Koreana Spring 2015 (Arabic)

Page 1

‫ربيع ‪2015‬‬

‫‪‎‬الثقافة‬ ‪‭‬والفنون‬ ‪‭‬الكورية‬

‫موضوع العدد‬

‫رواد الفن التشكيلي احلديث‬

‫رواد الفن‬ ‫التشكيلي احلديث‬

‫املجلد ‪ – 11‬العدد ‪1‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪1‬‬

‫‪ISSN 1738-6446‬‬


‫جمال كوريا‬

‫مصابيح اللوتس‬

‫كيم هوا‪-‬يونغ ‬

‫ناقد أديب‪ ،‬عضو األكادميية الوطنية الكورية للفنون‬

‫أزهار القلب تضيء في المناطق المرتفعة‬ ‫تصل‬

‫أوال‪.‬‬

‫أخبار الربيع إىل كوريا من اجلزر اجلنوبية‬

‫يف أواخر شهر فرباير مقابل خلفية البحر‬ ‫األزرق‪ ،‬تُزهر زهور الكاميليا باللون الوردي العميق‬ ‫ِج ًة‬ ‫الغامق بني األوراق الالمعة واخلضراء الداكنة‪ ،‬خُمر َ‬ ‫أوال أسدية األزهار الصفراء‪ .‬ويبدأ القلب الذي أقفل‬ ‫يف الشتاء باخلفقان والرفرفة‪ .‬والزهور اليت تزهر بعد‬ ‫ذلك على اجلذوع اليت مضى عليها مئات السنني‪،‬‬ ‫هي براعم أزهار الربقوق‪ ،‬وهي اليت كانت حمبوبة‬ ‫جدا من قبل املثقفني والعلماء الكونفوشيوسيني يف‬ ‫املاضي‪.‬‬ ‫من أواخر مارس وحىت أوائل أبريل‪ ،‬تظهر‬ ‫كل من أزهار اجلرس الذهيب الصفراء‪ ،‬وهي صديقة‬ ‫األطفال واألشخاص العاديني‪ ،‬وأشجار الكرز اليت‬ ‫تشبه العقيق بلونها‪ ،‬واألزاليا ذات اللون الوردي‬ ‫الغامق‪ ،‬تظهر تبا ًعا بشكل مرتب‪ .‬ولكن مع سري‬ ‫العقل قدما لألمام‪ ،‬فإن الطقس ما زال باردا يف ذلك‬

‫الوقت‪ .‬يصل الربيع فعليا عندما حتمل األشجار اليت‬ ‫حتف الشوارع برباعم وأزهار الكرز اليت تتفجر بعناقيد‬ ‫وباقات وفرية على كل غصن من أغصان الشجرة‪.‬‬ ‫ولكن ذروة مشاهد الربيع هي عرض فوانيس‬ ‫اللوتس يوم عيد ميالد بوذا يف منتصف شهر مايو‬ ‫عندما تُزهر أزهار "الردية" الوردية‪ .‬وهذا عندما يلمع‬ ‫الضوء داخل قلوب الناس ويضع اللمسات األخرية‬ ‫على كل أزهار الربيع اليت احتضنتها الطبيعة‪.‬‬ ‫فوانيس اللوتس اليت تسمى باللغة الكورية‬ ‫"يوندونغ"‪ ،‬هي فوانيس ورقية على شكل أزهار‬ ‫اللوتس‪ .‬وهي تعلق يف عيد ميالد بوذا للصالة من‬ ‫أجل أن القلب املمتلئ بالظالم واألمل والكرب سوف‬ ‫يضيء مثل حكمة بوذا‪ ،‬وأن دفء احلب سوف‬ ‫ينتشر مثل أشعة الضوء ومتأل العامل كله حبكمة بوذا‬ ‫وحنانه‪.‬‬ ‫عندما كنت طفال‪ ،‬قبل عيد ميالد بوذا كانت‬ ‫جديت تتحول إىل مؤمنة بوذية‪ .‬كانت تقص وتلصق‬

‫قطع الورق املصبوغة‪ ،‬اخلضراء والوردية‪ ،‬على إطار‬ ‫من اخليزران‪ ،‬وتدحرج احلواف إلجياد مصباح على‬ ‫شكل زهرة اللوتس‪ .‬وبعد ذلك كانت تأخذ هذا‬ ‫الفانوس يف يدها‪ ،‬ومتشي إىل املعبد الكبري يف اجلبال‬ ‫على بعد ‪ 20‬ري (وحدة مسافة صينية تعادل حوايل‬ ‫نصف كيلومرت)‪.‬‬ ‫منذ ذلك الوقت‪ ،‬كانت الطريق إىل املعبد‪،‬‬ ‫الطريق املغطاة بالزهور اليت كنت أمشيها مع جديت‪،‬‬ ‫كانت مهرجانا يف ذاتها واملمر املذهل يف الربيع‪.‬‬ ‫ذلك ألنين أعرف بأن احلب والربكات داخل فانوس‬ ‫اللوتس الذي كانت تقدمه جديت لبوذا كان يدفع‬ ‫قليب عاليا يف السماء الزرقاء‪ ،‬وجيعلين أشعر بسعادة‬ ‫مباركة‪.‬‬ ‫وعندما يتحول الفانوس‪ ،‬الذي ذهب ضوؤه‬ ‫اآلن‪ ،‬إىل حفنة من الرماد تتطاير بعيدا‪ ،‬يأيت الصيف‬ ‫فجأة والربيع مثل حلم دا َم يوما واحدا فقط يفيق منه‬ ‫املرء فجأةً‪.‬‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪1‬‬


‫ ‬

‫‪26‬‬

‫موضوع العدد‬

‫ ‬

‫رواد الفن التشكيلي احلديث‬

‫ ‬

‫موضوع العدد ‪1‬‬

‫ ‬

‫كيم يونغ‪-‬نا‬

‫ ‬

‫موضوع العدد ‪2‬‬

‫ ‬

‫بارك مي‪-‬جونغ‬

‫ ‬

‫موضوع العدد ‪3‬‬

‫ ‬

‫ها‬ ‪‭‬باك‬‪‭-‬غوك‬

‫ ‬

‫موضوع العدد ‪4‬‬

‫ ‬

‫بارك يونغ‪-‬تيك‬‬

‫ ‬

‫موضوع العدد ‪5‬‬

‫ ‬

‫تشوي يول‬

‫‪ 04‬ولدت روح الفنانني الكوريني من فرتة االضطرابات‬ ‫‪ 08‬املنظر الطبيعي املتسامي ومجاليات السمو يف أعمال "كيم هوانكي"‬ ‫‪ 12‬رسائل‪ ،‬ولوحات إعالنية‪ ،‬وأشخاص‪:‬‬ ‫تأمل وانعكاس ذايت يف احلرب والفرشاة‬ ‪‭‬‬ ‫‪ 18‬بارك سينغ‪-‬كوانغ‪ ،‬جنم لوحات األلوان الكورية ‬‬

‫‪32‬‬

‫ ‬

‫عرض فني‬

‫ ‬

‫شيم جونغ‪-‬مني‬

‫ ‬

‫حارث التراث‬

‫ ‬

‫جونغ جي‪-‬سوك‬

‫‪26‬‬ ‫ "بولسانغ"‪:‬‬ ‫حركة هجينة يف البحث عن اهلوية ‬ ‪‭‬‬ ‫‪32‬‬ ‫ احلفاظ على ثقافة احلياة‬ ‫الكورية التقليدية ‬‬

‫ ‬

‫‪42‬‬

‫ ‬

‫مرآة‬

‫ ‬

‫كيم بو‪-‬رام‬ ‪‭‬‬

‫ ‬

‫على الطريق‬

‫ ‬

‫كواك جي‪-‬غو‬

‫ ‬

‫ترفيه‬

‫ ‬

‫وي كون‪-‬وو‬ ‪‭‬‬

‫ ‬

‫نظرة من على بعد‬

‫ ‬

‫يوسف الصبيح‬ ‪‭‬‬

‫‪22‬‬ ‫ الفنان الكوري احملبوب جدا "بارك سو‪-‬كون"‬ ‫حتويل الكآبة اليت كانت يف أوقات الذروة إىل انفعال‬‬

‫‪38‬‬ ‫ طفرة يف اليوكي؛‬ ‫جوانب إجيابياتها وسلبياتها‬

‫‪ 42‬أغنية احلياة تصدح باحلقيقة يف‬ ‫كوموندو‬

‫‪50‬‬ ‫ الشغف بالربنامج الفين‬ ‫"املغنون املخفيون" يُعيد‬ ‫اإلعجاب باألغاين القدمية ‬ ‪‭‬‬

‫‪52‬‬ ‫ من عمق الدراما الكورية إىل‬ ‫ احلياة يف كوريا‬ ‪‭‬‬

‫ ‬

‫متعة الذواق‬

‫ ‬

‫بارك تشان‬

‫ ‬

‫منط احلياة‬

‫ ‬

‫كو بون‪-‬كوان‬ ‪‭‬‬

‫ ‬

‫نافذة على األدب الكوري‬

‫ ‬

‫جاجن دو‪-‬يونغ‬

‫ ‬

‫حتت حراسة األضواء‬

‫‪54‬‬ ‫ كيمباب‪،‬‬ ‫الطبق اخلاص واألكثر شعبية‬

‫ ‬

‫‪ 58‬ظاهرة عصا السيلفي‬ ‫‪ 62‬الرغو‪ ،‬الطريق من الظالم إىل النور‬ ‫جو هاي جني‬


‫موضوع العدد ‪1‬‬ ‫رواد الفن التشكيلي احلديث‬

‫ولدت روح الفنانين الكوريين‬

‫من فترة‬ ‫االضطرابات ‬ ‫كيم يونغ‪-‬نا‬

‫املديرة العامة للمتحف الوطين الكوري‬

‫دخل الرسم الغريب إىل كوريا أول مرة يف نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ .‬على الرغم من أن ذلك جاء كجزء من تدفق ثقافة جديدة يف فرتة‬ ‫االحتالل الياباين‪ ،‬كطرق متنوعة للتفكري وأساليب للتعبري جاءت على شكل موضة‪ ،‬فإن كوريا كانت حمصنة ضد التغريات السريعة يف الرسم‪ .‬يف املسارات‬ ‫املختلفة من تاريخ الرسم من األوقات احلديثة حىت املعاصرة‪ ،‬فقد عملت جهود األساتذة الكبار للتعبري عن كل من احلداثة والثقة الكورية‪ ،‬عملت على توليد‬ ‫الرسم الكوري كما هو اليوم‪.‬‬

‫يف‬

‫‪ ،1916‬محلت جريدة كوريا اليومية عناوين رئيسية تفيد‬ ‫أن اللوحة اليت رمسها "كيم كوان‪-‬هو" وهي بعنوان "غروب‬ ‫الشمس" قد قُبلت من قِبل الصالون الرمسي الياباين املدعوم من‬ ‫قِبل وزارة الرتبية والتعليم‪ .‬على أي حال‪ ،‬مل حتمل اجلرائد أي‬ ‫صور‪ ،‬ألن املرأتني اللتني يف اللوحة كانتا عاريتني‪ .‬كان فن الرسم‬ ‫الشرق آسيوي مهيمنا عليه الرسم باحلرب والفرشاة للوحات واملناظر‬ ‫الطبيعية‪ ،‬وكانت املرأة العارية نوعا جديدا مع هذا االجتاه‪ .‬إىل‬ ‫جانب النساء العاريات‪ ،‬كانت هناك لوحات ألناس عاديني واحلياة‬ ‫اليومية اليت انبثقت كمواضيع للفن حوايل نهاية القرن التاسع عشر‬ ‫وبداية القرن العشرين‪ ،‬عندما مت إدخال الرسم الغريب إىل آسيا‬ ‫كجزء من ثقافة جديدة‪ .‬يف املجتمع الكوري الكونفوشيوسي‪ ،‬كان‬ ‫ظهور اللوحات املرسومة اليت تصور نساء عاريات أمرا صادما‪ .‬مل‬ ‫يتم إظهار لوحات النساء العاريات يف معرض فنون جوسون الذي‬ ‫مت تأسيسه يف ‪ 1921‬من قبل احلكومة اليابانية العامة كجزء من‬ ‫سياساتها الثقافية‪ ،‬مل يتم إظهارها يف أي جزء من اجلرائد وذلك‬ ‫حبجة أنها "حتمل خطورة تشجيع اإلثارة غري احملتشمة بني األناس‬ ‫العاديني الذين ال يفهمونها‪ ".‬ولكن بني الفنانني املتخصصني يف رسم‬ ‫اللوحات الغربية أو النحت‪ ،‬فإن رسم النساء العاريات كان يفهم‬ ‫على أنه جزء أساسي من تدريبهم‪ .‬ويف ثالثينات القرن العشرين‪،‬‬ ‫توسعت آفاق الفن الكوري احلديث إىل نقطة بدء التجريب مع‬ ‫الفن التجريدي‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫الرسم احلديث املبكر قاده فنانون تعلموا في‬ ‫اليابان‬ ‫خالل فرتة االحتالل الياباين من ‪ ،1945-1910‬مل يتم‬ ‫تأسيس مدرسة فنون مناسبة يف كوريا‪ .‬كل من كان يرغب يف‬ ‫دراسة الفن بشكل رمسي كان عليه أن يذهب إىل اليابان‪ .‬على‬


‫الرغم من أن عددا قليال من الفنانني هم الذين ذهبوا للدراسة يف‬ ‫أوروبا والواليات املتحدة مثل "يب أون‪-‬سونغ"(‪،)1978-1901‬‬ ‫"يل جونغ‪-‬أو"(‪" ،)1981-1899‬جانغ بال"(‪،)2001-1901‬‬ ‫فإن أي فنان يسافر خارج البالد كان عليه أن حيصل أوال على جواز‬ ‫سفر ياباين‪ ،‬وهذا بالطبع أدى إىل أن كثريا من الفنانني درسوا يف‬ ‫اليابان‪.‬‬ ‫درست غالبية طالب الفن يف املرحلة املبكرة يف جامعة‬ ‫طوكيو للفنون اجلميلة‪ .‬مث بعد ذلك يف الثالثينات‪ ،‬انتقلوا إىل‬ ‫جامعات أخرى خمتلفة مثل جامعة نيهون (وكانت جامعة خاصة يف‬ ‫ذلك الوقت)‪ ،‬اجلامعة اإلمربيالية للفنون اجلميلة‪ ،‬و"بونكا غاكوين"‪.‬‬ ‫التحق بعضهم مبجموعات الفنانني أو شاركوا يف املعارض‪ .‬عندما‬ ‫عادوا إىل كوريا قاموا بتعليم الفن يف املدارس وأقاموا املعارض‪،‬‬ ‫وبهذه الطريقة زرعوا ورعوا اجليل األول من الفنانني‪ .‬يف ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬معظم الذين كانت لديهم القدرة املالية والوسائل للسفر‬ ‫والدراسة يف طوكيو كانوا من العائالت امليسورة‪ .‬وهذا يعين أن‬ ‫كثريا من الفنانني مل يكن قلقا حول بيع لوحاتهم‪ ،‬حيث كان‬ ‫ميكنهم كسب عيشهم بسهولة من التعليم يف اجلامعة‪ .‬وقد كانوا‬ ‫يعتزون مبشاركتهم يف الفن اجلديد‪ .‬يف املاضي‪ ،‬قد كانت املكانة‬ ‫االجتماعية للفنانني احملرتفني متدنية‪ ،‬ولكن املوقف بدأ يتغري عندما‬ ‫ظهر على املسرح فنانون تلقوا تعليما رمسيا على النمط الغريب‪.‬‬ ‫وأشخاصا ذوي‬ ‫يف نظرهم‪ ،‬كان الفنانون "العباقرة الوحيدين"‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مواهب خاصة‪ .‬وقد يكون مرد ذلك إىل تأثري النخبوية الغربية اليت‬ ‫جاءت عقب الرومانسية‪ .‬رمبا كان من املؤكد أن الفن الكوري‬ ‫املبكر كان يقوده فنانون درسوا يف اليابان‪.‬‬ ‫حقبة التجريب واالهتمامات على نطاق واسع‬ ‫أعقب التحرر من اليابانيني سنة ‪ 1945‬نزاع بني اليسار‬ ‫واليمني‪ ،‬ومع اندالع احلرب الكورية سنة ‪ 1950‬والفوضى‬ ‫الالحقة عقب تقسيم الدولة‪ ،‬وجد الفنانون الكوريون أن من‬ ‫املستحيل عليهم أن يرمسوا اللوحات‪ .‬ومل يتمكنوا من البدء يف‬ ‫التغلب على صدمة احلرب قبل حوايل ‪ .1955‬بدأت دوائر‬ ‫الفن بالنظر ملا هو وراء اليابان واالهتمام باجتاهات الفن العاملية‪.‬‬ ‫يف ظروف ما بعد احلرب الصعبة‪ ،‬فإن بعض الفنانني مثل "بارك‬ ‫سو‪-‬كون"(‪ ،)1965-1914‬الذي كان فاعال من فرتة االحتالل‬ ‫الياباين‪ ،‬كان جيين رزقه برسم اللوحات على قاعدة عسكرية‬ ‫أمريكية‪ ،‬والحقا يبيعها للجنود األمريكيني‪ .‬متكن بعض الفنانني‬ ‫الذين كانوا يف وضع أفضل من املغادرة إىل فرنسا‪ ،‬اليت كانت‬ ‫تعترب مركز العامل للفنون يف ذلك الوقت‪ .‬كان على رأس هذه‬ ‫املجموعة كل من "يل أونغنو"(‪" ،)1989-1904‬كيم‬ ‫هوانكي"(‪" ،)1974-1913‬كيم هونغ‪-‬سو"(‪،)2014-1919‬‬ ‫"كوون أوك‪-‬يون"(‪ ،)2011-1923‬وهم رموز بارزون كانوا‬ ‫يرمسون اللوحات منذ فرتة االحتالل‪ .‬ويف تلك األيام‪ ،‬كانت صفقة‬ ‫راحبة وفرصة كبرية لفنان أن يذهب للدراسة يف اخلارج ومثل هذا‬ ‫اخلرب كان يدرج يف اجلرائد اليومية‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪" 1‬لوحة األب كيم دي‪-‬غون" (‪ )1920‬رمسها "جانغ بال"‪ ،‬مقاس‬ ‫‪ 50×60.5‬سم‪ ،‬بالزيت على كنفاة الكتان‪ ،‬متحف القديسني يف‬ ‫اجلامعة الكاثوليكية‪ .‬كان "جانغ بال" (‪ )2001-1901‬كاثوليكيا‬ ‫متدينا رسم العديد من الصور املقدسة وأسهم إىل حد كبري يف تأسيس‬ ‫الكاتدرائيات وتعليم الفنون بعد التحرر من احلكم الياباين‪ .‬كان "كيم‬ ‫دي‪-‬غون" أول راهب كوري كاثوليكي‪ .‬استشهد يف ‪.1846‬‬ ‫‪" 2‬لوحة األصدقاء"‪ ،‬رمسها "كو بون‪-‬أونغ"‪ ،‬مقاس ‪ 50×62‬سم‪،‬‬ ‫بالزيت على الكنفاة‪ ،‬املتحف الوطين للفنون احلديثة واملعاصرة‪ .‬كان‬ ‫"كو بون‪-‬أونغ" (‪ )1953-1906‬رساما تأثر تأثرا قويا بـ"فوفيس"‪،‬‬ ‫وكذلك بنقد النحت والنقد الفين‪ .‬رسم هذه اللوحة ألعز أصحابه‬ ‫الشاعر "يل سانغ"‪ ،‬الذي مات يف سن الشباب‪ .‬وبعد وفاته بفرتة‬ ‫تزوجت أرملته "كيم هيانغ‪-‬آن" من السيد "كيم هوان‪-‬كي"‪ .‬وتُذكر‬ ‫هذه املرأة يف التاريخ الكوري الفين على أنها املرأة اليت كانت رفيقة‬ ‫الثنني من أعظم فناين كوريا احملدثني‪.‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪5‬‬


‫© يل أونغ‪-‬نو ‪ /‬متحف يل أونغ‪-‬نو‪ ،‬دجيون‪2015 ،‬‬

‫‪ 1‬أقام "يل أونغنو" أول معرض منفرد‬ ‫يف ‪ 1962‬وذلك يف صالة معرض‬ ‫"بول فاكييت" يف باريس‪ .‬يقف "يل‬ ‫أونغ‪-‬نو" وزوجته "بارك إين‪-‬‬ ‫كيونغ" يف وسط الصورة‪ ،‬بابتسامة‬ ‫عريضة للكامريا‪.‬‬ ‫‪ 2‬يف ‪ ،1959‬كتبت صحيفة أملانية‬ ‫غربية هي صحيفة "نوي بريس"‬ ‫مراجعة رائعة عن معرض "يل أونغ‪-‬‬ ‫نو" يف لوحات باحلرب املغسول الذي‬ ‫أقيم يف فرانكفورت‪ .‬رمست صورة‬ ‫"يل" من قِبل الصحفي‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ 3‬بعد احلرب الكورية‪ ،‬كسب‬ ‫"بارك سو‪-‬كون" عيشه من‬ ‫رسم لوحات يف قاعدة عسكرية‬ ‫أمريكية يبيع فيها أعماله‬ ‫للجنود‪.‬‬ ‫‪" 4‬كيم هوانكي" وزوجته "كيم‬ ‫هاينغ‪-‬آن" يتمشيان يف شوارع‬ ‫باريس‪ .‬يف باريس‪ ،‬حبث كيم‬ ‫عن أصول فنه واستكشف طرقا‬ ‫للتعبري عن هذا الفن‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫في املاضي‪ ،‬كانت املكانة االجتماعية للفنانني احملترفني‬ ‫متدنية‪ ،‬ولكن املوقف بدأ يتغير عندما ظهر على املسرح فنانون‬ ‫تلقوا تعليما رسميا على النمط الغربي‪ .‬في نظرهم‪ ،‬كان الفنانون‬ ‫وأشخاصا ذوي مواهب خاصة‪ .‬وقد يكون‬ ‫"العباقرة الوحيدين"‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مرد ذلك إلى تأثير النخبوية الغربية التي جاءت عقب الرومانسية‪.‬‬ ‫رمبا كان من املؤكد أن الفن الكوري املبكر كان يقوده فنانون‬ ‫درسوا في اليابان‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪3‬‬

‫© متحف بارك سو كون‬

‫© مؤسسة هوانكي ‪ /‬متحف هوانكي‬

‫‪6‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬


‫تعلم الفنانون الذين ذهبوا إىل فرنسا الكثري ورأوا الكثري‪،‬‬ ‫وفكروا مليا يف كيفية رسم اللوحات على النمط الغريب‪ ،‬ولكن‬ ‫بطريقة خمتلفة عن الغربيني‪ .‬وقد أدى اطالع "يل أونغ‪-‬نو" على‬ ‫"الفن غري املشكل" إىل البدء يف العمل على قطع من ورق التوت‬ ‫التقليدي "هاجني"‪ ،‬ويثبتونه بالصمغ على قماش الكنفاة (الكتان)‪،‬‬ ‫‪1‬‬ ‫بينما ركز "كيم هوان‪-‬كي" على التعبري عن املواضيع واملشاعر‬ ‫الكورية‪.‬‬ ‫انتمى الفنانون الكوريون يف اخلمسينات إىل جيل آخر متا ًما‪.‬‬ ‫ويف الغالب هو جيل خرجيي كلية الفنون يف جامعة سيول الوطنية‬ ‫أو جامعة هونغيك‪ ،‬اليت تأسست بعد التحرير‪ ،‬ومل يعودوا مقتنعني‬ ‫بإنتاج رسومات لشخصيات أكادميية ومناظر طبيعية والفوز جبوائز‬ ‫يف معرض الفن الوطين الذي تدعمه احلكومة‪ .‬ونظرا لكونه جيال‬ ‫واجه رعب احلرب‪ ،‬فقد ابتعدوا يف فنهم عن الرمسيات وسعوا‬ ‫إىل حرية التعبري‪ .‬وقد تبنوا بشغف التعبريية التجريدية من أمريكا‬ ‫والفن غري املُ َّ‬ ‫نظم الذي مت تقدميه من أوروبا‪ ،‬واحلركات الفنية‬ ‫املتصفة بأعمال فرشاة انفجارية قوية‪ ،‬واليت بدا أنها تتجاهل كل‬ ‫أيضا يف التأثري‬ ‫القواعد اليت جاءت يف السابق‪ .‬بدا التعبري التجريدي ً‬ ‫على رسامي النمط التقليدي الذين عملوا بالفرشاة واحلرب‪ .‬بدءوا‬ ‫باستخدام فراشيِّهم للتجريب مع الفن التجريدي‪ .‬كما أن النحاتني‬ ‫أيضا تركوا األعمال الواقعية املصنوعة من الربونز أو اخلشب وبدأوا‬ ‫بالتجريب مع قطع "خردة" من احلديد مستخدمني تقنيات حلام‬ ‫جديدة إلنتاج أعمال تعبريية‪ .‬وقد تأثر هذا جزئيًا بسهولة احلصول‬ ‫على قطع احلديد والفوالذ املستعملة (اخلردة) بعد احلرب‪.‬‬ ‫الفن والتبادل في الفترة العاملية‬ ‫منذ الستينات‪ ،‬بدأ الفنانون بتحويل أنظارهم من أوروبا إىل‬

‫لوحة "األحالم" (‪ )1960‬رمسها‬ ‫"كون أوك‪-‬يون"‪ ،‬بالزيت‬ ‫على الكنفاة ‪100×73‬سم‪،‬‬ ‫املتحف الوطين للفنون احلديثة‬ ‫واملعاصرة‪ .‬كان هذا الرسام‬ ‫(‪ )2011-1923‬فنانا بارزا‬ ‫درس يف كل من باريس‬ ‫واليابان‪ .‬يتناول عمله السر‬ ‫الشرقي وروعته‪ ،‬اليت عرب عنها‬ ‫بفكرة وتقنيات غربية‪.‬‬

‫الواليات املتحدة حيث كانت حتدث تطورات جديدة يف الفن‪.‬‬ ‫شاركت الواليات املتحدة يف احلرب الكورية وكانت تدعم إعادة‬ ‫بناء البالد يف العديد من املجاالت‪ .‬بالطبع‪ ،‬كان دعم الفنون شيئا‬ ‫ال يكاد يذكر باملقارنة مع الدعم واملساعدة يف الزراعة‪ ،‬والطب‪،‬‬ ‫والتعليم‪ .‬ولكن أُقيمت معارض مثل "معرض مثانية رسامني وحناتني‬ ‫حديثني" سنة ‪ 1957‬يف املتحف الفين يف قصر "دوكسو" الذي‬ ‫ضم أعمال فنانني من أمريكا الشمالية مثل "مارك تويب"‪ ،‬و"موريس‬ ‫غرايفس"‪ ،‬و"داود هاري"‪ ،‬واليت أشعلت اهتماما واسعا يف الفن‬ ‫األمريكي بني الكوريني‪ .‬ذهب فنانون مثل "كيم هوان‪-‬كي" الذي‬ ‫تعلم الفن يف اليابان خالل فرتة االحتالل وعاش يف فرنسا ملدة ثالث‬ ‫سنوات من ‪ 1959-1956‬قبل عودته إىل كوريا لتعليم الفن يف‬ ‫جامعة هونغيك‪ ،‬ذهبوا إىل الواليات املتحدة مدفوعني باالهتمام يف‬ ‫الفن األمريكي كمركز جديد لعامل الفن املعاصر‪.‬‬ ‫ ولعدة سنوات قادمة‪ ،‬فإن الواليات املتحدة كمركز للفن‬ ‫املعاصر سوف تبقى متثل أرضية التدريب لطالب الفن الكوريني‪ .‬ما‬ ‫زال يف كليات الفنون يف نيويورك مثل "برات" و"بارسونز" العديد‬ ‫من الطالب الكوريني حىت يومنا هذا‪ .‬ولكن من الثمانينات‪ ،‬بدأ‬ ‫طالب الفنون يف تنويع سفرهم للدراسة‪ ،‬حيث ذهبوا للدراسة إىل‬ ‫أملانيا‪ ،‬وإجنلرتا وبلدان أخرى يف أحناء العامل‪ .‬مل يعودوا مييلون إىل‬ ‫قبول طريق واحد للفن الغريب‪ ،‬ولكنهم انتقلوا إىل مفهوم التغيري‪.‬‬ ‫بالنسبة هلم‪ ،‬مل تكن الواليات املتحدة وأوروبا أماكن كبرية ميكن‬ ‫أن يتعلموا منها أشياء جديدة‪ ،‬ولكنها يف نظرهم أماكن ضرورية‬ ‫للممارسة يف احلقبة العاملية‪ .‬ومنذ التسعينات‪ ،‬مل يعد العديد من‬ ‫معارض الفن الدولية‪ ،‬مثل "بينايل كوانغجو" وفن أقطار أخرى‬ ‫هدف الرهبة الغامضة أو الفضول‪ .‬بدال من ذلك‪ ،‬تعترب الدراسة يف‬ ‫بلد أجنيب طريقة لتوسيع نطاق أنشطة الفرد‪.‬‬ ‫شتاء ‪ | 2014‬كوريانا‬

‫‪7‬‬


‫موضوع العدد ‪2‬‬ ‫رواد الفن التشكيلي احلديث‬

‫المنظر الطبيعي‬ ‫المتسامي‬ ‫وجماليات السمو‬ ‫في أعمال‬

‫كيم هوانكي‬

‫بارك مي‪-‬جونغ‬

‫مديرة متحف هوانكي‬

‫يعترب "كيم هوانكي" رائدا يف الفن التجريدي‬ ‫احلديث‪ ،‬الذي أسس العامل القيثاري الغنائي يف‬ ‫الفن مستخدما لغته البارعة واملعقدة للشكل‪.‬‬ ‫تكشف أعماله اليت انبثقت من خالل التجريب‬ ‫البالستيكي املتنوع عن الروح الشعرية للفنان‬ ‫للمدح الروحي واخلالد‪ .‬وهي صدى وانعكاس‬ ‫لضوء القمر ونور الشمس والتعبري عن شوقه‬ ‫للمجهول‪.‬‬

‫عندما‬

‫‪1‬‬

‫‪8‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫محلت به أمه‪ ،‬حلمت بأعالم المعة من‬ ‫كل األلوان تطري يف السماء‪ .‬وكما لو أنه حقق فرضية‬ ‫احللم‪ ،‬فإن كيم هوانكي (‪ )1974-1913‬أصبح‬ ‫فنانا‪ .‬وقد دفع إىل الفن املجرد يف عشرينياته‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك قاد حركة احلداثة يف الفن الكوري‪ .‬كانت‬ ‫لديه اهتمامات واسعة يف الفن‪ ،‬واألدب‪ ،‬وميادين‬ ‫أخرى من الثقافة‪ ،‬وحافظ على تبادل مكثف مع‬ ‫الشخصيات الثقافية‪ ،‬واليت مل تعمل على إثراء حياته‬ ‫كفنان فحسب‪ ،‬بل زودت فرصة للقاء زوجته "كيم‬ ‫هيانغ‪-‬آن" كرفيقته الفنية وشريكته طيلة احلياة اليت‬ ‫أعطته دعمها القليب الكامل‪ ،‬وقد كان لزوجته تأثري‬ ‫على مهنته احلياتية الفنية‪ .‬وقد سامهت يف األحباث‬ ‫واملعارض والنشرات جلعله وأعماله معروفا للعامل‪،‬‬ ‫وبعد أن مات الفنان‪ ،‬أسست مؤسسة هوانكي‬ ‫اخلريية للحفاظ على أعماله‪ ‬كأصول ثقافية للشعب‬ ‫الكوري‪ .‬كما أنها أسست متحف هوانكي‪،‬‬ ‫وأسهمت يف دعم الفنانني اآلخرين وإجياد بيئات‬ ‫فنية يف البالد‪.‬‬


‫© يل أونغنو ‪ /‬متحف يل أونغنو‪ ،‬دجيون‪2015 ،‬‬

‫‪ 322# 73-×-10" 1‬اهلواء والصوت ‪"II‬‬ ‫(‪ 208×264 ،)1973‬سم‪،‬‬ ‫رمست بالزيت على القطن‪.‬‬ ‫‪" 2‬الطبيعات اخلالدة"‬ ‫(‪،)1957-1956‬‬ ‫‪ 104×128‬سم‪ ،‬رمست‬ ‫بالزيت على الكنفاة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫حتدي الفنان لفهم والتقاط جوهر الفن‬ ‫فيما يتعلق بالفن‪ ،‬مل يسمح بأي حل وسط‪ .‬وقد امتلك روحا ال تقهر‬ ‫للتحدي‪ ،‬واليت ميكن أن تؤدي به أن يرتك امتيازاته ومسعته اليت يتمتع بها يف‬ ‫كوريا ويبدأ من احلطام يف كل من باريس ونيويورك‪ -‬ومها طليعة مشهد الفن‬ ‫العاملي‪ .‬يف األربعينات من القرن املاضي‪ ،‬شكل جمموعة فنانني باسم "الواقعيني‬ ‫اجلدد" أو "الواقعية اجلديدة" املبنية على اعتقاده بأن التفكيك والتعبري الداخلي‬ ‫لألشياء الطبيعية ميكن أن يكشف عن "واقعية جديدة تتجاوز ما هو واقعي وما‬ ‫هو ومهي"‪ .‬اعتق َد أن على الفنان أن يلتقط روح الفن من خالل اكتشاف ذاته‬ ‫احلقيقية وتعبرياته غري املقيدة‪ ،‬وأنها كانت طريقة إلجياد موقعه يف مرحلة الفن‬ ‫العاملي‪.‬‬ ‫وبوصفه "شاعرا مرئيا تغىن بالطبيعة" واملنشد الذي ميجد اخللود"‪ ،‬فإن كيم‬ ‫هوانكي كانت له مهنة حياتية فنية مقسمة بشكل واسع إىل قسمني تفصل بينهما‬ ‫سنة ‪ .1963‬يف القسم األول‪ ،‬كان فنانا شابا يبحث عن أصل النمط اإلبداعي‪،‬‬ ‫ومن مث عضوا يف مجعية الواقعيني اجلدد‪ ،‬حماوال أن يكون وفيا لقدواته ومثلها‬ ‫الفنية العليا‪ .‬مث جاءت حقبة باريس (‪ )1959-1956‬عندما حبث بشكل مكثف‬ ‫عن هويته الفنية وحبث عن جوهر وروح الفن‪ ،‬ومن مث مشاركته يف املعرض الفين‬ ‫يف بينايل ساو باولو الذي يعقد مرة كل سنتني يف ‪ .1963‬يف هذه الفرتة‪ ،‬سعى‬ ‫ليصبح واحدا مع الطبيعية بتفسري العامل بطريقة طبيعية‪ .‬يتفق القسم األخري من‬

‫حياته املهنية مع الفرتة اليت أقام فيها يف نيويورك (‪ .)1974-1963‬يف هذه الفرتة‬ ‫أنتج جتارب بالستيكية متعددة واكتسب نظرة تأملية وموضوعية للطبيعة‪ ،‬اليت‬ ‫تقدم فيها باجتاه التجريد الكامل‪.‬‬ ‫التغني بالطبيعة‬ ‫كشاب‪ ،‬طور‬ ‫طور كيم هوانكي‪ ،‬الذي مال إىل الفن الرائد والتجريدي‬ ‫ٍّ‬ ‫منطه األصلي مع مرور الوقت‪ ،‬وأوجد رسومات أشياء طبيعية على خلفيات‬ ‫جمردة‪ .‬مع اجلبال‪ ،‬والقمر‪ ،‬وبراعم الربقوق‪ ،‬وجرة القمر كمواد مواضيعه وأفكاره‬ ‫املفضلة‪ ،‬رسم لوحات حول الطبيعة معربا عن حياته اآلسيوية حول التناغم‬ ‫الطبيعي واجلمال الغنائي لألشكال‪ .‬ويف مرحلة مبكرة‪ ،‬اكتشف النوعية اجلمالية‬ ‫للثقافة الكورية التقليدية والفن القدمي‪ ،‬وبدأ يف مجع القطع األثرية مبا يف ذلك‬ ‫الرسومات القدمية وأعمال فن اخلط‪ .‬من بني أمور أخرى‪ ،‬فإن وعاء البورسالن‬ ‫األبيض الذي كان يسمى جرة القمر كان شيئا له التصاق وارتباط خاص به‪،‬‬ ‫ومجعها بطريقة هي أكثر من جمرد هواية‪ ،‬وكانت شيئا له أثر عظيم على أعماله‪.‬‬ ‫متثل العديد من رسوماته اليت أوجدها قبل أن يصل جتريدا كامال‪ ،‬مشهدا من‬ ‫كوريا وأشيائها التقليدية كعنصر رمزي جمازي ميثل هويته وروحه الشعرية‪ .‬حىت‬ ‫يف رسوماته املجردة‪ ،‬فإن اخلطوط البسيطة واأللوان الناعمة هي تذكار للخطوط‬ ‫املقيدة بشكل أنيق والنغمات اخلفيفة واملنقحة للبورسالن األبيض الكوري‪ .‬ومع‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪9‬‬


‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫اخلطوط الرشيقة والسطوح امللونة الناعمة واملتشابكة واملتكررة‪ ،‬فإن الرسوم‬ ‫تصور منوذج خلق وتدمري الطبيعة باستخدام خليط رائع من التجريد والتعبري‬ ‫الرمزي املجازي‪ .‬بإضافة النوعية الغنائية والشبيهة باألحالم إىل رسوماته‪ ،‬فإن‬ ‫الظالل املتنوعة للون األزرق الذي حيب أن يستخدمه ميثل البيئة الطبيعية لوطنه‬ ‫أو الطاقة اإلجيابية ألصل كل الوجود‪ .‬أيضا كرمز للحياة نفسها‪ ،‬فإن اللون كان‬ ‫وسيطا تعبرييا له يسلط الضوء على مواضيع أعماله‪.‬‬ ‫خالل أيامه يف باريس‪ ،‬عملت متابعته الطبيعية للشكل كدليل مرشد‬ ‫لسعيه يف استكشاف هويته العاطفية والفنية والبحث عن جوهر الفن‪ .‬يف باريس‪،‬‬ ‫وبالنظر إىل األعمال الفعلية ألساتذة العامل واإلحساس برسائل شعرية مكثفة‬ ‫منهم‪ ،‬فقد تأمل كيم فيما حاول أن يوصله ويعرب عنه يف أعماله اخلاصة‪ .‬كانت‬ ‫رسالته ألحد معارفه املرسلة من باريس سنة ‪ ،1957‬تكشف عن حالته الفكرية‪.‬‬ ‫"مل يتغري فين قيد أمنلة‪ .‬ما أحسست به هنا هو الروح الشعرية‪ .‬أعتقد أن الفن‬ ‫فيه موسيقى‪ ،‬وهو أعمال أساتذة كبار يرسلون رسائل موسيقية قوية‪ .‬أعتقد أن‬ ‫إقاميت يف باريس قد قدمت يل فكرة واضحة عن ذلك النوع من املوسيقى اليت‬ ‫عزفتها يف أعمايل حىت اآلن‪ .‬أشعر كما لو أنين مل أكن أعرف حقًا مدى ملعان‬ ‫وبريق الشمس حىت جئت إىل باريس‪".‬‬ ‫يف باريس‪ ،‬حدد كيم الروح الفنية وتعلم كيف يعرب عنها ظاهريا وخارجيا‪.‬‬ ‫أدرك أن سبب بقائه وصموده يف باريس كفنان مل تكن مظاهر أعماله بل جوهر‬ ‫أعماله‪ ،‬وأن عليه أن يكون واقعيا لروحه الشعرية املتجذرة واملتأصلة يف ثقافته‬ ‫الوطنية األصيلة‪ .‬يف هذه الفرتة‪ ،‬أنتج بعضا من إبداعاته الرائعة اليت متثل أفكاره‬ ‫املفضلة‪ ،‬واجلبال‪ ،‬والقمر‪ ،‬والطيور‪ ،‬وجرة القمر‪ ،‬وبراعم الربقوق‪ ،‬مقابل خلفية‬ ‫ألوانه الزرقاء املتميزة‪ ،‬ليعيد تفسري مواد هذه املواضيع اليت ترمز إىل اهلوية الكورية‬ ‫وطبيعة الوطن‪ .‬بالنسبة للفنان كانت مرحلة وفرتة باريس فرتة إبداعية‪ ،‬معززة‬ ‫وثرية بالعاطفة والشدة وروح التحدي‪.‬‬ ‫الغناء حول اخللود‬ ‫يف ‪ ،1963‬حصل كيم هوانكي على جائزة الشرف يف املعرض الفين يف‬ ‫‪10‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫كل نقطة من النقط‪ ،‬التي تتفرع في امليدان‬ ‫البصري مثل اخلاليا احلية هي جزء من هذا التأمل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وضوءا‬ ‫متثل النقط دفق الطاقة الشمسية القوية‪،‬‬ ‫يومض بشكل إيقاعي ملجموعة النجوم‪ ،‬والنشاط‬ ‫الليلي للمدينة‪ ،‬واملشهد اجلميل والوطن املفقود‬ ‫ووجوه األشخاص الذين يحبهم‪ .‬وهي أيضا تعبر‬ ‫عن الهاوية التي ال ميكن سبر غورها في البحر‬ ‫والوجود‪.‬‬ ‫بينايل ساو باولو يف الربازيل الذي يعقد مرة كل سنتني‪ .‬بالتقائه بالفنانني من‬ ‫مجيع أحناء العامل وتقدير أعماهلم‪ ،‬وجد نفسه راغبًا يف الذهاب إىل نيويورك‪،‬‬ ‫مركز الفن العاملي‪ ،‬وإنعاش رؤيته الفنية ومراجعة أعماله‪ .‬يف ذلك الوقت‪ ،‬كان‬ ‫عمره مخسني سنة‪ .‬وقد متتع بطاقة إبداعية وجو طليق كان ميأل املدينة‪ ،‬فقد‬ ‫استكشف مرة أخرى املكان الذي جيب أن ميضي إليه الفن‪ .‬وبانغماسه يف‬ ‫حتد فين آخر‪ .‬وبعد احلربني العامليتني يف القرن‬ ‫البيئة اجلديدة‪ ،‬فإن كيم دخل يف ٍّ‬ ‫العشرين‪ ،‬شكلت نيويورك يف ذلك الوقت وسطا اجتماعيا معقدا مع األشخاص‬ ‫القادمني من خلفيات عرقية وثقافية متنوعة‪ ،‬وشجعت وجهات النظر املوضوعية‬ ‫واملنفتحة‪ ،‬ساعية إىل إمجاع كبري بينها‪ .‬متاما كما عرض فنانو التعبري املجرد‬ ‫ملدرسة نيويورك‪ ،‬فإن املدينة زودت مناخا يشجع مشاركة األفكار بني الفنانني‬ ‫مع أمناط فنية متباينة يعربون عنها بطرقهم الفريدة اخلاصة بهم‪.‬‬ ‫بالنسبة لكيم هوانكي‪ ،‬مل تكن نيويورك أرض معركة مرعبة جيب عليه أن‬ ‫حيارب فيها من أجل البقاء‪ ،‬ولكنها كانت عاملا جديدا يشجع فضوله‪ ،‬وإهلامه‪،‬‬ ‫ورغبته يف املضي قدما مع البحث والتنقيب الذي يقوم به‪ .‬كانت نيويورك أيضا‬ ‫بالنسبة له مكانا مثاليا للوجود غري املفسر‪ .‬مل يكن جمربا على االخنراط يف أنشطة‬


‫‪3‬‬

‫اجتماعية متنوعة متاما كما كان يف كوريا‪ ،‬لذا فقد استطاع أن يكرس كل‬ ‫طاقته لعمله‪ .‬يف املدينة حيث كان بوسعه االتصال مع كل أنواع أساليب الفن‬ ‫العاملي‪ ،‬رأى أفقا جديدا مفتوحا أمامه‪ ،‬يلهمه إلبداع رسومات لِتَقَبُّ ٍل أوسع بدال‬ ‫من التوقف عند الغنائية الرمزية املبنية على حبه للطبيعة‪ .‬واصل فنُّه بال هوادة‬ ‫سعيَه املميز لتغيري ذاته يف كل من احملتوى والنمط‪ .‬ومع جتريبه يف املواد املتنوعة‬ ‫والرتكيبات‪ ،‬فقد نشأت الصور الرمزية للطبيعة بشكل تدرجيي على شكل جتريد‬ ‫مع نقط مكثفة وخطوط ومسطحات‪.‬‬ ‫استمرت جتاربه مع النقط واخلطوط‪ ،‬اليت بدأت يف الظهور يف رسوماته‬ ‫يف اخلمسينات‪ ،‬استمرت يف أعماله مع الرتكيبات املتنوعة إىل أن حتول للتنقيطية‬ ‫التامة‪ .‬وقد تطورت أمناطه املبكرة مع الرتكيبات املرتتبة عليها وبشكل عام‬ ‫النغمات الزرقاء اليت تطورت إىل أعمال أمزجة شعرية‪ ،‬محيمية وعاملية‪ ،‬مؤلَّفة‬ ‫من عناصر تشكيلية أساسية‪ ،‬مثل النقط‪ ،‬واخلطوط واملسطحات‪ .‬يف العملية‪،‬‬ ‫أجرى العديد من التجارب األصلية حول األشكال (جتريد اجلبال والقمر‪،‬‬ ‫والتكوينات املتقاطعة‪ ،‬جتريد األلوان واملسطحات‪ ،‬والتنقيطية‪ ،‬إخل) وحول املواد‬ ‫(الصلصال الورقي‪ ،‬واألشياء‪ ،‬والتجميعات‪ ،‬واأللوان الزيتية على اجلرائد‪ ،‬إخل)‪.‬‬ ‫يف السبعينات‪ ،‬بدأ بإنتاج رسومات مركبة من نقط فقط‪ ،‬وخطوط ومسطحات‪،‬‬ ‫تطورت يف مرحلة الحقة إىل أمناط أصلية مشلت قطع الكنفاة كاملة مع نقط ال‬ ‫تعد وال حتصى‪ ،‬موجدة أثرا بصريا عميقا ومفصال‪ .‬كل نقطة من النقط‪ ،‬اليت‬ ‫تتفرع يف امليدان البصري مثل اخلاليا احلية هي جزء من هذا التأمل‪ .‬متثل النقط‬ ‫دفق الطاقة الشمسية القوية‪ ،‬وضوءًا يومض بشكل إيقاعي ملجموعة النجوم‪،‬‬ ‫والنشاط الليلي للمدينة‪ ،‬واملشهد اجلميل والوطن املفقود ووجوه األشخاص‬ ‫الذين حيبهم‪ .‬وهي أيضا تعرب عن اهلاوية اليت ال ميكن سرب غورها يف البحر‬ ‫والوجود‪.‬‬ ‫بالفن ومع الفن‬ ‫تشتمل لوحات كيم هوانكي التنقيطية املثالية على األعمال املتسلسلة‪:‬‬ ‫"أين؟ وبأي شكل سوف نلتقي مرة أخرى؟ (‪ ،")1970‬و"الوجود (‪،")1971‬‬ ‫اليت هي أعمال رائعة من الفن الكوري احلديث‪ .‬يف هذه اللوحات‪ ،‬أوجد‬ ‫فضاء تأمليا مع عمق وغموض اللون األزرق السماوي (الالزوردي)‪ ،‬واألزرق‬ ‫أي من أنواع العواطف اليت جيب‬ ‫البحري‪ ،‬واألزرق الربوسي‪ .‬وبالتعبري عن ٍّ‬ ‫أن يشعر بها الفنان يف الغربة‪ ،‬فإن الظالل األنيقة والنقط امللونة ختطت الزمان‬ ‫واملكان لتصبح أقرب إىل اخللود‪ .‬إن رسم النقط العديدة مل يكن جمرد توليد‬ ‫ميكانيكي لنفس النموذج‪ ،‬ولكنه كان يشكل ممارسة التأمل الفائق يف حياته من‬ ‫حيث عالقتها بالطبيعة‪ ،‬والعالقات‪ ،‬والفن‪ .‬‬ ‫لوحات كيم التنقيطية هي نتيجة‪ ‬الستقصائه يف عامل الروح الشعرية‬ ‫املمتدة إىل عامل اخليال‪ .‬وباستخدامه األلوان الزيتية والكنفاة ومواد للرسم الغريب‪،‬‬ ‫ومسيطرا على الرتكيز على األصباغ‪ ،‬حقق أثر الرسم اآلسيوي باحلرب‪ ،‬كما لو‬ ‫كانت األلوان الرقيقة اخلفيفة نصف الشفافة قد انتشرت بنعومة ولطف فوق‬ ‫ورق التوت أو القماش‪ .‬ارتفعت أحاسيسه اآلسيوية فوق خصائص املواد الغربية‬ ‫لالنتقال إىل املواد الروحانية‪ ،‬من عامل املادة إىل العامل العقلي‪ ،‬من الواقعية إىل‬

‫‪ 1‬كيم هوانكي أثناء العمل‪ .‬كان الفنان مهتما بالثقافة التقليدية والفن‬ ‫القدمي‪ ،‬ومجع القطع األثرية‪ ،‬واللوحات والرسومات القدمية وفن‬ ‫مجعها جمرد‬ ‫اخلط‪ .‬أحب بشكل خاص "جرار القمر"‪ ،‬ومل يكن ْ‬ ‫هواية‪ ،‬ولكنه شيء له أثر كبري على عمله ‪.‬‬ ‫‪ 2‬بدأت فرتة كيم هوانكي يف نيويورك سنة ‪ .1963‬طور منطه األصلي‬ ‫يف فن الرسم بالتنقيط يف تلك الفرتة‪.‬‬ ‫‪ 128×177 ،)1968( 28#68-VII-16 3‬سم‪،‬‬ ‫ بالزيت على الكنفاة‪.‬‬

‫اخللود أو عدم الوجود‪ ،‬واليت ميكن أن تتخطى الزمان واملكان‪ .‬ال بد أن هذه‬ ‫كانت طرق الطبيعة‪ ،‬والبشر‪ ،‬والوجود اليت متىن أن يفهمها من خالل الفن‪.‬‬ ‫قادت اخلربة اإلبداعية كيم إلدراك أن املسار الصحيح التام للفنان جيب‬ ‫أن ينظر إليه "يف الفن‪ ،‬وبالفن‪ ،‬ومع الفن"‪ .‬كان عامل اإلبداع عاملا فائقا ميكن‬ ‫أن يصارع فيه الفنان للوصول إىل احلياة احلقيقية مع كون الفن رفيقه الدائم‪،‬‬ ‫ومل يكن باإلمكان اكتساب ذلك العامل دون املعاناة منذ آالم الوالدة‪ .‬كان عاملا‬ ‫فائقا ميكن التوصل إليه حبرق روحه وتغذية اندفاعه اإلبداعي "جبماليات تساميه‬ ‫وعلو شأنه"‪.‬‬ ‫وعلى حني أن كيم هوانكي من الفرتة الباريسية َو َص َف الطبيعة بضربات‬ ‫فرشاته التأملية على روحه الشعرية‪ ،‬فإن كيم هوانكي من الفرتة اليت كان يقيم‬ ‫فيها يف نيويورك عبرَّ عن أنقى غنائيته بفتح عامله الداخلي من شكل جديد من‬ ‫الطبيعة والفراغ امليتافيزيائي املوجود يف حضارة املدن "الباردة"‪ .‬وما زالت لوحاته‬ ‫املنتجة بهذه الطريقة مناسبة وحمرتمة حىت اآلن حىت مع حتول أعمال الفنون حتوال‬ ‫واسعا الجتاهات أخرى‪.‬‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪11‬‬


‫موضوع العدد ‪3‬‬ ‫رواد الفن التشكيلي احلديث‬

‫رسائل‪،‬‬ ‫ولوحات إعالنية‪،‬‬ ‫وأشخاص‪:‬‬ ‫موك سو‪-‬هيون‬

‫باحث زائر يف كيوجانغاك‪ ...‬جامعة سيول الوطنية‬

‫تأمل وانعكاس ذاتي‬ ‫في الحبر والفرشاة‬ ‫لي أونغنو‬

‫منذ أيام أعماله املبكرة يف لوحات اخليزران املرسومة باحلرب والفرشاة وحىت سلسلة أعماله األخرية "الشعب"‪ ،‬مل يكن "يل أونغنو" يف‬ ‫يوم من األيام بدون حرب أو ورق‪ .‬كان فنانا رائدا‪ ،‬فاعال يف املشهد العاملي‪ ،‬واستقر يف أوروبا بعد احلرب‪ .‬مل ينتج أعماال من احلرب على‬ ‫الورق فحسب‪ ،‬بل مواد وتقنيات متنوعة مبا يف ذلك الزيوت على الكانفاة والتجميعات الورقية‪ .‬مشلت أعماله منظومة واسعة اشتملت‬ ‫على الطباعة‪ ،‬والنحت‪ ،‬واملصورات‪ ،‬ونتيجة لذلك فقد خلف وراءه جمموعة كبرية جدا من أكثر من ‪ 10000‬عمل‪ ،‬ويف نفس الوقت‬ ‫ترك بصمته على تاريخ الفن املجرد‪.‬‬

‫ويف‬

‫سنة ‪ ،1958‬وهو يف اخلامسة واخلمسني من عمره‪ ،‬طار "يل‬ ‫أونغنو"(‪ )1989-1904‬إىل باريس‪ ،‬تاركا خلفه مهنة راسخة كفنان وأستاذ‬ ‫جامعي‪ .‬إىل جانب السنوات الثالث اليت عاشها يف السجن (‪)1969-1967‬‬ ‫بعد أن أصبح متورطا فيما يسمى حبادثة "برلني الشرقية"‪ ،‬املتولدة من احلالة‬ ‫السياسية الكورية لتقسيم البالد‪ ،‬فقد أمضى "يل" بقية حياته يف باريس يعمل على‬ ‫مستوى دويل‪ .‬هناك أوجد عامله الفريد اخلاص به من الفن الذي عرب بني املاضي‬ ‫واحلاضر‪ ،‬والشرق والغرب‪.‬‬ ‫جتريب ال يتوقف‬ ‫عندما وصل "يل" إىل باريس‪ ،‬كان العامل مأسورا ومأخوذا حبركة الفن غري‬ ‫التشكيلية‪ .‬وعند تقدميه من قبل ناقد شهري هو "جاقيس السيين"‪ ،‬فقد جنح "يل" يف‬ ‫عرض أول على املسرح مع معرض لألعمال التجميعية يف معرض "بول فاخييت"‪.‬‬ ‫وقد اكتشف من فنانني من أحناء العامل‪ ،‬مثل "بيري سوالجو"‪ ،‬و"هانس هارتونغ"‪،‬‬ ‫و"زاووكي" الذين جتمعوا يف باريس‪ ،‬اكتشف طريقة أخرى يف التعبري عن العامل‬ ‫من حوله‪.‬‬ ‫وعند عودته إىل كوريا‪ ،‬درس "يل" الرسم بالفرشاة واحلرب على اخليزران‬ ‫حتت إشراف فنان رائد وخطاط يف عصره‪ ،‬وهو "كيم كيو‪-‬جني"‪ .‬من ‪1935‬‬ ‫حىت ‪ ،1945‬أمضى عشر سنني يدرس الفن يف كلية الرسم بطوكيو ومعهد الرسم‬ ‫يف كلية الرسم يف "كاواباتا" ومعهد "هونغو" للرسم‪ ،‬وحتت تأثري "ماتسوبياشي‬ ‫كيغيتسو" فتح عينيه على الواقعية‪ .‬ولكن يف النصف الثاين من األربعينات حىت‬ ‫‪12‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫أوائل اخلمسينات‪ ،‬كان يركز على التعبري املجرد لرسم احلرب والفرشاة قبل أن‬ ‫يتوجه إىل باريس حيث تعرف هناك على الفن غري التشكيلي‪ .‬وعلى حني أن‬ ‫فنانني آخرين من تقليد احلرب والفرشاة استمروا يف رسم نفس املواضيع‪ ،‬فإن "يل"‬ ‫ابتكر طرقا لتكييف هذا التقليد ليناسب الفن املعاصر‪ .‬وبعمله هذا‪ ،‬مل يهجر‬ ‫أصوله وجذوره الفنية‪ ،‬ولكنه أخذها إىل مؤسسة راسخة لتشرب الفن اجلديد غري‬ ‫التشكيلي‪ .‬ونظرا لرتسيخه وتأسيسه يف روح فن اخلط الذي يأخذ أشكاهلا من‬ ‫شكل األشياء الواقعية‪ ،‬وعامل الرسم باحلرب والفرشاة‪ ،‬الذي يسعى إىل الكشف عن‬ ‫مبادئ كل األشياء مع احلرب على الورق‪ ،‬بدأ يف االستكشاف والبحث العقلي يف‬ ‫العامل الذي يعاصره‪ ،‬والذي حاول التعبري عن التدمري والصدمة اليت خلفتها احلرب‬ ‫اليت شهدها هؤالء الفنانون‪.‬‬ ‫لكن مل حيصر يل نفسه يف الفن غري التشكيلي‪ .‬وعلى الرغم من تفكيكه‬ ‫وحتليله ألشكال فن اخلط الذي أتقنه من الطفولة‪ ،‬فقد أصبح متوافقا مع اجلانب‬ ‫"غري املشكل" من الفن غري التشكيلي‪ ،‬وقد ذهب بعيدا إىل ما وراء التجريب مع‬ ‫شكل كي خيلق أعماال مستخدما الورق واألحرف الصينية‪ .‬ويف الستينات‪ ،‬ركز‬ ‫"يل" على إجياد أشكال مع جتميعات تتألف من قطع مقطعة باليد من الورق‪،‬‬ ‫وكذلك تفكيك وحتليل أشكال يف أعمال جمردة من احلرب والفرشاة‪ .‬على الرغم‬ ‫من أنه ميكن اعتبار قطع الورق املمزقة وامللصقة معا "غري مشكلة"‪ ،‬إال أنها يف نفس‬ ‫الوقت أعيد توليفها على الكانفاة من خالل ضربات بالفرشاة وعناصر أخرى من‬ ‫األحرف األصلية‪ .‬مع إضافة صوف القطن على القسم العلوي‪ ،‬فإن األعمال متثل‬ ‫ملمسا ومادة فريدتني‪ .‬يف أعمال يل باحلرب والفرشاة‪ ،‬تأيت األعمال املجردة أحيانا‬


‫"طول العمر" (‪ 132×274 ،)1972‬سم‪ ،‬احلرب على‬ ‫الـ"هاجني"‪ ،‬جتميع‪ .‬يف السبعينات‪ ،‬أظهر "يل" اعتمادا‬ ‫قويا على البنائية يف أعماله من الصور الرمزية املجردة‪،‬‬ ‫اليت تألفت من الرموز مع خطوط خارجية واضحة‪.‬‬

‫© يل أونغنو ‪ /‬متحف يل أونغنو‪ ،‬دجيون‪2015 ،‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪13‬‬


‫على شكل عالمات‪ ،‬وأحيانا على شكل أشجار أو جبال‪ ،‬وأحيانا كحيوانات أو‬ ‫بشر‪ .‬وصف يل أعماله من فرتة مبصطلح "التجريد التأملي"‪ ،‬واليت تعين األعمال‬ ‫املجردة اليت تعرب عن أفكار املرء‪.‬‬ ‫إجناز آخر هلذا الفنان ضمن إجنازاته الرئيسية وهو يف باريس‪ ،‬هو تأسيس‬ ‫متحف باريس للفنون اآلسيوية يف نوفمرب ‪ .1964‬وحوايل ذلك الوقت‪ ،‬أراد‬ ‫العديد أن يتعلموا عن الروح الشرقية من "يل أونغنو"‪ ،‬الفنان الكوري املعروف‬ ‫بقدرته على صهر احلداثة األوروبية يف أعماله‪ .‬ويف أواخر أيامه‪ ،‬يف هذه الكلية‪،‬‬ ‫قام يل بتدريس الطالب يف الكلية كيفية التعامل مع الفرشاة واحلرب‪ ،‬تقنيات‬ ‫احلرب والرسم بطريقة املسح اخلفيف (تكون اللوحة شبه شفافة)‪ ،‬وكيفية استغالل‬ ‫الفراغات اخلالية‪ .‬وقد مت نشر طرق شرقية للتفكري واللغة التشكيلية يف أوروبا‬ ‫وذلك من خالل طالبه‪.‬‬ ‫صورة قامتة للتاريخ الكوري احلديث‬ ‫كانت أكثر احلوادث إيالما يف حياة "يل أونغنو" هي سجنه ملدة ثالث‬ ‫سنوات من ‪ 1967‬حىت ‪ .1969‬وقد حدث هذا بسبب تورطه فيما يسمى "حادثة‬ ‫برلني الشرقية"‪ ،‬وهي قضية جتسس فربكتها ونسجتها وكالة حكومية كورية‪.‬‬ ‫دارت القضية حول طالب كوريني جنوبيني يدرسون يف أوروبا وشخصيات من‬ ‫الدوائر الفنية والثقافية الذين كانوا على اتصال مع أشخاص من كوريا الشمالية‪.‬‬ ‫وقد مت جتنيد ابن يل يف ميليشيات كورية مشالية إبان احلرب الكورية‪ ،‬وأخذه إىل‬ ‫كوريا بال رجعة أبدا‪ .‬ذهب يل إىل برلني الشرقية حملاولة إجياد بعض املعلومات‬ ‫عن ولده‪ .‬وخالل فرتة وجوده يف السجن‪ ،‬مسحت سلطات السجن له باستخدام‬ ‫فرشاة رسم‪ ،‬وقد عمل خالل هذه الفرتة ما يقارب ‪ 300‬عمل من عجينة الصويا‪،‬‬ ‫وعجينة فول الصويا‪ ،‬وحبوب األرز املطبوخة وصناديق الغداء اخلشبية اليت كان‬ ‫يقدم فيها له طعامه‪ .‬يرجع تاريخ سلسلة "صورة الذات" إىل تلك الفرتة وهي‬ ‫تصور يل جيلس القرفصاء منحنيا‪ .‬متثل هذه األعمال بقعة متخثرة للحرب الذي يشبه‬ ‫قطعة من السخام‪ ،‬ورمبا تعكس عامل يل الداخلي يف النمط غري التشكيلي أفضل‬ ‫من أي أعمال أخرى‪ .‬ويف أواخر أيامه استفاد من خرباته للنظر بعمق أكثر يف‬ ‫الكائنات البشرية والتاريخ‪.‬‬ ‫جتريد األحرف والناس‬ ‫توصف أعمال يل من السبعينات على أنها "جتريد فن اخلط"‪ .‬وبإعادة‬ ‫ترتيب أحرف كانت يف السابق مفككة عن بعضها لتجسيد معانيها األصلية‪،‬‬ ‫أعاد إىل احلياة روح الرسم الشرقي‪ .‬وباملقارنة مع أعماله الفنية من الستينات فإن‬ ‫أعماله التجريدية من تلك الفرتة تتألف من رموز وعالمات مع خطوط خارجية‬ ‫مبينة متاما‪ ،‬تُظهر ميله حنو مذهب أو حركة البنائية‪ .‬قدم فن خط جديدا نتج‬ ‫عن التفكيك احلديث والتحويل للقواعد التقليدية لفن اخلط‪ .‬مثال على ذلك‬ ‫هو سلسلة ""ي تشينغ" اليت أجنزها "يل" واليت أعاد فيها جتميع األشكال األربعة‬ ‫والستني من سلسلة ""ي تشينغ" (اليت تعين كتاب التغيريات) على شكل أحرف‬ ‫صينية مع شكل حمدد‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫أعمال "يل" الرئيسية من الثمانينات هي سلسلة متثل "الكائنات البشرية"‬ ‫واحلشود أو اجلماهري"‪ .‬على الرغم من أنه كان يعمل يف إعطاء أشكال للناس‬ ‫من الستينات‪ ،‬إال أن رسومات "يل" من هذه الفرتة متثل مئات بل أحيانا آالفا‬ ‫من األشكال البشرية املنحصرين يف اللحظة‪ ،‬ويف بعض األحيان كما لو كانوا‬ ‫يسريون يف موكب‪ ،‬وأحيانا يرقصون‪ ،‬وكلها مرسومة باحلرب على قطع عمالقة من‬ ‫الكانفاة‪ .‬صورت سلسلته "الشعب" حركة التوجه حنو الدميقراطية يف كوريا‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك انتفاضة ‪ 18‬مايو الدميقراطية يف كوانغجو سنة ‪ .1980‬وهذه اللوحات‬ ‫اليت تعكس تأمالت عميقة ألستاذ كبري حول اإلنسانية يف السنوات األخرية من‬ ‫عمره‪ ،‬هي أيضا مغمورة حبب عميق لكوريا والشوق املؤمل لوطنه الذي تركه‬ ‫ألسباب سياسية‪.‬‬ ‫يف ‪ ،1977‬تورطت زوجة "يل" يف حماولة اختطاف كورية مشالية لعازف‬ ‫البيانو "بيك كون‪-‬وو" وممثلته يف األفالم زوجة "يوم جونغ‪-‬هي"‪ ،‬ومرة أخرى‬ ‫أدار عامل الفن الكوري ظهره للرسام "يل أونغنو"‪ .‬مع هذه احلادثة أصبح عليه أن‬ ‫يتخلى عن أمنيته ورغبته منذ فرتة طويلة يف العودة إىل كوريا‪ ،‬وأن يعيش آخر‬ ‫سنوات عمره يف الرسم وكسب رزقه بهدوء‪ .‬قبل مغادرته البالد يف ‪ ،1958‬كان‬ ‫يل فاعال يف مشهد الفن الكوري ألكثر من ‪ 30‬سنة‪ ،‬وقد حقق مؤخرا شهرة‬ ‫واسعة يف أوروبا‪ .‬ولكن بسبب الوضع السياسي فيما يتعلق بالتقسيم الوطين‪ ،‬فإن‬ ‫امسه مل يكن معروفا على نطاق واسع يف املجتمع الكوري‪.‬‬ ‫مع حتول عمله جتريد األحرف إىل الناس‪ ،‬من الطواطم (أشياء كاحليوان)‬ ‫إىل التجريد بفن اخلط‪ ،‬مل يتوقف "يل" عن الرسم أبدا على اخليزران‪ .‬وبعد حادثة‬ ‫برلني الشرقية أصبحت أعماله على اخليزران هي "أوراق اخليزران الراقصة" اليت‬ ‫كانت يف وقتها تتحول إىل أشخاص يف حركة‪ .‬كانت الشخصيات اإلنسانية اليت‬ ‫تبناها يف موضوعه الرئيسي من الثمانينات‪ ،‬فعال أوراق اخليزران اليت كان يرسم‬ ‫عليها طيلة حياته‪ ،‬وكذلك الطبيعة والناس والتاريخ‪ .‬يف لوحات "احلشد" كل‬ ‫الشخصيات كانت تتحرك بإيقاع معني‪ .‬ولكن إذا نظرنا نظرة فاحصة عن قرب‬ ‫إىل الرسومات يصبح واضحا أن كل شخصية تقوم حبركات خمتلفة عن اليت تليها‪.‬‬ ‫ومع ذلك فهي كلها ذاهبة معا إىل مكان ما‪ .‬و"حنن" أو "أنا" ميكن أن نكون مع‬ ‫هذه األعداد اليت ال حتصى من الناس يف الرسم‪.‬‬ ‫على موجة التحول الدميقراطي‪ ،‬يف ‪ ،1988‬رفعت حكومة كوريا اجلنوبية‬ ‫احلظر املفروض على أعمال الكتاب الذين انشقوا وذهبوا إىل كوريا الشمالية‪،‬‬ ‫ويف نفس الوقت أعيدت لـ"يل أونغنو" حقوقه كمواطن‪ .‬أخريا‪ ،‬يف ‪،1989‬‬ ‫أقيم معرض استعادة (السرتجاع أعماله السابقة) يف كوريا‪ ،‬وذلك بهدف إعادة‬ ‫اكتشاف أعماله يف مشهد الفنون احمللية‪ .‬وقد كان مقررا أن يزور "يل" كوريا‬ ‫خالل فرتة املعرض‪ ،‬ولكن يوم ‪ 10‬يناير ‪ ،1989‬نفس يوم افتتاح املعرض‬ ‫االسرتجاعي تويف على أثر نوبة قلبية يف مستشفى يف باريس‪ .‬ومنذ ذلك احلني‪،‬‬ ‫أقيم العديد من املعارض اليت تعكس حبا عميقا وإعجابا بأعماله يف كوريا‪ .‬ويف‬ ‫هذه األيام‪ ،‬وضعت سرية حياته وأعماله على شكل معلم تذكاري يف متحف أطلق‬ ‫عليه امسه "يل أونغنو" الذي أسس يف "دجيون" وبيت "يل أونغنو" ونصب تذكاري‬ ‫له يف مسقط رأس الفنان يف "هونغسونغ" يف حمافظة "تشونغ تشونغ" اجلنوبية‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫‪" 1‬الشعب" (‪،)1986‬‬ ‫‪ 266×167‬سم‪ ،‬باحلرب على‬ ‫الـ"هاجني" ‪.‬‬ ‫‪ 2‬أسس "يل أونغنو" سنة ‪1964‬‬ ‫املرسم األكادميي الشرقي‬ ‫يف باريس يف متحف الفنون‬ ‫اآلسيوية حيث علَّم الطالب‬ ‫كيفية استخدام الفرشاة واحلرب‪،‬‬ ‫وتقنيات الرسم باحلرب املغسول‪،‬‬ ‫ووظيفة الفراغ املفتوح يف‬ ‫الرتكيب‪ .‬بشكل إمجايل‪ ،‬قام‬ ‫بتعليم ما يقارب ‪ 3000‬طالب‪.‬‬ ‫‪ 3‬افتُتِح متحف "يل أونغنو" ‪-‬‬ ‫الواقع يف منتصف دجيون ‪ -‬سنة‬ ‫‪ 2007‬كمكان جلعل أعمال‬ ‫"يل" معروفة للعامل‪ .‬ويقام فيه‬ ‫معارض ويقوم جبهود أحباث‬ ‫خمتلفة‪.‬‬

‫كانت الشخصيات اإلنسانية التي تبناها في موضوعه الرئيسي من الثمانينات‪ ،‬فعال أوراق‬ ‫اخليزران التي كان يرسم عليها طيلة حياته‪ ،‬وكذلك الطبيعة والناس والتاريخ‪ .‬في لوحات‬ ‫"احلشد" كل الشخصيات كانت تتحرك بإيقاع معني‪ .‬ولكن إذا نظرنا نظرة فاحصة عن قرب‬ ‫إلى الرسومات يصبح واضحا أن كل شخصية تقوم بحركات مختلفة عن التي تليها‪ .‬ومع ذلك‬ ‫فهي كلها ذاهبة معا إلى مكان ما‪ .‬و"نحن" أو "أنا" ميكن أن نكون مع هذه األعداد التي‬ ‫ال حتصى من الناس في الرسم‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪15‬‬


‫القوة السحرية من انفجار‬ ‫األلوان والخيال‬ ‫تشوي يول ناقد فين‬

‫تعترب "بارك ري‪-‬هيون" (‪ )1976-1920‬و"تشون كيونغ‪-‬جا" (‪) -1924‬‬ ‫فنانتني عاشتا حياة خمتلفة متاما‪ ،‬وأحالما خمتلفة‪ ،‬وطرقا خمتلفة يف تصوير العامل‪ ،‬وهلما‬ ‫روحان ُمفرحتان سوف يتذكرمها الناس يف تاريخ الفن النسائي الكوري‪ .‬كانت ٌ‬ ‫كل‬ ‫منهما ِ‬ ‫مبتكرة يف ميدان احلرب التقليدية ولوحات األلوان الشفافة‪ ،‬وأنتجتا أعماال‬ ‫ي مع ألوان تشبه األحالم‪ ،‬وذلك من أجل‬ ‫وقاس نْ َ‬ ‫مفعمة بالشعور الغامض للنساء َ‬ ‫إجياد عالمة مميزة هلما يف فن القرن العشرين الكوري‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫© مؤسسة أونبو‬

‫‪1‬‬ ‫‪16‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫ولدت "بارك ري‪-‬هيون" يف "جينّامبو"‪ ،‬حمافظة‬ ‫"بيونغآن" اجلنوبية (منطقة تقع يف كوريا الشمالية)‪.‬‬ ‫ولكنها نشأت يف "كونسان"‪ ،‬حمافظة جولال‬ ‫الشمالية‪ .‬ويف العشرينات من عمرها ذهبت للدراسة‬ ‫يف اليابان يف كلية الفنون النسائية يف طوكيو لتحقيق‬ ‫حلمها يف أن تصبح فنانة‪ .‬كانت ما زالت طالبة‬ ‫عندما فازت باجلائزة الكربى من معرض جوسون‬ ‫للفنون‪ ،‬واليت ضمنت هلا مستقبال براقا أمامها‪.‬‬ ‫ميكن تقسيم فن "بارك" إىل حد كبري لثالثة‬ ‫أنواع‪ :‬أوال‪ ،‬اللوحات برتكيب هندسي وجدت‬ ‫بتقسيم سطح الصورة باستخدام تقنيات التكعيب‬ ‫الغربية لتصوير املشاهد الريفية الكورية التقليدية؛‬ ‫ثانيا‪ ،‬اللوحات اليت متثل جتريد األفكار والرموز‬ ‫الشعبية مثل خيوط العمالت القدمية واحلصر ذات‬ ‫القش املستدير؛ وثالثا‪ ،‬سلسلة من التضاريس‬ ‫منسوجة من قماش ملصق على كنفاة اللوحة‪.‬‬ ‫توصل "بارك" إىل مواضيعها بسيطا‪.‬‬ ‫مل يكن ُّ‬ ‫فيما يتعلق مبادة املوضوع وحدها‪ ،‬كانت فنانة‬ ‫رمست بشكل رئيسي النساء ومشاهد ما قبل احلداثة‬ ‫ْ‬ ‫يف كوريا‪ .‬ولكن أكثر ِمن هذا‪ ،‬كانت هلا روح‬ ‫جتريبية مع اهتمام يف الشكل وملصلحتها اخلاصة‬ ‫تبنت أمناط وأساليب احلداثة الغربية لعمل ابتكارات‬ ‫ْ‬ ‫مع اخلطوط‪ ،‬والسطوح واللون‪ .‬كانت فنانة سعت‬ ‫لدمج الشرق والغرب‪ .‬بدأت أعمال "بارك" يف رسم‬ ‫التضاريس على القماش عندما كانت يف مخسينات‬


‫‪3‬‬

‫عمرها‪ ،‬اليت كانت عرضا فنيا جليا ألنوثتها اليومية‪.‬‬ ‫كان تعليق العمالت القدمية ململكة جوسون على‬ ‫لوحاتها من القماش يرمز إىل حماولة خللط احلياة‬ ‫اليومية التقليدية واحلديثة للنساء والعمل‪ ،‬وبيئة‬ ‫السوق احمليطة‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬حولت األلوان‬ ‫املنبسطة‪ ،‬واملالمس الدقيقة والرتكيبات املقيدة‬ ‫واملدهشة يف نفس الوقت‪ ،‬حولت لوحاتها من‬ ‫القماش إىل فراغات رشيقة تشبه احللم‪.‬‬ ‫ولدت "تشون كيونغ‪-‬جا" يف شبه جزيرة‬ ‫كوهونغ يف حمافظة جولال اجلنوبية‪ .‬دخلت كلية‬ ‫الفنون النسائية يف طوكيو يف الثامنة عشرة من‬ ‫عمرها‪ ،‬وقد قُبل عملها كطالبة يف معرض جوسون‬ ‫للفنون‪ .‬وبعد حترير كوريا من احلكم االستعماري‬ ‫الياباين‪ ،‬أصبحت معلمة للفن وبدأت حياتها املهنية‬ ‫أيضا‪ .‬يف البداية‪ ،‬ركزت بإخالص على متثيل مظهر‬ ‫مواضيعها وشخصياتها‪ ،‬ولكن احلرب الكورية‬ ‫(‪ )1953-1950‬جلبت معها الكثري من التغيري‬ ‫لعملها‪" .‬تشون"‪ ،‬فنانة يف الثالثينات من عمرها‪،‬‬ ‫بدأت بالتحرر واستخدام األلوان جبرأة للتعبري عن‬ ‫مواضيعها وشخصياتها من خالل كل من الواقع‬ ‫واألحالم‪ .‬اختذت لوحاتها‪ ،‬ذات الزخرفة العالية‬ ‫واخليال اجلريء صفة خيالية تومهية‪ .‬وباختاذها‬ ‫"أنوثتها احلسية" كموضوع رئيسي هلا‪ ،‬فقد أوجدت‬ ‫"تشون" يوتوبيا النساء‪ ،‬عاملا خاصا ميزج الطبيعة‬

‫‪4‬‬

‫‪" 1‬املصدر ب" (‪ ،)1972‬رمستها "بارك‬ ‫ري‪-‬هيون"‪ 37×50.5 ،‬سم‪ ،‬النقش‬ ‫بامليزوتينت‪ ،‬املتحف الوطين للفنون‬ ‫احلديثة واملعاصرة‪ .‬تبنت هذه الفنانة‬ ‫أشكال احلداثة الغربية وأنتجت أعماال‬ ‫مبتكرة ورائعة‪ ،‬تتألف من خطوط‪،‬‬ ‫ومسطحات مستوية وألوان‪.‬‬ ‫‪ 2‬الفنانة "بارك ري‪-‬هيون" وزوجها‪،‬‬ ‫الرسام "كيم كي‪-‬تشانغ" يف ستوديو‬ ‫منزهلما‪.‬‬ ‫‪ 3‬تفسر "تشون كيونغ‪-‬جا" عملها اخلاص‬ ‫بها "املرأة اجلميلة" (‪.)1977‬‬ ‫‪ 4‬ص ‪ 22‬يف "أسطوريت احلزينة" (‪)1977‬‬ ‫للفنانة "تشون كيونغ – جا"‪43،5 ،‬‬ ‫‪ 36 X‬سم‪ ،‬ألوان على الورق‪ ،‬متحف‬ ‫سيول للفن‪ ،‬مع حساسيتها األنثوية‬ ‫اخلاصة‪ ،‬أوجدت هذه الفنانة يوتوبيا‬ ‫الفرح مبزجها الطبيعة مع اإلنسانية‪.‬‬

‫واإلنسانية اليت ميكن امتالكها فقط من قبل النساء‪ .‬وبكسرها‬ ‫لت إىل الطريقة التقليدية يف استخدام وجهات‬ ‫حتو ْ‬ ‫لقواعد املنظور‪َّ ،‬‬ ‫النظر املتعددة اليت كانت شائعة يف عصر مملكة جوسون احلاكمة‪،‬‬ ‫ومألت اللوحات بأشياء متنوعة‪ .‬ومن خالل يدي هذه الفنانة‬ ‫املاهرة فإن اللون الساطع أعطى أعماهلا ليس احلسية فحسب‪ ،‬بل‬ ‫أيضا اجلمال واألناقة والرشاقة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن "بارك ري‪-‬هيون" و"تشون كيونغ‪-‬‬ ‫جا" سعتا إىل مواضيع خمتلفة وطرقا خمتلفة يف التعبري عن نفسيهما‪،‬‬ ‫كانتا متشابهتني يف حتويلهما احلر وإعادة بناء األشخاص واألشياء‬ ‫طبقا ملنطقهما وخياالتهما اخلاصة بهما‪ .‬وعلى حني أنها اتبعت‬ ‫بإخالص منطق الفن ملا بعد احلرب‪ ،‬فإن "بارك" حققت أسلوبا‬ ‫فرديا راقيا متيز بنظرتها النسوية األنثوية اخلاصة وإعادة بناء‬ ‫املواضيع‪ .‬من جهة أخرى فإن "تشون" رفضت منطق الفن يف ذلك‬ ‫الوقت ولكن مع ذوق مميز استطاعت إجياد أسلوب فريد عال يتميز‬ ‫بانفجار األلوان واخليال‪ .‬يف هذا املعىن‪ ،‬ميكن أن تُعترب الفنانتان‬ ‫رفيقتني على نفس املسار‪.‬‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪17‬‬


‫موضوع العدد ‪4‬‬ ‫رواد الفن التشكيلي احلديث‬

‫بارك سينغ‪-‬كوانغ‬ ‫نجم لوحات األلوان الكورية‬ ‫بارك يونغ‪-‬تيك‬

‫ناقد فين وأستاذ يف جامعة كيونغي‬

‫‪18‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬


‫"اإلمرباطورة ميونغسونغ"‬ ‫(‪ 200×330،)1984‬سم‪،‬‬ ‫ألوان على الورق‪ .‬يف الثمانينات‬ ‫بدأ "بارك سينغ‪-‬كوانغ" يف‬ ‫تطوير منطه اخلاص به بناء على‬ ‫البحث يف الشخصيات البوذية‬ ‫والشامانية والتارخيية‪.‬‬

‫مشى "بارك سينغ‪-‬كوانغ" مسارا غري عادي من حياته كرسام‪ ،‬مارا من خالل أوقات فوضوية عندما عانت‬ ‫األمة من احلكم االستعماري الياباين واألمناط الغربية للرسم اليت تدفقت إىل عامل الفن الكوري‪ .‬وبسبب‬ ‫لوحاته اليت فاضت باإلبداعية األصيلة والصور الكورية الروحية فهو حمرتم كواحد من أبرز الرسامني‬ ‫الكوريني يف القرن العشرين‪.‬‬

‫بعد‬

‫فرتة قصرية من دخول اللوحات والرسم الغريب يف أوائل القرن العشرين‪،‬‬ ‫ُوضعت كوريا حتت احلكم اإلمربيايل الياباين وأُجربت على احلداثة‪ .‬وحبرمانهم من‬ ‫التقليد‪ ،‬فإن الفنانني الكوريني أُجربوا على كتابة تارخيهم الفين اخلاص بهم‪ ،‬ويف‬ ‫خضم املواجهة بني النمطني التقليدي والغريب‪ ،‬فقد اختاروا متابعة "الفن الوطين"‬ ‫املستقل‪ .‬على أي حال‪ ،‬مال كثري من الفنانني لتجاهل الفن الكوري بسبب‬ ‫إعجاب أعمى بالفن الغريب‪ ،‬ويف جهودهم لتقليد األعمال الفنية الغربية‪ُ ،‬حرموا من‬ ‫أعماهلم الروحية وقوتهم الدينية عندما مروا يف أوقات فوضوية يف التاريخ احلديث‬ ‫من الفنون املعاصرة الكورية‪ ،‬وبعضهم اتبع طريقه اخلاص‪ ،‬وخري مثال على ذلك‬ ‫الفنان "بارك سينغ‪-‬كوانغ"(‪.)1985-1904‬‬ ‫الدراسة في اليابان‬ ‫ولد هذا الفنان من عائلة من الطبقة املتوسطة يف قرية زراعية يف جينجو‪،‬‬ ‫حمافظة كيونغسانغ اجلنوبية‪ ،‬وتعلم الكالسيكية الصينية يف كتّاب القرية يف أوائل‬ ‫سين املراهقة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تلقى تعليما حديثا يف مدرسة جينجو العامة‪ ،‬ومدرسة‬ ‫جينجو الزراعية‪ ،‬وسافر إىل اليابان لدراسة الفنون اجلميلة سنة ‪ .1920‬وقد‬ ‫التحق بكلية كيوتو البلدية اخلاصة للرسم سنة ‪ ،1923‬ومن املفرتض أن يكون‬ ‫متدربا أكثر منه طالبا منتظما‪ .‬درس ملدة سنتني على يدي "تاكيوتشي سيهو"‬ ‫(‪ )1942-1864‬وهو الشخصية القيادية يف كلية كيوتو للرسم على الطراز‬ ‫الياباين (نيهونغا)‪ ،‬والرسامني البارزين اآلخرين‪ ،‬مبن فيهم "مزراكامي كاغاكو"‬ ‫(‪ )1939-1888‬و"تسوتشيدا باكوسني" (‪ .)1936-1887‬يف ذلك الوقت‪،‬‬ ‫انتعشت ما كان يطلق عليها "دميقراطية تايشو" (‪ )1926-1912‬يف اليابان‪.‬‬ ‫وبسبب متتعهم باملناخ الليربايل التحرري املفتوح على الثقافة واحلضارة الغربية‪ ،‬فإن‬ ‫جربوا أمناطا جديدة من الرسم الياباين‪ ،‬وبهذه الطريقة‬ ‫عددا من الرسامني يف كيوتو َّ‬ ‫فتحوا حقبة جتريب الصخب والضجيج‪ .‬وقد قام "بارك سينغ‪-‬كوانغ" بتطوير منطه‬ ‫اخلاص يف رسم األلوان‪ ،‬متأثرا باجتاه ذلك الوقت‪ ،‬وذلك بناء على ما تعلمه يف‬ ‫الكلية‪ :‬التصوير األمني لألشكال والبناءات‪ ،‬وتقنيات رسم اخلطوط‪ ،‬واستخدام‬ ‫األلوان احلية الزاهية يف تقليد املدرسة الشمالية للرسم الصيين‪.‬‬ ‫وبعد إكمال مسار دراسة الفنون يف كلية كيوتو للفنون سنة ‪ ،1926‬غادر‬ ‫كيوتو متجها إىل طوكيو عند سن الثانية والعشرين‪ ،‬ودرس حتت يدي "أوتشياي‬ ‫روفو" (‪ .)1937-1896‬كان أستاذ "بارك" شخصية رائدة يف املدرسة املفرطة‬ ‫يف الواقعية من الطراز الياباين اجلديد‪ ،‬وكان مشهورا بلوحاته اليت تشدد على‬ ‫انبساط الرسم ويف نفس الوقت تعطي منظورا مع ألوان نقية براقة‪ .‬يف طوكيو‪،‬‬ ‫عمل "بارك" كعضو يف معهد مريو للفنون وعرض أعماله يف معرض مريو للفنون‪.‬‬ ‫مت‬ ‫كما عرض أعماله يف سيول‪ .‬ويف ‪ ،1930‬فاز "بارك" جبائزة عن لوحة ق ِّ‬ ‫ُد ْ‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪19‬‬


‫‪1‬‬

‫لقسم الفنون الغربية يف معرض جوسون التاسع للفنون‪ ،‬ويف السنة التالية فاز جبائزة‬ ‫عن لوحته "حديقة اخلضار" يف قسم الفنون الشرقية يف نفس املعرض‪ .‬ويف تلك‬ ‫الفرتة‪ ،‬أنتج "بارك سينغ‪-‬كوانغ" لوحات واقعية ومجيلة بألوان ناعمة‪ ،‬بغض النظر‬ ‫عن التمييز بني الفن الغريب والشرقي‪.‬‬ ‫التعبير في اآلسيوية‬ ‫بعد مخس وعشرين سنة من اإلقامة يف اليابان‪ ،‬عاد "بارك سينغ‪-‬كوانغ"‪ ‬إىل‬ ‫كوريا كأب يف منتصف العمر وله ولدان وذلك يف يناير ‪ .1945‬عاىن من الفقر‬ ‫يف وطنه‪ ،‬مث عاد ثانية إىل طوكيو يف ‪ ،1974‬لكي "حياكم نفسه"‪ .‬قال‪" :‬مع كامل‬ ‫‪20‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫وجودي‪ ،‬أود أن أُعبرِّ عن آسيا وليس عن اليابان‪ ،‬وهذا الطموح هو الدافع لعملي‪.‬‬ ‫كفرد من آسيا‪ .‬أود أن أُبدع لوحات جتسد الروح "اآلسيوية" دون أن تكون‬ ‫حمصورة يف كوريا أو اليابان‪ .‬إن الرسم على النمط الياباين جمرد وسيلة للتعبري‪".‬‬ ‫ويف ‪ ،1975‬أقام "بارك سينغ‪-‬كوانغ" معارضه اليت تضم أعماله فقط‬ ‫ثالث مرات يف طوكيو ومرة يف أوساكا وناغويا (مدينتني يابانيتني) على التوايل‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنه أراد أن جيمع أمواال لكي يبقى فرتة أطول يف اليابان‪ ،‬إال أن‬ ‫مبيعات أعماله مل تكن ناجحة‪ .‬بعد أن أمضى معظم حياته يف اليابان‪ ،‬عاد هذا‬ ‫الفنان أخريا إىل كوريا سنة ‪ 1977‬وبقي فيها كدخيل على عامل الفن الكوري‪،‬‬ ‫الذي كان راغبا يف حمو كل آثار احلكم االستعماري الياباين‪.‬‬


‫أسس "بارك سينغ‪-‬كوانغ" منطا غير مسبوق لرسم اللوحات مع‬ ‫عناصر من الرسوم الكورية التقليدية ‪ -‬أي قوة األلوان واألفكار‪،‬‬ ‫والتعبير اجلريء‪ ،‬والتناغم بني الرسالة والتركيب‪ُ .‬م َ‬ ‫له ًما باملظاهر‬ ‫البدائية للفن البوذي والشاماني‪ ،‬استخدم ألوانا قوية وخطوطا‬ ‫خارجية جريئة لصهر رسوماته مع القوة الروحية‪ .‬أيضا مزج ف ُّنه‬ ‫الديانة البوذية والشامانية والشعبية لعرض كوكبة من الصور‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وبعد التحرير يف ‪ ،1945‬نبذ الرسامون‬ ‫الكوريون بشكل كبري الرسم باأللوان وذلك بسبب‬ ‫كونه أثرا من آثار الرسم الياباين التقليدي‪ ،‬واتبعوا‬ ‫الرسم باحلرب املبين على التعلم كبديل وحيد للرسم‬ ‫باأللوان‪ .‬وقد مت استبعاد "بارك سينغ‪-‬كوانغ" تقريبا‬ ‫متاما من دوائر الفن الكوري‪ ،‬ذلك ألنه كان شخصية‬ ‫غري معروفة على نطاق واسع وكانت أعماله متـأثرة‬ ‫بشكل كبري بالرسم الياباين‪ ،‬على أي حال دفع هذا‬ ‫التغريب والعزلة بارك إىل أن يبدع أعماله الفنية‬ ‫األصيلة اخلاصة به‪.‬‬

‫‪" 1‬شامان" (‪،)1981‬‬ ‫‪ 136×136‬سم‪ ،‬ألوان‬ ‫على الورق‪ ،‬مستلهما من‬ ‫قبل الرسومات واللوحات‬ ‫الشامانية والبوذية اليت كانت‬ ‫تضم تقنيات بدائية‪ ،‬مثل‬ ‫األلوان الرباقة‪ ،‬واخلطوط‬ ‫اخلارجية الكثيفة‪ ،‬مشربا‬ ‫هذه اللوحات بقوة روحية‪.‬‬ ‫‪ 2‬عاد "بارك"‪ ،‬الذي تأثر عمله‬ ‫بشكل قوي بنمط الرسم‬ ‫الياباين احلديث‪ ،‬إىل كوريا‬ ‫يف أواخر سنوات حياته‪،‬‬ ‫وأمضى أيام وحدته مكرسا‬ ‫إياها لفنه‪.‬‬

‫ألوان وخطوط تنعش قوة الرسم‬ ‫الكوري التقليدي‬ ‫من مثانينات القرن العشرين‪ ،‬بدأ "بارك سينغ‪-‬كوانغ" بتأسيس منطه الفريد‬ ‫يف الرسم بناء على أحباث يف البوذية الكورية التقليدية ورسومات ولوحات‬ ‫الشامانيني والشخصيات األخرى‪ ،‬وأعاد تفسري "اجلماليات الكورية" مع مواضيع‬ ‫وأفكار أخذت من هذه األنواع من الرسومات‪ .‬يبدو أن موقف "بارك" جتاه التقليد‬ ‫تأثر بفن العامل املعاصر‪ ،‬الذي كانت فيه هذه األنواع املذكورة آنفا من اللوحات‬ ‫والرسوم حتظى بتقدير كبري باعتبارها حاملة لتقليد الرسم الكوري‪ .‬مل يكن بارك‬ ‫استثناء يف هذا االجتاه‪ ،‬وكان لتعبريه الواقعي مع األلوان احلية الزاهية ارتباط وثيق‬ ‫بهذه الرسوم الدينية والشعبية‪ .‬أسس "بارك" منطا غري مسبوق لرسم اللوحات مع‬ ‫عناصر من الرسوم الكورية التقليدية ‪ -‬أي قوة األلوان واألفكار‪ ،‬والتعبري اجلريء‪،‬‬ ‫والتناغم بني الرسالة والرتكيب‪ُ .‬مل َه ًما باملظاهر البدائية للفن البوذي والشاماين‪،‬‬ ‫استخدم ألوانا قوية وخطوطا خارجية جريئة لصهر رسوماته مع القوة الروحية‪.‬‬ ‫أيضا مزج فنُّه الديانة البوذية والشامانية والشعبية لعرض كوكبة من الصور‪.‬‬ ‫وبشكل خاص‪ ،‬كان لديه اهتمام كبري يف الشامانية‪ ،‬واملرتبطة ارتباطا وثيقا مع‬ ‫الالوعي يف األشخاص العاديني‪.‬‬ ‫متثل لوحات "بارك" صورا جمردة مشوشة أو جتميعا عشوائيا لصور مجُ زأة‪.‬‬

‫يبدو أن املبدأ الصارم للمنظور يفقد قوته يف لوحته املزخرفة واليت تضم جتاور‬ ‫الصور املسطحة‪ .‬إذا حاول الفن الغريب التقليدي التغلب على تسطيح ذي بعدين‪،‬‬ ‫وكذلك ليعكس النظرة املوجهة حنو اإلنسان مع اجلهاز الومهي للمنظور‪ ،‬فإن‬ ‫اللوحات اآلسيوية التقليدية قد حثت الطاقة العقلية ويف نفس الوقت احرتمت‬ ‫االنبساط اجلوهري للرسم‪ .‬وباتباعه للتقليد‪ ،‬قام "بارك" برتتيب حر لألشياء‬ ‫ليتجاوز بها الزمان واملكان على سطح صورة منبسطة للوحة مزخرفة‪ ،‬وهذه‬ ‫الصور اليت تبدو أنها خام بنت العامل الواسع العميق لفن بارك‪ ،‬وبشكل خاص‪،‬‬ ‫اخلطوط الربتقالية اليت أوجدت حيزا ديناميكيا ويف نفس الوقت تكامال للصور‬ ‫املتغايرة وعناصر فريدة من أسلوب "بارك"‪.‬‬ ‫مل ير "بارك سينغ‪-‬كوانغ" التقليد على أنه جمرد مصدر ألفكار ومواضيع‬ ‫لوحاته‪ .‬بدال من ذلك‪ ،‬حاول أن يرسل املعىن احلقيقي للتقليد واستعادة الصور‬ ‫الكورية التقليدية الروحية‪ .‬أعادت لوحاته قوة وقيمة اللوحات البوذية التقليدية‪،‬‬ ‫والشامانية‪ ،‬والشعبية‪ ،‬واليت كانت قد عانت فرتة طويلة من عدم التقدير أو اإلمهال‪.‬‬ ‫ويف صراعه مع سنوات طويلة من الفقر والعزلة‪ ،‬فقد بىن "بارك سينغ‪-‬‬ ‫كوانغ" بشكل ثابت عامله الفين الفريد‪ .‬معظم أعماله الرائعة املنتجة يف الثمانينات‬ ‫كانت متثل عالمة بارزة يف تاريخ الفن الكوري املعاصر‪ .‬يف لوحات األلوان اليت‬ ‫رمسها‪ ،‬تبدو األلوان احلية الزاهية ترقص بتناغم مع األفكار واملواضيع البوذية‬ ‫والشامانية والشعبية‪ .‬كان فن "بارك" حركة غري مسبوقة للفن الكوري‪ ،‬وجاء على‬ ‫شكل صدمة للرسامني اآلخرين الذين أنتجوا بشكل متكرر لوحات ألوان راقية من‬ ‫النساء اجلميالت والزهور‪ .‬ومع إشارة العديد من الفنانني إىل لوحات بارك‪ ،‬فإن‬ ‫دوائر الرسم الكورية التقليدية خطت خطوة لألمام يف منتصف الثمانينات‪ ،‬مبتعدة‬ ‫عن لوحات الرسم باحلرب التقليدي مع أفكار الكليشيهات‪.‬‬ ‫أدهش "بارك" العديد من األشخاص مع عدد من األعمال الرائعة اليت‬ ‫أنتجها قبل أن يبلغ الثمانني عاما من العمر‪ .‬تويف بارك بسبب سرطان احلنجرة‬ ‫عند سن اثنني ومثانني عاما‪ .‬من املؤسف أنه مل يستمتع بثمار جهود دامت طيلة‬ ‫حياته بسبب املوت املفاجئ‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن لوحاته الرائعة اليت أنتجت خالل‬ ‫فرتة قصرية من الزمن قبل وفاته متاما‪ ،‬جعلت "بارك سينغ‪-‬كوانغ" جنما أللوان‬ ‫اللوحات الكورية‪.‬‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪21‬‬


‫موضوع العدد ‪5‬‬ ‫رواد الفن التشكيلي احلديث‬

‫الفنان الكوري المحبوب جدا‬

‫بارك سو‪-‬كون‬ ‫تحويل الكآبة‬ ‫التي كانت في أوقات الذروة‬ ‫إلى انفعال‬ ‫تويف‬

‫"بارك سو‪-‬كون" (‪ )1965-1914‬سنة ‪ 1965‬وهو يف احلادية‬ ‫واخلمسني‪ ،‬عندما كان يف أوج عطائه الفين‪ .‬يف ‪ ،1957‬قبل مثاين سنوات من‬ ‫وفاته‪ ،‬أخفق يف أن جيعل عمله مقبوال يف معرض الفنون الوطنية‪ .‬بالطبع يف تلك‬ ‫الفرتة كان "بارك" فنانا معروفا بشكل جيد‪ ،‬وقُبلت أعماله سابقا يف مجعية الفنون‬ ‫الكورية عدة مرات‪ ،‬ويف ‪ُ ،1955‬منح جائزة مدير اللجنة الثقافية يف جملس‬ ‫األمة يف معرض مجعية الفنون الكورية‪ .‬ولكن عند مساعه بفشله غري املتوقع سنة‬ ‫‪ ،1957‬قيل إنه انفجر يف البكاء‪ .‬لقد كانت النتيجة أيضا صعبة الفهم آخذين يف‬ ‫االعتبار أنه بعد سنتني‪ ،‬يف ‪ ،1959‬مت اختياره كفنان ِ‬ ‫حظ َي بالتزكية يف معرض‬ ‫الفنون الوطنية‪ ،‬ومت تعيينه حكما يف نفس مسابقة ‪.1962‬‬ ‫كان "بارك سو‪-‬كون" فنانا علم نفسه بنفسه وال ميلك من التعليم سوى‬ ‫وح َك ًما يف معرض الفنون‬ ‫تعليم املرحلة االبتدائية‪ .‬إن اختياره كفنان بالتزكية َ‬ ‫الوطنية هو بال شك شهادة على مكانته كشخصية رائدة يف دائرة الفن الكوري‪،‬‬ ‫رت له األوساط الرمسية‪ .‬ولكن يف الواقع‪ ،‬هذه احلركات‬ ‫على األقل حبسب ما ق َّ‬ ‫َد ْ‬ ‫اليت تُسيسها القوى املهيمنة يف دائرة الفن كانت بالفعل أقرب إىل السخرية‪.‬‬ ‫فاضت دموع هذا الرجل الشاب من االستبطان وحبث الدوافع وقلب لني حنون‪.‬‬ ‫نتج عن تعذيب الذات هذا إصابته بتشمع الكبد‪ ،‬وإعتام عدسة العني‪ ،‬ومرض‬ ‫الكلى‪ ،‬والتهاب الكبد‪ .‬بقي الفقر الذي مل يستطع أن يهرب منه طيلة حياته‬ ‫واملؤامرات القوية يف مشهد الفن احمللي‪ ،‬بقيت كلها مشكلة دائمة يف حياة‬ ‫"بارك"‪ ،‬الذي مل تكن له روابط إقليمية أو أي روابط أخرى تساعده‪ .‬ويف النهاية‬ ‫تويف يف وقت مبكر جدا من العمر‪.‬‬ ‫أحالم رسم احلياة اليوم‬ ‫عندما كان صبيا صغريا‪ ،‬تجَ​َ َّول "بارك" يف اجلبال واحلقول‪ ،‬ورسم اللوحات‬ ‫للمشاهد اليومية‪ ،‬مثل احلياة الريفية للنساء اللوايت يعملن يف املزرعة‪ ،‬أو القرويني‬ ‫َ‬ ‫الذين يلتقطون األعشاب اخلضراء الربية‪ .‬وعندما تصادف أن رأى نسخة من‬ ‫لوحة "مالك ميليت"(‪ )Millet’s L'Angelus‬بدأ بتشكيل حلم غامض وهو أن‬ ‫يصبح فنانا عظيما مثل ميليت‪ .‬أصبحت رغبة ميليت يف رسم أشياء كما رآها‬ ‫‪22‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫تشوي يول ناقد فين‬

‫"بارك سو‪-‬كون" هو فنان َّ‬ ‫علم نفسه بنفسه‪ ،‬ومارس الفن بال توقف وحقق‬ ‫مجاال فنيا بسيطا وقدميًا يف أعماله‪ .‬أسلوبه ‪ -‬الذي يبدو ‪ -‬يصل إىل حد "أسرار‬ ‫الوجود اليت ال يُسرب غورها"‪ ،‬هو أسلوب ال ميكن حماكاته‪ ،‬والذي مثَّل أوج‬ ‫تبص ًرا يف األزمان‪.‬‬ ‫الفن الكوري يف أيامه‪ ،‬ويعطينا ُّ‬

‫والتعبري عنها بأفضل صورة ممكنة‪ ،‬أصبحت هي نفسها حلم "بارك سو‪-‬كون"‬ ‫الشاب أيضا‪ .‬أُعجب بارك بعمل ميليت إعجابًا شديدا‪ ،‬ومثل ميليت‪ ،‬سعى‬ ‫إىل أن ميسك بأمانة باملشهد الطبيعي ملسقط رأسه الريفي واحلياة اليومية للناس‬ ‫البسطاء الذين عاشوا فيه‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من طموحات "بارك" احلقيقية‪ ،‬مل تتحمل عائلته أن ترسله‬ ‫إىل مدرسة أو كلية فنية‪ ،‬لذا رسم بنفسه‪ ،‬ويف سن ‪ 18‬كانت له لوحة رمسها‬ ‫وقد قُبلت يف معرض جوسون للفنون‪ .‬يف ذلك الوقت‪ ،‬كانت هذه هي الطريقة‬ ‫كرس "بارك" نفسه‬ ‫الوحيدة للفنان للظهور لكي يعرض أعماله يف املشهد الفين‪َّ .‬‬ ‫َّرت له فرصة عمل‬ ‫حتسن ظروفه‪ ،‬توف ْ‬ ‫لفنه من ذلك الوقت‪ ،‬ولكن بسبب عدم ُّ‬ ‫سنة ‪ 1953‬وهي رسم لوحات يف قيادة التحقيقات اجلنائية األمريكية ويف‬ ‫املقصف يف قاعدة للجيش األمريكي يف سيول‪ .‬ونتيجة لذلك أطلق عليه لقب‬ ‫"فنان اللوحات اإلعالنية"‪ ،‬وقد جتاهله الناس إىل حد كبري‪ ،‬ولكنه باملال الذي‬ ‫وفره متكن من االستقرار يف كوخ يف "تشانغسني‪-‬دونغ" اليت كانت يف تلك األيام‬ ‫إحدى ضواحي سيول‪.‬‬ ‫على أي حال‪ ،‬يف أواخر سين عمره‪ ،‬لفت "بارك" انتباه األجانب يف سيول‪،‬‬ ‫مثل ماريا هندرسون زوجة نائب قنصل يف السفارة األمريكية‪ ،‬ومارجريت ميلر‬ ‫زوجة دبلوماسي آخر أمريكي‪ ،‬وسيليا زمريمان تاجرة وجامعة للوحات‪.‬‬ ‫ثبت أ ّن هؤالء األشخاص كانوا دعما قويا جدا لـ"بارك"‪ .‬ويف الثامنة‬ ‫معرضا‪ ،‬ولكن يف ‪ ،1962‬نظم رعاته األمريكيون‬ ‫واألربعني‪ ،‬مل يكن أبدا قد أقام ً‬ ‫واملعجبون به معرضه األول بلوحاته وحده دون مشاركة أي فنان آخر‪ ،‬وذلك‬ ‫يف القاعدة األمريكية اجلوية يف "بيونغتيك"‪ .‬على الرغم من أن شأن هذا املعرض‬ ‫كان بسيطا‪ ،‬حيث أقيم يف مكتبة يف القاعدة العسكرية األمريكية‪ ،‬فقد كان أول‬ ‫وآخر معرض منفرد يف حياة "بارك سو‪-‬كون"‪.‬‬ ‫على مسار فنان‪ ،‬عنيد ووحيد‬ ‫يف ‪ ،1958‬السنة اليت أعقبت سنة فشله يف املشاركة يف املعرض الفين‬ ‫الوطين‪ ،‬شوهد عمل "بارك" فعليا يف "معرض الشرق والغرب" الذي أقيم يف سان‬


‫©‬

‫رواق هيونداي‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫© متحف بارك سو‪-‬كون‬

‫‪" 1‬بنات يلعنب لعبة‬ ‫اجلاكستون"‪،‬‬ ‫(الستينات)‪30×22 ،‬‬ ‫سم‪ ،‬رمست بالزيت على‬ ‫لوح صلب‪.‬‬ ‫‪" 2‬بارك سو‪-‬كون" جالسا‬ ‫يف بيته مع زوجته "كيم‬ ‫بوك‪-‬سون"‪ ،‬وابنته الثانية‬ ‫"إين‪-‬آي"‪ ،‬يف سنة‬ ‫‪.1959‬‬

‫لم يكن لديه معلم أو تقليد يتبعه‪.‬‬ ‫كان حرا في وضع توجيهه اخلاص به‬ ‫ورسم ما شاء أن يرسم‪ .‬وبسبب عدم‬ ‫وجود خلفية مدرسة فنية المعة‪،‬‬ ‫فلم يكن بإمكانه أن يأخذ جانبا‬ ‫من السياسة في دائرة الفن‪ ،‬وفي‬ ‫الواقع لم تكن له رغبة في ذلك‪ .‬كان‬ ‫يكسب رزقا قليال حيث كان يتجول‬ ‫من محافظة "كانغوون" إلى سيول‬ ‫وبيونغ يانغ‪ ،‬ولكن بالثبات والتمسك‬ ‫وحيدا استطاع أن يشق طريقه قدما‬ ‫كفنان‪ .‬لقد رسم ما أراد أن يرسمه‬ ‫فقط‪،‬‬ ‫وسجل بأمانة احلياة اجلميلة –‬ ‫َّ‬ ‫رغم صعوبتها ‪ -‬لألشخاص العاديني‪.‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪23‬‬


‫فرانسيسكو الذي ترعاه اللجنة األمريكية لليونسكو‪ ،‬و"معرض الرسم الكوري‬ ‫احلديث" الذي أقيم يف معرض البيت العاملي يف نيويورك‪ .‬ومث سنة ‪ ،1959‬مت‬ ‫ترشيحه ليكون الفنان املُ َّ‬ ‫زكى يف معرض الفنون الوطين‪ ،‬و ُدعي لكي يشارك يف‬ ‫"معرض جوسون إلبو الثالث للفنانني احلديثني"‪ .‬وبفضل إجنازاته خارج كوريا‪،‬‬ ‫متكن "بارك" من التغلب على احلواجز يف كوريا‪ .‬على الرغم من أنه يتحتم علينا‬ ‫القول إن هذه الطريقة يف اتباع آثار خطوات الغرب هي صورة حزينة للمجتمع‬ ‫الكوري يف القرن العشرين‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬كسب "بارك" يف بعض النواحي من حيث عدم ارتباطه‬ ‫باالجتاهات اليت كانت قائمة يف الوسط الفين‪ .‬مل يكن لديه معلم أو تقليد يتبعه‪.‬‬ ‫كان حرا يف وضع توجيهه اخلاص به ورسم ما شاء أن يرسم‪ .‬وبسبب عدم‬ ‫وجود خلفية مدرسة فنية المعة‪ ،‬فلم يكن بإمكانه أن يأخذ جانبا من السياسة يف‬ ‫دائرة الفن‪ ،‬ويف الواقع مل تكن له رغبة يف ذلك‪ .‬كان يكسب رزقا قليال حيث‬ ‫كان يتجول من حمافظة كانغوون إىل سيول وبيونغ يانغ‪ ،‬ولكن بالثبات والتمسك‬ ‫وحيدا استطاع أن يشق طريقه قدما كفنان‪ .‬لقد رسم ما أراد أن يرمسه فقط‪،‬‬ ‫وسجل بأمانة احلياة اجلميلة – رغم صعوبتها ‪ -‬لألشخاص العاديني‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وقد حاول تقريبا كل الفنانني الشباب يف ثالثينات القرن العشرين الذين‬ ‫عاشوا حتت حكم اإلمربيالية اليابانية‪ ،‬حاولوا التقاط اللون احمللي أو نكهة الريف‬ ‫يف أعماهلم‪ ،‬مدركني أن هذا كان أحد معايري احلكم على كل أنواع املنافسات‪.‬‬ ‫ويف تلك األيام كان "بارك" شابا يف العشرينات من عمره يصارع مع قسوة‬ ‫احلياة‪ .‬ومل حيلم أبدا بأن يفوز باجلائزة الكربى‪ ،‬كل ما كان يأمل به أن يُقبل عمله‬ ‫يف املعرض الوطين‪ .‬وكان دائما غائبا بل غريبا عن املشهد الفين‪ ،‬ولكن مل يكن له‬ ‫مكان يلجأ إليه لقتل وحدته‪ ،‬ويف األربعينات من القرن املاضي بدأ "بارك" أخريا‬ ‫باالختالط مع فنانني آخرين‪ .‬وقد حصل "بارك" على وظيفة ككاتب يف مكتب‬ ‫حمافظة بيونغآن اجلنوبية (وهي منطقة تقع اآلن يف كوريا الشمالية)‪ ،‬وهناك التقى‬ ‫مع "تشوي يونغ‪-‬ليم" (‪ )1985-1916‬و"جانغ ري‪-‬سوك" (‪) -1916‬‬ ‫ورزق بولد‪،‬‬ ‫و"هوانغ يو‪-‬يوب" (‪ .)2010-1916‬ويف نفس السنة تزوج أيضا ُ‬ ‫وعلى الرغم من أن راتبه كان قليال جدا إال أن زوجته بقيت ثابتة معه‪ .‬يعتقد‬ ‫بأن الفرتة من ‪ 1944-1940‬كانت هي األسعد يف حياة الفنان‪ .‬مع زوجته‬ ‫"كيم بوك‪-‬سون"‪ ،‬مثاله ورفيقته الدائمة يف احلياة‪ ،‬تغلب بارك على كل أنواع‬ ‫الصعوبات‪.‬‬

‫‪" 1‬فتاة حتمل على ظهرها طفال صغريا" (‪ 13×28 ،)1953‬سم‪ ،‬رمست‬ ‫بالزيت على الكنفاة‪.‬‬ ‫‪ 2‬متحف "بارك سو‪-‬كون"‪ ،‬بُين سنة ‪ 2002‬على موقع مكان والدته يف‬ ‫"يان ّغو"‪ ،‬حمافظة "كانغوون"‪ .‬التشطيبات الداخلية من اجلرانيت وذلك‬ ‫لرتمز إىل ملمس رسومات ولوحات "بارك"‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫‪1‬‬

‫األحاسيس العمرانية املدنية احلديثة‬ ‫كان "بارك" رساما يعامل الرتاث بإحساس حضري حديث متا ًما‪.‬‬ ‫وألنه زرع نفسه من الريف يف املدينة‪ ،‬وأخريا استقر بعد اجنرافات كثرية يف‬ ‫أطرافها‪ ،‬معانيا طيلة هذه الفرتات‪ ،‬فإن موضوعه يف الرسم حتول من املاضي‬ ‫إىل احلاضر‪ ،‬ومن الكالسيكي إىل احلديث‪ .‬قال عنه الناقد الفين "يل كيونغ‪-‬‬ ‫سونغ"(‪" ،)2009-1919‬إنها لشهادة على موهبة "بارك سو‪-‬كون" أنه كان‬ ‫قادرا على أن يتناول فكرة وموضوع مسقط رأسه يف القرية‪ ،‬والذي ميكن أن‬ ‫يصبح مهمال مبتذال بسهولة‪ ،‬وبدال من ذلك حوله إىل قصيدة غنائية نظيفة ونبيلة‬ ‫لألشخاص العاديني‪ .‬وأكثر من موهبة‪ ،‬ميكن أن يكون ذلك عرض لشخصيته اليت‬ ‫كانت بال تكلف متاما‪ .‬ميكن أن نعزو التواضع يف أعماله إىل حقيقة أنه‪ ،‬بغض‬ ‫النظر عن الوقت الذي يستغرقه يف الرسم‪ ،‬سوف يكون دائما‪ ،‬وإىل حد معني‪،‬‬ ‫هاويا يف القانون األساسي ويف طرقه‪ .‬تتمتع أعماله بصحة بدائية‪ ،‬مل تشوهها‬


‫‪2‬‬

‫تقنية أو شيء مصطنع‪ .‬فنان مثل هذا مل يولد من جهد فرد وحيدا‪ ،‬ولكن نتيجة‬ ‫ألوقات أو بيئة‪".‬‬ ‫بدأ "بارك سو‪-‬كون" كهاو ال يعرف أي شيء عن النظرية األكادميية‬ ‫أو التقنيات‪ ،‬وال بد أنه حبث عن مادة فنه يف بلدته مسقط رأسه (منذ الفرتة‬ ‫االستعمارية اليابانية)‪ ،‬حىت لو كان ذلك بغري وعي منه‪ .‬على أي حال‪ ،‬تقريبا‬ ‫ليس هناك أي من أعمال "بارك" من الثالثينات واألربعينات باق حىت اآلن‪.‬‬ ‫كانت لوحات ورسومات تلك الفرتة‪ ،‬اليت كان ميكن أن تُرى فقط يف الصور‬ ‫الفوتوغرافية‪ ،‬مهيمنا عليها خطوط حمنية وخشنة‪ ،‬على الرغم من إنتاجها بعناية‪.‬‬ ‫من األربعينات بدأ باستخدام الدهان اللزج الكثيف واخلطوط اخلارجية الكثيفة‪،‬‬ ‫وأظهر رغبة يف إعادة خلق بعض الصور من حيث الظالل والرتكيب‪ .‬ميكن أن‬ ‫نرى ذلك يف لوحات مثل "النساء اللوايت يلتقطن اخلضراوات" من األربعينات‪،‬‬ ‫اليت تصور الرتكيبة الدقيقة للوحته باأللوان املائية سنة ‪ 1937‬وهي "الربيع"‪،‬‬ ‫يطحن احلبوب يف الطاحونة"‪ ،‬يفرتض أنها يرجع تارخيها‬ ‫وكذلك "النساء اللوايت‬ ‫ّ‬ ‫إىل أواخر األربعينات‪.‬‬ ‫منذ اخلمسينات بدأ "بارك" يف تطوير أسلوب واضح له‪ .‬كانت مواضيع‬ ‫لوحاته ترسم بانبساط‪ ،‬أصبحت حدود اللوحات اخلارجية أكثف وأبسط‪،‬‬ ‫وخطوط الرسم أكثر استقامة بشكل عام‪ .‬من األمثلة اجليدة على ذلك "امرأة‬ ‫تطحن باهلاون"‪ ،‬و"مكان الغسيل" من سنة ‪ 1954‬و"املرأتان والشجرة" من‬ ‫‪ .1962‬أوجد سطحا خشن امللمس بوضع عدة طبقات من الدهان فوق بعضها‬ ‫البعض بطريقة ممنهجة مثل اخليوط املنسوجة للقماش‪ .‬جنح يف إجياد ملمس‬ ‫ملنحوتات احلجر اجلرانييت التقليدي‪ .‬يف تلك األيام أحس "بارك" مبصدر غري حمدد‬ ‫من اجلمال يف األعمال الفنية التقليدية مثل أبنية املعابد من احلجر‪ ،‬وصور بوذا‬ ‫املنحوتة من احلجارة وأراد أن يعطي ذلك الشعور للوحاته‪.‬‬

‫فيما يتعلق بأعماله اخلاصة به وأسلوب لوحاته‪ ،‬قال "بارك" سنة ‪،1962‬‬ ‫"يف هذه األيام أستخدم تقنيات الرمزية واالنطباعية‪ .‬أحاول أن أوجد لوحات‬ ‫كتانية مجيلة‪ ".‬بالتأكيد أن الشيء الذي سعى لتمثيله والرمز إليه هو "حياة‬ ‫األزمان"‪ .‬بالنسبة لـ"بارك"‪ ،‬الذي مارس حياة احلرب وحياة املدينة‪ ،‬أصبحت‬ ‫السذاجة والبساطة مواضيع للرمزية‪ .‬حياة الناس العاديني يف أطراف املدينة‪،‬‬ ‫موضوع بدأ الناس باعتناقه حديثا‪ ،‬وأصبح أيضا مواضيع للرمزية مثل األسرار‬ ‫واألساطري يف متاثيل بوذا احلجرية‪ .‬يف فرتة من الفرتات‪ ،‬حتول اهتمام بارك إىل‬ ‫إجياد "لوحات ميكن للمرء فيها أن يشعر مبصدر وأصل اجلمال"‪ ،‬أو حبسب‬ ‫كلماته "اللوحات اجلميلة‪.‬‬ ‫أضفى "بارك" على لوحاته‪ ،‬ذات التنميق القوي‪ ،‬مزاجا للمدينة اليت‬ ‫وقعت يف شراك الرأمسالية‪ .‬مل يبلغ أي فنان من فناين اليوم ما بلغه "بارك" يف هذا‬ ‫األمر‪ ،‬ويف هذا املعىن كان يف قلب الرواد‪ .‬مل يكن منقطع النظري فحسب‪ ،‬بل أجنز‬ ‫أكرب منوذج حديث يومي‪" .‬وباستخدام اللون الرمادي كلونه و"نغمته" الرئيسي‪،‬‬ ‫فإن اللون األبيض واألسود واللمسات وليدة اللحظة لألزرق‪-‬األخضر تلمع مثل‬ ‫النجوم يف اللوحات املفعمة باحلزن‪ .‬وباستخدام الرتكيبات الصلبة‪ ،‬واحدة تلو‬ ‫األخرى‪ ،‬فقد استخدم ألوانه املتميزة‪ ،‬البسيطة ولكنها بارعة ومتقدمة"‪ ،‬هكذا‬ ‫قال عنه الناقد الفين "يل كيونغ‪-‬سونغ"‪.‬‬ ‫"بارك سو‪-‬كون" الذي عاش حياة صعبة خشنة حتت االحتالل الياباين‪،‬‬ ‫والذي أعقبه احلرب والرأمسالية احلديثة‪ ،‬أصبح معروفا أكثر ومشهورا أكثر بعد‬ ‫موته‪ ،‬وهو اليوم من أكثر الفنانني احملبوبني يف كوريا‪ .‬يف اهلوامش ما بني البدائية‬ ‫واحلضارة‪ ،‬والريف واملدينة والواقعية والتجريد والتقليد واحلداثة‪ ،‬أوجد "بارك"‬ ‫غنائية مكتشفة نقية وحقق يف نهاية املطاف عامل السكينة البعيد‪.‬‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪25‬‬


‫عرض فني‬

‫بولسانغ‬

‫حركة هجينة‬ ‫في البحث عن الهوية‬ ‫لقد نال إنتاج الشركة الوطنية الكورية املعاصرة للرقص "بولسانغ"‪ ،‬الذي أنتجته آن أي‪-‬سون‪،‬‬ ‫مديرة الرقص ورئيسة الشركة‪ ،‬استحسانا يف داخل البالد وخارجها منذ عرضه األول يف‬ ‫‪ .2009‬وقد أوجد هذا اإلنتاج الفين الغريب واملُنتقَى من حركات الرقص العابر لثقافات خمتلفة‬ ‫وأنواع أصيلة‪ ،‬مزجيًا فنيًا ممت ًعا‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫شيم جونغ‪-‬مني‬

‫ناقد رقص‬



‫عندما‬

‫تُفتح الستارة‪ ،‬يأيت اجلمهور وجها لوجه مع تركيبات‬ ‫من التماثيل املذهبة ومتاثيل لبوذا يف حالة جلوس على املسرح‪.‬‬ ‫تظهر أعداد من الرسوم األيقونية الدينية إضافة إىل شخصيات‬ ‫بوذا مث ختتفي‪ .‬وهي تشتمل على متثيالت للسيد املسيح وآخرين‬ ‫غري معروفني كثريا‪ ،‬بعضهم يرتدي مالبس تعبريية أشبه مبالبس‬ ‫املهرج‪ ،‬مما يزود الراقصني خبلفية ديناميكية‪ ،‬والذين يرتدون‬ ‫أقنعة متثل‪ :‬أسرتو بوي‪ ،‬وشريك‪ ،‬والصنفور‪ ،‬وألرتامان‪ ،‬وبارت‬ ‫سيمبسون‪ ،‬وشخصيات أخرى فكاهية هزلية من الكتب‪ ،‬حيث‬ ‫يشقون طريقهم حبرية بني التماثيل‪ ،‬صانعني بهذه احلركات‬ ‫إشارات ولفتات "عبثية سخيفة"‪ .‬ترسم البولسانغ خطو ًطا‬ ‫متوازية يف نشرها لأليقونات الدينية والشخصيات الشعبية يف‬ ‫األدب الفكاهي‪ :‬كلها منتجات من صنع اإلنسان‪ ،‬ولكنها أكرب‬ ‫من احلياة‪ ،‬بعضها خارق لقوانني الطبيعية وبعضها ميلك قوة خارقة‬ ‫ضخما يف اخليال الشعيب وتأيت لتمثل الرغبة‬ ‫هائلة؛ وهي تُلقي ظلًا ً‬ ‫البشرية للتطلع لألعلى واالرتفاع فوق الضعف والضآلة‪ ،‬اخلري‬ ‫الذي يصارع ضد الشر‪ ،‬وبهذه الطريقة يفوز بالتأكيد النهائي‪.‬‬ ‫كما يصعب أيضا حتديد حركات الراقصني‪ .‬هناك آثار‬ ‫من الرقص اآلسيوي التقليدي مثل تلك اليت من كوريا‪ ،‬والصني‬ ‫واهلند باإلضافة إىل حركات اجلسم من الغرب مبا يف ذلك رقصة‬ ‫اليب بوي وفنون الدفاع عن النفس‪ .‬مل تعد احلدود واضحة بني‬ ‫املقدس واملدنس‪ ،‬والشرق والغرب‪ .‬يصبح املسرح نفسه خليطا‬ ‫غريبا‪ .‬وللغوص يف هذه الرواية‪ ،‬وامللعب املذهل الرائع من الصور‬ ‫واخلياالت‪ ،‬يكون من املفيد أن تدمر الصورة األصلية والقوة‬ ‫اإلبداعية وراء هذا العمل‪.‬‬ ‫اإللهام‪ :‬حانة بوذا‬ ‫يأيت العنوان "بولسانغ" من الصورة الصوتية للكلمة‬ ‫الكورية اليت تعين متثال بوذا‪ .‬وهذا يصف املوضوع الرئيسي لألداء‬ ‫الذي يهدف إىل إلقاء ضوء جديد على الصورة األيقونية التقليدية‬ ‫البوذية‪ .‬وقد أهلمت حانة بوذا "آن أي‪-‬سون"‪ ،‬مديرة الفنون يف‬ ‫شركة الرقص‪ ،‬وهو فندق بوتيك فرنسي ومكان شراب‪ ،‬مفعم‬ ‫بعناصر من االستشراق‪ ،‬ويف غالبيتها البوذية‪ ،‬كمفهومها الرئيسي‪،‬‬ ‫من أجزائها الداخلية اليت تشكل جوا معينا‪ ،‬واإلضاءة املخففة إىل‬ ‫موسيقى حجرة اجللوس الغامضة‪ .‬الحظت "آن" أنه يف متثال‬ ‫بوذا الذي وضع يف باريس‪ ،‬فقد معناه األصلي وحتول إىل اجتاه‬ ‫مستهلك‪" .‬أُخذت الفكرة من متثال بوذا‪ ،‬الذي كان يُعترب يف فرتة‬ ‫من الفرتات رمزا للثقافة اآلسيوية واأليقونة الدينية‪ ،‬اليت حتولت‬ ‫إىل حنت لفن البوب مع بقاء أصلها مل ميس‪ ،‬وقد استخدمت يف‬ ‫الديكورات الداخلية أو كأثاث للبيوت"‪ .‬يف البولسانغ‪ ،‬مع تقدم‬ ‫األعمال‪ ،‬فإن األداء يُظهر كيف أنه مع الزمن حتول متثال بوذا من‬ ‫الرمز إىل الشيء امللموس‪ ،‬أصبح يُقلَّد‪ ،‬ويتم تكييفه بل وسحقه‪.‬‬ ‫وراء كل ذلك‪ ،‬هناك السؤال اجلوهري حول هويتنا اخلاصة بنا‪،‬‬ ‫حيث إننا نعيش يف خليط مذهل للثقافات اآلسيوية والغربية‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫‪ 1‬إنتاج شركة الرقص الكوري الوطين‬ ‫املعاصر األخري بعنوان "بولسانغ" هي‬ ‫إنتاج غريب يتميز بفن الرتكيبات‬ ‫احلسية‪ ،‬ودي جي اهليب‪-‬هوب‪،‬‬ ‫والصالة‪ ،‬واملوسيقى الروحية‪ .‬أخذت‬ ‫الصورة من أداء ‪ 2013‬يف مسرح‬ ‫"سي جاي توول" بـ"مركز فنون‬ ‫كوريا"‪.‬‬ ‫‪ 2‬مكسوين بأقنعة لشخصيات الكتب‬ ‫اهلزلية الفكاهية‪ ،‬أدى الراقصون‬ ‫أداء غريبا‪ ،‬وهو مجع ما بني الرقص‬ ‫اآلسيوي التقليدي واحلركات الغربية‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬


‫يف النسخة األصلية لبولسانغ‪ ،‬زينت‬ ‫خشبة املسرح صور املشاهري مثل‪ ،‬جيمس‬ ‫دين‪ ،‬ومارلني مونرو‪ ،‬وباراك أوباما‪ ،‬وشعارات‬ ‫املاركات العاملية مثل ستاربكس‪ ،‬وفورد‪،‬‬ ‫ونايكي‪ .‬كانت رسالة األداء بشكل ثابت‬ ‫هي البحث عن الذات يف خضم دالالت دائمة‬ ‫احلضور يف الثقافة واالستهالك‪.‬‬ ‫الفن الهجني‬ ‫إن الرقص املعاصر رقص هجني بالفطرة‪ .‬يفسر التهجني‬ ‫وتنوع‪ ،‬اخل‪ ،‬إنها السمة األقوى اليت ميلكها‬ ‫كتغايُر‪ ،‬وامتزاج‪ُّ ،‬‬ ‫الرقص املعاصر‪" .‬متثل رقصة البولسانغ هجينا من اخلصوبة‬ ‫واإلنتاج اليت تولد تعد ًدا ال حدود له من احلركات من الناحية‬ ‫العملية‪ .‬وبناء على الرقص املعاصر‪ ،‬فإنها تتبنىَّ جوانب حديثة‬ ‫من الرقص اهلندي الكالسيكي (كاثاك)‪ ،‬وكذلك فن الدفاع‬

‫عن النفس الصيين املدعوم من قبل البوديدارما‪ ،‬رقصة الطبول‬ ‫التقليدية الكورية للـ"جيندو"‪ ،‬والرقص احلر الذي يُدخل يف‬ ‫شعور املشاهدين أثرا مثل العناصر املنفصلة كرومانسية الرقص‬ ‫االجتماعي مثل التانغو‪ ،‬والفالس‪ ،‬واملظهر البدين للرقص‪ ،‬مع‬ ‫تصميم رقص اليب‪-‬بوي‪ ،‬وجتميع املشاركة اجلماعية للرقص يف‬ ‫النادي املعززة باحلركات من الفنون القتالية للدفاع عن النفس‪،‬‬ ‫واأللعاب البهلوانية‪ ،‬والرياضات‪.‬‬ ‫متاما كرواية مفصلة من املوسيقى‪ ،‬والفنون‪ ،‬واملالبس‬ ‫التقليدية‪ ،‬واخليال املرئي‪ ،‬مبا يف ذلك تركيب متاثيل بوذا املذهبة‬ ‫والسالل البالستيكية امللونة اجلميلة‪ .‬مع تقارب الراقصني‬ ‫واصطدامهم ببعضهم البعض بني العوامل املمثلة بالرتكيبات‪،‬‬ ‫وحركاتهم اليت يتخللها دي‪-‬جينغ اهليب‪-‬هوب‪ ،‬والقاعة‪،‬‬ ‫وموسيقى الروح تصبح حىت أكثر غرابة‪ .‬كانت فنية الرتكيبات‬ ‫املعروفة عامليا "تشوي جونغ‪-‬هوا" هي املسؤولة عن الفن وعن‬ ‫تنسيق موسيقى دي زي سول‪-‬سكيب‪.‬‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪29‬‬


‫‪1‬‬

‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫"الت‬ ‫قطت الفكرة من متثال بوذا‪ ،‬الذي كان في زمن من األزمان رمزا للثقافة اآلسيوية‬ ‫ْ‬ ‫حتولت إلى نحت لفن البوب مع بقاء أصله بال مساس واستخدامه في‬ ‫وأيقونة دينية‪،‬‬ ‫الديكورات الداخلية أو كأثاث للبيوت"‪.‬‬ ‫جيسد فن املسرح الذي تقوم به "تشوي" نظرة العامل املضمنة‬ ‫يف البولسانغ‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬السالل امللونة املطروحة على خشبة‬ ‫املسرح تذكرنا بالعديد من العالمات البصرية اليت تغمر جمتمعنا‬ ‫احلديث يف أيامنا هذه‪ .‬وعند اقرتاب النهاية‪ ،‬فإن التماثيل والسالل‬ ‫واملظالت وأكشاك احلمامات والشاشات اليت ترتك وحدها على‬ ‫خشبة املسرح تصبح عبارة بارزة تقول‪ :‬عندما يتم استهالك أشياء‬ ‫العبادة والرغبات‪ ،‬تصبح مهملة‪ ،‬مرمية يف عرض األرضيات‪ ،‬وقد‬ ‫فقدت معناها األصلي‪.‬‬ ‫عالم رقص الفنانة "آن أي‪-‬سون"‬ ‫تعترب "آن" يف مقدمة مشهد ومسرح الرقص الكوري‬ ‫املعاصر‪ ،‬واليت تنتج طنينا وأثرا‪ .‬بنت عاملها اخلاص بها من الرقص‬ ‫وذلك بالتناغم والتواؤم ما بني الرقص الكوري مع الرقص احلديث‪.‬‬ ‫وقد كسبت شهرة واعرتافا يف مسابقة الرقص اإليقاعي الدولية اليت‬ ‫عقدت يف بانيويل فرنسا سنة ‪ ،1998‬وذلك من خالل عملها‬ ‫"الظل احلادي عشر"‪ .‬وهي مسجلة كواحدة من كبار الراقصات‬ ‫الكوريات يف "قاموس أكسفورد للرقص‪ ،‬والقاموس الدويل للرقص‬ ‫احلديث"‪.‬‬

‫ومنذ أوائل القرن احلادي والعشرين‪ ،‬بدأت باخلروج من‬ ‫نطاق احلدود التقليدية للرقص املعاصر على النمط الكوري وسعت‬ ‫للحصول على إجابات يف االجتاهات الراهنة احلديثة‪ .‬تشتمل أعماهلا‬ ‫على عناصر من اللعب والتمثيل‪ ،‬واالحنالل‪ ،‬والعفوية‪ ،‬ومشاركة‬ ‫اجلمهور‪ ،‬واليت تعترب أعماهلا‪" :‬لعب غوت"‪ ،‬و"الدائرة ‪ -‬بعد‬ ‫األخرى" خري أمثلة على ذلك‪ .‬يتلخص فن "آن" املميز املشهور‬ ‫بالسعي لتعايش حمتمل بني اهلويات الثقافية الكورية التقليدية والرقص‬ ‫املعاصر‪ ،‬واستخدام اجتاهات الرقص العاملي من خالل التعاون مع‬ ‫أنواع أخرى من الفنون‪.‬‬ ‫جند مثل هذا الطموح يف "بولسانغ"‪ ،‬واليت تكتسب بشكل‬ ‫ثابت الظهور املتكرر على املسارح العاملية‪ .‬وقد عرضت يف قمة‬ ‫الفنون اإلندونيسية ‪ 2013‬يف جاكرتا واستقبلت حبفاوة بالغة‪.‬‬ ‫وبعد ذلك جاء أداؤها يف سيدين يف يناير من هذا العام‪ ،‬وقد تلقت‬ ‫دعوات من مهرجانات رقص معاصر أوروبية متميزة وذات مسعة‬ ‫عاملية‪ ،‬وبالتحديد "فابريكا يوروبا" اإليطايل يف يونيو‪ ،‬و"تانز إمي‬ ‫أوغوست" األملاين يف أغسطس‪ .‬ومن املقرر حسب برنامج األعمال‬ ‫أن يعرض على املسرح الوطين يف شايلوت" يف نوفمرب‪ ،‬حيث من‬ ‫املؤكد أن يفوز بأعداد كبرية من اجلماهري يف مجيع أحناء العامل‪.‬‬

‫‪ 1‬كانت مصممة مالبس رقصة‬ ‫الـ"بولسانغ" هي مصممة‬ ‫األزياء "ليم سون‪-‬أوك"‪،‬‬ ‫املعروفة بالتعبري عن احلداثة‬ ‫خبطوط شرقية والصور‬ ‫الظلية‪.‬‬ ‫‪ 2‬وقريبا من نهاية األداء‪،‬‬ ‫ختتفي التماثيل يف كومة من‬ ‫املخلفات‪ ،‬لتحرك الرسالة‬ ‫الرمزية وهي كيف أن‬ ‫متثال بوذا‪ ،‬الذي كان يوما‬ ‫شيئا للعبادة‪ ،‬قد فقد معناه‬ ‫األصلي‪.‬‬ ‫‪ 3‬الراقص املنفرد بني التماثيل‬ ‫املذ ّهبة‪ ،‬يطرح سؤاال حول‬ ‫هويتنا حيث إننا نسكن يف‬ ‫عامل يتأثر بالثقافات الشرقية‬ ‫والغربية‪.‬‬


‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪31‬‬


‫‪32‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬


‫حارث التراث‬

‫الحفاظ على‬ ‫ثقافة الحياة‬ ‫الكورية‬ ‫التقليدية‬ ‫جونغ جي‪-‬سوك‬

‫حمررة ثقافية‪ ،‬جريدة جونغ آنغ اليومية‬

‫هوانغ كيو‪-‬بيك وتشوي جي يونغ‬

‫مصوران‬

‫مت تعيني "جونغ مي‪-‬سوك"‪ ،‬مديرة متحف األثاث الكوري للحفاظ على‬ ‫وعرض بقايا ثقافة احلياة الكورية من بضع قرون ماضية‪ .‬يف هذا املسعى‪،‬‬ ‫إنها حقا تناضل من أجل محاية الروح الكورية‪.‬‬

‫يف‬

‫كثري من األحيان ميكن رؤية "جونغ مي‪-‬سوك"‪ ،‬مديرة متحف األثاث‬ ‫الكوري وهي تضع قبعة‪ ،‬وأحيانا يكون قفاز العمل يف يديها أيضا‪ ،‬ذلك‬ ‫ألنها متضي الساعات العديدة يوميا يف العمل حتت الشمس‪ .‬وقد اهتمت‬ ‫بكل زاوية وركن يف املتحف الذي تبلغ مساحته ‪ 7000‬مرت مربع‪ ،‬الواقع‬ ‫يف "سونغبوك‪-‬دونغ" وهو حي قدمي للطبقة العليا الراقية يف سيول‪ .‬مل تهمل‬ ‫حىت عشبة واحدة أو جسم حجري يف احلديقة‪ ،‬وتعكس كل زاوية من زوايا‬ ‫املتحف اهتماما غاية يف الدقة‪ .‬وقد مضى عشرون عا ًما منذ وضعت هذه‬ ‫املديرة خطة للمتحف سنة ‪ .1995‬وحىت وقت قريب‪ ،‬فإن هذا الكنز الثمني‬ ‫لثقافة احلياة الكورية التقليدية قد حظي بتقدير يف الغالب من الذين اكتشفوا‬ ‫املتحف عن طريق تناقل الكلمات‪ .‬على أي حال‪ ،‬جتاوز اإلعجاب أن يكون‬ ‫حصريا بهذه الفئة ووصل إىل مزيد من الناس‪.‬‬ ‫جذب رئيسي لكبار الشخصيات األجنبية‬ ‫مؤخرا‪ ،‬حظي متحف األثاث الكوري بالعديد من املناسبات للظهور‬ ‫يف وسائل اإلعالم‪ .‬وقد ارتفعت شهرته منذ أن أقامت فيه الرئيسة "بارك‬ ‫كون‪-‬هيه" مأدبة غداء رمسية مع الرئيس الصيين "سي جينبينغ" وزوجته يف‬ ‫يوليو ‪ .2014‬وعلى مدى السنوات املاضية‪ ،‬أصبح مقصدا جاذبا مفضال‬ ‫لكبار الشخصيات األجنبية اليت تزور سيول‪ ،‬وحمطة توقف ضرورية لزوجات‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪33‬‬


‫الدبلوماسيني األجانب للتعرف على الثقافة الكورية‪ .‬وقد متكن‬ ‫العديد من الضيوف من بلدان أخرى أن جيدوا فقرة يف جداول‬ ‫أعماهلم املثقلة باملهام للقيام جبولة يف أرجاء املتحف‪ .‬يف زيارته‬ ‫للمتحف سنة ‪ ،2013‬قيل إن املمثل األمريكي "براد بيت" قد صرخ‬ ‫مستحسنا قائال ‪":‬هذا رائع مدهش"‪ .‬كما أن مارثا ستيوارت‪ ،‬سيدة‬ ‫األعمال األمريكية الشهرية اليت متلك جملتها الواسعة االنتشار‪ ،‬قد‬ ‫أعجبت هي أيضا بطاوالت الطعام الصغرية النقالة املسماة "سوبان"‪،‬‬ ‫وعلقت بقوهلا إن الكوريني يف املاضي قد امتلكوا الطبيعة يف أثاثهم‬ ‫وأبقوها قريبة منهم ملتعتهم‪.‬‬ ‫مت نقل جممع املتحف املكون من عشرة مبان من بيوت‬ ‫تقليدية (هانوك) من أجزاء خمتلفة من البالد للحفاظ عليها من‬ ‫الدمار الوشيك‪ .‬وهي تعرض ‪ 2500‬قطعة من األثاث اخلشيب من‬ ‫عهد مملكة جوسون (‪ .)1910-1392‬املعروضات هي قطع أثرية‬ ‫عالية القيمة‪ ،‬متواضعة ولكن ليست رثة أو مهرتئة‪ ،‬أنيقة ولكنها‬ ‫ليست مسرفة يف األناقة‪ .‬ويف ‪ ،2011‬قدمت حمطة سي إن إن‬ ‫املكان حتت عنوان‪" :‬املتحف األكثر مجاال يف سيول"‪.‬‬ ‫ما الذي جعل "جونغ" تُعد مثل هذا املشروع الضخم؟ "لقد‬ ‫رباين والداي على أن أبقى دائما يف حالة اعتزاز بالكوريني‪ .‬كانت‬ ‫لدينا دائما كميات كثرية من األثاث األثري القدمي يف بيتنا‪ ،‬وقد فتح‬ ‫هذا عيين على مجال املشغوالت اليدوية الفنية التقليدية‪ .‬كما أردت‬ ‫أيضا أن أكون مثل والديت املثابرة الكادحة"‪ ،‬هكذا قالت جونغ‪.‬‬ ‫كانت والدتها هي الدكتورة "يل يت‪-‬يونغ" (‪-1914‬‬ ‫‪ ،)1998‬أول حمامية أنثى وناشطة يف حقوق اإلنسان‪ ،‬ووالدها‬ ‫هو الدكتور "جونغ إيل‪-‬هيونغ"‪ ،‬الذي عمل وزيرا للخارجية‪،‬‬ ‫وعضوا للجمعية الوطنية (جملس األمة) لثماين دورات‪ ،‬وقائدا حلزب‬ ‫املعارضة يف فرتة احلكم الدكتاتوري العسكري يف كوريا‪ .‬كانت‬ ‫والدتها تقول البنتها الصغرى ثالثة أشياء‪" :‬اقرأي برتكيز وتكثيف"‪،‬‬ ‫حتمل السفر"‪" ،‬اعملي شيئا لوطنك‬ ‫"سافري قدر ما تستطيعني ُّ‬ ‫ومواطنيك‪ ،‬خصوصا الشيء الذي غفل عنه أو أمهله اآلخرون"‪.‬‬ ‫وسعت االبنة هذا املنظور من خالل القراءة والسفر‪ ،‬ومن مث‬ ‫وقد َّ‬ ‫شرعت يف إجناز املهمة الثالثة كما لو كانت آخر وصية من وصايا‬ ‫أمها‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫شخص آخر مكن املتحف من الظهور إىل حيز الوجود‬ ‫ونظرا للمشاكل اليت واجهتها يف احلفاظ‬ ‫هو والد زوج "جونغ"‪ً .‬‬ ‫على األثاث األثري الذي مجعته منذ أن كانت يف الكلية‪ ،‬فقد‬ ‫فكرت يف التربع بها ملدينة سيول‪ ،‬وناقشت األمر مع محاها‪ .‬ولكنه‬ ‫نصحها ببناء متحف لكي يتم احلفاظ بشكل جيد على القطع‪ ،‬وقد‬ ‫منحها قطعة أرض نفيسة يف سونغبوك‪-‬دونغ‪ .‬متلك عائلة زوجها‬ ‫"سونغناكوون"‪ ،‬وهي واحدة من الفيالت القليلة املتبقية من مساكن‬ ‫الطبقة العليا الراقية من مملكة جوسون‪ .‬بهذا املعىن يكون متحف‬ ‫األثاث مشروعا مشرتكا لعائلتني‪.‬‬ ‫في حب صناديق األرز ‬ ‫أكثر قطع األثاث اخلشبية التقليدية قربا من نفس جونغ‬ ‫‪34‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫‪1‬‬

‫"في مرحلة الدراسة الثانوية‪ ،‬ذهبت إلى مدينة ناشفيل‬ ‫في والية تنسي‪ ،‬في الواليات املتحدة كطالبة تبادل‬ ‫ثقافي‪ .‬كانت بعض األسئلة التي تسألني إياها الطالبات‬ ‫هي‪" :‬ما الذي يأكله شعبك الكوري؟" "ماذا يلبسون؟"‪،‬‬ ‫"أين يعيشون؟"‪ .‬وفي تلك األيام كانت أعداد قليلة‬ ‫من اآلسيويني هي التي تعيش في الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫كان أكثر استفسارهم وفضولهم هو الطريقة التي عاش‬ ‫بها الكوريون‪ .‬وقد أدركت أنني ال أعرف إال القليل عن‬ ‫الطريقة التي كان ميضي بها أجدادي حياتهم اليومية‪.‬‬ ‫وحاملا عدت إلى كوريا بدأت بجمع األثاث التقليدي‪".‬‬ ‫وحبا هي صندوق األرز‪ ،‬امللمع بلمسات من أعداد ال حتصى‬ ‫من النساء يف املاضي‪ .‬وهي قطعة منزلية عادية تستخدم لتخزين‬ ‫الغالل واملواد الغذائية األخرى‪ .‬إذن‪ ،‬ملاذا كان صندوق األرز‬ ‫دونًا عن القطع األخرى هو األكثر أناقة وروعة بني قطع األثاث‬ ‫اخلشبية‪ ،‬مثل األرفف املفتوحة (سابانغ تاكجا)‪ ،‬وخزائن أو صناديق‬ ‫الكتب (تشيكغوي) وطاوالت القراءة (سوأن)‪ ،‬وصناديق الوثائق‬ ‫(مونغاب)؟‬ ‫تفسر هذا األمر قائلة‪" :‬يعطيين صندوق األرز فخرا واعتزازا‬ ‫كبريا‪ .‬على الرغم من أنه كان يوضع يف العادة يف زاوية خمفية من‬ ‫البيت‪ ،‬وكان له منظر متواضع‪ ،‬فقد كان بندا رئيسيا يف املنزل‬ ‫يف السابق‪ ،‬ختزن فيه أنواع احلبوب والغالل واملنتجات الغذائية‬ ‫األخرى‪ ،‬مما يبقي العائلة على قيد احلياة‪ ،‬ومتمتعة بصحة جيدة‪ ".‬مث‬ ‫أشارت إىل بعض األمثال ذات الصلة‪" :‬يأيت َ‬ ‫الك َرم من صندوق أرز‬ ‫ممتلئ"‪ ،‬و"يكون طعم األرز أفضل عندما يغرف من قعر صندوق‬ ‫األرز‪ ".‬بصفة عامة‪ ،‬كان صندوق األرز الصديق الشجاع القوي‬ ‫البنية للعاملني‪ .‬هلذا السبب نستخدمه كشعار للمتحف‪ ".‬هكذا‬ ‫قالت‪.‬‬ ‫متثل صورة جونغ لصندوق األرز فلسفة حياتها‪ .‬تتفق مبادئ‬


‫‪ 1‬أدارت مديرة متحف األثاث‬ ‫الكوري "جونغ مي‪-‬سوك"‬ ‫وحافظت عليه بعناية‬ ‫املتحف‬ ‫ْ‬ ‫فائقة على مدى ‪ 20‬سنة‬ ‫حلماية بقاء ثقافة املعيشة‬ ‫الكورية التقليدية‪.‬‬ ‫‪ 2‬نظرا ألن األثاث الكوري‬ ‫التقليدي عادة صغري‬ ‫وبسيط‪ ،‬فهو مل يكن حيتل‬ ‫حيزا كبريا وال هو فارض‬ ‫نفسه من حيث منطه‪ .‬وسواء‬ ‫كان يقف وحيدا مقابل‬ ‫جدار فارغ‪ ،‬أو وضع إىل‬ ‫جانب أشياء البيت األخرى‪،‬‬ ‫فهو خيلق تناغما طبيعيا يف‬ ‫الغرفة‪.‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا ‪235‬‬


‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪36‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬


‫‪3‬‬

‫‪ 1‬جعل متحف األثاث الكوري‬ ‫لنفسه قاعدة من حيث الزيارة‪،‬‬ ‫فهو يستقبل يوميا فقط عشرة‬ ‫زوار أو أقل‪ ،‬ومينح الزائر‬ ‫للمتحف جولة مع مرشد‬ ‫داخله‪ .‬القصد من هذه القاعدة‬ ‫إجياد البيئة املثالية للزوار لتقدير‬ ‫والتمتع باجلمال الرائع لألبنية‬ ‫الكورية التقليدية وأعمال‬ ‫األثاث‪.‬‬ ‫‪ 2‬يتألف املتحف من عشرة أبنية‬ ‫من النمط التقليدي‪ ،‬وهو يعرض‬ ‫‪ 2500‬قطعة أثاث من عهد‬ ‫مملكة جوسون‪.‬‬ ‫‪ 3‬اجلدار املنخفض من أحد جانيب‬ ‫احلديقة مزين بأشكال تبعث‬ ‫على السرور من السلحفاة‬ ‫والنباتات األربعة املباركة‬ ‫(زهور الربقوق‪ ،‬الزهر ذو اللون‬ ‫األرجواين اخلفيف‪ ،‬واألقحوان‪،‬‬ ‫واخليزران)‪.‬‬

‫تشغيلها للمتحف‪ ،‬مثل حتديد عدد الزوار حلماية املرافق‪ -‬ليس أكثر‬ ‫من عشرة زوار يوميا‪ ،‬وفقط مخسة أيام أسبوعيا‪ ،‬مع مراقبة فورية‬ ‫للحفاظ على احملتويات‪ ،‬تتفق مع املعىن الذي جتده يف صندوق األرز‬ ‫كشيء يقف راسخا ويقوم بوظيفته خري قيام‪ .‬الشكوى اليت تسمع‬ ‫يف الغالب من أن املتحف "متكرب مغرور" تأيت من إصرار جونغ‬ ‫على التزامها الشديد باملبادئ‪ .‬ولكن بالتخلص من وجود اجلماهري‬ ‫احلاشدة‪ ،‬ميكن للزوار أن يستمتعوا أكثر باجلمال الرائع ألثاث بيوت‬ ‫اهلانوك الكورية التقليدية‪ ،‬مبساعدة دليل املتحف‪.‬‬ ‫بعد جولة عن طريق مرشد يف أحناء هذا املجمع‪ ،‬يصبح من‬ ‫السهل فهم "إصرار" مديرة املتحف على العمل جاهدة إلجياد بيئة‬ ‫متحف تامة مكتملة‪ .‬ميكن فيه للمرء أن يعيد اكتشاف اهلانوك‬ ‫كمكان يرتكز على اإلنسان للحياة اليت تعانق الطبيعة‪.‬‬ ‫تعتقد جونغ أن الوقت الذي أمضته يف أواخر ما قبل العشرين‬ ‫من عمرها للدراسة يف اخلارج أعطاها فرصة الكتشاف القيمة‬ ‫احلقيقية للهانوك‪ .‬نظرت إىل الوراء يف الزمن‪ ،‬وكان لسان حاهلا‬ ‫يقول‪" :‬يف مرحلة الدراسة الثانوية‪ ،‬ذهبت إىل مدينة ناشفيل يف‬ ‫والية تنسي‪ ،‬يف الواليات املتحدة كطالبة تبادل ثقايف‪ .‬كانت بعض‬ ‫األسئلة اليت تسألين إياها الطالبات هي‪" :‬ما الذي يأكله شعبك‬ ‫الكوري؟" "ماذا يلبسون؟"‪" ،‬أين يعيشون؟"‪ .‬ويف تلك األيام كانت‬ ‫أعداد قليلة من اآلسيويني هي اليت تعيش يف الواليات املتحدة‪ .‬كان‬ ‫أكثر استفسارهم وفضوهلم هو الطريقة اليت عاش بها الكوريون‪.‬‬ ‫وقد أدركت أنين ال أعرف إال القليل عن الطريقة اليت كان ميضي‬ ‫بها أجدادي حياتهم اليومية‪ .‬وحاملا عدت إىل كوريا بدأت جبمع‬ ‫األثاث التقليدي‪".‬‬ ‫وقد انغمر قليب بالفخر واالعتزاز باألشياء اليت كان يستخدمها‬ ‫الكوريون‪ .‬بيوتنا القدمية‪ ،‬أثاثنا األثري القدمي واملالبس التقليدية‬ ‫كلها ثرية بإهلام فين ومجال‪ ،‬ال يوازيه الفن احلديث‪ .‬إدراكي بأن‬ ‫هذا الرتاث كان خيتفي بسرعة كبرية‪ ،‬جعلين أفقد الصرب وأتعجل‬ ‫لعمل شيء من أجله حلمايته من االندثار‪".‬‬ ‫من أجل النهضة الثالثة ‪Third Renaissance‬‬

‫يف هذه األيام جونغ مهتمة بتعلم املزيد حول "سوون"‪،‬‬ ‫أكادمييات الكونفوشيوسية اجلديدة ململكة جوسون‪ .‬تزور‬

‫األكادمييات وتلتقي بكبار السن العاملني فيها للحفاظ عليها‪ .‬وهي‬ ‫ختطط لعمل دراسة مسحية عن كل أثات "أوكسان سوون" قطعة‬ ‫قطعة وتنظيفها إلعدادها ملناسبة سوف تقام يف شهر أبريل إلحياء‬ ‫تقاليد األكادميية‪ .‬وهي مهتمة اهتماما شديدا بنظام التعليم الكوري‪،‬‬ ‫والذي تعتقد بأنه يواجه "أزمة رئيسية ميكن أن تهز أسس هذا البلد‪".‬‬ ‫يف رأيها‪ ،‬أحد احللول املمكنة هلذه املشكلة هي إعادة سوون‪.‬‬ ‫تقول جونغ‪" :‬على مدى القرن املاضي‪ ،‬كانت كوريا مهتمة‬ ‫اهتماما كبريا مبحاكاة الدول املتقدمة‪ .‬وعندما تلتوى أكثر عقول‬ ‫الشباب ذكاء يف البحث عن وظيفة يف هذه اخللطة احملرية من‬ ‫األعمال‪ ،‬فكيف ميكننا أن نتطلع ملستقبل مشرق بهذه العقلية وهذه‬ ‫الطريقة اليت نفكر بها؟"‪ .‬وتضيف‪" ،‬دون تغيري نوع نظام القيم‪ ،‬لن‬ ‫نكون قادرين على احلفاظ على التقدم الذي حققناه حىت اآلن‪ .‬يف‬ ‫مجيع أحناء البالد هناك حوايل ‪ 670‬أكادميية سوون و‪ 230‬هيانغيو‬ ‫(مدارس حملية ملحقة باألضرحة الكونفوشيوسية)‪ .‬يف أيام أوجها‪،‬‬ ‫كانت هذه األكادمييات مؤسسات تعليمية للتعليم العايل وتوازي‬ ‫يف أمهيتها اجلامعات املعاصرة يف أوروبا‪ .‬ولكننا هجرناها ونسينا‬ ‫أمرها بسهولة‪ .‬آمل أن أرى هذه األكادمييات التارخيية وقد أعيدت‬ ‫إىل سابق عهدها‪ ،‬حبيث ميكن نقل تقاليدها إىل طالب الوقت‬ ‫احلايل‪ .‬ميكن ربطها باملدارس الثانوية حبيث ميكن أن يتعلم الطالب‬ ‫فيها التقاليد وروح األكادمييات من خالل عمل أشياء صغرية مثل‬ ‫تنظيف األرضيات‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬عندما تستعاد بشكل جيد‬ ‫ميكن استخدام هذه األكادمييات من أجل السياحة الثقافية‪".‬‬ ‫شيء آخر يأخذ قدرا كبريا من وقت جونغ وطاقتها هو‬ ‫مشروع سونغبوك‪-‬دونغ‪ .‬وبالبناء على مبادرتها‪ ،‬أطلقت مدينة‬ ‫سيول ودائرة منطقة سونغبوك‪-‬غو خطة لتطوير منطقة سونغبوك‪-‬‬ ‫دونغ "كحزمة لثقافة احلياة التقليدية‪ ".‬متلك هذه الضاحية التارخيية‬ ‫مصادر ثرية بهذا اخلصوص‪ .‬كان موقع مذبح فرتة جوسون حيث‬ ‫كانت تقيم امللكة طقسا لتشجيع تربية دودة القز‪ ،‬فكانت تلتقط‬ ‫أوراق التوت الربي وقماش النسيج‪ ،‬وتدعم مناطق اجلذب السياحي‬ ‫مثل املعابد البوذية‪ ،‬واملطاعم اليت تقدم فنون الطعام الكوري املطبوخ‬ ‫املوثوق به‪ ،‬وجمموعة من مباين اهلانوك‪ .‬وهي أيضا موطن للعديد‬ ‫من مباين املتاحف‪ ،‬مبا يف ذلك متحف كانسونغ للفنون‪ ،‬مع املزيد‬ ‫من متاحف الفن املقرر نقلها إليها‪ .‬حتلم جونغ يف تطوير منطقة‬ ‫سونغبوك‪-‬دونغ لتصبح "منطقة متاحف" وذلك من خالل اقرتاح‬ ‫سياسة جلذب املتاحف املتخصصة يف العديد من املواضيع مثل‬ ‫احلرير‪ ،‬والنحاسيات‪ ،‬والفخاريات‪ ،‬واللوحات الشعبية‪ ،‬واألطعمة‬ ‫وفنون الطهي اإلقليمية‪.‬‬ ‫تقول جونغ‪" :‬يف عهد مملكة جوسون‪ ،‬كانت هناك فرتتان‬ ‫من التطور الثقايف الظاهري‪ ،‬تفصل بينهما ثالمثائة سنة‪ ،‬خالل حكم‬ ‫امللك "سيجونغ" يف القرن اخلامس عشر وخالل حكم امللكني‬ ‫"يونغجو" و"جونغجو" يف القرن الثامن عشر‪ .‬واآلن‪ ،‬بعد ثالمثائة‬ ‫سنة‪ ،‬أرى عالمات النهضة الثالثة يف القرن احلادي والعشرين‪".‬‬ ‫وتضيف "على الرغم من أن متحف أثاث كوريا هو جمرد مؤسسة‬ ‫صغرية‪ ،‬أعتقد أنه يساعد على متهيد الطريق حلركة أكرب"‪.‬‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪37‬‬


‫مرآة‬

‫طفرة في اليوكي‬

‫كيم بو‪-‬رام‬

‫صحفية يف جملة هانغيونغ‬

‫جوانب إيجابياتها وسلبياتها‬ ‫يف السنة املاضية‪ ،‬سافر ما جمموعه ‪ 100‬مليون سائح "يوكي" (يوكي بالصينية تعين سائحا) إىل مجيع أحناء العامل‪.‬‬ ‫وقد استقبلت كوريا منهم ‪ 6‬ماليني سائح تلك السنة‪ ،‬جاعلني بذلك كوريا أكرب مقصد للسياح خارج بالدهم‪،‬‬ ‫وهم السياح الصينيون‪ .‬أصبح مساع اللغة الصينية املتكلمة أمرا عاديا اآلن يف مناطق اجلذب السياحي الرئيسية يف‬ ‫سيول‪ ،‬مثل "ميونغ دونغ"‪ ،‬سوق "نامدميون"‪ ،‬وشارع "تشونغيتشون"‪ .‬كما أن الفتات احملالت أو اإلعالنات‪0‬‬ ‫املكتوبة باللغة الصينية أصبحت هذه األيام مشهدا شائعا‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫حىت وقت قريب‪ ،‬كانت غالبية الصينيني‬ ‫الذين يزورن كوريا يزورونها بغرض‬ ‫التسوق‪ .‬يف الواقع‪ ،‬كانوا يشرتون بضائع‬ ‫املصممني يف حمالت املناطق املعفاة من‬ ‫الضرائب يف املطارات ومناطق قلب املدن‬ ‫أو احملالت الكربى‪ ،‬أو شراء منتجات‬ ‫رخيصة الثمن بكميات كبرية يف األسواق‬ ‫التقليدية مثل سوق "دونغ دي مون"‪.‬‬


‫زار‬

‫معظم السياح الصينيني هونغ كونغ‪ ،‬ومكاو‪ ،‬وكوريا بالرتتيب‪ ،‬يف السنة‬ ‫املاضية‪ ،‬طبقا إلدارة السياحة الوطنية الصينية‪ .‬يف الواقع‪ ،‬كانت كوريا األعلى من‬ ‫حيث عدد السياح من اخلارج الذين زاروها من الصينيني‪ ،‬آخذين يف االعتبار أن‬ ‫كال من هونغ كونغ ومكاو مها إقليمان بإدارة صينية خاصة‪ .‬الطفرة األخرى اليت‬ ‫حدثت مؤخرا يف عدد السياح الصينيني الذين زاروا كوريا كانت خمرجا طبيعيا‬ ‫يف الوقت احملدد لدمج عدد من العوامل مثل املوجة الكورية يف الصني‪ ،‬والقرب‬ ‫اجلغرايف‪ ،‬واحلد املسموح به من زوار هلونغ كونغ لزيارة الوطن األم (الصني)‪،‬‬ ‫والتوترات بني بكني وطوكيو‪.‬‬

‫السياح الصينيون "اليوكي" محرك منو جديد لصناعة‬ ‫السياحة الكورية‬ ‫استعادت صناعة السياحة الكورية والسوق احمللية حيويتها مع طفرة يف عدد‬ ‫السياح الصينيني اليت شكلت زمخا هلذه الصناعة‪ .‬مع ازدياد أعدادهم‪ ،‬فقد متت‬ ‫صياغ ُة كلم ٍة صيني ٍة جديد ٍة هي "يوكي"‪ ،‬أو "الضيوف املسافرون" واليت تشري إىل‬ ‫السياح الصينيني‪ .‬تُبني دراسة مسحية حديثة من منظمة السياحة الكورية أن التسوق‬ ‫ميثل ‪ 82.8‬باملائة من أنشطة السياح الصينيني‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬األغلبية املطلقة منهم‬

‫يركز بشكل رئيسي على التسوق خالل فرتة إقامتهم هنا‪ .‬يشرتون بضائع رخيصة‬ ‫بكميات كبرية يف "ميونغ دونغ" أو سوق "دونغدميون"‪ ،‬وكذلك البضائع اليت‬ ‫حتمل عالمات جتارية مشهورة من حمالت السوق احلرة يف املطارات واملرافئ أو‬ ‫احملالت الضخمة‪ .‬أكثر املواد اليت يشرتيها السياح الصينيون بشكل مستمر هي مواد‬ ‫التجميل‪ ،‬واملالبس‪ ،‬واملواد الغذائية‪ ،‬واملواد الطبية من األعشاب‪ .‬ونرى على مالبس‬ ‫املتسوقني من السياح أمساء صانعي العالمات التجارية الكورية الشهرية وجتار سوق‬ ‫حتول ميزان مدفوعات السياحة إىل‬ ‫"دونغدميون"‪ ،‬واليت تعين منوا يف املبيعات‪ .‬وقد َّ‬ ‫الرتاجع خالل ما يقارب سنتني‪ .‬واآلن‪ ،‬لعب اليوك (السياح الصينيون) دورا ليس‬ ‫كمجموعة من الزوار األجانب فحسب‪ ،‬بل كعمود هام للتوزيع احمللي الكوري‬ ‫وصناعات السياحة‪.‬‬ ‫وعلى حني أن هناك ارتفاعا يف عدد السياح الصينيني‪ ،‬هناك أيضا جانب سليب‬ ‫فيها‪ .‬فبعض الوكاالت السياحية اليت تبيع حزما سياحية رخيصة تبدو عابثة‪ ،‬حيث‬ ‫إنها تؤسس برامج فقط لتشجيع السياح الصينيني على التسوق‪ .‬وهم ينظرون إىل‬ ‫اليوكي على أنهم جمرد "عمالء ذوي قوة شرائية كبرية"‪ .‬هذه الوكاالت السياحية‬ ‫معنية فقط بتحقيق فوائد بتزويد اليوكي (السياح الصينيني) خدمات موحدة فيما‬ ‫يتعلق بـ"اليوكي" كمتسوقني فقط بدال من مساعدتهم على التعرف على خربات‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪39‬‬


‫يتجول اليوكي (السياح الصينيون) في أي مكان‬ ‫ميكنهم فيه اكتساب خبرة في منط احلياة الكورية‪،‬‬ ‫مع تركيز أقل من قبل على رؤية املواقع وجوالت‬ ‫التسوق‪ .‬نتيجة لذلك التغيير في مناذج تنقالت وسفر‬ ‫اليوكي‪ ،‬فلم يعد غريبا أن نرى العديد من السياح‬ ‫الصينيني يستمتعون بجوالت حرة في "إيتيوون"‪،‬‬ ‫وهو مقصد سياحي مزدحم في نهاية األسبوع‬ ‫للكوريني الشباب؛ شارع "كاروسو سينسادونغ"‪،‬‬ ‫وهو مقصد لالجتاهات الثقافية اجلديدة‪ ،‬ومطاعم‬ ‫الذواقة في احلي‪ ،‬حيث كان الكوريون فقط‬ ‫يزورونها في السابق‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وجتارب ثقافية كورية بطرق جوهرية‪ ،‬كما يقول الكثري من اخلرباء يف هذا املجال‪.‬‬ ‫يحولون اهتمامهم إلى خبرات جديدة‬ ‫اليوكي ِّ‬ ‫ويف ظل هذه الظروف‪ ،‬كان هناك حتول يف أذواق اليوكي من السياح‬ ‫الصينيني‪ .‬وهم يريدون اآلن أن يتعرفوا على الثقافة الكورية بطريقة أكثر تنوعا‪.‬‬ ‫إحدى هذه الظواهر هي أن أعدادا متزايدة من اليوكي تريد التعرف على الثقافة‬ ‫الكورية من خالل املسرحيات أو احلفالت املوسيقية والغنائية‪ .‬وبشكل خاص‪،‬‬ ‫اكتسبت األداءات غري اللفظية باستخدام حركات اجلسم والرقصات الشعبية بني‬ ‫اليوكي‪ .‬يصنع املؤدون موجة كورية جديدة بناء على االتصاالت غري اللفظية‪ ،‬دون‬ ‫مساعدة من جنوم ثقافة البوب املشهورين مثل كي ‪ -‬باب‪ .‬التسوق الذي يرتدد‬ ‫على أفواه الكثري من هؤالء السياح يدعم هذا النوع الذي "يتحتم رؤية الدراما"‬ ‫بالنسبة للسياح الصينيني‪.‬‬ ‫وطبقا ملنتجات ‪ PMC‬وهي املنتجة ملسرحية "نانتا"‪ ،‬وهي مسرحية صامتة‬ ‫متثل كبار الطهاة وخرباء الطهي يف املطبخ بطريقة هزلية‪ ،‬وقد امتأل أكثر من ‪80‬‬ ‫باملائة من املقاعد يف قاعة األداء يف مسرح "ميونغ دونغ" بالسياح الصينيني خالل‬ ‫العطالت الوطنية الصينية يف السنة املاضية‪ .‬كان أيضا املشاهد الذي حضر املسرحية‬ ‫والذي أكمل رقم العشرة ماليني هو من السياح الصينيني الذين زاروا قاعة األداء‬ ‫يف ‪ 29‬ديسمرب من السنة املاضية‪ .‬قبل سنة أو سنتني‪ ،‬فإن معظم احلضور يف املسرح‬ ‫‪40‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫‪ 1‬حدث تغيري يف منط الـ"يوكي" (السابح باللغة الصينية)‪ ،‬الذين كانوا يسمون "جمموعات‬ ‫السياحة من محلة الرايات" وذلك بسبب منوذج سياحتهم املعروفة باالندفاع حنو أماكن‬ ‫اجلذب السياحي الرئيسية يف سيول‪ ،‬حيملون أعالما مجيلة األلوان ‪.‬‬ ‫‪ 2‬أداء غري لفظي باستخدام حركات اجلسم فقط والرقصات تنبثق على شكل واحد من‬ ‫الربامج السياحية اجلديدة للسياح الصينيني الذين يريدون أن يتعرفوا على كوريا بطريقة‬ ‫متنوعة‪ .‬تظهر هذه الصورة أداء خاصا يف الشارع بعنوان "القفزة"(‪ ،)Jump‬وهو عرض‬ ‫غري لفظي من قبل فرقة من الفنانني‪.‬‬

‫كانوا جمموعات سياحية من الصني‪ ،‬ولكن األعداد املتزايدة من اجلمهور اآلن هم‬ ‫سياح أفراد (ليسوا ضمن جمموعات)‪ .‬يف الكثري من احلاالت‪ ،‬يشرتي السياح‬ ‫الصينيون تذاكر حفل األداء الكوري قبل أن يطريوا إىل كوريا‪ ،‬على املوقع ‪www.‬‬ ‫‪ ، hanyouwang.com‬وهو املوقع الصيين الذي حيصل منه السياح الصينيون األفراد‬ ‫على معلومات سياحية عن كوريا بشكل متكرر‪.‬‬ ‫من املالحظ بشكل واضح أن الكثري من السياح الصينيني يسافرون بشكل‬ ‫تدرجيي إىل مناطق خارج كوريا‪ ،‬وهو مؤشر على تغيري يف أوساط السياح الصينيني‬ ‫الشباب الذين يفضلون الرحالت املفيدة والتذكارية‪ .‬تشتمل مقاصدهم السياحية‬ ‫على مناطق مثل جزيرة جيجو‪ ،‬شاطئ "هيونداي" يف مدينة بوسان‪ ،‬ومقاطعة‬ ‫"كانغوون"‪ .‬وضمن مناطق أخرى‪ ،‬تطورت جزيرة جيجو ومقاطعة كانغوون‬ ‫كنماذج عامة للمناطق اليت تقضى فيها العطالت واإلجازات‪ ،‬مع مرافق جديدة‬ ‫كمنتجع‪ ،‬ومتاحف موضوعية ختصصية‪ ،‬ومرافق ترفيه‪ ،‬وموالت تسوق باالضافة‬ ‫إىل طبيعتها اجلميلة ومناظرها الطبيعة‪.‬‬ ‫جوالت سياحية للتعرف على كوريا‬ ‫نشأ تغري كبري أيضا يف مناذج سفرهم‪ .‬يف املاضي‪ ،‬كان معظم سياح األفواج‬ ‫السياحية الصينيني يصلون يف جمموعات لريوا فقط أماكن اجلذب السياحي يف‬ ‫سيول‪ ،‬ومتبعني مرشدين سياحيني يلوحون باألعالم‪ .‬ولكن اليوكي (السياح‬


‫‪2‬‬

‫الصينيني) اآلن يسافرون يف أحناء كوريا بشكل فردي أو يف جمموعات أصغر ليتعرفوا‬ ‫على الثقافة الكورية‪ .‬وقد حتسنت النوعية يف سياحتهم مع ازدياد أعداد السياح‬ ‫الصينيني‪ .‬يف موقف مثل هذا حيث يزداد عدد السياح اليوكي الذين يزورون كوريا‬ ‫بشكل متكرر‪ ،‬ولكن شيئا فشيئا‪ ،‬يكون من الصعب أن ترضي السياح الصينيني‬ ‫الذين يريدون أي شيء جديد‪ ،‬بدال من برامج الرحالت املوحدة اليت اعتادت على‬ ‫الرتكيز على السوق يف "ميونغ دونغ" أو يف حمالت السوق احلرة املعفاة من اجلمارك‪.‬‬ ‫يتجول السياح الصينيون يف أي مكان ميكنهم فيه اكتساب خربة يف منط‬ ‫احلياة الكورية‪ ،‬مع تركيز أقل من قبل على رؤية املواقع وجوالت التسوق‪ .‬نتيجة‬ ‫لذلك التغيري يف مناذج تنقالت وسفر اليوكي‪ ،‬فلم يعد غريبا أن نرى العديد من‬ ‫السياح الصينني يستمتعون جبوالت حرة يف "أيتيوون"‪ ،‬وهو مقصد سياحي مزدحم‬ ‫يف نهاية األسبوع بالكوريني الشباب؛ شارع "كاروسو سينسادونغ"‪ ،‬وهو مقصد‬ ‫لالجتاهات الثقافية اجلديدة‪ ،‬ومطاعم الذواقة يف احلي‪ ،‬حيث الكوريون فقط هم‬ ‫الذين زاروها يف السابق‪ .‬يف الواقع‪ ،‬يتوافق هذا التغيري مع االجتاهات العاملية للسفر‬ ‫والسياحة‪ .‬كان لالجتاه العاملي اجلديد يف االختالط مع السكان احملليني‪ ،‬بدال من‬ ‫جمرد زيارة أماكن اجلذب السياحي‪ ،‬أثر على منط سفر السياح الصينيني أيضا‪.‬‬ ‫وعلى العكس من الصينيني الذين يسافرون إىل كل جزء وزاوية من كوريا‪،‬‬ ‫فإن البنية التحتية احمللية السياحية واخلدمات ما زالت غري كافية‪ .‬يف الواقع إن‬ ‫السياح الصينيني األفراد الذين يتحتم عليهم عمل حجوزات فندقية‪ ،‬والسفر يف‬

‫مناطق كثرية‪ ،‬واختيار مواقع للسفر إليها‪ ،‬وإجياد مطاعم ألنفسهم‪ ،‬يعانون الكثري‬ ‫من املشاكل أكثر مما يعاين السياح يف جمموعات‪ .‬إن بناء بنية حتتية يف األقاليم‬ ‫واملقاطعات ضرورة ملحة‪ ،‬مبا يف ذلك حتديث نظم النقل العام وعالمات الطرق‬ ‫وتطوير أدوات اتصاالت مثل اهلواتف الذكية حتتوي على املعلومات اليت ميكن أن‬ ‫يستخدمها السياح األجانب بغض النظر عن معرفتهم باللغة الكورية‪.‬‬ ‫قامت وكاالت سفر غري قليلة بعمل جهود جوهرية ذات أوجه متعددة‬ ‫جلذب مزيد من سياح اليوكي (السياح الصينيني) إىل كوريا‪ ،‬مبا يف ذلك تطوير‬ ‫حزمة إيرتل (أي الطريان والفندق) للسياح الصينيني‪ ،‬الذي ال حيبون حزم السياحة‬ ‫التقليدية‪ ،‬والذين يأتون بربامج سفر موضوعية خمصصة حرة مثل تلك اليت تهدف‬ ‫إىل "السياحة الطبية العالجية"‪ ،‬أو"سياحة الزفاف"‪ ،‬أو رحلة إىل األسواق التقليدية‪.‬‬ ‫وفوق كل شيء آخر‪ ،‬على مديري السفر أن يعريوا انتباها مشددا ألذواق‬ ‫السياح الصينيني املتنوعة‪ .‬من املهم بالنسبة هلم تطوير برامج سفر فريدة‪ ،‬يستطيعون‬ ‫مبوجبها التعامل مع السياح الصينيني بضيافة أصيلة ومساعدتهم يف احلصول‬ ‫على انطباع إجيايب عميق عن كوريا‪ ،‬بدال من جمرد الرتكيز على قوتهم الشرائية‬ ‫واالستعداد للحصول على مكاسب قصرية األمد‪ .‬لقد حان الوقت حقا لكي نعري‬ ‫اهتماما لنماذج سفر وسياحة اليوكي الصينيني ونستثمر يف تطوير برامج هلم بطريقة‬ ‫مناسبة‪ ،‬ويف نفس الوقت نفكر بشكل جدي بكيفية إجياد طرق جلعل السياح‬ ‫الصينيني يصلون إلينا بشكل مستمر‪.‬‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪41‬‬


‫على الطريق‬

‫أغنية الحياة تصدح بالحقيقة‬ ‫في‬ ‫تقع كافة حمطات القوارب عند نهاية اليابسة‪ ،‬وعندما يصل مسافر إىل هذه النقطة‪ ،‬ال يُرتك له أي مكان‬ ‫ألمر رائع‪ ،‬أليس كذلك؟ حيثما‬ ‫آخر يتجه إليه‪ .‬أما بالنسبة لقوارب الصيد‪ ،‬فهذه تعترب نقطة مغادرتهم‪ .‬إنه ٌ‬ ‫ينتهي الطريق أمام خطوات البشر‪ ،‬ها هي الرحلة تبدأ من جديد‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫كواك جي‪-‬غو شاعر‬ ‫لي هان‪-‬غو مصور‬


‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪43‬‬


‫قبل‬

‫حوايل عشر سنوات‪ ،‬عندما كنت على وشك إنهاء األربعينات من عمري‬ ‫واالنتقال إىل اخلمسينات‪ ،‬قضيت وقتًا أجتول من قرية شاطئية إىل أخرى‪ .‬وعندما‬ ‫كان من املفرتض العثور على منزل أقضي فيه الليلة‪ ،‬كنت أذهب إىل قاعة القرية‬ ‫وأسأل القرويني من كبار السن عما إن كان مبقدوري قضاء الليلة هناك‪ .‬ومل‬ ‫يرتددوا يف دعويت‪" ،‬بالطبع‪ ،‬تفضل"‪ .‬كانوا يبتسمون وميدون يدهم يل‪ ،‬وذلك‬ ‫الشعور عندما تالمس أيديهم يدي؛ ي ٌد رمبا كانت ستكون لشخص قضى حياته‬ ‫وهو يعمل يف املدن‪ ،‬متنقلًا بني املصنع والسوق‪ ،‬مث عاد إىل بلدته‪ ،‬أو رمبا هي يد‬ ‫لشخص كان قد قبل أن تكون تلك القرية الشاطئية هي مركز الكون لديه‪ ،‬ليقضي‬ ‫عمره‪ ،‬يكرب ومتأل التجاعيد وجهه وهو يعمل يف الصيد ومجع األعشاب البحرية‬ ‫ليُ َؤ ِّمن رزق عيشه‪ .‬تلك اليد ذات امللمس اخلشن والقاسي ولكنها مليئة بالدفء‪،‬‬ ‫هي صورة للحزن واالشتياق‪ ،‬واألحالم واليأس الذي عاشه الفرد يف حياته‪.‬‬ ‫يف تلك األيام عندما كنت أتنقل من قرية إىل أخرى‪ ،‬وصلت إىل معرب‬ ‫القوارب يف نهاية الطريق‪ .‬وأشاهد القوارب تبحر بعيدًا عرب املياه‪ ،‬متضي يف طريقها‬ ‫إىل مكان ما مع أصوات حمركاتها املرتفعة‪ ،‬كنت أشعر فجأ ًة بأمل يف قليب‪ .‬وأنا‬ ‫هناك جامث يف الزاوية‪ ،‬وأشاهد القوارب تغادر مث تعود حىت غروب الشمس‪ ،‬كان‬ ‫الدفء يعود إىل قليب من جديد‪.‬‬ ‫ثالث جزائر حتتضن البحر‬ ‫بدأ قليب ينبض أسرع وأنا على منت القارب من يوسو إىل كوموندو‬ ‫(جزيرة كومون)‪ .‬يوسو مدينة على امليناء‪ ،‬يبلغ عدد سكانها حوايل ‪.300,000‬‬ ‫استضافت هذه املدينة املعرض البحري الدويل(إكسبو) لعام ‪ .2012‬ويعود سبب‬ ‫استضافة يوسو هلذا املعرض إىل مجال مينائها اجلوهري‪ .‬يف نفس العام الذي أقيم‬ ‫فيه املعرض‪ ،‬كنت قد سافرت حول بعض القرى الشاطئية الصغرية يف يوسو مع‬ ‫بعض األصدقاء من أوروبا‪ .‬وبني هؤالء األصدقاء‪ ،‬كان "إيريك" من مدينة نيس‬ ‫يف فرنسا‪ ،‬وهو طيار لطائرات خفيفة‪ .‬يقول إن السبب الذي دفعه ليصبح طيارًا‬ ‫هو عشقه لشاطئ بلدته‪ ،‬نيس‪ ،‬ورغبته يف رؤية حافة الشاطئ لبقية حياته‪ .‬عندما‬ ‫عربنا قرية كاجونغ‪-‬يل‪ ،‬هواياونغ‪-‬ميون يف يوسو‪ ،‬أخربين‪" :‬هذا البحر هنا يشبه‬ ‫متامًا البحر يف نيس‪ .‬أقصد نيس قبل أن تلوثها احلضارة"‪.‬‬ ‫كوموندو احلديقة الوطنية البحرية اليت تقع ‪ 114.7‬كم عن ميناء يوسو‪.‬‬ ‫تتجمع معا بشكل‬ ‫وتتألف من ثالث جزر وهي دونغدو‪ ،‬وسودو‪ ،‬وكودو‪ ،‬واليت َّ‬ ‫دائرة حبيث متثل البيضة‪ .‬يُدعى املاء احمليط باجلزر باسم دونايهاي‪ ،‬وتتوزع القرى‬ ‫املنحدرات اخلارجية للجزر األمواج‬ ‫على الشواطئ ذات التاريخ القدمي‪ .‬تعرتض‬ ‫ُ‬ ‫املضطربة‪ ،‬مما جيعل املياه يف اجلانب الداخلي هادئة جدًا حبيث أطلق عليها الناس يف‬ ‫املاضي اسم "سامهو"‪ ،‬واليت تشري على األغلب إىل "حبرية صنعتها اجلزر الثالث"‪.‬‬ ‫يُقال إن كوموندو قد أصبحت معروف ًة للعامل عندما ذكرها سجل رحالت السفينة‬ ‫الربيطانية "سامارانغ" عام ‪ .1845‬أطلق الربيطانيون على ميناء امللجأ اهلانئ هذا‬ ‫اسم ميناء هاميلتون‪ ،‬وذلك من اسم وزير األمريالية‪ ،‬الكابنت هاميلتون‪.‬‬ ‫أبدت مملكة تشينغ يف تلك األثناء اهتمامها باجلزيرة‪ ،‬ويُقال إن السفينة‬ ‫احلربية الصينية حتت قيادة األمريال جونغ يو تشانغ قد دخلت مياهها‪ .‬كتب‬ ‫الصينيون‪ ،‬يف إشارة منهم للتواصل كتاب ًة‪ ،‬ثالثة حروف "‪"( "菊花發‬زهرة‬ ‫األقحوان يف تفتحها الكامل")‪ ،‬بيد أنه مل يتمكن أحد من قراءتها‪ .‬وهلذا‪ ،‬أخذ‬ ‫القرويون الورقة إىل عالمِ قدمي يعيش يف اجلزيرة‪ ،‬وأخربهم إهداء الصينيني علب ًة من‬ ‫الكاكا املجفف‪ .‬كان الصينيون قد وصلوا إىل اجلزيرة يف فصل اخلريف‪ ،‬عندما‬ ‫كانت مغطا ًة باألقحوان‪ .‬أراد الصينيون القول‪" ،‬أزهرت األقحوان بشكلها اجلميل‬ ‫‪44‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫‪1‬‬

‫‪ 1‬كوموندو هي احلديقة الوطنية البحرية اليت تقع ‪ 114.7‬كم عن ميناء يوسو باجتاه‬ ‫اجلنوب‪ .‬وتعترب السفينة اليت متر بني القرى على شاطئ دونغدو وسودو يف هذه اجلزيرة‬ ‫إحدى املواصالت بالغة األمهية بالنسبة لساكين اجلزيرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬صيد مسك املاكريل نشاط اإلنتاج الرئيسي لصيادي كوموندو‪ .‬ويستطيع السياح من‬ ‫يزورون هذه اجلزيرة ذوق شرائح املاكريل النيئ الطازج من البحر وطبخ املاكريل املغلي‬ ‫بالصلصات الذي يتم إعداده حبهود خملصة‪.‬‬ ‫‪" 3‬أغنية صيادي كوموندو" هي الرقم الواحد من املمتلكات الثقافية املعنوية التابعة حملافظة‬ ‫جوال اجلنوبية وأغنية الصياديني الذين يغنون وهم يشتغلون يف صيد األمساك يف البحر‬ ‫فتحتضن هذه األغنية حب احلياة وحزنها هلؤالء األشخاص‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪45‬‬


‫يف كافة أحناء اجلزيرة"‪ ،‬ولتأثره بهذا اإلحساس‪ ،‬طلب العامل تقدمي الكاكا املجفف‬ ‫احللو كهدية‪ .‬تواصل العالمِ ورجال األمريال كتاب ًة ونتيج ًة لتأثرهم بشكل كبري‬ ‫حبكمة ذلك العالمِ ‪ ،‬بدأوا يطلقوا على اجلزيرة اسم "كوموندو"‪ ،‬واليت تعين "جزيرة‬ ‫العالمِ العظيم"‪ .‬كان الصينيون قد أطلقوا على اجلزيرة يف السابق اسم كومادو‪،‬‬ ‫واليت تعين "اجلزيرة املحُ اطة بالصخور العمالقة"‪ .‬أما اسم العالمِ فهو‪ :‬كيم يو‪.‬‬ ‫َّت كوموندو بتاريخ ‪ 15‬أبريل لعام ‪ 1885‬من قِبل ثالث سفن من‬ ‫احتُل ْ‬ ‫البحرية امللكية الربيطانية‪ ،‬ومت رفع العلم الربيطاين على اجلزيرة‪ .‬أقام الربيطانيون‬ ‫خميمهم وشيدوا حصونهم َّ‬ ‫وركبوا األسالك الكهربائية‪ .‬وخالل هذا املشروع‪،‬‬ ‫اعترب سكان كوموندو أول كوريني رأوا الكهرباء وشهدوا جميء احلضارة خارج‬ ‫قصر كيونغبوك امللكي‪ .‬إال أنه على الرغم من ِّادعاء الربيطانيني أن احتالهلم‬ ‫للجزيرة كان استعدادًا حلرب حمتملة مع روسيا‪ ،‬بدا واضحًا أنه انتهاك للقوانني‬ ‫الدولية‪ .‬علِقَت كوموندو يف مركز صراع القوى بني القوى العظمى يف أواخر‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬بيد أن حمكمة جوسون‪ ،‬رغم إدراكها للحقيقة‪ ،‬مل يكن هلا‬ ‫القدرة الكافية حملاربة مثل ذلك االحتالل غري الشرعي‪ .‬انسحبت بريطانيا أخريًا‬ ‫يف فرباير عام ‪ ،1887‬وذلك بعد استالمها تأكيدات من روسيا بأنها لن تدخل‬ ‫‪46‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫كوموندو‪ .‬تبقى يف اجلزيرة قبور لثالثة حبارة بريطانيني ماتوا هناك‪.‬‬ ‫حورية البحر سينجيكي‪ ،‬حامية صيادي كوموندو‬ ‫بعدما‬ ‫وضعت حقائيب يف مسكين يف قرية كومون‪-‬ري الشاطئية‪ ،‬ذهبت‬ ‫ُ‬ ‫جمددًا يف رحلة إىل سودو‪ .‬كما أن سودو أكرب اجلزر الثالث‪ ،‬حتتضن منارتني‪:‬‬ ‫منارة نوكسان يف نهايتها الشمالية‪ ،‬ومنارة كوموندو يف نهايتها اجلنوبية‪ .‬مير معرب‬ ‫الرحلة من إحدى املنارات إىل األخرى عرب قرى سودو‪-‬ري‪ ،‬وبيونتشون‪-‬ري‪،‬‬ ‫ودوكتشون‪-‬ري‪ .‬وعند مرور الشخص عرب القرى حيث يسكن األفراد‪ ،‬ميكن‬ ‫نسيان مصاعب ومعاناة احلياة عرب رحلة إىل الطرق الشاطئية واملمرات اجلبلية‪.‬‬ ‫ووجدت هنا وهناك وعلى طول الطريق إىل منارة نوكسان حقول تغطت‬ ‫بشيء بدا كما الشبكة اخلضراء‪ .‬سألت إحدى النساء العامالت يف احلقول‪،‬‬ ‫وأخربتين أنه "مريمية نسيم البحر"‪ .‬نوع خاص بكوموندو‪ ،‬حيث يتنفس النبات‬ ‫من نسيم البحر املنعش‪ .‬يصنع منه سكان اجلزيرة احلساء لرائحته العطرية املنعشة‬ ‫أو يعملون على جتفيف النبات إلعداد الشاي منها‪.‬‬ ‫قبل الصعود إىل املنارة‪ ،‬شاهدت متثال حورية البحر يف احلديقة البحرية‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪ 1‬ميكنك االلتقاء باملنظر الساحر عند املشي حيث‬ ‫ترتاكم زهور الكاميليا املتساقطة يف ممر جبل‬ ‫سووول يف سودو شهر فربائر حينما يصل تفتح‬ ‫زهور الكاميليا إىل ذروتها‪.‬‬ ‫‪ 2‬يتميز الطريق اخلاص للتمشي وطوله ‪ 1‬كم باجتاه‬ ‫منارة نوكسان يف نهاية سودو الشمالية مبمر الرحلة‬ ‫يف األرض املنبسطة فهو أبرز معامل طريق التمشي‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫تراودني فكرة قضاء الليلة في قرية شاطئية صغيرة‪،‬‬ ‫في منزل ذي نافذة حيث يمُ ْ ِكنُنِ ي االستماع لصوت‬ ‫ً‬ ‫دائما ما أنام والنافذة مفتوحة وأصغي‬ ‫األمواج‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لصوت األمواج‪ .‬ال يهمني إن كان ذلك ً‬ ‫نهارا‪،‬‬ ‫ليال أو‬ ‫في الربيع أو الصيف أو اخلريف أو حتى في أبرد أيام‬ ‫الشتاء‪ .‬ذلك ليس باألمر الصعب على منزل كوري‬ ‫ً‬ ‫يكون عاد ًة‬ ‫مزودا بأرضية يتم تدفئتها بنظام‬ ‫األوندول (التدفئة من األرض)‪ .‬‬

‫تناديها األسطورة باسم "سينجيكي" أو أحيانًا "سينجيك"‪ ،‬تتميز حورية كوموندو‬ ‫ببشرتها البيضاء وشعرها األسود الطويل‪ ،‬وتظهر يف الليايل القمرية أو عند الفجر‬ ‫لرتمي الصخور عند اجلرف أو تصدر أصواتًا خاصة لتحذر صيادي السمك بعيدًا‬ ‫عن اجلرف وحتميهم من التيفون‪ .‬من الطبيعي أن تُروى أسطورة عن حورية البحر‬ ‫يف اجلزيرة البعيدة جدًا عن اليابسة‪.‬‬ ‫كتب الروائي هان تشانغ هون‪ ،‬املولود يف كوموندو والذي قضى شبابه‬ ‫هناك‪ ،‬كتابًا حتت عنوان "أحيانًا ينظر البحر إىل ّ‬ ‫ظل اجلزر"‪ ،‬وفيه يستذكر بشغف‬ ‫مشاهد من شبابه‪ ،‬ويثري احلماسة لدى القارئ بقصة عن األشباح كان قد مسعها‬ ‫من صديقه‪ .‬مضى صديق هان يف ليلة حالكة السواد إىل الصيد على املنحدر‬ ‫لف‬ ‫الصخري املجاور للجزيرة‪ ،‬حينما شعر بشيء ما يسحب الصنارة بقوة‪ّ .‬‬ ‫َت اخلطاف يف فمها‪ .‬اقرتبت املرأة منه‬ ‫اخليط وسحب ما التقطه ليجد امرأة قد علَّق ْ‬ ‫وهامجته‪ .‬قال صديق هان بأنه قد قاتلها بضراوة لينجو حبياته‪ .‬لقد كانت قوية على‬ ‫حنو ال يصدق‪ .‬يقول هان إنه مل يشك حبديث صديقه‪ ،‬فهو رجل بسيط صادق مل‬ ‫َ‬ ‫حيظ بالكثري من التعليم الرمسي‪ ،‬ولكنه مل يتحدث كذبًا يف حياته على اإلطالق‪.‬‬ ‫ولو أن قصص حورية البحر سينجيكي هي أحالم ساحرة عن احلياة‪ ،‬فإن قصص‬ ‫الشبح الذي يرتدي مالبس بيضاء يف الصباح ويظهر يف نهاية خيط الصيد هي‬ ‫قصص واقعية عن املعاناة اليت ترويها احلياة‪.‬‬ ‫كان الطريق إىل منارة كوموندو‪ ،‬مرورًا "باملنحدر على شكل التنني"‬ ‫و"صخرة اخلالدين"‪ ،‬هو أبرز معامل طريق رحليت‪ .‬متبعًا املنحدرات على طول‬ ‫الشاطئ وأنظر إىل البحر وهو يوصل إىل غابة من أشجار الكاميليا‪ .‬بدا طريق‬ ‫كهف يف بعض األوقات‪ ،‬ويف أوقات أخرى‪ ،‬كان على شكل‬ ‫الغابة كما لو أنه ٌ‬ ‫النفق‪ .‬أطلق الناس على هذا املمر اسم "طريق األحبة"‪ ،‬فقد كان من املُفرح فقط‬ ‫ُّ‬ ‫تذكر كم مشى عليه من األحبة وهم ميسكون بأيدي بعضهم على طول الطريق‬ ‫احملاط بالكاميليا‪ .‬اتسم املمر يف الغابة بأنه طريق مشرق‪ ،‬امتأل باللون األمحر من‬ ‫زهور الكاميليا املتساقطة وأغنية العصافري وهي حتلق يف أحناء الغابة‪ .‬بدت وكأنها‬ ‫دليل فاتن ألشياء رائعة على وشك الظهور‪ ،‬باعتباره سيوصلنا إىل املنارة يف النهاية‪.‬‬ ‫أخذت املنارة تضيء ظالم البحر الداكن‪ ،‬لتنري لركاب الزوارق الذين أضاعوا‬ ‫طريقهم‪ ،‬فيلوحوا بأيديهم عند رؤيتهم للضوء مث ميضوا يف طريقهم الصحيح من‬ ‫جديد‪ .‬افتتحت منارة كوموندو عام ‪ ،1905‬بيد أنها تقاعدت اآلن وتقف هناك‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪47‬‬


‫‪1‬‬

‫بكل هدوء‪ ،‬يف حني تقف املنارة اجلديدة بارتفاعها البالغ ‪ 33‬مرتًا واليت بُنيت‬ ‫عام ‪ 2006‬جبانبها‪ ،‬تبعثر نورها اجلديد‪ .‬تضيء األلياف البصرية كل مخس عشرة‬ ‫ثانية‪ ،‬ويقال إن نورها يُرى على بعد ‪ 42‬كم يف البحر‪.‬‬

‫‪ 1‬تصد الثالث جزر الرياح واألمواج‪ ،‬مما جيعل املياه يف اجلانب الداخلي‬ ‫يف كوموندو هادئة وسليمة‪.‬‬ ‫‪ 2‬كوموندو جزيرة صغرية يسكن فيها ‪ 1400‬ساكن من ‪ 590‬عائلة‪.‬‬ ‫كلما زرت هذه اجلزيرة كان قلبك مرتاحا بفضل ابتسام سكان اجلزيرة‬ ‫الذين يرحبون مبن جاؤوا من اخلارج‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪48‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫صوت األمواج كهدهدة األم لطفلها‬ ‫عندما غابت الشمس‪ ،‬أحببت أن أقضي الليلة يف منزل صغري على جانب‬ ‫الرصيف‪ .‬فعندما أختار مكانا سكنيا‪ ،‬كنت أركز على شرط واحد فيه‪ ،‬وهو‬ ‫وجود نافذة ُمطلة على البحر‪ ،‬ال يهم إن كانت كبرية أو صغرية‪ ،‬أو واضحة يف‬ ‫الواقع‪ ،‬طاملا أن هناك نافذة يف اجلدار ومواجهة للمياه‪.‬‬ ‫تراودين فكرة قضاء الليلة يف قرية شاطئية صغرية‪ ،‬يف منزل ذي نافذة يمُ كنين‬ ‫من االستماع لصوت األمواج‪ .‬دائمًا ما أنام والنافذة مفتوحة وأصغي لصوت‬ ‫األمواج‪ .‬ال يهمين فيما إن كان ذلك ليلًا أو نهارًا‪ ،‬يف الربيع أو الصيف أو اخلريف‬ ‫أو حىت يف أبرد أيام الشتاء‪ .‬ذلك ليس باألمر الصعب على منزل كوري يكون عاد ًة‬ ‫مزودًا بأرضية يتم تدفئتها بنظام األوندول (التدفئة من األرض)‪.‬‬ ‫فبالنسبة يل‪ ،‬يُ ِّ‬ ‫شكل صوت األمواج كما أغنية اهلدهدة اليت كانت تغنيها يل‬ ‫والديت‪ .‬وكذلك كانت األمواج تغين يل هدهدة أمي اليت أصبحت اآلن جزءًا من‬ ‫جسدي كما احلمض النووي فيه‪ ،‬تعيد يل ذكريات دافئة لوالديت وأنا يف حضنها‬ ‫وهي تغين يل بكل رقة‪ .‬من املرجح أن كثريا من األشخاص يشعرون مثلي‪ .‬فمن‬ ‫الذين يتذكرون أغاين أمهاتهم قبل النوم؟ إنهم من يرعون أحالمهم لوقت طويل‪.‬‬ ‫سوف تبقى كوموندو‪ ،‬العامل املليء مبثل أولئك األشخاص‪ ،‬مكانًا دافئًا وآمنًا‬ ‫لفرتة طويلة‪.‬‬


‫الطريق إلى جزيرة كوموندو اجلميلة‬ ‫حمطة يونغسان‬

‫سيول‬

‫حمطة يوسو لـ"إكسبو"‬

‫يوسو‬

‫ خط جوي‬ ‫ سكة حديدية سريعة‬ ‫ طريق سريع‬

‫مطار كيمبو الدويل‬

‫مطار يوسو‬

‫كوموندو‬ ‫جيجودو‬

‫سيول إلى يوسو‬

‫‪Kimpo‬‬ ‫بالسيارة‬ ‫‪Yongsan‬يوسو ‪ 4‬ساعات‬ ‫الرحلة من سيول إىل‬ ‫تستغرق‬ ‫‪Station‬‬ ‫‪International‬‬ ‫بالسيارة‪ .‬ويستغرق ‪ 4‬ساعات وربع ساعة باستخدام الباص‬ ‫‪Seoul‬‬ ‫‪Airport‬‬ ‫السريع يف حمطة سانرتال سييت(‪.co.kr‬‬ ‫‪ )hticket‬اليت تقع يف‬

‫فرقة الهواة "دونغدي"‬ ‫واألم التي تعشق الشعر‬ ‫من حسن احلظ‪ ،‬التقيت بفرقة هواة كومون‪-‬ري يف‬ ‫يت الفرقة باسم‬ ‫قاعة القرية‪ .‬تأسست العام املاضي‪ ،‬وسمُ ْ‬ ‫"دونغدي"‪ ،‬واليت تعين "املنارة"‪ .‬وعلى الرغم من أنها مل‬ ‫تقم بتأدية أي أداء‪ ،‬كانوا يتمرنون بكل اجتهاد كما أي‬ ‫فرقة عريقة‪ .‬إن ما جيعل هذه الفرقة مميزة هو حقيقة أن مجيع‬ ‫كرسوا‬ ‫أعضائها الثالثة عشر هم من ساكين القرية‪ ،‬ممن ّ‬ ‫وقتهم يف النهار ألعماهلم‪ ،‬ولكنهم جيتمعون ليلًا للتمرن‬ ‫وحتقيق أحالمهم‪.‬‬ ‫"كي" هو قائد الفرقة ومن يضرب الطبلة‪ .‬هو‬ ‫مهندس معماري ومصمم‪ ،‬ويعمل يف إنشاء املباين على‬ ‫اجلزيرة وأعمال ديكورها الداخلي‪ .‬كانت رغبته منذ أيام‬ ‫دراسته اإلعدادية أن يضرب الطبلة وقد أصبح حلمه حقيق ًة‬ ‫اآلن‪ .‬أما "يب" فهو ُمغين الفرقة‪ ،‬ويبلغ من العمر ‪ 42‬سنة‪،‬‬ ‫األصغر يف هذه الفرقة‪ .‬خالل النهار‪ ،‬كان يقود إحدى‬ ‫سياريت التاكسي الوحيدتني يف كوموندو‪ .‬ويف جلسة‬ ‫التمرين‪ ،‬كان يغين أغنياته املفضلة مثل أغنية "هيا بنا نسافر"‬ ‫و"راغويو"‪ ،‬يعلوها هنا وهناك أصوات احلماس والتشجيع‬ ‫من مجهور املتفرجني‪" .‬واي" هو مالك منزل املسافرين‬ ‫وعازف الغيتار‪ .‬بعد إخفاقه يف عدة أعمال على اجلزيرة‬ ‫الرئيسية‪ ،‬عاىن من االكتئاب احلاد‪ ،‬ولكن بعد ثالث سنوات‬ ‫يف كوموندو‪ ،‬استعاد عافيته‪ .‬أحب احلياة جمددًا هنا‪ ،‬وذلك‬ ‫كله بفضل عطاء الرياح ونور الشمس وأمواج اجلزيرة‪.‬‬ ‫أما عن عزف الساكسفون الرائع‪ ،‬فقد أداه "جي"؛ جندي‬ ‫قضى يف اخلدمة ‪ 32‬عامًا ليضع خربته وانضباطه كجزء‬ ‫من موسيقاه‪.‬‬ ‫كانت حمادثيت مع عازف الغيتار "يت" تركت شيئا‬ ‫يف قليب‪ .‬لديه أعمال يف مكتب يف يوسو‪ ،‬وكان يف زيارة‬ ‫إىل بلدته‪ .‬أخربين أن أمه أرسلت رسالة قبل ‪ 26‬سنة‪،‬‬ ‫شعرا – واحدة‬ ‫عندما كان يف اجليش‪ .‬وفيها كتبت له ً‬ ‫من أشعاري‪ .‬استمر يتفحص امسي‪ ،‬وكما لو أننا جئنا من‬ ‫نهايتني متعاكستني يف ذاكرة شخص آخر‪ ،‬تصافحنا‪ .‬لقد‬ ‫كانت والدته تعشق قراءة الكتب خالل سنوات دراستها‪.‬‬

‫كانت تقرأ الشعر طوال الليل‪ ،‬واختارت له إحداها من تلك‬ ‫اليت تقرأها‪ ،‬وكتبتها مث أرسلتها إىل ابنها‪ .‬وذكر أن والدته‬ ‫كانت أصغر منه بسنة اآلن عندما كتبت له الرسالة‪.‬‬ ‫يف تلك الليلة‪ ،‬فتحت النافذة يف غرفيت ومتددت‪.‬‬ ‫جاءين صوت األمواج بكل لطف وكأنه صوت والديت وهي‬ ‫تغين يل حىت أنام‪ .‬وجدت صعوبة يف النوم وأنا أفكر يف لقاء‬ ‫والدة "يت" يف اليوم التايل‪ .‬لقد قضيت أكثر من ‪ 40‬سنة‬ ‫وأنا أكتب الشعر‪ .‬وبالتأكيد‪ ،‬كنت أرغب يف أن تكون‬ ‫أشعاري اليت أكتبها غذا ًء للروح‪ ،‬ولكن لو سألين أحدهم‪،‬‬ ‫أي من أشعاري ينطبق عليها هذا الوصف‪ ،‬مل أكن ألستطيع‬ ‫اإلجابة‪ .‬سوف أسأهلا غدًا أيًّا من األشعار تلك اليت أرسلتها‬ ‫إىل ابنها‪ .‬إن فكرة أن تشكل إحدى قصائدي غذا ًء للروح‬ ‫لشخص حمتاج قد جعلين أشعر أن السنوات األربعني املاضية‬ ‫مل تضع دون جدوى‪.‬‬ ‫استقللت القارب إىل سودو واتصلت بوالدة "يت"‬ ‫على اهلاتف‪" .‬معك كواك جاي‪-‬غو‪ ،‬الشخص الذي‬ ‫يكتب األشعار‪ .‬هل ميكنين أن أذهب إليك لرؤيتك؟"‬ ‫حتدثت معها بكل دفء وحب‪ ،‬مث ردت‪" :‬أنا جدة عجوز‬ ‫اآلن‪ .‬كنت أحب الشعر وأنا شابة‪ .‬ولكين اآلن‪ ،‬أقضي‬ ‫أيامي وألتقط املريمية يف احلقول وأمجع األعشاب من املياه‪.‬‬ ‫أنا عجوز كبرية جدًا يف السن‪ ،‬وأشعر باحلرج‪ .‬أعتذر ال‬ ‫ميكنين لقاؤك"‪ .‬شعرت باحلزن‪ .‬ومل أمتكن يف النهاية من‬ ‫لقاء والدة "يت" يف ذلك اليوم‪ .‬رأيت أنه من األفضل تلبية‬ ‫رغباتها‪ .‬خاب أملي بأن أعرف ما هي القصيدة اليت سامهت‬ ‫بتغذية روح شخص آخر‪ ،‬ولكين شعرت بشيء مجيل يف‬ ‫داخلي‪ .‬شعرت بالدفء يف قليب أن أطَّلع على حياة امرأة‬ ‫كانت تقرأ الشعر يف شبابها‪ ،‬وجتمع املريمية عندما كربت‬ ‫يف السن‪.‬‬ ‫وأنا على منت القارب عائدًا إىل يوسو‪ ،‬لوحت‬ ‫بيدي ناظرا إىل سودو‪ .‬بعد عشر سنوات‪ ،‬سأكون يف مثل‬ ‫سن تلك املرأة العجوز‪ .‬سوف أعود إىل كوموندو وأضع‬ ‫يدها بيدي‪.‬‬

‫بانغيب‪-‬دونغ وتشتغل من الساعة ‪ 5‬والنصف صباحا بكل نصف‬ ‫الساعة‪ .‬حيث هناك حافلة تغادر كل نصف ساعة‪ ،‬بدءًا من‬ ‫الساعة ‪ 5:30‬صباحًا وتكلف الرسوم ‪ 20,700‬وان للباص‬ ‫العادي و‪ 30,800‬وان بالباص الفاخر‪.‬‬ ‫بالقطار‬ ‫ينطلق قطار ‪ KTX‬عايل السرعة من حمطة يونغسان‬ ‫إىل حمطة يوسو إكسبو تسع مرات يف اليوم‪ ،‬يشتغل كل‬ ‫ساعتني تقريبًا‪ .‬تستغرق الرحلة ‪ 3‬ساعات و‪ 40‬دقيقة‪ .‬يرجى‬ ‫زيارة املوقع اإللكرتوين على الرابط‪ korail.com :‬للمزيد من‬ ‫التفاصيل‪.‬‬ ‫بالطائرة‬ ‫تدير كل من الكورية للطريان (‪)koreanair.com‬‬ ‫وآسيانا (‪ )flyasiana.com‬رحلتني من كيمبو إىل يوسو‪ .‬تغادر‬ ‫الرحالت ثالث أو أربع مرات يف اليوم‪ ،‬وترتاوح األسعار حسب‬ ‫يوم األسبوع‪ .‬يُوصى املسافرون بالتأكد من املواعيد واحلجز يف‬ ‫املواقع اإللكرتونية اخلاصة بشركات الطريان‪.‬‬

‫حمطة يوسو للعبارات‬

‫يوسو‬

‫ بالسفينة‬

‫كوموندو‬

‫محطة ركاب يوسو إلى كوموندو‬ ‫ينطلق القارب من حمطة ركاب يوسو إىل كوموندو مرتني يف‬ ‫‪Jejudo‬‬ ‫اليوم عند الساعة ‪ 7:40‬صباحًا‪ ،‬مث يف الساعة ‪ 1:10‬ظهرًا‪.‬‬ ‫يغادر القارب العائد من حمطة ركاب يوسو عند الساعة ‪10:30‬‬ ‫صباحًا مث يعود يف ‪ 3:50‬بعد الظهر‪ .‬تستغرق الرحلة ‪ 1‬ساعة‬ ‫و‪ 26‬دقيقة يف كل مرة‪ .‬حتدد أجرة الذهاب والعودة مببلغ‬ ‫‪ 72000‬وان‪.‬‬ ‫قد تتغري أوقات املغادرة وفقًا حلالة الطقس‪ ،‬وهلذا يُفضل االتصال‬ ‫مبحطة ركاب يوسو (على اخلط الرئيسي ‪)1666 0920‬‬ ‫والتأكد مسبقًا‪ .‬على الرغم من عدم وجود خدمة الدليل اخلاص‬ ‫للسياح األجانب‪ ،‬ولكن تتوافر املعلومات العامة حول كوموندو‬ ‫يف املوقع اإللكرتوين ملدينة يوسو (‪ )ystour.kr‬باللغة اإلنكليزية‬ ‫والصينية واليابانية والفرنسية‪.‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪49‬‬


‫ترفيه‬

‫الشغف بالبرنامج الفني‬ ‫"المغنون المخفيون" ُيعيد‬ ‫اإلعجاب باألغاني القديمة‬ ‫وي كون‪-‬وو‬

‫صحفي‪ ،‬جملة “‪ ”IZE‬على شبكة اإلنرتنت‬

‫يف نوفمرب ‪ ،2014‬نشرت شركة إذاعة جونغ آنغ دونغ يانغ (‪ )JTBC‬للبث اإلذاعي والتلفزيوين عناوين‬ ‫أخبار تقضي برتخيص الصيغة اخلاصة بربناجمها للباقني على قيد احلياة من "املطربني املخفيني" لشركة إن يب سي‬ ‫العاملية األمريكية‪ .‬اشتملت مبيعات الصيغة السابقة للربنامج على منتج إم يب سي بعنوان "يا والدي‪ ،‬إىل أين‬ ‫حنن ماضون؟" لتلفزيون هونان الصيين‪ ،‬واإلنتاج التليفزيوين "املسنون أمجل من الزهور" لشركة إن يب سي‪ ،‬وهو‬ ‫أول تعامل لربنامج ترفيه من التليفزيون الكوري‪ .‬على أي حال تبنت إم نيت يف املنتج سوبر ستار كي صيغة‬ ‫"أمريكان آيدول‪ -‬املعبود األمريكي" لشركة فوكس‪ ،‬بينما كان برناجمها اآلخر احلي "صوت كوريا" مبنيا على‬ ‫صيغة التنافس الغنائي اهلولندي‪ -‬اإلجنليزي بعنوان "صوت هولندا"‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فمن املعتقد بشكل عام أن‬ ‫برامج الغناء الكورية اليت ما زالت حية سوف تستورد من اخلارج‪ .‬يف هذا السياق‪ ،‬فإن تصدير "املغنني املخفيني"‬ ‫ميثل حجر زاوية بارزا لصناعة التلفزيون الكورية‪.‬‬

‫من‬

‫الشائعات الشهرية أن تشاريل تشابلني‪ ،‬املمثل الكوميدي اإلجنليزي‬ ‫األسطوري واملخرج‪ ،‬قد أدى بشكل ضعيف يف مسابقة شبيه تشاريل تشابلني‪ .‬ال‬ ‫أحد يتذكر اسم الفائز‪ ،‬على أي حال‪ ،‬ألن التقليد ميكن أن يكون أكثر بقليل من‬ ‫ظل الشخصية األصلي‪ ،‬يف أحسن األحوال‪ .‬ولكن "املطرب اخلفي"‪ ،‬الذي يتمتع‬ ‫مبعدل ‪ 5-4‬باملائة‪ ،‬هو مستوى عال لربنامج تلفزيون باشرتاك مايل‪ ،‬وميكن القول‬ ‫إنه يتحدى املفهوم الشائع‪.‬‬ ‫املطربون األصليون مقابل املقلدين‬ ‫صيغة الربنامج بسيطة‪ .‬مطرب معروف شعبيا والعديد من املقلدين‪ ،‬ك ٌل‬ ‫يغين بضع مقاطع من أغان خمتارة بالدور من احلجريات املخصصة هلم‪ ،‬وهم خمفيون‬ ‫عن أنظار اجلماهري احلاضرة‪ .‬وعندما تنتهي كل جولة من جوالت الغناء‪ ،‬يضغط‬ ‫املائة شخص احلاضرون من اجلماهري زرا إللغاء املطرب الذي يعتقد أنه أقل شبه‬ ‫باملطرب األصلي‪ .‬مث يظهر املطربون من حجرياتهم ويعرف اجلمهور من حصل‬ ‫على أكثر األصوات‪ .‬يف كل من هذه اجلوالت الثالث‪ ،‬يلغى املطرب الذي حصل‬ ‫على أقل األصوات‪ ،‬والفائز يف اجلولة النهائية يتلقى جائزة بقيمة ‪ 10000‬دوالر‪.‬‬ ‫قد يبدو الربنامج أنه نفس الصيغة ملنافسة غناء تقليد املطربني‪ ،‬لكن املسابقة تشتمل‬ ‫على أغنية املطرب األصلي‪ ،‬ومبوجب صيغة اإللغاء هذه ميكن أن يُهزم املطرب‬ ‫األصلي عن طريق املقلد‪.‬‬ ‫كان هذا املنعطف اإلبداعي رائ ًعا منذ البداية‪ .‬هاج املشاهدون عندما مت بث‬ ‫احللقات الريادية‪ ،‬األوىل متثل "لينا بارك" والثاين ميثل "كيم كيونغ‪-‬هو"‪ ،‬وذلك‬ ‫يف أواخر ‪ .2012‬وبعد ثالثة أشهر‪ ،‬عندما كان املطرب الذي ظهر هو "سونغ‬ ‫سي‪-‬كيونغ"‪ ،‬وصلت أغنية "املطرب املخفي" إىل تقييم مشاهدين ‪ ،%2‬وهو‬ ‫‪50‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫عرض قوي‪ ،‬إذا أخذنا يف االعتبار أن برامج قنوات االشرتاك املايل تصارع من‬ ‫أجل تسجيل حىت واحد باملائة‪.‬‬ ‫املقلد يتغلب على األصلي‬ ‫املكون أو العنصر الرئيسي لالستمتاع بالربنامج هو عنصر واضح‪ .‬ال جتد‬ ‫يف أي مكان آخر مطربا أصليا يتصبب عرقا يف مسابقة ضد مقلدين له‪ ،‬والذين هم‬ ‫"حقيقيون أكثر من املطرب احلقيقي"‪ .‬وبشكل خاص‪ ،‬خالل احللقة اليت ضمت‬ ‫"كيم كيونغ‪-‬هو"‪ ،‬أظهرت منافسة امسها "وون كيل" نغمة نافذة قوية التأثري حبيث‬ ‫أنها بلغت نغمة "كيم" نفسها‪ .‬ويف املباراة مع "يل مون سي"‪ ،‬أدهشت إحدى‬ ‫املتنافسات اجلميع‪ ،‬ليس فقط بصوت غنائي يشبه متاما وبكل دقة صوت "يل"‪،‬‬ ‫ولكن أيضا بصوت كالم مطابق متاما لكالمها‪ .‬إن احتمالية أن خيفق املطرب‬ ‫األصلي يف هذه املسابقة تثري قلقا للمطربني األصليني وللمشاهدين أيضا‪ .‬يف غالبية‬ ‫كبرية من احلاالت‪ ،‬على مدى ثالثة مواسم للربنامج‪ ،‬متكن املغين األصلي من‬ ‫الصمود والفوز يف املنافسة‪ ،‬ولكن يف بعض األحيان يكون الفوز بفارق بسيط‬ ‫خرجات النهائية‪.‬‬ ‫بينما ينتظر املشاهدون بعصبية املُ َ‬ ‫يف املوسم الثاين‪ ،‬الذي بدأ يف سبتمرب ‪ ،2013‬مت كسر هذه املتتالية‪ ،‬وذلك‬ ‫عندما هزم أحد املقلدين املطرب األصلي‪ .‬حدث هذا يف احللقة اليت ضمت "شني‬ ‫سونغ‪-‬هون"‪ ،‬املطرب األسطوري الذي له مبيعات ألبومات توازي شهرته‪ .‬ونظرا‬ ‫ألن املنافسة ركزت على أغانيه اليت تفوقت بشكل هائل من فرتة التسعينات‪،‬‬ ‫وذلك عندما كان "شني" يف قمة إبداعه‪ ،‬استأثر املقلدون مبيزة على األصلي‬ ‫ألن صوت املطرب األصلي قد تغري نوعا ما مع مرور السنني‪ .‬كانت النتيجة‬ ‫صدمة‪ ،‬مع ذلك‪ .‬وقبل أن تتبدد هذه الصدمة‪ ،‬ويف احللقة التالية متاما‪ ،‬مت استبعاد‬


‫"في البداية اعتقدت أن املطرب األصلي واملقلد يغنيان ووجوهم‬ ‫مخفية كانت طريقة جلعل العرض أكثر متعة‪ .‬ولكن بالبحث‬ ‫من خالل املراحل األولى والتسجيالت‪ ،‬أدركت أن املشاركني لم‬ ‫يكونوا مجرد مقلدين موهوبني‪ ،‬بل بذلوا جهدا كبيرا ووقتا‬ ‫طويال في تقليد مطرب معني ألنهم أحبوا األغنية كثيرا جدا‪".‬‬ ‫"جو سونغ‪-‬مو" قبل اجلولة النهائية‪.‬‬ ‫إثارة الذكريات والعواطف‬ ‫امتدت شعبية "املطرب املخفي" إىل اجللسة الثالثة‪ ،‬مجعت كال‬ ‫من املطرب األصلي‪ ،‬واملنافسني واجلمهور من خالل رابطة عاطفية‪.‬‬ ‫معظم املقلدين هم مشجعون خملصون للمحبوبني من املطربني‪ ،‬وهم‬ ‫حمبون ومعجبون بأغاين املطربني املشاركني يف املنافسة‪ .‬يف اجللسة‬ ‫اليت ضمت "ليم تشانغ‪-‬جونغ" خالل املوسم الثاين‪ ،‬وقد قارب‬ ‫بعض املنافسني أن يذرفوا الدموع عندما استذكروا تقاعد "ليم"‪.‬‬ ‫عندما غىن "ليم" و ُمقلِّ ُدوه معا‪ ،‬أُعيد اجليل الذي كرب مع االستماع‬ ‫ألعمال ليم الفائقة إىل املاضي‪ .‬أوضح "جو سونغ‪-‬ووك" مدير‬ ‫إنتاج الربنامج بأننا إذا تركنا املسابقة جانبا‪ ،‬فإن الفكرة الرئيسية‬ ‫من الربنامج هي الربط العاطفي والوجداين بني املطربني‪ ،‬واملنافسني‪،‬‬ ‫واجلمهور‪ .‬قال "جو"‪" :‬يف البداية اعتقدت بأن املطرب األصلي‬ ‫واملقلد يغنيان ووجوهم خمفية‪ ،‬كانت طريقة جلعل العرض أكثر‬

‫يقدم التنافس بني املطربني‬ ‫األصليني واملطربني املقلدين يف‬ ‫برنامج "املطرب املخفي" روح‬ ‫املهرجان بغض النظر عمن يفوز‬ ‫أو خيسر‪.‬‬

‫متعة‪ .‬ولكن بالبحث من خالل املراحل األوىل والتسجيالت‪،‬‬ ‫أدركت أن املشاركني مل يكونوا جمرد مقلدين موهوبني‪ ،‬بل بذلوا‬ ‫جهدا كبريا ووقتا طويال يف تقليد مطرب معني ألنهم أحبوا األغنية‬ ‫كثريا جدا‪ .‬وقد اكتشفت مستوى من تكريس املشجعني وحبهم‬ ‫للمطرب يتجاوز احلد العادي كثريا"‪.‬‬ ‫ولكن هذه النقطة قد تكشف أيضا حدود "املطرب اخلفي"‪.‬‬ ‫ال يوجد هناك العديد من املطربني الذين ميلكون أعماال كثرية من‬ ‫اليت كانت تضرب األسواق واليت جعلتهم حمبوبني وراء جيل من‬ ‫‪ 10‬سنوات أو أكثر‪ .‬ظهر معظم املطربني الذين متتعوا بهذا الوضع‬ ‫األسطوري يف الربنامج‪ ،‬لذا من الصعوبة مبكان أن جند مرشحني‬ ‫مناسبني‪ .‬هل ميكن أن يتغلب برنامج "املطربني املخفيني" على‬ ‫هذه السلبية األساسية ويستمتع بنجاح موسم آخر؟ رمبا أمكن‬ ‫إجياد اإلجابة يف كلمات خمرج الربنامج السيد جو‪ ،‬الذي قال‪:‬‬ ‫"هناك شخصية وصفة أخرى للربنامج‪ ،‬إىل جانب املطرب األصلي‬ ‫واملقلدين املنافسني ضد بعضهم البعض‪ ،‬وهي األغنية نفسها‪ .‬األغنية‬ ‫تنتمي إىل املطرب عندما تأيت أول مرة للجماهري‪ ،‬ولكنها مع مرور‬ ‫الوقت‪ ،‬تتغري وتكتسب معىن جديدا‪ ،‬كما لو كانت هلا حياة من‬ ‫ذاتها ويف ذاتها‪ .‬ميكن إعادة تشكيلها‪ ،‬أو تلقيها مرة ثانية من‬ ‫قبل مجاهري جديدة‪ .‬يسعدين أن أمسع أن الناس يأخذون األقراص‬ ‫املضغوطة (سيديهات) القدمية املسجل عليها األغاين وينفضون الغبار‬ ‫الذي عليها يف البيت لالستماع إىل األغاين القدمية املفضلة لديهم‬ ‫بعد مشاهدة الربنامج‪.‬‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪51‬‬


‫نظرة من على بعد‬

‫من عمق الدراما الكورية‪‭‬‬ ‫إلى احلياة في كوريا‬

‫جميل أن تكتب مع الحياة ميثاقا أول سطر فيه ‬ ‫سأجعل لوجودي فيها معني رائعا‪،‬‬ ‫رائعا في كوريا‬ ‫واليوم أجد لنفسي‬ ‫وجودا ً‬ ‫ً‬ ‫يوسف الصبيح ‬

‫طالب سعودي يف مرحلة املاجستري‬ ‫جبامعة سيول الوطنية للعلوم والتكنولوجيا‬

‫بني األمس واليوم والغد‪ .‬فـأمسي قد رحل ولن يعود‪ ،‬ويومي هأنذا أعيشه‪ ،‬وغدي بانتظاره‪ .‬مل أكن أختيل يف يوم من األيام أنين سأرحل‬ ‫مدهش أن تفوق حياتك اخليال مع هذا العامل‪.‬‬ ‫أمت له بأي صلة‪ ،‬لكن كم هو‬ ‫ٌ‬ ‫إىل عامل ال ُّ‬ ‫من عمق حب "إمبراطور البحر" إلي عالم‬ ‫"إمبراطور البحر"‬ ‫بالصدفة‪ .‬ودون أي سابق معرفة عن كوريا شاهدت دراما‬ ‫وأخذت كل اهتمامي‪.‬‬ ‫"إمرباطور البحر"‪ ،‬فلفتت انتباهي وأذهلتين‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫مل يكن يف ُحسباين أن أتعلم اللغة الكورية‪ .‬حىت أنين مل أفكر‬ ‫شخص ساعدين يف‬ ‫باالبتعاث أب ًدا‪ ،‬لكن حدث أن تعرفت على‬ ‫ٍ‬ ‫تعلم اللغة الكورية‪ ،‬وكان هذا من ُحسن حظي‪ ،‬لقد درست ‪-‬‬ ‫عملت أيضًا يف السفارة الكورية‪.‬‬ ‫بكل ج ٍد ‪ -‬اللغة الكورية‪ ،‬كما ُ‬ ‫كنت كل أيام السبت أقابل أحد أصدقائي الكوريني‪ ،‬أعلمه العربية‬ ‫ِّقت يف احلصول على بعثة إىل كوريا!‬ ‫ويعلمين الكورية‪ .‬بعد فرتة وف ُ‬ ‫حلما بالنسبة يل‪ ،‬فلطاملا كان الفضول جيتاحين ألعيش يف‬ ‫كان ً‬ ‫كوريا‪ .‬وصلت إىل كوريا عام ‪ .2010‬بدأت أدرس اللغة الكورية‬ ‫من جديد ملدة سنة كنت اشرتي ‏‪ DVD‬اخلاصة بالدراما الكورية‬ ‫التارخيية ألتعلم من خالهلا اللغة الكورية‪..‬ساعدين هذا كثريا‪ ،‬إنين‬ ‫عندما أنتهي من املعهد أعود للبيت وأشاهد هذه الدراما احلديثة أو‬ ‫اليت تهتم بالقصص االجتماعية‪ .‬وما أن انتهت هذه السنة حىت أصبح‬ ‫عندي مكتبة للدراما الكورية‪ .‬هذه الدراما التارخيية هي جزء مهم‬ ‫يف حيايت‪ .‬لقد جعلتين هذه الدراما أفهم املجتمع والثقافة بشكل‬ ‫أعمق‪ ،‬وكان هلا الفضل يف أن أحتدث وأكتب الكورية بطالقة‪ .‬وما‬ ‫مستمرا يف التعلُّم‪.‬‬ ‫زلت‬ ‫ً‬

‫حائرا‬ ‫العباقرة‪ .‬فـاملسلسل الذي أريد التحدث عنه كثريًا ما أكون ً‬ ‫بأي الكلمات أستطيع وصفه‪ ،‬فالقصة التارخيية إخراجها عظيم مل‬ ‫أستطع أن أجاري أفكار املخرج وأسلوبه الفين املتميز‪ .‬طريقة السرد‬ ‫تأسرين‪ .‬حلظات محاس كثرية‪ ،‬وعمق يتخطى احلدود‪ .‬كثريًا ما‬ ‫أشعر أنين يف تلك احلقبة التارخيية‪ ،‬حىت أنين مبجرد انتهاء احللقة‬ ‫تظل يف ذاكريت بكل مشاهدها االستثنائية‪ .‬قصة "إمرباطور البحر"‬ ‫مجيلة رغم بشاعة الظلم الذي ال ينتهي بنهاية القصة ورغم القسوة‪.‬‬ ‫استمر هذا الظلم واالستبداد طويال‪ .‬حتكي دراما "إمرباطور البحر"‬ ‫عن (جانغ بو‪-‬غو) الذي أصبح عب ًدا من مملكة "شيال" الكورية‬ ‫اليت استمرت من ‪ 57‬ق‪.‬م حىت ‪ 935‬للميالد‪ .‬لقد بيع يف الصني‬ ‫أثناء وجود ساللة "تانغ" وهو املكان الذى تلقَّى فيه تدريبات قاسية‬ ‫جلعله عبدا مصارعا‪ .‬وبعد معاناه كبرية وصرب استطاع أن يعود إىل‬ ‫شيال وأصبح من أجنح وكالء التجارة يف البحر حيث ذاع صيته يف‬ ‫املناطق املجاورة مثل شيال‪ ،‬والصني‪ ،‬واليابان‪ ،‬واجلزيرة العربية"‪.‬‬ ‫وكان يف ذلك الوقت كثري من القراصنة والربابرة يقطعون الطريق‬ ‫على قوافل البضائع القادمة إىل األسواق‪ ،‬فيقتلون َمن فيها‪ ،‬فذهب‬ ‫إليهم "جانج بو جو" وبعد معارك ضارية استطاع إبعادهم إىل‬ ‫اخلليج‪ .‬وىف إطار هذه االحداث جند معاناة كثرية متر حبياة البطل‬ ‫من خيانة وحب كان السبب يف بيعه وجعله عبدا‪ ،‬وصرب وشجاعة‬ ‫ومنافسة ال حدود هلا‪.‬‬

‫الدراما الكورية التاريخية وتأثيرها في مسار‬ ‫حياتي‬ ‫املسلسالت الكورية التارخيية فن ال يستطيع إتقانه إال‬

‫الدراما ورحلتي إلى كوريا‬ ‫املفاجأة كانت عند انتهائي من هذه الدراما‬ ‫وبسببها قمت برحلة استكشافية حول كوريا‬

‫‪52‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬


‫وباألخص املناطق التارخيية واجلزر اليت مت فيها تصوير‪ .‬إن‬ ‫سيول هي املدينة اليت ميتزج فيها التاريخ العريق واحلاضر حبضارته‬ ‫وازدهاره الثقايف واالقتصادي متتلك طبيعة خالبة وجباال ممتدة مثل‬ ‫جبل بوك أك وجبل بوك هان‪ .‬ويوجد بهذه اجلبال عيون من املياه‬ ‫العذبة‪ ،‬كما أن هذه اجلبال متنفس لعاشقي التسلق‪ .‬متتلك كوريا‬ ‫سواحل ممتدة من اخللجان‪ ،‬ويوجد الكثري من اجلزر وأشباه اجلزر‪،‬‬ ‫مثل جزيرة جيجو اليت قمت بزيارتها وهي تتمتع مبناخ استوائي‬ ‫وطبيعة جتعلك تظن أنها قطعة من اجلنة‪ ،‬فأينما نظرت جتد احلضارة‪.‬‬ ‫كل أوقايت اليت قضيتها يف كوريا هي أوقات ممتعة ال تضاهيها متعة‪،‬‬ ‫خصوصا يف حلظات الغروب‪ ،‬إن الوقوف أمام شالالتها يُضفي على‬ ‫النفس الكثري من الروعة والسكينة ويدفع للتأمل بروائع اخلالق‪ ،‬كما‬ ‫ال يفوتين أن أذكر أن "جيجو" جزيرة بركانية‪.‬‬

‫ىف بلدي الثاين‪ ،‬واحلصــول على جتارب ثقافية وسياحيــة‬ ‫وإنســانية بال حدود طوال فتــرة دراستــي‪.‬‬ ‫السفــر يفتح مداركك ورؤيتك للحيــاة والثقافات‬ ‫والعادات املختلفــة‪ ،‬مما جيعل التجــربة الىت أحصل عليها‬ ‫من وراء السفــر ىف حد ذاته جتــربة ثرية ومميـــزة‬ ‫لن أنســاها طوال حيايت‪ ،‬خصوصًا أنين أخوضها ىف سن‬ ‫صغيــرة ‪ ..‬هناك الكثيـر من املميـــزات األخرى الىت تعود‬ ‫علي من وراء جتــربة الدراسة باخلارج‪ .‬إذا كنت تــرغب‬ ‫َّ‬ ‫ىف املــرور بهذه التجــربة الشيقة الىت ستغيــر الكثري من‬ ‫مفاهيم حياتك وثقافتك إىل األفضل بال شك‪ ،‬فقم باخلطــوة‪،‬‬ ‫وابدأ بتجهيــز نفســـك الجتيــاز هذه التجــربة‬ ‫املمتعة‪.‬‬

‫جتـــربة جديدة‪ .‬محطات جديدة في احلياة‬ ‫مفرحا أو قاسيا‪،‬‬ ‫درسا ً‬ ‫احلياة حمطات وكل حمطة تعلمنا ً‬ ‫وليس مهما أن نركز علي املفرح أكثر من القاسي ألن القاسي‪،‬‬ ‫غري أنه ال ينسي‪ ،‬يكون له صداء يف القلب‪ .‬فمهما واجهتك احلياة‬ ‫مبصاعبها ومهوممها إال أنها جتربة جديدة يف احلياة ‪ ،‬يف هذه املرحلة‬ ‫العمرية أتعلم الدروس والتجارب اليت ليست موجودة يف الكتب‬ ‫درس يف معاهد العلم‪ .‬عندما انتقلت للدراسة ىف بــلد‬ ‫وال تُ َّ‬ ‫آخر غري بلدي حصلت على خربات ال حصـر هلا ىف التعامل مع‬ ‫األشخاص مبختلف جنسياتهم وأعراقهم وثقافاتهم‪ ،‬ومنحين هذا‬ ‫مميزات اجتماعية وتفاعلية من الصعب أن أحصل عليها أثناء دراسيت‬ ‫يف بلدي‪ .‬ال يقتصــر األمر على اجلوانب الشخصية فقط‪ ،‬بل‬ ‫استفدت من خبــرات تعليمية ودراسية خمتلفة متامًا ىف أدواتها‬ ‫وأفكارها عن النظام الدراسي ىف بلدي‪ .‬كل حماضرة أو درس أو‬ ‫تطبيق عملي أو ورشة عمــل ىف اجلامعة تركت أثرًا كبيــرًا‬ ‫ىف إدراكي التعليمي وحتصيلي الدراسي‪.‬‬

‫وقفة تأمل‬ ‫هناك وقت حيتاج إليه اإلنسان ألن جيلس على كرسي يف‬ ‫جالسا لساعات‪ .‬يراقب الكون والناس‪ ،‬سيجد‬ ‫أحد املقاهي‪ ،‬يظل ً‬ ‫نفسه أحيانا يكتشف ما جيب أن يفعله‪ .‬لكن من ال يرتكب أخطاء‪ ‬‬ ‫وال جيرب يف حياته ال يستطيع أن حيقق هذا االكتشاف‪ .‬أنا اآلن‬ ‫يف حلظة من حلظات حيايت‪ .‬تصادف أنه عندما عجزت قدرايت‬ ‫عن عمل كثري من األمور اكتشفت عن طريق األمل حلولًا أخرى‬ ‫مل تكن باحلسبان! لذلك أصبحت أتعلم من هوامش الكتاب‪ ‬أكثر‬ ‫مما أتعلمه من مادة الكتاب نفسها‪ .‬حنتاج إىل أن نشكر أخطاءنا‬ ‫أحيانا‪ ‬فلوال ارتكابنا هلا ما عرفنا أفضل األشياء‪ .‬لذلك كما قيل‬ ‫قبسا وضياء‪ ‬يهتدي به اآلخرون يف ظلمات‬ ‫من منا جعل األمل منه ً‬ ‫جهلهم! ومن منا مجع األحجار اليت رماه بها اآلخرون‪ ‬وصنع منها‬ ‫عظيما‪ .‬احلياة حلوة عندما نفهمها‪ .‬مستحيلة عند اليائس منها‪.‬‬ ‫بناء ً‬

‫‪ ‬التطور الشخصي‬ ‫ُّ‬ ‫جتربة الدراسة ىف اخلارج ال تقتصــر فقط على التعليم‬ ‫املميــز‪ ،‬أو النواحي الثقافية واالجتمــاعية اليت ستتشبع بها‬ ‫من وراء التعامل مع كافة اجلنسيــات واألعراق املختلفة‪ ،‬بل‬ ‫تطورا يف شخصييت من كافة النواحي‪ ،‬مبا فيها إدارة‬ ‫مشلت أيضًا ً‬ ‫الوقت‪ ،‬والتنظيم املايل‪ ،‬وترتيــب مكان اإلقــامة‪ ،‬والتخطيط‬ ‫املستمــر‪ .‬بعد خوض هذه التجــربة أجد نفســي أكثر‬ ‫تنظيمًا وتركيــزًا وإدراكًا للكثيــر من األمور‪ ،‬مل أكن أهتم‬ ‫بها أثناء الدراسة ىف بلدي‪.‬‬ ‫العمـــر!‬ ‫متعـــة السفــر وأنت فى مقتبــل ُ‬ ‫الدراسة باخلارج تعطيــين رخصة للسيــاحة ىف‬ ‫البلد الذي أدرس به كيفما أشــاء‪ .‬كل عطلة أسبوعية ميكنين‬ ‫قضاؤها ىف مكان جديد خمتلف‪ ،‬وأن أستمتع بالتنــزه والرتفيه‬

‫تقدم املجتمعات واألمم‬ ‫التفكير السليم أساس ُّ‬ ‫كثريون يعتقدون أن طريقة التفكري سواء أكانت سلبية أو‬ ‫إجيابية هي أمور فطرية توجد مع اإلنسان منذ طفولته‪ ،‬ولكن التفكري‬ ‫اإلجيايب هو مهارة ميكن تعلمها واكتسابها وإتقانها حبيث تكون‬ ‫طريقًا إىل النجاح والسعادة يف حياة كل شخص مهما كان عمره‬ ‫أو مركزه أو حتصيله العلمي‪ .‬فالعقل خيضع للتدريب اجليد وميكن أن‬ ‫يكون التفكري املنظم منط حياة لنا متی ما اختلطنا مبجتمع غري الذي‬ ‫نشأنا فيه فكريا ودينيا‪ ،‬ومىت كنا مستعدين للتخلي عن كل عادة‬ ‫ألمر يثري الدهشة أن تلتقي‬ ‫سيئة مقابل األخذ بكل عادة مجيلة‪ ‬إنه ٌ‬ ‫وتتعامل مع جمتمعات أكثر حرية وانفتاحا وأنت قادم من جمتمع‬ ‫منغلق‪ .‬حني تدرس لسنوات بطريقة تعليم معينة أن يكون عندك‬ ‫االستعداد للنجاح لتغري طريقة التعليم وتلقي املعلومات حىت بلغة‬ ‫ليست لغتك وأن تبين عالقات ميألها احلب املتني حني تلتقي‪ ‬ب‬ ‫وجوه بشوشة من جمتمع يساعد على النجاح‪ .‬أعتقد أن املجتمع‬ ‫الكوري له الفضل اجلزيل يف جناحي وتغري منط أفكاري‪.‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪53‬‬


‫متعة الذواق‬

‫بارك تشان‪-‬إيل‬

‫طا ٍه‬

‫ليم هاك‪-‬هيون‬

‫مصور‬

‫الطبق الخاص واألكثر شعبية‬ ‫من "كيمباب" الطفولة الذي تصنعه أمهاتنا لرحالت املدرسة إىل أرخص أطباق‬ ‫الكيمباب (دوالر واحد)‪ ،‬كخبز يومي لذوي اجليوب الفقرية‪ ،‬وإىل أفخر أنواع‬ ‫الكيمباب املعاصرة يف التوجهات حنو الرفاه‪ ،‬لنتعرف معًا على أكثر األطباق‬ ‫الكورية شعبي ًة يف تارخيها وتنوعها يف املذاق والسعر‪.‬‬

‫غالبًا‬

‫ما كانت والديت ترسلين لشراء أشياء من ّ‬ ‫احملل‬ ‫عندما كنت طفلًا‪ .‬إن السبب الذي دفعين ألصبح طاهيًا‬ ‫يعود على األرجح إىل تلك األوقات اليت كنت أتوىل فيها تنفيذ‬ ‫اخلدمات وإحضار مكونات األطعمة لوالديت‪ .‬فالطهي يبدأ من‬ ‫إحضار املكونات الالزمة‪ ،‬وما هي تلك املكونات وسعرها املناسب‪ ،‬وقد‬ ‫عشت ذلك كله منذ أيام طفوليت املبكرة‪ .‬كانت سعاديت تزداد عندما كانت‬ ‫والديت ترسلين ألُحضر هلا أوراق الكيم‪ .‬ميلؤين شعور باإلثارة ألين سأتناول‬ ‫كيمباب يف اليوم التايل‪ ،‬كنت أشرتي السبانخ‪ ،‬واجلزر‪ ،‬وخملل الفجل (دامنوجي)‪،‬‬ ‫وكعك السمك‪ ،‬والنقانق‪ ،‬وغريها من احلشوات مع حزمتني من "تشوب" (حزمة‬ ‫"تشوب" تتضمن عشر أوراق كيم) من أعشاب الالفر‪ .‬أثناء طريقي للمنزل‪،‬‬ ‫كنت أقتطع قطعة صغرية من زاوية ورقة األعشاب البحرية ألتذوقها‪ .‬لقد كانت‬ ‫تلك األوراق املجففة يف تلك األثناء غالية الثمن وباهظة‪ ،‬وجمرد تناول (كيم)‬ ‫وحدها فقط كان له مذاق شهي‪ .‬فحينما تقرتب القطعة الصغرية من الورقة يف‬ ‫إصبعي املتعرق إىل فمي‪ ،‬كنت أشم رائحة البحر القوية‪.‬‬ ‫أفضل وجبة غذاء في يوم النزهة‬ ‫منذ الصباح الباكر يف يوم النزهة املدرسية‪ ،‬كانت والديت تبدأ بطهي األرز‬ ‫إلعداد الكيمباب‪ .‬فإن كان األرز جافًا جدًا‪ ،‬لن يلتصق بالكيمباب‪ ،‬وإن كان‬ ‫األرز رطبًا جدًا‪ ،‬حينها سيفقد الكيمباب شكله‪ ،‬فكان ال بد على والديت أن‬ ‫تويل العناية الكبرية لطهي األرز‪ .‬عند تتبيله بامللح ّ‬ ‫واخلل املستخدم ملنع األرز من‬ ‫التلف خالل اليوم‪ ،‬يصبح األرز املطهي على النحو املالئم جاهزًا الستخدامه يف‬ ‫الكيمباب‪ .‬أما املرحلة التالية فهي إعداد اللفائف‪ .‬كانت تتوىل األم جتهيز هذا كله‬ ‫‪54‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫حوايل الساعة الرابعة أو اخلامسة صباحًا‪ .‬تفوح رائحة البيض‬ ‫املخفوق املقلي يف فطرية رقيقة ورائحة اجلزر املقلي بالزيت‬ ‫بسرعة لتوقظين أنا وإخويت يف الصباح‪ ،‬فننهض مجيعًا ملشاهدة‬ ‫والديت وهي تع ّد لنا الكيمباب‪.‬‬ ‫إن أروع مشهد كان لف الكيمباب‪ ،‬والذي يتضمن وضع رقاقة‬ ‫األعشاب البحرية على احلصرية (حصرية بامبو)‪ ،‬مث وضع األرز مع التوابل بشكل‬ ‫متساوٍ‪ ،‬مث وضع اللفافة اجلاهزة يف املنتصف قبل لفها‪ .‬ال ينبغي ش ّد اللفافة كثريًا‬ ‫وال تركها رخوة جدًا‪ .‬كما أن تقطيع الكيمباب امللفوف ليس باملهمة السهلة‪.‬‬ ‫ففي حال تقطيعها بشكل غري صحيح‪ ،‬ميكن للورقة أن تتمزق‪ ،‬مما يتسبب‬ ‫بـ"انسكاب احملتوى من اجلانب"‪ ،‬وهو تعبري يُستخدم للفكاهة لوصف ارتباك‬ ‫املرء عندما حتدث أشياء غري متوقعة‪ .‬وهلذا‪ ،‬يعترب تقطيع اللفافة عملي ًة فائقة الدقة‪،‬‬ ‫ال بد أن تُنفَّذ بسكني فوالذ حادة‪ ،‬تُبلل من حني آلخر‪ .‬امتلكت والديت "يدين‬ ‫كبريتني" وكانت تقطع الكيمباب إىل قطع كبرية‪ ،‬أكرب مما يلزم لوضعها يف فمي‬ ‫بلقمة واحدة‪.‬‬ ‫ماطرا‪ ،‬كنا نتناول الكيمباب داخل الصفوف‬ ‫وإذا كان يوم النزهة يوما ً‬ ‫أو يف قاعة املدرسة‪ ،‬مما يتسبب بتالشي متعة الكيمباب مع غياب رائحة العشب‬ ‫املميزة ودفء مشس أيَّار‪.‬‬ ‫كيمباب بنكهات وأشكال متنوعة‬ ‫أدرج املعجم تعريف الكيمباب على أنه "طبق كوري من األرز واخلضار‬ ‫امللفوفة يف ورقة طحالب حبرية"‪ .‬قد يتضمن نكهات خمتلفة مع مكونات خمتلفة‬ ‫للحشوة‪ ،‬مثل الكيمتشي‪ ،‬ومسك التونة‪ ،‬واجلنب‪ ،‬واألنشوفة‪ ،‬واخلضار املخلل‪،‬‬


‫كيمباب طبق من األرز واخلضار‬ ‫امللفوفة يف ورقة من األعشاب‬ ‫البحرية‪ .‬ميكن أن تتضمن‬ ‫نكهات خمتلفة مع مكونات‬ ‫متنوعة كحشوة فيها‪ ،‬مثل‬ ‫كيمتشي ومسك التونة واجلنب‬ ‫واألنشوفة وخملل اخلضار‬ ‫وغريها‪.‬‬

‫© بارودا كيم سونسينغ‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪55‬‬


‫سواء كان أصل الطبق من اليابان أو من كوريا‪ ،‬هو‬ ‫الطبق الكوري الفريد من نوعه الذي وصلنا من الزمن‬ ‫القدمي‪ ،‬يظل الكيمباب محط االهتمام األكبر‪ .‬يقول‬ ‫ُ‬ ‫مد من الطبق الياباني‬ ‫البعض إن الكيمباب قد‬ ‫است َّ‬ ‫ماكيزوشي أو فوتوماكي خالل فترة استعمار اليابان‬ ‫لكوريا (‪ ،)1945-1910‬أو حتى قبل ذلك‪ ،‬حينما‬ ‫انفتحت املوانئ الكورية أمام اليابانيني (في أواخر‬ ‫القرن التاسع عشر)‪ .‬عند نقاشهم حول األصل الياباني‬ ‫لهذا الطبق‪ ،‬يقول البعض إن الكوريني قد تناولوا‬ ‫"كيم" (أعشاب الالفر) منذ مدة طويلة‪ ،‬وبالتالي كان‬ ‫لف "باب" (األرز) في ورقة من الطحالب املجففة أثناء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طبيعيا للقيام به‪.‬‬ ‫تناوله‬ ‫أمرا‬

‫‪1‬‬

‫وغريها الكثري‪ .‬كما قد يكون له أنواع خمتلفة بأشكال وأحجام خمتلفة هذه األيام‪،‬‬ ‫فمثلًا أصبح الكيمباب على شكل ُمثلث‪ ،‬أو الكيمباب صغري احلجم لألطفال‬ ‫الصغار‪ ،‬أو الكيمباب املكشوف حيث يظهر فيه األرز من اجلهة اخلارجية‪ .‬كما أن‬ ‫هناك كيمباب مشهور على اتساع البلد‪ ،‬وهو "تشونغمو كيمباب"‪ ،‬والذي يعود‬ ‫أصله إىل تشومغمو املسمى (تونغيونغ اآلن) يف حمافظة كيوننغسانغ اجلنوبية‪ .‬يصنع‬ ‫هذا الكيمباب ببساطة من األرز وحده مث يُلف يف "الكيم" ويُقدم مع "الكيمتشي"‬ ‫بشكل مكعبات مع احلبّار املُتبل جانبها‪ .‬تعود القصة إىل أن هذا الطبق هو طبق‬ ‫بسيط يتم إعداده دون مكونات إضافية قد تفسد حيث مل تكن فرتات تناول‬ ‫الصيادين للطعام متوقع ًة‪.‬‬ ‫منذ مىت يتناول الكوريون طبق الكيمباب؟ سواء كان أصل الطبق من‬ ‫اليابان أو من كوريا‪ ،‬هو الطبق الكوري الفريد من نوعه الذي وصلنا من الزمن‬ ‫مد‬ ‫القدمي‪ ،‬يظل كيمباب حمط االهتمام األكرب‪ .‬يقول البعض إن الكيمباب قد استُ َّ‬ ‫من الطبق الياباين ماكيزوشي أو فوتوماكي خالل فرتة استعمار اليابان لكوريا‬ ‫(‪ ،)1945-1910‬أو حىت قبل ذلك‪ ،‬حينما انفتحت املوانئ الكورية أمام‬ ‫اليابانيني (يف أواخر القرن التاسع عشر)‪ .‬عند نقاشهم حول األصل الياباين هلذا‬ ‫الطبق‪ ،‬يقول البعض إن الكوريني قد تناولوا "كيم" (أعشاب الالفر) منذ مدة‬ ‫‪56‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫‪ 1‬من املُمتع جدًا مشاهدة عملية إعداد الكيمباب‪ ،‬فأفضل مشهد فيه هو رؤية‬ ‫لف ورقة األعشاب البحرية باستخدام لفافة اخليزران بعد وضع احلشوة‬ ‫املجهزة مسبقًا من ألوان خمتلفة على طبقة األرز‪ ،‬مما يثري شهيتك حتمًا‪.‬‬ ‫‪ 2‬كيمباب اجلديد املميز يُغري الصورة النمطية لطبق الكيمباب على أنه جمرد‬ ‫طعام للفقراء‪ ،‬ويكسب شهرته بني الشباب لتقدميه نكهات خمتلفة تستمتع‬ ‫فيها يف اجلو اللطيف‪.‬‬

‫طويلة‪ ،‬وبالتايل كان لف "باب" (األرز) يف ورقة من الطحالب املجففة أثناء تناوله‬ ‫أمرًا طبيعيًا للقيام به‪.‬‬ ‫كتب الدكتور جونغ مون‪-‬غي‪ ،‬وهو أول من حصل على درجة الدكتوراه‬ ‫يف كوريا يف دراسات املنتجات البحرية حتت عنوان "املنتجات البحرية لعصر‬ ‫جوسون" اليت سجلت تاريخ "الكيم" أنها تعود إىل ‪ 200‬سنة من قبل‪ ،‬حينما‬ ‫وجد الكيم ألول مرة ينمو على "بانغريوم"‪ ،‬وهي معدات الصطياد السمك يف‬ ‫حبار جزيرة واندو يف إقليم جوال اجلنوبية‪ ،‬مث متت زراعته فيما بعد‪ .‬وبغض النظر‬ ‫عن أصل الكيمباب‪ ،‬تعود زراعة الكيم حبد ذاته إىل كوريا يف األصل‪ .‬وحىت قبل‬ ‫تسجيل جونغ للكيم‪ ،‬يبني تسجيل منحوت يف نصب تذكاري من العقد اخلامس‬ ‫من ق ‪ 17‬لعامل من جوسون كيم يو‪-‬إك‪" :‬كأحد نشطاء اجليش الشريف خالل‬ ‫غزو مونتشو الثاين عام ‪ ،1636‬عمل أيضًا على زراعة الكيم خالل حكم امللك‬ ‫إجنو لتأمني غذاء القرويني‪ ".‬كما عرضت الكيم يف "جغرافيا حمافظة كيونغسانغ"‬ ‫من حقبة امللك سيجونغ (‪ )1495-1418‬و"دونغكوك‪-‬يوجي‪-‬سونغرام"‬ ‫النص اجلغرايف من حقبة امللك سونغجونغ‪ ،‬ويشري كالمها إىل أن الكيم كان من‬ ‫املأكوالت البحرية اليت استمتع الكوريون بتناوله من وقت طويل قبل زراعته‪.‬‬ ‫كما صدرت يف هادونغ حملافظة كيونغسانغ اجلنوبية‪ ،‬قصة مشهورة حول‬


‫‪2‬‬

‫زراعة الكيم‪ .‬فقبل حوايل ‪ 300‬سنة‪ ،‬تصادف أن قامت امرأة عجوز تعمل على‬ ‫مجع األصداف فيما يتدفق نهر سوجمني إىل جنوب البحر بالتقاط قطعة من اخلشب‬ ‫من النهر وكانت مغطاة بالكيم‪ .‬ومن هنا راودتها الفكرة‪ ،‬بدأت بربط الكيم‬ ‫على جذوع اخليزران مث غرسها يف البحر لينمو عليها الكيم‪ .‬وبعدها أصبحت‬ ‫هذه إحدى أقدم الطرق لزراعة الكيم واليت تُدعى "جيجوسيك"‪ ،‬طريقة استخدام‬ ‫اجلذع‪.‬‬ ‫الكيمباب بأرخص سعر مقارنة مع الكيمباب األفخر‬ ‫كان الكيمباب الطبق الفاخر سابقًا‪ ،‬والذي خيصص لتناوله يف يوم النزهة‬ ‫املدرسية أو يف نزهة مع األهل‪ ،‬وقد أصبح أحد أرخص األطباق وأكثرها شعبية‬ ‫يف كوريا‪ .‬يحُ دد سعر أرخص لفة من كيمباب بقيمة ‪ 1,000‬وان (دوالر واحد)‬ ‫فقط‪ ،‬وهو أرخص بكثري من متوسط سعر وجبة واحدة‪ .‬بصفيت طا ٍه‪ ،‬أحاول حتليل‬ ‫أسعار املكونات‪ ،‬وأتساءل كيف ميكن ألصحاب أرخص أطباق الكيمباب والذي‬ ‫يُباع بسعر دوالر واحد فقط أن حيقق أية أرباح على اإلطالق‪ .‬إن وعا ًء واح ًدا‬ ‫من األرز فقط يُكلف عاد ًة أكثر من دوالر يف املطاعم‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬يُباع الكيمباب‬ ‫املصنوع من مكونات خمتلفة والكيم‪ ،‬والذي يُقدم مع الكيمتشي واحلساء كأطباق‬

‫جانبية أن يحُ دد تكلفته بدوالر واحد فقط! أيًا كان سعره‪ ،‬يتضح بأن أولئك‬ ‫ممن يتوافر لديهم القليل من املال فقط يشكرون على وجود الكيمباب بأرخص‬ ‫األسعار‪.‬‬ ‫ويف املقابل‪ ،‬هناك الكيمباب الباهظ الثمن الذي يتناسب مع مفهوم الثراء‬ ‫باستخدام املكونات الصحية‪ ،‬وجيعل من تكلفة الكيمباب باهظ الثمن كثريًا‪.‬‬ ‫جيادل البعض بأنه "كيمباب اإلمرباطور" على أنه جمرد عملية نصب يف البيع‪،‬‬ ‫استجاب ًة للمدافعني بأنه ال حاجة أن يظل الكيمباب كطبق رخيص الثمن فقط‪ .‬إن‬ ‫الفكرة حبد ذاتها فكرة جديدة‪ ،‬بأنه من املمكن االستمتاع بالكيمباب يف مطعم‬ ‫يتمتع جبو لطيف‪ ،‬متيحًا كسر الصورة النمطية للكيمباب على أنه جمرد طبق للناس‬ ‫الفقراء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أتساءل كم عدد األشخاص القادرين على دفع مثنه من الناحية‬ ‫النفسية واملالية‪ ،‬حيث تكلفة الكيمباب باهظ الثمن ترتاوح بني ‪ 5000‬إىل ‪6000‬‬ ‫وان (‪ 6-5‬دوالرات) لكل لفّة‪ .‬ال يزال ينبغي علينا االنتظار ورؤية فيما إن كان‬ ‫هذا الكيمباب االستثنائي هو جمرد نزعة مؤقتة يُربرها انعدام الثقة جبودة الكيمباب‬ ‫ذي السعر الرخيص أو هي رمبا رغبة الستحداث طبق جديد‪ ،‬أو توجه ذو معىن‬ ‫لتجديد وتأكيد القيمة املرتفعة للقيمة الغذائية والصحية يف الكيمباب الذي كنا‬ ‫نستمتع بتناوله يف السابق‪.‬‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪57‬‬


‫ظاهرة عصا‬ ‫ال��س��ي��ل��ف��ي‬ ‫منط احلياة‬

‫يف العام املاضي‪ ،‬مت اختيار عصا التقاط الصور ذاتيًا أو ما يسمى بـ"عصا السيلفي" كأشهر‬ ‫املنتجات‪ ،‬وفقا للعديد من استطالعات آراء املستهلكني‪ .‬تساعد عصا السيلفي اليت ميكن‬ ‫م ّدها ملرت واحد‪ ،‬على التقاط صورة ذاتية من خالل تعليق اهلاتف على اجلزء العلوي من‬ ‫العصا‪ .‬يعزى السبب يف الشعبية املفاجئة غري املتوقعة لعصا السيلفي يف كوريا‪ ،‬إىل مستوى‬ ‫عال من انتشار اهلواتف الذكية وكثرة استخدام شبكات التواصل االجتماعي هناك‪.‬‬ ‫كو بون‪-‬كوان‬

‫رئيس معهد أحباث اإلنسانية الرقمية التابع لصحيفة هانكيوريه‬

‫ما‬

‫هو املشهد األكثر بروزا لزوار كوريا يف هذه األيام؟ أظهرت‬ ‫نتيجة استطالع رأي أجرته وكالة سفر لدى ‪ 466‬من السياح‬ ‫األجانب الذين زاروا كوريا يف العام املاضي أن ‪ %48‬من املستطلعني‬ ‫أجابوا أن التقاط صورة باستخدام عصا السيلفي يعترب املشهد األكثر‬ ‫بروزا يف كوريا‪ .‬ميكن أن جند بسهولة مستخدمي عصا السيلفي يف‬ ‫املناطق السياحية املتميزة‪ ،‬وكذلك يف خمتلف مناطق وسط املدينة‪.‬‬ ‫قال أحد املستطلعني من أسرتاليا إنه كان من النادر أن ميد الناس‬ ‫أيديهم اللتقاط صورة بعصا طويلة‪ ،‬وال ميكن أن نرى هذا املشهد‬ ‫يف بلدان أخرى إال يف كوريا‪ .‬علما بأنه من بني املشاهد املثرية‬ ‫لإلعجاب يف كوريا‪ ،‬الىت أجاب بها بعض املستطلعني‪ ،‬راكبو‬ ‫الدراجات الذين يرتدون املالبس الرياضية يف املدينة‪ ،‬وبعض السياح‬ ‫الكوريني الذين يرتدون املالبس الرياضية امللونة‪ ،‬وفرق كبري لدرجة‬ ‫احلرارة بني النهار والليل‪.‬‬ ‫عصا السيلفي تصبح من أهم االحتياجات الضرورية‬ ‫للسفر‬ ‫يف الواقع‪ ،‬ال تقتصر شعبية عصا السيلفي على كوريا‬ ‫فقط‪ .‬اختارت جملة "تامي" األمريكية عصا السيلفي كأحد أفضل‬ ‫االخرتاعات الـ‪ 25‬يف عام ‪ ،2014‬حيث أوضحت املجلة أنه إذا‬ ‫كان عام ‪ 2013‬العام الذي أصبح فيه السيلفي مصطلحا جديدا‪،‬‬ ‫نوع من‬ ‫فإن عام ‪ 2014‬أصبح العام الذي حتول فيه السيلفي إىل ٍ‬ ‫الظواهر الثقافية‪ .‬كما أشارت املجلة إىل أنه مع اكتشاف أسواق‬ ‫‪58‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫جديدة‪ ،‬أخذت بعض الشركات تنتج أجهزة مصممة اللتقاط‬ ‫صورة ذاتية‪ .‬فيما خيص عصا السيلفي‪ ،‬قالت املجلة األمريكية إنها‬ ‫ّ‬ ‫متكن مستخدميها من وضع اهلاتف الذكي مبسافة أبعد مما متتد إليها‬ ‫اليد للحصول على أفضل صورة‪ ،‬مما يدل على أمهية عصا السيلفي‪.‬‬ ‫جدير بالذكر أنه مت إدراج عصا السيلفي ضمن قائمة أفضل‬ ‫االخرتاعات الـ‪ ،25‬بينما تعترب ‪ 24‬اخرتاعا منها منتجات تعتمد‬ ‫على التكنولوجيا املتطورة مثل شاحن السلكي‪ ،‬وأبل ووتش‪،‬‬ ‫وطابعة ثالثية األبعاد‪ ،‬وبالك فون‪ ،‬وهذا يعين أن عصا السيلفي‬ ‫متثل رمزا لظاهرة ثقافية جديدة‪ ،‬وليس اخرتاعا تكنولوجيا مبتكرا‪.‬‬ ‫يف احلقيقة‪ ،‬جاءت الفكرة األوىل لعصا السيلفي من اليابان عام‬ ‫‪ ،1983‬ومت تسجيلها رمسيا للحصول على براءة اخرتاع يف الواليات‬ ‫تطور جهاز "مونوبود"(‪ )monopod‬الذي‬ ‫املتحدة يف عام ‪ّ .1985‬‬ ‫كان يساعد على منع اهتزاز اليد عند التصوير باستخدام الغالق‬ ‫البطيء‪ ،‬إيل هذه العصا‪ .‬ال ختتلف الفكرة األوىل لعصا السيلفي‬ ‫ومضمون براءة اخرتاعها‪ ،‬عن عصا السيلفي املستخدمة يف هذه‬ ‫األيام‪ .‬ببساطة‪ ،‬فشلت الفكرة األوىل يف جذب الطلب من عامة‬ ‫الناس لـ‪ 30‬عا ًما ماضية‪.‬‬ ‫قبل ثالثة أو أربعة أعوام‪ ،‬بدأت تنتشر عصا السيلفي يف‬ ‫كوريا‪ .‬يف البداية‪ ،‬كان من الصعب أن يتعود الناس على التقاط‬ ‫صورتهم الذاتية بوضع اهلاتف الذكي فوق العصا‪ .‬إال أن العصا‬ ‫أعطت زاوية أبعد وأنسب اللتقاط أمجل صورة وجه‪ ،‬بدال من‬ ‫مد الذراع للحصول على الزاوية املسماة بـ"زاوية وول تشانغ‬


‫بعد التأكد من أن عصا‬ ‫السيلفي تعطي زاوية أوسع‬ ‫وأكثر حيوية اللتقاط أمجل‬ ‫صورة وجه‪ ،‬بدال من مد‬ ‫الذراع للحصول على الزاوية‬ ‫املسماة بـ"زاوية وول تشانغ‬ ‫(أفضل زاوية لصورة وجه)"‪،‬‬ ‫أصبحت عصا السيلفي‬ ‫مشهورة بني الشباب يف وقت‬ ‫وجيز‪.‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪59‬‬


‫‪1‬‬

‫(الزاوية اليت ميكن بها التقاط أمجل صورة وجه)"‪ .‬لذلك أصبحت‬ ‫عصا السيلفي منتجا مشهورا بني الشباب أكثر من أى وقت مضى‪،‬‬ ‫وحظيت بشعبية كبرية يف األماكن السياحية‪ .‬ميكن أن يصور‬ ‫املسافرون أنفسهم مع أصحابهم أو املناظر اخللفية يف إطار واحد‪،‬‬ ‫عن طريق استخدام عصا السيلفي‪ .‬خاص ًة أن العصا تسمح للسياح‬ ‫املنفردين بالتقاط صورتهم يف أي مكان من أي زاوية دون أي‬ ‫حاجة إىل طلب مساعدة من اآلخرين‪ .‬يف كوريا‪ ،‬دفع الربنامج‬ ‫التلفزيوين "املسنون أمجل من الزهور" الذي يُظهر رحلة جمموعة من‬ ‫املسنني يف اخلارج‪ ،‬موجة استخدام عصا السيلفي بني عامة الناس‪.‬‬ ‫استفاد املشاهري املشاركون يف الربنامج املذكور أعاله من العصا‪،‬‬ ‫وهم يتمتعون برحلتهم‪ ،‬مما أدى إىل انتشار عصا السيلفي كواحدة‬ ‫من أهم االحتياجات الضرورية للسفر‪.‬‬ ‫شعبية عصا السيلفي في كوريا‬ ‫دعونا ننظر بعمق إىل خلفية الشعبية الكبرية لعصا السيلفي يف‬ ‫كوريا‪ .‬أوال‪ ،‬وفقا لوزارة العلوم وتكنولوجيا املعلومات واالتصاالت‬ ‫وختطيط املستقبل الكورية‪ ،‬تبلغ نسبة توزيع اهلواتف الذكية يف‬ ‫كوريا اليت تعترب دولة قوية يف قطاع تكنولوجيا املعلومات‪٪79.4 ،‬‬ ‫يف عام ‪ ،2014‬لتسجل أعلى مستوى يف العامل‪ ،‬وتعترب هذه النسبة‬ ‫أعلى بـ‪ 4.6‬مرات من املتوسط ​​ يف الدول األعضاء يف منظمة‬ ‫التعاون االقتصادي والتنمية‪ .‬جتاوزت نسبة توزيع اهلواتف الذكية‬ ‫من اجليل الرابع (‪ )LTE‬يف كوريا‪ ،‬واليت تعترب أحدث طراز وأكثر‬ ‫تقد ًما من بني اهلواتف الذكية‪ %55 ،‬لتسجل أعلى مستوى يف العامل‬ ‫أيضا‪ .‬يبلغ متوسط وقت استخدام اهلواتف الذكية يف كوريا يف يوم‬ ‫واحد ‪ 3‬ساعات و‪ 39‬دقيقة‪ ،‬ومعظم ذلك بغرض التمتع خبدمات‬ ‫التواصل االجتماعي‪ .‬بناء على ذلك‪ ،‬ميكن القول إن كثرة استخدام‬ ‫اهلواتف الذكية وخدمات التواصل االجتماعي يف كوريا‪ ،‬أدت إىل‬ ‫زيادة شعبية عصا السيلفي يف البالد‪.‬‬ ‫‪60‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫‪ 1‬يف الربنامج التلفزيوين‬ ‫"املسنون أمجل من الزهور"‬ ‫الذي يُظهر رحلة جمموعة‬ ‫من املسنني يف اخلارج‪،‬‬ ‫كان املشاهري املشاركون‬ ‫يف الربنامج يستخدمون‬ ‫عصا السيلفي‪ ،‬وهم‬ ‫يتمتعون برحلتهم‪ ،‬مما‬ ‫أدى إىل انتشار عصا‬ ‫السيلفي كواحدة من أهم‬ ‫االحتياجات الضرورية‬ ‫للسفر‪.‬‬ ‫‪ 2‬يُعزى السبب يف الشعبية‬ ‫الكبرية لعصا السيلفي‬ ‫خاص ًة يف األماكن‬ ‫السياحية‪ ،‬إىل أنه ميكن أن‬ ‫يقوم املسافرون بالتقاط‬ ‫الصور بأنفسهم مع‬ ‫أصحابهم أو املناظر اخللفية‬ ‫يف إطار واحد عن طريق‬ ‫استخدام عصا السيلفي‪،‬‬ ‫بدال من مد الذراع‪.‬‬

‫على الرغم من أن جعل الوجه في الصورة يبدو‬ ‫أجمل‪ ،‬ميثل هذا هدفا أساسيا للسيلفي‪ ،‬إال أن‬ ‫السيلفي يهدف في احلقيقة إلى بناء عالقات‬ ‫وليس الرضا الذاتي‪ .‬لقد جاء عصر ما يسمى‬ ‫"التقاط الصورة الذاتية للتبادل"‪ ،‬وأجنب هذا‬ ‫العصر عصا السيلفي‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬ال يرتدد الكوريون يف التعرف على أحدث االجتاهات‬ ‫والتمتع بها‪ .‬إنهم حياولون دائما البحث عن شيء جديد واستهالكه‬ ‫حبماسة‪ ،‬وهذا هو السبب يف أن العديد من الشركات العاملية‬ ‫تعترب كوريا أفضل سوق الختبار منتجاتها اجلديدة‪ ،‬كما تستفيد‬ ‫معظم هذه الشركات من سوق كوريا بغرض التأكد من رد فعل‬ ‫املستهلكني وتقييم احتماالت النجاح قبل دخوهلا إىل األسوق‬ ‫العاملية‪ .‬يف كوريا‪ ،‬تصبح أفالم وأغاين البوب ​​وكذلك منتجات‬ ‫ثقافية مثل الكتب األكثر مبيعا‪" ،‬االجتاه السائد" بسرعة يف الغالب‪،‬‬ ‫إذا حصلت على الشعبية‪ .‬يف هذا السياق‪ ،‬تتقرر تفضيالت فردية‬ ‫مثل أزياء الشابات وتصفيفة الشعر فضال عن أسلوب املكياج‪،‬‬ ‫حسب االجتاه السائد‪ .‬ميكن القول إن االهتمام البالغ للكوريني‬ ‫بآخر الصيحات‪ ،‬يعترب دافعا النتشار عصا السيلفي يف كوريا‪.‬‬ ‫ثالثا‪ ،‬يهتم الكوريون مبظاهرهم كثريا‪ ،‬وميكن ارتباط الرغبة‬ ‫القوية للشباب يف إظهار وجتميل أنفسهم بشعبية عصا السيلفي‪.‬‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬أفادت جملة “ذي إيكونوميست” الربيطانية نقال‬ ‫عن تقرير صادر عن اجلمعية الدولية جلراحات التجميل‪ ،‬بأن كوريا‬ ‫احتلت املركز األول من بني دول العامل يف جمال إجراء عمليات‬ ‫التجميل قياسا إىل عدد السكان‪ .‬كما مثلت كوريا ‪ %20‬يف أسواق‬ ‫مستحضرات التجميل للرجال يف العامل‪ ،‬لتحتل املرتبة األوىل‪ ،‬وفقا‬ ‫إلفادة صحيفة "فايننشال تاميز" الربيطانية يف عام ‪.2013‬‬ ‫قامت اجلمعية األمريكية للطب النفسي بتعريف حالة نشر‬ ‫الناس صورهم الذاتية على مواقع التواصل االجتماعي من أجل‬ ‫تقوية الثقة يف أنفسهم وتعزيز العالقات مع اآلخرين‪ ،‬مبا يسمى‬ ‫بـ"سلفيتس(‪ .")selfitis‬على الرغم من أن جعل الوجه يف الصورة‬ ‫يبدو أمجل‪ ،‬ميثل هذا هدفا أساسيا للسيلفي‪ ،‬إال أن السيلفي يهدف‬ ‫يف احلقيقة إىل بناء عالقات وليس الرضا الذايت‪ .‬لقد جاء عصر ما‬ ‫يسمى "التقاط الصورة الذاتية للتبادل"‪ ،‬وأجنب هذا العصر عصا‬ ‫السيلفي‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪61‬‬


‫نافذة على األدب الكوري‬

‫الرغو‬

‫الطريق من الظالم إلى النور‬ ‫جاجن دو‪-‬يونغ ناقد أديب‬

‫إن "الرغو" هو تعبري مناسب يعبرّ عن أعمال جو هاي جني القصصية‪" .‬واسعا‪،‬‬ ‫إن حركة السرد بطيئة يف أعماهلا اإلبداعية‬ ‫ولكن بطيئا‪ ،‬ووفريا ج ّدا"‪ ...‬حيث ّ‬ ‫اليت ختتار فيها الكاتبة كلمات مناسبة ومجال غري متك ّلفة‪ ،‬ولكنّها تتط ّور داخل‬ ‫القصة دون انقطاع‪ .‬فليست أعماهلا اإلبداعية من النوع الذي يعتمد بشكل‬ ‫ّ‬ ‫مفرط على مواضيع وأفكار جديدة غري مألوفة‪ ،‬أو الذي يتمتّع بروح الدعابة‪،‬‬ ‫وخفّة ّ‬ ‫الظل‪ ،‬والسخرية‪ .‬وبدال من ذلك‪ ،‬تتج ّمع وترتاكم سالسل من "البطء"‬ ‫القصة القصرية‪ ،‬وتنتهي إىل ترك صدى مؤثّر ج ّدا من‬ ‫حمسوبة بدقّة ومهارة يف ّ‬ ‫أن قصص جو هاي جني‬ ‫العواطف يف نهايتها‪ .‬ومن هذا املنطلق‪ ،‬ميكن أن نرى ّ‬ ‫القصة القصرية اليت تلتقط بنظرة حا ّدة ورقيقة شرحي ًة من‬ ‫تتبع بإخالص مجاليات ّ‬ ‫حياة اإلنسان ويومياته‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫الثقافة والفنون الكورية‬

‫متتلئ‬

‫قصة "حتت حراسة الضوء" بالكثري من عناصر "البطء"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫القصة‪ .‬حيث تبدأ مع‬ ‫وميكن ملس هذه النقطة بوضوح من بداية ّ‬ ‫"أنا" البطل الذي يصل إىل مطار نيويورك ويتّجه حنو منطقة مراقبة‬ ‫ّ‬ ‫املكتظ بالناس املندفعني‬ ‫اجلوازات‪ ،‬مثّ يتوقّف للحظة‪ .‬يرمز املطار‬ ‫حنو وجهاتهم‪ ،‬إىل مكان بشكل مكثّف ميثّل احلياة اليومية لساكين‬ ‫املدينة احلديثة‪ .‬يتوقّف البطل وسط "السرعة"‪ ،‬ويتّجه فجأة حنو زمن‬ ‫"البطء"‪ .‬وما جيعله يتوقّف هو الثلوج املتساقطة خارج النوافذ‪ .‬والثلج‬ ‫الذي ّ‬ ‫يغطي مهبط الطائرات باملطار ويسقط يف صمت من السماء‬ ‫إىل األرض ببطء‪ ،‬يُع ّد بلورة "البطء"‪ .‬يتوقّف "أنا" قليال متماشيا مع‬ ‫سرعة الثلج الذي يتساقط ببطء‪ ،‬ويتخلّى عن احلياة اليومية املزدمحة‬ ‫ليواجه مشاهد باهتة من ذكرياته املاضية يف زمن البطء هذا‪ .‬هذه‬ ‫القصة القصرية مبثابة عملية يبدأ فيها "أنا" يف السري من هذه النقطة‬ ‫ّ‬ ‫حنو أسرار املاضي ببطء ولكن بشكل مثابر ال يعرف االستسالم أبدا‪.‬‬ ‫إ ّن اللحن الذي عاد إىل أُ ُذنيَ البطل "أنا" من جديد حينذاك‬ ‫داخل ذاكرته هو بدوره بطيء ج ّدا أيضا‪ .‬إنّه حلن مثل األغاين اليت‬ ‫تُر ّددها طوال اليوم دون أن تعلم من يغنّيها أو حىت عنوانها‪ ،‬وال‬ ‫يسمعها سواك‪ ،‬وتر ّن يف أذنيك أنت فقط‪ّ .‬‬ ‫يتذكر البطل "أنا" اللحن‬ ‫الغامض‪ .‬ويقوده هذا اللحن ببطء "عرب فرتة طويلة من الزمن" إىل‬ ‫ذكريات املاضي البعيدة الغامضة‪ .‬وتبعا هلذا اللحن الذي يقوده إىل‬ ‫أماكن خمتلفة مثل "غرفة صغرية باردة"‪" ،‬ملعب يوم األحد ّ‬ ‫املغطى‬ ‫بالثلوج"‪" ،‬غرفة مستشفى ممتلئة برائحة األدوية"‪ ،‬تُ ّ‬ ‫شكل سلسل ٌة من‬ ‫اخلطوات "الواسعة والبطيئة‪ ،‬ولكن الوفرية ج ّدا" اإليقاعات السردية‬ ‫القصة القصرية‪.‬‬ ‫يف هذه ّ‬


‫متنوعة من املعاين‬ ‫إ ّن سريورة السرد اليت تبدأ من زمن "البطء"‪ ،‬تُنتِج جمموعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫املركبة اعتمادا على التلميحات احملسوبة بعناية شديدة‪ ،‬التنظيم املاهر يف تسريع‬ ‫السرد وتبطيئه‪ ،‬واحلبكة املحُ كمة‪ّ .‬‬ ‫ويذكر املناخ القصصي البطيء واهلادئ الذي يثري‬ ‫أحيانا اإلحساس باخلوف‪ ،‬بفنّان كبري يضع ّ‬ ‫كل طاقته يف القيام بأعمال التطريز‬ ‫القصة القصرية على عمليات تُثري فيها التلميحات‬ ‫باإلبرة بدقّة‪ .‬وحتتوي هذه ّ‬ ‫ليتكرر هذا اإلعجاب ويؤدي إىل خلق دليل يهدي إىل‬ ‫البسيطة واملرتاكمة إعجابا‪ّ ،‬‬ ‫تأ ّمالت حول اإلنسان واحلضارة البشرية‪.‬‬ ‫القصة متثّل عملية ّ‬ ‫القراء نشارك طوعا يف جهود‬ ‫أ ّوال‪ ،‬هذه ّ‬ ‫حلل األلغاز‪ .‬حنن ّ‬ ‫يتم إعطاء تلميحات‬ ‫البطل للقفز فوق بئر النسيان ومواجهة حقيقة املاضي‪ .‬حيث ّ‬ ‫واحدة تلو األخرى‪ ،‬مث يتأ ّمل البطل "أنا" يف ّ‬ ‫كل تلميح بهدوء مل ّدة طويلة‪ .‬غالبا ما‬ ‫تكون هذه التلميحات "جاءت إ ّ‬ ‫يل ببطء خطوة بعد خطوة مثل آثار أقدام حمفورة‬ ‫يف ملعب املدرسة الذي ّ‬ ‫تغطيه الثلوج بعد مرور املزيد من الوقت‪ ".‬إ ّن اللحن الذي‬ ‫يسمعه البطل من الطرف اآلخر البعيد للذاكرة ليس شيئا ميكن معرفته بسهولة‬ ‫ولو حاول ذلك‪ ،‬بل إنّه يقرتب منه تلقائيا وتدرجييا شيئا فشيئا بشكل بطيء‪ .‬هلذا‬ ‫يقول‪ :‬علمت أنين كنت بطيئا يف إدراك حقيقة أن هذا اللحن كان ّ‬ ‫حيتل جزءا من‬ ‫قليب لوقت طويل"‪.‬‬ ‫القصة حتتوي على عملية للوصول إىل الفهم الصحيح لآلخر‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬هذه ّ‬ ‫املهمشني حولنا‪ ،‬وروعة اللحظة اليت ينطلق‬ ‫فهي تبينّ كيفية التح ّدث إىل اآلخرين ّ‬ ‫ولكن تبادل الشعور بني "أنا" واآلخر‬ ‫فيها شعاع من الضوء عند التح ّدث إليهم‪ّ .‬‬ ‫يأيت ببطء شديد بعد املرور مبرحلة "الرت ّدد" الصعبة‪ .‬فعلى الرغم من أن البطل "أنا"‬ ‫ّ‬ ‫يفكر للحظة أنّه يرغب يف االقرتاب منها ومشاركتها مظلّته‪ ،‬فإ ّن الصمت الذي‬ ‫سيحيط بهما حتت املظلّة الواحدة‪ ،‬جيعله يشعر بالعبء وينصرف عنها يف النهاية‪.‬‬ ‫التدخل‪ ،‬فيعرتف ويقول‪" :‬مل أرد‬ ‫حيث يرى أن التعاطف والتواصل مها نوعان من ّ‬

‫بتهور"‪ .‬جتعلنا هذه العملية‬ ‫أن أشارك شخصا آخر أموره الشخصية ّ‬ ‫البطيئة والصعبة ندرك كم يتطلّب التواصل احلقيقي مع اآلخر من‬ ‫صدق عميق وحازم‪.‬‬ ‫القصة هي عملية تُظهر لنا ما هي طبيعة ال َع َظمة اليت‬ ‫ثالثا‪ ،‬هذه ّ‬ ‫تتطور باستخدام‬ ‫تُطلب من اإلنسان‪ .‬فإذا تابعنا حكاية ّ‬ ‫القصة اليت ّ‬ ‫فصلة‪ ،‬جند صورا لآلخرين املنعزلني عن عاملنا‪،‬‬ ‫تقنية االستعارات املُ ّ‬ ‫واحملصورين يف غرفة باردة ومظلمة نتيجة لعدم اهتمامنا بهم‪ .‬وذلك‬ ‫على املستوى الفردي حينا‪ ،‬وعلى املستوى التارخيي حينا آخر‪ .‬على‬ ‫يهم هو إعطاء شعاع ضوء هلم يمُ ّكنهم من اهلرب من‬ ‫أية حال‪ ،‬ما ّ‬ ‫القصة بهدوء إىل أ ّن إنقاذ‬ ‫تلك الغرفة الباردة املظلمة‪ .‬تُشري هذه ّ‬ ‫اآلخرين وإدخاهلم "حتت حراسة الضوء" هو عمل عظيم ال ميكن‬ ‫للجميع أن يقوم به بسهولة‪ ،‬ولكنّه يف ذات الوقت "عمل يستطيع‬ ‫أي إنسان القيام به‪ ،‬وواجب عليه أن يقوم به"‪.‬‬ ‫القصة القصرية ‪" :‬هناك ضوء داخل آثار األقدام‪.‬‬ ‫يقول بطل ّ‬ ‫حمملة بالكامل باألضواء؟" يف الواقع‪،‬‬ ‫أال تبدو مثل قوارب صغرية ّ‬ ‫هناك دائما يف ّ‬ ‫كل مكان وزمان ضوء حولنا‪ .‬ولكن من أجل‬ ‫يتم استعادة احلقيقة‪ ،‬وجيب أن من ّد‬ ‫اكتشاف هذا الضوء‪ ،‬جيب أن ّ‬ ‫أيدينا حنو اآلخرين‪ .‬فالشجاعة مطلوبة لكي نتغلّب على "الرت ّدد"‪.‬‬ ‫ومن خالل هذه املجهودات‪ ،‬ميكن هلذا "الضوء البسيط" أن يصبح‬ ‫املهمشني والوحيدين من حولنا‪ .‬إ ّن‬ ‫"ضوءا عظيما" حيرس هؤالء ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصوت البطيء والغين للكاتب يركز أخريا على إمكانية التواصل‬ ‫احلقيقي مع اآلخر‪ .‬فهذه هي أخالق اإلنسان اليت تتح ّدث عنها هذه‬ ‫القصة القصرية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ربيع ‪ | 2015‬كوريانا‬

‫‪63‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.