مجلة تفكر المجلد (12) العدد (2)

Page 1

‫تَـفـكُّـــــــــــــر‬ ‫جمــلة نصـف سـنوية حمـكَّمة ى‬ ‫اجمللــد (‪)12‬‬

‫‪vvvvvvv‬ــر‬ ‫العــدد‬

‫(‪)2‬‬

‫(‪2012‬م ‪1433/‬هـ )‬

‫" متػؽُّر" مذبؾة مربؽّؿة مغصف مدـوؼة متصدر مسن مععفد مإدالم مادلعرصة م(إعام) مجباععة ماجلزؼرةم‬ ‫(اظلودان)‪ ،‬موتفؿم مبؼضاؼا مإدالم مادلعرصة ماظـظرؼة مواظؿطؾقؼقة م‪.‬تؿؽون ماجملّؾة معن مادلؾػات ماآلتقة م‪:‬م‬ ‫صؾلػةماظعؾوممواظػؾلػةم‪،‬مزاػرةماظوحيم‪،‬ماظظاػرةماالجؿؿاسقة م‪،‬ماظظاػرةماظطؾقعقةم‪،‬ماظرتاثمادلعريفم‬ ‫اإلدالعيم‪،‬ماظػؽرماإلغلاغي‪،‬ماظواضعماإلدالعيم‪،‬ماظعودلةم‪،‬مأوراقمظؾـؼاشم‪،‬ماظؿؼارؼرموادلراجعاتم‪ .‬م‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ى‬ ‫المراســـــــــــالت‪ :‬ى‬

‫السيد رئيس حترير جملة تفكُّر‬ ‫معهد إسالم املعرفة (إمام) ‪ -‬ص ب ‪ - 526‬واد مدنى – السودان ‪.‬‬ ‫فاكس ‪22 249 - 555 /843399 - 22428 :‬‬ ‫تلفونات ‪22 249 /522882278 / 522885392 /522887535 :‬‬

‫‪E-mail : tafakkur2009@gmail.com‬‬

‫أ‬


‫ذروطماظـشر م‬ ‫م‬ ‫ؼرجىمعنممجقعماظذؼنمؼؿؼدعونمبأحباثفممإىلماجملؾةمادؿصقابماظـؼاطماآلتقةم‪ :‬م‬ ‫ مأنمؼفؿمماظؾقثماظعؾؿيمخبدعةمضضقةماظؿأصقلمادلعريفمعنمخاللمعصادرمادلعرصةماإلدالعقة‪.‬م م‬‫ مأنمؼؼدمماظؾقثمإضاصةمواضقةمإىلمادلوضوعمادلدروسم‪ .‬م‬‫ مأنمؼـادبماظؾقثموأدؾوبهماظؼارئمادلعاصرم‪ .‬م‬‫ مؼشرتطماالظؿزاممبؼواسدموذروطماظؾقثماظعؾؿيمادلؿعارفمسؾقفام‪ .‬م‬‫ مؼشرتطمطؿابةمأرضامماآلؼاتمودورػامودبرؼجماألحادؼثماظـؾوؼةميفمأصلماظؾقثم‪ .‬م‬‫ ممجقعماحلؾولموادلعاجلاتماظرؼاضقةمسدامادلعادالتماألدادقةمترصقمطؿؾققمعـػصلمسنمأصلماظؾقــثم(الم‬‫ؼـشر)م‪ .‬م‬ ‫ مؼـؾغيموضعمضائؿةمعصادرماظدرادةمعرتؾةميفمغفاؼةماظؾقثم‪ .‬م‬‫ مؼردلماظؾقثمعطؾوساًميفمغلكةمورضقةموغلكةماظؽرتوغقةمعاؼؽرودوصتموردم‪ .‬م‬‫ مؼـؾغيمأنمالمؼؽونماظؾقثمضدمغشرمعنمضؾلمأومعؼدعاًمظؾـشرميفمعؽانمآخر‪ .‬م‬‫ ممؼؽؿبمادمماظؾاحثموسـواغهماظربؼديمواالظؽرتوغيمورضممػاتػهموصاطلهميفمورضةمعلؿؼؾةمسنماظؾقثم‪ .‬م‬‫ مدبضعمادلادةمادلردؾةمظؾـشرمظؾؿقؽقمماظعؾؿيمسؾىمحنومدري م‬‫ مالتعادمادلوادمادلردؾةمإىلماجملؾةم‪،‬موالمتلرتدم‪،‬مدواءم ُغشرتمأممملمتـشر‪ .‬م‬‫مممممظؾؿفؾةمحقمإسادةمغشرمادلوادمادلـشورةمعـػصؾةمأومضؿنمطؿابمعنمشريماحلاجةمإىلمإدؿؽذانمصاحؾفا‪ .‬م‬‫ ممؼـؾغيمأنمالمؼزؼدمسددمصػقاتماظؾقث مسنممخسموثالثنيمصػقةم(حفم م‪)A4‬موؼرصقمعلؿكؾصم‬‫ؼشؿؿلمسؾىم عشؽؾةماظؾقثمواألػدافموادلـففقةموأػمماظـؿائجمواظؿوصقاتمسؾىمأنمالمؼزؼدمسؾىمغصفم‬ ‫صػقةمعنمصؼرةمواحدةم‪ .‬م‬ ‫ مترتقبماألحباثمباجملؾةمؼأتيمحلبمادلؾػاتماحملددةمعنمضؾلمػقؽةماظؿقرؼرم‪ .‬م‬‫‪ -‬ممتـحماهلقؽةمصاحبماظؾقثماحملؽممادلـشورمسدداًمعنماظـلخموعؽاصأةمعاظقة‪ .‬م‬

‫ب‬


‫‪‬‬ ‫هيئة التحرير‬

‫رئوسىهوئةىالمستشارون‬

‫أ‪.‬د‪/‬مربؿدماحللنمبرميةمإبراػقــــــــم‬

‫رئوسىهوئةىالتحرور‬ ‫د‪.‬مربؿدمبابؽرماظعوض ى‬

‫هوئةىالمستشارون‬

‫رئوسىالتحرور ى‬ ‫أ‪.‬د‪.‬مسؾــدماهللمربؿدماألعنيماظـعقـــــم م‬

‫أ‪.‬دم‪/‬مإبراػــقممأمحــــــــدمسؿـــــــــــــر م‬ ‫أ‪.‬دم‪/‬مربؿـــــدموراقمسؿـــــــــــــــــــر م‬

‫مدورىالتحرور‬

‫أ‪.‬دم‪/‬معؾــاركمعـقؿدمسؾـيمذبـــــــــذوب م‬

‫د‪.‬مضادممسؿرمأبوماخلقـــــــــــــــرم م‬ ‫محــررون ى‬

‫أ‪.‬دم‪/‬مجتاغيمحلـــنماألعقــــــــــــــــــن م‬

‫أ‪.‬د‪.‬مربؿدماحللنمصاحلماألعنيمأمحـــــــد م‬ ‫أ‪.‬د‪.‬ممجالماظدؼنمسؾدماظعزؼزمذرؼفمبشري م‬ ‫د‪.‬مضرارمادلاحــيماظعؾقـــــــدمأمحـــــــد م‬ ‫د‪.‬مربؿدمســـوضماظؽــرؼمماحللــــــــني م‬ ‫د‪.‬مربؿـدممحـــــــــــدمربؿـــدمأمحـــد م‬ ‫د‪.‬ممحدماظـقلمسـؿانمسؾدماظلقـــــــــــــد م‬ ‫د‪.‬مزاػرمأبوسؾقدةمأمحدمأبوساضؾـــــــــــة م‬ ‫م‬

‫أ‪.‬دم‪/‬مرــهمجـــابرماظـعؾـــــــــــــــــواغي م‬ ‫أ‪.‬دم‪/‬مأمحدمربؿدماحللنمذـــــــــــــــان م‬ ‫أ‪.‬دم‪/‬مزطـــرؼامبشـــــريمإعـــــــــــــــــام م‬ ‫أ‪.‬دم‪/‬ماظؿفـاغـيمسؾـدماظؼـادرمحاعــــــــــد م‬ ‫د‪.‬م‪/‬ممصؿــقـــــيمادلؾــؽــــــــــــــــــاوي م‬ ‫د‪/.‬مزطــــيمادلقــــــــــــــــــــــــــــــالد م‬

‫جمعىإلكتروني ى‬ ‫صــــــــائزةمحلــــــــنمربؿــــــــدمأمحــــــ ـدم م‬

‫ج‬


‫‪‬‬ ‫كلمة التحرير‬

‫موضوعات العدد‬

‫الصفحة‬ ‫‪4-1‬‬

‫السلطات في الفكر الغربي والنظام اإلسالمي ‪ -‬دراسة مقارنة ‪33 -5 -‬‬ ‫مبدأ الفصل بين ُّ‬ ‫‪ ....................................‬د‪ .‬أمحد حسن حممد عبد الكرمي‬ ‫تطبيقات علم المناعة النفسي العصبي "رؤية إسالمية"‬

‫‪64 -31‬‬

‫‪ .....................................‬د‪ .‬السر أمحد حممد سليمان‬ ‫المناهج األسلوبية في دراسة الن‬

‫القرنني ‪ -‬دراسة وتحليل ‪-‬‬

‫‪03 -65‬‬

‫‪ .................................‬د‪.‬جنيب على عبداهلل السودي‬ ‫جماليَّةُ الج ِ‬ ‫ملة الخبريَِّة في األحاديث النَّبوية ‪-‬دراسة تطبيقية لنماذج حديثيَّة‪-‬‬ ‫ُ‬

‫‪126 -01‬‬

‫‪ .................................‬د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬ ‫دور المشروعات الممولة من ديوان الزكاة في التخفيف من وطأة الفقر في‬

‫‪152 -127‬‬

‫السودان ‪-‬دراسة حالة‪-‬‬ ‫‪ .....................................‬د‪ .‬ادم الرضي حممد علي‬ ‫‪ .....................................‬أ‪ .‬هيثم إبراهيم حممد حممود‬ ‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي بعد حرب غزة‬

‫‪106 -153‬‬

‫‪ .......................................‬د‪ .‬عبد احلليم وسى يعقوب‬ ‫الرقابة َّ‬ ‫الشرعية على المصارف بالتطبيق على بعض المصارف في السودان‬

‫‪226 -107‬‬

‫‪ ......................................‬د‪ : .‬أكرم على حممد يوسف‬ ‫تقرير حول قراءة في قضايا التمويل األصغر اإلسالمي‬ ‫‪ ......................................‬د‪ .‬صاحل مصطفى أمحد معلى‬ ‫د‬

‫‪232 -227‬‬


‫كلمة التحرير‬ ‫تعاين األمة – وىي األمة ادلوصوفة باخلريية‪ -‬من علل خطرية هتدِّد وجودىا وتذىب‬ ‫فاعليتها بني األمم ‪ ،‬وأوىل ىذه العلل علّة التدين حيث جيري تكريس ادلذىبية والطائفية‬ ‫واالحًتاب بفقو الفروع وتغييب العمل بفقو األصول واألولويات ‪ ،‬ومن مث فالسائد أن‬ ‫السين مع الشيعي والسلفيو مع الصوفيو أو األخوان ادلسلمني ‪ ،‬ىذا يف الوقت الذي‬ ‫يتقاتل ُّ‬

‫يذبح فيو ادلسلمون يف الشيشان وميامنار وافغانستان والعراق وسوريا على يد عدو األمة‬ ‫الظاىر ‪ ...‬ىذا العدو الذي يتواله البعض منا ويواليو لضرب بقية األمة اليت حتولت يف نظر‬ ‫أولئك – عمالً بفقو الفروع – إىل الضالني وادلغضوب عليهم بينما أمريكا ىي حامي‬ ‫احلمى اليت يسبِّحون حبمدىا بكرة وعشيا ‪....‬‬ ‫يقودنا احلديث أعاله إىل العلّة الثانية وىي تغييب ادلفاىيم اإلسالمية وتنحيتها‬ ‫وتقدمي بدائل ذلا وفرضها فرض األمر الواقع حبيث صارت ىي احلاكم يف حركتنا فلم يعد‬

‫اجلهاد ومدافعة الكفار جهاداً بل صار إرىاباً ومل يعد التزام الشباب بدينو تديناً بل صار‬

‫تكفرياً وتعصباً ينبغي حسمو مبطاردة ادللتزمني وتسليمهم ليحاكموا ويعاقبوا يف سجون‬ ‫أعدائهم‪.‬‬ ‫لقد مت تفريغ فقو الوالء والرباء من مضمونو يف ظل عملية تزييف ادلفاىيم‬ ‫اإلسالمية‪ ...‬ولعل شلا يؤسف لو أن يشارك بعض علماء األمة يف تزييف وعيها وأن يسامهوا‬ ‫بفتاويهم يف ذبح شباب األمة وتكريس حكم اليهود والنصارى والطابور اخلامس حبيث‬ ‫سقطت دول حباذلا وبشعبها ادلسلم يف يد العمالء السرائيل والغرب‪ ،‬وحيتار احلليم أين‬ ‫ىؤالء العلماء أيف زمرة ادلغفلني الذين ال يدركون فقو الواقع واألولويات ورمبا الشريعة ذاهتا أم‬ ‫يف زمرة الطابور اخلامس والعمالء؟‬


‫ُّ‬ ‫تفكر ‪ ،‬مجلد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫كلمة التحرير‬

‫القاري الكريم‬ ‫ما يعنينا يف ىذا ادلقام ويف ىذه ادلرحلة اخلطرية اليت يتكالب فيها أعداء األمة عليها‬ ‫ىو ضرورة االنتباه لألصل اجلامع الذي يربط جسد األمة وميد شرايينها بدماء العافية وحيفظ‬ ‫نبض قلبها ووجداهنا ‪ .‬ىذا األصل الذي ىو شهادة أن ال إلو ال اهلل وأ ّن زلمداً رسول اهلل‪،‬‬ ‫الساق الذي تقوم‬ ‫فمىت ما متّ االتفاق عليو فقد صرنا أعضاء يف ىذه األمة ‪ .‬إنو مبثابة َّ‬ ‫وتقف عليو األمة وما عدا ىذا األصل يعترب فروعاً وال ميكن حبال أن تصري الفروع أصوالً‬ ‫لتغدو األمة الواحدة أشلاً بدون أصل ‪ .‬ومن ادلهم كذلك االنتباه للمفاىيم اإلسالمية‬ ‫األصيلة وعدم االل تفات دلفاىيم عدونا على الرغم من شيوعها وغلبتها حبكم اذليمنة‬ ‫السياسية للغرب‪.‬‬ ‫اإلعالمية و ِّ‬ ‫عزيزي القاري ‪:‬‬ ‫يفتتح ىذا العدد يف ملف فلسفة العلوم للدكتور أمحد حسن زلمد عبد الكرمي عن‬ ‫السلطات مقارناً بني الفكر الغريب والنظام اإلسالمي‪ ،‬وقد تناول البحث‬ ‫مبدأ الفصل بني ُّ‬ ‫مبدأ الفصل بني السلطات من حيث نشأتو وتطوره وغاياتو والنتائج ادلًتتبة على األخذ بو‬ ‫يف الدساتري احلديثة‪ ،‬ومعرفة موقف نظام احلكم يف اإلسالم منو وبيان ادلبادي الدستورية اليت‬ ‫تقًتب من مبدأ الفصل بني السلطات من حيث ادلضمون والغاية يف النظام اإلسالمي ‪.‬‬ ‫السر أمحد زلمد سليمان عن تطبيقات علم ادلناعة‬ ‫ويف ذات ادللف كتب الدكتور ِّ‬ ‫النفسي العصيب من منظور إسالمي حيث حتدث عن ىذا ادلوضوع باعتباره رلاالً جديداً‬ ‫يناقش تأثري الكثري من ادلتغريات النفسية يف ادلناعة ‪ .‬ويؤّكد الباحث احلاجة للتدخل النفسي‬ ‫واالجتماعي لدعم ادلناعة لدى ادلرضى إالّ أ ّن الربامج اليت متّ تصميمها قد واجهتها‬ ‫صعوبات تطبيقية ‪ ،‬لذلك سعى الباحث إىل إبراز أمهية التوجهات واآلداب اإلسالمية يف‬ ‫التعامل مع ادلرضى وكيفية مواجهة األمراض وذلك من أجل تقدميها كتعليمات سهلة‬ ‫التطبيق ‪.‬‬

‫‪2‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫كلمة التحرير‬

‫ويف ملف معارف الوحي كتب الدكتور صليب على عبد اهلل السودي عن ادلناىج‬ ‫األسلوبية يف دراسة النص القرآين دراسة وحتليالً ‪ ،‬حيث ناقش الباحث ادلناىج األسلوبية‬ ‫احلديثة يف قراءة النص القرآين مستعرضاً ادلالمح الرئيسية ذلذه الدراسات للخروج برؤية ميكن‬ ‫االستهداء هبا يف طريق الفهم السليم للنص القرآين ‪ ،‬ال سيما وأ ّن مناىج النقد احلديثة‬ ‫ونظرياهتا متعددة ومتنوعة وعندما متت زلاوالت القراءة ادلعاصرة للقرآن الكرمي من خالل‬ ‫تلك ادلناىج فإهنا اصطدمت بذلك التنوع والتع ّدد ‪.‬‬ ‫وكتب الدكتور محد النيل عثمان عبد السيد يف ذات ادللف عن مجالية اجلملة اخلربية‬ ‫يف األحاديث النبوية بالتطبيق على بعض النماذج احلديثية حيث ناقش الباحث مجالية‬ ‫استعمال النيب ‪ ‬ألضرب اخلرب يف اجلملة اخلربية من خالل مطابقة أحاديثو دلقتضى حال‬ ‫السامعني من يقني أو شك أو إنكار يف قبول اخلرب‪ .‬وأ ّكد الباحث على البالغة النبوية‬ ‫العالية اليت متيّز هبا أسلوب النيب ‪.‬‬ ‫ويف ملف الظاىرة االجتماعية كتب الدكتور آدم الرضي زلمد على و أ‪ .‬ىيثم‬ ‫ابراىيم زلمد زلمود عن دور ادلشروعات ادلمولة من ديوان الزكاة يف التحقيق من وطأة الفقر‬ ‫حيث ىدفت الدراسة إىل تقصي دور ادلشروعات اليت ميوذلا ديوان الزكاة بالسودان من‬ ‫خالل دراسة حالة زللية ودمدين بوالية اجلزيرة‪ .‬واستخدم الباحثان االستبيان وسيلة جلمع‬ ‫البيانات األولية من عينة عشوائية تتكون من (‪ )09‬أسرة حتصلت على دعم الديوان ‪ .‬مث‬ ‫استخدام الدخل واالنفاق مؤشرين لقياس الرفاه ‪ ،‬وخلصت الدراسة إىل أ ّن الفقر أكثر حدة‬ ‫وعمقاً قبل امتالك ادلشروعات شلا يعزز الدور التنموي لديوان الزكاة‪.‬‬ ‫ويف ملف الواقع اإلسالمي كتب الدكتور عبد احلليم موسى يعقوب عن األبعاد‬ ‫تعرب األبعاد األمنية‬ ‫األمنية لإلعالم اإلسرائيلي وجهود حتسني صورهتم بعد حرب غزة حيث ِّ‬ ‫لإلعالم اإلسرائيلي عن االسًتاتيجية اليهودية يف أبعادىا السياسية والقيمية االجتماعية‬ ‫‪.‬وترى كثري من الدراسات أ ّن صورة إسرائيل يف اإلعالم الغريب ستظل ناصعة وذلك لنفوذىم‬ ‫يف تلك ادلؤسسات على الرغم من أ ّن تلك الصورة بدأت هتتز بعد حرب غزة يف ديسمرب‬ ‫‪3‬‬


‫ُّ‬ ‫تفكر ‪ ،‬مجلد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫كلمة التحرير‬

‫‪8992‬م وحىت يناير ‪8990‬م ‪.‬وقد ناقش الباحث األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي يف‬ ‫سلتلف جوانبو والوقوف على الصورة الذىنية اليت رمست لدولة اسرائيل عرب شبكة االنًتنت‬ ‫عقب حرب غزة وسعي اسرائيل لتحسني صورهتا عرب شبكة االنًتنت‪.‬‬ ‫كما كتب الدكتور أكرم على زلمد يوسف عن الرقابة الشرعية على ادلصارف‬ ‫السودان حيث ىدف البحث إىل بيان مدلول الرقابة‬ ‫بالتطبيق على بعض ادلصارف يف ُّ‬ ‫الشرعية على ادلصارف وتشكيلها واختصاصاهتا بالتطبيق على بنك السودان ادلركزي وبنك‬ ‫فيصل اإلسالمي وبك التضامن اإلسالمي ‪ .‬وأوضح الباحث االجيابيات والسلبيات بأجهزة‬ ‫الرقابة بتلك البنوك ووضع بعض ادلقًتحات دلعاجلة تلك السلبيات ‪.‬‬ ‫ويف ملف التقارير وادلراجعات راجع د‪ .‬صاحل مصطفى أمحد معلى كتاب الدكتور‬ ‫ضرار ادلاحي العبيد ‪ :‬التمويل األصغر ا إإلسالمي‪ ،‬الفرص وادلفهوم والتحديات‪ .‬تلك ىي‬ ‫موضوعات ىذا العدد الذي تأخر عن الصدور ألسباب خارجة عن اإلرادة ونسأل اهلل أن‬ ‫نتجاوزىا وأن جيزي األخوة كتّاب العدد خري اجلزاء‪.‬‬

‫رئيس التحرير‬

‫‪4‬‬


‫مبدأ الفصل بني السُّلطات يف الفكر الغربي والهظام اإلسالمي‬ ‫دراسة مقارنة‬ ‫*‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬ ‫مقدمة‬

‫إ ّن اظتتتبع للفكر الغريب وجتربتو يف غتال نظام اضتكم جيد أنو قد ابتدع الكثًن من اظتبادئ‬ ‫الدستورية العامة اليت ترتكز عليها األنظمة الدديقراطية الغربية اظتعاصرة‪ ،‬مثل مبدأ سيادة األمة‪ ،‬ومبدأ‬ ‫اضتكومة النيابية‪ ،‬ومبدأ علو الدستور و مبدأ اضتريات العامة ومبدأ الفصل بٌن السلطات‪ ،‬وىي دتثل‬ ‫خالصة ما انتهى إليو الفكر الغريب اظتعاصر يف نظام اضتكم وإقامة الدولة القانونية‪ -‬اليت حتتكم يف رتيع‬ ‫تصرفاهتا إىل القواعد القانونية‪ ،‬ويتساوى فيها اصتميع حكاماً وػتكومٌن أمام القانون‪ -‬ويعد مبدأ الفصل‬ ‫بٌن السلطات من أىم ىذه اظتبادئ‪ ،‬وذلك ألنّو ديثل الضمانة األساسية ضتماية حقوق اإلنسان وحرياتو‪،‬‬ ‫حيث ظهرت‪ -‬فكرة توزيع السلطة على ىيئات ؼتتلفة بقصد زتاية اضترية‪ ،‬واضتقوق الفردية‪ -‬لدى‬ ‫ٍ‬ ‫شخص‪ ،‬أو ىيئة واحدة‪ ،‬وما ينجم عنو من ظل ٍم‬ ‫اظتفكرين الغربيٌن الذين بينوا خطورة تركيز السلطة يف‬ ‫ٍ‬ ‫استبداد وإىدا ٍر ضتقوق األفراد وحرياهتم‪ .‬وىو ما كان سائداً يف ظل األنظمة اظتلكية اظتطلقة اليت كانت‬ ‫و‬ ‫جتمع كل مظاىر السلطة يف أيدي اظتلوك‪ ،‬واضتكام فيما مضى من األزمان‪ .‬وقد كان ىذا مدعاةً ظتناداة‬ ‫اظتفكرين الغربيٌن مبحاربة ىذه األنظمة والدعوة إىل توزيع وظائف الدولة‪ -‬التشريعية‪ ،‬والتنفيذية والقضائية‬ ‫على سلطات ؼتتلفة‪ ،‬ومستقلة عن بعضها البعض استقالالً عضوياً ووظيفياً‪ .‬تتمثل يف السلطة التشريعية‪،‬‬ ‫والتنفيذية‪ ،‬والقضائية‪ ،‬وىو التقسيم الذي سارت عليو الدساتًن اظتعاصرة يف ؼتتلف األنظمة الدستورية‬ ‫واليت من بينها النظام الدستوري السوداين الذي تضمن مبدا الفصل بٌن السلطات يف معظم دساتًنه يف‬ ‫العهود اظتختلفة ‪.‬‬ ‫* األستاذ اظتشارك‪ ،‬كلية الشريعة والقانون ‪،‬رئيس قسم القانون العام ‪ ،‬جامعة سنار ‪.‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫ويعىن ىذا البحث بتناول ىذا اظتبدأ من حيث نشأتو‪ ،‬وتطوره‪ ،‬وغاياتو‪ ،‬وأىدافو‪ ،‬والنتائج اظترتتبة‬ ‫على األخذ بو يف الدساتًن اضتديثة‪ ،‬ومعرفة موقف نظام اضتكم يف اإلسالم منو‪ ،‬وبيان اظتبادئ الدستورية‬ ‫اليت تقرتب من مبدأ الفصل بٌن السلطات من حيث اظتضمون والغاية يف النظام اإلسالمي‪ ،‬حيث يهدف‬ ‫البحث إىل التأكيد على أ ّن النظام الدستوري اإلسالمي لو استقالليتو‪ ،‬وذاتيتو‪ ،‬اليت دتيزه عن األنظمة‬ ‫الغربية‪ ،‬باشتمالو على مبادئ دستورية تتعلق بنظام اضتكم‪ ،‬وإقامة الدولة‪ ،‬اليت حترتم اإلنسان وحتقق‬ ‫رفاىيتو كاضترية و العدالة و اظتساواة ‪ ،‬ومن ىنا تكمن أمهية ىذا اظتوضوع وتتأكد اضتاجة إىل الكتابة فيو‬ ‫اليت أردنا من خالعتا إىل اظتقارنة ما بٌن النظام اإلسالمي والفكر الغريب يف إطار مبدأ الفصل بٌن‬ ‫السلطات‪ .‬وقد اتبعت يف كتابتو ورتع معلوماتو اظتنهجٌن التحليلي‪ ،‬واظتقارن حيث قمت جبمع اآلراء‬ ‫الفقهية‪ ،‬والقانونية من مظاهنا‪ ،‬وحتليلها واظتقارنة بينها ما أمكن‪ .‬كما رأيت أن أقسمو إىل ثالثة مباحث‬ ‫جاءت على النحو التايل‪:‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تعريف مبدأ الفصل بٌن السلطات ونشأتو وتطوره يف الفكر الغريب‪ ،‬واظتبحث الثاين‪:‬‬ ‫مربرات وانتقادات مبدأ الفصل بٌن السلطات‪.‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مبدأ الفصل بٌن السلطات يف النظام اإلسالمي ‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف مبدأ الفصل بين السلطات؛ نشأتو وتطوره في الفكر الغربي‬ ‫يتضمن ىذا اظتبحث بياان أمهياة مبادأ الفصال باٌن السالطات ونشاأتو وتطاوره يف الفكار الغاريب يف‬ ‫اظتطلبٌن التاليٌن‪:‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬تعريف مبدأ الفصل بين السلطات في الفقو الدستوري‬ ‫يعااد مباادأ الفصاال بااٌن السالطات واحااداً ماان أىاام اظتبااادئ الدسااتورية العامااة لانظمااة الدديقراطيااة‬

‫وىااي مباادأ ساايادة األمااة‪ ،‬ومباادأ اضتكومااة النيابيااة‪ ،‬ومباادأ علااو الدسااتور‪ ،‬ومباادأ اضتقااوق الفرديااة واضتريااات‬ ‫العامة‪ .‬مؤداه توزيع وظائف الدولة على ثالث سلطات تتمثل يف السلطة التشريعية‪ ،1‬والسلطة التنفيذية‪،2‬‬

‫والسالطة القضااائية ‪ ،3‬حبيااث تباشاار كاال واحاادة ماان ىااذه الساالطات ماان الناحيااة اظتوضااوعية اختصاصااات‬ ‫معينو حيددىا الدستور‪ ،‬ومن الناحية الشكلية تستقل كال سالطة جبهازىاا اطتااص حبياث ال يسامخ بتاداخل‬

‫ى ااذه األجه اازة وان اادماجها يف بعض ااها‪ . 4‬وعل ااى ى ااذا فق ااد أ تعريف ااو بأن ااو ‪ :‬اظتب اادأ ال ااذي يقض ااي باس ااناد‬

‫خصائص السيادة اليت خيتلف بعضها عن بعض إىل أفراد أو ىيئات مستقلة بعضها عن بعض كذلك ‪.5‬‬

‫وخص ااائص الس اايادة الداخلي ااة تتجس ااد يف ح ااق التشا اريع والتنفي ااذ والقض اااء‪ .6‬ومض اامون ى ااذا التعري ااف أ ّن‬ ‫خصائص السيادة يتم توزيعها على ىيئات ؼتتلفة ومستقلة عن بعضها‪ ،‬وىي السالطات الاثالث التشاريعية‬ ‫‪ 1‬ىي السلطة اظتختصة بسن القوانٌن و اإلشراف على أعمال السلطة التنفيذية ‪ ،‬أنظر د ‪ .‬سليمان ػتمد الطماوي ‪،‬‬ ‫النظم السياسية و القانون الدستوري ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬مطبعة دار الفكر العريب‪ ،‬القاىرة ‪1988‬م ‪ ،‬ص ‪. 190‬‬ ‫‪ 2‬ىي السلطة اظتختصة بتنفيذ القوانٌن وإدارة شئون الدولة و اضتفاظ على أمنها الداخلي و اطتارجي‪ ،‬أنظر د ‪ .‬عبد‬ ‫الوىاب عبد الواحد ‪ ،‬معجم مصطلحات الشريعة و القانون – اؾتليزي ‪ ،‬عريب ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الثقافة العربية للنشر و‬ ‫التوزيع ‪ ،‬عمان ‪1998‬م ‪ ،‬ص ‪. 422‬‬ ‫‪ 3‬ىي السلطة اظتختصة بتطبيق القوانٌن و الفصل يف اظتنازعات بٌن األفراد ‪ ،‬أنظر د ‪ .‬سليمان ػتمد الطماوي ‪ ،‬اظترجع‬ ‫نفسو‪ ،‬ص ‪. 190‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬فؤاد العطار‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة سنة ‪1992‬م‪ ،‬ص ‪ .25‬ود‪ .‬ػتمد‬ ‫كامل ليلة‪ ،‬النظم السياسية الدولة واضتكومة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬سنة ‪1973‬م ‪ ،‬ص ‪.224‬‬ ‫‪ 5‬د‪ .‬أزتد عبد القادر اصتمال‪ ،‬النظ م الدستورية يف ضوء االجتاىات اضتديثة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة سنة ‪1951‬م ‪،‬‬ ‫ص ‪.224‬‬ ‫‪ 6‬د‪ .‬السيد صربي ‪ ،‬النظم السياسية يف البالد العربية‪ ،‬جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد الدراسات العربية العاظتية‪ ،‬سنة‬ ‫‪1956‬م‪ ،‬ص ‪.25‬‬

‫‪6‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫والتنفيذية والقضائية‪ .‬وقد جاء تعريفو أيضاً بأنو‪ :‬مبدأ دستوري يقضي بتقسيم اعتيئة اضتاكمة إىل سلطات‬ ‫متعددة لكل اختصاصها مع جعل كل منها مستقلة عن األخرى ‪ .1‬ويتضخ من ىذه التعريفات َّ‬ ‫أن مبادأ‬

‫الفصل بٌن السلطات يقوم على دعامتٌن أساسيتٌن‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬تقسايم وظاائف الدولاة إىل ثاالث وظاائف وىاي السالطة التشاريعية‪ ،‬والسالطة التنفيذياة‪ ،‬والسالطة‬ ‫القضائية‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫الثانية‪ :‬عدم اصتمع بٌن ىذه السلطات يف ىيئة واحدة ‪.‬‬ ‫وقااد درج الفقااو الدسااتوري‪ ،‬علااى إطااالق مصااطلخ مباادأ الفصاال بااٌن الس الطات علااى معنيااٌن‬ ‫متباينٌن أحدمها ‪ -‬معين سياسي ‪ -‬ويقصد بو عادم اصتماع باٌن السالطات‪ ،‬أو تركيزىاا يف ىيئاة واحادة‪ ،‬أو‬ ‫شخص واحد ‪ ،‬وثانيها معين قانوين وىو خيتلف مان دولاة ألخارى تبعااً الخاتالف الفقهااء يف فهمهام عتاذا‬

‫اظتبدأ وتفسًنه‪ ،‬وترتب على ذلك أن اختلفت الدساتًن يف تطبيقها ظتبدأ الفصل بٌن السلطات‪. 3‬‬

‫وتأسيساً على اظتعين األول ظتبدأ الفصل بٌن السلطات فقاد ذىاب أكثار الفقهااء إىل أناو ال يعتارب‬

‫مبدأ قانونياً مثل مبدأ سيادة األمة ولكنو قاعدة من قواعد الفن السياساي يادعو إىل توزياع السالطات علاى‬

‫ىيئااات ؼتتلفااة دتلياو اضتكمااة السياسااية ضتساان إدارة الدولااة‪ . 4‬وناارى أ ّن مبادأ الفصاال بااٌن السالطات جيمااع‬

‫بااٌن الصاافتٌن السياسااية والقانونيااة فهااو مباادأ سياسااي قااائم علااى أساااس توزيااع وظااائف الدولااة علااى ثااالث‬ ‫س الطات منع ااً للجمااع بينهااا يف ىيئااة واحاادة أو شااخص واحااد‪ ،‬ؽتااا يااؤدي إىل االسااتبداد وإىاادار حقااوق‬

‫األف اراد وحرياهتم‪،‬كمااا أنااو يف الوقاات ذات ااو يعتاارب مباادءً قانوني ااً وذل ااك ألن الدساااتًن اظتعاصاارة قااد تض اامنتو‬ ‫ونصت عليو يف صلبها ؽتا جعلو واحداً من أىم اظتبادئ الدستورية اظتقدساة لكال الشاعوب‪ .‬وىاذا يعاين أناو‬

‫مبدأ سياسي يف بدايتو وقانوين يف هنايتو‪ .‬فقد نشأ كقاعدة سياسية تدعو إليها اضتكمة والسياساة وعنادما‬

‫تضمنتو الدساتًن صار قاعدة قانونية ذا طبيعية دستورية‪.‬‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬إبراىيم مدكور‪ ،‬مصطلحات قانونية‪ ،‬مطبعة اجملمع العلمي العراق‪ ،‬سنة ‪1973‬م‪ ،‬ص ‪.184‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬سليمان ػتمد الطماوي‪ ،‬السلطات الثالث يف الدساتًن العربية اظتعاصرة ويف الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر‬ ‫العريب القاىرة سنة ‪1977‬م‪ ،‬ص ‪.334‬‬ ‫‪ 3‬د‪ .‬فؤاد العطار‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،224‬ود‪ .‬نعمان أزتد اطتطيب‪ ،‬األحزاب‬ ‫السياسية ودورىا يف نظم اضتكم اظتعاصرة‪ ،‬الًنموك‪ ،‬األردن‪ ،‬سنة ‪1994‬م‪ ،‬ص ‪.226‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬سليمان ػتمد الطماوي‪ ،‬السلطات الثالث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.334‬‬

‫‪7‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نشأة وتطور مبدأ الفصل بين السلطات في الفكر الغربي‬ ‫تناولاات أقااالم الفالساافة واظتفكارين الغاربيٌن مباادأ الفصاال بااٌن السالطات‪ ،,‬وجاارت ألساانتهم علااى‬ ‫إطالقو‪ ،‬وإن اختلفت ألفاظهم يف التعبًن عنو يف كتاباهتم اظتختلفة منذ عهد اضتضاارة اليونانياة‪ ،‬فقاد كانات‬ ‫رتيااع وظااائف الدولااة مركاازة يف أياادي اظتلااك الااذي كااان جيمااع بااٌن ساالطة التنفيااذ وساالطة التش اريع وساالطة‬ ‫القضاء‪ .1‬ؽتا أدى إىل الظلم‪ ،‬واالستبداد‪ ،‬الشيء الذي جعل الفكر الغريب يتصور أ ّن إطاالق السالطة مان‬ ‫شأنو النيل من اضتقوق واضتريات أل ّن إطالق السلطة واضترية أمران متناقضان إذا ظهر األول ( أي السلطة)‬

‫اختفى الثاين ( أي اضترية ) حيث ساد االعتقاد لدى اظتفكرين الغربيٌن بأن السلطة عبارة عن شبخ ؼتياف‬

‫يتعااٌن تقييااده حااجمل يفسااخ اجملااال للحقااوق واضتريااات‪ .2‬وبناااءً عليااو فقااد نااادى الفالساافة الغ اربيٌن بضاارورة‬

‫تقسيم وظ ائف الدولة على ىيئات ؼتتلفة وىذا ما سنتناولو بالتفصيل على النحو التايل‪:‬‬ ‫‪ - 1‬مبدأ الفصل بين السلطات عند (أفالطون ‪-:)Platoon‬‬

‫يعتارب أفالطااون‪ 3‬ماان الناحيااة التارخيياة أول ماان نااادى بفصاال السالطات وذلااك ماان خااالل توزيااع‬ ‫وظائف الدولة على ىيئات متعددة تتمثل يف‪:‬‬ ‫‪ -1‬غتلس سيادة يتكون من عشرة أعضاء يهيمن على ؼتتلف الشئون يف الدولة‪.‬‬ ‫‪ -2‬رتعيااة تضاام كبااار اضتكماااء واظتشاارعٌن‪ ،‬وتكااون مهمتهااا زتايااة الدسااتور ماان عبااث اضتكااام‪ ،‬واإلشاراف‬ ‫على سالمة تطبيقو‪.‬‬ ‫‪ -3‬غتلس شيوخ ينتخب من الشعب‪ ،‬وتكون مهمتو سن التشريعات الالزمة للدولة‪.4‬‬ ‫‪ -4‬ىيئة قضائية تتكون من عدة ػتاكم على درجات ؼتتلفة‪ ،‬ومهمتها الفصل يف اظتنازعات‪.‬‬ ‫‪ -5‬ىيئة للبوليس للمحافظة على األمن الداخلي للدولة‪.‬‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬توفيق شحاتة‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار النشر للجامعات اظتصرية‪1955 ،‬م‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬ػتسن خليل‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬ط (‪ )2‬منشأة اظتعارف سنة ‪1971‬م‪ ،‬ص ‪.250‬‬

‫‪ 3‬افالطون ‪ 427‬ق م – ‪ 347‬ق م ‪ :‬ىو فيلسوف يوناين ولد بأثينا وعاش فيها معظم حياتو وأسس فيها أكادديية لعلم‬ ‫الرياضيات و الفلسفة وقد كان تلميذاً لسقراط ‪ ،‬أنظر د ‪ .‬عبد اظتنعم اضتفين ‪ ،‬اظتوسوعة الفلسفية ‪ ،‬دار اظتعارف‬ ‫للطباعة و النشر ‪ ،‬تونس ‪ ،‬د ت ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬ػتمد كامل ليلة‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.551‬‬

‫‪8‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫‪ -6‬ىيئة للجيش للدفاع عن سالمة البالد من األخطار اليت هتددىا من اطتارج‪.1‬‬ ‫ومل يكتااف أفالطااون بتقساايم وظااائف الدولااة علااى النحااو ال اوارد أعاااله فحسااب باال أك اد علااى‬ ‫وجوب التعاون بٌن ىذه السلطات لتحقيق اعتدف الرئيس من الدولة وىو النفع العام‪.2‬‬ ‫والواضا ااخ أ ّن ىا ااذا التقسا اايم قا ااد تضا اامن الس ا الطات الا ااثالث يف الدولا ااة‪ -‬التنفيذيا ااة والتش ا اريعية‪،‬‬

‫والقضااائية‪ ،‬حيااث ديثاال الساالطة التش اريعية يف ىااذا التقساايم غتلااس الشاايوخ الااذي تنحصاار مهمتااو يف ساان‬ ‫القاوانٌن وىااي ماان أىاام اختصاصااات الساالطة التشاريعية يف النظااام الدسااتوري اضتااديث‪ ،‬بينمااا ديثاال الساالطة‬ ‫التنفيذية غتلس السيادة وىيئيت البوليس واصتايش حبياث تقاوم باادارة شائون الدولاة‪ ،‬وتقاوم اعتيئتاٌن األخًنتاٌن‬ ‫حبمايااة الدولااة ماان الااداخل واطتااارج‪ .‬وتعتاارب ىااذه اظتهااام ماان واجبااات واختصاصااات الساالطة التنفيذيااة يف‬ ‫النظااام الدسااتوري اظتعاصاار كمااا أ ّن اصتمعيااة الاايت أشااار إليهااا أفالطااون والاايت تضاام كبااار اضتكماااء واظتشاارعٌن‬ ‫واليت تستهدف زتاية الدستور تقارتب مان امكماة الدساتورية يف ىاذا العصار إذ أن امكماة الدساتورية ىاي‬

‫اظتختصااة حبمايااة الدسااتور واإلشاراف علااى سااالمة تطبيقااو خاصااة يف ظاال األخااذ بالنظااام الرئاسااي كمااا ىااو‬ ‫الشأن يف النظام الدستوري األمريكي‪.‬‬ ‫‪ -2‬مبدأ الفصل بين السلطات عند (أرسطو ‪-: )Aristotle‬‬ ‫استكماالً ظتا ذىب إليو أفالطون من ضرورة توزيع وظائف الدولة جااء أرساطو‪ 3‬وقسام وظاائف‬

‫الدولة إىل سلطات ثالث ىي‪:‬‬

‫اظتداولة أي‪-‬السلطة التشريعية‪ ،‬واألمر‪ -‬أي السلطة التنفيذية‪ ،‬والقضاء مؤمناً على أمهية التعاون‬

‫بااٌن ىااذه الس الطات لتحقيااق النفااع العااام‪ .4‬ويالحااأ أ ّن ىااذا التقساايم جاااء ؼتتلف ااً عمااا ساابقو ماان حيااث‬ ‫‪ 1‬اظترجع نفسو ص ‪.551‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬أزتد عبدالقادر اصتمال‪ ،‬النظم السياسية العامة يف ضوء االجتاىات اضتديثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.225‬‬

‫‪ 3‬أرسطو ىو ارسطو بن نيقوما غوس فيلسوف ومفكر يوناين ولد ببلدة سطاغًن مشايل اليونان ويف السابع عشر من عمره‬ ‫رحل إىل أثينا تلميذاً بأكادديية أفالطون ولفت نظر استاذه افالطون فلقبو بالعقل لشدة ذكاءه ‪ ،‬وىو يعترب من أعظم‬ ‫اظتفكرين الذين عرفتهم اإلنسانية يف كل العصور ) أنظر د ‪ .‬عبد اظتنعم اضتفين اظتوسوعة الفلسفية ‪،‬مرجع سابق ص‬ ‫‪.36‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬سعاد الشرقاوي‪ ،‬النظم السياسية يف العامل اظتعاصر‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار النهضة العربية القاىرة‪ ،‬سنة ‪1988‬م‪ ،‬ص ‪.130‬‬

‫‪01‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫مسااميات وظااائف الدولااة وعلااى وجااو التحديااد الساالطة التشاريعية والسالطة التنفيذيااة‪ .‬واللتااان جاءتااا حتاات‬ ‫مساامى اظتداولااة واألماار كمااا أنااو سااار علااى الاانهج السااائد يف الفقااو الدسااتوري فيمااا يتعلااق برتتيااب ىااذه‬ ‫السلطات والذي يبدأ عاد ًة بالسلطة التشريعية وينتهي بالسلطة القضائية‪.‬‬

‫‪ -3‬مبدأ الفصل بين السلطات عند (لوك ‪-:)Lock‬‬

‫إذا كان أفالطون ىاو أول مان ناادي بفصال السالطات يف العصاور القددياة فاا ّن جاون لاوك‪ 1‬ىاو‬

‫أول من أبرز أمهية مبدأ الفصل بٌن السلطات يف العصر اضتديث يف مؤلفو اضتكومة اظتدنية لسنة ‪1690‬م‪.‬‬ ‫وقد اختلف عن بقية الفالسفة واظتفكرين يف ىذا الشأن حيث إنو اقتصر يف تقسيمو لوظائف الدولة علاى‬ ‫السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ومل يدرج السلطة القضائية ضمن تقسيمو لوظائف الدولة‪ .‬مؤكداً على‬

‫ضاارورة الفصاال بااٌن الساالطة التشاريعية والسالطة التنفيذيااة فصاالً عضااوياً ووظيفيااً‪ .‬معلاالً ذلااك بااأ ّن طبيعااة‬

‫عمل السالطة التنفيذياة يتطلاب وجودىاا بصافة دائماة يف حاٌن أ ّن اضتاجاة لوجاود السالطة التشاريعية ليسات‬ ‫دائمة‪.2‬‬

‫‪ -4‬مبدأ الفصل بين السلطات عند (روسو ‪-:)Rousseau‬‬

‫لقد نادى جان جاك روسو‪ 3‬بضرورة تقسيم وظاائف الدولاة إىل سالطتٌن مها‪:‬السالطة التشاريعية‬

‫والس لطة التنفيذية‪ .‬وىو هبذا قد خالف الفالسفة واظتفكرين بتقسيمهم لوظائف الدولة إىل سلطات ثالث‬ ‫وىي السلطة التنفيذية والتشاريعية والقضاائية‪ .‬وقاد أ ّكاد علاى أمهياة الفصال باٌن السالطة التشاريعية والسالطة‬ ‫‪ 1‬لوك ‪ : 1704 – 1632‬ىو جون لوك فيلسوف اؾتليزي تعلم يف جامعة اكسفورد ‪ ،‬وحاضر هبا حجمل ذىب إىل فرنسا‬ ‫عام ‪ 1675‬م حيث التقى ىناك بقادة العلم و الفالسفة مث عاد إىل اكسفورد وأخذت شهرتو تزداد حجمل عرف يف أوربا‬ ‫كلها بأنو نصًن اضترية ‪ ،‬ومن أىم مؤلفاتو العقل البشري ورسائل يف التسامخ و الرتبية ‪ ،‬وخالصة فلسفتو أن اإلنسان‬ ‫يولد وعقلو على الفطرة ‪ ،‬أنظر د ‪ .‬عبد الوىاب الكيالين ‪ ،‬اظتوسوعة السياسية ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ط ‪ ، 5‬اظتؤسسة العربية‬ ‫للطباعة و النشر ‪1993‬م ‪ ،‬ص ‪. 2106‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬عبد الغين بسيوين‪ ،‬أسس التنظيم السياسي‪ ،‬الدولة واضتكومة‪ ،‬اضتقوق واضتريات‪ ،‬الدار اصتامعية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬سنة‬ ‫‪1975‬م ‪ ،‬ص ‪.254‬‬ ‫‪ 3‬روسو ‪ : 1778 – 1762‬وىو جان جاك روسو فيلسوف فرنسي ولد جبنيف وكان لو أثر يف ؼتتلف غتاالت الفكر‬ ‫سياسية وأدبية وتربوية ‪ ،‬وغتمل مذىبو السياسي أن اإلنسان الطبيعي ال ىو باطتًن و ال بالشرير ‪ ،‬أنظر د ‪ .‬عبد‬ ‫الوىاب الكيالين ‪ ،‬اظترجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 2001‬‬

‫‪00‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫التنفيذياة نظاراً الخااتالف طبيعاة عمال كاال منهاا‪ .‬وظتاا كاناات السايادة عناده ترتكااز يف السالطة التشاريعية الاايت‬ ‫دتثل الشعب فقد أعطاىا اظتركز اظتمتاز بٌن السلطات العامة يف الدولة أما السلطة التنفيذية فًنى أهنا عبارة‬ ‫عاان وساايا بااٌن األف اراد والساالطة التش اريعية فهااي ليساات مسااتقلة دتااام االسااتقالل‪ ،‬وإ ااا ىااي مندوبااة عاان‬ ‫الشعب‪ ،‬وتابعة لو لاذلك فاان لاو حاق مراجعتهاا‪ ،‬وإقالتهاا إذا اقتضات األماور ذلاك‪ .‬وقاد اعتارب روساو أ ّن‬ ‫السالطة القضااائية جاازء ال يتجازأ عاان الساالطة التنفيذيااة لااذلك مل يعاادىا ماان السالطات العامااة يف الدولااة‪.1‬‬ ‫ويتفق ىذا الرأي مع النظام اإلسالمي الذي جيعل القضاء مان اختصااص رئايس الدولاة ويف ىاذا يقاول ابان‬ ‫خلدون يف مقدمتو‪ :‬وأما القضاء فهو من الوظائف الداخلة حتت اطتالفة ألنو منصاب الفصال باٌن النااس‬ ‫يف اطتصومات حسماً للتداعي وقطعاً للنزاع‪ ،‬فكاان باذلك مان وظاائف اطتالفاة ومنادرج حتتهاا‪ ،‬وقاد باشاره‬

‫النيب ‪ ‬نفسو فكان ىو القاضي األعلى للمسلمٌن وكان اطتلفاء من بعده يباشرونو بأنفساهم إال أ ّن ثقال‬ ‫اظتساائوليات وكثاارة الواجبااات اقتضاات أن يسااتنيبوا ماان يق اوم هبااذا فقااد وىل ساايدنا عماار باان اطتطاااب (‪)‬‬

‫شرحياً ‪ 2‬قضاء البصرة‬

‫‪3‬‬

‫‪ -5‬مبدأ الفصل بين السلطات عند (مونتسيكيو ‪-:)Montesquieu‬‬ ‫سار مونتسيكيو‪ 4‬على هناج مان سابقوه مان الفالسافة‪ ،‬واظتفكارين‪ ،‬يف تقسايمهم لوظاائف الدولاة‬ ‫حيث ؾتد أنو قد أرجع خصائص السيادة اظتتمثلة يف التشريع والتنفياذ والقضااء إىل ثاالث سالطات متميازة‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬أزتد عبدالقادر اصتمال‪ ،‬النظم السياسية مرجع سابق ص ‪.226‬‬ ‫‪ 2‬شريخ ىو ‪ :‬أبو أمية شريخ بن اضتارث بن قيس بن اصتهم بن معاوية الكندي كان من كبار التابعٌن وأدرك اصتاىلية‬ ‫استقضاه عمر بن اطتطاب رضي اهلل عنو على الكوفة فأقام فيها سبعٌن سنة مل يتعطل فيها إال ثالثة سنٌن امتنع فيها‬ ‫من القضاء يف فتنة الزبًن ‪ ،‬واستعفى اضتجاج من القضاء فأعفاه ‪ ،‬وكان أعلم الناس بالقضاء ‪ ،‬ذا فطنة وذكاء ومعرفة‬ ‫وعقل ورصانة وكان شاعراً ػتسناً ‪ ،‬أنظر بن خلكان ‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬دار صادر بًنوت ‪،‬‬ ‫سنة ‪ ، 681‬ص ‪.460‬‬ ‫‪ 3‬ابن خلدون‪ ،‬اظتقدمة‪ ،‬ج‪ ،1‬من كتاب ديوان اظتبتدأ واطترب يف أيام العرب والعجم والرببر‪ ،‬حتقيق األستاذ‪ /‬ػتمد حجر‪،‬‬ ‫مكتبة اظتاليٌن‪ ،‬بًنوت‪ ،‬بدون‪ ،‬ص ‪.148‬‬ ‫‪ 4‬مونتسيكيو ‪ : 1755 – 1689‬ىو شارلس لويس دي سيكوندا فرنسي من أتباع لوك وأكرب دعاة اضترية و التسامخ و‬ ‫االع تدال و اضتكومة الدستورية يف بلده وىي األفكار اليت زتلت دعوهتا اؾتلرتا ونقلها مونتيسكيو إىل فرنسا وقد كان‬ ‫من أشهر أعداء اضتكم االستبدادي ‪ ،‬ومن مؤلفاتو روح القوانٌن وتأمالت يف أسباب عظمة الرومان وسقوطهم ‪ ،‬أنظر‬ ‫د ‪ .‬عبد القادر اضتفين اظتوسوعة الفلسفية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 476‬‬

‫‪01‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫عاان بعضااها الاابعض تتمثاال فيالساالطة التش اريعية والسالطة اظتنفااذة للقااانون العااام – أي الساالطة التنفيذيااة ‪-‬‬ ‫والس الطة اظتنفااذة للقااانون اطتاااص – أي الساالطة القضااائية‪ ،‬ولعاال مااا أنفاارد بااو مونتساايكيو عاان غااًنه ماان‬ ‫الفالسفة واظتفكرين الغربيٌن ىو تقدديو ظتبدأ الفصل من السلطات بصورة متكاملة وواضحة مل يسبقو إليها‬ ‫أحد ؽتن تناولوا ىذا اظتبدأ‪ ،‬لذلك فقد اقرتن باشتو يف الفقو الدستوري‪ ،‬حيث إنو مل يكتف باظتناداة بفصل‬ ‫السلطات فحسب بل أوجب ضرورة مراقبة كل سلطة من ىذه السالطات لاخارى لوقفهاا عناد حادىا إذا‬ ‫جتاوزت اختصاصها‪.1‬‬ ‫كما أنو حدد الغايات الايت ديكان أن تتحقاق عناد األخاذ مببادأ الفصال باٌن السالطات يف النظاام‬ ‫الدسااتوري‪ .‬وقااد ترتااب علااى كتابتااو يف ىااذا الصاادد أن اسااتخدم مباادأ الفصاال بااٌن السالطات كسااالح ماان‬ ‫أسلحة الكفاح ضد اضتكومات اظتطلقة‪ ،‬اليت كانت تعمل على تركيز رتيع السالطات يف يادىا ووسايلة مان‬ ‫وسااائل الااتخلص منهااا‪ .2‬وىااذا مااا جعاال رجااال الثااورة الفرنسااية ينصااون عليااو يف إعااالن حقااوق اإلنسااان‬ ‫واظتواطن والذي جاء فيو ما يلي إن كل رتاعة سياسية ال تضمن حقاوق األفاراد وال تفصال باٌن السالطات‬ ‫ال دستور عتا ‪ .3‬غًن أ ّن بعض فقهاء القانون الدستوري يرون أ ّن فكارة (مونتسايكيو) كانات غامضاة فيماا‬ ‫خيااص اضتااال الااذي جيااب أن يكااون عليااو الفصاال بااٌن الساالطة التش اريعية والس الطة التنفيذيااة فهاال جيااب أن‬

‫يكون الفصل بينهما حاشتاً وقاطعاً حبيث تتمركز كل سلطة يف وظيفة معينة أم أ ّن األمر يتعلق بفصل مرن‬ ‫يسمخ عتما بالتعاون‪.4‬‬

‫وقد أدى ىذا الغموض إىل اختالف الفقهااء حاول مادلول مبادأ الفصال باٌن السالطات حياث‬ ‫فه اام ش اراح الفق ااو الدس ااتوري األمريك ااي عل ااى أن ااو فص االً حاشت ااً وقاطع ااً ال يس اامخ بالتع اااون ب ااٌن الس االطة‬

‫التشريعية والسلطة التنفيذية وعلى ىذا األساس وضع الدستور األمريكي‪ .‬بينما فهم رجال الفقو الدستوري‬ ‫اإلؾتلياازي بأنااو مباادأ ماارن يساامخ بالتعاااون بااٌن الساالطة التشاريعية والسالطة التنفيذيااة وبناااءًاً علااى ذلااك قااام‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬ػتمد كامل ليلة النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 559‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬نعمان أزتد اطتطيب‪ ،‬األحزاب السياسية ودورىا يف أنظمة اضتكم اظتعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.228‬‬ ‫‪ 3‬اظتادة (‪ )6‬من إعالن حقوق اإلنسان واظتواطن الفرنسي‪ ،‬الصادر سنة ‪.1789‬‬ ‫‪ 4‬أندريو ىوريو القانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.209‬‬

‫‪02‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫النظام الدستوري يف بالدىم‪ .1‬ويف غتال القاانون اإلداري فاا ّن الفهام اظتختلاف ظتبادأ الفصال باٌن السالطات‬ ‫قااد أدى إىل إنشاااء قضاااء إداري مسااتقل يف فرنسااا عاارف باساام القضاااء اظتاازدوج وىااو القضاااء الااذي يتااوىل‬

‫مهمة الفصل يف اظتنازعات اإلدارية ‪ .2‬وأن يقوم نظام قضاء موحداً للنظر يف كل القضايا يف بريطانيا عرف‬

‫باس اام القض اااء الع ااادي ال ااذي يت ااوىل مهم ااة الفص اال يف اظتنازع ااات ال اايت تنش ااأ ب ااٌن األفا اراد أو بي اانهم وب ااٌن‬

‫اإلدارة ‪.3‬‬ ‫واساتناداً علااى اخااتالف الفقهاااء حااول ماادلول مباادأ الفصاال بااٌن الس الطات أ تصاانيف األنظمااة‬

‫السياسااية فحيااث يقااوم النظااام علااى روح التعاااون بااٌن الساالطة التشاريعية والس الطة التنفيذيااة فنكااون بصاادد‬ ‫نظام برظتاين وإذا كان النظام يقوم على الفصل التام بٌن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية فنكون بصدد‬ ‫نظام رئاسي‪ ،‬أما إذا كان النظاام يقاوم علاى رجحاان كفاة السالطة التشاريعية علاى السالطة التنفيذياة فنكاون‬ ‫بصدد نظام حكومة اصتمعية أو النظام اجمللسي‪. 4‬‬ ‫وخنل ااص ؽت ااا تق اادم إىل أ ّن رتي ااع الفالس اافة واظتفكا ارين الغ اربيٌن ق ااد أرتعا اوا عل ااى ض اارورة تقس اايم‬

‫وظائف الدولة‪ -‬التشريعية – والتنفيذية‪ -‬والقضائية‪ ،‬على سلطات ؼتتلفة ومستقلة عن بعضها‪ ،‬اساتقالالً‬ ‫وظيفياً وعضوياً تتمثل يف السلطة التشريعية‪ ،‬والتنفيذية‪ ،‬والقضائية حبيث تراقب كل سلطة األخرى‪ ،‬وذلك‬ ‫ضماناً ضتماية حقوق األفراد وحرياهتم‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مبررات وانتقادات مبدأ الفصل بين السلطات‬ ‫الناااظر يف مصااادر القااانون الدسااتوري جيااد أن ظتباادأ الفصاال بااٌن الس الطات يف الفكاار الغااريب ماان‬ ‫اظتربرات ما يؤكد أمهية األخذ بو يف الدسااتًن اظتعاصارة‪ ،‬إال أ ّن ىاذا مل ديناع بعاض فقهااء القاانون الدساتوري‬ ‫‪1‬‬

‫اظتعجم الدستوري‪ ،‬تررتة منصور القاضي‪ ،‬ط (‪ ،)1‬اظتؤسسة اصتامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان ‪1996‬م‪ ،‬ص‬

‫‪.1197‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬سليمان ػتمد الطماوي‪ ،‬الوجيز يف القضاء اإلداري‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاىرة‪1974 ،‬م‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫‪ 3‬د‪ .‬ػتمود حافأ‪ ،‬القضاء اإلداري يف األردن‪ ،‬ط‪،1‬منشورات اصتامعة األردنية‪ ،‬سنة ‪1987‬م‪ ،‬ص ‪22‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬فيصل شطناوي‪ ،‬القانون الدستوري‪،‬والنظم السياسية‪ ،‬ط‪،1‬اضتامد للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬سنة ‪2003‬م‪ ،‬ص‬ ‫‪.199‬‬

‫‪03‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫م اان توجي ااو بع ااض االنتق ااادات عت ااذا اظتب اادأ‪ ،‬ويف ى ااذا اظتبح ااث س اانتناول م ااربرات وانتق ااادات مب اادأ الفص اال‬ ‫السلطات وذلك يف مطلبٌن‪.‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬مبررات مبدأ الفصل بين السلطات‬ ‫تب ااٌن ؽت ااا س اابق أن الفالس اافة واظتفكا ارين الغا اربيٌن ق ااد أرتعا اوا عل ااى ض اارورة الفص اال ب ااٌن الس االطة‬ ‫التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ ،‬حياث مل تكان دعاوهتم لفصال السالطات العاماة يف الدولاة مان بااب الارتف‬ ‫الفكاري‪ ،‬ألن الاذي يطاالع مصااادر الفقاو الدساتوري الايت تناولاات مبادأ الفصال باٌن السالطات جياد أهناا قااد‬ ‫تضمنت غتموعة من اظتربرات أو اظتزايا لتأكيد أمهية ىذا اظتبدأ‪ ،‬وضرورة األخذ بو يف النظام الدستوري عليو‬ ‫سنتناول ىذه اظتربرات وفقاً لرتتيبها اظتتبع يف الفقو الدستوري على النحو التايل‪:‬‬

‫‪ - 1‬صيانة الحرية ومنع االستبداد‪:‬‬

‫يقوم مبدأ الفصل بٌن السلطات مان أجال كفالاة اضترياات‪ ،‬وصاوهنا مان االعتاداء‪ .‬ووسايلة مهماة‬ ‫ظتنااع االسااتبداد‪ 1‬حيااث إنااو ال توجااد اضتريااة إال إذا مل يسااأ اسااتعمال الساالطة ولاان يتحقااق ذلااك إال بفصاال‬ ‫السالطات‪ ،‬فاااذا اجتمعاات الساالطة التشاريعية مااع الساالطة التنفيذيااة زالاات اضتريااة‪ .‬إذ خيشااى أن يساان اظتلااك‬ ‫ق اوانٌن جااائرة لكااي ينفااذىا بصااورة جااائرة وياازول كاال شا ٍ‬ ‫ايء إذا مااارس اإلنسااان الواحااد أو غتلااس األعيااان‬ ‫الواح ااد أو الش ااعب ذات ااو ى ااذه الس االطة‪ .2‬ويف ى ااذا يق ااول مونتس اايكيو‪ :‬إهن ااا جترب ااة خال اادة أن ك اال إنس ااان‬ ‫يتولىالسلطة ػتمول على إساءة استعماعتا‪ ،‬وسيتمادى حجمل جيد حداً يقف عنده إذ أ ّن الفضيلة ذاهتا حتتاج‬ ‫إىل حدود ألن السلطة اظتطلقة مفسدة مطلقة‪ ،‬فالسلطة عتا نشوة تعبث بالرؤوس كنشوة اطتمر‪.3‬‬ ‫وقد أدرك ىذا اظتعىن شاعر العربية األكرب اظتتنبئ بقولو‪:‬‬ ‫والظلم من شيم النفوس ** فان جتد ذا عفة فلعلو ال يظلم‬ ‫‪1‬‬

‫‪4‬‬

‫أندريو ىوريو القانون الدستوري‪ ،‬القانوين الدستوري واظتؤسسات العامة‪ ،‬ج ‪ ،1‬تررتة شفيق زتاد وآخرين‪ ،‬األىلية‬ ‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بًنوت سنة ‪1974‬م‪ ،‬ص ‪.209‬‬

‫‪ 2‬د‪ .‬سليمان ػتمد الطماوي‪،‬السلطات الثالث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.335‬‬ ‫‪ 3‬د‪ .‬ػتسن خليل‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .249‬وأنظر د‪ .‬سليمان ػتمد الطماوي‪،‬‬ ‫السلطات الثالث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.336‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬علي القاشتي‪ ،‬معجم االستشهادات‪ ،‬ط (‪ ،)1‬مكتبة لبنان‪ ،‬سنة ‪2001‬م‪ ،‬ص ‪.354‬‬

‫‪04‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫ضانَا ْاألَماناَةَ علَاى َّ ِ‬ ‫ض و ِْ ِ‬ ‫ٌن‬ ‫فهذا البيت ينسجم مع قولو تعاىل‪ :‬إِنَّا َعَر ْ َ َ‬ ‫اصتبَاال فَاأَباَ ْ َ‬ ‫الس َام َاوات َو ْاأل َْر ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْن َْحي ِم ْلنَا َهااا َوأَ ْشا َف ْق َن ِمْنا َهااا َو َزتَلَ َهااا ِْ‬ ‫ومااا َج ُهااوال‪( ‬األحازاب اآليااة ‪ .)22‬وللوصااول إىل‬ ‫اإلنْ َسااا ُن إناَّاوُ َكااا َن ظَلُ ً‬ ‫عدم إساءة السلطة جيب أن يكون النظام قائماً على أساس أن السلطة حتد من السلطة‪. 1‬‬ ‫‪ -2‬تحقيق الدولة القانونية‪:‬‬ ‫عرفاات الدولااة القانونيااة بأهنااا‪ :‬الدولااة الاايت تتقيااد يف رتيااع مظاااىر نشاااطها بقواعااد قانونيااة تعلااو‬

‫عليها وتكون بذاهتا ضابطاً ألعماعتا وتصرفاهتا يف أشكاعتا اظتختلفة ‪ .2‬والدولة القانونية هبذا اظتعىن ال ديكن‬ ‫قيامها إال يف ظل األخذ مببادأ الفصال باٌن السالطات ألناو يعتارب الضامانة األساساية لقيامهاا‪ .3‬وبياان ذلاك‬

‫أ ّن ىااذا اظتباادأ قااد كفاال عاادم اصتمااع بااٌن ساالطيت التش اريع‪ ،‬والتنفيااذ يف ىيئااة واحاادة ليؤكااد بااذلك الفصاال‬ ‫بينالسلطة اليت تسن القوانٌن‪ ،‬والس لطة اليت تتويل تنفيذىا وينتج عان ىاذا الفصال دتتاع القاوانٌن الايت تصادر‬

‫عنالساالطة التش اريعية بصاافيت العموميااة والتجريااد ؽتااا يااوفر عتااا االح ارتام ماان رتيااع اعتيئااات ويكفاال تطبيقهااا‬ ‫تطبيقااً عااادالً علااى رتيااع األفاراد‪ .4‬أمااا إذا اجتمعاات سالطة التشاريع وسالطة التنفيااذ يف ىيئااة واحاادة ألدى‬ ‫ذلااك إىل أن يكااون منفااذ القااانون ذاتااو ىااو الااذي قااام بساانو ويرتتااب علااى ذلااك فقاادان القااانون لعموميتااو‬

‫وحيدتو وخضوعو ألىواء‪ ،‬وميول تلك السلطة فينقلب باذلك إىل قاانون جاائر‪ .‬وتتحقاق النتيجاة ذاهتاا يف‬ ‫حالاة اجتمااع السالطة التشاريعية والسا لطة القضاائية يف ىيئااة واحادة فتضايع صافة العمومياة الايت يتصاف هبااا‬ ‫القانون ويتحول إىل أداة لتنفيذ األغراض‪ ،‬واظتآرب الشخصية‪ ،‬ومن ناحية أخرى تنتفي رقابة القاضي على‬

‫عدالة ومشروعية التنفيذ ألنو سيكون القاضي واظتنفذ يف ذات الوقت‪. 5‬‬

‫كمااا أن اجتماااع كاال السالطات يف ىيئااة واحاادة يرتتااب عليااو أن ال يكااون ىنالااك الت ازام بقواعااد‬ ‫الدستور وال ضمان ظتراعاة اظتساواة بٌن األفراد‪ ،‬واحرتام حقوقهم وحرياهتم‪ .6‬ومن ىنا تتجلاى أمهياة الفصال‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬سليمان ػتمد الطماوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.336‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬أزتد فتحي سرور ‪ ،‬اضتماية الدستورية للحقوق واضتريات‪ ،‬ط(‪ ،)1‬دار الشروق سنة ‪2000‬م‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪ 3‬د‪ .‬ػتمود حلمي‪ ،‬نظام اضتكم يف اإلسالم مقارنة بالنظم اظتعاصرة‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاىرة سنة ‪1992‬م‪،‬‬ ‫ص ‪.352‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬عبد الغين بسيوين‪،‬أسس التنظيم السياسي‪ ،‬الدولة واضتكومة اضتقوق واضتريات‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.259‬‬ ‫‪ 5‬اظترجع نفسو‪ ،‬ص ‪.260‬‬ ‫‪ 6‬د‪ .‬سليمان ػتمد الطماوي‪ ،‬السلطات الثالث‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.336‬‬

‫‪05‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫بٌن السلطات من أجل االلتزام بالقواعاد الدساتورية وعادم انتهااك اضتقاوق واضترياات لافاراد واصتماعاات يف‬ ‫إطار الدولة القانونية‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقسيم العمل وإتقانو‪:‬‬ ‫يااؤدي مباادأ الفصاال بااٌن السا لطات إىل توزيااع وظااائف الدولااة التشاريعية والتنفيذيااة والقضااائية إىل‬ ‫س ا لطات ث ااالث‪ ،‬فتم ااارس األوىل مهم ااة التش اريع‪ ،‬ودت ااارس الثاني ااة مهم ااة التنفي ااذ‪ ،‬والثالث ااة مهم ااة القض اااء‪،‬‬ ‫وتقسيم وظائف الدولة على ىذا النحو يؤدي إىل ختصيص كل سلطة من ىذه السلطات إىل القيام باظتهام‬ ‫اظتوكولاة إليهاا‪ ،‬األمار الاذي ياؤدي إىل إجاادة كال سالطة لعملهاا وإتقاناو علاى وج ٍاو حيقاق يف النهاياة حساان‬ ‫سًن العمل يف كل اجملاالت يف الدولة ‪ ،1‬غًن أ ّن السؤال الذي يطرح نفساو ىال ىاذه اظتاربرات الايت صايغت‬ ‫من أجل تقرير مبدأ الفصل بٌن السلطات واألخذ بو يف النظم الدساتورية واحرتاماو‪ ،‬تكمان يف الانص علياو‬ ‫فقا يف الدسااتًن‪ ،‬أم أهناا تارتبا بضارورة تطبيقاو مان الناحياة العملياة‪ .‬إذ أناو مان اظتعاروف أ ّن مبادأ الفصال‬ ‫بٌن السلطات يعد واحداً من أىم اظتبادئ الدستورية العامة لانظمة الدديقراطية‪ ،‬فالسياق التأرخيي لنشأتو‬ ‫يؤكد أنو استعمل كسالح من أسلحة الكفاح ضد السلطة اظتطلقة وتركيزىا يف أيدي اظتلوك واضتكام‪ .‬وعلى‬ ‫ىااذا فااال ديكاان أن تظهاار نتااائج ىااذا اظتباادأ بصااورة واضااحة إال يف ظاال األنظمااة الدديقراطياة الاايت تقااوم علااى‬ ‫اح ارتام مباادأ اسااتقالل الس ا لطات‪ .‬أمااا يف األنظمااة غااًن الدديقراطيااة وإن كااان نظامهااا الدسااتوري يعتنااق يف‬ ‫الغالااب مباادأ الفصاال بااٌن السالطات ولكاان ماان خااالل ؽتارسااتها العمليااة ألداء وظائفهااا جتاادىا تبتعااد عاان‬ ‫احارتام مباادأ اسااتقالل السالطات وتنتفااي عندئااذ الرقابااة اضتقيقيااة بااٌن الس الطات ويرتتااب علااى ذلااك إىاادار‬ ‫حقوق األفراد وحرياهتم وعليو فال معين للفصل الصوري الذي يقوم عليها النظام الدستوري يف تلك الدول‬ ‫حيث يتعذر أن يؤدي مبدأ الفصل بٌن السلطات إىل صيانة اضتريات وكفالة حقوق األفاراد وحتقياق الدولاة‬ ‫القانونية طاظتا أن السلطة ال حترتم النصوص الدساتورية ومان ىناا تظهار أمهياة الاتالزم باٌن النظاام الادديقراطي‬ ‫ومبدأ الفصل بٌن الس لطات لكي تتحقق األىداف اليت ابتدع من أجلها ىذا اظتبدأ يف الفقو الدستوري‪.‬‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬يس عمر يوسف‪ ،‬النظم الس ياسية والقانون الدستوري ونظام اضتكم يف اإلسالم‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة سنة‬ ‫‪2006‬م‪ ،‬ص ‪ ،189‬ود‪ .‬مصطفى حلمي‪ ،‬نظام اضتكم يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.352‬‬

‫‪06‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االنتقادات الموجهة لمبدأ الفصل بين السلطات‬ ‫إذا كااان مباادأ الفصاال بااٌن السالطات يهاادف إىل منااع االسااتبداد وصاايانة حريااات األفاراد والعماال‬ ‫علااى حتقيااق شاارعية الدولااة فض االً عاان إتقااان الدولااة لوظائفهااا إال أ ّن بعااض الفقهاااء مل يساالموا هبااذا اظتباادأ‬ ‫حيث وجهوا إليو العديد من االنتقادات واليت ديكن إرتاعتا فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬تعترب السلطات الثالث يف الدولة مبثابة أعضاء جسد الدولة وتاؤدي وظائفهاا بصاورة متكاملاة ومان مث‬ ‫ال ديكن الفصل بينها‪.‬‬ ‫‪ -2‬تعدد الس لطات يف الدولة مع استقالعتا يؤدي إىل توزيع اظتسئولية وتشتيتها يف بعض األحيان أما تركيز‬ ‫السلطات فيؤدي إىل حصر اظتسئولية وحتديدىا‪.‬‬ ‫‪ -3‬يستهدف مبدأ الفصل بٌن السلطات أ ّن تكون كل سلطة على قدم اظتساواة معالسلطة األخارى‪ ،‬غاًن‬ ‫أ ّن اظتالح ااأ عم االً طغي ااان اح اادى الس الطات عل ااى األخ اارى حي ااث ديي اال اظتي ازان إىل جان ااب الس االطة‬ ‫التشريعية يف النظام الربظتاين وإىل جانب السلطة التنفيذية يف النظام الرئاسي‪.1‬‬

‫‪ -4‬إ ّن النظم اليت حاولت أن تأخاذ مببادأ الفصال التاام باٌن السالطات قاد واجهات صاعوبات عملياة أدت‬ ‫إىل اهنيار النظام‪ .‬ويف أحيان أخارى اضاطرت إيل إقاماة ناوع مان التعااون بينهاا للتغلاب علاى مشااكل‬

‫الفصل كما ىو اضتال يف الواليات اظتتحدة األمريكية‪. 2‬‬ ‫‪ – 5‬إ ّن مبدأ الفصل بٌن السلطات قد أصبخ غًن ذي جدوى حيث كان الغرض من تقريره يف أول األمر‬ ‫ىو انتزاع السلطة التشريعية من يد اظتلوك واضتد من سلطاهنم اظتطلاق‪ ،‬أماا وقاد حتقاق ىاذا الغارض فاا ّن‬ ‫مبدأ الفصل بٌن السلطات يف الوقت الراىن يكون غًن ذي جدوى أو فائدة‪.3‬‬ ‫ويباادو أ ّن سااوء فهاام مباادأ الفصاال بااٌن السالطات واعتباااره فصاالً مطلقااً كااان لااو األثاار اظتباشاار يف‬

‫توجيو ىذه االنتقادات اليت ال أثر عتا يف أرض الواقع إذ أ ّن غالبية النظم السياسية أخذت مببدأ الفصل بٌن‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬ػتمود حلمي‪ ،‬نظام اضتكم اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .352‬و د‪ .‬سليمان الطماوي السلطات الثالثة‪ ،‬مرجع‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪.336‬‬ ‫‪ 2‬اظترجع نفسو‪ ،‬ص ‪.336‬‬ ‫‪ 3‬د‪ .‬يس عمر يوسف‪،‬النظم السياسية والقانون الدستوري ونظام اضتكم يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 189‬‬

‫‪07‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫السلطات كما قامت عليو أيضااً الدسااتًن اظتعاصارة‪ .‬فهاذه االنتقاادات ال تقلال مان أمهياة مبادأ الفصال باٌن‬ ‫السالطات الاذي يعتارب مان أىام اظتباادئ الدديقراطياة الايت حقاق األخاذ هباا ‪ ،‬وتطبيقهاا يف الدسااتًن اظتعاصاارة‬ ‫العديااد ماان األىااداف و الغايااات الاايت تسااعى إليهااا األنظمااة الدديقراطيااة ‪ ،‬مثاال صاايانة اضتقااوق و اضتريااات‬ ‫الفردية وتبادل الرقابة بٌن الس لطات الثالث التشريعية ‪ ،‬التنفيذية ‪ ،‬القضائية اليت ال تتحقق إال مان خاالل‬ ‫األخذ هبذا اظتبدأ ‪.‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مبدأ الفصل بين السلطات في النظام اإلسالمي‬ ‫إ ّن مبادأ الفصال بااٌن السالطات ماان حياث نشااأتو وتطاوره يف الفقااو الدساتوري يعتاارب ولياداً للفكاار‬

‫الغريب وجتربتو يف غتال اضتكم عليو فان الفكر اإلسالمي مل يعرف ىذا اظتبدأ بتلك التسمية‪ ،‬أما من حياث‬ ‫اظتضمون والغاية اليت يهدف إىل حتقيقهاا مبادأ الفصال باٌن السالطات واظتتمثلاة يف مناع االساتبداد والطغياان‬ ‫وصايانة اضتقااوق واضترياات الفرديااة وشارعية الدولااة فااا ّن الفكار اإلسااالمي قاد ساابق الفكار الغااريب إىل حتقيااق‬ ‫ىااذه الغايااات باشااتمالو علااى مبااادئ دسااتورية كااربى ملزمااة للحاااكم متمثلااة يف العدالااة واظتساااواة واضتريااة‬

‫‪1‬‬

‫وسنتناوعتا يف اظتطالب التالية‪.‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬مبدأ العدالة في النظام اإلسالمي‬

‫عرفاات العدالااة بأهنااا‪ :‬االعتاادال والثبااات علااى اضتااق ‪ .2‬وىااي ماان أىاام اظتبااادئ الاايت يقااوم عليهااا‬

‫نظااام اضتكاام يف اإلسااالم ألهنااا مطلااب الناااس رتيع ااً وأساااس كاال حكاام صاااو‪ ،‬والغايااة األوىل لكاال نظااام‬

‫سياسي‪ ،‬فقد جعل اهلل سبحانو وتعاىل العدل والقساا يف معنااه أعارف اظتعاروف‪ ،‬فهاو أسااس كال ماا قارره‬ ‫الشارع اضتكيم من مبادئ كلية وقواعد عامة يف شرعو اضتكيم‪ ،‬فعلى أسااس العادل تساتقيم للنااس دنيااىم‬

‫وأخراىم‪ .3‬ولقد عىن القرآن الكرمي بالتأكيد على مبدأ العدل بٌن النااس رتيعااً يف مكيّاو ومدنيّاو‪ ،‬فقاد أمار‬ ‫بو عاماً وخاصااً‪ ،‬وماع مان حتمال إلايهم اضتاب‪ ،‬ومان حتمال إلايهم الشانئان‪ ،‬ويف السالم واضتارب ويف األقاوال‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬ػتمد اجملذوب‪ ،‬القانون الدستوري والنظام السياسي يف لبنان‪ ،‬وأىم النظريات السياسية يف العامل‪ ،‬ط ‪ ،3‬منشورات‬ ‫اضتليب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سنة ‪2004‬م ص ‪.105‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬حسن بشًن مشوط‪ ،‬العدالة القضائية‪ ،‬دار النفائس للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪ 3‬د‪ .‬فريد عبد اطتالق‪ ،‬يف الفقو السياسي اإلسالمي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاىرة‪ ،‬سنة ‪1992‬م‪ ،‬ص ‪.227‬‬

‫‪08‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫واألفعااال‪ ،‬ومااع الاانفس والغااًن‪ ،‬حيااث وردت مااادة عاادل يف القاارآن الكاارمي ذتااان وعشارين ماارة فعاالً ومصاادراً‬ ‫مرادفها القسا‪ ،‬كما حتدث القرآن عن نقيضو وىو الظلم مبيناً أنواعو وجزائو يف الدنيا واآلخرة ففي مائتٌن‬ ‫وذتانٌن آية من القرآن الكرمي جاءت مادة الظلم‪.1‬‬

‫فالعدل من صفات اهلل تعاىل ولذلك فقد أمر بو يف كل شأن من شئون اضتياة وجعلو الغاية اليت‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اوم‬ ‫ااب َوالْميا َازا َن ليَا ُقا َ‬ ‫أرساال الرساال لتحقيقهااا فقااال تعاااىل‪ :‬لَ َق ا ْد أ َْر َس ا ْلنَا ُر ُس الَنَا بالْبَايانَااات َوأَنْاَزلْنَااا َم َع ُها ُام الْكتَا َ‬ ‫اضت ِديد فِ ِيو باأْس ش ِادي ٌد ومناافِع لِلنَّ ِ ِ‬ ‫الن ِ ِ ِ‬ ‫صارهُ ور ُسالَوُ بِالْغَْي ِ‬ ‫اب إِ َّن اللَّاوَ‬ ‫َّاس بالْق ْسا َوأَنْاَزلْنَا َْ َ َ ٌ َ َ َ َ ُ‬ ‫ااس َولايَا ْعلَ َم اللَّاوُ َم ْان ياَْن ُ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي َع ِز ٌيز‪ ( ‬اضتديد اآلية ‪ . ) 25‬وبالعدل قامت عليو السموات واألرض فادل ذلاك علاى أناو نظاام اهلل‬ ‫قَ ِو ٌّ‬ ‫وشاارعو‪ .2‬فالعاادل يتعااٌن ماان اظتنظااور اإلسااالمي بتقييااد الساالطة اضتاكمااة بأحكااام الشاارع ومقاصااده وماان‬ ‫النص ااوص ال اايت تؤكا اد واج ااب القي ااادة يف دتث اال الع اادل والقس ااا‪ 3‬قول ااو تع اااىل‪ :‬إِ َّن اللَّااوَ ياَ اأْ ُمُرُك ْم أَ ْن تاُ ا َاؤدوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌن الن ِ‬ ‫َّاس أَ ْن َْحت ُك ُموا بِالْ َع ْد ِل‪ ( ‬النساء اآلية ‪ ) 58‬فهذه اآلية الكردية‬ ‫ْاأل َ​َمانَات إِ َىل أ َْىل َها َوإِ َذا َح َك ْمتُ ْم باَ ْ َ‬ ‫تتضمن ‪ -‬خطاباً إىل اضتكام رتيعاً يف أي موقع من مواقع اضتكم يف الدولة سواء‪ ،‬يف السلطة التنفيذياة أو‬

‫السالطة التشاريعية أو السالطة القضااائية تاأمرىم أن حيكماوا بالعادل‪ .4‬فاضتاااكم يف النظاام اإلساالمي مااأجور‬ ‫على إقامة العدل باٌن الرعياة حياث يقاول ‪( : ‬سابعة يظلهام اهلل يف ظلاو ياوم ال ظال إال ظلاو إماام عاادل‪،‬‬ ‫وشاااب نشااأ يف عبااادة اهلل‪ ،‬ورجاال قلبااو معلااق باظتساااجد ورجااالن حتابااا يف اهلل اجتماعااا عليااو وتفرقااا‪ ،‬ورجاال‬ ‫دعتو امرأة ذات منصب ورتال فقال عتا إين أخاف اهلل‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاىا حجمل ال تعلم مشالو‬

‫ما تنفق ديينو ورجال ذكار اهلل خاليااً ففاضات عينااه)‪ .5‬كماا أ ّن اإلماام العاادل مان الاذين تساتجاب دعاوهتم‬ ‫‪ 1‬سعدي أوجيب‪ ،‬الوجيز يف اظتبادئ السياسية يف اإلسالم ط (‪ ،)1‬مطبعة ابن البلد‪ ،‬جدة سنة ‪1962‬م‪ ،‬ص ‪.10‬‬ ‫‪ 2‬ابن القيم اصتوزية‪ ،‬الطرق اضتكمية يف السياسة الشرعية‪ ،‬تقدمي د‪ .‬ػتمد ػتي الدين عبداضتميد‪ ،‬مراجعة‪ :‬أزتد عبداضتكيم‬ ‫العسكري‪ ،‬سنة ‪1961‬م‪ ،‬بدون مكان نشر ص ‪.16‬‬ ‫‪ 3‬د‪ .‬لؤي صايف‪ ،‬العقيدة والسياسة‪ ،‬معامل نظرية عامة للدولة اإلسالمية ط (‪ ،)1‬اظتعهد العاظتي للفكر اإلسالمي‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬

‫‪1996‬م‪ ،‬ص ‪.153‬‬ ‫د‪ .‬مصطفى أبوزيد‪ ،‬النظرية العامة للدولة‪ ،‬اهنيار اظتاركسية كان أمراً طبيعياً‪ ،‬والنظام الدستوري اإلسالمي ىو اضتل‬ ‫اظترتقب‪ ،‬ط ‪ ،5‬بدون دار نشر‪ ،‬سنة ‪1997‬م ‪.443 ،‬‬ ‫مسلم‪ ،‬صحيخ مسلم‪ ،‬جا ‪ ،12‬ط (‪ ) 1‬موسوعة الكتب الستة‪ ،‬حتقيق ػتمد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار سحنون للطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬تونس ‪1992‬م‪ ،‬ص ‪.91‬‬

‫‪11‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫فقد قاال ‪ :‬ثالثاة ال تارد دعاوهتم الصاائم حاجمل يفطار واإلماام العاادل ودعاوة اظتظلاوم يرفعهاا اهلل إىل فاوق‬ ‫الغمام ويفتخ عتا أبواب السماء ويقول الرب وعزيت ألنصرنك ولو بعد حٌن ‪ .1‬ومن ىنا تتضخ أمهياة مبادأ‬

‫العدالة يف النظام اإلسالمي كأحد أىم اظترتكزات الايت يساعى إليهاا واضاعوا مبادأ الفصال باٌن السالطات يف‬ ‫الفكر الغريب حياث تقارر مبادأ العدالاة يف النظاام اإلساالمي مبوجاب النصاوص القرآنياة واألحادياث النبوياة‪،‬‬ ‫فاضتاكم مأمور باقامة العدالة بٌن الرعية‪ ،‬ومأجور عليها يف النظام اإلسالمي‪.‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬مبدأ المساواة في النظام اإلسالمي‬ ‫إ ّن اظتساواة كمبدأ من مبادئ اضتكم يف اإلسالم مل ؾتد لو تعريفاً لدى فقهاء الشريعة اإلسالمية‪،‬‬ ‫إال أنو معروف كمبدأ أصيل يف الفقو اإلسالمي‪ ،‬فقد عرفو بعض فقهاء القانون بأنو يقصد بو أن األفراد‬ ‫متساوون يف زتاية القانون عتم واظت ثول أمام القضاء وطلب الوظائف العامة واضتقوق والواجبات دون اعتبار‬ ‫لعوامل االختالف يف الدين أو اصتنس أو العرق ‪.2‬‬ ‫وبناءً على ىذا التعريف فا ّن اظتساواة تشمل ؼتتلف اظتيادين االجتماعياة واالقتصاادية والسياساية‪،‬‬

‫ويعتاارب مباادأ اظتساااواة ىااو اظتباادأ الدسااتوري األساسااي الااذي تسااتند إليااو رتيااع اضتقااوق واضتريااات يف الوقاات‬ ‫اضتاضر‪ ،‬والذي يتصدر رتيع إعالنات اضتقوق العاظتية واظتواثيق الدستورية وقد جعل اظتفكرون مبدأ اظتساواة‬ ‫اظتفتاح الرئيسي للوصول إىل الدديقراطية اضتقيقية‪ ،‬وىو اعتدف األول للثورات الكربى يف العامل‪ ،‬حيث كان‬ ‫انعدام اظتساواة ى و الباعاث علاى قياام الثاورتٌن األمريكياة والفرنساية يف القارن الثاامن عشار‪ .‬كماا أناو يهادف‬ ‫إىل إزالة مظاىر التمييز بٌن األفاراد اظتؤساس علاى االخاتالف يف األصال أو اصتانس أو اللغاة أو العقيادة أو‬ ‫الل ااون وغ ااًن ذل ااك م اان األس ااباب‪ ،‬كم ااا يه اادف مب اادأ اظتس اااواة إىل حتقي ااق العدال ااة صتمي ااع األف اراد‪ ،‬ودت ااتعهم‬ ‫باااضتقوق واضتريااات علااى قاادم اظتساااواة‪ .3‬وقااد كفاال النظااام اإلسااالمي مباادأ اظتساااواة الااذي يرجااع إىل قاعاادة‬ ‫بساايطة وواضااحة يف النظااام اإلسااالمي تااتلخص يف أنااو مااا دام الناااس رتيع ااً ماان خلااق اهلل ساابحانو وتعاااىل‬ ‫‪ 1‬الرتمذي‪ ،‬سنن الرتمذي‪ ،‬ج (‪ )4‬ط (‪ )2‬دار سحنون تونس‪ ،‬سنة ‪1992‬م‪ ،‬ص ‪.672‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬شحاتة أبوزيد شحاتة‪ ،‬مبدأ اظتساواة يف الدساتًن العربية يف دائرة اضتقوق والواجبات العامة وتطبيقاتو القضائية‪ ،‬بدون‬ ‫دار نشر‪ ،‬سنة ‪2003‬م‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫‪ 3‬د‪ .‬عبد الغين بسيوين‪ ،‬النظم السياسية أسس التنظيم السياسي الدولة واضتكومة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.338 – 298‬‬

‫‪10‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫ومكلفٌن رتيعاً بأن ال يعبدوا إال إياه‪ ،‬وال يسلموا وجوىهم لسواه فهم رتيعاً متساوون يف ذلك فال تفرقة‬ ‫بياانهم بساابب اصتاانس‪ ،‬أو األصاال‪ ،‬أو اللغااة أو اللااون‪ ،‬حيااث وجااد مباادأ اظتساااواة مصاادره يف القاارآن الكاارمي‬ ‫والساانة النبويااة الش اريفة‪ ،‬فقااد أرسااى القاارآن الكاارمي أساسااو‪ ،‬وأوضااحت أحاديااث الرسااول الوجااوه اظتتعااددة‬ ‫ااس إِناَّاا َخلَ ْقنَااا ُك ْم ِما ْان ذَ َكا ٍر َوأُنْاثَااى َو َج َع ْلنَااا ُك ْم ُشا ُاعوبًا َوقَابَائاِ َال لِتَا َعا َاارفُوا إِ َّن‬ ‫لتطبيقاتاو فقااال تعاااىل‪ :‬ياَاا أَيا َهااا النَّا ُ‬ ‫أَ ْكاارم ُكم ِعْنا َاد اللَّا ِاو أَتْا َقااا ُكم إِ َّن اللَّااوَ َعلِا ِ‬ ‫اًن‪( ‬اضتج ارات اآليااة ‪ . )13‬فبمقتضااى ىااذه اآليااة أن معيااار‬ ‫ايم َخبا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ​َ ْ‬ ‫اظتفاضلة الوحيد بٌن الناس ينحصر يف التقوى وىذا ما دل علياو قاول ‪ :‬النااس سواساية كأسانان اظتشاا‬ ‫ال فرق لعريب على عجمي إال بالتقوى ‪.1‬‬ ‫ومل يكتااف اإلسااالم بتقرياار مباادأ اظتساااواة بااٌن الناااس ماان الناحيااة النظريااة فحسااب‪ ،‬باال إ ّن ىناااك‬

‫الكث ااًن م اان الش اواىد ال اايت تؤك اد تطبي ااق مب اادأ اظتس اااواة يف النظ ااام اإلس االمي بص ااورة ال مثي اال عت ااا يف ال اانظم‬ ‫الدديقراطية‪ ،‬ومن ذلاك أ ّن الرساول ‪ ‬قاد خارج أثنااء مرضاو األخاًن فجلاس علاى اظتنارب وقاال‪ :‬أيهاا النااس‬ ‫من كنت جلادت لاو ظهاراً فهاذا ظهاري فليساتقد مناو‪ ،‬ومان كنات شاتمت لاو عرضااً فهاذا عرضاي فليساتقد‬

‫منو‪ ،‬ومن أخذت لو ماالً فهاذا ماايل فليأخاذ مناو‪ ،‬وال خيشاى الشاحناء مان قبلاي‪ ،‬فاهناا ليسات مان شايميت‬ ‫أال إن أحبكم إيل مان أخاذ ماين حقااً‪ ،‬إن كاان لاو أو حللات‪ ،‬فلقيات ريب وأناا طياب الانفس ‪ .2‬كماا جائ‬ ‫إلياو بااظترأة اظتخزومياة الايت سارقت ليقايم عليهاا اضتاد فاأراد بعاض الصاحابة أن يشافعوا عتاا ألهناا حديثاة عهااد‬

‫باإلسالم‪ ،‬فغضب ‪ ‬من ذلك وقال‪ :‬إ ا أىلاك مان قابلكم أهنام كاانوا إذا سارق فايهم القاوي تركاوه وإذا‬ ‫سرق فيهم الضعيف أقاموا عليو اضتد وأمي اهلل لو أن فاطماة بنات ػتماد سارقت لقطاع ػتماد يادىا ‪ ، 3‬وقاد‬ ‫ساار علاى هنجاو اطتلفااء الراشادين يف التازام مبادأ اظتساااواة باٌن النااس‪ ،‬وأن أبلاب ماا يستشاهد باو يف اظتساااواة‬ ‫أمام القانون ما كان من أمر جبلة بن األيهم الذي ‪ -‬أسلم ىو وقومو وحضر لزيارة عمر بن اطتطااب ‪‬‬ ‫يف ستسمائة من أىل بيتو‪ ،‬ففرح عمر بذلك‪ ،‬وخرج معو إىل اضتج‪ ،‬وبينما جبلة يطوف حاول الكعباة وطاأ‬ ‫‪ 1‬اصترجاين‪ ،‬الكامل يف ضعفاء الرجال‪ ،‬جزء ‪ ،3‬ط (‪ ،)1‬حتقيق‪ :‬الشيخ عابد اظتوجود‪ ،‬والشيخ علي ػتمد معوض‪ ،‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬بًنوت‪ ،‬سنة ‪1997‬م‪ ،‬ص ‪.225‬‬ ‫‪ 2‬نور الدين بن أيب بكر اعتيث مي‪ ،‬غتمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬حتقيق اضتافظٌن اصتليلٌن العراقي وابن حجر‪ ،‬مكتبة القدس‪،‬‬ ‫‪1853‬ىا‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.280‬‬ ‫‪ 3‬مسلم‪ ،‬صحيخ مسلم‪ ،‬ج‪ ،2‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1315‬‬

‫‪11‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫إزاره رجل‪ ،‬فقام بضربو على وجهو فحطم أنفو فشكاه الرجل إىل عمر بن اطتطاب ‪ ‬فأقر جبلة بذلك‪،‬‬ ‫فقال لو عمر ‪ ‬أقررت فاما أن ترضي الرجل وأماا أن أقاتص مناك هبشام أنفاك‪ ،‬فقاال جبلاة‪ :‬كياف ذاك‬ ‫يااا أمااًن اظتااؤمنٌن وىااو سااوقة – أي ماان عامااة الناااس – وأنااا ملااك فقااال لااو عماار‪ :‬إ ّن اإلسااالم قااد سااوى‬

‫أعز‬ ‫بينكما‪ ،‬فلست تفضلو بشيء سوى التقوى‪ ،‬فقال جبلة‪ :‬ظننت يا أمًن اظتؤمنٌن أن أكون يف اإلسالم ّ‬ ‫مين يف اصتاىلية‪ ،‬فقال عمر يف حزم‪ :‬دع عنك ىذا‪،‬فانك إن مل ترض الرجل اقتصصت منك‪ ،‬فقال جبلة‪:‬‬ ‫إذن أتنصاار‪ ،‬فقااال لااو عماار‪ :‬إذا تنصاارت ضاربت عنقااك ألنااك قااد أساالمت‪ ،‬ففاار جبلااة ىاربااً بليا ٍال ودخاال‬

‫النص ارانية‪ ،1‬فهااذا يؤك اد جلي ااً تطبيااق مباادأ اظتساااواة بااٌن الناااس أمااام القااانون حااجمل ولااو أدى ذلااك إىل فقااد‬

‫كسااب كبااًن ل سااالم كمااا فعاال عماار ‪ ‬أمااام ىااذه الواقعااة‪ .‬ويف غتااال اظتساااواة أمااام القضاااء‪ ،‬فااا ّن النظااام‬

‫اإلسالمي يعد ىو النظام الوحيد الذي ال يستثىن أحداً مهماا كاان شاأنو مان اظتثاول أماام القضااء حاجمل ولاو‬

‫كان اطتليفة‪ ،‬سواء حوكم بشخصو‪ ،‬أو بصفتو‪ ،‬وىو هبذا خيتلف عن الكثًن مان الانظم الايت حتظار ػتاكماة‬ ‫رئاايس الدولااة أو الااوزراء أو تنشاائ ىيئااات خاصااة ماااكمتهم ودتنااع القضاااء ماان النظاار يف بعااض تصاارفاهتم‪.2‬‬

‫فقااد جاارى العماال يف النظااام اإلسااالمي علااى مقاضاااة اطتلفاااء والااوالة دتام ااً كمااا حياااكم سااائر الناااس أمااام‬

‫القاضي‪ ،‬فليست ىناك جهات أو درجات متعاددة للقضااء‪ ،‬ومان ذلاك أ ّن اإلماام علاي ‪ ‬فقاد درعااً لاو‬

‫ووجدىا مع يهودي يدعي ملكيتها فقال علي‪ :‬بيين وبينك قاضاي اظتسالمٌن وحتاكماا إلياو فحكام القاضاي‬

‫لصااو اليهااودي ألنااو حااائز الاادرع‪ .3‬فعلااي ‪ ‬ىنااا رئاايس الدولااة ويتحاااكم كااأي شااخص ماان أفرادىااا أمااام‬ ‫القضاااء‪ ،‬باال إن القاضااي مااع علمااو بصاادقو وحقااو يف ملكيااة الاادرع يصاادر حكمااً ضااده مبااا يؤكااد اسااتقالل‬

‫السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية يف ىذا النظام واظتسااواة باٌن رتياع األفاراد أماام القضااء بغاض النظار‬ ‫عن مراكزىم أو اختالفهم الديين أو العرقي أو الثقايف وغًن ذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬الزركلي‪ ،‬األعالم‪ ،‬قاموس ألشهر الرجال والنساء من العرب واظتستعربٌن واظتستشرقٌن‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬دار اظتاليٌن بًنوت‪،‬‬ ‫‪1992‬م‪ ،‬ص ‪.123‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬عبد اضتكيم حسن العيلي‪ ،‬اضتريات العامة يف الفكر الغريب ويف النظام السياسي اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر العريب‪،‬‬ ‫القاىرة‪ ،‬سنة ‪1974‬م ‪ ،‬ص ‪.275‬‬ ‫‪ 3‬ابن األثًن‪ ،‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬ج‪ ،3‬بدون مكان وتاريخ نشر‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫‪12‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬مبدأ الحرية في النظام اإلسالمي‬ ‫عرفت اضترية بأهنا‪ :‬قدرة اإلنسان على إتيان أي عمل ال يضر بااآلخرين ‪ .1‬فاضترياة تعاد اظتقدماة‬ ‫األوىل للدديقراطيااة وساايادة القااانون‪ ،‬فهااي دتثاال النظااام العااام يف الدديقراطيااة وجوىرىااا الفلساافي والسياسااي‪،‬‬ ‫والق ااانوين وروحه ااا اظتع ااربة عا ان أشت ااى مبادئه ااا ال اايت ال جي ااوز اطت ااروج عليه ااا‪ ، 2‬وى ااي أص اال ع ااام يف النظ ااام‬ ‫اإلسالمي تستند على اإلباحة األصلية حيث كفل النظاام اإلساالمي مبادأ اضترياة يف كافاة مظاىرىاا الفردياة‬ ‫أو اصتماعي ااة سا اواء تعلق اات باظتص اااو اظتادي ااة لافا اراد كحري ااة التمل ااك‪ ،‬أو باظتص اااو اظتعنوي ااة كحري ااة الا ارأي‬ ‫واالجتماع‪ ،‬إذ أنو ليس ىنالك حرية من اضترياات العاماة أو اطتاصاة إال ويعرفهاا النظاام اإلساالمي‪ ، 3‬حاجمل‬ ‫يف غتااال العقياادة فااا ّن النظااام اإلسااالمي قااد كفاال حريااة االختيااار يف الاادين إذ يقااول تعاااىل‪ :‬ال إِ ْكا َار َاه ِيف‬ ‫ِ‬ ‫وت وياؤِمن بِاللَّ ِو فَا َق ِد استمس ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص َام‬ ‫َْ ْ َ َ‬ ‫الدي ِن قَ ْد تَابَا َّ َ‬ ‫ك بالْ ُع ْرَوة الْ ُوثْا َقى َال انْف َ‬ ‫ٌن الر ْش ُد م َن الْغَي فَ َم ْن يَ ْك ُف ْر بالطَّاغُ َ ُ ْ ْ‬ ‫َعتا واللَّو َِشت ِ‬ ‫اضتَاق ِم ْان َرب ُك ْام فَ َم ْان َشااءَ فَا ْليُا ْاؤِم ْن َوَم ْان‬ ‫يم‪ ( ‬البقرة اآلية ‪ .) 256‬وقولو تعاىل‪َ  :‬وقُ ِال ْ‬ ‫َ​َ ُ ٌ‬ ‫يع َعل ٌ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫اوه‬ ‫َشاءَ فَا ْليَ ْك ُف ْر إِنَّا أ َْعتَا ْدنَا للظَّاالم َ‬ ‫َحاا َط هب ْام ُس َارادقُا َها َوإِ ْن يَ ْساتَغيثُوا ياُغَااثُوا مبَااء َكالْ ُم ْه ِال يَ ْشا ِوي الْ ُو ُج َ‬ ‫ٌن نَ ًاارا أ َ‬ ‫ِ‬ ‫ت ُم ْرتَا َف ًقااا‪ ( ‬الكهااف اآليااة ‪ .) 29‬كمااا قااال ساايدنا عماار باان اطتطاااب ‪ :‬مااجمل‬ ‫س َّ‬ ‫اب َو َساااءَ ْ‬ ‫الشا َار ُ‬ ‫با ْائ َ‬ ‫اسااتعبدأ الناااس وقااد ولاادهتم أمهاااهتم أح ارارا ‪ .4‬وال عجااب يف ذلااك أل ّن اإلسااالم جاااء لًنفااع ماان كرامااة‬

‫اإلنسان من حيث ىو إنسان‪ ،‬فأعلى القيم اإلنساانية وأعااد للفارد كرامتاو اظتسالوبة وحقاق لاو أفضاليتو علاى‬ ‫كثااًن ماان اظتخلوقااات‪ ،‬قااال تعاااىل‪ :‬ولَ َقا ْد َكَّرمنَااا با ِاين آدم و َزت ْلنَاااىم ِيف الْب اار والْبحا ِر ورزقْانَاااىم ِماان الطَّيبا ِ‬ ‫اات‬ ‫ْ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ​َ​َ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ض ْلنَاىم علَى َكثِ ًٍن ِؽتَّن خلَ ْقنَا تَا ْف ِ‬ ‫ض ًيال‪ ‬اإلسراء اآلية ‪ ) 70‬كما أبطل اإلساالم اساتعباد اإلنساان ألخياو‬ ‫َوفَ َّ ُ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫اإلنسان ‪ ،‬فال عبودية إال هلل الفرد الصمد‪ ،‬وىدم اإلسالم الشرك بتأسيس التوحيد‪ ،‬وأرسى اضترية السياسية‬

‫وسايطاً بااٌن النقيضااٌن ‪ -‬القيااد واإلطااالق ‪ -‬وكااان الباادء بتحريار العقياادة ىااو أساااس اضتريااات ولااب اظتبااادئ‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬عبد اضتكيم حسن العيلي‪ ،‬اضتريات العامة يف النظام اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬ػتمد عصفور‪ ،‬اضترية يف الفكر الدديقراطي واالشرتاكي‪ ،‬ط ‪ ،1‬عامل الكتب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬سنة ‪1961‬م‪ ،‬ص ‪.400‬‬ ‫‪ 3‬د‪ .‬مصطفى أبو زيد‪ ،‬فن اضتكم يف اإلسالم‪ ،‬اظتكتب اظتصري اضتديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬بدون تاريخ نشر‪ ،‬ص ‪.400‬‬ ‫‪ 4‬عمر اطتياط‪ ،‬الرسول وخلفاؤه‪ ،‬ط ‪ ،1‬بدون دار نشر‪ ،‬سنة ‪1991‬م‪ ،‬ص ‪.314‬‬

‫‪13‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫ألنو مجمل ثبتت العقيدة أدرك الناس اطتًن‪ ،‬والشر‪ ،‬والفاسد‪ ،‬والصاو والعادل‪ ،‬والظامل‪ ، 1‬فاإلسالم ال يؤثر‬ ‫يف اصتماعات واألفراد إال يف ظل اضترية اليت يستطيع الناس فيها أن يعربوا عن أنفسهم‪.2‬‬ ‫ؽتااا ساابق يتضااخ أ ّن نظااام اضتكاام يف اإلسااالم لااو قواعااده الاايت دتياازه وتؤكااد ذاتيتااو واسااتقاللو عاان‬

‫النظام الغريب‪ ،‬إذ أن النظام اإلسالمي يرتكز على أسس ثابتة تتمثل يف العدالة واظتسااواة واضترياة‪ ،‬فالسالطة‬ ‫اضتاكمة ملزمة بتطبيق ىذه األسس والسًن على ىداىا ومن أجل االلتزام بتطبياق ىاذه اظتباادئ جااء النظاام‬ ‫اإلسالمي بقاعدتٌن أساسيتٌن مها‪ :‬قاعدة الشورى‪ ،‬واألمر باظتعروف والنهي عن اظتنكر‪ ،‬مؤكداً بذلك مبدأ‬

‫الرقابااة العامااة علااى الساالطة اضتاكمااة وىااو مااا جاااء ماان أجلااو مباادأ الفصاال بااٌن السالطات يف الفكاار الغااريب‬ ‫الذي يقتصر على تنظيم العالقة بٌن السلطات يف الدولة بينما تتسع دائرة الشورى واألمر باظتعروف والنهي‬ ‫عن اظتنكار لتشامل كال اجملااالت اظتتعلقاة حبيااة األماة ومصااضتها األساساية‪ .‬كماا أن النظاام اإلساالمي أجااز‬ ‫عاازل رئاايس الدولااة يف حالااة عاادم التزامااو بتطبيااق مبااادئ العدالااة‪ ،‬واظتساااواة‪ ،‬واضتريااة بااٌن الناااس وإنزاعتااا إىل‬ ‫أرض الواق ااع إذ ذى ااب رتاع ااة م اان أى اال الس اانة واطت اوارج واظتعتزل ااة إىل وج ااوب الث ااورة عل ااى اإلم ااام الفاس ااق‬ ‫واساتخدام القاوة يف مواجهتاو وىاو ماا يعارب عناو (بسال السايف) ‪ .3‬وىاو باذلك قاد سابق الفكار الغاريب ومااا‬ ‫يس ااعى إىل حتقيق ااو م اان خ ااالل ابتداع ااو ظتب اادأ الفصا ال ب ااٌن السا الطات‪ ،‬وم ااع ذل ااك ف ااا ّن النظ ااام الدس ااتوري‬

‫اإلسالمي ليس فيو ما حيول دون األخذ مببدأ الفصل بٌن السلطات‪ .‬فهذا اظتبدأ عبارة عان عملياة تنظيمياة‬ ‫الشاريعة اإلساالمية‪ ،‬كماا أناو يتوافاق‬ ‫إجرائية لسلطات الدولة‪ ،‬فهو ال يطارح فكاراً‪ ،‬أو مباادئ معيناة ختاالف َّ‬ ‫من حيث اظتربرات مع مبادئ النظام اإلسالمي القاضية مبنع الظلم واالساتبداد‪ ،‬علياو نارى ضارورة اظتواءماة‬

‫بااٌن األخ ااذ مبباادأ الفص اال بااٌن الس الطات يف دساااتًن ال اادول اإلسااالمية وقاع اادة الشااورى‪.‬واألمر ب اااظتعروف‬ ‫والنهااي عاان اظتنكاار ماان خااالل إنشاااء غتااالس للشااورى جبانااب اجملااالس النيابيااة يقتصاار دورىااا علااى إسااداء‬ ‫النصخ واظتشورة للحاكم لتكون عوناً لو يف االلتزام بتطبيق مبادئ العدالة واظتساواة واضترية بٌن الناس‪.‬‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬عبد اضتكيم حسن العيلي‪ ،‬اضتريات العامة يف الفكر الغريب والنظام السياسي اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬الصحوة اإلسالمية ومهوم الوطن العريب‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الشروق القاىرة‪ ،‬سنة ‪1998‬م‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪ 3‬اظت اوردي‪ ،‬األحكام السلطانية والواليات الدينية‪ ،‬تعليق وحتقيق د‪ .‬عبد الرزتن عمًنة‪ ،‬دار االعتصام‪ ،‬القاىرة‪ ،‬سنة‬ ‫‪1964‬م ‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪14‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫الخاتمة‬ ‫يف هناية ىذا البحث الذي أسأل اهلل تعاىل أن جيعلو علماً نافعاً وعمالً متقبالً أخلص إىل أىم‬

‫النتائج والتوصيات اليت توصل إليها فيما يلي‪:‬‬ ‫أوالا‪ :‬النتا‪: :‬‬

‫‪ – 1‬ثبت من خالل ىذا البحث أ ّن النظام الدستوري اإلسالمي قد سبق الفكر الغريب باشتمالو على‬ ‫مبادئ دستورية كربى تؤدي إىل حتقيق ذات النتائج اليت يسعى إليها مبدأ الفصل بٌن السلطات‬ ‫وىي العدالة واضترية واظتساواة ‪.‬‬ ‫‪ – 2‬اتضخ أ ّن مبدأ الفصل بٌن السلطات من حيث تسميتو ونشأتو يعترب وليداً للفكر الغريب‪ ،‬وأ ّن النظام‬ ‫الدستوري اإلسالمي ال يرفض األخذ هبذا اظتبدأ ألنو ال يطرح فكراً يعارض الشريعة اإلسالمية‪،‬‬

‫ائي‪.‬‬ ‫فهو مبدأ ٌ‬ ‫تنظيمي إجر ٌ‬

‫‪ – 3‬وضخ أ ّن اختالف الفقهاء حول تفسًن مبدأ الفصل بٌن السلطات من حيث كونو فصالً مطلقاً أو‬

‫مرناً قد أدى إىل اختالف األنظمة السياسية اليت قامت على ىذا اظتبدأ‪ -‬كالنظام الرئاسي والنظام‬

‫الربظتاين‪.‬‬ ‫‪ – 4‬تبٌن أ ّن النظام الدستوري اإلسالمي لو قواعد خاصة يف غتال اضتكم‪ ،‬ليست عتا نظًناً يف الفكر‬ ‫الغريب مثل‪ :‬قاعدة الشورى‪ ،‬واألمر باظتعروف‪ ،‬والنهي عن اظتنكر‪.‬‬ ‫‪ – 5‬ليس صحيحاً القول بأ ّن الفقيو (مونتسكيو) ىو أول من حتدث عن مبدأ الفصل بٌن السلطات‪،‬‬ ‫كما ىو شائع يف الفقو الدستوري‪ ،‬فقد سبقو يف ذلك بعض اظتفكرين‪ -‬كافالطون‪ ،‬وأرسطو‪،‬‬ ‫وغًنىم ‪.‬‬ ‫‪ – 6‬اعترب بعض اظتفكرين أ ّن السلطة القضائية تعد جزءاً من السلطة التنفيذية وتابعة عتا ويتفق ىذا الرأي‬ ‫مع النظام اإلسالمي الذي جيعل القضاء من اختصاصات رئيس الدولة‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫ثاني ا‪ :‬التوصيات‪:‬‬

‫‪ – 1‬نرى ضرورة إنشاء غتلة متخصصة تعىن بنشر البحوث‪ ،‬والدراسات اظتتعلقة بنظام اضتكم يف‬ ‫اإلسالم‪ ،‬حجمل جيد النظام الدستوري اإلسالمي حظو من الدراسة‪ ،‬اليت تربز دوره‪ ،‬وػتاسنو‪ ،‬والتأكيد‬ ‫على أنو نظام لو استقالليتو وخصوصيتو اليت دتيزه عن أنظمة اضتكم األخرى‪.‬‬ ‫‪ – 2‬نوصي بقيام غتالس للشورى يف الدول اإلسالمية إىل جوار اجملالس النيابية ينحصر دورىا يف إسداء‬ ‫النصخ‪ ،‬واظتشورة للحكام‪ ،‬لتكون عوناً عتم يف االلتزام مببادئ العدالة‪ ،‬واضترية‪ ،‬واظتساواة‪ ،‬وتطبيقها‬ ‫بصورة عملية لضمان زتاية حقوق األفراد وحرياهتم ‪.‬‬ ‫‪ – 3‬نوصي بضرورة استخدام اظتصطلحات اإلسالمية يف كل شأن من الشئون العامة كالشورى بديالً‬ ‫للمصطلحات الغربية مثل الدديقراطية ‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫المراجع‬ ‫أوالا‪ :‬القرآن الكريم‬ ‫ثانيا‪ :‬السنة النبوية‬

‫‪ – 1‬الرتمذي‪ ،‬سنن الرتمذي‪ ،‬ج‪ ،4‬ط‪ ،2‬دار سحنون‪ ،‬تونس ‪1992‬م‪.‬‬ ‫‪ – 2‬اصترجاين‪ ،‬الكامل يف ضعفاء الرجال‪ ،‬ج‪ ،3‬حتقيق الشيخ عادل عبد اظتوجود‪ ،‬والشيخ عادل بن‬ ‫معوض‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بًنوت‪1997 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ – 3‬مسلم‪ ،‬صحيخ مسلم‪ ،‬ج‪ ،12‬ط‪ ،1‬موسوعة الكتب الستة‪ ،‬حتقيق ػتمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار‬ ‫سحنون للطباعة والنشر‪ ،‬تونس ‪1992‬م‪.‬‬ ‫‪ – 4‬نور الدين بن علي أبوبكر اعتيثمي‪ ،‬غتمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬ج‪ ،9‬حترير اضتافظٌن اصتليلٌن‬ ‫العراقي‪ ،‬وابن حجر‪ ،‬مكتبة القدس القاىرة‪1353 ،‬ىا‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الفقو اإلسالمي الحديث‪-:‬‬

‫‪ - 1‬سعدى أوجيب‪ ،‬الوجيز يف اظتبادئ السياسية يف اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة ابن البلد‪ ،‬جدة‪ ،‬سنة‬ ‫‪1962‬م‪.‬‬ ‫‪ – 2‬عبد اضتكيم حسن العيلي‪ ،‬اضتريات العامة والفكر اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاىرة‪،‬‬ ‫‪1974‬م‪.‬‬ ‫‪ - 3‬فريد عبد اطتالق‪ ،‬يف الفقو السياسي اإلسالمي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاىرة‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬ابن القيم اصتوزية‪ ،‬الطرق اضتكمية يف السياسة الشرعية تقدمي د‪ .‬ػتمد ػتي الدين‪ ،‬مراجعة أزتد‬ ‫عبد اضتكيم‪ ،‬ط بدون ‪1961‬م‬ ‫‪ – 5‬لؤي صايف العقيدة و السياسة معامل نظرية عام للدولة اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬اظتعهد العاظتي للفكر‬ ‫اإلسالمي‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ – 6‬اظتاوردي‪ ،‬األحكام السلطانية والواليات الدينية‪ ،‬تعليق وحتقيق عبد الرزتن عمًنة‪ ،‬القاىرة‪،‬‬ ‫‪1964‬م‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫مبدأ الػصل بني السلطات يف الػكر الغربي ‪.....‬‬

‫د‪ .‬أحمد حسن محمد عبد الكريم‬

‫‪ – 7‬ػتمود حلمي‪ ،‬نظام اضتكم يف اإلسالم‪ ،‬مقارنة بالنظم اظتعاصرة‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاىرة‪،‬‬ ‫‪1992‬م‪.‬‬ ‫‪ - 8‬مصطفى أبو زيد‪ ،‬النظرية العامة للدولة‪ ،‬اهنيار اظتاركسية كان أمراً طبيعياً والنظام اإلسالمي ىو اضتل‬ ‫اظترتقب‪ ،‬ط‪ ،5‬بدون دار نشر‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪ – 9‬مصطفى أبو زيد‪ ،‬فن اضتكم يف اإلسالم‪ ،‬اظتكتب اظتصري اضتديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬بدون تاريخ‬ ‫نشر‪.‬‬ ‫‪– 10‬يوسف القرضاوي‪ ،‬الصحوة اإلسالمية ومهوم الوطن العريب‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الشروق القاىرة‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬المراجع القانونية والسياسة‪-:‬‬

‫‪ - 1‬أزتد عبد القادر اصتمال‪ ،‬النظم السياسية يف ضوء االجتاىات اضتديثة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة‪.‬‬ ‫‪ – 2‬أزتد فتحي سرور‪ ،‬اضتماية الدستورية للحقوق واضتريات‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الشروق القاىرة‪2000 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 3‬توفيق شحاتة مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النشر باصتامعات اظتصرية‪1971 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ – 4‬سعاد الشرقاوي‪ ،‬النظم السياسية يف العامل اظتعاصر‪ ،‬ط‪ ،3‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاىرة‪1988 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 5‬سليمان ػتمد الطماوي‪ ،‬السلطات الثالثة يف الدساتًن العربية اظتعاصرة ويف الفكر السياسي‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاىرة‪1967 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 6‬سليمان ػتمد الطماوي‪ ،‬الوجيز يف القضاء اإلداري‪ ،‬الفكر العريب‪ ،‬القاىرة‪1974 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ –7‬السيد صربي‪ ،‬النظم السياسية يف البالد العربية‪ ،‬جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد الدراسات العربية‬ ‫العاظتية‪1956 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -8‬عبد اضتميد متويل‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،2‬دار اظتعارف اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪1966‬م‪.‬‬ ‫‪ - 9‬عبد الغين بسيوين‪ ،‬أسس التنظيم السياسي الدولة واضتكومة واضتقوق واضتريات‪ ،‬الدار اصتامعية‬ ‫للنشر‪ ،‬القاىرة ‪1975‬م‪.‬‬ ‫‪ - 10‬فؤاد العطار‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بدون تاريخ نشر‪،‬‬ ‫‪1992‬م‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫تػكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الػلسػة وفلسػة العلوم‬

‫‪ - 11‬ػتسن خليل‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬ط‪ ،2‬منشأة اظتعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪1971 ،‬م‬ ‫‪ - 12‬ػتمد كامل ليلة‪ ،‬النظم السياسية الدولة واضتكومة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاىرة ‪1973‬م‪.‬‬ ‫‪ - 13‬ػتمود حافأ‪ ،‬القضاء اإلداري يف األردن‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات اصتامعة األردنية‪1987 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 14‬نعمان أزتد اطتطيب‪ ،‬األحزاب السياسية ودورىا يف نظم اضتكم اظتعاصرة‪ ،‬الًنموك‪ ،‬األردن‪،‬‬ ‫‪1992‬م‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬المعاجم وكتب التاريخ‪-:‬‬

‫‪ – 1‬إبراىيم مدكور‪ ،‬مصطلحات قانونية‪ ،‬مطبعة اجملمع العلمي‪ ،‬العهراق‪1973 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ – 2‬ابن األثًن‪ ،‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬ج‪ ،3‬بًنوت‪.‬‬ ‫‪ – 3‬ابن خلدون‪ ،‬اظتقدمة‪ ،‬ج‪ ،1‬من كتاب ديوان اظتبتدأ واطترب يف أيام العرب والعجم والرببر‪ ،‬حتقيق‬ ‫األستاذ‪ /‬ػتمد حجر‪ ،‬مكتبة اظتاليٌن‪ ،‬بًنوت‬ ‫‪ -4‬الزركلي‪ ،‬األعالم‪ ،‬قاموس ألشهر الرجال والنساء من العرب واظتستعربٌن واظتستشرقٌن‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪،1‬‬ ‫دار اظتاليٌن‪ ،‬بًنوت‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ – 5‬علي القاشتي‪ ،‬معجم االستشهادات‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة لبنان‪2001 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ – 6‬عمر اطتياط‪ ،‬الرسول وخلفاؤه‪ ،‬ط‪ ،1‬بدون‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ – 7‬اظتعجم الدستوري‪ ،‬تررتة منصور القاضي‪ ،‬ط‪ ،1‬اظتؤسسة اصتامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫لبنان‪ ،‬بًنوت‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب‬ ‫"رؤية إسالمية"‬ ‫*‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬ ‫المستخلص‬

‫أسفر البحث العلمي عن توليد رلاؿ دراسي تكاملي حديث‪ ،‬أيطلق عليو علم ادلناعة النفسي‬ ‫العصيب (‪ ،)Psychoneuroimmunology‬كمن خبلؿ ىذا العلم تأكد العلماء من تأثَت كثَت‬ ‫من ادلتغَتات النفسية يف ادلناعة‪ ،‬كمن أمثلة ذلك أ ٌف التفاؤؿ كاالنفعاالت اإلغلابية (كالسركر كالفرح) تزيد‬

‫الكفاءة ادلناعية‪ ،‬بينما التشاؤـ كاالنفعاالت السلبية (كاحلزف كاخلوؼ) تقلل من الكفاءة ادلناعية‪ .‬كبناءن‬ ‫على تلك النتائج سعى الباحثوف لتصميم برامج نفسية كاجتماعية كتطبيقات مباشرة ذلذا العلم‪ ،‬كذلك من‬ ‫أجل توظيفها لتنمية الكفاءة ادلناعية دلواجهة األمراض ادلختلفة‪.‬‬ ‫كعلى الرغم من بركز احلاجة للتدخل النفسي كاالجتماعي لدعم ادلناعة لدل ادلرضى الذم‬ ‫أظهره ىذا العلم‪ ،‬كمن أجل تنمية ادلناعة للوقاية من األكبئة كاالصابات ادلتوقعة‪ ،‬إال أ ٌف الربامج االجتماعية‬

‫كالنفسية الداعمة اليت مت تصميمها قد كاجهتها صعوبات تطبيقية كثَتة! كلذلك سعت الدراسة احلالية إىل‬

‫إبراز أعلية التوجيهات كاآلداب اإلسبلمية يف التعامل مع ادلرضى ككيفية مواجهة األمراض‪ ،‬كذلك من أجل‬ ‫تقدؽلها كتعليمات كاضحة سهلة التطبيق كذات صلة مباشرة مبا أسفر عنو البحث العلمي يف رلاؿ علم‬ ‫ادلناعة النفسي العصيب‪.‬‬

‫* أستاذ مشارؾ بقسم علم النفس‪ ،‬كلية الًتبية ‪ ،‬جامعة حائل ‪ ،‬ادلملكة العربية السعودية ‪.‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫ناؿ موضوع ادلناعة يف ىذا العصر اىتمامان إعبلميان كعلميان كاسعان‪ ،‬كانتبو إليو عامة الناس فضبلن‬ ‫عن علمائهم كادلهتمُت بشؤكهنم الصحية! كليس ىذا بغريب أل ٌف اثنُت من أكثر األمراض احلديثة خطورة‪،‬‬ ‫ارتبطا بادلناعة بصورة مباشرة‪ ،‬كعلا‪ :‬مرض نقص ادلناعة ادلكتسبة (اإليدز) كمرض السرطاف‪.‬‬

‫كنتيجة لذلك فقد اىتم الناس بتنشيط كتقوية مناعتهم كتنميتها سواءن بالتطعيم باللقاحات‬ ‫ادلختلفة‪ ،‬أك باالىتماـ باألغذية ادلرتبطة بادلناعة‪ ،‬أك حىت مبمارسة بعض األنشطة الرياضية لتدعيم جهاز‬ ‫ادلناعة كتفعيل دكره يف زتاية اجلسم من اإلصابة باألمراض ادلختلفة‪.‬‬ ‫كلكن ذتة حبوث حديثة قد خرجت علينا جبديد يف ىذا األمر‪ ،‬حيث توصل بعض العلماء إىل‬ ‫أ ٌف ادلناعة ذلا ارتباط كثيق جدان باحلالة النفسية لئلنساف كللحيواف أيضان ! كتزايدت البحوث يف ىذا االجتاه‬ ‫حىت أدت إىل نشأة علم جديد يهتم بدراسة أثر احلاالت النفسية يف ادلناعة‪ ،‬كىو علم ادلناعة النفسي‬

‫العصيب (‪.)Psychoneuroimmunology‬‬ ‫كاجتو الباحثوف يف ضوء ىذا العلم إىل تقدمي الربامج كالتطبيقات النفسية كاالجتماعية‪ ،‬اليت‬ ‫تسعى إىل حتسُت احلاالت النفسية لدل ادلرضى كادلعرضُت لئلصابة باألمراض ادلختلفة‪ ،‬لكي يتحسن‬ ‫مستول مناعتهم‪ ،‬كرغم دعوة ادلتبنُت لتلك الربامج لتطبيقها‪ ،‬كرغم تفاؤذلم بنجاحها إال ٌأهنم يعًتفوف‬ ‫بوجود رلموعة من الصعوبات اليت تعوؽ تطبيقها بصورة مطلقة!‬ ‫كشلا غلدر ذكره أ ٌف ادلسلمُت لديهم الكثَت من التطبيقات النفسية كاالجتماعية‪ ،‬اليت يواجهوف‬ ‫هبا األمراض‪ ،‬كيعاملوف هبا ادلرضى‪ :‬مثل‪ :‬الدعاء‪ ،‬كزيارة ادلرضى‪ ،‬كغَته‪ .‬فما عبلقة تلك التطبيقات‬ ‫اإلسبلمية بنتائج علم ادلناعة النفسي العصيب؟‬ ‫موضوع الدراسة واألسئلة التي تسعى لإلجابة عنها‪:‬‬ ‫تتناكؿ الدراسة احلالية عرضان للنتائج ادلهمة اليت أسفر عنها البحث العلمي يف رلاؿ علم ادلناعة‬

‫النفسي العصيب‪ ،‬كتسعى إلبراز أعلية اآلداب اإلسبلمية يف التعامل مع ادلرضى ككيفية مواجهة األمراض‬ ‫كتطبيقات أساسية حتقق أىداؼ ىذا العلم اجلديد‪ ،‬كتقدـ حلوالن كاقعية دلا يسعى إليو الباحثوف يف ىذا‬ ‫العلم من أجل ابتكار برامج نفسية كاجتماعية لدعم ادلرضى من أجل تنمية مناعتهم‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫كلذلك تطرح الدراسة تساؤالن عامان كىو‪ :‬ما التطبيقات النفسية االجتماعية اإلسبلمية اليت ؽلكن‬

‫تقدؽلها يف ضوء علم ادلناعة النفسي العصيب؟ كاإلجابة عن ىذا التساؤؿ تقتضي اإلجابة عن األسئلة‬ ‫الفرعية التالية ادلؤدية إليو‪:‬‬ ‫‪ .1‬ما علم ادلناعة النفسي العصيب ككيف نشأ كتطور؟‬ ‫‪ .2‬ما أىم نتائج علم ادلناعة النفسي العصيب فيما يتعلق بتأثَت النفس يف ادلناعة؟‬ ‫‪ .3‬ما التطبيقات النفسية االجتماعية لعلم ادلناعة النفسي العصيب يف اجملاؿ الصحي كما الصعوبات‬ ‫اليت تواجهها؟‬ ‫‪ .4‬ما األساليب التطبيقية اإلسبلمية ادلتعلقة مبواجهة األمراض كالتعامل مع ادلرضى‪ ،‬كما صلتها‬ ‫بنتائج علم ادلناعة النفسي العصيب؟‬ ‫أىداف الدراسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬التعريف بعلم ادلناعة النفسي العصيب‪.‬‬ ‫‪ .2‬تقدمي النتائج اليت توضح أثر احلاالت النفسية يف ادلناعة اجلسمية‪.‬‬ ‫‪ .3‬التعرؼ على بعض التطبيقات النفسية كاالجتماعية ادلعتمدة على علم ادلناعة النفسي العصيب‪.‬‬ ‫‪ .4‬توضيح بعض التطبيقات كاألساليب اإلسبلمية ادلرتبطة بالتعامل مع األمراض كادلرضى‪.‬‬ ‫‪ .5‬حث الباحثُت على إجراء ادلزيد من البحوث إلبراز أعلية التطبيقات كالتوجيهات اإلسبلمية‬ ‫ادلختلفة‪ ،‬كذلك باالستفادة من العلوـ النفسية احلديثة‪.‬‬ ‫أىمية الدراسة‪:‬‬ ‫تنبع أعلية الدراسة من اآليت‪:‬‬ ‫‪ .1‬ألعلية موضوع ادلناعة‪ ،‬كمركزيتو يف صحة اإلنساف‪.‬‬ ‫‪ .2‬لضركرة تعريف الباحثُت يف علم النفس بعلم ادلناعة النفسي العصيب‪ ،‬لدفعهم إلجراء ادلزيد من‬ ‫الدراسات يف ضوئو‪ ،‬أل ٌف علم ادلناعة النفسي العصيب قد أظهر أعلية علم النفس‪ ،‬من خبلؿ‬ ‫كشفو عن أثر ادلتغَتات النفسية يف اجلوانب العضوية لئلنساف‪.‬‬ ‫‪ .3‬لعدـ عثور الباحث ػ كفق إمكانيتو احملدكدة ػ على دراسة عربية تتناكؿ موضوع علم ادلناعة‬ ‫النفسي العصيب‪ ،‬أك تناقش تطبيقاتو يف اجملتمعات اإلسبلمية‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫‪ .4‬إلبراز أعلية التطبيقات اإلسبلمية ذات الصلة بعلم ادلناعة النفسي العصيب‪ ،‬نسبة ألعليتها‪ ،‬كنظرا‬ ‫للجهل هبا لدل بعض الباحثُت غَت ادلسلمُت الذين قدموا ظلاذج كتطبيقات لعلم ادلناعة النفسي‬ ‫العصيب تعتمد على األدياف غَت اإلسبلمية‪ ،‬مثل ىاركلد كوينق (‪ ،)Koenig, 2001‬الذم‬ ‫قدـ كتابان عن التدين اليهودم كادلسيحي كتأثَته يف ادلناعة‪.‬‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬

‫ىذه الدراسة ذات طبيعة نظرية حتليلية ‪ ،‬كلذلك فإ ٌف ادلنهج الوصفي التحليلي ىو ادلنهج األكثر‬

‫مبلءمة ذلا‪ ،‬كيف ذلك ادلنهج كاف االستنباط ىو األداة الرئيسية اليت استخدمت دلعاجلة تلك ادلعلومات‬ ‫كاستخبلص النتائج كالتوصيات‪.‬‬ ‫كقد استفاد الباحث من الدراسات العلمية ادلنشورة عرب اجلمعية األمريكية لعلم النفس يف رلاؿ‬ ‫علم ادلناعة النفسي العصيب‪ .‬أما التطبيقات اإلسبلمية فقد استخلصها الباحث من التوجيهات اإلسبلمية‬ ‫للتعامل مع ادلرضى كمواجهة األمراض‪ ،‬كذلك من ادلصادر اإلسبلمية األساسية‪ ،‬كىي القرآف الكرمي ككتب‬ ‫احلديث النبوم الشريف‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬علم المناعة النفسي العصبي‪ :‬تعريفو وتطوره وأدواتو البحثية‬

‫(‪ )1-1‬تعريف علم المناعة النفسي العصبي‪:‬‬

‫يعرؼ علم ادلناعة النفسي العصيب (‪ )Psychoneuroimmunology‬بأنٌو العلم الذم‬

‫يدرس العبلقات التأثَتية ادلتبادلة بُت كل من جهاز ادلناعة كالسلوؾ كاجلهاز العصيب ‪1‬كيتضح من ىذا‬ ‫التعريف التداخل بُت كل من علم ادلناعة كعلم النفس كعلم األعصاب‪ ،‬كما يتضح االىتماـ بدراسة‬ ‫العبلقات التأثَتية ادلتبادلة بُت اجلانب ادلناعي كاجلانب السلوكي كاجلانب العصيب لئلنساف‪.‬‬ ‫(‪ )2-1‬نشأة وتطور علم المناعة النفسي العصبي‪:‬‬ ‫كاف الباحثوف يف اجملاالت احليوية يرككف أ ٌف جهاز ادلناعة يعمل بصورة بيولوجية ذاتية كمستقلة‪،‬‬ ‫كاستمرت ىذه النظرة حىت منتصف سبعينيات القرف ادلاضي‪ ،‬عندما كجد ركبرت آدر (‪ )Ader‬بعض‬ ‫النتائج اليت تشكك يف ىذه ادلقولة‪ ،‬كذلك أثناء إجرائو مع زمبلئو لبعض األحباث الفيزيولوجية لتعليم‬ ‫‪Maiers, et al. 1994 ; Antoni, 2000; Reber. & Reber, 2001 ; Kiecolt-Glaser, et al. 1‬‬ ‫‪. 2002 ; Ader, et al., 2001:Vol.1, 21; Carlson, 1998, p.555‬‬

‫‪23‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫اجلرذاف سلوكان شرطيان يتمثل يف النفور من شرب ادلاء ادلخلوط بالسكر‪ ،‬كذلك عندما يتم تقدؽلو للجرذاف‬ ‫كأثناء ذلك يتم حقنها بعقار مثَت للغثياف‪ ،‬امسو (سايكلوفوسفامايد ‪.)Cyclophosphamide‬‬ ‫فتعلمت اجلرذاف عن طريق االرتباط الشرطي الكبلسيكي جتنب شرب ذلك ادلاء‪ ،‬ألنو غللب ذلا الغثياف ‪..‬‬ ‫كعندما أراد ىؤالء الباحثوف تعليم اجلرذاف التخلص من استجابة النفور من ادلاء ادلخلوط بالسكر‪ ،‬الحظوا‬ ‫أ ٌف رلموعة كبَتة من تلك أصاهبا اذلزاؿ تدرغليان كمرضت كمن مثٌ ماتت! فقاموا بإجراء دراسات أخرل‬ ‫للكشف عن سبب موت تلك اجلرذاف فتوصلوا إىل أ ٌف جهاز ادلناعة ؽلكن أف يستجيب للمثَتات احملايدة‪،‬‬ ‫كأنٌو عن طريق االرتباط الشرطي ؽلكن التأثَت يف ادلناعة‪ ،‬فأنشأكا ىذا العلم التكاملي للتعامل مع مثل ىذه‬

‫الظواىر‪.1‬‬

‫كيف عاـ (‪ )1981‬قدـ آدر مصطلح علم ادلناعة النفسي العصيب للمجتمع العلمي يف زلاضرة‬ ‫لو أثناء توليو رئاسة اجلمعية األمريكية للعلوـ النفس جسدية ‪(American Psychosomatic‬‬ ‫)‪ ،Society‬كقدـ آدر ملخصان لؤلحباث اليت أجريت يف ضوء ىذا اجملاؿ العلمي اجلديد‪ ،‬كأظهر من‬ ‫خبلذلا التكامل بُت األجهزة ادلختلفة لئلنساف‪ ،‬ككيفية تأثَتىا يف بعضها البعض‪ ،‬كخاصة يف جانب‬ ‫ادلناعة‪.2‬‬ ‫كقد حفزت ىذه النتائج كثَتان من الباحثُت يف رلاؿ الفيزيولوجيا كرلاؿ ادلناعة كرلاؿ علم‬ ‫أىم ما قدمتو ىذه النتائج ىو إقناع اجملتمع العلمي‬ ‫األعصاب إجراء ادلزيد من األحباث كالدراسات‪ .‬كإ ٌف ٌ‬ ‫ليفتح الباب كاسعان أماـ علماء النفس ليشًتكوا يف دراسة التأثَتات السلوكية على ادلناعة‪. 3‬‬

‫كمن جانب آخر فقد أثٌرت نتائج علم ادلناعة النفسي العصيب يف إزالة احلواجز بُت العلوـ‬ ‫النفسية االجتماعية‪ ،‬كبُت العلوـ البيولوجية التجريبية‪ ،‬كأصبح التكامل بينها ىو األكثر سيادة يف البحوث‬ ‫احلديثة‪ ،‬كذلك بعد أف اكتشف الباحثوف يف اجلوانب البيولوجية من شخصية اإلنساف مدل حاجتهم‬ ‫‪ 1‬مارتن‪.Azar, 1999, Antoni, 2000,3222،‬‬ ‫‪Koenig, 2002: 1 2‬‬ ‫‪.Lekander, 2003 3‬‬

‫‪24‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫للباحثُت يف اجلوانب السلوكية من تلك الشخصية‪ ،‬حيث كجدكا أ ٌف اجلوانب البيولوجية تتأثر إىل مدل‬

‫كبَت باجلوانب النفسية كاالجتماعية‪.1‬‬

‫كأجرل العلماء أحباثان أكثر عمقان دلعرفة اآلليات البيولوجية اليت عن طريقها تؤثر الضغوط النفسية‬ ‫يف اجلهاز ادلناعي‪ ،‬كمن جانب آخر فقد بدأت تصدر بعض النظريات احلديثة يف ضوء ىذا العلم كاليت‬ ‫تعترب أ ٌف جهاز ادلناعة ؽلكن النظر إليو باعتباره حاسة سادسة تزكد الدماغ بكثَت من ادلعلومات القيمة عن‬ ‫الوضع الصحي لئلنساف(‪ .)DeAngelis, 2002‬كبذلك فقد أرسى علم ادلناعة النفسي العصيب‬ ‫جذكره ‪ ،‬كاستقطب كثَتان من الباحثُت‪ ،‬كقدـ نتائج علمية متنوعة‪ ،‬كبرامج تطبيقية صحية ككقائية ذلا‬ ‫فاعلية كبَتة‪ ،‬كمن جانب آخر فقد تشكلت اجلمعيات العلمية اليت جتمع ادلهتمُت هبذا اجملاؿ حتت مظلة‬ ‫كاحدة‪،‬‬

‫كمن‬

‫أكثرىا‬

‫شهرة‬

‫رتعية‬

‫البحث‬

‫يف‬

‫علم‬

‫ادلناعة‬

‫النفسي‬

‫العصيب‬

‫(‪ ،)2( )Psychoneuroimmunology Research Society‬كاليت تصدر دكرية بعنواف‪:‬‬ ‫(الدماغ‪ ،‬السلوؾ كادلناعة ‪.)Brain, Behavior, and Immunity‬‬ ‫(‪ )3-1‬البحث العلمي في مجال علم المناعة النفسي العصبي‪:‬‬ ‫نسبة لتنوع اجملاالت العلمية اليت يتشكل منها ىذا العلم فإ ٌف البحث العلمي فيو يتم من خبلؿ‬ ‫ادلنهج الوصفي‪ ،‬كادلنهج التجرييب‪ ،‬كذلك باستخداـ طرؽ كأدكات سلتلفة‪ ،‬كاختيار عينات يف ضوء‬ ‫التصميمات الوصفية كالتجريبية ادلختلفة‪ ،‬كعادة ما يتم استخداـ األدكات التالية للتأكد من احلاالت‬ ‫النفسية كالوضع ادلناعي كإجراء التحليبلت اإلحصائية ادلختلفة‪:‬‬ ‫‪-1‬األدوات النفسية‪:‬‬ ‫كىي تشمل بعض ادلقاييس اليت تكشف عن احلاالت النفسية لؤلفراد‪ ،‬كتلك ادلقاييس تتضمن‬ ‫مقاييس الضغط النفسي‪ ،‬القلق‪ ،‬اخلوؼ‪ ،‬التفاؤؿ‪ ،‬التشاؤـ‪ ،‬كغَته‪ .‬كما أ ٌف األدكات النفسية تتضمن‬ ‫ادلقاببلت‪ ،‬كدراسات احلالة (مارتن‪ ،2111 ،‬ك‪.)Segerstrom & Miller, 2004‬‬ ‫‪Berntson & Cacioppo, 2000 1‬‬ ‫‪ 2‬مىقعها على اإلنترنت هى‪http://www.pnirs.org 9‬‬

‫‪25‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫‪-2‬األدوات المناعية‪:‬‬ ‫يتم البحث يف ادلناعة عرب طريقُت‪ :‬األكؿ ىو أخذ عينات من الدـ أك الليمف كحساب عدد‬ ‫اخلبليا ادلناعية كيتم ىذا كفق معادالت حسابية بسيطة‪ .‬كالطريق الثاين يتم من خبلؿ أخذ عينات من‬ ‫الدـ كإجراء بعض التجارب ادلعملية عليها للكشف عن قدرهتا على تكوين األجساـ ادلضادة‪ ،‬أك قدرهتا‬ ‫على قتل اخلبليا السرطانية‪ ،‬كيف ضوء ذلك ؽلكن التعرؼ على مستول ادلناعة لدل الفرد‪.1‬‬

‫ويمكن تصنيف الدراسات في مجال علم المناعة النفسي العصبي إلى ثالثة أنواع ىي‪:‬‬ ‫‪ .1‬الدراسات االرتباطية كشبو التجريبية اليت هتتم بالعبلقات بُت ادلتغَتات النفسية كاحلاالت ادلناعية‬ ‫ادلرتبطة هبا‪.‬‬ ‫‪ .2‬الدراسات التجريبية اليت هتتم باجلوانب البيولوجية للعبلقة بُت ادلتغَتات النفسية كاحلاالت ادلناعية‬ ‫ادلرتبطة هبا‪.‬‬ ‫‪ .3‬الدراسات االرتباطية كالتجريبية اليت هتتم بالتطبيقات النفسية كاالجتماعية لعلم ادلناعة النفسي‬ ‫العصيب يف اجملاؿ الصحي‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬نتائج علم المناعة النفسي العصبي‬

‫حول تأثير الحاالت النفسية في المناعة الجسمية‬ ‫فيما يلي نقدـ أدلة علمية عن تأثَت بعض ادلتغَتات النفسية لئلنساف يف ادلناعة‪ ،‬كذلك يف ضوء ما‬

‫أسفر عنو البحث العلمي يف رلاؿ علم ادلناعة النفسي العصيب‪:‬‬ ‫(‪)1-2‬التفاؤل والتشاؤم‪:‬‬ ‫كجد رلموعة من الباحثُت أ ٌف التفاؤؿ كالتشاؤـ ذلما أثر يف كفاءة اجلهاز ادلناعي‪ ،‬كذلك عندما‬

‫قارنوا بُت رلموعتُت – مت ضبط متغَتاهتما دتامان – إحداعلا تشمل رلموعة من ادلتفائلُت الذين أجريت ذلم‬ ‫عمليات جراحية‪ ،‬كاجملموعة األخرل من ادلتشائمُت الذين أجريت ذلم عمليات جراحية شلاثلة ‪ ..‬فأظهرت‬ ‫النتائج أ ٌف ادلتفائلُت اندملت جركحهم بصورة أسرع من ادلتشائمُت‪ ،‬كمعركؼ أ ٌف برء اجلركح كاندماذلا‬ ‫يتأثر مبستول ادلناعة‪.2‬‬ ‫‪ 1‬مارتن‪ 3222(Segerstrom & Miller, ،‬و‪.2004‬‬ ‫‪Kiecolt-Glaser, et al. 1998 2‬‬

‫‪26‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫كيرتبط التفاؤؿ كالتشاؤـ بادلستقبل‪ ،‬فادلتفائل يتوقع حدكث اخلَت‪ ،‬كادلتشائم يتوقع اخلسارة‬ ‫كالشر‪ ،‬كالدراسة التالية تؤكد أثر التوقع على عمل اجلهاز ادلناعي‪ ،‬فقد أجرل رلموعة من الباحثُت دراسة‬ ‫على عشرين امرأة من ادلصابات بسرطاف ادلبيض (‪ ،)Ovarian cancer‬كالبلئى يتلقُت عبلجان‬ ‫كيميائيان يف أحد ادلستشفيات ( كمن اآلثار اجلانبية للعبلج الكيميائي ضد السرطاف قتل بعض اخلبليا‬ ‫ادلناعية‪ ،‬شلا يؤدم إىل ما يعرؼ بعملية كبت ادلناعة )‪ ،)Immune suppression‬كىؤالء النسوة‬

‫ادلصابات يدركن أ ٌف للعبلج الكيميائي ذلك األثر السليب على جهاز ادلناعة‪ ،‬كبالتايل فإهنن يتوقعنو‪.‬‬

‫كن يف بيوهتن قبل موعد العبلج‬ ‫كقاـ ىؤالء الباحثوف بأخذ عينات من دـ أكلئك النسوة عندما ٌ‬

‫دمهن عندما حضرف للمستشفى إلجراء العبلج الكيميائي قبل بدء‬ ‫الكيميائي‪ ،‬كأخذكا عينات أخرل من ٌ‬ ‫اجللسات‪ ،‬كعندما مت فحص الدـ يف احلالتُت للتأكد من مستول ادلناعة‪ ،‬اتضح أ ٌف مستول ادلناعة اطلفض‬

‫كن يف بيوهتن‪ .‬كقد مت تفسَت‬ ‫كثَتان عندما حضر ٌف للمستشفى للعبلج الكيميائي مقارنة مبستواىا عندما ٌ‬ ‫ذلك بعملية التعلم الشرطي التقليدم‪.1‬‬

‫كأجرل سيقرسًتكـ كآخركف‪ 2‬دراسة لفحص ارتباط التفاؤؿ بادلناعة‪ ،‬كذلك لدل عينة من‬

‫الطبلب اجلامعيُت‪ ،‬فوجدكا أ ٌف ىناؾ ارتباطان داالن قويان بُت حالة التفاؤؿ لدل األفراد كبُت االرتفاع‬ ‫كالكفاءة العالية يف مستول مناعتهم‪.‬‬ ‫كقد أجرل تايلور كزمبلؤه‪ 3‬دراسة استقصائية لنتائج الدراسات ادلتعلقة باحلاالت النفسية دلرضى‬

‫اإليدز‪ ،‬فوجدكا أ ٌف التفاؤؿ كاالعتقادات اإلغلابية‪ ،‬ذلا آثار صحية كقائية دلرضى اإليدز‪.‬‬

‫(‪)2-2‬االتكتئا‪::‬‬

‫‪4‬‬

‫أجرل الباحثوف دراسة كثَتة عن االكتئاب كعبلقتو بادلناعة ‪ ،‬كقاـ كيز مبراجعة شاملة للعديد‬ ‫من البحوث اليت أجريت عن االكتئاب كادلناعة‪ ،‬كخلص إىل أ ٌف نتائج تلك الدراسات تشَت بصورة عامة‬

‫‪Bovbjerg, et al. 1990 1‬‬ ‫‪Segerstrom, et al. 1998 2‬‬ ‫‪Taylor, et al. 2000 3‬‬ ‫‪Weise, 1992 4‬‬

‫‪27‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫إىل أ ٌف ذكم األعراض االكتئابية قد ضعفت معدالت كفاءهتم ادلناعية بدرجة كبَتة‪ ،‬كأ ٌف ذلك الضعف‬ ‫كالتدىور ادلناعي يبدك أكثر ارتباطان باضطراب ادلزاج‪.‬‬

‫كبعد إجراء حتليل آخر للدراسات اليت تناكلت العبلقة بُت ادلناعة كاالكتئاب اتضح أ ٌف ىناؾ‬ ‫ثباتان مرتفعان دلستول تلك العبلقة‪ ،‬أم أ ٌف احلاالت اإلكتئابية ذلا ارتباط سليب مع ادلناعة بصورة عامة ‪..‬‬ ‫كلكن التغيَتات ادلناعية كانت أشد لدل كبار السن ادلكتئبُت‪ ،‬كلدل ادلرضى احملبوسُت يف ادلستشفيات‪.1‬‬

‫كقد الحظ رلموعة من الباحثُت ارتفاع نسبة الوفيات بُت ادلصابُت باإلكتئاب‪ ،‬فأجركا دراسة‬ ‫للتأكد من العبلقة بُت االكتئاب كاإلصابة باألمراض العضوية ادلسببة للوفاة‪ ،‬فوجدكا أ ٌف االكتئاب يؤثر يف‬

‫كفاءة اجلهاز ادلناعي كغلعل الفرد مهيأن لئلصابة باألمراض العضوية ادلؤدية للوفاة‪.2‬‬ ‫(‪)3-2‬الضغوط النفسية‪:‬‬

‫أفادت الدراسات اليت حبثت العبلقة بُت الضغط النفسي كمستول ادلناعة لدل اإلنساف أ ٌف‬ ‫ىناؾ عبلقة قوية بُت ادلناعة كالضغط النفسي‪ ،‬كقد حصر سيقرسًتكـ كميلر ‪ 3‬أكثر من (‪ )311‬دراسة‬ ‫علمية تناكلت العبلقة بُت الضغوط النفسية كمتغَتات اجلهاز ادلناعي لدل عينات بشرية سلتلفة‪ ،‬كعندما‬ ‫قاما بتحليلها‪ ،‬توصبل إىل أ ٌف الضغوط اخلفيفة ادلؤقتة ترتبط بإعادة تنظيم كتكيف دلتغَتات ادلناعة الطبيعية‪،‬‬

‫كاطلفاض طفيف يف تنظيم ادلناعة ادلتخصصة‪ ،‬أما الضغوط احلادة القصَتة األمد (مثل االمتحانات) أدت‬ ‫إىل قمع ادلناعة اخللوية (‪ ،)Cellular Immunity‬بينما أدت الضغوط احلادة ادلزمنة إىل قمع كل‬ ‫من ادلناعة اخللوية‪ ،‬كادلناعة اخللطية (‪.)Humoral Immunity‬‬ ‫كقد أجرل ميلر كآخركف‬

‫‪4‬‬

‫دراسة للتأكد من مدل تأثَت الضغط النفسي على ادلناعة لدل‬

‫األفراد األصحاء‪ ،‬فاختاركا عينة من اآلباء‪ ،‬كنصف ىؤالء اآلباء ذلم أبناء مصابُت بالسرطاف‪ ،‬كالنصف‬ ‫اآلخر ىم آباء ألطفاؿ أصحاء‪ .‬كبعد ضبط ادلتغَتات طبقت عليهم مقاييس للضغط النفسي‪ ،‬كأخذت‬ ‫عينات من دمائهم لدراسة مناعتهم‪ ،‬فوجدكا أ ٌف آباء األبناء ادلصابُت بالسرطاف قد سجلوا درجات مرتفعة‬ ‫‪Herbert, & Cohen, 1993 1‬‬ ‫‪Kiecolt-Glaser, & Glaser, 2002 2‬‬ ‫‪Segerstrom & Miller, 2004 3‬‬ ‫‪Miller, et al. 2002 4‬‬

‫‪28‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫على مقاييس الضغط النفسي‪ ،‬أكثر من اجملموعة الثانية‪ ،‬كيف نفس الوقت فقد كاف مستول كفاءة‬ ‫مناعتهم أقل من كفاءة اجملموعة الثانية‪ .‬كخلص الباحثوف إىل أ ٌف الضغط النفسي لدل األصحاء لو أثر‬ ‫سليب كاضح على كفاءة اجلهاز ادلناعي‪.‬‬ ‫كىناؾ الضغط النفسي الناتج من أساليب ادلواجهة غَت السوية للصدمات احلياتية ادلختلفة اليت‬ ‫يتعرض ذلا الناس‪ ،‬كيسمى باضطراب الضغط بعد الصدمة‪ ،‬أك اضطراب ما بعد الصدمة (‪Post-‬‬ ‫‪ ،)traumatic stress disorder‬كقد ظهرت أدلة علمية كثَتة تؤكد أ ٌف التغَتات ادلناعية ترتبط‬ ‫باضطراب ما بعد الصدمة‪.1‬‬ ‫كالصدمات النفسية تتولد عنها ضغوط نفسية متباينة‪ ،‬كقد تًتؾ آثاران سلبية على ادلناعة‪ ،‬كمن‬ ‫جانب آخر فقد الحظ رلموعة من الباحثُت أ ٌف ىناؾ نسبة عالية بُت موت أحد الزكجُت كتعرض الزكج‬

‫اآلخر جملموعة من األمراض‪ ،‬كعندما قاموا بفحص اخلبليا ادلناعية كالوظائف ادلناعية لدل عينة من النساء‬ ‫البلئي مات أزكاجهن حديثان‪ ،‬كجدكا أ ٌف نشاط اخلبليا ادلناعية القاتلة لديهن قد اطلفض بنسبة (‪)%51‬‬ ‫مقارنة بعينات شلاثلة ذلن من النساء البلئي مل ؽلت أزكاجهن‪.2‬‬ ‫كيف دراسة عن أثر احلصوؿ على تقدير أقل من ادلتوسط يف االختبارات النهائية لدل عينة من‬ ‫طبلب كلية الطب ادلتخرجُت‪ ،‬اتضح أ ٌف نسبة نشاط اخلبليا ادلناعية قد ضعفت لديهم بنسبة (‪)%51‬‬ ‫مقارنة بزمبلئهم الذين حصلوا على تقديرات مرتفعة‪ ،‬كالسبب يف ذلك ىو الصدمة الناجتة من احلصوؿ‬ ‫على ىذه النتيجة‪.3‬‬ ‫كتتزايد األدلة العلمية اليت تؤكد بأ ٌف الضغط النفسي يزيد من إمكانية القابلية لئلصابات ادلرضية‬

‫الفَتكسية لدل مرضى اإليدز‪ ،‬كذلك من خبلؿ تأثَت الضغط النفسي يف كبت القدرة ادلناعية دلقاكمة تلك‬ ‫الفَتكسات(‪ .)Robinson, et al. 2000‬كقد يدرست آثار العوامل النفسية كاالجتماعية على‬ ‫القابلية لئلصابة باألمراض ادلختلفة‪ ،‬كاتضح أ ٌف الذين أصيبوا باألمراض بصورة عامة قد تعرضوا ألحداث‬ ‫حياتية كضغوط نفسية يف الفًتات اليت سبقت إصابتهم بتلك األمراض(‪.)O’leary,1990‬‬

‫‪Wong, 2002 1‬‬ ‫‪O’leary,1990 2‬‬ ‫‪O’leary,1990 3‬‬

‫‪32‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫كإ ٌف الضغوط النفسية تؤثر يف ادلناعة فتؤدم إىل تأخَت برء اجلركح‪ ،‬كللتأكد من ذلك فقد‬ ‫أجريت دراسة على بعض األفراد الذين كانوا حتت ضغط نفسي ناتج من شلارضتهم لذكيهم ادلصابُت‬ ‫مبرض الزىاؽلر‪ ،‬كأجريت جتربة علمية دتثلت يف إحداث جركح مبقاييس زلددة كمضبوطة بدقة يف أجساـ‬ ‫ىؤالء ادلعرضُت للضغط‪ ،‬كأجريت جركح شلاثلة لدل عينة ضابطة‪ .‬كاتضح أ ٌف متوسط زمن الربء من ىذه‬ ‫اجلركح التجريبية قد تأخر دلدة تسعة أياـ لدل العينة ادلعرضة للضغط مبقارنة بالعينة الضابطة غَت ادلعرضة‬

‫للضغط‪ ،‬كذلك بنسبة تأخَت بلغت (‪.1)%24‬‬ ‫(‪)4-2‬االنفعاالت‪:‬‬ ‫دتثل االنفعاالت بعدا أساسيا يف السلوؾ اإلنساين‪ ،‬كقد كشفت الدراسات اليت أجريت يف ضوء‬ ‫علم ادلناعة النفسي العصيب أ ٌف االنفعاالت اإلغلابية أك السلبية ترتبط بادلناعة بصور سلتلفة‪ .‬فقد أجرل‬ ‫كوىُت كزمبلؤه عاـ (‪ ) 1991‬دراسة جتريبية إلثبات العبلقة بُت احلاالت االنفعالية السالبة‪ ،‬كالقابلية‬ ‫لئلصابة باألمراض نتيجة لعدـ كفاءة ادلناعة يف مقاكمة ادليكركبات‪ ،‬حيث قاموا بتعريض عينة من‬ ‫ادلتطوعُت ألحد الفَتكسات ادلؤثرة على اجلهاز التنفسي‪ ،‬ككجدكا أ ٌف األفراد ذكم االنفعاالت السالبة قد‬ ‫استجابوا لذلك الفَتكس كأصيبوا بادلرض‪ ،‬بينما األفراد ذكم االنفعاالت ادلوجبة مل يصابوا بذلك ادلرض‪.2‬‬

‫كأفادت دراسات نفسية فيزيولوجية أ ٌف األفراد ذكم النشاط العايل يف جبهة القشرة الدماغية‬ ‫اليمٌت لديهم نشاط أقل يف الوظائف ادلناعية‪ ،‬كخاصة اخلبليا ادلناعية القاتلة(‪،)Natural Killers‬‬ ‫بينما األفراد ذكم النشاط ادلرتفع يف جبهة القشرة الدماغية اليسرل لديهم نشاط أكثر يف خبليا ادلناعة‬ ‫القاتلة‪ ،‬كىذه النتائج تتسق مع النتائج اليت تبُت أ ٌف جبهة القشرة الدماغية اليسرل ترتبط باالنفعاالت‬ ‫اإلغلابية‪ ،‬كأ ٌف جبهة القشرة الدماغية اليمٌت مرتبطة باخلربات كالتعبَتات االنفعالية السالبة‪ 3‬أم أ ٌف األفراد‬

‫ذكم االنفعاالت اإلغلابية مثل السركر كالفرح يكوف نشاطهم ادلناعي عاليا‪ ،‬بينما األفراد ذكم االنفعاالت‬

‫السلبية مثل‪ :‬احلزف كاخلوؼ يكوف نشاطهم ادلناعي ضعيفا‪.‬‬ ‫‪Kiecolt-Glaser, et al., 1998 1‬‬ ‫‪Salorey, et al., 2000 2‬‬ ‫‪Kiecolt-Glaser, et al.,2002 3‬‬

‫‪34‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫كيف إحدل الدراسات ادلعملية مت تعريض عينة من النساء ألحد األفبلـ الكوميدية ادلضحكة‪،‬‬ ‫كيف نفس الوقت أيخذت عينات من دمائهن لقياس مستول ادلناعة‪ ،‬فظهر أ ٌف أحد األجساـ ادلضادة‪ ،‬قد‬

‫ارتفع مستواه لديهن بصورة ملحوظة‪ .‬كعندما عرض الباحثوف فيلما تراجيديا حزينا على نفس أكلئك‬ ‫النسوة‪ ،‬كقاسوا مستول ذلك اجلسم ادلضاد يف الدـ كجدكه قد اطلفض بصورة ملحوظة أيضان‪ .1‬كمن‬ ‫جانب آخر فقد اتضح أ ٌف االنفعاالت السلبية قد ارتبطت بإطالة احلاالت االلتهابية كتأخَت برء اجلركح‬

‫كاندماذلا‪.2‬‬

‫كاتضح أيضان أ ٌف القلق يؤثر على ادلناعة‪ ،‬كقد الحظ الباحثوف أ ٌف قلق االختبار الذم يظهر لدل‬

‫بعض الطبلب أثناء فًتة االختبارات الدراسية لو آثار سلبية على ادلناعة‪ ،‬ك للتأكد من ذلك فقد أجريت‬ ‫جركح جتريبية طفيفة لدل عينة من الطبلب أثناء فًتة االختبارات‪ ،‬كسجلت ادلدة الزمنية اليت استغرقت‬ ‫لربء تلك اجلركح‪ ،‬كمن جانب آخر فقد أجريت جركح شلاثلة لدل ىذه العينة من الطبلب أثناء فًتة‬ ‫اإلجازة‪ ،‬كقورنت ادلدة الزمنية ادلستغرقة لربء اجلركح يف احلالتُت‪ ،‬فتوصل الباحثوف إىل أ ٌف عملية برء اجلركح‬

‫أثناء االختبارات قد تأخرت بنسبة (‪ ،)%41‬عن برء اجلركح أثناء اإلجازة‪ ،‬ك كاف ىناؾ تغَت شلاثل يف‬

‫مستول ادلناعة يف احلالتُت‪.3‬‬

‫كاتضح أ ٌف قلق االختبارات يؤثر يف االستجابة ادلناعية‪ ،‬فقد أجريت دراسات جتريبية للمقارنة‬ ‫بُت تطعيم الطبلب بلقاح فَتكس الكبد الوبائي أثناء فًتة االختبارات‪ ،‬كيف فًتات أخرل بعيدان عن قلق‬

‫االختبار‪ ،‬فكانت النتيجة أ ٌف التطعيم أثناء فًتة االختبارات يؤدم إىل استجابة مناعية ضعيفة مقارنة‬ ‫بالفًتات األخرل‪ ،‬كالسبب يف ذلك ىو قلق االختبار‪.4‬‬ ‫(‪)5-2‬الحرمان من النوم واألرق والمناعة‪:‬‬

‫ػلتاج جسم اإلنساف للنوـ بصورة يومية‪ ،‬كقد أفادت النتائج العلمية للدراسات اليت فحصت‬ ‫مستول ادلناعة كعبلقتو بالنوـ‪ ،‬أ ٌف األرؽ كاالضطرابات يف النوـ ذلا تأثَت سليب على ادلناعة الطبيعية‪.5‬‬ ‫‪Salorey, et al., 2000 1‬‬ ‫‪Kiecolt-Glaser, 2002 2‬‬ ‫‪Kiecolt-Glaser, et al., 1998 3‬‬ ‫‪Kiecolt-Glaser, et al.,2002 4‬‬ ‫‪Irwin, 2001 5‬‬

‫‪33‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫كللتأكد من أثر احلرماف من النوـ يف ادلناعة قاـ رلموعة من الباحثُت حبرماف عينة من الطبلب من النوـ‬ ‫دلدة تًتاكح بُت ‪ 77-48‬ساعة‪ ،‬كقاموا بفحص مستول مناعتهم‪ ،‬فتوصلوا إىل أ ٌف احلرماف من النوـ يؤدم‬ ‫إىل و‬ ‫تدف حاد يف فعالية اخلبليا ادلناعية‪.1‬‬ ‫كقد أجريت دراسة جتريبية للتأكد من أثر النوـ يف ادلناعة‪ ،‬كذلك من خبلؿ برنامج إرشادم‬ ‫دلساعدة بعض الطبلب ادلصابُت باألرؽ على النوـ‪ ،‬كدلت النتائج أ ٌف للنوـ آثاران مهمة على ادلناعة‪ ،‬حيث‬

‫ارتفعت معدالت ادلناعة لدل الطبلب الذين استفادكا من الربنامج اإلرشادم مقارنة مبجموعة ضابطة مل‬

‫يطبق عليها ذلك الربنامج‪ .2‬إذف فهذه الدراسات تدؿ على أ ٌف النوـ لو آثار إغلابية على ادلناعة‪ ،‬بينما‬ ‫احلرماف من النوـ كاألرؽ كاضطرابات النوـ ذلا آثار سالبة على ادلناعة‪.‬‬ ‫التفسير البيولوجي لتأثير الحاالت النفسية في المناعة‬ ‫بعد أ ٌف تأكد العلماء من العبلقة التأثَتية القوية بُت ادلتغَتات النفسية كادلناعة‪ ،‬سعوا للتعرؼ‬ ‫على اآللية اليت من خبلذلا ػلدث ذلك التأثَت بُت ىذين ادلتغَتين الذين يبدكاف أف ال عبلقة بينهما أبدان!‬

‫كمع أ ٌف البحث العلمي يف ىذا اجلانب يأيت كل يوـ جبديد إال أ ٌف ما مت التوصل إليو ؽلكن تلخيصو يف‬ ‫اآليت‪:‬‬ ‫‪-1‬التأثير عن طريق االرتباط التشريحي بين الجهاز العصبي والجهاز المناعي‪:‬‬

‫لقد تبُت أ ٌف األلياؼ العصبية تنزؿ من الدماغ كتتصل بكل من األنسجة ادلناعية األكلية (طلاع‬ ‫العظاـ‪ ،‬كالغدة الزعًتية)‪ ،‬كتتصل باألنسجة ادلناعية الثانوية (الطحاؿ كالعقد الليمفاكية)‪ .‬كتصدر عن ىذه‬ ‫األلياؼ رلموعة من ادلواد ادلتنوعة اليت تلتصق بادلستقببلت ادلوجودة على خبليا الدـ األبيض كتؤثر يف‬ ‫االستجابة ادلناعية بصورة مباشرة‪ 3‬كىذه الركابط بُت كل من الدماغ كاجلهاز ادلناعي تسمح لتأثَت كل من‬ ‫اجلهازين يف اآلخر‪ ،‬كذلك نسبة لوجود ادلسالك ادلزدكجة بينهما‪.4‬‬ ‫‪O’leary,1990 1‬‬ ‫‪Gruzelier, et al., 2001 2‬‬ ‫‪.Antoni, 2000, Shigenobu, 2001, Segerstrom, et al, 2004 3‬‬ ‫‪Ader, 2001 4‬‬

‫‪32‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫كىذا االرتباط العضوم التشرػلي بُت اجلانب العصيب كاجلانب ادلناعي لو أعلية كبَتة‪ ،‬كذلك‬ ‫نظرا أل ٌف اجلهاز العصيب ىو اجلهاز العضوم ادلتأثر كادلؤثر يف العمليات السلوكية بصورة مباشرة‪ ،‬فقد‬ ‫كشف البحث العلمي عن كثَت من العبلقات القوية بُت اجلهاز العصيب كالعمليات النفسية كالسلوكية‪.‬‬ ‫‪-2‬التأثير الهرموني‪:‬‬ ‫التأثَت اذلرموين على ادلناعة يتم من خبلؿ التغَتات االنفعالية‪ ،‬فالضغوط النفسية كاخلوؼ كالقلق‬ ‫كاحلاالت االكتئابية ينتج عنها إفرازات متزايدة من ىرموف األدرينالُت كالكورتيزكف يف الدـ‪ ،‬كىذه اذلرمونات‬ ‫ذلا تأثَتات سلبية على توزيع اخلبليا ادلناعية يف الدـ‪ ،‬كما ذلا تأثَت سليب على تكوين األجساـ ادلضادة يف‬ ‫الدـ‪.1‬‬ ‫ثالثاً‪:‬تطبيقات علم المناعة النفسي العصبي والصعوبات التي تواجهها‬ ‫أجرل الباحثوف يف علم ادلناعة النفسي العصيب العديد من الدراسات كاألحباث اليت أثبتت تأثَت‬ ‫ادلتغَتات النفسية يف ادلناعة‪ ،‬كاليت بيٌنت قابلية األفراد ذكم ادلستويات ادلناعية ادلتدنية لئلصابة باألمراض‬ ‫العضوية إذا توفرت مسبباهتا‪ ،‬كاليت أكضحت عبلقة تلك ادلتغَتات النفسية بتأخَت الشفاء كتعجيلو‪.‬‬

‫كما توصل إليو أكلئك الباحثوف يف ضوء ىذا العلم شجعهم على االستفادة منو تطبيقيان يف اجملاؿ‬ ‫الصحي‪ ،‬كذلك من خبلؿ تنمية ادلتغَتات النفسية ذات األثر اإلغلايب‪ ،‬كالتخلص من ادلتغَتات النفسية‬ ‫ذات األث ر السليب يف ادلناعة‪ ،‬كلذلك أجركا دراسات تطبيقية سلتلفة يف اجملاؿ الصحي يف ضوء علم ادلناعة‬ ‫النفسي العصيب‪ ،‬كسوؼ نقدـ نتائج من تلك الدراسات التطبيقية‪ ،‬كنستعرض الصعوبات اليت تواجو‬ ‫تنفيذىا كتعميمها‪.‬‬ ‫(‪ )1-3‬أثر الدعم النفسي االجتماعي في المناعة لدى المصابين بالسرطان‪:‬‬ ‫نالت العبلقة بُت الدعم االجتماعي كالصحة أعلية حبثية عالية‪ ،‬كتبُت أ ٌف الدعم االجتماعي‬ ‫يلعب دكران كبَتان يف ادلناعة‪ .2‬فقاـ رلموعة من الباحثُت بدراسة أثر التدخل النفسي االجتماعي يف تعزيز‬ ‫‪Carlson, 1998; Antoni, 2000; Shigenobu; 2001 1‬‬ ‫‪DiMatteo, 2004 2‬‬

‫‪33‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫ادلناعة لدل ادلصابُت بالسرطاف‪ ،‬فاختاركا عينة من مرضى السرطاف‪ ،‬كقسموا العينة إىل رلموعتُت‪ ،‬كطبقوا‬ ‫تقنية التدخل النفسي االجتماعي التعاكين مع إحدل اجملموعتُت كتركت اجملموعة األخرل ببل تدخل‪.‬‬ ‫كدرسوا أثر التدخل النفسي االجتماعي على ادلناعة‪ ،‬فتوصلوا إىل أ ٌف اجملموعة اليت تلقت الدعم النفسي‬ ‫االجتماعي قد زاد لديها النشاط ادلناعي يف اخلبليا ادلناعية القاتلة طبيعيان (‪،)Natural Killers‬‬ ‫بصورة ملحوظة مقارنة مع اجملموعة األخرل‪.1‬‬

‫ذلن‬ ‫كأجريت دراسة جتريبية على عينة من النساء ادلصابات بسرطاف الثدم‪ ،‬البلئي يحددت ٌ‬ ‫عمليات جراحية الستئصاؿ اخلبليا ادلصابة بالسرطاف‪ .‬كقيسمت تلك العينة إىل رلموعة ضابطة كرلموعة‬ ‫جتريبية‪ ،‬كأيخضعت اجملموعة التجريبية إىل تدخل نفسي اجتماعي مقصود قبل إجراء العملية‪ ،‬كأيخذت‬

‫عينات من دـ اجملموعتُت لفحص أثر التدخبلت النفسية االجتماعية على ادلناعة لدل اجملموعتُت‪،‬‬ ‫فأكضحت نتائج تلك الدراسة أ ٌف للتدخل النفسي االجتماعي أثر كبَت على الوضع ادلناعي لدل اجملموعة‬ ‫التجريبية مقارنة باجملموعة الضابطة‪.2‬‬

‫(‪ )2-3‬أثر الدعم النفسي االجتماعي في مناعة األطفال وتكبار السن‪:‬‬ ‫للدعم االجتماعي كادلساندة النفسية أثر كبَت على اجلوانب الصحية لدل األطفاؿ‪ ،‬كقد‬ ‫تبُت أ ٌف الضغط النفسي ادلرتبط بالتطعيم لدل األطفاؿ يؤثر يف مستول مناعتهم‪ ،‬فأجرل رلموعة من‬ ‫الباحثُت جتربة للتدخل النفسي االجتماعي قامت بو بعض ادلمرضات باالشًتاؾ مع أمهات األطفاؿ‪،‬‬ ‫كذلك من خبلؿ بعض الربامج ادلسلية لؤلطفاؿ‪ ،‬فأثٌر ذلك التدخل يف ختفيف الضغط النفسي ادلرتبط‬ ‫بادلناعة لدل ىؤالء األطفاؿ أثناء عمليات التطعيم‪ .3‬كمن جانب آخر فقد أجريت دراسة على عينة كبَتة‬ ‫من كبار السن‪ ،‬كذلك للتأكد من مدل تأثَت الدعم االجتماعي الذم يتلقونو بكفاءهتم ادلناعية‪ ،‬كأكدت‬ ‫تلك الدراسة أ ٌف ىناؾ عبلقة إغلابية قوية بُت كل من الدعم االجتماعي كالكفاءة ادلناعية لدل أفراد تلك‬

‫العينة‪.4‬‬

‫‪Maier, et al., 1994 1‬‬ ‫‪Larson, et al.2000 2‬‬ ‫‪Cohen, 2002 3‬‬ ‫‪O’leary,1990 4‬‬

‫‪34‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫‪ )3-3‬نوعية التطبيقات المؤثرة في الدعم النفسي االجتماعي لدى المرضى‪:‬‬ ‫استخدـ رلموعة من الباحثُت ظلاذج من االسًتاتيجيات للتدخل لتنمية كدعم الوظائف ادلناعية‬ ‫لدل بعض ادلرضى‪ ،‬كمشلت تلك االسًتاتيجيات كبل من‪ :‬االسًتخاء‪ ،‬التنومي ادلغنطيسي‪ ،‬اإلجراءات‬ ‫الشرطية التقليدية‪ ،‬كتنمية الكفاءة الذاتية‪ ،‬كالعبلج السلوكي ادلعريف‪ ،‬كالسباحة يف عامل اخلياؿ‪ ،‬كالتدريب‬ ‫على مهارات ادلواجهة النفسية‪ ،‬كحتقيق التواصل مع اآلخرين‪ ،‬كقد أذترت تلك االسًتاتيجيات يف إحداث‬ ‫تغيَتات إغلابية يف ادلناعة‪ . 1‬كىناؾ تطبيقات أثبتت فاعليتها باعتمادىا على البعد العقلي اإلدراكي‪،‬‬ ‫كالوجداين العاطفي‪ .2‬ك ىناؾ تطبيقات أثبتت فاعليتها باعتمادىا على اإلجراءات السلوكية ادلعرفية يف‬ ‫ختفيف حدة الضغط النفسي لدل ادلرضى‪ ،‬شلا أدل إىل تأثَت مباشر يف تنمية كفاءهتم ادلناعية‪.3‬‬ ‫ككشفت بعض الدراسات عن أسباب صلاح بعض التدخبلت النفسية االجتماعية يف تأثَتىا‬ ‫على ادلناعة لدل ادلرضى‪ ،‬كذلك من خبلؿ تأثَتىا يف احلد من الضغوط النفسية ادلرتبطة ببعض األمراض‬ ‫مثل السرطاف‪ .‬كلذلك يرل الباحث اتامي‪ 4‬أ ٌف التدخبلت الفاعلة ىي اليت تعتمد على مبدأ إعطاء معٌت‬

‫للحياة‪ ،‬كذلك من خبلؿ‪ :‬فهم ادلرض كفهم كيفية مواجهتو‪ ،‬ككضع أىداؼ حياتية عاجلة‪ ،‬كتكريس جزء‬ ‫من الوقت لبعض األنشطة اليومية اذلادفة‪ ،‬ك االىتماـ باآلخرين‪ ،‬كتعلم عدـ اخلوؼ من ادلوت كاالستعداد‬

‫دلواجهتو ألنو ظاىرة ال مفر منها‪ ،‬كعدـ اليأس من احلياة‪.‬‬ ‫(‪ )4-3‬المنفذون للدعم النفسي االجتماعي المؤثر في مناعة المرضى‪:‬‬ ‫كجد رلموعة من الباحثُت الذين فحصوا (‪ )81‬دراسة علمية أجريت يف ىذا اجملاؿ أ ٌف الدعم‬

‫االجتماعي ذا األثر اإلغلايب يف ادلناعة قد تشكل من خبلؿ إحداث شبكة من العبلقات بُت األفراد الذين‬ ‫يزكركف ادلريض‪ ،‬مثل‪ :‬األصدقاء كالرفاؽ كأفراد األسرة‪ ،‬كدتثل ذلك الدعم االجتماعي كظيفيان يف إبداء‬ ‫العواطف كتقدمي ادلعلومات للمريض‪ .‬كأفضل دعم اجتماعي ىو الذم يصدر عن أسرة‬

‫‪Kiecolt-Glaser & Glaser, 1992; Antoni, 2003 1‬‬ ‫‪Robinson, et al. 2000( 2‬‬ ‫‪McGregor, et al., 2004 3‬‬ ‫‪Itami,2000 4‬‬

‫‪35‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫ادلريض(‪ .)Uchino, et al. 1996‬كتوصل داؽلاتيو ‪ 1‬إىل أ ٌف الدعم االجتماعي من األصدقاء كأفراد‬ ‫األسرة لو تأثَت كبَت على ادلريض‪.‬‬

‫(‪ )5-3‬الفوائد الملموسة من الدعم النفسي االجتماعي‪:‬‬ ‫الدعم النفسي االجتماعي الذم أثبت فاعليتو يف تأثَته يف مناعة ادلرضى‪ ،‬قد توفرت فيو بعض‬ ‫ادلميزات مثل‪ :‬الدعم ادلايل للمريض‪ ،‬تقدمي ادلعلومات كاحلقائق ادلرتبطة بالصحة لدل ادلرضى‪ ،‬تقدمي‬ ‫ادلساندة العاطفية لدل ادلرضى‪ ،‬إشعار ادلريض بأعليتو االجتماعية‪ ،‬كأنٌو شخص لو كضعيتو اخلاصة من‬ ‫خبلؿ حاجة اجملتمع لو يف رلالو‪ .2‬كمن جانب آخر يساعد الدعم النفسي االجتماعي يف تنمية التفاؤؿ‬ ‫كرفع درجة تقدير الذات كيقلل من الضغوط النفسية لدل ادلرضى‪.3‬‬ ‫(‪ )6-3‬الصعوبات التي تواجو التطبيقات النفسية االجتماعية لعلم المناعة النفسي العصبي‪:‬‬ ‫رغم الفوائد الظاىرة للتطبيقات النفسية االجتماعية كتأثَتىا ادلباشر يف مناعة ادلرضى إال أ ٌف‬ ‫ىناؾ بعض الصعوبات اليت تواجو تنفيذىا‪ ،‬كتتمثل تلك الصعوبات يف ما يلي‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬التدخبلت التجريبية مل يكتب ذلا النجاح بصورة مطلقة‪ :‬فقد ذكر بعض الباحثُت أنٌو مل تثبت برامج‬ ‫التدخبلت النفسية االجتماعية فاعليتها يف كل احلاالت‪ .4‬كلذلك يرل بعض الباحثُت أنٌو ما زالت‬

‫ىناؾ حاجة ماسة إىل إجراء ادلزيد من الدراسات إلرساء قواعد التدخبلت النفسية الداعمة لصحة‬

‫اإلنساف بصورة صحيحة‪.5‬‬ ‫ثانياً‪ :‬الدعم النفسي االجتماعي التلقائي من ذكم ادلريض كاف أفضل من الدعم الذم تقوـ بو الفرؽ‬ ‫التجريبية‪ :‬فقد ذكر كوىُت‪ 6‬أ ٌف معظم الدراسات اليت أجريت عن اآلثار االجتماعية يف صحة‬

‫‪DiMatteo, 2004 1‬‬ ‫‪Cohen, 2004 2‬‬ ‫‪DiMatteo, 2004 3‬‬ ‫‪Kiecolt-Glaser, et al., 1998 4‬‬ ‫‪Nicassio, et al., 2004 5‬‬ ‫‪Cohen, 2004 6‬‬

‫‪36‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫ادلرضى‪ ،‬أكدت أ ٌف الدعم االجتماعي التلقائي الطبيعي‪ ،‬كاف ىو األفضل من التدخل النفسي‬ ‫االجتماعي الذم قامت بو بعض الفرؽ ادلتخصصة ادلعدة لذلك بصورة خاصة‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬الوضع الثقايف كالديٍت كانت لو آثار مباشرة على الدعم النفسي االجتماعي‪ ،‬شلا يؤدم إىل رفض‬ ‫ادلريض لنوعية من التدخبلت غَت ادلتسقة مع ثقافتو أك دينو‪ ،‬كيف نفس الوقت يظهر حاجتو للدعم‬ ‫النفسي االجتماعي ادلنبثق من ثقافتو كدينو‪ ،‬كلذلك حاكؿ بعض الباحثُت الغربيُت االعتماد على‬ ‫التدين يف تقدمي بعض التدخبلت النفسية االجتماعية ادلعتمدة على الدين (يف الغرب) لبلستفادة‬ ‫منها يف تعزيز ادلناعة لدل األفراد‪ .‬فقد قاـ ىاركلد كوينق‪ 1‬باقًتاح ظلوذج يستخدـ فيو الدين يف‬ ‫التأثَت على الصحة اجلسمية‪ ،‬كذلك من خبلؿ الشرط التايل‪ :‬إذا كانت االعتقادات كادلمارسات‬ ‫الدينية حتسن أساليب ادلواجهة‪ ،‬كختفف الضغوط‪ ،‬كدتنع من االكتئاب‪ ،‬كدتثل دعمان اجتماعيان‪،‬‬ ‫كتنمي السلوؾ الصحي السليم‪..‬فإ ٌف آليات التأثَت ادلعقولة يف الصحة تكوف قد توفرت دتامان‪.‬‬

‫كأصدر ىذا الباحث نفسو (أم كوينق ‪ ) Koenig‬كتابان عاـ (‪ )2112‬عن العبلقة بُت التدين‬ ‫كالصحة‪ ،‬يف ضوء العامل اإلؽلاين كعلم ادلناعة النفسي العصيب‪ ،‬كرتع فيو خبلصة الدراسات اليت‬ ‫تؤكد على كجود تلك العبلقات بُت التدين كادلتغَتات النفسية ادلرتبطة بادلناعة كانعكاس ذلك على‬

‫الصحة بصورة عامة‪ .‬كالتدين الذم يعنيو كوينق ىو التدين السائد يف اجملتمعات الغربية ‪ ،‬ككفقان‬ ‫دلفهوـ الغربيُت عن الدين بكل ما ػلملو من حتريفات بشرية معركفة‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬من الصعوبات اليت تواجو التطبيقات النفسية االجتماعية لدعم ادلناعة لدل ادلرضى‪ ،‬تلك‬ ‫الصعوبات ادلتمثلة يف خصوصية الربامج اليت ابتكرىا علماء ادلناعة النفسي العصيب‪ ،‬كحاجة من‬ ‫يقوموف بتنفيذىا إىل تدريب كإتقاف دلهاراهتا‪ .‬فليس من السهل أف يقوـ أم فرد بإجراء تدخل معريف‬ ‫سلوكي‪ ،‬أك تنومي مغناطيسي‪ ،‬كغَته‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬من الصعوبات اليت تواجو تلك التطبيقات عدـ كفرة الكادر البشرم ادلدرب الذم يستطيع أف‬ ‫يقوـ بزيارة كل ادلرضى بصورة دائمة‪ ،‬أل ٌف الفرؽ اليت يتم تكوينها غالبان ما تكوف زلدكدة جدا‪.‬‬

‫‪Koenig, 2001 1‬‬

‫‪37‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫كبناءن على ىذه ادلبلحظات يبدك أ ٌف البشرية حباجة حقيقية إىل برامج كتطبيقات نفسية‬ ‫كاجتماعية موثوقة كصحيحة‪ ،‬كذلا آثار مباشرة يف دعم ادلناعة لدل األفراد‪ ،‬كذلك بعد أف انتشرت‬ ‫األمراض ادلرتبطة بادلناعة بصورة كبَتة‪ ،‬كأصبحت مهددان للصحة العامة لؤلفراد كاجملتمعات‪ ،‬كذلك مثل‬ ‫أمراض السرطاف‪ ،‬كىذا ما يكمن يف التطبيقات اإلسبلمية‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬التطبيقات اإلسالمية ذات الصلة بعلم المناعة النفسي العصبي‬

‫جاء اإلسبلـ بنظاـ متكامل لتهذيب السلوؾ اإلنساين كتوجيهو ضلو الطريق األفضل‪ ،‬قاؿ‬ ‫اهلل تعاىل‪ :‬إًف ى ىذا الٍ يقرآ ىف يًه ًدم لًل ًيت ًىي أىقٍػوـ كيػبشر الٍمؤًمنً ً‬ ‫ً ً‬ ‫ىجنرا‬ ‫ى ى ي ى يى ي ي ٍ ى‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ى‬ ‫ين يػى ٍع ىمليو ىف الصاحلىات أىف ىذلي ٍم أ ٍ‬ ‫ُت الذ ى‬ ‫ىكبً نَتا‪(‬سورة اإلسراء‪ .)9 :‬كلذلك فهناؾ توجيهات إسبلمية كثَتة للتعامل مع ادلرضى كرلاهبة األمراض‪،‬‬

‫كتلك التوجيهات ذلا صلة كبَتة مبا أسفر عنو البحث العلمي يف رلاؿ علم ادلناعة النفسي العصيب‪ ،‬كسوؼ‬

‫نقدـ فيما يلي جانبان من تلك التوجيهات‪ ،‬مث نناقش صلتها بعلم ادلناعة النفسي العصيب‪ ،‬كنبُت دتيزىا على‬ ‫التطبيقات النفسية االجتماعية اليت قدمت يف ضوء ذلك العلم‪.‬‬ ‫(‪ )1-4‬السلوك الوقائي النفسي و الصحي لدى المسلمين‪:‬‬ ‫تفيد نتائج أحباث علم ادلناعة النفسي العصيب أ ٌف اإلصابة باألمراض تنتج من عوامل نفسية‬ ‫ككبائية‪ ،‬حيث تؤدم ادلخاكؼ كالضغوط النفسية كغَتىا إىل إضعاؼ ادلناعة‪ ،‬كنتيجة لذلك تزيد قابلية‬ ‫اإلنساف لئلصابة باألمراض الوبائية كغَت الوبائية إذا تعرض دلسبباهتا‪ .‬كلتجنب ىذين العنصرين (البعد‬ ‫النفسي كالبعد الوبائي)‪ ،‬فقد أكصانا النيب ‪ ‬بقولو‪" :‬ال عدكل كال طَتة كال ىامة كال صفر ‪ ،‬كفر من‬ ‫اجملذكـ كما تفر من األسد"‪.1‬‬ ‫كىذا احلديث غلعل ادلسلم ال ؼلاؼ من ادليكركبات ادلعدية يف ذاهتا ألنو يعتقد أ ٌف " ليس ذلا‬ ‫من ذاهتا ضر كال نفع كال تأثَت‪ ..‬إف ىي إال خلق يمسخر ‪ ..‬ال تتحرؾ إال بإذف خالقها كمشيئتو " (ابن‬

‫قيم اجلوزية‪ .)556 :2115 ،‬كىذا االعتقاد ينمي اجلوانب اإلغلابية يف النفس فيزيل اخلوؼ كالقلق ككل‬ ‫االضطرابات النفسية الناجتة من إثبات التأثَت احلتمي كالسببية ادلباشرة يف العدكل‪ ،‬ككما اتضح أف تنمية‬ ‫اجلوانب اإلغلابية تزيد من الكفاية ادلناعية لئلنساف‪.‬‬ ‫‪ 1‬البخارم‪1121 :1998 ،‬‬ ‫‪38‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫كمع االعتقاد اجلازـ بنفي التأثَت ادلباشر من ادليكركبات يف العدكل‪ ،‬إال أ ٌف ادلسلم مأمور بأف‬ ‫يسعى جادان الختاذ السلوؾ الصحي التجنيب‪ ،‬لكي ال يوفر الفرصة ادلناسبة لئلصابة‪ ،‬كىذا مثل ابتعادنا عن‬ ‫طريق السيارات‪ ،‬فبل طلاؼ من السيارات يف ذاهتا كإظلا نتخذ اإلجراءات اليت تقينا من التعرض للحوادث‬

‫ادلرتبطة بالسيارات‪.‬‬ ‫كخَت ما ؽلكن االستشهاد بو ىنا موقف عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنو عندما كصل إىل الشاـ‬ ‫ككجد هبا الطاعوف‪ ،‬فاستشار الصحابة‪ ،‬فقالوا‪ :‬نرل أف ترجع بالناس كال تقدمهم على ىذا الوباء‪ ،‬فنادل‬ ‫عمر يف الناس‪ :‬إين مصبح على ظهر فأصبحوا عليو‪ .‬قاؿ أبو عبيدة بن اجلراح‪ :‬أفراران من قدر اهلل؟ فقاؿ‬

‫عمر‪ :‬لو غَتؾ قاذلا يا أبا عبيدة! نعم نفر من قدر اهلل إىل قدر اهلل‪ ،‬أرأيت لو كاف لك إبل ىبطت كاديان‬ ‫لو عدكتاف‪ ،‬إحداعلا خصبة‪ ،‬كاألخرل جدبة‪ ،‬أليس إف رعيت اخلصبة رعيتها بقدر اهلل‪ ،‬كإف رعيت اجلدبة‬ ‫رعيتها بقدر اهلل؟‬

‫‪1‬‬

‫(‪ )2-4‬تنمية االنفعاالت اإليجابية لدى المريض المسلم‪:‬‬ ‫تنمو االنفعاالت اإلغلابية لدل ادلريض ادلسلم كيشعر بالرضا كالراحة النفسية كيذىب عنو القلق‬ ‫كالضغط النفسي نسبة العتقاده بأ ٌف ذلذا ادلرض ذتنان كأجران عاليان عند اهلل فقد كعد النيب ‪ ‬ادلرضى بتكفَت‬ ‫خطاياىم‪ ،‬فقاؿ‪" :‬ما يصيب ادلسلم من نصب كال كصب‪ ،‬كال ىم كال حزف كال أذل كال غم‪ ،‬حىت‬ ‫الشوكة يشاكها‪ ،‬إال كفر اهلل هبا من خطاياه‪ .2‬كالنصب ىو التعب‪ ،‬كالوصب ىو الوجع كادلرض‪.‬‬

‫كقاؿ النيب ‪" :‬من يرد اهلل بو خَتان يصب منو"‪ .3‬كقاؿ ‪" :‬ما من مسلم يصيبو أذل‪ ،‬مرض‬

‫فما سواه‪ ،‬إال حط اهلل سيئاتو‪ ،‬كما حتط الشجرة كرقها"‪.4‬‬

‫كإ ٌف رسوؿ اهلل ‪ ‬دخل على أـ السائب‪ ،‬أك أـ ادلسيب‪ ،‬فقاؿ‪( :‬مالك يا أـ السائب أك يا أـ‬

‫ادلسيب تزفزفُت؟ قالت‪ :‬احلمى‪ ،‬ال بارؾ اهلل فيها‪ ،‬فقاؿ‪( :‬ال تسىب احلمى‪ ،‬فإهنا تذىب خطايا بٍت‬

‫آدـ‪،‬كما يذىب الكَت خبث احلديد)‪.5‬‬ ‫‪ 1‬البخارم‪1123 ،1998 ،‬‬ ‫‪ 2‬البخارم‪1119 :1998 ،‬‬ ‫‪ 3‬البخارم‪1119 :1998 ،‬‬ ‫‪ 4‬البخارم‪1112 :1998 ،‬‬ ‫‪ 5‬مسلم‪1139 :1998 ،‬‬

‫‪42‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫فهذه التوجيهات جتعل ادلريض ادلسلم‪ ،‬كىو على فراشو‪ ،‬يشعر أنو قد حقق أىدافان ركحية عالية‪،‬‬ ‫حيث يتم تطهَته كتكفَت سيئاتو‪ ،‬كترتفع درجاتو‪ ،‬كتزيد حسناتو‪ ،‬فتكوف أساليب مواجهتو للمرض‬ ‫متضمنة للرضا مبا ىو فيو من حالة‪ ،‬كالرضا ىو قمة االنفعاالت اإلغلابية‪ ،‬كتنمية االنفعاالت اإلغلابية‬ ‫لدل اإلنساف يؤدم إىل حتسُت مستول الكفاءة ادلناعية‪.‬‬ ‫(‪ )3-4‬تنمية التفاؤل لدى المريض المسلم‪:‬‬ ‫التوجيهات اإلسبلمية تنمي التفاؤؿ كالتفكَت اإلغلايب لدل ادلريض‪ ،‬فيكوف يف كضع الرجاء‬ ‫كاألمل كالفأؿ احلسن‪ ،‬فالقرآف يضع لنا القواعد اليت تبُت أ ٌف العسر ال يدكـ بل سيعقبو اليسر‪ ،‬أل ٌف اهلل‬ ‫تعاىل قاؿ‪ .. :‬ىسيى ٍج ىع يل اللوي بػى ٍع ىد يع ٍس ور يي ٍسنرا‪(‬سورة الطبلؽ‪ .)7:‬كقاؿ تعاىل‪ :‬فىًإف ىم ىع الٍ يع ٍس ًر يي ٍسنرا * إًف‬

‫ىم ىع الٍ يع ٍس ًر يي ٍسنرا‪(‬سورة الشرح‪ .)6-5 :‬كيعتقد ادلريض ادلسلم أ ٌف ادلرض لن يدكـ‪ ،‬كأ ٌف ما ؽلر بو من سوء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫السوءى ىكىٍغل ىعلي يك ٍم يخلى ىفاء‬ ‫ف ُّ‬ ‫يب الٍ يم ٍ‬ ‫ضطىر إً ىذا ىد ىعاهي ىكيىكٍش ي‬ ‫سيكشفو اهلل تعاىل كما قاؿ سبحانو ‪:‬أىمن يغل ي‬ ‫األ ٍىر ً‬ ‫ض أىإًلىوه م ىع الل ًو قىلًيبل ما تى ىذكيرك ىف‪( ‬سورة النمل‪.)62 :‬‬ ‫ت فىػ يه ىو‬ ‫كيعلم ادلريض ادلسلم أ ٌف اهلل سبحانو كتعاىل سيشفيو‪ ،‬ألنٌو يؤمن بقولو تعاىل‪ :‬ىكإً ىذا ىم ًر ٍ‬ ‫ضي‬ ‫ُت‪(‬سورة الشعراء‪ .)81:‬كيعلم ادلريض ادلسلم أ ٌف لكل داء دكاء كما قاؿ ‪" :‬لكل و‬ ‫يى ٍش ًف ً‬ ‫داء دكاءه ‪ .‬فإذا‬ ‫أيصيب دكاء ً‬ ‫الداء برأى ً‬ ‫بإذف اهللً عز كجل " (مسلم‪ ،)2214 ،‬كلذلك سيسعى ادلريض ادلسلم للبحث عن‬ ‫ى ي‬ ‫الدكاء ‪ ،‬فعن أيب سعيد اخلدرم مرفوعا‪" :‬إ ٌف اهلل مل ينزؿ داءن أك مل ؼللق داءن إال أنزؿ أك خلق لو دكاء‪،‬‬ ‫علمو من علمو كجهلو من جهلو إال الساـ‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسوؿ اهلل كما الساـ؟ قاؿ‪ :‬ادلوت‪.1‬‬

‫فهذه التوجيهات جتعل ادلريض ادلسلم متفائبلن‪ ،‬غَت متشائم‪ ،‬كما أهنا ستقوم الرجاء لديو‪،‬‬ ‫فتتحسن احلالة النفسية‪ ،‬كينتج عن ذلك زيادة يف مستول الكفاءة ادلناعية‪ ،‬كمن جانب آخر فإ ٌف اعتقاد‬ ‫ادلريض ادلسلم بأ ٌف لكل داء دكاء‪ ،‬غلعلو ال يتعرض لليأس أبدان‪ ،‬كىذا يؤدم إىل حتسُت سلوكو الصحي‪،‬‬ ‫فبل يلجأ ألساليب ادلواجهة غَت السوية اليت تؤدم إلضعاؼ ادلناعة‪ ،‬كذلك مثل األرؽ كالسهر‪ ،‬كتعاطي‬ ‫الكحوؿ كادلخدرات كأمثاذلا‪.‬‬ ‫‪ 1‬األلباين‪423 :2114 ،‬‬ ‫‪44‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫(‪ )4-4‬الدعم النفسي االجتماعي الذي يتلقاه المريض المسلم‪:‬‬ ‫ادلريض ادلسلم ال يكوف يف عزلة نفسية أك اجتماعية‪ ،‬بل سيجد نفسو زلاطان بالعائدين‪،‬‬ ‫الذين يزكركنو باستمرار‪ ،‬كيقدموف لو الدعم النفسي االجتماعي البلزـ‪ ،‬كذلك لآليت‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬توفر دوافع القيام بالعيادة لدى أفراد المجتمع المسلم‪:‬‬

‫عيادة ادلريض تشبع حاجة لدل العائد نفسو‪ ،‬فهي ليست عبئان ثقيبلن عليو‪ ،‬بل إهنا نوع من‬ ‫العبادة اليت ؽلارسها بدافع ركحي إؽلاين‪ ،‬كبالتايل سيكوف ذلا األثر اإلغلايب على ادلريض‪ ،‬أل ٌف زيارة ادلريض‬ ‫تعد إحدل شعب اإلؽلاف‪ ،‬كقد كضعها اإلماـ البيهقي يف ادلستول رقم (‪ )63‬من شعب اإلؽلاف‪.1‬‬

‫كقاؿ رسوؿ اهلل ‪" :‬إ ٌف اهلل عز كجل يقوؿ يوـ القيامة‪" :‬يا بن آدـ مرضت فلم تعدين؟ "‪،‬‬ ‫قاؿ‪ :‬يا رب كيف أعودؾ كأنت رب العادلُت؟ قاؿ‪" :‬أما علمت أ ٌف عبدم فبلنا مرض فلم تعده أما‬

‫علمت أنك لو عدتو لوجدتٍت عنده؟}(مسلم‪ .)1137 :1998 ،‬كقد أمر النيب ‪ ‬ادلسلمُت بعيادة‬ ‫مرضاىم فقاؿ ‪" :‬أطعموا اجلائع‪ ،‬كعودكا ادلريض‪ ،‬كفكوا العاين)‪.2‬‬ ‫كعيادة ادلريض من احلقوؽ االجتماعية ادلطلوب اإليفاء هبا يف اإلسبلـ‪ ،‬فقد قاؿ النيب ‪:‬‬ ‫"حق ادلسلم على ادلسلم ست"‪ ،‬فلما سئل عنها‪ ،‬ذكر منها‪ :‬كإذا مرض فعده‪.3‬‬ ‫كعيادة ادلريض حتقق للعائد ثوابان كخ نَتا كثَتان‪ ،‬كلذلك يكوف مدفوعان للقياـ هبا‪ ،‬فقد قاؿ رسوؿ‬ ‫اهلل ‪" :‬من عاد مريضا مل يزؿ يف يخرفة اجلنة"‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسوؿ اهلل! كما يخرفة اجلنة؟ قاؿ‪:‬‬ ‫(جناىا)(مسلم‪ .)1137 :1998 ،‬كقاؿ رسوؿ اهلل ‪ " :‬من عاد مريضا مل يزؿ ؼلوض يف الرزتة حىت‬

‫غللس‪ ،‬فإذا جلس اغتمس فيها"‪.4‬‬ ‫فكل ىذه التوجيهات تضمن استمرارية عيادة ادلرضى من رتيع أفراد اجملتمع ادلسلم‪ ،‬كؽلثل ذلك‬ ‫دعما نفسيان كاجتماعيان للمرضى من أفراد اجملتمع‪ ،‬كىذا الدعم يقلل من الضغوط النفسية اليت ؽلكن أف‬ ‫حتدث ذلم‪ ،‬كيًتتب على إضعاؼ تلك الضغوط النفسية حتسُت يف مستول الكفاءة ادلناعية‪.‬‬ ‫‪ 1‬البيهقي‪ :2111 ،‬مج‪547-529 ،6‬‬ ‫‪ 2‬البخارم‪1111 :1998 ،‬‬ ‫‪ 3‬مسلم‪893 :1998 ،‬‬ ‫‪ 4‬أخرجو احلاكم كصححو األلباين‪429 :2114 ،‬‬ ‫‪43‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫ثانياً‪ :‬للعيادة آدا‪ :‬تكثيرة موجهة لصالح المريض‪:‬‬

‫يناؿ ادلريض فوائد كثَتة من عيادة إخوانو ادلسلمُت مثل‪:‬‬

‫أ‪ .‬البشرى‪ :‬فعلى العائد أف يبشر ادلريض‪ ،‬فعن ٌأـ العبلء‪ ،‬قالت‪ :‬عادين رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو‬

‫كسلم كأنا مريضة فقاؿ‪" :‬أبشرم يا أـ العبلء! فإ ٌف مرض ادلسلم يذىب اهلل بو خطاياه؛ كما‬ ‫تذىب النار خبث الذىب كالفضة‪ .1‬فهذه البشرل تبعث األمل يف نفسو‪ ،‬كتنمي لديو اجلوانب‬

‫اإلغلابية‪ ،‬فيصبح متفائبلن مسركران‪.‬‬ ‫ب‪ .‬التنفيس‪ :‬كمن آداب العيادة أيضان‪ ،‬التنفيس عن أجل ادلريض‪ ،‬كحثو على عدـ كراىية احلياة‬ ‫كاليأس منها‪ ،‬كتذكَته بقوؿ النيب ‪" :‬ال يتمنُت أحدكم ادلوت من ضر أصابو‪ ،‬فإف كاف البد‬ ‫فاعبل‪ ،‬فليقل‪ :‬اللهم أحيٍت ما كانت احلياة خَتا‪ ،‬كتوفٍت إذا كانت الوفاة خَتا يل‪ ،2‬كقد قاؿ‬ ‫رسوؿ اهلل ‪" :‬إذا دخلتم على ادلريض فنفسوا لو يف أجلو‪ ،‬فإ ٌف ذلك ال يرد شيئان كىو يطيب‬ ‫نفس ادلريض"‪ ،3‬كيف ىذا احلديث نوع شريف جدان من أشرؼ أنواع العبلج‪ ،‬كىو اإلرشاد إىل‬ ‫ما يطيب نفس العليل من الكبلـ الذم تقول بو الطبيعة‪ ،‬كتنتعش بو القوة‪..‬كتفريح نفس‬

‫ادلريض‪ ،‬كتطييب قلبو‪ ،‬كإدخاؿ ما يسره عليو‪ ،‬لو تأثَت عجيب يف شفاء علتو كخفتها‪ ،‬فإ ٌف‬ ‫األركاح كالقول تقول بذلك‪ ،‬فتساعد الطبيعة على دفع ادلؤذم‪ ،‬كقد شاىد الناس كثَتان من‬ ‫ادلرضى تنتعش قواه بعيادة من ػلبونو‪ ،‬كيعظمونو‪ ،‬كرؤيتهم ذلم‪ ،‬كلطفهم هبم‪ ،‬كمكادلتهم إياىم‪،‬‬

‫كىذا أحد فوائد عيادة ادلرضى‪.4‬‬ ‫ج‪ .‬الدعاء‪ :‬كمن آداب عيادة ادلريض الدعاء لو بالعافية كالشفاء‪ ،‬فعن عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬أ ٌف‬ ‫رسوؿ اهلل ‪ ‬إذا عاد مريضان يقوؿ‪" :‬اذىب الباس‪ ،‬رب الناس‪ ،‬اشفو أنت الشايف‪ ،‬ال شفاء إال‬ ‫شفاؤؾ‪ ،‬شفاء ال يغادر سقمان)‪ .5‬كيستحب يف العيادة أف يدعو العائد للمريض بالشفاء‬

‫‪ 1‬ركاه أبو داككد‪ ،‬كصححو األلباين‪589 :2114 ،‬‬ ‫‪ 2‬البخارم‪1114 :1998 ،‬‬ ‫‪ 3‬البيهقي‪ :2111 ،‬مج‪541 ،6‬‬ ‫‪ 4‬ابن قيم اجلوزية‪96 :2111 ،‬‬ ‫‪ 5‬مسلم‪912 :1998 ،‬‬ ‫‪42‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫كالعافية كأف يوصيو بالصرب كاالحتماؿ‪ ،‬كأف يقوؿ لو الكلمات الطيبة اليت تطيب نفسو‪ ،‬كتقوم‬ ‫ركحو‪ .1‬فهذا الدعاء ؽلثل دعمان نفسيان كركحيان من العائد للمريض‪ ،‬كىذا الدعاء ينمي اجلوانب‬ ‫اإلغلابية لدل ادلريض شلا يكوف لو أثر كبَت يف تقوية مناعتو بإذف اهلل‪.‬‬ ‫د‪ .‬التخفيف في الوقت‪ :‬كيستحب ختفيف العيادة كتقليلها ما أمكن‪ ،‬حىت ال يثقل على ادلريض‪،‬‬ ‫إال إذا رغب يف ذلك ‪.2‬‬ ‫ق‪ .‬األلفاظ التي تقال في العيادة‪ :‬كللعيادة أدهبا اللفظي‪ ،‬فقد كاف النيب صلى اهلل عليو كسلم إذا‬ ‫دخل على مريض يعوده فقاؿ لو‪" :‬ال بأس‪ ،‬طهور إف شاء اهلل"‪.3‬‬ ‫نبلحظ أ ٌف كل ىذه التوجيهات ادلرتبطة بعيادة ادلرضى تصب يف حتقيق الدعم النفسي للمريض‪ ،‬كتنمي‬

‫فيو اجلوانب اإلغلابية‪ ،‬حيث تبعث فيو األمل كالتفاؤؿ‪ ،‬كتبعده عن االنفعاالت السالبة‪ ،‬كتنمي فيو الفرح‬ ‫كالسركر مبا ينالو من معلومات كحقائق عن الشفاء‪ ،‬كأفضل من ذلك ىو الدعم الركحي ادلتمثل يف الدعاء‬ ‫الذم ينالو من إخوانو ادلسلمُت‪ .‬كىذه كلها ذلا ارتباط مباشر بتحسُت مستول ادلناعة‪.‬‬ ‫(‪ )5-4‬تحقيق التوافق النفسي االجتماعي لدى المريض المسلم‪:‬‬ ‫للمريض ادلسلم أحكاـ خاصة تتضمن بعض الرخص اليت جتعلو متوافقان مع نفسو كمع رلتمعو‪،‬‬ ‫كمنها‪:‬‬ ‫أ‪ .‬إ ٌف ادلريض يتطهر كيصلي بطريقة خاصة تتناسب مع كضعو ادلرضي كصحتو العامة‪ ،‬فبل يكوف‬

‫يف فراغ عن شلارسة العبادات ادلستمرة مثل الطهارة كالصبلة‪ .‬فيمكنو ادلسح على األغطية الطبية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ين ىآمنيواٍ‬ ‫كؽلكنو التيمم‪ ،‬كؽلكنو الصبلة قاعدا‪ ،‬أك راقدا كغَت ذلك‪،‬قاؿ اهلل تعاىل‪ :‬يىا أىيػُّ ىها الذ ى‬ ‫إً ىذا قيمتم إً ىىل الصبلةً فا ٍغ ًسليواٍ كجوى يكم كأىي ًدي يكم إً ىىل الٍمرافً ًق كامسحواٍ بًريؤ ً‬ ‫كس يك ٍم ىكأ ٍىر يجلى يك ٍم إً ىىل‬ ‫يي ى ٍ ىٍ ى ٍ‬ ‫ٍي ٍ‬ ‫ىى ى ٍ ى ي ي‬ ‫الٍ ىك ٍعبى ً‬ ‫ىح هد من يكم م ىن الٍغىائً ًط‬ ‫ُت ىكإًف يكنتي ٍم يجنيبنا فىاطهيركاٍ ىكإًف يكنتيم م ٍر ى‬ ‫ضى أ ٍىك ىعلىى ىس ىف ور أ ٍىك ىجاء أ ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يد‬ ‫يدا طىيبنا فى ٍام ىس يحواٍ بًيو يجوى يك ٍم ىكأىيٍدي يكم مٍنوي ىما ييًر ي‬ ‫صعً ن‬ ‫أ ٍىك الىىم ٍستي يم الن ىساء فىػلى ٍم ىجت يدكاٍ ىماء فىػتىػيىم يمواٍ ى‬

‫‪ 1‬سابق‪ :2111 ،‬مج‪.311 ،1‬‬ ‫‪ 2‬سابق‪ :2111 ،‬مج‪.311 ،1‬‬ ‫‪ 3‬البخارم‪1111 :1998 ،‬‬ ‫‪43‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫ً‬ ‫يد لًييطىهىريك ٍم ىكلًييتًم نً ٍع ىمتىوي ىعلىٍي يك ٍم لى ىعل يك ٍم تى ٍش يكيرك ىف‪(‬سورة‬ ‫اللٌوي ليى ٍج ىع ىل ىعلىٍي يكم م ٍن ىحىروج ىكلىكًن ييًر ي‬ ‫ادلائدة‪.)6 :‬‬ ‫ب‪ .‬إ ٌف ادلريض ادلسلم ال يشعر باحلرج نسبة دلخالفتو للسلوؾ التعبدم الذم ؽلارسو اآلخركف يف فًتة‬ ‫معينة‪ ،‬فعندما يكوف الناس صائمُت فبل حرج عليو من الفطر على حسب صحتو كحالتو‬ ‫ً‬ ‫اس كبػيػنى و‬ ‫ً​ً‬ ‫ات م ىن ا ٍذليىدل‬ ‫ادلرضية‪ ،‬قاؿ اهلل تعاىل‪  :‬ىش ٍهير ىرىم ى‬ ‫م أين ًزىؿ فيو الٍ يق ٍرآ يف يى ندل للن ً ى ى‬ ‫ضا ىف الذ ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يد‬ ‫يخىر ييًر ي‬ ‫ص ٍموي ىكىمن ىكا ىف ىم ًر ن‬ ‫يضا أ ٍىك ىعلىى ىس ىف ور فىعدةه م ٍن أىي واـ أ ى‬ ‫ىكالٍ يف ٍرقىاف فى ىمن ىش ًه ىد من يك يم الش ٍهىر فىػلٍيى ي‬ ‫يد بً يكم الٍعسر كلًتيك ً‬ ‫ً‬ ‫ٍمليواٍ الٍعًد ىة ىكلًتي ىكبػيركاٍ اللٌوى ىعلىى ىما ىى ىدا يك ٍم ىكلى ىعل يك ٍم‬ ‫اللٌوي ب يك يم الٍيي ٍسىر ىكالى ييًر ي ي ي ٍ ى ى‬ ‫تى ٍش يكيرك ىف‪(‬سورة البقرة‪.)185:‬‬ ‫ً‬ ‫كس يك ٍم ىحىت يػىٍبػلي ىغ‬ ‫‪..‬كال ىٍحتل يقوا يرءي ى‬ ‫ج‪ .‬كيف احلج ىناؾ أحكاـ خاصة بادلرضى‪ ،‬قاؿ اهلل تعاىل ‪  :‬ى‬ ‫ً​ً‬ ‫ً‬ ‫ا ٍذل ٍد ً‬ ‫ً ً​ً ً ً ً و‬ ‫ص ىدقى وة أ ٍىك‬ ‫م ىزللوي فى ىم ٍن ىكا ىف مٍن يك ٍم ىم ًر ن‬ ‫يضا أ ٍىك بو أىذنل م ٍن ىرأٍسو فىف ٍديىةه م ٍن صيىاـ أىٍك ى‬ ‫ى ي‬ ‫نيس و‬ ‫ك‪(..‬سورة البقرة‪.)196 :‬‬ ‫ي‬ ‫اح ىعلىٍي يك ٍم إً ٍف ىكا ىف‬ ‫د‪ .‬كيف اجلهاد ال حرج على ادلرضى كال جناح عليهم قاؿ اهلل تعاىل‪  :‬ىكال يجنى ى‬ ‫ً‬ ‫ىسلً ىحتى يك ٍم‪(‬سورة البقرة‪ .)112 :‬كقاؿ اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫ضى أى ٍف تى ى‬ ‫بً يك ٍم أىذنل م ٍن ىمطى ور أ ٍىك يكنتي ٍم ىم ٍر ى‬ ‫ض يعوا أ ٍ‬ ‫‪‬ليس علىى الضُّع ىفاء كالى علىى الٍمرضى كالى علىى ال ًذين الى ىًغل يدك ىف ما ي ًنف يقو ىف حرج إًذىا نىصحواٍ لًلٌوً‬ ‫ى ى ى ىٍ ى ى ى‬ ‫ٍ ى ى‬ ‫ىى ه‬ ‫ىي‬ ‫ى ي‬ ‫ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً​ً‬ ‫يم‪(‬سورة التوبة‪.)91:‬‬ ‫ىكىر يسولو ىما ىعلىى الٍ يم ٍحسن ى‬ ‫ُت من ىسبً ويل ىكاللٌوي ىغ يف ه‬ ‫ور رح ه‬ ‫ق‪ .‬كال حرج على ادلريض إف مل يستطع تبلكة القرآف يف الصبلة بالصورة اليت يتلوىا بو األصحاء‪،‬‬ ‫قاؿ اهلل تعاىل‪.. :‬فىاقٍػرؤكا ما تىػيسر ًمن الٍ يقر ً ً‬ ‫ً‬ ‫ض ًربيو ىف‬ ‫آخيرك ىف يى ٍ‬ ‫آف ىعل ىم أىف ىسيى يكو يف من يكم م ٍر ى‬ ‫ضى ىك ى‬ ‫ىي ى ى ى ى ٍ‬ ‫ض يػبتػغيو ىف ًمن فى ٍ ً‬ ‫آخيرك ىف يػي ىقاتًليو ىف ًيف ىسبً ًيل الل ًو فىاقٍػىريؤكا ىما تىػيىسىر ًمنٍوي ‪(..‬سورة‬ ‫ًيف األ ٍىر ً ىٍى‬ ‫ض ًل اللو ىك ى‬ ‫ادلزمل‪.)21:‬‬

‫نبلحظ أف ىذه اخلصوصية يف التشريع اإلسبلمي للمرضى تتبلءـ مع أكضاعهم‪ ،‬كيف نفس‬ ‫الوقت حتقق ذلم توافقان نفسيان كاجتماعيان‪ ،‬كىذا التوافق النفسي االجتماعي ؽلثل دعمان نفسيان ينمي يف‬ ‫ادلريض كل االنفعاالت ادلوجبة كيقلل من الضغوط النفسية اليت تنتج من سوء التوافق النفسي االجتماعي‪،‬‬ ‫كىذه اجلوانب اإلغلابية ذلا أثر يف زيادة كفاءة ادلناعة لدل ادلريض ادلسلم‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫المناقشة والتحليل‬ ‫تبدك التوجيهات اإلسبلمية ادلتعلقة مبواجهة األمراض‪ ،‬كالتعامل مع ادلرضى‪ ،‬كاليت متٌ ذكرىا‬

‫كاالستدالؿ عليها يف ثنايا ىذه الدراسة ٌأهنا متعددة اجلوانب كاألبعاد‪ ،‬فبعضها يتعلق باجلوانب اإلؽلانية‬ ‫كالعقدية من حيث النظرة ادلوضوعية لئلصابات كالتعامل معها كفق منهج كاضح‪ ،‬فبل عدكل كال طَتة‬ ‫تفعل يف اإلنساف فعبل ذاتيا كتسلمو إىل مواقع اذلبلؾ‪ ،‬فتجعل اإلنساف مسلوب اإلرادة رىينة سهلة‬ ‫لؤلفكار اخلاطئة اليت حتط من مناعتو كتضعف مقاكمتو‪.‬‬ ‫كيف نفس الوقت على اإلنساف أف يتخذ االحتياطات ادلمكنة من أساليب الوقاية ‪ ،‬فيفر من‬ ‫اجملذكـ كما يفر من األسد‪ ،‬فيسَت من قدر اهلل إىل قدر اهلل‪ ،‬ببصَتة كاعية ال تعطي األكبئة القدرة ادلطلقة‬ ‫للتحكم فيو ‪ ،‬كعليو أف يتخذ اإلجراءات الوقائية ادلمكنة اليت جتعل كجوده يف احلياة كجودا موجبا ذا‬ ‫فاعلية عالية مؤمنا بأ ٌف ىناؾ أدكاء كلكن ما من داء كإال لو دكاء‪ ،‬فيسعى جاىدا للبحث عن ذلك‬ ‫الدكاء‪.‬‬ ‫كمن جانب آخر نبلحظ أ ٌف التوجيهات اإلسبلمية ادلتعلقة مبواجهة األمراض كالتعامل مع‬ ‫ادلرضى يرتبط جزء كبَت منها بالبعد الوجداين لشخصية اإلنساف‪ ،‬كذلك من خبلؿ تنمية التفاؤؿ كنبذ‬ ‫التشاؤـ‪ ،‬كبعث األمل كالنظر بإغلابية للحياة‪ ،‬كللظركؼ القاسية اليت تواجهو‪ ،‬فيصبح ادلريض على قناعة‬ ‫تامة بأ ٌف أمره كلو خَت‪ ،‬فيجد يف الصرب متعة ألنٌو سيزيد من أجره‪ ،‬كيف نفس الوقت يكثر من الدعاء‬ ‫كيرجو الشفاء فيكوف إغلابيا يف انفعاالتو‪ ،‬ال يًتؾ للحزف منفذان لوجدانو‪ ،‬كال لبلكتئاب مكانان‪ ،‬كبذا‬ ‫يتخلص من االنفعاالت السالبة ‪ ..‬كاليت اتضح ٌأهنا تؤثر سلبان على الصحة كتضعف ادلناعة كفقان لنتائج‬

‫البحث يف علم ادلناعة النفسي العصيب‪.‬‬ ‫كمن جانب اجتماعي تبدك التوجيهات اإلسبلمية فيما يتعلق بالتعامل مع األمراض كمع‬ ‫ادلرضى أ ٌف ىناؾ مهاـ منظمة بآداب زلددة للتعامل مع اآلخر ادلريض من خبلؿ دعمو االجتماعي‬ ‫بالعيادة كالزيارة‪ ،‬كدعمو النفسي بالرجاء كالتفاؤؿ كاألمل يف الشفاء‪ ،‬كتذكَته باخلَت الذم ىو فيو من‬ ‫حيث زيادة األجر‪..‬ككل ىذه األمور ىي تطبيقات مباشرة تتصل بدعم مناعتو كتساعد يف تقويتها شلا‬ ‫ينعكس بصورة إغلابية على صحتو‪ ،‬كيؤثر فيها بصورة إغلابية‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫كتتكامل ىذه التأثَتات االجتماعية كالنفسية مع ادلؤثرات العبلجية الكيميائية كالفيزيائية اليت يتم‬ ‫تقدؽلها للمريض فتساعد يف تنمية ادلناعة كتسريع التعايف من اإلصابات ادلختلفة‪.‬‬ ‫كشلا ؽليز ىذه التوجيهات ٌأهنا تتمثل يف آداب سهلة التطبيق لدل الفرد كاجلماعة‪ ،‬فادلريض‬ ‫يكوف متماسكان من ناحية نفسية نظران المتبلكو للعقيدة اليت هتيؤه دلواجهة مثل ىذه ادلواقف‪ ،‬كلقناعتو بأ ٌف‬ ‫ىذا األمر فيو خَت‪ ،‬كدلا يرجوه من ثواب‪ ..‬كمن يعود ادلريض تتوفر لديو الدكافع الذاتية أل ٌف ىذا من‬

‫كاجباتو يف حياتو‪ ،‬كأل ٌف ىذا من حقوؽ إخوانو ادلسلمُت عليو‪ ..‬فيعود ادلرضى كفقا ذلذا الدافع راجيان أيضان‬ ‫ثوابان من اهلل فيفرح بقيامو هبذا األمر فينعكس ىذا على ادلريض كيؤثر فيو بصورة إغلابية‪ ،‬علما بأنٌو ملزـ‬ ‫بآداب الزيارة يف أقوالو كأفعالو‪..‬‬

‫كقد اتضح من خبلؿ ىذه الدراسة أ ٌف الباحثُت يف علم ادلناعة النفسي العصيب قد أجركا الكثَت‬

‫من الدراسات كاألحباث الوصفية كالتجريبية اليت أثبتت تأثَت ادلتغَتات النفسية يف ادلناعة‪ ،‬كاليت بيٌنت قابلية‬

‫األفراد ذكم ادلستويات ادلناعية ادلتدنية لئلصابة باألمراض العضوية إذا توفرت مسبباهتا‪ ،‬كاليت أكضحت‬

‫عبلقة تلك ادلتغَتات النفسية بتأخَت الشفاء كتعجيلو‪.‬‬ ‫كما توصل إليو أكلئك الباحثوف يف ضوء ىذا العلم شجعهم على االستفادة منو تطبيقيان يف اجملاؿ‬ ‫الصحي‪ ،‬كذلك من خبلؿ تنمية ادلتغَتات النفسية ذات األثر اإلغلايب‪ ،‬كالتخلص من ادلتغَتات النفسية‬ ‫ذات األثر السليب يف ادلناعة‪ ،‬كنتج عن تلك الدراسات ابتكار بعض الربامج االجتماعية الداعمة للمناعة‬ ‫مثل‪ :‬تقنية التدخل النفسي االجتماعي التعاكين‪.1‬‬ ‫كقد أفادت الدراسة أ ٌف الكثَت من تلك الربامج قد كاجهتها صعوبات متنوعة أثناء التطبيق‪،‬‬ ‫كذلك يرجع لعدة أسباب منها‪ :‬عدـ توفر الدافعية الذاتية لدل منفذم برامج التدخل االجتماعي ‪،‬‬ ‫كذلك على خبلؼ ما ىو موجود لدل ادلسلمُت الذين يقوموف بتنفيذ الزيارة كالعيادة للمرضى بدكافع‬ ‫كثَتة أعلها الدافع اإلؽلاين الذايت كرجاء الثواب من اهلل من خبلؿ زيارة ادلرضى‪ ..‬كمن جانب آخر فقد‬ ‫ظهرت صعوبات أخرل متعلقة بعدـ تقبل ادلرضى لفرؽ التدخل االجتماعي الذين يقوموف بزيارة ادلرضى‪،‬‬ ‫‪Cohen, 2002, Larson, et al.2000, Maier, et al., 1994 1‬‬

‫‪46‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫كأ ٌف تلك الفرؽ بصورة عامة مل تؤدم إىل دعم ادلناعة كتعزيزىا كذلك النتفاء الركابط بُت ادلنفذين لتلك‬ ‫الربامج كادلرضى ‪ ،‬كأفادت بعض الدراسات أ ٌف أفضل دعم اجتماعي ىو الذم يصدر عن أسرة ادلريض‪.1‬‬

‫كلكن يف الواقع اإلسبلمي صلد أ ٌف ىذه الصعوبة ستنتفي نظران لتوفر الركابط األخوية بُت‬ ‫ادلسلمُت ‪ ،‬قاؿ تعاىل ‪ :‬إظلىا الٍمؤًمنو ىف إًخوةه فىأ ً‬ ‫ىخ ىويٍ يك ٍم ىكاتػ يقوا اللوى لى ىعل يك ٍم تػيٍر ىزتيو ىف‪‬‬ ‫يٍ ي‬ ‫ىصل يحوا بػى ٍ ى‬ ‫ٍى ٍ‬ ‫ُت أ ى‬ ‫(احلجرات‪ ،)11:‬ك بناء على ذلك فإ ٌف ادلريض ادلسلم سيتقبل العائدين الذم سيزكركنو باعتبارىم إخوتو‪،‬‬ ‫كسيًتتب على قبولو ذلم كاطمئنانو لزيارهتم راحة نفسية ستنعكس على ادلناعة كتؤدم لتنميتها‪.‬‬ ‫كمن جانب آخر فإ ٌف عدـ توفر الربامج التطبيقية ادلقنعة البلزمة لتنمية اجلوانب اإلغلابية من‬ ‫السلوؾ‪ ،‬كاليت تؤدم إىل إحداث التأثَت اإلغلايب يف ادلناعة‪ ،‬يعود إىل أسباب أخرل مرتبطة مبنهجية علم‬ ‫النفس‪ ،‬كمتعلقة بالفلسفات اليت ينطلق منها علماء النفس‪ ،‬كمتعلقة بالنظرة اجلزئية لعلماء النفس‬ ‫لشخصية اإلنساف‪ ،‬حبيث إ ٌف األحباث النفسية اليت أجريت خبلؿ القرف ادلاضي كاف ثبلث أرباعها‬ ‫(أم‪ )%75‬يتعلق باجلانب السليب من سلوؾ اإلنساف‪ ،‬كأ ٌف ربعها (أم ‪ )%25‬فقط ىو الذم يتعلق‬ ‫باجلانب اإلغلايب من السلوؾ اإلنساين ‪.2‬‬

‫كطللص إىل أ ٌف ىذه الدراسة قد لفتت األنظار لبعض التطبيقات اإلسبلمية ذات الصلة بعلم‬ ‫ادلناعة النفسي العصيب‪ ،‬كذلك فيما يتعلق مبجاهبة األمراض ككيفية التعامل مع ادلرضى‪ ،‬كاتضح أ ٌف تلك‬ ‫التطبيقات اإلسبلمية دتثل احللقة ادلفقودة لدل أكلئك الباحثُت عن تطبيقات كتدخبلت نفسية اجتماعية‬ ‫جملاهبة األمراض كتقدمي الدعم النفسي االجتماعي للمرضى‪ ،‬كذلذا نقوؿ إنٌو قد حاف الوقت بادلسلمُت‪،‬‬ ‫كخاصة ادلهتمُت بعلم النفس أف يربزكا ما تتضمنو الشعائر اإلسبلمية من شلارسات سلوكية إغلابية يف كل‬ ‫مواقف احلياة‪ ،‬كما ؽلتلكو ادلسلموف من تقنيات سلوكية رفيعة فيما يتعلق بأساليب ادلواجهة النفسية‪،‬‬ ‫كيربطوا تلك الشعائر كادلمارسات السلوكية بالعلوـ احلديثة‪ ،‬كيقدموا دراسات عميقة حوؿ تلك الشعائر‬ ‫كما يرتبط هبا من تغَتات يف النفس اإلنسانية‪.‬‬ ‫‪DiMatteo, 2004; Uchino, et al. 1996 1‬‬

‫‪ 2‬سليماف‪.2114 ،‬‬

‫‪47‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫الخالصة والتوصيات‬ ‫ظهر علم ادلناعة النفسي العصيب كعلم تكاملي حديث يهتم بدراسة العبلقات التأثَتية ادلتبادلة‬ ‫بُت كل من جهاز ادلناعة كالسلوؾ كاجلهاز العصيب ‪ ،‬كقدـ نتائج بالغة األعلية منها‪ :‬أ ٌف التفاؤؿ يؤثر تأثَتان‬ ‫إغلابيان يف ادلناعة بينما التشاؤـ يؤثر تأثَتان سالبان يف ادلناعة‪ ..‬كأ ٌف ذكم األعراض االكتئابية قد ضعفت‬ ‫معدالت كفاءهتم ادلناعية بدرجة كبَتة‪ ،‬كأ ٌف ذلك الضعف كالتدىور ادلناعي يبدك أكثر ارتباطان باضطراب‬

‫ادلزاج‪..‬كاتضح أ ٌف األفراد ذكم االنفعاالت اإلغلابية مثل السركر كالفرح يكوف نشاطهم ادلناعي عاليان‪ ،‬بينما‬

‫األفراد ذكم االنفعاالت السلبية مثل‪ :‬احلزف كاخلوؼ يكوف نشاطهم ادلناعي ضعيفا‪.‬كما أ ٌف االنفعاالت‬ ‫السلبية ترتبط بإطالة احلاالت االلتهابية كتأخَت برء اجلركح كاندماذلا‪ .‬كاتضح أ ٌف القلق يؤثر على ادلناعة‪،‬‬ ‫كأ ٌف احلرماف من النوـ يؤدم إىل و‬ ‫تدف حاد يف فعالية اخلبليا ادلناعية‪ ،‬كأ ٌف األرؽ كاالضطرابات يف النوـ ذلا‬ ‫تأثَت سليب على ادلناعة الطبيعية‪.‬‬

‫كمت تفسَت تلك النتائج يف ضوء العبلقات كاالرتباطات ادلباشرة بُت األجهزة النفسية كاألجهزة‬ ‫العضوية لئلنساف‪ ،‬كقد تبُت مدل حاجة جسم اإلنساف كخاصة مناعتو للدعم النفسي‪ ،‬كبناءن على ذلك‬ ‫فقد سعى الباحثوف لتصميم العديد من الربامج النفسية كاالجتماعية اليت هتدؼ لتحقيق ذلك الغرض‪،‬‬

‫كلكن الكثَت منها قد كاجهتو صعوبات تطبيقية كاقعية‪ .‬كلكن ىناؾ آداب كتوجيهات كتعليمات إسبلمية‬ ‫كاضحة للتعامل مع ادلرضى كمواجهة األمراض كمنها‪ :‬احلث على عيادة ادلرضى كزيارهتم كذلك كفقان‬ ‫آلداب معركفة‪ ،‬كمنها اجلوانب العقدية للفرد ادلسلم اليت جتعل بناءه النفسي متماسكان دلواجهة األمراض‬ ‫كاألكبئة ادلختلفة‪.‬‬ ‫وبناءً على ىذه الدراسة نقدم التوصيات التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬ضركرة توفَت الرعاية النفسية كاالجتماعية للمرضى‪ ،‬كاالىتماـ بعيادة ادلرضى‪ ،‬كالدعوة لذلك من‬ ‫خبلؿ كسائل اإلعبلـ كالوسائط الًتبوية ادلختلفة‪.‬‬ ‫‪ .2‬الدعوة إلجراء دراسات تكاملية بُت الباحثُت يف علم النفس كالعلوـ احليوية كالعلوـ الصحية‬ ‫كالعلوـ اإلسبلمية‪ ،‬حوؿ الشعائر اإلسبلمية ادلتعلقة مبجاهبة األمراض كالتعامل مع ادلرضى كمعرفة‬ ‫تأثَتىا يف ادلناعة كتقدؽلها للمهتمُت هبذا اجملاؿ من غَت ادلسلمُت‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫‪ .3‬توجيو الباحثُت يف علم النفس لبلستفادة من اجملاالت العلمية كادلهنية ادلختلفة‪ ،‬حىت ال ػلصركا‬ ‫أنفسهم يف زكايا مهنية ضيقة‪ ،‬كيًتكوا الساحات احملتاجة ألنشطتهم خالية‪ ،‬أك مليئة مبن ىو‬ ‫ليس أىبلن ذلا‪ .‬فلم يعد علم النفس ىو علم عبلج االضطرابات السلوكية فقط‪ ،‬بل أصبح علمان‬ ‫لتنمية اجلوانب اإلغلابية من شخصية اإلنساف‪ ،‬كأصبح علمان مهمان يف رتيع جوانب التنمية‬

‫ادلادية كالبشرية‪.‬‬

‫‪ .4‬االستفادة من تطورات علم النفس احلديث‪ ،‬كاستدعاء اخلرباء لتسليط الضوء على اجملاالت‬ ‫احلديثة يف علم النفس‪ ،‬كتدريب الكوادر العلمية للنهوض بالبحث يف رلاؿ علم النفس ليتصل‬ ‫حبركة البحث السائدة يف العامل‪ ،‬كاليت ختلق التطورات يف احلياة كتتطور معها يف نفس الوقت‪،‬‬ ‫فإذا كاف علماء النفس يف العامل يعدكف اخلطط كالتقنيات دلعرفة اخلصائص السلوكية للكائنات‬ ‫ادلتوقع كجودىا على سطوح الكواكب السماكية‪ ،‬فحرم بنا أف طلرج من األطر التقليدية اليت‬ ‫حصرنا أنفسنا فيها طويبلن‪.‬‬ ‫‪ .5‬أف يشعر علماء النفس ادلسلمُت باالعتزاز مبا لديهم من كنوز تطبيقية يف كل رلاالت احلياة‪،‬‬ ‫كعليهم أف يوطنوا أنفسهم‪ ،‬كينظركا لكل ما أسفر عنو البحث النفسي يف ضوء ما لديهم من‬ ‫ثوابت‪ .‬كأف يسعوا لتقدمي تلك التطبيقات يف أطر علمية مقنعة للمجتمع العلمي العادلي‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية"‬

‫د‪ .‬السر أحمد محمد سليمان‬

‫المراجع‬ ‫المراجع العربية‬ ‫‪-1‬‬

‫القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫األلباين‪ ،‬زلمد ناصر الدين (‪ .)2114‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة‬ ‫ادلعارؼ‪.‬‬

‫‪-3‬‬

‫البخارم‪ ،‬زلمد بن إمساعيل (‪ .)1998‬صحيح البخاري‪ ،‬الرياض‪ :‬بيت األفكار الدكلية‪.‬‬

‫‪-4‬‬

‫البيهقي‪ ،‬أزتد بن احلسُت (‪ .)2111‬شعب اإليمان‪ ،‬بَتكت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪-5‬‬

‫سابق‪ ،‬السيد (‪ .)2111‬فقو السنة‪ ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪.‬‬

‫‪-6‬‬

‫سليماف‪ ،‬السر أزتد (‪ .)2114‬علم النفس اإليجابي بين العولمة والتوطين‪ ،‬رللة‬ ‫البحوث الًتبوية‪ ،‬كلية ادلعلمُت حبائل‪ ،‬ع‪.5‬‬

‫‪-7‬‬

‫ابن قيم اجلوزية (‪ .)2111‬الطب النبوي‪ ،‬ط‪ ،5‬بَتكت‪ :‬دار ادلعرفة‪.‬‬

‫‪-8‬‬

‫ابن قيم اجلوزية (‪ .)2115‬مفتاح دار السعادة‪ ،‬بَتكت‪ :‬دار الكتاب العريب‪.‬‬

‫‪-9‬‬

‫مارتن‪ ،‬بوؿ (‪ .)2111‬العقل الممرض‪ :‬العقل كالسلوؾ كادلناعة كادلرض‪( ،‬تررتة عبد‬ ‫اإللو النعيمي)‪ ،‬أبو ظيب‪ :‬منشورات اجملمع الثقايف‪.‬‬

‫‪-11‬‬

‫مسلم بن احلجاج (‪ .)1998‬صحيح مسلم‪ ،‬الرياض‪ :‬بيت األفكار الدكلية‪.‬‬

‫المراجع األجنبية‬ ‫‪1- Ader, r. (2001). Psychoneuroimmunology. Current Directions in‬‬ ‫‪Psychological Science, 10(3), 94-98.‬‬ ‫‪2- Ader, R.; Felten, D.; & Cohen, N.; (2001). Psychoneuroimmunology, 3rd‬‬ ‫‪ed. San Diego, CA: Academic Press.‬‬ ‫‪3- Antoni, M. (2000). Psychoneuroimmunology. In: Kazdin, L. (Ed. In‬‬ ‫‪Chief), Encyclopedia of Psychology. New York: Oxford University Press.‬‬ ‫‪Vol. 6 (423-428).‬‬

‫‪54‬‬


‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫هـ‬1433/‫م‬2012، )2( ‫ العدد‬،)12( ‫ جملد‬، ‫تفكُّر‬

4- Antoni, M. (2003). Stress management and psychoneuroimmunology in HIV infection. CNS Spectrums. 8(1), 40-51. 5- Azar, B. (1999). Father of PNI reflects on the fields’ growth. APA Monitor Online, http://www.apa.org/monitor/jun99/pni.html 6- Berntson, G. & Cacioppo, J. (2000). Psychobiology and social psychology. Personality & Social Psychology Review, 4(1), 3-15. 7- Bovbjerg, D. ; Red, W. ; Maier, L. ; Holland, C. ; Lesco, L. Niedzwiecki, D. ; Rubin, S. ; & Hakes, T. ( 1990 ). Anticipating immune suppression and nausea in women receiving cyclic chemotherapy for ovarian cancer. J.of Consulting and Clinical Psychology. 58 (2) 153-157 8- Carlson, N. (1998 ) Physiology of Behavior. 6th ed. Boston: Allyn & Bacon. 9- Cohen, L.(2002).Reducing infant immunization distress through distraction. Health Psychology, 21(2), 207-211. 10- Cohen, S. (2004). Social relationships and health. American Psychologist, 59(8). 676-684. 11- DeAngelis, T. (2002). A bright future for PNI. Monitor on Psychology, 33(6), 46-50. 12- DiMatteo, M.(2004). Social support and patient adherence to medical treatment. Health Psychology, 23(2). 207-218. 13- Gruzelier, J.; Levy, J.; William, J.; & Henderson, D. (2001). Self-hypnosis and exam stress: comparing immune and relaxation-related imagery for influences on immunity, health, and mood. Contemporary Hypnosis, 18(2), 73-86. 14- Herbert, T. ; & Cohen, S. (1993) Depression and immunity: A metaanalytical review. Psychological Bulletin, 113 (3) 472-486 15- Irwin, M. (2001). Neuroimmunolgy of disordered sleep and alcoholism. Neuropsychopharmacology, 25(15), 45-49. 16- Itami, J. (2000). A Trial psychosomatic treatment for cancer-meaningful life therapy. J. of International Society of Life Information Science, 18(1), 162-166. 17- Kiecolt- Glaser, J. & Glaser, R. (1992). Psychoneuroimmunology: Can psychological interventions modulate immunity? J. of Consulting and Clinical Psychology, 60(4), 569-575.

53


‫ السر أحمد محمد سليمان‬.‫د‬

"‫تطبيقات علم املناعة النفسي العصيب "رؤية إسالمية‬

18- Kiecolt- Glaser, J. & Glaser, R. (2002). Depression and immune function. J. of Psychosomatic Research, 53 (4). 873-876. 19- Kiecolt-Glaser, J ; McGuire, L. ; Robles, T. ; & Glaser, R. (2002). Psychoneuroimmunology: Psychological influences on immune function and health. J. of Consulting and Clinical Psychology. 70 ( 3 ) , 537-547. 20- Kiecolt-Glaser, J ; McGuire, L. ; Robles, T. ; & Glaser, R. (2002). Emotions, morbidity, and mortality: New perspective from psychoneuroimmunology. Annual Review of Psychology, 53(1), 83-107. 21- Kiecolt-Glaser, J. ; Page, G. ; Marucha, P. ; Mac Callum, R. ; & Glaser, R. ( 1998 ). Psychological influences on surgical recovery: Perspectives from psychoneuroimmunology. American Psychologist. 53 (11) 1209-1218 22- Koenig, H. (2001). Religion and medicine111. International J. of Psychiatry in Medicine, 31 (2). 199-216. 23- Koenig, H. (2002).The Link Between Religion and Health: Psychoneuroimmunology and the Faith Factor, London: Oxford University Press. 24- Larson, M.; Duberstein, P.; Talbot, N.; Caldwell, C.; & Moynihan, J. (2000). A Presurgical psychosocial intervention for breast cancer patients. J. of Psychosomatic Research, 48(2), 187-194. 25- Lekander, M. (2003). Putting it back together again. Contemporary Psychology, 48(4), 446-448. 26- Maiers, S.; Watkins, L.; & Fleshner, M.(1994 ). Psychoneuroimmunology: The interface between behavior, brain, and immunity. American Psychologist. 49 (12) 1004-1017. 27- McGregor, B.; Antoni, M.,; Boyers, A.; Alferis, S.; & Blomberg, B.(2004). Cognitive-behavioral stress management increases benefit finding and immune function among women with early-stage breast cancer. J. of Pychosomatic Research, 56(1), 1-8. 28- Miller, S.; Cohen, S.; & Ritchey, A. (2002). Chronic psychological stress and the regulation of pro-inflammatory cytokines. Health Psychology, 21(6), 531-541. 29- Nicassio, P.; Meyrowitz, B.; & Kerns, R. (2004). The future of health psychology interventions. Health Psychology, 23(2). 132-137. 30- O’leary, A.(1990). Stress, emotion, and human immune function. Psychological Bulletin, 108(3), 363-382.

52


‫ملف الفلسفة وفلسفة العلوم‬

‫هـ‬1433/‫م‬2012، )2( ‫ العدد‬،)12( ‫ جملد‬، ‫تفكُّر‬

31- Reber, A. & Reber, M. (2001). The Penguin Dictionary of Psychology. 3rd ed. London: Penguin Books. P. 583 . 32- Robinson, F.; Mathews, H.; & Witek-Janusek, L. (2000). Stress reduction and HIV Disease: A review of intervention studies using a psychoneuroimmunology framework. J. of the Association of Nurses in AIDS Care, 11(2), 87-96. 33- Salorey, P. ; Detweiler, J. ; Steward, W. ; Rothman, A. (2000). Emotional states and physical health. American Psychologist, 55 (1), 110-121. 34- Segerstrom, S. & Miller, G. (2004). Psychological stress and human immune system: A meta-analytical study of 30 years of inquiry. Psychological Bulletin, 130 (4), 601-630. 35- Segerstrom, S.; Taylor, S.; Kemny, M. & Fahey (1998). Optimism is associated with mood, coping and immune change in response to stress. J. of Personality & Social Psychology, 74 (6), 1646-1655. 36- Shigenobu, K. (2001). Psychoneuroimmunology: A dialogue between the brain and the immune system. J. of International Society of Life Information Science. 19(1), 141-143. 37- Taylor, S.; Kemeny, M.; Bower, J.; Gruenewald, T.; & Reed, G.(2000). Psychological resourses, positive illusions, and health. American Psychologist, 55(1), 99-109. 38- Uchino, B; Cacioppo, J.; & Kiecolt-Glaser, J.(1996). The relationship between social support and physiological processes. Psychological Bulletin, 119 (3), 488-531. 39- Weise, C. (1992) Depression and immunocompetence. Psychological Bulletin. 111 (3) 475-489 40- Wong, C. (2002). Post-traumatic stress disorder: Advances in psychoneuroimmunology.

53


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني‬ ‫دراسة وتحليل‬ ‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫*‬

‫مقدمة ‪:‬‬ ‫القرآف الكرًن ذلك الكتاب الذي ال ريب فيو جاء ىداية للعادلُت بلساف عريب مبُت وبلغة‬ ‫فصحى مشرقة ‪ ،‬استوى يف أسلوب كامل يغمر العقل والروح معاً بضوء من التعبَت ينفتح معو ولو الكوف‬ ‫بكل أبعاده ادلرئي منها واخلفي ‪ ،‬اخلارجي والداخلي ‪ ،‬ويكسر برؤية عميقة دائرة االنغالؽ ادلؤدي إىل‬ ‫تعطيل إرادة اإلنساف وإلغاء طموحاتو ادلشروعة يف التحاور مع الناس ومع الكوف ‪ .‬فهو كتاب منهج كوين‬ ‫مركب بًتكيب متماثل مع تركيب الكوف ‪ ،‬ولو مل يكن بناؤه شلاثالً للبناء الكوين دلا كاف ديكن أف حيتويو ‪.‬‬

‫الكوف معقد يف تركيبو ويف العالقات اليت تربط بُت سلتلف ظواىره ‪ ،‬فهو عبارة عن نسيج مًتابط‬

‫ومتشابك ‪ ،‬وقراءة ظواىره دبعزؿ عن بعضها وبشكل رلزأ يعطي رؤية مغلوطة وخاطئة‪ ،‬وكذلك قراءة‬ ‫القرآف بشكل رلزأ ستؤدي إىل انفالت يف ضوابط الفهم القرآين ‪ ،‬وشيوع الفهوـ ادلختلفة وادلتباينة ‪.‬‬ ‫ولقد أوجد ادلبدعوف والدارسوف يف اللغة العربية وأسرارىا عرب ما يزيد عن ألف وأربعمائة وثالثُت‬ ‫سنة ؛ وىي عمر وجود القرآف الكرًن على األرض فيضاً من األحباث والدراسات العميقة ‪ ،‬وما يزاؿ القرآف‬ ‫الكرًن وسيبقى مرجعاً للمعرفة بأبعادىا العلمية والبالغية يف كل عصر ‪ ،‬ومع كل انعطافة ذبديد يف النظرية‬ ‫اللغوية واإلبداعية يكوف ىذا الكتاب اجلليل ادلصدر احلقيقي إىل السر العظيم الذي يربط عرب خصائص‬

‫اللغة والطاقات الكربى للتعبَت ادلتوىج عن أشواؽ اإلنساف إىل األمل والرغبة يف اجتياز منافذ الكوف ادلغلق‬ ‫‪ ،‬والبحث عما وراءه شلا ال عُت رأت وال أذف مسعت وال خطر على قلب بشر ‪ ،‬فكل يوـ تشرؽ فيو‬ ‫الشمس يكوف للعلماء ولطالب العلم أماـ ىذا الكتاب وقفات تأمل وتدبر ‪ ،‬كل ينظر إليو من زاوية حبثو‬ ‫ورلاؿ اىتمامو ‪ ،‬مث يظل أبداً رحب ادلدى ‪ ،‬سخي ادلورد ‪ ،‬كلما حسب جيل أنو بلغ منو الغاية أمتد‬

‫األفق بعيداً وراء كل مطمح ‪ ،‬عالياً يفوؽ طاقات الباحثُت ‪ ،‬وكلما ىم أقبلوا عليو وازدادوا إقباالً منحهم‬ ‫من كنوزه اليت ال تنتهي ‪ ،‬ومن درره اليت ال تنفذ كل شلا يريد ويرغب ‪.‬‬

‫*‬

‫أستاذ اللغويات المشارك ‪ ،‬جامعة تعز – اليمن ‪dns2003_7@hotmail. com ،‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ومن ىنا نستطيع أف نرى جلياً كيف يبدو ىذا الكتاب العظيم قادراً على أف ينتمي إىل كل‬

‫عصر وأف تظل سوره و صوره قادرة على اإلضاءة والسفر عرب مستويات عديدة من التلقي البسيط‬ ‫والتلقي العميق واألعمق ‪.‬‬ ‫أضاءت يف روحي ىذه التداعيات قبل أف تنقل إىل الورؽ قراءايت ادلتعددة دلختلف الكتابات‬ ‫حوؿ النص القرآين ‪ ،‬وىذه الدراسة ستحاوؿ أف تعطي صورة مشعة عن الدراسات اليت ارتبطت بالقرآف‬ ‫الكرًن مستخدمة ادلناىج األسلوبية احلديثة يف قراءة النص القرآين وتأملو ‪ ،‬وذلك من خالؿ استعراض‬ ‫ادلالمح الرئيسة ذلذه الدراسات ‪ ،‬واخلروج ببعض الرؤى اليت ديكن االستهداء هبا يف طريق الفهم السليم‬ ‫للنص القرآين ‪ ،‬وليبقى مشروع القراءة مفتوحاً للوصوؿ إىل آفاؽ مل يستطع السابقوف الوصوؿ إليها ‪.‬‬

‫اإلطار المفاهيمي ‪:‬‬

‫إف مسألة ربديد ادلفاىيم وادلصطلحات مسألة أساسية يف البحث العلمي ‪ .‬ولذلك قبل البدء‬ ‫يف البحث بتفصيالتو ادلتعددة ‪ ،‬ال بد من بياف اإلطار العاـ لو ؛ ألننا نعد البدء ببياف ادلفهوـ وادلصطلح‬ ‫وسيلة عبور ال ديكن االنطالؽ إىل البحث دوف ادلرور هبا ‪.‬‬ ‫ودلا كاف األسلوب مرتبطاً ارتباطاً قوياً بػالنص ألنو رلالو الذي يطبق فيو ‪ ،‬فإننا نرى أنو من‬

‫ادلناسب أف نعرؼ دبفهومُت أساسيُت تدور عليهما زلاور ىذا البحث ومها ‪ :‬النص و األسلوب ‪.‬‬ ‫وسنحاوؿ التبسيط واالختصار الشديد يف ذلك نزوالً عند مقتضى احلاؿ ‪ ...‬وأوؿ ذلك وأواله ىو ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫مفهوم النص ‪:‬‬

‫من ادلعلوـ أف ادلراد دبصطلح النص يف ادلعرفة اللسانية ادلعاصرة غَت ادلراد بو يف تراثنا العريب‬ ‫اإلسالمي ‪ ،‬فادلعاصروف يعرفونو بأنو ‪ " :‬رلموعة من األحداث الكالمية ذات معٌت وغرض تواصلي ‪،‬‬ ‫تبدأ وجودىا من مرسل للحدث اللغوي وتنتهي دبتلق لو ‪ ،‬ومؤىلة ألف تكوف خطاباً ‪ ،‬أي أف توجو إىل‬

‫شخص بعينو " ‪ ،1‬ومن مث فهم يشًتطوف وحدة موضوع النص ووحدة مقصده ‪ .‬والنص يف تصور كثَت‬

‫‪1‬‬

‫فيهفايغر ‪ :‬مدخل إىل علم اللغة النصي ‪ ،‬ت فاحل العجمي ‪ ،‬منشورات جامعة ادللك سعود‪ ،‬الرياض ‪1996 ،‬ـ ص‬ ‫‪123‬‬

‫‪66‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫من ادلعاصرين يتجاوز الكينونة اللغوية احملدودة وال ينحصر يف مقوالت اللغة على الرغم من أنو متشكل‬ ‫منها ‪ ،‬بل يراعي الواقع اخلارجي ‪ ،‬ومن مث فإف النص ىو ادلعادؿ اللغوي للواقع اإلنساين والكوين‬

‫‪.1‬‬

‫أما العلماء العرب ادلسلموف القدامى – والسيما األصوليُت – فقد كاف دلصطلح النص عندىم‬ ‫مفهوـ آخر ‪ ،‬فنجدىم ربدثوا يف (النص ) بعبارات كثَتة أشهرىا ما ذكره اإلماـ زلمد بن إدريس الشافعي‬ ‫(ت ‪204‬ىػ ) بأنو ‪ " :‬ىو ادلستغٍت بالتنزيل عن التأويل " ‪ ، 2‬أي ىو الكالـ الذي ال حيتمل تفسَتاً أو‬

‫تأويالً ألف ظاىره يغٍت عن كل ذلك ‪ ،‬وىو الذي أبانو اهلل خللقو نصاً ظاىراً بيناً ‪.‬‬

‫ويبدو أف تعريف الشافعي ىذا قد لقي قبوالً لدى علمائنا القدامى فرددوه من بعده والسيما‬ ‫اإلماـ الغزايل (ت ‪505‬ىػ ) وابن حزـ (ت ‪456‬ىػ) وغَتمها ‪ ،‬ومل خيالفوه إال يف بعض اجلزئيات ‪.‬وضلن‬ ‫ىنا ال نقصد ما ذىب إليو أسالفنا ‪ ،‬وإمنا نريد بػالنص مفهومو اللساين احلديث كما يطلقو اللسانيوف‬

‫ادلعاصروف ‪ ،‬وعليو فإف (لسانيات النص ) كما يطلق عليها يف ادلغرب الكبَت أو ( علم لغة النص ) كما‬ ‫يطلق عليو ادلشرؽ العريب – ىي علم ناشئ وحقل معريف جديد تكوف بالتدريج يف السبعينيات من القرف‬ ‫العشرين ‪ ،‬وبرز بديالً نقدياً لنظرية األدب الكالسيكية اليت توارت يف فكر (احلداثة) وما بعد احلداثة ‪،‬‬ ‫وراح ىذا العلم الوليد يطور من مناىجو ومقوالتو حىت غدا أىم وافد على ساحة الدراسات اللسانية‬ ‫ادلعاصرة ‪ ،‬وقد نشأ على أنقاض علوـ سابقة لو ‪ ،‬مث انطلق من معطياهتا وأسس عليها مقوالت جديدة ‪،‬‬ ‫وىو قريب جداً من صنوه (ربليل اخلطاب ) غَت أف ىذا الفرع األخَت يقوـ على أساس التحليل البنيوي ‪،‬‬ ‫أما فرع (لسانيات النص ) – حىت وإف استثمر مجيع النظريات اللسانية السابقة عليو – فهو يقوـ يف‬ ‫األعم األغلب على أساس التحليل التداويل ‪ ،‬وأىم ملمح يف لسانيات النص أنو غٍت متداخل‬ ‫االختصاصات يشكل زلور ارتكاز عدة علوـ ‪ ،‬ويتأثر دوف شك بالدوافع ووجهات النظر وادلناىج‬ ‫واألدوات وادلقوالت اليت تقوـ عليها ىذه العلوـ ‪.‬‬ ‫وأما يف الًتاث اللغوي فقد حبث بعض علمائنا يف (النص ) ونظَروا لو ومل يتوقفوا عند التنظَت‬ ‫للجملة كما حيلو لبعضهم أف يردد ؛ فمن علمائنا الذين قدموا إسهاماً علمياً ناضجاً ( يف رلاؿ التنظَت‬ ‫‪ 1‬سعيد جبَتي ‪ :‬علم لغة النص ‪ ،‬ط‪ ،1‬الشركة ادلصرية العامة للنشر ‪ ،‬القاىرة ‪1997 ،‬ـ ‪ ،‬ص ‪109‬‬ ‫‪ 2‬الشافعي ‪:‬زلمد بن إدريس ‪ ،‬الرسالة ‪ ،‬ت أمحد زلمد شاكر ‪ ،‬ادلكتبة العلمية ‪ ،‬القاىرة صػ‪14‬‬

‫‪66‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫والتطبيق النصي ) اإلماـ عبد القاىر اجلرجاين (ت ‪471‬ىػ ) يف (نظرية النظم ) وتربز قيمتو (النصية ) يف‬ ‫أنو مجع بُت علوـ كثَتة كػ (النحو) وعلم ادلعاين (وعلم البياف ) (والتفسَت ) و(داللة األلفاظ)‬ ‫(وادلعجمية) و(ادلنطق ) ‪ ...‬وألف بُت أشتاهتا يف تناغم عجيب وازبذ منها أدوات معرفية متضافرة على‬ ‫ربقيق ىدؼ وأحد ىو ‪ :‬خدمة النص القرآين وبياف إعجازه ‪ .‬وقد كانت فكرة (االنسجاـ النصي )‬ ‫واضحة يف ذىن عبد القادر وضوحاً متميزاً حىت إننا صلده يعرب عنها بقولو ‪ " :‬واعلم أف مثل ذلك واضح‬ ‫كمن يأخذ قطعاً من الذىب أو الفضة فيذيب بعضها يف بعض حىت تصَت قطعة واحدة ‪ 1 "...‬وىذا‬ ‫يدؿ على أف بنية النص يف تصور عبد القادر اجلرجاين تصل إىل مرتبة الصهر الذي ىو أعلى درجات‬ ‫التشكيل ‪.‬‬ ‫ومنهم مجهور علماء أصوؿ الفقو ‪ ،‬والسيما الذي حبث منهم يف حقلي دالالت األلفاظ‬ ‫ومعاين األساليب وما يًتتب عليها من قواعد وأحكاـ ‪ ،‬وتعرضوا للثنائيات الداللية اليت وضعوىا ربت‬ ‫عناوين ‪ :‬العاـ واخلاص ‪ ،‬وادلطلق وادلقيد ‪ ،‬واجململ وادلفصل ‪ ،‬واحملكم وادلتشابو ‪ .‬لقد كاف علماء األصوؿ‬ ‫جامعُت للشروط العلمية واالدوات التحليلية اليت حققت ذلم كفاية علمية شلتازة يف البحث النصي ‪ .‬ىذه‬ ‫الثنائيات تشمل الشروط اجلوىرية والوظيفية وادلعرفية للنص القرآين الكرًن ‪ ...‬وليس لتفصيل الكالـ يف‬ ‫ذلك منهم صنف آخر ‪ ،‬ىم ادلفسروف الذين قاموا جبهود كبَتة يف ربليل النص القرآين كل على طريقتو ؛‬ ‫فلقد سلكوا إىل فهمو طرائق منهجية شىت أمهها طريقة السياؽ ‪ ،‬ولكن ادلفسرين يتفاوتوف يف األدوات‬ ‫ادلعرفية ادلعتمدة بُت أثرية ولغوية ومنطقية ‪...‬‬ ‫وقد أدرج علماؤنا القدامى – ضمن مفاىيم النص – مفهوـ القصد وىو الغرض الذي يبتغيو‬ ‫ادلتكلم من اخلطاب والفائدة اليت يرجو إبالغها للمخاطب ‪ ،‬فلن يكوف ىناؾ نص وال خطاب دوف‬ ‫قصد‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد القاىر اجلرجاين ‪ :‬دالئل اإلعجاز ‪ ،‬ت ياسُت األيويب ‪ ،‬ادلكتبة العصرية ‪ ،‬صيدا ‪2000‬ـ صػ‪388‬‬

‫‪66‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫‪ -2‬مفهوم األسلوب واألسلوبية ‪:‬‬ ‫قبل أف ننطلق يف دراسة موقف ادلناىج األسلوبية من النص القرآين ‪ ،‬البد لنا من الوقوؼ أماـ‬ ‫مفهوـ األسلوبية الذي نقصده ‪ ،‬وربديد نقطة االنطالؽ اليت سنبدأ منها العمل ‪ ،‬ىذه النقطة ىي الوقوؼ‬ ‫على مفهوـ مصطلح األسلوب واألسلوبية ‪ ،‬وبياف الفرؽ بينهما ‪.‬‬ ‫يعرؼ األسلوب بأنو ‪ " :‬الطريقة والوجهة وادلذىب ‪ .‬يقاؿ ‪ :‬أنتم يف أسلوب سوء ‪ .‬وجيمع‬ ‫أساليب واألسلوب ‪ :‬الطريق تأخذ فيو ‪ ،‬ويقاؿ للسطر من النخيل أسلوب ‪ ،‬وكل طريق شلتد أسلوب ‪،‬‬ ‫واألسلوب بالضم ‪ :‬الفن ‪ ،‬يقاؿ ‪ :‬أخذ فالف يف أساليب من القوؿ أي يف أفانُت منو "‬

‫‪1‬‬

‫ويف ادلعجم الوسيط ‪ " :‬األسلوب ‪ :‬الطريق ‪ .‬يقاؿ ‪ :‬سلكت أسلوب فالف يف كذا ‪ :‬طريقتو‬ ‫ومذىبو ‪ .‬وىو طريقة الكاتب يف كتابتو ‪ ،‬واألسلوب ‪ :‬الفن ‪ ،‬يقاؿ أخذنا يف أساليب من القوؿ أي فنوف‬ ‫متنوعة " ‪.2‬‬ ‫إذاً فاألسلوب يف اللغة ‪ :‬الطريقة ‪ ،‬وادلذىب ‪ ،‬والفن ‪ .‬ومن ناحية داللية قد يعٍت اخلصائص‬

‫الفردية حُت نتحدث عن أسلوب كاتب معُت ‪. 3‬‬

‫كما قد يعٍت النظاـ أو القواعد العامة حُت نتحدث عن أسلوب ادلعيشة لدى شعب ما أو‬ ‫أسلوب العمل يف مكاف ما ‪.4‬‬ ‫أما مفهوـ األسلوب يف اصطالح اللغويُت فينقل جورج مولينيو تعريفاً لألسلوب يصفو بأنو من‬ ‫أكثر تعريفاتو كماالً ‪ ،‬ومن أشدىا حثاً على التفكَت ‪ .‬ىذا التعريف ىو تعريف ريشلو الذي يقوؿ فيو ‪:‬‬

‫"تقاؿ ىذه الكلمة – أسلوب – عند التكلم عن اخلطاب ‪ .‬فاألسلوب ىو الطريقة اليت يتكلم هبا كل‬ ‫شخص ‪ .‬ىناؾ من األساليب بقدر ما ىنالك من أشخاص يتكلموف " ‪ .5‬لكن مولينيو بعد ىذا اإلطراء‬ ‫‪ 1‬ابن منظور ‪ :‬مجاؿ الدين ‪ -‬لساف العرب ‪ ،‬د ‪ .‬ـ ‪ .‬ط ‪ -‬ج‪ ،1‬صػ‪ 473‬مادة "سلب" ‪.‬‬ ‫‪ 2‬رلمع اللغة العربية ‪ ،‬ادلعجم الوسيط ‪ ،‬ط‪ ،3‬القاىرة ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ط‪.‬ج‪ ،1‬صػ‪ ،457‬مادة "سلب"‬ ‫‪ 3‬شكري زلمد عباد ‪ :‬مدخل إىل علم األسلوب ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار العلوـ ‪ ،‬الرياض ‪1982 ،‬ـ ‪ ،‬صػ‪142‬‬ ‫‪ 4‬درويش ‪ :‬أمحد ‪ ،‬األسلوب واألسلوبية ‪ ،‬رللة فصوؿ ‪ ،‬اجمللد اخلامس ‪ ،‬العدد األوؿ ‪ ،‬أكتوبر ‪1994‬ـ صػ‪42‬‬ ‫‪ 5‬مولينية ‪ :‬جورج ‪ ،‬األسلوبية ‪ ،‬ترمجة بساـ بركة ‪ ،‬ط‪ ،1‬ادلؤسسة اجلامعية للنشر ‪ ،‬بَتوت ‪1999 ،‬ـ صػ‪48‬‬

‫‪66‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫لتعريف ريشلو يعود فيعرؼ األسلوب بأنو ‪" :‬الطريقة الفردية يف إدارة رلموعة من التحديات اللغوية يف‬ ‫النص " ‪.1‬‬ ‫وىذا التعريف يقًتب كثَتاً من تعريف بَتجَتو لألسلوب حيث يعرفو بأنو استخداـ الفرد‬ ‫‪2‬‬ ‫ألدوات تعبَتية من أجل غايات تأثَتية ‪ ،‬فالتعبَت عن الفكرة ال يتم إال بواسطة اللغة ‪.‬‬ ‫إال أف عبد السالـ ادلسدي ينقل تعريفاً عن سبيتزر لألسلوب حيدد فيو بأف األسلوب ىو‬ ‫‪4‬‬ ‫العملية ادلنهجية ألدوات اللغة ‪ .3‬ويقف بوفوف معرفاً األسلوب بأنو ىو " اإلنساف نفسو "‬ ‫مث يأيت سعد مصلوح ليقف على تعريف أحسبو دقيقاً بعض الشيء فيقوؿ ‪" :‬األسلوب اختيار‬

‫او انتقاء يقوـ بو ادلنشئ لسمات لغوية معينة بغرض التعبَت عن موقف معُت "‪.5‬‬

‫ومهما يكن من أمر اختالؼ تعريف األسلوب باختالؼ ادلدارس وادلذاىب النقدية ‪ ،‬إال أف‬ ‫إمجاعاً كاد ينعقد بُت عدد من النقاد والكتاب يف تعريفهم لألسلوب بأنو ‪" :‬طريقة الفرد يف التعبَت عن‬ ‫موقفو ‪ ،‬واإلبانة عن شخصيتو ادلتميزة ‪ ،‬باختيار ألفاظو ‪ ،‬وصياغة مجلو ‪ ،‬وعباراتو ‪ ،‬والتأليف بينها ‪،‬‬ ‫للتعبَت عن معاف ‪ ،‬القصد منها اإليضاح والتأثَت "‪ .6‬إذاً ديكننا القوؿ بأف ادلعٌت العاـ لكلمة أسلوب تعٍت‬

‫تفصيالً أو اختياراً ما ‪ ،‬من ضمن رلموعة من البدائل ادلتاحة يف رلاؿ معُت ‪.‬‬

‫وكما حيدث ذلك يف كافة رلاالت احلياة حيدث أيضاً يف اللغة ‪ .‬فمن ادلفًتض أف ىناؾ طرؽ‬

‫متعددة ديكن أف تستخدـ للتعبَت عن ادلعٌت الواحد ‪ ،‬خيتار الفرد من بينها ما يرى أنو أقدر على التعبَت‬ ‫عن الفكرة اليت يتناوذلا ‪ .‬فإذا كاف ىذا ىو األسلوب ‪ .‬فما ىو علم األسلوب إذف ؟ إف العلم الذي يقدـ‬ ‫‪ 1‬مولينيو ‪ ،‬األسلوبية ‪ ،‬صػ‪49‬‬ ‫‪- 2‬بَتجَتو ‪ :‬األسلوب واألسلوبية ‪ ،‬ت منذر العياشي ‪،‬ط‪ ،5‬مركز اإلمناء القومي ‪ ،‬بَتوت ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪ .‬ط ‪ ،‬ص ‪6‬‬ ‫‪ 3‬ادلسدي ‪ :‬عبد السالـ ‪ ،‬األسلوبية واألسلوب ‪،‬ط‪ ، 3‬الدار العربية للكتاب ‪ ،‬ليبيا ‪1982 ،‬ـ ‪ ،‬صػ‪36‬‬

‫‪ 4‬مولينيو ‪ ،‬األسلوبية ‪ ،‬صػ‪52‬‬ ‫‪5‬مصلوح ‪ :‬سعد ‪ ،‬األسلوب دراسة لغوية إحصائية ط‪ ،3‬عامل الكتب ‪ ،‬القاىرة ‪1992 ،‬ـ ص ‪. 72‬‬ ‫‪ 6‬الرمز ‪ :‬أمحد قاسم ‪ ،‬ظواىر أسلوبية يف الشعر احلديث يف اليمن ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مركز عبادي للدراسات ولنشر ‪ ،‬صنعاء ‪،‬‬ ‫‪1996‬ـ ص ‪. 34‬‬

‫‪67‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫لنا رؤية واضحة عن ىذا التفصيل وىذا االختيار من رلموعة البدائل ادلتاحة ‪ ،‬ويبُت لنا دالالت ومسات‬ ‫ىذا التفضيل وىذا االختيار ‪ ،‬ىو ما ديكن أف نطلق عليو علم األسلوب ‪ ،‬وىو ما حدد صالح فضل‬ ‫ىدفو ا لنهائي يف تقدًن صورة شاملة عن أنواع ادلفردات والًتاكيب وما خيتص هبا من دالالت ‪ . 1‬إذاً ذاؾ‬ ‫ىو األسلوب ‪ ،‬وىذا علم األسلوب ‪ .‬فما ىي األسلوبية إذف ؟‬

‫األسلوبية هي ‪ :‬لفظة مؤلفة من جزأين ‪ :‬كلمة أسلوب وتتبعها الحقة من ياء النسب ‪ ،‬وىذه‬ ‫الالحقة تعٍت االنتساب إىل رلاؿ العلم واالتصاؼ خبصائصو فالتعريف اللغوي لألسلوبية ‪ :‬ىو االنتساب‬ ‫إىل علم األسلوب وىي كما يعرفها اذلادي اجلطالوي بأهنا ‪" :‬ربليل لغوي موضوعو األسلوب ‪ ،‬وشرطو‬ ‫ادلوضوعية ‪ ،‬وركيزتو األلسنية "‪. 2‬‬ ‫ويرى عبد السالـ ادلسدي أف األسلوبية تتحدد بدراسة اخلصائص اللغوية اليت يتحوؿ اخلطاب‬ ‫دبوجبها عن سياقو اإلخباري إىل وظيفتو التأثَتية واجلمالية ‪.3‬‬ ‫ويستعرض الدكتور صالح فضل آراء شارؿ بايل ويتلخص منها أف األسلوبية ‪ :‬تتمثل يف‬ ‫رلموعة من عناصر اللغة ادلؤثرة عاطفياً على ادلستمع ‪ ،‬ومهمة األسلوبية لديو ىي البحث عن القيمة‬ ‫التأثَتية لعناصر اللغة ادلنظمة والفاعلية ادلتبادلة بُت العناصر التعبَتية اليت تتالقى لتشكل نظاـ الوسائل‬ ‫اللغوية ادلعربة ‪.4‬‬ ‫ويعرفها مولينيو بأهنا ‪" :‬ربليل خلطاب من نوع خاص " فهي وإف كانت تعتمد على قاعدة‬ ‫نظرية "لسانية أو سيميائية أو برغماتية " فإهنا أوالً وأخَتاً تطبيق ديارس على مادة ىي اخلطاب ولكن ما‬ ‫اخلطاب ؟ ادلقصود بكلمة خطاب يف ادلفهوـ اللساين ىو كل نص يأيت نتيجة لعمل إرساؿ لساين يقوـ بو‬ ‫مرسل ما ‪ ،‬ويكوف موجهاً بطريقة حتمية إىل قارئ أو سامع "فعلي أو متخيل " يقوـ بعمل التلقي‬ ‫والتفسَت ‪ .‬والبد ذلذا اخلطاب يف ادلنظور األسلويب من أف يكوف زلدداً ‪ ،‬إما يف حدود دنيا " مثل البيت‬ ‫‪ 1‬صالح فضل ‪ :‬علم األسلوب "مبادئو وإجراءاتو ‪ " ،‬ط‪ ، 2‬اذليئة ادلصرية للكتاب ‪ ،‬القاىرة ‪1985 ،‬ـ‪ ،‬صػ‪.117‬‬ ‫‪ 2‬اجلطالوي ‪ :‬اذلادي ‪ ،‬مدخل إىل األسلوبية ‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة عيوف ‪ ،‬الدار البيضاء ‪1992 ،‬ـ‪ ،‬صػ‪37‬‬ ‫‪ 3‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬ص ‪36‬‬ ‫‪ 4‬علم األسلوب‪ ،‬ص ‪75‬‬

‫‪67‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫الشعري الواحد " أو ضمن حدود قصوى " مثل العمل األديب الواحد " واألساس يف ىذا ادلضمار ىو أف‬ ‫تكوف مادة التحليل األسلويب زلددة بدقة وبصورة دائمة‪. 1‬‬ ‫األسلوبية إذف شلارسة قبل أف تكوف علماً أو منهجاً ‪ ،‬أساسها البحث يف طرافة اإلبداع وسبيز‬ ‫النصوص ‪ .‬ىي قراءة للنص ‪ ،‬وقراءة النص ال تقف عند مستوى احلروؼ والكلمات والًتاكيب ‪ ،‬بل‬ ‫تتجاوز ذلك إىل األحاسيس وادلشاعر وأجراس الكلمات وإيقاعاهتا‪ . 2‬و شلا سبق ديكننا القوؿ أف‬ ‫األسلوب ىو طريقة التعبَت عن مكنونات النفس ودواخلها ‪.‬‬ ‫وعلم األسلوب ىو وصف ىذه الطريقة ‪ ،‬وبياف مساهتا وخصائصها ادلميزة ذلا عن غَتىا من‬ ‫الطرؽ‪ .‬ىذا الوصف يتم من خالؿ ربليل ىذه الطريقة ‪ ،‬ليتم معرفة ىذه السمات واخلصائص ‪ ،‬ىذا‬ ‫التحليل ىو األسلوبية ‪ ،‬فاألسلوبية ىي أداة علم األسلوب يف وصف األسلوب ‪.‬‬ ‫وىنا يستوقفنا سؤاؿ عن ماىية ادلناىج اليت تتبعها األسلوبية يف ربليلها للنصوص ؟‬ ‫ولإلجابة عن ىذا التساؤؿ البد من اإلشارة إىل أف التحليل األسلويب ‪" :‬ضروب زبتلف‬ ‫باختالؼ ثقافة الدارسُت ادلمارسُت ‪ ،‬وباختالؼ زوايا النظر اليت ينظروف منها إىل النص ‪ ،‬فمنهم من ديثل‬ ‫ربليلو نقطة التق اء اللسانيات وعلم البالغة ‪ ،‬أو اللسانيات وعلم النقد األديب ‪ ،‬أو التقاء مبادئ نظرية‬ ‫اإلخبار يف ربديد اجلهاز األدىن يف التخاطب ومبادئ اللسانيات العامة ومقاييس النقد األديب ‪ ،‬كما‬ ‫خيتلف التحليل األسلويب باختالؼ اذلدؼ ‪ ،‬فقد يكوف اذلدؼ منو ربديد مقومات الكالـ العادي يف‬ ‫جهة ومقومات اخلطاب األديب يف جهة أخرى ‪ .‬كما قد يكوف اذلدؼ منو ربديد ردود فعل ادلتقبل إزاء‬ ‫الرسالة اللغوية اجملسمة يف النص ادلدروس ‪ ،‬مث البحث عن دوافع تلك الردود يف شكل النص نفسو ‪ .‬كما‬ ‫خيتلف التحليل األسلويب باختالؼ مداخل التحليل ‪ ،‬فقد يكوف ادلدخل بنيوياً دبعٌت أف االنطالؽ فيو‬ ‫يكوف مباين ادلفردات وتراكيب اجلمل وأشكاؿ النصوص وىندسة اآلثار ‪ ،‬أو داللياً ينطلق فيو من صور‬ ‫‪ 1‬مولينيو‪ ،‬األسلوبية ‪ ،‬ص ‪64‬‬ ‫‪ 2‬الطرابلسي ‪ :‬زلمد ىادي ‪ ،‬رباليل أسلوبية ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار اجلنوب للنشر ‪ ،‬تونس ‪1989 ،‬ـ صػ‪101‬‬

‫‪67‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫معانيو اجلزئية وموضوعاتو الفرعية وأغراضو الغالبة ومقاصده العامة وأجناسو ادلعتمدة ‪ ،‬كما قد يكوف‬ ‫ادلدخل بالغياً ينطلق فيو من الظاىرة األسلوبية أو رلموعة الظواىر ادلستخدمة "‪.1‬‬ ‫إذاً ال توجد وصفة جاىزة تعتمد يف التحليل ‪ ،‬ديكن أف تطبق تطبيقا آلياً على النصوص ‪،‬‬

‫ولكنها اختيارات واجتهادات ومهارات ‪ ،‬ومهما يكن من أمر التحليل األسلويب إال أنو جيب أف نعرؼ أف‬ ‫الدارس األسلويب ليس ملزماً بطريقة واحدة يف التحليل ‪ ،‬أو زلصوراً يف منوذج واحد ‪.‬‬

‫النص القرآني والدراسات الحديثة ‪:‬‬

‫إف ادلتأمل دلا كتب من أحباث ودراسات مرتبطة بالنص القرآين خالؿ العقود األخَتة ‪ ،‬جيد‬ ‫نفسو أماـ ثورة علمية واسعة وأماـ نتاج كبَت مل يسبق لو مثيل يف مدة زمنية شلاثلة من قبل ‪ ،‬وسيجد نفسو‬ ‫ي قف أماـ دراسات ذات تعدد منهجي غَت مألوؼ لو ‪ ،‬ىذا التعدد اخلارج عن إطار ادلألوؼ جاء نتيجة‬ ‫استخداـ مناىج غربية وافدة ومتنوعة بل أحياناً متضاربة ‪ ،‬ىذه ادلناىج مل تكن نتاج بيئة عربية إسالمية‬ ‫ومل تكن ذات أصوؿ ثقافية عربية ‪.‬‬

‫كما أف ادلتأمل سيجد أف ىذه الدراسات وىذه األحباث قد ساىم فيها عرب وغَت عرب ‪،‬‬ ‫مسلموف ومستشرقوف ‪ ،‬قدموا فيها نتاجاً جديداً ورؤى جديدة للنص القرآين "بغض النظر عن تقييم ما‬

‫قدموه " ‪ ،‬ومع أف ىناؾ كثَت من الدراسات اليت اىتمت باحلديث عن ادلنهجية اجلديدة وادلدارس احلديثة‬ ‫يف تفسَت النص القرآين وتأويلو ؛ إال أهنا غالباً ما كانت متحيزة لرأى معُت وغَت مكتملة حينا أخر ‪،‬‬ ‫بعض ىذه الدراسات توقف عند مرحلة متأخرة من التفسَت كتفسَت ادلنار حملمد عبده وتفسَت يف ظالؿ‬ ‫القرآف لسيد قطب ‪ ،‬وبقيت ادلرحلة اليت تلي ىذه ادلرحلة – على رغم أمهيتها – مهملة ‪ ،‬مع أهنا مرحلة‬ ‫جديدة اتسمت بادلعاصرة ومسيت بظاىرة القراءة ادلعاصرة للقرآف ‪.‬‬ ‫وقد وضعت بعض الدراسات ‪ 2‬تقسيما ذلذه القراءات ادلعاصرة على مرحلتُت لكل مرحلة مساهتا‬ ‫اخلاصة هبا ‪:‬‬ ‫‪ 1‬رباليل أسلوبية ‪ ،‬ص ‪8‬‬ ‫‪ 2‬أنظر دراسة عبدالرمحن احلاج – ظاىرة القراءة ادلعاصرة وأيديولوجيا احلداثة ‪ ،‬رللة التسامح ‪ ،‬وزارة األوقاؼ ‪،‬مسقط‪،‬ع‪،1‬‬ ‫‪2003‬ـ‪ ،‬ص ‪.226‬‬

‫‪67‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫المرحـلة األولى ‪:‬‬ ‫وىي اليت بدأت مع الشيخ زلمد عبده ‪ ،‬حيث شهدنا عملية فعلية للتفسَت والتأويل مستفيدة‬ ‫من معطيات العصر ‪ ،‬وكاف زلمد عبده قد نعى على العلماء عدـ االستفادة من العلوـ الغربية احلديثة ‪،‬‬ ‫وعندما شرع يف تفسَته تأوؿ القرآف طبقاً لتلك العلوـ والنظريات العلمية ‪ ،‬شلا جعل الداروينية مقولة‬

‫قرآنية‪ ،‬مث تأوؿ ادلعجزات تأويالً وضعياً ‪.1‬‬ ‫كما سنجد امتداد ذلك الحقاً مع طنطاوي جوىري يف تفسَته اجلواىر ‪ ،‬وىو تفسَت يربىن فيو‬

‫على أف كل العلوـ يف الغرب موجودة يف القرآف !! وأف القرآف قد سبق إليها ‪ ،‬ليطمئننا بذلك " إىل أننا‬ ‫سبقنا عصرنا إىل كل ما يتطاوؿ بو الغرب علينا من علوـ حديثو " كل ذلك لَتحينا من مهانة اإلحساس‬ ‫الباىظ بالتخلف كما تقوؿ بنت الشاطئ ‪ . 2‬مث مع أبو زيد الدمنهوري يف كتابو " اذلداية والعرفاف يف‬ ‫تفسَت القرآف بالقرآف " ‪ ،3‬والذي خلص فيو إىل استنطاؽ القرآف دبا يتالءـ مع أفكار العامل ادلعاصر يف‬ ‫كثَت من القضايا ‪ ،‬إىل أف جاء ادلصطلح معرباً يف عنواف (التفسَت العصري )‪ 4‬مع مصطفي زلمود يف‬ ‫بداية السبعينات من القرف ادلاضي ‪.‬‬ ‫تتميز ىذه ادلرحلة اليت امتدت إىل أواخر السبعينات من القرف ادلاضي بعدة خصائص ‪:‬‬ ‫ فهي مل زبرج عن مناىج التفسَت التقليدية ‪ ،‬وذلذا مل تتجاوز التأويالت اإلجرائية اليت تناولت بعض‬‫اآليات دبا يتالءـ مع مقوالت العصر الشائعة ‪ ،‬حىت لو خرقت تلك التأويالت األطر ادلنهجية‬ ‫التقليدية يف التفسَت ‪ .‬بل إننا صلد يف ىذه ادلرحلة كيف وصل التفسَت إىل رلرد تأمالت تتسم‬ ‫بالبساطة والسذاجة أحياناً كما ىي عند مصطفى زلمود ‪.‬‬ ‫‪ 1‬األع ماؿ الكاملة لإلماـ زلمد عبده ‪ ،‬ت زلمد عمارة ‪ ،‬ادلؤسسة العربية للدراسات والنشر ‪ ،‬بَتوت ‪1972 ،‬ـ ج‪6‬‬ ‫صػ‪153‬‬ ‫‪ 2‬عائشة بنت الشاطئ ‪ ،‬القرآف والتفسَت العصري ‪ ،‬دائرة ادلعارؼ ‪ ،‬القاىرة ‪1970 ،‬ـ ‪،‬صػ‪38‬‬ ‫‪ 3‬طبع يف القاىرة عاـ ‪1956‬ـ ‪ ،‬مث منع من التداوؿ من جلنة األزىر وقد صنفو الذىيب ربت عنواف التفسَت اإلحلادي ‪،‬‬ ‫أنظر الذىيب ‪ :‬حسُت ‪،‬التفسَت وادلفسروف ج ‪ 4‬ص ‪19‬‬ ‫‪ 4‬ظهر ادلصطلح ألوؿ مرة مع مصطفي زلمود عاـ ‪1970‬ـ يف مقاالت رللة صباح اخلَت ادلصرية مث مجعها يف كتاب‬ ‫بعنواف‪ :‬القرآف زلاولة لفهم عصري ‪ /‬طبع يف العاـ نفسو ‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫ واالجتزاء يبدو ظاىرة واضحة ‪ ،‬حيث ال يتم التأويل ادلعاصر إال يف تلك اآليات ادلتعلقة باإلشكاالت‬‫الفكرية ادلعاصرة ‪ ،‬أو تلك اليت يشتبو هبا يف استنطاؽ االكتشافات احلديثة ! ونظراً الحتكاـ التفسَت ‪/‬‬

‫التأويل – يف ىذه ادلرحلة – إىل ادلناىج التقليدية يف التفسَت ‪ ،‬فقد ظل مصطلح التفسَت مهيمناً‬ ‫كإسم ذلذه العملية التأويلية ‪ ،‬والرتباطها بالعصر كاف من الطبيعي أف يربز مصطلح " التفسَت العصري‬ ‫" أو " ادلعاصر " تعبَتاً عنها ‪.‬‬

‫المرحلة الثانية ‪:‬‬

‫وحييلنا إليها مصطلح القراءة نفسو الذي يشَت إىل مصادر منهجية معاصرة ىي مناىج النقد‬ ‫األديب واللسانيات احلديثة ‪ ،‬فنحن ىنا إذف أماـ استخداـ دلناىج وأدوات جديدة يف دراسة القرآف‬ ‫نستطيع أف نقدر بدايتو يف هناية السبعينيات وبداية الثمانينيات حيث كانت ادلناىج األدبية واللسانية قد‬ ‫أخذت حضورىا إىل جانب الدراسات األخرى يف العامل العريب ‪ ،‬وبدأت تتسرب إىل كل شيء ‪ ،‬فكاف‬ ‫لنا أف نرى عاـ (‪1979‬ـ) (العادلية اإلسالمية الثانية ) أليب القاسم حاج محد ‪ ،‬واليت اعتمد فيها على‬ ‫مزيج من ادلقوالت اللسانية والفلسفية ردبا ألوؿ مرة ‪ ،‬ويف الثمانينيات ظهرت زلاولة أركوف يف قراءة الًتاث‬ ‫اإلسالمي وتأويل النص الديٍت ‪ ،‬ويعترب أركوف أكثر من توسع يف استخداـ ادلناىج احلديثة وخصوصاً‬ ‫اللسانية ‪ ،‬وحسن حنفي الذي حاوؿ أف يؤسس لتفسَت معاصر اعتماداً على معطيات العصر ادلنهجية ‪،‬‬ ‫مث زلمد شحرور يف (الكتاب والقرآف ‪ :‬قراءة معاصرة ) الذي اعتمد فيو على خليط من البنيوية والتارخيية‪،‬‬

‫ونصر حامد أبو زيد الذي طرح يف (مفهوـ النص ) منهجو القائم على التأويل من خالؿ نقد تراث علوـ‬

‫القرآف ‪ ...‬وغَتىم ‪.1‬‬

‫تتميز القراءة ادلعاصرة للنص القرآين ‪ ،‬وىي ادلرحلة الثانية يف الدراسة ادلعاصرة للقرآف باخلصائص‬ ‫التالية ‪:‬‬ ‫ مارست (قطيعة ) جذرية يف مناىج التأويل مع الًتاث ‪ ،‬يف حُت تواصلت مناىج (التفسَت‬‫العصري) معو ‪ ،‬إىل حد التطابق وىي (نقلة ) مسحت بتجاوز عقبات ادلنهج التقليدي أماـ‬ ‫التأويالت ادلتعسفة ‪.‬‬ ‫‪ 1‬أنظر ‪ :‬السعيداين‪ :‬خالد ‪ ،‬إشكالية القراءة يف الفكر العريب ادلعاصر‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬جامعة الزيتونة ‪ ،‬تونس ‪1998 ،‬ـ ‪،‬‬ ‫ص ‪. 98‬‬

‫‪67‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ مسحت بتأويل لػ(كامل النص ) من خالؿ مناذج قابلة للتكرار ‪ ،‬أو شلارسة شاملة يف الوقت الذي‬‫كاف فيو التفسَت العصري يتعثر يف ترقيعاتو ‪ ،‬فليس ىنا اجتزاء أو تأمالت ‪ ،‬بقدر ما ىي شلارسة‬ ‫وحبث معريف يتوسل جبهود ذىنية كبَتة ومنظمة ‪.‬‬ ‫وإذا كاف من ضرورات (الظاىرة ) التكرار ‪ ،‬والوضوح ‪ ،‬فإننا نستطيع أف نصف (القراءة‬ ‫ادلعاصرة) بػ(الظاىرة ) ‪ .‬خصوصاً منذ عقد التسعينات ‪ ،‬حيث ساىم يف ىذا التحوؿ الصخب الذي‬ ‫سبخض عن صدور كتاب شحرور ( الكتاب والقرآف ) ربت العنواف الفرعي ‪( :‬قراءة معاصرة ) ىذا‬ ‫الصخب الذي مل ينتو بعد ‪ ،‬والذي يعكس (استفزازاً ) حقيقياً دلنظومة العقل ادلسلم ادلعهودة ‪.‬‬

‫سمات منهجية ‪:‬‬

‫أماـ االىتماـ ادلتزايد بدراسات النص القرآين دلواكبة النهضة اليت أصبحت الشغل الشاغل‬ ‫للفكر اإلسالمي خالؿ القرف ونصف القرف ادلاضيُت ‪ ،‬وأصبحت دراسة القرآف وتفسَته تقليدا تسَت عليو‬ ‫كل حركات اإلصالح الديٍت والسياسي يف تاريخ احلضارة اإلسالمية ؛ حبيث أصبح كل تفكَت بالنهضة‬ ‫البد أف يتخذ موقفاً ذباه النص القرآين وفهمو فهماً يسوغ رؤيتو للحاضر وادلستقبل ‪ ،‬كما أف زيادة احلاجة‬ ‫ادللحة لعرض ادلعرفة الدينية وفق التطورات ادلتسارعة دلستجدات العصر وأطروحاتو الفكرية ‪ ،‬كل ذلك‬ ‫جعل ادلشتغلُت بالنص يبحثوف عن مناىج جديدة قادرة على تقدًن رؤية للقرآف موضوعاتو وتارخيو ‪ ،‬ومن‬ ‫خالؿ التتبع التارخيي صلد أف ىذه احملاوالت ظهرت يف األشكاؿ اآلتية‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬مناهج التفسير الموضوعي ‪:‬‬

‫يصعب على أي دارس أف جيد منهجاً جديداً وبارزاً غَت التفسَت ادلوضوعي يف ىذه الفًتة ‪،‬‬

‫الذي استحوذ على اىتماـ ال مثيل لو من قبل ‪ ،‬حبيث إف التفسَت ادلعهود الذي يبدأ من سورة الفاربة‬ ‫ويسَت خطياً إىل سورة الناس خاسبة القرآف الكرًن ‪ ،‬قل االىتماـ بو ‪ ،‬وأصبح الباحثوف يف علم التفسَت‬ ‫مهتمُت بشكل كامل تقريباً بالتفسَت ادلوضوعي ‪.‬‬ ‫إف يف التفسَت ادلوضوعي ذاتو ما يربز ىذا االىتماـ الكبَت بو ‪ ،‬ذلك أف الفلسفات الغربية ‪،‬‬ ‫وخصوصاً ادلاركسية ‪ ،‬ما أخذت شوكتها تشتد إال مع منتصف اخلمسينيات ‪ ،‬وقد وضح أف التفسَت‬ ‫ادلوضوعي ديتلك قدرة بالغة يف احملاججة والدفاع عن اإلسالـ والعقيدة اإلسالمية ‪ ،‬وبالرغم من أف التفسَت‬ ‫‪66‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫ادلوضوعي بدأ مبكراً يف تاريخ اإلسالـ عندما كتب اجلاحظ عن النار يف القرآف الكرًن ‪ ،‬وكتب ابن تيمية‬ ‫–رمحو اهلل – رسالة عن لفظة "السنة " يف القرآف الكرًن ‪ ،‬وعندما نضج علم الوجوه واألشباه والنظائر يف‬ ‫القرآف الكرًن الذي يدرس مفردات القرآف الكرًن يف كل وجوه استعماذلا يف إطار القرآف نفسو ‪ ...‬بالرغم‬ ‫من كل تلك اجلهود ‪ ،‬إال أف ادلنهج ما كاف واضحاً إىل درجة ديكن فيها التنظَت العلمي لو ‪ ،‬وذلذا ال صلد‬ ‫من بُت كل الذين كتبوا يف التفسَت من قعد ذلذا ادلنهج ‪ ،‬وحىت يف بداية القرف ادلاضي عندما كتب الشيخ‬ ‫زلمد عبده تفسَته جزء عم ‪ ،‬مث تفسَت ادلنار استخدـ تقنيات التفسَت ادلوضوعي ‪ ،‬من دوف أف ينظر‬ ‫بشكل علمي ذلذا ادلنهج ‪.‬‬ ‫ونستطيع أف نؤرخ – باطمئناف – لبداية البلورة العلمية ذلذا ادلنهج باكتشاؼ الشيخ زلمود‬ ‫زلمد حجازي – بعد كتابتو "التفسَت الواضح " الوحدة ادلوضوعية يف القرآف " واليت كانت موضوع‬ ‫أطروحتو للدكتوراه يف األزىر سنة ‪1967‬ـ ‪ ،‬ومنذ ذلك احلُت أصبح العمل متجهاً إىل بلورة ىذا ادلنهج‬ ‫بشكل نظري ‪ .‬أيضاً أخذت الدراسات تتكاثر تباعاً ‪ ،‬وقدمت أطروحات جامعية عالية يف ىذا ادلوضوع‬ ‫يف العراؽ وادلغرب ومصر ‪ ،‬واألردف ‪ ،‬وما تزاؿ إىل اليوـ تتقدـ يف صياغة منهج التفسَت ادلوضوعي وتطوره‪.‬‬ ‫يقوـ مبدأ التفسَت ادلوضوعي على مفهوـ " الوحدة ادلوضوعية " للقرآف وىو مفهوـ بدا أف لو‬ ‫معنيُت مها ‪:‬‬ ‫ وحدة "األفكار " و"ادلوضوعات " اليت يتناوذلا النص القرآين ‪ ،‬فما يقدمو مثالً عن ادلاؿ يف أوؿ‬‫القرآف الكرًن ‪ ،‬لو عالقة مع ما يذكره عن ادلاؿ يف آخره ‪ ،‬ويتكامل معو ‪ ،‬ذلك ألف ادلصدر الذي‬ ‫صدر عنو النص القرآين يفًتض منطقيتو وانسجامو مع بعضو ‪ ،‬وىو معٌت اآلية الكردية ‪ :‬ولو كاف‬ ‫من عند غَت اهلل لوجدوا فيو اختالفا كثَتاً ‪{ ‬النساء ‪ }82 :‬أو وحدة ادلوضوع الذي يطرحو‬ ‫القرآف يف السورة ‪ ،‬اليت تشكل برمتها موضوعاً واحداً ‪.‬‬ ‫ وحدة القرآف الكرًن ‪ ،‬بناءً وموضوعاً ‪ ،‬حبيث يصبح كالكلمة الواحدة يف موضوعاتو ومفرداتو‬‫وألفاظو‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ويستبدؿ أحياناً بالوحدة ادلوضوعية ىنا الوحدة العضوية حسب مصطلح الدكتور عبد اهلل دراز‪،‬‬

‫أو الوحدة البنائية حسب اصطالح الدكتور طو جابر العلواين ‪.1‬‬

‫وبناءً على ربديد مفهوـ " الوحدة ادلوضوعية " وجد ىناؾ ثالثة تعريفات للتفسَت ادلوضوعي ‪،‬‬

‫ذبعلنا نقوؿ بوجود ثالثة اذباىات يف التفسَت ادلوضوعي أو فلنقل ثالثة أنواع ىي ‪-:‬‬ ‫‪ -‬المفردات القرآنية ‪:‬‬

‫وىو دراسة لداللة ادلصطلحات وادلفردات القرآنية داخل القرآف الكرًن ويف حدوده فحسب ‪،‬‬ ‫وبالرغم من أف ىذا النوع من التفسَت لكلمات القرآف يعتمد مبدأ " الوحدة العضوية " أو " البنائية "‬ ‫للقرآف الكرًن فإف بعض الباحثُت ال يعتربه من التفسَت ادلوضوعي ‪ ،‬ذلك أنو ال يعطي صورة كاملة عن‬ ‫موضوع ما أو سورة ما ‪ ،‬ولكن تفسَت مفردات القرآف وربديد داللة مصطلحاتو ىو يف الواقع ربديد‬ ‫للمفاىيم ‪.‬‬ ‫وجيدر التنبيو ىنا إىل أف ىذا النوع من التفسَت جيد جذوره يف علم األشباه والنظائر أو الوجوه‬ ‫والنظائر ادلعروؼ يف علوـ القرآف الكرًن ‪ ،‬وقد بدأ االىتماـ بو يف وقت متأخر ‪ ،‬ذلك أهنم اكتشفوا أف‬ ‫ادلشكلة األساسية يف أي تفسَت تكمن يف التعامل مع القرآف رلرد تعامل لغوي دوف االنتباه إىل إمكانية‬ ‫أف يكوف يف تلك ادلفردات ما ىو اصطالح قد يغَت جذرياً التفاسَت ادلعهودة ‪.‬‬

‫‪ -‬السـورة ‪:‬‬

‫قصر بعضهم التفسَت ادلوضوعي على دراسة السورة القرآنية باعتبارىا تتضمن موضوعاً واحداً‬ ‫تدور كل مقاطع السورة يف احملصلة حولو ‪ ،‬ولذلك عادة ما يقوـ الباحثوف وادلفسروف بتحديد ادلوضوع يف‬ ‫بداية التفسَت ‪ ،‬وىو أمر يشبو – إىل حد بعيد – طريقة الشهيد سيد قطب يف ظاللو ‪ ،‬وجيري ربديد‬ ‫مدلوؿ باقي السورة بناءً على ىذا التحديد ادلسبق ‪ ،‬الذي يقوـ عادة على االستقراء ‪.‬‬

‫وتعترب أىم دراسة – حىت اآلف – ىي دراسة الدكتور زلمود البستاين " عمارة السورة القرآنية "‬

‫اليت طبعت مؤخراً ‪ ،‬وأمهية ىذه الدراسة أهنا تبحث عن قوانُت ربدد األساس ادلوضوعي الذي يقوـ عليو‬ ‫بناء السورة القرآنية من خالؿ القرآف الكرًن كلو ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫العلواين ‪ :‬طو جابر ‪ ،‬أفال يتدبروف القرآف ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار السالـ ‪ ،‬القاىرة ‪2010،‬ـ ‪،‬ص ‪.130‬‬

‫‪66‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫الموضـوعات ‪:‬‬‫ىذا النوع ىو األكثر شهرة ‪ ،‬واألكثر تبادراً إىل الذىن عند إطالؽ تعبَت " التفسَت ادلوضوعي "‬ ‫ويتوقف ىذا التفسَت على ربديد " ادلوضوع " الذي جيب أف يدرس ‪ ،‬وادلشكلة األساسية أف ىذا النوع‬ ‫من التفسَت ال ديكن أف يشكل تفسَتاً كامالً للقرآف ‪ ،‬شأنو شأف دراسة ادلفردة القرآنية اليت ذكرناىا آنفاً ‪،‬‬ ‫ذلك أف ادلوضوعات اليت تناوذلا القرآف يصعب حصرىا ‪ ،‬فتحديدىا بطبيعة احلاؿ اجتهاد ‪ ،‬واالجتهاد‬ ‫خيتلف فيو –ضرورة – من حيث كونو ظٍت الداللة ‪ .‬ىذا خالفاً للتفسَت ادلوضوعي الذي يعتمد السور ‪.‬‬ ‫ىذه األنواع الثالثة للتفسَت ادلوضوعي يبدو أنو ال يزاؿ ىناؾ اختالؼ حوذلا ‪ ،‬وما يزاؿ كل نوع‬ ‫منها يعتمد مستقالً عن اآلخر ‪ ،‬حبيث يعسر علينا العثور على تفسَت واحد جيمع األنواع الثالثة رلتمعة ‪،‬‬ ‫وىو ما نراه اآلف ضرورياً دلناىج التفسَت ‪ ،‬وبالتايل فثمة حاجة اآلف إلنشاء منهج ديزج األنواع الثالثة‬ ‫ويؤسس للعالقة بينها وطريقة عملها واألدوات العلمية الالزمة لكل منها ‪.‬‬ ‫يبقى أف أىم ما يف التفسَت ادلوضوعي ىو اعتماده على الدراسة الداخلية للقرآف ‪ ،‬أي االعتماد‬ ‫على مبدأ تفسَت القرآف بالقرآف ‪ ،‬واالكتفاء بو ‪ ،‬وىو ما يوقعو يف إشكالية غاية يف اخلطورة ‪ ،‬وىو ربولو‬ ‫إىل تفسَت مع وقف التنفيذ ‪ ،‬ذلك أف ىناؾ مصدراً آخر ىو السنة النبوية الشريفة غَت مأخوذة باحلسباف‬ ‫وإذا كنا ال نرى درلها مباشرة بالدراسة ادلوضوعية للقرآف اليت أثبتت جدواىا وأمهيتها باعتمادىا على‬ ‫القراءة الداخلية للقرآف ‪ ،‬فإننا ننبو ىنا إىل ضرورة اعتمادىا كخطوة ثانية يف التفسَت ادلوضوعي ‪ ،‬حبيث‬ ‫يتم ادلؤاءمة بُت نتائج التفسَت ادلوضوعي ونصوص السنة الشريفة بوصفها مبينة للقرآف وتابعة لو يف وقت‬ ‫واحد ‪.‬‬ ‫وإذا فرقنا بُت مصطلح " التفسَت ادلوضوعي " كعبارة زلددة الداللة على النحو السابق ‪ ،‬وبُت‬ ‫ادلفهوـ العاـ للتفسَت ادلوضوعي فإننا نقوؿ ‪ :‬إف مفهوـ التفسَت ادلوضوعي يدلنا على األصوؿ التارخيية ذلذا‬ ‫ادلنهج الذي كاف يف أذىاف بعض ادلفسرين رغم عدـ وضوحو ‪ ،‬فيما نقوؿ ‪ :‬إف مصطلح التفسَت‬ ‫ادلوضوعي يشَت إىل احملاوالت النظرية اليت ذبعل ذلذا ادلنهج قواعد علمية وأدوات وطرؽ حبث ‪ ،‬حيث صلد‬ ‫أنفسنا بكل تأكيد أماـ التاريخ ادلعاصر للعلوـ اإلسالمية ‪.‬‬ ‫‪66‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫يبقي أف ادلنهج الوحيد الذي ديكننا وصمو باألصالة اإلسالمية يف الفًتة ادلعاصرة ىو فقط‬ ‫التفسَت ادلوضوعي ‪ ،‬أما ادلناىج األخرى فهي إما سلتلطة مثل " التفسَت البياين " أو األديب ‪ ،‬وإما غربية‬ ‫مثل مناىج " القراءات ادلعاصرة "‬ ‫ثانياً ‪ :‬مناهج التفسير اللسانية ‪:‬‬

‫مل يدرس بعد تاريخ ىذه الظاىرة ‪ ،‬ظاىرة اعتماد ادلناىج الغربية يف دراسة القرآف الكرًن وتأويلو‪،‬‬

‫فيما عرؼ بعد ذلك بػ " القراءة ادلعاصرة " وقد انتهيت إىل أف ىذه الظاىرة ‪ ،‬بدأت منذ ‪1950‬ـ عندما‬ ‫كتب "ادلستشرؽ" الياباين توشهيكو ايزوتسو دراستو بعنواف " بنية ادلصطلحات األخالقية يف القرآف "‬ ‫باللغة اإلصلليزية ‪ ،‬ولكن البد من اإلشارة إىل أف ادلناىج الغربية احلديثة اليت استخدمت لتأويل القرآف‬ ‫كانت تعتمد على اللسانيات بدرجة أوىل ‪ ،‬وبدرجة ثانية على ادلنهج التارخيي ‪ .‬وسآيت على تفاصيلهما‬ ‫ىنا‪:‬‬ ‫اللسانيات علم يدرس اللغة ‪ ،‬وحياوؿ جعل اللغوي معتمداً على التجريب سباماً كالبحث‬ ‫التطبيقي يف العلوـ احلسية البحتة ‪ ،‬وىو على كل حاؿ نشأ يف ظروؼ سبدد ادلنهجية الوضعية الغربية‬ ‫وبسط نفوذىا على العلوـ اإلنسانية إلخضاعها دلنطق احلس ‪( ،‬بالرغم من مفارقتها لو ) ولذلك فإف ىذا‬ ‫العلم (اللسانيات ) علم يقوـ على أرضية فلسفة وابستولوجية (أصوؿ معرفية ) وضعية ‪ ،‬وىو بذلك ليس‬ ‫علماً حيادياً ‪ ،‬شلا جيعل استعمالو زلفوفاً بادلخاطر خصوصاً إذا كاف موضوع تطبيقو القرآف الكرًن ‪.‬‬ ‫يف كل األحواؿ فإف اللسانيات علم يهدؼ إىل اكتشاؼ القوانُت اليت ربكم اللغة واستعماالهتا‪،‬‬ ‫وينػزع إىل البحث عن القوانُت اليت ربكم لغات العامل مجيعها يف وقت واحد ‪ ،‬وىو من ىذه اجلهة جديد‬ ‫كل اجلدة ‪.‬‬ ‫الغاية التي يسير إليها هذا العلم باختصار ‪:‬‬ ‫فهم ادلنطق الذي حيكم اللغات من أجل ضبط " ادلعٌت " أو الداللة ‪ .‬وىو ىنا يتقاطع مع كل‬ ‫العلوـ اإلنسانية والعلوـ اليت تدرس النص ‪ ،‬وباخلصوص علم " أصوؿ الفقو " اإلسالمي ‪ ،‬العلم‬ ‫ادلتخصص بدراسة النص اللغوي ‪ ،‬والعريب منو على وجو اخلصوص ‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫قلنا قبل قليل ‪ :‬إف أوؿ دراسة كانت للمستشرؽ الياباين "توشهيكو ايزوتسو" يف كتابو "بنية‬ ‫ادلصطلحات األخالقية يف القرآف " عاـ ‪1950‬ـ ‪ ،‬وكاف ( باللغة اإلصلليزية ) وما يزاؿ ‪ ،‬مث كتب عدد‬ ‫من ادلستشرقُت الفرنسيُت (آالرد وآخرين ) دراسة طبق فيها علم الداللة اللساين يف كتاب " ربليل‬ ‫مفهومي للقرآف " عاـ ‪1963‬ـ ‪.‬‬ ‫ويف عاـ ‪1964‬ـ نشر معهد كيوتو للثقافة والدراسات اللسانية يف طوكيو دراسة باللغة‬ ‫اإلنكليزية للمستشرؽ الياباين ادلذكور آنفاً ‪ ،‬بعنواف ‪ " :‬اهلل واإلنساف يف القرآف ‪ :‬علم داللة التصور‬ ‫القرآين للعامل ‪ "...‬يف ىذه الفًتة كاف علم اللسانيات مازاؿ يف طور تبلوره ‪ ،‬وخصوصاً علم الداللة وعلم‬ ‫العالمات السيميائية كانا ما يزاال يف البداية ‪ .‬وقد حاوؿ ايزوتسوا يف دراستو أف خيلط خصوصية القرآف‬ ‫ولغتو اليت تشَت إىل ادلصدر اإلذلي ‪ ،‬والطابع الوضعي للسانيات ‪ ،‬ولذلك حاوؿ أف يطوع النظريات‬ ‫اللسانية لتحليل القرآف الكرًن ؛ هبدؼ الكشف عن نظريتو الكلية للكوف واحلياة واإلنساف وبذلك انتبو‬ ‫ايزوتسو إىل أخطر مشكلة تواجو تطبيق البحث اللساين على النصوص الدينية ‪ .‬ولذلك (وبالرغم من أف‬ ‫ايزوتسو كاف مستشرقاً) خلص إىل تصور ألكثر من ‪ 103‬مفاىيم عقدية يف القرآف تكاد تطابق ما عليو‬ ‫مجهور ادلسلمُت ‪ ،‬حىت ليبدو أف كاتب ىذه الدراسة ىو واحد من ادلسلمُت ‪ ،‬وعلينا أف نؤكد على أف‬ ‫ذلك يرجع إىل أف ايزوتسو ياباين وليس مسيحياً أوروبياً أو أمريكياً ‪ ،‬فهو لذلك ال حيمل عقدة نفسيو‬ ‫ذباه ادلسلمُت ‪ ،‬وبالتايل استطاع يف دراستو أف يكوف موضوعياً حيادياً ‪ ،‬ومن جهة ثانية درس ايزوتسو‬ ‫اللغة العربية دلدة عامُت كاملُت يف البالد العربية ذلذه الغاية ‪ ،‬وحاوؿ تفهم وجهة نظر ادلسلمُت ؛ ما مسح‬ ‫لو أف يقًتب أكثر من ادلوضوعية ‪.‬‬ ‫إف الشيء األكثر أمهية يف دراسة ايزوتسو أهنا تثبت أف الدراسة اللسانية للقرآف ليست دوماً‬ ‫ضد القرآف على النحو الذي سنشهده يف التطبيقات العربية للسانيات على القرآف ! مل يًتجم ىذا‬ ‫الكتاب إىل ال عربية شأنو شأف الكتب اليت سبقتو يف ىذا اجملاؿ وىي ما تزاؿ اليوـ على ىذا الوضع نفسو‬ ‫‪ ،‬ما جيعلنا نؤكد أف تطبيقات اللسانيات على القرآف ادلتأخرة اليت جاءت بعد عشرين عاماً يف العامل العريب‬ ‫كانت ذبري دوف اطالع على ما يكتب يف الغرب ‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫وتعترب دراسة ادلفكر السوداين زلمد أبو القاسم حاج محد " العادلية اإلسالمية الثانية عاـ‬ ‫‪ 1979‬ـ " أوؿ ىذه التطبيقات ‪ ،‬حيث كانت تلك الفًتة بداية لتسرب اللسانيات إىل كل حقوؿ ادلعرفة‬ ‫اإلنسانية ‪ ،‬ودخوذلا العامل العريب ‪ .‬ودشنت دراسة ادلهندس السوري زلمد شحرور " الكتاب والقرآف "‬ ‫عاـ ‪1990‬ـ مرحلة مهمة ذلذا النوع من الدراسات – بغض النظر عن تقييمنا ذلذه الدراسة ‪ -‬حيث‬ ‫ربولت " القراءة ادلعاصرة " للقرآف منذ ذلك الوقت إىل ظاىرة واضحة ومتكررة ‪.‬‬ ‫ولنا أف نسأؿ ‪ :‬إنو إذا كاف من ادلفهوـ لنا أف يطبق ادلستشرقوف والباحثوف الغربيوف ادلناىج‬ ‫اللسانية احلديثة لكي يفهموا القرآف بدوافع معرفية وضعية وبدوافع " استعمارية " أو بدوافع معرفية "‬ ‫موضوعية " ‪ ،‬ألهنم يعتقدوف أف ىذه العلوـ تكمن فيها القدرة السحرية لفهم احلقيقة على ضلو ال يفهمها‬ ‫غَتىم فهي سقف ادلعرفة عندىم ‪ ،‬فما الذي يدفع الباحث العريب وادلسلم لالعتماد على تلك ادلناىج‬ ‫رغم إشكاليتها وصبغتها الوضعية ‪ ،‬يف ظل توفر بديل تراثي غاية يف األمهية ‪ ،‬أعٍت (أصوؿ الفقو ) ؟‬ ‫إف اجلواب بأف ذلك يندرج ربت التقليد العاـ للغرب فيو نصف اجلواب ‪ ،‬خصوصاً وضلن صلد‬ ‫مسافة زمنية تفصل بُت بداية التجربة العربية والتجربة الغربية تزيد عن عشرين عاماً ‪!...‬‬ ‫اجلواب الكامل صلده يف الباعث األيديولوجي (العقيدة ) الذي يسوغ ىذه الدراسات ‪ ،‬والذي‬ ‫غالباً ما يكوف ماركسياً أو علمانياً ‪ ،‬وديثل القاسم ادلشًتؾ بُت كل الدراسات اليت طبقت البحث اللساين‬ ‫على القرآف الكرًن ‪.‬‬ ‫لقد كانت ادلناىج الًتاثية يف التفسَت ربوؿ دوماً دوف إقامة تأويل مذىيب علماين يستغرؽ كامل‬ ‫النص ‪ ،‬ما جعل التأويالت ادلذىبية من النوع العلماين اليت مورست عليو تبدو نشازاً يف النسق القرآين ‪،‬‬ ‫حبيث قلما ربرر ىذه ادلذىبية دوف تعسف يف التأويل ‪ ،‬وربميل النص ماال حيتمل ‪ .‬وىذا ما عزز الطريقة‬ ‫التجزيئية ادلعروفة ‪ ،‬ما جعل أصحاب ىذه االذباىات العلمانية جيهدوف للبحث عن مناىج تسهل ذلم‬ ‫ذبيَت القرآف العتقاداهتم ‪ ،‬وقد وجدوا يف الدراسات اللسانية إمكانات كبَتة تسمح ذلم بالقياـ بتوليف‬ ‫لكامل النص القرآين بشكل منظم ومتكامل ‪ .‬ولكن ذلك مل يتم أيضاً إال بنوع من التعسف والتجاوز‬ ‫إلشكاليات عديدة ‪ ،‬لكنو يف كل األحواؿ ليس مفضوحاً بسهولة ‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫ومن ىنا بدت بعض التطبيقات وكأهنا قد حولت القرآف الكرًن إىل ما يشبو " حواش ماركسية "‬ ‫كما نشهده يف كتاب شحرور ‪.‬‬ ‫وىكذا اكتسبت اللسانيات مسعة سيئة جداً يف األوساط العلمية اإلسالمية ‪1‬؛ إذ اقًتنت مع‬ ‫ال توجهات العلمانية والتوليفات األيديولوجية لدالالت القرآف الكرًن ‪ .‬وىنا تبدو ادلفارقة ‪ ،‬فبينما كاف‬ ‫االستشراؽ ينحو ضلو ادلوضوعية واحليادية باستخدامو للبحث اللساين كاف الدارسوف العرب يستخدمونو‬ ‫لتأكيد صحة اعتقاداهتم العلمانية ال لغاية البحث العلمي !‬ ‫وعلينا أف نؤكد ىنا‪ ،‬أف سوء استعماؿ البعض ذلذا العلم ال يعٍت أف ىذا العلم برمتو سيء ‪ ،‬ال‬ ‫ديكننا االستفادة منو ‪ ،‬فادلسلموف يعتقدوف – على خالؼ ادلسيحية – أف العلم والقرآف كالمها من اهلل‬ ‫تعاىل ‪ ،‬وبالتايل فهما ال يتصادماف ‪ ،‬وسوء االستخداـ وحده ىو الذي جيب استنكاره ‪.‬‬ ‫ظاهرة القراءة المعاصرة بين انتقائية المنهج واختالط األيدلوجيات ‪:‬‬ ‫ذكرنا أف ادلناىج الًتاثية يف القراءة كانت ربوؿ دوماً دوف إقامة تأويل إيديولوجي ‪ ،‬يستغرؽ‬ ‫كامل النص القرآين ‪ ،‬ولكن مع القراءة ادلعاصرة اليت استبدلت ادلناىج نشهد للمرة األوىل تأويالً‬ ‫إيديولوجياً لكامل القرآف ‪ ،‬فيو كثَت من التماسك ومسحة ادلنطقية ! حبيث أمكن إقامة "توليفة " للنص‬ ‫أتاحت فرصة للبعض لكي حيوؿ نصوص القرآف وكأهنا " حواش ماركسية " ! ينفي من خالذلا اهلل ذاتو‬ ‫!‪ ...‬إف قراءة شحرور ادلعروفة منوذج صارخ لذلك ؛ حيث إف ىذه القراءة حاولت سلاتلة النص القرآين‬ ‫وخداعو أحياناً من موقف مضاد لو ‪ ،‬أو معاد لو ‪ ،‬الستنطاقو بإيديولوجياهتا !‬ ‫وبوصوؿ القراءة إىل ىذا التطور وادلقدرة ‪ ،‬استبدت ادلخاوؼ يف أوساط الدارسُت اإلسالميُت‬ ‫على ما آؿ إليو التأويل مع ىذا العبث الفاضح بدالالت النص القرآين ‪ ،‬واخلوؼ من كل تأويل " معاصر‬ ‫" خصوصاً عندما أصبحت تلك ادلمارسات اإليديولوجية والتأويلية مقرونة باسم القراءة ادلعاصرة ‪ ،‬ألف‬ ‫الواقع الثقايف العريب يرفض ىذا النوع من القراءة ‪ ،‬ويرفض أف تنسحب مظلة احلداثة دبفاىيمها الغربية ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر ‪ :‬أبو عاصي ‪ :‬زلمد سامل ‪ ،‬مقالتاف يف التأويل معامل يف ادلنهج ورصد لالضلراؼ ‪ ،‬دار البصائر ‪ ،‬القاىرة ‪،‬‬ ‫‪2003‬ـ‪ ،‬ص ‪. 65‬‬

‫‪67‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫وادلدارس أو ادلشاريع النقدية اليت أفرزهتا على النصوص الدينية بصفة زلددة يف زلاوالت ألنسنة الدين ‪ ،‬إذ‬ ‫إف تطبيق مقوالت البنيوية والتفكيك على نص قرآين دبا يعنيو ذلك من القوؿ بالال نص واللعب احلر للغة‬ ‫دبفهوـ دريدا وبانتقاء التفسَت ادلفضل وادلوثوؽ أو التفسَت النهائي ‪ ،‬وبتعدد التفسَتات بصورة ال هنائية‬ ‫يوقعنا يف زلاذير ردبا ال نقصدىا‪.1‬‬ ‫لقد تسبب ذلك يف تزايد الشك بالغرب ؛ كونو مصدر تلك ادلناىج واألدوات وحىت‬ ‫األيديولوجيات ! ويف تشكيك البعض يف قيمة تلك األدوات وادلناىج احلديثة مجلة وتفصيالً فما ىؤالء‬ ‫مجيعهم من السذاجة والبساطة حبيث سبرر عليهم تلك التوليفات الغارقة يف وحل األيديولوجيا ‪ ،‬ولكنهم‬ ‫وىم بعيدوف عن تلك ادلناىج واألدوات "حبكم القطيعة الناشئة بينهم وبُت الغرب " مل يكن من سبيل‬ ‫دلواجهة تلك القراءات سوى باهتامها وفضحها ومن الضروري ىنا التميز بُت " القراءة ادلعاصرة " كنظرية ‪،‬‬ ‫و" القراءة ادلعاصرة " كتطبيقات قائمة ومنجزة حىت اآلف ‪ ،‬فثم مسافة تفصل بينهما ؛ حبيث ديكن النظر‬ ‫لتلك التطبيقات كمحاوالت فيها الكثَت من اخليبة فكرياً ‪ ،‬يقوؿ عبد العزيز محودة ‪ " :‬لقد عشنا قروناً‬ ‫طويلة من التخلف احلضاري جيعل احلداثة ضرورة من ضرورات البقاء وليست ترفاً ‪ ،‬لكن السؤاؿ الذي‬ ‫تثَته الدراسة احلالية – ادلرايا احملدبة – يف إحلاح لست نادماً عليو ‪ ،‬ىو ‪ :‬أي حداثة نعٍت ؟ حداثة الشك‬ ‫الشامل وغياب ادلركز ادلرجعي واللعب احلر للعالقة وال هنائية الداللة ‪ ،‬وال شيء ثابت وال شيء مقدس‪.2‬‬ ‫وإذا كاف لنا أف نذكر فضل تلك القراءات ‪ ،‬فإننا نذكر صلاحها يف التنبيو إىل قيمة ادلناىج‬ ‫احلديثة ‪ ،‬وقدرهتا العالية على شلارسة التأويل ‪ ،‬وإف كاف ما مت شلارستو علمياً من تلك ادلناىج واألدوات‬ ‫حد ضئيل يف الغالب ؛ ال يتجاوز بعض ادلبادئ األولية فيها (كالبنية ‪ ،‬أو الدراسة التزامنية ‪ ) ... ،‬وىي‬ ‫مبادئ اللسانيات البنيوية ‪ ،‬أو بعض مقوالت التأويلية احلديثة ‪ ،‬وبعض مقوالت األسلوبية ‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫عبد العزيز محودة ‪ :‬اخلروج من التيو ‪ ،‬سلسلة عامل ادلعرفة ‪،‬اجمللس الوطٍت للثقافة والفنوف واالداب ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬العدد‬ ‫‪، 298‬ص ‪.129‬‬ ‫محودة ‪ :‬عبدالعزيز ‪ :‬ادلرايا ادلقعرة ‪ ،‬سلسلة عامل ادلعرفة ‪ ،‬اجمللس الوطٍت للثقافة والفنوف واالداب ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ، 272‬ص ‪. 115‬‬

‫‪67‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫ويف ادلقابل نذكر أف الطريقة (األيديولوجية ) اليت وظفت ذلا تلك ادلناىج ربت مظلة ادلعاصرة و‬ ‫" التجديد " كانت سبباً يف تصعيد التوجس من أي زلاولة جديدة يف التأويل أو ادلراجعة النقدية ‪ ،‬وىو‬ ‫أمر يضاؼ إىل ادلساوئ العديدة اليت أفرزهتا تلك القراءات ‪.‬‬ ‫غَت أف بعض الباحثُت مل يقعوا فيما وقع فيو غَتىم من اهتاـ للمناىج اليت استخدمت يف‬ ‫تطبيقات " القراءة ادلعاصرة " فقد كاف وعيهم لطبيعة تلك ادلناىج ‪ ،‬والطريقة اليت استغلت فيها عميقاً ‪،‬‬ ‫شلا دفعهم لإلصرار على التعامل معها واالستفادة منها دوف توجس ‪.‬‬ ‫الباحث وإشكالية المنهج ‪:‬‬ ‫تتميز مناىج النقد األديب احلديثة وأدوات البحث األلسنية ونظرياهتا بتنوع وتعدد واسعُت ‪،‬‬ ‫وداخل ادلنهج ىناؾ مدارس واذباىات ‪ ...‬وعندما سبت زلاوالت " القراءة ادلعاصرة " للقرآف الكرًن من‬ ‫خالؿ تلك ادلناىج البد وأهنا اصطدمت هبذا التنوع والتعدد ‪ ،‬فكيف إذف مارست حضورىا من خالؿ‬ ‫ىذا الواقع ؟‬ ‫ينقل عزالدين إمساعيل عن كريستوفر بلًت قولو ‪ " :‬الشك أف موقف ىؤالء الكتاب كاف صدى‬ ‫دلا طرأ على العامل من اىتزاز يف القيم ‪ ،‬وشك يف احلقائق نتيجة الختالؼ نظاـ العامل وصراع ادلعتقدات‬ ‫حىت أصبح ما ىو وىم وما ىو حقيقة على قدـ ادلساواة ‪ ،‬ومن ىنا فقد ىؤالء الكتاب ثقتهم يف كل‬ ‫نظاـ أو فلسفة أو مبدأ أخالقي أو عقيدة دينية أو ما ىو وجودي فإذا ىم كتبوا والبد ذلم أف يكتبوا‬ ‫صارت كتاباهتم ضربا من اللعب أداتو اللغة ال يقيم وزنا لتقاليد سابقة أو ألعراؼ أدبية قارة – أو يليب‬ ‫رغبات فطرية متواترة ‪ ،‬أو يستهدؼ ربقيق لذة جلمهور ادلتلقُت " ‪.1‬‬ ‫من الطبيعي واحلاؿ ىذه أف تكوف طريقة التعامل مع تلك ادلناىج "انتقائية " ‪ ،‬ولكن ىذه‬ ‫االنتقائية قلما تقوـ على معطى معريف ‪ ،‬أي قلما يفرضها البحث ادلعريف نفسو ‪ ،‬فقد قاـ "معيار " ىذه‬ ‫‪1‬عز الدين إمساعيل ‪ :‬جدلية اإلبداع وادلوقف النقدي ‪ ،‬رللة فصوؿ ‪ ،‬اجمللد العاشر ‪ ،‬أغسطس ‪1991‬ـ ‪ ،‬صػ‪147‬‬

‫‪67‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫االنتقائية طبقاً لأليدولوجيا اليت حيملها القارئ ! فمعضلة األيدولوجيا تفرض نفسها دوماً يف القراءة‬ ‫ادلعاصرة ‪ ،‬فهي مبدأ وغاية يف الوقت نفسو ‪ ،‬ىي خلفية مستًتة وىدؼ واضح ‪ ،‬فقد اختارت منهجها‬ ‫تبعاً لقدرهتا على " تربيرىا" واستنطاؽ النص هبا ‪ .‬وىكذا عندما مورست " القراءة ادلعاصرة " كاف اذلدؼ‬ ‫ىو البحث عن شرعية أيديولوجيتها ‪ ،‬وأفكار مسبقة مرافقة ذلا ‪ ،‬ومل يكن اذلم ىو البحث عن موقف‬ ‫تأويلي أكثر قرباً من الصواب قط ! ‪.‬‬ ‫إذا ذباوزنا قضية االنتقائية تلك ‪ ،‬فسيوقفنا ما أشرنا إليو قبل قليل من اإلشكالية احلقيقية لتلك‬ ‫ادلناىج اليت تتمثل يف استخداـ مناىج وأدوات حبث أنشئت وصيغت لدراسة وحبث النص البشري‬ ‫اإلنساين – دبعٌت أهنا مفعمة بالوضعية – لدراسة نص " إذلي " ادلصدر ‪ ،‬مفارؽ للوضعية البشرية ؟‬ ‫إف أية قراءة تتجاوز ىذه اإلشكالية دوف حلوؿ ‪ ،‬ستقوـ – بشكل أو بآخر – بأنسنة اهلل‬ ‫(سبحانو )! وإف ربييد تلك ادلناىج واألدوات عن جرعتها "الوضعية " أمر يف غاية الصعوبة ؛ ولكنو‬ ‫شلكن‪ .‬وال ديكن حباؿ االستفادة من تلك ادلناىج دوف مالحظة ىذه اإلشكالية ووعيها ‪ .‬فالشرط‬ ‫األساسي للقراءة بتلك األدوات وادلناىج لتحقيق مشروعيتها ىو مراعاة خصائص النص القرآين ‪ ،‬أي‬ ‫تطويع تلك ادلناىج واألدوات خلصائصو كنص ديٍت إذلي ادلصدر ‪.‬‬ ‫من ىنا تأخذ " القراءة " ادلعاصرة مشروعيتها ‪ ،‬حيث حركة ( الفهم ‪ /‬التأويل ‪ /‬القراءة ) تستند‬ ‫إىل نسيج معريف حياوؿ التكييف بُت اسًتداؼ ادلنهج ‪ ،‬وخصوصية الثقافة من جهة ‪ ،‬وبُت حداثة القراءة‬ ‫وقداسة ادلقروء من جهة ثانية ‪ ،‬كما رباوؿ ىذه احلركة التأويلية على مستوى آخر أف تقيم جسراً بُت وعي‬ ‫ادلطلق ووعي التاريخ ‪.‬‬ ‫إنو من العسَت إثبات وقف " االجتهاد " يف إنشاء مناىج البحث وأدوات استكشاؼ وربليل‬ ‫ادلعٍت يف النص القرآين وغَته ‪ ،‬وبالتايل فإف من لوازـ ذلك وجود إمكانية قياـ مناىج جديدة وىكذا ديكن‬ ‫القوؿ إف القراءة ادلعاصرة سبتلك نظرية ذلا مشروعيتها ‪ ،‬تلك النظرية اليت تعتمد على مبدأ االستفادة من‬ ‫‪66‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫"منجزات " الدراسات اللسانية احلديثة ومناىج النقد األديب ادلعاصر ‪ ،‬باعتبارىا نتاج العصر الراىن أي‬ ‫الوليد الشرعي ذلذا التاريخ ادلعاصر – بغض النظر عن مدى سالمة ىذا الوليد وصحتو – وإف كاف‬ ‫السؤاؿ ال زاؿ يلح عن مدى سبق وذباوز تلك ادلناىج واألدوات دلثيالهتا الًتاثية ؟ !‬ ‫يبقى أف نذكر أف أحد عيوب القراءة ادلعاصرة ىو ذباىلها " للًتعة الوضعية " اليت أحل عليها‬ ‫أصحاب تلك ادلناىج أنفسهم ‪ ،‬تلك الًتعة اليت تناقض بشكل صارخ خصائص النص القرآين ‪،‬‬ ‫وتصطدـ مع البعد األىم وىو ادلصدرية اإلذلية بكل ما يعٍت ذلك من ربرر واستقالؿ عن ثقافة تارخيية ما‬ ‫‪ .‬وإمكانية إطالؽ أحكاـ النص واعتبارىا فوؽ التارخيية‪.‬‬ ‫والعيب الثاين الذي تسقط فيو أكثر تلك القراءة ادلعاصرة ‪ ،‬تعاملها مع تلك ادلناىج واألدوات‬ ‫وكأهنا كلها حقائق ثابتة وليست – كما ىو احلاؿ – نظريات مل تستقر ‪ ،‬ولن تستقر كوهنا ال ربتمل‬ ‫القطع ‪.‬‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫إف احلقيقة اليت ينبغي أف ال نغفل عنها أف استنفادنا إلمكانات النص القرآين داللياً غَت شلكن ‪،‬‬ ‫حبيث إننا حُت نظن ذلك نكوف قد استنفدنا أدواتنا ‪ ،‬واستهلكنا مناىجنا ذاهتا وليس النص ! ‪ .‬ذلك‬ ‫ألف النص القرآين نزؿ ليكوف " عادلياً" خاسباً‪ ،‬فالبد أف ال يتوقف عن إنتاج الداللة يف كل زماف ومكاف ‪.‬‬ ‫وىنا جيب التفريق بُت النص القرآين بوصفو نصاً مفتوحاً وبُت القراءة التفسَتية ‪ ،‬فإذا كاف‬ ‫التفسَت يقوـ على مسافة لغوية بُت خطابُت ‪ :‬اخلطاب القرآين ‪ ،‬و خطاب التفسَت نفسو ‪ ،‬فإنو دلن احملاؿ‬ ‫أف يتم اختصار ىذه ادلسافة إىل درجة ديكن فيها للتطابق أف يأخذ سبيلو إليها ‪ ،‬ألف خطاب التفسَت‬ ‫ناذباً ثقافياً ال زلالة ‪ ،‬قائماً على النسيب وادلمكن ‪ ،‬وحاصالً يف األفهاـ على مقدار اختالفها وتفاوهتا ‪،‬‬ ‫فهو رىن بشروطنا التارخيية والزمنية ‪ ،‬وبظروؼ ذاتية وإنسانية حبتة ‪ .‬وإذا كاف التفسَت كخطاب منتج‬ ‫ثقايف تارخيي ‪ ،‬فأدواتو بالضرورة منتج مثلو (ثقايف وتارخيي ) ‪ ...‬أي أنو شلكن التجاوز ‪ ،‬فتلك األدوات‬ ‫‪66‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫وادلناىج ليست " فوؽ تارخيية " ‪ ..‬إهنا نسبية كنسبيتنا ضلن منتجي اخلطاب ذاتو ‪ ،‬والنص القرآين ليس‬ ‫كذلك فهو بوصفو " نصاً إذلياً " البد أف ينتج داللتو باستمرار ‪ ،‬فهو " ال خيلق من كثرة الًتداد "‬ ‫وبوصفو نصاً لرسالة خاسبة (أبدية ) البد أف يكوف معاصراً باستمرار ‪ ،‬حبيث يصبح على الدواـ " رلاوزاً‬ ‫للتاريخ ‪ ،‬وأماـ الظروؼ اإلنسانية ال خلفها " وإف البحث عن " ذبديد " دلنهج دراسة النص القرآين ‪،‬‬ ‫ليست لعدـ كفاية اخلطاب التفسَتي فحسب ‪ ،‬بل لفتح آفاؽ معناه ‪ ،‬وتفجَت إمكاناتو ‪ ،‬فالنص القرآين‬ ‫يتجاوز دوماً ادلنهج بقدر ما يفتح للمنهج آفاقاً لقراءتو ‪.‬‬ ‫أرجو من اهلل أف يتيح لنا مستقبالً مزيداً من الدراسات اليت تساىم يف فتح أفاؽ الفهم للمعٌت‬ ‫القرآين ‪ ،‬وتفجَت إمكاناتو ‪ ،‬إنو ويل ذلك والقادر عليو ‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫املناهج األسلوبية يف دراسة النص القرآني" دراسة وحتليل " ‪...‬‬

‫د‪.‬نجيب على عبداهلل السودي‬

‫المراجـع‬ ‫‪ -1‬بَتجَتو ‪ :‬األسلوب واألسلوبية ‪ ،‬ت منذر العياشي ‪ ،‬ط‪ ،5‬مركز اإلمناء القومي بَتوت ‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬ط‬ ‫‪ -2‬اجلرجاين ‪ :‬عبد القاىر ‪ -‬دالئل اإلعجاز ‪ ،‬ت ياسُت األيويب ‪ ،‬ادلكتبة العصرية ‪ ،‬صيدا ‪2000-‬ـ‬ ‫‪ -3‬اجلطالوي ‪ ،‬اذلادي ‪ :‬مدخل إىل األسلوبية ‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة عيوف ‪ ،‬الدار البيضاء ‪1992 ،‬ـ ‪.‬‬ ‫‪ -4‬احلاج‪ :‬عبدالرمحن ‪ ،‬ظاىرة القراءةادلعاصرة وأيديولوجيا احلداثة‪ ،‬رللة التسامح‪ ،‬وزارة األوقاؼ‪ ،‬مسقط‬ ‫– العدد ‪2003 -1‬ـ ‪.‬‬ ‫‪-5‬محودة ‪ ،‬عبد القادر ‪ :‬اخلروج من التيو ‪ ،‬سلسة عامل ادلعرفة ‪ ،‬اجمللس الوطٍت للثقافة والفنوف واآلداب ‪،‬‬ ‫الكويت ‪.‬‬ ‫‪ 6‬ػ محودة ‪ ،‬عبد العزيز ‪:‬ادلرايا ادلقعرة ‪ ،‬سلسلة عامل ادلعرفة ‪ ،‬اجمللس الوطٍت للثقافة والفنوف واآلداب‬ ‫الكويت ‪ ،‬أغسطس ‪2001،‬ـ‬ ‫‪ -7‬درويش ‪ :‬أمحد ‪ ،‬األسلوب واألسلوبية ‪ ،‬رللة فصوؿ ‪ ،‬اجمللد اخلامس ‪ ،‬العدد األوؿ ‪ ،‬أكتوبر‬ ‫‪1994‬ـ‬ ‫‪ -8‬الذىيب ‪ :‬حسُت‪ ،‬التفسَت وادلفسروف ‪،‬ط ‪ ،19‬القاىرة ‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬ط ‪.‬‬ ‫‪ -9‬الزمر ‪ ،‬أمحد قاسم ‪ :‬ظواىر أسلوبية يف الشعر احلديث يف اليمن ‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز عبادي للدراسات‬ ‫والنشر ‪ ،‬صنعاء ‪1996 ،‬ـ ‪.‬‬ ‫‪ -10‬السعيداين‪ :‬خالد‪،‬إشكالية القراءةيف الفكر العريب ادلعاصر‪،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬جامعة الزيتونة‪ ،‬تونس ‪،‬‬ ‫‪ 1998‬ـ ‪.‬‬ ‫‪-11‬سعيد جبَتي ‪ :‬علم لغة النص ‪،‬ط‪ ،1‬الشركة ادلصرية العامة للنشر ‪ ،‬القاىرة ‪1997 ،‬ـ‬ ‫‪-12‬الشافعي ‪ ،‬زلمد بن أدريس ‪ :‬الرسالة ‪ ،‬ت أمحد زلمد شاكر ‪ ،‬ادلكتبة العلمية ‪ ،‬القاىرة‬ ‫‪ -13‬شكري ‪ :‬زلمد عباد ‪ :‬مدخل إىل علم األسلوب ‪،‬ط‪ ،1‬دار العلوـ ‪ ،‬الرياض ‪1982 ،‬ـ‬ ‫‪ -14‬صالح فضل ‪ :‬علم األسلوب " مبادئو وإجراءاتو " ط‪ ،2‬اذليئة ادلصرية للكتاب ‪ ،‬القاىرة ‪،‬‬ ‫‪1985‬ـ‬ ‫‪-15‬الطرابلسي ‪ ،‬زلمد ىادي ‪ :‬رباليل أسلوبية ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار اجلنوب للنشر ‪ ،‬تونس ‪1989 ،‬ـ‬ ‫‪66‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫‪ -16‬عائشة بنت الشاطئ ‪ :‬القرآف والتفسَت العصري ‪ ،‬دائرة ادلعارؼ ‪ ،‬القاىرة ‪1970 ،‬ـ‬ ‫‪ - 17‬عز الدين إمساعيل ‪ :‬جدلية اإلبداع وادلوقف النقدي ‪ ،‬رللة فصوؿ ‪ ،‬اجمللد العاشر ‪ ،‬أغسطس‬ ‫‪1991‬ـ ‪.‬‬ ‫‪ -18‬العلواين‪ :‬طو جابر‪ -‬أفال يتدبروف القرآف – ط‪– 1‬دار السالـ – القاىرة – ‪2010‬ـ ‪.‬‬ ‫‪ -19‬عمارة ‪ ،‬زلمد ‪ :‬األعماؿ الكاملة لإلماـ زلمد عبده ‪ ،‬ادلؤسسة العربية للدراسات والنشر ‪ ،‬بَتوت‬ ‫‪1972 ،‬ـ ‪.‬‬ ‫‪ -20‬فيهفايغر ‪ :‬مدخل إىل علم اللغة النصي ‪ ،‬ت فاحل العجم ‪ ،‬منشورات جامعة ادللك سعود ‪ ،‬الرياض‬ ‫‪1996 ،‬ـ‬ ‫‪ -21‬رلمع اللغة العربية ‪ ،‬ادلعجم الوسيط ‪ ،‬ط‪ ،3‬القاىرة ‪ ،‬د‪ .‬ت‪ .‬ط‬ ‫‪ -22‬زلمد سامل أبو عاصي ‪ :‬مقالتاف يف التأويل معامل يف ادلنهج ورصد لالضلراؼ ‪ ،‬دار البصائر ‪،‬‬ ‫القاىرة ‪2003،‬ـ‬ ‫‪ -23‬ادلسدي ‪ :‬عبد السالـ ‪ ،‬األسلوبية واألسلوب ‪ ،‬ط‪ ، 3‬الدار العربية للكتاب ‪،‬‬ ‫ليبيا ‪1982 ،‬ـ‬ ‫‪ -24‬مصلوح ‪ ،‬سعد ‪ :‬األسلوب دراسة لغوية إحصائية ‪ ،‬ط‪ ،3‬عامل الكتب القاىرة ‪1992 ،‬ـ‬ ‫‪ -25‬ابن منظور ‪ :‬لساف العرب ‪ ،‬دوف معلومات ‪.‬‬ ‫‪ -26‬مولينيو ‪ ،‬جورج ‪ :‬األسلوبية ‪ ،‬ترمجة بساـ بركة ‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة اجلامعية للنشر ‪ ،‬بَتوت ‪1999‬ـ‬

‫‪67‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُمل ِة اخلربيَّ ِة يف األحاديث النَّبوية‬ ‫دراسة تطبيقية لنماذج حديثيَّة‬ ‫*‬

‫د‪ .‬حمد النيل عثمان عبد السيد‬ ‫المستخلص‬

‫حرصت أساليب الببلغة العربيَّة على استخراج أسرار اعبملة اللغوية والنَّحوية والببلغيَّة يف ٍ‬ ‫وقت‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫و ٍ‬ ‫احد لتصل بال َكبلم العريب إىل مرتبة البيان الناصع الذي يؤثِّر يف النفوس‪ ،‬واعبمال يف أساليب اللغة‬ ‫ىدف الدر ِ‬ ‫اسات اغبديثة باعتبار َّ‬ ‫أن األساليب اإلبداعية التعبَتية إنتاجاً إنسانياً‬ ‫العربيَّة أدباً وببلغة أصبح َ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫معٌت‬ ‫أساليب ِّ‬ ‫متنوعةً بتنوِع أغراضو ومقاصده ‪ ،‬واعبملةُ اػبربيَّة ؽبا ً‬ ‫تعابَت دقيقةً ‪ ،‬و َ‬ ‫صبالياً ؛ والبليغ َم ْن زبَيَّ َر َ‬ ‫حيدِّد تركيبها ‪ ،‬فتختلف دالالهتا حبسب تركيبها ؛ لذا جاءت ىذه الدراسة لتقف على ِ‬ ‫الق يَ ِم اعبَ َماليَّ ِة ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫متفرقةً من األحاديث النبويَّة على ‪ -‬سبيل‬ ‫للجملَ ِة اػبَ​َربيَِّة ‪ ،‬وتتناول ىذه الدراسةُ أمثلةً ِّ‬ ‫وَ‬ ‫اؼبعاين الدَّاللية ُ‬

‫النيب ‪ ‬ألضرب اػبرب يف‬ ‫اؼبثال ال اغبصر ‪ -‬لتكون ميداناً لتطبيق الدراسة‪ .‬وقد ظهرت صباليَّة استعمال ِّ‬ ‫ِ‬ ‫شك أو إنكا ٍر يف قَب ِ‬ ‫مطابقة أحاديثِ ِو ‪ ‬ؼبقتضى ِ‬ ‫الس امعُت من يق ٍ‬ ‫ول‬ ‫اعبملة اػبربيَّة من خبلل‬ ‫ُت أو ٍّ‬ ‫حال َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّيب ‪. ‬‬ ‫اػبَ​َِرب‪ ،‬وىذا ِّ‬ ‫يوضح الببلغة النبويَّة العالية اليت سبيَّز هبا أسلوب الن ِّ‬

‫* أستاذ مساعد‪ ،‬جامعة اعبزيرة ‪ ،‬كلية الًتبية ‪،‬حنتوب‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫مقدمة ‪:‬‬ ‫الصفاء والنَّقاء ؛ والوضوح والدقة يف الداللة واالختيار ‪ ،‬وتنقية‬ ‫الببلغة والبيان حيمبلن مبلمح َّ‬ ‫كل أسلوب من أي لفظ يشينو ‪ ،‬ربسيناً وتزييناً ؛ ليصَت النص متبلضبةً أجزاؤه ‪ ،‬عذباً رقيق اغبواشي ‪،‬‬

‫البليغ ال يكتفي بأ ْن يعرض أسلوبو بشكل تقريري مباشر ؛ بل‬ ‫بعيداً عن الغموض والضَّعف والتنافر ‪ ،‬و ُ‬ ‫مادةٍ ترتقي‬ ‫ديكن أن يرسلو على سبيل اجملاز ‪ ،‬مستخدماً أساليب مرافقة ؛ ليزيد كبلمو ألقاً وإشراقاً‪ .‬وكل َّ‬ ‫إىل الببلغة والفصاحة َّإّنا ىي شكل صباي ‪ ،‬وكذلك كل ما يتعلق بأحوال اإلسناد والذكر واغبذف ‪،‬‬ ‫والتعريف والتنكَت ‪ ،‬إىل غَت ذلك من فنون الببلغة‪.‬‬

‫ىدف الدر ِ‬ ‫اسات اغبديثة باعتبار َّ‬ ‫أن‬ ‫فاعبمال يف أساليب اللغة العربيَّة أدباً وببلغة ‪ ،‬أصبح‬ ‫َ‬ ‫اعبميل يف الفن واألدب والببلغة ىو هناية اؼبطاف من‬ ‫األساليب اإلبداعية التعبَتية إنتاجاً إنسانياً صبالياً ؛ و ُ‬

‫وقبد َّ‬ ‫أن أساليب الببلغة العربيَّة قد َحَرصت على استخراج أسرار اعبملة‬ ‫جهة ما تعرف بو اؼبضامُت ‪ُ ،‬‬ ‫وقت و ٍ‬ ‫اللغوية والنَّحوية والببلغيَّة يف ٍ‬ ‫الساحر الذي‬ ‫احد لتصل بال َكبلم العريب إىل مرتبة البيان الناصع اؼبؤثر َّ‬ ‫إن ِمن الب ِ‬ ‫يان‬ ‫يؤثِّر يف النفوس ؛ لذا قال النيب ‪ - ‬حُت استمع إىل عمرو بن األىتم وأعجب بقولو – " َّ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫القلوب كما‬ ‫حقيقة اؼبجمل حبسن بيانو ‪ ،‬واستمالتو‬ ‫لَ ِس ْحراً " ‪ ، 1‬وسحر البيان يتجلى يف كشفو عن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ط بُت البيان واعبمال ‪ ،‬فقال ‪ " :‬شيئان الهناية ؽبما ‪ :‬البيان‬ ‫يُستَمال بالسحر ‪ ،‬وابن األثَت فبَّن رب َ‬ ‫‪2‬‬ ‫وخاصة الدالالت اغبقيقية واجملازية اؼبوحية‬ ‫النبوي الشريف‬ ‫َّ‬ ‫واعبمال" ‪ .‬وعندما نقف على عبارات اغبديث ِّ‬ ‫بالظبلل اؼبعنوية الكثَتة للجملة اػبربيَّة تتجلى اعبماليَّة باعتبارىا منهجاً ربليليَّاً لدر ٍ‬ ‫اسة ببلغيَّ ٍة نقديٍَّة ‪،‬‬ ‫ولعل تنوع األساليب اليت كان يستخدمها النيب ‪ ‬يف أحاديثو الشريفة يعد من الدوافع األساسيَّة اليت‬ ‫َّ‬ ‫دعتٍت الختيار ىذا اؼبوضوع ‪.‬‬

‫‪ 1‬صحيح البخاري ج‪ 5‬ص ‪1976‬‬ ‫‪ 2‬ابن األثَت (أبو الفتح ضياء الدين نصر اهلل بن ؿبمد) ‪ :‬اؼبثل السائر ‪ ،‬ربقيق ؿبمد ؿبي الدين عبد اغبميد ‪ ،‬اؼبكتبة‬ ‫العصرية بَتوت ‪1995 ،‬م ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.28‬‬

‫‪29‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫مفهوم الخبر ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫َّث بِ​ِو قوالً أو كتابةً‪ ،1‬أما يف‬ ‫اسم لِما يُن َق ُل ُ‬ ‫وحيَد ُ‬ ‫اػبرب يف اللغة ‪ :‬النَّبأ ‪ ،‬و ُ‬ ‫اعبمع أخبار‪ ..‬وىو ٌ‬ ‫اصطبلح الببلغيُت َّ‬ ‫اػبرب ىو ما حيتمل الصدق والكذب لذاتِ​ِو"‪ ، 2‬ويكون احتمال الصدق أو‬ ‫فإن " َ‬ ‫الكذب بالنظر إىل الكبلم نفسو ال إىل قائلو ‪ ،‬وقد كان للناس اختبلف يف اكبصار اػبرب يف الصادق‬

‫مبحث أقحموُ اؼبتكلِّمون يف مباحث علم الببلغة حيث ظهرت يف بيئة االعتزال آراء‬ ‫والكاذب ‪ ،‬وىذا‬ ‫ٌ‬ ‫أثر يف ذلك ‪.‬‬ ‫النَّظَّام‪ 3‬واعباحظ يف ذلك اؼبوضوع ‪ ،‬وكان ؼبسألة خلق القرآن‪ٌ 4‬‬ ‫ِ‬ ‫اختلفت آراء العلماء يف مفهوم اػبرب أو اكبصاره يف الصادق والكاذب فإنَّو البد من‬ ‫ومهما‬ ‫قال لقائلو صادق فيو أو كاذب ‪ ،‬وقد َّبُت القزويٍت اؼبقصود‬ ‫صح أن يُ َ‬ ‫اشًتاك بينهم ليكون اػبرب ىو ما َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مطابقة ِ‬ ‫ِ‬ ‫حكم ِو لَوُ ‪،‬‬ ‫عدم‬ ‫ب (صدق اػبرب وكذبو ) فقال ‪ " :‬وص ْد ُق اػبَ​َِرب ُمطابقةُ ُحكْمو للواق ِع ‪ ،‬وَكذبُوُ ُ‬ ‫اؼبشهور ‪ ،‬وعليو التَّأويل "‪.5‬‬ ‫وىذا ىو‬ ‫ُ‬ ‫أركان الجملة الخبريَّة ‪:‬‬ ‫لكل ٍ‬ ‫صبلة من ِ‬ ‫وؿبكوم بو‪.‬‬ ‫ؿبكوم عليو ‪،‬‬ ‫صبل اػب ِرب ركنان مها ‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ 1‬الفَتوز آبادي‪ :‬القاموس احمليط ‪ ،‬مطبعة مصطفى بايب اغبليب ‪ -‬مصر ‪ ،‬ط ‪1952 ، 2‬م ‪ ،‬ج ‪، 2‬ص ‪.17‬‬ ‫‪ 2‬اؽبامشي (السيِّد أضبد) ‪ :‬جواىر الببلغة ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بَتوت ‪1991 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 45‬‬ ‫‪ 3‬النظَّام ‪ :‬ىو أبو إسحاق إبراىيم بن سيَّ ار بن ىانئ ‪ ،‬كان شاعراً وأديباً ‪ ،‬ومقرراً لقواعد االعتزال ‪ ،‬كان أحد فرس ان أى ل‬ ‫النظر وال كبلم على مذىب اؼبعتزلة ولو يف ذلك تصانيف عدة ‪ ،‬ولو شعر دقي ق اؼبع اين عل ى قريق ة اؼبتكلم ُت ‪( ..‬ترصبت و‬ ‫يف ‪ :‬الفهرست البن الندًن ص ‪.) 302‬‬ ‫إن كبلم اهللِ صفةُ فِ ٍ‬ ‫‪ 4‬اؼبعتزلة كانوا فبَّن قالواْ ‪َّ :‬‬ ‫عل ـبلوق ‪ ،‬وقال أىل السنة إن كبلم اهلل عز وج ل ى و علم و ز ي زل وأن و غ َت‬ ‫‪5‬‬

‫ـبلوق‪ .‬ابن حزم الظاىري ‪ :‬الفصل يف اؼبلل واألىواء والنحل ‪ ،‬مكتبة اػباقبي ‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.4‬‬ ‫اػبطيب الق زويٍت‪ :‬اإليض اح يف عل وم الببلغ ة ‪ ،‬ربقي ق د‪.‬عب د اغبمي د ىن داوي ‪ ،‬مؤسس ة اؼبخت ار ‪ -‬الق اىرة ‪1989 ،‬م‪،‬‬ ‫ص ‪. 16‬‬

‫‪29‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫يسمى قيداً‪َّ ،‬أما‬ ‫يسمى الثاين‪ :‬اؼبسند‪ ،‬وما زاد على ذلك يف اعبملة َّ‬ ‫يسمى األول ‪ :‬اؼبسند إليو‪ ،‬بينما َّ‬ ‫َّ‬ ‫بُت َّ‬ ‫فتسمى إسناداً‪ ،1‬فإذا وقفنا عند قولو ‪َّ ( : ‬‬ ‫بُت وبينهما‬ ‫النسبة بُت الركنُت َّ‬ ‫وإن اغبر َام ِّ ٌ‬ ‫إن اغببلل ِّ ٌ‬

‫‪2‬‬ ‫و[بُت] يف اعبملة األوىل‪ ،‬و[اغبرام]‬ ‫أمور مشتبهات‪ ، )..‬ديكننا أن ّنيِّز بُت ركٍت اعبملة ‪ ،‬ومها‪[ :‬اغببلل] ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫و[بُت] يف اعبملة الثانية ‪ ،‬فالذي ح ِكم ِ‬ ‫عليو أو أسنِ َد إليو البيان ىو اغببلل يف اعبملة األوىل‪ ،‬واغبرام يف‬ ‫ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫اعبملة الثانية ‪ ،‬وعلى ىذا يكون كل من‪ :‬اغببلل و اغبرام مسند إليو أو ؿبكوم ِ‬ ‫عليو ‪ ،‬ويكو ُن اؼبسند‪ ،‬أو‬ ‫ٌ‬ ‫احملكوم بو ىو ب يِّن‪" .‬واؼبسند ِ‬ ‫إليو عاد ًة ىو الفاعل أو نائب الفاعل‪ ،‬أو اؼببتدأ الذي لو خرب‪ ،‬أو ما أصلو‬

‫إن وأخواهتا‪ .‬واؼبسند ىو الفعل التام ‪ ،‬أو اؼببتدأ اؼبكتفي دبر ِ‬ ‫اؼببتدأ كبو اسم كان وأخواهتا أو اسم َّ‬ ‫فوعو ‪ ،‬أو‬ ‫خرب اؼببتدأ ‪ ،‬أو ما أصلو خرب اؼببتدأ ‪ ،‬أو اؼبصدر النائب عن فعلو "‪. 3‬‬ ‫َّأما األغراض‪ 4‬اليت من أجلها يُل َقى اػبرب فقد حصرىا الببلغيون يف غرضُت أساسيَّ ْ ِ‬ ‫ُت مها‪:‬‬

‫تضمنتو اعبملة ‪ ،‬وىذا األصل يف كل خرب‪.‬‬ ‫اؼبخاقب‬ ‫األول ‪ :‬فائدة الخبر ‪ :‬ومعناه إفادة‬ ‫اغبكم الذي َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫للمخاقب َّ‬ ‫وإّنا يفيد َّ‬ ‫بأن اؼبتكلِّ َم عازٌ باغبكم‪. 5‬‬ ‫ِّم جديداً‬ ‫الثاني ‪ :‬الزم الفائدة ‪ :‬وىذا الغرض ال يقد ُ‬ ‫اض كثَتةٍ تُفهم من ِ‬ ‫وقد خيرج اػبرب على خبلف مقتضى الظاىر ؾبازاً إىل أغر ٍ‬ ‫سياق‬ ‫َُ‬ ‫الكبلم وقرائن األحوال‪.6‬‬ ‫ولعل الغرض األول – فائدة اػبرب – أىم األغراض ؛ َّ‬ ‫ألن فائدتو تقدًن العلم واؼبعرفة لآلخرين ‪ ،‬فهو‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫بشيء أو أشياء جيهلها ‪ ،‬كما يشمل‬ ‫يشمل صبيع األخبار اليت يبغي اؼبتكلِّ ُم من ورائها تعريف َمن خياقبوُ‬ ‫األخبار اؼبتعلِّقة باغبقائق اليت تشتمل عليها الكتب يف العلوم والفنون اؼبختلفة ‪ ،‬أو اغبقائق العلميَّة‪.‬‬

‫النيب ‪ ‬تكون من ىذا النوع ؛ َّ‬ ‫عز وجلَّ علَّم نبيَّو ‪ ‬ما ز يكن‬ ‫ألن اهلل َّ‬ ‫وأغلب األغراض يف أحاديث ِّ‬ ‫‪ 1‬عبد العزيز عتيق (دكتور) ‪ :‬علم اؼبعاين ‪ ،‬دار النهضة العربيَّة ‪ -‬بَتوت ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص ‪. 48‬‬ ‫‪ 2‬صحيح البخاري ج‪ 2‬ص‪28‬‬ ‫‪ 3‬علم اؼبعاين ‪ ،‬لعبد العزيز عتيق ‪ ،‬ص ‪. 48‬‬ ‫‪ 4‬اؼبرجع السابق – ص ‪. 52 – 51‬‬ ‫‪ 5‬أضبد مطلوب (دكتور) ‪ :‬أساليب ببلغيَّة ‪ ،‬ط‪ ، 1‬وكالة اؼبطبوعات ‪ ،‬الكويت ‪1980 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬ ‫‪ 6‬اؼبرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 102‬‬

‫‪29‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫لؤلمة ‪ ،‬ومن ذلك ما ورد‬ ‫يعلم ‪ ،‬فنقل الرسول الكرًن عليو أفضل الصبلة والسبلم بعضاً من ىذه العلوم َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الصادق اؼبصدوق‪َّ ( :‬‬ ‫مع خلقو يف‬ ‫عن ابن‬ ‫مسعود رضي اهلل عنو قال ‪ :‬حدثنا رسول اهلل وىو َّ‬ ‫إن أح َدكم ُجي ُ‬ ‫ؤمُر‬ ‫بطن ِّأمو أر َ‬ ‫بعُت يوماً ‪ٍ ،‬بَّ يكو ُن علقةً مثل ذلك ‪ٍ ،‬بَّ يكو ُن مضغةً مثل ذلك‪ٍ ،‬ب يبعث اهللُ َملَ َكاً فيُ َ‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫رسول اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بأرب ِع‬ ‫بُت ُ‬ ‫كلمات ويُ ُ‬ ‫اكتب عملَو ورزقَو وأجلَو ‪ ،‬وشقي أو َسعي ٌد‪ٍ ،‬بَّ يُ ُ‬ ‫وح‪َ َّ )..‬‬ ‫قال لو ْ‬ ‫نفخ فيو الر ُ‬ ‫ألمتو كيفيَّة بدء اػبلق‪ .‬والنيب ‪ ‬ىو الصادق يف صبيع ما يقولو اؼبصدوق فيما أوحي‬ ‫‪ ‬ألصحابو ؛ بل َّ‬ ‫إليو ؛ ألن جربيل عليو السبلم يأتيو بالصدق ‪ ،‬واهلل سبحانو وتعاىل يصدقو فيما وعده بو ‪ ،‬فذكر َّ‬ ‫أن‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ب يف ىذه األقوار الثبلثة‪ ،‬فيكو ُن أول ما يكون نطفةً ‪ -‬وىو اؼبٍت ‪" -‬‬ ‫اإلنسا َن يف مراحل خلقو يتقل ُ‬ ‫وظبِّ َي نطفةً لقلَّ ِتو ‪ ،‬وقد يقع على الكثَت منو "‪ٍ 2‬ب ينتقل إىل العلقة ‪ٍ ،‬ب إىل اؼبضغة ‪ ،‬ثبلث مراحل يف‬ ‫ٍ‬ ‫نفخ‬ ‫عشرين ومائة يوم يتقلب فيها اعبنُت ‪ ،‬يف ِّ‬ ‫كل أربعُت يوماً منها يكون يف قوٍر ‪ ،‬بعد ىذه اؼبدَّة تُ ُ‬

‫ك تلك الكلمات األربع ‪ ،‬وقد ورد يف القرآن الكرًن تقلب اعبنُت يف ىذه األقوار‬ ‫الروح ويكتب اؼبلَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اؼبذكورة يف اغبديث الشريف ‪ ،‬وزاد عليها ثبلثة أقوا ٍر لتصَت سبعة ‪ ،‬وذلك قولو تعاىل ‪َ  :‬ولَ َق ْد َخلَ ْقنَا‬ ‫ُت * ٍُبَّ َج َع ْلنَاهُ نُطْ َفةً ِيف قَرا ٍر َّم ِك ٍ‬ ‫اإلنسا َن ِمن ُس َبللَ ٍة ِّمن ِق ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُت * ٍُبَّ َخلَ ْقنَا النطْ َفةَ َعلَ َقةً فَ َخلَ ْقنَا الْ َعلَ َقةَ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫مضغةً فَخلَ ْقنا الْمضغةَ ِعظَاماً فَ َكسونَا الْعِظَام َغبماً ٍُبَّ أَنشأْنَاه خلْقاً آخر فَتبارَك اللَّو أَحسن ْ ِ​ِ‬ ‫ُت ‪‬‬ ‫ُ َْ َ َ ُ َْ‬ ‫اػبَالق َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ​َ َ ُ ْ َ ُ‬ ‫(سورة اؼبؤمنون ‪ ،‬اآليات (‪. )14 – 12‬‬

‫ٍ‬ ‫ولسائل أن يسأل ‪ :‬ما اغبكمة من خلق اهلل تعاىل لئلنسان هبذا الًتتيب وهبذا التطور والتدرج‬ ‫حال إىل ٍ‬ ‫من ٍ‬ ‫حال ‪ ،‬مع العلم َّ‬ ‫بأن اهلل تعاىل قادر على إجياد اإلنسان كامبلً يف أسرع غبظةً ؟ نقول ؽبم ‪:‬‬

‫" واغبكمة ىي انتظام خلق اإلنسان مع خ ْل ِق ِ‬ ‫الفسيح وفق أسبا ٍ‬ ‫ب ومسبِّبات ‪ ،‬ومقدِّمات‬ ‫كون اهلل‬ ‫ِ‬ ‫َّل يف ‪ :‬توجيو‬ ‫ونتائج‪ ،‬وىذا أبلغ يف تبيان قدرة اهلل كما نَْل َح ُ‬ ‫ظ يف اغبكمة اإلؽبيَّة يف ىذا التدرج واليت تتمث ُ‬ ‫التأين يف أمورىم‪ ،‬والبعد عن التسرع و ِ‬ ‫العجلة‪ ،‬وفيو إعبلم اإلنسان َّ‬ ‫بأن حصول الكمال اؼبعنوي‬ ‫العباد إىل ِّ‬ ‫‪ 1‬صحيح البخاري ‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪1174‬‬ ‫‪ 2‬القرقيب (أبو عبد اهلل ؿبمد بن أضبد) ‪ :‬اعبامع ألحكام القرآن ‪ ،‬دار الكتب العلميَّة بَتوت ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪.6‬‬

‫‪29‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫إّنا يكون بطريق التدريج نظَت حصول الكمال الظاىر لو بتدرجو يف مراتب اػبلق وانتقالو من قوٍر إىل‬ ‫قور إىل أن يبلغ أشدَّه "‪ 1‬لذا قبد َّ‬ ‫النيب ‪ ‬قد َّبُت ىذه األحوال األربعة‪.‬‬ ‫أن َّ‬ ‫أضرب الخبر ‪:‬‬ ‫متنوعةً بتنوِع أغر ِ‬ ‫اض ِو ومقا ِص ِدهِ ‪ ،‬فيوجز يف مقام‬ ‫البليغ َم ْن زبَيَّ َر‬ ‫أساليب ِّ‬ ‫تعابَت دقيقةً ‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّد تركيبها‪ ،‬فاعبملة زبتلف دالالهتا‬ ‫اإلجيا ِز‪ ،‬ويبس ُ‬ ‫معٌت حيد ُ‬ ‫ط قولو يف مقام اإلقناب‪ ،‬واعبملةُ اػبربيَّة ؽبا ً‬ ‫حبسب تركيبها من حيث خلوىا من التوكيد ‪ ،‬أو تأكيدىا دبؤِّك ٍد و ٍ‬ ‫احد‪ ،‬أو أكثر من مؤِّك ٍد‪ ،‬وىذا ما أشار‬

‫أن فبَّا أغمض الطريق إِىل معرفَِة ما كبن بص ِ‬ ‫اعلم َّ‬ ‫دده أن ىاىنا فروقاً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫إليو عبد القاىر اعبُرجاين يف قولو ‪ " :‬و ْ‬ ‫آخَر ؛ بل ال يدرون أهنا‬ ‫العامةُ وكثَتٌ من اػباصة ‪ ،‬ليس أهنم‬ ‫جيهلوهنا يف موض ٍع ويعر َ‬ ‫َ‬ ‫خفيَةً َْذبهلها َّ‬ ‫فوهنا يف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يعلموهنا يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ف إىل‬ ‫صبلة وال‬ ‫ىي ‪ ،‬وال‬ ‫َ‬ ‫ب الكْندي‪ 3‬اؼبتفلس ُ‬ ‫تفصيل‪ُ .‬روي عن ابن األَنباري‪ 2‬أنو قال‪َ :‬رك َ‬ ‫أيب العباس‪ 4‬وقال لو‪ :‬إين أل َِج ُد يف ِ‬ ‫وجدت‬ ‫أي موض ِع‬ ‫كبلم العرب َح ْشواً ‪ :‬فقال لو أبو العباس ‪ :‬يف ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫قائم‪ٍ .‬ب يقولون ‪َّ :‬‬ ‫العرب يقولون ‪ُ :‬‬ ‫قائم‪ٍ .‬ب يقولو َن ‪ :‬إن عبد اهللَ‬ ‫ذلك فقال ‪ :‬أَج ُد َ‬ ‫إن عبد اهلل ٌ‬ ‫عبد اهلل ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األلفاظ فقوُؽبم ‪:‬‬ ‫الختبلف‬ ‫متكررةٌ واؼبعٌت واح ٌد‪ .‬فقال أبو العباس ‪ِ :‬بل اؼبعاين ـبتلِفةٌ‬ ‫لقائم ؛ فاأللفاظ ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫قائم جواٌب عن سؤ ِال ٍ‬ ‫سائل‪ .‬وقوُؽبم ‪َّ :‬‬ ‫إخبار عن قيامو‪ .‬وقوُؽبم ‪َّ :‬‬ ‫عبد اهلل‬ ‫إن َ‬ ‫ُ‬ ‫قائم ٌ‬ ‫إن عبد اهلل ٌ‬ ‫عبد اهلل ٌ‬ ‫لقائم جواب عن إنكا ِر منكِ ٍر قيامو ‪ ،‬فقد َّ ِ‬ ‫َح َار اؼبتفلسف‬ ‫ٌ‬ ‫تكررت األلفا ُظ لتكرِر اؼبعاين ‪ .‬قال ‪ :‬فما أ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ 1‬مص طفى البُغ ا وؿب ي ال دين مس تو– ال وايف يف ش رح األربع ُت النوويَّ ة – الن دوة العاؼبي ة للش باب اإلس بلمي ‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫(بتصر ٍ‬ ‫ف)‪.‬‬ ‫‪ 2‬ابن األنباري‪ :‬ىو أبو بكر ؿبمد بن القاسم بن ؿبمد بن بشار بن اغبسن (ت ‪328‬ى ) صاحب كتاب الوقف واالبتداء‬ ‫وغ َته م ن اؼبص نفات الكث َتة ‪ ،‬ك ان م ن حب ور العل م يف اللغ ة العربي ة والتفس َت واغب ديث ‪ ..‬وك ان ثق ة ص دوقاً أديب اً َديِّن اً‬ ‫فاضبلً من أىل السنة كان من أعلم الناس بالنَّحو واألدب وأكثرىم حفظا لو‪( .‬البداية والنهاية ج ‪ 11‬ص ‪.)196‬‬ ‫‪ 3‬الكن دي ى و ‪ :‬أب و يوس ف يعق وب ب ن إس حاق ب ن الص باح ب ن عم ران ب ن إظباعي ل ب ن ؿبم د ب ن األش عث ب ن ق يس‬ ‫الكن دي ‪ ،‬فاض ل دى ره وواح ده يف معرف ة العل وم القددي ة بأس رىا ‪ ،‬ويس مى فيلس وف الع رب ‪ ،‬اش تهر يف بغ داد بالط ب‬ ‫والفلس فة واؼبوس يقى ‪ ،‬وكان ت ل و عن د اؼب أمون منزل ة كب َتة‪ .‬أم ا نس بو فَتج ع إىل بع ض مل وك كن دة ‪ ( .‬الفهرس ت ص‬ ‫‪.) 357‬‬ ‫‪4‬‬ ‫اؼبربد النحوي ‪.‬‬ ‫يقصد بأيب العباس ىنا أبو العباس ِّ‬

‫‪29‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫ِ‬ ‫كوب ُمستف ِه ٍم أو مع ًِت ٍ‬ ‫بالعامة‬ ‫ض فما ظنك‬ ‫جواباً‪ .‬وإِذا كان الكندي‬ ‫ب فيو ر َ‬ ‫يذىب ىذا عليو حىت يرَك َ‬ ‫ُ‬ ‫ومن ىو يف ِع ِ‬ ‫ِ‬ ‫دقائق لو َّ‬ ‫َّح‬ ‫أن‬ ‫داد َّ‬ ‫َّ‬ ‫العامة فبن ال خيطُر شْبوُ ىذا ببالو‪ .‬و ْاعلَ ْم أن ُ‬ ‫ىاىنا َ‬ ‫َ‬ ‫الكندي استقرأ وتصف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫خل"‪.1‬‬ ‫وتتبَّ َع مواق َع (إِ َّن) ‪ٍ :‬ب أَلْطَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫النظر وأكثر التدب َر لَ َعل َم ع ْل َم ضرورة أ ْن ليس سواءً دخوُؽبا وأن ال تَ ْد َ‬ ‫ولعل انفعال النفس بأم ٍر من األمور يستوجب ضرباً من التوكيد ؛ وذلك للتباين اغباصل يف‬ ‫َّ‬ ‫أحوال اؼبخاقبُت بُت ٍ‬ ‫تأييد أو ٍ‬ ‫قسم الببلغيون اإلسناد اػبربي بالنظر إىل اؼبتلقِّي‬ ‫شك أو إنكا ٍر‪ ،‬لذا َّ‬ ‫َ‬ ‫وحالتو النفسيَّة وحركتو الذىنيَّة ‪ ،‬إىل ثبلثة ِ‬ ‫أقسام‪ :‬اإلسناد اػبربي االبتدائي‪ ..‬واإلسناد اػبربي الطليب‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫مسبقة دبا‬ ‫تام ٍة‪ ،‬وعدم معر ٍفة‬ ‫واإلسناد اػبربي اإلنكاري‪ .2‬ففي اػبرب االبتدائي يكون اؼبتلقي يف حياديَّة َّ‬

‫مًتدداً وحائراً إزاء‬ ‫ُلقي إليو من خرب ؛ لذا يأٌب اػبرب خالياً من أي مؤِّك ٍد‪ .‬ويف اػبرب الطليب يكون اؼبتلقِّي ِّ‬ ‫أ َ‬ ‫إليو ‪ ،‬فيكون تأكيد اػبرب دبؤِّك ٍد و ٍ‬ ‫اغبكم الذي ألْ ِقي ِ‬ ‫احد‪ .‬ويف اػبرب اإلنكاري يكون اؼبتلقي رافضاً ومنكراً‬ ‫َ‬ ‫تابع يقرر أمر‬ ‫اغبكم الذي أُلقي إليو لذا يستوجب األمر ىنا تأكيد اػبرب دبؤِّكدين أو أكثر‪ .‬و"التأكيد ىو ٌ‬ ‫اؼبتبوع يف النسبة أو الشمول ‪ ،‬وقيل‪ :‬التأكيد عبارة عن إعادة اؼبعٌت اغباصل قبلو"‪ ، 3‬فيأٌب التوكيد بغرض‬ ‫سبكُت األمر وتقويتو يف النفس ‪ " ،‬واؼبراد بالتأكيد ىنا تأكيد اغبكم ال تأكيد اؼبسند إليو ‪ ،‬وال تأكيد‬ ‫ُ‬ ‫اؼبسند "‪.4‬‬ ‫يوضح الببلغة‬ ‫فالنيب ‪ ‬قد استعمل ىذه اػباصيَّة لًتسيخ اؼبعاين يف نفوس سامعيو‪ ..‬وىذا ِّ‬ ‫َّ‬ ‫لكل ٍ‬ ‫مقام مقاالً خيصو ‪ ،‬لتأٌب‬ ‫النبويَّة العالية اليت سبيَّز هبا فهو‬ ‫جيعل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫األكثر درايةً بالنفوس ‪ ،‬لذا كان ‪ُ ‬‬ ‫‪ 1‬اعبرج اين ( أب و بك ر عب د الق اىر) ‪ :‬دالئ ل اإلعج از ‪ ،‬ربقي ق ‪ :‬د‪ .‬ؿبم د التنج ي‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكت اب الع ريب – ب َتوت‪،‬‬ ‫‪1995‬م ‪ ،‬ص ‪.242‬‬ ‫‪ 2‬أسامة البحَتي (دكتور) ‪ :‬ربوالت البنية يف الببلغة العربية‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار اغبض ارة ‪ -‬قنط ا ‪2000 ،‬م ‪ ،‬ص ‪ .69‬وانظ ر‬ ‫‪ :‬أساليب ببلغيَّة ص ‪. 92 – 90‬‬ ‫‪ 3‬اعبُرجاين ‪ :‬التعريفات ‪ ،‬ربقيق إبراىيم األبياري ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكتاب العريب ‪ -‬بَتوت ‪1405 ،‬ى ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.71‬‬ ‫‪ 4‬اؼبراغ ي (أضب د مص طفى) ‪ :‬عل وم الببلغ ة ‪ -‬البي ان واؼبع اين والب ديع ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار الكت ب العلمي ة ‪ -‬ب َتوت‪1986 ،‬م ‪،‬‬ ‫ص ‪. 52‬‬

‫‪29‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫شك أو إنكا ٍر يف قَب ِ‬ ‫أحاديثو مطابقةً ؼبقتضى ِ‬ ‫الس امعُت من يق ٍ‬ ‫ول اػبَ​َِرب الذي جعلو الببلغيون‬ ‫ُت أو ٍّ‬ ‫حال َّ‬ ‫ُ‬ ‫ثبلثة ٍ‬ ‫أضرب‪.‬‬ ‫أولها االبتدائي ‪:‬‬ ‫وىو اػبرب الذي يكون خالياً من اؼبؤِّكدات ؛ َّ‬ ‫خاي الذى ِن من اغبكم الذي‬ ‫ألن‬ ‫َ‬ ‫اؼبخاقب يكو ُن َ‬ ‫بلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫(من حس ِن إس ِ‬ ‫اغبديث من جوام ِع‬ ‫اؼبرء تَ ْركِ ِو َما ال يَعنِ ِيو)‪ 2‬ىذا‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫تضمنوُ اػبرب "‪ ، 1‬ومن ذلك قولو ‪ْ ْ ُ ْ :‬‬ ‫ِ​ِ​ِ‬ ‫وع َّد ىذا اغبديث من الكلمات اليت ز‬ ‫َكلمو ‪ ‬؛ فقد َصبَ َع فيو اؼبعاين الكثَتة اعبليلة يف ألفاظ قليلة ‪ُ ،‬‬ ‫يُسبق إليها ‪ ،‬قال ابن عبد الرب يف شرح اغبديث قائبلً ‪ " :‬كبلمو ىذا ‪ ‬من الكبلم اعبامع للمعاين‬ ‫النيب ‪ ‬قد ألقى اػبرب‬ ‫الكثَتة اعبليلة يف األلفاظ القليلة وىو فبَّا ز يقلو أحد قبلو واهلل أعلم "‪ .3‬قبد أن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫لسامعيو ببل تأكيد ؛ وذلك لعلمو التَّام بعدم ِّ‬ ‫حبديث ُع َّد من أعظم األحاديث‬ ‫شكهم أو إنكارىم ‪ ،‬فجاء‬ ‫أحاديث أر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حىت إن صبهور العلماء يكاد ُجيمع على َّ‬ ‫بعة منها‬ ‫أن مدار الدين على‬ ‫اليت وردت عنو ‪َّ ، ‬‬ ‫ىذا اغبديث ‪ ،‬ويرى بعضهم َّ‬ ‫يق‬ ‫أن ىذا اغبديث ثلث اإلديان ‪ ،‬ومنهم َمن يرى أنَّو نصف اإلديان ‪ ،‬وفر ٌ‬

‫كل ٍّ‬ ‫فن أربعةُ‬ ‫يرى أنَّو كل اإلديان ‪ ،‬يز ُ‬ ‫يد األمر تأكيداً ما أورده الزرقاين يف شرحو ‪ .." :‬أصول السنن يف ِّ‬ ‫أحاديث ىذا اغبديث ‪ ،‬وحديث األعمال بالنيات‪ ،‬واغببلل ِّبُت‪ ،‬وازىد يف الدنيا‪ .‬وقال الباجي‪ :4‬ىذا‬ ‫اغبديث ثلث اإلسبلم والثاين األعمال بالنيات ‪ ،‬والثالث اغببلل ِّبُت واغبرام ِّبُت‪ .‬وقال غَته ىو نصف‬

‫اإلسبلم وقيل كلو "‪.5‬‬ ‫‪ 1‬أساليب ببلغيَّة ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬ ‫‪ 2‬سنن الًتمذي ج‪ 4‬ص‪558‬‬ ‫‪ 3‬ابن عبد الرب ‪ :‬التمهيد ‪ ،‬ربقيق مصطفى بن ؿبمد العلوي ‪ ،‬وؿبمد عبد الكبَت البكري ‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون الدينيَّة‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ ،‬اؼبغرب ‪1387 ،‬ى ‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪. 198‬‬ ‫أبو الوليد الباجي (‪474 – 403‬ى ) سليمان بن خلف بن س عيد ب ن أي وب الق رقيب ال ذىيب العبلم ة اغب افظ ذو الفن ون‬ ‫ص احب التص انيف ‪ ،‬ب رع يف اغب ديث وعلل و ورجال و ‪ ،‬والفق و وغوامض و والك بلم ومض ايقو ‪ ،‬ص نف يف اعب رح والتع ديل‬ ‫والتفسَت والفقو واألصول‪( .‬قبقات اغبفاظ ج ‪ 1‬ص ‪.)439‬‬ ‫الزرقاين ‪ :‬شرح الزرقاين على موقأ مالك‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكتب العلميَّة بَتوت‪1411 ،‬ى ‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.317‬‬

‫‪29‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫ولعل اؼبكانة العظيمة اليت ناؽبا ىذا اغبديث ما كانت لو إال َّ‬ ‫ألن الذي يهتدي هبذا اؽبدي‬ ‫َّ‬ ‫سيسلم يف ٍ‬ ‫مال وال بنو َن إال َم ْن أتى اهللَ ٍ‬ ‫بقلب سلي ٍم ‪ ،‬فالذي يأخذ دبا ال يعنيو يكون قد‬ ‫يوم ال ينفع فيو ٌ‬

‫ضيَّع وقتاً نفيساً ال ديكن تعويض فائتو ؛ َّ‬ ‫ألن اؼبرء ال ديكن أن يشتغل بالبلزم فكيف يتعدَّاه إىل غَته ‪َّ ،‬أما‬ ‫افًتض عليو من الطاعة على ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫الوجو األكمل‬ ‫من َّ‬ ‫اىتم بضرورة حياتو يف معاشو دون مزيد ن َع ٍم مع أداء ما ُِ َ‬ ‫ِ‬ ‫خبلوص النيَّة هلل تعاىل فقد َسلِ َم ‪..‬‬

‫ومثال آخر من ى ِ‬ ‫ديو ‪ ‬وىو ما جاء عن سبيم الداري‪َّ  1‬‬ ‫يب ‪ ‬قال ألصحابِ​ِو ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫أن الن َّ‬ ‫َ‬ ‫تاماً ال إنكار ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرسول ‪ ‬ىو‬ ‫وجدت ىذه العبارة من‬ ‫(الدين النصيحة)‪، 2‬‬ ‫فيو وال تردد‪ ،‬و ُ‬ ‫الصحابة قَبوالً َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الصحابةُ مستفهمُت ‪( :‬ؼبن يا رسول اهلل ؟) أي‬ ‫أعلم بذلك لذا ألقاىا خاليةً من أي مؤِّك ٍد ‪ ،‬وقد سأل َّ‬

‫وشاملة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فرد النيب ‪ ‬بإجابة موجزةٍ‬ ‫أي مؤِّكد ‪ ( :‬هللِ ولكتابِ​ِو ولرسولِ​ِو‬ ‫ؼبن تكون ىذه النصيحة ‪َّ ،‬‬ ‫خالية من ِّ‬ ‫وعامتِ ِهم ) ‪ ،‬قال ابن األثَت‪ .." :‬النصيحة كلمة يعبَّر هبا عن ٍ‬ ‫صبلة ىي إرادة اػبَت‬ ‫وألئم ِة‬ ‫اؼبسلمُت َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫للمْنصوح لو ‪ ،‬وال ديكن أن ي ِّعرب عن ىذا اؼبعٌت بِك ٍ‬ ‫لمة واحدةٍ َْذب َمع معناه غَتىا"‪. 3‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ص َح‪..‬‬ ‫وأصل النصح يف اللغة اػبُلوص ‪ ،‬يُ َق ُ‬ ‫ص ْح ُ‬ ‫ص ‪ ،‬فقد نَ َ‬ ‫صحتُو ونَ َ‬ ‫ال ‪ :‬نَ َ‬ ‫ت لَو وكل شيء َخ لَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صحاً ‪ ،‬وىو‬ ‫صحاً ونَصيحة ونَصاحة ونصاحة ونَصاحيةً ونَ ْ‬ ‫صحو ولو نُ ْ‬ ‫والن ْ‬ ‫صح ‪ :‬نق يض الغ ّ‬ ‫ش مشتق منو نَ َ‬ ‫ت لو نَصيحت ي‬ ‫ص ْح ُ‬ ‫ص ُح لَ ُك ْم ‪( 4..‬األعراف‪ )62 -‬ويقال‪ :‬نَ َ‬ ‫بالبلم أَفصح؛ قال اهلل تعال ى‪ .. :‬وأَنْ َ‬ ‫سراً ؛ ألنَّو " َم ْن‬ ‫ت ‪ ،‬واالسم النصيحة "‪ ،5‬ومن األدب أن تكون النصيحة َّ‬ ‫نُصوحاً أَي أ ْ‬ ‫وص َدقْ ُ‬ ‫صُ‬ ‫َخ لَ ْ‬ ‫ت َ‬

‫‪ 1‬أب و رقي ة سب يم ب ن أوس ال داري اللخم ي ص حايب مش هور ‪ ،‬ك ان نص رانيَّاً فأس ل َم س نة ‪ 9‬ى ‪ ،‬وم ن فض ائلو أنَّو ك ان خي تم‬ ‫القرآن يف ركع ة وردب ا ردد اآلي ة الواح دة اللي ل كل و ‪ ،‬وى و أول م ن أس رج الس راج يف اؼبس جد س كن الش ام وهب ا م ات س نة‬ ‫‪ 40‬ى وقربه ببيت جربين من ببلد فلسطُت ليس لو يف صحيح مسلم إال ىذا اغبديث‪ ( .‬اإلصابة ج ‪ 1‬ص ‪.)368‬‬ ‫‪ 2‬صحيح مسلم ج‪ 1‬ص ‪74‬‬ ‫ِ‬ ‫اغبديث واألثر ‪ ،‬دار الفكر – بَتوت ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.62‬‬ ‫‪ 3‬ابن األثَت ‪ :‬النهاية يف غريب‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫َنص ُح لَ ُك ْم َوأ َْعلَ ُم ِم َن اللّ ِو َما الَ تَ ْعلَ ُمو َن }‪.‬‬ ‫بعض آية تتمتها ‪ { :‬أُبَلِّغُ ُك ْم ِر َساالَت َرِّيب َوأ َ‬ ‫‪ 5‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار صادر بَتوت ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪. 615‬‬

‫‪22‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ظ أخاه جهراً فقد فضحو وشانَو "‪ ، 1‬ومعٌت (نصيحةِ‬ ‫وع َ‬ ‫ظ أخاهُ َّ‬ ‫َم ْن َ‬ ‫ُ‬ ‫نصحوُ وزانَوُ ‪ ،‬ومن َوع َ ُ‬ ‫سراً فقد َ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإخبلص النِّيَة يف عبادتو ‪ ،‬و(النصيحة لكتاب اهلل)‪ :‬دبعٌت التصديق بو‬ ‫وح َدانيَّتو ْ‬ ‫اهلل)‪ :‬ص َّحةُ االعتقاد يف ْ‬ ‫والعمل بأحكامو بتحليل حبللو وربرًن حرامو‪ ،‬و(نصيحة رسولو ‪ :)‬التَّصديق بِنب َّوتو وِرسالتِو و ِ‬ ‫االنقياد‬ ‫َ‬ ‫ُ​ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ألوام ِرهِ ونو ِ‬ ‫اىيو ‪ ،‬و(نصيحة األئِّمة) ‪ :‬أي قاعتهم فيما يُرضي اهلل تعاىل ؛ إذ ال قاعة ؼبخلوق يف‬ ‫إرشادىم إىل مصاغبِ​ِهم‪.‬‬ ‫معصية اػبالق ‪ ،‬و(نصيحة عامة اؼبسلمُت) ‪ُ :‬‬ ‫الضرب الثاني ‪ :‬الطلبي ‪:‬‬ ‫أدرك أن‬ ‫يًتدد يف قَبولِ​ِو‬ ‫وىو اػبرب الذي َّ‬ ‫صحتِ ِو‪ ، 2‬فاؼبتكلِّ ُم إذا َ‬ ‫اؼبخاقب ‪ ،‬وال يعرف مدى َّ‬ ‫ُ‬ ‫بغرض إز ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫الشك من ِ‬ ‫ستحسن أ ْن يُؤِّك َد لو اػبرب ِ‬ ‫النفس ‪ ،‬ومن ذلك ما‬ ‫الة ِّ‬ ‫اؼبخاقب ِّ‬ ‫اػبرب يُ‬ ‫ُ‬ ‫مًتد ٌد يف قَبُولو َ‬ ‫َ‬ ‫ورد عن أيب ىريرة ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلَّم ‪ ( :‬إِ َّن اهلل ذباوز عن أَُّميت ما ح َّدثَت بِوِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫‪3‬‬ ‫متأمبلً حال من خياقبهم وىو يلقي ىذا‬ ‫أنُفسها َما ز يتكلَّموا أو ْيع َملوا بِ​ِو ) ‪ ،‬ؼبَّا كان َّرسول اهلل ‪ِّ ‬‬ ‫اػبرب جاء باغبرف ( َّ‬ ‫عم ْن‬ ‫إن ) قالباً من اؼبستمعُت إزالة ِّ‬ ‫الشك الذي قد يساورىم من ذباوز اهلل َّ‬ ‫وجل َّ‬ ‫عز َّ‬ ‫حدَّثتو نفسو حديثاً فلم ي ِ‬ ‫بدهِ كبلماً وز يعمل بِ​ِو‪ .‬ومثلُوُ قولو ‪َّ ‬‬ ‫(إن اهلل ذباوز عن أميت اػبطأ والنسيان‬ ‫ُ​ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪4‬‬ ‫متجاوز ألي ٍ‬ ‫وما استك ِرىوا عليو ) َّ‬ ‫شك من َّ‬ ‫أكد النَّيب ‪‬حديثو ب َّ‬ ‫فعل يقع‬ ‫أن اهللَ تعاىل‬ ‫(إن) ليزيل أي ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫عن قر ِيق اػبطأ أو النسيان أو االستكراه ‪ ،‬قال ابن رجب‪ .." : 5‬واػبطأ ىو أن يقصد بفعلو شيئاً‬

‫‪ 1‬الغزاي‪ :‬إحياء علوم الدين ‪ ،‬دار الفكر العريب ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.166‬‬ ‫‪ 2‬أساليب ببلغيَّة ص ‪. 92‬‬ ‫‪ 3‬صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪894‬‬ ‫‪ 4‬سنن ابن ماجة ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪659‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن رجب اغبنبلي ( ‪795 – 736‬ى ) ‪ :‬ىو اإلمام اغب افظ احمل دث الفقي و ال واعظ زي ن ال دين عب د ال رضبن ب ن أضب د ب ن‬ ‫رج ب ب ن اغبس ن ب ن ؿبم د ب ن مس عود الس بلمي البغ دادي ٍب الدمش قي اغبنبل ي ‪ ،‬ص نَّف ش رح الًتم ذي وش رح عل ل‬ ‫الًتمذي وشرح قطعة من البخاري وقبقات اغبنابلة‪ ( .‬قبقات اغبفاظ ج ‪ 1‬ص ‪ - 540‬الرد الوافر ‪ ،‬تأليف ؿبم د ب ن‬ ‫أيب بكر ب ن ناص ر ال دين الدمش قي ‪ ،‬ربقي ق زى َت الش اويش ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬اؼبكت ب اإلس بلمي – ب َتوت ‪ 1393 ،‬ى ‪ ،‬ص‬ ‫‪.106‬‬

‫‪011‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫ويصادف غَت ما قصده ‪ ،‬والنسيان أن يكون ذاكراً ٍ‬ ‫لشيء وينساهُ عند ِ‬ ‫معفو عنو "‪ 1‬وال‬ ‫الفعل ‪ ،‬وكبلمها ٌ‬ ‫الرَّدة أو ِ‬ ‫الف ِ‬ ‫عل اؼبكفِّر وكان‬ ‫ذنب بالقهر واإلجبار ‪ ،‬حىت إنَّو ال يُ َكفَُّر َم ْن أُك ِرَه على ِّ‬ ‫إٍبَ على من َ‬ ‫صد َر منوُ ٌ‬ ‫اغبق ‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬من َك َفر بِاللّ ِو ِمن ب ع ِد إديَانِ​ِو إِالَّ من أُ ْك ِره وقَلْبو مطْمئِن بِا ِإلديَ ِ‬ ‫ان َولَكِن‬ ‫قلبو ثابتاً على ِّ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َ َ ُ​ُ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم ‪(‬سورة النحل ‪ ،‬اآلية ‪.)106‬‬ ‫ص ْدراً فَ َعلَْي ِه ْم َغ َ‬ ‫ب ِّم َن اللّو َوَؽبُ ْم َع َذ ٌ‬ ‫َّمن َشَر َح بالْ ُك ْف ِر َ‬ ‫ضٌ‬ ‫اب َعظ ٌ‬ ‫الضرب الثالث ‪ :‬اإلنكاري ‪:‬‬ ‫ُ‬

‫وىو اػبرب الذي ينكره اؼبخاقب إنكاراً حيتاج يف تأكيده ألكثر من مؤِّك ٍد‪ ، 2‬فإذا أيقن اؼبتكلِّم َّ‬ ‫أن‬

‫منكر وجب عليو أن يُؤِّكد لو اػبرب بقدر إنكاره ‪ ،‬وىذه حال يدركها اؼبتكلِّم بذكائو وىو يفهم‬ ‫اؼبخاقب ٌ‬

‫حال سامعيو ومدى إنكارىم ‪ ،‬والنيب ‪ ‬وىو أفصح الفصحاء وأذكى األذكياء أخرب أصحابو عن بدء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ضغَ ٍة ‪ٍ ،‬ب ذكر بعد ذلك َّ‬ ‫أن األعمال‬ ‫وم ْ‬ ‫اػبلق واؼبراحل اليت يتقلَّب فيها اإلنسان من نطفة ‪ ،‬وعلَقة ‪ُ ،‬‬ ‫بعمل ِ‬ ‫إن أحدكم لَيعمل ِ‬ ‫خبواتيمها فقال ‪َ ..( :‬فو الذي ال إلو غَته َّ‬ ‫حىت َما يكون بينَوُ وبينها‬ ‫أىل اعبنَّ ِة َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يعمل بِ َع َم ِل ِ‬ ‫مل ِ‬ ‫يعم ُل بِ َع ِ‬ ‫حىت‬ ‫أىل النَّا ِر َّ‬ ‫أىل النَّا ِر فَ ُ‬ ‫إال ذ َراع فَيَسبِق َعليو الكتَ ُ‬ ‫اب فَ َ‬ ‫يدخلها‪َ ،‬وإ َّن أح َدكم لَ ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عمل بِ َع ِ‬ ‫رسول اهلل‬ ‫يدخلها ) ‪ ،‬أقسم ُ‬ ‫أىل اعبَنَّة فَ ُ‬ ‫َما يَكون بينَوُ وبَينَها إال ذراع فَيَسبِق َعلَيو الكتَ ُ‬ ‫اب فَيَ َ‬ ‫أن اعبنَّة والنار قد قدَّر اهلل ؽبما خلقهما‪ ،‬و َّ‬ ‫‪ ‬ليؤِّكد َّ‬ ‫أن األعمال خبواتيمها ‪ ،‬وؼبا كانت ىذه القضيَّة تتعلَّق‬ ‫َّ‬ ‫بث الفكرة يف النفوس وإقرارىا يف‬ ‫بأمر غييب ‪ ،‬اقتضى اؼبقام أ ْن يأٌب الكبلم مؤَّكداً بأكثر من مؤِّكد بغرض ِّ‬ ‫القلوب إقراراً ينتهي إىل اإلديان هبا فاشتمل اغبديث على القسم ومؤِّكدين آخرين مها‪( :‬البلم َّ‬ ‫حىت ال‬ ‫وإن) َّ‬ ‫للشك يف النفوس‪ .‬والفاء يف قولو ( َفو الَّذي ) واقعة يف جواب شرط َّ‬ ‫مقد ٍر ‪ ،‬والواو للقسم ‪،‬‬ ‫يدع ؾباالً ِّ‬ ‫فأقسم بالذي ال إلو غَته ‪ ، )..‬ومن ببلغتو‬ ‫السعادة مكتوباً‬ ‫وتقدير الكبلم ‪ ( :‬إذا كان كل من الشقاوةِ و َّ‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬استعمالو لفظ ذراع كنايةً عن شدَّة القرب ‪ ،‬ويف اغبديث دليل على استحباب اغبلف لتأكيد األمر يف‬ ‫النفوس‪.‬‬ ‫‪ 1‬ابن رجب اغبنبلي ‪ :‬جامع العلوم واغبكم ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،‬دار اؼبعرفة بَتوت ‪ ،‬ص ‪. 374‬‬ ‫‪ 2‬أساليب ببلغيَّة ص ‪. 92‬‬ ‫‪ 3‬صحيح مسلم ج ‪ 4‬ص ‪2036‬‬

‫‪010‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ٍ‬ ‫يسأل ‪ :‬إذا قضى اهللُ كائناً ما كان يف أزلِو ‪ ،‬وقدَّر السعادة والشَّقاء فَلِ َم نعمل؟ نقول‬ ‫ولسائل أ ْن َ‬

‫َّ‬ ‫رسول اهلل ‪ ، ‬وىذا‬ ‫إن الصحابة عليهم من اهلل الرضوان ما كان ليفوت عليهم مثل ىذا فقد سألوا عنو َ‬ ‫ِ‬ ‫أىل اعبنَّة من ِ‬ ‫أىل النَّا ِر؟ قال نعم‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫عر ُ‬ ‫عمران بن حصُت‪ 1‬يقول ‪ " :‬قال ٌ‬ ‫رجل ‪ :‬يا رسول اهلل أيُ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫يعمل العاملو َن؟ قال ‪ :‬كل يَ ْع َمل لِما ُخلِ َق لو ‪ ،‬أو لِما يُ ِّسَر لوُ "‪ ،2‬وقبد إجابةً أخرى على ِ‬ ‫فَلِ َم ِ‬ ‫نفس‬ ‫ُ‬ ‫آدم‬ ‫السؤال يف حديث عبد الرضبن ابن قتادة السلمي‪ 3‬الذي قال ظبعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ‪َ ( :‬خلَ َق اهللُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫سول‬ ‫يل ‪ :‬يا َر َ‬ ‫ظه ِرهِ ‪ٍُ ،‬بَّ قَ َ‬ ‫اػبلق من ْ‬ ‫خلق َ‬ ‫ٍبَّ َ‬ ‫ال ‪ :‬ىؤالء َ‬ ‫للج نَّة وال أباي ‪ ،‬وىؤالء للنَّار وال أباي‪ .‬قال فق َ‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫النيب ‪ ‬تتكشَّف لنا الببلغة‬ ‫ال ‪ :‬عَلَى ُموافَ َق ِة ال َق َد ِر ) ‪ ،‬إذا أمعنَّا النظر يف ِّ‬ ‫عمل ؟! قَ َ‬ ‫رد ِّ‬ ‫اهلل فَ َعلى َماذا نَ ُ‬ ‫النبويَّة العالية فقد صبع اؼبعاين الكثَتة يف ٍ‬ ‫ألفاظ ال تتعدَّى أصابع اليد الواحدة – ثبلث كلمات – (على‬ ‫الرد ‪ ،‬كيف وأنَّو ‪ ‬قد أوٌب جوامع ال َكلِ ِم ‪ ،‬يعمل‬ ‫موافقة القدر) يقف عندىا اؼبتلقِّي ِّ‬ ‫متعجباً من حسن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ف ‪ ،‬وما تبدو من شؤون يف كل يوم َّإّنا‬ ‫اإلنسان على موافقة القدر ‪ ،‬فقد ُرفعت األقبلم وجفَّت الص ُح ُ‬ ‫ىي أمور يبديها رب ِ‬ ‫العباد وال يبتديها ؛ فقد قُدِّر كائن ما كان ‪ ،‬وكل لِما يُ ِّسر لو قد ُخلِ ْق‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وإن سأل آخر ‪ :‬أال يكون ذلك ظلماً‪ 5‬؟ نرد عليو بقولنا ‪َّ :‬‬ ‫ض عليو إذا‬ ‫إن َ‬ ‫اؼبالك ال يُ ْعتَ َر ُ‬ ‫تصرف يف ِ‬ ‫ملك ِو ِدبا يشاء ‪ ،‬والظلم " ىو اعبَور ‪ ،‬وقيل ىو التَّصرف يف ملك الغَت وؾباوزة اغبد "‪ 6‬وز‬ ‫َّ‬ ‫‪ 1‬أب و قبي د عم ران ب ن حص ُت ب ن عبي د ب ن خل ف ‪ ،‬أس لم أب و ىري رة وعم ران ب ن حص ُت ع ام خي رب ‪ ،‬ك ان م ن فض بلء‬ ‫الص حابة وفقه ائهم ‪ ،‬وك ان ُؾب اب ال دعوة وز يش هد الفتن ة ‪ ،‬ق ال ؿبم د ب ن س َتين أفض ل م ن ن زل البص رة م ن أص حاب‬ ‫رسول ‪ ‬عمران بن حصُت وأبو بكرة ‪ ،‬سكن عمران بن حصُت البصرة ومات هبا سنة ثنتُت وطبسُت‪( .‬اإلصابة ج ‪4‬‬ ‫‪،‬ص ‪ – 706‬وانظر‪ :‬أُس د الغابة ‪،‬ج‪، 3‬ص‪) 777‬‬ ‫‪ 2‬ابن حجر العسقبلين‪ :‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ ،‬ربقيق ؿبمد فؤاد عبد الباقي وؿبب الدين اػبطيب ‪ ،‬دار‬ ‫اؼبعرفة ‪ -‬بَتوت ‪1379 ،‬ى ‪ ،‬ج‪ 11‬ص ‪. 500‬‬ ‫‪ 3‬عبد الرضبن بن قتادة السلمي صحايب نزل الشام ‪ ،‬روى حديثو راشد بن سعد عنو قال ظبعت النيب يقول ‪( :‬خلق اهلل ‪..‬‬ ‫اغبديث) ‪ ،‬اإلصابة ج ‪ 4‬ص ‪. 352‬‬ ‫‪ 4‬اؼبستدرك للحاكم ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪85‬‬ ‫‪ 5‬يف ى ذا الس ؤال قص ة أليب األس ود ال دؤي م ع عم ران ب ن حص ُت ‪ ،‬فق د س أل األخ َتُ أب ا األس ود الس ؤال نفس و – أيك ون‬ ‫عم ا يفع ُل "‪ .‬ف تح الب اري ج‬ ‫ذلك ظلماً – فرد عليو أب و األس ود ق ائبلً ‪ " :‬ال ك ل ش يء خل ق اهلل ومل ك ي ده ف بل يُ ْس ُ‬ ‫أل َّ‬ ‫‪ 11‬ص ‪.493‬‬ ‫‪ 6‬التعريفات ص ‪. 186‬‬

‫‪019‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫حق ٍ‬ ‫ف يف ِ‬ ‫َّ‬ ‫ملك ِو كيف شاء ؛ لذلك كان الصحابةُ والسلف‬ ‫يتعد اهلل تعاىل على ِّ‬ ‫أحد ‪ ،‬ولكنَّو َّ‬ ‫يتصر ُ‬ ‫الصاحل خيافون على ِ‬ ‫أنفس ِهم من النفاق وسوء اػباسبة وسوء اؼبنقلب‪.‬‬ ‫أدوات التَّوكيد ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫لتأكيد الكبلم ‪ ،‬والبد لدارس اللغة من معرفتها ليستخدمها حيث يقتضي‬ ‫خد ُم‬ ‫ات تُ ْستَ َ‬ ‫ىناك أدو ٌ‬ ‫اؼبقام ‪ ،‬وأىم ىذه األدو ِ‬ ‫إن – َّ‬ ‫ات وأشهرىا ‪َّ ( :‬‬ ‫أن – الم االبتداء – القسم – نونا التوكيد – َّأم ا‬ ‫دال على ٍ‬ ‫عل ٍّ‬ ‫الش رقيَّة‪ – 1‬أحرف التنبيو‪ – 2‬أحرف الزيادة – السُت وسوف الداخلتان على فِ ٍ‬ ‫وعد أو‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وعيد – اػبطاب باعبملة االظبيَّة – التَّكرار ‪ ، 3)..‬وسنتناول بعضها بالتفصيل ‪ ،‬وبعضها سيأٌب تفصيلو‬ ‫يف سياق األمثلة (إن شاء اهلل ) ‪.‬‬

‫ َّ‬‫إن ‪ " :‬تكون حرف توكيد تنصب اؼببتدأ ‪ ،‬وترفع اػبرب"‪ ..4‬وقد يرتفع بعدىا اؼببتدأ فيكون‬ ‫اظبها ضمَت ٍ‬ ‫شأن ؿبذوفاً ‪ ،‬قال ابن ىشام ‪ " :‬األصل أن تكون حرف توكيد ‪ " ..‬أحد‬ ‫َ‬ ‫إن – حرف جو ٍ‬ ‫وجهُت ‪ ،‬ثانيهما ‪ :‬أن تكون – أي َّ‬ ‫اب دبعٌت نعم ‪ ،‬واستدل بقول ابن قيس‬ ‫الرقيات‪( : 5‬ؾبزوء الكامل)‬ ‫‪ 1‬ح رف ش رط وتفص يل وتوكي د ‪ ،‬ولع َّل توكي دىا للجمل ة أص لو َّ‬ ‫أن " اعبمل ة معه ا تك ون أق وى منه ا م ع غَتى ا ‪ ،‬وجواهب ا‬ ‫يقًتن بالفاء وجوباً ‪ ،‬وىذا ىو الذي جعل منها حرف تفصيل يفيد الشرط‪.‬‬ ‫‪ 2‬من أشهر أحرف التنبيو ‪( :‬أال – أ َ​َما) وتدل أال مفتوحة اؽبمزة مفتوح ة ال بلم دون تش ديد عل ى ربق ق م ا بع دىا وتوكي ده‬ ‫‪ ،‬قال ابن ىشام ‪ ،‬وإفادهتا للتحقيق من جهة تركيبها من اؽبمزة وال النافي ة ؛ ألن مه زة االس تفهام إذا دخل ت عل ى النف ي‬ ‫أفادت التحقيق (مغٍت اللبيب ص ‪ – )69‬وأ َ​َم ا تدخل على َّ‬ ‫إن للتنبيو والتحقيق ‪ ،‬أو على الفعل للعرض والتقرير ‪ ،‬وق د‬ ‫تأٌب حرف استفتاح دبنزل ة " أال " االس تفتاحيَّة ‪ ،‬وت أٌب يف أغل ب األحي ان قب ل القس م ‪ ،‬كب و قول ك ‪ :‬أم ا واهلل ل و فعل ت‬ ‫لِما ُخلِقوا لَ َما ىجعوا وناموا‪..‬‬ ‫األنام‬ ‫كذا وكذا ‪ ،‬ومن ذلك يف الشعر ‪:‬‬ ‫َأما واهلل لو علم ُ‬ ‫‪ 3‬أساليب ببلغية ص ‪ – 93‬علوم الببلغة للمراغي ص ‪. 52‬‬ ‫‪ 4‬ابن ىشام األنصاري‪ :‬مغٍت اللبيب عن كتب األعاريب ‪ ،‬ربقيق ‪ :‬د‪.‬مازن اؼببارك وؿبمد علي ضبد اهلل ‪ ،‬ط ‪ ، 6‬دار‬ ‫الفكر ‪ -‬بَتوت ‪1985 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬ ‫‪ 5‬اب ن ق يس الرقي ات (ت ‪ 85‬ى ) ى و ُعبَي د اهلل ب ن ق يس ب ن ش ريح ب ن أح د ب ٍت ع امر ب ن ل ؤي ‪ ،‬ش اعر ق ريش يف العص ر‬ ‫األم وي‪ .‬ك ان مقيم اً يف اؼبدين ة‪ ..‬أكث ر ش عره الغ زل والنس يب ‪ ،‬ول و م دح وفخ ر‪ .‬ولق ب ب ابن ق يس الرقي ات ؛ ألنَّو ك ان‬ ‫يتغ زل ب ثبلث نس وة ‪ ،‬اس م ك ل واح دة م نهن رقي ة‪( .‬اب ن قتيب ة ‪ -‬الش عر والش عراء ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ع از الكت ب ب َتوت ‪،‬‬ ‫‪1282‬ى ‪ ،‬ص ‪.)130‬‬

‫‪019‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫َلوم ُهنَّ ْو‬ ‫ِ‬ ‫العو ُ‬ ‫اذل‪ ،‬يف َّ‬ ‫ب َكَر َ‬ ‫وح‪ ،‬يَلُ ْمنٍَت َوأ ُ‬ ‫الصبُ‬ ‫ِ ‪1‬‬ ‫ت إنَّ ْو‬ ‫ب قَ ْد َع‬ ‫بلَ َك‪َ ،‬وقَ ْد َكِ ْرب َ‬ ‫ت‪ ،‬فَ ُق ْل ُ‬ ‫َويَ ُق ْل َن َشْي ٌ‬ ‫فقلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬واؽباء للسكت‪.‬‬ ‫أي ُ‬ ‫إن – من أبرز أدوات التوكيد ‪ ،‬ولو خصائص دقيقة ربتاج إىل بصَتةٍ ٍ‬ ‫وىذا اغبرف – َّ‬ ‫وفطنة يف إدراكها ‪،‬‬ ‫ويف استعماؽبا ؿباسن منها ‪:‬‬ ‫ َّأهنا تربط اعبملة دبا قبلها ‪ ،‬حبيث أهنا لو سقطت لذىب رونقها ‪ ،‬وصار الكبلم مفككاً ال روح‬‫ِ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫فيو ‪ ،‬ومن ذلك قولو تعاىل ‪َ  :‬وَما أُبَِّر ُ ِ ِ َّ‬ ‫يب إِ َّن‬ ‫س أل ََّم َارةٌ بالسوء إالَّ َما َرح َم َرَِّ‬ ‫ئ نَ ْفسي إن النَّ ْف َ‬ ‫ِ‬ ‫رِّيب َغ ُف ِ‬ ‫طت [ َّ‬ ‫ئ‬ ‫إن ] فقيل ‪َ ( :‬وَما أُبَِّر ُ‬ ‫يم ‪(‬سورة يوسف – اآلية رقم ‪ )53‬فلو أُسق ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫س أ ََّم َارةٌ بِالسوء) لذىب رونق الكبلم ‪ ،‬وال تسد الفاء مسدىا إذا قيل ‪َ ( :‬وَما‬ ‫نَ ْفسي النَّ ْف َ‬ ‫ألن الفاء ليس ؽبا مزية إال الربط ‪َّ ،‬أما َّ‬ ‫ئ نَ ْف ِسي ف النَّ ْفس أل ََّم َارةٌ بِالسوء) ؛ َّ‬ ‫إن فإهنا تربط‬ ‫أُبَِّر ُ‬ ‫َ‬ ‫بُت اعبملتُت وتدل على التوكيد‪.‬‬ ‫تكسب اؼبعٌت َّقوة‬ ‫ ومن ؿباسنها أننا قبد لضمَت الشأن معها رونقاً يكسو اللفظ حسناً ‪ ،‬ودقَّةً‬‫ُ‬ ‫وجزالةً ‪ ،‬ومن ذلك ما جاء يف اغبديث الشريف عن العر ِ‬ ‫باض بن سارية‪َّ 2‬‬ ‫النيب ‪ ‬قال‬ ‫أن َّ‬

‫ألصحابو ‪ ..( :‬أوصيكم بتقوى اهلل‪ ،‬والسمع والطاعة ‪ -‬وإ ْن أُِّمر عليكم عبد حبشي ‪ -‬فإنَّوُ‬ ‫عضوا‬ ‫من يعش منكم فسَتى اختبلفاً كثَتاً؛ فعليكم بسنَّيت وسنَّة اػبلفاء ا َّلراشدين اؼبهديُت‪ُ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ضبللة)‪ 3‬قبد َّ‬ ‫عليها بالنَّواجذ وإياكم وؿبدثات األمور َّ‬ ‫النيب ‪ ‬قد استعمل‬ ‫بدعة‬ ‫فإن َّ‬ ‫أن َّ‬ ‫ىذا اغبرف يف موضعُت‪ ،‬أوؽبما ‪ :‬متصل بالضمَت‪ ،‬فقال‪[ :‬إنَّو] ‪ ،‬والثاين يف سياق اغبديث‪:‬‬ ‫(فإن كل ٍ‬ ‫بدعة ضبللة) ‪ ،‬وإذا أسقطنا َّ‬ ‫َّ‬ ‫إن من اؼبوضعُت أو أحدمها الختل اؼبعٌت وذىب رونق‬

‫‪ 1‬خزانة األدب للبغدادي ‪ ،‬ج ‪ 11‬ص ‪.227‬‬ ‫‪ 2‬العرباض بن سارية الس لمى كنيت و أب و قب يح ‪ ،‬ك ان م ن أى ل الص فة ‪ ،‬وى و م ن َّ‬ ‫البك ائُت ال ذين ن زل ف يهم قول و تع اىل‪{ :‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تفيض من الدم ِع ‪ ..‬اآلي ة }(التوب ة ‪، )92‬‬ ‫أعينهم ُ‬ ‫كم عليو تولَّواْ و ْ‬ ‫الذين إذا أَتَ ْو َك لتَحملهم قلت ال أَج ُد ُ​ُ ما أضبلُ ْ‬ ‫على َ‬ ‫سكن الشام ومات هبا سنة طبس وسبعُت ‪ ،‬وقيل بل مات يف فتنة ابن الزبَت‪( .‬اإلصابة ج ‪ 7‬ص ‪.)412‬‬ ‫‪ 3‬اؼبستدرك ج‪ 1‬ص‪174‬‬

‫‪019‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫مقام وصيَّ ٍة‪ٍ ،‬‬ ‫الكبلم ‪ ،‬وؼبا كان اغبديث يف ٍ‬ ‫ووعد ؼبن يطول ُع ُمُرهُ ويعِيش كثَتاً فَتى االختبلف‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫النيب ‪ ‬لتشمل مؤِّكداً ثالثاً ‪ ،‬وىو السُت يف قولو (فسَتى)‬ ‫عبارة‬ ‫جاءت‬ ‫ذلك‬ ‫كان‬ ‫الكثَت ‪ ،‬ؼبا‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫الو ْع د ‪.‬‬ ‫؛ لدخوؽبا على ف ْع ٍل َدل َع لَى َ‬ ‫ومن األمثلة اليت وردت يف اغبديث الشريف الستعمال ىذا اغبرف تأكيداً وتقريراً ‪:‬‬ ‫‪ -1‬عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬م َّر النيب ‪ ‬على رجل وىو يعاتب أخاه يف اغبياء ‪،‬‬ ‫يقول ‪ :‬إنك لتستحي حىت كأنو يقول قد أضر بك ‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪َ ( :‬د ْعوُ َّ‬ ‫فإن اغبياء من‬ ‫ُ‬ ‫اإلديان)‪. 1‬‬

‫‪-2‬‬

‫وعن أيب مسعود‪ ،  2‬قال ‪ :‬قال النيب ‪َّ ( : ‬‬ ‫اس من كبلم النبوة األوىل ‪ :‬إذا ز‬ ‫إن فبَّا َ‬ ‫أدرك النَّ ُ‬

‫النيب ‪َّ ‬‬ ‫أكد على أمهية خصلة اغبياء فأدخل أداة التوكيد َّ‬ ‫تستح فاصنع ما شئت)‪ ، 3‬قبد َّ‬ ‫(إن) ؛‬ ‫أن َّ‬

‫ف بأنَّوُ "‬ ‫ألن مبدأ اغبياء ومنتهاه يفضيان إىل ترك القبيح ‪ ،‬وترك القبيح خَت ال ؿبالة‪ ..‬فاغبياءُ يُ َّ‬ ‫عر ُ‬ ‫انقباض النَّفس من ٍ‬ ‫شيء وتَ ْرُكوُ َح َذ َراً عن اللَّ ِوم فِ ِيو "‪ ،4‬وقد يُطلق على ؾبرد ترك الشيء بسبب والًتك‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫إّنا ىو من لوازمو ‪ ،‬إذن فاغبياء خصلة يف ِ‬ ‫تبعث على اجتناب القبيح ‪ ،‬وسبنع من‬ ‫نفس اإلنسان ُ‬ ‫التقصَت يف حق اهلل تعاىل ؛ ؽبذا جاء اػبرب النبوي مؤَّكداً ب َّ‬ ‫(إن)‪.‬‬

‫‪ -3‬عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال ظبعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ‪َّ ( :‬‬ ‫إن من أبر الرب صلة‬ ‫الرجل أىل ود أبيو بعد أن يوي) (صحيح مسلم ج ‪ – 4‬ص ‪َّ )1979‬نوع الرسول صلى اهلل‬ ‫عليو وسلم ضروب التوكيد يف أمر ىو من أىم أمور اؼبسلم؛ إذ ال خيفى على اؼبرء ما يف توثيق‬ ‫‪ 1‬صحيح البخاري ج ‪ 1‬ص ‪17‬‬ ‫‪ 2‬أبو مسعود ‪ :‬ىو عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود األنصارى من بٌت اغبارث بن اػبزرج ىو مشهور بكنيتو ويعرف بأىب‬ ‫مسعود البدرى ؛ ألنو رضى اهلل عنو كان يسكن بدراً ‪ ،‬وىو فبَّن شهد العقبة وز يشهد ب دراً ‪ ،‬م ات بالكوف ة يف خبلف ة‬ ‫على بن أىب قالب وكان عليها والياً‪( .‬االستيعاب ج ‪ 3‬ص ‪.)1075‬‬ ‫‪ 3‬صحيح البخاري ج ‪ 5‬ص ‪2268‬‬ ‫‪ 4‬التعريفات ‪ ،‬ص ‪. 126‬‬

‫‪019‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫َّاس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُكم ِّمن ذَ َك ٍر َوأُنثَى‬ ‫الصبلت بُت الناس الذين ناداىم اهلل تعاىل بقولو‪ :‬يَا أَي َها الن ُ‬ ‫َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُوباً َوقَبَائِ َل لِ َتع َارفُوا ‪(..‬سورة اغبجرات – اآلية رقم ‪َّ ، )13‬‬ ‫خصص النيب ‪ ‬نوعاً‬ ‫ود الوالد ‪ ،‬فكأنَّو أراد أن يقول‬ ‫من العبلقات يف اغبديث الشريف ‪ ،‬أوالىا باالىتمام ‪ ،‬وىي أىل ِّ‬

‫إن االىتمام دبثل ىذه الصبلت امتداداً لرب الوالدين ‪ ،‬ويف اؼبقابل َّ‬ ‫فإن ترك مثل تلك اؼبكرمات يُعد‬ ‫حيث إنَّو ‪ ‬بدأ التأكيد ب َّ‬ ‫(إن) ٍب تقدًن اؼبسند –‬ ‫جحداً وغدراً حبق َّ‬ ‫األبوةِ ‪ ،‬فجاء التأكيد ِّ‬ ‫متنوعاً ُ‬ ‫اعبار واجملرور (من أبر) – ولزيادة التأكيد على اؼبعٌت ‪ ،‬ولتشويق السامعُت كانت اإلضافة (أبر الرب)‬

‫حيث أضاف (أبر) إىل (الرب) دون غَته من األعمال لتحمل معٌت أحسن األحس ِن أو أفضل‬ ‫األفضل‪.‬‬

‫ِ‬ ‫‪ -4‬عن أيب سعيد اػبدري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ ( : ‬إِ َّن ِم ْن أَ َشِّر النَّ ِ‬ ‫الرجل‬ ‫اس منزلةً يوم‬ ‫القيامة‪َّ :‬‬ ‫‪1‬‬ ‫فضي إىل امرأتو وتُفضي إِ ِ‬ ‫ي ِ‬ ‫عظيم عند اهلل ورسولِ​ِو بل ىو من اغبرمات اليت‬ ‫ليو ٍب يَنشر َّ‬ ‫ُ‬ ‫أمر ٌ‬ ‫سرىا ) ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫أكد رسول اهلل ‪ ‬على عظيم خطره ‪ ،‬وىو إفشاء سر اؼبرأة اليت تُفضي للرجل أمرىا ‪ ،‬فأدخل أداة‬ ‫التأكيد َّ‬ ‫أشر الناس)‪.‬‬ ‫(إن) ٍبَّ قدَّم ما حقَّو التأخَت زيادة يف التأكيد ‪ ،‬وىو قولو (من ِّ‬

‫‪ -5‬عن أنس بن مالك قال أال أحدثكم حديثاً ظبعتُو ِمن ِ‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬ال حيدثكم أح ٌد بعدي ظبعو‬ ‫ُ‬ ‫منو‪ ،‬قال‪ ( :‬إِ َّن من أشر ِ‬ ‫مر ‪،‬‬ ‫اعبهل ‪ ،‬ويفشو ِّ‬ ‫اط‪َّ 2‬‬ ‫الزىن‪ ،‬ويُ ْش ُ‬ ‫الساعة أ ْن يُ َ‬ ‫رب اػبَ ُ‬ ‫العلم ‪ ،‬ويَ َ‬ ‫رفع ُ‬ ‫ظهر ُ‬ ‫حىت يكو َن ِػبمسُت امرأةً قَيِّم و ِ‬ ‫اح ٌد)‪َّ 3‬بُت النيب ‪ ‬بعضاً من‬ ‫الر ُ‬ ‫جال وتَْب َقى النِّساءُ َّ‬ ‫ب ِّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ويَ ْذ َى ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫القول أدخل الناسخ َّ‬ ‫(إن)‬ ‫القيامة يف‬ ‫عبلمات‬ ‫القول بعد إصبا ٍل‪ ،‬ولتأكيد َ‬ ‫فصل فيو َ‬ ‫أسلوب رائع َّ‬ ‫على اعبملة االظبيَّة ‪ ،‬واليت بدورىا تُعد مؤِّكداً ثانياً لعظيم ذاك األمر‪ ،‬لتأٌب العبلمات اػبمس‪:‬‬ ‫العفو‬ ‫(ارتفاع العل ِم ‪ ،‬وظهور اعبهل ‪ ،‬وانتشار ِّ‬ ‫الزنا ‪ ،‬وشرب اػبمر ‪ ،‬وذَ ُ‬ ‫ىاب الرجال) ‪ -‬نسأل اهلل َ‬ ‫وحسن ِ‬ ‫اػباسبة ‪ -‬فقد ربقق ما ذكره النيب ‪ .‬ولعل ذىاب العلم ال يكو ُن إال دبوت العلماء ؛ َّ‬ ‫ألن‬ ‫َ‬ ‫الذين يفتون بغَت‬ ‫العلم ال يُ ْق ُ‬ ‫بض وال ينتزعو اهلل من الصدور بل بقبض العلماء ليصبح اعبهبلء ىم َ‬ ‫َ‬

‫‪ 1‬صحيح مسلم ‪ -‬ج ‪ 2‬ص ‪1060‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫بلمها– لسان العرب ج ‪ 7‬ص ‪. 329‬‬ ‫الشَ​َّر ُط بالتحريك العبلمة ‪ ،‬واعبمع أَ ْشرا ٌط ‪ ..‬وأَ ْشرا ُط الساعة أ َْع ُ‬ ‫‪ 3‬صحيح مسلم ‪ -‬ج ‪ 4‬ص ‪2056‬‬

‫‪019‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫علم فيضلوا وي ِ‬ ‫ضلوا‪ .‬فقد ورد يف اغبديث أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ ( :‬إِ َّن اهللَ ال يقبض العلم انتزاعاً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العلم بَِقْب ِ‬ ‫اس رؤوساً ُج َّهاالً‬ ‫ولكن ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫ينتزعو من العباد ْ‬ ‫العلَ َماء َح َّىت إذا َزْ يُْبق عال َماً‪ 1‬ازبَ َذ النَّ ُ‬ ‫يقبض َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضلواْ)‪. 2‬‬ ‫ضلواْ وأَ َ‬ ‫فَ ُسئلُواْ فَأَفتُواْ بِغَ َِْت ع ْل ٍم فَ َ‬ ‫ي أَ َحسنَ ُك ْم أَخبلقاً )‪. 3‬‬ ‫‪ -6‬ومنو قولو ‪ ( : ‬إِ َّن ِم ْن أَحبِّ ُكم إِ َ​َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ َّ‬‫أن ‪ :‬ىي مثل َّ‬ ‫ونصب تنصب االسم وترفع اػبرب‬ ‫إن مكسورة اؽبمزة ‪ ،‬فهي " تكون حرف توكيد‬ ‫إن اؼبكسورة "‪ .4‬وىي زبتص َّ‬ ‫الصحيح َّأهنا فرع من َّ‬ ‫عرب‬ ‫‪ ،‬و َّ‬ ‫بأهنا تُ َّ‬ ‫ؤول مع ما بعدىا دبصد ٍر يُ ُ‬ ‫حبسب موقعو يف اعبملة‪ ..‬ولكن الًتكيب الدَّال على التوكيد يتحقق مع اؼبكسورة أكثر منو‬ ‫مع اؼبفتوحة ؛ ألهنا تأٌب يف ابتداء الكبلم خببلف اؼبفتوحة اليت تأٌب أثناء الكبلم "‪.5‬‬ ‫ الم االبتداء ‪:‬‬‫الم االبتداء تدخل على اؼببتدأ واػبرب مؤكد ًة ومانعةً ما قبلها من زبطيها إىل ما بعدىا‪ ..‬كقولو تعاىل‪:‬‬ ‫ص ُدوِرِىم ِّم َن اللَّ ِو ‪( ..‬سورة اغبَشر – اآلية ‪ )13‬وقولو تعاىل‪ .. :‬لَّ َم ْس ِج ٌد‬ ‫‪ ‬ألَنتُ ْم أ َ‬ ‫َشد َرْىبَةً ِيف ُ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫وم فِ ِيو ‪ (..‬سورة التوبة – اآلية ‪ ..)108‬ولشدَّة توكيد ىذه‬ ‫أ ِّ‬ ‫َحق أَن تَ ُق َ‬ ‫س َعلَى التَّ ْق َوى م ْن أ ََّول يَ ْوم أ َ‬ ‫ُس َ‬ ‫ِّر قبلها قَ َس َماً فيقول ىي الم القسم كأن تقدير قولو لزيد قائم واهلل لزيد قائم‬ ‫البلم قبد بعضهم يُ َقد ُ‬ ‫فأضمر القسم‪ ، 6‬ولعل تقدير القسم قبل ىذه البلم أمر غَت منكر ؛ وذلك للتشابو يف كث ٍَت من األوجو‬ ‫بُت الم القسم والم االبتداء والذي ديكن تفصيلو يف ‪:‬‬ ‫ الم االبتداء مفتوحة كما أن الم القسم مفتوحة‪.‬‬‫‪ 1‬يف رواية مسلم (‪ ..‬ز يًتك عاؼباً) صحيح مسلم ج ‪ 4‬ص ‪.2058‬‬ ‫‪ 2‬صحيح البخاري ج ‪ 1‬ص ‪50‬‬ ‫‪ 3‬صحيح البخاري ج‪ ، 3‬ص‪1372‬‬ ‫‪ 4‬مغٍت اللبيب البن ىشام ‪ ،‬ص ‪. 59‬‬ ‫‪ 5‬العويف (معيض بن مساعد)‪ :‬قضايا اعبملة اػبربيَّة ‪ ،‬ط ‪1983 ، 1‬م ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪. 530‬‬ ‫‪ 6‬الزجاجي‪ :‬كتاب البلمات ‪ ،‬ربقيق مازن اؼببارك ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار الفكر ‪ -‬دمشق ‪ ، 1985 ،‬ص ‪. 78‬‬

‫‪019‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ تدخل الم االبتداء على اعبمل كما تدخل الم القسم‪.‬‬‫ الم االبتداء مؤكدة ؿبققة كتحقيق الم القسم‪.‬‬‫إن) بالبلم ؛ َّ‬ ‫العك َْربي ‪َّ " :‬‬ ‫خرب ( َّ‬ ‫وإّنا أ ِّ‬ ‫فلما أُريد زيادةُ التوكيد صبع‬ ‫ألهنا موضوعةٌ لتأكيد اؼببتدأ َّ‬ ‫قال ُ‬ ‫ُكد ُ‬ ‫بينها وبُت ( َّ‬ ‫إن) "‪. 1‬‬

‫ِ‬ ‫وىذه البلم تتأخر عن اؼببتدأ يف حالة دخول الناسخ َّ‬ ‫اعبملة االظبية ‪ ،‬وعدم افتتاح‬ ‫(إن) على‬ ‫اعبملة هبا ىو كراىة افتتاح الكبلم بتوكيدين ‪ ،‬وإىل ىذا أشار ابن ىشام قائبلً ‪ .." :‬وليس ؽبا – إي الم‬

‫إن َّ‬ ‫االبتداء – الصدرية يف باب َّ‬ ‫ألهنا فيو مؤخرة من تقدًن ‪ ،‬وؽبذا تسمى البلم اؼبزحلقة‪ ..‬وذلك ألن‬

‫فأخروا البلم دون َّ‬ ‫إن زيداً لَقائم ) ( َّ‬ ‫أصل‪َّ ( :‬‬ ‫قائم ) فكرىوا افتتاح الكبلم بتوكيدين َّ‬ ‫إن "‪ ..2‬إذاً‬ ‫إلن زيداً ٌ‬ ‫فسبب تأخَتىا إىل اػبرب حىت ال يتواىل حرفا معٌت ؛ لذا كانت (البلم) أوىل بالتأخَت من ( َّ‬ ‫إن) لثبلثة‬ ‫ٍ‬ ‫أوجو‪ ،‬ىي ‪:‬‬ ‫ (البلم) غَت عاملة ‪ ،‬و( َّ‬‫إن) عاملة ‪ ،‬وتأخَت غَت العامل ْأوىل‪.‬‬

‫إن) تؤثِّر يف اللفظ واؼبعٌت ؛ لذا وجب مبلصقتها ِ‬ ‫ (البلم) تؤثِّر يف اؼبعٌت فقط ‪ ،‬و( َّ‬‫للفظ الذي تعمل‬ ‫فيو ْأوىل‪.‬‬

‫أخرت ( َّ‬ ‫تغَت حكمها‪.‬‬ ‫ لو َّ‬‫إن) إىل اػبرب فنصبتو وارتفع ما قبلها َّ‬ ‫ح‬ ‫وؼبا كانت اسم ىذه البلم (الم االبتداء) وجب دخوؽبا على اؼببتدأ ‪ ،‬كبو قولو ‪ ( : ‬لَلَّوُ أَفْ َر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ​ِ ِ‬ ‫ْسوُ‪ ،‬فَنَ َام نَ ْوَمةً‪،‬‬ ‫بِتَ ْوبَة َعْبده‪ ،‬م ْن َر ُج ٍل نَ​َزَل َمْن ِزالً‪َ ،‬وبِو َم ْهلَ َكةٌ‪َ ،‬وَم َعوُ َراحلَتُوُ‪َ ،‬علَْي َها قَ َع ُاموُ َو َشَرابُوُ فَ َو َ‬ ‫ض َع َرأ َ‬ ‫ظ‪ ،‬وقَ ْد ذَىبت ر ِ‬ ‫ال‪ :‬أ َْرِج ُع إِ َىل َم َك ِاين‬ ‫احلَتُوُ َح َّىت ا ْشتَ َّد َعلَْي ِو ْ‬ ‫ش‪ ،‬أ َْو َما َشاءَ اهللُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫فَ ْ‬ ‫اغبَر َوالْ َعطَ ُ‬ ‫استَ ْي َق َ َ َ َ ْ َ‬ ‫فَرجع‪ ،‬فَنَام نَومةً‪ٍُ ،‬بَّ رفَع رأْسو‪ ،‬فَِإ َذا ر ِ‬ ‫احلَتُوُ ِعْن َدهُ )‪ 3‬يقرر النيب ‪ ‬مكانة التوبة عند اهلل تعاىل ‪ ،‬فلو‬ ‫َ َ َ َُ‬ ‫َ َ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫‪ 1‬العكربي‪ :‬اللباب يف علل البناء واإلعراب ‪ ،‬ربقيق ‪ :‬غازي ـبت ار قليم ات ‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفك ر ‪ -‬دمش ق ‪1995 ،‬م‪ ،‬ج‬ ‫‪ 1‬ص ‪. 217 – 216‬‬ ‫‪ 2‬مغٍت اللبيب البن ىشام ‪ ،‬ص ‪. 304‬‬ ‫‪ 3‬البخاري ج‪ ، 5‬ص‪2324‬‬

‫‪019‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫ٍ‬ ‫صور النيب ‪ ‬فرحةَ اهلل‬ ‫اؼبؤمن تلك اؼبكانةَ المتؤل قلبو فرحاً ‪ ،‬وزاد باهلل أُنْساً‪.‬‬ ‫وبأسلوب بياينٍّ بدي ٍع َّ‬ ‫َ‬ ‫عرف ُ‬ ‫الذي ال تضره معصية ِ‬ ‫عبدهِ ‪ ،‬و َّ‬ ‫أكد قولو ببلم التأكيد ‪ ،‬ولزيادة األم ِر تقريراً يف النفوس ابتدأ باعبملة‬

‫ثبوت اغبكم ‪ " ،‬فاهلل سبحانو ُحيب من عباده أن يطيعوه ويكره أن يعصوه‬ ‫االظبية اليت تفيد بأصل وضعها َ‬

‫ويفرح بتوبة عبده مع غناه اؼبطلق عن قاعتو وأن نفعها إّنا يعود إليو لكن ىذا من كمال رأفتو هبم وحبو‬ ‫لنفعهم فهو يبسط رضبتو على عباده ويكرمهم باإلقبال عليهم ويكره ذىاهبم عنو وإعراضهم مع غناه "‪..1‬‬ ‫ِ‬ ‫النبوي الشريف ‪:‬‬ ‫الهدي‬ ‫ومن أمثلة ذلك في‬ ‫ِّ‬ ‫ببكاء أىلِ ِو عليو ) وقال ‪ ( : ‬إِ َّن اهلل لَيزيد الكافر عذاباً بِب ِ‬ ‫عذب اؼبؤمن ِ‬ ‫إن اهلل لَيُ ِّ‬ ‫‪ -1‬قولو ‪َّ ( : ‬‬ ‫كاء‬ ‫َ​َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ​ِ‬ ‫يبُت ِ‬ ‫عظيم يًتتَّب‬ ‫أَ ْىلو َعلَْيو ) ‪ ،‬أراد النيب ‪ ‬أن ِّ َ‬ ‫للناس أموراً يُستها ُن هبا يف الدنيا ‪ْ ،‬‬ ‫أثر ٌ‬ ‫ولكن ؽبا ٌ‬

‫العذاب الذي تستجَت منو كل النفوس ‪ ،‬وػبفاء األمر على الناس َّ‬ ‫أكد قولو دبؤِّك َدين‬ ‫عليها ‪ ،‬وىو‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫(إن – البلم) ‪ ،‬ومن ببلغتِو ‪ ‬أنَّو استخدم الفعل اؼبضارع لداللتو على االستمرار والتجدد‪.‬‬ ‫‪ -2‬عن عبد اهلل بن مسعود وأيب موسى األشعري قاال ‪ :‬قال النيب ‪َّ ( : ‬‬ ‫اع ِة ألَيَّاماً‬ ‫بُت يَ َد ِي َّ‬ ‫الس َ‬ ‫إن َ‬ ‫ي ْن ِزُل فِيها اعبهل ‪ ،‬وي رفَع فِيها العِلْم ‪ ،‬وي ْكثر فِيها اؽبرج‪ .4) 3‬أراد النيب ‪ ‬أن ِ‬ ‫حيذ َر اؼبؤمنُت من‬ ‫َ َ ْ ُ ُْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ ُ َ َْ‬ ‫الناس يف ِ‬ ‫األمور اليت ستنزل عليهم باقًتاب قيام الساعة مثل تفشي اعبهل ‪ ،‬ووقوع ِ‬ ‫الفتنة والقتل ؛‬ ‫فافتتح حديثو باؼبؤِّكد لقولِ​ِو وىو ( َّ‬ ‫إن) ولزيادةِ التأكيد أدخل الم االبتداء على اؼببتدأ ‪ ،‬ولعلَّ‬ ‫لتخرب عن أمور غيبيَّة‪.‬‬ ‫اجتماع اؼبؤكدات يتناسب مع مثل ىذه اغبالة اليت‬ ‫ْ‬ ‫جاءت َ‬ ‫النيب ‪ ‬قال ‪..( :‬فَ َوالَّ ِذي ال إِلَوَ غَْي ُرهُ‪ 5‬إِ َّن أَ َح َد ُك ْم لَيَ ْع َمل بِ َع َم ِل‬ ‫‪ -3‬عن ابن مسعود رضي اهلل عنو عن ِّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب فَيَ ْع َم ُل بِ َع ِ‬ ‫مل ْأى ِل النَّا ِر‬ ‫يسبِق َعلَيو الكتَ ُ‬ ‫أَ ْى ِل اعبَنَّة َح َّىت َما يَ ُكو ُن بَْي نَوُ َوبَْي نَ َها إال ذ َراعٌ فَ ْ‬

‫‪ 1‬عبد الرؤوف اؼبناوي‪ :‬فيض القدير ‪ ،‬ط ‪ ،1‬اؼبكتبة التجارية الكربى ‪ ،‬مصر ‪1356 ،‬ى ‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.252‬‬ ‫‪ 2‬صحيح البخاري ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪432‬‬ ‫‪ 3‬اؽبَْرج الفتنة يف آخر الزمان ‪ ،‬واؽبَْر ُج شدَّة القتل وكثرتو‪ .‬لسان العرب ج ‪ 2‬ص ‪.389‬‬ ‫‪ 4‬صحيح البخاري ج‪ 6‬ص‪2590‬‬ ‫‪ 5‬يف رواي ة مس لم بالقس م (ف و ال ذي ال إل و غ َته إن أح دكم ‪ ..‬اغب ديث ) ‪ ،‬أم ا البخ اري ف َتبط بالف اء ( ف و ال ذي ال إل و‬ ‫غَته ف َّ‬ ‫إن أحدكم ليعمل ‪ ..‬اغبديث )‪.‬‬

‫‪012‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ىل النَّا ِر ح َّىت ما يكو ُن بي نَو وبينَ ها إِال ِذراع فَيسبِق علَيوِ‬ ‫بعمل أَ ِ‬ ‫خلها‪َ ،‬وإِ َّن أَ َح َد ُكم لَيَ ْع َمل ِ‬ ‫ٌ َْ ُ َْ‬ ‫ُْ َ‬ ‫فَي ْد َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫دخلها )‪.1‬‬ ‫بعم ِل ْأى ِل ا ْعبَنَّة فَيَ َ‬ ‫الكتَ ُ‬ ‫اب فَيَ ْع َم ُل َ‬

‫يبُت للمؤمنُت أن اهلل قد قدَّر كائناً ما كان يف األزل‪ ،‬وأ ْن‬ ‫يف ىذا اغبديث‪ :‬أراد النيب ‪ ‬أن ِّ َ‬ ‫اإلنسان َّإّنا يعمل على مواقع القدر‪ ،‬و َّ‬ ‫إخبار عن أموٍر غيبيَّة‬ ‫أن األعمال خبواتيمها‪ .‬ويف اغبديثُت ٌ‬ ‫ومستقبليَّة ؽبا أمر بالغ يف النفوس‪ ،‬بل ومن شأهنا أن يدخل هبا الشك يف النفس لعدم وجود دالئل‬

‫النبوي ُم َؤَّكداً ب َّ‬ ‫(إن والبلم) ‪ ،‬وزاد مؤِّكداً ثالثاً ىو‬ ‫تقرهبا‪ ،‬أو أمارات تبشِّر هبا‪ ،‬لذا جاء اػبرب‬ ‫ِّ‬ ‫واضحة ِّ‬ ‫القسم ليزيل اإلنكار الذي قد يقابل ىذا اػبرب – وإ ْن ز يكن يف خربه شك – ليضعها أمام األعُت‬

‫موضع األمر اؼبسلَّم بو‪.‬‬

‫جل ال َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫اغبديث فيما رواه أبو‬ ‫اج ِر )‪ ،2‬سبب ىذا‬ ‫يؤيد ِّ‬ ‫ين بِ َّ‬ ‫‪ -4‬ومن ذلك قولو ‪ ( : ‬إِ َّن اهللَ لَ ُ‬ ‫الد َ‬ ‫خيرب ‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ ‬لِرجل ِفبَّن َم َعوُ يَ َّد ِع ي‬ ‫ىريرة ‪ ‬قال ‪ :‬شهدنا مع رسول اهلل ‪َ ‬‬ ‫رت بِ​ِو اعبَِراح‬ ‫اإلسبلم‪( :‬ىذا من أىل النار) ‪َّ ،‬‬ ‫ضَر القتال قاتل الرجل من أشد القتال ‪ ،‬وَكثُ ْ‬ ‫فلما َح َ‬ ‫ربدثت أنَّو ِمن أىل‬ ‫أيت الَّذي‬ ‫رجل من أصحاب النَّ ِّ‬ ‫َ‬ ‫يب ‪ ‬فقال ‪ :‬يا رسول اهلل أَر َ‬ ‫فأثبتتو ‪ ،‬فجاء ٌ‬ ‫النَّار ! قد قاتل يف سبيل اهلل من أشد القتال فكثرت بو اعبراح ! فقال النَّيب ‪( ‬أَ​َما إِنَّو ِمن أَىل‬ ‫النَّار)‪ .‬فكاد بعض اؼبسلمُت يرتاب ‪ ،‬فبينما ىو على ذلك إذ وجد الرجل أز اعبراح فأىوى بيده‬ ‫إىل كنانتو فانتزع منها سهماً فانتحر هبا ‪ ،‬فاشتد رجال من اؼبسلمُت إىل رسول اهلل ‪ ، ‬فقالوا يا‬ ‫رسول اهلل ‪َّ :‬‬ ‫صدق اهلل حديثك قد انتحر فبلن فقتل نفسو ‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ ( : ‬يا ببلل قم‬ ‫فأذِّن ال يدخل اعبنة إال مؤمن ‪َّ ،‬‬ ‫وإن اهلل لَيؤيد ىذا الدين بالرجل الفاجر ) ولعلَّ األمر لغرابتو على‬ ‫ِ‬ ‫النيب ‪ ‬التام بقرائن األحوال‪ ،‬جاءت عبارتُوُ مؤَّكد ًة ِ‬ ‫بغرض‬ ‫األمر ‪ ،‬ولعل ِم ِّ‬ ‫نفوس الصحابة يف بادئ َ‬ ‫إزالة اإلهبام الذي ساور النفوس‪ ،‬والشك الذي خاجل القلوب‪ ،‬بل اإلنكار من البعض ‪ ،‬فكان‬ ‫التأكيد ِ‬ ‫بثبلثة مؤِّكدات ىي ‪َّ :‬‬ ‫النيب ‪ ‬فيو إفادة‬ ‫(إن ‪ ،‬والم االبتداء ‪ ،‬واعبملة االظبيَّة) ؛ فحديث ِّ‬ ‫لثبوت اغبكم وذبدده ؛ َّ‬ ‫ألن اعبملة االظبية تفيد يف أصل وضعها ثبوت اغبكم ‪ ،‬وؼبا كان خرب اؼببتدأ‬ ‫َّ‬

‫‪ 1‬البخاري ‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪ ، 2713‬مسلم ج ‪ 4‬ص ‪2036‬‬ ‫‪ 2‬صحيح البخاري ج ‪ 4‬ص ‪1540‬‬

‫‪001‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫فيها صبلةً فعليةً فعلها مضارع ؛ لتدل على اغبدوث والتجدد ‪ ،‬وىنا إشارةٌ إىل َّ‬ ‫أن تأييد ىذا الدين‬

‫‪-‬‬

‫الرسول‬ ‫ولعل يف اإلتيان باػبرب صبلة تقويةً للحكم بتكرير اإلسناد ‪ ،‬وقد صدَّر‬ ‫ُ‬ ‫بالرجل الفاج ِر ‪َّ ،‬‬ ‫الكرًن عبارتَو ٍ‬ ‫جبملة أظبيَّة خربىا صبلة فعليَّة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫س ُـم ‪:‬‬ ‫ال َق َ‬

‫خرب آخر‪ ، 1‬فيأٌب القسم ِ‬ ‫قسم عليو من‬ ‫ال َق َس ُم َ‬ ‫ضرب من اػبرب يُذكر لي ُؤَّكد بو ٌ‬ ‫بغرض توكيد ما يُ ُ‬ ‫نف ٍي أو ٍ‬ ‫إثبات ‪َّ ،‬أما حذف فعل القسم فإنَّو يأٌب من قَ ِ‬ ‫بيل التخفيف ‪ ،‬قال ابن يعيش‪" :‬واعلم َّ‬ ‫إن اللفظ‬ ‫إذا َكثَُر يف ألسنتهم واستعماؽبم آثروا زبفيفو ‪ ،‬وعلى حسب تفاوت الكثرِة يتفاوت التخفيف ‪ ،‬وؼبا كان‬ ‫َّ‬ ‫ال َقسم فبَّا يكثُر استعمالُو ويتكرر ‪ ،‬بالغوا يف زبفيفو من غَت ٍ‬ ‫جهة واحدةٍ‪ ..‬وربروا أنواعاً من التخفيفِ‬ ‫ُ‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫َّ‬ ‫كل معظَّم إالّ َّ‬ ‫النيب ‪‬‬ ‫أن َّ‬ ‫فمن ذلك أهنم حذفوا فعل القسم كثَتاً للعلم بو واالستغناء عنو"‪ .2‬واؼبُْق َسم بو ّ‬ ‫هنى عن اغبلف بغَت اهلل تعاىل ‪ ،‬ورد يف اغبديث عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما َّ‬ ‫أن رسول اهلل ‪‬‬ ‫أدرك عمر بن اػبطاب وىو يسَت يف ركب حيلف بأبيو فقال ‪ ( :‬أَ​َال َّ‬ ‫إن اهللَ ينهاكم أ ْن َْربلفوا بآبائكم ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت)‪ ، 3‬فلما كان اغبلف بالشيء يقتضي تعظيمو – والعظمة يف‬ ‫يص ُم ْ‬ ‫َمن كان حالفاً فليَ ْحلف باهلل أو ل ْ‬ ‫اغبقيقة َّإّنا ىي هلل وحده – اقتضى السياق أن يأٌب مؤَّكداً بأداتُت من أدوات التوكيد ‪ ،‬أوالمها ‪ :‬أال‬ ‫االستفتاحيَّة اليت تدل على ربقق ما بعدىا وتوكيده ‪ " ،‬وإفادهتا للتحقيق من جهة تركيبها من اؽبمزة وال ‪،‬‬

‫ومهزة االستفهام إذا أدخلت على النفي أفادت التوكيد "‪ ،4‬وثانيتهما ‪َّ :‬‬ ‫(إن) مكسورة اؽبمزة واليت " تدخل‬ ‫ِ‬ ‫ضاً عن تكري ِر اعبملة ويف ذلك اختصار تام مع حصول الغرض من التوكيد "‪.5‬‬ ‫على الكبلم للتوكيد ع َو َ‬

‫‪ 1‬ابن جٍت‪ :‬اللمع يف العربية ‪ ،‬ربقيق فائز فارس ‪ ،‬دار الكتب الثقافيَّة ‪ ،‬الكويت ‪ ، 1972 ،‬ص ‪. 183‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اؼبفصل ‪ ،‬مكتبة اؼبتنيب ‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.94‬‬ ‫ابن يعيش‪ :‬شرح َّ‬ ‫‪ 3‬البخاري ج ‪ 6‬ص ‪ – 2449‬مسلم ج ‪ 3‬ص ‪1267‬‬ ‫‪ 4‬مغٍت اللبيب البن ىشام ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬ ‫‪ 5‬اللباب يف علل البناء واإلعراب ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.205‬‬

‫‪000‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫واغبروف اليت يصل هبا القسم إىل اؼبقسم بو ثبلثة‪ ،‬ىي ‪ :‬الباء ‪ ،‬والواو ‪ ،‬والتاء ‪َّ .‬أما الباء فهي‬ ‫بدل من الواو ‪ ،‬وىذه األخَتة – التاء – زبتص بالتعجب ‪ ،‬وباسم اهلل‬ ‫بدل منها ‪ ،‬والتَّاء ٌ‬ ‫األصل ‪ ،‬والواو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ين }(سورة األنبياء – اآلية رقم‬ ‫تعاىل ‪ ،‬ومنو يف التنزيل ‪َ { :‬وتَاللَّ ِو َألَكِ َ‬ ‫يد َّن أ ْ‬ ‫َصنَ َام ُكم بَ ْع َد أَن تُ َولوا ُم ْدب ِر َ‬ ‫‪ ، )57‬ففيها زيادة معٌت التعجب ‪ ،‬كأنو تعجب من تسهيل الكيد على يده وتأتيو مع عتو ّنرود وقهره‪.1‬‬ ‫َّأما الباء فتدخل على كل مقسم بو ظاىراً كان أو مضمراً‪..‬‬ ‫ومما جاء منه في الحديث َّ‬ ‫الشريف ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ -1‬عن أيب ىريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( :‬والذي نفسي بيده ال تدخلوا اعبنة حىت تؤمنوا ‪ ،‬وال‬ ‫تؤمنوا حىت ربابوا ‪ ،‬أفبل أدلكم على أم ٍر إذا فعلتموه رباببتم ؟ أفشوا السبلم بينكم) ‪ 2‬جاء ىذا‬ ‫اػبرب م َؤَّكداً بالقسم الذي أراد أن ينقل بو السامع من أم ٍر مسلَّ ٍم بو إىل أم ٍر آخر مسلَّ ٍم بو ؛ ليكون‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫العرض ‪ ،‬حيث إنَّو ‪ ‬قد‬ ‫بتشويق يف‬ ‫ط‬ ‫تسليم تام بالنتيجة األخَتة ‪،‬‬ ‫بعد ذلك‬ ‫فاغبديث قد أحي َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫سلسل معانيو ‪ ،‬تصعيداً ؽبا فربط بُت‪( :‬دخول اعبنة) و(إفشاء السبلم) ب (اإلديان) و(احملبَّة) اليت‬ ‫النيب ‪‬‬ ‫ينبغي أن تكون بُت أفراد اجملتمع الواحد‪ ،‬فلن يدخل اعبنَّة إال من أفشى السبلم‪َّ .‬‬ ‫ولكن َّ‬ ‫يصور القيمة العظمى ؽبذا األمر الذي يُعد من أيس ِر األمور ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫أراد أن ِّ‬

‫لتدخلوا اعبنَّة البد أن تؤمنوا ولن يكون إديان إال إذا رباببتم وإذا أردًب أن تتحابوا أفشوا السبلم‬ ‫‪ -2‬عن أنس ‪َّ ، ‬‬ ‫أحب‬ ‫أن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪ " :‬فوالذي نفسي بيده ال يؤمن أحدكم حىت أكون َّ‬ ‫إليو من والده وولده والناس أصبعُت"‪ ، 3‬أقسم رسول ‪ ‬باهلل الذي حياتو بيده ‪ ،‬وىذا القسم قبده‬ ‫تكرر كثَتاً يف أحاديثو الشريفة ‪ ،‬ويف أقوال الصحابة الكرام ‪ ،‬ويف ذلك تأكي ٌد للخرب الذي جاء‬ ‫قد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ليوضح َّ‬ ‫حب – إنَّو ؿببة تفوق ؿببة الولد‬ ‫أن كمال‬ ‫ِّ‬ ‫حب الرسول الكرًن – وأي ٍّ‬ ‫ِّف على ِّ‬ ‫اإلديان متوق ٌ‬

‫والوالد ‪ ،‬أليس ىو اؼبنقذ من الضبلل ؟ أليس ىو اؽبادي إىل اػبَت ؟ أز ينتشلنا من ٍ‬ ‫وعمى إىل‬ ‫وحل ً‬ ‫نوٍر وإديان ؟ فهو أحق هبذه احملبَّة اليت تتمثل يف الطاعة الكاملة واالقتداء ‪ ،‬وترك اؼبخالفة‪.‬‬ ‫‪ 1‬مغٍت اللبيب ص ‪.157‬‬ ‫‪ 2‬سنن الًتمذي ج‪ 5‬ص ‪52‬‬ ‫‪ 3‬صحيح البخاري ج ‪ 1‬ص ‪14‬‬

‫‪009‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫ويف اغبديث ما يدل على َّ‬ ‫أن ىذه احملبَّة نابعة من القلب (أي ؿببة عاقفية) ال ؿببَّة عقليَّة ‪،‬‬ ‫خببلف الذين يتصورون َّ‬ ‫تصور باالتِّباع للنيب صلى اهلل عليو وسلَّم ‪ ،‬وىذا النص النبوي يرد‬ ‫أن احملبة َّإّنا تُ َّ‬

‫(أحب) ‪ ،‬وؿببة الولد لوالده (ؿببَّة احًت ٍام وتقدي ٍر وأدب) ‪،‬‬ ‫قوؽبم ؛ فقد جاء اغبديث بصيغة اؼبفاضلة‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مشاكلة) ‪ ..‬وكل أنواع‬ ‫ين ‪( :‬ؿببَّة‬ ‫وؿببَّة الوالد لولده ‪ ( :‬ؿببَّة شفقة وحنان وعطف ) ‪ ،‬وؿببَّة العبد لآلخر َ‬ ‫النيب ‪، ‬‬ ‫احملبَّة ىذه ؿبلها القلب وال ريب يف ذلك ‪ٍ ،‬ب فاضل النيب ‪ ‬بُت ىذه األنواع من احملبة وؿببَّة ِّ‬ ‫وال ديكن أن تكون ىناك مفاضلة إال إذا كان التفاضل ينبع من مصد ٍر و ٍ‬ ‫احد – وىو القلب ىنا – أي‬ ‫احملبة القلبية ‪َّ ،‬‬ ‫النيب ‪‬‬ ‫للنيب ‪ ‬ؿببة قلبية ‪ ،‬ويف ىذا إشارة إىل ببلغة ِّ‬ ‫فدل ىذا على أن ؿببَّة اؼبؤمنُت ِّ‬ ‫العالية‪.‬‬ ‫‪ -3‬عن أيب ىريرة رضي اهلل عنو ‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪( :‬والذي نفسي بي ده ال يُ ْكلَ ُم‪ 1‬أح ٌد يف س بيل‬

‫اهلل ‪ -‬واهلل أعلم دبن يُكلم يف سبيلو – إال جاء يوم القيامة واللون لون ال دم وال ريح ري ح اؼبس ك )‪،2‬‬

‫ى ذا اغب ديث م ن أحس ن األحادي ث يف فض ل الغ زو يف س بيل اهلل‪ ،‬واغب ض عل ى الثب ات عن د لق اء‬ ‫رب العب اد قب ل‬ ‫ُت ذل ك الفض ل العظ يم ‪ ،‬فكان ت اعب ائزة م ن ِّ‬ ‫الع دو ‪ ،‬وق د ج اء ُمؤَّك داً بالقس م ليُب ِّ َ‬ ‫دخ ول اعبنَّ ة والت نعم ب النعيم اؼبق يم ‪ ،‬أن ي أٌب ذل ك اجمل روح يف س بيلو ودم و يف وح مس كاً ‪ٍ ،‬بَّ ي دخل‬ ‫جنَّة اهلل اػبالدة ‪ ،‬لتكون الكرامة العظمى وىي التنعم بالنظر ػبالق العباد ورازقها ‪ ،‬ويا ؽبا من ٍ‬ ‫نعمة‪.‬‬

‫ت رس ول اهلل ‪ ‬يق ول ‪ ( :‬وال ذي نف س ؿبم د بي ده لَ ُخلوف‬ ‫‪ -4‬عن أيب ىريرة رضي اهلل عن و ق ال ظبع ُ‬ ‫فم الصائم أقيب عند اهلل من ريح اؼبسك )‪ ، 3‬اػبُلوف تغَت قعم الفم لتأَخ ِر الطع ام ‪ ،‬ويف اللس ان‬ ‫ِ‬ ‫ت يف في و ِخ ْلف ةٌ فتغ َت‬ ‫‪َ " :‬خلَف‬ ‫ف ُخلوفاً إذا َّ‬ ‫تغَت وأَكل قعام اً فَبَقيَ ْ‬ ‫الفم وما أَشبههما َخيْلُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الطعام و ُ‬

‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وم‬ ‫ض رب ْ‬ ‫ال َك ْل ُم اعبُرح ‪ ،‬من َكلَ َمو يَكْل ُمو َك ْل َماً ‪ ،‬إذا َجَر َحو ‪ :‬من بَاب َ‬ ‫يض ِرب ‪ ،‬واعبم ع ُكل وم وك ْ‬ ‫ومكْل ٌ‬ ‫يم َ‬ ‫بلم ‪ ،‬ورج ل َكل ٌ‬ ‫أي ؾبروح‪(.‬لسان العرب ‪ ،‬ج‪ 12‬ص ‪.)522‬‬ ‫‪ 2‬صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪673‬‬ ‫‪ 3‬صحيح البخاري ج ‪ 2‬ص ‪673‬‬

‫‪009‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ف فَ ُم الص ائم ُخلوف اً أَي تغ َتت رائحتُ و "‪ ،1‬وأكث ر م ا‬ ‫فُوه ‪ ،‬وى و ال ذي يَْبق ى ب ُت األس نان ‪ ،‬وخلَ َ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ؿبم ٍد‬ ‫س َّ‬ ‫ج اء القس م يف ك بلم الن ِّ‬ ‫يب ص لى اهلل علي و وس ل َم هب ذه العب ارة ‪ ،‬أو هب ذا اللف ظ (وال ذي نَ ْف ُ‬ ‫بيدهِ) ‪ ،‬ومنو قولو ‪( :‬والذي نفس ؿبمد بيده لوددت أن أغزو يف سبيل اهلل فأُقْ تَ ل ٍب أغ زو فأُقْ تَ ل‬

‫النبوي مؤَّكداً بالقسم ‪ ،‬والتكرار ‪.‬‬ ‫ٍب أغزو فَأُقتَل )‪ 2‬مبيِّناً فضل اعبهاد ‪ ،‬فجاء اػبرب‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -5‬روى أب و س عيد رض ي اهلل عن و َّ‬ ‫أن رج بلً َِظب َع رج بلً يق رأ ‪ ‬ق ل ى و اهلل أح د ‪(‬س ورة اإلخ بلص‪-‬‬ ‫فلما أصبح جاء إىل رسول اهلل ‪ ‬فذكر ذلك لو ‪ ..‬فق ال رس ول اهلل ‪ " : ‬وال ذي‬ ‫آية‪ .)1‬يرددىا َّ‬ ‫نفس ي بي ده إهن ا لتع دل ثل ث الق رآن"‪َّ 3‬‬ ‫أك د الن يب ‪ ‬أمهيَّة اػب رب ال ذي ألق اه بع دَّة مؤِّك دات ‪ ،‬أوؽب ا‬

‫إن والم االبت داء الداخل ة عل ى اػب رب "لتع دل" ‪ ،‬ويف ذل ك إش ارة إىل َّ‬ ‫عق ب بالناس خ َّ‬ ‫القس م ‪ٍ ،‬ب َّ‬ ‫أن‬ ‫ومستمر‪.‬‬ ‫ثابت‬ ‫ثواب ىذه السورة ومعادلتها ثلث القرآن ٌ‬ ‫ٌ‬

‫‪ -‬نونا التوكيد ‪:‬‬

‫ومها من أساليب التوكيد يف اللغة العربيَّة‪ ،‬إذ تتصبلن بنهاية الفعل‪ ،‬وتكون األوىل مفتوحة مشدَّدة‬ ‫وىي الثقيلة‪ ،‬والثانية ساكنةً خفيفة؛ لذا أُقلق عليهما اسم (نونا التَّوكيد الثقيلة واػبفيفة) ‪ ،‬وتلحقان فعل‬

‫اض ِربَ ْن زيداً‪ ،‬كما تلحقان الفعل اؼبضارع اؼبستقبل الذي‪:‬‬ ‫األمر‪ ،‬كبو‪ْ :‬‬

‫ يدل على ٍ‬‫قلب ‪ ،‬كبو ‪ :‬لَتَض ِربَ ّن زيداً ‪ ،‬وال تَض ِربَ ْن زيداً ‪ ،‬وىل تضربَ ْن زيداً‪.‬‬

‫َّه ْم‬ ‫‬‫يقع شرقاً بعد إ ْن اؼبؤكدة دبا كبو ‪ :‬إما تضربن زيداً أضربو ‪ ،‬ومنو قولو تعاىل ‪  :‬فَِإ َّما تَثْ َق َفن ُ‬ ‫ُ‬ ‫اغبر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب فَ َشِّرْد هبِ​ِم َّم ْن َخلْ َف ُه ْم لَ َعلَّ ُه ْم يَ َّذ َّكُرو َن ‪ (‬سورة األنفال – اآلية رقم ‪.)57‬‬ ‫يف َْْ‬ ‫اب قس ٍم ‪ ،‬ويكون مثبتاً مستقببلً‪ .‬كبو ‪ :‬واهلل لتضربن زيداً‪ .‬فإن ز يكن مثبتاً ز يؤكد‬ ‫‬‫يقع جو َ‬ ‫ُ‬ ‫بالنون ‪ ،‬كبو ‪ :‬واهلل ال تفعل كذا وكذا‪.4‬‬

‫‪ 1‬لسان العرب ج ‪ 9‬ص ‪.82‬‬ ‫‪ 2‬مسلم ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪1495‬‬ ‫‪ 3‬صحيح مسلم ‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪2449‬‬ ‫‪ 4‬شرح ابن عقيل ‪ ،‬ربقيق ؿبمد ؿبيي الدين عبد اغبميد‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الفكر ‪ -‬دمشق ‪1985 ،‬م ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.309‬‬

‫‪009‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫النبوي َّ‬ ‫الشريف‪:‬‬ ‫ومن أمثلة وردهما في الحديث‬ ‫ِّ‬ ‫أتُت عل ى النَّ اس زم ان يط وف الرج ُل في و‬ ‫يب ‪ ‬ق ال‪" :‬لَي َّ‬ ‫‪ -1‬ع ن أيب موس ى رض ي اهلل عن و ‪ ،‬ع ن النَّ ِ ِّ‬ ‫بالصدقة من الذىب ٍب ال جي ُد أح داً يأخ ذىا من و‪ ،‬ويُرى الرج ُل الواح ُد يتبع و أربع ون ام رأة يلُ ْذ َن بِ ِو‬ ‫ِ ‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِم ن قِلَّ ِة ِّ ِ‬ ‫يب ‪‬عل ى َّ‬ ‫أن األم ة س يأٌب عليه ا زم ا ٌن‬ ‫الرج ال وَكثْ رةِ النِّس اء" ‪ .‬يف اغب ديث تأكي ٌد م ن الن ِّ‬

‫نهن‪ ،‬ويق وم‬ ‫يهن وي ذود ع َّ‬ ‫يك ون النس اء أكث ر م ن الرج ال‪ ،‬فيتب ع النس اءُ الرج َل الواح َد ليحم َّ‬ ‫حبوائجهن‪ ،‬كقبيلة بقي من رجاؽبا واحد فقط ‪ ،‬وبقيت نساؤىا فيلذن بذلك الرجل لٍيقوم حبوائجهن‬ ‫وال يطمع فيهن أحد‪.‬‬

‫ُت على الناس زما ٌن ال يباي اؼبرء دبا أخ ذ اؼب ال‬ ‫‪ -2‬عن أيب ىريرة رضي اهلل عنو ‪ ،‬عن النيب ‪ ‬قال‪ :‬ي"َ​َأْتَِ َّ‬ ‫‪2‬‬ ‫أَِمن ح ٍ‬ ‫النيب ‪ ‬استخدم مع نون التوكيد الفعل يأٌب فصار الًتكيب‬ ‫بلل أَ ْم ِّم ْن َحَرٍام" ‪ ،‬نبلحظ أ َّن َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫بسهولة ‪ ،‬ويف ذلك داللة على َّ‬ ‫أن األمر أىون ما يكون‪..‬‬ ‫يأتُت) من اإلتيان وىو اجمليء‬ ‫(لَ َ َّ‬ ‫يأتُت على أحدكم‬ ‫‪ -3‬عن أيب ىريرة رضي اهلل عنو قال ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪( : ‬والذي نفس ؿبمد بيده لَ َّ‬ ‫ث الن يب ‪ ‬أص حابو عل ى مبلزم ة‬ ‫يوم وال يراين ٍب لَئِن يراين أحب إليو من أىل و ومال و معه م)‪" 3‬ح َّ‬ ‫الشرائع وحفظها ليبلغوىا ‪ ،‬وإعبلمهم‬ ‫ؾبلسو الكرًن‪ ،‬ومشاىدتو حضراً وسفراً؛ للتأدب بآدابو‪ ،‬وتعلم َّ‬

‫َّأهنم سيندمون على ما فرقوا فيو من الزيادة من مشاىدتو ومبلزمتو "‪ 4‬فجمع يف ىذا اغب ديث أكث ر‬ ‫النيب ‪ ‬غبظة ٍب يغيب‪ ،‬وىذا أفضل إلي و‬ ‫ليبُت أنَّو سيأٌب زما ٌن َّ‬ ‫يتمٌت فيو الواحد مشاىدة ِّ‬ ‫من مؤِّكد ِّ َ‬ ‫من مالو وأىلو‪.‬‬

‫‪ 1‬صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪513‬‬ ‫‪ 2‬صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص‪733‬‬ ‫‪ 3‬صحيح مسلم ج ‪ 4‬ص ‪1836‬‬ ‫‪ 4‬صحيح مسلم بشرح النَّووي ‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.1836‬‬

‫‪009‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ أحرف الزيادة ‪:‬‬‫ومنها الباء‪ ،‬وتأٌب على قسمُت‪ :‬حرف جر أصلي‪ ،‬وؽبا معانيها‪ ،‬وحرف جر زائد ‪ ،‬ومعناىا التوكيد‬ ‫أبداً ‪ ،‬ومواضع زيادهتا ستَّة‪ 1‬نذكر منها‪:‬‬ ‫‪.1‬‬

‫تُزاد في الفاعل‪:‬‬ ‫فأم ا الواجب ة فه ي يف فاع ل ص يغة التعج ب‬ ‫وزيادهت ا في و عل ى ثبلث ة أوج ٍو ‪( :‬واجب ة وغالب ة وض رورة‪َّ )2‬‬ ‫الثاني ة (أفع ل ب و) كب و ‪ :‬أ ْك ِرم ب و‪ .‬و َّأم ا الغالب ة فف ي فاع ل كف ى إذا ك ان دبع ٌت "اكت ِ‬ ‫ف"‪ ،3‬كب و قول و‬ ‫يداً‪(‬س ورة ي ونس ‪ )29‬إذ اؼبع ٌت‪ :‬اكت ِ‬ ‫ف ب اهلل ش هيداً‪ ،‬فلف ظ اعببلل ة ؾب رور‬ ‫تع اىل‪ :‬ف َك َف ى بِ اهللِ َش ِه َ‬

‫النبوي الشريف ‪ ،‬قولو ‪َ ( :‬ك َفى‬ ‫لفظاً مرفوع ؿببلً على أنَّو فاعل كفى‪ .‬ومن أمثلة ذلك يف اغبديث‬ ‫ِّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِّث بِك ِّل َم ا َِظب َع"‪ ،4‬وقول و ‪" : ‬كف ى ب اؼبرء إشب ا أن يض يِّع م ن يع ول‪ 6"5‬ويف‬ ‫بِ اؼب ْرء َك ذبَاً أَ ْن ُحيَ د َ‬ ‫َ‬ ‫اغبديثُت جاء التأكيد حبرف اعبر الزائد "الباء" الواقعة يف فاعل كفى‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫زاد في المفعول ‪:‬‬ ‫تُ ُ‬

‫ِ ِ ِ​ِ‬ ‫َّخلَ ِة تُس اقِ ْط علَي ِ‬ ‫ك ُرقَب اً َجنِيّاً ‪ (‬س ورة م رًن – اآلي ة ‪)25‬‬ ‫َْ‬ ‫ومنو قول و تع اىل‪َ  :‬وُى ِّزي إلَْي ك جب ْذ ِع الن ْ َ‬ ‫يدت يف مفعول كفى ‪ ،‬كبو‬ ‫عرفت باألمر ‪،‬‬ ‫وعلمت بو ‪ ،‬كما ز ْ‬ ‫وكثُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫رت زيادهتا يف مفعول "عرف" كبو ‪ُ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ؿبم ٍد‪ .‬وز أجد نصاً نبويَّاً يف الصحيحُت على ىذا النسق‪.‬‬ ‫النيب َّ‬ ‫‪ :‬كفى بنا شرفاً أنَّنا من َّأمة ِّ‬ ‫‪.3‬‬

‫زاد في المبتدأ ‪:‬‬ ‫وتُ ُ‬

‫‪ 1‬ؿبمد األنطاكي‪ :‬احمليط يف أصوات اللغة العربية ‪ ،‬ط‪ ، 3‬دار الشروق العريب بَتوت ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.122‬‬ ‫‪ 2‬والضرورة ىذه أغلب ؾبيئها يف الشعر‪.‬‬ ‫‪3‬يشًتط يف زيادة الباء يف ىذه اغبالة أن يكون الفعل دبعٌت األمر ‪ ،‬وإال ز تَُزِد الباء يف فاعلو ‪ ،‬كبو يكفيٍت ‪ :‬يكفي ٍت من ك‬ ‫قال ‪ :‬يكفيٍت منك بدينا ٍر ‪ ( .‬احمليط يف أصوات اللغة العربية لؤلنطاكي ج ‪ 3‬ص ‪.)122‬‬ ‫دينار إذ ال يُ ُ‬ ‫‪ 4‬مسلم ج ‪ 1‬ص ‪10‬‬ ‫‪ 5‬اغبديث عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص‪ ،‬ويف سنن أيب داوؤد ج‪ 1‬ص‪ 529‬برواية (يقوت) بدالً ِمن‪( :‬يعول)‪.‬‬ ‫‪ 6‬اؼبستدرك ج ‪ 4‬ص ‪545‬‬

‫‪009‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫درىم ‪ ،‬وىذا النسق ورد يف اغب ديث الش ريف ‪ ،‬من و عل ى س بيل‬ ‫رىم ‪ ،‬أصلُها ‪َ :‬ح ْسبُ َ‬ ‫حبسبِ َ‬ ‫ك ٌ‬ ‫ك َد ٌ‬ ‫كبو‪ْ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِر أ ْن حيقر أخاه ِ‬ ‫اؼبثال قولو ‪ .." :‬حبسب امر ٍئ من َّ‬ ‫اؼبسل َم ُكل اؼبُ ْسل ِم َعلَى اؼبُ ْسل ِم َحَر ٌام َد ُموُ َوَمالُوُ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫وعرض وُ"‪ ،1‬وقول و ‪ ‬لعب د اهلل ب ن عم رو ب ن الع اص‪َّ " : 2‬‬ ‫وم ُك َّل َش ْه ٍر ثَبلثَةَ أَيَّ ٍام‬ ‫‪..‬وإن ِحبَ ْس بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ك أ ْن تص َ‬ ‫‪3‬‬ ‫ٍ‬ ‫فِ َّ‬ ‫دت فيم ا أص لو اؼببت دأ وى و اس م ل يس بش رط أن يت أخر إىل‬ ‫ك بِ ِّ‬ ‫إن لَ َ‬ ‫كل َحسنة َع َشَر أَْمثَاؽبا" ‪ .‬وقد ِزي ْ‬ ‫موضع اػبرب‪.‬‬

‫‪.4‬‬

‫زاد في الخبر المنفي ‪:‬‬ ‫وتُ ُ‬

‫كب و م ا زي د بق ائم ‪ ،‬ومن و قول و ‪" : ‬لَ يس الواص ل باؼبك افِ ِئ ولك َّن الواص ل ال ذي إذا قطع ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ت َرضبَ وُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ص لَ َها"‪ ،4‬يقص د الن يب ‪ ‬بقول و ‪( :‬ل يس الواص ل باؼبك افئ) أي إن ال ذي يص ل غ َته مكاف أةً ل و عل ى م ا‬ ‫َو َ‬ ‫قدم من صلة مقابلة لو دبثل ما فعل ليس بواص ل حقيق ة ؛ ألن ص لتو ن وع معاوض ة ومبادل ة‪َّ .‬‬ ‫وإّن ا الواص ل‬ ‫بالص ِلة‪ .‬وجاء التأكيد يف اغب ديث بالقص ر ‪ ،‬فقص ر الواص ل حقيق ة عل ى‬ ‫حقيقةً الذي يقابل مقاقعةَ غ َِتهِ ِّ‬

‫الذي يصل من قطعو ‪ ،‬وزاد األمر تأكيداً حبرف اعبر الزائد‪.‬‬ ‫ومن حروف الزيادة ‪ِ ( :‬م ْن ) ‪:‬‬

‫‪ 1‬مسلم ج ‪ 4‬ص‪1986‬‬ ‫‪ 2‬ق ال ل و رس ول اهلل ‪( ‬ي ا عب د اهلل أز أخ رب أن ك تص وم النه ار وتق وم اللي ل)‪ .‬ف رد علي و بقول و ‪ :‬بل ى ي ا رس ول اهلل ‪ ،‬ق ال‪:‬‬ ‫وإن لعين ك علي ك حق اً ‪َّ ،‬‬ ‫إن عبس دك علي ك حق اً ‪َّ ،‬‬ ‫(ف بل تفع ْل ‪ ،‬ص ْم وأفط ر ‪ ،‬وقُ ْم وس ‪ ،‬ف َّ‬ ‫وإن لزوج ك علي ك حق اً ‪،‬‬ ‫وإن َلزوِرَك – أي َّزوارك ‪ -‬عليك حقاً وإن حبسبك أن تصوم كل شهر ثبلثة أيام فإن لك بكل حس نة عش ر أمثاؽب ا ف إن‬ ‫ذلك صيام الدىر كلو)‪ .‬قال عبد اهلل ‪ :‬فشددت فشدد علي ‪ .‬قلت يا رسول اهلل إين أجد قوة ؟ ‪ .‬قال ‪ ( :‬فص م ص يام‬ ‫نيب اهلل داود عليو السبلم وال تزد عليو)‪ .‬قلت ‪ :‬وما كان صيام نيب اهلل داود علي و الس بلم ؟ ق ال (نص ف ال دىر)‪ .‬فك ان‬ ‫ت رخص ة الن يب ‪ - ‬ص حيح البخ اري ج ‪ 2‬ص ‪ .697‬ويف ذل ك إش ارةٌ ليُس ِر‬ ‫عبد اهلل يقول بعدما ك رب ‪ :‬ي ا ليت ٍت قَبِل ُ‬ ‫الدين الذي ينبغي أن نوغل فيو بر ٍ‬ ‫فق ‪ ،‬وأن نداوم على الطاعة ‪ ،‬وإن كانت يسَتةً ‪..‬‬ ‫‪ 3‬البخاري ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪697‬‬ ‫‪ 4‬البخاري ‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪2233‬‬

‫‪009‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ـبصوصة ‪ ،‬فت زاد يف الفاع ل واؼبفع ول واؼببت دأ ‪ ،‬بش ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رط‬ ‫وبشروط‬ ‫ـبصوصة‬ ‫وال تُز ُاد إال يف مواضع‬ ‫ُ ُ‬

‫أن يتق دَّمها‪( :‬نف ٌي أو هن ٌي أو اس تفهام) وأن يك ون ؾبرورى ا نك رة‪ ،1‬وم ن أمثلته ا يف اغب ديث النب وي‬

‫الشريف‪:‬‬

‫ٍ‬ ‫شهد أن ال إلوَ إال اهللُ و َّ‬ ‫رسول اهللِ ِصدقاً ِمن قَ ْلبِ ِو إِال‬ ‫ؿبمداً ُ‬ ‫أن َّ‬ ‫(ما ِم ْن أحد يَ ُ‬ ‫‪ -1‬قال رسول اهلل ‪َ : ‬‬ ‫حَّرم و اهلل عل ى النَّ ار)‪2‬ج اء اغب ديث مؤَّك داً تأكي داً مزدوج اً ‪ ،‬ب اغبرف الزائ د ِ‬ ‫(م ْن) ٍب بالقص ر ع ن‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫قريق النفي واالستثناء‪ .‬ومثلو قولو ‪( : ‬ما من شيء يصيب اؼبؤمن حىت الشوكة تصيبو إال كتب‬

‫اهلل ل و هب ا حس نة أو حط ت عن و خطيئ ة)‪ .3‬حص ر الن يب ‪ ‬م ا يص يب اإلنس ان م ن مص ائب‪،‬‬ ‫واختصاصو بتكفَت اػبطايا وزيادة اغبسنات‪ ،‬ما دام اؼبؤمن ؿبتسباً ص ابراً عل ى م ا يق َّد ُر علي و‪ ،‬ويف‬ ‫ٍ‬ ‫ؼبصيبة دون غَتى ا‪ ،‬وال تف اوت ب ُت ى ذه اؼبص ائب إال‬ ‫ذكره ‪ ‬الشوكة تنبيو على أنَّو ال استصغار‬ ‫بصرب اؼبؤمن‪ ،‬فجاء تأكيد العموم بالقصر‪.‬‬

‫أن النَّ يب ‪ ‬ق ال‪ ( :‬م ا م ن أح د ي ِ‬ ‫‪ -2‬ع ن أيب ىري رة رض ي اهلل عن و ‪َّ ،‬‬ ‫دخلُ وُ عملُ وُ اعبنَّ ةَ‪ .‬فقي ل ‪ :‬وال‬ ‫ُ‬ ‫رضبَ ٍة )‪ ،4‬وم ن ىن ا زائ دة مؤِّك دة ؛ َّ‬ ‫ألهن ا‬ ‫يتغم دين ِّ‬ ‫أن ت ي ا رس ول اهلل ؟ ق ال ‪ :‬وال أن ا‪ ،‬إال أ ْن َّ‬ ‫ريب بِ ْ‬ ‫جاءت مسبوقة بنفي ‪ ،‬وكان ؾبرورىا نكرة‪.‬‬ ‫ْ‬

‫‪ -3‬عن أيب ىريرة رضي اهلل عنو ‪ ،‬عن النيب ‪ ‬ق ال ‪ ( :‬وال ذي نف س ؿبم د بي ده إ ْن عل ى األرض م ن‬ ‫مؤمن إال أنا أوىل الناس ‪ 5)..‬إ ْن ىنا نافي ة دبع ٌت م ا ‪ِ ،‬‬ ‫و(م ْن) زائ دة لتوكي د العم وم ‪ ،‬ويف اغب ديث‬ ‫مؤِّك ٌد ٍ‬ ‫ثان وىو القسم‪.‬‬ ‫‪ -4‬أن س ب ن مال ك رض ي اهلل عن و ‪ ،‬ع ن الن يب ‪ ‬ق ال‪ ( :‬ل يس م ن بل د إال س يطؤه ال دجال إال مك ة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب إال عليو اؼببلئكة ص افُِّت حيرس وهنا ‪َّ ، 7)..‬‬ ‫أك د الن يب ‪ ‬دخ ول‬ ‫واؼبدينة ليس لو من ن َقاهبَا‪ 6‬نَ ْق ٌ‬ ‫‪ 1‬احمليط يف أصوات اللغة العربية ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.234‬‬ ‫‪ 2‬البخاري ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪59‬‬ ‫‪ 3‬صحيح مسلم ج‪ 4‬ص‪1991‬‬ ‫‪ 4‬صحيح مسلم ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص‪2169‬‬ ‫‪ 5‬صحيح مسلم ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪1237‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ِّقاب بكس ِر الباء صبع نَ ْق ٍ‬ ‫ب وىو الطريق بُت اعببلُت‪ ( .‬لسان العرب ج ‪ 1‬ص ‪.)765‬‬ ‫الن ُ‬ ‫‪ 7‬البخاري ج‪ 2‬ص‪ – 665‬مسلم ج‪ 4‬ص ‪2265‬‬

‫‪009‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫كل ٍ‬ ‫اؼبنورة ‪َّ ،‬‬ ‫اؼبكرم ة عل ى ال رغم م ن قص ر مدَّت و‪.‬‬ ‫دخول اؼبسيح َّ‬ ‫بلد باستثناء اؼبدينة َّ‬ ‫ومكة َّ‬ ‫الدجال َّ‬

‫ويف بعض الروايات‪ 1‬زيادة (وبيت اؼبقدس وجبل الطور) ‪ ،‬فإن اؼببلئكة تطرده عن ىذه اؼبناقق‪.‬‬

‫‪ -5‬عن عائشة رضي اهلل عنها أهنا سألت رسول اهلل ‪ ‬عن الطاعون فأخربىا أنو ‪( :‬كان عذابا يبعثو‬ ‫اهلل عل ى م ن يش اء ‪ ،‬فجعل و اهلل رضب ة للم ؤمنُت ‪ ،‬فل يس م ن عب ٍد يق ع الط اعون فيمك ث يف بل ده‬ ‫صابراً ‪ ،‬يعلم أنَّو لن يصيبو إال ما كتب اهلل لو إال كان لو مثل أج ر الش هيد)‪ ،2‬خ َّرب الن يب ‪ ‬ب َّ‬ ‫أن‬ ‫الط اعون ك ان ف يمن قبلن ا ع ذاباً يبعثُ وُ اهلل عل ى م ن يش اء ‪ ،‬لك َّن اهلل بلطف ِو ورضبتِ ِو جعل و رضب ةً‬ ‫للم ؤمنُت ‪ ،‬ولع َّل ى ذه الرضب ة أص لها َّ‬ ‫ألن الص ابر عل ى ى ذا اؼب رض ‪ ،‬ب ل اؼبس لِّم أم َره هلل ‪ ،‬الراض ي‬ ‫بقضاء اهلل ينال أجر الشهيد‪.‬‬

‫ التَّ ْكرار ‪:‬‬‫التَّكرار بفتح التاء على وزن تَفعال‪ ، 3‬ومعناه ‪ " :‬اإلتيان بشيء مرة بعد أخرى ‪ ..‬وتكرير الشيء‬ ‫إعادتو مراراً ‪ ،‬واالسم ‪ :‬التَّكرار "‪ ، 4‬وىو من سنن العرب ‪ ،‬ويكون عادة حبسب العناية باألمر ‪ ،‬وللتكرار‬ ‫ٍ‬ ‫لضرب من تأكيد الكبلم ‪ ،‬وتقرير اؼبعٌت اؼبراد ‪ ،‬وإثباتو يف‬ ‫وللتكرار فائدة تتمثَّل يف أنَّو يأٌب بو اؼبتكلم‬

‫ٍ‬ ‫لغايات ٍ‬ ‫سامية فجاء التَّكرار يف أحاديثو بغرض ‪:‬‬ ‫اسع استعملو النيب ‪‬‬ ‫النفوس ‪ ،‬وىو ٌ‬ ‫باب و ٌ‬

‫‪-‬‬

‫بيان أمهيَّة ما ألقاه على السامعُت ؛ ليعملوا بو ‪ ،‬أو ليتجنَّبوه‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫وم ْن ز‬ ‫تثبيت اغبكم يف األذىان‪ ..‬و َّ‬ ‫لعل تكراره ‪ ‬يكون بغرض وصول حديثو إىل َم ْن ظبعو ‪َ ،‬‬

‫يس َمعوُ‪.‬‬ ‫ْ‬

‫‪ 1‬البدر العيٍت‪ :‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج‪ ، 10‬ص ‪.243‬‬ ‫‪ 2‬البخاري ج ‪ 5‬ص ‪2165‬‬ ‫‪ 3‬لس ان الع رب ج ‪ 13‬ص ‪ ، 62‬وق ال اب ن منظ ور ‪ .." :‬ألَن اؼبص ادر إّن ا ذب يء عل ى التَّ ْفع ال بف تح الت اء مث ال التَّ ذْكار‬ ‫جييء بالكسر إال حرفان ومها التِّْبيان والتِّلقاء ‪. "..‬‬ ‫والتَّ ْكرار ‪ ،‬وز ْ‬ ‫‪ 4‬التعريفات ص ‪.90‬‬

‫‪002‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫ويعمل التَّكرار على االحتفاظ دبا يكتسبو الفرد من معلومات أو مهارات "وقد بيَّ ِ‬ ‫نت الدارسات‬ ‫التجريبيَّة اغبديثة العبلقة الوثيقة بُت مستوى التذكر وبُت عدد مرات التكرار ‪ ،‬فالتكرار يثبت اؼبعلومات‬ ‫واؼبهارات ‪ ،‬ويساعد على جودة اغبفظ "‪ .1‬وقد كان النيب ‪ ‬يوصي أصحابو بتعه ِد ما َح ِفظوا من القرآن‬ ‫الكرًِن باؼبدوامة على قراءتو ومذاكرتو حىت ال ينسوه فقال‪( :‬إّنا مثل صاحب القرآن كمثل صاحب اإلبل‬ ‫اؼبعلقة إن عاىد عليها أمسكها وإن أقلقها ذىبت)‪ ، 2‬ويقصد النيب ‪ ‬باإلبل اؼبعلَّقة اإلبل اؼبربوقة‬ ‫فستذىب‪ .‬وقد َّبُت النيب‬ ‫شدىا َوربْ ِط َها ‪ ،‬وإال‬ ‫بالعقال وىو اغببل‪ .‬فإن عاىد عليها صاحبها استمر على ِّ‬ ‫ْ‬ ‫حىت ال‬ ‫‪ ‬بأسلوب التشبيو‬ ‫ِّ‬ ‫اؼبستمد من البيئة أمهيَّة اؼبداومة على مذاكرة القرآن الكرًن وتكرار مداومتو ‪َّ ،‬‬ ‫ت اإلبل اؼبهملة‪.‬‬ ‫ت تفل ْ‬ ‫يتفلَّ ْ‬ ‫َّبوي ‪:‬‬ ‫ومن أمثلة ذلك في الهدي الن ِّ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫استَأْذَنُ ِوين أَ ْن يُْن ِك ُحوا ابْنَتَ ُهم َعلِ َّي بْن أَِيب قَالِ ٍ‬ ‫ب ‪ ،‬فَبل‬ ‫‪-1‬‬ ‫قولو ‪( : ‬إِ َّن بٍَِت َىاش ِم بْ ِن الْ ُمغ َ​َتة ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫يد ابْن أَِيب قَالِ ٍ‬ ‫ب أَ ْن يُطَلِّ َق ابْنَِيت ‪َ ،‬ويَْن ِك َح ابْنَتَ ُه ْم ‪ ،‬فَِإَّ​ّنَا‬ ‫آذَ ُن ‪ٍُ ،‬بَّ ال آذَ ُن ‪ٍُ ،‬بَّ ال آذَ ُن ‪ ،‬إال أَ ْن يُِر َ ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫كرر عبارتو (ال آذن) ثبلثاً لتقرير‬ ‫ض َعةٌ ِم ٍِّت يَِريبٍُِت َما أ َ​َرابَ َها ‪َ ،‬ويُ ْؤِذ ِيٍت َما آ َذ َاىا) ‪ ،‬قبد أنَّو ‪َّ ‬‬ ‫ى َي بَ ْ‬ ‫يبُت يف اؼبقام األول فضل ابنتو فاقمة ‪ ،‬وأ ّهنا بضعة منو ‪ٍ ،‬ب إنَّو‬ ‫أم ٍر وتأكيده‪ ،‬وذلك أنَّو أراد أن ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫العطْف‬ ‫َخش َي أن ذبتمع بنتو وبنت عدو اهلل يف مكان واحد‪ ،‬ولكنَّو ‪ ‬بببلغتو العالية اختار حرف َ‬ ‫" ٍُبَّ " اليت تفيد الًتتيب والًتاخي‪ ،‬أو تفيد الشك والتخيَت واإلباحة‪ ،‬لَتبط هبا تاركاً بذلك حق‬ ‫اػبيار البن أيب قالب يف أن خيتار ابنتو ‪ ‬أو ابنة عدو اهلل بعد أن يُطَلِّ َق فاقمةَ الزىراء‪ ،‬وىذا ما‬ ‫بعد ِ‬ ‫َّ‬ ‫حيب ابن أيب قالب أن يطلِّق ابنيت وينكح ابنتهم)‪ ،‬وقد علَّق ابن األثَت‬ ‫بقولو‪( :‬إال أن َّ‬ ‫أكده ُ‬

‫على ىذا اغبديث قائبلً‪ " :‬فقولو ‪( :‬ال آذن ٍب ال آذن ٍب ال آذن) من التكرير الذي ىو أشد‬ ‫موقعاً من اإلجياز النصباب العناية إىل تأكيد القول يف منع علي رضي اهلل عنو من التزوج بابنة أيب‬ ‫جهل بن ىشام ‪.4"..‬‬

‫‪ 1‬اغبديث النبوي وعلم النفس ‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪ 2‬البخاري ج‪ ، 4‬ص‪ – 1920‬مسلم ج‪ 1‬ص ‪543‬‬ ‫‪ 3‬مسلم ج‪ 16‬ص‪2‬‬ ‫‪ 4‬اؼبثل السائر – ج ‪ 2‬ص ‪.150‬‬

‫‪091‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫يب ‪ ‬أوصٍت قال‪( :‬ال تغضب)‪ .‬فردد ِمر َاراً ‪ ،‬قال‬ ‫‪-2‬‬ ‫عن أيب ىريرة رضي اهلل عنو أن رجبلً‪ 1‬قال للنَّ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مرةٍ‬ ‫(ال تغضب)‪ ، 2‬التكرار ىنا كان من‬ ‫الصحايب حيث إنَّو َّ‬ ‫كل َّ‬ ‫ردد أوصٍت أكثر من َّ‬ ‫مرةٍ علَّو جيد يف ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫حديث آخر يقول‬ ‫الغضب‪ .‬ويف‬ ‫ب‬ ‫وصيَّة زبتلف من سابقتها‪ ،‬فما كان األمر إال أن تأٌب الوصيَّة بتجن َ‬ ‫ِ‬ ‫ضِ‬ ‫ب)‪َّ ، 3‬بُت النيب ‪‬‬ ‫الشديد بالصَر َعة ‪َّ ،‬إّنا َّ‬ ‫النَّيب ‪ ( :‬ليس َّ‬ ‫الش ُ‬ ‫نفسوَ عْن َد الغَ َ‬ ‫ديد الذي ديلك َ‬ ‫اغبقيقي وىو الذي يستطيع أن يتمالك نفسو عند الغضب ‪،‬‬ ‫القوي‬ ‫َّ‬ ‫لؤلمةَ – متمثِّلةً يف أصحابو – َّ‬ ‫َّ‬ ‫ضبِ ِو‪.‬‬ ‫يعمل دبقتضى َغ َ‬ ‫ُ‬ ‫فيكظم غيظَوُ ‪ ،‬وال ُ‬

‫‪-3‬‬

‫وبرمها ‪ ،‬روى أبو ىريرةَ حديثاً فيو َّ‬ ‫أن رجبلً‪ 4‬جاء إىل رسول اهلل ‪ ‬فقال يا‬ ‫الديْ ِن ِّ‬ ‫ويف فضل الو َ‬

‫أحق الن ِ‬ ‫ك‪ .‬قال ٍبَّ َم ْن ؟‬ ‫َّاس حبس ِن صحابيت ؟ قال ‪ :‬أ ُّمك‪ .‬قال ‪ٍ :‬بَّ َم ْن ؟ قال أم َ‬ ‫(م ْن ّ‬ ‫رسول اهلل‪َ :‬‬

‫‪5‬‬ ‫ِّم النيب ‪ ‬األمَّ على األب‪ ،‬ويوجب توقَتمها وتكرديهما‬ ‫ك‪ .‬قال ٍُبَّ َم ْن ؟ قال َ‬ ‫قال‪ :‬أم َ‬ ‫أبوك) يقد ُ‬ ‫ِ‬ ‫اغبديث حث على‬ ‫األم ثبلثاً تأكيداً ؼبكانتها العظيمة‪ .‬قال النَّووي ‪ " :‬ويف‬ ‫يكرَر َّ‬ ‫بالقول‪ ،‬وبرمها ‪ٍ ،‬ب َّ‬ ‫ب ٍر األقارب‪ ،‬و َّ‬ ‫األم أحقهم بذلك ‪ٍُ ،‬بَّ بعدىا األب‪ٍ ،‬بَّ األقرب فاألقرب‪ ..‬وسبب تقدًن األم كثرة‬ ‫أن َّ‬

‫تعبها عليو ‪ ،‬وشفقتها ‪ ،‬وخدمتها ‪ ،‬ومعاناة اؼبشاق يف ضبلو ‪ٍ ،‬ب وضعو ‪ٍ ،‬ب إرضاعو ‪ٍ ،‬ب تربيتو‬ ‫األم‬ ‫الرب ؛ النفراد ِّ‬ ‫وخدمتو وسبريضو "‪ 6‬ومقتضى ىذا التكرار أ ْن يكون ِّ‬ ‫لؤلم ثبلثةُ أمثال ما ِّ‬ ‫لؤلب من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الرضاع ‪ ،‬فضبلً عن مشاركتها الًتبية مع األب ؛ لذا‬ ‫الوض ِع ‪ٍ ،‬بَّ ّ‬ ‫بأنو ٍاع من اؼبشقَّات ‪ ،‬مثل اغبمل ٍبَّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ينهيان عنو ‪ ،‬ما ز يكن يف ذلك معصية هلل‬ ‫أوجب اهلل تعاىل ورسولو قاعتهما يف كل ما يأمر ِان بو أو‬ ‫ٍ‬ ‫ؼبخلوق يف معصية ِ‬ ‫اػبالق‪.‬‬ ‫تعاىل إذ ال قاعة‬

‫‪ 1‬الرجل ىو أبو أيوب جارية بن قدامة السعدي البصري‪ ( .‬اإلصابة يف سبييز الصحابة ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.) 445‬‬ ‫‪ 2‬صحيح البخاري ج‪ 5‬ص‪2267‬‬ ‫‪ 3‬البخاري ج‪ 5‬ص ‪ – 2267‬مسلم ج‪ 4‬ص‪2014‬‬ ‫‪ 4‬الرجل ىو ‪ :‬معاوية بن حيدة جد هبز بن حكيم‪( ..‬فتح الباري ج ‪ 1‬ص ‪ – 331‬عمدة القارئ ج ‪ 22‬ص‪.)82‬‬ ‫‪ 5‬صحيح البخاري ج ‪ 5‬ص ‪2227‬‬ ‫‪ 6‬شرح النووي على صحيح مسلم – ج ‪ 16‬ص ‪.102‬‬

‫‪090‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫الخاتمة ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫البحث – َّ‬ ‫يتخيَّ ُر‬ ‫أن‬ ‫يتضح – من ىذا‬ ‫األساليب يف أحاديثِو ‪ ‬جاءت ِّ‬ ‫متنوعةً ؛ فقد كان َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫متنوعةً بتنوِع أغر ِ‬ ‫ط قولو يف ِ‬ ‫مقام‬ ‫اض ِو‬ ‫ومقاص ِدهِ ‪ ،‬فيوجز يف مقام اإلجيا ِز‪ ،‬ويبس ُ‬ ‫أساليب ِّ‬ ‫تعابَت دقيقةً ‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فاألساليب‬ ‫الس امعُت ‪،‬‬ ‫اإلقناب ‪،‬‬ ‫لكل مقام مقاالً خيصو ‪ ،‬لتأٌب أحاديثو مطابقةً ؼبقتضى حال َّ‬ ‫فيجعل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫توص ِ‬ ‫لت الدراسةُ إىل نتائج ‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫النص واستيعابو ‪ ،‬وقد َّ‬ ‫تلعب دوراً فاعبلً يف فهم ِّ‬ ‫الببلغيَّةُ ُ‬ ‫أن الغرض األول من أغراض اعبملة اػبربيَّة – فائدة اػبرب – أىم الغرضُت ؛ َّ‬ ‫ َّ‬‫ألن فائدتو تقدًن‬ ‫العلم واؼبعرفة لآلخرين ‪ ،‬فهو يشمل صبيع األخبار اليت يبغي اؼبتكلِّ ُم من ورائها تعريف َمن‬ ‫ٍ‬ ‫بشيء أو أشياء جيهلها ‪ ،‬و َّ‬ ‫النيب ‪ ‬تكون من ىذا‬ ‫أن أغلب األغراض يف أحاديث ِّ‬ ‫خياقبوُ‬ ‫النوع؛ َّ‬ ‫عز وجلَّ علَّم نبيَّو ‪ ‬ما ز يكن يعلم ‪.‬‬ ‫ألن اهلل َّ‬ ‫ وؼب ا كان انفعال النفس بأم ٍر من األمور يستوجب ضرباً من التوكيد ؛ للتباين اغباصل يف أحوال‬‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫النيب ‪ ‬ىذه اػباصيَّة لًتسيخ‬ ‫اؼبخاقبُت بُت تأييد أو شك أو إنكار‬ ‫ْ‬ ‫ظهرت صباليَّة استعمال ِّ‬ ‫َ‬ ‫يوضح الببلغة النبويَّة العالية اليت سبيَّز هبا فهو‬ ‫اؼبعاين يف نفوس سامعيو ‪ ،‬وىذا ِّ‬ ‫األكثر درايةً‬ ‫ُ‬ ‫مقام مقاالً خيصو ؛ لتأٌب أحاديثو مطابقةً ؼبقتضى ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫حال‬ ‫جيعل ل ِّ‬ ‫بالنفوس‪ ،‬فقد كان ‪ُ ‬‬ ‫شك أو إنكا ٍر يف قَب ِ‬ ‫ول اػبَ​َِرب الذي جعلو الببلغيون ثبلثة ٍ‬ ‫الس امعُت من يق ٍ‬ ‫أضرب‪.‬‬ ‫ُت أو ٍّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ و َّ‬‫بث الفكرة يف‬ ‫النيب صلى اهلل عليو وسلَّ َم كان يأٌب بالكبلم مؤَّكداً بأكثر من مؤِّكد بغرض ِّ‬ ‫أن َّ‬ ‫خاصةً إذا كان يتعلَّق بأمر غييب ؛ َّ‬ ‫ألن‬ ‫النفوس وإقرارىا يف القلوب إقراراً ينتهي إىل اإلديان هبا ‪َّ ،‬‬ ‫األمور الغيبيَّة واؼبستقبليَّة من شأهنا أن يدخل هبا الشك يف النفس لعدم وجود دالئل واضحة‬ ‫تقرهبا‪ ،‬أو أمارات تبشِّر هبا‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫‪099‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫المصادر والمراجع‬ ‫أوالً ‪ :‬القرآن الكرًن‪.‬‬ ‫‪ .1‬ابن األثَت (ضياء الدين) ‪ :‬اؼبثل السائر ‪ ،‬ربقيق ؿبمد ؿبي الدين عبد اغبميد ‪ ،‬اؼبكتبة العصرية‬ ‫بَتوت ‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫ِ‬ ‫اغبديث واألثر ‪ ،‬دار الفكر – بَتوت ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ .2‬ابن األثَت (اؼببارك بن ؿبمد) ‪ :‬النهاية يف غريب‬ ‫‪ .3‬أضبد مطلوب (دكتور)‪ :‬أساليب ببلغيَّة ‪ ،‬ط‪ ، 1‬وكالة اؼبطبوعات ‪ ،‬الكويت ‪1980 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .4‬أسامة البحَتي (دكتور)‪ :‬ربوالت البنية يف الببلغة العربية‪ ،‬تقدًن د‪ .‬ؿبمد عبد اؼبطلب ‪ ،‬ط ‪1‬‬ ‫‪ ،‬دار اغبضارة ‪ -‬قنطا ‪2000 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .5‬األنطاكي (ؿبمد)‪ :‬احمليط يف أصوات اللغة العربية وكبوىا وصرفها ‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار الشروق العريب‬ ‫بَتوت ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ .6‬البخاري (ؿبمد بن إظب اعيل اعبعفي) ‪ ،‬صحيح البخاري ‪ ،‬ربقيق مصطفى ديب البغا ‪ ،‬ط ‪3‬‬ ‫‪ ،‬دار ابن كثَت ‪ ،‬بَتوت ‪ 1407 ،‬ى ‪1987 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .7‬البدر العيٍت (ؿبمود بن أضبد بن موسى)‪ :‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري ‪ ،‬دار الفكر ‪،‬‬ ‫د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ .8‬البغدادي (عبد القادر بن عمر) ‪ :‬خزانة األدب ولب لباب لسان العرب ‪ ،‬ربقيق ؿبمد نبيل‬ ‫قريفي‪/‬اميل بديع اليعقوب ‪ ،‬دار الكتب العلمية – بَتوت ‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .9‬الًتمذي اعبامع الصحيح (سنن الًتمذي) ‪ ،‬ربقيق أضبد ؿبمد شاكر ‪ ،‬دار الكتب العلميَّة –‬ ‫بَتوت ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ .10‬اعبرجاين ( أبو بكر عبد القاىر بن عبد الرضبن) ‪ :‬دالئل اإلعجاز ‪ ،‬ربقيق ‪ :‬د‪ .‬ؿبمد التنجي ‪،‬‬ ‫ط ‪ ، 1‬دار الكتاب العريب – بَتوت ‪1995 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .11‬اعبُرجاين (علي بن ؿبمد بن علي) ‪ :‬التعريفات ‪ ،‬ربقيق إبراىيم األبياري ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكتاب‬ ‫العريب ‪ -‬بَتوت ‪1405 ،‬ى ‪.‬‬

‫‪099‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫‪ .12‬ابن جٍت ( أبو الفتح عثمان اؼبوصلي النحوي ) ‪ :‬اللمع يف العربية ‪ ،‬ربقيق فائز فارس ‪ ،‬دار‬ ‫الكتب الثقافيَّة ‪ ،‬الكويت ‪.1972 ،‬‬ ‫‪ .13‬اغباكم النيسابوري (أبو عبد اهلل ؿبمد بن عبد اهلل)‪ :‬اؼبستدرك على الصحيحُت ‪ ،‬ربقيق‬ ‫مصطفى عبد القادر عطا ‪ ،‬دار الكتب العلميَّة – بَتوت ‪ ،‬ط ‪1990 ، 1‬م‪.‬‬ ‫‪ .14‬ابن حجر العسقبلين (أضبد بن علي) ‪:‬‬ ‫‪.i‬‬

‫اإلصابة يف سبييز الصحابة ‪ ،‬ربقيق علي ؿبمد البجاوي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،‬دار اعبيل –‬ ‫بَتوت ‪1412 ،‬ى ‪.‬‬

‫‪.ii‬‬

‫فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ ،‬ربقيق ؿبمد فؤاد عبد الباقي وؿبب الدين‬ ‫اػبطيب ‪ ،‬دار اؼبعرفة ‪ -‬بَتوت ‪1379 ،‬ى ‪.‬‬

‫‪ .15‬ابن حزم الظاىري (أبو ؿبمد علي بن أضبد)‪ :‬الفصل يف اؼبلل واألىواء والنحل‪ ،‬مكتبة اػباقبي‬ ‫‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ .16‬الد مشقي (ؿبمد بن أيب بكر بن ناصر الدين)‪ :‬الرد الوافر ‪ ،‬ربقيق زىَت الشاويش‪ ،‬ط‪، 1‬‬ ‫اؼبكتب اإلسبلمي – بَتوت ‪ 1393 ،‬ى ‪.‬‬ ‫‪ .17‬ابن رجب اغبنبلي جامع العلوم واغبكم ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،‬دار اؼبعرفة بَتوت‪.‬‬ ‫‪ .18‬الزجاجي (أبو القاسم عبد الرضبن بن إسحاق ) ‪ :‬كتاب البلمات ‪ ،‬ربقيق مازن اؼببارك ‪ ،‬ط ‪2‬‬ ‫‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬دمشق ‪.1985 ،‬‬ ‫‪ .19‬الزرقاين (ؿبمد بن عبد الباقي)‪ :‬شرح الزرقاين على موقأ مالك‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكتب العلميَّة‬ ‫بَتوت‪1411 ،‬ى ‪.‬‬ ‫‪ .20‬الزركلي ‪( :‬خَت الدين) ‪ :‬األعبلم ‪ ،‬دار العلم للمبليُت – بَتوت ‪ ،‬ط ‪1986 ، 7‬م‪.‬‬ ‫‪ .21‬السيوقي (جبلل الدين عبد الرضبن بن أيب بكر)‪ :‬قبقات اغبفاظ ‪ ،‬دار الكتب العلميَّة ‪-‬‬ ‫بَتوت ‪ ،‬ط ‪1403 ، 1‬ى ‪.‬‬

‫‪099‬‬


‫مجاليَّ ُة اجلُملةِ اخلربيَّةِ يف األحاديث النَّبوية ‪......‬‬

‫د‪ .‬محد النيل عثمان عبد السيد‬

‫‪ .22‬ابن عبد الرب (أبو عمر يوسف بن عبد اهلل النمري) ‪ :‬التمهيد ‪ ،‬ربقيق مصطفى بن ؿبمد‬ ‫العلوي ‪ ،‬وؿبمد عبد الكبَت البكري ‪ ،‬وزارة عموم األوقاف والشؤون الدينيَّة ‪ ،‬اؼبغرب ‪،‬‬ ‫‪1387‬ى ‪.‬‬ ‫‪ .23‬عبد العزيز عتيق (دكتور) ‪ :‬علم اؼبعاين ‪ ،‬دار النهضة العربيَّة ‪ -‬بَتوت ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ .24‬ابن عقيل (هباء الدين عبد اهلل بن عقيل اؼبصري)‪ :‬شرح ابن عقيل ‪ ،‬ربقيق ؿبمد ؿبيي الدين‬ ‫عبد اغبميد‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الفكر ‪ -‬دمشق ‪1985 ،‬م‪.‬‬ ‫الع ْك َِربي (أبو البقاء ؿبب الدين عبد اهلل بن اغبسُت)‪ :‬اللباب يف علل البناء واإلعراب‪ ،‬ربقيق‪:‬‬ ‫‪ُ .25‬‬ ‫غازي ـبتار قليمات ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الفكر ‪ -‬دمشق ‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .26‬العويف (معيض بن مساعد)‪ :‬قضايا اعبملة اػبربيَّة ‪ ،‬ط ‪1983 ، 1‬م‪.‬‬ ‫‪ .27‬الغزاي (أبو حامد ؿبمد بن ؿبمد) ‪ :‬إحياء علوم الدين ‪ ،‬دار الفكر العريب ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ .28‬الفَتوز آبادي ‪( :‬ؾبد الدين ؿبمد بن يعقوب) ‪ :‬القاموس احمليط ‪ ،‬مطبعة مصطفى بايب اغبليب‬ ‫ مصر ‪ ،‬ط ‪1952 ، 2‬م‪.‬‬‫‪ .29‬ابن قتيبة ‪ -‬الشعر والشعراء ‪ ،‬ط‪ ، 1‬عاز الكتب بَتوت ‪1282 ،‬ى ‪.‬‬ ‫‪ .30‬القرقيب (أبو عبد اهلل ؿبمد بن أضبد) ‪ :‬اعبامع ألحكام القرآن ‪ ،‬دار الكتب العلميَّة بَتوت ‪،‬‬ ‫د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ .31‬القزويٍت (اػبطيب جبلل الدين ؿبمد بن سعد الدين)‪ :‬اإليضاح يف علوم الببلغة ‪ ،‬ربقيق‬ ‫د‪.‬عبد اغبميد ىنداوي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مؤسسة اؼبختار ‪ -‬القاىرة ‪1419 ،‬ى ‪1989/‬م‪.‬‬ ‫‪ .32‬ابن ماجة (ؿبمد بن يزيد) ‪ :‬سنن ابن ماجة ‪ ،‬ربقيق ؿبمد فؤاد عبد الباقي ‪ ،‬دار الفكر –‬ ‫بَتوت‪.‬‬ ‫‪ .33‬اؼبراغي (أضبد مصطفى)‪ :‬علوم الببلغة ‪ -‬البيان واؼبعاين والبديع ‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الكتب العلمية ‪-‬‬ ‫بَتوت‪1986 ،‬م‪.‬‬

‫‪099‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف معارف الوحي‬

‫‪ .34‬مسلم (مسلم بن اغبجاج )‪ :‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بَتوت‪ ،‬ط ‪3‬‬ ‫‪1404 ،‬ى ‪1984/‬م‪.‬‬ ‫‪ .35‬مصطفى البُغا وؿبي الدين مستو – الوايف يف شرح األربعُت النوويَّة – الندوة العاؼبية للشباب‬ ‫اإلسبلمي‪.‬‬ ‫‪ .36‬اؼبناوي (عبد الرؤوف)‪ :‬فيض القدير‪ ،‬ط‪ ،1‬اؼبكتبة التجارية الكربى‪ ،‬مصر‪1356 ،‬ى ‪.‬‬ ‫‪ .37‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار صادر بَتوت ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪. 615‬‬ ‫‪ .38‬ابن الندًن ‪( :‬أبو الفرج ؿبمد بن إسحاق) ‪ :‬الفهرست‪ ،‬دار اؼبعرفة – بَتوت‪،‬‬ ‫‪1398‬ى ‪1978/‬م‪.‬‬ ‫‪ .39‬اؽبامشي (السيِّد أضبد)‪ :‬جواىر الببلغة ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بَتوت ‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .40‬ابن ىشام األنصاري (صبال الدين عبداهلل بن يوسف)‪ :‬مغٍت اللبيب عن كتب األعاريب‪،‬‬ ‫ربقيق‪ :‬د‪.‬مازن اؼببارك وؿبمد علي ضبد اهلل ‪ ،‬ط ‪ ، 6‬دار الفكر – بَتوت‪.‬‬ ‫اؼبفصل ‪ ،‬مكتبة اؼبتنيب ‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ .41‬ابن يعيش (موفق الدين يعيش بن علي) ‪ :‬شرح َّ‬

‫‪099‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة يف التخفيف من وطأة الفقر يف الشودان‬ ‫دراسة حالة‬ ‫د‪ .‬آدم الرضي محمد علي‬ ‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫*‬

‫**‬

‫المستخلص‬ ‫ىدفت ىذه الدراسة إُف تقصي دور ادلشروعات ادلمولة من ديوان الزكاة يف التخفيف من وطأة‬ ‫الفقر‪ ,‬دراسة حالة زللية ود مدين الكربى بوالية اجلزيرة يف السودان‪ ،8002-‬ذلذا الغرض مت استخدام‬ ‫االستبيان كوسيلة جلمع البيانات األولية من عينة عشوائية طبقية تتكون من (‪ )00‬أسرة حتصلت على‬ ‫دعم من ديوان الزكاة‪ .‬استخدم الدخل واإلنفاق كمؤشرين لقياس الرفاه البشري‪ ،‬و لقد مت تبٍت الطريقة‬ ‫القبل ية والبعدية لتحليل ادلستويات ادلعيشية للمستهدفُت قبل امتبلكهم ادلشروعات وبعدىا‪ ،‬كما مت‬ ‫استخدم معامل "‪ "Gini‬ومنحٌت "‪ "Lorenz‬لقياس عدم العدالة يف توزيع الدخل واإلنفاق‪ .‬كماً مت‬ ‫حساب مؤشرات الفقر الثبلثة ادلعروفة (حدوث‪ ،‬عمق وحدة الفقر)‪ .‬أكدت نتائج قياس الفقر فيما‬ ‫يتعلق ْتدوث الفقر عند استخدام الدخل كمؤشر للرفاه وجد أ ّن ‪ %28‬من األسر يف عينة الدراسة‬ ‫يقعون حتت خط الفقر علي أساس الدخل قبل امتبلكهم للمشروعات بينما ‪ %38‬منهم يقعون حتت‬ ‫خط الفقر بعد امتبلكهم لتلك ادلشروعات‪ .‬مت حساب نتائج شلاثلة لئلنفاق كمؤشر للرفاه‪ ،‬حيث‬ ‫أكدت النتائج أن ‪ %20‬و‪ %00‬من األسر يقعون حتت خط الفقر على أساس اإلنفاق قبل وبعد‬ ‫احلصول على التمويل على التواِف‪ .‬لقياس عمق وحدة الفقر أشارت النتائج عند استخدام الدخل‬ ‫كمؤشر للرفاه إِف أ ّن ‪ %07‬من األسر يف عينة الدراسة يقعون حتت خط الفقر قبل دتويلهم من ديوان‬ ‫الزكاة و ‪ %08‬منهم بعد دتويلهم‪ ،‬وعند استخدام اإلنفاق أكدت النتائج على أن ‪ %20‬و‪%30‬‬ ‫يقعون حتت خط فقر اإلنفاق قبل وبعد التمويل على التواِف‪ .‬خلصت الدراسة إُف أ ّن الفقر أكثر حدة‬ ‫وعمقاً قبل امتبلك ادلشروعات منو بعد امتبلكها‪.‬‬ ‫* كلية الزراعة‪ ،‬جامعة اجلزيرة‪.‬‬ ‫** كلية االقتصاد والتنمية الريفية‪ ،‬جامعة اجلزيرة‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫مقدمة‪:‬‬ ‫جذب انتشار ظاىرة الفقر يف الدول النامية اىتمام الباحثُت وصانعي السياسات‬ ‫وادلنظمات العادلية حيث أشارت إحصاءات البنك الدوِف لعام ‪ 8002‬أ ّن ‪ %82‬من سكان العاَف‬ ‫يعيشون يف فقر مدقع بأقل من واحد دوالر يف اليوم للفرد‪ .1‬كما أ ّكدت عدد من الدراسات يف السودان‬ ‫أ ّن حدوث الفقر يف السودان يًتاوح بُت ‪ %00‬اِف‪ %00‬شلا جعل عدد من الباحثُت يهتمون بدارسة‬ ‫وسائل واسًتاتيجيات التقليل من وطأة الفقر يف السودان‪ .2‬الزكاة ىي ركن من أركان اإلسبلم‪ .‬ذكرت‬

‫يف مواضع كثَتة من كتاب اهلل تعاُف مقرونة بالصبلة اليت ىي من أىم أركان ىذا الدين ويتضح ذلك يف‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫اخلي ر ِ‬ ‫قولو تعاُف ‪ ‬وجع ْلنَ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الص َبلةِ َوإِيتَاء ا َّلزَكاةِ َوَكانُوا‬ ‫ات َوإِقَ َام َّ‬ ‫َ َ​َ ُ‬ ‫اى ْم أَئ َّمةً يَ ْه ُدو َن بأ َْمرنَا َوأ َْو َحْي نَا إلَْيه ْم ف ْع َل َْْ َ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ين‪ ‬األنبياء آية‪.08 :‬كما ورد ذكرىا يف مواضع كثَتة من القرآن الكرًن حيث قال تعاُف‬ ‫لَنَا َعابد َ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫الص َبلةِ َوالَّزَكاةِ َوَكا َن‬ ‫ص ِاد َق الْ َو ْع ِد َوَكا َن َر ُس ًوال نَّبِيِّا َوَكا َن يَأْ ُمُر أ َْىلَوُ بِ َّ‬ ‫يل إِنَّوُ َكا َن َ‬ ‫‪َ ‬واذْ ُك ْر يف الْكتَاب إ ْ​ْسَاع َ‬ ‫ضيِّا‪ ‬مرًن آية‪ 75 :‬و ‪ .77‬وقالو تعاُف ‪‬وإِ ْذ أَخ ْذنَا ِميثَ َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ند ربِّْو مر ِ‬ ‫َ َ‬ ‫يل الَ تَ ْعبُ ُدو َن إِالَّ اللّوَ‬ ‫ع َ َ َْ‬ ‫اق بٍَت إ ْسَرائ َ‬ ‫ِ‬ ‫وبِالْوالِ َديْ ِن إِ ْحساناً وِذي الْ ُقرَ​َب والْيَتَ َامى والْمساكِ ِ‬ ‫الصبلَ​َة َوآتُواْ َّ‬ ‫ُت َوقُولُواْ لِلن ِ‬ ‫الزَكا َة ُمَّ‬ ‫يمواْ َّ‬ ‫َّاس ُح ْسناً َوأَق ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ​َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَ َولَّْيتُ ْم إالَّ قَليبلً ّْمن ُك ْم َوأَنتُم‪ ‬البقرة آية‪ .28 :‬وذكر القرضاوى يف كتابو فقو الزكاة اجلزء األول‬ ‫(‪ ’)2027‬أن الزكاة جانب انساىن دعت إليو مجيع األديان السماوية فكانت تدعو إُف العطف بالفقراء‬ ‫والضعفاء فلم ختلو دعوة نيب منها‪ .a‬و تعترب الزكاة من أىم وسائل التكافل اإلجتماعى اليت ساعلت يف‬ ‫إعادة توزيع الدخل يف آّتمعات بصورة عادلة‪ ،‬وتقليل الفجوة بُت األغنياء والفقراء لقولو تعاُف ‪َّ ‬ما‬ ‫ِ​ِ ِ‬ ‫ِ​ِ ِ ِ‬ ‫ول ولِ ِذي الْ ُقرَ​َب والْيَتَ َامى والْمساكِ ِ‬ ‫السبِ ِيل َك ْي َال‬ ‫ُت َوابْ ِن َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫أَفَاء اللَّوُ َعلَى َر ُسولو م ْن أ َْى ِل الْ ُقَرى فَللَّو َول َّلر ُس َ‬ ‫َ َ​َ‬ ‫ِ‬ ‫يد‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫ُت ْاألَ ْغنِيَاء ِمن ُك ْم َوَما آتَا ُك ُم َّ‬ ‫ول فَ ُخ ُذوهُ َوَما نَ َها ُك ْم َعْنوُ فَانتَ ُهوا َواتَّ ُقوا اللَّوَ إِ َّن اللَّوَ َشد ُ‬ ‫يَ ُكو َن ُدولَةً بَ ْ َ‬ ‫الْعِ َق ِ‬ ‫اب‪ ‬احلشر آية‪ .0 :‬قد حدد اهلل سبحانو وتعاُف الفئات اليت غلب أن تصرف ذلا الزكاة حىت ال‬ ‫الصدقَات لِلْ ُف َقراء والْمساكِ ِ ِ ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ُت َعلَْي َها َوالْ ُم َؤلََّف ِة قُلُوبُ ُه ْم‬ ‫ُت َوالْ َعامل َ‬ ‫تصرف يف مواضع غَت تلك يف قولو ‪‬إظلَا َّ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫‪World Bank (2006). "World Development Report, Poverty". New York 1‬‬ ‫‪Oxford University‬‬ ‫‪ 2‬تقرير ديوان الزكاة (‪8002‬م) عن مشروعات التنمية ادلنفذة (‪8002 -8005‬م)‪.‬‬

‫‪828‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرقَ ِ‬ ‫يم‪ ‬التوبة آية‪.30 :‬‬ ‫ُت َوِيف َسبِ ِيل اللّ ِو َوابْ ِن َّ‬ ‫َوِيف ّْ‬ ‫السبِ ِيل فَ ِر َ‬ ‫اب َوالْغَا ِرم َ‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫يضةً ّْم َن اللّو َواللّوُ َعل ٌ‬ ‫ولضمان أداء ىذه الفريضة اليت تساعد على توزيع الدخل بصورة عادلة حىت يضمن ضعفاء آّتمع‬ ‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫كفايتهم يف العيش فعلى الدولة أخذ حق الزكاة بالقانون من الواجب عليهم أدائها مع إ ّن اإلسبلم ػلفز‬ ‫الناس على أداء ىذه الفريضة برغبة ذاتية‪ .‬ركزت ىذه الدراسة على حتليل دور ادلشروعات ادلمولة من قبل‬

‫ديوان الزكاة يف التخفيف من وطأة الفقر يف زللية واد مدين الكربى بوالية اجلزيرة للعام ‪ 8002‬من ناحية‬ ‫تطبيقية‪ .‬توصلت الدراسة إُف أ ّن ادلشروعات ادلمولة من قبل ديوان الزكاة ذلا دور واضح يف التخفيف من‬

‫الفقر‪ ،‬عن طريق إجراء مقارنة بُت مقاييس الفقر الثبلثة (‪ )P0, P1, P2‬بعد حسأّا قبل دتويل‬ ‫ادلشروعات من ديوان الزكاة وبعد دتويلها‪ ,‬حيث أكدت النتائج أن ىذه ادلقاييس تناقصت بصورة جوىرية‬

‫بعد إمتبلك ادلشروعات للدخل واإلنفاق معاً‪ .‬أيضا أكدت النتائج أ ّن عدم العدالة يف توزيع الدخل‬ ‫واإلنفاق قبل امتبلك ادلشروعات كان كبَتا وتناقص بعد امتبلك ادلشروعات‪.‬‬ ‫مشكلة الفقر في اإلسالم‪:‬‬

‫ُّوِل‬ ‫الش ْغ َل‬ ‫ض اإلسبلم دلشكلة الفقر قبل أن تَتَطَ​َّور ىذه ادلشكلة؛ لتصبح ُّ‬ ‫َعَر َ‬ ‫الشاغل للد َ‬ ‫َ‬ ‫احلياةِ‬ ‫ادلال زينةَ احلياة الدنيا؛ فقال تعاُف‪ :‬الْ َم ُ‬ ‫عموما‪ ،‬ومن ىنا اعترب اإلسبلم َ‬ ‫ال َوالْبَنُو َن ِزينَةُ َْ​َ‬ ‫ادلتخلفة ً‬ ‫الدنْيا والْباقِيات َّ ِ‬ ‫ك ثَ َوابًا َو َخْي ٌر أ َ​َمبلً‪ ‬الكهف آية‪ .53 :‬ىذا وينظر اإلسبلم‬ ‫ات َخْي ٌر ِعْن َد َربّْ َ‬ ‫الصاحلَ ُ‬ ‫ُّ َ َ َ َ ُ‬ ‫للفقر على أنو خطر على العقيدة‪ ،‬وخطر على األخبلق‪ ،‬وخطر على سبلمة التفكَت‪ ،‬وخطر على‬ ‫ضبلً عن ذلك فإنو يُعتَ​َرب ببلءً يُستعاذُ باهلل من َشّْرهِ؛ فعن عائشة ‪ -‬رضي اهلل‬ ‫األسرة‪ ،‬وعلى آّتمع‪ .‬وفَ ْ‬ ‫عنها ‪ -‬أن النيب ‪ ‬كان يتعوذ‪" :‬اللهم إين أعوذ بك من فتنة النار‪ ،‬ومن عذاب النار‪ ،‬وأعوذ بك من‬ ‫‪2‬‬ ‫شر ما‬ ‫فتنة الغٌت‪ ،‬وأعوذ بك من فتنة الفقر" ‪ .‬وقد قَ َر َن ُ‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬الفقر يف ُّ‬ ‫تعوِذهِ بالكفر‪ ،‬وىو ُّ‬ ‫"اللهم إين أعوذ بك من الكفر والفقر‪ ،‬اللهم إين‬ ‫مرفوعا‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫يُستعاذُ منو‪َ ،‬داللةً على َخطَ ِرهِ؛ فعن أيب بكر ً‬ ‫أعوذ من عذاب القرب‪ ،‬ال إلو إال أنت"‪ .1‬فالفقر قد َغلُ​ُّر إُف الكفر‪ ،‬ألنو قد َْػل ِم ُل على َح َس ِد األغنياء‪،‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬يوسف القرضاوي (‪ 2020‬م) دور الزكاة يف عبلج ادلشكبلت االقتصادية‪ْ .‬توث سلتارة من ادلؤدتر العادلي األول‬ ‫لبلقتصاد اإلسبلمي‪ ،‬جامعة ادللك عبد العزيز‪ .‬ص‪ 885‬وما بعدىا‪.‬‬

‫‪829‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫واحلسد يأكل احلسنات‪ ،‬وقد يدفع إُف التَّ َذلُّل ذلم وعدم الرضا بالقضاء‪ ،‬والسخط على كل شيء‪ ،‬ومن‬ ‫جار إليو‪.‬‬ ‫كفرا‪ ،‬فهو ّ​ّ‬ ‫ىنا فإن الفقر إن َف يكن ً‬

‫مفهوم الفقر في اإلسالم‪:‬‬

‫ِّسبِ ّي‪:‬‬ ‫‪-2‬الفقر الن ْ‬

‫فللفقر مفهوم نسيب‪ ،‬فالشيء األقل ُّ‬ ‫فقَتا بالنسبة لؤلكثر‪ ،‬ويف ىذا يعكس الفقر التفاوت‬ ‫يعد ً‬ ‫يف الدخول‪ ،‬والتفاوت يف حد ذاتو يعًتف اإلسبلم بو كسنة كونية‪ ،‬إذ يرجع الختبلف قدرات األفراد‪،‬‬ ‫ك‬ ‫ومقدار ما يبذلونو من جهد‪ ،‬وعمل صاٌف‪ .‬وىف ىذا يقول اهلل – تعاُف ‪ :-‬أ َُى ْم يَ ْق ِس ُمو َن َر ْ​ْحَةَ َربّْ َ‬ ‫َضلن قَسمنا ب ي ن هم معِيشت هم ِيف ْ ِ‬ ‫ٍ ِ ِ‬ ‫ض ُه ْم فَ ْو َق بَ ْع ٍ‬ ‫ضا‬ ‫ض ُه ْم بَ ْع ً‬ ‫ض َد َر َجات ليَتَّخ َذ بَ ْع ُ‬ ‫احلَيَاة الدُّنْيَا َوَرفَ ْعنَا بَ ْع َ‬ ‫ْ ُ َ ْ َ َْ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ُس ْخ ِريِّا َوَر ْ​ْحَةُ َربّْ َ‬ ‫ك َخْي ٌر شلَّا َْغل َم ُعو َن‪ ‬الزخرف آية‪ .88 :‬ويقول كذلك‪َ :‬وُى َو الَّذي َج َعلَ ُك ْم َخ َبلئ َ‬ ‫ض درج ٍ‬ ‫ْاأل َْر ِ‬ ‫ات لِيَْب لُ َوُك ْم ِيف َما آَتَا ُك ْم‪ ‬األنعام آية‪ .237 :‬وعلى ىذا األساس‬ ‫ض َوَرفَ َع بَ ْع َ‬ ‫ض ُك ْم فَ ْو َق بَ ْع ٍ َ َ َ‬ ‫يعًتف اإلسبلم بالتفاوت بُت األفراد يف أرزاقهم‪ ،‬وىف ظلط حياهتم‪ ،‬أو معيشتهم‪ ،‬وذلك نتيجة طبيعية‬

‫الختبلفهم يف مقدار ما يبذلون من جهد وعمل‪.‬‬ ‫وشلا غلدر ذكره يف ذلك فإ ّن اذلدف من ىذا التفاوت ىو التسخَت واالبتبلء‪ .‬والتسخَت ىنا‬ ‫تسخَت عمل ونظام وليس تسخَت قهر وإذالل على حد تعبَت ادلاوردي‪ ،‬فلكل فرد مواىب وقدرات‬ ‫ختتلف يف كمها وكيفها عما لدى األفراد اآلخرين‪ ،‬وكل إنسان شليز يف صفة ما‪ ،‬وؽلتاز عليو آخر يف صفة‬ ‫أخرى‪ ،‬ومن م فإن كل فرد مسخر لآلخر يف الصفة اليت امتاز ّٔا‪ ،‬فالعاَف يعود على اجلاىل بعلمو‪،‬‬ ‫والغٍت يعود على الفقَت مبالو‪ ،‬والفقَت يعود على الغٍت ّتهده وعرقو‪ .1‬وعلى ذلك‪ ،‬فإ ّن لفظ سخريِّا ال‬ ‫يعٍت العمل ادلسخر الذي ال أجر لو؛ ألن اإلسبلم ال يعًتف بالسخرة‪ ،‬وإظلا يعًتف بالتعاون على أساس‬ ‫َّاس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َك ٍر‬ ‫أن اجلميع ػلتاج بعضهم إُف بعض‪ .‬وىف ىذا يقول اهلل – تعاُف ‪ :-‬يَا أَيُّ َها الن ُ‬ ‫َوأُنْثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَ َع َارفُوا إِ َّن أَ ْكَرَم ُك ْم ِعْن َد اللَّ ِو أَتْ َقا ُك ْم‪ ‬احلجرات آية‪ .28 :‬ومن ذلك‬ ‫نصل إُف أن اإلسبلم يقضي على إجحاف النظام الطبقي‪ ،‬وعلى التناقض الذي ؽلكن أن يتحقق بُت‬

‫‪ 1‬ادلاوردي‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬ادلطبعة األمَتية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ص‪.283‬‬

‫‪831‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬

‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫الفئات والطبقات االجتماعية ادلختلفة‪ ،‬اليت تسود آّتمع‪ ،‬على أساس االعًتاف بالتفاوت من أجل‬ ‫التعاون‪ ،‬وزلاربة التناقضات اليت يولدىا النظام الطبقي‪.‬‬ ‫‪-2‬الفقر المطلق‪:‬‬ ‫فكما َّ‬ ‫مفهوما مطل ًقا‪ ،‬مبعٌت عدم دتكن الفرد من إشباع حاجاتو‪،‬‬ ‫مفهوما نسبيِّا‪ ،‬فإ ّن لو‬ ‫أن للفقر‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫ويعٍت الفقر يف ىذا الشأن عدم إمكان الفرد حتقيق حد الكفاية‪ .‬وىنا نستطيع التساؤل عن نوعية‬ ‫احلاجات غَت ادلشبعة‪ ،‬ىل ىي احلاجات الضرورية واألساسية اليت حتفظ لئلنسان رلرد حياتو يف الدنيا‪،‬‬ ‫وىو ما يطلق عليو‪ :‬حد الكفاف؟ أم ىي احلاجات ادلعتادة اليت تضمن لئلنسان العيش ادلناسب يف ظل‬ ‫الظروف االجتماعية واالقتصادية السائدة‪ ،‬وىو ما يطلق عليو حد الكفاية؟‪.‬‬ ‫أبعاد مفهوم حد الكفاف والكفاية‪:‬‬ ‫ال تقتصر حاجات اإلنسان يف اإلسبلم على الطعام والشراب واللباس وادلسكن‪ ،‬وىى اليت دتثل‬ ‫احلاجات األساسية أو حد الكفاف؛ بل تتعداىا إُف ما تستقيم بو حياتو‪ ،‬ويصلح بو أمره‪ ،‬وغلعلو يعيش‬ ‫يف مستوى ادلعيشة السائد؛ أي حد الكفاية‪ ،‬فلكل فرد يف آّتمع اإلسبلمي حاجات ضرورية ختتلف‬ ‫باختبلف الزمان وادلكان‪ ،‬فإذا َف تسعفو ظروفو اخلاصة مثل ادلرض أو الشيخوخة أو التعطُّل عن العمل‬ ‫عن حتقيق ادلستوى ادلعيشي ادلناسب‪ ،‬فإ ّن بيت مال ادلسلمُت؛ أي خزانة الدولة‪ ،‬تتكفل بذلك أيِّا كانت‬ ‫ات لِْل ُف َقر ِاء والْمساكِ ِ‬ ‫ُت‪ ‬التوبة‬ ‫جنسية‪ ،‬أو ديانة ىذا الفرد‪ .‬وىف ذلك يقول اهلل – تعاُف ‪ :-‬إَِّظلَا َّ‬ ‫الص َدقَ ُ َ َ َ َ‬ ‫آية‪ .30 :‬دون حتديد لديانة أو جنسية ىؤالء الفقراء أو ادلساكُت؛ ويقول رسول اهلل ‪ ‬فيما رواه‬ ‫وعلي)‪ ,‬أي أ ّن‬ ‫أوالدا ضائعُت ال مال ذلم) َّ‬ ‫فإِف َّ‬ ‫ضياعا (أي ً‬ ‫الشيخان البخاري ومسلم‪( :‬من ترك دينًا أو ً‬ ‫من ترك ذرية ضعيفة فليأتٍت بصفيت الدولة‪ ،‬فأنا ادلسئول عنو والكفيل بو‪ .‬وجتدر اإلشارة إُف أ ّن حد‬ ‫الكفاية ؼلتلف باختبلف ظروف آّتمعات من ناحية الزمان وادلكان‪ ،‬بل إنو ؼلتلف يف ذات آّتمع من‬ ‫فًتة إُف أخرى‪ .‬ويعترب حد الكفاية مبثابة احلد األدىن الذي تكفلو الدولة للمواطن‪ ،‬ومن م فهو مبنزلة‬ ‫الضمان االجتماعي دلن عجز عن أن يوفر لنفسو ‪ -‬بسبب خارج عن إرادتو ‪ -‬ادلستوى ادلعيشي‬ ‫ادلناسب‪ .‬وال يقتصر القول على وجوب قيام الدولة بتوفَت حد الكفاية؛ بل فإ ّن ذلك يعترب يف نظر‬ ‫‪838‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫وى ُك ْم قِبَ َل الْ َم ْش ِرِق‬ ‫س الِْ َّرب أَ ْن تُ َولُّوا ُو ُج َ‬ ‫اإلسبلم من أسس الدين‪ ،‬وىف ىذا يقول اهلل – تعاُف ‪ :-‬لَْي َ‬ ‫ب ولَكِ َّن الِْربَّ من آَمن بِاللَّ ِو والْي وِم ْاآلَ ِخ ِر والْم َبلئِ َك ِة والْكِتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َعلَى ُحبّْ ِو ذَ ِوي‬ ‫ُت َوآَتَى الْ َم َ‬ ‫اب َوالنَّبِيّْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ​َ‬ ‫َوالْ َم ْغ ِر َ‬ ‫السبِ ِيل و َّ ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرقَ ِ‬ ‫الص َبلةَ َوآَتَى َّ‬ ‫الزَكاةَ‪ ‬البقرة آية‪:‬‬ ‫اب َوأَقَ َام َّ‬ ‫ُت َوِيف ّْ‬ ‫السائل َ‬ ‫الْ ُق ْرَ​َب َوالْيَتَ َامى َوالْ َم َساك َ‬ ‫ُت َوابْ َن َّ َ‬ ‫‪ .200‬كما يقول – تعاُف ‪ :-‬أَرأَيت الَّ ِذي ي َك ّْذب بِالدّْي ِن فَ َذلِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َعلَى‬ ‫يم َوال َػلُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ك الذي يَ ُدعُّ الْيَت َ‬ ‫طَ َع ِام الْ ِمس ِك ِ‬ ‫ُت‪ ‬ادلاعون آية‪ .8 -2 :‬ومن زلصلة ذلك يتضح لنا أن توفَت حد الكفاية مطلب‬ ‫ْ‬ ‫ضروري‪ ،‬وتعترب الدولة مسئولة عن ذلك سواء انفردت ىي بعبء التمويل‪ ،‬أو اشًتكت مع القادرين من‬

‫أبناء آّتمع يف ذلك‪ .‬وقد خلص عمر ابن اخلطاب ‪ ‬ذلك بقولو‪" :‬ما من أحد إالَّ ولو يف ىذا ادلال‬ ‫حق‪ ،‬الرجل وحاجتو‪ ،‬الرجل وببلؤه (أي عملو)"؛ م يف قولو‪" :‬إين حريص على أال أدع حاجة إالَّ‬ ‫سددهتا ما اتسع بعضنا لبعض‪ ،‬فإذا عجزنا آسينا يف عيشنا حىت نستوي يف الكفاف"‪.‬‬ ‫الزكاة والفقر‪:‬‬ ‫يهدف اإلسبلم يف بنائو للمجتمعات إُف إقامة روابط اإلخاء بُت أفراد آّتمع على أساس‬ ‫َّاس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُكم ّْمن ذَ َك ٍر َوأُنثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْم‬ ‫التعارف والتعاون والتكافل‪ ،‬يقول سبحانو وتعاُف‪ :‬يَا أَيُّ َها الن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُشعوبا وقَبائِل لِت عارفُوا إِ َّن أَ ْكرم ُكم ِع َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم َخبَِتٌ‪ ‬احلجرات آية‪ .28 :‬ويقول عز‬ ‫ند اللَّو أَتْ َقا ُك ْم إ َّن اللَّوَ َعل ٌ‬ ‫َ​َ ْ‬ ‫ُ ً َ َ َ َ​َ َ‬ ‫ِ‬ ‫يد الْعِ َق ِ‬ ‫اب‪‬‬ ‫وجل‪َ  :‬وتَ َع َاونُواْ َعلَى الْ ّْرب َوالتَّ ْق َوى َوالَ تَ َع َاونُواْ َعلَى ا ِإل ِْم َوالْ ُع ْد َو ِان َواتَّ ُقواْ اللّوَ إِ َّن اللّوَ َشد ُ‬ ‫ادلائدة آية‪ .8 :‬ويف الصحيحُت عن النعمان بن بشَت رضي اهلل عنو عن النيب ‪ ‬قال ‪" :-‬مثل ادلؤمنُت‬ ‫يف توادىم وتراْحهم وتعاطفهم مثل اجلسد؛ إذا اشتكى منو عضو تداعى لو سائر اجلسد بالسهر‬ ‫‪1‬‬ ‫ىم يضطلع بو األشخاص وآّتمع والدولة‪ ..‬يتعاونون ويتكاتفون‬ ‫واحلمى" ‪ .‬وزلاربة الفقر يف اإلسبلم ّ‬ ‫لتحقيق رلتمع الكفاية والعدالة‪..‬والزكاة وسيلة أساسية يف زلاربة الفقر تعاوهنا وسائل أخرى مثل‬

‫الصدقات التطوعية‪ ،‬والكفارات‪ ،‬وقوانُت ادلعامبلت الشرعية من أداء لؤلمانات‪ ،‬واستيفاء العقود‪ ،‬وحترًن‬ ‫الربا وادليسر والتطفيف واالحتكار واالكتناز والغرر‪ ،‬وضلو ذلك‪ .‬وىي تسهم مساعلة كبَتة يف إزالة آثار‬ ‫الفقر على النحو التاِف‪:‬‬ ‫‪ 1‬صحيح مسلم كتاب (الرب والصلة واألدب‪ ،‬باب تراحم ادلؤمنُت)‪.‬‬

‫‪832‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬

‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫إزالة اآلثار االقتصادية للفقر‪:‬‬ ‫‪ . 2‬تعمل الزكاة على القضاء على الفقر يف آّتمع ادلسلم؛ إذ إهنا تستهدف الفقراء يف ادلقام األول‪،‬‬ ‫وتذىب لسد احلاجات األولية ذلم؛ بل إن ادلهمة األوُف للزكاة ىي عبلج مشكلة الفقر عبلجاً‬ ‫جذرياً أصيبلً ال يعتمد على ادلسكنات الوقتية‪ ،‬أو ادلداواة السطحية الظاىرية‪ ،‬حىت إ ّن النيب ‪َ ‬ف‬

‫يذكر يف بعض األحيان ىدفاً للزكاة غَت ذلك‪ ،‬كما يف حديث عن أبن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬أ ّن‬ ‫النيب ‪ ‬يف حديثو دلعاذ حُت أرسلو لليمن‪ ،‬وأمره أن يعلّم من أسلم منهم أ ّن "اهلل افًتض عليهم‬ ‫صدقة يف أمواذلم تؤخذ من أغنيائهم فًتد على فقرائهم"‪.1‬‬

‫فقد اختلف العلماء يف تفسَت الفقراء وادلساكُت الوارد ذكرىم يف آية مصارف الزكاة‪ ،‬وخلص‬ ‫الدكتور يوسف القرضاوي إُف أن مستحق الزكاة من الفقراء وادلساكُت أحد ثبلثة‪:‬‬ ‫(أ) من ال مال لو وال كسب أصبلً‪.‬‬ ‫(ب) من لو مال وكسب ال يبلغ نصف كفايتو‪.‬‬ ‫(ج) من لو مال أو كسب يسد نصف كفايتو‪ ،‬ولكن ال غلد دتام الكفاية‪.‬‬ ‫وادلراد بالكفاية عند ادلالكية واحلنابلة كفاية السنة‪ ،‬وعند الشافعية كفاية العمر‪ ،‬والرأي الغالب‬ ‫عند الفقهاء ىو إعطاء الفقَت وادلسكُت ما يكفيهما دتام الكفاية دون حتديد بقدر معُت من ادلال‪،‬‬ ‫استناداً إُف أ ّن مقصود الشارع ىو القضاء على الفقر والعوز‪ ،‬كما يف حديث قبيصة بن سلارق الذي أتى‬ ‫ال مَّرةً حّْرمت‪ -‬إِال ِيف ثَ ٍ‬ ‫بلث‪:‬‬ ‫صلُ ُح ‪َ -‬وقَ َ َ ُ َ ْ‬ ‫الرسول ‪ ‬طالباً للمعونة يف ْحالتو فقال لو‪" :‬إِ َّن الْ َم ْسأَلَةَ ال تَ ْ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ت لَوُ الْ َم ْسأَلَةُ َح َّىت يُ َؤّْديَ َها ُمَّ ؽلُْ ِس َ‬ ‫َر ُج ٍل َحتَ َّم َل ْتَ َمالَة َحلَّ ْ‬ ‫اجةٌ َوفَاقَةٌ َح َّىت يَ ْش َه َد لَوُ‬ ‫ك‪َ ،‬وَر ُج ٍل أ َ‬ ‫َصابَْتوُ َح َ‬ ‫ثَبلثَةٌ ِم ْن َذ ِوي ْ‬ ‫احلِ َجا ِم ْن قَ ْوِم ِو‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫اجةٌ َح َّىت يَ ْش َه َد لَوُ أ َْو يَ َكلَّ َم ثَبلثَةٌ‬ ‫ال َمَّرًة‪َ :‬ر ُج ٍل أ َ‬ ‫َصابَْتوُ فَاقَةٌ أ َْو َح َ‬ ‫ِمن ذَ ِوي ِْ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يب‬ ‫اجةٌ أ َْو فَاقَةٌ إِال قَ ْد َحلَّ ْ‬ ‫احل َجا م ْن قَ ْومو أَنَّوُ قَ ْد أ َ‬ ‫َصابَْتوُ َح َ‬ ‫ْ‬ ‫ت لَوُ الْ َم ْسأَلَةُ فَيَ ْسأ َُل َح َّىت يُص َ‬ ‫ِ‬ ‫ش ‪-‬أ َْو ِس َد ًادا ِم ْن َعْي ٍ‬ ‫قِ َو ًاما ِم ْن َعْي ٍ‬ ‫ش‪ُ -‬مَّ ؽلُْ ِس َ‬ ‫ت َمالَوُ َحلَّ ْ‬ ‫اح ْ‬ ‫ت لَوُ‬ ‫َصابَْتوُ َجائ َحةٌ ْ‬ ‫ك‪َ ،‬وَر ُج ٍل أ َ‬ ‫اجتَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش أ َْو َس َد ًادا ِم ْن َعْي ٍ‬ ‫يب قِ َو ًاما ِم ْن َعْي ٍ‬ ‫ك ِم ْن‬ ‫ك‪َ ،‬وَما َكا َن ِس َوى َذل َ‬ ‫ش ُمَّ ؽلُْ ِس َ‬ ‫الْ َم ْسأَلَةُ فَيَ ْسأ َُل َح َّىت يُص َ‬ ‫ِ‬ ‫ت " (رواه أْحد)‪.‬‬ ‫الْ َم ْسأَلَة ُس ْح ٌ‬ ‫‪ 1‬يوسف القرضاوي ‪ ،225‬آثار الزكاة يف األفراد وآّتمعات‪ ،‬نشر ضمن أْتاث مؤدتر الزكاة األول‪ ،‬بيت الزكاة الكوييت‪.‬‬

‫‪833‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫جوز ادلسألة حىت يصيب صاحب الفاقة قواماً من عيش؛ أي‬ ‫وجو الداللة ىنا أ ّن الرسول ‪ّ ‬‬ ‫غلد ما يكفي حاجتو‪ ،‬وقد قال اخلليفة الراشد عمر بن اخلطاب ‪‬حُت أوصى عمالو على الصدقة‪:‬‬ ‫"إذا أعطيتم فأغنوا‪ ،‬كرروا عليهم الصدقة وإن راح على أحدىم مائة من اإلبل"‬

‫‪1‬‬

‫‪ . 8‬الزكاة تضمن توزيع العائد االقتصادي‪ ،‬وحتقيق العدالة االجتماعية‪ ،‬حىت ال يكون ادلال متداوال بُت‬ ‫ُت ْاألَ ْغنِيَاء ِمن ُك ْم‪ ‬احلشر آية‪ .0 :‬يقول الدكتور أْحد‬ ‫األغنياء فقط ‪َ ‬ك ْي َال يَ ُكو َن ُدولَةً بَ ْ َ‬ ‫رلذوب‪ :‬الزكاة ىي أداة التوزيع األساسية يف النظام اإلسبلمي‪ ،‬ولضمان استمراريتها والدقة يف‬ ‫تنفيذىا جعلها اهلل تعاُف أحد أركان الدين حىت ال تًُتك للقرارات االقتصادية والظروف االجتماعية‬

‫واألىواء الشخصية‪ ،‬وىي ّٔذا تتميز باالستمرارية وعدم االنقطاع؛ ألهنا حق ثابت يف ادلال غلب‬

‫إخراجو عند استيفاء شروطو‪ .8‬والزكاة ّٔذا ال حتارب الفقر مبعونة مؤقتة أو دورية‪ ،‬وإظلا بوسيلة وقائية‬ ‫توسع فيها دائرة التمليك وتكثر عدد ادلبلك‪ ,‬ذلك أن ىدف الزكاة إغناء الفقَت بقدر ما تسمح بو‬ ‫حصيلتها‪ ،‬وإخراجو من دائرة احلاجة إُف دائرة الكفاية الدائمة‪ ،‬وذلك بتمليك كل زلتاج ما يناسبو‬ ‫ويغنيو كأن ُؽللَّك التاجر متجرا وما يلزمو ويتبعو‪ ،‬وُؽللَّك الزارع مزرعة وما يلزمها ويتبعها‪ ،‬وُؽللَّك‬ ‫احملًتف آالت حرفتو‪ ،‬وما يلزمها ويتبعها؛ فهي ّٔذا العمل تعمل على حتقيق ٍ‬ ‫ىدف عظيم‪ :‬ىو‬ ‫التقليل من عدد األجراء والزيادة من عدد ادلبلك‪.2‬‬ ‫‪ .8‬الزكاة تعمل على ختصيص ادلوارد االقتصادية‪ ،‬وتوزيعها بُت رلاالت االستثمار ادلختلفة االستثمارية‬ ‫واالستهبلكية للقطاع العام أو اخلاص للجيل احلاضر أو ادلستقبلي على ادلدى الطويل‪.‬‬ ‫ومن أىم آثار الزكاة على ختصيص األموال ما يلي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬األثر ادلباشر يف ختصيص ادلوارد‪ :‬فمصارف الزكاة الثمانية تتوزع بُت رلاالت الضمان االجتماعي‬ ‫(الفقراء وادلساكُت وابن السبيل) والنشاط العسكري (يف سبيل اهلل)‪ ،‬وتأمُت النشاط اإلنتاجي والتعامل‬ ‫االئتماين (الغارمُت)‪ ،‬والنشاط الدعوي (ادلؤلفة قلؤّم) وضلوه‪.‬‬ ‫‪ 1‬أخرجو عبد الرازق‪ ،‬وإبن أيب شيبة‪ ،‬والبيهقي يف السنن الكربى‪.‬‬ ‫‪ 2‬أْحد رلذوب (‪ 2002‬م)‪ ،‬اآلثار االقتصادية واالجتماعية للزكاة‪ ،‬دراسة نظرية مع إشارات تطبيقية‪،‬رللة دراسات مصرفية‬ ‫عدد أكتوبر ‪2000‬م ص‪.22‬‬

‫‪834‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬

‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫ب‪ .‬األثر غَت ادلباشر يف ختصيص ادلوارد‪ ،‬وذلك على النحو التاِف‪:‬‬ ‫أثر الزكاة على االستهالك‪:‬‬ ‫فادلعلوم أن الفقراء ذوو ميل حدي عال لبلستهبلك‪ ،‬واألغنياء ذوو ميل حدي منخفض‬ ‫لبلستهبلك‪ ،‬والزكاة تعمل على زيادة الطلب االستهبلكي ألهنا تؤخذ من الفئات ذات ادليل احلدي‬ ‫ادلنخفض لبلستهبلك وتعطى للفئات ذات ادليل احلدي العاِف لبلستهبلك‪ ،‬وىذه الزيادة تنعكس على‬ ‫العرض؛ حيث يتحرك ليسد الفجوة يف اإلنتاج‪ ،‬ولكن الزيادة ادلتوقعة تكون لزيادة إنتاج سلع االستهبلك‬ ‫الضروري اليت يستخدمها الفقراء وادلساكُت‪.‬‬ ‫أثر الزكاة على االدخار‪:‬‬ ‫إ ّن اىتمام الدول بالزكاة وحتصيلها من كل األموال اخلاضعة ذلا سَتفع حصيلة الزكاة‪ ،‬وسيعاًف‬ ‫مشاكل الفقراء وادلساكُت‪ ،‬وسيساىم يف مصروفات األمن والدفاع‪ ،‬وبالتاِف سيكون لو أثر مباشر يف‬ ‫توفَت اإليراد العام (الذي ىو ادخار إجباري) لتستفيد منو الدولة يف دتويل النفقات اليت ال ؽلكن دتويلها‬ ‫من أموال الزكاة‪.‬‬ ‫تشجع على االستثمار‪ ،‬ألهنا جتب يف ادلال ادلرصود للنماء بالفعل كاحليوانات اليت تنمو وتلد‪،‬‬ ‫‪ .5‬الزكاة ّ‬ ‫وحتصد‪ ،‬وادلرصود للنماء بالقوة كالدراىم والدنانَت‪ ..‬فالزكاة ُجترب صاحب ادلال‬ ‫واألرض اليت تُزرع ُ‬

‫على أال يًتك مالو سلزناً معطبلً عن االستثمار‪ ،‬وإال صار يف تناقص مستمر كما يف احلديث "أالَ‬ ‫َمن وِف يتيماً لو مال فليتجر فيو وال يًتكو حىت تأكلو الصدقة"‪.1‬‬

‫‪ . 7‬الزكاة حتريك للنمو االقتصادي‪ ،‬وبناء للموارد البشرية؛ألهنا حرب على العطالة والتسول‪ ..‬فمن أمواذلا‬ ‫ؽلكن إعطاء القادر العاطل ما ؽلكنو من حرفتو من أدوات أو رأس مال‪ ،‬ومنها ؽلكن أن يدرب على‬ ‫عمل مهٍت ػلًتفو ويعيش منو‪ ،‬ومنها ؽلكن إقامة مشروعات مجاعية يشتغل فيها العاطلون‪ ،‬وتكون‬ ‫ملكاً ذلم باالشًتاك‪ ،‬كلها أو بعضها‪.‬‬ ‫‪ 1‬يوسف القرضاوي (‪2027‬م)‪ ،‬فقو الزكاة اجلزء األول‪ ،‬الطبعة السادسة عشر ‪2503‬ى ‪ .‬دار الكتب ادلصرية‪ -‬القاىرة‪.‬‬ ‫ص‪.03‬‬

‫‪835‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫‪ . 3‬الزكاة أداة لتحقيق االستقرار االقتصادي‪ :‬إذ تعترب أداة لبلستقرار الذايت؛ أي األساليب الكامنة يف‬ ‫النظام ادلاِف‪ ،‬اليت تؤدي إُف حدوث فائض أو عجز ْتسب الظروف االقتصادية‪ ،‬ودون تدخل من‬ ‫الدولة باختاذ إجراءات مالية من شأهنا إحداث ذلك‪ ،‬انطبلقا من ثبات معدذلا والنصاب ادلفروضة‬ ‫عليو؛ فحصيلة الزكاة تعكس احلالة االقتصادية السائدة‪ ،‬وتتقلب ىذه احلصيلة ارتفاعا واطلفاضا مع‬ ‫تقلبات الدخل من غَت أن يكون ذلذه التقلبات أثر يف اجلباية‪ ،‬كما ؽلكن استخدام حصيلة الزكاة‬ ‫ادلتجمعة كسياسة مالية تقديرية مثل ما تستخدم ادلدفوعات التحويلية أو برامج اإلنفاق احلكومي‬ ‫الشامل‪.‬‬ ‫‪ . 0‬الزكاة تعمل على توفَت اإلدارات والبيانات البلزمة ألجهزة التخطيط والتنظيم‪ :‬فادلعلوم أ ًن مباشرة‬ ‫الدولة جلباية الزكاة وتوزيعها تؤدي إُف توفَت جهاز إداري ذي كفاءة عالية وشبكة اتصاالت قوية‬ ‫ػليط بكل األموال اليت جتب فيها الزكاة من زروع وثروة حيوانية وركاز يف كل األقاليم وادلدن والقرى‪،‬‬ ‫وػليط كذلك بأحوال ادلواطنُت األغنياء والفقراء‪ ،‬ويلم بالكثَت من اإلحصاءات‪.‬‬ ‫إزالة آثار الفقر االجتماعية‪:‬‬

‫‪ -2‬الزكاة بتوفَتىا دلصدر رزق مستقر لعائل األسرة تعمل على حفظ العبلقات األسرية‪ِ ،‬‬ ‫وتوجد احملضن‬ ‫ادلناسب لؤلبناء لينشئوا يف كنف ذويهم يف جو نفسي مساعد وبيئة مادية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -8‬الزكاة ضمان اجتماعي رفيع َف يعرف لو التاريخ مثيبلً‪ ،‬وحصن حصُت ضد تقلبات األيام‪ ،‬وعون‬ ‫وسند للمضطرين‪ ،‬وؽلكن إغلاز دور الزكاة يف الضمان االجتماعي يف النقاط الت الية‪:‬‬

‫_ ىي عون للعاجزين جسمانياً من ادلعوقُت‪ ،‬وادلرضى بأمراض مزمنة‪ ،‬وصغار السن الذين ال عائل ذلم‬ ‫(اليتامى) وسائر األسباب البدنية اليت يبتلى ادلرء ّٔا وال ؽللك إُف التغلب عليها سبيبلً‪ ،‬فهذا يعطى‬

‫من مال الزكاة ما يغنيو جرباً لضعفو ورْحة لعجزه‪ ،‬حىت ال يكون آّتمع عوناً للزمن عليو‪ ،‬وإن كان‬

‫باإلمكان تدريب بعض ذوي العاىات كالصم وادلكفوفُت وضلوىم على أنواع من العمل تناسبهم‪،‬‬

‫وتسد حاجتهم؛ "فبل بأس باإلنفاق على تعليمهم وتدريبهم من مال الزكاة"‬ ‫_ ىي عون للعاجزين عن الكسب من أص حاب الق وة اجلس دية ال ذين انس دت أب واب الكس ب احل بلل‬ ‫يف وج وىهم‪ ،‬فه ؤالء يف حك م الع اجزين جس دياً‪ ،‬إذ أهن م أقوي اء غ َت مكتس بُت‪ .‬وال يص ح فيهم ا م ا‬ ‫‪836‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬

‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫رواه اإلم ام أْح د يف ش أن ال رجلُت ال ذين ج اءا يس أالن الرس ول ‪ ‬م ن الص دقة فرف ع فيهم ا البص ر‬ ‫وخفض و فوج دعلا جل دين ق ويُت فق ال ذلم ا‪" :‬إن ش ئتما أعطيتكم ا‪ ،‬وال ح ظ فيه ا لغ ٍت وال لق وي‬ ‫مكتسب"؛ إذ إهنم غَت مكتسبُت‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ى ي ع ون ل ذوي احلاج ات الطارئ ة ‪-‬وإن ك انوا يف األص ل أغني اء ق ادرين‪ -‬م ن الغ ارمُت (ال ذين‬ ‫اض طروا لبلس تدانة وَف يس تطيعوا الوف اء‪ ،‬وم ن اجت احتهم ج وائح الس يول واحلرائ ق وضل وه ف ذىبت‬ ‫مباذلم)‪ ،‬وأبناء السبيل من الغرباء ادلنقطعُت عن أىلهم ووطنهم؛ فهؤالء ذلم احلق يف مال الزكاة بنص‬ ‫القرآن يف مصارف الزكاة الثمانية‪ .‬وأصحاب الكوارث عموماً شل ن عض هم ال دىر بناب و ف ًتكهم فق راء‬ ‫بعد غٌت‪ ،‬وأذالء بعد عز‪ ،‬ومضطرين بعد طمأنينة‪ .‬ذلم يف سهم الغارمُت مندوحة‪.1‬‬

‫‪ -8‬الزكاة حل دلشاكل الفقراء االجتماعية‪ :‬ومن أمثلة ذلك مشكلة العزوبة‪ :‬من فضل اهلل وعونو الذي‬ ‫وعد بو كل مؤمن يريد إعفاف نفسو بالزواج أن ؽلد آّتمع ‪-‬شلثبلً يف احلكومة أو مؤسسة الزكاة‪-‬‬ ‫يده إليو بادلساعدة يف ادلهر ونفقات الزواج إن كان من أىل احلاجة‪ ،‬حىت يستطيع أن يستجيب‬

‫لنداء اإلسبلم يف غض البصر‪ ،‬وإحصان الفرج‪ ،‬وإقامة األسرة ادلسلمة‪ ،‬ومعرفة آية اهلل البينة اليت نبو‬ ‫ِ‬ ‫إليها عباده شلتنا عليهم بقولو‪ِ​ِ ِ :‬‬ ‫اجا لّْتَ ْس ُكنُوا إِلَْي َها َو َج َع َل‬ ‫((وم ْن آيَاتو أَ ْن َخلَ َق لَ ُكم ّْم ْن أَنْ ُفس ُك ْم أ َْزَو ً‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ك آلَيَات لَّْق ْوم يَتَ َف َّكُرو َن)) (الروم آية‪.)82 :‬‬ ‫بَْي نَ ُكم َّم َوَّدةً َوَر ْ​ْحَةً إِ َّن ِيف ذَل َ‬ ‫إزالة اآلثار الثقافية للفقر‪:‬‬ ‫‪ -2‬تساىم الزكاة مساعلة مقدرة يف دعم معاىد القرآن واجلامعات الدينية والتخصصية‪ ،‬إضافة لدورىا‬ ‫الكبَت يف كفالة طالب العلم‪.‬‬ ‫‪ -8‬زلو األمية ونشر العلم ػلدان من انتشار العقائد الفاسدة واألفكار ادلنحرفة‪ ,‬والزكاة مورد دعم حملو‬ ‫األمية‪.‬‬ ‫إزالة اآلثار السياسية للفقر‪:‬‬ ‫‪ -2‬الزكاة مصدر من مصادر دعم اجلهاد (سهم يف سبيل اهلل)‪ ،‬وتقوية احلكومات حىت ال ختضع‬ ‫لبلستعمار السياسي‪ ،‬والسيطرة األجنبية‪.‬‬ ‫‪ 1‬إبن اجلوزى (‪)2803‬ىجرية‪ ،‬تاريخ عمر إبن اخلطاب‪ ،‬ادلطبعة التجارية – القاىرة ص‪.202‬‬

‫‪837‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫‪ -8‬الزكاة مصدر من مصادر االستقرار السياسي مبا حتققو من تكافل اجتماعي‪ ،‬وتواصل بُت األغنياء‬ ‫والفقراء‪ ،‬واالستقرار االجتماعي يؤدي الستقرار احلياة عموماً‪.‬‬ ‫فاعلية الزكاة في معالجة الفقر في صدر اإلسالم‪:‬‬ ‫لقد أثبتت الزكاة فاعليتها يف عبلج الفقر يف تاريخ السلف الصاٌف؛ إذ كانت تؤخذ بتمام حقها‬ ‫وتصرف إُف مستحقيها‪ ..‬فأدت إُف القضاء على الفقر يف وقت وجيز‪ ..‬وتواترت قصص وأخبار‬ ‫صحيحة عن أن بعض ديار ادلسلمُت خلت من الفقراء‪ ..‬من ىذه األخبار‪:‬‬ ‫ما رواه أبو عبيد عن أن عمر بن اخلطاب أنكر على معاذ بن جبل أن بعث إليو بثلث صدقة‬ ‫أىل اجلند باليمن فقال لو‪َ :‬ف أبعثك جابياً وال ِ‬ ‫آخ َذ جزية‪ ،‬ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فًتدىا‬ ‫على فقرائهم‪ .‬فرد معاذ بقولو‪ :‬ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه مٍت‪ ،‬فلما كان العام الثاين‬ ‫بعث إليو بشطر الصدقة فًتاجعا مبثل ذلك‪ ،‬فلما كان العام الثالث بعث إليو ّٔا كلها‪ ،‬وكانت حجة‬ ‫معاذ أيضاً‪ :‬ما وجدت أحداً يأخذ مٍت شيئاً (كتاب كنز العمال للمتقي اذلندي)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ما رواه البيهقي عن عمر بن أسيد أن عمر بن عبد العزيز قد أغٌت الناس حىت ال غلدون من يأخذ‬ ‫منهم مال الصدقة‪ ،‬وشهد بذلك ػلِت بن سعيد حُت قال‪ :‬بعثٍت عمر بن عبد العزيز على صدقات‬ ‫إفريقية (منطقة تونس)‪ ،‬فجمعتها وطلبت الفقراء أعطيها ذلم‪ ،‬فلم أجد فقَتاً يقبل أن يأخذ مٍت‬ ‫صدقة بيت ادلال‪ ،‬فاشًتيت ّٔا رقاباً وأعتقتهم بعد أن جعلت والءىم للمسلمُت‪.‬‬

‫مقتضيات المنهج اإلسالمي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫التعاون‪ ,‬والعدل ُرْك ٌن‬ ‫ومن ُمقتضيات ادلنهج‬ ‫ّْ‬ ‫اإلسبلمي للحياة أنو يقوم على العدل واحملبة و ُ‬ ‫من أركان آّتمع األساسية‪ ،‬وىو ذو تأثَت كبَت على األركان األخرى‪.‬‬ ‫والعدل يف مجيع رلاالت احلياة فهو امتداد للعدل ال َك ْوِينّْ‪ ,‬شلا يتعُت معو أن يكون اإلنسان‬ ‫عادالً يف سلوكِ ِو‪ِ ،‬‬ ‫منسج ًما مع الكون‪ ،‬وإالَّ كان غريبًا وشاذِّا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يموا الْ َوْز َن‬ ‫وىف ىذا يقول اهلل تعاُف‪َ :‬و َّ‬ ‫الس َماءَ َرفَ َع َها َوَو َ‬ ‫ض َع الْم َيزا َن أََّال تَطْغَ ْوا يف الْم َيزان َوأَق ُ‬ ‫بِالْ ِق ْس ِط َوَال ُختْ ِسُروا الْ ِم َيزا َن ‪ ‬الرْحن آية‪.0 - 0 :‬‬ ‫‪838‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬

‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫هدف اإلسالم من محاربة الفقر‪:‬‬ ‫يستهدف اإلسبلم من زلاربة الفقر‪ ،‬حترير اإلنسان من براثنو‪ْ ،‬تيث يتهيأ لو مستوى من ادلعيشة‬ ‫يليق بكرامة اإلنسان‪ ،‬وىو الذي كرمو اهلل‪ .‬وإذا ضمن اإلنسان احلياة الطيبة‪ ،‬وشعر بنعمة اهلل‪ ،‬أقبل على‬ ‫عبادة اهلل يف خشوع وإحسان‪ ،‬ومن م ال ينشغل بطلب الرغيف‪ ،‬وال يبتعد عن معرفة اهلل وحسن الصلة‬ ‫بو‪.‬‬ ‫ومن ىنا فرض اهلل الزكاة‪ ،‬وجعلها ركنًا من أركان اإلسبلم‪ ،‬تؤخذ من األغنياء لًتد على الفقراء‪،‬‬

‫كما‬ ‫ؤّذا يستطيع الفقَت أن يشارك يف احلياة‪ ،‬ويقوم بواجبو يف طاعة اهلل‪ ،‬كعضو حي يف آّتمع وليس ِّ‬ ‫وموردا بشريِّا يساىم يف تقدم رلتمعو‪ ،‬وأمتو‬ ‫مهمبلً‪.‬إن شعور الفقَت بذلك يعترب يف حد ذاتو ثروة كبَتة‪ً ،‬‬

‫اإلسبلمية‪ .‬وإذا كان القرآن الكرًن قد نص على سبيل احلصر على مصارف الزكاة يف قولو – تعاُف ‪:-‬‬ ‫الصدقَات لِْل ُف َقر ِاء والْمساكِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرقَ ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ُت َوِيف َسبِ ِيل اللَّ ِو‬ ‫ُت َعلَْي َها َوالْ ُم َؤلََّف ِة قُلُوبُ ُه ْم َوِيف ّْ‬ ‫اب َوالْغَا ِرم َ‬ ‫ُت َوالْ َعامل َ‬ ‫))إظلَا َّ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السبِ ِيل فَ ِر ِ ِ‬ ‫يم(( التوبة آية‪َّ .30 :‬‬ ‫فإن ىذه اآلية الكرؽلة قد حصرت‬ ‫َوابْ ِن َّ‬ ‫َ‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫يضةً م َن اللَّو َواللَّوُ َعل ٌ‬ ‫مصارف الزكاة‪ ،‬ولكنها َف حتدد مواصفات وشروط كل مصرف‪ ،‬وتركت ذلك للفقو ليواكب استخدام‬ ‫حصيلة الزكاة وتطور آّتمع وظروفو‪ .‬وىف ختصيص ُجزء من حصيلة الزكاة للفقراء وادلساكُت‪ ،‬استهدفت‬

‫اآلية أن جتعل من الزكاة أداة لتحقيق رلتمع إسبلمي متضامن ومتعاون بُت األغنياء و الفقراء‪ ،‬ولعل ذلك‬

‫يؤدي بنا إُف ضرورة حتديد مفهوم الفقر يف اإلسبلم‪.‬‬ ‫ضوابط عدالة التوزيع في اإلسالم‪:‬‬ ‫فإذا اوضح التفاوت فجوة متسعة بُت األقل دخبلً واألكثر دخبلً‪ ،‬فإن اإلسبلم ال يعًتف ّٔذا‬

‫منهجا ػلقق العدالة يف ىذا التوزيع‪:‬‬ ‫النمط من توزيع الدخل‪ ،‬وذلذا يسلك ً‬

‫أوالا‪ -‬بالنسبة لحد الكفاف‪:‬‬

‫فتتجسد عدالة التوزيع يف اإلسبلم يف ادلساواة ادلطلقة بُت األفراد‪ ،‬ويعٍت ذلك أنو إذا كانت‬

‫إمكانيات آّتمع تعطي فقط احلاجات األساسية لؤلفراد‪ ،‬فبل غلوز أن يتفاوت فرد عن فرد يف االستفادة‬ ‫من ىذه اإلمكانيات‪ .‬ويف ىذا يقول اهلل – تعاُف ‪(( :-‬إِ َّن لَك أََّال َجت ِ‬ ‫َّك َال تَظْ َمأُ‬ ‫وع ف َيها َوَال تَ ْعَرى َوأَن َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض َحى)) طو آية‪ .220-222 :‬ويوضح ابن حزم احلاجات األساسية ىذه‪ ،‬واليت غلب أن‬ ‫ف َيها َوَال تَ ْ‬ ‫‪839‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫تتوفر لكل إنسان يف ظل اإلسبلم بقولو‪" :‬وفرض على األغنياء يف كل بلد أن يقوموا بفقرائهم‪ ،‬وغلربىم‬ ‫السلطان على ذلك‪ ،‬إن َف تقم الزكوات وال يف سائر ادلسلمُت ّٔم فيقام ذلم مبا يلزمهم من القوت الذي‬ ‫ال بد منو‪ ،‬ومن ملبس للصيف والشتاء مثل ذلك‪ ،‬ومن مسكن يكفيهم من الشمس وادلطر وعيون‬ ‫ادلارة"‪.‬‬ ‫وعلى ىذا األساس إذا كانت موارد آّتمع تعجز عن توفَت حد الكفاية لكل فرد‪ ،‬مبعٌت أن‬ ‫يكون ىناك من ال غلد االستهبلك الضروري‪ ،‬وىناك من يزيد استهبلكو عن احلاجات األساسية فإن‬ ‫اإلسبلم ال يقر ذلك يف كل الوجوه‪ .‬ويف ىذا يقول رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليو وسلم ‪(( -‬ما آمن يب‬ ‫من بات شبعان وجاره جائع))‪ .‬وال يقتصر األمر عند ىذا احلد؛ بل إن اإلسبلم ال يعًتف بادللكية‬ ‫جائعا فبل مال ألحد))‪ .‬وإزاء‬ ‫اخلاصة يف مثل ىذه احلالة‬ ‫ً‬ ‫استنادا إُف قول رسول اهلل ‪(( ‬إذا بات مؤمن ً‬

‫ىذا ادلوقف يدعو اإلسبلم إُف تعبئة ادلوارد‪ ،‬وتوزيعها بالتساوي بُت األفراد‪ ،‬فقد قال أبو سعيد اخلدري‪:‬‬

‫كنا يف سفر فقال رسول اهلل ‪(( : ‬من كان معو فضل ظهر "دابة" فليعد بو على من ال ظهر لو‪ ،‬ومن‬ ‫‪1‬‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫كان معو فضل زاد فليعد بو على من ال زاد لو)) ‪ .‬ويف ىذا يقول أبو ذر الغفاري يف ذلك ً‬

‫شاىرا سيفو"‪ .‬ونتيجة لذلك فإنو إذا شاع‬ ‫"عجبت دلن ال غلد القوت يف بيتو‪ ،‬كيف ال ؼلرج على الناس ً‬

‫زلروما من إشباع حاجاتو‬ ‫فردا و ً‬ ‫الغٌت مبستوياتو العديدة‪ ،‬يف الوقت الذي صلد فيو‪ -‬ولو ً‬ ‫احدا يف آّتمع‪ً -‬‬ ‫األساسية‪ ،‬فإ ّن ىذا النمط من توزيع الدخول مدان من وجهة نظر اإلسبلم وغَت معًتف بو من جانبو‪.‬‬

‫ثانيا‪-‬بالنسبة لحد الكفاية‪:‬‬

‫إذا توافر حد الكفاية لكل فرد‪ ،‬م وجدت إمكانية فوق ذلك ْتيث تتجاوز الدخول ىذا‬

‫احلد‪ ،‬فإن عدالة التوزيع تقتضي أن يكون ىناك تفاوت بُت األفراد‪ .‬ويف ذلك يقول اهلل – تعاُف ‪:-‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ض ِيف ّْ ِ‬ ‫َ َّ‬ ‫ض ُك ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬ ‫ت أَْؽلَانُ ُه ْم فَ ُه ْم‬ ‫ين فُ ّْ‬ ‫َّل بَ ْع َ‬ ‫ضلُوا بَِر ّْادي ِرْزق ِه ْم َعلَى َما َملَ َك ْ‬ ‫الرْزق فَ َما الذ َ‬ ‫((واللوُ فَض َ‬ ‫فِ ِيو َس َواءٌ أَفَبِنِ ْع َم ِة اللَّ ِو َْغل َح ُدو َن)) النحل آية‪ .02 :‬فادلفضل ىو الذي عليو أن يعود على األقل امتثاالً؛‬ ‫لقولو ‪( :‬فمن كان أخوه حتت يده‪ ،‬فليطعمو شلا يطعم‪ ،‬وليلبسو شلا يلبس)‪ .‬ويقول جل شأنو‪َْ  :‬ضل ُن‬ ‫قَسمنا ب ي ن هم معِيشت هم ِيف ْ ِ‬ ‫ٍ ِ ِ‬ ‫ض ُه ْم فَ ْو َق بَ ْع ٍ‬ ‫ضا ُس ْخ ِريِّا‬ ‫ض ُه ْم بَ ْع ً‬ ‫ض َد َر َجات ليَتَّخ َذ بَ ْع ُ‬ ‫احلَيَاة الدُّنْيَا َوَرفَ ْعنَا بَ ْع َ‬ ‫َ ْ َ َْ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ‬ ‫‪ 1‬اإلمام الغزاِف (‪2072‬م)‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬مطبعة صبيح ‪ -‬القاىرة‪.‬‬

‫‪841‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬ ‫ِ‬ ‫فضل بُت األفراد يف أرزاقهم؛‬ ‫ك َخْي ٌر شلَّا َْغل َم ُعو َن‪ ‬الزخرف آية‪ .88 :‬ونبلحظ يف ىذا أ ّن اهلل ّ‬ ‫َوَر ْ​ْحَةُ َربّْ َ‬ ‫أي يف الدخول اليت ػلصلون عليها‪ .‬ويتفق اإلسبلم ىنا مع منطق األشياء‪ ،‬فاإلنسان ؼلتلف يف ملكاتو‬ ‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫ومواىبو من فرد إُف آخر‪ ،‬ومن العدل أن يتحقق االختبلف فيما يعود على كل منهم جزاء أعماذلم‪ .‬وإذا‬ ‫كان اذلدف من ىذا التفاوت ىو التعاون على ضلو ما رأينا فإن ىذا التفاوت ال يكون مطل ًقا‪ ،‬وإظلا‬

‫مقيدا ْتدود ىذا اذلدف‪ .‬وال يعٍت حد الكفاية احلاجات الضرورية أو األساسية‪ ،‬وإال أدى ذلك كما‬ ‫ً‬ ‫جاء على لسان اإلمام الغزاِف‪" :‬إُف سقوط احلج والزكاة والكفارات ادلالية‪ ،‬وكل عبادة نيطت بالغٌت من‬

‫الناس‪ ،‬إذا أصبح الناس ال ؽللكون إالَّ قدر حاجاهتم‪ ،‬وىو غاية القبح"‪ .‬والسؤال الذي ؽلكن أن يطرح‬ ‫ىنا ىو‪ :‬ىل ىناك حد أعلى للغٌت يتعُت أال يتجاوزه الفرد؟ الواقع أنو ليس ىناك حد للغٌت‪ ،‬أو حجر‬ ‫على اإلنسان يف مقدار شلتلكاتو‪ ،‬وليس ذلك مدانًا؛ بل التقصَت فيو ىو زلل اإلدانة‪ .‬وال يعٍت ذلك أن‬

‫الغٌت متبلزم مع الًتف‪ ،‬وإظلا ينشأ الًتف من ظلط اإلنفاق بغض النظر عما ؽللك اإلنسان من أموال‪،‬‬

‫وإال كان عثمان بن عفان‪ ،‬وعبد الرْحن بن عوف من كبار ادلًتفُت لعظم ما ؽللكون‪ .‬وعليو فإن ما يرد‬ ‫على الغٌت من قيود ىو ضرورة توفَت حد الكفاية لكل فرد‪ ،‬والتوسط يف اإلنفاق حىت بعد استيفاء ىذا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين إِ َذا أَنْ َف ُقوا َ​َفْ يُ ْس ِرفُوا َوَ​َفْ يَ ْقتُ ُروا‬ ‫احلد‪ ،‬أي دون ترف أو تقتَت وذلك جاء يف قولو – تعاُف ‪َ  :-‬والذ َ‬ ‫وَكا َن ب ِ‬ ‫ك قَ َو ًاما‪ ‬الفرقان آية‪ .30 :‬ونتيجة ذلك فإن على الفرد وىو يشق طريق الغٌت أن يأخذ يف‬ ‫ُت َذل َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫اعتباره النهوض باآلخرين‪ ،‬والعمل على رفع دخوذلم كلما ازداد دخلو‪.‬‬ ‫دور الزكاة في عالج الفقر وتحقيق التكافل االجتماعي‪:‬‬ ‫تلك ىي مشكلة الفقر الذي ػلاربو اإلسبلم‪ ،‬وىي مشكلة مردىا اإلنسان ذاتو سواء بكفرانو‬ ‫بالنعمة من حيث إعلال استثمار الطبيعة‪ ،‬وعدم استغبلل ادلوارد اليت تفضل اهلل ّٔا على عباده‪ ،‬أو بظلمو‬ ‫من ناحية سوء توزيع الدخول والثروات‪ ،‬وقد أشرنا إُف موقف اإلسبلم من ذلك سواء مبا وضعو لئلنتاج‬ ‫من أحكام‪ ،‬ومبا قرره للتوزيع من تعاليم‪ ،‬فاألفراد يتساوون يف حد الكفاف ‪ ،‬ويتفاوتون بعد حد الكفاية‪،‬‬

‫تفاوتًا ػلقق غاية التعاون فيما بينهم حلاجة كل منهم لآلخر‪ .1‬ومعٌت ذلك أن ىذا التفاوت وإن كان‬ ‫مطلوبًا‪ ،‬إال أنو ليس مطل ًقا؛ بل منضبطًا بالقدر الذي ال يسمح بالسفو أو الًتف‪ ،‬ويف ىذا فإن التوازن‬ ‫‪ 1‬للتوسع ‪ :‬أنظر زلمد باقر الصدر ‪ :‬اقتصادنا ‪،‬ط‪ ، 28‬دار التعارف بَتوت ‪ 2020‬ص‪ 852-853‬وزلمد شوقي‬ ‫الفنجري ‪ ،‬االسبلم وادلشكلة االقتصادية ‪ ،‬ط‪ ، 8‬دار الوطن ‪ ،‬السعودية ‪ ،‬ص‪.208-00-70-50‬‬

‫‪848‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫االقتصادي بُت أفراد آّتمع مطلوب كذلك إذا اختل ىذا التوازن‪ ،‬وتكون مسؤولية ذلك من واجب‬ ‫ِ‬ ‫ك قَ ْريَةً أ َ​َم ْرنَا ُمْت َرفِ َيها فَ َف َس ُقوا فِ َيها فَ َح َّق‬ ‫معا‪ .‬وذلذا يقول اهلل ‪ -‬تعاُف ‪َ  :-‬وإِ َذا أ َ​َرْدنَا أَ ْن نُ ْهل َ‬ ‫الفرد والدولة ً‬ ‫اىا تَ ْد ِم ًَتا‪ ‬اإلسراء آية‪ .23 :‬وجدير بالذكر أن نشَت إُف أن عبلج الفقر يف اإلسبلم‬ ‫َعلَْي َها الْ َق ْو ُل فَ َد َّم ْرنَ َ‬ ‫أساسا إُف العمل‪ ،‬ونفقات ادلوسرين من األقارب والصدقات‬ ‫ال ينصرف فقط إُف الزكاة؛ بل يرجع ً‬

‫ادلستحبة وغَتىا‪ .‬ومع ذلك فإن أموال الزكاة توجو يف معظمها ألغراض التوازن االجتماعي؛ ّٔدف رفع‬ ‫حاجة الفئات احملتاجة‪ ،‬وذلذا كانت الزكاة من مسؤولية الدولة يف جبايتها وإنفاقها‪ ،‬ويف ذلك يتفق معظم‬ ‫رجال الفكر اإلسبلمي‪ .‬فضمان حد الكفاية لكل فقَت أو مسكُت‪ ،‬وإنفاق الزكاة يف مصارفها الشرعية‪،‬‬

‫ىو من مهام الدولة اليت ال تستند إُف جهود فردية تعجز عن القيام ّٔا‪.‬‬ ‫كثَتا ما يكون‬ ‫إن عبلج الفقر من جانب الزكاة يسهم يف عبلج اجلهل وادلرض‪ .‬فمشكلة اجلهل ً‬

‫سببها الفقر‪ ،‬حيث ال يستطيع الفقَت أن يتعلم وال أن يعلم أوالده‪ ،‬ذلذا كان ىذا اذلدف من احلاجات‬ ‫األساسية اليت غلب أن تتوفر للفقَت من حصيلة الزكاة‪ .‬وترتبط مشكلة ادلرض كذلك مبشكلة الفقر على‬ ‫أساس أنو إذا ارتفع مستوى ادلعيشة‪ ،‬وتوافر لدى مجهور األفراد حسن التغذية‪ ،‬وادلسكن الصحي‪،‬‬ ‫والقدرة على العبلج فإن ادلرض ينحصر مداه يف أضيق نطاق‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فإ ّن القضاء على الفقر‬ ‫يقضي على اجلهل وادلرض‪ ،‬وفضبلً عن ىذا فإن مشكلة عزوف كثَت من الشباب عن الزواج يف عصرنا‬ ‫احلاضر؛ بسبب عجزىم عن حتمل أعبائو ادلالية سواء من ناحية الصداق أو التأثيث‪ ...‬اٍف‪ .‬ىذه‬ ‫ادلشكلة جتد حلها كذلك يف حصيلة الزكاة‪ ،‬ففيها متسع ذلا من خبلل تقدًن إعانة دلن يريد أن ػلفظ‬ ‫دينو‪ ،‬فالزواج من دتام حد الكفاية الذي سلفت اإلشارة إليو‪ ،‬كما أن تلقي العلم ونفقات الكتب تعترب‬ ‫من دتام ىذا احلد‪ .‬لكن دلاذا احلق ادلعلوم للسائل واحملروم؟‪ .‬من ادلعلوم أن اإلسبلم أقر ادللكية اخلاصة‪،‬‬ ‫كثَتا من أحكامو عليها‪ ،‬ويف إقرار ادللكية اخلاصة يقول اهلل – تعاُف ‪ :-‬إَِّظلَا أ َْم َوالُ ُك ْم َوأ َْوَال ُد ُك ْم فِْت نَةٌ‬ ‫وبٍت ً‬ ‫واللَّو ِعْنده أَجر ع ِظيم‪ ‬التغابن آية‪ .27 :‬ويقول‪ :‬الَّ ِذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّها ِر ِسِّرا َو َع َبلنِيَةً‬ ‫ين يُْنف ُقو َن أ َْم َوا َذلُ ْم باللَّْي ِل َوالن َ‬ ‫َ ُ َ ُ ٌْ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ف َعلَْي ِه ْم َوَال ُى ْم َْػلَزنُو َن‪ ‬البقرة آية‪ .805 :‬ومع ذلك فإ ّن ىذه ادللكية‬ ‫َجُرُى ْم عِْن َد َرِّّْٔ ْم َوَال َخ ْو ٌ‬ ‫فَلَ ُه ْم أ ْ‬ ‫ليست مطلقة أو أصلية يتصرف فيها ادلالك على ىواه‪ ،‬وإظلا ىي ملكية ظاىرية؛ ألهنا خاضعة لشروط‬ ‫ادلالك األصلي‪ ،‬وىو اهلل ‪ -‬سبحانو وتعاُف ‪ -‬أما ما يفيد ادللكية األصلية اليت هلل فهو قولو – تعاُف ‪:-‬‬ ‫‪842‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬

‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َوَما ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫ت الث َ​َّرى‪ ‬طو آية‪:‬‬ ‫‪َّ ‬‬ ‫ض َوَما بَْي نَ ُه َما َوَما َْحت َ‬ ‫الر ْ​ْحَ ُن َعلَى الْ َع ْر ِش استوي لَوُ َما يف َّ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ض قُ ْل لِلَّ ِو‪ ‬األنعام آية‪ .28 :‬وقد اقتضت حكمة اهلل‬ ‫‪ .3 -7‬وقولو‪ :‬قُ ْل ل َم ْن َما يف َّ َ َ‬

‫أن يستحلف اإلنسان يف األرض‪ ،‬أي أن يكون خليفة لو يف التصرف يف ىذه ادللكية‪ ،‬حثِّا على اإلنفاق‬ ‫يف سبيل اهلل‪ ،‬واستجابة لقولو – تعاُف ‪ :-‬وآتُوىم ِمن م ِال ِ‬ ‫اهلل الَّ ِذي آتَا ُك ْم‪ ‬النور آية‪.88 :‬‬ ‫َ ُْ ْ َ‬ ‫وإذا كان ادلال شللوًكا ملكية مطلقة هلل تعاُف‪ ،‬فإنو قد أوجده جلميع عباده القادر منهم والعاجز‬ ‫ِ​ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫لسائِ ِل َوالْ َم ْحُر ِوم‪ ‬ادلعارج‬ ‫وم لِ َّ‬ ‫ين ِيف أ َْم َواذل ْم َح ّ​ّق َم ْعلُ ٌ‬ ‫على حد سواء‪ ،‬وذلذا يقول اهلل – تعاُف ‪َ  :-‬والذ َ‬ ‫آية‪ . 87 - 85 :‬ويعٍت ذلك أن القادرين من عباد اهلل إظلا يعملون يف أمواذلم‪ ،‬وأموال العاجزين منهم‬ ‫عن العمل‪ ،‬وذلذا َّ‬ ‫فإن من حق ىؤالء العجزة أن ػلصلوا على جزء شلا أنتجو القادرون؛ ألهنم يشًتكون‬ ‫للسائلُت واحملرومُت‬ ‫معهم فيما يعملون فيو‪ ،‬ويفسر ذلك قول احلق ‪ -‬تبارك وتعاُف ‪ -‬يف اآلية األخَتة أن‬ ‫َ‬ ‫حقِّا يف أموال القادرين‪ ،‬وليس تفضبلً أو ِمنَّة منهم عليهم‪.‬‬

‫َّ‬ ‫إن الزكاة ليست رلرد إجراء مسكن ووقيت بالنسبة للفقَت‪ ،‬وإظلا ىي معونة دورية منتظمة‪ ،‬فإذا‬

‫حل احلول‪ ،‬حل اخلَت ذلؤالء الفقراء وادلساكُت‪ ،‬وكلما جاء احلصاد وافاىم نصيبهم‬ ‫ىل العام اجلديد‪ ،‬أو َّ‬ ‫ّ‬ ‫من زكاة الزر وع والثمار‪ .‬ومن أدب اإلسبلم أنو ال يكلف الفقَت أن يأيت للغٍت ليتسلم منو نصيبو من‬

‫الزكاة‪ ،‬وإظلا يتعُت أن يصل ىذا احلق إُف الفقَت يف منزلو‪ ،‬إ ّن األصل أ ّن الزكاة توزع حيث مجعت‪ ،‬وما‬ ‫يبقى بعد ذلك يرسل إُف بيت ادلال الرئيسي؛ لينفق منو على ادلراكز القريبة من مكان حتصيلها‪ ،‬واليت‬ ‫حتتاج إُف معونة‪ ،‬وذلذا فإن الطابع احمللي أو اإلقليمي للزكاة ىو األصل‪ ،‬وىو ما غلب أن يكون‪.‬‬ ‫وإذا كان التكافل االجتماعي يعٍت أن للفرد يف آّتمع حقوقًا غلب معها على القوامُت على‬ ‫ىذا آّتمع أن يعطوا كل ذي حق حقو‪ ،‬وأن يدفعوا الضرر عن الضعفاء‪ ،‬وأن يسدوا خلل العاجزين‪،‬‬ ‫وإال تآكلت لبنات آّتمع واهنار بنيانو‪ .‬إذا كان ىذا ىو مفهوم التكافُل االجتماعي‪ ،‬فإن الزكاة تعترب‬ ‫من ىذه الناحية أول مؤسسة للتكافل االجتماعي يف التاريخ‪.‬‬

‫‪843‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫ولعل أبلغ تعبَت عن ذلك قول رسول اهلل ‪( :‬ادلؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضو بعضا))‪،‬‬ ‫وقولو ‪( :- -‬مثل ادلؤمنُت يف توادىم وتراْحهم؛ كمثل اجلسد‪ ،‬إذا اشتكى منو عضو تداعى لو سائر‬ ‫اجلسد بالسهر واحلمى) رواه أبو داود والًتمذي وابن ماجو بسند صحيح‪.‬‬ ‫منهجية الدراسة‪:‬‬ ‫اعتمدت ىذه الدراسة على بيانات أولية مت مجعها عن طريق االستبيان كوسيلة جلمع‬ ‫البيانات‪ .‬وزع االستبيان على عينة عشوائية طبقية مكونة من (‪ )00‬أسرة حتصلت على دتويل من ديوان‬ ‫الزكاة وأقامت مشروعات مدرة للدخل‪ ،‬كما مت االعتماد على ادلقابلة وادلبلحظة ادليدانية فيما يتعلق‬ ‫بالسمات واخلصائص االقتصادية واالجتماعية العامة ّٓتمع الدراسة‪ .‬ولتحديد حجم العينة ادلأخوذة من‬ ‫رلتمع الدراسة مت استخدام ادلعادلة أدناه‪:‬‬ ‫‪1   ‬‬ ‫‪d2‬‬

‫‪n  2‬‬

‫(‪)2‬‬ ‫حيث ‪:‬‬ ‫‪ : N‬حجم العينة‪.‬‬ ‫‪ : ‬نسبة انتشار ادلشروعات ادلمولة من قبل ديوان الزكاة‪.‬‬ ‫‪ : ‬قيمة معيارية تدل على إعطاء مستوى ثقة ‪ %00‬لبيانات الدراسة‪.‬‬ ‫‪d2‬‬

‫‪ :‬متغَت يستخدم لضبط العينة (درجة الدقة)‬

‫‪1‬‬

‫مت استخدام كل من معامل ‪ Gini‬ومنحٌت ‪ Lorenz‬لقياس عدم العدالة يف توزيع الدخل‬ ‫واإلنفاق بتبٍت الطريقة القبلية والبعدية إلجراء مقارنة لؤلوضاع ادلعيشية للمبحوثُت قبل امتبلكهم‬ ‫للمشروعات وبعدىا‪ .‬عادة يًتاوح قيمة معامل جيٍت بُت الصفر والواحد‪ ،‬حيث أن الصفر يشَت إُف‬ ‫وجود عدالة مطلقة يف توزيع الدخل واإلنفاق‪ ،‬والواحد يشَت إُف وجود عدم عدالة مطلقة يف توزيع‬ ‫الدخل واإلنفاق‪ ,‬وحلساب ىذا ادلعامل مت استخدام الصيغة التالية‪:‬‬ ‫‪W.G. Cochran (1953). Sampling Techniques, London 1‬‬

‫‪844‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬ ‫=‬

‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫)‪(2‬‬

‫‪G‬‬

‫‪1-  PCs .W‬‬ ‫حيث‪:‬‬ ‫‪G‬‬

‫‪:‬‬

‫معامل جيٍت (مؤشر حساب عدم العدالة يف توزيع الدخل واإلنفاق)‪.‬‬

‫‪PCs‬‬

‫‪:‬‬

‫مساعلة دخل زوج من رلموعات السكان يف الدخل الكلى للسكان‪.‬‬

‫‪W‬‬

‫‪:‬‬

‫وزن كل رلموعة من السكان يف إمجاِف السكان‪.1‬‬

‫وقد مت استخدام عينو عنقودية بسيطة لتحديد حجم العينة من رلموعة من ادلشروعات ادلمولة‬ ‫من قبل ديوان الزكاة واليت بلغ رلملها ‪ 888‬مشروعاً للعام ‪8002‬م ولعدم وجود إحصاءات دقيقة عن‬ ‫الفقراء يف زللية ود مدين الكربى مت استخدام ‪ 0.7‬كنسبة إلنتشار ظاىرة الفقر‪ ،‬وذلذا الغرض مت تطبيق‬ ‫ادلعادلة (‪ )2‬أعبله كما يلي‪:‬‬ ‫)‪(0.5)(0.5‬‬ ‫‪ 90‬‬ ‫‪(0.10) 2‬‬

‫‪n  (1.96) 2‬‬

‫ومبا أن ىذه ادلشروعات موجهة لقطاعات سلتلفة مت استخدام عينة طبقية على ىذه القطاعات حسب‬ ‫وزن كل طبقة من إمجاِف ادلشروعات‪ ،‬كما يوضح ذلك اجلدول أدناه‪:‬‬ ‫توزيع ادلشروعات ادلمولة من قبل ديوان الزكاة على قطاعات فرعية سلتلفة حمللية واد مدين الكربى‬ ‫‪.8002‬‬

‫نوع المشروع‬ ‫درداقات‬ ‫طبلية‬ ‫كارو ْحار‬ ‫دواجن‬

‫‪%‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪20‬‬

‫العدد‬ ‫‪30‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪80‬‬

‫حجم العينة‬ ‫‪85‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪00‬‬

‫‪Todaro, M.P.(1977) Economic for Development World , (135-153)- 1‬‬

‫‪845‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬ ‫‪27‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪222‬‬

‫ثبلجات‬ ‫كارو حصان‬ ‫بنشر‬ ‫ورشة حدادة‬ ‫ماكينة خياطة‬ ‫ماكينة شاورمة‬ ‫اإلجمالي‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬ ‫‪00‬‬ ‫‪00‬‬ ‫‪05‬‬ ‫‪05‬‬ ‫‪05‬‬ ‫‪08‬‬ ‫‪011‬‬

‫‪03‬‬ ‫‪03‬‬ ‫‪05‬‬ ‫‪05‬‬ ‫‪05‬‬ ‫‪08‬‬ ‫‪01‬‬

‫مت أخذ خط فقر الغذاء لوالية اجلزيرة من دراسة سابقة لقياس الفقر بالسودان (حتليل‬ ‫تطبيقي) بالرجوع إُف زللية احلصاحيصا للعام ‪ ،8003‬ومت استخدامو يف حساب مقاييس الفقر الثبلثة‬ ‫ادلعروفة ( ‪ .) P0, P1, P2‬وحلساب ىذه ادلؤشرات استخدمت ادلعادالت اليت طورىا كل من‬ ‫‪Foster, Greer and Thorbecke (1984).‬‬ ‫‪(z  yi )α‬‬ ‫‪,α0‬‬ ‫‪z‬‬ ‫‪i 1‬‬ ‫‪q‬‬

‫‪‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪Pα ‬‬ ‫‪n‬‬

‫)‪(3‬‬

‫حيث‪:‬‬ ‫مقياس الفقر ‪: P‬‬ ‫عدد الفقراء ‪:q‬‬ ‫خط الفقر‬

‫‪:Z‬‬

‫‪ : yi‬دخل آّموع )‪(i‬‬ ‫‪846‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬

‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫‪ :n‬عدد االسر يف عينة الدراسة‬ ‫عندما قيمة ‪ α‬تساوي صفر ضلصل على مقياس حدوث الفقر وفق الصيغة التالية‪:‬‬ ‫‪q‬‬ ‫‪P0 ‬‬ ‫‪n‬‬

‫)‪(4‬‬

‫عندما قيمة ‪ α‬تساوي واحد ضلصل على مقياس عمق الفقر وفق الصيغة التالية‪:‬‬ ‫) ‪1 q (z  y i‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪n i1‬‬ ‫‪z‬‬

‫‪P1 ‬‬

‫)‪(5‬‬

‫عندما قيمة ‪ α‬تساوي أثنُت ضلصل على مقياس حدة الفقر وفق الصيغة التالية‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫) ‪1 q (z  y i‬‬ ‫‪P2  ‬‬ ‫‪n i 1‬‬ ‫‪z‬‬

‫)‪(6‬‬

‫لتحليل بيانات الدراسة من اجل احلصول على النتائج اليت تعرض يف الفقرة القادمة مت استخدام برنامج‬ ‫احلزمة اإلحصائية للعلوم لبلجتماعية)‪ )SPSS‬و‪Microsoft Excel software.‬‬ ‫النتائج‪:‬‬ ‫أكدت الدراسة أن مستوى الدخل الشهري لؤلسر يف عينة الدراسة يًتاوح بُت (‪)800‬‬ ‫جنيو سوداين إُف (‪ )000‬جنيو سوداين‪ .‬كما أن أعمار ادلبحوثُت كانت زلصورة بُت ‪ 85‬و‪ 78‬سنة‪،‬‬ ‫وقد كان ‪ %30‬منهم ذكور بينما ‪ %50‬منهم إناث‪.‬‬

‫‪847‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫أشارت نتائج معامل جيٍت لقياس عدم العدالة يف توزيع الدخل إُف أن ىناك عدم عدالة يف‬ ‫توزيع الدخل قبل امتبلك ىذه ادلشروعات أكثر حدة منو بعد امتبلكها‪ .‬حيث كان معامل جيٍت لتوزيع‬ ‫الدخل (‪ ) 0.2‬و (‪ ) 0.0‬قبل امتبلك ىذه ادلشروعات وبعدىا على التواِف‪ .‬مت حساب نتيجة شلاثلة‬ ‫لئلنفاق حيث قدر معامل جيٍت ب (‪ )0.28‬و (‪ )0.30‬قبل دعم ديوان الزكاة وبعده على التواِف‪،‬‬ ‫يوضح ذلك اجلدول أدناه‪.‬‬ ‫حساب معامل جيٍت لقياس عدم العدالة يف توزيع الدخل قبل احلصول على التمويل من ديوان الزكاة‪.‬‬ ‫‪3*7‬‬

‫وزن كل‬

‫مساعلة دخل‬

‫ادلساعلة‬

‫مساعلة دخل‬

‫رلموعة‬

‫كل زوج من‬

‫الًتاكمية‬

‫أي رلموعة يف‬

‫يف إمجاِف‬

‫رلموعات‬

‫لدخل‬

‫إمجاِف الدخل‬

‫آّموعات‬

‫السكان‬

‫يف‬

‫الدخل‬

‫الرقم‬

‫آّموعات يف‬

‫إمجاِف الدخل‬

‫إمجاِف الدخل‬

‫‪0.004119‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.041168‬‬

‫‪0.041168‬‬

‫‪0.04119‬‬

‫‪2070.2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0.013052‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.130521‬‬

‫‪0.089335‬‬

‫‪0.04815‬‬

‫‪2420.0‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0.025030‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.250298‬‬

‫‪0.160963‬‬

‫‪0.07163‬‬

‫‪3600.0‬‬

‫‪3‬‬

‫‪0.041544‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.415440‬‬

‫‪0.254477‬‬

‫‪0.09351‬‬

‫‪4700.3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪0.060446‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.604457‬‬

‫‪0.349980‬‬

‫‪0.09550‬‬

‫‪4800.0‬‬

‫‪5‬‬

‫‪0.079546‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.795464‬‬

‫‪0.445483‬‬

‫‪0.09550‬‬

‫‪4800.0‬‬

‫‪6‬‬

‫‪0.098647‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.986470‬‬

‫‪0.540987‬‬

‫‪0.09550‬‬

‫‪4800.0‬‬

‫‪7‬‬

‫‪0.120275‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪1.202746‬‬

‫‪0.661759‬‬

‫‪0.12077‬‬

‫‪8000.0‬‬

‫‪8‬‬

‫‪0.146677‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪1.466773‬‬

‫‪0.805014‬‬

‫‪0.14326‬‬

‫‪7200.0‬‬

‫‪9‬‬

‫‪0.180501‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪1.805014‬‬

‫‪1.000000‬‬

‫‪0.19499‬‬

‫‪9800.0‬‬

‫‪10‬‬

‫‪0302800.‬‬

‫‪1.0‬‬

‫‪1.000000‬‬

‫‪50260.0‬‬

‫‪Total‬‬

‫‪848‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬

‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫حساب معامل جيٍت لقياس عدم العدالة يف توزيع الدخل بعد احلصول على التمويل من ديوان الزكاة‪.‬‬ ‫‪0.003321‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.033213‬‬

‫‪0. 033213‬‬

‫‪0.03321‬‬

‫‪57.4‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0.010699‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.106999‬‬

‫‪0.073772‬‬

‫‪0.04056‬‬

‫‪70.1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0.019832‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.198321‬‬

‫‪0.124549‬‬

‫‪0.05078‬‬

‫‪87.80‬‬

‫‪3‬‬

‫‪0.031094‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.310939‬‬

‫‪0.186390‬‬

‫‪0.06184‬‬

‫‪106.9‬‬

‫‪4‬‬

‫‪0.044463‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.444625‬‬

‫‪0.258253‬‬

‫‪0.07185‬‬

‫‪124.2‬‬

‫‪5‬‬

‫‪0.060135‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.601352‬‬

‫‪0.343117‬‬

‫‪0.08488‬‬

‫‪146.8‬‬

‫‪6‬‬

‫‪0.079502‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪0.795017‬‬

‫‪0.451900‬‬

‫‪0.10878‬‬

‫‪188.1‬‬

‫‪7‬‬

‫‪0.103323‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪1.033231‬‬

‫‪0.581330‬‬

‫‪0.12943‬‬

‫‪223.8‬‬

‫‪8‬‬

‫‪0.134572‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪1.345719‬‬

‫‪0.764389‬‬

‫‪0.18306‬‬

‫‪316.5‬‬

‫‪9‬‬

‫‪0.176439‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪1.764389‬‬

‫‪1.000000‬‬

‫‪0.23561‬‬

‫‪407.4‬‬

‫‪10‬‬

‫‪0.663379‬‬

‫‪1.0‬‬

‫‪1.000000‬‬

‫‪1729.1‬‬

‫‪Total‬‬

‫فيما يتعلق بقياس حدوث الفقر‪ ،‬أكدت النتائج أن ‪ %28‬من ادلبحوثُت يقعون حتت خط‬ ‫الفقر على أساس الدخل قبل امتبلك ادلشروعات و‪ %38‬وقعوا حتتو بعد امتبلكهم ذلذه ادلشروعات‪،‬‬ ‫بينما ‪ %20‬من األسر يقعون حتت خط فقر األنفاق قبل امتبلك ادلشروعات و ‪ %00‬يقعون حتت‬ ‫خط فقر اإلنفاق بعد امتبلك ادلشروعات‪ .‬لقياس عمق وحدة الفقر أكدت النتائج ‪ %08‬يقعون حتت‬ ‫خط فقر الدخل قبل التمويل‪ %70‬يقعون حتت خط فقر الدخل بعد التمويل بينما ‪ %20‬يقعون حتت‬ ‫خط فقر اإلنفاق قبل ادلشروعات و‪ %32‬بعدىا‪.‬‬ ‫لقياس حدة الفقر أكدت النتائج أن ‪ %33‬يقعون حتت خط الفقر على أساس الدخل قبل‬ ‫ادلشروعات و‪ %70‬بعدىا‪ ،‬بينما ‪ %08‬من األسر يقعون حتت خط الفقر على أساس اإلنفاق قبل‬ ‫ادلشروعات‪ .‬كما وجد أ ّن ‪ %08‬من األسر يف عينة الدراسة يقعون حتت خط الفقر على أساس اإلنفاق‬

‫‪849‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012 ، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫قبل احلصول على الدعم و ‪ %78‬منهم بعد الدعم‪ .‬عليو ؽلكن القول أ ّن الفقر أكثر عمقاً وحدة يف‬ ‫أوساط ادلبحوثُت قبل إمتبلك ادلشروعات منو بعد امتبلكها‬ ‫مقاييس الفقر‬

‫الدخل‬

‫اإلنفاق‬

‫‪P0‬‬

‫‪00‬‬

‫‪20‬‬

‫‪38‬‬

‫‪28‬‬

‫‪P1‬‬

‫‪32‬‬

‫‪20‬‬

‫‪70‬‬

‫‪08‬‬

‫‪P2‬‬

‫‪78‬‬

‫‪08‬‬

‫‪70‬‬

‫‪33‬‬

‫التوصيات‪:‬‬ ‫توصي الدراسة باآليت‪:‬‬ ‫‪-2‬توصي الدراسة بتوجيو أموال الزكاة ضلو مشروعات اإلنتاجية للفقراء بدالً عن دعمهم لغرض اإلستهبلك‪.‬‬ ‫وذلك من أجل استدامة حتسُت أوضاعهم ادلعيشية وختفيف وطأة الفقر يف أوساطهم‪.‬‬

‫‪ -8‬توصي الدراسة بتوزيع الزكاة على ادلصارف األكثر حاجة مع مراعاة عدالة التوزيع‪.‬‬ ‫‪-8‬توصي الدراسة بتسهيل إمكانية احلصول إُف الدعم من ديوان الزكاة وضرورة تسهيل اإلجراءات ادلتبعة يف‬ ‫احلصول على التمويل من قبل ديوان الزكاة‪.‬‬ ‫الخالصة‪:‬‬ ‫خلصت الدراسة إُف أن دعم ديوان الزكاة للمشروعات اإلنتاجية لو أثر جوىري يف التخفيف‬ ‫من وطأة الفقر يف أوساط الفقراء‪ ،‬وذلك بتحسُت يف مؤشري الفقر اليت مت استخدمهما يف الدراسة‬ ‫(الدخل واإلنفاق)‪ .‬كما أن التمويل أيضاً لو أثر يف ختفيف حدة وعمق الفقر يف أوساط الفقراء الذين‬ ‫حصلوا على التمويل وذلك مبقارنة أوضاعهم ادلعيشية قبل وبعد حصوذلم على التمويل‪.‬‬

‫‪851‬‬


‫دور املشروعات املمولة من ديوان الزكاة‪....‬‬

‫د‪ .‬ادم الرضي محمد علي‬

‫‪/‬‬

‫أ‪ .‬هيثم إبراهيم محمد محمود‬

‫المراج ـ ــع‬ ‫‪ -0‬القران الكريم‪.‬‬ ‫‪ -2‬السنة النبوية الشريفة‪.‬‬ ‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬ ‫‪ .2‬تقرير ديوان الزكاة (‪8002‬م) عن مشروعات التنمية ادلنفذة (‪.)8002-8005‬‬ ‫‪ .8‬ابن اجلوزي (‪ )2803‬ىجرية‪ ،‬تاريخ عمر بن اخلطاب‪ ،‬ادلطبعة التجارية الكربى‪ -‬القاىرة‪.‬‬ ‫‪ .8‬ابن حزم (علي بن أْحد)‪ ،‬احمللى‪ ،‬ادلطبعة التجارية الكربى‪ -‬القاىرة‪.‬‬ ‫‪ .5‬السيوطي جبلل الدين بن عبد الرْحن (‪2008‬م) اجلامع الصغَت‪ ،‬ادلطبعة اليمنية ج‪.8‬‬ ‫‪ .7‬عبد احلميد جودة السحار (‪2020‬م)‪ ،‬أبو ذر الغفاري‪ ،‬دار الكتب ادلصرية – القاىرة‪ -‬الطبعة‬ ‫الثانية‪.‬‬ ‫‪ .3‬عبد اذلادي على النجار (‪2002‬م)‪ ،‬الزكاة وعبلج الفقر يف اإلسبلم‪ ،‬من كتاب اإلسبلم و‬ ‫االقتصاد‪.‬‬ ‫‪ .0‬أبو عبيد القاسم بن سبلم (‪2030‬م)‪ ،‬األموال‪ ،‬مكتبة الكليات األزىرية‪ ،‬الطبعة األوُف‪.‬‬ ‫‪ .2‬عصام أْحد البشَت (‪8000‬م)‪ ،‬الزكاة‪ ،‬و دورىا يف زلاربة الفقر‪ ،‬ادلركز العادلي للوسطية الكويت‪.‬‬ ‫‪ .0‬علي بن زلمد بن حبيب ادلاوردي (‪ )2855‬ىجرية‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬ادلطبعة األمَتية‪ -‬القاىرة‪.‬‬ ‫‪.20‬‬

‫اإلمام الغزاِف (‪2072‬م)‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬مطبعة صبيح ‪ -‬القاىرة‪.‬‬

‫‪ .22‬زلمد باقر الصدر ‪ :‬اقتصادنا ‪،‬ط‪ ، 28‬دار التعارف بَتوت ‪ 2020‬ص‪852-853‬‬ ‫‪ .28‬زلمد شوقي الفنجري ‪ ،‬االسبلم وادلشكلة االقتصادية ‪ ،‬ط‪ ، 8‬دار الوطن ‪ ،‬السعودية ‪.‬‬

‫‪858‬‬


‫ملف الظاهرة االجتماعية‬

‫هـ‬1433/‫م‬2012 ، )2( ‫ العدد‬،)12( ‫ جملد‬، ‫تفكُّر‬

.‫ القاىرة‬- ‫ دار النهضة العربية‬،‫ادلدخل إُف االقتصاد اإلسبلمي‬،)‫م‬2008( ‫ زلمد شوقي الفنجري‬.28 ‫ مؤسسة الرسالة‬،‫ الطبعة السادسة عشر‬،‫ اجلزء األول‬،‫ فقو الزكاة‬،)‫م‬2027( ‫ يوسف القرضاوى‬.25 .‫القاىرة‬ ،‫ االقتصاد اإلسبلمي‬،‫ دور الزكاة يف عبلج ادلشكبلت االقتصادية‬،)‫م‬2020( ‫ يوسف القرضاوي‬.27 ‫ ادلركز العادلي‬.‫ جامعة ادللك عبدا لعزيز‬،‫ْتوث سلتارة من ادلؤدتر العادلي األول لبلقتصاد اإلسبلمي‬ .‫ألْتاث االقتصاد اإلسبلمي‬ :‫المراجع اإلنجليزية‬ 1. Ahmed .Z (1991) "Islam, Poverty and income distribution" Leicester UK the Islamic foundation. 2. Elsafi,.M.H (2007) the role of income generating activities of the Zakat chamber in poverty alleviation in Sudan 3.

Foster, J., Greer, J. and Thorbecke, G. (1984). '' A class of Decomposable poverty Measures". Economerrica, (52) 765.

4. Todaro, M. P. (1977). "Economics for Developing World''. 5. World Bank (1990). "World Development Report, Poverty". New York: Oxford University Press. 6. W.G. Cochran (1953). Sampling techniques, London.

852


‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي بعد حرب غزة‬ ‫*‬

‫د‪ .‬عبد الحليم موسى يعقوب‬ ‫مقدمة‪:‬‬

‫األبعاد األمنية لإلعالـ اإلسرائيلي تعرب عن اإلسًتاتيجية اليهودية اليت تستصحب البعد األمٍت‬ ‫يف كل مواقفها إزاء صراعها مع الفلسطينيُت‪،‬كقد تباينت تلك األبعاد األمنية بُت السياسية كالقيمية‬ ‫االجتماعية ‪ .‬كيرل العديد من الباحثُت كادلفكرين‪ ،‬أ ّف صورة إسرائيل يف اإلعالـ الغريب ستظل‬ ‫‪1‬‬ ‫التشوه عقب‬ ‫ناصعة‪،‬كذلك لنفوذىم يف ىذه ادلؤسسات فائقة الضخامة ‪ ،‬كلكن ىذه الصورة بدأت يف ّ‬ ‫حرب غزة ‪،‬كاليت امساىا اليهود بعملية الرصاص ادلصبوب‪ ،2‬كقد ظهرت العديد من صور أثار ىذه احلرب‬

‫‪،‬من خالؿ استخدامهم لألسلحة احملرمة دكليان‪ ،‬كاليورانيوـ األبيض‪،‬كبعض األسلحة االنشطارية‪ ،‬كىذا‬ ‫بعد سياسي زبويفان لألعداء يف الداخل الفلسطيٍت كاخلارج؛ ككذلك ظهور صور األطفاؿ‪،‬كىم ملطخوف‬ ‫بالدماء‪ ،‬بُت جراحهم‪ ،‬كاليت أكدت ببعضهم إىل ادلوت خنقان ‪ ،‬ربت البيوت ادلهدمة ‪ ، 3‬كالسعي لبناء‬ ‫ىيكل سليماف‪،‬كحفر األنفاؽ ربت ادلسجد األقصى ‪،‬كمن سلم منهم‪ ،‬يفقد جزءان من جسمو‪،‬أك يظل‬ ‫يعاين من عاىة مستدامة‪ ،‬كىذا ديثل بعدان اجتماعياَ يسعى اليهود من خاللو تقليل التزايد السكاين‬ ‫* أستاذ مشارؾ ‪ ،‬جامعة اجلزيرة ‪ ،‬معار جلامعة ادللك فيصل ‪ ،‬السعودية‪.‬‬ ‫‪ 1‬الباحث يؤيد ىذا االذباه‪،‬كقد ذكر ذلك يف العديد من أحباثو ‪،‬كذلك دلرجعيات كشهود من اليهود أنفسهم‪ ،‬كبعض‬ ‫مفكرم الغرب‪،‬من الذين صادموا ىذا التيار اليميٍت ادلتطرؼ‪.‬‬ ‫‪ 2‬معركة الفرقاف كما تطلق عليها ادلقاكمة الفلسطينية ‪،‬أك احلرب على غزة‪ ،‬أك عملية الرصاص ادلصبوب ‪ ،‬كما يطلق عليها‬ ‫جيش الدفاع اإلسرائيلي‪ ،‬كىي عملية عسكرية شلتدة شنتها دكلة إسرائيل على قطاع غزة يف فلسطُت من يوـ ‪27‬‬ ‫ديسمرب ‪ 2008‬إىل ‪ 18‬يناير ‪.2009‬‬ ‫‪ 3‬كلن ينسى العامل صورة الشهيد زلمد الدرة‪ ،‬كىو ديوت أماـ الكامَتا على مرأل كمسمع من العامل‪،‬كما قالت كالدتو‬ ‫دلراسل قناة اجلزيرة يف ذكرل كفاتو‪،‬كىذه الصورة سامهت يف كشف صورة اليهود أماـ الرأم العادلي‪.‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫الفلسطيٍت‪.‬كقد امتألت ادلواقع االليكًتكنية على شبكة االنًتنت‪،‬بالعديد من ىذه الصور‪،‬حىت تلك اليت مل‬ ‫تسمح هبا إسرائيل ألسباب أمنية‪ ، 1‬كمل تستطع ككاالت األنباء‪،‬أك القنوات الفضائية بثها‪،‬حفاظان على‬ ‫مشاعر ادلشاىدين‪.‬كقد أقلقت تلك الصور احلكومة اإلسرائيلية‪،‬كاليت سعت بدكرىا النتهاج أساليب‬ ‫عديدة‪ ،‬لتحسُت صورهتا عرب شبكة االنًتنت‪،‬مسخرة األبعاد القيمية‪،‬بتعرية أجساد حسناكات‬ ‫اليهود‪،‬جذبان كإغراءان للشباب الغريب أكالن‪ ،‬كالعريب ثانيان ؛التساؽ ذلك كادلنظور القيمي الغريب‪،‬جبانب‬ ‫اخلطاب اإلعالمي ادلنحاز لليهود للعديد من كسائط اإلعالـ الغربية‪،‬كالذم يعزز كل تلك األبعاد‪. 2‬‬ ‫أهداف البحث‪:‬‬ ‫‪ .1‬يهدؼ ىذا البحث‪ ،‬لتبياف األبعاد األمنية لإلعالـ اليهودم‪ ،‬السياسية كالقيمة االجتماعية ‪،‬زبويفان‬ ‫ألعدائهم كتقليالن للتزايد السكاين الفلسطيٍت ‪ ،‬بتهجَتىم كقتلهم نساءن كأطفاالن كشبابان‪ ،‬يف ظل‬ ‫هتجَت اليهود إىل فلسطُت ‪ ،‬دللئ ادلستوطنات اجلديدة ادلشيدة على األراضي ادلنتزعة من‬ ‫الفلسطينيُت‪.‬‬ ‫‪ .2‬إجالء صورة إسرائيل عقب حرب غزة‪ ،‬يف الوقت الذم حاكؿ فيو اإلعالـ الغريب إبراز صورة ذىنية‬ ‫مغايرة‪ ،‬سامهت يف دعم إسرائيل‪ ،‬يف العديد من ادلواقف السياسية ‪،‬يف إطار صراعها مع‬ ‫الفلسطينيُت‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫تنحصر مشكلة ىذا البحث يف احملاكر التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬إيضاح األبعاد األمنية لإلعالـ اليهودم‪ ،‬يف جوانبها السياسية كالقيمة االجتماعية‪.‬‬ ‫‪ 1‬اطلع الباحث يف شبكة االنًتنت‪،‬على صور جلنود اسرائيليُت يتباكوف‪،‬كقد اكضح ادلوقع أ ّف ىذه الصور منعت اسرائيل من‬ ‫نشرىا‪،‬حفاظان على صورهتا‪ ،‬كقد ربقق الباحث من صدؽ ىذه الصور‪،‬ألهنا ربمل عالمات اجلنود االسرائيليُت‪،‬جبانب‬ ‫ظهور رلندات‪ ،‬كطاقم اسعاؼ اسرائيلي‪.‬‬ ‫‪ 2‬راجع موقع عضو رللس الشيوخ السابق كالسياسي األمريكي‪،‬للوقوؼ على ادلواقف اإلعالمية كالسياسية ادلنحازة‬ ‫إلسرائيل ‪www.davidduke.com‬‬ ‫‪ 3‬راجع عبداحلليم موسى‪،‬النفوذ الصهيوين يف اإلعالـ األمريكي كإسقاطاتو على االسالـ‪،‬رللة رلمع الفقو اإلسالمي‪،‬العدد‬ ‫اخلامس‪ 1430،‬ىػ‪2009،‬ـ‪.‬ص (‪.)125-100‬‬

‫‪451‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫‪ .2‬الوقوؼ على الصورة ِّ‬ ‫الذىنية اليت رمست لدكلة إسرائيل عرب شبكة االنًتنت‪ ،1‬عرب حركهبا العديدة‪،‬‬ ‫كاليت كاف آخرىا حرب غزة‪ ،‬كاليت بدأت يف ‪ 27‬ديسمرب‪2008‬ـ‪،‬كانتهت يف يناير‪2009‬ـ‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ .3‬تبياف سعي إسرائيل لتحسُت صورهتا يف شبكة االنًتنت‪.‬‬ ‫فروض البحث ‪:‬‬ ‫إسرائيل تسعى لتسخَت إعالمها من خالؿ أبعاد أمنية ثالث‪،‬اجتماعية كسياسية‪ ،‬كقيمية‪،‬‬ ‫حلماية أمنها القومي‪،‬كقد أدل ذلك لتشويو صورهتا إعالميا ‪،‬عقب حرب غزة‪،‬خالؿ الفًتة من‪27‬‬ ‫ديسمرب ‪ 2008‬كحىت ‪ 18‬يناير ‪ ،2009‬بيد أهنا تسعى لتحسُت تلك الصورة‪ ،‬لنفوذىا اإلعالمي عرب‬ ‫كسائط االتصاؿ العادلية ادلتعددة‪.‬‬ ‫منهج البحث‪:‬‬ ‫انتهج الباحث ادلناىج التالية يف ىذه الدراسة‪:‬‬ ‫أ‪ -‬الوصفي التحليلي‪.‬‬ ‫ب‪ -‬التارخيي‪.‬‬ ‫أوالً‪:‬األبعاد السياسية لإلعال م اليهود‪::‬‬ ‫يناقش الباحث من خالؿ ىذا البعد االحتكارات اليهودية االعالمية اليت ربرؾ عجلة السياسة‬ ‫االمريكية‪ ،‬لندرؾ حجم التحكم يف ادلضامُت كاخلطاب اإلعالمي‪ ،‬على ادلستول العادلي‪ ،‬كبذلك نستطيع‬ ‫‪ 1‬يقصد الباحث هبا‪،‬تلك الصورة اليت تتكوف عن ادلسلمُت كاالسالـ يف الغرب‪،‬أك العكس‪ ،‬باعتبارىا صورة منطية‬ ‫ثابتة‪،‬كحينما تغشاىا بعض األحداث‪،‬خاصة احلركب‪،‬تتغَت تلك الصورة مؤقتان يف أحايُت عديدة‪،‬مث ال تلبث أف تعود اىل‬ ‫كضعها الطبيعي السابق‪.‬‬ ‫‪ 2‬ذكرت مجاعة حقوقية فلسطينية ‪،‬أ ّف اذلجوـ االسرائيلي الذم استمر ‪ 22‬يومان على قطاع غزة الذم تسيطر عليو محاس‪،‬‬ ‫أسفر عن مقتل ‪ 1417‬شخصان‪ ،‬بينهم ‪ 926‬مدنيان ك‪ 255‬شرطيان ك‪ 236‬مقاتالن ‪،‬كذلك يف تعديل الحصائياهتا‬ ‫السابقة‪.‬كأصدر ادلركز الفلسطيٍت حلقوؽ االنساف حصيلة معدلة لتقرير "هنائي" صدر يف ‪ 12‬مارس ‪2009‬ـ‪ ،‬أرفقو‬ ‫بقائمة بأمساء مجيع القتلى‪.‬كعدلت اجلماعة احلقوقية احصائيتها لألطفاؿ الذين قتلوا من ‪ 288‬اىل ‪ ،313‬كخفضت‬ ‫عدد النساء الاليت قتلن من ‪ 121‬اىل ‪ 116‬شخصا‪.‬ككاف ادلركز قد ذكر يف تقريره الذم صدر يف ‪ 12‬مارس ‪2009‬ـ‪،‬‬ ‫أف ‪ 1434‬شخصان قتلوا بينهم ‪ 960‬مدنيان‪ ،‬ك‪ 239‬شرطيان ‪،‬ك‪ 235‬مقاتالن‪.‬‬

‫‪455‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫أف نلم بأطراؼ من يتحكموف بالصورة اإلعالمية كالتأثَت يف الرأم العاـ محاية ألمنهم الوطٍت ‪ ،‬ككلما‬ ‫أصبح ادلتحكموف قلّو ؛ كلما ترابطت مصاحلهم ‪ ،‬كتقاربت رؤاىم مع صناع القرار السياسي ‪.‬ككلما‬ ‫استطاعوا ربريك الرأم العاـ‪،‬أكتنميطو كفق مضامُت اخلطاب اإلعالمي‪.‬ككذلك يناقش الباحث دكر‬ ‫ادلوساد اإلسرائيلي يف إرىاب األعداء‪،‬كخلق صورة اسطورية لعملياتو األمنية كاالستخباراتية يف اخلارج ضد‬ ‫أعداء دكلة إسرائيل كأعداء السامية على السواء‪،‬حفاظا على األمن القومي اإلسرائيلي‪،‬كمستفيدا من‬ ‫نفوذىم يف اإلعالـ األمريكي‪،‬الذم يربر كل أفعاذلم اليت تراىا الفلسطينيوف منافية للموقف اإلنساين‪.‬‬ ‫االحتكارات اإلعالمية ودور الموساد االستخبار‪::‬‬ ‫يسخر الكاتب فريد زكريا‪ ،‬دبجلة النيوزكيك األمريكية‪ ،‬من صناع القرار السياسي‪ ،‬كذلك حينما‬ ‫تقدـ ركبرت غيتس كزير الدفاع االمريكي‪ ،‬باقًتاح ميزانية لوزارتو للعاـ‪2009‬ـ‪،‬فعارضو العديد من‬ ‫ادلتنفذين ‪،‬كقد استفزت ىذه ادلعارضة الكاتب‪،‬مبينان أصنافهم كدكافعهم الرباغماتية الذاتية‪ ،‬يف‬ ‫ادلعارضة‪،‬كأمجلهم يف كل ادلعارضُت ادلناسبُت ‪ ،‬كادلتعهدين يف القطاع العسكرم‪ ،‬القلقُت من إنتهاء عقود‬ ‫من الغش يف احلسابات ؛ كادلستشارين يف كاشنطن ‪،‬الذين كانت احلرب على اإلرىاب مصدر ثراء ذلم ؛‬ ‫كالقوات ادلسلحة ‪ ،‬اليت اعتادت على أف تلىب كل رغباهتا‬

‫‪1‬؛‬

‫كأعضاء الكونغرس الذين حيموف كل ىذا‬

‫الفساد ادلؤسسايت‪ ،‬فقط للحرص على االحتفاظ بوظائفهم يف كالياهتم ‪، 2.‬ككل ىؤالء على صلة كثيقة‬ ‫بكربل الشركات ادلالية كالصناعية ‪،‬حبيث تضمن ذلا غطاءان إعالميان ‪.3‬‬

‫كتساىم االحتكارات االعالمية‪،‬يف عملية التغطية اإلنتقائية لألحداث العادلية‪ ،‬خاصة الصراع‬

‫الفلسطيٍت اإلسرائيلي ‪ ،‬كىؤالء احملتكركف ‪،‬ذلم أدكار يف توجيو مسار األحداث العادلية ‪ ،‬ككذلك يف تبٍت‬ ‫‪ 1‬معظم ميزانية البنتاغوف‪ ،‬قائمة على الئحة سبنيات من سلتلف فركع القوات ادلسلحة ‪ ,‬كغالبان ما تكوف لوائح مت كضعها‬ ‫خالؿ احلرب الباردة ‪ .‬كمل يتم استعماؿ أم طائرة من بُت الػ ‪ 135‬طائرة‪،‬من طراز ( أؼ‪ ) 22‬االمريكية الصنع‪ ،‬يف أم‬ ‫معركة يف العراؽ كافغانستاف ‪.‬كمل يتم ايقاؼ تصنيعها‪ ،‬كالسبب يف ذلك ‪ ،‬أف تصنيع الطائرة منتشر عرب ‪ 44‬كالية‬ ‫امريكية‪.‬‬ ‫‪ 2‬فريد زكريا ‪،‬ىل ركبرت غيتس عبقرم ؟‪،‬رللة النيوزكيك العربية‪،‬بتاريخ ‪21‬ابريل‪2009‬ـ‪،‬ص‪.4‬‬ ‫‪3‬ىنالك دراسة مطولة للباحث السياسي ادلعركؼ ركبرت داؿ ‪ ،Robert Dahl‬حوؿ ادلعايَت األساسية للدديوقراطية يف‬ ‫اجملتمع‪،‬كىي تنتقد ىذه العالقات بُت االعالـ كالسياسة‪.‬‬

‫‪451‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫كسائط اإلتصاؿ يف الدكؿ االخرل ‪ ،‬من حذكىا ‪ ،‬كبذلك تتناغم ادلضاميُت اإلعالمية بُت كسائط‬ ‫اإلتصاؿ يف الدكؿ الغنية كالفقَتة‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫الحظ الباحث‪ ،‬أ ّف العديد من القنوات الفضائية‪ ،‬كاإلذاعات يف الدكؿ العربية ‪ ،‬تسَت يف ذات‬

‫االذباه الغريب ‪،‬من حيث ادلضموف اإلعالمي‪ ، 2‬كيربز ذلك من خالؿ عرض األفالـ األمريكية يف معظم‬ ‫القنوات جبانب عرض برامج أمريكية عرب قنواف عربية ‪ ،‬كربنامج أكبرا كدكتور فيل‪،‬كتارا‪ ،‬كغَتىا من األمثاؿ‬ ‫على ىذه التبعية اإلعالمية‪ . 3‬كسيكوف ذلذه التبعية دكر يف تعضيد اخلطاب اإلعالمي الغريب‪،‬إزاء العديد‬ ‫من القضايا‪ ،‬كمنها الصراع مع اليهود الذم مازاؿ مستمرا مادامت السموات كاالرض‬

‫‪.4‬‬

‫ربكمت تسع شركات إعالمية معظمها يهودية يف اإلعالـ األمريكي‪ ،‬كىي اليت تشكل الرأم‬ ‫العادلي كالصورة الذىنية دلن تناصره‪ ،5‬كىي كذلك تؤثر يف ادلضامُت االعالمية‪،‬لبعض القنوات الفضائية‬ ‫كاذباىاهتا إزاء الصراع الفلسطيٍت اليهودم‪،‬حىت كصف اخلطاب اإلعالمي لبعضها بادلتصهُت‬

‫‪.6‬‬

‫‪ 1‬ىَتبرت أ‪ .‬شيلر ‪ ،‬ادلتالعبوف بالعقوؿ ‪ ،‬االصدار الثاين ‪ ،‬ترمجة ‪ :‬عبد السالـ رضواف ‪ ،‬عامل ادلعرفة ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬العدد‬ ‫(‪ . )243‬مارس ‪1999‬ـ‪،‬ص‪98-65‬‬

‫‪2‬‬ ‫بعض اذاعات الػ ‪ FM‬السودانية‪،‬حينما تسمعها تظن اهنا غَت سودانية‪،‬لكثرة برارلها الغنائية ادلستوردة عربيان‬ ‫كاجنبيان‪،‬كاكضح مثاؿ لذلك اذاعة راديو الرابعة ‪.‬كما أف ىذا ادلثاؿ ديكن تعميمو حُت النظر إىل بعض القنوات العربية‪.‬‬ ‫‪ 3‬دلزيد من ادلعلومات راجع‪:‬عواطف عبدالرمحن‪،‬قضايا التبعية االعالمية كالثقافية يف العامل الثالث‪ ،‬منشورات عامل الفكر‬ ‫‪1984‬ـ‪،‬ص‪.56‬‬ ‫‪ 4‬راجع االتفاؽ الذم كقع بُت ركبرت مَتدكخ كالوليد بن طالؿ يف مارس‪2008‬ـ‪،‬الستضافة بعض قنوات مَتدكخ‬ ‫عربيا‪،‬حىت اكرد ت العديد من ككاالت االنباء العادلية‪،‬نبأ بيع بعض اسهم ركتانا اىل مَتدكخ‪،‬كىذا النبأ تناقلتو العديد من‬ ‫‪،al-hora.net/show‬كموقع‬ ‫‪thread‬‬ ‫موقع‬ ‫راجع‬ ‫‪.‬‬ ‫االتصاؿ‬ ‫كسائط‬ ‫‪www.algeriatimes.net/algerianews.‬‬ ‫‪ 5‬دلزيد من ادلعلومات حوؿ النفوذ الصهيوين يف اإلعالـ األمريكي‪،‬مراجعة الكتب التالية‪:‬ديفيد ديوؾ‪،‬الصحوة‪ ،‬دار الفكر‬

‫‪6‬‬

‫العريب دمشق‪،.2006 ،‬كعبداحلليم موسى‪،‬النفوذ الصهيوين يف اإلعالـ األمريكي كاسقاطاتو على االسالـ‪،‬رللة الفقو‬ ‫االسالمي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪81‬ػ‪)105‬‬ ‫راجع دراسة الباحث السعودم الدكتور أمحد بن راشد بن سعيد أستاذ اإلعالـ السياسي جبامعة ادللك سعود‪ ،‬كعنواف‬ ‫دراستو "عبد الرمحن الراشد كاخلطاب ادلتصهُت"‪،‬ص‪.45‬‬

‫‪451‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫كذبئ رؤية الزبَت سيف االسالـ متناغمة دلا ذىب اليو الباحث حوؿ نفوذ اليهود اإلعالمي‪،‬إذ‬ ‫انتقد سيف االسالـ ادلوقف اإلعالمي اليهودم يف الواليات ادلتحدة ادلنحاز بالكلية جلانب اليهود يف كل‬ ‫مواقفهم ضد اعدائهم من ادلسلمُت‪،‬خاصة حينما يتعلق االمر بفلسطُت‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫كقد أثار كتاب "احتكار اإلعالـ"‪ ،‬ضجة إعالمية ضخمة يف الرأم العاـ األمريكي ‪،‬عندما‬ ‫استطاع أف حيصي حوايل ‪ 1700‬صحيفة يومية‪ ،‬ك‪ 11000‬رللة‪ ،‬ك‪ 9000‬راديو ك‪ 1100‬زلطة‬ ‫تلفزيونية‪ ،‬ك‪ 2500‬دار نشر ك‪ 7‬استوديوىات سينمائية‪ ،‬كانتقد ىذا االذباه االحتكارم قائالن‪ " :‬لو أ ّف‬ ‫كل مؤسسة من اليت ذكرت كانت ملكان لشخص كاحد‪ ،‬لكاف لدينا ‪ 25000‬صوت إعالمي سلتلف‬ ‫عن اآلخر‪ ،‬لكن لألسف ىناؾ فقط ‪ 50‬شركة ىي اليت تتحكم يف كل اإلعالـ األمريكي‪".‬‬

‫‪2‬‬

‫نستأنس بالًتاث اليهودم ‪ ،‬حينما أثبتوا حسهم االمٍت إزاء االعالـ يف بركتوكوالهتم‪ ،‬قائلُت " لن‬ ‫يصل خرب إيل العامل ‪ ،‬دكف أف دير علينا "‪.،3‬ككذلك لننظر يف مقوالت إدكارد كيليس سكريبس اليهودم‪،‬‬ ‫كمؤسس ككالة ‪ UPI‬االمريكية‪ ،‬حينما أعرب عن مربرات إنشائو ذلذه الوكالة‪ ،‬قائالن‪ " :‬كنت أعلم أ ّف‬ ‫‪ %90‬يف الصحفيُت األمريكيُت ‪ ،‬رأمساليوف زلافظوف ‪ ،‬كأنٍت إف مل أدخل إىل ادليداف الصحفي بوكالة‬ ‫جديدة ‪ ،‬فلن يتمكن الشعب األمريكي من حصولو على أخبار صحيحة‪ ،‬من ككالة‬ ‫األسوشيتدبرس"‪.4‬كيف كل ذلك مصادرة للرأم االخر‪ ،‬الذم زبرج بو سنويان تقارير دكلية تركز كل جهدىا‬ ‫يف العامل اإلسالمي‪ ،‬نقدان كشكول‪ ،‬كمل تتعرض إسرائيل اال قليال ذلذه التقارير الدكلية ‪.5‬‬

‫‪ 1‬الزبَت سيف االسالـ‪،‬مالمح يف استخداـ كسائل اإلعالـ‪،‬رللة الدراسات االعالمية‪،‬العدد ‪35،1985‬ص ص(‪58‬‬ ‫ػ‪)59‬‬ ‫‪ 2‬راجع كتاب األخطبوط اإلعالمي الدعائي للبلداف الرأمسالية يف خدمة االحتكارات‪ ،‬جملموعة من الباحثُت السوفيات‬ ‫الطبعة االكىل ‪ ، ،‬دار الفارايب‪،1976 ،‬ص‪68‬‬ ‫‪ 3‬سبت ترمجة ىذه الربتوكوالت إيل عدة لغات ‪ ،‬كمنها العربية‪ ،‬كمن أشهر الذين ترمجوىا إيل العربية ‪ :‬عباس زلمود العقاد‬ ‫‪،‬كعجاج نويهض ‪ ،‬كزلمد خليفة التونسي‪.‬‬ ‫‪Mc Cable.CR.Bp. cit .p (155) 4‬‬ ‫‪ 5‬راجع التقارير التالية‪ –:‬تقرير جل نة محاية الصحفيُت الصادر يف نيويورؾ بتاريخ ‪ 20‬إبريل ‪2010‬ـ‪،‬ككذلك تقرير مؤشرات‬ ‫التنمية يف العامل لعاـ ‪ ، 2009‬الصادر عن البنك الدكيل‪ ،‬كتقرير التوقعات السكانية يف العامل لعاـ ‪ ،2008‬شعبة‬ ‫السكاف يف األمم ادلتحدة‪.‬‬

‫‪451‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫فإشكالية تركز اإلعالـ يف يد فئة قليلة من أصحاب النفوذ ادلايل‪،‬يقود إىل احتكار الرأم‬ ‫كمصادرتو ‪ ،‬ليخدـ جهة كاحدة ىي اجلهة ادلمولة‪،‬كيعيد ذلك مفهوـ السلطوية اليت أنكرىا منظرك اإلعالـ‬ ‫الغريب على دكؿ العامل الثالث‪،‬كمنهم دنيس ماكويل‪ .1‬كىذا يقلل فرص بقية األطراؼ يف التعبَت عن‬ ‫رأيها‪ ،‬كاألمثلة كثَتة على التحيز لطرؼ‪ ،‬دكف آخر يف اإلعالـ العادلي ‪،‬كاألمريكي بشكل خاص‪ ،‬ففي‬ ‫عاـ ‪1998‬ـ مت طرد أحد منتجي الوثائق ادلتلفزة يف قناة الػ ‪ CNN‬األمريكية‪ ،‬ألنو أراد إنتاج فيلم‬ ‫كثائقي حوؿ غاز األعصاب‪ ،‬كاستخداـ أمريكا لو يف العمليات اخلاصة خالؿ حرب فيتناـ‪ 2.‬كما حدثت‬ ‫ذات اجلردية مرة أخرل ‪،‬حينما بثت قناة اجلزيرة تقريران اخباريان مصوران‪،‬عن استخداـ القوات األمريكية‬ ‫الفسفور االبيض يف العراؽ‪،‬قبل أف تستخدمو إسرائيل يف حرب غزة‪،3‬كقد دار جدؿ كاسع عرب‬ ‫الفضائيات حوؿ مربرات استخداـ إسرائيل كأمريكا ذلذا األسلحة احملرمة دكليان‪،‬كلكن مربر األمن‬ ‫القومي‪،‬كاف دكمان يف مقدمة احلجج السياسية‪،‬كإف كاف غَت منطقي ‪ ،‬كاف أزىقت النفوس كسلبت‬ ‫األمواؿ كىتكت األعراض‪.‬‬ ‫فالبعد األمٍت لتفلتات اإلعالـ‪،‬كعدـ التحكم يف مضمونو‪ ،‬عانت منو الواليات ادلتحدة‬ ‫اباف احلرب االىلية االمريكية‪،‬شلا أثار قلق القيادات ادليدانية كالسياسية‪،‬حينما تصل االخبار الكاذبة‬ ‫للمواطنُت عن قتل اقارهبم أك أبناءىم ‪،‬كىذا ماالحظو الباحث أيضان يف اخفاء كزارة الدفاع االمريكية عدد‬ ‫قتلى اجلنود االمريكاف يف العراؽ كأفغانستاف حىت التثور ثائرة الرأم العاـ ضد احلرب‪،‬كتتكرر سيناريوىات‬ ‫قضية فيتناـ مرة أخرل‪،‬بانسحاب اجليش األمريكي مهزكمان‪،‬ذلذا كجد الباحث تضاربان يف عدد قتلى اجلنود‬ ‫االمريكيُت ‪،‬بُت ادلصادر االمريكية الرمسية ‪ ،‬كإحصائيات كسائل اإلعالـ كادلنظمات الدكلية‪ ،‬كما يلي‬ ‫خالؿ عاـ‪2010‬ـ‪:‬‬

‫‪4‬‬

‫‪Denis Mcquail. Communication Theory, ibid. p71-75 1‬‬ ‫‪ 2‬يف عاـ ‪ 2003‬ـ‪ ،‬صرح مكتب احملاسبة العامة‪ ،‬بأف التكاليف الزائدة لربامج تطوير األسلحة الػ ‪ 95‬األكرب يف البنتاغوف ػ‬ ‫التكاليف الزائدة فقط ػ كصلت إىل ‪ 300‬مليار دكالر ‪،‬كحينما تتحد ىذه االمواؿ الضخمة مع كسائط االعالـ‬ ‫العمالقة‪،‬فاهنا ساعتئذ تستطيع صناعة االخبار‪،‬كرسم صور اآلخر‪،‬كفق رؤيتها‪.‬‬ ‫‪3‬راجع موقع اجلزيرة نت‪،‬بتاريخ ‪12‬يناير‪2009‬ـ‪.‬‬ ‫‪ 4‬عبداحلليم موسى يعقوب‪،‬اإلعالـ كاحلرب على االسالـ‪،‬الدار العادلية‪،‬القاىرة‪2011،‬ـ‪،‬ص‪.65‬‬

‫‪451‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫‪ -1‬تقديرات احلكومة األمريكية (‪ )2790‬قتيل ‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقديرات ادلصادر األجنبية ادلستقلة أكثر من (‪ )15.000‬قتيل‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقديرات اجلماعات اجلهادية يف العراؽ (اجليش اإلسالمي) أكثر من (‪ )25.000‬قتيل‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقديرات ادلواقع اإلخبارية العربية (‪ )33.693‬قتيل‪ ،‬كقد اثر الباحث تصديق ىذا الرقم التسامو‬ ‫بادلوضوعية ‪،‬كالبعد عن التحيز‪.‬‬ ‫فمتوسط ىذه األرقاـ الثالثة األخَتة رلتمعة يساكم (‪ )24.564‬قتيل أمريكي‪ ،‬كىذا الرقم يؤكد‬ ‫منطقية عدد قتلى القوات األمريكية يف العراؽ‪ ،‬ك ىو يش ّكل نسبة ‪ %9.8‬من احلجم الكلي لألمريكيُت‬ ‫ادلتواجد بالعراؽ‬ ‫دور الموساد االستخبار‪::‬‬ ‫جاءت صورة جهاز ادلخابرات االسرائيلي‪ ،‬اسطورية يف كسائط االعالـ‪ ،‬كيف ىذا احقاؽ حلقيقة‬ ‫التكتالت االعالمية‪ ،‬كدكرىا يف صناعة األحداث‪،‬كربسُت ‪،‬أك تشويو صورة من اليتوافق معها‪ .‬فادلوساد‬ ‫ظن الناس يف مقدرتو يف الوصوؿ إىل أم دكلة يريدىا‪،‬كيستطيع القياـ‬ ‫قد ّ‬ ‫نصع صورة إسرائيل عادليان‪،‬حىت ّ‬ ‫بادلهاـ ادلستحيلة‪،‬فشبهو بعض العرب برجل ادلستحيل(جيمس بوند)‪،1.‬كمن أشهر العمليات اليت خلقت‬

‫أ زمة دكلية ؛عملية اغتياؿ ادلبحوح القيادم حبركة محاس يف ديب‪،‬كتناكلتها كسائل اإلعالـ ادلتعددة‪،‬كجاءت‬ ‫التهم موجهة إىل رجاؿ ادلوساد الذم جند عددان كبَتان من عمالئو من جنسيات سلتلفة لتنفيذ عملية‬ ‫اغتياؿ ادلبحوح‪،‬كاليت كانت ناجحة لوال جهود أمن إمارة ديب‪ ،‬كجيئ قتلو امتثاالن للمرجعية التلمودية اليت‬ ‫ترل أف قتل غَت اليهودم ‪،‬كانتهاؾ عرضو كسلب أموالو‪،‬يدخل اجلنة ‪.2‬ذلذا كاف خطاب ادلرجعية اإلذلية‬

‫ناصان على قتاذلم‪:‬كقاتلوىم حىت ال تكوف فتنة‪.....‬‬ ‫‪ 1‬جيمس بوند (باإلصلليزية‪()James Bond :‬يعرؼ أيضا ب ‪ ) 007‬شخصية خيالية جلاسوس بريطاين أبدعها ادلؤلف‬ ‫إياف فلمنغ ‪ Ian Fleming‬يف عاـ ‪ . 1953‬كتب فلمنغ عدة ركايات ك قصص قصَتة من بطولة بوند خالؿ حياتو‬ ‫حىت شلاتو يف ‪ .1964‬مث تابع التأليف األديب لركايات ك مغامرات بوند كالن من كينغسلي أميس ‪Kingsley Amis‬‬ ‫(االسم ادلستعار ركبرت مارخاـ ) ‪ ،‬جوف بَتسوف ‪ ،‬جوف غاردنر ‪ ،‬رديوند بينسن ك تشاريل ىيغسوف ‪ .‬إضافة لعدة كتاب‬ ‫كتبوا مغامرات بوند لإلنتاج السينمائي مثل كريستوفر ككد ‪.‬‬ ‫‪ 2‬صاحل زلمود صاحل‪ ،‬اإلنسانية كالصهيونية كالتلمود‪ ،‬بَتكت‪ :‬منشورات فلسطُت احملتلة ‪،1982،‬ص ‪.35‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫كادلوساد من ادلؤسسات اليت ربسن هبا إسرائيل صورهتا اعالميان‪ ،‬لذلك جيئ اخلرب التايل صابان يف‬

‫ذات االذباه األسطورم‪،‬إذ نشرت صحيفة فرنسية ملفان كاسعان عن موقع الػ "‪،1"FACEBOOK‬‬

‫مؤكدة بأنو موقع استخبارايت اسرائيلي‪ ،‬مهمتو ذبنيد العمالء كاجلواسيس لصاحل ادلوساد االسرائيلي‪.‬كتضمن‬

‫ادللف الذم نشرتو رللة «لوما غازين ديسراييل»‪.‬كافزع الكشف عن ىذه ادلعلومات حكومة إسرائيل‬ ‫كدكائرىا الدبلوماسية‪ ،‬لدرجة اهتاـ السفَت اإلسرائيلي يف باريس اجمللة اليهودية بأهنا‪":‬كشفت أسراران ال حيق‬

‫ذلا كشفها للعدك"‪،‬اال أ ّف ادلوضوع مل ينتو عند ىذا احلد‪ ،‬بل بدأ اجلميع يف البحث عن كجود جهاز‬ ‫سلابرايت امسو "سلابرات االنًتنت"‪.‬‬ ‫يذكر جَتالد نَتك األستاذ يف كلية علم النفس جبامعة بركفانس الفرنسية‪ ،‬كصاحب كتاب‬ ‫(سلاطر االنًتنت)‪ ،‬أ ّف ىذه الشبكة مت الكشف عنها‪ ،‬بالتحديد يف مايو ‪2001‬ـ‪ ،‬كىي عبارة عن‬ ‫رلموعة شبكات يديرىا سلتصوف نفسانيوف إسرائيليوف ‪،‬رلندكف الستقطاب شباب العامل الثالث‬ ‫‪،‬كخصوصان ادلقيمُت يف دكؿ الصراع العريب اإلسرائيلي‪،‬إضافة إىل أمريكا اجلنوبية‪2‬؛ كاضاؼ جَتالد‪ ،‬ردبا‬ ‫يعتقد بعض مستخدمي االنًتنت‪ ،‬أف الكالـ مع اجلنس اللطيف مثالن‪ ،‬يعترب ضمانة يبعد صاحبها ‪،‬أك‬ ‫يبعد اجلنس اللطيف نفسو عن الشبهة السياسية‪ ،‬بينما احلقيقة‪ ،‬أف ىذه احلوارات‪ ،‬ىي كسيلة خطَتة‬ ‫لسرب األغوار النفسية‪ ،‬كبالتايل كشف نقاط ضعف من الصعب اكتشافها يف احلوارات العادية األخرل‪،‬‬ ‫ذلذا يسهل "ذبنيد" العمالء‪ ،‬انطالقا من تلك احلوارات اخلاصة جدا‪ ،‬حبيث تعترب السبيل األسهل لإليقاع‬ ‫بالشخص كدرلو يف عامل يسعى رجل ادلخابرات إىل جعلو "عامل العميل"‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ 1‬بدأ موقع ‪ FACEBOOK‬الذم يسجل انضماـ أكثر من مليوف عضوان شهريا‪ ،‬يف طرح ادلعلومات ادلتعلقة‬ ‫بأعضائو علنا على زلركات البحث على االنًتنت مثل "غوغل" ك"ياىو"‪ ،‬هبدؼ الدخوؿ ادلبكر يف السباؽ لبناء دليل‬ ‫إلكًتكين عادلي حيتوم على أكرب قدر شلكن من ادلعلومات كالتفاصيل الشخصية مثل السَت الذاتية كأرقاـ اذلواتف كغَتىا‬ ‫من سبل االتصاؿ بالشخص‪ ،‬كىوايات األعضاء كحىت معلومات عن أصدقائهم‪ ،‬كينضم حاليا ضلو ‪ 200‬ألف شخص‬ ‫يوميا إىل ‘الفيس بوؾ‘ الذم أصبح يستخدمو ‪ 42‬مليوف شخص‪ ،‬طبقا للموقع ذاتو‪.‬‬ ‫‪ 2‬صحيفة احلقيقة الدكلية‪ ،‬نشرهتا يف عددىا (‪، )111‬الصادر بتاريخ ‪ 9‬ابريل ‪2008‬ـ‪.‬‬ ‫‪ 3‬كاجو الباحث خالؿ تصفحو لبعض ادلواقع‪ ،‬فتيات يطلنب التعرؼ عليو‪،‬كىن سَتسلن لو صورىن لتوطيد العالقة معو‪ ،‬كقد‬ ‫صورا زعمن اهنا ذلن‪،‬كىي صور خليعة‪،‬كقد تكرر األمر مع العديد من ادلتصفحُت‪،‬كمن مث يطلب منك‬ ‫أرسل بعضهن ن‬ ‫معلومات خاصة‪،‬كيف غمرة العاطفة الزائفة‪ ،‬لن يتواىن أم شخص ‪،‬عن إعطاء كل مايطلب منو‪.‬‬

‫‪414‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫كىنالك العديد من الشواىد على ذبنيد ادلوساد اإلسرائيلي للشباب العريب ادلسلم ‪،‬هبدـ قيمهم‬ ‫االخالقية دبخاطبة غرائزىم ‪،‬سعيان الفسادىم كاشاعة الفاحشة‪،‬كىذه احدل السنن الكونية ‪.‬‬ ‫كشف مصدر أمٍت مصرم لػموقع "ادلصريوف" عن قياـ أحد ادلعاىد اإلسرائيلية التابعة جلهاز‬ ‫االستخبارات "ادلوساد" باستقطاب مصريُت للدراسة بو‪ ،‬فيما اعتربه يشكل خطران على األمن القومي‬ ‫ادلصرم‪ ،‬بعد أف كصل إمجايل الدارسُت بو أكثر من ‪ 1500‬مصرم خالؿ السنوات ادلاضية‪،‬كىذا يؤكد‬ ‫قلق السلطات ادلصرية من اجلواسيس الذين يعملوف لصاحل إسرائيل من ادلصريُت‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫كتقوـ السفارة اإلسرائيلية بالقاىرة كبعض األشخاص شلن ذلم عالقات بإسرائيل بدعوة بعض‬ ‫األكاددييُت لاللتحاؽ بادلعهد‪ ،‬كقد سبكن إىل حد كبَت من استقطاب باحثُت كطلبة كأساتذة‬ ‫جامعيُت‪.‬كأ ّكد ادلصدر أ ّف إسرائيل تعمل بكل جهد الستقطاب الذخَتة البشرية ادلصرية‪ ،‬كذلك بدعول‬ ‫الثراء كالشهرة يف زلاكلة الستغالؿ مشاعر ادلصرين من أجل استقطاهبم‪ ،‬يف ظل تزايد معدالت البطالة يف‬ ‫مصر‪ ،‬لكنو قاؿ إ ّف إسرائيل ال تدرؾ أ ّف ىناؾ ماليُت ادلصريُت الذين ال ذبدم معهم مثل تلك احملاكالت‬ ‫اخلبيثة‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫نشرت كسائل اإلعالـ تقارير كأخبار عن ذبسس إسرائيل على العديد من الدكؿ‪،‬كالًتاكمية‬ ‫اإلخبارية ذلذه األحداث‪،‬تساىم يف خلخلة الصورة الذىنية عن دكلة إسرائيل لدل الرأم العاـ‪،‬كيف مطلع‬ ‫يناير ‪2011‬ـ‪،‬نشرت القنوات الفضائية‪،‬منها اجلزيرة القطرية كتلفزيوف ‪،bbc‬أخباران تتعلق بتجسس‬ ‫‪1‬‬

‫اهتمت نيابة أمن الدكلة ادلصرية مهندسان هبيئة الطاقة الذرية كمعو اثناف من األجانب (ياباين كإيرلندم) بالتجسس لصاحل‬ ‫تل أبيب‪ ،‬يف سبتمرب‪ 2010‬ـ‪ .‬كقالت كذلك مصادر قضائية إف زلكمة استئناؼ القاىرة حاكمت شبكة ذبسس‬ ‫إسرائيلية يف‪ 15‬يناير‪2011‬ـ‪ ،‬تضم رجل األعماؿ ادلصرم طارؽ عبد الرازؽ عيسى حسن (‪ 37‬عاما) الذم ديلك‬

‫شركة لالستَتاد كالتصدير يف الصُت‪ ،‬كضابطي ادلخابرات اإلسرائيليُت اذلاربُت‪ ،‬إيدم موشيو كجوزيف دديور‪ ،‬كإهنم اهتموا‬ ‫بالتخابر لإلضرار دبصاحل مصر‪.‬‬ ‫‪2‬كرد ىذا اخلرب يف عدد من ادلوقع‪ ،‬منها على سبيل ادلثاؿ‪ ،:‬موقع‬ ‫‪ ، http://www.malafwww.donianews.net‬دنيا نيوزػ عماف ‪ ،‬يف مقاؿ بعنواف‪1500 ":‬عريب التحقوا‬ ‫دبعهد "راصلماف" التابع لػ "ادلوساد" خالؿ السنوات األربع ادلاضية‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫ادلوساد على مصر كإيراف‪،‬كذكر ادلتحدث باسم اخلارجية اإليرانية أ ّف ادلوساد جند بعض اإليرانيُت‬ ‫استطاعوا اغتياؿ بعض العلماء العاملُت يف ادلفاعل الذرم اإليراين‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫إذا كانت إسرائيل تتجسس على ادلنظمة الدكلية ‪،‬كالدكؿ الغربية الداعمة ذلا يف كل احملافل‬ ‫الدكلية‪ ،‬ماليان كسياسيان‪،‬كيف كل حُت تأيت دبربرات منطقية ذلذا الفعل‪،‬أك تكذيبو‪،‬عرب العديد من ادلصادر‬

‫اإلعالمية‪،‬شلا يشكك يف أحايُت عديدة يف مصداقية اخلرب‪ .‬جبانب ذلك الننسى ذبسسها على ادلسلمُت‬

‫عرب ادلواقع اإللكًتكنية العديدة‪ ،‬كمنها موقع الفيس بوؾ‪ ،2‬فال غرك‪ ،‬أ ّف كل ذلك سيؤثر على صورهتا يف‬

‫ادلخيلة الغربية أكالن ‪ ،‬ألهنا ترل فيها صورة مثالية للدكلة الدديقراطية‪ ،‬اليت زبدـ حقوؽ اإلنساف ‪،‬كسط‬ ‫دكتاتوريات شرقو أكسطيو ‪ ،‬تنتهك ىذه احلقوؽ ‪.‬‬

‫نشرت الصحف العربية‪،‬كغَتىا من كسائط االتصاؿ األخرل‪،‬خربان عن ذبسس إسرائيل على‬ ‫األمم ادلتحدة ‪ ،‬كذلك نقالن عن صحيفة (يديعوت أحركنوت) اإلسرائيلية‪،3‬كجاء اخلرب كما يلي‪":‬من قاـ‬ ‫‪ 1‬راجع موقع اجلزيرة بتاريخ ‪2011/1/8‬ـ‪،‬حوؿ ضبط إيراف شبكة ذبسس إسرائيلية بطهراف‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫أيضا ربديث ملفاهتم الشخصية‪ ،‬كقد قاـ مارؾ‬ ‫موقع فيس بوؾ ‪،‬كىو موقع قائمة أصدقائهم كإرساؿ الرسائل إليهم‪ ،‬ك ن‬ ‫زككربَتج ‪،‬بتأسيس الفيس بوؾ باالشًتاؾ مع كل من داستُت موسكوفيتز ككريس ىيوز الذين زبصصا يف دراسة علوـ‬ ‫احلاسب ‪.،‬كانت عضوية ادلوقع مقتصرة يف بداية األمر على طلبة جامعة ىارفارد‪ ،‬كلكنها امتدت بعد ذلك لتشمل‬ ‫الكليات األخرل يف مدينة بوسطن كجامعة آيفي ليج كجامعة ستانفورد‪ .‬مث اتسعت دائرة ادلوقع لتشمل أم طالب‬ ‫عاما فأكثر‪ .‬يضم ادلوقع حالينا أكثر من ‪350‬‬ ‫أخَتا أم شخص يبلغ من العمر ‪ 13‬ن‬ ‫جامعي‪ ،‬مث طلبة ادلدارس الثانوية‪ ،‬ك ن‬ ‫مليوف مستخدـ على مستول العامل‪ .‬كقد أثَت الكثَت من اجلدؿ حوؿ موقع الفيس بوؾ على مدار األعواـ القليلة ادلاضية‪.‬‬ ‫فقد مت حظر استخداـ ادلوقع يف العديد من الدكؿ خالؿ فًتات متفاكتة‪ ،‬كما حدث يف سوريا كإيراف‪ .‬كما يواجو ادلوقع‬ ‫العديد من الدعاكل القضائية‪،‬بدعاكم انتهاؾ اخلصوصية‪ .‬كأخَتا دخل عدد من أعضاء فريق موقع فيسبوؾ نادم أغٌت‬ ‫أغنياء العامل‪ ،‬كىذا بعدما أصبح ستة منهم من أصحاب مليارات الدكالرات كفق التصنيف السنوم الذم ذبريو رللة‬ ‫فوربس‪ .‬كيأيت مؤسس ادلوقع كمديره التنفيذم مارؾ زككربرغ يف ادلرتبة الػ‪ 56‬بثركة تقدر بنحو ‪ 13.5‬مليار دكالر‪.‬‬ ‫‪ 3‬ككانت األمم ادل تحدة يف كقت سابق أكدت أنو ال جيوز مراقبة األمُت العاـ للمنظمة كالتنصت عليو بشكل غَت قانوين‪،‬‬ ‫حيث تشَت اتفاقية عاـ ‪ ٦٤٩١‬بشأف االمتيازات كاحلصانات اليت تتمتع هبا األمم ادلتحدة إىل أ ّف‪“ :‬إ ّف مقر األمم‬ ‫ادلتحدة ال ديكن انتهاكو‪ ،‬كما أ ّف ادلمتلكات كاألصوؿ التابعة للمنظمة‪ ،‬أينما كاف موقعها تتمتع باحلصانة من التفتيش‬ ‫كاالستيالء كادلصادرة كنزع ادللكية كأم شكل آخر من أشكاؿ التدخل‪ ،‬سواء بإجراءات تنفيذية أك إدارية أك قضائية أك‬ ‫“‪.‬‬ ‫تشريعية‬ ‫كما تنص اتفاقية فيينا لعاـ ‪ ٦٤١٦‬حوؿ العالقات الدبلوماسية على أنو “يتعُت أف تكوف ادلراسالت الرمسية للبعثة‬ ‫زلمية”‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫بًتكيب كسائل التصنت يف قاعات األمم ادلتحدة يف جنيف؟ اإلجابة ىي إسرائيل‪ " :‬حيث ذكرت‬ ‫الصحيفة‪ ،‬خرب قياـ موظفي األمم ادلتحدة يف جنيف باكتشاؼ أجهزة تصنت يف قاعة جلسات األمم‬ ‫ادلتحدة‪ "،‬كأف مسؤكلُت يف األمم ادلتحدة يوجهوف أصابع االهتاـ إلسرائيل كمن يقف خلف زرع ىذه‬ ‫األجهزة"‪،‬كذلك خالؿ أعماؿ صيانة لشبكة الكهرباء قبل ثالث سنوات‪ ،‬حيث عثر على جهازم‬ ‫تصنت متطورين يف قاعيت اجتماعات يف مقر األمم ادلتحدة يف جنيف‪ ،‬حيث تعقد اجتماعات جلنة نزع‬ ‫السالح التابعة لألمم ادلتحدة‪ ،‬كاجتماعات سرية لإلعداد للحرب على العراؽ عاـ ‪، 2003‬كما عقدت‬ ‫فيهما جلسات ربقيق يف مقتل رئيس الوزراء اللبناين رفيق احلريرم‪.1‬كقراءة ىذا اخلرب‪ ،‬تشَت إىل أ ّف ذبسس‬

‫إسرائيل على ادلنظمة الدكلية‪،‬مل يُرض حىت الصحف اإلسرائيلية ادلعارضة للحكومة اإلسرائيلية‪،‬شلا يعد‬ ‫مثلبة سياسية‪،‬كتشويهان لصورة إسرائيل الهتامها بالتجسس الدكيل‪ ،‬كىذا جزء من عمل جهاز استخباراهتا‬ ‫ادلعركؼ بادلوساد‪.‬كيف اغسطس‪2010‬ـ‪،‬نشر حزب اهلل شريطان يزعموف فيو أ ّف إسرائيل ىي اليت قامت‬ ‫بقتل الرئيس احلريرم‪،‬مث تناكلت العديد من القنوات الفضائية ىذا اخلرب بالتحليل‪،‬فانقسمت الوسائط إىل‬ ‫قسمُت ‪،‬منها من سار على مسار رؤية حزب اهلل‪،‬كاألخرل اعتربتو زلاكلة إللصاؽ التهمة بإسرائيل للتأثَت‬ ‫يف مسار التحقيق الدكيل يف قضية اغتياؿ احلريرم‪،‬كيف كال احلالتُت فإ ّف الشريط كجد ىول يف قلوب‬ ‫الذين الصقوا التهمة بإسرائيل ‪،‬كجهاز سلابراهتا ادلوساد‪.‬‬ ‫ثانياً‪:‬األبعاد االجتماعية لإلعال م اليهود‪::‬‬

‫يتكامل ىذا البعد مع األبعاد السياسية لإلعالـ اليهودم ‪ ،‬من خالؿ التربير السياسي لقتل‬

‫األطفاؿ كالشيوخ كالنساء‪،‬ككل ىذه األفعاؿ دبسوغات يركهنا منطقية‪،‬ككذلك ضرب ادلدارس كدكر‬ ‫العبادة‪،‬باإلضافة إىل حرؽ سلازف منظمات اإلغاثة الدكلية‪،‬ككل تلك ادلتغَتات ذات صلة باالجتماع‬ ‫اإلنساين‪،‬أكجدت ذلا احلكومة اإلسرائيلية يف خطاهبا اإلعالمي السياسي تربيران‪ ،‬دافعت بو عن موقفها إزاء‬ ‫ىجمات محاس الصاركخية على األبرياء كادلدنيُت اإلسرائيليُت يف مدينة اسيدركت‪.‬‬

‫رمست إسرائيل صورة حقيقية للعقلية اليهودية‪،‬حينما قتلت األطفاؿ كالنساء كالشيوخ ‪ ،‬كشهد‬ ‫العامل على ذلك‪،‬عرب العديد من القنوات الفضائية‪،‬كمواقع االنًتنت ‪،‬اليت شهدت معركة ديكن أف نسميها‬ ‫‪1‬اجلزيرة السعودية ‪،‬بتاريخ الثالثاء‪1 ،‬ديسمرب ‪2009‬ـ‪ .‬العدد ‪. 13578‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫حبرب غزة االليكًتكنية‪،‬كفيها ديكن القوؿ أهنا انتهت لصاحل محاس أيضان كما األكىل‪.1‬فحينما ننظر إىل‬ ‫الصورة الكبَتة‪،‬برؤية كلية‪،‬كال نركز على التفاصيل‪ ،‬فإننا لن نقرأ الصورة كأبعادىا برؤية علمية‪ 2.‬كيف‬ ‫حركب إسرائيل ادلتعددة‪ ،‬ارتسمت تلك الصورة‪،‬كمن خالذلا نقرأ تفاصيل أحداث كل حرب إسرائيلية‪،‬‬ ‫منذ االنتداب الربيطاين على فلسطُت يف عاـ ‪1917‬ـ‪،‬كحىت حرب غزة يف‪2009‬ـ‪.‬‬ ‫كتأيت ىذه التصرفات اإلسرائيلية‪ ،‬بناءان على توجيهات حاخامات اليهود ‪ ،‬كاليت كزعت على‬

‫كل اجلنود يف حرهبم ضد محاس ‪ ،‬كتعترب أقواؿ احلاخامات كما جاء يف التلمود ‪،‬كمايلي‪ " :‬أعلم أ ّف‬ ‫أقواؿ احلاخامات‪ ،‬أفضل من أقواؿ األنبياء ‪ ،‬كزيادة على ذلك ‪ ،‬يلزمك اعتبار أقواؿ احلاخامات مثل‬ ‫الشريعة ‪ ،‬أل ّف أقواذلم ‪ ،‬ىي قوؿ اهلل احلي ‪ ،‬فإذا قاؿ لك احلاخاـ ‪ ،‬إ ّف يدؾ اليمٍت ىي اليسرل‬ ‫كبالعكس‪ ،‬فصدؽ قولو ‪ ،‬كال ذبادلو ‪ ،‬فما بالك إذا قاؿ لك ‪،‬أ ّف اليمٍت ىي اليمٍت‪ ،‬كاليسرل ىي‬

‫اليسرل "‪ 3.‬كقد جاءت ىذه التعاليم معضدة للموقف التارخيي الذم سجلتو السنة النبوية‪،‬كذلك حينما‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫يح ابْ َن َم ْرًَنَ َكَما أ ُِمُركاْ إِالخ‬ ‫تلى النيب (‪ )‬قولو تعاىل ‪ ‬خازبَ ُذكاْ أ ْ‬ ‫َحبَ َارُى ْم َكُرْىبَانػَ ُه ْم أ َْربَابان ِّمن ُدكف اللّو َكالْ َمس َ‬ ‫لِيػعب ُدكاْ إِلَػهان ك ِ‬ ‫احدان الخ إِلَػوَ إِالخ ُى َو ُسْب َحانَوُ َع خما يُ ْش ِرُكو َف ‪‬التوبة‪31‬‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫كيف حرب غزة حسب شهادات الفلسطينيُت عرب الفضائيات‪ ،‬فإ ّف اجلنود اإلسرائيليُت هنبوا‬ ‫بيوهتم‪ ،‬بعد قذفها بالسالح ‪ 4.‬كيعزل الباحث ىذه األفعاؿ إيل تعاليم التوراة اليت تنص على اآليت‪-:‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ 1‬أعلن خالد مشعل رئيس ادلكتب السياسي حلماس‪،‬عن انتصارىم يف ىذه ادلعركة‪،‬عقب انسحاب ادلدرعات االسرائيلية من‬ ‫غزة‪.‬‬ ‫‪ 2‬مراسل قناة اجلزيرة يف افغانستاف‪، ،‬يف تقريرحوؿ صورة احلرب يف افغانستاف يف االعالـ العادلي ‪،‬بتاريخ‪:‬‬ ‫‪2009/11/24‬ـ‪.‬‬ ‫‪ 3‬احلسيٍت احلسيٍت معدم‪ ،‬أسرار التلمود ‪ ،‬دار الكتاب العريب ‪ ،‬القاىرة ‪2006 ،‬ـ ‪ ،‬ص (‪)84‬‬ ‫‪4‬يف الذكرل األكىل حلرب غزة‪،‬استطلعت الػ ‪،bbc‬عددان من الفلسطينيُت الذين قالوا إ ّف إسرائيل انتهكت حقوؽ‬ ‫اإلنساف‪،‬كمل يتحرؾ العامل‪،‬حىت قالت امرأة‪ ":‬لقد مللنا من كثرة احلكي للعامل عن مأساتنا‪،‬ما إحنا بٍت آدميُت"‪.‬‬ ‫‪ 5‬لقراءة مزيد من تعاليمهم ‪ :‬ينبغي مراجعة اآليت ‪ :‬زلمد على الزعيب ‪ ،‬إسرائيل بنت بريطانيا البكر ‪ ،‬ادلكتبة الشرقية ‪،‬‬ ‫القاىرة د‪.‬تػ‪ ،‬ص (‪ .)87‬ركىلنج ‪ :‬عقائد اليهود على حسب التلمود ‪ ،‬ترمجة ‪ :‬يوسف نصر اهلل ‪ ،‬دار العلم ‪ ،‬دمشق ‪،‬‬ ‫‪1987‬ـ ‪ ،‬ص (‪ .)77-35‬أسعد زركؽ ‪ ،‬التلمود كالصهيونية ‪ ،‬سلسلة كتب فلسطينية ‪ ،‬القاىرة ‪1970 ،‬ـ ‪ ،‬ص‬ ‫(‪.)67-40‬‬

‫‪415‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬ ‫‪.1‬‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫على كل يهودم أف حيوؿ دكف باقي األمم من استمالؾ األرض ‪ ،‬لكي تبقى السلطة‬ ‫لليهود كحدىم ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ .2‬اليهودم معترب عند اهلل أكثر من ادلالئكة ‪ ،‬فإذا ضرب أم (عريب) يهوديان ‪ ،‬فكأنو ضرب العزة‬ ‫اإلذلية ‪.‬‬ ‫‪ .3‬ال يغفر إلو اليهود ‪ ،‬ذنب اليهودم الذم يرد ماالن مفقودان لألجانب ‪.‬‬

‫‪ .4‬كل من يقتل أجنبيان ‪ ،‬يقرب قربانان إيل اهلل ‪ ،‬كيكافأ باخللود يف الفردكس ‪.‬‬ ‫‪ .5‬اليهود من عنصر اهلل ‪ ،‬كأ ّف اهلل يدرس التلمود منتصبان على قدميو ‪ ،‬كلوال التلمود لزاؿ الكوف ‪،‬‬ ‫كمن خيالف حرفان كاحدان منو ديت ‪.‬‬

‫كل ىذا جزء من التعاليم التوراتية ‪ ،‬كيف مجيع حركب اليهود‪ ،‬كانت ىي ادلوجو ألفكارىم ‪،‬‬

‫لذلك سلبوا كقتلوا كذحبوا الفلسطينيُت‪ ،‬يف دير ياسُت‪ ،‬كصربا كشاتيال ‪ ،‬بناءان على تعاليم توراهتم ‪،‬‬ ‫كإرضاءان إلذلهم ‪ .‬فنفسية اجلندم اإلسرائيلي يف حربو للفلسطينيُت ‪،‬يبينها الربكفيسور سليماف صاحل ‪،‬‬

‫قائالن‪ " :‬إ ّف اجليش اإلسرائيلي ال يقاتل‪ ،‬كلكنو يرتكب جردية‪ ،‬كأ ّف اجلنود اإلسرائيليُت سبت تربيتهم‬ ‫كتدريبهم ليكونوا رلرمُت‪ ،‬ال ليصبحوا مقاتلُت‪ ،‬كتلك طبيعة اليهود منذ قدًن الزماف‪ ،‬فهم ال جييدكف فنوف‬ ‫القتاؿ‪ ،‬كال يعرفوف شجاعة الفرساف‪ ،‬كلكنهم يستخدموف القوة بقسوة إلبادة ادلدنيُت‪ ،‬كزبريب العمراف"‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫كيؤكد الكاتب بيًت ىَتشربج‪ ،‬إف األىداؼ ادلفضلة للجنود اإلسرائيليُت يف محلتهم ضد محاس‬ ‫يف الضفة الغربية‪ ،‬ىي األسواؽ كادلدارس كادلستشفيات كمالجئ األيتاـ كاجلمعيات اخلَتية‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫كانتقد‬

‫الكاتب اإلسرائيلي جوف ليفي ‪ ،‬شلارسات إسرائيل يف حرب غزة‪ ،‬قائالن‪ ":‬إنو عمل دينء أف تقوـ إسرائيل‬

‫بتدمَت مؤسسات إنسانية ترعى األيتاـ كتوفر الطعاـ للناس كىذا ِّ‬ ‫يشكل عاران ‪.‬كقد طرح الكاتب سؤاالن‬ ‫استنكاريان‪،‬قائالن‪ :‬حبق ىل ربارب إسرائيل اليتامى كاألرامل؟!كما البديل الذم كفرتو إسرائيل ذلذه‬ ‫‪ 1‬كىذا يفسر عملية طرد الفلسطينيُت من بيوهتم ‪ ،‬بعد ىدمها كمصادرة أراضيهم‪ ،‬كبناء ادلستوطنات يف اآلراضي الفلسطينية‬ ‫‪ ،‬كليس يف ىذا إنتهاؾ حلقوؽ اإلنساف حسب منظورىم التورايت ‪.‬‬ ‫‪ 2‬سليماف صاحل‪،‬إسرائيل ترتكب جردية ضد اإلنسانية يف الضفة الغربية‪.‬‬ ‫‪ 3‬تباينت االراء ككتابات ادلؤيدين كادلناكئُت حوؿ موقف اسرائيل من محاس‪،‬غَت أ ّف احلقائق اليت التنفك من متالزمات‬ ‫العقل احملايد‪،‬ىو أ ّف اسرائيل التريد السالـ‪،‬كامنا ترغب يف القتل اضليازا لنفسيتهم ادلستمدة من الدماء حياهتا‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫ادلؤسسات اليت تديرىا محاس؟‪.1‬كحتمان ستأيت اإلجابة دكف ادلنطق‪،‬شلا يزيد ذلك من قتامة صورة إسرائيل‬ ‫لدل الرأم العاـ العادلي‪ .‬كتسعى إسرائيل لتربير أفعاذلا العسكرية دكمان‪،‬بيد أ ّف ىذه التربيرات ال ذبد يف كل‬

‫عملية عسكرية‪ ،‬من يؤيدىا‪.2.‬‬

‫كيف الذكرل األكىل حلرب غزة ‪،‬غطت كسائل اإلعالـ العادلية احتفاؿ الفلسطينيُت‬ ‫باحلدث‪،3‬حيث صدر تقرير أصدرتو ‪ 16‬منظمة لإلغاثة كادلساعدات اإلنسانية كحقوؽ اإلنساف ليتزامن‬ ‫مع الذكرل السنوية األكىل للهجوـ اإلسرائيلي على غزة‪،‬كقد انتقد التقرير إسرائيل كاألسرة الدكلية‪،‬حيث‬ ‫قاؿ مدير منظمة أككسفاـ الربيطانية جَتديي‪ :‬أهنا خذلت مواطٍت غزة‪.4.‬كقد سقط قانوف حقوؽ اإلنساف‬ ‫يف حرب غزة ‪،‬كربت مرأل كمسمع دكؿ العامل اليت كضعت القانوف‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬األبعاد القيمية لإلعال م اليهود‪::‬‬

‫يناقش ىذا اجلانب األبعاد القيمية لإلعالـ اليهودم‪،‬كىو جزء أصيل يف امن إسرائيل‪،‬كىنا تتكامل‬

‫األبعاد الثالثة ‪،‬تكامل تناغم ال تضاد‪ ،‬ربقيقان ألمن إسرائيل‪،‬كسط أعدائها من العرب كادلسلمُت‪،‬الذين‬ ‫يسعوف إلهناء كجودىا جغرافيان كسياسيان؛ فاحلرب القائمة بينهم كالفلسطينيُت‪،‬أدت إىل ىجرة العديد من‬ ‫اليهود إىل مواطنهم األصلية‪،‬جبانب قلة السواح األجانب‪،‬خاصة األمريكيُت‪،‬نتيجة لعمليات حركة محاس‬ ‫اليت أدخلت الرعب يف قلوب اليهود‪،‬كاعتربكا إسرائيل كطنان غَت آمن‪،‬ككل ذلك يقود لعكس صورة سالبة‬ ‫يف اإلعالـ الغريب عن األمن اإلسرائيلي‪،‬باعتبارىا دكلة غَت مستقرة أمنيان‪ ،‬ذلذا استخدموا اليهوديات‬ ‫لتحقيق ىدفُت مها‪:‬‬

‫‪ 1‬الكاتب اإلسرائيلي جدكف ليفي ‪ ،‬جريدة ىآرتس اإلسرائيلية ‪،‬بتاريخ ‪12‬فرباير‪2009‬ـ‪.‬‬ ‫‪2‬موقع قناة العربية ‪ :‬رصد ربليلي بعنواف‪ :‬الدعاية اإلسرائيلية زبتزؿ حرب غزة بػ"استهداؼ" حركة محاس ‪،‬بتاريخ ‪ :‬اخلميس‬ ‫‪ 8‬يناير ‪2009‬ـ‪ 11 /‬زلرـ‪ 1430‬ىػ‪،‬تاريخ الوصوؿ‪2009/11/11:‬ـ‪.‬‬

‫‪ 3‬أثارت قافلة شرياف احلياة(‪ )3‬يف يناير‪ 2010‬ـ‪،‬ضجة إعالمية‪ ،‬بعد منعها من الدخوؿ عرب األراضي ادلصرية‪،‬شلا جعل‬ ‫بعض القنوات تضيف ىذا ادلشهد الالنساين اىل صورة اسرائيل إباف حرب غزة‪2008‬ـ‪.‬‬ ‫‪4‬راجع موقع‪ ، www.bbc.co.uk/arabic:‬بتاريخ الثالثاء‪ 22 ,‬ديسمرب‪2009‬ـ‪.‬تاريخ‬ ‫الوصوؿ‪2009/12/29‬ـ‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫‪ .1‬ربسُت صورة إسرائيل يف اإلعالـ الغريب‪ ،‬لطمأنة أعواهنم بقوة األمن اإلسرائيلي القادر على ىزدية‬ ‫‪1‬‬

‫أعدائو دكمان‪.‬‬ ‫‪ .2‬جذب الشباب للهجرة العكسية إىل إسرائيل‪ ،‬كالسواح الغربيُت‪.‬‬ ‫يعترب استخداـ ادلرأة يف القضايا األمنية كالسياسية لدل العقلية اليهودية من األركاف الركينة‪،‬كاليت‬ ‫ال مناص ع نها‪،‬خاصة حينما يتعلق األمر بأرض ادليعاد‪،‬باعتبارىا من القضايا العقدية احملكمة‬ ‫توراتيان‪.‬كحينها يرل احلاخامات كالسياسيوف جواز تعرية أجساد اليهوديات خدمة للقضية اليهودية‪،‬كربسينان‬ ‫لصورة إسرائيل الذىنية‪.‬كىذه سنو مازالت ماضية فيهم‪،‬يريدكف نشرىا بُت ادلسلمُت "‪.‬‬ ‫فالصورة الذىنية ىي عبارة عن انطباعات ذاتية يف عقوؿ األفراد‪ ،‬ذلا أبعادىا كمظاىرىا‬ ‫ادلتعددة‪ ،‬لذلك صلدىا زبتلف من شخص آلخر‪ ،‬كتتسم بادلركنة كالديناميكية ‪،‬كتتغَت بتأثَت عوامل متعددة‬

‫من حُت آلخر‪ 2.‬فهذه االنطباعات االجيابية أرادت إسرائيل أف تظل ثابتة يف أذىاف الغربيُت ‪،‬بالرغم من‬ ‫عكس كسائل اإلعالـ الغربية دلا يدكر يف الشرؽ األكسط من صراع دموم بُت الفلسطينيُت كاإلسرائيليُت‪،‬‬ ‫ذلذا سعت إسرائيل إىل استجالب عدد من اخلرباء من الواليات ادلتحدة ‪ ،‬لتحسُت صورهتا خاصة عقب‬ ‫حرب غزة ‪ ،‬فحينما عكست الصور التلفزيونية كاليت تبث عرب االنًتنت كالصحف ‪ ،‬حجم ادلآسي‬ ‫اإلنسانية اليت تعرض ذلا ساكٍت قطاع غزة ‪ ،‬فتحركت ادلظاىرات يف أكركبا كأمريكا منبهة دبآالت تلك‬ ‫احلرب‪ ،‬كأمسوىا رلازر "إسرائيل يف غزة" ‪ ،‬كما عرب ادلواطنوف يف تلك الدكؿ اليت كانت تتعاطف مع‬ ‫إسرائيل‪ ،‬دبفردات ضد احلكومة اإلسرائيلية ‪ ،‬ككصف بعضهم اليهود بالوحشية‪ ،‬كسعت بعض منظمات‬

‫‪ 1‬تعهد باراؾ أكباما اباف محلة االنتخابات الرئاسة األمريكية‪ ، ،‬أف تظل القدس عاصمة للكياف الصهيوين‪ ،‬كذكر أنو يف‬ ‫حاؿ انتخابو سيضمن تفوؽ "اسرائيل على ادلنطقة كلها‪ ،‬قائالن إف "الذين يهددكف أمن "إسرائيل" يهددكف أمن الواليات‬ ‫ادلتحدة"‪.‬كبعد فوزه أعلنت ادارتو تعهدىا بتقدًن مساعدات عسكرية كأمنية إلسرائيل تقدر بثالثُت مليار دكالر‪ .‬كقد مشل‬ ‫التعاكف ال عسكرل تطوير نظاـ القبة احلديدية ادلضادة للصواريخ قصَتة ادلدل دببلغ ‪ 2.5‬مليار دكالر حلماية إسرائيل من‬ ‫الصواريخ الىت تطلق عليها من قطاع غزة " كقد طالبت إدارة أكباما طلبت من الكوصلرس مساعدات أمنية بقيمة‬ ‫‪2.77‬مليار دكالر إلسرائيل سنويان‪ ،‬معربان عن أملو ىف أف ت شجع ىذه ادلساعدات إسرائيل على التحرؾ قدما على صعيد‬ ‫التوصل إىل سالـ شامل بادلنطقة‪.‬‬ ‫‪Matrix Management Policy &Strategy, New Long man Inc., 1985, P (154). 2‬‬ ‫‪Harold KerznerK&David L.,Cleland,Project/York:‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫حقوؽ اإلنساف‪ ،‬إىل ادلطالبة دبحاكمة حكاـ إسرائيل عرب زلكمة اجلنايات الدكلية‪ ،‬باعتبار ذاؾ الفعل ‪،‬‬

‫جرائم حرب‪،‬غَت أف احلكومة اإلسرائيلية أعلنت أهنا لن تسلم جنديا كاحدا حملاكمتو ‪.1‬‬

‫حينما يكتب ادلرء إسرائيل عرب زلرؾ البحث ‪ ،google‬تربز لو صػور حػرب غػزة ‪،‬دبػا فيهػا مػن‬ ‫دمػػاء األطفػػاؿ كالنسػػاء ‪ ،‬كتػػدمَت ادلنػػازؿ ‪،‬كصػػور الفسػػفور األبػػيض ‪،‬الػػذم جعلتػػو قنػػاة اجلزيػػرة شػػعاران لفػػًتة‬

‫ليسػػت بالقصػػَتة عقػػب احلػػرب‪ ،‬كشػػفان لتلػػك احلػػرب ‪ ،‬كارتبطػػت تلػػك ادلشػػاىد ارتباط ػان كثيق ػان يف سليلػػة‬ ‫ادلشػػاىدين جب ػرائم اليهػػود يف غػػزة‪.‬كيف‪7‬رمضػػاف‪1431‬ق‪،‬ادلوافػػق‪17‬اغسػػطس‪2010‬ـ‪،‬نشػػر تلفزيػػوف الػ ػ‬

‫‪BBC‬خ ػربان ح ػػوؿ نش ػػر إح ػػدل اجملن ػػدات اإلس ػرائيليات كامسه ػػا إي ػػدف أبرجي ػػل‪ ،‬ص ػػورا ذل ػػا م ػػع أس ػػرل‬

‫فلسطينيُت يف أكضاع غَت إنسانية‪،‬على موقع الػ ‪،Face Book‬كذكرت اجملندة أ ّف ىذه الصور لن ربسن‬ ‫مػ ػػن صػ ػػورة إس ػ ػرائيل‪،‬أل ّف ىػ ػػذا ىػ ػػو الواقػ ػػع يف السػ ػػجوف اإلس ػ ػرائيلية‪.‬كقد انتقػ ػػد متحػ ػػدث باسػ ػػم احلكومػ ػػة‬ ‫اإلسرائيلية ىػذا السػلوؾ‪،‬كتوعد ىػذه اجملنػدة باحملاسػبة‪.2‬كيػرل الباحػث أ ّف ىػذا السػلوؾ حيػاكي صػور سػجن‬

‫أبوغريػػب الػػيت ظهػػر يف بعضػػها صلمػػة داؤد‪،‬كىػػي أشػػارة تػػدؿ علػػى إس ػرائيل‪،‬أك اليهود‪،‬شلػػا يعكػػس ادلشػػاركة‬ ‫اإلس ػرائيلية يف تعػػذيب سػػجناء أبوغريب‪،‬كىػػذه تعػػد مثلبػػة يف حػػق إس ػرائيل‪،‬كقد تكػػررت انتهاكػػات اجلنػػود‬ ‫اإلسػرائيليُت يف سػػجوهنم ضػػد الفلسػػطينيُت‪،‬حينما تعرضػػت رلنػػدة إسػرائيلية سػػابقة النتقػػادات بعػػد قيامهػػا‬ ‫بنشػ ػػر صػ ػػور ذلػ ػػا مػ ػػع معتقلػ ػػُت فلسػ ػػطينيُت مقي ػ ػػدين كمعصػ ػػويب األعػ ػػُت علػ ػػى موقػ ػػع الفيسػ ػػبوؾ للتواص ػ ػػل‬ ‫االجتماعي‪.‬كعلّقت اجملنّدة إيدف أبرجيل على الصور بعبارات مثػل "اجلػيش أمجػل أيػاـ حيػايت" ك"أبػدك ىنػا‬

‫حلق ادلعتقلُت يف عدـ نشر صورىم بوضعيات مهينػة‪.‬ك قالػت ناطقػة عسػكرية‬ ‫كعارضة أزياء"‪ ،‬دكف اعتبار ّ‬ ‫إسػ ػرائيلية إ ّف ادلس ػػألة أحيل ػػت إىل ادلس ػػؤكلُت‪ .‬لك ػ ّػن ادل ػػدير اإلسػ ػرائيلي للجن ػػة مناىض ػػة التع ػػذيب (يش ػػائي‬

‫منوحُت) ذكر أ ّف سلوؾ اجملنّدة ىو نتاج ثقافة رائجة يف اجليش اإلسرائيلي ‪"،‬كأ ّف ما حػدث يعكػس سػلوكان‬ ‫‪3‬‬ ‫عاديان‪ ،‬كيتمثل يف معاملة الفلسطينيُت كأشياء ال بشران"‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫راجع تصرحيات القادة اإلسرائيليُت إزاء ىذا ادلوضوع عرب العديد من مواقع ككاالت األنباء العادلية ‪،‬كالقنوات التلفازية‬ ‫كاإلذاعات‪.‬‬ ‫نشرة أخبار تلفزيوف الػ ‪، BBC‬بتاريخ‪2010/8/13‬ـ ‪ ،‬الساعة‪5:00‬ـ بتوقيت مكة ادلكرمة‪.‬‬

‫‪ 3‬راجع موقع‪، http://www.aljazeera.net: :‬بتاريخ‪ 2010/8/20 :‬ـ ‪ ،‬تاريخ الوصوؿ‪2010/10/11‬ـ‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫ذلػذا قامػػت إسػرائيل حبملػػة إعالميػػة ضػػخمة يف الواليػات ادلتحػػدة لتحسػػُت صػػورهتا الذىنيػػة‪ ،‬الػػيت‬ ‫كررهتا الصور اإلخبارية يف رلاهبتها لالنتفاضة الفلسطينية‪،‬كفصائل ادلقاكمة اليت تطلق الصواريخ على ادلػدف‬ ‫اإلسرائيلية‪،‬كتقوـ بالعمليات االنتحارية ضد اليهود يف إسرائيل‪.‬فاجلهود اليهودية يف الواليات ادلتحدة جملاهبة‬ ‫تشويو صورة إسرائيل قبل حرب غزة‪ ،‬سبثلت يف اآليت‪:‬‬ ‫‪ .1‬إنشاء منظمات جديدة للتعامل مع اجلامعات األمريكية‪ ،‬كتوعية الطالب‪.‬‬ ‫‪ .2‬إنشاء منظمات إعالنية كإعالمية‪،‬يف أمريكا‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫ىجوـ اللويب الصهيوين على عدد من أعضاء الكوصلرس ادلناكئُت إلسرائيل يف انتخابات عاـ‬

‫‪2002‬ـ التشريعية‪ ،‬حىت استطاع اللويب إسقاط عدد من أبرز أعضاء الكوصلرس ادلساندين للقضية‬ ‫الفلسطينية ‪،‬كمها النائبة سنثيا ماكيٍت كالنائب إريل ىلليار ‪.‬ككانت سنثيا ماكيٍت قد خسرت يوـ‬ ‫الثالثاء ‪ 20‬أغسطس ‪،2002‬اإلنتخابات األكلية على مقعد احلزب الدديقراطي بدائرهتا‪ ،‬كذلك‬ ‫لصاحل مرشحة مدعومة من قبل اللويب ادلوايل إلسرائيل‪ ،‬كعدد كبَت من اجلمهوريُت الذم صوتوا‬ ‫كدديقراطيُت يف ىذه االنتخابات‪ ،‬رغبة منهم يف ىزدية سنثيا ماكيٍت‪ .‬كقد عارض خصوـ سنثيا‬ ‫ماكيٍت مواقفها ادلتوازنة من صراع الشرؽ األكسط كاستعدادىا للتفاعل مع قضايا ادلسلمُت كالعرب‬ ‫األمريكيُت ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫كيرل الباحث أ ّف البعد األمٍت البد من حضوره يف التنسيق ذلذه احلملة اإلعالمية اليت‬ ‫تستهدؼ رلاهبة أكلئك الذين يسعوف لتشويو صورة إسرائيل‪،‬باستخداـ كل الوسائط اإلعالمية‬ ‫‪،‬كسلاطبة كل العامل بلغاتو ادلختلفة‪،‬كثقافاتو ادلتباينة‪،‬ذلذا البد ذلذه األساليب أف ذبد مساراهتا لدل‬ ‫كل تلك الشعوب‪،‬خاصة الغربية‪،‬ذات األثر السياسي كاإلعالمي كاالقتصادم كاألمٍت ‪،‬يف إطار‬ ‫‪1‬‬

‫أرسل رللس العالقات اإلسالمية األمريكية (كَت) ‪،‬خطابان شكر فيو سنثيا ماكيٍت ‪،‬جاء فيو مايلي‪ :‬كما ذكرمت يف‬ ‫خطابكم‪ ،‬فإ ّف فعل األمر الصحيح ليس دائمان سهالن‪ ،‬فأحيانان يواجهكم اإلختيار‪ ،‬بُت فعل ما ىو سليم سياسيا‪ ،‬كفعل‬ ‫ما ىو صحيح‪ .‬أحيانان ينبغي عليكم الوقوؼ أماـ مشاؽ يصعب ربملها‪ ،‬كأف تقولوا احلقيقة ألقول مجاعات ادلصاحل‪،‬‬ ‫كأف تفعلوا ما ىو صحيح ‪.‬فاستعدادكم ألف تفعلوا ما ىو صحيح‪ ،‬بغض النظر عن العواقب‪ ،‬ىو الذم أكسبكم‬ ‫اعجاب مساندة ادلسلمُت كالعرب يف أمريكا‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫صراعهم مع الفلسطينيُت‪.‬كمن اخلطوات اليت قامت هبا إسرائيل لتحسُت صورهتا الذىنية عقب حرب‬ ‫غزة ‪،‬مكايلي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬تشكيل مجموعة من المدونين‪:‬‬ ‫أعلنت كزارة اذلجرة كاالستيعاب اإلسرائيلية عن تشكيل "جيش ادلدكنُت"‪ ،‬ادلكوف من إسرائيليُت‬ ‫يتحدثوف لغة ثانية‪ ،‬ليمثلوا إسرائيل يف ادلدكنات "ادلناىضة للصهيونية" كاليت تنتشر بلغات فرنسية كأدلانية‬ ‫كإصلليزية كإسبانية‪ ،‬كذلك كفق تقارير صحفية نشرهتا الصحف اإلسرائيلية االثنُت ‪-1-19‬‬ ‫‪.12009‬كالناظر دلفردة "جيش " يف إعالف كزارة اذلجرة كاالستيعاب اإلسرائيلية‪،‬يتنبو إىل البعد األمٍت يف‬ ‫اإلعالف‪.‬‬ ‫كصفت إحدل الصحف اإلسرائيلية قرار احلكومة ىذا بأنو "سالح جديد على جبهة العالقات‬ ‫العامة كالدبلوماسية اليت تقوـ هبا إسرائيل؛ فالعالقات العامة كالدبلوماسية عنصراف أمنياف الينفصالف يف‬ ‫كل احلراؾ السياسي اإلسرائيلي‪ .‬كقاؿ إيرتس ىافلوف‪ ،‬ادلدير العاـ لوزارة اذلجرة كاالستيعاب اإلسرائيلية‪،‬‬ ‫لصحيفة ىآرتز اإلسرائيلية‪" :‬كنا خالؿ احلرب منشغلُت بالبحث عن طريق ما لدعم اجلهود اإلسرائيلية‪،‬‬ ‫كقررنا اللجوء إىل أكثر من مليوف اسرائيلي‪ ،‬يتحدثوف لغة ثانية غَت العربية‪ .‬كنقلت الصحيفة عن إيلي‬ ‫أفالتو‪ ،‬كزير اذلجرة كاالستيعاب اإلسرائيلي األسبق‪ ،‬أ ّف كزارتو قررت ذبهيز جيش من ادلعلقُت بلغات‬ ‫سلتلفة دلواجهة "مثَتم كراىية إسرائيل عرب االنًتنت‪".‬كما نقلت عن مدير عاـ الوزارة األسبق‪ ،‬إيرتس‬ ‫ىافلوف‪ ،‬قولو‪ " :‬إ ّف اخلطة تعتمد بشكل كبَت على ادلهاجرين ادلؤيدين للصهيونية بشكل قوم ‪،‬كيدعموف‬ ‫بقاء كاستمرار إسرائيل‪ ،‬كربسُت صورهتا يف اخلارج‪.‬‬

‫ب‪-‬‬

‫‪2‬‬

‫عرض صور عارية لفتيات يهوديات‪:‬‬ ‫استخداـ ادلرأة من أبرز الوسائل ادلتبعة لدم اليهود إلحراز األىداؼ كربقيق الغايات ‪ ،‬بل‬

‫كتعدل األمر إىل إباحة بعض رجاؿ الدين اليهود لإلسرائيليات دبمارسة اجلنس‪ ،‬من أجل إسقاط‬ ‫‪ 1‬إسرائيل تطلق "جيش مدكنُت" دلواجهة ادلدكنات اليت كصفتها ب"ادلعادية للصهيونية"‪،‬دبوقع‪:‬‬ ‫‪ ،http://www.sora.ps‬تاريخ النشر‪،2009/1/20‬تاريخ الوصوؿ‪2009/11/11‬ـ‪.‬‬ ‫‪ 2‬صحيفة جَتكزامل بوست‪،‬يف عددىا الصادر بتاريخ ‪17‬يناير‪2009‬ـ‪.‬‬

‫‪414‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫‪1‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫يل َذلُ ْم‬ ‫األعداء‪ ،‬كاعتربكا ذلك نوعا من العبادة كخدمة الوطن ‪.‬كمثل ىؤالء كمثل الذين اهلل فيهم ‪َ ‬كإذَا ق َ‬ ‫الَ تُػ ْف ِس ُدكاْ ِيف األ َْر ِ‬ ‫صلِ ُحو َف ‪‬البقرة‪ .11‬كجاءت مربرات نشر صور الفتيات اليهوديات‬ ‫ض قَالُواْ إِخمنَا َْضل ُن ُم ْ‬

‫يف اجملالت اإلباحية‪،‬على لساف ديفيد سارانغا ػ مستشار اإلعالـ كالعالقات العامة يف القنصلية اإلسرائيلية‬

‫يف نيويورؾ‪،‬آنذاؾ‪،‬قائالن‪ " :‬اف ىذه احلملة هتدؼ إىل إظهار اجلانب ادلضي من احلياة العامة يف‬ ‫إسرائيل‪،‬بعد أف كجدنا أف صورة إسرائيل يف الواليات ادلتحدة‪ ،‬بُت الرجاؿ من سن ‪ 18‬إىل ‪38‬‬ ‫سلبية‪،‬ذلذا فكرنا بالتواصل معهم عرب صورة ديكن أف جيدكىا مثَتة لإلعجاب"‪.‬كالناظر ذلذه الكلمات‬ ‫يدرؾ األنساؽ القيمية اليت ربدد احلراؾ االجتماعي اإلسرائيلي‪،‬كالذم يبٌت على تعرية أجساد‬ ‫بناهتم‪،‬كبالتايل التأثَت يف احمليط اجلغرايف اإلسالمي الذم حيمل قيما متصادمة لقيمهم‪،‬كحيقق مفهوـ ادلنهج‬ ‫اإلسرائيلي األخالقي‪ ،‬مقولة اخلليفة الراشد عثماف بن عفاف حينما قاؿ‪":‬كدت كل زانية لو زنت النساء‬ ‫كلهن"‪.‬‬ ‫ككاف كزير اجليش اإلسرائيلي إيهود بارؾ‪ ،‬أكؿ من قرر دمج اجملندات يف أفرع اجليش العسكرية‬ ‫ادلختلفة كعدـ استقالذلن بفرع مستقل ‪ ،‬كاعترب ىذا القرار من قبل ادلنظمات النسائية اإلسرائيلية قراران‬ ‫تارخييان كاعًتافان رمسيان بدكر ادلرأة اجملندة خلدمة إسرائيل‪ .2‬كىكذا اتسقت الرؤية األمنية كالدينية يف استخداـ‬

‫النساء كفق النسق القيمي الغريب‪،‬خدمة إلسرائيل كتثبيتاَ للدكلة اليهودية يف الشرؽ األكسط ‪.‬‬

‫كقد تعاقدت احلكومة اإلسرائيلية‪ ،‬مع عدد من اجملالت اإلباحية لنشر ىذه الصور‪،‬كمن أشهر‬

‫ىذه اجملالت؛رللة مكسيم اإلباحية‪،‬كقد حثت كزارة اخلارجية اإلسرائيلية رللة ماكسيم االباحية‪ ،‬على‬ ‫إرساؿ فريق من تسعة مصورين‪ ،‬كخرباء تزيُت ‪،‬للقياـ بالتقاط الصور على مدل مخسة أياـ يف منطقة تل‬ ‫أبيب ‪،‬يف مارس‪2007‬ـ‪.‬كبرر ادلسؤكلوف األمنيوف أهنم يريدكف إظهار التنوع يف إسرائيل كتغيَت االنطباع‬ ‫السائد حوؿ أ ّف إسرائيل أرضان للصراع‪ .‬كقاؿ سارانغا ادلسؤكؿ اإلعالمي يف القنصلية اإلسرائيلية يف نيويورؾ‬ ‫األسبق‪ ،‬إ ّف "إسرائيل ينظر إليها باعتبارىا رلتمعان ربكمو العضالت‪ ،‬نريد أف نظهر أننا رلتمع عادم مثل‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫حسن عثماف‪ ،‬اجملندات اإلسرائيليات‪ ..‬أدكات ترفيو للجنود كاستقطاب‪ ، ،‬بتاريخ ‪ 11‬يوليو‪ ،2008‬دبوقع‪:‬‬ ‫‪www.alwatanvoice.com/arabic/content‬‬ ‫صحيفة يديعوت احركنوت يف عددىا الصادر بتاريخ‪2008/6/29‬ـ‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫غَته"‪.1‬كيرل الباحث أنو حينما جيتمع اىتماـ الثالثي الذم يدير السياسة اإلسرائيلية‪،‬كىم‪ ،‬كزارة‬ ‫اخلارجية‪ ،‬ككزارة الدفاع ‪،‬كرجاؿ الدين يف إسرائيل‪ ،‬حوؿ قضية‪،‬فاف القضية تربز أمهيتها السياسية كاألمنية‬ ‫كاإلسًتاتيجية كالعقدية لوجودية دكلة إسرائيل‪ ،‬كىذا االجتماع الثالثي كاف دكما يتكرر يف حركب إسرائيل‬ ‫مع جَتاهنا العرب‪.‬‬

‫نشرت رللة مكسيم ‪ ،2‬صوران دللكة مجاؿ إسرائيل‪،‬كبعض فاتنات اليهود‪،‬كعلقت اجمللة على‬

‫صورة رلندة إسرائيلية امسها نيفيت(‪،(Nivits‬قائلة‪ :‬يتمتعن بفتنة قاتلة‪ ،‬كيستطعن تفكيك رشاش عوزم‬ ‫يف ثواف‪ .‬أليست نساء جيش الدفاع اإلسرائيلي ‪،‬أكثر رلندات العامل إثارة؟‪.‬كالحظ الباحث الربط ادلتعمد‬ ‫بُت صورة الفاتنات العارية كمحل السالح ‪،‬ليؤكدكا للجمهور األمريكي أهنم يعيشوف كسط دكؿ ترغم‬ ‫فاتناهتم على القتاؿ‪،‬كال جيد الرأم العاـ األمريكي بُدان من التعاطف معهم‪،‬كيربر ذلم قتل الفلسطينيُت‪،‬كإف‬ ‫ِ ِ‬ ‫يل‬ ‫كانوا رضعان‪،‬كىم بذلك حيققوف النبؤة القرآنية اليت ربدثت عن أسالفهم‪ ،‬كذلك يف قولو تعاىل ‪َ ‬كإ َذا ق َ‬ ‫َذلُ ْم الَ تػُ ْف ِس ُدكاْ ِيف األ َْر ِ‬ ‫صلِ ُحو َف ‪‬البقرة‪ .11‬كظاىر فعلهم اإلفساد‪ ،‬كلكنهم يريدكف‬ ‫ض قَالُواْ إِخمنَا َْضل ُن ُم ْ‬ ‫‪3‬‬ ‫إصالح صورهتم إعالميا‪،‬كالغاية تربر الوسيلة‪.‬‬ ‫نشرت رللة مكسيم ىذه الصور‪ ،‬يف إطار محلة جرت بالتعاكف مع قنصلية إسرائيل يف نيويورؾ‪،‬‬ ‫كىدفت لتحسُت صورة الدكلة العربية يف الواليات ادلتحدة األمريكية‪4‬؛كتؤكد اجمللة اليت نشرت يف موقعها‬ ‫‪ 1‬راجع موقع‪:‬رللة مكسيم‪maximonline.com:‬‬ ‫‪ 2‬ككاف ىذه اجمللة االباحية ‪،‬عقدت صفقات مع اليهود العرب كغَتىم‪،‬حيث سلطت االضواء على العديد منهم‪ ،‬كمنهم‬ ‫ادلمثلة اليهودية ادلغربية ثرياىاككد‪،‬اليت صرحت جمللة" ماكسيم ماغازين"‪ ،‬أف طموحها ىو الظهور عارية يف رللة البالم‬ ‫بوم‪ ،‬كىذه ادلرة يف النسخة األمريكية‪ ،‬كبعد مفاكضات عسَتة مع رللة بالم بوم االمريكية ‪ ،‬ظهرت عارية على غالؼ‬ ‫رللة بالم بوم يف نسختها اذلولندية ‪.‬كيف عاـ ‪2006‬ـ‪ ،‬مت اختيار ادلمثلة الكندية إديانويل الشريكي اليهودية ادلغربية‪،‬‬ ‫من بُت ‪ 100‬أمجل نساء العامل ‪،‬من خالؿ رللة ماكسيم ‪.‬‬ ‫‪ 3‬أصبح مكيان فيلي الشخصية الرئيسية كادلؤسس للتنظَت السياسي الواقعي‪ ،‬كالذم أصبح فيما بعد عصب دراسات العلم‬ ‫السياسي ‪ ،‬فمكيا فيلي القائل "الغاية تربر الوسيلة" كقد أصبحت مقولتو تعٍت إذا أردت شئ‪ ،‬فافعل أم شئ للوصوؿ‬ ‫إليو ‪.‬كقد برر القسوة كالوحشية يف صراع احلكاـ على السلطة كقسوة احلكومة اإلسرائيلية تعزز مقولتو ‪،‬كمن أقوالو اليت‬ ‫اشتهرت ‪:‬ليس أفيد للمرء من ظهوره دبظهر الفضيلة ‪،‬كال جيدم أف يكوف ادلرء شريفان دائمان‪.‬‬ ‫‪ 4‬يشَت ادلؤرخوف لعمر الدكلة العربية القصَت ‪،‬إىل أ ّف اجلنس كاف على الدكاـ أىم األسلحة اليت استخدمتها احلركة‬ ‫الصهيونية كاعتربهتا مشركعة يف حرهبا إلقامة ىذا الكياف‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫االلكًتكين‪ ،‬مناذج للصور كمقتطفات شلا قالتو اجملندات‪ ،‬أهنا سعيدة بثمار التعاكف مع القنصلية صاحبة‬ ‫الفكرة‪.1‬كذكرت القنصلية اإلسرائيلية ‪ ،‬اهنا ازبذت قرارىا بإطالؽ احلملة بناءن على حبث توصل إىل أ ّف‬ ‫إسرائيل ال تكاد تعٍت شيئان للشباب األمَتكي‪ .‬كمن أبرز من ظهرف يف عدد اجمللة ‪،‬ملكة مجاؿ إسرائيل‬ ‫السابقة غاؿ جادكت‪.‬‬ ‫كقد كاجهت ىذه احلملة انتقادات من بعض ادلسؤكلُت اليهود‪،‬غَت أ ّف احلكومة اإلسرائيلية مل‬ ‫تأبو ذلم‪ .‬إذ قالت عضو الكنيست االسرائيلي‪ ،‬كوليت افيتاؿ‪ ،‬اليت شغلت منصب ادلدير العاـ األسبق‬ ‫للقنصلية األمَتكية يف نيويورؾ‪ ":‬إ ّف صورة إسرائيل كما ىي اآلف ‪،‬مصبوغة بفضائح اجلنس اليت تورط فيها‬

‫مسؤكلوف كبار‪،2‬كاتساءؿ ما إذا كانت الطريقة ادلثلى لتشجيع السياحة ىي عرب تركيج اجلنس)‪. .‬ككصفت‬ ‫بعض عضوات الكنيست ‪،‬احلملة بأهنا "إباحية"‪،‬كتسئ إىل إسرائيل أكثر من ذبميل صورهتا‪ 3.‬غَت أ ّف‬ ‫ىذه االنتقادات مل تثن احلكومة من إكماؿ تعاقدىا مع تلك اجملالت اإلباحية ‪،‬ربسينان لصورة إسرائيل يف‬

‫الواليات ادلتحدة‪ 4.‬كالناظر إىل األمراض اليت أرعبت العامل إمنا ىي نتاج لإلشهار هبذه الفاحشة‪،‬كما‬ ‫حذرنا الرسوؿ "صلى اهلل عليو كسلم"ماظهرت الفاحشة يف قوـ كأعلنوا عنها‪،‬إال أصاهبم اهلل باألكجاع‬ ‫كاألمراض اليت مل تكن يف أسالفهم"‪.‬كقد أثبتت إحصائيات منظمة الصحة العادلية ‪،‬أ ّف عدد ادلصابُت‬ ‫‪ 1‬زبدـ ادلرأة يف اجليش االسرائيلي‪،‬دلدة عاـ كنصف العاـ ‪،‬كىو يعد أكؿ جيش يلزـ ادلرأة باخلدمة‪ .‬كتبدأ اخلدمة عند ادلرأة‬ ‫كالرجل من سن ‪ 18‬عامان ‪،‬كحىت ‪ 38‬عامان للنساء‪ ،‬ك‪ 40‬عامان للرجاؿ‪ .‬إضافة إىل اخلدمة االحتياطية اليت يدعى إليها‬ ‫يف حاالت الطوارئ‪.‬‬ ‫‪2‬كىي تشَت بذلك اىل استقالة الرئيس موشيو كاتساؼ‪ ،‬كمسؤكلُت كباران‪،‬بعد اهتامهم يف فضائح جنسية‪.‬‬ ‫‪ 3‬راجع موقع صحيفيت ىارتس كيديعوت احركنوت‪ ،‬لقراءة االنتقادات اليت مست ىذه احلملة التجميلية لصور اسرائيل يف‬ ‫الواليات ادلتحدة‪.‬‬ ‫‪ 4‬كتستطيع إسرائيل حصاد موقفُت من ىذه احلملة‪ ،‬أكذل ما نشر الصور االباحية بُت شباب العامل‪،‬النعداـ احلواجز يف العامل‬ ‫االفًتاضي‪،‬كمن بينهم شباب ادلسلمُت‪،‬كثانيان الربح ادلادم الذم يأتيها من ىذه ادلواقع اإلباحية اليت تديرىا شركات‬ ‫عادلية‪ ،‬كأبرز ىذه الشركات شركة "أيل جاؿ" اليت ديتلكها رجل أعماؿ إسرائيلي يطلق عليو يف إسرائيل ملك اجلنس‪،‬‬ ‫باحا تقدر سنوينا بأكثر من بػ ‪ 300‬مليوف دكالر‪.‬كىذه‬ ‫كتقوـ شركتو بتصوير بضائع جنسية للعامل العريب حيق منها أر ن‬ ‫الشركة سبوؿ أكثر من ‪ 100‬موقع جنسي على شبكة االنًتنت معظمها يسمح بالدخوؿ اجملاين للمتصفحُت العرب‬ ‫فقط‪ ،‬كىو ما يؤكد ىدؼ الشركة من نشر الدعارة يف اجملتمعات العربية كاإلسالمية بصورة خاصة‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫دبرض األيدز بلغت حسب ما أعلنتو مجعية اجلليل للبحوث كاخلدمات الصحية يف إسرائيل ‪ ،‬يقدر بأكثر‬ ‫من ‪ 4525‬شخصان من بينهم ‪ 65‬من عرب إسرائيل عاـ ‪2010‬ـ‪ ،‬فيما أكضحت كزارة الصحة‬ ‫الفلسطينية أف عدد ادلصابُت بااليدز يف الضفة الغربية كقطاع غزة يقدر ب‪ 67‬شخصان‪ .‬كاف "غالبية‬ ‫ادلصابُت باأليدز من الذكور‪ ،‬كأكثر من ‪ %55‬منهم قد أصيبوا نتيجة ادلمارسات اجلنسية غَت‬ ‫ادلشركعة"‪.‬ككذلك ظهور مرض جنسي جديد بدأ يتفشى يف إسرائيل ‪.‬كيعرؼ ادلرض اجلديد باسم "‬ ‫تركبيكاؿ بوبو " ‪ ،‬كينتقل من خالؿ ادلمارسات اجلنسية ‪ ،‬كمن شأهنا أف تسبب بأضرار جسيمة‬ ‫لألنسجة يف مناطق الشرج كاحلوض ‪ ،‬كيف حاالت أخرل تؤدم إىل التهاب يف ادلخ كاىل ادلوت‬

‫‪1‬‬

‫كيف دراسة أعدهتا الباحثة اإلسرائيلية دانيئيال رايخ‪ ،‬كنشرت يف صحيفة ىآرتس عاـ‬ ‫‪2004‬ـ‪،‬كشفت ىذه الدراسة‪ ،‬أ ّف احلركة الصهيونية أقامت يف عهد االنتداب الربيطاين يف فلسطُت‪،‬‬ ‫جهازان خاصان يضم آالؼ "ادلضيفات" اليهوديات‪ ،‬كأككلت إليهن مهمة "الًتفيو كالًتكيح" عن اجلنود‬ ‫الربيطانيُت ‪،‬كجنود احللفاء‪ ،‬الذين كانوا ينزلوف للراحة كاالستجماـ على شواطئ البالد‪ ،‬خالؿ احلرب‬

‫العادلية الثانية‪ ، 2‬أمالن يف ربوؿ ىؤالء اجلنود إىل سفراء للنوايا احلسنة‪ ،‬لدل عودهتم إىل بلداهنم"‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ 1‬راجع إحصائية الصحة العادلية ‪،2010‬حوؿ االيدز على موقع ادلنظمة‪:‬‬ ‫‪http://www.who.int/whr/2010/ar/index.html‬‬ ‫‪ 2‬كاف ىناؾ قرابة مائة ألف جندم بريطاين كاسًتايل كغَتىم من عساكر الدكؿ األجنبية ‪،‬الذين خدموا يف فلسطُت يف‬ ‫الثالثينيات كاألربعينيات ‪،‬أياـ حكم االنتداب الربيطاين‪ ،‬إباف احلرب العادلية الثانية‪ ،‬ككاف ىؤالء اجلنود كالعساكر‬ ‫األجانب يبحثوف أثناء "اسًتاحة ادلقاتل" عن قنص فرصة للمتعة كالًتفيو عن أنفسهم‪ ، .‬فوجدكا رىن إشارهتم ضلو مخسة‬ ‫آالؼ "مضيفة" يهودية مست عدات بإيعاز كتشجيع من مؤسسات احلركة الصهيونية كالوكالة اليهودية‪ ،‬الستقباؿ‬ ‫كاستضافة ىؤالء اجلنود بكل حفاكة كترحاب‪ .‬كقد انزعج قادة اجليش الربيطاين بشكل خاص من "ازدياد أعداد جنودىم‬ ‫الذين أصيبوا بأمراض جنسية يف تل أبيب" (‪ 250‬إصابة)‪ ،‬األمر الذم اضطر سلطات اجليش الربيطاين يف عاـ‬ ‫‪ ، 1945‬إىل افتتاح معهد طيب خاص يف شارع "بن يهودا" يف تل أبيب‪ ،‬إلجراء فحوصات للجنود الذين ارتادكا دكر‬ ‫‪3‬‬

‫الدعارة‪.‬‬ ‫صحيفة ىآرتس االسرائيلية ‪،‬بتاريخ‪2004 /2/12‬ـ‪ ،‬دراسة اعدهتا الباحثة االسرائيلية دانيئيال رايخ‪ ،‬حوؿ“ تاريخ‬ ‫استخداـ ادلرأة يف إسرائيل من أجل األىداؼ الكربل”‪،‬كىي عبارة عن رسالة قدمتها للحصوؿ على ادلاجستَت من‬ ‫جامعة حيفا‪.‬‬

‫‪415‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫كمن قبل سلكت سياسية بارزة ىذا االذباه ‪،‬كذلك حينما سجلت تسييب ليفٍت كزيرة اخلارجية‬

‫ا ِإل ْسَرائِيلَية السابقة‪ ،1‬اعًتافاهتا لبعض كسائل اإلعالـ اإلسرائيلية‪،‬مفتخرة دباضيها األخالقي ‪،‬قائلة‪ :‬نعم‬ ‫قتلت كمارست اجلنس من أجل إسرائيل‪ .‬كقد اعًتفت ليفٍت قائلة‪" :‬نعم للقتل كاجلنس من أجل‬ ‫إسرائيل‪ "،‬كعند سؤاذلا عن سبب حرماف نفسها من عالقة عاطفية طواؿ تلك السنوات‪ ،‬قالت ليفٍت إ ّف‬ ‫العالقة الركمانسية تتطلب األمانة كالصدؽ كاإلخالص بُت زكجُت‪ .‬كأنا‪ ،‬بالطبع‪ ،‬مل أسبكن من بناء مثل‬ ‫تلك العالقة مع أحد‪ 2.‬كىذا االذباه يبُت القيم ادلعيارية ألخالقهم‪،‬كاليت تبٌت على ادلنهج التربيرم‬ ‫الرباغمايت‪،‬حيث أكردت العديد من النصوص التوراتية كالتلمودية‪،‬دعمها لتعرية النساء إف كانت من أجل‬ ‫خدمة اليهود‪3.‬كقد ذكر الرئيس كنيدم كلمات قبل موتو‪ ،4‬أساء فيها لنفسو كلليهود يف (باذلاـ‬ ‫استيل)‪،‬قائال‪My father is a business man and he told me that all (:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مقعد) ‪،‬كجاء يف ادلرتبة االكىل‪ ،‬يف االنتخابات اليت‬ ‫كزيرة اخلارجية ا ِإل ْسَرائِيلَية‪ ،‬بعد فوز حزهبا (كادديا)‪ ،‬الذم حقق (‪ 28‬ن‬ ‫جرت يف ‪ 10‬فرباير ‪.2009‬أهنت خدمتها العسكرية كمالزـ أكؿ يف جيش االحتالؿ ا ِإل ْسَرائِيلَي‪ ،‬مث عملت لصاحل‬ ‫ادلوساد يف أكركبا‪ ،‬كسامهت بعمليات االغتياؿ‪ ،‬خصوصان اغتياؿ مأموف مريش‪ ،‬ككاف كقتها مساعدان للقيادم البارز يف‬ ‫عرؼ ىناؾ حبسناء‬ ‫منظمة التحرير‪ ،‬خليل الوزير‪ ،‬أبو جهاد يف أثينا ‪،‬كقد تطلبت بعض أنشطتها إقامتها يف باريس لتُ َ‬

‫ادلوساد‪ ،‬كتقوؿ ليفٍت إهنا نشطت يف العمل اجلاسوسي‪ ،‬كأمضت سنوات يف شعبة النخبة (كيدكف)‪ ،‬كمعناىا بالفرنسية‬ ‫احلربة ‪،‬عندما كانت تدرس احملاماة يف العاصمة الفرنسية باريس‪ ،‬كمل تكن تتجاكز من العمر حينها الثانية كالعشرين‪.‬‬ ‫‪ 2‬عبداحلليم موسى ‪،‬اليهود يف ذاكرة األمة‪ ،‬مطابع العملة السودانية‪ ،‬بدكف ناشر‪2010،‬ـ‪، ،‬ص‪.96‬‬ ‫‪ 3‬احلسيٍت احلسيٍت معدم‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪287‬ػ ‪.319‬‬ ‫‪ 4‬قتل عندما كاف يف زيارة رمسية دلدينة دالس كذلك بإطالؽ الرصاص عليو كىو مار يف الشارع بسيارة مكشوفة برفقة زكجتو‬ ‫جاكلُت كينيدم ‪،‬كما كاف يرافقو يف نفس السيارة حاكم كالية تكساس جوف كونايل الذم أصيب يف احلادث‪ .‬أدين يل‬ ‫ىاريف اكسولد بارتكاب اجلردية‪ ،‬كقد قتل ىو نفسو بعد يومُت على يد اليهودم جاؾ ركيب كذلك قبل انعقاد احملكمة‪،‬‬ ‫كقد تويف ركيب فيما بعد عقب إصابتو بسرطاف الرئة بشكل اعتربه البعض مريبنا كذلك قبل إعادة زلاكمتو ىو اآلخر‪ .‬كقد‬

‫منفردا‪ ،‬بينما توصلت جلنة أخرل إىل أف ىناؾ‬ ‫توصلت جلنة كارف عقب التحقيق إىل أف أكسولد قاـ بعملية االغتياؿ ن‬ ‫احتماؿ كجود مؤامرة‪ .‬كقد بقيت عملية االغتياؿ مثار جدؿ عاـ على الدكاـ‪ .‬كما تزاؿ تثار شكوؾ بأف لوكالة ادلخابرات‬ ‫األمريكية سي‪.‬آم‪.‬إيو (‪ )CIA‬أك جلهاز استخبارات االرباد السوفيييت السابق (كي جي يب) يد يف مقتلو‪ ،‬كتثار‬ ‫شكوؾ أيضان أف اغتيالو كاف بايعاز إسرائيلي خاصة بعد اصراره على تفتيش مفاعل دديونة اإلسرائيلي كالتأكد ما إذا كاف‬ ‫حيتول على قنابل ذرية أـ ال‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫‪ business men are S.O.Bs (son of bitchs)1.‬ككانت ىذه الكلمات داللة على‬ ‫أخالؽ آبائهم‪،‬ككذلك أخالقهم‪.‬كىذه الصفة ألألخالقية اليت كصف هبا كنيدم اليهود‪،‬كاليت أضرت‬ ‫بسمعتهم األخالقية‪،‬جاءت من باب النساء‪،‬كما قاؿ الرسوؿ صلى اهلل عليو كسلم"ماتركت فتنة من‬ ‫بعدم‪،‬أضرت بالرجاؿ من النساء"‪،‬كيقصد الزىن‪.‬‬ ‫العوامل التي ساهمت في استمرار تدهور صورة إسرائيل إزاء الرأ‪ :‬العا م األميركي‪:‬‬ ‫ال زبلو نشرة إخبارية إذاعية مسموعة‪،‬أك مرئية‪،‬عربية كأجنبية‪،‬أك مواقع اليكًتكنية ‪،‬من تناكؿ‬ ‫القضية الفلسطينية‪ ،‬كذلك استخداـ العديد من الصور كالنصوص‪،‬كقد تثَت ىذه الصور الكراىية ضد‬ ‫اليهود شلا يشجع ذلك بعض ادلسلُت بدعم الفصائل الفلسطينية‪،2‬كيف ىذا هتديد ألمن إسرائيل سامهت‬ ‫فيو تلك الصور؛ كقد عكست ىذه الصور حقائق األحداث على األرض‪،‬كاليت سامهت يف تشويو صورة‬ ‫إسرائيل‪.‬‬ ‫الصورة في بعدها األمني‪:‬‬ ‫الصورة التلفزيونية‪،‬أك الفوتوغرافية سبثل الركيزة األساسية قبل الكلمة يف رسم صورة ذىنية عن أم‬ ‫قضية إنسانية‪،‬لذلك يف العديد من األحايُت تستخدـ الصورة بنوعيها بديالن للتعبَت اللغوم‪،‬كىي أشد أثران‬ ‫كأقول داللة‪،‬ألهنا زباطب الغرائز قبل العقوؿ‪،‬كمن خياطب الغرائز يستعطف غالبا كل من يشاىده‬ ‫الصورة‪ ،‬إف مل يكن منحازان‪،‬أك ملمان حبقيقة الصورة كأبعادىا‪.‬‬ ‫‪1‬أكردت ىذه العبارة صحيفة الواشنطوف بوست‪،‬قبيل مقتل كنيدم يف‪ 27‬سبتمرب‪،1963‬مث تناقلتها الصحف االمريكية‬ ‫بعد ذلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬كشفت كثائق سرية حصلت عليها اجلزيرة عن جلسات من التنسيق األمٍت بُت اجلانبُت الفلسطيٍت كاإلسرائيلي‪ ،‬كقد‬ ‫دارت خالؿ تلك اجللسات كفقان للوثائق نقاشات لتنسيق مالحقة كمطاردة عناصر من ادلقاكمة الفلسطينية ‪،‬استشهد‬ ‫بعضهم فيما بعد يف غارات إسرائيلية‪ ،‬ففي األكؿ من نوفمرب ‪ 2005‬استهدفت الطائرات اإلسرائيلية بصوارخيها القيادم‬ ‫يف كتائب األقصى حسن ادلدىوف ‪،‬كادلسؤكؿ العسكرم يف كتائب القساـ فوزم أبو قرة شلا أدل اىل استشهادمها‪ .‬كأشار‬ ‫ياسر عبد ربو أمُت سر اللجنة التنفيذية دلنظمة التحرير الفلسطينية ‪ ،‬إىل أ ّف تقدًن صائب عريقات الستقالتو جاء بعد‬ ‫الوثائق اليت سربت من دائرة شئوف ادلفاكضات كقامت بنشرىا قناة "اجلزيرة" يف غَت سياقها الصحيح‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫يرل الباحث أ ّف الذاكرة اإلنسانية قادرة على استدعاء الصور ادلخزنة‪،‬لتؤكد ‪،‬أكتعدؿ كاقع رؤية‬ ‫األحداث اليت يتعرض ذلا الفرد‪،‬كضلن ىنا بصدد احلديث عن صور حرب غزة‪،‬اليت نشطت الذاكرة‬ ‫الستدعاء ماخزنتو عن صور احلركب السابقة‪ ،‬الفلسطينية اإلسرائيلية‪،‬أك حركب عادلية‪،‬كمقارنتها هبذه‬ ‫الصور ادلاثلة أمامها‪،‬حيث نشاىد عرب األفالـ التسجيلية ‪،‬صور احلركب اليت شهدىا العامل قدديان كحديثان‪،‬‬ ‫كيتأثر بعضنا هبذه الصور‪،‬خاصة األطفاؿ‪،‬كينعكس ىذا التأثَت عليهم من خالؿ التبوؿ الإلرادم‪،‬أك‬ ‫الصراخ أثناء النوـ‪،‬أك البكاء دكف أسباب‪،‬أك ازدياد خفقاف القلب‪،‬أك غَتىا من األمراض الطفولية‪. 1‬‬ ‫كيلمس الباحث قيمة كبَتة للصورة يف التأثَت كترؾ االنطباع ‪،‬كتغيَت ادلواقف كادلفاىيم كالتصورات‬ ‫‪،‬كمرد ذلك إىل أهنا زباطب سلتلف فئات اجملتمع كشرائحو ‪،‬شلا جيعل منها كسيلة إعالمية ذات تأثَت بالغ‬ ‫يف تبليغ اخلطاب كنشر الرسائل اإلعالمية‪ ،‬كذلك بعكس الكلمة ادلكتوبة اليت يكوف ذلا أثر زلدكد يف‬ ‫الغالب على فئة ادلثقفُت‪.‬كيذكرنا ذلك بقولو صلى اهلل عليو كسلم‪،‬حينما صور قصة موسى مع اخلضر‬ ‫عليهما السالـ‪،‬قائالن‪:‬ليس من رأل كمن مسع"‬ ‫إ ّف ىذه السمة للصورة أدت بالقارئ ألف يقرأ الصورة قبل ادلقاؿ‪ ،‬كأصبحت ادلواضيع تقرأ كتباع‬ ‫من خالؿ الصور ادلرافقة ذلا‪ .‬يقوؿ رئيس ربرير صحيفة الغد األردنية األستاذ أدين الصفدم ‪ ،‬حوؿ أمهية‬ ‫ال صورة ‪":‬عندما أبدأ بتصفح الصحف األردنية كل صباح‪ ،‬أحبث بداية عن الصور اليت اختارهتا كل‬ ‫صحيفة على صفحتها األكىل قبل قراءيت للمانشيتات كعناكين األخبار"‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ 1‬دلزيد من ادلعلومات راجع‪. 1 :‬محزة اجلبايل ‪ ،‬ادلشاكل النفسية عند األطفاؿ ‪ ،‬األردف ػ عماف ‪ ،‬دار الصفا للطباعة كالنشر‬ ‫كالتوزيع ‪2005،‬ـ ص‪ .2.‬ىشاـ اخلطيب كأمحد زلمد الزبادم ‪ ،‬الصحة النفسية للطفل ‪ ،‬األردف ػ عماف ‪ ،‬الدار العادلية‬ ‫الدكلية للنشر كالتوزيع‪2001 ،‬ـ‪،‬ص‪.3 .‬زلمد عودة الردياكم ‪ ،‬يف علم نفس الطفل ‪ ،‬فلسطُت ػ راـ اهلل ‪ ،‬دار الشركؽ‬

‫‪2‬‬

‫للنشر كالتوزيع‪1997 ،‬ـ‪ ،‬ص‪.4.‬بساـ مجعة ‪ ،‬الطفولة كطرؽ دراستها ‪ ،‬ط‪ ،1‬األردف ػ عماف ‪ ،‬دار البداية للنشر‬ ‫كالتوزيع ‪ 2005 ،‬ـ‪،‬ص ‪.‬شيفر كملماف‪ ،‬ترمجة ‪ :‬سعيد حسٍت العزة ‪ ،‬سيكولوجية الطفولة كادلراىقة‪ :‬مشكالهتا كأسباهبا‬ ‫كطرؽ حلها ‪ ،‬األردف ػ عماف ‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر كالتوزيع ‪1999 ،‬ـ ‪،‬ص‪.‬‬ ‫أكردت العديد من ادلراجع ىذا ادلنظور‪،‬حوؿ أمهية الصورة‪ ،‬يف منها‪:‬منصور شاىُت‪،‬عصر الصورة‪،‬اذليئة ادلصرية‬ ‫للكتاب‪،‬القاىرة‪2006،‬ـ‪.‬األرقم اجليالين‪،‬كيف تصنع برامج التلفزيوف‪،‬دكف ذكر الناشر‪،‬اخلرطوـ‪2009،‬ـ‪.‬ص‪23‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫كنتيجة ذلذه األمهية كالتأثَت الكبَت للصورة على الفرد كالرأم العاـ ‪،‬كعلى سَت األحداث كربوؿ‬ ‫‪1‬‬ ‫ادلواقف‪ ،‬فقد مت اغتياؿ (ناجي العلي)‪ ،‬يف لندف ‪،‬بعد أف أصبحت رسوماتو الكارتونية تشكل هتديدان امنيان‬ ‫ألمن اسرائيل‪،‬إذ كتب كصيتو قبل اغتيالو ‪،‬على يد ادلوساد‪،‬عرب رسوماتو على لساف حنظلو‪،‬كقد أضحت‬

‫رسوماتو اليت ذباكزت ادلائة لوحة‪ ،‬رمزان لقوة الصورة يف ذبسيد األحداث تارخييان‪،‬خاصة الصراع مع اليهود‪.2‬‬

‫سعى ادلسؤكلوف األمريكيوف‪ ،‬كما تقوؿ (كاترين أكرز) يف صحيفة (ذايج) األسًتالية ‪،‬إىل‬

‫التحكم يف استخداـ اإلعالـ‪ ،‬لصور ادلعارؾ( منذ حرب فيتناـ؛كما قاموا منذ حرب اخلليج الثانية‬ ‫‪ 1991‬ـ‪ ،‬دبنع ادلصورين الصحفيُت من تغطية عودة النعوش العسكرية‪ ،‬إىل الواليات ادلتحدة‬ ‫األمريكية)‪ 3.‬كذلك حفاظان على صورة الواليات ادلتحدة ‪،‬إزاء الرأم العاـ‪،‬كجيشها الذم ال يقهر‪.‬‬

‫فالصورة الصحفية ادلؤثرة‪ ،‬قد تغٍت عن ألف كلمة مكتوبة ‪ ،‬كتنبع ىذه األمهية للصورة الصحفية‬

‫من كوهنا توقف الزمن يف حلظة معينة‪ ،‬كعند حدث معُت‪4‬؛ كىذا ادلعٌت يشَت إليو ادلصور كالباحث ىيثم‬ ‫فتح اهلل عزيزة ‪،‬يف كتابو الصورة الصحفية بقولو‪ " :‬تعد الصورة الصحفية تسجيالن حيان كاقعيان كتارخييان‬ ‫للحياة العابرة‪ ،‬فما يسجل يف حلظة ديكن أف يكوف خالدان إىل دىر من الزمن‪ ،‬كديكن أف يكوف دليالن‬

‫شاخصان يف العديد من األحداث اليت سبر بسرعة الربؽ‪ ،‬كال ديكن للذاكرة أف تعود بتفاصيلها كما تفعل‬ ‫عدسة ادلصور الصحفي‪ ،‬بتثبيت احلقائق‪ ،‬مثلما كقعت حبركاهتا‪ ،‬كاليت إذا ما صلح ادلصور يف احلصوؿ‬ ‫‪1‬‬

‫أطلق شاب رلهوؿ النار على ناجي العلي يف لندف بتاريخ ‪ 22‬يوليو عاـ ‪ 1987‬فأصابو ربت عينو اليمٌت‪ ،‬كمكث يف‬ ‫غيبوبة حىت كفاتو يف ‪ 29‬أغسطس ‪ ،1987‬كدفن يف لندف رغم طلبو أف يدفن يف سليم عُت احللوة جبانب كالده كذلك‬ ‫لصعوبة ربقيق طلبو‪ ،‬يتهم البعض إسرائيل بالعملية كذلك النتمائو إىل اجلبهة الشعبية لتحرير فلسطُت اليت قامت إسرائيل‬ ‫ب اغتياؿ بعض عناصرىا كما تشَت بعض ادلصادر أنو عقب فشل زلاكلة ادلوساد الغتياؿ خالد مشعل قامت صحيفة‬ ‫يديعوت أحركنوت اإلسرائيلية بنشر قائمة بعمليات اغتياؿ ناجحة ارتكبها ادلوساد يف ادلاضي كمت ذكر اسم ناجي العلي‬ ‫يف القائمة‪.‬‬

‫‪ 2‬كتاب حرية الصحافة‪ :‬شهادات‪ ،‬صادر عن مركز محاية كحرية الصحفيُت‪ ،‬عماف ‪2000‬ـ ‪،‬ص‪.13‬‬ ‫‪ 3‬راجع مذكرات شوارسكوؼ‪ ،‬قائد قوات التحالف يف عاصفة الصحراء‪.‬ككتاب كرـ شليب‪ ،‬تغطية حرب اخلليج‪.‬‬ ‫‪ 4‬أكردت العديد من ادلراجع ى ذا ادلنظور‪،‬حوؿ امهية الصورة‪ ،‬يف منها‪:‬منصور شاىُت‪،‬عصر الصورة‪،‬اذليئة ادلصرية‬ ‫للكتاب‪،‬القاىرة‪2006،‬ـ‪.‬االرقم اجليالين‪،‬كيف تصنع برامج التلفزيوف‪،‬دكف ذكر الناشر‪،‬اخلرطوـ‪2009،‬ـ‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫عليها‪ ،‬كانت دليالن حيقق بو السبق الذم يطمح إليو"‪.1‬كما أكقفت صورة كاحدة حرب فيتناـ‪،‬ككاف أثرىا‬ ‫أبلغ من ادلفاكضات السياسية‪،‬اليت تنشط إباف احلركب‪ 2.‬ككذلك أدت صورة اجلندم الذم قتل يف‬ ‫الصوماؿ ‪،‬كمت جره عرب الشوارع‪ ،‬إىل عودة اجلنود األمريكاف إىل كطنهم ‪،‬كهناية عملية إعادة األمل‬ ‫"‪ "Return of Hope‬األمريكية يف الصوماؿ‪.‬‬ ‫أما العوامل التي ساهمت في استمرار تدهور صورة إسرائيل‪،‬فهي‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬مل تستطع إسرائيل ‪،‬يف مطلع األلفية الثالثة عالج اجلذكر الفعلية لألزمة اليت تعانيها من‬ ‫ربسُت صورهتا لدل الرأم العاـ األمَتكي‪ ،‬كمرد ذلك إىل فشل عمليو السالـ‪،‬كأطركحات مشعوف بريز‬ ‫دلشركع الشرؽ األكسط اجلديد‪ ،‬كعدـ كجود خطط إسرائيلية كاضحة‪ ،‬لتحقيق خطوات اجيابية يف عملية‬ ‫السالـ ادلنشود يف الشرؽ األكسط‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫ثانياً‪ :‬بعد أحداث احلادم عشر من سبتمرب‪2001‬ـ‪ ،‬تباينت صورة إسرائيل يف عيوف‬ ‫األمَتكيُت‪،‬كذلك حينما أدلت هبا‪،‬أكثر من أزمة كاضحة‪ ،‬بالرغم من التأييد الذم تتمتع بو إسرائيل يف‬ ‫أكساط النخب األمَتكية احلاكمة‪ ،‬فإ ّف صورهتا لدل الرأم العاـ األمَتكي‪ ،‬اىتزت منذ ذاؾ الزماف‬ ‫القريب‪.‬إذ نشرت ككالة جيوش تلغراؼ‪ ،‬مقاالن ربدث عن انتشار شعور بأ ّف "إسرائيل زبسر معركة التأثَت‬ ‫على عقوؿ كقلوب األمريكيُت" ‪،‬يف دكائر ادلنظمات ادلساندة إلسرائيل‪،‬كاليت شرعت منذ عاـ ‪2002‬ـ‪،‬‬ ‫يف تنفيذ محلة عالقات عامة كاسعة‪ ،‬دلواجهة تدىور صورة إسرائيل يف أكساط الرأم العاـ األمَتكي‪،‬كما‬ ‫كشفت بعض كسائل اإلعالـ اليهودية األمَتكية خالؿ عامي ‪ 2002‬ك‪،2003‬عن شعور بعض قادة‬ ‫أكرب ادلنظمات ادلساندة إلسرائيل بأمَتكا(ايباؾ)‪ ،‬بأ ّف صورة إسرائيل يف عيوف األمَتكيُت سبر بأزمة‪ 4.‬كما‬ ‫‪ 1‬ساىر قداره‪،‬الصورة الصحفية ‪،‬موقع ‪، ahlamontada.net‬تاريخ النشر ‪ 16‬فرباير ‪ 2009‬ـ‪ ،‬تاريخ الوصوؿ‬ ‫‪2009/12/24‬ـ‪.‬‬ ‫‪ 2‬من شاىد ىذه الصورة اليت التقطها ادلصور الفيتنامي(نك أكت)‪،‬كأكقفت حرب فيتناـ‪،‬يُدرؾ تأثَتىا على الرأم العاـ‬ ‫العادلي‪،‬كعلى القيادات السياسية يف ازباذىا للقرارات ‪.‬‬ ‫‪ 3‬مشعوف بريز ‪ ،‬الشرؽ األكسط اجلديد‪.‬‬ ‫‪ 4‬ككالة جيوش تلغراؼ‪،‬إسرائيل زبسر معركة التأثَت على عقوؿ كقلوب األمريكيُت‪،‬بتاريخ‪ 17 :‬ديسمرب ‪2003‬ـ‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫أف األخطاء الدبلوماسية اليت كقعت فيها إسرائيل يف حرهبا على لبناف‪ ،1‬كصعود كسائل اإلعالـ البديلة ‪-‬‬ ‫كعلى رأسها مواقع التواصل االجتماعي ‪،‬كاليت احتل فيها موقعي الفيس بوؾ كالتويًت قمة اذلرـ التواصلي‬ ‫بُت اجلماىَت العربية كغَتىا‪،‬كال خيفى أثرمها يف ثورات الشباب اليت اجتاحت تونس كمصر كليبيا كاليمن‬ ‫كغَتىا من الدكؿ العربية‪ ،‬جبانب انتشار األصوات ادلتعاطفة مع ادلسلمُت كالعرب يف أكساط شعبية‬ ‫أمريكية معينة‪ ،‬كاستمرار موت أعداد كبَتة من اجلنود األمريكيُت ‪،‬يف العراؽ كأفغانستاف ‪،‬جبانب زببط‬ ‫السياسة األمَتكية يف الشرؽ األكسط بصفة عامة‪ ،‬كىي عوامل تشكل إضعافان مستمران لصورة إسرائيل‬ ‫لدل الرأم العاـ األمَتكي‪ ،‬كما أهنا قد تقود إىل إدخاؿ صورة إسرائيل يف أزمات جديدة عميقة يف‬ ‫أكساط األمَتكيُت‪،‬لشعورىم أف أمريكا زبوض تلك احلرب لصاحل إسرائيل‪.2.‬‬ ‫يف إطار ذلك‪ ،‬أجرل رللس العالقات اإلسالمية األمريكية (كَت) يف أكاخر عاـ‬ ‫‪،2005‬استطالعان‪،‬كانت نتيجيتو‪ ،‬أ ّف ‪ %63‬من األمريكيُت‪ ،‬باتوا يعتقدكف أف طريف الصراع اإلسرائيلي‬ ‫الفلسطيٍت‪ ،‬يقفاف على جانب الصواب بشكل متساكم‪ ،‬كذلك مقارنة بنسبة ‪ %50‬يف أكاخر عاـ‬

‫‪2004‬ـ‪ 3.‬مث أكد استطالع آخر أيضان أجراه رللس العالقات اإلسالمية األمريكية (كَت) ‪،‬يف هناية يوليو‬ ‫‪ ،2006‬أ ّف احلرب على لبناف‪،‬مل تغَت موقف غالبية الشعب األمَتكي (‪ ،)%63‬ادلطالب باحلياد ذباه‬ ‫صراع الشرؽ األكسط‪ 4.‬اذ فشلت إسرائيل يف كسب التعاطف الدكيل يف حرهبا على لبناف‪ ،‬بسبب‬ ‫إفراطها يف استخداـ القوة‪ ،‬كرفضها احللوؿ الدبلوماسية اليت ساندهتا غالبية دكؿ العامل كادلنظمات الدكلية‪.‬‬ ‫كما أشار استطالع‪،‬أجرتو منظمة تدعى "مشركع إسرائيل" ‪،‬يف نوفمرب ‪2003‬ـ‪ ،‬لتوجهات‬ ‫األمَتكيُت‪ ،‬كقد أباف إ ّف نسبة األمريكيُت الراغبُت يف كقوؼ الواليات ادلتحدة‪،‬موقفا زلايدان ذباه صراع‬ ‫‪ 1‬بدأت حرب اسرائيل مع لبناف ‪،‬يف ‪ 12‬سبوز (يوليو) ‪ 2006‬بُت قوات من حزب اهلل اللبناين‪ ،‬كقوات جيش الدفاع‬ ‫اإلسرائيلي ‪،‬كاليت استمرت ‪ 34‬يوما يف مناطق سلتلفة من لبناف‪ ،‬خاصة يف ادلناطق اجلنوبية كالشرقية كيف العاصمة بَتكت‪،‬‬ ‫كيف مشايل إسرائيل‪ ،‬يف مناطق اجلليل‪ ،‬الكرمل كمرج ابن عامر‪ .‬ككانت احلرب تؤثر على منطقة ىضبة اجلوالف ‪.‬‬ ‫‪ 2‬عالء بيومي‪،‬صورة إسرائيل يف عيوف األمَتكيُت‪،‬تاريخ النشر‪:‬األربعاء ‪ 1428/2/11‬ىػ ‪ -‬ادلوافق‪ 2007/2/28‬ـ‬ ‫‪،‬دبوقع‪، www.aljazeera.net:‬تاريخ الوصوؿ‪2009/11/19:‬ـ‪.‬‬ ‫‪ 3‬راجع موقع‪ :‬رللس العالقات اإلسالمية األمريكية (كَت)‪،‬بتاريخ نوفمرب‪2005‬ـ‪.‬‬ ‫‪ 4‬ادلرجع السابق‪.‬‬

‫‪414‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫الشرؽ األكسط‪ ،‬بلغت نسبة ‪ ، %62‬مقارنة مع ‪، %43‬يف منتصف عاـ ‪2002‬ـ ‪.‬كما كشفت‬ ‫تقارير أخرل نشرت حوؿ القضية ذاهتا‪،‬أ ّف صورة إسرائيل تعاين بدرجة أكرب يف أكساط ثالث فئات‬ ‫أمريكية أساسية ‪،‬كىي‬

‫‪1:‬‬

‫‪ .1‬اجلامعات األمريكية‪.‬‬ ‫‪ .2‬األفارقة األمريكيُت‪.‬‬ ‫‪ .3‬أصحاب التوجو السياسي الليربايل‪.‬‬ ‫فحالة التأييد العاـ اليت سبتعت هبا إسرائيل من قبل الواليات ادلتحدة‪ ،‬حكومة كشعبان ‪،‬يف‬ ‫أعقاب بداية حرب لبناف‪ ،‬قد ال تعرب عن حقيقة شعور الرأم العاـ األمَتكي ذباه السياسات اإلسرائيلية‪،‬‬ ‫بقدر ما ىي رد فعل دلوقف النخب األمَتكية السياسية كاإلعالمية ادلساند إلسرائيل‪ ،‬كلطبيعة ادلشاعر‬ ‫الوطنية األمَتكية كاليت تدعو األمَتكيُت للتوحد يف أكقات األزمات‪.2‬‬ ‫كما أجرت منظمة تدعى "مشركع إسرائيل"‪ ،‬استطالعان لتوجهات األمَتكيُت يف نوفمرب‬ ‫‪2003‬ـ‪،‬كقد كجد أف نسبة األمَتكيُت الراغبُت يف أف تقف أمَتكا‪ ،‬موقفان زلايدان ذباه صراع الشرؽ‬ ‫األكسط كصلت إىل ‪ %62‬مقارنة مع ‪ %43‬منتصف عاـ ‪.2002‬كما كشف ىذا التقرير‪،‬أف صورة‬ ‫إسرائيل تعاين بدرجة أكرب يف أكساط ثالث فئات أمَتكية أساسية‪ ،‬كىي اجلامعات األمَتكية كاألفارقة‬ ‫األمَتكيُت كأصحاب التوجو السياسي الليربايل‪ .‬كذكرت بعض ادلصادر أف ىجوـ إسرائيل الدائم على‬ ‫أعدائها ال يكفي لتحسُت صورهتا لدل الرأم العاـ األمَتكي كالذم بات يشعر أف إسرائيل ال سبتلك‬ ‫مشركعان لتحقيق السالـ بالشرؽ األكسط‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫ككالة جيوش تلغراؼ االسرائيلية‪،‬إسرائيل زبسر معركة التأثَت على عقوؿ كقلوب األمريكيُت‪ ،‬بتاريخ ‪ 17‬ديسمرب‬ ‫‪2003‬ـ‪ ، .‬دبوقع‪، www.aljazeera.net:‬تاريخ الوصوؿ‪2009/11/19:‬ـ‪.‬‬ ‫يعزم العديد من الباحثُت كادلفكرين‪،‬االذباىات االعالمية االضليازية السرائيل يف الواليات ادلتحدة‪،‬اىل قوة نفوذ اللويب‬ ‫الصهيوين داخل ىذه االجهزة‪،‬كمن ىؤالء ديفيد ديوؾ‪،‬كبوؿ فندىل‪،‬كنعوـ شومسكي‪،‬كادكارد سعيد‪ ،‬كاسرائيل شاحاؾ‬ ‫‪،‬كغَتىم‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫ثالثاً‪ :‬بركز مفهوـ اإلعالـ اجلديد "‪ ،"New Media‬كالذم أصبحت فيو شبكة اإلنًتنت‬

‫مصدر للمعلومات‪ ،‬كتزايد أعداد ادلسلمُت كالعرب بالواليات ادلتحدة كأكربا‪ 1‬؛ كىذه األرقاـ أزعجت‬ ‫العديد من الدكائر اليمينية ادلتطرفة يف الغرب عموما‪ ،‬فبدأت دبحاربة االسالـ‪،‬كمن مظاىر ىذه احلرب‪،‬‬ ‫احلملة الغربية للحرب على اإلرىاب‪ ،‬كقضية الرسوـ ادلسيئة‪،‬كمنع احلجاب يف فرنسا‪،‬كمنع بناء ادلساجد يف‬ ‫سويسرا‪،‬كغَتىا من ادلواقف األكركبية حملاربة االسالـ‪. 2 .‬‬ ‫جبانب ذلك ازدياد شعور الرأم العاـ األكريب السليب ذباه السياسات اإلسرائيلية‪،‬حينما خرجت‬ ‫أعدادا غفَتة من اجلماىَت يف فرنسا كبريطانيا كالواليات ادلتحدة‪،‬كغَتىا من بالد الغرب‪،‬مطالبة زعماء‬ ‫العامل لوقف احلرب‪،‬كزلاكمة قيادات احلكومة اإلسرائيلية‪،‬كمجرمي حرب‪ ،‬أماـ زلكمة العدؿ الدكلية يف‬ ‫الىام‪..3‬‬ ‫رابعاً‪ :‬هتويد القدس‪ ،‬كالذم تسعى إسرائيل إىل تنفيذ "سلطط ‪ ،"2020‬أك القدس الكربل‪،‬‬ ‫كىو مشركع يهدؼ‪ ،‬إىل جانب سلططات إقليمية أخرل‪ ،‬إىل تكريس شعار "القدس عاصمة موحدة‬ ‫أبدية إلسرائيل" كإىل هتويد مدينة القدس عن طريق ضم مستوطنات إىل مناطق نفوذىا كتقليل أعداد‬ ‫الفلسطينيُت يف ادلدينة‪.‬يقوؿ رئيس مركز اخلرائط دبركز الدراسات العربية‪ ،‬خليل التفكجي ‪ ":‬إف إسرائيل‬ ‫هبذا ادلخطط ‪،‬ستضم الكتل االستيطانية احمليطة بالقدس‪ ،‬إىل ادلدينة‪ ،‬يف حدكد عاـ ‪ ،2020‬لتقلل من‬ ‫عدد العرب هبا‪ ،‬كتزيد من عدد اليهود‪ ،‬باإلضافة إىل غايات أخرل‪.‬كحينها سيتكفل اجلدار بإخراج مزيد‬ ‫‪ 1‬لقراءة التفاصيل الدقيقة ألعداد ادلسلمُت يف العامل ‪،‬راجع ادلوقع التايل‪:www.al-waie.org‬‬ ‫‪2‬‬ ‫يف دراسة ألكاددييُت يهود بأف عدد مسلمي الكرة األرضية سوؼ يبلغ ثلث سكاف العامل حبلوؿ عاـ ‪2050‬ـ‪ .‬كاعتمادان‬ ‫على ىذه الدراسة من ادلتوقع أف يبلغ عدد مسلمي الكرة األرضية‪ ،‬حوايل نصف سكاف العامل يف هناية ىذا القرف‪ ،‬أم‬ ‫عاـ ‪2100‬ـ‪ .‬كيرل بعض علماء االنثركبولوجيا أف الدديوغرافيا قد تغَت التاريخ كاجلغرافيا‪ ،‬حيث بلغ عدد مسلمي قارة‬ ‫أفريقيا ‪ 430‬مليوف نسمة من أصل ‪ 885‬مليوف نسمة ‪،‬أم حواىل ‪ ،%48‬كعدد مسلمي قارة أمَتكا الشمالية كاجلنوبية‬ ‫كقارة أكركبا دبا يف ذلك ركسيا يزيد عن ‪ 50‬مليوف نسمة‪ ،‬بينما مسلمي شبو القارة اذلندية (اذلند‪ ،‬باكستاف‪ ،‬بنغالدش‪،‬‬ ‫دبا يف ذلك أفغانستاف) يبلغ ‪ 468‬مليوف نسمة من أصل مليار كأربعمائة كمخسة عشر مليونان‪ ،‬أم الثلث‪.‬‬ ‫‪ 3‬زلكمة العدؿ الدكلية ‪ ،‬ىي الذراع القضائي األساسي دلنظمة األمم ادلتحدة‪ .‬ك يقع مقرىا يف الىام هبولندا‪ .‬كىي اجلهاز‬ ‫الوحيد من بُت األجهزة الستة لألمم ادلتحدة الذم اليقع يف نيويورؾ‪ .‬تأسست عاـ ‪ ،1945‬كبدأت أعماذلا يف العاـ‬ ‫الالحق‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫من الفلسطينيُت من زليط ادلدينة‪ ،‬حىت هتبط نسبة العرب فيها إىل ‪، %12‬مقابل ‪ %88‬من‬ ‫اليهود"‪،‬كاجلدار قدر إذلي لليهود ذكره ادلوىل عز كجل منذ قتاذلم للنيب صلي اهلل عليو كسلم‪،‬ككنت أظن‬ ‫أف ىذه اآلية عربت عن ظرؼ زماين كانتهى‪،‬كماذبددت عندم إال بعد أف بدأ اليهود يف بناء‬ ‫جدارىم‪،‬كمربراهتم من البناء‪،‬حينها أدركت أف قولو تعاىل ‪‬كال يقاتلونكم إال من كراء جدر أك قرل‬ ‫زلصنة‪،‬مازاؿ قائمان‪ .‬كسلطط البناء اإلسرائيلي يتضمن بناء ما ال يقل عن ‪ 50‬ألف كحدة سكنية‪،‬‬ ‫‪1‬‬ ‫موضحا أنو سيقطع الصلة بُت مشاؿ الضفة كجنوهبا‪ ،‬كما أنو سيلتهم ‪ %10‬من مساحة الضفة الغربية‪.‬‬ ‫كيتعرض كذلك ادلسجد الكبَت يف مدينة يافا‪ ،‬كالذم يعد من أىم ادلعامل التارخيية اإلسالمية يف‬ ‫ادلدينة‪ ،‬إىل هتديد إسرائيلي باحملاصرة كاالختفاء بسبب سلطط جديد إلقامة مشركع سياحي‪ ،‬بالقرب منو‪،‬‬ ‫كعلى ادلقربة اإلسالمية ادلوجودة منذ عهد ادلماليك‪.2.‬كقد قامت شركة تطوير احلي اليهودم بشراء‬ ‫األرض‪ .3‬كقدمت سلططات إىل جلنة التنظيم كالبناء إلقامة فندؽ سياحي يشمل (‪)132‬غرفة فاخرة‬ ‫كعمارة سكنية متعددة الطوابق‪ .4‬كقد قدمت "مؤسسة األقصى للوقف كالًتاث" التابعة للحركة اإلسالمية‬ ‫يف الداخل الفلسطيٍت ‪،‬اعًتاضان ضد ادلخطط ‪ .5‬كمنحت إسرائيل تراخيص لبناء منازؿ جديدة‪،‬بلغ عددىا‬ ‫(‪ )450‬منزالن‪.‬كقاؿ مدير مكتب اجلزيرة يف القدس كليد العمرم‪ ،‬إ ّف القرار ىدؼ إلقناع كاشنطن‪ ،‬بأ ّف‬ ‫احلكومة اإلسرائيلية اضطرت ذلذه اخلطوة إرضاءن لليمُت‪ ،‬كتفاديان لغضب ادلستوطنُت‪ ،‬كمواصلة السياسة‬ ‫‪ 1‬أكرد ىذا النبأ العديد من ككاالت األنباء العادلية‪ ،‬كما جاء يف نشرات أخبار العديد من القنوات الفضائية كاالذاعات‬ ‫العربية كاالجنبية‪،‬شلا يؤكد ذلك القيمة االخبارية للنبأ‪.‬‬ ‫‪ 2‬فمنطقة ادلسجد ‪،‬كادلباين احمليطة بو‪ ،‬كأرض ادلقربة ‪،‬ىي كقف إسالمي كضعت ادلؤسسة اإلسرائيلية ‪،‬اليد عليها ‪،‬كقامت‬ ‫ببيعها دببالغ خيالية دلستثمرين يهود‪.‬‬ ‫‪ 3‬شركة تطوير احلي اليهودم‪ ،‬كىي اليت اشًتت ىذه األرض‪،‬كىي شركة سبلكها كزارة اإلسكاف اإلسرائيلية بشكل كامل‬ ‫كتزكدىا سنويان دببالغ طائلة تصل دلاليُت الدكالرات لتنفيذ ادلخططات التهويدية يف القدس‪.‬‬ ‫‪ 4‬زلمد زلسن كتد‪،‬مشاريع إسرائيلية على أكقاؼ يافا‪،‬تاريخ الوصوؿ ‪،2009/11/11‬تاريخ النشر‪2009/11/21:‬‬ ‫ـ‪،‬دبوقع‪www.aljazeera.net :‬‬ ‫‪ 5‬ىذا ادلخطط جاء يف كقت كافق فيو كزير الدفاع إيهود باراؾ ‪،‬على إصدار تصاريح لبناء مئات الوحدات يف مستوطنات‬ ‫الضفة‪ ،‬رغم دعوات دكلية لتجميد االستيطاف‪ ،‬يف خطوة ىي األكىل من نوعها منذ تويل بنيامُت نتنياىو رئاسة الوزراء يف‬ ‫مارس‪2009‬ـ‪..‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫ادلتبعة خبلق كاقع جديد ‪ ،‬سواء ببناء مستوطنات جديدة ‪،‬أك باالستيالء على منازؿ الفلسطينيُت يف‬ ‫القدس احملتلة‪.1‬كما قاـ كزير البٌت التحتية اإلسرائيلي عوزم الندك مؤخران ‪ ،‬بوضع حجر األساس دلستوطنة‬ ‫‪2.‬‬

‫جديدة شرؽ القدس احملتلة‬

‫كأكد د‪ .‬ناجح بكَتات‪ 3‬أف "احلرـ القدسي يتعرض لتهويد تاـ"‪ ،‬كقاؿ "من ناحية يتم هتجَت‬ ‫العرب كىدـ منازذلم كادلعامل اإلسالمية‪ ،‬كمننع من أم ترميم بسيط‪ ،‬كإسرائيل سبنعنا من إدخاؿ حىت كلو‬ ‫كيس إمسنت كاحد‪ ،‬كيف ادلقابل زبطط كتبٍت لليهود‪ .4‬كقاؿ احملامي الفلسطيٍت زلمد إغبارية إ ّف "إقرار ىذا‬ ‫ادلخطط‪ ،‬ديكن أف يؤدم إىل ادلس بادلسجد األقصى‪ ،‬كالقياـ بعمليات حفر خالؿ عمليات البناء‪،‬كما‬ ‫ديكن أف يتسبب بإحلاؽ الضرر على أساسات ادلسجد‪ ،‬األمر الذم قد يتسبب بتهدمو"‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫سادسا‪ :‬ظهور دراسات كتقارير ىامة‪ ،‬ربرج إسرائيل أماـ الرأم العاـ األمَتكي ‪،‬منها‪:‬‬

‫‪ 1‬تقرير دلراسل اجلزيرة كليد العمرم من القدس‪ ،‬بتاريخ‪2009/9/8‬ـ‪.‬‬

‫‪ 2‬دلزيد من ادلعلومات حوؿ االستيطاف اليهودم يف القدس ‪ ،‬راجع موقع ‪،www.aljazeera.net :‬بتاريخ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 2009/9/8‬ـ‪،‬تاريخ الوصوؿ‪.2009/10/11:‬‬ ‫يعترب د‪ .‬بكَتات من الشخصيات األكادديية البارزة يف خدمة القدس بعامة‪ ،‬كادلسجد األقصى ادلبارؾ بصفة خاصة‪،‬‬ ‫كيعترب مرجعان أساسيان كىامان للباحثُت كاألكاددييُت كاإلعالميُت يف دراساهتم كأحباثهم كتقاريرىم‪ ،‬كلو العديد من‬ ‫النشاطات البارزة كخاصة يف رلاؿ التعريف بقضية استهداؼ ادلسجد األقصى كما يتم التبييت لو‪ ،‬فضالن عن الدكر البارز‬ ‫يف إدارة مركز ادلخطوطات كالًتاث داخل ادلسجد األقصى‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫ككاف عضوان بلدية تل أبيب‪-‬يافا أمحد مشهراكم كعمر سكسك‪ ،‬قد كشفا النقاب عن ادلخطط الذم أعد سران‪ ،‬كقدـ‬

‫‪5‬‬

‫سلطط جسر باب ادلغاربة ىو سلطط ىيكلي‪ ،‬كانت الشركة اليهودية اليمينية (صندكؽ تراث حائط ادلبكى) ‪،‬قدمتو‬

‫لإليداع يف جلاف التنظيم دكف إعالـ العرب كادلسلمُت يف ادلدينة بذلك‪.‬‬

‫للجاف التنظيم‪ ،‬بذريعة بناء جسر جديد للدخوؿ لباب ادلغاربة‪ ،‬بعد اهنيار تلة باب ادلغاربة القددية عاـ ‪ ،2004‬كاليت‬ ‫كانت طريقا لباب ادلغاربة إىل ذلك الوقت‪ ،‬منذ عاـ ‪.1967‬كيف حينو اهنار بشكل مفاجئ ‪،‬جزء بسيط من احلائط‬ ‫الشرقي‪ ،‬لتلة باب ادلغاربة‪ ،‬كقد كاف باإلمكاف إصالح التلة بوقت قصَت ‪،‬كبكلفة زىيدة‪ ،‬لكن بعض اجلهات اليهودية ‪،‬‬ ‫استغلت ىذا االهنيار البسيط‪ ،‬كأدت مع جهات إسرائيلية أخرل‪ ،‬إىل ىدـ كل التلة القددية‪.‬‬

‫‪415‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫أ‪ -‬تقرير لوبي إسرائيل ‪:1‬‬ ‫ب‪ -‬فصورة إسرائيل يف ىذه الدراسة‪ ،‬أثبتت أ ّف االقًتاب من إسرائيل‪ ،‬أك كشف جزء من صورهتا احلقيقة‪،‬‬ ‫تغَت يف مسار السياسة‬ ‫أحد احملرمات الكربل‪ ،‬فهذا التوجو من قبل اجلامعيُت‪ ،‬ال ديكن كضعو ضمن ّ‬ ‫األمريكية‪ ،‬لكنو صورة دلا يدكر يف اجملامع الواعية العليا‪ ،‬كقد يكوف بداية ربليل لواقع مسكوت عنو‪ 2.‬كما‬ ‫‪3‬‬ ‫‪،‬كبُت الدكر الذم‬ ‫ركز التقرير على نفوذ احملافظُت اجلدد ‪،‬داخل إدارة الرئيس األسبق جورج دبليو بوش ّ‬

‫لعبو عدد منهم‪ ،‬ككذلك كبار أعضاء لويب إسرائيل‪ ،‬يف إقناع اإلدارة األمريكية‪ ،‬كالرأم العاـ األمريكي‪،‬‬

‫باحلرب على العراؽ‪ ،‬كمن مثّ بركز مشركع إعادة تشكيل الشرؽ األكسط بعد إسقاط النظاـ العراقي‪.4‬كقد‬ ‫عزز ىذا الرأم كزير خارجية العراؽ األسبق‪،‬كعضو رللس احلكم يف العراؽ‪،‬د‪.‬عدناف باجة جي‪،‬يف لقاء‬

‫بقناة اجلزيرة‪،‬قائالن "إ ّف إدارة برديَت يف العراؽ إباف حكم الرئيس بوش االبن‪،‬كاف يتحكم فيها غالة‬ ‫الصهاينة يف كزارة الدفاع األمريكية‪ "5‬كيرل الباحث أ ّف االعًتاؼ يشبو ذاؾ الذم ذكره ىانس بليكس‬ ‫رئيس بعثة مفتشي األمم ادلتحدة ادلسؤكلة عن نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية‪،‬حينما قاؿ يف أكثر من‬

‫‪ 1‬صدرىذا التقرير يف مارس ‪ 2006‬ـ ‪،‬كقد ألفو اثنُت من أكرب أساتذة العلوـ السياسية بأمَتكا ‪،‬كمها ستيفُت كالت كجوف‬ ‫مَتمشاير‪،‬كقد ربدث التقرير عن ربديات ضخمة كاجهها لويب إسرائيل من قبل اجلامعات األمريكية‪ ،‬بعد انطالؽ‬ ‫االنتفاضة الفلسطينية الثانية يف عاـ‪2002‬ـ‬ ‫‪ 2‬صورة إسرائيل يف دراسة أمريكية ‪ ،‬صحيفة الرياض السعودية‪ ،‬بتاريخ‪ 24(:‬صفر ‪ 1427‬ىػ ‪ 2006-03-24 -‬ـ)‪.‬‬ ‫‪ 3‬احملافظوف اجلدد أك الشًتاكسيُت الفاشيُت (باإلصلليزية‪ )Neo-conservatism :‬ىي رلموعة سياسية أمريكية‪ ،‬من‬ ‫اليمُت ادلسيحي ادلتطرؼ‪ ،‬تؤمن بقوة أمريكا كىيمنتها على العامل‪ ,‬ىم أيضان مجاعة ذات ميوؿ صهيونية مغلفة بعداء‬ ‫شديد للعرب كادلسلمُت ‪ ,‬تتألف ىذه اجملموعة من مفكرين إسًتاتيجيُت‪ ،‬ك زلاربُت قدامى‪ ،‬ك مثقفُت‪.‬كقد استخدـ ىذا‬ ‫ادلصطلح ألكؿ مرة يف سنة ‪ ,1921‬لنقد الليرباليُت الذين انتقلوا إىل اليمُت‪ .‬أكؿ من تبٌت ىذا ادلسمى ‪،‬كاف ايرفُت‬ ‫كريستل عراب احملافظُت اجلدد‪ ،‬كىو كالد بيل كريستل مؤسس مشركع القرف األمريكي اجلديد‪.‬‬ ‫‪ 4‬إهنا زلاكلة لاللتفاؼ على عملية الرفض اإلقليمي إلسرائيل‪،‬حيث يعتمد ىذا ادلفهوـ كفقان لشمعوف بَتيز يف كتابو «الشرؽ‬ ‫األكسط اجلديد» (‪1993‬ـ) على دمج إسرائيل يف ادلنطقة من خالؿ تعزيز ادلؤسسات كاذليئات اإلقليمية ‪،‬تكوف زلصلتو‬ ‫النهائية خلق نظاـ إقليمي كاحد‪ ،‬تصبح فيو إسرائيل مهيمنة على ادلنطقة كمواردىا حبكم تفوقها الصناعي كالعسكرم ‪.‬‬ ‫‪ 5‬برنامج بال حدكد الذم يقدمو أمحد منصور بقناة اجلزيرة‪،‬بتاريخ ‪13‬أغسطس‪2010‬ـ‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫مرة لوسائل اإلعالـ الدكلية‪،‬إ ّف العراؽ مل تكن بو أسلحة دمار شامل‪،‬كأننا كنا نرفع تقاريرنا إىل ككالة‬ ‫االستخبارات األمريكية قبل األمم ادلتحدة‪،‬شلا يدؿ على النوايا األمريكية ذباه العراؽ‪".1‬‬

‫كيذكر التقرير أ ّف لويب إسرائيل كجد صعوبة يف التعامل مع النقد ادلتزايد إلسرائيل باجلامعات‬ ‫األمريكية ‪،‬شلا حدا ببعض األكاددييُت ادلوالُت إلسرائيل‪،‬إنشاء منظمة دلراقبة احلرـ اجلامعي ‪،‬تشجع طالب‬ ‫اجلامعات على كتابة تقارير ضد أساتذهتم الناقدين إلسرائيل‪ ،‬كما سعى آخركف للضغط على الكوصلرس‪،‬‬ ‫دلنع الدعم عن اجلامعات اليت ينتشر هبا نقد إسرائيل ‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫كىنا جيب إثبات حقيقة علمية‪ ،‬أ ّف ىذه الدراسة‪،‬جاءت دراسة موضوعية‪،‬ألهنا مل سبوؿ من‬ ‫جهات إسالمية ‪،‬أك عربية‪،‬كال قامت بتكاليفها جهات تزعم إسرائيل أهنا ضد السامية‪،‬جبانب ذلك أف‬ ‫معظم اجلامعات الرئيسة تقف يف صف إسرائيل‪ ،‬كربارب حىت األكاددييُت اليهود‪ ،‬كالذين يقوموف بنقدىا‬ ‫مثل الربكفيسور (تشو مسكي) ‪ ،‬إال أ ّف تعميم الدراسة كنشرىا يعترباف خطوة غَت عادية يف رلتمع تقاؿ‬ ‫لصاحيب الدراسة عقوبة ما‪ ،‬أقلها أف يوصفا‬ ‫فيو كل احلقائق‪ ،‬إال ما يتصل بإسرائيل‪ ،‬كمع ذلك فقد جيرم‬ ‫ّ‬ ‫(دبعاداة السامية)‪.‬‬

‫كتاب الرئيس األمَتكي السابق جيمي كارتر‪" Jimmy Carter‬فلسطُت‪ :‬سالـ ال تفرقة"‪،‬‬ ‫يرل فيو كارتر يف خاسبة مطافو ‪،‬أ ّف إسرائيل ظلت دكما يف حالة انتهاؾ مستمرة التفاقات السالـ مع‬ ‫العرب‪ ،‬منذ اتفاقية كامب ديفيد مع مصر‪،3‬غَت أ ّف كارتر اعتذر لليهود‪،‬عن مواقفو ذباىهم‪،‬كطلب منهم‬ ‫العفو كالصفح‪ ،‬برسالة تناقلتها ككاالت األنباء قبل أعياد الكريسماس‪2009‬ـ‪.‬‬

‫ت‪ -‬تقرير لجنة بيكر هاميلتون ‪ :‬كقد ربدث عن أمهية إجياد حل سياسي دلشاكل ادلنطقة‪ ،‬كطريق حلل‬ ‫أزمة العراؽ‪.‬‬ ‫‪ 1‬عبداحلليم موسى‪،‬اليهود يف ذاكرة األمة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.148‬‬ ‫‪ 2‬عاىن العديد من أساتذة اجلامعات االمريكية‪،‬الذين ينتقدكف أساليب القمع االسرائيلية ضد الفلسطنيُت‪،‬من االضطهاد‬ ‫كالتهديد بطردىم من كظائفهم‪،‬كحبرماهنم من الًتقي األكادديي‪،‬كمن ىؤالء الراحل ادكارد سعيد‪،‬كنعوـ شوميسكي‪،‬الذم‬ ‫قاؿ عنو اللويب الصهيوين يف أمريكا‪،‬لن يظهر اسم شومسكي إعالميا‪ ،‬إال عرب اجملالت العلمية احملكمة‪.‬‬ ‫‪Carter, Jimmy, Palestine: Peace not Apartheid, Schuster & ,Simon,2006..3‬‬

‫‪411‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬ ‫ث‪-‬‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫تقرير غولدستون ‪ :‬صادؽ رللس حقوؽ اإلنساف التابع لألمم ادلتحدة على تقرير القاضي الدكيل‬ ‫ريتشارد غولدستوف ‪،‬بشأف احلرب اليت شنتها إسرائيل على قطاع غزة إباف ديسمرب‪2008‬‬ ‫كيناير‪2009‬ـ‪ ،‬كجاءت مصادقة اجمللس على التقرير الذم يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خالؿ‬ ‫عدكاهنا على القطاع‪ ،‬يف جلسة خاصة كافق خالذلا ‪ 25‬من أعضاء اجمللس الػ‪ 47‬عليو ‪ .1‬كيدعو‬ ‫التقرير رللس األمن التابع دلنظمة األمم ادلتحدة إىل إحالة القضية إىل احملكمة اجلنائية الدكلية إذا مل‬ ‫حيقق اإلسرائيليوف كالفلسطينيوف يف االنتهاكات ادلنسوبة ذلم‪ .‬كقد اعًتض على القرار مندكب إسرائيل‬ ‫أىاركف ليشنو ياعر‪ ،‬كندد بالتقرير‪ ،‬كقاؿ إنو غَت متوازف‪ ،‬كمل يشر دلا ارتكبتو حركة ادلقاكمة اإلسالمية‬ ‫(محاس)‪ ،‬كإىل حق إسرائيل يف الدفاع عن النفس‪.‬‬ ‫كزبشى إسرائيل أف يؤدم سبرير التقرير يف اجمللس إىل توفَت األسس القانونية دلالحقة الضباط‬

‫كالقادة اإلسرائيليُت بتهم جرائم احلرب‪،‬كما حدث مع قضية ليفٍت يف بريطانيا‪،‬حىت بلغت األزمة بُت‬ ‫البلدين إىل إصدار بياف من اخلارجية اإلسرائيلية‪،‬جاء فيو‪" :‬إفّ عدـ القياـ بفعل فورم كحاسم لتصحيح‬ ‫ىذا التشويو ‪،‬سيضر بالعالقات بُت البلدين"‪.‬ككاف السفَت "اإلسرائيلي" بربيطانيا ركف بركسور قاؿ تعلي نقا‬ ‫على األمر القضائي‪" ،‬إف الوضع احلايل أصبح ال يطاؽ‪ ،‬كحاف الوقت للتغيَت‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫كيتهم التقرير إسرائيل بارتكاب جرائم حرب‪ ،‬كردبا جرائم ضد اإلنسانية يف عدكاهنا على غزة ‪،‬‬ ‫كما يتهم‪ -‬بشكل أقل‪ -‬الفصائل الفلسطينية ادلسلحة يف غزة بالتورط يف جرائم حرب عرب قصفها‬ ‫ادلدنيُت اإلسرائيليُت‪.3‬‬ ‫‪ 1‬حظي القرار دبوافقة األرجنتُت كالبحرين كبنغالديش كبوليفيا كالربازيل كتشيلي كالصُت ككوبا كجيبويت كمصر كغانا كاذلند‬ ‫كإندكنيسيا كاألردف كموريشيوس كنيكاراغوا كنيجَتيا كباكستاف كالفلبُت كقطر كركسيا كالسعودية كالسنغاؿ كجنوب‬ ‫أفريقيا‪.‬كعارض القرار ستة دكؿ ىي كل من الواليات ادلتحدة كىنغاريا كإيطاليا كىولندا كسلوفاكيا كأككرانيا‪ ،‬يف حُت‬ ‫انقسم بقية األعضاء بُت شلتنع عن التصويت كمتغيب عن اجللسة‪.‬‬ ‫‪2‬راجع موقع‪، www.bbc.co.uk/arabic:‬بتاريخ‪ 15 :‬ديسمرب ‪،2009‬تاريخ الوصوؿ‪2010/2/9‬ـ‪.‬‬ ‫‪ 3‬تراجع القاضي الدكيل ريتشارد غولدستوف يف مطلع ابريل‪2011‬ـ‪،‬عن ماجاء يف التقرير‪،‬كقد قدمت إسرائيل طلبا إىل‬ ‫األمُت العاـ لألمم ادلتحدة تطالبو فيو بإلغاء قرار األمم ادلتحدة بشأف ىذا التقرير‪،‬كقد احتجت ادلنظمات الفلسطينية‬ ‫على ىذا الًتاجع‪،‬كاعتربتو احدل كسائل الضغط اإلسرائيلي على مناكئيها‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫ذكرت بعض ادلصادر‪ ،‬أ ّف ىجوـ إسرائيل الدائم على أعدائها ال يكفي لتحسُت صورهتا لدل‬ ‫الرأم العاـ األمَتكي‪ ،‬كالذم بات يشعر أ ّف إسرائيل ال سبتلك مشركعا لتحقيق السالـ بالشرؽ‬

‫األكسط‪،1‬كامنا ينصب مهها يف ربقيق الوعد التورايت‪ ،2‬بتوسع احلدكد اجلغرافية لدكلة إسرائيل من النيل إىل‬ ‫الفرات‪،‬ربقيقا لنبؤة التوراة‪.‬‬ ‫سابعاً‪ :‬قضية بيع أعضاء الفلسطينيين‪:‬‬ ‫نشرت الصحيفة السويدية "أفتونبلدت" ربقيقان قالت فيو‪ ":‬إ ّف جنودان إسرائيليُت يقوموف بقتل الشباف‬ ‫الفلسطينيُت يف الضفة الغربية كغزة‪ ،‬بعد اعتقاذلم هبدؼ سرقة أعضائهم"‪.3‬كنقل الصحفي السويدم‬

‫دكنالد بوسًتكـ عن عائالت فلسطينية يف الضفة كغزة ‪،‬اهتامها للجيش اإلسرائيلي القياـ بعمليات‬ ‫اختطاؼ منتظمة لشباف فلسطينيُت ‪،‬مث إعادهتم إىل ذكيهم جثثان ىامدة‪ ،‬بعد أف انتزعت منها بعض‬

‫األعضاء‪.4‬‬

‫كرفضت صحيفة أفتوف بالدت السويدية اذلجوـ اإلسرائيلي عليها بعد نشرىا ربقيقان يتهم جنودان‬ ‫إسرائيليُت ببيع أعضاء بشرية دلعتقلُت فلسطينيُت مطلع التسعينيات‪.‬كقالت الصحيفة إ ّف إسرائيل تتجاىل‬ ‫القضية األساسية عندما اعتربت أ ّف ادلقاؿ حيتوم على افًتاءات معادية للسامية كجنحت إىل احلديث عن‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫عالء بيومي‪ ،‬صورة إسرائيل يف عيوف األمَتكيُت‪،‬تاريخ النشر‪:‬األربعاء ‪ 1428/2/11‬ىػ ‪ -‬ادلوافق‪ 2007/2/28‬ـ‬ ‫‪،‬دبوقع‪، www.aljazeera.net:‬تاريخ الوصوؿ‪2009/11/19:‬ـ‪.‬‬ ‫راجع ادلفكر الفرنسي ركجيو جاركدم ‪ ،‬األساطَت ادلؤسسة للسياسة اإلسرائيلية‪،‬ترمجة‪:‬زلمد ىشاـ‪،‬تقدًن زلمد حسنُت‬ ‫ىيكل‪ ،‬ط‪ 4‬دار الشركؽ‪،‬القاىرة‪2004،‬ـ ‪.‬‬

‫‪3‬ذكر مجاؿ رياف‪ ،‬شقيق الشهيد خالد رياف ‪ ،‬أ ّف جيش االحتالؿ‪ ،‬الذم قتل شقيقو يف أكتوبر ‪ 1991‬يف عملية تصفية‬

‫مباشرة‪ ،‬خطف اجلثماف ألربعة أياـ كطلب منهم احلضور إىل مركز التشريح اإلسرائيلي "أبو كبَت" كفرض عليهم شركطان‬ ‫لدفنو‪.‬‬

‫‪ 4‬كشف الصحفي السويدم دكنالد بوسًتكـ ‪ ،‬كفقان لركايات عائالت شهداء فلسطينيُت‪ ،‬أ ّف إسرائيل سرقت أعضاء من‬ ‫أبنائهم يف مطلع التسعينيات‪ .‬كما أ ّف اجلزيرة نت نقلت ‪-‬يف الفًتة نفسها‪ -‬ركايات ألسر شهداء ‪،‬تؤكد صحة قياـ‬ ‫االحتالؿ اإلسرائيلي دبثل ىذه اجلرائم‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫اهتاـ األكركبيُت لليهود يف العصور الوسطى باستخداـ دماء أطفاؿ رضع مسيحيُت يف طقوس خاصة‬ ‫هبم‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫كرد رئيس ربرير صحيفة "أفتوف بالدت" بقوة‪ ،‬على كل من إسرائيل كالسفَتة السويدية لديها‬ ‫بسبب انتقاداهتما لتغطية الصحيفة للقضية‪.‬ككررت الصحيفة اهتامات فلسطينية تعود إىل أكائل‬ ‫التسعينيات بأ ّف جنودان إسرائيليُت أخذكا أعضاء بشرية من فلسطينيُت قضوا أثناء اعتقاذلم‪.2‬ككاف التقرير‬ ‫قد أشار إىل قضية كالية نيوجرسي األمَتكية حيث ُكجو اهتاـ إىل يهودم أمَتكي باالذبار بالكلى البشرية‪،‬‬

‫كىو ما رفضو ادلتحدث باسم اخلارجية اإلسرائيلية إيغاؿ بادلور متهمان الصحيفة "بتشجيع جرائم‬ ‫الكراىية"‪.‬كاهتم " باف ىلن"‪ ،‬رئيس ربرير الصحيفة‪ ،‬السفَتة السويدية بشن "اعتداء صارخ على حرية‬ ‫التعبَت"‪ ،‬رافضا اهتاـ صحيفتو دبعاداة السامية‪.‬‬

‫‪ 1‬راجع موقع ‪، http://www.aljazeera.net:‬بتاريخ‪ :‬اخلميس ‪ 1430/8/28‬ىػ ‪ -‬ادلوافق‪ 2009/8/20‬ـ ‪،‬‬ ‫تاريخ الوصوؿ‪2009/12/21‬ـ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ذكرت الفلسطينية "أـ زلمد"‪ ،‬دلوقع اجلزيرة نت إف ابنتها سحر استشهدت فور إصابتها برصاصة قناص إسرائيلي يف‬ ‫القلب‪ ،‬كإف اجلنود حاكلوا سرقة جثماهنا من ادلستشفى بنابلس‪ ،‬بالرغم أهنا ميتة "غَت أننا ىربناه إىل البيت‪ ،‬لكن اجليش‬ ‫حاصر منزلنا‪ ،‬كقاـ بسرقة جثماف سحر"‪.‬كأ ّف قوات االحتالؿ نقلت جثماف ابنتها كعددان من الشهداء عرب مركحية إىل‬ ‫مركز "أبو كبَت" اخلاص بالتشريح بتل أبيب‪ ،‬كأرجعتهم بعد أكثر من سبع ساعات‪.‬كرأينا أ ّف بطنها مفتوح من أعلى‬ ‫ذقنها‪ ،‬إىل أسفل البطن‪ ،‬كسبت حياكتو‪ ،‬كحُت كضعت يدم على بطنها‪ ،‬شعرت بأهنا فارغة"‪ ،‬كأ ّف رأسها من اخللف‪،‬‬ ‫كاف لينا جدا‪ ،‬كبو فراغ كبَت‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬ ‫الخاتمة ‪:‬‬

‫ناقش الباحث األبعاد األمنية لإلعالـ اإلسرائيلي كجهود ربسُت صورهتم بعد حرب غزة‪،‬من‬ ‫أبعاد ثالثة ‪ ،‬سياسية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬كقيميو‪،‬كقد صادمت ىذه األبعاد ادلنظور القرآين بتسخَتىم للنساء‬ ‫خدمة لقضاياىم‪،‬كقتلهم األطفاؿ كالشيوخ كالنساء‪،‬كسلبهم ألراضي اآلخرين دبزاعم امساىا ادلفكر‬ ‫الفرنسي جاركدم األساطَت ادلؤسسة للسياسة اإلسرائيلية‪.1‬كبالرغم من زلاكالت إسرائيل لتحسُت صورهتا‬ ‫عرب شبكة االنًتنت‪،‬حفاظا على أمنها الوطٍت‪،‬إال أ ّف حرب غزة سامهت يف تشويو صورة اليهود‪،‬اليت‬ ‫كانت ناصعة يف اإلعالـ الغريب‪،‬كانعكس ذلك يف مواقف الرأم العاـ إزاء ىذه احلرب‪،‬حينما خرجت‬ ‫ادلظاىرات ادلنددة باحلرب يف كل العامل‪،‬دكف استثناء‪.‬كما سامهت عملية هتويد القدس‪،‬كبناء ادلستوطنات‬ ‫يف ظل كل حكومة‪ ،‬يف قتامة ىذه الصورة‪،‬أما انتفاضة أطفاؿ احلجارة من قبل‪ ،‬فقد أبرزت اجلوانب‬ ‫الالنسانية يف مخد ىذه االنتفاضة‪،‬كاليت ال تتكافأ فيها األسلحة ادلتطورة كاحلجر‪.‬مث أبرز تقرير القاضي‬ ‫اجلنوب أفريقي غولدستوف‪،‬اجلوانب الالنسانية يف تعامل اجلنود اإلسرائيليُت مع ادلدنيُت من سكاف‬ ‫غزة‪،‬كقد كجد ىذا التقرير صدل إعالميان ضخمان‪ ،‬ساىم يف إبراز حقائق شلارسات احلكومة اإلسرائيلية‬ ‫إباف احلرب ‪.‬‬ ‫كيرل الباحث‪ ،‬أ ّف التشويو الذم حلق بصورة اليهود من كراء ىذه احلرب‪،‬سيظل سنُت‬ ‫عددا‪،‬كذلك للتطور التقٍت يف كسائل االتصاؿ ‪ ،‬كإدلاـ ادلسلمُت هبذه التقنية‪،‬كحضورىم اإلعالمي يف‬ ‫بوابات التواصل مع اآلخر‪،‬فعكسوا قضاياىم حبرية دكف رقابة‪،‬كمنها قضية صراعهم مع اليهود‪،‬جبانب‬ ‫تسجيل القراف حقائق تارخيية ضدىم‪،‬حينما كصفهم "بادلغضوب عليهم"‪،‬يف سورة الفاربة‪،‬كىي صفة‬ ‫مجعت كل الصفات الدنيئة‪،‬كمن أصدؽ من اهلل قيال‪ .‬كخالصة القوؿ فإ ّف البحث حقق الفرضية البحثية‬

‫من خالؿ التناكؿ ادلوضوعي كادلنهجي للموضوع‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ركجيو جار كدم‪،‬األساطَت ادلؤسسة للسياسة اإلسرائيلية‪،‬ترمجة‪ :‬زلمد ىشاـ‪،‬تقدًن زلمد حسنُت ىيكل‪ ،‬ط‪ 4‬دار‬ ‫الشركؽ‪،‬القاىرة‪2004،‬ـ‬

‫‪414‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫المراجع‬ ‫‪ .1‬القراف الكرًن‪.‬‬ ‫‪ .2‬كتب السنة النبوية‪.‬‬ ‫‪ .3‬أمحد بن راشد بن سعيد أستاذ اإلعالـ السياسي جبامعة ادللػك سػعود‪ ،‬كعنػواف دراسػتو "عبػد الػرمحن‬ ‫الراشد كاخلطاب ادلتصهُت"‪.‬‬ ‫‪ .4‬أسعد زركؽ ‪ ،‬التلمود الصهيونية ‪ ،‬سلسلة كتب فلسطينية ‪ ،‬القاىرة ‪1970 ،‬ـ ‪.‬‬ ‫‪ .5‬األرقم اجليالين‪،‬كيف تصنع برامج التلفزيوف‪،‬دكف ذكر الناشر‪،‬اخلرطوـ‪2009،‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .6‬بس ػ ػػاـ مجع ػ ػػة ‪ ،‬الطفول ػ ػػة كط ػ ػػرؽ دراس ػ ػػتها ‪ ،‬ط‪ ،1‬األردف‪ ،‬عم ػ ػػاف ‪ ،‬دار البداي ػ ػػة للنش ػ ػػر كالتوزي ػ ػػع ‪،‬‬ ‫‪2005‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .7‬احلسيٍت احلسيٍت معدم‪ ،‬أسرار التلمود ‪ ،‬دار الكتاب العريب ‪ ،‬القاىرة ‪2006 ،‬ـ ‪.‬‬ ‫‪ .8‬محزة أجلبايل ‪ ،‬ادلشاكل النفسية عند األطفاؿ ‪ ،‬األردف ػ عماف ‪ ،‬دار الصفا للطباعة كالنشر كالتوزيػع‬ ‫‪2005،‬ـ‬ ‫‪ .9‬شػػيفر كملمػػاف‪ ،‬ترمجػػة ‪ :‬سػػعيد حسػػٍت العػػزة ‪ ،‬سػػيكولوجية الطفولػػة كادلراىقػػة‪ :‬مشػػكالهتا كأسػػباهبا‬ ‫كطرؽ حلها ‪ ،‬األردف ػ عماف ‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر كالتوزيع ‪1999 ،‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .10‬عبدا حلليم موسى‪،‬اليهود يف ذاكرة األمة اإلسالمية‪ ،‬مطابع العملة السودانية‪ ،‬بدكف ناشر‪2010،‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .11‬كتاب حرية الصحافة‪ :‬شهادات‪ ،‬صادر عن مركز محاية كحرية الصحفيُت‪ ،‬عماف ‪2000‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .12‬زلمػػد عػػودة الرديػػاكم ‪ ،‬يف علػػم نفػػس الطفػػل ‪ ،‬فلسػػطُت ػ راـ اهلل ‪ ،‬دار الشػػركؽ للنشػػر كالتوزيػػع‪،‬‬ ‫‪1997‬ـ‪.‬‬ ‫‪.13‬زلمد على الزعيب ‪ ،‬إسرائيل نبت بريطانيا البكر ‪ ،‬ادلكتب الشرقية ‪ ،‬القاىرة د‪.‬تػ‪.‬‬ ‫‪ .14‬منصور شاىُت‪،‬عصر الصورة‪،‬اذليئة ادلصرية للكتاب‪،‬القاىرة‪2006،‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .15‬ىشػػاـ اخلطيػػب كأمحػػد زلمػػد الزبػػادم ‪ ،‬الصػػحة النفسػػية للطفػػل ‪ ،‬األردف ػ عمػػاف ‪ ،‬الػػدار العادليػػة‬ ‫الدكلية للنشر كالتوزيع‪2001 ،‬ـ‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬ ‫الكتب المترجمة‪:‬‬

‫‪ .1‬اإلخطب ػػوط اإلعالم ػػي ال ػػدعائي للبل ػػداف الرأمسالي ػػة يف خدم ػػة االحتك ػػارات‪ ،‬جملموع ػػة م ػػن الب ػػاحثُت‬ ‫السوفيات الطبعة األكىل ‪ ،‬دار الفارايب‪.1976 ،‬‬ ‫‪ .2‬ديفيد ديوؾ‪،‬الصحوة‪ ،‬دار الفكر العريب دمشق‪.2006 ،‬‬ ‫‪ .3‬ركجيػػو جػػار كدم‪،‬األسػػاطَت ادلؤسسػػة للسياسػػة اإلس ػرائيلية‪،‬ترمجة‪ :‬زلمػػد ىشػػاـ‪،‬تقدًن زلمػػد حسػػنُت‬ ‫ىيكل‪ ،‬ط‪ 4‬دار الشركؽ‪،‬القاىرة‪2004،‬ـ‬ ‫‪ .4‬ركىلػػنج ‪ :‬عقائػػد اليهػػود علػػى حسػػب التلمػػود ‪ ،‬ترمج ػة ‪ :‬يوسػػف نصػػر اهلل ‪ ،‬دار العلػػم ‪ ،‬دمشػػق ‪،‬‬ ‫‪1987‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .5‬ىَتبرت أ‪ .‬شيلر ‪ ،‬ادلتالعبوف بالعقوؿ ‪ ،‬اإلصدار الثاين ‪ ،‬ترمجة ‪ :‬عبد السالـ رضواف ‪ ،‬عػامل ادلعرفػة‬ ‫‪ ،‬الكويت ‪ ،‬العدد (‪ . )243‬مارس ‪1999‬ـ‪.‬‬ ‫الكتب األجنبية‪:‬‬ ‫‪Matrix Management Policy &Strategy, Long man Inc., 1985 .6‬‬ ‫‪Harold KerznerK&David L.,Cleland,Projec/New York:‬‬ ‫‪Carter, Jimmy, Palestine: Peace not Schuster & ,Simon,2006 .7‬‬ ‫‪Apartheid,‬‬ ‫‪Denis Mcquail. Communication Theory, Long man,1998 .8‬‬ ‫المجالت العلمية المحكمة‪:‬‬ ‫‪ .9‬عبدا حلليم موسى‪،‬النفوذ الصهيوين يف اإلعالـ األمريكػي كإسػقاطاتو علػى االسػالـ‪،‬رللة رلمػع الفقػو‬ ‫اإلسالمي‪،‬العدد اخلامس‪ 1430،‬ىػ‪2009،‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .10‬الزبَت سيف االسالـ‪ ،‬مالمح يف استخداـ كسائل اإلعالـ‪،‬رللة الدراسات اإلعالمية‪،‬العدد‪1985‬‬ ‫مواقع االنترنت والصحف‪:‬‬ ‫‪ .11‬موقع اجلزيرة نت‪،‬بتاريخ ‪12‬يناير‪2009‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .12‬صحيفة احلقيقة الدكلية‪ ،‬نشرهتا يف عددىا (‪، )111‬الصادر بتاريخ ‪ 9‬ابريل ‪2008‬ـ‪.‬‬ ‫‪411‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫‪ .13‬اجلزيرة السعودية ‪،‬بتاريخ الثالثاء‪1 ،‬ديسمرب ‪2009‬ـ‪ .‬العدد ‪. 13578‬‬ ‫‪ .14‬الكاتب اإلسرائيلي جدكف ليفي ‪ ،‬جريدة ىآرتس اإلسرائيلية ‪،‬بتاريخ ‪12‬فرباير‪2009‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .15‬موقػػع قنػػاة العربيػػة ‪ :‬رصػػد ربليلػػي بعنػواف‪ :‬الدعايػػة اإلسػرائيلية زبتػػزؿ حػػرب غػػزة بػػ"استهداؼ" حركػػة‬ ‫محػ ػ ػ ػ ػػاس ‪،‬بتػ ػ ػ ػ ػػاريخ ‪ :‬اخلمػ ػ ػ ػ ػػيس ‪ 8‬ينػ ػ ػ ػ ػػاير ‪2009‬ـ‪ 11 /‬زلػ ػ ػ ػ ػػرـ‪1430‬ىػ ػ ػ ػ ػ ػ ‪ ،‬تػ ػ ػ ػ ػػاريخ الوصػ ػ ػ ػ ػػوؿ ‪:‬‬ ‫‪2009/11/11‬ـ‪.‬‬ ‫‪.16‬موق ػ ػ ػ ػػع‪ ، www.bbc.co.uk/arabic:‬بت ػ ػ ػ ػػاريخ الثالث ػ ػ ػ ػػاء‪ 22 ,‬ديس ػ ػ ػ ػػمرب‪2009‬ـ‪.‬ت ػ ػ ػ ػػاريخ‬ ‫الوصوؿ‪2009/12/29‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .17‬نشرة أخبار تلفزيوف الػ ‪، BBC‬بتاريخ‪2010/8/13‬ـ ‪ ،‬الساعة‪5:00‬ـ بتوقيت السوداف‪.‬‬ ‫‪.18‬موقػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػع‪، http://www.aljazeera.net: :‬بتػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاريخ‪ 2010/8/20 :‬ـ ‪ ،‬تػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاريخ‬ ‫الوصوؿ‪2010/10/11‬ـ‪.‬‬ ‫‪.19‬موق ػػع ‪http://www.sora.ps :‬‬

‫‪ ،‬ت ػػاريخ النش ػػر ‪ ، 2009/ 1 /20‬ت ػػاريخ الوص ػػوؿ‬

‫‪2009/11/11‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .20‬صحيفة جَتكزامل بوست‪،‬يف عددىا الصادر بتاريخ ‪17‬يناير‪2009‬ـ‪.‬‬ ‫‪ ، .21‬موقع‪www.alwatanvoice.com/arabic/content:‬‬ ‫‪ .22‬موقػع‪، www.alwatanvoice.com/arabic/content:‬حسػػن عثمػاف‪ ،‬اجملنػػدات‬ ‫اإلسرائيليات‪ ..‬أدكات ترفيو للجنود كاستقطاب‪ ، ،‬بتاريخ ‪ 11‬يوليو‪2008‬‬ ‫‪ .23‬صحيفة يديعوت احركنوت ”يف عددىا الصادر بتاريخ‪2008/6/29‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .24‬موقع‪:‬رللة مكسيم‪maximonline.com:‬‬ ‫‪ .25‬صػػحيفة ىػػآرتس اإلس ػرائيلية ‪،‬بتػػاريخ‪2004 /2/12‬ـ‪ ،‬دراسػػة أعػػدهتا الباحثػػة اإلس ػرائيلية دانيئػػيال‬ ‫رايخ‪ ،‬حوؿ“ تاريخ استخداـ ادلرأة يف إسػرائيل مػن أجػل األىػداؼ الكػربل”‪،‬كىػي عبػارة عػن رسػالة‬ ‫قدمتها للحصوؿ على ادلاجستَت من جامعة حيفا‪.‬‬ ‫‪ .26‬مسػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػَت زلمػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػود قػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػديح‪"،‬اعًتافات مثػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػَتة حلسػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػناء ادلوسػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاد تسػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػييب ليفػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػٍت‪ ،‬دبدكنػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة‬ ‫‪.a7rarpress.blogspot.com‬‬ ‫‪411‬‬


‫د‪ .‬عبد احلليم موسى يعقوب‬

‫األبعاد األمنية لإلعالم اإلسرائيلي ‪........‬‬

‫‪ .27‬سػػاىر قداره‪،‬الصػػورة الصػػحفية ‪،‬دبوقػػع ‪، ahlamontada.net‬تػػاريخ النشػػر ‪ 16‬فربايػػر ‪2009‬‬ ‫ـ‪ ،‬تاريخ الوصوؿ ‪2009/12/24‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .28‬موقع ككالة جيوش تلغراؼ‪،‬إسرائيل زبسر معركػة التػأثَت علػى عقػوؿ كقلػوب األمريكيُت‪،‬بتػاريخ‪17 :‬‬ ‫ديسمرب ‪2003‬ـ‪.‬‬ ‫‪.29‬عػ ػ ػػالء بيومي‪،‬صػ ػ ػػورة إس ػ ػ ػرائيل يف عيػ ػ ػػوف األمَتكيُت‪،‬ت ػ ػ ػػاريخ النشػ ػ ػػر‪:‬األربعاء ‪ 1428/2/11‬ى ػ ػ ػ ػ ‪-‬‬ ‫ادلوافػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػق‪ 2007/2/28‬ـ ‪،‬دبوقػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػع‪www.aljazeera.net:‬‬

‫‪،‬تػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاريخ‬

‫الوصوؿ‪2009/11/19:‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .30‬موقع‪ :‬رللس العالقات اإلسالمية األمريكية (كَت)‪،‬بتاريخ نوفمرب‪2005‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .31‬ككالة جيوش تلغراؼ اإلسرائيلية‪،‬إسرائيل زبسر معركة التأثَت علػى عقػوؿ كقلػوب األمػريكيُت‪ ،‬بتػاريخ‬ ‫‪ 17‬ديس ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػمرب ‪2003‬ـ‪ ، .‬دبوق ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػع‪www.aljazeera.net:‬‬

‫‪،‬ت ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاريخ‬

‫الوصوؿ‪2009/11/19:‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .32‬موقػػع ‪ 11www.al-waie.org‬زلمػػد زلسػػن كتد‪،‬مشػػاريع إس ػرائيلية علػػى أكقػػاؼ يافا‪،‬تػػاريخ‬ ‫الوصوؿ ‪،2009/11/11‬تاريخ النشر‪ 2009/11/21:‬ـ‪،‬دبوقع‪www.aljazeera.net :‬‬ ‫‪ .33‬تقرير دلراسل اجلزيرة كليد العمرم من القدس‪ ،‬بتاريخ‪2009/9/8‬ـ‪.‬‬ ‫‪ .34‬موقع ‪،www.aljazeera.net :‬بتاريخ‪ 2009/9/8 :‬ـ‪،‬تاريخ الوصوؿ‪.2009/10/11:‬‬ ‫‪ .35‬صػػورة إس ػرائيل يف دراسػػة أمريكيػػة ‪ ،‬صػػحيفة الريػػاض السػػعودية‪ ،‬بتػػاريخ‪ 24(:‬صػػفر ‪ 1427‬ىػ ػ ‪-‬‬ ‫‪ 2006-03-24‬ـ)‪.‬‬ ‫‪ .36‬برنامج بال حدكد الذم يقدمو أمحد منصور بقناة اجلزيرة‪،‬بتاريخ ‪13‬أغسطس‪2010‬ـ‪.‬‬ ‫‪Carter, Jimmy, Palestine: Peace not Schuster & ,Simon,2006.37‬‬ ‫‪Apartheid,‬‬ ‫‪.38‬موقػ ػ ػ ػ ػػع‪www.bbc.co.uk/arabic:‬‬ ‫الوصوؿ‪2010/2/9‬ـ‪.‬‬

‫‪415‬‬

‫‪،‬بتػ ػ ػ ػ ػػاريخ‪ 15 :‬ديسػ ػ ػ ػ ػػمرب ‪،2009‬تػ ػ ػ ػ ػػاريخ‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)21‬العدد (‪2012، )1‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإلسالمي‬

‫‪.39‬ع ػ ػػالء بي ػ ػػومي‪ ،‬ص ػ ػػورة إسػ ػ ػرائيل يف عي ػ ػػوف األمَتكيُت‪،‬ت ػ ػػاريخ النش ػ ػػر‪:‬األربعاء ‪ 1428/2/11‬ى ػ ػ ػ ‪-‬‬ ‫ادلواف ػ ػ ػػق‪ 2007/2/28‬ـ ‪،‬دبوقػ ػ ػ ػػع‪www.aljazeera.net:‬‬

‫‪،‬تػ ػ ػ ػػاريخ الوصػ ػ ػ ػػوؿ ‪19:‬‬

‫‪2009/11/‬ـ‪.‬‬ ‫‪.40‬موق ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػع ‪، http://www.aljazeera.net:‬بت ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاريخ‪ :‬اخلم ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػيس ‪ 1430/8/28‬ى ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ‪-‬‬ ‫ادلوافق‪ 2009/8/20‬ـ ‪ ،‬تاريخ الوصوؿ‪2009/12/21‬ـ‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫الرقابة الشَّرعية على املصارف بالتطبيق على بعض املصارف يف السودان‬ ‫د‪ .‬أكرم على محمد يوسف‬

‫*‬

‫المقدمة ‪:‬‬ ‫الشريعةّ‬ ‫إ ّف ّظهور ّادلصارؼ ّاالسبلمية ّيف ّالعصر ّاحلديث ّو ّما ّتقوـ ّعليو ّمن ّالعمل ّوفق ّ َّ‬

‫اإلسبلميةّفرضّعليهاّإنشاءّجهازّيقوـّمبراقبةّوّمتابعةّأعماذلاّحىتّتكوفّتلكّادلعامبلتّادلصرفيةّوفقّ‬ ‫ماّشرعّاهللّعزّوّجلّمنّأحكاـّشرعيةّوّتكوفّخاليةّمنّالرباّوّأكلّامواؿّالناسّبالباطلّ‪ّ.‬مثّأصبحّ‬ ‫منّالشروطّاألساسيةّاليتّجيبّتوافرىاّالكتسابّأيّمصرؼّإسبلميّلعضويةّاالحتادّالدويلّللبنوؾّ‬ ‫اإلسبلميةّأفّيكوفّللبنكّىيئةّللفتوىّوالرقابةّالشَّرعيةّأوّعلىّاألقلّمستشارّشرعي‪ّ​ّ،‬كماّأ ّفّاتفاقيةّ‬ ‫االحتادّالدويلّللمصارؼّاإلسبلميةّتنصّعلىّاشتماؿّاذليكلّالتنظيميّلبلحتادّعلىّاذليئةّالعلياّللفتوىّ‬

‫والرقابة ّالشَّرعيةّواليتّتعملّمبثابةّاجلهازّاألعلى ّذليئاتّوجلافّالفتوىّوالرقابة ّالشَّرعيةّعلىّمستوىّكلّ‬ ‫منّادلصارؼّاألعضاءّباالحتادّ‪ّ .‬‬ ‫أماّيفّالسودافّفقدّظهرتّفكرةّإنشاءّمصرؼّإسبلميّيفّعهدّالسيدّإمساعيلّاألزىريّرئيسّ‬ ‫رللسّالسيادةّالذيّأشارّيفّخطبةّعيدّاالستقبلؿّعاـّ‪1968‬ـ ّإىلّاجتاهّالنية ّإىلّتنفيذّجتربةّبنكّ‬ ‫إسبلميّبالسودافّ‪ّ،‬وسارّالعملّيفّادلصارؼّالسودانيةّوفقّالنمطّالغّريبّالربوىّحىتّعاـّ‪1977‬ـّ‬ ‫الشريعةّ‬ ‫حيث ّمت ّإنشاء ّبنك ّفيصل ّاإلسبلمي ّالسوداين ّ‪ّ ،‬و ّىو ّأوؿ ّمصرؼ ّعمل ّوفق ّضوابط ّ َّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّ‬ ‫اإلسبلمية‪ّ،‬مثّيفّالثمانينات ّبدأتّثورةّتشريعيةّلتأصيلّالنظاـّالقانوينّبالببلدّوفق ّ َّ‬ ‫أىمّمبلزلهاّحترميّوّسلبّاحملاكمّمنّاحلكمّبالفائدةّ( ّالرباّ)ّ‪ّ،‬حىتّقدوـّثورةّاإلنقاذّالوطٍتّيفّعاـّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّيفّكآفةّمناحيّاحلياةّخاصةّ‬ ‫‪1989‬ـّحيثّمتّاإلعبلفّعنّااللتزاـّالكاملّبأحكاـّ َّ‬ ‫العمل ّادلصريف ّشلا ّمهد ّلتشكيل ّاذليئة ّالعليا ّللرقابة ّالشَّرعية ّللجهاز ّادلصريف ّوادلؤسسات ّادلالية ّببنكّ‬ ‫السودافّ‪ّ .‬‬ ‫وّسوؼّاستعرضّمدلوؿّالرقابة ّالشَّرعيةّعلىّادلصارؼّمثّتشكيلهاّواختصاصاهتاّمعّالتطبيقّ‬ ‫علىّبعضّادلصارؼّالسودانيةّ‪ّ ّ.‬‬ ‫الشريعةّوّالقانوف‪ ،‬جامعةّسنارّ‪.‬‬ ‫*ّاألستاذّادلساعدّبكليةّ َّ‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫أوالً ‪ :‬مدلول الرقابة َّ‬ ‫الشرعية في بعض المصارف السودانية‬

‫ّ​ّ​ّ‪ -1‬مدلول الرقابة َّ‬ ‫الشرعية على المصارف لغة ‪:‬‬

‫أوردّابنّمنظور‪"ّ1‬يفّأمساءّاهللّاحلسٌت‪ّ،‬الرقيب‪ّ:‬وىوّاحلافظّالذيّالّيغيبّعنوّشئ‪ّ .ّ"ّ.‬‬ ‫ِ‬ ‫ّورقوبا‪ّ ،‬وترقبو ّوارتقبو‪ّ :‬انتظره ّورصده" ّ‪ّ "ّ ،‬ورقيب ّاجليش‪ّ:‬‬ ‫"ورقبو ّيرقبو ّرقبو ّورقباناً‪ّ ،‬بالكسر ّفيهما ّ‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ب ّوادلرقبو‪ّ :‬ادلوضع ّادلشرؼ‪ّ ،‬يرتفع ّعليوّ‬ ‫طليعتهم‪ّ ،‬والرقيب‪ّ :‬ادلنتظر‪ّ ،‬وارتقب‪ّ :‬أشرؼ ّوعبل" ّ‪"ّ ،‬وادلَرقَ ُ‬ ‫الرقيب‪ّ،‬وماّأوفيتّعليوّمنّعلمّأوّرابيةّلتنظرّمنّبعد"ّ‪ّ .‬‬

‫أوض َحوُّ‬ ‫أما ّالشَّرعية ّفهي ّنسبة ّإىل ّالشرع ّوالدين َ‬ ‫ّ"يشرعُوُ" ّأظهرهُ ّو َ‬ ‫ّو"شَر َ‬ ‫ع" ّاهلل ّلنا ّكذا َ‬ ‫رعة"ّبفتحّادليمّوالراءّ"ش ِريعةُ"ّادلاءّقاؿّاألزىريّوالّتسميهاّالعربّ"مشرعة"ّحىتّيكوفّادلاءّعداًّ‬ ‫و"الَم ْش َ‬ ‫الشريعةّوالشِّرعة‪ّ:‬ماّسنّاهللّمنّالدينّوأمرّبو‪ّ،‬كالصوـّوالصبلةّواحلجّوالزكاةّوسائرّ‬ ‫الّانقطاعّلو‪ّ،ّ2‬و َّ​ّ‬ ‫أعماؿّالرب‪ّ .3‬‬

‫أما ّكلمة ّادلصارؼ ّيف ّاللغة ّفهي ّمجع ّمصرؼ ّوىو ّمن ّالصرؼ ّالذي ّىو ّفضل ّالدرىم ّعلى ّالدرىمّ‬ ‫والدينارّعلىّالدينارّأل ّفّ​ّكلّواحدّمنهماّيصرؼّعلىّقيمةّصاحبو‪ّ،‬والصرؼّبيعّالذىبّبالفضة‪ّ،‬وىوّ‬ ‫منّذلكّألّنّوّينصرؼّبوّعنّجوىرّإىلّجوىر‪ّ،‬والصراؼّوالصَتؼّوالصَتيف‪ّ:‬النّػ ّقاد‪ّ،‬منّادلصارفةّوىوّ‬ ‫منّالتصرؼ‪ّ،‬واجلمعّصيارؼّوصيارفة‪ّ .4‬‬

‫وشلاّسبقّأخلصّإىلّأفّمدلوؿّالرقابةّالشَّرعيةّعلىّادلصارؼّلغةّيعٍتّحفظّومبلحظةّومتابعةّمعامبلتّ‬ ‫ادلصرؼّحىتّيكوفّوفقّماّقصدّوّشرعّاهللّعزّوجلّمنّأحكاـّادلعامبلتّادلالية‪ّ .‬‬

‫‪ -2‬مدلول الرقابة َّ‬ ‫الشرعية على المصارف اصطالحاً‪:‬‬ ‫ولقدّمتّتعريفهاّبأهناّ‪ّ:‬ىيّجهازّمستقلّمنّالفقهاءّادلتخصصُتّيفّفقوّادلعامبلت‪ّ،‬وجيوزّأفّ‬ ‫يكوفّأحدّأعضائهاّمنّغَتّالفقهاءّعلىّأفّيكوفّمنّادلتخصصُتّيفّرلاؿّادلؤسساتّادلاليةّاإلسبلميةّ‬ ‫ولوّإدلاـّبفقوّادلعامبلت‪ّ.‬ويعهدّذليئةّالرقابة ّالشَّرعيةّتوجيوّنشاطاتّادلؤسسةّومراقبتهاّواإلشراؼّعليهاّ‬ ‫‪ّ 1‬لسافّالعربّ‪ّ،‬ابنّمنظورّ‪.ّ424/1ّ،‬‬ ‫‪ّ2‬ادلصباحّادلنَتّيفّغريبّالشرحّالكبَت‪ّ،‬الرافعيّ‪490/4ّ،‬ومابعدىاّ‪ّ .‬‬ ‫‪ّ3‬ابنّمنظورّ‪ّ،‬ـّس‪.ّ175/8ّ،‬‬ ‫‪ّ​ّ4‬ابنّمنظور‪ّ,‬ـّسّ‪ّ189/9ّ,‬بتصرؼّ‪ّ .‬‬

‫‪891‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ،‬وتكوفّفتاواىاّوقراراهتاّملزمةّللمؤسسة‪ّ .ّ 1‬فهيّ‬ ‫للتأكدّمنّالتزامهاّبأحكاـّومبادئ ّ َّ‬ ‫تعٌت ّبالتحقيق ّمن ّتنفيذ ّالفتاوى ّالصادرة ّمن ّجهة ّاالختصاص ّوإجياد ّالبدائل ّوالصيغ ّادلشروعة ّأليةّ‬ ‫ّالشرعية‪ّ ،‬ويف ّسبيل ّحتقيق ّىذا ّاذلدؼ ّتقوـ ّالرقابة ّالشَّرعية ّجبمع ّالبياناتّ‬ ‫أعماؿ ّختالف ّاألحكاـ َّ​ّ‬ ‫وادلعلومات ّوفحصها ّوحتليلها ّبغرض ّالتأكد ّمن ّصحة ّالتنفيذ ّوتوجيو ّالنصح ّواإلرشاد ّوادلسامهة ّيفّ‬ ‫التطوير‪ّ .‬‬ ‫أما ّتعريف ّادلصرؼ ّيف ّالنظاـ ّاإلسبلمي ّفهوّمؤسسةّمالية ّتقوـ ّبعمليات ّالصرافةّواستثمارّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ.‬ويهدؼّإىلّاحملافظةّعلىّاألخبلؽّوالقيمّاإلسبلمية‪ّ،‬وحتقيقّ‬ ‫األمواؿّمباّيتفقّوأحكاـّ َّ‬ ‫أقصىّعائدّاقتصاديّاجتماعيّلتحقيقّاحلياةّالطيبةّالكرديةّلؤلمةّاإلسبلمية‪ّ .ّ2‬‬ ‫ولقدّعرفهاّقانوف ّبنكّالسودافّلسنةّ‪2002‬ـّبأنوّ"يقصدّبوّأيّمصرؼّمنشأّبقانوفّأوّ‬ ‫مسجلّمبوجبّأحكاـّقانوفّالشركاتّلسنة‪ّ 1925‬بعدّاستيفاءّمتطلباتّقانوفّتنظيمّالعملّادلصريفّ‬ ‫لسنةّ‪ّ1991‬وديارسّالعملّادلصريفّداخلّالسودافّأوّخارجو‪ّ .3‬‬ ‫وكذلك ّقانوف ّتنظيم ّالعمل ّادلصريف ّلسنة‪2003‬ـ ّبأنو‪ّ:‬يقصد ّبوّأية ّشركةّمسجلة ّمبوجبّ‬ ‫أحكاـّقانوفّالشركاتّلسنةّ‪ّ 1925‬أوّمؤسسةّأوّىيئةّمنشأةّبقانوفّأوّأيّمصرؼّأجنيبّمرخصّلوّ‬ ‫مبزاولةّالعملّادلصريفّمبوجبّأحكاـّىذاّالقانوف‪ّ .ّ4‬‬ ‫و ّاجلدير ّبالذكر ّأ ّف ّادلصارؼ ّاإلسبلمية ّو ّمنذ ّبداية ّنشأهتا ّابتدعت ّفكرة ّالرقابة ّالشَّرعيةّ‬

‫وكانتّبدعةّحسنةّوّالغرضّمنها‪ّ :5‬‬

‫ّأ‪ -‬سدّالنقصّيفّالعلمّبفقوّادلعامبلتّادلصرفيةّواالستثمارّلدى ّالذينّتولواّإدارةّالعملّادلصريفّ‬ ‫اإلسبلميّيفّالبداية‪ّ .‬‬ ‫‪ ّ1‬معػ ػ ػػايَتّاحملاسػ ػ ػػبةّوادلراجعػ ػ ػػةّللمؤسسػ ػ ػػاتّادلاليػ ػ ػػةّاإلس ػ ػػبلمية‪ّ،‬ىيئ ػ ػػةّاحملاس ػ ػػبةّوادلراجع ػ ػػةّللمؤسس ػ ػػاتّادلالي ػ ػػةّاإلس ػ ػػبلميةّ‬ ‫‪ّ1997/1418‬ص‪ّ .ّ43‬‬ ‫‪ّ2‬النقودّوادلصارؼّيفّالنظاـّاإلسبلميّ‪ّ،‬د‪ّ.‬عوؼّالكفراويّ​ّ‪ّ .ّ124‬‬ ‫‪ّ​ّ3‬ادلادةّ‪ّ4‬منّقانوفّبنكّالسودافّلسنة‪2002‬ـّ‪ّ .‬‬ ‫‪ّ​ّ4‬ادلادةّ‪ّ4‬منّقانوفّتنظيمّالعملّادلصريفّلسنة‪2003‬ـّ‪ّ .‬‬ ‫‪ّ5‬رللةّادلصريفّ‪ّ،‬العدد‪ّ،12‬سبتمربّ‪ّ،1997‬د‪ّ.‬أمحدّعلىّعبداهللّاألمُتّالعاـّللهيئةّالعلياّللرقابةّالشَّرعيةّببنكّالسوداف‪ّ،‬‬ ‫ص‪ّ44‬وماّبعدىاّ‪ّ .‬‬

‫‪899‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫ب‪ ّ -‬طمأنةّاجلمهورّبإسبلميةّادلصرؼّاإلسبلميّمنّخبلؿّقياـّىيئةّشرعيةّتشرؼّعلىّأدائوّ‬ ‫ّ‬ ‫وتصححّمساره‪ّ .‬‬ ‫ج‪ّ ّ -‬تقدمي ّادلشورة ّوإصدار ّالفتاوى ّوالتوصياتّيف ّما ّيعرض ّعليها ّمن ّأسئلةّواستفساراتّيفّ‬ ‫العملّاليوميّادلصريفّوفيماّتقدـّعليوّادلصارؼّمنّمشروعات‪ّ .‬‬ ‫د‪ّ ّ -‬العمل ّعلىّتأصيل ّادلعامبلت ّادلصرفية ّوتطوير ّالبحث ّيف ّرلاؿ ّاالقتصاد ّاإلسبلمي ّعموماًّ‬ ‫والعملّادلصريفّمنوّعلىّوجوّاخلصوص‪ّ .‬‬ ‫ىػ‪ّ ّ -‬خلقّجيلّمؤىلّمنّالعاملُتّيف ّادلصارؼّاإلسبلميةّقادرّعلىّتطبيقّوفهمّادلعامبلتّوفقّ‬ ‫منظورّالشرع‪ّ .‬‬ ‫َّ​ّ‬ ‫وشلاّسبقّاستخلصّأفّالرقابة ّالشَّرعيةّعلىّادلصارؼّىيّعبارةّعنّآليةّمستحدثةّبادلصارؼّ‬ ‫االسبلميةّتعملّعلىّالتطويرّوّالتحديثّوّالرقابةّعلىّادلعامبلتّ​ّادلصرفيةّحىتّتكوفّمتفقةًّمعّمقاصدّ‬ ‫الشريعةّ اإلسبلمية‪ّ.‬وىيّمبثابةّصماـّاألمافّ​ّلعدـّالوقوعّيفّادلعامبلتّادلصرفيةّالربويةّاليتّ‬ ‫وّأحكاـ ّ َّ‬ ‫توعدّاهللّتعايلّادلتعاملُتّفيهاّباحلربّمنو‪ّ .‬‬

‫‪ -3‬مدارس الرقابة َّ‬ ‫الشرعية في المصارف السودانية‬ ‫أفرزتّادلصارؼّاإلسبلميةّبالسودافّأربعّمدارسّيفّالرقابة ّالشَّرعيةّ ّنقوـّباستعراضهاّعلىّ‬ ‫النحوّالتايل‪ّ :‬‬ ‫أ‪ -‬المستشار الشرعي‪:‬‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّلكيّيكوفّىوّ‬ ‫ّ​ّاختارتّبعضّادلصارؼّتعيُتّعضوّواحدّمتفقوّيفّعلوـ ّ َّ‬ ‫ّالش رعي ّلكل ّمعامبلت ّونشاطات ّادلصرؼ ّأثناء ّالتطبيق ّوالتنفيذ ّوقد ّأخذت ّهبذا ّالنمطّ‬ ‫ادلستشار َّ​ّ‬ ‫رلموعة ّمصارؼ ّالربكة ّاإلسبلمي ّومن ّبعده ّالعديد ّمن ّادلؤسسات ّادلالية‪ّ ،‬إال ّأنو‪ّ -‬مصرؼ ّالربكة‪ّ-‬‬ ‫وباقًتاح ّمن ّمستشاره ّالشرعي ّحتوؿ ّإىل ّاألخذ ّهبيئة ّللرقابة ّالشَّرعية ّهبا ّأكثر ّمن ّشخص ّمتفقو ّيفّ‬

‫الشريعة‪ّ .1‬‬

‫‪ّ1‬ورقةّعمل‪ّ:‬بعنوافّدورّالرقابةّالشَّرعيةّيفّإسبلـّاجلهازّادلصريفّ‪ّ،‬ادلنتدىّادلصريفّالثامنّادلعهدّالعايلّللدراساتّادلصرفية‪ّ,‬‬ ‫د‪ّ.‬أمحدّعلىّعبدّاهللّ​ّ‪ّ .ّ2ّ،‬‬

‫‪022‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫ومنّأىمّمثالبّادلستشارّالشرعيّأ ّفّالفتوىّتصدرّمنّشخصّواحدّشلاّجيعلّنسبةّوقوعوّيفّ‬

‫اخلطأّأكربّشلاّلوّمتّإشراؾّأكثرّمنّشخصّمعوّيفّإصدارّالفتوىّفإفّنسبةّاخلطاّْالّزلالةّستكوفّأقل‪ّ .‬‬ ‫ب‪ -‬إدارة الفتوى والبحوث‪:‬‬

‫وىذه ّاإلدارة ّابتدعتها ّإدارة ّبنك ّالتضامن ّاإلسبلمي ّالسوداين ّوتبعو ّيف ّذلك ّبنك ّاخلرطوـّ‬ ‫وبنكّأمدرمافّالوطٍتّورلموعةّبنكّالنيلُتّللتنميةّالصناعيةّوىذهّاإلدارةّتكوفّإحدىّاإلداراتّالرئيسيةّ‬ ‫ِّ​ّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّوشعبةّالدراساتّاالقتصاديةّمثّ‬ ‫داخلّادلصرؼّوتتكوفّمنّثبلثّشعبّىيّشعبة ّ َّ‬

‫أخَتاًّشعبةّقانونيةّ‪ّ،‬وتعملّىذهّالشعبّسوياًّألجلّإصدارّالقراراتّوالفتاوىّوعملّالدراساتّاليتّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .1‬‬ ‫تعُتّادلصرؼّيفّأداءّعملوّمباّالّخيالفّأحكاـّ َّ‬

‫والغرضّمنّذلكّأهنا‪ّ-‬إدارةّالفتوىّوالبحوث‪ّ-‬تعملّعلىّإزالةّاالزدواجيةّبُتّادلعرفةّالشَّرعيةّ‬ ‫النظريةّ"الفقوّالنظري"ّومعرفةّالواقعّالعمليّ"فقوّالواقعة"‪ّ،‬ومنّخبلؿّعملّىذهّاإلدارةّمنّداخلّالبنكّ‬ ‫فقدّاستطاعتّأفّتقفّعلىّفنياتّالعملّادلصريفّشلاّساعدىا ّعلىّتكييفهاّواقعاًّوأفّتسعفّادلصرؼّ‬ ‫وفروعوّادلتعددةّداخلّالسودافّباإلجابةّعلىّاستفساراهتمّاليومية‪ّ،‬وإفّكافّشلاّيؤخذّعليهاّمنّسلبياتّ‬

‫عدـّاستقبلليتهاّوخضوعهاّيفّعملهاّلئلدارةّالتنفيذيةّللمصرؼّ‪ّ .2‬‬ ‫ج‪ -‬هيئة الرقابة الشرعية‪:‬‬ ‫الشريعة ّاإلسبلمية ّمع ّإشراؾ ّقانوينّ‬ ‫ويتم ّتشكيلها ّعادة ّمن ّثبلثة ّأعضاء ّفأكثر ّمن ّعلماء ّ َّ‬ ‫اقتصاديّذلماّإدلاـّبالشريعة‪ّ،‬ىذاّمعّجوازّاالستعانةّباخلرباتّالفنيةّادلوجودةّبادلصرؼّعندّادلناقشةّ‬ ‫َّ​ّ‬ ‫و‬ ‫وادلداولةّبغيةّالتوصلّإىلّالقرارّالسليم‪ّ،‬وتأخذّهبذاّالشكلّغالبّادلصارؼّالسودانيةّوأوؿّمصرؼّأخذّ‬ ‫هباّىوّبنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّوذلكّمنذّ‪ّ،1976‬ومنّأىمّشليزاهتاّأ ّف ّذلاّاستقبلليةّذاتيةّعنّ‬

‫ِّ‬ ‫اإلدارةّالتنفيذيةّيفّادلصرؼ‪ّ،‬كماّأفّتكوينهاّمنّأكثرّمنّثبلثةّأعضاءّيتيحّذلمّفرصةّادلشورةّوتبادؿّ‬ ‫الرأيّويعينهاّعلىّالوصوؿّلرأيّيطمأفّإليو‪ّ​ّ،‬ومنّسلبياهتاّأهناّتنشطّيفّالرقابةّواألداءّسحسبّنشاطّ‬ ‫إدارةّادلصرؼّوتنصرؼّعنّذلكّسحسبّانصراؼّاإلدارةّكماّأهناّالّتستطيعّإسعاؼّاإلدارةّفيماّيعرضّ‬ ‫‪ّ1‬د‪.‬أمحدّعلىّعبدّاهللّ‪ّ،‬ـّسّ‪.ّ2ّ،‬‬ ‫‪ّ2‬د‪.‬أمحدّعلىّعبداهللّ‪ّ،‬ـّسّ‪.ّ3،‬‬

‫‪028‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫عليهاّمنّنوازؿّيوميةّوذلكّبسببّأهناّغَتّمتفرغةّإذّأهناّتباشرّعملهاّعنّطريقّعقدّاالجتماعاتّ‬ ‫الدورية‪ّ .1‬‬ ‫د‪ -‬الهيئة العليا للرقابة َّ‬ ‫الشرعية ببنك السودان‪:‬‬ ‫تكونتّاذليئةّالعلياّللرقابةّالشَّرعيةّعلىّادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّبقرارّوزيرّادلاليةّرقمّ‪ّ184‬‬ ‫لسنةّ‪ّ1992‬بتاريخّ‪ّ .ّ1992/3/2‬‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّ‬ ‫وتتكوفّاذليئةّالعلياّللرقابة ّالشَّرعيةّببنكّالسودافّمنّعلماءّمتخصصُتّيف ّ َّ‬ ‫واالقتصادّ​ّوالقانوفّوادلصارؼّ‪ّ،‬ولقدّنصتّعلىّتشكيلهاّقانوفّتنظيمّالعملّادلصريفّلسنةّ‪2003‬ـّ‬ ‫حيثّجاءّفيو‪"ّ:‬تنشأّىيئةّمستقلةّغَتّمتفرغةّوّتتكوفّاذليئةّمنّعددّالّيقلّعنّسبعةّأشخاصّ‪ّ,‬وّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّوخرباءّاالقتصادّوّالصَتفةّوالقانوفّ‪ّ,‬علىّ‬ ‫الّيزيدّعنّأحدّعشرّشخصّاًّمنّعلماء ّ َّ‬ ‫أفّتكوفّغالبيتهمّمنّعلماءّالشريعة‪ّ .2‬‬

‫واجلديرّبالذكرّأ ّفّاذليئةّالعلياّللرقابةّالشَّرعيةّقدّدتيزتّبالعديدّمنّاإلجيابياتّوىي‪ّ :ّ3‬‬

‫‪ّ-‬مجعتّإجيابياتّمدارسّالرقابةّالشَّرعيةّواجتهدتّيفّتفاديّسلبياهتا‪ّ .‬‬

‫ّاخلربةّادلتنوعةّاليتّتتناسبّمعّادلهاـّادلوكولةّإليهاّواليتّتزاوجّبُتّالفقوّالنظريّوالواقعّالعملي‪ّ .‬‬‫ّاستقبلليتهاّعنّاإلدارةّالتنفيذيةّلبنكّالسوداف‪ّ .‬‬‫ّوجودّأمانةّعامةّمتفرغةّديكنّالرجوعّإليهاّيفّكلّحُت‪ّ .‬‬‫ّالسلطافّالنافذ‪ّ .‬‬‫ّواجلدير ّ بالذكرّأنوّقدّوردتّأىمّاألىداؼّاليتّألجلهاّمتّإنشاءّاذليئةّالعلياّللرقابة ّالشَّرعيةّ‬ ‫ببنكّالسودافّوىي‪ّ :4‬‬ ‫‪ّ1‬د‪.‬أمحدّعلىّعبداهللّ‪ّ،‬ـّسّ‪.ّ3ّ،‬‬ ‫‪ّ2‬ادلػػادةّ‪ّ15‬مػػنّقػػانوفّتنظػػيمّالعمػػلّادلصػػريفّلسػػنة‪2003‬ـّ‪ّ,‬أنظػػرّادلػػادةّ‪ّ3‬مػػنّالئحػػةّتنظػػيمّأعمػػاؿّاذليئػػةّالعليػػاّللرقابػػةّ‬ ‫الشَّرعيةّعلىّادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّببنكّالسودافّلسنة‪1994‬ـ‪ّ ّ​ّ​ّ​ّ​ّ.‬‬ ‫‪ّ3‬د‪ّ.‬امحدّعلىّعبداهللّ‪ّ،‬ـّسّ‪ّ .ّ4ّ،‬‬ ‫‪ّ4‬ادلادةّ‪ّ4‬منّالقرارّالوزاريّرقمّ‪ّ184‬لسنةّ‪.ّ1992‬‬

‫‪020‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫ّأ‪ -‬مراقبةّومتابعةّمدىّالتزاـّبنكّالسودافّوادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّاليتّدتارسّأعماالًّمصرفيةّ‬ ‫بتطبيقّالصيغّالشَّرعيةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬

‫ب‪ -‬تنقية ّالنظاـ ّادلصريف ّمن ّالشوائب ّالربوية ّيف ّادلعامبلت ّادلالية ّواالقتصادية ّيف ّإطار ّأحكاـّ‬ ‫ّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلمية‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وشلاّسبقّيتضحّوجودّأربعّمدارسّللرقابةّالشَّرعيةّبادلصارؼّالسودانيةّوىيّادلستشارّالشرعيّوإدارةّ‬ ‫الفتوىّوالبحوثّوىيئةّالرقابةّالشَّرعيةّواذليئةّالعلياّللرقابةّالشَّرعيةّبادلصرؼّادلركزي‪ّ .‬‬ ‫وّاستخلصّأفّاىمّأوجوّالقصورّبإدارةّادلستشارّالشرعيّيتمثلّيفّفرديةّاختاذّالقرارّهباّوّأوصيّ‬ ‫القائمُت ّعليها ّبإشراؾ ّعدد ّال ّيقل ّعن ّسبعة ّمن ّعلماء ّالشرع ّيف ّالفتيا ّمع ّأخذىم ّلرأي ّأىلّ‬ ‫اإلختصاصّمنّالقانونيُتّوّاإلقتصاديُتّماّأمكنّلشرحّأبعادّادلسألةّزللّالفتيا‪ّ ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ.‬‬ ‫ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّو ّاستخلص ّأ ّف ّاىم ّأوجو ّالقصور ّبإدارة ّالفتوى ّوالبحوث ّىو ّعدـ ّإستقبلليتها ّو ّتبعتهاّ‬

‫لئلدارة ّالتنفيذيةّبادلصرؼّشلاّديكنّأفّيؤدىّإىلّالتأثَتّعليهاّيفّمباشرةّعملهاّبالصورةّادلثليّإذّنوصيّ‬ ‫جبعلهاّإدارةّمستقلةّعنّاإلدارةّالتنفيذيةّللمصرؼ‪ّ ّ.‬‬ ‫و ّاستخلص ّأ ّف ّاىم ّأوجو ّالقصور ّهبيئة ّالرقابة ّالشَّرعيةّ​ّكوهنا ّإدارة ّغَت ّمتفرغة ّو ّتقوـ ّبعقدّ‬

‫إجتماعاهتا ّبصفة ّدورية ّشلا ّيقعدىا ّعن ّتقدمي ّالنصح ّو ّاحللوؿ ّالشَّرعية ّفيما ّيستجد ّمن ّنوازؿ ّفوريةّ‬ ‫للمصرؼّ‪ّ،‬وّأوصيّبتحويلهاّإلدارةّدائمةّأوّعلىّاألقلّبوجودّأمانةّدائمةّتليبّماّيستجدّمنّنوازؿّ‬ ‫فوريةّ‪ّ.‬وّمنّاإلجيابياتّأهناّإدارةّمستقلةّعنّالتنظيمّاإلداريّللمصرؼّشلاّدينعّالتأثَتّعليهاّمنّجانبّ‬ ‫اإلدارةّيفّاختاذىاّلقراراهتاّحوؿّشرعيةّأوّعدـّشرعيةّمعامبلتّادلصرؼّ‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّو ّاستخلص ّأ ّف ّاذليئة ّالعليا ّللرقابة ّالشَّرعية ّببنك ّالسوداف ّقد ّتبلفت ّالعديد ّمن ّجوانبّ‬

‫القصورّيفّمدارسّالرقابة ّالشَّرعيةّ ّ​ّفهيّمكونةّمنّعدةّختصصاتّوّذلاّأمانةّدائمةّوّمستقلةّعنّ‬ ‫اإلدارةّالتنفيذيةّوّقراراهتاّملزمة‪ّ .‬‬ ‫ثانياً‪ :‬تشكيل واختصاصات هيئات الرقابة َّ‬ ‫الشرعية في بعض المصارف السودانية‬

‫ّ​ّ​ّو ّنقوـ ّبعرض ّكيفية ّتشكيلها ّواختصاصاهتا ّيف ّبعض ّادلصارؼ ّالسودانية ّو ّىي ّبنكّ‬

‫التضامنّاإلسبلميّالسوداينّوّبنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّوّبنكّالسودافّكالتايلّ‪ّ :‬‬ ‫‪022‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫‪ -1‬تشكيل واختصاصات إدارة الفتوى والبحوث ببنك التضامن اإلسالمي السوداني‪:‬‬ ‫وسوؼّأقوـّبعرضّكيفيةّتشكيلهاّواختصاصاهتاّمعّالتعرضّللجوانبّالفقهيوّكلماّاقتضىّ‬ ‫األمرّوذلكّعلىّالنحوّالتايل‪ّ :‬‬ ‫أ‪ -‬تشكيل إدارة الفتوى والبحوث ببنك التضامن اإلسالمي السوداني‪:‬‬ ‫وصلدّأنوّقدّنُصّعلى ّتشكيلهاّيفّادلادةّ‪ّ 60‬منّالنظاـّاألساسيّحيثّجاءّفيها‪"ّ:‬تنشأّيفّ‬

‫البنكّإدارةّمتخصصةّتسمىّإدارةّالفتوىّوالبحوثّخيتارّرللسّاإلدارةّمنّيرأسها‪ّ...‬اخلّ"ّ‪ّ .‬‬ ‫وتتكوفّىذهّاإلدارةّمنّثبلثةّأقساـّسلتلفةّىي‪ّ :‬‬ ‫ قسم َّ‬‫الشريعة اإلسالمية‪:‬‬

‫الشريعةّاإلسبلميةّويقوـّالقسمّمستعيناًّ‬ ‫ويضمّىذاّالقسمّعدداًّمنّادلوظفُتّالفقهاءّيفّرلاؿ ّ َّ‬ ‫بأقساـّاإلدارةّبالعملّعلىّتأصيلّنشاطاتّالبنكّوضبطهاّوفقاًّألحكاـّوقواعدّالشرعّاحلنيف‪ّ،‬وتقوـّ‬ ‫ىذهّاإلدارةّهبذاّالواجبّمنّتلقاءّنفسهاّوبناءّعلىّماّيردّإليهاّمنّطلباتّ‪ّ .1‬‬

‫ قسم البحوث االقتصادية‪:‬‬‫ويضمّىذاّالقسمّعدداًّمنّاالقتصاديُتّيعملوفّعلىّحتليلّنشاطّادلصرؼّوإعدادّالتقاريرّ‬

‫السنويةّللمسامهُتّوإعدادّالبحوثّوالدراساتّيفّرلاؿّادلصارؼّاإلسبلميةّواالقتصادّاإلسبلمي‪ّ .ّ2‬‬ ‫ قسم الشئون القانونية‪:‬‬‫ّويتكوفّمنّعددّمنّادلستشارينّالقانونيُتّالذينّيعملوفّعلى‪ّ :3‬‬

‫الشريعةّاإلسبلميةّحسبّمقتضياتّالنظاـّ‬ ‫‪ّ -1‬تأطَتّالعملّالقانوينّللمصرؼّمباّيطابقّأحكاـ ّ َّ‬ ‫األساسي‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -2‬إبداءّالنصحّالقانوينّلئلدارةّالعلياّللمصرؼّودلختلفّإداراتوّوأقساموّوفروعو‪ّ .‬‬

‫‪ ّ1‬الفصلّالتاسع‪ّ،‬اجلزءّالثاينّمنّالنظاـّاألساسيّلبنكّالتضامنّاإلسبلميّالسوداين‪.‬‬ ‫‪ ّ2‬الفصلّالتاسع‪ّ،‬اجلزءّالثالثّمنّالنظاـّاألساسيّلبنكّالتضامنّاإلسبلميّالسوداين‪.‬‬ ‫‪ ّ3‬الفصلّالتاسع‪ّ،‬اجلزءّالرابعّمنّالنظاـّاألساسيّلبنكّالتضامنّاإلسبلميّالسوداين‪.‬‬

‫‪022‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫‪ّ -3‬صياغةّومراجعةّالعقودّاليتّتدخلّفيهاّرئاسةّإدارةّادلصرؼّوفروعوّمعّاآلخرينّمنّبيعّوشراءّ‬ ‫وإجيار‪ّ...‬اخل‪ّ .‬‬ ‫واجلدير ّبالذكرّأنوّودلاّكانتّىذهّاإلدارةّتقدـّالفتوىّفإنوّالبدّمنّالتعرضّلبعضّاجلوانبّ‬ ‫الفقهيةّفيماّيتعلقّباإلفتاءّوذلكّعلىّالنحوّالتايل‪ّ :‬‬ ‫االفتاء‪:‬‬ ‫ّ" ّوادلفيت ّقائمّيف ّاألمة ّمقاـ ّالنيب ّصلي ّاهلل ّعليوّوسلمّوالدليل ّعلى ّذلك ّأ ّف ّالعػلماء ّورثةّ‬

‫األنبياءّوأ ّف ّاألنبياءّملّيورثواّديناراًّوالّدرمهاًّوإمناّورثواّالعلمّ"ّكماّأّنّوّنائبّعنوّيفّتبليغّاألحكاـّلقولوّ‬

‫‪ّ"ّ:ّ‬أالّليبلغّالشاىدّمنكمّالغائبّ"ّوكذلكّقولوّأيضاًّ‪ّ"ّ:‬بلغواّعٍتّولوّآيةّ"ّ‪ّ،‬كماّأنوّ–ّادلفيتّ–ّ‬ ‫الشريعةّإماّمنقوؿّعنّصاحبهاّ‪ّ،‬وإماّمستنبطّمنّادلنقوؿّ‪ّ.‬فاألوؿّ‬ ‫شارعّمنّوجوّ‪ّ،‬أل ّف ّماّيبلغوّمن ّ َّ‬ ‫عّ‪ّ،‬فإذاّ‬ ‫ّ‬ ‫ّمقاموّيفّإنشاءّاألحكاـّ‪ّ،‬وإنشاءّاألحكاـّإمناّىوّللشار‬ ‫َّ​ّ‬ ‫يكوفّفيوّمبلغاًّوالثاينّيكوفّفيوّقائماً‬

‫كافّللمجتهدّإنشاءّاألحكاـّسحسبّنظرهّواجتهادهّفهوّمنّىذاّالوجوّشارعّ‪ّ،‬واجبّاتباعوّوالعملّ‬ ‫علىّوفقّماّقالوّوىذهّىيّاخلبلفةّعلىّالتحقيقّبلّالقسمّالذىّىوّفيوّمبلغّالّبدّمنّنظرهّفيوّمنّ‬ ‫جهةّفهمّادلعاينّمنّاأللفاظ ّالشَّرعيةّومنّجهةّحتقيقّمناطهاّوتنزيلهاّعلىّاألحكاـّوكبلّاألمرينّراجعّ‬ ‫إليوّفيهاّفقدّقاـّمقاـّالشارعّأيضاّيفّىذاّادلعٌتّوقدّجاءّيفّاحلديثّأ ّف ّمنّقرأّالقرآفّفقدّأدرجتّ‬

‫ةّبُتّجنبيوّوعلىّاجلملةّفادلفيتّسلربّعنّاهللّكالنيبّوموقعّللشريعةّعلىّأفعاؿّادلكلفُتّ"‪ّ .1‬‬ ‫َّ​ّ‬ ‫النبّو‬ ‫‪ -‬خصال المفتي ‪:‬‬

‫ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّأشًتطّبعضّالعلماء ّتوافرّخصاؿّمعينةّيفّادلفيتّوشددوا ّعلىّتلكّاخلصاؿّفقيلّ‪ّ"ّ:‬الّ‬ ‫ينبغيّللرجلّأفّينصبّنفسوّللفتياّحىتّيكوفّفيوّمخسّخصاؿ‪ّ ّ.2‬‬ ‫علىّكبلموّنورّ‪ّ،‬فالنيةّىيّرأسّ‬ ‫ّأولها ‪ّ:‬أفّيكوفّلوّنيةّ‪ّ،‬فإفّملّتكنّلوّنيةّملّيكنّعليوّنورّوال ّ ّ‬ ‫األمرّوعمودهّوأساسوّوأصلوّالذيّعليوّيبٍتّفإهناّروحّالعملّوّقائدهّوسائقوّ‪ّ..‬يصحّبصحتهاّ‬ ‫ويفسدّبفسادىاّوهباّيستجلبّالتوفيقّوبعدمهاّحيصلّاخلذالفّ‪ّ،‬وسحسبهاّتتفاوتّالدرجاتّيفّ‬ ‫‪ّ1‬ادلوافقاتّ‪ّ،‬الشاطيبّ‪ّ .ّ244/4ّ،‬‬ ‫‪ّ2‬إعبلـّادلوقعُتّعنّربّالعادلُتّ‪ّ،‬ابنّالقيمّ‪52/5ّ،‬ومابعدىاّ‪.‬‬

‫‪022‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫الدنياّواآلخرةّفكمّمنّمريدّبالفتوىّوجوّاهللّورضاهّوالقربّمنوّوماّعندهّ‪ّ،‬ومريدّهباّوجوّ‬ ‫ادلخلوؽّورجاءّمنفعتوّوماّينالوّمنوّختويفاًّأوّطمعاً‪ّ .‬‬

‫ثانيهما ‪ّ :‬أفّيكوفّلوّعلمّوحلمّووقارّوسكينةّ‪ّ،‬فقدّقاؿّبعضّالسلفّ‪ّ"ّ:‬ماّقرفّشيء ّإىلّشيءّ‬ ‫أحسنّمنّعلم ّإىلّحلمّ…‪ّ.‬فاحللمّزينةّالعلمّوهباؤهّوضدّالطيشّوالعجلةّواحلدةّوالتسرعّ‬ ‫وعدـ ّالثبات ّ"والسكينة ّفعلية ّمن ّالسكوف ّوىو ّطمأنينة ّالقلب ّواستقراره ّوأصلها ّيف ّالقلبّ‬ ‫ويظهرّأثرىاّيفّاجلوارحّ​ّ‪ّ .‬‬ ‫ثالثهما ‪ّ :‬أفّيكوفّقويّاًّعلىّماّىوّفيوّوعليّمعرفتوّ‪ّ"ّ،‬أيّمستظهراًّمطلعاًّبالعلمّمتمكناًّمنوّغَتّ‬

‫ضعيفّفيوّ…‪ّ.‬فادلفيتّزلتاجّإىلّقوةّالعلمّوقوةّيفّالتنفيذّ‪ّ،‬فإنوّالّينفعّتكلمّسحقّالّنفاذّلو‪ّ .‬‬

‫رابعها ‪ ّ :‬أفّتكوفّلوّالكفايةّوإالّمضغوّالناسّ‪ّ،‬فإنوّإذاّملّيكنّلوّكفايةّاحتاج ّإىلّالناسّوإيلّاألخذّ‬ ‫شلاّيفّأيديهمّ……ّفالعاملّإذاّمنحّغناءّفقدّأعُتّعلىّتنفيذّعملوّ ّوإذاّاحتاجّإىلّالناسّفقدّ‬ ‫ماتّعلموّوىوّينظرّ"ّ‪ّ .‬‬ ‫خامسها ‪ّ:‬معرفةّالناسّ"ّ‪ّ،‬فهذاّأصلّعظيمّحيتاجّإليوّادلفيتّواحلاكمّ……ّفينبغيّلوّأفّيكوفّفقيهاًّ‬ ‫يف ّمعرفة ّمكر ّالناس ّوخداعهم ّواحتياذلم ّوعوائدىم ّوعرفياهتم ّفإ ّف ّالفتوى ّتتغَت ّبتغَت ّالزمافّ‬ ‫وادلكافّوالعوائدّواألحواؿّوذلكّ​ّكلوّمنّدينّاهللّ"ّ‪ّ .‬‬

‫كما ّأ ّف ّادلفيت ّالبالغ ّذروة ّاحلجة ّىو ّالذي ّحيمل ّالناس ّعلى ّادلعهود ّالوسط ّفيما ّيليق ّباجلمهور ّفبلّ‬

‫يذىبّهبمّمذىبّالشدةّوالّدييلّهبمّإىلّطرؼّاالضلبلؿّ‪ّ.‬والدليلّعلىّصحةّىذاّأنوّالصراطّادلستقيمّ‬

‫الشريعةّفإنوّقدّمرّأ ّفّمقصدّالشارعّمنّادلكلفّاحلملّعلىّالتوسطّمنّغَتّإفراطّوالّ‬ ‫الذيّجاءتّبوّ َّ‬ ‫تفريطّفإذاّخرجّعنّذلكّيفّادلستفتُتّخرجّعنّقصدّالشارعّ‪ّ.‬ولذلكّكافّماّخرجّعنّادلذىبّالوسطّ‬

‫مذموماًّعندّالعلماءّالراسخُتّ‪ّ ،‬وأيضاًّفإفّىذاّادلذىبّكافّادلفهوـّمنّشأفّرسوؿّاهللّصليّاهللّعليوّ‬ ‫وسلمّوأصحابوّاألكرمُتّ‪ّ،‬ذلكّأفّاخلروج ّإىلّاألطراؼّخارجّعنّالعدؿّوالّتقوـّبوّمصلحةّاخللقّ‪ّ،‬‬ ‫وأماّيفّطرؼّالتشديدّفإنوّمهلكةّ‪ّ،‬وأماّيفّطرؼّاالضلبلؿّفكذلكّأيضاًّألفّادلستفيتّإذاّذىبّبوّ‬ ‫مذىبّالعنتّواحلرجّبغضّإليوّالدينّوأديّإىلّاالنقطاعّعنّسلوؾّطريقّاآلخرةّوىوّمشاىدّ‪ّ،‬وأماّإذاّ‬

‫‪022‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫ذىبّبوّمذىب ّاالضلبلؿ ّكافّمظنةّللمشي ّمع ّاذلوىّوالشهوةّ‪ّ .‬والشرع ّإمنا ّجاء ّبالنهي ّعن ّاذلوىّ‬ ‫وإتباعّاذلوىّمهلك‪ّ .ّ1‬‬ ‫‪ -3‬محاذير الفتوى وما يستحب للمفتي ‪:‬‬ ‫ّذكرّالعلماءّالكثَتّمنّاحملاذيرّيفّشأفّاإلفتاءّوماّيستحبّأفّيكوفّعليوّادلفيتّومنّأمههاّ‪ّ -:‬‬ ‫ّالّجيوزّأفّيتصدرّللفتوىّغَتّادلفيتّومنّفعلّذلكّفهوّآمث‪ّ .ّ2‬‬‫َّخ رَِتّيفّالفتياّ‪ّ .ّ2‬‬ ‫َّال َ‬‫وزّالْ ُفْتػيَاّبِالت َ‬ ‫ّجتُ ُ‬ ‫يّوالت َ‬ ‫َّش ِّه َ‬ ‫ّالّجيوزّللمفيتّأفّحيايبّمنّيستفتيو‪ّ .4‬‬‫ّ‪ّ-‬علىّادلفيتّأفّيكثرّمنّالدعاءّلنفسوّبالتوفيقّيفّالفتياّ‪.5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بّاّلْ ُم ْستَػ ْف ِيتّ‪ّ ّ.6‬‬ ‫َّالّيػُ ْع َم ُلّبالْ َفْتػ َو َ‬‫ىّح َّىتّيَطْ َمئ َّنّ َذلَاّقَػ ْل ُ‬ ‫وّشلاّسبقّأخلصّإىلّأ ّف ّ إدارةّالفتوىّوالبحوثّببنكّالتضامنّاإلسبلميّالسوداينّتتشكلّمنّثبلثةّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّوّقسمّالبحوثّاالقتصاديةّوّقسمّالشئوفّالقانونيةّ‪ّ .‬‬ ‫أقساـّ‪ّ:‬قسمّ َّ‬ ‫ب‪ -‬اختصاصات إدارة الفتوى والبحوث ببنك التضامن اإلسالمي السوداني‪:‬‬ ‫وخت تصّإدارةّالفتوىّوالبحوثّبالعديدّمنّاالختصاصاتّولقدّوردّذكرىاّيفّالنظاـّاألساسيّ‬ ‫لبنكّالتضامنّاإلسبلميّالسوداين‪7‬وفيماّيليّنوردّذكرىا‪ّ :‬‬ ‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫‪ّ-1‬تكوفّمسئولةّعنّمطابقةّأعماؿّالبنكّألحكاـّ َّ‬ ‫‪ّ-2‬تشارؾّيفّوضعّمناذجّالعقودّواالتفاقاتّوالعملياتّادلتعلقةّجبميعّمعامبلتّالبنكّوذلكّللتثبتّمنّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫عدـّسلالفتهاّألحكاـّ َّ‬ ‫‪ّ1‬الشاطيبّ‪ّ،‬ـّسّ‪ّ .ّ259/4ّ،‬‬ ‫‪ّ2‬ابنّالقيمّ‪ّ،‬ـّسّ‪ّ .ّ79/5ّ،‬‬ ‫‪ّ3‬ابنّالقيمّ‪ّ،‬ـّسّ‪ّ .70/5ّ،‬‬ ‫‪ّ4‬ابنّالقيمّ‪ّ،‬ـّسّ‪.69/5ّ،‬‬ ‫‪ّ5‬ابنّالقيمّ‪ّ،‬ـّسّ‪.ّ140/5ّ،‬‬ ‫‪ّ3‬ابنّالقيمّ‪ّ،‬ـّسّ‪ّ .ّ134/5ّ،‬‬ ‫‪ّ7‬ادلوادّ‪ّ62،ّ60،61‬منّالنظاـّاألساسيّلبنكّالتضامنّاإلسبلميّالسوداين‬

‫‪022‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫‪ّ-3‬إعدادّالبحوثّوالدراساتّواجملاالتّاالقتصاديةّوادلوضوعاتّادلتعلقةّبادلصارؼّاإلسبلميةّواالقتصادّ‬ ‫اإلسبلمي‪ّ .‬‬ ‫‪ّ-4‬اإلشراؼّعلىّالنواحيّالقانونيةّواالقتصاديةّللبنك‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -5‬تقدـّاإلدارةّتقارير ّدوريةّللمديرّالعاـّوجمللسّاإلدارةّمشتملةّعلىّمبلحظاهتاّيفّأيّمنّأعماؿّ‬ ‫البنكّكلماّاقتضىّاألمرّذلك‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -6‬تقدـّاإلدارةّتقريراًّ​ّسنوياًّللجمعيةّالعموميةّللمسامهُتّيشتملّعلىّرأيهاّومبلحظاهتاّعنّمدىّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫دتشىّمعامبلتّالبنكّمعّأحكاـّ َّ‬

‫‪ّ-7‬أيّمهاـّأخرىّحيددىاّرللسّاإلدارةّأوّادلديرّالعاـ‪ّ .‬‬ ‫وشلا ّسبق ّأخلص ّإىل ّأ ّف ّأىم ّاختصاصات ّإدارة ّالفتوى ّوالبحوث ّببنك ّالتضامن ّاإلسبلميّ‬

‫السوداينّتنحصرّيفّبلورةّوّتطويرّصيغّادلعامبلتّادلصرفيةّوّذلكّكالتايل‪ّ :‬‬ ‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -‬التأكدّمنّأ ّفّتعاملّالبنكّيتمّوفقّأحكاـّ َّ‬

‫‪ّ -‬إعدادّالبحوثّوالدراساتّاليتّتسهمّيفّتطويرّالعملّادلصريفّاإلسبلمي‪ّ .‬‬

‫ّبشرعية ّادلعامبلتّ‬ ‫ ّتقدمي ّتقارير ّللمدير ّالعاـ ّورللس ّاإلدارة ّواجلمعية ّالعمومية ّفيما ّيتعلق َّ​ّ‬‫ادلصرفيةّومدىّمطابقتهاّأوّسلالفتهاّللشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫َّ​ّ‬

‫‪ّ -‬اإلشراؼّعلىّالنواحيّالقانونيةّواالقتصاديةّبادلصرؼ‪.‬‬

‫‪ -2‬تشكيل واختصاصات هيئة الرقابة َّ‬ ‫الشرعية ببنك فيصل اإلسالمي السوداني‪:‬‬ ‫يعتربّبنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّىوّأوؿّمصرؼّإسبلميّيؤسسّيفّالسوداف‪ّ،‬ففيّفربايرّ‬ ‫‪ّ 1976‬التقىّصاحبّالسموّادللكيّاألمَتّزلمدّالفيصلّآؿّسعودّبالرئيسّجعفرّزلمدّمنَتىّرئيسّ‬ ‫الشريعةّ‬ ‫مجهوريةّالسودافّالدديقراطيةّطالباًّالسماحّبإنشاءّبنكّإسبلميّيعملّيفّالسودافّوفقّأحكاـ ّ َّ‬ ‫اإلسبلمية ّادلتمثلة ّيف ّحترمي ّالربا ّوالقياـ ّجبميع ّاألعماؿ ّادلصرفية ّوالتجارية ّعلى ّأساس ّالربح ّالعادؿّ‬ ‫واحلبلؿ‪ّ.‬وإخراجّالزكاةّومنعّاالحتكارّوالتعاوفّمنّأجلّمنفعةّاجملتمعّوتطويرّكلّاجلوانبّادلشروعة‪ّ،‬‬ ‫وقدّكانتّاستجابةّالدولةّيفّكلّادلستوياتّالتشريعيةّوالتنفيذيةّمشجعةّللغايةّ‪ّ،‬ويفّالثامنّعشرّمنّ‬ ‫أغسطس ّ‪ ّ 1977‬مت ّتسجيل ّبنك ّفيصل ّاإلسبلمي ّكشركة ّمسامهة ّسودانية ّعامة ّزلدودة ّوفق ّقانوفّ‬ ‫‪021‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫الشركات ّلعاـ ّ‪ّ ،ّ 1925‬ولتحقيق ّاألىداؼ ّالسابقة ّخاصة ّيف ّبيئة ّمالية ّغَت ّمبلئمة ّاعتادت ّعلىّ‬ ‫ادلمارساتّالربويةّوشبتّيفّظلها‪ّ،‬كافّالبدّمنّقياـّىيئةّللرقابةّالشَّرعيةّتعملّعلىّالتأكدّمنّمطابقةّ‬ ‫األعماؿّادلصرفيةّفيوّلؤلحكاـّالشَّرعيةّوالنأيّهباّعنّأيةّشلارساتّربويةّ‪ّ .1‬‬ ‫وبذلك ّفإننا ّسوؼ ّنقوـ ّبعرض ّكيفية ّتشكيل ّىيئة ّالرقابة ّالشَّرعية ّببنك ّفيصل ّاإلسبلميّ‬ ‫السوداينّواختصاصاهتاّمعّالتعرضّللجوانبّالفقيوّماّأمكنّوذلكّعلىّالنحوّالتايل‪ّ :‬‬ ‫أ‪ : -‬تشكيل هيئة الرقابة َّ‬ ‫الشرعية ببنك فيصل اإلسالمي السوداني‪:‬‬ ‫ولقدّنصتّعلىّذلكّادلادةّ‪ّ3‬منّالئحةّىيئةّالرقابةّالشَّرعيةّلبنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّ‬ ‫حيثّجاءّفيها‪"ّ:‬تشكلّىيئةّالرقابةّالشَّرعيةّمنّثبلثةّأعضاءّعلىّاألقلّوسبعةّعلىّاألكثرّمنّعلماءّ‬ ‫الشرعّوتعينهمّاجلمعيةّالعموميةّللمسامهُتّلثبلثّسنوات‪ّ،‬وحتددّأتعاهبمّيفّقرارّالتعيُت‪ّ،‬وجتوزّإعادةّ‬ ‫تعيُتّمنّانتهتّعضويتوّمنهمّويفّحالةّخلوّمنصبّأحدّاألعضاءّقبلّهنايةّمدتوّيعُتّزلاسبّاإلدارةّ‬ ‫بالتشاورّمعّىيئةّالرقابةّالشَّرعيةّمنّحيلّزللوّلنهايةّادلدةّادلذكورة"ّ‪ّ .‬‬ ‫ومنّاستقراءّالنصّيتضحّلناّكيفيةّالتشكيلّفهيّتكوفّوفقّالشروطّاآلتية‪ّ :‬‬ ‫‪ -1‬أال يقل العدد عن ثالثة أعضاء وال يزيد عن سبعة‪:‬‬ ‫ولعلّالسببّيفّاشًتاطّكوهنمّثبلثةّعلىّاألقلّأوّسبعةّعلىّاألكثرّأفّتكوفّىناؾّفرصةّ‬ ‫للتوصلّإىلّاحلكمّالشرعيّالسديدّفيماّيعرضّعلىّاذليئةّمنّادلعامبلتّادلصرفيةّلئلفتاءّجبوازىاّأوّعدموّ‬ ‫وكذلكّأفّتتوافرّادلشاورةّوالًتجيحّبُتّاآلراءّعندّاالختبلؼّيفّاآلراءّذلكّأفّمعظمّاألحكاـ ّالشَّرعيةّ‬ ‫العمليةّىيّعبارةّعنّأحكاـّاجتهاديةّمبنيةّعلىّنظريةّادلصلحةّادلرسلةّ​ّتتسعّللعديدّمنّوجهاتّالنظرّ‬ ‫ادلتفقةّمعّالشرعّولكنّيكوفّأحدىمّزلققاًّدلصلحةّأكربّمنّالرأيّادلخالفّوبذلكّفإفّتوافرّىذاّالعددّ‬ ‫منّاألعضاءّيعملّعلىّالتوصلّإىلّأقربّاألحكاـ ّالشَّرعيةّتوافقاًّمعّالشرعّ​ّومصلحةّالعبادّ​ّويضمنّ‬ ‫عدـّالتعسفّأوّاخلطأّأوّالتواطؤ‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ّ1‬فتاويّالرقابةّالشَّرعية‪ّ،‬بنكّفيصكّاإلسبلميّالسوداينّاجمللدّاألوؿّ‪ّ7ّ،‬وماّبعدىاّ‪.‬‬

‫‪029‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫‪ -2‬أن يكون عضو الهيئة من علماء َّ‬ ‫الشرع‪:‬‬ ‫ومعٌت ّذلك ّأف ّيكوف ّمن ّالفقهاء ّوأف ّتتوافر ّفيو ّشروط ّاالجتهاد ّبغية ّالتوصل ّإىل ّاحلكمّ‬ ‫الشرعيّفيماّيعرضّعليوّمنّأمورّتتطلبّاالجتهادّفعضوّالرقابةّالشَّرعيةّالبدّلوّوأفّيكوفّفقيهاًّرلتهداًّ‬ ‫َّ​ّ‬ ‫ولذلكّالبدّلناّمنّاستعراضّالفقوّوّاإلجتهادّوّالذافّمهاّوجهافّلعملةّواحدةّ​ّبصورةّموجزةّكالتايل‪ّ :‬‬ ‫الفقه ‪:‬‬

‫ّماّنػَ ْف َقوُّ َكثِ ًَتاّ‬ ‫لغةًّىوّالفهمّأوّالفهمّالعميقّومنّذلكّماّجاءّيفّقولوّتعايل‪ّ"ّ:‬قَالُواّيَ ُ‬ ‫بَ‬ ‫اّش َعْي ُ‬ ‫وؿ ّ" ّسورة ّىود‪ّ ،‬من ّاآلية ّ‪ّ ّ 91‬وكذلكّقولوّصلىّاهللّعليوّوسلم‪"ّ:‬منّيردّاهللّبوّخَتاًّيفقوّيفّ‬ ‫ِشلَّاّتَػ ُق ُ‬ ‫الدين"‪ّ،ّ1‬واصطبلحاًّىو‪ّ:‬العلمّباألحكاـّالشَّرعيةّالعمليةّادلكتسبّمنّاألدلةّالتفصيليةّ"‪ّ .2‬‬ ‫إثباتّأمرّألمرّأوّنفيوّعنوّ‪ّ،‬فإذاّ‬ ‫ّ‬ ‫فالعلمّىوّادلعرفةّأوّاإلدراؾّ‪ّ،‬أماّادلرادّمنّاألحكاـّالشَّرعيةّ‬

‫كافّطريقّذلكّاالثباتّأوّالنفي ّالعقلّ‪ّ:‬كالواحدّنصفّاالثنُتّ‪ّ،‬والضدافّالّجيتمعافّ–ّ​ّكافّحكماًّ‬ ‫عقلياًّوإذاّكافّطريقوّالعادةّالفطريةّ‪ّ:‬كالنارّزلرقةّ‪ّ،‬والذىبّالّيصدأّ‪ّ،‬واخلشبّيطفوّعلىّسطحّادلاءّ‬

‫–ّ​ّكافّحكماًّعادياًّ‪ّ،‬وإذاّكافّطريقةّالشرعّ‪ّ:‬كالصبلةّواجبةّ‪ّ،‬وشربّاخلمرّحراـّ‪ّ،‬وتوحيدّاهللّواجبّ‬ ‫واإلشراؾ ّبو ّحراـ ّ–ّ​ّكاف ّحكماً ّشرعياً ّ‪ّ .‬فاألحكاـ ّالشَّرعية ّىي ّتلك ّالقضايا ّادلشتملة ّعلى ّإسنادّ‬ ‫أوصاؼّشرعيةّألعماؿّاإلنسافّالظاىرةّأوّالباطنةّمنّوجوبّوحرمةّ‪ّ،‬وندبّوكراىةّوغَتىاّ‪ّ .‬‬ ‫َّ​ّ‬ ‫"ّوادلرادّمنّالعمليةّادلتعلقةّبأفعاؿّادلكلفُتّ‪ّ،‬فتشملّماّيتعلقّبالعباداتّوادلعامبلتّواحلدودّوغَتىاّ‪ّ،‬‬

‫وخترجّاألحكاـّادلتعلقةّبالعقائدّ‪ّ،‬فإفّالبحثّعنهاّيفّعلمّالكبلـّ"ّ‪ّ"ّ .‬وادلرادّمنّاألدلةّالتفصيليةّ–ّ‬ ‫احلَ ِّقّ‬ ‫ّحَّرَـّاللَّوُّإَِّالّبِ ْ‬ ‫سّالَِّيت َ‬ ‫آحادّاألدلةّاليتّيدؿّكلّمنهاّعلىّحكمّبعينوّ‪ّ،‬كقولوّتعايلّ‪َ :‬وَالّتَػ ْقتُػلُواّالنَّػ ْف َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫سْبتُ ْم" ّسورةّ‬ ‫ين ّآَ َمنُواّأَنْف ُقواّم ْن ّطَيِّبَات َ‬ ‫سورةّاألنعاـّ‪ّ،‬منّاآليةّ‪ّ،ّ"ّ ّ 151‬وقولوّتعايلّ‪ّ ّ:‬يَاّأَيػر َهاّالذ َ‬ ‫ّماّ َك َ‬ ‫‪ّ1‬ص ػػحيحّالبخ ػػاريّ‪ّ،ّ39/1ّ،‬ص ػػحيحّمس ػػلمّ‪ّ،ّ718/2ّ،‬س ػػننّالبيهق ػػيّالك ػػربىّ‪ّ،ّ425/3ّ،‬اب ػػنّماج ػػةّ‪ّ،ّ80/1ّ،‬‬ ‫الًتمذيّ‪.ّ28/5ّ،‬‬ ‫‪ ّ2‬وىػذاّالتعريػفّادلػػأثورّعنػدّالشػػافعية‪ّ،‬أمػاّاحلنفيػةّفقػػدّأثػرّعػػنّاإلمػاـّأ ّحنيفػػةّتعريػفّلػوّوىػػو‪ّ"ّ:‬معرفػةّالػػنفسّماذلػاّومػػاّ‬ ‫عليها"ّودلاّكافّتعريفوّشامبلًّإىلّذلكّماّيتعلقّبالعقائػدّوالوجػدانياتّمػنّاألحكػاـّأضػاؼّاألصػوليوفّكلمػةّ"عمػبلً"ّعلػىّ‬ ‫الشريعةّ‪ّ .ّ16/1ّ،‬‬ ‫تعريفّأيبّحنيفةّالسابقّليخرجّماّليسّسحكمّشرعيّعملي‪ّ​ّ،‬شرحّالتلويحّعلىّالتوضيحّ‪ّ،‬صدرّ َّ‬

‫‪082‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫البقرةّ‪ّ،‬منّاآليةّ‪ّ​ّ267‬فاألوؿّيدؿّعلىّحرمةّقتلّالنفسّادلعصومةّ‪ّ،‬والثاينّيدؿّعلىّاستحبابّاإلنفاؽّ‬ ‫"ّفوظيفةّاجملتهدّأوّالفقيوّىيّاستنباطّاألحكاـّ​ّاجلزئيةّمنّاألدلةّالتفصيليةّالشَّرعيةّ‪ّ .ّ​ّ"ّ1‬‬ ‫اإلجتهاد ‪:‬‬ ‫"ّيفّاللغةّىوّعبارةّعنّاستفراغّالوسعّيفّحتقيقّأمرّمنّاألمورّمستلزـّللكلفةّوادلشقةّ‪ّ،‬وذلذاّ‬ ‫يقاؿّاجتهدّفبلفّيفّمحلّحجرّالبزارةّ‪ّ،‬والّيقاؿّاجتهدّيفّمحلّخردلةّ‪ّ،‬وأماّيفّاصطبلحّاألصوليُتّ​ّ"ّ‬ ‫فمخصوصّباستفراغّالوسعّيفّطلبّالظنّبشيءّمنّاألحكاـّالشَّرعيةّعلىّوجوّحيسّمنّالنفسّالعجزّ‬ ‫عنّادلزيدّفيوّ"ّ‪ّ .‬‬ ‫"ّفقولناّ(ّاستفراغّالوسعّ)ّكاجلنسّللمعٍتّاللغويّواألصويلّ‪ّ،‬وماّوراءهّخواصّشليزهّلبلجتهادّبادلعٍتّ‬ ‫األصويلّ‪ّ،‬وقولناّ(ّيفّطلبّالظنّ)ّاحًتازّ​ّعنّاألحكاـّالقطعيةّوق ّولناّ(ّبشئّمنّاألحكاـّالشَّرعيةّ)ّ‬ ‫احملساتّوغَتىاّ‪ّ.‬وقولناّ(ّسحيثّحيسّمنّالنفسّالعجزّعنّادلزيدّ‬ ‫ُّ‬ ‫ليخرجّعنوّاالجتهادّيفّادلعقوالتّو‬

‫فيو)ّليخرجّعنوّاجتهادّادلقصرّيفّاجتهادهّمعّإمكافّالزيادةّعليوّ‪ّ،‬فإنوّالّيُعدّيفّاصطبلحّاألصوليُتّ‬ ‫اجتهاداًّمعترباًّ"‪ّ .1‬‬ ‫وبذلك ّفإ ّف ّاجملتهد ّىو ّذلك ّالشخص ّالذي ّيبذؿ ّاجلهد ّبغرض ّالتوصل ّللحكم ّالشرعي ّيف ّادلسألةّ‬ ‫ادلعروضةّعليوّ‪ّ.‬وبذلكّفإنوّالبدّمنّوجودّشروطّمعينةّيفّىذاّاجملتهدّ‪ّ،‬وّنوردّبإجيازّأىمّماّاتفقّ‬

‫الفقهاءّعليوّمنّشروطّيفّاجملتهدّوىي‪ّ -:ّ3‬‬ ‫ّأفّيكوفّمسلماًّمكلفاًّعادالً‪ّ ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ.‬‬‫‪ّ1‬أصوؿّالتشريعّاإلسبلميّ‪ّ،‬علىّحسبّاهللّ‪ّ4ّ،‬ومابعدىاّ‪ّ .‬‬ ‫‪ّ2‬األحكاـّيفّأصوؿّاألحكاـّ‪ّ،‬األمديّ‪ّ218ّ/4ّ،‬وماّبعدىاّ‪ّ .‬‬ ‫‪ّ3‬األمػديّ‪ّ،‬ـّسّ‪ّ،ّ298/4ّ،‬الشػػاطيبّ‪ّ،‬ـّسّ‪ّ105ّ/4،‬وّمػاّبعػػدىاّ‪ّ،‬فػواتحّالرمحػػوتّشػرحّمسػػلمّالثبػوتّ‪ّ،‬ابػػنّعبػػدّ‬ ‫الشػػكورّ‪ّ،ّ363/2ّ،‬إرشػػادّالفحػػوؿّ‪ّ،‬الشػػوكاينّ‪ّ،ّ251ّ،‬هنايػػةّالسػػؤؿّ‪ّ،‬األسػػنوىّ‪ّ،ّ551/4ّ،‬أصػػوؿّالفقػػوّ‪ّ،‬الشػػيخّ‬ ‫زلمدّاخلضريّبػكّ‪ّ،ّ368ّ،‬تػاريخّالتشػريعّوّمصػادرهّ‪ّ،‬زلمػدّسػبلـّمػدكور‪ّ،ّ223ّ،‬أصػوؿّالفقػوّاإلسػبلميّ‪ّ،‬د‪ّ.‬زلمػدّ‬ ‫زكريػػاّالربديسػػيّ‪ّ226ّ،‬ومػػاّبعػػدىا‪ّ,‬الطبعػػةّالثالثػػةّ​ّ​ّ‪1969‬ـّ‪ّ،‬األـّ‪ّ،‬الشػػافعيّ‪ّ510ّ،‬ومابعػػدىاّ‪ّ،‬االجتهػػادّوطبقػػاتّ‬ ‫رلتهديّالشافعيةّ‪ّ،‬د‪ّ.‬زلمدّحسنّىيتوّ‪ّ .ّ22ّ​ّ،‬‬ ‫‪ّ3‬الشوكاينّ‪ّ،‬ـّسّ‪ّ .ّ252ّ،‬‬ ‫ّ​ّ‬

‫‪088‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫ّأفّيكوفّعادلاًّمبقاصدّ َّ‬‫‪ّ-‬أفّيكوفّعادلاًّباللغةّالعربية‪ّ .‬‬

‫ّأفّيكوفّعادلاًّبالكتابّوالسنةّادلطهرة‪ّ .‬‬‫‪ّ-‬أفّيكوفّعادلاًّبوجوهّالقياسّ‪ّ .‬‬

‫ّأفّيكوفّعادلاًّمبواضعّاإلمجاعّواخلبلؼ‪ّ .‬‬‫ّأفّيكوفّعادلاًّبالناسخّوادلنسوخّ‪.‬‬‫‪ّ-‬أفّيكوفّعادلاًّ​ّبعلمّأصوؿّالفقو‪ّ .‬‬

‫وشلا ّسبق ّاستخلص ّأف ّتشكيل ّىيئة ّالرقابة ّالشَّرعية ّببنك ّفيصل ّاإلسبلمي ّالسوداين ّمن ّعلماءّ‬ ‫الشرعّفقطّوّأالّيقلّعددّأعضاءىاّعنّثبلثةّوالّيزيدّعنّسبعةّ‪ّ،‬وّأفّيكوفّالعضوّمسلماًّ‬ ‫رلتهداًّمكلفاً ّعدالً ّ‪ّ،‬إذّالّديكنّأفّيكوفّأحدّأعضائهاّمنّغَتّادلسلمُتّ‪ّ،‬وّمنّأىمّأوجوّ‬

‫القصورّاليتّتقعدىاّعنّالقياـّبدورىاّعلىّالطريقةّادلثلىّ​ّعدـّوجودّصَتيفّأوّقانوينّأوّاقتصاديّ‬ ‫بعضويتهاّ‪ّ،‬شلاّجيعلناّنوصيّبإشراؾّإعضاءّمنّالقانونيُتّوّاالقتصاديُتّوّادلصرفيُتّهباّأوّعلىّ‬ ‫األقلّأفّتستمعّاذليئةّلوجهةّالنظرّالعلميةّمنّادلختصيُتّسواءّمنّالقانونيُتّأوّاالقتصاديُتّأوّ‬ ‫ادلصرفيُتّيفّادلسألةّادلعروضةّدلعرفةّاحلكمّالشرعيّفيهاّ‪ّ .‬‬ ‫ب‪ -‬اختصاصات هيئة الرقابة َّ‬ ‫الشرعية ببنك فيصل اإلسالمي السوداني‪:‬‬ ‫ولقدّتضمنتهاّالئحةّىيئةّالرقابةّالشَّرعيةّلبنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّوىيّكالتايل‪ّ :‬‬ ‫‪ّ-1‬االشًتاؾّمعّادلسئولُتّبالبنكّيفّ‪ّ :‬‬ ‫أ‪ّ -‬وضعّمناذجّالعقودّوالعملياتّالعائدةّجلميعّمعامبلتّالبنكّمعّادلسامهُتّوادلستثمرينّوغَتىمّويفّ‬ ‫تعديلّوتطويرّالنماذجّادلذكورةّعندّاالقتضاء‪ّ .‬ويفّإعدادّالعقودّاليتّيزمعّالبنكّإبرامهاّشلاّليسّلوّ‬ ‫مناذجّموضوعةّواالتفاقاتّوذلكّكلوّبقصدّالتأكدّمنّخلوّالعقودّواالتفاقاتّوالعملياتّادلذكورةّ‬ ‫منّاحملظوراتّالشرعية‪ّ .1‬‬ ‫ب‪ّ-‬إبداءّالرأيّمنّالناحيةّالشَّرعيةّفيماّحييلوّإليهاّرللسّاإلدارةّأوّادلديرّالعاـّمنّمعامبلتّالبنك‪ّ .‬‬ ‫‪ّ1‬أنظرّادلوادّ‪ّ6ّ،5‬منّالئحةّىيئةّالرقابةّالشَّرعيةّلبنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّ‪.‬‬

‫‪080‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫ج‪ّ -‬تقدميّماّتراهّمناسباًّمنّادلشورة ّالشَّرعيةّإىلّرللسّاإلدارةّيفّأيّأمرّمنّاألمورّادلتعلقةّمبعامبلتّ‬ ‫البنك‪ّ .‬‬ ‫د‪ّ -‬مراجعة ّتنفيذ ّعمليات ّالبنك ّمن ّالناحية ّالشَّرعية ّللتحقق ّمن ّتنفيذ ّمقتضى ّما ّجاء ّيف ّالبنودّ‬ ‫"أ‪،‬ب‪،‬ج"ّالسابقة‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -2‬تقدـ ّىيئة ّالرقابة ّدورياً ّوكلما ّاقتضي ّاألمر ّتقاريرىا ّومبلحظاهتا ّإىل ّكل ّمن ّادلدير ّالعاـ ّورللسّ‬ ‫اإلدارة‪ّ .‬‬

‫‪ّ -3‬تقدـّاذليئةّللجمعيةّالعموميةّتقريراًّسنوياًّمشتمبلًّعلىّرأيهاّيفّمدىّدتشىّالبنكّيفّمعامبلتوّمعّ‬ ‫أحكاـّالشرع‪ّ،‬وماّقدّيكوفّلديهاّمنّملحوظاتّيفّىذاّاخلصوص‪ّ .1‬‬

‫وشلاّوردّأعبلهّاتوصلّإىلّأ ّف ّاختصاصاتّىيئةّالرقابة ّالشَّرعيةّببنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّتنحصرّ‬ ‫يفّوضعّأحكاـّشرعيةّفيماّخيتصّبتنفيذّوّتطويرّالصيغّوادلعامبلتّادلصرفيةّ​ّوذلكّكالتايل‪ّ :‬‬ ‫‪ّ -‬تطويرّالعملياتّادلصرفيةّوّصيغهاّ​ّوتنقيتهاّمنّالشوائبّالربوية‪ّ .‬‬

‫ ّ إبداء ّالرأي ّالشرعي ّيف ّمعامبلت ّادلصرؼ ّومتابعة ّتنفيذ ّىذه ّالفتاوى ّمبا ّيتواءـ ّمع ّالشرعّ‬‫احلنيف‪ّ .‬‬

‫ ّتقدمي ّالفتاوى ّوالتقارير ّللمدير ّالعاـ ّورللس ّاإلدارة ّواجلمعية ّالعمومية ّعن ّمدى ّاتفاؽّ‬‫الشريعةّ‬ ‫معامبلت ّادلصرؼ ّمع ّالشرع ّاحلنيف ّوذلك ّبغرض ّجعل ّمعامبلت ّادلصرؼ ّوفق ّ َّ‬ ‫اإلسبلميةّوتصحيحّوتبليفّالتطبيقّادلخالفّللشريعةّاإلسبلميةّيفّرلاؿّالعملّادلصريف‪ّ ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ.‬‬ ‫‪ -3‬تشكيل واختصاصات الهيئة العليا للرقابة َّ‬ ‫الشرعية ببنك السودان‪:‬‬ ‫حيث ّتعد ّاجلهة ّالرقابية ّادلركزية ّمن ّالناحية ّالشَّرعية ّعلى ّمجيع ّادلصارؼ ّوادلؤسسات ّادلاليةّ‬ ‫العاملةّبالسودافّوذلكّعلىّالنحوّالتايل‪ّ :‬‬ ‫أ‪ّ-‬تشكيلّاذليئةّالعلياّللرقابةّالشَّرعيةّببنكّالسوداف‪ّ :‬‬

‫‪ّ1‬أنظرّملحقّرقم(‪.ّ)2‬‬

‫‪082‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫بقرار ّمن ّوزارة ّادلالية‪ّ 1‬وذلك ّيف ّخضم ّبرنامجّ‬ ‫ولقد ّمت ّتكوينها ّأوؿ ّمرة ّيف ّالعاـ ّ‪ّ ّ 1992‬‬ ‫أسلمةّالنظاـّاالقتصاديّعامةّوادلصريفّخاصةّوالقراراتّالقاضيةّبإلغاءّنظاـّالفوائدّعلىّالقروضّوذلكّ‬ ‫يفّمعامبلتّالدولةّادلاليةّواالقتصادية‪ّ .‬‬ ‫ولقدّنصتّعلىّتشكيلهاّقانوفّتنظيمّالعملّادلصريفّلسنةّ‪2003‬ـّحيثّجاءّفيو‪"ّ:‬تنشأّ‬ ‫ىيئة ّ مستقلة ّغَت ّمتفرغة ّو ّتتكوف ّاذليئة ّمن ّعدد ّال ّيقل ّعن ّسبعة ّأشخاص ّ‪ّ ,‬و ّال ّيزيد ّعن ّأحدّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّوخرباءّاالقتصادّوّالصَتفةّوالقانوفّ‪ّ,‬علىّأفّتكوفّغالبيتهمّ‬ ‫عشرشخصاًّمنّعلماء ّ َّ‬ ‫منّعلماءّالشريعة‪ّ .2‬‬

‫ومنّذلكّأخلصّإىلّأ ّف ّاذليئةّالعلياّللرقابة ّالشَّرعيةّببنكّالسودافّتتكوفّمنّالتخصصاتّ‬

‫ادلختلفةّوىيّكالتايل‪ّ :‬‬

‫ المتخصصون في َّ‬‫الشريعة اإلسالمية‪:‬‬ ‫وىمّالفقهاءّالذينّيقوموفّببيافّاحلكمّالشرعيّفيماّيعرضّمنّمسائلّاقتصاديةّأوّمصرفيةّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّوالعملّعلىّتنقيةّادلعامبلتّادلصرفيةّمنّادلعامبلتّالربوية‪ّ.‬‬ ‫ومدىّتوافقهاّمعّأحكاـ ّ َّ‬ ‫واجلدير ّبالذكر ّمبلحظة ّأف ّعجز ّادلادة ّ‪ّ 15‬من ّالقانوف ّقد ّنص ّعلى ّأف ّيكوف ّغالبية ّأعضائها ّمنّ‬ ‫الشريعةّ اإلسبلميةّأيّأالّيقلواّعنّستةّأعضاءّيفّحالةّوجودّأحدّعشرّعضوّهباّولعلّ‬ ‫ادلتخصصُتّيفّ َّ‬ ‫ادلقصدّمنّذلكّىوّأفّالعملّالرئيسيّذليئةّالرقابةّالشَّرعيةّىوّالقياـّبواليةّاإلفتاءّوبيافّاحلكمّالشرعيّ‬ ‫فيماّيعرضّعليهاّمنّأمورّجيبّبيافّوجهةّالنظر ّالشَّرعيةّفيهاّفيماّيتعلقّبادلعامبلتّادلصرفية‪ّ،‬عبلوةّ‬ ‫علىّخضوعّالعملّادلصريفّيفّالسودافّلفًتةّطويلةّلنظمّغَتّإسبلميةّتقوـّأساساًّعلىّمبدأّالفائدةّعلىّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ،‬وطادلاّأردناّالعملّعلىّتأصيلّالعملّادلصريفّوردهّإىلّإطارّ‬ ‫القروضّوذلكّزلرـّيف ّ َّ‬

‫ػريفّوادلؤسسػػاتّادلاليػػةّوقػػدّصػػدرّ‬ ‫الشػػرعيةّللجهػػازّادلصػ ّ‬ ‫‪ّ1‬وىػػوّالق ػرارّرقػػمّ‪ّ184‬لسػػنةّ‪ّ1992‬بإنشػػاءّاذليئػػةّالعليػػاّللرقابػػةّ َّ‬ ‫استناداًّعلىّأحكاـّادلادةّالثامنةّمنّقانوفّتنظيمّالعملّادلصريفّلسنةّ‪1991‬ـّيفّذلكّاحلُتّ‪ّ .‬‬ ‫‪ّ2‬ادلادةّ‪ّ15‬منّقانوفّتنظيمّالعملّادلصريفّلسنة‪2003‬ـ‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّ‬

‫‪082‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫الشريعة ّاإلسبلمية ّيف ّاذليئة ّالعلياّللرقابةّ‬ ‫الشرع ّاحلنيف ّكاف ّالبد ّذلاّمن ّإشراؾ ّعددّأكربّمن ّعلماء ّ َّ‬ ‫الشرعية‪ّ .‬‬ ‫ المتخصصون في االقتصاد‪:‬‬‫وىمّعلماءّاالقتصادّالذينّيتوافرّفيهمّاخلربةّالطويلةّيفّأصوؿّاالقتصادّوالذينّخيتصوفّبوضعّ‬ ‫السياسات ّادلالية ّوالنقدية ّاليت ّيسَت ّعليها ّالربنامج ّاالقتصاديّيفّالدولة‪ّ ،‬فهم ّيقوموفّبإحصاءّومجعّ‬ ‫ادلعلوماتّوتوضيحهاّلعلماءّالشرعّفيماّخيفىّعليهمّمنّنظرياتّاقتصاديةّوذلكّبغرضّصدورّفتاوىّ‬ ‫شرعيةّتسهمّيفّتأصيلّالعملّادلصريفّوتطويره ّوتنميتوّوحتقيقّالسياساتّادلاليةّوالنقديةّللدولةّبالصورةّ‬ ‫ادلطلوبة‪ّ .‬‬ ‫ المتخصصون في أعمال المصارف‪:‬‬‫وىمّعلماءّالعملّادلصريفّالذينّذلمّاخلربةّالواسعةّيفّكيفيةّإدارةّالعملّادلصريفّوتطويرهّمباّ‬ ‫خيدـّالسياساتّادلاليةّوالنقديةّللدولةّوآراءىمّمهمةّبدرجةّكبَتةّيفّإصدارّالفتاوى ّالشَّرعيةّاليتّتعملّ‬ ‫علىّحتقيقّتقدـّوتنميةّادلصارؼّوقيامهاّبدورىاّالرائدّيفّتنميةّاجملتمعّادلسلمّوفقّماّشرعّاهللّعزّوجلّ‬ ‫منّأحكاـّشرعية‪ّ .‬‬ ‫ المتخصصون في القانون‪:‬‬‫وىمّادلستشاروفّالقانونيوفّالذينّيقوموفّبتسيَتّأعماؿّادلؤسسةّمنّالنواحيّالقانونيةّبإبرازّ‬ ‫التكييفّالقانوينّللمسألةّادلعروضةّأمامهمّكماّذلمّدورّكبَتّيفّصياغةّالعقودّوتطويرىاّوتفعيلهاّوإبراـّ‬ ‫االتفاقاتّمعّبنكّالسودافّوغَتهّمنّادلصارؼّاخلارجيةّأوّالداخليةّومعّاحلكومة‪ّ،‬وكلّذلكّمعّاألخذّ‬ ‫ّالشرعية‪ّ ،‬وكل ّذلك ّيعُت ّعلى ّدفع ّتطوير ّالعملّ‬ ‫يف ّاالعتبار ّعدـ ّسلالفة ّالنصوص ّالقانونية ّلؤلحكاـ َّ​ّ‬ ‫ادلصريفّوتنفيذّالسياساتّادلاليةّواالقتصاديةّللدولةّعلىّالوجوّالصحيحّووفقّاألغراضّادلناطّهباّحتقيقهاّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫واليتّمنّأمههاّمطابقةّادلعامبلتّادلصرفيةّألحكاـّ َّ‬ ‫الشرعيةّبالقياـّبكلّادلهاـّادلوكولةّإليهاّالبدّ‬ ‫واجلديرّبالذكرّأنوّوحىتّتتطلعّاذليئةّالعلياّللرقابةّ َّ​ّ‬ ‫منّالتعاوفّالتاـّبُتّكلّىذهّالتخصصاتّوذلكّبغيةّالتوصلّإىلّتنقيةّالعملّادلصريفّمنّاحملظوراتّ‬ ‫الشَّرعيةّومطابقتوّلؤلحكاـّوحتقيقّالسياساتّاالقتصاديةّوادلاليةّللدولةّككل‪ّ،‬ذلكّأفّاذليئةّالعلياّللرقابةّ‬ ‫‪082‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫الشَّرعية ّىي ّجهاز ّأعلى ّيعمل ّفوؽ ّكل ّىيئات ّالرقابة ّالشَّرعية ّاألخرى ّادلوجودة ّيف ّادلصارؼ ّأوّ‬ ‫تعملّعلىّالرقابةّعلىّالعملّادلصريفّ‬ ‫ّ‬ ‫ادلؤسساتّادلالية‪ّ،‬وبعبارةّأخرىّفإهنا‪ّ-‬اذليئةّالعلياّللرقابةّالشرعية‪ّ-‬‬ ‫ككلّيفّداخلّالسودافّأوّيفّالفروعّالسودانيةّالعاملةّباخلارجّبغيةّالتأكدّمنّخلوّمعامبلتّادلصارؼّ‬ ‫اإلسبلميةّأيّأفّاذليئةّ‬ ‫َّ​ّ‬ ‫الشريعةّ‬ ‫وادلؤسساتّادلاليةّوالدولة‪ّ،‬منّاحملظوراتّالشَّرعيةّواندراجهاّحتتّأحكاـّ َّ‬ ‫العلياّىيّجهازّللرقابةّادلركزيةّعلىّمعامبلتّمجيعّادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّاليتّدتارسّعمبلًّمصرفياًّ‬ ‫وذلكّفيماّيتعلقّهبذهّادلعامبلتّمنّناحيةّالشرع‪ّ .‬‬ ‫وصلد ّأنوّمن ّىذه ّالتخصصات ّاليت ّتتكوف ّمنها ّاذليئة ّالعلياّللرقابة ّالشَّرعية ّيتم ّتعُت ّرئيساًّ‬ ‫للهيئةّوأميناًّعاماًّومقرراًّولكلّمنهمّدورّنوضحوّكالتايل‪ّ :‬‬ ‫‪ّ-‬رئيسّاذليئة‪ّ :ّ1‬‬

‫ويتمّاختيارهّمنّبُتّاألعضاءّبناءّعلىّشروطّوشليزاتّمعينة‪ّ،‬ويناطّبوّعددّمنّادلهاـّىي‪ّ :ّ2‬‬

‫*ّاإلشراؼّعلىّأداءّادلهاـّادلوكولةّللهيئةّوالسعيّلًتقيةّأدائها‪ّ :‬‬ ‫وذلكّعنّطريقّمتابعتوّألعماؿّاذليئةّواألعضاءّفيهاّواحملاولةّبالنهوضّهباّوتطويرىاّوذلكّعنّ‬ ‫طريقّابتداعّالوسائلّادلناسبةّوالكفيلةّبًتقيةّأداءّاألعضاءّوالعملّعلىّتنفيذّالسياساتّادلاليةّوالنقديةّ‬ ‫للدولةّعنّطريقّتنقيةّادلعامبلتّادلصرفيةّمنّادلخالفاتّالشرعية‪ّ .‬‬ ‫ رئاسة الجلسات‪:‬‬‫وىيّتلكّاجللساتّاليتّتعقدّبغرضّالتوصلّللحكمّالشرعيّيفّاألمرّادلعروضّعلىّاذليئةّ‬ ‫وذلك ّبغرض ّاإلفتاء ّبشرعيتو ّأو ّعدمها ّسواء ّكاف ّاالستفسار ّمقدماً ّمن ّإدارة ّادلصرؼ ّأو ّادلصارؼّ‬

‫األخرىّأوّالعمبلءّأوّمنّاجلمهور‪ّ .‬‬

‫ تقديم التقرير السنوي لوزير المالية‪:‬‬‫ويقوـّرئيسّاذليئةّالعلياّللرقابة ّالشَّرعيةّبرفعّتقريرّسنويّلوزيرّادلاليةّوالتخطيطّاالقتصاديّوذلكّعنّ‬ ‫مدىّالسبلمةّالشَّرعيةّدلعامبلتّالبنكّوادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّاليتّدتارسّالعملّادلصريف‪ّ .‬‬ ‫‪ّ1‬وق ػػدّمتّتعي ػػُتّموالن ػػاّالربوفيس ػػورّالص ػػديقّزلم ػػدّاألم ػػُتّالض ػريرّرئيسػ ػاًّللهيئ ػػةّمبوج ػػبّالق ػرارّالػ ػوزاريّ‪ّ184‬رق ػػمّ​ّلس ػػنةّ‬ ‫‪ّ .1992‬‬ ‫‪ّ2‬أنظرّ​ّادلادةّ‪ّ6‬منّالئحةّتنظيمّأعماؿّاذليئةّلعلياّللرقابةّالشَّرعيةّللجهازّادلصريفّوادلؤسساتّادلاليةّلسنة‪1994‬ـّ‪ّ .‬‬

‫‪082‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬ ‫ األمين العام‪: 1‬‬‫ويتمّاختيارهّمنّبُتّاألعضاءّويتطلعّبالعديدّمنّادلهاـّوىي‪ّ :2‬‬

‫‪ّ -‬الدعوةّلبلجتماعاتّوإعدادّجدوؿّاألعماؿّبالتشاورّمعّالرئيس‪ّ :‬‬

‫لذلكّ‬ ‫والسببّيفّذلكّىوّأفّاذليئةّالعلياّللرقابة ّالشَّرعيةّدتارسّعملهاّعنّطريقّاالجتماعاتّالدوريةّو ّ‬ ‫كافّالبدّمنّوضعّجدوؿّدوريّذلذهّاالجتماعاتّإالّأنوّيفّالظروؼّغَتّالعاديةّفإفّاألمُتّالعاـّىوّ‬ ‫ادلكلفّبالدعوةّلبلجتماعاتّوكلّذلكّبالتنسيقّمعّرئيسّاذليئة‪ّ .‬‬

‫‪ّ -‬حتضَتّأيّمادةّمطلوبةّللنظرّيفّأيّموضوعّمقدـّللهيئة‪ّ :‬‬

‫وذلكّبتحضَتّوإعدادّالدراساتّوادلعلوماتّادلتعلقةّبادلوضوعّادلرادّمناقشتوّوذلكّبغرضّالتوصلّحلكمّ‬ ‫شرعيّصحيحّيعملّعلىّتنفيذّالسياساتّادلاليةّوالنقديةّللدولةّويتطورّويرفعّمنّأداءّالعملّادلصريفّ‬ ‫بأسهلّالطرؽّوأسرعّالوسائل‪ّ .‬‬ ‫ متابعة تنفيذ قرارات الهيئة‪:‬‬‫ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّذلك ّأف ّما ّيصدر ّمن ّاذليئة ّالعليا ّللرقابة ّالشَّرعية ّمن ّقرارات ّوفتاوى ّجيب ّمتابعةّ‬ ‫تنفيذهّبالصورةّالصحيحةّإذّرمباّكافّالتنفيذّاخلاطئّللقراراتّوالفتاوىّسلالفاًّللسياساتّادلاليةّوالنقديةّ‬ ‫يفّالدولةّولذلكّكافّمنّأىمّمهاـّاألمُتّالعاـّمتابعةّتنفيذّىذهّالقراراتّوالفتاوىّبغيةّالتأكدّمنّ‬ ‫تنفيذىاّعلىّالوجوّالصحيحّواحملققّللسياساتّادلاليةّوالنقديةّللدولة‪ّ .‬‬ ‫*ّالبتّيفّادلسائلّالعاجلةّبعدّالتشاورّمعّالرئيسّماّأمكن‪ّ :‬‬ ‫ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّوكما ّذكرنا ّسابقاً ّأف ّاذليئة ّالعليا ّللرقابة ّالشَّرعية ّدتارس ّعملها ّيف ّإصدار ّالقراراتّ‬

‫والفتاوىّالشَّرعيةّعنّطريقّاالجتماعاتّالدوريةّودلاّكانتّىنالكّمسائلّعاجلةّتتطلبّإسعاؼّاإلدارةّ‬ ‫فيهاّبصورة ّ​ّعاجلةّبالفتوى ّالشَّرعيةّحوؿّىذهّادلسائلّفإفّاألمُتّالعاـّبعدّالتشاورّمعّالرئيسّيقومافّ‬ ‫هبذاّالدور‪ّ،‬ذلكّأفّوجودّأمانةّعامةّدائمةّيساىمّيفّسدّالنقصّبإصدارّالقراراتّأوّالفتاوى ّالشَّرعيةّ‬ ‫حاؿّعدـّوجودّاألعضاءّأوّاجتماعهمّيفّوقتّقريب‪ّ .‬‬ ‫‪ ّ1‬وقدّمتّتعيُتّالدكتورّامحدّعلىّعبداهللّيفّمنصبّاألمُتّالعاـّللهيئةّمبوجبّالقرارّالوزاريّرقمّ‪ّ184‬لسنةّ‪ّ .1992‬‬ ‫‪ّ2‬أنظرّادلادةّ‪ّ7‬منّالئحةّتنظيمّعملّاذليئةّالعلياّللرقابةّالشَّرعيةّللجهازّادلصريفّوادلؤسساتّادلاليةّلسنة‪1994‬ـّ‪ّ .‬‬

‫‪082‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫ التنسيق مع الجهات ذات الصلة في بنك السودان واتحاد المصارف والمؤسسات المالية‪:‬‬‫ّوذلكّبغرضّتقدميّندواتّأوّمسناراتّتسهمّيفّتأصيلّالعملّادلصريفّوتطويرهّوتنقيتوّمنّ‬ ‫ادلخالفاتّالشَّرعيةّواالستعانةّبتجاربّىيئاتّالرقابةّالشَّرعيةّيفّادلصارؼّاإلسبلميةّاألخرى‪ّ .‬‬

‫‪ّ -‬إعداد خطة العمل السنوية وإعداد التقرير السنوي لتقديمه للسيد وزير المالية‪:‬‬

‫وذلكّبوضعّبرنامجّشاملّألىداؼّوسياساتّالدولةّادلاليةّوالنقديةّخبلؿّىذاّالعاـّوالعملّعلىّتنفيذّ‬ ‫ىذاّالربنامجّبالصورةّالسليمةّويفّهنايةّالعاـّيتمّإعدادّتقريرّسنويّعنّمدىّتنفيذّىذاّالربنامجّومدىّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّوعددّادلخالفات ّالشَّرعيةّاليتّوقعتّوكيفيةّ‬ ‫اتفاؽّادلعامبلتّادلصرفيةّفيوّمعّأحكاـ ّ َّ‬ ‫وضعّسبلّالعبلجّوالتصحيحّذلاّلتبليفّآثارىاّالسالبةّعلىّالعملّادلصريفّويقدـّللسيدّوزيرّادلالية‪ّ .‬‬ ‫ مقرر الهيئة‪:‬‬‫ويقعّعلىّعاتقوّعدةّمهاـّوىي‪ّ :1‬‬ ‫ّتبليغّالدعوةّلبلجتماعات ّ‬‫ّتسجيلّوتدوينّزلاضرّاجللسة ّ‬‫ّاحملافظةّعلىّسريةّمداوالتّاذليئة ّ‬‫ّأيةّمهاـّأخرىّيكلفّهباّمنّاذليئةّأوّاألمُتّالعاـ ّ‬‫و ّشلا ّسبق ّأخلص ّإىل ّأف ّاذليئة ّالعليا ّللرقابة ّالشَّرعية ّتتكوف ّمن ّعدة ّاختصاصات ّشرعيةّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّ‪ّ،‬كماّ‬ ‫واقتصاديةّومصرفيةّوقانونيةّ​ّعلىّأفّيكوفّغالبيةّأعضائهاّمنّادلتخصصُتّيفّ َّ​ّ‬ ‫يكوفّللهيئةّرئيساًّوأميناًّعاماًّومقرراًّلكلّمنهمّمهاـّمعينةّتعملّعلىّتنظيمّعلمّاذليئةّحىتّيكوفّعلىّ‬ ‫الوجوّاألكمل‪ّ .‬‬ ‫ّب‪ّ-‬أىداؼّواختصاصاتّاذليئةّالعلياّللرقابةّالشَّرعيةّعلىّادلصارؼّوادلؤسساتّادلالية‪ّ :‬‬ ‫وتطلع ّاذليئة ّالعليا ّللرقابة ّالشَّرعية ّبعدد ّمن ّاألىداؼ ّواالختصاصات ّترمي ّمن ّخبلذلا ّإىلّ‬ ‫حتقيقّأغراضّمعينةّوذلكّبوصفهاّجهازّالرقابةّادلركزيةّعلىّكلّادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّاليتّدتارسّ‬ ‫‪ّ1‬أنظرّادلادةّ‪ّ8‬منّالئحةّتنظيمّعملّاذليئةّالعلياّللرقابةّالشَّرعيةّللجهازّادلصريفّوادلؤسساتّادلاليةلسنة‪1994‬ـ‪ّ .‬‬

‫‪081‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫عمبلً ّمصرفياً‪ّ .‬ولقد ّنصت ّعلى ّىذه ّاألىداؼ ّادلادة ّ‪ّ 4‬من ّالقرار ّالوزاري ّرقم ّ‪ّ 184‬لسنة ّ‪ّ1992‬‬ ‫بقوذلا‪ّ:‬تكوفّللهيئةّاألىداؼّاآليت‪ّ :1‬‬

‫*ّمراقبةّومتابعةّمدىّالتزاـّبنكّالسودافّوادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّاليتّدتارسّأعماالًّمصرفيةّبتطبيقّ‬ ‫الصيغّالشَّرعيةّاإلسبلمية‪ّ :‬‬ ‫أيّأهناّجهةّرقابيةّتعملّعلىّمتابعةّادلصرؼّادلركزيّوادلصارؼّاألخرىّوادلؤسساتّاليتّتقوـّبأعماؿّ‬ ‫مصرفيةّومدىّالتزامهاّبتطبيقّوّتطويرّوّبلورةّالصيغّاإلسبلميةّيفّادلعامبلتّادلصرفيةّكصيغّادلشاركةّ‬ ‫وادلراسحةّوادلراسحةّلآلمرّبالشراءّوادلضاربةّوالسلمّوادلزارعة‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّ​ّذلكّأ ّف ّمنّاألىداؼّاألساسيةّللسياسةّادلاليةّوالنقديةّىوّالتحوؿّالفوريّضلوّالصيغ ّالشَّرعيةّ‬

‫اإلسبلميةّوّتطويرىاّوتأصيلّالعملّاالقتصاديّعامةّوادلصريفّخاصة‪ّ،‬وبذلكّتعملّاذليئةّعلىّإرساءّ‬ ‫تطبيقّصيغّادلعامبلتّاإلسبلميةّفاذليئةّتنظرّيفّمعامبلتّبنكّالسودافّمعّالدوؿّاألخرىّومعّاحلكومةّ‬ ‫السودانيةّومعّادلصارؼّالسودانيةّوادلؤسساتّادلاليةّومعامبلتّادلصارؼّمعّاجلمهورّومعّبعضهاّالبعضّ‬ ‫وم عّادلؤسساتّادلاليةّبغرضّتطبيقّىذهّالصيغّاإلسبلميةّوتفعيلهاّبالصورةّاليتّتعملّعلىّتنميةّاجملتمعّ‬ ‫علىّأكملّوجو‪ّ .‬‬ ‫الشريعةّ‬ ‫* ّتنقية ّالنظاـ ّادلصريف ّمن ّالشوائب ّالربوية ّيف ّادلعامبلت ّادلالية ّواالقتصادية ّيف ّإطار ّأحكاـ ّ َّ‬ ‫اإلسبلمية‪ّ :‬‬ ‫وذلكّعنّطريقّالرقابةّالسابقةّوالفورية ّوالبلحقةّعلىّادلعامبلتّادلصرفيةّلكشفّادلعامبلتّ‬ ‫الربوية ّوالقضاء ّعليها ّوتصحيح ّاألخطاء ّاليت ّتقع ّأثناء ّالعمل ّادلصريف ّسواء ّمن ّإدارات ّادلصارؼ ّأوّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّالغراءّاليتّتنهيّ‬ ‫اجلمهورّووضعّالوسائلّالعبلجيةّذلا‪ّ،‬كلّذلكّمباّيتوافقّمعّأحكاـ ّ َّ‬ ‫عنّأكلّأمواؿّالناسّبالباطل‪ّ .‬‬

‫‪ّ1‬أنظرادل ػوادّ‪18‬و‪ّ19‬مػػنّقػػانوفّتنظػػيمّالعمػػلّادلصػػريفّلسػػنة‪2003‬ـّوّالّختػػرجّيفّفحواىػػاّعػػنّادلنصػػوصّعليػػوّيفّالق ػرارّ‬ ‫الوزاري‪184‬لسنة‪1992‬ـ‪ّ .‬‬ ‫ّ‬

‫‪089‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫واجلديرّبالذكرّأنوّقدّنُصّعلىّاختصاصاتّاذليئةّالعلياّللرقابةّالشَّرعيةّبأهنا‪ّ:1‬تكوفّللهيئةّيفّ‬

‫سبيلّحتقيقّأىدافهاّاالختصاصاتّالتالية‪ّ :‬‬

‫ّأ‪ّ -‬االشًتاؾ ّمع ّادلسئولُت ّبالبنك ّيف ّوضع ّمناذج ّالعقود ّواالتفاقيات ّجلميع ّمعامبلت ّالبنكّ‬ ‫وادلصارؼ ّوادلؤسسات ّادلالية ّاليت ّدتارس ّأعماالً ّمصرفية ّللتأكد ّمن ّخلوىا ّمن ّاحملظوراتّ‬

‫الشرعية‪ّ .‬‬

‫ب‪ ّ -‬إبداءّالرأيّوادلشورةّفيماّيعهدّإليهاّمنّالبنكّأوّاحملافظّمنّمعامبلتّالبنكّأوّادلصارؼّ‬ ‫ّ‬ ‫وادلؤسساتّادلاليةّاليتّدتارسّأعماالًّمصرفية‪ّ .‬‬

‫ج‪ّ ّ -‬مراقبةّعملياتّالبنكّوادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّوتقدميّماّتراهّمناسباًّمنّادلشورة ّالشَّرعيةّ‬ ‫إىلّزلافظّبنكّالسودافّيفّأفّمنّاألمورّاخلاصةّمبعامبلتّالبنكّأوّادلصارؼّوادلؤسساتّ‬ ‫ادلاليةّاليتّدتارسّأعماالًّمصرفية‪ّ .‬‬

‫د‪ّ​ّ-‬دراسةّادلشاكلّالشَّرعيةّاليتّتواجوّالبنكّوادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّوإبداءّالرأيّفيها‪ّ .‬‬ ‫ىػ‪ّ​ّ-‬إصدارّالفتاوىّالشَّرعيةّيفّادلوضوعاتّاليتّيطلبّمنّشأهناّفتوىّشرعية‪ّ .‬‬ ‫و‪ ّ​ّ-‬مراجعةّالقوانُتّواللوائحّوادلنشوراتّاليتّتنظمّعملّبنكّالسودافّوادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّ‬ ‫اليت ّدتارس ّأعماالً ّمصرفية ّبغرض ّإزالة ّما ّهبا ّمن ّتعارض ّمع ّاألحكاـ ّالشَّرعية ّوذلك ّمعّ‬

‫اجلهاتّادلختلفة‪ّ .‬‬

‫ز‪ّ ّ -‬مراقبة ّمراعاة ّالتزاـ ّوتقييد ّالبنك ّوادلصارؼ ّوادلؤسسات ّادلالية ّاليت ّدتارس ّأعماالً ّمصرفيةّ‬ ‫باجلوانبّالشَّرعيةّيفّمجيعّأعماذلاّادلصرفيةّوادلالية‪ّ .‬‬

‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫ؾ‪ّ-‬معاونةّأجهزةّالرقابةّالفنيةّعلىّادلصارؼّيفّأداءّمهامهاّوفقاًّألحكاـّ َّ‬ ‫ؿ‪ّ ّ -‬مساعدةّإدارةّبنكّالسوداف ّيفّوضعّبرامجّتدريبّللعاملُتّبالبنكّوادلصارؼّوادلؤسساتّ‬ ‫ادلاليةّاليتّدتارسّأعماالً ّ​ّمصرفيةّمباّيؤدىّإىلّاستيعابّالصيغّاإلسبلميةّواجلوانبّالفقهيةّ‬

‫والشرعيةّيفّادلعامبلت‪ّ .‬‬

‫‪ّ1‬ادلػػادة‪ّ5‬مػػنّالق ػرارّالػػوزاريّرقػػمّ‪ّ184‬لسػػنة‪,ّ1992‬وّنفػػسّادلعػػٌتّبػػادلوادّ‪ّ18‬و‪ّ19‬مػػنّقػػانوفّتنظػػيمّالعمػػلّادلصػػريفّ‬ ‫لسنة‪2003‬ـ‪ّ .‬‬

‫‪002‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫ـ‪ّ​ّ-‬إعدادّالبحوثّوالدراساتّاليتّتؤدىّإىلّإثراءّإتباعّالنهجّاإلسبلميّيفّاالقتصاد‪ّ .‬‬ ‫ف‪ّ ّ -‬تقدمي ّتقريرّسنويّلوزيرّادلاليةّوالتخطيطّاالقتصاديّعنّالسبلمة ّالشَّرعيةّدلعامبلتّالبنكّ‬ ‫وادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّاليتّدتارسّأعماالًّمصرفية‪ّ .‬‬

‫ح‪ّ-‬أيّاختصاصاتّأخرىّتراىاّاذليئةّالشَّرعيةّالزمةّلتحقيقّأىدافها‪ّ .‬‬ ‫وشلاّوردّأعبلهّاستخلصّأ ّف ّأىمّاختصاصاتّاذليئةّالعلياّللرقابة ّالشَّرعيةّعلىّاجلهازّادلصريفّ‬ ‫وادلؤسساتّادلاليةّتنحصرّيفّاآليت‪ّ :‬‬

‫ ّ ّإبداء ّالرأي ّوالفتوى ّالشَّرعية ّلبنك ّالسوداف ّوادلصارؼ ّوادلؤسسات ّادلالية ّاليت ّدتارس ّأعماالًّ‬‫مصرفيةّحوؿّماّيعرضّعليهاّمنّنوازؿّالعملّادلصريف‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّالرقابةّعلىّالعملّادلصريفّودراسةّادلشاكلّالشَّرعيةّاليتّتواجهو‪ّ .‬‬‫ ّ​ّادلشاركةّيفّوضعّمناذجّالعقودّواالتفاقاتّدلعامبلتّادلصارؼّللتأكدّمنّخلوىاّمنّاحملظوراتّ‬‫الشرعية‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّ مراجعةّالقوانُتّواللوائحّوادلنشوراتّاليتّتنظمّالعملّادلصريفّبغرضّإزالةّماّهباّمنّتعارضّمعّ‬‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫أحكاـّ َّ‬ ‫الشريعةّ‬ ‫ ّ ّمعاونة ّأجهزة ّا لرقابة ّالفنية ّعلى ّادلصارؼ ّبغرض ّتطابق ّالعمل ّادلصريف ّمع ّأحكاـ ّ َّ‬‫اإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫ ّ ّ مساعدة ّإدارة ّبنك ّالسوداف ّيف ّوضع ّبرامج ّتدريبية ّللعاملُت ّيف ّرلاؿ ّالعمل ّادلصريف ّبغرضّ‬‫تأصيلّالعملّادلصريف‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّإعدادّسحوثّودراساتّتسهمّيفّتأصيلّالعملّادلصريف‪ّ .‬‬‫ّلوزارة ّادلالية ّعن ّمدى ّتطابق ّالعمل ّادلصريف ّمع ّاألحكاـ ّالشَّرعية ّوتصويبّ‬ ‫ ّ ّتقدمي ّتقرير ّ‬‫ادلخالفاتّالشَّرعيةّبو‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّأيّاختصاصاتّأخرىّتراىاّاذليئةّالشَّرعيةّالزمةّللقياـّبدورىاّيفّتأصيلّالعملّادلصريف‪ّ .‬‬‫ّادلصريفّ‬ ‫ومن ّذلك ّيتضح ّلنا ّأ ّف ّاختصاصات ّاذليئة ّالعليا ّللرقابة ّالشَّرعية ّعلى ّاجلهاز ّ‬

‫وادلؤسساتّادلاليةّتفوؽّاالختصاصاتّادلوكولةّلكلّمنّإدارةّالفتوىّوالبحوثّببنكّالتضامنّاإلسبلميّ‬ ‫‪008‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫السوداينّوّىيئةّالرقابة ّالشَّرعيةّببنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّألهناّجهازّللرقابةّادلركزيةّعلىّمجيعّ‬ ‫ادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّالعاملةّيفّرلاؿّالعملّادلصريفّيفّالسوداف‪ّ .‬‬ ‫النتائج و التوصيات‬ ‫‪ّ-1‬الرقابة ّالشَّرعيةّعلىّادلصارؼّىيّعبارةّعنّآليةّمستحدثةّبادلصارؼّاالسبلميةّتعملّعلىّالتطويرّ‬ ‫الشريعةّ‬ ‫و ّالتحديث ّو ّالرقابة ّعلى ّادلعامبلت ّ ّادلصرفية ّحىت ّتكوف ّمتفقةً ّمع ّمقاصد ّو ّأحكاـ ّ َّ‬ ‫اإلسبلمية‪ّ.‬وىيّمبثابةّصماـّاألمافّ​ّلعدـّالوقوعّيف ّادلعامبلتّادلصرفيةّالربويةّاليتّتوعدّاهللّتعايلّ‬

‫ادلتعاملُتّفيهاّباحلربّمنو‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -2‬توجد ّأربعة ّمدارس ّللرقابة ّالشَّرعية ّبادلصارؼ ّالسودانية ّوىي ّادلستشار ّالشرعي ّوإدارة ّالفتوىّ‬ ‫والبحوثّوىيئةّالرقابةّالشَّرعيةّواذليئةّالعلياّللرقابةّالشَّرعيةّبادلصرؼّادلركزي‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -3‬أىم ّأوجوّالقصورّبإدارةّادلستشارّالشرعيّيتمثلّيفّفرديةّاختاذّالقرارّهباّوّأوصيّالقائمُتّعليهاّ‬ ‫بإشراؾّعددّالّيقلّعنّسبعةّمنّعلماءّالشرعّيفّالفتياّمعّأخذىمّلرأيّأىلّاإلختصاصّمنّ‬ ‫القانونيُتّوّاإلقتصاديُتّماّأمكنّلشرحّأبعادّادلسألةّزللّالفتيا‪ّ .‬‬ ‫‪ّ-4‬أىمّأوجوّالقصورّبإدارةّالفتوىّوالبحوثّىوّعدـّإستقبلليتهاّوّتبعتهاّلئلدارةّالتنفيذيةّبادلصرؼّشلاّ‬ ‫ديكنّأفّيؤدىّإىلّالتأثَتّعليهاّيفّمباشرةّعملهاّبالصورةّادلثليّإذّنوصيّجبعلهاّإدارةّمستقلةّعنّ‬ ‫اإلدارةّالتنفيذيةّللمصرؼ‪ّ .‬‬ ‫َّرعيةّكوهناّإدارةّغَتّمتفرغةّوّتقوـّبعقدّإجتماعاهتاّبصفةّدوريةّ‬ ‫‪ّ -5‬أىمّأوجوّالقصورّهبيئةّالرقابة ّالش ّ‬ ‫شلاّيقعدىاّعنّتقدميّالنصحّوّاحللوؿ ّالشَّرعيةّفيماّيستجدّمنّنوازؿّفوريةّللمصرؼّ‪ّ،‬وّأوصيّ‬ ‫بتحويلهاّإلدارةّدائمةّأوّعلىّاألقلّبوجودّأمانةّدائمةّتليبّماّيستجدّمنّنوازؿّفوريةّ‪ّ.‬وّمنّ‬ ‫اإلجيابياتّأهناّإدارةّمستقلةّعنّالتنظيمّاإلداريّللمصرؼّشلاّدينعّالتأثَتّعليهاّمنّجانبّاإلدارةّيفّ‬ ‫اختاذىاّلقراراهتاّحوؿّشرعيةّأوّعدـّشرعيةّمعامبلتّادلصرؼّ‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -6‬اذليئةّالعلياّللرقابة ّالشَّرعيةّببنكّالسودافّقدّتبلفتّالعديدّمنّجوانبّالقصورّيفّمدارسّالرقابةّ‬ ‫الشَّرعيةّ​ّفهيّمكونةّمنّعدةّختصصاتّوّذلاّأمانةّدائمةّوّمستقلةّعنّاإلدارةّالتنفيذيةّوّقراراهتاّ‬ ‫ملزمة‪ّ .‬‬ ‫‪000‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬

‫الشريعةّ‬ ‫‪ ّ -7‬إدارةّالفتوىّوالبحوثّببنكّالتضامنّاإلسبلميّالسوداينّتتشكلّمنّثبلثةّأقساـّ‪ّ:‬قسم ّ َّ‬ ‫اإلسبلميةّوّقسمّالبحوثّاالقتصاديةّوّقسمّالشئوفّالقانونيةّ‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -8‬أىم ّاختصاصات ّإدارة ّالفتوى ّوالبحوث ّببنك ّالتضامن ّاإلسبلمي ّالسوداين ّتنحصر ّيف ّبلورة ّوّ‬ ‫تطويرّصيغّادلعامبلتّادلصرفيةّوّذلكّكالتايل‪ّ :‬‬

‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫‪ -‬التأكدّمنّأفّتعاملّالبنكّيتمّوفقّأحكاـّ َّ‬

‫‪ّ -‬إعدادّالبحوثّوالدراساتّاليتّتسهمّيفّتطويرّالعملّادلصريفّاإلسبلمي‪ّ .‬‬

‫ ّتقدمي ّتقارير ّللمدير ّالعاـ ّورللس ّاإلدارة ّواجلمعية ّالعمومية ّفيما ّيتعلق ّبشرعية ّادلعامبلتّ‬‫ادلصرفيةّومدىّمطابقتهاّأوّسلالفتهاّللشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬

‫‪ -‬اإلشراؼّعلىّالنواحيّالقانونيةّواالقتصاديةّبادلصرؼ‪.‬‬

‫‪ّ-9‬تتشكلّىيئةّالرقابةّالشَّرعيةّببنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّمنّعلماءّالشرعّفقطّوّأالّيقلّعددّ‬ ‫أعضاءىاّعنّثبلثةّوالّيزيدّعنّسبعةّ‪ّ،‬وّأفّيكوفّالعضوّمسلماًّرلتهداًّمكلفاًّعدالًّ‪ّ،‬إذّالّديكنّ‬ ‫ّ‬ ‫أفّيكوفّأحدّأعضائهاّمنّغَتّادلسلمُتّ‪ّ،‬وّمنّأىمّأوجوّالقصورّاليتّتقعدىاّعنّالقياـّبدورىاّ‬ ‫علىّالطريقةّادلثليّ​ّعدـّوجودّصَتيفّأوّقانوينّأوّاقتصاديّبعضويتهاّ‪ّ،‬شلاّجيعلناّنوصيّبإشراؾّ‬ ‫إعض اءّمنّالقانونيُتّوّاالقتصاديُتّهباّأوّعلىّاألقلّأفّتستمعّاذليئةّلوجهةّالنظرّالعلميةّمنّ‬ ‫ادلختصيُتّسواءّمنّالقانونيُتّأوّاالقتصاديُتّأوّادلصرفيُتّيفّادلسألةّادلعروضةّدلعرفةّاحلكمّالشرعيّ‬ ‫فيهاّ‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -10‬أ ّف ّاختصاصات ّىيئة ّالرقابة ّالشَّرعية ّببنك ّفيصل ّاإلسبلمي ّالسوداينّتنحصر ّيف ّوضعّأحكاـّ‬ ‫شرعيةّفيماّخيتصّبتنفيذّوّتطويرّالصيغّوادلعامبلتّادلصرفيةّ​ّوذلكّكالتايل‪ّ :‬‬

‫‪ّ -‬تطويرّالعملياتّادلصرفيةّوّصيغهاّ​ّوتنقيتهاّمنّالشوائبّالربوية‪ّ .‬‬

‫ ّ إبداء ّالرأي ّالشرعي ّيف ّمعامبلت ّادلصرؼ ّومتابعة ّتنفيذ ّىذه ّالفتاوى ّمبا ّيتواءـ ّمع ّالشرعّ‬‫احلنيف‪ّ .‬‬

‫ ّتقدمي ّالفتاوى ّوالتقارير ّللمدير ّالعاـ ّورللس ّاإلدارة ّواجلمعية ّالعمومية ّعن ّمدى ّاتفاؽّ‬‫الشريعةّ‬ ‫معامبلت ّادلصرؼ ّمع ّالشرع ّاحلنيف ّوذلك ّبغرض ّجعل ّمعامبلت ّادلصرؼ ّوفق ّ َّ‬ ‫اإلسبلميةّوتصحيحّوتبلىفّالتطبيقّادلخالفّللشريعةّاإلسبلميةّيفّرلاؿّالعملّادلصريف‪.‬‬ ‫‪002‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫‪ّ -11‬اذليئةّالعلياّللرقابة ّالشَّرعيةّتتكوفّمنّعدةّاختصاصاتّشرعيةّواقتصاديةّومصرفيةّوقانونيةّ​ّعلىّ‬ ‫الشريعةّاإلسبلميةّ‪ّ،‬كماّيكوفّللهيئةّرئيساًّوأميناًّ‬ ‫أفّيكوفّغالبيةّأعضائهاّمنّادلتخصصُتّيف ّ َّ‬ ‫عاماًّومقرراًّلكلّمنهمّمهاـّمعينةّتعملّعلىّتنظيمّعلمّاذليئةّحىتّيكوفّعلىّالوجوّاألكمل‪ّ .‬‬

‫‪ّ -12‬أىم ّاختصاصات ّاذليئة ّالعليا ّللرقابة ّالشَّرعية ّعلى ّاجلهاز ّادلصريفّوادلؤسسات ّادلالية ّتنحصرّيفّ‬ ‫اآليت‪ّ :‬‬ ‫ّ​ّإبداءّالرأيّوالفتوىّالشَّرعيةّلبنكّالسودافّوادلصارؼّوادلؤسساتّادلاليةّاليتّدتارسّأعماالًّمصرفيةّ‬‫حوؿّماّيعرضّعليهاّمنّنوازؿّالعملّادلصريف‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّالرقابةّعلىّالعملّادلصريفّودراسةّادلشاكلّالشَّرعيةّاليتّتواجهو‪ّ .‬‬‫ ّ​ّادلشاركةّيفّوضعّمناذجّالعقودّواالتفاقاتّدلعامبلتّادلصارؼّللتأكدّمنّخلوىاّمنّاحملظوراتّ‬‫الشرعية‪ّ .‬‬ ‫ ّ​ّ مراجعةّالقوانُتّواللوائحّوادلنشوراتّاليتّتنظمّالعملّادلصريفّبغرضّإزالةّماّهباّمنّتعارضّمعّ‬‫الشريعةّاإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫أحكاـّ َّ‬ ‫الشريعةّ‬ ‫ ّ ّ معاونة ّأجهزة ّالرقابة ّالفنية ّعلى ّادلصارؼ ّبغرض ّتطابق ّالعمل ّادلصريف ّمع ّأحكاـ ّ َّ‬‫اإلسبلمية‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّ مساعدةّإدارةّبنكّالسودافّيفّوضعّبرامجّتدريبيةّللعاملُتّيفّرلاؿّالعملّادلصريفّبغرضّتأصيلّ‬‫العملّادلصريف‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّإعدادّسحوثّودراساتّتسهمّيفّتأصيلّالعملّادلصريف‪ّ .‬‬‫ّ​ّتقدميّتقريرّلوزارةّادلاليةّعنّمدىّتطابقّالعملّادلصريفّمعّاألحكاـ ّالشَّرعيةّوتصويبّادلخالفاتّ‬‫الشَّرعيةّبو‪ّ .‬‬ ‫ّ​ّأيّاختصاصاتّأخرىّتراىاّاذليئةّالشَّرعيةّالزمةّللقياـّبدورىاّيفّتأصيلّالعملّادلصريف‪ّ .‬‬‫‪ّ -13‬أ ّف ّاختصاصات ّاذليئة ّالعليا ّللرقابة ّالشَّرعية ّعلى ّاجلهاز ّادلصريف ّوادلؤسسات ّادلالية ّتفوؽّ‬ ‫االختصاصاتّادلوكولةّلكلّمنّإدارةّالفتوىّوالبحوثّببنكّالتضامنّاإلسبلميّالسوداينّوّىيئةّ‬

‫الرقابة ّالشَّرعية ّببنك ّفيصل ّاإلسبلمي ّالسوداين ّألهنا ّجهاز ّللرقابة ّادلركزية ّعلى ّمجيع ّادلصارؼّ‬ ‫وادلؤسساتّادلاليةّالعاملةّيفّرلاؿّالعملّادلصريفّيفّالسوداف‪ّ .‬‬ ‫‪002‬‬


‫د‪ : .‬أكرم على حممد يولسف‬

‫الرقابة الشَّرعية على املصارف ‪.....‬‬ ‫المراجع‬ ‫‪ّ-1‬القرآفّالكرميّ‪ّ .‬‬ ‫‪ -2‬سننّالبيهقيّالكربىّ ّ‬ ‫‪ -3‬سننّالًتمذي‪.‬‬ ‫‪ -4‬سننّابنّماجةّ‬ ‫‪ -5‬صحيحّالبخاريّ‬ ‫‪ -6‬صحيحّمسلم‬ ‫‪ -7‬األسنويّ‪ّ،‬هنايةّالسؤؿ‪ّ،‬طبعةّعاملّالكتب‪.‬‬ ‫‪ّ -8‬الرافعي‪ّ،‬ادلصباحّادلنَتّيفّغريبّالشرحّالكبَت‪.‬‬

‫‪ -9‬سيفّالدينّاالّمدىّ‪ّ،‬األحكاـّيفّأصوؿّاألحكاـ‪ّ​ّ،‬طبعةّدارّاحلديثّ‪.‬‬ ‫‪ -10‬الشافعيّ‪ّ،‬األـّ‪.‬‬ ‫‪ -11‬الشاطيبّ‪ّ،‬ادلوافقاتّ‪.‬‬ ‫‪ -12‬الشوكاينّ‪ّ،‬إرشادّالفحوؿّ‪ّ،‬دارّالفكرّ‪.‬‬ ‫الشريعةّ‪ّ،‬شرحّالتلويحّعلىّالتوضيحّ‪.‬‬ ‫‪ -13‬صدرّ َّ‬ ‫‪ -14‬ابنّعبدّالشكورّ‪ّ،‬فواتحّالرمحوتّشرحّمسلمّالثبوتّ‪.‬‬ ‫‪ -15‬عوؼّزلمودّالكفراويّ‪ّ،‬النقودّوادلصارؼّيفّالنظاـّاإلسبلمي‪.‬‬ ‫‪ -16‬علىّحسبّاهللّ‪ّ،‬أصوؿّالتشريعّاإلسبلميّ‪.‬‬ ‫‪ -17‬ابنّالقيمّ‪ّ،‬إعبلـّادلوقعُتّ‪.‬‬ ‫‪ -18‬د‪ّ .‬زلمد ّحسن ّىيتو ّ‪ّ ،‬االجتهاد ّوطبقات ّرلتهدي ّالشافعية ّ‪ّ ،‬مؤسسة ّالرسالة ّالطبعة ّاالويلّ​ّ‬ ‫‪1988‬ـ‪.‬‬ ‫‪ -19‬الشيخّزلمدّاخلضريّبكّ‪ّ،‬أصوؿّالفقوّ‪.‬‬ ‫‪ -20‬زلمدّسبلـّمدكورّ‪ّ،‬تاريخّالتشريعّومصادرهّ‪ّ،‬طبعةّ‪1957‬ـّ‪.‬‬ ‫‪ -21‬زلمدّزكرياّالربديسيّ‪ّ،‬أصوؿّالفقوّاإلسبلميّ‪ّ،‬الطبعةّالثالثةّ​ّ​ّ‪1969‬ـّ‪.‬‬ ‫‪002‬‬


‫تفكُّر ‪ ،‬جملد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1433/‬هـ‬

‫ملف الواقع اإللسمامي‬

‫‪ -22‬ابنّمنظورّاألفريقيّ‪ّ،‬لسافّالعربّ‪ّ ّ.‬‬ ‫قوانين ولوائح وتقارير وقرارات‪:‬‬ ‫‪ّ​ّ -1‬فتاويّالرقابةّالشَّرعيةّبنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّاجمللدّاألوؿ‪ّ .‬‬ ‫‪ّ -2‬القرارّالوزاريّرقمّ‪ّ184‬لسنةّ‪.ّ1992‬‬ ‫‪ّ -3‬النظاـّاألساسيّلبنكّالتضامنّاإلسبلميّالسّوداين‪.‬‬ ‫‪ّ -4‬قانوفّبنكّالسودافّلسنة‪2002‬ـّ‪.‬‬ ‫‪ّ -5‬قانوفّتنظيمّالعملّادلصريفّلسنة‪2003‬ـّ‪.‬‬ ‫‪ّ -6‬الئحة ّتنظيم ّأعماؿ ّاذليئة ّالعليا ّللرقابة ّالشَّرعية ّعلى ّادلصارؼ ّوادلؤسسات ّادلالية ّببنكّ‬ ‫السودافّلسنة‪1994‬ـ‪.‬‬ ‫‪ّ -7‬الئحةّىيئةّالرقابةّالشَّرعيةّلبنكّفيصلّاإلسبلميّالسوداينّ‪.‬‬ ‫‪ّ -8‬رللةّادلصريفّالعدد‪ّ12‬سبتمربّ‪.1997‬‬ ‫‪ -9‬ورقةّعمل‪ّ:‬بعنوافّدورّالرقابة ّالشَّرعيةّيفّإسبلـّاجلهازّادلصريفّ‪,‬ادلنتدىّادلصريفّالثامنّادلعهدّ‬ ‫العايلّللدراساتّادلصرفية‪ّ,‬د‪ّ.‬أمحدّعلىّعبدّاهللّ​ّ‪.ّ2ّ،‬‬ ‫‪ -10‬معايَتّاحملاسبةّوادلراجعةّللمؤسساتّادلاليةّاإلسبلمية‪ّ،‬ىيئةّاحملاسبةّوادلراجعةّللمؤسساتّ‬ ‫ادلاليةّاإلسبلميةّ‪.ّ1997/1418‬‬ ‫مواقع الكترونية‬ ‫‪ّ http://www.al-islam.comّ -1‬‬ ‫ّ‬

‫‪002‬‬


‫قراءة يف قضايا التمويل األصغر اإلسالمي‬ ‫د‪.‬صالح مصطفى أحمد‬

‫معلى *‬

‫ما التمويل األصغر؟ ما فرص وحتديات التمويل األصغر اإلسالمي على ادلستوى العادلي‪،‬‬ ‫والسوداين واحمللي بوالية اجلزيرة؟ ماذا عن األساسني النظري والتطبيقي وصيغ التمويل األصغر اإلسالمي‬ ‫بالسودان؟ وىل لتحريك مدخرات الشرائح الفقرية أمهية يف صناعة التمويل األصغر وما ىي فرص ذلك‬ ‫وحتدياتو؟ وماذا يستفاد من التجارب العادلية يف التمويل األصغر‪ ،‬مث ما ىو دور التمويل األصغر يف خلق‬ ‫فرص العمل وتشغيل اخلرجيني يف السودان؟‬ ‫ىذه األسئلة وغريىا أجاب عنها الدكتور ضرار ادلاحي العبيد من خالل ثالثة فصول ضمت‬ ‫أوراقاً علمية مشلها كتابو‪ :‬التمويل األصغر اإلسالمي‪ ،‬الفرص‪ ،‬ادلفهوم‪ ،‬التحديات‪ ،‬والتجارب العادلية‪،‬‬

‫الصادر عن ىيئة األعمال الفكرية باخلرطوم‪ ،‬يف العام ‪2102‬م‪.‬‬

‫اإلطار المفاهيمي للتمويل األصغر وواقع التمويل األصغر في السودان وأساليب تطويره‪:‬‬ ‫أكد الباحث أن استخدام مصطلح التمويل األصغر عادلياً ارتبط بإنشاء بنك غرامني ببنغالديش‬

‫يف سبعينيات القرن ادلاضي‪ ،‬كما ارتبط زللياً بإنشاء بنوك االدخار والزراعي السوداين‪ ،‬وفيصل اإلسالمي‬

‫يف نفس الفرتة‪.‬‬

‫وللتمويل األصغر عدة تعريفات؛ منها تقدمي نطاق واسع من اخلدمات ادلالية وغري ادلالية يف‬ ‫رلاالت االئتمان واالدخار واإليداع والتأمني والتحويالت والتدريب وبناء القدرات لذوي الدخول‬ ‫ادلنخفضة النشطني اقتصادياً‪.‬‬ ‫كما أشار الكاتب إىل أن االسرتاتيجية اخلمسية لبنك السودان ادلركزي‪ ،‬يف التمويل األصغر‬ ‫متخضت عن خطة عاجلت أىم ثالث قضايا يف صناعة التمويل األصغر ىي؛ بيئة السياسة العامة‪،‬‬ ‫واإلطار ادلؤسسي والتنظيمي‪ ،‬واذليكل األساسي الداعم‪ ،‬وتبع ذلك رلموعة إجراءات إصالحية ىدفت يف‬ ‫رلملها لتحقيق ىدف التمويل األصغر ادلتمثل يف زلاربة الفقر‪ ،‬مبيناً أن سياسات البنك ادلركزي للتمويل‬ ‫* باحث اقتصادي يف اجملمع الفقهي ‪ ،‬السودان‪.‬‬


‫تػؽُّر ‪ ،‬جمؾد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1434/‬هـ‬

‫مؾف تؼارير ومراجعات‬

‫األصغر يف السودان ‪2102‬م ىدفت لتشجيع البنوك وادلؤسسات ادلالية والقطاع اخلاص على ولوج عامل‬ ‫صناعة التمويل األصغر‪.‬‬ ‫وأكد الكاتب يف نقاشو جلانب العرض تردد البنوك التجارية يف دخول صناعة التمويل األصغر‬ ‫جلملة حتديات وعقبات تعلي من سلاطره‪ ،‬وتتقاطع وأىداف ىذه البنوك الساعية لتحقيق الرحبية‪ ،‬ىذا‬ ‫وأبرز اجملهودات اليت يبذذلا البنك ادلركزي السوداين يف تشجيع التمويل األصغر منذ العام ‪2112‬م‪ ،‬وأنو‬ ‫ألزم البنوك التجارية بتخصيص نسبة(‪ )%02‬من زلافظها التمويلية للتمويل األصغر‪ ،‬وإن مل يتجاوز‬ ‫التنفيذ الفعلي ذلا ال(‪ )%2‬من التمويل الكلي‪ ،‬يف ادلتوسط خالل السنوات ‪2112‬م ‪2101-‬م‪ .‬لكنو‬ ‫أكد برغم ذلك أن ادلشروعات الصغرية اليت ينفذىا التمويل األصغر ظلت يف ازدياد مستمر‪ .‬كما تناول‬ ‫نشوء زلفظة األمان بشراكة بني البنوك التجارية وديوان الزكاة هبدف تشجيع البنوك على ولوج صناعة‬ ‫التمويل األصغر وزيادة إسهامها فيو‪.‬‬ ‫ويف جانب الطلب على التمويل األصغر بني الباحث أن االرتفاع ادلستمر دلعدالت الفقر عادليا‬ ‫وزللياً حيفز الطلب على التمويل األصغر باستمرار‪ ،‬وأن الطلب عليو بالسودان يتجاوز ال‪ %27‬منسوباً‬ ‫للسكان القادرين على العمل‪ .‬أما أكثر الصيغ استخداماً يف التمويل األصغر فهي ادلراحبة جلملة مزايا‬ ‫تفضلها على غريىا من الصيغ من وجهة نظر البنوك‪ ،‬وجملموعة تعقيدات ومشكالت ترتبط بغريىا من‬

‫صيغ التمويل اإلسالمي‪.‬‬ ‫وقد أكد الباحث أن التمويل األصغر يلعب دوراً مباشراً يف استغالل ادلوارد احمللية‪ ،‬وحفز‬ ‫ا البتكار والتطوير لدى ادلستهدفني بو‪ ،‬وحيقق التكامل ادلنشود بني ادلشروعات الصغرية والكبرية باجملتمع‪،‬‬ ‫وخلص أىم الفرص اليت تنتج عن ذلك بفرص امتالك ادلشروع‪ ،‬وحتسني الدخل فمستوى ادلعيشة‪ ،‬وتطوير‬ ‫القدرات لدى ادلتمول‪ .‬أما أبرز التحديات اليت جتابو التمويل األصغر على ادلستوى العادلي واحمللي‬ ‫السوداين ووالية اجلزيرة فتتمثل يف صعوبة دفع األقساط‪ ،‬وارتفاع التكاليف اإلدارية وصعوبة تغطيتها‪،‬‬ ‫وضعف الضمانات وتقليديتها‪ ،‬وصعوبة احلصول على التمويل التجاري للمؤسسات‪ ،‬وكذا صعوبة جذب‬ ‫استثمارات القطاع اخلاص‪ ،‬جبانب التحديات اليت تتعلق بادلتمولني‪ ،‬وارتفاع معدالت التضخم باستمرار ‪،‬‬ ‫وضعف التغطية ادلصرفية‪ ،‬وعدم القدرة على االدخار لدى الشرائح الفقرية‪ ،‬ومشكالت التسويق وغريىا‬

‫‪222‬‬


‫قراءة يف قضايا التؿويل األصغر اإلسالمي‬

‫د‪ .‬صالح مصطفى معلى‬

‫من ادلشكالت ادلرتبطة بالظروف االقتصادية الكلية‪ ،‬والقطاعية اليت جتابو شرائح الفقراء يف اجملتمع‬ ‫السوداين‪.‬‬ ‫بعض قضايا التمويل األصغر اإلسالمي في السودان‪:‬‬ ‫يف ىذا اجلزء من كتابو تناول الكاتب األساسني النظري والتطبيقي للمالية اإلسالمية يف‬ ‫السودان‪ ،‬وحتريك مدخرات الشرائح الضعيفة أمهيتها وحتدياهتا‪ ،‬وأبرز التطور السريع ادلتالحق للمصرفية‬ ‫وادلالية اإلسالمية يف العقود الثالثة األخرية من القرن ادلاضي وما ستكون عليو يف مستقبل األيام‪ .‬وبعد أن‬ ‫سرد التطورات اليت مرت على العمل ادلصريف يف السودان‪ ،‬والنظم اليت حكمت العمل ادلصريف تقليدية‬ ‫ومزدوجة وإسالمية كاملة يف العام ‪0992‬م‪ ،‬أكد الكاتب أنو وبرغم تعدد اخليارات التمويلية اليت يوفرىا‬ ‫التمويل اإلسالمي‪ ،‬ركزت جتربة ادلصارف السودانية على صيغة ادلراحبة دون سواىا من الصيغ جلملة‬ ‫أسباب منها سهولة اإلجراءات‪ ،‬وتوفر الضمان ادلفضي لقلة ادلخاطر‪ ،‬والشبو بينها وطرق التمويل‬ ‫التقليدي زلضن ادلصرفيني األول‪ ،‬وتفضيل الطلب ذلا على ما سواىا من صيغ‪ ،‬واألرباح شبو ادلضمونة‬ ‫اليت حتققها ادلراحبة جبانب السرية اليت توفرىا لتمويالت ادلصارف واستثماراهتا‪ ،‬ومجلة أسباب أخرى‬ ‫وتعقيدات ترتبط بالصيغ األخرى‪.‬‬ ‫وتناول الكاتب اآلثار االجيابية و السلبية اليت ترتبت على تركيز البنوك على ادلراحبة‪ ،‬وأمهها عدم‬ ‫قيام البنوك اإلسالمية بدورىا ادلنشود يف التنمية االقتصادية االجتماعية القائم على قاعدة الغنم‬ ‫بالغرم‪،‬وأضعف اخلربة االستثمارية يف ادلشاريع للمصارف اإلسالمية‪ ،‬والشبهات اليت حتوم حول ادلراحبة‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل كثرة ادلخالفات للضوابط الشرعية وما يرتتب عليها من جزاءات‪.‬‬ ‫كما برر الكاتب عدم استخدام البنوك للمشاركات بكثرة ادلخاطر ادلرتبطة هبا؛ خاصة ادلخاطر‬ ‫األخالقية اليت ترتبط بالعميل‪ ،‬وادلخاطر ادلرتبطة بالبيئة‪ ،‬وادلعوقات االقتصادية والسياسية‪ ،‬باإلضافة لضيق‬ ‫حجم السوق احمللي وغريىا من ادلعوقات وادلشكالت اليت تعلي من درجة التعرض للمخاطر يف صيغ‬ ‫ادلشاركات‪.‬‬ ‫ويف ظل االنتقادات اليت تواجو ادلصرفية اإلسالمية‪ ،‬وبعد األزمة ادلالية العادلية ادلعاصرة‪ ،‬وتنامي‬ ‫معدالت الفقر‪ ،‬باإلضافة لالىتمام العادلي مبحاربتو‪ ،‬البد من زيادة االىتمام بالشراكة الذكية بني الدولة‬ ‫واجملتمع يف توجيو االىتمام ضلو برامج التمويل األصغر‪ ،‬مبا خيدم أىداف التنمية االجتماعية االقتصادية‬ ‫‪222‬‬


‫تػؽُّر ‪ ،‬جمؾد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1434/‬هـ‬

‫مؾف تؼارير ومراجعات‬

‫وحيقق زلاربة الفقر على ضلو فعال وكفؤ‪ .‬معرفاً االدخار الشخصي بذلكم اجلزء من الدخل النقدي الذي‬

‫حيتفظ بو الفرد لالستهالك ادلستقبلي‪ ،‬ومؤكداً على أمهيتو يف حتقيق التنمية‪ ،‬أبرز الكاتب أن التحدي‬ ‫األىم ىو كيفية حتريك مدخرات الشرائح الفقرية ضلو مؤسسات التمويل األصغر‪ ،‬وأن حاجة الفقراء‬ ‫لالدخار وادلواعني االدخارية ادلأمونة أكرب من حاجتهم لالئتمان واالقرتاض‪ ،‬لكن ىذه احلاجة ال زالت‬ ‫مبثابة اجلزء ادلنسي من التمويل األصغر‪ ،‬برغم أهنا تعمل على توسيع وتعميق انتشار مؤسسات التمويل‬ ‫األصغر وخدماتو‪ ،‬وترسيخ مستوى التوجو بالطلب‪ ،‬وزيادة الثقة يف مؤسسات التمويل األصغر لدى‬ ‫الشرائح الفقرية‪ ،‬وتسهم بفعالية يف حتقيق االستدامة الذاتية ادلفقودة دلؤسسات التمويل األصغر‪.‬‬ ‫ويف إطار سعيو لتطوير ىذا التوجو أكد الباحث أن أىم احملددات اليت حتفز تعبئة مدخرات‬ ‫الشرائح الفقرية بوساطة مؤسسات التمويل األصغر‪ ،‬تتمثل يف توفري وتنمية عامل الثقة يف ىذه‬ ‫ادلؤسسات‪،‬وسرعة تسييل ادلدخرات والوصول إليها جملاهبة الطوارئ‪ ،‬وبساطة اإلجراءات‪ ،‬وادليزات التنافسية‬ ‫من ربح وسهولة وغريىا اليت توفرىا ىذه ادلؤسسات مقارنة بادلصارف وادلؤسسات ادلالية األخرى‪ ،‬باإلضافة‬ ‫للمرونة ادلطلوبة جبانب التكلفة ادلنخفضة‪ ،‬وحتقيق ىامش ربح معقول متوقع‪ ،‬ورقي التعامل مع العمالء‬ ‫الفقراء‪ ،‬وتوفري ادلهارة والتخصصية إلدارة السيولة‪ ،‬األصول واخلصوم‪ ،‬يف األطر اإلدارية مبؤسسات التمويل‬ ‫األصغر‪.‬‬ ‫ىذا وتواجو تعبئة مدخرات الشرائح الفقرية جبملة من العقبات ادلعرفية‪ ،‬و اذليكلية‪ ،‬والسياسية‪،‬‬ ‫والتشريعية‪ ،‬اليت حتد من قدرهتا على االنطالق‪ ،‬ولنجاح التعبئة البد من حلحلة ىذه ادلشكالت‪ ،‬وتوفري‬ ‫اإلرادة السياسية وادلعرفية والتشريعية ادلطلوبة‪ ،‬باإلضافة لالىتمام بتطوير ادلنتجات ادلالية للتمويل األصغر‪،‬‬ ‫و السعي ضلو خلق واستدامة قناعة العمالء هبذه ادلؤسسات ودورىا يف مساعدهتم‪ ،‬واالبتكار والتطوير‬ ‫وإال فسيؤدي التقليد واجلمود إىل تسرب الفقراء خارج ادلواعني االدخارية دلؤسسات التمويل األصغر‪،‬‬ ‫واالدخار يف ادلؤسسات شبو الرمسية برغم اخلسارة اليت حتيق بكل أو بعض مدخراهتم‪.‬‬ ‫التجارب العالمية للتمويل األصغر ودور التمويل األصغر في خلق فرص العمل في أوساط‬ ‫الخريجين في السودان‪:‬‬ ‫أكد الباحث أن التجربة ادلاليزية يف التمويل األصغر( أمانة اختيار ماليزيا)‪ ،‬ذلا اسرتايتجية يدعمها‬ ‫القرار السياسي ادلاليزي اذلادف وفقاً للخطة االقتصادية ادلاليزية اجلديدة(‪0991- 0920‬م)‪ ،‬اليت تركز‬ ‫‪232‬‬


‫قراءة يف قضايا التؿويل األصغر اإلسالمي‬

‫د‪ .‬صالح مصطفى معلى‬

‫بصورة أساسية على زلاربة الفقر‪ ،‬وإزالة الفوارق الدخلية للفقراء‪ ،‬باستخدام معدالت منو اقتصادي‬ ‫وتنموي سريع‪.‬وقد أنشأت احلكومة ادلاليزية لذلك ادلؤسسات ودعمت بعض البنوك مببالغ مالية طائلة‬ ‫لتحقيق ىذا اذلدف السامي‪ ،‬باإلضافة للسياسات التمويلية اليت تسهل وتعزز من فرص وصول الفقراء‬ ‫للتمويل ادلنشود‪.‬‬ ‫واستندت جتربة أمانة اختيار ماليزيا على جتربة غرامني بنك‪،‬مع تعديلها لتوافق شروط الزمان‬ ‫وادلكان ادلاليزي مبا يسهم يف حتقيق اذلدف‪ ،‬ونظراً للدعم احلكومي الذي توفر ذلا قدمت األمانة القروض‬

‫احلسنة والتمويل ادليسر للطبقات الفقرية سعياً وراء اجياد وخلق اشخاص قادرين على االنتاج وملتزمني‬ ‫بالقدرة على كسب حياة كردية‪ ،‬واخلروج من دائرة الفقر تلقائياً والنزوح من بني الشرائح الفقرية‪ .‬وقد‬

‫افحلت بذلك التجربة ادلاليزية كثرياً يف حتقيق أىدافها‪ ،‬و صلاح جتربة مشروعات متويل أمانة اختيار ماليزيا‪،‬‬

‫]مشروع أمانة اختيار رقم (‪ ،)0‬ومشروعي قرض اختيار رقمي(‪ )2‬و(‪ )3‬ومشروع قرض لألم الواحدة[‪،‬‬ ‫ولذلك أفلحت يف متويل حاجات ‪ %71‬من إمجايل توقعات اجملموعة ادلستهدفة‪.‬‬ ‫أما مرتكزات صلاح جتربة أمانة اختيار ماليزيا فربأي الكاتب اضلصرت يف ابتكار نظام خاص لتقدمي‬ ‫اخلدمات التمويلية‪ ،‬والدعم الرمسي من احلكومة‪ ،‬والقدرة على التحصيل والسداد للقروض‪.‬أما أىم‬ ‫الصعوبات اليت تواجو ىذه التجربة الرائدة فهي استمرار االعتماد على الدعم احلكومي‪ ،‬وعدم رجوعها‬ ‫لألسس اليت قامت عليها خاصة الرتكيز على الوصول للشرائح األكثر فقراً‪ ،‬وصعوبة احلصول على شرائح‬

‫فقرية يف ادلستقبل‪ ،‬ورفع رسوم اخلدمات إىل ‪ %09‬من القرض شلا أدى النسحاب الشرائح الفقرية من‬

‫ادلؤسسة‪.‬‬ ‫كما أشار الكاتب إىل رلموعة مناذج أخرى دلؤسسات التمويل الصغري كنموذج بنك غرامني‪ ،‬الذي‬ ‫دينح القرض اجلماعي‪ ،‬ومجعيات اإلقراض واالدخار الدوار‪ ،‬ومنوذج بنك القرية‪.‬‬ ‫أما أىم ادلخاطر اليت تواجو التمويل األصغر بالسودان فمنها ادلخاطر الطبيعية ادلتمثلة يف شح‬ ‫األمطار‪ ،‬واآلفات الزراعية وغريىا شلا يؤثر على ادلشروعات الزراعية‪ ،‬وضيق وعدم كفاية الضمانات‪،‬‬ ‫ونقص ادلعلومات عن العميل وتوقف ادلعاش يف متويالت ادلعاشيني‪ ،‬وادلراوغة واخلداع من بعض‬ ‫ادلمولني(العمالء)‪.‬‬

‫‪232‬‬


‫تػؽُّر ‪ ،‬جمؾد (‪ ،)12‬العدد (‪2012، )2‬م‪1434/‬هـ‬

‫مؾف تؼارير ومراجعات‬

‫أما معوقات التمويل األصغر بالسودان فأمهها نقص ادلوظفني ادلختصني‪ ،‬وجهل العمالء بطبيعة‬ ‫ومصادر التمويل األصغر‪ ،‬والفساد يف منح التمويل‪ ،‬وارتفاع التكاليف‪ ،‬وبُعد ادلسافة بني أماكن تواجد‬ ‫العمالء ومؤسسات التمويل األصغر‪ ،‬وصعوبة إجراءات منح التمويل‪ ،‬وعدم وجود وحدة إلدارة سلاطر‬ ‫التمويل األصغر بالبنوك ومؤسسات التمويل األصغر‪.‬‬ ‫أنشطة التمويل األصغر وخلق فرص تشغيل الخريجين في السودان‪:‬‬ ‫يف اجل زء األخري من الكتاب ناقش الباحث دور أنشطة التمويل األصغر يف خلق فرص العمل‬ ‫واستيعاب اخلرجيني يف السودان‪ ،‬وقد أكد أن الدراسات شبو التجريبية تعطي التمويل األصغر دوراً كبرياً‬ ‫للتمويل األصغر يف النواحي االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬ ‫كما َبني الباحث أن إعداد العاطلني يف أوساط اخلرجيني أصبحت يف ازدياد مستمر بسبب‬

‫نشؤ عدد كبري من اجلامعات السودانية من ناحية‪ ،‬وضعف استيعاب اخلرجيني بوساطة سوق العمل على‬ ‫مستويي القطاع العام واخلاص من ناحية أخرى‪ .‬وبرغم األمهية ادلوضوعة دلشروعات التمويل األصغر يف‬ ‫استيعاب اخلرجيني إال أن واقع احلال يف السودان يؤكد على أن مشروعات التمويل األصغر وإن كانت يف‬ ‫تزايد مستمر يف عددىا ونوعها؛ ال زالت دون الطموح يف استيعاب اإلعداد ادلتزايدة من اخلرجيني‪ ،‬لذلك‬ ‫أوصى الباحث مبجموعة توصيات دلعاجلة ادلشكلة كتشجيع القطاع اخلاص لالستيعاب‪ ،‬واالىتمام بدراسة‬ ‫جانيب العرض والطلب عند وضع سياسات التمويل األصغر‪ ،‬ونشر ثقافة العمل احلر وغريىا من‬ ‫التوصيات ادلهمة يف معاجلة ادلشكلة‪.‬‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫ىذا الكتاب يقدم إضاءات مهمة يف دراسة التمويل األصغر اإلسالمي‪ ،‬تعاجل ادلفهوم وتدرس‬ ‫الواقع لتحدد التحديات والعقبات وحتاول أن تعطي بعض احللول ادلناسبة لكل مشكلة من ادلشكالت‬ ‫اليت جتابو صناعة التمويل األصغر‪ ،‬لذا فهو إسهام مقدر من الكاتب‪.‬‬

‫‪232‬‬


Submission Guidlines "Tafakkur" is a refereed biannual journal issued by the Institute for Islamization of knowledge (IMAM), Gezira University, Sudan. The main focus of the journal is on issues concerning Islamization of knowledge, both theoretical and empirical. Contributors are kindly requested to take note of the following points when submitting their manuscripts: 1. The submitted paper should focus on issues of Islamization of knowledge. 2. The paper should at least contribute to a better understanding of its subject matter. 3. The research methodology and style should suit the modern reader. 4. Whenever verses from the Holy Qur’an are quoted, reference should be made to their chapters and numbers. Sayings from Sunnah should be authenticated. 5. Detailed mathematical derivations should be supplied separately and will not be published. 6. References should be listed at the end of the paper. References in English should be written in the standard format, e.g, for essays: Biraima, M. H., (1999): "Social Reality."Tafakkur, Vol. 1, No. 1, Sudan, And for books: Biraima, M.H., (1999): A Quranic View..., (International Centre for Faith Studies), Sudan. References in Arabic should be written as shown in the Arabic section. 7. All manuscripts should be submitted in a typewritten copy plus an electronic copy (MS Word format). 8. The manuscript should not exceed 35 typewritten pages (A4 size), with a separately supplied abstract of no more than 200 words. 9. Papers submitted publication should be original, and are not expected to have been submitted for publication elsewhere. 10. The author's name his postal and electronic address as well as his phone and fax numbers should be supplied separately from the text of the paper. 11. The paper would be subjected to a double blind refereeing. 12. The editorial board reserves the right to make nonsubstantial changes in the paper, as well as not returning the original manuscripts to their authors. 13. Authors of accepted refereed papers will be paid a financial reward.

B


 Editorial Board Chairperson Dr. Dr .Mohammed Babiker EL-Awad

Editor-in-Chief Prof. Abdalla Mohammed.AL.Amin

Manager of Editing Dr . Gasim Omer Abu Elkhair Members * Prof. Gamal AL- Shareef * Prof. Mohammed Alhasan Salih * Dr. Dirar Elmahi Elobeid Ahmed * Dr. Mohammed Awad –ALKareem *Dr. Hamad.El Nile M.O.A.S * Dr. Zahir Abo Obida .A.A *Dr. Mohammed Hamed Mohammed Ahmed

Correspondence Editor- in – Chief: IMAM, P.O. Box 526, Wad Medani, Sudan. Fax: 00249-511/ 843399- 820428 Tel: 00249 / 0120880278- 0120881390- 0120887135 E-mail : tafakkur2009@gmail. com

A



‫مجلـــة تفكُّر‬ ‫جامعة الجزيرة‬ ‫معهد إسالم المعرفة‬ ‫‪E-mail : tafakkur2009 @gmail.com‬‬

‫قسيمة إشتراك‬ ‫اإلســم ‪..............................................................................................................................:‬‬ ‫العنــوان‪.......................................................................................................................... :‬‬ ‫الهاتــف‪ ..............................................:‬الفاكس ‪............................................................. :‬‬ ‫نوع االشتراك ‪:‬‬

‫‪ /1‬فــردي ‪:‬‬

‫‪ /2‬مؤسسات ‪:‬‬

‫قيمة االشتراك السنوي‪:‬‬ ‫أ‪ /‬داخل السودان‬ ‫ب‪ /‬خارج السودان‬

‫‪‬‬

‫‪ /1‬األفـراد ‪( :‬صشرة جنيهات سودانيه) ‪ /2‬المؤسسات‪ ( :‬ثالثون جنيهاً سودانياً)‬ ‫‪ /1‬األفـراد ‪ ( :‬صشرون دوالراً)‬

‫‪ /2‬المؤسسات‪ ( :‬ثالثون دوالراً)‬

‫يتم الدفع بشيك باسم السيد ‪ /‬صميد معهد إسالم المعرفة ‪.‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.