تحولات مشرقية 10

Page 1

‫عدد خاص‬ ‫العدد رقم ‪� - 10‬أيار ‪2016‬‬

‫فـ�صـل ـيـة فـكريـة ثـقافيـة تـعنى ب�ش ـ�ؤون امل�شــرق‬

‫مئة عام‬ ‫على سايكس‪-‬بيكو‬

‫حتى ال يتكرر التقسيم‬ ‫♦ حافظ الزين‬ ‫♦ مازن أبو دية‬ ‫♦ دعاء الشريف‬ ‫♦ نجيب نصير‬ ‫♦ أسامة سمعان‬ ‫♦ زهير فياض‬ ‫♦ سامي سماحة‬ ‫♦ الياس فرحات‬



‫عدد خاص‬

‫العدد رقم ‪� - 10‬أيار ‪2016‬‬

‫فـ�صـل ـيـة فـكريـة ثـقافيـة تـعنى ب�ش ـ�ؤون امل�شــرق‬

‫مئة عام‬ ‫على سايكس‪-‬بيكو‬ ‫املحتويات‬ ‫ر�أي‬ ‫قرنٌ من هيمنة اال�ستعمار وان�صياع العرب‬ ‫دقت �ساعة جردة احل�ساب‬ ‫ح�سن حماده‬

‫‪3‬‬

‫اتفاقية �سايك�س بيكو‪1917‬‬

‫ملف مئوية اتفاقية �سايك�س بيكو‬ ‫ان�سوا �سايك�س بيكو‬ ‫معاهدة �سيفر هي التي ر�سمت ال�شرق الأو�سط‬ ‫احلديث‬ ‫بقلم‪" :‬نيك دانفورث" – فورين بولي�سي‬ ‫ترجمة‪ :‬حافظ الزين‬ ‫ر�ؤية فل�سفية حول قيام جمل�س تعاون م�شرقي‬ ‫مازن �أبو دية‬ ‫مبنا�سبة مرور مئة �سنة على اتفاقية �سايكو�س بيكو‬ ‫ما هو م�ستقبل فل�سطني يف زمن التحوالت‬ ‫الراهنة؟‬ ‫دعاء ال�شريف‬

‫�سايك�س بيكو‬ ‫�أ�سئلة وخواطر مبنا�سبة اليوبيل‬ ‫جنيب ن�صري‬

‫‪13‬‬

‫يف اال�سرتاتيجية اال�ستعمارية الغربية‬ ‫�أ�سامة �سمعان‬

‫‪99‬‬

‫‪109‬‬

‫مئة �سنة على �سايك�س ‪ -‬بيكو‪ :‬التداعيات والآفاق ‪127‬‬

‫زهري فيا�ض‬

‫‪19‬‬

‫من �سايك�س بيكو �إىل الفروف ‪ -‬كريي‬

‫‪135‬‬

‫�سامي �سماحة‬ ‫‪29‬‬

‫تق�سيم �سوريا بني �سايك�س – بيكو الزرع‬ ‫و�سان رميو احل�صاد‬ ‫اليا�س فرحات‬

‫‪153‬‬


‫حتوالت م�رشقية‬

‫ف�صلية‪ ،‬فكرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬تعنى ب�ش�ؤون امل�شرق واملنطقة‬ ‫هيئة التحرير‬

‫فاتن املر‬ ‫عاطف عطية‬ ‫ح�سن حماده‬ ‫ن�صري ال�صايغ‬

‫�سعاده م�صطفى �أر�شيد‬ ‫�سليمان بختي‬ ‫�سركي�س �أبو زيد‬

‫�سكرتري التحرير التنفيذي ‪ :‬هنادي �شموط‬ ‫املدير امل�س�ؤول‪� :‬سركي�س �أبو زيد‬ ‫الربيد الإلكرتوين‪abouzeid@gmail.com :‬‬ ‫هاتف‪)00961-1( 751541 :‬‬ ‫�صندوق بريد‪ 113-7179 :‬بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬ ‫�شارع احلمرا‪ ،‬بناية ر�سامني ‪ ،‬الطابق الرابع‪.‬‬ ‫الإخراج الفني‪zaid mahdi :‬‬ ‫ت�صدر يف طبعتني من فل�سطني ولبنان‬ ‫مدير عام طبعة فل�سطني‪� :‬سعاده م�صطفى �أر�شيد‬ ‫هاتف‪0599305248 :‬‬ ‫�صندوق بريد‪ 41 :‬جنني ‪ -‬فل�سطني‬ ‫توزيع‪ :‬النا�رشون‬

‫بريوت ‪ -‬امل�شرفية‪� ،‬سنرت ف�ضل اهلل ‪ -‬طابق ‪4‬‬

‫هاتف وفاك�س‪:‬‬ ‫خلوي‪)00961-3( 975033 :‬‬

‫‪)00961-1( 277007 - 277088‬‬

‫ت�صدر بالتعاون مع م�ؤ�س�سة �سعاده للثقافة‬

‫بناية ر�سامني‪� ،‬شارع احلمرا‪ ،‬ر�أ�س بريوت‪،‬‬ ‫�صندوق بريد‪ 113-5557 :‬بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬ ‫هاتف‪)00961-1( 753363 :‬‬ ‫فاك�س‪)00961-1( 753364 :‬‬ ‫الربيد الإلكرتوين‪saadehcf@idm.net.lb :‬‬ ‫املوقع الإلكرتوين‪www.saadehcf.org :‬‬ ‫ت�صدر مبوجب قرار رقم ‪ 82‬تاريخ ‪1981/7/6‬‬

‫�صادر عن وزارة االعالم يف لبنان‬ ‫اال�شرتاك ال�سنوي ‪ -‬لبنان‬

‫للأفراد‪ 50 :‬دوالراً �أمريكياً‬ ‫للم�ؤ�س�سات‪ 100 :‬دوالر �أمريكي‬ ‫اال�شرتاك ال�سنوي ‪ -‬خارج لبنان‬ ‫للأفراد‪ 100 :‬دوالر �أمريكي‬ ‫للم�ؤ�س�سات‪ 200 :‬دوالر �أمريكي‬

‫املواد املن�شورة تعرب عن ر�أي كاتبها‬


‫ر�أي‬ ‫قرن من هيمنة اال�ستعمار وان�صياع العرب‪..‬‬ ‫ٌ‬

‫دقت �ساعة جردة احل�ساب‬ ‫ح�سن حماده‬ ‫قرنٌ ٌ‬ ‫كامل من الزمن م َّر على اتفاقية �سايك�س ‪ -‬بيكو‪ ،‬وواقع الدول العربية يرتاجع من‬ ‫�سيئ العام ‪� 1916‬إىل ما هو �أ�سو�أ بكثري يف العام ‪.2016‬‬ ‫ٍ‬ ‫�أ�ضعف الإميان �أن حت�صل جرد ُة ح�ساب‪ ،‬كاملة �شاملة‪� ،‬إ ّذ �إن الأعوام املئة التي م ّرت على‬ ‫هذا االتفاق ف�أو�صلت �إىل الرتدي املريع الذي نتخبط فيه‪ ،‬متيزت ب�أمرين‪ :‬هيمنة مطلقة‬ ‫�أحياناً‪ ،‬و�شبه مطلقة �أحياناً‪ ،‬لال�ستعمار الذي �صنع اتفاقية �سايك�س ‪ -‬بيكو‪ُ ،‬يواكبها‬ ‫مطلق على الدوام من ِق َبل ال�صهيونية العربية‪.‬‬ ‫ان�صياع ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫�إن جردة احل�ساب �ضرورية لنتخذ قراراً واعياً مفاده ما �إذا كان علينا �أن ن�ستم ّر يف نهج‬ ‫االن�صياع �أو �أن ن�ضع حداً نهائياً له بحيث نبد�أ رحلة احلفاظ على ما تبقى من وجودنا‬ ‫وا�ستعادة كرامتنا ك�أحرار بد ًال من �أن ن�ستم ّر يف الت�صرف ٍ‬ ‫كعبيد رِقْ ‪.‬‬ ‫نحن فيها‪.‬‬ ‫هذان الأمران‪� ،‬أي الهيمنة واالن�صياع‪� ،‬أو�صال �إىل حالة الرتدي التي ُ‬ ‫حني و�آخر لكنه ا�ستمر‪ ،‬هو كما هو‪ ،‬وال�صهيونية‬ ‫فاال�ستعمار اختلفت وجوه ُه بني ٍ‬ ‫العربية‪ ،‬بدورها‪ ،‬ا�ستمرت �صهيوني ًة متكامل ًة مع امل�شروع الإ�سرائيلي اال�ستعماري بل‬ ‫حامي ًة له حماي ًة حيوي ًة من دونها ما كانت ال�صهيونية الإ�سرائيلية لتقف �أ�سا�ساً على‬ ‫فتتو�سع وت�سري من انت�صار �إىل انت�صار‪.‬‬ ‫قدميها ثم ترتدي رداء دولة ّ‬ ‫قد تكون هذه االتفاقية اللعينة من �أكرث الأحداث التاريخية التي �أُ�سيئ فهمها وتقدير‬ ‫�أ�سباب ا�ستمرارها‪ .‬وعلى هذا ال�صعيد �ضرب العرب �أرقاماً قيا�سية يف �سوء الت�شخي�ص‬ ‫لها وبالتايل‪ ،‬ونتيجة ل�سوء الت�شخي�ص هذا‪� ،‬صارت احلكومات العربية يف حقبة‬ ‫اال�ستقالالت ُتعطي تقييماً ملتب�ساً ملواقف دول اال�ستعمار بحيث �أن هذه احلكومات‪،‬‬ ‫‪3‬‬


‫وهي �شديدة الغباء‪ُ ،‬يقيم بع�ضها‪� ،‬أو معظمها‪ ،‬عالقات �صداقة مع امل�ستعمر اجلالد‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫تف�ضيل ومتيي ٌز بني قو ٍة و�أخرى من قوى اال�ستعمار‪.‬‬ ‫يتبعها‬ ‫رج على اعتبار �أن اتفاقية �سايك�س ‪ -‬بيكو التي‬ ‫فعلى �سبيل املثال ولي�س احل�صر‪ُ ،‬د َ‬ ‫جت�سدت مفاعيلها على �أر�ض الواقع من خالل وعد بلفور‪ ،‬يف العام ‪� ،1917‬أنها اتفاقي ٌة‬ ‫بريطانية – فرن�سية فقط فيما احلقيقة �أن وعد بلفور كان وعداً بريطانياً – فرن�سياً – �أمريكياً‪.‬‬ ‫كيف ّمت ذلك؟‪ ...‬و�أين مكمن اخلط�أ؟‬ ‫�إن وعد بلفور ما كان ليح�صل لوال امل�ساندة الفرن�سية لربيطانيا ثم لل�ضغط الأمريكي على‬ ‫احلكومة الربيطانية‪ .‬هذا ما يفتح �صفح ًة للحديث عن الدور الأمريكي ح�صراً‪ ،‬يف هذا‬ ‫ال�سياق‪ ،‬والذي كان هو احلا�سم‪.‬‬ ‫�إن الوقائع التاريخية تربهن مبا ال يقبل اجلدل على �أن وعد بلفور لقي معار�ضة �شديدة من‬ ‫ِق َب ِل منابر يهودية مرموقة يف بريطانيا‪ .‬وحجة هذه املنابر يومها �أن الإمرباطورية الربيطانية‬ ‫أر�ض فل�سطني ُمهمتها متعددة الأبعاد‪:‬‬ ‫تهدف �إىل �إقامة قاعد ٍة ع�سكري ٍة لها على � ِ‬ ‫أ�ولها ت أ�مني ال�سيطرة على طريق الهند‪ ،‬أ� ّي البالد التي أ��سموها " ُد ّرة التاج الربيطاين"‪.‬‬ ‫فهي بالد اخلريات‪ ،‬والعبيد‪ ،‬التي ّمتد االمرباطورية الربيطانية ب أ�عدا ٍد ال تحُ �صى وال ُتعد‬ ‫من اجلنود الذين ت�ستخدمهم حكومات لندن املتعاقبة يف حروبها التو�سعية وتطويعها‬ ‫البلدان وال�شعوب با إل�ضافة إ�ىل امت�صا�ص خرياتها مبا ُيوفر املكا�سب املادية الهائلة لذوي‬ ‫الرثوات و ُي�سهم يف بناء رخا ٍء اقت�صادي اجتماعي ُمطلق ال تن َعم به باقي االمرباطوريات‬ ‫اال�ستعمارية الأوروبية‪.‬‬ ‫ثانيها لل�سيطرة على موارد الطاقة يف منطقة �شبه اجلزيرة العربية و�سوراقيا‪.‬‬

‫ثالثها للتحكم بالعقدة اجلغرافية اال�سرتاتيجية التي تربط بني القارات الثالث �أوروبا‬ ‫و�آ�سيا وافريقيا‪.‬‬ ‫رابعها �أن م�شروع �إقامة "وطن قومي لليهود" هو �أف�ضل ما ُيك�سب هذه القاعدة‬ ‫‪4‬‬


‫الع�سكرية مناع ًة ودميومة من خالل �إيجاد ُب ٍعد عقائدي – ديني – غرائزي للعن�صر‬ ‫الب�شري الذي �ستتكون منه هذه القاعدة‪ .‬فلو كانت جمرد قاعدة ع�سكرية حلماية‬ ‫امل�صالح االمرباطورية لكان من املمكن �أن ي�ضمحل عن�صرها الب�شري لأنه يفتقر �إىل‬ ‫ق�ضية‪ ،‬خ�صو�صاً �أن جمازر فظيعة واجب �إحداثها النتزاع الأر�ض من �أهلها الأ�صليني‬ ‫الفل�سطينيني ورميهم يف ال�شتات‪ ،‬مع ما ينتج عنها من م� ٍآ�س وفظائع‪� .‬أما �إن كان جنود‬ ‫القاعدة يحملون تعاليم تقول لهم �إن �أر�ض القاعدة هي �أر�ضهم و�إنها وديعة اهلل لهم‪،‬‬ ‫و�إنها � ُ‬ ‫أر�ض امليعاد لهم‪ ،‬ال بد من �أن يعودوا �إليها‪ ،‬وبالتايل هي جز ٌء ال يتجز�أ من دينهم‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫ان�ضباط يتوفر عند �أي جي�ش‬ ‫فتن�ش�أ �آنذاك عندهم ع�صبي ٌة تتخطى بحدتها و�صالبتها �أي‬ ‫نظامي يف �أية قاعدة ع�سكرية مهمتها ارتكاب اجلرائم ون�شر امل�آ�سي والفظائع‪ .‬فكان اختيار‬ ‫كعمل �إن�ساين تقوم به الإمرباطورية اال�ستعمارية‪.‬‬ ‫ما ُي�سمى بالوطن القومي لليهود ٍ‬ ‫يومها قالت تلك املنابر اليهودية يف بريطانيا �إنه من غري ال�ضروري �أبداً تعري�ض اليهود لهذا‬ ‫النوع من الأخطار‪ .‬لذلك كانوا يرف�ضونها‪ ،‬خالفاً لر�أي "امل�ؤ�س�سة" ال�سلطوية ال�صهيونية‬ ‫التي ّ‬ ‫يتحكم بها �آل روت�شيلد وهم جز ٌء من البنية االقت�صادية – املالية للإ�ستعمار‪.‬‬ ‫ونتيج ًة لهذا اخلالف داخل ال�صف اليهودي يف بريطانيا‪ ،‬مت ّهلت احلكومة الربيطانية قبل‬ ‫وجه �إنذاراً للحكومة الربيطانية‬ ‫�إ�صدار الوعد‪ ،‬فما كان من الرئي�س الأمريكي ول�سن �إال �أن ّ‬ ‫حرب تدمريية �ضد اجلنيه اال�سرتليني ما مل‬ ‫مفاده �أن البيت الأبي�ض جاه ٌز متاماً ل�شن ٍ‬ ‫ُي َ�صار �إىل �إ�صدار الوعد حا ًال‪.‬‬ ‫ق ّل ٌة نادر ٌة من امل�ؤرخني ذكروا هذه احلقيقة املف�صلية‪ .‬وتبني �أن الإرادة الأمريكية‪ ،‬بل‬ ‫الإرادة الإنغلو ‪� -‬سك�سونية اجلامعة‪� ،‬أبدت حر�صاً على حجب هذه احلقيقة‪ ،‬وكذلك‬ ‫فعل �آل روت�شيلد و�أ�صدقا�ؤهم �آل روك فيلر يف الواليات املتحدة بهدف مترير اخلدعة‬ ‫الكربى‪.‬‬ ‫ما هي اخلدعة الكربى؟؟؟‪...‬‬ ‫كبديل عن اال�ستعمار الربيطاين‬ ‫جت�سدت بتقدمي الواليات املتحدة‬ ‫ٍ‬ ‫اخلدعة الكربى ّ‬ ‫الفرن�سي �أمام �أعني ال�شعوب العربية التي كان من املتوقع �أن تظهر حقداً على الربيطانيني‬ ‫‪5‬‬


‫والفرن�سيني يرافقه اطمئنانٌ �إىل الواليات املتحدة‪ ،‬خ�صو�صاً �أن ول�سون كان ُيح�ضر لطرح‬ ‫امل�شروع ُطرح بالفعل يف �شهر‬ ‫م�شروع دويل ظاهره �أخالقي ومناه�ض لال�ستعمار‪ .‬هذا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كانون الثاين من العام ‪ 1918‬وحمل ا�سم "مبادئ الرئي�س ول�سن" لتحرير ال�شعوب‬ ‫و�إقامة العدل بينها وبناء عامل ي�سوده ال�سالم وينعم بالعدالة‪ .‬هذه املبادئ عددها‬ ‫‪ ./14/‬املبد�أ الثاين ع�شر منها ين�ص على وجوب ت�سهيل مهمة ال�شعوب التي تتوق �إىل‬ ‫اال�ستقالل بعد هزمية الإمرباطورية العثمانية‪.‬‬ ‫يف ال�ساد�س من �شباط من العام ‪ 1919‬ويف ٍ‬ ‫ال�صلح‬ ‫جل�سة من جل�سات ما ُعرف مب�ؤمتر ُ‬ ‫املنعقد يف باري�س ظهرت اخلدعة مبا ال يقبل �أي ٍ‬ ‫جدل‪ ،‬وذلك حني دخل الوفد ال�سوري‬ ‫برئا�سة الأمري في�صل ابن احل�سني وطالب بتطبيق مبادئ الرئي�س ول�سن‪ ،‬خ�صو�صاً املبد�أ‬ ‫الثاين ع�شر ظناً من الأمري و�أعوانه القادة الوطنيني ال�سوريني �أن هذا املطلب �سوف‬ ‫ُيحرج موقف الربيطانيني والفرن�سيني ويجعل الواليات املتحدة تقف �إىل جانب احلق‬ ‫ظن الأمري و�أعوانه �أنهم بذلك ي�شقون املع�سكر‬ ‫ال�سوري بال�سيادة واال�ستقالل‪ .‬لقد ّ‬ ‫اال�ستعماري يف الن�صف وينجون من خطر ا�ستبدال اال�ستعمار العثماين باال�ستعمار‬ ‫الأوروبي‪ .‬و�إذا بالطامة الكربى تقع حني نظر ول�سن �إىل الأمري وقال له‪" :‬هل هذا يعني‬ ‫�أنكم تف�ضلون �أن تنتدبكم دولة واحدة او جمموعة دول؟؟؟‪ ."!!!...‬وكان ذلك مبثابة‬ ‫�ضوء �أخ�ضر للفرن�سيني والربيطانيني للقيام بغزو �سوريا الطبيعية ُك ّلها واقت�سامها‪.‬‬ ‫وما ُيثري الده�شة واال�ستغراب �أن التيارات الوطنية والقومية يف العامل العربي ظلت تنظر �إىل‬ ‫خداع �أمريكي‬ ‫مبادئ ول�سن ب�إيجابية متنا�سي ًة‪ ،‬ورمبا جاهل ًة‪ ،‬ما حدث يف م�ؤمتر ُ‬ ‫ال�صلح من ٍ‬ ‫ما مثله خداع‪ .‬حتى �أنه يف بدايات عهد الرئي�س الأمريكي رونالد ريغن "‪"1989 - 1981‬‬ ‫قام وزيرا خارجية اململكة ال�سعودية واجلمهورية العربية ال�سورية‪� ،‬سعود الفي�صل وعبد‬ ‫ت�صريح �أدىل به على‬ ‫احلليم خدام‪ ،‬بزيارة م�شرتكة �إىل البيت الأبي�ض‪ ،‬اعترب خدام يف‬ ‫ٍ‬ ‫مدخل الق�صر الرئا�سي الأمريكي �أنه ي�ؤدي عم ًال دبلوما�سياً راقياً جداً حني قال‪" :‬ن�أمل‬ ‫من الواليات املتحدة يف عهد فخامة الرئي�س ريغن �أن تقتدي مببادئ الرئي�س ول�سن"!!!‪...‬‬ ‫�إلهي‪ ،‬يا له من جهل‪ .‬هذه ع ّينة عن االنحراف العقلي الفظيع عند امل�س�ؤولني احلكوميني يف‬ ‫الدول العربية الذين مل يتع ّلموا �شيئاً مما فعلته ال�سيا�سات الأمريكية بحق بالدنا على امتداد‬ ‫ع�شرات ال�سنني‪ ...‬وكذلك يفعلون‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫�إن الواليات املتحدة �أظهرت حر�صاً �شديداً على احرتام تق�سيمات �سايك�س ‪ -‬بيكو ال‬ ‫يقل عن احرتام الأوروبيني لهذه التق�سيمات‪ .‬ومل مت�س بهذه التق�سيمات �إال بعد �أن‬ ‫ق�ضت نهائياً على ا�ستقاللية و�سيادة الدول الأوروبية التي فقدت كياناتها االمرباطورية‪.‬‬ ‫هذا الزحف االمريكي الذي �أ�سقط الدول الأوروبية‪ ،‬االمرباطورية �سابقاً‪ ،‬حتت �سلطان‬ ‫الأحادية بد�أ عملياً بوا�سطة االحتالل الع�سكري لأوروبا من خالل منظومة ا�سمها حلف‬ ‫�شمال الأطل�سي‪ ،‬واكبها م�شروع بناء ال�سوق الأوروبية امل�شرتكة الذي حت ّول يف ما بعد‬ ‫�إىل احتاد �أوروبي‪ .‬ومل تلحظ الدبلوما�سيات العربية �أن الأمريكيني هم الذين كانوا خلف‬ ‫م�شروع ال�سوق الأوروبية امل�شرتكة و�أن االحتاد الأوروبي يف تركيبته امل�ؤ�س�سية هو مبثابة‬ ‫وحكامها‬ ‫نظام جديد يقوم على قطع العالقة ب�شكل �شبه كامل بني ال�شعوب الناخبة ُ‬ ‫املنتخبني‪� .‬أي �أمركة النظام الأوروبي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وعلى مدى ع�شرات ال�سنني ظلت احلكومات العربية‪� ،‬أو بع�ضها‪ ،‬يراهن على اخليار‬ ‫الأوروبي كبديل غربي لل�سيا�سة الأمريكية‪ .‬وهو ٌ‬ ‫بديل كان من امل�ستحيل �أ�سا�ساً �أن‬ ‫يتح ّول واقعاً‪ .‬لكن االنحراف العقلي عند احلكومات العربية جعلها ال ترى الواقع‪،‬‬ ‫وبالتايل تعبث م�سبقاً مبا كان ميكن لها �أن حت�صده من مكا�سب لو �أنها �أظهرت �صدقاً يف‬ ‫العالقة مع االحتاد ال�سوفياتي‪.‬‬ ‫منذ وعد بلفور والكيانات العربية ّ‬ ‫توظف نف�سها ب�شكل �أو ب�آخر يف خدمة ج ّالديها من‬ ‫الأوروبيني‪ ،‬وخ�صو�صاً منهم االنكليز والفرن�سيني‪ .‬فعندما ح�صلت املواجهة مع احلقيقة‬ ‫ال�صلح �آنف الذكر كان �أهل اجلزيرة العربية ومن ثم �أهل الهالل ال�سوري‬ ‫يف م�ؤمتر ُ‬ ‫اخل�صيب قد انق�سموا يف معظمهم بني والءين لربيطانيا‪ :‬والء لربيطانيا متمثل باتخاذ‬ ‫جا�سو�س انكليزي ا�سمه لوران�س مر�شداً �سيا�سياً لنه�ضتهم التي اتخذت ا�سم "الثورة‬ ‫ٍ‬ ‫العربية الكربى"‪ ...‬وجتاه يتبع الإنكليز �أي�ضاً وقد اتخذ لنف�سه مر�شداً هو اجلا�سو�س‬ ‫الإنكليزي الآخر فيلبي الذي اعتنق الإ�سالم و�صار ا�سمه ال�شيخ عبداهلل فيلبي‪ .‬الأول‬ ‫يوجه ابن �سعود الوهابي والإثنان �أ�شرفا على احلرب‬ ‫يوجه ال�شريف ح�سني والثاين ّ‬ ‫ّ‬ ‫الأهلية يف اجلزيرة العربية وانتقلت العدوى �إىل الهالل ال�سوري اخل�صيب بوا�سطة الذين‬ ‫جتاوبوا مع الأمري عبداهلل‪ ،‬ب�صفته ابن ال�شريف ح�سني وبالتايل ابن الثورة العربية الكربى‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫وحدها الثورة ال�سورية التي اندلعت يف العام ‪ 1925‬كانت ُتعبرّ فعلياً عن الثورة‬ ‫الإ�ستقاللية على امتداد �سورية الطبيعية‪ .‬هذه الثورة �أتت مبثابة �أول حرب حترر وطني‬ ‫�ضد النظام الإمربيايل الغربي يف الكرة الأر�ضية جمعاء‪ .‬حتى �أن عدداً من الأو�ساط‬ ‫النخبوية يف الغرب الأوروبي‪ ،‬وكذلك يف االحتاد ال�سوفياتي النا�شئ ر�أوا فيها ظاهر ًة‬ ‫ُتعادل ب�أهميتها الثورتني الفرن�سية والبول�شيفية‪.‬‬ ‫يتم�سكوا مبفاهيم ومبادئ الثورة ال�سورية‬ ‫من نكد القدر على �أهل �سورية الطبيعية �أنهم مل ّ‬ ‫الكربى التي كان من �أبرز ِ�شعاراتها �شعار "الدين هلل والوطن للجميع"؛ ف�أ�صبحت‬ ‫هذه الثورة العظيمة جمرد ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫انحطاط وبعدها انحطاط‪ ،‬وما‬ ‫زمني بني هاللني‪ ،‬قبلها‬ ‫فا�صل ٍّ‬ ‫نحن فيه اليوم �إال ٌ‬ ‫دليل على �أهمية مبادئ هذه الثورة‪.‬‬ ‫�أحداث الزمن الذي ُ‬ ‫عند حمطة حرب التحرر الوطني هذه‪ّ � ،‬أي ثورة ‪ 1927 - 1925‬ال بد من التوقف والت�أمل‪.‬‬ ‫ففي كيان كالكيان اللبناين ا�ضطر امل�ستعمر الفرن�سي‪ ،‬لأن ُيقد َم للبنانيني د�ستوراً علمانياً‬ ‫حديثاً �سنة ‪ ،1926‬وذلك خالفاً ال�سرتاتيجية امل�ستعمر الفرن�سي القا�ضية ب�إثارة النعرات‬ ‫الطائفية واملذهبية‪ .‬ملاذا �أقدم الفرن�سيون على هذه اخلطوة يف العام ‪1926‬؟‪ ...‬اجلواب‬ ‫الب�سيط هو لأن الثورة ال�سورية الكربى �أوجدت يف منطقة الهالل ال�سوري اخل�صيب‬ ‫مناخاً وطنياً مل ي�سمح لال�ستعمار ب�أن يتجاهله �أو يقفز عليه‪ .‬ولكن بعد توقف هذه الثورة‪،‬‬ ‫وبالتايل هزمية هذه احلرب التحررية الوطنية‪ ،‬عاد امل�ستعمر ّ‬ ‫وانق�ض على الد�ستور العلماين‬ ‫فع ّلقه يف العام ‪ 1932‬ملجرد �أن اللبنانيني‪ ،‬وبجز ٍء كب ٍري منهم‪ ،‬كانوا قد عقدوا العزم على‬ ‫جتاوز املو�ضوع الطائفي واملذهبي يف �ش�أن رئا�سة اجلمهورية مما كان �سين�سحب على بنية‬ ‫الدولة ككل لو ُطبق دون انحراف‪ .‬وجاءت خطوة امل�ستعمر ل ُتزكي النعرة الطائفية و ُتع ّززها‬ ‫باالنحراف الغرائزي‪ .‬هكذا �سار االجتاه نحو الوطنية املطلقة �أمراً محُ ارباً من اال�ستعمار‪،‬‬ ‫فيما االجتاه الطائفي مطلوب و ُم�شجع عليه حتى لو ت�ضمن رف�ضاً لال�ستعمار �إذ �إن رف�ض‬ ‫اال�ستعمار من منطلق طائفي يختزن يف جوهره انق�سامات بني �أهل البالد الأ�صليني تخدم‬ ‫بدورها خمططات التجزئة اال�ستعمارية‪ .‬لقد �صار االجتاه الطائفي هو املطلوب ا�سرتاتيجياً‬ ‫و�إن كان جنوحه �ضد اال�ستعمار‪ ،‬بني حني و�آخر‪ ،‬مرفو�ضاً من هذا اال�ستعمار تكتيكياً‪.‬‬ ‫وهذا االجتاه ما زال معتمداً حتى يومنا هذا على اعتبار �أن قدر الطائفية ان ت�ستفحل‪.‬‬ ‫وبناء عليه حدث م�ؤخراً االنزالق من الطائفية �إىل املذهبية‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫ومبا �أن التيارات ال�سيا�سية والفكرية التي ا�ستق ّرت يف دائرة اللعبة الطائفية واملذهبية‬ ‫عجزت عن تقدمي �أي ٍ‬ ‫حل للق�ضايا االجتماعية والوطنية ف�إن الدوائر اال�ستعمارية راحت‬ ‫تبني عليها نظريات اجتماعية �سيا�سية تزيد تدريجياً من ا�ستفحالها وتعتربها قدراً حمتوماً‬ ‫ال ميكن جتاوزه‪ .‬وجرى البناء على هذه احلاالت با�سم "الواقعية ال�سيا�سية" التي ُت�شكل‬ ‫يف حقيقة الأمر نقي�ضاً فا�ضحاً للواقعية‪ .‬وهذا ما ع ّزز االنحراف ال�سيا�سي والوطني‪ .‬على‬ ‫�صعيد املثال ولي�س احل�صر‪� ،‬أنه جرى ت�صوير االجتاه الإ�سالمي على �أنه املمثل الفعلي‬ ‫والواقعي لنهج املناه�ضة لال�ستعمار‪ ،‬وبالتايل �صار تظهري احلالة امل�سيحية على �أنها قريبة‬ ‫من اال�ستعمار وقابلة للتفاعل معه واالنخراط يف م�شاريعه‪ .‬ويف هذا ال�سياق �أي�ضاً جرى‬ ‫تقدمي هذا الأمر على �أنه جز ٌء من الواقعية فيما هو انحراف عن هذه الواقعية‪.‬‬ ‫هذه الرتكيبة الأيديولوجية هي يف �أ�سا�س املفهوم اخلاطئ الذي جرى ترويجه ومفاده‬ ‫م�سيحي و�أن ال�شرق م�سلم‪ .‬دائماً با�سم الواقعية ال�سيا�سية املنحرفة عن‬ ‫�أن الغرب‬ ‫ٌّ‬ ‫الواقع الفعلي الذي تتو�ضح فيه ال�صورة احلقيقية ب�أن ال ال�شرق م�سلم‪ ،‬باملفهوم الديني‬ ‫م�سيحي باملفهوم الديني للم�سيحية‪.‬‬ ‫للإ�سالم‪ ،‬وال الغرب‬ ‫ٌ‬ ‫�ألي�ست هذه هي امل�شكلة التي تعي�شها الآن بالدنا‪ ،‬من �ضمن باقي امل�شاكل وما‬ ‫�أكرثها؟‪ ...‬وبنا ًء عليه‪ ،‬جرى ترويج املفاهيم اخلاطئة القائلة ب�أن �إ�سالم هذه البالد يرف�ض‬ ‫امل�شروع ال�صهيوين فيما تقبله م�سيحية هذه البالد‪ُ .‬وك ّلها نظريات تافه ٌة فا�سد ٌة كاذب ٌة‬ ‫الهدف منها تدمري املجتمع من الداخل‪ .‬ولقد �أتت امل�أ�ساة الفل�سطينية‪ ،‬وهي م�أ�سا ٌة‬ ‫قومي ٌة يف ال�صميم‪ ،‬ل ُتكذب هذه النظريات التي ر ّوج لها اال�ستعمار وتلقفها الطائفيون‬ ‫واملذهبيون يف بالدنا على خالف اجتاهاتهم‪� ،‬أكانوا راف�ضني لال�ستعمار �أو قابلني للتفاعل‬ ‫معه‪ .‬ويف ٍ‬ ‫خط موا ٍز لذلك كان اال�ستعمار‪ ،‬ومنذ �سايك�س – بيكو ووعد بلفور‪ُ ،‬يح�ضر‬ ‫الإثنيات لتكون هي �صاعق تفجري كيانات �سايك�س – بيكو الحقاً‪ ،‬وبالتايل �أدا ًة لتق�سيم‬ ‫املق�سم من منطلق التحالف الظاهري �أو ال�ضمني مع قاعدة �إ�سرائيل الع�سكرية‪ .‬وعلى‬ ‫ّ‬ ‫هذا ال�صعيد �أي�ضاً روج اال�ستعمار ل�سيا�سة اال�ستثمار يف الفروق الإثنية‪� ،‬أو بالأحرى‬ ‫التن ّوع الإثني‪ ،‬واعتبارها عقبات ال ميكن جتاوزها �إال بالقمع الديكتاتوري‪� .‬أي �أن االنتماء‬ ‫الإثني يجب �أن ُيرفع �إىل م�ستوى "كيان"‪ ،‬وذلك طبعاً با�سم الواقعية ال�سيا�سية ما يعني‬ ‫�أن الدميقراطية املعتمدة يف الغرب ال ت�صح يف بالدنا ما مل ت�ستقل الكيانات الإثنية‬ ‫‪9‬‬


‫عن كيانات �سايك�س – بيكو‪ ،‬و�أن هذا يتطابق مع "الواقعية ال�سيا�سية"‪ .‬فلو �أخذنا‬ ‫مثا ًال م�شاريع اال�ستعمار للإثنية الكردية لوجدنا �أنها تعمل على التق�سيم با�سم مبادئ‬ ‫ٍ‬ ‫و�شعارات كاذبة ُتخالف واقع الإثنية �أو بالأحرى الإثنيات الكردية التي وزعتها‬ ‫�سامية‬ ‫تق�سيمات �سايك�س ‪ -‬بيكو على كيانات عدة تتحكم بها قيادات عدة‪.‬‬ ‫هنا �أي�ضاً جرت وجتري عملية تزوير ثقايف وطني مذهل‪ .‬يتمثل بت�صوير ُ‬ ‫"ج�سم‬ ‫الكرد كـ‬ ‫ٍ‬ ‫منف�صل" عن املجتمع‪ .‬وهذا ما كذبته الوقائع ال�سورية منذ قرون‪ ،‬خ�صو�صاً منذ قيام‬ ‫ٍ‬ ‫نظام �سايك�س ‪ -‬بيكو – بلفور‪ .‬فال�سوريون‪ ،‬من الإثنية الكردية‪ ،‬ثاروا على اال�ستعمار‬ ‫الفرن�سي ك�سوريني‪ ،‬وطنيني ‪ -‬مواطنني‪ ،‬وحت ّول بع�ضهم �إىل رمز للقومية ال�سورية وللعروبة‬ ‫الثقافية احل�ضارية‪ .‬ونذكر على �سبيل املثال ولي�س احل�صر منابر كبرية ال�ش�أن مثل حامي‬ ‫حمى اللغة العربية حممد ُكرد علي‪" .‬واملفارقة �أن والده كان من الإثنية الكردية و�أمه‬ ‫من الإثنية ال�شرك�سية"‪ ،‬وهو الذي �أ�س�س جممع اللغة العربية وبالتايل له ٌ‬ ‫ف�ضل كبري يف‬ ‫حماية اللغة العربية‪ .‬و�ساطع احل�صري كبري ُم ّنظري ما ُعرف بالقومية العربية العلمانية‪،‬‬ ‫وابراهيم هنانو �أحد �أملع الوجوه القائدة للثورة على اال�ستعمار الفرن�سي �إىل جانب �سلطان‬ ‫با�شا الأطر�ش وال�شيخ �صالح العلي وفار�س اخلوري وغريهم ُ‬ ‫الكرث من �أبناء هذه الإثنية‬ ‫مقدمتهم جميعاً‬ ‫ممن ارتبط ا�سمهم بالفكر النه�ضوي الوطني اال�ستقاليل احلديث‪ ،‬ويف ّ‬ ‫البطل القومي ال�سوري العظيم ال�شهيد يو�سف العظمة رمز معركة مي�سلون املباركة‪،‬‬ ‫معركة الفداء اال�ست�شهادية‪ .‬لكن االنحراف العقلي الذي عمل اال�ستعمار على بنائه‬ ‫يتعمد جتاهل هذه احلقائق‪.‬‬ ‫وا�ستثمر فيه ّ‬ ‫ماذا نرى اليوم وبعد مئة �سنة على �سايك�س – بيكو ‪ -‬بلفور؟‪...‬‬ ‫نرى َمن با�سم الإثنية الكردية‪ ،‬وبالتعاون مع اال�ستعمار‪ ،‬يحاول �إعادة احلياة �إىل امل�شروع‬ ‫اال�ستعماري‪ ،‬وذلك كامل�شروع الذي ُطرح منذ فرتة قريبة بعنوان "فيدرالية يف ال�شمال‬ ‫ويقدم نف�سه كج�سم‬ ‫ال�سوري"‪ ،‬وهو م�شروع يحمله حزب يقول بالهوية الكردية امل�ستقلة‪ّ ،‬‬ ‫منف�صل عن املجتمع ال�سوري بينما هو ال ميثل ال�سوريني الذين هم من �إثنية كردية‪ ،‬بل‬ ‫هو جمرد تيار �سيا�سي ُي ّظهره الإعالم اال�ستعماري على �أنه يخت�صر ال�سوريني من الإثنية‬ ‫الكردية‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫�إن من فظائع االنحراف العقلي الذي �أحدثته ثقافة �سايك�س ‪ -‬بيكو – بلفور هو �أن‬ ‫امل�أ�ساة الفل�سطينية الفظيعة تكتمل ف�صولها وت�ستمر مع الزمن ب�سبب ثقافة الطائفيات‬ ‫واملذهبيات‪� ،‬سواء يف املحيط الفل�سطيني ال�ضيق �أو يف املحيط القومي الكبري‪.‬‬ ‫�إن �أبناء البالد هم الذين ي�ساعدون اال�ستعمار على بعث احلياة يف ثقافة �سايك�س –‬ ‫بيكو ‪ -‬بلفور �إذ‪ ،‬يكفي القليل من التفكري وا�ستخدام العقل‪ ،‬لتاليف اجلنوح يف م�سارات‬ ‫التناق�ضات الطائفية واملذهبية والإثنية‪.‬‬ ‫�ألي�س من املده�ش �أن يكون �أهل فل�سطني‪ ،‬وبعد ‪� 68‬سنة من عمر النكبة‪ ،‬منق�سمني‬ ‫موحد ملواجهة الرببرية ال�صهيونية التي جتاوزت‬ ‫على �أنف�سهم‪ ،‬عاجزين عن طرح م�شروع ّ‬ ‫بوح�شيتها كل ما عرفته الإن�سانية �سابقاً من ظواهر التوح�ش والربيرية؟؟؟‪....!!!...‬‬ ‫�إن عدم اال�ستفادة من التجارب يعك�س انحرافاً عقلياً ما مثله انحراف‪ .‬ومن الأمثلة‬ ‫املذهلة �أي�ضاً هو �أن اال�ستعمار ّمتكن با�سم الدين الإ�سالمي‪ ،‬و�آخر همه الدين الإ�سالمي‬ ‫طبعاً‪� ،‬أن ُيجند الدول العربية يف م�شروع "احللف الإ�سالمي" يف ال�ستينيات من القرن‬ ‫املا�ضي كتعبري عن رف�ض العالقة مع املع�سكر ال�سوفياتي‪ ،‬وذلك بحجة �أن هذا املع�سكر‬ ‫يمُ ثل الإحلاد‪ .‬و�أي�ضاً كو�سيلة ملواجهة مع�سكر عدم االنحياز‪ .‬وحقيقة الأمر �أن املق�صود‬ ‫من م�شروع "احللف الإ�سالمي" كان ملواجهة املد النا�صري الوطني التحرري املناه�ض‬ ‫لال�ستعمار الغربي‪ .‬هكذا جرى جتيري احلاالت الإ�سالمية يف �سياق خدمة امل�شاريع‬ ‫اال�ستعمارية‪ .‬وكان الربيطانيون قد ا�ستبقوا ذلك برعايتهم النطالق ظاهرة "الإخوان‬ ‫امل�سلمني" يف �أواخر الع�شرينيات من القرن املا�ضي‪ .‬ومع هذا التيار برزت ظاهرتان‪:‬‬ ‫الأوىل �أن هذا التيار الإ�سالمي يعادي الغرب من منطلق ثقايف‪ ،‬والثاين �أن هذا التيار يتبع‬ ‫الغرب من الناحية ال�سيا�سية‪� ،‬أي �أنه ُيعادي الثقافة الغربية لكنه‪ ،‬يف الوقت نف�سه‪ ،‬يتبع‬ ‫امل�شروع اال�ستعماري الغربي‪ .‬والظاهرة م�ستمرة حتى اليوم‪ .‬فما من منعطف تاريخي‬ ‫�إال وكانت هذه احلالة مادة ا�ستغالل من قبل املع�سكر الإنغلو�ساك�سوين‪ .‬ولقد بلغ‬ ‫االنحراف حداً �أن �أحد املر�شدين لهذا التيار‪ ،‬والذي �أمتن ُع عن تلويث هذه االفتتاحية‬ ‫با�سمه الكريه‪ ،‬مل يرت ّدد يف القول مع بداية احلرب الدولية اال�ستعمارية لتدمري �سورية‪:‬‬ ‫"لو عاد الر�سول‪ ،‬عليه ال�صالة وال�سالم‪َ ،‬لتحالف مع الناتو"!!!‪...‬‬ ‫‪11‬‬


‫فبعد ع�شرات ال�سنني من �سايك�س‪ -‬بيكو‪ -‬بلفور‪ ،‬وعلى �أبواب املئوية الأوىل لهذا‬ ‫االتفاق والوعد‪ ،‬متكن اال�ستعمار من ال�سطو‪� ،‬أو بالأحرى من االغت�صاب‪ ،‬ل�شرائح‬ ‫وا�سعة من اجلماهري التي جعل منها ُكت ًال ب�شري ًة غا�ضبةً‪ ،‬عنيفةً‪ُ ،‬ت�ساند منظمات الإرهاب‬ ‫التي يتبني من خالل حرب تدمري �سوراقيا �أنها م�صنوع ٌة ومدعوم ٌة وم�ستخدم ٌة من قبل‬ ‫املع�سكر الإنغلو�ساك�سوين‪ .‬فدورها الأبرز هو املذابح والفنت بني امل�سلمني �أنف�سهم با�سم‬ ‫وتيارات �سيا�سي ٌة ترفع الدين �شعاراً وهي تتبع جالديها‪.‬‬ ‫الإ�سالم‪ .‬قرن كامل من الزمن‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫تق�سيمات جديدة؟‪...‬‬ ‫فهل املطلوب �أف�ضل من ذلك للإنتقال �إىل‬ ‫ولكن‪ ،‬مقابل هذه املوجات التكفريية املعادية للوطن وللإن�سان وللدين وللثقافة‬ ‫تيارات وطني ٌة وقومي ٌة ودميقراطيةٌ‪ ،‬تقف مدافع ًة عن وحدة‬ ‫وللح�ضارة وللتاريخ‪ ،‬تقف ٌ‬ ‫الأر�ض واملجتمع بينما على �أر�ض فل�سطني املعذبة‪ ،‬يظهر �إن�سان جديد ابن ثمانِ‬ ‫ٍ‬ ‫�سنوات‬ ‫�أو ع�شر ُيهاجم ب�صدره العاري دبابات املريكافا ال�صهيونية بال ٍ‬ ‫رادع‪ .‬هذا‬ ‫خوف وال ٍ‬ ‫الإن�سان وتلك التيارات هم الذين ُيخيفون امل�ستعمر وقاعدته الع�سكرية �إ�سرائيل فيطلق‬ ‫عليهم امل�ستعمر وحو�شه التكفريية ليدمرهم ويدمر �إرادة احلياة عندهم‪ ،‬لكنهم ي�صمدون‬ ‫ويكتبون ب�صمودهم �صفحات جديدة من التاريخ قد يكون الن�صر حليفهم �إن هم تابعوا‬ ‫ومل ينهزموا‪.‬‬ ‫لذا ال يجوز �أن نقفل الذكرى املئوية ل�سايك�س‪ -‬بيكو‪ -‬بلفور من دون االعرتاف بوجود‬ ‫مقاومة فعلية تت�صدى لهذا االنحطاط املدعوم من امل�ستعمر ومن قاعدته الع�سكرية‬ ‫�إ�سرائيل ومن ال�صهيونية العربية اللعينة‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪-‬بيكو‬

‫ان�سوا �سايك�س بيكو‬

‫معاهدة �سيفر هي التي ر�سمت ال�رشق الأو�سط احلديث‬

‫‪1‬‬

‫بقلم ”نيك دانفورث‪ -‬فورين بولي�سي”‪� 10 ،‬آب ‪2015‬‬

‫ترجمة ‪ /‬د‪ .‬حافظ الزين ‪ -‬كاتب م�ستقل‬

‫هذا املقال يلقي ال�ضوء على م�سائل تاريخية ق ّيمة‪ ،‬وعالقتها بال�صراعات اليوم يف امل�شرق‪،‬‬ ‫وخا�صة التمو�ضع الرتكي فيها‪.‬‬ ‫ال يتناول املقال نهائياً‪ ،‬الواقع التاريخي الآخر الذي ترافق مع معاهدة �سايفر‪ ،‬والذي متثّل يف‬ ‫�أمرين �أ�سا�سيني‪:‬‬ ‫‪ .1‬وعد بلفور واخلارطة التي �أرفقت مبعاهدة �سايفر عام ‪ ،1920‬والتي ُكتب عليها ”فل�سطني‬ ‫اليهودية”‪.‬‬ ‫‪ .2‬اقتطاع م�ساحات وا�سعة (حوايل ‪ 18,000‬كلم مربع) من �شمال �سوريا و�إحلاقها برتكيا‪.‬‬ ‫الأمر الآخر امل�شابه يف املحتوى‪ :‬الكيان ال�صهيوين اعتمد على التو�صيف العثماين للأرا�ضي‬ ‫”الأمريية” – �أي متتلكها الدولة – والذي �أبقى عليه االنتداب الربيطاين‪ ،‬ووهب مبوجبه‬ ‫�أرا�ضي للمنظمات ال�صهيونية لإن�شاء امل�ستوطنات والكيبوتزات‪ ،‬ثم ا�ستخدمته ال�سلطات‬ ‫الإ�سرائيلية بعد �إن�شاء الكيان‪ ،‬لال�ستيالء على م�ساحات وا�سعة من �أرا�ضي فل�سطني‪.‬‬ ‫اليوم‪ :‬تركيا تريد ا�ستعادة ارا�ضي ”الطابو الأمريي” العثماين يف املو�صل‪ ،‬حلب وغريهما‪،‬‬ ‫ك�أحد املربرات حلرية ن�شاطها وحراكها يف ال�شمال ال�سوري والعراقي‪.‬‬ ‫�إ�سرائيل وتركيا ”تنظمان خالفاتهما” يف الإعالم ‪ ...‬لكن يف احلقيقة‪ ،‬من الغباء االعتقاد‬ ‫�أنهما على خالف‪� ،‬أو �أنهما خمتلفتان يف جوهر عن�صريتهما‪ .‬اختالفهما الوحيد هو يف‬ ‫�سمى الديني فقط ال غري‪.‬‬ ‫املُ ّ‬ ‫قبل ‪ 95‬عاماً‪ ،‬اجتمع الديبلوما�سيون الأوروبيون يف م�صنع للبور�سالن يف ال�ضاحية الباري�سية‬ ‫‪ -1‬رابط املقال باللغة الإنكليزية‬

‫‪http://foreignpolicy.com/2015/08/10/sykes-picot-treaty-of-sevres-modern-turkey‬‬‫‪/middle-east-borders-turkey‬‬ ‫‪13‬‬


‫”�سايفر”‪ ،‬ووقّعوا معاهدة تر�سيم ال�شرق الأو�سط من رماد الإمرباطورية العثمانية‪ .‬هذه‬ ‫املعاهدة �سريعاً ما انهارت‪ ،‬وقليال ما يذكرها �أحد‪.‬‬ ‫يتم احلديث بكرثة عن اتفاق �سايك�س بيكو الذي حل مكانها‪ ...‬لكننا ال نزال نرى تبعات‬ ‫�سقوط �سايفر �إىل يومنا هذا‪ .‬نتناول هنا بع�ض هذه التبعات‪.‬‬ ‫يف ‪ ،1915‬كانت القوات الربيطانية تزحف �إىل ا�سطنبول عرب �شبه جزيرة غاليبويل‪ .‬باملنا�سبة‪،‬‬ ‫وزعت احلكومة يف لندن كميات من املحارم احلريرية‪� ،‬إعالناً بزوال الإمرباطورية العثمانية‪.‬‬ ‫لكن تبينّ �أن احلكومة الربيطانية ا�ستبقت الأمور قلي ًال‪� ،‬إذ �أن معركة غاليبويل كانت من‬ ‫املعارك القليلة التي ربحتها القوات العثمانية يف احلرب العاملية الأوىل‪.‬‬ ‫مع حلول العام ‪ ،1920‬كانت القوات الربيطانية حتتل العا�صمة العثمانية‪ ،‬وممثلو القوات‬ ‫املنت�صرة يوقّعون معاهدة مع احلكومة العثمانية املهزومة‪ّ ،‬ق�سمت ارا�ضي الإمرباطورية �إىل‬ ‫مناطق نفوذ اوروبية‪.‬‬ ‫معاهدة �سايفر جعلت ا�سطنبول والبو�سفور مناطق مد ّولة‪� ،‬أعطت �أجزا ًء من الأنا�ضول �إىل‬ ‫اليونان‪ ،‬الأكراد‪ ،‬الأرمن‪ ،‬الفرن�سيني‪ ،‬الربيطانيني‪ ،‬والإيطاليني‪ .‬لكن املعاهدة ف�شلت‪.‬‬ ‫معرفة �سبب ف�شل هذه املعاهدة يلقي ال�ضوء على حدود الدول يف يومنا هذا‪ ،‬و�أي�ضاً يو�ضح‬ ‫التناق�ضات التي يعي�شها الكورد اليوم‪ ،‬والتحديات التي تواجه تركيا احلديثة‪.‬‬ ‫خالل �سنة واحدة من توقيعها‪ ،‬بد�أ الأوروبيون يتخ ّوفون من �أنهم لن يتمكنوا من ال�سيطرة‬ ‫ب�سهولة على التق�سيمات التي �أق ّروها‪ .‬يف تركيا‪ ،‬جمموعة من ال�ضباط ال�شباب مثل م�صطفى‬ ‫كمال �أتاتورك‪� ،‬أعادوا جتميع �شراذم اجلي�ش العثماين‪ ،‬وبعد �سنوات من القتال امل�ستميت‪،‬‬ ‫متكنوا من طرد القوات الأجنبية التي كانت ت�سعى لتطبيق بنود املعاهدة‪.‬‬ ‫بالنتيجة‪ُ ،‬ولدت تركيا كما نعرفها اليوم وفق احلدود التي ن�صت عليها معاهدة لوزان يف العام‬ ‫‪.1923‬‬ ‫معاهدة �سايفر باتت من�سية يف الغرب‪ ،‬لكن �إرثها ينب�ض بقوة يف تركيا‪ ،‬حيث نفخت الروح‬ ‫يف نوع من اله�سترييا القومية‪� ،‬أ�سماها بع�ض الباحثني ”متالزمة �سايفر”‪.‬‬ ‫تلك املعاهدة ُت ّ‬ ‫ذكي احل�سا�سية الرتكية املفرطة جتاه احلركة الإنف�صالية الكردية‪ ،‬و ُتعطى‬ ‫كتف�س ٍري للمذابح الأرمنية‪ ،‬يف الوقت الذي يعطي الأوروبيون تلك املذابح ك�سبب �أ�سا�سي‬ ‫يف معاهدة �سايفر‪ ،‬وذلك تغطي ًة لل�سبب احلقيقي‪ :‬تفتيت تركيا‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫ترك ال�صراع الت�أ�سي�سي لرتكيا �ضد االحتالل الغربي �أثره يف نزعة قومية مرت�سخة معادية‬ ‫للإمربيالية‪ ،‬متمثلة ابتدا ًء بربيطانيا يف الدرجة الأوىل‪ ،‬ثم يف رو�سيا �أثناء احلرب الباردة‪،‬‬ ‫واليوم‪ُ ،‬تذكر الواليات املتحدة يف هذا الإطار‪.‬‬ ‫لكن �إرث �سايفر ميتد �أبعد من جمرد تركيا‪ ،‬ولهذا ال�سبب ينبغي احلديث عن تلك املعاهدة‬ ‫بالتالزم مع �سايك�س بيكو عند احلديث عن تاريخ ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫�إحلاحنا على هذا التالزم‪ ،‬يج ّنبنا خط�أ االعتقاد ب�أن الغرب ر�سم حدود دول املنطقة فوق‬ ‫م�ساحة بي�ضاء‪ ،‬بينما يف الواقع‪ ،‬ر�سمها فوق حدود م�سبقة كان قد ر�سمها يف معاهدة �سايفر‪.‬‬ ‫�شاهد على �أن الغرب ال يتمكن دائماً من ت�سيري الأمور‪ ،‬كما يحلو له وينا�سب‬ ‫معاهدة �سايفر ٌ‬ ‫م�صاحله‪ .‬خططهم لإعادة تف�صيل الأنا�ضول‪ ،‬متت هزميتها بالقوة‪.‬‬ ‫�أما يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬فقد جنح الأوروبيون يف فر�ض تر�سيمهم للحدود‪ ،‬لأنه توفرت لديهم‬ ‫القوة الع�سكرية لقمع القوى الوطنية التي قاومتهم‪.‬‬ ‫يو�سف العظمة‪ ،‬الذ ي كان �ضابطاً يف اجلي�ش العثماين من قبل‪ ،‬ا�ستن�سخ جتربة �أتاتورك‬ ‫الع�سكرية‪ ،‬ولو �أنه ّمتكن من هزمية الفرن�سيني يف معركة مي�سلون‪ ،‬لكانت خطط الغرب يف‬ ‫ال�شرق الأو�سط ت�ساقطت مثلما ح�صل مع �سايفر يف تركيا‪.‬‬ ‫لو كانت احلدود خمتلفة‪ ،‬هل كان ال�شرق الأو�سط �أكرث ا�ستقراراً‪ ،‬ورمبا �أقل تع ّر�ضاً للعنف‬ ‫االنف�صايل؟ لي�س بال�ضرورة‪.‬‬ ‫لكن نظرة �إىل تق�سيمات معاهدة �سايفر‪ ،‬تعطي فكرة عن النمط الفكري للأوروبيني عند‬ ‫�إقرارهم لها‪ ،‬وعالقة ذلك بانعدام اال�ستقرار يف ال�شرق الأو�سط‪ :‬احلدود التي فر�ضوها‪ ،‬هي‬ ‫التي كانت يف الأ�سا�س �ضعيفة وم�شتتة‪ ،‬مما يقلل من �إمكان مقاومة احتاللها اال�ستعماري‪.‬‬ ‫تركيا مل ت�صبح �أغنى و�أكرث دميقراطية من العراق و�سوريا‪ ،‬لأنها كانت حمظوظة يف احل�صول‬ ‫على احلدود املنا�سبة‪ .‬العوامل التي ّ‬ ‫مكنت تركيا من رف�ض املخطط الأوروبي ور�سم حدودها‬ ‫بنف�سها‪ ،‬هي نف�س العوامل التي �سمحت لها ببناء دولة قومية مركزية قوية بالنمط الأوروبي‪،‬‬ ‫ومن تلك العوامل كان اجلي�ش والبنية التحتية االقت�صادية التي ورثتها عن الإمرباطورية‬ ‫العثمانية‪.‬‬ ‫بالطبع‪� ،‬سرنى الكثري من القوميني الأكراد يعرت�ضون على خط احلدود الرتكية‪ .‬البع�ض يقول‬ ‫ب�أن عدم اعطاء الكورد دولتهم اخلا�صة‪ ،‬كان خط�أً مميتاً يف تر�سيم حدود ما بعد العثمانيني‪.‬‬ ‫لكن عندما �أراد الأوروبيون خلق دولة كردية وفق معاهدة �سايفر‪ ،‬الكثري من الكورد حارب‬ ‫‪15‬‬


‫مع �أتاتورك لإف�شال املعاهدة‪.‬‬ ‫كان ذلك تذكرياً ب�أن الوالءات ال�سيا�سية ميكن‪ ،‬وكثريا ما تتجاوز الهويات القومية ب�أ�شكال‬ ‫ال نتفهم جذورها �إال الحقاً‪.‬‬ ‫الدولة الكردية التي حلظتها �سايفر‪ ،‬كانت �ست�صبح حممية بريطانية‪ .‬مع �أن هذا الو�ضع كان‬ ‫مقبو ً‬ ‫ال لدى بع�ض القوميني الأكراد‪ ،‬لكن البع�ض الآخر مل يرق له هذا ”اال�ستقالل”‬ ‫املحكوم من بريطانيا ‪ ...‬وه�ؤالء ان�ضموا �إىل احلركة القومية الرتكية‪.‬‬ ‫ف�ض ًال‬ ‫يف الأو�ساط الكردية‪ ،‬خا�صة املتدينة منها‪ ،‬ا�ستمرار احلكم الرتكي �أو العثماين كان ُم ّ‬ ‫على ا�ستعما ٍر م�سيحي‪ .‬كما �أن جمموعات كردية �أخرى‪ ،‬ولأ�سباب عملية �أكرث منها دينية‪،‬‬ ‫تخ ّوفت من �أن احلكم الربيطاين �سينتهي به الأمر �إىل �إعادة الأرمن الذين ُ�س ِلبت �أمالكهم‬ ‫و�أرزاقهم �إىل املنطقة‪.‬‬ ‫الكثري من الكورد ندم على موقفه الحقاً‪ ،‬بعدما تبني لهم �أن الدولة التي حاربوا لإقامتها‪،‬‬ ‫�ستكون ترك ّية – ولي�س دينية – �أكرث مما ي�ست�سيغون‪ .‬والباقون اختاروا‪ ،‬وبدرجات خمتلفة‬ ‫من ال�ضغوط‪� ،‬أن يتقبلوا الدولة اجلديدة التي انت�سبوا لها‪.‬‬ ‫والكثري من القوميني الأتراك ال يزالون ناقمني على الطريقة التي د ّمرت فيها معاهدة �سايفر‬ ‫بالدهم‪ .‬كما هناك الكثري من القوميني الكورد ال يزالون يتخيلون الدولة التي كانوا ح�صلوا‬ ‫عليها لو ُط ّبقت املعاهدة‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬متتدح احلكومة الرتكية حما�سن التعاي�ش العثماين والتعددية الثقافية والرتاثية‪ ،‬يف‬ ‫حني يبدو �أن الزعيم الكردي الإنف�صايل عبد اهلل �أوجالن‪ ،‬رمبا بعد �أن قر�أ يف �سجنه كتابات‬ ‫عامل االجتماع ”بينيدكت �أندر�سون”‪ ،‬يقول �إنه اكت�شف �أن كل الدول لي�ست �سوى‬ ‫ت�شكيالت جمتمعية ولي�س قومية‪.‬‬ ‫حزب العدالة والتنمية احلاكم‪ ،‬وحزب ال�شعوب الدميقراطي (الكوردي)‪� ،‬أم�ضيا معظم‬ ‫العقد املا�ضي يتناف�سان على �إقناع الناخبني الكورد‪ ،‬ب�أن الت�صويت لهم هو الت�صويت خليار‬ ‫ال�سالم‪ .‬هما يتناف�سان على �أي منهما اقدر على حلحلة جذور ال�صراع امل�ستحكم منذ زمن‬ ‫طويل عرب تكوين دولة تركية �أكرث ا�ستقراراً و�شمو ًال‪.‬‬ ‫يتندر فيه الأمريكيون باحلدود امل�صطنعة التي و�ضعها الأوروبيون‬ ‫باخت�صار‪ ،‬يف الوقت الذي ّ‬ ‫لدول ال�شرق الأو�سط‪ ،‬تقفز تركيا فوق قرن كامل من التاريخ لتت�صرف وك�أن هواج�سها‬ ‫القومية‪ ،‬هي حقيقة دامغة‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫العنف املتجدد يف تركيا يف الأ�سابيع القليلة املا�ضية‪ ،‬يهدد هذه العوامل اله�شة التي ُبني‬ ‫عليها التوافق الذي يتخطى القوميات‪.‬‬ ‫حزب العدالة والتنمية يدعو �إىل اعتقال القادة ال�سيا�سيني الكورد‪ ،‬يف حني �أن املحاربني‬ ‫الكورد ير ّدون بقتل رجال ال�شرطة‪ .‬وهكذا‪ ،‬يرتد �أ�صحاب الفكر القومي على اجلانبني �إىل‬ ‫مواقع م�ألوفة ال مكان لل�صلح فيها‪.‬‬ ‫لـ‪� 95‬سنة‪ ،‬تن ّعمت تركيا بالفوائد ال�سيا�سية واالقت�صادية النت�صارها على معاهدة �سايفر‪ .‬لكن‬ ‫ا�ستمرارية هذا النجاح الآن‪ ،‬يتطلب تبنّي نظام �سيا�سي �أكرث مرونة‪ .‬نظامٌ يعترب �أن االحرتاب‬ ‫لأجل احلدود او الهوية القومية‪ ،‬غالباً ما يكون غري ذي جدوى‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫دار نل�سن‬

‫هاتف ‪01/739196:‬‬ ‫الربيد الإلكرتوين ‪darnelson@hotmail.com:‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪-‬بيكو‬

‫ر�ؤية فل�سفية حول قيام جمل�س تعاون م�رشقي‬ ‫د‪ .‬مازن �أبو دية ‪ -‬باحث يف الفل�سفة‬

‫�شهد العامل العربي عموماً وامل�شرق العربي خ�صو�صاً‪ ،‬انق�سامات حادة بفعل عوامل داخلية‬ ‫وخارجية عدة‪ ،‬جعلت منه دويالت متخا�صمة يف �أحيان كثرية‪ .‬وذلك يعود ب�شكل كبري رمبا‪،‬‬ ‫�إىل تغلغل التفكري القبلي اجلاهلي الذي مل ت�ستطع الدولة العربية الإ�سالمية‪ ،‬يف مراحل‬ ‫تقدمها العلمي والثقايف من نزعه من النفو�س كل ّياً‪ .‬هذا بالإ�ضافة �إىل العوامل االقت�صادية‬ ‫التي متثلت بال�صراعات على الرثوات‪ ،‬وذلك من خالل حتكم عقل الغنيمة بالفكر ال�سيا�سي‬ ‫العربي �إىل جانب عقل القبيلة (‪.)1‬‬ ‫نتيجة لهذه العوامل ح�صل تراجع فكري وعلمي كبري يف احل�ضارة العربية وامل�شرقية بعد �أن‬ ‫كانت منارة العامل‪ ،‬وكانت مهد الفكر ومهد الفل�سفة‪ ،‬مهد الأبجدية التي �صدرت للعامل‪،‬‬ ‫وبد�أت مع اكت�شافها مرحلة كتابة تاريخ احل�ضارة الإن�سانية‪.‬‬ ‫يف املقابل ح�صل تطور علمي يف �أوروبا �إثر اكت�شاف الطاقة ودخول الآلة �إىل امل�صانع‪� ،‬أ ّدى �إىل‬ ‫ح�صول حتوالت جذرية متثلت يف ن�شوء �إمرباطوريات ا�ستعمارية جديدة وحتول العامل العربي‬ ‫�إىل تابع اقت�صادياً وثقافياً وبالتايل �سيا�سياً للدول الغربية‪.‬‬ ‫لقد بد�أت الدول الأوروبية والغربية بالعمل على تفتيت الوطن العربي‪ ،‬ومواجهة الوحدة‬ ‫العربية وتعطيلها لأنها ُت�ض ّر مب�صاحلها اال�ستعمارية‪ .‬وذلك من خالل ت�شجيع التقاتل الداخلي‪،‬‬ ‫وزرع الكيان ال�صهيوين الغا�صب‪ ،‬وال�سيطرة الع�سكرية ومن ثم التحكم ال�سيا�سي بالعامل‬ ‫العربي(‪.)2‬‬ ‫‪ 1‬ـ �أنظر‪ ،‬اجلابري‪ ،‬حممد عابد‪ ،‬العقل ال�سيا�سي العربي‪ ،‬الطبعة اخلام�سة‪ ،‬بريوت‪ ،‬مركز درا�سات الوحدة العربية‪،‬‬ ‫‪� ،2005‬ص‪ 92 .‬ـ ‪.93‬‬ ‫‪ 2‬ـ �أنظر‪� ،‬ضاهر‪ ،‬م�سعود‪ ،‬الدولة واملجتمع يف امل�شرق العربي ‪ 1840‬ـ ‪ ،1990‬ال ط‪ ،.‬بريوت‪ ،‬دار الآداب‪،‬‬ ‫‪� ،1991‬ص‪.5 .‬‬ ‫‪19‬‬


‫ي�ستمر امل�شروع اال�ستعماري الغربي بتنفيذ خمططه التق�سيمي للمنطقة‪ ،‬وخري دليل على‬ ‫ذلك الغزو الأمريكي للعراق عام ‪ 2003‬بحجة حماربة النظام البعثي اال�ستبدادي‪ ،‬وتخلي�ص‬ ‫ال�شعب العراقي املقهور من نري الطغيان‪.‬‬ ‫هذا يف الظاهر �أما ما ي�ضمره الباطن الأمريكي فمختلف‪ ،‬يعرب عن �أطماع بالرثوة النفطية‬ ‫وغريها من الرثوات‪ .‬ونية تخلي�ص ال�شعب العراقي من اال�ضطهاد والطغيان ما هي �إال نية‬ ‫فيها خمادعة؛ فلم يجلب الغزو الأمريكي اال�ستقرار والأمن‪ ،‬و�إمنا جلب التفجريات وقتل‬ ‫الأبرياء و�أ ّمن غطا ًء للمجموعات التكفريية الظالمية لتعيث يف البالد ف�ساداً و�شراً‪.‬‬ ‫مل يقت�صر الأمر على العراق و�إمنا انطلق �إىل مناطق م�شرقية �أخرى‪ ،‬وخ�صو�صاً �سوريا التي‬ ‫ت�شهد اقتتا ًال مد ّمراً با�سم الدين الذي ال ميكن �أن يكون مع قتل النا�س و�إرهابهم‪ ،‬و�إال‬ ‫تعار�ض مع وظيفته الأ�سا�س وهي الإ�صالح ون�شر ال�سالم‪.‬‬ ‫�أمام كل هذه الأحداث والتحوالت التي ي�شهدها م�شرقنا العربي‪ ،‬ت�أتي فكرة �إن�شاء جمل�س‬ ‫تعاون م�شرقي‪ ،‬فما هي طبيعة التعاون امل�شرقي وما هي �أهميته وت�أثريه على دول امل�شرق‬ ‫العربي؟ وهل هو جمرد تقليد ملجل�س التعاون اخلليجي؟ �أم �أنه جمل�س يتم �إن�شا�ؤه ليكون‬ ‫�أكرث فاعلية يف الدور والأداء؟‬ ‫�أوالًـ يف فل�سفة التعاون‪:‬‬

‫�أفردت الفل�سفات القدمية مباحث عدة يف الفل�سفة االجتماعية متحدثة عن �أهمية التعاون يف حياة‬ ‫اجلماعات‪ ،‬كما عند الفارابي يف كتابه (�آراء �أهل املدينة الفا�ضلة) وابن خلدون يف كتاب (املقدمة)‪.‬‬ ‫ر�أى الفارابي �أن الإن�سان حمتاج �إىل االجتماع والتعاون‪ ،‬وذلك يف �سبيل القيام ب�ش�ؤونه كافة‬ ‫التي يحتاج �إليها وال ميكن له اال�ستغناء عنها؛ وهو مبفرده ال ي�ستطيع �أن يقوم ب�ش�ؤونه كلها‬ ‫لعجزه عن ذلك(‪ .)1‬وهذا ابن خلدون يقرر �ضرورة االجتماع الإن�ساين‪ ،‬معترباً �أن الإن�سان‬ ‫‪ - 1‬يقول الفارابي يف ذلك‪« :‬وكل واحد من النا�س مفطور على �أنه حمتاج يف قوامه ويف �أن يبلغ �أف�ضل كماالته‪� ،‬إىل‬ ‫�أ�شياء كثرية ال ميكنه �أن يقوم بها كلها وحده‪ ،‬بل يحتاج �إىل قوم يقوم له كل واحد منهم ب�شيء مما يحتاج �إليه‪.‬‬ ‫وكل واحد من كل واحد بهذه احلال‪ .‬فلذلك ال ميكن �أن يكون الإن�سان ينال الكمال الذي لأجله جعلت‬ ‫الفطرة الطبيعية‪� ،‬إال باجتماع جماعات كثرية متعاونني‪ ،‬يقوم كل واحد لكل واحد ببع�ض ما يحتاج �إليه يف‬ ‫قوامه»‪� .‬أنظر‪� ،‬آراء �أهل املدينة الفا�ضلة‪ ،‬الطبعة ال�سابعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار امل�شرق‪� ،1996 ،‬ص‪.117 .‬‬ ‫‪20‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫ين بالطبع‪ ،‬حمدداً �ضرورة االجتماع الإن�ساين ب�أمرين �أ�سا�سيني يف حياة الإن�سان‪ :‬الأول‬ ‫مد ّ‬ ‫يح�صله‬ ‫ت�أمني الغذاء‪� ،‬إذ به قوام حياة الإن�سان‪ ،‬وبدونه ال ي�ستطيع �أن يعي�ش‪ .‬وهو ال ميكن �أن ّ‬ ‫بقدرته وحده؛ �إذ «�أن قدرة الواحد من الب�شر قا�صرة عن حت�صيل حاجته من ذلك الغذاء‬ ‫غري موفية له مبادة حياته منه‪ ،‬ولو فر�ضنا منه �أقل ما ميكن فر�ضه‪ ،‬وهو قوت يوم واحد من‬ ‫احلنطة مث ًال‪ ،‬فال يح�صل �إال بعالج كثري من الطحن والعجن والطبخ‪ ،‬وكل واحد من هذه‬ ‫الأعمال الثالثة يحتاج �إىل مواعني و�آالت ال تتم �إال ب�صناعات متعددة من حداد وجنار‬ ‫وفاخوري‪ )1(»...‬فال ّبد �إذن‪ ،‬من �أن جتتمع قدرة النا�س لأجل ت�أمني الغذاء اليومي للفرد‪.‬‬ ‫الأمر الثاين الذي يدعو لالجتماع الإن�ساين هو التعاون لأجل الدفاع عن النف�س‪ ،‬ولكن‬ ‫مبواجهة َم ْن؟ مبواجهة احليوانات العجم �أي املتوح�شة؛ «لأن اهلل �سبحانه ملّا ّركب الطباع يف‬ ‫احليوانات كلها‪ ،‬وق�سم القدر بينها جعل حظوظ كثري من احليوانات العجم من القدرة �أكمل‬ ‫من حظ الإن�سان‪ .‬فقدرة الفر�س �أعظم بكثري من قدرة الإن�سان‪ ...‬وقدرة الأ�سد والفيل‬ ‫�أ�ضعاف من قدرته»(‪.)2‬‬ ‫من هنا‪ ،‬ميكننا تبني مبد�أَي ابن خلدون على اعتبارهما ثابتني‪ ،‬ينطبقان على واقعنا؛ �إذ‬ ‫�إن الغذاء والأمن هما احلاجة الأوىل واملا�سة للمجتمعات العاملية عموماً والعربية وامل�شرقية‬ ‫خ�صو�صاً‪ ،‬هذه احلاجة التي تعلو على كل حاجة �أخرى وتتقدم عليها‪.‬‬ ‫وميكننا �أن نزعم كما ي�شري الواقع �أي�ضاً‪� ،‬أن احلروب والغزوات املعا�صرة ما هي �إال للح�صول‬ ‫على الرثوات‪ ،‬وال�سيطرة على مقدرات البالد التي يغزوها الغازي‪ .‬كما �أن جوهر ال�صراع‬ ‫العربي ـــ ال�صهيوين لي�س فقط ا�سرتداد الأر�ض وحماية املقد�سات‪ ،‬و�إمنا هناك خلفية‬ ‫اقت�صادية متمثلة ب�أطماع العدو ونيته ال�سيطرة على الرثوة املائية التي تعترب �أهم بكثري من‬ ‫الرثوة النفطية‪ .‬و�إن اال�ستيالء على الرثوة املائية يف امل�شرق العربي من الأهداف الدائمة‪،‬‬ ‫والقدمية املتجددة للعدو ال�صهيوين من مياه نهر الليطاين اللبناين التي حتقق للعدو مزايا‬ ‫�إ�سرتاتيجية تتمثل بالف�صل بني لبنان و�سوريا‪ ،‬ومزايا �سيا�سية تتمثل بال�ضغط على اجلمهورية‬ ‫اللبنانية للدخول يف املفاو�ضات‪ ،‬ومزايا اقت�صادية تتمثل بتو�سعة نطاق الأرا�ضي الزراعية يف‬ ‫�شمال فل�سطني املحتلة والتي تفتقر ن�سبياً �إىل املياه؛ ومياه نهر الأردن‪ ،‬و�صو ًال �إىل الفرات‪،‬‬ ‫وذلك ل�ضمان قيامة �إ�سرائيل الكربى من النيل �إىل الفرات‪ ،‬ذلك ال�شعار احلقيقي الذي ال‬ ‫‪� - 1‬إبن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬مكتبة لبنان‪� ،1990 ،‬ص‪.42 .‬‬ ‫‪� - 2‬إبن خلدون‪ ،‬املقدمة‪� ،‬ص‪.42 .‬‬ ‫‪21‬‬


‫ميكن لل�صهاينة التخلي عنه حتت �أي ثمن(‪.)1‬‬ ‫�أما بالن�سبة للمبد�أ الثاين الذي ق ّرره ابن خلدون‪ ،‬وهو التعاون لتحقيق الأمن‪ ،‬فهو �صحيح‬ ‫يف وقتنا الراهن؛ �إال �أنه لي�س ملواجهة احليوانات العجم‪ ،‬بل هو �ضروري ملواجهة العجم من‬ ‫الب�شر‪ ،‬الذين هم �أ�شد خطراً من احليوانات املتوح�شة‪ .‬هذه الفئة املتمثلة ب�أمريكا و�إ�سرائيل‬ ‫اللتني حتمالن م�شروع تفتيت املنطقة العربية عامة وامل�شرقية خا�صة‪ ،‬ل�ضمان �أمن �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫وبقائها الدولة الأقوى بني دويالت متناحرة‪ .‬كما تتمثل هذه الفئة بكل من يخدم امل�شروع‬ ‫الأمريكي الإ�سرائيلي بعلم �أم بغري علم‪ ،‬و�سواء كان من العرب وامل�شرقيني �أم كان من غريهم‪.‬‬ ‫وكلما تو�سعت دائرة اجلماعة‬ ‫�إن التعاون مبد�أ �ضروري بني الأفراد وحتى بني اجلماعات‪ّ ،‬‬ ‫كانت �أكرث قوة ومنعة‪ ،‬و�أكرث قدرة على مواجهة املخاطر املحدقة بها من �أعدائها املرتب�صني‬ ‫بها �ش ّراً‪.‬‬ ‫ثانياًـ يف فكرة التعاون امل�رشقي‪:‬‬

‫ت�أتي فكرة التعاون بني دول امل�شرق العربي يف فرتة حرجة من تاريخ العامل العربي كله‪،‬‬ ‫فرتة تتك�شّ ف فيها املخططات الغربية الرامية �إىل تق�سيم املنطقة وتفتيتها �إىل �أكرب عدد من‬ ‫اجلماعات الإثنية والطائفية املتناحرة فيما بينها من العراق �إىل �سوريا‪� ،‬إىل م�صر وغريها من‬ ‫الدول العربية‪ .‬وقد جت ّلت بوادر هذه املخططات التق�سيمية يف ا�ستغالل‪� ،‬إن مل يكن حتريك‬ ‫�سمى بثورات الربيع العربي‪ ،‬والتي هي يف واقعها بعيدة ن�سب ّياً عن مفهوم الثورة‪ ،‬لأن هذا‬ ‫ما ُي ّ‬ ‫املفهوم يعني تغيرياً �أ�سا�سياً يف الأو�ضاع ال�سيا�سية واالجتماعية يقوم به �شعب ما يف دولة‬ ‫حمددة(‪ .)2‬والتغيري الأ�سا�سي وال�شامل يتط ّلب م�شروعاً متكام ًال‪ ،‬ي�ستند �إىل خطة وا�ضحة‪،‬‬ ‫ويحمل �أهدافاً وا�ضحة‪ ،‬يجري العمل على �أ�سا�سها لتحقيق البديل ال�سيا�سي واالجتماعي‪،‬‬ ‫ال �أن حت�صل انتفا�ضة قبل البحث عن البدائل الأف�ضل والأمثل‪ .‬فاجلماعات الإ�سالمية‬ ‫التي ا�ستلمت احلكم حديثاً‪ ،‬حتمل فكرة �إقامة حكم �إ�سالمي‪ ،‬من دون �أن نلحظ لديها �آليات‬ ‫هذا احلكم‪ ،‬ومن دون �أن نرى نظاماً بنيوياً للحكم‪ ،‬يت�ضمن عنا�صر وا�ضحة قابلة للتوا�ؤم مع‬ ‫احلالة املجتمعية الراهنة‪.‬‬ ‫‪ - 1‬راجع حول ال�صراع على الرثوة املائية‪� ،‬سيد �أحمد‪ ،‬رفعت‪ ،‬ال�صراع املائي بني العرب و�إ�سرائيل‪ ،‬الطبعة الأوىل‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬دار الهدى للن�شر‪� ،1993 ،‬ص‪�.‬ص‪ 55 .‬ــــ ‪.56‬‬ ‫‪� - 2‬أنظر‪ ،‬املعجم الو�سيط‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫ت�أتي فكرة التعاون امل�شرقي يف ظل واقع الت�شرذم واالنقالبات والتحوالت التي تطال املنطقة‬ ‫ب�أكملها‪ ،‬لتكون وم�ضة يف زمن يحاول فيه كرث حتويل ما تبقى من نور �إىل ظلمة دام�سة‪.‬‬ ‫�إن التعاون امل�شرقي املقرتح يحمل �أبعاداً عدة‪ ،‬اجتماعية و�أمنية و�سيا�سية واقت�صادية وتربوية‪،‬‬ ‫وهو ميكنه �إذا ما حتقق �أن يعود بالنفع على دول امل�شرق العربي‪ ،‬ال بل حتى على الدول‬ ‫العربية الأخرى‪ ،‬وذلك على خمتلف الأ�صعدة االقت�صادية واالجتماعية‪.‬‬ ‫�إن ما يحفّز على �إقامة جمل�س تعاون م�شرقي‪ ،‬كون البيئة املجتمعية يف كل دولة من دوله‬ ‫مت�شابهة يف كثري من عنا�صرها وخ�صائ�صها مع بيئات الدول الأخرى‪ ،‬والهموم املجتمعية‬ ‫ٌ‬ ‫م�شرتك؛ فالأخطار املحدقة بها‬ ‫لدى �أفرادها تكاد تكون مت�شابهة‪ ،‬والأهم �أن امل�صري بينها‬ ‫واحدة ال ت�ستثني �أياً منها‪ ،‬وذلك لأن عد ّوها واحد وهو العدو ال�صهيوين الذي ّ‬ ‫ي�شكل‬ ‫خطراً دائماً عليها جميعاً‪ .‬و�إذا كان م�صري هذه الدول واحداً‪ ،‬فباحلري �أن يكون م�سارها‬ ‫واحداً‪.‬‬ ‫و�أطماع العدو ال�صهيوين ـ على ما ذكرنا �سابقاً ـ كثرية و�أهمها الأر�ض امل�شرقية؛ فقد كانت‬ ‫الأر�ض ال�سورية ّ‬ ‫حمط �أنظار اليهود امل�ستوطنني منذ زمن هرتزل‪ ،‬على اعتبارها مكاناً ممكناً‬ ‫أرا�ض خ�صبة فيها �صاحلة للزراعة كما يف منطقة اجلزيرة‪،‬‬ ‫ال�ستقبال املهاجرين الرو�س‪ ،‬ولوجود � ٍ‬ ‫�إذ عر�ض املندوب ال�سامي الفرن�سي “دو جوفينيل” على “حاييم ويزمن” �سفر اليهود‬ ‫املهاجرين �إىل منطقة اجلزيرة لكونها من �أخ�صب الأرا�ضي الزراعية‪ ،‬كما كانت الأرا�ضي‬ ‫العراقية ّ‬ ‫حمط �أطماع ال�صهاينة �أي�ضاً لوجود نهر الفرات فيها(‪� ،)1‬إ�ضافة �إىل الأر�ض اللبنانية‪.‬‬ ‫�إن التعاون امل�شرقي �ضرورة ما�سة للدول امل�شرقية‪ ،‬وذلك يف مواجهة العدو ال�صهيوين الذي‬ ‫تتعاون معظم دول العامل حلمايته‪ ،‬وتثبيت كيانه على �أر�ض غري �أر�ضه‪.‬‬ ‫من املهم القول‪� :‬إن فكرة التعاون امل�شرقي �إذا ما �أتيح لها التحقق‪ ،‬فلن ت�ؤثر على ا�ستقاللية‬ ‫�أي دولة م�شرقية‪ ،‬بل على العك�س فهي �ستد ّعم هذه اال�ستقاللية وتر�سخها‪ ،‬لأن الدول‬ ‫املن�ضوية حتت هذا الإطار ال�سيا�سي واالجتماعي اجلديد �ستكون �أقوى مما لو كانت منفردة‪،‬‬ ‫تواجه الأخطار مبفردها‪ .‬كما �أنه من نافل القول‪� :‬إذا كانت الأمة امل�شرقية واحدة لناحية‬ ‫حاجاتها‪ ،‬وهمومها‪ ،‬وم�شاكلها‪ ،‬و�أهدافها اال�سرتاتيجية‪ ،‬فال يعود للحدود يف ما بينها معنى‪.‬‬ ‫‪� - 1‬أنظر‪ ،‬ذنون العبا�سي‪ ،‬ريان‪ ،‬الأطماع الإ�سرائيلية يف البالد العربية‪ ،‬جملة دنيا الر�أي الإلكرتونية‪.2009 /11 /18 ،‬‬ ‫‪23‬‬


‫ثالثاًـ يف �آليات جمل�س التعاون امل�رشقي‪:‬‬

‫�إن فكرة �إن�شاء جمل�س تعاون لي�ست جديدة‪ ،‬فهناك جمال�س تعاون (عدة) على �صعيد العامل‬ ‫العربي والعامل‪ ،‬كما �أن هناك احتادات عديدة بني دول �أجنبية‪ � ،‬اّإل �أن فكرة جمل�س تعاون‬ ‫م�شرقية فكرة جديدة‪ ،‬ومبا هي كذلك‪ ،‬يجب �أن حتمل يف عمقها جديداً ال تقليداً لأفكار‬ ‫�سابقة جم ّربة‪.‬‬ ‫�إذا �أخذنا عاملنا العربي جند فيه جمل�ساً حمققاً‪ ،‬وهو جمل�س التعاون اخلليجي املن�ش�أ منذ‬ ‫ثمانينيات القرن املا�ضي‪ ،‬وله ن�شاطاته اخلليجية والعربية والدولية‪ ،‬و�أدواره التي اتخذها‬ ‫لنف�سه‪ ،‬ومت ّيز بها عن الآخرين‪ .‬ومن هنا ُيطرح ال�س�ؤال نف�سه‪ ،‬وهو هل فكرة التعاون امل�شرقي‬ ‫م�شابهة ملجل�س التعاون اخلليجي؟ وهل الأدوار �ستكون ذاتها؟ والأهداف واالجتاهات ذاتها؟‬ ‫ال �إ�شكال يف �أن تت�شابه بع�ض �أهداف جمل�س التعاون امل�شرقي‪ ،‬والتي ت�أتي �إطاراً عاماً‪ ،‬مع‬ ‫�أهداف جمل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫ـ حتقيق التن�سيق والتعاون والتكامل بني دوله بغية الو�صول �إىل الوحدة بينها‪.‬‬ ‫ـ و�ضع �أنظمة مت�شابهة يف الدول املنتمية �إليه على خمتلف الأ�صعدة ومنها‪ :‬االقت�صادية‬ ‫(‪)1‬‬ ‫واملالية‪ ،‬التعليمية والثقافية‪ ،‬ال�صحية واالجتماعية‪ ،‬الت�شريعية والإدارية‪...‬‬ ‫�إن الأمور ال�سالفة الذكر �ضرورية لنجاح مهمة جمل�س التعاون امل�شرقي؛ �إذ من ال�ضروري‬ ‫�أن تكون هناك �سيا�سات اقت�صادية واحدة يف دول جمل�س التعاون‪ ،‬و�أن يكون التعاون‬ ‫االقت�صادي متكام ًال‪ ،‬ب�شكل ي�ؤدي �إىل قيام اقت�صاد م�شرقي قوي ومتما�سك‪ ،‬قادر على‬ ‫مواجهة التقلبات االقت�صادية العاملية التي ال ت�ستطيع �أن تواجهها �إال دول ذات اقت�صاديات‬ ‫تربوي واحد‪ ،‬يعتمد على مبد�أ �إ�صالح التعليم‪،‬‬ ‫قوية‪ .‬كما �أنه من املهم �أن يكون هناك نظام ّ‬ ‫الذي ينبغي �أن ي�سبق �أي عملية �إ�صالح �أخرى �سيا�سية �أو اجتماعية‪ .‬وهذا الإ�صالح هو‬ ‫من � ّ‬ ‫أجل الأمور و�أ�صعبها‪ ،‬كما يعبرّ الفيل�سوف الأملاين كنط عن ذلك بقوله‪« :‬ثمة اكت�شافان‬ ‫�إن�سان ّيان ميكن اعتبارهما �أ�صعب االكت�شافات‪ ،‬فن �سيا�سة النا�س وفن تربيتهم»‪ .‬ولذلك �أفرد‬ ‫الفيل�سوف الإغريقي �أفالطون يف فل�سفته ال�سيا�سية �ضمن كتاب اجلمهورية‪ ،‬ف�صو ًال مهمة يف‬ ‫الرتبية والتعليم‪ ،‬ويف الإ�صالح الرتبوي‪ .‬ويف معر�ض حديثه عن احلكم‪ ،‬يتحدث �أفالطون‬ ‫‪ - 1‬راجع النظام الأ�سا�سي ملجل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬موقع املجل�س الإلكرتوين‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫عن عملية تربوية متكاملة‪ ،‬يح�صل التدرج فيها للو�صول �إىل احلكم الذي يكون على ر�أ�سه‬ ‫الفال�سفة(‪ .)1‬ف�إ�صالح الرتبية �إذن‪� ،‬إ�صالح للأجيال‪ ،‬وبالتايل �إ�صالح وحت�صني للأوطان‪ .‬كما‬ ‫�أنه من اجليد ال بل من ال�ضروري �أن يكون هناك تعاون �صحي ا�ست�شفائي بني دول جمل�س‬ ‫التعاون امل�شرقي‪ ،‬ي�ؤدي �إىل زيادة م�ستوى اخلدمات اال�ست�شفائية املقدمة للمواطن امل�شرقي‪،‬‬ ‫وذلك من خالل تناقل املعارف واخلربات اجلديدة بني دول املجل�س‪.‬‬ ‫تت�شابه بع�ض الأهداف �إذن‪ ،‬بني جمل�س التعاون امل�شرقي وما �سبقه من جمال�س كمجل�س‬ ‫التعاون اخلليجي‪� ،‬إال �أنه ال ينبغي �أن يكون جمل�س التعاون امل�شرقي ن�سخة مطابقة لغريه من‬ ‫املجال�س‪ ،‬بل ينبغي �أن تكون له ب�صمته اخلا�صة‪ ،‬و�سيا�سته التي تكون م�شرقة يف �صفحات‬ ‫تاريخ الأمة‪.‬‬ ‫ينبغي �أن يكون جمل�س التعاون امل�شرقي يف املقام الأول يف الدفاع عن م�صالح الأمة امل�شرقية‬ ‫والعربية‪ ،‬و�أن يكون دوره الدور الأكرب يف ذلك‪ ،‬و�إال ما نفع �إن�شاء جمل�س تعاون �إن بقيت‬ ‫دول املجل�س غري قادرة على مواجهة التهديدات الإرهابية املت�أ�سلمة والأطماع ال�صهيونية؟‬ ‫�إن قيام جمل�س تعاون م�شرقي يعني تراكم قوى يف مواجهة قوة �صهيونية‪ ،‬ت�صب يف خدمتها‬ ‫معظم قوى العامل يف �أوروبا و�أمريكا‪ .‬وهنا يطرح �س�ؤال مهم كيف ميكن �أن ين�ش�أ جمل�س تعاون‬ ‫م�شرقي ويف خا�صرته دخيل حمتل بعيد عن تاريخ امل�شرق العربي و�أ�صالته؟ كيف ميكن‬ ‫ملجل�س التعاون �أن يكون حم�صناً والعدو من داخله؟‬ ‫�إن �أبرز هدف ينبغي �أن يو�ضع �أمام ت�أ�سي�س جمل�س تعاون م�شرقي هو �إزالة الورم اخلبيث من‬ ‫اجل�سم امل�شرقي‪ .‬وبتحقيق هذا الهدف يكون جمل�س التعاون امل�شرقي قد حقق ذاته‪ ،‬و�أثبت‬ ‫�أنه لي�س جمرد جمل�س �شكلي و�صوري‪ ،‬بل هو جمل�س منبثق من الأمة يعبرّ عن تطلعاتها‪،‬‬ ‫ويعمل على حتقيق م�صاحلها و�أهدافها‪ .‬وخ�صو�صاً �أن هذا الهدف يغيب عن جمال�س تعاون‬ ‫�أخرى كمجل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬وهذا ما برز مدى �أعوام من م�سرية جمل�س التعاون‬ ‫اخلليجي‪ ،‬الوا�ضح للعيان ابتعاده عن جوهر ال�صراع مع العدو ال�صهيوين‪ ،‬و�آخر جتليات هذا‬ ‫الأمر اتخاذ جمل�س التعاون �إجراءات بحق لبنانيني يزعمون �أنهم منت�سبون للمقاومة‪ ،‬وذلك‬ ‫بهدف ردع املقاومة يف لبنان بحجة م�شاركتها يف الأزمة ال�سورية �إىل جانب النظام(‪ .)2‬ثم �إن‬ ‫‪ - 1‬راجع‪� ،‬أفالطون‪ ،‬اجلمهورية‪ ،‬ترجمة نظلة احلكيم وحممد مظهر �سعيد‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة املعارف‪.‬‬ ‫‪ - 2‬راجع‪ ،‬جريدة ال�سفري‪ ،‬عدد ‪.2013 /8 /11‬‬ ‫‪25‬‬


‫العالقات مع الكيان ال�صهيوين �أ�صبحت وا�ضحة للعيان‪ ،‬واملكاتب التجارية واالقت�صادية‬ ‫موجودة بني الطرفني منذ مدة‪.‬‬ ‫ت�صب يف خدمة الأمة امل�شرقية‪ ،‬و�إثبات وجودها �أمة‬ ‫�إن فكرة جمل�س تعاون م�شرقي فكرة ّ‬ ‫فاعلة بني الأمم‪ ،‬ولكي تتحقق هذه الفكرة وت�صبح �أهدافها ناجزة‪ ،‬على الأمة امل�شرقية �أن‬ ‫ت�صل �إىل �أعلى درجات الوعي بذاتها‪ ،‬ليكون لها تاريخها النا�صع امل�شرق‪ ،‬الذي كما يرى‬ ‫الفيل�سوف الأملاين هيغل «هو م�سار تكافح فيه الروح لكي ت�صل �إىل وعي بذاتها‪ ...‬لكي‬ ‫تكون حرة‪ ،‬ومن هنا لي�س هو �إال تقدم الوعي باحلرية‪ ،‬وكل مرحلة من مراحل �سريه متثل‬ ‫درجة معينة من درجات احلرية»(‪.)1‬‬ ‫احلرية هي احلقيقة الوحيدة للروح‪ ،‬وهي جوهرها بح�سب هيغل الذي ر�أى �أن ال�شرقيني «مل‬ ‫يتو�صلوا �إىل معرفة �أن الروح‪� ،‬أو الإن�سان مبا هو �إن�سان‪ ،‬حر‪ ،‬ونظراً �إىل �أنهم مل يعرفوا ذلك‬ ‫ّ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ف�إنهم مل يكونوا �أحراراً‪ .‬وكل ما عرفوه هو �أن �شخ�صاً معيناً حر ‪.‬‬ ‫لو �أن هيغل بيننا اليوم‪ ،‬لر�أى �أن يف امل�شرقيني �أحراراً وهم كرث على امتداد تاريخ امل�شرق‬ ‫احلديث؛ ففي امل�شرق �أبطال ق�ضى منهم الكثري من ال�شهداء ا�ستطاعوا تخلي�ص الأمة من‬ ‫نري العثمانيني‪ ،‬كما ّمتكن �أبطال ال�شرق من دحر الفرن�سيني عن بالدنا‪ ،‬و�أخرياً ولي�س �آخراً‬ ‫ا�ستطاع الأبطال امل�شرق ّيون دحر االحتالل ال�صهيوين عن جزء كبري من بالدنا‪ ،‬وما زالوا‬ ‫يكبدون هذا العدو الهزمية تلو الهزمية‪ .‬وما كان امل�شرقيون يفعلون ذلك لوال �أنهم يعون ذاتهم‬ ‫متام الوعي‪ ،‬وبالتايل يعرفون املعنى الكامل للحرية‪.‬‬ ‫�أن يكون امل�شرقي واعياً بذاته متام الوعي‪ ،‬يعني �أن يكون لديه وعي بكونه م�شرقياً عربياً‬ ‫وامل�شرقيون العرب �إخوة له‪ ،‬يت�شاركون معه يف االنتماء لهذه الأر�ض‪ ،‬ال كونه ابن طائفة‬ ‫يتنازع مع غريه من الطوائف على امل�صالح واملكت�سبات‪ .‬خ�صو�صاً �أن احللف الأمريكي ـــ‬ ‫الإ�سرائيلي يعمل على تفتيت الأمة �إىل جماعات �صغرية متناحرة فيما بينها‪ ،‬وتق�سيم دول‬ ‫املنطقة �إىل دويالت �صغرية‪ ،‬تكون �إ�سرائيل الأقوى بينها متهيداً للو�صول �إىل احللم ال�صهيوين‬ ‫بتحقيق �إ�سرائيل الكربى‪.‬‬ ‫‪ - 1‬هيغل‪ ،‬حما�ضرات يف فل�سفة التاريخ (العقل يف التاريخ)‪ ،‬ترجمة �إمام عبد الفتاح �إمام‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫دار التنوير‪� ،1983 ،‬ص‪.48 .‬‬ ‫‪ - 2‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪.87 .‬‬ ‫‪26‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫وجمل�س التعاون امل�شرقي‪ ،‬ال ميكن �أن يقوم على قاعدة دينية �أو طائفية‪ ،‬بل على قاعدة قومية‪،‬‬ ‫لأمة يجمعها تاريخ قدمي يعود �إىل �أقدم الع�صور‪.‬‬ ‫يخ�ص دور جمل�س التعاون امل�شرقي‪ ،‬على املجل�س �أن يكون حا�ضراً ب�شكل دائم‪ ،‬ال �أن‬ ‫فيما ّ‬ ‫ينعقد كغريه من املجال�س العربية بعد �أيام من ح�صول �أزمة معينة‪ ،‬ويكون االجتماع دون‬ ‫فاعلية تذكر‪ ،‬بل عليه �أن يكون م�ستعداً ب�شكل دائم ملواجهة الأزمات التي تواجه الأمة‬ ‫امل�شرقية‪ ،‬و�أن يتخذ القرارات الناجعة والتي ال تكون �شكلية‪.‬‬ ‫�إن جمل�س التعاون امل�شرقي جمل�س فيه خري الأمة امل�شرقية‪ ،‬كما فيه منعة لها بوجه املخاطر‬ ‫واملكائد التي يحيكها الأعداء الذين يعي�شون و�سط الأمة امل�شرقية‪ .‬كما �أن يف جمل�س التعاون‬ ‫امل�شرقي تقدم الأمة امل�شرقية وتطورها‪ ،‬ومواكبتها للركب احل�ضاري‪ ،‬وجعلها �أمة فاعلة وم�ؤثرة‬ ‫بني الأمم‪ .‬فالأمة امل�شرقية متلك الكثري من الطاقات الفكرية والثقافية القادرة على �إحداث‬ ‫التغيري احل�ضاري‪ ،‬الذي يحول الأمة امل�شرقية من �أمة تابعة �إىل �أمة حماذية لغريها‪.‬‬ ‫�إن ما يحققه امل�شرقيون من �إجنازات فكرية وعلمية وغريها من الإجنازات‪ ،‬لكبرية جداً‪ ،‬ولكنها‬ ‫تكون �أكرب و�أكرب �إذا ما كانت يف م�شرقنا‪ .‬وقد �آن الأوان لأن تكون هذه الطاقات امل�شرقية‬ ‫فاعلة هنا يف �أر�ضنا ولأمتنا‪ ،‬ال على �أر�ض غرينا‪ ،‬ولغري �أمتنا‪.‬‬ ‫كل هذا ممكن �إذا ما �أتيح لفكرة جمل�س التعاون امل�شرقي �أن تتحقق‪ ،‬ال �أن تبقى حلماً تعرب‬ ‫عنه �أل�سنة املفكرين امل�شرقيني الواعني لق�ضايا الأمة امل�شرقية‪.‬‬

‫‪27‬‬



‫مئة عام على �سايك�س‪-‬بيكو‬

‫مبنا�سبة مرور مئة �سنة على اتفاقية �سايكو�س بيكو‬

‫ماهو م�ستقبل فل�سطني يف زمن التحوالت الراهنة؟‬ ‫دعاء ال�شريف ‪-‬باحثة متخ�ص�صة بالدرا�سات اال�سرائيلية‬

‫هناك مقولة للفيل�سوف الأملاين هيجل تقول‪�« :‬إننا نتع ّلم من التاريخ �أنه ي�ستحيل على الب�شر‬ ‫التع ّلم من التاريخ»‪.‬‬ ‫والتاريخ هنا يعيد نف�سه ويت�أرجح بني �شرق �أو�سط قدمي و�شرق �أو�سط جديد‪ ،‬فالآن ومع نهاية‬ ‫اتفاقية �سايك�س ‪ -‬بيكو والتي متّت يف اخلفاء ‪ -‬وو�ضعت مالمح احلدود ال�سيا�سية لغالبية‬ ‫دول املنطقة قبل قرابة مئة عام خلت‪ ،‬يتم حالياً ال�شروع يف تنفيذ �سايك�س بيكو جديدة‬ ‫ولكن هذه املرة وهذه املرة لي�ست يف اخلفاء بل يف العلن‪ ،‬و�إن اختلفت الأدوار والأماكن‬ ‫يف لعبة الكرا�سي املو�سيقية ال�شرق �أو�سطية‪ ،‬ولكن دائماً الفائز واحد وللأ�سف‪ ،‬هذا الفائز‬ ‫مرتب�ص ويقظ منذ مئات ال�سنوات ُي ِع ّد اخلطط وامل�ؤامرات ويحيكها �سواء من على ُبعد �أو من‬ ‫قلب احلديث مرتدياً �أقنعة كثرية قناع املنبوذ‪ ..‬قناع العدو‪ ..‬قناع ال�صداقة‪ ..‬قناع ال�سالم‪،‬‬ ‫وم�ؤخراً قناع العن�صرية‪..‬‬ ‫�إنه فائز واحد‪ ..‬العب واحد مهما اختلف م�ساندوه (بريطانيا‪� ،‬أمريكا)‪� ،‬أو العبوه (احلكومة‬ ‫ جي�ش االحتالل – املو�ساد – الدبلوما�سيون – الإعالم)‪� .‬إنه عدو واحد وهو �إ�سرائيل‪..‬‬‫فتارة يكون الفاعل وتارة �أخرى يكون املفعول من �أجله‪� ،‬أما امللعب �أو املفعول به فهو ال�شرق‬ ‫الأو�سط‪.‬‬ ‫فمن رحم اال�ستعمار الأوروبي ولد اال�ستيطان الإ�سرائيلي‪ ،‬اما الهدف فهو احتالل وتطهري‬ ‫عرقي متعمد لأر�ض فل�سطني‪ ..‬ت�شريد الآالف‪ ..‬تق�سيم ال�شرق الأو�سط واتفاقية �سايك�س‬ ‫بيكو‪ ..‬خمططات لتق�سيم ال�شرق الأو�سط على الورق وعلى �أر�ض الواقع يف ال�سر ويف العلن‪..‬‬ ‫ابتداع م�صطلح �شرق �أو�سط جديد بحجة ال�سالم‪ ..‬حتى عندما ظهر وجه جديد لل�صراع يف‬ ‫وامل�سمى بحرب �أنابيب الغاز‪..‬‬ ‫ال�شرق الأو�سط ّ‬ ‫يف كل اال�ضطرابات والكوارث التي جتتاح منطقة ال�شرق الأو�سط فت�ش دائماً عن �إ�سرائيل؛‬ ‫‪29‬‬


‫متتد الأ�صابع الإ�سرائيلية ل�سكب مزيد من الزيت على‬ ‫فمن اليمن �إىل منطقة حو�ض النيل ّ‬ ‫()‬ ‫النريان لت�صبح هي الفائز الوحيد من كل ما يجرى يف منطقة ال�شرق الأو�سط ‪.‬‬ ‫فحالياً‪ ،‬هناك اتفاق دويل �أممي و�إقليمي لبناء الوجه اجلديد للمنطقة – مثلما حدث متاماً يف‬ ‫�سايك�س بيكو الأوىل ‪ -‬مع امل�صالح النفطية لل�شركات متعددة اجلن�سيات وخا�صة الأمريكية‬ ‫يف الفرتة الراهنة‪.‬‬ ‫النمط �إذاً حديث‪� ،‬أو هكذا يبدو على ال�سطح‪ ،‬وهو على الأقل متطور �سريع التغيري‪ .‬ولكن‬ ‫حتت اجللد هل هو منف�صل حقاً عما �سبقه من تاريخ؟‬ ‫�إن الذي ي�ستقرئ مراحل التاريخ ال�سيا�سي واال�سرتاتيجي املتعاقبة يجبه دائماً �أو غالباً بنمط‬ ‫ثالثي متواتر ل�صراع القوى قد يختلف عن النمط املعا�صر يف التفا�صيل والظالل والأبعاد‪،‬‬ ‫ولكن لعله ال يختلف عنه كثرياً يف �أ�سا�سياته وجوهره‪ ،‬ال�شرق الأو�سط اجلديد �أو �سايك�س‬ ‫بيكو الثانية والذي تبدو حديثة العهد هي الأخرى ظاهرة قدمية لها ا�صول تاريخية بعيدة‬ ‫بدرجة �أو ب�أخرى‪.‬‬ ‫واجلدير بالذكر هنا �أن ا�سرتاتيجية �سايك�س بيكو الثانية غري املعلنة واخلبيثة هي ا�سرتاتيجية‬ ‫«جيو�سيا�سية»( ) تقوم على حرب �أنابيب الغاز‪ ،‬وتعترب مبثابة الوجه الآخر لل�صراع يف ال�شرق‬ ‫الأو�سطـ‪ ،‬وتخ�ضع �إعادة تر�سيم ال�شرق الأو�سط لأهداف اقت�صادية وا�سرتاتيجية وع�سكرية‬ ‫وا�سعة النطاق‪ ،‬والتي هي جزء من برنامج طويل الأمد لل�سيا�سة الأجنلو‪�-‬أمريكية والإ�سرائيلية‬ ‫يف املنطقة‪ .‬فقد ّمت حتويل ال�شرق الأو�سط من قبل قوى خارجية �إىل قنبلة موقوتة قد تنفجر‬ ‫يف حالة �شن هجمات جوية �أجنلو‪�-‬أمريكية �أو �إ�سرائيلية �ضد �إيران و�سوريا‪ .‬كما ميكن �أن‬ ‫ي�ؤدي قيام حرب �أو�سع نطاقاً يف ال�شرق الأو�سط �إىل �إعادة تر�سيم احلدود مبا يخدم امل�صالح‬ ‫اال�سرتاتيجية الأجنلو �أمريكية والإ�سرائيلية‪.‬‬ ‫�إن التحليل الدقيق للنظام الإقليمي ال�شرق �أو�سطي املطروح يبينّ بجالء الدور الإ�سرائيلي‬ ‫فيه‪ ،‬وامل�صالح الكربى التي جتنيها “�إ�سرائيل” منه حلل جميع �أزماتها امل�ستع�صية االقت�صادية‬ ‫والأمنية وال�سيا�سية واالجتماعية‪.‬‬ ‫�إن ال�صراع على ثروات وهوية املنطقة واملخططات الأمريكية والإ�سرائيلية هي حجر الزاوية‬ ‫وجوهر �صياغة النظام الإقليمي اجلديد يف املنطقة‪ .‬فهذا ال�صراع الذي يعي�شه عامل اليوم‪،‬‬ ‫هذا ال�صراع الذي يتم ّزق بني كتل العقائديات املتناق�ضة‪ ،‬وثورات الربيع العربي ورواجع‬ ‫املا�ضي املرت ّب�صة‪ ،‬ما منطه الإقليمي؟ وما هي �أ�صوله التاريخية؟ وهذه التطورات العميقة التي‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪30‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫ي�شهدها توزيع القوى والأوزان ال�سيا�سية بني الدول والكتل والقارات واالنقالبات الكاملة‬ ‫يف ا�سرتاتيجية اال�ستعمار وال�سيطرة‪ ،‬هل هي حتوالت �أو حتويرات للما�ضي بدرجة ما؟ �أم هي‬ ‫طفرات وليدة الظروف والأحداث يف تاريخ الب�شرية؟‬ ‫وملعرفة ذلك بطريقة علمية كان لزاماً علينا وبعد مرور مئة عام على و�ضع خمطط �سايك�س‬ ‫بيكو االوىل �أن نعود بالتاريخ لأكرث من مئة عام لنفهم ونعرف كيف �سيولد ال�شرق الأو�سط‬ ‫اجلديد من رحم ال�شرق الأو�سط القدمي؛ فتاريخ كل �أمة خط مت�صل‪ ،‬وقد ي�صعد اخلط �أو‬ ‫يهبط‪ ،‬وقد يدور حول نف�سه �أو ينحني‪ ،‬ولكنه ال ينقطع( )‪.‬‬ ‫فالبعد التاريخي لهذا ال�صراع والذي بد�أ مع اال�ستعمار الأوروبي يعترب مدخ ًال هاماً‬ ‫للدرا�سات العلمية اجلادة العميقة لواقعنا ال�سيا�سي واال�سرتاتيجي املعا�صر‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫قوى اال�ستعمار وتر�سيم خرائط ال�رشق الأو�سط‬

‫«لي�س كل �صراع بني القوى هو من �أجل اال�ستعمار‪ ..‬ولكن كل ا�ستعمار هو �صراع من �أجل‬ ‫()‬ ‫القوة»‬ ‫اال�ستعمار هو م�صطلح ي�شري �إىل ظاهرة �سيا�سية‪ ،‬اجتماعية وثقافية ت�شمل �إقامة م�ستوطنات‬ ‫�أوروبية خارج �أوروبا منذ القرن الـ‪ 15‬وا�ستيالء الدول الأوروبية �سيا�سياً واقت�صادياً على‬ ‫مناطق وا�سعة يف جميع القارات الأخرى‪ ،‬مبا يف ذلك �إخ�ضاع ال�شعوب القاطنة فيها‬ ‫حلكم الدول الأوروبية وا�ستغالل كنوزها الطبيعية وعمل ال�سكان املحليني مل�صلحة الدول‬ ‫الأوروبية‪ .‬انتهى اال�ستعمار تدريجياً خالل الن�صف الآخر من القرن الـ‪ ،20‬ولكنه يعترب من‬ ‫�أكرث الظواهر ال�سيا�سية ت�أثرياً على �صورة العامل املعا�صر‪.‬‬ ‫�أ ّدت الثورة ال�صناعية التي عرفتها �أوروبا يف �أواخر القرن الثامن ع�شر و�أوائل القرن التا�سع‬ ‫ع�شر �إىل حاجة الدول الأوروبية �إىل املواد اخلام التي اعتمدت عليها ال�صناعات اجلديدة‪.‬‬ ‫ول�سد حاجة م�صانع الدول كافة من املواد اخلام‪ ،‬اندفعت الدول الأوروبية تبحث عن هذه‬ ‫ّ‬ ‫املواد يف �أرجاء العامل (كالقطن من م�صر‪ ،‬واملا�س والذهب من جنوب �أفريقيا والأرا�ضي‬ ‫الزراعية يف ال�شمال الإفريقي‪ ،‬ولذلك عندما بد�أ �أباطرة اال�ستعمار الأوروبي ي�ضعون اخلطط‬ ‫لتقا�سم مناطق النفوذ يف �آ�سيا و�إفريقيا خططوا لتفكيك هذه البلدان و�إعادة تركيبها جغرافياً‬ ‫لإ�ضعافها وت�سهيل ال�سيطرة عليها‪� .‬أوجدت دول �أوروبا اال�ستعمارية م�صطلحات ال�شرق‬ ‫الأدنى وال�شرق الأو�سط وال�شرق الأق�صى‪ ،‬وذلك انطالقاً من قرب �أو بعد هذه املناطق عن‬ ‫‪4‬‬

‫‪31‬‬


‫�أوروبا ف�أطلقوا على املناطق البعيدة عن �أوروبا واملمتدة من الهند غرباً «بال�شرق الأق�صى»( )‪،‬‬ ‫وعلى املناطق القريبة من �شرق البحر املتو�سط «ال�شرق الأدنى»( ) و�أ�صبحت املنطقة التي‬ ‫ت�سمى ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫تتو�سط ال�شرقَني الأق�صى والأدنى ّ‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫ال�رشق الأو�سط‪:‬‬

‫خريطة ال�شرق الأق�صى باملو�سوعة العربية املجلد احلادي ع�شر �ص‪649 .‬‬

‫قد يكون هذا امل�صطلح ّمت ّ‬ ‫�صكه يف عقد ‪ 1850‬يف مكتب الهند الربيطاين‪ ,‬ثم �أ�صبح �أكرث‬ ‫()‬ ‫ا�ستعما ًال عندما ا�ستخدمه اال�سرتاتيجي البحري الأمريكي «�ألفريد ثاير ماهان» ‪� .‬أثناء‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬كانت الإمرباطوريتان الربيطانية والرو�سية تت�صارعان على النفوذ يف و�سط �آ�سيا‪,‬‬ ‫ذلك التناف�س الذي �صار معروفاً با�سم اللعبة الكربى‪ .‬ا�ستوعب ماهان لي�س فقط الأهمية‬ ‫اال�سرتاتيجية للمنطقة‪ ,‬بل �أي�ضاً �أن مركزها هو اخلليج العربي‪ .‬فقد �أطلق على املنطقة املحيطة‬ ‫باخلليج العربي ا�سم «ال�شرق الأو�سط»‪ ,‬وقد قال �إنها بعد قناة ال�سوي�س‪ ,‬هي �أهم ممر يجب �أن‬ ‫ت�سيطر عليه بريطانيا لتمنع الرو�س من التقدم نحو الهند( )‪..‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪8‬‬

‫اال�ستعمار الأوروبي لل�رشق الأو�سط «الإمرباطورية العثمانية»‬

‫(‪)9‬‬

‫و�صل عدد الواليات العثمانية �إىل ‪ 29‬والية‪ ،‬وكان للدولة �سيادة ا�سمية على عدد من الدول‬ ‫والإمارات املجاورة يف �أوروبا‪ ،‬التي �أ�ضحى بع�ضها ُي�شكل جزءاً فعلياً من الدولة مع مرور‬ ‫الزمن‪ ،‬وا�ستمرت قائمة ملا يقرب من ‪� 600‬سنة‪ ،‬وبالتحديد منذ حوايل ‪ 27‬يوليو �سنة ‪1299‬م‬ ‫‪32‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫حتى ‪� 29‬أكتوبر �سنة ‪1923‬م‪.‬‬

‫مراحل انكما�ش اال�ستعمار العثماين‬

‫(‪)10‬‬

‫ميكن القول �إن ال�سيطرة اال�ستعمارية على العامل العربي كانت بطيئة جداً حيث �إنها مل‬ ‫تكتمل �إال يف خالل حوايل ت�سعني عاماً‪ ،‬اي يف الفرتة من ‪� 1830‬إىل ‪ ،1920‬وعلى ثالث‬ ‫مراحل‪:‬‬

‫موجات اال�ستعمار يف العامل العربي‬

‫(‪)11‬‬

‫املوجة الأوىل‪ :‬ثالثينيات القرن التا�سع ع�شر حيث وقعت اجلزائر حتت قب�ضة اال�ستعمار‬ ‫الفرن�سي عام ‪ ،1830‬وعدن حتت �سيطرة اال�ستعمار الربيطاين عام ‪ .1839‬ثم مت زحف‬ ‫‪33‬‬


‫اال�ستعمار الربيطاين من عدن على طول ال�ساحل اجلنوبي وال�شرقي للجزيرة العربية حتى‬ ‫متت له ال�سيطرة عليها حتى الكويت �شما ًال قبل نهاية القرن‪.‬‬ ‫املوجة الثانية‪ :‬مرحلة ثمانينيات القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬حيث مدت فرن�سا نفوذها من اجلزائر‬ ‫�شرقا �إىل تون�س عام ‪ .1881‬واحتلت بريطانيا م�صر عام ‪1882‬م‪ .‬ومن م�صر تو�سعت بريطانيا‬ ‫نحو ال�سودان حتت �ستار ا�سرتداد ال�سودان للتبعية الرتكية عام ‪ 1898‬وحتت �ستار اتفاقية‬ ‫احلكم الثنائي لعام ‪.1899‬‬ ‫املوجة الثالثة والأخرية‪ :‬يف العقد الثاين من القرن الع�شرين قبل احلرب العاملية الأوىل‬ ‫و�أثناءها حيث بد�أت ايطاليا باقتطاع ليبيا من الدولة العثمانية يف ‪.1912 - 1911‬‬ ‫ويف الوقت نف�سه بد�أت فرن�سا تتو�سع من اجلزائر غرباً نحو املغرب الأق�صى لتنفرد بها من بني‬ ‫مناورات القوى املختلفة‪ ،‬ومت لها هذا خالل احلرب حتى ‪.1914‬‬ ‫�أما امل�شرق العربي فقد كانت هذا املوجة �أخطر فرتة يف تاريخه فقد �سقط �أغلبه – الهالل‬ ‫اخل�صيب ‪ -‬لال�ستعمار دفعة واحدة‪ ،‬وذلك كجزء من م�ساومات ال �صلح فا�ستولت فرن�سا‬ ‫على �سوريا ولبنان‪ ،‬وبريطانيا على فل�سطني والأردن والعراق‪ .‬ويف هذه الفرتة برز ا�ستخدام‬ ‫م�صطلح ال�شرق الأو�سط لدى احلركة ال�صهيونية متهيداً لبدء ا�ستعمار �آخر جديد‪.‬‬ ‫اال�ستعمار ال�صهيوين وبروز م�صطلح ال�رشق الأو�سط‬

‫تعا�صرت بدايات احلركة ال�صهيونية مع �آخر موجة كربى من موجات اال�ستعمار الأوروبي‬ ‫احلديث وخا�صة التكالب على افريقيا‪ ،‬فلقد تع ّلقت ال�صهيونية ب�أذيال املوجة املدارية لرتكبها‬ ‫ولت�ستثمر املناخ ال�سيا�سي اال�ستعماري العام و�صو ًال �إىل حتقيق �أهدافها اخلا�صة يف �إن�شاء‬ ‫الدولة اليهودية‪ .‬وال�صهيونية من بدايتها حركة �سيا�سية‪ ،‬ولكنها تقنعت منذ اللحظة االوىل‬ ‫بالدين لتخلق من «ر�ؤيا العودة �إىل �أر�ض امليعاد» ايديولوجية تاريخية ودينية جتمع يهود‬ ‫ال�شتات حولها‪ .‬وكذلك قناعاً و�شعاراً تخفي به حقيقة �أهدافها عن العامل اخلارجي‪ .‬ولهذا‬ ‫رف�ضت اقرتاحات عدة لوطن قومي يف غري فل�سطني‪.‬‬ ‫ولقد كان من امل�ستحيل منذ البداية �أن يتحقق احللم �إال بامل�ساعدة الكاملة من قوى ال�سيادة‬ ‫العاملية‪ .‬ومن هنا التقت الإمربيالية العاملية مع ال�صهيونية لقاء تاريخياً على طريق امل�صلحة‬ ‫اال�ستعمارية املتبادلة‪ :‬فيكون الوطن اليهودي قاعده تابعة وحليفاً م�ضموناً �أبداً يخدم م�صالح‬ ‫اال�ستعمار‪ ،‬وذلك ثمناً خللقه �إياه و�ضمانه لبقائه‪ ،‬وعلى طريق هذه امل�صلحة اال�ستعمارية‬ ‫‪34‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫امل�شرتكة حترك ارتباط ال�صهيونية بالإمربيالية‪ ،‬بحيث حترك مركز الثقل يف زعامة الإمربيالية‪،‬‬ ‫فكانت بريطانيا هي التي خلقت الوطن القومي لليهود منذ احلرب العاملية الأوىل‪ ،‬بينما‬ ‫خلقت الواليات املتحدة الأمريكية الدولة اليهودية منذ احلرب العاملية الثانية‪ .‬وقد م ّر تكوين‬ ‫�إ�سرائيل يف ال�شرق الأو�سط بعده مبراحل �أهمها‪:‬‬ ‫دعوات اال�ستيطان الأوىل لفل�سطني‬

‫كانت فل�سطني ُتعرف قدمياً ب�أر�ض «كنعان»‪ ،‬ن�سبة �إىل العرب الكنعانيني الذين عا�شوا بها‬ ‫مع بع�ض القبائل الأخرى منذ �سنة ‪ 2500‬قبل امليالد‪ ،‬ا�ستطاعت فل�سطني �أن حتافظ على‬ ‫عروبتها رغم الغزوات العدوانية التي جاءت عرب التاريخ‪ ،‬وعندما جاء العرب امل�سلمون‬ ‫ح ّرروها من الرومان‪ ،‬وازدهرت يف فل�سطني احل�ضارة العربية الإ�سالمية اخلالدة‪.‬‬ ‫ظلت فل�سطني جزءاً عزيزاً من الوطن العربي الكبري‪� ،‬إىل �أن اتفق اال�ستعمار مع ال�صهيونية‬ ‫العاملية على اختيار �أر�ض فل�سطني دون غريها لتكون الوطن القومي لليهود‪ ،‬وال�سبب يف ذلك‬ ‫يرجع �إىل موقع فل�سطني اال�سرتاتيجي فهي تقع بني �صحراء �سيناء وم�شارق ال�شام‪ ،‬وتعترب‬ ‫قلب الأمة العربية بحكم موقعها املتو�سط بني دول املنطقة‪ .‬كما �أنها تقع عند ملتقى القارات‬ ‫الثالث (�آ�سيا و�أفريقيا و�أوروبا) هذا بالإ�ضافة �إىل �إ�شرافها على البحرين املتو�سط والأحمر‪.‬‬ ‫بد�أت فكرة اال�ستيطان يف فل�سطني‪ ،‬تلوح يف الأفق‪ ،‬بعد ظهور حركة الإ�صالح الديني على‬ ‫يد مارتن لوثر يف �أوروبا‪ ،‬حيث بد�أ �أ�صحاب املذهب الربوت�ستانتي اجلديد ترويج فكرة تق�ضي‬ ‫ب�أن اليهود لي�سوا جزءاً من الن�سيج احل�ضاري الغربي‪ ،‬لهم ما لهم من احلقوق وعليهم ما‬ ‫عليـهم من الواجـبات‪ ،‬و�إمنا هم �شعب اهلل املختار‪ ،‬وطنهم املقد�س فل�سطني‪ ،‬يجب �أن يعودوا‬ ‫�إليه( )‪ ،‬وكانت �أوىل الدعوات لتحقيق هذه الفكرة ما قام به التاجر الدمناركي “�أوليغـر‬ ‫أعد خطة لتوطني اليهود يف فل�سطني‪ ،‬وقام‬ ‫بـويل” ‪ Oliger poulli‬عام ‪ ،1695‬الذي � ّ‬ ‫بت�سليمها �إىل ملوك �أوروبا يف ذلك الوقت( )‪.‬‬ ‫و ُت ّعد حملة «نابليون بونابرت» (‪1769‬م ‪1821 -‬م) على م�صر وبالد ال�شام بداية ال�صراع‬ ‫اال�ستعماري الأوروبي الحتالل �أقطار الوطن العربي يف �أعقاب الثورة ال�صناعية يف �أوروبا‪.‬‬ ‫توجه “نابليون بونابرت” بحملته �إىل بالد ال�شام بعد انت�صاره على املماليك ودخوله‬ ‫فقد ّ‬ ‫القاهرة يف ‪ 21‬متوز‪ /‬يوليو ‪ ،1798‬واقت�صرت حملة “نابليون بونابرت” على فل�سطني‪،‬‬ ‫ومل تتجاوز ال�شريط ال�ساحلي منها �سوى منطقة النا�صرة – طربية‪ ،‬حيث هزمت اجلي�ش‬ ‫‪12‬‬

‫‪13‬‬

‫‪35‬‬


‫العثماين‪ ،‬وبد�أت احلملة باحتالل منطقة قطية على احلدود مع ال�شام يف ‪1798 /12 /23‬‬

‫يف �سيناء ثم قلعة العري�ش‪ ،‬وبعد ثالثة �شهور �أخذت احلملة بالرتاجع �إىل م�صر بعد ف�شلها يف‬ ‫احتالل عكا يف ‪ 20‬مايو ‪1799‬م‪.‬‬ ‫و�أثناء غزو “نابليون بونابرت” مل�صر عام ‪1798‬م‪ ،‬دعا نابليون اليهود لتوطينهم يف فل�سطني‪،‬‬ ‫حيث �أ�صدر هناك بياناً يحث فيه اليهود يف �آ�سيا و�أفريقيا على م�ساعدته يف �إعادة بناء دولتهم‬ ‫القدمية وا�ستعادة جمدهم التاريخي يف فل�سطني قائ ًال‪:‬‬ ‫«يا ورثة فل�سطني ال�شرعيني‪ ،‬ندعوكم للم�ساهمة يف ال�سيطرة على بالدكم من �أجل �أبناء‬ ‫( )‬ ‫�أمتكم‪ ،‬ولكي ت�صبحوا �أ�سياد فل�سطني احلقيقيني»‬ ‫وتعترب دعوة “نابليون بونابرت” هي الدعوة الأوىل لتوطني اليهود يف �أر�ض فل�سطني‪ ،‬حيث‬ ‫�إن الدعوات التي ظهرت قبل ذلك كانت بتوطني اليهود لي�س يف فل�سطني بل يف «م�صر»‪،‬‬ ‫و�أوىل هذه الدعوات كانت نداء لـ»�شبتاي زيفي»( ) (‪1626‬م‪1676 -‬م) دعا فيه اليهود يف‬ ‫عام ‪1666‬م عندما ذهب �إىل الق�سطنطينية للهجرة لي�س �إىل فل�سطني بل �إىل �إقليم الوجه‬ ‫البحري من م�صر لإقامة وطن قومي لهم‪.‬‬ ‫جتددت دعوة اليهود للهجرة �إىل م�صر لإقامة وطن قومي لليهود مرة �أخرى‪ ،‬يف عام‬ ‫وقد ّ‬ ‫‪1798‬م‪ .‬يف �صورة ر�سالة �أخرى من يهودي ايطايل �إىل �إخوانه اليهود يدعوهم فيها للهجرة‬ ‫لإقامة وطن لليهود يف م�صر ال�سفلى وذلك بناء على ترتيبات فرن�سا‪.‬‬ ‫وهناك �أي�ضا دعوى الإجنليزي “جيم�س بي�شينو”( ) والتي وردت يف كتابه «�إرجاع اليهود»‬ ‫الذي ن�شره عام ‪1800‬م وكانت مبثابة دعوى حلكام البالد – بريطانية ‪ -‬ال�ستغالل نفوذهم‬ ‫لدى الباب العايل‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪15‬‬

‫‪16‬‬

‫بدايات الت�سلل �إىل فل�سطني‬

‫بد�أت هذه املرحلة عندما ا�ستخدمت عائلة «روت�شيلد» نفوذها القوي وثرواتها الطائلة يف‬ ‫ال�ضغط على احلكومة الإجنليزية با�ستغالل احتياج بريطانيا للأموال‪ ،‬بعد �أن �أو�شكت على‬ ‫فقدم «�آل روت�شيلد» القرو�ض للمملكة‬ ‫�إعالن هزميتها يف احلرب العاملية �أمام جي�ش �أملانيا وقتها‪ّ ،‬‬ ‫املتحدة ب�سخاء‪ ،‬وكان املقابل تفعيل وعد بلفور الذي �صدر عن وزير اخلارجية الربيطاين �سنة‬ ‫‪.1917‬‬ ‫وجهه البارون‬ ‫ومن خطابات «روت�شيلد» التي تف�ضح هذه امل�ؤامرة نذكر منها اخلطاب الذي ّ‬ ‫‪36‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫روت�شيلد يف مار�س عام ‪1840‬م �إىل وزير خارجية بريطانيا �آنذاك اللورد «باملر�ستون»( ) قال فيه‪:‬‬ ‫«�إن هزمية حممد علي وح�صر نفوذه يف م�صر لي�سا كافيني‪ ،‬لأن هناك قوة جذب بني العرب‪،‬‬ ‫وهم يدركون �أن عودة جمدهم القدمي مرهون ب�إمكانات ات�صالهم واحتادهم‪� ،‬إننا لو نظرنا �إىل‬ ‫خريطة هذه البقعة من الأر�ض‪ ،‬ف�سوف جند �أن فل�سطني هي اجل�سر الذي يو�صل بني م�صر‬ ‫وبني العرب يف �آ�سيا‪ .‬وكانت فل�سطني دائماً بوابة على ال�شرق‪ ،‬واحلل الوحيد هو زرع قوة‬ ‫خمتلفة على هذا اجل�سر يف هذه البوابة‪ ،‬لتكون هذه القوة مبثابة حاجز مينع اخلطر العربي‬ ‫ويحول دونه‪ ،‬و�إن الهجرة اليهودية �إىل فل�سطني ت�ستطيع �أن تقوم بهذا الدور‪ ،‬ولي�ست‬ ‫تلك خدمة لليهود يعودون بها �إىل �أر�ض امليعاد م�صداقاً للعهد القدمي‪ ،‬ولكنها �أي�ضاً خدمة‬ ‫للإمرباطورية الربيطانية وخمططاتها‪ ،‬فلي�س مما يخدم الإمرباطورية �أن تتك ّرر جتربة حممد علي‬ ‫�سواء بقيام دولة قوية يف م�صر �أو بقيام االت�صال بني م�صر والعرب الآخرين»‪.‬‬ ‫ويف ‪� 11‬أغ�سط�س ‪1840‬م‪ .‬حاولت بريطانيا �أن تر ّد على حماولة حممد علي توحيد م�صر‬ ‫و�سوريا فكتب وزير اخلارجية الربيطاين �آنذاك «باملر�ستون» �إىل �سفريه يف ا�سطنبول بخ�صو�ص‬ ‫توطني اليهود يف فل�سطني يطلب منه �أن يقنع ال�سلطان وحا�شيته ب�أن احلكومة االجنليزية ترى‬ ‫�أن الوقت �أ�صبح منا�سباً‪ ،‬لأن تفتح ابواب فل�سطني �أمام اليهود‪ ،‬وهذا هو ن�ص الر�سالة‪:‬‬ ‫«يقوم بني اليهود الآن املبعرثين يف كل �أوروبا �شعور قوي ب�أن الوقت الذي �ستعود فيه �أمتهم‬ ‫�إىل فل�سطني �آخذ يف االقرتاب‪ .‬ومن املعروف جيداً �أن يهود �أوروبا ميتلكون ثروات كبرية‪،‬‬ ‫ومن الوا�ضح �أن �أي قطر يختار �أعداداً كبرية من اليهود �أن ي�ستوطنوه �سيح�صل على فوائد‬ ‫كبرية من الرثوات التي �سيجلبها معهم ه�ؤالء اليهود‪ .‬ف�إذا عاد ال�شعب اليهودي حتت‬ ‫حماية ومباركة ال�سلطان ف�سيكون يف هذا حائ ًال بني حممد علي ومن يخلفه وبني حتقيق‬ ‫خطته ال�شريرة يف امل�ستقبل‪ .‬وحتى �إذا مل ي�ؤ ِد هذا الت�شجيع الذي �سيقدمه ال�سلطان لليهود‬ ‫بالفعل �إىل ا�ستيطان عدد كبري منهم يف حدود الإمرباطورية العثمانية �إال �أن �إ�صدار قانون من‬ ‫هذا النوع �سيعمل على انت�شار روح ال�صداقة جتاه ال�سلطان بني جميع يهود �أوروبا‪ ،‬و�سرتى‬ ‫احلكومة الرتكية يف احلال كم �سيكون مفيداً لق�ضية فل�سطني �أن يك�سب �أ�صدقاء مفيدين يف‬ ‫( )‬ ‫كثري من الأقطار بقانون واحد ب�سيط كهذا‪».‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪18‬‬

‫الهجرة الأوىل �إىل فل�سطني‬

‫ارتبط �أبناء فريق يهودي من اجليل النا�شئ يف ال�ستينيات وال�سبعينيات من القرن التا�سع ع�شر‬ ‫‪37‬‬


‫باحلركة الثورية الرو�سية‪ .‬وت�أثروا �إىل مدى عميق بالتفكري «الراديكايل»( ) للع�صر‪ .‬ف�شكل‬ ‫هذا الفريق حركة «الها�سكاال»( )‪ ،‬واجته فريق �آخر نحو �إن�شاء حركة يهودية قومية‪ ،‬و�إىل‬ ‫ا�ستعمار فل�سطني‪ ،‬و�سرعان ما قامت جمعيات خمتلفة يف �أنحاء متفرقة من �أوروبا وخا�صة يف‬ ‫رو�سيا تدعو �إىل حب �صهيون‪ ،‬وكان الهدف امل�شرتك لهذه اجلمعيات‪ ،‬دعم حركة اال�ستيطان‬ ‫اليهودي يف فل�سطني عرب ت�شجيع الهجرة و�إقامة امل�ستعمرات‪ .‬وكان لن�شاط اليهود الرو�س من‬ ‫طلبة اجلامعات‪� ،‬أثره يف ظهور جماعة رواد «�أحباء �صهيون» – “بيلو”( ) التي عملت على‬ ‫تنظيم وتن�شيط الهجرة �إىل فل�سطني على �أ�سا�س قومي م�ستندة �إىل تعاليم التوراة‪ ،‬وقد ارتكز‬ ‫برناجمها الأ�سا�سي على ثالث نقاط‪ :‬حماربة االندماج‪ ،‬ال�شعور القومي‪ ..‬ا�ستيطان فل�سطني‬ ‫وميكن اعتبار حركة «�أحباء �صهيون» �أول حركة �صهيونية منظمة‪ ،‬ذات طابع �سيا�سي‪ ،‬وقد‬ ‫و�صل عدد امل�ستوطنات التي �أ�س�ستها طالئع الهجرة الأوىل �إىل فل�سطني‪ ،‬خالل ال�سنوات‬ ‫‪� 1884 – 1882‬إىل ثمانية”‪ ) (.‬وهكذا بد�أ الت�سلل اال�ستيطاين ال�صهيوين �إىل فل�سطني‪.‬‬ ‫ويف عام ‪ :1885‬ظهر لأول مرة م�صطلح احلركة ال�صهيونية على يد «ناثان برنباوم» الفيل�سوف‬ ‫اليهودي النم�ساوي وكان هدف احلركة هو اال�ستيطان يف فل�سطني‪.‬‬ ‫عام ‪ :1896‬ن�شر ال�صحايف ال�صهيوين «ثيودور هريت�سل» كتاب «الدولة اليهودية» باللغة‬ ‫الأملانية‪ ،‬لكن يهود اوروبا كانوا يجدون حلمهم يف الهجرة �إىل �أمريكا هذا ما جعل الطبيب‬ ‫«ماك�س نوردو» ال�ساعد الأمين لهريت�سل ير�سل اثنني من اكرب رجال الدين اليهود �إىل‬ ‫فل�سطني‪ ،‬لكنهم بعد زيارة فل�سطني ار�سلوا جواباً من �سطر واحد جاء فيه‪:‬‬ ‫«العرو�س جميلة جداً وم�ستوفيه جلميع ال�شروط ولكنها متز ّوجة فع ًال»‪.‬‬ ‫وفهم نوردو ان املق�صود �أن فل�سطني لي�ست كما ذكر هريت�سل �أر�ض بال �شعب و�أن فيها �شعباً‬ ‫ي�سكنها منذ �آالف ال�سنني‪.‬‬ ‫ومن �أجل دعم جميع هذه امل�شاريع وامل�ؤ�س�سات ال�سابقة‪ ،‬قام البارون روت�شيلد عام ‪1883‬‬ ‫ب�إن�شاء اجلمعية اليهودية لال�ستعمار يف فل�سطني املعروفة با�سم بيكا )‪ ،)Bica‬لتتوىل عملية‬ ‫متويل �شراء الأرا�ضي يف فل�سطني‪ ،‬وتنظيم الهجرة اليهودية �إليها‪.‬‬ ‫وقد � ّأمد �أغنياء اليهود يف العامل هذه اجلمعيات ال�صهيونية باملال و�شجعوا على زيادة الهجرة‬ ‫حتى بلغ عدد امل�ستعمرات اليهودية يف فل�سطني حتى عام ‪ 1900‬حوايل ‪ 17‬م�ستعمرة‪.‬‬ ‫بقيت احلركة ال�صهيونية مفتقرة �إىل التنظيم والتخطيط‪� ،‬إىل �أن متكن «ثيودور هرتزل» من‬ ‫‪19‬‬

‫‪20‬‬

‫‪21‬‬

‫‪22‬‬

‫(‪(23‬‬

‫(‪)24‬‬

‫‪38‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫عقد امل�ؤمتر ال�صهيوين الأول يف مدينة بازل ال�سوي�سرية يف ‪� 28‬أغ�سط�س ‪.1897‬‬ ‫تبنى امل�ؤمتر برنامج ت�أ�سي�س وطن معرتف به لل�شعب اليهودي يف فل�سطني وذلك مب�شاركة ممثلي‬ ‫اجلاليات اليهودية يف العامل‪ ،‬ومت اتخاذ القرارات التالية‪:‬‬

‫הנוסח העברי של ההזמנה לקונגרס הציוני הראשו‬

‫الن�سخة العربية للم�ؤمتر ال�صهيوين الأول‬

‫■ �إن هدف ال�صهيونية هو �إقامة وطن قومي لل�شعب اليهودي يف فل�سطني بالو�سائل التالية‪.‬‬ ‫ت�شجيع الهجرة اليهودية �إىل فل�سطني‪ .‬تنظيم اليهود وربطهم باحلركة ال�صهيونية‪ .‬واتخاذ ال�سبل‬ ‫والتدابري للح�صول على ت�أييد دول العامل للهدف ال�صهيوين (احل�صول على �شرعية دولية)‪.‬‬ ‫■ ت�شكيل املنظمة ال�صهيونية العاملية بقيادة ثيودور هرتزل‪.‬‬ ‫■ ت�شكيل اجلهاز التنفيذي «الوكالة اليهودية» لتنفيذ قرارات امل�ؤمتر ومهمتها جمع الأموال يف‬ ‫�صندوق قومي ل�شراء الأرا�ضي و�إر�سال املهاجرين لإقامة امل�ستعمرات لليهود يف فل�سطني‪ .‬بعد‬ ‫انتهاء �أعمال امل�ؤمتر ال�صهيوين الأول خرج ثيودور هرتزل على ال�صحافيني واالبت�سامة العري�ضة‬ ‫تعلو �شفتيه‪ ،‬وقال لهم لقد قررنا �إن�شاء الوطن القومي لليهود وقد ت�ضحكون �إذا �أخربتكم �أن هذا‬ ‫الوطن �سيتحقق خالل خم�سة �أعوام وعلى الأغلب خالل خم�سني عاماً على الأكرث‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫بداية امل�ؤامرة الربيطانية ال�صهيونية‬

‫ثم بد�أت خيوط امل�ؤامرة الربيطانية ال�صهيونية ال�سرية‪ ،‬وذلك عندما �أكدت بريطانيا ب�أن م�صلحتها‬ ‫على �إقامة دولة يهودية على �أر�ض فل�سطني بالذات‪ .‬وقد ارتكزت امل�ؤامرة الربيطانية ال�صهيونية‬ ‫الحتالل فل�سطني وتفتيت ال�شرق الأو�سط على حمطات متتالية عدة‪ .‬وهي كالتايل‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬وثيقة كمبل ال�سرية (‪.)1907‬‬ ‫ثانياً‪ :‬توما�س �إدوارد لورن�س ودوره اخلطري يف خداع العرب (‪)1916 - 1913‬‬ ‫ثالثاً‪ 1915 :‬مذكرة �سرية بعنوان م�ستقبل فل�سطني‬ ‫و�سوف يت�ضح ملا بعد ا�ستعرا�ض هذه املحطات الثالث مدى �أهميتها وخطورتها وكيف �أنها‬ ‫مهدت الطريق التفاقية �سايك�س بيكو التي �ساهمت يف تق�سيم ال�شرق الأو�سط و�إعادة ر�سم‬ ‫اخلرائط اجلغرافية اخلا�صة به‪.‬‬ ‫�أوالً‪ :‬وثيقة كمبل ال�رسية‬

‫تعترب وثيقة «هرني كامبل برنمان» رئي�س وزراء بريطانيا (‪ )1908 - 1905‬من اوىل الوثائق‬ ‫التي حتمل ا�سرتاتيجية تفكيك لل�شرق الأو�سط‪ ،‬مثلما ورد يف وثيقة ال�سري واملعروفة بوثيقة‬ ‫«كامبل ال�سرية» والتي انبثقت عن م�ؤمتر عام ‪ 1907‬وجاء فيها‪:‬‬ ‫«ب�أنه من املهم �إقامة حاجز قوي وغريب على اجل�سر الذي يربط البحر الأبي�ض بالبحر الأحمر»‪.‬‬

‫وثيقة كمبل ال�سرية ‪1907‬‬ ‫‪40‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫حدث هذا عندما قام حزب املحافظني الربيطاين عام ‪ 1905‬بتوجيه الدعوة �إىل كل من‬ ‫يتم من خالله و�ضع �سيا�سة لهذه الدول‬ ‫فرن�سا وهولندا وبلجيكا وا�سبانيا و�إيطاليا لعقد م�ؤمتر ّ‬ ‫اال�ستعمارية جتاه العامل وبالذات جتاه العامل العربي‪ .‬ويف عام ‪ 1907‬انبثقت وثيقة �سرية عن‬ ‫�سموها «وثيقة كامبل» ن�سبة �إىل رئي�س الوزراء الربيطاين �آنذاك «هرني كامبل‬ ‫هذا امل�ؤمتر ّ‬ ‫برنمان»‪ ‬تهدف �إىل �إقامة الكيان ال�صهيوين يف فل�سطني‪ ،‬وال�سيطرة على املوقع اجليوا�سرتاتيجي‬ ‫الهام للوطن العربي وعلى قناة ال�سوي�س‪ ،‬ونهب ثرواته الطبيعية واحليلولة دون تطوره ودون‬ ‫حتقيق الوحدة العربية‪ .‬وجاء يف هذه الوثيقة‪:‬‬ ‫«�إن البحر الأبي�ض املتو�سط هو ال�شريان احليوي لال�ستعمار‪ ،‬لأنه اجل�سر الذي ي�صل ال�شرق‬ ‫بالغرب واملمر الطبيعي �إىل القارتني الآ�سيوية والإفريقية وملتقى طرق العامل و�أي�ضاً هو مهد‬ ‫الأديان واحل�ضارات‪ .‬ويعي�ش على �شواطئه اجلنوبية وال�شرقية بوجه خا�ص �شعب واحد تتوفّر‬ ‫له وحدة التاريخ والدين والل�سان»‪.‬‬ ‫و�إن �أبرز ما جاء يف تو�صيات هذا امل�ؤمتر الإبقاء على �شعوب هذه املنطقة مفككة جاهلة‬ ‫مت�أخرة‪ .‬وعلى هذا الأ�سا�س قاموا بتق�سيم دول العامل بالن�سبة اليهم �إىل ثالث فئات‪:‬‬ ‫الفئة الأوىل‪ :‬دول احل�ضارة الغربية امل�سيحية (دول �أوروبا و�أمريكا ال�شمالية و�أ�سرتاليا)‪ .‬الفئة‬ ‫الثانية‪ :‬دول ال تقع �ضمن احل�ضارة الغربية امل�سيحية‪ ،‬ولكن ال يوجد ت�صادم ح�ضاري معها‬ ‫وال ت�شكل تهديداً عليها (كدول �أمريكا اجلنوبية واليابان وكوريا وغريها)‪.‬‬ ‫الفئة الثالثة‪ :‬دول ال تقع �ضمن احل�ضارة الغربية امل�سيحية ويوجد ت�صادم ح�ضاري معها‬ ‫وت�شكل تهديداً لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية ب�شكل خا�ص والإ�سالمية ب�شكل‬ ‫عام)‪ .‬والواجب جتاه هذه الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكت�ساب العلوم واملعارف‬ ‫التقنية وعدم دعمها يف هذا املجال‪ ،‬وحماربة �أي اجتاه من هذه الدول المتالك العلوم التقنية‬ ‫وحماربة �أي توجه وحدوي فيها‪.‬‬ ‫ولتحقيق ذلك دعا امل�ؤمتر �إىل �إقامة دولة يف فل�سطني تكون مبثابة حاجز ب�شري قوي وغريب‬ ‫ومعا ٍد يف�صل اجلزء الإفريقي من هذه املنطقة عن الق�سم الآ�سيوي والذي يحول دون حتقيق‬ ‫وحدة هذه ال�شعوب �أال وهي دولة �إ�سرائيل واعتبار قناة ال�سوي�س قوة �صديقة للتدخل‬ ‫الأجنبي و�أداة معادية ل�سكان املنطقة‪.‬‬ ‫وي�شكل هذا امل�ؤمتر النواة الأ�سا�سية والتي انبثق عنها كل من اتفاقية “�سايك�س بيكو”‬ ‫و”وعد بلفور” وم�ؤمتر فر�ساي( ) وم�ؤمتر «�سان رميو»( ) و»معاهدة �سيفر»( ) و»معاهدة‬ ‫‪25‬‬

‫‪26‬‬

‫‪27‬‬

‫‪41‬‬


‫لوزان»‪ ) ( ‬وب�صدور قرار التق�سيم ‪ 181‬بتاريخ ‪ 1947 /11 /29‬و�إعالن قيام دولة �إ�سرائيل‬ ‫بتاريخ ‪ 1948 /5 /15‬وبتاريخ ‪ 1949 /5 /11‬تبو�أت �إ�سرائيل مقعدها يف الأمم‪ ‬املتحدة‬ ‫ب�صفتها الع�ضو ‪ 59‬يف املنظمة الدولية‪.‬‬ ‫كما فتحت وثيقة كمبل الباب على م�صراعيه للحركة ال�صهيونية ال�ستخدام وتعميم م�صطلح‬ ‫ال�شرق الأو�سط‪ ،‬بدي ًال للوطن الواحد وال�شعب الواحد والأمة الواحدة‪ ،‬نظراً لأنه ملتقى‬ ‫القارات الثالث و ُي�شرف على �أهم املمرات املائية كقناة ال�سوي�س‪ ،‬وم�ضيق باب املندب‪،‬‬ ‫واخلليج‪ ،‬وخليج العقبة وم�ضيق هرمز‪ ،‬ويختزن �أكرث من ثلثي احتياطي النفط العاملي‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬توما�س �إدوارد لورن�س ال�شهري بلوران�س العرب‬

‫‪29‬‬

‫ومل يقف االهتمام بق�ضية ال�شرق الأو�سط وطريقة ال�سيطرة عليه عند حد الكتب و�إ�صدار‬ ‫القرارات بل ت�ساعد الأمر لأخطر من ذلك هو حياكة امل�ؤامرات من داخل ال�شرق الأو�سط‬ ‫عن طريق اال�ستخبارات الربيطانية بالتعاون مع احلركة ال�صهيونية‪ .‬وانا هنا احتدت عن‬ ‫لوران�س العرب الذي ا�ستطاع بطرقه اخلبيثة خداع العرب وت�سبب يف اتفاقية �سايك�س بيكو‬ ‫لتق�سيم ال�شرق الأو�سط‪ ،‬وبد�أت امل�ؤامرة عندما ا�ستدعت القيادة الإنكليزية �أ�صحاب اخلربة‬ ‫يف البالد العربية ومنهم لورن�س الذي التحق ب�سلك املخابرات الع�سكرية‪ ،‬وعندما دخلت‬ ‫تركيا احلرب يف �أواخر عام ‪ 1913‬عُينّ لورن�س يف القاهرة م�شرفاً على �شبكة للتج�س�س كان‬ ‫هو يختار �أع�ضاءها بنف�سه‪ ،‬ومن ُمهماته تهيئة اخلرائط الع�سكرية و�ضبط وتنظيم املعلومات‬ ‫الواردة التي ُت�ؤخذ من الأ�سرى والفارين من اجلي�ش العثماين وتن�سيقها مع املعلومات‬ ‫الواردة من اجلوا�سي�س‪.‬‬ ‫هم لورن�س يف ذلك الوقت الت�أثري على زعماء العرب وك�سب و ّد الع�شائر والقبائل‬ ‫وكان ّ‬ ‫لدفعهم للقيام بالثورة ولو من خالل لب�س لبا�سهم و�سلك �سلوكهم كي ّ‬ ‫يتمكن من �أن‬ ‫أعده لتعليم‬ ‫التحكم بهم حتكم اال�ستعماريني بال�شعوب‪ .‬يقول يف كتيب «البنود ‪ »27‬الذي � ّ‬ ‫ال�ضباط على طرق التحكم بالعرب‪:‬‬ ‫«�إذا �أمكنك لب�س ِلبا�س العرب عندما تكون بني رجال القبائل ف�إ ّنك تك�سب بذلك ثقتهم»‪.‬‬ ‫وبهذا تع ّلم لغتهم وتغلغل يف جمتمعاتهم و�صحاريهم و�سار يف طرقهم و�أ�سفارهم واختلط‬ ‫بقبائلهم وبدوهم‪ ،‬فدر�سهم وك�سب ثقة الأغبياء منهم وعرف نقط �ضعفهم وا�ستغلها‬ ‫مل�صلحة بالده‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫وقد اعرتف لوران�س وعلى ل�سانه ب�أنه خدع العرب يف كتابه ال�شهري (�أعمدة احلكمة ال�سبعة)‪،‬‬ ‫حيث قال‪:‬‬ ‫«�أما ال�شرف فقد فقدته يوم �أكدت للعرب ب�أن بريطانيا �ستحافظ على وعودهم‪ .‬لقد جازفت‬ ‫بخديعة العرب‪ ,‬العتقادي �أن م�ساعدتهم �ضرورية النت�صارنا القليل الثمن يف ال�شرق‪,‬‬ ‫والعتقادي �أن ك�سبنا للحرب مع احلنث بوعودنا �أف�ضل من عدم االنت�صار‪ .‬و�إين �أكرث ما �أكون‬ ‫فخوراً �أن الدم االجنليزي مل ي�سفك يف املعارك التي خ�ضتها لأن جميع الأقطار اخلا�ضعة لنا‬ ‫(�أي العرب)‪ ،‬مل تكن ت�ساوي يف نظري موت اجنليزي واحد»‪.‬‬ ‫�سري كتبه لورن�س عام ‪ 1916‬بعنوان «�سيا�سة مكة» �أو�ضح فيه ر�أيه يف ثورة‬ ‫يف تقرير ّ‬ ‫العرب‪�« :‬إنّ ن�شاط احل�سني مفيد لنا �إذ �إ ّنه ين�سجم مع �أهدافنا الكبرية‪ ،‬وهي تفكيك الرابطة‬ ‫الإ�سالمية وهزمية الإمرباطورية العثمانية وانحاللها‪ ،‬لأنّ الدول التي �ستن�ش�أ لتخلف الأتراك‬ ‫لن ت�شكل �أي خطر على م�صاحلنا‪ ...‬ف�إذا ّمتكنا من التحكم بهم ب�صورة �صحيحة‪ ،‬ف�إنهم‬ ‫�سيبقون منق�سمني �سيا�سياً �إىل دويالت حت�سد بع�ضها البع�ض وال ميكن �أن تتحد»‪.‬‬ ‫املحملة‬ ‫خدع توما�س العرب وعمل على حتطيم قوى اجلي�ش العثماين ون�سف القطارات ّ‬ ‫بالذخائر‪ ،‬فلما انتهت املعركة و�أعلن «لورد اللنبي» يف القد�س (‪:)1917‬‬ ‫«الآن انتهت احلروب ال�صليبية» و�أعلن «غورو» يف دم�شق قولته‪« :‬ها نحن قد ُعدنا يا �صالح‬ ‫الدين»‪.‬‬ ‫عمد لورن�س �إىل �أعظم �سرقة حني �سلب من قرب �صالح الدين �إكلي ًال من الذهب كان قد‬ ‫ّقدمه له الإمرباطور غليوم يوم زيارته لدم�شق‪ .‬وملا جنحت خطط اال�ستعمار الربيطاين‪ ،‬اجته‬ ‫بجهوده لإجناح خطط ال�صهيونية و�أقنع في�صل باالجتماع بـ ويزمان زعيم اليهود‪.‬‬ ‫كان لورن�س ي�ؤمن �أن الثورة العربية هي تقطيع �أو�صال الدولة العثمانية و�إيقاع اخلالف بني‬ ‫العرب والرتك وفتح الطريق �أمام ال�صهيونية �إىل فل�سطني‪.‬‬ ‫جاء يف تقرير �سري لـ (لوران�س العرب) بعنوان (احتالل �سورية) ما يلي حرفياً‪:‬‬ ‫«�إن �شئنا �ضمان ال�سالم يف جنوب �سورية‪ ،‬وال�سيطرة على جنوب بالد ما بني النهرين وجميع‬ ‫املدن املقد�سة‪ ،‬فيجب �أن نحكم دم�شق مبا�شرة»‪.‬‬ ‫وان�ضم �إىل القوى‬ ‫وبعد ف�شل امل�ؤمتر ونكث بريطانيا بوعودها لهم‪ ,‬رجع (لوران�س) �إىل بريطانيا ّ‬ ‫وغي يف الوقت نف�سه ا�سمه �إىل (ت‪�.‬أ‪�.‬شو)‪.‬‬ ‫اجلوية با�سم م�ستعار (رو�س)‪ ,‬رَّ‬ ‫‪43‬‬


‫ثالثا ً‪ :‬مذكرة �رسية بعنوان م�ستقبل فل�سطني‬

‫ويف يناير عام ‪ 1915‬قدمت ملجل�س الوزراء الربيطاين مذكرة �سرية بعنوان م�ستقبل فل�سطني‪،‬‬ ‫كتبها �أول �صهيوين يهودي ي�صل �إىل من�صب وزير بريطاين «هريبرت �صموئيل» – وكانت‬ ‫املذكرة ال�سرية على فل�سطني بعد مناق�شات مع وايزمان ولويد جورج‪ .‬وكانت حتتوي‬ ‫على حجج ل�صالح اجلمع بني ال�ضم الربيطاين لفل�سطني مع الدعم الربيطاين للتطلعات‬ ‫ال�صهيونية‪ .‬ويعترب �صموئيل هو الذي خلق �إ�سرائيل قانونياً فلقد و�ضع حوايل ‪ 100‬قانون‬ ‫لت�سريب الأرا�ضي العربية لأيادي اليهود ‪ -‬جاء يف الوثيقة‪:‬‬ ‫«الوقت احلا�ضر لي�س منا�سباً لإن�شاء دولة يهودية‪ ..‬وامل�أمول �أن مينح احلكم الربيطاين‬ ‫ت�سهيالت للمنظمات اليهودية يف �شراء الأرا�ضي و�إقامة امل�ستعمرات و�إن�شاء امل�ؤ�س�سات‬ ‫الدينية والرتبوية‪ ،‬والتعاون يف التطور االقت�صادي للبالد‪ ،‬و�أن تعطى الهجرة اليهودية‪ ،‬بعد‬ ‫�ضبطها بعناية فائقة‪ ،‬الأف�ضلية حتى يتمكن ال�سكان اليهود من مرور الوقت من �أن ي�صبحوا‬ ‫�أكرثية م�ستوطنة يف البالد وبذلك ينالون مقداراً من احلكم الذاتي وفقاً ملا تتيحه الظروف‬ ‫( )‬ ‫القائمة يف ما بعد»‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫اتفاقية �سايك�س بيكو ‪1916‬‬

‫خريطة اتفاق �سايك�س بيكو كانت �سرية ومغلقة يف ر�سالة بول�س كامبون �إىل ال�سري �إدوارد غراي‪ 9 ،‬مايو ‪..1916‬‬ ‫‪44‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫كانت تفاهماً �سرياً بني‪ ‬فرن�سا‪ ‬واململكة املتحدة‪ ‬مب�صادقة من‪ ‬الإمرباطورية الرو�سية‪ ‬على‬ ‫اقت�سام‪ ‬الهالل اخل�صيب‪ ‬بني‪ ‬فرن�سا‪ ‬وبريطانيا‪ ‬لتحديد مناطق النفوذ يف غرب �آ�سيا بعد‬ ‫تهاوي‪ ‬الإمرباطورية العثمانية‪ ،‬امل�سيطرة على هذه املنطقة‪ ،‬يف‪ ‬احلرب العاملية الأوىل‪ .‬مت‬ ‫الو�صول �إىل هذه االتفاقية بني‪ ‬نوفمرب‪ ‬من عام‪ 1915 ‬ومايو‪ ‬من عام‪ 1916 ‬مبفاو�ضات �سرية‬ ‫بني الدبلوما�سي الفرن�سي‪« ‬فران�سوا جورج بيكو”‪ ‬والربيطاين “مارك �سايك�س»‪ ،‬وكانت‬ ‫على �صورة تبادل وثائق تفاهم بني وزارات خارجية فرن�سا وبريطانيا‪ ‬ورو�سيا‪ ‬القي�صرية‬ ‫�آنذاك‪.‬‬ ‫ولقد ّمت تق�سيم منطقة الهالل اخل�صيب مبوجب االتفاق‪ ،‬وح�صلت فرن�سا على اجلزء الأكرب‬ ‫من اجلناح الغربي من الهالل (�سوريا ولبنان) ومنطقة املو�صل يف العراق‪� .‬أما بريطانيا‬ ‫فامتدت مناطق �سيطرتها من طرف بالد ال�شام اجلنوبي متو�سعاً باالجتاه �شرقاً لت�ضم بغداد‬ ‫والب�صرة وجميع املناطق الواقعة بني اخلليج العربي واملنطقة الفرن�سية يف �سوريا‪ .‬كما تقرر �أن‬ ‫تقع فل�سطني حتت �إدارة دولية يتم االتفاق عليها بالت�شاور بني بريطانيا وفرن�سا ورو�سيا‪ .‬ولكن‬ ‫االتفاق ن�ص على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا على �أن يكون لفرن�سا حرية ا�ستخدام‬ ‫ميناء حيفا‪ ،‬ومنحت فرن�سا لربيطانيا باملقابل ا�ستخدام ميناء اال�سكندرونة الذي كان �سيقع‬ ‫يف حوزتها‪.‬‬ ‫تقرر ترك فل�سطني ككونفدرالية دولية (منطقة دولية) انتظاراً لقرار رو�سيا و�شريف‬ ‫وقد ّ‬ ‫مكة ح�سني بن علي والذي كان بدوره و�صل لتفاهم مع ال�سري «مكماهون» املفو�ض‬ ‫الإجنليزي يف تلك الفرتة حول الأرا�ضي العربية حتت االحتالل العثماين‪ ،‬والتي‬ ‫�سمى بتفاهم احل�سني ‪ -‬مكماهون ‪Hussein-McMahon‬‬ ‫�أ�صبحت الآن تابعة لهم فيما ُي ّ‬ ‫‪Correspondence‬‬

‫حيث وعد مكماهون‪ ،‬ح�سني بن علي باعرتاف بريطانيا ب�آ�سيا العربية كاملة دولة عربية‬ ‫م�ستقلة‪� ،‬إذا �شارك العرب يف احلرب �ضد الدولة العثمانية‪ .‬وهذا ما مت خالل الثورة العربية‬ ‫الكربى‪ .‬ر�أى القوميون العرب وعود مكماهون يف ر�سائله على �أنها عهد باال�ستقالل الفوري‬ ‫للعرب‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫ن�ص املن�شور الذي �ألقته الطائرات الربيطانية وموجه من ال�شريف ح�سني �إىل اجلنود وال�ضباط العرب يف‬ ‫اجلي�ش الرتكي يف فل�سطني �سنة ‪1915‬‬

‫كما وعد «مكماهون» �شريف مكة باالعرتاف بالأرا�ضي العربية التي كانت حتت االحتالل‬ ‫العثماين والإعالن عن ا�ستقاللها‪ .‬لكن هذه الوعود مت خرقها بتق�سيم فرن�سا وبريطانيا‬ ‫للمنطقة باتفاقية �سايك�س بيكو ال�سرية يف مايو ‪( 1916‬والتي ك�شف عنها عام ‪ 1917‬مع‬ ‫و�صول ال�شيوعيني �إىل احلكم يف رو�سيا)‪ ،‬والتي تن�ص على اقت�سام الهالل اخل�صيب بني‬ ‫فرن�سا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ يف غرب �آ�سيا بعد تهاوي الدولة العثمانية‪ ،‬امل�سيطرة‬ ‫على هذه املنطقة‪ ،‬يف احلرب العاملية الأوىل‪.‬‬ ‫وقد ّمت الك�شف عن اتفاق �سايك�س بيكو بو�صول ال�شيوعيني �إىل �سدة احلكم يف رو�سيا‬ ‫عام ‪ ،1917‬مما �أثار ال�شعوب التي مت�سها االتفاقية و�أحرج فرن�سا وبريطانيا وكانت ردة الفعل‬ ‫ال�شعبية – الر�سمية العربية املبا�شرة قد ظهرت يف‪ ‬مرا�سالت ح�سني ــــ مكماهون(‪.)31‬‬ ‫ويف ‪ 1917 - 2-11‬وافق جمل�س الوزراء الربيطاين برئا�سة ديفيد لويد جورج على �إ�صدار‬ ‫قومي لليهود يف فل�سطني(‪ .)32‬كتب الوعد على �صورة ر�سالة‬ ‫وعد بريطاين على �إن�شاء وطن ّ‬ ‫‪46‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫وزير اخلارجية �آرثر بلفور �إىل الوزير ال�صهيوين ليون روت�شيلد‬ ‫كما �أعلنت من خالله ن ّيتها بذل ّ‬ ‫كل اجلهد الالزم من �أجل ت�سهيل حتقيق هذه الغاية‪.‬‬ ‫مهما � ْأ�س َه َم يف ت�سهيل هجرة اليهود �إىل فل�سطني‪ ،‬ويف دعم م�ساعي‬ ‫كان هذا الت�صريح �إطاراً ٍّ‬ ‫احلركة ال�صهيون ّية املتالحقة يف �سبيل ت�أ�سي�س م� ّؤ�س�ساتها ال�سيا�س ّية واالجتماع ّية وخلق نواة‬ ‫الدولة اليهود ّية‪.‬‬ ‫�أول حماولة �أمريكية لر�سم خريطة ال�رشق الأو�سط‬

‫وثيقة هرني كينج وت�شارلز كرين‬

‫مع انتهاء احلرب العاملية الأوىل واثناء الإعداد مل�ؤمتر ال�سالم يف باري�س ار�سل الرئي�س الأمريكي‬ ‫ويل�سون جلنة برئا�سة االكادميي «هرني كينج « وال�سيا�سي «ت�شارلز كرين» �إىل ال�شرق الأو�سط‬ ‫لدرا�سة الو�ضع‪.‬‬ ‫بعد ثالثة �أ�سابيع زار فيها املبعوثان ‪ 36‬مدينة‪ ،‬والتقيا القيادات املحلية والدينية يف �سوريا‬ ‫ولبنان وفل�سطني وجنوب تركيا‪ ،‬اقرتح فريقهما �أن تنق�سم الأرا�ضي وفقاً لهذه اخلريطة‪:‬‬

‫خرطة كينج لتق�سيم ال�شرق الأو�سط عام ‪1919‬‬

‫ووا�صلت اللجنة جولتها يف املدن والقرى الفل�سطينية حيث تعرفت على مواقف خمتلف‬ ‫الأطراف‪ ،‬ثم �سافرت �إىل دم�شق و�أجرت فيها ا�ستفتاء �شمل العلماء وممثلي الطوائف واحلرف‬ ‫‪47‬‬


‫ت�ضمنت املطالب‬ ‫وممثلي جمل�س ال�شورى وغريهم‪ ،‬وت�س َّلمت مذكرة من امل�ؤمتر ال�سوري العام َّ‬ ‫العربية الأ�سا�سية‪ ،‬كما انتقلت اللجنة �إىل �شرق الأردن وبريوت واطلعت على �آراء ال�سكان‬ ‫توجهت بعد ذلك �إىل الآ�ستانة‪ ،‬حيث عكفت على درا�سة املذكرات والوثائق التي‬ ‫هناك‪ .‬ثم َّ‬ ‫تلقتها وبلغت ‪ 1863‬مذكرة‪ ،‬وانتهت من و�ضع تقريرها يف �أغ�سط�س ‪.1919‬‬

‫ن�شر �أول تقرير يف جملة “املحرر والنا�شر” يف دي�سمرب كانون الأول عام ‪ .1922‬وقد و�صفت‬ ‫اجلريدة الوثيقة باعتباره «وثيقة قمع ر�سمية من حكومة الواليات املتحدة»‪ .‬وبالرغم من �أن‬ ‫الوثيقة كانت يف عام ‪ 1919‬اال انها مل تن�شر حتى عام ‪ 1922‬وقام بكتابتها «هرني ت�شر�شل‬ ‫كينغ وت�شارلز كرين» ومل ُين�شَ ر تقرير جلنة كينج ر�سمياً كام ًال �إال عام ‪.1947‬‬ ‫قدما تقريراً جاء يف تو�صياته‪:‬‬

‫«�إذا �أردنا تطبيق مبادئ العدالة الأمريكية ف�إن �أماين ال�شعب الفل�سطيني هي التي يجب ان‬ ‫تقرر م�ستقبل فل�سطني‪� .‬إن ت�سع اع�شار ال�سكان يف فل�سطني يعار�ضون برنامج ال�صهيونية وهذا‬ ‫ال�شعور عام يف جميع �سوريا‪ .‬لقد اكد كل م�س�ؤول بريطاين ان برنامج ال�صهيونية ال ميكن‬ ‫تنفيذه �إال بقوة ال�سالح و�أن هناك حاجة عن ما ال يقل عن ‪ 50‬الف جندي للبدء يف تنفيذ‬ ‫هذه الربنامج‪ .‬ولذلك نو�صي بالتايل عن فكرة جعل فل�سطني كومنويلث يهودي»‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫وكانت �أهم تو�صيات اللجنة‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ �ضرورة حتديد الهجرة اليهودية �إىل فل�سطني والعدول نهائياً عن اخلطة الرامية �إىل جعلها‬ ‫دولة يهودية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ �ضم فل�سطني �إىل دولة �سوريا املتحدة لتكون ق�سماً منها‪.‬‬ ‫املقد�سة يف فل�سطني حتت �إدارة جلنة دولية ت�شرف عليها الدولة املنتدبة‬ ‫‪ 3‬ـ و�ضع الأماكن َّ‬ ‫وع�صبة الأمم‪ ،‬وميثِّل اليهود فيها بع�ضو واحد‪.‬‬ ‫وقد قوبل تقرير اللجنة بالرف�ض التام من جانب فرن�سا وبريطانيا واحلركة ال�صهيونية‪� .‬أما‬ ‫الواليات املتحدة ـ التي كان رئي�سها �صاحب فكرة �إر�سال اللجنة ـ فلم ُتعر انتباهاً هي الأخرى‬ ‫لتو�صيات اللجنة‪ ،‬رغم ما ن�ص عليه تقريرها من �أن امل�شروع ال�صهيوين يناق�ض مبد�أ الرئي�س‬ ‫ويل�سون ب�ش�أن حرية ال�شعوب يف تقرير م�صريها‪ .‬و�إذا و�ضعنا يف االعتبار �أن ويل�سون نف�سه‬ ‫كان قد وافق على ت�صريح بلفور قبل �إعالنه‪ ،‬ف�ستت�ضح على الفور حقيقة املوقف الأمريكي‬ ‫وحقيقة �أن تلك املبادئ مل تكن يف الواقع �إال �ستاراً للم�صالح اال�ستعمارية‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة لربيطانيا ففي عام ‪ ،1920‬ع ّينت اول حاكم بريطاين لفل�سطني ووقع اختيار‬ ‫احلكومة الربيطانية ملن�صب املندوب ال�سامي الربيطاين على اليهودي ال�صهيوين «هربرت‬ ‫�صموئيل»‪ .‬وقد جاء �صموئيل ليطبق ما اقرتحه منذ خم�سة اعوام وهو تهيئة فل�سطني لتكون‬ ‫دولة يهودية‪ ،‬حيث كانت املادة الثانية من بنود �صك االنتداب الربيطاين الذي �صادقت‬ ‫عليه ع�صبة الأمم تن�ص على‪:‬‬ ‫�أوال‪« :‬تكليف بريطانيا بو�ضع البالد يف حالة �سيا�سية و�إدارية واقت�صادية ت�سمح ب�إن�شاء‬ ‫الوطن القومي اليهودي ومنذ اليوم االول اعترب �صموئيل اللغة العربية هي اللغة الر�سمية‬ ‫بجانب العربية واالجنليزية و�أ�ضاف �إىل كلمة فل�سطني بالعربية א’’י كرمز لكلمتي “ايرت�س‬ ‫ي�سرائيل” اي “�أر�ض �إ�سرائيل “‪.‬‬ ‫ثانياً‪� :‬سمح لليهود ب�أن يكون لهم نظام تعليم منف�صل عن نظام حكومة فل�سطني وبنوا اي�ضاً‬ ‫نواة وزارة الطاقة واي�ضاً وزارة الأ�شغال ووزارة املياه‪.‬‬ ‫واهم ما عمله االجنليز لليهود هو �أن �سمحوا لهم ب�أن يكون لهم جي�ش منف�صل عام ‪.1920‬‬ ‫فقد حمت بريطانيا الوكالة اليهودية والتي كانت مبثابة احلكومة اليهودية وقت االنتداب‬ ‫و�أعطوها كل امل�ساعدات املادية و�ساعدوا على �إخفاء نف�سها فهي مهارة �صهيونية م�ؤامرة‬ ‫‪49‬‬


‫بريطانية وب�ساطة عربية فل�سطينية‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 1921‬ومع التحيز الربيطاين لليهود وازدياد عدد الفالحني املطرودين من االرا�ضي‬ ‫الزراعية بد�أت جمموعات من الثوار يف الظهور يف املناطق الريفية‪ ،‬ونظمت مظاهرات حا�شدة‬ ‫�ضد ال�صهاينة‪ .‬ويف عام ‪ 1933‬ت�صاعدت املظاهرات واالحتجاجات ال�شعبية يف فل�سطني‬ ‫ولكن ال�سلطات الربيطانية قمعتها‪.‬‬ ‫�أدرك بع�ض ال�صهيونيني من ذوي الثقافة «الليربالية»( ) �أن حتقيق الهدف ال�صهيوين‬ ‫ب�إقامة وطن يف فل�سطني؛ �سيكون باعثاً على خلق �سل�سلة طويلة من �أحداث ال�صراع‬ ‫الدموي بني العرب واليهود‪ ،‬وكان من الأف�ضل بالن�سبة لهم �أن يعي�ش العرب واليهود‬ ‫يف �سالم دائم على �أر�ض فل�سطني‪ ،‬لذلك بد�أت امل�ساعي ال�صهيونية لالتفاق مع‬ ‫العرب يف �أواخر القرن املا�ضي (الع�شرين)‪ ،‬ومل تتمخ�ض االت�صاالت ال�صهيونية‬ ‫العربية يف تلك الفرتة ال�سابقة على ن�شوب “الثورة الفل�سطينية الكربى”( )عن �أي‬ ‫اتفاق‪ ،‬كما �أفادت الوكالة اليهودية املندوب ال�سامي الربيطاين – �سري �آرثر واكهوب‬ ‫منذ �أغ�سط�س عام ‪ 1933‬مبعار�ضتها لأي �إ�صالح د�ستوري يف �سبيل �إقامة حكم ذاتي‬ ‫يف البالد‪ ،‬وبالتايل رف�ض فكرة �إن�شاء جمل�س ت�شريعي يف فل�سطني التي طالب العرب‬ ‫بتنفيذها‪.‬‬ ‫وطرحت على ال�ساحة ال�صهيونية وقتئذ فكرة النقل ال�سكاين كبديل لفكرة �إقامة الدولة‬ ‫ثنائية القومية يف فل�سطني‪ ،‬ويف عام ‪� 1937‬أقرت جلنة بيل مبد�أ ترحيل الفل�سطينيني من‬ ‫ارا�ضيهم عند ال�ضرورة‪ ،‬ويف عام ‪� 1938‬سمحت بريطانيا لليهود بحمل ال�سالح للدفاع عن‬ ‫النف�س بحجة انهم اقلية‪ .‬وكانت نتيجة هذا االقرتاح مبد�أ من �أهم ا�س�س امل�شروع ال�صهيوين‬ ‫ان الغاية تربر الو�سيلة‪ ،‬انه يف عام ‪ 1940‬و�صلت ميناء حيفا ال�سفينة الفرن�سية «باتريا» وعلى‬ ‫متنها قرابه الـ ‪ 1800‬مهاجر يهودي غري قانوين فقررت احلركة ال�صهيونية تفجري جانب‬ ‫من ال�سفينة لإجبار اجلانب الربيطاين على �إدخال املهاجرين غري ال�شرعيني حيث قتل يف‬ ‫العملية ‪ 240‬يهودياً‪.‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪34‬‬

‫بداية امل�ؤامرة الأمريكية ال�صهيونية‬

‫�أدرك اليهود تغري املوازين الدولية‪ ..‬فنقلوا مركز ثقلهم �إىل �أمريكا وعقدوا م�ؤمترهم ال�صهيوين‬ ‫يف نيويورك بتاريخ ‪ 9‬مايو ‪ 1942‬وهو امل�ؤمتر الذي �صار يعرف با�سم م�ؤمتر بلتيمور‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫وثيقة بلتمور‬

‫برنامج بيلتمور هو برنامج من قبل م�ؤمتر قادة اعتمدت ال�صهيونية‪ ،‬الذي اختري فندق بلتيمور‬ ‫يف نيويورك‪ ،‬الذي عقد يف مايو عام ‪ .1942‬امل�ؤمتر من قبل رئي�س املنظمة ال�صهيونية الأمريكية‪،‬‬ ‫�أبا هيلل �سيلفر‪ ،‬بالتعاون مع الرئي�س من منظمة ال�صهيونية العاملية‪ ،‬حاييم وايزمان‪ ،‬ورئي�س‬ ‫الوكالة اليهودية‪ ،‬ديفيد بن غوريون‪.‬‬ ‫و�إذا كان وعد بلفور ميثل قاعدة انطالق اليهود يف حتقيق �أحالمهم مع بريطانيا‪ ،‬ف�إن م�ؤمتر‬ ‫بلتيمور مثل فر�صة لتثبيت دعائم دولة اليهود يف فل�سطني‪ .‬ولقد انتزعوا ت�صريحاً ر�سمياً‬ ‫(بهذه املطالب) من فرانلكني روزفلت رئي�س اجلمهورية الأمريكية بتاريخ ‪ 16‬مار�س ‪1944‬م‪.‬‬ ‫وكانت �أهم قرارات هذا امل�ؤمتر الذي لعب فيه بن غوريون دوراً حا�سماً هي‪:‬‬ ‫■ تهجري اليهود �إىل فل�سطني لتحقيق الأكرثية‪.‬‬ ‫■ رف�ض الكتاب الأبي�ض وحتقيق وعد بلفور و�صك االنتداب ب�إقامة الدولة اليهودية يف‬ ‫فل�سطني‪.‬‬ ‫■ �إن�شاء جي�ش يهودي‪ ،‬تعرتف به الدولة‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫وحددوا حدودها كما يلي‪:‬‬ ‫■ الإ�سراع يف �إن�شاء دولة �إ�سرائيل يف فل�سطني‪ّ ،‬‬ ‫(متتد حدود الدولة اليهودية املزمع �إن�شا�ؤها من ميناء �صيدا �شما ًال �إىل العري�ش جنوباً على‬ ‫�ساحل البحر الأبي�ض‪� ،‬إىل ميناء العقبة وخليجها على البحر الأحمر‪ .‬ولي�س نهر الأردن حداً‬ ‫للدولة اليهودية بل هو عمودها الفقري‪ ،‬فهي متتد �إىل ما وراءه بحيث ت�ضم املقاطعة املعروفة‬ ‫ب�شرق الأردن‪ ،‬وحتى اجلبال امل�شرفة على باديتي ال�شام واحلجاز‪� .‬إن املناطق املتاخمة لهذه‬ ‫احلدود‪ ،‬يجب �أن تدخل يف �أي حال من الأحوال يف دائرة نفوذ الدولة اليهودية بعد �إن�شائها‬ ‫وتثبيت دعائمها بحيث تب�سط نفوذها اقت�صادياً و�سيا�سياً على بيداء ال�شام حتى نهر الفرات‬ ‫�شماال و�شرقا‪ ،‬وحتى �أطراف �سيناء وجبل ال�سوي�س جنوباً‪ .‬فهذه املناطق هي املجال احليوي‬ ‫الذي ال بد منه للدولة اليهودية املقبلة)‪.‬‬ ‫وبعد بلتيمور �أ�صدرت احلركة ال�صهيونية من�شوراً با�سم اجلمعية الع�سكرية اليهودية تعلن‬ ‫فيه فتح �أبواب فل�سطني لليهود‪ ،‬كما تعلن �أن غاية اليهود هي �إن�شاء مملكة اليهود الكربى يف‬ ‫وطنهم التاريخي و�إجبار بريطانيا على التخلي والرحيل عن فل�سطني‪ ،‬وقرنت القول بالفعل‪:‬‬ ‫فقد ن�سفوا ويف وقت واحد دائرة الهجرة يف كل من القد�س وتل �أبيب وحيفا يف ‪ 12‬فرباير‬ ‫‪.1944‬‬ ‫■ ون�سفوا دائرة الأرا�ضي وهاجموا دوائر البولي�س‪ ،‬واغتالوا عدداً من ال�ضباط الربيطانيني‪.‬‬ ‫■ ويف ‪ 6‬نوفمرب ‪ 1944‬قتلوا اللورد موين وزير الدولة الربيطاين يف القاهرة‪.‬‬ ‫ومل يوقف اليهود مقاومتهم لالحتالل الربيطاين �إال بعد �صدور قرار التق�سيم يف ‪ 29‬نوفمرب‬ ‫‪.1947‬‬ ‫قرار التق�سيم‬

‫يف نوفمرب ‪ 1947‬بلغ عدد الدول الأع�ضاء يف الأمم املتحدة ‪ 57‬دولة فقط‪ .‬ما زالت الدول‬ ‫املهزومة يف‪ ‬احلرب العاملية الثانية ‪� -‬أملانيا‪ ،‬اليابان‪ ‬وحلفائها ‪ -‬خا�ضعة ل�سلطات االحتالل‬ ‫�أو ممنوعة من االن�ضمام �إىل املنظمة الدولية‪� .‬أما �أغلبية دول القارة الإفريقية و�آ�سيا اجلنوبية‬ ‫ال�شرقية فما زالت خا�ضعة لل�سلطات اال�ستعمارية ومل تكن م�ستقلة‪ .‬و�شارك يف الت�صويت‬ ‫‪ 56‬دولة‪� ،‬أي جميع الدول الأع�ضاء با�ستثناء دولة واحدة هي مملكة‪� ‬سيام (تايلند حاليا)‪.‬‬ ‫وافقت الدول العظمى يف ذلك احلني ‪ -‬االحتاد ال�سوفياتي‪ ،‬الواليات املتحدة‪ ‬وفرن�سا‪ - ‬على‬ ‫خطة التق�سيم‪ ،‬با�ستثناء بريطانيا التي دارت �سلطة االنتداب والتي ف�ضلت االمتناع‪ .‬ومن بني‬ ‫‪52‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫الدول املعار�ضة للخطة كانت جميع الدول العربية والإ�سالمية وكذلك‪ ‬اليونان‪ ،‬الهند‪ ‬وكوبا‪.‬‬ ‫بذل زعماء احلركة ال�صهيونية جهوداً كبرية لإقناع الدول املرتددة‪ ،‬وا�ستعانوا بالديبلوما�سيني‬ ‫الداعمني للخطة داخل الأمم املتحدة من �أجل ت�أجيل الت�صويت من الـ‪� 26 ‬إىل الـ ‪ 29‬من‬ ‫نوفمرب‪ ،‬مما �أعطاهم الفر�صة لإقناع‪ ‬ليربيا‪ ،‬الفيليبني‪ ‬وهايتي‪ ‬بالت�صويت مع م�ؤيدي اخلطة‪،‬‬ ‫وت�أمني دعم ثلثني من الدول الأع�ضاء‪ ،‬وهي الن�سبة التي كانت الزمة لإقرار خطة التق�سيم‪.‬‬ ‫حاولت الدول العربية منع هذا الت�أجيل فتنازل مندوبوها عن �إلقاء خطاباتهم توفرياً للوقت‪،‬‬ ‫ولكن البعثة الأمريكية امل�ؤيدة خلطة التق�سيم �أ�صرت على ت�أجيل جل�سة الت�صويت �إىل ما‬ ‫بعد‪ ‬عيد ال�شكر‪ ‬الأمريكي الذي حل يف ذلك العام يف‪ 27 ‬نوفمرب‪.‬‬ ‫مع �أن اخلارجية الأمريكية قررت عدم ممار�سة ال�ضغوط على دول للزيادة من الدعم‪ ،‬مار�س‬ ‫بع�ض ال�سيا�سيني ورجال الأعمال الأمريكيني ال�ضغوط على الدول املرتددة التي كانت‬ ‫متعلقة اقت�صادياً بالواليات املتحدة‪.‬‬ ‫ليربيا‪:‬‬

‫فالذي �ضغط على ليربيا مث ًال كان املليونري الأمريكي امل�شهور هاريف �صمويل فاير�ستون‬ ‫‪� Harvey Samuel Firestone‬صاحب مزارع املطاط يف ليربيا و�صاحب م�صانع الإطارات‬ ‫امل�شهورة فاير�ستون ‪.Firestone‬‬ ‫يف م�ساء ‪ 29‬نوفمرب جرى الت�صويت فكان ثالثة وثالثون �صوتاً �إىل جانب التق�سيم‪ ،‬وثالثة‬ ‫�ضده وامتنعت ع�شر دول عن الت�صويت‪ ،‬وغابت دولة واحدة‪ ،‬وكانت الدول الـ‪33‬‬ ‫ع�شر �صوتاً ّ‬ ‫التي وافقت على القرار هي‪� :‬أ�سرتاليا‪ ،‬ا�سرتاليا بلجيكا‪ ،‬بوليفيا‪ ،‬الربازيل‪ ،‬بيلورو�سيا‪ ،‬كندا‪،‬‬ ‫كو�ستاريكا‪ ،‬ت�شيكو�سلوفاكيا‪ ،‬الدمنارك‪ ،‬الدومينيكان‪ ،‬االيكوادور‪ ،‬فرن�سا‪ ،‬غواتيماال هاييتي‪،‬‬ ‫�آي�سلندا‪ ،‬ليبرييا‪ ،‬لوك�سمبورغ‪ ،‬هولندا‪ ،‬نيوزيلندا‪ ،‬نيكوراغوا‪ ،‬الرنويج‪ ،‬بنما‪ ،‬الباراغوي‪ ،‬بريو‪،‬‬ ‫فيليبني‪ ،‬بولونيا‪ ،‬ال�سويد‪� ،‬أوكرانيا‪ ،‬جنوب �أفريقيا‪ ،‬االحتاد ال�سوفياتي‪ ،‬الواليات الأمريكية‬ ‫املتحدة‪ ،‬الأوروغواي وفنزويال‪.‬‬ ‫والدول الـ‪� 13‬ضد القرار‬ ‫هي �أفغان�ستان‪ ،‬كوبا‪ ،‬م�صر‪ ،‬اليونان‪ ،‬الهند‪� ،‬إيران‪ ،‬العراق‪ ،‬لبنان‪ ،‬باك�ستان وال�سعودية‪� ،‬سوريا‪،‬‬ ‫تركيا‪ ،‬اليمن‪.‬‬ ‫�أما الدول الع�شر التي امتنعت عن الت�صويت‬ ‫‪53‬‬


‫فهي‪ :‬الأرجنتني‪ ،‬ت�شيلي‪ ،‬ال�صني‪ ،‬كولومبيا‪� ،‬سلفادور‪� ،‬أثيوبيا‪ ،‬هندورا�س‪ ،‬املك�سيك‪ ،‬اململكة‬ ‫املتحدة ويوغو�سالفيا‪ .‬وغابت تايلند عن الت�صويت‪.‬‬ ‫وعندما �أعلنت النتيجة ان�سحب املندوبون العرب من االجتماع و�أعلنوا يف بيان جماعي‬ ‫رف�ضهم للخطة وا�ستنكارهم لها‪.‬‬ ‫قال وزير الدفاع الأمريكي �آنذاك «جيم�س فور�ستل» يف مذكراته تعليقاً على هذا املو�ضوع‪:‬‬ ‫«�إن الطرق امل�ستخدمة لل�ضغط ولإكراه الأمم الأخرى يف نطاق الأمم املتحدة كانت ف�ضيحة»‪.‬‬ ‫بحق‬ ‫رف�ضت القيادات العرب ّية والفل�سطين ّية قرار التق�سيم‪ ،‬واعتربته قراراً ظاملاً وجمحفاً ّ‬ ‫الفل�سطين ّيني‪ .‬ويف اخلام�س ع�شر من �أ ّيار عام ‪ ،1948‬اليوم املق َّرر الن�سحاب الق ّوات الربيطان ّية‬ ‫خ�ص�صه قرار‬ ‫من فل�سطني‪� ،‬أعلن دافيد بن غوريون قيام دولة �إ�سرائيل على اجلزء الذي ّ‬ ‫التق�سيم للدولة اليهود ّية‪ ،‬والذي ‪ -‬ح ّتى نهاية احلرب وتوقيع ا ّتفاق ّيات الهدنة يف ربيع عام‬ ‫لت�ضم �إ�سرائيل ‪ % 78‬من‬ ‫‪� - 1949‬ألحُ ِ َق به ‪ % 26‬من امل�ساحة َّ‬ ‫املخ�ص�صة للدولة العرب ّية‪ّ ،‬‬ ‫م�ساحة فل�سطني التاريخ ّية البالغة نحو ‪� 27‬ألف كيلو مرت مر ّبع‪ ،‬بينما بقي ‪ % 22‬من هذه‬ ‫امل�ساحة ليخ�ضع حتت الفل�سطينيون يف �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫واجلدير بالذكر هنا �أنه يف معظم الأحيان لن يتم جتاهل ال�صيغ الأخرى التي ت�ستخدم يف‬ ‫تناول املو�ضوع‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬مل يالحظ �أحد كثريا ما ك�شف عنه “ناحوم جولدمان”‪،‬‬ ‫يف جريدة “لوموند دبلوماتيك الفرن�سية يف �شهر اغ�سط�س ‪ ،”1979‬فقد اتهم “جولدمان”‬ ‫الذي تر�أ�س لأكرث من ثالثني عاماً امل�ؤمتر اليهودي العاملي املوايل ال�صهيونية‪ ،‬لأنه مل تتم‬ ‫ا�ست�شارة العرب يف ما يخ�ص تق�سيم فل�سطني يف عام ‪ ،1947‬كما �أن رغبتهم يف التفاو�ض‬ ‫ب�ش�أن حل و�سط �سيا�سي كان من املمكن من خالله جتنب حرب عام ‪ ،1948‬ا�ستبعدها “بن‬ ‫جوريون” وقلل من �ش�أنها‪ ،‬قبل مايو ‪.1948‬‬ ‫حرب ‪ 48‬تطهري عرقي لفل�سطني‬

‫كان اليهود �أثناء احلرب العاملية الثانية‪ُ ،‬ي ِع ّدون العدة لفر�ض الوجود ال�صهيوين بالقوة‪،‬‬ ‫ومتكنوا خالل فرتة احلرب من ح�شد الكثري من الأ�سلحة ومار�سوا بع�ض الأعمال الإرهابية‬ ‫�ضد الإجنليز لترتاجع بريطانيا عن �سيا�ستها الواردة يف الكتاب الأبي�ض‪ ،‬وجنح هذا الأ�سلوب‬ ‫الإرهابي يف �إجبار بريطانيا على الرتاجع‪ ،‬كما �أفاد يف تقوية العنا�صر امل�سلحة الإ�سرائيلية‪،‬‬ ‫ومنذ �أوائل �أبريل عام ‪� ،1948‬أي قبل ‪ 40‬يوماً من �إعالن قيام دولة �إ�سرائيل �شنت القوات‬ ‫‪54‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫ال�صهيونية هجوماً م�سلحاً كان جزءاً من خطة ُعرفت با�سم «داليت»‪ ) (.‬وقد �شمل الهجوم‬ ‫منطقة ال�ساحل الفل�سطيني واملناطق الأخرى الواقعة غرب القد�س‪ .‬و�ضمن هذه اخلطة‬ ‫ارتكبت القوات ال�صهيونية العديد من املجازر واملذابح مثل (جمزرة �سع�سع‪ ،‬مذابح الرملة‪،‬‬ ‫جمزرة الدومية)‪ ،‬ومذبحة «دير يا�سني»( ) الرهيبة‪ ،‬ويف الفرتة نف�سها �شنت القوات اليهودية‬ ‫هجومها على مدينة يافا ف�سقطت وحلقتها حيفا وطربيا‪ ،‬وهكذا يف الفرتة من �أول �أبريل‬ ‫وانتهت يف ‪ 14‬مايو جنحت احلركة ال�صهيونية يف �إن�شاء دولتها على معظم �أرا�ضي ال�ساحل‬ ‫الفل�سطيني‪ .‬وقد نتج على هذا «اقتالع ما يقارب من ‪� 300‬ألف مواطن فل�سطيني من مدنهم‬ ‫وقراهم»‪ ) (.‬وملا عجزت احلكومة الربيطانية عن التوفيق بني التزاماتها جتاه �أطراف النزاع‪،‬‬ ‫قررت �أخرياً عر�ض الق�ضية على الأمم املتحدة التي �أ�صدرت قرارها بتق�سيم فل�سطني مبجرد‬ ‫�إنهاء االنتداب الربيطاين قبل ‪� 1948 /8 /1‬إىل دولة يهودية عربية مع تدويل منطقة القد�س‪.‬‬ ‫ففي العا�شر من �آذار ‪ ،1948‬عقدت قيادة الهاغاناه اجتماعاً يف البيت الأحمر ‪ -‬مق ّر حركة‬ ‫و�ضم �أحد ع�شر قياد ٍّيا بارزاً وم�س�ؤو ًال ع�سكر ٍّيا‪ ،‬على ر�أ�سهم بن غوريون‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العمال يف تل �أبيب ‪ّ -‬‬ ‫حيث �أقرت اخلطة داليت الرامية �إىل تطهري اجلزء الأكرب يف فل�سطني‪ ،‬ويف الليلة نف�سها‪،‬‬ ‫�صدرت الأوامر للوحدات الع�سكر ّية بالته ّي�ؤ لطرد الفل�سطين ّيني‪ .‬حملت الأوامر ال�صادرة ‪-‬‬ ‫العرقي‪ :‬التخويف‬ ‫بح�سب امل�ؤ ّرخ �إيالن بابيه ‪ -‬تفا�صيل دقيقة حول �أ�ساليب تنفيذ التطهري ّ‬ ‫ال�شديد؛ فر�ض احل�صار؛ تفجري قرى ومراكز مدن؛ �إ�شعال النريان يف البيوت واملمتلكات‪،‬‬ ‫الطرد؛ الهدم؛ و�أخرياً‪ ،‬زرع الألغام يف الأنقا�ض ل�ضمان عدم عودة ّ‬ ‫ال�سكان‪.‬‬ ‫وقد ُو ّزعت املها ّم على الوحدات امل�س َّلحة‪ ،‬و ُز ّودت ّ‬ ‫تت�ضمن �أ�سماء القرى �أو‬ ‫كل وحدة بقائمة ّ‬ ‫عدة حتت ت�ص ّرفها‪ ،‬ت�سلمت‬ ‫املدن التي عليها �إخال�ؤها (بابيه‪ .)2006 ،‬كان يف الهاغاناه فرق ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل واحدة الئحة‬ ‫بالقرى التي عليها احتاللها وتدمريها‪ .‬كانت هذه القرى تحُ َا�صر من ثالث جهات‪ ،‬و ُترتك‬ ‫اجلهة الرابعة منفذاً للفرار‪ .‬نفّذت الق ّوات ال�صهيون ّية العديد من املجازر ابتغا َء �إحلاقِ الرعب‬ ‫ّ‬ ‫بال�سكان الفل�سطين ّيني نذكر منها هنا على �سبيل املثال ال احل�صر‪:‬احتالل وجمازر قرية‬ ‫�سع�سع‪ ،‬احتالل مدينة بئر �سبع‪ ،‬ثم بد�أت مرحلة الغزو فتم فيها االغت�صاب ال�شامل بعد‬ ‫ان�سحاب االنتداب متواطئاً يف ‪1948‬م‪ .‬وعن طريق حرب �ضد العرب ي�سميها اليهود‬ ‫بحرب اال�ستقالل «عن اال�ستعمار الربيطاين» �أو حرب التحرير «من اال�ستعمار العربي»‪.‬‬ ‫ويف هذه احلرب التي حددت م�صريها �سيا�سة الت�سليح ومناورات ال�سيا�سة من جانب الدول‬ ‫‪35‬‬

‫‪36‬‬

‫‪37‬‬

‫‪55‬‬


‫اال�ستعمارية طرد نحو مليون من العرب الأ�صليني خارج الأر�ض املحتلة‪ ،‬بينما تدفقت‬ ‫الهجرة الكربى لتجمع يف النهاية نحو املليونني �أو الثالثة من ال�صهيونيني الذين ميثلون‬ ‫حوايل ‪ % 13‬من اليهودية العاملية‪.‬‬ ‫اما بالن�سبة لفل�سطني‪ ،‬فكانت احلرب هي النكبة والكارثة التي ح ّلت ب�أبناء ال�شعب‬ ‫عرقي‬ ‫الفل�سطيني عام ‪� 1948‬إثر قيام الق ّوات ال�صهيونية (الإ�سرائيل ّية الحقاً) بعمل ّية تطهري ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وا�سعة ابتغت �إخالء فل�سطني من �سكانها الأ�صل ّيني‪ ،‬يف �سبيل �إقامة دولة قوم ّية لليهود وكان‬ ‫احتالل فل�سطني – مثلما ذكر – ال�صحايف الربيطاين املتخ�ص�ص يف ق�ضايا ال�شرق الأو�سط‬ ‫«ديفيد هري�ست» �أ�سو�أ من اال�ستعمار مقارنة باال�ستعمار الأوروبي‪ ،‬لأن الهدف مل يكن‬ ‫ا�ستغالل �أهل البلد بل طردهم‪.‬‬ ‫هذه النكبة التي �أدت �إىل حدوث م�أ�ساة ل�شعب وار�ض فل�سطني لي�ست م�أ�ساة حملية‪ ،‬بل‬ ‫هي كما ذكر امل�ؤرخ الربيطاين «�أرنولد توينبي» يف �شهادته على نكبة فل�سطني‪:‬‬ ‫يهدد ال�سالم العاملي»‪.‬‬ ‫«�إن م�أ�ساة فل�سطني لي�ست م�أ�ساة حملية‪� ..‬إنها م�أ�ساة العامل‪ ،‬لأنها ظلم ّ‬ ‫او كما ذكر امل�ؤرخ الإ�سرائيلي «�إيالن بابيه»‪:‬‬ ‫«ل�سنوات طويلة بدا م�صطلح النكبة‪ ،‬الكارثة الإن�سانية‪ ،‬م�صطلحاً كافياً لتقدمي (و�صف) كل‬ ‫من �أحداث العام ‪ 1948‬يف فل�سطني وت�أثري تلك الأحداث على حياتنا اليومية‪� .‬أعتقد �أن‬ ‫الوقت قد حان ال�ستخدام م�صطلح �آخر وهو التطهري العرقي يف فل�سطني»‪.‬‬ ‫وهذا هو حقيقة الأمر‪ ،‬و�أقرب تو�صيف ملا حدث يف نكبة ‪ 48‬لل�شعب الفل�سطيني فقد �أ ّدت‬ ‫عمل ّيات التطهري �إىل طرد ن�صف ّ‬ ‫ال�سكان الفل�سطين ّيني من �أر�ضهم‪َ ،‬و‪ % 85‬من الفل�سطين ّيني‬ ‫الذين كانوا يعي�شون يف ما �أ�صبح ُيعرف الحقاً بِـ”دولة �إ�سرائيل” ُح ِّول ه�ؤالء الفل�سطين ّيون‬ ‫الجئني يعي�شون يف الدول العرب ّية املجاورة‪� ،‬إ�ضافة �إىل ال�ضفّة‪ ،‬بالإ�ضافة لقتل وجرح �آالف‬ ‫الفل�سطين ّيني‪.‬‬ ‫ترافقت النكبة بالعمل مبا�شرة على ت�صفية املالمح العرب ّية للبالد وبعمل ّية تدمري امل�شهد‬ ‫والرمزي كذلك‪ .‬وبد�أت معها‬ ‫واالجتماعي‬ ‫الفل�سطيني من خالل تغيري امل�شهد الثقا ّيف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عمل ّية َعبرْ َ نة وتهويد مزدوجة‪� ،‬إذ ُح ِّولت م�ساكن وبيوت الالجئني الفل�سطين ّيني املفرغة –يف‬ ‫الكثري من املدن العرب ّية ‪� -‬إىل م�ساكن ال�ستيعاب املهاجرين اليهود‪ ،‬من جهة‪ ،‬وجرى �إحالل‬ ‫ت�سميات جديدة تورات ّية و�صهيون ّية ويهود ّية مكان الأ�سماء الفل�سطين ّية‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫وقد و�صف» مو�شيه ديان”‪ ،‬ب�صورة وا�ضحة‪ ،‬عمل ّية تهويد وحتويل فل�سطني �إىل �إ�سرائيل يف‬ ‫حما�ضرة له �أمام جمموعة من الطلبة يف معهد التخنيون وجاء فيها‪:‬‬

‫الكالم الذي قاله “مو�شي ديان” �أمام الطلبة يف معهد التخنيون بتاريخ ‪1969 - 3 - 19‬‬

‫«لقد ح ّلت قرى يهود ّية مكان قرى عرب ّية‪ .‬لي�س يف مقدوركم �أن تعرفوا اليوم ح ّتى �أ�سماء‬ ‫تلك القرى العرب ّية‪ .‬و�أنا ال �ألومكم‪ ،‬فكتب اجلغرافيا مل يعد لها وجود؛ بل �إنّ القرى العرب ّية‬ ‫ذاتها مل ي ُعد لها وجود‪ .‬لقد ح ّلت نهالل مكان معلول‪ ،‬وجبعات مكان جبع‪ ،‬و�سريد مكان‬ ‫مبني واحد يف هذه البالد مل‬ ‫خنيف�س‪ ،‬وكفار يهوا�شوع مكان ّتل ال�شمام‪ .‬لي�س هناك مكان ّ‬ ‫يكن من قبل م�سكوناً بالعرب”‪.‬‬ ‫و�إذا كانت النكبة تعني ترحيل الإن�سان الفل�سطيني من �أر�ضه واال�ستيالء عليها بالقوة �ضمن‬ ‫هذين املركبني‪ ،‬فتكون النكبة بد�أت منذ ع�شرات ال�سنني قبل ‪ ،48‬ولأنه لوال بريطانيا ملا‬ ‫ا�ستطاع اليهود من الهجرة �إىل فل�سطني واال�ستحواذ على االر�ض ومل يكن اليهود يفعلون‬ ‫ذلك دون احلماية من احلكومة الربيطانية‪ ،‬ومل يكن لربيطانيا �أي حق يف �إعطاء �أر�ض فل�سطني‬ ‫‪57‬‬


‫لليهود‪ .‬وهذا ما �شهد به امل�ؤرخ الإ�سرائيلي بجامعه اك�سفورد بربيطانيا دكتور «�آيف �شليم»‪:‬‬ ‫«مل يكن لربيطانيا حق �أخالقي �أو �سيا�سي �أو قانوين يخول لها ب�إعطاء �أر�ض هي ملك للعرب‬ ‫للأنا�س �آخرين‪ ..‬كان وعد بلفور غري �أخالقي وغري قانوين»‪.‬‬ ‫يف يوم ‪ 14‬مايو ‪ 1948‬كان (دافيد بن جوريون) رئي�س �أول حكومة م�ؤقتة لإ�سرائيل يعلن عن‬ ‫قيام الدولة اليهودية يف �أر�ض �إ�سرائيل ونا�شد ال�شعب اليهودي يف املنفى �أن يقف �إىل جانبها‬ ‫يف ال�صراع الو�شيك مع العرب من �أجل حتقيق حلم ال�صهيونية‪.‬‬ ‫وبعد ثالثة �أ�شهر من �إعالن قيام الدولة‪� ،‬ص ّرح بن غوريون‪� ،‬أمام فريق من ال�صهيونيني‬ ‫الأمريكيني‪ ،‬بقوله “على الرغم من حتقيق حلم �إقامة الدولة اليهودية‪ ،‬ف�إننا ال نزال يف بداية‬ ‫الطريق‪ .‬فعدد اليهود يف �إ�سرائيل هو ت�سعمئة �ألف فقط‪ .‬ومهمتنا التالية هي ا�ستقدام جميع‬ ‫( )‬ ‫اليهود �إىل �إ�سرائيل”‪.‬‬ ‫وقد اعتربت �إ�سرائيل نف�سها منذ ذلك الوقت «�إ�سرائيل ال�صغرى» فقط‪ ،‬على �أ�سا�س �أن‬ ‫هدفها املعلن هو «�إ�سرائيل الكربى» من النيل �إىل الفرات‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫خريطة �إ�سرائيل الكربى‬ ‫‪58‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫ويف �سبيل حتقيق هذه اخلطة‪ ،‬قامت بحروب �ضد الدول العربية عملت فيها بالتواط�ؤ مع دول‬ ‫اال�ستعمار الغربي‪.‬‬ ‫كان قد مر على قيام دولة �إ�سرائيل حوايل �سبع �سنوات‪ ،‬والفرتة منذ قيامها يف ‪ 15‬مايو‬ ‫‪ 1948‬حتى ‪ 28‬فرباير ‪ ،1955‬مل تكن فرتة هدوء ع�سكري بني �إ�سرائيل والعرب املجاورين‬ ‫لفل�سطني‪ .‬فقد كانت هناك ا�ستفزازات �إ�سرائيلية م�ستمرة ت�ستهدف خلق �أجواء من التوتر‬ ‫يف ظل عدم وجود رادع ع�سكري عربي‪ ،‬وكانت عني الكيان الإ�سرائيلي دوماً على م�صر‬ ‫بعد قيام ثورتها يف يوليو ‪ .1952‬وهذا ما ي�ؤكده «مو�شيه �شاريت»( ) يف مذكراته حيث قال‪:‬‬ ‫«يف ت�شرين الأول ‪� 1953‬إن قادة �إ�سرائيل كان لديهم ا�ستعداد الحتالل �سيناء‪ ،‬لكنهم‬ ‫�أ�صيبوا بخيبة �أمل‪ ،‬لأن امل�صريني مل ي�س ّهلوا مهمة االحتالل‪ ،‬و�أنهم حني يرتكبون «جمزرة‬ ‫( )‬ ‫ب�شعة» ي�سعون الخرتاع عملية مثرية تالية ل�صرف انتباه العامل عن العملية الأوىل»‪.‬‬ ‫وي�سجل �شاريت يف مذكراته �أي�ضاً ب�أنه يف �شباط ‪� 1954‬أن بن غوريون اتهمه بعدم اجلر�أة‬ ‫العرتا�ضه على دفع املوارنة يف لبنان‬ ‫«�إىل �إعالن قيام دولة م�سيحية يف لبنان‪ ...‬لبنان �أ�ضعف حلقة يف جامعة الدول العربية‪...‬‬ ‫م�صر هي �أكرث الدول العربية �إحكاماً و�صالبة»‪.‬‬ ‫حد و�صف بن غوريون يف خطاب �أر�سله ل�شاريت‪ .‬لكن �شاريت‪ ،‬ر ّد على بن غوريون‬ ‫على ّ‬ ‫معترباً �إعالن دولة م�سيحية يف لبنان‪:‬‬ ‫«يف الظروف احلالية‪� ...‬ستعترب م�ضاربة غري حم�سوبة‪ ...‬مل�صلحة مميزات تكتيكية م�ؤقتة‬ ‫لإ�سرائيل»‪.‬‬ ‫لكنه مل يرف�ض املبد�أ �إال لأنه يف تلك الظروف «مغامرة جمنونة» �سوف ت�س ّبب خ�سارة‪.‬‬ ‫واجلدير بالذكر هنا �أنه عندما طالب م�ساعد وزير اخلارجية الأمريكية ال�سيد «بايرود» �سنة‬ ‫‪ 1954‬ب�إيقاف هجرة اليهود‪ ،‬والتعوي�ض على الفل�سطينيني‪ ،‬مقابل «معاهدة �سالم» مع العرب‪،‬‬ ‫قامت قيامة �إ�سرائيل وم�ؤيديها يف الواليات املتحدة‪ ،‬وعندما خاطبهم ال�سيناتور «فولربايت»‬ ‫‪ William Fulbright‬يف جامعة تل �أبيب ب�أن يقبلوا ال�سالم مع العرب‪ ،‬وجهت �إليه‬ ‫الإهانات و�أوقفوه عن الكالم ‪.‬‬ ‫ولذلك �سارعت �إ�سرائيل بو�ضع خطط لتوتري العالقات بني القاهرة وكل من بريطانيا‬ ‫والواليات املتحدة‪ ،‬ومن �ضمن هذه املخططات الفا�شلة‪ ،‬ما عرفت بعملية «�سوزانا» وهي‬ ‫‪39‬‬

‫‪40‬‬

‫(‪)41‬‬

‫‪59‬‬


‫عملية �سرية �إ�سرائيلية ا�ستهدفت تفجري �أهداف م�صرية و�أمريكية وبريطانية يف م�صر يف �صيف‬ ‫و�س ّميت با�سم ف�ضيحة الڤون‪ ،‬ن�سبة‬ ‫عام ‪ ،1954‬ولكن العملية اكت�شفتها ال�سلطات امل�صرية ُ‬ ‫�إىل وزير الدفاع الإ�سرائيلي �آنذاك بنحا�س الڤون الذي �أ�شرف بنف�سه على التخطيط للعملية‪.‬‬ ‫الغارة الإ�رسائيلية على غزة ‪� 1955‬أو عملية ال�سهم الأ�سود (חץ שחור‪‎‬‬ ‫حت�س �شاحور)‪� .‬أو املذبحة الإ�رسائيلية‬

‫�شجع مو�شي ديان الذي كان وقتها رئي�ساً لأركان اجلي�ش‪ ،‬على تنفيذ العملية‪� ،‬إذ كان ي�سعى‬ ‫ّ‬ ‫منذ توليه هذا املن�صب عام ‪� 1953‬إىل خلق �أخطاء تغذي ال�صراع ع�سكرياً‪ ،‬متبنياً يف ذلك‬ ‫نظرية التحر�ش ثم الرد حتت ذريعة االنتقام‪ ،‬و�ساعده على ذلك �أ�ستاذه رئي�س الوزراء ديڤيد‬ ‫بن كوريون الذي كان وقت تنفيذ الغارة وزيراً للدفاع �إىل جانب رئا�سته للحكومة وهما‬ ‫املن�صبان اللذان بد�أ بهما حكم �إ�سرائيل‪ .‬وكان هذا التحر�ش بالفعل هو ما جنمت عنه الغارة‬ ‫الإ�سرائيلية امل�سماة بعملية ال�سهم الأ�سود على غزة‪.‬‬ ‫فقد �شنت �إ�سرائيل يف ‪ 28‬فرباير واول يوم من �شهر مار�س عام ‪ ،1955‬غارة على غزة عندما‬ ‫كانت غزة حتت احلكم امل�صري‪ ،‬رداً على هجمات الفدائيني املتكررة وعلى ا�ستيالء م�صر‬ ‫على ال�سفينة الإ�سرائيلية بات كاليم‪ .‬وقد نتج عن الغارة الإ�سرائيلية ا�ست�شهاد ‪ 38‬جندي‬ ‫م�صري وثمانية جنود �إ�سرائيليني‪ .‬وقد كان تلك الغارة الأكرب من نوعها �ضد دولة عربية منذ‬ ‫انتهاء حرب فل�سطني يف ‪.1949‬‬

‫الأمر العملياتي للجنود الإ�سرائيليني لتنفيذ جمزرة غزة ‪ 1955‬وهذا الأمر وغريه من خرائط تنفيذ العملية موجود على موقع �إر�شيف‬

‫جي�ش الدفاع الإ�سرائيلي (‪ )/www.archives.mod.gov.il‬وقد مت الإفراج عنها ون�شرها يف ال�صحف الإ�سرائيلية بتاريخ ‪2012 - 2 - 17‬‬

‫‪60‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫(موقع خميم اجلي�ش امل�صري يف قطاع غزة)‬

‫تعترب عملية «ال�سهم الأ�سود» يف �أر�شيف اجلي�ش الإ�سرائيلي من �أهم العمليات و�أنها ُفر�ضت‬ ‫من قبل �شارون وديفيد للر ّد على �أعمال القتل واملخابرات من جانب امل�صريني يف قطاع غزة‪،‬‬ ‫وقال �شارون «الهدف من هذه العملية هو دخول مع�سكر للجي�ش امل�صري يف قطاع غزة وقتل‬ ‫جميع اجلنود وتفجري كل الأ�سلحة والقنابل املوجودة فيه‪ ،‬وتخريب من�ش�آته بالكامل حتى‬ ‫تتم العملية بنجاح»‪.‬‬ ‫وتعترب عملية ال�سهم الأ�سود �إحدى املجازر الكثرية التي قام بها الكيان الإ�سرائيلي �ضد‬ ‫�سكان قطاع غزة‪ .‬واجلدير بالذكر هنا ان �إ�سرائيل قامت بهذه العملية رغم وجود هدنة وقف‬ ‫�إطالق نار بني م�صر والكيان الإ�سرائيلي‪ ،‬وكان موقف قائد فرقة الأمم املتحدة املرابطة هناك‬ ‫حلفظ هدنة وقف �إطالق النار الكندي «اللفتنانت جرنال ‪ ”.E.L.M‬برينز‪ ،‬كان حا�سماً‬ ‫جداً من هذه العملية ومما و�صفه بـ»اال�ستفزاز امل�ستمر من القوات الإ�سرائيلية والكيبوت�سات‬ ‫امل�سلحة»‪ .‬وكان ا�ستنتاجه‪�« :‬أن انتقام �إ�سرائيل �أمر ال ينتهي»‪ ،‬كما و�صف هذه االعتداء‬ ‫الهمجي كما يلي‪:‬‬ ‫«طابع ومدى هذه العملية من ناحية الأ�ضرار التي ت�سببتها ال �سيما اخل�سائر الب�شرية الفادحة‬ ‫( )‬ ‫جتعل منها جتاوزاً �شديداً لهدنة �إطالق النار»‪.‬‬ ‫وقد برر الكيان ال�صهيوين اعتداءه ب�أعمال تخريبية م�صرية �سبقت ذلك‪ .‬مل ت�صادق �أي‬ ‫دولة على التربيرات الإ�سرائيلية حتى الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬مما �أدى يف ‪� 29‬آذار ‪1955‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪61‬‬


‫�إىل �إدانة �إ�سرائيل على فعلتها يف جمل�س الأمن يف جمعية الأمم املتحدة‪ ،‬لكن دون �أن ينتج‬ ‫عن ذلك �أي عواقب‪.‬‬ ‫وت�أتي مذكرات رئي�س الوزراء الإ�سرائيلي الأ�سبق مو�شي �شاريت لتك�شف �أن قادة �إ�سرائيل‬ ‫عام ‪ ،1955‬ثبت لهم �أن «احتالل غزة لن يحل �أي م�شكلة �أمنية»‪ ،‬و�أن الدولة العربية قامت‬ ‫على مبد�أ القوة التي ت�ضمن لها درجة من التوتر من خالل افتعال حرب مع �أي طرف عربي‪.‬‬ ‫ويقول �شاريت يف مذكراته‪:‬‬ ‫«�إن اخلطر العربي �أ�سطورة اخرتعتها �إ�سرائيل لأ�سباب داخلية‪ ..‬ومل ت�ستطع النظم العربية‬ ‫�إنكارها متاماً‪ ،‬رغم �أنها كانت على الدوام يف خوف من ا�ستعدادات �إ�سرائيل حلرب جديدة»‪.‬‬ ‫و�إن احتالل غزة و�شبه جزيرة �سيناء امل�صرية كان على «�أجندة» القادة يف �إ�سرائيل‪ ،‬التي‬ ‫ت�ستمد قدرتها على البقاء من «خلق الأخطار» و»اخرتاع احلروب»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وبالفعل تبني فيما بعد �أن هذه املذبحة يف قطاع غزة عام ‪ 1955‬مل تكن �إال حت�ضرياً‬ ‫الحتالل قطاع غزة يف �سنة ‪ .1956‬وكانت �إحدى نتائج هذه املذبحة حتول رئي�س م�صر‬ ‫�آنذاك جمال عبد النا�صر عن الغرب �إىل املع�سكر ال�شرقي‪ ،‬ب�سبب دعم الغرب لإ�سرائيل‬ ‫بال�سالح‪.‬‬ ‫ويقول �شاريت يف مذكراته اي�ضاً‪:‬‬ ‫«�إن عودة بن غوريون �إىل رئا�سة الوزراء يف نهاية ‪ 1955‬تزامنت مع رغبة �أمريكا التي كانت‬ ‫مهتمة ب�إ�سقاط نظام الرئي�س جمال عبد النا�صر‪ ،‬ف�أعطت �إ�سرائيل ال�ضوء الأخ�ضر للقيام‬ ‫بغزو م�صر»‪.‬‬ ‫وذلك بعد �أن قامت م�صر بت�أميم �شركة قناة ال�سوي�س �أ�شعلت «�إ�سرائيل» حرب ال�سوي�س‬ ‫العدوانية‪ ،‬باال�شرتاك مع بريطانيا وفرن�سا عام ‪ 1956‬وت�سمى «العدوان الثالثى»‪� ،‬إثر‬ ‫رف�ض البنك الدويل –ب�إيعاز �أمريكي – تقدمي قر�ض مل�صر لبناء ال�سد العايل مما �أدى‬ ‫�إىل قيام كل من فرن�سا واجنلرتا بالتن�سيق مع �إ�سرائيل‪ ،‬ب�شن هجوم �شامل على م�صر‬ ‫بد�أ يف ‪� 29‬أكتوبر‪ /‬ت�شرين الأول ‪ ،1956‬بدخول القوات الإ�سرائيلية �إىل �سيناء‪ ،‬وهو ما‬ ‫اعتربته فرن�سا و�إجنلرتا (وفقاً لل�سيناريو املر�سوم م�سبقاً) ذريعة للتدخل يف منطقة القناة‪.‬‬ ‫وقد ك�شف �أر�شيف اجلي�ش الإ�سرائيلي عن ملفات �سرية من وقت حرب ال�سوي�س يف‬ ‫عام ‪.2006‬‬ ‫‪62‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫خطة حملة �سيناء ‪ -‬على ر�أ�س علبة �سجائر‬ ‫«ما تراه هو ن�سخة‪ ،‬وكان الأ�صل على مربع ال�سجائر»‪ ،‬نائب رئي�س الوزراء �شيمون برييز‪ ،‬والوثيقة التاريخية التي‬ ‫ك�شف عنها �أر�شيف اجلي�ش الإ�سرائيلي‪ .‬وقبيل الذكرى ال�سنوية الـ‪ 50‬حلملة �سيناء (�أزمة ال�سوي�س) يف �أكتوبر‬ ‫ونوفمرب ‪ 1956‬واملبينة ثالثة �سهام كيفية امل�ضي قدماً يف جي�ش الدفاع الإ�سرائيلي على خط اليد والر�سم‪ .‬ور�سمت‬ ‫من قبل مو�شي ديان»‪.‬‬

‫ورغم ان�سحاب القوات امل�صرية من �سيناء‪ ،‬ف�إن ال�ضغط الدويل ال�سوفياتي والأمريكي واملقاومة‬ ‫امل�صرية‪ ،‬قد �أ ّدت �إىل �إنهاء العمليات يف ‪ 6‬نوفمرب‪ /‬ت�شرين الثاين‪ ،‬وان�سحاب �إ�سرائيل عام‬ ‫‪ 1957‬من �سيناء‪.‬‬ ‫ويقول ال�سيناتور «فولربايت» يف كتابه ثمن الإمرباطورية( ) ب�أن الرئي�س «�أيزنهاور» كان‬ ‫متحدياً ال�صهيونية‪ ،‬وال �سيما عندما خاطبهم بقوله‪:‬‬ ‫الرئي�س الوحيد الذي وقف ّ‬ ‫«�إذا مل تن�سحبوا ف�سوف نقطع عنكم املعونات كلها»‪.‬‬ ‫وكان يدرك ب�أن �إ�سرائيل كانت تريد من هذا الغزو دفع الأردن مل�شاركة امل�صريني يف القتال‪،‬‬ ‫كي ت�ضع يدها على ال�ضفة الغربية‪ ،‬والقد�س ال�شرقية‪ ،‬وبغزوها م�صر ت�ضع يدها على غزة‪،‬‬ ‫حتت �إطار امل�شروع املتد ّرج لإقامة �إ�سرائيل الكربى‪ ،‬مع العلم ب�أن �إ�سرائيل قد حازت على‬ ‫اعرتاف احلكومة الأمريكية‪ ،‬بدون �أن حتدد الدولة الأمريكية حدود الدولة ال ِعربية‪ ،‬مما �أحلق‬ ‫‪43‬‬

‫‪63‬‬


‫ال�ضرر لي�س ب�إدارة الرئي�س «�أيزنهاور» فقط‪ ،‬و�إمنا بالإدارات الأمريكية الالحقة‪.‬‬ ‫ومهما يكن من �أمر ف�إن الإدارة الأمريكية‪ ،‬وبعد وقف «االعتداء الثالثي» على م�صر‪ ،‬بد�أت‬ ‫تقوم بدورها كبديل للدول اال�ستعمارية ال�سابقة‪ ،‬و�أخذت تتعاطى مع ال�شرق الأو�سط‬ ‫كمنطقة نفوذ‪� ،‬آخذة بعني االعتبار دائماً تفوق �إ�سرائيل الع�سكري و�إمدادها باملعونات املادية‬ ‫والع�سكرية‪ ،‬فما كان من «عبد النا�صر» �إ ّال االن�ضمام �إىل فكرة «عدم االنحياز»‪ ،‬ولكنه �سرعان‬ ‫ما واجه جمابهة عنيفة من املع�سكرين ال�شرقي والغربي‪.‬‬ ‫وبعيد حرب ال�سوي�س وزوال �آثار العدوان الأخري و�ضع «مو�شيه ديان» خمططاً يف �صورة وثيقة‬ ‫�سرية لتق�سيم ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫وثيقة مو�شيه ديان ‪ 1957 - 1956‬لتق�سيم ال�رشق الأو�سط‬

‫وثيقة هيئة �أركان اجلي�ش الإ�سرائيلي والتي وردت يف كتاب خنجر �إ�سرائيل للم�ؤلف الهندي‬ ‫« كارجنيا» على العمل لتنفيذ �سيناريو يقوم على �إحياء العداوات التاريخية بني �شعوب‬ ‫املنطقة و�إعطائها �أبعاداً دينية وطائفية ومذهبية‪.‬‬

‫ويف �أوائل عام ‪ 1957‬بدا وا�ضحاً �أن العدوان مل يحقق �أهدافه اذ ا�ضطر العدو �إىل االن�سحاب‪.‬‬ ‫فقد كان هدف �إ�سرائيل الدائم االنفراد مبنطقة ال�شرق الأو�سط‪ ،‬ب�إفناء الوجود العربي �أو‬ ‫�إجالئه‪ .‬وهذا وا�ضح متاماً يف احدى فقرات خمطط مو�شيه ديان التي تقول‪:‬‬ ‫«وهذه العملية لن تكلفنا �سوى �إجالء ‪( 1.600.000‬مليون و‪� 600‬ألف) عربي عن �أر�ضهم»‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫وكان هذا املخطط وليد ظروف دولية و�أطماع ا�ستعمارية ميكن تلخي�صها بثالثة‪:‬‬ ‫‪�- 1‬إن ايزنهاور وكان وقتئذ رئي�ساً لأمريكا‪ ،‬وعد بن غوريون بحل م�شاكل �إ�سرائيل خالل‬ ‫ع�شرة �أعوام‪.‬‬ ‫‪�- 2‬إن فرن�سا كانت تلعب دوراً ا�ستعمارياً يف الوطن العربي �آنذاك‪.‬‬ ‫‪�- 3‬إن م�صالح بريطانيا و�أمريكا مت�شابكة كالن�سيج مع م�صالح ال�صهيونية‪.‬‬ ‫ترجمة جزء من الوثيقة (اخلطة اال�سرتاتيجية للجي�ش الإ�سرائيلي لعام ‪1957 - 1956‬‬ ‫من الأ�صل العربي)‬ ‫«�إن الغاية من احلرب بني �إ�سرائيل والعرب هي لتبديل خط احلدود القائم و�إن احتالل‬ ‫الأرا�ضي التي ّتدعيها �إ�سرائيل �سيح�سن حالة بالدنا االقت�صادية وال�سيا�سية‪...‬‬ ‫�إن احلاجة لال�ستيالء على الأرا�ضي التي ّتدعيها �إ�سرائيل ميليها هدف ال�صهيونية الأ�سا�سي‬ ‫وهو �إن�شاء دولة �سكانها ما بني ‪� 3‬إىل ‪ 4‬ماليني‪ ،‬وذلك خالل حياة جيل واحد‪ .‬ويعتقد ب�أن‬ ‫ال�سكان اليهود يف �إ�سرائيل �سيبلغون لغاية عام ‪ )1,800,000( 1957‬ومهمتنا هي اغت�صاب‬ ‫الأرا�ضي العربية وتوطيد �سيطرتنا عليها‪ ،‬وو�ضع ثروتها املادية يف خدمة ال�سكان اليهود‬ ‫والأقلية الوطنية التي تقيم يف �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫ي�ضاف �إىل هذا �أن الهدف ال�سيا�سي وراء اغت�صاب الأرا�ضي العربية هو تقوية و�ضع �إ�سرائيل‬ ‫ال�سيا�سي عن طريق اغت�صاب الطرق اال�سرتاتيجية املهمة يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬و�إقامة ممر‬ ‫عرب البالد العربية‪ ،‬ومنع الوحدة العربية ون�شر الدعاية امل�ؤاتية لإ�سرائيل بني �أقليات ال�شرق‬ ‫الأو�سط‪.‬‬ ‫�إن متطلبات دفاعنا جتعل من ال�ضروري اال�ستيالء على املناطق التالية‪:‬‬ ‫املنطقة اجلنوبية‪ ،‬غزة‪� :‬ست�ضمن هذه املنطقة �سالمة مراكزنا احليوية و�ستمكننا �أي�ضاً من‬ ‫اغت�صاب القطاع اجلنوبي ل�شبه جزيرة �سيناء وت�أمني منفذ من �إيالت‪.‬‬ ‫�شبه جزيرة �سيناء‪� :‬سيجعل احتاللها الهجوم امل�صري �أثراً م�ستحي ًال وبالفعل �ستكون م�صر‬ ‫نف�سها يف خطر دائم من املهاجمة‪.‬‬ ‫املنطقة ال�شرقية‪ ،‬غربي الأردن (املثلث)‪ ،‬تالل اخلليل و�شرقي الأردن مبا يف ذلك املناطق‬ ‫ال�صحراوية‪� .‬إن اال�ستيالء على هذه املناطق �سيمكن �إ�سرائيل من �إقامة حدودها مع‬ ‫‪65‬‬


‫العراق والعربية ال�سعودية‪.‬‬ ‫وتت�ضمن اجلوالن وحرمون والليطاين‪� :‬أن هجوماً ي�شن يف هذا القطاع‬ ‫املنطقة ال�شمالية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫�سيجعل بالإمكان اال�ستيالء على اجلوالن ويوغان وهرمان والريموك و�شمايل اجلليل حتى‬ ‫نهر الليطاين‪.‬‬ ‫الأقليات العربية‪:‬‬

‫لتقوي�ض الوحدة العربية وبث اخلالفات الدينية بني العرب يجب اتخاذ الإجراءات منذ‬ ‫اللحظة الأوىل من احلرب لإن�شاء دول جديدة يف �أرا�ضي الأقطار العربية‪:‬‬ ‫دولة درزية (منطقة ال�صحراء وجبل تدمر)‪.‬‬ ‫دولة �شيعية‪ ،‬ت�شمل ق�سماً من لبنان (�إريتز �أ�شر) �أي منطقة جبل عامل ونواحيها‪.‬‬ ‫دولة مارونية (جبال لبنان حتى احلدود ال�شمالية احلالية للبنان)‪.‬‬ ‫دولة علوية (الالذقية حتى احلدود الرتكية)‪.‬‬ ‫دولة كردية (�شمايل العراق)‪.‬‬ ‫دولة �أو منطقة ذات ا�ستقالل ذاتي للأقباط‪.‬‬ ‫و�ستوزع الأرا�ضي العربية (مبا يف ذلك املنطقة ال�صحراوية) بني الدول اجلديدة‪.‬‬ ‫تبقى املناطق العربية التالية‪ :‬دم�شق‪ ،‬جنوب العراق‪ ،‬م�صر‪ ،‬و�سط العربية ال�سعودية وجنوبها‪.‬‬ ‫ومن املرغوب فيه �إن�شاء ممرات غري عربية ت�شق طريقها عرب هذه املناطق العربية»‪.‬‬ ‫ومن الوا�ضح هنا ومن قراءتنا للمخطط الكامل �أن للثالوث اال�ستعماري بريطانيا‪� ،‬أمريكا‪/‬‬ ‫�إ�سرائيل‪ ،‬م�صالح منفردة خا�صة بكل واحدة منها وم�صالح م�شرتكة‪.‬‬ ‫تبلورت امل�صالح امل�شرتكة يف ق�ضيتني �أ�سا�سيتني‪ ،‬هما‪ :‬الق�ضاء على الوحدة العربية وال�سيطرة‬ ‫على املنطقة العربية‪ .‬ثم الق�ضاء على حركة الثورة العربية‪.‬‬ ‫�أما امل�صالح املنفردة فهي كالتايل‪:‬‬ ‫بريطانيا‪:‬‬

‫بقاء احتكاراتها النفطية يف منطقة اخلليج العربي �سليمة‪.‬‬ ‫‪66‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫بقاء وجودها اال�ستعماري يف اجلنوب العربي ب�أقل التكاليف‪.‬‬ ‫ال�سيطرة على قناة ال�سوي�س‪.‬‬ ‫الواليات املتحدة‪:‬‬

‫�إقامة قواعد ع�سكرية يف القطر ال�سوري تعزز وجود الأ�سطول ال�ساد�س يف البحر املتو�سط‬ ‫والقواعد الأخرى يف ال�شمال الأفريقي العربي‪ ،‬وتطويق االحتاد ال�سوفياتي‪.‬‬ ‫�سالمة احتكاراتها النفطية يف منطقة اخلليج العربي‪.‬‬ ‫توظيف الر�أ�سمالية الأمريكية يف الوطن العربي‪.‬‬ ‫مرور هذه الر�ساميل �إىل افريقيا عن طريق �إ�سرائيل مروراً مت�سرتاً يغافل احلركة القومية يف‬ ‫هذه القارة‪.‬‬ ‫الإطالل على �آ�سيا و�أفريقيا ل�ضرب حركات التحرر القومي فيها‪.‬‬ ‫�إ�رسائيل‪:‬‬

‫تفتيت الكيانات الإقليمية املجاورة لها‪.‬‬ ‫االحتالل الع�سكري ومن ثم الب�شري ملناطق �أو�سع من الأر�ض العربية حتقيقاً للحلم‬ ‫متتد من النيل �إىل الفرات‪.‬‬ ‫ال�صهيوين يف �إقامة دولة ّ‬ ‫ا�ستقدام ماليني املهاجرين اجلدد ال�ستعمار الأر�ض العربية ب�شرياً‪.‬‬ ‫�إفناء العرب كوجود وكمقاومة‪.‬‬ ‫ال�سيطرة على خط �أنابيب التابالين البرتولية‪.‬‬ ‫الو�صول �إىل منطقة اخلليج العربي مبا فيها الكويت‪.‬‬ ‫تق�سيم ال�شرق الأو�سط �إىل دويالت طائفية عاجزة‪.‬‬ ‫وكانت بداية تنفيذ خمطط «مو�شى ديان» هي �أن يف عام ‪ 1958‬عندما اقرتح «بن غوريون»‪،‬‬ ‫�أول رئي�س وزراء للكيان الإ�سرائيلي على الرئي�س الأمريكي �إيزنهاور بتاريخ ‪1958 /7 /24‬‬ ‫يف ر�سالة وجهها �إليه «�إقامة �سد منيع �ضد املد النا�صري» (�أي التيار القومي) وللوقوف �أمام‬ ‫( )‬ ‫التو�سع ال�سوفياتي من «�إ�سرائيل» وتركيا و�إيران‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪67‬‬


‫وبعد ذلك خططت «�إ�سرائيل» والواليات املتحدة حلرب حزيران العدوانية عام ‪،1967‬‬ ‫ولأهدافها ال�سيا�سية واالقت�صادية وحاولت الواليات املتحدة دون معاقبة العدو على حربه‬ ‫العدوانية و�إجباره على دفع التعوي�ضات طبقاً لأهداف ومبادئ الأمم املتحدة والقانون الدويل‪.‬‬ ‫اال�ستعمار ال�صهيوين و�إعادة تخطيط ال�رشق الأو�سط ‪1967‬‬

‫وتعرف هذه احلرب يف الفكر العربي با�سم النك�سة‪ ،‬بينما تطلق عليها �إ�سرائيل والكتابات‬ ‫الدولية «حرب الأيام ال�ستة»‪ ،‬وقد مثلت هذه احلرب كارثة متعددة الأبعاد‪ ،‬مل متح �آثارها‬ ‫كاملة من الذاكرة العربية حتى الآن‪ ،‬حيث تع ّر�ضت جيو�ش ثالث دول عربية لهزمية �ساحقة‬ ‫من جانب القوات الإ�سرائيلية‪ ،‬خالل �أيام ‪ 10 - 5‬يونيو‪ /‬حزيران ‪ ،1967‬و�أ�سفر العدوان‬ ‫عن احتالل �إ�سرائيل لل�ضفة الغربية وقطاع غزة وه�ضبة اجلوالن و�شبه جزيرة �سيناء‪ ،‬وجت�سد‬ ‫الإرهاب والتمييز العن�صري ال�صهيوين �ضد �سكان املناطق العربية املحتلة يف �سيا�سة ال�ضم‬ ‫الزاحف والقب�ضة احلديدية وخمططات خلق الوقائع اجلديدة‪ ،‬التي ت�ستهدف يف جمملها‬ ‫تقطيع �أو�صال املناطق املحتلة والت�ضييق على �سكانها ودفعهم ملغادرتها والهجرة منها لزرعها‬ ‫بامل�ستوطنني ال�صهاينة وتهويدها‪.‬‬ ‫وبد�أت املخططات الإ�سرائيلية مل�ستقبل الوطن العربي بالظهور بعد احلرب العدوانية‬ ‫مبا�شرة‪ ،‬وبعد االحتالل الإ�سرائيلي لل�ضفة الغربية وقطاع غزة و�سيناء واجلوالن‪ ،‬ومت�سك‬ ‫العدو الإ�سرائيلي بالأرا�ضي العربية املحتلة لإجبار العرب على القبول مبخططاته ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية‪.‬‬ ‫وقد كان الدعم ال�شعبي الذي ح�صلت عليه �إ�سرائيل خالل الربع الأخري من القرن الع�شرين‬ ‫على �أ�سا�س عدد من الأ�ساطري والفزاعات‪ ،‬واكرثها تكراراً كانت اخلا�صة ب�أمن �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫وحتت زعم �أن تهديدات خطرية ودائمة يواجهها بقاء املجتمع اليهودي يف فل�سطني تتم‬ ‫تغذية تلك الأ�سطورة دائماً من �أجل �إثارة �صورة خميفة لدى الر�أي العام ل�سماح وت�شجيع‬ ‫ا�ستخدام كميات كبرية من الأموال العامة لدعم �إ�سرائيل ع�سكرياً واقت�صادياً‪ ،‬ويبقى �أمن‬ ‫�إ�سرائيل هو الذريعة الر�سمية التي من خاللها تتنكر لي�س فقط �إ�سرائيل بل اي�ضاً الواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية حلق ال�شعب الفل�سطيني يف تقرير م�صريه يف وطنه‪.‬‬ ‫وطوال ال�سنوات املا�ضية منذ االحتالل الإ�سرائيلي لأر�ض فل�سطني مت قبول تلك الذريعة كتف�سري‬ ‫�شرعي النتهاك �إ�سرائيل للقرارات الدولية التي تدعو �إىل عودة ال�شعب الفل�سطيني �إىل وطنه‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫حتتج ب�أمنها لتربير رف�ضها االن�سحاب من الأرا�ضي العربية‬ ‫كما مت ال�سماح لإ�سرائيل ب�أن ّ‬ ‫الفل�سطينية التي احتلتها يف عام ‪ .1967‬وال يزال الأمن هو املربر الذي تقدمه احلكومات‬ ‫الإ�سرائيلية املتتالية للمذابح التي ترتكبها على نطاق وا�سع �ضد املدنيني يف فل�سطني‬ ‫وم�صادرة الأرا�ضي العربية من �أجل �إقامة م�ستوطنات يهودية يف الأرا�ضي املحتلة‪ ،‬وللرتحيل‬ ‫ولالعتقاالت ال�سيا�سية التع�سفية ولإمتام هذه ال�سيا�سة كان ال بد من اللجوء �إىل املزيد من‬ ‫املخططات التي ت�ساعد يف تفتيت ال�شرق الأو�سط لكي تلهو الدول يف م�شاكلها الداخلية‬ ‫وتبتعد عما يحدث على �أر�ض فل�سطني من انتهاكات‪ .‬وكانت حليفة �إ�سرائيل يف هذه‬ ‫املخططات هي الواليات املتحدة الأمريكية‪ .‬ففي عام ‪ 1970‬ظهرت للعيان م�ؤامرة الأمريكي‬ ‫«زييجينيو بريجن�سكي» والذي يعترب �أول من و�ضع معامل املخطط ال�شيطاين لتفتيت العامل‬ ‫( )‬ ‫العربي دويالت و�صاحب نظرية (التحالف مع الأ�صولية الدينية يف ال�شرق الأو�سط)‬ ‫لتنفيذ خمطط التفتيت والتق�سيم‪ ،‬فربيجن�سكي وهو �صاحب نظرية ا�ستبدال الأنظمة يف‬ ‫ال�شرق الأو�سط بجماعات �أ�صولية �إ�سالمية تتم م�ساعدتها لبلوغ ال�سلطة مقابل التبعية‬ ‫املعدة يف الغرب �سلفاً‪.‬‬ ‫والهدف يف تنفيذ املخططات ّ‬ ‫«لكن قادة �إ�سرائيل بعد حرب الأيام ال�ستة ر�أوا �أن هذه احلرب قد �أنهت جميع احلروب بني‬ ‫العرب و�إ�سرائيل ويجب على العرب طلب اال�ست�سالم» ( ) ولي�س ال�سالم‪.‬‬ ‫ويف يوم ال�ساد�س من �أكتوبر عام ‪ ،1973‬انطلقت �أكرث من ‪ 220‬طائرة �إىل �سيناء الأ�سرية يف‬ ‫املحددة وبهذا اندلعت ال�شرارة الأوىل حلرب التحرير‬ ‫توقيت واحد م ّتجهة �صوب �أهدافها ّ‬ ‫الكربى‪ ،‬فذاق الإ�سرائيليون‪� ،‬أول م ّرة منذ �إقامة دولتهم‪ ،‬مرارة الهزمية‪ ،‬لقد حطمت احلرب‬ ‫بالن�سبة �إىل الإ�سرائيليني «�أ�ساطري» عديدة منها «�إمكانية املحافظة على الو�ضع الراهن الناجم‬ ‫عن حرب الأيام ال�ستة» و»اال�ستخفاف بالر�أي العام العاملي» و»الثغرة الأبدية» بني القوى‬ ‫الع�سكرية الإ�سرائيلية والقوة العربية‪ .‬لقد �ساد يف �إ�سرائيل بعد احلرب م�شاعر القنوط والكدر‬ ‫على احلكومة الإ�سرائيلية‪.‬‬ ‫وبعد انت�صار م�صر على �إ�سرائيل يف حرب ‪� 6‬أكتوبر‪� ،‬أعلن الرئي�س حممد �أنور ال�سادات يف‬ ‫جمل�س ال�شعب يوم ‪� 16‬أكتوبر عام ‪ 1973‬مبادرته الثانية لل�سالم‪.‬‬ ‫�أما مبادرة ال�سادات الثالثة لل�سالم فكانت من خالل زيارته للقد�س حيث �ألقى خطاباً �أمام‬ ‫الكني�ست الإ�سرائيلي يف ‪� 1977 /11 /20‬أعلن فيه عن ا�ستعداده لإبرام معاهدة �سالم‬ ‫ب�شروط‪ .‬ومتت معاهدة ال�سالم بني م�صر و�إ�سرائيل “معاهدة كامب ديفيد”‪ .‬وجاء يف ن�ص‬ ‫‪45‬‬

‫‪46‬‬

‫‪69‬‬


‫االتفاقية التي وقعت يف مار�س ‪:1979‬‬ ‫«�إن حكومة جمهورية م�صر العربية وحكومة دولة �إ�سرائيل اقتناعاً منهما بال�ضرورة املا�سة‬ ‫لإقامة �سالم عادل و�شامل ودائم يف ال�شرق الأو�سط وفقاً لقراري جمل�س الأمن ‪338 ،242‬‬ ‫�إذ ت�ؤكدان من جديد التزامهما ب�إطار ال�سالم يف ال�شرق الأو�سط املتفق عليه يف كامب ديفيد‬ ‫ويعترب امل�ؤرخ يف ‪� 17‬سبتمرب ‪.1978‬‬ ‫و�إذ يالحظ �أن الإطار امل�شار �إليه �إمنا ق�صد به �أن يكون �أ�سا�ساً لل�سالم لي�س بني م�صر و�إ�سرائيل‬ ‫( )‬ ‫فح�سب‪ ،‬بل �أي�ضاً بني �إ�سرائيل و�أي من جريانها العرب كل يف ما يخ�صه»‪.‬‬ ‫وبعد �إبرام اتفاقيات ال�سالم مع م�صر �سادت حالة الال�سلم والالحرب (�أي اجلمود)‪ ،‬وبالرغم‬ ‫من توقيع �إ�سرائيل خالل معاهدات ال�سالم مع م�صر على عدم التعر�ض للفل�سطينيني‪� ،‬إال‬ ‫�أننا جند �أن �إ�سرائيل قامت بالعديد من العمليات الإرهابية �ضد املجال�س املحلية والبلدية‪،‬‬ ‫وطرد ال�سكان وتهجريهم‪.‬‬ ‫ويف فجر ‪� 15‬آذار ‪ ،1978‬اجتاحت قوة من اجلي�ش الإ�سرائيلي‪ ،‬قدرت بنحو ‪� 30‬ألف جندي‬ ‫ب�سالحهم املدرع واجلوي والبحري‪ ،‬جنوب لبنان‪ ،‬من حماور عدة‪ .‬مما �أ�سفر عن احتالل‬ ‫معظم املناطق الواقعة جنوب الليطاين‪ ،‬وت�شريد �أكرث من ‪� 200‬ألف من �أهايل اجلنوب‬ ‫واملخيمات الفل�سطينية فيه‪ ،‬قتل عدد كبري من املدنيني‪ .‬وبعد هذا االجتياح وبالتحديد يف‬ ‫العام ‪ 1982‬مت و�ضع وثيقة «ا�سرتاتيجية �إ�سرائيل للثمانينيات»( )‪ ،‬وتعترب هذه الوثيقة البيان‬ ‫الأكرث �صراحة وبتف�صيل وا�ضح حتى الآن من اال�سرتاتيجية ال�صهيونية يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫ولكي ن�ستوعب متاماً �إطار اخلطة‪ ،‬يجب �أن ن�ستعر�ض �سريعاً الأحوال الإقليمية والعاملية يف‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬ففي �أوائل �سنة ‪ ،1982‬كان االحتاد ال�سوفياتي ما زال قائماً‪ ،‬يحتل �أفغان�ستان‪،‬‬ ‫يهيمن على �شرق �أوروبا‪ ،‬ويناطح �أمريكا يف حرب باردة‪� ،‬إ�سرائيل عقدت اتفاقية ال�سالم مع‬ ‫م�صر و�سلمت معظم �سيناء‪ ،‬حتت غطاء دويل وفرته احلرب العراقية ‪ -‬الإيرانية التي كانت يف‬ ‫�أوجها‪ ،‬وكذلك احلرب الأهلية اللبنانية‪.‬‬ ‫لبنان كان واقعياً مق�سماً لـ ‪ 5‬دويالت �آنذاك‪ ،‬ما بني �شمال يف �أيدي امل�سيحيني التابعني‬ ‫ل�سليمان فرجنيه بت�أييد من �سوريا‪ ،‬و�شرق ينت�شر فيه اجلي�ش ال�سوري‪ ،‬وو�سط ي�سيطر عليه‬ ‫اجلي�ش اللبناين‪ ،‬وحماذاة نهر الليطاين التي تهيمن عليها منظمة التحرير الفل�سطينية‪،‬‬ ‫وجنوب موالٍ لإ�سرائيل بقيادة ميلي�شيات �سعد حداد‪.‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪48‬‬

‫‪70‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫فكرة انق�سام لبنان تلك كانت تروق جداً للإ�سرائيليني ب�شرط �إعادة توزيع الأق�سام لتحقق‬ ‫لهم �أكرب قدر من الأمن‪ ،‬بعد التخل�ص من اجلي�ش ال�سوري ومنظمة التحرير‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬نبتت يف ذهن “عوديد يينون” فكرة لبننة العامل الإ�سالمي كله‪ ،‬فهي تقريباً الطريقة‬ ‫الوحيدة التي قد ّ‬ ‫متتد من‬ ‫�شعب �صغري مثل ال�شعب اليهودي من حكم م�ساحة ّ‬ ‫يتمكن بها ٌ‬ ‫النيل للفرات‪ ،‬بالإ�ضافة للم�صلحة العقدية املادية يف التق�سيم الطائفي للمنطقة‪ .‬ر�أى يينون‬ ‫فائدة �أخرى يف �إر�ساء �شرعية دولة �إ�سرائيل‪ ،‬مبا �أن كل طائفة �ستكون لها دولة‪ ،‬فوجود دولة‬ ‫يهودية ي�صبح مربراً متاماً من الناحية الأخالقية‪.‬‬ ‫«ا�سرتاتيجية لإ�رسائيل يف الثمانينات»‬

‫(‪)49‬‬

‫نظرة عامة على العامل العربي والإ�سالمي «طبقاً لن�ص الوثيقة العربية»‬ ‫�إن العامل العربي الإ�سالمي هو مبثابة برج من الورق �أقامه الأجانب ‪ -‬فرن�سا وبريطانيا يف‬ ‫الع�شرينيات ‪ -‬دون �أن تو�ضع يف احل�سبان رغبات وتطلعات �سكان هذا العامل‪.‬‬ ‫لقد ُق ّ�سم هذا العامل �إىل ‪ 19‬دولة كلها تتكون من خليط من الأقليات والطوائف املختلفة‪،‬‬ ‫والتي ُتعادي كل منها الأخرى‪ ،‬وعليه ف�إن كل دولة عربية �إ�سالمية معر�ضة اليوم خلطر‬ ‫التفتت العرقي واالجتماعي يف الداخل �إىل حد احلرب الداخلية‪ ،‬كما هو احلال يف بع�ض‬ ‫هذه الدول‪.‬‬ ‫و�إذا ما �أ�ضفنا �إىل ذلك الو�ضع االقت�صادي يتبني لنا كيف �أن املنطقة كلها‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬بناء‬ ‫م�صطنع كربج الورق‪ ،‬ال يمُ كنه الت�صدي للم�شكالت اخلطرية التي تواجهه‪.‬‬ ‫يف هذا العامل ال�ضخم وامل�شتت‪ ،‬توجد جماعات قليلة من وا�سعي الرثاء وجماهري غفرية من‬ ‫الفقراء‪� .‬إن معظم العرب متو�سط دخلهم ال�سنوي حوايل ‪ 300‬دوالر يف العام‪.‬‬ ‫�إن هذه ال�صورة قائمة وعا�صفة جداً للو�ضع من حول (�إ�سرائيل)‪ ،‬و ُت�شكل بالن�سبة (لإ�سرائيل)‬ ‫حتديات وم�شكالت و�أخطار‪ ،‬ولكنها ُت�شكل �أي�ضاً فر�صاً عظيمة‪.‬‬ ‫اعتربت اخلطة �أن �أهم حماور اال�سرتاتيجية امل�ستقبلية لإ�سرائيل عقب االنتهاء من لبنان‪،‬‬ ‫يجب �أن ترتكز يف تق�سيم العراق لـ‪ 3‬دول‪� :‬شيعية – �سنية – كردية‪ ،‬ومن بعد لبنان‬ ‫والعراق‪ ،‬م�صر وليبيا وال�سودان و�سوريا واملغرب العربي و�إيران وتركيا وال�صومال وباك�ستان‪،‬‬ ‫ا�ستمد يينون واقعية خمططه من �إ�شكالية �أن احلدود العربية احلالية غري قابلة للدوام؛ مما‬ ‫ّ‬ ‫‪71‬‬


‫يجعل الدول العربية �أ�شبه ببيوت مبنية من �أوراق اللعب‪:‬‬ ‫– احلدود و�ضعتها دول ا�ستعمارية دون اعتبار لهويات ال�شعوب وتوجهاتها ورغباتها‪.‬‬ ‫ت�ضم طوائف عدة غري من�سجمة‪.‬‬ ‫معظم الدول العربية ّ‬ ‫احلكم ت�ستحوذ عليه طائفة بعينها (يف بع�ض الأحوال الطائفة احلاكمة �أقلية مثلما هو احلال‬ ‫يف �سورية والعراق ولبنان والبحرين)‪.‬‬ ‫توجد �صراعات على احلدود بني دول عربية عدة‪.‬‬ ‫ت�صارع الأيديولوجيات بني الإ�سالميني والقوميني والوطنيني �سي�صعد ال�صراعات الداخلية‬ ‫يف كل دولة‪.‬‬ ‫بعد ‪� 4‬أ�شهر من ن�شر هذا املخطط‪ ،‬قامت �إ�سرائيل بغزو لبنان ومل تخرج �إال بعد ‪� 18‬سنة‪،‬‬ ‫�أبادت وطردت خاللها الفل�سطينيني هناك‪ ،‬وفعلت ما يكفي لإخراج اجلي�ش ال�سوري‪ ،‬ولوال‬ ‫اتفاق الطائف وظهور حزب اهلل يف اجلنوب لكان لبنان مق�سماً الآن �إىل ‪ 5‬دويالت‪.‬‬ ‫وتقدمت‬ ‫فقد قامت القوات الإ�سرائيلية بغزو لبنان لتدمري قواعد منظمة التحرير الفل�سطينية‪ّ ،‬‬ ‫لتحا�صر القطاع الإ�سالمي من بريوت ملدة ع�شرة �أ�سابيع‪ ،‬قبل �أن تن�سحب بعد التو�صل �إىل‬ ‫اتفاق ب�ش�أن خروج “القوات الفل�سطينية” من لبنان‪ ،‬وكان �أهم نتائجها قيام �إ�سرائيل بتو�سيع‬ ‫“ال�شريط احلدودي” الذي كانت قد احتلته يف جنوب لبنان عام ‪ ،1978‬وارتكاب القوات‬ ‫الإ�سرائيلية ‪ -‬مذبحة �صربا و�شاتيال‪ ،‬وتع ّر�ض اجلي�ش الإ�سرائيلي الذي كان �أرييل �شارون‬ ‫يقوده لهزة عنيفة‪.‬‬ ‫وقد �سبب ال�صراع العربي ‪ -‬الإ�سرائيلي للواليات املتحدة توتراً كبرياً يف ما يتعلق مب�صاحلها‬ ‫الداخلية �أو اخلارجية‪ ،‬ال �سيما �أثناء الأزمات‪ ،‬حيث تنجم �إ�شكاليات كربى يف جمال‬ ‫ال�سيا�سة اخلارجية‪ ،‬ويف الفرتات التي خلت من �أزمات‪ ،‬خفّت ِح ّدة التو ّتر نظراً ل�صياغة‬ ‫ال�سيا�سة الأمريكية ِحيال ال�صراع العربي ‪ -‬الإ�سرائيلي‪ .‬وقد �أحدثت نهاية احلرب الباردة‬ ‫وحرب اخلليج الثانية ‪ 1990‬تغريات يف ال�سيا�سة الأمريكية‪ ،‬يف العديد من النواحي‪ .‬فقد‬ ‫قامت الواليات املتحدة بعد انتهاء احلرب الباردة‪ ،‬بال�شروع يف م�صادرة نتائجها ل�صاحلها‪ ،‬عرب‬ ‫تن�صيب نف�سها كزعيمة للعامل من �أق�صاه �إىل �أدناه‪ ،‬تقرر قواعد ال�سلوك و�صياغة العالقات‬ ‫الدولية‪ ،‬منفردة يف الت�أ�سي�س لنظام عاملي وحيد القطبية‪ ،‬وكانت البداية �أحداث كو�سوفو وما‬ ‫�أعقب ذلك من احتالل �أفغان�ستان والعراق‪ ،‬والباب مفتوح �أمام حروب جديدة‪ ،‬وبالتايل‬ ‫‪72‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫�إحداث ه ّزة قوية لكل القواعد القليلة لال�ستقرار الدويل‪ ،‬وال�شروع يف انطالق ع�صر جديد‪،‬‬ ‫ي ّت�سم ب�إلغاء �سيادة الدولة من �أجل امل�صالح الكبرية ولذلك و�ضعت الوكالة الأمريكية‬ ‫للتنمية الدولية بعد توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد خمططاً لل�شرق الأو�سط حتت عنوان‪:‬‬ ‫«التعاون الإقليمي يف ال�شرق الأو�سط»‪ .‬وكانت الوكالة الأمريكية قد ك ّلفت ثماين ع�شرة‬ ‫م�ؤ�س�سة �أمريكية حكومية وغري حكومية لو�ضع هذا املخطط‪ ،‬ومتخ�ض عن التقرير الذي �أعلنته‬ ‫الوكالة الأفكار التالية‪:‬‬ ‫ـ �سيكون الدور الأمريكي حا�سماً يف جمال التعاون الإقليمي‪ ،‬وعلى الواليات املتحدة �أن‬ ‫تلعب دور الو�سيط‪.‬‬ ‫ـ تقوم فكرة التعاون الإقليمي على �أ�سا�س �شرق �أو�سطي ولي�س على �أ�سا�س عربي‪.‬‬ ‫ـ �إيجاد م�ؤ�س�سات جديدة تتجاوز اجلامعة العربية‪ ،‬لكي ت�سمح با�ستيعاب «�إ�سرائيل»‬ ‫وانخراطها يف النظام الإقليمي اجلديد‪.‬‬ ‫ـ �إعطاء �أهمية لدور الأكادمييني ورجال الأعمال يف بداية التعاون الإقليمي وتطويره‪.‬‬ ‫ويعالج املخطط الأمريكي �آفاق التعاون بني «�إ�سرائيل» وم�صر و�سورية والأردن ولبنان‬ ‫وال�سعودية وال�ضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬ويتط ّرق �إىل املوارد امل�شرتكة مثل نهر الأردن‪ ،‬والبحر‬ ‫امليت وخليج العقبة‪ ،‬و�إىل م�شكلة ال�صحاري والزراعة والتعاون العلمي والتكنولوجي(‪.)50‬‬ ‫ويو�صي التقرير الأمريكي يف جمال النقل بربط خطوط املوا�صالت ب�شكل يعمل على تعزيز‬ ‫التجارة وال�سياحة‪ ،‬والبحث عن املياه اجلوفية يف �سيناء‪ ،‬وبيع مياه النيل «لإ�سرائيل» وحتلية‬ ‫مياه البحر‪.‬‬ ‫ويطالب التقرير ب�إقامة م�شروعات �صناعية م�شرتكة بني «�إ�سرائيل‪ ،‬وجريانها‪ ،‬وي�ؤكد على‬ ‫الدور الذي يجب �أن تلعبه الواليات املتحدة يف املرحلة الأوىل من البدء يف تنفيذه‪.‬‬ ‫ُتويل الواليات املتحدة الأمريكية اهتماماً كبرياً للمنطقة العربية خلدمة م�صاحلها االقت�صادية‬ ‫والهيمنة على النفط العربي واملحافظة على تف ّوق «�إ�سرائيل» على جميع البلدان العربية‪ ،‬لذا‬ ‫اقرتح الربوفي�سور الأمريكي « روبرت تاكر» �أنه «ملنع �أمريكا من �أن تنزف حتى املوت من ج ّراء‬ ‫املمتدة من الكويت‬ ‫نفط ال�شرق الأو�سط عليها فر�ض ال�سيطرة الأمريكية الفعلية على املنطقة ّ‬ ‫( )‬ ‫نزو ًال على طول الإقليم ال�ساحلي للمملكة العربية ال�سعودية حتى قطر‪.‬‬ ‫لقد �أ ّدت �أزمة الكويت يف عام ‪ 1990‬باجتياحها من ِقبل القوات العراقية‪� ،‬إىل تعزيز الوجود‬ ‫‪51‬‬

‫‪73‬‬


‫الع�سكري الأمريكي الدائم‪ ،‬وزادت من ت�أثري ال�سيا�سة الأمريكية يف دول اخلليج‪ ،‬و�شملت‬ ‫نتائجها ال�سلبية اجلامعة العربية‪ ،‬وانتع�ش منو وتطور التعاون الإقليمي مع الكيان ال�صهيوين‪،‬‬ ‫و�أخذت املخططات الإ�سرائيلية والأمريكية تتحقق بعد حرب اخلليج الثانية‪.‬‬ ‫كما دخلت الق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬مع بداية عقد الت�سعينيات من هذا القرن‪ ،‬منعطفاً جديداً‪،‬‬ ‫امل�ستجدة واملتغريات الطارئة التي‬ ‫حا�سماً وبالغ اخلطورة‪� ،‬أحيطت فيه بجملة من الظروف‬ ‫ّ‬ ‫تركت �آثاراً مبا�شرة على م�سار كفاح ال�شعب الفل�سطيني منها‪« :‬ت�أثري االنتفا�ضة الفل�سطينية‬ ‫ونتائجها‪� ،‬أزمات االقت�صاد الإ�سرائيلي ّ‬ ‫املركبة؛ لأ�سباب عديدة منها‪ :‬ت�صاعد النفقات‬ ‫الع�سكرية‪ ،‬والآثار ال�سلبية ال�ستمرار وارتفاع وترية ن�شاطات االنتفا�ضة يف الأرا�ضي املحتلة‪،‬‬ ‫( )‬ ‫ازدياد معدالت الهجرة اليهودية وتعاظمها �إىل �إ�سرائيل»‪.‬‬ ‫هذه العوامل وغريها‪ ،‬مهدت الطريق �أمام برنامج الت�سوية الأمريكي (اتفاقية �أو�سلو) الذي ّمت‬ ‫تكري�سه فعلياً والتوقيع على بنوده حتت رعاية الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬حتت ا�سم اتفاق‬ ‫املبادئ الفل�سطيني الإ�سرائيلي يوم االثنني ‪ .1993 /9 /13‬والتي كانت من �أهم نتائجه‬ ‫ان�سحاب �إ�سرائيل من قطاع غزة ومنطقة �أريحا وتويل ال�سلطة الفل�سطينية احلكم يف هذه‬ ‫املناطق‪ ،‬ووقع هذا االتفاق حكومة حزب العمل «�شمعون بريي�س»‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫اال�ستعمار من ُبعد‬

‫خمططات �إ�رسائيلية و�أمريكية خللق �رشق �أو�سط جديد‬

‫هل بالفعل جنح العامل العربي يف �إنهاء اال�ستعمار؟ هل بالفعل حترر من االحتالل؟ �أم‬ ‫�أن االحتالل الأوروبي‪ ..‬الأمريكي‪ ..‬الإ�سرائيلي �أوجد نف�سه يف �أ�شكال �أخرى ّمتكنه من‬ ‫ال�سيطرة لي�س فقط على عاملنا العربي فح�سب‪ ،‬بل على ال�شرق الأو�سط كله وبتخطيط‬ ‫توارثته الواليات املتحدة الأمريكية من امل�ستعمر الأوروبي لتكمل م�سرية االحتالل‪،‬‬ ‫ويتحول االحتالل من االجنلو �أمريكي لي�صبح ال�صهيو �أمريكي الذي �أوجد �سب ًال �أخرى؟!‬ ‫عملت الواليات املتحدة الأمريكية ودول االحتاد الأوروبي والكيان ال�صهيوين على ت�سخري‬ ‫م�ؤمتر مدريد الذي ُعقد يف ‪ 30‬ت�شرين الأول ‪ 1991‬ل�صياغة وبلورة النظام الإقليمي اجلديد‬ ‫يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬وحاولت �إ�ضعاف املوقف التفاو�ضي ل�سورية ولبنان بالبدء يف املفاو�ضات‬ ‫املتعددة الأطراف التي ُعقدت يف مو�سكو يف ‪ 28‬كانون الثاين ‪ 1992‬للتو�صل �إىل تطبيع‬ ‫ّ‬ ‫العالقات قبل التو�صل �إىل ال�سالم ال�شامل على جميع امل�سارات‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫وا�ستجاب الطرف الفل�سطيني وانفرد بتوقيع اتفاق �أو�سلو‪ ،‬اتفاق غزة ـ �أريحا يف ‪� 13‬أيلول‬ ‫‪ ،1993‬وانفرد الأردن �أي�ضاً بتوقيع �إعالن املبادئ يف ‪ 25‬متوز ‪ 1994‬ومعاهدة وادي عربة يف‬ ‫‪ 26‬ت�شرين الأول ‪.1994‬‬ ‫واتفق املغرب وتون�س على �إقامة عالقات ر�سمية مع الكيان ال�صهيوين وفتح مكاتب االت�صال‬ ‫يف �شهري‪� :‬أيلول وت�شرين الأول ‪.1994‬‬ ‫و�ألغى جمل�س التعاون اخلليجي يف ‪� 30‬أيلول ‪ 1994‬املقاطعة من الدرجتني الثانية والثالثة مع‬ ‫العدو ال�صهيوين‪ ،‬و�ساعدت هذه اخلطوات التي اتخذتها الأطراف العربية على فتح الآفاق‬ ‫لإقامة النظام الإقليمي اجلديد‪ .‬و�صاحب هذه اخلطوات الر�سمية برو ُز تيار �سيا�سي يعمل‬ ‫على ت�سويق فكرة ال�شرق �أو�سطية‪ ،‬لإيجاد املناخ املالئم كي تتق ّبله الأو�ساط ال�شعبية العربية‬ ‫ومن �أبرز �أقطابه املفكر الي�ساري لطفي اخلويل‪.‬‬ ‫وتهدف جميع املخططات �إىل ت�أمني هيمنة الواليات املتحدة الأمريكية على النفط العربي‬ ‫وفر�ص الهيمنة ال�صهيونية على البلدان العربية‪.‬‬ ‫حدد الرئي�س الأمريكي جورج بو�ش يف كلمته االفتتاحية يف م�ؤمتر مدريد �أن جوهر ال�سيا�سة‬ ‫ّ‬ ‫الأمريكية ال يقت�صر على حل النزاع العربي ـ الإ�سرائيلي بل تهيئة الأجواء �أي�ضاً لإقامة‬ ‫النظام الإقليمي ال�شرق �أو�سطي‪.‬‬ ‫�إن نظام ال�شرق الأو�سط الكبري جت�سيد للمخططات ال�صهيونية مل�ستقبل املنطقة العربية يف‬ ‫مرحلة ال�سلم الإ�سرائيلي‪ ،‬وهي م�شروع �صهيوين �ساهمت يف التخطيط له و�إر�ساء دعائمه‬ ‫جميع احلكومات الإ�سرائيلية املتعاقبة‪ ،‬العمالية منها والليكودية‪ ،‬ويح ّول «�إ�سرائيل» دولة‬ ‫عظمى‪.‬‬ ‫وترمي «�إ�سرائيل» من خالله �إىل النجاح يف ت�سويق النفط والغاز العربيني ونقل النفط من‬ ‫ّ‬ ‫والتحكم يف‬ ‫اخلليج والعراق �إىل �أوروبا‪ ،‬فال�شرق �أو�سطية تهدف �إىل �سلب اخلريات العربية‪،‬‬ ‫تط ّور الأقطار العربية‪ ،‬واحليلولة دون �إقامة �صناعات وطنية متطورة‪.‬‬ ‫«خرائط برنارد لوي�س – ‪»1992‬‬

‫ومرت ‪� 10‬سنوات على خطة يينون‪ ،‬و�ضع الربوفي�سور الأمريكي «برنارد لوي�س» خمططاً‬ ‫لل�شرق الأو�سط ن�شرته جملة «فورين �أفريز» الأمريكية “‪ ”Foreign Affairs‬يف خريف‬ ‫‪ 1992‬حتت عنوان‪:‬‬ ‫‪75‬‬


‫«�إعادة النظر يف ال�شرق الأو�سط»‪ ،‬انطلق فيه من التخلي الر�سمي عن حلم القومية العربية‪،‬‬ ‫ور�سم �شرق �أو�سط جديد ت�صل حدوده اجلغرافية �إىل اجلمهوريات الإ�سالمية امل�ستقلة حديثاً‪.‬‬ ‫عن طريق ر�سم خرائط جديدة‪ ،‬اخت�صت بال�شرق الأو�سط‪ ،‬وبدت وك�أنها منوذج معدل خلطة‬ ‫يينون‪ ،‬يف �ضوء املتغريات الإقليمية والدولية‪.‬‬ ‫يقوم م�شروع برنارد لوي�س �أي�ضاً على تق�سيم املنطقة طبقاً خلطوط عرقية طائفية لغوية‪ ،‬ويتطرق‬ ‫للبننة (ن�سب ًة للبنان) وكذلك احلرب العراقية الإيرانية‪ ،‬عندما ز ّود الغرب كل الأطراف‬ ‫بالأ�سلحة الفتاكة لكي يظل القتال م�ستمراً لأطول فرتة ممكنة قبل �أن يدرك املت�صارعون‬ ‫كم كانوا �أغبياء‪ .‬ويعترب برنارد لوي�س غزو العراق للكويت النهاية الفعلية ل�سيطرة العرب‬ ‫على �سالح البرتول‪ ،‬فلن تتمتع بعده �أية دولة نفطية باال�ستقالل �أو القوة‪ ،‬وكلمة ال�سر هي‬ ‫(التحكم من اخلارج) دون احلاجة الحتالل ع�سكري على الأر�ض �إال بالقدر الذي يحمي‬ ‫موارد البرتول �إذا تع ّر�ضت خلطر م�سلح‪.‬‬

‫مبقارنة خريطة لوي�س مع خطة يينون‪ ،‬جند �أنهما اتفقا على حمو الدولة اللبنانية من الوجود‬ ‫وتق�سيم العراق لـ‪ 3‬دويالت‪� :‬سنية و�شيعية وكردية‪ ،‬و�ضم �سيناء لإ�سرائيل‪ ،‬ولكن برنارد‬ ‫لوي�س اختلف مع يينون يف الآتي‪:‬‬ ‫– ا�ستبعد تق�سيم م�صر‪( ،‬على �أن ت�ضم �إ�سرائيل �سيناء كما يف خطة يينون)‪.‬‬ ‫‪76‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫– ا�ستبعد تق�سيم �سوريا‪.‬‬ ‫– ّركز لوي�س �أكرث على منطقة �شرق اخلليج العربي‪� :‬إيران و�أفغان�ستان وباك�ستان وكيفية‬ ‫تق�سيمها‪ ،‬وقد ذكر يينون ذلك‪ ،‬ولكنه مل يتطرق للتفا�صيل‪.‬‬ ‫خطة برنارد لوي�س ال تكتفي بخرائط �صماء ت�ستغل ال�صراعات الطائفية والعرقية‪ ،‬ولكنها‬ ‫ا�شتملت �أي�ضاً على �إ�شعال ‪ 9‬حروب يف املنطقة‪ ،‬وعا�شرتها حرب البلقان يف �أوروبا التي توقع‬ ‫�أن متتد ل�شرق البحر املتو�سط‪ ،‬تلك احلروب �ست�س ّرع عجلة تق�سيم املنطقة‪ ،‬وبعد التق�سيم‬ ‫تن�شب حرب �أخرى كربى عربية ‪� -‬إيرانية مبجرد هيمنة �إيران على الدويلة العراقية ال�شيعية‪.‬‬ ‫�أ�شار لوي�س لدولتني فقط‪ ،‬ينبغي احلفاظ على ا�ستقرارهما وقوتهما وا�ستقاللهما واالعتماد‬ ‫عليهما‪:‬‬ ‫�إ�سرائيل وتركيا (�أيام االنقالبات الع�سكرية على احلكومات ذات التوجه الإ�سالمي)‪� ،‬إال �أن‬ ‫ذلك مل مينعه من طرح ت�صور الدولة الكردية التي تقتطع جزءاً من تركيا‪ .‬من املثري لالهتمام‬ ‫�أن لوي�س تكلم عن تنظيمات �إ�سالمية م�سلحة م�صنوعة يف بريطانيا‪ ،‬و�أن ا�ستبداد احلكام‬ ‫يف الدول الإ�سالمية ّ‬ ‫�سيغذي تلك امليلي�شيات‪ ،‬مما ي�صب يف م�صلحة خطط التق�سيم‪� ،‬إذ �إن‬ ‫االنت�صارات الع�سكرية له�ؤالء �ست�ساهم ب�صورة كبرية يف �إ�ضعاف ال�سلطة املركزية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ت�ؤدي �إىل �سقوط الدول القائمة فقط على جربوت النظام‪ ،‬حيث تغيب املجتمعات املدنية‬ ‫ال�صلبة التي حتفظ نظرياتها يف الغرب‪.‬‬ ‫وبعد ‪� 10‬سنوات من ن�شرها‪ ،‬وجدت ر�ؤى برنارد لوي�س اال�ستعمارية النفطية �ضالتها يف �إدارة‬ ‫جورج دابليو بو�ش التي ا�ستعانت بلوي�س كم�ست�شار لها قبل غزو العراق‪.‬‬ ‫الوجه الآخر لل�رصاع يف ال�رشق الأو�سط‬ ‫�رصاع �أنابيب الغاز‬

‫كان ظهور النفط يف اجلزيرة العربية ومنطقة اخلليج قد طرح معادلة جديدة زادت من الأطماع‬ ‫الأجنبية يف تلك املنطقة وحماولة احتوائها �سيا�س ّياً واقت�صاد ّياً؛ فالواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫ي�سيطر عليها هدفان رئي�سيان يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬هما‪� :‬ضمان �أمن �إ�سرائيل‪ ،‬وحماية منابع‬ ‫النفط؛ لذا َّ‬ ‫تركز ال�صراع الدويل والإقليمي باملنطقة دائماً على م�س�ألتي الرثوة العربية وق�ضية‬ ‫ال�صراع العربي‪-‬الإ�سرائيلي‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫للحد من‬ ‫بعد �إقرار اتفاق‪« ‬كيوتو» �سنة ‪ ،1992‬وتطبيق الدول الأوروبية �إجراءات حازمة ّ‬ ‫تل ّوث اجل ّو‪ ،‬ت�ضاعف ا�ستهالك �أوروبا للغاز‪ .‬ومن املتوقّع �أن يزداد هذا اال�ستهالك ب�أكرث من‬ ‫خم�س م ّرات يف ال�سنوات القليلة املقبلة‪ ،‬يف ظل قرارات ب�إغالق العديد من املفاعالت‬ ‫النووية املو ّلدة للطاقة‪ .‬وهذا ما فتح �شه ّية الكثري من الدول امل�صدرة للغاز نحو �أوروبا ب�شكل‬ ‫مبا�شر �أو غري مبا�شر‪ ،‬وذلك مل�صالح اقت�صادية ولأهداف مرتبطة بالنفوذ ال�سيا�سي الدويل‪.‬‬ ‫كميات‬ ‫ويف هذا ال�سياق‪ ،‬تو ّزع رو�سيا االحتادية (التي هي ّ‬ ‫امل�صدر الأ ّول للغاز يف العامل)‪ّ ،‬‬ ‫�ضخمة من الغاز ال�سائل تبلغ ‪ 420‬مليار طن �سنوياً‪ ،‬عرب �شبكة �ضخمة ومعقدة من خطوط‬ ‫الأنابيب متتد من رو�سيا مروراً ب�أوكرانيا وبيالرو�سيا �إىل جممل �أوروبا ال�شرقية �سابقاً‪ ،‬و�صو ًال‬ ‫�إىل �أملانيا وبلجيكا بوا�سطة �شركة «غاز بروم» الرو�سية التي ت� ّأ�س�ست يف العام ‪1996‬‬ ‫ومن الوا�ضح �أن رو�سيا قد‪ ‬قر�أت اخلارطة وتع ّلمت الدر�س جيداً‪ ..‬ف�سقوط االحتاد ال�سوفياتي‬ ‫كان ب�سبب غياب موارد الطاقة العاملية عن �سيطرته‪ ..‬لت�ضخ �إىل البنى ال�صناعية املال‬ ‫والطاقة‪ ..‬وبالتايل البقاء‪ .‬ولذلك تعلمت �أن لغة الطاقة الآتية �إىل القرن احلادي والع�شرين‬ ‫على الأقل هي لغة الغاز‪.‬‬ ‫خطوات تنفيذ �سيناريو ال�رشق الأو�سط اجلديد م�رشوع نابوكو‬

‫‪53‬‬

‫بد�أت فكرة امل�شروع مع بداية هذا القرن‪ ،‬واتخذت �أول خطوة عملية فيه يف بداية عام ‪2002‬‬

‫حينما وقع بروتوكول لال�شرتاك يف امل�شروع بني كون�سورتيوم من �شركة (�أو �إم يف جاز)‬ ‫النم�ساوية و(بوتا�ش) الرتكية و(�إم �أو �إل) املجرية و(تران�س جاز) الرومانية و(بلغار جاز)‬ ‫البلغارية‪ .‬والهدف الرئي�سي من هذا امل�شروع هو ربط احتياطيات الغاز يف �آ�سيا الو�سطى‬ ‫عرب بحر قزوين ب�أوروبا من خالل خط �أنابيب يعرب بحر قزوين �إىل �أذربيجان ثم �إىل النم�سا‪،‬‬ ‫دون املرور ب�أرا�ضي دولة رو�سيا‪ ،‬وبح�سب درا�سات امل�شروع يف بداياته فهو يعتمد �أ�سا�ساً على‬ ‫ت�صدير الغاز الطبيعي من املزود تركمان�ستان‪ ،‬التي متلك رابع �أكرب احتياطي غاز يف العامل‬ ‫من خالل مترير خط �أنابيب عرب بحر قزوين يحمل غاز تركمان�ستان �إىل �أذربيجان دون املرور‬ ‫على الأرا�ضي الرو�سية‪ ،‬ومنها �إىل تركيا حيث �سيمر ثلثا خط الأنابيب عرب الأرا�ضي الرتكية‬ ‫ومن ثم يعرب بلغاريا ورومانيا ثم املجر �إىل منتهاه يف حمطة جتميع �ضخمة يف مدينة «بوجمارتن‬ ‫اندرمار�ش»‪ ،‬يف النم�سا‪ ،‬بطول ‪ 2050‬مي ًال �أو ‪ 3300‬كيلو مرت‪.‬‬ ‫�إذن فم�شروع‪« ‬نابوكو»‪ ‬هو م�شروع لتحويل جتارة الغاز الطبيعي من �آ�سيا الو�سطى �إىل �أوروبا‬ ‫‪78‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫دون املرور برو�سيا وبت�أييد من املفو�ضية الأوروبية ودعمها املادي‪ ،‬وذلك مبنحة مالية لتغطية‬ ‫نحو ‪ 50‬يف املئة من تكلفة امل�شروع‪ ،‬غري �أن م�شروع نابوكو الذي مت التفكري فيه عام ‪2002‬‬ ‫مل ير النور و ّمت تعطيله و�إرجا�ؤه فرتة امتدت �إىل تاريخ توقيعه يف عام ‪2009‬م وذلك لأ�سباب‬ ‫عديدة‪ ،‬ت�أتي يف مقدمتها لعبة امل�صالح الكبرية بني اجلغرافية وال�سيا�سة والطاقة‪.‬‬ ‫ولكن هيمنة رو�سيا ال�سيا�سية والع�سكرية والتجارية ووقوفها عائقاً لتلك االجتاهات الأوروبية‬ ‫الأمريكية من �أجل تنفيذ فكرة هذا امل�شروع الذي كان معتمداً يف بدايته على املز ّودين‬ ‫الأ�سا�سيني ب�ضخ الغاز يف خط الأنابيب من حقول الغاز يف الدول من القوقاز وو�سط �آ�سيا‪،‬‬ ‫احلد من اعتماد‬ ‫وااللتفات حول رو�سيا و»حتريرهم» من خمالب الدب الرو�سي‪ ،‬وكذلك �إىل ّ‬ ‫�أوروبا على الغاز الرو�سي‪� ،‬أو �سيطرتها عليه‪ ،‬وهو بالطبع مما �أثار حفيظة الدب الرو�سي‪ ،‬الذي‬ ‫يرتبع على �أكرب احتياطي للغاز يف العامل وي�سيطر على جميع خطوط الأنابيب العاملة التي‬ ‫تنقل الغاز الطبيعي �إىل �أوروبا‪.‬‬ ‫ولأن‪ ‬مو�سكو‪ ‬لي�ست بالفري�سة ال�سهلة‪ ،‬ومن ال�صعب عزلها وحتييدها بناء على الرغبات‬ ‫الأمريكية اجلاحمة‪ ،‬فقد �أظهرت رو�سيا ممانعتها قو ًال وفع ًال لذلك امل�شروع الذي اعتربته‬ ‫ي�ستهدف كيانها الإقليمي ومعادياً لها‪ ،‬وتبنت خطة ا�سرتاتيجية دفاعية بثالثة حماور وذات‬ ‫�أبعاد ودوائر حلزونية تتقارب يف املركز وتتباعد يف زمنها التنفيذي‪ ،‬وذلك ملجابهة م�شروع‬ ‫نابوكو وتفريغه من جدواه من النواحي القانونية واالقت�صادية وال�سيا�سية‪ .‬وقد جاء املحور‬ ‫الأول منها عرب �إثارة‪ ‬نزاع امللكية القانونية حول بحر قزوين‪ ،‬فقد جل�أت رو�سيا يف تنفيذ‬ ‫ا�سرتاتيجيتها �إىل �إثارة جدل قانوين حول م�سار الأنبوب‪ ،‬و�إمداداته وذلك من �أجل الإيقاف‬ ‫الفوري �أو على الأقل تعطيل م�شروع خط نابوكو‪.‬‬ ‫هذا اخلالف الذي �أثارته رو�سيا هو ماهية ال�صفة القانونية للم�سطح املائي لبحر قزوين يف ظل‬ ‫القانون الدويل‪ ،‬وهل هو بحر �أم بحرية؟!!‬ ‫ولإي�ضاح ذلك املبد�أ‪ ،‬ف�إن القانون الدويل ب�شكل عام يفرق بني ال�صفة القانونية للم�سطح املائي‬ ‫يف ما لو كان بحراً ف�إن القانون الدويل يحدد حقوق معيته للدول املط ّلة عليه‪ ،‬وتختلف هذه‬ ‫احلقوق �إذا كانت �صفة امل�سطح املائي حو�ضاً �أي «بحرية»‪ ،‬ف�إنه يرتتب عليه حقوق تختلف للدول‬ ‫يتم تقا�سم مياهه وثرواته ح�سب طول �شواطئ الدول‬ ‫املطلة عليه‪ :‬فالبحر حتت القانون الدويل ّ‬ ‫املحيطة به‪ ،‬وجرفها القاري… �إلخ‪ ،‬فيما �إذا كان امل�سطح املائي حو�ضاً �أو بحرية ف�إن الو�ضع‬ ‫القانوين للملكية يختلف حيث يتم تقا�سم مياهه وثرواته بالت�ساوي بني الدول املحيطة به‪.‬‬ ‫‪79‬‬


‫وت�أ�سي�ساً على ذلك املبد�أ‪� ،‬أثارت رو�سيا‪ ‬مو�ضوع ال�صفة القانونية لبحر قزوين‪ ‬وتب ّنت تعريف‬ ‫متجددة مبياه �أنهار الفوجلا وبناء على ذلك‪ ،‬فالقانون الدويل‬ ‫حو�ض قزوين على �أنه بحرية ّ‬ ‫يعطيها احلق بتقا�سم مياهه وثرواته بالت�ساوي بني الدول املحيطة به‪ ،‬كما ين�ص القانون الدويل‬ ‫على ذلك‪ .‬هذا املحور من اال�سرتاتيجية الرو�سية جعل من امل�ستحيل‪ ،‬لي�س فقط �إن�شاء خط‬ ‫�أنابيب الغاز عرب حو�ض قزوين‪ ،‬بل حتى تطوير تركمان�ستان �أو �أذربيجان لأية حقول غاز على‬ ‫�سواحل حو�ض قزوين يف ظل هذا التعريف‪� ،‬إىل �أن يتم االعرتاف به كبحر‪ ،‬وبالتايل فال حق‬ ‫لأي دولة �أخرى مطلة على البحر يف حقول النفط والغاز على �شواطئ الدول الأخرى املطلة‬ ‫على امل�سطح املائي‪.‬‬

‫وجاء املحور الثاين يف اال�سرتاتيجية الدفاعية الرو�سية عرب بناء قوة رو�سيا االحتكارية يف‬ ‫�شراء كامل الغاز املنتج يف �أوا�سط �آ�سيا وبالتايل احتكار بيعه عن طريقها وعرب �أنابيبها العابرة‬ ‫للقارات‪ .‬لذا فقد دخلت رو�سيا يف عقود �شراء غاز طويلة املدى من كل حكومات الدول‬ ‫املفرت�ض منها �ضخ الغاز يف خط �أنابيب نابوكو‪ ،‬كرتكمان�ستان التي تنتج حالياً نحو ‪ 80‬مليار‬ ‫مرت مكعب �سنوياً‪ ،‬وقامت رو�سيا ب�شراء �أكرث من ‪ 50‬مليار مرت مكعب يف عقود طويلة الأجل‪.‬‬ ‫كما دخلت بعقود �شراء طويلة الأجل مع �أوزبك�ستان التي لديها احتياطي قدره ‪ 1.8‬مليارات‬ ‫مرت مكعب من الغاز‪ ،‬حيث قامت رو�سيا ب�شراء كامل �إنتاجها من الغاز يف عقد طويل الأجل‬ ‫ينتهي عام ‪ ،2018‬ويف �ضوء ذلك ان�سحبت تلك الدول من �أي تع ّهد لإمداد «نابوكو»‪،‬‬ ‫و�أعلنت تركمان�ستان من جانبها �أخرياً �أنه حتى ولو بعد تطوير حقولها الغازية ووجود فائ�ض‬ ‫‪80‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫يف الغاز املنتج عن تلبية تعهداتها لرو�سيا وال�صني فلن تبيع الغاز خلط �أنابيب نابوكو‪ ،‬كما �أن‬ ‫�أذربيجان التي يع ّول عليها كثرياً بعد ان�سحاب تركمان�ستان من �إمداد الن�سبة الأكرب من الغاز‬ ‫املنقول �إىل �أوروبا‪ ،‬دخلت هي الأخرى يف تع ّهدات مع رو�سيا بعقود بيع طويلة املدى‪ ،‬حيث‬ ‫وقعت رو�سيا معها اتفاقاً ل�شراء ح�صة كبرية من غازها‪ ،‬ولكنها �أعلنت يف الوقت نف�سه �أنها‬ ‫�ستبيع الغاز لـ‪« ‬نابوكو»‪� ‬إذا ُوجِ د فائ�ض لديها‪.‬‬ ‫ومن هنا فقد جنحت رو�سيا يف تفريغ امل�شروع من جدواه ون�سفته من جذوره متاماً‪.‬‬ ‫وبالإ�ضافة لكل ما �سبق‪ ،‬قامت رو�سيا بتكثيف اجلهود لبناء خطوط غاز جديدة‪ ،‬ف�أعلنت‬ ‫�شركة غاز بروم ب�أنها �ست�ستثمر يف م�شاريع غاز من �أمريكا الالتينية و�أفريقيا و�آ�سيا وحتى‬ ‫وا�شنطن �ستجد نف�سها ذات يوم ت�شرتي الغاز من رو�سيا‪ ،‬و�أعلنت رو�سيا عن “�أربعة خطوط‬ ‫( )‬ ‫غاز عمالقة”‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫الهجوم الأمريكي امل�ضاد‬

‫تلك اخلطوات اال�ستباقية الإجها�ضية من رو�سيا قابلتها �أمريكا وحلفا�ؤها بخطة م�ضادة‬ ‫تعتمد على �إيجاد خطوات عملية بديلة‪ ،‬فقد �ألقت الواليات املتحدة بثقلها الدبلوما�سي‬ ‫كام ًال لإنعا�ش م�شروع‪« ‬نابوكو» و�إعطائه دفعة معنوية قوية‪ .‬وبالفعل مت التوقيع على م�شروع‬ ‫«نابوكو»‪� ‬أمام ذهول واندها�ش العامل‪ ،‬خ�صو�صاً رو�سيا التي فوجئت بتوقيع اتفاقية نابوكو‬ ‫الغريبة نوعاً ما‪ ،‬لي�س فقط لأن جناح نابوكو التجاري �ضعيف ويعتمد على الدعم احلكومي‬ ‫لالحتاد الأوروبي والواليات املتحدة‪ ،‬بل باحلالة الكوميدية امل�ضحكة التي �أفرزها جناح‬ ‫اال�سرتاتيجية الرو�سية التي متثلت يف عدم وجود مز ّود للغاز من جهة‪ ،‬ومن جهة �أخرى يتم‬ ‫التوقيع على بناء �أنابيب الغاز‪..‬‬ ‫فوجه الغرابة يف م�شروع خط �أنابيب‪« ‬نابوكو»‪ – ‬كما بدا وقتها‪ -‬هو عك�سه �أو قلبه للموازين‬ ‫والقواعد االقت�صادية الكلية‪ ،‬حيث �إنه من املفرت�ض �أن جتد املادة املراد نقلها �أو ًال ثم تبد�أ يف‬ ‫�إن�شاء الو�سيلة لنقلها‪� ،‬أي �أنه يجب �أن جتد م�صدر الغاز �أو ًال‪ ،‬ثم تن�شئ خط �أنابيب لنقله؛‬ ‫وهذا ما مل يحدث يف هذه احلالة‪ ،‬ولكن على الرغم من ذلك �إال �أنه مت التوقيع على االتفاق‬ ‫على م�شروع‪« ‬نابوكو»‪ ‬عام ‪2009‬م الذي يق�ضي ببناء خط الأنابيب �أو ًال‪ ،‬ثم البحث عن الغاز‬ ‫الحقاً‪!!...‬‬ ‫وهنا ظهرت م�شكلة �أخرى‪ ،‬فكيف �سي�سمح نظام الأ�سد ال�سوري املوايل للرو�س واملعادي‬ ‫‪81‬‬


‫للغرب مبرور هذا الأنبوب يف �أرا�ضيه‪ ،‬وهو امل�شروع الذي �سي�ض ّر �ضرراً بالغاً ب�أهم‬ ‫حليف‪ ‬ا�سرتاتيجي له وهو رو�سيا؟‬ ‫هنا كان ال بد من دخول اجلرافات الأمريكية �إىل املنطقة كي مت ّهد الأر�ض وتزيل �أية عقبات‬ ‫قد تعوق مرور هذا الأنبوب احليوي ال�ضخم‪ ،‬وهذه العقبات كانت تتمثل �أو ًال يف النظام‬ ‫ال�سوري ثم الق�ضية الفل�سطينية مروراً باملوقف امللتهب يف لبنان‪ ..‬فال ميكن لأنبوب يحمل‬ ‫غازاً حارقاً �أن مير و�سط �صخور �صلدة �أو يف و�سط ملتهب بالأزمات‪.‬‬ ‫وكانت هذه اجلرافات الأمريكية يف حقيقتها هي‪ ‬م�شروع ال�شرق الأو�سط اجلديد‪ ‬لإعادة فك‬ ‫وتركيب الأنظمة املوجودة يف تلك املنطقة مبا ي�سمح بعبور هذا اخلط فيها ب�أمان‪ ،‬ومبا يحقق‬ ‫امل�صلحة الأمريكية والأوروبية املرجوة منه‪ ،‬فاملعادلة قد �أ�صبحت �صفرية‪ ،‬وهو ما يعني �أنه �إما‬ ‫�سقوط �سوريا �أو �سقوط املخطط الأمريكي‪ ،‬فتم �إعطاء الإذن النطالق �شرارة ما ُيعرف بالربيع‬ ‫العربي يف بلدان تلك املنطقة ب�إثارة الفنت والقالقل يف �سوريا‪ .‬فكل َمن يقع يف طريق مرور‬ ‫هذا الأنبوب �أو بجواره‪ ،‬ومل يلتحق بالركب الأمريكي‪ُ ،‬ي َع ّد من البلدان املارقة‪ ،‬والأقطار‬ ‫املتمردة‪ ،‬فجاء الدور اليوم على �سوريا الواقعة يف بوابة البلدان املحاذية لقناطر‪« ‬نابوكو»‪ ‬وهذا‬ ‫يف�سر �إ�صرار الإدارة الأمريكية على �إزاحة النظام ال�سوري بالطرق املتاحة وغري املتاحة‪..‬‬ ‫ال�رشق الأو�سط اجلديد‬

‫تت�ساقط قطع الدومينو العربي‪ ،‬الواحدة تلو الأخرى‪ ،‬كما تنب�أ «برنارد لوي�س»‪ .‬وقد �أكد وليام‬ ‫كري�ستول (من املحافظني اجلدد) �أن هذه فر�صة للواليات املتحدة �أن ت�أخذ زمام املبادرة مرة‬ ‫�أخرى يف املنطقة‪.‬‬ ‫ويف مقال بعنوان «الواليات املتحدة متواطئة مع �إ�سرائيل يف حتطيم لبنان» يقول املعلق‬ ‫الأمريكي «بول كريغ روبرت�س»‪:‬‬ ‫«�إن ما ن�شاهده يف ال�شرق الأو�سط هو حتقق خطة املحافظني اجلدد يف حتطيم �أي �أثر لال�ستقالل‬ ‫العربي الإ�سالمي‪ ،‬والق�ضاء على �أي معار�ضة للأجندة الإ�سرائيلية»( )‪.‬‬ ‫وهذا الت�صور لل�شرق الأو�سط ينطلق من ت�صور �أن التاريخ متوقف متاماً يف هذه املنطقة‪،‬‬ ‫و�أن ال�شعب العربي �سيظل جمرد �أداة بيد معظم حكامه الذين ين�صاعون ان�صياعاً �أعمى‬ ‫للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪82‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫و�أن هذا ال�شرق العربي جمرد م�ساحة �أو منطقة بال تاريخ وال تراث م�شرتك تقطنها جماعات‬ ‫دينية و�إثنية ال يربطها رابط ولي�س لها ذاكرة تاريخية وال �إح�سا�س بالكرامة‪ ،‬فالعربي خملوق‬ ‫مادي اقت�صادي حتركه الدوافع املادية االقت�صادية‪.‬‬ ‫«الت�صور لل�شرق الأو�سط ينطلق من ت�صور �أن التاريخ متوقف متاماً يف هذه املنطقة‪ ،‬و�أن ال�شعب‬ ‫العربي �سيظل جمرد �أداة بيد معظم حكامه الذين ين�صاعون ان�صياعا �أعمى للواليات املتحدة»‬

‫خرائط تو�ضح �شكل ال�شرق الأو�سط قبل وبعد و�ضع خمططات بيرتز “حدود الدم”‬ ‫لإعادة تق�سيم ال�شرق الأو�سط‬ ‫‪83‬‬


‫هذا هو الإطار الذي يتحرك داخله «رالف بيرتز» ففي الـ‪� 14‬سنة التالية ملخطط برنارد لوي�س‬ ‫(‪ ،)2006 – 1992‬تنامى ب�شكل متوا ٍز تقريباً اليمني الإ�سالمي اجلهادي متمث ًال يف تنظيم‬ ‫القاعدة يف مقابل اليمني امل�سيحي ‪ -‬اليهودي متمث ًال يف املحافظني اجلدد باحلزب اجلمهوري‬ ‫الأمريكي الذين و�صلوا للحكم من خالل بو�ش االبن‪ ،‬وال�صهاينة التقليديني من �أمثال‬ ‫�شارون ونتنياهو الذين هيمن حزب الليكود من خاللهم على ال�سلطة يف �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫وامل�سماة بحدود الدم والتي طرحها عام ‪� 2006‬أنه مل يق�صر ت�صوراته‬ ‫املختلف يف ر�ؤية بيرتز ّ‬ ‫على هيمنة �إ�سرائيل واملطامع اال�ستعمارية النفطية والتق�سيمات العرقية الطائفية وح�سب‪،‬‬ ‫لكن الأهم عنده كان تفتيت ال�سعودية و�إيران وباك�ستان باعتبارها منبع ال�شرور (نتيجة طبيعة‬ ‫�صراع املرحلة بني اليمني الإ�سالمي واليمني امل�سيحي اليهودي‪.‬‬ ‫ي�سميه الظلم الفادح الذي حلق بالأقليات حني مت تق�سيم ال�شرق الأو�سط �أوائل‬ ‫ينطلق بيرتز مما ّ‬ ‫القرن الع�شرين (يق�صد اتفاقية �سايك�س بيكو)‪ ،‬م�شرياً �إىل هذه الأقليات «ب�أنها اجلماعات �أو‬ ‫ال�شعوب التي خُ دعت حني ّمت التق�سيم الأول»‪ .‬ويذكر �أهمها‪ :‬الأكراد‪ ،‬وال�شيعة العرب‪.‬‬ ‫كما ي�شري �إىل م�سيحيي ال�شرق الأو�سط‪ ،‬والبهائيني والإ�سماعيليني والنق�شبنديني‪ .‬ويرى‬ ‫بيرتز �أن ثمة كراهية �شديدة بني اجلماعات الدينية والإثنية باملنطقة جتاه بع�ضها البع�ض‪ ،‬و�أنه‬ ‫لذلك يجب �أن ُيعاد تق�سيم ال�شرق الأو�سط انطالقا من تركيبته ال�سكانية غري املتجان�سة‬ ‫القائمة على الأديان واملذاهب والقوميات والأقليات‪ ،‬حتى يعود ال�سالم �إليه‪.‬‬ ‫يقدم بيرتز خريطته لل�شرق الأو�سط اجلديد فيتحدث عن تق�سيم العراق �إىل ثالثة �أجزاء‪،‬‬ ‫ثم ّ‬ ‫دولة كردية بال�شمال‪ ،‬ودولة �شيعية باجلنوب‪ ،‬ودولة ُ�سنية بالو�سط �ستختار االن�ضمام �إىل‬ ‫�سوريا مع مرور الزمن‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة للمملكة العربية ال�سعودية فيقرتح �أن يقتطع منها كل من مكة واملدينة املنورة‬ ‫حتى تن�ش�أ فيها «دولة �إ�سالمية مقد�سة» على ر�أ�سها جمل�س يرت�أ�سه بالتناوب �أحد ممثلي‬ ‫احلركات واملدار�س الإ�سالمية الرئي�سية‪� ،‬أي �أن يكون املجل�س نوعاً من «فاتيكان �إ�سالمي‬ ‫�أعلى»‪.‬‬ ‫كما يقرتح �إ�ضافة الأر�ض املقتطعة من �شمال ال�سعودية �إىل الأردن‪ ،‬و�أن تقتطع �أر�ض من‬ ‫جنوبي البالد كي ُت�ضاف �إىل اليمن‪ ،‬و�أما �شرقي البالد فلن ت�سلم �أي�ضاً من املق�ص‪� ،‬إذ تقتطع‬ ‫منها حقول النفط مل�صلحة دولة �شيعية عربية‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫�أما اململكة الأردنية الها�شمية ف�ستحتفظ ب�أرا�ضيها وت�ضاف �إليها �أر�ض من �شمايل ال�سعودية‪،‬‬ ‫كما �سريتبط «م�ستقبل ال�ضفة الغربية بها»‪.‬‬ ‫�أما الإمارات فيطلق ال�سيد بيرتز عليها ا�سم «الدولة املدينية» (ت�شبهاً باملدن اليونانية قدمياً)‬ ‫وقد ُيدمج بع�ضها مع الدولة العربية ال�شيعية التي تلتف حول اخلليج الفار�سي‪ ،‬و�ست�صبح قوة‬ ‫توا ُزن مقابل الدولة الفار�سية ال حليفاً لها‪.‬‬ ‫�أما دبي‪ ،‬من وجهة نظره ف�سوف تبقى م�سرحاً للأغنياء الفا�سقني (كما ورد بالن�ص يف املقالة)‬ ‫و�أما ُعمان والكويت‪ ،‬فتحتفظ كل منهما ب�أرا�ضيها‪ .‬ويفرت�ض �أن �إيران‪ ،‬وفقاً لهذا امل�شروع‬ ‫اجلهنمي‪� ،‬ستفقد الكثري من �أرا�ضيها مل�صلحة �أذربيجان املوحدة‪ ،‬وكرد�ستان احلرة‪ ،‬والدولة‬ ‫ال�شيعية العربية‪ ،‬وبلو�ش�ستان احلرة‪ ،‬لكنها تك�سب �أرا�ضي من �أفغان�ستان حول هريات‪.‬‬ ‫ويطرح رالف بيرتز ت�صوره ب�أن �إيران �سوف ت�صبح يف النهاية بلداً �إثنياً فار�سياً من جديد‪.‬‬ ‫ينتهي ال�سيد بيرتز �إىل �أن تعديل احلدود بناء على رغبات النا�س قد يكون م�ستحي ًال‪ ،‬لكنه‬ ‫من املمكن �أن تن�ش�أ حدود جديدة مع الزمن‪ .‬فتعديل حدود ال�شرق الأو�سط الأكرب‪ ،‬بناء‬ ‫ملحة حلقن الدماء!! ومن هنا م�س�ؤولية‬ ‫على روابط الدم الطبيعية والعقيدة الدينية‪� ،‬ضرورة ّ‬ ‫الواليات املتحدة وحلفائها!‬ ‫وقد �أعطى هذا دفعة للأوهام الإ�سرائيلية مرة �أخرى‪ .‬انظر علي �سبيل املثال �إىل موقف‬ ‫«جيورا �آيالند» رئي�س �شعبة العمليات باجلي�ش الإ�سرائيلي �سابقاً‪ ،‬والرئي�س ال�سابق ملجل�س‬ ‫الأمن الوطني امل�س�ؤول عن و�ضع اال�سرتاتيجية الأمنية للدولة ال�صهيونية‪.‬‬ ‫فقد طرح خطته لإعادة تنظيم ال�شرق الأو�سط (‪ )56‬فاقرتح �ضم ‪ % 12‬من ال�ضفة الغربية‬ ‫(‪ 600‬كلم ) �إىل الدولة ال�صهيونية و‪ 600‬كلم‪� 2‬أخرى من م�صر ُت�ضم �إىل قطاع غزة ّ‬ ‫ويوطن‬ ‫فيها مليون ن�سمة (لإقامة ميناء بحري ومطار دويل) على �أن ُتعطى م�صر ‪ 150‬كلم يف النقب‬ ‫تعوي�ضاً لها»‪.‬‬ ‫وقد قام «جاي بخور»( ) بتقدمي خطته لإعادة �صياغة ال�شرق الأو�سط‪ .‬واخلطة ال تعدو �أن‬ ‫املت�ضخمة‪ ،‬ولكنها مع هذا تعطينا فكرة عما يدور يف خلد‬ ‫تكون �شك ًال من �أ�شكال الأحالم‬ ‫ّ‬ ‫الواليات املتحدة و�إ�سرائيل فيقول‪:‬‬ ‫«جنح �شارون بالآونة الأخرية يف حتقيق التطابق الكامل بني ال�سيا�سة الإ�سرائيلية وال�سيا�سة‬ ‫الإمرباطورية الأمريكية يف �إعالن حرب ال نهاية لها �ضد الإرهاب‪ ،‬كما جنح يف اجلمع بني‬ ‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫‪57‬‬

‫‪85‬‬


‫�سيا�سة التو�سع اال�ستيطاين والف�صل العن�صري‪ ,‬وقد �أعطى هذا دفعة للأوهام الإ�سرائيلية‬ ‫يف املنطقة»‪.‬‬ ‫فاملقال يزعم �أن هذه احلرب تدافع عن «جوهر» الغرب‪ ،‬دون �أن يذكر لنا ما هو هذا اجلوهر؟‬ ‫يبد�أ املقال بالقول �إنه يجب عدم العودة لل�شرق الأو�سط القدمي الذي ي�صفه الكاتب ب�أنه‬ ‫«توجد فيه دولة ذات نظام جمنون تت�سلح ب�سالح ذري وت�س ّلح رفيقاتها (وهذا بطبيعة احلال‬ ‫ال يعني �إ�سرائيل) والعراق غارق يف حرب �أهلية‪ ،‬ومنظمات راديكالية ت�سيطر على حكومات‬ ‫ونظم حكم‪ ،‬وهذه بدورها متنح جماعات خمربني م�سلحة دعماً قوياً وعالقة مت�ساحمة‪.‬‬ ‫ثم ي�ست�أنف حديثه قائ ًال‪:‬‬ ‫«ثمة حاجة �إىل تغيري جوهري‪ ،‬فلم تنجح هذه الدول يف منح مواطنيها حياة ثقافية كاملة‪،‬‬ ‫ومعظم �شعوبها فقرية‪ ،‬وهي دول تت�سم كلها بالطغيان وال تنطق كلمة الدميقراطية ولو يف دولة‬ ‫واحدة‪ ،‬و�إذا ما متت حماولة دميقراطية يف بع�ضها‪ ،‬ف�إن النتيجة تكون تويل نظم �إرهابية �إ�سالمية‬ ‫�أو فو�ضى»‪.‬‬ ‫ولعالج هذا الو�ضع يقرتح جاي بخور «�أن ُيق�سم العراق �إىل ثالث دول‪ ،‬بح�سب مقيا�س‬ ‫طائفي‪�ُ :‬سنية يف الو�سط والغرب‪ ،‬و�شيعية يف اجلنوب‪ ،‬وكردية يف ال�شمال‪ ،‬كما يجب �إنهاء‬ ‫ال�سنية �إىل احلكم‪.‬‬ ‫نظام �سوريا و�إعادة الأكرثية ُ‬ ‫وعلي الأردن �أن يتحمل امل�س�ؤولية عن ال�ضفة الغربية‪ ،‬وبهذا ين�ش�أ كيان فل�سطيني واحد‬ ‫فينت�شر الفل�سطينيون �إىل ال�شرق (بعيداً عن �إ�سرائيل بطبيعة احلال) ال �إىل الغرب يف اجتاه‬ ‫الدولة ال�صهيونية واملطالبة بحق العودة‪.‬‬ ‫�أما م�صر ف�ست�صبح م�س�ؤولة عن قطاع غزة‪ ،‬وهو �شيء – ح�سب ت�صوره ‪� -‬أ�صبح يحدث يف‬ ‫الواقع �أكرث ف�أكرث‪ .‬وجتب �إعاقة �إيران بوا�سطة نظام عقوبات �شامل‪ ،‬ويجب �أن يقوم يف لبنان‬ ‫نظام دويل جنوب الدولة و�شرقها‪ ،‬ملنع عودة الأ�صولية ال�شيعية �أو غريها‪.‬‬ ‫م�ستعدة لتق�سيم جديد؟ يجيب باخور ب�أن ال�شعوب‬ ‫وماذا عن �شعوب املنطقة؟ هل هي‬ ‫ّ‬ ‫�سرتحب �أميا ترحيب بهذا‪ ،‬بينما �سيعار�ضه احلكام وحدهم‪.‬‬ ‫و�سيفرح �سكان ال�ضفة الغربية �أي�ضاً ب�إن�شاء دولة فل�سطينية كبرية‪ .‬وفيما يتعلق مب�صر‪ ،‬من‬ ‫املعقول �أنها تدرك اليوم �أن غزة الفائرة تعني �سيناء اخلطرة‪ ،‬وتهديد ال�سياحة واال�ستقرار‬ ‫ال�سيا�سي واالجتماعي كله‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫ثم يختم جاي بخور حديثه بالقول �إنه �إزاء تف�شي الراديكالية اخلطرة للتدين املت�شدد‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬يجب على العامل الغربي �أن ي�ستيقظ و�أن يفهم �أن احلديث لي�س عن ال�شرق‬ ‫الأو�سط �أو �إ�سرائيل فقط‪ ،‬بل عن جوهر وجوده‪.‬‬ ‫يف العام التايل لن�شر (حدود الدم)‪ ،‬بد�أ جيفري جولدبرج( )‪ ،‬وهو من املنتمني جلناح رالف‬ ‫بيرتز نف�سه داخل �أروقة ال�سيا�سة الأمريكية‪ ،‬ونا�شط له ثقله يف اللوبي اليهودي هناك يف كتابة‬ ‫�سل�سلة مقاالت تر�سم خريطة جديدة لل�شرق الأو�سط‪ ،‬على �صفحات جملة (�أتالنتيك)‬ ‫ال�شهرية عام ‪ .2008‬حدث هذا بالتزامن مع �إقرار جمل�س ال�شيوخ الأمريكي خطة غري ملزمة‬ ‫لتق�سيم العراق‪ ،‬مما يجزم ب�أنها حملة منظمة‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫ولكن ماذا غَ رَّي جولدبرج يف املخططات؟‬

‫■ لأول مرة دولة (ال�سودان اجلديدة) يف جنوب ال�سودان (ت�أ�س�ست ر�سمياً بعدها بـ‪� 4‬سنوات)‪.‬‬ ‫■ لأول مرة دولة (�سيناء) امل�ستقلة‪( ،‬بد�أت �أعمال العنف امل�سلح يف �سيناء �سنة ‪ ،2004‬ويف‬ ‫�سنة ‪� 2013‬أعلنت �إ�سرائيل عن وجود وحدة ملكافحة الإرهاب تابعة للجي�ش الإ�سرائيلي‬ ‫تعمل داخل �سيناء‪ ،‬وم�ؤخراً ظهرت درا�سات عن مراكز بحثية ا�سرتاتيجية �إ�سرائيلية مت ّهد‬ ‫لف�شل اجلي�ش امل�صري يف ال�سيطرة على �سيناء و�أهمية تواجد ع�سكري دويل حل�سم املعارك‬ ‫هناك‪.‬‬ ‫امتدت اخلريطة هذه املرة لعمق �أفريقيا بتق�سيم ال�صومال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫■ اعرتف جلدبرج بقوة حزب اهلل ومركزيته يف جنوب لبنان‪ ،‬فت�صور له دولة �شيعية م�ستقلة‪.‬‬ ‫■ ا�صطناع دولة درزية يف �شمال الأردن وجنوب �سوريا‪.‬‬ ‫ويف الأعوام الأخرية (‪ّ )2014 - 2013‬مت عر�ض �أطروحات �أخرى لتق�سيم املنطقة عرب مراكز‬ ‫الدرا�سات اال�سرتاتيجية ومنابر ال�صحافة العاملية‪ ،‬ال ترقى هذه الأطروحات لتو�صيفها‬ ‫بـ(املخططات) لأنها �أو ًال �أقرب للتوقعات‪ ،‬وثانياً‪� ،‬أنها قد جاءت يف كتابات بع�ض املحللني‪،‬‬ ‫ومل ت� ِأت من دائرة �صنع القرار‪ ،‬ثم �أنها ثالثاً تخلو من هدف ا�سرتاتيجي جامع يربط بينها‪.‬‬ ‫تتفق معظم هذه الأطروحات على �أن‪ :‬م�صر وتركيا وال�سعودية �ست�ستع�صي على التق�سيم مبعناه‬ ‫املفهوم‪ ،‬ولكن ُيقتطع منها‪�( :‬سيناء من م�صر – كرد�ستان من تركيا – احلجاز وجنوب غرب‬ ‫و�شرق ال�سعودية)‪ُ ،‬يخطط لهذه الدول الثالث �أن تنتهي �إىل م�صري الدول الفا�شلة‪� ،‬أم الدول‬ ‫العربية التي �سيتم تق�سيمها �إن عاج ًال �أو �آج ًال‪ ،‬فهي‪ :‬العراق – �سوريا – اليمن – ليبيا – لبنان‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫وبعد درا�سة وحتليل هذه املخططات التي تهدف �إىل �إعادة تق�سيم ال�شرق الأو�سط‪ ،‬ولكي جنيب‬ ‫على ت�سا�ؤل درا�ستنا فل�سطني �إىل اين ال بد لنا من �أن نعرف �أو ًال �إ�سرائيل �إىل �أين؟ و�سوف‬ ‫ن�ستند يف الإجابة على هذا ال�س�ؤال �إىل وجهات النظر الإ�سرائيلية من خرباء وا�سرتاتيجيني‬ ‫يف الطريق التي �ستذهب �إليها �إ�سرائيل بعد هذه املخططات وامل�ؤامرات الهادفة لتق�سيم‬ ‫ال�شرق والتعنت ال�صارخ للقرارات الإ�سرائيلية كافة والتي يتخذها على الأقل رئي�س الوزارء‬ ‫بنيامني نتياهو �ضد ال�شعب الفل�سطيني‪.‬‬ ‫�إ�رسائيل �إىل �أين؟‬

‫تناول اخلبري الأمني الإ�سرائيلي املعروف‪« ،‬يو�سي ميلمان»‪ ،‬العالقات الإ�سرائيلية‬ ‫اال�سرتاتيجية خالل عام ‪ 2014‬و�أثرها على عام ‪ ،2015‬حيث انتقد يف مقاله «�أقوياء يف‬ ‫التكتيك‪� ..‬ضعفاء يف اال�سرتاتيجية»‪� ) (،‬ضعف �سيا�سة رئي�س الوزراء الإ�سرائيلي بنيامني‬ ‫نتنياهو‪ ،‬و�أثرها على العالقات اال�سرتاتيجية لإ�سرائيل مع حلفائها‪.‬‬ ‫وقارن الكاتب يف مقاله الو�ضع الع�سكري الإ�سرائيلي يف املنطقة وحال الدول العربية التي‬ ‫و�صلت �إليها‪ ،‬حيث قال �إن التفوق الع�سكري لإ�سرائيل هذا العام «ينبع من تفكك الدول‬ ‫يف العامل العربي (ليبيا‪ ،‬اليمن‪� ،‬سوريا‪ ،‬العراق)»‪.‬‬ ‫حت�سن يف ال�سنة الأخرية‪ ،‬وزاد تفوقنا النوعي على �أعدائنا‪،‬‬ ‫وقال ميلمان �إن «و�ضعنا الع�سكري ّ‬ ‫تبددت متاماً‪ ،‬وهي تلك‬ ‫فاجلبهة ال�شرقية‪ ،‬بجي�شيها الكبريين يف املا�ضي‪ ،‬ال�سوري والعراقي‪ّ ،‬‬ ‫عدتها �إ�سرائيل ذات مرة تهديداً حقيقياً»‪.‬‬ ‫اجلبهة التي ّ‬ ‫وعن عالقة �إ�سرائيل ب�أمريكا و�أوروبا قال «ميلمان» �إن «العالقات والتعاون اال�ستخباري‬ ‫حت�سن‪ .‬ولكن نهج نتنياهو‬ ‫والأمني على م�ستويات العمل بني الدولتني باقٍ ‪ ،‬بل يف ّ‬ ‫اال�ستفزازي للرئي�س باراك �أوباما و�إدارته‪ ،‬وزالت الل�سان والإهانات التي يوجهها من حني‬ ‫مت�س بالذخر الأهم الذي لإ�سرائيل‪� :‬أال وهي العالقات احلميمة‬ ‫�إىل �آخر وزير الدفاع يعلون ّ‬ ‫مع الواليات املتحدة»‪.‬‬ ‫كما يرى �أن �إ�سرائيل �ضعفت يف ‪ ،2014‬ب�سبب التدهور يف العالقات مع الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫وكنتيجة لذلك‪ ،‬ورمبا بقوة �أكرب‪ ،‬مع الدول الأوروبية‪� ،‬أما هذا التدهور يف العالقات فينبع من‪:‬‬ ‫للتقدم يف امل�سرية ال�سلمية مع ال�سلطة الفل�سطينية‪ ،‬ثانياً‬ ‫«�أو ًال‪ ،‬من عدم ا�ستعداد احلكومة ّ‬ ‫من تو�سيع م�شروع اال�ستيطان يف ال�ضفة الغربية‪ .‬مما �سيق�ضي �أي�ضاً على االحتمال ‪ -‬و�إن‬ ‫‪59‬‬

‫‪88‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫كان نظرياً ‪ -‬للو�صول �إىل ت�سوية تت�شكل يف جوهرها من �إخالء امل�ستوطنات واالن�سحاب من‬ ‫الأرا�ضي مقابل ترتيبات �أمنية‪ ،‬و�ضمان �إنهاء النزاع»‪.‬‬ ‫�أما الربوفي�سور اليهودي (�إ�سرائيل �شاحاك)‪ ،‬وهو كما نعلم جميعاً �أ�ستاذ جامعي‪ ،‬ولد يف العهد‬ ‫النازي يف بولندة‪ ،‬فيقول يف هذا ال�ش�أن‪�« :‬إين مت�أكد �أن ال�صهيونية �ستندثر يف امل�ستقبل‪..‬‬ ‫فهي تعمل بعك�س الآراء امل�شرتكة ملعظم �شعوب العامل‪ ..‬ولأنها ‪ -‬ويف ال�شرق الأو�سط‬ ‫بالذات – �ستجلب كارثة على املنطقة‪ ،‬وقبل كل �شيء على اليهود �أنف�سهم‪ ،‬فاال�ضطهاد‬ ‫والتفرقة اللتني تنتهجهما ال�صهيونية يف �إ�سرائيل – فل�سطني املحتلة – �أ�صبحا وا�ضحني‬ ‫ومفهومني لدى �أو�ساط وا�سعة يف العامل‪ ،‬وب�سببها ينتهج ق�سم كبري من ال�صهاينة طريق عدم‬ ‫االعرتاف ب�أي من حقوق‬ ‫الفل�سطينيني‪� ،‬أو حتى باحلقوق الإن�سانية اخلا�صة»‪.‬‬

‫ويف ختام درا�ستنا وبعد مرور مئة عام على خمطط �سايك�س بيكو الأوىل كان لزاماً علينا �أن‬ ‫نعود بالتاريخ لأكرث من مئة عام لنفهم ونعرف كيف �سيولد ال�شرق الأو�سط اجلديد من رحم‬ ‫ال�شرق الأو�سط القدمي‪ ،‬لعلنا يف هذه املرة نقف يف وجه عجلة التاريخ ومننعها من الدوران‬ ‫�إىل اخللف حتى ال يعيد التاريخ نف�سه مرة �أخرى‪ .‬و�إذا كانت �سايك�س ‪ -‬بيكو الأوىل يف‬ ‫مرحلة الكولونيالية‪ ،‬ف�إن �سايك�س ‪ -‬بيكو الثانية هي التعبري النموذجي عن مرحلة ما بعد‬ ‫عما هو م�ض َمر‪ ،‬ف�إن ما هو مع َلن‪ ،‬ينبغي �أن ي�ؤخذ باحل�سبان‪ .‬اما‬ ‫الكولونيالية‪ّ ،‬‬ ‫وبغ�ض النظر ّ‬ ‫بالن�سبة لفل�سطني ف�سوف ا�ست�شهد هنا مبا ذكره اخلبري الأمني الإ�سرائيلي «يو�سي ميلمان»‪،‬‬ ‫�شُ قّت ال�سدود وحواجز اخلجل‪ .‬فالدول الأوروبية‪ ،‬مبا فيها الأ�صدقاء التقليديون لإ�سرائيل‬ ‫مثل فرن�سا‪ ،‬م�ستعدون لأن يعرتفوا الآن بدولة فل�سطينية‪ ،‬وهم ال يخ�شون من �أن يتهموا‬ ‫مبواقف ال �إ�سرائيلية �أو ال�سامية»‪.‬‬ ‫لي�س هذا فقط بل �أبدى «ميلمان» تخ ّوفه من �أن يزداد الأمر تعمقاً «لت�صبح �إ�سرائيل يف عزلة‬ ‫دولية‪ ،‬رمبا لدرجة فر�ض العقوبات عليها‪ ،‬دون �أن تهرع الواليات املتحدة لنجدتها‪ ،‬وا�ستخدام‬ ‫الفيتو»‪.‬‬ ‫و�سوف ا�ست�شهد اي�ضاً مبا قاله ر�أي اخلبري اال�سرتاتيجي الأمني الإ�سرائيلي ناحوم جولدمان‪،‬‬ ‫وهو من �أبرز �إعالم اليهود ورئي�س امل�ؤمتر ال�صهيوين ل�سنوات طويلة و�صاحب كتاب (�إ�سرائيل‪..‬‬ ‫�إىل �أين؟)‪ ،‬والذي ذكر يف كتابه امل�شار �إليه‪:‬‬ ‫‪89‬‬


‫«�أن دولة �إ�سرائيل �سوف تختفي من الوجود �إن هي ظلت متار�س الإرهاب اليومي‪ ،‬وال‬ ‫تعرتف بوجود دولة فل�سطينية»‪ ،‬مع ّلال ا�ستنتاجه ذاك بقوله‪�« :‬إذ �إنها �ست�ضيع م�ستقب ًال يف‬ ‫بحر العرب الوا�سع والهادر»‪ ،‬ثم بينّ �أنه بالإمكان جتنب هذه النهاية امل�أ�ساوية بالن�سبة لكيانها‬ ‫ال�صهيوين بطبيعة احلال‪ ،‬بحالة واحدة‪ ،‬فقال‪« :‬عليها �أن تعرتف بحق ال�شعب الفل�سطيني‬ ‫يف الوجود‪ ،‬و�أن تن�صهر معه يف عالقات اقت�صادية؛ لأنّ ال �أحد يعرف امل�ستقبل‪ ،‬وما �إذا ظلت‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية متد �إ�سرائيل مب�ساعداتها االقت�صادية والع�سكرية»!!‪ ‬‬

‫‪90‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫(‪)Endnotes‬‬ ‫‪ - 1‬יוסי אלפר‪ :‬מדינה בודדה‪ ,‬החיפוש החשאי של ישראל אחרי בעלות‬ ‫ברית באיזור‪ ,‬הוצאת מטר‪2015 ,‬‬

‫يو�سي الفر‪« :‬دولة معزولة‪ :‬بحث �إ�سرائيل ال�سري عن حلفاء يف املنطقة”‪ ،‬دار ن�شر مطر‪،‬‬ ‫‪2015‬‬

‫رتب عالي ٍة يف جهاز املو�ساد (اال�ستخبارات اخلارج ّية)‪،‬‬ ‫ويو�سي الفر خدم �سنوات طويلة يف ٍ‬ ‫يتحدث‬ ‫والكتاب يتحدث حول حلفاء �إ�سرائيل يف فرتة ال�شاه ب�إيران‪ .‬ي� ّؤكد امل�ؤ ّلف وهو ّ‬ ‫عن �سيا�سة دعم الأق ّل ّيات �أو جريان العرب بهدف حما�صرة وزعزعة �أركان �أعداء العد ّو‬ ‫الإ�سرائيلي‪ ،‬خ�صو�صاً يف احلقبة النا�صر ّية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اجليو�سيا�سية‪�( :‬أو اجليوبوليتيك) م�صطلح ينطبق على ت�أثري اجلغرافيا على ال�سيا�سة‪ ،‬فهـو‬ ‫علم درا�سة ت�أثري الأر�ض (برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها) على ال�سـيا�سة‬ ‫يف مقابل م�سعى ال�سيا�سة لال�ستفادة من هذه املميزات وفق منظور م�ستقبلي‪ .‬هذا التعبري‬ ‫م�شتق من كلمتني‪ ،‬جيو وهي باليونانية تعني الأر�ض ‪ /‬وكلمة ال�سيا�سية �أكادميياً‪ ،‬ودرا�سة‬ ‫اجلغرافيا ال�سيا�سية ينطوي على حتليل اجلغرافيا والتاريخ والعلوم االجتماعية مع �سيا�سة‬ ‫املكان و�أمناطه مبقايي�س خمتلفة (بدءاً من م�ستوى الدولة على ال�صعيد الدويل)‪ .‬وقد �صاغه‬ ‫لأول مرة العامل ال�سويدي “كجلني” للداللة على درا�سة ت�أثري اجلغرافيا على ال�سيا�سة‪ ،‬بعد‬ ‫ذلك اتخذ معاين خمتلفة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬من مقوالت امل�ؤرخ الكبري الراحل الدكتور حممد ح�سنني هيكل‪.‬‬ ‫‪ - 4‬دكتور جمال حمدان‪ ،‬ا�سرتاتيجية اال�ستعمار والتحرير‪ ،‬دار ال�شروق‪ ،‬الطبعة االوىل‪،‬‬ ‫‪.1983‬‬ ‫‪ - 5‬ال�شرق الأق�صى‪ :‬بد�أ هذا امل�صطلح بالظهور يف منت�صف القرن الثامن ع�شر �أي منذ عام‬ ‫(‪ )1751‬عندما ح ّولت بريطانيا الهند كمركز لها للعبور �إىل بقية البلدان الأخرى‪ .‬وي�شمل‬ ‫هذا امل�صطلح �شرق �آ�سيا ما عدا كوريا واليابان وبع�ض الأجزاء من ال�صني وي�شمل‪ :‬الهند‬ ‫والبلدان املنت�شرة يف املحيط الهادئ ومناطق وا�سعة تطل على املحيطني الهندي والهادئ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ال�شرق الأدنى‪ :‬ي�شمل البلدان الواقعة �شرق البحر الأبي�ض املتو�سط ومنها تركيا و�سوريا‬ ‫وفل�سطني ولبنان والأردن وم�صر وجزيرة قرب�ص‪ .‬ظهر هذا امل�صطلح يف منت�صف القرن التا�سع‬ ‫ع�شر (‪ )1850‬جراء �ضعف الإمرباطورية العثمانية وت�صاعد التناف�س اال�ستعماري بني‬ ‫بريطانيا وفرن�سا على مناطقها‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫‪ - 7‬ا�ستخدم ماهان التعبري لأول مرة يف مقاله “‪The Persian Gulf and International‬‬ ‫‪ ”,Relations‬املن�شور يف �سبتمرب ‪ 1902‬يف ‪ ,National Review‬الدورية الربيطانية‪.‬‬ ‫‪8 - ^ Koppes, C.R. (1976). “Captain Mahan, General Gordon and the‬‬ ‫‪origin of the term “Middle East””. Middle East Studies 12: p. 95–98.‬‬

‫‪ - 9‬الدولة العثمانية هي �إمرباطورية �إ�سالمية �أ�س�سها عثمان الأول بن �أرطغرل‪ ،‬بلغت ذروة‬ ‫جمدها وقوتها خالل القرنني ال�ساد�س ع�شر وال�سابع ع�شر‪ ،‬فامتدت �أرا�ضيها لت�شمل �أنحاء‬ ‫وا�سعة من قارات العامل القدمي الثالث‪� :‬أوروبا و�آ�سيا و�أفريقيا‪ ،‬حيث خ�ضعت لها كامل �آ�سيا‬ ‫ال�صغرى و�أجزاء كبرية من جنوب �شرق �أوروبا‪ ،‬غرب �آ�سيا‪ ،‬و�شمال �أفريقيا‪.‬‬ ‫‪ - 10‬جمال حمدان‪ ،‬ا�سرتاتيجية اال�ستعمار والتحرير‪ ،‬دار ال�شروق‪ ،‬الطبعة االوىل‪،1983 ،‬‬ ‫�ص‪.47 .‬‬ ‫‪ - 11‬امل�صدر ال�سابق‪� ،‬ص‪.131 .‬‬ ‫‪ - 12‬عبد الوهاب امل�سريي‪« ،‬ال�صهيونية» املو�سوعة الفل�سطينية ‪ -‬الق�سم الثاين‪ ،‬الدرا�سات‬ ‫اخلا�صة ‪ -‬املجلد ال�ساد�س‪ ،‬درا�سات يف الق�ضية الفل�سطينية‪ .‬بريوت‪� ،1995 ،‬ص‪.232 .‬‬ ‫‪ - 13‬خالد عابد‪ ،‬التو�سعية ال�صهيونية �إ�سرائيل الكربى ( املو�سوعة الفل�سطينية)‪ ،‬الق�سم‬ ‫الثاين‪ ،‬الدرا�سات اخلا�صة‪ ،‬املجلد ال�ساد�س‪ ،‬درا�سات يف الق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪� .1990‬ص‪534 .‬‬ ‫‪ - 14‬حممد ح�سنني هيكل‪ :‬املفاو�ضات ال�سرية بني العرب و�إ�سرائيل‪( .‬اجلزء الأول)‪.‬‬ ‫‪� - 15‬شبتاي زيف (‪1626‬م‪1676 -‬م ) م�سيح دجال‪ ،‬ولد يف �أزمري وت�أثر بالقبااله يف �شبابه‬ ‫وبعد مذابح �شميلن�سكي ( ‪ )1649 - 1648‬وقع حتت ت�أثري مفهوم ونداء املخل�ص من ال�سماء‬ ‫ب�أنه �سوف يخل�ص �إ�سرائيل‪ .‬و�أعلن الغاء ال�صوم ويف �سنة ‪ 1654‬توجه �إىل �سالونيكا حيث‬ ‫�أعلن �أنه النبي املنتظر‪ .‬ويف �سنة ‪ 1662‬ذهب �إىل رود�س وطرابل�س وم�صر وفل�سطني‪ ،‬ويف‬ ‫�سنة ‪ 1666‬ذهب �إىل الق�سطنطينية ليعزل ال�سلطان ولكن �ألقي القب�ض عليه و�سجن يف قلعة‬ ‫جاليبويل‪ .‬وخ�شي �شبتاي من غ�ضب ال�سلطات الدينية ف�أعلن �إ�سالمه و�صدمت جماهري‬ ‫اليهود من �إ�سالمه لذلك ظل ميار�س الطقو�س الدينية اليهودية‪ .‬ملزيد من التفا�صيل يرجى‬ ‫مراجعة كتاب – يقظة العامل اليهودي – لإيلي ليفي �أبو ع�سل – طبعة القاهرة ‪– 1934‬‬ ‫�ص‪�.‬ص‪.104 - 101 .‬‬ ‫‪James Bicheno, The Restoration of the Jews - The crisis of all‬ـ ‪16 - 6‬‬ ‫‪92‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬ ‫‪nations,. Publisher London: J.Barfield 1807.‬‬

‫‪ - 17‬اللورد باملر�ستون “‪ ،”1856-1784‬الذي �شغل منا�صب عدة منها‪ ،‬وزير خارجية‬ ‫بريطانيا‪ ،‬ثم رئي�س جمل�س وزرائها‪ ،‬حيث قام بتعيني �أول قن�صل بريطاين يف القد�س عام‬ ‫‪1838‬وتكليفه مبنح احلماية الر�سمية لليهود يف فل�سطني‪.‬‬ ‫‪18 - British Documents on the origin of war, 1898-1914, London,H.M.S.O.,‬‬ ‫‪Vol. X, Part II, No. 1.‬‬

‫‪- 19‬راديكالية‪ :‬كلمة التينية قدمية معناها جذر النبات‪ .‬ولكن الفال�سفة الكاثوليك يف‬ ‫القرون الو�سطو ا�ستخدموها لت�سمية “الع�صارة احلية”‪ ،‬ويف القرنيني الـ‪ 16‬و‪ 17‬ا�ستخدمت‬ ‫مبعنى جذور ثم �شاعت الكلمة يف علم الريا�ضيات والفيزياء والكيمياء‪ ،‬ثم انتقلت �إىل‬ ‫ال�سيا�سة ثم �إىل علم االجتماع و�أحياناً الفن والنقد‪ .‬ومنذ ال�سنوات الأوىل للثورة الفرن�سية‬ ‫وهي تطلق على الثوار الفرن�سيني “الراديكاليني” �أي الذين يريدون الو�صول بالأمور �إىل‬ ‫�أق�صى �أطرافها‪ ،‬ثم �شاع امل�صطلح بعد ذلك على املتطرفني من �أي اجتاه‪.‬‬ ‫‪ - 20‬الها�سكاال‪ :‬حركة التنوير اليهودي‪ ،‬والنه�ضة الثقافية التي بلغت �أوجها يف �أوروبا‬ ‫يف القرن الـ ‪ 18‬وطالبت بن�شر العلم والثقافة بني �سواد ال�شعب‪ ،‬و�إلغاء احلواجز بني بني‬ ‫�إ�سرائيل و�سائر ال�شعوب‪ ،‬وكان من �أهم نتائجها �إحياء اللغة العربية كلغة كتابة وتخاطب‪.‬‬ ‫‪ - 21‬البيلو‪ :‬ا�سم جمموعة من الطالئعيني الذين هاجروا �إىل فل�سطني عام ‪ 1882‬واتخذوا‬ ‫لهم �شعاراً من �سفر �آ�شعيا ‪ 2،5‬هو‪“ :‬يا بيت يعقوب هلم فن�سلك يف طريق الرب”‪ .‬واخذوا‬ ‫منه احلروف الأوىل فقط‪.‬‬ ‫‪ - 22‬جورجي كنعان “دكتور”‪� ،‬سقوط الإمرباطورية الإ�سرائيلية‪ ،‬دار النهار للن�شر‪ ،‬الطبعة‬ ‫الثانية‪� ،1982 ،‬صفحة ‪.103‬‬ ‫‪ - 23‬ملزيد من التفا�صيل عن ن�شاطات هذه اجلمعية‪� ،‬أنظر‪ :‬يو�سف عبد اهلل �صايغ‪ ،‬االقت�صاد‬ ‫الإ�سرائيلي (القاهرة‪ :‬جامعة الدول العربية‪ ،‬معهد الدا�سات العربية العالية‪،)1964 ،‬‬ ‫�ص‪�.‬ص‪.23 - 21 .‬‬ ‫‪ - 24‬ثيودور هرت�سل (‪ :)1904 - 1860‬م�ؤ�س�س احلركة ال�صهيونية؛ نظم ال�شعب اليهودي‪،‬‬ ‫و�أقام امل�ؤمتر ال�صهيوين العاملي‪� ،‬أ�س�س املنظمة ال�صهيونية العاملية‪ ،‬كما �أن�ش�أ بنك اال�ستيطان‪،‬‬ ‫حيث متكنت هذه امل�ؤ�س�سات من �أداء مهامها وخلق لدى الدول العظمى تفهماً للمو�ضوع‬ ‫ال�صهيوين‪.‬‬ ‫‪ - 25‬معاهدة فر�ساي‪ :‬هي املعاهدة التي �أ�سدلت ال�ستار ب�صورة ر�سمية على وقائع احلرب‬ ‫العاملية الأوىل‪ .‬ومت التوقيع على املعاهدة بعد مفاو�ضات ا�ستمرت ‪� 6‬أ�شهر بعد م�ؤمتر باري�س‬ ‫‪93‬‬


‫لل�سالم عام ‪ .1919‬وقّع احللفاء املنت�صرون يف احلرب العاملية الأوىل من جانب اتفاقيات‬ ‫منف�صلة مع القوى املركزية اخلا�سرة يف احلرب (الإمرباطورية الأملانية والإمرباطورية النم�ساوية‬ ‫املجرية والدولة العثمانية وبلغاريا‪ .‬مت توقيع االتفاقيات يف ‪ 28‬يونيو ‪ .1919‬ومت تعديل املعاهدة‬ ‫لتت�ضمن االعرتاف الأملاين مب�س�ؤولية احلرب ويرتتب على �أملانيا‬ ‫فيما بعد يف ‪ 10‬يناير ‪ّ 1920‬‬ ‫و�سميت مبعاهدة فر�ساي تيمناً باملكان اجلغرايف الذي ّمت فيه‬ ‫تعوي�ض الأطراف املت�ض ّررة مالياً‪ّ .‬‬ ‫توقيع املعاهدة وهو ق�صر فر�ساي الفرن�سي‪.‬‬ ‫‪ - 26‬عام ‪ 1920‬مت توقيع معاهدة �سان رميو التي حددت مناطق النفوذ الربيطانية والفرن�سية‬ ‫يف امل�شرق العربي‪ .‬نتيجة ملوقف �إنكلرتا وفرن�سا من مقررات امل�ؤمتر ال�سوري العام املنعقد‬ ‫يف ‪1920‬م فقد انعقد املجل�س الأعلى للحلفاء‪ ،‬الذي يعترب امتداداً مل�ؤمتر لندن املنعقد يف‬ ‫(فرباير) ‪ 1920‬يف مدينة �سان رميو الإيطالية‪ ،‬يف املدة ما بني التا�سع ع�شر واخلام�س والع�شرين‬ ‫من ني�سان (�أبريل) ‪ 1920‬للبحث يف �شروط احللفاء لل�صلح مع تركيا طبقاً ملعاهدة �سيفر‪،‬‬ ‫وامل�صادقة عليها بعد �إعالن �سورية ا�ستقاللها ومناداتها بالأمري في�صل ملكاً عليها يف امل�ؤمتر‬ ‫ال�سوري العام يف الثامن من �آذار (مار�س) ‪ .1920‬وقد بحث امل�ؤمتر‪ :‬معاهدة �سيفر التي‬ ‫ر�سمت م�ستقبل املنطقة العربية التي ت�ضم العراق و�سورية مبا فيها لبنان والأردن وفل�سطني‪.‬‬ ‫والتق�سيمات واالنتدابات ح�سب م�صالح دول احللفاء‪ ،‬بحيث تق�سم �سورية الكربى �إىل �أربعة‬ ‫�أق�سام‪� :‬سورية‪ ،‬ولبنان‪ ،‬والأردن‪ ،‬وفل�سطني‪ .‬وتكون �سورية ولبنان حتت االنتداب الفرن�سي‪،‬‬ ‫وفل�سطني والأردن حتت االنتداب الربيطاين بالإ�ضافة �إىل العراق‪ .‬وقد ت�سبب و�ضع فل�سطني‬ ‫حتت االنتداب الربيطاين‪ ،‬يف اندالع �صدامات وا�سعة بني اليهود والعرب يف مدينة القد�س‪.‬‬ ‫فكان ملخ�ص نتائج املعاهدة ما يلي‪:‬‬ ‫�أ ـ و�ضع �سورية ولبنان حتت االنتداب الفرن�سي‪.‬‬ ‫ب ـ و�ضع العراق حتت االنتداب الإنكليزي‪.‬‬ ‫ج ـ و�ضع فل�سطني و�شرق الأردن حتت االنتداب الإنكليزي مع االلتزام بتنفيذ وعد‬ ‫بلفور‪.‬‬ ‫‪ - 27‬معاهدة �سيفْر هي معاهدة ال�سالم التي مت التوقيع عليها يف ‪� 10‬آب ‪ 1920‬عقب احلرب‬ ‫العاملية الأوىل بني الإمرباطورية العثمانية وقوات احللفاء‪ .‬ولكن املعاهدة ُرف�ضت من قبل‬ ‫احلركة الوطنية الرتكية بزعامة �أتاتورك التي �شكلت جمهورية تركيا يف ‪� 29‬أكتوبر ‪1923‬على‬ ‫�أنقا�ض الإمرباطورية العثمانية‪ .‬كان رف�ض �أتاتورك لتطبيق بنود املعاهدة نابعاً من خ�سارة‬ ‫حلجم هائل من املناطق التي كانت تابعة للعثمانيني يف حالة تطبيق املعاهدة‪ .‬كانت معاهدة‬ ‫�سيفر تن�ص على‪:‬‬ ‫ـ ح�صول منطقة احلجاز على اال�ستقالل‪،‬ـ ح�صول �أرمينيا على اال�ستقالل‪،‬ـ ح�صول‬ ‫‪94‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫كرد�ستان على اال�ستقالل ح�سب البندين ‪ 62‬و‪ 63‬و‪ 64‬من الفقرة الثالثة وال�سماح لوالية‬ ‫املو�صل باالن�ضمام �إىل كرد�ستان ا�ستناداً �إىل البند ‪.62‬‬ ‫‪ - 28‬معاهدة لوزان وتعرف �أحياناً با�سم (معاهدة لوزان الثانية) مت توقيعها يف ‪ 24‬يوليو‪/‬متوز‬ ‫‪ 1923‬كانت معاهدة �سالم وقعت يف لوزان‪� ،‬سوي�سرا مت على اثرها ت�سوية و�ضع الأنا�ضول‬ ‫وتراقيا ال�شرقية (الق�سم الأوروبي من تركيا حالياً) يف الدولة العثمانية وذلك ب�إبطال معاهدة‬ ‫�سيفر التي وقعتها الدولة العثمانية كنتيجة حلرب اال�ستقالل الرتكية بني قوات حلفاء احلرب‬ ‫العاملية الأوىل واجلمعية الوطنية العليا يف تركيا (احلركة القومية الرتكية) بقيادة م�صطفى كمال‬ ‫�أتاتورك‪ .‬قادت املعاهدة �إىل اعرتاف دويل بجمهورية تركيا التي ورثت حمل الإمرباطورية‬ ‫العثمانية‪ .‬ونتيجة للرف�ض الرتكي لبع�ض بنود وخا�صة فيما يتعلق باحلدود الغربية واجلنوبية‬ ‫الغربية (مع اليونان) واجلنوبية ال�شرقية (مع �سوريا)‪ ،‬مت تعديل م�سار بع�ض الأجزاء احلدودية‬ ‫يف معاهدة تالية عقدت يف لوزان ال�سوي�سرية عام ‪ 1923‬وعرفت با�سم معاهدة لوزان‪� .‬أعادت‬ ‫املعاهدة الثانية �أرا�ضي لرتكيا يف الق�سم الأوروبي (غرب ا�سطنبول) من الدولة العثمانية‬ ‫و�ضمت الأقاليم ال�سورية ال�شمالية �إىل تركيا‪.‬‬ ‫‪ - 29‬توما�س �إدوارد لورن�س (‪� 16‬أغ�سط�س ‪ 19 - 1888‬مايو ‪� )1935‬ضابط بريطاين ا�شتهر‬ ‫بدوره يف م�ساعدة القوات العربية خالل الثورة العربية عام ‪� 1916‬ضد الدولة العثمانية عن‬ ‫طريق انخراطه يف حياة العرب الثوار‪ ،‬وعرف وقتها بلورن�س العرب‪ ،‬وقد ُ�صور عن حياته‬ ‫فيلم �شهري حمل ا�سم لورن�س العرب عام ‪ .1962‬الحقاً كتب لورن�س �سريته الذاتية يف‬ ‫كتاب حمل ا�سم اعمدة احلكمة ال�سبعة‪ ،‬قال عنه ون�ستون ت�شر�شل‪“ :‬لن يظهر له مثيل‬ ‫مهما كانت احلاجة ما�سة له” لقي م�صرعه نتيجة �سقوطه من على دراجته النارية يف ‪ 19‬مايو‬ ‫‪1935‬م‪.‬‬ ‫وقد �أهدى لورن�س كتابه (�أعمدة احلكمة ال�سبعة) �إىل “�سارة �أرن�سوهن” اجلا�سو�سة اليهودية‬ ‫التي �ألقى الأتراك القب�ض عليها يف النا�صرة �أثناء احلرب يف فل�سطني فانتحرت حتى ال تبوح‬ ‫ب�سرها‪.‬‬ ‫‪30 - Letter from Samuel to Weizmann, 11 January 1915, quoted in Stein,‬‬ ‫‪The Balfour Declaration, p.109, fo. 24; also Samuel, Memoirs, p.144.‬‬ ‫‪31 - The McMahon-Hussein Correspondence: Comments and a Reply‬‬ ‫‪Arnold Toynbee and Isaiah Friedman Journal of Contemporary History‬‬ ‫‪Vol. 5, No. 4 (1970), pp. 185-201.‬‬ ‫‪32 - The Balfour Declaration,: Journal of Modern History (Chicago),‬‬ ‫‪June 1930.‬‬ ‫‪95‬‬


‫‪ - 33‬الليربالية‪ :‬هي الأفكار التحررية امل�ستقلة‪.‬‬ ‫‪ - 34‬الثورة الفل�سطينية الكربى‪ :‬بعد ف�شل كافة الأ�ساليب الن�ضالية للعرب الفل�سطينيني مل‬ ‫يكن �أمامهم من خيار �سوى خو�ض الكفاح امل�سلح يف الفرتة بني ‪ ،1939 - 1936‬حماولني‬ ‫حتقيق مطالبهم الوطنية والتي تلخ�صت يف وقف الهجرة اليهودية‪ ،‬ووقف بيع الأرا�ضي‬ ‫لليهود‪ ،‬وت�أ�سي�س حكومة وطنية متثيلية‪.‬‬ ‫العرقي لفل�سطني‪ ،‬التي رمت ‪ -‬من جهة ‪� -‬إىل‬ ‫‪ - 35‬اخلطة (داليت) �أو “د” للتطهري‬ ‫ّ‬ ‫اال�ستحواذ على املناطق املُ َع ّدة لإقامة الدولة اليهود ّية‪ ،‬ومن جهة �أخرى رمت �إىل تنظيف‬ ‫هذه املناطق من ال�سكان الفل�سطينيني‪�ُ ،‬صودِقَ على ّ‬ ‫اخلطة “داليت” على �أعلى م�ستويات‬ ‫القيادة ال�صهيونية‪.‬‬ ‫‪ - 36‬بتاريخ ‪ ،1948 /4 /9‬نفذت ع�صابتا “االت�سل” و”ليحي” مذبحة يف بلدة دير يا�سني‬ ‫العربية‪ ،‬الواقعة على م�شارف القد�س‪ .‬حيث قتل ‪ 254‬عربياً‪ ،‬معظمهم من الن�ساء والأطفال‬ ‫وال�شيوخ‪.‬‬ ‫‪� - 37‬شفيق ناظم الغربا‪ ،‬جملة ال�سيا�سة الدولية‪ ،‬م�ؤ�س�سة الأهرام‪ ،‬العدد ‪ ،123‬يناير ‪،1996‬‬ ‫�صفحة ‪.58‬‬ ‫‪38- Joseph Badi,: Fundamental Laws of the state of Israel, N.Y. 1961‬‬

‫‪ - 39‬مو�شيه �شاريت ثاين رئي�س وزراء لإ�سرائيل وخدم من الفرتة ‪� 1953‬إىل ‪ 1955‬وكانت‬ ‫تلك الفرتة تف�صل بني فرتتي رئا�سة ديفيد بن غوريون لرئا�سة الوزراء‪.‬‬ ‫‪40- Israel’s Sacred Terrorism, a study based on Moshe Sharetts personal‬‬ ‫‪Diary and other documents foreword by Noam Chomsky AAUG 11980‬‬

‫‪ - 41‬ح�سني كنعان‪“ ،‬م�ستقبل العالقات العربية ‪ -‬الأمريكية”‪ ،‬دار اخليال للطباعة والن�شر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬ط‪.2005 ،2 .‬‬ ‫‪42 - Burns, Lieutenant-General E.L.M. (1962) Between Arab and Israeli.‬‬ ‫‪George G. Harrap.,‬‬ ‫‪43 - Price Of Empire, The, by Fulbright, J. William With Seth, Published‬‬ ‫‪by Pantheon, N. Y., 1989.‬‬

‫‪ - 44‬الر�سائل املتبادلة بني ايزنهاور ودايفيد بن غوريون مت ن�شرها يف جريدة دابار الإ�سرائيلية‬ ‫بتاريخ‪.1971/10/29‬‬ ‫‪45 - BETWEEN TWO AGES America’s Role in the Technetronic Era‬‬ ‫‪96‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬ ‫‪Zbigniew Brzezinski THE VIKING PRESS / NEW YORK 1970.‬‬

‫‪ - 46‬وزارة الإعالم – الهيئة العامة لال�ستعالمات – نظرات على انت�صارات الع�سكرية‬ ‫الوطنية امل�صرية‪.‬‬ ‫‪ - 47‬الهيئة العامة لال�ستعالمات‪.‬‬

‫‪48 - The Zionist Plan for the Middle East, Translated and edited by‬‬ ‫‪Israel Shahak, Publisher Belmont, MA: Association of Arab-American‬‬ ‫‪University Graduates, Year 1982.‬‬

‫‪ - 49‬وهي وثيقة من�شورة يف �شباط‪ /‬فرباير ‪1982‬م على ال�صفحتني ‪ 50‬و‪ 51‬من جملة‬ ‫“كيفونيم” التي ت�صدرها املنظمة ال�صهيونية العاملية يف القد�س املحتلة‪.‬‬ ‫ن�شرت من قبل رابطة العربية الأمريكية جامعة بلمونت اخلريجني �شركة‪ ،‬بوالية ما�سات�شو�ست�س‪،‬‬ ‫‪ 1982‬رقم الوثيقة اخلا�صة ‪)ISBN 0-937694-56-8( 1‬‬ ‫‪- 50‬د‪ .‬غازي ح�سني‪ ،‬النظام الإقليمي وال�سوق ال�شرق �أو�سطية‪ ،‬دم�شق ‪.1994‬‬ ‫‪ - 51‬ماجد �شدود‪“ ،‬النظام الإقليمي ال�شرق �أو�سطي”‪( ،‬دم�شق‪ :‬دار اليازجي‪ ،‬الطبعة‬ ‫الأوىل ‪.)1996‬‬ ‫‪ - 52‬اتفاق غزة �أريحا – نادية رفعت – �أحمد بهاء الدين �شعبان – دار الطباعة املتميزة‬ ‫القاهرة ‪� 1994‬ص‪.10 .‬‬ ‫‪ - 53‬اال�سم «نابوكو» م�شتق من �أوبرا (نابوكو)‪ ،‬التي تتمحور حكايتها حول ال�صراع الأزيل‬ ‫على مدينة �أور�شليم (القد�س)‪ .‬وتدعو للتم�سك بالديانة اليهودية‪ ،‬والت�ضحية من �أجلها‪،‬‬ ‫والق�صة برمتها م�ستوحاة من العهد القدمي (كتاب النبي دانيال)‪ ،‬الذي يعك�س �صورة التاريخ‬ ‫اليهودي �إبان حكم امللك (نابوكود الثاين)‪ ،‬ملك بابل العظيمة (العراق) من عام ‪� 605‬إىل‬ ‫عام ‪ 562‬قبل امليالد‪ .‬و(نابوكو) �صيغة ت�صغري و(حتقري) باللغة العربية للملك البابلي (نابوخذ‬ ‫تعمدت ا�ستعمال ا�سم امللك‬ ‫ن�صر)‪ ،‬ويبدو �أن الأطراف التي خططت لهذا امل�شروع‪ ،‬قد ّ‬ ‫البابلي لدوره يف �إنهاء مملكة يهوذا ويف ما عرف بال�سبي البابلي بعد ت�صغريه‪.‬‬ ‫‪ -1 - 54‬ال�سيل ال�شمايل (نورث �سرتمي) يو�صل الغاز من �شمال رو�سيا �إىل �أملانيا عرب البحر‬ ‫دون املرور ببيالرو�سيا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ال�سيل اجلنوبي (�ساوث �سرتمي) عرب البحر الأ�سود �إىل بلغاريا ومنها يتوزع خط عرب‬ ‫رومانيا هنغاريا النم�سا‪ ،‬وجنوبا عرب اليونان �إيطاليا‪ ,‬وقد مت �إجناز معظم االتفاقيات ملد هذا‬ ‫اخلط‪.‬‬ ‫‪97‬‬


‫‪ - 3‬مد خط من نيجرييا �إىل النيجر فاجلزائر لت�سييل الغاز ثم نقله �إىل �أوروبا والحقاً مد‬ ‫�إنبوب �إىل �آوروبا‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قامت �أي�ضا غاز بروم باال�ستحواذ على ن�صف ح�صة �شركة �إيني الإيطالية يف ليبيا‪،‬‬ ‫وبد�أت باال�ستثمار يف ال�سودان‪.‬‬ ‫‪55 - Articles ,US Complicit in Destruction of Lebanon, Paul Craig‬‬ ‫‪Roberts, July 24, 2006 http://www.antiwar.com/roberts/?articleid=9392‬‬

‫‪ - 56‬يف حديث له مع �آري �شفيط من �صحيفة ه�آرت�س‪.‬‬ ‫‪ - 57‬يف يديعوت �أحرونوت يوم ‪.2006 /7 /27‬‬ ‫‪ - 58‬جيفري جولدبرج �إ�سرائيلي �أمريكي خدم يف جي�ش الدفاع الإ�سرائيلي كحار�س �سجن‬ ‫�أثناء االنتفا�ضة الأوىل و�أحد �أبرز �شخ�صيات اللوبي اليهودي يف �أمريكا‪ ،‬من �أن�صار غزو‬ ‫العراق‪ ،‬كتب يف جملة �أتالنتيك �سنة ‪ 2007‬عن “انهيار خريطة ال�شرق الأو�سط احلالية”‪.‬‬ ‫ن�شر خريطة جديدة بتق�سيم دول املنطقة ت�شمل انف�صال �سيناء كدولة م�ستقلة‪.‬‬ ‫‪ - 59‬املقالة من�شورة بتاريخ ‪ 2‬يناير ‪ 2015‬يف جريدة معاريف الإ�سرائيلية‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪-‬بيكو‬

‫�سايك�س بيكو‬

‫�أ�سئلة وخواطر مبنا�سبة اليوبيل‬ ‫جنيب ن�صري ‪-‬كاتب‬

‫أزف موعد انتهاء االلتزام باملعاهدة بني فرن�سا وانكلرتة‪ ،‬فهذه �سنتها الأخرية قد‬ ‫ها قد � ّ‬ ‫�أتت بعد انق�ضاء مئة عام على توقيعها‪ ،‬وهاهما ال�سيدان �سايك�س وبيكو يت�صافحان‬ ‫متوادعَينْ وهما يعرفان �أن مياهاً كثرية جرت حتت اجل�سر ومنها (يالطا) �أو �إعادة اقت�سام‬ ‫العامل‪ ،‬ولكن ذلك مل يف�سد للود اال�ستعماري ق�ضية‪ ،‬فالود والعواطف م�س�ألة �شديدة‬ ‫الثانوية باملقارنة مع اال�ستثمار اال�ستعماري‪ .‬رمبا �شعرا ببع�ض الفخر ال�شخ�صي‪ ،‬وهاهما‬ ‫يرنوان �إىل ذاك النجاح غري املتوقع ملخططهما «على الرغم من انك�شافه قبل �أن يتم ت�صنيفه‬ ‫حتت م�سميات امل�ؤامرة»‪ ،‬م�سارعني القول �سوية (�أ َومل اقل لك)!‬ ‫ترى ماذا قال �سايك�س لبيكو (�أو العك�س) وقتئذ؟ ُترى هل قال �أحدهما للآخر وعلى‬ ‫طريقة ال�شرير يف الأفالم العربية والهندية «�إن حقدنا على الإ�سالم والعروبة» يقت�ضي منا‬ ‫�أن جنازف ونحطم �أنوف ه�ؤالء احل�ضاريني و»نفتح» بالدهم غازين‪ ،‬كما “فتحوا» ا�سبانيا‬ ‫والق�سطنطينية؟ �أو هل تكلما عن اخلالف العقائدي معنا؟ وعن اجلهاد يف �سبيل �إعالء‬ ‫كلمة احلق وزهق ما هو باطل بالن�سبة �إليهم؟ عماذا تكلما؟‪ ،‬وعلى ماذا اتفقا؟ هل تكلما‬ ‫عن منافع اال�ستثمار اال�سرتاتيجي يف املنطقة؟ هذه املنطقة التي ال ا�سم لها �إال بداللة‬ ‫اجلغرافيا‪� ،‬شرق �أدنى �أو �شرق �أو�سط يحوي بالداً ت�سمى بالد ال�شام وبالد العراق‪،‬‬ ‫فا�ضطرا للبحث يف (الرو�س) يف حماولة للعودة �إىل الأ�صل ليكت�شفا �أن ا�سماً لها ا�شتق‬ ‫من �آ�شور‪� ،‬أنها �سوريا‪ ،‬م�شريين �إىل تلك البالد املر�سومة خريطتها على لوحة رخامية‬ ‫مقابل (كوليزيوم روما) والتي تظهر الأرا�ضي التي �ضمها التمدد الروماين يف ع�صره‪،‬‬ ‫حيث �شد انتباههما‪� ،‬إىل �أن هذه الأرا�ضي هي جمرد بالد ولي�ست اوطاناً بعد‪ ،‬فرياح‬ ‫الأنوار مل ت�صلها‪ ،‬و�إذا كانت قد و�صلت �إىل بع�ض نخبها فواقع االجتماع فيها ونوعه �سوف‬ ‫يق�ضي ذاتياً على ت�أثرات كهذه‪ ،‬فاالجتماع الب�شري ثقافة‪ ،‬قد تف�ضي �إىل ت�أ�سي�س جمتمع‬ ‫وقد ال ت�ؤدي �إىل ذلك‪ ،‬ما يق�سم الثقافة �إىل نوعني‪ ،‬فاجلهل هو �أي�ضاً ثقافة ترتا�صف مع‬ ‫‪99‬‬


‫ثقافة املعرفة وت�ستفيد منها بحدود اال�ستهالك ال�سلعي من جهة‪ ،‬ومن ا�ستخدام �أدواتها‬ ‫للق�ضاء على الت�أثريات الأنوارية من جهة ثانية‪ ،‬حمافظة يف ذلك على اجتماعها الب�شري‬ ‫قبل املجتمعي ب�صفته �سوقاً لكل �شيء‪ ،‬وهنا بيت الق�صيد ال�سايك�سبيكوي‪ ،‬ومربط‬ ‫جمله‪� ،‬إذ ما دام هناك من يقو�ض ثقافة ت�أ�سي�س املجتمع مبعناه الأنواري‪ ،‬ويهاجمها بكل‬ ‫ما �أوتي من ثقافة‪� ،‬سوف يجعل هذه املناطق �سوقاً لكل �شيء من �إبرة اخلياطة حتى �آخر‬ ‫مبتكرات اجليو�سيا�سة‪ ،‬حيث ي�أتي هدف املحافظة على ثقافة اجلهل يف املراتب الأوىل‬ ‫لعملية اال�ستثمار اال�ستعماري‪.‬‬ ‫�إىل يومنا هذا مل نعرف‪ ،‬يف مو�ضوع املعاهدة‪ ،‬مباذا تداول ال�سيدان �سايك�س وبيكو‪،‬‬ ‫فامل�س�ألة مل تدر�س على �أي م�ستوى معريف �إال يف نتائجها الظاهرة‪� ،‬أو عرب تقديرات‬ ‫حكائية تنفع يف تدري�س التاريخ الر�سمي املدر�سي‪� ،‬أو يف �شتم امل�ست�شرقني‪ ،‬ما ح�صل هو‬ ‫انها �أخ�ضعت �إىل حتليالت تنظرية تثبت �أن هذه املعاهدة كانت �ضارة على بع�ض ال�صعد‪،‬‬ ‫�أهمها التق�سيم‪ ،‬واالنتداب (�أو االحتالل)‪� ،‬إذ لوالهما لكان لهذه املناطق �ش�أن �آخر!‪،‬‬ ‫ولكن ما هو هذا ال�ش�أن الآخر؟ ال �أحد يدري! َمن كنا؟ وماذا �سنكون؟ كيف كنا؟‬ ‫وكيف �سنكون؟ من نحن؟ كلها �أ�سئلة كانت خارج هاتيك التحليالت التنظريية ذات‬ ‫ال�صلة الوثيقة مع ثقافة اجلهل‪ ،‬التي تو�صلت �إىل خال�صة �أن اال�ستعمار ما هو �إال انتهاك‬ ‫للخ�صو�صية الثقافية‪ ،‬ناقلة ال�صراع �إىل �ساحة خارجية هام�شية‪ ،‬لتخو�ض يف �ساحاتها‬ ‫�أعتى املعارك خوفاً على هذه اخل�صو�صية (�أو ما ُي�سمى هوية)‪ ،‬منكرة �أن اال�ستعمار‬ ‫ي�سعى للمحافظة على هذه اخل�صو�صية الثقافية بالذات‪ ،‬فهي مفيدة متاماً لال�ستثمار‬ ‫اال�ستعماري‪ ،‬عرب الإزاحة عن التناف�س املنفعي بني املجتمعات‪ ،‬فعادت هي نف�سها‬ ‫(املعاهدة) �إىل ا�ستخدام هذه اخل�صو�صية الثقافية يف ا�ستبدال العثماين بالعربي‪ ،‬اتكاء‬ ‫على حيوية الفتح الثقافية (اخل�صو�صية) بقيادة لوران�س وجحافل «عودة ابو تايه» التي‬ ‫تع�شق الوحدة العربية‪ ،‬ور�سالتها اخلالدة‪ ،‬وا�ستثنائها الثقايف!!‪ ،‬لتقطع البالد (�أو املناطق‬ ‫�أو الأرا�ضي) �إىل حمميات ا�ستثمارية با�سم هذه اخل�صو�صية حتديداً‪ ،‬وهكذا ّمت ف�صم لب‬ ‫ال�صراع‪ ،‬عرب تكذيب التفكري اال�ستعماري وتو�صيفه بالغزو الث�أري فقط‪ ،‬ليزاح اال�ستثمار‬ ‫اال�ستعماري جانباً‪ ،‬ويبقى �صراع «اخل�صو�صية والهوية والوعي والرجل الأبي�ض الخ» يف‬ ‫الواجهة‪ ،‬حيث يتجمد ال�صراع الأول الذي يعني بناء الإن�سان واملجتمع والدولة واحل�ضور‬ ‫يف �ساحات التناف�س الإنتاجي و�صنع املكانة والدفاع عنها‪ ،‬ويتوهج ال�صراع الثاين حول‬ ‫العقائد واملعتقدات واملكانة الأخالقية امل�شتهاة‪ ،‬لتبدو كل حركات التحرر يف ما بعد ما‬ ‫‪100‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫هي �إال حروب دفاع عن ا�ستقاللية اخل�صو�صية الثقافية من معتقدات وعادات وتقاليد‪،‬‬ ‫وهي �ساحة بعيدة متام البعد عن مواجهة اال�ستثمار اال�ستعماري‪ ،‬لتتح ّول املعركة برمتها‬ ‫�إىل معركة مع الغرب‪ ،‬ولكن �أي غرب؟‬ ‫بب�ساطة (ولي�س بتب�سيط) نكت�شف �أنه الغرب املق�صود هو غرب معركة الريموك وفتح‬ ‫الأندل�س والق�سطنطينية‪ ،‬انه الغرب العقائدي ال�صليبي‪ ،‬ولي�س الغرب (الفرجني)‬ ‫اال�ستعماري الذي ال تهمه ال العقائد وال العواطف وال الأخالق يف مبناها التقليدي‬ ‫الرتاثي‪ ،‬وليتم بعدها تفعيل ثقافة‪ ،‬تتحرك وتنتج على هذا الأ�سا�س يف حماولة لرد‬ ‫اال�ستعمار �إىل �أ�صول حتاقدية مبنية على �أ�س�س االختالف العقائدي‪ ،‬ولي�س على امل�صالح‬ ‫اال�ستثمارية‪ ،‬ففي االوقات نف�سها التي ي�شتد فيها التعاون مع اال�ستعمار وم�شاريعه‪،‬‬ ‫كانت نربة العداء للغرب تعلو ملغية �أي �أ�سا�س ل�صراع تناف�سي‪ ،‬يقوم على اجلدارة‬ ‫واجلدوى‪ ،‬لت�صل هذه النربة �إىل ذرى مثل‪ 11 ،‬ايلول‪�/‬سبتمرب ‪ ،2001‬وما بعدها من‬ ‫�أحداث لندن وباري�س الخ حيث ميكن �إرجاع فعاليتها �إىل التعاون الأمريكي‪ /‬اجلهادي‪،‬‬ ‫يف افغان�ستان وغريها من بلدان جنوب �آ�سيا وحتى جمهوريات ال�سوفيات وكو�سفو (التي‬ ‫تت�شابه مع فل�سطني على �أكرث من �صعيد)‪ .‬وهذا ما ح�صل متاما يف �سايك�س بيكو قبلها‪،‬‬ ‫ففي الوقت نف�سه الذي مت فيه التعاون مع اال�ستعمار يف م�س�ألتي التق�سيم واالنتداب‬ ‫(االحتالل)‪ ،‬كانت نربة العداء العقائدي تعلو (وال �شيء يعلو عليها) يف وجه الغرب‬ ‫ال�صليبي الذي �أ ّدى �إىل تفكيك «اخلالفة» العثمانية‪ ،‬وعدم �إيجاد ودعم بديل لها‪ ،‬ما‬ ‫�صنع تلك االزدواجية الثقافية امل�ؤدية �إىل ابتالع التقدم واالرتقاء الالزمني ملواجهة‬ ‫اال�ستثمار اال�ستعماري الغربي ووقفه‪( ،‬ال �أحد ينتبه �إىل ال�صني ك�أداء ا�ستعماري مثالً)‪،‬‬ ‫معتربين �أن هيمنة ثقافة العداء العقائدي ال�شمولية هذه تت�ضمن مكافحة اال�ستعمار‬ ‫كتح�صيل حا�صل‪ ،‬وهو هدف �سام و�شريف ال يختلف عليه اثنان‪ ،‬فالق�ضاء على الغرب‬ ‫يعني الق�ضاء على ا�ستعماره وا�ستثماره حكماً‪ ،‬على الرغم من العالقة (التكتيكية) معه‪،‬‬ ‫مبعنى �أن نتعاون معه للق�ضاء عليه‪ ،‬يف ا�ستثمار �أيديولوجي للخيبة التي �صدمت واليات‬ ‫�سوريا العثمانية‪� ،‬أو اململكة ال�سورية العربية يف عام ‪ 1919‬عرب م�ؤمتر ال�صلح يف باري�س‪،‬‬ ‫الذي �أدى �إىل الف�صل ف�ص ًال عملياً بني الأداء اال�ستعماري والأداء الأخالقوي ب�شكله‬ ‫الرتاثوي امل�شتهى‪ ،‬واىل تبني هذا الأداء االفرتا�ضي على انه وجه العداء الأوحد الذي‬ ‫ين�سجم متاماً مع الأداء الثقايف (التكفريي‪ /‬الت�ساحمي) الذي يق�سم العامل �إىل ف�سطاطني‬ ‫واج َبي العداء يف ما بينهما معاً وحتماً‪� ،‬إذ مت الإقرار نهائياً وقتها �أن الغرب يعتدي لأ�سباب‬ ‫‪101‬‬


‫�أيديولوجية‪ ،‬ولي�س لأ�سباب ا�ستعمارية!‬ ‫يف مو�ضوع التجزئة‪ ،‬مل يكن وقتذاك من كيان �أو هيكل دولتي حمدد ومعلن “ل�سوريا»‬ ‫�أو يف بالد “العربة» حتى يتم تق�سيمهما وتقا�سمهما‪ ،‬فكما ا�سلفنا كانت بالداً من بلدان‬ ‫اخلالفة‪� ،‬أو واليات من بني والياتها‪ ،‬وال�صراع الأوروبي مع الرجل املري�ض �أدى �إىل �أن‬ ‫ت�ؤول بع�ض والياته للمنت�صر يف احلرب التجارية (الت�سمية االنكليزية للحرب العاملية‬ ‫الأوىل)‪ ،‬التي على نتائجها �أُ ّقرت ع�صبة الأمم م�س�ألة االنتداب كعملية “خريية» مل‬ ‫ت�أخذ “ويا للأ�سف!!» بعني االعتبار عوامل اللغة والدين (يف ما بعد متت �إ�ضافة الآمال‬ ‫والآالم امل�شرتكة) التي تثبت �أن املناطق التي مت تق�سيمها امة واحدة �أو جزءاً من امة‬ ‫واحدة كبدهية تاريخية جتب ممار�ستها معرفياً من قبل امل�ستعمرين �أنف�سهم‪ ،‬و�إال ف�سوف‬ ‫يكونون من احلاقدين على امتنا‪ ،‬على الرغم من ان هذه «الأمة» مل تكن مهيكلة ثقافياً �أو‬ ‫معلنة �سيا�سياً‪ ،‬وبناء على هذا الإجراء (�أي التقا�سم) الذي مل يكت�شف �أو يراعي (هو)‬ ‫خ�صو�صية املنطقة وهويتها مت الت�أ�سي�س لهذا النوع من العداء الذي حتول مع الوقت �إىل‬ ‫م�شجب تعلق عليه �آالف الأخطاء واخلطايا من قبل ال�سلطات املحلية �أثناء االنتداب‬ ‫وبعده‪ ،‬وحتول الغرب �إىل طوطم التكاره من جميع النواحي عدا الناحية اال�ستعمارية‬ ‫ب�شفاعة اال�ستهالك‪ ،‬و�صارت التجزئة �إىل واقع يدافع عنها �أهل الوحدة �أنف�سهم‪� ،‬إذ مل‬ ‫يحدث �أن تولت ال�شعوب �أو ال�سلطات يف هذه البلدان م�س�ألة الإطاحة بواقع التجزئة‬ ‫هذا‪ ،‬بل دافعت عملياً عن حدود �سايك�س بيكو (وتقا�سمات يالطا فيما بعد) وذادت‬ ‫عنها بالدماء تثبيتاً لها وتكري�ساً لأجهزة احلكم القطرية حتت �شعارات الوحدة والتحرير‬ ‫�شرط �أن يتم الق�ضاء على الغرب �أو ًال‪ ،‬يف دوران النهائي بني الأ�سباب الواهية و�سرابات‬ ‫االنت�صار الهالمية‪.‬‬ ‫يف الواقع وبعد توقيع اتفاقية �سايك�س بيكو‪ ،‬كانت التجزئة هي الإعالن الأول والأخري‬ ‫عن هوية مهيكلة ومعلنة وممار�سة‪ ،‬على الرغم من مكوثها فوق تالل هائلة من التنظري‬ ‫ال�شفوي حول هويات جامعة كربى تتذاكى وتت�شارف على هويات مبنية على الأ�س�س‬ ‫التفكريية نف�سها لهذه الهويات الكربى‪ ،‬فتم اختالق هويات كالمية مبنية على تراثيات‬ ‫جاهزة‪ ،‬ت�ؤدي �إىل تعريف الذات مبعاك�سة الآخر الآثم واحلاقد‪ ،‬كما مت الق�ضاء على كل‬ ‫ر�ؤية �أو �صوت عقالين‪ ،‬يف�صل ثقافة ال�صراع عن ثقافة الغزو (تراثياً ال يوجد �صراع يوجد‬ ‫فقط غزو)‪ ،‬فن�ش�أت «دول» ذات علم ون�شيد وعيد ا�ستقالل‪ ،‬وزعامات ال ي�أتيها الباطل‬ ‫من حدب‪ ،‬وبرملانات ووزارات وق�ضاء‪ ،‬وكلها (�أي “الدول”) على تهادن مع «هويات»‬ ‫‪102‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫�صغرى م�ؤ�س�سة على منتجات الن�شوء التفكريية امل�ؤدية �إىل ما ُي�سمى التعاي�ش‪ ،‬حتت‬ ‫�سلطة امل�ستبد العادل‪ ،‬الذي ا�ستخدمها على وجهني متوازيني‪� ،‬أولهما هو م�صادرتها مبا‬ ‫يتنا�سب مع الثقافة الرتاثية للمحكومني‪ ،‬وثانياً �إعالنها يف حمافل االعرتاف كدولة قومية‬ ‫تنا�سب ولو ب�شكل �ضئيل معايري هذه املحافل‪.‬‬ ‫من اال�صطالح اخلارجي ا�ستقى هذا التعاي�ش (�سايك�س بيكو ـ ع�صبة الأمم ـ يالطا ـ‬ ‫الأمم املتحدة الخ) االعرتاف بهوية يرف�ضها هو نظرياً مع انه ميار�س هوية �أدنى منها عملياً‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل االتكاء على �شعارات الوحدة والتوحد يف هوية بدهية غري مدرجة يف معايري‬ ‫الهويات املعا�صر‪ ،‬وهي هوية جامعة مانعة‪ ،‬ولكنها غري قابلة للممار�سة �إال عن طريق‬ ‫التعانف‪ ،‬حيث ا�ست�شرى ذلك التعاك�س بني “هويات” جميعها افرتا�ضية (فهي تفتقد‬ ‫�إىل جمتمع باملعايري املعا�صرة)‪ ،‬لي�س ب�سبب في�ض املعرفة على مبد�أ الأواين امل�ستطرقة‬ ‫فقط‪ ،‬بل بفعل التنازع على اال�صطالح اخلارجي لالعرتاف بها‪ ،‬ومل تكن امل�س�ألة هنا‬ ‫�إال م�س�ألة وقت حتى ينفجر ال�صراع على املنطق والأ�سلوب واملعايري نف�سه التي ت�أ�س�س‬ ‫عليها‪ ،‬منتجاً جتزئة من �أنواع �أعمق و�أخطر‪.‬‬ ‫�أما الأهم بني �أثمان التجزئة التي ارت�ضت “الدول” دفعه ثمناً لوجودها‪ ،‬هو تلك‬ ‫الأرا�ضي ال�سليبة واملغت�صبة واملحتلة‪� ،‬إذ ي�صعب �إيجاد حالة �سلب �أو اغت�صاب لهذه‬ ‫الأرا�ضي دون م�شاركة زعامات ـ «وطنية» �أو «�شعبية» �أو ذات حق “تراثي” بهاـ‪ ،‬يف‬ ‫ت�سهيلها ومباركتها والر�ضى بها‪ ،‬ورمبا �شكلت حالة فل�سطني فيما بعد اال�ستثناء املقاوم‬ ‫الوحيد لأ�سباب عقائدية‪ ،‬ولكن عموم حاالت الق�ضم واالغت�صاب من �أرا�ضي الوحدة‬ ‫املفرت�ضة‪ ،‬كانت عرب اتفاقات ومواثيق موقعة من قبل رجاالت «الوحدة» ومن ورائهم‬ ‫�شعوب ت�سعى �إىل العي�ش احلالل‪.‬‬ ‫خالل املئة �سنة ّمت تطني�ش الفعل اال�ستعماري كفعل معريف (�إال يف ما ندر)‪ ،‬فاالكتمال‬ ‫املعريف جعلنا ندركه كتح�صيل حا�صل انتقامي‪ ،‬ذو �أ�صل عقائدي‪ ،‬و ّمت عملياً رف�ض‬ ‫خمرجاته املعرفية‪� ،‬إال يف حدود اال�ستخدام اال�ستهالكي‪ ،‬وهذا بال�ضبط ما �سعى �إليه‬ ‫الفعل اال�ستعماري‪ ،‬احلرمان من املعرفة واعتماد اال�ستهالك‪ ،‬ولكن وحتى هذه احلدود‬ ‫قد ّمت جتاوزها عك�ساً يف الكثري من احلاالت‪ ،‬مبعنى رف�ض املعرفة اال�ستهالكية نف�سها‬ ‫بدعوى �أنها من منتجات الكفار‪ ،‬مع العلم �أن البديل هو �أي�ضاً من منتجات الكفار‪،‬‬ ‫ولكن الأهمية هنا تكمن يف قيمة العداء املنتج للغزو‪ ،‬ولي�س يف قيمة ال�صراع التناف�سي‬ ‫‪103‬‬


‫امل�ؤدي �إىل الإنتاج‪ ،‬وهذا ما �أدى �إىل �إنتاج �أ�سباب التجزئة (�أو عدم �ضرورة الوحدة)‪� ،‬إذ‬ ‫التجمع حولها‪ ،‬ليتح ّول واقع التجزئة نف�سه �إىل وقائع من الف�ساد‬ ‫ال م�صالح �إنتاجية ميكن ّ‬ ‫امل�ؤدي �إىل اال�ستبداد‪ ،‬الذي ّ‬ ‫متكن االكتمال املعريف من �إنتاجه وتطويره‪ ،‬و�ضخه يف‬ ‫�شرايني التجمعات ال�سكانية التي ف�شلت بالتحول �إىل جمتمعات متتلك �إرادتها يف تنظيم‬ ‫م�صاحلها‪ ،‬و�آلت التجربة “الدولتية” يف متظهراتها كافة‪ ،‬من �شكلها الوالياتي العثماين‬ ‫�إىل �شكلها اجلهازي احلايل‪ ،‬مبا ال يعاك�س توقعات امل�ست�شرقني الذين افرت�ضوا يف والة‬ ‫الأقاليم والأم�صار‪ ،‬ال�شكل الرتاثي املنا�سب واملقبول يف ثقافة االكتمال املعريف لهذه‬ ‫الأقوام‪ ،‬لتتحول التجزئة �إىل واقع مقبول يف ظالل الرتاث‪.‬‬ ‫�أما يف مو�ضوعة االنتداب (االحتالل)‪ ،‬والذي ا�شرنا �إليه بالفعل اخلريي‪ ،‬فقد مت بفعل‬ ‫ا�ستعماري بارد اقت�ضى ت�شكيل وتنظيم هذه التجمعات ال�سكانية القاطنة يف هذه الأرا�ضي‬ ‫يف ت�شكيالت معا�صرة ت�سمى دو ًال ميكن الإ�شارة �إليها ب�صفة �سيا�سية‪ /‬حقوقية‪ ،‬كجزء‬ ‫من تطويرها كي تنا�سب متالزمة اال�ستهالك‪ /‬الإنتاج‪ ،‬فعلى التوازي انوجدت الربملانات‬ ‫والوزارات وق�صور الق�ضاء من جهة‪ ،‬والرتامواي والكهرباء ووكاالت بيع و�شراء املنتجات‬ ‫من كل �صنف ولون‪ ،‬لتبدو هذه البلدان ظاهرياً كمناطق متمدنة قادرة على اال�ستهالك‪،‬‬ ‫بحيث �أ�صبحت قابلة لالعرتاف بها‪ ،‬واال�صطالح على والدتها‪ ،‬بناء على وجود “دولة”‬ ‫فيها تتكفل بناء جمتمع باملعنى املنا�سب لتمدنها املرتبط حتما بالتوافق والر�ضا الدوليني‬ ‫على وجودها‪.‬‬ ‫�إىل هنا واملنطق اال�ستعماري وا�ضح وجلي معرفياً‪ ،‬ومربر يف �سياق ال�صراع العاملي على‬ ‫امل�صالح‪ ،‬ولكن ماذا عنا نحن؟‬ ‫لوال مي�سلون‪ ،‬تلك املعركة الكبرية على ال�صعيد الرمزي‪ ،‬لتم االنتقال �إىل حال االنتداب‬ ‫(االحتالل) ب�صمت ور�ضا‪ ،‬فهذه البالد كانت تعاين (وملا تزل) بنق�ص فادح يف الثقافة‬ ‫احلقوقية التي تنظم الوجود الب�شري يف جمتمعات ودول‪ ،‬كما �أنها بعيدة كل البعد عن‬ ‫ع�صر الأنوار امل�ؤ�س�س الفعلي ملفاهيم املجتمع والدولة التي حتول الأرا�ضي امل�سكونة �إىل‬ ‫�أوطان‪ ،‬ال بل متّت هزمية �أفكار ورجال النه�ضة هزمية منكرة �شعبياً وحكومياً (عثمانياً)‪،‬‬ ‫بحيث مل يبق مكان لتف�سري فعل االنتداب اال�ستعماري على �أ�س�س عقالنية �أنوارية‬ ‫حتديداً (اال�ستعمار مفهوم �أنواري)‪ ،‬بل ّمت جلوء النخبة املنت�صرة على رجال النه�ضة‬ ‫ّ‬ ‫ومفكريها �إىل طبقات الرتاث لتف�سري هذه الظاهرة‪ ،‬وما لبثوا �أن �أقروا �أنها (غزو) ناجت عن‬ ‫‪104‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫حقد تاريخي‪ ،‬فتبني الرتاث “املكتمل” معرفياً مل ي�ستطع تف�سري االنتداب‪ /‬االحتالل‬ ‫على �أ�س�س الهيمنة واال�ستغالل اال�ستثماريني‪ ،‬فذهب �إىل تف�سريه �شرعياً‪ ،‬باالعتماد‬ ‫على الروايات التاريخية للغزو والفتوح‪ ،‬ليتحول هو �إىل غزو وفتوح �صليبية معاك�سة‪ ،‬لأن‬ ‫ثقافة كهذه مل حتت ِو يوماً على تف�سري لال�ستعمار‪ ،‬فاال�ستعمار مفهومياً هو ابن ع�صر الأنوار‬ ‫والثورة ال�صناعية‪.‬‬ ‫بل �إن املتوفر حملياً لتف�سري هذه الظاهرة‪ ،‬اعتبار �أي احتالل هو غزو �أو فتح يجب �أن‬ ‫يكون م�شرعناً �إلهياً‪( ،‬وهذا ما توفر عند العثمانيني وافتقد عند الأوروبيني)‪ ،‬وهذا ما ّمت‬ ‫يف الغالب االتكاء عليه يف حركات املقاومة ال�سيا�سية وامل�سلحة‪ ،‬مبا�شرة �أو مداورة‪� ،‬إال‬ ‫يف القليل النادر‪ ،‬والذي مل يف�ض يف نتائجه �إىل ح�صول ثورة معرفية‪ /‬ثقافية ت�ؤدي �إىل‬ ‫مقاومة تخرج الأجنبي ومن ثم �إىل جمتمعات قادرة على ت�أ�سي�س دول‪ ،‬وهذا حتديداً ما‬ ‫جعل اال�ستقالالت التي ح�صلت الحقاً مو�سومة بتوقيعات (يالطا) �أكرث منها كنتائج‬ ‫ملقاومة �أخرجت الأجنبي‪ ،‬فاال�ستعمار عملياً مل يخرج �إىل يومنا هذا‪ ،‬ان كان ب�سبب‬ ‫احتالالت �أجزاء من خريطة �سياك�س بيكو ومفاعيلها‪� ،‬أو كان ب�سبب اعتبار هذه املنطقة‬ ‫�سوقاً ا�ستثمارية ميكن التحكم بها من ناحيتي ال�شبع واملنعة‪ ،‬حتى �أن البلدان امل�ستقلة‬ ‫من احتالالت �سايك�س بيكو ملا تزل تتخبط يف م�ساراتها و�أدائها املعريف‪ /‬الثقايف داخلة‬ ‫يف دورات عنف همجية ودورية‪ ،‬معطية املربر الأخالقي لالنتداب كفعل خريي‪ ،‬وكقوة‬ ‫قادرة على جلم االنتحار الذاتي �أو تنظيمه على الأقل‪.‬‬ ‫رمبا كان اال�ستعمار واحداً من �أهم و�أق�سى الدرو�س يف حياة ال�شعوب‪ ،‬ورمبا كان الأكرث‬ ‫فائدة معرفياً‪ ،‬خ�صو�صاً على ال�صعيد احلقوقي‪ ،‬فهو ومقاومته قائمان متاماً على املفاهيم‬ ‫احلقوقية‪� ،‬أي بني ك�سرها و�إعادتها لن�صابها ح�سب املقت�ضيات احلقوقية للع�صر‪ ،‬حيث‬ ‫تواجه الإرادة القوة الغا�شمة‪ ،‬حمتكمة �إىل هذا املنطق املعلن‪ ،‬للح�صول على حق‬ ‫املقاومة‪ ،‬وهو ما �أقرته جميع الهيئات احلقوقية العاملية‪ ،‬وهذا ما يتطلب االنتقال من حالة‬ ‫حقوقية ما�ضية وبائدة‪� ،‬إىل حالة حقوقية مواكبة للبيئة العاملية التي تتبنى ال�سباق العاملي‬ ‫التناف�سي الناجت عن في�ضان املعرفة وحتويلها قوة فاعلة على الأر�ض‪ ،‬ومن هذه الثنائية يبدو‬ ‫الوعي و�أي وعي غري مرتافق مع �إنتاج ما هو وعي‪� ،‬أما زائف �أو وعي خائن‪ ،‬ومن هنا تبدو‬ ‫اال�ستقالالت الوطنية كناجت عن وعي ما‪� ،‬أو م�ؤ�س�سة عليه هي ا�ستقالالت زائفة‪ ،‬فهي‬ ‫مل ت�ستطع خالل �سريورتها ال�سايك�سبيكوية (�أي يف الن�صف الثاين من زمن املعاهدة‬ ‫املتفق عليه) من �إنتاج �أي منتج ي�ساعد على املنعة (ناهيك عن ال�شبع) حتى ولو كانت‬ ‫‪105‬‬


‫مداخيلها االقت�صادية هائلة‪ ،‬فهي وب�شكل ت�أ�سي�سي مل تقم ب�إنتاج �أي جمتمع وا�ضح‬ ‫ومعلن احلقوق‪ ،‬كبنية �أ�سا�سية ملقاومة اال�ستعمار �أو االنتداب �أو اال�ستثمار‪ ،‬ومل تفرز �أي‬ ‫«دولة» خمل�صة لعقد وجودها‪( ،‬حتى لو كانت هذه الدولة جمرد جهاز �سلطوي مفرغ من‬ ‫م�س�ؤوليته احلقوقية)‪ ،‬ومل تقم �أية دولة ب�إجناز معريف قابل لال�ستثمار وذي جدوى يذكر‪،‬‬ ‫كما �أنها مل ت�ستطع �أن ت�شارك يف ال�سوق العاملية املتناف�سة �إال ب�صفة م�ستهلك‪..‬الخ‪ ،‬لتبدو‬ ‫هذه اال�ستقالالت واالحتفاء بها‪ ،‬كناجت للمقاومة امل�ؤ�س�سة ثقافياً على ال�شرعية الرتاثية‬ ‫يف دحر الغزو ليتبلور على �أ�سا�سها كل “فكر مقاوم»‪ ،‬يف تخييب �شامت لكل النه�ضويني‬ ‫الذين يرون يف ثقافة كهذه انتكا�ساً ملفهوم اال�ستقالل مبعناه املعا�صر عرب ا�ست�شراف نتائج‬ ‫هذا النوع من الثقافة (والذي �أ�شرنا �إليه �أعاله) الذي �سوف يودي �إىل مهالك ال منا�ص‬ ‫منها‪.‬‬ ‫رمبا مل ي�سع اال�ستعمار بعد (يالطا) للحفاظ على مفاعيل �سايك�س بيكو اجلغرافية (من‬ ‫تق�سيم واحتالالت)‪ ،‬كما مل تعلن فرن�سا وانكلرتا ورو�سيا اهتمامها بالإبقاء على هذه‬ ‫املفاعيل‪ ،‬وعدم االحتفاظ هذا هو �أحد معاين اال�ستقالالت على �أية حال‪ ،‬ولكن‬ ‫االحتالالت والتجزئة ملا تزل موجودة وم�ستمرة ال بل مر�شحة �إىل املزيد من التق�سيم‬ ‫واالحتالالت‪ ،‬على الرغم من كمية الت�أكيدات يف االحتفاالت الوطنية والدينية وغريها‪،‬‬ ‫�إنه قد ّمت رد الغزو واالنت�صار عليه على �صورة دحر �آخر جندي �أجنبي عن الأرا�ضي‪ ،‬ال‬ ‫بل ورد ال�صاع �صاعني كي ت�شفى ال�صدور فقط‪ ،‬يف افغان�ستان وال�شي�شان وكو�سوفو الخ‬ ‫بغزو “مماثل” هو ا�ستمرار معريف وثقايف للمقاومة التي �أخرجت احتالالت �سايك�س بيكو‬ ‫وم�ستمرة بالث�أر من املعتدي الذي �سولت له نف�سه (ولي�س م�صاحله) االعتداء على هذه‬ ‫البقاع املقد�سة‪ ،‬وما زالت هذه «الدول» ترفل باالعرتاف يف �أروقة (الأمم املتحدة ‪/‬يالطا)‬ ‫متهمة الغرب بالت�آمر وا�ستمرار الت�آمر وا�ستمرار ا�ستمرار الت�آمر‪ ،‬على �أ�سا�س �أنها “دول»‬ ‫ذات �سيادة ناجتة عن ا�ستقالل ودحر �أجنبي‪� ،‬أي �أن �أمرها بيدها نظرياً وعملياً‪ ،‬ولها �أن‬ ‫ت�ضع من اخلطط والتوجهات وال�سيا�سات ما يثبت ذلك من جهة‪ ،‬وما يجعلها ذات مكانة‬ ‫من جهة ثانية‪ ،‬وهذا من �أب�سط مقومات اال�ستقالل‪ ،‬ومع �أن هذه “الدول” قد وعدت‬ ‫بو�ضع هذه اخلطط مو�ضع التنفيذ‪ ،‬وح�صلت على ال�صالحيات العادية واال�ستثنائية كافة‪،‬‬ ‫ولكن �أين نتائج هذه اخلطط وتلك ال�سيا�سات؟ فعلى الرغم من مرور وقت على حدوث‬ ‫اال�ستقالل ما ي�ساوي الزمن الذي ق�ضاه املحتل يف هذه البالد و�أكرث‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫انت�شار العلوم واملعارف والتكنولوجيات بحكم تكوينها الإن�ساين‪ ،‬وعلى الرغم من «عبور»‬ ‫‪106‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫الأموال الالزمة لهذه اخلطط عرب هذه “الدول”‪ ،‬ولكن اال�ستقالل مل ي�صبح ناجزاً وال‬ ‫التجزئة تغيرّ �شكلها‪ ،‬وظلت �شعارات التنمية والتحرير والوحدة هي نف�سها‪ ،‬بانتداب �أو‬ ‫من دونه‪ ،‬تدور حول نف�سها ملتهمة ذاتها و�إمكانياتها دون حتقيق �شيء يذكر‪ ،‬وها قد دار‬ ‫الزمن دورته‪ ،‬وملا تزل الثقافة ذاتها تعيد �إنتاج نف�سها مبظاهر و�أ�شكال خمتلفة خ�ضوعاً‬ ‫حدده لها اال�ستعمار وملا يزل‪.‬‬ ‫ملقت�ضيات اال�ستهالك‪ ،‬الدور الذي ّ‬ ‫يف املنظر العام احلايل لهذه البلدان التي مل تتح ّول �إىل �أوطان بفعل ثقافة املعرفة‪ ،‬بل‬ ‫تبدو وك�أنها بحاجة �إىل فعل خريي (انتدابي) ي�ضعها على بداية طريق �صحيح‪ ،‬ولكن ما‬ ‫الذي ي�ضمن �أال تعود �إىل ممار�سة ثقافة اجلهل‪ ،‬لتق ّو�ض نف�سها وهي ت�سعى �إىل ا�ستقالل‬ ‫ال ت�صدقه هي نف�سها‪ ،‬يف �سعي حمموم �إىل تدعيمه بانتداب جديد‪ ،‬ف�سايك�س بيكو‬ ‫انتهت عملياً يف يالطا‪ ،‬ولكنها ا�ستمرت بقوة “املجتمعات» الذاتية‪ .‬وها هما ال�سيدان‬ ‫�سايك�س وبيكو بحلتهما اجلديدتني‪ ،‬يت�صافحان من جديد �ضاحكني من ذلك املغفل‬ ‫غرة‪.‬‬ ‫الذي اكت�شف �أنه ح�صل على مئة �صفعة‪ ....‬على حني ّ‬

‫‪107‬‬


108


‫مئة عام على �سايك�س‪-‬بيكو‬

‫اتفاقية �سايك�س بيكو‪1917‬‬

‫يف اال�سرتاتيجية اال�ستعمارية الغربية‬

‫د‪� .‬أ�سامة �سمعان ‪ -‬باحث وحما�ضر جامعي‪.‬‬

‫ال ميكن لباحث مدقق �أن يف�صل اتفاقية �سايك�س ‪ -‬بيكو عن الأحداث اال�ستعمارية‬ ‫التاريخية التي اجته فيها الغرب الأوروبي لل�سيطرة على �سورية الطبيعية‪ ،‬لي�س يف املرحلة‬ ‫التي �أعقبت الثورة ال�صناعية وح�سب‪ ،‬بل تقت�ضي العودة �إىل اجلذور اال�ستعمارية الأوىل‬ ‫التي تط ّلع فيها الغرب نحو �سوريا بدءاً من القرن احلادي ع�شر‪ .‬ولذلك ثمة ثالثة عوامل‬ ‫رئي�سة �أدت �إىل اتفاقية �سايك�س بيكو‪ ،‬متثلت بن�شوء اال�ستعمار الغربي‪ ،‬و�ضعف ال�سلطنة‬ ‫العثمانية‪ ،‬والكراهية امل�سيحية ‪ -‬اليهودية يف اوروبا‪.‬‬ ‫�أوالً‪ :‬اال�ستعمار الغربي للوطن ال�سوري‪:‬‬

‫�إن الإمرباطوريات التي قامت يف الع�صور القدمية من فار�سية ويونانية ورومانية وعربية وغريها‪،‬‬ ‫مل تكن يف املا�ضي دو ًال ا�ستعمارية بقدر ما هي دول �أرادت ن�شر ثقافتها‪� ،‬سواء �أكانت دينية‬ ‫�أو غري ذلك‪ .‬ولكن ما حدث يف الع�صور الو�سطى من ا�ستعمار غربي فقد كان حتو ًال خطرياً‬ ‫على م�ستقبل الب�شرية جمعاء‪.‬‬ ‫احلروب ال�صليبية‪.‬‬

‫لعل احلروب ال�صليبية التي بد�أت حملتها الفعلية على �سورية عام ‪ 1095‬م‪ .‬لت�ستمر على‬ ‫مدى �أكرث من قرنني عرب حمالت متكررة‪� ،‬أول احلروب اال�ستعمارية الغربية نحو �سوريا التي‬ ‫جتاوزت منطق تو�سع حدود الدول وفق تعاظم قوتها‪ ،‬لكونها عربت دو ًال عديدة‪ ،‬لي�س لت�ضم‬ ‫ما حتتله من �سوريا �إىل �أرا�ضيها بل لإقامة دول يف مناطق االحتالل لت�ستوطنها وت�ستقر بها‪،‬‬ ‫لوال املقاومة التي واجهتها وفر�ضت عليها االن�سحاب والرحيل �إىل بلدانها الأوروبية‪.‬‬ ‫وهذه م�س�ألة تاريخية مل يغفل الباحثون اجلدد ت�شخي�صها‪� ،‬أمثال‪ :‬د‪ .‬قا�سم عبده قا�سم‪ ،‬الذي‬ ‫بحث يف ماهية احلروب ال�صليبية حيث يقول “�إن �أحداً ال ي�ستطيع �أن يغ�ض النظر عن حقيقة �أن‬ ‫‪109‬‬


‫احلمالت ال�صليبية �ضد ال�شرق العربي كانت �أول امل�شروعات اال�ستعمارية الأوروبية من ناحية‪،‬‬ ‫و�إنها كانت “ال�سابقة” �أو “التجربة” التي �سبقت مرحلة اال�ستعمار احلديث من ناحية ثانية‪،‬‬ ‫ف�ض ًال عن �أنها كانت �إلهاماً للتجربة ال�صهيونية ذات الأهداف اال�ستيطانية من جهة ثالثة(‪.)1‬‬ ‫وبهذا املعنى يقول د‪ .‬جمال حمدان يف احلروب ال�صليبية‪� :‬إنها “يف ر�أي ال�سواد الأعظم‬ ‫من امل�ؤرخني‪ ،‬كانت حرباً ا�ستعمارية‪ ،‬ا�ستعماراً �سيا�سياً ًواقت�صادياً ال �شبهة فيه �إال �شبهة قناع‬ ‫يعدها بع�ض كتاب الغرب �أول حركة ا�ستعمارية كربى قام بها الغرب يف الع�صور‬ ‫الدين‪ ،‬بل ّ‬ ‫الو�سطى‪ ،‬ولعلها يف احلقيقة حلقة الو�صل ومرحلة االنتقال من اال�ستعمار اجلزئي القدمي‬ ‫الذي با�شرته �أثينا وروما‪ ،‬وبني اال�ستعمار احلديث الذي �ستخرج �إليه �أوروبا يف امل�ستقبل‪.‬‬ ‫وهي يف احلالتني لي�ست – ا�سرتاتيجياً ‪� -‬إال مظهراً من مظاهر ال�صراع بني القوى البحرية‬ ‫الغربية وبني املناطق البيئية يف العامل القدمي‪ ،‬وعلى هذا الأ�سا�س ننظر �إليها”(‪.)2‬‬ ‫‪- 2‬نتائج احلروب ال�صليبية على ال�شعب ال�سوري‪.‬‬

‫كان للحروب ال�صليبية على �سورية نتائج عديدة على خمتلف الأ�صعدة ال�سيا�سية‬ ‫واالجتماعية واالقت�صادية‪.‬‬ ‫�أ – الت�أثريات ال�سيا�سية واالجتماعية‪.‬‬

‫بعد جناح ال�صليبيني ب�إقامة ممالكهم و�إماراتهم الثالث يف القد�س‪ ،‬و�إنطاكية‪ ،‬والرها‪ ،‬وطرابل�س‪،‬‬ ‫دبت املنازعات ال�سيا�سية بني القوى املحلية مما �أفرز نتائج خطرية وخل ًال اجتماعياً كبرياً‪ ،‬فربز‬ ‫قطع الطرق والل�صو�صية يف �أكرث من مكان(‪.)3‬‬ ‫�أما على ال�صعيد القيمي والأخالقي‪ ،‬فقد دب ال�شعور بالعجز و�شاعت روح التقوى ال�سلبية‪،‬‬ ‫والتدين العاطفي الهروبي‪ ،‬معرباً عن نف�سه بانت�شار الطرق ال�صوفية والدراوي�ش‪ ،‬مما �أدى �إىل‬ ‫ا�ستغالل قادة املماليك للمت�صوفة يف تزعيم �سلطانهم والرتويج لأ�شخا�صهم عند عامة النا�س‪.‬‬ ‫ب – الت�أثريات االقت�صادية‪.‬‬

‫�أما على ال�صعيد االقت�صادي ال �سيما يف املجال التجاري‪ ،‬فقد تبدل امليزان التجاري مل�صلحة‬ ‫‪ -1‬قا�سم‪ ،‬قا�سم عبده‪ .‬ماهية احلروب ال�صليبية‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬عدد ‪ ،149‬الكويت ‪� ،1990‬ص‪.11 .‬‬ ‫‪ -2‬حمدان‪ ،‬جمال‪ .‬ا�سرتاتيجية اال�ستعمار والتحرير‪ ،‬دار ال�شروق‪ ،‬بريوت ‪� ،1983‬ص‪.33 .‬‬ ‫‪ -3‬بن منقذ‪ ،‬ا�سامة‪ ،‬كتاب االعتبار‪� ،‬ص‪�.‬ص‪.153-154 .‬‬ ‫‪110‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫الغرب‪ ،‬نتيجة ال�سيطرة ال�صليبية على كل املوانئ البحرية على ال�ساحل ال�شرقي للبحر‬ ‫املتو�سط التي �أ�صبحت حتت �سيطرة �أوروبا ودام ذلك حتى عام ‪ 1187‬عندما ا�ستطاع �صالح‬ ‫الدين الأيوبي من ا�سرتداد معظم مدن ال�ساحل‪ ،‬بيد �أن موانئ عكا بقيت حتت �سيطرة‬ ‫ال�صليبيني حتى عام ‪.)1( 1291‬‬ ‫تركت احلروب ال�صليبية يف ذاكرة ال�سوريني �أثراً �سيئاً‪ ،‬لي�س جلهة �سفك الدماء والتخريب‬ ‫خالل فرتة احلروب ال�صليبية وح�سب‪ ،‬بل ما �أحدثته من تخلف يف الواقع الفكري لدى‬ ‫ال�شعب ال�سوري‪ .‬لكون احلروب ال�صليبية حدثت يف القرن نف�سه الذي �صدرت فيه الوثيقة‬ ‫القادرية وما تالها من حترمي التفكري يف العام ‪ 1017‬م‪ .‬فك ّر�ست احلروب ال�صليبية التجهيل‬ ‫حتى غدت الأمة يف الع�صر العثماين ج�سداً بال روح‪.‬‬ ‫�أما ما تركته احلروب ال�صليبية يف الذاكرة الأوروبية ك�إجناز تاريخي‪ ،‬فقد عرب عنه “دوبرن”‬ ‫بالقول‪�“ :‬أما يف ما يتعلق بالإجناز التاريخي‪ ،‬فهو يتمظهر يف �صورة جماعية م�أخوذة من‬ ‫التاريخ املقد�س‪ :‬ف�إذا كان من �ش�أن كل من ن�ضال داود �ضد “جليات” وم�آثر “املكابيني”‬ ‫�أن يك ّر�س منوذجاً للمعارك اخلا�صة باحلرب املقد�سة‪ ،‬ف�إن �صورة هجرة اليهود �إىل �أر�ض امليعاد‪،‬‬ ‫والإجناز العجائبي املتمثل يف اجتياز البحر الأحمر‪ ،‬يلقيان ال�ضوء على احلج كما على احلملة‬ ‫ال�صليبية على حد �سواء‪ .‬فتجعل من احلج االعتيادي التقليدي حجاً‪ ،‬فريداً‪� ،‬أي حجاً ذا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫تاريخ مقد�س‪.‬‬ ‫مل تنته احلروب ال�صليبية حتى تع ّر�ضت �سوريا للغزو املغويل الذي احتل العراق و�أقام‬ ‫حكمه فيه ‪1258‬م‪ .‬ولكنه ف�شل يف ال�سيطرة على بالد ال�شام بف�ضل هزميته �أمام املماليك‬ ‫يف معركة عني جالوت عام ‪1260‬م‪ ،‬ثم عاود التتار وخ ّربوا املدن ال�شامية خالل العامني‬ ‫‪ 1401 - 1400‬م‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تط ّور �أوروبا‪:‬‬

‫بالرغم من ابتالء �أوروبا الغربية يف ع�صورها الو�سطى ب�أزمات عديدة‪ ،‬متثلت باحلروب بني ممالكهاـ‬ ‫وبانق�ساماتها الروحية التي �أفرزت حماكم التفتي�ش‪ .‬ولكنها كانت يف �سياقها العام تتجه نحو‬ ‫‪ -1‬قا�سم‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.216 .‬‬ ‫‪croisades et peleringes, images et langage,callinard. paris.1987. Alphonse‬‬ ‫‪dupront. au Sacre‬‬ ‫يف قرم‪ ،‬جورج ‪ .‬تاريخ �أوروبا وبناء �أ�سطورة الغرب‪ ،‬ترجمة رىل ذبيان‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بريوت ‪� ،2011‬ص‪�.‬ص‪.91 - 90 .‬‬ ‫‪111‬‬


‫التطور على خمتلف الأ�صعدة‪ ،‬بدءاً من ع�صر النه�ضة الإيطالية (‪ )1( ) Rinasesmento‬الذي‬ ‫انت�شر يف معظم �أنحاء �أوروبا غرباً و�شما ًال (من القرن الرابع ع�شر �إىل ال�سابع)‪ .‬كان من مظاهره‪:‬‬ ‫انحالل الإقطاع‪ ،‬ظهور الدولة احلديثة‪ ،‬و�إحياء الدرا�سات القدمية‪ .‬ومن خ�صائ�صه‪ :‬املذهب‬ ‫الإن�ساين‪ ،‬والفن‪ ،‬والعلوم‪ ،‬والدين‪ ،‬والوعي الذاتي(‪� ،)2‬إىل الك�شوف اجلغرافية الربتغالية التي‬ ‫ترافقت معها القرن الرابع ع�شر حيت ّمت اكت�شاف ر�أ�س الرجاء ال�صالح والو�صول �إىل الهند‪،‬‬ ‫ثم اكت�شاف القارة الأمريكية على يد كري�ستوفر كولومب�س‪ ،‬واكت�شاف ا�سرتاليا‪ ،‬ثم ت�أ�سي�س‬ ‫الربيطانيني دولة تابعة لهم اعتباراً من عام ‪.1803‬‬ ‫و�أهم نقلة نوعية يف عملية التطور الأوروبي بد�أت عام ‪ 1707‬بف�ضل اخرتاع الآلة البخارية‬ ‫وا�ستخدام الآلة يف ال�صناعة‪ ،‬التي ترافقت مع حتوالت �سيا�سية واجتماعية قلبت احلياة ر�أ�ساً‬ ‫على عقب‪ ،‬مما �أدى �إىل زوال طبقة الأقنان ّ‬ ‫لتحل حملها طبقت الربوليتاريا‪.‬‬ ‫وكان من �أبرز نتائج الثورة ال�صناعية زيادة الإنتاج‪ ،‬الذي دفع بدوره احلكومات الر�أ�سمالية‬ ‫�إىل البحث عن م�ستعمرات جديدة لت�صريف الإنتاج وت�أمني �أ�سواق له‪ .‬وبالرغم من هذه‬ ‫التطورات التي عادت على �أوروبا بال�سلطة واملال الوفريين‪ ،‬بقيت �أوروبا عاجزة عن معاجلة‬ ‫الكراهية بني اليهود وامل�سيحيني‪ .‬وما كان ينتج عنها من تداعيات م�أ�ساوية‪.‬‬ ‫املوجات اال�ستعمارية على العامل العربي‪.‬‬

‫تع ّر�ض العامل العربي ملوجات ا�ستعمارية غربية‪ ،‬بعد الثورة ال�صناعية‪ ،‬بد�أت بغزو فرن�سي‬ ‫مل�صر عام ‪ 1797‬بقيادة نابليون‪ ،‬وملا مل تكن م�صر‪ ،‬بالن�سبة للغزاة‪ ،‬الهدف وح�سب‪ ،‬حتركت‬ ‫جيو�شهم عرب فل�سطني‪ ،‬فاحتلوا �سينا وغزة ويافا عام ‪1799‬م م�ستهدفني �سوريا كلها‪ ،‬ولكن‬ ‫حملتهم هزمت �أمام �أ�سوار عكا بعد ح�صارها ملدة �شهرين متتاليني‪ ،‬وكانت هزميتهم ب�سبب‬ ‫�صمود العثمانيني املحا�صرين باملدينة بقيادة احمد با�شا اجلزار من جهة‪ ،‬وتف�شي الطاعون يف‬ ‫�صفوف جي�شهم من جهة �أخرى(‪ ،)3‬وهزميتهم �أمام الربيطانيني‪ ،‬الذين �أجربوهم على اخلروج‬ ‫(‪)4‬‬ ‫من م�صر عام ‪1801‬م‪.‬‬ ‫‪1- online etymology dictionary ‘Renaisance”. Eymomline,com‬‬ ‫‪ -2‬راجع‪https://ar.wikipedia.org/wiki .‬‬ ‫‪ -3‬قدورة‪ ،‬زاهية‪ ،‬تاريخ العرب احلديث‪ ،‬دار النه�ضة العربية‪ ،‬بريوت‪� ،1985 ،‬ص‪.335 .‬‬ ‫‪ -4‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪�.‬ص‪. 337 - 336 .‬‬ ‫‪112‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫بالرغم من ف�شل احلملة الع�سكرية على م�صر‪ ،‬عادت فرن�سا واحتلت اجلزائر عام (‪ 1830‬م)‪،‬‬ ‫لتكون حمطة انطالق �إىل واليات املغرب الأخرى‪ ،‬مبتدئ ًة بذلك املرحلة الأوىل من اال�ستعمار‬ ‫الغربي للعامل العربي‪ .‬ثم �أعقبها اال�ستعمار الربيطاين يف عدن ‪1893‬م لتكون حمطة انطالق‬ ‫على طول ال�ساحل اجلنوبي وال�شرقي للجزيرة العربية حتى �سيطر عليها و�صو ًال �إىل الكويت‬ ‫�شما ًال قبل نهاية القرن التا�سع ع�شر‪ .‬ثم كانت املوجة الثانية يف ثمانينيات القرن التا�سع ع�شر‪،‬‬ ‫حيث �أخذ النفوذ الفرن�سي يتمدد من اجلزائر باجتاه تون�س عام ‪1981‬م‪ ،‬فيما احتلت م�صر‬ ‫بريطانيا عام ‪1982‬م‪ ،‬ثم ال�سودان عام ‪1899‬م‪ ،‬وكانت املوجة الثالثة يف العقد الثاين من‬ ‫القرن الع�شرين قبيل و�أثناء احلرب العاملية الأوىل‪ ،‬فبد�أت �إيطاليا باحتالل ليبيا عام ‪،1912‬‬ ‫فيما اجتهت فرن�سا من اجلزائر نحو مراك�ش يف ظل مناف�سة ا�سبانية حتى انفردت فيها فرن�سا‬ ‫عام ‪ .1914‬وكانت هذه املوجة الأ�شد خطراً على الهالل اخل�صيب‪ ،‬حيث �سقط العراق وبالد‬ ‫ال�شام دفعة واحدة بيد الفرن�سيني واالنكليز ‪.1918 - 1917‬‬ ‫ثانيا ً‪� :‬ضعف الدولة العثمانية‪:‬‬

‫بلغت الدولة العثمانية يف عهد ال�سلطان �سليمان الأول القانوين (‪1566 - 1522‬م) الذروة يف‬ ‫والتو�سع‪ ،‬فمن ناحية �أوروبا مت اال�ستيالء على البحر‪ ،‬حيث �أ�صبحت عا�صمة النم�سا حتت‬ ‫القوة ّ‬ ‫اخلطر العثماين‪ ،‬ومن ال�شرق مت فتح بغداد ‪ 1543‬م‪ .‬ومن اجلانب الأفريقي مت اال�ستيالء على‬ ‫�إقليمي اجلزائر وتون�س ‪1538‬م‪ ،‬ويف اجلزيرة العربية مت اال�ستيالء على عدن ‪1538‬م‪ .‬ومل يحدث‬ ‫�أي تو�سع للدولة العثمانية يف العهود الالحقة با�ستثناء ال�سيطرة على جزيرة قرب�ص عام ‪.)1(1570‬‬ ‫‪- 1‬الهزائم الع�سكرية‪.‬‬

‫وقفت الإمرباطورية العثمانية يف مواجهة ثالثة �أعداء �أ�شداء‪ ،‬ففي الغرب النم�سا التي ت�ستند‬ ‫�إىل عمق �أوروبي فرن�سي ‪� -‬أملاين‪ ،‬ويف ال�شرق الأوروبي �إمرباطورية رو�سيا التي تتو�سع ب ّراً‪،‬‬ ‫والإمرباطورية الفار�سية يف اجلنوب ال�شرقي‪ .‬يف ظل �سالطني �ضعفاء مل يخرجوا للقتال‬ ‫ب�أنف�سهم بل ا�ستعا�ضوا بذلك على قادة اجليو�ش‪.‬‬ ‫يف عهد ال�سلطان �أحمد الأول (‪ )1617 - 1603‬انت�صر الفر�س بقيادة ال�شاه عبا�س على‬ ‫العثمانيني وانتزعوا من العثمانيني تربيز ووان بالقوة‪ ،‬وبغداد �صلحاً وذلك عام ‪1612‬م(‪.)2‬‬ ‫وبعد �سل�سلة من احلروب ويف عهد قي�صر رو�سيا بطر�س الأكرب‪ ،‬ا�ضطرت الدولة العثمانية‬ ‫‪ -1‬املحامي‪ ،‬حممد فريدريك‪ ،‬تاريخ الدولة العلية العثمانية‪ ،‬دار النقا�ش‪ ،‬بريوت‪� ،1988 ،‬ص‪�.‬ص‪.224 – 198 .‬‬ ‫‪ -2‬املحامي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.272 .‬‬ ‫‪113‬‬


‫التي خ�سرت احلرب �أمام الرو�س عام ‪ ،1764‬والتي �أ�صبحت خزانتها خاوية ب�سبب احلروب‪،‬‬ ‫�أن تدفع غرامة مالية لرو�سيا مبوجب معاهدة يف عهد ال�سلطان عبد احلميد الأول عام ‪1774‬‬ ‫بلغت ‪� 154‬ألف كي�س يدفع على ثالثة �أق�ساط يف �أول يناير من ال�سنوات ‪ 1775‬و ‪1776‬‬ ‫و‪.)1(1777‬‬ ‫ف�أ�سباب �ضعف الدولة العثمانية‪ ،‬فيها ما هو ذاتي‪ ،‬يتعلق بطبيعة الدولة الإقطاعية الع�سكرية‪،‬‬ ‫التي كان من ال�صعب تطويرها بحكم �أنها دولة دينية‪ .‬و�أ�سباب خارجية ال تقل �أهمية عن‬ ‫الأوىل‪ ،‬تتعلق بظهور النم�سا ورو�سيا دولتني حديثتني مهاجمتني متو�سعتني‪ ،‬وقد عدت‬ ‫هاتان الدولتان يف حالة حرب ال تنقطع مع الدولة العثمانية حتى ا�ستنفدت الدولة العثمانية‬ ‫حيويتها وقوتها(‪ .)2‬فعندما و�صلت �إىل عام ‪ 1875‬كانت قد �أعلنت �إفال�سها املايل‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الأو�ضاع االقت�صادية – االجتماعية يف الهالل اخل�صيب ‪:1914 - 1830‬‬

‫�شهد القرن التا�سع ع�شر �أزمات اقت�صادية واجتماعية حادة يف ال�سلطنة العثمانية بلغت ذروتها‬ ‫عندما �أعلنت الدولة العثمانية �إفال�سها عام ‪ 1875‬ب�سبب �سيطرة الر�أ�سمال الأوروبي‪ ،‬يف‬ ‫املوا�صالت والبنوك ويف الديون العامة‪ ،‬مما �أدى �إىل تدخل الدول الأوروبية عن طريق هيئات‬ ‫الديون الغربية وتوجيه املوارد املالية يف �صالح القرو�ض املالية(‪ .)3‬وكان ال بد �أن ي�شمل هذا‬ ‫الو�ضع امل�شرق العربي‪ ،‬ال�سيما �أن تغيريات كبرية �أخذت تت�سم بالطابع العاملي يف جمايل‬ ‫الإنتاج والتجارة‪� ،‬إذ اندمج «ال�شرق الأو�سط» يف النظام الدويل للتجارة والنقل على فرتات‬ ‫زمنية خمتلفة‪ ،‬حيث ُفتحت طرق جديدة‪ ،‬خ�صو�صاً قناة ال�سوي�س‪ ،‬و�أعيد ا�ستخدام طرق‬ ‫قدمية مثل طريق «تربيز طرابزون»‪ .‬فعملت على �سحب التجارة من مناطق تابعة لل�سلطنة‬ ‫أرا�ض خارجها‪ ،‬و�أُن�شئت موانئ الإ�سكندرية وبريوت و�أزمري‪ ،‬فجلب‬ ‫العثمانية وتوجيهها عرب � ٍ‬ ‫ذلك حركة النقل البحري التي كانت مبعرثة بني املوانئ ال�صغرية‪ .‬ويف مناطق �أخرى‬ ‫حلت ال�سكك احلديدية حمل قوافل امل�شاة لتحقق مزيداً من تركيز التجارة وتلبية الأ�سواق‬ ‫الأوروبية‪ ،‬و�أدخلت حما�صيل جديدة‪ ،‬ومت التو�سع يف �إنتاج املحا�صيل القدمية امل�ستخدمة يف‬ ‫ال�صناعة‪ ،‬مثل القطن امل�صري‪ ،‬والتبغ الرتكي‪ ،‬والأفيون الإيراين‪ .‬وو�سعت البنوك احلديثة‬ ‫‪ -1‬املرجع ال�سابق نف�سه‪� ،‬ص‪�.‬ص‪.342 – 341 .‬‬ ‫‪ -2‬عمر‪ ،‬عبد العزيز‪ ،‬تاريخ �أوروبا احلديث واملعا�صر (‪ ،)1919 - 1815‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬م�صر‪� ،2000 ،‬ص‪.97 .‬‬ ‫‪� -3‬شارل عي�ساوي‪ .‬التاريخ االقت�صادي للهالل اخل�صيب ‪ ،1914 - 1800‬مركز درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‬ ‫‪� ،1990‬ص‪.25 .‬‬ ‫‪114‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫�أعمالها على ح�ساب ال�صيارفة التقليديني‪ ،‬وناف�ست امل�صنوعات الأوروبية احلديثة منتجات‬ ‫ال�شرق الأو�سط اليدوية‪ ،‬وق�ضت على الكثري من احلرفيني(‪.)1‬‬ ‫واجهت بالد ال�شام ركوداً اقت�صادياً فيما بني الن�صف الثاين من القرن الثامن ع�شر والن�صف‬ ‫الأول من القرن التا�سع ع�شر‪� ،‬إذ ارتفعت الأ�سعار وقلت قيمة �صادرات �سورية الطبيعية �إىل‬ ‫بريطانيا ب�شكل حاد وتراجعت التجارة الفرن�سية التي كانت �أكرب حجما (‪ .)2‬ويف عام ‪1847‬‬ ‫ذكر القن�صل الفرن�سي يف تقريره‪� ،‬أن قبيلة عنزة �أغارت على مدينة حلب و�صدها ال�سكان‬ ‫بعدما دمرت حقول ال�شعري والقمح ( ‪.)3‬‬ ‫امتد ما بني ‪ ،1840 - 1831‬حاول �إيقاف‬ ‫ولي�س خافياً‪� ،‬أن احلكم امل�صري ل�سورية الذي ّ‬ ‫التدهور االقت�صادي عن طريق التو�سع يف الزراعة وزيادة التجارة‪ ،‬ولكن االن�سحاب امل�صري‬ ‫عقبه تدهور حيث �أبعدت املناف�سة الأوروبية لكثري من ال�صناع عن �صناعتهم واحلرفيني عن‬ ‫حرفهم(‪.)4‬‬ ‫ويف ال�سبعينيات من القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬ح�صل قحط يف دم�شق عام ‪ 1878‬ويف حلب‬ ‫عام ‪ ،1880‬وكانت امل�صنوعات احلرفية والتجارة اخلارجية م�ستمرتني‪ .‬واجته ر�أ�س املال‬ ‫الأجنبي الفرن�سي �إىل اال�ستثمار يف ال�سكك احلديدية‪ ،‬وكانت الهجرة �إىل �أمريكا �سمة‬ ‫الفرتة‪ .‬فنتج عنها تدفق التحويالت النقدية التي �أ�سهمت يف زيادة موازنة املدفوعات‪،‬‬ ‫وجاءت التحويالت للنقد الأجنبي مر�سلة كنفقات للإر�ساليات الأجنبية‪ ،‬ف�ض ًال عن‬ ‫عائدات ال�سياحة(‪.)5‬‬ ‫ويف الن�صف الثاين من القرن التا�سع ع�شر ظهرت فل�سطني ك�أول منطقة ا�ستعادت‬ ‫ن�شاطها االقت�صادي‪ ،‬ففي عام ‪� 1851‬أو�ضح القن�صل الربيطاين يف القد�س �إىل التح�سن‬ ‫فيها‪ ،‬م�شرياً �إىل الزيادة الكبرية يف املوارد املالية التي جمعت خالل ال�سنوات الأخرية‬ ‫ب�سبب ات�ساع نطاق الزراعة وزيادة التجارة يف يافا‪ ،‬و�إعادة بناء القرى وب�سبب الأموال‬ ‫‪ -1‬عي�ساوي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.35 .‬‬

‫‪2- Own, Roger. The Middle East in the World Economy, London: Methuen,‬‬ ‫)‪1981. Chaps. 1-3 ,6-7, and 10-12 (listes‬‬ ‫‪3- France Archives du Ministère des Affaires étrangères, correspondance ,‬‬‫‪commerciale, “Geoffroy to Gguiz May1847” Alep), vol.31‬‬ ‫‪ -4‬عي�ساوي‪ .‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.43 .‬‬ ‫‪ -5‬عي�ساوي‪ .‬مرجع �سابق‪� ،،‬ص‪�.‬ص‪.47 - 46 .‬‬ ‫‪115‬‬


‫التي �صرفت من �أجل بناء الأديرة‪ ،‬وتزايد الزوار الأوروبيني والأمريكيني القادمني �إىل‬ ‫فل�سطني( ‪.) 1‬‬ ‫ويف املرحلة الزمنية نف�سها كانت بريوت تزدهر ب�سرعة‪� ،‬إذ ذكر القن�صل الفرن�سي عام ‪� 1847‬أن‬ ‫الأموال يف لبنان �آخذة بالتح�سن‪ ،‬والإقطاع �آخذ بتفكك م�ستمر ب�سب رف�ضه للإ�صالحات‬ ‫الإدارية التي قام بها �إبراهيم با�شا وما نتج عنها من نزاعات م�سلحة �أثناء غزوه لبالد ال�شام‪،‬‬ ‫وبعد امل�صادمات الطائفية و�إقامة النظام اخلا�ص مبت�صرفية جبل لبنان عام ‪ 1861‬و�إعفائه من‬ ‫ال�ضرائب تزايد الرخاء االقت�صادي( ‪.)2‬‬ ‫�أما الالذقية فقد ا�ستمرت على تخلفها‪ ،‬وقد تناولها تقرير بريطاين لعام ‪ 1874‬مف�ص ًال الزراعة‬ ‫املحدودة يف ال�سهول‪ ،‬و�سوء حالة الطرق واجل�سور‪ ،‬وتدين م�ستوى معي�شة القرويني وغلبة‬ ‫الأ ّمية عليهم‪ ،‬وي�ضيف «�إن تناق�ص عدد ال�سكان يف هذه اجلبال وال�سهول قد مت تدريجيا‬ ‫خالل القرون القليلة الأخرية‪� ،‬إذ نزح املحا�صرون �إىل �أ�ضنه و�أ�ضرت ال�ضرائب بزراعة التبغ‬ ‫وازدادت جتارة الالذقية نق�صاً»(‪.)3‬‬ ‫تقدمت يف �أواخر القرن التا�سع ع�شر ومطلع القرن‬ ‫ون�ستطيع القول �إن �سورية‪ ،‬الطبيعية‪ّ ،‬‬ ‫الع�شرين‪ ،‬نتيجة للتطورات املذكورة‪ ،‬تقدماً ملحوظاً بحيث فاق التطور يف �سورية نظريه يف‬ ‫العراق(‪.)4‬‬ ‫و�شهد العراق يف الن�صف الثاين من القرن التا�سع ع�شر �إ�صالحات خالل حكم نامق با�شا‬ ‫(‪� )1868 - 1861‬إذ دفع الرواتب املت�أخرة للجنود‪ ،‬و�أوقف اختال�سات الع�سكر‪ ،‬وحقق‬ ‫فائ�ضاً يف املوارد املالية‪ّ .‬‬ ‫ولعل مدحت با�شا ‪ 1872 - 1869‬كان �أعظم امل�صلحني العثمانيني‬ ‫يف القرن التا�سع ع�شر وقد ّ‬ ‫غطى ن�شاطه الكثري من مظاهر احلكم واالقت�صاد واملجتمع(‪.)5‬‬ ‫وبعد افتتاح قناة ال�سوي�س عام ‪ ،1869‬دخل العراق مرحلة جديدة ب�سبب ت�أثره بافتتاح‬ ‫الطريق التجاري اجلديد‪ ،‬الذي �أ�صبح يف متناول ال�سفن القادمة من �أوروبا‪ ،‬فازداد حجم‬ ‫التجارة اخلارجية زيادة كبرية‪ ،‬و�ساعدت زيادة الطلب اخلارجي على الغالل العراقية ومتره‬ ‫‪1-Great Britain, Public Record office, Foreign office "Finn to canning”, 7‬‬ ‫‪November 1851 (FO 78/874.‬‬ ‫‪2 -France. Archives du Ministère des Affaires Etrangères, correspondance‬‬ ‫‪commerciale, (vol,5) p. 364‬‬ ‫‪3Great Britain, Accounts and Papers 1875, vol.75, Beirut, PP 372-383.‬‬ ‫‪ -4‬عي�ساوي‪ .‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.47 .‬‬ ‫‪ -5‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.50 .‬‬ ‫‪116‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫على التو�سع بالزراعة وا�ستقرار البدو‪.‬‬ ‫ويف مطلع القرن الع�شرين‪ ،‬ازداد التقدم يف العراق ازدياداً ملحوظاً‪ ،‬وتزايد اهتمام احلكومة‬ ‫العثمانية �أكرث بالتنمية‪ ،‬وتوافرت لديها موارد مالية كافية بعد زيادة الفوائد اجلمركية عام‬ ‫‪ 1907‬واجتذب العراق الأملان لي�صبح خمرجاً خلط حديد برلني ‪ -‬بغداد‪ ،‬وليتخذ منها‬ ‫م�صدراً لإمداد برلني بالقطن والنفط‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من الو�ضع الأف�ضل يف العراق ن�سبياً‪ ،‬فهذا ال يعني �أن احلياة االقت�صادية –‬ ‫تتح�سن جوهرياً‪� ،‬إمنا كانت عر�ضة لال�ضطراب والرتدي �أمام �أي حدث‬ ‫االجتماعية كانت ّ‬ ‫�أو هزة‪.‬‬ ‫كان للأو�ضاع االقت�صادية امل�ضطربة يف بالد ال�شام والعراق انعكا�ساتها على النمو ال�سكاين‬ ‫�إذ بلغ عدد ال�سكان عام ‪ 1814‬حوايل ‪ 7,5‬ماليني ن�سمة‪ ،‬وا�ستمر النمو ال�سكاين بطيئاً‪،‬‬ ‫فكانت ن�سبته بني الأعوام ‪ 1914 - 1867‬حوايل ‪ 1,3‬باملئة �سنوياً فقط‪.‬‬ ‫ولعل ال�سبب يف بطء النمو ال�سكاين يعود �إىل تكرار املجاعات العامة التي ح�صلت يف‬ ‫العراق بني الأعوام ‪ 1689‬و‪ ،1878‬والأوبئة مثل الطاعون والكولريا التي �أ�صابت ال�سكان‬ ‫يف كل من العراق و�سورية‪ ،‬ف�ض ًال عن ال�صراعات الطائفية التي كانت توقف عملية االقت�صاد‬ ‫وتد ّمر القرى واملدن كما يف الأعوام ‪ 1840 - 1831‬ناهيك عن الهجرة من خمتلف املناطق‬ ‫ال�سورية �إىل �أمريكا(‪.)1‬‬ ‫كان م�ستوى التعليم يف �سورية والعراق منخف�ضاً جداً‪� ،‬إذ �إن املدار�س املتاحة للم�سلمني‬ ‫كانت مدار�س دينية تقت�صر على تعليم الأطفال قراءة القر�آن‪ ،‬وميكن التعبري عن احلالة‬ ‫التعليمية مبا ورد على ل�سان �أحد رجال الدين الأمريكيني �إذ قال‪ :‬ال يوجد �أي مدر�سة يف‬ ‫فل�سطني‪ ،‬فيما عدا مدار�س الإر�سالية الربوت�ستانتية (‪.)2‬‬ ‫هذا الواقع التعليمي ال�سيئ‪ ،‬على الرغم من �إقدام احلكومة العثمانية على بذل ن�شاط ملحوظ‬ ‫يف التعليم العام ب�صدور قانون التعليم ‪ ،)3(1869‬هو �أحد الأ�سباب الرئي�سة التي ا�ستقدمت‬ ‫‪ -1‬عي�ساوي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪�.‬ص‪.59 - 56 .‬‬

‫‪2-Bowrin, John: Report on the Commercial Statistics of Syria Addressed to‬‬ ‫‪lord Viscount Palmerston. New york : (n. pb.), 1972, pp 107-108 .‬‬ ‫‪3-Shaw, Stanford Jay, and Ezel Shaw: History of the Ottoman Empire and‬‬ ‫‪Modern Turkey, 2 vols. Cambridge Mass: Cambridge University Press),‬‬ ‫‪1977 vol.2, pp 111- 113 and 249-252.‬‬ ‫‪117‬‬


‫الإر�ساليات الأجنبية م�ستفيدة من االمتيازات التجارية وال�سيا�سية للأوروبيني لت�أتي �إىل‬ ‫�سورية حتت عناوين تعليمية‪ ،‬فكانت مدار�س الفرن�سي�سكان الإيطالية يف فل�سطني‪ ،‬والي�سوعية‬ ‫الفرن�سية يف لبنان ‪ 1831‬والراهبات الكاثوليكيات‪ ،‬ثم تبعهم الربوت�ستانت‪ ،‬فاملدار�س‬ ‫الأرثوذك�سية الرو�سية يف فل�سطني ثم لبنان و�سورية‪ ،‬ومل يقت�صر دور هذه الإر�ساليات على‬ ‫التعليم والتب�شري الديني‪ ،‬بل تعداه �إىل �أهداف �سيا�سية ذات �أبعاد خطرية متثلت بزرع ال�شك‬ ‫والريبة يف نفو�س امل�سلمني‪ ،‬ت�سبب ب�إثارة النزاع الطائفي و�إذكاء نار العداوة والبغ�ضاء بني‬ ‫ال�سكان(‪ .)1‬وكانت معظم الإر�ساليات التابعة للدول الكبرية ترى من واجبها تعزيز النفوذ‬ ‫ال�سيا�سي لبلدانها يف هذه املنطقة ورعاية م�صاحلها(‪ .)2‬فكان �أفراد الإر�ساليات يعملون بهمة‬ ‫ون�شاط بارزين لغر�س حمبة �أوطانهم يف نفو�س تالميذهم الذين يتعلمون يف مدار�سهم(‪.)3‬‬ ‫عمت فرن�سا موجة عاطفية تطالب ب�ضم �سورية الطبيعية �إىل‬ ‫وكان هذا االجتاه وا�ضحاً عندما ّ‬ ‫فرن�سا يوماً ما‪ ،‬معلنني للملأ ب�أن �سورية هي «فرن�سا ال�شرق»‪ .‬وعلى الرغم من رف�ض ال�سوريني‬ ‫قبول �سلطة فرن�سية عليهم‪ ،‬بلغ الغباء يف الر�أي العام الفرن�سي حداً من ت�صديق مقولة رغبة‬ ‫�سورية يف االن�ضمام �إىل فرن�سا �إبان احلرب ‪ 1918 - 1914‬ويف �أثناء انعقاد م�ؤمتر ال�صلح‬ ‫‪.)4(1919‬‬ ‫�إن التح�سن االقت�صادي الذي ح�صل يف البالد نتج عن تغلغل ر�ؤو�س �أموال �أجنبية و�إدخال‬ ‫�صناعات جديدة مد ّرة للربح مثل الن�سيج واحلرير والدخان‪ ،‬فتحولت الكثري من الزراعات‬ ‫�إىل مزروعات ت�ستخدم يف ال�صناعة‪ ،‬على �أن ال�صناعة الآلية التي �أدخلت �إىل البالد كانت‬ ‫حمدودة‪ ،‬ولهذا مل تخدم االقت�صاد �إ ّال �شك ًال‪ ،‬وارتبطت التغيريات االقت�صادية بتحوالت‬ ‫اجتماعية جديدة‪ ،‬حيث خلقت طبقة تابعة للر�أ�سمال الأجنبي‪ ،‬وحينها بد�أت الطبقة العمالية‬ ‫بالن�شوء‪ ،‬وبد�أت الهجرة من الريف �إىل املدينة‪ ،‬ونتيجة للتطورات ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫والثقافية التي ح�صلت يف القرن التا�سع ع�شر وقعت تغريات يف البنية االجتماعية‪� ،‬إذ كان‬ ‫لفر�ض النظام على م�ساحات وا�سعة يف بالد ال�شام والعراق‪ ،‬مما جعل الرقعة الزراعية �أكرث‬ ‫‪1 -Young, George: Nationalism and war in the near east, Oxford, 1915 vol. 2‬‬ ‫‪pp. 223- 229‬‬

‫‪ -2‬املنار‪ ،‬جملد ‪ ،17‬اجلزء الأول‪ 28 ،‬دي�سمرب‪/‬كانون �أول ‪� 1913‬ص‪�.‬ص‪.9 - 8 .‬‬

‫‪3-France. Archives du Ministères des Affaires Etrangères, correspondance‬‬ ‫‪commerciale, vol. 5, p. 346‬‬

‫‪ -4‬زين‪ ،‬زين نور الدين‪ :‬ال�صراع الدويل يف ال�شرق الأو�سط ووالدة دولتي �سورية ولبنان‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بريوت‪،1971 ،‬‬ ‫�ص‪.33 .‬‬ ‫‪118‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫ات�ساعاً فيهما‪ ،‬و�أ ّدى �إىل �سرعة ا�ستقرار البدو‪ .‬ومن ثم تناق�صت ن�سبة البدو الرحل �إىل جملة‬ ‫عدد ال�سكان تناق�صاً �شديداً‪� .‬إذ نق�صت ن�سبة البدو يف العراق من ‪ 35‬باملئة عام ‪� 1867‬إىل‬ ‫‪ 17‬باملئة عام ‪ ،1905‬وهناك �أرقام جتعل ن�سبتهم ‪ 7‬باملئة عام ‪.)1( 1930‬‬ ‫�شهدت �سورية‪ ،‬ثالثة تيارات من املهاجرين �إليها‪ :‬الأرمن‪ ،‬واجلراك�سة امل�سلمني‪ ،‬واليهود‪،‬‬ ‫فقد عا�ش عدد ال ب�أ�س به من الأرمن يف حلب قروناً عديدة وقد عملوا يف التجارة وال�صناعة‬ ‫وقدر عدد الأرمن فيها عام ‪ 1890‬ب�أربعة �آالف ن�سمة ويف الوالية قدر عددهم ‪48‬‬ ‫احلرفية‪ّ ،‬‬ ‫�ألف ن�سمة(‪ .)2‬وقدر عدد الأرمن يف بقية �أنحاء �سورية بـ ‪ 2500‬ن�سمة‪ ،‬وخالل �سنوات احلرب‬ ‫العاملية الثانية كان هناك ‪� 200‬ألف �أرمني يف �سورية ولبنان‪ ،‬و�أربعة �آالف يف فل�سطني(‪.) 3‬‬ ‫كان عدد اليهود يف فل�سطني حمدوداً �إذ قدر عام ‪ 1806‬ب�ألفني‪ ،‬ثم جتاوز عددهم الت�سعني �ألفاً‬ ‫بحلول عام ‪ ،)4(1914‬وهذه الزيادة ن�ش�أت بفعل الهجرة اليهودية ‪ -‬ال�صهيونية غري امل�شروعة‬ ‫�إىل فل�سطني من �أجل الهدف ال�صهيوين العدواين‪.‬‬ ‫ومن القفقا�س ورو�سيا والبلقان تدفق اجلراك�سة على الإمرباطورية العثمانية يف الأعوام‬ ‫‪ .1878 - 1876‬وقد قدر فار�س اخلوري املوظف يف القن�صلية الربيطانية يف دم�شق عدد‬ ‫العائالت اجلرك�سية يف والية ال�شام بـ ‪ 5540‬عائلة (ا�ستقروا يف القنيطرة وعمان) وكان‬ ‫تعدادهم نحو ثالثني �ألف ن�سمة‪ .‬وهناك ‪� 670‬أ�سرة �أخرى كانت يف حماة وعدد �أكرب يف‬ ‫والية حلب و�إقليم دير الزور( ‪.)5‬‬ ‫ثالثا ً‪ :‬الكراهية امل�سيحية ‪ -‬اليهودية‬

‫لقد اب ُتليت �أوروبا بكراهية عنيفة بني اليهود وامل�سيحيني لأ�سباب اقت�صادية بالدرجة الأوىل‪،‬‬ ‫وخالفات دينية كانت على الدوام عام ًال يف زيادة املناف�سات االقت�صادية و�ستاراً لها(‪.)6‬‬ ‫‪1-Issawi, Charles: The Economic History of the Middle East 18 00-1914‬‬‫‪Chicago,III:University of Chicagopress,1966,p.157‬‬ ‫‪2-Cuinet, vital: La Turquie d’Asie: Géographie administrative et Raisonnée de‬‬ ‫‪chaque Province de L’Asie Mineure, vol.2, pp114 and 164‬‬ ‫‪3-Hourani, Albert: Minorities in the Arab World, London: Oxford University‬‬ ‫‪Press Royal Institute of International Affairs, 1947, p.12.‬‬ ‫‪4 -Great Britain, Public Record Office, Foreign Office, Trotter, Report on‬‬ ‫)‪Visit10 August 1891 ( 195/1723‬‬ ‫‪5 -Great Britain, Public Record Office, Foreign Office, “Report” 618/3).‬‬ ‫‪ -6‬ديورينت ويل‪ ،‬ق�صة احل�ضارة‪ ،‬ترجمة حممد بدران‪ ،‬ع�صر الإميان‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬املجلد ‪ ،14‬بريوت ‪� ،1998‬ص‪.97 .‬‬ ‫‪119‬‬


‫‪ – 1‬الأ�سباب االقت�صادية‪.‬‬

‫�أما الأ�سباب االقت�صادية فتتمثل مبهنة اليهود للربا التي جعلت من املرابي عدم حب‬ ‫اجلماهري �أو ثقتها به‪ ،‬فاملتعاملون الأ�سا�سيون مع املرابني هم‪ :‬النبالء والإقطاعيون من مالك‬ ‫الأرا�ضي من جهة‪ ،‬واحلرفيون والفالحون من جهة �أخرى‪ .‬واملرابي و�إن كان �ضرورياً لكل‬ ‫هذه الطبقات فقد كان �أي�ضاً على عداء وتوتر م�ستمرين مع عنا�صرها الرئي�سية كافة‪ .‬وعلى‬ ‫حد قول مارك�س يف كتابه ر�أ�س املال ف�إن املرابي مل ِ‬ ‫يكتف بابتزاز فائ�ض العمل من �ضحيته‬ ‫بل كان ي�ستويل تدريجياً على �شروط عملها من عقار وم�سكن‪� ،...‬أي �أنه كان منهمكاً‬ ‫با�ستمرار يف نزع ملكيتها(‪.)1‬‬ ‫‪ – 2‬الأ�سباب الدينية‪.‬‬

‫�أما الأ�سباب الدينية فهي كثرية‪� ،‬أبرزها‪ :‬عدم �إميان اليهود ب�إلوهية امل�سيح‪ ،‬وهم �شعبه‪ ،‬وكان‬ ‫اليهود يفطرون عندما ي�صوم امل�سيحيون‪ ،‬وي�صوم �أولئك عندما يفطر ه�ؤالء‪ ،‬واليهود ي�ص ّلون‬ ‫يوم ال�سبت‪ ،‬فيما امل�سيحيون ي�صلون يوم الأحد‪ ،‬وكان اليهود يحتفلون بنجاتهم ال�سعيدة من‬ ‫(‪)2‬‬ ‫م�صر‪ ،‬عندما يحزن امل�سيحيون يوم اجلمعة التي مات فيه امل�سيح‪.‬‬ ‫من ناحية العقيدة الدينية عند اليهود‪ ،‬ف�إنهم يتم ّيزون ب�أن “املطلق” فيها ذاتي يف حني �أن‬ ‫املطلق فيها �شامل وعاملي‪ ،‬ويتخطى حدود الزمان واملكان‪ .‬ولذلك تكت�سب العقيدة اليهودية‬ ‫طابعاً قومياً متخلفاً في�صبح املقد�س املطلق هو الن�سبي‪ ،‬ليكون لهم لغتهم اخلا�صة‪ ،‬واعتقادهم‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ب�أنهم �ساللة نقية‪ ،‬مما �أ�سهم يف عزلتهم داخل الغيتو‪.‬‬ ‫واقع اليهود يف مهنة الربا الفاح�ش وعي�شهم يف الغيتوات املطلقة‪ ،‬و�شعورهم بالتميز عن �سائر‬ ‫الب�شر‪ .‬كل ذلك عر�ضهم لال�ضطهاد يف جميع �أنحاء �أوروبا مما ادى �إىل ن�شوء امل�س�ألة اليهودية‬ ‫يف �أوروبا بدءاً من القرن الثاين ع�شر(‪. )4‬‬ ‫لقد انربى يهود وم�سيحيون لإيجاد حل للم�س�ألة اليهودية‪ ،‬فكانت حركة التنوير التي هدفت‬ ‫�إىل حتقيق امل�ساواة بني اليهودي وغريه يف احلقوق والواجبات‪ .‬بيد �أن كل املحاوالت باءت‬ ‫‪ -1‬امل�سريي‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬الإيديولوجية ال�صهيونية‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬الكويت‪.1982 ،‬‬ ‫‪ -2‬ديورنت‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.80 .‬‬ ‫‪ -3‬امل�سريي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.33 .‬‬ ‫‪ -4‬امل�سريي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.43 .‬‬ ‫‪120‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫بالف�شل (‪ .)1‬وقد عرب عنها الأملاين ال�صهيوين مو�سى ه�س (‪ ،)1875 – 1812‬حيث يقول‪:‬‬ ‫“�إن حركة التنوير نادت بعدم الإميان بقوميتنا �أ�سا�ساً للدين اليهودي لكون الإ�صالحات‬ ‫املطروحة تدعو �إىل عدم االكرتاث باليهودية والتحول �إىل امل�سيحية”(‪.)2‬‬ ‫فكان �أن ظهر التيار ال�صهيوين حتت ت�أثري الكاتب بريتز لين�سكني ‪ )3(،1885 - 1842‬حيث‬ ‫ميكن تلخي�ص الفكرة ال�صهيونية بالبحث عن مكان �آمن لليهود ينقذهم من اال�ضطهاد الذي‬ ‫تعر�ضوا له يف �أوروبا‪.‬‬ ‫وعلى هذا الأ�سا�س كان تاريخ حملة بونابرت على م�صر وفل�سطني مرتافقاً مع عقد امل�ؤمتر‬ ‫ال�صهيوين الأول يف بازل يف العام نف�سه ‪ ،1798‬عندما خاطب بونابرت اليهود قائ ًال “�أنتم‬ ‫ورثة فل�سطني ال�شرعيني(‪ .)4‬يقول اليا�س �شوفانيك “املنعطف الكبري يف العمل ال�صهيوين‪،‬‬ ‫ال�صهيونية ال�سيا�سية ‪ -‬يف مطلع القرن الع�شرين‪ ،‬جاء تتويجاً مل�سار متدرج‪ ،‬امتد على طول‬‫القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬و�أخذ يت�صاعد بالتوازي مع ازدياد اهتمام الدول الأوروبية بـ”ال�شرق‬ ‫الأو�سط” وبالتايل‪ ،‬ت�صاعد نربة الدعوة �إىل قيام كيان يهودي يف فل�سطني‪ .‬عرب الهجرة �إليها‬ ‫واال�ستيطان فيها‪ ،‬بحماية هذه الدولة الكربى �أو تلك‪ ،‬فبعد حملة نابليون ازداد اهتمام‬ ‫بريطانيا‪ ،‬بحماية طرق موا�صالتها‪ ،‬مع الهند‪ .‬ور�أت يف �إقامة ا�ستيطان يهودي يف فل�سطني‪،‬‬ ‫حتت رعايتها‪ ،‬عن�صراً يف توفري تلك احلماية‪ ،‬وبعد حملة حممد علي كثفت الدول الأوروبية‬ ‫ن�شاطها للح�صول على االمتيازات من ال�سلطنة العثمانية املتهاوية‪ ،‬وكانت الأقليات الدينية‬ ‫ذريعة لذلك‪ ،‬وبرزت الدعوة �إىل توطني اليهود يف فل�سطني مرة �أخرى‪ ،‬ومع تفاقم امل�س�ألة‬ ‫ال�شرقية‪ ،‬والإعداد القت�سام �أرا�ضي ال�سلطنة‪ ،‬ن�شطت احلركة ال�صهيونية عملياً‪ .‬وبعد افتتاح‬ ‫قناة ال�سوي�س (‪ )1869‬و�شراء بريطانيا �أ�سهم م�صر فيها (‪ ،)1875‬ومن ثم احتالل م�صر‪،‬‬ ‫برزت حيوية فل�سطني الإ�سرتاتيجية للم�صالح الربيطانية‪ ،‬ومعها �أهمية اال�ستيطان ال�صهيوين‬ ‫كحلقة يف �شبكة القواعد حلماية طريق الهند(‪.)5‬‬ ‫تقاطعت م�صالح اال�ستعمار الربيطاين مع امل�صالح اليهودية‪ ،‬فعرب هرت�سل عن دور الدولة‬ ‫‪ -1‬امل�سريي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪�.‬ص‪.62 - 39 .‬‬

‫‪ -2‬هرتز بيغ‪� ،‬أرثر‪ ،‬الفكرة ال�صهيونية‪ ،‬ترجمة لطفي العابد ومو�سى عرت‪� ،‬ص‪.26 .‬‬ ‫‪ -3‬امل�سري‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.62 .‬‬ ‫‪� -4‬شوفاين‪ ،‬اليا�س‪ ،‬املوجز يف تاريخ فل�سطني ال�سيا�سي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الدرا�سات الفل�سطينية‪ ،‬بريوت‪� ،1998 ،‬ص‪.325 .‬‬ ‫‪� -5‬شوفاين‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.327 .‬‬ ‫‪121‬‬


‫اليهودية يف حال قيامها لتعزيز م�شاريع بريطانيا اال�ستعمارية‪ ،‬بقوله‪� :‬سوف ت�شكل الدولة‬ ‫اليهودية مرتا�ساً لأوروبا يف �آ�سيا‪ ،‬يكون خمفراً �أمامياً للح�ضارة �ضد الرببرية‪ ،‬ويتوجب على‬ ‫الدولة اليهودية �أن تبقى حمايدة لكي تبقي ال�صلة قائمة مع اوروبا التي ت�ضمن وجودها(‪.)1‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬اتفاقية �سايك�س ‪ -‬بيكو ‪ 1916‬ووعد بلفور ‪.1917‬‬

‫ا�ستغلت بريطانيا وفرن�سا اندالع احلرب العاملية الأوىل ‪ ،1918 - 1914‬وعدم بلوغ ال�شعب‬ ‫ال�سوري الوعي القومي ال�صحيح‪� ،‬إذ ثمة خلل يف حتديد الهوية القومية بني الهوية ال�سورية‬ ‫التي ُتعنى ب�شعب الهالل اخل�صيب‪ ،‬وبني الهوية العربية التي ُتعنى بكل اجلانب الآ�سيوي‬ ‫من العامل العربي‪ ،‬مما �أدى �إىل تفوي�ض ال�سوريني لل�شريف ح�سني بالتفاو�ض مع االنكليز‬ ‫وقيادة الثورة العربية الآ�سيوية �ضد العثمانيني بالتحالف مع احللفاء وعلى ر�أ�سهم بريطانيا‪.‬‬ ‫مل يكن لل�شريف ح�سني تطلعات قومية‪ ،‬بل كانت تطلعاته‪ ،‬يف �أح�سن الأحوال‪ ،‬قبلية مغلفة‬ ‫بالدين‪ ،‬همه الأ�سا�سي بناء �إمرباطورية ها�شمية وراثية على ن�سق الدولة الدينية الإ�سالمية‬ ‫التاريخية له ولأوالده من بعده‪.‬‬ ‫‪ - 1‬اتفاقية �سايك�س‪ -‬بيكو ‪.1916‬‬

‫يف غمرة هذه الأو�ضاع ال�صاخبة يف عجلتها‪ ،‬بد�أ الربيطانيون والفرن�سيون منذ العام ‪1915‬‬

‫بالت�شاور فيما بينهما �سراً‪ ،‬لتقرير م�صري الهالل اخل�صيب بعيداً عن �إرادة �شعبه‪ ،‬لتحقيق‬ ‫م�صاحلهما اال�ستعمارية يف ا�ستكمال ما بد�آه من ا�ستعمار للعامل العربي‪ ،‬فكان �أن تو�صال‬ ‫بعد مفاو�ضات �سرية جرت بني الدبلوما�سي الفرن�سي فرن�سوا جورج بيكو‪ ،‬والربيطاين مارك‬ ‫�سايك�س على اتفاق �سري مب�صادقة رو�سيا القي�صرية ت�ضمن ما يلي‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬تق�سيم الهالل اخل�صيب بني الدولتني‪ ،‬بحيث يكون اجلزء الأكرب من اجلناح الغربي‬ ‫من الهالل اخل�صيب‪ ،‬ومنطقة املو�صل من ن�صيب فرن�سا‪ ،‬ويكون الطرف اجلنوبي من بالد‬ ‫ال�شام متو�سعاً باالجتاه �شرقاً حتى بغداد والب�صرة‪ ،‬وجميع املناطق الواقعة بني اخلليج العربي‬ ‫واملنطقة الفرن�سية من بالد ال�شام من ن�صيب بريطانيا‪.‬‬ ‫ب_ كما تق ّرر �أن تكون فل�سطني حتت �إدارة دولية يتم االتفاق عليها بالت�شاور بني بريطانيا‬ ‫وفرن�سا ورو�سيا‪ ،‬على �أن تمُ نح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا‪ ،‬على �أن يكون لفرن�سة حرية ميناء‬ ‫‪ -1‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪.329 .‬‬

‫‪122‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫حيفا‪ ،‬فيما منحت فرن�سا لربيطانيا‪ ،‬باملقابل‪ ،‬حق ا�ستخدام ميناء اال�سكندرونة الذي �سيقع‬ ‫يف حوزتها‪ .‬وعندما ك�شفت الثورة ال�شيوعية النقاب عن االتفاقية �سارعت بريطانيا لطم�أنة‬ ‫ال�شريف ح�سني بكلمات مخُ ادعة وكاذبة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وعد بلفور ‪1917‬‬

‫ليجف‪ ،‬حتى قامت بريطانيا بتاريخ ‪ 2‬ت�شرين الثاين‬ ‫مل يكن حرب اتفاقية �سايك�س‪ -‬بيكو ّ‬ ‫‪ ،1917‬ب�إطالق وعد بلفور الذي جاء تكملة ل�سايك�س ‪ -‬بيكو‪ ،‬كا�شفاً الأهداف اال�ستعمارية‬ ‫الغربية من خالل ن�ص الوعد �إىل روت�شيلد زعيم اجلالية اليهودية يف بريطانيا يقول يف ديباجته‪:‬‬ ‫عزيزي اللورد روت�شيلد‪ .‬ي�سرين جداً �أن �أبعث با�سم حكومة جاللة امللك بالت�صريح التايل‪،‬‬ ‫وهو ت�صريح يت�ضمن العطف على الأماين ال�صهيونية وقد رفع �إىل هيئة الوزارة ووافقت عليه‪:‬‬ ‫“ان حكومة جاللة امللك تنظر بعني العطف �إىل �إقامة وطن قومي لل�شعب اليهودي يف‬ ‫فل�سطني‪ ،‬و�سوف تبذل ق�صارى جهدها لت�سهيل حتقيق هذه الغاية‪ .‬على �أن يفهم جلياً �أنه لن‬ ‫ي�ؤتى بعمل من �ش�أنه �أن مي�س باحلقوق املدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غري اليهودية‬ ‫املقيمة الآن يف فل�سطني‪ ،‬وال احلقوق �أو الو�ضع ال�سيا�سي الذي يتمتع بها اليهود يف البلدان‬ ‫الأخرى”‪.‬‬ ‫بالرغم من تعار�ض هذا الوعد مع حق تقرير امل�صري‪ ،‬وتعار�ضه مع مبد�أ االنتداب الذي و�ضعته‬ ‫ع�صبة الأمم الذي يق�صد منه الأخذ بيد ال�شعوب املتخلفة يف طريق احلرية واال�ستقالل‪ ،‬ف�إنه‬ ‫�صدر عن غري ذي �صفة‪ ،‬حيث �إن فل�سطني كانت �أثناء �صدور الوعد ال تزال حتت ال�سلطة‬ ‫العثمانية ولي�ست حتت ال�سلطة الربيطانية‪ ،‬وبذلك تكون بريطانيا �أعطت لليهود ملكاً لي�س‬ ‫ملكاً لها بل هو لغريها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬جعل االتفاقية والوعد ق�ضية �سيا�سية على ال�صعيد االمربيايل‪.‬‬

‫عربت بريطانيا عن تع ّهدها يف بذل كل جهدها لتحقيق وعد بلفور على امل�ستوى ال�سيا�سي‬ ‫يف جعل الوعد واتفاقية �سايك�س بيكو ي�شكالن ق�ضية واحدة يف خدمة امل�شاريع ال�صهيونية‬ ‫عرب اخلطوات التالية‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬تنادت دول املجل�س الأعلى مل�ؤمتر ال�صلح امل�ؤلف من الواليات املتحدة‪ ،‬وبريطانيا وفرن�سا‪،‬‬ ‫وايطاليا‪ ،‬واليابان �إىل عقد م�ؤمتر يف �سان رميو بايطاليا بتاريخ ‪ 25‬ني�سان ‪1920‬م يف معر�ض الرد‬ ‫على امل�ؤمتر ال�سوري ‪� 8‬آذار‪ 1920‬الذي �أعلن قيام اململكة ال�سورية بزعامة في�صل‪ ،‬ورف�ض‬ ‫ال�صهيونية‪ ،‬اتخذت فيه املقررات التالية‪:‬‬ ‫‪123‬‬


‫ فر�ض االنتداب الفرن�سي على �سوريا ولبنان وفق �سايك�س بيكو بالقوة‪ ،‬وهذا اقت�ضى وقوع‬‫معركة مي�سلون و�إلغاء امللكية يف �سورية‪.‬‬ ‫ فر�ض االنتداب الربيطاين على فل�سطني و�شرق الأردن والعراق‪.‬‬‫ االلتزام بوعد بلفور‪.‬‬‫ �ضم املو�صل اىل العراق مقابل ح�صول فرن�سا على ‪ % 25‬من نفط العراق‪.‬‬‫ب‪ -‬عندما �أقرت ع�صبة الأمم �صك االنتداب على فل�سطني ورد يف ال�صك انتداب بريطانيا‬ ‫بال�شراكة مع الوكالة اليهودية‪ ،‬وهذا �أتاح لليهودي هربرت �صموئيل �أن يكون املفو�ض ال�سامي‪،‬‬ ‫و�أن يكون كل من وزير املالية ووزير امل�ساحة يهوديني‪ .‬من �أجل ت�أمني املال ل�شراء الأرا�ضي‬ ‫الفل�سطينية من الإقطاعيني‪ ،‬وم�صادرة �أمالك الدولة العثمانية من الأرا�ضي مل�صلحة اليهود‪.‬‬ ‫‪ - 3‬البعد اال�سرتاتيجي ل�سايك�س‪ -‬بيكو ووعد بلفور‪.‬‬

‫بعد مرور مئة �سنة على اتفاقية �سايك�س –بيكو و‪� 99‬سنة على وعد بلفور ن�ستطيع �أن نقرر �أبرز‬ ‫الأهداف الإ�سرتاتيجية التي حققها اال�ستعمار الغربي‪ .‬وهي على ال�شكل التايل‪:‬‬ ‫�أ‪ :‬ج ّز�أ الوطن ال�سوري �إىل كيانات �سيا�سية �ضعيفة عاجزة عن حترير فل�سطني‪ ،‬بل قل عاجزة‬ ‫عن حماية نف�سها‪ ،‬وما تو�سع االحتالل ال�صهيوين باجتاه ال�ضفة الغربية‪ ،‬واجلوالن �إال الدليل‬ ‫القاطع على عدم قدرة هذه الكيانات على الدفاع عن نف�سها‪.‬‬ ‫ب‪ -‬خلق م�شاكل حدودية بني الدول ال�سورية ودول اجلوار‪ ،‬حيث منحت فرن�سا كيليكيا‬ ‫ولواء واال�سكندرون لرتكيا‪ ،‬ومنحت بريطانيا الأهواز لإيران‪� ،‬إذ �أرادت من هذا املنح �أن تبقي‬ ‫�أ�سباب احلروب مع اجلوار قائمة‪ ،‬كما ح�صل يف احلرب العراقية الإيرانية التي اندلعت عام‬ ‫‪ 1980‬وا�ستمرت ‪� 8‬سنوات‪ ،‬كلفت البلدين اجلارين حوايل مليون قتيل‪ ،‬و‪ 400‬مليار دوالر‪،‬‬ ‫ف�ض ًال عن التدمري يف املن�ش�آت ال�سكنية وغريها‪.‬‬ ‫ج‪ -‬خلقت دولة الكيان ال�صهيوين ‪ -‬اليهودي‪ ،‬التي �شنت احلرب تلو الأخرى على الدول‬ ‫ال�سورية‪ ،‬ودول عربية �أخرى �أبرزها م�صر‪.‬‬ ‫د‪� -‬ضعف الدول ال�سورية �أدى �إىل احتالل الواليات املتحدة للعراق بذرائع واهية تبني‬ ‫بطالنها‪ ،‬وعندما ان�سحبت منه مهزومة بفعل املقاومة العراقية‪� ،‬أوكلت للإرهاب املت�أ�سلم مهمة‬ ‫تدمري العراق وال�شام‪ ،‬كما يجري اليوم‪.‬‬ ‫‪124‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫ه‪ -‬جعلت من بع�ض الكيانات ال�سورية يف حالة من االحتواء املبا�شر �أو املداور من قبل‬ ‫الدول االمربيالية �أو وكالئها يف املنطقة‪.‬‬ ‫و‪ -‬منعت بفعل دعم االمربيالية للكيان ال�صهيوين‪ ،‬من النهو�ض ال�سوري والعربي ب�شكل‬ ‫عام‪� ،‬إن جلهة قيام وحدة �سورية �أو قيام جبهة عربية‪.‬‬ ‫�إن الرد املطلوب على �سايك�س ‪ -‬بيكو ووعد بلفور‪ ،‬ال يكون بالأماين والتمنيات‪ ،‬بل بقيام‬ ‫نه�ضة قومية حقيقية‪ ،‬تتجاوز الع�صبيات الدينية واملذهبية والطائفية‪ ،‬وتتجاوز احلدود امل�صطنعة‬ ‫بني الدول ال�سورية‪ ،‬مرتكزها كما يقول �سعاده “قيمة احلرية التي تعني حق ال�صراع وحق‬ ‫ال�صراع حق التقدم”‪ ،‬التي بها تتحقق الوحدة ال�سورية وبها تقوم اجلبهة العربية التي‬ ‫�سيكون لها وزنها يف امل�سائل العاملية‪.‬‬

‫‪125‬‬



‫مئة عام على �سايك�س‪-‬بيكو‬

‫مئة �سنة على �سايك�س ‪ -‬بيكو‬

‫التداعيات والآفاق‬

‫زهري فيا�ض ‪ -‬باحث‬ ‫‪ - 1‬مقدمة‬

‫ملاذا نعيد قراءة اتفاقية �سايك�س ‪ -‬بيكو بعد مرور ‪ 100‬عام على عقد هذه االتفاقية؟ ما‬ ‫هو املغزى من ا�ستعادة �أحداث من �شريط املا�ضي ملقاربته يف الراهن من الأيام؟ ما هو‬ ‫ال�سياق العام لالتفاقية؟ ما هي تداعياتها يف املراحل ال�سابقة؟ وما هي ت�أثرياتها وانعكا�ساتها‬ ‫على احلا�ضر وامل�ستقبل؟ ال �شك يف �أن هذه الأ�سئلة متتلك م�شروعية يف العقل والوجدان‬ ‫القومي‪ ،‬وم�شروعيتها تكمن يف ات�صالها ب�أحداث ما زالت مفاعيلها تلقي بظاللها وت�أثرياتها‬ ‫على واقعنا ال�سيا�سي والأمني اال�سرتاتيجي واالقت�صادي واالجتماعي والثقايف واحل�ضاري‪،‬‬ ‫�أي �أنها من �صنف االتفاقيات ذات الطابع اال�سرتاتيجي يف ت�أثرياتها ال�شاملة على م�صري‬ ‫بالدنا وم�ستقبل �أجيالنا يف الآتي من الأعوام ولفرتات طويلة‪.‬‬ ‫ما هي قيمة مثل هذا النقا�ش حول اتفاقية �سايك�س – بيكو ونحن قد ندخل يف تق�سيمات‬ ‫وخرائط جديدة يتم تر�سيمها يف بالدنا اليوم من العراق �إىل ال�شام �إىل لبنان‪ ،‬و�صو ًال �إىل‬ ‫فل�سطني؟ �أ�سئلة كثرية تطفو على ال�سطح‪ ،‬ما هي اخلرائط اجلديدة املر�سومة للمنطقة؟ كيف‬ ‫يتم تنفيذها؟ ما هي �أهدافها؟ اخللفيات؟ ما هي تقاطعاتها؟ وما هي القوى التي تقف وراءها؟‬ ‫‪ - 2‬ما هو ال�سياق التاريخي التفاقية �سايك�س ‪ -‬بيكو؟‬

‫وقعت اتفاقية �سايك�س ــ بيكو بني فرن�سا وبريطانيا على اقت�سام الدول الواقعة �شرقي املتو�سط‬ ‫عام ‪ ،1916‬ومت الو�صول �إليها بني ني�سان و�أيار من ذلك العام على �صورة تبادل وثائق بني‬ ‫وزارات خارجية الدول الثالث (فرن�سا‪ ،‬انكلرتا‪ ،‬رو�سيا القي�صرية)‪ .‬ع ّينت احلكومة الفرن�سية‬ ‫جورج بيكو قن�صلها العام ال�سابق يف بريوت مندوباً �سامياً ملتابعة �ش�ؤون ال�شرق الأدنى‪،‬‬ ‫ومفاو�ضة احلكومة الربيطانية يف م�ستقبل �سوريا (امل�شرق العربي)‪ ،‬ومل يلبث �أن �سافر �إىل‬ ‫‪127‬‬


‫القاهرة‪ ،‬واجتمع بـ “مارك �سايك�س” املندوب ال�سامي الربيطاين ل�ش�ؤون ال�شرق الأدنى‪،‬‬ ‫ب�إ�شراف مندوب رو�سيا‪ ،‬و�أ�سفرت هذه االجتماعات واملرا�سالت عن اتفاقية ُعرفَت با�سم‬ ‫“اتفاقية القاهرة ال�سرية”‪ ،‬ثم انتقلوا �إىل مدينة بطر�سربغ الرو�سية‪ ،‬و�أ�سفرت هذه املفاو�ضات‬ ‫عن اتفاقية ثالثية �سميت باتفاقية �سايك�س ‪ -‬بيكو وذلك لتحديد مناطق نفوذ كل دولة على‬ ‫النحو التايل‪:‬‬ ‫ا�ستيالء فرن�سا على غرب �سوريا ولبنان ووالية �أ�ضنة‪.‬‬ ‫ا�ستيالء بريطانيا على منطقة جنوب و�أوا�سط العراق مبا فيها مدينة بغداد‪ ،‬وكذلك ميناء عكا‬ ‫وحيفا يف فل�سطني‪.‬‬ ‫ا�ستيالء رو�سيا على الواليات الأرمنية يف تركيا و�شمال كرد�ستان‪.‬‬ ‫حق رو�سيا يف الدفاع عن م�صالح الأرثوذك�س يف الأماكن املقد�سة يف فل�سطني‪.‬‬ ‫املنطقة املح�صورة بني الأقاليم التي حت�صل عليها فرن�سا‪ ،‬وتلك التي حت�صل عليها بريطانيا‬ ‫تك ّون احتاد دول عربية �أو دولة موحدة‪ ،‬ومع ذلك ف�إن هذه الدولة تق�سم �إىل مناطق نفوذ‬ ‫بريطانية وفرن�سية‪ ،‬وي�شمل النفوذ الفرن�سي �شرق بالد ال�شام ووالية املو�صل‪ ،‬بينما النفوذ‬ ‫الربيطاين ميتد �إىل �شرق الأردن واجلزء ال�شمايل من والية بغداد وحتى احلدود الإيرانية‪.‬‬ ‫يخ�ضع اجلزء الباقي من فل�سطني لإدارة دولية‪.‬‬ ‫ي�صبح ميناء ا�سكندرون حراً‪.‬‬ ‫مت الك�شف عن االتفاق بو�صول ال�شيوعيني �إىل �سدة احلكم يف رو�سيا عام ‪ 1917‬مما �أثار‬ ‫غ�ضب ال�شعب ال�سوري الذي مي�سه االتفاق مبا�شر ًة و�أحرج فرن�سا وبريطانيا‪.‬‬ ‫كما تقرر و�ضع املنطقة التي اقتطعت يف ما بعد من جنوب �سوريا “فل�سطني” حتت �إدارة‬ ‫دولية ليتم االتفاق عليها بالت�شاور بني بريطانيا وفرن�سا (الحقاً ومبوجب وعد بلفور لليهود‪،‬‬ ‫�أعطيت فل�سطني لل�صهاينة متهيداً لقيام ما �سمي بـ”دولة �إ�سرائيل”‪.‬‬ ‫ن�ص على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا على �أن يكون لفرن�سا حرية ا�ستخدام‬ ‫لكن االتفاق ّ‬ ‫ميناء حيفا‪ ،‬ومنحت فرن�سا بريطانيا باملقابل ا�ستخدام ميناء ا�سكندرون الذي كان �سيقع يف‬ ‫دائرة �سيطرتها‪.‬‬ ‫طبعاً‪ ،‬كل هذه االتفاقيات واملعاهدات التي عقدتها دول ا�ستعمارية كربى‪ ،‬ما كان لها �أن‬ ‫‪128‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫مرت�سخة يف عمق وعي �شعبنا‪ ،‬ولو �أن ال�سيادة‬ ‫جتد ح ّيزها يف التطبيق‪ ،‬لو �أن الهوية القومية ّ‬ ‫حا�صلة يف بالدنا‪ ،‬ولكن ال�سياقات التاريخية كلها لهذه الأحداث �سارت وفق ت�سل�سل‬ ‫زمني انتقلت فيه بالدنا من مراحل ال�سيطرة العثمانية (الرتكية) ملدة �أربعة وقرون ونيف‪� ،‬إىل‬ ‫مرحلة االنتداب الفرن�سي والربيطاين‪ ،‬والتي جاءت �سايك�س بيكو �أو ًال ومن ّثم وعد بلفور‬ ‫كمقدمة لأحداث كربى لعل �أهمها و�أكرثها ت�أثرياً على م�ستقبل املنطقة برمتها‪ ،‬هو قيام‬ ‫الكيان ال�صهيوين الغا�صب على �أر�ض فل�سطني التاريخية‪ ،‬والحقاً نزوعه الدائم �إىل ال�سيطرة‬ ‫والإخ�ضاع والهيمنة‪ ،‬يف �إطار حتالفي مع القوى الغربية التي قدمت لهذا الكيان كل �أ�سباب‬ ‫البقاء واال�ستمرار‪.‬‬ ‫‪ - 3‬خ�صو�صية �سايك�س – بيكو‬

‫املبد�أ اال�ستعماري الأول «ف ّرق ت�سد»‪ ،‬التق�سيم والتجزئة ي�شكالن تاريخياً املدخل ل�ضرب‬ ‫املجتمعات و�شل فاعليتها ودينامياتها الداخلية يف الدفاع عن وجودها ويف التنمية والتقدم‬ ‫واالزدهار وامتالك عنا�صر القوة الحقاً‪ .‬هذا املبد�أ عملت على حتقيقه كل القوى اال�ستعمارية‬ ‫يف بالدنا ويف غريها من البلدان حول العامل‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬وهذه حقيقة‪ ،‬ينبغي �إمعان النظر �إىل الواقع الداخلي لهذه املجتمعات‪ ،‬لتبيان نقاط‬ ‫ال�ضعف التي يدخل من خاللها الأجنبي‪ ،‬وي�ستجلب من خالل ثغراتها م�شاريعه الهدامة‬ ‫التي تختلف �سيناريواتها وم�ضامينها تبعاً لتغريات املرحلة‪ ،‬وتقاطعات القوى اال�ستعمارية‬ ‫الداخلة يف �صياغاتها‪� ،‬أو �صاحبة الت�أثري يف الواقع اجليو – �سيا�سي �أو االقت�صادي لهذه‬ ‫البلدان‪.‬‬ ‫بهذا املعنى‪� ،‬أن التق�سيمات التي ر�ست عليها �سايك�س بيكو يف بدايات القرن الع�شرين‬ ‫اعتمدت املعايري اجلغرافية‪ ،‬فتق�سيم الهالل ال�سوري اخل�صيب �إىل كيانات �سيا�سية خمتلفة‬ ‫ومتباينة يف معطياتها ال�سيا�سية واالقت�صادية قد ّمت على قاعدة التق�سيم اجلغرايف‪ ،‬و�ضرب‬ ‫وحدة احلياة لهذه الأمة املت�شابكة يف الدورة االقت�صادية االجتماعية واحلياتية الواحدة‬ ‫لإ�ضعاف مناعتها وقدرتها على مواجهة التحديات احلا�ضرة وامل�ستقبلية‪ ،‬وتر�سيخ وعي كياين‬ ‫يتخذ �صيغة �شكلية �أي “هويات كيانية”‪� ،‬شكلت الأر�ضية لع�صبيات كيانية مت�ضاربة زادت‬ ‫من ا�ضطراب امل�شهد‪ ،‬و�ضبابية �إ�ضافية يف م�ضامني الهوية القومية والإن�سانية واحل�ضارية‬ ‫لكامل املنطقة (الهالل اخل�صيب)‪.‬‬ ‫‪129‬‬


‫وقد �ساهمت هذه التق�سيمات اجلغرافية‪ ،‬وما ُبني على �أ�سا�سها من بنى �سيا�سية واقت�صادية‬ ‫وع�سكرية تختلف يف ر�ؤيتها وقراءتها للواقع االجتماعي والتاريخي‪� ،‬ساهمت يف �إ�ضعاف‬ ‫�إمكانية مواجهتها للم�شروع “اال�ستيطاين اليهودي التو�سعي” الذي �شكل وي�شكل‬ ‫منذ انطالقته يف م�ؤمتر بال ال�صهيوين عام ‪ 1897‬اخلطر الأ�سا�سي املاحق للهويات والبنى‬ ‫والإن�سان واحل�ضارة يف منطقتنا والعامل ب�أ�سره‪.‬‬ ‫ولوال �سايك�س – بيكو التي م ّهدت لوعد بلفور‪ ،‬ملا كان ُق ّد َر لهذه “الدولة اللقيطة” �أن‬ ‫تولد‪� ،‬أن تن�ش�أ‪ ،‬و�أن تبقى وت�ستمر‪ ،‬وهذا ال ُبعد ل�سايك�س بيكو هو ُبعد وجودي بكل ما لهذه‬ ‫الكلمة من معنى‪ ،‬فهذه االتفاقية �شكلت العائق الأ�سا�سي �أمام قيام وتنظيم حالة قومية‬ ‫عارمة و�شاملة ت�شكل “اخلطة النظامية املعاك�سة” للم�شروع ال�صهيوين بر ّمته‪ ،‬هذه حقيقة‬ ‫تاريخية‪ ،‬يجب �أخذها باحل�سبان‪ ،‬فامل�شاريع اال�ستعمارية ال تقوم بال�صدفة‪ ،‬وال ترتكز على‬ ‫تكهنات‪ ،‬بل هي خطط وم�شاريع مدرو�سة متّت �صياغتها بعناية لتحقق �أهداف امل�ستعمرين‬ ‫وغاياتهم يف ال�سيطرة والهيمنة والإخ�ضاع‪.‬‬ ‫وفق هذه الر�ؤية‪ ،‬نقر�أ �سايك�س – بيكو‪ ،‬ونحلل تداعياتها املا�ضية‪ ،‬وانعكا�ساتها على املعركة‬ ‫مع امل�شروع ال�صهيوين وتقاطعاته مع امل�س�ألة اال�ستعمارية‪ ،‬وم�صالح الدول التي �ساهمت يف‬ ‫قيامه والداعمة ال�ستمراره‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ما هو مطروح الآن؟‬

‫يف مقابلة مع جملة «لوفيغارو» الفرن�سية يقول مايكل هايدن وهو مدير �سابق جلهاز املخابرات‬ ‫املركزية الأمريكية‪« :‬العراق مل يعد موجوداً وال �سوريا موجودة‪ ،‬ولبنان دولة فا�شلة تقريباً‪،‬‬ ‫ومن املرجح �أن تكون ليبيا هكذا �أي�ضاً»‪ ،‬و ُيكمل‪�“ :‬إن اتفاقيات �سايك�س بيكو التي ظهر‬ ‫مبقت�ضاها هذان البلدان مل تق�سم املنطقة وفقاً لواقعها الطائفي والعرقي‪ ،‬و�إن املنطقة مبا ت�شهده‬ ‫من �أحداث عنف وحروب م�أ�ساوية‪ ،‬تتجه ذاتياً �إىل االنق�سام وفقاً لهذا الواقع الذي كان على‬ ‫الدول الأوروبية وا�ضعة اتفاقية �سايك�س بيكو �أن تتن ّبه �إليه يف ذلك احلني”‪.‬‬ ‫ويختم بخال�صة هي‪�“ :‬أن الأحداث اجلارية الآن ت� ّؤكد حقيقة ف�شل اتفاقية �سايك�س‬ ‫بيكو يف تق�سيم املنطقة على نحو «�سليم» وم�ستق ّر‪ ،‬يف �إ�شارة �إىل �أن التق�سيم كان ينبغي �أن‬ ‫يكون على �أ�سا�س طائفي وعرقي‪ ،‬حتى ال تنفجر مثل هذه ال�صراعات املحتدمة اليوم”‪.‬‬ ‫كالم وا�ضح و�صريح ال لب�س فيه ي�شرح وجهة نظر �أمريكا �إىل ما يجري يف املنطقة ويعترب �أن‬ ‫‪130‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫خارطة �سايك�س بيكو التي ق�سمت الهالل اخل�صيب و�أنتجت العراق و�سوريا والأردن ولبنان‬ ‫وفل�سطني بحاجة �إىل تغيري بخارطة جديدة لي�س �أ�سا�سها الدولة الكيانية بل �أ�سا�سها طائفي‬ ‫�أو عرقي وذلك ملنع مزيد من االقتتال واالحرتاب يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫�إذاً‪ ،‬اخلال�صة امل�ستقاة من هذا الكالم ملن يفرت�ض �أن يكون يف موقع �صانع القرار �أو – على‬ ‫الأقل ‪ -‬العارف به‪ ،‬معطوفاً على ت�صريحات علنية وعلى م�شاريع معلنة د�أب م�س�ؤولو الإدارة‬ ‫الأمريكية منذ بداية القرن احلادي والع�شرين وحتديداً بعد هجمات ‪� 11‬أيلول‪ 2001‬على تردادها‪،‬‬ ‫والت�صريح عنها‪ ،‬وكل هذا معطوفاً على نظريات “نهاية التاريخ” و”�صراع احل�ضارات”‪ ،‬وكل‬ ‫هذا ربطاً بالأحداث الكربى التي �شهدتها منطقتنا وعاملنا منذ اجتياح �أفغان�ستان‪ ،‬و�صو ًال‬ ‫�إىل الهجوم الغربي – الأمريكي على العراق وتدمري معامل الدولة العراقية‪ ،‬وتفكيك اجلي�ش‬ ‫�سمى “الربيع العربي” يف هذا التوقيت بالذات‪ ،‬مبعزل‬ ‫الوطني العراقي‪ ،‬و�صعود ظاهرة ما ُي ّ‬ ‫طبعاً‪ ،‬عن الأ�سباب والدوافع التي � ّأ�س�ست لقيام هذه “الثورات �أو االنتفا�ضات”‪� ،‬إال �أنّ الربط‬ ‫املو�ضوعي بني كل هذه امل�ؤ�شرات والأحداث يدل على وجود خطة �شاملة لإعادة ر�سم خرائط‬ ‫جديدة ت�شكل عنواناً �أو تر�سم مالمح للنظام العاملي اجلديد بتوازنات قواه الدولية الدينامية‬ ‫املتحركة‪ ،‬والتي مل ت�ستقر على قاعدة من الثبات الن�سبي حتى يومنا هذا كنتيجة منطقية‬ ‫ومو�ضوعية وذاتية جلملة من العوامل والأ�سباب التي جتعل حركة ال�صراع الدويل مفتوحة �أمام‬ ‫كل اخليارات يف ظل تنامي و�صعود قوى دولية وعاملية و�إقليمية جديدة‪� ،‬أو حماولة ا�ستعادة‬ ‫قوى و�أطراف مثل رو�سيا دورها ونفوذها املفقود �أو املرتاجع منذ �سقوط االحتاد ال�سوفياتي‬ ‫ومنظومة الدول اال�شرتاكية التي كانت تدور يف فلك النفوذ الرو�سي‪� ،‬إ�ضافة �إىل الدول حول‬ ‫العامل التي كانت ت�شكل تاريخياً دو ًال حليفة �أو واقعة حتت ت�أثري النفوذ ال�سوفياتي‪.‬‬ ‫كل هذا دون التغا�ضي عن دور �إ�سرائيل واحلركة ال�صهيونية العاملية مب�ؤ�س�ساتها ومنظماتها‬ ‫ولوبياتها ودوائر الت�أثري التي تخ�ضع لها‪� ،‬إذ �إن الدور الإ�سرائيلي وا�ضح ودامغ حتى يف �أ�سا�س‬ ‫قيام هذه اخلطط وتوجيهها مبا يخدم م�صالح هذا الكيان ور�ؤيته وم�صاحله ونفوذه حول العامل‪.‬‬ ‫‪ - 5‬التحديات الآنية‬

‫ال �شك يف �أن ال�سيا�سة الأمريكية اخلا�ضعة بكليتها لنفوذ اللوبي ال�صهيوين وتغلغله‬ ‫التاريخي يف دوائر �صنع القرار على م�ستوى الإدارة الأمريكية‪ ،‬ومراكز الأبحاث‬ ‫اال�سرتاتيجية‪ ،‬وكارتيالت ال�صناعة الأمريكية وال �سيما منها‪ ،‬كارتيالت ال�صناعات‬ ‫املجمعات ال�صناعية‪ ،‬هذه ال�سيا�سة �إذاً‪ ،‬تطرح جملة‬ ‫الع�سكرية والبرتولية وغريها من ّ‬ ‫‪131‬‬


‫متبدلة يف ال�شكل �إال �أنها تطرح امل�ضامني ذاتها‪ ،‬وهي ذات حمتوى‬ ‫من خطط وم�شاريع ّ‬ ‫واحد هو «�إعادة تق�سيم املنطقة» مبا يتوافق وامل�صالح الأمريكية حتديداً‪ ،‬وبتقاطع وا�ضح مع‬ ‫م�صالح «الأمن واال�ستمرار والهيمنة والتو�سع وال�سيطرة» لكيان االغت�صاب اال�ستيطاين‬ ‫على �أر�ض فل�سطني‪ ،‬وجوهر هذه الر�ؤية يتمحور حول فكرة «التق�سيم»‪ ،‬وهذه الفكرة ت�أخذ‬ ‫�سيناريوهات و�أ�شكا ًال خمتلفة ومتعددة‪ ،‬ولكن فحواها «التمحور» حول معايري «الطائفية»‬ ‫و»املذهبية» و»العرقية»‪� ،‬أي نحن �أمام تق�سيمات �أخطر و�أ�شد دها ًء وفتكاً من �سايك�س‬ ‫مطروح الآن‪ ،‬فيعتمد «التفخيخ املجتمعي»‪� ،‬أي‬ ‫بيكو‪ .‬فالأوىل اعتمدت اجلغرافيا‪� ،‬أما ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫�إحداث «ان�شطارات بنيوية» يف قلب املجتمع �إمعاناً يف تفتيته �إىل كيانات طائفية ومذهبية‬ ‫وع�شائرية وقبلية وعرقية تكفل لإ�سرائيل التفوق من خالل �إغراق جمتمعنا يف حروب‬ ‫تتنا�سل وتتوالد وت�ؤدي �إىل حالة من عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي والأمني واالقت�صادي‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬وهذا ما ي�ضمن لإ�سرائيل التفوق واال�ستمرار لعقود من الزمن‪ ،‬بهدف‬ ‫حتقيق االنحالل الكلي ملجتمعنا‪ ،‬وت�ضييع الهوية القومية والتاريخية واحل�ضارية لأمتنا‬ ‫باعتباره «الهدف اال�سرتاتيجي» لهذا الكيان الغا�صب‪.‬‬ ‫وما ت�شهده بالدنا اليوم من �صراع وحروب تدمريية‪ ،‬وما تخو�ضه القوى احلية يف بالدنا من‬ ‫حرب دفاعية �ضد الإرهاب ورعاته الإقليميني والدوليني ما هو �إال �شكل من �أ�شكال هذه‬ ‫احلرب املفتوحة على بنية جمتمعنا الداخلية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ما هو دورنا الآن؟‬

‫م�ستجدة‪ ،‬وتوازنات قوى‬ ‫بالطبع‪ ،‬هناك ظروف مو�ضوعية وذاتية‪ ،‬وعوامل داخلية وخارجية‬ ‫ّ‬ ‫حملية ودولية مفتوحة على كل االحتماالت‪ ،‬فهذه ال�سناريوهات املطروحة الآن لي�ست‬ ‫الق�ضاء والقدر‪ ،‬ومواجهتها واالنت�صار عليها ممكن‪ ،‬وهذا رهن بالقدرة على �إعادة تفعيل‬ ‫امل�شروع القومي النه�ضوي وتوظيف كل القدرات والإمكانات والطاقات يف �سياقاته‪،‬‬ ‫واال�ستفادة من ظروف ال�صراعات الإقليمية والدولية ون�سج حتالفات داخلية وخارجية تكون‬ ‫على قاعدة ت�أمني امل�صالح القومية لأمتنا‪ ،‬املتقاطعة مع م�صالح قوى �إقليمية ودولية قد نت�شارك‬ ‫معها يف ر�ؤى م�شرتكة وم�صالح م�شرتكة قد ت�شكل �أ�سا�ساً �صاحلاً لإعادة �صياغة مالمح نظام‬ ‫�سيا�سي – �أمني �إقليمي جديد يكون لنا فيه الدور والفعل والت�أثري‪ ،‬وهذا لي�س مب�ستحيل‪،‬‬ ‫لأننا منلك كل مقومات الفعل وال�صمود واالنت�صار يف معارك العز والتقدم والدفاع عن‬ ‫الوجود‪.‬‬ ‫‪132‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫‪ - 7‬خال�صة‬

‫�إن ت�أثريات خارطة �سايك�س بيكو ما تزال فاعلة يف واقعنا املعا�صر‪ ،‬فهي و�ضعت �شعبنا يف‬ ‫حدت من فاعلية ودينامية البنية القومية املجتمعية بكليتها‪ ،‬و�أدت‬ ‫قواوي�ش وزنازين كيانية ّ‬ ‫�إىل �ضعف املناعة البنيوية الأ�سا�سية يف الدفاع عن الوجود القومي جتاه الأخطار املحدقة من‬ ‫كل حدب و�صوب‪ .‬هذه الزنازين كانت الفوا�صل املعيقة �أمام جبه امل�شروع ال�صهيوين يف‬ ‫بداياته‪ ،‬فكانت املواجهة جزئية ومن مواقع جزئية تار ًة كيانية‪ ،‬وتارة با�سم الدين‪ ،‬وتار ًة حتت‬ ‫هيمنة قوى من خارج حدود بيئتنا القومية وقرارنا القومي احلر‪ .‬فكانت كل هذه الويالت‪،‬‬ ‫وامل�صائب‪ ،‬والأ�ضرار‪ ،‬والهزائم التي �أ�ضاعت فل�سطني‪ ،‬و�أ�ضاعت بو�صلة التطور والنمو‬ ‫املح�صن‬ ‫والتقدم احلقيقي باجتاه املجتمع القومي الإن�ساين احل�ضاري املعا�صر الناه�ض بذاته‪ّ ،‬‬ ‫كينونته وتاريخه وحا�ضره وم�ستقبله‪.‬‬ ‫نحن اليوم �أمام حتديات تاريخية‪ ...‬وكل الأمل معقود على قدرتنا على �إعادة تظهري وت�شكيل‬ ‫هذه الهوية القومية الإن�سانية احل�ضارية املنفتحة الدينامية‪ ،‬وت�شكيل وعي قومي جديد على‬ ‫قاعدة هذه الهوية‪ ،‬وتفعيل كل قوانا احلية يف معركة البقاء واال�ستمرار‪ ،‬عندها وعندها فقط‬ ‫نتجاوز �سايك�س بيكو اجلغرافيا ونتجاوز �سايك�س بيكو (املجتمعية) الراهنة ونربح معركة‬ ‫امل�ستقبل‪ ...‬ونحن قادرون!‬

‫‪133‬‬


‫دار نل�سن‬

‫هاتف ‪01/739196:‬‬ ‫الربيد الإلكرتوين ‪darnelson@hotmail.com:‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪-‬بيكو‬

‫من �سايك�س بيكو �إىل الفروف ‪ -‬كريي‬

‫�سامي �سماحة ‪ -‬كاتب‬

‫�أمة ا�ستقبلت الفيلة يف خ�صامها واتفاقها‪ .‬يتبعرث �أبنا�ؤها يت�شردون‪ .‬لكنها مل متت ولن‬ ‫متوت‪.‬‬ ‫�إن اتفاقية �سايك�س بيكو التي ُعقدت بداية القرن املا�ضي‪ ،‬ر�سمت خريطة بالدنا والعامل‬ ‫العربي كما ت�شاء الدول الكربى التي حتكمت مب�سار الأحداث طيلة القرن املا�ضي‬ ‫وا�ستمرت مفاعيلها حتى يومنا هذا‪ ،‬بالرغم من التغريات الكثرية والكبرية التي �شهدها‬ ‫العامل‪ ،‬واملحاوالت اخلجولة التي قامت بها بع�ض الدول والقوى والأحزاب املعرت�ضة‬ ‫على هذه اخلريطة‪.‬‬ ‫لقد ُر�سمت اخلريطة ب�شكل ينا�سب بقاء كيانات الأمة ودول العامل العربي �ضعيفة‪،‬‬ ‫قا�صرة‪ ،‬وغري قادرة على بناء قوة جتعلها م�ستقلة يف مواقفها وحركتها ال�سيا�سية الداخلية‬ ‫واخلارجية‪� ،‬إذا مل نقل �إن بع�ضها منحته دول االنتداب اال�ستقالل باالتفاق مع بع�ض‬ ‫القوى املحلية التي ارتبطت ارتباطاً م�صريياً مع هذه الدول عرب عقد اتفاقات معها تعطي‬ ‫الأجنبي م�س�ؤولية الو�صاية على الدولة امل�ستقلة وجتعل من هذه القوى دمى يحركها‬ ‫الأجنبي كيفما يريد و�ساعة ي�شاء‪ ،‬من هذه الدول لبنان والأردن‪ ،‬واتفقت معها على‬ ‫حماربة كل اجتاه وطني وقومي‪ .‬وهي مل تكتف بذلك‪ ،‬بل عمدت �إىل التدخل املبا�شر‬ ‫عرب بعثاتها الدبلوما�سية يف املنطقة‪ ،‬وعلى �سبيل املثال وعلى ذمة النائب والوزير ال�سابق‬ ‫حم�سن دلول‪ ،‬كلفت ال�سفارة الفرن�سية ال�صحايف التائه ا�سكندر ريا�شي �إقناع �سكان‬ ‫مدينة زحلة بالوقوف �ضد الدولة العربية وت�أييد فكرة �إن�شاء لبنان الكبري و�أودعته مبلغاً‬ ‫من املال لر�شوة ال�سكان‪ ،‬ففعل ذلك و�أقنع الزحليني‪ ،‬لكنه احتفظ باملال لنف�سه‪.‬‬ ‫�أما املو�ضوع الفل�سطيني الذي هو الأ�سا�س يف معاهدة �سايك�س بيكو فقد دعمت و�سهلت‬ ‫كل الدول الأجنبية هجرة اليهود �إىل فل�سطني وز ّودت الع�صابات اليهودية بكل �أنواع‬ ‫‪135‬‬


‫الأ�سلحة لأنها اعتربتها ممرها �إىل ال�ضغط على الأنظمة وال�شعوب العربية‪ ،‬بحيث تكون‬ ‫فل�سطني مادة لل�شغل ت�أخذ كل اجلهود والعقول فتكون عائقاً �أمام عملية تطور �شعوب‬ ‫الأمة واملنطقة‪ .‬وبالفعل كانت فل�سطني مادة خالفية بحيث تداخلت فكرة الوحدة مع‬ ‫فكرة التحرير‪ ،‬و�أيهما �ستكون �أو ًال وتداخلت فكرة ا�سرتجاع الأر�ض ال�سليبة ب�أ�ساليب‬ ‫ال�سلم واالعتماد على املنظمات الدولية مع فكرة حترير الأر�ض بالقوة‪ ،‬فبني القوة هي‬ ‫الف�صل يف �إثبات احلق و�إنكاره واعادة ما اُخذ بالقوة ي�سرتد بالقوة مبقابل فكرة التعاي�ش‬ ‫عم املنطقة‪.‬‬ ‫ب�سالم مع دولة االغت�صاب‪� ،‬ضاعت اجلهود‪ .‬فال التحرير اكتمل‪ .‬وال ال�سالم ّ‬ ‫�سنحاول ر�صد مواقف الدول الكربى حلظة اندالع الأحداث امل�صريية يف بالدنا والعامل‬ ‫العربي‪ ،‬وخا�صة مواقف الواليات املتحدة ورو�سيا وبع�ض الدول الأوروبية‪ ،‬و�سنظهر‬ ‫كيف �أن هذه الدول كانت حتاول دائماً احلفاظ على احلدود التي ر�سمتها �سايك�س بيكو‪.‬‬ ‫بعد انتهاء احلرب الكونية الأوىل احتدم القتال بني ثوار الأمة واليهود الوافدين من‬ ‫كل العامل �إىل فل�سطني وو�صل �إىل �أوجه يف ثورة عام ‪ 1936‬التي قادها �سعيد العا�ص‬ ‫وا�ست�شهد فيها‪ ،‬مما دفع اململكة املتحدة ت�شكيل جلنة بيل يف العام ‪� ،1937‬أوكلت اليها‬ ‫مهمة درا�سة الأو�ضاع الفل�سطينية‪ .‬لقد تو�صلت اللجنة �إىل اقرتاح بتق�سيم فل�سطني �إىل‬ ‫ثالثة كيانات (كيان فل�سطيني‪ ،‬كيان يهودي وكيان يبقى حتت �سلطة االنتداب)‪ .‬ومن‬ ‫ثم وبناء على اقرتاح جلنة بيل طلبت ع�صبة الأمم من بريطانية ت�شكيل جلنة لدرا�سة‬ ‫مقرتحات جلنة بيل و�أو�ضاع فل�سطني‪ ،‬فكلفت اململكة املتحدة جلنة وودهيد يف العام‬ ‫‪ 1938‬التي تو�صلت �إىل نتيجة تقول ب�أن مقرتحات جلنة بيل غري قابلة للتنفيذ ب�سبب‬ ‫رف�ض الفل�سطينيني مقرتح التق�سيم‪ .‬وبقيت الأو�ضاع متوترة بني الفل�سطينيني واليهود‬ ‫�إىل حني �أ�صدرت الأمم املتحدة قرار تق�سيم فل�سطني رقم ‪ 181‬تاريخ ‪ 29‬ت�شرين الثاين‬ ‫‪ 1947‬الذي ن�ص على �أقامة دولة لعرب فل�سطني ودولة لليهود الوافدين‪ .‬لكن عرب‬ ‫فل�سطني والأمة والعامل العربي رف�ضوا قرار التق�سيم وقرروا خو�ض معركة حترير فل�سطني‬ ‫و�إعادة امل�ستوطنني اليهود �إىل بلدانهم الأ�صلية‪.‬‬ ‫�سمى بجي�ش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي‪،‬‬ ‫وبعد اجتماعات ومداوالت �شكلوا ما ُي ّ‬ ‫و�شاركت معظم الدول العربية يف �إعداد هذا اجلي�ش‪ ,‬ولكن كل دولة على نيتها‪ ،‬ولأن‬ ‫موحدة الإميان والهدف‪ ،‬ومل يعترب بع�ض ت�شكيالته �أن هذه‬ ‫هذا اجلي�ش مل ي�شكل قوة ّ‬ ‫املعركة م�صريية‪ .‬كانت نتيجة احلرب م�ؤملة‪ ،‬بحيث ارتكبت املجازر بحق الفل�سطينيني‬ ‫‪136‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫وثبت اليهود دولتهم التي‬ ‫ونزح منهم مئات الآالف �إىل الأردن ودم�شق ولبنان وم�صر ّ‬ ‫اعرتفت بها مبا�شرة الواليات املتحدة االمريكية ومن ثم االحتاد ال�سوفياتي وكل الدول‬ ‫الأجنبية‪ ،‬وهكذا �أ�صبح لليهود كيان ر�سمي بنظر العامل‪.‬‬ ‫�إن قيام الدولة اليهودية الذي كان من �أهم نتائج حرب ‪ 1948‬مل يكن ب�سبب قوة‬ ‫اليهود‪ ،‬بل كما قال الزعيم �سعادة ب�سبب (�أن الدولة مل تن�ش�أ بف�ضل املهارة اليهودية وال‬ ‫�شيء من اخللق والعقل اليهوديني �إذ ال توجد لليهود قوة خالقة‪ ،‬بل بف�ضل التف�سخ‬ ‫الروحي الذي اجتاح الأمة ال�سورية وم ّزق قواها وبعرث حما�سها و�ضربها بع�ضها ببع�ض‬ ‫و�أوجدها يف حالة عجز جتاه الأخطار واملطامع الأجنبية)‪.‬‬ ‫وهنا ال بد من �أن نذكر �أن املوقف ال�سوفياتي كان م�ستغرباً‪ ،‬لأن اليهود حاكوا م�ؤامرة �ضد‬ ‫�ستالني وبع�ض قيادييه ومثقفي االحتاد ال�سوفياتي‪ ،‬فمات بع�ضهم م�سموماً والبع�ض الآخر‬ ‫جنا ب�أعجوبة وكان �ستالني من بني الناجني والالفت للنظر �أي�ضاً �أن �ستالني قال يف العام‬ ‫‪� :1952‬أن �إن�شاء دولة يهودية قومية يف ال�شرق الأو�سط �سيعني زرع ب�ؤرة حرب دائمة هناك‪.‬‬ ‫عدوان ‪1956‬‬

‫�إن جمهر الدول الأجنبية وخا�صة الفرن�سية والربيطانية كان يراقب بدقة حركة �شعوب‬ ‫املنطقة ويدر�س كل تطور �أو حترك على قاعدة ما ميكن �أن يحمله من تغريات يف امل�ستقبل‬ ‫ر�صد‪:‬‬ ‫دعماً م�صرياً لثورة اجلزائر باملال وال�سالح‪.‬‬ ‫توقيع م�صر اتفاقية مع االحتاد ال�سوفياتي تق�ضي بتزويد م�صر ب�أحدث الأ�سلحة‪.‬‬ ‫ت�أميم قناة ال�سوي�س يف ‪ 26‬يوليو يف العام ‪.1956‬‬ ‫هذه التطورات بالإ�ضافة �إىل �إرادة دولة االغت�صاب يف فل�سطني با�ستكمال م�شروع دولتها‬ ‫من الفرات �إىل النيل كانت دوافع �أ�سا�سية للعدوان الثالثي على م�صر‪ .‬ولكن جرت‬ ‫الرياح مبا ال ت�شتهي �إرادة املعتدين وجاءت نتائج العدوان على ال�شكل التايل‪:‬‬ ‫ان�سحاب القوة الربيطانية والفرن�سية من بور�سعيد يف ‪ 24‬يوليو ‪.1956‬‬ ‫ب ‪ -‬هروب دولة االغت�صاب من �سيناء‪.‬‬ ‫ج‪ -‬و�ضع قوات طوارئ دولية على احلدود امل�شرتكة بني م�صر ودولة اليهود يف فل�سطني‪.‬‬ ‫‪137‬‬


‫د‪ -‬تهديد مبا�شر من االحتاد ال�سوفياتي للدول الثالث بالتدخل املبا�شر و�ضرب لندن‬ ‫وباري�س وتل �أبيب بال�سالح النووي‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬تنديد الأمم املتحدة بالعدوان ومطالبة الدول الثالث باالن�سحاب‬ ‫و‪� -‬ضغط �أمريكي على فرن�سا وبريطانيا‪ ،‬لأنها مل تكن م�ؤيدة للحرب ولأن الواليات‬ ‫املتحدة تريد �أن تكون الأ�سا�س يف كل حدث يف املنطقة‪ ،‬على �أن تكون �أوروبا خلفها‬ ‫ولي�س �أمامها‪.‬‬ ‫حرب ‪1967‬‬

‫انتهى العدوان الثالثي على م�صر‪ ،‬لكن احلرب مل تنته ولن تنتهي طاملا اليهود يغت�صبون‬ ‫فل�سطني‪ ،‬وطاملا �أنظمتنا تغت�صب قيم احلرية والواجب الوطني واحلق واخلري واجلمال‪،‬‬ ‫فتتغلب على حياتنا فكرة املجتمع الذكوري والكيان الطائفي وفكرة الن�أي بالنف�س عن‬ ‫�أحداث ت�ضرب خا�صرات الوطن‪.‬‬ ‫كل حرب حتمل يف نهاياتها مقدمات احلرب املقبلة‪ .‬ولأن فكرة التوازن اال�سرتاتيجي‬ ‫بني العمالقة الكبار �أو فكرة الوفاق الدويل ال يلغيان فكرة ا�ستمرار احلرب الباردة �أو‬ ‫احلرب احلارة‪ ،‬كانت بالدنا م�سرحاً ل�صراع الفيلة ملا متلك من موقع ا�سرتاتيجي وموارد‬ ‫طبيعية هائلة‪ .‬ولأن ا�سرتاتيجية العمالقة تق�ضي بعدم نهو�ض �أمتنا مهما كلفها ذلك من‬ ‫اثمان باهظة‪.‬‬ ‫ومبا �أن ديوك العمالقة من عرب و�سوريني واجانب على ا�ستعداد لتقدمي اخلدمات حني‬ ‫تت�أ ّمن لهم موجبات الفتنة �أو احلرب التي تد ّبر لها الزمان واملكان‪ ،‬ومن ثم تكون يف‬ ‫طليعة من يعمل على ّ‬ ‫فك النزاع بطريقتها ومبا يتوافق مع م�صاحلها‪.‬‬ ‫انتهى العدوان الثالثي على م�صر ومل تنته احلرب‪ ،‬فالعمليات الع�سكرية ا�ستمرت على‬ ‫اجلبهات‪ ،‬وخا�صة جبهتي الأردن ودم�شق حيث هنا يكون التمدد الطبيعي لقيام دولة‬ ‫اليهود من الفرات �إىل النيل‪ ،‬ومن هذه العمليات‪:‬‬ ‫ا�شتباكات يف اجلوالن والأردن‪.‬‬ ‫عملية طربيا التي ا�ستمرت �أياماً عدة‪.‬‬ ‫ج‪ -‬عملية ال�سموع التي قام بها العدو �ضد الدولة الأردنية‪.‬‬ ‫‪138‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫د‪� -‬إ�سقاط �ست طائرات �سورية من طراز ميغ ‪ 21‬يف �شهر ني�سان من العام ‪.1967‬‬ ‫�أعقب هذه التطورات جمموعة من الت�صاريح واالجتماعات توحي بقرب ح�صول‬ ‫احلرب‪ ،‬ملا كانت حتمله من تهديدات‪.‬‬ ‫ت�صريح ليفي �أ�شكول رئي�س وزراء دولة العدو الذي قال فيه ب�أنه �سري ّد بعنف على �أي‬ ‫اعتداء‪.‬‬ ‫تهديد رئي�س �أركان جي�ش العدو الذي قال فيه �إنه �سيزحف �إىل دم�شق �إذا مل تتوقف‬ ‫االعتداءات‪.‬‬ ‫ج‪ -‬نفذت دولة العدو عر�ضاً ع�سكرياً يف مدينة القد�س‪ .‬وهذا خرق للمواثيق الدولية‬ ‫التي � ّأقرت ب�أن القد�س منطقة منزوعة ال�سالح‪.‬‬ ‫د‪ -‬زيارة رئي�س �أركان اجلي�ش امل�صري حممد فوزي دم�شق للتن�سيق بني البلدين وانعقاد‬ ‫جمل�س حرب كبري يف القاهرة يف مقر القيادة العامة للجي�ش امل�صري‪.‬‬ ‫تعد هجوماً �ضد بالده‪.‬‬ ‫هـ – �سفري دم�شق يف الأمم املتحدة يعلن �أن دولة العدو ّ‬ ‫و‪ -‬جمموعة التدابري التي اتخذتها الدول املتحاربة ومنها �إعالن حالة الت�أهب الق�صوى‬ ‫يف جي�ش العدو‪.‬‬ ‫جتدر اال�شارة هنا �إىل �أن اجتماعاً ح�صل بني وزير الدفاع امل�صري �شم�س بدران الذي �أوفده‬ ‫الرئي�س جمال عبد النا�صر �إىل مو�سكو و�ألك�سي كو�سيغني‪ .‬طلب فيه الوفد امل�صري من‬ ‫االحتاد ال�سوفياتي �أن يوافق على �ضربة ا�ستباقية جلي�ش العدو الذي ي�ستعد ل�شن احلرب‬ ‫أ�صر على هذا الطلب طيلة فرتة املحادثات التي ا�ستمرت‬ ‫على م�صر والأردن ودم�شق‪ ،‬و� ّ‬ ‫�أياماً عدة‪ .‬لكن املوقف الرو�سي رف�ض هذا االقرتاح معل ًال رف�ضه ب�صعوبة �أن يكون مع م�صر‬ ‫يف حال هي �ش ّنت احلرب‪ .‬وعاد الوفد امل�صري �إىل القاهرة من دون �أن يحقق غايته‪.‬‬ ‫هذا ما ك�شفه ال�سفري ال�سوفياتي ورئي�س رابطة الديبلوما�سيني الرو�سي يوغو�ص �أكوبوف‬ ‫لوكالة نوفو�ستي‪.‬‬ ‫بداية احلرب الع�سكرية‬

‫بد�أت احلرب يف اخلام�س من �شهر حزيرن من العام ‪ 1967‬بهجوم العدو على مطارات‬ ‫ومهابط الطائرات امل�صرية‪ ،‬بحيث عط ّلت القدرة على ا�ستعمال ‪ 420‬طائرة مقاتلة والذي‬ ‫‪139‬‬


‫�ساعد �أي�ضاً على حتقيق �أهداف العدو‪� ،‬سوء البنية التحتية للمطارات الع�سكرية و�سوء‬ ‫ا�ستعمال املالجئ التي ُبنيت للطائرات وعن�صر املباغتة وتعطيل عمل الرادارت‪ ،‬مما‬ ‫�ساهم يف توقّف عملية التوا�صل بني اجلي�ش امل�صري واجلي�ش الأردين‪ .‬وهكذا انتهت‬ ‫املعركة على اجلبهة امل�صرية قبل �أن تبد�أ‪ .‬ومل يكن الو�ضع على جبهتي الأردن ودم�شق‬ ‫خمتلفاً عن اجلبهة امل�صرية‪ ،‬وح�صيلته كانت فقدان عدد من الطائرت ال�سورية والأردنية‪.‬‬ ‫�أما نتيجة احلرب فكانت على ال�شكل التايل‪:‬‬ ‫اجتياح غزة و�سيناء واحتاللهما‪.‬‬ ‫احتالل ال�ضفة الغربية والقد�س‪.‬‬ ‫ج‪ -‬احتالل اجلوالن‪.‬‬ ‫وباحتالل هذه املناطق تكون دولة العدو احتلت مواقع ا�سرتاتيجية تكون مفاتيحها �إىل‬ ‫حتقيق هدفها من الفرات �إىل النيل‪.‬‬ ‫د‪ -‬على ال�صعيد الفل�سطيني فقد �أعلنت جمموعة من املنظمات نذكر منها �شباب الث�أر‬ ‫و�أبطال العودة وجبهة التحرير الفل�سطينية توحيد جهودهم �ضمن اجلبهة ال�شعبية لتحرير‬ ‫فل�سطني‪ ،‬كما �أن حركة فتح التي ت�أ�س�ست عام ‪ 1965‬ك�شفت عن هويتها‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬ا�ستقالة جمال عبد النا�صر ومن ثم عودته عنها بعد املظاهرات التي �شهدتها م�صر‬ ‫وبع�ض البلدان العربية تطالبه البقاء يف ال�سلطة‪.‬‬ ‫و‪ -‬عقد العرب م�ؤمتر الالءات الثالث يف اخلرطوم‪ .‬ال �صلح‪ ،‬ال تفاو�ض‪ ،‬وال اعرتاف‪.‬‬ ‫ز‪ -‬نزوح �أكرث من ثالثمئة �ألف فل�سطيني �إىل عمان ودم�شق وبريوت‪.‬‬ ‫�أما على م�ستوى مواقف الدول فقد دعمت الواليات املتحدة الأمريكية دولة العدو‬ ‫باملال وال�سالح واخلربات الالزمة خلو�ض املعركة وك�سبها‪ .‬ومن ثم ّ‬ ‫عطلت عرب ا�ستعمالها‬ ‫الفيتو كل اقرتاح قرار يدين دولة العدو‪� .‬أما االحتاد ال�سوفياتي الذي مل يوافق على‬ ‫ال�ضربة اال�ستباقية فاكتفى ب�صياغة القرارات التي تدين دولة العدو التي ال ت�صدر عن‬ ‫الأمم املتحدة ب�سبب الفيتو الأمريكي‪.‬‬ ‫�إن القرار ال�صادر عن جمل�س الأمن رقم ‪ 242‬واملت�ضمن طلب االن�سحاب من الأرا�ضي‬ ‫املحتلة واعرتاف دول الطوق بدولة العدو مل يكن كافياً لوقف العمليات الع�سكرية‪.‬‬ ‫‪140‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫ففي عام ‪ 1968‬جتدد القتال على خطوط النار مما دفع الواليات املتحدة الأمريكية �إىل‬ ‫العمل على اقرتاح خطط للت�سوية‪ .‬فك ّلفت وزير خارجيتها وليام روجرز الذي اقرتح‬ ‫ثالث خطط الأوىل عام ‪ 1969‬الثانية عام ‪ 1970‬الثالثة عام ‪ ،1971‬ومل تكتب احلياة‬ ‫لواحدة من هذه اخلطط‪.‬‬ ‫منكبة على حت�صني املواقع التي احتلتها فبنت خط‬ ‫يف هذا الوقت كانت دولة العدو ّ‬ ‫بارليف يف قناة ال�سوي�س وخط �آلون يف مرتفعات اجلوالن‪ .‬كذلك ح�صلت تغيريات‬ ‫مهمة يف العامل العربي ففي ‪ 28‬ت�شرين الثاين تويف الرئي�س جمال عبد النا�صر وخلفه‬ ‫م�ست�شاره �أنور ال�سادات ويف ال�ساد�س ع�شر من ت�شرين الثاين ت�سلمت احلركة الت�صحيحية‬ ‫مقاليد احلكم يف دم�شق بعد جناح االنقالب الذي نفذه حافظ الأ�سد على �صالح جديد‬ ‫ورئي�س اجلمهورية نور الدين الأتا�سي‪.‬‬ ‫حرب ‪1973‬‬

‫ت�سلم ال�سلطة الرجالن بعد �سل�سلة من الهزائم‪ ،‬فكان من الطبيعي �أن تكون احلرب �ضد‬ ‫العدو �أول �أهدافهما‪ ،‬ولو �أن لكل واحد منهما غايته و�أهدافه و�أ�ساليبه‪.‬‬ ‫ّوطد الرئي�س الأ�سد عالقته مع االحتاد ال�سوفياتي الذي بدوره قام بتزويد �سوريا ب�أ�سلحة‬ ‫حديثة وبكميات كبرية‪ ،‬خا�صة بعد خالفه مع �أنور ال�سادات الذي طرد اخلرباء الرو�س‬ ‫من م�صر فلم يبق لالحتاد ال�سوفياتي يف املنطقة �إال دم�شق كدولة وازنة‪.‬‬ ‫اتفق الرجالن على �شن احلرب؛ وكانت حرب ت�شرين بلغة ال�شام وحرب الغفران بلغة‬ ‫العدو‪ .‬وا�ستطاع اجلي�شان امل�صري وال�سوري خرق خط بارليف قي قناة ال�سوي�س و�ضرب‬ ‫خط �آلون يف مرتفعات اجلوالن وكانت هذه املرة الأوىل التي تكون نتائج املعركة مل�صلحة‬ ‫الأمة والعرب‪.‬‬ ‫ولكن ح�صول عملية الدفر�سوار على اجلي�ش امل�صري التي قيل وكُ تب عنها الكثري‬ ‫كانت نقطة البداية يف اخلالف بني الرجلني‪ ،‬فمنها بد�أت اخلطوة الأوىل مل�شوار ال�سادات‬ ‫�إىل كني�ست دولة العدو‪ ،‬ومن ثم توقيع اتفاقات كامب ديفيد ورحلة الأ�سد بحرب‬ ‫اال�ستنزاف‪ ،‬ومن ثم املوافقة على الهدنة‪.‬‬ ‫�إن ثغرة الدفر�سوار وما ّ‬ ‫�شكلته من خطر على اجلي�ش امل�صري دفعت بوزير خارجية االحتاد‬ ‫ال�سوفياتي �أن يقوم بزيارة �سرية �إىل القاهرة ويطلب من �أنور ال�سادات وقف احلرب‪.‬‬ ‫‪141‬‬


‫علمت الواليات املتحدة بالزيارة وهدفها فبادر وزير خارجيتها هرني كي�سنجر �إىل الطلب‬ ‫من م�صر وقف احلرب و�أخرب دولة العدو ب�أنه �سيعمل كل ما ي�ساعدهم‪ ،‬و�أنهم �أي‬ ‫الأمريكان �أ�صبحوا �أ�سياد اللعبة‪ .‬وبالفعل �أم�سك هرني كي�سنجر مبلف احلرب وال�سلم‬ ‫يف املنطقة‪ .‬و�أعلن �سيا�سة اخلطوة خطوة وغاب االحتاد ال�سوفياتي عن ال�سمع‪.‬‬ ‫اختلفت الدولتان وقت احلرب فكنا ال�ضحية‪ ،‬واتفقتا على وقف احلرب فكنا ال�ضحية‪.‬‬ ‫�إن �سيا�سة اخلطوة خطوة منحت الراعي الأمريكي فر�صة لدوزنة ّ‬ ‫حل يكون مل�صلحة دولة العدو‪.‬‬ ‫لذلك كانت خطتهم ف�صل دم�شق عن القاهرة‪ ،‬ومن ثم العمل ب�شكل منفرد مع االثنني فكان‬ ‫قمة ما تو�صل �إليه الراعي الأمريكي هو دفع الرئي�س امل�صري لزيارة الكني�ست اليهودي‪ .‬وهذه‬ ‫الزيارة زرعت �أ�سفني اخلالف بني البلدين (م�صر واجلمهورية العربية ال�سورية) وق ّوت خيط‬ ‫العالقة مع �أمريكا ودول الغرب وبتمثيلية م�ضحكة �أخرجت م�صر من اجلامعة العربية‪.‬‬ ‫�إن زيارة ال�سادات �إىل تل �أبيب تعترب الفاحتة العلنية لعالقة دولة عربية مع دولة العدو‪ ،‬وت�ؤكد‬ ‫�أنها مل تك�سر فقط حاجز اجللو�س على طاولة واحدة بل ك�سرت نظرية حترير فل�سطني و�سمحت‬ ‫ملن �أتعبتهم فل�سطني وللعرب الذين ال يعرفون من فل�سطني �سوى ا�سمها �أن ين�سجوا عالقات‬ ‫ر�سمية �أو غري ر�سمية اقت�صادية �أو غري اقت�صادية مع �أفراد �أو م�ؤ�س�سات �أو �شركات يهودية‪.‬‬ ‫ومهدت لأ�صحاب نظرية ال�سالم العاملي وانتهاء زمن‬ ‫املحرم ّ‬ ‫�إن زيارة ال�سادات ك�سرت ّ‬ ‫الدولة القومية الطريق للحديث عن �صوابية نظريتهم‪.‬‬ ‫�أما اتفاقات كامب ديفيد التي رعاها الأمريكي منفرداً‪ ،‬والتي �أنهت حالة احلرب بني‬ ‫ف�شجعت �أ�صحاب نظرية الدولتني من الفل�سطينيني على �إقامة‬ ‫م�صر ودولة العدو‪ّ ،‬‬ ‫عالقات مع الواليات املتحدة التي متنحهم جواز �سفر �إقامة الدولة ولو على م�ساحة ال‬ ‫تزيد عن كلم واحد‪.‬‬ ‫�إن حرب ت�شرين �أظهرت توا�ضع دور االحتاد ال�سوفياتي وق�صوره لأنه مل ي�ستثمر نتائج‬ ‫احلرب يف زمن املفاو�ضات‪ ،‬وكان هذا م�ؤ�شراً خطرياً فقد جند عذراً لغياب دوره يف كل‬ ‫احلروب والأزمات التي �سبقت‪ ،‬ولكن ال يوجد عذر لغيابه عن املفاو�ضات التي �أعقبت‬ ‫حرب ‪1973‬وتلزمي �إدارة العملية للواليات املتحدة‪ .‬كان هذا م�ؤ�شراً لرتاحع احلرب‬ ‫الباردة بني العمالقني وميل الكفة مل�صلحة الواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫�شجع دولة العدو على‬ ‫�إن غياب االحتاد ال�سوفياتي عن حركة الفعل ال�سيا�سي يف املنطقة ّ‬ ‫‪142‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫املمتدة من الفرات �إىل النيل‪ ،‬فكان لبنان بوابته‬ ‫تنفيذ اخلطط التي ت�ؤمن له �إن�شاء دولته ّ‬ ‫الأوىل التي ّفجرها �آم ًال �أن ي�صل �إىل النتائج التالية‪:‬‬ ‫�أو ًال تق�سيم لبنان �إىل كيانات طائفية هزيلة‪.‬‬ ‫ثانياً الق�ضاء على املقاومة‪.‬‬ ‫ثالثاً �إلهاء القوى الوطنية والقومية باحلرب الداخلية‪ ،‬مما مينعه من الرتكيز على تغيري‬ ‫النظام وبناء لبنان الوطني املتحالف مع املقاومة‪.‬‬ ‫وملا ف�شل يف حتقيق غايته‪ ،‬جل�أ �إىل اجتياح لبنان واحتالل مدينة بريوت التي ح�ضنت‬ ‫فر�سان املقاومة‪ ،‬ف�أعطت العدو در�ساً مل ولن ين�ساه �أبداً‪.‬‬ ‫بريوت كانت بداية املقاومة احلقيقية التي قهرت العدو و�أجربته على االن�سحاب من لبنان‬ ‫و�سددت له �ضربة قا�سية عندما �أ�سقطت م�شروعه يف اال�ستيالء على ال�سلطة عرب‬ ‫كله‪ّ ،‬‬ ‫�إ�سقاط ب�شري اجلميل قتي ًال بعد انتخابه رئي�ساً‪ .‬ومل ت�ستطع الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫بكل قوتها ال�سيا�سية والع�سكرية �أن متنع �إرادة الأمة عن ممار�سة حقها يف الدفاع عن نف�سها‪.‬‬ ‫الهدف الوحيد الذي حققه العدو هو خروج �أبو عمار ومقاتليه وبع�ض مقاتلي املنظمات‬ ‫الفل�سطينية �إىل تون�س‪ ،‬حيث من هناك بد�أت رحلة حمادثات �أو�سلو ومن هناك اقرتب‬ ‫حتقيق �أمل ابو عمار يف قيام دولة يكون رئي�سها‪.‬‬ ‫�أمريكا حتاول حتقيق حلم العدو بوا�سطة ال�سالم‬

‫بعد كامب ديفيد ونزوح الفل�سطينيني �إىل تون�س و�سقوط االحتاد ال�سوفياتي �أ�صبحت‬ ‫الطريق مفتوحة ملحادثات ال�سالم على اجلبهات الثالث (جبهة الفل�سطينيني – جبهة‬ ‫الأردنيني – جبهة اجلمهورية العربية ال�سورية)‪.‬‬ ‫مل تكن عقبة االتفاقات يف عمان وال يف فل�سطني بل كانت يف دم�شق‪.‬‬ ‫ف�أوراق امللك ح�سني يف وا�شنطن منذ �أ�صبح ملكاً‪ ،‬و�أوراق �أبو عمار �أ�صبحت يف وا�شنطن‬ ‫منذ �سقط االحتاد ال�سوفياتي‪ ،‬وقبل خروجه من بريوت‪.‬‬ ‫امللك واخلتيار يجنحان �إىل ال�سلم مهما كان الثمن رخي�صاً‪.‬‬ ‫كان على الدبلوما�سية الأمريكية �أن تلعب بكل براعة وقوة كي ت�ستطيع بناء طاولة احلوار املبا�شر‪،‬‬ ‫‪143‬‬


‫لذلك بد�أ جيم�س بيكر برحالته املكوكية �إىل عوا�صم القرار يف العامل العربي وتل �أبيب حام ًال‬ ‫يف كل مرة اقرتاحاً جديداً ل�شكل الطاولة دون تغيري املو�ضوع الذي هو ال�سالم والهدف الذي هو‬ ‫م�صلحة دولة العدو‪ .‬و�أظهر مالمح م�شروعه يف كلمة �ألقاها يف اجتماع الدول ال�سبع يف دم�شق �إذ قال‪:‬‬ ‫�آن الأوان خللق تعاون �إقليمي يف املنطقة‪ ،‬بغ�ض النظر عن اختالف نُظمها ال�سيا�سية واالجتماعية‪.‬‬ ‫الذي �ساعد �أي�ضاً بيكر يف حتقيق هدفه احلرب اخلليجية الثانية التي و�ضعت الأمريكي‬ ‫على بوابات كل العوا�صم العربية وخا�صة عوا�صم اخلليج املوافقة على نتائج �أي حمادثات‬ ‫و�أي نتائج لهذه املحادثات‪ ،‬لأنها تريد �أن تنزع ورقة فل�سطني من الأنظمة والأحزاب التي‬ ‫ُتعتربعائقاً �أمام م�شروع حتكمهم بالعامل العربي‪.‬‬ ‫واي�ضاً ما �ساهم يف ت�سريع م�شروع بيكر هو اجتماع معظم العرب يف جبهة واحدة �ضد‬ ‫غزو الكويت‪ ،‬وفتح قنوات ات�صالهم مع الأمريكيني على م�صاريعها‪.‬‬ ‫وهكذا �أ�صبحت الأجواء منا�سبة لرتكيب طاولة احلوار ومل تعد التباينات مانعاً ومعط ًال‬ ‫لهذه الطاولة‪ .‬ف�شروط دم�شق التي وافق عليها لبنان �أ�سقطتها الوفود الأخرى امل�شاركة‬ ‫و ّمت الإعالن عن موعد م�ؤمتر مدريد‪.‬‬ ‫انعقد م�ؤمتر مدريد برعاية �أمريكية و�سوفياتية وب�صيغة املحادثات الثنائية مع الوفدين‬ ‫الفل�سطيني والأردين و�صيغة امل�سار الواحد مع الوفدين ال�سوري واللبناين‪.‬‬ ‫أ�صر امللك واخلتيار على �أن تكون املحادثات ثنائية كي ي�صل كل واحد �إىل غايته‬ ‫لقد � ّ‬ ‫دون االلتفات �إىل ت�أثري االتفاق على الأطراف الأخرى‪.‬‬ ‫ت�شدد يف م�س�ألة وت�ساهل يف م�س�ألة‬ ‫ا�ستمرت املفاو�ضات بني عقدة هنا وخالف هناك‪ّ ،‬‬ ‫�أخرى‪ .‬وكانت القد�س عقدة ال ُعقد وطبيعة الكيان الفل�سطيني نقطة خالف جوهرية‪،‬‬ ‫لأن دولة العدو ترف�ض االعرتاف بالدولة الفل�سطينية‪.‬‬ ‫يف مدريد كانت املحادثات العلنية‪ ،‬ولكن يف مكان �آخر من العامل كانت منظمة التحرير‬ ‫تفاو�ض الواليات املتحدة و�إ�سرائيل‪ ،‬وهناك �أي يف �أو�سلو‪ ،‬كتب الأطراف الثالثة اتفاق‬ ‫او�سلو ووقعه يا�سر عرفات عن منظمة التحرير و�شمعون برييز عن دولة العدو يف ‪� 13‬أيلول‬ ‫يف مدينة وا�شنطن وبرعاية الرئي�س الأمريكي بيل كلنتون‪.‬‬ ‫من �أهم ما ين�ص عليه االتفاق‪:‬‬ ‫تعرتف منظمة التحرير بدولة �إ�سرائيل التي تغطي ‪ 78‬يف املئة من م�ساحة فل�سطني‪.‬‬ ‫‪144‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫تنبذ منظمة التحرير الإرهاب والعنف (متنع املقاومة امل�سلحة �ضد دولة العدو)‪.‬‬ ‫تعرتف �إ�سرائيل مبنظمة التحرير على �أنها املمثل ال�شرعي لل�شعب الفل�سطيني‪.‬‬ ‫تقر �إ�سرائيل بحق الفل�سطينيني يف �إقامة حكم ذاتي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫�إ�سرائيل هي امل�س�ؤولة عن حفظ �أمن منطقة احلكم الذاتي‪.‬‬ ‫�أما على امل�سار الأردين فقد تو�صل الأطراف �إىل توقيع اتفاق وادي عربة وبرعاية الرئي�س‬ ‫االمريكي بيل كلنتون ووزير خارجيته وارن كري�ستوفر‪ .‬وهذه االتفاقية �ألزمت الطرفني‬ ‫اخل�ضوع الكامل للقوانني الدولية و�شرعة الأمم املتحدة‪.‬‬ ‫و�أهم ما ن�ص عليه االتفاق‪:‬‬ ‫اتخاذ الإجراءات ال�ضرورية والف ّعالة‪ ،‬للت�أكد من �أن الأعمال والتهديدات بالعداء �أو‬ ‫التهريب �أو العنف ال ترتكب من �أرا�ضيها‪.‬‬ ‫الدخول يف �أي ائتالف �أو تنظيم �أو حلف له �صفة ع�سكرية �أو �أمنية مع طرف ثالث‬ ‫وم�ساعدته ب�أي طريقة من الطرق �أو الرتويج له �أو التعاون معه‪� ،‬إذا كانت �أهدافه �أو‬ ‫�شن العدوان �أو �أعما ًال �أخرى من العداء الع�سكري �ضد الطرف الآخر‪.‬‬ ‫تت�ضمن ّ‬ ‫ن�شاطاته ّ‬ ‫التعاون مبنع ومكافحة الت�سلل عرب احلدود‪.‬‬ ‫وبوادي عربة تكون دولة العدو فتحت طريقها �إىل االخرتاق العلني لكيانات الأمة ودول‬ ‫وتفرغت ملواجهة املقاومة يف لبنان واملقاومة يف غزة‪ ،‬والعمل على �إ�ضعاف‬ ‫العامل العربي ّ‬ ‫دولة اجلمهورية العربية ال�سورية‪ ،‬وحماولة ّ‬ ‫فك التحالف الذي تقيمه دم�شق مع املقاومة‪.‬‬ ‫وهذا ما طلبه وزير خارجية �أمريكا اجلرنال كولن باول من الرئي�س الأ�سد عندما احتلت‬ ‫�أمريكا العراق ووعده بجوائز تر�ضية �أق ّلها تن�صيبه زعيماً على العرب‪.‬‬ ‫نعود �إىل الدور الرو�سي الذي اكتفى بالرعاية وغاب عن تفا�صيل املحادثات ورعاية‬ ‫االتفاقات واملعاهدات كلها‪.‬‬ ‫حروب اخلليج‬ ‫حرب اخلليج الأوىل‪.‬‬

‫�إن دوافع حرب اخلليج الأوىل كثرية نذكر منها‪:‬‬ ‫‪145‬‬


‫�آ‪� -‬إلغاء �شاه �إيران حممد ر�ضا بهلوي عام ‪ 1969‬اتفاقية احلدود بني �إيران والعراق املربمة‬ ‫عام ‪ ،1937‬وطالب �أن يكون منت�صف النهر احلد الفا�صل بني البلدين‪.‬‬ ‫ب‪ -‬دعمت �إيران الأكراد �ضد العراق مما �ساهم يف ن�شوب ال�صدام بني الدولتني‪.‬‬ ‫وتو�صلت �إىل عقد اتفاقية بني البلدين يف العام ‪،1975‬‬ ‫ج‪ّ -‬‬ ‫تدخلت بع�ض الدول العربية ّ‬ ‫ن�ص على �أن يكون منت�صف النهر يف �شط العرب خط‬ ‫�سميت اتفاق اجلزائر الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫احلدود على �أن متتنع �إيران عن دعم الأكراد‪.‬‬ ‫د‪ -‬جناح الثورة الإ�سالمية يف �إيران‪.‬‬ ‫ه‪� -‬سحب ال�سفراء بني البلدين‪.‬‬ ‫و‪ -‬العراق يلغي اتفاقية العام ‪.1975‬‬ ‫ويف �شهر كانون الأول من العام ‪ 1980‬هاجم العراق �أهدافاً حمددة يف �إيران بعد اتهامه‬ ‫�إيران بق�صف مواقع عراقية‪ .‬وهكذا بد�أت حرب اخلليج التي �أنهكت الدولتني و�ساعدت‬ ‫على تو�سيع �شقة اخلالف بني دول العامل العربي‪ .‬فوقف اخلليج كله مع العراق‪� ،‬أما‬ ‫اجلمهورية العربية ال�سورية فدعت �إىل وقف احلرب‪ ،‬لأنها لي�ست يف م�صلحة �أحد‪.‬‬ ‫وجتدر الإ�شارة هنا �إىل �أنه يف ال�سابع من متوز من العام ‪� 1981‬ش ّنت طائرات دولة العدو‬ ‫هجوماً على املفاعل النووي قرب بغداد وح ّولته خالل ٍ‬ ‫ثوان �إىل كتلة رماد‪.‬‬ ‫وبعد م�ضي ثماين �سنوات على احلرب وافق الطرفان على وقف احلرب يف ع�شرين �آب‬ ‫من العام ‪ ،1988‬وبد�أت املفا�ضات بينهما يف جنيف‪.‬‬ ‫حرب اخلليج الثانية‬

‫خرج العراق من حرب اخلليج الأوىل التي اعتربها حرب كل العرب حلماية احلدود‬ ‫ال�شرقية‪ ،‬منهكاً وواقعاً حتت ديون مالية باهظة لدول اخلليج وخا�صة لل�سعودية والكويت‪،‬‬ ‫بلغت قيمتها ما يقارب ‪ 60‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫�أ�سباب حرب اخلليج الثانية‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬اخلالف على الديون‪.‬‬ ‫كان يعترب �صدام ح�سني �أنه يخو�ض معركة حماية احلدود ال�شرقية عن جميع كل الدول‬ ‫‪146‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫العربية‪ ،‬لذلك اعتقد �أن الأموال التي ح�صل عليها من العرب هي �ضريبة املعركة‪،‬‬ ‫لذلك يجب �أن ال ُت�سجل يف �سجل الديون‪ .‬ولكن ح�ساب احلقل مل يطابق ح�ساب‬ ‫البيدر‪ ،‬لأنه ما �أن توقفت احلرب حتى بد�أت الدول الدائنة تطالب ب�أموالها وخا�صة‬ ‫ال�سعودية والكويت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬كان يت�أمل العراق من دول منظمة اوبك تخفي�ض انتاج النفط مما يرفع �سعره‪،‬‬ ‫فيع ّو�ض العراق بع�ض خ�سائر احلرب‪ ،‬لكن ح�صل العك�س ومل تنخف�ض ن�سبة الإنتاج‬ ‫وبقيت على حالها �أي كما كانت زمن احلرب‪.‬‬ ‫ج‪ -‬اتهم العراق الكويت بقيامها بعمليات تنقيب غري مرخ�صة عن البرتول يف اجلانب‬ ‫العراقي من حقل الرميلة النفطي‪ ،‬وهو حقل م�شرتك بني العراق والكويت‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬من نتائج حرب اخلليج الأوىل تدمري موانئ العراق على اخلليج العربي مما �شلّ‬ ‫حركة الت�صدير العراقي للنفط‪ ،‬ولأن العراق ي�ضع يف ح�ساباته ن�شوب حرب جديدة مع‬ ‫�إيران‪ ،‬وهو يحتاج �إىل م�ساحات �أكرب من ال�سواحل ّ‬ ‫املطلة على اخلليج والكويت فر�صته‬ ‫الوحيدة لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫و‪ -‬اعترب �صدام ح�سني �إعالن ال�سفرية االمريكية يف العراق كريبرتيك حياد �أمريكا يف‬ ‫م�س�ألة ال�صراع العربي العربي موافقة �ضمنية على غزو الكويت‪.‬‬ ‫ز‪ -‬اعتبار العراق الكويت حمافظة من حمافظات العراق ويجب �أن تعود �إىل العراق‬ ‫�ساعة ت�سنح الفر�صة‪.‬‬ ‫امل�شادة‬ ‫بد�أ يخرج اخلالف الكويتي العراقي من غرف االجتماعات �إىل العلن‪ ،‬فكانت ّ‬ ‫امل�شهورة على �شا�شة التلفاز بني عزة الدوري وملك الكويت حيث اتهم الأول امللك‬ ‫الكويتي بالعمالة واخليانة‪ .‬وا�شتهرت حادثة �ضرب املندوب العراقي املندوب الكويتي‬ ‫ب�صحن الطعام يف �أحد االجتماعات قبل يوم واحد من دخول العراق الكويت‪ .‬هاتان‬ ‫احلادثتان كانتا ال�سببني املبا�شرين الندالع احلرب بني العراق والكويت‪.‬‬ ‫يف الثاين من �آب عام ‪ 1990‬دخلت القوات العراقية الكويت وب�أقل من يوم كانت‬ ‫جميع امل�ؤ�س�سات الر�سمية وكل الكويت حتت �سيطرة القوات العراقية و ّمت اعتقال �آالف‬ ‫ا�ستمرت‬ ‫املدنيني الكويتيني و�أعداد من الأجانب‪ .‬و�أعلن عن ت�أليف حكومة للكويت‬ ‫ّ‬ ‫�أياماً عدة ومن ثم �أعلن الكويت حمافظة من حمافظات العراق‪.‬‬ ‫‪147‬‬


‫بعد �ساعات من االجتياح عقد جمل�س الأمن اجتماعاً بناء لطلب من الكويت والعراق‬ ‫و�أ�صدر قراراً طالب فيه العراق االن�سحاب من الكويت وترافق ذلك مبا�شرة التح�ضري‬ ‫لتحرير الكويت وبد�أت القوات الأمريكية تتدفق �إىل ال�سعودية بهدف حمايتها‬ ‫واال�ستعداد حلرب حترير الكويت التي ُ�سميت حرب اخلليج الثانية �أو درع ال�صحراء‪.‬‬ ‫انق�سمت مواقف الدول العربية بني م�ؤيد ومتح ّفظ وداعم‪ ،‬ولكن مل يكن لها �أي ت�أثري‬ ‫على م�سار جوالت احلرب التي بد�أت بهجوم جوي �أعقبه هجوم بري �أديا يف النهاية �إىل‬ ‫خروج القوات العراقية من الكويت وعودة العائلة احلاكمة �إىل مواقعها لت�سلم ال�سلطة‬ ‫من جديد‪.‬‬ ‫و�سجلت هذه احلرب �أي�ضاً غياب رو�سيا عن ميدان الأحداث يف ال�سلم واحلرب وحفرت‬ ‫عميقاً يف خالفات الدول العربية وزادت يف م�شاكل العراق االقت�صادية واالجتماعية‬ ‫و�أبعدت العراق عن ميدان �صراعنا مع عدونا يف فل�سطني‪.‬‬ ‫حرب اخلليج الثالثة‬

‫�إن حرب اخلليج الثالثة �أثبتت �أن �أمريكا كانت تريد من العراق اجتياح الكويت لتربر‬ ‫�شنها احلرب عليه لأن مربرات اخلليج الثالثة مل تكن واقعية‪ ،‬ومل تكن �صحيحة‬ ‫بل تراكيب وفربكات كي تغزو �أمريكا العراق‪ ،‬ولها يف ذلك جمموعة من الأهداف‬ ‫اال�سرتاتيجية املتعلقة بالثورة الإيرانية وامكانية امتدادها باجتاه العراق وخا�صة �أنه يوجد‬ ‫يف العراق �أكرثية �شيعية ميكن �أن تتجاوب مع الثورة‪ .‬وباملقاومة يف لبنان التي �سجلت‬ ‫انت�صارات على دولة العدو واملتحالفة مع دم�شق التي كانت مع الثورة الإيرانية من‬ ‫حلظة انت�صارها‪ .‬واالنتفا�ضة يف غزة التي نالت اهتماماً كبرياً من الثورة الإيرانية التي‬ ‫ا�ستبدلت علم دولة العدو بعلم فل�سطني‪.‬‬ ‫لذلك كان احتالل العراق �ضرورة لدولة العدو ولأمريكا ولدول اخلليج املرعوبة من‬ ‫�إمكانية �أن ي�شن العراق حرباً الحتاللها مبجرد عودة القوة �إليه‪.‬‬ ‫ا�ستطاعت �أمريكا التي قادت حتالفاً هي ر�أ�س حربة فيه من احتالل العراق ور�سم خريطته‬ ‫كما تريد هي‪ ،‬فح ّلت اجلي�ش العراقي و�أعطت الأكراد �صالحيات بناء كيان م�ستقل‪،‬‬ ‫و�س ّلمت ال�سلطة لرجالها من ال�شيعة ود ّربت جمموعة من �أتباعها و�أوكلت �إليهم عملية‬ ‫بناء الدولة واجلي�ش من جديد‪ ،‬و� ّأ�س�ست لإمكانية اندالع حرب �أهلية تكون ال�ضربة‬ ‫‪148‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫الأخرية التي ت�ضع العراق خارج الفعل ال�سيا�سي والع�سكري لأجل غري منظور‪.‬‬ ‫بعد �إنهاك العراق ال بد من �إنهاك املقاومة يف لبنان التي ك�سرت العنفوان الإ�سرائيلي‬ ‫وحر ّرت معظم املناطق اللبنانية فكانت حرب متوز ‪ 2006‬التي ا�ستمرت �أكرث من‬ ‫�شهر وا�ستعملت فيها دولة العدو كل ما متلكه من قوة يف الرب واجلو والبحر مع الدعم‬ ‫الأمريكي الذي متثل باجل�سر اجلوي الذي ربط تل �أبيب بوا�شنطن و�أي�ضاً مع الإ�صرار‬ ‫تتقدم باجتاه اجلنوب وحتتلّ ولو ب�ضعة‬ ‫االمريكي على اال�ستمرار باملعركة ومل ت�ستطع �أن ّ‬ ‫كيلومرتات‪ ،‬لذلك كان انت�صار متوز هزمية كبرية لدولة العدو ولأمريكا وكانت املرة االوىل‬ ‫التي تذوق فيها �أمريكا املتحالفة مع دولة العدو طعم اخل�سارة يف املنطقة‪.‬‬ ‫من الطبيعي �أن حلظة وقف النار يف لبنان كانت حلظة بداية التح�ضري حلرب جديدة‪.‬‬ ‫من هنا ال ميكن لنا �أن نف�صل بني ما جرى يف العراق ولبنان وما يجري الآن يف اجلمهورية‬ ‫العربية ال�سورية‪ .‬و�إذا �أردنا �أن نزيد فنقول �إنها حرب اخلليج الرابعة‪ .‬واملق�صود هنا حرب‬ ‫�أمريكا ودولة العدو على �أمتنا‪ ،‬فبعد �سقوط الأردن وقيام ال�سلطة امل�سخ يف ال�ضفة الغربية‬ ‫التي تعي�ش حتت رحمة دولة العدو مالياً و�أمنياً ال بد من �ضرب دم�شق التي ب�ضربها‬ ‫ُت�ضرب املقاومة يف لبنان واالنتفا�ضة يف غزة‪.‬‬ ‫و�سيلتهم الوحيدة حرب املجتمع على نف�سه‪ .‬لذلك عملت الدول الأجنبية على خلق‬ ‫املربرات لن�شوب احلرب الداخلية‪ .‬فكان �شعار الربيع العربي والثورة �أجنح املربرات‪.‬‬ ‫لأنهما يخاطبان �إح�سا�س كل مواطن يف العامل العربي‪.‬‬ ‫انتقلت مرجعية الثورة والتغيري من االحتاد ال�سوفياتي �إىل �أمريكا ومن دم�شق وبغداد‬ ‫والقاهرة �إىل الريا�ض والدوحة و�أ�صبح �أمراء اخلليج مرجعيات الث ّوار‪ ،‬و�أ�صبحت اجلوامع‬ ‫مراكز الثورة‪ ،‬تنطلق منها كل يوم جمعة وبعد ال�صالة اجلماهري التي ُتطلق عنواناً من‬ ‫عناوين الثورة‪ ،‬واعتقدت �أمريكا �أنها �ستفعل يف دم�شق ما فعلته بطرابل�س الغرب‪.‬‬ ‫�إن احلرب على �سوريا قلبت كل املقايي�س وك�شفت كل الأوراق امل�ستورة‪ ،‬وطردت‬ ‫اخلجل من نفو�س العمالء واخلونة و�أحرقت كل موانع التوا�صل مع الأعداء‪ ،‬و�أكدت‬ ‫وق�صرت امل�شوار على عرب الردة واخليانة �إىل تل �أبيب‪،‬‬ ‫نظرية �صديق �صديقي �صديقي‪ّ ،‬‬ ‫فا�ستبدلوا الزيارة بوا�سطة وا�شنطن بخط �ساخن فتحوه مع تل �أبيب مبا�شرة‪ ،‬وا�ستبدلت‬ ‫عملية امل�صاحلة بالوا�سطة بامل�صاحلة املبا�شرة‪ .‬انتقلت جتارة حتت الطاولة �إىل جتارة علنية‪.‬‬ ‫قطر ت�شرتي �أبو مازن وفل�سطني‪ ،‬ال�سعودية ت�شرتي نبيل العربي ومترر قرار اتهام حزب‬ ‫‪149‬‬


‫اهلل بالإرهاب‪ ،‬قطر ت�شرتي خالد م�شعل فيخرج من بيت الثورة املتوا�ضع يف دم�شق �إىل‬ ‫فخامة الق�صر الكبري يف الدوحة‪ .‬الدوحة �صدرها وا�سع حمل النقي�ضني املارك�سي عزمي‬ ‫املتح�ضر خالد م�شعل‪.‬‬ ‫ب�شارة وامل�سلم‬ ‫ّ‬ ‫قطر ت�شرتي حما�س وتدفعها للم�شاركة يف القتال �ضد دم�شق وحزب اهلل الذي د ّرب‬ ‫مقاتليها وز ّودها باملال وال�سالح‪.‬‬ ‫ال�سعودية ت�شرتي القاهرة لت�ضمن حيادها‪.‬‬ ‫ال�سعودية وقطر يدفعان لأمريكا ودول التحالف ب�سخاء ليدمروا دم�شق وكل مرافئ احلياة‬ ‫يف اجلمهورية العربية ال�سورية‪.‬‬ ‫تركيا ت�شرتي نفط ال�شمال ال�سوري ب�أرخ�ص الأ�سعار من داع�ش والن�صرة وتدفع لهما‬ ‫املال نقداً‪.‬‬ ‫ن�صف العرب ون�صف الغرب ون�صف ال�شرق‪ ،‬وكل على نيته دخل احلرب �ضد دم�شق‪،‬‬ ‫الفم خا�صة عندما و�صلت �أ�ساطيل‬ ‫ون�صف الن�صف اعتقد �أن اللقمة �أ�صبحت على فتحة ّ‬ ‫العم �سام البحر ال�سوري‪.‬‬ ‫ليلة واحدة �أ�سقط فيها الدب الرو�سي فار�س الكاوبوي فر�ضي اخليال بتخريجة ال�سالح‬ ‫الكيميائي وخرج من البحر ال�سوري‪.‬‬ ‫هذه الليلة كانت ليلة مف�صلية‪ ،‬منها بد�أ الرو�س رحلتهم اجلدية �إىل دم�شق وبد�أت‬ ‫ت�صر رو�سيا على‬ ‫ترت�سم خريطة املواجهة بني �أمريكا ورو�سيا‪� .‬إنها املرة الأوىل التي ّ‬ ‫انت�صار ا�سرتاتيجيتها يف ال�شرق الأو�سط عرب وجودها على �شواطئ �سوريا يف احلرب ويف‬ ‫املفاو�ضات‪.‬‬ ‫مل تعد �أمريكا ديك ال�ساحة الوحيد الذي يخطط وينفذ ويكون دور الآخرين من رو�س‬ ‫وغربيني انتظار حلظة التوقيع لي�شهدوا على �صحة التواقيع‪.‬‬ ‫انتهى زمن كي�سنجر وبيكر ووارن كري�ستوفر وغريهم من وزراء خارجية �أمريكا الذين‬ ‫لعبوا يف م�صري املنطقة وحيدين دون �شريك دويل‪.‬‬ ‫نحن اليوم نعي�ش زمن �صراع امل�صالح احلقيقية بني �أمريكا ورو�سيا وزمن اتفاقات تكون‬ ‫نتيجة هذا ال�صراع الدائر بني العمالقني‪.‬‬ ‫‪150‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫رو�سيا لن تكرر القبول باخلديعة منذ معاهدة كوتاهية مروراً باتفاقية �سايك�س بيكو‪،‬‬ ‫فحرب النك�سة‪ ،‬فخطة �إ�سقاط االحتاد ال�سوفياتي‪.‬‬ ‫رو�سيا تث�أر خلديعة ا�ستمرت قرناً من الزمن‪.‬‬ ‫واذا كانت اتفاقية �سايك�س بيكو ر�سمت خريطة املنطقة طيلة قرن كامل ف�إن املنطقة ت�سري‬ ‫نحو خريطة تر�سمها اتفاقية الفرو – كريي �أو من يخلفهما �أو يخلف �أحدهما‪ ،‬وال يزيد‬ ‫�سوى بع�ض احلوا�شي على اتفاقهما‪.‬‬ ‫والفرق بني �سايك�س بيكو والفرو كريي �أن الأوىل �أّبرمت بني طرفني اتفقا باحلرب‬ ‫وال�سلم والثانية اُبرمت بني طرفني اختلفا يف احلرب وال�سلم‪.‬‬

‫‪151‬‬


‫لبنان ‪ -‬بريوت ‪� -‬شارع احلمرا ‪ -‬بناية ر�سامني ‪ -‬ط‬

‫‪4‬‬

‫�ص‪.‬ب‪ 113 - 7179 :‬بريوت ‪ -‬لبنان‬

‫‪tel: 00961 -1 - 751 541‬‬ ‫‪E-mail: info@darabaad.com‬‬ ‫‪website: www.darabaad.com‬‬

‫ا�سم الكتاب‬

‫ا�سم الكاتب‬

‫تهجري املوارنة اىل اجلزائر‬ ‫عروبة يو�سف بك كرم‬ ‫عوملتان الفو�ضى واملقاومة‬ ‫الفل�سطينيون يف لبنان‬ ‫االن�سان اوال‬ ‫الهوية وال�صراع‬ ‫رحيل يف ج�سد‬ ‫الف�ساد امل�ؤدلج‬ ‫ال�صناعة يف طرابل�س‬ ‫التحية االخرية‬ ‫لبنان يف ذاكرة العراق القدمي‬ ‫علم االجتماع ال�سيا�سي‬ ‫�أحالم املاء‬ ‫ناق�صات عقل و دين‬ ‫التطبيع ي�سري يف دمك‬ ‫اوف الين‬ ‫حي التنك‬ ‫بابل والتوراة‬ ‫ال�سيا�سة تطور املعنى وتنوع املقرتبات‬ ‫حب بطعم القهوة‬ ‫امل�سرح العاري‬ ‫التنمية يف الهالل اخل�صيب‬ ‫ال�سقف‬ ‫‪ 90‬يوما يف ال�سعودية‬ ‫جهاد النكاح‬ ‫مناي‬ ‫يف مواجهة الطائفية‬ ‫لأين مل �أكن‬ ‫مار مارون واملوارنة‬ ‫�شعر الفداء واالنبعاث‬ ‫حرب التحرير القومية‬

‫�سركي�س �أبو زيد‬ ‫�سركي�س �أبو زيد‬ ‫�سركي�س �أبو زيد‬ ‫�شوكت �أ�شتي وغازي خلف‬ ‫�سركي�س �أبو زيد‬ ‫زهري فيا�ض‬ ‫زاهر العري�ضي‬ ‫د‪ .‬قي�س جرج�س‬ ‫منري خملوف‬ ‫من�صور عازار‬ ‫الأب �سهيل قا�شا‬ ‫�شوكت �أ�شتي‬ ‫�سوريا بدور الطويلة‬ ‫يحيى جابر‬ ‫د‪ .‬عادل �سمارة‬ ‫زاهر العري�ضي‬ ‫اكرام الداعوق‬ ‫الأب �سهيل قا�شا‬ ‫�شوكت �أ�شتي‬ ‫جومانة معالوي‬ ‫عبيدة االبراهيم‬ ‫زهري فيا�ض‬ ‫ريا�ض بيد�س‬ ‫�أ�سماء وهبة‬ ‫د‪.‬عادل �سمارة‬ ‫فايز غازي‬ ‫�سركي�س �أبو زيد‬ ‫ن�سرين كمال‬ ‫�سركي�س �أبو زيد‬ ‫زيتوين‬ ‫ل�ؤي ف�ؤاد‬ ‫ّ‬ ‫انعام رعد‬

‫ال�سرية‬ ‫احلرب على �آ�سيا‬ ‫العوملة وال�سيادة‬ ‫الفي�سبوك وت�شكيل العالقات االجتماعية‬

‫من�صور عازار‬ ‫علوان �أمني الدين‬ ‫علوان �أمني الدين‬ ‫وفاء كاظم حطيط‬

‫خيمة غزة‬

‫ن�ضال حمد‬

‫كتب �صدرت حديثاً‪:‬‬

‫ مواد للبناء – فهد البا�شا‬‫ ق�صائد افرتا�ضية ‪� -‬أمني الذيب‪.‬‬‫ كانت ال�ضيعة ب�ألف خري – غازي اخلوري‬‫ وال ينتهي اللعب ‪� -‬إكرام الداعوق‬‫ ما مل يكتب عن داع�ش ‪� -‬أحمد �صالح عثمان ‪ -‬خليل القا�ضي‬‫ منرب حتوالت – من�صور عازار‬‫ قامات �أنثوية ‪ -‬لوي�س احلايك‬‫ الأ�شجار العلفية واال�سرتاتيجية يف بالدنا ‪ -‬ف�ؤاد �سروجي و�أحمد �سرحان‬‫‪- The Oak Tree A word of wisdom from the plant kingdom - Fuad Srouj‬‬

‫الت�صنيف‬

‫تاريخ‬ ‫بيبلوغرافيا‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫�أدب‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫اقت�صاد‬ ‫مذكرات‬ ‫تاريخ‬ ‫علم اجتماع‬ ‫�أدب‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫�شعر‬ ‫�أدب‬ ‫دين‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫�أدب‬ ‫�شعر‬ ‫اقت�صاد‬ ‫�أدب‬ ‫مذكرات‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫�شعر‬ ‫فكر‬ ‫�شعر‬ ‫تاريخ‬ ‫�أدب‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫رواية‬ ‫مذكرات‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫اجتماع‬

‫كتب حتت الطبع‬ ‫ من �أجل غدٍ واعد (ر�سائل يف العدالة‪ ،‬وكرامة‬‫الإن�سان وبناء الدولة) ‪ -‬داود خرياهلل‬ ‫ يو�سف بك كرم يف ال�سرية ال�شعبية ‪� -‬سركي�س �أبو زيد‬‫ درو�س يف العقيدة ‪� -‬إنعام رعد‬‫‪ -‬التوراة تثبت ان فل�سطني ار�ض عربية ‪ -‬دعاء ال�شريف‬


‫مئة عام على �سايك�س‪-‬بيكو‬

‫تق�سيم �سوريا بني �سايك�س – بيكو الزرع‬

‫و�سان رميو احل�صاد‬

‫اليا�س فرحات ‪ -‬عميد متقاعد يف اجلي�ش اللبناين‪ ،‬باحث ع�سكري وا�سرتاتيجي‬

‫مع مطلع القرن الع�شرين بد�أت مالمح االنهيار تظهر بو�ضوح على االمرباطورية العثمانية‬ ‫التي كانت قد خ�سرت يف �أواخر القرن التا�سع ع�شر م�صر و�شمال افريقيا والقوقاز‪ .‬كما‬ ‫ظهرت مالمح التفكك �أي�ضا على االمرباطورية النم�ساوية الهنغارية يف �أوروبا‪ .‬ومن �أهم‬ ‫نتائج احلرب العاملية الأوىل �سقوط هاتني االمرباطوريتني و�إقامة نظام �أوروبي – دويل‬ ‫جديد يت�ضمن دو ًال جديدة وحدوداً جديدة‪.‬‬ ‫ب�سقوط االمرباطورية النم�ساوية الهنغارية ظهرت دول النم�سا واملجر ويوغو�سالفيا (مع‬ ‫�إرث من الأرا�ضي العثمانية ) ورومانيا وت�شيكو�سلوفاكيا وبولندا‪ .‬ا�ستمرت هذه الدول‬ ‫حتى انهيار االحتاد ال�سوفياتي فتفككت يوغو�سالفيا اىل عدة دول �صربيا وكرواتيا‬ ‫واجلبل اال�سود وكو�سوفو و�سلوفينيا والبو�سنة والهر�سك كما انق�سمت ت�شيكو�سلوفاكيا‬ ‫اىل ت�شيكيا و�سلوفاكيا �أما االمرباطورية العثمانية فقد مت الإعداد لوراثتها مبوافقة رو�سية‬ ‫يف اتفاقية �سايك�س بيكو عام ‪ 1916‬خالل احلرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫عام ‪� 2014‬سيطر تنظيم الدولة داع�ش على حمافظات نينوى والأنبار املحاذيتني ل�سوريا‬ ‫وبذلك �ألغيت احلدود ال�سورية العراقية وانطلق ال�سيا�سيون واملحللون بالقول �إن داع�ش‬ ‫�ألغت احلدود التي ر�سمها اال�ستعمار يف اتفاقية �سايك�س بيكو و�أبلغ من عرب عن ذلك‬ ‫هو رئي�س اقليم كرد�ستان العراق م�سعود الربازاين حني قال يف حديث اىل �صحيفة‬ ‫الغارديان الربيطانية ‪”:‬اعتقد ان زعماء العامل قد تو�صلوا بقرارة انف�سهم اىل ا�ستنتاج‬ ‫ان �سايك�س ‪ -‬بيكو قد انتهى‪ ”.‬و�أ�ضاف‪�“ :‬سواء قالوا ذلك �أم مل يقولو‪ ،‬قبلوا �أم مل‬ ‫يقبلوا‪ ،‬فهذه هي احلقيقة على االر�ض‪”.‬وبدوره قال �أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة‬ ‫‪153‬‬


‫اال�سالمية داع�ش يف خطبته ال�شهرية يف جامع املو�صل الذي �أعلن فيه قيام اخلالفة‬ ‫اال�سالمية “�سوف نتابع هذا التقدم املبارك ولن نتوقف حتى ن�ضرب �آخر م�سمار يف‬ ‫نع�ش م�ؤامرة �سايك�س بيكو‪”.‬‬ ‫�س�ؤال مل يطرح بعد ب�شكل جدي‪ ،‬لكن الأحداث الرهنة طرحته‪ ،‬هل يكون م�صري‬ ‫تق�سيمات �سايك�س ‪ -‬بيكو م�شابها لتق�سيمات االمرباطورية النم�ساوية ‪ -‬الهنغارية التي‬ ‫ظهرت بعد نهاية احلرب العاملية االوىل ثم انهارت مع انهيار االحتاد ال�سوفياتي؟ هل‬ ‫انهار النظام العربي بعد الربيع العربي؟ ونتيجة لذلك هل ن�شهد دوال جديدة وحدودا‬ ‫جديدة؟‬ ‫لنبد�أ �أوال كيف عقدت اتفاقية �سايك�س بيكو؟‬

‫تو�صلت فرن�سا وبريطانيا ورو�سيا القي�صرية اىل اتفاقية �سرية يف الفرتة ما بني ني�سان ‪/‬‬ ‫ابريل و ايار‪/‬مايو عام ‪ 1916‬وكانت ب�شكل تبادل وثائق بني وزارات اخلارجية يف الدول‬ ‫الثالث‪.‬‬ ‫عينت فرن�سا القن�صل العام ال�سابق يف بريوت جورج بيكو مندوبا �ساميا ملتابعة �ش�ؤون‬ ‫ال�شرق الأدنى والتفاو�ض مع احلكومة الربيطانية للبحث يف م�ستقبل املنطقة العربية‬ ‫بعد انتهاء احلرب‪ .‬انتقل بيكو اىل القاهرة واجتمع مع املندوب ال�سامي الربيطاين‬ ‫ل�ش�ؤون ال�شرق االدنى مارك �سايك�س ب�إ�شراف مندوب رو�سيا القي�صرية‪ ،‬و�أ�سفرت هذه‬ ‫االجتماعات واملرا�سالت عن اتفاقية عرفت با�سم “اتفاقية القاهرة ال�سرية”‪ ،‬وبعدها‬ ‫انتقل الثالثة اىل بطر�سربغ يف رو�سيا ونتج عن هذه املفاو�ضات اتفاقية ثالثية �سميت‬ ‫ب�إتفاقية �سايك�س بيكو وذلك لتحديد مناطق نفوذ كل دولة‪ .‬حتددت مناطق �سيطرة‬ ‫الدول الثالث كما يلي‪:‬‬ ‫بريطانيا‪ :‬مناطق جنوب وو�سط بغداد ومينائي عكا وحيفا يف فل�سطني‪.‬‬ ‫فرن�سا‪ :‬غرب �سوريا ولبنان ووالية �أ�ضنة الرتكية‪.‬‬ ‫‪154‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫رو�سيا‪ :‬الواليات الأرمنية يف تركيا و�شمال كرد�ستان‪.‬‬

‫بعد نحوعام يف ‪ 1917‬اندلعت الثورة البل�شفية و�سقط نظام القيا�صرة وحل مكانه حكم‬ ‫�شيوعي غري النظام ال�سيا�سي الرو�سي بكامله ‪ .‬ومن ابرز التغيريات ان النظام ال�شيوعي‬ ‫اجلديد الغى نوايا رو�سيا القي�صرية يف اال�ستيالء على ارا�ضي الواليات االرمنية وك�شف يف‬ ‫نوفمرب ‪ 1917‬عن هذه االتفاقية التي كان من املقرر ان تبقى �سرية‪ ،‬االمر الذي اثار غ�ضب‬ ‫العرب وال�سوريني والعراقيني من دون حتركات جدية النهاء مفاعيلها ‪ .‬وقعت االتفاقية‬ ‫اثناء احلرب وك�شف عنها وما زالت احلرب م�ستمرة ‪� .‬أبدى اليهود قلقهم من الك�شف‬ ‫عن االتفاقية التي ن�شرتها ال�صحف الربيطانية خ�صو�صا ان الك�شف عنها جاء بعد ثالثة‬ ‫ا�سابيع من ا�صدار وزير اخلارجية الربيطاين بلفور وعدا باقامة وطن قومي لليهود يف فل�سطني‬ ‫يف ر�سالة وجهها اىل اللورد روت�شيلد احد كبار قادة اليهود‪ .‬مل يكن رد الفعل العربي م�ؤثراً‬ ‫وال فاع ًال‪ .‬ح�صلت موجة من الغ�ضب يف ال�شارع العربي لكن ال�شعوب العربية وجهت‬ ‫انظارها اىل اىل اخلالفة اال�سالمية يف اال�ستانة ع ّلها توقف هذا امل�شروع العدواين ‪ .‬يف هذا‬ ‫الوقت كان احلكام يتبعون بريطانيا ويقاتلون معها بعدما كانت قوات احللفاء منيت بهزمية‬ ‫مدوية يف معركة غاليبويل يف م�ضيق الدردنيل عام ‪ 1916‬وقتل من التحالف الربيطاين‬ ‫–اال�سرتايل ‪ -‬الفرن�سي ‪ 55‬الفا‪ .‬دعم العرب بريطانيا وتلك�أوا عن م�ساندة العثمانيني يف‬ ‫حملة ال�سوي�س وقاتلوا اىل جانب الربيطانيني امال يف ك�سب ودهم وطمعا بان�شاء دول‬ ‫وعرو�ش يحكمونها عندما تنتهي احلرب‪ .‬يف نهاية احلرب كانت ايدي بريطانيا وفرن�سا‬ ‫طليقتني يف فعل ما تريدانه باملنطقة العربية ‪.‬‬ ‫عمليا ح�صلت فرن�سا على اجلزء االكرب من بالد ال�شام وجزء كبري من االنا�ضول‬ ‫واملو�صل‪ .‬اما بريطانيا فح�صلت على جنوب بالد ال�شام و�شرقا اىل لب�صرة وبغداد وكل‬ ‫املناطق الواقعة بني اخلليج واملناطق الفرن�سية‪.‬‬ ‫كانت اتفاقية �سايك�س بيكوبالن�سبة لفرن�سا وبريطانيا مبثابة ح�ساب احلقل النها عقدت‬ ‫اثناء احلرب والتي كان احللفاء واثقني من ك�سبها‪ ,‬اال ان اجراءات نهاية احلرب وفر�ض‬ ‫ال�صلح جاءت خمتلفة اىل حد ما ‪.‬‬ ‫‪155‬‬


‫ح�ساب البيدر كان يف �سان رميو يف ايطاليا‪:‬‬

‫تق�سيم املنطقة بني بريطانيا وفرن�سا ح�سب اتفاقية �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫تق�سيم املنطقة بني االنتداب الربيطاين واالنتداب الفرن�سي ح�سب اتفاقية �سان رميو‬ ‫‪156‬‬


‫مئة عام على �سايك�س‪ -‬بيكو‬

‫يف اذارعام ‪ 1920‬عقد امل�ؤمتر ال�سوري العام يف دم�شق بح�ضور ممثلني عن املدن الكربى‬ ‫وجوارها وهي دم�شق وحلب وحماه وحم�ص ودير الزور وانطاكيا وادلب واعزاز والالذقية‬ ‫وحوران وبريوت و�صيدا و�صور وطرابل�س وجبل لبنان والقد�س ويافا وحيفا واخلليل‬ ‫نابل�س و مناطق �أخرى‪ .‬كان امل�ؤمتر مبثابة برملان ميثل املنطقة بكاملها واعلن ا�ستقالل �سوريا‬ ‫با�سم اململكة ال�سورية العربية وت�شمل لبنان وفل�سطني واالردن و اال�سكندرون واالقاليم‬ ‫ال�سورية ال�شمالية التي اعطيت لرتكيا من قبل الربيطانيني والفرن�سيني يف معاهدة لوزان‬ ‫ونادى بامللك في�صل بن احل�سني ملكا على �سوريا ودعا اىل الوحدة العربية وخ�صو�صا‬ ‫الوحدة بني �سوريا والعراق‪.‬‬ ‫يف ني�سان ‪� 1920‬أي بعد �شهر من اعالن اململكة ال�سورية العربية ا�ست�شعر احللفاء خطرا من‬ ‫عقد امل�ؤمتر ال�سوري العام ونتائجه ‪ ،‬ويف رد فعل �سريع على اعالن ان�شاء اململكة ال�سورية‪،‬‬ ‫اجتمع املجل�س االعلى للحلفاء يف �سان رميو يف ايطاليا واتخد قرارات بتق�سيم املنطقة وحتديدا‬ ‫تق�سيم �سوريا بو�ضع �سوريا ولبنان حتت االنتداب الفرن�سي وفل�سطني و�شرق االردن حتت‬ ‫االنتداب الربيطاين والعراق حتت االنتداب الربيطاين ‪.‬كما قرراحللفاء يف �سان رميو االلتزام‬ ‫بوعد بلفور واعادة ر�سم احلدود بني �سوريا والعراق بحيث ت�صبح املو�صل يف العراق بعدما‬ ‫كانت يف �سوريا ح�سب اتفاقية �سايك�س بيكو ‪� .‬ضربت �سان رميو �آمال ال�سوريني ب�إ�شاء دولة‬ ‫واحدة وق�سمت اململكة ال�سورية املزمع ان�شا�ؤها اىل منطقتي حماية والحقا انتداب فرن�سي‬ ‫وبريطاين‪.‬‬ ‫ر�سمت معاهدة �سان رميو احلدود ال�سيا�سية بني دول امل�شرق العربي التي ما زالت قائمة‬ ‫حاليا ‪�.‬إمعانا منها يف متزيق املنطقة بد�أت ال�سلطات الربيطانية ت�سهيل هجرة اليهود اىل‬ ‫فل�سطني وتنظيمهم ا�ستعدادا الن�شاء دولة يهودية ‪ .‬فرن�سا بدورها حاولت متزيق �سوريا فا�صدر‬ ‫املفو�ض ال�سامي اجلرنال غورو عدة قرارات بعد ان انت�صر على اجلي�ش العربي يف معركة‬ ‫مي�سلون ودخل دم�شق‪� .‬أن�ش�أت فرن�سا دولة لبنان الكبري وهو لبنان بحدوده احلالية امل�ؤلف‬ ‫من مت�صرفية جبل لبنان ومدينة بريوت وطرابل�س وعكار و�صيدا وجبل عامل وا�ضاف اليها‬ ‫االق�ضية االربعة وهي حا�صبيا ورا�شيا والبقاع وبعلبك‪ .‬ثم ان�ش�أ دولة دم�شق ودولة حلب‬ ‫ودولة العلويني ودولة الدروز‪ .‬رف�ض ال�سوريون التق�سيمات الفرن�سية واندلعت ثورة �سلطان‬ ‫‪157‬‬


‫با�شا االطر�ش يف حوران وال�شيخ �صالح العلي يف جبل العلويني ورف�ضوا التق�سيم وعادت‬ ‫�سوريا موحدة من دون لبنان وطبعا من دون فل�سطني و�شرق االردن‪.‬‬ ‫متزيق �سوريا ولبنان هو فعل فرن�سي جاء بعد �سان رميو‪ .‬كما �أن ر�سم حدود دول االردن‬ ‫وفل�سطني و�سوريا والعراق �أي�ضا جاء بعد �سان رميو ‪.‬‬ ‫�سايك�س بيكو هي �أول م�شروع غربي لتق�سيم املنطقة بني بريطانيا وفرن�سا ‪ .‬اجلدير بالذكر‬ ‫�أن اخلليج والكويت كان يخ�ضع لالدارة الربيطانية و�أن مملكة جند التي كان عبد العزيز �آل‬ ‫�سعود يرتبع على عر�شها تو�سعت اىل االح�ساء والقطيف ثم اىل احلجاز وطردت الها�شميني‬ ‫منها ثم تو�سعت اىل مناطق اجلنوب اليمنية وهي جنران وجيزان وع�سري ‪ .‬عام ‪ 1934‬اعلن‬ ‫امللك عبد العزيز ان�شاء اململكة العربية ال�سعودية بحدودها احلالية‪ .‬بقيت �إمارات اخلليج وقطر‬ ‫والبحرين والكويت وعمان حتت احلماية الربيطانية ومل تتاثر باتفاقية �سايك�س بيكو بل هي‬ ‫فعل بريطاين من دون اي �شريك دويل‪.‬‬ ‫ابلغ تعليق وحتليل التفاقية �سايك�س بيكو من اجلانب الربيطاين جاء بعد ‪� 82‬سنة يف عام‬ ‫‪ 2002‬على ل�سان وزير اخلارجية الربيطاين يف حينه جاك �سرتو الذي قال يف حديث اىل‬ ‫جملة نيو �ستايت�سمان‪“ :‬هناك العديد من امل�شاكل التي يتعني علينا التعامل معها اليوم هي‬ ‫نتيجة ملا�ضينا اال�ستعماري‪ .‬وعد بلفور والت�أكيدات املتناق�ضة التي �أعطيت للفل�سطينيني ويف‬ ‫الوقت نف�سه اعطيت لال�سرائيليني ‪ .‬كل ذلك يجعل من تاريخنا ممتعا لكنه غري م�شرف‪”.‬‬

‫‪158‬‬


‫دار نل�سن‬

‫هاتف ‪01/739196:‬‬ ‫الربيد الإلكرتوين ‪darnelson@hotmail.com:‬‬


‫دار نل�سن‬

‫هاتف ‪01/739196:‬‬ ‫الربيد الإلكرتوين ‪darnelson@hotmail.com:‬‬


tel: 00961 -1 - 751 541 E-mail: info@darabaad.com website: www.darabaad.com


‫‪tel: 00961 -1 - 751 541‬‬ ‫‪E-mail: info@darabaad.com‬‬ ‫‪website: www.darabaad.com‬‬

‫لبنان ‪ 5000‬لرية | الأردن‪ 2 :‬دينار | �سوريا‪ 100 :‬لرية | م�صر‪ 10 :‬جنيه | تون�س ‪ 1.5 :‬دينار | املغرب‪ 20 :‬درهم | م�سقط‪ 1 :‬ريال‬ ‫ال�سعودية‪ 10 :‬ريال | البحرين‪ 1.5 :‬دينار | الكويت‪ 1.5 :‬دينار | قطر‪ 10 :‬ريال | الإمارات‪ 10 :‬درهم‬


‫العدد‬ ‫�أيار‬

‫‪2016‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.