‬ ‫املطلوبة منهم فقط‪ ،‬وال يحاولون البحث عن فر�ص �سانحة قد تقابلهم �أثناء التنفيذ‪.‬‬ ‫واجه “توم” م�شكلة عوي�صة حني حاول تغيري مكان عمله‪ .‬فقد �سبق و�أن و َّقع �إقرار ًا عندما‬ ‫ح�صل على وظيفة يف �إحدى ال�شركات؛ مينعه من العمل مع �أي عميل من عمالء ال�شركة �إذا‬ ‫تركها وبحث عن وظيفة �أخرى‪ .‬وعندما انتقل �إلى العمل يف �شركة جديدة‪� ،‬أخربه امل�ست�شار‬ ‫القانوين �أنَّ عليه االلتزام باالتفاقية‪ ،‬ما يعني فقدانه الوظيفة‪ .‬يف هذا املوقف ي�ست�سلم‬ ‫ال�شخ�ص ال�سلبي �ضعيف الب�صرية‪ ،‬وال يجد خمرج ًا من امل�أزق‪� .‬أما “توم” فقد ت�ص َّرف‬ ‫ب�شكل خمتلف؛ �إذ ات�صل بامل�ست�شار القانوين يف �شركته القدمية وطلب قائمة بكل‬ ‫عمالء ال�شركة كي ال يبحث عن عمل لديهم‪ ،‬التزام ًا بالإقرار الذي و َّقعه‪ .‬كان‬ ‫“توم” بب�صريته النافذة يعلم �أنَّ حتقيق مثل هذا املطلب �صعب‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫�أنه على و�شك العمل لدى �أحد املناف�سني‪ .‬وبالفعل رف�ض امل�ست�شار تقدمي‬ ‫القائمة لـ“توم” الذي �أجاب بدوره �أ َّنه ال ي�ستطيع االلتزام بالإقرار �إن مل‬ ‫يح�صل على القائمة‪ .‬فلم يجد امل�ست�شار القانوين ح ًال �سوى �إعفائه‬ ‫من الإقرار متام ًا‪.‬‬

‫‪ -4‬التفكري اجلامد‬ ‫يختلف النا�س �أحدهم عن الآخر يف تعاملهم مع التناق�ضات والغمو�ض‪ ،‬مما ي�ؤثر على امتالكهم لب�صرية‬ ‫نافذة‪ .‬فبع�ض الأ�شخا�ص ال يتمتَّعون بال�صرب الكايف للتعامل مع التخمينات‪ ،‬ويتبعون �أ�سلوب ًا جامد ًا يف‬ ‫التفكري والتعامل مع احلقائق فقط‪ ،‬وال يقرتب نهائ ّي ًا من االفرتا�ضات �أو التخ ُّيالت‪ .‬بينما يعتمد‬ ‫التفكري اخل َّالق على التوفيق بني الأفكار املختلفة‪ ،‬وتخ ُّيل عدة �سيناريوهات افرتا�ضية‪ .‬ويختلف‬ ‫الأمر هنا عن التمتُّع مبوقف ف َّعال �أو �سلبي‪ ،‬فاملوقف الذي نتخذه قد يتغيرَّ باختالف التجارب‬ ‫والظروف‪� ،‬أما �أ�سلوب التفكري – �سواء كان جامد ًا �أو خالق ًا ‪ -‬فيكاد يكون �سمة �شخ�صية ثابتة‬ ‫ال تتغري‪.‬‬

‫امل�ؤ�س�سات وعرقلة الر�ؤى‬ ‫َتكـبـِت بع�ض امل�ؤ�س�سات ‪ -‬من دون ق�صد ‪ -‬ميول العاملني بها‬ ‫للتمتُّع بب�صائر نافذة‪ .‬يحدث هذا ب�أ�ساليب قدمية ورا�سخة‬ ‫وغري مرئية‪ .‬لفهم هذه الإ�شكالية يجب معرفة الدوافع التي‬ ‫جتعل بع�ض امل�ؤ�س�سات حتول دون نفاذ ب�صائر موظفيها‪.‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪6‬‬


‫‪ -1‬الدوافع‬ ‫‪u‬‬

‫ُّ‬ ‫فخُّ‬ ‫التوقعات‪ :‬تخنق بع�ض امل� َّؤ�س�سات �إبداع موظفيها وحتجب‬ ‫ب�صائرهم ب�سبب عوامل كامنة يف منظومتها‪ ،‬فهي ت�ضع تو ُّقعات‬ ‫ملوظفيها‪ ،‬فتح�صرهم داخلها‪ ،‬مما َيكبـِت قدرات املوظف‬ ‫الإبداعية‪ ،‬ويـُلغي احتماالت خروجه ب�أ َّية مفاج�آت‪� ،‬أو متتُّعه بر�ؤية‬ ‫تخ�صه دون غريه‪ .‬ي�ؤدي التمتُّع بر�ؤية ثاقبة �إلى نتائج تختلف عن‬ ‫املتو َّقع‪ .‬ومن ثم يت ُّم التعامل مع هذه ال�سمة باعتبارها �أمر ًا �ضار ًا‪،‬‬ ‫ي�أتي من دون �سابق �إنذار‪ ،‬ويفتح جما ًال الحتماالت ي�صعب تو ُّقعها‪،‬‬ ‫وتعقيدات ال ميكن التن ُّب�ؤ بها‪ ،‬وم�آزق قد توقع امل� َّؤ�س�سة يف املتاعب‪.‬‬ ‫ب�سبب كل ما �سبق‪ ،‬تدعم امل� َّؤ�س�سات الت�صرفات املت َو َّقعة‪ ،‬لتتم َّكن‬ ‫من �إدارة م�شاريعها ب�شكل �أف�ضل‪.‬‬ ‫قد َي َّدعي املديرون �أ َّنهم يح ُّثون موظفيهم على تقدمي �أفكار‬ ‫مبدعة‪ ،‬لكن الواقع مغاير لهذا‪ ،‬فهم يـُف�ضلون الأفكار اجلديدة‬ ‫التي تت�سق مع املمار�سات ال�سائدة يف امل� َّؤ�س�سة فح�سب‪ .‬مثل هذا‬ ‫النهج ال ي�ساعد املوظفني على التمتع بب�صائر نافذة وتفكري‬ ‫�إبداعي‪.‬‬

‫‪ u‬فخُّ الكمال‪ :‬ترغب امل�ؤ�س�سات يف حتقيق املثال والكمال‪ ،‬وتتوقع‬ ‫�أعما ًال خالي ًة متام ًا من الأخطاء‪ .‬ولهذا َيـق�ضي املديرون ُج َّل‬ ‫وقتهم يف البحث عن الأخطاء لت�صحيحها؛ فمن الأ�سهل ‪ -‬من‬ ‫وجهة نظرهم ‪ -‬تقلي�ص الأخطاء‪ ،‬بد ًال من دعم موظفيهم‬ ‫للخروج ب�أفكار جديدة‪ .‬ف�أنت كمدير تعرف كيف تالحظ‬ ‫ت�شجع موظفيك على التمتُّع بر�ؤى‬ ‫الأخطاء‪ ،‬لكنك ال تعرف كيف ِّ‬ ‫ثاقبة‪ .‬مع �أنَّ الر�ؤى اخلالقة قد تقفز مب� َّؤ�س�ستك �إلى �آفاق غري‬ ‫م�سبوقة‪ ،‬وقد مت ُّدك ب�أفكار لتطوير كل خططك‪ .‬فلماذا يتق َّيد‬ ‫املديرون بالأهداف املبدئية‪ ،‬يف حني يمُ كنهم حتقيق اكت�شافات‬ ‫جديدة متام ًا؟‬ ‫�إنَّ ال�سعي وراء الكمال واملثال‪ ،‬مع احتماالت التع ُّر�ض مل�آزق كبرية‪،‬‬ ‫قد ال ي�سفر عن الكثري من العوائد‪ ،‬وقد يزيد من احتماالت‬ ‫الف�شل‪ .‬ولذا‪ ،‬ف�إن املديرين الذين يغرقون يف التفا�صيل طلب ًا‬ ‫للكمال‪ ،‬يقعون يف “فخّ الكمال” املطلق‪.‬‬

‫الأ�ساليب‬ ‫متيل امل� َّؤ�س�سات �إلى دعم وتعزيز ال�سهم الهابط وت�صحيح الأخطاء من خالل‪:‬‬ ‫‪ u‬فر�ض معايري �صارمة جد ًا‪.‬‬ ‫‪ u‬رفع درجة التح ُّكم يف كل العمليات‪.‬‬ ‫‪� u‬إجبار املوظفني على توثيق كل م�صادرهم‪.‬‬ ‫‪ u‬الإ�صرار على تعريف افرتا�ضاتهم وتو�ضيح توقعاتهم ب�شكل مبالغ فيه‪.‬‬ ‫‪ u‬زيادة �أعداد و�أنواع تقارير املراجعة‪.‬‬ ‫‪ u‬التعامل مع اال�ستنتاجات واالفرتا�ضات ب�صرامة �شديدة‪.‬‬ ‫‪� u‬إلزام املوظفني بالإبداع طبق ًا للوائح و�إجراءات معينة‪.‬‬ ‫‪ u‬زيادة تفا�صيل وبنود اجلداول التي يجب االلتزام بها‪.‬‬

‫التدخُّ ل الإداري‬ ‫لدعم ال�سهم الهابط‪ ،‬يتم و�ضع معايري �صارمة‪ ،‬والتحكم الكامل بالعمليات‪،‬‬ ‫وحث املوظفني على �شرح النتائج التي تو�صلوا �إليها بدقة‪� ..‬إلخ‪ .‬ولهذه الطرق‬ ‫مميزات كثرية‪ .‬ولكن تظهر عيوبها عندما تط َّبق بت�ش ُّدد مينع املوظف من‬ ‫الإبداع وجتربة ر�ؤيته اخلا�صة‪ .‬ومثل هذا الت�ش ُّدد يف التطبيق ي�ؤدي �إلى‪:‬‬ ‫‪ u‬ت�شتيت املوظف‪ :‬ي�ضيع �أغلب وقت العاملني يف االلتزام مبهام ال ت�ساعدهم‬ ‫على الت�أ ُّمل والتفكري‪.‬‬ ‫‪ u‬قتل الرغبة يف الت�أ ُّمل الإبداعي‪ :‬ي�ؤدي فر�ض قيود على املوظف‬ ‫لتجنب الأخطاء �إلى فقدان الثقة يف حد�سه‪� ،‬إذ ال تبقى لديه م�ساحة‬ ‫للتجريب واملحاولة واخلط�أ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫كتاب في دقائق‬


‫‪ u‬و�صف نفاذ الب�صرية بال�سلبية‪ :‬تعزِّ ز ثقافة بع�ض امل� َّؤ�س�سات فكرة �أن كل ما يناف�س خطة العمل‪ ،‬ويتداخل مع جدول تنفيذها هو‬ ‫بال�ضرورة تهديد خطري‪ ،‬بغ�ض النظر عن الإيجابيات التي قد تنتج عنه‪.‬‬ ‫ت�شجع على التغا�ضي عن غري امل�ألوف‪� :‬إذ يعترب كل ما هو غري م�ألوف من م�س ِّببات الفو�ضى‪ ،‬وكلما زادت غرابته‪ ،‬زادت �شكوك‬ ‫‪ِّ u‬‬ ‫املديرين فيه‪ ،‬وخوفهم من التعامل معه؛ لذلك يتجاهلونه وك�أ َّنه غري موجود‪.‬‬ ‫ت�شجع ال�سلبية‪ :‬حت�صر هذه الأ�ساليب تفكري املوظف يف االلتزام باللوائح وب�إجراءات حمددة‪ ،‬حني يبعث املديرون للعاملني بر�سائل‬ ‫‪ِّ u‬‬ ‫مفادها‪ :‬ال تفكروا‪ ،‬واتبعوا اخلطوات فح�سب‪ .‬وهكذا‪ ،‬يدخل املوظفون يف حالة من ال�سلبية‪ ،‬تعوق ب�صريتهم ومتنعهم من الإبداع‪.‬‬

‫متكني الر�ؤى الثاقبة‬ ‫بعدما ناق�شنا ما يح ِّفز الب�صرية النافذة وما يعوقها‪� ،‬سنناق�ش بع�ض الأ�ساليب التي مت ِّكننا من‬ ‫دعمها وتعزيزها داخلنا‪ .‬رمبا يبدو الأمر يف البداية �صعب ًا‪ ،‬لكن ا�ستك�شاف كل �أ�سلوب وفح�صه‬ ‫على حدة‪� ،‬سيجعل الأمر �أكرث �سهولة‪.‬‬

‫‪ -1‬التناق�ض‪ :‬من الأمور التي متكننا من اكت�ساب ب�صرية نافذة‪ ،‬ا�ستغالل طاقة‬ ‫الآراء املناق�ضة لآرائنا‪.‬‬ ‫كان قائد مركز الإطفاء يف “لو�س �أجنلو�س” يواجه م�شكلة مع �أحد الإطفائيني اجلدد‪،‬‬ ‫�أو هكذا خـُيـِّل له‪ .‬كان يرى �أنَّ الإطفائي ال�شاب يعاين من م�شكلة يف طريقة تعامله‬ ‫مع كل �شيء‪ .‬وعندما خرج مع وحدته يف مهمة لإطفاء �إحدى احلرائق‪ ،‬كلفه القائد‬ ‫مبهام ال ين ِّفذها بال�شكل املتو َّقع منه كالعادة‪ .‬بعد عودة فريق الإطفاء‪ ،‬ا�ستدعى القائد‬ ‫الإطفائي ال�شاب لتوبيخه‪ ،‬و�إخباره بعدم �أهليته لهذا العمل‪ ،‬وكتابة تقرير ي�شرح �أ�سباب‬ ‫طرده من العمل‪ .‬وقبل �أن ي�شرع القائد يف تقريع الإطفائي‪ ،‬تذ َّكر تدريب ًا كان قد تل َّقاه‬ ‫يف ال�سابق‪ ،‬ي�شرح �أ�ساليب خمتلفة يف التعامل مع املوظفني اجلدد‪ ،‬مثل طرح �أ�سئلة‬ ‫لفهم ما يحاولون فعله‪ ،‬بد ًال من البدء بلومهم‪ .‬ولذا‪� ،‬س�أل القائد الإطفائي عما كان‬ ‫يدور يف ذهنه عندما ن َّفذ املهام املكلف بها ب�شكل يختلف عن املتو َّقع‪ .‬وهنا فوجئ‬ ‫القائد ب�أنَّ الإطفائي كان قد ر�سم يف خميلته خطة �سليمة وخمتلفة عن املعهود‪ ،‬لين ِّفذ‬ ‫مهامه طبق ًا لها‪ .‬عندها �أدرك القائد �أنَّ امل�شكلة تكمن فيه‪ ،‬ال يف الإطفائي ال�شاب!‬ ‫لقد �شحذ القائد ب�صريته بالرت ُّيث والتح ُّدث مع ال�شاب‪ ،‬فعرف ما يجول بخاطره‪ ،‬ليكت�شف �أ َّنه هو من يت�س َّبب يف م�شكالت ال داعي لها‪ ،‬ب�سبب‬ ‫غ�ضبه من عدم التزام العاملني بتعليماته حرف ّي ًا‪َّ .‬منى القائد ب�صريته لأ َّنه �سعى ملعرفة وجهة نظر خمتلفة عن وجهة نظره‪ ،‬وتب َّنى موقف ًا‬ ‫مناق�ض ًا ملوقفه‪.‬‬ ‫ي�شجعنا على �إعادة النظر يف افرتا�ضاتنا‪ ،‬مع جتاهل ال�ضعيف منها‪ .‬فنحن نواجه الكثري من‬ ‫‪ -2‬الإبداع‪ِّ :‬‬ ‫االفرتا�ضات عند التع ُّر�ض ملواقف �صعبة‪ ،‬وت�سجيل كل افرتا�ض منها يعترب �أمر ًا مرهق ًا‪� .‬أف�ضل ا�سرتاتيجية‬ ‫ميكن اتباعها هنا‪ ،‬هي “التفكري االنتقادي واالنتقائي” التي تقدم حتلي ًال منهج ّي ًا للأدلة املتاحة لنا‪ .‬هذه‬ ‫اال�سرتاتيجية عبارة عن عملية ذهنية حتدث داخل عقولنا‪ ،‬لفح�ص االفرتا�ضات التي جتول يف خواطرنا‪،‬‬ ‫دون احلاجة لو�ضع قائمة بتلك االفرتا�ضات‪ ،‬وهذا ما يحدد يف النهاية ما �إذا كان علينا ت�صديق �أو نفي‬ ‫فر�ضية معينة‪.‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪8‬‬


‫‪ -3‬الربط‪ :‬ينجح هذا الأ�سلوب �إذا كانت لدينا �أفكار حتتاج �إلى �إيجاد روابط بينها‪.‬‬ ‫التو�صل الكت�شافات جديدة‪.‬‬ ‫وكلما زاد زخم وت�صارع الأفكار يف عقولنا‪ ،‬زادت فر�ص ُّ‬ ‫يقدم “�ستيفن جون�سون” يف كتابه‪“ :‬من �أين ت�أتي الأفكار الرائعة” ن�صائح لزيادة‬ ‫زخم الأفكار املبدعة‪ .‬من تلك الن�صائح؛ التعر�ض ملواقف تزيد كثافة �أفكارنا‪ ،‬والتعامل‬ ‫مع الكثري من املبدعني‪ ،‬والت�أ ُّثر ب�أفكارهم ب�شكل �إيجابي‪ .‬و�أن نرتك �أنف�سنا عر�ضة‬ ‫لل�صدف‪ ،‬كي تتداعى �أفكارنا ب�شكل ع�شوائي وتلقائي‪ .‬ينجح هذا الأ�سلوب �أكرث حينما‬ ‫ننفذه على م�ستوى جماعي‪ ،‬لأنَّ اجلهود الفردية ال ت�ؤدي دائما �إلى النتائج املرج َّوة‪.‬‬ ‫وعلينا �أي�ض ًا �أن منار�س بع�ض الهوايات املختلفة لتعزيز فر�صنا يف �إيجاد روابط غري‬ ‫متو َّقعة بني �أفكارنا‪.‬‬ ‫عندما طلب “�ستيف جوبز” ت�صميم مبنى “بيك�سار” اجلديد ل�شركة “�أبل”‪ ،‬عمل على زيادة التفاعل الإيجابي بني �أفكار العاملني؛ بت�شجيعهم‬ ‫على عقد املناظرات وجه ًا لوجه يف بهو املبنى‪ ،‬لي�شارك اجلميع وي�ستفيدوا من الأفكار املطروحة‪.‬‬ ‫ورغم كل ما �سبق‪ ،‬علينا �أن نتعامل ب�أ�سلوب ناقد وانتقائي عندما ت َُ�ص ُّب �أفكا ٌر كثرية يف عقولنا‪ .‬فكلما زادت ع�شوائية هذه الأفكار‪ ،‬زاد املجهود‬ ‫الذي �سنبذله يف غربلتها ملعرفة ال�صالح فيها من الطالح‪ .‬ويف هذا يقول “هرني بوانكريه”‪“ :‬الإبداع هو اجلمع يف توليفة واحدة بني جمموعة‬ ‫�أفكار كلها نافعة‪”.‬‬

‫الإرادة امل� َّؤ�س�سية‬ ‫يف بع�ض الأحيان تتعدى م�شكلة امل� َّؤ�س�سة م�س�ألة تثبيط همم موظفيها وعدم‬ ‫ت�شجيعهم على التمتُّع بر�ؤاهم النافذة‪ .‬وهناك م� َّؤ�س�سات تفعل العك�س‪ ،‬من دون‬ ‫�أن ت�ستفيد من الر�ؤى والأفكار التي يقدمها موظفوها‪ ،‬لأ َّنها ال تتمتَّع بالإرادة‬ ‫الكافية لإحداث تغيري‪ .‬رمبا يعلم بع�ض القادة �أنَّ هذه الر�ؤى مفيدة‪ ،‬ويعرفون‬ ‫كيف يطبقونها على �أر�ض الواقع‪ ،‬لكنهم ال يعرفون كيف َي ْح ِ�شدون الطاقات‬ ‫الالزمة لتنفيذها‪.‬‬ ‫�أف�ضل مثال على هذا هو �شركة “�إي�ستمان كوداك” التي ت� َّأ�س�ست‬ ‫عام ‪ ،1880‬وقدمت يف عام ‪� 1888‬أول فيلم مرن للت�صوير‬ ‫الفوتوغرايف‪ ،‬و�أنتجت �أول كامريا عام ‪ ،1900‬وطرحتها يف الأ�سواق‬ ‫مقابل دوالر واحد للكامريا‪ ،‬مما جعل الت�صوير متاح ًا للجماهري‪.‬‬ ‫وهكذا هيمنت “كوداك” على ال�سوق �أكرث من قرن‪ ،‬حتى بلغت‬ ‫ح�صتها من �سوق الكامريات عام ‪ 1976‬يف �أمريكا‪ ،%85 ،‬ون�سبة‬ ‫مبيعاتها للأفالم ‪ .%90‬ثم بد�أ �أدا�ؤها يف الرتاجع‪ ،‬لأنها مل تدرك‬ ‫النقلة التقنية التي حدثت عندما ح َّلت الكامريات الرقمية حمل‬ ‫الكامريات التقليدية‪.‬‬ ‫مل تتخ َّلف “كوداك” عن االبتكار‪ ،‬لأن �أول من �ص َّمم كامريا رقمية‬ ‫عام ‪ 1975‬هو املهند�س “�ستيف �سا�سون” الذي يعمل حل�سابها‪،‬‬ ‫وح�صل على براءة اخرتاع هذه الكامريا عام ‪ .1978‬فال ميكن‬ ‫القول ب�أن “كوداك” مل تلحق مبوجة الت�صوير الرقمي‪ ،‬لأنها هي التي‬ ‫بد�أتها‪ .‬وهذا يعني �أنها مل تكن تعاين من افتقار موظفيها للإبداع‪.‬‬ ‫فال�شركة كانت تعرف كيف �ستغيرِّ التكنولوجيا الرقمية ال�سوق‪ ،‬لكنها‬ ‫‪9‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫تر َّددت يف التخ ِّلي عن �أرباحها العالية من بيع الأفالم الفوتوغرافية‪،‬‬ ‫مقابل حتقيق �أرباح �أقل بكثري من بيع الكامريات الرقمية‪.‬‬ ‫قامت “كوداك” بالنقلة التكنولوجية اجلديدة‪ ،‬لكنها مل ت�شعر‬ ‫ب�أهمية حتقيق هذا ب�سرعة و�إجراء تطوير جذري يف خطوط �إنتاجها‪.‬‬ ‫وحتى عندما ا�ستوعبت �أهمية ذلك‪ ،‬وبد�أت يف ت�سويق الكامريات‬ ‫الرقمية‪ ،‬ف�شلت ب�سبب قوة ومتيز مناف�سيها اجلدد‪“ :‬نيكون‪”،‬‬ ‫و“�سوين‪ ”،‬و“كانون”‪ .‬لقد افتقرت “كوداك” �إلى الإرادة الالزمة‬ ‫لتطبيق التغيري‪ ،‬وظلت عالقة يف براثن منوذج العمل الذي جنح معها‬ ‫يف ال�سابق‪ ،‬فذهبت �ضحية لنجاحها الكبري‪.‬‬ ‫تظهر قوة �إرادة امل� َّؤ�س�سات عندما تتم َّكن من اال�ستفادة من الإبداعات‬ ‫الناجتة عن ر�ؤى العاملني فيها‪ ،‬وتطبيقها على �أر�ض الواقع‪ .‬فتمتُّع‬ ‫املوظفني بر�ؤى �إبداعية ثاقبة‪ ،‬ال يعني تعاملهم مبرونة ومهارة مع‬ ‫اخلطط املو�ضوعة للو�صول �إلى هدف بعينه؛ �إمنا يعني تغيري الهدف‬ ‫املح َّدد م�سبق ًا‪ ،‬وو�ضع هدف �أعلى والعمل على حتقيقه‪.‬‬


‫�سر الب�صرية ال�ساحرة!‬ ‫تبدو الب�صرية والر�ؤية الإبداعية �أحيان ًا مثل ال�سحر؛ فالنتيجة النهائية هي‬ ‫ما يقفز �أمامنا فج�أة‪ ،‬كما يقفز الأرنب خارج ًا من قبعة ال�ساحر‪ .‬نحن ال‬ ‫نرى اخلطوات التي ت�سبق ذلك‪ ،‬وال ال�شهور التي ق�ضاها ال�ساحر وهو يتدرب‬ ‫على ت�صميم القبعة‪ ،‬ويف تدريب الأرنب؛ فما نراه هو النتيجة النهائية فقط!‬ ‫رمبا ال ن�ستطيع تو ُّقع �أو حتديد اللحظة التي تتج َّلى فيها للإن�سان ر�ؤية‬ ‫�إبداعية تخرج بهذه النتيجة‪ ،‬رغم �أن العملية نف�سها غري غام�ضة على‬ ‫الإطالق‪ ،‬بل ي�سهل فهمها؛ حيث تقدِّ م �أ�ساليب اكت�ساب و�صقل الب�صرية‬ ‫التي �شرحناها �آنف ًا مدخ ًال لفهم هذه العملية‪ .‬وميكن بتطبيق هذه‬ ‫الأ�ساليب �أن ُنغيرِّ ال�صورة التي كنا نرى بها الأمور‪ ،‬مما يف�سح املجال �أمام‬ ‫عقولنا كي تنطلق بالكثري من الأفكار والر�ؤى الإبداعية الثاقبة‪.‬‬ ‫التمتع بب�صرية نافذة يجعل عقولنا تخرج با�ستنتاجات �أعمق واكت�شافات‬ ‫�أدق‪ ،‬ت�أخذ مكان �أفكارنا القدمية‪� .‬إذ يكمن �سر الب�صرية النافذة يف‬ ‫متكينها ل�صاحبها من مالحظة الروابط وامل�صادفات والظواهر الغريبة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وتـَم ِّكنه من فهم املتناق�ضات‪ ،‬وحت ِّرك الإبداع يف داخله‪ ،‬كلما �شعر ب�أ َّنه قد‬ ‫و�صل �إلى طريق م�سدود‪ .‬هذا ال�سر موجود دائم ًا يف داخلنا‪ ،‬وهو دائم ًا‬ ‫ينتظر �أن نن ُف َ‬ ‫ـ�ض عنه الغبار كي ينبثق وينطلق‪.‬‬

‫المؤلف‪:‬‬ ‫مؤسسة “ماكروكوجينيشن‪ ”،‬ولعب دورا ً رئيس ًا في تأسيس‬ ‫جاري كالين‪ :‬كبير العلماء في‬ ‫َّ‬ ‫نظرية صنع القرار الطبيعي‪ .‬كما حصل على الدكتوراه في علم النفس التجريبي من جامعة‬ ‫“بيتسبرج” بوالية بنسلفانيا‪.‬‬

‫كتب مشابهة‪:‬‬

‫‪1. The Art of Insight‬‬ ‫‪How to Have More Aha! Moments.‬‬ ‫‪By: Charles Kiefer and Malcolm Constable. 2013‬‬

‫فن االستبصار‪ :‬كيف تحصل على المزيد من لحظات اإلبداع‪ .‬تأليف‪ :‬تشارلز كيفر ومالكوم كونستابل‪2013 ،‬‬

‫‪2. Leading Teams‬‬ ‫‪A Collection of 40 Brief and Essential Insights for Improving Group Performance.‬‬ ‫‪By: Sean Glaze. 2013‬‬ ‫قيادة الفرق‪ 40 :‬رؤية ضرورية لتحسين أداء المجموعات‪ .‬تأليف‪ :‬شين جليز‪2013 ،‬‬

‫‪3. Data Smart‬‬ ‫‪Using Data Science to Transform Information into Insight.‬‬ ‫‪By: John W. Foreman. 2013‬‬ ‫الذكاء المعلوماتي‪ :‬توظيف علم تحليل البيانات لتحويل المعلومات إلى رؤى‪ .‬تأليف‪ :‬جون فورمان‪2013 ،‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪10‬‬


‫“ت�أتينا بع�ض الر�ؤى والأفكار الالمعة‬ ‫بالتعر�ض حلدث �أو �أمر غريب‬

‫يحرك ف�ضولنا حيث يدفع الف�ضول‬ ‫الإن�سان �إلى البحث ب�شكل �أعمق‬ ‫مما ي�صقل ب�صريته وميكنه من‬ ‫ا�ست�شراف فكرة المعة‪”.‬‬

‫جاري كالين‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.