ٍ ثـوان... في
ماهيــــة التوا�صــل الهـادىء
لكي ي�ستطيع الإن�سان �أداء دور فاعل وم�ؤثر� ،سواء يف احلياة االجتماعية �أو املهنية ،عليه الإحاطة ببع�ض قواعد و�آداب التوا�صل مع الآخرين .قد ي�ستطيع الفرد و�ضع �أف�ضل اخلطط وحتديد �أهدافه بدقة وترتيب الأولويات التي حتقق هذه الأهداف ،ولكن يف النهاية ال ميكن �أن يتم الإجناز �إال مبعاونة الآخرين ،وهنا تربز �أهمية التوا�صل والتفاعل الب َّناء مع املحيطني بنا .ولهذا يجب علينا حت�سني قدراتنا على التوا�صل وتبادل املعلومات ب�سهولة وو�ضوح ومبختلف الو�سائل حتى نعزز عالقتنا مع املحيط الذي نعي�ش فيه مما ي�ساهم يف حتقيق �أهدافنا ب�صورة �أكرث كفاءة . واليقت�صر مفهوم التوا�صل على الكالم واحلديث مع الآخرين ،بل الأهم هو الطريقة التي يتم بها �إي�صال الفكرة واملعلومة ،فهناك حكمة �شهرية تقول “اليهم ماذا قلت ،بل الأهم كيف كنت تبدو حني قلته” وهنا جتدر الإ�شارة �إلى الأهمية التي متثلها بع�ض العوامل يف عملية التوا�صل ،مثل لغة اجل�سد وو�ضعيته ونربة ال�صوت ،وكلها عوامل تك�شف عن احلالة الذهنية يف حلظة معينة و ُت َك ِّون االنطباع الذي نر�سله �إلى الآخرين. بني يديكم دفعة جديدة من مبادرة كتاب يف دقائق ،ت�سلط ال�ضوء بطريقة مبا�شرة وغري مبا�شرة على ثقافة فن التوا�صل ،حيث ي�ستعر�ض امللخ�ص الأول طريقة توا�صل مبتكرة يف احلياة املهنية ،حيث يرى امل�ؤلف �أن التوا�صل ب�أ�سلوب طرح الأ�سئلة قادر على حتفيز املوظفني وت�شجيعهم على طرح حلول مبتكرة ترتقي ب�أداء عمل امل�ؤ�س�سة ككل .ولكي ينجح هذا الأ�سلوب يف التوا�صل يتوجب على القادة من مديرين ور�ؤ�ساء �أق�سام �إتقان فن طرح الأ�سئلة ،فالكيف هنا �أهم من الكم ،حيث �إن الأ�سئلة املنا�سبة وامللهمة من �ش�أنها �أن ت�شجع الطرف الأخر على تقدمي �إجابات ب َّناءة قادرة على تطوير بيئة عمل حمفزة. �أما ملخ�ص الكتاب الثاين فيتناول جزئية مهمة يف التوا�صل مع الأخرين، وهي �إدارة الوقت وترتيب الأولويات .يناق�ش الكتاب �ضرورة التوا�صل عرب التحكم يف اختياراتنا وعدم االجنراف وراء تنفيذ �أجندات وخطط الآخرين، وذلك عرب حتديد الأولويات واكت�ساب مهارة فرز ما هو جوهري و�أ�سا�سي عما هو هام�شي و�أقل �أهمية. ويتحدث �آخر ملخ�صات الدفعة اجلديدة من مبادرة كتاب يف دقائق ب�صورة مبا�شرة عن التوا�صل الهادئ يف حياتنا االجتماعية .وي�ؤكد الكتاب على �أن التوا�صل ال�سلمي قائم على جتنب النمط الهجومي واالنتقادي و�إطالق منهج ِ الأحكام واتباع �أ�سلوب توا�صل يعزز قيم االحرتام ومراعاة الآخرين. والبد �أن نتذكر دائم ًا �أن التوا�صل عملية متبادلة بني طرفني �أو �أكرث ،مما يعني �أن الإن�صات اجليد هو جزء ال يتجز�أ من �أي عملية توا�صل ناجحة.
جمال بن حويرب
الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم 1
كتاب في دقائق
يقودنا التوا�صل الهادىء البعيد عن التوتر والعنف، �إلى �أ�سمى و�أنقى طرق التعاطف واملودة يف التعبري عن �أنف�سنا والإف�ضاء مب�شاعرنا ونحن ن�سعى �إلى ا�ستيعاب الآخرين .فبد ًال من اللجوء �إلى ردود الأفعال اجلافة والعنيفة التي اعتدناها فيما م�ضى، ُ التوا�صل الهادىء كلماتِنا �إلى ُيح ِّول ا�ستجابات واعيةٍ ٍ ومدرو�سةٍ تنطلق من ر�ؤيتنا ال�شخ�صية وم�شاعرنا الإيجابية واحتياجاتنا االجتماعية ،ومدى ارتباطها نعب عن باحتياجات الآخرين .فمن الطبيعي �أن رِّ ري الآخرين �أنف�سنا ب�صدقٍ ومو َّدةٍ و و�ضوح ونحن ُنع ُ واحرتامنا .ولذا ف�إن ال َ إدراك املنبثقَ من اهتمامنا َ َ �آلية وحيوية التوا�صل الإن�ساين الواعي ،ي�ساعدنا على حتديد هدفنا من ِّ كل موقف اجتماعِ ٍّي من ُّر به، عمق عالقاتِنا و ُي ِّ وطد �صالتِنا وي� ِّؤكد على الأمر الذي ُي ِّ وتراحمِ نا. تالحمِ نا ُ ُ ال�سلمي على ا�ستبدال �أمناط يقوم ُ منهج التوا�صلِ ِّ التوا�صل القائمة على الهجوم والدفاع واالن�سحاب والنقد و�إطالق الأحكام ب�أخرى �أكرث تف ُّهم ًا أ�سلوب ينبذُ ردو َد الحتياجاتنا ودوافعنا الدفينة ،وب� ٍ الأفعالِ العنيفة .فعندما نركز على ما ن�شعر به نكت ُ َ�شف عمق م�شاعر التعاطف والرتاحم بداخلنا، ونعزِّ ز قيم االحرتام ومراعاة الآخرين مما يو ِّلد رغب ًة متبادل ًة للعطاء من القلب.
منوذج التوا�صــل الهــادىء وعنا�صره الأربعة لكي نرتقي �إلى حالة العطاء من القلب علينا �أن نر ِّكزَ �إدرا َكنا على �أربع مناطق هي:
-1املالحظة َ الف�صل بني مالحظة ما يفعله الآخرون وبني تقييمنا ال�شخ�صي لتلك تع ُّد املالحظة من �أهم ُمك ِّونات عملية التوا�صل ال�سلمي وت�شرتط الأفعال .فنحن بحاجة دائمة �إلى ا�ستيعاب الأثر الذي يق ُع علينا ج َّراء ما نراه ون�سمعه ،دون �أن ننخرط يف حماوالت التقييم والتعميم. تكت�سب املالحظاتُ �أهميتَها لأنها ُتعَبرِّ عما يختلج يف �صدورنا جتاه الطرف الآخر .ومن َّثم ف�إنَّ اختالطها بالتقييم يق ِّلل من احتماالت �إ�صغاء الآخرين لنا وا�ستيعابهم لر�سائلنا .بل قد ي�شعر الطرف الآخر بتع ُّر�ضه للهجوم فيت� َّأهب للمقاومة ورد الفعل ولذا علينا �أن نف�صل بني املالحظات التي نر�صدها والتقييمات والأحكام التي ن�صدرها .فالتوا�صل ال�سلمي يثنينا عن التعميمات املطلقة؛ وي�ستبدلها بالتقييمات امل�ستندة �إلى املالحظات اخلا�صة بزمان حم َّدد و�سياق معني. مييز اجلدول التايل املالحظة اخلالية من التقييم عن املالحظة املقرتنة بتقييم: احلــــوار -1ا�ستخدام الفعل من دون التقييم �أو بتربيره. -2ا�ستخدام الفعل مع التعميم املطلق.
املالحظة املقرتنة بتقييم �أنت �سخي للغاية. هو يع�شق الت�سويف واملماطلة.
-3اجلزم ب�أن ا�ستنتاجاتك حول �أفكار ،ونوايا، ورغبات الآخرين هي الر�أي ال�صواب
من امل�ؤكد �أنها لن تنجح يف عملها.
-4اخللط بني التن ُّب�ؤ واليقني.
�إن مل ت�أكل وجبات �صحية ف�ستتدهور �صحتك.
-5ا�ستخدام الأو�صاف باعتبارها م�سلمات ال ت�ستند �إلى �أ�سا�س.
زميلنا اجلديد يبدو مهمِ ًال.
املالحظة اخلالية من التقييم عندما تنازلت عن وجبتك لذلك الفقري �أثبت �أنك �سخي للغاية. هو ال يذاكر درو�سه �إال ليلة االمتحان. �أظنها لن تنجح يف عملها �أو :لقد قالت“ :رمبا لن �أجنح يف عملي هذا”. �أخ�شى �أن تتدهور �صحتك �إن مل ت�أكل وجبات �صحية. ال يروق يل منظر الزميل الذي ان�ضم �إلينا م�ؤخر ًا.
-2حتديد امل�شاعر والتعبري عنها يتمثل املك ِّون الثاين يف عملية التوا�صل ال�سلمي يف التعبري عن م�شاعرنا .فمن خالل اختيار الكلمات التي تعك�س م�شاعرنا بد َّقة و�شفافية ن�ستطيع �أن نتوا�صل ب�سال�سة وان�سيابية� ،إذ �إنَّ التعبري عما يجول يف �أعماقنا جتاه ما نالحظ هو جوهر التوا�صل الف َّعال وخري �سبيل لتج ُّنب ال�صراعات� .إذ يح ُّثنا التوا�صل ال�سلمي على التمييز بني التعبري عن امل�شاعر احلقيقية وبني الكلمات التي حتمل مدلوالت تقييمية وا�ستنتاجية �أو التي تعبرِّ عن �أفكار ال عن م�شاعر. فعندما تذهب مث ًال �إلى ح�ضور �إحدى احلفالت وتقابل �أ�شخا�ص ًا لأول مرة قد ت�شعر باال�ضطراب وتلوذ بال�صمت فيعترب بع�ض احل�ضور هذا ال�سلوك نوع ًا من الغرور فيحجمون عن التح ُّدث �إليك� .أما �إذا تخ َّل�صت من خجلك وبادرت باحلديث مع بع�ض احلا�ضرين فقد يتف َّهمون نواياك احلقيقية ،و�سرعان ما ي�أخذ احلديث جمراه الطبيعي .عندها فقط يبد�أ توتُّرك يف التال�شي تدريجي ًا �إلى �أن َّ يتبخر نهائي ًا .هذا هو جوهر التوا�صل الناجح والإيجابي الذي يع ُّد ثمر ًة لتعبريك عن م�شاعرك وعدم جتاهلها �أو كتمانها.
كتاب في دقائق
2
حتمل م�س�ؤولية م�شاعرنا ُّ -3 يتح َّمل الإن�سان م�س�ؤولية م�شاعره حني يفتِّ�ش بداخله عن امل�س ِّببات احلقيقية والتي كثري ًا ما تكون خفية .فربمَّ ا تثرينا وحت ِّركنا ت�صرفات الآخرين ،ولك َّنها ال ت�ش ِّك ُل م�شاع َرنا جتاههم� ،إذ تن�ش�أ هذه امل�شاعر عن الطريقة التي نختارها نحن لتل ِّقي وا�ستيعاب ما يقوله ويفعله الآخرون، ف�ض ًال عن احتياجاتنا ومتطلباتنا يف تلك اللحظات .ويف هذه املرحلة ال ب َّد �أن نق َّر مب�س�ؤوليتنا عن م�شاعرنا وما نف َع ُله لتوليد هذه امل�شاعر جتاه �أفعال الآخرين. عندما يبعث �إلينا �أحدهم ر�سال ًة �سلبي ًة ،جند �أنف�سنا �أمام �أربعة خيارات ال�ستقبال الر�سالة وما ي�ستتبع ذلك من م�شاعر تتو َّلد داخلنا. مثال: عندما يقول لك �شخ�ص غا�ضب�“ :أنت �أكرث �إن�سان �أناين قابلته يف حياتي” قد يكون ر ُّد الفعل واحد ًا مما يلي: علي �أن �أراعي uنلقي باللوم على �أنف�سنا؛ بقولنا“ :كان ينبغي َّ م�شاعرك �أكرث” يف هذه احلالة نحن نقبل بحكم الآخرين على ح�ساب تقديرنا لأنف�سنا ،فهذا الر ُّد مييل بنا �إلى ال�شعور بالذنب واالكتئاب. uنلقي باللوم على الآخرين؛ بقولنا“ :لي�س من حقك �أن تقول هذا ف�أنا �أراعي م�شارك دائم ًا ،و�أنت الذي تت�ص َّرف ب�أنانية”. هذا اخليار يرد ال�صاع �صاعني للمتحدث ويجعله ي�ش ِعر بالغ�ضب. uن�ستدرك م�شاعرنا واحتياجاتنا؛ بقولنا“ :عندما تقول ب�أ َّنني �أكرث �شخ�ص �أناين قابلته �أ�شعر باحلزن؛ فقد كنت �أمت َّنى بع�ض التقدير من جانبك جتاه ما �أبذله ملراعاة طلباتك
واحتياجاتك” .هذا اخليار ير ِّكز على الوعي مب�شاعرنا واحتياجاتنا. uن�ستدرك م�شاعر واحتياجات الآخرين؛ بقولنا“ :هل ت�شعر باحلزن لأ َّنني مل �أرا ِع كل احتياجاتك ومل �أُ َل ِّب بع�ض طلباتك؟” وير ِّكز هذا اخليار على الوعي مب�شاعر الآخرين واحتياجاتهم. يت�ضح مما �سبق �أنَّ الإن�سان يبتع ُد عن احتياجاته ويتخ َّلى عن �إيجابياته وم�س�ؤولياته مبج َّرد �أن يبد�أ يف �إطالق الأحكام على �سلوكيات الآخرين وانتقادها وت�أويلها وتف�سريها كما يحلو له. فعندما ي�سمع الآخرون نقد ًا ل�سلوكهم ،ف�إنهم ِّ ي�سخرون طاقاتهم للدفاع عن �أنف�سهم والقيام بهجوم م�ضاد� .أ َّما �إذا ا�ستطعنا التوا�صل معهم عرب م�شاعرنا واحتياجاتنا وب�شكل مبا�شر ،ف�إننا ن�س ِّهل على الآخرين اال�ستجابة لنا والتعاطف معنا. -4طلب ما ُينقِّي نفو�سنا ويرثي حياتنا يتناول �آخر مك ِّونات عملية التوا�صل ال�سلمي ما نو ُّد �أن نطلبه من مبزيد من ال�سكينة والطم�أنينة .فعندما ال ُتل َّبى الآخرين كي ننعم ٍ احتياجاتنا على �أكمل وجه ،ميكننا التعب ُري ع َّما “نالحظه” وما “ن�شعر” به وما “نحتاجه” من خالل “طلب” حمدَّد� ،أي �أن نطلب من الطرف الآخر �أن يفعل ما من �ش�أنه تلبية هذه احلاجة. فما �أف�ضل �صيغة لطرح هذا الطلب بحيث يتح َّفز الآخر وتزداد رغبته يف اال�ستجابة ملطالبنا ب�سماحة وتعاطف؟ uجتنَّب الطلبات املنفية تعترب الطلبات املنفية من �أكرث ال�صيغ املعرقلة للتوا�صل الف َّعال والتي تربك امل�ستمع ،ف ُيبدي مقاوم ًة وا�ضح ًة لتلبية طلباتنا. ومن َّثم ف�إ َّننا بحاجة �إلى التعبري عن مطالبنا يف �صورة �أفعال حم َّددة ي�ستطيع الآخرون ا�ستيعابها ومن َّثم تنفيذها.
3
كتاب في دقائق
طلبات �أم �أوامر
مثال :ميكن للزوجة التي ت�شعر بامللل ب�سبب ق�ضاء زوجها معظم وقته بالعمل �أن تقول�« :أو ُّد لو تق�ضي مزيد ًا من الوقت معنا يف البيت »،وال تقول« :ال ميكنك �أن تق�ضي كل هذا الوقت يف العمل» فعدم ق�ضاء الوقت بالعمل ال يعني بال�ضرورة �أ َّنه �سيق�ضيه بني جدران املنزل .وبالتايل على الزوجة �أن تتح َّرى الدقة يف تو�ضيح مطالبها حتَّى ال يت�شتَّت الزوج �أو ي�سيء فهمها �أو يعاندها.
�إذا ما اعتقد الآخرون �أ َّنهم �سيتع َّر�ضون للعقاب �أو اللوم �إن مل ميتثلوا لطلباتنا ،ف�إ َّنهم �سي�ستقبلون هذه الطلبات باعتبارها �أوامر ال ب َّد و�أن يذعنوا لها ،ومن َّثم ميكنك �إزالة ال َّلب�س املحتمل بني �صيغة الطلب و�صيغة الأمر ب�أن تت ِّوج مطلبك بعبارة َّ مهذبة مثل�“ :أمت َّنى منك �أن ...فقط �إن كان ذلك يف ا�ستطاعتك �أو� :إن كنت ترغب يف ذلك” فبد ًال من �أن ت�أمر �صديقك ب�إعداد الطاولة قائ ًال“ :جهز الطاولة فور ًا ومن دون �إبطاء” ميكنك �أن تقول“ :هل بو�سعك يا �صديقي �إعداد الطاولة لنا الآن و�سنكون جاهزين مل�ساعدتك؟” بل �إنَّ ما يلي ُ الطرف الآخر َ تنفيذ ذلك من ت�سامح وتعاطف يف حال ر َف َ�ض ما نريد هو �أكرب دليل على �أن ما نطرحه هو جم َّرد طلب �أو رجاء ،ولي�س �أمر ًا �صارم ًا واجب النفاذ.
uالتعبري عن الطلبات بو�ضوح وبطريقة حمدَّ دة نعب عن �شعورنا باالنزعاج ونفرت�ض �أنَّ امل�ستمع يف بع�ض الأحيان رِّ �سيفهم طلبنا ال�ضمني ويعرف ما نن�شده .فقد تقول الزوجة لزوجها�“ :أ�شعر باال�ستياء لأ َّنك ن�سيت �أن جتلب الأطعمة التي طلبتها منك لإعداد الع�شاء” بينما هي تق�صد �أو تطلب منه العودة للمتجر جللب هذه الأ�شياء ،يف حني �أ َّنه يعترب تذمرها جمرد و�سيلة لإ�شعاره بالذنب والتق�صري فح�سب فك َّلما ك َّنا وا�ضحني يف عر�ض مطالبنا زادت احتمالية تلبية الطرف الآخر لها. uالت�أ ُّكد من فهم الآخر لطلبنا كثري ًا ما تف�شل عملية التوا�صل بف�ضل الفجوة القائمة بني ما نق�صده وما يفهمه الآخرون .ف�إن مل تت�أ َّكد من ا�ستيعاب الطرف الآخر مل�ضمون ر�سالتك ،فاطلب منه �أن يعيد ما فهمه من ر�سالتك على م�سامعك حتَّى يت�س َّنى لك ت�صحيح ما قد يحدث من �سوء فهم �أو التبا�س .فعلى �سبيل املثال :ميكنك �أن ت�س�أل بعد �أن تنتهي من طرح مطلبك“ :هل هذا وا�ضح؟” �أو “هل فهمت الآن ما �أريده منك؟” ومن ال�ضروري يف هذه املرحلة �أن ِّ تو�ضح ملن تخاطبه �أ َّنك ال تخترب مهاراته ال�سمعية �أو قدرته على الرتكيز و�إنمَّ ا تت�أ َّكد من جناحك يف التعبري عما تريده بو�ضوح. uحتديد �أهداف ما نطلبه ي�ستلزم طرح طلبات بعينها الوعي الكامل بالهدف الرئي�سي الذي يكمن وراء هذا الطلب .فالتوا�صل ال�سلمي هو عملية تهدف يف املقام الأول �إلى �إن�شاء عالقات �إن�سانية و�صالت اجتماعية تقوم على ال�صدق والتعاطف .فعندما يثق الآخرون ب�أنَّ هدفنا الأ�سا�سي هو ا�ستمرار العالقة وتلبية احتياجات ومطالب جميع الأطراف، ميكنهم الثقة يف �أنَّ ما نطلبه منهم هو رجا ٌء ولي�س �أمر ًا مم َّوه ًا.
كيف نتعاطف ننتقل الآن من التعبري عن �أنف�سنا�( :أي ع َّما نالحظه وما ن�شعر به وما نحتاجه وما نطلبه) �إلى التعاطف مع الآخرين بينما يعبون بدورهم ع َّما يالحظونه ،وما ي�شعرون به ،وما يحتاجونه، رِّ وما يطلبونه .وي�شار �إلى هذا اجلزء من عملية التوا�صل ال�سلمي بـ“الإ�صغاء الوجداين”. يق�صد بالتعاطف حماولة فهم الآخر بطريقة حترتم م�شاعره و ُتقدِّ ر احتياجاته .ويتط َّلب التعاطف احلقيقي �أن نن�صت من �أعماق وجداننا ِّ وبكل جوارحنا؛ فاال�ستماع الذي يعتمد على الأذن فقط يختلف متام ًا عن اال�ستماع الذي ينطوي على ال�شعور باملتحدِّ ث والتفاعل معه .فالإ�صغاء الوجداين ال يعتمد على حا�سة واحدة فقط ،ال على الأذن وحدها وال على العقل وحده، َّ ً ً َّ و�إنمَّ ا يتطلب تناغما حقيقيا بني احلوا�س كافة .ويف هذه احلالة ت�ستطيع �أن ت�ستوعب ما تعجز �أذناك عن �سماعه �أو عينك عن ر�ؤيته� ،أو عقلك عن ا�ستيعابه فعندها ين�صت الوجدان ب�أكمله. كتاب في دقائق
4
ال يت ُّم التعاطف مع الآخر �إال بعدما نتخ َّل�ص من جميع الأفكار ننفك �أن نط ِلقها عليه ونتعاي�ش مع ِّ والأحكام التي ال ُّ كل موقف، كالطفل الوليد ،باعتباره موقف ًا جديد ًا مل يحدث من قبل ولن يتك َّرر .ويف هذه احلالة ال ب َّد �أن يكون ر ُّد فعلك �أي�ض ًامالئم ًا للموقف – ال م�سبق الإعداد. لي�س من ال�سهل حتقيق هذه امل�شاركة الوجدانية الالزمة من �أجل حدوث التعاطف� .إذ �إ َّننا منيل عاد ًة �إلى �إ�سداء الن�صائح �أو طم�أنة �صاحب امل�شكلة ،ومن َّثم االنتقال ب�سرعة للتح ُّدث عن جتاربنا اخلا�صة و�أحيان ًا التعبري عن م�شاعرنا اخلا�صة �إزاء مواقف م�شابهة� .إال �أنَّ التعاطف مع الآخر يتط َّلب ب�شكل يوجهها رئي�س تكثيف وتركيز االنتباه �صوب الر�سالة التي ِّ هذا ال�شخ�ص – ال االنخراط يف �سرد جتاربنا ال�شخ�صية ونقل ب�ؤرة الرتكيز جتاهنا .فعلينا �أن مننح الآخرين الفر�صة التي يحتاجونها للتعبري عن �أنف�سهم بالكامل �إلى �أن يتحقَّق لديهم ال�شعور ب�أنَّ الآخر قد فهمهم بالفعل و�أ�صبح على دراية مب�شاعرهم الدفينة. فيما يلي بع�ض ال�سلوكيات ال�شائعة التي حتول بيننا وبني الو�صول لدرجة مالئمة من التوا�صل املتعاطف مع الآخرين عندما يتح َّدث �شخ�ص ما حول ما ي�ؤمله �أو يقلقه مث ًال: � uإ�سداء الن�صح�“ :أعتقد �أ َّنه كان ينبغي عليك �أن”.... uالتناف�س“ :ما تقوله �أمر تافه مقارن ًة مبا حدث يل عندما”... uالتعليم“ :بد ًال من التذ ُّمر ،ميكنك �أن حت ِّول ذلك �إلى جتربة ت�ستفيد منها”. uاملوا�ساة“ :مل يكن خط�أك ،لقد فعلت كل ما بو�سعك”. � uسرد الق�ص�ص“ :هذا يذ ِّكرين عندما”.... uحتقري امل�شكلة“ :الأمر ال ي�ستح ُّق ك َّل هذا الأ�سى”. uالت�صحيح“ :ال ،مل يحدث الأمر بهذه الطريقة”.
5
كتاب في دقائق
� ِأعد �صياغة ما فهمت بعدما ر َّكزنا على الإن�صات �إلى ما يالحظه الآخرون وما ي�شعرون به جتاه ما يالحظونه وما هم بحاجة �إليه وما يتم َّنونه لإثراء حياتهم وحت�سينها ،قد نرغب يف �إعادة �شرح ما ا�ستوعبناه ولكن بطريقتنا اخلا�صة .ف�إذا ا�ستوعبنا حق ًا ر�سالة املتحدِّ ث ،ف�إنَّ �إعادة �شرحنا لها ُيعترب مبثابة زيادة ت�أكيد على هذا اال�ستيعاب وفهم املق�صد� .أ َّما �إن كان هناك �أي خط�أ يف تعبرينا ،ف�إ َّننا بذلك لي�صحح لنا ما فهمناه .هناك ميزة �أخرى تو ِّفرها مننحه الفر�صة ِّ هذه اخلطوة� ،إذ �إ َّننا عندما نعيد �شرح ما قاله ال�شخ�ص املتحدِّ ث مننحه بذلك الفر�صة يف �أن يت�أ َّمل ما قاله ع َّما ي�شعر به ،الأمر الذي مينحه الفر�صة �أي�ض ًا ل�سرب �أغوار ذاته والإبحار يف �أعماقها وربمَّ ا �إعادة النظر يف حقيقة م�شاعره .وتفرت�ض طريقة التوا�صل يتم هذا ال�شرح على هيئة �أ�سئلة ت�سرد ما فهمناه من ال�سلمي �أن َّ م�شاعر الطرف الآخر التي حت َّدث عنها. علينا �أثناء القيام بهذه اخلطوة �أن نتن َّبه كثري ًا �إلى نربة ال�صوت. يف�سرها الطرف فارتفاع ب�سيط �أو ح َّدة متزايدة يف النربة قد ِّ الآخر باعتبارها نوع ًا من االنتقاد �أو ال�سخرية فكن متي ِّقظ ًا.
فاقد ال�شيء ال يعطيه ال ميكن لنا ب�أيِّ �شكل من الأ�شكال �أن مننح الآخرين ما ال منلكه. وعلى هذا الأ�سا�س ف�إذا ما وجدنا �أنف�سنا غري قادرين على التعاطف مع الآخرين رغم رغبتنا يف ذلك ورغم حماوالتنا اجلاهدة ف�إ َّننا بال�ضرورة نفتقر َّ ونتعط�ش �إلى كثري من العطف والتعاطف .فكيف لنا �أن نتعاطف مع الآخرين �إن مل جند من يتعاطف معنا �أو ًال وهنا يربز دور الوعي واالعرتاف ب�أنَّ الأ�سى الذي يغمرنا هو ال�سبب الرئي�س وراء افتقارنا �إلى القدرة على �إبداء التعاطف حتَّى يتف َّهم الطرف الآخر حقيقة م�شاعرنا ،ومن َّثم يبد�أ يف منحنا ولو قدر ًا �ضئي ًال من التعاطف الذي نن�شده .ف�إذا ك َّنا قادرين على التعبري عن الأمل الذي ن�شعر به دون �إلقاء اللوم على �أحد ،ففي بع�ض الأحيان �سنجد حتَّى ه�ؤالء الأ�شخا�ص الذي ي�شعرون باحلزن والأ�سى قادرين على الإ�صغاء لنا وتلبية ما نحتاج حب وتعاطف. من ٍّ
خم�س خطوات لكي ت�صبح عطوف ًا تتم َّثل �أهم ا�ستخدامات منهج التوا�صل ال�سلمي يف حتفيز الرتاحم وال�شعور بال�شفقة والتعاطف جتاه الآخرين .نتناول فيما يلي خم�س خطوات رئي�سية لنتخ َّل�ص من العنف الكامن بداخنا ونح ِّقق التعاطف املن�شود:
uتذ َّكر مميزاتك حتت ُّل هذه اخلطوة مكانة بارزة �إذ ميكننا ا�ستبدال طباعنا العنيفة وحتويلها �إلى �أخرى حانية ومرتاحمة عن طريق تقييمنا الإيجابي لأنف�سنا طوال الوقت .وانطالق ًا من �سعينا الد�ؤوب لإثراء حياتنا و�إ�سعاد �أنف�سنا ،فمن ال�ضروري �أن نتع َّلم كيف نتفاعل ونقيم املواقف املختلفة مبنظور �إيجابي حتَّى يت�س َّنى لنا املفا�ضلة بني اخليارات واتخاذ القرارات التي حت ِّقق يف النهاية هدفنا املن�شود� .إال �أ َّننا - ول�سوء احلظ – قد اعتدنا ا�ستخدام �أ�ساليب تقييم النف�س التي ت�ض ُّر مما تبني .ومن َّثم فعلينا �أن نط ِّور من �أكرث مما تفيد ،وتهدم �أكرث َّ �أنف�سنا ونتفاعل ب�إيجابية مع العامل من حولنا و�إال ندمنا وقت ال ينفع الندم.
َّ u حتل بدوافع �إيجابية �إذا كانت طريقة تقييمنا لأنف�سنا ت�ؤدِّي بنا يف نهاية الأمر �إلى ال�شعور باخلزي ،ومن َّثم تدفعنا لتغيري �سلوكياتنا ،ف�إ َّننا بذلك ننقاد يف رحلة التعلُّم والتط ُّور بدافع كراهية الذات .فاخلزي هو يتمخ�ض من دون ٍّ �شكل من �أ�شكال الكراهية ،والذي َّ �شك عن ردود �أفعال ُمق َّيدَ ة وخالية من البهجة .وحتَّى �إن كان مق�صدنا منها الت�ص ُّرف مبزيد من اللياقة واللطف ،ف�إذا ما ا�ست�شعر الآخرون �أنَّ �شعورنا باخلزي �أو الذنب هو املح ِّرك الرئي�سي وراء �أفعالنا ،تتق َّل�ص احتماالت تقديرهم جلهودنا على عك�س ما يحدث حني تنطوي �سلوكياتنا على رغبة حقيقية يف �إثراء احلياة.
uتعلَّم كيف تق ِّيم ال�سلوك يقوم منهج التوا�صل ال�سلمي على مبد�أ جوهري وهو �أ َّننا حني ن�صف �شخ�ص ًا ما ب�أ َّنه �س ِّيئ �أو خاطئ ،ف�إنَّ ما نعنيه حق ًا هو �أنَّ ذلك ال�شخ�ص ال يت�ص َّرف بال�شكل الذي يل ِّبي احتياجنا .ومن املنطلق فحري بك �أن تقول�“ :أخ�شى �أ َّنني ذاته ،ف�إذا كنت تق ِّيم نف�سك ٌّ
�أت�ص َّرف بطريقة ال تتالءم مع احتياجاتي” بهذه الطريقة ،ومن خالل تقييم �أنف�سنا وفق ًا ملدى مالءمة �سلوكياتنا لتلبية احتياجاتنا، �سنتع َّلم �أ�ساليب التقييم الب َّناء ونتعامل مع �أنف�سنا مبنظور خمتلف كلي ًا لنكت�شف مزايانا ونح ِّقق غاياتنا.
نب مبادئ الندم البنَّاء uت َّ الندم وفق ًا ملنهج التوا�صل ال�سلمي ما هو �إال حالة من التوا�صل امل�ستمر والواعي مع االحتياجات غري املل َّباة وامل�شاعر التي تنتج أمر ما .ذلك هو جوهر الندم الب َّناء الذي ال عن �إخفاقنا يف � ٍ مما ُّ ميت ب�صلة للبكاء على اللنب امل�سكوب ،و�إنمَّ ا يدفعنا للتعلُّم َّ خ�ضناه من جتارب من دون �أن نلوم �أو نكره �أنف�سنا .فمن خالله نالحظ كيف ي�سري �سلوكنا يف اجتاه م�ضاد الحتياجاتنا وقيمنا، ون�صارح �أنف�سنا مب�شاعرنا احلقيقية حيال هذا الواقع .فعندما نتوجه تلقائي ًا �إلى اكت�شاف �سبل ن�س ِّلط انتباهنا على ما نحتاجهَّ ، مبتكرة لتلبية هذه احلاجات ،على عك�س ما يحدث حني نبد�أ يف �إطالق الأحكام و�إلقاء اللوم على �أنف�سنا حتَّى نبد�أ يف الدوران �ضمن حلقة مفرغة من عقاب الذات الذي ي�صاحبنا �إلى ما ال نهاية.
� uسامح نف�سك من ال�ضروري �أن نختتم عملية الندم مب�ساحمة الذات .فالإن�سان عادة ما يت�ص َّرف ب�شكل يل ِّبي احتياجاته ويعزِّ ز قيمه اجلوهرية. وهذا الأمر �صحيح �سواء كان ما نقوم به من �أفعال يواكب حق ًا هذه احلاجات والقيم �أم ال .عندما نن�صت بتعاطف �إلى ما بداخلنا، ن�صبح قادرين على اكت�شاف احتياجاتنا الدفينة .فالت�سامح مع النف�س هو نتاج التوا�صل العاطفي مع �أنف�سنا ومتطلباتنا .عندها ن�ستطيع �أن نكت�شف كيف كان ت�صرفنا حماولة م َّنا لإثراء حياتنا فنبد�أ يف درا�سة �أوجه العجز والق�صور حتَّى ال نك ِّررها يف امل َّرة القادمة.
كتاب في دقائق
6
عب عن غ�ضبك رِّ احلديث عن العنف يف�سح لنا جما ًال وا�سع ًا للتع ُّمق �أكرث يف عملية التوا�صل ال�سلمي� ،إذ يُظهِ ر التعبري عن الغ�ضب الفرق بني هذا املنهج التوا�صلي الفعال و�سائر �أنواع التوا�صل الأخرى .فال�ضرب والتوبيخ و�إيذاء الآخرين � -سواء بدني ًا �أو نف�سي ًا -كلها تعبريات مفتعلة ظاهرية تعبرِّ ع َّما يدور بداخلنا يف حلظات الغ�ضب .ومن َّثم ف�إ َّننا بحاجة �إلى طريقة �أكرث ت�أثري ًا وفاعلية للتعبري عن �أنف�سنا يف مثل هذه اللحظات.
التمييز بني املحفِّز وال�سبب تتم َّثل �أولى خطوات التعبري عن الغ�ضب – وفق ًا ملنهج التوا�صل ال�سلمي -يف الف�صل بني الغ�ضب الذي يخاجلنا وبني الطرف الآخر .فعلينا �أن نتخ َّل�ص من الأفكار التي تعفينا من امل�س�ؤولية وحتملها للطرف الآخر كاملة مثل“ :لقد �أخرجني عن �شعوري ِّ عندما فعل ذلك” فك ُّل �أ�شكال العنف ما هي �إال نتاج خداع النف�س؛ حيث نقنع �أنف�سنا ب�أنَّ الآخرين هم املت�س ِّببون فيما ن�شعر به من �آالم ومن َّثم ف�إ َّنهم جديرون بالعقاب .يدفعنا هذا االعتقاد يف النهاية �إلى التعبري عن غ�ضبنا بطريقة �سطحية تتج�سد يف �إلقاء اللوم على الآخرين �أو معاقبتهم ظاهرية َّ ب�أق�صى الطرق املمكنة. حني تتم َّلكنا م�شاعر الغ�ضب ،نت�ص َّيد �أخطاء الآخرين ،ونلعب دور احلكم ،فن�صدر الأحكام على الآخرين ،ونلقي باللوم عليهم نتيجة ما اقرتفوه من �أخطاء �أو العتقادنا با�ستحقاقهم العقاب .ذلك هو جوهر �شعورنا بالغ�ضب؛ فهو يعتمد ب�شكل رئي�س على طريقة تفكرينا وا�ستيعابنا لأفعال الآخرين ال �أفعالهم احلقيقية.
7
كتاب في دقائق
�أربع خطوات للتنفي�س عن الغ�ضب �إليك بع�ض اخلطوات العملية التي ت� ِّؤهلك للتعبري عن غ�ضبك ب�أف�ضل �صورة ممكنة: -1توقَّف عن فعل � ِّأي �شيء فيما عدا التنفُّ�س .امتنع عن توجيه اللوم �أو معاقبة الآخرين. -2حت َّكم يف �أفكارك التقييمية. -3توا�صل مع احتياجاتك. ُلب بعد. -4عبرِّ عن م�شاعرك واحتياجاتك التي مل ت َّ قد نعمد يف بع�ض الأحيان �إلى �إبداء التعاطف للطرف الآخر يف خ�ضم تفاعلنا مع اخلطوة 3حتَّى ي�صبح �أكرث �صرب ًا ،وحت ُّم ً نعب ال ،وتعاطف ًا لدى �إن�صاته �إلينا بينما رِّ عن �أنف�سنا يف اخلطوة .4
الإجبار باللني يف بع�ض املواقف قد ال ت�سنح الفر�صة للتوا�صل من دون اللجوء �إلى العنف ،وقد يكون اللجوء �إلى ا�ستخدام القوة �أمر ًا حتمي ًا حلماية حقوق الفرد �أو حتَّى �إنقاذ حياته .على �سبيل املثال :قد يكون الطرف الآخر غري م�ستعدٍّ للحوار� ،أو قد يكون هناك بع�ض ال�صعوبات التي ال تتيح وقت ًا للتح ُّدث .يف مثل تلك املواقف قد ن�ضط ُّر �إلى اللجوء للق َّوة .و�إذا ما �سلكنا هذا اجلانب ،علينا التمييز بني ا�ستخدام الق َّوة بهدف حماية ال�شخ�ص – الق َّوة الوقائية -وا�ستخدامها بهدف معاقبته – القوة العقابية.
�شكلٍ من الأ�شكال .ويعتمد مفهوم الق َّوة الوقائية على مبد�أ رئي�س وهو � َّأن الإن�سان عاد ًة ما يدفعه جهله �إلى �أن ي�سلك منهج ًا قد يلحق به – �أو بغريه – ال�ضرر. هذا اجلهل قد يكون ناجت ًا عن عدم وعيه بعواقب وتبعات ت�ص ُّرفه �أو عجزه عن ر�ؤية طريقة �أخرى لتلبية احتياجاته دون �إيذاء الآخرين� ،أو حتَّى افرتا�ضه – اخلاطئ -ب�أنَّه ميتلك �سلطة معاقبة الآخرين ما ثم نحمل على عاتقنا داموا ي�ستحقُّون العقاب ومن َّ م�س�ؤولية حماية بع�ضنا بع�ض ًا من �شرور �أنف�سنا بالتعليم والتهذيب ال بالعقاب والتعذيب.
ثمن العقاب يحركنا وال يدفعنا �إليه �سوى عندما نقوم ب� ِّأي عمل ال ِّ اخلوف من العقاب ،ف� َّإن ذهننا ي�صبح م�شتَّت ًا ونن�صرف وين�صب اهتمامنا عن القيمة احلقيقية للفعل نف�سه ،بل ُّ على العواقب التي �ستلحق بنا �إذا ف�شلنا يف �أدائه .ف�إذا ملهامه هو اخلوف من العقاب، كان دافع العامل يف �أدائه ِّ مهامه بالفعل ،ولكن �ستنخف�ض فمن املمكن �أن ينجز َّ ال �أم �آج ً يف املقابل -روحه املعنوية وتت�أ َّثر -عاج ًال معدالت الإنتاجية ،ناهيك عن تال�شي ال�شعور بتقدير َّالذات عند ا�ستخدام الق َّوة العقابية .فالأمر �أ�شبه ب�إجبار الأطفال على تنظيف �أ�سنانهم خوف ًا من العقاب و�سخرية حت�سنت �صحة �أ�سنانهم ،ف�سيت�آكل الآخرين .فحتَّى و�إن َّ مع الوقت احرتامهم لأنف�سهم .وكما نعلم جميع ًا ف� َّإن للعقاب ثمن ًا باهظ ًا ندفعه من ر�صيد القبول املجتمعي. فك َّلما ظهرنا يف مواقف نعاقِ ب فيها من نراهم خمطئني، �شَ قَّ على الآخرين �إبداء � ِّأي تعاطف جتاهنا وق َّلت احتمالية تلبيتهم الحتياجاتنا.
الوقاية والعقاب تهدف القوة الوقائية �إلى منع وقوع �ضرر �أو ظلم على الطرف الآخر يف حني تهدف القوة العقابية �إلى �إيالم و�إيذاء الآخرين كجزء من تقومي ال�سلوك وت�صحيح امل�سار – �أو هكذا يفرت�ض من ميار�سونها. عندما ن�ستخدم القوة بهدف حماية �شخ�ص ما ،ف�إنَّنا ِّ نركز على حياته �أو حقوقه التي نحاول حمايتها دون �إطالق �أحكام على �شخ�صه �أو �سلوكه �أي �أنَّنا نن�أى ب�أنف�سنا عن توبيخه �أو �إدانته ب� ِّأي
� َّأما عن الق َّوة العقابية فهي -على ال�صعيد الآخر - تعتمد على افرتا�ض مغلوط ب� َّأن الأ�شخا�ص يرتكبون ثم فهم �أفعا ًال م�سيئة بف�ضل غريزتهم ال�سيئة؛ ومن َّ ي�ستحقُّون �أن يذوقوا �أ�صناف العذاب والأمل حتَّى يعودوا �إلى ر�شدهم� .أي � َّأن العقاب يف هذه احلالة يهدف �إلى جعلهم: -1يعانون مبا يكفي لإدراك حجم اخلط�أ الذي ارتكبوه. -2يرتاجعون عن �سلوكهم. -3ي�شرعون يف التغيري. �إال � َّأن املمار�سة الفعلية للعقاب ال تتمخَّ �ض �إال عن املزيد من العداء واال�ستياء �أكرث من ح ِّثها على التعلُّم من الأخطاء ،ف�ض ً ال عن �أنَّها تعزِّ ز مقاومة ال�شخ�ص املعا َقب لل�سلوك الذي نحاول �أن نغر�سه بداخله – حتَّى و�إن اقتنع به.
القيمة “اللحظية” للعقاب لكي نخترب مدى ق َّوة العقاب وقدرته على الت�أثري يف �سلوك الآخرين ميكننا �أن نواجه �أنف�سنا بال�س�ؤالني التاليني� :أو ًال ما الذي �أريد �أن يفعله هذا ال�شخ�ص ويختلف ع َّما يفعله حالي ًا؟ �إذا اكتفينا بهذا ال�س�ؤال فقط فقد نرى العقاب و�سيلة ف َّعالة نظر ًا �إلى �أنَّ التهديد بالعقاب قد يغيرِّ بالفعل من �سلوك هذا ال�شخ�ص يف هذه اللحظة .ولكن �إذا ما واجهنا �أنف�سنا بال�س�ؤال الثاين ما الدوافع التي ينبغي �أن تكون باعثة وحم ِّركة لت�ص ُّرفات هذا ال�شخ�ص بينما ي�سعي �إلى تلبية احتياجاتي؟ هنا يت�ضح ف�شل العقاب يف تغيري وتقومي ال�سلوك على املدى البعيد .فالوعي بالأ�سباب املح ِّركة لل�سلوك – يف واقع الأمر – �أهم من ال�سلوك ذاته. كتاب في دقائق
8
التقدير والثناء يف التوا�صل يعمد الكثري من املديرين والقادة �إلى توظيف �أ�ساليب املدح، والثناء ،واملجامالت يف بيئات العمل زعم ًا ب�أ َّنها ت�ؤتي ثمارها مع املوظفني .وهم يعتمدون يف هذا الظنِّ على بع�ض الأبحاث التي �أظهرت �أنَّ املدير عندما يجامل موظفيه وميتدحهم، ف�إ َّنهم يعملون مبزيد من اجلدِّ واالجتهاد ،والأمر كذلك بني املع ِّلم وتالميذه .وربمَّ ا حتمل هذه الأبحاث جانب ًا من احلقيقة؛ فبالفعل ترتفع معنويات الأفراد لدى �سماعهم للإطراءات. ولكن مبجرد �أن تنتهي ،ترتاجع �إنتاجيتهم ب�شكل ملحوظ .فهم ي�صبحون كالنبات الذي متى انقطع عنه املاء ،يذبل وميوت! بل ويزداد الأمر �سوء ًا �إن كان هذا املدح منطوي ًا على نفاق �أو رياء �أو م�صلحة �شخ�صية ليكت�شف الأفراد يف النهاية �أ َّنهم جم َّرد دُمى يح ِّركها من حولهم ببع�ض الكلمات العذبة ليح ِّققوا �أهدافهم ال�شخ�صية.
املك ِّونات الثالثة للثناء البنَّاء يمُ ِّيز التوا�صل ال�سلمي بني ثالثة مك ِّونات رئي�سية للتعبري عن التقدير والثناء والتي تتم َّثل يف: uالأفعال التي �ساهمت يف �إثراء حياتنا. uاحتياجاتنا اخلا�صة التي متَّت تلبيتها. uامل�شاعر املبهجة التي نتجت عن �إ�شباع تلك االحتياجات. قد يختلف ت�سل�سل هذه املكونات الثالثة ففي بع�ض الأحيان قد تغني ابت�سامة �أو عبارة �شكر ب�سيطة عن هذه املك ِّونات .ولكن �إذا كنَّا حري�صني على �أن ي�ستوعب الآخر تقديرنا الكامل له ،فيجدر بنا التعبري لفظ ًا عن املك ِّونات الثالثة املذكورة.
كيف تتلقَّى الثناء ي�صعب على كثري م َّنا تل ِّقي الثناء والتقدير مع االحتفاظ ب�شيء من االعتزاز بالنف�س. ف�إ َّننا عندما نتل َّقى ر�سائل املدح والثناء؛ عاد ًة ما نقلق ب�ش�أن ا�ستحقاقنا هذا الثناء من عدمه ونتحيرَّ ب�ش�أن ما قد ُيطلب م َّنا كمقابل لهذا الثناء و�أحيان ًا نقلق ب�ش�أن كيفية ارتقائنا مل�ستوى هذا التقدير .ومبا �أ َّننا نعي�ش �ضمن ثقافة تنبذ فكرة الأخذ والعطاء من دون مقابل فال عجب �إذ ًا �أن ت�ساورنا كل هذه امل�شاعر املت�ضاربة مقابل عبارة مدح ب�سيطة. يح ُّثنا منهج التوا�صل ال�سلمي على ا�ستقبال املدح بنف�س القدر من التعاطف الذي نبديه لدى �إن�صاتنا الحتياجات ومتط َّلبات الآخرين .فعلينا �أن نتح َّلى بال�صرب للتع ُّرف على ت�ص ُّرفاتنا التي �أ�سهمت يف �إثراء حياة الآخرين ،واحتياجاتهم التي �أ�شبعناها، وم�شاعرهم جتاه هذا الت�ص ُّرف النبيل .وبهذه الطريقة لن نرت َّدد للحظة يف التمتُّع بن�شوى النجاح واالنت�صار ،و�سن�ست�سيغ كلماتهم املادحة بكل جوارحنا واثقني بجدارتنا وا�ستحقاقنا لها. 9
كتاب في دقائق
توا�صــل ب�سلميـــــــة
َّ يتعط�ش الكثريون م َّنا �إلى املهارات التي ترفع من جودة عالقاتنا ،وتع ِّمق �شعورنا بتمتني مهاراتنا وتطوير �أنف�سنا ،ومت ِّكننا من التوا�صل بفاعلية �أكرث .ولكن ل�سوء احلظ ،فقد ن�ش�أنا يف ظل ثقافة حم ِّفزة لإطالق الأحكام و�إ�صدار الأوامر وفر�ض العقوبات حتَّى �أ�صبحنا نتعامل ونتوا�صل مع الآخرين وفق ًا ملزاياهم وعيوبهم التي نراها من وجهة نظرنا الفردية فح�سبَّ . تتمخ�ض هذه الأمناط التقليدية -يف �أف�ضل الظروف – عن �سوء الفهم� ،أو وقوع االلتبا�س� ،أو ف�شل التوا�صل ككل .والأدهى من ذلك �أ َّنها قد تثري الغ�ضب وت�س ِّبب الأمل وتقودنا يف نهاية املطاف �إلى العنف .فال عجب �إذن �أن تن�ش�أ الكثري من ال�صراعات من العدم ومن دون �أدنى ن َّية م�سبقة الفتعالها. ي�ؤهِّ لك منهج التوا�صل ال�سلمي للإبحار يف �أعماق ذاتك و�سرب �أغوارها الكت�شاف ما هو حيوي و�ضروري ،ولكي تك ِّر�س كل حماوالتك لتلبية احتياجاتك الإن�سانية .تع َّلم كيف تنتقي الكلمات التي تعبرِّ عن م�شاعرك واحتياجاتك بد َّقة؛ فعندما تفهم احتياجاتك وجتيد التعبري عنها ميكنك �أن تبني قاعدة �ضخمة من العالقات املُر�ضية واملثمرة� ،أي �أنَّ هذه التقنية الب�سيطة � -إذا ما �أح�سنت ا�ستثمارها – من �ش�أنها �أن حتدث تغيري ًا جذري ًا يح ِّول حياتك �إلى الأف�ضل بطريقة مذهلة. المؤلف: مؤسس ومدير الخدمات التعليمية في مركز مارشال روزنبيرج :هو ِّ تقدم ورش العمل التواصل السلمي ( ،)CNVCوهو مؤسسة خيرية دولية ِّ َّ والتدريب فيما يقرب من 30دولة.
كتب مشابهة: !1. Communicate By: Kathleen S. Verderber, Rudolph F. Verderber, Deanna D. Sellnow. 2013
2. Everyone Communicates, Few Connect What the Most Effective People Do Differently. By: By: John C. Maxwell. 2010
3. Communicate with Confidence How to Say it Right the First Time and Every Time. By: Dianna Booher. 2011 كتاب في دقائق
10
“الإ�صغاء �إلى القلب �أهم من الإ�صغاء �إلى الل�سان” مارشال روزنبيرج