Koreana Autumn 2009 (Arabic)

Page 1


‫صيف ‪ | 2009‬كوريانا ‪1‬‬


‫جمال كوريا‬

‫"بايكاينمو" الوسادة املزينة‬

‫© متحف الزخرفة والتطريز الكوري‬

‫الوسادة‬

‫كورية الطراز باكاينمو" ختتلف اختالفا كبريا عن نظريهتا‬ ‫الغربية بلباداهتا اليت تستعمل لتزيني جانبيها‪ .‬يتم جتهيز الوسادة الكورية التقليدية‬ ‫عن طريق حشو كيس قماش مبواد خمتلفة مبا فيها الفول األمحر أو الفول األخضر‬ ‫إىل جانب خنالة األرز أو قشور احلنطة السوداء أو بتلة الزهور اجلافة‪ .‬ولذلك‬ ‫تصبح هذه الوسادة الكورية ذات شكل مستطيل أو أسطواين وتكون أكثر ثباتا‬ ‫وأشد مسكا باملقارنة مع الوسادة الغربية‪.‬‬ ‫بايكاينمو تعرب عن جانيب الوسادة اللذين يزينان بأشكال ومواد خمتلفة‬ ‫فـ "ناجونتشيم" يشري إىل التزيني بالصدفيات و"هواكاكتشيم" يشري إىل قرن‬ ‫الثور اليت يتم رمسها يدويا‪ .‬ولكن من أكثر اخليارات الشعبية‬ ‫شيوعا تزيني جانيب الوسادة بالتطريز‪ .‬وأحيانا‪ ،‬تعتمد‬ ‫تصميمات التطريز على جنس املستعمل ـ إذا كان‬ ‫ذكرا أو أنثى ـ أو الظروف ويف العادة فإن تصميماهتا‬ ‫تتعلق برموز احلظ السعيد وطول العمر‪ .‬فمثال‪ ،‬حتظى‬ ‫املزينة ـ بصور الفراشات أو الزهور مبا فيها زهور القاوانيا‬ ‫والسحلبية واللوتس واملشمش ـ بشعبية بني النساء يف حني تعترب شجرة الصنوبر‬ ‫أو اخليزران أو الرموز املستقيمة مناسبة للرجال‪ .‬ويتم تزيني وسادات األزواج‬ ‫اجلدد بثنائي من طائر الفينق و‪ 7‬طيور أخرى صغرية للرمز للسعادة الزوجية وكثرة‬ ‫اإلجناب‪ .‬ومن التصميمات الشعبية األخرى رموز طول العمر اليت منها الكركي‬ ‫واأليل وشجرة الصنوبر والسلحفاة و"بولوتشو" ( فطر اهللود) والشخصيات‬ ‫الصينية املحظوظة‪.‬‬

‫يف املاضي‪ ،‬كان من الطبيعي أن تقوم أم بتطريز جانيب وسادات زوجها‬ ‫وأطفاهلا‪ .‬وهلذا ميكننا أن نلمس الرعاية الكبرية واملودة اللتني تفرغهما األم يف‬ ‫عملية تزيني الوسادة مضمنني يف بعض القصائد‪ .‬كما يف قصيدة " حبييب ينام" اليت‬ ‫كتبها الشاعر الكوري سو جونغ جو ( ‪ ،2000-1915‬اللقب األديب ‪ :‬ميدانغ)‬ ‫يقول هذا الشاعر‪" :‬عندما ينام حبييب‪ ،‬أصري كركيا يطري يف جانيب وسادته"‪.‬‬ ‫الوسادة املصورة هنا تسمى "الوسادة املزينة اليت ترمز إىل طول العمر"‬ ‫حيث يتم تصوير الكركيات الزرقاء والصفراء إىل جانب منوذج‬ ‫أسنان منشار لقطع احلظ غري السعيد‪ .‬وطبقا هلوه دونغ‬ ‫هوا مدير متحف التطريز الكوري الذي ميلك هذه‬ ‫الوسادة فإن نكهة املسك اليت تتخلل هذه املادة تبني ـ‬ ‫مبا ال يدع جماال للشك ـ أهنا حتفة من القصر امللكي‪.‬‬ ‫ويف معرض بايكاينمو الذي أقيم يف متحف التطريز الكوري‬ ‫الذي يعقد يف نوهنيون‪ -‬دونغ‪ ،‬سيول يف شهر أكتوبر املقبل ستتاح فرصة‬ ‫نادرة للزوار لرؤية حوايل ‪ 100‬قطعة من جانيب الوسادات امللكية والتقليدية اليت‬ ‫مجعها هوه دونغ هوا على مدى عدة عقود‪.‬‬ ‫يعد باكاينمو منوذجا آخر لالهتمام والتقدير الذي أواله الكوريون‬ ‫للمستلزمات اليومية مبا فيها وساداهتم وأغطية أسرهتم ومالبسهم‪ ،.‬وإىل جانب‬ ‫جتميل مظهر هذه املستلزمات اليومية كانت العناصر املزينة عبارة عن متنيات‬ ‫بالصحة والعافية والرفاه واالزدهار‪.‬‬


‫الفنون والثقافة الكورية املجلد ‪ - 5‬العدد ‪ - 3‬خريف عام ‪2009‬‬

‫وعاء سريرا ذهبي مع إبريق وآثار أخرى‪،‬‬ ‫تم اكتشافها في باغودا متعددة الطوابق بمعبد‬ ‫"ميروكسا" خالل مشروع إعادة الترميم‪.‬‬ ‫© سو هون كانغ‬

‫‪6‬‬

‫‪32‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪16‬‬

‫بعد ‪ 1400‬سنة قطع بوذية‬ ‫مبهارات عالية تخرج في وضح النهار‬ ‫‪8‬‬

‫الباغودا الحجرية متعددة الطوابق في معبد ميروكسا‬

‫‪16‬‬

‫آثار بوذية في الباغودا الحجرية متعددة الطوابق بمعبد "ميروكسا"‬

‫‪26‬‬

‫معبد ميروكسا وأسطورة سودونغ‬

‫كيم بونغ كون‬

‫‪40‬‬

‫‪46‬‬

‫لي كوانغ بيو‬

‫جو هونغ أوك‬

‫‪70‬‬


‫‪ 32‬مرآة‬

‫تصدر كل فصل عن مؤسسة كوريا‬

‫مسرح الفنون الذي أعيد تجديده في "ميونغ دونغ" يفتح أبوابه‬

‫كيم مون هوان‬

‫|‬

‫الناشر‪ :‬ليم سونغ جون‬ ‫رئيس التحرير‪ :‬هان يونغ هي‬ ‫مدير التحرير‪ :‬يل إن سوب‬ ‫مساعد رئيس التحرير‪ :‬ليم سون كون‬ ‫مدير التصوير‪ :‬كيم سام‬ ‫المخرج الفني‪ :‬يل دوك ليم‬ ‫المصمم‪ :‬كيم سو هي‪ ،‬هان سو هي‬ ‫هيئة التحرير‬ ‫جو سونغ تيك‪ ،‬هان كيونغ كو‪ ،‬هان ميونغ هي‪،‬‬ ‫جونغ جونغ هون‪ ،‬كيم هوا يونغ‪ ،‬كيم يونغ نا‪،‬‬ ‫كيم مون هوان‬

‫‪ 40‬مقابلة كانغ سو جني‬

‫راقصة الباليه كانغ سو جين التي بهرت المشاهدين‬ ‫حول العالم | تشونغ سانغ يونغ‬

‫‪ 46‬حرفي سون ديه هيون‬

‫وضع طبقات من دهان الورنيش للحصول على اللمعان الدائم‬ ‫ـ سون ديه هيون‪ ،‬خبير الورنيش المحترف ـ | بارك هيون سوك‬

‫محرر بالنسخة العربية‪ :‬حممد عبد القادر عبد اهلل أمحد‬

‫‪ 52‬حتف فنية‬

‫كيم هونغ دو يستلهم جوهر وروح مجتمع جوسون‬

‫|‬

‫جني جون هيون‬

‫‪ 56‬عرض فني‬

‫عودة إلى الوراء ‪ 30‬سنة من عمر مهرجان سيول المسرحي‬

‫|‬

‫كو هي سوه‬

‫االشتراك‬ ‫االشتراك السنوي ‪:‬‬ ‫كوريا ‪ 18 ، 000‬ون كوري‬ ‫آسيا بالربيد اجلوي ‪ 33‬دوالرا أمريكيا‬ ‫أي مكان آخر بالربيد اجلوي ‪ 37‬دوالرا أمريكيا‬ ‫سعر النسخة يف كوريا ‪ 4،500‬ون كوري‬ ‫المراسالت لالشتراك والتوزيع‬ ‫مؤسسة كوريا‬ ‫‪2558 Nambusunhwan-ro,‬‬ ‫‪Seocho-gu, Seoul 137-863, Korea‬‬ ‫‪Tel: 82-2-2151-6544 Fax: 82-2-2151-6592‬‬

‫‪ 62‬اكتشاف كوريا جون والكر‬

‫كتاب أطفال يعتني بالطبيعة‬

‫‪2558 Nambusunhwan-ro,‬‬ ‫‪Seocho-gu, Seoul 137-863, Korea‬‬ ‫‪www.kf.or.kr‬‬

‫|‬

‫هوانغ سون إيه‬

‫اإلعالنات‬ ‫‪CNC Boom co,. Ltd‬‬ ‫‪Towercrystal Building, 1008-1, Deachi 3-dong, Gang‬‬‫‪nam-gu Seoul, Korea‬‬ ‫‪Tel: 82-2-512-8928 Fax: 82-2-512-8676‬‬

‫‪ 66‬على املنصة الدولية بارك يونغهي بآن‬

‫المؤلفة الموسيقية "بارك يونغهي بآن" تقدم‬ ‫لمحبي الموسيقى ما يدفعهم لالبتسامة |‬

‫كانغ أون سو‬

‫الرسم التخطيطي والتصميم‬ ‫كيم وشركاه لالتصاالت‬ ‫‪398-1 Seogyo-dong, Mapo-gu,‬‬ ‫‪Seoul 121-840, Korea‬‬ ‫‪Tel: 82-2-335-4741 Fax: 82-2-335-4743‬‬

‫‪ 70‬على الطريق جانغهونغ‬

‫حيث األدب الكوري متجذر في األعماق‬

‫|‬

‫كيم هيونغ يون‬

‫طبعت خريف عام ‪2009‬‬ ‫شركة سامسونغ موهنوا للطباعة‬

‫‪ 78‬طعام‬

‫التمتع بطبق تورانتانغ المفيد صحيا في عيد تشوسوك‬

‫|‬

‫شيم يونغ سون‬

‫‪274-34, Seongsu-dong 2-ga,‬‬ ‫‪Seongdong-gu, Seoul 133-121, Korea‬‬ ‫‪Tel: 82-2-468-0361/5‬‬ ‫‪Fax: 82-2-461-6789‬‬

‫‪ 82‬نظرة من على البعد‬

‫كوريا التي قلبت الموازين في ذهني‬

‫|‬

‫تهاني محمد حسني هاللي‬

‫‪ 84‬حياة‬

‫سكان المدينة يستمتعون ببهجة البيوت الكورية التقليدية‬

‫‪ 89‬نافذة على األدب الكوري‬

‫كيم جونغ هيوك‬ ‫مكتبة اآلالت الموسيقية‬ ‫مكتبة اآلالت الموسيقية‬

‫|‬

‫شني سو جونغ‬

‫|‬

‫نترجمة‪ :‬جانغ سي وو‬

‫موقع كوريانا في اإلنترنت‬ ‫‪http://www.koreana.or.kr‬‬

‫|‬

‫شارلز ال شور‬

‫© مؤسسة كوريا ‪2009‬‬ ‫مجيع احلقوق حمفوظة‪ .‬ال جيوز إعادة إنتاج أي جزء من هذه‬ ‫الطبعة يف أي شكل بدون إذن مسبق من مؤسسة كوريا‪.‬‬ ‫اآلراء الواردة من الكتّاب ال متثل بالضرورة آراء املحررين‬ ‫لكوريانا أو مؤسسة كوريا‪.‬‬ ‫كوريانا‪ ،‬مسجلة كمجلة فصلية لدى وزارة الثقافة والسياحة‬ ‫(رقم التسجيل ‪ 1033-Ba‬بتاريخ ‪ 8‬أغسطس ‪، )1987‬‬ ‫وتصدر أيضا‬ ‫باإلجنليزية واإلسبانية والصينية والفرنسية والروسية واليابانية‬ ‫واألملانية‪.‬‬


‫بعد ‪ 1400‬سنة‪ ،‬قطع بوذية‬ ‫مبهارات عالية تخرج في وضح النهار‬ ‫على أرضية معبد ميروكسا‪ ،‬من مملكة بيكجي‪ ،‬يستمر مشروع إعادة ترميم أقدم باغودا حجرية كورية متعددة‬ ‫الطوابق (الكنز الوطني رقم ‪ )11‬وقد قاد ذلك إلى كشف حديث إلبداع حرفي بوذي قديم يعود إلى القرن السابع‬ ‫الميالدي‪ .‬وبشكل خاص‪ ،‬فإن أوعية المجوهرات والمدخرات من "السريرا" واألشياء األخرى ذات العالقة هي قطع‬ ‫عالية األهمية والقيمة نسبة لحالتها االستثنائية في الصمود والمحافظة عليها‪ ،‬مع تقديمها لدليل موثق عن خلفية‬ ‫معبد ميروكسا والتأثير النافذ الواسع للبوذية على مملكة بيكجي‪.‬‬

‫‪ 6‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫الجرار الداخلية والخارجية من الوعاء الذهبي‬ ‫التي اشتملت على سريرا وخرزات صغيرة جدا‬ ‫تشبه الكريستال الذي يوجد في بعض األحيان بين‬ ‫مخلفات جثث الرهبان البوذيين البارزين أو األساتذة‬ ‫الروحيين (بعد حرقها)‪ ،‬وهي تعكس مهارة وإتقان‬ ‫بيكجي‪.‬‬ ‫كوريانا ‪7‬‬ ‫مملكة‪| 2009‬‬ ‫الصناع لحرفتهم في فترة صيف‬


‫الباغودا احلجرية متعددة‬ ‫الطوابق في معبد ميروكسا‬ ‫كان معبد ميروكسا في مملكة بيكجي أكبر معبد في فترة الممالك الثالث (القرن األول قبل الميالد حتى القرن السابع‬ ‫الميالدي)‪ .‬مشروع استعادة (أو إصالح) الباغودا الحجرية متعددة الطوابق ـ هيكلها فقط ما زال قائما ـ نتج عنه‬ ‫مؤخرا استكشاف لفن الصناعة الحرفية البوذية الماهرة ـ من القرن السابع ـ وألقى بأضواء جديدة على بناء معبد‬ ‫ميروكسا واعتناق شعب بيكجي للفكر البوذي‪.‬‬

‫كيم بونغ كون مدير عام‪ ،‬معهد األحباث الوطين للتراث الثقايف‬

‫التصوير‪ :‬املعهد الوطني لبحوث التراث الثقافي | سوه هون كانغ مصور‬

‫اشتمل مخطط معبد ميروكسا على ثالثة أقسام متجاورة وثالثة‬ ‫بوابات داخلية في المنطقة الوسطى المركزية‪.‬‬ ‫(التوضيح من بيك كوم ريم)‬ ‫‪ 8‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫ظهرت‬

‫آثار معبد مريوكسا ألول مرة يف شهر كانون الثاين سنة‬ ‫‪ 2009‬بعد رفع حجر األساس يف الباغودا احلجرية متعددة الطوابق‪ .‬وقد بقيت‬ ‫مدفونة منذ ما يقارب ‪ 1400‬سنة‪ .‬وهلذا فإن هذه املجموعة من القطع الفنية‬ ‫املشغولة مبهارة عالية لصناع حمترفني وموقع معبد مريوسكا قد حظيت باهتمام‬ ‫كبري من وسائل اإلعالم والدوائر األكادميية‪ .‬مما جتدر اإلشارة إليه أنه عثر مع‬ ‫السريرا (القطرية الشبيهة بالكريستال‪ ،‬أو خرزات توجد أحيانا بني بقايا جثث‬ ‫األموات املحروقة للرهبان البوذيني املرموقني أو األساتذة الروحيني)‪ ،‬على وثيقة‬ ‫ملراسم وضع القطع املقدسة يرجع تارخيها إىل "سنة كيهي"‪ ،‬وهي توافق سنة‬ ‫‪ 639‬للميالد‪ .‬ويعترب هذا دليال موثقا يؤكد ما سبق من أن معبد مريوكسا بين‬ ‫يف القرن السابع وتؤكد تقديرات سابقة أن بالطات السقف على منوذج زهرة‬ ‫اللوتس واليت مت اكتشافها يف موقع املعبد هي من نفس هذه الفترة أيضا‪.‬‬ ‫معبد ميروكسا‬ ‫كان مريوكسا معبدا وطنيا بناه امللك "مو" (حكم من ‪،)641-600‬‬ ‫وهو احلاكم الثالثون يف مملكة بيكجي‪ ،‬وقد بذل جهدا كبريا جدا يف بنائه‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنه يشبه يف طبيعته معبد "هوانغريونغسا" يف مملكة شيلال‪ ،‬فإن‬

‫األرضيات املحصورة بني املمرات يف مريوكسا حماطة مبنطقة أوسع‪ ،‬مما يدل على‬ ‫أمهيته كأعظم معبد يف عهد بيكجي‪ .‬حىت بعد أفول مملكة بيكجي‪ ،‬استمر املعبد‬ ‫يف جذبه للزوار‪ ،‬يدل على ذلك أن املزخرفات الربونزية لطائر البطريق والبالطات‬ ‫يف هناية السقف مع تصاميم معقوفة من فترة مملكة شيلال املوحدة (‪)935-676‬‬ ‫مت اكتشافها يف هذا املوقع‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فقد استمر يف وظيفته كمعبد خالل‬ ‫فترة مملكة كوريو (‪ ،)1392-918‬عقب إعادة بنائه‪ .‬بقايا فترة مملكة كوريو‬ ‫اليت مت اكتشافها يف أعمال احلفريات السابقة تشتمل على بالط مزين كان يثبت‬ ‫على عوارض دعم السقف‪ ،‬وعدد كبري من أواين السيالدون‪.‬‬ ‫مع بداية عصر مملكة جوسون (‪ ،)1910-1392‬سعى حكامها إىل‬ ‫تشجيع الكونفوشيوسية وقمع البوذية‪ ،‬مما أدى إىل تراجع واحندار كبري يف أمهية‬ ‫الفن املعماري البوذي باملقارنة مع مباين القصور واملباين احلكومية‪ .‬أما عن اآلثار‬ ‫اليت تعود إىل عهد مملكة جوسون‪ ،‬فقد مت اكتشاف مواد خمتلفة‪ ،‬معظمها من‬ ‫املنطقة الشمالية لألرضيات القريبة من مباين االستراحات اليت كان يقيم فيها‬ ‫الرهبان الذين يقيمون بشكل دائم‪ ،‬وهلذا يفترض‬ ‫أن جممع املعبد قد تقلصت أمهيته إىل حد‬ ‫كبري‪ .‬يف "وايوروك"‪ ،‬اليت كتبها‬

‫صيف ‪ | 2009‬كوريانا ‪9‬‬


‫‪1‬‬

‫العامل "كانغ هو جني" من مملكة جوسون سنة ‪ 1738‬ذُكر أن باغودا مريوسكا‬ ‫متعددة الطوابق‪ ،‬واليت كانت تقف يف منتصف حقل لزراعة األرز‪ ،‬قد مت تدمريها‬ ‫جزئيا بفعل صاعقة منذ قرن من الزمان‪ .‬تتفق جمموعة من الدارسني يف الرأي‬ ‫الذي يفيد بأن هذا املعبد قد هجر يف وقت ما من القرن السادس عشر أو السابع‬ ‫عشر‪ ،‬أي تقريبا يف وقت الغزوات اليابانية (‪.)1598-1592‬‬ ‫اهنار هذا املعبد ليصبح أطالال‪ ،‬وتركت مبانيه وطبقاته املتعددة لتتعرض‬ ‫لالهنيار‪ .‬هناك صور من أوائل القرن العشرين تظهر باغودا حجرية متعددة‬ ‫الطوابق نصف منهارة يف حقل لزراعة األرز‪ .‬يف شهر آب سنة ‪ ،1974‬اكتشف‬ ‫فريق تنقيب من جامعة "وونكوانغ" موقع الباغودا الشرقية متعددة الطوابق‪ .‬ويف‬ ‫سنة ‪ ،1980‬وكجزء من اجلهود املبذولة للبحث يف بقايا وخملفات ثقافة بيكجي‪،‬‬ ‫بادر معهد األحباث الوطين مبنطقة "بويو" للتراث الثقايف إىل تبين مشروع تنقيب‬ ‫يف موقع معبد مريوكسا بالكامل‪ ،‬وقد استمر ‪ 17‬عاما‪ .‬كشفت أعمال احلفر‬ ‫والتنقيب أن املعبد كان يشتمل على باغودا خشبية مركزية متعددة الطوابق‪،‬‬ ‫تتفرع منها باغودتان حجريتان متعددتا الطوابق أيضا‪ .‬شكلت الباغودات الثالث‬ ‫متعددة الطوابق خطا مستقيما‪ ،‬من الشرق‬

‫إىل الغرب‪ ،‬وكل واحدة من هذه الباغودات هلا "كومدانغ" ( قاعة ذهبية) إىل‬ ‫الشمال متت تسمية موقع الباغودا األصلية باسم املوقع التارخيي رقم ‪ ،150‬يف‬ ‫حني أن بقية الباغودات احلجرية متعددة الطوابق مسيت الكزن الوطين رقم ‪.11‬‬ ‫مخطط فريد‬ ‫موقع املعبد باجتاه اجلنوب يواجه سلسلة تالل من جبل "يونغهواسان"‪،‬‬ ‫الذي ميتد من اليسار إىل اليمني‪ .‬وقد مت تشكيل املوقع من خالل إنشاء منصتني‬ ‫ذوايت أسوار حجرية يف منتصف البوابات‪ ،‬ومشال قاعة املحاضرات‪ .‬اشتمل‬ ‫القسم األمامي على البوابة اجلنوبية والبوابات الوسطى‪ ،‬مع منطقة مستطيلة‬ ‫صارت جزءا منها بسبب بناء املمرات‪ .‬هناك أقسام وسطية‪ ،‬وشرقية‪ ،‬وغربية‪،‬‬ ‫جنبا إىل جنب كل منها له طبقات متعددة خاصة به‪ ،‬وساحة‪ ،‬وقاعة‪ .‬إضافة‬ ‫إىل قاعة املحاضرات املفردة‪ ،‬فإن هناك باغودا مركزية متعددة الطوابق قد بنيت‬ ‫باخلشب‪ ،‬يف حني نرى أن الباغودتني الشرقية والغربية قد بنيتا من احلجر‪.‬‬ ‫التخطيط هلذه األقسام الثالثة جنبا إىل جنب هو منط فريد مرتبط‬ ‫مبعابد فترة بيكجي‪ .‬هناك تفسري رمبا يكون صحيحا بين على جمموعة مواعظ‬

‫‪2‬‬ ‫‪ 10‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫‪ 1‬دعامتا عمود الراية ـ على مدخل‬ ‫ـ موقع معبد ميروكسا (الكنز رقم‬ ‫‪ )236‬وقد كانت تعلق بينهما رايات‬ ‫المعبد في فترة من الفترات‪.‬‬

‫‪ 2‬بالطات سقف على شكل نموذج‬ ‫زهرة اللوتس وبالطات حواف‬ ‫تزيينية من حافة السقف الرئيسية‬ ‫(مانغسي) تم استخراجها من أرضيات‬ ‫معبد ميروكسا‪.‬‬

‫‪ 3‬نموذج رقمي تم تصوره للباغودا‬ ‫الحجرية متعددة الطوابق في موقع‬ ‫معبد ميروكسا‪( .‬بارك جين هو)‬

‫‪ 4‬الباغودا الحجرية متعددة الطوابق كما‬ ‫تبدو قبل البدء بأعمال إعادة الترميم‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وحكم بوذية تصف كيف أن "مايتريا"‪ ،‬بوذا املستقبل‪ ،‬الذي يعيش يف مساء‬ ‫توشيتا (جنة الثالثة وثالثني إالها)‪ ،‬قد أنقذ يف إحدى املرات كل الكائنات اليت‬ ‫متلك إحساسا رقيقا بإلقاء ثالث مواعظ سلوكية‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فإن الفلسفة‬ ‫اليت قام عليها معبد مريوكسا (معبد مايتريا) كانت متأصلة يف عبادة مايتريا‪،‬‬ ‫اليت كانت شائعة يف مناطق شرق آسيا يف ذلك الوقت‪ .‬وبناء على نص مشابه‪،‬‬ ‫فإن صور بوذا الثالث قد وضعت يف "مريوكجون" (قاعة مايتريا) يف معبد‬ ‫"كومسانسا" يف "كيمجي"‪.‬‬ ‫يف كتاب "سامغوكساغي" (تاريخ املمالك الثالث) ورد أن معبد مريكسا‬ ‫قد مت بناؤه وهو يتألف من ثالثة أقسام‪ ،‬كل قسم منها فيه قاعة اشتملت‬ ‫على صورة لبوذا وباغودا متعددة الطوابق وضعت فيها السريرا‪ .‬أكدت‬ ‫فرق التنقيب واحلفريات على وجود بركة وثالثة أقسام مستقلة‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يدعم صحة هذا التفسري‪ .‬املعبد هو بناء معماري هندسي جيسد املبادئ‬ ‫األساسية للبوذية‪ ،‬يف حني ميثل مريوكسا منوذجا فريدا عن كيفية‬ ‫اندراج فلسفة بوذا مايتريا ضمن خمطط املعبد‪.‬‬ ‫أهمية هندسية معمارية‬ ‫الباغودا متعددة الطوابق اليت بنيت من تسعة طوابق تقف‬ ‫يف األصل أمام القسم الشرقي الذي مت ترميمه يف تسعينات القرن العشرين‪،‬‬ ‫طبقا ألساسها املحتمل ‪ .‬الباغودا احلجرية متعددة الطوابق الغربية‪ ،‬اليت‬ ‫بقيت منها ست طبقات من أصل تسع‪ ،‬متت مؤخرا عملية تفكيك‬ ‫هلا يف إطار مشروع كامل إلعادة الترميم‪.‬‬ ‫الباغودا متعددة الطوابق هي نوع خيتلف عن‬ ‫‪3‬‬

‫صيف‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪11‬‬


‫‪ 1‬صورة فوتوغرافية للباغودا الحجرية متعددة الطوابق في‬ ‫موقع معبد ميروكسا توجد في "جوسون كوجوك دوبو" كتاب‬ ‫مصور حول المواقع التاريخية الكورية نشره جنرال في‬ ‫الحكومة اليابانية خالل الفترة االستعمارية‪.‬‬ ‫‪ 2‬خطط إعادة ترميم وبناء مجمع المعابد في "هوانغريونغسا"‪.‬‬ ‫‪ 3‬موقع معبد ميروكسا كما يبدو من قمة جبل مجاور‪.‬‬

‫‪ 4‬عدة خطط تم وضعها ودراستها إلعادة إعمار وترميم‬ ‫الباغودا الحجرية الغربية متعددة الطوابق في ميروكسا‪،‬‬ ‫بما في ذلك مقترحات إعادة بناء الطابق الثالث فقط منها‪،‬‬ ‫وإصالح بقية الطوابق (يمين)‪.‬إعادة إعمار وترميم المظهر‬ ‫الخارجي للباغودا متعددة الطوابق أثناء عملية التفكيك‬ ‫(يسار)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫معبد مريوكسا الذي بين لتشجيع رفاه وسالمة مملكة بيكجي‪ ،‬كان مثرة جهد شخصية من امللك "مو" أحد ملوك هذه اململكة‪ .‬وكمعبد وطين‪ ،‬فإن بناءه اشتمل على‬ ‫مهارات حرفية دقيقة ألكثر صناع وحرفيي وفنيي مملكة بيكجي مهارة وشهرة‪ .‬يف الواقع‪ ،‬كانت بيكجي معروفة بتقنياهتا املعمارية املتقدمة‪ ،‬اليت أثرت على الفن املعماري‬ ‫للمعابد يف مملكة شيلال املجاورة واليابان‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ 12‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫الستوبا اليت مت تطويرها يف اهلند لكي تضم بقايا بوذا والرهبان املحترمني‪ .‬يف‬ ‫األصل كانت تبىن باآلجر‪ ،‬وهي يف الكثري الغالب على شكل مستدير‪ ،‬مثل‬ ‫الستوبا الكبرية يف "ساتشي" اليت تبدو كمتراس ضريح كبري‪ .‬بعد انتقال البوذية‬ ‫إىل الصني‪ ،‬أحلقت الستوبا بالباغودا اخلشبية متعددة الطوابق على شكل سرادق‬ ‫متعدد الطوابق‪ ،‬والذي كان شائعا يف ذلك الوقت يف الصني‪ .‬بعد أن وصلت‬ ‫البوذية إىل شبه اجلزيرة الكورية‪ ،‬من خالل مملكة كوغوريو‪ ،‬مت بناء الباغودا‬ ‫اخلشبية متعددة الطوابق يف كوريا‪ ،‬كما هي احلال يف بقايا الباغودات اخلشبية‬ ‫متعددة الطوابق يف صورة السرادق من موقع معبد "تشونغآمريسا"‪ ،‬يف بيونغ يانغ‬ ‫بكوريا الشمالية‪ .‬ومع مرور الوقت‪ ،‬وبسبب كثرة اجلرانيت‪ ،‬أصبحت الباغودا‬ ‫احلجرية متعددة الطوابق هي األصل الشائع يف كوريا‪ .‬طبقا لذلك‪ ،‬فإن باغودا‬ ‫مريوكسا احلجرية متعددة الطوابق ذات قيمة كبرية نظرا ألمهيتها املعمارية لكوهنا‬ ‫منوذجا مبكرا على نقلة كوريا من الباغودا اخلشبية إىل احلجرية‪.‬‬ ‫إن بناء باغودا منطية قياسية متعددة الطوابق من اخلشب يشتمل على‬ ‫استخدام العديد من القطع اخلشبية اليت يتم تشكيلها بعناية وتركيبها معا؛ على‬ ‫أي حال‪ ،‬يف احلالة احلجرية‪ ،‬من الضروري للمكونات أن تكون أكرب وأقل‬ ‫تراكبا فوق بعضها‪ .‬التفحص الدقيق لباغودا مريوكسا احلجرية يكشف النقاب‬ ‫عن أن العناصر احلجرية‪ ،‬يف معظمها‪ ،‬كان يتم جتميعها بطريقة ترتبط عادة بالبناء‬ ‫اخلشيب‪ .‬بسبب قابلية اخلشب للتلف واحلريق‪ ،‬فإن الباغودا متعددة الطوابق‬ ‫أصبحت تبىن من اآلجر يف الصني ومن احلجر يف كوريا‪ .‬من جهة أخرى‪،‬‬ ‫وبفضل سرعة الوصول ملصادر اخلشب‪ ،‬فقد أظهر اليابانيون تفضيلهم لبناء‬ ‫باغودات متعددة الطوابق من اخلشب‪.‬‬ ‫يف العهود األوىل للبوذية يف كوريا‪ ،‬مت بناء باغودات متعددة الطوابق من‬ ‫اخلشب‪ ،‬تشبه السرادق‪ .‬يعتقد أن الباغودا احلجرية متعددة الطوابق يف موقع‬

‫مريوكسا صممت تصميما رائعا‪ ،‬وذلك ألن الطبقات الست املتبقية منها وصلت‬ ‫إىل ارتفاع ‪ 14,2‬مترا‪ .‬السجل الذي يشري إىل االرتفاع األصلي للباغودا متعددة‬ ‫الطوابق موجود يف "كو ّماجي" ـ سجالت منطقة "إكسان" السابقة يف مقاطعة‬ ‫"جولالبوك دو"‪ ،‬اليت كانت املقاطعة اإلدارية ملعبد مريوكسا ـ وهو مؤرخ‬ ‫بسنة ‪( 1756‬السنة الثانية والثالثون حلكم امللك "يونغجو" من مملكة جوسون)‬ ‫هذا السجل يشري إىل أن ارتفاع الباغودا متعددة الطوابق كان ‪ 10‬جانغ (اجلانغ‬ ‫الواحد يعادل حوايل ‪ 10‬أقدام)‪ ،‬مما جيعلها أعلى باغودا حجرية متعددة الطوابق‬ ‫يف كوريا وإقليم شرق آسيا‪.‬‬ ‫لبناء أعلى باغودا حجرية يف البالد‪ ،‬فإن األمر تطلب استدعاء أمهر البنائني‬ ‫واملعماريني‪ .‬إن وجود الباغودا متعددة الطوابق هو شهادة على املهارات البديعة‬ ‫للصناع واحلرفيني والفنيني الكوريني‪.‬‬ ‫معبد مريوكسا الذي بين من أجل راحة وسعادة مملكة بيكجي كان‬ ‫مشروعا من بنات أفكار امللك "مو" من ملوك بيكجي‪ .‬وكمعبد وطين‪ ،‬فإن‬ ‫بناءه اشتمل على مهارات حرفية دقيقة من قبل أفضل وأبرز الصناع واحلرفيني‬ ‫والفنيني يف مملكة بيكحي‪ .‬يف الواقع‪ ،‬كانت بيكجي معروفة بتقنياهتا املعمارية‬ ‫املتقدمة‪ ،‬اليت أثرت على اهلندسة املعمارية ململكة شيلال املجاورة كما أثرت عليها‬ ‫يف اليابان أيضا‪ .‬من املعروف أن احلريف املاهر ذا الصيت الذائع يف مملكة بيكجي‬ ‫"آبيجي" قد استدعي من قبل شيلال لكي يشرف على بناء باغودا خشبية من‬ ‫تسعة طوابق يف معبد "هوانغريونغسا" سنة ‪ .645‬وملا كان معبد "مريوكسا" قد‬ ‫مت بناؤه يف نفس الوقت الذي بدأ فيه العمل يف "هوانغريونغ"‪ ،‬فال جيانب املنطق‬ ‫أن نفترض أن "آبيجي" قد شارك أيضا يف بناء مريوكسا‪ .‬يشري "سامغوكساغي"‬ ‫إأل أنه من أجل املساعدة يف بناء مريوكسا‪ ،‬فإن امللك "جينبيونغ" من مملكة شيلال‬ ‫أرسل عماال لكي يقوموا هبذه املهمة‪ .‬وهبذا الترتيب‪ ،‬يعتقد بأن شيلال وبيكجي‬ ‫صيف‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪13‬‬


‫‪1‬‬

‫قد اخنرطتا يف جهود تعاونية حثيثة لبناء معابد مثل مريوكسا‪ ،‬باالستفادة من دمج‬ ‫خرباهتما الفنية واملعمارية‪.‬‬ ‫يف أقدم سجل تارخيي لليابان ـ يعرف يف اليابانية بلفظ "نيهون شوكي"‬ ‫(األحداث التارخيية لليابان) ـ ذكر أن البوذية قد انتقلت من مملكة بيكجي إىل‬ ‫اليابان يف أوائل القرن السادس‪ .‬وطبقا هلذا املصدر‪ ،‬ففي زمن "سوغا أوماكو"‪،‬‬ ‫ـ حاكم ياباين يف عهد مملكة "ياماتو" ـ أرسلت بيكجي املعماريني‪ ،‬والبنائني‪،‬‬ ‫وصانعي اآلجر‪ ،‬والدهانني إىل اليابان سنة ‪ 588‬وذلك للمشاركة يف بناء أول‬ ‫معبد بوذي وهو "آسوكاديرا"‪ .‬البالطات املصممة على شكل زهرة اللوتس‬ ‫اليت مت الكشف عنها يف هذا املوقع كشفت عن شكل بيضاوي صغري‪ ،‬مقارنة‬ ‫مع حجم البتالت‪ ،‬اليت تشتمل على حواف مرتفعة بنهايات بارزة مستديرة أو‬ ‫مثلثة‪ .‬وجد هذا التصميم الفريد يف "بويو" (العاصمة األخرية ململكة بيكجي)‬ ‫ولكن ليس يف منطقة "كونغجو" (العاصمة األوىل لبيكجي)‪ .‬ميكن أيضا أن نرى‬ ‫تأثري بيكجي على البناء املعماري ملعابد اليابان يف "شيتينوجي" (معبد امللوك‬ ‫السماويني األربعة)‪ ،‬الذي يشتمل على خمطط معبد بيكجي العادي‪ ،‬ويتألف من‬ ‫بوابة داخلية‪ ،‬وباغودا متعددة الطوابق‪ ،‬وصالة للعبادة‪ ،‬وقاعة حماضرات يف خط‬ ‫مستقيم‪ ،‬مع حمور من الشمال إىل اجلنوب‪.‬‬ ‫عملية التفكيك‬ ‫مت إجراء بعض اإلصالحات يف باغودا مريوكسا احلجرية متعددة‬ ‫الطوابق سنة ‪ ،1915‬خالل الفترة االستعمارية اليابانية‪ .‬ومهما يكن من أمر‬ ‫فإن اإلصالحات املبدئية اليت متت كانت بكل املقاييس عبارة عن إصالحات‬ ‫مؤقتة‪ ،‬اشتملت على وضع الكونكريت (اإلمسنت)‪ ،‬ملنع االهنيار التام للبناء‪.‬‬ ‫‪ 14‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫ومبرور الزمن‪ ،‬فإن كتل اإلمسنت ظهرت فيها عالمات تلف واضحة وأصبحت‬ ‫شديدة السواد بسبب تعرضها للمؤثرات املناخية من مشس ورياح وأمطار‪ .‬يف‬ ‫سنة ‪ ،1978‬وبعد دراسات حبثية ألرضيات املعبد حددت املظهر العام للباغودا‬ ‫متعددة الطوابق الشرقية املنهارة‪ ،‬قررت السلطات أن تبذل جهودا لترميم الباغودا‬ ‫الغربية‪ .‬وبناء على ذلك بدأ معهد األحباث الوطين للتراث الثقايف عملية التفكيك‬ ‫قطعة‪ -‬قطعة ملا تبقى من الباغودا وهي طبقاهتا الست وذلك سنة ‪ ،2001‬بادئا‬ ‫باألعلى ومنحدرا باجتاه األسفل‪.‬‬ ‫وأثناء عملية تفكيك الطابق الثاين‪ ،‬مت العثور على عدة خملفات‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك قطعة من جرة من السرياميك عليها ما يفيد أهنا تعود إىل فترة مملكة شيلال‬ ‫املوحدة‪ ،‬وقطعة أخرى من بالطة سقف مكتوب عليها سنة ‪ ،1317‬من عهد‬ ‫مملكة كوريو‪ ،‬وقطع معدنية من مملكة جوسون تعود إىل القرن الثامن عشر‪ .‬تشري‬ ‫هذه املصنوعات اليدوية الفنية إىل أن الباغودا احلجرية متعددة الطوابق أجريت‬ ‫عليها إصالحات ورمبا جدد بناؤها على مر السنني‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن العمود‬ ‫احلجري املركزي الذي يتوافق مع العمود املركزي للباغودات اخلشبية متعددة‬ ‫الطوابق‪ ،‬ميتد من مستوى القاع صعودا إىل الطابق السادس‪ .‬كشفت عملية‬ ‫التفكيك أيضا عن وضع طبقة بسمك مخسة سنتمترات من الطني بني احلجارة‪،‬‬ ‫استخدمت عازال لتوزيع احلمولة وخلق التوازن بني بلوكات احلجارة‪.‬‬ ‫يف ‪ 14‬كانون الثاين ‪ ،2009‬مت العثور على كزن يف حجرية "سريرا" يف‬ ‫أسفل األساس املركزي‪ .‬أكثر املواد لفتا للنظر بني األشياء اليت عثر عليها اشتملت‬ ‫على حافظة سريرا ذهبية‪ ،‬وقد ساعدت هذه يف إلقاء مزيد من األضواء على‬ ‫هيكل املعبد واملواد ذات العالقة‪ .‬حاليا‪ ،‬مع تقدم واستمرار األعمال يف الطبقة‬ ‫السفلية من األساس‪ ،‬فإن عملية التفكيك حسب ما خطط هلا سيتم الفراغ منها‬


‫‪ 1‬قطع حجرية تم تفكيكها من الباغودا الحجرية‬ ‫متعددة الطوابق يتم تنظيمها وتصنيفها وحفظها‬ ‫بشكل دقيق‪.‬‬

‫‪ 2‬منظر مقطع عرضي للباغودا الحجرية متعددة‬ ‫الطوابق وهو يظهر أن عمود الحجر المركزي‬ ‫للباغودا‪ ،‬يعادل العمود المركزي للباغودا الخشبية‬ ‫متعددة الطوابق‪ ،‬ويمتد من مستوى األساس (في‬ ‫الطابق األسفل) حتى الطابق السادس‪.‬‬

‫قاعة محاضرات‬

‫‪ 3‬توضيح لمخطط معبد ميروكسا كما ورد في‬ ‫ميروكسا الذي نشر في سنة ‪ 1996‬من قبل معهد‬ ‫األبحاث الوطني للتراث الثقافي في بويو‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫بنهاية هذا العام‪ .‬إن عملية إصالح الباغودا متعددة الطوابق وترميمها حيتمل أن‬ ‫يتم الفراغ منها يف سنة ‪ .2014‬وقد وضعت عدة مقترحات فيما يتعلق بعملية‬ ‫الترميم‪ .‬يصر البعض على إعادة الباغودا متعددة الطوابق إىل حالتها األصلية‬ ‫وقد كانت تتألف من تسعة طوابق‪ ،‬يف حني يفضل آخرون إعادة إصالحها‬ ‫وإرجاعها إىل حالة الستة طوابق فقط‪ ،‬وهي احلالة اليت كانت عليها عند بدء‬ ‫عملية التفكيك‪ .‬التزاما مببدأ األمانة التارخيية ومتانة البناء‪ ،‬وبسبب صعوبة إعادة‬ ‫املظهر األصلي للباغودا متعددة الطوابق‪ ،‬فقد تقرر تنفيذ اخليار الثاين وهو إعادة‬ ‫بنائها بستة طوابق‪.‬‬ ‫جهود إعادة الترميم واإلصالح‬ ‫يوافق املركز الدويل لدراسة محاية وإعادة إصالح وبناء املمتلكات الثقافية‬ ‫(‪ )ICCROM‬ـ وهو مؤسسة تابعة لليونسكو يتخذ من روما مقرا له ـ يوافق‬ ‫هذا املركز على مشاريع إعادة االستصالح والبناء يف حاالت استثنائية جدا‪ ،‬مثل‬ ‫تلف أو فقدان ال ميكن جتنبه لتراث ثقايف بسبب احلرب أو بسبب عوامل أخرى‬ ‫مثل العوامل الطبيعية أو احلريق‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن جهود إعادة البناء جيب أن‬ ‫تقوم على دليل موثق يؤكد املظهر أو الشكل األصلي‪ .‬وعلى الرغم من أن فقدان‬ ‫معبد مريوكسا كان أمرا ال ميكن حتاشيه ـ ألنه كان بسبب صاعقة أتلفته نرياهنا‬ ‫ـ فإن هناك دليال غري كاف للتوثيق لشكله األصلي‪ .‬لكل ذلك‪ ،‬يبدو أن هناك‬ ‫طرقا بديلة متعددة ستسلك إلعادة بناء معبد مريوكسا‪.‬‬ ‫من االحتماالت الواردة إعادة إنشاء أرضيات املعبد وأبنيته إىل شكل عملي‬ ‫من خالل تطبيق واستخدام برجميات الكومبيوتر‪ .‬وتقل فيها إىل حد كبري نفقات‬ ‫الصيانة؛ على كل حال‪ ،‬مثل هذه النظرية العملية سوف تكون بعيدة كل البعد‬

‫القسم الشرقي‬

‫القسم المركزي‬

‫القسم الغربي‬

‫الباغودا الحجرية‬ ‫الشرقية متعددة‬ ‫الطوابق‬

‫الباغود الخشبية‬ ‫متعددة الطوابق‬

‫الباغودا‬ ‫الحجرية الغربية‬ ‫متعددة الطوابق‬

‫دعامات عمود‬ ‫الراية الشرقية‬

‫دعامات عمود‬ ‫الراية الغربية‬

‫‪3‬‬

‫وال ميكن تصورها بسبب القناعات الشخصية اليت ستتولد بعد رؤية البناءات‬ ‫املادية للهيكل‪ .‬ثانيا‪ ،‬من املمكن إعادة بناء مستويات األساس مع ملحقات‬ ‫اهليكل وإنشاءاته‪ ،‬وذلك ألن هذه األقسام واألطراف يعتمد فيها على أحباث‬ ‫احلفر والتنقيب‪ ،‬دون احلاجة إىل وضع تفاصيل عن املباين األصلية‪.‬‬ ‫البديل الثاين هو إعادة إنشاء جمموعة أبنية ضمن منطقة حمددة من جممع‬ ‫املعبد‪ .‬سوف يقدم هذا خربات حقيقية للزائرين‪ ،‬وسيقلل تكلفة ميزانية املشروع‬ ‫وتكاليف الصيانة‪ .‬هناك مقترحات أخرى تدعو إىل بذل جهود إلعادة بناء معبد‬ ‫مريوكسا بصورته األصلية من خالل مشروع إعادة البناء كامال‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من أن هذا سيكون بال شك األقوى تعبريا واألكثر مجاال وروعة‪ ،‬فإن مثل هذا‬ ‫العمل الضخم سوف يتطلب التزاما كبريا من جهات حمدودة‪ ،‬وذلك فيما يتعلق‬ ‫باملال‪ ،‬والوقت‪ ،‬واخلربات الفنية‪ .‬حىت إذا ما أمكن حل هذه املشكالت‪ ،‬فإن‬ ‫مشكلة املال تبقى قائمة‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن مثل عملية إعادة البناء هذه تنطوي‬ ‫على التخلص من األنقاض املعمارية القائمة واالستخدام األمثل واإلدارة الناجحة‬ ‫للموقع فيما بعد‪.‬‬ ‫لتجنب إتالف األنقاض املعمارية القائمة حاليا‪ ،‬فإن أحد املقترحات إلعادة‬ ‫البناء واإلصالح للمعبد متثلت يف إجياد موقع خمتلف‪ ،‬لترك األنقاض كما هي يف‬ ‫مكاهنا‪ .‬وهذا يشبه إعادة نقل وبناء األنقاض اليت تعرضت خلطر الغمر أو الغرق‬ ‫يف السد العايل يف مصر‪ .‬وبعد تر ّو ودراسة متأنية هلذه القضايا‪ ،‬فإن عملية إعادة‬ ‫بناء معبد مريوكسا جيب أن تتم من خالل أكثر الطرق عقالنية‪.‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪15‬‬ ‫صيف‬


‫‪ 16‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫آثار بوذية في الباغودا‬ ‫احلجرية متعددة الطوابق مبعبد‬ ‫"ميروكسا"‬ ‫السريرا والمخلفات البوذية األخرى التي أخذت من الباغودا الحجرية (متعددة الطوابق على‬ ‫الطريقة الصينية) في معبد "ميروكسا" تعتبر ذات قيمة عالية بسبب حالتها االستثنائية في االحتفاظ‬ ‫بمزاياها األصلية‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن المشغوالت الذهبية والقطع األخرى تكشف عن مهنية‬ ‫ومهارات عالية للحرفيين في عهد بيكجي‪ ،‬مع تقديمها للمحة عن التأثير البوذي على مجتمع‬ ‫بيكجي في تلك الفترة‪ ،‬وحياة شعب بيكجي‪.‬‬

‫لي كوانغ بيو صحفي خمتص بالثقافة جلريدة "دونغ آه إيلبو"‬

‫التصوير‪ :‬املعهد الوطني لبحوث التراث الثقافي | سوه هون كانغ مصور‬

‫وعاء سريرا ذهبي هو عمل معقد أبدعته أياد‬ ‫عملت فيه ببراعة استثنائية‪.‬‬ ‫صيف ‪ | 2009‬كوريانا ‪17‬‬


‫‪ 18‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬


‫منذ‬

‫تشرين األول من سنة‪ ،2001‬بدأ فريق آثار من معهد األحباث‬ ‫الوطين للتراث الثقايف العمل يف موقع معبد مريوكسا‪ ،‬يف إكسان‪ ،‬مبقاطعة‬ ‫جولالبوكدو‪ ،‬إلعادة ترميم الباغودا احلجرية متعددة الطوابق من فترة حكم‬ ‫بيكجي‪ .‬هذه الباغودا متعددة الطوابق‪ ،‬اليت مت تصنيفها على أهنا "الكزن الوطين‬ ‫رقم ‪ "11‬وجدت على شفري حالة من االهنيار‪ ،‬لذا تطلبت جهدا كبريا إلعادة‬ ‫الترميم واإلصالح‪ .‬هلذا السبب‪ ،‬كان من الضروري أن يتم تفكيك املعبد ذي‬ ‫الطوابق املتعددة‪ ،‬بدءا بالطابق األعلى ـ الثالث ـ ومن مث العمل باجتاه األسفل‪،‬‬ ‫يفكك طابق يف كل مرة‪ .‬ويف شهر كانون الثاين ‪ ،2009‬وصلت عملية التفكيك‬ ‫إىل القاعدة‪ ،‬وقد أتت موافقة للتوقعات اعتمادا على العني املجردة ذلك أن من‬ ‫املمارسات التقليدية بالنسبة للقطع الفنية البوذية املقدسة أن يتم وضعها باحترام‬ ‫ضمن أساس الباغودا متعددة الطوابق‪.‬‬

‫اكتشاف مميز‬ ‫الباغودا احلجرية يف موقع معبد مريوكسا‪ ،‬إضافة إىل كوهنا أوسع وأقدم‬ ‫باغودا حجرية قائمة يف كوريا‪ ،‬فهي أيضا احلافظ ألسرار معبد مريوكسا‪ ،‬الذي‬ ‫بين يف عهد امللك "مو" من مملكة بيكجي (حكم من سنة ‪ 600‬إىل ‪ )641‬ولكن‬ ‫منطه املعماري الذي يتكون من أساس أو هيكل خشيب اختفي منذ فترة طويلة‬ ‫جدا‪ ،‬فهي تعكس نقلة نوعية من الباغودا اخلشبية إىل الباغودا احلجرية متعددة‬ ‫الطوابق‪ .‬يشتمل مظهر املبىن على معامل معمارية ترتبط ارتباطا وثيقا بالبناء‬ ‫اخلشيب‪ ،‬مثل األبواب واألعمدة‪ ،‬اليت ترتبط معه بعتبات أو عوارض خشبية‬ ‫طويلة‪ .‬ميكن أن يعزى هذا اإلبداع إىل املهارة اليت حتلّى هبا بناؤو احلجر خالل‬ ‫فترة مملكة بيكجي‪.‬‬ ‫منذ البداية كان هناك إدراك بأن عملية تفكيك الباغودا متعددة الطوابق‬ ‫ستستغرق وقتا وحتتاج إىل صرب طويل‪ .‬إن بناء أي باغودا فريدة على باغودا‬ ‫خشبية متعددة الطوابق أو قائمة على عوارض خشبية‪ ،‬سيكون بذرة للخراب‪.‬‬ ‫الباغودا متعددة الطوابق املبنية هبذه الطريقة مع عدد من املكونات األخرى‪ ،‬مثل‬ ‫األعمدة‪ ،‬واألبواب احلجرية والعوارض ال ميكن أن تبقى صامدة لفترة طويلة‬

‫من الزمن‪ .‬إن بناء باغودا متعددة الطوابق من احلجر يتطلب حجارة كثرية جدا‬ ‫إلمتامه‪ .‬كلما زاد عدد احلجارة‪ ،‬زاد احتمال االهنيار‪ .‬إن نقل أو إزاحة حجر‬ ‫واحد فقط ميكن أن يتسبب يف خلخلة سلسلة واسعة من احلجارة واليت ميكن‬ ‫أن تؤدي إىل اهنيار الباغودا بالكامل‪ .‬يف املقابل‪ ،‬كلما قل عدد احلجارة‪ ،‬كان‬ ‫البناء أقوى وأشد استقرارا إن باغودا مريوكسا ومبا أهنا باغودا حجرية متعددة‬ ‫الطوابق على منط الباغودا اخلشبية‪ ،‬فقد أصبحت حتت خطر االهنيار بشكل ال‬ ‫ميكن تفاديه‪.‬‬ ‫قوي هذا اخلوف والقلق بالنظر يف تاريخ املعبد‪ ،‬حيث كانت هناك‬ ‫ثالث باغودات تقوم على أرضيته يف السابق‪ ،‬اشتملت على باغودا خشبية‬ ‫متعددة الطوابق تتفرع منها باغودتان من احلجر‪ .‬وكما هو متوقع‪ ،‬فإن الباغودا‬ ‫اخلشبية والباغودا احلجرية على اجلانب الشرقي قد اهنارا قبل حكم عائلة‬ ‫جوسون(‪ .)1910-1392‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬فإن الباغودا احلجرية متعددة‬ ‫الطوابق بقيت صامدة‪ ،‬على الرغم من أهنا غري متماسكة‪ .‬أعلى ثالث طوابق من‬ ‫الباغودا املؤلفة من تسعة طوابق اهنارت ومنذ اهنيارها اختفت‪ ،‬بينما تلفت ثالثة‬ ‫جوانب مما تبقى تلفا شديدا‪ .‬إن حالة التلف شجعت مشروع الترميم‪ ،‬الذي‬ ‫مضى ببطء ولكن بشكل منظم‪ ،‬على مدى السنوات الثماين املاضية‪.‬‬ ‫وحينما كان اخلرباء يناقشون كيفية استعادة وترميم الباغودا وصل‬ ‫الفريق إىل الطبقة األوىل‪ ،‬قام الفريق بأعمال حفر أسفل حجر األساس املركزي‬ ‫(سيمتشو) بالطابق األول‪ .‬حجر األساس املركزي هو حجر ضخم يدعم العمود‬ ‫املركزي داخل الباغودا متعددة الطوابق‪.‬‬

‫‪ 1‬خرزات زجاجية من ألوان مختلفة وجدت في الجرة‬ ‫الداخلية للوعاء الذهبي‪.‬‬

‫‪ 2‬تم الكشف عن وعاء السريرا والمخلفات األخرى في‬ ‫حجيرة السريرا الموجودة ضمن األساس المركزي‬ ‫للباغودا الحجرية متعددة الطوابق في معبد ميروكسا‪.‬‬

‫‪19 Koreana | 2009 Autumn‬‬

‫‪2‬‬

‫صيف ‪ | 2009‬كوريانا ‪19‬‬


‫مبساعدة رافعات ضخمة استطاع فريق العمل أن يزيل اللوحة اليت تغطي حجر األساس املركزي‪ .‬فجأة أطلق أحدهم صيحة تعجب ودهشة حينما متكن من رؤية الذهب‬ ‫يلمع يف حجرة السريرا‪ ،‬حيث كانت القطع املقدسة مدفونة‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪ 1‬زخارف تاج فضية‪ ،‬ملقط ذهبي وأشياء ذهبية أخرى وجدت أيضا ضمن الباغودا‬ ‫الحجرية متعددة الطوابق‪.‬‬ ‫‪ 2‬تم استخراج الوعاء الذهبي بعناية من حجيرة سريرا الباغودا متعددة الطوابق‪.‬‬

‫‪ 3‬التحليل المفصل تم باالستعانة بمعدات عالية التقنية‪ ،‬هذا مما يؤكد أن أعمال الحفر‬ ‫والتنقيب يمكن أن تستمر دون إتالف أي مواد استخدمت فيها مهارات يدوية‪.‬‬

‫ومبساعدة رافعة‪ ،‬رفع الفريق بعناية اللوحة اليت تغطي حجر األساس‬ ‫املركزي‪ .‬فجأة نطق أحدهم بعبارة استغراب ودهشة عندما متكن رؤية بريق ـ‬ ‫الذهب ـ يف حجرة السريرا‪ ،‬حيث كانت القطع املقدسة مدفونة‪ .‬احتوت هذه‬ ‫احلجرية على مدخرات السريرا وقطع أخرى موضوعة فوق لوح من الزجاج‬ ‫األخضر‪ .‬من الالفت للنظر أن القطع املشغولة مبهارة اليت مت العثور عليها اشتملت‬ ‫على طقم كامل من أدوات السريرا (أوعية تستخدم لتوقري وتبجيل السريرا)‬ ‫وضعت باحترام ضمن الباغودا متعددة الطوابق منذ ما يقارب ‪ 1400‬عام‪،‬‬ ‫كدليل واضح ومؤكد على رقي عائلة بيكجي املالكة وسالمة وازدهار معبد‬ ‫مريوكسا‪.‬‬ ‫من بني القطع الفنية اليت مت العثور عليها واليت يبلغ عددها قرابة ‪،500‬‬ ‫هناك قطع الفتة للنظر مثل وعاء مدخرات سريرا ذهيب على شكل جرة‪ ،‬وهو‬ ‫دليل موثق على قدسية السريرا‪ ،‬ويرجع تارخيها إىل سنة ‪ ،639‬كما تفيد اللوحة‬ ‫الذهبية‪ ،‬وستة أوعية فضية للمدخرات‪ ،‬وخنجران مزخرفان‪ ،‬وملقط ذهيب‪،‬‬ ‫وزخارف تاج فضية‪ ،‬وصفائح رقيقة من الذهب منقوشة حتمل أمساء كبار‬ ‫كهنة حمفل املعبد‪ ،‬وسلسلة متنوعة واسعة من اخلرز‪ .‬وباستخدام جهاز تصوير‬ ‫باألشعة‪ ،‬فحص معهد األحباث الوطين للتراث الثقايف هذه املدخرات وحتقق من‬ ‫وجود جرة أصغر يف الداخل‪ .‬ضمن الوعاء الداخلي‪ ،‬كانت هناك ‪ 12‬خرزة‬ ‫(تشبه الكريستال الذي يوجد يف بعض األحيان ضمن رماد حرق جثث الرهبان‬ ‫البوذيني البارزين أو السادة الروحيني)‪ ،‬مع خرزات وقطع زجاجية مكسرة يف‬ ‫احلاوية اليت كانت تضم السريرا‪ .‬يرجع تاريخ الباغودا متعددة الطوابق واآلثار‬ ‫اليت فيها إىل أوائل القرن السابع‪.‬‬ ‫‪ 20‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫تبجيل السريرا‬ ‫كلمة "السريرا" اليت تعود إىل كلمة "ساريرا" بلغة "بايل" (ترمجة حبروف‬ ‫كورية لكلمة "ياري")‪ ،‬تشري إىل خملفات من بوذا واألساتذة الروحيني اآلخرين‪،‬‬ ‫خملفات جسم بوذا املحترق تعرف باسم "سريرا اجلسم احلقيقي"‪ ،‬يف حني أن‬ ‫القطع املقدسة‪ ،‬مثل جمموعة احلكم وحماورات بوذا اليت تشتمل على مواعظ‬ ‫وتعاليم بوذا تسمى "سريرا جسم دارما"‪ .‬يف منطقة شرق آسيا‪ ،‬تعترب الباغودا‬ ‫متعددة الطوابق نسخة من "ستوبا"‪ ،‬وهي يف األصل ضريح يضم بقايا "شاكياموين‬ ‫بوذا"‪ .‬األضرحة األوىل مثل الضريح األعظم يف مدينة "سانتشي" املقدسة‪ ،‬يف‬ ‫اهلند‪ ،‬كانت متاريس ألضرحة مستديرة‪.‬‬ ‫بعد موت بوذا حبوايل ‪ 200‬عام‪ ،‬سعى أشوكا األكرب‪ ،‬وهو اإلمرباطور‬ ‫الثالث لعائلة ماوريا (حكم من ‪ 232-273‬قبل امليالد) إىل نشر تعاليم بوذا‪.‬‬ ‫كان أشوكا معتقدا خملصا ومؤيدا متحمسا للبوذية‪ ،‬لذا مجع بقايا بوذا اليت كانت‬ ‫موجودة ضمن مثانية أضرحة وأعاد توزيع املخلفات على ‪ 84000‬ضريح بناها‬ ‫على طول البالد وعرضها‪ .‬وبتوزيعه لبقايا بوذا على عدة مواقع‪ ،‬كان يؤمل يف‬ ‫أن يلهم ذلك مزيدا من الناس للبحث عن حقيقة بوذا‪ .‬بعض هذه املخلفات‬ ‫وجدت طريقها إىل الصني وكوريا‪ ،‬حيث حتولت هذه األضرحة إىل باغودا‬ ‫متعددة الطوابق‪.‬‬ ‫مع استمرار انتشار البوذية‪ ،‬مت بناء املزيد من الباغودات متعددة الطوابق‪.‬‬ ‫ومهما يكن من شيء فإن املخلفات احلقيقية لـ"شاكياموين" كانت حمدودة‪.‬‬ ‫وبناء على ذلك‪ ،‬بدال من السريرا‪ ،‬فإن خملفات أخرى‪ ،‬مثل حكم وتعاليم بوذا‬ ‫واخلرزات اليت تشبه السريرا‪ ،‬كانت تدفن بتبجيل يف هذه املعابد‪ .‬يف معظم‬


‫‪2‬‬

‫صيف ‪ | 2009‬كوريانا ‪21‬‬

‫‪3‬‬


‫‪ 22‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫‪1‬‬


‫‪ 1‬لوحة ذهبية مكتوب عليها تفاصيل احتفال وضع قطع السريرا وتشتمل أيضا على‬ ‫معلومات عن خلفية بناء معبد ميركوسا‪ .‬كتبت الكلمات بالرموز الصينية وطليت‬ ‫بورنيش أحمر إلبراز الرموز‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه الخرزات الزجاجية التي تم الكشف عنها دليل قوي على أن صناعة الزجاج‬ ‫كانت بجودة عالية في عهد مملكة بيكجي‪.‬‬ ‫‪ 3‬قطعة ذهبية صغيرة عليها نص يبين اسم مقدم الهدية وهو "جيول" مسؤول من‬ ‫رتبة "دوكسول" (الرتبة الرابعة من بين ‪ 16‬رتبة لمسؤولي البالط في مملكة‬ ‫بيكجي)‪.‬‬

‫احلاالت‪ ،‬كان يتم إعداد حفرة صغرية أو حجرية يف األساس املركزي لقاعدة‬ ‫الباغودا متعددة الطوابق لكي تضم السريرا والقطع األخرى املقدسة‪ .‬وبذلك فقد‬ ‫تتحول الباغودا متعددة الطوابق من كوهنا ضرحيا ملخلفات "شاكياموين" إىل شيء‬ ‫مقدس‪ ،‬يف إطار بوذي رمزي‪.‬‬ ‫احلجرية معروفة باسم "حفرة السريرا" يف حني أن طقس وضع السريرا يف‬ ‫مكاهنا كان يشار إليه "بتقديس السريرا" (ساري جانغووم)‪ .‬األشياء اليت تستخدم‬ ‫يف هذه املراسيم كانت تسمى "أوعية" متجيد السريرا‪ .‬بالنسبة لكوريا فإن "ساري‬ ‫جانغوومغو" كانت تشتمل يف العادة على عدة أوعية‪ .‬يف العادة توضع السريرا‬ ‫يف زجاجة‪ ،‬كانت توضع ضمن وعاء حفظ املدخرات‪ ،‬ومن مث توضع داخل‬ ‫علبة‪ .‬كانت هذه العلبة توضع بقدسية يف حجرية سريرا الباغودا متعددة الطوابق‪.‬‬ ‫كانت قارورة السريرا تصنع عادة من الكريستال النقي أو الزجاج األخضر‪،‬‬ ‫حىت ترمز إىل احلقيقة اخلالدة لتعاليم بوذا‪ .‬الوعاء الذي كان يشتمل على قارورة‬ ‫السريرا جيمع فيه بني مواد متعددة‪ ،‬مثل الذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬أو الربونز‪ ،‬وبأشكال‬ ‫كثرية ومتعددة‪ ،‬مبا يف ذلك األوعية الدائرية واملربعة‪ ،‬سداسية‪ ،‬أو ثُمانيِّة‪ ،‬أو على‬ ‫شكل سرادق‪.‬‬ ‫اآلثار الذهبية لعصر بيكجي‬ ‫الباغودا احلجرية متعددة الطوابق يف معبد مريوكسا‬ ‫الفتة للنظر بصفة خاصة وذلك بسبب األعداد الكبرية من آثار‬ ‫السريرا فيها (‪ )683‬قطعة كما أهنا متنوعة بشكل كبري (‪19‬‬ ‫نوعا)‪ .‬وقد جذبت أوعية السريرا الذهبية واللوحات املقدسة‬ ‫اهتماما أكرب من الدارسني للبوذية‪ .‬الوعاء الذهيب هو مثال‬ ‫رائع على إتقان الصناع املهرة لصنعتهم يف عهد مملكة بيكجي‪،‬‬ ‫وذلك لشكله األنيق وتقنيته الفنية الرائعة‪ .‬فهو بارتفاع ‪ 13‬سم‬ ‫وعرض ‪ 7,7‬عند الكتف‪ .‬فيه فتحة يف الوسط مغطاة بغطاء‬ ‫مع مقبض يشبه شكل اخلرزة‪ .‬السطح حم ّزز أو منقوش بتصميم‬ ‫كرمة رائع وبتفاصيل دقيقة وسلسلة من الدوائر‪ .‬مسلوتته‬ ‫(صورته الظلية) املحفورة‪ ،‬من الغطاء حىت الرقبة النحيفة‪،‬‬ ‫والكتف‪ ،‬واجلسم تأخذ شكال طبيعيا أنيقا‪ .‬اجلمال الرائع‬ ‫للشكل وديكورات سطحه فريدة حقا‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫هذا الوعاء مزود بوعاء داخلي مثله ولكن أصغر حجما‪ .‬الوعاء الداخلي‬ ‫الذي يبلغ ارتفاعه ‪ 5,9‬سم وعرضه ‪ 2,6‬سم عند الكتف‪ ،‬مزين مثل الوعاء‬ ‫اخلارجي‪ .‬مت العثور على ‪ 12‬سريرا وأنواع من اخلرز داخل الوعاء الداخلي‪ ،‬مع‬ ‫قطع من قارورة من الزجاج األخضر‪ .‬وبذلك يكون وعاء السريرا قد اشتمل على‬ ‫هيكل من ثالث طبقات مع زجاجة يف اجلزء األبعد من الداخل‪ ،‬وقد وضعت‬ ‫ضمن وعاء داخلي من الذهب ميكن وضعه يف وعاء آخر ذهيب خارجي‪ .‬ولسوء‬ ‫احلظ‪ ،‬فإن القارورة الداخلية الزجاجية قد حدث فيها نوع من التهشم‪ .‬وحيتمل‬ ‫أن تكون هذه السريرا قد اشتملت على بقايا فعلية من "بوذا شاكياموين"‪،‬‬ ‫واليت قيل إهنا أخذت طريقها إىل كوريا إال أنه ليس هناك دليل موثق على هذا‬ ‫االحتمال‪ ،‬ويف الواقع هذا هو األقرب إىل الواقع يف ضوء احلماس الشديد لفترة‬ ‫حكم بيكجي للبوذية‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن زخارف التاج الذهيب أيضا صنعت مبهارة عالية‬ ‫متماشية مع اجلماليات البسيطة املنقحة الدقيقة املرتبطة مع بيكجي‪ .‬امللقط الفضي‬ ‫األنيق‪ ،‬واخلرزات بأشكال وألوان خمتلفة‪ ،‬مثل تلك األحجار الكرمية واأللوان‬ ‫الزرقاء واخلضراء الفاحتة‪ ،‬تبني املستوى الراقي للفن ومهارة الصنعة اليت متتع هبا‬ ‫صناع بيكجي يف القرن السابع‪ .‬يف الواقع‪ ،‬رأى علماء اآلثار ومؤرخو الفنون أن‬ ‫بقايا هذه السريرا حتمل مسات مشتركة جيمع بينها وبني مدفأة مبخرة بيكجي‬ ‫املصنوعة من الربونز الالمع الرباق (الكزن الوطين رقم ‪ )287‬الذي اعترب منذ فترة‬ ‫خالصة للفنون اجلميلة لبيكجي‪ .‬وعلى هذا األساس ميكن فتح فصل جديد يف‬ ‫تاريخ الفن ململكة بيكجي‪.‬‬ ‫صيف‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪23‬‬


‫‪ 1‬هذا المقص الذهبي كان من ضمن األشياء التي تم صنعها ببراعة مع قطع أخرى‬ ‫مشغولة يدويا‪.‬‬

‫‪ 2‬حافظة السريرا الذهبية‪ ،‬واللوحة الذهبية المودعة‪ ،‬والقطع األخرى المتبقية من‬ ‫باغودا ميروكسا الحجرية متعددة الطوابق كانت بالنسبة للدارسين وعلماء اآلثار‬ ‫كنزا ال يقدر بثمن فقد قدمت لهم إفادات عن المدى الذي وصلت إليه المهارات‬ ‫اليدوية البوذية‪.‬‬

‫احلياة اليومية في بيكجي‬ ‫يف حني أن وعاء حفظ املدخرات واجلواهر‪ -‬السريرا الذهبية عكس احلالة‬ ‫املتقدمة للفنون ومهارة الصناع يف عهد بيكجي‪ ،‬فإن زخارف التاج الفضية‪،‬‬ ‫والقطع الذهبية‪ ،‬واللوحة الذهبية تقدم لنا ملحة عن احلياة اليومية لطبقة النخبة‬ ‫يف جمتمع بيكجي‪ .‬مت الكشف عن تسعة زخارف تيجان ذهبية من عهد بيكجي‬ ‫يف السابق‪ ،‬ولكن املعلومات حول خلفيتها شحيحة جدا‪ .‬قطعتا الزخرفة اللتان‬ ‫وجدتا يف املعبد احلجري متعدد الطوابق ميكن تصنيفهما ضمن إطار زمين أوسع‪،‬‬ ‫وذلك ألن وثيقة االحتفال املقدسة تشري‬ ‫إىل سنة ‪.639‬‬ ‫وبالرغم من أن هناك إمجاعا‬ ‫عاما على احتمال انتماء الزخارف إىل‬ ‫مسؤولني من املستوى األعلى من طبقة‬ ‫املوظفني يف عهد بيكجي‪ ،‬فليس واضحا‬ ‫ملاذا مت وضع هذه األشياء الدنيوية يف هذا‬ ‫الضريح مع بقايا السريرا‪ .‬يتساءل األستاذ‬ ‫"يل هان سانغ" من جامعة "دجيون"‪ ،‬وهو‬ ‫اختصاصي يف مشاريع حفريات األضرحة‪،‬‬ ‫عما إذا كان هؤالء املسؤولون من املراتب‬ ‫العليا‪ ،‬الذين حضروا حفل وضع األشياء‬ ‫املقدسة يف املعبد‪ ،‬قد قدموا هدايا من أمثن‬ ‫ممتلكاهتم الشخصية‪ .‬يفترض أيضا أن القطعة الفضية املزخرفة بالربعم ذي اخلمس‬ ‫زهرات تعود إىل مسؤول من رتبة "أونسول"‪ ،‬ثالث رتبة يف العلو بني ‪ 16‬رتبة‪،‬‬ ‫والقطعة األخرى املزخرفة واملزينة بثالثة براعم كان يلبسها مسؤول من مستوى‬ ‫أدىن‪ .‬وهذا يعين أنه كلما علت الرتبة زاد عدد الزهرات يف الربعم‪ ،‬وصار أكثر‬ ‫زخرفة وتزيينا‪ .‬قطعتا التاج الفضي املزخرف مها بقايا مثينة بالنسبة لدارسي تطور‬ ‫زخارف التيجان وممارسات رعاة املحافل البوذيني‪.‬‬ ‫تشتمل اآلثار أيضا على ‪ 18‬قطعة صغرية من الذهب‪ ،‬يعتقد بشكل عام‬ ‫أهنا نوع من العملة الذهبية اليت استخدمت من قبل شعب بيكجي‪ .‬واحدة من‬ ‫هذه القطع الذهبية حتمل اسم متربع‪ .‬يفيد النص املنقوش بأن هذه العملة الذهبية‬ ‫واليت قيمتها "ريانغ واحد" قد تربع هبا شخص امسه "جيول" وهو مسؤول من‬ ‫رتبة "جونغبو" ( الرتبة الرابعة من بني الست عشرة رتبة السابقة)‪ .‬يذكر "سون‬ ‫هوان إيل" وهو باحث يف جامعة "كيونغي" واختصاصي يف أمناط اخلط أن "هذه‬ ‫‪ 24‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫القطع الذهبية هي هدايا قدمها أولئك الذين حضروا مراسم حفظ األشياء املقدسة‬ ‫يف الباغودا متعددة الطوابق‪ ،‬ويف احلقيقة فإن محل إحداها لعبارة "ريانغ ذهيب‬ ‫واحد" تشري إىل أهنا كانت تستخدم كعملة‪ ".‬ويتفق األستاذ "يل" من جامعة‬ ‫"دجيون" أيضا مع هذا الرأي الذي يرجح أن هذه القطع الذهبية كانت تستخدم‬ ‫كنقود‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن اللوحة الذهبية اليت نقشت عليها تفاصيل حول وضع‬ ‫األشياء املقدسة هي قطعة فنية ذات قيمة استثنائية يف املساعدة على فهم منط اخلط‬ ‫والعادات يف جمتمع بيكجي القدمي‪ .‬وهذه‬ ‫اللوحة الذهبية اليت يبلغ عرضها ‪ 15,5‬سم‬ ‫وارتفاعها ‪ 10,5‬سم نقشت عليها أمساء‬ ‫بأحرف صينية وطليت بالورنيش إلبراز‬ ‫اخلط وجتميله‪ .‬مع معلومات وافية حول‬ ‫خلفية تطور معبد مريوكسا وأمساء متربعني‪،‬‬ ‫هلذا لقيت اهتماما واسعا من قبل دارسي‬ ‫واختصاصيي التاريخ‪.‬‬ ‫يؤكد األستاذ "سون" أن منط اخلط‬ ‫على اللوحة الذهبية مشابه لذلك النمط الذي‬ ‫كان يف عهد العائالت الشمالية احلاكمة يف‬ ‫‪1‬‬ ‫الصني‪ ،‬مع بعض األدلة حول إدخال منط‬ ‫خط إضايف إىل النص األصلي‪ .‬الوجه اآلخر‬ ‫هلذه اللوحة يشتمل على ألفاظ "جني ‪ -‬يونغ ‪ -‬سون ‪ -‬كون"‪ ،‬على أي حال‬ ‫بني كلميت "يونغ" و"سون"‪ ،‬أدخلت كلمة "تشا"‪ .‬األحرف املدخلة تعين "هذا"‬ ‫وذلك لزيادة التأكيد ملا ورد من ألفاظ‪ ،‬واليت طبقا لألستاذ "سون" تشري إىل‬ ‫بناء املعبد وحفظ األشياء املقدسة للسريرا‪ ،‬وهلذا يوجد مربر هلذا احلشو من‬ ‫الكلمات‪.‬‬ ‫بقايا السريرا اليت مت العثور عليها متدنا مبعلومات عن خمتلف جوانب احلياة‬ ‫لبيكجي‪ ،‬مبا يف ذلك القطع املزخرفة من تيجان املسؤولني من الرتب العليا‪،‬‬ ‫وعادات املعبد املرتبطة باالحتفال حبفظ األشياء املقدسة‪ ،‬وأمناط اخلط‪ .‬وباإلضافة‬ ‫إىل إفادهتا حتمس شعب بيكجي يف حياته اليومية للبوذية‪ ،‬فإن القطع الفنية رموز‬ ‫للرغبة يف أن يعرف الناس أمهية سلطة بيكجي‪ ،‬ضمن حدود اململكة وخارجها‪.‬‬ ‫ويف هذا اخلصوص‪ ،‬فقد أوىل الدارسون أمهية خاصة للوحة حفظ األشياء املقدسة‬ ‫اليت كتب عليها‪" :‬عسى أن تكون حياة صاحب اجلاللة (ديوانغ بيها) راسخة‬


‫‪2‬‬

‫ثابتة مثل اجلبال‪ ،‬وعمره طويل مثل السماء واألرض‪ ،‬ينشر الدارما (الشريعة‬ ‫البوذية) عاليا ويزودهم بصفات طيبة حىت يعيشوا صاحلني"‪ .‬هنا لقب "ديوانغ‬ ‫بيها" يعادل لقب اإلمرباطور يف الصني‪ ،‬الذي كان يسعي لرفعة رتبة ملك بيكجي‬ ‫الذي أصبح واسع الشهرة‪ ،‬ليماثل اإلمرباطور الصيين‪ .‬وال يبعد أن يكون هذا‬ ‫التفسري صحيحا مع األخذ يف االعتبار لالرتباط الوثيق للسياسة والدين يف عهد‬ ‫مملكة بيكجي‪ .‬وال خيفى أن بقايا السريرا من باغودا مريوكسا متعددة الطوابق‬ ‫قد محلت لنا العديد من املعاين السياسية واالجتماعية والثقافية وهي أمور ال تقدر‬ ‫بثمن بالنسبة لدراسة تاريخ بيكجي‪.‬‬ ‫الباغودا احلجرية متعددة الطوابق في "وانغونغ ري"‬ ‫على مسافة ليست بعيدة عن موقع معبد مريوكسا‪ ،‬توجد باغودا حجرية‬ ‫متعددة الطوابق تتألف من مخسة طوابق يف قرية "وانغونغ ري" مبدينة "إيكسان"‬ ‫(الكزن الوطين رقم ‪ .)289‬يف سنة ‪ ،1965‬أدى مشروع ترميم هذه الباغودا إىل‬ ‫استكشاف العديد من بقايا السريرا‪ ،‬مبا يف ذلك وعاء حفظ اجلواهر واملدخرات‪،‬‬ ‫وقارورة السريرا‪ ،‬والربوش الذهيب الذي نقشت فيه جمموعة من حكم بوذا (وقد‬ ‫مت تعيينها كلها على أهنا الكزن الوطين رقم ‪ .)123‬وعلى الرغم من أن اآلراء‬ ‫تتباين حول تاريخ هذه اآلثار‪ ،‬فإن الغالبية ترى أن الوقت األصلي هلا هو القرن‬ ‫التاسع‪ ،‬وذلك خالل فترات حكم مملكة شيلال املوحدة أو أوائل مملكة كوريو‪.‬‬ ‫ولكن آخرين يعتقدون بأن تارخيها يعود إىل ما قبل هذا التاريخ من تاريخ مملكة‬

‫بيكجي‪.‬‬ ‫الكشف الذي مت مؤخرا عن آثار مريوكسا اعترب حمفزا إلعادة إشعال اجلدل‬ ‫والتداول حول تاريخ وأصل بقايا باغودا "وانغونغ ري" متعددة الطوابق‪ .‬كان‬ ‫السيد "هان جونغ هو"‪ ،‬القائم على متحف جامعة "دونغوك"‪ ،‬يصر دائما على‬ ‫أن آثار هذه الباغودا‪ ،‬مع تلك اليت يف معبد مريوكسا‪ ،‬هي منتجات من مملكة‬ ‫بيكجي‪ .‬وذلك عند مقارنتها مع بقايا مريوكسا‪ ،‬مما جتدر اإلشارة إليه أن تصميم‬ ‫زهرة اللوتس ومنوذج الدوائر الصغرية يف بقايا "وانغونغ ري" متشاهبة جدا‪ ،‬يف‬ ‫التصميم والتقنية‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن كال الباغودتني بناء األساس فيهما متشابه‬ ‫متاما (هيكل يشبه الصليب حول أساس حجري مركزي)‪.‬‬ ‫على أي حال‪ ،‬هناك دارسون آخرون تبنوا رأيا أكثر حذرا‪ .‬يقول متخصص‬ ‫يف املنحوتات البوذية‪" :‬من الالفت للنظر أن التصاميم يف وعائي السريرا متشاهبة‪،‬‬ ‫ولكن الصورة البوذية املوجودة يف "وانغونغ ري" ـ من القرن التاسع أو العاشر‬ ‫ـ مرتبطة بآخر فترات عهد بيكجي أو مملكة شيلال املوحدة‪ ،‬لذا فإن التصاميم‬ ‫نفسها ليست دليال قطعيا‪ .‬ال ميكننا أن جنزم بأن باغودا "وانغونغ ري" وبقايا‬ ‫السريرا هي من منتجات مملكة بيكجي‪".‬‬ ‫الباغودا احلجرية متعددة الطوابق يف مريوكسا تعرب عن حقبة زمنية حمددة‬ ‫ال يتسرب إليها الشك‪ ،‬ومنذ حلظة افتتاحها أثري هذا اجلدل حول أصلها‪ ،‬ويبدو‬ ‫أن هذا اجلدل لن حيسم يف املستقبل القريب‪.‬‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪25‬‬ ‫صيف‬


‫معبد ميروكسا وأسطورة سودونغ‬ ‫عثر فريق بحث تنقيب مؤخرا على مخبأ ألشياء قيمة حيث يضم بقايا بوذية من القرن السابع وضعت‬ ‫ضمن الباغودا الحجرية متعددة الطوابق في معبد ميروكسا‪ .‬من بين هذه األشياء الفنية والتي تلفت‬ ‫االنتباه لوحة ذهبية منقوشة تقدم معلومات مفصلة عن خلفية المعبد والمتبرعين بهذه القطعة‪.‬‬

‫جو هونغ أوك أستاذ بقسم اللغة الكورية وآداهبا‪ ،‬جامعة كوكمني‬ ‫التصوير‪ :‬املعهد الوطني لبحوث التراث الثقافي | سوه هون كانغ مصور‬

‫‪ 26‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫وجه آخر لـ "سودونغيو"‬ ‫تشتمل وثيقة "سامغوكيوسا" (تاريخ املمالك الثالث) على أسطورة‬ ‫سودونغ‪ ،‬اليت تشتمل على إشارة إىل "سودونغيو"‪ ،‬اليت خترب عن قصة معبد‬ ‫مريوكسا‪ ،‬يف مدينة "إيكسان"‪ ،‬مقاطعة "جولالبوك دو"‪ .‬من أجل هذه الغاية‬ ‫الواردة يف احلكاية‪ ،‬فحينما كان امللك "مو"‪ ،‬الذي تزوج من األمرية "سوهنوا"‪،‬‬ ‫يشق طريقه إىل معبد "ساجاسا" مع امللكة‪ ،‬ظهر ثالوث بوذا مايتريا أمامهم يف‬ ‫وسط بركة كبرية‪ ،‬بالقرب من جبل "يونغهواسان"‪ .‬بعد رؤية هذا املنظر‪ ،‬حثت‬ ‫األمرية "سوهنوا" امللك "مو" على بناء معبد يف هذا املوقع‪ .‬وبالفعل بعد ذلك‪،‬‬ ‫بىن امللك معبد "مريوكسا"‪ .‬وبناء على ذلك فإن معظم الكوريني يعتقدون أن‬ ‫"سودونغيو" هي أغنية عن امللك "مو" واألمرية "سوهنوا"‪ ،‬اللذين جتاوزت قصة‬ ‫حبهما احلدود اجلغرافية اإلقليمية‪ ،‬ويعتربون أن "مريوكسا" هو املعبد الذي بناه‬ ‫امللك "مو" استجابة لطلب األمرية "سوهنوا"‪.‬‬ ‫وقد اكتشف فريق البحث مؤخرا خمبأ حيوي أشياء ذات قيمة عالية من‬ ‫القرن السابع وحيتوي على خملفات بوذية مت وضعها بطريقة مبجلة ضمن الباغودا‬ ‫احلجرية متعددة الطوابق يف أرض معبد "مريوكسا"‪ .‬ومن القطع الفنية املشغولة‬

‫يدويا مبهارة فائقة لوحة ذهبية تزودنا مبعلومات تفصيلية عن خلفية املعبد واملتربعني‬ ‫هبذه القطعة‪ .‬وعلى النقيض من املعتقد الشعيب السائد‪ ،‬فإن املعلومات الواردة يف‬ ‫لوحة "ساريبونغآنغي" تشري إىل أن امللكة (زوجة امللك) "مو" كانت ابنة عائلة‬ ‫"ساتيك"‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فإن اكتشاف هذه اللوحة املدفونة يتطلب منا إعادة‬ ‫متحيص ملا كان يعرف بـ"سودونغيو" وتأسيس معبد مريوكسا‪.‬‬ ‫أسطورة سودونغ‬ ‫إن أسطورة "سودونغ" اليت جندها يف فصل امللك "مو"‪ ،‬يف املجلد الثاين من‬ ‫"سامغوكيوسا"‪ ،‬حتكي لنا القصة التالية‪:‬‬ ‫العاهل الثالثون ململكة بيكجي كان يسمى "جانغ"‪ .‬بنت والدته األرملة‬ ‫كوخا بالقرب من بركة يف املنطقة اجلنوبية من العاصمة‪ ،‬ومحلت بطفل من‬ ‫التنني الذي عاش يف الربكة‪ .‬بصفته طفال صغريا‪ ،‬كان عليه أن يعزق األرض‬ ‫ويزرع اليام ويبيعه‪ ،‬لذلك مساه الناس باسم "سودونغ" (وتعين حرفيا صيب اليام)‪.‬‬ ‫بعد مساعه بأن االبنة الثالثة للملك "جينبيونغ" من مملكة شيلال مجيلة جدا حلق‬

‫أسطورة بناء معبد ميروكسا‪ ،‬تشير إلى‬ ‫أن الملك "مو" وزوجته األميرة "سونهوا"‬ ‫من مملكة شيلال‪ ،‬كانا في طريقهما إلى‬ ‫معبد ساجاسا فظهر ثالوث مايتريا فجأة‬ ‫أمامهما في وسط البركة‪ ،‬أسفل جبل‬ ‫"يونغهواسان"‪ ،‬وبسبب هذا المشهد‪ ،‬يقال‬ ‫إن "سونهوا" حثت الملك "مو" على بناء‬ ‫معبد في هذا الموقع‪.‬‬ ‫صيف ‪ | 2009‬كوريانا ‪27‬‬


‫‪ 1‬يشتمل الفصل المتعلق بالملك مو في "سامغوكيوسا" (تاريخ الممالك‬ ‫الثالث) على أسطورة "سودونغ" وخلفية عن األغنية "سودونغيو"‪ ،‬التي‬ ‫تصف تودد وغزل الملك "مو" في األميرة "سونهوا" (إدارة التراث‬ ‫الثقافي)‪.‬‬ ‫‪ 2‬الباغودا الحجرية الشرقية متعددة الطوابق في موقع معبد "ميروكسا"‪،‬‬ ‫الذي تمت إعادة إصالحه وترميمه في سنة ‪.1993‬‬

‫‪1‬‬

‫“سودونغيو” عبارة عن أغنية تتحدث عن العالقة العاطفية بني امللك “مو” من مملكة بيكجي واألمرية “سوهنوا” من مملكة شيلال‪ ،‬وقد ختطت هذه العالقة احلدود اجلغرافية‬ ‫بني اململكتني‪ .‬أما فيما يتعلق مبعبد مريوكسا‪ ،‬فيقال إنه قد بين خالل حكم امللك “مو” بناء على طلب من زوجته امللكة “سوهنوا”‪ .‬إذًا فما نتيجة مقارنة قصة حبهما مع‬ ‫املعلومات املوجودة يف وثيقة ختزين املدخرات “ساريبونغآنغي” اليت مت العثور عليها يف الباغودا احلجرية متعددة الطوابق؟ “سودونغيو” (أغنية امللك) هي عمل من “هيانغا”‬ ‫(شكل من أشكال الشعر من فترات مملكة شيلال وأوائل كوريو كتبت باللغة الكورية ولكن بأحرف صينية)‪ ،‬وهي منسوبة إىل “سودونغ” الشاب‪ ،‬الذي أصبح فيما بعد‬ ‫احلاكم الثالث والثالثني ـ امللك مو ـ ململكة بيكجي (حكم من ‪ .)641-600‬يقال إن “سودونغ” ألف هذه القصيدة وتغنّى هبا عندما دخل عاصمة شيلال (امسها‬ ‫“كيونغجو”) يف حماولة للفوز باألمرية “سوهنوا”‪ ،‬االبنة الثالثة مللك شيلال‪ ،‬امللك “جينبيونغ”‪.‬‬

‫"سودونغ" رأسه وشق طريقه إىل عاصمة مملكة شيلال‪ .‬هناك‪ ،‬أنشأ صداقات‬ ‫مع أطفال شيلال وخالل عمله يف اليام‪ .‬ألف أغنية "سودونغيو" وشجع أطفال‬ ‫عاصمة شيلال على التغين هبا‪.‬‬ ‫ساعد غناء األطفال على نشر األغنية يف مجيع أحناء املدينة‪ ،‬إىل أن وصلت‬ ‫إىل القصر‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فإن رجال احلاشية امللكية املقربني نصحوا امللك بأن‬ ‫يرسل ابنته إىل مكان بعيد‪ .‬وعندما كانت األمرية على وشك مغادرة القصر‪،‬‬ ‫أعطتها امللكة كيسا من الذهب لتغطية تكاليف رحلتها‪ .‬وقبل أن تصل إىل املكان‬ ‫املقرر‪ ،‬ظهر سودونغ فجأة أمامها‪ ،‬وعرض عليها محايتها‪ .‬مل تكن لدى األمرية‬ ‫أي فكرة عن هذا الشخص أو املكان الذي أتى منه‪ ،‬ولكنها أحست بود جتاهه‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬بقي سودونغ معها كحارس شخصي‪ ،‬ويف هناية املطاف وقع كل منهما‬ ‫يف حب اآلخر‪.‬‬ ‫عندما وصال إىل بيكجي‪ ،‬أخرجت األمرية كيس ذهبها لكي خيططا‬ ‫‪ 28‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫للعيش معا‪ .‬وعندما نظر إىل الذهب‪ ،‬سأل سودونغ "ما هذا؟"‪" .‬ذهب"‪ ،‬أجابت‬ ‫األمرية‪" .‬سوف نكون أغنياء على مدى املائة عام القادمة"‪ .‬عندها قال سودونغ‪:‬‬ ‫"حينما كنت صبيا أحفر األرض ألستخرج اليام‪ ،‬كان هناك ذهب يف كل‬ ‫مكان يف األرض"‪ .‬اندهشت األمرية هلذا الكالم وقالت‪" :‬إنك متلك أمثن كزن‬ ‫حتت السماء‪ .‬ملاذا ال حتفر األرض وتستخرج منها ذهبا وترسله إىل والدي يف‬ ‫القصر؟" وافق "سودونغ" على ذلك‪ .‬حفر األرض واستخرج الذهب وكومه‬ ‫كومة كبرية‪ .‬مث ذهب الستشارة الراهب "جيميونغ بوبسا" يف معبد "ساجاسا"‬ ‫على جبل "يونغهواسان"‪ ،‬حول كيفية إرسال الذهب إىل قصر شيلال‪ .‬قال‬ ‫الراهب لـ"سودونغ"‪" :‬أحضر الذهب هنا وسوف أطلب من قوة السماء أن‬ ‫توصله"‪ .‬كتبت األمرية رسالة قصرية إىل والديها لتوضيح أمر الذهب‪ .‬مث طلب‬ ‫الراهب "جيميونغ" من قوة السماء أن توصل الذهب فورا للقصر‪ .‬وقد دهش‬ ‫امللك "جينبيونغ" هلذه القوة السماوية اليت أوصلت هذه الثروة الطائلة‪ ،‬وأصبح‬


‫معجبا إعجابا شديدا بـ"سودونغ"‪ .‬وبعد أن كسب ثقة ملك شيلال‪ ،‬اعتلى‬ ‫"سودونغ" يف هناية املطاف عرش بيكجي‪.‬‬ ‫يف أحد األيام‪ ،‬كان امللك "سودونغ" وزوجته امللكة يف طريقهما إىل‬ ‫معبد ساجاسا وعندما وصال إىل الربكة يف أسفل جبل "يونغهواسان"‪ .‬فجأة‪،‬‬ ‫ظهر ثالوث مايتريا يف وسط الربكة فاحنىن‬ ‫كل من امللك وامللكة احتراما هلا‪ .‬قالت‬ ‫امللكة للملك متوسلة إليه‪" :‬أرجو أن تبين‬ ‫يل معبدا يف هذه البقعة‪ .‬إهنا رغبيت"‪.‬‬ ‫وافق امللك على ذلك‪ ،‬واستشار الراهب‬ ‫"جيميونغ" حول هذا املشروع‪ .‬مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬وبعد الطلب من القوى السماوية‪،‬‬ ‫أضحت الربكة اليت كانت ممتلئة باألتربة‬ ‫املنحدرة من اجلبل‪ ،‬منطقة مستوية مهيئة‬ ‫لبناء املعبد‪ .‬ومت بناء متثال لثالوث مايتريا‪،‬‬ ‫وقاعات للمعبد‪ ،‬ومعابد متعددة الطوابق‪،‬‬ ‫وممرات‪ .‬مسي املعبد باسم "مريوكسا"‪،‬‬ ‫والذي يعين "معبد مايتريا"‪ .‬أرسل امللك‬ ‫"جينبيونغ" ملك شيلال العديد من العمال‬ ‫للمساعدة يف أعمال البناء‪.‬‬ ‫يشتمل الوصف على قصتني‪،‬‬ ‫إحدامها عن حياة "سودونغ" وزواجه‬ ‫من األمرية "سوهنوا"‪ ،‬واألخرى حول‬ ‫إجياد "مريوكسا"‪ .‬القصتان‪ ،‬على كل‬ ‫حال‪ ،‬خمتلفتان يف طبيعتهما‪ .‬أسطورة‬ ‫"سودونغ" هي حكاية خيالية ممتعة ولكن‬ ‫صلتها حبياته الفعلية ضعيفة جدا‪ ،‬وخباصة‬ ‫تقلده أخريا منصب امللك باسم امللك‬ ‫"مو" يف النهاية‪ .‬حىت الراهب "إيريون"‪،‬‬ ‫الذي مجع "سامغوك يوسا"‪ ،‬عرب عن شكه يف أسطورة "سودونغ"‪ ،‬اليت ورد فيها‬ ‫أن "سودونغ" ابن أرملة‪ ،‬وذلك ألن امللك "مو" كان معروفا أنه ابن امللك "بوب"‬ ‫من ملوك بيكجي‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬فإن دور امللك "مو" املركزي يف بناء معبد‬ ‫"مريوكسا" تفيده كل احليثيات‪.‬‬ ‫أسطورة "سودونغ" هي حكاية (فولكلورية) شعبية كالسيكية من حيث‬ ‫املواضيع واألفكار املشتركة حلكايات الفولكور الشعبية اليت يتم تناقلها من جيل‬ ‫إىل جيل آخر مشافهة‪ .‬القسم املتعلق مبيالد "سودونغ" واعتالئه للعرش‪ ،‬بشكل‬ ‫خاص‪ ،‬حيمل الكثري من الشبه باألدب الفولكلوري الشعيب‪ .‬قصة محل أمه به من‬

‫تنني تشبه الطريقة اليت مت هبا محل أمهات الكثري من الشخصيات العظيمة واألبطال‬ ‫يف القصص الفولكلورية‪ ،‬حيث حتمل هذه األمهات من خملوقات غري البشر‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن القسم املتعلق بوجود كميات كبرية من الذهب يف األماكن‬ ‫اليت يبحث فيها عن اليام‪ ،‬مث كسب ثقة امللك هبذه الطريقة واعتالء العرش‪ ،‬هو‬ ‫نفس املحتوى ألسطورة فولكلورية لفتاة‪،‬‬ ‫هي أصغر بنات العائلة‪ ،‬تترك البيت على‬ ‫إثر خالف مع والدها وتلتقي بشخص‬ ‫يصنع الفحم مث يعثر على كميات كبرية‬ ‫من الذهب اخلالص‪ ،‬مما جعل الزوجني‬ ‫يف غاية الغىن والثراء‪ .‬ميكن إجياد جانب‬ ‫فولكلوري آخر يف "سودونغيو" األغنية‬ ‫اليت ألفها "سودونغ" يف مساعيه للفوز‬ ‫باألمرية "سوهنوا"‪ .‬كتبت هذه األغنية‬ ‫بلغة "هيانغتشال"‪ ،‬وهي نظام كتابة‬ ‫قدمي للغة الكورية بأحرف صينية‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من صعوبة تفسريها‪ ،‬فإن الترمجة‬ ‫العامة لألنشودة كما يلي‪:‬‬ ‫األمرية "سوهنوا"‬ ‫تزوجت باحلكمة‬ ‫صيب اليام‬ ‫ميسكها من ذراعيها يف الليل‬ ‫طبقا لألنشودة‪ ،‬فإن األمرية‬ ‫"سوهنوا" كانت تتحني الفرص للخروج‬ ‫ليال لرؤية سودونغ‪ .‬فقرات األغنية‬ ‫‪2‬‬ ‫البسيطة تشبه ترنيمة املهد اليت تسهل‬ ‫على األطفال النوم والتعلم وتكرار الغناء‬ ‫وجانب األغنية الفولكلورية‪ ،‬الذي يشبه أغاين الغزل اليت استخدمت يف التودد‬ ‫إىل النساء وخطب ودهن مكنت من انتشارها بسهولة بني الناس ويف النهاية‬ ‫وصلت إىل القصر امللكي‪.‬‬ ‫نظرة جديدة‬ ‫عرف معبد "مريوكسا" بأنه أكرب معبد بوذي يف فترة املمالك الثالث (من‬ ‫القرن األول قبل امليالد حىت القرن السابع امليالدي)‪ .‬طبقا لـ"سامغوكيوسا"‪،‬‬ ‫فقد بىن املعبد امللك "مو" بناء على طلب امللكة‪ .‬وملا كانت امللكة يف احلكاية هي‬ ‫صيف‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪29‬‬


‫‪1‬‬

‫األمرية "سوهنوا" من مملكة شيلال املجاورة‪ ،‬فمن‬ ‫الطبيعي أن يفترض أن األمرية "سوهنوا" هي اليت‬ ‫تقف وراء بناء معبد "مريوكسا"‪.‬‬ ‫يف شهر كانون الثاين ‪ ،2009‬كشف فريق تنقيب عن خمبأ هام آلثار‬ ‫بوذية من القرن السابع وضعت داخل الباغودا احلجرية متعددة الطوابق يف معبد‬ ‫"مريوكسا"‪ .‬ومن بني القطع اجلديرة باالهتمام بشكل خاص اللوحة الذهبية‬ ‫اليت قدمت معلومات مفصلة عن خلفية املعبد‪ .‬طبقا ملا هو مكتوب على لوحة‬ ‫"ساريبونغآنغي"‪ ،‬فإن السريرا قد وضعت يف الباغودا متعددة الطوابق بناء على‬ ‫أمر من امللكة‪ ،‬اليت كان اسم عائلتها "ساتيك"‪ ،‬وهذا يتناقض مع املعتقد السائد‬ ‫منذ زمن بني الناس بأن "مريوكسا" قد بناه امللك "مو" استجابة لطلب من‬ ‫امللكة‪" ،‬سوهنوا"‪ .‬ينص القسم املتعلق هبذا األمر على ما يلي‪:‬‬ ‫إن ملكتنا ملكة بيكجي‪ ،‬ابنة "جوابيونغ ساتيك جوكدوك"‪ ،‬عرفت منذ‬ ‫زمن بعيد بتعاطفها الذي أبدته مع الشعب‪ ،‬مع كوهنا أصبحت عمودا من أعمدة‬ ‫البوذية‪ .‬وبرغبة منها فقد قدمت صدقة وفاء لنذر نذرته‪ ،‬وهو بناء هذا املعبد‪،‬‬ ‫ومت وضع السريرا يف اليوم التاسع والعشرين من سنة "كيهي"‪.‬‬ ‫طبقا هلذه املعلومات فإن خملفات السريرا وضعت يف الباغودا احلجرية‬ ‫الغربية من معبد مريوكسا يف الشهر األول من سنة ‪( 639‬سنة "كيهي")‪،‬‬ ‫أي يف السنة األربعني من حكم امللك "مو"‪ ،‬بناء على وصية من امللكة‪ ،‬ابنة‬ ‫"ساتيك دوكجوك"‪ .‬كانت عائلة ساتيك واحدة من العشائر الثماين األكرب‬ ‫‪ 30‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫نفوذا وتأثريا بني طبقة النخبة يف مملكة بيكجي‪ .‬وقد‬ ‫تأكد وجود هذه العشرية عن طريق نصب تذكاري حيمل‬ ‫اسم "ساتيكجيجوكيب"‪ ،‬نصبه "ساتيك جيجوك"‪ ،‬الذي عمل يف منصب‬ ‫"جوابيونغ"‪ ،‬وهو أعلى منصب ملسؤول يف حاشية بيكجي‪ .‬فمما كتب على هذا‬


‫‪ 1‬الجرة الخارجية لحافظة السريرا تشتمل على قسمين علوي وسفلي يمكن أن يل ّفا فتنفتح‪.‬‬ ‫‪ 2‬جماهير متدفقة جاءت لمشاهدة معرض خاص استمر لمدة شهر عرضت فيه آثار بوذية‬ ‫كشف عنها في الباغودا الحجرية متعددة الطوابق في موقع معبد "ميروكسا"‪ ،‬الذي مثل‬ ‫متحف "ميروكسا" في "إكسان" من مقاطعة "جولالبوك دو"‪.‬‬

‫‪ 3‬ذكرت "كونغنامجي" ‪ -‬في بويو بمقاطعة "تشونغتشونغنام دو" ‪ -‬في كتاب ميالد الملك‬ ‫"مو" في "سامغوكيوسا" (تاريخ الممالك الثالث)‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫النصب التذكاري‪ ،‬إن "ساتيك جيجوك" يندب الطبيعة املتقلبة للحياة واملجد‬ ‫املاضي‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فإن الكتابة املسطرة على اللوحة الذهبية تشري إىل أن‬ ‫ملكة من عشرية "ساتيك"‪ ،‬وليست األمرية "سوهنوا"‪ ،‬كانت هي الشخصية‬ ‫اليت تقف وراء بناء معبد "مريوكسا"‪ .‬ومع هذا‪ ،‬حيتمل أن يكون للملك "مو"‬ ‫أكثر من زوجة خالل مسرية أربعني سنة من احلكم‪،‬‬ ‫ويفترض أن األمرية "سوهنوا" قد تكون سامهت يف‬ ‫معبد "مريوكسا" يف وقت مبكر‪ ،‬ومل يكن ذلك قريبا‬ ‫من وقت االحتفال حبفظ األشياء املقدسة يف املعبد‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫أسرار وغموض معبد ميروكسا‬ ‫طبقا للوصف الذي جاء لـ"سودونغ" يف‬ ‫"سامغوكيوسا"‪ ،‬فإن امللك "مو" كتب"سودونغيو"‬ ‫وتزوج األمرية "سوهنوا" من مملكة شيلال وبىن معبد‬ ‫"مريوكسا" بناء على طلب "سوهنوا"‪ ،‬وميكن فهم‬ ‫الفرق عندما حنلل بتفصيل أكثر "سامغوكيوسا"‪.‬‬ ‫وكما ذكرنا آنفا‪ ،‬فإن السجالت اليت تتناول امللك‬ ‫"مو" تتألف من أسطورة من "سودونغ" وأسطورة‬ ‫إنشاء "مريوكسا"‪ ،‬فاألوىل مبنية على أسطورة والثانية‬ ‫مبنية على حقيقة‪ .‬مبعىن أن األسطورة تقوم بشكل‬

‫طبيعي على قصة واقعية للمعبد‪.‬‬ ‫وبشكل عام‪ ،‬فإن معظم األساطري حول بناء املعابد عموما تصلح‬ ‫إلضفاء جمد مساوي على أي معبد لقيادة الناس إىل البوذية‪ .‬بناء على ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫جزءا من األسطورة اليت تتناول اختيار موقع املعبد تتسم عادة باالرتباط حبادث‬ ‫مساوي غريب‪ .‬وهذا ما يتجلى يف قصة ثالوث "مايتريا" يف وسط الربكة أمام‬ ‫امللك "مو" وزوجته امللكة‪ ،‬وهذا ما قاد إىل بناء "مريوكسا" يف املوقع‪.‬‬ ‫وللتشديد على اجلانب السماوي اخلارق للمعبد فقد انتشرت أيضا أساطري‬ ‫فولكلورية أخرى بني الناس وكان يف الغالب يستشهد هبا يف قصة بناء املعبد‪.‬‬ ‫وهذا األمر ينطبق أيضا على أسطورة "سودونغ" حيث الراهب "جيميونغ"‪ ،‬أعلى‬ ‫راهب بوذي يف ذلك العصر‪ ،‬والذي يصلح كرابط ألسطورة بناء "مريوكسا"‪.‬‬ ‫ومبا أن القصة بني "سودونغ" واألمرية "سوهنوا" منتشرة بني عامة الشعب‪ ،‬فرمبا‬ ‫كان الرهبان يعتربون مرجعية يف تفسري قصة تأسيس معبد "مريوكسا"‪.‬‬ ‫يف اخلتام‪ ،‬ميكن القول إن أسطورة "سودونغ" هي حكاية فولكلورية تناقلها‬ ‫الناس يف حني أن أسطورة بناء "مريوكسا" من قبل امللك "مو" تقوم على حقائق‬ ‫تارخيية‪ .‬وعلى الرغم من أن القصتني منفصلتان متاما‪ ،‬إال أن قصة احلب قد‬ ‫أقحمت يف قصة "مريوكسا" إقحاما إلثراء أسطورة بنائه‪.‬‬

‫خريف‬ ‫صيف ‪ | 2009‬كوريانا ‪31‬‬


‫مرآة‬

‫مسرح الفنون الذي أعيد‬ ‫جتديده في "ميونغ دونغ"‬ ‫يفتح أبوابه‬ ‫بفضل الحملة غير المسبوقة إلعادة تجديد وبناء المسارح‪ ،‬والتي‬ ‫تضافرت فيها جهود العديد من القطاعات الثقافية المختلفة‪ ،‬فقد تم افتتاح‬ ‫مسرح الفنون مؤخرا في "ميونغ دونغ"‪ .‬ونسبة للطبيعة التعاونية لهذا‬ ‫المشروع والتي حظيت بتقدير عال من الجميع فمن الطبيعي أن يقودنا‬ ‫ذلك إلى النظر في تاريخ هذا المسرح‪.‬‬

‫كيم مون هوان أستاذ يف جامعة سيول الوطنية‪ ،‬وناقد مسرحي‬ ‫التصوير‪ :‬مسرح فنون "ميونغ دونغ"‬

‫هذا‬

‫املسرح افتتح حديثا يف منطقة ميونغ دونغ‬ ‫يف سيول‪ ،‬على أرض كانت تعترب أغلى منطقة يف‬ ‫كوريا‪ .‬إن هذا املسرح اخلاص بالفنون األدائية هو‬ ‫الوريث الشرعي ملسرح "ميجيجا"‪ ،‬الذي كان يف‬ ‫األصل سينما اكتمل بناؤها سنة ‪ ،1934‬وذلك‬ ‫يف أوج فترة االستعمار الياباين لكوريا‪ .‬مما جتدر‬ ‫اإلشارة إليه‪ ،‬أن املرفق اجلديد ما زال حيتفظ بشكل‬ ‫خارجي مزخرف مبهرج يشبه البناء األصلي‪.‬‬ ‫مت تطوير مسرح "ميجيجا" من قبل "إيشيباشي‬ ‫ريوسوكي"‪ ،‬وهو مواطن ياباين كان يدير مؤسسة‬ ‫معمارية‪ .‬يف سنة ‪ ،1939‬امتلك هذا املعماري‬ ‫أيضا "دانسونغسا"‪ ،‬وأعاد تسميته باسم مسرح‬ ‫"ديريوك"‪ ،‬الذي كان يستعمل كدار للسينما‪ .‬ويف‬ ‫مجيع أحناء "كيونغسونغ" (وهي سيول اليوم) عرف‬ ‫هذا الرجل بأنه رائد املسرح الكوري‪.‬‬

‫حملة إعادة إعمار املسرح وترميمه‬ ‫خالل احلقبة اليابانية‪ ،‬كانت "ميونغ‬ ‫‪ 32‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫دونغ" تعرف باسم "ميونغريبانغ" (وتعين حرفيا‬ ‫قاعة الترحيب مبوفدي "مينغ")‪ .‬ويف احلقيقة فإن‬ ‫"جانغآكوون" (املعهد املوسيقي امللكي) كان قريبا‬ ‫من هذا املكان وهذا ما قاد الناس إىل ربط "ميونغ‬ ‫دونغ" بالفنون‪ .‬وخالل فترة االستعمار الياباين تغري‬ ‫اسم املنطقة إىل "ميجيتشو"‪ ،‬وأعيدت تسمية املسرح‬ ‫ليصبح مسرح "ميجيجا"‪ .‬تطورت املنطقة تدرجييا إىل‬ ‫منطقة جتارية حديثة تعتمد على املوفدين واملنتدبني‬ ‫اليابانيني‪ ،‬ويقف فيها اآلن مركز "شينسيغي" (وهو‬ ‫حمل جتاري ضخم يقدم أشكاال متنوعة من خمتلف‬ ‫البضائع)‪ .‬التدفق واحلركة اليت حدثت يف املنطقة‬ ‫جذبت أيضا شخصيات فنية وثقافية‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من أن "ميونغ دونغ" اآلن تعج بالعديد من أصناف‬ ‫جتارة التجزئة‪ ،‬فإهنا تبقى واحدة من أكثر املواقع‬ ‫شعبية يف سيول لدى السياح اليابانيني‪.‬‬ ‫بعد التحرر من احلكم االستعماري الياباين‬ ‫سنة ‪ ،1945‬استخدم بناء مسرح "ميجيجا" كقاعة‬ ‫اجتماعات مدنية من قبل بلدية مدينة سيول حىت‬

‫سنة ‪ .1961‬كما استخدمت أيضا دارا للمسرح‬ ‫الوطين الكوري من ‪ 1957‬حىت ‪ ،1973‬مبعىن أن‬ ‫البناء خرج من إطار مهمته من سنة ‪ 1957‬حىت‬ ‫سنة ‪ ،1961‬عندما اكتملت قاعة املواطنني‪.‬‬ ‫نتيجة لإلصالحات العامة اليت متت سنة‬ ‫‪ ،1962‬نقص عدد مقاعد املسرح الوطين الكوري‬ ‫من ‪ 1178‬إىل ‪ 820‬مقعدا‪ ،‬مث تناقص العدد أيضا‬ ‫إىل ‪ 552‬بعد أن أعيد ترميمه كمسرح متوسط‬ ‫احلجم بسبب أعمال إعادة الترميم األخرية‪.‬‬ ‫عقب إنشاء املسرح الوطين الكوري اجلديد‬ ‫أجرت وزارة‬ ‫يف "جانغتشونغ دونغ" سنة ‪ّ ،1973‬‬


‫أعيد مؤخرا افتتاح مسرح الفنون في منطقة‬ ‫"ميونغدونغ" بعد عمليات مكثفة للترميم وتجديد البناء‪.‬‬

‫الثقافة واإلعالم مسرح "ميجيجا" السابق من وزارة‬ ‫اإلدارة احلكومية‪ .‬وقد مت استخدامه الحقا كمسرح‬ ‫مؤجر حتت اسم مسرح الفنون يف "ميونغ دونغ"‪.‬‬ ‫وقد مت بيع املبىن لشركة "ديهان" لالستثمار والتمويل‬ ‫و"ديهان ترست" لالستثمار املحدودة يف ‪،1976‬‬ ‫كما أن صريورته الحقا مساحات للمكاتب أهنت‬ ‫عمليا ارتباطه الطويل باملسرح‪.‬‬ ‫وقد كان اإلعالن ـ يف تشرين الثاين من سنة‬ ‫‪ 1994‬ـ عن خمططات مؤسسة "ديهان مورتشونت‬ ‫بينغكينغ" (مؤسسة بنكية للتجارة) لتحويل املبىن‬ ‫إىل مبىن شركة يتألف من ‪ 10‬طوابق مبثابة حتفيز‬

‫للقطاع املسرحي لكي يطلق "محلة إعادة وإصالح‬ ‫للمسارح"‪ ،‬إن إعالن مؤسسة "ديهان" عن إفالسها‬ ‫قدم فرصة لشراء املوقع‪ ،‬وهو ما فعلته احلكومة أخريا‬ ‫يف كانون األول سنة ‪ .2003‬إ ّن جعل شراء هذا‬ ‫املبىن ممكنا يرجع جزئيا إىل جهود نقابة جتار "ميونغ‬ ‫دونغ" ملنع بيع املبىن يف املزاد العلين‪ .‬بعد فترة تشييد‬ ‫استمرت مخس سنوات اكتمل مسرح الفنون يف‬ ‫"ميونغ دونغ" أخريا يف شهر أيار ‪.2009‬‬ ‫عرف هذا املسرح واشتهر حبيازته لقصب‬ ‫السبق يف عدة أعمال‪ ،‬مبا يف ذلك أول أوبرا‪ ،‬وأول‬ ‫أداء أوركسترا‪ ،‬وأول أداء مسرحي ميثل من قبل‬

‫شركة الدراما الوطنية الكورية عقب دمج شركيت‬ ‫املسرح "سينهيوب" و"مينغوك"‪ .‬يف سنة ‪،1962‬‬ ‫أنتجت األوبرا الكورية الوطنية‪ ،‬شركة "كوكغوك"‬ ‫الوطنية (حاليا تعرف باسم شركة "تشانغوك"‬ ‫الوطنية) وشركة الرقص الوطين الكوري‪ ،‬أفضل‬ ‫وأعظم أعماهلا يف هذا املبىن‪ .‬إضافة إىل ذلك‪،‬‬ ‫فإن املغنني الشعبيني مثل "هيون إين" و"يون بوك‬ ‫هي" أيضا شرفوا مسرحه‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫مسرح الفنون يف "ميونغ دونغ" دعم أيضا شركات‬ ‫أنشطة مسرح "دونغإين" اليت شكلتها مجعيات دراما‬ ‫الكليات اليت مثلت العمود الفقري لدائرة املسرح‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪33‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪ 1‬مسرح الفن في المدينة السابقة كان في يوم من األيام حاضنا للمسرح الوطني الكوري‪.‬‬

‫‪ 3-2‬مراسم مهرجانية لالحتفال باالفتتاح الكبير لمسرح الفنون الجديد في "ميونغدونغ" الذي‬ ‫تم في ‪ 5‬حزيران ‪.2009‬‬

‫‪3‬‬

‫الكوري بدءا من الستينات‪ .‬املؤلف "يل بونغ كو"‪،‬‬ ‫الذي أشار إىل نفسه برشاقة على أنه كونت(نبيل)‬ ‫"ميونغ دونغ" قال يف إحدى املرات إن مسرح فنون‬ ‫"ميونغ دونغ" اشتمل على نطاق متكامل من الفنون‬ ‫الكورية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن مسرح فنون "ميونغ‬ ‫دونغ" كان سناما للفنون الكورية‪ ،‬خصوصا الفنون‬ ‫األدائية‪ ،‬فإن تركيزه األساسي كان على العمل‬ ‫املسرحي‪ .‬وال بد من اإلشارة هنا إىل أنه‪ ،‬جيب‬ ‫علينا أن نتأمل اخللفية التارخيية ملسرح "ميونغ دونغ"‬ ‫للفنون انطالقا من األداءات اليت متت عليه واليت‬ ‫‪ 34‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫قامت هبا عدة شركات مسارح مثل شركة الدراما‬ ‫الوطنية‪.‬‬ ‫تاريخ املسرح الوطني‬ ‫عقب انتهاء فترة التحرير الكوري من احلكم‬ ‫االستعماري الياباين وحتديدا يف يوم ‪ 15‬أغسطس‬ ‫سنة ‪ ،1945‬وجد القطاع املسرحي الكوري نفسه‬ ‫ما بني يسار وميني يف تشابه كبري مع املجتمع الكوري‬ ‫آنذاك‪ .‬إن تأسيس مجهورية كوريا سنة ‪،1948‬‬ ‫وكذلك اهلجرة اجلماعية للممثلني االشتراكيني إىل‬ ‫كوريا الشمالية أو من أنفاق من حتت األرض واليت‬

‫حدثت خالل فترة التدخل‪ ،‬أدى ذلك إىل إهناء حالة‬ ‫الفوضى اليت أحاطت لفترة طويلة بالعامل املسرحي‬ ‫الكوري‪ .‬يف كانون األول من سنة ‪ ،1948‬أشرفت‬ ‫وزارة التربية والتعليم على مسؤولية منح تصاريح‬ ‫األداء على املسرح بدال عن مكتب اإلعالم‪ ،‬والقانون‬ ‫حول تأسيس املسرح الوطين مت نشره واعتماده يف‬ ‫ذلك الوقت أيضا‪ .‬ويف تشرين األول ‪ ،1949‬مت‬ ‫تأسيس جلنة تسيري للمسرح الوطين‪ ،‬ومت تعيني أول‬ ‫رئيس للمسرح الوطين‪ .‬وقد اختري املبىن الذي يتسع‬ ‫لـ ‪ 1997‬مقعدا يف "بومينغوان"‪ ،‬والذي يقع‬ ‫يف شارع "تيبيونغرو" يف قلب سيول العاصمة‬


‫(يستخدم اآلن كمجلس لبلدية سيول) لكي يكون‬ ‫مقرا للمسرح الوطين‪ .‬أقيم االحتفال الرمسي الذي‬ ‫يؤذن بافتتاح املسرح الوطين يف سنة ‪ ،1959‬وقد‬ ‫عرضت فيه العديد من األعمال مثل "وونسولالنغ"‬ ‫(وهي دراما إبداعية)‪ ،‬و"مايل جانغسونغ"‬ ‫(وهي أوبرا كورية تقليدية ‪" -‬تشانغوك")‪،‬‬ ‫و"تشوهنيانغجون" (وهي أوبرا إبداعية)‪ ،‬و"نويوو"‬ ‫(وهي دراما مترمجة)‪ .‬وقد أجرب اندالع احلرب‬ ‫الكورية سنة ‪ 1950‬املسرح الوطين على االنتقال‬ ‫إىل "بوسان"‪ .‬يف تشرين األول من سنة‪،1951‬‬ ‫اقترح رئيس املسرح الوطين إعادة افتتاحه يف‬

‫الرغم من أن املرء جيب أن ال يبالغ يف األمر ويقول‬ ‫إن الشرائح التقدمية قد حكمت املوقع‪ ،‬فإن العديد‬ ‫من األعمال اليت مثلت يف تلك الفترة كانت تفتقر‬ ‫إىل حد ما إىل اآليديولوجيا ـ وجهة النظر الفنية ـ‬ ‫من أمثلة ذلك "فيلهلم تيل" و"اجلرمية والعقاب"‪.‬‬ ‫رأت ثورة الطالب اليت قامت يف ‪ 19‬نيسان‬ ‫‪ 1960‬رياح التغيري تعصف باحلكم الذي دام‬ ‫طويال للرئيس "ري سونغ مان"‪ ،‬وقد اندفعت هذه‬ ‫الرياح من خالل املسرح الوطين‪ .‬فجأة‪ ،‬وجدت‬ ‫اللجنة املسرية ـ اليت كانت هلا عالقات وثيقة‬ ‫مع احلكومة ـ نفسها عرضة النتقادات متزايدة‪.‬‬

‫عليه أي عملية إصالحات يف اخلمس عشرة سنة‬ ‫املاضية‪ .‬وما ظهر الحقا من عملية اإلصالح العام‬ ‫للمقاعد‪ ،‬وخشبة املسرح‪ ،‬وأنظمة التربيد والتدفئة‪،‬‬ ‫واحلمامات‪ ،‬وقاعة االنتظار جعله بناء نظيفا مفرحا‬ ‫وينشر الدفء وأصبح معروفا باسم مسرح "ميونغ‬ ‫دونغ" الوطين‪ .‬وكجزء من التشديد اجلديد على‬ ‫الفنون‪ ،‬مت تأسيس شركة الدراما الوطنية‪ ،‬واألوبرا‬ ‫الوطنية الكورية‪ .‬كما أنشئت شركة "كوكغوك"‬ ‫الوطنية (املعروفة حاليا باسم شركة "تشانغوك"‬ ‫الوطنية الكورية) وشركة الرقص الوطين يف كوريا‪.‬‬

‫مسرح الفنون يف ميونغ دونغ ولد من جديد كحدث وموقع من الدرجة األوىل إلعداد أعمال مسرحية داخل املسرح‪ .‬إن إنشاء هذا املسرح الفريد للفنون األدائية‪،‬‬ ‫وبتركيزه على اإلنتاج الداخلي يف املسرح‪ ،‬يفتح فصال جديدا متاما يف تاريخ املسرح الشعيب الكوري‪.‬‬

‫"بوسان"‪ ،‬ولكن االقتراح قوبل بالرفض وأجرب‬ ‫بعد ذلك على االستقالة‪ .‬يف أيار من سنة ‪،1952‬‬ ‫قررت احلكومة استخدام"ديغو" كدار للمسرح‬ ‫الوطين حىت تتأتى العودة إىل سيول‪ .‬وقد توىل‬ ‫املسرح الوطين اإلشراف على البناء الذي يشغله‬ ‫مسرح "ديغو" الثقايف وبدأ بعرض األداءات يف مقره‬ ‫املؤقت بعد ذلك بفترة قصرية‪.‬‬ ‫يف حزيران ‪ ،1957‬عاد املسرح الوطين إىل‬ ‫سيول حيث شارك ما يعرف اآلن مببىن مسرح‬ ‫الفنون يف "ميونغ دونغ" مع بلدية مدينة سيول يف‬ ‫إدارته‪ .‬وقد مت تأسيس شركة الدراما الوطنية يف‬ ‫نفس السنة‪ ،‬ولكن نتيجة للزناعات اليت طفت على‬ ‫السطح بني الشرائح التقليدية والتقدمية يف القطاع‬ ‫املسرحي‪ ،‬مت حل شركة الدراما الوطنية واستبدلت‬ ‫بشركيت مسرح مها "سينهيوب" و"مينغوك" وذلك‬ ‫يف أيار من عام ‪ .1959‬وعلى الرغم من أن هذا قد‬ ‫خلق وضعا غري عادي ميكن أن يشبه بوضع عائلتني‬ ‫تعيشان حتت سقف واحد‪ ،‬فإن األداءات اليت قدمتها‬ ‫املجموعات كانت تستقبل حبفاوة من قبل اجلماهري‪.‬‬ ‫وكان هذا االهتمام من قبل اجلمهور يُعزى يف جزء‬ ‫كبري منه إىل أن القسم األكرب من العامة يعرف إىل‬ ‫حد ما ويألف بعضا من هؤالء املمثلني واملمثالت‬ ‫من خالل أدوارهم على الشاشة الكبرية‪ .‬وعلى‬

‫بدأت الدعوات لتنفيذ مبدأ " أقصى ما ميكن ورفع‬ ‫سقف احلرية " ومبوجب هذا جيب على احلكومة‬ ‫أن تدعم ولكن يف نفس الوقت جيب أن ال تتدخل‬ ‫يف األنشطة اإلبداعية‪ .‬كما بدأت أيضا يف الظهور‬ ‫ثقافة املسرح الوطين لكي يبعد نفسه ومييزها عن‬ ‫املسارح التجارية اليت تتجه حنو الربح‪ .‬حدثت الثورة‬ ‫العسكرية يوم ‪ 16‬أيار سنة ‪ 1961‬يف وقت كان‬ ‫ال بد فيه هلذه الدعوات أن تنعكس على السياسة‬ ‫الوطنية أو امليزانية‪.‬‬ ‫أول وزير للثقافة واإلعالم يف احلكومة‬ ‫العسكرية كان يعمل مديرا لوكالة اإلعالم خالل‬ ‫فترة حكم احلزب الليربايل‪ .‬ومبا أنه سبق له إدارة‬ ‫مسرح صغري (وونغاكسا) يف شارع "أوجلريو"‬ ‫ملدة تقارب السنتني‪ ،‬فإنه كان ميلك اهتماما واسعا‬ ‫بتشجيع الفنون‪ .‬أحد أول إجنازاته كان وضع‬ ‫املسرح الوطين حتت سلطة وإدارة وزارة الثقافة‬ ‫واإلعالم وذلك يف تشرين األول سنة ‪ .1961‬كما‬ ‫أن تأسيس قاعة املواطنني يف ‪ 7‬تشرين الثاين من سنة‬ ‫‪ 1961‬يومئ بأن املسرح الوطين أخريا أصبح قادرا‬ ‫على أن يعلن أن املبىن الذي كان يؤدي فيه أعماله هو‬ ‫مبىن خاص به‪ .‬مع هذا التغيري الذي اكتسب زمخا‪،‬‬ ‫أطلقت عملية إعادة هيكلة ضخمة للبناء القدمي‬ ‫والذي أصبح ال يتناسب مع الوقت احلاضر ومل جتر‬

‫إعادة االفتتاح باسم املسرح الوطني‬ ‫في "ميونغ دونغ" في الستينات‬ ‫أقيم مهرجان فنون لالحتفال بإعادة افتتاح‬ ‫مسرح "ميونغ دونغ" الوطين يف الفترة من ‪22‬‬ ‫آذار حىت هناية نيسان ‪ .1962‬مت عرض العديد من‬ ‫األعمال مثل "ديتشوهنيانغجون" (األوبرا الكورية)‪،‬‬ ‫"وانغجا هودونغ" (األوبرا اإلبداعية)‪" ،‬جولوموي‬ ‫تشانغا" (الدراما) كجزء من هذه املناسبة اهلامة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من مشاركة مؤسسات الفنون األربع‬ ‫على املستوى الوطين‪ ،‬وكذلك أوركسترا سيمفونية‬ ‫‪ ،KBS‬وجوقة ‪ ،KBS‬حضر فقط ‪13000‬‬ ‫شخص ملشاهدة هذا املهرجان‪ .‬وإمعانا يف الفشل‬ ‫فقد كان عدد الزبائن الذين اشتروا التذاكر قرابة‬ ‫‪ 100‬شخص فقط لكل أداء‪ .‬ومبا أن كل ميزانيته‬ ‫قد استهلكت‪ ،‬فإن مشاكل إداريي مسرح "ميونغ‬ ‫دونغ" الوطين أضحت مشاكل معقدة ومركبة ففي‬ ‫أول سنتني من إعادة االفتتاح ترك هذه املؤسسة‬ ‫ما ال يقل عن مخسة خمرجني‪ .‬بدأت طوالع السعد‬ ‫تطلع على املسرح عندما جاءت ست شركات‬ ‫دراما جمتمعة بتاريخ ‪ 22‬نيسان ‪ 1964‬لالحتفال‬ ‫بالذكرى األربعمائة مليالد شكسبري‪ .‬كل شركة‬ ‫أدت على مدى شهر بعض أشهر األعمال امللحمية‪،‬‬ ‫وهي عملية بدأهتا شركة الدراما الوطنية ملسرحية‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪35‬‬


‫"تاجر البندقية"‪ .‬جذب هذا املهرجان عددا كبريا‬ ‫من اجلماهري يف فترة ما بعد احلرب الكورية‪ ،‬حيث‬ ‫حضره ما جمموعه ‪ 37000‬شخص‪ .‬ولسوء احلظ‪،‬‬ ‫فقد ثبت أن هذا العدد أكثر بقليل من جمرد بقعة‬ ‫مؤقتة على الرادار‪ .‬يف سنة ‪ ،1966‬كانت امليزانية‬ ‫املمنوحة للمسرح الوطين يف "ميونغ دونغ" يف تلك‬ ‫السنة بالذات نصف ما كان مطلوبا فقط‪ .‬إضافة‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬فعلى الرغم من املقاومة املتحمسة من‬ ‫جانب أولئك املعنيني يف قطاعي الثقافة والفنون‪ ،‬فإن‬ ‫املسرح الوطين الكوري كان أيضا يقابل بالرفض يف‬ ‫طلبه ألي ميزانية تكميلية لتلك السنة‪ .‬عالوة على‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن عدد األيام اليت ميكن أداء األعمال فيها‬ ‫على املسرح يف املبىن تناقصت من ‪ 80‬يوما إىل ‪30‬‬ ‫يوما يف السنة‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فإن املسرح الوطين‬ ‫الكوري مل يكن أمامه سوى القليل من اخليارات‬ ‫وهي االعتماد على عائدات املسرح لكي يبقى على‬ ‫‪ 36‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫قيد احلياة‪ .‬مما يدعو للسخرية‪ ،‬أن بقاء املسرح الوطين‬ ‫أصبح واقعا من خالل نشوء ما يسمى شركات‬ ‫"دونغ إين" للدراما اليت كانت تتمحور حول أعضاء‬ ‫مجعيات الدراما يف الكليات الذين تنفسوا حياة‬ ‫جديدة يف قطاع املسرح خالل الستينات وقاموا‬ ‫بعدة أداءات يف مسرح فنون "ميونغ دونغ"‪ .‬ويف‬ ‫هذا اإلطار‪ ،‬فإن الدراما اليت حتمل عنوان "ولكن‬ ‫ستارة املسرح ترفع" اليت أديت يف سياق االحتفال‬ ‫بالذكرى الستني للمسرح اجلديد يف شهر آذار سنة‬ ‫‪ ،1968‬ميكن اعتبارها رمزا وأساسا للروح اليت‬ ‫استمرت يف بث احلياة يف املسرح الكوري على‬ ‫الرغم من ثبوت حقيقة أنه كان على شفري اهلاوية‬ ‫واالهنيار‪ .‬النص التايل مقتطف من مقالة يف جريدة‬ ‫وال شك يف أنه ينقل احلالة اليت كانت سائدة يف‬ ‫ذلك الوقت بكل دقة‪.‬‬ ‫"مسرح ميونغ دونغ الوطين‪ ،‬املركز الوحيد‬

‫للفنون األدائية يف كوريا‪ ،‬يف حالة يرثى هلا حيث‬ ‫يتحتم عليه أن يغلق أبوابة ملدة شهرين كل سنة‪...‬‬ ‫مسرح "ميونغ دونغ" الوطين الذي مت تشغيله من‬ ‫خالل جزء من امليزانية الوطنية استقطع جزءا لدعم‬ ‫الفنون األدائية وتطوير الفنون على النطاق الوطين‪،‬‬ ‫ميكن القول إن التعامل معه مت بال مباالة نسبيا‬ ‫وذلك عند مقارنته باملنظمات األخرى‪ .‬فليس فيه‬ ‫أي مرافق تربيد أو تدفئة‪ ،‬أو حىت مولد كهربائي‬ ‫للطوارئ‪ .‬خالل أداء مت مؤخرا ملسرحية "نساء‬ ‫وينجور املرحات" من قبل شركة "كوانغجانغ"‬ ‫للدراما‪ ،‬فإن املمثلني أجربوا على أن يكملوا عملهم‬ ‫على أضواء القناديل بعد أن انقطع التيار الكهربائي‬ ‫فجأة‪ .‬كما أن املبىن ابتلي مرة أخرى بانقطاع التيار‬ ‫الكهربائي وذلك أثناء أداء ألوبرا "تشوهنيانغجون"‬ ‫اليت كان حيضرها بعض الضيوف األجانب‪ ،‬ويف‬ ‫هذه املرة كان على اجلماهري أن تنتظر ملدة ‪ 50‬دقيقة‬


‫قبل أن يبدأ األداء مرة أخرى"‪( .‬دونغ آه إيلبو‪20 ،‬‬ ‫كانون األول ‪)1966‬‬ ‫سلسلة التغيريات التالية اليت أثرت على صناعة‬ ‫املسرح الكوري جتسدت يف العديد من اللبنات‬ ‫اليت مت إرساؤها خالل زيارة قام هبا مدير وكالة‬ ‫املخابرات املركزية الكورية لكوريا الشمالية‪ .‬وقد‬ ‫أصيب بصدمة إذ اكتشف أن كوريا الشمالية تتباهى‬ ‫بتخصيص مساحات واسعة ثقافية مثل مسرح‬ ‫الفنون "ماسودي" يف مدينة بيونغ يانغ‪ ،‬وقد قررت‬ ‫احلكومة أن متضي قدما يف بناء مسرحها اخلاص هبا‪،‬‬ ‫وعلى نطاق واسع‪ .‬قررت احلكومة بشكل سريع أن‬ ‫تؤسس املركز الثقايف الوطين يف "جانغتشونغ دونغ"‪،‬‬ ‫يف سيول‪ ،‬وهو جممع اشتمل على مبىن للمسرح‬ ‫الوطين الكوري‪ .‬وقد مت االفتتاح الضخم هلذا املسرح‬ ‫يف يوم ‪ 12‬من تشرين األول سنة ‪.1967‬‬ ‫حاولت احلكومة متويل تكلفة مبىن املركز‬

‫أعمال التجديد في مسرح الفنون في "ميونغدونغ"‬ ‫كانت من أجل المحافظة على الصفة األصلية للمظهر‬ ‫الخارجي للمبنى‪ ،‬وفي نفس الوقت تم تحويل الجزء‬ ‫الداخلي إلى مسرح أداء من الطراز األول‪.‬‬

‫الوطين الثقايف وذلك ببيع مسرح "ميونغ دونغ"‬ ‫الوطين‪ .‬اضطرب قطاع املسارح بسبب هذه‬ ‫التغيريات اليت فهمت على أن وراءها حسابات‬ ‫سياسية قبل احلسابات الثقافية‪.‬‬ ‫بدأت الشكوك تنطلق يف بعض األوساط حول‬ ‫اخلطة اليت وضعت من أجل "بناء ثالثة طوابق فوق‬ ‫األرض وطابق حتت األرض‪ ،‬ووضع ‪ 1500‬مقعد‬ ‫ثابت و‪ 130‬مقصورة‪ .‬كل مقصورة جيب أن تكون‬

‫جمهزة حبمامها اخلاص هبا وغرفة اخلدمة اخلاصة هبا‪.‬‬ ‫أما مسرح ‪ 400‬بيونغ فسوف جيهز حسب اخلطة‬ ‫بآليات متكن من الدوران‪ ،‬والصعود‪ ،‬والتحرك من‬ ‫جانب إىل جانب‪ ،‬ومسرح خاص باألوركسترا‬ ‫ميكن أن يتسع ملائة مؤد‪ ،‬وكذلك مرافق بث‬ ‫تلفزيونية"‪ ،‬كل هذا عكس فعليا اإلحساس احلقيقي‬ ‫بصناعة املسرح الكورية‪ .‬آخرون أبدوا قلقهم من أن‬ ‫مثل هذه النقلة قد تؤدي إىل توقف كامل لألنشطة‬ ‫املسرحية وهي بالكاد وقفت على رجليها‪.‬‬ ‫جرت أربع عمليات مناقصة مفتوحة وذلك‬ ‫من أجل بيع مسرح "ميونغ دونغ" الوطين‪ .‬وبسبب‬ ‫عدم التمكن من احلصول على ما كان يعترب عرضا‬ ‫مناسبا للبناء‪ ،‬فقد قررت احلكومة سنة ‪1970‬‬ ‫تنفيذ إصالحات جزئية بدال من ذلك وتغيري اسم‬ ‫املكان إىل مسرح فنون "ميونغ دونغ"‪ .‬ويف نفس‬ ‫الوقت‪ ،‬فإن املسرح الوطين الكوري أكمل ترتيباته‬ ‫يف موقع جديد يف "جانغتشونغ دونغ" يف يوم ‪26‬‬ ‫آب ‪ .1973‬إدارة مسرح الفنون يف "ميونغ‬ ‫دونغ"‪ ،‬الذي أغلق أبوابه سنة ‪،1975‬‬ ‫عادت إىل وزارة اإلدارة احلكومية‪ ،‬ومت بيع‬ ‫املبىن بشكل هنائي يف شهر تشرين الثاين سنة‬ ‫‪.1976‬‬ ‫بداية جديدة له كمسرح إنتاج‬ ‫أدائي‬ ‫إن افتتاح مسرح الفنون الذي أعيد‬ ‫جتديده يف "ميونغ دونغ" وجد الترحيب من‬ ‫جمتمع الفنون األدائية الكورية وخصوصا‬ ‫أولئك الذين حتملوا أوقات العمل الصعبة‬ ‫يف املبىن‪ ،‬من أجل العودة إىل جذور املسرح‬ ‫الكوري‪ .‬ولقي هذا ترحيبا من قبل املحترفني‬ ‫املسرحيني القدامى واجلماهري أيضا‪ ،‬وهذه‬ ‫الشرائح تشتمل على أولئك الذين بلغوا اآلن‬ ‫السبعينات أو الثمانينات من أعمارهم‪ ،‬وكذلك لقي‬ ‫ترحيبا من كل القطاع الثقايف واملسرحي الكوري‪.‬‬ ‫إن مشروع إعادة الترميم والبناء الذي اشتمل‬ ‫على عدة مهام ـ مثل إعادة طالء اجلزء اخلارجي‬ ‫من املبىن ـ مت تفصيلها لكي حتافظ على النمط‬ ‫األصلي للجزء اخلارجي من املسرح‪ ،‬ويف نفس‬ ‫الوقت حتول القسم الداخلي منه إىل مكان أداء‬ ‫حديث‪ .‬وهلذا الغرض بذلت جهود حثيثة للحفاظ‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪37‬‬


‫مشاهد من العمل المعروف <يوم سعيد لـ"مينغ جينسا">‪ ،‬وهو هجاء كوري مشهور أداه الممثلون‬ ‫سابقا في ‪ ،1969‬عندما كان المبنى دار المسرح الوطني الكوري في "ميونغدونغ"‪ ،‬وبعد ‪ 40‬عاما‪،‬‬ ‫أعيد عرض هذه الدراما مرة أخرى على خشبة المسرح نفسها وبنفس طريقة األداء الذي أديت بها‬ ‫أول مرة‪ ،‬عرض باعتباره أول عمل عرض على مسرح الفنون في "ميونغدونغ"‪.‬‬

‫على السمة التارخيية للمبىن‪ ،‬مع تعزيز وظيفته كقاعة‬ ‫أداء حديثة‪ .‬وبتجهيز مخسة طوابق مع طابق حتت‬ ‫األرض‪ ،‬فإن مسرح الفنون يف "ميونغ دونغ" ولد‬ ‫من جديد كمركز أداء من الدرجة األوىل‪ ،‬بطاقة‬ ‫استيعاب تبلغ ‪ 500‬مقعد‪.‬‬ ‫يشتمل املسرح على خشبة عرض يبلغ عرضها‬ ‫‪ 12‬مترا‪ ،‬وستارة عمقها ‪ 7‬أمتار تواجه صفوفا من‬ ‫املقاعد على شكل حدوة حصان‪ .‬قال الناطق الرمسي‬ ‫باسم مسرح الفنون يف "ميونغ دونغ" بكل فخر "‬ ‫إن أبعد مسافة بني املسرح واجلمهور هي ‪13,5‬‬ ‫مترا يف الطابق األول‪ ،‬و‪ 16‬مترا يف الطابق الثاين‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لألقسام الداخلية ملسرح الفنون األدائية‪،‬‬ ‫فإن املسافة تبلغ ‪ 20‬مترا وهي تعترب مسافة مثالية بني‬ ‫اجلمهور وخشبة املسرح‪ ،‬يف حني أن ‪ 15‬مترا هي‬ ‫مسافة مثالية للجمهور لكي يشاهد بشكل واقعي‬ ‫ويشجع ويدرك تعابري الوجه واإلشارات اليت تظهر‬ ‫على املؤدين على خشبة املسرح‪".‬‬ ‫لكل ما سبق فإن هذه اإلصالحات األخرية‬ ‫ملبىن املسرح كانت حمل ثناء بالغ لتوفريها ظروفا‬ ‫داخلية مثالية لقاعة الفنون األدائية‪ ،‬وهي حماولة‬ ‫‪ 38‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫لتحقيق أقصى تفاعل بني اجلمهور‬ ‫واملؤدين على خشبة املسرح‪ .‬وفقا‬ ‫لذلك‪ ،‬وبالترتيب الدقيق لـ‪552‬‬ ‫مقعدا ضمن مبىن الطابق الثالث‪،‬‬ ‫فإن املصممني سعوا إىل ضمان‬ ‫أن كل فرد من اجلمهور ميكنه‬ ‫أن يستمتع بشكل كامل باألداء‬ ‫وذلك بإجياد خط رؤية استثنائي‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬خللق إحساس بالقرب بني املؤدين‬ ‫واجلمهور‪ ،‬فإن صفوف املقاعد ومستوى البلكونة مت‬ ‫ترتيبها على شكل حدوة حصان مستديرة‪.‬‬ ‫وقد أعري اهتمام مواز لوضع خطط تشغيلية‬ ‫ملسرح الفنون يف "ميونغ دونغ"‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن قاعات‬ ‫األداء الشعيب الكوري جنت عوائد مجة من تأجري‬ ‫مرافقها إىل طرف ثالث‪ ،‬أو بتشجيع عرض أعمال‬ ‫متعددة تنتج يف الداخل واخلارج‪ .‬حىت يف حاالت‬ ‫إنتاج األعمال داخل املسرح‪ ،‬تأخذ املبادرات شكل‬ ‫مشاريع إنتاج مشترك‪ ،‬تضم شركات مسرح‬ ‫خارجية‪ .‬وبإجراء مقارنة‪ ،‬جند أن مسرح الفنون‬ ‫يف "ميونغ دونغ" يشغل كمسرح إنتاج مستقل ينتج‬

‫غالبية أعماله وال يعتمد على عائدات تأجري خشبة‬ ‫مسرحه‪.‬‬ ‫طريقة إبداعية‬ ‫املدير اجلديد ملسرح فنون "ميونغ دونغ"‪،‬‬ ‫وهو السيد "كو جا هونغ" الذي عمل سابقا كمدير‬ ‫ختطيط لشركات املسرح اخلاصة وتنظيمات األداء‬ ‫العام‪ ،‬شدد على حقيقة أن ظهور املسرح اإلنتاجي‬ ‫الذي ال ميلك شركة دراما خاصة به يشكل نقطة‬ ‫حتول يف صناعة املسرح الكورية‪ ،‬وطريقة جديدة‬ ‫ّ‬ ‫لتشغيل املسرح الكوري الشعيب‪ .‬هذه النقلة يف‬ ‫منوذج اإلدارة للمسارح العامة بشكل خاص‪ ،‬يتوقع‬ ‫هلا أن تزيد من مستوى الدعم الكلي لقطاع املسرح‬


‫كله‪ ،‬وذلك من خالل إجياد بيئة أكثر استقرارا‬ ‫لألنشطة اإلنتاجية‪ ،‬واملساعدة على تأسيس قاعدة‬ ‫أوسع للتنمية املستدامة للمسرح الكوري‪.‬‬ ‫طرق الدعم القائمة حاليا تشتمل على تقدمي‬ ‫املساعدة ملجموعات الدراما الفردية‪ ،‬والفنانني‪،‬‬ ‫واملشاريع‪ ،‬مع جهود لإلبقاء على مبالغ استئجار‬ ‫موقع املسرح عند مستوى مقدور عليه‪ .‬وخالصة‬ ‫القول‪ ،‬إن مسرح فنون "ميونغ دونغ" بصفته‬ ‫مسرح إنتاج‪ ،‬سوف يكون يف وضع يسمح له‬ ‫بتزويد املخرجني‪ ،‬وكتاب النصوص‪ ،‬واملمثلني‪،‬‬ ‫واملوظفني باملساعدة الكاملة‪ .‬وذلك بتوفري دعم‬ ‫متكامل يشتمل على كل هذه اجلوانب مضافا إليها‬ ‫موقعه كمسرح أداء‪ ،‬والتمويل‪ ،‬والقوى البشرية‬

‫العاملة‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬وهذا سوف يشكل فرصة‬ ‫لرعاية مشاريع سوف تكون بدون هذه املساعدة‬ ‫مكلفة جدا للمجموعات اخلاصة وذلك ميكنها من‬ ‫إدارهتا وإجنازها وحدها‪ .‬سوف يقدم مسرح فنون‬ ‫"ميونغ دونغ" بناء على ذلك دعما للقطاع املسرحي‬ ‫أمس احلاجة إليه‪ ،‬مع متكني اجلماهري اليت‬ ‫هو يف ّ‬ ‫حتضر للمسرح من التمتع بنطاق أوسع من األعمال‬ ‫املسرحية‪ .‬شدد "كو جا هونغ" أيضا على حقيقة أن‬ ‫املسرح الوطين اجلديد يف طوكيو‪ ،‬ومسرح فيدي‬ ‫يف مدينة لوزان السويسرية ومسرح كولني الوطين‬ ‫يف فرنسا‪ ،‬كلها نفذت أسلوب إدارة شبيها هبذا‬ ‫األسلوب‪.‬‬ ‫ومع أن األداءات لالحتفال بافتتاح إعادة‬ ‫جتديد املبىن هي حاليا يف طور اإلعداد‪ ،‬فإن األنشطة‬ ‫املربجمة لألداء يف سنة ‪ 2010‬قد جذبت كثريا من‬ ‫االهتمام‪ .‬تشتمل هذه اخلطط على إطالق مشروع‬ ‫تطوير دراما إبداعي يف حماولة لتأسيس برامج طويلة‬ ‫األمد لتثقيف وهتذيب أقالم كتاب النصوص من‬ ‫اجليل التايل وتسهيل إنتاج وأداء األعمال الدرامية‬ ‫املختلفة‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن أداء "سلسلة بارزة‬ ‫من األعمال" سيشكل لدى اجلمهور فكرة عن‬ ‫االجتاهات الرئيسية والقضايا اليت متت برجمتها‬ ‫لتكون مؤثرة بالنسبة للذين ارتادوا املسرح الكوري‬ ‫خالل السنة املاضية‪ .‬وبشكل خاص‪ ،‬فإن هذه‬ ‫السلسلة سوف تبني عرض الدعوة ومتثيل أعمال‬ ‫راقية عالية املستوى نالت درجات عالية من التقدير‬

‫من اجلماهري والنقاد على حد سواء‪ .‬تتطلب اخلطط‬ ‫أيضا تأسيس برنامج "املخرجني املشاهري‪ ،‬والدراما‬ ‫الشهرية " والذي سوف تتم مبوجبه دعوة املخرجني‬ ‫الكوريني واألجانب املتميزين ألداء أعمال من‬ ‫الدراما الكالسيكية‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك يوجد قيد التنفيذ مشروع‬ ‫مدته ثالث سنوات بعنوان "سلسلة صورة املسرح‬ ‫الكوري احلديث" وهي تركز على إعادة إحياء‬ ‫األعمال الدرامية األكثر شهرة واليت عرضت سابقا‬ ‫على هذا املسرح التارخيي‪ .‬هناك أيضا خطط لتطوير‬ ‫"مشروع إخصاب اخليال" الذي يسعى إىل تشجيع‬ ‫املخرجني واملمثلني الواعدين‪ ،‬الذين ـ بسبب‬ ‫الظروف اليت متر هبا الصناعة ـ ميكن أن يعملوا‬ ‫يف مسارح صغرية دون أن ينتبه هلم أحد‪ ،‬وذلك‬ ‫لتوسيع إبداعاهتم وموهبتهم مبنحهم فرصة الستغالل‬ ‫مسرح من نوعية عالية مثل مسرح الفنون يف "ميونغ‬ ‫دومغ"‪ .‬ويف نفس الوقت ـ ومن أجل العمل على‬ ‫تشجيع التنوع الثقايف الكوري ـ ستبذل جهود‬ ‫ألداء أعمال مسرحية من أمريكا اجلنوبية‪ ،‬والشرق‬ ‫األوسط وأفريقيا‪ ،‬وهذه الشعوب ما زالت جتهل‬ ‫الشعب الكوري وثقافته‪.‬‬ ‫األعمال اليت سوف يتم أداؤها سوف ختتار‬ ‫من بني تلك اليت أنتجها مسرح فنون "ميونغ دونغ"‬ ‫الذي ينفذ توصيات اللجنة‪ .‬اجلماهري واختصاصيون‬ ‫حمليون وأجانب يف املسرح سوف يسامهون مجيعا‬ ‫يف اختيار األعمال املرشحة والربجمة‪ .‬األعمال اليت‬ ‫تؤدي إىل تفاعل كبري وردة فعل مشجعة من اجلماهري‬ ‫سوف تدخل يف األعمال املحفوظة واليت سيتم متثيلها‬ ‫بشكل منتظم‪ .‬ومبرور الزمن‪ ،‬سوف ينتج من هذا‬ ‫نظا ٌم متكام ٌل من النمط الكوري‪ .‬إن إعادة إحياء‬ ‫مسرح الفنون يف "ميونغ دونغ" كان بفضل اجلهود‬ ‫املتضافرة بني العديد من املنظمات ذات الصلة‪ ،‬واليت‬ ‫كرست هلا جهود أفراد ومؤسسات الدولة‪ ،‬ويتوقع‬ ‫منها أن تسهم بشكل كبري يف اعادة إحياء جمد‬ ‫املسرح الكوري‪.‬‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪39‬‬


‫مقابلة‬

‫ليست‬

‫مرحية رؤية قدميها ذوايت اجلراح والراحة السميكة وأصابعها امللتوية‬ ‫وأظافرها املقطعة واملكسرة‪ .‬للوهلة األوىل‪ ،‬تبدو وكأهنا جذور أشجار‪ .‬صاحبة‬ ‫هاتني القدمني غري املحظوظتني اللتني تذكران قلوبنا بصور فن بيكاسو التكعييب‬ ‫هي راقصة الباليه العاملية كانغ سو جني‪ .‬وهي عبارة عن نتاج تفانيها العاطفي من‬ ‫خالل التدريبات الشاقة والروتينية ـ أكثر من ‪ 10‬ساعات يومياـ مما جيعلها‬ ‫تستعمل أكثر من ‪ 250‬حذاء للتدريب خالل العام‪ .‬ولكنها يف نفس الوقت‬ ‫عبارة عن جبعة أنيقة تطري حنو السماء متغلبة على اجلاذبية األرضية‪ .‬وتوصف‬ ‫قدماها بأهنما أمجل قدمني يف العامل‪ .‬وقد أشاد الشاعر الكوري املعروف كو أون‬ ‫هبا قائال‪" :‬عندما رأيت صورة قدميها‪ ،‬دق قليب بشدة حىت اضطررت إىل هتدئة‬ ‫نفسي من خالل وضع يدي على صدري آه‪ .‬لقد كنت منفعال حقا‪".‬‬ ‫تقدمية خاصة‬ ‫يف يوم ‪ 7‬يوليو عام ‪ ،2007‬قدمت فرقة شتوتغارت للباليه عرضا خاصا‬ ‫بعنوان "روميو وجولييت" وهو عمل حمبوب بصفة خاصة بني األملان‪ .‬ويف‬ ‫ختام العرض وعندما ظهرت راقصة الباليه الرئيسية اليت أدت دور جولييت على‬ ‫خشبة املسرح‪ ،‬قام كل املشاهدين الذي يبلغ عددهم ‪ 1500‬مشاهد ترحيبا هبا‪.‬‬ ‫وعلقت لوحة كتب عليها اسم كانغ سو جني يف حني أهدى هلا كل واحد من‬ ‫الـ‪ 70‬عضوا من فرقة شتوتغارت للباليه باقة من الورود وهنا ضج املسرح مرة‬ ‫أخرى بالتصفيق والثناء واهلتافات احلامية‪.‬‬ ‫كان احلدث تقدمية خاصة على شرف كانغ سو جني يف االحتفال‬ ‫الـ ‪ 20‬للفرقة األملانية‪ .‬وهي اليوم عضوة دائمة وراقصة رئيسية يف فرقة‬ ‫شتوتغارت للباليه‪ ،‬وبعد أن مسحت هلا بأن تكون عضوة يف فرقة الرقص الشهرية‬

‫يف عام ‪ 1986‬أصبحت أصغر راقصة حيث كان عمرها وقتها ‪ 19‬عاما‪ .‬ويعد‬ ‫عرض تقدمية خاصة بعضو فعال حدثا نادرا يف هذه الفرقة العاملية لرقصة الباليه‬ ‫اليت يرجع تارخيها إىل ‪ 400‬عام‪ .‬ويف مارس عام ‪ 2007‬اختريت كانغ سو‬ ‫جني كراقصة خاصة بالقصور امللكية لتصبح واحدة ممن فازوا ـ بني الراقصني‬ ‫والراقصات ـ بذلك الشرف الكبري يف فرقة شتوتغارت للباليه خالل الـ‪50‬‬ ‫سنة املاضية‪.‬‬ ‫يف شهر سبتمرب املاضي تسلمت أيضا جائزة جون كرانكو وهو اسم مدير‬ ‫الرقص األسطوري (‪ )1973-1927‬الذي تسبب يف شهرة فرقة شتوتغارت‬ ‫للباليه دوليا من خالل أعماله البارعة واملتميزة‪ .‬وقدمت هذه اجلائزة إىل شخص‬ ‫يتفوق يف الرقص يف كل املقاييس اليت وضعها الفنان جون كرانكو‪ .‬ويف هذا‬ ‫الصدد أيضا‪ ،‬ألقت فرقة شتوتغارت للباليه‪ :‬بيانا قالت فيه "نتشرف بتكرمي كانغ‬ ‫سو جني لترمجتها املتميزة وتفننها البارع يف إداء أعمال جون كرانكو املمتازة‪".‬‬ ‫بال شك يؤكد هذا البيان على مكانتها كأفضل الراقصات الالئي ترمجن أعمال‬ ‫جون كرانكو الراقصة‪.‬‬ ‫فراشة احلديد‬ ‫ولكن من وراء النجاح املتأللئ يف سريهتا املهنية مجلة من التقلبات‬ ‫والصعاب‪ .‬وبالفعل هي راقصة باليه سلكت طريقا وحدويا تعانق فيه األمل يوميا‬ ‫حىت أصبح بالنسبة هلا شيئا عاديا وكرست نفسها يف تلك التدريبات الصارمة‬ ‫مبقية آثارها يف قدميها اجلميلتني‪ .‬ويف عام ‪ 1979‬عندما كانت يف الصف األول‬ ‫مبدرسة سوهنوا اإلعدادية للفنون التقت كانغ سو جني بالباليه وهو أول لقاء‬ ‫مصريي مع عامل الباليه‪.‬‬

‫راقصة الباليه كانغ سوجني‬ ‫تعد كانغ سو جين التي عادت إلى بالدها كوريا لألداء في مهرجان سونغ نام للرقص هذا العام عضوة رسمية في‬ ‫فرقة شتوتغارت للباليه وإحدى راقصات الباليه البارزات‪ .‬إلى جانب أنها حظيت باعتراف كبير بسبب أداءاتها المعبرة‬ ‫في مختلف األدوار‪ ،‬يطلق عليها محبوها الكوريون اسم فراشة الحديد وذلك تثمينا لقدرتها على التقدم وبذل كل جهد‬ ‫من أجل تطوير أدائها على خشبة المسرح‪.‬‬ ‫تشونغ سانغ يونغ صحفي يف جريدة هانكيوريه | غونديل كيليان مصور‬ ‫‪ 40‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫التي بهرت املشاهدين حول العالم‬ ‫مشهد للفصل األول من العمل الراقص "روميو وجوليت" الذي لعبت فيه‬ ‫كانغ سو جين دور البطلة للمرة األولى ضمن فرقة شتوتغارت للباليه في‬ ‫عام ‪.1993‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪41‬‬


‫‪ 1‬كانغ سو جين الراقصة الرئيسية في فرقة شتوتغارت للباليه والتي حظيت ببالغ الثناء بعد تمثيل‬ ‫دور جوليت بطريقة رائعة بالرغم من أنها تجاوزت األربعين‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫مشهد تمثل فيه دور الفتاة الشريفة والشفوقة "تاتيانا" في العمل " أونيغين"‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ذات يوم‪ ،‬سأل مدرسها‪" :‬هل هناك طالبة تريد تعلم رقصة الباليه؟"‬ ‫رفعت كانغ يدها‪ .‬ويف ذلك الوقت‪ ،‬كانت قد أتقنت الرقصة الكورية التقليدية‪.‬‬ ‫وبالنسبة للرقصة التقليدية‪ ،‬جيب عليك أن تتعلم كيف تدير قدمك إىل الداخل‪.‬‬ ‫ولكن بالنسبة لرقصة الباليه‪ ،‬جيب على الراقصة أن تدير قدمها إىل اخلارج‪ .‬وهلذا‬ ‫كان عليها إعادة تنسيق حركة قدميها من خالل التدريبات الالهنائية‪ .‬وبعد سنة‬ ‫ونصف من التدريبات على رقصة الباليه‪ ،‬فازت باجلائزة األوىل يف مسابقة نظمتها‬ ‫جامعة إيهوا للبنات‪ .‬ويف عام ‪ ،1982‬غادرت البالد للدراسة يف أكادميية الرقصة‬ ‫الكالسيكية يف موتيه كارلو بعد أن زارت مديرة األكادميية ماريكا بيسوبراسوفا‬ ‫مدرسة سوهنوا الثانوية للفنون حيث الحظت موهبة كانغ الكامنة ودعتها إىل‬ ‫احلضور إىل األكادميية من أجل التدريبات اخلاصة‪ .‬ويف ذلك الوقت كانت كانغ‬ ‫يف اخلامسة عشرة من عمرها‪.‬‬ ‫أجربها سكن الطالب التابع ألكادميية الرقصة الكالسيكية على إطفاء‬ ‫األضواء يف الساعة التاسعة ليال حسب النظام‪ .‬ولكنها كانت تنتظر حىت الساعة‬ ‫احلادية عشرة بعد انتهاء مسؤول األمن من جتواله مث تتسلل إىل إستديو يف الطابق‬ ‫العلوي من أجل التدريبات الليلية حتت ضوء القمر الذي يتسلل عرب النافذة أو‬ ‫الضوء القادم من القصر املجاور‪ .‬شعرت حباجة إىل مواكبة الطالب اآلخرين الذين‬ ‫صارت مستوياهتم أفضل منها بكثري‪ .‬ويف عام ‪ 1985‬وقبيل خترجها أصبحت‬ ‫أول فائزة آسيوية جبائزة اللوزان‪ .‬ويف السنة التالية دقت باب فرقة شتوتغارت‬ ‫للباليه راغبة يف تعلم رقصة الباليه الكالسيكية والكالسيكية اجلديدة إىل جانب‬ ‫رقصة الباليه احلديثة‪ .‬وكانت تلك هي البداية ألسطورة "فراشة احلديد"‪.‬‬ ‫‪ 42‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫التغلب على احملنة‬ ‫يف الطريق إىل االنضمام إىل مصاف راقصات الباليه البارزات على املستوى‬ ‫العاملي كان عليها أن تتعود على اآلالم املزمنة‪" .‬عندما أستيقظ من النوم صباحا‪،‬‬ ‫أشعر ببعض اآلالم دائما‪ .‬وإذا مل أشعر بأي أمل‪ ،‬أقول‪ :‬يا ساتر‪ ،‬رمبا مل أتدرب‬ ‫على حنو كامل‪ ".‬أذا أديت رقصة الباليه‪ ،‬أحس باألمل طول الوقت‪ ،‬وهلذا أحاول‬ ‫أن أتعود على اآلالم‪ .‬حىت تصري املعاناة شيئا عاديا بالنسبة يل‪".‬‬ ‫يف عام ‪ 2000‬حدثت هلا نكسة خطرية وذلك عندما تكسرت عظام‬ ‫كاحلها واضطرت إىل التوقف عن الرقص على مدار سنة كاملة‪ .‬حاولت أن‬ ‫تعود إىل التدريبات بالرغم من أهنا كانت تعاين من آالم شديدة مما دفع الطبيب‬ ‫إىل إجبارها على توقف مؤقت عن الرقص‪ .‬وعندما أصيبت بقلق حول عدم‬ ‫استطاعتها الرقص مرة أخرى وقعت يف أزمة ولكن رايد أندرسون املدير الفين‬ ‫لفرقة شتوتغارت للباليه خاطبها ذات يوم قائال هلا "يا سو جني‪ ،‬ال تقلقي‪.‬‬ ‫سننتظر تعافيك مهما استغرق من وقت‪ ".‬شجعتها كلمات الدعم هذه إىل جانب‬ ‫كلمات من زميلها تونتشي شوكمان (‪ )49‬الذي شجعها قائال " ميكنك أن‬ ‫تعودي" صرت أسناهنا وعقدت عزمها بالفعل‪ ،‬أحبت كانغ الرقص كثريا ومل‬ ‫ترغب يف التخلي عنه‪ ".‬ويف عام ‪ 2002‬تغلبت على جراحها وعادت إىل خشبة‬ ‫املسرح‪ .‬وأصبحت أيضا عضوة دائمة يف فرقة شتوتغارت للباليه وتزوجت من‬ ‫تونشي شوكمان‪.‬‬ ‫ماذا تعين رقصة الباليه بالنسبة لكانغ؟ جتيب‪" :‬هي حيايت بكلمة واحدة‪.‬‬ ‫وال أستطيع تصور حيايت دون الباليه‪ .‬ومل تتغري هذه الفكرة لدي منذ أن انضممت‬


2

43 ‫ | كوريانا‬2009 ‫خريف‬

2009 Koreana | Autumn 43

43 Koreana | 2009 Autumn


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫“عندما أستيقظ من النوم صباحا‪ ،‬أشعر ببعض اآلالم دائما‪ .‬وإذا مل أشعر بأي أمل‪ ،‬أقول‪“ :‬يا ساتر‪ ،‬رمبا مل أتدرب على حنو كامل‪ ”.‬إذا أديت رقصة الباليه‪ ،‬أحس باألمل طول‬ ‫الوقت‪ ،‬وهلذا أحاول أن أتعود على اآلالم‪ .‬وتصري املعاناة شيئا عاديا بالنسبة يل‪”.‬‬

‫إىل فرقة شوتغارت قبل ‪ 24‬عاما‪ .‬وقبل كل شيء املهم جدا التدريبات واألداءات‬ ‫اليومية كلما أمكن ذلك‪ .‬وأظن أن املوهبة تشكل ‪ %1‬فقط والباقي يأيت من بذل‬ ‫اجلهد‪ ".‬وهذا التصريح ال حيمل جديدا بالنسبة للذين يتدربون بكثافة ويستمرون‬ ‫يف القيام بذلك‪ .‬وتؤكد مرارا‪ " :‬لتصبحي راقصة باليه عظيمة أنت يف حاجة‬ ‫إىل موهبة وجسم مناسب‪ .‬ولكن بدون التدريبات املستمرة والصرب الطويل ال‬ ‫تستطيعني حتقيق هدفك‪".‬‬ ‫حىت اليوم‪ ،‬تستيقظ يف الساعة السادسة كل صباح وتواصل يف التدريبات‬ ‫ما بني ‪ 6‬و‪ 8‬ساعات يوميا‪ ،‬وذلك حينما ال يوجد لديها برنامج للعرض‪ .‬ويف‬ ‫سنواهتا املبكرة‪ ،‬كانت تتدرب أحيانا ‪ 19‬ساعة يوميا حينما يكون لديها برنامج‬ ‫عرض‪ .‬ويف ذلك الوقت‪ ،‬كانت تستهلك ‪ 3‬أو ‪ 4‬أزواج من األحذية يف اليوم‬ ‫الواحد‪ ،‬يف حني تستهلك زميالهتا زوجا أو زوجني يف أسبوعني أو أكثر‪ .‬مما دفع‬ ‫مدير املعدات إىل مطالبتها باملحافظة على األحذية‪.‬‬ ‫إضافة إىل استهالكها لألحذية بال حدود‪ ،‬كانت تدريباهتا الصارمة كثريا‬ ‫ما تعرضها جلروح خطرية مبا يف ذلك تشوه قدميها وإحداث الكدمات اليت تؤثر‬ ‫فيها دائما وال تشفى منها أبدا‪ .‬ويف إحدى املرات‪ ،‬كان عليها أن تضع حلما‬ ‫نيئا يف حذائيها من أجل احلشو بسبب خطورة اجلروح املصابة هبا يف أصابع‬ ‫قدميها‪ ،.‬تقول " أثناء األداء‪ ،‬تسرب بعض الدم من حذائي ولكين مل أستطع‬ ‫القيام بأي شيء‪ ".‬تعد األصابع ذات العظام املشوهة والثفنات السميكة على‬ ‫‪ 44‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫كل مفاصل أصابعها جزءا من قدمي كانغ اجلميلتني اللتني تؤديان بشكل ثابت‬ ‫مهمتها املتأللئة‪.‬‬ ‫ناقد الرقص جانغ كوانغ ريول صرح قائال " أحيانا ال يريد الراقصون‬ ‫الرجال األداء مع كانغ فبعد جلسة تدريب معها‪ ،‬خرج راقص من اجللسة ألنه‬ ‫استهلك كل طاقته"‪.‬‬ ‫تنوع األدوار‬ ‫كانغ سو جني معروفة بأهنا راقصة باليه تأسر املشاهدين حبركاهتا اجلذابة‬ ‫وتعبرياهتا املبدعة‪ .‬ويعتقد جانغ كونغ ريول الذي يتابع كانغ طوال مسريهتا بأن‬ ‫قوهتا ناجتة عن تقنيتها املتميزة القائمة على أساس تدريبات ال هنائية وقدرة على‬ ‫إعطاء حياة للشخصيات من خالل ترمجتها الذاتية وأسلوهبا املتميز‪".‬‬ ‫وعلى مدى الـ‪ 20‬عاما املاضية لعبت كانغ الدور الرئيسي يف أكثر من‬ ‫‪ 20‬عمل باليه مبا فيها "اجلميلة النائمة" و"الفلوت الساحر" و"روميو وجوليت"‬ ‫إىل جانب لعب خمتلف األدوار يف أكثر من ‪ 80‬عمل باليه مبا فيها عمل "كارمني‬ ‫والسحاب"‪ .‬وتتطلب معظم هذه األعمال دقة يف احلركات اجلميلة اليت أبدعها‬ ‫مدراء الفن املشهورون عامليا مبن فيهم جون كرنكو وماوريس بيجارت وجيلي‬ ‫كيليان وجون نيومري ووليام فورسيثي وهانس فان مانني وكريستوفر هويلدون‬ ‫وناتشو دواتو وريناتو زانيال‪ .‬ويف هذه األعمال كلها حظيت بتقدير كبري من‬


‫‪ 1‬مشهد من " آنسة الكاميلية"‪ ،‬حيث لعبت‬ ‫كانغ سو جين دور العاهرة عالية المستوى‬ ‫مارغاريت بجدارة ‪.‬‬

‫‪ 2‬مشهد من " الجمال النائم"‪.‬‬

‫‪ 3‬مشهد من " حفلة راقصة"‬

‫‪3‬‬

‫النقاد واملشاهدين‪.‬‬ ‫يف "آنسة الكاميلية" أجرت كانغ أداء العاهرة من الدرجة األوىل مارغاريت‬ ‫اليت كانت تتوق إىل حب مستحيل وقد قدمتها من خالل ترمجتها الذاتية‪ .‬ويف‬ ‫"أونيغني" قامت على حنو أنيق بوصف نوع خمتلف متاما من الشخصيات من‬ ‫خالل تاتيانا وهي امرأة خملصة ووفية‪ .‬أما يف روميو وجولييت فقد لعبت دور‬ ‫جوليت الشابة جبدارة وفقا لتقدير النقاد رغم جتاوزها الـ‪ 40‬عاما من العمر‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق هبذا الدور قالت" مهما يكن عمرك‪ ،‬ميكنك أن تظهر وكأنك يف‬ ‫السابعة عشرة أو يف السبعني إذا أغرقت نفسك إغراقا تاما يف الدور‪".‬‬

‫يف مهرجان سونغ نام للرقص عام ‪ ،2009‬أظهرت مرة أخرى محاسا حنو‬ ‫رقصة الباليه قائلة‪" :‬طاملا مسح يل جسدي بالقيام مبا أريده سأستمر يف الرقص‪".‬‬ ‫ويف شهر يونيو شاركت يف جولة الرقص اخلاصة بتقدمي روميو وجوليت يف‬ ‫إسبانيا وشاركت أيضا يف تقدمي "أونيغني" يف شتوتغارت بأملانيا‪ .‬وبالرغم من‬ ‫أهنا جتاوزت ‪ 40‬سنة وهو العمر الذي تودع فيه معظم راقصات الباليه خشبات‬ ‫املسرح إال أهنا تبقى يف القمة الفنية لرقصة الباليه‪" .‬املاضي واملستقبل غري مهمني‪،‬‬ ‫املهم هو األداء والتعامل اليوم‪ .‬وأنوي تركيز كل طاقيت على حتسني أدائي بصورة‬ ‫أفضل مما كانت عليه باألمس‪".‬‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪45‬‬


‫حرفي‬

‫وضع طبقات من دهان الورنيش للحصول على اللمعان الدائم‬ ‫ـ سون ديه هيون‪ ،‬خبير الورنيش احملترف ـ‬ ‫البريق الدائم ألعمال الورنيش هو نتيجة لعدة طبقات من دهان الورنيش‪ ،‬ترش بها المشغوالت المطلوبة بعناية فائقة‬ ‫واهتمام كبير بالتفاصيل‪ .‬السيد الخبير البارع "سون ديه هيون"‪ ،‬لم يقتنع قناعة تامة بتقنياته في أعمال الورنيش قبل أن‬ ‫يتراكم لديه ما يقارب ‪ 12‬عاما من الخبرة العملية‪.‬‬

‫بارك هيون سوك كاتبة مستقلة | آن هونغ بوم مصور‬ ‫‪ 46‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫قطع‬

‫املنازل أو األثاث املطلية بالورنيش تلمع‬ ‫ملعانا إشعاعيا‪ ،‬مصحوبا بشذى عباق ورائحة فريدة‬ ‫وإحساس بالدفء‪ .‬تشطيبة الورنيش تعطي صفة‬ ‫ديكورية جتميلية لكل املواد وقطع احلياة اليومية‪،‬‬ ‫وحتوهلا إىل أعمال فنية‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإهنا تعزز‬ ‫قوة ومتانة القطعة وذلك بسبب مقاومة الورنيش‬ ‫للرطوبة واحلرارة والتعفن والفساد‪ .‬املشغوالت‬ ‫واألبنية اخلشبية املحفوظة بشكل جيد وملفت للنظر‬ ‫يف الكتابات املقدسة البوذية (وهي املعروفة باسم‬ ‫"باملان دجيانغيونغ" واليت مت نقشها بني سنيت ‪1235‬‬ ‫و‪ 1251‬خالل عصر مملكة كوريو)‪ ،‬هي نتيجة‬ ‫لعمليات طالء بورنيش اللكر‪ ،‬مع تقنيات أخرى‬ ‫كعمليات جتفيف اخلشب املتقدمة‪ ،‬والنقش املاهر‬ ‫لألحرف على البلوكات اخلشبية‪ ،‬والتصميم العلمي‬ ‫ملباين التخزين اليت تتمتع بالتهوية الطبيعية والرطوبة‬ ‫املناسبة‪ .‬يف أيامنا هذه‪ ،‬يستخدم ورنيش اللكر أيضا‬ ‫حلماية أسطح السيارات والسفن‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫تقليد عمره ‪ 2000‬عام‬ ‫فن الطالء بالورنيش له تاريخ عريق يف كوريا‬ ‫والصني واليابان‪ ،‬وقد قام كل واحد من هذه البلدان‬ ‫بتطوير منط مميز خاص به‪ .‬فاحلفر مع استخدام‬ ‫الورنيش هو تقنية فريدة يف الصني وقد اشتملت على‬ ‫وضع طبقات كثيفة من الورنيش ومن مث حفر ورسم‬ ‫مناذج بارزة على السطح‪ .‬أما يف اليابان فإن أعمال‬ ‫الورنيش غالبا ما تشتمل على مسحوق ذهب أو فضة‬ ‫ناعم إىل درجة كبرية يذرعلى السطح أو رمبا تكون‬ ‫ورقة من ذهب أو فضة تلصق على السطح املطلي‬ ‫بالورنيش (ماكيي)‪ .‬أما الكوريون فقد فضلوا‬ ‫األعمال املطلية بالورنيش ذات النماذج‬

‫املزخرفة أو ذات املشاهد املرصعة بعرق اللؤلؤ‪ .‬وقد‬ ‫مت استخراج هذه املواد من ضريح يف قرية "داهوري"‬ ‫مبنطقة "تشانغوون" يف مقاطعة "كيونغسانغنام دو"‪،‬‬ ‫يف كوريا‪ ،‬ويعود تارخيها إيل ما قبل ‪ 2000‬سنة‪.‬‬ ‫وصلت حرفة أعمال الورنيش الكورية ذروهتا خالل‬ ‫فترة مملكة كوريو (‪ )1392-918‬وقد انعكس هذا‬ ‫يف العديد من املواد القدمية‪ .‬يف الكتاب الذي جيمع‬ ‫وثائق املراجع الكورية ("دونغوك موهنون بيغو") فقد‬ ‫ذكر فيه أن امللك "موجنونغ" من مملكة كوريو أرسل‬ ‫هدية مشغولة بالورنيش ومرصعة بعرق اللؤلؤ إىل‬ ‫عائلة لياو اليت كانت حاكمة يف الصني يف تلك‬ ‫الفترة‪ .‬وقد أثىن السيد "سو جينغ"‪ ،‬ممثل مملكة سونغ‬ ‫الذي زار كوريو سنة ‪ 1123‬كثريا على املشغوالت‬ ‫الكورية املطلية بالورنيش وذلك يف وصفه ("كاويل‬ ‫توجينغ") لرحلته يف تلك البالد وقد ذكر عن هذه‬ ‫املواد أهنا "شديدة الروعة وذات قيمة عالية"‪.‬‬ ‫خالل فترة مملكة جوسون (‪)1910-1392‬‬ ‫مت إنتاج مشغوالت خاصة باحلكومة من قبل‬ ‫صناع مهرة كلفوا من قبل مسؤويل احلكومة‬ ‫املركزية ومسؤويل احلكومات املحلية‪ .‬املجموعة‬ ‫األوىل ـ كلفوا من قبل احلكومة املركزية ـ‬ ‫كانوا يسمون "صناع العاصمة املهرة"‪ ،‬وأبدعوا‬ ‫قطعا استعملوا فيها مهارات فائقة للعائلة امللكية‬ ‫ومسؤويل احلكومة املركزية‪ .‬املجموعة الثانية ـ‬ ‫كلفت من قبل احلكومات املحلية ـ وهؤالء يشار‬ ‫إليهم "بالصناع املهرة اإلقليميني"‪ ،‬وهم حتت إمرة‬ ‫وتصرف احلكومات املحلية‪ .‬وهؤالء الصناع املهرة‬ ‫الذين انتخبوا ملهاراهتم الفنية يف الصنعة مارسوا تأثريا‬ ‫واسعا على احلرفيني يف مجيع أحناء البالد‪ .‬إضافة‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬فإن صانعي املشغوالت‬

‫‪ 1‬يقوم الصانع البارع "سون ديه هيون" بتلميع مشغوالت جديدة‬ ‫بعناية‪ .‬وبعد أن يضع طبقة التلميع المعروفة بعرق اللؤلؤ‪ ،‬يضع‬ ‫فوقها عدة طبقات من الورنيش‪ ،‬ويتم تنعيم السطح المجفف لكي‬ ‫يكشف عن النموذج‪ .‬أي ورنيش يبقى على القطعة يتم كشطه‬ ‫بسكين‪.‬‬

‫‪ 2‬هذا الطقم من العلب الملمعة بالورنيش هو أول عمل لـ "سون"‬ ‫يتلقى عليه مكافأة في معرض الحرف اليدوية‪ ،‬نماذج األقحوان ولفيفة‬ ‫ورق البردي تم صنعها بقطع من ترس ظهر السلحفاة ثم طليت بعدة‬ ‫طبقات من الورنيش‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪47‬‬


‫‪ 1‬طاولة صواني مطلية بالورنيش وطقم شاي‪ .‬التزيين الذهبي داخل األكواب‬ ‫يعطي إحساسا باألبهة والفخامة‪ .‬القطع المعالجة بالورنيش جذابة وعملية‪،‬‬ ‫وذلك ألن الورنيش مقاوم للرطوبة‪ ،‬والحرارة والتعفن‪.‬‬ ‫‪ 2‬استخدمت تقنية طالء تقليدية بالورنيش في عهد مملكة كوريو للحصول‬ ‫على نموذج متميز‪ ،‬مع قطع رفيعة شبه شفافة من ترس ظهر السلحفاة‪،‬‬ ‫وهي تطلى عادة على الجهة الخلفية‪.‬‬

‫“إذا قلت لنفسك يف حلظة ما‪“ :‬حسنا‪ ،‬هذه واحدة من جمرد طبقة من طبقات عديدة” ففي مجيع‬ ‫االحتماالت سوف ينتهي بك األمر إىل نتيجة واحدة غري مقنعة وغري مرضية‪ .‬كان أستاذي يطلب مين‬ ‫دائما أن أنتبه ملا يقع خارج نطاق الرؤية‪ .‬وهذا يتأتى بوضع طبقات من الورنيش‪ ،‬وعملية التشطيب‬ ‫النهائي مهمة جدا كأمهية السطح اخلارجي”‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫املطلية بالورنيش كانوا من أهم ثالث فئات من‬ ‫الصناع املهرة يف ورشة العاصمة الرئيسية والفئتان‬ ‫األخريان مها فئة عمال املشغوالت اخلشبية وفئة‬ ‫حرفيي األدوات وأثاثات اخليزران‪.‬‬ ‫األستاذ املعلم "جون سونغ كيو" صانع‬ ‫أدوات ورنيش وقد عمل يف ورشة البالط امللكي‬ ‫يف هناية عهد مملكة جوسون‪ .‬وقد مت تبنيه من قبل‬ ‫سيدة من سيدات البالط‪ ،‬وترعرع فوق أرضيات‬ ‫القصر يعمل على صيانة اآلثار امللكية واملشغوالت‬ ‫املطلية بالورنيش‪ .‬يف حياته‪ ،‬وباعتباره واحدا من‬ ‫الصناع املهرة املتأخرين يف عاصمة مملكة جوسون‪،‬‬ ‫فقد درب العديد من الصناع‪ ،‬مبن فيهم أشهر ثالثة‬ ‫صناع مبدعني يف جمال املشغوالت بالورنيش يف ذلك‬ ‫العصر وهم‪" :‬مني جونغ يت" و"كيم بونغ ريونغ"‬ ‫و"كيم يت هي"‪ .‬أما "سون ديه هيون" (‪ )60‬فهو‬ ‫حريف مبدع يف فن الورنيش وحامل صفة امللكية‬ ‫الثقافية غري املنقولة رقم ‪ 1‬ملدينة سيول‪ ،‬وقد كان‬ ‫أفضل طالب للمعلم املحترف "مني جونغ يت"‪.‬‬ ‫ثالثة أجيال من الصناع املهرة‬ ‫يف سنة ‪ ،1996‬وقبل سنة واحدة من وفاته‪،‬‬ ‫عني "مني جونغ يت" السيد "سون ديه هيون" خليفة‬ ‫له مث أنعم عليه بامسه املستعار‪" ،‬سوغوك"‪ .‬وقد نال‬ ‫"مني" هذا االسم املستعار الذي يعين "وادي احلياة"‬ ‫من معلمه اخلاص به‪" ،‬جون سونغ كيو"‪ .‬وبطريقة‬ ‫‪ 48‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫مشاهبة ملعلمه‪ ،‬فإن األستاذ املعلم "مني" أيضا اختار‬ ‫أفضل تالمذته ليكون خليفة له لالستمرار يف القيام‬ ‫مبتطلبات االسم املستعار الحتراف هذه الصنعة‪.‬‬ ‫ويف سنة ‪ ،1999‬منح "سون ديه هيون" أيضا صفة‬ ‫ملكية ثقافية غري منقولة يف مدينة سيول‪.‬‬ ‫" معلمي دائما كان يطلب مين أن أنتبه ملا‬ ‫يقع خارج نطاق الرؤية وهذا يتأتى بوضع طبقات‬ ‫من دهان الورنيش على القطعة املشغولة‪ ،‬التشطيب‬ ‫الداخلي هام متاما كأمهية السطح اخلارجي‪ .‬تشتمل‬ ‫العملية كلها على ‪ 20‬خطوة على األقل‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك الطالء بطبقات عديدة من الورنيش وإلصاق‬ ‫قطعة من القماش‪ .‬وإذا كان املطلوب تزيني سطح‬ ‫ما بترصيع عرق اللؤلؤ‪ ،‬ستكون هناك ‪ 25‬خطوة‬ ‫إضافية‪ .‬القطعة األساسية يف املتوسط تستغرق‬ ‫حوايل ستة أشهر إلكماهلا‪ ،‬ولكنين يف إحدى املرات‬ ‫أمضيت أكثر من عشر سنني على قطعة واحدة‪ .‬إن‬ ‫عملية صنع املشغوالت باللكر (الورنيش) هي عملية‬ ‫تتطلب تركيزا وصربا بال حدود‪.‬‬ ‫"إذا قلت لنفسك يف حلظة ما‪" :‬حسنا‪،‬‬ ‫هذه جمرد طبقة من طبقات عديدة"‪ ،‬ففي مجيع‬ ‫االحتماالت سوف ينتهي بك األمر إىل نتيجة‬ ‫واحدة غري مقنعة وغري مرضية‪ .‬كان أستاذي يقول‬ ‫دائما‪" :‬حسب االهتمام الذي تبديه بكل خطوة‪،‬‬ ‫ميكن أن يدوم العمل ملدة ‪ 100‬سنة أو‪ 50‬سنة أو‬ ‫حىت عدد أقل من السنني"‪ .‬هناك علبة مسبحة على‬

‫شكل صدفة السلحفاة أنتجت خالل عهد مملكة‬ ‫كوريو‪ .‬ما زال ترصيعها بعرق اللؤلؤ على شكل‬ ‫زهرة األقحوان وورقة الربدي يبدو رائعا جديدا‬ ‫مجيال حيمل صفة ألوان الطيف‪ ،‬حىت بعد مضي ألف‬ ‫سنة‪ .‬إن إجياد مثل هذا العمل املدهش يعكس روح‬ ‫فنان حمترف بارع حقيقي‪".‬‬ ‫تكريس وإخالص للعمل مدى احلياة‬ ‫ال زال سون يتذكر متاما حينما كان صبيا‬ ‫ابن ستة عشر عاما‪ ،‬وقد كان شديد اإلعجاب‬ ‫والدهشة بروعة األعمال املشغولة بالورنيش‪ .‬وقد‬ ‫ولد هو يف سنة ‪ 1949‬يف بلدة "جانغهيون"‪،‬‬ ‫مقاطعة "هوانغهيدو"‪ .‬ويف السنة التالية‪ ،‬اندلعت‬ ‫احلرب الكورية‪ ،‬وحينها محلته أمه على ظهرها إىل‬ ‫كوريا اجلنوبية‪ ،‬وكان أبوه قد تويف قبل والدته‪.‬‬ ‫ونظرا لوالدته ونشأته دون أب بعيدا عن مسقط‬ ‫رأس أمه‪ ،‬فقد أضحت حياته صعبة‪ .‬وبعد إكماله‬ ‫املرحلة االبتدائية‪ ،‬عمل يف سيول(مراسلة)‪ ،‬ينجز‬ ‫بعض املشاوير مبصلحة جتارية‪ .‬وكانت يف املبىن‬ ‫الذي يعمل فيه ورشة لصانع مشغوالت بالورنيش‪.‬‬ ‫كان شديد التعلق واالجنذاب بروعة‬ ‫األعمال املشغولة بالورنيش لدرجة أنه بدأ يتعلق‬ ‫بالورشة نفسها حىت إنه تعلم بعض املهارات األساسية‬ ‫من خالل مشاهدة احلرفيني يف هذه الصنعة‪ .‬ومع‬ ‫ازدياد رغبته يف أعمال الورنيش‪ ،‬مسع حول األساتذة‬


‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪49‬‬

‫‪2‬‬


‫صندوق المجوهرات هذا والذي تم تزيينه‬ ‫بعشرة رموز تدل على طول العمر‪ ،‬أهدي‬ ‫للملكة إليزابيث الثانية‪ ،‬خالل زيارتها‬ ‫لكوريا سنة ‪.1999‬‬

‫الثالثة املبدعني الكبار يف هذه الصنعة‪ .‬وقد كان‬ ‫ذلك حمفزا لـه على التخلي عن عمله والبحث عن‬ ‫األستاذ املعلم "مني جونغ يت"‪ .‬يف البداية‪ ،‬مل يهتم‬ ‫األستاذ هبذا الشاب الذي جاء إليه مبثل هذا احلب‬ ‫والرغبة العارمة يف تعلم هذه الصنعة‪ .‬إن أي عمل‬ ‫يتطلب تضحية وعناء والعمل الفين معه‪ ،‬فوق كل‬ ‫هذا‪ ،‬يتطلب صربا‪ ،‬وهو ما كان يتحتم على "سون"‬ ‫أن يثبته لألستاذ "مني جونغ يت"‪ .‬بعد ستة أشهر من‬ ‫القيام باملهمات البسيطة ( اليت ال قيمة فعلية هلا) دون‬ ‫أن يبدي أي تذمر أو شكوى‪ .‬وقد مت قبول "سون"‬ ‫أخريا كطالب‪.‬‬ ‫فيما خيتص بعامل الطالء بالورنيش فإن "سون"‬ ‫يقارن التقنيات األساسية هلا بتلك التقنيات املتعلقة‬ ‫بفن اخلط‪ ،‬والذي يتطلب توفري فرشاة كثيفة‪،‬‬ ‫وضربة يد واثقة إلتقانه‪ .‬هلذا السبب‪ ،‬فإن مقدارا‬ ‫مناسبا من احلرب مطلوب لضربة معينة بالفرشاة لكي‬ ‫تأيت بالصورة املناسبة‪ ،‬وليست شديدة الكثافة وال‬ ‫رقيقة جدا‪ .‬فيما يتعلق بأعمال الورنيش‪ ،‬فإن العمل‬ ‫باألداة اليت تشبه الفرشاة (امسها بالكورية "كوييال")‬ ‫واليت يتم صنعها من شعر اإلنسان أو صوف اخليل‪،‬‬ ‫تستخدم لطالء القطع‪ .‬هناك جمموعة واسعة من هذه‬ ‫األنواع من الفرش ذوات كثافة وأحجام متنوعة‪.‬‬ ‫بعد أن يتم وضع الشعر بإحكام يف صندوق خشيب‪،‬‬ ‫يتم قطع هناية الشعر حبيث تربز الشعرات اخلشنة‬ ‫مبا يشبه بري قلم رصاص‪ .‬كما هي احلال يف فن‬ ‫كتابة اخلطوط‪ ،‬جيب أن يتوفر لديك قدر مناسب‬ ‫من الورنيش الذي ميكن وضعه بشكل متساو بضربة‬ ‫فرشاة ناعمة‪ .‬يعترف "سون" بأنه مل يرض عن هذه‬ ‫‪ 50‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫التقنيات يف صنع مشغوالت الورنيش إال بعد أن‬ ‫اجتمعت له ‪ 12‬سنة من اخلربة يف هذا املجال‪ .‬ومثل‬ ‫أستاذه‪ ،‬يطلب "سون" الكمال‪ ،‬ويف نفس الوقت‬ ‫يتطلع إىل أن يكون عمله مربأ من كل عيب‪.‬‬ ‫كان أستاذه "مني جونغ يت" بارعا أيضا‬ ‫يف عرق اللؤلؤ املرصع‪ .‬القطع التقليدية املشغولة‬ ‫بالورنيش غالبا ما تعكس ترصيعا جتميليا بعرق‬ ‫اللؤلؤ على شكل مناذج براقة مضيئة أو مشاهد من‬ ‫الطبيعة‪ .‬هناك مشهد شائع يف األعمال املشغولة‬ ‫باللكر (الورنيش) يضم كال من الشمس والقمر‪ ،‬يف‬ ‫إشارة رمزية إىل التعايش بني العناصر املتضادة‪ .‬ويف‬ ‫سياق مماثل‪ ،‬فإن األعمال الكورية املورنشة جتمع‬ ‫بني إشعاع البحر (عرق اللؤلؤ) وحكمة اجلبال‬ ‫(سائل شجرة الورنيش) إلجياد مادة فنية ووظيفية‬ ‫عملية‪.‬‬ ‫وباستفادة سون من الدروس اليت تعلمها من‬ ‫أستاذه‪ ،‬فإن حرفة اللكر اليت أتقنها اكتسبت اعترافا‬ ‫عندما نال جائزة يف مسابقة "دونغ آه" للحرف‬ ‫اليدوية سنة ‪ .1984‬وبعد ذلك‪ ،‬تلقى العديد من‬ ‫اجلوائز يف املسابقات السنوية للفن الكوري التقليدي‬ ‫للحرف اليدوية قبل أن يفوز يف هناية املطاف جبائزة‬ ‫رئيس الوزراء‪ ،‬اليت جعلت منه فنانا مشهورا يف مجيع‬ ‫أحناء البالد‪" ،‬سون" الذي يعمل يف الوقت الراهن‬ ‫مديرا للجمعية الكورية للحفاظ على املمتلكات‬ ‫الثقافية اهلامة غري املنقولة يفخر بشكل خاص بقدرته‬ ‫على إبداع أعمال تشتمل على اجلماليات احلديثة‪،‬‬ ‫ويف نفس الوقت تلتزم بالتقنيات التقليدية‪ .‬ويف حني‬ ‫أنه حيافظ بكل أمانة على مهنة أستاذه اليدوية البارعة‪،‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪ 1‬كخطوة أولى لعمل قطع خشبية مطلية بالورنيش‪،‬‬ ‫ال بد من خلط مقدار متساو من الورنيش الخام‬ ‫وصمغ األرز بملعقة كبيرة من الخشب أيضا‪.‬‬

‫‪ 2‬الخليط المحضر يتم وضعه بشكل متساو في كل‬ ‫األماكن على القطعة الخشبية‪ ،‬ويكون مبطنا بقطعة‬ ‫قماش من القنب‪.‬‬ ‫‪ 3‬يتم وضع دهان مبدئي للورنيش النقي‪ .‬معرفة‬ ‫المقدار المناسب من الورنيش مسألة حساسة جدا‬ ‫ويمكن أن تطلى كل اتجاهات القطعة بضربة‬ ‫واحدة فقط‪.‬‬


‫‪ 4‬سون يضع طبقة نهائية من الورنيش‪.‬السطح الخالي‬ ‫من الغبار فقط يمكن أن يضمن لمعانا وبريقا‬ ‫أخاذا‪.‬‬

‫فإنه يضيف إبداعاته اخلاصة به خللق أعمال تناسب‬ ‫ذوق العصر احلديث‪ .‬وخالل فترة تويل سون هلذا‬ ‫املنصب‪ ،‬اعتاد الرئيس الكوري "كيم داي جونغ"‬ ‫على أن يهدي لضيوفه املميزين يف ديوان الرئاسة‬ ‫هدايا من املشغوالت املميزة املطلية بالورنيش‪ .‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬هناك صندوق جموهرات مزين بأحرف‬ ‫"هوي" (وتعين الفرح) قدمت هدية إلمرباطور‬ ‫اليابان‪ ،‬يف حني أهدي صندوق جموهرات مزين‬ ‫برموز طول العمر العشرة للملكة إليزابيث الثانية‬ ‫خالل زيارهتا لكوريا سنة ‪ .1999‬املواد املشغولة‬ ‫باللكر اليت أبدعها "سون" معروضة يف متحف‬ ‫"هوآم" للفنون واملتحف الشعيب الوطين إىل جانب‬ ‫أعمال أستاذه‪.‬‬ ‫ورشة تتسم بالصرامة والدقة‬ ‫يتم طالء األعمال املشغولة بالورنيش مبادة‬ ‫اللكر اخلام‪ ،‬الذي يستخلص من سائل شجرة‬ ‫الورنيش‪ ،‬ومن الورنيش املعاجل‪ ،‬الذي يسخن حىت‬ ‫يصل إىل ‪ 40‬درجة مئوية‪ .‬وعند إضافة الفوالذ‬ ‫املؤكسد إىل السائل املصفى‪ ،‬يتحول إىل اللون‬ ‫األسود الداكن‪ .‬وميكن استخالص ألوان أخرى‬ ‫بإضافة اللون األمحر الزاهي (كربيتيد الزئبق) أو‬ ‫الرهج األصفر (كربيتور الزرنيخ األصفر)‪ .‬لصنع‬ ‫قطعة منوذجية مشغولة بالورنيش‪ ،‬يتم إلصاق قطعة‬ ‫من القماش على إطار خشيب‪ ،‬يضاف إليه خليط‬ ‫من الورنيش‪ ،‬والتراب الناعم‪ ،‬والصدف املطحون‪،‬‬ ‫والفحم احلجري وذلك لعمل سطح ناعم‪ .‬ويتم‬ ‫استخدام حجر الشحذ لتمليس وتنعيم السطح‪ .‬بعد‬ ‫وضع طبقة أخرى من الورنيش‪ ،‬توضع القطعة يف‬ ‫غرفة جافة تتمتع بدرجة حرارة ورطوبة ال تتغريان‪.‬‬ ‫يتم تكرار هذه العملية مرتني أو أربع مرات‪ ،‬ويف‬ ‫نفس الوقت يتم فحص السطح بدقة للتأكد من‬ ‫عدم وجود غبار أو جزيئات التصقت به‪ .‬بعد تلميع‬ ‫السطح بالصنفرة يتم وضع طبقة أخرى من اللكر‪.‬‬ ‫بني كل طبقة وأخرى‪ ،‬يتم رفع اإلطار لتجفيفه مث‬ ‫يتم تلميعه‪ .‬أخريا‪ ،‬يتم الترصيع بعرق اللؤلؤ ويتم‬

‫‪4‬‬

‫طالؤها بعشرين طبقة أو أكثر من اللكر بعد ذلك‬ ‫ـ طبقة يف كل مرة ـ وتعطى كل طبقة وقتا مناسبا‬ ‫لكي جتف متاما‪ .‬وحىت جتف الطبقة النهائية بشكل‬ ‫كامل‪ ،‬فإن الفنان الصانع ال يستريح أو يهدأ له‬ ‫بال‪.‬‬ ‫"أكون ممتلئا رعبا ورهبة حينما يأيت وقت فتح‬ ‫باب غرفة التجفيف‪ .‬وقبل فتحه‪ ،‬أقوم دائما بغسل‬ ‫يدي وأرتب هندامي‪ ،‬وأكون قلقا ألرى وأتأكد‬ ‫ما إذا كان اللون قد جاء مطابقا إلراديت‪ ،‬وأكون‬ ‫دائما خائفا من أن أجد بعض اجلزيئات الدقيقة بني‬ ‫طبقات الورنيش‪ .‬أعتقد بأن نوعية وجودة العمل‬ ‫الفين تقررها مقادير العرق اليت تقاطرت من جسم‬ ‫الفنان املاهر"‪.‬‬

‫يف الواقع‪ ،‬إن فن عمل املشغوالت املطلية‬ ‫بالورنيش يشتمل على انضباط ذايت صارم جدا‬ ‫ومثابرة ال متناهية‪ .‬على أي حال‪ ،‬مل يندم املعلم‬ ‫"سون" أبدا على اختياره هلذه احلرفة‪ .‬حىت يف‬ ‫خضم العسر املايل‪ ،‬فإن فكرة إجياد حرفة أو مصدر‬ ‫رزق آخر مل تساور عقله أبدا‪ .‬وقد مت تعزيز هذا‬ ‫التصميم أكثر بدعم ورعاية زوجته له واهتمامها به‪.‬‬ ‫كانت دائما تقف إىل جانبه ملساعدته بأي شكل‪.‬‬ ‫يف إحدى املرات حينما كان حمتاجا إىل مسحوق‬ ‫الذهب الستعماله‪ ،‬أعطته خوامت تسلمتها هدية يف‬ ‫احتفاالت أول عيد ميالد ألوالدمها‪ .‬مبادئه يف هذه‬ ‫الصنعة احلاذقة الصادقة املخلصة تعترب تراثا قيما‬ ‫اكتسبه من معلمه‪ ،‬السيد "مني جونغ يت"‪.‬‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪51‬‬


‫حتف فنية‬

‫كيم هونغ دو‬

‫يستلهم جوهر وروح مجتمع جوسون‬

‫ألبوم "كيم هونغ دو" للوحات والرسوم األصيلة هو مجموعة تمثل رسومات ولوحات تشبه اإلبداعات الفنية النقية التي‬ ‫كانت في القرن الثامن عشر في عهد مملكة جوسون‪ .‬يتألف األلبوم من ‪ 25‬لوحة تصور مشاهد مختلفة من الحياة‬ ‫اليومية لمجتمع جوسون‪.‬‬

‫جني جون هيون أمني متحف جامعة سيول الوطنية‬ ‫التصوير‪ :‬متحف كوريا الوطني‬

‫كيم‬

‫هونغ دو (‪ )1806-1745‬املعروف أيضا بامسه املستعار "دانوون"‬ ‫رسام ذواق برع يف عامل الفن كان يف أواخر فترة مملكة جوسون ‪ -‬من أواخر‬ ‫القرن الثامن عشر حىت أوائل القرن التاسع عشر ‪ -‬يف ذلك الوقت‪ ،‬متتعت‬ ‫كوريا باستقرار سياسي واجتماعي حيث قطفت مثار االزدهار االقتصادي‪ .‬وبدأ‬ ‫جمتمعها الزراعي الراسخ منذ القدم باالستمتاع بثمار التجارة الدولية‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫التبادل التجاري يف فترة مملكة "قينغ" يف الصني وعائلة "إيدو باكوفو" يف اليابان‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن اململكة كان حيكمها ملوك ذوو ثقافة عالية‪ ،‬مثل امللكني‬ ‫"يونغجو" و"جونغجو"‪ ،‬اللذين أشرفا بنشاط على عدد من الفنانني املوهوبني مثل‬ ‫"جونغ سون" و"كانغ سي هوانغ" و"سيم سا جونغ" و"سني يون بوك" و"جوه‬ ‫يونغ سوك" و"يل إين سانغ" إضافة إىل "كيم هونغ دو"‪ ،‬وهو األوسع شهرة‬ ‫واألعلى صيتا كرسام يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫مشاهد من احلياة اليومية‬ ‫كان امللك "جونغجو"‪ ،‬وهو راع من رعاة الفنون اجلميلة‪ ،‬مغرما بشكل‬ ‫خاص بأعمال "كيم هونغ دو"‪ .‬فقد رسم كيم امللك "جونغجو" يف عدة‬ ‫مناسبات‪ ،‬وكان قد حصل على عدة جوائز تقديرية من امللك وحاشيته‪ .‬يف سنة‬ ‫‪ 1776‬عندما اعتلى امللك "جونغجو" العرش‪ ،‬كانت أجزاء أخرى من العامل‬ ‫متر مبراحل تغيري تارخيي‪ .‬فقد تأسست الواليات املتحدة اليت أعلنت استقالهلا‬ ‫عن التاج الربيطاين يف نفس السنة‪ ،‬ووجدت أوربا نفسها تكاد ختمد بسبب‬ ‫اهليجان اهلائل الذي سببه دمار الثورة الفرنسية سنة ‪ .1789‬يف آسيا‪ ،‬على أي‬ ‫حال‪ ،‬استمتعت كوريا والصني واليابان بفترة من االستقرار السياسي واالنتعاش‬ ‫االقتصادي بفضل احلكم املستقر املؤسس ململكة جوسون ومملكة "قينغ" وعائلة‬ ‫"أيدو باكوفو" على التوايل‪.‬‬ ‫"كيم هونغ دو" اجتمعت فيه كل صفات الفنان مع مواهب متعددة‬ ‫متيز هبا يف مجيع فئات الرسم واللوحات اآلسيوية‪ .‬وبغض النظر عن موضوع‬ ‫‪ 52‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫الرسم‪ ،‬سواء أكان مشهدا ملقطع أرضي طبيعي‪ ،‬أو صورة إنسان‪ ،‬أو زهرة‬ ‫مع الطيور‪ ،‬فإن ضربات فرشاته كانت دائما متقنة وبارعة‪ .‬أكثر أعماله قبوال‬ ‫بشكل خاص تلك اليت صورت أشخاصا من مجيع شرائح جمتمع جوسون وهم‬ ‫ميارسون حياهتم اليومية‪ .‬يف الواقع‪ ،‬أصبحت الرسومات األصيلة الشعبية اجتاها‬ ‫فنيا شائعا يف القرن الثامن عشر يف عهد مملكة جوسون‪ .‬وباملقارنة مع اللوحات‬ ‫والرسومات اآلسيوية بشكل عام‪ ،‬واليت تتميز غالبا مبثاليتها أو تعبريها الفلسفي‪،‬‬ ‫فإن تبين الواقعية يف الرسومات الشعبية األصيلة ميزها بأن صارت شكال فريدا‬ ‫من أشكال الفن‪ .‬ومبقارنتها مع األعمال التجريدية العادية‪ ،‬واليت غالبا ما جتعل‬ ‫الناس يقفون مندهشني أمامها‪ ،‬فقد كانت رسوماته ولوحاته املفعمة باملشاهد‬ ‫احليوية من احلياة اليومية تستقبل حبماس وتنتشر انتشارا واسعا‪ .‬إضافة إىل ذلك‪،‬‬ ‫ال يوجد رسامون آخرون ميكن أن يأتوا بأعمال تباري أعمال "كيم هونغ دو"‬ ‫ذات السحر الدائم‪.‬‬ ‫مع مرور الوقت‪ ،‬سيطرت األمناط الفنية من الكالسيكية والرومانسية على‬ ‫عامل الفن الغريب‪ .‬الفنانون الغربيون الذين تداخلت فترة حياهتم مع حياة "كيم‬ ‫هونغ دو"‪ ،‬هم جاك لويس ديفيد (‪ )1825-1748‬من فرنسا‪ ،‬وفرانسيسكو‬ ‫غويا (‪ )1828-1746‬من إسبانيا‪ .‬وقد كان ديفيد رساما من مدرسة النمط‬ ‫الكالسيكي اجلديد وكان مؤيدا وداعما متحمسا للثورة الفرنسية‪ .‬لوحته‬ ‫املعروفة باسم "موت مارات" هي قطعة فنية إبداعية من منط الرسم الغريب األصيل‬ ‫اجلماهريي‪ ،‬ويقال إهنا تعبري صامت عن الواقعية املأساوية لزمنه‪ .‬أعمال رسام‬ ‫احلاشية والبالط اإلسباين غويا‪ ،‬تصنف من النمط الرومانسي‪ ،‬وبطريقة مشاهبة‪،‬‬ ‫كشفت عن موقف متهيج إلسبانيا املعاصرة‪.‬‬ ‫وعلى عكس لوحات ورسومات النمط الشعيب الغريب األصيل‪ ،‬فإن أعمال‬ ‫"كيم هونغ دو" هادئة وتنم عن عبقرية‪ .‬وملا كانت تعكس أوقات الرغد يف‬ ‫العيش اليت انتشر فيها الثراء يف عهد مملكة جوسون املتأخر‪ ،‬فإن أعماله تصور‬ ‫سلسلة واسعة من الناس يف دولة كانت تنعم بالترف واالطمئنان السياسي‪ ،‬بدال‬


‫المصارعة الكورية (سيروم) هي رياضة معروفة جيدا في ألبوم "كيم هونغ‬ ‫دو" للوحات األصيلة‪ .‬وعلى الرغم من أن المصارعين والمتفرجين وضعوا‬ ‫في أماكنهم بشكل ارتجالي‪ ،‬دون أي مخطط تمهيدي‪ ،‬إال أن تركيبة اللوحة‬ ‫متوازنة وفاعلة‪.‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪53‬‬


‫ضربات الفرشاة بشكل خاص هي حقا إبداعات يف قمة الرقي‪ .‬اخلطوط الرئيسية األساسية واألشكال نفذت مباشرة على‬ ‫الورق دون أي مسودة متهيدية‪ .‬على الرغم من أن هذه العملية تبدو شديدة االرجتال‪ ،‬فإن الرسوم النهائية تظهر تركيبا‬ ‫خطط له بعناية فائقة‪.‬‬

‫من مشاهد العنف القاسية أو اهليجان الفوضوي‪ .‬وعلى الرغم من أنه كان غالبا‬ ‫ينتدب لتصوير مشاهد احتفائية الحتفاالت البالط‪ ،‬فإنه فضل أن يركز على‬ ‫شؤون العامة وحياهتم اليومية‪ ،‬وملا كان األمر كذلك‪ ،‬فإن اللوحات والرسوم‬ ‫األصيلة الشعبية تقدم ملحة تبصريية عن منط احلياة وقلب وجوهر الطبقة العامة‬ ‫يف عهد جوسون‪ .‬يف أيامنا هذه‪ ،‬قد يبتسم املشاهدون الكوريون بذهول عندما‬ ‫يشاهدون جمريات األمور الغريبة يف املجتمع اجلوسوين‪ ،‬قبل ما يقارب ‪ 200‬عام‪،‬‬ ‫ولكنهم قد يندهشون أيضا بسبب ما تركه هذا الثراء الذي كان يف املاضي من‬ ‫أثر على حياة جمتمعنا املعاصر‪.‬‬ ‫التعليم حجر الزاوية في املجتمع‬ ‫"كتّاب القرية" هو عمل هبيج يصور لنا نظام التعليم يف عهد جوسون‪ ،‬مع‬ ‫التأكيد على اجلذور الراسخة العميقة لتوق واندفاع كوريا للتعليم قدميا وحديثا‪.‬‬ ‫يعرف عن الوالدين بأهنما يقدمان تضحيات كبرية لتعليم أطفاهلما‪ ،‬مع قليل من‬ ‫االهتمام بأنفسهما وراحتهما ورفاهيتها‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬كان التعليم ضروريا لرقي‬ ‫وتطور وحتول املجتمع والدخول إىل مسار املجتمع السائد‪ ،‬بناء على املعايري‬ ‫األخالقية للزمن الذي يعيش فيه املجتمع‪ .‬املؤسسة األكثر أمهية يف عهد مملكة‬ ‫جوسون‪ ،‬شبيهة بالكتّاب الذي صوره هذا الرسام‪ ،‬وميكن أن توجد بشكل‬ ‫خاص يف كل قرية زراعية أو جمتمع يف الريف الكوري‪.‬‬ ‫تصور اللوحة معلما كبريا يف السن وصفّا من تسعة طالب‪ .‬خلف طاولته‬ ‫القصرية‪ ،‬يواجه املعلم طالبه‪ ،‬الذين جيلسون على األرض يف صفني‪ .‬هناك طالب‬ ‫صغري يف الوسط وهو على وشك أن يعاقب‪ .‬كتابه ساقط وهو مفتوح على‬ ‫أرضية الغرفة‪ ،‬خلفه‪ ،‬يوجد سوط وهو إىل جانب طاولة املعلم‪ .‬وأثناء مسح‬ ‫دموعه بظهر يده‪ ،‬يرخي الرباط حول ثنيات بنطلونه ليكشف عن جلده‪ .‬الصيب‬ ‫الصغري الذي يبدو يف سن السابعة أو الثامنة من عمره‪ ،‬ممتلئ رعبا بسبب خوفه‬ ‫من أن يضربه معلمه بالسوط‪ .‬زمالء الصيب يف الصف يشكلون جمموعتني‪.‬‬ ‫‪ 54‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫جمموعة إىل اليسار تبدو متعاطفة مع الصيب يف ورطته‪ .‬أحد الصبية‪ ،‬يغطي فمه‬ ‫بيده‪ ،‬يبدو أنه يهمس باإلجابة لزميله املحاصر‪ ،‬بينما يؤشر صيب آخر له لكي‬ ‫ينظر إىل دفتره‪ .‬املجموعة يف اجلانب اآلخر‪ ،‬جتلس بعيدا‪ ،‬ينظرون بعدم اكتراث‬ ‫نسيب‪ ،‬أو رمبا باستمتاع بسيط مبأساته‪.‬‬ ‫يف اللوحة طالب‪ ،‬هو األقرب للمعلم‪ ،‬إىل يساره‪ ،‬يرتدي قبعة ذات حافة‬ ‫واسعة‪ ،‬مما يوحي بأنه أكرب سنا‪ .‬كما هي احلال‪ ،‬يف الكتاتيب الريفية يف تلك‬ ‫الفترة‪ ،‬فقد كان الطالب من أعمار خمتلفة يدرسون معا ويذاكرون دروسهم معا‬ ‫حسب مستوياهتم الفردية يف التعلم‪ .‬على األقل يف التعليم االبتدائي‪ ،‬كان هذا‬ ‫عمليا يعين تعليم أكرب عدد ممكن من الطالب يف املناطق الريفية‪ .‬بشكل عام‪ ،‬هذه‬ ‫اللوحة تسلط الضوء على تاريخ كوريا الطويل يف احترام التعليم‪.‬‬ ‫أوقات اللعب عند الكوريني‬ ‫مصارعة على النمط الكوري‪ ،‬أو ما يسمى "سريوم"‪ ،‬ختتلف بشكل‬ ‫ملحوظ عن األشكال الغربية هلذه الرياضة‪ .‬وهي أيضا ختتلف عن التيكوندو‪،‬‬ ‫والنمط الكوري التقليدي للفنون القتالية‪ ،‬وذلك ألن هذه املصارعة ال تشتمل‬ ‫على ضرب أو ركل‪ ،‬ولكنها منافسة للقوة والتقنية‪ .‬فاملتنافسان يبذالن أقصى ما‬ ‫لديهما من قوة لكي يطرح أحدمها اآلخر أرضا‪ .‬يتم اإلعالن عن الفائز إذا ملس‬ ‫أي جزء من جسم اخلصم ‪ -‬طبعا غري القدم ‪ -‬األرض‪ .‬يف املصارعة الكورية‪،‬‬ ‫أحد املصارعني‪ ،‬يتمتع مبيزة ليست عالية‪ ،‬يبدو جاهزا إللقاء منافسه إىل األرض‪.‬‬ ‫وجه املهاجم مفعم بالتصميم‪ ،‬يف حني يناضل اخلصم يائسا من أجل البقاء يف‬ ‫حالة توازن‪ .‬يف إحدى اجلوالت‪ ،‬واحد منهما رمبا يكون على األرض‪ .‬وقد‬ ‫وضعت أحذيتهما بشكل مرتب جبانب حلبة الصراع‪.‬‬ ‫تكشف بقية التفاصيل عدة جوانب عن املشاهدين‪ .‬حيدق رجالن يف اجلهة‬ ‫اليمىن بتركيز على املصارعني‪ ،‬وفمامها مفتوحان بدهشة‪ .‬اجلماهري يظهرون‬ ‫اهتمامات متفاوتة بسري واجتاه املباراة ‪ -‬بعضهم بقبعاهتم على رؤوسهم وآخرون‬


‫"كتّاب القرية" (سودانغ) من ألبوم اللوحات األصيلة‪ ،‬يصور مشهدا لغرفة كتّاب ريفي‬ ‫خالل فترة مملكة جوسون‪.‬‬

‫خلعوا قبعاهتم‪ ،‬وهتاك مشجع آخر يتكئ إىل األمام على يديه يف ترقب وتوقع‬ ‫ملا ستؤول إليه املباراة‪ ،‬وآخر يغطي اجلزء األسفل من وجهه مبروحة‪ .‬هناك‬ ‫رجل جيلس يف املقدمة‪ ،‬ويداه ملفوفتان حول رجليه‪ ،‬يفترض أنه سيخوض‬ ‫املنافسة يف الشوط التايل‪ ،‬وذلك ألنه قد خلع قبعته وحذاءه‪ .‬الشخص الذي‬ ‫كان بني اجلماهري وال يبدي أي اهتمام للعبة هو بائع "يوت" (احللوى السمسمية‬ ‫الكورية)‪ ،‬يقف إىل اليسار ويف رقبته سلة خشبية‪ .‬يبدو أن زبائنه قليلون فهناك‬ ‫صيب صغري يظهر على حافة أسفل الصورة يبدي اهتماما به‪.‬‬ ‫التراكيب املتميزة‬ ‫أعمال ألبوم اللوحات األصيلة األهلية تستحق االهتمام هبا بسبب تركيزها‬ ‫على العامة من الشعب وأنشطتهم‪ ،‬دون االعتماد على أي خلفيات أخرى‪.‬‬ ‫تساعد هذه الطريقة على تسليط الضوء على املوضوع الرئيسي‪ ،‬خصوصا عند‬

‫العمل يف سطح ضيق املساحة‪ .‬على أي حال‪ ،‬إن التأمل الدقيق يف تركيبة كل‬ ‫لوحة يكشف عن مدى الرباعة والكفاءة اليت استخدمها الفنان يف هذه املساحة‬ ‫املحدودة‪ .‬يف هذه األعمال‪ ،‬يتم ترتيب األفراد وأنشطتهم حبيث ميكن للمشاهد‬ ‫أن يشعر بأنه جزء من مشهد خاص‪ .‬ويتم حتقيق ذلك بطريقة انسيابية بارعة‪.‬‬ ‫إن ضربات الفرشاة بشكل خاص هي حقا مبدعة‪ .‬لقد مت تطبيق‬ ‫اخلطوط األساسية الرئيسية واألشكال بشكل مباشر على الورق دون مسودة‬ ‫متهيدية‪ .‬وعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو عملية غريبة‪ ،‬فإن الصورة النهائية يف‬ ‫اللوحة تظهر تركيبا خطط له بعناية‪ .‬بالنسبة لـ"كيم هونغ دو" الذي ابتدع‬ ‫ألبوم الرسومات الشعبية األصيلة حينما كان يف أواخر ثالثينات عمره‪ ،‬فإن ذوقه‬ ‫وحسه الفين غري العادي مكنه من إنتاج جمموعة من روائع القطع األصيلة بنمط‬ ‫متواضع وجهد يسري‪.‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪55‬‬


‫عرض فني‬

‫عودة إلى الوراء ‪ 30‬سنة من عمر‬ ‫مهرجان سيول املسرحي‬

‫"أوه هيونغ كيونغ"‪ ،‬الذي لعب دور شخصية األب في "يوم‬ ‫ربيع" خالل األداء السابق سنة ‪ ،1984‬عمره اآلن يقارب عمر‬ ‫الشخصية التي مثلها في تلك الدراما في ذلك الوقت‪.‬‬

‫‪ 56‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫بناء على فكرة "إعادة تمثيل األعمال المسرحية"‪ ،‬فإن مهرجان سيول المسرحي الذي‬ ‫احتفل بالذكرى الثالثين له هذه السنة‪ ،‬قدم تفسيرات جديدة ألكثر أداءاته السابقة شعبية‬ ‫وتميزا وشهرة‪ .‬بعد نجاح استمر ‪ 30‬عاما‪ ،‬فإن هذا المهرجان يستحق فعال تقييما نقديا إلنجازاته‬ ‫المتنوعة ونظرته المستقبلية‪.‬‬ ‫كو هي سوه ناقدة مسرحية‬

‫|‬

‫التصوير‪ :‬املتحف الوطني الكوري‬

‫مهرجان‬

‫سيول املسرحي الذي انطلق عام ‪ 1977‬حتت اسم مهرجان‬ ‫املسرح الكوري هو واحد من أقدم املناسبات املسرحية وأكثرها شهرة يف كوريا‪.‬‬ ‫وبالرغم من أن املهرجان نظم من قبل املسرح الوطين يف البداية‪ ،‬فإن احتاد مسارح‬ ‫سيول توىل منذ ذلك احلني مسؤولية إدارة هذه املناسبة السنوية‪ .‬سنة ‪2009‬‬ ‫هي فعال السنة الثالثة والثالثون ملهرجان سيول املسرحي‪ ،‬الذي ترجع انطالقته‬ ‫إىل سنة ‪ .1977‬و مبا أن املهرجان قد مسي "مهرجان سيول للفنون األدائية"‬ ‫ملدة ثالث سنوات‪ ،‬فإن احتاد مسارح سيول أعلن أن عام ‪ 2009‬هو الذكرى‬ ‫الثالثون ملهرجان سيول املسرحي‪ ،‬مع كشف النقاب عن صيغة وتشكيلة جديدة‬ ‫هلذه املناسبة‪.‬‬ ‫إعادة متثيل األعمال السابقة‬ ‫مت تنظيم هذا املهرجان املسرحي ألول مرة يف ‪ 1977‬مع بواكري دعم‬ ‫احلكومة لصناعة الفنون األدائية‪ .‬وقد أُطلق مهرجان كوريا للموسيقى يف سنة‬ ‫‪ ،1976‬يف حني ظهر مهرجان املسرح الكوري ومهرجان الرقص الكوري‬ ‫بعد ذلك‪ .‬األهداف الرئيسية ملهرجان املسرح الكوري متثلت يف تشجيع متثيل‬ ‫األعمال الدرامية اخلالقة ودعم شركات املسرح‪ .‬إن التركيز الثابت ملهرجان‬ ‫املسرح الكوري على األعمال الدرامية اخلالقة وتقدميه املستمر ألموال الدعم‬ ‫لكتاب الروايات والدراما من ميزانيته تتفق هذه األشياء وتتماشى مع أهدافه‬ ‫األساسية املتمثلة يف تشجيع مسرح الدراما الكورية‪ ،‬وقد تبىن املهرجان ضمن‬ ‫أولوياته صيغة وتشكيلة منافسة جديدة‪ .‬ومع أن املهرجان األول ركز على تقدمي‬ ‫جوائز مجاعية لشركات املسرح‪ ،‬فإن اجلوائز الفردية بدأ تقدميها بدءا من املناسبة‬ ‫الثانية للمهرجان‪ .‬باإلضافة إىل ذلك فإنه وعلى الرغم من وجود مناسبات خاصة‬ ‫متعددة‪ ،‬مثل مهرجان الفن الثقايف ألوملبياد ‪ ،1988‬والذي شهد عرض ومتثيل‬ ‫أعمال درامية وحملية‪ ،‬فإن مهرجان سيول املسرحي قد شدد بشكل مستمر على‬ ‫تطوير وأداء أعمال درامية جديدة مبدعة‪.‬‬ ‫قدم مهرجان ‪ 2009‬عشرة أعمال درامية‪ ،‬مبا يف ذلك ‪ 9‬أعمال مسرحية‬ ‫اختريت من بني ‪ 290‬عمال دراميا إبداعيا عرضت على املسرح خالل السنوات‬

‫الثالثني املاضية‪ ،‬إضافة إىل عمل درامي آخر جديد من ‪ 16‬نيسان إىل ‪24‬‬ ‫آيار‪ ،‬يف مسرح أركو للفنون‪ ،‬يف شارع "ديهاكرو"‪ ،‬إضافة إىل مسرحي "توول"‬ ‫و"جايو" يف مركز سيول للفنون‪ .‬إن إعادة أعمال مسرحية من مركز سيول‬ ‫للفنون اعترب مؤشرا واضحا على نقلة نوعا ما مما كانت عليه احلال يف السنوات‬ ‫املاضية عندما كانت كل األعمال الدرامية تؤدى يف القاعة الرئيسية والقاعات‬ ‫األصغر ملسرح أركو للفنون‪.‬‬ ‫مت التركيز يف مهرجان سيول املسرحي لسنة ‪ 2009‬على إعطاء حياة‬ ‫جديدة ألعمال درامية مميزة اعتمادا على التطورات اإلبداعية لشركات املسرح‬ ‫اجلديدة‪ ،‬وفرق اإلنتاج‪ ،‬وأداء وأداور املمثلني‪ .‬مت اختيار غالبية األعمال الدرامية‬ ‫املتميزة تقديرا هلا واعترافا بأمهيتها ومتثيلها لألوقات اليت عرضت فيها واليت كانت‬ ‫بالفعل تعرب عنها وكذلك أصالة تعبري كتاب الرواية والدراما‪ .‬متاوجت كثري من‬ ‫املشاعر والعواطف إلجياد منصات جديدة من أجل إضافة ملحات فنية جديدة إىل‬ ‫هذه األعمال الدرامية‪ .‬أثبتت هذه الطريقة اإلبداعية جناحا كبريا‪ ،‬كما هو واضح‬ ‫من األعداد الغفرية اليت أفادت هبا سجالت حضور مجاهري ملهرجان هذا العام‪.‬‬ ‫يف كوريا‪ ،‬كانت هناك عدة مناسبات تالشت فيها مسرية الدراما اخلالقة‬ ‫فجأة‪ ،‬بعد فترة ليست بالطويلة من بداية افتتاحها‪ .‬إن العدد املتزايد لشركات‬ ‫املسرح واحلركة الصاعدة عموما يف أنشطة األداء نتج عنها زيادة طفيفة يف عدد‬ ‫املسرحيات الدرامية اليت عرضت على املسرح‪ ،‬وأصبح اآلن االهتمام منحصرا يف‬ ‫إبداع أداءات جديدة بناء على تفسري األعمال القائمة حاليا‪ ،‬وعلى كل حال فإن‬ ‫متثيل هذه السلسلة من الدراما كجزء من مناسبة املهرجان أصبح فجأة مفهوما‬ ‫عاما يف كوريا‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬ومتاشيا مع هدفه العام "إعادة متثيل األعمال‬ ‫املسرحية املميزة" فإن مهرجان سيول املسرحي الثالثني يعترب نقطة حتول الفتة يف‬ ‫تاريخ املسرح الكوري‪ .‬دعونا اآلن نسأل عن مدى جناح مهرجان هذا العام يف‬ ‫حتقيق هدفه املعلن "إعادة متثيل األعمال املسرحية املميزة"‪.‬‬ ‫يوم ربيعي‬ ‫كتبها "يل كانغ بيك"‪ ،‬وأخرجها "كوون أو إيل"‪ ،‬من شركة مسرح‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪57‬‬


‫"سونغجوا"‪ ،‬ومت عرضها خالل مهرجان كوريا املسرحي سنة ‪ ،1984‬إعادة‬ ‫متثيلها هذا العام متت مبراجعة من قبل "يل سونغ يول" وهو خمرج يف شركة مسرح‬ ‫"بيكسوكوانغبو"‪ .‬وقد مت متثيل هذا العمل أيضا من قبل شركة مسرح "بيبا"‬ ‫بإخراج "كيم تشول ري"‪ ،‬يف مهرجان املسرح العاملي سنة ‪ .1997‬توظف‬ ‫مسرحية "يوم ربيعي" قصة من قصص اجلنيات ببناء أسطوري استخدم للتعبري‬ ‫األويل‬ ‫عن الوضع السياسي يف كوريا خالل الثمانينات‪ .‬وعلى الرغم من أن األداء ّ‬ ‫قد مت متثيله عن طريق األناشيد والشعر الذي كان يتحرج كثريا يف نقد الوضع‬ ‫السياسي نقدا مكشوفا‪ ،‬فإن نسخة ‪ 1997‬من هذه املسرحية اليت أخرجها "كيم‬ ‫تشول ري"‪ ،‬حلت حمل املنظور املجازي للعمل لصاحل طريقة أكثر مباشرة‪ ،‬تركز‬ ‫على الصراع بني األب‪ ،‬الذي ميثل املجتمع الكوري يف اجليل املؤسس‪ ،‬وأبنائه‪،‬‬ ‫الذين ميثلون اجليل اجلديد‪ .‬املمثالن اللذان لعبا دور شخصية األب مها "أوه هيون‬ ‫كيونغ" يف نسخة ‪ 1984‬من املسرحية‪ ،‬و"كيم إين يت" يف نسخة ‪،1997‬‬ ‫وكالمها حصل على إشادة بسبب احلضور املسرحي املتمكن‪.‬‬ ‫يف عملية إعادة التمثيل سنة ‪ ،2009‬اليت كانت بإخراج "يل سونغ يول"‪،‬‬ ‫مع إعادة متثيل نفس املمثل ‪ -‬الذي مثل دور األب يف سنة ‪" 1997‬أوه هيون‬ ‫كيونغ" ‪ -‬لدور األب‪ ،‬مثلت نقلة جديدة يف خط القصة‪ .‬تكشف نسخة هذا‬ ‫املخرج عن األلوان القامتة والرسالة األعمق اليت تدور حول نغمة توصيل هذا‬ ‫املمثل‪ ،‬الذي أصبح عمره اآلن يقارب عمر األب يف هذه الدراما‪ .‬ويف عامل الواقع‬ ‫فإن صراع القوى الذي جرى يف خضم موقف سياسي متشدد والذي سعى‬ ‫كاتب الرواية األصلي إىل التعبري عنه‪ ،‬كان حباجة إىل إعادة تقوية وإعادة تفسري‬ ‫وبث روح حياة أقوى فيه‪ .‬هلذا السبب ميكن أن نثين على نسخة "يل سونغ يول"‬ ‫بسبب قدرهتا على نفخ هواء جديد يف هذا العمل‪.‬‬

‫بولغا بولغا‬ ‫"بولغا بولغا"‪ ،‬العمل الذي ألفه "يل هيون هوا"‪ ،‬طبق على املسرح من‬ ‫‪ 15-9‬أيار يف القاعة الرئيسية يف مسرح أركو للفنون‪ .‬وقد شوهدت هذه‬ ‫الدراما أيضا يف املهرجان ألول مرة سنة ‪ ،1987‬حيث مت اختيارها بشكل هنائي‬ ‫بعد أن فشلت يف عدة مناسبات سابقة‪ .‬هذه الدراما يف غاية التفرد بسبب قدرهتا‬ ‫التصويرية للحلقات املكررة وألهنا أداء فعلي‪ ،‬فهي نوع من الرواية داخل رواية‪.‬‬ ‫وقد كتبت يف حماولة لعرض هذه املسألة‪ ،‬يف تشابه كبري مع تكرار رواية يتحتم‬ ‫فيها على املمثلني أن ميارسوا بشكل متكرر خطوطهم ومشاهدهم‪ ،‬وميوهلم‬ ‫التارخيية لتكرار أنفسهم أيضا‪.‬‬ ‫يف األداء األول‪ ،‬ومع تشديدها الواسع على الطبيعة الفريدة للدراما وأمهية‬ ‫"بولغا بولغا"‪ ،‬فقد متكنت من إجياد شعور ما بالعفوية؛ يف حني أنه يف النسخة‬ ‫اجلديدة‪ ،‬اليت أخرجها "تشي يون إيل"‪ ،‬الذي أخرج أيضا األداء األصلي هلا‪ ،‬برز‬ ‫العمل املنشور يف جو من التماسك ورباطة اجلأش واهلدوء‪ .‬إن سلوك "يل هوه‬ ‫جي" ومتاسكه املحسوب‪ ،‬ولعبه لدور "األكرب سنا" يف النسخة األصلية ودور‬ ‫املخرج يف إعادة األداء‪ ،‬ودور "كيم إين يت" الذي مثل يف دور "األكرب سنا"‬ ‫يف العمل اجلديد‪ ،‬كلها سامهت يف التفوق اإلمجايل واملهنية وجتلي االحتراف يف‬ ‫التمثيل والعرض‪.‬‬ ‫بداية عائلة في الطريق‬ ‫هذه املسرحية اليت كتبها "كيم أوي كيونغ" تدور حول حياة وعمل‬ ‫رسام امسه "يل جونغ سوب"‪ ،‬وقد أخرجها "يل يون تيك"‪ ،‬وحازت على أعلى‬ ‫املراتب التقديرية يف مهرجان سيول للمسرحية لعام ‪ ،1991‬بعد هذا النجاح‬

‫‪" 1‬بداية عائلة على الطريق" عمل‬ ‫درامي يبين قصة حياة الرسام "لي‬ ‫جونغ سوب"‪.‬‬

‫‪ 2‬تنظيم خشبة المسرح أثناء عرض‬ ‫دراما "دع ضوء الشمس يسطع‬ ‫داخل البيت المضطرب" ساعد على‬ ‫توضيح خط القصة والمشهد الكلي‬ ‫للجماهير‪.‬‬ ‫‪" 3‬رفيق الروح الجميلة" نظمت لكي‬ ‫تكون ستارة المسرح الخلفية للحكم‬ ‫العسكري خالل عائلة كوريو‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ 58‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫محل املخرج هذا العمل "بداية عائلة" إىل نيويورك ولوس أجنلوس سنة ‪.1992‬‬ ‫وقد مثلت هذه النسخ نطاقا واسعا من التلميحات السمعية والبصرية اليت مجعت‬ ‫بني ممثلني يوصلون خطوطهم بطريقة شددت على األصوات واإليقاعات املتعددة‬ ‫واستخدام املوسيقى إلجياد املؤثرات الدرامية‪ .‬يف سنة ‪ ،2001‬عرض مسرح‬ ‫بلدية سيول‪ ،‬نسخة من هذا العمل من إخراج "كي كوك سوه " يف مهرجان‬ ‫مسرح "بيسيتو" الذي أقيم يف اليابان‪ .‬وألنه مبثابة جرعة قوية من املوسيقى‬ ‫التقليدية واحلركات‪ ،‬فإن هذا األداء حظي بعدة دراسات ومراجعة من قبل‬ ‫اجلماهري والنقاد اليابانيني‪.‬‬ ‫يف مهرجان سيول املسرحي لسنة ‪ ،2009‬أعيدت هيكلة‬ ‫العمل بإشراف "ليم هيونغ تيك" من شركة‬ ‫مصنع سيول‪ .‬ولسوء احلظ‪ ،‬أغفل‬ ‫العمل كثريا من املطلوبات فيما‬ ‫يتعلق بإعادة تفسري النص وقدرة املمثلني‬ ‫على التعبري عن عودة الشخصيات للحياة‪.‬‬ ‫جانب آخر سببه سوء احلظ أال وهو أن تصوير‬ ‫الشخصية الرئيسية "جونغ بو سوك" لشخصيته مل يكن خمتلفا‬ ‫اختالفا كبريا عن أداءات "كيم كاب سو" و"كانغ سني كو" يف النسخ‬ ‫السابقة‪.‬‬

‫أركو للفنون‪ ،‬مت أداؤها يف مهرجان ‪ .1994‬العمل األصلي الذي أخرجه "شيم‬ ‫جي تشان" من شركة مسرح "جومنانغ"‪ ،‬اشتمل على أداء رائع ملمثلني مبدعني‬ ‫مثل "بارك سونغ يت" و"كانغ شني إيل" و"سول كيونغ كو"‪ .‬هذه الدراما‬ ‫تتحدث عن قصة مأساوية المرأة‪ ،‬فبعد أن أسهمت دون علم أو رغبة منها يف‬ ‫إعدام زوجها‪ ،‬وجدت نفسها تواجه مبوت ابنها‪ ،‬نتيجة ألفعاهلا‪.‬‬ ‫تستخدم هذه الدراما نظرة امرأة ساذجة للحياة كوسيلة للنقد احلاد‬ ‫أليديولوجيا الزمن املعاصر‪ .‬ونتيجة لشجب األيديولوجيا هبذه الطريقة العميقة‪،‬‬ ‫فإن املمثلني وخمرج العمل األصلي خلقوا إحساسا واضحا بالتعاطف من‬ ‫قبل اجلماهري اليت شاهدت املسرحية‪ .‬أما فيما يتعلق بإعادة التشكيل ـ‬ ‫الذي اشتمل على ممثلني شباب‪ ،‬مثل "كيم يونغ بيل" و"كيم جو وان"‬ ‫من شركة "كوملوكغيل"‪ ،‬مع ممثلة من الرعيل األول هي "يل هيه‬ ‫كيونغ" ـ فقد كانت ترمي إىل التركيز على األحداث اليومية‬ ‫أكثر من تركيزها على التناقضات األيديولوجية أو بيئات‬ ‫املسرح الرمزية‪ .‬وكما كان احلال عليه‪ ،‬فبسبب استبعاد‬ ‫الثوابت املركزية للنص األصلي أخفقت النسخة اجلديدة‬ ‫يف النقل املناسب وإرسال األفكار والذاتية اليت تتمتع هبا‬ ‫شخصية املمثل الرئيسي "كيم يونغ أوك"‪.‬‬ ‫دع ضوء الشمس يسطع في البيت الذي‬ ‫يكثر التردد عليه‬ ‫هذه الدراما اليت كتبها "يل هي جي" ومت‬ ‫أداؤها يف الفترة من ‪ 17-7‬أيار يف مسرح "جايو"‬

‫أغنية مثل هذه األغنية‬ ‫مسرحية أغنية مثل هذه األغنية اليت كتبها "جونغ بوك كون"‪،‬‬ ‫واليت مثلت من ‪ 29‬نيسان حىت ‪ 6‬أيار يف القاعة الصغرى من مسرح‬ ‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪59‬‬


‫‪1‬‬

‫عرض مهرجان سيول املسرحي لسنة ‪ 2009‬تسعة أعمال درامية‪ ،‬وقد اعتربت أكثر األعمال روعة ومتثيال هلذه املناسبة‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن األعمال املختارة قد كتبت‬ ‫هلا احلياة من خالل شركات مسارح جديدة‪ ،‬وفرق إنتاج‪ ،‬وأداء ممثلني‪ .‬حقق مهرجان هذا العام بالفعل جناحا باهرا‪ ،‬كما يتضح من خالل سجالت أعداد اجلماهري اليت‬ ‫ارتادته‪.‬‬

‫يف مركز سيول للفنون‪ ،‬وعرضت يف مهرجان ‪ ،2000‬بعد أن مت عرضها‬ ‫على مسرح مركز "دونغسونغ" للفنون سنة ‪ .1999‬وبالنسبة للفترة األكثر‬ ‫قربا‪ ،‬فقد مت عرضها أيضا يف مركز "إل جي" للفنون سنة ‪ 2004‬ويف معرض‬ ‫الكتاب يف مدينة فرانكفورت سنة ‪ .2005‬إعادة التشكيل اليت متت هذه السنة‬ ‫اشتملت أيضا على املخرج الرئيسي "يل كي دو" من شركة مسرح "إينهيوك"‪.‬‬ ‫ومن الالفت لالنتباه أن هذه الرواية اعتربت على نطاق واسع من أكثر الدراما‬ ‫الكورية جناحا‪ ،‬فقد حصدت أرقاما عالية من اجلماهري والنقاد منذ عرضها األول‬ ‫األصلي‪.‬‬ ‫تدورهذه الدراما حول تاريخ عائلة يسرد من وجهة نظر القدسية املتناهية‬ ‫اليت تنظر هبا العائلة لنفسها‪ .‬ويف حني أن النسخ السابقة اشتملت على متثيل‬ ‫مبجل حمتشم من املمثلني‪ ،‬الذين كان من بينهم "أوه دال سو" و"بارك يونغ‬ ‫سو" و"كيم بيونغ تشون"‪ ،‬مع استثناء ملحوظ للممثل "هان ميونغ كو" الذي‬ ‫كرر دور "بابوكسونغوي" الذي لعبه منذ سنة ‪ ،2004‬و"جون كوك هيانغ"‪،‬‬ ‫الذي توىل دور "سامسونغ هاملوم"‪ ،‬مرة ثانية فإن إعادة التشكيل قدمت قائمة‬ ‫جديدة من املمثلني‪ .‬إن إشراك هؤالء املمثلني اجلدد ساعد على بث احلياة يف هذه‬ ‫الكالسيكية احلديثة للمسرح الكوري‪ .‬ومما لوحظ بشكل خاص يف هذه الرواية‬ ‫استفادهتا الفاعلة من كل املسارح اليت مت عرضها عليها‪.‬‬ ‫وهذا يشتمل على إعادة التشكيل اليت متت يف سنة ‪ 2009‬واليت مت أداؤها‬ ‫‪ 60‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫يف مسرح مركز "جايو" للفنون يف سيول‪ .‬اشتملت بيئة املسرح على جسر كبري‪،‬‬ ‫مع طريق جانبية‪ .‬املسرح الذي كان يف البداية بصورة طريق وبيت تقاطعا معا مت‬ ‫استبداله يف النهاية حبيث أصبح البيت مرتفعا يف حني اختفى الطريق‪ .‬كل هذه‬ ‫اجلوانب كان هلا أثر كبري ساهم بشكل فاعل يف جعل كل من القصة واملوضوع‬ ‫الرئيسي أكثر وضوحا‪ ،‬يف حني عزز احلضور الفعال لإللقاء واملمثلون اجلدد‬ ‫بشكل كبري جودة األداء الكلية والقيمة الترفيهية‪.‬‬ ‫ملاذا ألقت سيمتشونغ نفسها في بحر إيندانغ مرتني؟‬ ‫مثلت هذه الرواية من ‪ 25‬نيسان حىت ‪ 10‬أيار يف مسرح "ديهانغنو"‬ ‫للفنون‪ ،‬وقد كتبها "أوه يت سوك"‪ ،‬ومتت تأديتها ألول مرة من قبل شركة‬ ‫جمموعة "موكهوا" على مسرح "تشونغدول" سنة ‪ ،1990‬وقد أديت أيضا يف‬ ‫مواقع أخرى مثل مسرح "جايو" ومسرح "آرونغوزي" ومسرح "هانول" التابع‬ ‫للمسرح الوطين الكوري‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن هذا العمل قد عرض أيضا يف‬ ‫جامعة كاليفورنيا احلكومية يف مدينة "نورثريج"(‪ )CSUN‬باالشتراك مع املؤمتر‬ ‫الدويل للمسرح والدراما العاملية سنة ‪ ،2005‬الكاتب املخرج "أوه يت سوك"‬ ‫وأعضاء من شركة "موكهوا" عملوا بشكل متواصل على إجياد نسخ منقحة‬ ‫مراجعة من العمل األصلي‪ .‬من بني األعمال املقدمة يف مهرجان سيول ‪،2009‬‬ ‫فإن هذه الدراما عرضت لتمثل الدراما األكثر عرضا‪.‬‬


‫‪3‬‬ ‫‪" 1‬أغنية كهذه" تستخدم نظرة امرأة ساذجة ساخطة على الحياة كوسيلة للنقد الحاد لأليديولوجيا‬ ‫المعاصرة‪.‬‬

‫‪" 2‬صوت األرغن" تبحث في الصعوبات التي تعانيها عائالت بلدة تعمل نساؤها في المناجم‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ختربنا الرواية عن قصة "سيمتشونغ" اليت بعد أن ألقت نفسها يف حبر‬ ‫"إيندانغ"‪ ،‬كقربان إلنقاذ والدها األعمى‪ ،‬قامت بذلك مرة أخرى كجزء من‬ ‫صفقة مع امللك التنني (يونغوانغ) يف حماولة إلنقاذ الشعب الذي يعاين من اإلمهال‪.‬‬ ‫على الرغم من أن خط القصة وشخصيات املمثلني الرئيسيني قد تغريت إىل‬ ‫حد ما‪ ،‬وأضيف شيء من احلوار ليعكس الظروف احلالية‪ ،‬فإن بيئة املسرحية‬ ‫األساسية بقيت سليمة بشكل عام‪ .‬إن التدفق الثابت للممثلني اجلدد ساعد على‬ ‫ضمان حتديث العمل ككل‪.‬‬ ‫اشتمل مهرجان هذا العام أيضا على "نساء بيكاسو"‪ ،‬الذي مت اختياره‬ ‫كأداء افتتاحي شهد متثيال أنيقا ملمثالت شابات‪ .‬أما مسرحية "صوت األرغن"‪،‬‬ ‫اليت كتبها "يون جو بيونغ"‪ ،‬وهي اجلزء الثاين من ثالثية تبحث يف احلياة املأساوية‬ ‫لعائلة تعمل يف املناجم‪ ،‬فقد مثلت هذه املسرحية فنا مسرحيا من الدرجة العاملية‪.‬‬ ‫ويف الوقت نفسه‪ ،‬فإن متثيل "نام ميونغ ريول" املؤثر يف "هانس وغريتيل" ساعد‬ ‫على إجياد أداء كان ناصعا ومتطابقا إىل درجة كبرية مع النص األصلي‪ ،‬يف حني‬ ‫متكنت جمموعة شابة من املمثلني من أن تبث يف مسرحية "زميل روح مجيلة"‬ ‫حيوية ال ميكن جتاهلها‪.‬‬ ‫انطالقة أخرى‬ ‫األعمال التسعة اليت مت اختيارها ملهرجان سيول املسرحي لعام ‪2009‬‬

‫‪" 3‬لماذا ألقت "سيمتشونغ" نفسها في بحر "إيندانغ" مرتين؟" تمثل إعادة تفسير لقصة "سيمتشونغ"‬ ‫التقليدية للجمهور المعاصر‪.‬‬

‫كلها تعكس مواقف متنوعة من املجتمع الكوري‪ .‬كتاب الرواية الكوريون كانوا‬ ‫يسعون دوما إىل تعزيز وعي الشعب لألحوال السياسية واالجتماعية اليت حتتاج‬ ‫إىل اهتمام عام‪ .‬وفقا لذلك‪ ،‬فإن هناك حاجة إىل أن نتذكر أنه‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫األعمال التسعة املختارة‪ ،‬هناك العديد من الروايات األخرى اليت مثلت عالمة‬ ‫بارزة يف الثالثني سنة األوىل من مهرجان سيول املسرحي لذا تستحق االهتمام‬ ‫وإعادة االعتبار‪.‬‬ ‫األطراف اليت أعادت تفسري أعمال هذه السنة بذلت جهودا مجاعية كثيفة‬ ‫إلجياد طرق وأمناط جديدة من التعبري‪ .‬وهلذا‪ ،‬فإن التحسينات الفنية كانت واضحة‬ ‫يف جوانب كثرية مثل الفن املسرحي‪ ،‬واستخدام حيز وفضاء املسرح‪ ،‬واإلضافة‪،‬‬ ‫واملالبس التقليدية‪ ،‬واملوسيقى‪ .‬وكثريا ما كانت هناك رغبة يف االحتفاظ بغالبية‬ ‫النصوص األصلية‪ ،‬اليت عملت على تكبيل جهود عرض تفسريات جديدة‪،‬‬ ‫وأسهمت إىل حد ما يف نتائج أقل مما هو متوقع ومؤمل‪.‬‬ ‫وحول هذه احليثية حتديدا فإن هناك أشخاصا أيضا دعوا إىل إعادة التفكري‬ ‫العام ملهرجان سيول املسرحي‪ ،‬الذي استمر على مدى الـ ‪ 30‬عاما ـ حول‬ ‫عرض أعمال خالقة جيدة‪ .‬هبذا اخلصوص‪ ،‬فإين آمل أن يكون مهرجان سيول‬ ‫املسرحي ‪ ،2009‬الذي تغلب على التقليد املاضي بإعادة متثيل بعض أفضل‬ ‫األعمال اليت شوهدت خالل الثالثني سنة األوىل من تاريخ هذا احلدث ـ قد‬ ‫أرسى منصة أخرى مناسبة النطالقة هذا املهرجان‪.‬‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪61‬‬


‫اكتشاف كوريا‬

‫كتاب أطفال يعتني بالطبيعة‬ ‫استطاع جون والكر المدير المالي الناجح ومؤلف كتب األطفال الذي أتى من أستراليا والذي يقيم‬ ‫في كوريا حاليا‪ ،‬إضافة إنجاز جديد إلى سيرته العلمية‪ ،‬حيث يتحدث كتابه الذي يحمل عنوان "عالم‬ ‫أورا" عن مغامرات لدب قمر ‪ -‬وهو يتعرض اليوم لخطر االنقراض‪.‬‬

‫هوانغ سون إيه كاتبة مستقلة| آن هونغ بوم مصور‬

‫صدر‬

‫كتاب جديد لألطفال خاصا بأولئك الذين تتراوح أعمارهم بني ‪ 5‬و‪ 7‬أعوام يف‬ ‫‪ 5‬مايو من العام احلايل ‪ 2009‬بالتزامن مع عيد األطفال يف كوريا‪ .‬ولفت هذا الكتاب ـ‬ ‫الذي حيمل عنوان " عامل أورا" والذي صدر باللغتني الكورية واإلجنليزية ‪ -‬أنظار الكثريين‬ ‫حلبكته املمتعة واخللفية املتميزة لكاتبه جون والكر‪ .‬جدير بالذكر أن جون والكر املدير املايل‬ ‫األسترايل هو رئيس جمموعة مكواري يف كوريا اليت تعد أكرب شركة لالستثمارات واخلدمات‬ ‫املالية األجنبية يف كوريا‪ .‬وقد استوحى قصته من مجال املناظر الطبيعية الكورية وأسطورة‬ ‫تأسيسها‪ ،‬يتحدث هدا الكتاب القيم عن مغامرات دب قمر باإلضافة إىل تقدميه لدروس مثينة‬ ‫حول الطبيعة‪.‬‬ ‫طاقة ديناميكية‬ ‫يف عام ‪ 2000‬استقر والكر يف كوريا‪ ،‬وقال عن أول زيارة قام هبا إىل كوريا إهنا كانت‬ ‫مصادفة إىل حد ما‪ .‬فعندما قررت جمموعة االستثمارات واخلدمات املالية ماكقواير اليت تتخذ‬ ‫من استراليا مقرا هلا‪ ،‬إنشاء فروع هلا خارج أستراليا‪ ،‬قرر والكر القيام بزيارة قصرية لسيول‬ ‫يف إطار رحلة عمل يف الدول اآلسيوية من أجل دراسة إمكانية قيام مكواري بتنفيذ أعمال يف‬ ‫كوريا‪ .‬وبعد وصوله‪ ،‬شعر يف احلال بالطاقة الديناميكية لسيول مما زوده بانطباع إجيايب عن‬ ‫مستقبل األعمال يف كوريا‪.‬‬ ‫خالل أسبوع واحد‪ ،‬عثر على شقة واختذ اإلجراءات اخلاصة ببناء مكتب فرعي‪ .‬يف‬ ‫البداية‪ ،‬كان يعمل بنفسه ومعه يف املكتب ‪ 4‬موظفني فقط ولكن اليوم يعمل معه أكثر من ‪300‬‬ ‫موظف وهو مسؤول عن ‪ 13‬جماال من جماالت األعمال مبا فيها السمسرة لألسهم ودمج وشراء‬ ‫الشركات واالستثمارات اخلاصة يف البىن التحتية‪.‬‬ ‫يف بداية إقامته يف كوريا تكون لديه انطباع خاص عن الرخاء والثروة اليت تسود يف منطقة‬ ‫كانغ نام بالعاصمة سيول حيث تقع شقته‪ .‬لفتت نظره املالبس األنيقة للناس وحبهم للسيارات‬ ‫األوروبية الرياضية‪ .‬ولكن مبرور الوقت‪ ،‬أصبح حيب الطريقة اليت مت هبا حتقيق التوازن والتعايش‬ ‫يف سيول بني الفن املعماري والطعام ومنط احلياة احلديثة والوجه اآلخر املتمثل يف املعتقدات‬ ‫والتقاليد مثل الشامانية والبوذية والكونفوشيوسية واملسيحية‪ .‬وكان يتعرض لبعض الصعوبات‬ ‫يف التأقلم مع بعض األطعمة والتقاليد الثقافية الكورية‪.‬‬ ‫على سبيل املثال مل يدرك األمهية اليت يوليها الكوريون للنظام اهلرمي يف املناصب‪ ،‬فقد‬ ‫‪ 62‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫‪2009 Koreana | Summer 62‬‬


‫رجل األعمال جون والكر الذي ألف كتاب "عالم أورا" وقد تأثر‬ ‫بزوجته الكورية التي تعمل متطوعة في فريق إلنقاذ الحيوانات‬ ‫المهددة باالنقراض ‪.‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪63‬‬


‫" ال يزال الكوريون حيتفظون ببعض التقاليد القدمية فهم يفصلون مثال ملاذا هذا الشيء جيد بالنسبة لك سواء أكان طعاما أو جبال‪ .‬ومن الصعب‬ ‫اإلعراب الدقيق عن كل شيء إال أهنم يريدون وضع سبب أو مغزى لكل شيء‪ .‬وأمتىن أال ينسى الكوريون هذه التقاليد املتميزة‪".‬‬

‫خصص خطأ لسكرتريته منصبا أعلى من عضو يف جملس إدارته مما‬ ‫تسبب يف توترات مل يتوقعها بني املوظفني‪ .‬وتعلم من ذلك درس "صدمة‬ ‫الثقافة" واآلن أصبح أكثر إحساسا وانفعاال بالثقافة الكورية ويف نفس‬ ‫الوقت ينشط لتعزيز ثقافة العمل مع االنفتاح واإلبداع والتواصل الثنائي‪.‬‬ ‫وهذه األيام هو سعيد بتأكيد إدارة مكواري على اإلبداع واستلهام‬ ‫الروح اجلماعية من الثقافة الكورية باإلضافة إىل االجتهاد يف العمل‬ ‫واالحترام والوفاء من أجل حتقيق مصاحل ورفاهية الكل‪.‬‬ ‫طبيعة املدينة‬ ‫يف بداية إقامته يف سيول كان والكر يزور جزيرة جيجو كلما شعر‬ ‫حباجة إىل استراحة من احلياة املدنية فكان يتمتع بالراحة التامة يف هذه‬ ‫اجلزيرة الفردوس وطبيعتها الرائعة‪ .‬ولكنه يف النهاية اكتشف أن سيول‬ ‫متلك مواردها الطبيعية الذاتية أيضا‪ .‬وأثناء تنفيذ شركة مكواري ملشروع‬ ‫مشترك يشتمل عل حفر نفق يف جبل وميونسان يبلغ ارتفاعه ‪ 293‬مترا‬ ‫يف جنوب سيول‪ ،‬لفتت نظره شبكة مسارات ركوب الدراجات اليت‬ ‫ميكن له فيها التمتع باملناظر الطبيعية اجلميلة‪ .‬وهو يقيم اآلن يف منطقة‬ ‫سونغ بوك دونغ يف مشال سيول حيث ميكن أن يصل من بيته مشيا على‬ ‫األقدام إىل مسارات ركوب الدراجات يف ‪ 10‬دقائق‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‬ ‫يقع مكتبه بالقرب من مناطق طبيعية مجيلة‪ . ،‬وهو يكن تقديرا خاصا‬ ‫لسيول ألهنا تطورت داخل الطبيعة ألن هذا النوع من البيئة ال يتوافر يف‬ ‫املدن الدولية األخرى مثل بكني وسيدين ولوس أجنلوس‪.‬‬ ‫أثناء إقامته يف كوريا أدرك أن الكوريني هلم عالقة خاصة باجلبال‬ ‫حبيث تشكل معىن خاصا يف حياهتم‪" .‬من املبادئ األساسية يف املجتمع‬ ‫الكوري أن اجلبال مكان يذهب إليه الناس إلنعاش أنفسهم وتنقية قلوهبم‪.‬‬ ‫يقول "تعلمت كثريا عن آهلة اجلبال وأرواحها مما أمتعين كثريا"‪ .‬من‬ ‫‪ 64‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫أمجل املواد الثقافية الكورية أن هناك سياقا ثقافيا قويا ملا يقوم به الناس‪.‬‬ ‫وهو نوع خمتلف من القيم‪ .‬وال ميتلك الناس يف الغرب سياقا ثقافيا كهذا‬ ‫وهلذا ال ميتلكون القيم املتأصلة يف الثقافة‪ .‬وهلذا تعد ثقافتهم نوعا من‬ ‫األشياء القابلة للنسيان‪ .‬ولكن الكوريني ما زالوا حيتفظون ببعض التقاليد‬ ‫القدمية حبيث يتحدثون عن فائدة كل شيء سواء أكان طعاما أو جبال‪.‬‬ ‫ومن الصعب اإلعراب الدقيق عن كل ذلك لكن يبدو أهنم يريدون أن‬ ‫جيدوا سببا أو معىن لكل شيء‪ .‬وأمتىن أال ينسى الكوريون هذه التقاليد‬ ‫املتميزة" يبدو أن والكر أسر بسحر كوريا وتقاليدها يف حني أن احلضارة‬ ‫الغربية تعكس إحساسا بالتخلي عن التقاليد بسبب التحديث وذلك‬ ‫وفقا ألفكار العامل االجتماعي األملاين ماكس ويرب اليت صرح هبا يف أوائل‬ ‫القرن العشرين‪.‬‬ ‫ال تزال كوريا حتت التحديث وهلذا تشهد عددا من مشاريع‬ ‫التطوير مما أدى إىل تأثريات إجيابية وسلبية على البيئة‪ .‬ويالحظ والكر أن‬ ‫اإلدراك البيئي قد زاد مؤخرا يف املجتمع الكوري‪ " .‬بدأ الكل يدركون‬ ‫بأن البيئة مهمة جدا‪ .‬ويف سيول مثال‪ ،‬هناك عدد من اإلجنازات البيئية‬ ‫مثل بناء احلدائق اجلديدة وختصيص طرق للمشي وربط مسارات املشي‪.‬‬ ‫أعتقد أن هذه تعد من املبادرات الكبرية وتنقل سيول إىل مستوى آخر‪.‬‬ ‫وكلما زادت اخلضرة يف مدينة زادت جاذبيتها بني رجال األعمال‪".‬‬ ‫ومبا أن املزايا االجتماعية والتجارية متشابكة يف معظم األحيان‪،‬‬ ‫فمن املهم حتويل املدن إىل مدن صديقة للبيئة ليس فقط بتحسني جودة‬ ‫احلياة‪ ،‬بل أيضا خبلق بيئة عمل أحسن‪ .‬ومن املدن اليت زارها وتركت‬ ‫انطباعات جيدة عنده مدينة كانغنونغ يف شرق كوريا‪ ،‬حيث تتمتع هذه‬ ‫املدينة مبناظر طبيعية خالبة تتشكل من البحر وحبريات كبرية واجلبال‪،‬‬ ‫وتعد السياحة هي الصناعة الرئيسية فيها‪ .‬ويعتقد واكر أن مدينة‬ ‫كانغنونغ مدينة كورية مثالية للمستقبل ألن السياحة واخلدمات ستلعب‬


‫يسكن والكر في بيت يبعد حوالي ‪ 10‬دقائق مشيا على‬ ‫األقدام عن جبل بوكاك ويعتقد أن سيول ستتطور مرة‬ ‫أخرى من خالل تحسين البيئة‪.‬‬

‫دورا رئيسيا يف اقتصاد كوريا يف املستقبل‪.‬‬ ‫بالرغم من أن والكر متفائل جدا بتطوير كوريا وسرعة إجناز‬ ‫األعمال املتعلقة مبشاريع املدينة اخلضراء ومبادرات الطاقة اخلضراء‪ ،‬إال‬ ‫أنه يعتقد يف نفس الوقت أنه من املهم جدا بالنسبة للجمهور امتالك فهم‬ ‫أعمق حول الطبيعة‪ " .‬جيب أن تكون الطبيعة جزءا منا حبيث نضعها‬ ‫يف اعتبارنا دائما‪ ".‬وهلذا يأمل أن يدرك الناس وجود الطبيعة ويهتمون‬ ‫بكيفية التعايش معها‪.‬‬ ‫عالم أورا‬ ‫طبقا ملنظمة احليوانات اآلسيوية اليت تعمل على محاية احليوانات‬ ‫وتتخذ من هونغ كونغ مقرا هلا‪ ،‬يوجد أكثر من ‪ 1300‬دب من‬ ‫نوع دب القمر يف حالة حصار يف مزارع كورية بالرغم من أن عملية‬ ‫مجع صفراء الدب حظرت من قبل احلكومة منذ عام ‪ 1992‬عندما مت‬ ‫اإلعالن رمسيا عن عدم شرعية استخراج الصفراء من الدب وهو حي‪.‬‬ ‫ومن املعروف أن دب القمر كان موجودا يف كوريا بكثرة إال أنه اآلن‬ ‫مهدد باالنقراض بسبب زيادة الطلب الطيب على منتجات مرارة الدب‪.‬‬ ‫وقال والكر إن اإلحصاءات تفيد بأن حوايل ‪ 16‬دب قمر فقط بقيت‬ ‫يف الطبيعة يف كوريا‪.‬‬ ‫وقد زاد اهتمامه هبذه القضية زيادة كبرية بسبب اخنراط زوجته‬ ‫الكورية يف اجلهود الرامية إىل احلفاظ على احليوانات‪ .‬مث قفزت إىل ذهنه‬ ‫فكرة كتابة قصة يكون دب القمر بطال هلا وذلك أثناء األزمة املالية‬

‫األخرية‪ .‬وعندما يواجه صعوبات يغتنم بعض الوقت من أجل املراجعة‬ ‫الذاتية‪ .‬وأثناء احلوار مع زوجته حول وضع دب القمر وموقف الناس‬ ‫من هذا احليوان الذي يتعرض خلطر االنقراض‪ ،‬مل يكن يريد كتابة قصة‬ ‫حتمل رسالة مباشرة‪ ،‬بل أراد أن يكتب عمال ممتعا فيه دروس مثرية‬ ‫ومفيدة‪.‬‬ ‫تأثرت قصة "عامل أورا" جزئيا بأسطورة تأسيس كوريا اليت‬ ‫أصبحت فيها أنثى الدب امرأة وتزوجت من رجل إله مث أصبح ولدمها‬ ‫أول كوري‪ .‬وقبل أن يستمع إىل هذه األسطورة‪ ،‬كان يفكر دائما يف‬ ‫رمزية النمر يف كوريا ولكنه يعتقد اآلن أن االنسجام بني االثنني ‪-‬‬ ‫النمر الرهيب واملرح والدب القوي الصابر يقدم وصفا مثاليا للشعب‬ ‫الكوري‪ .‬يف قصته‪ ،‬يتم إنقاذ صغري دب قمر من قبل رجل أنقذه دب‬ ‫كبري من اخلطر‪ .‬حيث يتناول الصداقة بني اإلنسان واحليوان وكيف‬ ‫ميكن أن يتعايشا معا يف انسجام من خالل تبادهلما للرعاية واالحترام‪.‬‬ ‫من املقرر أن يصدر كتاب والكر التايل وهو كتاب يأيت يف‬ ‫سياق عامل أورا والثاين من سلسلة تتكون من أربعة جملدات قبل يوم‬ ‫امليالد‪ .‬بالنسبة لواكر الذي كان حيلم يف املاضي بأن يصبح طبيبا بيطريا‪،‬‬ ‫يستطيع اآلن أن يبث احلياة من خالل كتبه يف شخصيات احليوانات‬ ‫الصورية‪ .‬ولكون جون والكر مديرا تنفيذيا وحقق جناحا ككاتب‬ ‫لكتب األطفال‪ ،‬فإنه يعد شخصية فريدة حقا وجديرة باهتمام وتقدير‬ ‫الرأي العام‪ .‬وفوق كل ذلك‪ ،‬هو دائما يشجع الناس على تنمية أنفسهم‬ ‫من خالل الدراسة الذاتية والكفاءة الذاتية بدال من اإلفراط يف التركيز‬ ‫على التعليم األكادميي وهذه تعترب يف حد ذاهتا نصيحة عالية القيمة‬ ‫والفائدة وقابلة للتطبيق‪.‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪65‬‬


‫على املنصة الدولية‬

‫‪" 1‬بارك يونغهي بآن" أستاذة في دائرة التأليف الموسيقي في جامعة الفنون في‬ ‫بريمين‪ ،‬ألمانيا (تصوير‪" :‬كانغ تي أوك")‪.‬‬

‫‪ 2‬شركة األوركسترا الوطنية الكورية تعزف على أداة كورية تقليدية ألداء "أنفاس‬ ‫الوجود‪ ،‬النمو‪ ،‬االختفاء" (ألوركسترا ‪ )2007‬التي ألفها "بارك يونغهي بآن"‬ ‫الشركة الوطنية الكورية لألوركسترا)‪.‬‬ ‫(تصوير‬ ‫خريف ‪2009‬‬ ‫‪ 66‬كوريانا |‬

‫‪1‬‬


‫هذه‬

‫املؤلفة املوسيقية (ولدت سنة ‪ )1945‬وهي متثل كوريا اليت تسعى لتقدمي املوسيقى املعاصرة من العامل الغريب لشعبها‪ .‬ميكن‬ ‫تشبيه تكريسها لنفسها وحبها للموسيقى بتكريس الكاثوليك ألنفسهم وانقطاعهم ملذهبهم حيث ال ميكن ألي واحد منهم أن يذهب ألي‬ ‫مكان دون أن حيمل يف يده مسبحة‪ ،‬وذلك بسبب الشعور باالرتياح الذي تولده هذه املسبحة‪.‬‬

‫باحثة عن احلقيقة‬ ‫مع اإلخالص القليب الكامل‪ ،‬مل تفشل "يونغهي" أبدا يف أن تعكس ذاهتا الداخلية على اآلخرين الذين تشاركهم يف االهتمامات‪ .‬فهي‬ ‫تبذل جهودا مكثفة ملشاركة اآلخرين يف معرفتها املوسيقية‪ ،‬فهي مكرسة لنفسها كل التكريس لتعليم املوسيقيني ومشاركة مجاهريها هلا يف‬ ‫موسيقاها‪ ،‬ويف نفس الوقت تستمر يف السفر بني الغرب والشرق‪ ،‬وكذلك إىل أجزاء أخرى من العامل‪.‬‬ ‫تقول ‪":‬موسيقاي ليست مبنية على البديهة‪ ،‬ولكنها تقوم على بناء منطقي عقالين‪ .‬وطبيعة منظمة تعتمد على مبادئ‬ ‫عضوية وبناءات منطقية‪ .‬إنين أتبع نظاما معينا يف موسيقاي‪ ،‬يرتبط باحترامي للكائنات احلية وأيضا "السياسة" باملفهوم‬ ‫واملعىن الواسع‪".‬‬ ‫عزفت أعماهلا املوسيقية وحظيت بتقدير عال على الكثري من املسارح األوروبية ملا يقارب ‪ 30‬عاما‪.‬ويف سنة‬ ‫‪ ،1994‬مت تعيينها أستاذة يف دائرة التأليف املوسيقي يف جامعة برميني للفنون (جامعة أملانية)‪ ،‬وبذلك أضحت أول‬ ‫أستاذة يف التأليف املوسيقي تعني بصورة دائمة‪" .‬كان هناك العديد من املرشحني الذين ميكن أخذهم يف االعتبار‪ ،‬مبا‬

‫املؤلفة املوسيقية "بارك يونغهي بآن" تقدم‬ ‫حملبي املوسيقى ما يدفعهم لالبتسامة‬ ‫تؤلف "يونغهي بآن" موسيقى حديثة مبنية على طريقتها وفكرتها الذاتية في خلط بين التقاليد الثقافية الشرقية مع تأثيرات‬ ‫الثقافة الغربية‪ .‬وخالل فترة عملها في أوروبا والتي استمرت لمدة ‪ 30‬سنة‪ ،‬حصلت بشكل متدرج تصاعديا على عالمات‬ ‫عاليه بسبب مؤلفاتها اإلبداعية‪ ،‬إضافة إلى اشتهارها بأنها "خليفة يون إيسانغ"‪.‬‬

‫كانغ أون سو مؤلفة موسيقية وأستاذة يف علم املوسيقى‬

‫‪2‬‬

‫‪ 2009 Koreana | Autumn 67‬خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪67‬‬


‫بإضافتها كلمة “بآن” (وتعين باللغة الكورية االبتسامة العريضة) إىل امسها‪ ،‬رمبا تسعى إىل إقناع نفسها بأن موسيقاها ميكن أن تضفي‬ ‫يوما ما ابتسامة على وجوه حميب املوسيقى وعلى وجهها هي أيضا‪ .‬من خالل موسيقاها‪ ،‬استعرضت وقطعت عاملا واسعا‪ ،‬متاما مثل‬ ‫شخصيتها األدبية املحببة “بارك كيونغ ين” الروائية اليت توفيت مؤخرا‪ ،‬وهي مؤلفة رواية “األرض”‪ ،‬وهي رواية ملحمية فنية ورائعة‬ ‫من روائع األدب الكوري‪.‬‬

‫فيهم مؤلفون من الدرجة العاملية‪ ،‬ولكن مت االتفاق عليها باإلمجاع"‪ .‬هكذا‬ ‫يقول الدكتور "نيكوالس شالز"‪ ،‬أستاذ علم املوسيقى‪ ،‬واألستاذ الفخري املتقاعد‬ ‫يف جامعة والية برميني للفنون‪ ،‬ويضيف‪" :‬الطريقة الواثقة والعقالنية ملوسيقاها‬ ‫أعطت انطباعا عميقا وقويا لنا مجيعا كمحكمني‪".‬‬ ‫تعبير قلبي مخلص‬ ‫ولدت "يونغهي بآن" سنة ‪ ،1945‬وهي سنة حترير كوريا من احلكم‬ ‫االستعماري الياباين‪ ،‬ودرست وحصلت على درجة املاجستري من جامعة سيول‬ ‫الوطنية سنة ‪ ،1974‬وذهبت للدراسة يف أملانيا وذلك بفضل منحة حكومية‬ ‫أملانية تعرف مبنحة ‪ .DAAD‬كانت طالبة لدى األستاذ "كالوس هوبر" يف‬ ‫جامعة فريبورغ‪ ،‬حيث كانت أول كورية حتصل على شهادة مزدوجة يف كل‬ ‫من التأليف املوسيقي والنظرية املوسيقية‪.‬‬ ‫يف سنة ‪ ،1978‬حصلت على أول جائزة يف منافسة بوزفيل للتأليف‬ ‫املوسيقي يف سويسرا‪ ،‬وذلك مبقطوعتها "مان نام اليت عزفتها بالكالرينت واآللة‬ ‫املوسيقية الثالثية الوتر" وهذا ما ساعدها بسرعة على أن تصنع لنفسها صيتا‬ ‫وجتعل امسها معروفا يف عامل املوسيقى املعاصرة‪ .‬وبعد ذلك مباشرة‪ ،‬أي يف سنة‬ ‫‪ ،1980‬كان عمل األوركسترا "سوري" الذي ألفته وأدته قد قوبل باهلتاف‬ ‫والتصفيق الشديد يف مهرجان "دوناويشينغري" املوسيقي‪ ،‬وهو من أرقى املسارح‬ ‫العاملية للموسيقي املعاصرة‪ .‬هذا االعتراف قادها إىل أن توقع اتفاقية مع شركة‬ ‫النشر "ريكوردي" اليت كانت تنشر أعماهلا منذ ذلك الوقت‪.‬‬ ‫"سوري" مؤلف موسيقي ألفته تلبية ملتطلبات التخرج‪ .‬يف ذلك الوقت‪،‬‬ ‫كانت كوريا متر بفترة هيجان سياسي خطري‪ ،‬بلغ ذروته يف حركة "كوانغجو"‬ ‫للدميقراطية‪ ،‬يف حني أفردت وسائل اإلعالم األملانية تغطية للموقف يف كوريا‪،‬‬ ‫وكررت عرض مشاهد من قهر وقمع احلكومة الكورية للمدنيني‪ .‬أما عن‬ ‫"سوري"‪ ،‬اليت تعين "الصوت" بالكورية‪ ،‬فقد سعت فيها إىل إرسال‬ ‫حتيات للشعب الكوري وتسجيل صوت دعم وإهلاب‬ ‫محاس املطالبني بالدميقراطية‪ .‬وقد المست هذه‬ ‫الرسالة احلادة هلذا العمل وترا حساسا ووجدت‬ ‫صدى مؤثرا لدى اجلماهري األوروبية‪ .‬ولذلك‪،‬‬ ‫عند خترجها‪ ،‬أصبح اسم "يونغهي بآن" معروفا بني‬ ‫الدوائر املوسيقية املعاصرة‪ ،‬مما أكسبها زمخا دفعها إىل‬ ‫درجات أعلى كثريا مبا يف ذلك احلصول على جوائز‬ ‫إضافية وعرض موسيقاها اليت هي من أعماهلا اخلاصة هبا‬ ‫‪ 68‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫على مسارح مشهورة ويف مهرجانات موسيقية بارزة‪ ،‬وهذه تعترب ذروة النجاح‬ ‫بالنسبة للمؤلفني املوسيقيني‪.‬‬ ‫معتمدة على حدسها الداخلي‪ ،‬ألفت سلسلة من األعمال بعناوين‬ ‫وأمساء كورية‪ ،‬مثل (الثلج ‪( ،)1979‬املفصل ‪" ،)1981‬بيون كيونغ" (آلة‬ ‫موسيقية كورية مشهورة ‪( ،)1982‬غروب الشمس ‪( ،)1985/84‬احلبيب‬ ‫‪( ،)1987/86‬األرض الصفراء ‪( ،)1989/88‬القلب ‪( )1991/90‬قليب‬ ‫‪( ،)1996‬األمنية ‪( ،)1996/95‬حبييب الرائع ‪ ،)1998/97‬و (األمل سوف‬ ‫يتحقق ‪ .)1998‬مع هذه القائمة الطويلة من املشاريع اليت مت تنفيذها‪ ،‬مل يكن‬ ‫لديها وقت طويل لزيارة مسقط رأسها والقيام بواجب أمها كابنة هلا‪ ،‬وقد ربت‬ ‫تسعة أوالد مبفردها‪ .‬فهي إذن تناضل للتعبري عن حتياهتا الشخصية على صفحات‬ ‫األوراق اخلاصة مبؤلفاهتا املوسيقية‪.‬‬ ‫ابتسامة عريضة‬ ‫إن "يونغهي بآن" هي خليط من امسها األصلي‪" ،‬يونغهي بارك"‪ ،‬وامسها‬ ‫الفين "بآن"‪ ،‬وهي شخصية صينية تعين "االبتسامة العريضة‪ ".‬يف مرحلة الحقة‪،‬‬ ‫جاء صديقها األستاذ "كيم يونغ أوك" وهو أستاذ كوري‪ ،‬باسم مستعار‬ ‫آخر‪ ،‬بنفس الشخصية الكورية ولكن يف‬ ‫شكل شخصية صينية خمتلفة‪،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وتعين "ناي إىل جانب الطاولة"‬ ‫وهو الذي استخدمته مؤخرا‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أهنا اختارت‬ ‫مقطعا المسها يعين‬ ‫االبتسامة‬

‫كوال وولف‬ ‫© ني‬


‫العريضة‪ ،‬فمن الصعب جدا أن تُرى "يونغهي بآن" وهي ترسم ابتسامة دافئة على‬ ‫وجهها‪ .‬يف الواقع‪ ،‬عمق األعمال املوسيقية ينسب بشكل منطي إىل "هان"‪ ،‬وهي‬ ‫حتية كورية ترتبط غالبا بالنحيب أو املعاناة الطويلة‪.‬‬ ‫بالنسبة لألوروبيني الذين ألفوا موسيقاها‪ ،‬فإن الكثريين منهم يعتقدون‬ ‫بأن "يونغهي بآن" جاءت إىل أملانيا من أجل البقاء‪ ،‬يف وقت وجدت كوريا‬ ‫فيه نفسها متورطة يف صراع دموي عنيف بني حكمها الدكتاتوري ومؤيدي‬ ‫الدميقراطية‪ .‬فبعد أن عاشت يف فترة احلرب الكورية (‪ )1953-1950‬كطفلة‬ ‫صغرية‪ ،‬واجهت بعد ذلك قمعا قاسيا متعسفا عندما كانت طالبة يف اجلامعة‪ .‬وملا‬ ‫كان األمر هبذا السوء‪ ،‬فقد كان انتقاهلا إىل أملانيا فرارا من اهليجان والفوضى يف‬ ‫كوريا‪ ،‬وكان كذلك فرصة ملتابعة حريتها الفنية والشخصية‪.‬‬ ‫بإضافة "بآن" (االبتسامة العريضة) إىل امسها‪ ،‬رمبا كانت تسعى من وراء‬ ‫ذلك إىل إقناع نفسها بأن موسيقاها ميكن يف يوم من األيام أن جتلب االبتسامة‬ ‫لوجه حميب موسيقاها وهلا هي أيضا‪ .‬من خالل موسيقاها‪ ،‬قطعت عاملا فسيحا‪،‬‬ ‫وبالتشابه الكبري مع ملهمتها األدبية املحببة‪" ،‬بارك كيونغ ين" الروائية ـ اليت‬ ‫توفيت مؤخرا ـ صاحبة رواية "األرض"‪ ،‬وهي رواية ملحمية من األعمال‬ ‫النفيسة الرائعة يف األدب الكوري‪ .‬وعلى طول الطريق‪ ،‬فتحت بنفسها نافذهتا يف‬ ‫صرح املوسيقى العاملية اليت جتمع بني الشرق والغرب‪.‬‬ ‫ظل القمر‬

‫يف ‪ 21‬شهر متوز ‪ ،2006‬قدمت عرض األوبرا الذي حيمل‬ ‫اسم "ظل القمر"‪ ،‬ألول مرة هلا على‬ ‫مسرح شتوتغارت‪ .‬وقد‬ ‫عرض هذا العمل على‬ ‫املسرح ضمن مهرجان‬ ‫دويل للموسيقى املعاصرة مت‬

‫تنظيمه من قبل اجلمعية العاملية للموسيقى املعاصرة‪ ،‬وأثبتت هذه األوبرا أهنا نقطة‬ ‫حتول يف مهنتها اليت ختصصت فيها‪ .‬وبتأصيل جذور هذه األوبرا يف "أوديب"‬ ‫لـ"سوفوكليس" أعطت مفتاحا جديدا لفهم "االغتراب" (الغربة يف أملانيا)‪،‬‬ ‫والتغريب الذي مييز أعماهلا‪ .‬قال الناقد املوسيقي "ماكس نيبيلر"‪ ،‬ذات مرة‪:‬‬ ‫"التغيري اجلوهري يف موسيقى "بارك يونغهي بآن"‪ ،‬منذ عملها ظل القمر سنة‬ ‫‪ ،2006‬أذهل اجلميع‪ .‬وموسيقاها تعطي إحساسا "بالوحدة" "والغربة" يف أملانيا‪،‬‬ ‫أو تثري حالة ملتبسة بني اإللفة والغربة‪ .‬اجلزء اخلاص مبوسيقاها هو شيء روحي‪،‬‬ ‫فهو أكثر من جمرد تعبري عن دافع أو تقنية‪".‬‬ ‫ما نوع العامل الروحي الذي تسعى أوبرا ظل القمر إىل الكشف عنه؟‬ ‫يف هذا العمل‪ ،‬قامت باستشارة "هان بيونغ تشول"‪ ،‬وهو من علماء الفلسفة‬ ‫الكورية‪ ،‬حول كيفية دمج مبادئ وأفكار الطاوية يف األوبرا اليت ألفتها‪ .‬لقد‬ ‫عاجلت املوضوع املعقد للحياة واملوت‪ ،‬وكذلك الذنب والعقاب‪ ،‬يف حوار‬ ‫يقول‪" :‬هل هناك ندم على الربوز إىل الوجود"‪ ،‬ومن خالل تعبريها املوسيقي "ظل‬ ‫القمر" الذي خيتتم بعبارة تقول‪ " :‬احلياة مثل الندى على أطراف أعلى احلشائش‪،‬‬ ‫وسوف خيتفي بأدىن نقرة من منقار طائر"‪ .‬وطبقا لذلك‪ ،‬فإنه يعكس الطريقة أو‬ ‫املفهوم القائل بأن الفالسفة الشرقيني حيترمون هشاشة احلياة"‪.‬‬ ‫بعد ظل القمر‪ ،‬بدأت "يونغهي بآن" يف التركيز على املوسيقى‬ ‫الدينية‪ ،‬بعد أن استلهمتها من جمموعة من الرسائل كتبها "توماس تشوي يانغ‬ ‫يوب"‪ ،‬الراهب الثاين يف الكنيسة الكاثوليكية يف كوريا‪ .‬اشتملت هذه األعمال‬ ‫على " ابق معي‪ ،‬وسوف أبقى معك"‪ ،‬و"يا إهلي‪ ،‬انظر إىل تضرعنا إليك" (وهي‬ ‫يف الالتينية األصلية)‪ ،‬و"نريد أن نتجول ومنشى حتت الضوء" (أيضا يف الالتينية‬ ‫األصلية)‪.‬‬ ‫وعندما دخلت هذه املؤلفة املوسيقية املبدعة يف مرحلة متقدمة من عمرها‪،‬‬ ‫فإن موسيقاها اختذت منحى جديدا بعيدا عن النغمة الكئيبة القامتة اليت كانت‬ ‫يف أعماهلا املبكرة‪ ،‬واليت كانت تعطيها حيزا أكرب‪ .‬ومما لوحظ عليها أهنا بعد أن‬ ‫ذكرت حلمها بالعودة إىل كوريا عندما تتقاعد‪ ،‬برق وجهها بابتسامة مشرقة‬ ‫وأصبح وجه "بارك يونغهي بآن" حقيقة‪ .‬ما زالت تتحدث عن أملها يف العمل‬ ‫مع فرق كورس لألطفال‪ ،‬وسوف يعطيها ذلك فرصة لألداء خارج نطاق‬ ‫وطنها‪ .‬ويف احلقيقة‪ ،‬هل هناك أي شيء ميكن أن يكسو الوجوه‬ ‫بابتسامة عريضة أكثر من مساع أصوات بريئة يف‬ ‫كورس أطفال؟‬

‫المؤلف الموسيقي المعروف والمشهور عالميا "كالوس‬ ‫هوبر" هو أشهر شخص في حياة "بارك يونغهي بآن"‬ ‫ومسيرتها المهنية‪ .‬وبصفته معلمها وزوجها‪ ،‬فهو يدعم‬ ‫جهودها التي تكرسها للتأليف الموسيقي‪ ،‬واالتصال مع‬ ‫الموسيقيين‪ ،‬وتعليم الطالب‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪69‬‬


‫على الطريق‬

‫"هان سونغ وون"‪ ،‬كاتب نموذجي لـ"جانغهونغ"‪ ،‬يمشي على طول‬ ‫طريق "ميتا سيكويا" ‪( Meta Sequoia‬محفوف بأشجار طويلة تشبه‬ ‫"بيونغهوا"‪ ،‬في منطقة "جانغهونغ"‪.‬‬ ‫الصنوبر) في قرية‬ ‫‪ 70‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫جانغهونغ‬

‫حيث األدب الكوري متجذر في األعماق‬ ‫مدينة جانغهونغ معروفة بأنها المدينة البطيئة‪ ،‬حيث ينساب الزمن بخطى متئدة حسب رؤاها ورغبتها‪ ،‬متجاهلة‬ ‫سرعة وإلحاح المتطلبات الحديثة للحياة المعاصرة‪ .‬وهي أيضا المدينة الوحيدة في كوريا التي تم تخصيصها‬ ‫لتكون منطقة للسياحة األدبية وذلك باالعتماد على حقيقة أن هذه المدينة اشتهرت بأنها موطن األدب الكوري‪.‬‬

‫كيم هيونغ يون كاتب مقالة | آن هونغ بوم مصور‬

‫‪2009 Koreana | Autumn 71‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪71‬‬


‫تتميز‬

‫ساحة فناء معبد "بورميسا" يف مدينة‬ ‫"جانغهونغ" بسكون غريب‪ .‬وسط ضوء الشمس‬ ‫الساطع يف صباح يوم صيف مبكر‪ ،‬فإن اخلضرة‬ ‫العميقة املنداحة من أوراق األشجار الكثيفة تكمل‬ ‫املنظر اجلميل بإشعاعات تنطلق من سطح فخار‬ ‫الفناء األبيض اللون‪ .‬النسيم العليل اهلادئ يضفي‬ ‫إحساسا باألناقة على اجلو الرائع وذلك بتحريكه‬ ‫جهاز قرع اجلرس بلطف‪.‬‬ ‫معبد "بورميسا" العتيق‬ ‫ينتابين حب فوري مباشر للمعبد الذي يقع‬ ‫كعش حيتضنه واد حمفوف باجلبال‪ .‬على الرغم من‬ ‫أنه بعيد قليال عن العامل الروتيين‪ ،‬إال أن سكون‬ ‫أرضيات املعبد يأسر القلوب بسرعة‪ .‬منذ تأسيسه‬ ‫سنة ‪ ،860‬خالل فترة مملكة شيلال املوحدة‪ ،‬فقد‬ ‫احتضن معبد "بورميسا" بشكل تراكمي تارخيا‬ ‫لفترة تزيد عن ‪ 1000‬سنة‪ .‬متثال بوذا الذي يقع‬ ‫داخل قاعة "دجيوكغوانغجون"‪ ،‬على طول احلافة‬ ‫اجلنوبية الغربية من الساحة‪ ،‬واملنارة احلجرية وزوج‬ ‫من باغودتني على النمط الصيين تتألف كل منهما‬ ‫من ثالثة طوابق‪ ،‬مبنية من احلجر تواجه القاعة ـ‬ ‫كلها تشهد على سهولة تكيف هذا املعبد‪ ،‬الذي‬ ‫متت إعادة بنائه بعد تعرضه حلريق مدمر‪ .‬متثل املنارة‬

‫‪ 72‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫احلجرية والباغودات الصينية سحرا مل يفقده عرب‬ ‫سنني طويلة رغم تعرضه ملؤثرات من اهلواء واملاء‬ ‫والنار والتراب‪.‬‬ ‫وراء البوابة األمامية وبوابة امللوك السماويني‬ ‫األربعة‪ ،‬تظهر ساحة املعبد‪ .‬الساحة الواسعة‪ ،‬البارزة‬ ‫كاخلاصرة ـ بسبب بناء قاعة "دجيوكغوانغجون"‬ ‫وقاعة "ديوونغبوجون"‪ ،‬ـ تشتمل على نبع طبيعي‬ ‫يف وسطها‪ ،‬تتدفق منه مياه معدنية صافية‪ .‬خطوط‬ ‫السقف الرائعة للقاعات تتكرر يف السقف املبين‬ ‫من البالط يف املعبد الصغري الذي يغطي النبع‪ ،‬وهو‬ ‫حماط بأسرة كثرية من الورود‪ ،‬والزهرة الصحراوية‬ ‫واألزليا‪ ،‬والنبات املعروف باسم عود الصليب‪،‬‬ ‫والنبات املعروف باسم لسان احلمل‪ ،‬والنبات‬ ‫املسمى الشجرة العطرية‪( ،‬أمساؤها باللغة اإلجنليزية‬ ‫هي على التوايل‪azaleas, peonies, plantains,:‬‬ ‫‪ .) crepe myrtles‬تكثر يف الساحة أنواع أخرى‬ ‫من األشجار املعمرة‪ ،‬مبا يف ذلك املنغولية الفضية‪،‬‬ ‫جوزة الطيب‪ ،‬الصفصاف‪ ،‬اجلينكو‪ ،‬الصنوبر‪،‬‬ ‫وشجر خشب التنوب‪ .‬الساحة الطويلة الضيقة‬ ‫بني قاعة معبد "ديوونغبوجون"‪ ،‬والقاعات الثانوية‬ ‫للعالج والعبادة هي منوذج منطي ملنطقة احلديقة‬ ‫الطبيعية املرتبطة باألبنية الكورية التقليدية‪ .‬إهنا‬ ‫فراغ ال يتدخل فيه اإلنسان إال يف أقل احلدود‪،‬‬

‫حيث األشجار واألزهار تنمو بشكل طبيعي‪.‬‬ ‫عند جلوسك على الدرج املبين من احلجر املغطى‬ ‫بالطحالب‪ ،‬فإن اهلدوء ال يقطعه إال طنني النحل‬ ‫الذي يطري من حولك‪.‬‬ ‫وكما هي احلال يف املناطق الريفية األخرى‪،‬‬ ‫فإن عددا متزايدا من النساء من دول آسيوية متنوعة‬ ‫يسمني ويعتربن اآلن "جانغهونغ" موطنهن‪ ،‬بعد‬ ‫أن تزوجن من رجال كوريني‪ .‬لكي أعرف فكرة‬ ‫شخص أجنيب عن هذه املنطقة حتدثت مع امرأة‬ ‫يابانية تدعى "يامازاكي ناوكو"‪ ،‬سكنت هنا ملدة‬ ‫‪ 13‬سنة‪ .‬ذكرت أهنا يف هذه املدينة‪ ،‬اليت تعتربها‬ ‫موطنها الثاين‪ ،‬أكثر ما حتب زيارة معبد "بورميسا"‪،‬‬ ‫مع األخذ يف االعتبار أهنا غري ملتزمة بالديانة البوذية‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فهي تقول بأن هناك حضورا قويا يف‬ ‫يس ِّكن روح املرء املضطربة‪.‬‬ ‫املعبد القدمي ميكن أن َ‬ ‫احلركة البطيئة للمدينة‬ ‫تسود منطقة "جانغهونغ" تضاريس جبلية‪،‬‬ ‫تغطي حوايل ثلثي مساحتها البالغة ‪ 618‬كيلومترا‬ ‫مربعا‪ .‬يبدو أن هناك عددا ال هناية له من قمم‬ ‫اجلبال اليت تنبثق من "يوتشيميون"‪ ،‬حيث يقع معبد‬ ‫"بورميسا"‪ ،‬الذي يزحف عرب األرض وللخارج‬ ‫باجتاه الساحل اجلنويب‪ .‬القرى اليت يسكنها عدد‬

‫‪1‬‬


‫قليل من السكان متناثرة يف املنطقة‪ ،‬ويف الغالب‬ ‫تقع على قاعدة اجلرف السحيق االحندار املحاذي‬ ‫ملمرات ضيقة من األرض املنبسطة‪ .‬اجلبال اليت‬ ‫تكسوها غابات كثيفة هي موطن للبوم الصقري‪،‬‬ ‫بينما تتجول أنواع من إناث األيل‪ ،‬والظباء واخلنازير‬ ‫الربية يف الوديان‪.‬‬ ‫اعترفت منظمة "سيتاسلو"‪Cittaslow‬‬ ‫الدولية مؤخرا ببلدة "يوتشيميون" كـ"مدينة‬ ‫بطيئة"‪ .‬حركة املدينة البطيئة‪ ،‬اليت بدأت يف مدينة‬ ‫أورفيتو يف إيطاليا سنة ‪1999‬ـ مؤسسة على‬ ‫جهود لتشجيع منط احلياة العملي الذي يسعى‬ ‫جاهدا من أجل احلفاظ على البيئة الطبيعية والتقليد‬ ‫الذي مضت عليه أزمان طويلة‪ .‬على أي حال‪،‬‬ ‫إضافة إىل هذه املنطقة فإن كل منطقة "جانغهونغ"‬ ‫مشلت هبذه املبادرة‪ .‬وملا كان األمر كذلك‪ ،‬فإن‬ ‫املواطنني املحليني يعملون يف أعمال زراعية أساسية‬ ‫مع تربية ماشيتهم‪ ،‬وخنازيرهم‪ ،‬وحنلهم‪ ،‬ومجع‬ ‫الفطر من الوديان اليت تنمو فيها الغابات ‪ -‬منط‬ ‫احلياة تغري قليال مع مرور الوقت‪ .‬وقد احتفظت‬ ‫القرى بسحرها الريفي البسيط بفضل البيوت املبنية‬ ‫على النمط التقليدي واليت هلا حواف منحنية‪ ،‬ذات‬ ‫أسوار قصرية بنيت من احلجر وهي تشكل ممرات‬ ‫متعرجة للمشي‪.‬‬

‫يف السبعينات‪ ،‬ولتسهيل ثورة التصنيع‬ ‫الكورية‪ ،‬فإن األراضي الزراعية حتولت بشكل‬ ‫متزايد إىل مواقع مصانع‪ ،‬بينما هاجرت جمموعات‬ ‫كبرية من سكان الريف إىل املدن‪ .‬يف الواقع‪ ،‬بالنسبة‬ ‫ملنطقة "جانغهونغ"‪ ،‬فإن عدد السكان املقيمني‬ ‫فيها تناقص إىل ‪ 43000‬شخص وقد وصل العدد‬ ‫يف ذروته إىل حوايل ‪ 140000‬شخص‪ .‬بالنسبة‬ ‫ألولئك الذين بقوا‪ ،‬ميكن أن يقولوا بأن هذه املنطقة‬ ‫هي اآلن موطن لقطعان احليوانات أكثر من كوهنا‬ ‫موطنا للبشر‪ .‬بسبب نأي هذه املنطقة اجلبلية‪ ،‬فإهنا‬ ‫مل تستفد كثريا من عملية التصنيع‪ ،‬على أي حال‪،‬‬ ‫هذا االفتقار للحداثة مكن املنطقة من احلفاظ على‬ ‫روعتها الطبيعية‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬وعلى مر الزمن‪ ،‬فإن االستخدام‬ ‫املتواصل للمخصبات الكيميائية واملبيدات احلشرية‬ ‫أصبح يهدد البيئة الطبيعية للمنطقة‪ ،‬وقد أصبح‬ ‫املزارعون املحليون مقتنعني بضرورة االعتماد‬ ‫على الزراعة العضوية ودورة املحاصيل‪ .‬إضافة إىل‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن هناك جهودا مكثفة جتري اآلن إلنعاش‬

‫بعض فصائل احلشرات‪ ،‬واليت اختفت تقريبا يف‬ ‫السنوات األخرية املاضية‪ ،‬مثل خنفساء وحيد القرن‬ ‫(الكركدن)‪ ،‬خنفساء األيل‪ ،‬وخنفساء الروث‪.‬‬ ‫يسعى املقيمون يف املنطقة أيضا إىل تربية الديدان‬ ‫األرضية‪ ،‬اليت تلعب دورا حيويا يف تعزيز خصوبة‬ ‫األراضي املخصصة للمحاصيل‪.‬‬ ‫املنطقة اإلدارية اليت تقع يف أقصى مشال‬ ‫منطقة "جانغهونغ" هي "يوتشيميون"‪ ،‬اليت تضم‬ ‫معبد بورميسا وسد جانغهونغ‪ ،‬وقد بين على طول‬ ‫املنطقة العليا لنهر "تاجمني" وأكمل بناؤه يف حزيران‬ ‫‪ ،2006‬وهذا السد يعد مصدرا ميكن االعتماد عليه‬ ‫كمصدر مياه بالنسبة للمقيمني واملزارعني يف املنطقة‬ ‫اجلنوبية الغربية من مقاطعة "جولالنام دو" حيث‬ ‫تقع "جانغهونغ"‪.‬‬ ‫تربز عدة قمم من سطح هذا اخلزان املائي‬ ‫الواسع‪ ،‬والذي ميتد إىل مساحة تقارب ‪10,3‬‬ ‫كيلومترات مربعة ضمن واد واسع مشكال مشهدا‬ ‫طبيعيا رائعا‪ .‬مياه اخلزان الصاحلة للشرب ضرورية‬ ‫للمنطقة‪ ،‬ولكن تطوير اخلزان مل يأت هكذا دون‬

‫‪ 1‬تمثال لبوذا ذو قاعدة حديدية (الكنز الوطني رقم ‪ )117‬مثبت داخل‬ ‫"ديجوكغوانغجون" في معبد "بوريمسا"‪.‬‬

‫‪ 2‬قمة جبل "تشونغوانسان" بتشكيالت من الصخور الطبيعية تشكل منظرا مثيرا‬ ‫للفضول‪.‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪73‬‬

‫‪2‬‬


‫مقابل من التضحيات‪ .‬ففي الواقع‪ ،‬ما يقارب ‪20‬‬ ‫رحلت‪،‬‬ ‫قرية صغرية كانت تقع ضمن منطقة اخلزان ّ‬ ‫فاضطر املسؤولون إلعادة توطني ما يقارب ‪2200‬‬ ‫شخص ممن كانوا يسكنون هذه القرى منذ أمد‬ ‫بعيد‪.‬‬ ‫تاريخ املأساة‬ ‫يف شهر شباط ‪ ،1894‬بدأت ثورة فالحي‬ ‫"دونغهاك" يف منطقة "كوبو"‪ ،‬وذلك أن طبقة‬ ‫الفالحني مل تعد تتحمل الفساد واإلساءات اليت‬ ‫كانت تقع عليهم من مسؤويل احلكومة املحليني‪.‬‬ ‫قاد هذه الثورة أو االنتفاضة أتباع "دونغهاك"‪ ،‬وهي‬ ‫ديانة أهلية تشدد على املساواة بني البشر مجيعا‪.‬‬ ‫وقد اكتسبت املشادات واملصادمات املحلية زمخا‬ ‫قويا بسرعة بسبب عدم قدرة احلكومة على قمع‬ ‫الفالحني الثوار املتمردين‪ .‬يف خضم هذه احلالة من‬ ‫الفوضى‪ ،‬حولت احلكومة وجهها إىل اليابان لطلب‬ ‫املساعدة‪ .‬ومل تكن للفالحني قدرة على مواجهة‬

‫وجماراة القوة اليابانية واحلكومية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن اهلزمية كانت أمرا ال‬ ‫مفر منه‪ ،‬فإن حوايل ‪ 30000‬فالح ثائرين جتمعوا‬ ‫مصممني على الصمود عند السهول املنفتحة على‬ ‫طول هنر "تاجمني"‪ ،‬إىل اجلنوب من "جانغهونغ"‪،‬‬ ‫اليت كانت مبثابة قلعة حصينة ألتباع "دونغهاك"‪.‬‬ ‫مسلحني باألدوات الزراعية وأسلحة أخرى بالية‪،‬‬ ‫حارب الفالحون بضراوة ولكنهم تعرضوا لذبح‬ ‫ممنهج‪ ،‬وقد تركت جثثهم متناثرة يف مجيع أحناء‬ ‫املنطقة وحتولت مياه هنر "تاجمني" إىل اللون األمحر‬ ‫لكثرة ما سال من دمائهم‪ .‬ولكن املأساة مل تنته عند‬ ‫هذا احلد‪ .‬فحىت بعد أن انتهت املعركة‪ ،‬الحقت‬ ‫جيوش احلكومة الناجني من جيش الفالحني‬ ‫وأتباعهم‪ ،‬وذحبتهم بال رمحة‪ .‬تركت هذه الوحشية‬ ‫اليت ال إنسانية فيها جرحا عميقا بني الفالحني‬ ‫املهزومني ومسؤويل احلكومة‪ ،‬إىل جانب الطبقة‬ ‫األرستقراطية‪ ،‬اليت مل يكن جتاوزها بسهولة ممكنا‪.‬‬ ‫بعد حوايل نصف قرن‪ ،‬تعرض اجلنوب‬

‫‪ 1‬ممر على جانب جدار حجري في قرية "كيسان" منطقة "آنيانغ ميون"‪.‬‬

‫‪ 2‬الستوبا لألستاذ "بوجو" في معبد "بوريمسا" (الكنز الوطني رقم ‪ ،)157‬لوحات‬ ‫الستوبا مزينة بنقوش تعبر عن الملوك األربعة السماويين‪.‬‬

‫‪ 74‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫لغزو من القوات الكورية الشمالية يف شهر حزيران‬ ‫‪ .1950‬وعلى الرغم من أن هذه املنطقة كانت‬ ‫معزولة عن ميدان احلرب الكورية الضارية والدمار‬ ‫اهلائل الذي نتج عن هذه احلرب‪ ،‬إال أن مصادمات‬ ‫أيديولوجية الحقة بعد احلرب‪ ،‬وقعت بني مؤيدي‬ ‫األحزاب اليسارية واليمينية‪ ،‬كلفت مثنا باهظا‪،‬‬ ‫حيث سفكت الدماء بال معىن وال مربر‪ ،‬ودمرت‬ ‫املمتلكات‪ .‬هذا اجلزء من املاضي املأساوي هو‬ ‫األكثر إيالما ملنطقة ريفية مثل "جانغهونغ"‪ ،‬حيث‬ ‫اإلحساس باملجتمع والتكافل االجتماعي أهم شيء‬ ‫بالنسبة للسكان‪.‬‬ ‫مناطق اجلذب األدبي‬ ‫من الشمال‪ ،‬يتدفق هنر "تاجمني" إىل منطقة‬ ‫"جانغهونغ"‪ ،‬حيث تتجمع مياهه يف سد "جانغهونغ"‪،‬‬ ‫مث تستمر بالتدفق هبدوء باجتاه اجلنوب حنو أكثر‬ ‫املناطق ازدهارا‪ .‬يصبح عرض النهر حوايل ‪ 100‬متر‬ ‫يف هذه املنطقة‪ ،‬ولكنه ضحل غري عميق حبيث ميكن‬ ‫لشخص متوسط الطول أن يقف مستقيما فيه دون‬ ‫أن يغمر املاء رأسه‪ .‬قالت يل الزوجة اليابانية السيدة‬ ‫يامازاكي ناوكو‪ ،‬إهنا باإلضافة إىل معبد "بورميسا"‪،‬‬ ‫فهي حتب الوقوف على جانب النهر للتمتع مبشاهدة‬

‫‪1‬‬


‫يقطن الروائي “هان سونغ وون” بالقرب من اخلط الساحلي‪ ،‬وغري بعيد عن غرفة كتابته‪ ،‬هناك بناء جذاب عتيق حيث يلتقي بعشاق األدب والذين يتبادلون معه أفكارهم‬ ‫حول األعمال األدبية ولسرد القصص حول اخلربات والتجارب الشخصية‪.‬‬

‫جانب املاء‪.‬‬ ‫أمضيت ليلتني يف "جانغهونغ"‪ ،‬ويف كل‬ ‫صباح كنت أهنض مبكرا أشق طريقي إىل ضفاف‬ ‫هنر "تاجمني"‪ .‬السمك النهري األصفر والربتقايل ـ‬ ‫والذي يبلغ حجمه حجم فخذ إنسان ـ كان يتقافز‬ ‫يف النهر كالعب اجلمباز على جهاز حصان اجلمباز‪.‬‬ ‫ميكن رؤية السكان املحليني ذاهبني إىل أعماهلم‬ ‫الروتينية اليومية عند انتشار الضباب الصباحي من‬ ‫املاء‪ .‬هناك عدد وفري من البلشونات (مالك احلزين)‬ ‫البيضاء‪ ،‬كانت تتجول على حافة املاء وتدور حول‬ ‫أكوام القصب‪ ،‬يبدو أهنا غارقة يف حالة تأمل‪ .‬مث‬ ‫طارت فجأة‪ ،‬مزنلقة بال جهد يذكر يف السماء فوق‬ ‫املاء‪ .‬هذه البيئة الرائعة كانت بالفعل خالية من أي‬ ‫مسوم أو مواد ضارة‪.‬‬ ‫جيري هذا النهر شاقا بلدة "جانغهونغ"‪،‬‬ ‫ويتحول إىل اجلنوب الغريب عند جبل "أوكبولسان"‪،‬‬ ‫ويدخل الريف املجاور ملنطقة "كانغجني"‪ .‬تنساب‬ ‫مياهه بصمت يف رحلة إىل مسافة ‪ 51,5‬كيلومترا‬ ‫إىل البحر اجلنويب‪ .‬ومع ذلك فالعديد من السكان‬ ‫يف "جانغهونغ" ال يتمتعون باهلدوء واالستكانة‬ ‫واالطمئنان مع هذا النهر‪ .‬بسبب ذكريات املأساة‬ ‫اليت تفطر القلوب لثورة فالحي "دونغهاك" باإلضافة‬ ‫إىل الصراع األيديولوجي بعد احلرب الكورية‪ ،‬فهناك‬ ‫من يعتربون النهر رمزا لدموع ال تنتهي سكبها‬ ‫املقيمون املحليون بسبب فساد املسؤولني احلكوميني‬ ‫والفقدان املأساوي لألرواح نتيجة للمعتقدات‬ ‫األيديولوجية املختلفة‪ .‬أما بالنسبة للروائي "هان‬ ‫سونغ وون" الذي كان والده من أتباع ديانة‬ ‫"دونغهاك"‪ ،‬وكشخص سكن يف "جانغهونغ" ملدة‬ ‫سبعني سنة‪ ،‬فقد قال إن أدبه متجذر بعمق يف تاريخ‬ ‫هذه املنطقة الوحشي الذي يبعث األسى‪.‬‬ ‫يقطن "هان سونغ وون" يف قرية "يولسان" يف‬ ‫"آنيانغ ميون"‪ ،‬بالقرب من املحيط‪ .‬بىن غرفة كتابة‬ ‫مستقلة بالقرب من البيت الذي يعيش فيه مع زوجته‪،‬‬

‫اليت تعد الشاي من أوراق يتم مجعها‬ ‫من نباتات خلف بيتهم‪ ،‬تعده وحتمصه‬ ‫بنفسها‪ .‬إىل جانب غرفة الكتابة هناك‬ ‫بناء شعيب بسيط‪ ،‬بنته سلطات "بلدة‬ ‫جانغهونغ" للسيد هان‪ ،‬حيث ميكنه أن‬ ‫يلتقي باألشخاص الذين حيبون األدب‬ ‫لتبادل األفكار معهم حول األعمال‬ ‫األدبية وإطالعهم على قصص حول‬ ‫خرباته وممارساته الشخصية‪.‬‬ ‫"جانغهونغ" هي املنطقة‬ ‫الوحيدة يف كوريا اليت مت ختصيصها‬ ‫"منطقة سياحة أدبية خاصة"‪ .‬وملا كان‬ ‫األمر كذلك‪ ،‬فقد مت اختيار األدب‬ ‫كمنتج خاص يف هذا اإلقليم‪ .‬ومتاشيا‬ ‫مع هذا التخصيص الفريد‪ ،‬فإن عددا‬ ‫من املشاريع يتم تنفيذها حاليا للحفاظ‬ ‫واستعادة وترميم أماكن والدة‬ ‫الكتاب املحليني‪ .‬إضافة إىل ذلك‪،‬‬ ‫فقد مت اختيار منطقة أدبية جماورة‪،‬‬ ‫وجمتمع منتزه أديب‪ ،‬سيشتمل على‬ ‫متحف للمواضيع األدبية‪ ،‬وقد بنيت‬ ‫عند قاعدة أسفل جبل تشونغوانسان‪،‬‬ ‫اجلبل األكثر هباء يف املنطقة‪.‬‬ ‫ميكن أن ننسب جذور األدب يف جانغهونغ‬ ‫إىل "بيك كوانغ هونغ" وهو شاعر من شعراء‬ ‫القرن السادس عشر‪ ،‬و"وي بيك كيو" وهو من‬ ‫علماء العلم التطبيقي البارزين يف القرن الثامن‬ ‫عشر‪ ،‬وقد كان شعره يتناول الصعوبات واملعاناة‬ ‫اليت واجهها فالحو املنطقة‪ .‬وعلى الرغم من عدد‬ ‫سكاهنا االمسي ـ قليل جدا ـ إىل حد ما‪ ،‬فإن‬ ‫عددًا من الشخصيات األدبية مسقط رأسهم هذه‬ ‫املدينة فهي موطن ملا يقارب ‪ 80‬شاعرا وروائيا‪.‬‬ ‫منهم أشهر الكتاب املميزين والفاعلني حاليا مثل‬ ‫"سونغ كي سوك" و"يل سونغ وو" و"هان سونغ‬

‫‪2‬‬

‫وون"‪ .‬باإلضافة إىل "يل تشونغ جون"‪ ،‬الذي تويف‬ ‫سنة ‪ ،2008‬وقد رشحت بلدة جانغهونغ هؤالء‬ ‫الكتاب األربعة لتسميتهم مؤلفني ميثلون املنطقة‪ ،‬مع‬ ‫نشر وتعميم احلقيقة القائلة بأن إقليم "جانغهونغ"‬ ‫هو موطن األدب الكوري‪.‬‬ ‫كتب "سونغ كي سوك" و"هان سونغ وون"‬ ‫روايات حول ثورة فالحي "دونغهاك"‪ .‬تتشابه‬ ‫أعمال هؤالء املؤلفني من حيث أهنا تكشف فهما‬ ‫عميقا للظلم االجتماعي وعدم العدالة اليت أثقلت‬ ‫كاهل عامة الشعب الكوري‪ .‬ويف حني ركز "يل‬ ‫تشونغ جون" أكثر على احلياة املدنية‪ ،‬فقد قام أيضا‬ ‫يف نفس الوقت بالتنقيب برباعة عن قمع وكبت‬ ‫اإلنسان وردود فعل األفراد على هذه االبتالءات‪.‬‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪75‬‬


1

2009 Koreana | Autumn 76

2009 ‫ كوريانا | خريف‬76


‫أما عن "يل سونغ وو" الذي يصغر املؤلفني الثالثة‬ ‫مبا يقارب ‪ 20‬عاما‪ ،‬فقد وصف بأنه كاتب يتناول‬ ‫برشاقة وأناقة جوانب من احلالة اإلنسانية‪ .‬امتدح‬ ‫الفرنسي ‪Jean Marie Gustave Le Clezio‬‬ ‫الفائز جبائزة نوبل أعمال هذا الكاتب الكوري‪،‬‬ ‫وأردف أنه يستحق أن يرشح جلائزة نوبل‪.‬‬ ‫يف منتزه "تشونغوانسان" األديب‪ ،‬هناك نصب‬ ‫تذكاري حجري كبري‪ ،‬حفرت عليه قطع من‬ ‫األعمال الكورية التمثيلية ومعلومات عن املؤلفني‪،‬‬ ‫وقد مت تركيبها يف ممرات متعرجة‪ .‬وهو مصمم حبيث‬ ‫ميكن للزوار االنفتاح املعريف على األدب الكوري‬ ‫عندما يتجولون بتأن مستمتعني بأرضيات املنتزه‪.‬‬ ‫متحف األدب‪ ،‬الذي يقدم أعماال ملؤلفني مشهورين‬ ‫من "جانغهونغ"‪ ،‬يشتمل على غرفة للقراءة‪ ،‬حيث‬ ‫ميكن االستمتاع بأنواع خمتلفة من الكتب‪ ،‬كما أن‬ ‫هناك غرفا للندوات‪.‬‬ ‫اسم جديد‪" :‬جونغنامجني"‬ ‫حىت اليوم‪ ،‬ليس هناك خدمات قطار إىل‬ ‫"جانغهونغ"‪ ،‬ولكن الوصول بالباص أو السيارة‬ ‫ليس مشكلة‪ .‬وعلى الرغم من أن املنطقة تقع على‬

‫‪77 Koreana | 2009 Autumn‬‬

‫طول الساحل اجلنويب‪ ،‬فإن القوارب املحلية تنطلق‬ ‫ذهابا وإيابا إىل اجلزر القريبة‪ .‬مياه املحيط هنا‪ ،‬مثل‬ ‫تلك اليت يف هنر "تاجمني"‪ ،‬هي مياه هادئة بشكل‬ ‫الفت‪ ،‬وذلك ألن شبه جزيرة "كوهونغ" الطويلة‬ ‫تعمل كحاجز مائي طبيعي‪ .‬املياه اهلادئة ال حتتوي‬ ‫بالضرورة على كمية وافرة من األطعمة البحرية‪،‬‬ ‫احلريث وأنواع من‬ ‫ولكن السمك املعروف باسم ّ‬ ‫األخطبوط تتوافر بكثرة‪ ،‬يف حني تعترب مسارات‬ ‫عريضة من املسطحات اجلزرية مصادر غنية تعتمد‬ ‫عليها أمساك الرخويات‪.‬‬ ‫إذا مضيت متجها جنوبا من وسط سيول‪،‬‬ ‫سوف تصل يف هناية املطاف إىل "جانغهونغ"‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬فإن مكتب إدارة "جانغهونغ" تبىن امسا‬ ‫جديدا ملنطقته الساحلية وهو "جونغناجمني" والذي‬ ‫يعين حرفيا "لنش العبّارة اجلنويب"‪ ،‬بناء على منوذج‬ ‫مقاطعة "كانغوون دو"‪ ،‬الذي شجع عمليا وبنجاح‬ ‫"جونغدونغجني" كمقر للسياحة‪ ،‬فإن "جانغهونغ"‬ ‫أيضا تسعى جلذب الزوار إىل ساحلها اجلنويب‪ .‬لن‬ ‫يكون من املدهش بالنسبة يل أن أرى هذه احلملة‬ ‫تؤيت أكلها لـ"جانغهونغ"‪ ،‬ألين وجدت املشهد‬ ‫الساحلي ساحرا حقا ويرسخ يف الذاكرة‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪ 1‬البيت القديم لـ"جوجي"‪ ،‬في قرية "بانغتشونري"‪،‬‬ ‫"كوانسان أوب" (مادة شعبية هامة رقم ‪ )161‬وهو‬ ‫مسقط رأس "وي بيك كيو"‪ ،‬أو "جونجي"‪ ،‬رائد‬ ‫منهج التعليم العملي‪ .‬الساحة الخارجية تشتمل على‬ ‫بركة‪.‬‬ ‫‪ 2‬عمود روحي للحراسة في قرية الثقافة التقليدية في‬ ‫قرية "بانغتشونري"‪" ،‬كوانسان أوب"‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرية "نامبو"‪ ،‬في "يونغسان ميون" بمنطقة‬ ‫"جانغهونغ كون"‪ ،‬حازت على شهرة كمسرح‬ ‫لمشاهد الفيلم الذي يحمل عنوان "المهرجان"‬ ‫سنة ‪ ،1996‬الذي تقوم أحداثه على رواية كتبها‬ ‫الروائي "لي تشونغ جون" المولود في "جانغهونغ"‪.‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪77‬‬

‫‪3‬‬


‫طعام‬

‫‪ 78‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫‪2009 Koreana | Summer 78‬‬


‫تعد‬

‫شوربة القولقاس من أكثر األطعمة اليت‬ ‫يتمتع هبا املقيمون يف سيول ومقاطعة كيونغكي‬ ‫ـ أثناء عيد تشوسوك ـ شعبية‪ .‬وذلك ألن‬ ‫القولقاس يساعد يف دعم وظائف اجلهاز اهلضمي‪،‬‬ ‫فمن األفضل أن يتم تقدمي أطباق من القولقاس يف‬ ‫موائد الوجبات أثناء فترة تشوسوك عندما مييل الناس‬ ‫عادة إىل تناول الكثري من األطعمة الدهنية مع األسر‬ ‫واألصدقاء‪ .‬ويعد القولقاس مكونا عاديا للشوربة‬ ‫بالنسبة للمقيمني يف منطقة جولال‪ ،‬وتعد شوربة‬ ‫القولقاس (تورانتانغ) يف منطقة يونغنام (مقاطعيت‬ ‫كيونغسانغ) طبقا خاصا بالطقوس اليت تقام من أجل‬ ‫األسالف‪.‬‬ ‫مصطلح "تانغ" مصطلح رمسي وهو حمترم‬ ‫أكثر من كوك يف جمال الطبخ الكوري‪ .‬وهناك‬ ‫حاجة إىل التمييز بينهما‪ .‬فتانغ شوربة رئيسية أو‬

‫طعام رئيسي ولكن كوك طبق مساعد يتم تقدميه‬ ‫عادة مع جمموعة خمتلفة من األطباق اجلانبية‪.‬‬ ‫تتم زراعة توران أو القولقاس عادة يف املناطق‬ ‫االستوائية أو املعتدلة ويكثر يف املناطق املنخفضة‬ ‫ذات الربودة العالية‪ .‬ويصل ارتفاعه إىل ما بني‬ ‫‪ 80‬و‪ 120‬سنتمترا‪ .‬وجذوره بصلية الشكل‪.‬‬ ‫أما أوراقه العريضة دائرية الشكل واليت يبلغ طول‬ ‫الواحدة منها ‪ 50-30‬سنتمترا وعرضها ‪30-25‬‬ ‫سنتمترا‪،‬فتكفي حلماية أي شخص حينما يتعرض‬ ‫ألمطار مفاجئة يف احلقول‪.‬‬ ‫أما االسم العلمي للقولقاس أو كوكو يام فهو‬ ‫‪ Caocasia‬ويرجع أصل هذا االسم إىل اللغة العربية‬ ‫وهو اسم مركب من "قولون" و"كازين"‪ .‬ومعىن‬ ‫هذا االسم أن جذور هذا النبات طعام‪ ،‬وزهوره‬ ‫تستعمل من أجل الزينة‪.‬‬

‫يعتقد أن أصل نبات القولقاس يرجع إىل‬ ‫املناطق االستوائية يف جنوب شرق آسيا مبا يف ذلك‬ ‫اهلند الشرقية وبورما وشبه جزيرة ماالي والصني‬ ‫الشرقية‪ .‬أما يف كوريا فتتم زراعة القولقاس منذ فترة‬ ‫طويلة يف املناطق اجلنوبية وخباصة يف املناطق املحيطة‬ ‫مبنطقة جينجو‪ .‬ولكن يف اآلونة األخرية‪ ،‬أصبح‬ ‫يزرع أيضا يف مناطق أخرى مثل مقاطعة كيونغكي‬ ‫مبا يف ذلك كوانغجو وإنتشون وكيمبو إىل جانب‬ ‫كوانغ جو مبقاطعة جولالنام دو‪.‬‬ ‫ليس هناك سجالت مفصلة حول الوقت الذي‬ ‫وصل فيه نبات القولقاس إىل كوريا وبداية استهالكه‬ ‫بني الكوريني‪ .‬ولكن اعتمادا على اإلشارات اليت‬ ‫وردت يف الوثائق القدمية اليت يرجع تارخيها اىل عصر‬ ‫مملكة كوريو مثل هيانغاك كوكوببانغ (موسوعة‬ ‫الطب الشعيب والعالج الطارئ‪ ،‬ألفت‬

‫التمتع بطبق تورانتانغ املفيد‬ ‫صحيا في عيد تشوسوك‬ ‫تحضر تورانتانغ أو شوربة قولقاس من القولقاس الطازج وهي من أهم األطعمة التي ترتبط بالوجبات الغنية‬ ‫في عيد تشوسوك (عيد القمر) في كوريا وذلك جنبا إلى جنب مع سونغبيون (كعك األرز المحشو التقليدي)‪.‬‬

‫شيم يونغ سون مديرة معهد شيم يونغ سون لدراسات الطعام الكوري مؤلفة " أفضل أذواق الطعام الكوري"‬ ‫آن هونغ بوم مصور‬

‫طبق تورانتانغ (في اليمين) الذي يضم‬ ‫أنواعا مختلفة من األحياء البحرية‬ ‫ومكونات طبق تورانتانغ‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪79‬‬


‫من األفضل استعمال القولقاس الذي حيتوى على كمية وافرة من القلويات من أجل حتقيق التوازن مع الوجبات اليت تركز على اللحوم‪ .‬ونظرا ألنه يساعد يف عملية‬ ‫اهلضم‪ ،‬فمن األفضل أن يتم تقدمي األطباق املعدة من القولقاس ضمن مائدة الوجبات أثناء عيد تشوسوك حيث مييل الناس عادة إىل تناول الكثري من األطعمة الغنية‬ ‫بالدهون‪.‬‬

‫عام ‪ ،)1236‬اُستنتج أنه استعمل كثريا يف عهد‬ ‫كوريو (‪918‬م ‪1392-‬م)‪.‬‬ ‫خصائصه الطبية‬ ‫عرف القولقاس منذ القدم ببعض اخلصائص‬ ‫الطبية كالقدرة على ختفيف احلمى واملساعدة على‬ ‫اهلضم وختفيف االلتهابات واآلالم‪ .‬ولكونه طعاما‬ ‫قلويا فهو يساعد يف حتقيق التوازن مع الوجبات‬ ‫مدر‬ ‫املتميزة بكثرة اللحوم‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فهو ّ‬ ‫للبول جبانب أنه مصدر طبيعي للميالتونني املنوم مما‬ ‫جيعله مفيدا لألشخاص الذين يعانون من األرق‪.‬‬ ‫العصارة اللزجة للقولقاس هي أحد أنواع‬ ‫املوسني وهو عبارة عن خلطة جتمع بني السكر‬ ‫والربوتني‪ .‬ويساعد املوسني يف تدعيم وظائف الكبد‬ ‫والكلية إىل جانب مكافحته ألعراض الشيخوخة‬ ‫واملساعدة يف منو اخلاليا من خالل تسهيل امتصاص‬ ‫الربوتينات‪ .‬إضافة إىل ذلك فإن املوسني خيفض‬ ‫سرعة عملية الكربوهيدريت‪ ،‬لذا مينع تراكم‬ ‫‪ 80‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫أوراق توران كبيرة وسميكة‪ .‬يمكن أكلها من خالل لف‬ ‫األرز فيها بعد قليها بالزيت ويمكن أكلها بعد تقطيعها‬ ‫وقليها‪.‬‬

‫الدهن املفرط‪ .‬ويعد مفيدا للتعامل مع االضطرابات‬ ‫يف املعدة ونوبات اإلسهال الناجتة عن اإلفراط يف‬ ‫الشرب واألكل‪.‬‬ ‫بالرغم من أن الدكسترين والسكر يسهمان‬ ‫يف زيادة حالوة القولقاس‪ ،‬إال أن مكونه الرئيسي‬ ‫هو النشا‪ .‬وهو مصدر للربوتني والدهن واأللياف‬ ‫والكربوهيدريت والفوسفور وامللح والكالسيوم‬ ‫والبوتاسيوم والفيتامينات سي‪ ،‬ويب‪ ،1‬يب‪ .2‬وعندما‬ ‫يلتحم مع عشب البحر تزيد فعاليته الطبية كثريا‪.‬‬ ‫ويساعد الغني واليود اللذان حيتوي عليهما عشب‬ ‫البحر يف منع امتصاص أكساالت الكالسيوم‬ ‫وغريها من العناصر الضارة املوجودة يف القولقاس‬ ‫إىل جانب ختفيف حدة نكهته اليت ال تعجب بعض‬ ‫الناس‪ .‬ويقال إن مذاق عشب البحر مكمل ملذاق‬ ‫القولقاس‪.‬‬ ‫اجلذور واألوراق‬ ‫يعد القولقاس من النباتات سهلة الزراعة‪.‬‬


‫وعندما تتم زراعته يف الربيع ميكن حصاده عادة‬ ‫قبل هبوب الرياح الباردة يف أواخر اخلريف‪ .‬وميكن‬ ‫ختزينه ملدة طويلة طاملا مل تتم إزالة قشوره‪ .‬ولكن‬ ‫بعد حصاده يف العادة يقوم الناس بإزالة قشوره‬ ‫وجتفيفه واستعمال جذوره وأوراقه كطعام أثناء فترة‬ ‫الشتاء‪ .‬وميكن حتويل اجلذور اجلافة إىل طبق جانيب‬ ‫من خالل نقعه يف املاء وإضافة خمتلف أنواع التوابل‬ ‫إليه ونقعه بالزيت أو يستعمل كعنصر إضايف لطبق‬ ‫يوككاجيانغ (شوربة حارة من حلم البقر واخلضار)‬ ‫أو تشووتانغ (شوربة حارة بسمك اللتش)‪ .‬ويتم‬ ‫تقدمي اجلذور الطازجة أيضا كطبق جانيب‪ .‬وميكن‬ ‫تناول األوراق اليت تتميز بالعرض والسمك بعد‬ ‫تقطيعها إىل شرائح ونقعها بالزيت‪ .‬كما تستعمل‬ ‫األوراق أيضا كغطاء لألرز أو اللحم‪.‬‬ ‫اإلعداد‬ ‫أثناء القيام بإزالة قشر جذور القولقاس من‬ ‫األفضل أن ترتدي قفازات مطاطية ألنه من املمكن‬ ‫أن تتعرض لطفخ جلدي عندما يالمس جلدك‬ ‫عصارة القولقاس‪ .‬فإذا تعرضت لذلك اغسل املنطقة‬

‫املتأثرة مباء ماحل من أجل إزالة هذه‬ ‫اآلثار‪.‬‬ ‫السبب يف محضية القولقاس‬ ‫هو وجود إكساالت الكالسيوم فيه‪.‬‬ ‫وهلذا من األفضل أن تغلي القولقاس‬ ‫الذي متت إزالة قشوره باملاء الذي مت‬ ‫فيه غسل األرز ألن هذا النوع من املاء الذي‬ ‫حيتوي على الفوسفاتيدات والربوتينات يساعد يف‬ ‫تقليل أكساالت الكالسيوم وغريها من املكونات‬ ‫اليت تسهم يف محضية القولقاس‪ .‬ويتم غلي جذور‬ ‫القولقاس اليت أزيل قشرها مع البصل والكراث‬ ‫والثوم من أجل ختفيف نكهتها‪.‬‬ ‫مما جتدر اإلشارة إليه أن أطباق تانغ معروفة‬ ‫بتنوع مكوناهتا مما ينتج عنه خليط لذيذ تتداخل فيه‬ ‫عدة أذواق‪ .‬ويتم طبخ تورانتانغ عادة من خالل‬ ‫غلي جذور القولقاس مع بذور السمسم من أجل‬ ‫حتويله إىل حساء ثخني‪ .‬وتساعد رائحة بذور‬ ‫السمسم يف إزالة النكهة غري الطيبة للقولقاس‪ .‬ويتم‬ ‫طبخ نوع شعيب من تورانتانغ من مكونات كائنات‬ ‫حبرية خمتلفة‪.‬‬

‫مشهد لقلي المأكوالت البحرية من دون خضار‪ .‬ويتم‬ ‫قلي الخضار بعد إضافة البصل وعصير الثوم إليه‪.‬‬

‫تورانتانغ‬ ‫املكونات‬

‫‪ 300‬غرام من القولقاس‪ 3 ،‬من الروبيان املتوسط أو الكبري احلجم‪ 1 ،‬خيار حبري‪،‬‬ ‫‪ 1‬أذن البحر‪ 4/1 ،‬فروع اخليزران‪ 5 ،‬عنابات‪ 5 ،‬كستناءات‪ 2 ،‬من الفطر‪2 ،‬‬ ‫فلفل أخضر‪ ،‬بصل‪ ،‬قفلوط‪ ،‬ثوم‪ ،‬صلصة الصويا الفاحتة اللون‪ ،‬وصلصة الصويا‬ ‫الكورية‪ ،‬صلصة فول الصويا‪ ،‬حساء( مصنوع من عشب البحر والروبيان اجلاف‬ ‫واألنشوفة‪ ،‬زيت السمسم‪.‬‬

‫طريقة التحضير‬

‫‪ 1‬اغل جذور القولقاس الذي أزيلت قشوره مع البصل والكراث األندلوسي والثوم‬ ‫يف املاء مث اغسلها باملاء البارد‪ .‬وقطع اجلذور الذي مت غليها وانقعها بالزيت‬ ‫مع معلقة مائدة من صلصة فول الصويا الكورية وملعقة مائدة من صلصة فول‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫الصويا و‪ 1/2‬ملعقة حساء و‪ 4/1‬ملعقة مائدة من زيت السمسم‪.‬‬ ‫اسلق الروبيان مث أزل قشوره وقطعها‪ .‬وضع خيار البحر يف املاء مث قطعه‪ .‬قطع‬ ‫أذن البحر إىل قطع كبرية‪ .‬انقع هذه املكونات بالزيت من خالل إضافة صلصة‬ ‫فول الصويا وامللح والبصل املفروم والثوم‪.‬‬ ‫قطع فروع اخليزران إىل قطع طول كل واحدة منها ‪ 4‬سنتمترات‪ ،‬مث قطعها‬ ‫إىل شرائح رقيقة‪ .‬مث قطع الفطر إىل شرائح‪ ،‬وقطع الفلفل األخضر إىل أربعة‬ ‫قطع‪ ،‬انقعها بالزيت بصورة خفيفة مث أضف البصل وعصارة الثوم إليها‪.‬‬ ‫اغل الكستناء مث أزل قشورها‪ .‬أزل بذور العناب وقطعها إىل نصفني‪.‬‬ ‫اغل احلساء‪ .‬أضف كل املكونات واغلها لفترة قصرية قبل إضافة نبيذ األرز‬ ‫وامللح وصلصة فول الصويا إليها‪.‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪81‬‬


‫نظرة من على البعد‬

‫كوريا التي قلبت املوازين في ذهني‬ ‫جمال الطبيعة الرائع واهتمام الحكومة المتزايد بالمنتجعات والحدائق ساعد كثيرا فى تشكيل‬ ‫الشخصية الكورية التى تمتاز بالهدوء واالحترام حتى فى أحلك الظروف والمواقف وبالرغم من‬ ‫ضغوطات الحياة اليومية فان الزائر لكوريا يالحظ حرص الكوريين على مزاولة رياضة المشى‬ ‫والتنزه فى حدائق نهر الهان الجميلة واصطحاب أسرهم معهم حتى األطفال صغار السن لذلك ال‬ ‫تجد الكوريين يعانون كثيرا من امراض السمنة ويمتازون بالخفة والرشاقة رجاال ونساء وشيبا‬ ‫وشبابا‪.‬‬

‫تهاني محمد حسني هاللي طبيبة مبستشفي سوبا اجلامعي بالسودان رافقت زوجها يف كوريا وتدربت مبستشفى سامسونغ‬

‫وصلت‬

‫إىل مجهورية كوريا قبل سنتني تقريبا يف رفقة زوجي الذي يعمل يف سفارة بالدنا مجهورية السودان كملحق اقتصادي‬ ‫وجتاري ومندوبا إلحدي أكرب املجموعات الصناعية واليت هلا تعامل اقتصادي كبري مع الشركات الكورية وقد كنت أعتقد أن إقاميت يف‬ ‫كوريا سوف تكون عادية مثلها مثل اإلقامة يف أي دولة أخرى يف الشرق أو الغرب زرهتا من قبل مع زوجي‪ .‬ولكن كوريا قلبت كل‬ ‫موازيين وحسابايت اليت كنت أتبناها وأعتقد هبا رأسا على عقب حيث إين بعد أن وصلت إىل كوريا سررت كثريا بعد أن اكتشفت أين‬ ‫تعرفت على شعب فريد من نوعه من نواح خمتلفة يصعب حصرها منها على سبيل املثال العادات والتقاليد حيث إن الشعب الكوري‬ ‫يتحلى بتقاليد راسخة ضاربة اجلذور منذ القدم غذهتا آيدلوجيا وممالك خمتلفة يف ذلك اجلزء القصي من األرض كالكونفوشيوسية‬ ‫والبوذية وثانيا التطور االقتصادي اهلائل الذي يلمسه الزائر ويتنفس شذاه مبجرد أن حيط رجاله يف إحدى مطارات كوريا‪ ،‬وهذا التطور‬ ‫والنمو قفز هبذه البالد من قائمة الدول الفقرية الضعيفة املتهالكة اقتصاديا إىل الدولة رقم ‪ 11‬يف الئحة الدول األكرب اقتصادا يف العامل‬ ‫حدث كل هذا يف فترة مل تتجاوز ‪ 40‬عاما وال ننسى هنا أن هذه البالد خرجت لتوها من حرب مدمرة مل تبق ومل تذر‪.‬‬ ‫بعد وصويل إىل سيول هذه املدينة الساحرة اليت تتخللها كثري من اجلبال واألودية واألهنار قابلت كثريا من األسر السودانية والعربية‬ ‫والكورية والذين رحبوا يب مجيعهم بشدة ومل أشعر قط بالغربة بينهم أثناء إقاميت أو بصعوبة يف التواصل رغم حاجز اللغة الذين حيول‬ ‫بيننا فكثري من الكوريني يتحدث اللغة اإلجنليزية مبا يكفي ليشعروك بكرم الضيافة والود والترحاب هذه القيم اجلميلة اليت برع الكوريون‬ ‫يف التمسك هبا وإظهارها للغريب دائما‪.‬‬ ‫يف العام األول من إقاميت يف كوريا كنت أرى هذه البالد من خالل املعلومات اليت ينقلها يل زوجي والذي كان ال ينفك حيدثين‬ ‫عن التطور الصناعي واالقتصادي اهلائل وخباصة أن من أهداف املؤسسة اليت يعمل هبا االستفادة من التكنولوجيا الكورية الصناعية عرب‬ ‫مشاريع الشراكة بني الشركات يف البلدين وأعتقد أن تنمية الشراكة بني كوريا والدول العربية عموما والسودان خصوصا سوف تعود‬ ‫بالفائده على كال الطرفني نسبة لتكامل احتياجات الطرفني فكوريا فقرية من ناحية املوارد الطبيعية كالبترول واملعادن والغاز الطبيعي‬ ‫والبلدان العربية عموما حتتاج إىل هذه التكنلوجيا احلديثة‪.‬‬ ‫وخالل إقاميت يف كوريا كنت كلما خرجت من بييت للتسوق أو الزنهة اندهشت من النظام الشديد يف كل نواحي احلياة اخلاصة‬ ‫والعامة فهناك نظام دقيق يلتزم به اجلميع‪ .‬ومما يلفت االنتباه بصفة خاصة أن الكوريني يلتزمون ويتحرون الدقة يف املواعيد ويهتمون‬ ‫بأداء عملهم وجتويده واإلخالص فيه مهما كان صغريا أو ال حيظى باهتمام أو اعتبار يف نظر اآلخرين مما يدل على أن النظام التربوي‬ ‫الذي ترىب عليه نظام فعال ظهرت نتائجه يف هذا الشكل واملنظر البديع للحياة‪.‬‬ ‫حبكم ختصصي كطبيبة بشرية سعيت سعيا حثيثا إلكمال دراسايت العليا يف هذه البالد املتطورة طبيا وقد وجدت كل العون من‬


‫جامعة سونغ كيون كوانغ ومستشفى شركة سامسونغ وأنتهز هذه الفرصة ألشكر السيده الفاضلة الربوفسور السيدة كو رئيسة شعبة‬ ‫أمراض الدم باملستشفى واليت ما توانت حلظة عن تقدمي كل العون واملساعده واإلرشاد مما ساعدنين على قضاء فترة تدريبية عامرة‬ ‫استفدت منها كثريا يف جمال التكنولوجيا الطبية عالية املستوى املتوافرة هناك‪.‬‬ ‫توجد تشكيلة كبرية من أطباق الطعام يف كوريا رأيتها وتذوقتها خالل تواجدي بكوريا وقد أعجبت كثريا حبساء الدوينجانغ‬ ‫(الفول املخمر) والبيبم باب مبكوناته املختلفة باالضافة إىل خبائز األرز املحالة اليت يتم تقدميها يف مناسبات خمتلفة أيضا وقد حاولت‬ ‫مرارا تعلم الطبخ الكوري إال أنين مل أجنح إال يف إعداد حساء الدوينجانغ الذي حيبه زوجي بشدة وما زلت أقوم بإعداده حىت بعد‬ ‫رجوعي إىل بالدي السودان‪.‬‬ ‫اثناء إقاميت يف كوريا تعرفت على إحدى طالبات اهلندسة املعمارية وهي سودانية تدرس يف إحدى اجلامعات الربيطانية حضرت‬ ‫إىل كوريا ضمن دورة تدريبية نظمتها اجلامعة اليت تدرس فيها مشلت عدة دول يف العامل للتعرف على الدول الرائده يف جمال اإلنشاءات‬ ‫والعمارة وحدثتين كثريا عن روعة الفن املعماري املوجود يف كوريا وتفرده بالرغم من أهنا قامت بزيارة عدد من الدول األوربية‬ ‫واألمريكية واآلسيوية إال أن الفن املعماري الكوري له تفرد من نوع خاص ألنه دائما حيرص على إدخال النواحي اجلمالية والترفهية‬ ‫واملرحية للنفس البشرية يف الشكل مما يعطي اإلنشاء بعدا فنيا راقيا قل توفره خصوصا بعد دخول العمارة مرحلة الكم ال النوعية‪.‬‬ ‫مجال الطبيعة الرائع واهتمام احلكومة املتزايد باملنتجعات واحلدائق ساعد كثريا يف تشكيل الشخصية الكورية اليت متتاز باهلدوء‬ ‫واالحترام حىت يف أحلك الظروف واملواقف وبالرغم من ضغوطات احلياة اليومية فان الزائر لكوريا يالحظ حرص الكوريني على مزاولة‬ ‫رياضة املشي والتزنه يف حدائق هنر اهلان اجلميلة واصطحاب أسرهم معهم حىت األطفال صغار السن لذلك ال جتد الكوريني يعانون كثريا‬ ‫من أمراض السمنة وميتازون باخلفة والرشاقة رجاال ونساء وشيبا وشبابا‪.‬‬ ‫ومن النشاطات املحببة إىل أثناء إقاميت يف كوريا واليت كنت حريصة عليها هي الذهاب إىل األسواق حىت وإن مل أكن أرغب يف‬ ‫شراء أي شيء ألنك تستطيع معرفة الكثري من طباع السكان يف أي دولة من أسواقها وكيفية تعاملهم مع الغرباء فيها‪ .‬وأكثر األسواق‬ ‫إمتاعا يف سيول أسواق دونغدميون ونامدميون وكاراك يف حي جامشيل وسوق السمك يف يويدو‪ ،‬ويشد الزائر لتلك األسواق األسعار‬ ‫اجليده والتنظيم اجليد للعرض وجودة املنتجات وحرارة استقبالك من قبل البائعيني خصوصا إن كنت تتحدث الكورية مما يعطيك‬ ‫أفضلية يف مناقشة األسعار وختفيضها‪.‬‬ ‫وأيضا كنت أقوم بزيارات إىل جممع معارض الكويكس والكينتكس ومشاهدة العروض يف املجاالت الطبية ومعارض ثقافات‬ ‫الشعوب والطباعة والنشر ومعارض الديكور والتصميم املزنيل وتدهشك كثرة الشركات العاملية اليت حترص سنويا على أن يكون هلا‬ ‫حضور قوي يف هذه املعارض حىت من الدول العربية واليت إن مل تشارك يف املعرض نفسه حترص على إرسال وفود عالية املستوى‬ ‫عرب سفاراهتا املوجودة بسيول للتعرف على التطور اهلائل يف التكنولوجيا والصناعة واالقتصاد الكوري خصوصا يف السنوات العشر‬ ‫األخرية‪.‬‬ ‫من النشاطات اليت كنت أترقبها بفارغ الصرب احتفال بلدية سيول السنوي املعروف بـ"هاي سيول" حيث حتضر فرق ثقافية‬ ‫وموسيقية وتراثية من دول كثرية من أحناء العامل وتقوم بأداء عروض ممتعة للجمهور يف شكل أقل ما يقال فيه إنه رائع ويصاحب هذه‬ ‫العروض معارض تعرض فيها ثقافات األكل والتراث الشعيب لتلك الدول وحيرص العديد من الكوريني من مجيع أحناء كوريا على‬ ‫مشاهدة ومتابعة االحتفال مما يعكس انفتاح العقلية الكورية وتقبلها لثقافات وحضارات الشعوب األخرى‪.‬‬ ‫ومما يعترب برهانا على عمق تواصل الشعب الكوري وإمكانية بل وسهولة االندماج فيه أن بنيت الكربى ما زالت تواصل اتصاالهتا‬ ‫بصديقاهتا الكوريات وختربهن بأهنا ستعود إىل كوريا مرة أخرى خصوصا أهنا استطاعت أن جتيد إىل حد ما بعض املفردات الكورية‬ ‫وذلك ألهنا كانت تدرس يف رياض أطفال كورية‪.‬‬ ‫قمت بزيارة رائعة إىل جنوب كوريا وبالتحديد إىل جزيرة جيجو وقد كانت مبثابة مسك اخلتام إلقامتنا يف كوريا حيث أعجبنا‬ ‫مجال الطبيعة اخلالبة املوجودة باجلزيرة ومناظرها اليت تنحت يف الذاكرة وال تفارقها‪ ،‬ومن املدن اليت قمت بزيارهتا واستمتعت باإلقامة‬ ‫فيها مدينيت كوانغجو وبوسان‪.‬‬ ‫أكثر ما أعجبين يف كوريا اهتمام الشعب الكوري باملتاحف والتاريخ الكوري‪ ،‬ألن ذلك مصدر فخر للشعب الكوري وعربة‬ ‫لألجيال القادمة لالستفاده منها‪ .‬وعلى العموم فإن جتربة العيش يف كوريا هي جتربة لن تنسى وستظل حمفورة يف الذاكرة ملا وجدناه من‬ ‫فوائد على املستوى الشخصي واملهين واليت أمتىن أن تتواصل خالل زيارات قادمة إىل هذه البالد اجلميلة‪.‬‬ ‫يف اخلتام أقدم احترامي وتقديري للشعب الكوري على هذه االستضافة اجلميلة يف الفترة اليت قضيناها فيها والدروس والعرب اليت‬ ‫استفدناها خالل إقامتنا يف هذه البالد الرائعة ونتمىن له د وام الرفاهية والتقدم والنماء‪.‬‬


‫حياة‬

‫‪ 84‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬


‫سكان املدينة يستمتعون‬ ‫ببهجة البيوت الكورية‬ ‫التقليدية‬ ‫إن االستمتاع بالعيش يوما وليله في بيت كوري تقليدي‪ ،‬وخصوصا البيت الرئيسي‬ ‫للعائلة‪ ،‬قد أصبح نشاطا شعبيا بين الكوريين المعاصرين في عصر الحداثة‪ .‬ليس‬ ‫من الصعب أن تجد نماذج من الفن المعماري الكوري التقليدي في سيول‪ ،‬ولكن‬ ‫عدد قليل من البيوت هو المسكون‪ ،‬لكي تتمتع بالعيش فيها‪ ،‬وتتنفس عبق البيوت‬ ‫التقليدية‪ ،‬فإنك تحتاج إلى أن تتجول خارج العاصمة‪ ،‬وتذهب إلى المدن األصغر‬ ‫والبلدات التي في المقاطعات‪.‬‬

‫شارلز ال شور أستاذ يف جامعة هانكوك للدراسات األجنبية‪ ،‬كلية الدراسات العليا للترمجة الشفوية والتحريرية‬ ‫آن هونغ بوم مصور‬

‫املطر‬

‫الصيفي املبكر يتساقط هبدوء ورقة على بالطات السقوف‪ .‬الباب الورقي يزنلق للخلف‬ ‫فيكشف عن حبيبات من املاء الساقط من حواف املباين العلوية ويزنل بلمعان وصوت جلي على الساحة يف‬ ‫األسفل‪ .‬يف مكان ما يف اخلارج يضفي طائر الوقواق مالحظاته الوحيدة الناعمة على املشهد اجلميل املمتع‪.‬‬ ‫تنحرف األدخنة البيضاء من املداخن‪ ،‬والنار املشتعلة يف األسفل بدأت لتوها بتدفئة أرضية املزنل‪ .‬أين حنن؟‬ ‫حنن يف غرفة صغرية عائلية دافئة يف بيت كوري تقليدي‪ ،‬ونستمتع متشبهني بالعيش فيها يف املاضي‪ ،‬حىت‬ ‫ولو كان ذلك ليوم واحد فقط‪.‬‬

‫يمكن للضيوف أن يستمتعوا بمشاهد‬ ‫بديعة من غرفة ذات أرضية خشبية‬ ‫في المكان الذي كان في يوم من‬ ‫األيام المقر الرئيسي إلقامة "يونجونغ"‬ ‫في منطقة "نونسان" بمقاطعة‬ ‫"تشونغتشونغنام دو"‪.‬‬

‫بيوت قدمية تدعو لالفتخار بالنسب‬ ‫تعترب الثقافة الكونفوشيوسية الكورية هي القوة الدافعة اليت أبقت على هذه البيوت العتيقة حية‪،‬‬ ‫يف حني كان جزء كبري من كوريا يتطور ومير يف مرحلة احلداثة‪ .‬إن أحد املعتقدات الرئيسية يف التعاليم‬ ‫الكونفوشيوسية هي فكرة طاعة الوالدين وتوقري األبناء هلما‪ .‬على الرغم من أن التوقري واالحتفاء باألب‬ ‫واألم هو مبدأ عاملي‪ ،‬لكن يف كوريا يعترب توقري األبناء للوالدين أمرا ميتد لعالقات مع أجيال مضت منذ‬ ‫فترة طويلة‪ .‬الطقوس املوروثة عن األجداد هي مسؤولية االبن األكرب يف العائلة‪ ،‬وهذه املسؤولية تتناقلها‬ ‫األجيال جيال بعد جيل‪ ،‬من االبن األكرب إىل االبن األكرب‪ .‬العائلة اليت تتبع هذا اخلط الوراثي تسمى "العائلة‬ ‫الرئيسية"‪ ،‬والعديد من البيوت التقليدية اليت ما زالت واقفة يف كوريا هي من تلك العائالت الرئيسية‪.‬‬ ‫خالل فترة مملكة جوسون (‪ )1910-1392‬كانت هذه العائالت متتلك مناطق شاسعة من األراضي‬ ‫اليت كان حيرثها املزارعون املقيمون فيها‪ ،‬وقد ساعد الدخل الناتج عن هذه املزارع على احلفاظ على بيوهتم‬ ‫الكبرية ومسؤولياهتم الطقوسية كعائالت رئيسية‪ .‬على أي حال‪ ،‬مع تنفيذ عمليات إصالحات األراضي‬ ‫يف أواسط القرن العشرين‪ ،‬فقدت هذه العائالت وسائلها الرئيسية يف الدخل وسقطت يف هاوية التناقص‬ ‫والتالشي‪ .‬تركت بعض العائالت بيوت األجداد املوروثة سعيا وراء احلظوظ والثروات يف املدن الكربى‬ ‫مثل سيول‪ .‬آخرون بقوا يف املؤخرة‪ ،‬ولكن كال من البيوت والعائالت فقدت رونقها وعظمتها السابقة‪.‬‬ ‫يف اآلونة األخرية فقط بذلت احلكومة جهدا مركزا الستعادة جمد هذه الكنوز وإصالحها‪ ،‬مهيئة‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪85‬‬


‫استنادا إىل الدراسة املسحية اليت أجريت السنة املاضية‪ ،‬واليت مشلت ‪ 1007‬أشخاص سئلوا عن األسباب اليت دفعتهم للعيش يف بيت كوري تقليدي‪ .‬أعلى ثالث إجابات‬ ‫اشتملت على‪" :‬القرب من الطبيعة"‪ ،‬و"املزايا الصحية"‪ ،‬و"اهلدوء واألمان"‪ .‬فما الذي يكمن يف هذه البيوت حىت تكون مرغوبة إىل هذا احلد من قبل مجيع الناس؟‬

‫للورثة املتناثرين حاليا يف مناطق متفرقة الفرصة واملربر للعودة إىل هذه البيوت‪ .‬يف‬ ‫أيامنا هذه أصبح أرباهبا يرحبون بالزوار‪ ،‬ويعطوهنم طعما ملا يشبه العيش يف بيت‬ ‫تقليدي‪ ،‬والعديد منهم يقدمون برامج ثقافية تسمح للضيوف مبمارسة األلعاب‪،‬‬ ‫وتناول الطعام‪ ،‬واالستمتاع جبوانب أخرى من منط احلياة الكورية التقليدية‪.‬‬ ‫سحر يبعث السرور في النفس‬ ‫تدير مؤسسة كوريا للسياحة موقعا على الشبكة به معلومات وافية حول‬ ‫هذه البيوت التقليدية‪ ،‬وقائمتها حتتوي على ‪ 68‬مزنال يف عدة مقاطعات‪ ،‬من‬ ‫بينها ‪ 39‬بيتا تقع يف مقاطعة "كيونغسانغبوك دو"‪ ،‬وذلك بفضل االحترام القوي‬ ‫واملتواصل يف األقاليم للثقافة الكونفوشيوسية‪ .‬يقدم العديد من هذه البيوت وجبة‬ ‫إفطار تقليدية‪ ،‬وهناك ممارسات ثقافية مجاعية‪ ،‬مثل استخدام املطحنة التقليدية‪،‬‬ ‫وتعلم آداب تناول الشاي الكورية‪ ،‬وارتداء الزي التقليدي الكوري‪ ،‬وصنع‬ ‫اآلنية الفخارية‪ ،‬والعديد من األلعاب التقليدية‪ .‬هناك أيضا بعض البيوت حيث‬ ‫ميكن للزوار أن يشاهدوا فيها أداء فعليا للطقوس الكونفوشيوسية املوروثة عن‬ ‫األجداد‪ ،‬يف حني يكتسبون وحياطون مبعلومات قيمة عن الطعام‪ ،‬واللباس‪ ،‬والفن‬

‫‪ 86‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫املعماري‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬واجلوانب الثقافية األخرى‪ ،‬اليت مت احلفاظ عليها بدقة وعناية‬ ‫فائقة من قبل العائالت الرئيسية‪ .‬بعض البيوت التقليدية تستفيد من البيئة الطبيعة‬ ‫غري املشوشة لتقدمي برامج تُعلي من شأن الطبيعة‪ ،‬معطية األطفال فرصة لرؤية‬ ‫النباتات‪ ،‬واحليوانات‪ ،‬واحلشرات اليت ال ميكن أن ترى أبدا يف املدن الكبرية‪.‬‬ ‫أعداد متزايدة باستمرار من الكوريني يكتشفون سحر هذه البيوت‬ ‫التقليدية كل سنة‪ .‬بالنسبة لساكين املدن احلديثة‪ ،‬إحدى أوضح مزايا اإلقامة‬ ‫يف بيت تقليدي هي القدرة على اهلروب من بيئة التوتر واالختناق اليت تتصف‬ ‫هبا املدينة والعودة إىل زمان ومكان أوثق ارتباطا بالطبيعة‪ .‬طلبت دراسة مسحية‬ ‫أجراها معهد املعمار والبحث املدين يف السنة املاضية من ‪ 1007‬أشخاص أن‬ ‫يذكروا أسباب إيثارهم للعيش يف بيت تقليدي‪ .‬وكانت أعلى ثالث إجابات هي‬ ‫"القرب من الطبيعة" (‪" ،)%35,5‬املزايا الصحية" (‪ ،)% 27,0‬واهلدوء واألمان‬ ‫(‪ .)%23,5‬قال أحد زوار بيت "يل مان هيون" يف بلدة "آندونغ" مقاطعة‬ ‫"كيونغسانغبوك دو"‪" :‬لقد أصبح عقلي املشوش صافيا‪ ،‬التوتر الذي تراكم علي‬ ‫خالل السنوات املاضية اختفى دون أي أثر بعد أن أمضيت ليلة واحدة يف هذا‬ ‫البيت العتيق اهلادئ"‪.‬‬

‫‪1‬‬


‫‪ 1‬أباريق مع صحون تخمير موضوعة في منطقة مشمسة‬ ‫خلف حجرة النساء في بيت "يون جونغ"‪ .‬نكهة العائلة‬ ‫السرية تتناقلها األجيال جيال بعد جيل‪.‬‬ ‫‪ 2‬الضيوف في "قرية المتعلمين" في منطقة "يونغجو"‪،‬‬ ‫مقاطعة "كيونغسانغبوك دو"‪ ،‬يعلقون قطعا من‬ ‫القماش بعد أن وضعوا عليها أصباغا طبيعية‪" .‬قرية‬ ‫المتعلمين"("سونبيتشون") هي باقة موضوعات تاريخية‬ ‫وثقافية تمثل ‪ 12‬بيتا تقليديا تم نقلها إلى "يونغجو"‪.‬‬

‫زوار آخرون يبحثون عن أشياء أخرى أبعد من هذا‪،‬‬ ‫من بينهم تلك السيدة اليت تبلغ من العمر ‪ 30‬عاما واليت‬ ‫سكنت يف بيت "كون تشول يون" يف بلدة "تشون يانغ"‬ ‫مقاطعة "كيونغسانغبوك دو"‪ .‬تركت الشركة اليت كانت‬ ‫تعمل فيها وانطلقت يف رحلة مدهتا ‪ 10‬أيام يف زيارة للمواقع‬ ‫األثرية وبقيت يف البيوت التقليدية‪ ،‬على أمل أن تعيد االتصال‬ ‫مع شيء كانت تفتقده يف حياهتا‪ .‬هناك أيضا جمموعة من‬ ‫األشخاص الذين كونوا ناديا الكتساب اخلربة يف الثقافة‬ ‫الكورية التقليدية من الذين أمضوا أوقات فراغهم يف زيارة‬ ‫املواقع اهلامة ثقافيا وتارخييا حول العامل‪ .‬يف قرية "غوجنا" يف‬ ‫"آندونغ"‪ ،‬مل يقيموا يف البيوت التقليدية فحسب‪ ،‬بل أيضا‬ ‫رتبوا لعروض موسيقية ورقص كوري تقليدي حبيث تتوافق‬ ‫مع زيارهتم هلذه األماكن‪.‬‬ ‫معظم الزوار عبارة عن عائالت‪ ،‬وخصوصا العائالت‬ ‫اليت هبا أطفال صغار‪ .‬هناك زوجان أحضرا معهما أطفاهلما إىل‬ ‫قرية "جوجنو هانوك" (البيت الكوري التقليدي) الواقعة يف مقاطعة "جولالبوك‬ ‫دو"‪ ،‬وقد مثنوا عاليا مسألة اكتساب بعض اخلربات‪" :‬يوجد الكثري مما ميكن‬ ‫عمله هنا‪ .‬مقابل قليل من التكلفة‪ ،‬ميكن أن تعد العائلة األرز املخلوط أو كعكة‬ ‫أرز "موغورت"‪ ،‬وإذا قدمت طلبا مسبقا‪ ،‬ميكنك أن تتعلم الكثري حول فن‬ ‫املجاملة التقليدي واحلرف اليدوية‪ .‬لقد كانت جتربة قيمة أتاحت ألطفالنا أن‬ ‫يروا بأنفسهم مجال وأمهية التقليد الكوري‪ ،‬ورأوا بأم أعينهم أشياء كانوا يروهنا‬ ‫فقط يف الصور والكتب املدرسية‪ ".‬زوجان آخران‪ ،‬سكنا يف بيت "يون جونغ"‬ ‫يف "نونسان" مقاطعة "تشونغتشونغنام دو"‪ ،‬وجدا متعة خاصة يف ردود فعل‬ ‫طفلهما على هذه التجربة‪" :‬اهلندباء الربية واألزهار الربية‪ ،‬اليت ال نعرف أمساءها‪،‬‬ ‫احلديقة الواسعة واجلميلة اليت ترى من غرفتنا‪ ،‬األشكال اهلندسية لتعريشة األبواب‬ ‫الورقية‪ ،‬وابننا‪ ،‬الذي كان ينظر إىل كل هذه األشياء والدهشة تبدو يف عينيه‪...‬‬ ‫لقد كان وقتا مثينا بالنسبة له‪ ،‬إهنا خطوة حنو عامل من اجلمال‪".‬‬

‫‪2‬‬

‫ما الذي جيعل هذه البيوت التقليدية تتمتع بكل هذه اخلصوصية؟ بالطبع‪،‬‬ ‫اجلواب هو أنه ليس من السهل رؤيتها‪ .‬إهنا متاحف حية‪ ،‬بيوت لألحفاد توارثوها‬ ‫من أناس بنوها‪ .‬يتواصل هؤالء األحفاد مع األجداد يف احلفاظ على هذه التقاليد‬ ‫العائلية وهم أكثر رغبة يف تبادل خرباهتم مع الزوار عن طريق تناول كوب من‬ ‫الشاي‪ .‬يف مساء صيف مبكر‪ ،‬ومع سقوط قطرات من املطر تزنلق من حواف‬ ‫بالط سطوح ورفارف املزنل‪ ،‬سرد "كوون" قصته‪ .‬إنه احلفيد األكرب لـ"كوون‬ ‫تشول يون"‪ ،‬الرجل الذي بىن البيت الذي حيمل امسه‪ .‬تناقصت ثروات العائلة‬ ‫بسرعة بعد تطبيق قوانني اإلصالح الزراعي وانتقل "كون" إىل سيول وهو صيب‬ ‫صغري‪ .‬وكانت طقوس األجداد املوروثة ال تزال تؤدى‪ ،‬ولكن بيت األجداد كان‬ ‫مهجورا عمليا وبقي شاغرا ملدة ‪ 16‬عاما‪.‬‬ ‫مث أتته احلكومة وقدمت له عرضا‪ :‬فحواه أن احلكومة ستساعده يف إعادة‬ ‫إصالح البيت إذا متكن من العودة إليه والعيش فيه‪ ،‬وفتحه للزوار الذين يريدون‬ ‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪87‬‬


‫أن يستمتعوا ببعض أوقات حياهتم يف بيت تقليدي‪ .‬قبل بالعرض احلكومي وصار‬ ‫يؤجر البيت للزوار وإذا تتبعنا مسريته خالل الثالث سنوات جند أنه يف السنة‬ ‫األوىل‪ ،‬كان لديه حوايل ‪ 50‬زائرا‪ ،‬ولكن يف السنة الثانية قفز الرقم إىل ‪.200‬‬ ‫وهذه هي السنة الثالثة‪ ،‬ومن املتوقع أن تستمر حركة الزوار فيها يف االزدياد‪.‬‬ ‫فكر "كوون" مليا يف السبب الذي جعل الكوريني اليوم ينجذبون‬ ‫إىل هذه البيوت التقليدية‪ .‬إنه يعتقد أن اجلزء األكرب من اإلجابة هو أن العديد‬ ‫من القيم التقليدية للمجتمع الكوري‪ ،‬مثل مفهوم الكونفوشيوسية عن احترام‬ ‫األبناء لآلباء واألجداد‪ ،‬تتالشى بسبب املجتمع الصناعي احلايل الذي يسري خبطى‬ ‫واسعة وسريعة هذه األيام‪ .‬يقول‪( :‬الوالدان يف سيول) أحسا فجأة باحلاجة‬ ‫امللحة للتشديد على ثقافة بر الوالدين يف تعليم أطفاهلما‪ ،‬وهذه الثقافة مرتبطة‬ ‫بشكل أساسي بالروح الكونفوشيوسية‪ .‬مث بدأت احلكومة بالتشديد على ثقافة‬ ‫البيوت الكورية التقليدية يف وسائل اإلعالم‪ ،‬وكل هذا قد قاد إىل هنضتها الراهنة‬ ‫وشعبيتها"‪.‬‬ ‫السيد "يل"‪ ،‬مالك بيت "يل مان هيون"‪ ،‬يشارك السيد "كوون" يف احترامه‬ ‫للقيم الكونفوشيوسية التقليدية‪ .‬يقع البيت ضمن حدود بلدة "آندونغ"‪ ،‬واليت‬ ‫تعترب اآلن موقعا شعبيا ألولئك الذين يبحثون عن اكتساب اخلربة وممارسة الثقافة‬ ‫التقليدية‪ ،‬وقد ساعد هذا على جذب العديد من الزوار سنويا‪ .‬مل متض إال ثالث‬ ‫سنوات منذ أن ساعدت احلكومة على ترميم وإصالح البيت‪ ،‬ولكنه وصل اآلن‬ ‫إىل حوايل ‪ 5000‬زائر سنويا‪ .‬يذكر مخسة أشياء يراها أسبابا لتزايد شعبية بيته‪،‬‬ ‫والبيوت التقليدية بشكل عام‪ :‬التقدير الكبري للثقافة مقرونا حبب املتعة والترويح‪،‬‬ ‫رغبة الوالدين يف تعليم أوالدهم أشياء غري متاحة يف املدن‪ ،‬وقت االستمتاع‬ ‫اإلضايف بسبب نظام العطلة (يومني) بعد مخسة أيام من العمل‪ ،‬تنوع البيوت‬ ‫التقليدية (ال يوجد بيتان اثنان متشاهبان متاما‪ -‬هكذا يقول)‪ ،‬والرغبة يف الثقافة‬ ‫التقليدية بشكل عام‪ ،‬مبا يف ذلك الثقافة الكونفوشيوسية اليت ساعدت على‬ ‫احلفاظ على هذه البيوت حية طيلة السنني املاضية وعرب أجيال كثرية‪.‬‬ ‫وهو يعتقد أيضا أن الشعبية الراهنة للبيوت التقليدية هي فقط رأس‬ ‫اجلبل اجلليدي‪ .‬يقول "إن الزوار فقط يكشطون السطح حاليا‪ ،‬ولكن عندما‬ ‫يبدأون باحلفر إىل مسافة أعمق قليال‪ ،‬سوف تعتريهم الدهشة حول حياة الذين‬ ‫عاشوا يف هذه البيوت‪ .‬سوف تتولد لديهم رغبة قوية لفهم الثقافة"‪ .‬وحينما‬ ‫حيدث ذلك‪ ،‬يعتقد "يل" أن البيوت الكورية التقليدية سوف تشهد ارتفاعا هائال‬ ‫يف الشعبية‪ ،‬ليس على صورة بقايا زمن انقضى‪ ،‬ولكن كوجه حي للثقافة التقليدية‬ ‫اليت لديها الكثري مما ميكن أن تقدمه لكوريا احلديثة‪.‬‬ ‫استشراف املستقبل من املاضي‬ ‫يشدد "يل" على أمهية القيم الكونفوشيوسية يف املجتمع املعاصر‪ ،‬وعلى‬ ‫وجه خاص تربز لديه الرغبة يف حتقيق عامل ميكن لكل فرد فيه أن يعيش مع‬ ‫‪ 88‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫اآلخرين يف سالم‪ ،‬ورغبة الفرد ومصلحته يف املجتمع الفاضل تأيت بعد املصلحة‬ ‫العامة‪ .‬يوضح "يل" قائال ‪":‬إن العلماء الذين يستشرفون املستقبل يعتقدون بأن‬ ‫هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق السعادة لكل العامل يف القرنني احلادي والعشرين‬ ‫والثاين والعشرين"‪ .‬أما بالنسبة لـ"كوون" فإنه يشري إىل لوح خشيب معلق على‬ ‫اجلدار‪ ،‬حمفور عليه شعار عائلي بسيط "األمانة واإلخالص هي تقاليد عائلتنا"‪.‬‬ ‫وهو يعتز اعتزازا كبريا هبذه احلقيقة‪ ،‬فعندما كان املزارعون املقيمون يف األرض‬ ‫يواجهون نقصا يف الطعام‪ ،‬كان جده األكرب يأمر عائلته بأن تأكل وجبتني يف‬ ‫النهار‪ ،‬حبيث ميكن توفري الوجبة الثالثة للمزارعني اجلياع‪ ،‬وكانوا يفتحون خمازن‬ ‫الغالل هلؤالء اجلياع‪.‬‬ ‫على الرغم من أن األمر قد يبدو كنوع من احلشو‪ ،‬إال أن كوريا كانت‬ ‫منذ زمن طويل ممزقة بني ماضيها ومستقبلها‪ .‬تاريخ كوريا احلديث هو تاريخ‬ ‫مؤمل وبشكل خاص‪ :‬الـ‪ 35‬سنة من احلكم االستعماري الياباين‪ ،‬واحلرب‬ ‫املدمرة بني الكوريتني الشمالية واجلنوبية اليت عصفت بشبه اجلزيرة الكورية عقب‬ ‫احلكم الياباين؛ وما يزيد عن ‪ 50‬عاما من العيش كشعب مقسم آيديولوجيا‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬وعلى الرغم من فقر الدولة الشديد بعد احلرب الكورية‪ ،‬فإن كوريا‬ ‫اجلنوبية متكنت إىل حد ما من سحب نفسها بنفسها وأصبحت من اقتصادات‬ ‫العامل الكربى واحتلت املرتبة الثالثة عشرة يف العامل من حيث حجم التجارة‪ .‬هذه‬ ‫الفترة من النمو االقتصادي السريع كانت مدهشة مذهلة إىل أبعد احلدود لدرجة‬ ‫أهنا مسيت "مبعجزة هنر هان"‪.‬‬ ‫ولكن أيضا هناك خطر التحرك السريع لألمام خبطى شديدة ال تلني‪ ،‬وهو‬ ‫فقدان االلتصاق والتالمس مع املاضي‪ .‬عندما حيتوي ماضيك على ذكريات كثرية‬ ‫مؤملة مثل التاريخ الكوري‪ ،‬فإن هذا قد ال يبدو شيئا سيئا كذلك‪ .‬ولكن هناك‬ ‫الكثري الذي ميكن احلفاظ عليه بل جيب احلفاظ عليه من املاضي‪ ،‬والكثري مما ميكن‬ ‫أن يستخدم لبناء طريق يف املستقبل‪ .‬لقد أدركت احلكومات الكورية املحلية هذا‬ ‫واستثمرت يف البيوت التقليدية وثقافتها امللتصقة هبا‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الزوار قد ال ميلكون فلسفة عميقة حول أسباب‬ ‫إقامتهم يف هذه البيوت التقليدية‪ ،‬إال أن حقيقة األمر أن هناك الكثري من الضيوف‬ ‫عبارة عن عائالت هبا أطفال صغار يقولون شيئا ما عن دافعهم لإلقامة فيها‪:‬‬ ‫بالتحديد هم يشعرون بأن هناك شيئا ما ذا قيمة هنا حنتاج إىل أن ننقله للجيل‬ ‫يفصلون ذلك‪ ،‬إال أن العديد منهم يدركون‬ ‫القادم‪ .‬وعلى الرغم من أهنم قد ال ّ‬ ‫بأن متابعة احلداثة جيب أن تتوافق مع فهم واحترام التقاليد‪ .‬هناك الكثري من‬ ‫املاضي جيب التغلب عليه وتناسيه‪ ،‬ولكن أيضا يف نفس الوقت هناك الكثري مما‬ ‫ميكن أن يكون كنوزا‪ ،‬مثل القيم اإلنسانية اليت حيبها ويبتهج هبا أناس مثل "يل"‬ ‫و"كوون"‪ .‬البيوت الكورية التقليدية اليت يسموهنا املوطن هي وجه حمسوس هلذا‬ ‫التقليد النفيس‪.‬‬


‫كيم جونغ هيوك‬ ‫نافذة‬ ‫على‬ ‫األدب‬ ‫الكوري‬ ‫© كيم جونغ جين‬

‫كيم جونغ هيوك يع ّد كاتبا يستكشف حقال جديدا ال مثيل له‬ ‫في دائرة الروايات الكورية التي تركز على الشخصيات حيث‬ ‫همته الوثابة في الجمادات وذلك من خالل مجموعته‬ ‫أفرغ ّ‬ ‫األولى من القصص القصيرة التي أصدرها تحت عنوان‬ ‫أما في المجموعة الثانية «مكتبة اآلالت‬ ‫«أخبار البطريق»‪ّ .‬‬ ‫تعودنا‬ ‫الموسيقية» فقد قام بإعادة تشكيل معاني الحياة التي ّ‬ ‫عليها لم ّدة طويلة‪.‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪89‬‬


‫نقد أدبي‬

‫كيم جونغ هيوك‬ ‫مكتبة اآلالت املوسيقية‬ ‫شني سو جونغ أستاذة يف قسم الكتابة اإلبداعية‪ ،‬جامعة ميونغ جي‬

‫"كيم‬

‫جونغ هيوك"‪ ،‬الذي ولد عام ‪ ،1971‬نشر‬ ‫روايته األوىل "أخبار البطريق" عام ‪ .2000‬وقد كانت تلك‬ ‫متأخرة باملقارنة مع الكتّاب املساوين له يف‬ ‫تعترب انطالقة ّ‬ ‫العمر‪ ،‬منهم على سبيل املثال كيم يونغ آه وكيم يون سو‬ ‫وكيم كيونغ أوك ويل آونغ جون وكيم جونغ كوانغ‪ .‬ولكنه‬ ‫بدأ ّ‬ ‫حيتل املرتبة األوىل بني الكتّاب املرموقني يف القرن احلادي‬ ‫القصص القصرية‬ ‫والعشرين حاملا نشر املجموعة الثانية من ّ‬ ‫"مكتبة اآلالت املوسيقية" عام ‪ 2008‬بعد مرور سنتني من‬ ‫نشره ملجموعته األوىل "أخبار البطريق"‪ .‬وكان نيله جلائزة‬ ‫األديب "كيم يوه جونغ" مبثابة إشارة ضوئية لذلك‪.‬‬ ‫إ ّن روايات "كيم جونغ هيوك" ليست قريبة من منوذج‬ ‫الروايات الكورية‪ .‬بل يكون صحيحا إذا قلنا إنّها طراز جديد‬ ‫غري موجود اآلن ال يف الشكل وال يف املضمون‪ ،‬حيث يصف‬ ‫يف الرواية األوىل "أخبار البطريق" حترك اجليش لتحرير العامل‬ ‫السفلي ـ يف املستقبل القريب ـ الذي تفشو فيه حياة من‬ ‫لون آخر‪ ،‬حيث تقع معارك مملة بال انقطاع‪ ،‬يذوب فيها التوق‬ ‫الشديد ـ الذي ال حدود له ـ إىل احلقيقة وهي على نسق‬

‫‪ 90‬كوريانا | خريف ‪2009‬‬

‫الرواية العلمية(‪ .)SF‬بينما يطبّق على كتابة الرواية البدائية‬ ‫تقنية "رميكس" املستخدمة يف املوسيقى‪ ،‬يتجلى ذلك واضحا‬ ‫يف الرواية اليت بعنوان " البص ال اتّجاه له ‪ -‬نسخة رميكس‬ ‫من رواية "أ ّم بيانغ دوك اليت كانت مجيلة" والرواية األصلية‬ ‫للراحل "كيم سو جني" وهي بنفس العنوان "أ ّم بيانغ دوك‬ ‫اليت كانت مجيلة"‪ .‬ويظهر فيها حبّه املطلق لبعض األشياء اليت‬ ‫ستتالشى وتصبح خلف التاريخ يف وقت قريب باإلضافة إىل‬ ‫التسهيالت اليت تقدمها املبتكرات اجلديدة مثل اخلريطة واآللة‬ ‫جرا‪.‬‬ ‫والدراجة‬ ‫ّ‬ ‫الكاتبة ّ‬ ‫واملسجل وهلم ّ‬ ‫أ ّما قصصه القصرية فعلى سبيل املثال "املتحف ال‬ ‫فائدة فيه" و" إيسكيمو‪ ،‬هذه هي النهاية" و" وحش خرايف‬ ‫فحمي" و"شركة املوز" و"سباق املراثون مبسافة ‪ 400‬متر"‬ ‫فهي ّ‬ ‫تركز على اجلمادات بال استثناء حيث تعترب هذه ميزة‬ ‫واضحة ال جندها ّ‬ ‫تصب‬ ‫قط يف الروايات الكورية األخرى اليت ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل اهتماماهتا يف وصف الشخصيات‪ .‬كما جعلت قصصه‬ ‫الروايات الكورية تبدأ يف استكشاف حقل جديد جيب أن‬ ‫تستصحبه الروايات يف عصر استنساخ التقنية عرب آفاق انتقاد‬


‫احلضارات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫قصة "مكتبة اآلالت املوسيقية" مجلة "املوت بال‬ ‫يتذكر بطل ّ‬ ‫معىن أمر كئيب" يف حلظة صعود جسمه إىل اهلواء بعد اصطدامه‬ ‫بالسيّارة يف أحد األيّام‪ .‬ومنذ ذلك اليوم هتيء له هذه اجلملة فرصة‬ ‫مواتية لتحويل حياته حيث استقال عن عمله وأخذ يشرب اخلمر‬ ‫كل ليل واقتنع يف قرارة نفسه بأنه جيب أن يفعل شيئا ما لكي ال‬ ‫ميوت بال معىن لكنّه ال يعرف مباذا يبدأ‪.‬‬ ‫وكان مروره ّ‬ ‫مبحل اآلالت املوسيقية وعقد النيّة على‬ ‫خاصا‬ ‫شراء كمنجة غالية الثمن لصديقته اليت كانت تدير معهدا ّ‬ ‫لكن توظيفه يف ّ‬ ‫حمل اآلالت املوسيقية‬ ‫بتعليم الكمنجة مصادفة‪ّ ،‬‬ ‫"‪ "Musica‬كموظّف مؤقّت كان أمرا ال مفر منه‪ .‬وقد جتاوز‬ ‫حلظات يف حياته ألنه مل يعد يعيشها على الطريقة السابقة‪ .‬فكانت‬ ‫طريقة احلياة الوحيدة اليت تبقت له هي حبثه بنفسه عن طريقة ال‬ ‫ميوت فيها بال معىن‪.‬‬ ‫تشجع هذه الرواية على إعادة لفت‬ ‫كما ذُكر يف السابق‪ّ ،‬‬ ‫أنظارنا إىل املبادئ األخالقية وأعراف السلوك االجتماعي اليت‬ ‫نقبلها دون تر ّدد‪ .‬يتّضح ذلك بصورة خاصة يف وصف بطل‬ ‫الرواية لعملية تصنيف اآلالت املوسيقية إىل آالت وترية ونفخية‬ ‫ونقرية‪ ،‬حيث يوافق بطل الر واية على ما ذهب إليه صاحب‬ ‫ّ‬ ‫حمل اآلالت املوسيقية "‪ "Musica‬من أ ّن هناك مشكلة كبرية يف‬ ‫طريقة تصنيف اآلالت املوسيقية وكذلك يعبّر عن رأيه املتمثل يف‬ ‫أ ّن كلمة "النفخ" من مصطلح اآلالت النفخية تعين أداة إلصدار‬ ‫لكن اآلالت الوترية تصدر أصواهتا من‬ ‫الصوت بواسطة النفخ ّ‬ ‫خالل تذبذب األوتار فيجب أن تنقسم اآلالت النفخية والوترية‬ ‫إىل نوعني خمتلفني‪ .‬كما أ ّن كلمة "نقر" يف مصطلح اآلالت النقرية‬ ‫تعىن الضرب فهي ختتلف‪ ،‬على وجه تا ّم‪ ،‬عن اللتني سبق ذكرمها‪.‬‬ ‫بعبارة أخرى‪ ،‬يؤكد بطل الرواية على أ ّن تصنيف اآلالت املوسيقية‬ ‫من قبل العلماء واخلرباء مبقاييس العقل واملنطق والنظام أمر اعتباطي‬ ‫يف احلقيقة‪.‬‬

‫ومن املمتع أ ّن احلديث حول تصنيف اآلالت ال يقتصر على‬ ‫دائرة املوسيقى فقط‪ .‬بل يقول الكاتب "كيم جونغ هيوك" إ ّن‬ ‫طريقة التصنيف اخلاطئة هذه تنطبق أيضا على حتديد معاين حياتنا‪.‬‬ ‫فنحن حباجة إىل إعادة تصنيف طرق تطلّعنا احلياة اليت تعودنا عليها‬ ‫لكي ال منوت بال معىن‪ .‬وهلذا يبذل بطل الرواية قصارى جهده‬ ‫لتسجيل أصوات ّ‬ ‫كل اآلالت املوسيقية ويهمل األكل والنوم‪.‬‬ ‫جمرد أدوات إلصدار املوسيقى‪ .‬ولكن‬ ‫فاآلالت املوسيقية أصال ّ‬ ‫إذا اعتمد هذا األصل فقد تتالشى املوسيقى اليت نعرفها ويبدو‬ ‫وجودها غريبا بالنسبة إلينا وبطبيعة احلال فإ ّن هذه الطريقة ليست‬ ‫مناسبة ّ‬ ‫لكل احلاالت‪ .‬فقد يرى شخص ما أنّها طريقة جمنونة كما‬ ‫رأت ذلك صديقة بطل الرواية اليت تركته حينما أصبح منهمكا‬ ‫يف تسجيل أصوات األشياء‪ .‬فال أحد ميكن أن حيصر معىن احلياة‬ ‫يف شيء واحد‪ .‬ولكن من الواضح أ ّن كال منّا يتطلّع إىل احلياة‬ ‫بطريقته اخلاصة مثلما تصدر ّ‬ ‫كل آلة موسيقية صوتا مييزها عن‬ ‫األخرى‪ .‬إذا مل نعترف هبذا فيجب أن منوت بال معىن‪.‬‬ ‫قصة "مكتبة‬ ‫يتصور يف ّ‬ ‫إ ّن الكاتب "كيم جونغ هيوك" ّ‬ ‫اآلالت املوسيقية" طريقة احلياة اليت تعطي ّ‬ ‫لكل آلة موسيقية معىن‬ ‫خاصا هبا‪ .‬يصف كاتب الرواية بطل الرواية بأنه رجل يتمتع‬ ‫ّ‬ ‫بالنجاح يف احلياة من خالل إدارة "مكتبة اآلالت املوسيقية" ـ‬ ‫وهي عبارة خاطئة وفقا لقواعد اللغة ـ باستخدام الصندوق‬ ‫اخلاص بأصوات اآلالت‪ .‬بالطبع إ ّن طريقة احلياة اليت يتطلّع إليها‬ ‫الكاتب "كيم جونغ هيوك" قد ال يوافق عليها ّ‬ ‫كل الناس بوصفها‬ ‫أفضل طريقة‪ .‬ولكن ال ّ‬ ‫شك يف أ ّن مكتبة اآلالت املوسيقية اليت‬ ‫جمرد شيء بديهي أو مضحك‪،‬‬ ‫ابتكرها الكاتب ال ختتصر إىل ّ‬ ‫بل ّ‬ ‫تظل تلعب دورا كبريا أخالقيا حموريا يف حياتنا‪ .‬لكل هذا ال‬ ‫جنانب الصواب إذا قلنا إن رواية "كيم جونغ هيوك" فيها تصورات‬ ‫ملجاالت مل جنرهبا حىت اآلن‪.‬‬

‫خريف ‪ | 2009‬كوريانا ‪91‬‬


‫منشورات مؤسسة كوريا‬ ‫معلومات خاصة بأسعار االشتراك والشراء‬

‫كوريانا‬

‫‪The Korea Foundation‬‬ ‫‪Seocho P.O. Box 227‬‬ ‫‪Diplomatic Center Building, 2558 Nambusunhwanno,‬‬ ‫‪Seocho-gu, Seoul 137-863, Korea‬‬ ‫‪www.kf.or.kr‬‬

‫كوريانا جملة فصلية مصورة ملونة تصدر منذ عام ‪ ،1987‬هبدف التعريف بالتراث الثقايف الكوري‪ ،‬وتقدمي املعلومات‬ ‫املتعلقة باألنشطة الفنية والثقافية اجلديدة واملتجددة يف كوريا‪ .‬يتضمن كل عدد من جملة كوريانا تغطية وافية وشاملة‬ ‫ملختلف أوجه املشهد الثقايف الكوري‪ ،‬ويستعرض احلرفيني وأمناط احلياة التقليدية ومعامل اجلذب الطبيعي واملواضيع‬ ‫األخرى ذات الصلة‪.‬‬ ‫أسعار االشتراك متضمنة أجرة البريد اجلوي‬ ‫سنة واحدة‬ ‫‪000‬ر‪ 18‬ون‬ ‫كوريا‬ ‫‪ 33‬دوالرا أمريكيا‬ ‫اليابان‪ ،‬هونغ كونغ‪ ،‬تايوان‪ ،‬الصني‬ ‫‪ 37‬دوالرا أمريكيا‬ ‫بلدان أخرى‬ ‫(توجد أعداد سابقة بسعر ‪ 7‬دوالرات أمريكية للعدد إضافة ألجرة الربيد اجلوي‪).‬‬

‫أضواء على‬ ‫كوريا‬

‫سنتان‬ ‫‪000‬ر‪ 36‬ون‬ ‫‪ 60‬دوالرا أمريكيا‬ ‫‪ 68‬دوالرا أمريكيا‬

‫ثالث سنوات‬ ‫‪000‬ر‪ 54‬ون‬ ‫‪ 81‬دوالرا أمريكيا‬ ‫‪ 93‬دوالرا أمريكيا‬

‫أضواء على كوريا موقع معلومايت إلكتروين شهري (‪ )www.koreafocus.or.kr‬وجملة فصلية ربعية تتضمن‬ ‫تعليقات ومقاالت حول املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية الكورية‪ ،‬باإلضافة إىل القضايا الدولية‬ ‫الراهنة‪ .‬ظلت املجلة منذ عام ‪ ،1993‬مصدرا رئيسيا وموضوعيا للمعلومات املتعلقة بكوريا‪ ،‬وتساهم يف نفس الوقت‪،‬‬ ‫يف ترقية سبل فهم املجتمع الكوري يف الساحة الدولية‪ ،‬وترويج وتشجيع الدراسات الكورية يف العامل‪ .‬يتم اختيار‬ ‫املقاالت من الصحف اليومية الكورية الرئيسية واملجالت اإلخبارية واملجالت األكادميية األخرى‪.‬‬ ‫أسعار االشتراك متضمنة أجرة البريد اجلوي‬ ‫سنة واحدة‬ ‫‪000‬ر‪ 18‬ون‬ ‫كوريا‬ ‫‪ 28‬دوالرا أمريكيا‬ ‫اليابان‪ ،‬هونغ كونغ‪ ،‬تايوان‪ ،‬الصني‬ ‫‪ 32‬دوالرا أمريكيا‬ ‫بلدان أخرى‬ ‫(توجد أعداد سابقة بسعر ‪ 7‬دوالرات أمريكية للعدد إضافة ألجرة الربيد اجلوي‪).‬‬

‫التراث‬ ‫الثقافي‬ ‫الكوري‬ ‫عبير كوريا‬

‫سنتان‬ ‫‪000‬ر‪ 36‬ون‬ ‫‪ 52‬دوالرا أمريكيا‬ ‫‪ 60‬دوالرا أمريكيا‬

‫ثالث سنوات‬ ‫‪000‬ر‪ 54‬ون‬ ‫‪ 71‬دوالرا أمريكيا‬ ‫‪ 81‬دوالرا أمريكيا‬

‫التراث الثقايف الكوري سلسلة جملدات مميزة حيتوي كل جملد على ‪ 4‬كتب عبارة عن جمموعات من مقاالت وصور من‬ ‫أعداد سابقة من جملة "كوريانا"‪ .‬تقدم هذه املجلدات عرضا شامال ومنتظما للثقافة الكورية من خالل موضوعات عميقة‬ ‫ملونة متنوعة ومتعددة‪ ،‬ويف أربع طبعات متميزة (جملد ‪ :1‬الفنون اجلميلة‪ ،‬جملد ‪ :2‬الفكر والدين‪ ،‬جملد‬ ‫ونفاذة‪ ،‬وصورا ّ‬ ‫‪ :3‬الفنون االستعراضية‪ ،‬جملد ‪ :4‬أمناط احلياة التقليدية)‬ ‫سعر كل جملد‪ 40 :‬دوالرا أمريكيا إضافة إىل أجرة الشحن‬

‫عبري كوريا موقد البخور القدمي الربونزي املطلي بالذهب يف عهد مملكة بيكجي" هو كتالوج زاخر حيتوي على شروح‬ ‫باللغة اإلجنليزية ويستعرض تفاصيل موقد البخور الربونزي املطلي بالذهب يف عصر مملكة بيكجي‪ .‬اختري هذا العمل الفين‬ ‫العتيق ككزن كوري قومي (رقم ‪ ،)287‬واعترب كأبرع حتفة معدنية يف شرق آسيا بسب تفاصيله األنيقة ومجاله البديع‪.‬‬ ‫يشتمل الكتالوج على ‪ 110‬صفحة يف شكل صور ورسوم توضيحية وثالث مقاالت هي‪" :‬األمهية التارخيية ملوقد‬ ‫البخور الربونزي املطلي بالذهب ململكة بيكجي" و"الديناميكا الثقافية والتنوع‪ :‬من موقد بوشانلو (‪)Boshanlu‬‬ ‫الطاوي إىل موقد البخور البوذي يف مملكة بيكجي" و"موقع املعبد البوذي يف نونغسان ـ ري‪ ،‬بويو‪".‬‬ ‫سعر كل جملد‪ 25 :‬دوالرا أمريكيا إضافة إىل أجرة الشحن‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.