033 التواصل الهادئ

Page 1


‫ٍ‬ ‫ثـوان‪...‬‬ ‫في‬

‫ماهيــــة التوا�صــل الهـادىء‬

‫لكي ي�ستطيع الإن�سان �أداء دور فاعل‬ ‫وم�ؤثر‪� ،‬سواء يف احلياة االجتماعية �أو‬ ‫املهنية‪ ،‬عليه الإحاطة ببع�ض قواعد‬ ‫و�آداب التوا�صل مع الآخرين‪ .‬قد‬ ‫ي�ستطيع الفرد و�ضع �أف�ضل اخلطط‬ ‫وحتديد �أهدافه بدقة وترتيب الأولويات‬ ‫التي حتقق هذه الأهداف‪ ،‬ولكن يف النهاية ال ميكن �أن يتم الإجناز �إال‬ ‫مبعاونة الآخرين‪ ،‬وهنا تربز �أهمية التوا�صل والتفاعل الب َّناء مع املحيطني‬ ‫بنا‪ .‬ولهذا يجب علينا حت�سني قدراتنا على التوا�صل وتبادل املعلومات ب�سهولة‬ ‫وو�ضوح ومبختلف الو�سائل حتى نعزز عالقتنا مع املحيط الذي نعي�ش فيه‬ ‫مما ي�ساهم يف حتقيق �أهدافنا ب�صورة �أكرث كفاءة ‪.‬‬ ‫واليقت�صر مفهوم التوا�صل على الكالم واحلديث مع الآخرين‪ ،‬بل الأهم هو‬ ‫الطريقة التي يتم بها �إي�صال الفكرة واملعلومة‪ ،‬فهناك حكمة �شهرية تقول‬ ‫“اليهم ماذا قلت‪ ،‬بل الأهم كيف كنت تبدو حني قلته” وهنا جتدر الإ�شارة‬ ‫�إلى الأهمية التي متثلها بع�ض العوامل يف عملية التوا�صل‪ ،‬مثل لغة اجل�سد‬ ‫وو�ضعيته ونربة ال�صوت‪ ،‬وكلها عوامل تك�شف عن احلالة الذهنية يف حلظة‬ ‫معينة و ُت َك ِّون االنطباع الذي نر�سله �إلى الآخرين‪.‬‬ ‫بني يديكم دفعة جديدة من مبادرة كتاب يف دقائق‪ ،‬ت�سلط ال�ضوء بطريقة‬ ‫مبا�شرة وغري مبا�شرة على ثقافة فن التوا�صل‪ ،‬حيث ي�ستعر�ض امللخ�ص‬ ‫الأول طريقة توا�صل مبتكرة يف احلياة املهنية‪ ،‬حيث يرى امل�ؤلف �أن التوا�صل‬ ‫ب�أ�سلوب طرح الأ�سئلة قادر على حتفيز املوظفني وت�شجيعهم على طرح‬ ‫حلول مبتكرة ترتقي ب�أداء عمل امل�ؤ�س�سة ككل‪ .‬ولكي ينجح هذا الأ�سلوب يف‬ ‫التوا�صل يتوجب على القادة من مديرين ور�ؤ�ساء �أق�سام �إتقان فن طرح‬ ‫الأ�سئلة‪ ،‬فالكيف هنا �أهم من الكم‪ ،‬حيث �إن الأ�سئلة املنا�سبة وامللهمة من‬ ‫�ش�أنها �أن ت�شجع الطرف الأخر على تقدمي �إجابات ب َّناءة قادرة على تطوير‬ ‫بيئة عمل حمفزة‪.‬‬ ‫�أما ملخ�ص الكتاب الثاين فيتناول جزئية مهمة يف التوا�صل مع الأخرين‪،‬‬ ‫وهي �إدارة الوقت وترتيب الأولويات‪ .‬يناق�ش الكتاب �ضرورة التوا�صل عرب‬ ‫التحكم يف اختياراتنا وعدم االجنراف وراء تنفيذ �أجندات وخطط الآخرين‪،‬‬ ‫وذلك عرب حتديد الأولويات واكت�ساب مهارة فرز ما هو جوهري و�أ�سا�سي‬ ‫عما هو هام�شي و�أقل �أهمية‪.‬‬ ‫ويتحدث �آخر ملخ�صات الدفعة اجلديدة من مبادرة كتاب يف دقائق ب�صورة‬ ‫مبا�شرة عن التوا�صل الهادئ يف حياتنا االجتماعية‪ .‬وي�ؤكد الكتاب على �أن‬ ‫التوا�صل ال�سلمي قائم على جتنب النمط الهجومي واالنتقادي و�إطالق‬ ‫منهج‬ ‫ِ‬ ‫الأحكام واتباع �أ�سلوب توا�صل يعزز قيم االحرتام ومراعاة الآخرين‪.‬‬ ‫والبد �أن نتذكر دائم ًا �أن التوا�صل عملية متبادلة بني طرفني �أو �أكرث‪ ،‬مما‬ ‫يعني �أن الإن�صات اجليد هو جزء ال يتجز�أ من �أي عملية توا�صل ناجحة‪.‬‬

‫جمال بن حويرب ‬

‫الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫يقودنا التوا�صل الهادىء البعيد عن التوتر والعنف‪،‬‬ ‫�إلى �أ�سمى و�أنقى طرق التعاطف واملودة يف التعبري‬ ‫عن �أنف�سنا والإف�ضاء مب�شاعرنا ونحن ن�سعى �إلى‬ ‫ا�ستيعاب الآخرين‪ .‬فبد ًال من اللجوء �إلى ردود‬ ‫الأفعال اجلافة والعنيفة التي اعتدناها فيما م�ضى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫التوا�صل الهادىء كلماتِنا �إلى‬ ‫ُيح ِّول‬ ‫ا�ستجابات واعيةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومدرو�سةٍ تنطلق من ر�ؤيتنا ال�شخ�صية وم�شاعرنا‬ ‫الإيجابية واحتياجاتنا االجتماعية‪ ،‬ومدى ارتباطها‬ ‫نعب عن‬ ‫باحتياجات الآخرين‪ .‬فمن الطبيعي �أن رِّ‬ ‫ري الآخرين‬ ‫�أنف�سنا ب�صدقٍ ومو َّدةٍ و و�ضوح ونحن ُنع ُ‬ ‫واحرتامنا‪ .‬ولذا ف�إن ال َ‬ ‫إدراك املنبثقَ من‬ ‫اهتمامنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫�آلية وحيوية التوا�صل الإن�ساين الواعي‪ ،‬ي�ساعدنا‬ ‫على حتديد هدفنا من ِّ‬ ‫كل موقف اجتماعِ ٍّي من ُّر به‪،‬‬ ‫عمق عالقاتِنا و ُي ِّ‬ ‫وطد �صالتِنا وي� ِّؤكد على‬ ‫الأمر الذي ُي ِّ‬ ‫وتراحمِ نا‪.‬‬ ‫تالحمِ نا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال�سلمي على ا�ستبدال �أمناط‬ ‫يقوم ُ‬ ‫منهج التوا�صلِ ِّ‬ ‫التوا�صل القائمة على الهجوم والدفاع واالن�سحاب‬ ‫والنقد و�إطالق الأحكام ب�أخرى �أكرث تف ُّهم ًا‬ ‫أ�سلوب ينبذُ ردو َد‬ ‫الحتياجاتنا ودوافعنا الدفينة‪ ،‬وب� ٍ‬ ‫الأفعالِ العنيفة‪ .‬فعندما نركز على ما ن�شعر به‬ ‫نكت ُ‬ ‫َ�شف عمق م�شاعر التعاطف والرتاحم بداخلنا‪،‬‬ ‫ونعزِّ ز قيم االحرتام ومراعاة الآخرين مما يو ِّلد‬ ‫رغب ًة متبادل ًة للعطاء من القلب‪.‬‬


‫منوذج التوا�صــل الهــادىء وعنا�صره الأربعة‬ ‫لكي نرتقي �إلى حالة العطاء من القلب علينا �أن نر ِّكزَ �إدرا َكنا على �أربع مناطق هي‪:‬‬

‫‪ -1‬املالحظة‬ ‫َ‬ ‫الف�صل بني مالحظة ما يفعله الآخرون وبني تقييمنا ال�شخ�صي لتلك‬ ‫تع ُّد املالحظة من �أهم ُمك ِّونات عملية التوا�صل ال�سلمي وت�شرتط‬ ‫الأفعال‪ .‬فنحن بحاجة دائمة �إلى ا�ستيعاب الأثر الذي يق ُع علينا ج َّراء ما نراه ون�سمعه‪ ،‬دون �أن ننخرط يف حماوالت التقييم والتعميم‪.‬‬ ‫تكت�سب املالحظاتُ �أهميتَها لأنها ُتعَبرِّ عما يختلج يف �صدورنا جتاه الطرف الآخر‪ .‬ومن َّثم ف�إنَّ اختالطها بالتقييم يق ِّلل من احتماالت‬ ‫�إ�صغاء الآخرين لنا وا�ستيعابهم لر�سائلنا‪ .‬بل قد ي�شعر الطرف الآخر بتع ُّر�ضه للهجوم فيت� َّأهب للمقاومة ورد الفعل ولذا علينا �أن‬ ‫نف�صل بني املالحظات التي نر�صدها والتقييمات والأحكام التي ن�صدرها‪ .‬فالتوا�صل ال�سلمي يثنينا عن التعميمات املطلقة؛ وي�ستبدلها‬ ‫بالتقييمات امل�ستندة �إلى املالحظات اخلا�صة بزمان حم َّدد و�سياق معني‪.‬‬ ‫مييز اجلدول التايل املالحظة اخلالية من التقييم عن املالحظة املقرتنة بتقييم‪:‬‬ ‫احلــــوار‬ ‫‪ -1‬ا�ستخدام الفعل من دون التقييم �أو بتربيره‪.‬‬ ‫‪ -2‬ا�ستخدام الفعل مع التعميم املطلق‪.‬‬

‫املالحظة املقرتنة بتقييم‬ ‫�أنت �سخي للغاية‪.‬‬ ‫هو يع�شق الت�سويف واملماطلة‪.‬‬

‫‪ -3‬اجلزم ب�أن ا�ستنتاجاتك حول �أفكار‪ ،‬ونوايا‪،‬‬ ‫ورغبات الآخرين هي الر�أي ال�صواب‬

‫من امل�ؤكد �أنها لن تنجح يف عملها‪.‬‬

‫‪ -4‬اخللط بني التن ُّب�ؤ واليقني‪.‬‬

‫�إن مل ت�أكل وجبات �صحية ف�ستتدهور‬ ‫�صحتك‪.‬‬

‫‪ -5‬ا�ستخدام الأو�صاف باعتبارها م�سلمات ال‬ ‫ت�ستند �إلى �أ�سا�س‪.‬‬

‫زميلنا اجلديد يبدو مهمِ ًال‪.‬‬

‫املالحظة اخلالية من التقييم‬ ‫عندما تنازلت عن وجبتك لذلك الفقري‬ ‫�أثبت �أنك �سخي للغاية‪.‬‬ ‫هو ال يذاكر درو�سه �إال ليلة االمتحان‪.‬‬ ‫�أظنها لن تنجح يف عملها‬ ‫�أو‪ :‬لقد قالت‪“ :‬رمبا لن �أجنح يف عملي‬ ‫هذا‪”.‬‬ ‫�أخ�شى �أن تتدهور �صحتك �إن مل ت�أكل‬ ‫وجبات �صحية‪.‬‬ ‫ال يروق يل منظر الزميل الذي ان�ضم �إلينا‬ ‫م�ؤخر ًا‪.‬‬

‫‪ -2‬حتديد امل�شاعر والتعبري عنها‬ ‫يتمثل املك ِّون الثاين يف عملية التوا�صل ال�سلمي يف التعبري عن م�شاعرنا‪ .‬فمن‬ ‫خالل اختيار الكلمات التي تعك�س م�شاعرنا بد َّقة و�شفافية ن�ستطيع �أن نتوا�صل‬ ‫ب�سال�سة وان�سيابية‪� ،‬إذ �إنَّ التعبري عما يجول يف �أعماقنا جتاه ما نالحظ هو‬ ‫جوهر التوا�صل الف َّعال وخري �سبيل لتج ُّنب ال�صراعات‪� .‬إذ يح ُّثنا التوا�صل‬ ‫ال�سلمي على التمييز بني التعبري عن امل�شاعر احلقيقية وبني الكلمات التي‬ ‫حتمل مدلوالت تقييمية وا�ستنتاجية �أو التي تعبرِّ عن �أفكار ال عن م�شاعر‪.‬‬ ‫فعندما تذهب مث ًال �إلى ح�ضور �إحدى احلفالت وتقابل �أ�شخا�ص ًا لأول مرة قد‬ ‫ت�شعر باال�ضطراب وتلوذ بال�صمت فيعترب بع�ض احل�ضور هذا ال�سلوك نوع ًا‬ ‫من الغرور فيحجمون عن التح ُّدث �إليك‪� .‬أما �إذا تخ َّل�صت من خجلك وبادرت‬ ‫باحلديث مع بع�ض احلا�ضرين فقد يتف َّهمون نواياك احلقيقية‪ ،‬و�سرعان ما‬ ‫ي�أخذ احلديث جمراه الطبيعي‪ .‬عندها فقط يبد�أ توتُّرك يف التال�شي تدريجي ًا‬ ‫�إلى �أن َّ‬ ‫يتبخر نهائي ًا‪ .‬هذا هو جوهر التوا�صل الناجح والإيجابي الذي يع ُّد‬ ‫ثمر ًة لتعبريك عن م�شاعرك وعدم جتاهلها �أو كتمانها‪.‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫‪2‬‬


‫حتمل م�س�ؤولية م�شاعرنا‬ ‫‪ُّ -3‬‬ ‫يتح َّمل الإن�سان م�س�ؤولية م�شاعره حني يفتِّ�ش بداخله عن امل�س ِّببات‬ ‫احلقيقية والتي كثري ًا ما تكون خفية‪ .‬فربمَّ ا تثرينا وحت ِّركنا ت�صرفات‬ ‫الآخرين‪ ،‬ولك َّنها ال ت�ش ِّك ُل م�شاع َرنا جتاههم‪� ،‬إذ تن�ش�أ هذه امل�شاعر عن‬ ‫الطريقة التي نختارها نحن لتل ِّقي وا�ستيعاب ما يقوله ويفعله الآخرون‪،‬‬ ‫ف�ض ًال عن احتياجاتنا ومتطلباتنا يف تلك اللحظات‪ .‬ويف هذه املرحلة ال‬ ‫ب َّد �أن نق َّر مب�س�ؤوليتنا عن م�شاعرنا وما نف َع ُله لتوليد هذه امل�شاعر جتاه‬ ‫�أفعال الآخرين‪.‬‬ ‫عندما يبعث �إلينا �أحدهم ر�سال ًة �سلبي ًة‪ ،‬جند �أنف�سنا �أمام �أربعة‬ ‫خيارات ال�ستقبال الر�سالة وما ي�ستتبع ذلك من م�شاعر تتو َّلد داخلنا‪.‬‬ ‫مثال‪:‬‬ ‫عندما يقول لك �شخ�ص غا�ضب‪�“ :‬أنت �أكرث �إن�سان �أناين قابلته يف‬ ‫حياتي” قد يكون ر ُّد الفعل واحد ًا مما يلي‪:‬‬ ‫علي �أن �أراعي‬ ‫‪ u‬نلقي باللوم على �أنف�سنا؛ بقولنا‪“ :‬كان ينبغي َّ‬ ‫م�شاعرك �أكرث” يف هذه احلالة نحن نقبل بحكم الآخرين على‬ ‫ح�ساب تقديرنا لأنف�سنا‪ ،‬فهذا الر ُّد مييل بنا �إلى ال�شعور بالذنب‬ ‫واالكتئاب‪.‬‬ ‫‪ u‬نلقي باللوم على الآخرين؛ بقولنا‪“ :‬لي�س من حقك �أن تقول‬ ‫هذا ف�أنا �أراعي م�شارك دائم ًا‪ ،‬و�أنت الذي تت�ص َّرف ب�أنانية”‪.‬‬ ‫هذا اخليار يرد ال�صاع �صاعني للمتحدث ويجعله ي�ش ِعر بالغ�ضب‪.‬‬ ‫‪ u‬ن�ستدرك م�شاعرنا واحتياجاتنا؛ بقولنا‪“ :‬عندما تقول‬ ‫ب�أ َّنني �أكرث �شخ�ص �أناين قابلته �أ�شعر باحلزن؛ فقد كنت‬ ‫�أمت َّنى بع�ض التقدير من جانبك جتاه ما �أبذله ملراعاة طلباتك‬

‫واحتياجاتك”‪ .‬هذا اخليار ير ِّكز على الوعي مب�شاعرنا‬ ‫واحتياجاتنا‪.‬‬ ‫‪ u‬ن�ستدرك م�شاعر واحتياجات الآخرين؛ بقولنا‪“ :‬هل ت�شعر‬ ‫باحلزن لأ َّنني مل �أرا ِع كل احتياجاتك ومل �أُ َل ِّب بع�ض طلباتك؟”‬ ‫وير ِّكز هذا اخليار على الوعي مب�شاعر الآخرين واحتياجاتهم‪.‬‬ ‫يت�ضح مما �سبق �أنَّ الإن�سان يبتع ُد عن احتياجاته ويتخ َّلى عن‬ ‫�إيجابياته وم�س�ؤولياته مبج َّرد �أن يبد�أ يف �إطالق الأحكام على‬ ‫�سلوكيات الآخرين وانتقادها وت�أويلها وتف�سريها كما يحلو له‪.‬‬ ‫فعندما ي�سمع الآخرون نقد ًا ل�سلوكهم‪ ،‬ف�إنهم ِّ‬ ‫ي�سخرون طاقاتهم‬ ‫للدفاع عن �أنف�سهم والقيام بهجوم م�ضاد‪� .‬أ َّما �إذا ا�ستطعنا التوا�صل‬ ‫معهم عرب م�شاعرنا واحتياجاتنا وب�شكل مبا�شر‪ ،‬ف�إننا ن�س ِّهل على‬ ‫الآخرين اال�ستجابة لنا والتعاطف معنا‪.‬‬ ‫‪ -4‬طلب ما ُينقِّي نفو�سنا ويرثي حياتنا‬ ‫يتناول �آخر مك ِّونات عملية التوا�صل ال�سلمي ما نو ُّد �أن نطلبه من‬ ‫مبزيد من ال�سكينة والطم�أنينة‪ .‬فعندما ال ُتل َّبى‬ ‫الآخرين كي ننعم ٍ‬ ‫احتياجاتنا على �أكمل وجه‪ ،‬ميكننا التعب ُري ع َّما “نالحظه” وما‬ ‫“ن�شعر” به وما “نحتاجه” من خالل “طلب” حمدَّد‪� ،‬أي �أن‬ ‫نطلب من الطرف الآخر �أن يفعل ما من �ش�أنه تلبية هذه احلاجة‪.‬‬ ‫فما �أف�ضل �صيغة لطرح هذا الطلب بحيث يتح َّفز الآخر وتزداد‬ ‫رغبته يف اال�ستجابة ملطالبنا ب�سماحة وتعاطف؟‬ ‫‪ u‬جتنَّب الطلبات املنفية‬ ‫تعترب الطلبات املنفية من �أكرث ال�صيغ املعرقلة للتوا�صل الف َّعال‬ ‫والتي تربك امل�ستمع‪ ،‬ف ُيبدي مقاوم ًة وا�ضح ًة لتلبية طلباتنا‪.‬‬ ‫ومن َّثم ف�إ َّننا بحاجة �إلى التعبري عن مطالبنا يف �صورة �أفعال‬ ‫حم َّددة ي�ستطيع الآخرون ا�ستيعابها ومن َّثم تنفيذها‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫كتاب في دقائق‬


‫طلبات �أم �أوامر‬

‫مثال‪ :‬ميكن للزوجة التي ت�شعر بامللل ب�سبب ق�ضاء زوجها معظم‬ ‫وقته بالعمل �أن تقول‪�« :‬أو ُّد لو تق�ضي مزيد ًا من الوقت معنا يف‬ ‫البيت‪ »،‬وال تقول‪« :‬ال ميكنك �أن تق�ضي كل هذا الوقت يف العمل»‬ ‫فعدم ق�ضاء الوقت بالعمل ال يعني بال�ضرورة �أ َّنه �سيق�ضيه بني‬ ‫جدران املنزل‪ .‬وبالتايل على الزوجة �أن تتح َّرى الدقة يف تو�ضيح‬ ‫مطالبها حتَّى ال يت�شتَّت الزوج �أو ي�سيء فهمها �أو يعاندها‪.‬‬

‫�إذا ما اعتقد الآخرون �أ َّنهم �سيتع َّر�ضون للعقاب �أو اللوم �إن مل‬ ‫ميتثلوا لطلباتنا‪ ،‬ف�إ َّنهم �سي�ستقبلون هذه الطلبات باعتبارها‬ ‫�أوامر ال ب َّد و�أن يذعنوا لها‪ ،‬ومن َّثم ميكنك �إزالة ال َّلب�س‬ ‫املحتمل بني �صيغة الطلب و�صيغة الأمر ب�أن تت ِّوج مطلبك‬ ‫بعبارة َّ‬ ‫مهذبة مثل‪�“ :‬أمت َّنى منك �أن ‪ ...‬فقط �إن كان ذلك يف‬ ‫ا�ستطاعتك �أو‪� :‬إن كنت ترغب يف ذلك” فبد ًال من �أن ت�أمر‬ ‫�صديقك ب�إعداد الطاولة قائ ًال‪“ :‬جهز الطاولة فور ًا ومن‬ ‫دون �إبطاء” ميكنك �أن تقول‪“ :‬هل بو�سعك يا �صديقي �إعداد‬ ‫الطاولة لنا الآن و�سنكون جاهزين مل�ساعدتك؟” بل �إنَّ ما يلي‬ ‫ُ‬ ‫الطرف الآخر َ‬ ‫تنفيذ‬ ‫ذلك من ت�سامح وتعاطف يف حال ر َف َ�ض‬ ‫ما نريد هو �أكرب دليل على �أن ما نطرحه هو جم َّرد طلب �أو‬ ‫رجاء‪ ،‬ولي�س �أمر ًا �صارم ًا واجب النفاذ‪.‬‬

‫‪ u‬التعبري عن الطلبات بو�ضوح وبطريقة حمدَّ دة‬ ‫نعب عن �شعورنا باالنزعاج ونفرت�ض �أنَّ امل�ستمع‬ ‫يف بع�ض الأحيان رِّ‬ ‫�سيفهم طلبنا ال�ضمني ويعرف ما نن�شده‪ .‬فقد تقول الزوجة‬ ‫لزوجها‪�“ :‬أ�شعر باال�ستياء لأ َّنك ن�سيت �أن جتلب الأطعمة التي‬ ‫طلبتها منك لإعداد الع�شاء” بينما هي تق�صد �أو تطلب منه العودة‬ ‫للمتجر جللب هذه الأ�شياء‪ ،‬يف حني �أ َّنه يعترب تذمرها جمرد و�سيلة‬ ‫لإ�شعاره بالذنب والتق�صري فح�سب فك َّلما ك َّنا وا�ضحني يف عر�ض‬ ‫مطالبنا زادت احتمالية تلبية الطرف الآخر لها‪.‬‬ ‫‪ u‬الت�أ ُّكد من فهم الآخر لطلبنا‬ ‫كثري ًا ما تف�شل عملية التوا�صل بف�ضل الفجوة القائمة بني ما‬ ‫نق�صده وما يفهمه الآخرون‪ .‬ف�إن مل تت�أ َّكد من ا�ستيعاب الطرف‬ ‫الآخر مل�ضمون ر�سالتك‪ ،‬فاطلب منه �أن يعيد ما فهمه من ر�سالتك‬ ‫على م�سامعك حتَّى يت�س َّنى لك ت�صحيح ما قد يحدث من �سوء‬ ‫فهم �أو التبا�س‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ :‬ميكنك �أن ت�س�أل بعد �أن‬ ‫تنتهي من طرح مطلبك‪“ :‬هل هذا وا�ضح؟” �أو “هل فهمت الآن‬ ‫ما �أريده منك؟” ومن ال�ضروري يف هذه املرحلة �أن ِّ‬ ‫تو�ضح ملن‬ ‫تخاطبه �أ َّنك ال تخترب مهاراته ال�سمعية �أو قدرته على الرتكيز‬ ‫و�إنمَّ ا تت�أ َّكد من جناحك يف التعبري عما تريده بو�ضوح‪.‬‬ ‫‪ u‬حتديد �أهداف ما نطلبه‬ ‫ي�ستلزم طرح طلبات بعينها الوعي الكامل بالهدف الرئي�سي الذي‬ ‫يكمن وراء هذا الطلب‪ .‬فالتوا�صل ال�سلمي هو عملية تهدف يف‬ ‫املقام الأول �إلى �إن�شاء عالقات �إن�سانية و�صالت اجتماعية تقوم‬ ‫على ال�صدق والتعاطف‪ .‬فعندما يثق الآخرون ب�أنَّ هدفنا الأ�سا�سي‬ ‫هو ا�ستمرار العالقة وتلبية احتياجات ومطالب جميع الأطراف‪،‬‬ ‫ميكنهم الثقة يف �أنَّ ما نطلبه منهم هو رجا ٌء ولي�س �أمر ًا مم َّوه ًا‪.‬‬

‫كيف نتعاطف‬ ‫ننتقل الآن من التعبري عن �أنف�سنا‪�( :‬أي ع َّما نالحظه وما ن�شعر‬ ‫به وما نحتاجه وما نطلبه) �إلى التعاطف مع الآخرين بينما‬ ‫يعبون بدورهم ع َّما يالحظونه‪ ،‬وما ي�شعرون به‪ ،‬وما يحتاجونه‪،‬‬ ‫رِّ‬ ‫وما يطلبونه‪ .‬وي�شار �إلى هذا اجلزء من عملية التوا�صل ال�سلمي‬ ‫بـ“الإ�صغاء الوجداين”‪.‬‬ ‫يق�صد بالتعاطف حماولة فهم الآخر بطريقة حترتم م�شاعره‬ ‫و ُتقدِّ ر احتياجاته‪ .‬ويتط َّلب التعاطف احلقيقي �أن نن�صت من‬ ‫�أعماق وجداننا ِّ‬ ‫وبكل جوارحنا؛ فاال�ستماع الذي يعتمد على‬ ‫الأذن فقط يختلف متام ًا عن اال�ستماع الذي ينطوي على ال�شعور‬ ‫باملتحدِّ ث والتفاعل معه‪ .‬فالإ�صغاء الوجداين ال يعتمد على‬ ‫حا�سة واحدة فقط‪ ،‬ال على الأذن وحدها وال على العقل وحده‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫و�إنمَّ ا يتطلب تناغما حقيقيا بني احلوا�س كافة‪ .‬ويف هذه احلالة‬ ‫ت�ستطيع �أن ت�ستوعب ما تعجز �أذناك عن �سماعه �أو عينك عن‬ ‫ر�ؤيته‪� ،‬أو عقلك عن ا�ستيعابه فعندها ين�صت الوجدان ب�أكمله‪.‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪4‬‬


‫ال يت ُّم التعاطف مع الآخر �إال بعدما نتخ َّل�ص من جميع الأفكار‬ ‫ننفك �أن نط ِلقها عليه ونتعاي�ش مع ِّ‬ ‫والأحكام التي ال ُّ‬ ‫كل موقف‪،‬‬ ‫كالطفل الوليد‪ ،‬باعتباره موقف ًا جديد ًا مل يحدث من قبل‬ ‫ ولن يتك َّرر‪ .‬ويف هذه احلالة ال ب َّد �أن يكون ر ُّد فعلك �أي�ض ًا‬‫مالئم ًا للموقف – ال م�سبق الإعداد‪.‬‬ ‫لي�س من ال�سهل حتقيق هذه امل�شاركة الوجدانية الالزمة من‬ ‫�أجل حدوث التعاطف‪� .‬إذ �إ َّننا منيل عاد ًة �إلى �إ�سداء الن�صائح‬ ‫�أو طم�أنة �صاحب امل�شكلة‪ ،‬ومن َّثم االنتقال ب�سرعة للتح ُّدث‬ ‫عن جتاربنا اخلا�صة و�أحيان ًا التعبري عن م�شاعرنا اخلا�صة‬ ‫�إزاء مواقف م�شابهة‪� .‬إال �أنَّ التعاطف مع الآخر يتط َّلب ب�شكل‬ ‫يوجهها‬ ‫رئي�س تكثيف وتركيز االنتباه �صوب الر�سالة التي ِّ‬ ‫هذا ال�شخ�ص – ال االنخراط يف �سرد جتاربنا ال�شخ�صية‬ ‫ونقل ب�ؤرة الرتكيز جتاهنا‪ .‬فعلينا �أن مننح الآخرين الفر�صة‬ ‫التي يحتاجونها للتعبري عن �أنف�سهم بالكامل �إلى �أن يتحقَّق‬ ‫لديهم ال�شعور ب�أنَّ الآخر قد فهمهم بالفعل و�أ�صبح على دراية‬ ‫مب�شاعرهم الدفينة‪.‬‬ ‫فيما يلي بع�ض ال�سلوكيات ال�شائعة التي حتول بيننا وبني‬ ‫الو�صول لدرجة مالئمة من التوا�صل املتعاطف مع الآخرين‬ ‫عندما يتح َّدث �شخ�ص ما حول ما ي�ؤمله �أو يقلقه مث ًال‪:‬‬ ‫‪� u‬إ�سداء الن�صح‪�“ :‬أعتقد �أ َّنه كان ينبغي عليك �أن‪”....‬‬ ‫‪ u‬التناف�س‪“ :‬ما تقوله �أمر تافه مقارن ًة مبا حدث يل‬ ‫عندما‪”...‬‬ ‫‪ u‬التعليم‪“ :‬بد ًال من التذ ُّمر‪ ،‬ميكنك �أن حت ِّول ذلك �إلى‬ ‫جتربة ت�ستفيد منها‪”.‬‬ ‫‪ u‬املوا�ساة‪“ :‬مل يكن خط�أك‪ ،‬لقد فعلت كل ما بو�سعك‪”.‬‬ ‫‪� u‬سرد الق�ص�ص‪“ :‬هذا يذ ِّكرين عندما‪”....‬‬ ‫‪ u‬حتقري امل�شكلة‪“ :‬الأمر ال ي�ستح ُّق ك َّل هذا الأ�سى‪”.‬‬ ‫‪ u‬الت�صحيح‪“ :‬ال‪ ،‬مل يحدث الأمر بهذه الطريقة‪”.‬‬

‫‪5‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫� ِأعد �صياغة ما فهمت‬ ‫بعدما ر َّكزنا على الإن�صات �إلى ما يالحظه الآخرون وما ي�شعرون‬ ‫به جتاه ما يالحظونه وما هم بحاجة �إليه وما يتم َّنونه لإثراء‬ ‫حياتهم وحت�سينها‪ ،‬قد نرغب يف �إعادة �شرح ما ا�ستوعبناه ولكن‬ ‫بطريقتنا اخلا�صة‪ .‬ف�إذا ا�ستوعبنا حق ًا ر�سالة املتحدِّ ث‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫�إعادة �شرحنا لها ُيعترب مبثابة زيادة ت�أكيد على هذا اال�ستيعاب‬ ‫وفهم املق�صد‪� .‬أ َّما �إن كان هناك �أي خط�أ يف تعبرينا‪ ،‬ف�إ َّننا بذلك‬ ‫لي�صحح لنا ما فهمناه‪ .‬هناك ميزة �أخرى تو ِّفرها‬ ‫مننحه الفر�صة‬ ‫ِّ‬ ‫هذه اخلطوة‪� ،‬إذ �إ َّننا عندما نعيد �شرح ما قاله ال�شخ�ص املتحدِّ ث‬ ‫مننحه بذلك الفر�صة يف �أن يت�أ َّمل ما قاله ع َّما ي�شعر به‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي مينحه الفر�صة �أي�ض ًا ل�سرب �أغوار ذاته والإبحار يف �أعماقها‬ ‫وربمَّ ا �إعادة النظر يف حقيقة م�شاعره‪ .‬وتفرت�ض طريقة التوا�صل‬ ‫يتم هذا ال�شرح على هيئة �أ�سئلة ت�سرد ما فهمناه من‬ ‫ال�سلمي �أن َّ‬ ‫م�شاعر الطرف الآخر التي حت َّدث عنها‪.‬‬ ‫علينا �أثناء القيام بهذه اخلطوة �أن نتن َّبه كثري ًا �إلى نربة ال�صوت‪.‬‬ ‫يف�سرها الطرف‬ ‫فارتفاع ب�سيط �أو ح َّدة متزايدة يف النربة قد ِّ‬ ‫الآخر باعتبارها نوع ًا من االنتقاد �أو ال�سخرية فكن متي ِّقظ ًا‪.‬‬

‫فاقد ال�شيء ال يعطيه‬ ‫ال ميكن لنا ب�أيِّ �شكل من الأ�شكال �أن مننح الآخرين ما ال منلكه‪.‬‬ ‫وعلى هذا الأ�سا�س ف�إذا ما وجدنا �أنف�سنا غري قادرين على‬ ‫التعاطف مع الآخرين رغم رغبتنا يف ذلك ورغم حماوالتنا‬ ‫اجلاهدة ف�إ َّننا بال�ضرورة نفتقر َّ‬ ‫ونتعط�ش �إلى كثري من العطف‬ ‫والتعاطف‪ .‬فكيف لنا �أن نتعاطف مع الآخرين �إن مل جند من‬ ‫يتعاطف معنا �أو ًال وهنا يربز دور الوعي واالعرتاف ب�أنَّ الأ�سى‬ ‫الذي يغمرنا هو ال�سبب الرئي�س وراء افتقارنا �إلى القدرة على‬ ‫�إبداء التعاطف حتَّى يتف َّهم الطرف الآخر حقيقة م�شاعرنا‪ ،‬ومن‬ ‫َّثم يبد�أ يف منحنا ولو قدر ًا �ضئي ًال من التعاطف الذي نن�شده‪ .‬ف�إذا‬ ‫ك َّنا قادرين على التعبري عن الأمل الذي ن�شعر به دون �إلقاء اللوم‬ ‫على �أحد‪ ،‬ففي بع�ض الأحيان �سنجد حتَّى ه�ؤالء الأ�شخا�ص الذي‬ ‫ي�شعرون باحلزن والأ�سى قادرين على الإ�صغاء لنا وتلبية ما نحتاج‬ ‫حب وتعاطف‪.‬‬ ‫من ٍّ‬


‫خم�س خطوات لكي ت�صبح عطوف ًا‬ ‫تتم َّثل �أهم ا�ستخدامات منهج التوا�صل ال�سلمي يف حتفيز‬ ‫الرتاحم وال�شعور بال�شفقة والتعاطف جتاه الآخرين‪ .‬نتناول‬ ‫فيما يلي خم�س خطوات رئي�سية لنتخ َّل�ص من العنف الكامن‬ ‫بداخنا ونح ِّقق التعاطف املن�شود‪:‬‬

‫‪ u‬تذ َّكر مميزاتك‬ ‫حتت ُّل هذه اخلطوة مكانة بارزة �إذ ميكننا ا�ستبدال طباعنا العنيفة‬ ‫وحتويلها �إلى �أخرى حانية ومرتاحمة عن طريق تقييمنا الإيجابي‬ ‫لأنف�سنا طوال الوقت‪ .‬وانطالق ًا من �سعينا الد�ؤوب لإثراء حياتنا‬ ‫و�إ�سعاد �أنف�سنا‪ ،‬فمن ال�ضروري �أن نتع َّلم كيف نتفاعل ونقيم املواقف‬ ‫املختلفة مبنظور �إيجابي حتَّى يت�س َّنى لنا املفا�ضلة بني اخليارات‬ ‫واتخاذ القرارات التي حت ِّقق يف النهاية هدفنا املن�شود‪� .‬إال �أ َّننا ‪-‬‬ ‫ول�سوء احلظ – قد اعتدنا ا�ستخدام �أ�ساليب تقييم النف�س التي ت�ض ُّر‬ ‫مما تبني‪ .‬ومن َّثم فعلينا �أن نط ِّور من‬ ‫�أكرث مما تفيد‪ ،‬وتهدم �أكرث َّ‬ ‫�أنف�سنا ونتفاعل ب�إيجابية مع العامل من حولنا و�إال ندمنا وقت ال ينفع‬ ‫الندم‪.‬‬

‫‪َّ u‬‬ ‫حتل بدوافع �إيجابية‬ ‫�إذا كانت طريقة تقييمنا لأنف�سنا ت�ؤدِّي بنا يف نهاية الأمر �إلى‬ ‫ال�شعور باخلزي‪ ،‬ومن َّثم تدفعنا لتغيري �سلوكياتنا‪ ،‬ف�إ َّننا بذلك‬ ‫ننقاد يف رحلة التعلُّم والتط ُّور بدافع كراهية الذات‪ .‬فاخلزي هو‬ ‫يتمخ�ض من دون ٍّ‬ ‫�شكل من �أ�شكال الكراهية‪ ،‬والذي َّ‬ ‫�شك عن ردود‬ ‫�أفعال ُمق َّيدَ ة وخالية من البهجة‪ .‬وحتَّى �إن كان مق�صدنا منها‬ ‫الت�ص ُّرف مبزيد من اللياقة واللطف‪ ،‬ف�إذا ما ا�ست�شعر الآخرون �أنَّ‬ ‫�شعورنا باخلزي �أو الذنب هو املح ِّرك الرئي�سي وراء �أفعالنا‪ ،‬تتق َّل�ص‬ ‫احتماالت تقديرهم جلهودنا على عك�س ما يحدث حني تنطوي‬ ‫�سلوكياتنا على رغبة حقيقية يف �إثراء احلياة‪.‬‬

‫‪ u‬تعلَّم كيف تق ِّيم ال�سلوك‬ ‫يقوم منهج التوا�صل ال�سلمي على مبد�أ جوهري وهو �أ َّننا حني ن�صف‬ ‫�شخ�ص ًا ما ب�أ َّنه �س ِّيئ �أو خاطئ‪ ،‬ف�إنَّ ما نعنيه حق ًا هو �أنَّ ذلك‬ ‫ال�شخ�ص ال يت�ص َّرف بال�شكل الذي يل ِّبي احتياجنا‪ .‬ومن املنطلق‬ ‫فحري بك �أن تقول‪�“ :‬أخ�شى �أ َّنني‬ ‫ذاته‪ ،‬ف�إذا كنت تق ِّيم نف�سك‬ ‫ٌّ‬

‫�أت�ص َّرف بطريقة ال تتالءم مع احتياجاتي” بهذه الطريقة‪ ،‬ومن‬ ‫خالل تقييم �أنف�سنا وفق ًا ملدى مالءمة �سلوكياتنا لتلبية احتياجاتنا‪،‬‬ ‫�سنتع َّلم �أ�ساليب التقييم الب َّناء ونتعامل مع �أنف�سنا مبنظور خمتلف‬ ‫كلي ًا لنكت�شف مزايانا ونح ِّقق غاياتنا‪.‬‬

‫نب مبادئ الندم البنَّاء‬ ‫‪ u‬ت َّ‬ ‫الندم وفق ًا ملنهج التوا�صل ال�سلمي ما هو �إال حالة من التوا�صل‬ ‫امل�ستمر والواعي مع االحتياجات غري املل َّباة وامل�شاعر التي تنتج‬ ‫أمر ما‪ .‬ذلك هو جوهر الندم الب َّناء الذي ال‬ ‫عن �إخفاقنا يف � ٍ‬ ‫مما‬ ‫ُّ‬ ‫ميت ب�صلة للبكاء على اللنب امل�سكوب‪ ،‬و�إنمَّ ا يدفعنا للتعلُّم َّ‬ ‫خ�ضناه من جتارب من دون �أن نلوم �أو نكره �أنف�سنا‪ .‬فمن خالله‬ ‫نالحظ كيف ي�سري �سلوكنا يف اجتاه م�ضاد الحتياجاتنا وقيمنا‪،‬‬ ‫ون�صارح �أنف�سنا مب�شاعرنا احلقيقية حيال هذا الواقع‪ .‬فعندما‬ ‫نتوجه تلقائي ًا �إلى اكت�شاف �سبل‬ ‫ن�س ِّلط انتباهنا على ما نحتاجه‪َّ ،‬‬ ‫مبتكرة لتلبية هذه احلاجات‪ ،‬على عك�س ما يحدث حني نبد�أ يف‬ ‫�إطالق الأحكام و�إلقاء اللوم على �أنف�سنا حتَّى نبد�أ يف الدوران‬ ‫�ضمن حلقة مفرغة من عقاب الذات الذي ي�صاحبنا �إلى ما ال‬ ‫نهاية‪.‬‬

‫‪� u‬سامح نف�سك‬ ‫من ال�ضروري �أن نختتم عملية الندم مب�ساحمة الذات‪ .‬فالإن�سان‬ ‫عادة ما يت�ص َّرف ب�شكل يل ِّبي احتياجاته ويعزِّ ز قيمه اجلوهرية‪.‬‬ ‫وهذا الأمر �صحيح �سواء كان ما نقوم به من �أفعال يواكب حق ًا هذه‬ ‫احلاجات والقيم �أم ال‪ .‬عندما نن�صت بتعاطف �إلى ما بداخلنا‪،‬‬ ‫ن�صبح قادرين على اكت�شاف احتياجاتنا الدفينة‪ .‬فالت�سامح مع‬ ‫النف�س هو نتاج التوا�صل العاطفي مع �أنف�سنا ومتطلباتنا‪ .‬عندها‬ ‫ن�ستطيع �أن نكت�شف كيف كان ت�صرفنا حماولة م َّنا لإثراء حياتنا‬ ‫فنبد�أ يف درا�سة �أوجه العجز والق�صور حتَّى ال نك ِّررها يف امل َّرة‬ ‫القادمة‪.‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫‪6‬‬


‫عب عن غ�ضبك‬ ‫رِّ‬ ‫احلديث عن العنف يف�سح لنا جما ًال وا�سع ًا للتع ُّمق �أكرث يف‬ ‫عملية التوا�صل ال�سلمي‪� ،‬إذ يُظهِ ر التعبري عن الغ�ضب الفرق‬ ‫بني هذا املنهج التوا�صلي الفعال و�سائر �أنواع التوا�صل‬ ‫الأخرى‪ .‬فال�ضرب والتوبيخ و�إيذاء الآخرين ‪� -‬سواء بدني ًا‬ ‫�أو نف�سي ًا ‪ -‬كلها تعبريات مفتعلة ظاهرية تعبرِّ ع َّما يدور‬ ‫بداخلنا يف حلظات الغ�ضب‪ .‬ومن َّثم ف�إ َّننا بحاجة �إلى‬ ‫طريقة �أكرث ت�أثري ًا وفاعلية للتعبري عن �أنف�سنا يف مثل هذه‬ ‫اللحظات‪.‬‬

‫التمييز بني املحفِّز وال�سبب‬ ‫تتم َّثل �أولى خطوات التعبري عن الغ�ضب – وفق ًا ملنهج التوا�صل‬ ‫ال�سلمي ‪ -‬يف الف�صل بني الغ�ضب الذي يخاجلنا وبني الطرف‬ ‫الآخر‪ .‬فعلينا �أن نتخ َّل�ص من الأفكار التي تعفينا من امل�س�ؤولية‬ ‫وحتملها للطرف الآخر كاملة مثل‪“ :‬لقد �أخرجني عن �شعوري‬ ‫ِّ‬ ‫عندما فعل ذلك” فك ُّل �أ�شكال العنف ما هي �إال نتاج خداع‬ ‫النف�س؛ حيث نقنع �أنف�سنا ب�أنَّ الآخرين هم املت�س ِّببون فيما‬ ‫ن�شعر به من �آالم ومن َّثم ف�إ َّنهم جديرون بالعقاب‪ .‬يدفعنا هذا‬ ‫االعتقاد يف النهاية �إلى التعبري عن غ�ضبنا بطريقة �سطحية‬ ‫تتج�سد يف �إلقاء اللوم على الآخرين �أو معاقبتهم‬ ‫ظاهرية َّ‬ ‫ب�أق�صى الطرق املمكنة‪.‬‬ ‫حني تتم َّلكنا م�شاعر الغ�ضب‪ ،‬نت�ص َّيد �أخطاء الآخرين‪ ،‬ونلعب‬ ‫دور احلكم‪ ،‬فن�صدر الأحكام على الآخرين‪ ،‬ونلقي باللوم‬ ‫عليهم نتيجة ما اقرتفوه من �أخطاء �أو العتقادنا با�ستحقاقهم‬ ‫العقاب‪ .‬ذلك هو جوهر �شعورنا بالغ�ضب؛ فهو يعتمد ب�شكل‬ ‫رئي�س على طريقة تفكرينا وا�ستيعابنا لأفعال الآخرين ال‬ ‫�أفعالهم احلقيقية‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫كتاب في دقائق‬

‫�أربع خطوات للتنفي�س عن الغ�ضب‬ ‫�إليك بع�ض اخلطوات العملية التي ت� ِّؤهلك للتعبري عن‬ ‫غ�ضبك ب�أف�ضل �صورة ممكنة‪:‬‬ ‫‪ -1‬توقَّف عن فعل � ِّأي �شيء فيما عدا التنفُّ�س‪ .‬امتنع‬ ‫عن توجيه اللوم �أو معاقبة الآخرين‪.‬‬ ‫‪ -2‬حت َّكم يف �أفكارك التقييمية‪.‬‬ ‫‪ -3‬توا�صل مع احتياجاتك‪.‬‬ ‫ُلب بعد‪.‬‬ ‫‪ -4‬عبرِّ عن م�شاعرك واحتياجاتك التي مل ت َّ‬ ‫قد نعمد يف بع�ض الأحيان �إلى �إبداء التعاطف للطرف‬ ‫الآخر يف خ�ضم تفاعلنا مع اخلطوة ‪ 3‬حتَّى ي�صبح �أكرث‬ ‫�صرب ًا‪ ،‬وحت ُّم ً‬ ‫نعب‬ ‫ال‪ ،‬وتعاطف ًا لدى �إن�صاته �إلينا بينما رِّ‬ ‫عن �أنف�سنا يف اخلطوة ‪.4‬‬

‫الإجبار باللني‬ ‫يف بع�ض املواقف قد ال ت�سنح الفر�صة للتوا�صل من دون‬ ‫اللجوء �إلى العنف‪ ،‬وقد يكون اللجوء �إلى ا�ستخدام القوة �أمر ًا‬ ‫حتمي ًا حلماية حقوق الفرد �أو حتَّى �إنقاذ حياته‪ .‬على �سبيل‬ ‫املثال‪ :‬قد يكون الطرف الآخر غري م�ستعدٍّ للحوار‪� ،‬أو قد‬ ‫يكون هناك بع�ض ال�صعوبات التي ال تتيح وقت ًا للتح ُّدث‪ .‬يف‬ ‫مثل تلك املواقف قد ن�ضط ُّر �إلى اللجوء للق َّوة‪ .‬و�إذا ما �سلكنا‬ ‫هذا اجلانب‪ ،‬علينا التمييز بني ا�ستخدام الق َّوة بهدف حماية‬ ‫ال�شخ�ص – الق َّوة الوقائية ‪ -‬وا�ستخدامها بهدف معاقبته –‬ ‫القوة العقابية‪.‬‬


‫�شكلٍ من الأ�شكال‪ .‬ويعتمد مفهوم الق َّوة الوقائية على‬ ‫مبد�أ رئي�س وهو � َّأن الإن�سان عاد ًة ما يدفعه جهله �إلى‬ ‫�أن ي�سلك منهج ًا قد يلحق به – �أو بغريه – ال�ضرر‪.‬‬ ‫هذا اجلهل قد يكون ناجت ًا عن عدم وعيه بعواقب‬ ‫وتبعات ت�ص ُّرفه �أو عجزه عن ر�ؤية طريقة �أخرى لتلبية‬ ‫احتياجاته دون �إيذاء الآخرين‪� ،‬أو حتَّى افرتا�ضه‬ ‫– اخلاطئ ‪ -‬ب�أنَّه ميتلك �سلطة معاقبة الآخرين ما‬ ‫ثم نحمل على عاتقنا‬ ‫داموا ي�ستحقُّون العقاب ومن َّ‬ ‫م�س�ؤولية حماية بع�ضنا بع�ض ًا من �شرور �أنف�سنا‬ ‫بالتعليم والتهذيب ال بالعقاب والتعذيب‪.‬‬

‫ثمن العقاب‬ ‫يحركنا وال يدفعنا �إليه �سوى‬ ‫عندما نقوم ب� ِّأي عمل ال ِّ‬ ‫اخلوف من العقاب‪ ،‬ف� َّإن ذهننا ي�صبح م�شتَّت ًا ونن�صرف‬ ‫وين�صب اهتمامنا‬ ‫عن القيمة احلقيقية للفعل نف�سه‪ ،‬بل‬ ‫ُّ‬ ‫على العواقب التي �ستلحق بنا �إذا ف�شلنا يف �أدائه‪ .‬ف�إذا‬ ‫ملهامه هو اخلوف من العقاب‪،‬‬ ‫كان دافع العامل يف �أدائه ِّ‬ ‫مهامه بالفعل‪ ،‬ولكن �ستنخف�ض‬ ‫فمن املمكن �أن ينجز َّ‬ ‫ال �أم �آج ً‬ ‫ يف املقابل ‪ -‬روحه املعنوية وتت�أ َّثر ‪ -‬عاج ً‬‫ال‬ ‫معدالت الإنتاجية‪ ،‬ناهيك عن تال�شي ال�شعور بتقدير‬ ‫ َّ‬‫الذات عند ا�ستخدام الق َّوة العقابية‪ .‬فالأمر �أ�شبه ب�إجبار‬ ‫الأطفال على تنظيف �أ�سنانهم خوف ًا من العقاب و�سخرية‬ ‫حت�سنت �صحة �أ�سنانهم‪ ،‬ف�سيت�آكل‬ ‫الآخرين‪ .‬فحتَّى و�إن َّ‬ ‫مع الوقت احرتامهم لأنف�سهم‪ .‬وكما نعلم جميع ًا ف� َّإن‬ ‫للعقاب ثمن ًا باهظ ًا ندفعه من ر�صيد القبول املجتمعي‪.‬‬ ‫فك َّلما ظهرنا يف مواقف نعاقِ ب فيها من نراهم خمطئني‪،‬‬ ‫�شَ قَّ على الآخرين �إبداء � ِّأي تعاطف جتاهنا وق َّلت‬ ‫احتمالية تلبيتهم الحتياجاتنا‪.‬‬

‫الوقاية والعقاب‬ ‫تهدف القوة الوقائية �إلى منع وقوع �ضرر �أو ظلم على الطرف‬ ‫الآخر يف حني تهدف القوة العقابية �إلى �إيالم و�إيذاء الآخرين‬ ‫كجزء من تقومي ال�سلوك وت�صحيح امل�سار – �أو هكذا يفرت�ض من‬ ‫ميار�سونها‪.‬‬ ‫عندما ن�ستخدم القوة بهدف حماية �شخ�ص ما‪ ،‬ف�إنَّنا ِّ‬ ‫نركز على‬ ‫حياته �أو حقوقه التي نحاول حمايتها دون �إطالق �أحكام على‬ ‫�شخ�صه �أو �سلوكه �أي �أنَّنا نن�أى ب�أنف�سنا عن توبيخه �أو �إدانته ب� ِّأي‬

‫� َّأما عن الق َّوة العقابية فهي ‪ -‬على ال�صعيد الآخر ‪-‬‬ ‫تعتمد على افرتا�ض مغلوط ب� َّأن الأ�شخا�ص يرتكبون‬ ‫ثم فهم‬ ‫�أفعا ًال م�سيئة بف�ضل غريزتهم ال�سيئة؛ ومن َّ‬ ‫ي�ستحقُّون �أن يذوقوا �أ�صناف العذاب والأمل حتَّى‬ ‫يعودوا �إلى ر�شدهم‪� .‬أي � َّأن العقاب يف هذه احلالة‬ ‫يهدف �إلى جعلهم‪:‬‬ ‫‪ -1‬يعانون مبا يكفي لإدراك حجم اخلط�أ الذي‬ ‫ارتكبوه‪.‬‬ ‫‪ -2‬يرتاجعون عن �سلوكهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬ي�شرعون يف التغيري‪.‬‬ ‫�إال � َّأن املمار�سة الفعلية للعقاب ال تتمخَّ �ض �إال عن‬ ‫املزيد من العداء واال�ستياء �أكرث من ح ِّثها على التعلُّم‬ ‫من الأخطاء‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال عن �أنَّها تعزِّ ز مقاومة ال�شخ�ص‬ ‫املعا َقب لل�سلوك الذي نحاول �أن نغر�سه بداخله –‬ ‫حتَّى و�إن اقتنع به‪.‬‬

‫القيمة “اللحظية” للعقاب‬ ‫لكي نخترب مدى ق َّوة العقاب وقدرته على الت�أثري يف‬ ‫�سلوك الآخرين ميكننا �أن نواجه �أنف�سنا بال�س�ؤالني‬ ‫التاليني‪� :‬أو ًال ما الذي �أريد �أن يفعله هذا ال�شخ�ص‬ ‫ويختلف ع َّما يفعله حالي ًا؟ �إذا اكتفينا بهذا ال�س�ؤال‬ ‫فقط فقد نرى العقاب و�سيلة ف َّعالة نظر ًا �إلى �أنَّ‬ ‫التهديد بالعقاب قد يغيرِّ بالفعل من �سلوك هذا‬ ‫ال�شخ�ص يف هذه اللحظة‪ .‬ولكن �إذا ما واجهنا �أنف�سنا‬ ‫بال�س�ؤال الثاين ما الدوافع التي ينبغي �أن تكون باعثة‬ ‫وحم ِّركة لت�ص ُّرفات هذا ال�شخ�ص بينما ي�سعي �إلى‬ ‫تلبية احتياجاتي؟ هنا يت�ضح ف�شل العقاب يف تغيري‬ ‫وتقومي ال�سلوك على املدى البعيد‪ .‬فالوعي بالأ�سباب‬ ‫املح ِّركة لل�سلوك – يف واقع الأمر – �أهم من ال�سلوك‬ ‫ذاته‪.‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪8‬‬


‫التقدير والثناء يف التوا�صل‬ ‫يعمد الكثري من املديرين والقادة �إلى توظيف �أ�ساليب املدح‪،‬‬ ‫والثناء‪ ،‬واملجامالت يف بيئات العمل زعم ًا ب�أ َّنها ت�ؤتي ثمارها‬ ‫مع املوظفني‪ .‬وهم يعتمدون يف هذا الظنِّ على بع�ض الأبحاث‬ ‫التي �أظهرت �أنَّ املدير عندما يجامل موظفيه وميتدحهم‪،‬‬ ‫ف�إ َّنهم يعملون مبزيد من اجلدِّ واالجتهاد‪ ،‬والأمر كذلك بني‬ ‫املع ِّلم وتالميذه‪ .‬وربمَّ ا حتمل هذه الأبحاث جانب ًا من احلقيقة؛‬ ‫فبالفعل ترتفع معنويات الأفراد لدى �سماعهم للإطراءات‪.‬‬ ‫ولكن مبجرد �أن تنتهي‪ ،‬ترتاجع �إنتاجيتهم ب�شكل ملحوظ‪ .‬فهم‬ ‫ي�صبحون كالنبات الذي متى انقطع عنه املاء‪ ،‬يذبل وميوت!‬ ‫بل ويزداد الأمر �سوء ًا �إن كان هذا املدح منطوي ًا على نفاق �أو‬ ‫رياء �أو م�صلحة �شخ�صية ليكت�شف الأفراد يف النهاية �أ َّنهم‬ ‫جم َّرد دُمى يح ِّركها من حولهم ببع�ض الكلمات العذبة ليح ِّققوا‬ ‫�أهدافهم ال�شخ�صية‪.‬‬

‫املك ِّونات الثالثة للثناء البنَّاء‬ ‫يمُ ِّيز التوا�صل ال�سلمي بني ثالثة مك ِّونات رئي�سية للتعبري عن التقدير والثناء والتي تتم َّثل يف‪:‬‬ ‫‪ u‬الأفعال التي �ساهمت يف �إثراء حياتنا‪.‬‬ ‫‪ u‬احتياجاتنا اخلا�صة التي متَّت تلبيتها‪.‬‬ ‫‪ u‬امل�شاعر املبهجة التي نتجت عن �إ�شباع تلك االحتياجات‪.‬‬ ‫قد يختلف ت�سل�سل هذه املكونات الثالثة ففي بع�ض الأحيان قد تغني ابت�سامة �أو عبارة �شكر ب�سيطة عن هذه املك ِّونات‪ .‬ولكن‬ ‫�إذا كنَّا حري�صني على �أن ي�ستوعب الآخر تقديرنا الكامل له ‪ ،‬فيجدر بنا التعبري لفظ ًا عن املك ِّونات الثالثة املذكورة‪.‬‬

‫كيف تتلقَّى الثناء‬ ‫ي�صعب على كثري م َّنا تل ِّقي الثناء والتقدير مع االحتفاظ ب�شيء من االعتزاز بالنف�س‪.‬‬ ‫ف�إ َّننا عندما نتل َّقى ر�سائل املدح والثناء؛ عاد ًة ما نقلق ب�ش�أن ا�ستحقاقنا هذا الثناء من‬ ‫عدمه ونتحيرَّ ب�ش�أن ما قد ُيطلب م َّنا كمقابل لهذا الثناء و�أحيان ًا نقلق ب�ش�أن كيفية ارتقائنا‬ ‫مل�ستوى هذا التقدير‪ .‬ومبا �أ َّننا نعي�ش �ضمن ثقافة تنبذ فكرة الأخذ والعطاء من دون مقابل‬ ‫فال عجب �إذ ًا �أن ت�ساورنا كل هذه امل�شاعر املت�ضاربة مقابل عبارة مدح ب�سيطة‪.‬‬ ‫يح ُّثنا منهج التوا�صل ال�سلمي على ا�ستقبال املدح بنف�س القدر من التعاطف الذي‬ ‫نبديه لدى �إن�صاتنا الحتياجات ومتط َّلبات الآخرين‪ .‬فعلينا �أن نتح َّلى بال�صرب للتع ُّرف‬ ‫على ت�ص ُّرفاتنا التي �أ�سهمت يف �إثراء حياة الآخرين‪ ،‬واحتياجاتهم التي �أ�شبعناها‪،‬‬ ‫وم�شاعرهم جتاه هذا الت�ص ُّرف النبيل‪ .‬وبهذه الطريقة لن نرت َّدد للحظة يف التمتُّع‬ ‫بن�شوى النجاح واالنت�صار‪ ،‬و�سن�ست�سيغ كلماتهم املادحة بكل جوارحنا واثقني بجدارتنا‬ ‫وا�ستحقاقنا لها‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫كتاب في دقائق‬


‫توا�صــل ب�سلميـــــــة‬

‫َّ‬ ‫يتعط�ش الكثريون م َّنا �إلى املهارات التي ترفع من جودة عالقاتنا‪ ،‬وتع ِّمق �شعورنا بتمتني مهاراتنا وتطوير �أنف�سنا‪ ،‬ومت ِّكننا من التوا�صل‬ ‫بفاعلية �أكرث‪ .‬ولكن ل�سوء احلظ‪ ،‬فقد ن�ش�أنا يف ظل ثقافة حم ِّفزة لإطالق الأحكام و�إ�صدار الأوامر وفر�ض العقوبات حتَّى �أ�صبحنا نتعامل‬ ‫ونتوا�صل مع الآخرين وفق ًا ملزاياهم وعيوبهم التي نراها من وجهة نظرنا الفردية فح�سب‪َّ .‬‬ ‫تتمخ�ض هذه الأمناط التقليدية ‪ -‬يف �أف�ضل‬ ‫الظروف – عن �سوء الفهم‪� ،‬أو وقوع االلتبا�س‪� ،‬أو ف�شل التوا�صل ككل‪ .‬والأدهى من ذلك �أ َّنها قد تثري الغ�ضب وت�س ِّبب الأمل وتقودنا يف نهاية‬ ‫املطاف �إلى العنف‪ .‬فال عجب �إذن �أن تن�ش�أ الكثري من ال�صراعات من العدم ومن دون �أدنى ن َّية م�سبقة الفتعالها‪.‬‬ ‫ي�ؤهِّ لك منهج التوا�صل ال�سلمي للإبحار يف �أعماق ذاتك و�سرب �أغوارها الكت�شاف ما هو حيوي و�ضروري‪ ،‬ولكي تك ِّر�س كل حماوالتك لتلبية‬ ‫احتياجاتك الإن�سانية‪ .‬تع َّلم كيف تنتقي الكلمات التي تعبرِّ عن م�شاعرك واحتياجاتك بد َّقة؛ فعندما تفهم احتياجاتك وجتيد التعبري عنها‬ ‫ميكنك �أن تبني قاعدة �ضخمة من العالقات املُر�ضية واملثمرة‪� ،‬أي �أنَّ هذه التقنية الب�سيطة ‪� -‬إذا ما �أح�سنت ا�ستثمارها – من �ش�أنها �أن‬ ‫حتدث تغيري ًا جذري ًا يح ِّول حياتك �إلى الأف�ضل بطريقة مذهلة‪.‬‬ ‫المؤلف‪:‬‬ ‫مؤسس ومدير الخدمات التعليمية في مركز‬ ‫مارشال روزنبيرج‪ :‬هو‬ ‫ِّ‬ ‫تقدم ورش العمل‬ ‫التواصل السلمي (‪ ،)CNVC‬وهو‬ ‫مؤسسة خيرية دولية ِّ‬ ‫َّ‬ ‫والتدريب فيما يقرب من ‪ 30‬دولة‪.‬‬

‫كتب مشابهة‪:‬‬ ‫!‪1. Communicate‬‬ ‫‪By: Kathleen S. Verderber, Rudolph F. Verderber, Deanna D. Sellnow. 2013‬‬

‫‪2. Everyone Communicates, Few Connect‬‬ ‫‪What the Most Effective People Do Differently.‬‬ ‫‪By: By: John C. Maxwell. 2010‬‬

‫‪3. Communicate with Confidence‬‬ ‫‪How to Say it Right the First Time and Every Time.‬‬ ‫‪By: Dianna Booher. 2011‬‬ ‫كتاب في دقائق‬

‫‪10‬‬


‫“الإ�صغاء �إلى القلب‬ ‫�أهم من الإ�صغاء �إلى‬ ‫الل�سان”‬ ‫مارشال روزنبيرج‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.