العدد:74

Page 1

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪ 24 2013‬صفحة ‪ 2000‬لرية‬ ‫الصراع على سورية‬ ‫والحلول الصعبة‬

‫بربارة وتقال‬ ‫قديستا في الكنيسة أم‬ ‫بطلتا في ذاكرة الوطن؟‬

‫‪4‬‬

‫‪8‬‬

‫اليوضاسية‪...‬‬ ‫دين النصب واالحتالل واالغتصاب ‪2‬‬

‫‪10‬‬

‫حرب المئة عام طائفياً‬

‫‪ ...‬بدأت!‬

‫االنسداد الثقافي والمعرفة‬ ‫التقليدية وجدل الذات‬

‫‪14‬‬


‫‪2‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫منرب‬

‫في هذا العدد يستريح منصور عازار من عناء الكتابة‪« .‬تحوالت» تنشر رسالة سعد عطاهلل إلى منصور عازار‪.‬‬

‫زهير فياض‬ ‫لقد غدت حياتنا في هذه املنطقة امللتهبة من‬ ‫العالم أسيرة استحقاقات داهمة وأخرى منتظرة‬ ‫نعيش على وقع حصولها‪ ،‬ونحن نحتسب تداعياتها‬ ‫على جوانب متعددة من حاضرنا ومستقبلنا‪....‬‬ ‫ليست املشكلة في االستحقاقات‪ ،‬فاحلياة بحد‬ ‫ذاتها تتحرك بنا من استحقاق الى آخر‪ ،‬ولكن‪،‬‬ ‫األدهى‪....‬أن مجمل هذه االستحقاقات املتعلقة‬ ‫مبصيرنا كشعب وكأمة وكدول ‪ ...‬خارج السيطرة‪،‬‬ ‫أو بشكل أدق خارج سيطرتنا‪ ،‬وقد حتولنا وإن بنسب‬ ‫مختلفة الى مجرد أحجار شطرجن ينقلها الالعبون‬

‫أنواعها‪ ...‬ال ميكننا أن نكون قدريني وأن نسلم‬ ‫أنفسنا ملشيئته (مشيئة القدر)‪ ...‬ونحلم بعدها‬ ‫بحاضر مزدهر ومستقبل مشرق‪...‬‬ ‫هذا الكالم برسم كل احلريصني على قضايا‬ ‫شعبهم وناسهم وأهلهم‪...‬وعليهم املسؤولية‬ ‫الكبرى في مواجهة كل ما يتهدد وجودنا من‬ ‫حتديات‪....‬‬ ‫األمل احلقيقي هو أن منتلك وعي النهوض وارادة‬ ‫النهوض وفعل النهوض‪ ...‬عدا ذلك «مقامرة»‬ ‫و»مغامرة» في مصير وطن وشعب‪...‬‬

‫هل فقد لبنان معناه؟‬ ‫سركيس أبوزيد‬ ‫مبناسبة رأس السنة أقيم أضخم عرض لأللعاب‬ ‫النارية في دبي حول برج خليفة‪ ،‬أطول مبنى في‬ ‫العالم‪ .‬قدرت الكلفة بحوالي ‪ 40‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫وقد أثار هذا احلدث تعليقات متباينة‪ :‬شعر بعض‬ ‫اللبنانيني باملنافسة ألن دبي جتذب السياح وتشد‬ ‫االهتمام وكأنها أخذت شيئا ً من رصيد لبنان‬ ‫ووهجه‪ ،‬بعضهم اعتبر ان الكلفة هي نوع من‬ ‫التبذير كان افضل لو وزعت على النازحني واحملتاجني‬ ‫في الدول العربية املأزومة‪ ،‬وبعضهم اآلخر اعتبرها‬ ‫محاولة خلطف دور لبنان‪.‬‬ ‫هذا احلدث وغيره من املظاهر واملبادرات التي‬ ‫كان يحتكرها لبنان ويتفرد بها بني دول املنطقة‬ ‫وأصبحت موجودة في اكثر من مشيخة وامارة‬

‫نيڤين فخري‬

‫خاصة في دبي‪ ،‬هي مناسبة للتفكير املشترك حول‬ ‫الوضع الذي وصل اليه لبنان‪.‬‬ ‫أبعد من طاولة احلوار التي لن تعقد ولن تثمر‬ ‫باملدى املنظور‪ .‬مطلوب حوار عام وعلى صوت عال‬ ‫بني جميع اللبنانيني على اختالف اجتاهاتهم بعيدا ً‬ ‫عن املهاترات السياسية‪ ،‬الن لبنان بدأ يفقد مبرر‬ ‫وجوده والطبقة السياسية من رجال سياسة‬ ‫وثقافة تتلهى باملغامن وتصفية احلسابات والتعصب‬ ‫واحلقد‪.‬‬ ‫متيز لبنان وكان محط أنظار ورحال العرب‪ ،‬النه‬ ‫امتلك مجموعة خصائص افتقدتها بالد العرب‪،‬‬ ‫منها اخلدمات املتطورة في املصرف واجلامعة‬ ‫واملستشفى واالعالم والسياحة ومظاهر احلداثة‬ ‫وآخر الصرعات من املوضة الى الثقافة‪ .‬جنح لبنان‬

‫النه كان سوقا ً حرة وصندوق فرجة محاطا ً بانظمة‬ ‫التأميم والشمولية اجلمهورية وامللكية‪.‬‬ ‫بعد طفرة االزدهار العربي وتطور قطاع اخلدمات‬ ‫فيها وغزو احلداثة‪ ،‬ولو الشكلية‪ ،‬عددا ً من الدول‪،‬‬ ‫ال سيما اخلليجية‪ ،‬بفضل البترودوالر ومتثل النموذج‬ ‫الغربي‪ ،‬ما هي القيمة املضافة للبنان؟ ماذا بقي‬ ‫من فرادته؟ ما هو مبرر وجوده واستمراره وازدهاره؟‬ ‫هل صحيح ان ما تبقى من طبيعة غير ملوثة‬ ‫والكازينو هما آخر ما ميلك لبنان من رصيد لم‬ ‫يستهلك نهائيا ً بعد؟‬ ‫بعيدا ً عن احلسد والغيرة من أي دولة تسعى الى‬ ‫التقدم‪ ،‬متى نفكر ونعمل معا ً كمواطنني من اجل‬ ‫جتديد معنى لبنان ودوره في زمن التحوالت الكبرى ؟‬ ‫‪ ...‬ماذا يفيد البكاء على أطالل ُملك خسرناه؟‬

‫‪4‬‬ ‫عامر مالعب‬

‫منرب‬

‫الطيب‬ ‫منصور عازار‪ :‬اإلنسان ّ‬

‫استحقاقات الزمن المقبل‪...‬‬ ‫من خانة الى أخرى‪ ،‬لوال طبعا ً شعلة «املقاومة»‬ ‫املتجذرة في القوى احلية والتي تخربط على الالعبني‬ ‫متاديهم في تخريب واقعنا وتشويهه‪...‬‬ ‫لست بصدد رسم صورة داكنة‪ ،‬فأنا من املؤمنني أن‬ ‫ُ‬ ‫النصر صب ُر ساعة‪ ،‬وأن احملن وامللمات وإن اشتدت‬ ‫وتكالبت‪ ،‬فإن اخملزون النضالي التاريخي الذي نكتنزه‬ ‫قادرُ على صنع الزمن وحتويل مساره باجتاه النهوض‬ ‫الى واقع أكثر اشراقا ً وتوهجا ً ولو بعد حني‪....‬‬ ‫ولكن‪ ،‬علينا التقاط أنفاسنا‪ ،‬وجتميع طاقاتنا‬ ‫وقدراتنا وقوانا ملواجهة كل االستحقاقات على‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫سعد نسيب عطااهلل‬ ‫نابيه‪ 24 ،‬تشرين الثاني ‪2012‬‬ ‫في اوائل ربيع العام ‪ ،1972‬وبينما كنت أتناول طعام‬ ‫الغداء مع زمالء لي في الصندوق الوطني للضمان‬ ‫االجتماعي – مركز الدورة‪ ،‬في مطعم الـ»تورينو»‪ ،‬في‬ ‫جديدة املنت‪ ،‬الذي كان يقدم أشهى أطباق الدجاج حينذاك‪،‬‬ ‫دخل شخص كان قد مضت أكثر من ثماني سنوات على‬ ‫عدم رؤيته له‪ ،‬او معرفة مكان وجوده‪ .‬إنه الصديق العزيز‬ ‫ميشال عازار‪ ،‬زميلي في مدرسة برمانا العالية الغالية‪.‬‬ ‫بعد التحية والتقبيل واالطمئنان عن أخباره‪ ،‬سألته‬ ‫متعجباً‪ :‬من يكون هذا اللبناني القادم من أفريقيا الذي هو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مرشح عن مقعد ماروني في االنتخابات النيابية في دائرة‬ ‫املنت الشمالي‪ ،‬يُدعى منصور عازار‪ ،‬ويقيم والئم كبيرة في‬ ‫مطاعم كثيرة؟ هل سيقترع له هؤالء بعد أن تفرغ أمعاؤهم‬ ‫في اليوم التالي؟ فأجابني بكل هدوء وتهذيب ومحبة‪ ،‬كما‬ ‫عهدته ايام املدرسة‪ :‬إنّه والدي‪ .‬أحسست بالذنب‪ ،‬ألن نبرة‬ ‫سؤالي تضمنت بعض الغموض‪ ،‬وأجبته‪ :‬طاملا أنه والدك‪،‬‬ ‫وانت تربيت على يديه‪ ،‬فإنني أتشرف ان نعمل سوية في‬ ‫حملته االنتخابية‪ .‬تو ّدعنا بعد أن تواعدنا على اللقاء تلك‬ ‫الشعار‪ .‬أو ّد االشارة في‬ ‫الليلة في منزل االهل في بلدة بيت‬ ‫ّ‬ ‫البدء أنني لم أتش ّرف الحقاً‪ ،‬بحضور أية وليمة من والئم‬ ‫احلملة االنتخابية‪ ،‬أو ان أكون «مفتاحا ً انتخابياً»‪ ،‬كما هو‬ ‫حال معظم املق ّربني من ّ‬ ‫املرشحني أو من أحد أقربائهم‪.‬‬ ‫كانت عالقتي مع العزيز الدائم‪ ،‬ميشال منصور عازار‬ ‫عالقة األخ مع أخيه‪ .‬في لقائي االول مع االستاذ منصور‬ ‫عازار في منزله‪ ،‬ومع حضور لفيف نخبوي من املتضامنني‬ ‫معه‪ ،‬تع ّرفت إلى االنسان الواثق من ضرورة دوره القيادي‬ ‫الهادف الى نقل الدور السياسي السائد في لبنان من‬ ‫االقطاع الى الشعب‪ ،‬ومن االمتيازات الى االجنازات‪ ،‬ومن‬ ‫القول الى الفعل‪ ،‬ومحاربة ادوات الفنت الطائفية‪ ،‬والدعوة‬ ‫الى الفكر املدرحي‪ ،‬حيث يتماهى الفعل املادي مع سم ّو‬ ‫روحية االنسان وقيمتها الوجودية‪ .‬تع ّرفت إلى الصناعي‬ ‫العالم في حرفته‪ ،‬وكيف أنّه يطمح الى نشر املصانع‬ ‫واملشاغل في كل املناطق‪ ،‬إليجاد انسان منتج ومستقل‪ ،‬ال‬ ‫تترسخ جذور‬ ‫يكون بحاجة الى رضى مفسد في االرض‪ .‬وان ّ‬ ‫الناس عميقا في هذا الوطن‪ ،‬الذي يهجره أهله على مدى‬ ‫مغمسة بالشوق الى‬ ‫االزمان من أجل توفير لقمة عيش ّ‬ ‫االهل واالبناء‪ ،‬ومبعاناة المتناهية من الغربة وقسوة احلياة‪.‬‬ ‫لم نأ ُل جهدا‪ ،‬انا واالخ ميشال‪ ،‬طوال أكثر من شهرين‪ ،‬في‬ ‫تنسيق لقاءات مع زمالء الدراسة‪ ،‬ومع معارفهم الكرام‬ ‫الكثر‪ ،‬حينا ً بحضور االستاذ منصور عازار الذي كان يذكي‬ ‫مشاعر محاوريه باحلجة واإلقناع واملنطق‪ ،‬وحينا ً آخر مع‬ ‫أالخ ميشال الذي له محبة واحترام عند كل زمالء الدراسة‪،‬‬ ‫وكذلك الذين تع ّرفوا إليه في تلك اللقاءات العفوية‪.‬‬

‫أذكر خطبة حماسية لالستاذ منصور في مركز حملته‬ ‫االنتخابية‪ ،‬في منطقة الراعي الصالح‪ ،‬في سن الفيل‪،‬‬ ‫عش ّية اليوم االنتخابي‪ ،‬حيث قال حلشد من املناصرين‪ ،‬إن‬ ‫فوزه سوف يتحقق‪ ،‬وسيكون «جناح واكيم» املنت‪ .‬لكن يبدو‬ ‫أنه سها عن باله أنّه ليس ناصرياً‪ ،‬وال شبيه ابن الزعيم‬ ‫التاريخي جمال عبد الناصر‪ ،‬أو أن ناخبيه هم من أمثال «أبو‬ ‫العبد» و»أم العبد»‪ .‬بل إنه محبوب ومطلوب من كثيرين‬ ‫من أهل املنت‪ ،‬ولكن لألسف‪ ،‬ليس من «أهل بيته» الذين‬ ‫وقف الى جانبهم في أصعب أيام محنتهم‪ ،‬وخاصة العام‬ ‫وضحى بالغالي والنفيس من أجلهم‪ ،‬وال‬ ‫‪ 1961‬املشؤوم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يزال‪ ،‬وهو اآلن في سن التسعني – أعطاه اهلل طول العمر‬ ‫والصحة‪ .‬كانت النتيجة مش ّرفة حقاً‪ ،‬وقد جتاوز عدد‬ ‫ناخبيه الستة آالف شخص‪ ،‬معظمهم لم يحضر والئم‬ ‫ُ‬ ‫يشك أحد ممن شاركوا‬ ‫املطاعم‪ .‬انتهت االنتخابات ولم‬ ‫في هذه احلملة أالنتخابية من أي تقصير أو استغالل‪ ،‬بل‬ ‫كانت جتربة وطنية رائعة‪ ،‬في خضم صراعات اقليمية‬ ‫وتسابق طائفي‪ ،‬أدى بعد عامني الى حرب أهلية طويلة‬ ‫قذرة وبغيضة‪ ،‬ما زال أمراؤها يتحكمون مبن بقي على قيد‬ ‫حياة ذليلة ومقيتة‪ .‬بعد عامني على تلك االنتخابات‪ ،‬طرق‬ ‫باب منزل االهل في نابيه‪ ،‬رسول قال على عجل‪ :‬ميشال‬ ‫منصور عازار يطلب من سعد نسيب عطااهلل أن يأتي‬ ‫الى نيجيريا ويعمل معه‪ ،‬ويريد منه املوافقة فوراً‪ .‬راودني‬ ‫واالهل شعور بالتقدير واالمتنان‪ ،‬ممزوجا ً باحليرة والتردد‪.‬‬ ‫طلبت من الرسول الكرمي ‪ -‬وال يزال كرميا ً عندي‪ -‬أن ميهلني‬ ‫أسبوعا ً حتى أدرس األمر‪ ،‬وأحصل على إجازة بدون راتب من‬ ‫عملي‪ .‬الحقا‪ ،‬أعلمت الرسول برغبتي في السفر‪ .‬وبعد‬

‫أيام قليلة‪ ،‬و ّدعت االهل دون تقبيلهم‪ ،‬ألن تقبيلهم كان‬ ‫سيثنيني عن السفر‪ ،‬وهذا شعور ما زلت أحتاطه ك ّلما‬ ‫غادرتهم‪ ،‬حتى من اجل سياحة لفترة قصيرة‪ .‬استغرقت‬ ‫الرحلة على منت طيران الشرق االوسط‪ ،‬من مطار بيروت‬ ‫الى مطار الغوس‪ ،‬قرابة ثماني ساعات‪ ،‬حسبتها رحلة‬ ‫الالعودة‪ّ .‬‬ ‫حطت الطائرة حوالي منتصف الليل‪ ،‬وأوصلني‬ ‫السائق الى منزل األستاذ منصور عازار‪ ،‬الذي كان ال يزال‬ ‫صاحيا ً الستقبالي‪ .‬حتى أن سفرة الطعام كانت ممدودة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العشي كان في اجازة اسبوعية‪ .‬أحسست منذ‬ ‫رغم أن‬ ‫اللحظة االولى أنني بني أهلي‪ ،‬وألقى الرعاية التي كنت‬ ‫على ثقة كبيرة من وجودها‪ ،‬عند رجل كبير القلب‪ ،‬وغيور‬ ‫على اآلخرين‪ .‬منصور عازار ليس بحاجة الى مديح‪ ،‬ألن من‬ ‫يعرفه خبر خصاله الطيبة‪ ،‬ويكفيه شرفا ً أنّه لم يتم ّلق‬ ‫يوما ً لعباءة نفط‪ ،‬وال عمل مع أمراء بيوت احلرمي‪ ،‬بل أسس‬ ‫مملكة صناعية‪ ،‬تدعى»ميتالوبالستيكا»‪ ،‬امت ّدت فروعها‬ ‫الى كل دول أفريقيا الغربية‪ ،‬وو ّفرت ملواطني تلك البلدان‬ ‫السلع الضرورية واالساسية حلياتهم اليومية‪ .‬ناهيك‬ ‫عن مملكة استيراد واعادة تصدير املواد األ ّولية لصناعة‬ ‫البالستيك في كثير من دول العالم‪ .‬خالل اقامتي الوجيزة‬ ‫في نيجيريا‪ ،‬تع ّرفت إلى اسطورة االغتراب اللبناني في‬ ‫ّ‬ ‫واملفكر واالنسان االستاذ منصور مخايل‬ ‫أفريقيا‪ ،‬الصناعي‬ ‫عازار‪ .‬عشت معه ومع األخ ميشال في بيت واحد‪ ،‬وشاهدت‬ ‫رجاالت دولة نيجيريا الكبار يتوافدون اليه لالستشارة أكثر‬ ‫االحيان‪ ،‬والتزاور احيانا ً اخرى‪ .‬وفي احدى الليالي‪ ،‬حينما‬ ‫كنّت جالسا مع االستاذ منصور‪ ،‬نتر ّقب وصول األخ ميشال‬ ‫من رحلة عمل في اوروبا‪ ،‬طرحت عليه السؤال اآلتي‪ :‬أنت‬ ‫صاحب هذا اجملد الصناعي والتجاري وحتى النفوذ الرسمي‬ ‫هنا في نيجيريا‪ ،‬هل باالمكان معرفة سبب ّ‬ ‫ترشحك على‬ ‫مقعد نيابي في لبنان؟ ارتسمت على وجهه ابتسامة‬ ‫يشوبها القلق وقال‪ :‬نيجيريا ليست وطني‪ ،‬وال املكان الذي‬ ‫ولدت فيه‪ ،‬أو سيتربى فيه أبنائي واحفادي‪ .‬وتو ّقف عن‬ ‫ثم أكمل موجزاً‪ :‬نحن أبناء الزعيم‪ ،‬ودمنا يجري‬ ‫الكالم‪ّ ،‬‬ ‫موحد‪،‬‬ ‫ويدفق اقداما ً ونضاال ً من أجل سوريا‪ ،‬دولة في كيان ّ‬ ‫وضاء‪ ،‬واعد‪.‬‬ ‫قوي‪ ،‬ثابت‪ ،‬مستمر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫اربعة عقود م ّرت على ما ذكرت‪ ,‬ولم تتوقف زياراتي الى االب‬ ‫الصديق منصور عازار‪ ،‬االمني على عالقاته الطيبة مع كل‬ ‫من التقاه او عمل معه‪ ،‬امللتزم والناشط أبدا ً لزرع العنفوان‬ ‫والعزمية واالرادة القوية في نفوس االجيال اجلديدة من‬ ‫خالل اطالالت مقاالته الشهرية الذاخرة باملعرفة واخلبرة‬ ‫والرؤيا البعيدة‪ ،‬في مجلة «حتوالت»‪ ،‬وصاحب منبر أدبي حر‬ ‫وعريض‪ ،‬لتكرمي نخبة من املفكرين واملبدعني في مجاالت‬ ‫االدب والفكر السياسي والفلسفة‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬

‫الصراع على سورية والحلول الصعبة‬ ‫رياض عيد‬ ‫ينشغل العالم منذ سنة وعشرة أشهر باحلرب الدائرة‬ ‫في سورية وعليها‪ ,‬وتتصدر االزمة السورية عنوان اي لقاء‬ ‫دولي او اقليمي يعقد‪ .‬وحتتل هذه االزمة اخلبر االول في كل‬ ‫وسائل االعالم بأنواعها اخملتلفة محليا ً واقليميا ً ودوليا‪.‬‬ ‫يتساءل املتابع ملاذا هذا القدر من االهتمام واالصطفاف‬ ‫االقليمي والدولي في االزمة السورية‪ ,‬هل هذا االهتمام‬ ‫نظرا ً ملوقع سورية والهالل اخلصيب اجليواستراتيجي‬ ‫كنقطة التقاء ثالث قارات وعقدة طرق برية وبحرية‬ ‫وجوية تربط العالم‪ ،‬ام الن الدور الذي تلعبه سورية بهذا‬ ‫املوقع االستراتيجي بات احلاجز الذي يفصل تركيا عن‬ ‫العالم العربي‪ ,‬ويقف عقدة كأداء بوجه ما يُسمى الربيع‬ ‫االسالمي االخواني وكيل املصالح االميركية في العالم‬ ‫العربي‪ ,‬والذي تخوض اميركا عبره حربها على اجملتمعات‬ ‫العربية وحرب اجملتمعات العربية على نفسها‪ ,‬والذي بدال ً‬ ‫من العداء إلسرائيل بالعداء للشيعة انصياعا ً لالوامر‬ ‫االميركية بتمويل وتوجيه وكالئها في اخلليج وتركية‪ ،‬ام‬ ‫الن سورية باتت خط الدفاع االول عن االمن السياسي‬ ‫واالقتصادي الروسي والصيني وااليراني‪ ,‬خاصة بعد‬ ‫ان اعتمدت سورية استراتيجية البحار االربعة وطريق‬ ‫احلرير التي تالقت مع استراتيجية الصني لكسر الطوق‬ ‫االميركي عليها في مضيق ملقا‪ ,‬وبعد اكتشافات الغاز‬ ‫املؤكدة في سورية ولبنان ومياههما االقليمية والتي‬ ‫أسالت لعاب املتصارعني على امتالك الطاقة للتحكم‬ ‫بالقرن احلالي‪ ,‬ام الن سورية عقدة مواصالت الغاز وعليها‬ ‫يتوقف مصير غاز (نابوكو) وتركية واميركة وقطر لتحرير‬ ‫اوروبا من قبضة غاز (بروم) الروسية ومنافستها على‬ ‫امتالك هذا السوق الكبير؟‪ ...‬لكل هذا‪ ,‬والن سورية لم‬ ‫ترضخ ملشيئة اميركة والغرب‪ ,‬بل عملت مع ايران على‬ ‫تقويض السياسة االميركية واالطلسية واالسرائيلية‬ ‫وافشلتها عبر دعم املقاومات في لبنان والعراق‬ ‫وفلسطني‪ ،‬استهدفت سورية بهذه احلرب الكونية التي‬ ‫تخاض على أرضها إلسقاطها وتفتيتها واملنطقة الى‬ ‫دويالت عرقية طائفية عبر تقسيم املقسم (سايكس‬ ‫بيكو) وبقية العالم العربي الى دويالت طائفية على‬ ‫اساس املذهب والعرق والطاقة ال على اساس سياسي‪،‬‬ ‫كما وصفها الكاتب الكبير محمد حسنني هيكل‪ ,‬وذلك‬ ‫إلكمال فرض هيمنة اميركا على املنطقة وإقامة الشرق‬ ‫االوسط اجلديد‪.‬‬ ‫وألن العالم مير في حلظة تاريخية فاصلة بني نظامني‪,‬‬ ‫نظام عاملي جائر أحادي االستقطاب (سقط الى غير‬ ‫رجعة) قادته اميركا واحللف االطلسي بعد انهيار االنحاد‬ ‫السوفياتي السابق للسيطرة على الكون‪ ,‬أورث العالم‬ ‫كوارث وحروبا ً ودمارا ً هائالً وازمة اقتصادية مالية بالغة‬ ‫الدقة أوصلت أميركا إلى حجم دين عام مقداره ‪16.330‬‬

‫تريليون دوالر‪ ،‬أي بنسبة ‪ 109.6%‬من ناجتها اإلجمالي‬ ‫وافلست العالم الرأسمالي وال تزال تداعياتها ماثلة من‬ ‫دون حل‪ ،‬ونظام عاملي جديد قيد التشكل تقوده روسيا‬ ‫والصني ومن خلفهما منظمة شنغهاي للتعاون ودول‬ ‫مجموعة البريكس التي متثل نصف سكان العالم‪,‬‬ ‫مدفوعة بقوة اقتصادية واحتياط نقدي هائل ومبعدل‬ ‫وسطي للنمو جتاوز الـ‪ .8%‬وقد اتخذ هذا احملور االزمة‬ ‫السورية منصة إلسقاط نظام االحادية القطبية وفرض‬ ‫حضوره وإيقاعه السياسي بقوة على املسرح السياسي‬ ‫العاملي عبر ثالثة فيتوات مزدوجة في مجلس االمن‬ ‫حماية لسورية من التدخل اخلارجي ودفاعا ً عن مصاحله‬ ‫في املنطقة‪.‬‬ ‫وألن ثمة انتقاال ً ملركز الثقل االقتصادي والسياسي من‬ ‫الغرب الى الشرق وحتديدا ً الى جنوب آسيا‪ ,‬وما سيترتب‬ ‫عن هذا االنتقال من تبعات اقتصادية وسياسية‬ ‫وعسكرية‪ ،‬والن موقع سورية اجليواستراتيجي كبوابة‬ ‫آسيا الى اوروبا‪ ,‬وهي واحدة من أهم مناطق التداخل‬ ‫بني القوى البرية والبحرية‪ ،‬والقوى اجلوية في العالم بل‬ ‫تشكل جزءا ً حساسا ً للغاية من منطقة مصير العالم‬ ‫التي طرحها املارشال الكسندر دوسيفرسكي عن القوى‬ ‫اجلوية عندما قال‪« :‬إن املنطقة العربية هي املعبر الذي‬ ‫يربط قارتي آسيا وأفريقيا وأوروبا‪ ،‬وهي مفتاح الدفاع‬ ‫اجلوي عن قارتي أفريقيا وأوروبا»‪،‬‬ ‫لهذا تداخلت كل امللفات احمللية والعربية واإلقليمية‬ ‫والدولية في سورية وبات احلل معقدا ً ومركباً‪ .‬وإن أي‬ ‫تفسير مبني على أن ما يجري اآلن من أحداث في بالد‬ ‫الشام بأنه نتيجة ثورة أو بسبب القمع الديناميكي‬ ‫الداخلي املوجود في سورية‪ ,‬ليس فقط تفسيرا ً خاطئا ً‬ ‫بل هو حتريف حقيقي ملا يجري على األرض ويحمل في‬ ‫طياته مغالطات وجتاذبات سياسية متشعبة‪ .‬األزمة‬ ‫السورية هي أول وأهم واخطر أزمة من نوعها في العصر‬ ‫احلديث وتشكل مرحلة متقدمة في مشروع «الشرق‬

‫األوسط اجلديد» لرسم خرائط جديدة للمنطقة على‬ ‫أساس اثني مذهبي تفتيتي إلشعال الفتنة السنية‬ ‫الشيعية والسيطرة على منابع ومسارات الغاز‪ ،‬وقد‬ ‫تؤدي ايضا ً إلى نشوب أول حرب غاز في العالم التي‬ ‫على نتائجها يتقرر من سيتحكم مبصير هذا القرن‪.‬‬ ‫وتسير باجتاه القضاء على محور املقاومة عبر إسقاط‬ ‫(واسطة العقد سورية) مبا متثل كحاضنة وداعمة‬ ‫وكعمق استراتيجي للمقاومة‪ .‬في الواقع الشيء املهدد‬ ‫باخلطر في سورية ليس كيف سيستطيع الرئيس بشار‬ ‫األسد إحالل مبادئ الدميقراطية وتداول السلطة في‬ ‫املؤسسات التي ورثها أو هل سينجح أمراء الوهابية في‬ ‫اخلليج ومن خلفهم اميركا والغرب في القضاء على آخر‬ ‫حكومة علمانية في املنطقة ونشر االسالم الوهابي‪ ,‬بل‬ ‫اخلطر يكمن في حتديد اخلطوط الفاصلة واملصالح بني ]‬ ‫منظمة شنغهاي للتعاون ‪ [ SCO‬بقيادة الصني وروسيا‬ ‫من جهة‪ ,‬واميركا واحلكومات اجلديدة التي شكلتها مع‬ ‫حلف الناتو في املنطقة العربية بعد ركوبهما حصان‬ ‫االخوان املسلمني من جهة اخرى‪.‬‬ ‫ولكي نفهم ماذا يجري في سورية والى اين مآل هذه‬ ‫االزمة‪ ,‬علينا ان ندرس التداخل الدولي واالقليمي‬ ‫والعربي فيها وعليها‪ ,‬فاملنطقة يتجاذبها صراع عاملي‬ ‫على الطاقة منذ بداية القرن املاضي والقوى الكبرى‬ ‫املتنافسة على املوارد ال تهتم حلريات الشعوب وال‬ ‫للدميقراطية وتداول السلطة بل تستغل هذه الشعارات‬ ‫لنهب خيرات االمم وتقسيمها والسيطرة عليها‪ .‬وسورية‬ ‫اصبحت ساحة صراع عاملي‪ ،‬كما وصفها بان كي مون‬ ‫االمني العام لالمم املتحدة والذي اعترف فيه ان االحداث‬ ‫في سورية هي معركة بالنيابة بعد تداخل أخطر ملفات‬ ‫عاملية بها وحولها‪.‬‬ ‫وهذه امللفات هي كالتالي‪:‬‬ ‫االول‪ :‬ملف الطاقة العاملي (الغاز) مصادره وطرق إمداده‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬معركة التحدي بني روسيا واميركة على الغاز‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫والقواعد العسكرية‪ ,‬والصراع على القرن اجلديد وملف‬ ‫النزاع على املناطق االستراتيجية العاملية كوسط آسيا‬ ‫والبحار االربعة واملضائق والبحر االبيض املتوسط والدول‬ ‫املطلة عليه‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬معركة التحدي الصيني ‪ -‬االميركي على‬ ‫االقتصاد والطاقة وطريق احلرير والنظام العاملي اجلديد‬ ‫واحمليط الهادي‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬امللف النووي االيراني ودور ايران االقليمي وامن‬ ‫اخلليج ومسارات الطاقة‪.‬‬ ‫اخلامس‪ :‬التدافع بني ايران وحلفائها والسعودية وقطر‬ ‫وحلفائهما على دور ومستقبل املنطقة‪.‬‬ ‫السادس‪ :‬ملف الصراع التركي ‪ -‬السوري (حزب العمال‬ ‫الكردستاني) و»األحالم» العثمانية املتجددة‪.‬‬ ‫السابع‪ :‬ملف الصراع بني سورية وحزب اهلل من جهة‬ ‫وإسرائيل من جهة اخرى‪.‬‬ ‫الثامن‪ :‬الربيع االسالمي العربي االميركي والنزاع‬ ‫الطائفي في العالم العربي واالسالمي وحتدياته وملف‬ ‫القاعدة واجلماعات املتطرفة ‪.‬‬ ‫هذه امللفات املفصلية واملعقدة واملستعصية اصبحت‬ ‫كلها العبة وحاضرة ومطروحة على نسب مختلفة‬ ‫في كل ابعاد االزمة السورية وتداعياتها بطريقة لم‬ ‫يشهد لها مثيل في العالم منذ انتهاء احلرب الباردة بني‬ ‫القطبيني العامليني االحتاد السوفياتي والواليات املتحدة‬ ‫االميركية حتى اآلن‪ .‬والتي على حلها يتوقف مصير‬ ‫سورية واملنطقة ورسم خرائطها اجلغرافية‪ ,‬ومصير‬ ‫القرن الـ ‪.21‬‬ ‫سنحاول في هذا املقال اإلضاءة على ملف الطاقة‬ ‫العاملي (الغاز) مصادره وطرق إمداده ودوره في احلرب‬ ‫الكونية التي تدور في سورية عليها‪.‬‬ ‫بعد انعقاد قمة االرض في ريوديجينيرو العام ‪1992‬‬ ‫وبحث اسباب االحتباس احلراري وثقب طبقة االوزون‪,‬‬ ‫اعتبر املؤمترون ثاني اوكسيد الكربون مسؤوال ً عن حوالي‬ ‫‪ 45%‬من هذه الظاهرة بسبب استعمال النفط والفحم‬ ‫(‪ )CO2‬ودقوا ناقوس اخلطر وطالبوا العالم بوقف التلوث‬ ‫الناجت عن استعمال النفط كوقود للمصانع والسيارات‬ ‫ولتوليد الكهرباء وطالبوا بالتفتيش عن طاقة نظيفة‬ ‫صديقة للبيئة‪ .‬وبعد اشهر من العام نفسه عقد‬ ‫مؤمتر كيوتو في اليابان وأخذ بتوصيات قمة االرض‬

‫ا�سرتاتيجيا‬ ‫واتفق املؤمترون على استبدال استعمال البترول بالغاز‬ ‫الطبيعي والطاقة املتجددة‪ ,‬ألن الغاز يكاد ان يخلو متاما‬ ‫من ثاني اوكسيد الكربون (‪ . )3%‬في العام ‪ 1994‬حني‬ ‫ق ّرر االحتاد األوروبي إلزام نفسه باتفاقية كيوتو ونتائج‬ ‫قمة األرض في ريوديجينرو التي ُعقدت قبل عامني‬ ‫من هذا التاريخ‪ ،‬وبسبب التطور الصناعي الهائل في‬ ‫الصني والهند واعتمادهم على الغاز كطاقة بديلة‪.‬‬ ‫بدأت تتغ ّير خرائط الطاقة في العالم‪ .‬فالطلب العاملي‬ ‫على مصادر الطاقة األولية من املتوقع أن ينمو بقوة‬ ‫على مدى العقدين املقبلني نظرا لتوقعات زيادة النمو‬ ‫االقتصادي بنسبة ‪ 3%‬وزيادة تعداد السكان في العالم‬ ‫بحوالي ‪ 1,700,000,000‬نسمة‪ .‬ومن املتوقع أن يلعب‬ ‫الغاز الطبيعي دورا ً مهما ً في تلبية جانب مهم من هذا‬ ‫الطلب املتزايد على الطاقة‪ .‬وفي هذا اجلانب أصدرت‬ ‫وكالة الطاقة الدولية العام ‪ 2011‬تقريرا ً خاصا ً عن‬ ‫توقعات الطاقة العاملية بعنوان <>هل نحن ندخل العصر‬ ‫الذهبي للغاز؟>>‪ ،‬ويرتبط التقرير حتديدا ً باالستخدامات‬ ‫احلالية واملستقبلية للغاز الطبيعي ‪.‬‬ ‫ووفقا ً لسيناريو وكالة الطاقة الدولية اجلديد‪ ،‬ميكن‬ ‫أن يصبح الغاز الطبيعي ثاني أكبر مصدر للطاقة في‬ ‫العالم‪ ،‬حيث إن الطلب العاملي على الغاز من املتوقع أن‬ ‫ينمو بنسبة تزيد عن ‪ % 60‬بحلول العام ‪ 2035‬وسيكون‬ ‫هذا النمو على حساب النفط والفحم‪ .‬هذا باإلضافة‬ ‫الى حتسن تكنولوجيا توربينات الغاز وارتفاع كفاءة‬ ‫الدورة املركبة في توليد الكهرباء بالغاز الطبيعي الذي‬ ‫جعل منه املصدر املفضل لتحسني الكفاءة ووصولها‬ ‫الى ‪ 60%‬باملقارنة بأعلى كفاءة لتوليد الكهرباء اعتمادا‬ ‫على الفحم والبالغة ‪ .47%‬وسيزيد الطلب على الغاز‬ ‫كثيرا حني يتوسع استعماله فى قطاع النقل‪ ,‬رغم‬ ‫ان التوسع في استهالك الغاز في هذا قطاع ال يزال‬ ‫بطيئا جدا اآلن على الرغم من مزاياه املفضلة باملقارنة‬ ‫بالغازولني والديزل‪ ,‬حيث هناك فقط ‪ 12‬مليون سيارة في‬ ‫العالم تستعمل الغاز وتستهلك ‪( 20‬ب‪.‬م‪.‬م) في السنة‬ ‫اي اقل من واحد في املئة من مجموع استهالك وقود‬ ‫النقل‪ ,‬والتوقعات ان يصل عدد السيارات التي تستعمل‬ ‫الغاز العام ‪ 2035‬الى ‪ 70‬مليون سيارة‪.‬‬ ‫فالتزام اوروبا باتفاقية (كيوتو) جعلت أهمية الغاز‬ ‫الطبيعي تسير بسرعة ألنه «مصدر نظيف للطاقة»‬ ‫وهو األمثل الستبدال محطات توليد الكهرباء العاملة‬ ‫على الفحم والطاقة النووية في اإلحتاد األوروبي‪ ،‬وخاصة‬ ‫بعد القرار األملاني بالتخلص من احملطات النووية بعد‬ ‫كارثة فوكوشيما‪ .‬وألن الغاز مصدرا ً أكثر صداقة للبيئة‬ ‫من جهة إنبعاث الكربون‪ .‬اصبح استعماله السبيل‬ ‫الواقعي الوحيد أمام حكومات االحتاد األوروبي‪ ،‬من أملانيا‬ ‫إلى فرنسا إلى إيطاليا إلى أسبانيا‪ ،‬لتلبية شروط‬ ‫تخفيض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون اإلجبارية بنسبة‬ ‫اقلها ‪ 20%‬بحلول العام ‪ 2020‬وفق توصية منظمة‬ ‫الطاقة العاملية‪ .‬وهو حتول كبير نحو استهالك الغاز‬ ‫بدال ً من الفحم‪ ,‬اذ يقلل الغاز من انبعاث ثاني أكسيد‬ ‫الكربون بنسبة ‪ % 50-60‬مقارنة بالفحم‪ .‬ونظرا ً لكون‬ ‫التكلفة االقتصادية الستخدام الغاز بدال ً من طاقة‬ ‫الرياح أو أي مصدر بديل للطاقة هي أقل بكثير‪ ،‬يرتقي‬

‫الغاز بشكل متسارع ليصبح مصدر الطاقة الرائج في‬ ‫االحتاد األوروبي‪ ،‬أكبر سوق ناشئ للغاز في العالم‪.‬‬ ‫وكذلك زاد الطلب على الغاز ألن استراتيجية خطة‬ ‫تنمية الطاقة في الصني لألعوام ‪ ،2015 - 2011‬تعكس‬ ‫حتوال ً في السياسة يهدف إلى إعطاء دور أكبر للغاز‬ ‫الطبيعي في مزيج الطاقة في الصني‪ .‬واخلطة الصينية‬ ‫اخلمسية الـ ‪ 12‬لتطوير قطاع صناعة الطاقة تركز‬ ‫على التنظيم الهيكلي لقطاع الطاقة‪ ،‬حتسني كفاءة‬ ‫استخدام الطاقة‪ ,‬وخفض االنبعاثات وبذل مزيد من‬ ‫اجلهد في تطوير الطاقات النظيفة‪ ،‬وهذا ينطوي على‬ ‫زيادة نسبة الغاز في مزيج الطاقة إلى ‪ 8.3‬في املائة‬ ‫بحلول العام ‪ 2015‬مقارنة بـ ‪ 5.3‬في املئة في اخلطة‬ ‫السابقة‪ .‬في هذا اجلانب تتوقع وكالة الطاقة الدولية‬ ‫أن يصل استهالك الصني من الغاز إلى ‪ 247‬مليار متر‬ ‫مكعب بحلول عام ‪ 2015‬وإلى ‪ 634‬مليار متر مكعب‬ ‫في العام ‪ 2035‬من ‪ 85‬مليار متر مكعب في العام ‪.2008‬‬ ‫وستستمر الصني في استيراد أكثر من نصف‬ ‫احتياجاتها من الغاز الطبيعي بحلول العام ‪ ،2035‬على‬ ‫الرغم من أنها من املتوقع أن تصبح واحدة من أكبر‬ ‫منتجي الغاز في العالم‪.‬‬ ‫وفي هذا اجلانب يشير تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى‬ ‫أن جتارة الغاز في العالم ستنمو أكثر من الضعف‪،‬‬ ‫وإن الزيادة في الطلب على الغاز مبقدار ‪ 620‬مليار متر‬ ‫مكعب سيتم تزويدها بصورة متساوية تقريبا عبر‬ ‫خطوط أنابيب الغاز وعن طريق شحنات الغاز الطبيعي‬ ‫املسال‪ .‬وإن اإلنتاج السنوي العاملي من الغاز الطبيعي‬ ‫من املتوقع أن يزداد مبعدل ‪ 1.8‬تريليون متر مكعب بحلول‬ ‫العام ‪ ،2035‬أي ما يعادل ثالثة أضعاف اإلنتاج احلالي من‬ ‫الغاز الروسي‪.‬‬ ‫وألن النفط اصبحت مادة مستنفدة‪ ،‬حيث تشير‬ ‫توقعات وكالة الطاقة الدولية الى أنها ستبدأ بالنضوب‬ ‫العام ‪ 2040‬وستنتهي العام ‪ . 2065‬والن احتياطات الغاز‬ ‫احلالية تكفي لـ‪ 120‬عاما في مستوى االستهالك احلالي‪,‬‬ ‫اما جميع االحتياطات القابلة لالنتاج قد تزيد على ‪250‬‬ ‫سنة وهذا وفق الوكالة نفسها‪ .‬والن اوروبا تعتمد على‬ ‫الغاز الروسي كمصدر اساسي للطاقة بغياب اي مصدر‬ ‫بديل منافس‪ ,‬والن الترتيب العاملي للغاز كان يتأرجح بني‬ ‫روسيا وتركمانستان واذربيجيان وجورجيا وإيران وقطر‪،‬‬ ‫وباتت الدراسات تتحدث عن ترتيب جديد يق ّره واقع اخملزون‬ ‫االستراتيجي اجلديد حيث أوال ً روسيا‪( :‬في حوض غرب‬ ‫قدر بـ‪ 643‬تريليون قدم مكعب)‬ ‫سيبيريا باحتياطي يُ ّ‬ ‫وثانيا ً الربع اخلالي (‪ 426‬تريليون قدم مكعب) ‪ +‬حقل‬ ‫غوار الكبير شمال شرق السعودية (‪ 227‬تريليون قدم‬ ‫مكعب)‪ ،‬وثالثا ً غاز البحر األبيض املتوسط ‪ 345‬تريليون‬ ‫‪ 5.9 +‬مليار برميل من الغازات السائلة ‪ 1.7 +‬مليار برميل‬ ‫من النفط‪ّ ،‬‬ ‫تتحدث دراسات‬ ‫وجل ذلك في سورية‪ ،‬حيث‬ ‫ّ‬ ‫أخرى عن أن ما يُرى في البحر املتوسط مركزه في سورية‬ ‫وأن اكتشاف حقل «قارة» قرب حمص مبا يحقق ‪400‬‬ ‫ألف متر مكعب يوميا ً ومبخزون يقدر بـ(‪ 437‬م م ًم) قد‬ ‫حسم أمر واقع ثراء سورية بالطاقة وصوال ً إلى إعطائها‬ ‫املرتبة األولى‪ ،‬ورابعا ً حزام حقول الغاز على امتداد اخلليج‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬ ‫العربي (حزام زاغراوس) من إيران إلى العراق (‪ 212‬تريليون‬ ‫قدم مكعب) ‪.‬‬ ‫والن انتقال الغاز إلى البحر املتوسط يستوجب املرور عبر‬ ‫سورية كما أن اختيار إيران طريق العراق ثم سورية فالبحر‬ ‫املتوسط لنقل الغاز وفق االتفاقية التي عقدتها مع‬ ‫الرئيس االسد العام ‪ 2011‬بتكلفة ‪ 10‬مليارات دوالر ويبدأ‬ ‫ضخ الغاز بعد ثالث سنوات‪ ,‬قد أطاح مشروع األميركيني‬ ‫(غاز نابوكو العابر لألناضول وهو ممر مخصص لنقل الغاز‬ ‫الطبيعي من أذربيجان عبر جورجيا وتركيا وصوال ً إلى‬ ‫أوروبة مجانبا ً روسيا)‪ ,‬وأطاح ايضا ربط مشروع الغاز‬ ‫العربي الذي ينقل الغاز القطري واملصري واإلسرائيلي‬ ‫من االردن عبر سورية الى تركية لوصله بانبوب نابوكو‪.‬‬ ‫وثبت مشروعي السيل الشمالي واجلنوبي الروسيني‬ ‫مع ما يضاف لهما من استثمارات في شرقي املتوسط‬ ‫كأولوية على حساب األميركيني والغرب في تنافس على‬ ‫قسمة دولية سيتعني على اساسها من يتحكم بالقرن‬ ‫الـ‪ 21‬سياسيا واستراتيجيا‪ ،‬حيث ينحسر االستثمار‬ ‫األميركي في اسرائيل وقبرص وهم يلهثون وراء الغاز‬ ‫والنفط اللبنانيني بعد ضياع فرصة الغاز السوري‪.‬‬ ‫والن الغاز فعليا ً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد‬ ‫والعشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع‬ ‫احتياطي النفط عامليا ً أو من حيث الطاقة النظيفة‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬فإن السيطرة على مناطق االحتياطي (الغازي)‬ ‫في العالم يعتبر بالنسبة للقوى القدمية واحلديثة‬ ‫أساس الصراع الدولي في جتلياته اإلقليمية‪.‬‬ ‫فالنفط والغاز العربي حلم أميركي قدمي ـ جديد‪.‬‬ ‫واميركا مسيطرة كليا ً على نفط اخلليج عبر قواعدها‬ ‫العسكرية واساطيلها املتواجدة في املنطقة‪ ,‬وحروب‬ ‫العراق وأفغانستان وليبيا وسورية تندرج حتت عنوان‬ ‫حتقيق هذا «احللم»‪.‬‬ ‫وللتأكد من ذلك وبعد التفتيش في ملفات املسؤولني‬ ‫األميركيني ندرك األسباب الكامنة وراء احلروب الطويلة‬ ‫التي خاضتها واشنطن على امتداد العقدين املاضيني‪.‬‬ ‫وفي عودة سريعة إلى تصريحات من كانوا في سدة‬ ‫القرار االميركي إبان احلروب‪ ،‬نرى ان سببني يتكرران دائما ً‬ ‫في اسباب كل حرب‪ ،‬سرا ً وعلنا ً وهما‪( :‬النفط والغاز‬ ‫الطبيعي)‪.‬‬ ‫احلرب األميركية على العراق كان سببها النفط‪ .‬كالم‬ ‫آالن غريسبان وجون ماكني وجورج بوش وسارة بالني‬ ‫ومسؤولي مجلس األمن القومي وغيرهم يثبت ذلك‪.‬‬ ‫ديك تشيني‪ ،‬نائب الرئيس األميركي السابق جورج بوش‪،‬‬ ‫اعتبر حقول النفط العراقية أولوية في مجال األمن‬ ‫القومي األميركي حتى قبل أحداث ‪ 11‬أيلول‪ .‬وتؤكد‬ ‫«صنداي هيرالد» نقالً عن مسؤولني أن واشنطن كانت‬ ‫حتشد قبل خمسة أشهر من ‪ 11‬أيلول الستخدام القوة‬ ‫ضد العراق بغاية تأمني حقول النفط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتؤكد «بي بي سي» نقالً عن مسؤول باكستاني رفيع‬ ‫املستوى كشف أن مسؤولني أميركيني أكدوا له في‬ ‫منتصف متوز العام ‪ 2001‬أن احلملة على أفغانستان‬ ‫ستبدأ في منتصف تشرين األول من العام ذاته‪ .‬وهو واقع‬ ‫أثبتته قناة «أن بي سي» األميركية نقالً عن مسؤولني‬ ‫أميركيني أكدوا أن بوش كان يخطط للمصادقة على‬

‫ضد «القاعدة» قبل‬ ‫خطط مفصلة خلوض حرب عاملية ّ‬ ‫يومني من اعتداء ‪ 11‬أيلول‪ .‬ووفقا ً ملسؤولي استخبارات‬ ‫فرنسيني‪ ،‬كانت أميركا تستعد للسيطرة على خط‬ ‫إمداد مير عبر أفغانستان لنقل النفط من آسيا الوسطى‬ ‫بشكل أسهل وأقل تكلفة‪ .‬ويلفت هؤالء إلى أن‬ ‫األميركيني قالوا لـ«طالبان» آنذاك «ميكنكم إما احلصول‬ ‫على بساط من الذهب أو بساط من القنابل»‪ ،‬اخليار األول‬ ‫إذا سمحوا لألميركيني بحرية التصرف مع خط اإلمداد‬ ‫والثاني في حال العكس‪ .‬وتثبت هذه احلقيقة وثائق‬ ‫نشرها كتاب‪ ،‬طبع في فرنسا العام ‪ ،2002‬يفضح خفايا‬ ‫املفاوضات السرية بني واشنطن وطالبان‪.‬‬ ‫وصل األميركيون واالطلسي إلى ليبيا ألجل النفط أيضا‪ً.‬‬ ‫ويقول عضو الكونغرس االميركي إد ماركي في حديث‬ ‫إلى قناة «أن بي سي» األميركية «حسناً‪ ،‬نحن في ليبيا‬ ‫ألجل النفط‪ .‬وأعتقد أن هذا االعتماد على واردات النفط‬ ‫عوامل سلطت الضوء على حاجة الواليات املتحدة إلى‬ ‫اعتماد أجندة جديدة للطاقة»‪ .‬بدوره‪ ،‬وافق السيناتور‬ ‫ليندسي غراهام على أن وجود األميركيني في ليبيا مهم‪،‬‬ ‫حيث هناك مال كثير لصناعة مستقبل ليبيا‪ ،‬كما‬ ‫هناك الكثير من النفط لإلنتاج‪.‬‬ ‫ولكن املعركة ليست متعلقة بالنفط فحسب‪،‬‬ ‫بل بالغاز الطبيعي كذلك‪ .‬وبالقدر ذاته‪ .‬وكما قال‬ ‫«مهندس احلرب» جون بولتون العام املاضي عن منطقتنا‬ ‫إنها «منطقة إنتاج النفط والغاز الطبيعي‪ ،‬املهمة‬ ‫واحلساسة‪ ،‬التي حاربنا فيها ألجل حماية مصاحلنا‬ ‫من التأثير السيئ للعدو الذي يجعلنا إما نخسر إمداد‬ ‫النفط والغاز الطبيعي أو نحصل عليه بأسعار باهظة‬ ‫التكلفة»‪.‬‬ ‫وفي تقرير مط ّول نشرته مدونة «واشنطن بلوغ»‬ ‫املعروفة‪ ،‬مرفقا ً بالوثائق واملستندات واخلرائط‪ ،‬ربطا ً‬ ‫باألزمة السورية‪ .‬وبعد استعادة تفصيلية حلروب سابقة‬ ‫ارتبطت بالنفط والغاز الطبيعي‪ ،‬وصل التقرير إلى‬ ‫سورية ليؤكد أن ما يجري فيها مرتبط بصراع دولي‬ ‫مرتبط بدوره مبوقع سورية احليوي مبشروع خط الغاز‬ ‫العربي املمتد على ‪ 1200‬كلم‪ .‬يُذكر أن خط الغاز العربي‬ ‫هو خط لتصدير الغاز املصري لدول املشرق العربي‬ ‫ومنها إلى أوروبا‪ .‬وتتضمن اخلطة إنشاء خط من مدينة‬ ‫العريش في شمال سيناء إلى العقبة في جنوب األردن‬ ‫واجلزء الثاني من املشروع يصل بني العقبة والرحاب في‬ ‫األردن‪ ،‬والتي تبعد ‪ 24‬كلم عن احلدود السورية‪ .‬أما اجلزء‬ ‫الثالث للخط فطوله ‪ 324‬كلم من األردن إلى دير علي‬ ‫في سورية‪ ،‬ومن هناك سيمتد ليصل إلى قرية رايان الى‬ ‫تركيا‪ .‬وفي العام ‪ 2006‬مت االتفاق بني مصر وسورية واألردن‬ ‫ولبنان وتركيا ورومانيا على توصيل خط الغاز إلى احلدود‬ ‫السورية ‪ -‬التركية ومن هناك سيتم وصله بخط غاز‬ ‫نابوكو ليوصل بالقارة األوروبية‪ .‬وكانت سلطات مصر‬ ‫واألردن ولبنان وسورية قد اتفقت في العام ‪ 2004‬مع‬ ‫العراق على توصيل خط الغاز العربي مع العراق لتصدير‬ ‫الغاز العراقي ألوروبا أيضاً‪.‬‬ ‫ما سبق يوضح أن تغيير النظام السوري كان مخططا ً‬ ‫له‪ ،‬كما احلال مع العراق وليبيا ولبنان والصومال‬ ‫والسودان وإيران‪ ،‬منذ ‪ 20‬سنة مضت‪ .‬وبالطبع إن الدور‬

‫املركزي لسورية في خط الغاز االيراني عبر العراق اليها‪,‬‬ ‫وخط الغاز العربي يفسر ملاذا أصبحت اليوم مستهدفة‪.‬‬ ‫وكما متّ وضع «طالبان» على الئحة االستهداف األميركي‬ ‫بعدما طلبت الكثير مقابل خط إمداد «يونوكال»‪ ،‬هكذا‬ ‫يتم استهداف األسد ألنه «العب غير جدير بالثقة»‬ ‫بنظرهم‪ .‬وما يعزز هذا االستهداف هو أن تركيا وإسرائيل‬ ‫وأميركا وقطر يريدون تدفقا ً آمنا ً للغاز الطبيعي عبر‬ ‫سورية‪ ،‬وال يريدون نظاما ً سوريا ً ال يدين بالوالء الكامل‬ ‫لهم مهددا ً بقطع الطريق على اإلمدادات أو بطلب‬ ‫مقابل باهظ التكلفة‪.‬‬ ‫اخيرا يبدو ان احلرب الكارثية في سورية مقبلة على‬ ‫مفترق خطير بعد تعذر احلسم ضد القوى التكفيرية‪,‬‬ ‫وقد تفجر املنطقة برمتها ان لم حتسم بتسوية حتفظ‬ ‫وحدتها وتأخذ مبصالح القوى الالعبة على الساحة‬ ‫السورية وحتديدا ملف الغاز ومساراته النه مسألة‬ ‫حياة او موت بالنسبة لروسيا والصني وايران‪ ,‬والتسوية‬ ‫معقدة وصعبة رغم ما يحكى عن توافق اميركي روسي‬ ‫على احلل‪ .‬اميركا واتباعها حولت سورية الى مطمر‬ ‫لتنظيم القاعدة عبر جتميعهم للقتال فيها بواسطة‬ ‫تركيا ودول اخلليج‪ ,‬مستهدفة تدميرها وتفتيتها فإن‬ ‫سحقه النظام تكون اميركا تخلصت منها وانهكت‬ ‫النظام ودمرته‪ .‬وان انتصرت القوى التكفيرية وهذا‬ ‫مستحيل تكون اميركا قد تخلصت من نظام ممانع‬ ‫يعطل مشاريعها في املنطقة‪ .‬ما اشبه ما يجري اآلن‬ ‫في سورية مبا جرى بداية القرن املاضي ابان احلرب العاملية‬ ‫االولى يوم استغلت قوى االستعمار ممثلة ببريطانيا‬ ‫وفرنسا في ذلك الوقت سياسة التتريك التى اتبعها حزب‬ ‫االحتاد والترقي الذي كان يحكم االمبراطورية العثمانية‪,‬‬ ‫وما جلبه من مظالم وقتل وجتويع على شعوب املنطقة‪,‬‬ ‫لتبرير تدخلها لتحقيق مطالب الشعوب املظلومة‬ ‫فقسمت املنطقة عبر اتفاقية سايكس بيكو العام‬ ‫‪ ,1916‬وزرعت اسرائيل في املنطقة عبر وعد بلفور‬ ‫العام ‪ 1917‬خدمة ملصاحلها لتفتيتها وللسيطرة على‬ ‫ثروات املنطقة من النفط‪ ،‬متناسية ومسقطة مطالب‬ ‫الشعوب باحلرية واالستقالل‪ .‬ويبدو ان معاهدة سايكس‬ ‫بيكو قد استنفدت اهدافها والصراع على الغاز (منابعه‬ ‫ومساراته) يستدعي سايكس بيكو جديدة لتقسيم‬ ‫املقسم الى دويالت اثنية عرقية تخدم توزيع منابع الغاز‬ ‫ومساراته بني القوى العظمى اجلديدة فال ميكن فهم‬ ‫املشاريع السياسية التى حتاك على سورية واملنطقة‬ ‫دون االحاطة بخلفياته التاريخية والسايكس بيكوية‪.‬‬ ‫وال ميكن للتحليل السياسي اال ان يربط بني تأجيج‬ ‫النزاعات الطائفية في سورية وجوارها واحلرب الدولية‬ ‫االقليمية احملتدمة على اراضيها واكتشافات الغاز في‬ ‫سورية وشرق املتوسط مع املصالح الدولية للسيطرة‬ ‫مجددا ً على ثروة الغاز‪.‬‬ ‫مشكلة شعوبنا انها تنسى او تتناسى استغالل الغرب‬ ‫االستعماري وتأجيجه للحروب للطائفية واملذهبية في‬ ‫املنطقة منذ العام ‪ 1840‬حتى اآلن لتبرير تدخله فيها‬ ‫لنهب خيراتها‪ .‬ففي تاريخ امتنا الكثير من العبر من‬ ‫جتاربنا الكارثية مع االستعمار‪ ،‬ولكن لألسف املعتبرون‬ ‫قالئل‪.‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫ندوة‬

‫مطبع مع التجزئة‬ ‫رشيد‪ :‬يحاولون اصطناع فلسطيني جديد ّ‬ ‫سعادة ّ‬ ‫بدعوة من «تحوالت» عقد لقاء حواري‬ ‫مع الكاتب والناشط في فلسطين سعادة‬ ‫رشيد وهو عضو في المنتدى‬ ‫مصطفى ّ‬ ‫الثقافي في رام اهلل‪ .‬وحول مستجدات‬ ‫المسألة الفلسطينية‪ ،‬ق ّدم المداخلة التالية‪:‬‬ ‫منذ توقيع اتفاق اوسلو العام ‪ 93‬بدأت القيادة‬ ‫الفلسطينية بتشكيل مواطن فلسطيني على‬ ‫قياسها‪ ,‬فقد كان من الواضح ان هذا االتفاق املشؤوم‬ ‫والذي أقيمت السلطة الفلسطينية وعادت القيادة‬ ‫الفلسطينية الى الضفة وغزة مبوجبه‪ ,‬كان في احلقيقة‬ ‫حالً لقيادة املنظمة التي كانت قبل ذلك تعيش حالة‬ ‫من التآكل والتعفن‪ ,‬فأعادها هذا االتفاق الى احلياة‪,‬‬ ‫ولكن هذا لم يكن حالً للشعب الفلسطيني الذي رأى‬ ‫فيه تنازال ً وتفريطا ً وبيعا ً رخيصاً‪.‬‬ ‫قبل اوسلو كان املشغل االول في سوق العمل هو‬ ‫العمل داخل فلسطني الـ‪ 48‬وملصلحة املستوطنات‬ ‫والشركات (اإلسرائيلية)‪ .‬اما بعد قيام السلطة فقد‬ ‫قامت القيادة الفلسطينية بتوظيف أعداد مهولة‬ ‫من املوظفني لتجعل من ذاتها املشغل االول في حني‬ ‫اقيمت احلواجز بني الضفة ومناطق الـ‪ 48‬وبدء توافد‬ ‫عمالة آسيوية وافريقية شرعية وغير شرعية لتحل‬ ‫محل العامل الفلسطيني‪ .‬بذلك اصبح الفلسطيني‬ ‫رافضا ً التفاق اوسلو ونهج القيادة املتنفذة في مشاعره‪،‬‬

‫ولكنه رهينة لها في قوت يومه‪ ,‬وترافق ذلك مع انتشار‬ ‫اجلمعيات غير احلكومية وتنافسها مع السلطة على‬ ‫عملية افساد الفلسطيني او صناعة الفلسطيني‬ ‫اجلديد‪.‬‬ ‫في مرحله ما بعد عرفات خطت السلطة خطوات‬ ‫واسعة في عملية بناء الفلسطيني اجلديد مبا فيها‬ ‫إحاالت على التقاعد يتقاضى فيها املتقاعد الراتب ذاته‬ ‫الذي كان يتقاضاه وهو على رأس عمله مع مكافأة نهاية‬ ‫اخلدمة‪ ,‬كذلك تعليمات للبنوك لتسهيل القروض‬ ‫للموظفني من اجل شراء سلع غير مفيدة او منتجة‬ ‫مثل السيارات واجهزة احلاسوب واملفروشات مما جعل‬ ‫املوظفني مرتهنني للراتب اآلتي عبر السلطة من اموال‬ ‫الضرائب (القيمة املضافة) التي جتنيها (اسرائيل) على‬ ‫السلع الفلسطينية من اجلهات املانحة سواء أكانت‬ ‫دوال ً ام منظمات دولية ام بنوكا ً تعمل مبنطق املرابي‬ ‫التقليدي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(االسرئيلي) ال يريد ان يعطي شيئا في الضفة وقد‬ ‫اوعز ليبرمان إلى موظفي خارجيته بضرورة البحث عن‬ ‫صيغة حل انتقالي بعيد املدى (او مؤبدة) يرث اتفاق‬ ‫اوسلو على ان يحافظ على اهم ما في اوسلو من‬ ‫تنسيق امني جعل من السلطة الفلسطينية وكيالً‬ ‫او أجيرا ً لالحتالل وعلى اتفاق باريس االقتصادي الذي‬ ‫يحول دون أي عملية تطور حقيقي لالقتصاد ويجعل‬ ‫من االقتصاد الفلسطيني تابعا ً ملحقا ً (باالسرائيلي)‬ ‫وسوقا ً لنفاياته‪.‬‬ ‫عباس في هزيعه األخير دوليا ً – إسرئيليا ً – عربيا ً –‬ ‫فلسطينيا ً ‪-‬وفتحاويا ً وال يطيل في بقائه السياسي اال‬ ‫تعثر عملية انضاج البديل وتفاصيل سيناريو رحيله‪,‬‬ ‫ورمبا كان في اعالن الدولة وما رافق ذلك من مهرجانات‬ ‫واغان حماسية ما يجعل الوقت مريحا ً إلنضاج‬ ‫خطابية‬ ‫ٍ‬

‫بديل‪ .‬وقد يكون في نهاية املطاف البديل دولة ال‬ ‫شخص واقصد في هذه احلالة اخليار االردني‪ ,‬ومن اجلدير‬ ‫مالحظته أن االخوان املسلمني بتنظيمهم الكبير‬ ‫الدولي او بفروعهم االردني (جبهة العمل االسالمي) او‬ ‫الفلسطيني (حركه حماس) لم يعترفوا او يقبلوا بقرار‬ ‫فك االرتباط القانوني واإلداري للضفة الغربية عن االردن‬ ‫العام ‪ 1988‬واعتبروه باطالً من النواحي السياسية‬ ‫واحلقوقية‪ ,‬أالحظ ذلك بعني وبأخرى احلراك االخواني‬ ‫في االردن‪ ,‬فهل سيكون احياء اخليار االردني قرارا ً ملكيا ً‬ ‫ام اخوانياً؟‬ ‫اعالن الدولة يعني في ما يعنيه أننا سلمنا للعدو‬ ‫بـ ‪ %78‬من االرض ولم تسلم لنا هي بـ‪ %22‬الباقية‬ ‫وامنا الباقي هو أمر متنازع عليه ويحل بالتفاوض‪,‬‬ ‫ويعني ايضا ً ان الدولة املعترف بها بصفة مراقب متثل‬ ‫مواطنيها (الضفة وغزة) وهم ‪ %40-35‬من الشعب‬ ‫القلسطيني وال متثل ‪ %65‬من باقي الشعب‪ ,‬وتعني‬ ‫أن حق العودة سيكون للدولة الفلسطينية وليس‬ ‫الى فلسطني فابن حيفا ويافا سوف يعود ال الى بلده‬ ‫وامنا ألراضي الدولة غير املعروفة حتى اللحظة‪ ,‬ومن‬ ‫اجلدير مالحظته ان اجملتمع (االسرئيلي) ينزاح بحدة نحو‬ ‫مزيد من التطرف‪ ،‬االمر الذي يعني ان الطغمة احلاكمة‬ ‫مرشحة للبقاء سنوات ال نعلم مدتها‪ ،‬ولن يسمح‬ ‫بدولة او سيادة في الضفه الغربية والتي قد اصبحت‬ ‫بحكم الواقع حتت سيطرة مباشرة على اكثر من ‪%60‬‬ ‫منها جدارا ً واستيطانا ً ومناطق امنية ومتارس سيطرة‬ ‫عبر السلطة على الباقي املهشم وغير املترابط األجزاء‪.‬‬ ‫فهل ستكون الدوله في غزة فقط‪ ,‬رمبا مع اضافات من‬ ‫سيناء االمر الذي تردد اوال في ايام حسني مبارك ثم تردد‬ ‫مؤخرا ً على لسان املرشد حول اسكان فلسطينيني في‬ ‫سيناء؟‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫بعد «البحار الخمسة»‬ ‫حرب المئة عام طائفياً‪ ...‬بدأت!‬

‫ما زالت سوريا كدولة متماسكة ذاتياً‪ ،‬جيشاً‬ ‫ودولة‪ ،‬العقبة األساس بوجه مشروع نابوكو‬ ‫وتوظيف اإلخوان المسلمين في نهب مواردنا‬ ‫بإمارة المرشد لمصلحة الغرب‬

‫امين الذيب‬ ‫منذ ما يزيد عن ثالثني عاما‪ ،‬اوصت مراكز الدراسات‬ ‫الغربية خاصة االميركية منها‪ ،‬بضرورة اعتماد‬ ‫اساليب جديدة لتحقيق استكمال السيطرة على‬ ‫روسيا ودول الشرق ونفطهما وخزين الغاز الهائل‬ ‫املوجود في تلك املناطق من العالم‪ .‬الدراسات‬ ‫أجمعت على ضرورة إلغاء ذاكرة الشعوب‪ ،‬لفصلها‬ ‫عن تاريخها وحضارتها وثقافتها وتقاليدها‪ ،‬فشعوب‬ ‫بال ذاكرة هي شعوب تفقد حسها الوطني وانتماءها‬ ‫لقضاياها التي تُستبدل‪ ،‬حسب التوصيات‪ ،‬بتفاهات‬ ‫ُمغرية حترف انتباه هذه الشعوب عن قضاياها‬ ‫املصيرية وإشغالها بشعارات طنّانة مثل احلرية‬ ‫والدميقراطية‪ ،‬وتوظيف حراكها مبا يخدم املصالح‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫جون كيري والليبراليون اجلدد أوصوا باحتواء‬ ‫االسالميني واستقطابهم كقوة موجودة لديها‬ ‫طموح بالسلطة‪ ،‬تصلُح الن تكون رافعة املشروع‬ ‫االميركي الذي يسعى لتثبيت نفوذه العاملي‪ ،‬ومترير‬ ‫مشروع الشرق االوسط اجلديد‪ ،‬القائم على تطوير‬ ‫اتفاقية سايكس ـ بيكو بإحداث املزيد من التفتيت‬ ‫والتجزئة واعتماد انشاء دويالت طائفية ومذهبية‬ ‫تسير على االيقاع االميركي – االسرائيلي‪ ،‬يكون‬ ‫لتركيا دور وحصة فيها من خالل تنصيب العدالة‬ ‫كراع ومس ّوق لهذه النظرية التي اعت ُِم َدت‬ ‫والتنمية‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫فيها سياسة الفوضى اخلالقة املوصى بها من‬ ‫ِقبل وزيرة اخلارجية االميركية السابقة كونداليسا‬ ‫رايس‪.‬‬ ‫وقائع االحداث على الساحتني العربية واالسالمية‬ ‫أعادت الى الذاكرة اخملاض االوروبي وصراعاته وحروبه‬ ‫الدامية التي استمرت عشرات السنوات‪ ،‬الى ان‬ ‫استطاع االوروبيون تكوين دولتهم السياسية احلديثة‬ ‫على انقاض الدولة القدمية اخلاضعة لنفوذ رجال‬ ‫قدس‬ ‫الدين وسلطة الكنيسة‪ .‬جتاوز االوروبيون امل ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫شكل عائقا ً امام تطور‬ ‫بتجاوزهم املاضي الذي‬ ‫املجُ تمعات وابقائها خارج سياق التق ٌّدم التاريخي‪،‬‬ ‫وبسقوط الكنيسة كسلطة إلهية ـ دنيوية‬ ‫تستمد سلطاتها من اهلل‪ ،‬والتي مارست اعتى‬ ‫انواع الظلم والديكتاتورية والتعسف لتحافظ على‬ ‫مكاسبها املادية املُتمثلة بالغنى والثروات الهائلة‬ ‫التي جنتها من لقمة الفقراء و ُمصادرة امالكهم‬ ‫واراضيهم تعسفاً‪ .‬استطاع االصالحيون بناء الدولة‬

‫احلديثة القائمة على العدالة واحلرية واملواطنية‬ ‫في ظل القوانني الوضعية التي اتاحها العقل‬ ‫كمتحول يتطور بتطور احلياة االقتصادية ـ‬ ‫املدني ُ‬ ‫االجتماعية والسياسية ـ القومية‪.‬‬ ‫بقي العرب في حالة ركود حضاري رغم بعض االجنازات‬ ‫سمي عصر النهضة‪،‬‬ ‫زمن ُ‬ ‫الطفيفة التي حدثت في ٍ‬ ‫والتي لم تستطع ان تؤسس دولة سياسية متينة‬ ‫متتلك مواصفات االستمرار والتج ُدد‪ ،‬حيثُ شهد‬ ‫العصر العباسي تراخيا في مركزية الدولة قابله‬ ‫تنام وشبه استقاللية في االطراف نشأ عنها منازع‬ ‫ٍ‬ ‫استقاللية انفصالية هددت بسقوط النفوذ العربي‬ ‫كقوة حضارية محورية بفعل استمرار القيم التي‬ ‫استمرت في ثقافة البداوة رغم معايير االسالم‬ ‫الناشئة والتي كان من املُفترض ان تحُ ِدث نقلة نوعية‬ ‫في تطوير املفاهيم مبا يتالءم مع املعايير الثورية التي‬ ‫أطلقها االسالم في ركود النمط اجلاهلي كحالة‬ ‫تغييرية تطويرية تنقله من حالة البداوة الى حالة‬ ‫احلضارة‪.‬‬ ‫في العصر االموي الذي بسطت الدولة فيه‬ ‫سلطتها على االطراف غير ان حركة التطور توازت‬

‫بني نقيضني‪ ،‬االصالحات ومتثلت بانشاء نظام البريد‬ ‫ومد اقنية الري والطرقات وانشاء الدواوين مستفيدة‬ ‫من اخلبرات الهائلة التي كان يتمتع بها السكان‬ ‫احملليون‪ ،‬والفساد‪ ،‬الذي متثل بسوء االدارة ومزاجية‬ ‫احلكام والصراعات الداخلية الدموية التي اسست‬ ‫أفول الدولة وانتقالها الى االندلس ومن ثُم اندحارها‬ ‫لالسباب عينها‪.‬‬ ‫وبعد سقوط االمبراطورية العثمانية‪ ،‬لم يتمكن‬ ‫الشريف حسني وال ابنه امللك فيصل من حتقيق‬ ‫وحدة سوريا الكبرى بسبب خديعة البريطانيني‬ ‫والفرنسيني لهم وباءت كل محاوالتهم وثوراتهم‬ ‫بالفشل‪ ،‬رغم صدقها من الذين خاضوها وقدموا‬ ‫الشهداء والدماء‪ ،‬حيث ان مفاعيل اتفاقية‬ ‫سايكس بيكو ووعد بلفور شكال املشروع اجلديد‬ ‫الذي بدأت تنتظم بنتائجه املنطقة‪ ،‬والذي ال زال‬ ‫يحكم واقعنا السياسي ـ االقتصادي والثقافي‬ ‫حتى اليوم‪ ،‬وقد أرسى الواقع التقسيمي اجلديد منطا ً‬ ‫سياسيا ً جديدا ً في اجلغرافيا واملصالح والتناقضات‬ ‫ونشأت خصوصيات ومصالح الدول واجلماعات‬ ‫كنتيجة طبيعية التفاقية سايكس ـ بيكو ووعد‬

‫ا�سرتاتيجيا‬

‫ّ‬ ‫شكلت اسرائيل قضية عربية غير‬ ‫بلفور‪ ،‬والحقا‬ ‫ُمكتملة‪ ،‬لتباين وجهات النظر واملصالح التي قادت‬ ‫االفرقاء العرب الى حصد املزيد من اخلسائر واخليبات‪،‬‬ ‫وسقطت املشاريع القومية الوحدوية على وقع‬ ‫الدعاوى االسالمية التي ال زالت تعمل على استبدال‬ ‫القومية العربية مبشروعها االسالمي الهادف الى‬ ‫اقامة االمارة املرتبطة والتابعة الى الغرب ومشروعه‬ ‫الشرق اوسطي اجلديد الذي يمُ ّكن اميركا من اطباق‬ ‫قبضتها على موارد املنطقة النفطية خاصة الغاز‬ ‫والوقود احليوي‪ ،‬وبالوقت نفسه تكون قد عزلت‬ ‫النفوذ الروسي وأزاحت قبضة بوتني عن شركة غاز‬ ‫بروم ُمحطمة مشروع الصعود الروسي الذي يسعى‬ ‫الى استعادة نفوذه كشريك في القرار الدولي‬ ‫باسقاط االحادية القطبية خاصة بعد ان ظهرت‬ ‫الصني ومجموعة البريكس كمنافس حقيقي وجدي‬ ‫الميركا‪.‬‬ ‫أطلق االعالم الغربي على احلراك العربي الطارئ‬ ‫تسمية الربيع العربي‪ ،‬وكانت مسألتا احلرية‬ ‫والدميقراطية واسقاط االنظمة التي هي بطبيعة‬ ‫تكوينها ونشوئها تُشكل الذراع االستعماري لقمع‬ ‫الشعوب العربية وجتهيلها‪ ،‬والالفت ان هذا احلراك‬ ‫أتى بعد ان دُ ِمرت العراق مبشاركة عربية‪ ،‬وتقلص‬ ‫اسم فلسطني الذي بقي محفوظا ً في ملفات‬ ‫املُبادرة العربية للسالم‪ ،‬وهكذا سقط احلكم في‬ ‫تونس ومصر ملصلحة االخوان املسلمني‪ ،‬وكشف‬ ‫تدخل الناتو في تدمير ليبيا ان احلراك العربي هو‬ ‫أبعد بكثير من مسائل احلرية والدميقراطية امنا هو‬ ‫عد بإتقان اميركي اسرائيلي‪.‬‬ ‫سيناريو مكتوب و ُم ّ‬ ‫كان املشروع االميركي يحقق تقدما وجناحات باهرة‪،‬‬ ‫واردوغان يتهيأ ليستعيد دور السلطان سليم‪ ،‬حتى‬ ‫ظهرت العقدة السورية كواقع جيو ـ استراتيجي‬ ‫أعاق تقدم املُعادالت واخلطط واملشاريع واعاد خلط‬ ‫االوراق احمللية واالقليمية والدولية‪ .‬فما هي طبيعة‬ ‫العقدة السورية التي ال زالت حتى اآلن تتحكم بادارة‬ ‫الصراع الدائر في املنطقة‪ ،‬وتوزع االزمات على تركيا‬ ‫ومصر ولبنان واالردن ودول اخلليج‪ ،‬باالضافة الى املأزقني‬ ‫االميركي واالسرائيلي‪ ،‬وما هو الس ّر الكامن وراء ان‬ ‫تكون نتائج الصراع في سوريا تحُ دد موازين القوى‬

‫العاملية وتحُ دد النظام العاملي اجلديد‪ .‬بعد حرب ‪1973‬‬ ‫ادرك حافظ االسد ان العرب هم الذين يكشفون‬ ‫ظهر العرب في الصراع العربي االسرائيلي وأن عليه‬ ‫بعد مدريد ان يُعيد صياغة حتالفاته االستراتيجة من‬ ‫خالل تعميق عالقاته مبوسكو والتحالف مع ايران‪،‬‬ ‫وقد أثبتت االحداث والوقائع صالبة واستراتيجية‬ ‫هذه العالقات‪ ،‬ومن ناحية اخرى دخلت سوريا الضوء‬ ‫بعد العام ‪ 2001‬وتبدل السياسات االميركية في‬ ‫املنطقة بعد استكمالها انضاج مشروع نابوكو‪،‬‬ ‫حيث بدأ الصراع احلقيقي بني مشروعني يتنازعان‬ ‫النفوذ على الغاز‪ ،‬خاصة بعد ان أنشأ فالدميير بوتني‬ ‫شركة غاز بروم‪ ،‬بعد أن أجنزت اميركا مهمتها في‬ ‫افغانستان الهادفة الى قطع طريق الصني ـ خط‬ ‫احلرير القدمي وتطويق موسكو في جورجيا وروسيا‬ ‫البيضاء واوكرانيا‪ ،‬في العام ‪ 2005‬استكملت اميركا‬ ‫تقدمها بإخراج اجليش السوري من لبنان اثر اغتيال‬ ‫رئيس وزراء لبنان األسبق رفيق احلريري‪ ،‬وخاضت‬ ‫مع اسرائيل في الـ ‪ 2006‬حربا ً ضارية ضد املقاومة‬ ‫االسالمية ـ حزب اهلل بهدف تدميره‪ ،‬وعندما اخفقت‬ ‫حتولت في العام ‪ 2007‬الى خطوة اكثر جرأة حيث‬ ‫عقدت اتفاقا ً مع اسرائيل ودول عربية يقضي بتدمير‬ ‫سوريا كخطوة تتيح التقدم مبشروعها النفطي‪،‬‬ ‫وجاء الرد الروسي ـ السوري سريعا ً حيث متّ في العام‬ ‫نفسه إجناز تفاهم استراتيجي بني فالدميير بوتني‬ ‫وبشار االسد وبالتنسيق مع الصني وايران ومحاولة‬ ‫الستقطاب تركيا‪ ،‬اعلن بشار االسد من خالله‬ ‫مشروع البحار اخلمسة كرد عملي وميداني على‬ ‫مشروع نابوكو‪ ،‬فاعتبرت اميركا انها امام تهديد‬ ‫جدي ملصاحلها‪ ،‬فتحركت في السودان وعملت على‬ ‫تقسيمه لتطويق شركة غاز بروم هناك خاصة في‬ ‫استثمارات الوقود احليوي‪ ،‬وافتعلت حرب غزة لتحرير‬ ‫دمرت ليبيا‬ ‫الغاز املصري من الضغط االيراني‪ ،‬والحقا ً ّ‬ ‫بهدف إخراج النفوذين الصيني والروسي حيث وصل‬ ‫عدد الشركات املُستثمرة العائدة لهما الى ستة‬ ‫آالف شركة‪ ،‬وذلك حتى تتمكن من السيطرة على‬ ‫الشمال االفريقي‪ ،‬واستمرت املواجهات في املعارك‬ ‫الديبلوماسية ولعب سالح الفيتو دورا ً هاما ً في صد‬ ‫الهجومات التقليدية التي تشنها اميركا بواسطة‬

‫املؤسسات الدولية‪ ،‬في هذا السياق‪ ،‬جتدر االشارة‪،‬‬ ‫الى ان قوة سوريا الذاتية‪ ،‬دولة وجيشاً‪ ،‬وصالبة‬ ‫بنيانها القومي العقائدي كمشروع صلب لنواة دولة‬ ‫سياسية لعبت دورا ً في تقوية املوقف الروسي في‬ ‫املفاوضات وال زالت‪.‬‬ ‫حرب املئة عام بدأت منذ ‪ 2001‬بتدبير ماسوني‬ ‫وبتنفيذ اميركي اسرائيلي‪ ،‬هذه احلرب بني الشرق‬ ‫والغرب ال يمُ كن التنبؤ بنتائجها حتى اآلن‪ ،‬املرحلة‬ ‫احلالية‪ ،‬بعد سقوط هيالري كلينتون وصعود جنم‬ ‫جون كيري صاحب نظرية توظيف االخوان املسلمني‬ ‫ملصلحة اميركا في مشروع الشرق االوسط اجلديد‪،‬‬ ‫وهو ايضا ً صاحب نظرية احلوار مع ايران وسوريا‪،‬‬ ‫السؤال‪ ،‬هل سندخل مرحلة مفاوضات طويلة االمد‬ ‫طرفاها كيري ـ الفروف‪ ،‬وهل سينجحان‪ ،‬وكالهما‬ ‫خبير بالشأن السوري ـ واملشرقي‪ ،‬قد يكون االنتظار‬ ‫هو احلقيقة الوحيدة التي ميكن ان يقتنع بها افرقاء‬ ‫النزاع‪ ،‬وما هي تأثيرات وعواقب الصراع الوهابي‬ ‫ـ االخواني‪ ،‬ومن الذي سيستفيد من هذا الصراع‪،‬‬ ‫وماذا سيكون مصير تركيا ودول اخلليج في مرحلة‬ ‫املفاوضات والتسويات‪ ،‬وماذا سيكون مصير االخوان‬ ‫في مصر بعد االستفتاء على الدستور‪ ،‬وكيف‬ ‫ستخرج إسرائيل من مأزقها الوجودي‪ ،‬اسئلة كثيرة‬ ‫ستبقى بال جواب الى ان تتبلور معالم املفاوضات‬ ‫التي ستبدأ في العام ‪ ،2013‬بني اميركا واسرائيل من‬ ‫جهة ومجموعة البريكس من جهة ثانية‪ ،‬وما جتب‬ ‫االشارة اليه ان كل هذه االحداث جتري في ظل سقوط‬ ‫النفوذ العربي وتقاسم ايران وتركيا واسرائيل النفوذ‬ ‫على مستوى املنطقة‪ ،‬فهل سيستطيع بشار االسد‬ ‫تقدمي ورقة اضافية يضعها في يد الفروف‪ ،‬من شأنها‬ ‫ان تُعيد التوازن املفقود في الصراع التاريخي بني‬ ‫اسرائيل الكبرى وسوريا الكبرى‪ ،‬وهل بدأت تنضج‬ ‫بناء على الوقائع مسألة تكامل املصالح والغايات‬ ‫واالهداف‪ ،‬خاصة سوريا والعراق اللذين يشكالن‬ ‫رافعة تستقطب االردن وفلسطني ولبنان‪ ،‬ام ان ذلك‬ ‫سيكون خاضعا ً ايضا ً لنتائج املفاوضات‪ ،‬وفي اسوأ‬ ‫االحوال اذا ما نشبت حرب عاملية على رقعة اقليمية‬ ‫ونتائجها ستحدد مصير املنطقة؟‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫دين‬

‫ما عالقة المسيحية المحبة‪،‬‬ ‫واسالم التسامح واالمر‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬ ‫بـاليوضاسية اليهودية‪ :‬وهو‬ ‫«دين» النهب والنصب والخيانة‬ ‫والجرائم ضد االنسانية واالبادة‬ ‫الجماعية؟‬

‫اليوضاسية‪...‬‬

‫دين النصب واالحتالل واالغتصاب ‪2‬‬ ‫جورج حداد ‪ -‬كاتب لبناني مستقل‬ ‫في القسم األول من هذا البحث نظرنا في نشوء‬ ‫اليوضاسية بوصفها ظاهرة “الدينية” (تتستر باليهودية التي‬ ‫هي دين مزيف) تقوم على التمييز الطبقي واخليانة القومية‪،‬‬ ‫وعلى املمارسة االجتماعية السلبية املعادية لالنسان ولالمة‬ ‫العربية خصوصا‪ ،‬وللبشرية جمعاء عموما‪ ،‬مبا في ذلك‬ ‫للمولودين جسديا كيهود‪ .‬وفي هذا القسم نتابع املسلك‬ ‫“املافياوي” لليوضاسية في احلياة البشرية‪ ،‬خصوصا في حياة‬ ‫الشعوب التي تكونت منها االمة العربية‪:‬‬ ‫‪ 2‬ـ كانت املرأة‪ ،‬في العهد االمومي (البطريركي) العضو االهم‬ ‫في التركيبة االجتماعية انطالقا من كونها رأس “العائلة”‬ ‫االنسانية الصغيرة‪ ،‬ومن ثم كونها العضو احملوري االول في‬ ‫االجتماع البشري‪ .‬وقد كرست املسيحية املرتبة املميزة‬ ‫للمرأة‪ ،‬بإعطاء السيدة مرمي العذراء صفة “ام االله” او “ام‬ ‫اخمللص” او “ام املسيح” التي حبلت به “بال دنس”‪ .‬وبالعكس من‬ ‫ذلك متاما‪ ،‬ارتبط ظهور اليوضاسية بتشييء املرأة وتدنيسها‪،‬‬ ‫واستخدامها كـ”اداة للذة” فقط‪ ،‬ومن خالل ذلك كوسيلة‬ ‫جتارية جلمع الثروة‪ .‬والتوراة اليهودية ذاتها هي التي تفيدنا عن‬ ‫هذا “اإلجناز” اليوضاسي‪ ،‬حيث تزعم التوراة اليهودية (في سفر‬ ‫التكوين) ان ابرام او ابراهام التوراتي عندما ارحتل الى مصر قال‬ ‫المرأته ساراي “قولي إنك اختي حتى يُحسن إلي بسببك‬ ‫وحتيا نفسي من اجلك” (سفر التكوين‪ ،‬الفصل ‪ ،13‬الفقرة‬ ‫‪ )12‬وهكذا استخدم ابرام التوراتي امرأته ساراي للدعارة‬ ‫ومضاجعة املصريني األغنياء والفرعون من اجل احلصول على‬ ‫ثروة؛ وكان ذلك بداية “اول مهنة في التاريخ” التي تطورت الحقا‬ ‫الى مهنة جتارة الرقيق االبيض التي كان اليوضاسيون ايضا ً‬ ‫اسيادها‪ ،‬خصوصا في مرحلة الدولة العربية ـ االسالمية‪ .‬وفي‬ ‫ايامنا الراهنة اعترفت السيدة تسيبي ليفني امام الصحافة‬ ‫انها مارست اجلنس ألجل اسرائيل وانها مستعدة ان تفعل‬ ‫اي شيء في خدمة اسرائيل‪ .‬وهي صرحت بذلك ليس وهي‬ ‫في مرتبة عنصر موسادي عادي‪ ،‬بل في مرتبة وزيرة اخلارجية‬ ‫االسرائيلية‪ .‬انها “ثقافة” اليوضاسية التي ال يغيرها‪ ،‬بل‬ ‫يؤكدها اللبوس الديني للتوراة اليهودية‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ ان اليوضاسيني العبرانيني (يوسف التوراتي وجماعته ـ‬ ‫راجع التوراة‪ ،‬سفر التكوين ايضا) هم الذين دمروا انسانية‬ ‫الشعب املصري‪ ،‬واستخدموا اخلزعبالت الشامانية واألالعيب‬ ‫التجارية واحتكار احلنطة‪ ،‬لتجويع املصريني واجبارهم على‬ ‫تسليم كل ما ميلكون من فضة وذهب ونقود‪ ،‬ومن ثم تسليم‬

‫كل ما ميلكون من حيوانات استخدام وماشية‪ ،‬ومن ثم تسليم‬ ‫ارضهم‪ ،‬وأخيرا ً تسليم ابدانهم اي انفسهم كعبيد لفرعون‪.‬‬ ‫اي ان حتويل الشعب املصري القدمي من شعب “مزارعني أحرار”‬ ‫يقدمون ضريبة ما للسلطة املركزية الفرعونية‪ ،‬الى شعب‬ ‫“عبيد لفرعون”‪ ،‬ال ميلكون حتى أبدانهم التي‪ ،‬بحجة “انقاذهم”‬ ‫من املوت جوعاً‪“ ،‬اشتراها” منهم يوسف التوراتي بحفنة من‬ ‫احلنطة التي انتجوها هم انفسهم‪ .‬ولقتل شعور االنتماء‬ ‫الى االرض لدى املصريني املستعبدين‪ ،‬عمد يوسف التوراتي‬ ‫الى اجراء عملية ترحيل شاملة جلميع املصريني من االراضي‬ ‫التي كانوا يعيشون عليها ويعملون فيها قبل االستعباد‪،‬‬ ‫وتنقيلهم باستمرار الى اراض اخرى‪ ،‬كي ال يشعر اي مزارع‬ ‫انه “في ارضه” بل في “ارض غريبة” هي بالتالي “ارض لفرعون”‪.‬‬ ‫يذكـرون اجملتمع‬ ‫وحتى اليوم ال يزال “عمال التراحيل” في مصر‬ ‫ّ‬ ‫املعاصر بهذا “االجناز اليوسفي” القدمي‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ تزعم التوراة اليهودية ان اليهود كانوا عبيدا ً وهربوا من‬ ‫االسر من مصر فارين من وجه فرعون‪ .‬ولكن التوراة اليهودية‬ ‫ذاتها تناقض هذه الرواية االسطورية‪ ،‬وتعترف ان يوسف‬ ‫التوراتي‪ ،‬وبفضل خزعبالته الشامانية‪ ،‬توصل الى مرتبة “عزيز‬ ‫مصر” وصار هو اليد اليمنى لفرعون؛ وان عائلته وعشيرته‬ ‫من العبرانيني عملوا عند فرعون مساعدين ليوسف كخـَزَنة‬ ‫ونظار عبيد‪ ،‬وهم الذين كانوا يستلمون الغالل ويحصونها‬ ‫ويعدون انفاس املزارعني املصريني‪ .‬ومن ثم فإن الصورة احلقيقية‬ ‫للعبراني في مصر‪ ،‬ليست صورة العبد واملزارع املكبل الذي‬ ‫يحمل املعزقة ويعمل محني الظهر في احلقل او شق الترع او‬ ‫البناء‪ ،‬بل صورة االنسان الطفيلي (اليوضاسي) وكيل الفرعون‬ ‫الذي يحمل السوط في يده ويجلد به ظهور املزارعني املصريني‬ ‫الجبارهم على تسليم آخر حبة حنطة انتجوها؛ وصورة‬ ‫(اليوضاسي) امني االهراءات واملستودعات واخلزائن‪ ،‬وماسك‬ ‫الدفاتر الذي يقرر مقادير احلصص ويشرف على توزيعها‪،‬‬ ‫ويسلم الفرعون نفسه “حصته” هو وقصوره وحرميه ودوابه‬ ‫ومواشيه‪ ،‬ويسلم الكهان وقادة اجليوش والشرطة والوجهاء‬ ‫“حصصهم”‪ ،‬مبوجب احلسابات التي يقوم بها ذلك احملاسب‬ ‫العبراني وحسب “ذمته” هو نفسه‪ ،‬اي ذمة اليوضاسي نفسه‪.‬‬ ‫وطبعا ان اليوضاسي كان يبقي لنفسه حصته اخلاصة ايضا‬ ‫كما يقررها هو نفسه‪ .‬ومبرور الزمن‪ ،‬اصبح اليوضاسي ميارس‬ ‫االحتكار املطلق حيال املزارعني واحلرفيني والبنائني الذين يأخذ‬ ‫منهم كل شيء مقابل ما يجود به هو عليهم من حفنة طعام‬ ‫البقائهم على قيد احلياة وجلباب يستر عورتهم وعريهم‬

‫قام اليوضاسيون اليهود بغزو فلسطين ونهب اهلها‬ ‫وسلبهم وقتلهم وسبيهم‪ .‬وباعتراف التوراة اليهودية‬ ‫ذاتها‪ ،‬لم يكن اليهود جزءاً من اهل فلسطين‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫مدى احلياة؛ وبلغ من قوة وغنى اليوضاسي انه اصبح ميارس‬ ‫االحتكار حيال الفرعون ذاته وحرميه وخدمه وحشمه‪ ،‬وحيال‬ ‫طبقة الكهان النافذة وطبقة العسكر الشديدة الشكيمة‪،‬‬ ‫بحيث اصبح مستوى معيشة اجلميع مرتبطا ً مبشيئة هذا‬ ‫اليوضاسي “العبراني الوافد”‪ .‬وبدأت اعاصير الغضب تتكثف‪،‬‬ ‫وبدأت تتزايد النزاعات واملشاحنات بني املصريني والعبرانيني‪،‬‬ ‫الى درجة ان موسى التوراتي نفسه عمد الى قتل مصري‬ ‫يتشاجر مع عبراني‪ ،‬قبل أن يعرف سبب املشاجرة ومن هو‬ ‫على حق ومن هو على باطل‪ .‬والشيء املنطقي‪ ،‬من ضمن‬ ‫الروايات التوراتية اليهودية ذاتها‪ ،‬ان العبرانيني اصبحوا‬ ‫معادين لكل املصريني‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬وانهم اخذوا يعدون العدة‬ ‫للفرار من مصر ليس فرارا ً من اسر املصريني لهم‪ ،‬بل خوفا‬ ‫وارتعابا من انقالب املصريني عليهم والتخلص منهم نهائيا ً‬ ‫في نهار ساطع او ليلة ليالء‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ حينما عزم اليوضاسيون العبرانيون على الفرار من وجه‬ ‫املصريني‪ ،‬ضربوا ضربتهم االخيرة طاعنني في الصميم كل‬ ‫تقاليد االخاء االنساني واجليرة والوفاء واملروءة والذمة‪ ،‬حينما‬ ‫(بـ”وحي” من الههم‪ ،‬وبإيعاز مباشر من زعيمهم موسى‬ ‫التوراتي‪ ،‬وباالتفاق مع الفرعون او بدونه) نصبوا على املصريني‬ ‫ونهبوهم حيث اقترض كل منهم‪ ،‬رجاال ونساء‪ ،‬من جيرانهم‪،‬‬ ‫االواني واحللي وااللبسة والنقود‪ ،‬التي اضافوها الى ثرواتهم‬ ‫اجملموعة بفضل نظارتهم نظام العبودية واحملاسبة‪ ،‬ثم فروا‬ ‫الى سيناء بقيادة موسى التوراتي (راجع سفر اخلروج)‪ ،‬حاملني‬ ‫معهم ثروة كبيرة‪ ،‬مدعني انهم فروا من العبودية‪ ،‬في حني‬ ‫انهم هم الذين كانوا جزءا ً اساسيا ً من آلية االستعباد‬ ‫الفرعوني للمصريني‪ .‬وقد طاردهم الفرعون (مع املصريني)‬ ‫ليس الجل استعادة بعض “العبيد الفارين” بل الجل استعادة‬ ‫الثروة التي نهبوها وحملوها معهم‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ لقد استنزف اليوضاسيون ارض مصر‪ ،‬واستعبدوا ونهبوا‬ ‫شعبها‪ ،‬ولكنهم عجزوا عن حتويلها الى مستعمرة دائمة‬ ‫لهم‪ ،‬ولذلك فروا متجهني نحو فلسطني بهدف استعمارها‪.‬‬ ‫ولتشريع ارتكاباتهم وجرائمهم املعادية لالنسانية‪ ،‬السابقة‬ ‫والالحقة‪ ،‬حرفوا اسم اهلل‪ ،‬وادعوا ان لهم الها ً “علوياً” خاصا ً‬ ‫بهم‪ ،‬دون سائر البشر‪ ،‬يدعى “يهوه” (تشرفنا!)‪ ،‬وان كل ما‬ ‫عملوه ويعملونه هو بأمر هذا “االله”‪ ،‬وهم “جند اهلل” و”شعب‬ ‫اهلل” اخملتار‪ ،‬اي “جند يهوه” و”شعب يهوه” الذي ال يدري احد‬ ‫اصله من فصله‪ ،‬سوى مبا يدعيه باسمه اليوضاسيون اليهود‪.‬‬ ‫ويقول اليوضاسيون اليهود (راجع التوراة اليهودية) ان هذا‬ ‫الـ”يهوه”‪ ،‬الذي يدعون زورا ً انه هو اهلل‪ ،‬قد وهبهم ما يسمى‬ ‫“ارض امليعاد” (من الفرات الى النيل)‪ ،‬ومنها ارض كنعان اي‬

‫فلسطني‪ ،‬ومنحهم “مدنا لم يبنوها‪ ،‬وكروما لم يزرعوها”‪،‬‬ ‫وانه ـ كي يحصلوا على هذه االرض ـ امرهم بابادة سكان تلك‬ ‫االرض عن بكرة ابيهم (راجع سفر اخلروج)‪ ،‬اي ان اليوضاسيني‬ ‫اليهود حينما يواصلون الى اليوم ابادة العرب‪ ،‬فهم يقومون‬ ‫بتنفيذ واجب ديني و”امر الهي”‪.‬‬ ‫والى كل من ال يزال يقول بوجود عالقة دينية بني اليهودية‬ ‫واملسيحية واالسالم نقول‪ :‬اذا كانت املسيحية هي دين احملبة‪،‬‬ ‫واذا كان االسالم هو دين التسامح واالمر باملعروف والنهي‬ ‫عن املنكر‪ ،‬فما عالقة هذين الدينني‪ ،‬املسيحية واالسالم‪،‬‬ ‫بـاليوضاسية اليهودية‪“ :‬دين” النهب والنصب واخليانة‬ ‫واجلرائم ضد االنسانية واالبادة اجلماعية؟ وما عالقة “اهلل” عز‬ ‫وجل بـ”يهوه”‪ ،‬الذي يخجل أعتى اجملرمني من اقواله واقوال‬ ‫وافعال اتباعه؟‬ ‫‪ 7‬ـ بعد الفرار من مصر‪ ،‬واالقامة في سيناء لالستعداد‬ ‫العسكري ودراسة االحوال (ككل جيش غاز عشية املعركة)‬ ‫قام اليوضاسيون اليهود بغزو فلسطني ونهب اهلها‬ ‫وسلبهم وقتلهم وسبيهم‪ .‬اي ـ وباعتراف التوراة اليهودية‬ ‫ذاتها ـ لم يكن اليهود جزءا ً من اهل فلسطني‪ ،‬ولم ينبعوا من‬ ‫باطن ارضها كأبالسة‪ ،‬بل دخلوها من خارجها كغزاة غرباء‬ ‫كانوا متجمعني في سيناء التي لم تكن ارضهم ايضا‪ .‬ولكن‬ ‫اليوضاسيني اليهود (بكل قضاتهم ودوادينهم وسليماناتهم‬ ‫وشماشينهم) قتلوا من قتلوا‪ ،‬وسلبوا ما سلبوا‪ ،‬واغتصبوا‬ ‫من وما اغتصبوا‪ ،‬اال انهم في نهاية االمر عجزوا عن ان‬ ‫“يبتلعوا البحر” البشري العربي الذي خاضوا وغاصوا فيه‪،‬‬ ‫فاضطروا مجبرين للتكيف مع اجملتمع العربي (الزراعي‪ ،‬احلرفي‪،‬‬ ‫التجاري) االرقى من قبيلتهم البدوية اللصوصية والتجارية‬ ‫الهامشية‪ .‬اال انهم ـ كي يحفظوا وميارسوا وجودهم كدخالء‬ ‫طفيليني ـ كرسوا مبدأ التمييز الديني واالتني والعنصري‪،‬‬ ‫ومبدأ االنتهازية واخليانة والسير في ركاب امللوك واالباطرة‬ ‫واالكاسرة ضد الشعوب القدمية التي تكونت منها االمة‬ ‫العربية التي كانوا يعيشون في ظهرانيها‪ .‬وعلى مر التاريخ‬ ‫العربي‪ ،‬كان اليوضاسيون اليهود (بشهادة توراتهم ذاتها)‬ ‫ميالئون السلطات االستبدادية والغزاة االجانب‪ ،‬ويسيرون‬ ‫في ركابهم ضد السكان االصليني للبالد‪ ،‬اي ضد الشعوب‬ ‫القدمية املكونة لالمة العربية‪ .‬ومنذ تلك االزمان صار الصراع‬ ‫العربي مع اليوضاسيني اليهود‪ ،‬كما قال انطون سعادة فيما‬ ‫بعد‪“ ،‬صراع وجود ال صراع حدود”‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ حينما هاجر الفينيقيون الصوريون الى شمال افريقيا‬ ‫وبنوا قرطاجة العظيمة‪ ،‬وذهبوا الى اسبانيا بقيادة هملقار‬ ‫برقة (والد هنيبعل)‪ ،‬سار اليوضاسيون اليهود في اعقابهم‪،‬‬ ‫وعاشوا في افريقيا الشمالية واوروبا‪ ،‬في ظالل قرطاجة‬ ‫وروما واغريقيا‪ ،‬بني الفينيقيني واالمازيغ والرومان واالغريق‬ ‫والقوطيني والغاليني‪ ،‬كجماعة انتهازية‪ ،‬متارس التجسس‬ ‫والقتل املأجور واللصوصية والتجارة الهامشية والربا‪ ،‬ال هم‬

‫دين‬ ‫لها سوى التكسب والربح “مع اجلميع ضد اجلميع”‪ .‬وحينما‬ ‫سقطت قرطاجة حتت حوافر الرومان وبيع اهلها كعبيد‪،‬‬ ‫حتول اليوضاسيون اليهود الى جتارة العبيد‪ .‬وحينما سقطت‬ ‫نوميديا االمازيغية (البربرية) واوروبا الشرقية االغريقية ـ‬ ‫السالفية بيد الرومان كذلك‪ ،‬صارت اكثرية العبيد من االمازيغ‬ ‫(البربر) ومن االوروبيني الشرقيني‪ ،‬وصارت كلمة “بربري” تعني‬ ‫“الهمجي” وكلمة “سالفي” تعني “العبد”‪ .‬وليس من الصدفة‬ ‫ابدا ان الفئة الوحيدة التي جنت من العبودية الرومانية‪ ،‬بل‬ ‫حتسن وضعها وارتفع مستواها بسبب تعاونها مع الغزو‬ ‫الروماني‪ ،‬هي عصابات اليوضاسيني اليهود‪ ،‬الذين حتولوا في‬ ‫تلك الظروف الى اهم فئة جتار عبيد في العالم القدمي‪ .‬ومنذ‬ ‫تلك االزمان املغب ّرة‪ ،‬تربى اليوضاسيون اليهود جيال بعد جيل‬ ‫على احتقار جميع شعوب العالم املستعبدة (العبيد = غوي)‬ ‫وعلى التقديس والتزلم للقوة االستعمارية واالستبدادية‬ ‫(روما‪ ،‬وكل من جاء بعدها)؛ والتعاليم اليهودية (التي ال يزال‬ ‫بعضنا يعتقد انها‪ :‬ديانة سماوية) تكرس “ثقافة” االستعالء‬ ‫والقوة والبطش‪ ...‬باسم “اليهوه” (دام عزه الوارف وفضله‬ ‫الطارف!!!)‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ حينما انطلقت احلركة الثورية املسيحية العظيمة‬ ‫ضد روما‪ ،‬في مرحلتها النوعية اجلديدة التي جسدها ظهور‬ ‫السيد املسيح‪ ،‬وهي احلركة التي قامت على كاهل الشعوب‬ ‫الشرقية التي تكونت منها االمة العربية‪ ،‬وشارك فيها قسم‬ ‫كبير من الفقراء اليهود ايضا‪ ،‬وقفت الطغمة املالية التجارية‬ ‫اليوضاسية اليهودية‪ ،‬واعوانها من الكهان ومن الطغام‪،‬‬ ‫ضد احلركة الثورية املسيحية‪ ،‬وتعاونوا مع االباطرة واحلكام‬ ‫الرومان لسحقها‪ ،‬بدءا من قطع رأس يوحنا املعمدان‪ ،‬ثم‬ ‫قتل االطفال حني والدة املسيح الطفل‪ ،‬ثم احلكم باملوت على‬ ‫السيد املسيح وصلبه‪ ،‬ومطاردة املسيحيني االوائل وقتلهم‪.‬‬ ‫وفي عمليات مطاردة وابادة املسيحيني‪ ،‬التي استمرت مئات‬ ‫السنني في العهد الروماني “قبل املسيحي” و”بعد املسيحي”‪،‬‬ ‫كان اجلالد‪ :‬رومانياً‪ ،‬واخلائن واجلاسوس والواشي‪ :‬يوضاسيا ً‬ ‫يهودياً‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ كان التجار اليهود “العرب”‪ ،‬وال سيما جتار الرقيق االبيض‬ ‫(وخصوصا احلرمي) وراء تكوين مملكة اخلزر اليهودية بجوار بحر‬ ‫قزوين‪ ،‬التي قامت على الغزو والسلب والنهب والسبي‪،‬‬ ‫بالتعاون مع “ابناء عمومتهم” القبائل الطورانية التي كانت‬ ‫ايضا تعيش على الغزو والسلب والنهب‪ ،‬ضد البلغار القدماء‬ ‫والروس القدماء الذين كانوا ال يزالون قبائل وثنية متفرقة ال‬ ‫جتمعها دولة واحدة‪ .‬فكان اخلزر والطورانيون يسبون نساء‬ ‫البلغار والروس ويبيعوهن للنخاسني اليهود العبرانيني‬ ‫“العرب” الذين بدورهم كانوا يشحنون بهن قصور اخللفاء‬ ‫واالمراء واالغنياء واالعيان والقواد املسلمني عامة والعرب‬ ‫خاصة‪ .‬وقيام مملكة اخلزر اليهودية هو الذي دفع البلغار‬ ‫القدماء (بلغار الفولغا) الى تأسيس دولة بلغارية اسالمية‬ ‫وطلب النجدة من اخلالفة في بغداد للتخلص من الغزو اخلزري‬ ‫املدعوم من الطورانيني‪ .‬ولكن دولة اخلالفة في بغداد‪ ،‬وبتأثير‬ ‫النخاسني اليوضاسيني العبرانيني الذين كانوا يشكلون “دولة‬ ‫ضمن الدولة”‪ ،‬لم تنجد الدولة البلغارية االسالمية عسكرياً‪،‬‬ ‫بل اكتفت بأن ارسلت لها بعثة من الشيوخ واملعلمني لتعليم‬ ‫القرآن الكرمي واللغة العربية‪ ،‬ومن املعماريني لبناء مسجد‬ ‫الئق (راجع‪ :‬رسالة احمد بن فضالن‪ ،‬الصادرة عن وزارة الثقافة‬ ‫السورية)‪ ،‬ولكن بناء املسجد وتعليم اللغة العربية وحتفيظ‬ ‫القرآن الكرمي لم يكن وحده كافيا “إلقناع” اليهود اخلزر بوقف‬ ‫عدوانهم الدائم على البلغار املسلمني كما على الروس‬

‫‪11‬‬

‫الوثنيني‪ .‬واخذت مملكة اخلزر اليهودية تغتني وتشتد وتتوسع‬ ‫على حساب مملكة بلغار الفولغا االسالمية وعلى حساب‬ ‫القبائل الروسية الوثنية املتفرقة‪ .‬وحينذاك‪ ،‬وبحافز الدفاع‬ ‫املشروع عن حق الوجود‪ ،‬عمدت القبائل الروسية الوثنية الى‬ ‫التوحد في دولة “مسيحية شرقية” واحدة‪ ،‬مستقلة عن‬ ‫بيزنطية‪ .‬واول “قرار دولة” اتخذته الدولة املسيحية الروسية‬ ‫اجلديدة هو قرار حتطيم مملكة اليهود اخلزر‪ ،‬التي قامت على‬ ‫السلب والنهب والسبي والتجارة بالبشر‪ .‬والقتالع شرورهم‬ ‫ودرء خطرهم نهائيا منعت الدولة الروسية اجلديدة اليهود‬ ‫اخلزر من االقامة في محيط بحر قزوين‪ .‬وهؤالء اليهود اخلزر‬ ‫(االشكناز) هم الذين انتشروا في اوكرانيا وروسيا وبولونيا‪،‬‬ ‫ومنها تسربوا الى اوروبا الوسطى والغربية‪ ،‬ناقلني معهم كل‬ ‫جتربتهم الغنية في السفالة و”التجارة” بكل شيء‪ ،‬وناقلني‬ ‫ايضا كل ما احتفظوا به من الرساميل التي جمعوها هم‬ ‫وآباؤهم واجدادهم من بيع النساء املسبيات البلغار والروس‪.‬‬ ‫وقبل عمليات القرصنة البحرية التي ادارتها االمبراطورية‬ ‫البريطانية الحقا لتجميع الرأسمال االولي للرأسمالية‪ ،‬فإن‬ ‫الرساميل اليهودية اخلزرية‪ ،‬اجملبولة بالدماء وبصيحات وآهات‬ ‫ودموع الفتيات والنساء البلغار والروس املسبيات‪ ،‬كانت اول‬ ‫محرك للحركة الرأسمالية والنهضة الصناعية االوروبية‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ حينما قامت الفاشية بعمليات ابادة اليهود بعد احلرب‬ ‫العاملية االولى‪ ،‬فإن احفاد اليهود اخلزر (االشكناز ـ اآلريني‪،‬‬ ‫ابناء عمومة الطورانيني) هم الذين غزوا فلسطني ووضعوا‬ ‫االسس التأسيسية لدولة اسرائيل‪ ،‬مدعني انهم “ساميون”‬ ‫و”عبرانيون” يعودون الى “ارضهم” “ارض امليعاد” التي ال يعرفها‬ ‫اي من اجدادهم اال من خالل توراتهم‪ .‬وبعد تأسيس اسرائيل‬ ‫على ايدي اخلزر (االشكناز) غير الساميني وغير العبرانيني‪،‬‬ ‫وهجـر اليها “اليهود الشرقيون” “العرب” “العبرانيون”‬ ‫هاجر‬ ‫ّ‬ ‫(السفاردمي)‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ حينما وصل طارق بن زياد الى اسبانيا كان اليوضاسيون‬ ‫اليهود موجودين هناك من ايام الزعيم القرطاجي هملقار برقة‪،‬‬ ‫فاستغلوا “شرقيتهم” ومعرفتهم اللغة العربية واللغات‬ ‫االوروبية وانتشارهم العاملي (بامتدادهم اخلزري ـ االشكنازي‪،‬‬ ‫القائم على اساس “ديني” ـ مصلحي)‪ ،‬ليمسكوا بأعنة التجارة‬ ‫العاملية‪ ،‬وخصوصا جتارة احلرمي والغلمان واخلصيان والعبيد‪،‬‬ ‫في الدولة العربية ـ االسالمية‪ ،‬وهو ما اتاح لهم ان يعملوا‬ ‫على نخرها وتفكيكها من الداخل‪ ،‬ويساعدوا على تقويضها‬ ‫وانهيارها وسقوطها حتت براثن االستعماريني االوروبيني‬ ‫(الصليبيني اجلدد) والعثمانيني (املسيلميني الكذابني)‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ بعد ان قضى الروس على مملكتهم على بحر قزوين‪ ،‬تعاون‬ ‫اليهود اخلزر مع اليهود العبرانيني “العرب” الفارين من اسبانيا‪،‬‬ ‫الجل قيام وصعود مملكة للطورانيني (ابناء عم اخلزر وحلفائهم‬ ‫التاريخيني) كبديل “مسيلمي” عن مملكة اخلزر “اليهودية”‪،‬‬ ‫فقامت السلطنة العثمانية على انقاض االمبراطورية‬ ‫البيزنطية‪ .‬واحتل العثمانيون القسطنطينية العظيمة‬ ‫وعثمنوها (مبوافقة ورضى ضمني من اوروبا الغربية‪ ،‬ملنع‬ ‫الروس من االحتاد مع بيزنطية او ضمها‪ ،‬ومنعهم من الوصول‬ ‫الى البحار الدافئة‪ ،‬وهو احد االهداف االزلية الوروبا الغربية)‪.‬‬ ‫ومن ثم قامت االمبراطورية العثمانية بـ”فتح” البالد العربية‬ ‫االسالمية (باسم “االسالم!”)‪ ،‬وعمليا فتحها امام “االمتيازات‬ ‫االجنبية”‪ ،‬وقامت بسحق العرب واذاللهم وافقارهم وجعلهم‬ ‫في الدرك االسفل في سلم الرقي االجتماعي بعد ان كانوا في‬ ‫طليعة شعوب العالم القدمي قبل ان يحكمهم العثمانيون‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫حتقيق‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫حتقيق‬

‫‪13‬‬

‫“الحفاظ على آثار طرابلس”‬ ‫حملة وطنية تواجهها تحديات‬

‫متطوعون يجردون اآلثار في غياب االهتمام الرسمي وأجهزته‬

‫لم تنفع حتى اليوم كل االعتراضات على انتهاك آثار طرابلس‬ ‫وأبنيتها التراثية‪ .‬وما يزال تراث املدينة عرضة لالعتداء والتهدمي‬ ‫منذ عشرات السنني‪ ،‬إن في مشاريع عامة كمشروع شق‬ ‫اوتوستراد نهر أبو علي الذي أعقب طوفان ‪ ،١٩٥٦‬فقضى على‬ ‫عشرات املواقع األثرية‪ ،‬أم في مبادرات فردية تهدف أساسا ً إلى‬ ‫كسب مزيد من الربح املادي كما جرى مع مسرح االجنا‪ .‬أما آخر‬ ‫االنتهاكات التي أثارتها «جلنة احلفاظ على التراث واآلثار في‬ ‫بلدية طرابلس» فهي إزالة واجهة قصر العجم‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ويلعب غياب املالحقة القانونية‪ ،‬والوساطة السياسة‪،‬‬ ‫وأجهزة االختصاص في احلفاظ على اآلثار وحمايتها‪ ،‬والفوضى‬ ‫بصورة عامة‪ ،‬دورا ً هاما ً في مواصلة االنتهاكات لثروة طرابلس‬ ‫التراثية واألثرية الهائلة‪.‬‬

‫او اضافة طبقات فوقه ولكن ليس ازالة البناء بالكامل كما‬ ‫يطمحون»‪.‬‬

‫وعملت اللجنة على إقامة إطالق حملة وطنية للحفاظ‬ ‫على تراث طرابلس وآثارها‪ ،‬مبشاركة هيئات وفعاليات عدة في‬ ‫املدينة‪.‬‬ ‫آخر االنتهاكات طاولت قصر العجم‪ ،‬التي أدت إلى إثارة اللجنة‬ ‫فتحركت باجتاهات مختلفة ملنع هدم املبنى‪ ،‬وأقامت اعتصاما ً‬ ‫أمامه‪ ،‬ولقاء في مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي‪ ،‬ثم جالت‬ ‫على فعاليات عدة‪ ،‬خصوصا ً وزارة الثقافة‪ ،‬حيث التقت الوزير‬ ‫غابي ليون‪ ،‬ومحافظ الشمال ناصيف قالوش‪ ،‬ورئيس بلدية‬ ‫طرابلس نادر الغزال‪ ،‬وكانت مناسبات لتأكيد تأمني آليات‬ ‫حتفظ التراث واآلثار حتى ولو اقتضى األمر وضع قوانني جديدة‪،‬‬ ‫وتوسيع لوائح األبنية التراثية التي يجب أن تدرج على الئحة‬ ‫اخلطوات التي حققتها احلملة‪ ،‬قال تدمري عنها‪ :‬اوال‪ ،‬اصبح‬ ‫التراث وممنوع املس بها‪.‬‬ ‫هناك معرفة لدى الكثيرين من الطرابلسيني ان هناك تراثا ً‬ ‫معماريا ً هاما ً في هذه املدينة يجب احلفاظ عليه‪ ،‬حتى وان‬ ‫تدمري للحفاظ على التراث املعماري في طرابلس‬ ‫رئيس جلنة اآلثار والتراث في بلدية طرابلس الدكتور خالد كانت هذه االبنية ليست ابنية اثرية بل تراثية سكنية‪ ،‬وان لم‬ ‫تدمري حتدث عن احلملة التي انطلقت منذ زمن طويل اي منذ تكن داخل حدود املدينة القدمية احملمية بالقانون‪ ،‬وحتى ان لم‬ ‫هدم مسرح «االجنا»‪ ،‬وتفاعلت من جديد منذ عملية الهدم تكن مدرجة على الئحة اجلرد العام‪ .‬فكانت بداية التحرك بلقاء‬ ‫التي طالت بعض االبنية التراثية في داخل املدينة القدمية‪ ،‬املسؤولني املعنيني مباشرة بهذا االمر‪ ،‬وكان هناك لقاء للجنة‬ ‫وعمليات هدم أبنية أثرية في منطقتي التل واحلدادين وعلى املتابعة املنبثقة عن احلملة مع وزير الثقافة غابي ليون‪ ،‬حيث‬ ‫مت التوصل بالتعاون مع الوزارة لقرارين هامني‪ ،‬االول منع البلدية‬ ‫رأسها كان «قصر العجم»‪.‬‬ ‫باعطاء اي رخصة هدم دون الرجوع الى املديرية العامة لآلثار‬ ‫يفيد تدمري أن «احلملة قامت بتحرك شعبي في شهر رمضان في كل االراضي الطرابلسية‪ ،‬وهذا كان مطلبنا االساسي»‪.‬‬ ‫املاضي‪ ،‬ونفذنا اعتصامات امام قصر العجم‪ ،‬وقمنا بحمالت‬ ‫اعالمية لتسليط الضوء على كيفية التعدي على االبنية وأكد ان احلملة «ال تستهدف اصحاب هذه العقارات‪ ،‬إمنا احلفاظ‬ ‫التراثية‪ ،‬ومنها العقار ‪ – 35‬التل الواقع عند مدخل مقهى على التراث املعماري في هذه املدينة‪ ،‬واملديرية العامة لآلثار‬ ‫بالتعاون مع البلدية ستجد احللول املناسبة لكل بناء‪ ،‬فرمبا‬ ‫التل العليا»‪.‬‬ ‫نطلب منهم احلفاظ على الواجهة اخلارجية وهدم الداخل‬ ‫بدأت احلملة بتحرك شبابي من نادي آثار طرابلس ومحبي اآلثار‪،‬‬ ‫فانضمت إليها جمعيات وهيئات من اجملتمع املدني‪ ،‬ومت اطالق‬ ‫موقع على الفايسبوك لهذا االمر‪ ،‬وبدأ يستقطب الكثيرين‬ ‫وخاصة املغتربني من الطرابلسيني‪.‬‬

‫وسبل ماء‪ ،‬وأضرحة‪ ،‬ومصليات‪ ،‬وخانقاه‪ ،‬وبيمارستان‪ .‬وبعض‬ ‫طرابلس تراث قرون غابرة‬ ‫تعتبر طرابلس كتلة من اآلثار واملواقع التراثية‪ .‬فكل ما حتتويه من اآلثار املسيحية ككنيسة يونس‪ ،‬وآثار دير صليبي‪.‬‬ ‫حتى اخلمسينيات من القرن املاضي ميكن تصنيفه إما أثرا ً أو‬ ‫مبنى تراثياً‪ .‬وال يستثنى من ذلك سوى األبنية احلديثة التي وأكبر اآلثار في املدينة القلعة التي بناها الصليبيون االفرجن‬ ‫حلت محل بساتني الليمون ابتداء من اوائل الستينيات‪ ،‬وهي على أنقاض بناء فاطمي‪ ،‬ثم أكملها املماليك وأضافوا أقساما‬ ‫موجودة أساسا في املنطقة الواقعة غربي خط شارع املئتني عليها بطابع القالع العربية‪.‬‬ ‫امتدادا إلى شارع مار مارون‪ ،‬وصوال إلى بولفار طرابلس ‪ -‬امليناء‬ ‫ومنه باجتاه مستشفى النيني ‪ -‬خط مستقيم يفصل املدينة وقد دمر السور الذي كان يحوط باملدينة‪ ،‬وال يزال بعض من‬ ‫أجزائه ظاهرة في امليناء‪ .‬وبديال من السور‪ ،‬أقام املماليك سبعة‬ ‫القدمية والوسيطة عن مناطقها احلديثة‪.‬‬ ‫أبراج على الشاطئ حلماية املدينة من الهجومات اخلارجية‪،‬‬ ‫وأبرزها برج السباع القائم بكل عناصره‪ ،‬وبرج عزالدين الذي‬ ‫اآلثار‬ ‫أما آثار املدينة وأبنيتها التراثية‪ ،‬فهي متنوعة‪ ،‬وكثيرة‪ ،‬وال تقوم عليه بناية البرج‪ ،‬وبرج العدس‪ ،‬وأبراج أخرى‪.‬‬ ‫ميكن حصرها‪ ،‬إذ ميكن أن تقسم طرابلس إلى قسمني‪ :‬القدمي‬ ‫األثري‪ ،‬واحلديث التراثي‪.‬‬

‫ويبدو انه تفاديا ً لصدور قرار كهذا عمد جتار البناء الى هدم‬ ‫األبنية بشكل متعمد في وضح النهار او في منتصف الليل‪،‬‬ ‫وفكوا العناصر التراثية من بعض االبنية من قناطر وابواب‬ ‫وشبابيك وموزاييك وارضيات‪ ،‬وكان الهدف انه عندما يأتي‬ ‫الكشف الرسمي من قبل املديرية العامة لآلثار ال يجدون‬ ‫سوى خرابة فال يصنفون البناء تراثيا‪.‬‬ ‫األول‪ ،‬القدمي األثري‪ ،‬هو طرابلس القدمية التي كانت داخل‬ ‫األسوار منذ آالف السنني‪ ،‬وتعرف اليوم باملدينة اململوكية‪،‬‬ ‫أزاء هذا التطور‪ ،‬قال تدمري‪« :‬نحن في معركة ضد اي عملية ومتتد من باب الرمل جنوبا‪ ،‬وحتى باب التبانة شماال في مسافة‬ ‫فيها حتايل على القانون‪ ،‬واستغالل للوضع االمني في املدينة‪ ،‬ال تقل عن ثالثة أو اربعة كيلومترات‪ ،‬كلها من املباني القدمية‬ ‫في الوقت الذي فيه الناس ملتهون بامور اخرى»‪.‬‬ ‫املتالصقة‪ ،‬تشكل كتلة أثرية ففي كل موقع من مواقعها‬ ‫أثر له وظيفته ودوره ومعناه‪ .‬وأهميتها أنها ال تزال مكتظة‬ ‫وأفصح عن مبادرة هامة للحملة لتغطية نقص في عناصر بالسكان والعمل واألسواق التي ال يزال بعضها محافظا على‬ ‫املراقبة إن لدى الدولة أم البلدية‪ ،‬بـ»تأسيس ما نسميه شيء من طابعه القدمي التقليدي‪.‬‬ ‫املراقبني التراثيني الذين يضمون مجموعة من الشباب‬ ‫الطرابلسي املتطوع من اختصاصات عدة ستكون مهمتهم حدود هذه املدينة جلية من اجلهتني‪ :‬اجلنوبية‪ ،‬حيث يوجد ما‬ ‫اوال ً التعرف على هذه املناطق التي فيها ابنية تراثية غير يشبه البوابة في باب الرمل حتت اجلامع املعلق‪ ،‬لكن يرجح‬ ‫مسجلة‪ ،‬ومراقبتها بشكل دائم‪ ،‬واالبالغ عن اي تعديات»‪.‬‬ ‫أن البوابة احلقيقية للمدينة من جهة اجلنوب قد أزيلت‪ ،‬ومن‬ ‫اجلهة الشمالية‪ ،‬توجد بوابة قدمية هي بوابة السور الذي كان‬ ‫أمور هامة حققتها احلملة على مستوى آخر‪ ،‬بالتعاون مع يحوط باملدينة‪ ،‬والبوابة تقع قرب جامع محمود بك في السوق‬ ‫وزير الثقافة‪ ،‬حيث مت استصدار قرار من الوزارة بضرورة اعادة املعروف بسوق القمح‪ ،‬وال تزال قائمة‪ .‬أما البوابات األخرى فقد‬ ‫احصاء االبنية االثرية في طرابلس‪ ،‬واضافة هذه االبنية الى قضى عليها التوسع العمراني احلديث‪.‬‬ ‫الئحة اجلرد العام كي تصبح محمية من القانون‪.‬‬ ‫في هذا القسم من طرابلس‪ ،‬تقوم الكتلة األثرية الضخمة‪،‬‬ ‫يوضح تدمري أن «املراقبني التراثيني سيقومون بتصوير هذه منها املساجد‪ ،‬وابرزها‪ ،‬املسجد املنصوري الكبير‪ ،‬واحلميدي‪،‬‬ ‫االبنية بعد ان نحددها‪ ،‬واعداد امللفات اخلاصة عنها»‪.‬‬ ‫وطينال‪ ،‬والتوبة‪ ،‬والبرطاسي‪ ،‬واملعلق‪ ،‬وأرغن شاه‪ ،‬والرفاعية‪،‬‬ ‫واحلجيجية‪ ،‬وغيرها كثير‪ .‬ومنها املدارس مثل املدرسة‬ ‫وأعلن تدمري عن احتفال سيجري في القاعة الزجاجية في القرطاوية‪ ،‬واملدرسة الناصرية‪ ،‬والسقرقية‪ ،‬والشمسية‪،‬‬ ‫متحف طرابلس املصور في غرفة التجارة والصناعة أوائل والطواشية‪ ،‬وسواها وال يزال أكثرها قائما‪.‬‬ ‫كانون األول املقبل إلطالق احلملة رسمياً‪ ،‬وهناك اكثر من ‪30‬‬ ‫جمعية تساند هذه احلملة وعدد الشباب املطلوب يفوق ‪ 100‬من اآلثار أيضا‪ ،‬اخلانات‪ ،‬وأبرزها خان الصابون‪ ،‬وخان اخلياطني‪،‬‬ ‫شاب‪ ،‬وهم موجودون اساساً‪ .‬وسيتم توزيع كل مجموعة وخان الدباغني‪ ،‬وخان العسكر‪ ،‬وخان املصريني‪ .‬ومن احلمامات‪،‬‬ ‫شبابية على منطقة عقارية حسب مساحة املنطقة ونحرص حمام العبد الذي ال يزال يعمل‪ ،‬وحمام عز الدين الذي رمم‬ ‫ان يكون بينهم مهندسون او مهندسات لتتم قراءة اخلرائط مؤخرا‪ ،‬وحمام النوري اخملرب‪ ،‬واحلمام اجلديد‪ ،‬وحمام احلاجب‪،‬‬ ‫الهندسية ويتمكنوا من حتديد العقارات وارقامها وتصنيف وحمام العطار‪ .‬والتكايا أبرزها املولوية‪ ،‬والقادرية‪ ،‬إلى آثار عدة‬ ‫املبنى التراثي‪.‬‬ ‫أخرى متفرقة منها سوق حرج‪ ،‬وزوايا عدة‪ ،‬وبرك‪ ،‬ومزارات‪،‬‬

‫األبنية التراثية‬

‫وهي األبنية التي نشأت مع خروج املدينة من نطاقها اململوكي‬ ‫إلى تشكل املدينة احلديثة التي بدأت أواخر القرن التاسع‬ ‫عشر ببناء السراي العثماني على الساحة املعروفة بساحة‬ ‫التل‪ ،‬وقد مت هدم السراي أواخر الستينيات‪.‬‬ ‫وانطالقا ً من السراي على التل بدأت األبنية واألحياء احلديثة‬ ‫تتكون لتكون مدينة طرابلس اجلديدة‪ .‬وراحت األبنية تنشأ‬ ‫انطالقا ً من التل بكل االجتاهات‪ ،‬وأبرز األبنية التي تلت السراي‪،‬‬ ‫كان مبنى احلسيني‪ ،‬فقصر نوفل‪ ،‬فمسرح االجنا‪ ،‬وتكر‬ ‫السبحة بعد ذلك‪ ،‬باجتاه الزهرية شماال‪ ،‬وساحة الكورة جنوبا‬ ‫وشرقا‪ ،‬وشارعا عزمي والبولفار غربا‪.‬‬ ‫أحياء املدينة احلديثة تكونت في بقعة ظلت تتسع عمرانا ً‬ ‫وأسواقا ً حديثة بكل االجتاهات‪ ،‬فبنيت األبنية في حقبة‬ ‫العشرينيات األولى وطغى عليها الطراز اإليطالي اجلميل‪ ،‬أو‬ ‫ما يشابهه‪.‬‬

‫أخطار وحتديات‬

‫تعرض العديد من هذه األبنية لتشوهات‪ ،‬وتهدم جزئي‪ ،‬أو‬ ‫كلي‪ ،‬مما حدا ببعض رؤساء البلدية مدفوعني من احلريصني‬ ‫على طابع املدينة التراثي‪ ،‬لوضع الئحة باألبنية املصنفة التي‬ ‫زاد عددها على الثالثني مما حمى الكثير منها من الدمار‪.‬‬ ‫ورغم التصنيفات‪ ،‬وسعي غيارى على تراث املدينة وآثارها‪،‬‬ ‫فقد تعرض الكثير منها للتخريب وأزيلت معالم عدة منها‬ ‫في مشاريع مختلفة‪.‬‬ ‫ويبقى التحدي اليوم أمام احلملة للحفاظ على ما تبقى من‬ ‫ثروة أثرية ال تزال كبيرة وهامة متيز طرابلس عن سواها من‬ ‫املدن‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫ثقافة‬

‫االنسداد الثقافي والمعرفة التقليدية وجدل الذات‬ ‫التنوير‪ ...‬وشرف المحاولة الملحة‬ ‫نجيب نصير‬ ‫التنوير هو استبدال إجباري للحراك الذي وضع غايته‬ ‫النهضة في زمن لم يكن هناك من عيب أو اثم من العمل‬ ‫لها‪ ،‬لكن هذا العمل حت ّول الى حراك حتضيري حلراك‬ ‫نهضة قادمة او مؤجلة او محلوم بها او استراتيجية‬ ‫باملعنى الشرق األوسطي لالستراتيجية (املؤجل من‬ ‫االشياء)‪ ،‬فظهر عصر التنوير الذي ميكن اعتباره جزءا ً‬ ‫(او شقفة) منها وسابقا ً لها وكان هناك ثمة خطأ‬ ‫حصل بسبب التفكير بالنهضة مباشرة دون التحضير‬ ‫االجتماعي لها‪ ،‬وكانت غايته (أي التنوير) التبشير باخلطة‬ ‫الكونية إلنتاج اجملتمعات‪ ،‬الن التنوير ذاته ال يعيش وال‬ ‫يفعل اال في مجتمع‪ ..‬الذي يستطيع استقبال املفاهيم‬ ‫املعرفية وممارستها‪ ،‬وهنا بدت الطامة الكبرى‪ ،‬ليس عند‬ ‫قوى التخلف فحسب بل في البنية الثقافية ألصحاب‬ ‫التنوير ذاتهم‪ ،‬حيث تنازعوا على قيم التنوير نفسها‪،‬‬ ‫وافتعلوا بها تنجيرا ً وتاويالً وتصليحا ً وتضبيطاً‪ ،‬منهم‬ ‫حتت شعارات التكتيك وتخفيف الصدمات‪ ،‬وهو مشروع‬ ‫طويل املدى وغير واعد‪ ،‬ومنهم من كان فكرهم في عمقه‬ ‫فكرا ً معاكسا ً للتنوير‪ ،‬ولكنه يريد نهضة (كي يساوي‬ ‫البالد الناهضة ويهزمها) يكون ممرها اإلجباري هو التنوير‬ ‫فمارسه ظاهريا ً من جهة‪ ،‬ولم يقبل التنوير ككتلة واحدة‬ ‫ال تكنولوجيا ً وال قيميا ً من جهة اخرى‪ ،‬حيث بدت العملية‬ ‫برمتها وكأنها اعتداء على فكر متامي يراد استبدال بعض‬ ‫القطع منه‪ ،‬وهكذا اعتذر طه حسني (مثالً وكإنذار مبكر)‬ ‫عن كتابه «في الشعر اجلاهلي»‪ ،‬معتبرا ً ان األوان لم يحن‬ ‫للتفكير العلمي احملايد او ممارسة املعرفة كممر اجباري‬ ‫الى احلقيقة التي ميكن البناء عليها‪ ،‬وان احلقائق العلمية‬ ‫املؤقتة بطبيعتها ال تتناسب مع الثقافة التمامية‬ ‫للحشود البشرية وصناع رأيها‪ ،‬ولكنها وفي يوم من االيام‬ ‫سوف تكتشف (وتتعلم)‪ ،‬وهذا ما حصل مع تلك احلشود‬ ‫البشرية الشرق اوسطية اذ اكتشفت وعلمت‪ ،‬ولكنها لم‬ ‫تعرف‪ ،‬أي أنها لم متارس العلم‪ ،‬ألن هذا العلم وببساطة‬ ‫غير مندرج في طبقات الثقافة التمامية‪ ،‬اذ هو خارج‬ ‫حدود تفكير هذه الثقافة التي سوف تخضع خضوعا ً‬ ‫استسالميا ً واستهالكيا ً ملنتجات املعرفة املشخّ صة‪،‬‬ ‫معرضة عن منجزاتها اجملردة التي هي جزء ال يتجزأ منها‬ ‫وبالضرورة ـ السيارة وقانون املرور مثاال ً تبسيطياً) ما‬ ‫يقسم العلم واملعرفة ومنتجاتهما الى فسطاطني‪ ،‬واحد‬ ‫موافق عليه ومحمود ويقبل به كمواد استهالكية قابلة‬ ‫للتداول العياني امللموس‪ ،‬وآخر ُمعرَض عنه في احسن‬ ‫االحوال ومذموم ومؤثم في االحوال العادية‪ ،‬في انقسام‬ ‫فاحش للقيم نفسها يؤدي الى تعاكس مصلحي ال يعطي‬ ‫للتفاعل (الديالكتيك) اية فرصة للعمل‪ ،‬وهكذا مر عصر‬ ‫التنوير منتظرا ً انفجار اجملتمعات املتقدمة وامنحاقها أكثر‬ ‫منه منذرا ً وحتى مهددا ً بالوقوع في الهزمية والفناء اذا لم‬

‫منارس املعرفة بكليتها القيمية والعيانية في تغيراتها‬ ‫االرتقائية التي يجب اال تتوقف‪.‬‬ ‫في مستهل القرن العشرين‪ ،‬وعلى الرغم من النجاح في‬ ‫التخلص من العثمنة مبعناها الكولنيالي‪ ،‬اال ان العثمنة‬ ‫باملعنى املعرفي ملا تزل مستمرة في ثنايا وحشايا وفي‬ ‫اعماق بنيتها التفكيرية (التي تخلصت منها تركيا‬ ‫نفسها)‪ ،‬مع تغيير حاسم في النصف الثاني من ذاك‬ ‫القرن وهو تغير املمول‪ ،‬الذي ميكن اعتباره احد منتجات‬ ‫مؤمتر يالطا‪ ،‬حيث بدت املسألة هنا ليست مشكلة‬ ‫مع العلم الصافي الذي ميكن استرداده كسلعة بل مع‬ ‫املعرفة نفسها أي ما ميكن تسميته مرحلة ما بعد‬ ‫العلم‪ ،‬فالعلم في البنية الثقافية العثمانية هو تأمني‬ ‫موظفني للدولة العلية فقط‪ ،‬دون البحث (ال بل قمع)‬ ‫تأثيراته االرتقائية‪ ،‬وهي سنة سارت عليها هذه التجمعات‬ ‫البشرية التي ارتضت ودافعت عن استهالك العلم كسلع‬ ‫مستوردة ورفضت كافة تاثيراته اجلانبية‪ ،‬وهذا ما خضع‬ ‫له التنوير حتديدا ً الذي أنتج تنويريني اما شهداء او مواربني‬ ‫يلعبون بالبيضة واحلجر والذين قامروا (حتت ذريعة حرية‬ ‫التجريب) بالنهضة ذاتها على اساس انها شأن مؤجل‬ ‫(استراتيجي) يأتي بعد تنوير االغلبية الساحقة ومن بعده‬ ‫يتم التغيير «املناسب» لقيام نهضة تقبل بها االغلبية‪،‬‬ ‫وهكذا حتولت االغلبية الى شرط من شروط النهضة‬ ‫حتى ولو كانت هذ االغلبية ليست على عقل او معرفة‬ ‫او مجتمع‪ ،‬وأصبح تنويريو هذا النوع حتت سلطة االغلبية‬ ‫هذه ورويدا ً بدأوا باخلضوع لها‪ ،‬مفترقني متاما ً وعدائيا ً عن‬ ‫فكرة النهضة التي تقتضي بتغيير الواقع وعلى االقل‪،‬‬ ‫واصبح شعارهم اذا كانت االغلبية تريد ذلك فلم ال او هذا‬ ‫هو احلق دميوقراطيا اولسنا نريد الدميقراطية؟!‬ ‫وقع التنوير في فخ (األكثرية)‪ ،‬وهو االمر الواهي الذي‬ ‫وقعت فيه أغلبية التجمعات البشرية الشرق او سطية‬ ‫منذ العام ‪( 1952‬ثورة يولية)‪ ،‬صحيح ان كل العسكريتاريا‬ ‫التي تناوشت السلطة منذ ‪( 1949‬انقالب حسني الزعيم)‬ ‫تنتمي الى الطبقة املتعلمة‪ /‬املثقفة‪ ،‬لكنها كانت (وملا‬ ‫تزل) تنتمي إلى العثمنة املعرفية‪ ،‬حيث استطاعت عبر‬ ‫(قيادتها!!) للرأي فبركة أغلبية ظاهرية‪ ،‬تتضمن اتفاقا ً‬ ‫ضمنيا ً على العثمنة املعرفية شرط تغيير املم ّول الذي‬ ‫تبدل من الدولة العلية الى البترودوالر الصحراوي‪ ،‬وهكذا‬ ‫حتول التنوير مبعناه النهضوي الى تنوير مشروط‪ ،‬ولعل‬ ‫شعارات املرحلة تشير الى ذلك بوضوح في عودة براغماتية‬ ‫الى تنويريي الـ»بني بني» كمرجع للثقافة‪ ،‬فاصبحت‬ ‫(وكلها امثلة) الدميقراطية «شعبية» و»احلرية» العاقلة‬ ‫اخالقيا ً والتعبير «كلمة طيبة»‪ ،‬والعدالة االجتماعية‬ ‫«اشتراكية» وحرية االعتقاد «مكفولة» الخ‪ ،‬كل ذلك‬ ‫حتت سمع وبصر التنويريني عدا قلة قليلة من الذين لم‬

‫يستشهدوا بعد والتي رأت في اوروبا واميركا مالذا ً لها‪،‬‬ ‫ومع هذا لم تسلم من محاوالت الترويض فاذا لم تنجح‬ ‫فالتأثيم‪ ،‬واذا لم ينجح فالتكفير او اخليانة العظمى ومن‬ ‫ثم القتل املادي او املعنوي‪.‬‬ ‫كانت محاولة التنويريني هو إثبات ضرورة وجود مجتمع‬ ‫باملعنى احلديث للكلمة بغض النظر عن توصيف الدولة‬ ‫املنبثقة عنه (عسكرية كانت ام مدنية ام دينية راسمالية‬ ‫ام اشتراكية)‪ ،‬املهم أن تكون حديثة ومرتقية ومنبثقة‬ ‫من مجتمع يحمل في ثقافته الشروط احلديثة للوجود‬ ‫في الكرة األرضية فقط وبالذات‪ ،‬كشروط ترقى الى‬ ‫مستوى الضرورة‪ ،‬مبعنى ان اجملتمع الذي تنبثق عنه دولة‬ ‫يجب ان يصنع صناعة بالتربية والتربية احلقوقية حتديدا ً‬ ‫التي تستطيع أن تغير في لوائح القيم كي تستجيب او‬ ‫كي تستطيع االستجابة لضرورات البقاء‪ ،‬قبل أن تتغير‬ ‫شروط البقاء ذاته (والتي نتلمسها فيما بعد أي اآلن‬ ‫ولكن كما تلمسنا سايكس بيكو ويالطا سابقاً)‪ ،‬ولكن‬ ‫السؤال هل استطاع الشرق اوسطيون من نهضويني‬ ‫وتنويريني وشعوب‪ ،‬توليد مجتمعات مكتملة ومتمايزة‬ ‫وذات هيئة واضحة وتستطيع اقامة دولة حديثة؟‪ ،‬رمبا‬ ‫اجلواب واضح في سجل الهزائم احلضارية واالنتكاسات‬ ‫املعرفية التي تنفضح بني الفينة واالخرى كفشل كلوي‬ ‫يساعد الغسيل الكلوي كسلعة حديثة مقدور على‬ ‫ثمنها بالهروب الى االمام‪ ،‬هذا الهروب الذي يدمر البنية‬ ‫الثقافية (اجملربة والناجحة في مختلف اصقاع االرض)‬ ‫التي تقضي بوجود مجتمع بالضرورة كي تطبق ومتارس‬ ‫فيه كل منجزات البشرية احلضارية كشرط اساسي‬ ‫من شروط البقاء‪ .‬لتصبح جميع املنجزات التكنولوجية‬ ‫(اجملردة واملشخصة) عبارة عن ممارسات معرفية داخل‬ ‫اجملتمع ومن خصوصياته ومميزاته التي تشهر هويته‪ ،‬حيث‬ ‫لم تعد الهوية عبارة عن وراثة باالسالة‪ ،‬وامنا تعريف‬ ‫اجملتمع أمام اآلخرين بحيويته وإنتاجه‪ ،‬وعلى هذا حتاسب‬ ‫النهضة اذا كانت قد حصلت ام انها لم حتصل!!‬ ‫=============================================‬ ‫بعد اختصار حلم النهضة الى حلم التنوير في مستهل‬ ‫القرن العشرين اآلفل‪ ،‬وهو قرن مؤسس للنهوض‪ ،‬ومن‬ ‫استفاد منه استفاد ومن لم يفعل (راحت عليه)‪ ..‬الن‬ ‫مجافاة التأسيس حتى ولو بالتنوير هو فقدان للحقائق‬ ‫الصلبة التي ميكن تأسيس نهضة عليها‪ ،‬خصوصا ً في‬ ‫وضع تكاثرت فيه االختصاصات وتفرعاتها واجنازاتها‪،‬‬ ‫كما ان الزمن الفاصل بني الناهضني والقاعدين لم يعد‬ ‫محل مواربة وتذرع وتسويف‪ ،‬ليصبح السؤال التنويري‬ ‫في القرن الواحد والعشرين هو‪ :‬هل أسستم لنهضة او‬ ‫لوجود فاعل في مستهل الزمن املنصرم؟ وهنا ال ميكن‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫ادخال جلد الذات في املنظومة التفكيرية وال حتى في‬ ‫البنية الثقافية املفوتة هذه‪ ،‬فرؤية املرض وتسميته اوال ً‬ ‫ليس اهانة الي مريض‪ ،‬فالواقع هو الواقع‪ ،‬وقد تنهار االمم‬ ‫الناهضة كلها او بعضها لسبب خارج عن االرادة ليصبح‬ ‫اجلميع متساوين (مثالً) ولكن هذا ليس نصرا ً لنهضة او‬ ‫نهضة بحد ذاته وهو أحد التوقعات (التراثوية) (خصوصا ً‬ ‫بسبب االمراض اجلنسية او االجتماعية الناجتة عن‬ ‫التحرر اجلنسي)‪ ،‬وجلد الذات هي احدى التهم التي يطارد‬ ‫بسببها التنويريون على شتى مشاربهم ومآربهم‪.‬‬ ‫وصورة شتى مشاربهم ومآربهم‪ ،‬تبدو واضحة في‬ ‫مثال العلمانية‪ ،‬البعبع الذي واجه اجلميع من تنويريني‬ ‫وتعتيميني‪ ،‬من دون االنتباه الى شرطيتها او معرفتها‪،‬‬ ‫حيث مت التعامل معها كمعتقد (رمبا بسبب ضيق لغة‬ ‫التعبير) وليس كأداة (تكنولوجيا)‪ ،‬وحتى يومنا هذا يتم‬ ‫الهجوم عليها كمعتقد‪ ،‬ويتم الدفاع عنها كمعتقد‪،‬‬ ‫صحيح ان هذه العملية تضعف املعتقدات نفسها وتفرغ‬ ‫من حتتها االساس املنطقي لوجودها‪ ،‬ولكنها ايضا فرملت‬ ‫العلمانية كأداة في معركة وهمية لم تنته انشغل بها‬ ‫اجلميع عن النهضة وعن التنوير فيما بعد‪ ،‬فأنتجت هذه‬ ‫املعركة الوهمية بنى ثقافية مجتمعية ذات تطبيقات‬ ‫(سياسة ـ اقتصاد ـ منتجات ثقافية ـ اخالق ـ سياحة‬ ‫الخ) مساوية لها‪ ،‬وكأن العلمانية ممارسة شعائرية‬ ‫ملعتقد مخالف بينما هي في احلقيقة مجرد اداة ووسيلة‪،‬‬ ‫لينبثق سؤال مؤسس جديد قدمي (وجلد ذات ايضاً!!!)‪ ،‬هل‬ ‫تريد نهضة؟‬ ‫‪.....‬اذاً‪ ...‬عليك باستخدام العلمانية‪ .‬كي تستطيع‬ ‫معايرة وقبول وممارسة املفاهيم‪ ،‬التي هي معرفة لتوليد‬ ‫مجتمع حديث واضح املعالم تنبثق عنه دولة واضحة‬ ‫الثقافة احلقوقية‪ ،‬تستطيع إفراز منتجات معايرة تعبر‬ ‫عن الهوية وقادرة على تنافس البقاء باملعيار املوجود‬ ‫للكلمة‪ ،‬لتتحول العلمانية الى ضرورة وشرط مؤسس‬ ‫للوجود اجملتمعي بغض النظر عن رأي االغلبية واالقلية‪،‬‬ ‫الن استخدامها كأداة يقصد منه جتنيد االمكانيات في‬ ‫مهمة االنتاج‪ ،‬وخارج االنتاج ال توجد مجتمعات او دول‬ ‫(اال باالصطالح) في املعايير احلديثة‪ ،‬وهذا حتديدا ً الذي لم‬ ‫يتم االنتباه له ممارساتيا ً فــ (دول) سايكس بيكو موجودة‬ ‫باالصطالح اخلارجي‪ ،‬ولم توجد قط باالحتدام الداخلي او‬ ‫باالسالة من املاضي الى احلاضر‪ ،‬ألنها وباختصار بحاجة‬ ‫الى اداة معروفة للجميع (خصوصا اليابان وماليزيا وتركيا‬ ‫كأمثلة) وهي العلمانية‪ ،‬التي ما زال الكثيرون (ومنهم‬ ‫تنويريون) ينسبونها الى العلم‪ ،‬وليس الى العالم كما هي‬ ‫في املصطلح املترجم‪ .‬ما يعني بوضوح أن‪ ...‬ال علمانية‬ ‫(عاملانية ايضاً) يعني ال نهضة وال تنوير بل انتكاس في‬ ‫مسيرة معاكسة نحو التخلف العميق باملعيار املعاصر‪،‬‬ ‫وعدم استخدام العلمانية يستوجب البدء من اختراع‬ ‫الدوالب والنار الطنجرة‪ ،‬وبناء حضارة جديدة تستغني‬ ‫عن كل ما أجنزته البشرية‪ ،‬ولكن في املقابل على الشرق‬ ‫اوسطيني احتمال (غالظة) االمم الناهضة واستغاللها ال بل‬ ‫حروبها وحتكمها مبصادر القوت‪ ،‬حيث يتحول غزو الفضاء‬ ‫(مثال) وهو انتاج مجتمعي‪ ،‬الى مصدر للربح والرزق‪ ،‬ويبقى‬ ‫لالعلمانيني النقيق والشكوى من ظلم استعمار ما بعد‬ ‫احلداثة‪ ،‬عدمي االخالق باملعيار التراثوي‪ .‬ليتحول النضال من‬ ‫اجل النهضة الى توسل ورجاء موجه الى االمم الناهضة ان‬

‫ثقافة‬

‫تنتظرنا شرط ان تغير هي من اخالقياتها‪.‬‬ ‫لم ينظر الكثير من التنويريني (باستثناء الشهداء‬ ‫واملهجرين و»جالدي الذات» الخ ) الى القيم الكونية‬ ‫اجلديدة بوضعها احلالي او اثناء تطورها‪ ،‬كقيم عمومية‬ ‫للبشر على سطح الكرة االرضية‪ ،‬ولم يتحسسوا‬ ‫مقارباتها «املشروطة باالنتاج» للحق واخلير واجلمال‪ ،‬حيث‬ ‫اعلن هؤالء وبشكل نهائي عن قدسية املعلومات خالطني‬ ‫وبسبب العقلية اللغوية (من لغة ومن لغو ايضا) بني‬ ‫املعلومات والثقافة واملعرفة والعلم واالبحاث والتجارب‪،‬‬ ‫بحيث ال يدري السامع ـ تنويريا ً كان ام عاديا ً (سابلة) ـ ما‬ ‫الفارق بينها‪ ،‬كما انه ال يدري الفارق في القيمة واحلاجة‪،‬‬ ‫بني كالم ثقافي عن االواني في العصر الفاطمي‪ ،‬وبني‬ ‫كالم عن الدستور وفصل السلطات في العصر احلديث‬ ‫‪ ،‬فكله في النهاية علم ومعرفة وثقافة ومعلومات‪،‬‬ ‫وهنا وليس على سبيل املثال نشأت كل املعارك الثقافية‬ ‫الوهمية‪ ،‬التي تقطع الطريق عن اي نهضة او تنوير‬

‫‪15‬‬

‫خصوصا ً مع مجيء العسكر الى السلطة كنسخة عن‬ ‫يسدد حاجة الدولة الى‬ ‫املثقف في العصر العثماني الذي ّ‬ ‫املوظفني متمثال عقلية وثقافة التجمعات البشرية التي‬ ‫اصطلحت عليها سايكس بيكو ويالطا وغيرها بناء على‬ ‫ارشادات اللورانسية الفكرية التي خرجت منها فكرة‬ ‫العروبة كحل وسط بني الرابط الديني والرابط املصلحي‬ ‫االجتماعي‪ ،‬يتناسب مع عصر القوميات بطريقة توفيقية‬ ‫وتلفيقية‪ ،‬هذا العصر الذي أفل دون حتقيق إي إجناز قومي‬ ‫(سوى صياغة الشعارات والفخر بها) عليه القيمة‪،‬‬ ‫وهكذا خسرت الشعوب الشرق اوسطية كافة احلروب‬ ‫االستراتيجية التي واجهتها داخليا وخارجية انطالقا من‬ ‫حلم النهضة االستراتيجي التحرر والتنمية‪ ..‬وذلك بعد‬ ‫انتهاء العصر الناصري (االول) التجريبي‪ ،‬ليبدأ زمن الهدر‬ ‫واالفناء االجتماعي كثقافة مجتمعية فاعلة سلبا ً في‬ ‫التأسيس االجتماعي‪ ،‬تنتج ما يضرها جهالً او نكاية في‬ ‫العالم املتحضر الذي اصبح اسمه غرباً‪.‬‬


‫‪16‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫تراث‬

‫بربارة وتقال‬

‫قديستا في الكنيسة أم بطتال في ذاكرة الوطن؟‬

‫د‪ .‬فيفيان حنا الشويري ‪ -‬باحثة وأستاذة جامعية‬ ‫رب سائل تراوده أفكار كالتي تشغل تفكيرنا في كل‬ ‫م ّرة ّ‬ ‫حتل مناسبة أو عيد أو ذكرى تاريخية‪ .‬وهذا التفكير‬ ‫وإن كان يحتل املساحة األكبر في رأسنا وعلى الدوام‪،‬‬ ‫نظرا ً ملا للوطن الكبير من قيمة ونظرا ً ملا تسببه أوضاعه‬ ‫املتردية من ألم في نفوسنا ومن هم وقلق على مصير األمة‬ ‫والهوية واحلضارة‪ ،‬فإننا نتساءل دائما ً وباستمرار ما ميكن‬ ‫فعله لدرء خطر الفناء واالضمحالل‪ ،‬فهمنا الوطن ثم‬ ‫الوطن ثم الوطن‪ ،‬فبمن نتعظ؟‬ ‫واإلجابة هي دائما ً متوفرة شرط أن نعرف أين جندها ومن أي‬ ‫مصدر نستقيها‪ ،‬فتأتي املناسبات واألعياد ّ‬ ‫لتذكرنا بأسماء‬ ‫من صنعوا أمجاد هذا الوطن من خالل تفانيهم الى ح ّد‬ ‫الشهادة من أجل بقائه عزيزاً‪ ،‬قويا ً ومستقالً‪ ،‬فبهؤالء‬ ‫القدوة نتعظ ومن خالل مسيرتهم نستمر ونستمد الدعم‬ ‫والقوة وهذه هي وظيفة إحياء ذكراهم وليس لسبب آخر‪.‬‬ ‫وأسماء الرجال العظماء معروفة وحلسن احلظ‪ ،‬ولطاملا‬ ‫تغنّت بهم أقالم الكتّاب واملؤرخني‪ ،‬ومتداولة على الدوام‪،‬‬ ‫ولكن ماذا عن النساء؟ ورب سائل يقول وهل هن موجودات‬ ‫أصالً؟ واجلواب بل هن موجودات وأكثر بكثير مما ميكن تص ّوره‬ ‫ولكن رغم وجودهن فهن مجهوالت‪ .‬مجهوالت نعم رغم‬ ‫شهرتهن وانتشار تكرميهن انتشارا ً قوياً‪ ،‬إال أنهن يبقني‬ ‫مجهوالت من حيث الدور الكبير الذي لعبنه كثائرات‬ ‫هن وباختصار‪ ،‬القديسات‬ ‫وشهيدات الوطن‪ .‬تلك النساء ّ‬ ‫السوريات‪ ،‬شهيدات الكنيسة األولى كما يعرفن اصطالحاً‪،‬‬ ‫وتزخر الرزنامة املسيحية الشرقية والغربية بأسمائهن‬ ‫الكثيرة كما وتكثر الكتب عن سيرهن‪ ،‬ولكن كقديسات‬ ‫وشفيعات فقط ليس إال‪ .‬فهل بذلك غ ّينب أم حفظن في‬ ‫ذاكرة التاريخ؟ وهل هن حكر على فئة معينة من الناس‬ ‫أم هن مثال لكل املواطنني واملشتركني في الوطن الواحد‬ ‫والقومية الواحدة؟ سؤال ّ‬ ‫معقد وصعب اإلجابة‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬إنه سؤال صعب واجلواب على سؤال صعب وشاق‬ ‫كهذا‪ ،‬فهل هن شهيدات الكنيسة أم الوطن‪ ،‬ثائرات‬ ‫ألجل الدين أم األمة؟ ملاذا ثرن وملاذا خضن الصعاب وملاذا‬ ‫استشهدن وضد من كان صراعهن ونضالهن؟ وثمة من‬ ‫يجاوب أنهن ضحينّ بأرواحهن من أجل إميانهن وديانتهن‬ ‫وأن نصرة الدين هي نصرة الوطن نفسه وهذا أمر أكيد‬ ‫وال خالف عليه‪ ،‬فالدين هو العزة والكرامة والوطن واألمة‬ ‫ألنه أحد أهم عناصر القومية‪ .‬ولكن هل كان الدفاع عن‬ ‫اإلميان هو احلافز األكبر إلقدام تلك الثائرات على الشهادة‬ ‫واملوت من أجله‪ ،‬أم كان لهدف آخر يوازي اإلميان قوة وقيمة‬ ‫وموقعاً؟ هنا تبدأ مسألة التعقيد في اإلجابة‪ ،‬فالصعوبة‬ ‫تكمن أوال ً في املفاهيم والتسميات‪ :‬فهل هن ثائرات أم‬ ‫شهيدات؟ في نظر الكنيسة هن شهيدات وهي وإن كانت‬ ‫ّ‬ ‫تتحفظ على اعتبارهن‬ ‫تقبل تصنيفهن كثائرات إال أنها‬ ‫صاحبات مبادرة في الثورة من أجل رفض املستعمر وحماية‬

‫الوطن‪ ،‬ألنها تنكر‪ ،‬أصالً‪ ،‬وجود الثورة السورية الوطنية‬ ‫املغ ّيبة من التاريخ واملعتّم على أحداثها رغم كل األدلة‬ ‫املتوفرة والواضحة عنها‪ ،‬تلك الثورة ضد احملتل الروماني‬ ‫هن تلك الثائرات الشهيدات اللواتي مشني‬ ‫والبرهان عليها ّ‬ ‫على خطى معلمهم السيد يسوع املسيح‪ ،‬فالثورة منذ‬ ‫صلبه وقيامته ظ ّلت ناشطة وإال ما معنى قيامته‪ ،‬فهو‬ ‫لم ميت بل ش ّبه لهم وظل ح ّيا ً في أتباعه الثوار السوريني‪،‬‬ ‫والثورة ظلت ح ّية‪ ،‬ناشطة‪ ،‬مستعرة‪ ،‬ورمبا قويت أكثر منذ‬ ‫ثورة املسيح ضد روما وحتولت الى ثورة أتباعه‪ ،‬ومن هؤالء‬ ‫األتباع تلك النسوة اللواتي استشهدن وهن ال ع ّد لهن وال‬ ‫حصر ومنهن القديسات املعروفات بشهيدات الكنيسة‪،‬‬ ‫واللواتي اعتبرن أنهن ثرن من أجل نصرة اإلميان ليس إال‪.‬‬ ‫وقد ورد ذكر تلك الق ّديسات في السنكسار الالتيني نقالً‬ ‫عن حوليات الق ّديس ثيوفانيس املعترف‪ ،‬الذي تع ّيد له‬ ‫الكنيسة في الثاني عشر من شهر آذار والذي رقد في‬ ‫العام ‪ 818‬م‪ .‬وعن حياة القديسات يراجع مصدر مهم‬ ‫هو كتاب «قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض‬ ‫شخصيات كنسية» للقمص تادرس يعقوب ملطي‪ .‬وحتى‬ ‫نوضح املسألة أكثر‪ ،‬يجب علينا حتديد العدو الذي ناضلت‬ ‫ّ‬ ‫ضده تلك الثائرات الشهيدات‪ ،‬من خالل الفترة الزمنية‬ ‫التي عشن خاللها‪ ،‬وهو عصر اإلحتالل الروماني لسوريا‪،‬‬ ‫فمن الطبيعي أن يناضل سكانها ضد احملتل على خطى‬ ‫معلمهم السيد املسيح‪ .‬ولهذا علينا ذكر مثال عن تلك‬ ‫الشهيدات وسرد قصة حياتهن باختصار لتبيان حقيقة‬ ‫األمر‪.‬‬ ‫الثائرة الكبيرة بربارة‬ ‫واسمها‪ ،‬بحسب حتليلنا اللفظي‪ ،‬يعني البارة البارة وهو‬ ‫توكيد بالسريانية أي احل ّرة مرتني‪ ،‬وتصادف ذكراها في الرابع‬ ‫من كانون األول‪ ،‬حيث يحتفل بعيدها على شكل مم ّيز من‬ ‫ّ‬ ‫التخفي بلباس ممّوه أو التنكر‪ ،‬وذلك من أجل تسهيل‬ ‫خالل‬ ‫هروبها‪ ،‬فاألغنية الشعبية السريانية تقول «هاشلة بربارة‬ ‫مع بنات احلارة؛ عرفتا من إيديها ومن لفتة عينيها ومن‬ ‫هاك اإلسوارة»‪ .‬إذن‪ ،‬لقد ّ‬ ‫تخفت الصبية وهربت‪ ،‬ولكن‬ ‫ممن وملاذا وملاذا تع ّرف عليها البعض وأفشى سرها‪ ،‬فهل‬ ‫من خونة عمالء عملن على فضح أمرها لألعداء؟ وملاذا‬ ‫احتفظت الكنيسة بذكراها الى اليوم؟ فقد نالت بربارة‬ ‫شهرة فائقة في الشرق والغرب‪ ،‬ويقال إنها احتملت الكثير‬ ‫من أجل إميانها‪ ،‬وأ ّثرت في عدد كبير من النساء إذ يحكى‬ ‫أنه بسبب ثباتها‪ ،‬آمنت من خاللها صديقتها القديسة‬ ‫يوليانة بالسيد املسيح‪ ،‬بل وتق ّدمت لالستشهاد‪،‬‬ ‫وارتبطت سيرتها ببربارة‪ ،‬وتع ّيد لهما الكنيسة القبطية‬ ‫في ‪ 8‬كانون األول‪ ،‬وتعيد لهما الكنيسة الغربية واليونانية‬ ‫في ‪ 4‬ديسمبر (كانون األول)‪ .‬وننقل سيرة بربارة حرفيا ً كما‬ ‫ذكرها املرجع‪:‬‬

‫نشأتها‪ُ :‬ولدت بربارة في قرية «جاميس» التابعة ملدينة‬ ‫ليئوبوليس بنيقوميدية (آسيا الصغرى كانت جغرافيا ً‬ ‫سوريا الكبرى)‪ ،‬في أوائل القرن الثالث في عهد امللك‬ ‫الطاغية مكسيمانوس الذي تولى امللك سنة ‪ 236‬م‪،.‬‬ ‫وكان والدها ديسقورس شديد التمسك بالوثنية ويكره‬ ‫املسيحيني‪ .‬ملا ش ّبت بربارة‪ ،‬خاف عليها والدها من مفاسد‬ ‫العصر نظرا ً ملا كانت تتصف به من جمال فتّان‪ ،‬ووضعها‬ ‫في قصر يحيط به العسكر‪ ،‬مأله باألصنام‪ ،‬وجعل فيه‬ ‫كل أنواع التسلية‪ .‬كانت بربارة تتلقى أرفع العلوم‪ ،‬محبة‬ ‫للتأمل‪ ،‬إذ اعتادت أن ترفع نظرها نحو السماء تتأمل‬ ‫الشمس والقمر والنجوم‪ ،‬تناجي اخلالق الذي أوجد األرض‬ ‫وكل ما عليها ألجل اإلنسان‪ .‬أرشدها بعض خ ّدامها من‬ ‫املسيحيني إلى العالمة أوريجينوس (‪ ،)Origène‬فاشتاقت‬ ‫أن تلتقي به‪ .‬وبالفعل إذ زار تلك البالد‪ ،‬التقت به‪ ،‬فح ّدثها‬ ‫عن اإلجنيل‪ ،‬فتعلق قلبها بالسيد املسيح‪ ،‬ونالت املعمودية‬ ‫دون أن تفاحت والدها في األمر‪ .‬التهب قلبها مبحبة اهلل‬ ‫فنذرت حياتها له‪ ،‬واشتهت أن تعيش بتوال ً تك ّرس حياتها‬ ‫للعبادة‪ .‬تقدم لها كثيرون من بينهم شاب غني‪ ،‬ابن أحد‬ ‫أمراء املنطقة‪ ،‬ففاحتها والدها في األمر حاسبا ً أنه سيبهج‬ ‫قلبها بهذا النبأ السعيد‪ ،‬أما هي‪ ،‬فبحكمة‪ ،‬اعتذرت عن‬ ‫الزواج‪ .‬وإذ كان والدها مسافرا ً لقضاء عمل ما‪ ،‬أرجأ األمر‬ ‫إلى حني عودته لع ّلها تكون قد استقرت في تفكيرها‪.‬‬ ‫طلبت منه أن يبني لها حماما ً قبل سفره‪ ،‬فل َّبى طلبها‪،‬‬ ‫احلمام‬ ‫وفتح لها نافذتني لزيادة اإلضاءة‪ ،‬أما هي فح ّولت ّ‬ ‫وأصوام بال‬ ‫إلى بيت صالة‪ ،‬متع ّبدة هلل‬ ‫ٍ‬ ‫بصلوات وأسهارٍ‬ ‫ٍ‬ ‫انقطاع‪ .‬حطمت بربارة كل األوثان‪ ،‬وأقامت صليبا ً على‬ ‫احلمام وعلى أعلى القصر‪ ،‬كما فتحت نافذة ثالثة‪ ،‬وكما‬ ‫جاء في الذكصولوجية (التمجيد) اخلاصة بها‪« :‬نور الثالوث‬ ‫القدوس أشرق على هذه العذراء القديسة بربارة‪ ،‬عروس‬ ‫املسيح»‪.‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫عذاباتها‪ :‬حت ّدت قسوة والدها‪ ،‬إذ رجع من سفره‪ ،‬الحظ‬ ‫هذا التغيير الواضح‪ ،‬فسألها عن سبب ذلك‪ ،‬فصارت تكرز‬ ‫له باإلميان بالثالوث‪ ،‬وكيف يجب على املرء أن يؤمن باهلل‬ ‫الواحد املثلث األقانيم‪ ،‬فاستشاط غضبا ً وأخذ يو ّبخها‬ ‫تبال بل بصراحة ووضوح كانت‬ ‫بصرامة‪ ،‬أما هي فلم ِ‬ ‫تتحدث معه عن إميانها وبتوليتها‪ ،‬فثار الوالد وانقض‬ ‫وهم ليضربها بالسيف‪ ،‬فهربت‬ ‫عليها وجذبها من شعرها ّ‬ ‫منه وانطلقت من باب القصر‪ ،‬وكان أبوها يركض وراءها‪.‬‬ ‫وقيل إن صخرة عاقتها في الطريق لكن سرعان ما انشقت‬ ‫الصخرة لتعبر في وسطها‪ ،‬ثم عادت الصخرة إلى حالها‬ ‫األول‪ .‬أما والدها إذ رأى ذلك‪ ،‬لم يلن قلبه الصخري بل صار‬ ‫يدور حول الصخرة حتى وجدها مختبئة في مغارة‪ ،‬فوثب‬ ‫بعنف‪ ،‬ورجع بها‬ ‫عليها كذئب على حمل‪ ،‬وصار يضربها‬ ‫ٍ‬ ‫قبو مظلم كما في سجن‪.‬‬ ‫إلى بيته‪ .‬هناك وضعها في ٍ‬ ‫وروى ديسقورس للحاكم ما جرى وطلب منه أن يعذبها‪،‬‬ ‫لكن إذ رآها مرقيان‪ ،‬تعلق قلبه بها ج ًدا وصار يو ّبخ والدها‬ ‫على قسوته ويالطفها ويعدها بكرامات كثيرة إن أطاعت‬ ‫أمر امللك وسجدت لألوثان‪ ،‬أما هي فبشجاعة‪ ،‬حتدثت معه‬ ‫عن إميانها بالسيد املسيح‪ُ .‬جلدت القديسة بربارة حتى‬ ‫سالت منها الدماء‪ ،‬وم ّزق جسدها مبخارز مسننة بينما هي‬ ‫صامتة تصلي‪ .‬ألبست مسحا ً خشنة على جسدها املمزق‬ ‫مظلم‪ .‬وإذ كانت تشعر بثقل‬ ‫سجن‬ ‫باجلراحات‪ ،‬وألقيت في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اآلالم‪ ،‬ظهر لها السيد املسيح نفسه وع ّزاها كما شفاها‬ ‫من جراحاتها‪ ،‬ففرحت وتهللت نفسها‪ .‬استدعاها احلاكم‬ ‫في اليوم التالي‪ ،‬ففوجئ بها فرحة متهللة‪ ،‬ال يظهر على‬ ‫جسدها أثر للجراحات فازداد عنفاً‪ ،‬وطلب من اجلالدين‬ ‫تعذيبها‪ ،‬فكانوا ّ‬ ‫ميشطون جسدها بأمشاط حديدية‪ ،‬كما‬ ‫وضعوا مشاعل متقدة عند جنبيها وقطعوا ثدييها؛ ثم‬ ‫أمر الوالي في دناءة أن تساق عارية في الشوارع‪ .‬صرخت‬ ‫إلى الرب أن يستر جسدها فال يُخدش حياؤها‪ ،‬فسمع‬ ‫الرب طلبها وكساها بثوب نوراني‪ .‬رأتها صديقتها يوليانة‬ ‫وسط العذبات محتملة اآلالم‪ ،‬فصارت تبكي مبرارة‪،‬‬ ‫وإذ شاهدها احلاكم‪ ،‬أمر بتعذيبها مع القديسة بربارة‪،‬‬ ‫وبإلقائها في السجن‪ ،‬فصارتا تس ّبحان اهلل طول الليل‪.‬‬ ‫أمر مرقيان احلاكم بقطع رأسيهما بحد السيف‪ ،‬فأخذتا‬ ‫إلى اجلبل خارج املدينة وكانتا تصليان في الطريق‪ .‬وإذ‬ ‫بلغتا موضع استشهادهما‪ ،‬طلب ديسقورس أن يضرب هو‬ ‫فسمح له بذلك‪ ،‬ونالت مع القديسة‬ ‫بسيفه رقبة ابنته ُ‬ ‫يوليانة إكليل االستشهاد‪ .‬ويقال إن جسد القديسة بربارة‬ ‫موجود حاليا ً في كنيسة على اسمها مبصر القدمية‪ .‬وقد‬ ‫رأى بعض املؤرخني أنها استشهدت بهليوبوليس مبصر‪.‬‬ ‫سيرة تتشابه وتتكرر‬ ‫وسيرة بربارة تشبه بتفاصيلها سيرة الق ّديسة تقال‪،‬‬ ‫املعروفة بأولى الشهيدات‪.‬‬ ‫والتي يحتفى بعيدها في ‪ 24‬أيلول‪ .‬فقد ُولِدت نحو السنة‬ ‫العشرين‪ ،‬في مدينة إيقونية من والدين وثنيني وغنيني‪.‬‬ ‫وكانت جميلة وذكية ومثقفة جداً‪ .‬خُ طبت لشاب وثني‬ ‫ال ّ‬ ‫يقل عنها شر ًفا وجاهاً‪ .‬وملّا م ّر بولس الرسول في مدينة‬ ‫إيقونية نحو السنة ‪ ،45‬سمعته تقال فأعجبت بتعاليمه‬ ‫تفهمت التعاليم‬ ‫واستنار عقلها بنعمة اهلل‪ .‬وبعد أن ّ‬ ‫اإلجنيل ّية‪ ،‬اعتمدت ونذرت بتوليتها هلل‪ ،‬وعكفت على‬ ‫الصالة والتأ ّمل‪ .‬فسألتها والدتها عن هذا التب ّدل في‬ ‫حياتها‪ ،‬فأجابتها أنه ثمن اصطباغها مباء العماد املق ّدس‬

‫تراث‬ ‫وإميانها باملسيح الذي نذرت له بتوليتها‪ ،‬فثارت األ ّم وغضب‬ ‫خطيبها وأهلها وأخذوا يقنعونها بالكفر‪ ،‬فلم تسمع لهم‪،‬‬ ‫فشكتها أ ّمها إلى حاكم املدينة‪ ،‬فأخذ يتم ّلقها احلاكم‬ ‫فلم تعبأ بتهديداته‪ ،‬فأمر بإضرام النار‪ ،‬فرمت تقال بنفسها‬ ‫في النار مسرورة‪ ،‬إالّ ان اهلل حفظها‪ ،‬فنزل املطر وأطفأ النار‬ ‫وسلمت تقال‪ ،‬فتركت بيت أبيها وحلقت بالق ّديس بولس‬ ‫ورافقته في أسفاره حتى أنطاكيا‪ ،‬حيث بقيت ّ‬ ‫تبشر بإجنيل‬ ‫املسيح‪ .‬علم بها والي إنطاكيا فأمر بطرحها للوحوش‬ ‫عارية‪ ،‬فستر اهلل عريها‪ ،‬ولم تؤذها الوحوش أبداً‪ .‬فأعادها‬ ‫الوالي إلى السجن‪ .‬وفي اليوم التالي‪ ،‬رُبطت إلى زوج من‬ ‫الثيران الهائجة‪ ،‬فكادت تقال متوت أملاً‪ ،‬فخ ّلصها اهلل بأن‬ ‫أفلتها الثوران؛ فحار احلاكم بأمرها‪ ،‬وألقاها في ه ّوة عميقة‬ ‫مملؤة ح ّيات سامة‪ ،‬فلم تؤذها‪ .‬دهش اجلميع وذهل امللك‪،‬‬ ‫فطلبها وسألها كيف تنجو من هذه اخملاطر‪ ،‬فأجابته‪« :‬أنا‬ ‫عبدة يسوع املسيح ابن اهلل احلي‪ .‬هو وحده الطريق واحلقّ‬ ‫واحلياة وخالص من يرجونه»‪ ،‬فأطلقها الوالي أمام اجلميع‬ ‫ح ّرة ساملة؛ فخرجت وأعلمت الق ّديس بولس ّ‬ ‫بكل ما جرى‬ ‫ثم أخذت ّ‬ ‫تبشر في مدينتها وفي‬ ‫لها‪ّ ،‬‬ ‫فمجد اهلل معها‪ّ .‬‬ ‫ثم ماتت بعمر تسعني سنة‬ ‫القلمون ومعلوال وصيدنايا‪ّ ....‬‬ ‫نعم وبركات‪.‬‬ ‫ودُفنت في سلوقيا‪ ،‬وأضحى قبرها نب َع ٍ‬ ‫موطن واحد لكل تلك الثائرات‪ ،‬هو سوريا‬ ‫في الواقع‪ ،‬إن الرجال العظام تبنّت والداتهم وأمكنة‬ ‫دفنهم مدن عديدة‪ ،‬لذلك ال يعرف على وجه التحديد‬ ‫املكان األصلي الذي نشأوا فيه وال حتى أين دفنوا‪ ،‬ولعل‬ ‫املثلني األشهرين عما نسوقه هو كل من هوميروس‪،‬‬ ‫صاحب ملحمتي «اإللياذة» و»األوذيسة» والذي تنسب‬ ‫والدته الى مدن عديدة ويعود السبب في ذلك‪ ،‬بحسب‬ ‫الرواة‪ ،‬الى عظمته وتباهي املدن بانتمائه إليها‪ ،‬ولكن‬ ‫احلقيقة هي أن الغموض يلف سيرته لقدمها فضاعت‬ ‫تفاصيلها كبرهان على قدم هذه الشخصية؛ والثاني‬ ‫اإلسكندر املقدوني املعروف بذي القرنني والكبير‪ ،‬وهو‬ ‫احملتل األكبر للشرق‪ ،‬إذ ال يعرف على وجه التحديد مكان‬ ‫دفنه‪ ،‬فمن املؤرخني من يقول إنه قتل ودفن في بابل‪ ،‬أو إنه‬ ‫دفن في «سيوه» وهي احلدود الصحراوية بني ليبيا ومصر‪،‬‬ ‫حيث تنبأ له اإلله أمون رع بفتح الشرق‪ ،‬ومنهم من يسوق‬ ‫أنه دفن في صيدا والناووس الذي وجد فيها والذي يحمل‬ ‫اسمه واملعروض حاليا ً في متحف اسطنبول يشهد على‬ ‫ذلك‪ ،‬أو أن جثمانه نقل الحقا ً الى بلده األم مقدونيا حيث‬ ‫التحق بعائلته املدفونة في العاصمة بيال‪ ،‬الى آخره من‬ ‫التكهنات‪ .‬واألمر ال يختلف بالنسبة للشهيدات اللواتي‬ ‫تبنتهن الكنيسة وهن عديدات‪ ،‬والتفاصيل التي حيكت‬ ‫بها سيرتهن‪ ،‬تبرهن أنهن سوريات املنشأ‪ ،‬مشني على‬ ‫خطى أجدادهن وجداتهنم في التصدي للمحتل بتحمل‬ ‫أقسى أنواع العذاب واالضطهاد حتى من قبل أقرب املقربني‬ ‫إليهن من ذويهن‪ ،‬ألن «ظلم ذوي القربى أشد مضاضة‪...‬‬ ‫على املرء من وقع احلسام املهند»‪ ،‬بحسب تعبير طرفة بن‬ ‫العبد وما من نبي بني أهله حتى ولو كان املسيح نفسه‪.‬‬ ‫فاضطهدت الثائرات السوريات من قبل أهلهن أوال ً وهذا‬ ‫طبيعي‪ ،‬فأول من يضع العصي في الدواليب هم أصحاب‬ ‫القضية أنفسهم‪ ،‬إما تقاعصا ً أو جبنا ً أو خيانة‪ ،‬فيهود‬ ‫الداخل ما زالوا يعملون وبراحة تامة في زمننا‪ .‬أما الدليل‬ ‫على سورية تلك الثائرات فنستشفها من تفاصيل الروايات‬ ‫املتشابة نفسها فالصخرة التي يؤمها الزوار في معلوال ما‬

‫‪17‬‬

‫زالت ماثلة للعيان الى اليوم واألغنية الشعبية التي تصف‬ ‫بحذافيرها هروب بربارة أو تقال أو غيرهن من الثائرات تدل‬ ‫على حركتهن الثورية التي سعوا من خاللها للتصدي‬ ‫للمحتل الروماني وقبله احملتل الهلنستي وقبله الفارسي‪،‬‬ ‫ومن الطبيعي أن تتشابه احلكاية وتفاصيلها تشابها ً‬ ‫كبيراً‪ ،‬ومن الطبيعي أن تتبنى املدن واألجيال املتالحقة‬ ‫وصوال ً الى الكنيسة‪ ،‬تلك النسوة العظيمات اللواتي‬ ‫صنعن أمجاد األمة‪ ،‬فهن ال مينت بسهولة‪ ،‬بل يحيني في‬ ‫الضمير والوجدان الشعبي وعلى نهجهن تسير األجيال‬ ‫املتالحقة؛ فكم من ثائرة رمت بنفسها في النار وهي عادة‬ ‫فينيقية سورية قدمية قدم األرض نفسها‪ ،‬منذ إليسار في‬ ‫قرطاجة الى صفو نسب الى زنوبيا الى الشهيدات بربارة‬ ‫وتقال وغيرهن الكثيرات ممن لم يعطني احلظ نفسه في‬ ‫حفظ أسمائهن؟‬ ‫هل استوفت الثائرات حقهن بجعلهن شفيعات وقديسات؟‬ ‫لقد ُك ّرست الكنائس واملزارات في العاملني الغربي‬ ‫والشرقي لتكرميهن كقديسات وشفيعات‪ ،‬يؤم مراكز‬ ‫تكرميهن وعبادتهن املاليني من املؤمنني سنوياً‪ ،‬فهل هذا‬ ‫بقليل جتاه تكرميهن؟ هل هذا بكاف؟ هل هن راضيات عن‬ ‫املنصب واملكانة التي وصلن إليها عبر الزمن؟ ويقيناً‪،‬‬ ‫أسمح لنفسي اإلجاب َة بالنيابة عنهن‪ :‬ال‪ ،‬هذا ليس بكاف‬ ‫وليس هذا املرجو من إجنازاتهن‪ .‬ولم يفيهن هذا التكرمي‬ ‫حقهن‪ ،‬بل لعب ضدهن بشكل ساهم في حتجيمهن‬ ‫وتغيبهن عن ساحة النضال القومي والوطني‪ ،‬متاما ً كما‬ ‫حجم دور السيد املسيح الوطني والقومي‪ .‬فإذا كان السيد‬ ‫ّ‬ ‫املعلم قد ُحجب دوره القيادي والريادي في الثورة ألجل األمة‬ ‫وحريتها‪ ،‬فما بالك بأتباعه‪ ،‬أال يلحق بهم التعتيم نفسه‬ ‫وعلى دورهم الريادي في متابعة الثورة ضد احملتل الروماني؟‬ ‫ملا هذا الكم من االضطهادات؟ أبسبب اإلميان؟ نعم! ولكن‬ ‫ما هدف اإلميان؟ هل هو التعبد والصالة والطقوس واملراسم‬ ‫وليس أكثر‪ ،‬أم هدفه الوطن واحلرية وع ّزة ابنائه وكرامتهم‬ ‫وانتشالهم من براثن العبودية والظلمات؟ فإلى من يبحث‬ ‫عن ثوار وثائرات سوريا‪ ،‬هاكم سيرتهم فال تهملوها بل‬ ‫اقتدوا بها وانهجوا نهجها!‬ ‫هل يظلمن مرتني في التاريخ؟‬ ‫نحن نرفض رفضا ً قاطعا ً كل من تسوله نفسه التحقير‬ ‫مبناسبات وأعياد وذكرى سنوية كهذه واعتبارها مجرد‬ ‫وسائل لغايات مادية واقتصادية‪ ،‬فالرمز الذي تنطوي‬ ‫عليه الذكرى لهو أهم بكثير من كل ما سحب عليها‬ ‫من اعتبارات ويحمل أبعادا ً وأهدافا ً كبرى وله مدلوله‬ ‫القومي والوطني‪ ،‬فاملشكلة ليست في التقليد املوروث بل‬ ‫في من ال يفهم قراءة التاريخ وغاياته والى ما يرمي إليه‬ ‫من فكر قومي يعلو على االعتبارات الرخيصة أو التقليد‬ ‫املبتذل‪ .‬كما نرفض رفضا ً قاطعا ً حتجيم دور تلك البطالت‬ ‫القوميات الى دور التعبد والصالة ليس إال‪ ،‬فهذا مضر بحق‬ ‫القضية التي ناضلن من أجلها وبحق الهوية املشتركة‬ ‫بني أبناء وطنهم الذي افتدوهم كلهم على حد سواء من‬ ‫أجل بقائهم‪ .‬كما ونرفض احتكار الطوائف واملذاهب لتلك‬ ‫الشهيدات ألنهن انتمني الى الوطن أوال ً وآخراً‪ .‬فهل بعد من‬ ‫ينكر أهمية التاريخ احملفوظ في التقليد والتراث؟ ال تهملوا‬ ‫إرثكم وتراثكم بل تعلموا كيف تقرأون أبعاده ومدلوالته‬ ‫وال ترموا حجرا ً في البئر الذي تشربون منها‪ ،‬وكفانا تضليالً‬ ‫وتزويراً!‬


‫‪18‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫�أدب‬

‫امين معلوف في االكاديمية الفرنسية‬

‫سليمان خنيصر ‪ -‬مقال نشر بالفرنسية في مجلة «بالمؤنث» (‪ )au féminin‬ترجمته الى العربية الدكتورة فيفيان حنا الشويري‪.‬‬ ‫غداة انتخاب امني املعلوف في االكادميية الفرنسية‪،‬‬ ‫استاء الكثيرون من االحساس باملرارة الذي ابداه املوسيقي‬ ‫املبدع الياس الرحباني‪ ،‬تعبيرا عن حسده من اجملد الكبير‬ ‫الذي وصل اليه الكاتب امني املعلوف في مسيرته االدبية‪،‬‬ ‫فضل في شبابه العودة الى‬ ‫بينما كان الرحباني قد ّ‬ ‫الوطن واختاره مكانا للعيش وللعمل‪ ،‬وهو االخ االصغر‬ ‫للعائلة الرحبانية املبدعة‪ ،‬ذات القيمة الفنية الكبرى‬ ‫واحلجم الذي ال يقاس في االبداع والتي مهرت القرن‬ ‫ببصمات اعمالها العمالقة والتي مالت الكون بشهرتها‪.‬‬ ‫فهل للملحن العتيد ان يبادل‪ ،‬غير اسف‪ ،‬العمود الثامن‬ ‫لبعلبك والشهرة العاملية لعالم ثقافي اصبح اسطورة‬ ‫بحد ذاته‪ ،‬مقابل السيف والب ّزة حتت قبة االكادميية؟ ورغم‬ ‫ّ‬ ‫كل االسباب التي دفعت الياس الرحباني الى اعتماد‬ ‫موقف سلبي كهذا‪ ،‬يبقى واجبا ً عليه التزام بعض‬ ‫ّ‬ ‫التحفظات على تلميحاته التي ال تضارع‪ ،‬والتي يس ّوقها‬ ‫مرارا ً وتكرارا ً حول اهل «الرحبانية» الكبرى‪ ،‬والذين ما زالوا‬ ‫متمسكني الى الساعة وبشجاعة قل نظيرها باخليط‬ ‫املعلق بطائرة الورق التي تخرق عباب الفضاء بألوانها‪،‬‬ ‫متماهية مع الشمس بتموجاتها وانعكاساتها التي ال‬ ‫ّ‬ ‫عد لها والتي ترتفع أعلى بكثير وأبعد بأشواط من قمة للرأي اخلاطئ‪ ،‬قد اعلن «قاتل الذاكرة» من قبل فيدال ـ‬ ‫باريس‪.‬‬ ‫في‬ ‫املنتصب‬ ‫االفيلي‬ ‫البرج‬ ‫ناكي عام ‪ ،1987‬النه كان قد قدم لكتاب يعالج مسألة‬ ‫املراجعة التاريخية النافية‪ ،‬كتبه فوريسون‪ .‬ومنذ هذه‬ ‫ملاذا أمني املعلوف وليس اي كاتب فرنسي ببساطة؟‬ ‫اجلرمية‪ ،‬ما فتئ املضللون املوضوعون في خدمة التزوير‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬ان الالئحة طويلة باسماء املرشحني الفرنسيي التاريخي‪ ،‬يج ّيشون انفسهم من اجل اغراق متواصل‬ ‫االصل لالنتساب الى االكادميية الفرنسية والذين ينتمون لالعمال التي ينتجها هذا الكاتب املوضوعي‪ ،‬ذو الفكر‬ ‫الى االوساط االدبية والثقافية‪ .‬ا ّوالً‪ ،‬هذا االختيار ّ‬ ‫يدل بوضوح احل ّر‪ ،‬مبا فيه كتابه «القواعد املنتجة» رغم كونه كتابا‬ ‫على ان االكادميية العتيدة‪ ،‬وبتقاطع مع فرونكوفونية لغويا صرفا‪ .‬لنتذكر‪ ،‬في املاضي‪ ،‬نصيحة «ليون االفريقي»‪،‬‬ ‫باألحرى متعالية‪ ،‬ما برحت محافظة على اسس شمولية‪ ،‬الرحالة الكبير‪ ،‬البنه ان «ال يلني أبدا ً حتت تأثير التعددية!‬ ‫عاملية جعلت فيكتور هوغو يقول‪« :‬لن تبقي فرنسية‪ ،‬بل مسلم‪ ،‬مسيحي او يهودي‪ ،‬عليهم اما ان يقبلوك كما‬ ‫ستصبحني انسانية؛ لن تبقي ا ّمة فقط‪ ،‬بل ستصبحني انت او يفقدوك‪ .‬وحيثما كنت‪ ،‬سوف يوجد من يريد ان‬ ‫حضورا عامليا دائما»؛ ثانيا‪ ،‬ان االكادميية تتمتع بدون ادنى‬ ‫ّ‬ ‫ينقب حتى في جلدك وصالتك‪ .‬ال تتردد أبدا ً في املضي‬ ‫شك باستقاللية في اتخاذ قراراتها وسلطة تامة ال يوجد ابعد من كل احلدود واجتياز كل البلدان وكل املعتقدات»‪.‬‬ ‫مثيلها في الوسط الثقافي‪ ،‬هذا االخير‪ ،‬الذي يرزح حتت غربيون بقدر ما هم شرقيون‪ ،‬اكان ليون‪ ،‬او حسن الو ّزان‪،‬‬ ‫نير فئة ممهورة باخلبث‪ ،‬ما فتئت ّ‬ ‫تغذي االدعاءات االخطر او عمر اخل ّيام او امني معلوف‪ ،‬والرافضون من صميم‬ ‫ازاء كل كاتب يناهض سياسة الواليات املتحدة االميركية افئدتهم كل انتماء الى «هويات قاتلة» (‪ )1998‬و»دون‬ ‫واسرائيل‪ ،‬وخاصة ضد من يشكك باحملرقة ضد اليهود‪ ،‬مغازلة أي حقيقة» (سمرقند ‪ ،)1988‬قد اعربوا دائما عن‬ ‫ضاربة بعرض احلائط كل حياد او كل رأي ح ّر مغاير ومتمايز رؤية عاملية جامعة‪ ،‬صلبة على الزمن‪ ،‬خ ّيرة لالنسانية‬ ‫معمرة للمدن احلرة وواعدة مبستقبل افضل‪.‬‬ ‫عن ادعاءتهم‪ .‬ان درجة االحتقار واالستكبار التي برزت بقدر ما هي ّ‬ ‫حيال نعوم شومسكي‪ ،‬خالل زيارته االخيرة الى باريس‪،‬‬ ‫ان امني املعلوف قد انتخب بالتأكيد بفضل اعتداله‬ ‫وهو اللغوي االميركي ذو الشهرة العالية‪ ،‬تع ّبر كفاية عن وحياده املن ّزهني عن كل انواع املهادنة‪ .‬وأيضاً‪ ،‬تعقيبا ً‬ ‫تس ّلط بعض السالطني وغيرهم من املؤسسات االعالمية على االنتخاب القدمي العهد نسبيا للكاتبة هيلني كرير‬ ‫التي برزت أكثر تز ّمتا ً ورجعية حتى من مضطهدي وحارقي ‪ -‬دونكوس‪ ،‬املتخصصة بروسيا القيصرية والسوفياتية‪،‬‬ ‫الفكر في العصور الوسطى االوروبية‪.‬‬ ‫جاء انتخاب املعلوف مدعوما ً بفضل ارادته التي ال‬ ‫ان نعوم شومسكي‪ ،‬الروائي الكبير‪ ،‬واملعروف بتهشيمه تضعف وتصميمه على وضع باملواجهة‪ ،‬وبوعي بلغ درجة‬ ‫لصورة الهيمنة االميريكية ورفضه للمثقفني اخلاضعني الشفافية‪ ،‬غرب يتر ّبع على اصراره على عدم مراجعة‬

‫متحجر في اجلمود‪ ،‬بهدف‬ ‫الذات وعدم حتمل النتائج وشرق‬ ‫ّ‬ ‫احداث «صحوة تخ ّول احلفاظ على الشعوب املوضوعة‬ ‫خضم التاريخ»‪ .‬ففي كتابه‬ ‫ازاء اجسامها املدافعة‪ ،‬في‬ ‫ّ‬ ‫«االفرجنة في نظر العرب» (‪ ،)1983‬يأخذ املعلوف‪ ،‬وهو‬ ‫الصحافي القدمي والقلق على الناحية االخالقية واملناقبية‬ ‫ملهنته‪ ،‬على عاتقه مهمة نقل كتابات املؤرخني العرب‪،‬‬ ‫الى العالم الغربي‪ ،‬ومن بينهم ابن االثير‪ ،‬والقلقشندي‬ ‫وغيرهما ال يق ّلون عنهما اهمية‪ .‬وهذه فكرة جريئة وذات‬ ‫طابع معارضة ومواجهة‪ ،‬بحسب حتليل ادوارد سعيد‪.‬‬ ‫فعل ارادي فكري يكسر القسوة التي تفرضها رواية‬ ‫كتبت باسلوب ازالة الفائض‪ .‬اخيرا‪ ،‬كتاب تهدمي صور‬ ‫الفكر واخلطابة بهدف التقدم نحو وضوح اكبر‪.‬‬ ‫اما النتيجة‪ ،‬فكانت انه‪ ،‬تباعا‪ ،‬نُ ّزهت امللحمة عن طابعها‬ ‫اخلرافي وانزلت عن عرشها تلك االسطورة املق ّزمة بشكل‬ ‫استغاللي لالشياء‪ ،‬واملؤ ّلفة من املغامرات واالحالم‬ ‫واالوهام واالعمال السحرية واخلارقة كمثل االندهاش‬ ‫املفرط ورقة مشاعر فردريك الثاني الذي جاء يُنعم اذنيه‬ ‫بصوت املؤذنني وكذلك العشق املمنوع الليونورا االكيتنية‬ ‫مع احد السكان احملليني (راجع دوفورك)‪ .‬عليه‪ ،‬من بني‬ ‫التواريخ املذكورة لهذه احلقبة‪ ،‬تلك املراحل ذات االبعاد‬ ‫القوية والتي اسقطت عليها معاني السحر والشعوذة‬ ‫من قبل عدد من الباحثني‪ ،‬مثالً أكلة حلوم البشر اخملزي‬ ‫الذي صاحبت دعايته احلملة االفرجنية االولى‪ ،‬زمن احتالل‬ ‫املعرة سنة ‪ ،1099‬والذي بالنسبة للمعلوف «قد احدث‬ ‫تكف لردمها»‪ .‬ان‬ ‫حفرا عميقة الزمها قرون عديدة لم‬ ‫ِ‬ ‫طقوس اكل حلوم البشر املر ّوعة املالزمة لالفرجنة االول‪،‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫«هذه اجليوش املؤثرة في النفس التي ّ‬ ‫غذتها روحانية‬ ‫اساسية» (بحسب دوفورك) ومن بينهم «طابور االصوليني‬ ‫املعلنني عن استعدادهم لنهش حلم القادة العرب»‬ ‫ُفسر على انها الوسيلة الوحيدة الكفيلة‬ ‫(املعلوف)‪ ،‬ت ّ‬ ‫بتعطيل قوة العدو من قبل الباحث الكبير في العلوم‬ ‫االجتماعية لفي شتراوس‪ ،‬فالهدف من اكل حلوم البشر‬ ‫والرغبة بامتصاص اآلخر هو امتالك قدراته املنتجة‪،‬‬ ‫بحسب رؤية الباحث دولوز‪ ،‬وهو اشارة نفسية ‪-‬حتليلية‬ ‫متوحشة ومنفصمة الشخصية والتي‬ ‫ممهدة لرأسمالية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ترمي الى تفريغ اجلسد واألعضاء بهدف متزيق االحالف‬ ‫وصالت القرابة واالستيالء على االرض (بحسب تعليق‬ ‫لفي ـ شتراوس‪ .)1972 ،‬وفي «شجرة الكالم»‪ ،‬يظهر‬ ‫محمد ديب اكثر وضوحاً‪« :‬ان املستعمرين غ ّيروا اجلزائريني‬ ‫الى ابناء ال احد‪ ،‬الى مواليد مهلوسني خاضعني وإلى‬ ‫أخصياء مصابني بداء العصاب»‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬ان هذا اجلشع االوروبي املتعاظم «للتحكم‬ ‫باجلغرافية الشرقية‪ ،‬بزمنها وبتاريخها (االستشراق‪،‬‬ ‫ادوار سعيد)‪ ،‬كان مبثابة اإلعالن عن ارادة اله ّيمنة التي‬ ‫اصبحت واقعا ً غير قابل للتغيير‪ ،‬برأي املعلوف‪ ،‬ابتدا ًء‬ ‫من القرن السابع عشر‪ ،‬رغم ان «كل احلضارات االخرى‬ ‫ُه ّمشت‪ ،‬وح ّولت الى كيانات صغرى ذات ثقافة ثانوية ال‬ ‫بل غدت مع ّرضة للزوال»‪ .‬وابتدا ًء من هذا الوقت‪ ،‬تضافرت‬ ‫كل اجلهود املك ّونة لهذا الغرب من اجل غاية وحيدة اال‬ ‫وهي «االستيالء على االراضي االجنبية وحتقير سكانها‬ ‫وجعلهم يسقطون الى الدرك االسفل» (حنا اردنت‪ ،‬ذكره‬ ‫ادوار سعيد) وهذا االخير‪ ،‬اي سعيد‪ ،‬كونه أكثر قسوة في‬

‫�أدب‬ ‫تعابيره واكثر اهتماما ً بالتفاصيل حتى اصغرها اهمية‪،‬‬ ‫قد اضاف عددا ً كبيرا ً من العيوب ع ّبر عنها مبفردات داللية‬ ‫مثيرة لالستغراب؛ ففي كتابه «ثقافة وامبريالية»‪ ،‬وصل‬ ‫الى اخلالصة ان االستعباد‪ ،‬االمبراطورية وبخاصة الرواية‪،‬‬ ‫كمؤسسة ادبية‪ ،‬ساهموا جميعا بهذا الفعل الواسع‬ ‫من الهيمنة العاملية او «ما يسمى ادعا ًء بالعاملية احلديثة‬ ‫الوروبا والواليات املتحدة االميركية ومصادرة الصمت االرادي‬ ‫او غير االرادي للعالم الالأوروبي»‪ .‬وفي كتابه «العالم غير‬ ‫املنتظم» (‪ ،)2009‬نقرأ ان هذا الصمت املطبق بالنسبة‬ ‫للمعلوف‪ ،‬هو خطر باملطلق‪ ،‬فهو ال يتضاءل ابدا ً وال يعاني‬ ‫من اي تفتّق واألسوأ ان ما من شخص يقبله باستثناء‬ ‫مس «بالبترول وآباره‪،‬‬ ‫بعض القوى التي سريعا ً ما جت ّرم»‪ .‬ال ّ‬ ‫وبقناة السويس‪ ،‬وبالقواعد العسكرية‪ ،‬وبامتيازاتهم‪.»...‬‬ ‫صمت ّ‬ ‫مذل ايضا ً مع عاملية من التسامي املؤسساتي‪،‬‬ ‫خاطئ بشكل فاضح‪ ،‬اثر ما س ّوقه «توكفيل» متهما ً‬ ‫ديانة محمد بانها السبب االساس لالنحطاط‪ .‬اما‬ ‫«كانط» فال يعير قيمة اال للمسيحية‪ ،‬الديانة الوحيدة‬ ‫برأيه القابلة لتأسيس االخالق‪ .‬من جهته‪ ،‬يرى «دولوز»‪،‬‬ ‫ان الديانة هي قطعة من املاكينة االقتصادية‪ ،‬ويرى في‬ ‫الكاثوليكية املفروضة حقيقة لكل الديانات املنتشرة‬ ‫في االمبراطورية (فينسني‪ .)1972 ،‬واخيرا ً وليس آخراً‪،‬‬ ‫ديانة مجمعية مفسدة ّ‬ ‫تبشر بالهوت مفروض بالقوة‬ ‫على الشرقيني املوجودين بني كفي عفريت مستع ٍد‬ ‫لالنقضاض عليهم والتهامهم‪ .‬وثمة من يتذكر التصرف‬ ‫غير الالئق للبابا ب ّيوس العاشر الذي ركل بركبته احلبرية‬ ‫العظمى رأس غريغوار يوسف‪ ،‬بطريرك امللكيني الذي‬

‫‪19‬‬

‫رفض التوقيع على قرارات اجملمع املسكوني الفاتيكاني‬ ‫االول‪ ،‬حتديدا ً على البنود املتعلقة بصدارة روما التي ُجددت‬ ‫صياغتها على انها مثل «سلطة قانونية قائدة ومد ّبرة‪،‬‬ ‫بتعبير آخر‪ ،‬مستعمرة للكنائس االخرى وساحقة اسس‬ ‫ومبادئ «املعاهد الرسولية واجملمعية» املؤسسة للتقليد‬ ‫الشرقي («كلهم متش ّيعون»‪ ،‬الياس الزغبي) «في الغرب‪،‬‬ ‫ان الهمجية ليست صنيعة الالتسامح والظالمية‪ ،‬بل‬ ‫هي وليدة التعجرف وانعدام اإلحساس‪( ».‬املعلوف)‪.‬‬ ‫في النتيجة‪ ،‬هذا اخليار االول في التاريخ‪ ،‬يبدو انه يعكس‬ ‫توسع فيها الشرخ بني الغرب‬ ‫جيدا هذه املرحلة التي ّ‬ ‫النهم واملستأسد باضطراد وبني شرق أثير اخليبة االبدية؛‬ ‫بني التقدم التكنولوجي املرعب وبني «التطور االخالقي‬ ‫املوجه للتيارات االسالمية‬ ‫البطيء» (املعلوف)؛ بني االنتقاد ّ‬ ‫املتعمد ازاء التاريخ حتى املعاصر منه‪.‬‬ ‫وفقدان الذاكرة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عل وعسى هذا الكرسي األكادميي‪ ،‬الذي شغله في‬ ‫السابق «لفي ‪ -‬شتراوس» و»علمه‪ ،‬علم االجتماع اخلادم‬ ‫لالستعمار»‪ ،‬ان يكون شاهداً‪ ،‬مع صعود الوافد الوطني‬ ‫عليه‪ ،‬وشاهدا ً على االنقطاع املتجدد مع االفكار املوروثة‬ ‫واملغلوطة للغرب‪ ،‬نحو علم اجتماع يخدم االنسانية‬ ‫والعدالة‪ .‬اليوم‪ ،‬في االكادميية الفرنسية‪ ،‬امني املعلوف يجد‬ ‫نفسه حامالً لواء هذه املهمة الصعبة من اجل تصويب‬ ‫االمور االساسية من اجل ان يصبح الالعبون‪ ،‬ابتدا ًء من‬ ‫الساعة‪« ،‬شركاء ومتساوين»‪ ،‬مع االمل االخير ان «تحُ مل‬ ‫زهرة الشرق بيد برعم الغرب» (سمرقند‪ ،‬املعلوف)‪.‬‬ ‫«ال تعتقد ان الذي اعطاك احلياة هو قائد‪ ،‬القائد هو‬ ‫نحن؛ الذي اعطاك احلياة ليس سوى والدك»‪.‬‬

‫حاويات النفايات وحديث السادة النواب‬ ‫د‪.‬عاطف خليل الحكيم ‪ -‬باحث وأستاذ جامعي‬ ‫(احلكاية نفسها تتكرر منذ إنشاء كيان لبنان‪ ،‬إنها قصة‬ ‫ابريق الزيت‪ ،‬قصة اإلنتخابات النيابية)‬ ‫أجل‪ ،‬ومن يدري‪ ،‬ولو أن العجلة دارت بوتيرة ما‪ ،‬أو سرعة‬ ‫ما‪ ،‬أو اجتاه ما‪ ،‬لكان السادة املرشحون للمقاعد النيابية نوابا ً‬ ‫وميثلون الشعب‪ .‬وهل هنالك من فرق بني النواب الفائزين‬ ‫والنواب اخلاسرين؟ فهؤالء يتحدثون وهؤالء اخلاسرون‬ ‫متحدثون أكثر من النواب الرابحني‪ .‬إثر انتهاء عجقة‬ ‫االنتخابات النيابية‪َ ،‬ص َدر مرسوم الباب العالي في البلديات‬ ‫بإزالة صور النواب الرابحني واخلاسرين ومناشيرهم امللونة‬ ‫من على اجلدران وعن أعمدة الكهرباء وعن جذوع األشجار‬ ‫ومن فوق حاويات النفايات‪ ،‬لقد صدر املرسوم حتت طائلة‬ ‫وهب النواب إلزالة ما أمر به الباب العالي البلدي‬ ‫املسؤولية ّ‬ ‫وإالّ‪ ،‬فمن له شوارب ويستطيع جتاهل األمر؟‬ ‫وبعد الدرس واألخذ والرد‪ ،‬وهات وخذ‪ ،‬فهمنا أن إزالة الصور‬ ‫من على اجلدران سهل‪ :‬سطل بويا وما كان‪ ،‬كما أن إزالتها‬ ‫من على األعمدة الكهربائية‪ ،‬أيضاً‪ ،‬سهل فأي شبيح يعرف‬ ‫فن التشفيط وبسيارته الـ ‪ .B.M.W‬وتشفيطة وما كانت‬ ‫بيفوت بالعمود ومنخلص من الشبيح والسيارة والعمود‬ ‫والصور‪ .‬أما إذا كانت الصور على جذوع األشجار فأيضا َ‬

‫سهلة املنال‪ ،‬إذ أن الصور مثبتة بواسطة أسالك معدنية‪ .‬حتى يصح فيه قول الشاعر‪:‬‬ ‫هب الهواء‬ ‫وغداً‪ ،‬تكبر الشجرة ويضيق حولها السلك‪ ،‬فإذا ّ‬ ‫وكان عاصفا ً ُقصفت الشجرة وهكذا نتخلص من مشكلة‬ ‫وط ٌن تقاسمه املغو ُل‪ ،‬ح ُدودُه‬ ‫الصور ومشكلة الباب العالي‪.‬‬ ‫أما املشكلة الكبرى فهي عند حاويات النفايات‪ ،‬وعند‬ ‫قصب وتلهو به الريح واألهواء‬ ‫العقدة ذهب بحاجته النجار‪ ،‬فما هو احلل؟‬ ‫والناس موتى ال تُزار قبورَهم‬ ‫وجاء احلل من مرشح خاسر‪ ،‬فقد التقى عند إحدى احلاويات‬ ‫والرافضون قبروهم سجناء‬ ‫مرشحان اثنان في حملة إزالة الصور‪ .‬ومن مفارقات القدر أن‬ ‫صورتيهما أو صورهما كانتا متساويتني في التمزيق والطالء حكامهم األصنام طال رقادُهم‬ ‫تنحى املرشحان‬ ‫والبول وال‪ ...‬وملا شرع رجالهما بالعمل ّ‬ ‫واألمر الناهي هم السفراء‬ ‫جانبا ً ليدور بينهما حوار للتسلية فقط‪ ،‬وليس كما تظن‪،‬‬ ‫أذنابهم كتابهم‪ ،‬وذئابهم‬ ‫حوارا ً من النوع الثقيل‪.‬‬ ‫قال األول لزميله‪ :‬هل تعلم‪ ،‬لقد احتلت إسرائيل جنوب‬ ‫نوابهم‪ ،‬وكالبهم وزراء‬ ‫لبنان‪ ،‬فانتظر حتى تش ّوه صورته في العالم؟‬ ‫رد اآلخر بحرقة وهو يشير للصور‪ :‬ع صرمايتك‪ ،‬راح الغالي أنا ال ألوم الغرب في أطماعه‬ ‫ّ‬ ‫وما زعلنا‪ .‬أتريد أن نزعل ع لبنان؟‬ ‫ما دام يحرس بيتنا األج ّراء‬ ‫ور ّد األول‪ ،‬قصدك تقول‪« :‬من بعد حماري ما ينبت لو كان بيت العرب محميا ً لمَ ا‬ ‫حشيش؟‬ ‫جرؤت على غاب األسود ِجراء‬ ‫ور ّد اآلخر‪ :‬قصدي القول‪ :‬فخار يفقش بعضه البعض!‬


‫‪20‬‬

‫منا�سبات‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫منا�سبات‬

‫‪21‬‬


‫‪22‬‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫كتب‬

‫«‪ 90‬يوماً في السعودية‪ :‬يوميات صحافية لبنانية»‬ ‫صدر عن دار أبعاد كتاب «‪ 90‬يوما ً في السعودية‪:‬‬ ‫يوميات صحفية لبنانية» للكاتبة أسماء وهبة‪ .‬تناولت‬ ‫فيه مشاهداتها خالل عملها في إحدى القنوات‬ ‫التلفزيونية‪ .‬يرصد الكتاب إيقاع احلياة اليومية‪ ،‬حيث‬ ‫سجلت فيه األحاديث التي تدور بني سائقي التاكسي‪،‬‬ ‫وهمسات النساء في اجللسات واحلفالت واملشاغل‬ ‫النسائية‪ ،‬ومنع االختالط بني الرجال والنساء‪ ،‬وكيف‬ ‫يتحايل الشباب والفتيات على هذا األمر‪ ،‬وعطل نهاية‬ ‫األسبوع‪ .‬وأيضا ً دخلت وهبة إلى عالم ‪ compounds‬الذي‬ ‫يسمح فيه لغير السعوديني فعل ما يريدونه داخله‪.‬‬ ‫ووقفت على حكايات نسائية كثيرة‪ .‬وسألت عن سبب‬ ‫منع غرف قياس املالبس‪ ،‬وما هي همسات النساء حول‬ ‫هذا األمر‪ .‬وخصصت فصالً كامالً عن هيئة األمر باملعروف‬ ‫والنهي عن املنكر راصدة عالقتها بالناس‪ .‬وتركت الرجل‬ ‫حب‪ ،‬وكيف‬ ‫السعودي يتحدث عن عالقته باملرأة التي يُ ّ‬ ‫ينظر إليها‪ ،‬ومن أين تنشأ قصص احلب‪ ،‬وملاذا تنتهي‪ ،‬وهل‬ ‫الرجل السعودي رومانسي أم ال؟ وما هي مساحة الزواج‬ ‫التقليدي في احلياة السعودية؟‬ ‫وقعت وهبة كتابها في معرض «البيال» وقد شاركها‬ ‫بفرحة اإلصدار األول حشد من الزمالء واإلعالميني‬ ‫واألصدقاء‪.‬‬

‫أشرعة في الضوء‬

‫عقل في الغريزة وجنون في املنطق‬ ‫القصيدة شراع املخُ يلة‪ ،‬وألن الضوء يتكاثر‬ ‫والسؤال اشتها ٌء دون بلوغ‪.‬‬ ‫نبض أو رعشة أو‬ ‫يتبدى الكالم ٌ‬ ‫ويتكاثف‪ ،‬هكذا ّ‬ ‫‪ 3‬ـ سكو ٌن‪ ،‬وأنامل تعبث بإيقاع اهلل‬ ‫فكرة تو ِقد خليال املُتلقي أن يتحول الى باثّ ‪ ،‬مرحلة‬ ‫آلهة الغناء تُعيد صياغة ُحزني‬ ‫جديدة أطلت بوسائل التواصل ع ّلها تتموضع‪.‬‬ ‫وتنفيني الى بالد الغجر‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ كفراشة أوقد الفجر روحها‬ ‫‪ 1‬ـ املخُ يلة‪ُ ،‬مسافر ٌة في ضوء الزمن‬ ‫تُقيم طقوسها في معابدي‬ ‫استبا ٌق ملشيئة اهلل‬ ‫تعبق سماء اهلل بدفء أنفاسها‬ ‫قدس‬ ‫ُ‬ ‫ألوهي ٌة في اإلنسان يُنكرها امل ُ ّ‬ ‫تفترش صباحاتي‬ ‫غجري ٌة‬ ‫كنقيض لنبوءة ليس في غيبها اتسا ٌع ملزي ٍد من‬ ‫فأنتشي‪.‬‬ ‫الكالم‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ كغيمة صباح يتثاءب‬ ‫ٌ‬ ‫‪ 2‬ـ احلدس‪ ،‬تأويل ملعنى الفكرة‬ ‫يتراقص جس ٌد على إيقاع الرياح‬ ‫سابقٌ لتكوين احلاجة في اإلله‬ ‫كعشق يتكون على نبض اللحظات الهاربة‬

‫نافذة‬ ‫على مرأى من صمتي وحزني واندهاشي‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ قطرة ماء‬ ‫حدس اهلل‬ ‫دمع ٌة في‬ ‫ِ‬ ‫تستول ُد كالما ً عا ِقرا ً كنُعاس في ذاكر ِة نوح‬ ‫في البدء كان املا ُء نقيا ً حتى استفاق األرجوان‬ ‫ماء وأرجوان‪.‬‬ ‫وال زلنا بني ِ‬ ‫‪ 7‬ـ تراتيل‪ ،‬في مدخنة الوطن زحمة أضداد‬ ‫ٌ‬ ‫خوف وشهوة‬ ‫سريرك‬ ‫وفي‬ ‫ِ‬ ‫وأنا أجم ُع حطبا ً ونبيذ‬ ‫اشتعالك واحتراق الوطن‪.‬‬ ‫وأحار بني‬ ‫ِ‬ ‫أمني الذيب‬

‫العقل والسلوك البشري ‪1‬‬ ‫ان اساس انطالقي في هذا البحث هو مساءلة التفكير املطلق‪ .‬هل الكون موجود بغض النظر عن محاوالتنا لتفسيره؟ تصوير هذا الكون يعتمد على عمل‬ ‫احلواس اخلمس املعتمدة هي ايضا على صحة عمل الدماغ وتفاعله املتوازن مع البيئة التي حتيط به‪ .‬ان هذا التفاعل يؤدي الى بناء صور لهذا الكون املادي في‬ ‫الدماغ والعقل الواعي‪ .‬فاالول هو العضو احلي اما الثاني فهو نتاج التفاعل بني هذا العضو واحلوافز التي تثيره (‪ .)Stimulus‬هذا النتاج تترجمه مجموعة من‬ ‫التصرفات‪ .‬ولكن علينا األخذ بعني االعتبار ان هذه الصور التي بناها العقل ليست صورا ً طبق االصل عن الكون اخلارجي‪ ،‬بل مناذج تشكلها مختلف مراحل‬ ‫التطور النفسي بشكل مقرون بالتأثير االجتماعي والثقافي الذي حصل ويحصل عبره هذا البناء الصوري‪ .‬لذا نسأل‪ :‬هل من معنى لوجود الكون بدون العقل‬ ‫البشري الذي يتصوره؟‬

‫«كيفني» على إيقاع اللحن ألمية درغام‬

‫كلمات كانت لها وباتت لنا‪ ...‬بساطتها مغلّفة بالنضج‬

‫عبير حمدان‬

‫أهدتنا كلماتها فكان اللقاء مع الزميلة أمية درغام‬ ‫في جناح النادي الثقافي العربي ضمن إطار فعاليات‬ ‫معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الـ ‪ 65‬لتوقيع‬ ‫إصدارها األول “كيفني”‪.‬‬ ‫في تلك املساحة الصغيرة حضر لفيف من االصدقاء‬ ‫واملهتمني أبرزهم فرنسوا عقل وأنسي احلاج ورضوان‬ ‫حمزة‪.‬‬ ‫كلمات مل ّونة تصفها درغام باخلواطر‪ ،‬وهذه اخلواطر‬ ‫تشبهنا جميعاً‪ ،‬تضم تناقضاتنا بني فواصلها وأيامنا‬ ‫بتفاصيلها العادية‪ ،‬رمبا لذلك قالت لنا شاعرتنا إنها‬ ‫كلمات كانت لها وباتت لنا‪...‬‬ ‫“شو الغلط إذا سرقت حلظتي الهربانة‪ /‬شو الغلط إذا‬ ‫منك سرقتها‪ /‬شو الغلط إني أملكك حلظة‪ ..‬شو الغلط‬ ‫إذا مني سرقت ه ّبة نار ومش غلط‪ /‬نار تلفحك تدفيك‬ ‫قبل ما يغطي التلج إيام عم تركض فيك‪ ...‬ومش غلط”‪.‬‬ ‫هكذا تسرقنا درغام الى أمسها‪ ،‬حيث دونت جتربتها ما بني‬ ‫‪ ، 2002 – 2001‬عشر سنوات لم يحاصر الغبار خواطرها بل‬ ‫جتوهرت وبدت كأنها تنسكب للمرة األولى وتنطوي على‬ ‫بساطة كثيرة مغلفة بالنضج‪ ،‬حني نقرأ ذاتنا بني سطور‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬

‫القصيدة ندرك أنها تقارب الكمال‪ ،‬وهكذا هي شاعرتنا‬ ‫ببوحها املشبع بالصور اليومية وكأنها تضع خطا ً حتت‬ ‫سطر احلياة بتفاصيلها كافة‪.‬‬ ‫“بشحطة قلم واحلبر عم يفور تلينت إيدي وشفتهن وما‬ ‫رح األلم‪ ...‬بشحطة قلم خلص فيي شي وبلش شي‪/‬‬ ‫بشحطة قلم خبرتك حكاية بس مني غير أنا‪ ،‬وأنا حلالي‬ ‫صدى آنات شحطة هالقلم‪ ..‬ومنك هون وما في إال‬ ‫هالقلم‪ ...‬رح أكتبك بشحطة هالقلم”‪.‬‬ ‫ميكن لأللم أن يرادف تراقص القلم على أوراق العمر ألنه‬ ‫يروي صمته بحروف متناثرة وتبقى أحالمنا “حكاية ع‬ ‫ورق”‪.‬‬ ‫كثيرة هي الصور التي ضمتها درغام مولودها الشعري‬ ‫قدمته صوتا ً‬ ‫األول‪ ،‬الذي يحمل االستثنائية صفة‪ ،‬ألنها ّ‬ ‫مطرزا ً باللحن‪ ،‬ألقت كلماتها ورافقها عفيف مرهج عزفا ً‬ ‫على آلة العود بتقاسيم ومقطوعة “ميّا مويل الهوى” من‬ ‫التراث الفلسطيني‪.‬‬ ‫وجه األب‬ ‫انتظار الفجر‪ ..‬لتثبت أنه “ملا بينكتب شعر مش كل مني‬ ‫درغام حملت معها نسيم “بلدتها” ووجه “األب” الذي كتب كتب‪ /‬ومش كل مني خلق خلق‪ /‬في أكتر من الكلمة‬ ‫تخاطبه على الدوام‪ ،‬ومشينا معها على تلك الطرقات في حتى تنكتب‪.”...‬‬

‫اي كانت‪ ،‬مرتبطة اوال بكفاءات االنسان احلسية التي تعتمد على حسن عمل اعضائه احليوية‪ .‬هذه االخيرة تسمح‬ ‫ان هذا يعني ان احلقيقة التصويرية للكون‪ٌّ ،‬‬ ‫له بجمع املعلومات التي حتيط به والتي منها سوف تنبثق شخصيته‪ .‬فيكون التصرف الناجت ليس اال خالصة اخلبرات احلياتية املتفاعلة في اللحظة اآلنية مع‬ ‫الواقع البيولوجي من جهة والواقع البيئي واالجتماعي من جهة اخرى‪.‬‬ ‫كل هذه املشاعر وهذا الوعي هي جزء ال يتجزأ من حياتنا الداخلية الشخصية‪ .‬هذه املشاعر شخصية‪ ،‬اي أن فهمها غير ممكن إال للشخص الذي يختبرها‪.‬‬ ‫يؤمن الوصف الشامل والدقيق لهذه اخلبرة االدراكية‪ .‬ان املشاعر‬ ‫فهي ليست جلية وال ميكن وصفها من خالل درس الدماغ او من خالل التواصل الشفهي النه ال ّ‬ ‫والتصورات الفكرية واألفكار واألحالم التي تنتابنا ال يتحسسها اال االنسان الذي اختبرها‪ .‬لكن ماذا لو كان ذلك الشعور مجرد وهم؟ مبا أن معظم الوظائف‬ ‫العقلية تعمل على نحو غافل أو في الالوعي أي بشكل ال إرادي‪ ،‬هل ميكن لوعينا املدرك أن يؤثر على أداء عمل إرادي حر؟‬ ‫لكن ال بد من التسليم بأن هذا اجملال العلمي يحتمل اكثر من قضية مفاهيمية واحدة ما يجعل التعاريف الفلسفية احلديثة تتضارب او على االقل ال تتطابق‪.‬‬ ‫بعض رواد الفلسفة يصفون االرادة احلرة على أنها القدرة على اتخاذ قرارات عقالنية في غياب االكراه‪ .‬اما فريق آخر من الفالسفة فيضعها في سياق «الكونية‬ ‫التجريدية» (‪ )Universalism‬التي تقول انه وعلى الرغم من كل ما حدث في املاضي يبقى لالنسان كامل احلرية في اتخاذ اي قرار‪ .‬هذا باالضافة الى الفلسفة‬ ‫امليتافيزيقية الكالسيكية التي تقول بوجود قوة روحية توجه القرارات‪.‬‬ ‫في سياق الكالم عن التصرف الناجت عن خبرات االنسان التفاعلية ال بد من النظر في مسألة اخلير والشر وكيفية ظهورهما في مختلف اجملتمعات‪ .‬إن مفاهيم‬ ‫اخلير والشر في اجلماعات البدائية أسست لتنظيم سلوك األشخاص فيما بعد‪ .‬فإذن يتعني علينا العودة الى اصل السلوك التعاوني في االجتماع البشري‪.‬‬ ‫ان كيفية تعامل اجلماعات البشرية‪ ،‬النازلة في بيئة معينة‪ ،‬بني بعضها البعض يقرر بقاء او فناء تلك اجلماعات‪ .‬مثاال ً على ذلك كان الرجال يتعاونون من أجل‬ ‫االخطار الطبيعية‪ .‬وأي خالف في هذا النطاق قد يعرض اجملموعة خلطر التفرقة والزوال‪ .‬لكن اجملتمعات املبنية على‬ ‫تأمني الطعام وحماية اجلماعة من‬ ‫التفكير األخالقي احلديث لم توجد بني ليلة وضحاها‪ ،‬فقد مرت ألوف السنني قبل ان يفهم البشر ان املشاعر مثل اخلجل والذنب واخلوف من االنعزال ميكن‬ ‫استعمالها من أجل ممارسة ضبط النفس وعمل اخلير‪ .‬التفكير األخالقي احلديث يتمثل في احترام نسبية التفكير العقلي‪ ،‬اي نسبية املعتقد واملشاعر والرغبة‬ ‫واملعرفة التي تشكل بوتقة خاصة بكل انسان كما ذكرنا‪ .‬والن للبشر قدرة ال ميلكها سواهم من الكائنات احلية‪ ،‬هي القدرة على تصوير احلالة السيكولوجية‬ ‫للشخص اآلخر وبالتالي ّ‬ ‫تفهم واحترام بوتقته اخلاصة‪ ،‬يكون هذا الفهم هو اساس سلوكيات التعاون والتسامح والدفاع عن اآلخر ومصاحله في اجملتمعات‬ ‫العاقلة‪.‬‬ ‫سامي رميا‬ ‫مراجع‬ ‫مقدمة في علم النفس العصبي‪ ،‬الدكتور محمد عبدالرحمن الشقيرات ‪ ،‬الطبعة العربية االولى‪ :‬االصدار األول ‪٢٠٠٥،‬‬

‫‪Evolutionary Cognitive Neuroscience, edited by Steven M.Platek, Julian Paul Keenan, Tod K.Schakelford, MIT Press, 2007‬‬ ‫‪Mind Time The temporal factors in Consciousness, Benjamin Libet, Harvard University Press, 2004 Self Control in Society, Mind, and Brain; Edited by Ran R.Hassin, Kevin N.Ochsner, Yaacov Trope, Oxford University‬‬ ‫‪Press, 2010‬‬ ‫‪.>/O>Connor, Timothy, «Free Will», The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2011 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <http://plato.stanford.edu/archives/sum2011/entries/freewill‬‬

‫‪23‬‬


‫‪24‬‬

‫م�شهد‬

‫العدد ‪ 74‬كانون الثاين ‪2013‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.