Koreana Winter 2009 (Arabic)

Page 1

‫ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬

‫اﻟﻜﻮرﻳﺔ‪V o l . 2‬‬ ‫‪4 , No . 2‬‬ ‫اﻟﻔﻨﻮن‪Su m m‬‬ ‫‪er 2009‬‬ ‫ﺍﻟﻌﺩﺩ‪- ٤C‬‬ ‫واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬ ‫ﻋﺎﻡ‪R E A N‬‬ ‫& ‪RT‬‬ ‫‪U L T-U ٥‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺩ‪R E‬‬ ‫‪K O٢٠٠٩‬‬ ‫ﺸﺘﺎﺀ ‪A‬‬

‫اﳌﺪارس اﻟﺮﻳﻔﻴﺔ اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ‬ ‫‪ISSN 1738-6446‬‬


‫‪ 2‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬


‫جمال كوريا‬

‫المطحنة (ياكيون)‬

‫‪cm‬‬

‫‪x1‬‬

‫‪5x‬‬

‫‪14‬‬

‫‪50‬‬

‫© آن هونغ بوم‬

‫إلعداد‬

‫وصفة طبية تقليدية كورية جتفف األعشاب وتسحق‬ ‫أو تعصر‪ .‬ويف حالة طحن األعشاب أو عصرها تستعمل أدوات خمتلفة‬ ‫مبا فيها املجرشة واملطحنة (ياكيون)‪.‬‬ ‫يرجع أصل ياكيون إىل حجارة الطحن اليت استعملت يف العصر‬ ‫احلجري احلديث‪ .‬وحجارة الطحن من األدوات اليت أسهمت بفعالية‬ ‫يف إحداث ثورة التغيري وحتسني احلياة اليومية للبشرية يف عصر ما قبل‬ ‫التاريخ حيث أثرت كما أثر اكتشاف النار‪ .‬برهنت احلفريات األثرية‬ ‫والدراسات البحثية أن حجارة الطحن كانت تستخدم يف عمليات طحن‬ ‫احلبوب واألعشاب واملكونات الطبية منذ وقت مبكر جدا‪.‬‬ ‫الزراعي تعاظم دور حجارة الطحن يف املجتمع‪.‬‬ ‫ومع التق ّدم‬ ‫ّ‬ ‫املستمر للحجر يتسبب يف إحداث جتويف على سطحه‪ ،‬ومن‬ ‫االستخدام‬ ‫ّ‬ ‫تطور شكل ياكيون إىل شكلها العام الذي بدت عليه يف‬ ‫هذا التجويف ّ‬ ‫تطور من الشكل البدائي ذي اجلوف البسيط إىل‬ ‫العصر احلديث‪ ،‬حيث ّ‬ ‫شكل القارب ذي اجلوف األعمق‪ .‬وقد استعملت مواد متنوعة للحصول‬ ‫على ياكيون مثل الربونز والنحاس واخلشب والسيالدون والبورسلني‬ ‫األبيض والفخار والزجاج‪ .‬ويف القصر امللكي استعملت الفضة واليشم‬

‫التنوع يف املواد نتج عن السعي احلثيث لرفع كفاءة‬ ‫والعقيق‪ .‬وهذا ّ‬ ‫الوصفات الطبية التقليدية اليت تطحن هبذه األداة‪.‬‬ ‫جتسد ياكيون االنسجام بني الني واليانغ‪ .‬توضع األعشاب الطبية‬ ‫يف وسط التجويف ويتم الطحن بتحريك الطاحن إىل األمام واخللف‬ ‫بتناغم مع سطح املطحنة‪ .‬على أساس مبادئ الني واليانغ يتم جتميع‬ ‫األعشاب الطبيعية وجتهيزها من أجل حتقيق أقصى قدر من الفعالية يف‬ ‫العالج‪ .‬الطاحن املستعمل مع ياكيون الكوري مستدير ومسيك على‬ ‫طول احلافة يف حني جند أن املستعمل مع املطحنة يف اليابان والصني أقل‬ ‫مسكا مع حواف حادة‪.‬‬ ‫سطح ياكيون اخلارجي عادة يتم تزيينه بنقش من عشرة رموز من‬ ‫رموز طول العمر‪ ،‬أو األمساك‪ ،‬أو الضفادع‪ ،‬أو صور التنني أو السلحفاة‪.‬‬ ‫قد يبلغ طول ياكيون أحيانا أكثر من متر كما يف ياكيون املستعمل‬ ‫يف القصر امللكي والعيادات الكبرية لطب األعشاب ومنازل العائالت‬ ‫النبيلة‪ .‬ويبلغ طول ياكيون اخلشبية متوسطة احلجم حوايل ‪ 30‬سم‪.‬‬ ‫(توجد يف متحف سونغهاك للفنون الشعبية)‪ .‬وهي مزينة يف أطرافها‬ ‫بإتقان بالرأس واألرجل األمامية للمخلوق األسطوري اهلاييت‪.‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪3‬‬


‫الفنون والثقافة الكورية املجلد ‪ - 5‬العدد ‪ - 4‬شتاء عام ‪2009‬‬

‫مدرسة نامهانسان االبتدائية التي يصل عمرها‬ ‫إلى ‪ 100‬عام بفصولها الدراسية الثمانية‪ ،‬تقع‬ ‫ضمن قلعة نامهانسونغ‪ ،‬في مدينة كوانغجو‪،‬‬ ‫مقاطعة كيونغي‪ © .‬هوانغ يونغ دونغ‬

‫‪6‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪14‬‬

‫املدارس الريفية االبتدائية‬ ‫‪8‬‬ ‫ ‬

‫‪20‬‬

‫‪36‬‬

‫خلفية عن التعليم االبتدائي في كوريا‬

‫جو يون سون‬

‫‪ 1 4‬المدارس االبتدائية الريفية‪ :‬نموذج تعليمي مبتكر‬ ‫ليم يون كي‬

‫‪42‬‬

‫‪ 20‬مدارس ريفية سابقة دبّت فيها الحياة كمرافق للمجتمع‬ ‫كيم دانغ‬

‫‪ 26‬ذكرياتي في المدرسة االبتدائية الريفية‬ ‫كيم هوا يونغ‬

‫‪68‬‬


‫‪ 30‬مرآة‬

‫تصدر كل فصل عن مؤسسة كوريا‬

‫آثار بعيدة المدى للمؤتمر الفضائي الدولي ‪2009‬‬

‫|‬

‫كيم سونغ جوه‬

‫‪ 36‬مقابلة جونغ يوندو‬

‫فنان الوسائل يسعى إلى تحويل األحالم إلى واقع‬

‫|‬

‫كانغ سونغوان‬

‫‪ 42‬حرفي‬

‫ ‬

‫صانع األحذية التقليدية هوانغ هي بونغ‪ ،‬يعيد الحياة إلى "أحذية الريح"‬

‫بارك هيون سوك‬

‫‪ 48‬حتف فنية‬

‫المصباح الحجري مع األسدين الجاثمين في موقع معبد "كودالسا"‬ ‫بارك كيونغ شيك‬

‫‪ 52‬عرض فني‬

‫قلعة نامهان‪ :‬إنجاز خارق للكوريين المولعين بالموسيقى‬

‫|‬

‫وون جونغ وون‬

‫|‬

‫هوانغ سون إي‬

‫‪ 62‬على املنصة الدولية أوه أونسون‬

‫ ‬

‫"أوه أونسون" تسعى لتسلق أعلى قمة في الهماليا‬ ‫شني يونغ تشول‬

‫‪ 68‬على الطريق كيمتشون‬

‫مشهد جميل ينبع من مياه صافية‬

‫كيم هيونغ يون‬

‫|‬

‫‪ 76‬طعام‬

‫األرز بالمحار‪ :‬مذاق رائع للشتاء‬

‫|‬

‫الناشر‪ :‬ليم سونغ جون‬ ‫رئيس التحرير‪ :‬هان يونغ هي‬ ‫مدير التحرير‪ :‬يل إن سوب‬ ‫مساعد رئيس التحرير‪ :‬ليم سون كون‬ ‫مدير التصوير‪ :‬كيم سام‬ ‫المخرج الفني‪ :‬يل دوك ليم‬ ‫المصمم‪ :‬كيم سو هي‪ ،‬هان سو هي‬ ‫هيئة التحرير‬ ‫جو سونغ تيك‪ ،‬هان كيونغ كو‪ ،‬هان ميونغ هي‪،‬‬ ‫جونغ جونغ هون‪ ،‬كيم هوا يونغ‪ ،‬كيم يونغ نا‪،‬‬ ‫كيم مون هوان‬ ‫محرر بالنسخة العربية‪ :‬حممد عبد القادر عبد اهلل أمحد‬ ‫االشتراك‬ ‫االشتراك السنوي ‪:‬‬ ‫كوريا ‪ 18 ، 000‬ون كوري‬ ‫آسيا بالربيد اجلوي ‪ 33‬دوالرا أمريكيا‬ ‫أي مكان آخر بالربيد اجلوي ‪ 37‬دوالرا أمريكيا‬ ‫سعر النسخة يف كوريا ‪ 4،500‬ون كوري‬ ‫المراسالت لالشتراك والتوزيع‬ ‫مؤسسة كوريا‬

‫‪2558 Nambusunhwan-ro,‬‬ ‫‪Seocho-gu, Seoul 137-863, Korea‬‬ ‫‪Tel: 82-2-2151-6544 Fax: 82-2-2151-6592‬‬

‫‪ 58‬اكتشاف كوريا إيرل جاكسون جونيور‬

‫إيرل جاكسون جونيور يجد قلبا مفتوحا في كوريا‬

‫‪2558 Nambusunhwan-ro,‬‬ ‫‪Seocho-gu, Seoul 137-863, Korea‬‬ ‫‪www.kf.or.kr‬‬

‫شيم يونغ سون ‬

‫اإلعالنات‬ ‫‪CNC Boom co,. Ltd‬‬ ‫‪Towercrystal Building, 1008-1, Deachi 3-dong, Gangnam‬‬‫‪gu Seoul, Korea‬‬ ‫‪Tel: 82-2-512-8928 Fax: 82-2-512-8676‬‬

‫الرسم التخطيطي والتصميم‬ ‫كيم وشركاه لالتصاالت‬

‫‪398-1 Seogyo-dong, Mapo-gu,‬‬ ‫‪Seoul 121-840, Korea‬‬ ‫‪Tel: 82-2-335-4741 Fax: 82-2-335-4743‬‬

‫طبعت شتاء عام ‪2009‬‬ ‫شركة سامسونغ موهنوا للطباعة‬

‫‪274-34, Seongsu-dong 2-ga,‬‬ ‫‪Seongdong-gu, Seoul 133-121, Korea‬‬ ‫‪Tel: 82-2-468-0361/5‬‬ ‫‪Fax: 82-2-461-6789‬‬

‫‪ 80‬نظرة من على البعد‬

‫كوريا ‪ :‬إمبراطوريات ومنشآت اُستلهمت من جمال الطبيعة‬

‫عبد القادر عراوة‬

‫موقع كوريانا في اإلنترنت‬ ‫‪http://www.koreana.or.kr‬‬

‫‪ 82‬حياة‬

‫ثقافة المدونات الكورية ومدون القوة‬

‫|‬

‫تشارلز ال شور‬

‫‪ 87‬نافذة على األدب الكوري‬

‫© مؤسسة كوريا ‪2009‬‬ ‫مجيع احلقوق حمفوظة‪ .‬ال جيوز إعادة إنتاج أي جزء من هذه‬ ‫الطبعة يف أي شكل بدون إذن مسبق من مؤسسة كوريا‪.‬‬ ‫اآلراء الواردة من الكتّاب ال متثل بالضرورة آراء املحررين‬ ‫لكوريانا أو مؤسسة كوريا‪.‬‬

‫ لي هيو سوك‬

‫حياة وأعمال "لي هيو سوك"‬ ‫حينما تتفتح زهور الحنظة السمراء‬ ‫|‬

‫كيم يون‪-‬شيك‬ ‫|‬

‫ترجمة‪ :‬جانغ سي وون‬

‫كوريانا‪ ،‬مسجلة كمجلة فصلية لدى وزارة الثقافة والسياحة‬ ‫(رقم التسجيل ‪ 1033-Ba‬بتاريخ ‪ 8‬أغسطس ‪، )1987‬‬ ‫وتصدر أيضا‬ ‫باإلجنليزية واإلسبانية والصينية والفرنسية والروسية واليابانية‬ ‫واألملانية‪.‬‬


‫مدرسة نامهانسان االبتدائية‪ ،‬في مدينة كوانغجو‪،‬‬ ‫‪6‬مقاطعة‬ ‫كيونغي‪2009‬‬ ‫كوريانا | شتاء‬


‫املدارس الريفية االبتدائية‬ ‫منذ أن تبنت كوريا نظاما للتعليم وافتتاح المدارس االبتدائية عملت المدارس التي أسست في‬ ‫األرياف كمراكز تعليمية في المجتمعات الريفية‪ .‬تعرضت المدارس الريفية االبتدائية ألزمة بعد أن‬ ‫هبطت معدالت دخول الطالب إليها بشكل كبير نظرا لسياسة التطوير الحضاري التي انتهجتها كوريا‪،‬‬ ‫ولكن هذه المدارس عادت أخيرا بواجهات جديدة حيث أضحت مراكز لنشاطات مختلفة كالتعليم‬ ‫البيئي التعاوني الذي يعمل على خدمة وتطوير المجتمع وتبوأت من جديد مركزا متقدما‪ .‬في الواقع‪،‬‬ ‫الدور الهام الذي لعبته المدارس االبتدائية الكورية في تطوير نظام التربية والتعليم الكوري يستحق‬ ‫تقييما دقيقا شامال متأنيا‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪7‬‬


‫ال‬

‫ميكن أن حندد بدقة تاريخ بداية التعليم الرمسي‪ ،‬وذلك ألنه نتاج لعمليات‬ ‫تطور تدرجيي عرب العصور‪ .‬مل يكن التعليم جزءا من املجتمع القدمي يف العصور‬ ‫احلجرية القدمية‪ ،‬أو احلجرية اجلديدة أو الربونزية أو حىت احلديدية‪ ،‬فلم يستخدم‬ ‫يف تلك الفترات لتعزيز املعتقدات الدينية واأليديولوجيا اليت كانت سائدة‪.‬‬ ‫خالل فترة جوسون القدمية (؟‪ 108-‬قبل امليالد) وجدت أثار ملقاييس تطبق يف‬ ‫املجتمع‪ ،‬وأمهية احلياة البشرية‪ ،‬واخلصوصية الذاتية‪ ،‬وهذه األشياء ال بد من تلقيها‬ ‫من خالل شكل ما من أشكال التعليم‪.‬‬

‫الكتاتيب احمللية اخلاصة‬ ‫خالل فترة املمالك الثالث (القرن األول قبل امليالد حىت القرن السابع‬ ‫امليالدي) وفترة شيال املوحدة (‪935-668‬م)‪ ،‬عملت الكونفوشيوسية والبوذية‬ ‫والطاوية كأسس للفكر التقليدي‪ ،‬ويف الوقت نفسه تشري السجالت التارخيية إىل‬ ‫وجود نوع من التعليم الرمسي يف تلك احلقب‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬حافظت مملكة‬ ‫كوغوريو (‪ 37‬ق‪ .‬م ‪668 -‬م) على وجود كتاتيب خاصة كانت تقدم تعليما‬ ‫يبدأ من مستوى املدارس االبتدائية فما فوق حىت يصل إىل مستوى يعادل التعليم‬

‫خلفية عن التعليم االبتدائي في كوريا‬ ‫في حين أن رسالة التعليم عموما هي محاربة األمية والقضاء عليها وتزويد المواطنين بأرضية ثقافية صلبة‪،‬‬ ‫فإن التعليم االبتدائي هذه األيام يركز على احترام المهارات الفردية للطالب‪ .‬لكي نقدر المدارس االبتدائية في‬ ‫الريف الكوري حق قدرها‪ ،‬يجب أن تكون لدينا خلفية أوال عن التعليم االبتدائي في كوريا‪.‬‬

‫جو يون سون عميدة كلية التربية‪ ،‬جامعة إيهوا للبنات‬

‫‪ 8‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫|‬

‫كانغ جي هون‪ ،‬آن هونغ بوم مصوران‬


‫اجلامعي‪ّ ،‬‬ ‫ميكن الطالب من القراءة‪ ،‬وكيفية إنشاد الكالسيكيات‪ ،‬وممارسة‬ ‫املتطلبات العسكرية التدريبية‪ ،‬مثل الرمي بالسهام وملا كان األمر كذلك‪ ،‬فقد‬ ‫مت تأسيس املؤسسات التربوية وجرى افتتاحها على املستوى الوطين‪ ،‬لكي تثقف‬ ‫وتعلم األشخاص املوهوبني املطلوبني للحفاظ على جمتمعها‪.‬‬ ‫خالل حوايل ‪ 500‬سنة من فترة كوريو أي من ‪ 918‬حىت ‪،1392‬‬ ‫اجتاحت الفوضى السياسية البالد وتعرضت لغزوات من اخلارج منعت الدولة‬ ‫من فتح املدارس احلكومية‪ ،‬لذا فإن نظام التعليم تواصل من خالل جهود‬ ‫بذهلا املثقفون والدارسون والعديد من امللوك الذين كان لديهم تقدير للتعليم‪.‬‬ ‫املؤسسات التربوية الوطنية خالل فترة كوريو اشتملت على الكلية الوطنية‪،‬‬ ‫واملدارس الغربية والشرقية‪ ،‬ومخس مدارس مركزية‪ ،‬ومدارس حكومية تابعة‬ ‫لألضرحة الكونفوشيوسية‪ ،‬إىل جانب مؤسسات أخرى خاصة كاألكادمييات‬ ‫االثنيت عشرة اخلاصة باإلضافة إىل كتاتيب حملية أخرى خاصة‪.‬‬ ‫مما جتدر اإلشارة إليه أن الكتاتيب اخلاصة املحلية ميكن أن تعترب مبثابة حجر‬ ‫األساس للمدارس االبتدائية اليوم‪ ،‬من حيث إهنا كانت تقدم للطالب الصغار‬ ‫فرصة للتعلم‪ .‬يف أوائل القرن الثاين عشر‪ ،‬ذكر املندوب الصيين ململكة "سونغ"‬

‫وامسه "سو جينغ" ‪ Xu Jing‬يف وصفه املصور لكوريو‪" :‬شوارع القرية تعج‬ ‫باملكتبات واملدارس‪ ،‬حيث الصغار وغري املتزوجني جيتمعون لتعلم الكالسيكيات‬ ‫من املعلمني‪ ،‬وعندما يصلون إىل سن معينة يذهبون مع رفقائهم للدراسة يف‬ ‫املعابد والصوامع حىت يتسىن ألولئك الطالب األصغر سنا أن يتعلموا من معلمني‬ ‫يف مدارس خاصة‪".‬‬ ‫يف املجتمع التقليدي كانت املؤسسات التعليمية العليا تدرب أبناء الطبقة‬ ‫النبيلة "يانغبان" لكي يصبحوا مسؤولني يف احلكومة يف املستقبل‪ ،‬ومل يتم تأسيس‬ ‫الكتاتيب االبتدائية ـ اليت أسسها أفراد من قاطين القرى لتعليم العامة والسكان‬ ‫املحليني ـ حىت وقت متأخر من فترة مملكة جوسون‪ .‬ومبا أن مملكة جوسون‬ ‫(‪ )1910-1392‬وحكومتها املركزية عملت على تشجيع أيديولوجيا غري‬ ‫كونفوشيوسية‪ ،‬فإن التعليم خالل تلك الفترة ارتكز على القدوة اليت جيب على‬ ‫املرء مبقتضاها أن يبدأ بتهذيب نفسه لكي يكون حاكما مناسبا‪.‬‬ ‫اشتملت املدارس املحلية خالل فترة مملكة جوسون على "سونغ كيون‬ ‫كوان" األكادميية الوطنية الكونفوشيوسية وأربع مدارس حكومية يف العاصمة‪،‬‬ ‫وكذلك مدارس حكومية ملحقة مع األضرحة الكونفوشيوسية يف األقاليم‪ ،‬يف‬

‫‪The vast reed fields of Suncheon Ecological Park include walkways that enables‬‬ ‫‪visitors to fully enjoy the area’s natural splendor.‬‬ ‫‪The vast reed fields of Suncheon Ecological Park include walkways that enables‬‬ ‫‪visitors to fully enjoy the area’s natural splendor.‬‬

‫أول مؤسسة تعليمية ابتدائية في الفترة الحديثة في كوريا هي مدرسة كيودونغ‬

‫االبتدائية وقد كانت السلطات الحكومية تشرف عليها في األصل‪ .‬شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪9‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪ 1‬لعبت الكتاتيب المحلية الخاصة في المناطق الريفية (سودانغ) دورا‬ ‫ ‬ ‫حيويا في تعليم عامة الشعب خالل فترة حكم مملكة جوسون خالل العقد‬ ‫األول من القرن العشرين‪.‬‬ ‫‪ 2‬مبنى مكتبة مدرسة كيودونغ االبتدائية (‪.)1936‬‬ ‫ ‬

‫‪ 3‬فصل الموسيقى في مدرسة "نويل" الفرعية لمدرسة "هواغي" االبتدائية‪،‬‬ ‫في نويل‪-‬ري‪ ،‬بوكبانغ‪-‬ميون‪ ،‬هونغتشون‪-‬كون‪ ،‬مقاطعة كانغوون‪ ،‬وقد‬ ‫كان عدد الطالب الكلي فيها ـ سنة ‪ 2002‬ـ ‪ 9‬وعدد المعلمين ‪.3‬‬

‫‪ 10‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫حني كانت املؤسسات اخلاصة تضم أكادمييات خاصة وكتاتيب حملية خاصة‪.‬‬ ‫ومن بني هذ املؤسسات كانت الكتاتيب املحلية اخلاصة تقدم تعليما ابتدائيا‬ ‫خاصا‪ ،‬ولكنها مل تضع أي حدود لعمر الطالب‪ ،‬فقبلت كل شخص متقدم ابتداء‬ ‫من سن اخلامسة أو السادسة حىت البالغني‪ .‬طبقا ملذكرات حول حكم الشعب‬ ‫فإن الكتاتيب املحلية اخلاصة انتشرت بشكل واسع حيث أصبح لكل ‪ 45‬قرية‬ ‫تقريبا كتاتيب حملية خاصة‪.‬‬ ‫لعبت الكتاتيب املحلية اخلاصة دورا حموريا يف تعليم العامة خالل فترة‬ ‫مملكة جوسون‪ .‬وكانت تقدم نصوصا تعليمية مكتوبة‪ ،‬لتعليم احلروف األساسية‬ ‫ونصوص تعليمية أخرى لتعليم مبادئ الكونفوشيوسية والعالقات الشخصية‪.‬‬ ‫قراءة نصوص االستيعاب تناولت السلوكيات األخالقية ومواضيع أخرى مثل‬ ‫البيئة الطبيعية والتاريخ‪ .‬الكتاتيب املحلية اخلاصة يف تلك الفترة استطاعت احتواء‬ ‫وإعداد أي شخص لديه اهتمام هبذا األمر‪ .‬وقد كانت تعمل على نطاق ضيق‬ ‫دون قيود‪ ،‬وقامت بدور هام وحساس يف تقدمي مبادئ تعليمية للسكان املحليني‪.‬‬ ‫وهي هبذا تقدم غذاء للفكر ومبادئ تربوية وتعليمية يف نطاق حمدود‪ ،‬من حيث‬ ‫إن التعليم كان شامال ومالئما لقدرات األطفال‪ ،‬إضافة إىل ذلك كان هناك تعليم‬ ‫آخر يقدم بصورة فردية أو ملجموعات حسب فصول السنة‪.‬‬ ‫كما أنه يف تلك الفترة كان تقليدا طبيعيا بالنسبة هلذه الكتاتيب اخلاصة‬ ‫املحلية أن تقدم للمعلمني هدايا عندما يكمل الطالب كتابا مدرسيا‪ .‬كان الوالدان‬ ‫يقدمان هذه اهلدايا لالحتفال بتطور أوالدهم يف التعليم وللتعبري عن تقديرهم‬ ‫جلهود املعلمني‪ .‬من اهلدايا العادية اليت كانت تقدم يف تلك الفترة كعكة األرز‬ ‫املحشوة بالفاصوليا احلمراء أو فول الصويا‪ ،‬وهي ترمز إىل رغبة الوالدين يف أن‬ ‫يتم تعليم أطفاهلم على الوجه األكمل‪.‬‬ ‫نشأة نظام التعليم االبتدائي‬ ‫بدأت فترة التنوير الكورية عندما فتحت كوريا أبواهبا للتعاون التجاري مع‬ ‫اليابان‪ ،‬عقب توقيع معاهدة سنة ‪ 1876‬يف كانغهوا‪ ،‬واستمرت طيلة فترة تبعية‬ ‫كوريا إىل اليابان سنة ‪ ،1910‬ويف تلك الفترة فتحت كوريا أيضا أبواهبا للدول‬ ‫الغربية الكربى‪ ،‬مثل الواليات املتحدة‪ ،‬وبريطانيا‪ ،‬وأملانيا‪ ،‬وإيطاليا‪ ،‬وروسيا‬ ‫وفرنسا‪ .‬وقد أدى هذا إىل نشأة املؤسسات املدرسية احلديثة ونظمها‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫تطبيق فلسفة تعليم جديدة‪.‬‬ ‫بعد أن اعتُمد قانون املدارس االبتدائية سنة ‪ ،1895‬مت أيضا تبين األنظمة‬ ‫الرمسية للتعليم االبتدائي‪ .‬على كل حال‪ ،‬املدرسة االبتدائية يف كيودونغ اليت‬ ‫كانت تديرها احلكومة مث أتبعت ملدرسة هانسونغ االتبدائية‪ ،‬فتحت أبواهبا لتقدمي‬ ‫منط تعليمي جديد لألطفال من عائالت النخبة‪ .‬عقب إجازة قانون املدارس‬ ‫االبتدائية ونفاذه مباشرة‪ ،‬مت فتح ‪ 4‬مدارس ابتدائية يف سيول‪ ،‬و‪ 37‬مدرسة‬ ‫ابتدائية يف األقاليم‪ .‬ازداد عدد املدارس االبتدائية بسرعة‪ ،‬ويف سنة ‪ ،1908‬كان‬ ‫هناك ما يقارب ‪ 796‬مدرسة مت تأسيسها من قبل اإلرساليات املسيحية و‪3000‬‬ ‫مدرسة خاصة أخرى أسسها مواطنون كوريون‪.‬‬ ‫انتقل التعليم االبتدائي خالل فترة التنوير بعيدا عن النمط الفردي للكتاتيب‬ ‫اخلاصة املحلية‪ ،‬معلنا عن حتول حنو الصفوف التفسريية اإليضاحية ملجموعات‬


‫أكرب‪ ،‬وكان الطالب يصنفون وفقا لنظام دقيق حسب درجات يرمز هلا باحلروف‬ ‫(أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ .)...‬أما املدارس املسيحية اخلاصة فقد حاولت أن تطبق األساليب‬ ‫التعليمية احلديثة‪ ،‬مثل األنشطة اإلبداعية والتعليم التجرييب‪ ،‬الذي كان الطالب‬ ‫فيه يشاركون بشكل مباشر يف التجارب‪ ،‬ويتعاملون مع مواضيع من واقع احلياة‪،‬‬ ‫أما تقييم الطالب فقد كان يتم وفقا ألسس فردية وطبقا لقدراهتم الشخصية‪ ،‬من‬ ‫خالل استخدام نظام النجاح والرسوب‪ ،‬وترتيب الطالب والنتيجة الدراسية‪.‬‬ ‫يف سنة ‪ ،1911‬عمال مبقترح إلصالح التعليم الكوري نشرته السلطات‬ ‫اليابانية‪ ،‬فقد مت تعديل نظام التعليم االبتدائي إىل أربع سنوات دراسية‪ .‬يف ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬كان اهلدف من سياسة التعليم االبتدائي هو تعليم األطفال الكوريني‬ ‫ليصبحوا مواطنني يف املستعمرات اليابانية‪ .‬عندما تبىن التعليم االبتدائي نظام‬ ‫األربع سنوات دخل الطالب املدارس وهم يف سن الثامنة‪ ،‬ولكن يف سنة ‪1920‬‬ ‫مت تطبيق نظام املرحلة االبتدائية ذات الست سنوات‪ ،‬حيث ميكن أن يدخل‬ ‫األطفال املدرسة وهم يف سن السادسة‪ .‬يف الواقع‪ ،‬بقيت مدارس نظام األربع‬ ‫سنوات االبتدائية اليت كانت تعمل أكثر عددا من مدارس نظام الست سنوات‬ ‫االبتدائية‪.‬‬ ‫خالل الفترة االستعمارية اليابانية (‪ )1945-1910‬كانت هناك أنواع‬ ‫خمتلفة من املدارس االبتدائية اخلاصة‪ ،‬واملؤسسات التعليمية اخلاصة‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫املدارس اخلاصة‪ ،‬والكتاتيب املحلية اخلاصة‪ ،‬واملدارس الليلية‪ ،‬ومدارس التدريب‬ ‫اخلاصة‪ .‬قاومت هذه املدارس السياسات التربوية للحكومة اليابانية حيث‬

‫عملت على غرس روح املواطنة وحب اهلانغول والتعصب للتراث يف أعماق‬ ‫الشعب الكوري‪ ،‬وتبنت نظام الكتابة الكوري‪ ،‬ملحاربة األمية‪ .‬خالل الفترة‬ ‫االستعمارية اليابانية‪ ،‬كانت غرف الدراسة تتألف بشكل رئيسي من معلمني‬ ‫يلخصون املعلومات اهلامة ويكتبوهنا على السبورة‪ ،‬يف حني كان الطالب يكتبون‬ ‫املالحظات‪ .‬فن التعامل والطاعة العمياء مت التشديد عليها‪ ،‬مع عقوبات بدنية‬ ‫تطبق يف حالة تقصري الطالب يف واجباهتم أو ارتكاهبم ملخالفات‪.‬‬ ‫خالل السنوات األوىل من احلكم األمريكي العسكري‪ ،‬إبان حترير كوريا‬ ‫من احلكم االستعماري (‪ 15‬آب ‪ )1945‬حىت التأسيس الرمسي جلمهورية كوريا‬ ‫(‪ ،)1948‬متت إعادة تنظيم القطاع التعليمي يف إطار اجلهود اليت بذلت لبناء‬ ‫دولة دميقراطية‪ .‬مت توحيد النظام التعليمي ليصبح يف شكله احلايل (ست سنوات‬ ‫ابتدائية‪ ،‬ثالث متوسطة وثالث ثانوية‪ ،‬وأربع سنوات جامعية) ومت استبدال‬ ‫التعليم التقليدي بنظام تعليمي تأسس على املبادئ الدميقراطية‪ ،‬كما مت تبين منهج‬ ‫تعليمي يركز على القدرة الفردية للطالب واألنشطة‪.‬‬ ‫يف دستور اجلمهورية الكورية الذي مت تبنيه يف ‪ 17‬متوز ‪ 1948‬بعد‬ ‫تأسيس اجلمهورية نصت املادة ‪ 16‬على جمانية وإلزامية التعليم االبتدائي‪ .‬أول‬ ‫التزام مبنهج مدرسي يف مجيع أحناء البالد كان يف سنة ‪ .1954‬بعد ذلك سار‬ ‫التعليم االبتدائي يف كوريا طبقا هلذا املنهج الذي مت تنقيحه مع مرور الوقت‬ ‫ليعكس أساليب تربوية وتعليمية من خمتلف دول العامل‪ ،‬وليتطور من املنهج‬ ‫املوجه حنو املوضوع إىل املنهج املوجه لنمط احلياة‪ ،‬من املنهج املرتكز على اجلرعة‬

‫طابور صباحي لفرع من شعبة في مدرسة "كوجونغ" االبتدايئة‬ ‫بجزيرة "أووم" في كوجونغ‪-‬ري‪ ،‬سونغسان‪-‬ميون‪ ،‬هواسونغ‪-‬‬ ‫كون‪ ،‬مقاطعة كيونغي‪ ،‬التي كان فيها طالب واحد ومعلم واحد‬ ‫قبل إغالقها (‪.)1997‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪11‬‬


‫‪1‬‬ ‫‪ 1‬مدرسة ابتدائية في يانغبيونغ‪،‬‬ ‫ ‬ ‫مقاطعة كيونغي أغلقت سنة‬ ‫‪( 2000‬وهي فرع ميونغدال‪،‬‬ ‫لمدرسة سوجونغ االبتدائية في‬ ‫يانغبيونغ‪ ،‬مقاطعة كيونغي)‪.‬‬ ‫‪ 2‬احتفال رياضي في مدرسة‬ ‫ ‬ ‫ابتدائية مجاورة لمجمع سكني‬ ‫ضخم في سيول (كوانغجانغ‪-‬‬ ‫دونغ‪ ،‬كوانغجين‪-‬كو‪ ،‬سيول)‬

‫‪ 12‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫‪2009 Koreana | Winter 12‬‬

‫‪2‬‬


‫لعبت املدارس املحلية اخلاصة دورا حموريا يف تعليم عامة الشعب خالل فترة مملكة جوسون‪ .‬كان التعليم يف تلك الفترة يقوم على نصوص مكتوبة‪ ،‬وذلك لتعليم الكتابة‬ ‫والقراءة ملعرفة مبادئ الكونفوشيوسية والعالقات الشخصية‪ .‬هذه التجربة شكلت مرجعية فكرية للمدارس االبتدائية الصغرية احلجم يف أيامنا هذه واليت تكيف فيها املناهج‬ ‫التعليمية وفقا لقدرات الطالب‪.‬‬

‫التعليمية إىل املنهج املرتكز على اإلنسان‪ ،‬ومن املنهج الشامل إىل منهج يركز على‬ ‫النشاط فهو منهج مصمم لتلبية احتياجات الطالب‪.‬‬ ‫يف سنة ‪ ،1995‬واحتفاال بالذكرى اخلمسني لالستقالل‪ ،‬أطلقت‬ ‫لفظة "كونغمينهاككيو"(مدرسة الشعب)‪ ،‬على املدارس االبتدائية وهي‬ ‫مفردة أطلقتها وتبنتها السلطات االستعمارية اليابانية‪ ،‬مت تغيري هذا االسم إىل‬ ‫"تشودونغهاككيو"(مدرسة للمرحلة االبتدائية)‪ ،‬يف إطار جهود إزالة آثار‬ ‫االستعمار واإلمربيالية اليابانية وليعمل على استعادة الروح الكورية الوطنية‪.‬‬ ‫املدارس االبتدائية احلديثة‬ ‫خالل فترة التنوير كان التعليم االبتدائي مؤهال ألن يعمل كمروج لتقدمي‬ ‫ثقافة جديدة‪ ،‬أما التعليم املؤسسي فقد بدأ مع االستعمار الياباين الذي حاول‬ ‫أن يغرس يف أذهان الطالب الكوريني الثقافة واأليديولوجيا اليابانية‪ ،‬ولكن‬ ‫عندما أوكلت الدولة مسؤولية التعليم االبتدائية إلدارة التعليم اإللزامي‪ ،‬تالشت‬ ‫الالمركزية يف خضم سعي احلكومة لتنظيم املنهج والدخول يف تفاصيل الغرف‬ ‫الدراسية‪.‬‬ ‫بعد حترير البالد من احلكم الياباين سنة ‪ 1945‬سعى التعليم االبتدائي‬ ‫بشكل رئيسي إىل حماربة األمية وتزويد املواطنني بأرضية ثقافية راسخة‪ ،‬وقد‬ ‫تنامت أعداد الطالب الذين حيتاجون إىل خدمات تعليمية‪ .‬نتيجة لتلك اجلهود‬ ‫حظيت كوريا بواحد من أعلى معدالت التعليم يف العامل وحلقت بركب الدول‬ ‫املتقدمة يف هذا املجال‪ ،‬وذلك فيما يتعلق بالتعليم احلكومي‪.‬‬ ‫إن حتول كوريا إىل جمتمع صناعي وتطورها االقتصادي السريع قاد إىل‬ ‫عمليات تطوير حضري ومتدن‪ ،‬األمر الذي دفع أعدادا كبرية من السكان إىل‬ ‫ترك أماكن سكنهم وإقامتهم‪ ،‬وهذا أدى بدوره إىل صريورة املجتمعات الريفية‬ ‫جمتمعات شيخوخة‪ ،‬باإلضافة إىل اهلبوط احلاد يف عدد الطالب املؤهلني لاللتحاق‬ ‫باملدارس واالجتاه إىل تقليل معدل املواليد لدى النساء الكوريات والتوق للتعليم‬ ‫من قبل الوالدين الذين أصبحوا يسعون إىل إحلاق أوالدهم باملدارس احلديثة يف‬ ‫املدن أيضا‪ ،‬أدت كل هذه األشياء إىل هبوط آخر يف عدد األطفال اجلاهزين‬ ‫لاللتحاق باملدارس يف املناطق الريفية‪ ،‬مما أدى إىل خفض أحجام املدارس االبتدائية‬ ‫الريفية بدرجة كبرية‪.‬‬ ‫ومع اهلبوط الثابت يف معدالت اإلجناب والنقص يف عدد األطفال املؤهلني‬ ‫لدخول املدارس‪ ،‬إضافة إىل الصعوبات الكبرية يف افتتاح مدارس قليلة العدد‬ ‫بطريقة فاعلة‪ ،‬فإن احلكومة يف سنة ‪ 1982‬وضعت معايري تشغيلية وبدأت‬

‫بإغالق ودمج بعض املدارس الريفية صغرية احلجم‪ .‬يف سنة ‪ ،2000‬تولت‬ ‫الدوائر التربوية اإلقليمية هذه املهمة وتناقص عدد حاالت الدمج إىل حد ما‪،‬‬ ‫ولكن يف جلسة تنسيق الشؤون الداخلية اليت عقدهتا احلكومة سنة ‪ ،2005‬صرح‬ ‫رئيس الوزراء بأن الدمج وإقفال املدارس سوف يطبق ثانية من قبل احلكومة‬ ‫املركزية‪ .‬ويف نفس الوقت‪ ،‬فإن السكان املحليني وأولياء أمور الطالب قد أكدوا‬ ‫أن املدارس الصغرية تقدم خربات تربوية فريدة للطالب‪ ،‬إضافة إىل تشكيل‬ ‫جمموعات جلان حملية لتعميم ونشر أمهية وثقافة احلفاظ على املدارس صغرية‬ ‫احلجم يف املناطق الريفية‪.‬‬ ‫لكي ننافس يف القرن احلادي والعشرين‪ ،‬من الضروري أن نطور طالبا‬ ‫وخرجيني ذوي مواهب وإبداعات خالقة عالية‪ .‬معدل الوفيات املتدين سيستمر‬ ‫يف مفاقمة املشكلة يف كوريا‪ ،‬وسيؤدي إىل تنامي عدد العائالت اليت ليس فيها‬ ‫سوى طفل واحد أو طفلني‪ .‬وملا كان األمر كذلك‪ ،‬فإن هؤالء األطفال حباجة‬ ‫إىل تعليم ابتدائي ال يقدم فهما ثقافيا فقط بل يناضل أيضا من أجل إشباع‬ ‫هذه االحتياجات واملتطلبات اخلاصة هبم‪ ،‬حبيث ميكنهم التعبري بشكل جيد عن‬ ‫ذاتيتهم‪ .‬هلذا السبب‪ ،‬فإن املدارس البديلة أصبحت شائعة يف كوريا‪ ،‬وذلك‬ ‫كردة فعل لالهتمام املتزايد بني أولياء األمور لتعزيز التطوير الشخصي ألطفال‬ ‫عائالهتم الصغرية‪.‬‬ ‫عندما مت تطبيق التعليم احلديث أول مرة يف كوريا‪ ،‬كان من الشائع أن نرى‬ ‫معلما واحد ومعه طالب يصل عددهم إىل ‪ 70‬طالبا‪ .‬وعلى الرغم من أن األعداد‬ ‫ختتلف طبقا لإلقليم‪ ،‬فإن املدارس االبتدائية املدنية يف كوريا اليوم فيها صفوف‬ ‫تتألف من ‪ 40-30‬طالبا‪ .‬ولكن التعليم االبتدائي يف أيامنا هذه جيب أن يتحرك‬ ‫من التغلب على األمية والتثقيف العام إىل مناهج تربوية حتترم املواهب الفردية‬ ‫وتساعد األطفال على إخراج قدراهتم الكامنة حسب اخلصائص املميزة هلم‪.‬‬ ‫مبثل هذا املنهج سوف يتفاعل الطالب مع املدرسة وكأهنا أسرة أخرى‬ ‫بالنسبة هلم‪ ،‬وسيكون موظفو املدارس قادرين على تطوير وتطبيق برامج فريدة‬ ‫يف جو يشبه اجلو العائلي ومفتوح عقليا‪ .‬إذا أنقذنا املدارس الريفية ذات احلجم‬ ‫الصغري املستهدفة حاليا باإلغالق‪ ،‬وأولينا مهمة تطوير املنهج والعمليات املدرسية‬ ‫للمدارس نفسها‪ ،‬مع تقدمي الدعم اإلداري‪ ،‬واملايل ودعم الربنامج من خالل دوائر‬ ‫التعليم اإلقليمية‪ ،‬فإن مدارسنا سوف تقوم بدور أفضل لتربية وتعليم املوهوبني‬ ‫الذين تتفاقم احلاجة إليهم يف القرن احلادي والعشرين‪ .‬من وجهة النظر هذه‪،‬‬ ‫أصبح واضحا أنه علينا أن نستصحب مزايا الكتاتيب يف مسريتنا التعليمية‪.‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪13‬‬


‫املدارس االبتدائية الريفية‪ :‬منوذج‬ ‫تعليمي مبتكر‬ ‫هناك أعداد كبيرة من المدارس االبتدائية الريفية كانت تواجه خطر اإلغالق نظرا للتناقص الكبير‬ ‫في أعداد الطالب بها‪ ،‬تنفست هذه المدارس حياة جديدة بجذب طالب من المدن القريبة من خالل‬ ‫المناهج المفتوحة والدراسة على موقع صديق للطبيعة‪.‬‬

‫ليم يون كي أستاذ يف قسم التربية‪ ،‬كلية التربية‪ ،‬جامعة كونغجو الوطنية‬ ‫كانغ جي هون وآن هونغ بوم مصوران‬

‫‪1‬‬


‫كل‬

‫مرة أزور فيها املناطق الريفية‪ ،‬أصاب بالدهشة من حقيقة أن املدارس تتناثر‬ ‫هنا وهناك يف مواقع ممتازة‪ .‬بعض هذه املدارس مل تكن عملية تأسيسها ممولة من‬ ‫احلكومة‪ ،‬بل كانت بعون ذايت من سكان املنطقة‪ .‬كل مدرسة تعج باآلمال والعواطف‬ ‫والتضحيات واجلهود اليت بذهلا السكان لتعليم أطفاهلم‪ ،‬يف هذه املناطق الريفية‪ .‬ابتداء‬ ‫من الستينات‪ ،‬عملت املدارس االبتدائية أيضا كمراكز تعليم ملحاربة أمية الكبار‪.‬‬ ‫محاسة الكوريني للتعلم والتعليم ميكن أن تشعر هبا بقوة يف املناطق الريفية أيضا‪.‬‬ ‫مشاكل إغالق املدارس‬ ‫هناك حقيقة مدهشة أخرى هي أن العديد من املدارس الريفية أغلقت أبواهبا أو‬ ‫استخدمت ألغراض خمتلفة‪ ،‬ويف معظم املدارس اليت تبقى بال إغالق فإن عدد الطالب‬ ‫يتناقص بشكل تدرجيي‪ ،‬مما جيعلها يف وضع حيتّم إغالقها يف القريب العاجل‪ .‬حاليا‪،‬‬ ‫املشكلة مع املدارس اإلقليمية تقترب مما يطلق عليه "الفجوة التعليمية" أو بعبارة أخرى‬ ‫أن املدارس الريفية تتخلف بعيدا عن املدارس احلضرية يف املدن من حيث التحصيل‬ ‫األكادميي والظروف التعليمية والتربوية املحيطة بالطالب‪ ،‬املشكلة اآلن أصبحت أخطر‬ ‫بكثري حبيث جيب التوصل إىل حل هلا حىت تبقى هذه املدارس على قيد احلياة‪ ،‬فمستقبل‬ ‫املدارس الريفية اآلن ال يبدو مشرقا‪.‬‬ ‫املوقف احلايل بشكل رئيسي برز كنتيجة حلركة السكان من املناطق الريفية إىل‬ ‫مناطق التصنيع احلضرية‪ .‬ميكن تقسيم املناطق الريفية إىل مناطق إدارية تعرف باسم‬ ‫"أوب" (بلدة) و"ميون" (قرية)‪ ،‬وطبقا هلذا التصنيف فإن عدد سكان املناطق الريفية‬ ‫هبط من ‪ %67.6‬من جمموع السكان سنة ‪ 1960‬إىل ‪ 18.5‬باملائة سنة ‪،2005‬‬ ‫وبشكل خاص‪ ،‬فإن نسبة الذين يعيشون يف مناطق مصنفة على أهنا مدن ريفية هبطت‬ ‫إىل ما دون ‪ %50‬يف حوايل ‪ 30‬عاما فقط‪ ،‬وإىل أقل من ‪ 20‬باملائة يف أقل من ‪50‬‬ ‫عاما‪ .‬املناطق الريفية سحبت من موقعها الذي كان يشكل قلب ومركز املجتمع‬ ‫الكوري إىل هوامشه وحواشيه‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬هناك أشياء ال ميكن إلقاء اللوم فيها على حركة السكان فقط‪ .‬هناك‬ ‫مثل كوري يقول "عندما يولد شخص‪ ،‬أرسله إىل سيول (أو إىل مدينة كبرية)"‪ .‬يف‬ ‫هذا املثل جند تفسريا للمشكلة الرئيسية اليت تواجه املدارس الريفية اليوم‪ .‬املدارس الريفية‬

‫‪ 1‬احتفال رياضي في مدرسة ابتدائية ريفية (أوكدونغ‪-‬ري‪،‬‬ ‫كيمساتغات‪-‬ميون‪ ،‬يونغوول‪-‬كون‪ ،‬مقاطعة كانغوون)‪.‬‬

‫‪ 2‬تعليم الكمان هو واحد من أنشطة عديدة تقدم بعد الدراسة يقدمها‬ ‫‪ 30‬طالبا من مدرسة "هاهو" التي تتبع لمدرسة "إيبو" االبتدائية في‬ ‫هاهو‪-‬ري‪ ،‬كومسا‪-‬ميون‪ ،‬يوجو‪-‬كون‪ ،‬مقاطعة كيونغي‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫© جون سوك بيونغ‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪15‬‬


‫مدرسة كوسان الفرعية‪ ،‬اليت كان عدد طالهبا يوما ما ‪ 34‬طالبا يف أربعة مستويات وكان يتحتم عليهم أن يأخذوا دروسهم كلهم معا‪ ،‬ولدت من جديد حيث بلغ عدد‬ ‫طالهبا ما يقارب ‪ 140‬طالبا يف ‪ 7‬مستويات‪ ،‬مبا يف ذلك الروضة‪ .‬مل تكن عملية "إعادة الوالدة" هذه أمرا عرضيا‪ ،‬بل بينت املنهج الذي جيب أن يسلكه التعليم الكوري‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫© هوانغ يونغ دونغ‬

‫أصبحت مهملة بسبب النقص يف عدد الطالب والتوق الذي يظهر لدى الوالدين‬ ‫اللذين يريدان أن يرسال أطفاهلما إىل مدارس املدينة إذا توافرت هلم الوسائل‬ ‫لذلك‪ .‬املدارس الريفية يف مجيع أحناء العامل تعاين معاناة شديدة من هذه املشكلة‬ ‫كما وكيفا‪ .‬فيما يتعلق بالكم‪ ،‬فإن املدارس الريفية تصبح فارغة‪ ،‬ومن حيث‬ ‫النوع‪ ،‬فإن القدرة التعليمية للمدارس الريفية تتناقص‪ .‬إن أزمة املدارس الريفية هي‬ ‫أيضا عامل حاسم يف تسريع اهلبوط يف املناطق الريفية نفسها‪.‬‬ ‫سياسة الدمج واإللغاء للمدارس الريفية االبتدائية‬ ‫شجعت احلكومة العديد من السياسات لدعم منو املدارس الريفية‪ .‬من‬ ‫بينها‪ - ،‬بل أبرزها ‪ -‬سياسة الدمج واإللغاء للمدارس الصغرية اليت بدأت احلكومة‬ ‫يف تطبيقها يف سنة ‪ .1982‬كان السبب الذي يقف وراء هذا هو التناقص الكبري‬ ‫يف عدد الطالب يف املدارس‪ .‬عندما بدأ تناقص عدد الطالب يف املدارس اليت‬ ‫كانت مؤسسة يف أبعد املناطق بدأت منذ اخلمسينات تظهر نية دجمها وإلغائها‪.‬‬ ‫أول مرحلة من مراحل سياسة الدمج واإللغاء هي اليت مت تنفيذها من سنة ‪1982‬‬ ‫حىت سنة ‪ 1998‬من قبل مديريات التعليم يف املدن واملقاطعات‪ .‬توقف الدعم‬ ‫من احلكومة املركزية هلذه املدارس‪ ،‬وكان معيار الدمج واإللغاء ‪ 180‬طالبا يف‬ ‫كل مدرسة عندما مت تنفيذ السياسة أول مرة‪ ،‬ولكن الرقم احندر إىل ‪ 100‬حبلول‬ ‫أيلول ‪ .1993‬املرحلة الثانية من السياسة مت تنفيذها سنة ‪ ،1999‬خالل أزمة‬ ‫العملة األجنبية‪ .‬شجعت احلكومة املركزية وبنشاط هذه السياسة‪ ،‬مقدمة دعما‬ ‫ماليا كبريا وخفضت معيار الدمج واإللغاء ليكون ‪ 100‬طالب للمدرسة‪ .‬مت‬ ‫تنفيذ املرحلة الثالثة من الدمج واإللغاء بطريقة مستقلة من قبل مديريات التربية يف‬ ‫املدن واملقاطعات منذ سنة ‪ ،2000‬وقد أصبح العدد اآلن ‪ 60‬طالبا ليتم الدمج‬ ‫واإللغاء‪.‬‬ ‫هدف احلكومة الرئيسي يف تنفيذ سياسة دمج وإلغاء املدارس الصغرية‬ ‫احلجم هو حتسني شروط املدارس الريفية وخمرجاهتا‪ ،‬وبالتايل ضمان حق الطالب‬ ‫‪ 16‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫صف في الهواء الطلق في مدرسة نامهانسان االبتدائية‪ ،‬بعد انتشار‬ ‫سمعة منهج المدرسة الفريد من نوعه‪ ،‬انتقل كثير من الطالب من‬ ‫المناطق المجاورة إلى هذه المدرسة لالستفادة من برامجها التعليمية‬ ‫المتخصصة‪.‬‬

‫الريفيني يف تعليم مؤسس وحتسني الكفاءة االقتصادية إلدارة املدارس‪ .‬عملية‬ ‫الدمج واإللغاء يف املدارس الريفية اليت شهدت تناقصا كبريا يف عدد الطالب هي‬ ‫يف بعض املستويات أمر ال ميكن حتاشيه إذا أخذنا يف االعتبار الشروط االقتصادية‬ ‫والتربوية‪ .‬فيما يتعلق بالتربية‪ ،‬يشري البعض إىل أن العدد القليل من الطالب يتوافر‬ ‫له عدد حمدود من املعلمني ذوي اخلربات التعليمية العالية هذا إن وجد‪ ،‬كما‬ ‫تكون عمليات تطبيق املناهج صعبة‪ ،‬فالفرص غري كافية لتشكيل جمموعات تعلم‪،‬‬ ‫وتطوير مهارات مجاعية للطالب‪ ،‬والوعي بالعمل اجلماعي يصبح مشكلة‪ .‬من‬ ‫وجهة نظر اقتصادية‪ ،‬ال ميكننا أيضا أن ننكر أن هذه املدارس ذات العدد القليل‬ ‫من الطالب تنفق عليها مبالغ كبرية ال تناسب حجمها‪ ،‬إذا أخذنا يف االعتبار‬ ‫رواتب املوظفني ونفقات التشغيل‪.‬‬ ‫التحرك إلنقاذ املدارس الصغيرة‬ ‫شجعت احلكومة سياسة دمج وإلغاء املدارس الريفية الصغرية احلجم بتنسيق‬ ‫اجلهود لتسهيل األمر على الطلبة للمداومة يف املدارس الكبرية‪ ،‬وبشكل رئيسي‬ ‫من خالل ختصيص باصات للمدارس على شبكات الطرق املحلية‪ .‬ومع ذلك‬ ‫فإن سياسة احلكومة واجهت بعض املشاكل‪ .‬أوال ‪ -‬وقبل كل شيء ‪ -‬كانت‬ ‫احلكومة املركزية غري متحدة الرؤية يف تشجيع سياستها‪ ،‬وهذا أدى إىل فقدان‬ ‫الثقة يف السياسة‪ .‬أساس السياسة لدمج وإلغاء املدارس يتراوح بني تنفيذ الدمج‬ ‫وبذل اجلهود إلنقاذ املدارس الصغرية‪ ،‬وقد تذبذبت احلكومة بني التدخل واتباع‬ ‫سياسة رفع األيدي‪ ،‬وقد قدمت احلكومة حوافز يف بعض األوقات وأجربت‬ ‫أولئك الذين يسعون إىل تنفيذ السياسة على االعتماد على متويل من املدن‬ ‫واألقاليم يف بعض األحيان‪.‬‬ ‫عجل تشجيع احلكومة لسياسة الدمج واإللغاء يف املدارس الصغرية‪ ،‬بظهور‬ ‫"محالت إلنقاذ املدارس الريفية الصغرية"‪ .‬جمموعات من املواطنني‪ ،‬وجمموعات من‬ ‫املعلمني‪ ،‬وجمموعات اآلباء الذين يريدون أن حيافظوا على قيم املدارس الصغرية‬


‫اليت فشلت احلكومة يف التعامل مع قضيتها ـ شكلت مجعية مشتركة تسمى‬ ‫"صوت الشعب من أجل احلفاظ على املدارس الصغرية"‪ ،‬وبدأت محلتها إلنقاذ‬ ‫املدارس الصغرية‪ .‬حىت إهنم طالبوا احلكومة بتطوير معايري دعم النمو األساسي‬ ‫للتعليم الريفي‪ .‬وقد دفعوا بقائمة من احليثيات رأوا أهنا تشكل سببا مقنعا إلنقاذ‬ ‫املدارس الصغرية منها‪ ،‬أوال‪ :‬أن عمليات دمج وإلغاء املدارس الصغرية ألسباب‬ ‫اقتصادية ال ينصح هبا‪ .‬ثانيا‪ ،‬رسالة املدارس الريفية التعليمية ليست التعليم فقط‬ ‫ولكن هناك حيز ملشاركة روحية معنوية وثقافية للمجتمع املحلي‪ .‬ثالثا‪ ،‬إن‬ ‫عمليات الدمج واإللغاء للمدارس الصغرية سوف تسعر هليب اهلجرة من الريف‬ ‫إىل املدن‪ ،‬مما يؤدي إىل تفاقم مشكلة تناقص السكان يف الريف وقيمة املناطق‬ ‫الريفية‪.‬‬ ‫احلملة إلنقاذ املدارس الصغرية أدت إىل حركات أخرى يف البالد إلنقاذ‬ ‫مدارس أخرى من اإلغالق‪ .‬يف اجلزء التايل سوف نعرض حلالتني مها مدرسة‬ ‫نامهانسان ومدرسة كوسان االبتدائيتني‪.‬‬ ‫املدارس الصغيرة التي أعيدت لها احلياة‪ -‬احلالة األولى‬ ‫مدرسة نامهانسان‬ ‫تقع مدرسة نامهانسان االبتدائية ضمن املوقع التارخيي لغابة نامهانسان‪ ،‬يف‬ ‫سانسونغ ري‪ ،‬جونغبو ميون‪ ،‬مدينة كوانغجو‪ ،‬مقاطعة "كيونغي"‪ .‬هذه املدرسة‬ ‫اليت تتألف من مثاين غرف كفصول مظللة حتت شجرتني من أشجار الزيلكوفا اليت‬ ‫يبلغ عمرها أكثر من أربعمائة عام‪ ،‬تأسست سنة ‪ ،1901‬وهي منوذج للمدرسة‬

‫الريفية اليت تتمتع بتقليد عمره ‪ 100‬عام‪.‬‬ ‫عندما اخنفض عدد الطالب بشكل كبري وكادت املدرسة تغلق‪ ،‬بدأ املدير‬ ‫وثالثة معلمني‪ ،‬وأولياء أمور الطالب‪ ،‬وأفراد من املواطنني من املجتمع املحلي‬ ‫حبمالت إلنقاذ املدرسة‪ .‬وقد كرسوا كل طاقاهتم لتطوير برنامج تعليمي مميز‬ ‫يستفيد من بيئة هذه املدرسة االبتدائية التربوية الفريدة‪ .‬كانت النتيجة أن العديد‬ ‫من الطالب من مناطق أخرى انتقلوا إىل هذه املدرسة املعرضة خلطر اإلغالق‬ ‫ملساعدهتا على البقاء‪.‬‬ ‫ماذا فعل هؤالء بالتحديد؟ أسسوا منهجا يقوم على إكساب خربة ترتكز‬ ‫على بيئة املدرسة الطبيعية املحيطة هبا‪ .‬يبدأ صباح الطالب بتحرك ودي مع‬ ‫الطبيعة‪ .‬بعض الطالب يقرأون يف املكتبة‪ ،‬اليت تتمتع بضوء طبيعي ممتاز‪ ،‬ولكن‬ ‫معظم الطلبة ينضمون إىل معلميهم يف التجول بني التالل املغطاة بالغابات وراء‬ ‫املدرسة وهذا أول عمل يقومون به يف الصباح‪ .‬حدود ساحة املدرسة تنتهي إىل‬ ‫غابة صنوبر كثيفة‪ ،‬اجلو املثايل يف الغابة يؤثر على أحاسيس وتفكري الطالب‪ .‬هذه‬ ‫األنشطة الصباحية جتعل الطالب أكثر تقبال وتعطيهم الطمأنينة الالزمة للتركيز‬ ‫يف دراستهم‪ .‬الصباح الذي يبدأ بأنشطة تسمح للطالب بالتمشي يف املنطقة‬ ‫وتكسبهم الشعور بتغيري الطبيعة واألرض حتت أقدامهم يصعب أن جنده ‪ -‬هذا‬ ‫النوع من النشاط ‪ -‬يف املدارس املدنية‪ .‬التالل واجلبال خلف املدرسة هي الغرفة‬ ‫الصفية املثالية للتعاون على األنشطة الصباحية يف الغابة ومشاهدة عجائب الطبيعة‪.‬‬ ‫بعد مشاهدة الطبيعة أثناء مشيهم عرب الغابات‪ ،‬يتبادل الطالب خرباهتم‪ .‬الغرفة‬ ‫الصفية "يف الغابة" تستخدم للحصص اليت تركز على اخلربات الشخصية‪ ،‬مثل‬

‫© هوانغ يونغ دونغ‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪17‬‬

‫‪2‬‬


‫‪1‬‬ ‫© هوانغ يونغ دونغ‬

‫حصص الشعر والعلوم وحصص مشاهدة الطبيعة‪.‬‬ ‫تستخدم حدائق املدرسة يف أنشطة زراعية تعاونية‪ ،‬كما تستخدم‬ ‫يف مساقات عملية ومساقات علوم‪ ،‬لتصبح جزءا من املنهج‪ .‬بعد كل حصة‬ ‫كذلك خيصص وقت للحديقة‪ ،‬كما أن املساحات املتبقية توزع على أولياء‬ ‫أمور الطالب‪ ،‬لتتاح للعائالت خربة التعاون يف الزراعة‪ .‬هناك أيضا ملعب ميكن‬ ‫للطالب أن يلعبوا فيه ويتعلموا بشكل طبيعي‪ .‬ومن خالل زراعة الزهور الربية‬ ‫وأنواع خمتلفة من النباتات واخلضروات‪ ،‬يصبح الطالب قادرين على االخنراط يف‬ ‫العمل التعليمي التعاوين حول النظم اإليكولوجية والبيئة‪.‬‬ ‫إن تأسيس هذا املنهج أدى إىل رفع القدرة التعليمية ليس للطالب فقط‪،‬‬ ‫بل أيضا ملعلميهم وأولياء أمورهم‪ .‬إن منو أعداد املشاركني يف العملية التربوية‬ ‫حدث ضمن جمتمع يقوم على الثقة‪ ،‬والتعاون من مجيع هؤالء املشاركني يف‬ ‫العملية التربوية‪ ،‬وقد كان حقا أفضل وأهم قسم من عملية إعادة احلياة للمدرسة‬ ‫واحلفاظ عليها من الدمج واإللغاء‪ .‬موقع املدرسة على الشبكة هو ‪www.‬‬ ‫‪ namhansan.es.kr‬وقد أطلق سنة ‪ ،2001‬ومنذ ذلك احلني سجل‬ ‫‪ 150000‬زيارة وهو يتيح ألولئك املهتمني باملدرسة أن يتصلوا بفاعلية بعضهم‬ ‫مع بعض‪ .‬العديد من النقاشات تتم على موقع املدرسة على الشبكة‪ ،‬ومواد‬ ‫املدرسة ومعلوماهتا الدراسية متوافرة على لوحات الرسائل املختلفة‪.‬‬ ‫احلالة الثانية مدرسة كوسان‬ ‫تأسست مدرسة كوسان االبتدائية كمدرسة إقليمية على موقع مطحنة أرز‬ ‫‪ 18‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫‪ 1‬درس في فن الطبخ في مدرسة نامهانسان االبتدائية‪.‬‬

‫صف كاياغوم في مدرسة بونوون االبتدائية في بونوون‪-‬ري‪ ،‬نامجونغ‪-‬ميون‪،‬‬ ‫‪ 2‬‬ ‫ّ‬ ‫مدينة كوانغجو‪ ،‬مقاطعة كيونغي‪.‬‬

‫يف املنطقة املعروفة اآلن باسم كوسان ري‪ ،‬سونغآك ميون‪ ،‬مدينة آسان‪ ،‬مقاطعة‬ ‫تشونغتشونغ اجلنوبية‪ .‬وبسبب اهلجرة املتواصلة من القرى إىل املدن‪ ،‬هبطت‬ ‫املدرسة إىل مستوى مدرسة فرعية يف يوم ‪ 1‬آذار سنة ‪ ،1992‬ويف سنة ‪،2002‬‬ ‫اخنفض عدد الطالب إىل ‪ 34‬وأصبحت املدرسة تواجه خطر اإلغالق النهائي‪.‬‬ ‫حول معلمو املدرسة وأولياء أمور الطالب هذه األزمة إىل فرصة للتطوير‪،‬‬ ‫وحبكمتهم حولوا الصفة السلبية وهي كوهنا مدرسة صغرية إىل ميزة إجيابية‪ .‬كان‬ ‫جمتمع املدرسة جمتمعا صغريا حيث كان كل شخص يدرك كل شيء حيدث هنا‪،‬‬ ‫ولذا بدأ املعلمون وأولياء األمور يف التخطيط جلدول حصص مرن وابتكار أنشطة‬ ‫تربوية مرنة أخذت يف حسباهنا االحتياجات البدنية والعاطفية للطالب‪.‬‬ ‫وقد شددوا على التربية البيئية‪ ،‬اليت تستفيد من اخلصائص املميزة للمناطق‬ ‫الريفية‪ ،‬وأعطوا حيزا أكرب للقراءة‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والتعلم اجلماعي يف عدد من‬ ‫امليادين‪ .‬ومن خالل التعلم اجلماعي‪ ،‬أصبح األطفال قادرين على ممارسة ومعرفة‬ ‫الظواهر الطبيعية واالجتماعية بأنفسهم‪ ،‬مستوعبني مواضيع متنوعة استيعابا‬ ‫عميقا‪ .‬وعندما انتشر خرب ومسعة هذه املدرسة وأهنا تركز يف منهجها على التعليم‬ ‫اجلماعي الذي تشترك فيه احلواس اخلمس لإلنسان وأن كل واحد يدرك ويفهم‬


‫‪2‬‬

‫من خالل قلوب وعقول اآلخرين بدأ أولياء أمور الطالب يف املناطق احلضرية‬ ‫املجاورة بالتساؤل حول إمكانية نقل أوالدهم إىل هذه املدرسة‪.‬‬ ‫مدرسة كوسان الفرعية اليت بلغ عدد طالهبا يف يوم من األيام ‪ 34‬طالبا‬ ‫يف أربعة صفوف واليت كان طالب الصفوف األربعة فيها يدرسون معا‪ ،‬ولدت‬ ‫من جديد كمدرسة تعج باحليوية وبعدد طالب يقارب الـ‪ 140‬طالبا يف ‪7‬‬ ‫مستويات‪ ،‬مبا فيها الروضة‪ .‬مل تكن إعادة الوالدة هذه أمرا عرضيا‪ ،‬أو نتيجة‬ ‫لبعض التجارب‪ .‬إهنا تبني الطريق الذي جيب أن ينتهجه التعليم يف كوريا‪ .‬استنادا‬ ‫إىل زيادة عدد الطالب‪ ،‬فإن املعلمني‪ ،‬وأولياء األمور والشخصيات البارزة يف‬ ‫املجتمعات املحلية‪ ،‬ومجعيات اخلرجيني‪ ،‬وجمموعات املواطنني‪ ،‬وأساتذة اجلامعات‬ ‫بدأوا حبمالت لكي يصعدوا هذه املدرسة من مدرسة فرعية إىل مدرسة إقليمية‪،‬‬ ‫ويف أول آذار من عام ‪ ،2005‬أصبحت مدرسة كوسان االبتدائية أول مدرسة‬ ‫يف تاريخ كوريا تكسب هذه الغنيمة‪.‬‬ ‫تعقد املدرسة احتفاال سنويا موسيقيا مع شخصيات من املجتمع املحلي‪.‬‬ ‫جنوم االحتفال هم طالب يدرسون الغناء كنشاط بعد انتهاء الدوام املدرسي‪،‬‬ ‫ومغنون من خارج املدرسة يدعون هلذا االحتفال‪ .‬السكان املحليون‪ ،‬وأولياء‬ ‫أمور الطالب‪ ،‬وبقية الطالب هم اجلمهور‪ .‬بالنسبة للطالب الذين يدرسون‬ ‫الغناء بعد انتهاء الدوام املدرسي‪ ،‬فإن هذا النشاط يزودهم باإلحساس باإلجناز‬ ‫واالعتزاز‪ ،‬ويتم األداء بشكل مجاعي مع مغنني حمترفني‪ ،‬مما يسهم يف تدعيم روح‬ ‫املجتمع وتطوير األحاسيس الفنية‪ .‬تعكس مدرسة كوسان االبتدائية ما يتوقع حقا‬ ‫من املجتمع املدرسي وما جيب أن يكون عليه‪.‬‬

‫بارقة أمل للمدارس الريفية الصغيرة‬ ‫تثبت قصص النجاح هذه ما تستحقه املدارس الريفية الصغرية‪ .‬وقد قدمت‬ ‫احتمال استعادة الطبيعة لوضها يف التعليم املبين على البيئات اجلميلة للمدارس‬ ‫الريفية الصغرية‪ .‬وهي تشدد على أنه ويف حني أن معظم أولياء أمور الطالب‬ ‫يفضلون املدارس املدنية املنافسة‪ ،‬إال أن هناك أولياء أمور يفضلون املدارس الريفية‬ ‫اليت تركز يف دراستها على إكساب اخلربات التعاونية‪ .‬وقد مت تأسيس مجعية‬ ‫للتطوير املستمر يف الوسائل يف املدارس الريفية وهذا ما سيعيد جمموعات أخرى‬ ‫من الطالب إىل املدرسة اليت تركوها‪ ،‬كما أهنا ستجذب إليها طالبا جددا آخرين‬ ‫من املدن املجاورة‪.‬‬ ‫املدارس الصغرية ذات األهداف الواضحة أوجدت االحتاد التربوي للمدارس‬ ‫الصغرية الذي يواصل يف نشر الرؤية التربوية للمدارس الصغرية يف مناطق ومواقع‬ ‫أخرى‪ .‬من املؤمل أن تعمل هذه احلركة كمحفز للتطلعات والرغبات يف التعليم‬ ‫املدارس الذي يقبع اآلن كامنا يف العديد من املدرسني واآلباء واألمهات‪ .‬وقد‬ ‫تبنت احلكومة أيضا سياسات دعم جديدة سوف تتيح للمدارس الريفية يف كل‬ ‫زاوية من الوطن تكرار قصص النجاح هذه ـ إلنقاذ بعض املدارس الصغرية ـ‬ ‫اليت حتققت نتيجة لعمل مضن من عدد قليل من التربويني‪ .‬املدارس الريفية اليت‬ ‫دبّت فيها احلياة هي مناذج مثالية لقيم التعليم البديل ضمن إطار التعليم العام‪.‬‬ ‫ستتواصل دون توقف اجلهود إلجياد بارقة أمل للمدارس الريفية الصغرية‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪19‬‬


‫مدارس ريفية سابقة د ّبت فيها احلياة‬ ‫كمرافق للمجتمع‬ ‫المدارس االبتدائية الريفية‪ ،‬التي أغلقت‪ ،‬تحولت اآلن إلى مرافق مجتمعية ذات أغراض متنوعة‪ ،‬وذلك بفضل‬ ‫الدعم المنتظم من الحكومة والجهود الخالقة للسكان المحليين‪ .‬وباإلضافة إلى منافعه االقتصادية والثقافية العالية‪،‬‬ ‫فقد ساعد تحويل هذه المدارس على استنشاق حياة جديدة في المجتمعات الريفية‪.‬‬

‫كيم دانغ صحفي أوماي نيوز | آن هونغ بوم مصور‬

‫‪ 20‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬


‫في‬

‫هذه األيام ـ أوائل شهر أيلول كما هي العادة ـ تستضيف يونغدونغ‪-‬‬ ‫كون يف مقاطعة تشونغتشونغ اجلنوبية مهرجان العنب لتشجيع جهود سكان‬ ‫املنطقة يف صناعة اخلمور‪ .‬يصل الزوار يف قطار خمصص ملهرجان اخلمور تديره‬ ‫مؤسسة سكة احلديد الكورية وذلك للتمتع بأنشطة تعاونية متنوعة‪ ،‬مثل جين‬ ‫العنب‪ ،‬ومعاجلته‪ ،‬وصنع اخلمور‪ .‬جتذب هذه الفعالية سنويا أكثر من ‪10000‬‬ ‫زائر إىل هذه املنطقة‪ ،‬حيث ميكنهم االستمتاع مبهرجان العنب وتناول اخلمور‬ ‫املصنعة حمليا‪ .‬قلب هذا االحتفال هو موقع ملدرسة ابتدائية سابقة‪.‬‬ ‫مدرسة ريفية سابقة‬ ‫يف سنة ‪ ،1996‬قام "يون بيونغ يت" صاحب فندق‪ ،‬و‪ 76‬مزارعا‬ ‫من مزارعي العنب يف البلدة واملقاطعة املذكورة أعاله بتأسيس مجعية عنب‬ ‫"يونغدونغ"‪ ،‬كأول خطوة لتحقيق حلم طال انتظاره يتجسد يف استخدام‬ ‫األعناب املحلية لصنع اخلمر الكوري عايل اجلودة‪ .‬يف سنة ‪ ،2001‬عندما كانت‬ ‫اجلمعية تعد لبناء مرافق لتصنيع اخلمور شرعت يف البحث عن موقع مناسب يف‬ ‫"يونغدونغ"‪ .‬مما جيب توافره يف هذا املوقع أن يسهل الوصول إليه ملزارعي العنب‪.‬‬ ‫هلذا السبب كانت جوغوك‪-‬ري يف يونغدونغ‪-‬أوب خيارا مالئما‪ ،‬حيث إهنا‬ ‫أول منطقة يزرع فيها العنب كما أن ‪ 76‬من أصل ‪ 100‬عائلة أو ما يقارب هذا‬ ‫العدد من عائالت هذه القرية تعمل يف زراعة العنب‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن جوغوك‪-‬ري اشتملت على مبان خالية هي مدرسة‬ ‫"هواغوك" االبتدائية السابقة‪ ،‬واليت كانت تشرف عليها مديرية التربية يف اإلقليم‪.‬‬ ‫كانت هذه املدرسة ثاين أكرب مدرسة حكومية يف السابق وهي واحدة من‬ ‫بني ‪ 30‬مدرسة يف املنطقة‪ ،‬ومبانيها كانت مصانة بشكل جيد واحتاجت إىل‬ ‫إصالحات قليلة جدا‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن طريقا وطنية سريعة وخط سكة‬ ‫حديد ميران بالقرب منها‪ ،‬وقد أسهما يف جعلها موقعا مثاليا من حيث سهولة‬ ‫الوصول إليها وبالتايل العرض ألكرب عدد من الشعب‪ .‬كانت وزارة التربية‬ ‫مسرورة ببيع هذه املمتلكات‪ ،‬ألهنا كانت تتحمل نفقات صيانتها دون فائدة‪.‬‬ ‫كما أن تصنيع اخلمور سيكون أقل ضررا للبيئة مقارنة بالصناعات األخرى‪.‬‬ ‫نسبة لكل ما سبق حتول موقع املدرسة السابقة إىل أول مركز لصناعة‬ ‫اخلمور املحلية على نطاق واسع‪ .‬الشركات األصغر يف املنطقة أدجمت يف مركز‬ ‫صناعة اخلمور هذا‪ ،‬مدعمة اإلنتاج ليصبح ضعف ما كان عليه‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬ ‫ارتفعت العضوية يف اجلمعية لتصل إىل ‪ 460‬عضوا‪ .‬من بعد وافقت السلطات‬ ‫املحلية يف املنطقة على التحرك للعمل يف املنطقة‪ .‬ففي سنة ‪ ،2004‬قدمت‬ ‫سلطات يونغدونغ‪-‬كون ‪ 2.25‬مليار وون (حوايل مليوين دوالر أمريكي)‬ ‫كمساعدة مالية ملشروع اخلمور وأسست شركة مسامهة تسمى "مخور كوريا"‪،‬‬ ‫أصبح أعضاء اجلمعية محلة أسهم فيها‪ .‬هذا النجاح الذي تكاتفت فيه جهود‬ ‫املزارعني املحليني‪ ،‬ومؤسسة تصنيع اخلمور‪ ،‬والسلطات املحلية احلكومية‪ ،‬اليت‬ ‫بذلت كلها أقصى ما أمكنها ـ كان بسبب املوقع املتميز للمدرسة السابقة‪ .‬أول‬

‫ما تلتقطه عني الزائر ملصنع اخلمور هو القسم الداخلي الفريد للمبىن ـ الذي‬ ‫يشبه أشهر مصانع اخلمور يف فرنسا شاتو(‪ ،)Chateau‬أي على منط البيوت‬ ‫الفرنسية الريفية الكبرية أو القصور اإلقطاعية الكبرية‪ .‬يف الواقع‪ ،‬هناك بعض آثار‬ ‫للمدرسة السابقة مثل السبورات‪.‬‬ ‫رمبا تكون هذه املدرسة االبتدائية السابقة قد فقدت أطفاهلا وأصوات‬ ‫الضحكات فيها‪ ،‬ولكن املشروع التحويلي كان نعمة للمجتمع املحلي‪ .‬يف سنة‬ ‫‪ ،2007‬حصلت القرية على أعلى جائزة يف مسابقة "بناء القرى املتميزة"‪ ،‬بدعم‬ ‫من وزارة اإلدارة والشؤون املحلية‪ .‬عندما أعيدت احلياة للمدرسة املقفلة‪ُ ،‬شحن‬ ‫املجتمع املحلي بالطاقات أيضا‪ .‬وهلذا فإن القرى اآلن حتظى باهتمام جديد‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أنه خرب مفرح أن تستمر شركة مخور كوريا يف االزدهار الذي اجتذب‬ ‫األزواج صغار السن إىل جوغوك‪-‬ري يبقى السؤال هل سيعاد فتح مدرسة‬ ‫"هواغوك" مرة أخرى؟‬ ‫حتويل مباني املدرسة‬ ‫لسوء احلظ‪ ،‬فإن قلة من املدارس الريفية هي اليت حظيت مبثل هذا املخرج‬ ‫الرائع‪ .‬طبقا لوزارة التربية والعلوم والتكنولوجيا (‪ )MEST‬هناك ‪1765‬‬ ‫مدرسة صغرية احلجم يف القرى الزراعية‪ ،‬وقرى صيد األمساك‪ ،‬والقرى اجلبلية‪،‬‬ ‫وجمموعات قرى اجلزر واليت يبلغ عدد الطالب فيها ‪ 60‬طالبا أو أقل‪ ،‬وهي متثل‬ ‫‪ 35.5‬باملائة من احلصة الكلية ملدارس املنطقة البالغة ‪ 4972‬مدرسة‪ .‬ومن أجل‬ ‫دعم "املدارس ذات احلجم املناسب" شرعت هذه الوزارة يف التحرك باجتاه الدمج‬ ‫واإلغالق للمدارس ذات احلجم الصغري وذلك بزيادة حوافزها املالية‪ .‬من أجل‬ ‫إغالق مدرسة نظامية‪ ،‬خيصص مبلغ ملياري وون (حوايل ‪ 1.8‬مليون دوالر)‬ ‫كمساعدة‪ ،‬يف حني خيصص مليار وون كدعم إذا كانت املدرسة فرعية‪ .‬من‬ ‫خالل هذه اإلجراءات‪ ،‬تنوي احلكومة دمج وإغالق ما يقارب ‪ 500‬مدرسة‬ ‫صغرية احلجم على مدى السنوات الثالث القادمة‪ ،‬يف حماولة لتحسني نوعية‬ ‫التعليم العام على نطاق الدولة‪.‬‬ ‫يشري التقرير الذي حيمل عنوان "الوضع الراهن الستخدام ممتلكات املدارس‬ ‫املقفلة" والذي أعدته ونشرته وزارة التربية والعلوم والتكنولوجيا عن الفترة من‬ ‫‪ 2006‬حىت ‪ 31‬متوز ‪ 2008‬ـ يشري إىل أن ‪ 3246‬مدرسة صغرية احلجم‬ ‫أقفلت منذ سنة ‪ ،1982‬يف أحناء البالد‪ .‬وبلغ عدد املدارس االبتدائية اليت ال‬ ‫زالت تعمل ‪ 6229‬مدرسة (‪ 5813‬مدرسة رئيسية‪ ،‬و‪ 416‬مدرسة فرعية)‬ ‫حىت عام ‪ ،2008‬وهذا يعين أن حوايل ثلث املدارس االبتدائية اليت كانت قائمة‬ ‫يف السابق مت إغالقها خالل الـ ‪ 25‬سنة املاضية أو ما يقاربه‪ .‬وحبسب األقاليم‪،‬‬ ‫فإن عدد املدارس املقفلة يف سيول واملدن األقليمية هي يف خانة اآلحاد فقط‪ ،‬يف‬ ‫حني أن غالبية املدارس اليت مت إغالقها تقع يف القرى الزراعية والقرى اجلبلية وقرى‬ ‫صيد األمساك‪ ،‬والقرى النائية يف األقاليم اخلمس‪ :‬مقاطعة جولال اجلنوبية(‪،)683‬‬ ‫ومقاطعة كيونغسانغ الشمالية (‪ ،)581‬مقاطعة كيونغسانغ اجلنوبية (‪،)501‬‬

‫معرض "ياسونغ" للفنون في إقليم "تشونغسونغ‪ ،‬الذي يقع داخل بناء مدرسة محولة‪،‬‬ ‫تعرض فيه مجموعة من الخرائط القديمة‪( .‬مدرسة شينتشون االبتدائية السابقة‪ ،‬في‬ ‫شينتشون‪-‬ري‪ ،‬جينبو‪-‬ميون‪ ،‬تشونغسونغ‪ ،‬مقاطعة كيونغسانغ الشمالية)‪.‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪21‬‬


‫ومقاطعة كانغوون (‪ )396‬ومقاطعة جولال الشمالية (‪ )311‬وهذا ميثل ‪76‬‬ ‫باملائة من املجموع‪.‬‬ ‫تستخدم املدارس املغلقة حاليا يف أنشطة متعددة‪ ،‬فالعديد منها أعيدت‬ ‫والدته بوجه جديد‪ .‬وطبقا للتقرير فإن ‪ 1924‬مدرسة من بني ‪ 3246‬مدرسة‬ ‫مقفلة (‪ 59‬باملائة) إما بيعت‪ ،‬أو مت تأجريها‪ ،‬أو هدمت‪ ،‬بينما استخدمت ‪856‬‬ ‫(‪ 26‬باملائة) كمرافق ألغراض تربوية‪ ،‬وتدريبية‪ ،‬ودينية‪ ،‬وجمتمعية‪ ،‬وجتارية أو‬ ‫إنتاجية‪ .‬وهناك ‪ )%15( 470‬مدرسة خاملة حاليا‪ .‬وحىت يف اآلونة األخرية فإن‬ ‫معظم املدارس السابقة (‪ )1625‬بيعت ألطراف وجهات خمتلفة‪.‬‬ ‫يف سنة ‪ ،2006‬عدلت احلكومة "القانون اخلاص لتعزيز وتشجيع استخدام‬ ‫ممتلكات املدارس املقفلة" حيث صار يتمتع بقدر أكرب من املرونة يف تأجري هذه‬ ‫املمتلكات‪ .‬وقد نتج عن هذا زيادة عدد املدارس املؤجرة‪ ،‬بسبب االستثمار املايل‬ ‫املخفّض فيها‪ ،‬مقارنة بامتالكها بالكامل ونسبة لوعي وزارة التربية والتعليم‬ ‫والعلوم والتكنولوجيا حبقيقة أن هذه املدارس لعبت منذ فترة طويلة دورا حموريا يف‬ ‫املجتمع املحلي‪ ،‬فقد فرضت يف حالة بيعها على املالك اجلديد قيودا متنوعة‪ ،‬حتدد‬ ‫استخداماهتا يف أغراض تتوافق مع الذوق العام وحتترم تقاليد السكان املحليني‪.‬‬ ‫تشجع بلدية املدينة والدوائر التربوية اإلقليمية حتويل املدارس املغلقة إىل‬ ‫مرافق لالستخدامات التربوية‪ ،‬أو الرعاية السكانية‪ ،‬أو تصنيع املنتجات الزراعية‬ ‫والثقافية‪ ،‬واألغراض االجتماعية‪ ،‬إضافة إىل منع استخدام مواقع املدارس للترفيه‬ ‫التجاري‪ ،‬والسكن الريفي‪ ،‬أو استخدامها كمرافق ال تتفق مع األخالق العامة أو‬ ‫السكان املحليني‪ ،‬أو يف أغراض غري مناسبة تتضارب مع مصاحل السكان املحليني‪،‬‬ ‫مبا يف ذلك األنشطة الصناعية اليت تنجم عنها مستويات عالية من التلوث أو تؤدي‬ ‫إىل خماطر مستقبلية‪ .‬من أمثلة النجاح اليت تستحق اإلشادة مشاريع التحويل اليت‬ ‫جعلت منها مراكز ثقافية‪ ،‬ومرافق خلدمة املجتمع‪ ،‬ومشاريع تصنيع أدوات‬ ‫ومعاجلات زراعية‪ ،‬ومدارس تعليم بديلة‪ ،‬ومراكز تدريب ختصصية‪.‬‬ ‫قرية الزهرة البرية "هانوللي"‬ ‫يف سنة ‪ ،2006‬بناء على دراسة مسحية أجرهتا هذه الوزارة حول مشاريع‬ ‫حتويل املدارس‪ ،‬فإن قرية الزهرة الربية "هانوللي"‪ ،‬يف يونبيونغ‪-‬ري‪ ،‬تشونتشون‪-‬‬ ‫ميون‪ ،‬جانغسو‪-‬كون مبقاطعة جولال الشمالية‪ ،‬اعتربت منوذجا مثاليا‪ .‬كانت‬ ‫‪ 22‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫هذه القرية فيما مضى قرية جبلية نائية تسكنها ‪ 25‬عائلة فقط‪ ،‬وغالبية الذين‬ ‫يسكنوهنا كانوا فوق الستني من العمر‪ .‬ولكن كل هذا تغري سنة ‪ 2003‬وذلك‬ ‫عندما استقرت جمموعة من سكان املدن هنا بعد أن حصلت مدرسة "يونبيونغ"‬ ‫االبتدائية‪ ،‬على ما مقداره ‪ 300‬مليون وون (‪ 270000‬دوالر أمريكي)‪ ،‬مث‬ ‫أصبحت مقرا لسوق على اإلنترنت تباع فيه املنتجات الزراعية الصديقة للبيئة‪.‬‬ ‫لتنفيذ حلمهم بإجياد موقع منتجات صديقة للبيئة ـ ميكن أن يعمل‬ ‫كرابط يربط املناطق احلضرية بالريفية ـ فإن املؤسسني حبثوا يف املناطق املرتفعة‬ ‫واملنخفضة للحصول على املوقع املناسب قبل أن يكتشفوا موقع هذه املدرسة‬ ‫االبتدائية سنة ‪ .2003‬موقع املدرسة حتتضنه منطقة جبلية‪ ،‬وفيها هنر عذب صاف‬ ‫جيري جبانبها‪ ،‬وعلى الرغم من أهنا ال تبعد أكثر من ‪ 20‬دقيقة فقط عن الطريق‬ ‫السريعة‪ ،‬فإن الطريق اليت أمام املدرسة ال تستخدم إال للحركة املحلية‪ ،‬مما جيعل‬ ‫منها موقعا مثاليا متاما‪.‬‬ ‫املدرسة اليت أغلقت منذ ثالث سنوات‪ ،‬سرت فيها احلياة مرة أخرى بعمل‬ ‫إبداعي حيفظ املباين األصلية بطريقة صديقة للبيئة‪ ،‬وسط منظر طبيعي ريفي جديد‬ ‫من الزهور واألشجار‪ .‬املدرسة اليت أعيدت والدهتا مألت القرية بالنشاط واحليوية‬ ‫أيضا‪ .‬مع قنوات التوزيع اليت فتحت لتسويق منتجات املزارعني الذين يستفيدون‬ ‫من الطرق الزراعية السليمة بيئيا‪ ،‬فإن العائالت الشابة بدأت تتحرك إىل القرية‪،‬‬ ‫اليت كانت منذ فترة مقرا ملواطنني من املراتب العليا فقط‪ .‬وبعد إحيائها على‬ ‫صورة قرية الزهرة الربية "هانوللي" اختذت املدرسة القدمية شكل حياة جديدة‬ ‫وأصبحت تسهم يف التناغم بني الناس والطبيعة‪ ،‬وكذلك أسهمت يف حتسني‬ ‫نوعية احلياة اليومية يف املجتمع املحلي‪.‬‬ ‫شد املؤسسون أيديهم إىل أيدي السكان املحليني لضمان إنتاجية زراعية‬ ‫ثابتة‪ ،‬وشجعوا أيضا زبائن هذا النوع من املنتجات عرب الشبكة اإللكترونية على‬ ‫زيارة وجتربة احلياة اليومية يف هذه القرية الزراعية‪ ،‬كل هذا نتج عنه تعزيز برنامج‬ ‫تبادل ريفي‪ -‬حضري يشتمل على مشاركة ما يقارب ‪ 20000‬من سكان املدن‬ ‫سنويا‪ .‬وبفضل هذه اجلهود‪ ،‬اختارت وزارة الزراعة والغابة هذه القرية كـ"قرية‬ ‫النفرة الزراعية اخلضراء" عام ‪ ،2005‬ومت اختيار هذه القرية كأفضل قرية من‬ ‫ناحية اخلربات الزراعية يف عام ‪.2006‬‬


‫بعد أن يصبح إغالق مدرسة ابتدائية أمرا ال مفر منه بسبب تناقص أعداد الطالب املسجلني فيها‪ ،‬تتجه األنظار حنو استخدام‬ ‫هذه املرافق ألغراض بديلة‪ ،‬بسبب سهولة الوصول إليها ومتانة املباين اليت مت احلفاظ عليها بشكل عام‪.‬‬

‫إستوديو زهرة البطاطا‪ ،‬حيز إبداعي للفنانين‬ ‫واألحداث الثقافية للسكان المحليين‪ ،‬مقره اآلن ما كان‬ ‫سابقا يعرف بمدرسة نوسان التي كانت فرعا لمدرسة‬ ‫بيونغتشانغ االبتدائية‪ ،‬في إيغوك‪-‬ري‪ ،‬بيونغتشانغ‪-‬‬ ‫أوب‪ ،‬بيونغتشانغ‪-‬كون‪ ،‬مقاطعة كانغوون‪.‬‬

‫قرية "أوتداري" الثقافية‬ ‫مركز بيونغتيك الثقايف التابع لسلطة مدينة بيونغتيك مؤهل لالستخدام‬ ‫احلر بواسطة مدرسة "كومغاك" الفرعية من مدرسة "سوتان" االبتدائية يف مكتب‬ ‫بيونغتيك التعليمي واليت حتولت إىل قرية "أوتداري" الثقافية‪ ،‬وهو مركز مشهور‬ ‫كموطن لسلسلة متنوعة من النشاطات الثقافية والفنية‪.‬‬ ‫يف سنة ‪ ،2005‬بعد أن قرر مركز "بيونغتيك" الثقايف أن يستأجر مرافق‬ ‫مدرسة "كومغاك" الفرعية السابقة‪ُ ،‬عقد اجتماع يف قاعة البلدة لتقدمي املقترحات‬ ‫واآلراء من السكان املحليني‪ ،‬ومن مث مت تشكيل خلية عمل لتصميم مشروع‬ ‫تطويري‪ ،‬وقد حاز يف النهاية على أعلى جائزة من برنامج تتبناه وزارة الثقافة‬ ‫والسياحة "برنامج إجياد بؤر ثقافية للسكان يف املناطق املهملة ثقافيا"‪ .‬عينت‬ ‫خلية العمل الفنانني الداخليني وافتتحت املرافق اليت مت جتديدها حتت اسم قرية‬ ‫"أوتداري" الثقافية سنة ‪.2006‬‬ ‫انتعشت احلياة يف موقع املدرسة منذ ذلك الوقت كمركز إبداعي خلمسة‬ ‫فنانني يعرضون أعماهلم يف الداخل‪ ،‬وكذلك فتحت الباب ملحاضرين حمليني‬ ‫نفذوا ما يقارب ‪ 40‬برناجما ثقافيا يسمر الواحد منها طيلة اليوم‪ ،‬اشتملت هذه‬ ‫الربامج على دروس عن صناعة اخلزف اليدوية‪ ،‬واملشغوالت اخلشبية‪ ،‬وكتابة‬ ‫األغاين لألطفال‪ ،‬واحلياة احلديثة‪ .‬يف الواقع‪ ،‬أصبح هذا املركز عالمة بارزة‬ ‫يف هذه البلدة حيث اجتذب سنويا حوايل ‪ 25000‬زائر‪ .‬تقدم قرية أوتداري‬ ‫الثقافية برامج متنوعة للسكان مع عروض ثقافية حمدودة‪ ،‬وعروض حمدودة أيضا‬ ‫ملجموعات من الشباب والعائالت‪ ،‬كما اشتملت الربامج على أحداث متنوعة‬ ‫لتعزيز فعاليات أخرى‪ .‬هذا فتح مساحة للسكان ليتمتعوا بالثقافة والفن من خالل‬ ‫التعاون‪ .‬هناك نشاط آخر مميز هو "برنامج أقطاب حارس األمل‪ ،‬الذي مبوجبه ـ‬ ‫وباالعتماد على تقليد إقليمي ـ يقوم السكان وخباصة كبار بتعليم اجليل األصغر‬ ‫كيفية عمل أقطاب احلراسة التقليدية للقرية‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬أصبح لدى السكان‬ ‫املحليني من ذوي املراتب العالية منفذ لتعميق معارفهم الثقافية املكتسبة‪.‬‬ ‫إستوديو زهرة البطاطا‬ ‫خارج بلدة "بيونغتشانغ" يف مقاطعة كانغوون فقط ميكنك أن ترى‬ ‫إستوديو زهرة البطاطا‪ ،‬فهو يقع يف قرية "إيغوك‪-‬ري" بـ"بيونغتشانغ‪-‬أوب"‪.‬‬

‫وهو اآلن مبىن على الطراز احلديث وحماط بإطار من الفوالذ األمحر والزجاج‬ ‫املعتم‪ ،‬وقد كان يف السابق مدرسة نوسان الفرعية‪ ،‬اليت مت حتويلها إىل مركز ثقايف‬ ‫وتعليمي يشتمل على مراكز أنشطة للفنانني وصالة الجتماعات سكان القرية‪ .‬يف‬ ‫الواقع‪ ،‬ال يبدو اآلن أن هذا املوقع كان مدرسة‪.‬‬ ‫لعب "يل سون تشول"‪ ،‬وهو فين مناسبات ثقافية‪ ،‬دورا رئيسيا يف حتويل‬ ‫القرية اليت كانت يف يوم من األيام قرية جبلية منطية إىل بؤرة ثقافية معروفة يف‬ ‫طول البالد وعرضها‪ .‬يف سنة ‪ ،2000‬بعد أن عمل يل يف منطقة "ديهاك‪-‬رو"‬ ‫مبدينة سيول‪ ،‬انتقل إىل بيونغتشانغ آمال يف إجياد بيئة أكثر مالءمة‪ .‬هناك لفت‬ ‫نظره موق ُع مديرية التربية املحلية حول قبوهلا ملقترحات مشاريع ملدرسة "نوسان"‬ ‫َ‬ ‫الفرعية‪ .‬ويف نفس الوقت وافق مكتب بلدية "بيونغتشانغ" على دعم إعادة تطوير‬ ‫موقع املدرسة القدمي‪ .‬مبساعدة مالية متويلية من السلطة اإلقليمية‪ ،‬استوىل مكتب‬ ‫البلدية على املمتلكات ومن مث جعلها وقفا هلذا الفين "يل سون تشول"‪ ،‬الذي‬ ‫افتتح فيها إستوديو زهرة البطاطا يف املوقع سنة ‪.2005‬‬ ‫يدير اإلستوديو برنامج تبادل األعمال الثقافية الفريدة‪ ،‬والذي مبوجبه‬ ‫ميكن للمغنني واملمثلني أن يستأجروا أماكن ملمارسة أنشتطهم‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬نظم‬ ‫اإلستوديو حفالت لفرق موسيقية حبيث ميكن للطاحمني يف عروض ترفيهية أن‬ ‫يؤدوا أمام اجلماهري الذين يف الغالب كانت لديهم فرص حمدودة للتمتع بأداءات‬ ‫ثقافية‪ .‬إضافة إىل املكتبة واملتحف‪ ،‬يقدم اإلستوديو هلؤالء السكان باقة متنوعة‬ ‫من الربامج الثقافية والتعليمية‪ ،‬يقدمها معلمون حمترفون‪.‬‬ ‫مشاريع جيجو اإلبداعية‬ ‫تعترب جزيرة جيجو موطنا للعديد من معارض األشياء اجلديدة الفريدة اليت‬ ‫ال ميكن رؤيتها يف املدن الكبرية‪ ،‬من معرض الصور إىل ورشات صبغ الثياب‪.‬‬ ‫كانت هذه اجلزيرة تعرف ولفترة طويلة بأهنا حتتوي على الكثري من الصخور‪،‬‬ ‫والنساء‪ ،‬والرياح‪ ،‬ولكنها اآلن مشهورة أيضا مبعارضها‪ .‬معظم هذه املعارض‪،‬‬ ‫حيث املزاج غريب كمشهد هذه اجلزيرة‪ ،‬عبارة عن مدارس مقفلة أعيد حتديثها‬ ‫واستخدمت استخدامات أخرى‪.‬‬ ‫مثال على ذلك معرض دوموآك لكيم يونغ كاب وهو معرض أقيم على‬ ‫ما كان يعرف مبدرسة "سامدال" الفرعية سابقا‪ ،‬يف سونغسان‪-‬أوب‪ ،‬ناجميجو‪-‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪23‬‬


‫‪Aquatic plants, such as the floating fern Salvinia natans, giant duckweed‬‬ ‫‪(Spirodela polyrhiza), and frogbit (Hydrocharis dubia), are examples of the‬‬ ‫‪marshland ecology of the Upo Wetlands.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ 1‬معرض كيم يونغ كاب للفنون "دوموآك"‪ ،‬في جزيرة جيجو‪ ،‬قاعة العرض هذه‬ ‫تقع ضمن مبنى المدرسة االبتدائية التي تم تجديدها ( كانت سابقا فرعا من مدرسة‬ ‫سامدال‪ ،‬في سامدال‪-‬ري‪ ،‬سونغسان‪-‬أوب‪ ،‬سوغويبو)‬ ‫‪ 2‬مدرسة بونوون السابقة‪ ،‬في كوانغجو‪ ،‬مقاطعة كيونغي‪ ،‬التي تقدم دروسا‬ ‫متخصصة في فنون السيراميك‪ ،‬تمت إعادة تأهيلها من قبل معلمي المدرسة‬ ‫السابقين‪ ،‬وقد ولدت ثانية في صورة متحف بونون للبورسالن والخزف الملكي‪،‬‬ ‫بالقرب من الفرن الملكي آخر ما يعرف من أفران عصر مملكة جوسون (مدرسة‬ ‫بونوون االبتدائية‪ ،‬بونوون‪-‬ري‪ ،‬نامجونغ‪-‬ميون‪ ،‬مدينة كوانغجو‪ ،‬مقاطعة‬ ‫كيونغي)‪.‬‬

‫كون‪ .‬الراحل "كيم يونغ كاب"‪ ،‬قبل أن يستسلم ملرض لو جرييج ‪Lou‬‬ ‫‪ Gehrig‬سنة ‪ ،2005‬كان مصورا ال يشق له غبار كرس مهنته اللتقاط صور‬ ‫مناظر هذه اجلزيرة الرائعة‪ .‬يف سنة ‪ ،2001‬جدد وأصلح مثاين غرف فصول‬ ‫من املدرسة القدمية حموال هلا إىل إستوديو صور فوتوغرافية‪ ،‬أصبح الحقا واحدا‬ ‫من أشهر املواقع يف اجلزيرة‪ .‬يف الواقع‪ ،‬وبناء على دراسة مسحية أجريت سنة‬ ‫‪ ،2006‬على ‪ 1004‬زائر للجزيرة ـ أجراها جملس جيجو اإلقليمي‪ ،‬فإن‬ ‫مشروع اإلستوديو كان األكثر جذبا‪ ،‬من حيث درجة رضا املجموعات العائلية‪،‬‬ ‫وذلك من بني ‪ 48‬موقعا سياحيا يف جزيرة جيجو‪.‬‬ ‫هناك مشاريع أخرى هامة يف اجلزيرة توجد يف "ناجميجو‪-‬كون" حيث تقع‬ ‫مدرسة "كاسي‪-‬ري" االبتدائية يف "بيوسون‪-‬ميون"‪ ،‬أعيد تطويرها لتصبح معرضا‬ ‫لعشاق الطبيعة‪ ،‬إضافة إىل مركز "مونغسينغي"‪ ،‬الذي ميثل ثقافة صبغ املالبس بالصبغة‬ ‫الطبيعية والذي أقيم على موقع مدرسة "ميونغوول" االبتدائية‪ ،‬يف ميونغوول‪-‬ري‪،‬‬ ‫هالليم‪-‬أوب‪ ،‬بوكجيجو‪-‬كون وقرية اخلربات الثقافية احليوية الطبيعية‪ ،‬على طول‬ ‫طريق "جيجو أوليه" يف مورونغ‪-‬ري‪ ،‬دجيونغ‪-‬أوب‪ ،‬مدينة سوغيبو‪.‬‬ ‫‪ 24‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫إسكان للمواطنني من الطبقة العليا‬ ‫هناك أيضا حاالت أخرى ملدارس ـ حيث كان األطفال يلعبون يوما ما‬ ‫ـ حتولت اآلن إىل مساكن ملواطنني من مستويات رفيعة‪ .‬البيت "دونغجاك‪-‬كو"‬ ‫إليواء كبار السن‪ ،‬يف "تيآن‪-‬كون"‪ ،‬هو النموذج األول أليلولة مدرسة ريفية‬ ‫مقفلة للسلطة املحلية ومن مث استثمارها مباشرة كمرفق إسكان عام‪ .‬يف سنة‬ ‫‪ ،2000‬خطط مكتب منطقة "دونغجاك" يف سيول لبناء مرافق إلسكان كبار‬ ‫السن ضمن منطقة اختصاصه‪ ،‬ولكن برزت مشاكل تتعلق بإجياد املوقع املناسب‬ ‫والتمويل والبناء‪.‬‬ ‫وقد قاد هذا إىل حبث موسع يف املناطق الريفية‪ ،‬حيث وجد املسؤولون‬ ‫موقع مدرسة "آجنونغ" االبتدائية الفرعية يف "سينيا‪-‬ري"‪ ،‬وهي مدرسة مت قفلها‬ ‫يف "سينيا‪-‬ري"‪ ،‬آمنيون‪-‬أوب"‪" ،‬تيآن‪-‬كون"‪ ،‬مبقاطعة تشونغتشونغ اجلنوبية‪،‬‬ ‫وبقيت خالية‪ .‬أعاد مكتب املقاطعة جتديد مبىن املدرسة املؤلف من طابقني‪،‬‬ ‫يقعان ضمن اجلانب البحري من املوقع السياحي يف جزيرة آمنيون‪ ،‬حيث‬ ‫اخلط الساحلي‪ ،‬واملنطقة املجاورة املكسوة بالغابات يتناغمان بشكل طبيعي‪،‬‬ ‫وحوهلا إىل بيت للمتقاعدين على منط الشقق املشتركة كسكن جماين لكبار السن‬ ‫واألشخاص املعاقني‪ .‬أثبت هذا الربنامج جناحا وقبوال فقد آوى ‪ 50000‬نزيل‬ ‫منذ افتتاحه يف متوز ‪ 2001‬حىت أيلول ‪.2009‬‬ ‫وفقا لذلك فإن مسؤويل املنطقة يف سيول‪ ،‬اليت تناضل بال كلل لتأمني‬ ‫مواقع مناسبة للمرافق املجتمعية لسكان املنطقة بسبب االرتفاع الكبري يف أسعار‬ ‫األراضي‪ ،‬أصبحوا يركزون على مواقع املدارس املقفلة يف املناطق الريفية‪ .‬إضافة‬ ‫إىل تكاليف شراء األرض والبناء اليت تقل بشكل كبري عن ما عليه يف املدن‪ ،‬فإن‬ ‫هذه املبادرات تد ّعم عالقات التبادل والتعاون بني املجتمعات احلضرية والريفية‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫قال أحد مسؤويل منطقة "دونغجاك" "إن مواطنينا ال يذهبون جلزيرة "أمنيون"‬ ‫لالسترخاء فقط بل يساعدون العائالت الزراعية أيضا حيث إهنم يشترون‬ ‫املنتجات الزراعية املحلية من املنتجني مباشرة‪ .‬يساعد مشروع إيواء كبار السن‬ ‫سكان "دونغجاك‪-‬كو" وكذلك سكان "سينيا‪-‬ري"‪ .‬هلذا أصبحت هذه احلالة‬ ‫منوذجا لتبادل املنافع بني املدينة والريف‪.‬‬ ‫مدرسة "أوماي" ‪Ohmy‬‬ ‫أصبحت جريدة اإلنترنت "أوماي نيوز" ‪ OhmyNews‬مشهورة منذ‬ ‫إطالقها سنة ‪ 2000‬خارج كوريا أكثر من داخلها‪ .‬هذه اجلريدة اليت تبنت‬ ‫منوذج الصحفي‪-‬املواطن وشعار "كل مواطن هو صحفي" لديها ما يقارب ‪70‬‬ ‫موظفا يعملون بدوام كامل‪ ،‬ومع ذلك تنافس الوسائط اإلعالمية التقليدية اليت‬ ‫تتفوق عليها حجما بعشرة أضعاف‪ ،‬واستطاعت أن تصنف سنويا ضمن أفضل‬ ‫عشر وسائط إعالمية‪ ،‬من حيث التأثري يف العامة‪.‬‬ ‫يف سنة ‪ ،2007‬دخلت جريدة اإلنترنت هذه يف اتفاقية استأجرت مبوجبها‬ ‫املدرسة اليت توجد يف جزيرة كانغهوا‪ ،‬وكانت قد أغلقت منذ عشر سنوات‬ ‫مضت‪ ،‬وكانت تسمى مدرسة "سينسونغ" االبتدائية يف "نوبسونغ‪-‬ري"‪،‬‬ ‫"بورون‪-‬ميون"‪" ،‬كانغهوا‪-‬كون"‪ .‬بعد انتهاء أعمال إعادة التأهيل‪ ،‬تستخدم‬ ‫املرافق اآلن يف برنامج تعليمي تدرييب بدوام كامل لصحفيني ومواطنني‪ .‬إضافة‬ ‫إىل أنشطة أخرى متنوعة مثل املحاضرات عن الصحفي املواطن‪ ،‬وجتمعات‬ ‫الصحفيني املواطنني العامليني‪ ،‬هناك أيضا جوالت تارخيية يف منطقة "كانغهوا"‬ ‫وخميمات للغة اإلجنليزية لألطفال‪ .‬مما جتدر اإلشارة إليه هنا أنه عقب إغالق‬ ‫املدرسة سنة ‪ ،1997‬وعلى مدى السنوات العشر التالية ‪ ،‬بقيت املدرسة معلما‬

‫قبيحا ال يتناسب مع القرية اليت يسكنها ما يقارب ‪ 267‬عائلة‪ .‬بعد إعادة احلياة‬ ‫إليها كمدرسة أوماي‪ ،‬فإن الفتة مدرسة "سينسونغ" االبتدائية بقيت بسبب‬ ‫أنشطتها االحتفالية للطالب بدخول املدرسة والتخرج منها‪.‬‬ ‫منذ سنة ‪ ،2008‬نظمت مدرسة "أوماي" فعاليات حتت شعار "فلندخل‬ ‫معا" و"لنتخرج معا"‪ .‬أوهلما أطلق من أجل الطالب الذين ال جيدون زمالء‬ ‫يدخلون معهم الصف األول يف مدارسهم‪ ،‬واآلخر من أجل الطالب الذين ال‬ ‫جيدون من يتخرج معهم يف مدارسهم‪ .‬استجابة هلذا املوقف‪ ،‬تعقد جلسات‬ ‫هلذا الطالب "الوحيد" يف حماولة لبناء جسر بينه وبني الطالب يف القرى الزراعية‬ ‫املجاورة‪ ،‬وقرى صيد األمساك والقرى اجلبلية‪ .‬ومن أجل التشجيع‪ ،‬فإن ظرفاء‬ ‫شعبيني وشخصيات تلفزيونية‪ ،‬مثل املمثلة "هان هيه جني"‪ ،‬حيضرون هذه‬ ‫الفعاليات ويعملون كمرشدين للطالب املنفردين‪.‬‬ ‫منذ افتتاح مدرسة "أوماي" يف كانون األول سنة ‪ ،2007‬سعت "أوماي‬ ‫نيوز" إىل خلق اهتمام شعيب مبشاريع املدارس املقفلة بدعوة مشغلي املواقع املحولة‬ ‫واملطورين املحتملني إىل منتدى على مدار يومني‪ ،‬وذلك للمسامهة باخلربات‬ ‫واألفكار من أجل مشاريع طرح إضافية‪ .‬ومع كل ما سبق ذكره‪ ،‬فإن مواقع‬ ‫املدارس القدمية تقدم ميزات تراثية‪ ،‬مبركزيتها‪ ،‬وسهولة وصول العامة إليها‪،‬‬ ‫والصيانة اجليدة ملرافقها‪ .‬وصل املشاركون يف املنتدى إىل استنتاج أمجعوا عليه‬ ‫فحواه أنه‪" :‬جيب أن تبقى املدارس املقفلة حية لكي تبقى القرى اليت تقع فيها‬ ‫هذه املدارس حية"‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪25‬‬


‫منذ‬

‫فترة ليست ببعيدة تلقيت رسالة من هامبورغ يف أملانيا‪ .‬قدم املرسل‬ ‫نفسه على أنه ابن أول مدير ملدرسيت االبتدائية الريفية‪ ،‬وقال إنه ترك كوريا منذ‬ ‫‪ 30‬سنة وهو يعيش يف أملانيا‪ .‬دخل تلك املدرسة االبتدائية يف نفس الوقت الذي‬ ‫دخلتها فيه أنا‪ .‬وترك املدرسة بعد أقل من سنة‪ ،‬ألن والده نُقل إىل مدرسة أخرى‪،‬‬ ‫لقد قرأ شيئا يف أعماق ذايت وهذا ما أثار بقوة ذكريات طفولة ولّت منذ عهد‬ ‫بعيد‪ ،‬وهلذا السبب نفسه كتب يل هذه الرسالة‪.‬‬

‫هي املدرسة االبتدائية يف البلدة اليت هي مسقط رأسي‪ .‬يبدو أنين سافرت حول‬ ‫العامل لكي أعيد اكتشاف هذه الصورة األوىل‪ .‬تغىن الشاعر "جونغ هيون جونغ"‬ ‫بالقصيدة التالية‪:‬‬

‫مشهد طفولتي‬ ‫بادئ ذي بدء فيما يتعلق مبدرسيت االبتدائية فأنا ال أذكر حىت اسم أول‬ ‫مدير هلا‪ .‬يف ‪ 30‬عاما التحقت باملدرسة االبتدائية‪ ،‬مث املتوسطة‪ ،‬مث الثانوية‪،‬‬ ‫واجلامعة‪ ،‬مث كلية الدراسات العليا‪ ،‬وطيلة السنوات الثالثني التالية عملت يف‬ ‫تدريس الطالب يف نفس اجلامعة‪ .‬سرييت الذاتية العملية ال تعدو أمساء مخس‬ ‫أو ست مدارس يف مستويات ومراحل تربوية خمتلفة‪ ،‬من خالهلا ميكن أن ترى‬ ‫الرتابة يف حيايت بسهولة ووضوح‪ .‬نقطة البداية يف حيايت‪ ،‬وهيوليها وشذاها‬

‫"آه يا مدرسة الريف االبتدائية‬ ‫إن الصور املتحركة تكتنفين يف أحضاهنا‬ ‫حمتضن ومعانَق‬ ‫يف برعمها أنا َ‬ ‫تعانقين مث تعانقين‬ ‫يف كل العامل أنت هناك وحيدا‬ ‫آه‪ ،‬أيها السالم واهلدوء املقدس‬ ‫آه يا زهرة الزمن‬ ‫آه‪ ،‬أيها الصدى احلامل‬ ‫آه أيها الصفاء والنقاء ثابت التدفق‬ ‫آه‪ ،‬أيها التجمع املقدس للكون"‪.‬‬

‫ذكرياتي في املدرسة االبتدائية الريفية‬ ‫بعد أن قذفوا بي في هذا العالم الواسع‪ ،‬دفعتني المدرسة االبتدائية بعيدا عن أحضانها الدافئة‪ ،‬إنها مثل الراحلة‬ ‫والدتي‪ .‬فهذه المدرسة االبتدائية‪ ،‬التي ال يتوقف فيها صوت األورغن ستبقى منتصبة وحدها في قلبي على الدوام‪.‬‬

‫كيم هوا يونغ أستاذ فخري يف جامعة كوريا وناقد أديب | كانغ جي هون مصور‬

‫‪ 26‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬


‫طريق بيضاء‪ ،‬غري معبدة‪ ،‬جافة مليئة بالغبار‪ ،‬ختترق حقال طويال وضيقا‬ ‫وختتفي يف وادي جبل عال ووعر إىل الشمال‪ .‬عندما تصل الطريق إىل قمة اجلبل‪،‬‬ ‫يقبع هناك معبد قدمي يسمى "بوسوكسا"‪ .‬بين يف القرن السابع‪ ،‬إنه هناية العامل‬ ‫وهناية الزمن‪ .‬هذه الطريق ال تسري إىل أبعد من ذلك‪ .‬أولئك الذين مشوا فيها‬ ‫صعودا مل يكن لديهم خيار إال أن يزنلوا مرة أخرى‪ .‬إذا عدت مرة أخرى نزوال‬ ‫يف هذه الطريق‪ ،‬وهي حوايل ‪ 4‬كيلومترات من "حافة العامل"‪ ،‬سوف تصل إىل‬ ‫سوق "بوسوك"‪ ،‬وبعد ما يقارب ‪ 4‬كيلومترات أخرى على طول البلدة (مسقط‬ ‫رأسي)‪ ،‬هناك قرية تسمى "دوتان"‪ .‬وتعين "موجة زهور اخلوخ"‪ .‬رمبا منذ فترة‬ ‫طويلة‪ ،‬عندما كانت زهور اخلوخ تسقط من األشجار‪ ،‬كانت جتري بعيدا على‬ ‫منحدرات النهر املائية العمالقة‪ .‬وقد غىن "يل باي" وهو شاعر صيين قدمي يف‬ ‫حواره مع اجلبال قائال‪:‬‬ ‫"ملاذا أعيش عميقا يف اجلبال‬ ‫أنت تسألين‪ :‬ولكين ال أجيب‪ ،‬فقط أضحك‬

‫وقليب خفيف‪............‬‬ ‫تسقط زهور اخلوخ على املاء وال تظهر ملن يريد معرفة مكاهنا‬ ‫وكذلك ظالل الرجال غري مرئية عامل آخر"‪.‬‬ ‫أعتقد أن اسم بلديت مسقط رأسي العميق يف ذلك الوادي اجلبلي قد اشتق‬ ‫من ينابيع مثل هذا الكالم اجلميل‪.‬‬ ‫غرائبية العالم اجلديد‬ ‫معظم الناس يف القرية الصغرية كانوا أقاريب من عشرية "كيم"‪ .‬مع احلقول‬ ‫الواسعة وحقول األرز أمامها والتالل خلفها‪ ،‬هناك جتمع من ‪ 30‬بيتا أو ما يقارهبا‬ ‫يف كل من القرية العليا والقرية السفلى‪ ،‬والقرية املقابلة خلف اجلدول‪ ،‬يف وسط‬ ‫هذه القرى الثالث اليت هي قرى فقرية حقا بكل ما حتمل الكلمة من معىن حيث‬ ‫ال ترى زهور خوخ ‪ -‬هي جماورة ملنطقة "سوران" ولدت أنا‪ .‬وهي قرية أصغر‬ ‫وعدد بيوهتا أقل وهي متناثرة على جانيب الطرق اإلمسنتية اجلديدة‪ .‬ويعين امسها‬ ‫"بني أشجار الصنوبر"‪ ،‬وكانت قد مسيت هبذا االسم ألهنا تقع داخل غابة صنوبر‪.‬‬

‫ذكريات المدارس الريفية االبتدائية سوف تبقى دائما‬ ‫في قلوب أولئك الذين يسكنون المدن اآلن‪( .‬مدرسة‬ ‫ميونغدال‪ ،‬فرع مدرسة سوجونغ االبتدائية‪ ،‬سوجونغ‪-‬‬ ‫ميون‪ ،‬يانغبيونغ‪-‬كون‪ ،‬مقاطعة كيونغي)‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪27‬‬


‫‪1‬‬

‫كانت مدرسة "سانغسوك" االبتدائية ـ رمسيا ـ فرعا من مدرسة "بوسوك" االبتدائية‪ ،‬وكانت تقوم جبوار منطقة السوق‪ ،‬لقد كانت هذه املدرسة الصغرية عاملا غريبا‬ ‫وواسعا بالنسبة يل‪ .‬معظم الطالب كانوا كبارا يف السن وقد أرادوا بعد أن جتاوزهم الزمن أن ينغمسوا جمددا يف النمط التعليمي اجلديد‪ ،‬هناك قلة منهم يف سن أعمامي‬ ‫وعمايت‪ .‬املتزوجون كانت أعمارهم يف حدود ‪ 20‬سنة‪ ،‬يف كثري من األحيان كانوا ميسكون يب وحيملونين‪.‬‬

‫يف وسط هذه القرية الصغرية يوجد بيتنا‪ ،‬وهو سرادق قدمي‪ ،‬فيه بضع أشجار‬ ‫"كاكي"‪ ،‬وخلفه بيت مهدم ذو سقف من البالط‪.‬‬ ‫حول املنحىن يف اجلبل‪ ،‬خلف البيت املحتضن يف غابة صنوبر كثيفة‪ ،‬هناك‬ ‫مبىن يقبع وحيدا على قمة تلة‪ ،‬وهو العامل اآلخر ملدرسة "سانغسوك" االبتدائية‪.‬‬ ‫دخلت هذه املدرسة قبل أن أكمل السنة السابعة من عمري‪ .‬يف قرية صغرية جبلية‬ ‫يف الزمن املاضي كانت هناك روضات أطفال‪ ،‬وقد اعتقد والدي بأن اللعب يف‬ ‫املدرسة سوف يكون أفضل يل من أن ألعب يف البيت‪ ،‬لذا أرسلين إىل املدرسة‬ ‫يف سن مبكرة‪.‬‬ ‫إىل جانب امللعب املحاط بسياج من أشجار الطرادات هناك بناء صغري‬ ‫فيه سقف من القش‪ ،‬وبئر‪ ،‬وبيت املدير (وهي خملفات من الفترة االستعمارية‬ ‫اليابانية)‪ ،‬حتت قمة اجلبال كانت هناك حديقة خضروات‪ ،‬وإىل جانبها يف صف‬ ‫أنيق‪ ،‬بنيت غرفتا دراسة على الطراز احلديث بسقف من البالط ومكتب معلمني؛‬ ‫كانت هذه مدرسيت اجلديدة بكاملها‪ .‬كانت فقط على بعد ‪ 300‬متر من بيتنا‪،‬‬ ‫ولكن بالنسبة يل كانت املدرسة عاملا من الدهشة واحلضارة الغريبة‪ .‬هناك تعلمت‬ ‫أول أسرار التهجئة وسحر اجلمع والطرح‪.‬‬ ‫واقفا يف الساحة الكبرية‪ ،‬متكئا إىل أشجار عند حافتها ومل أكن أعرف‬ ‫اسم تلك األشجار يف ذلك الوقت‪ ،‬كان بإمكاين أن أشرف على املشهد البديع‪،‬‬ ‫وأنظر إىل ما وراء املنحدر املغطى بأزهار "كوزموس" املتفتحة بل حىت احلقول‬ ‫العريضة والطريق البيضاء اليت كانت متر من خالهلا‪ ،‬وخلف ذلك يتدفق اجلدول‬ ‫املتأللئ الذي كان يشق طريقه خالل أشجار الصفصاف‪ .‬يف هناية الطريق يقف‬ ‫جبل كبري مثل نقطة عالمة الوقف‪ .‬ووراء ذلك يقف "العامل" الذي مل نستطع‬ ‫معرفته‪ .‬بعد ثالث سنوات من حترير البالد من اليابانيني‪ ،‬كان ملدرستنا ثالثة‬ ‫معلمني‪ ،‬مبن فيهم املدير‪ ،‬وأقل من ‪ 30‬طالبا‪ ،‬وكانت ـ رمسياـ فرعا من‬ ‫‪ 28‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫مدرسة بوسوك االبتدائية‪ ،‬اليت وقفت مبحاذاة السوق‪ .‬ومع ذلك فإن هذه املدرسة‬ ‫الصغرية كانت عاملا غريبا وفسيحا بالنسبة يل‪.‬‬ ‫كان هناك طفالن فقط يف عمري من القرية العليا دخال املدرسة معي‪،‬‬ ‫معظم الطالب كانوا كبارا يف السن من الذين رغبوا يف وقت متأخر أن يتزودوا‬ ‫بتعليم من النمط احلديث‪ .‬معظمهم كانوا شبابا دون العشرين‪ ،‬وقلة منهم كانت‬ ‫يف سن أعمامي وعمايت‪ .‬املتزوجون كانت أعمارهم يف حدود ‪ 20‬سنة‪ ،‬يف كثري‬ ‫من األحيان كانوا ميسكون يب وحيملونين‪ ،‬كلهم اخنرطوا معنا كطالب‪ .‬ولذلك‪،‬‬ ‫فقد كنت حمميا ليس فقط من قبل املعلمني ولكن أيضا من قبل الطالب زمالئي‬ ‫أيضا‪ .‬غالبا ما كانوا ميسكون يب وحيملونين‪ .‬لذا كانت املدرسة بالنسبة يل كما‬ ‫قال الشاعر‪ :‬حضنا دافئا للعناق قبل أن تكون مكانا للتعلم‪" .‬يف حضنها يتم‬ ‫عناقي‪ ،‬مث عناقي"‪ .‬واآلن بعد ستني سنة‪ ،‬هذا هو االنطباع الذي يقفز إىل ذهين‬ ‫عندما أفكر يف تلك املدرسة‪.‬‬ ‫األورغن‪ -‬زمالء صفي البالغون‪ -‬وحفل اخلريف الرياضي‬ ‫املشكلة الكربى بالنسبة يل عند بدء املدرسة مل تكن هتجئة الكلمات أو‬ ‫جداول الضرب فهذه بالنسبة يل كانت أسهل مما هي عليه عند اآلخرين‪ ،‬وخباصة‬ ‫الطالب األكرب سنا‪ .‬أصعب شيء كان إجياد الطريق إىل احلمام الذي كان أكرب‬ ‫كثريا من ذلك الذي كان يف بيتنا كما كان مرعبا‪ ،‬وكان يزعجين فك السحاب‬ ‫لكي أنزل سروايل‪ ،‬وكذلك التدريب الذي يشبه البيادة العسكرية الذي كنا نقوم‬ ‫به خالل حصة التربية الرياضية‪" .‬لليسار‪ ،‬امش‪ ،‬إىل األمام‪ ،‬إىل الوراء‪ ،‬وجهك‪"..‬‬ ‫يف ذلك العمر الغض‪ ،‬كان التمييز بني اليمني والشمال أصعب مهمة يف العامل‬ ‫بالنسبة يل‪ .‬عندما أقف أمام هذه احلواجز الصعبة‪ ،‬كان معلمي وزمالء الصف‬ ‫الكبار البالغني يغمرونين بالدفء وحيملونين على ظهورهم اليت كانت تنبعث منها‬


‫‪2‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪ 2-1‬احتفال رياضي وحصة دراسية في مدرسة جيندونغ الفرعية الريفية االبتدائية‬ ‫(تابعة لمدرسة كيرين االبتدائية‪ ،‬جيندونغ‪-‬ري‪ ،‬كيرين‪-‬ميون‪ ،‬مقاطعة كانغوون)‪.‬‬ ‫‪ 3‬احتفال رياضي في مدرسة سانوم الفرعية االبتدائية ( دانوول‪-‬ميون‪ ،‬يانغبيونغ‪-‬‬ ‫كون‪ ،‬مقاطعة كيونغي)‪.‬‬

‫رائحة السجائر بكثافة‪.‬‬ ‫أكثر شيء أحببته يف املدرسة كان األورغن‪ ،‬وهي أداة مل أرها أبدا من‬ ‫قبل‪ .‬اآللة اليت كانت تشفط اهلواء وتغين مبفاتيحها السوداء والبيضاء‪ .‬كانت‬ ‫هناك معلمة مجيلة تدرس يف مدرسة ثانوية للبنات يف سيول سحرتين بلكنة سيول‬ ‫الغريبة يف لغتها‪ ،‬وكانت دائما تعزف على األورغن وتغين‪ .‬يف بعض األحيان‬ ‫كانت تنظر إيل وتبتسم دون أن تتكلم وأنا أقف قريبا منها‪ .‬حينما تفعل ذلك‬ ‫األخاذ ينحدران خارج نوافذ غرفة الدراسة‬ ‫كانت ضحكتها اجلميلة وغناؤها ّ‬ ‫ويندفعان إىل احلقول العريضة والطريق البيضاء إىل مسافات بعيدة‪ .‬قررت عندها‬ ‫أن أتزوج هذه املعلمة اجلميلة عندما أكرب‪ .‬بعد ذلك بفترة قصرية‪ ،‬اندلعت احلرب‬ ‫وأغلقت املدرسة‪ .‬غادرت هذه املعلمة‪ .‬وكذلك غادر معلم الصف‪ ،‬ليصبح‬ ‫جنديا‪ .‬ووقفنا حنن األطفال املساكني عند البوابة األمامية وقدمنا ملعلمينا املغادرين‬ ‫باقات من نبات "الزنيا" (وهو نبات من الفصيلة املركبة) الذي ينبت يف احلديقة‬ ‫على طول سياج املدرسة‪ ،‬إضافة إىل بعض التفاحات غري الناضجة‪.‬‬ ‫خالل فترة احلرب‪ ،‬كنت أنا وأقربائي وأصدقائي نستمع إىل صوت املدافع‬ ‫من بعيد وحنن نتجول حول احلقول ونصيد السمك من اجلدول‪ ،‬وعندما نتعب‬ ‫كنا نتجمع يف املدرسة اخلالية من الطالب واملعلمني‪ ،‬نتسلق أنابيب التهوية‬ ‫حتت السقف ونصيد العصافري‪ ،‬أو نزحف داخل األنابيب حتت أرضية الغرفة‪،‬‬ ‫وكنا نذهب يف مسابقة للبحث عن األشياء الضائعة اليت رمبا تفيد فنلتقط أقالم‬ ‫املساحات اليت كان الطالب‬ ‫الرصاص القصرية جدا من طول االستعمال أو بقايا ّ‬ ‫يلقوهنا من خالل ثقوب األلواح اخلشبية يف األرضيات اخلشبية يف الفصول‪ ،‬وكنا‬ ‫خنفي أنفسنا يف ألعاب االختباء (الغميضة) بني أزهار الكوزموس على جانب التلة‬ ‫بالقرب من الساحة‪.‬‬ ‫مث عاد السالم مرة أخرى وأعيد فتح املدرسة االبتدائية ثانية‪ .‬من ذكريايت‬

‫يف السنة السادسة اليت قضيتها هناك‪ ،‬واليت ال أستطيع أن أنساها معارض الطالب‬ ‫وأيام حقول اخلريف‪ ،‬عندما كنا نضع عصابات محراء وبيضاء حول رؤوسنا‬ ‫ونعدو حول املنطقة‪ .‬أو رائحة الورق اجلديد املنبعثة من الكتب املدرسية والدفاتر‬ ‫"املنعشة" اليت كنا نستلمها كل سنة‪ ،‬والصور اجلميلة يف كتب القراءة الصيفية‪.‬‬ ‫كما كانت هناك صناديق املؤن اليت كانت تسقط أحيانا من الطائرات األمريكية‬ ‫اليت كانت حتوم يف السماء فوقنا‪ ،‬وهي صناديق مملوءة بأشياء مل أرها أبدا من‬ ‫قبل‪ ،‬وقهوة جمففة وحليب جمفف‪ ،‬وأقالم رصاص برائحة الصنوبر‪.‬‬ ‫يف يوم ما‪ ،‬تركت ذلك احلضن الدافئ وخرجت إىل "العامل" لدخول‬ ‫املدرسة املتوسطة يف سيول‪ .‬وقد تنقلت يف مدارس املدينة ومدارس يف اخلارج‪.‬‬ ‫اآلن عندما أزور مسقط رأسي خالل احتفاالت السنة القمرية أو خالل عطلة‬ ‫عيد احلصاد‪ ،‬نادرا ما أقوم جبولة يف اجلبل لكي أرى مدرسيت القدمية‪.‬‬ ‫عندما بدأوا بالقول إن األمة تطورت ومنت وأصبحت قوية‪ ،‬ترك الناس‬ ‫تدرجييا القرى الزراعية‪ .‬املدرسة اليت كان عدد طالهبا يف يوم من األيام أكثر من‬ ‫‪ 200‬طالب فقدهتم تدرجييا إىل أن أغلقت أبواهبا متاما‪ .‬واآلن منا العشب فوق‬ ‫ساحاهتا وغرفها خالية آيلة للسقوط‪ .‬حىت السلسلة القوية اليت كانت يف البوابة‬ ‫األمامية عالها الصدأ‪.‬‬ ‫منذ أيام قليلة تلقيت رسالة تفيد بأن مجعية اخلرجيني سوف جتتمع يف‬ ‫املدرسة‪ .‬ولكنين مل أمتكن من احلضور ليكتمل مل الشمل‪ .‬بعد أن قذفوا يب يف‬ ‫هذا العامل الواسع‪ ،‬دفعتين املدرسة االبتدائية بعيدا عن أحضاهنا الدافئة‪ ،‬إهنا مثل‬ ‫الراحلة والديت‪ .‬فهذه املدرسة االبتدائية‪ ،‬اليت ال يتوقف فيها صوت األورغن‬ ‫ستبقى منتصبة وحدها يف قليب على الدوام‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪29‬‬


‫مرآة‬

‫آثار بعيدة املدى‬ ‫للمؤمتر الفضائي الدولي ‪2009‬‬ ‫عقد المؤتمر الفضائي الدولي الستون في ديجون‪ ،‬تحت عنوان "فضاء للسالم والتنمية المستدامة"‪.‬‬ ‫ونسبة لمصادفة عام ‪ 2009‬للذكرى األربعين لهبوط أول إنسان على سطح القمر‪ ،‬فقد قدم هذا‬ ‫الحدث الدولي الكثير في اتجاه نشر وتعميم الخطوات الكورية الراهنة‪ ،‬وشجعها على المضي قدما في‬ ‫برنامجها الفضائي الخاص بها‪.‬‬

‫كيم سونغ جوه أستاذ جبامعة سيول الوطنية‪ ،‬رئيس اجلمعية الكورية لعلوم الطريان والفضاء‬

‫‪ 30‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫‪2009 Koreana | Winter 30‬‬

‫‪1‬‬


‫في‬

‫‪ 20‬متوز سنة ‪ ،1969‬شاهد العامل منظرا مدهشا لرجل ميشي على سطح القمر ألول مرة يف التاريخ‪ .‬هذا اإلجناز جاء بعد‬ ‫مثاين سنوات من إعالن الرئيس األمريكي كندي سنة ‪ 1961‬أن برنامج الفضاء األمريكي سوف يزنل إنسانا على سطح القمر قبل هناية‬ ‫الستينات‪ .‬مشاهدو التلفاز الذين كانوا ‪ 500‬مليون يف كل العامل يف ذلك الوقت شاهدوا هذا احلدث التارخيي بنقل حي وأعجبوا بالتقدم‬ ‫التكنولوجي األمريكي‪ ،‬يف حني بدت جمموعة ال حتصى من الشباب‪ ،‬مأسورة باستكشاف الفضاء وحلمت بدراسة علوم الفضاء‪ .‬وبالعودة‬ ‫إىل الوراء إىل تلك الفترة حتديدا فإن تلفزة هذا احلدث وبثه يف أحناء العامل‪ ،‬عرب األقمار الصناعية‪ ،‬يعترب أيضا إجنازا وحدثا بالغ األمهية‪،‬‬ ‫حيث متكن املتابعون يف أركان الكرة األرضية عرب شاشات التلفزيون من مشاهدة اهلبوط على سطح القمر ببث مباشر‪ ،‬وهذا زودهم‬ ‫بفكرة عن الطفرة اهلائلة اليت حدثت يف تكنولوجيا الفضاء والطريان‪.‬‬

‫علوم الفضاء تقتحم املاضي‬ ‫يف إطار املؤمتر الدويل للفضاء (‪ )IAC‬لسنة ‪ ،2009‬الذي انعقد يف مدينة دجيون بكوريا‪ ،‬أكدت دراسة رائعة على األمهية‬ ‫الكبرية لتكنولوجيا الفضاء ومزاياها‪ .‬الدكتور فوجيو ناكونو‪ ،‬وهو صانع أفالم وثائقية ومهندس من اليابان‪ ،‬قدم حماضرة قيمة‬ ‫بعنوان "تعريف مسار اهلجرة من كوريا إىل اليابان‪ -‬رؤية جديدة تستفيد من بيانات مراقبة األرض من الفضاء"‪ .‬وقد فسرت‬ ‫هذه املحاضرة اليت عقدت يف مساء اليوم اخلتامي للمؤمتر‪ ،‬كيف أن طريق اهلجرة الكورية إىل اليابان يعود إىل أكثر من ‪1400‬‬ ‫سنة‪ ،‬وميكن حتديده بالتوفيق بني معلومات من وجهات اهلجرة املوزعة يف أقاليم خمتلفة من اليابان‪ ،‬وكان ذلك بناء على بيانات‬ ‫ثالثية األبعاد أخذت من صور قمر صناعي ملراقبة األرض‪.‬‬ ‫بسبب العالقات التارخيية غري السعيدة أحيانا‪ ،‬حتدث من وقت آلخر مناوشات بني كوريا واليابان حول مسائل دبلوماسية‬ ‫وثقافية‪ ،‬على كل حال‪ ،‬بينت الورقة اليت قدمها الدكتور ناكانو الدليل العلمي الذي أوضح كيف هاجرت فيما مضى قبائل كورية إىل‬ ‫اليابان واستقرت يف أكناف الشعب هناك‪ .‬يقول ناكانو "هذا النوع من البحث العلمي‪ ،‬والذي يؤمل أن مينع الزناعات اليت ال طائل حتتها‬

‫‪ 1‬إحدى جلسات المؤتمر الدولي حول‬ ‫ ‬ ‫التعاون الفضائي البحري ‪IAC‬‬ ‫الذي انعقد هذه السنة‪ ،‬ناقش خاللها‬ ‫رؤساء وفود منظمات فضائية‬ ‫سبل تشجيع التعاون الدولي في‬ ‫استكشاف الفضاء‪.‬‬ ‫‪ 2‬عرض مشروع فضائي ضمن‬ ‫ ‬ ‫فعاليات المعرض الفني‪.‬‬

‫‪31 Koreana | 2009 Winter‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪31‬‬

‫‪2‬‬


‫‪ 1‬و‪ 3‬صور فوتوغرافية ومعدات استخدمتها"‬ ‫لي سوه يون أول رائدة فضاء كورية‪ ،‬والتي‬ ‫دارت حول األرض سنة ‪ ،2008‬على متن سفينة الفضاء‬ ‫الروسية سويوز ‪.12-TMA‬‬

‫‪ 2‬قاعة معرض إدارة الفضاء الصينية الوطنية ‪.CNSA‬‬ ‫ ‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫اشتمل مؤمتر هذه السنة (املؤمتر الفضائي الدويل) على العديد من األنشطة جلذب عامة الشعب باإلضافة إىل املتخصصني‪ ،‬مثل االحتفال الفلكي واملعرض الفين‪ ،‬الذي اشتمل‬ ‫على ما يقارب ‪ 50‬برناجما يف ‪ 4‬فئات أساسية هي ‪ :‬بالزا الفلك والفضاء‪ ،‬ومدينة الغرباء وضوء النجوم واإلنسان اآليل‪ ،‬مركز الفضائيني‪ ،‬مدينة الفضاء‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪ 32‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫‪3‬‬


‫املؤثرة ومسامهاهتا العلمية قد وضعت يف املوقع الصحيح لكي تتمتع بنمو مستمر‬ ‫يف املستقبل القريب‪.‬‬ ‫إن سنة ‪ 2009‬هي سنة مناسبة متاما لتشكل مرحلة مفصلية يف تاريخ‬ ‫علوم الفضاء‪ .‬فباإلضافة إىل كوهنا الذكرى األربعني هلبوط املركبة "أبولو" (أبولو‬ ‫‪ )11‬على القمر ـ وحتقيق ما حلم به البشر منذ فترة طويلة‪ ،‬فهي أيضا الذكرى‬ ‫الستون إلطالق ‪( IAC‬املؤمتر الدويل للفضاء)‪ ،‬وهو منتدى للتبادل الدويل‬ ‫والتباحث حول تكنولوجيا الفضاء‪ ،‬وقوانني الفضاء‪ ،‬والتطبيقات السلمية يف‬ ‫الفضاء‪ ،‬وكذلك هي السنة الدولية اليت أطلقتها األمم املتحدة لعلوم الفلك‪ .‬إضافة‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬ويف وقت مبكر من هذه السنة‪ ،‬احتفلت كوريا بإطالق أول صاروخ‬ ‫حملي هلا‪ ،‬وهو القمر الصناعي "نارو – ‪.)1-Naro( "1‬‬ ‫يف هذه السنة املليئة باملناسبات‪ ،‬مت اختيار كوريا الستضافة املؤمتر الفضائي‬ ‫الدويل الستني‪ ،‬الذي كان منذ مخسينات القرن املاضي يعقد يف دول متقدمة‬ ‫يف علوم الفضاء مثل الواليات املتحدة وروسيا‪ .‬وعلى الرغم من القلق من‬ ‫هتديد إنفلونزا اخلنازير ‪ H1N1‬واألزمة االقتصادية العاملية اليت ميكن أن تضعف‬ ‫املشاركة يف احلدث‪ ،‬فإن جتمع هذا العام كان األكرب منذ بداية هذا املؤمتر‪،‬‬ ‫حيث اجتذب أكثر من ‪ 3000‬اختصاصي من ‪ 60‬دولة‪ ،‬وأظهر اهتماما حقيقيا‬ ‫بالفضاء يف العامل‪ .‬حضر الرئيس الكوري "يل ميونغ باك" حفل االفتتاح‪ ،‬معربا‬ ‫عن رغبته الصادقة يف تطوير علوم الفضاء وداعيا إىل التشجيع الفاعل للتعاون‬ ‫الدويل يف املواضيع ذات العالقة باملؤمتر‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫بني الدولتني‪ ،‬مت التوصل إليه من خالل تطبيق علوم الفضاء‪ .‬وهو اختراق وإجناز‬ ‫كبري ومصدر من مصادر اإلهلام بالنسبة يل‪ ،‬وملشاركيت الشخصية يف األحباث‬ ‫الفضائية والطريان "‪ .‬يف الواقع‪ ،‬هذا كان تعبريا حيا واقعيا عن موضوع هذا املؤمتر‬ ‫الدويل للفضاء لسنة ‪" 2009‬فضاء السالم والتقدم املستدامني"‪.‬‬ ‫مناسبة ال ُتنسى‬ ‫بنفس الطريقة اليت ميتدد هبا طفل خارج حدود بيته مع مر الزمان‪ ،‬فإن‬ ‫خيال اجلنس البشري مع الفضاء اخلارجي له فضول طبيعي يقوده للتساؤل حول‬ ‫الكون‪ .‬حديثا هذا النوع من السباق حنو الفضاء‪ ،‬يف العديد من الدول آخذ يف‬ ‫التنامي حيث إن كثريا من الدول تتابع بنشاط تطوير براجمها الفضائية‪ .‬يف الواقع‬ ‫يف كثري من األحيان يعترب وضع الربنامج الفضائي لدولة ما مؤشرا على قوهتا‬ ‫التنافسية عامليا‪ .‬ويف نفس الوقت‪ ،‬فقد ترسخت صناعة الفضاء كمحرك منو‬ ‫قوي لالقتصاد العاملي‪ ،‬وصلت قيمتها إىل ما يقدر مببلغ ‪ 260‬مليار دوالر وفقا‬ ‫لتقرير نشرته مؤسسة الفضاء األمريكية سنة ‪ .2009‬وملا كان األمر كذلك‪ ،‬فإن‬ ‫صناعة الفضاء اليت ما زالت يف مراحلها األوىل‪ ،‬من حيث منافعها االقتصادية‬

‫تقييم مؤمتر ‪2009‬‬ ‫حضر مؤمتر هذا العام (‪ )IAC‬اختصاصيون من منظمات صناعات الفضاء‬ ‫من كل العامل‪ ،‬مبا يف ذلك وكالة الفضاء األمريكية (‪ ،)NASA‬ووكالة الفضاء‬ ‫األوروبية (‪ ،)ESA‬ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية (‪ ،)JAXA‬وجمموعات‬ ‫أوربية مثل الشركة األوروبية للدفاع والطريان والفضاء (‪ ،)EADS‬وآريان‬ ‫للفضاء‪ ،‬وشركة ثاليس‪-‬آرينيا (‪ .)Thales Alenia‬وقد متركزت إجراءات‬ ‫مؤمتر هذا العام حول ثالثة أحداث رئيسية تتلخص فيما يأيت‪ :‬مؤمتر أكادميي‪،‬‬ ‫واملعرض‪ ،‬واملهرجان‪ .‬قبل االفتتاح عقدت مؤسسات األمم املتحدة ورشة عمل‬ ‫االحتاد الفضائي الدويل (‪ ،)UN/IAF‬نظمها مسؤول األمم املتحدة لشؤون‬ ‫الفضاء اخلارجي (‪ )OOSA‬واستضافتها كوريا واالحتاد الفضائي الدويل‬ ‫(‪ ،)IAF‬وأكادميية الفضاء الدولية (‪.)IAA‬‬ ‫بالنسبة للمؤمتر األكادميي‪ ،‬وهو املحور الرئيسي للمؤمتر‪ ،‬كانت هناك ‪25‬‬ ‫جلنة فنية قيّمت ومن مث اختارت ‪ 1600‬ورقة يف ‪ 159‬جلسة‪ ،‬مت خالهلا عرض‬ ‫وتقدمي ‪ %70‬من األوراق‪ .‬وعلى الرغم من قلة العروض املرئية يف األوراق املقدمة‪،‬‬ ‫فإن املؤمتر قد كان حقيقة منتدى لعرض أحدث املعلومات حول تكنولوجيا‬ ‫الفضاء املتعلقة مبواضيع متصلة باستكشاف الفضاء‪ ،‬ومراقبة األرض‪ ،‬واالتصاالت‬ ‫الفضائية‪ .‬األوراق الكثرية املقدمة واملحاضرات كانت فرصة استثنائية لعلماء‬ ‫كوريا ـ اليت يعترب تارخيها قصريا نسبيا يف تكنولوجيا الفضاء ـ لتعزيز خرباهتم‬ ‫وتوسيع آفاقهم‪.‬‬ ‫ مع حضور العديد من املسؤولني رفيعي املستوى من هذه املنظمات‬ ‫املشهورة مثل وكالة الفضاء األمريكيةِ(‪ ،)NASA‬ووكالة استكشاف الفضاء‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪33‬‬


‫‪ 1‬المؤتمر الفضائي الدولي ‪ IAC‬الذي عقد سنة ‪ 2009‬استضافته مدينة ديجون‬ ‫ ‬ ‫الكورية‪.‬‬ ‫‪ 2‬يمارس الزوار تمارين فضائية يجريها لرواد الفضاء‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪ 3‬معرض خاص أقامته وكالة الفضاء األمريكية (ناسا) بمناسبة الذكرى األربعين‬ ‫ ‬ ‫لنزول أول إنسان على سطح القمر‪.‬‬ ‫‪ 4‬السيد "تشارلز بولدن" مدير في وكالة ناسا شارك كنقابي خالل جلسة المناقشة‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫اليابانية (‪ ،)JAXA‬ووكالة الفضاء األوروبية (‪ ،)ESA‬وإدارة الفضاء الوطنية‬ ‫الصينية (‪ ،)CNSA‬فإن املحاضرات واجللسات الفنية قدمت معلومات مفيدة‬ ‫ومتكاملة حول التطورات احلديثة والتوجهات املستقبلية لربامج الفضاء العاملية‪.‬‬ ‫كما كان املؤمتر فرصة مثالية لالختصاصيني من اجليل التايل يف قطاع الفضاء‬ ‫والطريان وبناء الشبكات‪ ،‬وذلك خالل مناسبات مثل برنامج الطالب‪ ،‬لتدريب‬ ‫اختصاصيي املستقبل ذوي العالقة بالفضاء مثل برامج الشباب التخصصي‪ ،‬وهو‬ ‫برنامج مدعوم من الشركات الحتضان املوارد البشرية لصناعة الفضاء‪ ،‬ومؤمتر‬ ‫جيل الفضاء‪ .‬بالنسبة يل أدركت كيف أن هذه األنشطة عملت كمصدر إثراء‬ ‫وإهلام وحفز بالنسبة للطالب والصناعيني الشباب ليمضوا يف حتقيق أحالمهم‬ ‫واإلسهام يف تطوير تكنولوجيا الفضاء‪.‬‬ ‫اشتمل املؤمتر الفضائي الفلكي هذا العام على معرض رائع للفضاء باسم‬ ‫‪ 34‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫معرض دجيون الفضائي ‪ 2009‬اشتمل على سفن استكشاف الفضاء لوكالة‬ ‫الفضاء األمريكية ناسا ومعدات منها‪ ،‬ومكتبا للدعاية لوكالة الفضاء األمريكية‪.‬‬ ‫أما املعروضات فقد اشتملت على بقايا من منوذج ميزان من رحلة مركبة الفضاء‬ ‫أبولو(‪ ،)20/1‬صاروخ ساتورن اخلامس (‪ ،)48/1‬وطوافة أبولو القمرية‬ ‫(‪ ،)10/1‬إضافة إىل ‪ 16‬قطعة تتعلق باستكشاف الفضاء‪ ،‬مثل بعض الصخور‬ ‫اليت جلبت من القمر ومعدات خمتلفة‪ .‬وفر املعرض فرصة نادرة لزواره يف‬ ‫كوريا لرؤية معروضات من سفن وكالة الفضاء األمريكية (ناسا) ومعدات ال‬ ‫تعرض كثريا خارج الواليات املتحدة‪ .‬كانت منطقة املعرض تعج بالزوار الذين‬ ‫كانوا يرغبون يف مشاهدة املعروضات حقيقة‪ .‬لسوء احلظ‪ ،‬كانت املشاركة‬ ‫من املؤسسات والشركات الفضائية العاملية الرائدة واملتقدمة شحيحة بشكل‬ ‫ملحوظ‪ ،‬وأقل مما كان متوقعا‪ ،‬وميكن تعليل هذا األمر باهلبوط االقتصادي‬ ‫العاملي‪ .‬وميكن القول أيضا إن غياب املؤسسات األمريكية املرتبطة بالفضاء ألقى‬ ‫نوعا من القتامة على جو احلدث‪.‬‬ ‫اإلداري احلايل يف وكالة الفضاء األمريكية (ناسا) تشارلز بولدين الذي‬ ‫شارك يف املؤمتر كنقايب يف جلسة فنية‪ ،‬قدم رؤاه وأفكاره حول االجتاه املستقبلي‬ ‫لتطوير الفضاء وذلك مع نظرائه النقابيني من أحناء العامل‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬التقى‬ ‫مبسؤولني على مستوى رفيع من وزارة التربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا‬ ‫الكورية ملناقشة آفاق التعاون بني كوريا وناسا‪ .‬ويتوقع أن تتمخض عن هذه‬ ‫اللقاءات مبادرات تعاونية مثل التطوير املشترك لربامج األقمار الصناعية املصغرة‪،‬‬ ‫وشؤون استكشاف الفضاء‪ .‬ومن أحداث هذا املؤمتر الالفتة للنظر "إعالن‬ ‫دجيون"‪ ،‬الذي وعدت مبوجبه األطراف املوقعة باستخدام استكشاف الفضاء‬ ‫ألغراض سلمية فقط‪ ،‬ويف حماضرة خاصة‪ ،‬شجعت رائدة الفضاء اليت تعمل‬ ‫يف ناسا السيدة "جانيت كافاندي" الطالب يف كوريا على متابعة أحالمهم يف‬ ‫استكشاف الفضاء‪ ،‬واملشاركة يف األحداث املختلفة مع الشخصيات الرائدة يف‬ ‫جمال الفضاء‪ ،‬وقد عربت عن هتانيها ملنظمي احلدث الستضافتهم الناجحة ملؤمتر‬ ‫‪ 2009 IAC‬يف دجيون‪.‬‬ ‫أحداث جديرة باالهتمام‬ ‫مؤمتر ‪ IAC‬هذا العام كان متميزا بكل املقاييس حيث إنه مل ينظم حصريا‬ ‫الختصاصيي تكنولوجيا الفضاء‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن العامة دعوا للمشاركة يف بعض‬ ‫فعالياته مثل االحتفال الفضائي واملعرض الفين‪ ،‬الذي أسهم يف خلق جو احتفائي‬


‫‪4‬‬

‫هبيج‪ .‬مهرجان الفضاء الذي اشتمل على ‪ 50‬برناجما حتت ‪ 4‬حماور هي‪ :‬بالزا‬ ‫مواطن الفضاء‪ ،‬مدينة الغرباء‪/‬مدينة ضوء النجوم‪/‬مدينة اإلنسان اآليل‪ ،‬مركز‬ ‫الفضاء‪ ،‬ومدينة الفضاء‪ -‬لقي رواجا أكرب بني الزوار‪ .‬جذبت الربامج التعاونية‪،‬‬ ‫اليت مل يكن الوصول إليها ممكنا بالنسبة لألشخاص العاديني من قبل‪ ،‬اهتماما‬ ‫خاصا‪ ،‬وبشكل خاص حدثي ‪ METI‬و‪ .SETI‬بالنسبة لربنامج ‪ ،METI‬الذي‬ ‫رتب له بالتعاون بني كوريا ومرصد فضائي يف أوكرانيا‪ ،‬فإن املشاركني متكنوا‬ ‫عربه من إرسال رسائلهم اخلاصة هبم إىل الفضاء اخلارجي‪ ،‬حيث حيتمل أن توجد‬ ‫أشكال غريبة من احلياة‪ ،‬أو إىل جنوم معينة‪ .‬شاركت مدينة دجيون‪ ،‬يف برنامج‬ ‫‪ ،SETI‬واستكشف املشاركون إمكانية التواصل مع الكائنات الغريبة بالبحث‬ ‫عن إشارات يف الفضاء اخلارجية‪ ،‬باستخدام تلسكوب الراديو‪.‬‬ ‫وقد اشتمل املؤمتر على حدث آخر هام عبارة عن منوذج لرائد فضاء‬ ‫عمالق يصل طوله إىل ‪ 70‬مترا وهو األطول يف العامل‪ ،‬ويعترب حدثا تربويا هاما‪.‬‬ ‫يف أركان هذا النموذج الضخم لرائد الفضاء‪ ،‬كان الزوار قادرين على أن ميارسوا‬ ‫برامج تدريبية مطورة ألول رائدة فضاء كورية هي الدكتورة "يل سوه يون"‪،‬‬ ‫أو القيام برحلة عملية يف الفضاء على مركبة بثمانية مقاعد تسري بسرعة الضوء‪.‬‬ ‫عاد األطفال إىل بيوهتم برؤية جديدة وحلم حول إمكانية استكشاف الفضاء يف‬ ‫يوم من األيام‪.‬‬ ‫اشتملت األحداث ذات العالقة على طريان اختباري جترييب لطائرة‬ ‫‪ ،130-C‬مقدمة من سالح الطريان الكوري‪ ،‬واحتفال بالون دجيون الذي ملئ‬ ‫هبواء ساخن‪ ،‬ومشاهدة أفالم اخليال العلمي‪ ،‬ومسابقات فنية يف مواضيع علمية‬ ‫لألطفال‪ ،‬كل هذه الفعاليات ساعدت يف تقدمي علوم الفضاء يف صورة أكثر‬

‫واقعية وأقرب إىل احلياة‪ ،‬بدال عن املفاهيم اخليالية البعيدة عن الواقع‪ .‬هذا اجلهد‬ ‫الذي بذل لتوسيع نطاق املؤمتر (‪ )ICA‬من خالل فتحه ملشاركة العامة وتنظيم‬ ‫األحداث‪ ،‬لقي استحسانا من قبل اجلميع‪ ،‬املختصني واألشخاص العاديني‪ ،‬لقد‬ ‫كانت مدينة دجيون هي سر التميز يف جتمع هذا العام لـ ‪.ICA‬‬ ‫مؤمتر ‪ ICA‬لسنة ‪ 2009‬كان احلدث األكرب يف تاريخ هذا املؤمتر‪ ،‬فقد‬ ‫لفت أنظار الكوريني إىل تكنولوجيا الفضاء‪ ،‬واستكشاف الفضاء‪ ،‬وتطوير علوم‬ ‫الفضاء‪،‬وقدم هلم هذه الفرصة املثالية لتبادل املعلومات حول تكنولوجيا الفضاء‬ ‫واستكشاف الفضاء مع خرباء فضاء على مستوى العامل‪ ،‬كما شكل احلدث أيضا‬ ‫أساسا متينا ميكن أن ختطو عليه كوريا لتوسيع تعاوهنا مع الدول املتقدمة يف علوم‬ ‫الفضاء‪ .‬وعلى الرغم من العدد الكبري الذي شهد االحتفال وأحداث املعرض فقد‬ ‫ترك احلدث انطباعا إجيابيا لدى اجلميع‪ ،‬وكان هناك قلق بأن تتضرر األنشطة‬ ‫ضررا كبريا هبيمنة املؤمتر األكادميي‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فقد أخذ يف احلسبان أن تطوير الفضاء يف مجيع أحناء العامل‬ ‫قد مت متويله من أموال دافعي الضرائب‪ ،‬لذا فهناك من يتساءلون ما إذا كانت‬ ‫اللقاءات بني السياسيني رفيعي املستوى تؤدي إىل هتميش علماء وفنيي الفضاء‪،‬‬ ‫وهم لب وجوهر املشاركني يف املؤمتر‪ .‬إذا ما مت تناول وتدارس هذه النقاط بشكل‬ ‫جيد‪ ،‬فيمكن التوصل إىل حل وسط عملي قابل للتنفيذ يف مناسبات وأحداث‬ ‫املستقبل‪ .‬وعموما ميكن القول إنه مع الزخم الذي أوجده مؤمتر ‪ ،IAC‬فقد‬ ‫أضحت الساحة مهيأة للربنامج الكوري الفضائي الذي أنشئ حديثا ليخطو‬ ‫خطوات واسعة لألمام‪ ،‬من خالل التعاون الدويل‪ ،‬ومن مث اإلسهام يف "سالم‬ ‫وتقدم دائمني‪".‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪35‬‬


‫مقابلة‬

‫فنان الوسائل جونغ‬ ‫يوندو‬ ‫يسعى إلى حتويل‬ ‫األحالم إلى واقع‬ ‫‪1‬‬

‫المبشر باألحالم‪ .‬فمنذ أن بدأ وحتى اآلن يعمل جاهدا لتحويل األحالم الكامنة‬ ‫إن فنان الوسائل جونغ يوندو هو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫داخل األشخاص ـ من مختلف الجنسيات والخلفيات الثقافية والذين التقاهم في قاعات الرقص والشوارع‬ ‫والشقق والمكاتب من المدن الحديثة ـ إلى واقع‪ .‬وقد أصبحت قصصهم الحقيقية في الحياة وأحالمهم‬ ‫وطموحاتهم موارد ألعماله الفنية‪ .‬ومن أجل تحقيقها يستخدم وسائل مختلفة بما فيها األداء والتصوير‬ ‫الفوتوغرافي والفيديو والرسم والنحت‪.‬‬

‫كانغ سونغوان منسق رفيع املستوى باملتحف الوطين للفن املعاصر‬

‫جونغ‬

‫يوندو (ولد يف عام ‪ )1969‬يشارك اآلخرين ّ‬ ‫بكل سرور يف‬ ‫أحالمهم‪ .‬بالنسبة له اآلخرون ليسوا منعزلني كمن يعيش يف جزيرة بعيدة‪.‬‬ ‫إذا كانت هناك حاجة ملحة لعمل بطو ّ‬ ‫يل فهو مستعد للمشاركة والتنفيذ‪.‬‬ ‫أعماله الفنية تساعد اآلخرين على حتقيق أحالمهم‪ ،‬ألهنا تشكل مصدر إهلام‬ ‫بالنسبة للمشاهدين‪ .‬وبنظرة واحدة إىل أعماله ميكن أن ينعش املشاهدون حياهتم‬ ‫باالستيقاظ من حياهتم اليومية الرتيبة ويسعون إىل حتقيق أحالمهم‪ .‬وكما ذكرت‬ ‫باتريشيا إيليس الفنانة واملنسقة "فإن البطل بالنسبة للسيد جونغ يوندو شيء فوق‬ ‫احللم الطبيعي واملصدر امللهم ألعماله أيضا‪ ".‬التفاعل مع املشاهدين هو جوهر‬ ‫أعماله الفنية وخالصتها‪ .‬وباإلضافة إىل ذلك هو يصنع التفاهم ويعبد طريقا‬ ‫لتحقيق األحالم يف الواقع‪ ،‬ولن يكون هذا معجزة بل نتيجة جلهود مشتركة بني‬ ‫‪ 36‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫الفنان املبدع وشخصيات األعمال واملشاهدين‪.‬‬ ‫التحدث مع اآلخرين‬ ‫خترج السيد جونغ يوندو يف كلية الفنون اجلميلة يف جامعة سيول الوطنية‬ ‫ّ‬ ‫يف عام ‪ ،1994‬وحصل على شهادة املاجستري من جامعة جولد مسيث يف‬ ‫لندن يف عام ‪ .1997‬ومنذ عودته يف عام ‪ 1999‬شرع يف تقدمي أعماله الفنية‬ ‫يف خمتلف املعارض الدولية واملحلية مبا فيها بينايل كواجنو وبينايل تايبيه وبينايل‬ ‫إسطنبول وبينايل البندقية‪ .‬ومنذ أن بدأ السيد جونغ وحىت اليوم فإ ّن أعماله ّ‬ ‫تركز‬ ‫على أحالم األشخاص من خمتلف اجلنسيات واخللفيات الثقافية الذين يقيمون يف‬ ‫املدن احلضرية يف خمتلف أحناء العامل مثل سيول وفوكوكا وشانغهاى وليفربول‪.‬‬


‫‪2‬‬ ‫‪ 1‬يقول جونغ يوندو "لقد اتسع نطاق عملي ليشمل النحت والتصوير والفيديو‬ ‫ ‬ ‫والمسرح والسينما بسبب رغبتي في أن أجد حال لـيس لـ"كيف أعبّر؟" ولك‬ ‫لـ"عن ماذا أعبّر؟"‬ ‫‪" 2‬ساحر السينما" هو من األعمال الحديثة لجونغ‪ ،‬يعرض الفيديو أداء الساحر‬ ‫الكوري الشهير لي أونغيول‪ ،‬كما يعرض الموظفين خلف الكواليس وهم بالعمل‬ ‫على اإلضاءة والتصوير‬

‫ويف هذا الصدد فقد وصفته يوكو هاسيغاوا املنسقة العامة يف متحف طوكيو‬ ‫للفن املعاصر بـ"عامل األنثروبولوجيا"‪ .‬وبعد رجوع جونغ إىل كوريا كشف‬ ‫عن هنج متميز جيعل األشخاص العاديني يشاركون يف أعماله‪ .‬ومن املمكن أن‬ ‫نلمس هذه اخلاصية بصورة واضحة يف <إلفيس غونغجونغباجنوم> (‪)1999‬‬ ‫األداء الذي مت مبشاركة من اجلمهور و<قاعة بورامي للرقص> (‪ )2001‬حيث‬ ‫عرض صورا فوتوغرافية لرجال ونساء يف سن الكهولة يرقصون مبالبسهم الرمسية‬ ‫يف قاعة الرقص يف حديقة بورامي‪.‬‬ ‫<برج خضرة دائمة> (‪ )2001‬عرضت فيه جمموعة صور لـ ‪32‬‬ ‫أسرة مت التقاطها يف املطابخ وغرف اجللوس يف شقق صغرية متشاهبة يف سيول‪.‬‬ ‫ويف هذا العمل الفين دخل الفنان يف عامل العالقات احلميمة لألسرة‪ .‬العالقة بني‬

‫هذا الفنان وشخصيات أعماله ليست عالقة "أنا وهو" بل عالقة "أنا وأنت"‬ ‫مثل ما وصفها مارتن بوبر‪ .‬فهم ليسوا أشياء سلبية تقف بال حركة من وجهة‬ ‫نظر هذا الفنان‪ ،‬ولكنهم مشاركون ناشطون يظهرون كشبه رواة أو شبه‬ ‫فنانني‪ .‬وجونغ يوندو جيعل اختالس النظر يرتقي إىل مستوى املشاركة‪ .‬فقبل‬ ‫التقاط الصور يلتقي السيد جونغ ّ‬ ‫بكل أفراد األسرة لالستماع إىل تفاصيل‬ ‫حياهتم وأحالمهم‪ ،‬وبعد ذلك يتم التقاط الصور‪ .‬وعلى الرغم من عيشهم‬ ‫يف شقق صغرية ومتشاهبة تظهر اخلصائص املميزة ّ‬ ‫لكل أسرة كما تكشف‬ ‫التفاصيل‪ ،‬فهناك مثال اختالف يف ترتيب األثاثات ولون الستائر واألمناط‬ ‫والصور العائلية وملصقات اجلدران وشعار العائلة‪ .‬فهي تقدم ملحة حقيقية عن‬ ‫احلياة اليومية لألسرة‪.‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪37‬‬


‫‪1‬‬ ‫‪ 1‬في سلسلته الفوتوغرافية "السحر" يصبح جونغ ساحرا ليكشف عن الواقع والخيال‬ ‫من أحالم الناس‪.‬‬ ‫‪" 2‬ذكريات األعمال اليدوية" يوظف سلسلة من الصور على جهازي عرض للتعبير‬ ‫ ‬ ‫عن رؤيته حول تبرم الرجل العجوز من صعوبات الماضي‪.‬‬ ‫‪" 3‬حنين الوثائق" أضحى جزءا من مقتنيات متحف نيويورك في عام ‪.2008‬‬ ‫ ‬

‫‪2‬‬

‫‪ 38‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫‪3‬‬


‫"الموقع"‪ ،‬سلسلة من المشاهد تنسجم فيها الحقيقة‬ ‫مع الخيال‪.‬‬

‫من احللم إلى الواقع‬ ‫ما الذي جيعلنا نتقدم إىل األمام ؟ احللم أو احلقيقة ؟ <البطل> (‪)1998‬‬ ‫عبارة عن صورة لشاب على دراجة نارية لتوصيل الطعام الصيين وهو يقودها‬ ‫يتحرر‬ ‫بسرعة كأنه يف سباق للدراجات النارية‪ .‬يف تلك اللحظة يبدو كأنه ّ‬ ‫من عبء واقعه القاسي كمسؤول عن أشقائه األصغر سنا‪ .‬ويف <السحر>‬ ‫(‪ )2001‬الذي اقترض عنوانه من املسلسالت اهلزلية األمريكية يف الستينات‬ ‫كشف السيد جونغ عن الواقع واألحالم لـ‪ 40‬شابا التقى هبم يف سيول وطوكيو‬ ‫وبكني وإسطنبول وأمستردام وغريها من مدن العامل‪ .‬شاب يف حمطة الغاز حيلم‬ ‫بأن يصبح سائقا لسيارة سباق‪ ،‬شابة تأمل يف الذهاب إىل اجلنة ورؤية والدهتا يف‬ ‫النهاية‪ ،‬وشاب يعمل يف خدمة توصيل الشاي يف الشارع يريد أن يصبح مدرسا‬ ‫للرياضيات‪ .‬وفيه تتعاقب صور هؤالء األفراد احلالية والصور املستقبلية بعد حتقيق‬ ‫األحالم‪ .‬وتطمس احلدود بني الواقع واألحالم بالتداخل بني الوقت احلاضر‬ ‫واملستقبل‪ .‬كيف يظهر العامل يف عيون األطفال الذين ال يضعون حدودا بني العامل‬ ‫احلقيقي واخليايلّ؟ يتناول <العجائب> (‪ )2004‬رسومات لروضة أطفال‪ .‬يف‬ ‫ّ‬ ‫العامل الذي خييم على قلوب األطفال وعقوهلم هناك طفل رأى حتول احلوت إىل‬ ‫زهرة‪ ،‬واألمرية أورورا تقف جبوار السرير الوردي املزين بالورود كما يف اجلمال‬ ‫النائم‪ ،‬سندريال ترقص مع األمري‪ ،‬وفتاة تقف جبانب زهرة طويلة‪ ،‬وفتاة حتلق يف‬ ‫السماء املليئة بالشهب‪ .‬أع ّد الفنان عامل األحالم لألطفال بترتيب األشياء والفضاء‬ ‫بسريالية كما حيتوي املشهد على مراهقني يرتدون أزياء ثالثية األبعاد من عاملنا‪.‬‬ ‫وبعده التقاط الصور وعرضها جبانب رسومات األطفال‪ .‬مث تقدمي الصور اليت‬

‫حتقّقت فيها األحالم كهدايا لألطفال‪.‬‬ ‫من الواقع إلى احللم‬ ‫<املوقع> (‪ )2007‬سلسلة من مشاهد ملناظر طبيعية‪ ،‬ومن أجل خلق‬ ‫منظر غري طبيعي استخدم املناظر الطبيعية والعناصر االصطناعية مثل الدعامات‬ ‫وتأثريات اإلضاءة‪ .‬واشتملت هذه املشاهد غري الواقعية على قطعة من القماش‬ ‫وضعت على األرض لتشكيل خلفية مصطنعة‪ ،‬وصخور صناعية يف األمام مع‬ ‫صخور حقيقية يف اخللفية البعيدة‪ ،‬وشجرة خنيل مع ستارة على الشاطئ الرملي‪،‬‬ ‫وصورة لشجرة تقف أمام بقية االشجار على جانب الطريق يف جممع الشقق‪،‬‬ ‫ورقائق الثلج من الراتنج تسقط داخل املطعم الذي يقع على طريق سريع يف ليل‬ ‫ثلجي‪ .‬هذه املشاهد اليت جتمع بني الواقع واخليال تشكل خلفية ألحالمنا اليت ال‬ ‫ميكن أن نتذكرها بشكل واضح بعد االستيقاظ‪ ،‬بل هي شبيهة بشظية من الوقت‬ ‫الضائع يف املاضي أو مبنظر خيايل نرغب يف حتقيقه‪.‬‬ ‫وقد اختار املتحف الوطين للفن املعاصر يف كوريا السيد جونع يوندو فنان‬ ‫العام لسنة ‪< .2007‬حنني الوثائق> فيلم أنتجه السيد جونغ إلقامة معرض يف‬ ‫املتحف الوطين للفن املعاصر‪ .‬وقد لفت هذا العمل االنتباه لكونه جتربة جديدة ‪.‬‬ ‫ويف عام ‪ 2008‬وجه متحف الفن احلديث يف نيويورك الدعوة لعرض هذا العمل‬ ‫الفين يف معرض الصور والفيديو اخلاص به‪ .‬وبعد هذا العرض اشترى املتحف‬ ‫العمل لعرضه بصورة دائمة‪ .‬أما <حنني الوثائق> فهو تتابع لذكريات من‬ ‫قسم الفنان قاعة املعرض إىل ست أقسام مبا فيها الغرف‬ ‫املاضي لبعض املناظر‪ّ .‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪39‬‬


‫أما العالقة بينه وبني اآلخرين يف أعماله فهي ليست عالقة "أنا وهو" بل عالقة "أنا وأنت" مثل ما وصفها مارتن بوبر‪ .‬فهم ليسوا أشياء سلبية تقف بال حركة من وجهة نظر‬ ‫هذا الفنان‪ ،‬ولكنهم مشاركون ناشطون يظهرون كشبه رواة أو شبه فنانني‪ .‬وجونغ يوندو جيعل اختالس النظر يرتقي إىل مستوى املشاركة‪.‬‬

‫وشوارع املدينة واملناظر الريفية واحلقول والغابات وحبر ختيم فوقه السحب‪.‬‬ ‫صورها السيد جونغ باستعمال كامريا ثابتة مع تعديل اإلضاءة والتركيز مل ّدة ‪85‬‬ ‫ّ‬ ‫دقيقة‪ .‬وهذا العمل حيكي عن إبداع هذا الفنان نفسه‪ .‬وكان موضوع العمل‬ ‫الغابات البكر اليت نظر إليها أثناء سريه يف سلسلة جبال بايكدو يف فترة دراسته‬ ‫يف اجلامعة‪ .‬وهي ذكريات لفنان حول األماكن اليت فُقدت بسبب عملية التطوير‪.‬‬ ‫وباإلضافة إىل ذلك كان مشروع الفيلم نتاجا لذكريات اآلخرين‪.‬‬ ‫<ذكريات األعمال اليدوية> (‪ )2009‬عبارة عن فيديو حافل بذكريات‬

‫‪ 40‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫رواها ستة من كبار السن التقى هبم الفنان يف حديقة تابغول اليت جيتمع فيها‬ ‫كبار السن‪ ،‬وبالنسبة لكبار السن يصبح املاضي – رغم وجوده يف صورة شظايا‬ ‫متناثرة ‪ -‬قوة دافعة حلياهتم مثل املستقبل بالنسبة للشباب‪ .‬والذكريات هي أفكار‬ ‫من املاضي املفقود الذي كان موجودا يف يوم ما‪ .‬إذن هل الذكريات األليمة‬ ‫مثل احللم دائما؟ نعرف أ ّن بعض الذكريات ميكن أن تكون واقعا حيا يف حني‬ ‫وتكون احلقيقة حلما يف حني آخر‪ ،‬مثلما هو احلال بالنسبة جلدة الفنان اليت تعاين‬ ‫من اخلرف‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫تعانق احللم واحلقيقة‬ ‫قام السيد جونغ يوندو بدور ساحر يف عمليه <السحر> و<العجائب>‪.‬‬ ‫لكن عملية حتقيق األحالم ليست بسيطة مثل اخلدع السحرية‪ .‬وميكن للخيال‬ ‫أن يصبح حقيقة واقعية باستثمار مضاعف للوقت واجلهد مثلما يتطلب حتقيق‬ ‫األحالم‪ .‬فالشاب الذي يعمل يف خدمة توصيل الشاي يف الشارع يف عمله‬ ‫<السحر> والذي لقي السيد جونغ وحتدث عن حلمه يف إسطنبول يف عام‬ ‫‪ 2003‬حقّق حلمه وأصبح معلّم رياضيات مبساعدة أحد الذين شاهدوا قصته‬ ‫بعد انتشارها من خالل هذا العمل الفين‪ .‬لعب عمل السيد جونغ دورا يف جتسيد‬ ‫أحالم الناس وخياهلم يف خمتلف أحناء العامل مع توفري مصدر إهلام للمشاهدين‬ ‫للسري يف طريق حتقيق أحالمهم‪ ،‬وعن طريق تقدمي أحالم شباب عاديني‪.‬‬ ‫صور السيد جونغ الساحر‬ ‫يف عمله األخري <ساحر السينما> (‪ّ )2009‬‬

‫الشعيب الكوري يل أونغيول أثناء أدائه على خشبة املسرح مل ّدة ‪ 120‬دقيقة‪.‬‬ ‫وعرض على الشاشة نقل املوظفني لألشياء وتعديل اإلضاءة يف ّ‬ ‫كل مرحلة من‬ ‫مراحل األداء‪ .‬عمله هذا عكس العملية برمتها بدال من تقدمي النتيجة املصنوعة‪،‬‬ ‫ومن خالله ميكن للمشاهدين أن يالحظوا "األشياء احلقيقية" و"االشياء اخليالية"‪،‬‬ ‫وقال السيد جونغ يوندو عن هذا العمل "إنّه فضو ّ‬ ‫يل ألنّه ميكن أن يعرب عن‬ ‫السريالية والواقعية يف وقت واحد‪".‬‬ ‫يف أعماله اليت ّ‬ ‫تركز على أحالم الناس أصبحت احلقيقة املعاشة مسرحا‬ ‫للخيال أو بالعكس أصبح اخليال مسرحا للواقع‪ ،‬حيث تتعايش احلقيقة واخليال‬ ‫يف انسجام‪ .‬فالواقع ليس مقربة لألحالم بل هو مسرح ميكن أن تظهر فيه‬ ‫املبشر باألحالم فيا ترى ما هي‬ ‫األحالم وتتحقق‪ ،‬فالسيد جونغ يوندو هو ّ‬ ‫أحالمه اخلاصة؟‬

‫‪" 1‬العجائب" عبارة عن سلسلة من الصور الخيالية رسمها أطفال في‬ ‫الروضة استنسخت مع صور فوتوغرافية‪.‬‬

‫‪" 2‬قاعة بورامي للرقص" تحتوي على صور معلقة على الجدران فيها‬ ‫صور لرجال ونساء في سن الكهولة يرقصون بمالبسهم الرسمية‬ ‫في قاعة للرقص‪ .‬في صالة المعرض كان الرقص يؤدى مع‬ ‫موسيقى حياة‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪41‬‬


‫حرفي‬

‫صانع األحذية التقليدية‬ ‫هوانغ هي بونغ‪ ،‬يعيد احلياة‬ ‫إلى "أحذية الريح"‬ ‫الهانبوك‬

‫‪ ،‬اللباس الكوري‬ ‫التقليدي‪ ،‬يسمى أحيانا جمازا "لباس الريح" وبالفعل‬ ‫فإن خطوطه املنسابة وثنياته الطبيعية تتالعب مع‬ ‫هبوب نسمة خفيفة‪ .‬وبالطريقة املجازية نفسها‪ ،‬فإن‬ ‫األحذية اجللدية التقليدية الكورية "هوا" (األحذية‬ ‫الطويلة (‪ boots‬و"هيه" (األحذية ذات الكعب‬ ‫القصري )‪ ،‬ميكن أن نطلق عليها "أحذية الريح"‪.‬‬ ‫بالنسبة للحذاء "هيه"‪ ،‬فإن الثنية األنيقة من األمام‬ ‫على سطح احلذاء باجتاه العقب مشاهبة للخط الذي‬ ‫ميتد على طول األردان السفلية للمعطف الكوري‬ ‫التقليدي املسمى "جوغوري"‪ .‬رأسه البارز له نفس‬ ‫السحر الذي يتجلى يف اجلوارب الكورية ذات‬ ‫الشكل املميز‪ .‬على أي حال‪ ،‬هذه األحذية اجللدية‬ ‫الرائعة أصبحت مهجورة تقريبا‪ ،‬واحلريف "هوانغ‬ ‫هي بونغ" هو الشخص الوحيد الذي يصنعها حاليا‪.‬‬ ‫وهو املاهر الوحيد يف هذه املهنة‪ ،‬وهو حفيد الراحل‬ ‫"هوانغ هان غاب"‪ ،‬أول صانع أحذية تقليدية مينح‬ ‫لقب ممتلكات ثقافية هامة غري شاخصة‪ .‬هذا احلفيد‬ ‫مل يرث عمل العائلة فحسب‪ ،‬بل أسهم يف إعادة‬ ‫احلياة للعديد من األحذية الكورية اليت ال ميكن‬ ‫رؤيتها يف هذا العصر إال يف املتاحف‪.‬‬ ‫عندما تذهبني بعيدا‬ ‫بسبب بغضك يل‬ ‫وقد تعبت من النظر إيل‬ ‫سأدعك تذهبني‬ ‫دون أن تقويل شيئا‪ ،‬أو حتدثي ضجيجا‬

‫‪ 42‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫ولكن سأتسلق تالل يونغبيون‬ ‫وهناك سوف ألتقط أزهار األزالية‬ ‫وسوف أمأل ذراعي منها ألنثرها …‬ ‫على طول طريقك حينما تسريين‬ ‫مث امضي خبطوات عصيبة متباعدة‬ ‫تدوس هذه الزهرات اليت وجدهتا‬ ‫منثورة أمام قدمك املرفوعة للتقدم‬ ‫وعندما تذهبني بعيدا أخريا‬ ‫وقد أعياك النظر إيل‬ ‫اعلمي بأين طيلة حيايت‬ ‫لن أذرف عليك الدموع حينها‬ ‫لن أذرف ولو قطرة واحدة‪.‬‬ ‫يف قصيدة "األزالية" هذه للشاعر كيم سو‬ ‫وول‪ ،‬وهو واحد من أكثر شعراء األناشيد الكوريني‬ ‫شعبية‪ ،‬ميكن للمرء أن يتصور زوجا أنيقا من أحذية‬ ‫"دانغهيه" مزينا خبطوط ملفوفة من أوراق الكرمة‬ ‫على قدم الرجل الذي يترك حبيبته تدوس على‬ ‫أزهار األزالية عندما تذهب‪.‬‬ ‫نشرت هذه القصيدة سنة ‪ .1922‬يف ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬كان معظم الكوريني ينتعلون هذه األحذية‬ ‫التقليدية رغم أن البعض بدأ بتجربة البدائل الرخيصة‬ ‫املصنوعة من املطاط بعد أن شيد مصنع للمطاط‬ ‫يف بيونغ يانغ (عاصمة كوريا الشمالية حاليا) سنة‬

‫‪ .1919‬األحذية اليت‬ ‫تدوس على البتالت الناعمة‬ ‫لزهور األزالية ليست شيئا‪ ،‬ولكن احلذاء "هيه"‬ ‫النحيف اجلميل‪ ،‬الذي يشبه قاربا صغريا هو الذي‬ ‫جيب أن تكون له قيمة‪ .‬عندما ميشي املرء يف هذه‬ ‫األحذية‪ ،‬تبدو خفيفة وناعمة مثل قاربني يزنلقان‬ ‫يف املاء‪ .‬حذاء "هيه" األنيق‪ ،‬حينما تنتعله تشعر بأن‬ ‫خطواتك خفيفة بشكل استثنائي‪.‬‬ ‫السير على على نهج اآلباء‬ ‫يف فترة مبكرة من عصر مملكة جوسون (اليت‬ ‫حكمت من ‪ ،)1910-1392‬كانت صناعة‬ ‫األحذية تنقسم إىل قسمني‪ :‬قسم أحذيته طويلة‬ ‫يسمى ("هوا"‪ ،‬البوت(‪ ،‬والثاين أحذيته مسطحة‬ ‫ذات كعب قصري من نوع "هيه"‪ .‬تاريخ هذين‬ ‫النوعني من األحذية يعود إىل حقبة ما قبل التاريخ‪.‬‬ ‫الفرسان يف القسم الشمايل من شبه اجلزيرة الكورية‬ ‫كانوا يف العادة ينتعلون األحذية الطويلة ‪ ،boots‬يف‬ ‫حني كان األشخاص العاملون يف الزراعة يف القسم‬ ‫اجلنويب ينتعلون أحذية مسطحة مصنوعة من القش‪.‬‬ ‫مع مرور الوقت‪ ،‬بدأت األحذية تفي ليس فقط‬ ‫باألغراض العملية ولكن أيضا باألغراض اجلمالية‪،‬‬ ‫وأحيانا تشري إىل املركز االجتماعي ملن ينتعلها‪.‬‬ ‫يذكر سجل من مملكة كوغوريو القدمية (‪ 37‬ق‪.‬م‬ ‫ ‪ 668‬م) يف معرض حديث عن أحذية "هوا" أهنا‬‫مزينة باحلرير والذهب‪ ،‬يف إشارة إىل أن األحذية‬ ‫كانت حتظى باهتمام كبري‪ .‬يف عهد مملكة كوريو‬


‫‪1‬‬

‫‪ 1‬صانع األحذية التقليدية "هوانع هي بونغ" أعاد إنتاج‬ ‫الحذاء التقليدي "جوكسوك" (الحذاء األحمر) بعد‬ ‫جهد وعناء طويلين‪ ،‬وكذلك أنتج الحذاء التقليدي‬ ‫"تشونغسوك" (الحذاء األزرق) وهو حذاء احتفالي‬ ‫انتعله ملوك وملكات مملكة جوسون‪.‬‬ ‫‪ 2‬كرس هوانغ حياته إلنتاج أنماط مختلفة من األحذية‬ ‫ ‬ ‫التقليدية التي كادت تتالشى إلى األبد‪.‬‬

‫صانع األحذية التقليدية الكورية "هوانغ هي بونغ" تعلم حرفته هذه من جده‪ ،‬وكان صانع أحذية ملكية في فترة‬ ‫مملكة جوسون‪ .‬إن عشقه العظيم للمهنة ساعده في إنتاج أنواع كثيرة من األحذية التقليدية‪ ،‬التي يمكن رؤيتها اآلن‬ ‫معروضة فقط في المتاحف أو مصورة في الكتب القديمة‪ .‬وبفضل هذا الصانع الماهر فإن هذا الفن التقليدي في صنع‬ ‫األحذية سوف يصان حتى يصل إلى الجيل التالي‪.‬‬ ‫بارك هيون سوك كاتبة حرة | آن هونغ بوم مصور‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪43‬‬

‫‪2‬‬


‫‪ 44‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫‪1‬‬


‫(‪1392-918‬م) وهي حقبة اشتهرت بأهنا شهدت‬ ‫ازدهارا للفنون‪ ،‬كان الصناع املهرة املتميزون‬ ‫يدارون بشكل منتظم من قبل احلكومة‪ .‬يف عهد‬ ‫مملكة جوسون‪ ،‬كان هناك ‪ 16‬صانع أحذية "هوا"‬ ‫و‪ 14‬صانع أحذية "هيه" كانوا يتبعون للحكومة‬ ‫املركزية اليت كانت تدير الصناع الوطنيني املهرة‪.‬‬ ‫الراحل "هوانغ هان غاب" صنع أحذية امللك‬ ‫"كوجونغ" (حكم من ‪1907-1863‬م) وكذلك‬ ‫صنع لعدد آخر من أفراد العائلة املالكة األخرية من‬ ‫عائالت جوسون‪ ،‬ويف كوريا احلديثة هو أول صانع‬ ‫أحذية تقليدية مينح لقب ممتلكات ثقافية هامة غري‬ ‫شاخصة من قبل احلكومة وذلك سنة ‪.1971‬‬ ‫وعلى العكس من جده‪ ،‬الذي كان متخصصا يف‬ ‫صنع أحذية من نوع "هوا" فقط‪ ،‬فإن "هوانغ هيه‬ ‫بونغ" (‪ 58‬عاما) يصنع الطرازين "هوا" و"هيه"‪.‬‬ ‫ومنذ أن مت منحه لقب ممتلكات ثقافية هامة غري‬ ‫شاخصة (رقم ‪ )116‬سنة ‪ ،2004‬أصبح صانع‬ ‫األحذية التقليدية الوحيد املعترف به رمسيا‪ .‬والده‬ ‫املتوىف "هوانغ دونغ يونغ" شرع يف تعلم املهنة من‬ ‫والده‪ ،‬ولكنه تويف خالل فترة التدريب‪.‬‬ ‫"مع عدم وجود أي شخص آخر ميارس هذا‬ ‫العمل‪ ،‬فإنين أحس دائما بالوحدة‪ .‬ولكن أعتقد أن‬ ‫الوحدة هي أفضل صديق للصانع املاهر‪ .‬الصانع‬ ‫املاهر ال ميكن أن يكون راضيا أبدا متام الرضا عن‬ ‫عمله‪ .‬وال يسر باملديح الذي يكال له‪ .‬وقد يصبح‬ ‫مستاء جدا إذا وجد يف عمله أقل عيب أو نقص‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إضافة إىل ذلك فإن هذا العمل ال يُكسب الكثري‬ ‫من املال‪ .‬مسعت أن الفترة الذهبية هلذه الصنعة‬

‫مرت حينما كان جدي يف مرحلة الشباب‪ .‬بعد‬ ‫اهنيار (نظام الوضع االجتماعي)‪ ،‬زاد الطلب‬ ‫على "دانغهيه"‪ ،‬وهو حذاء املرأة اجللدي‬ ‫ذو الرأس املعقوفة‪ ،‬و"ووهنيه"‪ ،‬حذاء املرأة‬ ‫اجللدي ذو الصورة السحابية‪ ،‬ذلك ألن‬ ‫الكثري من العامة أرادوا أن ينتعلوا أحذية كانت‬ ‫يف بعض األيام حمصورة على النبالء وعلية القوم‪.‬‬ ‫ولكن هذا االزدهار كان قصري األجل‪ .‬منذ فترة‬ ‫طويلة‪ ،‬سيطرت على السوق األحذية املطاطية اليت‬ ‫تنتج بكميات كبرية‪ ،‬وكذلك األحذية ذات الطراز‬ ‫الغريب‪ ،‬اليت جاءت من ضمن األشياء اليت دخلت‬ ‫البالد من الغرب‪ ،‬وهلذا فإن معظم صانعي األحذية‬ ‫عليهم أن يبحثوا عن عمل آخر‪ .‬مخسة أجيال من‬ ‫عائليت‪ -‬جدي األكرب األول والذي يليه‪ -‬ورثوها‬ ‫ألبنائهم‪ ،‬جدي وأيب وأنا‪ -‬صنعنا أحذية تقليدية‪.‬‬ ‫يف فترة حيايت‪ ،‬على أي حال‪ ،‬مل ير شخص ما‬ ‫أن هذا العمل واعد‪ ،‬لذا اعتقدت بأن هذا التقليد‬ ‫سوف ميوت سريعا‪ ،‬إذا أدرت ظهري له‪ ،‬لقد كان‬ ‫هذا هو حمور تفكريي‪ ،‬وما يسيطر على عقلي وهو‬ ‫ما دفعين إىل تعلم هذه املهنة من جدي عندما كان‬ ‫عمري ‪ 16‬عاما‪.‬‬ ‫بعد ‪ 42‬سنة من العمل يف هذه احلرفة‪ ،‬شعر‬ ‫هذا الصانع املبدع بأنه اآلن ميكن له معرفة السر‬ ‫يف بقاء جده يف ورشته يف حني ترك الصناع املهرة‬ ‫اآلخرون واحدا تلو اآلخر هذه الصنعة‪ .‬مل يتوقف‬ ‫جده عن العمل بعد التقاعد عن عمله الذي مارسه‬ ‫بنشاط‪ ،‬مساعدا أحفاده إىل أن وصل إىل ما فوق‬ ‫التسعني عاما‪ .‬اعتاد جده أن يصنع أنواعا خاصة‬

‫من األحذية اليت تطلب‬ ‫منه‪ ،‬مثل "دانغهيه"‬ ‫و"تيساهيه" (أحذية‬ ‫رجالية من اجللد‬ ‫ذات كعب قصري)‪،‬‬ ‫ألنه مل يعد حيتمل‬ ‫اكتظاظ ورشته مبصفوفة واسعة من‬ ‫املواد‪ .‬وعلى النقيض من ذلك فقد كان "هوانغ"‬ ‫يركز على إنتاج قطع نادرة‪ ،‬مثل تلك اليت نراها يف‬ ‫املتاحف أو تلك اليت وصفت يف الكتب القدمية‪.‬‬ ‫أنتجت "جوكسوك" و"تشونغسوك" اليت مت‬ ‫ُ‬ ‫االحتفاظ بثالثة أزواج منها فقط‪ .‬وهي األحذية‬ ‫اليت كان ينتعلها ملوك وملكات مملكة جوسون يف‬ ‫االحتفاالت واملراسم امللكية‪" .‬جوكسوك" أو احلذاء‬ ‫األمحر‪ ،‬كان للملك‪ ،‬يف حني كان "تشونغسوك"‬ ‫أو احلذاء األزرق‪ ،‬للملكة‪ ،‬كان اللون مبنيا على‬ ‫مبدأ "ين ويانغ" (الذكورة واألنوثة)‪ .‬ذهبت إىل‬ ‫متحف سيجونغ ومتحف القصر الوطين لدراسة‬ ‫حذاء امللكة األزرق‪ ،‬الذي كان مصنوعا من اجللد‬ ‫املخطط من اخلارج حبرير أزرق غامق ومن الداخل‬

‫‪ 1‬األحذية النسائية المصنوعة من الجلد "كوتسين" أو‬ ‫ ‬ ‫أحذية الزهور‪ ،‬مزينة بزخارف متنوعة‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ 2‬بعد أن تتم خياطة أرضية ووجه الحذاء معا‪،‬‬ ‫ ‬ ‫يوضع الحذاء على قالب ليتخذ شكله النهائي‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪45‬‬


‫"عندما تقص اجللد مستخدما منوذجا‪ ،‬عليك أن تقص بسرعة بيد ثابتة وقوية‪ .‬ليس لدي مشكلة يف هذه‬ ‫العملية‪ ،‬ولكن عندما أغرز غرزات متينة فإن عيين تتعبان بسرعة‪ .‬األمر طبيعي متاما‪ ،‬ذلك ألنين سأصل‬ ‫الستني قريبا‪ .‬ولكنين ال أخشى التقاعد ألن ابين الثاين سوف خيلفين يف هذه املهنة‪".‬‬

‫بالقطن األبيض‪ ،‬وله شرابة‬ ‫عند رأس إصبع القدم وسري يلف‬ ‫حول الكاحل‪ .‬حذاء امللك كان تقريبا من نفس‬ ‫الطراز‪ ،‬باستثناء اللون األمحر فال يوجد فيه‪ .‬الزوج‬ ‫الوحيد من األحذية الذي بقي‪ ،‬معروض اآلن يف‬ ‫متحف إلكانتو‪ .‬حصل منتجي من هذين النوعني‬ ‫من األحذية على جائزة الرئيس يف مسابقة احلرف‬ ‫التقليدية سنة ‪.1999‬‬ ‫إن حزن "هوانغ" العميق الختفاء هذا التقليد‬ ‫قاده إىل إنعاشه وإعادة احلياة إليه‪ ،‬وإعادة أنواع‬ ‫أخرى عديدة من األحذية مبا يف ذلك "موكهوا"‪،‬‬ ‫وهو حذاء طويل (بوت) رجايل مصنوع من جلد‬ ‫الغزال املحلى باخلشب من الداخل‪ ،‬و"هوكهيه"‪،‬‬ ‫حذاء أسود من الفالنيلة‪ ،‬ينتعله الرهبان البوذيون‪،‬‬ ‫و"يوهيه" وهي أحذية للمطر مصنوعة من اجللد‬ ‫املزيت‪.‬‬ ‫اثنتان وسبعون خطوة‬ ‫يقول "هوانغ" كان هناك ما يزيد على ‪20‬‬ ‫نوعا من األحذية يف عهد مملكة جوسون حيث كان‬ ‫الناس ينتعلون أنواعا خمتلفة من األحذية اعتمادا على‬ ‫جنس املستخدم (ذكرا أو أنثى) واملزنلة االجتماعية‬ ‫وكذلك الزمان واملكان‪ .‬كان امللك وامللكة‬ ‫ينتعلون "جوكسوك" و"تشونغسوك"‪ ،‬واملسؤولون‬ ‫احلكوميون كانوا يلبسون األحذية الطويلة "هوا"‬ ‫مع املالبس الرمسية (األرواب)‪ .‬كانت ( البوتات‬ ‫) تصنع من جلود الغزال‪ ،‬وجلود احلمالن‪ ،‬أو‬ ‫احلرير‪ ،‬ويف األيام املاطرة ينتعل نوع من األحذية‬ ‫مقاوم للماء يسمى‪" ،‬سوهواجا"‪ .‬ونسبة الستعماله‬ ‫يف الغالب من قبل رجال ونساء العائالت النبيلة‪،‬‬ ‫‪ 46‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫فإن حذاء "هيه" يشري إىل أنواع من‬ ‫األحذية املستوية ذات الكعب القصري‪ ،‬ومن‬ ‫بني هذه األحذية كانت أحذية "تيساهيه" اخلاصة‬ ‫بالرجال النبالء مع كعب أعلى وحواف مربوطة‬ ‫حبرير صلب أو سيور من جلود احلمالن‪ .‬كانت‬ ‫أماكن األصابع واسعة وعالية‪ ،‬وكان القسم اخللفي‬ ‫منها مزينا بتصميم ورق الكرمة‪.‬‬ ‫كانت "دانغهيه" أحذية النساء مزينة بتصميم‬ ‫أنيق‪ .‬أما "ووهنيه" فقد كانت فيه رقعات تشبه‬ ‫ورقة اخليزران ملصقة عند موضع إصبع القدم‪،‬‬ ‫وكانت يف أناقة مظهرها تشبه منقار السنونو‪.‬‬ ‫األشكال األخرى تشتمل على أحذية اجللد السوداء‬ ‫"هوكبيهيه" وأبوات جلد مزيته‪ ،‬وهي خاصة بأيام‬ ‫املطر "يوهيه"‪ ،‬وأحذية الشتاء الدافئة‪ ،‬مبطنة من‬ ‫الداخل بقماش ناعم "أوهنيه" أما أحذية القش فهي‬ ‫للعامة‪.‬‬ ‫"لكي تصنع زوجا من األحذية من نوع‬ ‫"ووهنيه"‪ ،‬فإن األمر حيتاج إىل مخسة أيام لتحضري‬ ‫املواد‪ ،‬ومن ثالثة إىل سبعة أيام أخرى إلهناء صنع‬ ‫احلذاء‪ ،‬هذا إذا عملت ما بني ست إىل سبع ساعات‬ ‫يوميا‪ .‬وتشتمل العملية على ‪ 72‬خطوة‪ .‬كل خطوة‬ ‫تتطلب عمال يدويا ماهرا‪ ،‬ولكن األمر األكثر أمهية‬ ‫هو أن تربط أرضية احلذاء مع وجهه بدقة‪ .‬عليك أن‬ ‫تركز تركيزا عاليا عند خياطتها بعضها مع بعض‪.‬‬ ‫جوهر أحذيتنا التقليدية هو توازن مجاهلا‪ ،‬والذي ال‬ ‫ميكن حتقيقه إال إذا متت عملية الربط بعناية عالية‪.‬‬ ‫ونظرا ألن أرضية احلذاء يف العادة أقل حجما من‬ ‫وجه احلذاء‪ ،‬فعندما ختيطهما معا ال بد أن تكون‬ ‫الغرزة أوسع على طول الوجه وأضيق على طول‬ ‫األرضية‪ .‬إذا مل يتم ذلك بدقة‪ ،‬سوف يصبح احلذاء‬

‫‪ 1‬ألحذية النساء‪ ،‬ديكورات زخرفة مختلفة‪ ،‬مثل‬ ‫ ‬ ‫رموز طول العمر‪ ،‬وهي تعطي الحذاء مظهرا‬ ‫أنيقا‪.‬‬

‫‪ 2‬األحذية الكورية التقليدية تخاط بإبر من شعر‬ ‫ ‬ ‫الخنزير البري ألن اإلبر الفوالذية صلبة جدا‬ ‫ويمكن أن تترك بعض اآلثار الدقيقة على الحذاء‪.‬‬ ‫‪ 3‬في المرحلة النهائية‪ ،‬يوضع الحذاء على قالب‬ ‫ويدق بمطرقة خاصة ليتخذ شكله‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬


‫معيبا من ناحية اجلودة‪ ،‬وسوف تصبح رأس اإلصبع‬ ‫البارزة معقوفة‪.‬‬ ‫تتميز أحذية "هيه" خبط أنيق على طول احلافة‬ ‫من الكعب األسفل باجتاه اخللف إىل الكاحل‪ ،‬ويف‬ ‫العادة يتم صنعه من لبادة لزجة ملصقة مع اجللد‪ .‬يتم‬ ‫صنع اللبادة بوضع الغراء الالصق على عدة طبقات‬ ‫من القطن والرامي (نوع من القماش) أو القطن‬ ‫فقط‪ ،‬مث يوضع القنب على القماش ويترك ليجف‬ ‫ملدة ثالثة أيام وذلك بتعريضه للهواء وضوء الشمس‬ ‫وندى الصباح‪ .‬عندما تصبح اللبادة صلبة مثل‬ ‫اللوح وذلك من خالل ترطيبها وجتفيفها بشكل‬ ‫متكرر‪ ،‬تقص باستخدام قالب‪ ،‬ومن مث تلصق مع‬ ‫حرير ساتان مقصوص‪ ،‬أو مواد خارجية أخرى‪.‬‬ ‫احلواف العليا والسفلى لوجه احلذاء املكتمل الصنع‬ ‫يتم ربطها بشريط منحرف مث ختاط على طول‬ ‫الربطات‪ .‬تضاف رقع من القماش إىل اجلوانب وهي‬ ‫تصلح كزوايا أو سنادات للحفاظ على الشكل‪،‬‬ ‫بعد ذلك تقص البطانة الداخلية وتلصق يف احلافة‬ ‫الداخلية من اللباد باستخدام غراء األرز‪ .‬اإلبرة‬ ‫املستخدمة يف خياطة األحذية هي شعرة غليظة من‬ ‫خزنير بري‪.‬‬ ‫يقول "هوانغ" عارضا إبرته املصنوعة من شعر‬ ‫غليظ من اخلزنير الربي‪" :‬اإلبر املصنوعة من الفوالذ‬ ‫قاسية جدا وتترك عالمات ليست جيدة‪ ،‬ولكن‬ ‫إبر شعر اخلزنير قوية ومرنة‪ .‬هذه هي اإلبرة املثالية‬ ‫خلياطة أحذيتنا التقليدية"‪ .‬إبرة حياكته املصنوعة من‬ ‫شعر اخلزنير مزودة خبيط من القطن‪ ،‬ليس يف جذر‬ ‫الشعرة‪ ،‬ولكن عند رأسها‪ ،‬والرباط دقيق جدا‪،‬‬ ‫حبيث يصعب عليك أن ترى أين تنتهي اإلبرة‪ ،‬وأين‬ ‫يبدأ اخليط‪ .‬بعد عشرات من العمليات‪ ،‬يتم قص‬ ‫طبقتني من مواد األرضية ويلصقان معا الكتماهلا‪.‬‬ ‫عندما توصل األرضية بالوجه‪ ،‬يوضع احلذاء على‬ ‫اآلخر لكي يتشكل بالضرب عليه مبطرقة خشبية‪.‬‬ ‫يتم جتفيف األحذية اليت اكتملت هيئتها على نار‬ ‫فحم نبايت‪ .‬أخريا‪ ،‬يتم كشط أطراف اخليوط الزائدة‬ ‫مبسحوق الطلق ‪ ،talcum powder‬وهبذا ينتهي‬ ‫صنع زوج األحذية‪.‬‬ ‫ستة أجيال من صانعي األحذية‬ ‫التقليدية‬ ‫"عملية قص اجللد باستخدام قالب جيب‬

‫‪3‬‬

‫أن تتم بسرعة‪ ،‬وأن تبقي يدك ثابتة وقوية‪ ،‬فهذه‬ ‫العملية حتتاج إىل املهارة والقوة معا‪ .‬عندما كنت‬ ‫أصغر يف السن‪ ،‬كنت أقدر على قص اجللد الثقيل‪.‬‬ ‫ليست لدي أي مشكلة يف هذه العملية‪ ،‬ولكنين‬ ‫عندما أغرز بغرزات حمكمة دقيقة فسرعان ما تتعب‬ ‫عيناي‪ .‬إن هذا أمر طبيعي‪ ،‬ألنين سوف أصل إىل‬ ‫الستني قريبا‪ .‬ولكنين ال أخشى التقاعد ألن ابين‬ ‫الثاين سوف خيلفين‪ ،‬وهذا جيعل عقلي يشعر براحة‬ ‫كبرية‪".‬‬ ‫ولداه "دوكسونغ" و"دوكجني" (‪ 31‬و‪29‬‬ ‫سنة على التوايل) مها أفضل داعمني له‪ ،‬وكانا‬ ‫يشاهدان والدمها وهو يعمل منذ أن كانا طفلني‪.‬‬ ‫األصغر هو األكثر مهارة ومت اختياره لكي خيلف‬ ‫والده‪ .‬واآلن هناك جيل آخر لعائلة "هوانغ" سوف‬

‫يسهم بقوة يف فن صناعة األحذية التقليدية‪ .‬عندما‬ ‫أراد مصورنا أن يأخذ لقطة فوتوغرافية لألب واالبن‬ ‫ومها يعمالن معا‪ ،‬أصبح وجه "هوانغ" عابسا وقال‪:‬‬ ‫"ما زال ولدي يتعلم كيفية إتقان االثنتني والسبعني‬ ‫خطوة‪ .‬قبل أن يكمل زوج األحذية بنفسه متاما‪،‬‬ ‫جيب أال يظهر أمام الكامريا كصانع ماهر‪ ".‬وواصل‬ ‫حديثه قائال‪" :‬عندما نصنع حذاء تقليديا‪ ،‬ال منيز‬ ‫بني اليمني والشمال‪ .‬احلذاء نفسه يشكل نظاما‬ ‫ثنائيا متساوقا‪ .‬يتشكل الفرق بينهما ويصبح أوضح‬ ‫عندما تغري كل فردة من احلذاء شكلها ببطء طبقا‬ ‫الجتاهات قدم الذي ينتعلها"‪ .‬رمبا كان بقوله هذا‬ ‫يعين أن ابنه أيضا حيتاج إىل تشكيل نفسه بتدريب ال‬ ‫يتوقف لكسب التميز كفنان ماهر حقيقة‪.‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪47‬‬


‫حتف فنية‬

‫املصباح‬

‫مصدر للطاقة فقد زود البشر بالطاقة والضوء الستمرار‬ ‫احلياة‪ ،‬والنار كانت عامال مهما يف تطور احلضارات البشرية عرب التاريخ‪ .‬يف‬ ‫املجتمعات القدمية‪ ،‬كانت النار جزءا ال يتجزأ من احلياة اليومية‪ ،‬والطقوس‬ ‫الروحية والدينية‪ .‬ضوء النار ـ كما يعتقدون ـ ميكن أن خيلق جوا مقدسا‬ ‫وغامضا‪ ،‬وطبيعة انتشارها ترمز النتشار املعتقدات الدينية‪ .‬يف البوذية‪ ،‬يرمز‬ ‫املصباح للحكمة‪ ،‬والتحرر‪ ،‬واحلنان والتماسك‪ ،‬والوالدة من جديد‪ .‬كل هذه‬ ‫األشياء ميكن أن نستشفها بسهولة من عملية تسليط ضوء املصباح على املذبح‬ ‫البوذي الذي يعترب الشكل األكثر نبال يف التقرب لبوذا‪.‬‬

‫األسود اجلاثمة‬ ‫منذ أن وصلت البوذية إىل شبه اجلزيرة الكورية‪ ،‬شكلت املصابيح احلجرية‬ ‫مع متاثيل بوذا والباغودات احلجرية متعددة األدوار‪ ،‬جزءا ال يتجزأ من كل معبد‬ ‫بوذي‪ .‬حاليا‪ ،‬يوجد ‪ 280‬مصباحا حجريا‪ ،‬مبا فيها تلك اليت مل يبق منها إال‬ ‫قطع صغرية على أرضيات املعابد أو يف املوقع الذي كان يقف فيه املعبد يف أحد‬ ‫األيام‪ .‬املوقع السابق ملعبد كودالسا‪ ،‬كان مصباحه احلجري (الكزن رقم ‪)282‬‬ ‫رمزا يعرب عن املعتقد البوذي الذي ذكرناه آنفا‪.‬‬ ‫يف األصل‪ ،‬نصب هذا املصباح احلجري يف موقع املعبد الواقع يف "يوجو"‪،‬‬ ‫مقاطعة كيونغي‪ ،‬ولكنه نقل إىل قصر "كيونغبوك" يف "جونغنو‪-‬كو"‪ ،‬يف سيول‬ ‫سنة ‪ .1959‬وأعيد بناء حجر سقفه سنة ‪ 2000‬كجزء من مشروع إعادة إعمار‬ ‫قام هبا معهد "كيجون" ألحباث املمتلكات الثقافية املدفونة‪ .‬اآلن‪ ،‬يعرض املصباح‬ ‫احلجري الذي أعيد تأهيله يف املتحف الوطين الكوري‪ .‬ويف احلقيقة أعيد املصباح‬

‫إىل شكله األصلي‪ ،‬وذلك من القاعدة إىل حجر السقف‪ ،‬باستثناء قمة السقف‬ ‫النهائية املفقودة‪ .‬كل قسم من الفنار احلجري يسهم يف أناقته بشكل واضح كما‬ ‫يُظهر توازن تركيبته البنائية‪.‬‬ ‫كل جهة من القاعدة املربعة يف أسفل املصباح احلجري حفرت عليها‬ ‫جمموعتان من تصاميم تشبه شكل العني‪ .‬فوق القاعدة السميكة هناك حجر كبري‬ ‫حنت يف شكل أسدين جيثمان متجاورين‪ ،‬على لوح مربع‪ .‬تربز خمالب األسدين‬ ‫من حتت صدريهما‪ ،‬يف حني مييل رأسامها قليال باجتاه بعضها البعض‪ ،‬كما لو كانا‬ ‫منشغلني يف حديث بينهما‪ .‬هذ الوضع الفت للنظر ألن معظم املصابيح احلجرية‬ ‫اليت حتتوي على أسدين من فترة شيال املوجدة (‪ )935-668‬السابقة أسودها‬ ‫تقف مستقيمة على أرجلها اخللفية ويواجه كل منها اآلخر على القاعدة وميسكان‬ ‫كوة اإلضاءة مبخالبهما األمامية‪.‬‬ ‫على عكس صور األسود األكثر دينماميكية يف العهد املاضي‪ ،‬فإن أشكال‬ ‫األسود يف عصر كوريو (‪ ،)1392-918‬واملصابيح احلجرية شكلها مركب‪.‬‬ ‫وهذا بشكل رئيسي سببه جثومها‪ ،‬وثبات أرجلها األربعة على القاعدة‪ ،‬وكذلك‬ ‫عرف الرقبة يف هذه األسود قريب من األنوف‪ ،‬وبالكاد يكشف عن األسنان‬ ‫املطبقة‪ .‬هذا الترتيب لألسدين يبدو مرتبطا بالعمود الذي يرتفع فوق هذين‬ ‫احليوانني‪ .‬الوضع املستقيم العمودي للفترة السابقة غري ممكن يف هذه احلالة‪ ،‬ألن‬ ‫أي بناء فوق األسود ميكن أن يبدو غري مستقر وغري ثابت‪ .‬هذا النمط اجلديد‪،‬‬ ‫ألسدين جامثني‪ ،‬يبدو أنه طرأ من أجل زيادة قوة التماسك‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬ ‫حيافظ على فكرة األسدين‪ .‬يشتمل عمود الدعم على سنادتني أمسك قليال بني‬ ‫األسدين‪ .‬سطح السنادة بتمامه حيتوي على مناذج من الغيوم‪ ،‬وهي تعطي انطباعا‬

‫املصباح احلجري مع األسدين اجلاثمني في‬ ‫موقع معبد "كودالسا"‬ ‫المصباح الحجري‪ ،‬المدعوم بأسدين جاثمين‪ ،‬هو نموذج للفن اإلبداعي لمجتمع كوريو‪ .‬وعلى الرغم من أنه‬ ‫المصباح الحجري الوحيد مع قاعدة ذاتية فيها زوج من األسود‪ ،‬فإن هذا النمط يمكن رؤيته أيضا في موروث‬ ‫العصر التالي وهو عصر مملكة جوسون‪.‬‬

‫بارك كيونغ شيك أستاذ التاريخ جبامعة دانكوك‬ ‫التصوير‪ :‬املتحف الكوري الوطني‬

‫‪ 48‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬


‫بأن العمود يسبح فوق السحب‪ ،‬بدال من ظهوره على السنادة مباشرة‪.‬‬ ‫تغيير النماذج‬ ‫غطاء السنادة الذي يبدو على شكل قرص يصبح أكثر دقة كلما‬ ‫اجتهنا إىل أعلى‪ ،‬وذلك ليكون مناسبا لوضع العمود‪ .‬وجه‬ ‫الغطاء العلوي‪ ،‬الذي يندفع للخارج من أسفل العمود‬ ‫مزين بنحت للسحب‪ .‬يتألف العمود من أقسام منتظمة‬ ‫علوية وسفلية ترتبط معا بقطعة حجرية‪ .‬مظلة هذا‬ ‫العمود تشبه املصباح احلجري يف القرن التاسع‪ ،‬حيث‬ ‫كان العمود يدخل يف بروز ملحوظ يف قسمه األوسط‪ ،‬وهلذا السبب‬ ‫مسي بـ"املصباح ذي العمود الذي يشبه الطبل"‪ .‬قاعدة العمود السفلي الذي‬ ‫يبدو مستويا وشبه منحرف لتمكني العمود من االستقرار بثبات على السنادة‪ ،‬يف‬ ‫حني متثل وجوهه األربعة حفرا يف شكل سحب‪ .‬فوق هذا العمود مباشرة هناك‬ ‫لوح حجري مربع يقسم العمود إىل قسمني‪ ،‬وهو مشعر مبسامهة كل عمود يف‬ ‫دعم اللوح احلجري حيث يرتفع بشكل طفيف ليشكل قاعدة للعمود العلوي‪،‬‬ ‫معطيا شكال مقلوبا شبه منحرف‪ .‬يف الواقع ـ عموما ـ ميكن أن يقال‬ ‫إنه أقرب إىل الشكل الثماين األضالع‪ ،‬مع مثانية أوجه مزينة باألزهار‬ ‫ومناذج من احلشائش‪.‬‬ ‫على قمة العمود هناك حجر على شكل صحن كبري حيتوي على‬ ‫كوة املصباح‪ .‬ونظرا لنحته كقطعة ضخمة من صخرة واحدة‪ ،‬فهو أيضا‬ ‫بشكل عام يشبه املثمن مع قاعدة مدرجة‪ .‬السطح اخلارجي منحوت‪ ،‬به أشكال‬

‫فكرة األسدين الشائعة في المصابيح الحجرية لفترة شيال الموحدة لم‬ ‫تكن شائعة في في فترة مملكة كوريو‪ ،‬باستثناء الفنار الذي عثر عليه‬ ‫في الحفريات األثرية في موقع معبد جوداال (متعدد الطبقات من الطراز‬ ‫الصيني)‪ .‬بالمقارنة بينه وبين غيره من مصابيح زمنه‪ ،‬فإنه يحتوي على‬ ‫أسدين جاثمين‪ ،‬مما يكسبه قوة‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪49‬‬


‫من براعم وأوراق اللوتس‪ ،‬والقمة مرتفعة قليال لتشكل منصة لتجويف املصباح‪.‬‬ ‫حجر جتويف املصباح هو بناء كبري من صندوق مثاين األضالع به أربع فتحات‪،‬‬ ‫أو نوافذ ليست متراصة على نسق واحد‪ ،‬فسطح به نافذة والذي يليه ال توجد‬ ‫فيه‪ ،‬وهكذا‪ .‬السطوح أو اجلوانب اليت ليس هبا نوافذ حمفورة مبحاذاة‬ ‫احلواف لكي تشكل إطارا للبناء‪ .‬ليس هناك شيء الفت للنظر‬ ‫حول حجر السقف سوى شكله املثمن‪ ،‬ومبا أنه تعرض‬ ‫لتلف كبري‪ ،‬ومعظم حوافه كسرت أو كشطت‪ ،‬فلم‬ ‫تعد هناك عناصر ديكورية حتت األفاريز‪ .‬تشتمل واجهة‬ ‫السقف على ربطة فيها ستة عشر برعما من اللوتس‪ .‬ينحدر سطح‬ ‫السقف بشكل أنيق باجتاه األسفل حىت يصل إىل األفاريز ويشتمل‬ ‫على بروزات وزوايا متميزة‪ ،‬تتحول تدرجييا باجتاه األعلى‪ .‬قمة‬ ‫الربج فقط هي اليت فقدت‪.‬‬ ‫املصباح احلجري يستحق اإلشادة بسبب تكيفه الرائع‬ ‫مع فكرة األسدين والعمود الذي يشبه شكل الطبل‪ ،‬وهو الطراز‬ ‫الذي كان شائعا يف عهد شيال املوحدة مع النمط التربيعي األنيق‬ ‫والعناصر املكونة للشكل املثمن له‪ ،‬فهذا العمل يف حقيقته إجناز‬ ‫فين يعكس عملية النشأة اإلبداعية للخصائص املميزة لفن النحت يف‬ ‫املاضي‪ ،‬وعلى الرغم من أنه املصباح احلجري الوحيد املعروف‬ ‫الذي يعود إىل عصر كوريو وحيتوي على فكرة األسدين‪ ،‬فإن‬ ‫هناك فنارين من عصر مملكة جوسون (‪ )1910 – 1392‬بنفس‬ ‫النمط‪ ،‬وقد مت إعادة تأهيلهما يف موقع معبد "هويآمسا"‪ ،‬يف "يانغجو"‬

‫وموقع معبد "تشونغيونغسا" يف "جونغوون"‪ ،‬ورغم أن معاملهما اإلبداعية ليست‬ ‫جبمال ومتيز املصابيح احلجرية يف عصر شيال املوحدة‪ ،‬فإهنما يصلحان منوذجا‬ ‫آخر للتعبري عن النشأة اإلبداعية هلذا التقليد الفين‪ .‬اعتمادا على خصائصه الفنية‬ ‫إمجاال‪ ،‬فإن هذا املصباح يفترض أن يكون قد صنع خالل القرن العاشر‬ ‫امليالدي أي أوائل عصر مملكة كوريو‪.‬‬ ‫الفن البوذي الكوري‬ ‫األسد أشرس احليوانات‪ ،‬لذا كان منذ القدم رمزا‬ ‫بارزا للفن البوذي‪ ،‬الذي شوهد يف منصات التماثيل البوذية يف‬ ‫اهلند‪ .‬إن تصوير هذا احليوان املفترس‪ ،‬الذي كان القصد منه تقوية‬ ‫البناءات املقدسة‪ ،‬يرمز به إىل جوهر مسو بوذا والقدسية والعبادة‪.‬‬ ‫دخل هذا املفهوم كوريا‪ ،‬عن طريق الصني‪ ،‬كجزء من عملية‬ ‫انتقال البوذية إىل خمتلف دول آسيا من اهلند‪ .‬يف الفن الكوري‬ ‫البوذي‪ ،‬ظهرت فكرة األسد أول مرة على أقدم متثال كوري‬ ‫لبوذا وصل إلينا‪ ،‬وهو بوذا الربونزي من منطقة "توكسوم"‪ .‬وقد‬ ‫وجد شكل ألسد مشابه على قاعدة متثال لبوذا من القرن الثامن‬ ‫متت استعادته من موقع معبد "جانغهانغ‪-‬ري" يف "كيونغجو"‪ .‬يف‬ ‫القرن الثامن‪ ،‬أصبحت فكرة األسد أكثر شيوعا وأصبحت صورته‬ ‫حتفر أيضا على السطوح السفلية للباغودات احلجرية متعددة‬ ‫الطوابق‪ ،‬كما هي احلالة يف باغودا "دابوتاب" متعددة الطوابق يف‬ ‫معبد "بولغوكسا"‪ ،‬والباغودا احلجرية املؤلفة من ثالثة طوابق لفترة‬

‫خالل فترة شيال املوحدة‪ ،‬كانت هناك الكثري من املنحوتات بينها أعداد مقدرة من األسود اليت حتين رجليها األماميتني‬ ‫وتنصب رجليها اخللفيتني‪،‬ولكن املصباح احلجري‪ ،‬مدعوم بقاعدة فيها أسدان جامثان‪ ،‬مما جيعله أقوى يف البنية‪.‬‬

‫‪ 50‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬


‫شيال املوحدة‪ ،‬فكرة األسد طبقت أيضا على قاعدة الباغودا احلجرية متعددة‬ ‫الطوابق اليت كانت تضم السريرا‪ ،‬وهلذا أصبحت رمزا دينيا معروفا يف جمموعات‬ ‫متنوعة من األبنية احلجرية التقليدية‪.‬‬ ‫هبذه الفكرة أضاف الصناع املهرة البارعون يف النحت يف مملكة شيال‬ ‫املوحدة إبداعا فنيا زاد شكل األسد إىل عمود دعم املصباح احلجري‪ .‬حىت ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬كان بناء املصابيح احلجرية بسيطا جدا‪ ،‬وكانت هلذه املصابيح قاعدة‬ ‫مثانية األضالع وأعمدة‪ .‬باستخدام األسود احلجرية لدعم كوة اإلضاءة‪ ،‬أمكن‬ ‫التوصل إىل منط جديد متكامل مل يوجد يف أي بلد آخر يف العامل‪ .‬وفوق كل‬ ‫هذا‪ ،‬فإن هذا املصباح احلجري يأيت يف إطار النشاط الديين ألتباع هذه‬ ‫الديانة يف كوريا‪ ،‬وكذلك بسبب الروح اإلبداعية للنحاتني املهرة يف عهد‬ ‫مملكة شيال‪.‬‬ ‫كما ذكرنا سابقا‪ ،‬فإن الفنار احلجري للمعبد متعدد الطوابق هو‬ ‫تصميم فريد مت إجياده بإضافة بعض التعديالت على فكرة األسد‬ ‫الرئيسية املستعارة من املصابيح والفنارات من فترة شيال‬ ‫املوحدة السابقة‪ .‬وعلى عكس الفكرة السابقة‪،‬‬ ‫يقف األسدان على رجليهما اخللفيتني‬ ‫ورجالمها األماميتان متوثبتان إىل أعلى‬ ‫لدعم حجرية الضوء‪ ،‬اليت هلا عمود منفصل‬ ‫فوق أسدين جامثني‪ ،‬مما يسهم بصورة أكرب يف‬ ‫ثبات البناء‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن األسدين ال يتجه كل‬ ‫منهما حنو اآلخر مباشرة‪ ،‬فيدامها تتحوالن بشكل خفيف‬

‫حنو بعضهما كما لو كانت بينهما أحاديث ودية‪ .‬يف هذا املصباح احلجري‪،‬‬ ‫الفكرة األساسية لألسدين مستعارة‪ ،‬ولكنها خضعت لتعديالت كبرية لكي‬ ‫تناسب املعايري الفنية لتلك الفترة‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن شكل العمود مع اللوح‬ ‫احلجري العريض يف الوسط هو أيضا بديل عن األعمدة اليت تشبه شكل الطبل من‬ ‫القرن املاضي‪ .‬يف الواقع‪ ،‬العمود الذي يشبه شكل الطبل كان أيضا منطا جديدا‬ ‫من املصباح احلجري يف وقت نشأته‪ .‬على أي حال‪ ،‬مر هذا الطراز بعمليات‬ ‫تطوير لكي يستخدم يف هذا املصباح احلجري‪ :‬التناسق األفقي للعمود‪ -‬مظهره‬ ‫الرئيسي‪ -‬بقي كما هو ولكن قاعدته الدائرية حتولت إىل قاعدة مربعة‪ .‬باختصار‪،‬‬ ‫يعكس هذا املصباح احلجري إبداع شعب كوريو الذي كان قادرا على‬ ‫االستفادة من العناصر الفنية املؤسسة البتكار منط فين جديد‪.‬‬ ‫املصباح هو جانب أساسي من الفن املعماري البوذي‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫نفسه فإن املصباح احلجري يف كوريا له تاريخ طويل جدا‪ .‬إضافة إىل‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن استخدام أشكال األسود لدعم كوة اإلضاءة ميثل إبداعا‬ ‫فريدا لكونه مل ير يف اهلند‪ ،‬موطن والدة البوذية‪ ،‬وال يف‬ ‫الصني‪ ،‬اليت كانت يف املقدمة يف تطور تاريخ‬ ‫وثقافة شرق آسيا‪ .‬وهبذا املعىن فإن هذا‬ ‫النمط من املصباح احلجري هو كزن ثقايف‬ ‫أصيل يعكس البوذية الكورية العميقة‬ ‫اجلذور‪ ،‬والتقاليد املرتبطة هبا‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪51‬‬


‫عرض فني‬

‫‪1‬‬

‫قلعة نامهان‪:‬‬

‫إجناز خارق للكوريني‬ ‫املولعني باملوسيقى‬

‫الرواية الشعبية‪ ،‬قلعة نامهان‪ ،‬التي تصور التناقض‪ ،‬والمعاناة والخداع في شخصيات‬ ‫الحاشية الملكية أثناء غزو "قينغ" الصينية سنة ‪ 1636‬لكوريا‪ ،‬تم صهرها وترويضها‬ ‫لتصبح إنتاجا موسيقيا أدى لخلق حراك واسع في المجتمع المسرحي الداخلي‪.‬‬

‫وون جونغ وون أستاذ يف جامعة سون تشون هيانغ وناقد موسيقي‬

‫جونغ هيونغ أو مصور‬ ‫‪" 1‬جونغ ميونغ سو" مترجم كوري كان في يوم من األيام خادما‪ ،‬وقد خان وطنه أخيرا‬ ‫وأصبح قائدا عسكريا في القوات الصينية في فترة عائلة قينغ التي سعت لغزو شبه‬ ‫الجزيرة الكورية‪ ،‬وقد مثل هذا الدور الممثل الكوري الشعبي الكوميدي "لي سونغ"‪.‬‬ ‫‪ 2‬خالل غزو قينغ‪ ،‬حاول الملك إينجوه اللجوء إلى قلعة نامهانسانسونغ‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪ 52‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬


‫‪2‬‬

‫الزمان‬

‫هو ديسمرب ‪ ،1636‬حالة الطقس برد قارس ينثر رقائق الثلج‬ ‫يف كل اجتاه‪" .‬هونغ تاجيي"‪ ،‬امللك الثاين يف عائلة "قينغ"‪ ،‬احلاكمة اجلديدة يف‬ ‫الصني‪ ،‬أعلن احلرب على مملكة جوسون الكورية وأمر جيوشه بالتقدم حنو شبه‬ ‫اجلزيرة الكورية‪ .‬بسبب عالقاهتا الودية مع عائلة مينغ السابقة احلاكمة‪ ،‬حاشية‬ ‫جوسون مل تقرر كيفية الرد على اعتداء قينغ‪ .‬ويف خضم املعمعة هذه‪ ،‬نُ ِصح‬ ‫امللك بأن يلجأ إىل قلعة نامهان‪ .‬على الرغم من قلقه الشديد حول املوقف‪ ،‬إال‬ ‫أن امللك "إينجوه" سعى لتخفيف حالة التوتر املزاجي العام بقوله‪" :‬دعونا نذهب‬ ‫يف نزهة إىل أرضيات قلعة نامهان ملشاهدة مناظر الثلج‪ .‬ميكننا أن نستمتع "بغفوة‬ ‫واستراحة هناك ومن مث نعود‪".‬‬ ‫هبذه العبارات يبدأ مشهد العمل املوسيقي الذي يظهر على املسرح ألول‬ ‫مرة "قلعة نامهان" (وهو من إنتاج مركز الفنون يف سونغنام) ويصور الصعوبات‬ ‫واملشاق اليت حتملها الشعب الكوري خالل غزو املانشو الثاين‪ .‬هذا الفصل‬ ‫األسود واملأساوي من تاريخ كوريا ميكن أن يبدو غري مناسب ألن يوضع يف‬ ‫قالب موسيقي‪ .‬على أي حال‪ ،‬هذه القصة كانت قد قدمت للجماهري الكورية‬ ‫على شكل سينما شعبية ودراما تارخيية تلفزيونية‪ .‬يف املشهد اخلتامي‪ ،‬املعرب عن‬ ‫استسالمه‪ ،‬بسجوده للغزاة الصينيني‪ ،‬يضرب جبهته باألرض بقوة شديدة حىت‬ ‫ينفجر الدم منها‪ .‬هذا النوع من احلزن املأساوي ُعرب عنه أيضا يف "اإلمرباطورة‬

‫األخرية"‪ ،‬فاإلمرباطورة بعد اغتياهلا من قبل العمالء اليابانيني‪ ،‬تظهر شبحا يف‬ ‫لباس جنائزي أبيض لتؤدي مشهد "اهنضوا‪ ،‬يا شعيب!"‬ ‫قولبة الرواية الشعبية‬ ‫على الرغم من أن الرواية يف األصل تتناول أحداثا تارخيية‪ ،‬فإن العمل‬ ‫املوسيقي قلعة نامهان بين على رواية صادرة سنة ‪ 2007‬بالعنوان نفسه‪ ،‬مؤلفها‬ ‫هو "كيم هون"‪ .‬وقد انتشرت هذه الرواية على نطاق واسع كما نوقشت على‬ ‫نطاق واسع أيضا لتكون بذرة لإلنتاج املوسيقي‪ .‬يف مقابلة يف حفل إطالق‬ ‫املشروع املوسيقي‪ّ ،‬نوه "كيم هون" قائال‪" :‬أتذكر أن مدرستنا االبتدائية ذهبت‬ ‫يف رحلة ميدانية إىل القلعة‪ ،‬وقد تأثرت كثريا عندما أخربين معلمي عن تارخيها‪".‬‬ ‫وقد أهلم هذا االنطباع كيم هون لكتابة روايته وكانت األكثر مبيعا بني الكتب‬ ‫اليت طبعت يف السنوات التالية‪ .‬العمل املوسيقي ركز على أصل أو مصدر املأزق‬ ‫وهو "احلياة من خالل املوت‪ ،‬أو املوت من خالل احلياة؟ تكسب املجد باملوت‬ ‫أو هتتك الشرف باحلياة؟"‬ ‫إن قولبة الرواية لعمل موسيقي هو اجتاه شعيب للمسرح يف مجيع أحناء العامل‪.‬‬ ‫العمل املوسيقي الذي طبقت شهرته اآلفاق "البؤساء"‪ ،‬والعمل املوسيقي الشهري‬ ‫"نوتردام باريس"‪ ،‬الذي اشتمل على نسخة كورية جبمهور حملي‪ ،‬كالمها بين‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪53‬‬


‫‪1‬‬ ‫‪ 1‬الشخص الذي يقف مستقيما‪ ،‬يمثل دور "هونغ تايزي"‪،‬‬ ‫إمبراطور عائلة قينغ الصينية‪ ،‬أما الشخص األبيض‬ ‫الذي يهم بالسجود فهو يمثل الملك إينجوه‪ ،‬ملك مملكة‬ ‫جونسون الذي اضطر لالستسالم‪.‬‬

‫‪ 2‬يتابع إينجوه الجدل الذي يدور بين المؤيدين والمعارضين‬ ‫ ‬ ‫لمواجهة الصين ضمن مستشاري الملك‪ ،‬والفكرة التي‬ ‫تهيمن هي ‪":‬مت كريما أو عش ذليال"‬ ‫‪ 3‬الممثل الرئيسي "أوه دال جي" يقف مستندا إلى جدار‬ ‫ ‬ ‫القلعة ينتحب على وضع بالده التي يحدق بها خطر‬ ‫جسيم‪ .‬كانت بيئة القلعة الفتة للنظر بسبب بساطتها ومع‬ ‫ذلك لها تأثير درامي‪.‬‬

‫‪ 54‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫على روايتني‪ ،‬وبنفس العنوانني‪ ،‬كتبهما الروائي الفرنسي الشهري فيكتور هوجو‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن العمل املوسيقي املعروف "شبح األوبرا" يقوم على الرواية‬ ‫اليت صدرت سنة ‪ ،1909‬لكاتبها املؤلف الفرنسي الغامض كاستون لريوكس‪،‬‬ ‫والعمل املوسيقي "القطط" متت إعادة قولبتهما للمسرح من كتاب ‪The Old‬‬ ‫‪ ،Possum>s Book of Practical Cats‬وهو جمموعة من األشعار ألّفها يت‬ ‫إس إليوت‪ .‬وبالطريقة نفسها أيضا جند العمل املوسيقي الكوري "اإلمرباطورة‬ ‫األخرية" يقوم على رواية "صيد الثعلب" ملؤلفها "يل مون يول"‪.‬‬ ‫عندما يتم تعديل قصة لتناسب العرض املسرحي‪ ،‬فإن الكلمات املكتوبة‬ ‫تأخذ شكال من أشكال احلياة الواقعية من خالل املمثلني‪ ،‬وتنظيم املسرح‪،‬‬ ‫واألوركسترا املصاحبة‪ .‬ولذلك فإنه بالنسبة للمشاهدين الذي قرأوا الرواية‬ ‫ستسري احلياة يف أفكارهم اخليالية حوهلا‪ ،‬ويف الوقت نفسه فإن مشاهدي العمل‬ ‫املوسيقي الذين يقرأون الرواية فيما بعد قد يدفعون بقوة لكي يعرفوا شيئا جديدا‬ ‫مل يعرض على املسرح‪ .‬هبذه الطريقة جند أن العمل املوسيقي يكتسب ميزة بسبب‬ ‫شعبية الرواية بني العامة‪ ،‬ويف ذات الوقت ميكن أن يكون العمل املوسيقي حمفزا‬ ‫لقراء إضافيني لرواية معينة‪ ،‬وهبذه الطريقة يتضاعف فوز املؤلف وكذلك منتج‬ ‫العمل املوسيقي‪.‬‬ ‫تفسير إبداعي‬ ‫على الرغم من أهنا مبنية على رواية كانت األكثر مبيعا‪ ،‬فإن إضافة األغاين‬ ‫واملوسيقى والرقص واأللعاب الراقصة‪ ،‬وتنظيم وبيئة املسرح ال تضمن هذه‬

‫‪2‬‬


‫‪3‬‬

‫األشياء وحدها جناح العمل املسرحي‪ .‬ميكن أن تقدم الرواية إطار عمل وموضوعا‬ ‫لعمل موسيقي‪ ،‬ولكن تكييف الرواية للمسرح يتعرض للكثري من التحديات‬ ‫بسبب تعقيدات كثرية للمؤثرات املسرحية واآلليات‪ .‬بدال من متابعة البناء‬ ‫السردي للرواية‪ ،‬سوف يعرض العمل املوسيقي غالبا خط قصة متشابكا ويتطلب‬ ‫إعادة تفسري للعديد من الشخصيات إلجياد أثر درامي أوسع وتقبل عليه اجلماهري‪.‬‬ ‫ويف الواقع فإن هذه الطريقة جتسيد ملفهوم "تعدد االستخدامات" يف الصناعة‬ ‫الثقافية‪ ،‬حيث يوظف املصدر األساسي إلجياد تطبيقات بنكهات متعددة‪.‬‬ ‫مما يلفت النظر أيضا يف قلعة نامهان إعادة تفسري الرواية والشخصيات‬ ‫الرئيسية‪ .‬بشكل خاص‪ ،‬مثال "أوه داجلي"‪ ،‬فعلى الرغم من أنه شخصية هامشية‬ ‫يف الرواية‪ ،‬وواحد من املوظفني الثالثة ذوي الدرجات العالية يف احلكومة الذين‬ ‫يؤيدون بشراسة عدم بذل أي جهد ملقاومة الصني‪ ،‬فقد مت تصويره على شكل‬ ‫شخصية رئيسية موسيقيا وهذا نتج عنه منظور جديد لتفسري الرواية‪ .‬يتيح هذا‬ ‫اإلبداع رومانسية جديدة بني "أوه داجلي" واخلليلة السرية "ميهيانغ"‪ ،‬مع مثلث‬ ‫حب يشمل "ميهيانغ" و"أوه داجلي" و"جونغ ميونغ سو"‪ ،‬وهو جنرال كوري‬ ‫أدار ظهره لوطنه ‪2‬وأصبح ضده وانضم للغزاة الصينيني‪ .‬تساعد هذه التباينات‬ ‫على إضفاء الزنعة الدرامية على القصة املوسيقية‪ .‬وبطبيعة احلال إذا أجرينا مقارنة‬ ‫مع الرواية‪ ،‬اليت تصور الشخصيات برزانة وتصور األمل بطريقة بارعة وخفية‬ ‫ومعقدة‪ ،‬فإن الشكل املوسيقي يناسب أكثر تزويد اجلماهري باألفكار واملربرات‬ ‫‪3‬‬

‫واملجامالت العاطفية‪.‬‬ ‫جهد آخر جدير بالثناء يف العمل املوسيقي هو الصورة اإلبداعية حلياة‬ ‫الشعب العادية اليت التقطت يف املعركة اليت جرت على أرضيات القلعة‪ .‬الروح‬ ‫الفكاهية اهلزلية ملجموعات الدراما املتشردة وأغانيهم اخلفيفة على القلب تزود‬ ‫اجلماهري بالشعور بالراحة الذي حيبذ حتليها به بعد فصول تلك القصة اليت‬ ‫جرت أحداثها يف فترة تلك املرحلة الكئيبة من تاريخ كوريا‪ .‬كان على العامة‬ ‫أن يتجولوا دون أن يعرفوا الوجهة اليت يتجهون حنوها‪ ،‬متحملني مأساة فقدان‬ ‫آبائهم‪ ،‬وكان عليهم أن ميشوا فوق جثث اجلنود على أرضيات القلعة‪ ،‬وحتمل‬ ‫االغتصاب والسلب (خصوصا يف وقت القتال) من قبل الغزاة الصينيني‪ .‬على‬ ‫الرغم من هذا التنوع الكبري‪ ،‬فإن هؤالء األشخاص العاديني قد مت تصويرهم على‬ ‫أهنم مفعمون بأمل أبدي من خالل أغانيهم‪ .‬وعلى ذلك فإن العمل املوسيقي‬ ‫يكشف سهولة تكيف الشعب الكوري‪ ،‬الذي يظهر قوة شخصية خارقة يف‬ ‫التغلب على وحشية ومأساوية احلرب‪ .‬قدرة الشعب الكوري على إظهار املرح‬ ‫يف وقت الشدة‪ ،‬والضحك مع الدموع‪ ،‬واالبتسامة مع البكاء‪ ،‬مضمنة بشكل‬ ‫واضح يف هذا العمل املوسيقي‪.‬‬ ‫أعمال موسيقية كورية على مستوى عال‬ ‫تعرض حوايل ‪ 180‬من األعمال املوسيقية على املسرح سنويا يف كوريا‪،‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪55‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫وهذا ال يشمل األعمال املوسيقية املتعددة اليت تعرض لألطفال‪ .‬ويف هناية العام‬ ‫بصفة خاصة تؤدى العشرات من األعمال املوسيقية‪ ،‬مقدمة للمهتمني عدة‬ ‫خيارات‪ .‬وتشتمل على أداءات ملنتجات موسيقية أجنبية متجولة يف املسارح‬ ‫الكورية‪ ،‬فهي جتمع بني األداء األجنيب‪ ،‬وموظفي الدعم‪ ،‬واملوسيقيني األجانب‬ ‫مع نسخ مترمجة إىل اللغة الكورية‪ ،‬واليت يدفع الشعب مقابلها رسوما وضرائب‪،‬‬ ‫وهناك أعمال موسيقية كورية بالكامل‪ ،‬مبنية على التاريخ والثقافة الكورية‬ ‫أنتجت حمليا بفريق إنتاج حملي‪.‬‬ ‫األعمال املوسيقية الكورية األصلية تفوق من حيث العدد األعمال األجنبية‬ ‫‪ 56‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫بشكل كبري أي ما يقارب أربعة أو مخسة أضعاف‪ ،‬ولكن هذا املشهد ال يقدم‬ ‫لنا القصة كاملة‪ .‬يستفيد املوسيقيون األجانب بشكل خاص من امليزة االقتصادية‬ ‫اليت متكنهم من العمل على نطاق واسع وهم حاضرون على املسارح البارزة‪ .‬ويف‬ ‫املقابل فإن العمل املوسيقي الكوري النمطي يؤدى على مسارح وأماكن أصغر‬ ‫ويتم مبيزانيات قليلة جدا‪ .‬لذا ففي حني نرى أن اإلنتاج الكوري يتسيد املسرح‬ ‫املوسيقي من حيث عدد األعمال‪ ،‬فإن األعمال األجنبية املوسيقية تشكل الغالبية‬ ‫الساحقة من العروض اليت تستحق صفة "األعمال الكبرية املتميزة"‪.‬‬ ‫وملا كان هذا هو املشهد عموما فإن القطاع املوسيقي الكوري يتوق إلنتاج‬


‫الالفت للنظر‪ ،‬أن إنتاج قلعة نامهان‪ ،‬يف البداية‪ ،‬كان القصد منه أن يعرض على املسرح أمام اجلماهري كعمل‬ ‫موسيقي واسع النطاق‪ .‬وملا كان احلال كذلك‪ ،‬فقد حدث تناقض تام بينه وبني البيئة السائدة‪ ،‬اليت تقدم فيها‬ ‫الغالبية الساحقة من مشاريع األعمال املوسيقية املحلية يف نطاق ضيق أو تقدم فيها أعمال أدائية خارج النطاق‬ ‫العام‪ ،‬جلمهور يتراوح عدده ما بني ‪ 200‬إىل ‪ 300‬شخص‪.‬‬

‫عمل يتمكن من املنافسة مع مستويات تقبل معقولة من اجلماهري واملوسيقيني‬ ‫األجانب‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فإن قلعة نامهان عمل يستحق االهتمام بشكل‬ ‫خاص‪ ،‬وذلك ألنه منذ البداية قصد به أن يكون عمال موسيقيا على نطاق واسع‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن هذا املوقف فيه تباين كبري مع البيئة احلالية اليت تقدم فيها‬ ‫املشاريع املوسيقية املحلية على نطاق واسع أو يف مواقع أداء ال متثل النمط العام يف‬ ‫البالد‪ ،‬وهي يف الغالب تقع بالقرب من شارع "ديهانغ ‪ -‬رو"‪ ،‬جلمهور يتراوح‬ ‫بني ‪ 200‬و‪ 300‬شخص‪.‬‬ ‫هناك حاالت بدأ العمل املوسيقي فيها على نطاق ضيق‪ ،‬ويف مرحلة‬ ‫الحقة مت أداؤه على نطاق أوسع‪ ،‬بعد أن أثبتت شعبيتها‪ .‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫<رينت> ‪ Rent‬و<آفينيو قيو> ‪ ،Avenue Q‬كالمها بدا يف مسارح خارج‬ ‫برودوي ومن مث انتقال إىل مسارح أكرب نتيجة للطلب القوي من اجلماهري‪ .‬يف‬ ‫كوريا عموما حسب التجربة جند أن العملني <سينغلز> ‪ Singles‬و<أخوان‬ ‫يف اجلندية> ‪ Brothers in Arms‬يشبهان حالة العملني املوسيقيني اللذين‬ ‫أديا على نطاق ضيق مث ارتقيا إىل مستويات متوسطة احلجم‪ .‬ومهما يكن من‬ ‫أمر فإن العمل املوسيقي ذا النطاق الواسع‪ ،‬جيب أن ينتج ملسرح كبري احلجم‪،‬‬ ‫لكي تتم االستفادة الكاملة من املواقع املسرحية كبرية احلجم‪ ،‬واأليدي العاملة‪،‬‬ ‫واإلضاءة وأنظمة السمع األكثر تقدما‪ .‬يف بعض األحيان‪ ،‬العمل الذي يتم إنتاجه‬

‫ليؤدى يف مسرح صغري مث يؤدى يف مسارح كبرية يف مدن كبرية خالل جوالته‪،‬‬ ‫ينتج عنه موقف مزعج‪ ،‬يشبه موقف طفل يرتدي بذلة أبيه‪ .‬يف احتفالية اجلوائز‬ ‫املوسيقية الكورية السنوية‪ ،‬اليت تقام كل ربيع‪ ،‬جيب أن تكون األعمال املرشحة‬ ‫من احلجم الصغري‪ ،‬حىت تؤخذ يف االعتبار‪ ،‬ونفس الشيء ينطبق على جوائز توين‬ ‫يف برودوي‪.‬‬ ‫يف املنافسات يقال دائما‪" :‬ال ميكنك أن تفوز إذا مل تشارك"‪ .‬لذا نرى أنه‬ ‫ما مل تكن هناك رغبة يف إنتاج عمل موسيقي كوري ينجح على نطاق واسع‪،‬‬ ‫فسيبقى األمر نوعا من ضرب اخليال‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن هذا النوع من‬ ‫املحاوالت اإلبداعية سوف يشتمل بشكل طبيعي على عملية اإلصابة واخلطأ اليت‬ ‫تؤخذ دائما يف االعتبار‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬علينا أن نلهج بعبارات املدح والتأييد‬ ‫ملركز فنون سونغنام‪ ،‬ألنه باإلضافة إىل دوره كموقع للتفاعل الثقايف‪ ،‬فهو رأس‬ ‫احلربة يف اجلهود اليت تبذل هلذا النوع من اإلنتاج املوسيقي‪ ،‬فهم يعملون جاهدين‬ ‫من أجل نزع اعتراف طويل األمد عالمته وماركته " قلعة نامهان "‪ .‬بسبب‬ ‫ضربة البداية الناجحة هذه‪ ،‬علي أن أكيل املدح إلدارة مركز فنون سونغنام‪ ،‬وإىل‬ ‫موظفي اإلنتاج واملمثلني‪ ،‬ويف الوقت نفسه أتطلع ملحاوالت مستقبلية ميكن أن‬ ‫تبين على هذا الزخم اإلجيايب‪.‬‬

‫‪ 1‬مثلث حب يضم "أوه دال جي"‪ ،‬وخليلته "ميهيانغ"‪ ،‬والخائن "جونغ ميونغ سو" وهو‬ ‫ ‬ ‫جزء مهم في خط القصة‪.‬‬ ‫‪ 2‬زوجة "أوه دال جي" ـ اسمها ـ "نام" (في الوسط) تخلصت من العدو بفضل‬ ‫دهاء "ميهيانغ"‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪57‬‬


‫اكتشاف كوريا‬

‫‪ 58‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬


‫إيرل جاكسون جونيور‬ ‫يجد قلبا مفتوحا في كوريا‬

‫بما أن إيرل جاكسون جونير أستاذ في علوم السينما ومدير مشارك في "معهد ترانس‬ ‫آسيا لثقافة األفالم" فإنه يبذل أقصى جهوده لتعزيز خبراته حول األفالم اآلسيوية من‬ ‫خالل التبادل والتفاعل مع المتخصصين في مجال األفالم والمخرجين في جميع أنحاء‬ ‫آسيا‪ ،‬وهو يسعى سعيا حثيثا لتنفيذ المشاريع المشتركة وتنظيم المؤتمرات العلمية حول‬ ‫السينما‪ ،‬كما يشارك في تحرير مجلة ترانس آسيا المتخصصة في عالم األفالم‪.‬‬

‫هوانغ سون إي كاتبة حرة | أن هوجن بوم مصور‬

‫استقر‬

‫جونري يف كوريا يف عام ‪ ،2006‬لكنه جنح يف معرفة ومتييز الرموز الثقافية الكورية الفريدة من نوعها بدقة‬ ‫وذلك بالرغم من الصعوبات اليت يواجهها يف التفاهم باللغة الكورية‪ .‬قال إنّه شعر براحة كبرية عند وصوله إىل كوريا وشعر‬ ‫بأنه وصل إىل موطنه‪ ،‬وأحب الشعب الكوري وثقافته من أعماق قلبه‪ .‬يشارك إيرل جاكسون يف الفعاليات الثقافية املختلفة‬ ‫مشاركة فاعلة يف خمتلف املجاالت‪ ،‬باإلضافة إىل عمله يف جامعة كوريا الوطنية للفنون اليت انتقل إليها مؤخرا‪ ،‬وقبل انتقاله‬ ‫درس الشعر األمريكي يف جامعة كوريا‪.‬‬ ‫إليها ّ‬

‫األستاذ إيرل جاكسون جونير هاوي‬ ‫األفالم يمتلك مجموعة من ‪ 3000‬فيلم‬ ‫فيديو ودي في دي‪.‬‬

‫منظور جديد في آسيا‬ ‫علمي‬ ‫زار السيد جاكسون كوريا ّ‬ ‫للمرة األوىل يف عام ‪ 2004‬بدعوة من األستاذة كيم سويونغ اليت التقى هبا يف مؤمتر ّ‬ ‫ُعقد يف هاواي‪ .‬بعد زيارات قصرية‪ ،‬استقال من منصبه يف جامعة والية كاليفورنيا يف سانتا كروز ليستقر يف كوريا‪ .‬كوريا‬ ‫ليست الدولة األوىل اليت يقيم فيها السيد جاكسون خارج حدود بالده‪ .‬نشأ جاكسون يف بوفالو يف نيويورك وهي منطقة‬ ‫مرة يف‬ ‫خطرة نسبيا بسبب ارتفاع معدل اجلرمية‪ ،‬وعندما وصل عمره إىل ‪ 18‬عاما انتقل إىل أوروبا لدراسة األدب ألول ّ‬ ‫حياته‪ .‬وأمضى الصيف بني جبال األلب ذات املناظر اخلالبة يف النمسا مث أمضى عاما آخر يف والية بافاريا يف جنوب أملانيا‪،‬‬ ‫هذه املناظر األوروبية الطبيعية اجلميلة كانت فرصة لتزويده بـ"نظرة جديدة" للعامل‪.‬‬ ‫سجل يف اللغة املجرية يف‬ ‫بعد دراسته يف جامعة فورتسبورغ درس األدب األملاين يف جامعة والية نيويورك يف بوفالو‪ّ .‬‬ ‫الربنامج اخلاص بدراسة اللغات األجنبية‪ ،‬ولكن األستاذ استقال فجأة فاختار اللغة اليابانية عمال بنصيحة اجلامعة‪ .‬يف ذلك‬ ‫متخصصا‬ ‫الوقت مل تكن للغة اليابانية شعبية يف أوساط الطالب‪ ،‬ولكن هذا االختيار قاده إىل مواصلة مسريته إىل أن أصبح ّ‬ ‫يف اليابان‪ .‬حصل على شهادة املاجستري يف جامعة كورنيل بعد دراسته للغة اليابانية بصورة مكثفة مل ّدة سنة يف إطار الربامج‬ ‫اخلاصة بدراسة اللغات األجنبية (‪ .)FALCON‬ويف السبعينات درس نوه املسرح الياباين التقليدي واألدب الياباين يف‬ ‫القرون الوسطى يف اليابان‪ .‬وبعد ذلك حصل على املاجستري يف الدراسات البوذية من جامعة هارفارد‪ ،‬مث حصل على شهادة‬ ‫الدكتوراه يف األدب املقارن من جامعة برينستون‪.‬‬ ‫من خالل معرفته لكوريا غيّر أفكاره حول آسيا واليت اكتسبها من جتاربه يف اليابان تغيريا جذريا‪ .‬يقول السيد‬ ‫كمتخصص يف اليابان عرب سنوات طويلة‪ .‬لكن تغيّرت‬ ‫جاكسون "فهمت آسيا بناء على املعلومات واخلربات اليت اكتسبتها‬ ‫ّ‬ ‫وجهة نظري مبعرفيت لكوريا‪ .‬واجهت كوريا صعوبات كثرية عرب التاريخ‪ ،‬وهلا عالقات خاصة مع الدول اآلسيوية األخرى‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪59‬‬


‫وهي هبذا ختتلف عن اليابان‪ .‬فاليابان دولة منعزلة يف آسيا‪ .‬وباستمرار بقائي يف‬ ‫كوريا يزداد اهتمامي بآسيا أكثر‪ ،‬أل ّن كوريا تقع يف وسط آسيا حقيقة‪ .‬وبفضل‬ ‫تغيري موقفي الذي كان مرتكزا على انطباعي عن اليابان تغيّرت انطباعايت املنحرفة‬ ‫عن آسيا‪".‬‬ ‫هذه النظرة اجلديدة وجهت أعماله حنو آفاق جديدة‪ .‬ومبا أن إيرل‬ ‫جاكسون جونري أستاذ يف علوم السينما ومدير مشارك يف "معهد ترانس آسيا‬ ‫لثقافة األفالم" فإنه يبذل أقصى جهوده لتعزيز خرباته حول األفالم اآلسيوية من‬ ‫خالل التبادل والتفاعل مع املتخصصني يف جمال األفالم واملخرجني يف مجيع‬ ‫أحناء آسيا‪ ،‬كما يسعى سعيا حثيثا لتنفيذ املشاريع املشتركة وتنظيم املؤمترات‬ ‫العلمية حول السينما ويشارك يف حترير جملة ترانس آسيا املتخصصة يف عامل‬ ‫األفالم بالتعاون مع األستاذة كيم سويونغ‪ .‬ويف تشرين الثاين من هذا العام عقد‬ ‫املؤمتر العلمي حتت شعار تع ّدد الثقافات يف آسيا مبشاركة منتجي أفالم من اهلند‬ ‫وماليزيا‪ .‬وهذا املؤمتر يهدف إىل الترويج لفهم التع ّددية الثقافية اليت تعترب موضوعا‬ ‫مهما يف عصر العوملة‪.‬‬ ‫رغب السيد جاكسون يف تقدمي وصفة للتعايش بني ذوي اخللفيات اللغوية‬ ‫والثقافية املختلفة من خالل هذا املؤمتر‪ ،‬وهو يؤكد على أن التع ّددية الثقافية‬ ‫ستنتج جمتمعا مثاليا‪ .‬ويعترف يف الوقت نفسه باملشاكل اليت ميكن أن تنجم عن‬ ‫تع ّدد ثقافات املجتمع‪ .‬يف هذه األيام أصبحت التع ّددية الثقافية موضوعا مهما‬ ‫يف املجتمع الكوري بسبب ازدياد عدد العمال األجانب والزواج الدويلّ‪ .‬ويف‬ ‫ظل هذه الظروف رأى السيد جاكسون بعض التمييز وعدم املساواة يف التعامل‬ ‫جتاه األجانب غري البيض‪ .‬وقال "رأيت مؤخرا جتربة على شاشة التلفزيون‪ .‬وقف‬ ‫رجل أبيض يف زاوية يف الشارع ينظر إىل خريطة‪ .‬فأراد الناس مساعدته قبل أن‬ ‫يطلب منهم‪ ،‬بالرغم من أنّه يتحدث اإلجنليزية فقط‪ .‬وبعد ذلك اقترب فلبيين‬ ‫منهم وسأهلم عن الطريق باللغة الكورية بطالقة وأدب‪ ،‬ولكن رفض اجلميع‬ ‫مساعدته‪ .‬لقد أذهلتين تلك املشاهد‪".‬‬ ‫مشجع متحمس للسينما الكورية‬ ‫ّ‬ ‫السيد جاكسون أحب األدب واألفالم بشغف منذ وقت مبكر‪ .‬يف سن‬ ‫املراهقة كان يغيب عن املدرسة أحيانا لقراءة بعض الكتب ملؤلفني يفضل أن يقرأ‬ ‫هلم مثل جيمس جويس وجريترود شتاين طوال اليوم كان جيلس على مقعد يف‬ ‫‪ 60‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫حديقة‪ .‬وهذا األمر أدى إىل طرده من املدرسة الحقا‪ ،‬فعمل يف خمبز ملدة سنة‪.‬‬ ‫وبعده جلس المتحان دخول اجلامعة وعلى الرغم من دراسته الذاتية كان الطالب‬ ‫الوحيد الذي حصل على منحة دراسية كاملة يف جامعة والية نيويورك بوفالو‬ ‫من بني ‪ 400‬طالب كانوا معه يف املدرسة الثانوية نفسها جلسوا هلذا االمتحان‪.‬‬ ‫وبدال من حضور احلصص الدراسية يف املدرسة الثانوية‪ ،‬قضى معظم أوقاته يف‬ ‫مشاهدة األفالم الكالسيكية‪ .‬قال السيد جاكسون "منحين عدم الذهاب إىل‬ ‫املدرسة أوقاتا إضافية‪ .‬لذلك كنت أذهب إىل جامعة بوفالو وأقضي الوقت‬ ‫مبشاهدة األفالم فيها‪ .‬واجلامعة كانت تقدم أفالما ممتازة منها أفالم كالسيكية‬ ‫أوروبية مثل فيلم ’العام املاضي يف مارينباد‘ لـ’أالن رينيه‘‪ .‬وحلسن احلظ مل‬ ‫تكن اجلامعة تطلب هوية الطالب‪ ،‬وبفضل ذلك شاهدت مجيع األفالم اليت ق ّدمت‬ ‫فيها‪ .‬ومما شاهدت يف تلك الفترة أفالم لربغمان وغودار‪ ،‬وكانت مجيعها رائعة‬ ‫لقد كنت حمظوظا جدا‪".‬‬ ‫حبه لألفالم دفعه إىل أن جيمع حوايل ‪ 3000‬شريط فيديو و‪ DVD‬من‬ ‫مجيع أحناء العامل‪ .‬وتضم هذه املجموعات اليت مجعها أفالما كورية كالسيكية من‬ ‫اخلمسينات والستينات وتلك الفترة أحبها كثريا‪ .‬املخرجون الكوريون املفضلون‬ ‫بالنسبة له هم يل ماهني وكيم كييونغ وسني سانغأوك‪ .‬يعرب السيد جاكسون‬ ‫عن تقديره للسينما الكورية قائال "تتناول األفالم الكورية مسألة كرامة اإلنسان‬ ‫والبقاء دائما‪ .‬وتعرض كيفية إجياد قيمة عالية للحياة‪ .‬وحىت لو مل تظهر هذه‬ ‫املسألة على السطح فإهنا تكمن يف الداخل دائما‪ .‬ومؤخرا شاهد فيلم <هيوإيل‬ ‫(عطلة) > لـ’يل ماهني‘ من عام ‪ ،1968‬ويظن أنّه الفيلم األكثر حزنا وسلبية‬ ‫من بني األفالم اليت شاهدها‪ .‬وبسبب أفراطه يف السلبية ُمنع عرضه يف ذلك‬ ‫الوقت‪ .‬يف هذا الفيلم يلتقي حبيبان يف يوم األحد‪ ،‬أحب كل منهما األخر‬ ‫ولكنهما ال ميلكان أي شيء‪ ،‬هذا الفيلم يعرض حياهتما ويأسهما‪".‬‬ ‫إ ّن كوريا عانت من الكثري من املآسي وبصفة خاصة يف القرن الـ‪.20‬‬ ‫وانعكست هذه املسألة يف أفالم اخلمسينات والستينات‪ .‬لكن منذ الثمانيات‬ ‫حقق املجتمع الكوري ازدهارا اقتصاديا‪ ،‬فبدأت األفالم الكورية تتناول مشاكل‬ ‫التطورات‪ .‬ولكن مع هذا يالحظ السيد جاكسون‬ ‫املجتمع اليت جنمت عن هذا ّ‬ ‫أن فكرة البقاء ما زالت ماثلة يف األفالم يف اآلونة األخرية‪ .‬يقول السيد جاكسون‬ ‫يف حديثه عن بعض األفالم الكورية احلديثة "إ ّن فيلم <بارمنان كاجوك>‬ ‫أو زوجة حمام جيد الذي أنتج يف عام ‪ 2003‬فيلم رائع جدا‪ .‬وقصته حتكي‬


‫كمتخصص يف اليابان عرب سنوات طويلة‪ .‬ولكن تغيّرت وجهة نظري بعد أن عرفت كوريا‪.‬‬ ‫«اعتمدت يف فهمي آلسيا على املعلومات واخلربات اليت اكتسبتها‬ ‫ّ‬ ‫ألن كوريا تقع يف وسط آسيا حقيقة‪ .‬وبفضل تغيري موقفي الذي كان مرتكزا على انطباعي عن اليابان تغريت‬ ‫حبيايت يف كوريا ازداد اهتمامي بآسيا وصار أعمق‪ّ ،‬‬ ‫انطباعايت املنحرفة عن آسيا‪».‬‬ ‫يقدر األستاذ جاكسون األفالم الكورية تقديرا عاليا‬ ‫نظرا لقدرتها على وصف الثقافة الكورية بدقة‪.‬‬ ‫كوري في اآلونة‬ ‫وقد ساعد في كتابة سيناريو فيلم‬ ‫ّ‬ ‫األخيرة‪.‬‬

‫عن عائلة غنية‪ ،‬وكان الزوج حماميا لكن حياهتم‬ ‫بائسة متاما‪ .‬بدأ الفليم مبشهد جثث ُعثر عليها‬ ‫مذبوحة متناثرة‪ .‬رغم هذا املنظر احلزين جدا‬ ‫مل يتم التعرف على الذي قتلهم‪ .‬أصبحت هذه‬ ‫اخللفية املأساوية التارخيية هي احلبكة اليت يعتمد‬ ‫عليها الفيلم‪ .‬أعتقد أنّه فيلم رائع جدا‪".‬‬ ‫حيب السيد جاكسون زيارة <سينما‬ ‫سيول للفن> اليت تديرها مؤسسة غري رحبية‪ .‬وتعرض هذه الدار السينمائية‬ ‫األفالم الكالسيكية العاملية وهنا يرى السيد جاكسون مستويات عالية من األفالم‬ ‫الكورية‪ .‬يقول السيد جاكسون‪" :‬وقد أقيم يف سينما سيول للفن عرض مكرر‬ ‫لـ’فاسبيندر‘‪ .‬مت فيه عرض مجيع األفالم وحىت املسلسالت التلفزيونية‪ .‬ويف هناية‬ ‫خصصت السينما يومني لعرض <برلني الكسندر بلتز> اخلاص‪ ،‬وهو‬ ‫احلدث ّ‬ ‫فيلم طويل جدا يستغرق عرضه ‪ 16‬ساعة‪ .‬بدأ العرض يف الساعة ‪ 9‬صباحا‬ ‫واستمر حىت وقت متأخر من الليل وكان جمانا‪ .‬ولكن قاعة السينما امتألت‬ ‫ّ‬ ‫باملشاهدين من الساعة ‪ 9‬صباحا‪ ،‬امتألت رغم ترمجته باللغة اإلجنليزية‪ .‬وهذا‬ ‫متطور‪".‬‬ ‫يكشف عن مستوى سينمائي ّ‬ ‫لكنّه أبدى قلقه حول مستقبل السينما الكورية‪ ،‬ويعود سبب قلقه إىل‬ ‫موافقه احلكومة الكورية يف مفاوضات التجارة احلرة مع الواليات املتحدة ‪2006‬‬ ‫حتت الضغط األمريكي على ختفيض حصة األفالم الكورية وهذا األمر أدى‬ ‫إىل تقليل فترة عرض األفالم الكورية من ‪ 146‬يوم إىل ‪ 73‬يوما سنويا‪ .‬ومن‬ ‫املحتمل أن يؤدي هذا األمر إىل اهنيار السينما الكورية مثلما حدث يف املكسيك‬ ‫يف التسعينات‪.‬‬ ‫يعارض السيد جاكسون نظام احلصة معارضة شديدة‪ .‬ويرى "أنه أمر‬ ‫رهيب! يرى أنه علينا أن نعيد نظام احلصة إىل ما قبل التغيري‪ .‬وبفضل نظام احلصة‬ ‫القدمي شاهدنا أفالما ممتازة يف التسعينات‪ ،‬وبدونه لن نتمكن من حتقيق أي إجناز‪.‬‬ ‫تطور الثقافة الكورية على اإلطالق‪.‬‬ ‫وتقليل احلصة يف كل األحوال ال يساهم يف ّ‬ ‫وبسبب تقليل احلصة يتر ّدد املستثمرون يف متويل األفالم الكورية املغامرة أو أي‬ ‫أفالم كورية أخرى‪".‬‬ ‫يتمتّع السيد جاكسون جبميع أوجه حياته يف كوريا وهو بارع يف حتديد‬ ‫الفوارق الثقافية يف كوريا بصفة خاصة‪ .‬وتق ّدم األفالم الكورية له فرصة خاصة‬

‫لتعلم الثقافة الكورية‪ ،‬وقد حتدث عن فيلم‬ ‫<ضرس العقل> مشريا إىل جانب من العادات‬ ‫الكورية املتميزة‪ .‬يقول السيد جاكسون "أحيانا‬ ‫يعبّر الكوريون عن املودة بطريقة مشاهبة للتعبري‬ ‫عن الغضب‪ .‬إذا كنت تقرأ الرموز فبإمكانك أن‬ ‫تفهم املعىن الكامن‪ .‬أحب فيلم <ضرس العقل>‬ ‫كثريا‪ .‬ويف هناية هذا الفيلم تظهر اجلوانب الكورية‬ ‫املميزة‪ ،‬حيث مت مجع أبطاله للعشاء‪ ،‬خالل احلوار صبت البطلة النبيذ يف الكأس‬ ‫بنفسها رغم أهنا أجريت هلا عملية مل ميض عليها سوى وقت قليل لزنع ضرس‬ ‫العقل‪ ،‬انتزع الرجالن الكأس منها وصرخا "هل أنت جمنونة؟ بعد هذا تناولت‬ ‫الدواء املسكن لألمل!" إنّه مشهد كوري متاما‪ .‬الرجالن كانا يراعيان حالتها‬ ‫لكنهما تكلما بأسلوب أقرب إىل التوبيخ وهذا التوبيخ تكمن فيه املودة املطلقة‪.‬‬ ‫هنا عليك أن تدرك الرموز اخلاصة حىت تفهم‪".‬‬ ‫حيب السيد جاكسون السفر‪ ،‬وحيب السباحة والغطس بصفة خاصة ورمبا‬ ‫يرجع السبب إىل حلمه يف شبابه بأن يصبح عامل أحياء حبرية‪ .‬وقد سبح مع مسك‬ ‫القرش يف سواحل بليز‪ ،‬وحيب السباحة يف البحر اجلنويب يف كوريا‪ ،‬ويف إحدى‬ ‫املرات تعرض فيه هلجوم من قناديل البحر‪ .‬ويق ّدم السفر له فرصة فريدة يقف‬ ‫من خالهلا على اجلوانب الكورية املتميزة‪ .‬زار جزيرة ماميولدو والتقى فيها برجل‬ ‫عمره ‪ 90‬عاما وقد أخربه بأن والدته شاهدت السفن اليابانية ملا أتت إىل كوريا‬ ‫يف عام ‪.1905‬‬ ‫السيد جاكسون مغرم جبمال كوريا ويسعى لتحسني مهاراته يف اللغة‬ ‫الكورية بنشاط‪ .‬وحياول تقوية لغته الكورية من خالل كتابة السيناريو حيث‬ ‫كتب جزأ من سيناريو فيلم <بيوبايندر(عدسة الكامريا)> الذي ق ّدمته زميلته‬ ‫األستاذة كيم سويونغ ملهرجان بوسان الدويل للسينما‪ .‬وقد كتب السيناريو باللغة‬ ‫اإلجنليزية يف البداية‪ ،‬مث قدم مساعدات يف ترمجة النص إىل الكورية وساعد أيضا‬ ‫املمثلني عند تطبيق النص‪ .‬وقد أشار إىل أن هذه جتربة فريدة ويرى أهنا أفضل‬ ‫طريقة لتعلّم اللغة الكورية‪ .‬وبالنسبة له هي أفضل كثريا من كل الطرق التقليديّة‪".‬‬ ‫ويبدو أ ّن كوريا نفسها كانت املحفّز األهم لسعيه يف تعلّم اللغة الكورية بطريقة‬ ‫غري تقليديّة‪.‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪61‬‬


‫على املنصة الدولية‬

‫"أوه أونسون"‬

‫تسعى لتسلق أعلى قمة في الهماليا‬


‫‪2‬‬

‫"أوه أونسون" من أوائل نساء العالم مساهمة في تسلق‬ ‫الجبال وذلك بعد أن وصلت إلى أربع قمم من جبال‬ ‫الهماليا في ربيع وصيف ‪ .2009‬وقد حاولت حاليا تسلق‬ ‫أنابورنا‪ ،‬ولكنها لم تستطع بسبب خطورة الطقس‪ .‬جهودها‬ ‫التي تبذلها لكي تصبح أول امرأة تقهر كل قمم الهماليا‬ ‫األربع عشرة ـ التي ترتفع إلى أكثر من ‪ 8000‬متر ـ‬ ‫سوف تستأنفها في السنة القادمة‪.‬‬

‫شني يونغ تشول مدير حترير <اإلنسان واجلبل>‬ ‫شني يونغ تشول مصور‬

‫"سقف‬

‫العامل" هو اسم جبال اهلماليا الذي تشتهر به وهي تضم ‪ 14‬قمة‬ ‫تصل إىل ارتفاع ‪ 8000‬فوق سطح البحر مبا يف ذلك قمة إفرست األسطورية‪.‬‬ ‫ويشري الكثريون من متسلقي قمم اهلماليا إليها بعامل اآلهلة‪ .‬على الرغم من أن‬ ‫‪ 18‬رجال جنحوا يف الصعود إىل القمم األربع عشرة‪ ،‬فلم حتظ أي امرأة حىت اآلن‬ ‫هبذا املجد البطويل‪ .‬وملا كان األمر كذلك‪ ،‬فإن السباق حيتدم اآلن على لقب‬ ‫أول متسلقة هلذه القمم‪.‬‬ ‫تنافس النخب‬ ‫على الرغم من أن عددا كبريا من متسلقات اجلبال يف العامل حاولن أن‬ ‫يصبحن أول من حيقق هذا احللم البطويل‪ ،‬والذي سوف يعطي إحساسا وطنيا‬ ‫بالنصر‪" ,‬أوه أونسون" (‪ 43‬عاما) من كوريا‪ ،‬يودرن باسبان (‪ 36‬عاما) من‬ ‫إسبانيا‪ ،‬نفيس مريوي (‪ 48‬عاما) من إيطاليا‪ ،‬جريلندي كالتنربونر (‪ 39‬عاما)‬ ‫من النمسا‪" ،‬كو مي يونغ" (‪ 42‬عاما) من كوريا أيضا ـ كن يعتربن منذ‬ ‫زمن بعيد من أقوى املرشحات للوصول إىل أعلى القمة‪ .‬لسوء احلظ‪ ،‬يف صيف‬ ‫‪ ،2009‬سقطت "كو مي يونغ" وماتت‪ ،‬خالل نزوهلا من قمة نانغا باربات‪،‬‬ ‫اليت ترتفع ‪ 8126‬مترا‪.‬‬ ‫ يف السنوات األخرية‪ ،‬اخنرطت هؤالء املتنافسات من النخبة يف منافسة‬

‫‪ 1‬وصلت متسلقة الجبال «أوه أونسون» إلى قمة «كاشيربروم ‪»1‬‬ ‫ ‬ ‫في صيف ‪.2009‬‬ ‫‪ 2‬لنحت اسمها في ذاكرة قمة «كانتشينجونغا»‪ ،‬وقفت أوه على‬ ‫ ‬ ‫القمة وبجانبها العلم الكوري‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪63‬‬


‫‪ 1‬إلى جانب الرياح الخ ّداعة‪ ،‬فإن على المتسلقين أن يتعاملوا بثبات‬ ‫ويواصلوا طريقهم وسط العواصف الثلجية التي تعمي العيون‪.‬‬ ‫‪« 2‬ناتغا باربت» هي واحدة من القمم األربع عشرة في جبال‬ ‫الهماليا التي يصل ارتفاعها إلى ‪ 8000‬متر فوق سطح البحر‪.‬‬

‫السر أكثر إهباما‪ ،‬كيف ميكن هلذه املرأة أن حتقق ما حققته من بطوالت حىت‬ ‫اعتربت خملوقا خارقا للعادة‪.‬‬ ‫عندما بدأ السباق للحصول على لقب أول امرأة يف العامل تتسلق قمم‬ ‫اهلماليا‪ ،‬يصل إىل مرحلته النهائية‪ ،‬أصبح واضحا‪ ،‬أن أيسر األخطاء ميكن أن يبعد‬ ‫املتنافس عن التنافس أو إىل ما هو أكثر من ذلك‪ ،‬كما رأينا يف املوت املأساوي‬ ‫لكو مي يونغ‪ .‬فشلت جريلندي كالتنربونر مرتني لقهر املوقع ‪( K2‬ارتفاع‬ ‫‪ 8611‬مترا)‪ ،‬بعد أن أجربت على التوقف عن التقدم يف ارتفاع ‪ 8200‬متر‪ .‬إن‬ ‫كالتنربونر هي من أقوى منافسات أوه‪ ،‬وذلك ألهنا جنحت يف تثبيت املوقع ‪K2‬‬ ‫حيث تعادلت مع سجل أوه وهو ‪ 13‬قمة‪ .‬فشلت إيدورين بسابان يف تسلق قمة‬ ‫شيشا بانغما (‪ 8027‬مترا) وختلت مريوي عن حماولتها لصعود كانتشينجونغا‬ ‫(‪ ،)8586‬يف وقت مبكر من هذه السنة كانت تفصل بني املتسابقتني وأوه قمة‬ ‫واحدة فقط‪ .‬يف هذه األيام‪ ،‬الذي حيول بني أوه واحللم الذي راودها يف املخاطرة‬ ‫حبياهتا‪ ،‬هو القمة املهيبة املعروفة باسم أنابورنا (‪ 8091‬م)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ساخنة‪ ،‬جذبت انتباها كبريا من املهتمني بتسلق اجلبال يف مجيع أحناء العامل‪.‬‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن هذا السباق نال حصته من املجد وكذلك حصته من‬ ‫الكارثة املأساوية‪ .‬يف صيف ‪ ،2009‬أثبتت قمة نانغا باربات أهنا مكان يتقاطع‬ ‫ويتشابك فيه املجد مع املأساة‪ .‬زرت خميم القاعدة يف نانغا باربات إلجراء مقابلة‬ ‫مع املتسلقتني "أوه أونسون" و"كو مي يونغ"‪ .‬كانت هاتان املتسلقتان الكوريتان‬ ‫مفعمتني بالثقة‪ .‬وصلت "أوه أونسون" القمة يوم ‪ 10‬متوز‪ ،‬وتبعت مسارها‬ ‫"كو مي يونغ"‪ ،‬خالل أربع ساعات أخرى‪ .‬املأساة حدثت يف اليوم التايل عندما‬ ‫بدأت املرأتان بالزنول بعد إمضاء الليل يف املخيم رقم ‪ .1‬بعد ذلك حدث ما مل‬ ‫يكن يف احلسبان‪ ،‬حيث فقدت "كو مي يونغ" مسارها على ارتفاع ‪ 6200‬مترا‬ ‫واندفعت إىل مصريها املحتوم‪.‬‬ ‫بعد عودة "أوه أونسون" إىل كوريا يوم ‪ 12‬آب ‪ ،2009‬اتصلت هبا‬ ‫لترتيب لقاء معها‪ .‬عندما التقينا‪ ،‬تذكرت كيف أهنا كانت مفعمة باألسى‪.‬‬ ‫كانت هذه املتسلقة خالية متاما من القوة والطاقة كما لو أهنا تعافت للتو من‬ ‫مرض مزمن‪ .‬وبسبب استزناف فصل التسلق لكل قواها احلسية واملعنوية‪ ،‬فقد‬ ‫بدا اإلعياء التام ظاهرا عليها‪ .‬كانت عائدة لتوها بعد شهرين من التسلق يف إقليم‬ ‫كاراكورام يف جبال اهلماليا‪ .‬إن النظر إىل هذه املرأة البائسة اليت ال يبلغ طوهلا‬ ‫أكثر من ‪ 150‬سنتيمترا ووزهنا حوايل ‪ 50‬كيلوغراما فقط‪ ،‬يزيد الغموض وجيعل‬ ‫‪ 64‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫"إذا احتضنتني جبال الهماليا"‬ ‫بعد بضعة أيام من مقابليت مع أوه‪ ،‬حضرت جلسة أسرية نظمتها‬ ‫"كاساهنوي"‪ ،‬وهي جمموعة غري رمسية ملتسلقي اجلبال‪ ،‬ويعين امسها اجلبال اجلميلة‬ ‫تقريبا‪ .‬قيل إهنا كانت مغرمة بشكل خاص هبذه اجللسة‪ .‬تقول "على الرغم من‬ ‫أنين لست بوذية‪ ،‬فأنا أحب البوذية‪ .‬أال تروين‪ ،‬دائما أرتدي هذه املسابح البوذية‬ ‫على ساعدي‪ .‬أمي بوذية وقد أعطتين إياها‪ .‬لقد رافقتين يف حماوليت للوصول إىل‬ ‫أعلى قمم اجلبال‪ ،‬وهي تشعرين براحة كبرية‪".‬‬ ‫على الرغم من أن ثالثة أيام فقط مرت على اللقاء السابق‪ ،‬فإن أوه بدت‬ ‫منتعشة بشكل مدهش‪ .‬بالطبع‪ ،‬الراحة يف البيت والوطن ال ميكن أن تقارن‬ ‫بالقمم الثلجية اليت ال حتتوي إال على نزر يسري من األوكسجني حيث أمضت أوه‬ ‫أشهر الصيف‪ .‬وعندما استلمت إكليل الزهور تعبريا عن التهنئة‪ ،‬تبسمت بدفء‬ ‫يف إشارة إىل أهنا استعادت طاقتها‪ُ .‬و ِضعت على الطاولة كعكة احتفالية تضم ‪13‬‬ ‫مشعة‪ ،‬كل واحدة ترمز لقمة من القمم اليت تسلقتها‪ .‬بعد أن أطفأت الشمعات‬ ‫الثالث عشرة‪ ،‬وضع رئيس جمموعة "كاساهنوي" بسرعة مشعة أخرى لريمز هبا إىل‬ ‫القمة الرابعة عشرة واألخرية لتحطيم الرقم القياسي يف قهر النساء للقمم‪ .‬بعد أن‬ ‫أطفأت أوه هذه الشمعة األخرية‪ ،‬طُلب منها أن تبدي بعض املالحظات‪.‬‬ ‫"لقد كان األمر صعبا جدا"‪ .‬صمت الكل عندما حاولت أن تعرب عن‬ ‫نفسها‪ .‬ولكن أنا عرفت فورا ما الذي كانت ترمي إليه‪ .‬يف هذه احلالة ميتلئ‬ ‫عقلها بالذكريات حول كو مي يونغ‪ ،‬اليت قابلتها يف نانغا باربات‪" .‬الفترة اليت‬ ‫أعقبت احلادث يف نانغا باربات كانت مؤملة جدا‪ .‬أتذكر أنين أحسست بالعجز‬


‫«الفترة اليت تلت احلادث يف نانغا باربات كانت شديدة األمل بالنسبة يل‪ .‬أتذكر أنين أحسست بالعجز التام حينما كنت أشاهد عملية اإلنقاذ‪ .‬كنت أقيم يف فندق‬ ‫سكاردو وأنا يف تيه ملدة أسبوع‪ ،‬مث قررت أخريا أين لن أكون قادرة على الوصول إىل هديف إال إذا تقبلتين جبال اهلماليا‪ ،‬ولن يبقى يف جعبيت إال القليل مما ميكن أن‬ ‫أقوم به إن مل تقبلين‪».‬‬

‫التام عندما كنت أنظر إىل عملية اإلنقاذ‪ .‬األمر بدا مثل حلم سيء‪ .‬مل أستطع‬ ‫أن أوقف التفكري بأنين قد ألقى مصريا مماثال‪ .‬كنت أجتول لكي أعثر على فندق‬ ‫سكاردو وملدة أسبوع‪ ،‬كنت كأين يف نزاع مع املوت‪ ،‬والسؤال الذي أحل علي‬ ‫هو هل أواصل يف تسلق اجلبال بعد الذي رأيته ؟‪ .‬كما يعرف اجلميع‪ ،‬كنت‬ ‫مقربة جدا من كو مي يونغ‪ .‬متتعنا بعالقات منافسة صحية وقد أجربتنا ودفعتنا‬ ‫إىل أن نكون يف أفضل أحوالنا طيلة الوقت‪".‬‬ ‫يف النهاية‪ ،‬قررت أوه عمل األشياء بطريقتها اخلاصة‪ .‬بعد أن قهرت قمة‬ ‫نانغا باربات‪ ،‬مضت يف التحدي ملا هو أبعد من ذلك وهو "كاشريبروم ‪"1‬‬ ‫(‪ 8068‬مترا)‪ ،‬وهذا ما خططت له من األساس‪ .‬مع تسلقها الناجح هلذه القمة‪،‬‬ ‫فإن أوه اآلن تكون قد ختطت القمم الثالث عشرة من ‪ 14‬قمة من قمم اهلماليا‪،‬‬ ‫وهبذه الطريقة تتربع يف املقدمة بني املتنافسات اللوايت حيلمن بشرف قهر القمم‬ ‫األربع عشرة‪" .‬بعد فترة‪ ،‬قررت بشكل هنائي أن أحقق هديف إذا قبلتين جبال‬ ‫اهلماليا‪ ،‬وأن هناك القليل مما ميكن أن أعمله إذا مل أختذ هذا القرار‪ .‬لقد كان‬ ‫املضي يف خططي لتسلق "كاشريبروم ‪ "1‬قرارا يف الصميم‪.‬‬ ‫يبدو أن هناك قوى خفية قوية معينة تساعد أوه يف مساعيها‪ .‬يف الفترة‬ ‫اليت سبقت وصوهلا إىل خميم قاعدة كاشريبروم ‪ ،1‬مل يكن هناك أي متسلق‬

‫يستطيع التقدم إىل أعلى حنو القمم يف املنطقة املحيطة بسبب الطقس اخلطر‪ .‬على‬ ‫أي حال‪ ،‬أصبح الطقس صافيا فجأة بعد أن وصلت أوه إىل املخيم‪ .‬وبسبب‬ ‫كوهنا قد كيفت جسمها لتحمل االرتفاعات العالية‪ ،‬استطاعت الوصول إىل قمة‬ ‫جاشريبروم ‪ 1‬رغم الرياح اليت هتب فجأة‪ .‬أثناء عملية الزنول‪ ،‬مرة أخرى حدثت‬ ‫حادثة كادت تؤدي إىل املوت‪.‬‬ ‫"فجأة مر جبانيب شخص‪ .‬لقد كان عضوا يف فريق أجنيب رافقنا يف طريق‬ ‫الصعود‪ .‬أنا و"شريبا يل" كنا نستخدم احلبال‪ ،‬ولكن هذا الشخص وزميله مل‬ ‫يكترثا بعد أن ربطا نفسيهما معا‪ .‬سقط من علو ‪ 300‬متر أمام عيين‪ .‬طرأ العديد‬ ‫من األفكار يف ذهين‪ .‬أتذكر كيف أنه كان حياول اخلروج! حلسن احلظ‪ ،‬كان‬ ‫قادرا على أن يدفع نفسه باجتاه منطقة عليها ثلوج يف سفح اجلبل‪ .‬لو سقط على‬ ‫أي زاوية أخرى خمتلفة ولو اختالفا بسيطا‪ ،‬فسوف يتدحرج على اهلاوية ويسقط‬ ‫عدة آالف من األمتار ليلقى حتفه بطريقة ال ميكن معرفة تفاصيلها‪ .‬حقا إن الفرق‬ ‫بني احلياة واملوت قد يكون طفيفا جدا يف بعض األحيان‪".‬‬ ‫على الرغم من أهنا ما زالت شابة‪ ،‬فإن أوه تتكلم عن املوت بطريقة تآلفية‪.‬‬ ‫هذا االجتاه رمبا كان بسبب رؤيتها الشخصية وخربهتا يف اخلروج من العديد من‬ ‫احلوادث القاتلة‪ .‬اهلامش بني احلياة واملوت هو حقا خط رفيع لكل شخص جيرؤ‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪65‬‬

‫‪2‬‬


‫‪2‬‬ ‫‪ 1‬في كوريا كسبت أوه أونسون خبرة عملية بتسلق بعض الجبال كتسلقها لقمة‬ ‫«إينسو» في جبل بوكهان‪.‬‬

‫‪ 2‬أوه أونسون وأيدورني باسبان (متسلقة إسبانية) تعتبران من أشهر متسلقات الجبال‬ ‫على مستوى العالم‪.‬‬ ‫‪ 3‬بمعرفتها للمعوقات التي تقف أمامها‪ ،‬أدركت «أوه أونسون» أن نجاحها يعتمد في‬ ‫ ‬ ‫النهاية على تقبل الطبيعة لتحديها‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫على تسلق جبال اهلماليا‪ .‬إنه عامل من البياض‪ ،‬الذي قد يذهب فيه الشخص‬ ‫الذي كان يقف جبانبك إىل األبد يف اخلطوة التالية‪ ،‬يف جزء من الثانية‪ .‬يف هذا‬ ‫العامل‪ ،‬ظلت املنايا حتوم حول كل شخص‪.‬‬ ‫تسلق بدون أوكسجني‬ ‫رن هاتف "أوه أونسون" أثناء حديثنا‪" .‬آه‪ ،‬يا أمي‪ ،‬سوف أكون عندك‬ ‫حاال "‪ .‬مع أهنا يف الثالثة واألربعني من عمرها‪ ،‬إال أن أمها ال زالت تدللها‬ ‫وتداعبها‪ ،‬وهي تروي النكات عن هذا الدالل‪ ،‬لكنها مع ذلك تعمل كأم تلقي‬ ‫األضواء على شخصية من أعظم نساء كوريا يف هذا العصر‪ .‬لذا سألتها قائلة‪:‬‬ ‫"كيف تشعرين اآلن ومل يبق أمامك إال قمة واحدة‪ ،‬وهي أنابورنا لكي تقهريها؟"‬ ‫هل لديك أي إحساس بالرضا عن الذات بسبب جناحك يف أن تكوين قريبة من‬ ‫هدفك الذي تسعني إىل حتقيقه؟"‬ ‫حىت السنوات القليلة املاضية‪ ،‬كانت أوه شخصا غري معروف نسبيا‬ ‫خارج كوريا‪ .‬وسائل اإلعالم األجنبية كانت تعرف عن جرييلندي كالتنربونر‪،‬‬ ‫ويدورين باسابان‪ ،‬ونيفيس مريوي‪ ،‬وأعماهلن البطولية‪ ،‬مع توقع أن تتسلق واحدة‬ ‫من هؤالء النساء الثالث القمم األربع عشرة كاملة‪ .‬على أي حال‪ ،‬املوقف‬ ‫خمتلف متاما اليوم‪ .‬أوه أونسون‪ ،‬اليت كانت منذ زمن طويل توصف باحلصان‬ ‫األسود‪ ،‬تلقى اليوم اهتماما متزايدا من وسائل اإلعالم‪ .‬ويف وقت قريب جدا‪،‬‬ ‫كتبت نشرات‪ ،‬ومؤسسات إعالم أجنبية مبا فيها صحف إسبانية و"إكسبلوريرس‬ ‫ويب" مقاالت عن أوه وعن جهودها للحصول على اللقب البطويل‪.‬‬ ‫‪ 66‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫"ليس لدي وقت للرضا عن ذايت‪ .‬علي أن أبقي عيين مفتوحة على إدورين‬ ‫باسابان‪ .‬إهنا متسلقة قوية جدا وهناك العديد من متسلقي جبال األلب واجلبال‬ ‫الشاهقة األخرى ووسائل اإلعالم يف إسبانيا تدعمها‪ .‬إهنم لن يتخلوا عنها‪ ".‬كان‬ ‫قلقها واهتمامها ظاهرين‪ .‬تعتقد بكل صدق أهنا ال ميكنها الرضا عن ذاهتا حىت‬ ‫تكمل هدفها النهائي‪ .‬ويف احلقيقة‪ ،‬هناك أسباب حقيقية للقلق‪ .‬ومبوضوعية أكثر‬ ‫فإن أوه تقف على موقع مناسب جدا لكي تصبح أول متسلقة حتقق هذا اإلجناز‬ ‫البطويل‪ ،‬مع حقيقة أنه مل يبق أمامها إال قمة واحدة من ‪ 14‬قمة‪.‬‬ ‫" يف احلقيقة‪ ،‬فإن الضغط يشتد علي ألن احتمال أن أصبح أول امرأة‬ ‫متسلقة حتقق هذا اللقب أصبح قريبا‪ .‬علي أن أعمل الكثري من أجل احلفاظ‬ ‫على بنييت‪ ".‬إهنا حمقة‪ .‬ال شيء ميكن أن يؤخذ على عواهنه على اعتبار أنه من‬ ‫املسلمات‪ .‬كل ما يلزم لتغيري سري األمور هو عثرة طفيفة‪ .‬ومع ذلك علينا مجيعا‬ ‫أن نفتخر هبذا اإلجناز الذي حققته امرأة من كوريا اليت تصل أعلى قمة فيها إىل‬ ‫‪ 2000‬متر فقط‪ ،‬ونعتز أيضا بقدرهتا على أن تتفوق يف هذه املنافسة املذهلة على‬ ‫النساء األوروبيات اللوايت ميتلكن بنية جسدية أقوى‪.‬‬ ‫أوه هي املتسلقة الثالثة من آسيا اليت تصل إىل أعلى قمم القارات السبع‪.‬‬ ‫وهي أيضا معروفة بأهنا تسلقت ‪ 11‬قمة يف جبال األلب دون احلاجة إىل‬ ‫أوكسجني‪ .‬إحدى امليزات الالفتة للنظر فيها هي السرعة الكبرية اليت تستطيع‬ ‫احلفاظ عليها أثناء تسلقها‪ .‬وبشكل خاص تكيف جسمها مع قلة األوكسجني‬ ‫يف املرتفعات العالية‪ ،‬وهي ال تتعب وال تكل يف تقدمها لألعلى‪ .‬رغبتها يف‬ ‫التسلق وحيدة‪ ،‬دون أن يكون معها أعضاء من فريق شريبا‪ ،‬هو جانب آخر من‬


‫منطها الفريد‪.‬‬ ‫قهرت قميت جبلي ماكالو ولوتسي سنة ‪ ،2008‬وقهرت كال من قميت‬ ‫"كانغتشيجونغا" و"ذاوالغيلي" يف ربيع هذا العام‪ .‬مث تسلقت نانغا باربات‬ ‫وكاشريبروم ‪ 1‬يف هذا الصيف (املاضي) مث انطلقت لتتحدى أنابورنا‪ ،‬وهي‬ ‫قمتها النهائية‪ ،‬يف خريف ‪ .2009‬لسوء احلظ‪ ،‬أجربت على التخلي عن حماولتها‬ ‫يف حتطيم الرقم القياسي بسبب الطقس الشديد الربودة يف منحدرات أنابورنا‪.‬‬ ‫طبقا ملا ذكرته أوه‪ ،‬فقد كان واضحا أن اهلماليا لن ترحب هبا‪".‬‬ ‫عوامل خارجية‬ ‫مع كل هذا يبدو أن سعي أوه البطويل ال ميضي دون أخذ حصته من‬ ‫النقد‪ ،‬فالعديد من النقاد تناولوا قضية املتطلبات املبالغ فيها املفروضة على رعاهتا‬ ‫وكفالئها املشتركني‪ ،‬كما رأوا أن هناك مبالغة يف جعل املنافسة حامية‪ ،‬ورغبة‬ ‫أوه يف تعريض نفسها للخطر رغم األسئلة احلائرة حول قدراهتا الشخصية كانت‬ ‫مثار جدل آخر‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن هناك اهتمامات أيضا تدور حول املساعدة‬ ‫كبرية احلجم اليت تلقتها أوه يف مساعيها األخرية‪ .‬على أي حال‪ ،‬بناء على نظريتها‬ ‫يف تسلق اجلبال‪ ،‬ترى أن هذه االنتقادات غري مبنية على أسس وغري مدعمة‪ .‬قبل‬ ‫كل شيء ليعلم اجلميع أن كل متسلق من النخبة يكون مصحوبا بفريق "شريبا"‬ ‫‪ sherpa‬يف حماوالته لتسلق جبال اهلماليا‪ ،‬إضافة إىل تلقيه ريعا من اإلعالنات‬ ‫التجارية‪.‬‬ ‫أوه أشارت سريعا إىل أن الرعاة املشتركني مل ينفذوا هلا أبدا متطلبات غري‬ ‫منطقية‪ ،‬وجيب التنبيه إىل أهنا هي الوحيدة اليت جيب أن تقرر أي القمم سوف‬ ‫تتسلق واالستراتيجية اليت ستتبعها هلذا التسلق‪ .‬يف النهاية‪ ،‬ملا كانت املتسلقة أوه‬ ‫هي املسؤول األول والنهائي عن سالمتها الشخصية‪ ،‬فهي اليت تتخذ اإلجراءات‬

‫اليت تضمن سالمتها الشخصية‪ .‬يف الواقع‪ ،‬مع أن املخاطر اليت هتدد احلياة يف تسلق‬ ‫اجلبال تكمن يف كل خطوة على طول الطريق‪ ،‬فليس هناك راع ميكن أن يفرض‬ ‫ما يعرض حياة متسلق خلطر غري ضروري‪.‬‬ ‫رفع " يل وجيي" صوته عاليا ـ وهو األمني العام لالحتاد الكوري ملتسلقي‬ ‫اجلبال‪ ،‬وهي أكرب مجعية ملتسلقي اجلبال يف كوريا ـ قائال‪" :‬أولئك الذين يعرفون‬ ‫القليل عن تسلق اجلبال يبدو أن لديهم موقفا سلبيا من هذه الرياضة‪ ،‬اليت ميكن‬ ‫أن تسمى حتدي املجهول"‪ .‬وقد أراد أيضا أن يشدد‪" :‬على أن "االدعاءات بأن‬ ‫هذه الرياضة تتميز بالتنافس الشديد والنظرة التجارية تنبع من اجلهل بطبيعة‬ ‫التحديات اليت يواجهها متسلقو اجلبال"‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فإن الشهرة اليت تسعى‬ ‫أوه لتحقيقها هبذا العمل البطويل تنبع من قدرهتا على التغلب على خماطر كبرية‬ ‫مثل هذه من خالل تضحيتها الشخصية‪.‬‬ ‫أثناء دراستها يف جامعة "سوون"‪ ،‬التحقت أوه أونسون بنادي مدرسة‬ ‫متسلقي اجلبال الشاهقة‪ ،‬حيث تلقت تدريبا عمليا على تسلق اجلبال‪ .‬يف سنة‬ ‫‪ ،1993‬قامت بأول حماولة هلا للوصول إىل قمة جبل عاملية‪ ،‬ولكنها مل تنجح يف‬ ‫تسلق جبل إفرست‪ .‬وال خيفى أن فشلها وانتكاساهتا املتكررة يف سنينها األوىل‬ ‫هي اليت جعلتها على ما هي عليه اليوم من الشهرة بعد مثابرهتا‪ .‬وقد بثت حمطة‬ ‫اإلذاعة الكورية فيلما وثائقيا عن خربهتا يف التسلق‪.‬‬ ‫"أبدو كما لو أين أخضع إىل مراقَبة‪ .‬تتابعين الكامريات يف مجيع األوقات‪.‬‬ ‫أبذل جهدي ألكون متعاونة يف التصوير‪ ،‬ولكن خيميت كانت بعيدة جدا‪".‬‬ ‫اعترفت أوه أونسون بإحساس متنام بالعبء بسبب الضغط املتصاعد عليها‬ ‫لتحقيق النجاح‪ .‬ومثلما أهنا تكيفت مع الوقوف حتت املجهر دائما‪ ،‬فسوف‬ ‫تتكيف مع االهتمام املتزايد هبا وتصوير حماولتها لتسلق أنابورنا‪ ،‬القمة النهائية‬ ‫للهماليا يف فيلم كما ميكن أن تنقل نقال حيا يف كوريا‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪67‬‬

‫‪3‬‬


‫على الطريق‬

‫كيمتشون‬

‫مشهد جميل ينبع من مياه صافية‬ ‫نسبة لموقعها الذي تمر به طرق مواصالت هامة بين مدينتي سيول وبوسان مثل الطريق الوطني رقم ‪ ،4‬وطريق‬ ‫"كيونغبو" السريع‪ ،‬وسكة حديد "كيونغبو" السريعة‪ ،‬فإن "كيمتشون" بحق بوابة مقاطعة "كيونغسانغ" الشمالية‪ .‬هذه المدينة‬ ‫التي يتخللها نهر يتدفق عبرها‪ ،‬وتحتوي على العديد من المعابد القديمة في جبالها ووديانها ـ وبما أنها مركز مواصالت‬ ‫هام ـ فقد تعرضت لكثير من الدمار أثناء الحرب الكورية‪.‬‬ ‫كيم هيونغ يون كاتب مقاالت | كيم يونغ تشول مصور‬ ‫‪ 68‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫‪2009 Koreana | Winter 68‬‬


‫أرضيات معبد «جيكجيسا» تحت شمس الخريف‪ .‬مجموعة من بالطات‬ ‫السقف‪ ،‬كتبت عليها أسماء المتبرعين للمعبد‪ ،‬وسوف تستخدم في‬ ‫النهاية في جدران المعبد‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪69‬‬


‫آخر‬

‫زيارة يل لكيمتشون كانت قبل عشر‬ ‫سنوات حلضور حفل زفاف قريبة يل ُزفت إىل‬ ‫شاب من املدينة‪ .‬منذ ذلك الوقت كنت أمر عرب‬ ‫املدينة فقط‪ ،‬ومل أتوقف لإلقامة فيها أبدا‪ .‬وفجأة‬ ‫طاف بفكري انطباعي السابق بأن كيمشون مدينة‬ ‫فيها فراغات وأماكن خالية كثرية تنتظر من ميلؤها‪.‬‬ ‫من الناحية اجليوسياسية‪ ،‬تقع يف منتصف املحور‬ ‫الرأسي الطويل الذي يربط سيول مبدينة بوسان‪.‬‬ ‫طرق السكة احلديدية الوطنية الكورية‪ ،‬وطرق‬ ‫السيارات الوطنية‪ ،‬والطرق السريعة كلها متر من‬ ‫عرب هذه املدينة‪ ،‬مشكلة بذلك مركزها االستراتيجي‬ ‫للمواصالت‪.‬‬ ‫مدينة ذات ينابيع ذهبية‬ ‫هناك هنر جيري يف منتصف كيمتشون‪ ،‬امسه‬ ‫هنر "كامتشون"‪ ،‬جتتمع فيه املياه من عدد ال حيصى‬ ‫من اجلداول والروافد اليت تصل إىل كل زواية يف‬ ‫املدينة مثل األوعية الدموية الدقيقة‪ .‬وبسبب جريانه‬ ‫من اجلنوب إىل الشمال الشرقي‪ ،‬فإن هنر "كامتشون"‬ ‫ينحدر ليصب يف هنر أكرب بكثري هو هنر "ناكدونغ"‪،‬‬ ‫ومنذ قرن مضى كانت املياه شديدة العمق طيلة أيام‬ ‫السنة وحتمل األمالح اليت تأيت هبا من أسفل النهر‪.‬‬ ‫ارتفع جمرى النهر إىل مستواه احلايل بسبب التغريات‬ ‫الطبيعية‪ ،‬مثل الفيضانات واألعاصري‪.‬‬ ‫بالنسبة للمواطنني يف كيمتشون‪ ،‬فإن النهر هو‬ ‫كزن مثني جدا‪ .‬يف فصل الصيف يصبح مكانا للسباحة‬

‫وصيد األمساك‪ .‬على الرغم من أن زياريت األخرية‬ ‫له كانت يف أوائل فصل اخلريف‪ ،‬فإن بعض الناس‬ ‫كانوا ال يزالون هناك يرفعون بناطيلهم وخيوضون‬ ‫بأرجلهم يف املاء لصيد األمساك الصغرية واحللزون‬ ‫األسود‪ .‬العديد من الناس كان ميكن رؤيتهم ميشون‬ ‫أو يهرولون على طول املمرات املنظمة بشكل جيد‪،‬‬ ‫واليت حتاذي ضفيت النهر‪ ،‬يف مقابلة للمنظر البديع‬ ‫لنباتات قصب املاء وطيور الشتاء‪.‬‬ ‫سائق التاكسي الذي نقلين ألجتول يف املدينة‬ ‫نبهين بتباه إىل املياه اليت تزود هبا املدينة قائال إن ماء‬ ‫احلنفية يشربه املواطنون مباشرة يف كيمتشون‪ ،‬وال‬ ‫يأيت من اخلزانات بل مباشرة من اآلبار اجلوفية يف‬ ‫باطن األرض‪ .‬مل أفهم ذلك متاما‪ ،‬لذا أجريت اتصاال‬ ‫هاتفيا مع دائرة إمدادت املياه يف مدينة كيمتشون‬ ‫وسألتهم عن األمر‪ .‬أخربوين بأن هناك مقرا لتجمع‬ ‫املياه قد مت بناؤه على عمق ‪ 40‬مترا حتت النهر لكي‬ ‫جيتمع فيه املاء املصفى من خالل مروره بطبقات‬ ‫الرمل يف جمرى النهر‪ ،‬ومن مث يصفى مرة أخرى‬ ‫ويعقم يف البيوت‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن مياه حنفيات‬ ‫كيمتشون هي مياه جارية مصفاة بصفة طبيعية بدال‬ ‫من مياه اخلزانات ونوعيتها أفضل من ماء احلنفيات‬ ‫يف املناطق األخرى‪.‬‬ ‫يف املنطقة املجاورة "نامسان‪-‬دونغ" يف‬ ‫كيمتشون هناك ينبوع يسمى "كواهاتشون"‪،‬‬ ‫والذي يعترب رمزا ملاء املدينة‪ .‬اسم هذا الينبوع‬ ‫احلايل أطلق عليه خالل عصر مملكة "جوسون"‬

‫(‪ )1910-1392‬من قبل جنرال صيين مساه على‬ ‫اسم ينبوع يف مدينته اليت ولد فيها‪ ،‬ولكن قبل ذلك‬ ‫كان يسمى "كوجنيتشون"‪ ،‬أو "جوتشون"‪ ،‬واليت‬ ‫تعين "هنر املشروبات الكحولية املقطرة"‪ ،‬فقد كانت‬ ‫املشروبات الكحولية تقطر من هذا املاء‪ ،‬وحىت‬ ‫اليوم هو منتج مشهور ويعترب مبعث اعتزاز ألهل‬ ‫كيمتشون‪.‬‬ ‫االسم اآلخر القدمي "كوجميتشون" ومعناه‬ ‫"جدول الذهب"‪ .‬يف الفلسفة الشرقية القدمية للعناصر‬ ‫اخلمسة الذهب يأيت قبل املاء وهو العنصر الذي ينتج‬ ‫منه املاء‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن اسم كيمتشون يعين‬ ‫أيضا "جدول نبع الذهب"‪ .‬إذا جتولت يف املدينة‬ ‫وأنت حتمل مثل هذه األفكار‪،‬فستالحظ أن املاء‬ ‫هنا صاف بشكل استثنائي‪ .‬اجلداول اليت تتدفق يف‬ ‫احلقول واألهنار الفرعية األخرى‪ ،‬وتتخلل األودية‬ ‫هي مناظر غري عادية‪ .‬عند عوديت لغرفيت‪ ،‬وقد‬ ‫استراح فكري‪ ،‬شربت املاء من احلنفية مباشرة‪.‬‬ ‫اإلقامة في منازل في أعماق اجلبال‬ ‫أمضيت ليلة يف بيت خاص يف قرية اجلبل على‬ ‫ارتفاع ‪ 800‬متر فوق سطح البحر‪ .‬كان البيت يقع‬ ‫يف وادي "سودو" يف منتصف منحدر جبل "سودو"‬ ‫يف الضواحي اجلنوبية للمدينة‪ .‬حبثت عن قرية‬ ‫سودو يف اإلنترنت ووجدهتا مكانا مجيال‪ ،‬خمبأة مثل‬ ‫جوهرة يف الغابة مع صخور عريضة مستوية‪ ،‬وأبقار‬ ‫وشالالت‪ .‬يف فصل الصيف‪ ،‬يقال إهنا جتذب ما‬

‫‪ 1‬جدول «كامتشون» هو مكان للترفيه وقضاء أوقات‬ ‫ ‬ ‫النزهة بالنسبة لسكان كيمتشون‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪ 70‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫‪ 2‬صالة «بيروجون» (صالة معبد فاروكونا) في معبد‬ ‫جيكجيسا‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫بني ‪ 3000‬إىل ‪ 4000‬زائر يوميا‪ .‬كانت يل رغبة‬ ‫ملحة لتبليل رجلي باملاء هناك ولكن ذلك مل حيدث‪.‬‬ ‫كلما ارتفعت إىل األعلى أصبحت أمجات األشجار‬ ‫الشوكية أشد كثافة جاعلة االقتراب من املاء غري‬ ‫ممكن‪ .‬كان علي أن أكتفي مبراقبة ومشاهدة تدفق‬ ‫الشالالت يف اجلداول واألهنار من خالل أغصان‬ ‫الشجريات يف الغابة‪.‬‬ ‫مالك البيت الذي استأجرته كان يعمل يف‬ ‫قطاع اإلنشاءات يف مدينة "ديغو" قبل أن تنتقل‬ ‫عائلته إىل هنا مسقط رأسه قبل ‪ 20‬سنة‪ .‬كرب‬ ‫األطفال وانتقلوا إىل املدن الكبرية‪ ،‬لذا فاملالك‬ ‫وزوجته‪ ،‬وأصلهما من سيول‪ ،‬بقيا هنا يديران‬ ‫فندقا صغريا ومطعما وباإلضافة إىل ذلك يزرعان‬ ‫امللفوف‪ ،‬والبطاطا وأشجار التفاح‪ ،‬ويربيان‬ ‫الدواجن‪ ،‬واخلنازير‪ ،‬والنحل‪.‬‬

‫دعا الزوجان الضيوف غري املتوقعني الذين‬ ‫وصلوا قريبا مع الغروب ملشاركتهما يف تناول طعام‬ ‫العشاء‪ .‬تألفت الوجبة من األزر املطبوخ والفاصوليا‪،‬‬ ‫وشوربة فول الصويا‪ ،‬والتوفو املقلي‪ ،‬والكيمتشي‪،‬‬ ‫وأوراق السمسم املحفوظة يف صلصة الصويا‪،‬‬ ‫والفجل املجفف املحفوظ أيضا يف صلصة الصويا‪.‬‬ ‫بالنسبة يل بدت وجبة رائعة ولكن املضيف كان‬ ‫يعتقد أن الوجبة مل تكن بالشكل الذي يتصوره‪،‬‬ ‫خرج وعاد ومعه بعض البيض‪ ،‬كان أطول من‬ ‫البيض العادي وطبخه بالزيت يف قالية وكان ذهيب‬ ‫اللون ولذيذا‪.‬‬ ‫معبدا جيكجيسا وتشونغآمسا‬ ‫هناك العديد من املعابد القدمية يف منطقة‬ ‫كيمتشون‪ .‬عندما وصل الفكر الديين البوذي من‬

‫الصني إىل كيمتشون‪ ،‬حاولت تصديره إىل مملكة‬ ‫شيال ولكن هذه الدولة الصغرية احلجم يف اجلنوب‬ ‫مل تكن لديها رغبة يف تقبله‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫البوذية مل تنتقل مباشرة إىل "كيونغجو"‪ ،‬عاصمة‬ ‫شيال‪ ،‬ولكن إىل كيمتشون‪ ،‬بوابة "كيونغجو"‪.‬‬ ‫وهذا هو السبب يف وجود عدد كبري من املعابد‬ ‫يف املدينة‪.‬‬ ‫معبد جيكجيسا الذي حيتفظ بالشكل األصلي‬ ‫من البوذية الكورية‪ ،‬بين سنة ‪ 417‬عندما نقل‬ ‫الراهب آدو البوذية إىل مملكة شيال خالل حكم‬ ‫امللك نوجلي‪ .‬وعلى مدى املائة وعشر سنوات التالية‬ ‫كانت مركزا للدعاية للبوذية إىل أن تبنت مملكة شيال‬ ‫هذه الديانة كآيديولوجيا للحكم يف سنة ‪.527‬‬ ‫ نييت األصلية كانت اإلقامة هناك لليلة‬ ‫حتت برنامج اإلقامة يف املعبد‪ ،‬لكسب خربة حقيقية‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪71‬‬


‫يف املعبد الرئيسي رقم ‪ 24‬حبسب الترتيب يف‬ ‫"جوغيه"‪ ،‬وهذا كان هو السبب يف اختياري ليلة‬ ‫السبت‪ .‬ولكن بسبب إنفلونزا اخلنازير مل يكن املعبد‬ ‫يستقبل أي ضيوف ميضون ليلة يف املعبد‪ .‬يف مساء‬ ‫ذلك اليوم اخلريفي الناضر‪ ،‬كان جيكجيسا مزدمحا‬ ‫بالزوار‪ .‬وكان األمر كذلك عندما زرته قبل عشر‬ ‫سنوات مضت‪ .‬التمثال البوذي الثالثي يف صالة‬ ‫املعبد الرئيسية "ديوونغجون" كان ذا رونق وأهبة‬ ‫كما هي حالته دائما‪ ،‬يستقر أمام لوحة معلقة كبرية‬ ‫مرسومة بعناية وذات ألوان براقة‪ .‬أعمال الرسوم‬ ‫امللونة يف السقف الداخلي أيضا كانت مجيلة عندما‬ ‫تذكرهتا‪ .‬وكالعادة‪ ،‬كانت النساء يغسلن أطفاهلن‬ ‫للصالة ويغسلن أيديهن أمام صورة بوذا فريكونا اليت‬ ‫مت طالؤها بالذهب سنة ‪.1992‬‬ ‫ إن سحر اهلندسة املعمارية الكورية‬ ‫يكمن يف قيودها وبساطتها‪ ،‬اليت تظهر يف العديد من‬ ‫البنايات يف جيكجيسا‪ .‬يف املاضي كان لون املباين‬ ‫املدهونة قويا حلداثة عهدها وقد كانت غري مرحية‬ ‫عند النظر إليها‪ ،‬ولكن بفضل تقنيات الدهن املطورة‬ ‫حديثا فإن األلوان أصبحت أمجل بكثري‪ ،‬وتسر‬ ‫الناظرين‪ .‬إضافة إىل املباين‪ ،‬فإن احلدائق الصغرية‬ ‫الساحرة املنظر تعطي املعبد مجاال رشيقا‪ .‬إذا كان‬ ‫هناك شيء يندم اإلنسان عليه فهو الكثافة العالية‬

‫مقارنة باملساحات املفتوحة‪.‬‬ ‫ هذا هو السبب الذي جعل أماكين‬ ‫املفضلة للزيارة هي احلدائق كثيفة األوراق خلف‬ ‫القاعة الرئيسية والوادي اهلادئ اآلمن اجلميل‬ ‫واملنعزل نوعا ما على املمر بني قاعة فريكونا‬ ‫وقاعة "جوساجون" (قاعة جوسا)‪ .‬كانت‬ ‫كما رأيتها قبل عشر سنوات‪ .‬ونفس اجلاذبية‬ ‫والروعة متيزت هبا احلديقة الواقعة إىل الغرب‬ ‫من متحف املعبد‪ ،‬وأيضا املدخنة اليتيمة املعزولة‬ ‫اليت تشبه شكل الربج واملصنوعة من قطع من‬ ‫البالط املمزوج بالطني تقف عالية يف احلديقة‪.‬‬ ‫يف هذه املرة اكتشفت شيئا جديدا‪ ،‬فعلى اجلانب‬ ‫املقابل من املتحف يف مكان أبعد قليال كان هناك‬ ‫موقع لبوابة قدمية‪ .‬عندما فتحت البوابة ودخلت‪،‬‬ ‫وجدت نفسي يف أمجة صغرية من شجر اخليزران‪.‬‬ ‫وباحنناءة صغرية لكي أحتاشى األوراق مشيت يف‬ ‫ممر ضيق عرب األشجار قادين إىل حديقة ذات مرج‬ ‫اُعتُين به جيدا‪ .‬على أحد جانبيه هناك بناء صغري‬ ‫يعد فيه الشاي‪ .‬بقيت فترة طويلة أجتول يف احلديقة‪.‬‬ ‫فكرت يف أن أطلب شايا من أي شخص يظهر يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬ولكن بعد فترة طويلة مل يكن هناك أثر ألي‬ ‫شخص‪ .‬لقد أحببت هذا الوضع‪.‬‬ ‫ مما الحظته يف الزيارة األخرية إىل‬

‫‪1‬‬

‫جيكجيسا ـ والذي مل أدركه من قبل ـ أن‬ ‫معبد جيكجيسا فيه عدد كبري من الينابيع مقارنة‬ ‫باملعابد األخرى‪ .‬أحصيت ‪ 11‬داخل األرضيات‪.‬‬ ‫املدافع احلجرية اليت تدفع املاء إىل األمام كانت كلها‬ ‫يف أماكن رئيسية‪ ،‬وبالتايل ميكن ألي شخص أن‬ ‫يشرب ما يشاء من املاء‪ .‬مرة أخرى تذكرت ما‬ ‫مسعته عن كيمتشون من قبل بأهنا بلد املاء النقي‬ ‫الصايف‪.‬‬

‫إن رافد النهر املسمى "كواهاتشون"‪ ،‬مشهور مبياهه الصافية‪ ،‬وهو الرافد الرئيسي الذي جيري عرب مدينة كيمتشون‪ .‬وكان يسمى يف السابق "جوتشون"‪ ،‬وتعين‬ ‫حرفيا "جدول املشروبات الكحولية املقطرة‪ ،‬وذلك ألن املشروبات الكحولية اليت ختمر من هذا املاء اشتهرت مبذاقها وشذاها‪" .‬كواهاجو"‪ ،‬املشروب الكحويل‬ ‫الذي ما زال خيمر من هذه املياه حىت اآلن‪ ،‬هو منتج معروف‪ ،‬وهو مبعث اعتزاز للمجتمع املحلي يف كيمتشون‪.‬‬

‫‪ 1‬تذكار حجري كتب عليه «ينبوع المشروبات في‬ ‫ ‬ ‫وادي الذهب» يقف وراء عين «كواهاتشون»‬ ‫الذي تستخدم مياهه النقية في تخمير مشروب‬ ‫«كواهاجو»‪ ،‬وهو مشروب محلي مشهور‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪ 72‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫‪ 2‬بوابة «تشونوانغمون» في معبد جيكجيسا‪.‬‬

‫‪ 3‬وادي سودو يقع إلى الجنوب من كيمتشون‪.‬‬


‫معبد سودوآم‬ ‫عندما استيقظت يف صباح اليوم التايل يف‬ ‫غرفيت اليت تقع يف أعلى وادي سودو‪ ،‬ذهبت للبحث‬ ‫عن معبد صغري يسمى سودوآم‪ ،‬ووجدت أنه ميكن‬ ‫الوصول إليه مشيا على األقدام ملدة ‪ 20‬أو ‪ 30‬دقيقة‬ ‫يف أعلى التلة‪ .‬يف أي معبد تكون الساحة دائما صعبة‬ ‫التحديد‪ .‬وعند وصول أول خيط من ضوء الشمس‪،‬‬ ‫دخلت الساحة يف محام دافئ‪ ،‬وقد كان أحدهم‬ ‫منشغال بكنسها منذ الفجر‪ .‬بالنسبة لألشخاص‬ ‫العاديني كانت ساعة مبكرة ولكن يف ذلك الوقت‬ ‫أقام رهبان املعبد واجبهم الصباحي وأهنوا إفطارهم‬ ‫واستقروا يف الغرف‪ .‬يف مجيع األحوال كان فناء‬ ‫املعبد هادئا‪.‬‬ ‫أسس معبد سودوآم سنة ‪ 859‬من قبل املعلم‬ ‫الوطين "دوسون" يف عهد شيال‪ ،‬وقد مت حرقه يف‬ ‫انتفاضة فالحي "دونغهاك" خالل عصر مملكة‬ ‫جوسون‪ .‬صور حجارة معبد بوذا فريكونا (الكزن‬ ‫رقم ‪ )307‬منصوبة يف القاعة الرئيسية‪ ،‬وهي متثل‬ ‫الصور البوذية من منط عهد شيال املوحدة من القرن‬ ‫التاسع من حيث احلجم والشكل‪ .‬إىل الشرق من‬ ‫القاعة الرئيسية توجد قاعة بوذا للطب والدواء‪ ،‬كما‬ ‫يوجد متثال حجري‪ ،‬وقد مت تصنيفه على أنه يف‬ ‫مستوى الكزن‪ .‬املعابد متعددة الطوابق اليت يتألف‬ ‫الواحد منها من ثالثة طوابق واليت تقف يف الساحة‪،‬‬ ‫شرقا وغربا أمام الصالتني‪ ،‬مت تصنيفها أيضا على أهنا‬ ‫كنوز وطنية‪.‬‬ ‫ما يدعو لألسف أين ال أستطيع أن أعطي‬ ‫تقييما مناسبا لنحت بوذا فأنا أقل من ذلك‪ ،‬فهذا‬ ‫التمثال كزن‪ ،‬ولكن الطوابق العالية اليت هلا درج من‬ ‫احلجر يوصل إىل الصالة الرئيسية والساحة العريضة‬ ‫البيضاء كانت ملهمة إىل أبعد احلدود‪ .‬تسمرت‬ ‫يف مكاين وبقيت كأين سكرت حىت الثمالة جبمال‬ ‫منظر الشمس وهي تشرق فوق معبد اجلبل من أعلى‬ ‫يدي‬ ‫وأسفل الدرج‪ ،‬ومل أستطع أن أحرك عضالت ّ‬ ‫إال بعد أن نزلت إىل األسفل‪.‬‬ ‫معبد تشونغآمسا‬ ‫على بعد ما يقارب كيلومترين إىل الشرق من‬ ‫سودوآم‪ ،‬يقع معبد مشهور جدا يسمى تشونغآمسا‪.‬‬ ‫بعد االستقصاء عن هذا املعبد يف مركز كيمتشون‬ ‫الثقايف‪ ،‬جتولت فيه مبساعدة دليلة متطوعة‪ ،‬وهي‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪73‬‬

‫‪3‬‬


‫‪ 1‬مدخنة في معبد جيكجيسا‪ ،‬على شكل «باغودا»‬ ‫متعددة األدوار‪ ،‬مصنوعة من قطع من البالط‬ ‫والطين‪.‬‬

‫‪« 2‬هاهويتيك» لعشيرة «يو» من إقليم سونغسان في‬ ‫ ‬ ‫قرية «كوسونغ‪-‬ميون»‪ ،‬هو بيت يرجع تاريخه‬ ‫إلى القرن الثامن عشر‪ ،‬وهو ممتلك ثقافي إقليمي‬ ‫يحمل الرقم ‪ 388‬في مقاطعة كيونغسانغ الشمالية‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫السيدة "مون مال سون"‪ ،‬اليت فرغها املركز ملساعديت‪.‬‬ ‫امرأة يف أواخر الثالثينات وقد كانت تدير مطعما‬ ‫على بعد كيلومترين من املعبد‪ ،‬وكانت مهذبة جدا‬ ‫وذات كفاءة عالية يف اإلرشاد السياحي‪.‬‬ ‫يقال بأن املعبد بناه الراهب البوذي الكبري‬ ‫"دوسون"‪ .‬وقد ولد يف يونغآم‪ ،‬مقاطعة جوال‬ ‫اجلنوبية‪ ،‬وأصبح راهبا وهو يف سن ‪ .15‬كان‬ ‫متميزا بشكل رائع يف فن الضرب بالرمل‪ ،‬ويبدو أنه‬ ‫كان يتجول فعال حبرية يف أحناء البالد‪ .‬ميكن رؤية‬ ‫بصماته يف العديد من املعابد اليت بناها يف مواقع‬ ‫رائعة املشهد‪ ،‬مبا يف ذلك معبد دوسونسا يف أووي‪-‬‬ ‫دونغ يف سيول‪.‬‬ ‫االسم تشونغآمسا "معبد الصخور اخلضراء"‬ ‫ومصدر هذا االسم صخور الوادي املغطاة‬ ‫‪ 74‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫بالطحالب‪ .‬على يسار املمر الذي يؤدي إىل املعبد‬ ‫هناك سور صخري وهو حقا مكسو بالطحالب‪.‬‬ ‫الينبوع الصغري يف اجلهة املقابلة يسمى "أوبيتشون"‪.‬‬ ‫من منظور الضرب بالرمل فإن تضاريس األرض يف‬ ‫هذا املعبد يقال بأهنا على شكل "بقرة تتنحين لتشرب‬ ‫من األرض" ويف الينبوع تشكل أنف تلك البقرة‪.‬‬ ‫أنف البقرة السليمة رطب دائما‪ ،‬ومن جهة أخرى‬ ‫كان يعتقد سابقا أن األمة واملعبد ازدهرا عندما كان‬ ‫النبع يتدفق باملاء‪ .‬ذكرت يل املرشدة "مون" أن النبع‬ ‫كان جيف يف أوقات األزمات الوطنية‪.‬‬ ‫ذكرت املرشدة مون مرتني خالل جتوايل يف‬ ‫املعبد أنه من الصعب الكالم داخل املعبد‪ ،‬كانت‬ ‫تعين أهنا ختاف أن يكسر صوهتا سكون وهدوء‬ ‫املعبد‪ .‬تشونغآمسا معبد تشرف عليه راهبات إناث‬

‫وهو مقر جامعة لتدريب الراهبات‪ .‬هلذا السبب‬ ‫كانت مون شديدة احلرص يف كالمها وسلوكها‪.‬‬ ‫مسعت عن اجلامعة ولكن مل أدرك أن برناجمها كان‬ ‫للراهبات اإلناث عندها فقط أدركت ملاذا العديد‬ ‫من الراهبات النحيفات اجلسم فقط هن اللوايت ميكن‬ ‫رؤيتهن يف أرضيات املعبد‪.‬‬ ‫على عكس املعابد األخرى يف كوريا‪ ،‬فإن‬ ‫هذا املعبد ال توجد مطاعم بالقرب من مدخله‪،‬‬ ‫والوصول إليه غري متاح بسهولة‪ .‬على كل حال‪،‬‬ ‫داخل مباين املعبد فإن اجلو الذي توفره الشابات‬ ‫دافئ وحيوي‪.‬‬ ‫املبنيان الرئيسيان للمعبد "كوكناكجون"‬ ‫و"نامبيولدانغ" ميكن أن يشاهدا عرب اجلدول‪ .‬الثاين‬ ‫منهما هو املسكن الذي كانت تقيم فيه امللكة‬ ‫"إهنيون"‪ ،‬الزوجة الثانية للملك سوكجونغ من‬ ‫مملكة جوسون‪ ،‬وقد عاشت يف مهاوي اجلبال ملدة‬ ‫ثالث سنوات بعد جتريدها من لقبها سنة ‪.1689‬‬ ‫بين هذا املبىن على النمط اهلندسي التقليدي للملكة‬ ‫املنكوبة‪ ،‬وهو اآلن مقر اجلامعة‪ .‬يف وقت زياريت‬ ‫كان الطالب يعتنون حبديقة اخلضروات أمام‬ ‫كوكناكجون وكانت بينهم متدربة شابة أجنبية‬ ‫ذات عيون شديدة الزرقة‪.‬‬ ‫ن َُدب احلرب‬ ‫يف القرية اجلبلية "بوهانغ‪-‬ميون" إىل اجلنوب‬ ‫الغريب من كيمتشون هناك مكان يسمى حارس‬ ‫بوهانغ‪ .‬وعلى الرغم من أنه صنف كممتلكات‬ ‫ثقافية ملدينة كيمتشون‪ ،‬فهو عبارة عن خملفات من‬ ‫احلرب الكورية اليت ال ميكن أن جتدها على أي‬ ‫خريطة سياحية‪ .‬هي ممتلك ثقايف يف االسم فقط‪،‬‬ ‫وهي ليست شيئا أكثر من أطالل مبان إمسنتية‪،‬‬ ‫يتجاهلها الزوار وتركت للتلف والتآكل وهي عبارة‬


‫عن كتل متشابكة من األعشاب الربية‪ .‬مل أستطع‬ ‫مقاومة التفكري يف أن هذه األطالل واملخلفات‬ ‫احلجرية ما زالت تقبع بثقل يف قلوب العديد من‬ ‫السكان املحليني يف مدينة كيمتشون‪.‬‬ ‫تذكرت أنين مسعت عن حريف ماهر لألدوات‬ ‫النحاسية امسه "كيم إيل وونغ"‪ ،‬وهو أيضا من‬ ‫مصادر اعتزاز أهل كيمتشون‪ ،‬فقد بدأ هذا الفن‬ ‫وهو يف احلادية عشرة من عمره واستمر يف صنع‬ ‫النحاسيات على مدى ‪ 62‬سنة‪ .‬خالل احلرب‪،‬‬ ‫حزم كيم أدواته وهرب باجتاه اجلنوب ووصل إىل‬ ‫"ويغوان"‪ .‬املضيف الذي نزلت ببيته أكد يل ذلك‬ ‫قائال‪ ،‬إن كيم مكث يف هذه املنطقة ألنه مل يكن‬ ‫مبقدوره اهلرب إىل أبعد من ذلك ألن اجلسر فوق‬ ‫هنر "ناكدونغ " مت تدمريه‪.‬‬ ‫كيمتشون هي املكان الذي كانت فيه‬ ‫الضربات وآثار احلرب أشد عنفا‪ .‬جنود كوريا‬ ‫الشمالية الذين استولوا على سيول بسهولة‪ ،‬استولوا‬ ‫على كيمتشون‪ ،‬وهي مركز مواصالت‪ ،‬وجعلوها‬ ‫مركزا رئيسيا للتجهيز للتقدم حنو مدن اجلنوب حىت‬ ‫مدينيت ديغو وبوسان‪ .‬ولذا‪ ،‬فقد جاءت قوات األمم‬

‫‪75 Koreana | 2009 Winter‬‬

‫املتحدة وقصفت هذه املدينة القدمية العامرة بكثافة‪،‬‬ ‫مركزة على وسطها املأهول بالسكان‪ ،‬فدمرت ‪80‬‬ ‫باملائة من املنطقة احلضرية املعمورة فيها‪.‬‬ ‫يف املعركة بني اجلانبني‪ ،‬فقدت أعداد ال حتصى‬ ‫من البشر حياهتا‪ .‬وليس اجلنود الذين حيملون البنادق‬ ‫يف أيديهم هم الذين ماتوا فقط‪ ،‬بل األهايل الذين‬ ‫كانوا حيرسون بيوهتم يف القرى اجلبلية يف أعماق‬ ‫اجلبال لقوا حتفهم دون أن يتمكنوا من الدفاع عن‬ ‫أنفسهم‪ .‬قال صاحب املزنل بأن عمه مل يفر جنوبا‬ ‫وبقي ليحرس بيته ولكنه قتل يف النهاية‪ ،‬ألنه اهتم‬ ‫مبساعدة الكوريني الشماليني‪.‬‬ ‫عندها تذكرت أول انطباعايت عن كيمتشون‬ ‫وعالم كانت ترتكز هذه االنطباعات‪ .‬على الرغم‬ ‫من أن نصف قرن قد مر على احلرب‪ ،‬فإن كيمتشون‬ ‫ما زالت ال تستطيع اهلرب من الكوابيس الليلية‪ .‬يف‬ ‫معظم القرى الريفية يف كوريا‪ ،‬حىت اآلن ميكننا رؤية‬ ‫البيوت التقليدية "هانوك" بسهولة‪ ،‬ولكن ال ميكن‬ ‫أن نرى ولو بيتا واحدا من هذا الطراز سليما مل‬ ‫يتعرض جزئيا للدمار يف كيمتشون‪ .‬البيت الوحيد‬ ‫الذي رأيته توارثه عن األجداد أبناء عشرية "يو"‬

‫من "سونغسان" يف قرية "جوما‪-‬ميون"‪ ،‬ولكن حىت‬ ‫هذا البيت ترك خاليا حىت سقط وأصبح أطالال‪.‬‬ ‫كل األشياء اجلميلة يف كيمتشون دمرت يف احلرب‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من انقضاء وقت طويل فإن كيمتشون‬ ‫ما زالت غري قادرة على ملء فراغاهتا‪.‬‬ ‫هناك جدول يسمى "بوهانغتشون" يتخلل‬ ‫القرية حيث يقف حارس بوهانغ‪ .‬مت اآلن إنشاء‬ ‫سد على هذا اجلدول‪ ،‬ويعترب واحدا من العديد من‬ ‫روافد النهر اليت هي أكسري حياة الشعب‪ .‬عندما‬ ‫يكتمل بناء السد الذي يقدر أن تبلغ سعته التخزينية‬ ‫‪ 5430‬طن من املاء‪ ،‬فإن القرية القدمية يف املنطقة‬ ‫سوف تغرق‪ .‬واستعدادا هلذا األمر‪ ،‬فقد أنشئت عدة‬ ‫طرق وأنفاق‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن مناطق السكن‬ ‫من العصر احلجري احلديث والعصر الربونزي حول‬ ‫جمرى النهر مت إخالؤها‪ ,‬هذا املكان الذي ميتزج فيه‬ ‫القدمي باحلديث كان منذ زمن بعيد موئال للبشر‪،‬‬ ‫لذا من األمهية مبكان أن نستشرف خطوات تغري‬ ‫كيمتشون يف املستقبل‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪75‬‬

‫‪2‬‬


‫طعام‬

‫‪ 76‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬


‫األرز باحملار‪:‬‬ ‫مذاق رائع للشتاء‬ ‫كلما رغب الكوريون في التم ّتع بمذاق متنوع لوجباتهم‪ ،‬أضافوا منتجات بحرية‬ ‫متنوعة إلى األرز‪ ،‬حيث يتم طبخ األرز مع هذه المكونات في‬ ‫وخضروات ّ‬ ‫طنجرة قبل أن تخلط مع صلصة التوابل‪ ،‬يمكن التمتع بذوق خاص ومختلف‬ ‫عن ذوق بيبيمباب الطبق الشعبي الذي يطبخ ويق ّدم فيه األرز والخضروات‬ ‫منفصلين‪ .‬توجد أنواع مختلفة من طبقنا هذا منها كولباب (أرز بالمحار)‬ ‫وكونغنامولباب (أرز ببراعم فول الصويا) وموباب (أرز بالفجل)‪ .‬وهذه المقالة‬ ‫خاصة باألرز بالمحار‪.‬‬ ‫شيم يونغ سون مديرة معهد شيم يونغ سون لبحوث األغذية الكورية وكاتبة "أفضل أذواق الطعام الكوري"‬ ‫آن هونغ بوم مصور‬

‫يطلق‬

‫على كول اسم كوجلوغي أي‬ ‫صدف املحار أيضا ويكتب هذا االسم «موريو»‬ ‫( ) أو «سوكهوا» ( ) باحلروف الصينية‪.‬‬ ‫املحار الذي يستعمل يف هذا الطبق هو نوع من‬ ‫الرخويات اليت تعيش يف البحر وحتيط صدفته الصلبة‬ ‫جبسمه اللدن‪ ،‬يوجد ‪ 22‬نوعا من املحار وكلّها‬ ‫صاحلة لألكل‪ .‬واستعمل املحار كمادة غذائية‬ ‫منذ فترة طويلة‪ .‬فقد اكتشفت كمية كبرية من‬ ‫صدف املحار يف خملفات تعود إىل عصور ما قبل‬ ‫التاريخ يف كوريا‪ .‬وتوجد العديد من النصوص‬ ‫اليت تتحدث عن املحار يف الكتب القدمية مثل‬ ‫<سينجونغدونغوكيوجيسونغرام> (‬ ‫‪ ،‬الدراسة املنقحة واملزيدة جلغرافيا كوريا)‪،‬‬

‫والذي حتدث عن املحار باعتبار أنه منتج حملي يف‬ ‫سبع حمافظات باستثناء مقاطعة كانغوون وهلذا ميكن‬ ‫أن يقال إن الكوريني تآلفوا مع املحار كغذاء منذ‬ ‫زمن طويل‪.‬‬ ‫املكونات والفعالية‬ ‫يلقب املحار بـ"حليب البحر" بسبب غنائه‬ ‫الغذائي‪ .‬وهو مفيد بشكل خاص للذين يعانون‬ ‫من فقر الدم ألنه غين باحلديد‪ .‬كما أنه معروف‬ ‫مبساعدته يف تقوية وظائف الكبد‪ .‬وحيتوي املحار‬ ‫على التاورين الذي يساعد يف ختفيض ارتفاع‬ ‫ضغط الدم الذي ينتج عن اإلفراط يف تناول امللح‬ ‫كما يساعد يف ختفيض نسبة الكوليسترول‪ .‬املحار‬

‫بالنسبة لألرز بالمحار إضافة الخضروات والمكسرات تساعد على تعزيز‬ ‫مذاق المحار‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪77‬‬


‫رغم أن املكون الرئيس ألرز باملحار هو املحار إال أن نكهة املحار الطبيعية نفسها تزيد بإضافة بعض املنتجات‬ ‫البحرية واخلضروات واملكسرات‪ .‬ويؤكل هذا الطبق ساخنا مع خلطة من صلصة الصويا باخلردل‪.‬‬

‫أيضا غين بفيتامينات (أ)‪ ،‬و(د)‪ ،‬و(و)‪ ،‬و(هـ)‪،‬‬ ‫ب‪ ،1‬ب‪ ،2‬سي‪ ،‬والنياسني (حامض النيكوتني)‪،‬‬ ‫والبوتاسيوم والكالسيوم والفوسفور‪ .‬الكالسيوم‬ ‫الذي حيتوي عليه املحار يتم امتصاصه سريعا داخل‬ ‫اجلسم‪ .‬باإلضافة إىل ذلك يساعد املحار يف ختفيف‬ ‫احلمى النامجة عن الغضب أو ضغط النفس‪ ،‬وخيفف‬ ‫آثار العطش ويكسو الوجه نضارة‪ .‬كما حيتوي‬ ‫املحار على بروتينات مثل احلامض األميين والليدين‪.‬‬ ‫واملحار مناسب لألطفال واملرضى وكبار السن‬ ‫بسبب لينه وسهولة هضمه‪.‬‬ ‫أعلى درجات ذوق املحار وأفضل أوقات أكله‬ ‫يف اخلريف والشتاء لذلك تعترب هذه الفترة أفضل‬ ‫فترة لتناول املحار يف كوريا‪ .‬كما حيتوي املحار يف‬

‫اختيار المحار الطازج وإعداده بالطريقة المناسبة‬ ‫يؤمن وجبة مغذية ولذيذة‪ ،‬ومفيدة في الوقاية من‬ ‫نزالت البرد في فصل الشتاء‪.‬‬ ‫‪ 78‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫هذه الفترة على كمية أكرب من اجلليكوجني املادة‬ ‫املهمة اليت ترتبط مباشرة مبستويات الطاقة واأليض‪.‬‬ ‫ويفقس املحار يف فصل الربيع ويف هناية الصيف ويف‬ ‫هذه الفترة يكون أقل لذة وحيتوي على كمية أكرب‬ ‫من املكونات اجلريية‪ ،‬ويفقد طزاجته بسرعة أكرب‬ ‫مقارنة مع الفصول األخرى‪ .‬ومن األفضل أن ال‬ ‫يؤكل املحار غري املطبوخ خالل فترة الصيف بصفة‬ ‫خاصة لزيادة املواد السمية فيه بسبب عملية النضوج‬ ‫اجلنسي اليت توثر على مذاقه‪.‬‬ ‫كيف نشتريه وكيف نستهلكه‬ ‫بالنظر لنكهة املحار الفريدة ولينه فمن األفضل‬ ‫تناوله غري مطبوخ‪ .‬عملية اختيار املحار وحفظه‬

‫وختزينه مسألة معقدة فعند االختيار ينبغي أن خيتار‬ ‫املحار احلي مىت ما كان ذلك ممكنا‪ .‬املحار الطازج‬ ‫عادة لونه أبيض مثل لون احلليب كما يكون المعا‪،‬‬ ‫وينبغي أن يكون لدنا حينما يضغط باألصبع ومع‬ ‫هذا‪ ،‬ينبغي أن خيتار املحار ذو اخلطوط الواضحة‬ ‫على جلده وأن يكون على درجة عالية من اللدانة‪.‬‬ ‫يستحسن تناول املحار بأسرع ما ميكن بعد‬ ‫شرائه‪ .‬وجيب أن حيفظ املحار يف درجة حرارة أقل‬ ‫من ‪ 10‬درجات مئوية قبل إزالة الصدفة ملدة ال‬ ‫تزيد على أسبوع من تاريخ صيده‪ .‬وبالنسبة للمحار‬ ‫املقشر جيب أن حيفظ يف مياه البحر يف أقل من ‪10‬‬ ‫درجات مئوية‪ .‬وألنه سيبدأ يف فقدان طزاجته بعد‬ ‫بضعة أيام‪.‬‬


‫األرز باحملار‪ :‬مذاق رائع للشتاء‬ ‫التمييز بني املحار الطبيعي واملحار املستزرع‬ ‫يكون من الشكل اخلارجي أو الذوق وهي عملية‬ ‫ليست سهلة‪ .‬وعلى العموم يكون حجم املحار‬ ‫املستزرع متساويا وأكرب مقارنة باملحار الطبيعي‪.‬‬ ‫ولكن ختتلف جودة كل من املحار الطبيعي‬ ‫واملستزرع حسب املنطقة وفصول السنة‪ .‬ومن‬ ‫املمكن أن يتغيّر ذوق املحار حسب طزاجته خالل‬ ‫عملية التوزيع‪ ،‬لذلك جيب أن يتم اختيار املحار‬ ‫الطازج باتباع الشروط اليت ذكرناها‪.‬‬ ‫احلفظ والطبخ‬ ‫جيب أن ال يغسل املحار وال حيفظ يف املياه‬ ‫العذبة‪ .‬وهذا مبدأ أساسي للحفاظ على مذاقه‬ ‫الطبيعي عند إزالة الصدفة والطبخ‪ .‬وأفضل طريقة‬ ‫للمحافظة على مذاقه الطبيعي هي غسله باستعمال‬ ‫املياه املاحلة‪.‬‬ ‫إن األرز باملحار طبق ممتاز ذو مذاق رائع‬ ‫وغين باملواد الغذئية‪ .‬وعلى الرغم من أن تناوله ممكن‬ ‫يف كل األوقات يف كوريا إال أن التمتع بأفضل‬ ‫مذاق له يكون باستعمال املحار اجليد واألرز‬ ‫املحصود حديثا‪ .‬سنبني بالتفصيل طريقة إعداد األرز‬ ‫باملحار مع املنتجات البحرية واخلضروات والعناب‬ ‫واملكسرات‪ ،‬مثل اجلوز والصنوبر ومثر اجلنكة‪ .‬وهي‬ ‫مكونات جتعل مذاق املحار حاذقا‪ .‬ويق ّدم هذا‬ ‫الطبق مع صلصة الصويا باخلردل‪.‬‬

‫املكونات‬ ‫‪ 3‬أكواب من األرز‪ 20 ،‬غراما من عشب البحر‪ 400 ،‬غرام من املحار‪ 100 ،‬غرام من اجلمربي‬ ‫الصغري‪ 1 ،‬أذن البحر‪ 50 ،‬غراما من الفجل‪ 30 ،‬غراما من فطر الصنوبر‪ 3 ،‬حبات من الكستناء‪،‬‬ ‫ملعقتان كبريتان من اجلنكة‪ 4 ،‬حبات من العناب‪ 1 ،‬ملعقة كبرية من اجلوز‪ ،‬زيت السمسم‪،‬‬ ‫عصري حيتوي على نكهه‪ ،‬صلصة الصويا بالنكهة البحرية‪ ،‬زيت‪ ،‬ملح‬

‫مكونات لصلصة التوابل‬

‫ملعقتان كبريتان من صلصة الصويا‪ ،‬ملعقتان من ماء عشب البحر‪ ،‬ملعقة كبرية من البصل‬ ‫األخضر(املفروم)‪ ،‬ملعقة كبرية من صلصة اخلردل‪ 1/3 ،‬ملعقة صغرية من شراب القيقب‪ ،‬ملعقة‬ ‫صغرية من شراب األترج‪ ،‬قليل من الفلفل األسود‬

‫طريقة التحضير‬ ‫‪ 1‬اغسل األرز واخلط معه زيت السمسم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 2‬اغل كوبني من املاء مع ‪ 20‬غراما من عشب البحر وملعقة كبرية من العصري املنكه وملعقتني‬ ‫كبريتني من صلصة الصويا بالنكهة البحرية وقليل من امللح‪ .‬ويتم إعداد العصري ّ‬ ‫املنكه خبلط‬ ‫عصري البصل مع عصري الثوم وعصري الزجنبيل وعصري الكمثرى‪ ،‬ويف حالة عدم وجود عصري‬ ‫حيتوي على نكهة فيمكن تركه‪ .‬تعد صلصة الصويا بنكهة حبرية بغليان صلصة الصويا مع‬ ‫األنشوفة وعشب البحر ومسك التونة الوثاب واحلبار والبصل‪ ،‬ويف حالة عدم وجود صلصة‬ ‫الصويا بنكهة حبرية ميكن استعمال صلصة الصويا بعد إضافة املاء إليها‪.‬‬ ‫‪ 3‬اغسل املحار باستعمال املياه املاحلة مث اسلقه‪ّ .‬‬ ‫وقطع اجلمربي وأذن البحر إىل شرائح‪ ،‬مث اشوها‬ ‫قشر الكستناء وأزل بذور العناب مث قطعها إىل ‪ 4‬أجزاء‪ّ .‬‬ ‫قطع الفجل إىل‬ ‫مع فطر الصنوبر‪ّ .‬‬ ‫شرائح مث اسلقها‪.‬‬ ‫‪ 4‬اطبخ األرز يف اخلطوة ‪ 1‬بعد إضافة املاء املغلي يف اخلطوة ‪.2‬‬ ‫مرة ثانية‪.‬‬ ‫‪ 5‬بعد تبخري األرز أضف إليه املكونات يف اخلطوة ‪ 3‬واخلطها جيدا مث خبرها ّ‬ ‫‪ 6‬اخلط مكونات صلصة التوابل‪ .‬وقدم األزر باملحار مع صلصة التوابل‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪79‬‬


‫نظرة من على البعد‬

‫كوريا ‪ :‬إمبراطوريات ومنشآت ُاستلهمت‬ ‫من جمال الطبيعة‬ ‫يبدأ االحتفال في الصباح باجتماع كل العائلة‪ ،‬ثم يجلس األب واألم جنبا إلى جنب ويصطف األبناء الواحد تلو اآلخر‬ ‫للسجود أمام األبوين تقديرا وشكرا لهما على ما قدماه من جهود في سبيلهم‪ ،‬بعدها يذهبون إلى المقابر للترحم على‬ ‫سلفهم وبين هذا وذاك يهنئ بعضهم بعضا‪.‬‬

‫عبد القادر عراوة ملحق اقتصادي وجتاري بسفارة اجلمهورية اجلزائرية الدميوقراطية الشعبية بسيول‬ ‫‪ -‬برنامج تعليم اللغة والثقافة الكورية للدبلوماسيني ‪-2007‬‬

‫لعل‬

‫أفضل ما ميكن أن أستهل به مقاليت هذه‪ ،‬هو تقدمي شكري للجمعية‬ ‫الكورية‪ ،‬اليت أتاحت يل فرصة زيارة كوريا‪ ،‬وتعلم اللغة الكورية والتعرف‬ ‫على ثقافة وتقاليد بلد الصباح اهلادئ‪ ،‬أشياء مل أكن ألحققها لوالها‪ .‬وذلك‬ ‫أن النشاطات والدروس اليت احتواها برنامج "تعليم اللغة والثقافة الكورية‬ ‫للدبلوماسيني ‪ -"2007‬استطاعت أن حتدث تقاربا وتفاعال إجيابيا بيننا وبني‬ ‫الثقافة واحلياة اليومية للكوريني‪.‬‬ ‫فقبل هذا الربنامج مل أكن أعلم الكثري عن الشعب الكوري‪ ،‬باستثناء ما‬ ‫يرد إلينا من املنتجات الكورية املتوافرة بكثرة يف السوق اجلزائرية مثل منتجات‬ ‫سامسونغ اإللكترونية وسيارات هيونداي‪ ،‬باإلضافة إىل ما درسناه يف املدرسة‬ ‫عن احلرب الكورية وجناحات االقتصاد الكوري‪ .‬كما متكنت من إثراء معرفيت‬ ‫بكوريا من خالل التنظيم الناجح لكأس العامل لكرة القدم سنة ‪ 2002‬وانتصارات‬ ‫الفريق الكوري على فرق عريقة يف اللعبة‪.‬‬ ‫لقد متحور الربنامج حول دروس يومية للغة الكورية مبعهد اللغات والتربية‬ ‫جبامعة سيول الوطنية‪ ،‬وزيارات ميدانية إىل مدن ومنشآت اقتصادية‪ ،‬وتدريبات‬ ‫يف التايكواندو وورشات يف اخلط والرسم الكوري ودروس يف الطبخ الكوري‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل حماضرات يف تاريخ‪ ،‬وسياسة واقتصاد كوريا مبعهد اإلدارة العامة‬ ‫بنفس اجلامعة‪.‬‬ ‫لقد أمضيت عاما مفعما بالنشاطات والفعاليات جعلته مير مرورا سريعا‪،‬‬ ‫فكلما زرت مكانا أو تعرفت على جانب من الثقافة الكورية حثين الشوق إىل‬ ‫اكتشاف املزيد‪.‬‬

‫املدن الكورية‪ ..‬حافظة للتاريخ وجذابة بجمال طبيعتها‬ ‫فمن خالل الربنامج متكنت من زيارة مدن عدة ال سيما اليت ما زالت حتتفظ‬ ‫بآثار احلضارات املتعاقبة على مدى التاريخ الكوري‪ ،‬ومنها مدينة "أندونغ" اليت‬ ‫ال تزال حتتفظ بالكثري من املنازل التقليدية حيث قضينا ليلتني ببيت شيد منذ ما‬ ‫يفوق املائيت سنة‪ .‬كما زرنا املتحف اخلاص باألقنعة اليت ارتداها الكوريون عرب‬ ‫العصور وأخرى أهديت إىل املتحف من دول أجنبية‪ .‬كما تشتهر ذات املدينة‬ ‫بوجود أقدم مدرسة لتعليم الكونفوشيوسية‪.‬‬ ‫وإن أكثر ما أحتفظ به عن أندونغ هو طبق "أندونغ جيمداك" اللذيذ‬ ‫‪ 80‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫والذي يشبه إىل حد بعيد طبق "شطيطحة دجاج" الذي حنضره باجلزائر‪ ،‬وهو‬ ‫خليط من أطراف الدجاج مع قطع من اخلضار كالبصل والبطاطس‪ ،‬غري أن ما‬ ‫مييزه عن الطبق اجلزائري هو أن فلفله احلار كثري جدا‪.‬‬ ‫كما نظمت لنا اجلمعية الكورية رحلة إىل مدينة "كيونغ جو" حيث الكثري‬ ‫من اآلثار اليت تشهد على تطور اإلنسان الكوري وتعرب عن مشاعره وحتوالته‬ ‫الفكرية عرب العصور واليت كانت منصهرة يف بوتقة حب الوطن‪ ،‬والتماسك‬ ‫العائلي والتحصيل العلمي‪.‬‬ ‫رغم أن اجلمعية الكورية ركزت يف برناجمها على أن تتيح لنا الفرصة لزيارة‬ ‫كثري من أجزاء كوريا وال سيما تلك اليت ما زالت تعرب عن حضارات وتاريخ‬ ‫هذا البلد العريق واجلميل‪ ،‬إال أن ذلك مل يكن كافيا يل‪ ،‬حيث كنت أحتني فرصة‬ ‫العطلة اليت تتاح لنا ألقوم بزيارات إىل أحناء أخرى منها‪ .‬ومن بني تلك املدن‬ ‫بوسان‪ ،‬جزيرة جيجو‪ ،‬جزيرة كوجي‪ ،‬سوكتشو‪ ،‬كانغرونغ وموكبو‪...‬ولكل‬ ‫منها تراثها الغين ومجاهلا الطبيعي الساحر‪.‬‬ ‫شاطيء هوندي ببوسان‪ ..‬ما أجمل صباحه‬ ‫ركبت احلافلة ليال من سيول‪ ،‬برفقة ثالثة من أصدقائي‪ ،‬وتوجهنا إىل مدينة‬ ‫بوسان‪ ،‬لتطلع علينا الشمس يف هدوء تام بشاطئ "هوندي" حيث أخذنا قسطا‬ ‫من الراحة على الشاطيء ومتتعنا بروعة املكان ومناظره اخلالبة والسباحة يف مائه‬ ‫النقي مثله مثل شاطيء مرسى بن مهيدي بالغرب اجلزائري‪.‬‬ ‫قضينا يومني كاملني يف مدينة بوسان زرنا خالهلما من األماكن ما‬ ‫سيبقى يف ذاكريت لوقت طويل‪ ،‬مثل القاعة اليت عقد هبا قمة ‪ APEC‬وهضبة‬ ‫"كومكانغ" حيث ألقينا بنظرة شاملة على املدينة‪ ،‬وسوق "جاغالتشي" لألمساك‬ ‫حيث متتعنا بأكل مجيع أنواع السمك وخباصة الينء منه‪.‬‬ ‫جزيرة جيجو‪ ...‬تعجز الكلمات عن وصف جمالها‪..‬‬ ‫بعدما قضينا يومني ببوسان‪ ،‬ركبنا الباخرة ليال متوجهني إىل جزيرة‬ ‫جيجو‪ ...‬كانت رحلة طويلة استغرقت ‪ 12‬ساعة غري أننا مل حنس بذلك مع‬ ‫متعة السمر مع الكوريني‪.‬‬ ‫وصلنا إىل جيجو مع اإلشراقة األوىل للشمس ويا هلا من إشراقة‪ ،‬ملا نزلنا‬


‫بامليناء تقدم إلينا شيخ كوري وعرض علينا ان نقيم يف طابق من مزنله بسعر‬ ‫مناسب مقارنة مع أسعارالفنادق هناك‪...‬قبلنا العرض وطاب لنا املقام فيما بعد‪.‬‬ ‫أردنا أن نستأجر سيارة‪ ،‬لكن مل نستطع‪ ،‬فالوقت تزامن مع هناية األسبوع‬ ‫وعيد ميالد "بوذا"‪ ،‬فأغلب السيارات كانت حمجوزة مسبقا ألن جزيرة "جيجو"‬ ‫هي قبلة للكوريني يف هذه املناسبات‪ ،‬عندئذ عرض علينا الشيخ أن نأجر دراجات‬ ‫نارية وكانت فكرة صائبة‪ ،‬ألننا استطعنا أن نتوقف يف كل مكان أعجبنا لنستمتع‬ ‫جبماله‪.‬‬ ‫يف بداية اليوم كانت الشمس ساطعة والسماء صافية توحي بيوم مجيل‪،‬‬ ‫ركبنا الدراجات متوجهني من غري قصد الكتشاف أي مكان‪ ...‬وسرعان ما بدأ‬ ‫املطر يهطل‪ ،‬غري أننا مل نبال به وواصلنا املسري‪.‬‬ ‫ويف وقت الغذاء‪ ،‬دخلنا مطعما للسمك على حافة الطريق‪ ،‬كانت العجوز‬ ‫اليت متتلك ذلك املطعم غاية يف الكرم وحسن املعاملة‪ ،‬وأحببنا األكل كثريا وجاء‬ ‫ولدها خبريطة جلزيرة "جيجو" ونصحنا باألماكن اليت جيب أن نزورها أوال‬ ‫بأول‪ ...‬لقد ربطتنا صداقة متينة مع تلك العائلة‪ ،‬رغم معرفتنا املتواضعة آنذاك‬ ‫للغة الكورية كنا نتجاذب معهم أطراف احلديث إىل وقت متأخر كل ليلة وكان‬ ‫االبن يتقن الضرب على القيثارة فأمتعنا مبقاطع كثرية‪ ،‬جعلتين أشعر وكأين يف‬ ‫مسر على نغمات العود يف صحراء اجلزائر اجلميلة‪.‬‬ ‫لقد استمتعنا كثريا جبمال الطبيعة كشالل "جونغ بانغ" وجبل "هاال"‬ ‫و"سونغ سان" وجزيرة "أودو" (أي جزيرة البقرة)‪ ،‬حيث سبحت يف مائها‬ ‫اهلاديء هبدوء البحر الذي تقع فيه‪ .‬كما استمتعنا بليلة االحتفال بعيد ميالد‬ ‫"بوذا" وما قدمته الفرق من موسيقى ورقصات ولباس تقليدي‪...‬‬ ‫إن ذاكريت حتتفظ بالكثري عن جزيرة "جيجو" واليت وإن زرهتا آالف املرات‬ ‫لن تزيدين إال شوقا إىل زيارهتا مرات أخرى‪.‬‬ ‫املنشآت االقتصادية‪ ...‬معجزة كوريا‬ ‫ال أحد جيهل أن كوريا اليت هي عبارة عن شبه جزيرة تفتقر إىل الثروات‬ ‫واملوارد الطبيعية‪ ،‬ورغم أهنا تعتمد على االسترياد يف ذلك‪ ،‬إال أهنا استطاعت أن‬ ‫تشيد صناعات رائدة يف كافة املجاالت مكنت كوريا من تبوؤ مكانة رائدة ضمن‬ ‫الدول الصناعية الكربى‪ ،‬وانتقلت بالشعب الكوري من فقر سنوات اخلمسينات‬ ‫والستينيات إىل الرفاهية يف وقتنا احلاضر‪.‬‬ ‫إن أول ما شد إعجايب وقدماي تطآن أرض كوريا هو مطار إنتشون‬ ‫الدويل‪ ،‬هذه التحفة املتميزة هبندستها ونظام تسيريها‪ .‬مل تتعد إجراءات خروجي‬ ‫من املطار إال دقائق معدودة‪ ،‬عندها أدركت ملاذا يصنف هذا املطار ضمن أحسن‬ ‫املطارات عامليا‪.‬‬ ‫كما شدت إعجايب منشآت أخرى قمت بزيارهتا الحقا يف إطار الربنامج‬ ‫منها مثال مصنع بوسكو ‪ -‬مصنع بوهانغ للحديد‪ -‬الذي أضحى القلب النابض‬ ‫للصناعة والصادرات الكورية‪ ،‬والسيما يف جمال بناء السفن حيث تتبوأ كوريا‬ ‫املكانة الرائدة عامليا ومنها أيضا مصنع هيونداي للسيارات بأولسان الذي ال يقل‬ ‫مكانة وأمهية عن األول يف رفع الدخل القومي الكوري‪.‬‬ ‫الصداقة مع الكوريني‪...‬إخالص وكرم ‬ ‫متكنت من ربط صالت صداقة مع كثري من طلبة جامعة سيول الوطنية ال‬ ‫سيما أولئك الذين كنت أمارس معهم هواييت املفضلة أي كرة القدم‪ ،‬حيث لعبت‬ ‫مع أحسن فريق يف اجلامعة – فريق كواناكصا‪ .‬لقد قضيت وقتا ممتعا مع هؤالء‬ ‫األصدقاء‪ ،‬نلعب الكرة‪ ،‬حنتفل بانتصاراتنا‪ ،‬خنرج مع بعض لنأكل ونشرب ونغين‬ ‫يف "النوري بانغ"(غرفة األغاين)‪.‬‬

‫لقد كانت فرصة ساحنة يل ألن أمارس معهم ما تعلمته يف املدرسة من‬ ‫مفردات كورية‪ .‬ولكن كان حزهنم شديد ملا انكسر كاحل رجلي ومل أستطع‬ ‫اللعب ملدة تفوق الثالثة أشهر مل تنقطع خالهلا زياراهتم ومكاملتهم ورسائلهم‬ ‫اإللكترونية‪...‬ذلك أن عيادة املريض من مسات الشعب الكوري‪.‬‬ ‫كما كان لنا أصدقاء متطوعون خصصهم مركز اللغات جبامعة سيول‬ ‫ملساعداتنا يف تعلم اللغة والثقافة الكورية‪ ،‬فقد تعلمت الكثري منهم وزرنا العديد‬ ‫من املتاحف واحلدائق بسيول‪...‬‬ ‫ما تعلمته من عادات وتقاليد الشعب الكوري‬ ‫كغريها من الدول‪ ،‬مل تسلم كوريا من تأثريات العوملة‪ ،‬فهي تشهد انفتاحا‬ ‫ثقافيا كبريا‪ ،‬لكن ذلك مل مينع الكوريني من التمسك بعاداهتم وتقاليدهم اليت‬ ‫ظلت متيزهم عرب العصور‪.‬‬ ‫وكما هي احلال عندنا يف اجلزائر‪ ،‬يعترب الشرف والعائلة شيئا غاليا يف‬ ‫احلياة الكورية حيث ينعكس سلوك الفرد على شرف العائلة‪ ،‬فكلما كان هذا‬ ‫السلوك مستقيما زاد شرف العائلة وال تتقبل العائلة بأي شكل أن ميس غريها أو‬ ‫فرد منها بشرفها أو يدنسه‪ ،‬ويعطى االهتمام األكرب للتحصيل العلمي حيث ينفق‬ ‫األبوان ما ميلكان وجيتهدان يف العمل من أجل متكني أبنائهم من احلصول على‬ ‫أعلى الدرجات العلمية‪.‬‬ ‫وكذلك تشترك تقافتانا يف احترام وطاعة كبري العائلة سواء كان األب أو‬ ‫األخ األكرب‪ ،‬ويتجلى هذا االحترام يف سجود األبناء آلبائهم خالل عيد تقدمي‬ ‫الشكر يف "تشوسوك" وكذلك من خالل اخلطاب اللغوي‪ ،‬حيث جتد الصغري‬ ‫خياطب الكبري بلغة حمترمة ويضيف إىل أمسائهم بعض األلقاب مثل "هيونغ نيم"‬ ‫أي أخي األكرب أو "نونيم" أي أخيت الكربى‪..‬‬ ‫ تعترب األعياد يف كوريا‪ ،‬كما هي احلال يف اجلزائر‪ ،‬مناسبة للقاء‬ ‫العائلي والفرحة وتقاسم الذكريات‪ ،‬حيث جتتمع العائلة يف بيت الكبري سواء‬ ‫كان األب أو األخ األكرب‪.‬‬ ‫لقد كانت فرصة يل لالطالع على كافة األعياد الكورية وما يصاحبها‬ ‫من احتفاالت ويبقى عيد تقدمي الشكر "تشوسوك" املناسبة األكثر أمهية بالنسبة‬ ‫للكوريني‪ ،‬حيث يعود كل الكوريني إىل مدهنم األصلية للقاء لدى كبري العائلة‬ ‫ملمارسة طقوسهم اخلاصة هبذا العيد‪.‬‬ ‫يعترب هذا العيد‪ ،‬الذي حيدد على أساس التقومي القمري ويدوم ثالثة أيام‪،‬‬ ‫مناسبة لصنع حلوى "سونغ بيون" اللذيذة باإلضافة إىل حتضري األطباق الكورية‬ ‫التقليدية‪.‬‬ ‫يبدأ االحتفال يف الصباح باجتماع كل العائلة‪ ،‬مث جيلس األب واألم جنبا‬ ‫إىل جنب ويصطف األبناء الواحد تلو اآلخر للسجود أمام األبوين تقديرا وشكرا‬ ‫هلما على ما قدماه من جهود يف سبيلهم‪ ،‬بعدها يذهبون إىل املقابر للترحم على‬ ‫سلفهم وبني هذا وذاك يهنئ بعضهم بعضا‪.‬‬ ‫ال ميكن أن أختم مقايل دون احلديث عن األكل الكوري الذي أحببته كثريا‬ ‫وال سيما طبق أندونغ جيمداك‪ ،‬وكيمباب‪ ،‬وبيميمباب‪ ،‬وبولغوغي والسمك‬ ‫الينء‪ .‬وقد تعلمت حتضري الكثري منها من خالل الدروس اليت تلقيناها يف الطبخ‬ ‫الكوري‪ .‬كما أن مائديت مل ختلو أبدا من الكيمشي‪ ،‬ملك املائدة الكورية‪.‬‬ ‫لقد أدركت من خالل إقاميت وجواليت بكوريا بأن اإلنسان الكوري‬ ‫استطاع ان يستلهم من مجال الطبيعة من نسمات الصباح اهلادئ ما يقوي رجاحة‬ ‫عقله ورزانة شخصيته ليشيد قصورا إمرباطورية ومنشآت وصناعات رائدة كتبت‬ ‫لكوريا وشعبها امسا من ذهب يف عاملنا املعاصر‪.‬‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪81‬‬


‫حياة‬

‫ثقافة املدونات الكورية‬ ‫ومدون القوة‬

‫كما‬

‫يعرف اجلميع‪ ،‬فإن املرح حيلو أكثر‪ ،‬واحلزن يكون أقل أملا عندما تستطيع تقاسم مشاعرك البهيجة أو‬ ‫احلزينة مع شخص آخر‪ .‬إنه تفاعلنا مع بعضنا البعض الذي يعطي حياتنا معىن وجيعلنا أكثر تشبثا باحلياة‪ .‬وملا كان‬ ‫األمر كذلك فقد سعينا إىل أن نقاسم اآلخرين عواطفنا منذ بدايات تطوير اللغة‪ .‬عرب التاريخ‪ ،‬بقي هذا الدافع مل‬ ‫يتغري‪ ،‬وإمنا الوسائط اليت نستعملها يف تبادل آمالنا وآالمنا تغريت فقط‪ .‬مع استهالل األلفية اجلديدة‪ ،‬تولد وسيط‬ ‫جديد هز أركان العامل‪ ،‬أال وهو املدونة ‪ .blog‬وقد سبحت كوريا أيضا يف هذه املوجة‪ ،‬مع تطويرها لثقافة مدونات‬ ‫خاصة هبا‪.‬‬ ‫ظاهرة على نطاق العالم‬ ‫كلمة املدونة ‪ blog‬مشتقة من التعبري اجلديد ‪ ،weblog‬والذي صاغه سنة ‪ 1997‬جون بارغر يف وصف‬ ‫سلسلة من املواقع املؤرخة‪ ،‬وعرضها من األحدث إىل األقدم‪ .‬ولكن الوسيلة نفسها (املدونة) سبقت املصطلح‬ ‫تارخييا‪ ،‬حيث يرجع استخدامها إىل األيام األوىل من الشبكة العاملية ‪ .World Wide Web‬على الرغم من أنه‬ ‫ليس هناك أي اتفاق عام حول مىت بدأت املدونات فعليا‪ ،‬إال أهنا دخلت امليدان مع تأسيس خدمات املدونات‬ ‫املعروفة باسم بيتاس وبلوغر سنة ‪ .1999‬ليس من املمكن أن نعرف بالضبط كم عدد املدونات املوجودة حاليا‪،‬‬ ‫ولكن ‪ Technorati‬وهو حمرك حبث شائع عن املدونات‪ ،‬ذكر أهنا أكملت عددا تراكميا بلغ حوايل ‪112.8‬‬ ‫مليون مدونة سنة ‪.2008‬‬ ‫إهنا بضع سنوات قبل أن تصل موجة املدونات إىل شواطئ كوريا‪ ،‬ولكن يف سنة ‪ ،2001‬مت تأسيس‬ ‫موقع املدونات على الشبكة يف كوريا ‪ .Weblog-In-Korea‬كان هذا املجتمع يبلغ عدد أفراده حوايل ‪150‬‬ ‫متعامل مع املدونات يف البدايات األوىل‪ ،‬اليت كتبت الفصل األول من تاريخ املدونات يف كوريا‪ .‬وكما هي احلال‬ ‫يف الواليات املتحدة‪ ،‬مل يكن األمر ممكنا قبل نشوء اخلدمة‪ ،‬اليت صادفت ذوق واهتمامات مستعملي املدونات‪،‬‬ ‫حينما بدأت الواليات املتحدة بقطف الثمار‪ .‬على سبيل املثال ‪ CyWorld‬هو موقع شبكات اجتماعية أسس سنة‬ ‫‪ ،1999‬أطلق خدمة صفحة مصغرة سنة ‪ .2001‬كانت هذه اخلدمة جمانية وقد مسحت للمستخدمني بأن يرسلوا‬ ‫الرسائل ويتشاركوا الصور‪ ،‬مع خيار شراء أشياء إضافية‪ ،‬مثل صور اخللفيات ونبذة عن األفكار الفلسفية‪ ،‬وذلك‬ ‫إلضفاء الصفة الشخصية على حضورهم على اخلط الساخن‪ .‬بدأت هذه اخلدمة تنتشر يف العامل بشكل سريع يف‬ ‫بدايات سنة ‪.2002‬‬ ‫سنة ‪ ،2003‬كان تأسيس ‪ ،Able-Click‬وهو أول موقع خدمة مدونات حمترف يف كوريا‪ ،‬وقد سجل‬ ‫‪ 82‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫بالنسبة لمستخدمي اإلنترنت الكوريين‪ ،‬فإن‬ ‫المدونات تعمل كخط اتصال ساخن بين‬ ‫األشخاص الذين تتشابه مستوياتهم العقلية‪.‬‬ ‫الالفت للنظر أن هذه الظاهرة أدت إلى نشأة‬ ‫«مدونات القوة» التي يمكن لصاحبها من‬ ‫خاللها أن يكتسب الشهرة والثروة‪.‬‬


‫في عام ‪ ،2007‬نشرت وكالة كوريا لإلنترنت واألمن تقريرا ورد فيه أن من‬ ‫بين مستخدمي اإلنترنت في كوريا‪ ،‬يقرأ حوالي ‪ %56.8‬المدونات بشكل منتظم‪،‬‬ ‫و‪ %42.9‬يحتفظون بمدوناتهم الخاصة بهم‪ .‬وإلى جانب هذه الشعبية الواسعة‬ ‫للمدونات‪ ،‬ظهر مؤخرا ما يعرف بمدونات القوة‪.‬‬

‫تشارلز ال شور أستاذ يف كلية الدراسات العليا للترمجة‪ ،‬جامعة هانكوك للدراسات األجنبية‬ ‫آن هونغ بوم مصور‬

‫بداية حقبة املدونة على البوابة وبداية دخول املدونات إىل احلياة اليومية يف كوريا‪.‬‬ ‫ردا على هذا االجتاه اجلديد‪ ،‬فإن مواقع بوابات اإلنترنت‪ ،‬مثل ‪ ,Daum‬و‪Nate‬‬ ‫و‪ Naver‬و‪ ،Yahoo Korea‬أطلقت خدمات مدوناهتا املنافسة اخلاصة هبا‪ ،‬عرضت‬ ‫خدمات مدونات البوابات على مستخدم اإلنترنت الكوري املنتظم املدونات‪ ،‬ومنذ‬ ‫ذلك احلني حافظت املدونات على حضور قوي يف نطاق ثقافة املدونات الكورية‪ .‬تبوأت‬ ‫املدونات منذ ذلك احلني مكانتها يف ثقافة اإلنترنت الكورية وأصبحت جزءا ال يتجزأ‬ ‫منها‪ ،‬يتجلى هذا األمر بوضوح يف أصحاب مدونات القوة الذين كسبوا معايري متفاوتة‬ ‫من الشهرة والثروات من خالل مدوناهتم املركزة‪ ،‬وكذلك حجم مستخدمي اإلنترنت الذين‬ ‫أصبحت املدونات جزءا من حياهتم اليومية العادية‪.‬‬ ‫نطاق املدونات الكورية‬ ‫املدونة اآلن هي عنصر ترسخ بقوة يف الثقافة الكورية‪ .‬عندما أطلقت مؤسسة العالقات‬ ‫العامة ‪ Edelman‬دليلها املشترك لنطاق املدونات العاملي عام ‪ ،2007‬وضعت كوريا يف‬ ‫املرتبة الثانية‪ ،‬بعد اليابان‪ ،‬وذلك من حيث النسبة املئوية لعدد السكان الكلي الذي يقرأ‬ ‫املدونات بشكل منتظم‪ ،‬وقد بلغت النسبة ‪ .%43‬ومن جهة أخرى فإن الوكالة الكورية لإلنترنت واألمن‬ ‫نشرت تقريرا ورد فيه أن من بني مستخدمي اإلنترنت يف كوريا‪ ،‬يقرأ حوايل ‪ %56.8‬املدونات بشكل منتظم‪،‬‬ ‫و‪ 42.9‬باملائة حيتفظون مبدوناهتم اخلاصة هبم‪.‬‬ ‫إضافة إىل شعبيتها املنتشرة‪ ،‬فإن عمل املدونات قاد أيضا إىل ظهور ما يسمى مبدون القوة‪ .‬وبشكل عام يركز‬ ‫مدون القوة على جمال معني‪ ،‬مثل الطبخ‪ ،‬ونقد األفالم‪ ،‬أو حىت على املدونات نفسها‪ ،‬والترويج هلا وحشد الدعم‬ ‫هلا من خالل املواقع اليت يكثر التردد عليها والتركيز على جودة املحتويات‪ .‬العديد من هؤالء قادرون على حتويل‬ ‫املدونات إىل مهنة بدوام وراتب كامل‪ ،‬تكسب عوائد من خالل اإلعالنات اجلذابة وداعميها على مواقع مدوناهتم‬ ‫أو نشر الكتب اليت يتم اختيارها من بوابة املدونة األويل‪.‬‬ ‫"مون سونغ شيل" هي أم لولدين توأمني تش ّغل عددا من مواقع الطبخ‪ .‬مواقعها تصور وصفات رائعة املذاق‬ ‫مدعمة بصور واضحة‪ ،‬خطوة‪-‬خطوة‪ .‬نشرت أربعة كتب حىت اآلن بنتها على وصفات يف مواقعها على الشبكة‪ .‬يف‬ ‫تشرف "يل جي سون" على امليتا مدونات ‪ metablog‬املعروفة باسم ‪ .BlogKorea‬امليتا مدونات هي‬ ‫نفس الوقت ْ‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪83‬‬


‫أتبحث عن طبق جانيب كوري على مائدة العشاء؟ أتريد معرفة فكرة رجل الشارع حول آخر فيلم ذاع صيته؟ أو رمبا أنت مهتم مبزاولة رياضة ما‪ ،‬مثل السباحة أو‬ ‫ركوب الدراجات؟ هناك فرصة كبرية ألن جتد شخصا ما يف نطاق املدونات يشاركك االهتمامات نفسها وقد كتب شيئا ما حول اهلدف الذي تبحث عنه‪ .‬بالنسبة‬ ‫للكوريني‪ ،‬فإن املدونات هي كزن دفني للمعلومات‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ كما يوحي االسم ‪ -‬مدونات حول املدونات‪ ،‬أو مواقع يف الشبكة حتدد أفضل‬‫نطاقات املدونات وتقدمها للقراء بطريقة مالئمة‪ ،‬وبطريقة مناسبة متاما لتطلعاهتم‪،‬‬ ‫فقد نشرت مثال كيفية احلجز على املدونات‪ :‬بناء مدونة‪ ،‬من أمي يف الكمبيوتر‬ ‫إىل مدون القوة‪" .‬تشوي مون جونغ" هي مدونة قوة أخرى دخلت صناعة النشر‬ ‫منذ بدء املدونات‪ .‬إهنا فريدة من حيث إهنا ال تتخصص يف موضوع معني‪ ،‬مثل‬ ‫الطبخ أو املدونات‪ ،‬ولكن ببساطة تسرد القصص حول خرباهتا وجتارهبا‪ .‬منطها‬ ‫يف سرد القصة شائع جدا حبيث سجلت مدونتها مليون زائر خالل سنتني فقط‬ ‫‪ 84‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫بعد إطالق املوقع‪ ،‬ومنذ ذلك احلني أسست أعمال النشر اخلاصة هبا واليت نشرت‬ ‫منها جمموعة قصصها‪.‬‬ ‫تقليديا‪ ،‬احلواجز يف ميادين مثل النشر أو الصحافة ميكن أن تكون عالية‪،‬‬ ‫ولكن أعضاء هذه املدونات مييلون للعمل بطريقتهم اخلاصة ببطء على السلم‪.‬‬ ‫لقد خفضت املدونات ارتفاع معظم هذه احلواجز وخلخلت القيود املانعة من‬ ‫الدخول‪ ،‬يف حني أظهرت مدونات القوة أن أي شخص ميكنه أن ينجح إذا‬ ‫كانت لديه موهبة كافية‪ ،‬وهم متحمسون حول اختيارهم للمجال والرغبة يف‬


‫‪ 1‬ربات بيوت خبيرات وماهرات في ثقافة اإلنترنت‪،‬‬ ‫يبحثن عن وصفات طعام جديدة أو أنواع من‬ ‫الطعام إلضفاء تنوع على طاولة العشاء‪.‬‬

‫‪ 3-2‬مدونات سايبر سبيس هي عبارة عن تجمع‬ ‫ألشخاص لديهم اهتمامات مشتركة يتبادلون‬ ‫المعلومات حولها‪ ،‬مثل الهواة الذين يتمتعون‬ ‫بترتيب وتنسيق الزهور‪.‬‬

‫استثمار الوقت والطاقة الضروريتني‪ .‬مهما كانت حواجز الدخول اليت حتتاج إىل‬ ‫أن نتغلب عليها‪ ،‬إن مدوين القوة مثل "تشوي مون جونغ" برزت لديهم قدرة‬ ‫على النجاح ألخذهم األمور بأيديهم‪ .‬إن تأثريهم وفاعليتهم هي اليت ميكن أن‬ ‫تتجاوز املنافذ التقليدية للوسائط‪ ،‬ويف نفس الوقت تقلل عدد الوسطاء وتربطهم‬ ‫مباشرة بقرائهم املخلصني والقراء اجلدد أيضا‪.‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬ليس كل شخص ميكن أن يكون مدون قوة ناجحا‪ ،‬والغالبية‬ ‫الساحقة من نطاقات املدونات الكورية تتألف من مدونني معروفني يف نطاق‬ ‫ضيق‪ .‬بعضهم يطمح ألن يصبح مدون قوة‪ ،‬ولكن الغالبية اكتفوا بل اقتنعوا بأن‬ ‫ينظموا طريقهم اخلاص هبم على طول خط املعلومات السريعة‪ .‬بعضهم لديه‬ ‫صفحات رئيسية صغرى على ‪ CyWorld‬حيث يتبادلون الصور مع األصدقاء‬ ‫والعائلة‪ ،‬وهناك آخرون ينشئون مدونات ضمن واحدة من خدمات عديدة مبنية‬ ‫على البوابة‪ ،‬حيث يتبادلون أفكارهم عن احلياة وعن خمتلف املوضوعات‪.‬‬ ‫صورة مدون وحيد يقبع يف زاوية من نطاق املدونات‪ ،‬حمتوى مدونته عبارة‬ ‫عن حفنة من األصدقاء والعائلة‪ ،‬رمبا يعكس املشهد إمجاال يف الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫الوضع يف كوريا‪ ،‬خمتلف إىل حد ما‪ ،‬ففي حني نرى أن اخلدمات املتخصصة‬ ‫يف عمل املدونات مثل ‪ ،Blogger‬و‪ ،Live Journal‬و‪ TypePad‬هي األصل‬ ‫املعتاد حاليا يف الواليات املتحدة‪ ،‬فإن غالبية املدونات يف كوريا توظف خدمات‬ ‫مبنية على البوابة‪ .‬حىت اخلدمات املخصصة لعمل املدونات‪ ،‬مثل ‪Tistory‬‬ ‫و‪ ،Egloos‬مملوكة من قبل شركات بوابة إنترنت أو شركات هي أم هلا (األوىل‬ ‫مملوكة من قبل ‪ Daum‬والثانية مملوكة لـ ‪ SK‬لالتصاالت‪ ،‬واليت تشغل أيضا‬ ‫‪ Nate‬و‪.)CyWorld‬‬ ‫بالنسبة للمدونني يف كوريا‪ ،‬هذه اجلاهزية جعلت املجتمع يف متناول‬ ‫أيديهم‪ ،‬مما مكن حمتوياهتم من الوصول إىل عدد كبري من القراء واملشاهدين‬ ‫خارج نطاق دائرهتم الصغرية من األصدقاء والعائلة‪ .‬على أي صفحة رئيسية من‬ ‫البوابة سوف جتد روابط ملواقع املدونات العامة على آخر اإلصدارات‪ .‬بعض‬ ‫البوابات تبذل جهودا إضافية للتركيز على مدونات عامة‪ ،‬مثل ‪ ،Naver‬الذي‬ ‫يقدم سنويا جوائز "مدونة القوة" يف ميادين مثل الثقافة والترفيه وكذلك التصميم‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫الداخلي ومنط احلياة‪.‬‬ ‫بالطبع ميكن أن يكون نطاق املدونات حجرة من البلور إذا كان القراء من‬ ‫املدونني فقط‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فحىت الكوريني الذين ال ميلكون مدوناهتم اخلاصة هبم‬ ‫سوف يقرأون بانتظام مدونات متعددة‪ .‬تبدأ العملية بالصفحة الرئيسية ملوقع بوابة‬ ‫عادي‪ ،‬مثل ‪ Naver‬و‪ .Yahoo Korea‬أدخل مصطلحا أو موضوعا يف حمرك‬ ‫البحث مث انتظر النتائج‪ ،‬واليت تكون مصنفة حتت فئات مثل املواد اإلخبارية‪،‬‬ ‫ومواقع الشبكة العامة‪ ،‬واملدونات‪ ،‬والروابط املدعومة‪.‬‬ ‫مما جتدر اإلشارة إليه بشكل خاص‪ ،‬أنه بعد الروابط املدعومة واملدفوعة‪،‬‬ ‫وأي ميزات خاصة‪ ،‬فإن الفئة األوىل هي "مدونات"‪ .‬هل تبحث عن وصفة لطبق‬ ‫جانيب كوري على مائدة العشاء؟ أم تريد أن تعرف فكرة رجل الشارع حول‬ ‫آخر فيلم شهد حضورا مجاهرييا كبريا؟ أو رمبا تكون مهتما مبمارسة رياضة‬ ‫ما‪ ،‬مثل السباحة أو ركوب الدراجات‪ .‬هناك فرصة كبرية ألن جتد شخصا ما‬ ‫يف نطاق املدونات يشاركك يف اهتماماتك ويكون قد كتب شيئا ما عما تريد‬ ‫البحث عنه‪ .‬بالنسبة للكوريني‪ ،‬املدونات هي كزن دفني من املعلومات‪.‬‬ ‫على أي حال‪ ،‬هذا االجتاه حنو املدونات ليس عامليا مشوليا‪ .‬على سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬يف الواليات املتحدة‪ ،‬مع زيادة عدد املدونات‪ ،‬خشي الناس أن تعيق‬ ‫نتائج حمركات البحث‪ .‬شكا طالب جامعي من أن املدونات "هي حفلة تنكرية‬ ‫ومعلوماهتا ليست مفيدة ألن كل ما حتتويه معلومات من مدردش كسول"‪،‬‬ ‫وعندما "حيدث حدث سياسي أو اجتماعي هام‪ ،‬فإن حمرك البحث غوغل ميتلئ‬ ‫حىت الثمالة باملدونات وعليك أن تنتظر النتيجة عند الرقم ‪ 40‬أو ما يقاربه بعد‬ ‫املرور عرب املدونات‪ ".‬بعد فترة قصرية من اكتساب غوغل حلق املدونات سنة‬ ‫‪ ،2003‬فإن هذه املشكلة متت معاجلتها بإنشاء صفحة "حبث عن املدونات"‬ ‫مستقلة‪ ،‬والتخلص من غالبية املدونات يف نتائج البحث الرئيسية‪ .‬قارن هذا مع‬ ‫كوريا‪ ،‬حيث العديد من القراء يفضلون رأي "الصحفي الوطين" على آخر نشرة‬ ‫إخبارية أوأحداث‪ .‬ميكن أن يقال بأن نطاق املدونات الكوري ميثل دميقراطية‬ ‫حقيقية على اخلط الساخن أكثر من أي مكان آخر‪ ،‬حيث إن كل شخص‬ ‫له رأي‪ ،‬كل الناس متساوون يف هذا‪ ،‬وكل األصوات هلا نفس الفرصة يف أن‬ ‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪85‬‬


‫غالبا ما يشجع الناشرون المؤلفين على اإلبقاء على المدونات لحفز اهتمام القراء ودعم‬ ‫بيع الكتب‪ .‬وفي نفس الوقت فإن بعض مدونات القوة أصبحت شائعة جدا‪ ،‬وقد شرع‬ ‫أصحابها في تجارتهم الخاصة بهم في النشر‪.‬‬

‫يصغى هلا‪ .‬أصبحت املدونات جزءا من احلياة اليومية للكوريني أصحاب الذكاء‬ ‫التكنولوجي‪ ،‬فهي كأي جانب آخر من جمتمعهم املعلومايت‪.‬‬ ‫إلى أين نحن منقادون؟‬ ‫على الرغم من أن انتشار مدونات مبنية على البوابة يف كوريا يساعد‬ ‫على تدعيم اإلحساس باملجتمع‪ ،‬وجيعل الوصول إىل املدونات أسهل‪ ،‬فإن هذه‬ ‫احلالة ليست خالية من السلبيات‪ .‬يصف السيد "يل كانغ سوك" وهو استشاري‬ ‫تكنولوجيا معلومات‪ ،‬واملوصل األول الذي أعلن عن ذاته‪ ،‬وفائز جبائزة ‪AllBlog‬‬ ‫لسنة ‪ ،2008‬يصف سلبيات نطاق املدونات املبنية على البوابة بقوله‪" :‬منذ أن‬ ‫أصبحت املدونات شائعة جدا يف إطار التعاون بني نافخي الصفارات‪ ،‬ويف نقد‬ ‫العمالء للمنتجات‪ ،‬ويف النقد السياسي‪ ،‬فإن أي ميول لدى مستخدمي هذه‬ ‫اخلدمات للمدونات عرب البوابة جتاه "الصحفي املواطن"‪ ،‬سوف تضعف"‪ .‬ويتنبأ‬ ‫بأن هذا التضارب يف االهتمام بني أصحاب املدونات ومواقع البوابات سوف‬ ‫يستمر‪ ،‬يف حني يفترض أن البوابات هلا اليد العليا‪" :‬هناك احتمالية كبرية بأن‬ ‫يقود هذا التنافر مع أصحاب املدونات إىل بوابات لتحديد املدونات وتعريفها‬ ‫‪ 86‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫على أهنا ليست شيئا أكثر أو أقل من منتجات حمتوى"‪.‬‬ ‫االجتاه املستقبلي للمدونات يصعب التنبؤ به‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فليس هناك من‬ ‫شك بأن مواقع البوابات سوف تستمر يف لعب دور هام يف نطاق املدونات‬ ‫الكورية‪ ،‬ومثلما أرانا التاريخ‪ ،‬فهي آمال ورغبات العامة اليت ال ميكن أن ختنق‬ ‫إىل األبد‪ .‬التاريخ الكوري حافل بأمثلة ملواطنني عاديني وقفوا ودافعوا عما‬ ‫يعتقدون أنه صحيح‪ .‬لذا إذا أحس مدونون أكثر بأهنم أقوياء‪ ،‬فيمكننا أن نرى‬ ‫نشوء نطاق مدونات أخرى أيضا‪ .‬قد تكون منافسة املدونات ملواقع البوابات‬ ‫أمرا بالغ السهولة‪ ،‬أو رمبا يستضيف مزيد من املدونني مدونات أكثر يف جماالهتم‬ ‫اخلاصة هبم‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن كيفية تطور نطاقات املدونات فإن الشيء املؤكد أهنا‬ ‫ستتطور‪ :‬أصبحت املدونات اآلن جزءا ال يتجزأ من منط احلياة الكورية‪ .‬متاما‬ ‫كما كتب الناس منذ فترة طويلة يف املجالت لتسجيل األفكار والرسائل لتقاسم‬ ‫اخلربات مع األصدقاء والعائلة‪ ،‬فاملدونات اآلن وسيلة للشباب الكوريني والكبار‬ ‫لتقاسم األشياء اليت ختصهم مع غريهم‪ .‬وهم يتقامسون هذه األشياء كأفراد‪،‬‬ ‫ولكنهم يف علمهم هذا يؤكدون أهنم جزء من األمة الكورية‪ ،‬واجلنس البشري‬ ‫ككل‪ .‬وكما أن املدونات اليوم قد تبدو خمتلفة قليال عن تلك اليت كانت منذ‬ ‫عشر سنوات‪ ،‬كذلك ميكن أن ختتلف املدونات بعد عشر سنوات قادمة‪ .‬ومع‬ ‫ذلك فإن اخليط املشترك الذي جيمعها كلها معا‪ ،‬هو احلاجة إىل أن يشاركنا العامل‬ ‫يف خصوصياتنا‪ ،‬وبالتايل نصبح جزءا من ذلك العامل‪ ،‬ليس يف ركن قصي منه‪،‬‬ ‫وهبذه الطريقة‪ ،‬سوف تستمر املدونات يف لعب دور رئيسي يف حياة الكوريني‬ ‫لسنوات عديدة قادمة‪.‬‬


‫نافذة على األدب الكوري‬

‫لي هيو سوك‬

‫اإلحساس بالضياع والتشرد بسبب عدم وجود مسكن منتظم والعواطف المترتبة علي هذا‬ ‫التشرد عناصر شائعة في األدب اإلنجليزي‪ ،‬وهي تشكل أيضا حضورا قويا في إبداعات‬ ‫لي بكل ألوانها قصصه القصيرة‪ ،‬وقصائده ورواياته "‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪87‬‬


‫نقد أدبي‬

‫حياة وأعمال "لي هيو سوك"‬ ‫كيم يون‪-‬شيك قسم اللغة الكورية وآداهبا‪ ،‬جامعة سيول الوطنية‬

‫لي‬

‫هيو سوك (‪ )1942-1907‬الذي اشتهر بامسه املستعار "كاسان"‪ ،‬ولد‬ ‫يف قرية جينبو‪ ،‬بيونغتشانغ‪-‬كون‪ ،‬مقاطعة كانغوون‪ ،‬وهو ابن زعيم القرية "يل‬ ‫شيهو"‪ .‬درس يل املرحلة االبتدائية يف مدرسة بيونغتشانغ االبتدائية والثانوية يف‬ ‫مدرسة كيونغسونغ الثانوية (مدرسة كيونغي املتوسطة والثانوية بعد التحرير‬ ‫الوطين) وذهب لدراسة األدب اإلجنليزي يف جامعة كيونغسونغ اإلمربيالية‪ .‬بعد‬ ‫والدته خبمس سنوات توفيت أمه‪ ،‬وأشرفت على تربيته زوجة أبيه "كانغ هونغ‬ ‫كيونغ"‪ .‬ورمبا بسبب مشاكله مع زوجة أبيه ـ ال أحد يعرف على وجه الدقة ـ‬ ‫سكن على بعد أربعني كيلومترا من بيته حينما كان يدرس يف مدرسة بيونغتشانغ‬ ‫االبتدائية‪.‬‬ ‫اجلامعة اليت درس فيها "يل" تأسست أثناء احلكم االستعماري الياباين‬ ‫لكوريا (‪ ،)1945-1910‬وكانت تقدم مساقا تأهيليا يف سنة ‪ ،1924‬مث‬ ‫تبنت منهجا منتظما يف سنة ‪ ،1926‬كانت هي اجلامعة الوحيدة اليت يدرس‬ ‫فيها الطالب الكوريون واليابانيون معا يف القاعات الدراسية نفسها‪ .‬درس "يل"‬ ‫األدب اإلجنليزي‪ ،‬وبشكل خاص األدب اآليرلندي‪ ،‬يف الفترة من ‪ 1925‬إىل‬ ‫‪ 1930‬وكتب أطروحة خترجه حول روايات "جاي أم سينج"‪ .‬وقد أكمل يل‬ ‫ورفيقه و"يو جينو" الذي كان متقدما عليه بسنة واحدة مساقا خاصا بالنخبة يف‬ ‫ظل احلكم االستعماري الياباين‪.‬‬ ‫اجلانب اآلخر الذي أسهم يف تشكيل أعمال "يل" هو اإلحساس العميق‬ ‫بالضياع املتعلق ببلدته مسقط رأسه‪ .‬كانت كل ذكريات "يل" عن مسقط رأسه‬ ‫هي أيام دراسته االبتدائية‪ .‬عندما سئل مرة عن مسقط رأسه‪ ،‬أجاب‪" :‬ليس يل‬ ‫مسقط رأس‪ ،‬ليس يل وطن من هذه الناحية احتضنت شخصييت وعواطفي ملدة‬ ‫تزيد عن نصف عمري بطريقة ملتزمة وقوية‪ ".‬ومع ذلك فإن بلدته مسقط رأسه‬ ‫هي اليت قدمت له الدعم حيث كانت مسرح احداث ألشهر قصصه القصرية‬ ‫"حينما تتفتح زهور احلنطة السمراء"‪.‬‬ ‫اإلحساس بالضياع والتشرد بسبب عدم وجود مسكن منتظم والعواطف‬ ‫املترتبة علي هذا التشرد عناصر شائعة يف األدب اإلجنليزي وهي تشكل أيضا‬ ‫حضورا قويا يف إبداعات يل بكل ألواهنا قصصه القصرية‪ ،‬وقصائده ورواياته"‪.‬‬ ‫(حبوب اللقاح ‪ ،1939‬والسماء الزرقاء الالمتناهية ‪ )1940‬هي جل‬ ‫أعمال "يل"‪.‬‬ ‫‪ 88‬كوريانا | شتاء ‪2009‬‬

‫حىت وفاته مبرض التهاب السحايا وهو يف اخلامسة والثالثني من عمره‪،‬‬ ‫عمل "يل" معلما يف مدرسة ريفية وكتب أعماله يف نفس الفترة‪ .‬من ناحية اإلنتاج‬ ‫اإلبداعي ميكن أن تقسم أعماله إىل فترتني‪ ،‬مبكرة ومتأخرة‪.‬‬ ‫الفترة املبكرة تتمثل يف إنتاجه األديب يف فترة الدراسة ومن هذه اإلبداعات‬ ‫"الشبح واملدينة" كتبها سنة ‪ .1925‬و"اللقاء السعيد"‪ ،‬و"املسرية" سنة ‪.1929‬‬ ‫هذه القصص الثالث مبجملها تكشف حياة البؤس اليت يعيشها بعض سكان‬ ‫املدينة ممن هم يف القاع بالنسبة للمجتمع‪ .‬قصة الشبح واملدينة تدور حول عامل‬ ‫جبس قصري يطارد شبحني يظهران أمامه فجأة مث يكتشف أهنما شخصان بائسان‬ ‫تعيسان األول امرأة متسولة‪ ،‬تشوهت رجلها وتعطلت يف حادث سيارة‪ ،‬والشبح‬ ‫الثاين هو ابنها‪" .‬اللقاء املحظوظ" حتكي أحداثها عن سقوط ابنة صاحب نزل‬ ‫من وجهة نظر ناشط يساري‪ ،‬بينما قصته "املسرية" تصف احلياة يف مساكن‬ ‫العمال يف املدينة‪ .‬يف القصص الثالث‪ ،‬مل يتوقف "يل" عند تصوير البؤس فقط‬ ‫بل يلعنه ويشجبه كلما سنحت الفرصة‪ ،‬ووعيه االجتماعي هذا هو الذي جعل‬ ‫عمله متميزا‪.‬‬ ‫يف ذلك الوقت‪ ،‬أطلق على الكتاب الذين ساروا على هذا اخلط القصصي‬ ‫ذي التوجه االجتماعي لقب "الكتاب املشاركني"‪ .‬وقد كان هناك العديد‬ ‫من الكتاب الذين محلوا هذا اللقب‪ ،‬واستخدموا فنهم كأداة لتشجيع الوعي‬ ‫االجتماعي والثورة االجتماعية‪ ،‬وكانت هناك مجعيات منها‪ RAPP ،‬يف‬ ‫روسيا و‪ NAPF‬يف اليابان‪ ،‬واحتاد الفنانني البلوريتاريني الكوريني ‪ KAPF‬يف‬ ‫كوريا‪ ،‬نشأت هذه اجلمعيات يف الفترة بني ‪ 1925‬و‪ 1935‬فالكتاب الذين مل‬ ‫يكونوا أعضاء يف هذه اجلمعيات ولكنهم كانوا يتعاطفون معها هم من عرفوا‬ ‫بالكتاب املشاركني‪ .‬عندما أنتج "يل" أول عمل أديب له كان احتاد الفنانني‬ ‫الكوريني أشد قوة من احلركات الوطنية بآيدلوجياها اليت تعكس التطور الزمين‬ ‫وما مت تداوله يف تلك الفترة‪" .‬يل" و"يو جينو" كانا معروفني ككتاب مشاركني‬ ‫واستمرا يف نشر أعماهلما بنفس الصفة‪ .‬يف تلك الفترة‪ ،‬أنتج "يل" جملدا حيتوي‬ ‫على جمموعة من القصص القصرية مساه "مياه روسيا" سنة ‪ .1931‬يتألف هذا‬ ‫الكتاب من ثالث قصص قصرية متسلسلة‪" :‬مياه روسيا"‪" ،‬الزنول إىل اليابسة"‪،‬‬ ‫و"رسالة من الشمال"‪ .‬القصة األوىل"مياه روسيا" حتكي عن رجل شاب يشق‬ ‫طريقه إىل روسيا يف كابينة من الدرجة الثالثة حيمل خريطة العامل وكتابا به مجل‬


‫باللغة الروسية‪ .‬فهي تتحدث عن شاب يتوق لروسيا‪ ،‬وهي النموذج املثايل يف‬ ‫ذهنه‪ ،‬فهي أرض الثورة‪ ،‬وجنة العمال‪ .‬أما "الزنول إىل اليابسة" فتحكي عن‬ ‫وصول الشاب إىل ميناء صغري يف زاوية من االحتاد السوفييت‪ ،‬املكان الذي حلم‬ ‫به كثريا مع صديقه كيم‪ .‬أما رسالة من الشمال فهي تتألف من رسائل أرسلت‬ ‫من قبل الشاب لصديقه تتحدث عن أشياء حدثت له يف ميناء البلدة حتكي عن‬ ‫تكيفه مع أرض الثورة من خالل حبه لفتاة روسية‪.‬‬ ‫ ما يربز يف هذه القصص الثالث هو الشوق الرومانسي للشاب‬ ‫لروسيا وثورهتا‪ .‬الرومانسية هنا تعين الشوق الذي ال يعتمد على جتربة أو أساس‬ ‫من الواقع‪ ،‬وإمنا هي جمرد شعور وجداين فارغ متاما‪ .‬تكرار تفاصيل املشاهد‪،‬‬ ‫واستخدام ألفاظ روسية بعيدة عن الواقع تتضح جبالء يف هذا العمل‪.‬‬ ‫الفترة املتأخرة من أعمال "يل" ميكن أن تسمى فترة "العودة إىل الطبيعة"‪.‬‬ ‫العمل الذي يصور انتقاله بعيدا من كونه كاتبا مشاركا إىل حتديد وتعريف عامله‬ ‫األديب اخلاص به هو العمل الذي حيمل اسم "اخلزنير" الذي نشر سنة ‪.1933‬‬ ‫"اخلزنير" قصة حتكي عن شاب فقري امسه "شيك"‪ .‬عندما شق "شيك" طريقه من‬ ‫املزرعة إىل البيت انغمس بأفكاره يف حب من طرف واحد للمدعوة "بون" وأثناء‬ ‫انغماسه مل ير القطار القادم الذي قتل خزنير العائلة عايل القيمة‪ .‬كما أشار العديد‬ ‫من النقاد‪ ،‬فإن ما يلفت النظر يف عمله هو التكريس لالعتقاد السائد بأنه ال فرق‬ ‫يذكر بني معاشرة اخلنازير لبعضها البعض‪ ،‬والزىن الذي حيدث يف املجتمعات‬ ‫اإلنسانية‪ .‬عندما كان شيك يراقب خزنيره الذي كان يناضل من أجل الوصول‬ ‫إىل األنثى ملعاشرهتا‪ ،‬بدأ يفكر حول حمبوبته "بون"‪ .‬ومع هذا الفكر املشوش‪،‬‬ ‫اختلطت صورة اخلزنير مع صورة "بون" اليت ختيلها‪.‬‬ ‫أتبع قصة اخلزنير بقصص مثل "بونيو" و"احلقول" سنة ‪ ،1936‬اليت‬ ‫ ‬ ‫الحظ فيها فرقا يف النشاط اجلنسي بني احليوانات والبشر‪ .‬حىت قصته "عندما‬ ‫تزهر سنابل القمح" ميكن أن تعترب امتدادا لنفس املوضوع‪ .‬تشدد هذه القصص‬ ‫على أن جوهر البشر ميكن أن يكون كامنا يف اجلنس‪ ،‬الذي هو أكثر الظواهر‬ ‫فطرية يف الطبيعة‪ ،‬وبالتايل شكلت فئة خمتلفة متاما عن أعمال "يل" السابقة حول‬ ‫الثورة أو اإلصالح االجتماعي‪.‬‬ ‫يعزو النقاد هذا التغري يف االجتاه إىل زوال احتاد الفنانني الكوريني‬ ‫البلوريتاريني ‪ KAPF‬يف أوائل الثالثينات وتأثري دي اتش لورنس‪ ،‬مؤلف "أبناء‬

‫وحمبون"‪ .‬ولكن األكثر أمهية أن "يل" له طريقة خاصة فريدة يف حلحلة خيوط‬ ‫القصة‪ .‬مل يكن مهتما كثريا باملمارسة اجلنسية يف ذاهتا‪ ،‬أو اإلثارة اجلنسية‪ ،‬ولكنه‬ ‫كان مهتما باجلنس كوسيلة لفهم نظام الطبيعة‪ .‬يف عمله "حينما تتفتح زهور‬ ‫احلنطة السمراء"‪ ،‬الذي جيعل معاشرة احليوانات اجلنسية رمزا له‪ ،‬فإن اإلثارة‬ ‫حتدث باملنظر املغري لزهرات القمح يف ضوء القمر اليت تشكل دافعا إىل املعاشرة‬ ‫اجلنسية عند الساقية‪.‬‬ ‫هذه األفكار واملواضيع بشكل طبيعي هي أمور هامة يف بيئة املدينة‪ .‬وميكن‬ ‫أن نلمس يف أعماله "النثر البشري" و"املالئكة والقصائد املنثورة" سنة ‪ 1936‬أنه‬ ‫يواصل شجبه لشريري املدينة‪ .‬هذا االجتاه املضاد للمدينة قاد "يل" تدرجييا حنو‬ ‫الشعر أو ما ميكن أن نسميه "نقيض النثر"‪.‬‬ ‫على الرغم من أن النثر هو لغة الروايات‪ ،‬فإن "يل" متكن من إجياد عامل‬ ‫أناشيد خمتلف متاما وصفه النقاد بسببه بأنه "املؤلف الذي كتب قصائد على‬ ‫صورة روايات"‪ ،‬وهي نقطة حظيت بالكثري من النقاش‪ .‬شيء ما ال بد أن‬ ‫يذكر هنا أال وهو إحساس "يل" الفريد باجلمال‪ ،‬الذي ميكن أن يرى يف السحر‬ ‫اخلاص لكلماته‪ .‬ويرى "يل" أن التاريخ ال يقدم أي إحساس باجلمال‪ .‬قال ذات‬ ‫مرة‪" :‬من املفيد أكثر عندما نبحث عن فكرة اجلمال أن نفكر يف اجلغرافيا بدال‬ ‫عن التفكري يف التاريخ"‪ .‬ولكن يف النهاية‪ ،‬فإن األرض نفسها مل تكن قادرة‬ ‫على تزويده باإلحساس باجلمال الذي كان يسعى إليه‪ ،‬فقد كتب قائال‪" :‬من‬ ‫غري املجدي أن حناول أن نفعل شيئا هو يف األصل ليس بشيء‪ ،‬من أجل األذى‬ ‫والعناد‪ ،‬أو أن ننغمس يف استرجاع األحداث املاضية‪ .‬اجلهد الكتشاف مجال‬ ‫جديد هو جهد إبداعي"‪ .‬وهذا ما يسمى بالوجدان احلديث املنقح‪ ،‬ومن هذا‬ ‫املنطلق أصر على أن تكون األزهار غربية واألمساء أيضا على النمط الغريب‪.‬‬ ‫اللغة الشاعرة لـ"بيكسوك" المست قضية تركه للبيت‪ ،‬وكان ذلك يف‬ ‫العمل الذي حيمل اسم"النعيم" للكاتبة "كاثريين مانسفيلد" اليت اكتشفت مجال‬ ‫براعم الربقوق‪ .‬بالنسبة للكاتب "يل" ذي التعليم النخبوي‪ ،‬واملتميز يف معرفة‬ ‫األدب الغريب‪ ،‬كان هذا هو الشيء الطبيعي الوحيد‪.‬‬

‫شتاء ‪ | 2009‬كوريانا ‪89‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.