* أھالي مكة تنادوا بالجھاد عندما قرر العثمانيون تحرير الرقيق بحجة أن القرار مخالف لشرع .. * كانت الجارية الجميلة تباع في نجد بـ ١٧ألف +ومتوسطة الجمال بـ ٨آالف.. * البحث كشف أسماء أشھر تجار الجواري الذين كانوا مطلوبين للعدالة ومنھم "ابن غراب".. * عام ١٩٢٢وصلت أعداد كبيرة من األطفال المخطوفين من أثيوبيا إلى جدة لبيعھم.. * إحصاء عام ١٩٣١م ب ّين أن عدد الرقيق في السعودية حوالي ٤٠ ألف عبد وجارية..
1
رصد الباحث السعودي محمود صباغ مايمكن وصفه بـ"المسكوت عنه" من حكايات تجارة الجواري والعبيد في الحجاز خالل الفترة األخيرة السابقة لصدور قرار تحرير الرقيق في المملكة العربية السعودية رسميا والممتدة بين عامي ١٨٥٥م و١٩٦٢م. تبدأ قصة تحرير العبيد والجواري في السعودية من عام ١٨٥٥م حين أصدرت الدولة العثمانية مرسوما ً يقضي بمنع بيع الرقيق في جميع األراضي الخاضعة لسيادتھا .وطلب كامل باشا والي الحجاز العُثماني المقيم في جدة ،من قائم مقامه في مكة ،أن يجمع ّ داللي الرقيق ،ويخبرھم باالجراءات الجديدة ،بمقتضى أوامر الباب العالي.
ويصف أحمد زيني دحالن ،مؤرخ مكة المعاصر لتلك الفترة ،في )خالصة الكالم في بيان أمراء البلد الحرام( تسلسل األحداث بعد ذلك االجتماع بشئ من االيجاز فيقول :لما علم األھالي في مكة بالقرار صاروا من ذلك في انزعاج واضطراب، وصاروا يقولون“ :كيف يمنع بيع الرقيق الذي أجازه الشارع؟” ..وتنادوا للجھاد، واجتمع طلبة العلم في بيت رئيس العلماء ومفتي األحناف ،الشيخ جمال شيخ وطلبوا اليه أال يرضخ لما يخالف الشرع ،وان ينتقل معھم الى دار القاضي ليمنع صدور ذلك األمر ،فلما مشت جموعھم في الشوارع انضم اليھا الجمھور ونادوا بالثورة واشتبكوا مع االتراك في قتال عنيف وامتد القتال الى المسجد الحرام ،فقُتل فيه عدة أشخاص من الفريقين ،فلما انتھت االخبار الى الشريف عبد المطلب بالطائف 2
غضب لألمر وجمع جموعه من القبائل إلعانة األھالي في مكة ضد الترك ،فخف االتراك الى جدة وتحصّنوا بھا ،واعلن كامل باشا ان المراسيم السلطانية قد وصلت اليه بعزل عبد المطلب وتولية الشريف محمد بن عبدالمعين بن عون. وكانت الدولة العثمانية خارجة لتوھا من حرب القرم مع روسيا انذاك ،يقف الى جانبھا حلفاؤھا الجُدد البريطانيون والفرنسيون ،الذين ضغطوا عليھا اللغاء تجارة الرقيق على أراضيھا والتخاذ بعض االصالحات فيما يخص حقوق األقليّات. والذت النخبة العثمانية التي كانت تميل نفوسھا الى االصالح بتلك التوجّ ھات الدولية ،فبلورت شروطھا في فرامانات اصالحيّة أبطلت في احداھا ممارسة الرقيق. وكان النفوذ االوروبي في الحجاز والبحر األحمر يشھد تصاعداً منذ توقيع اتفاقية التجارة العثمانية -البريطانية عام ١٨٣٨م ..وما صاحبھا من تنامي لمشاعر العداء المحلية ضد التجار والرعايا االنجليز القادمين حديثا ً لمزاحمتھم في ميناء جدة. وتزامن ذلك أيضا ً مع نفوذ شركة الھند البريطانية وارھاصات شروق شمس التاج البريطاني على شبه القارة الھنديّة واخضاع عدن للسيطرة البريطانية عام ١٨٣٩م، وما رافقه من بدء ترتيبات منح امتيازات للحجاج الھنود الذين باتوا يحملون الرعويّة البريطانية ،ويحظون اثر ذلك بعناية غير مسبوقة من قبل القنصلية البريطانية في جدة ..وھي امتيازات خاصة شملت مجاالت الصحة والرسوم الجمركيّة والكورنتينات والتنقل .وھذا خدش مشاعر الوطنيين وكراماتھم في مدن الحجاز وبواديھا. ھكذا كانت نغمة التوجس من األوروبيين في أوجھا لدى المحليين .ولما كان كامل باشا ،والي الحجاز ،اقرب ألفكار النخبة العثمانية المستنيرة ،أشاع ضده أمير مكة موال للنصارى ،يريد بذلك الطعن في ھيبته العشائري ،الشريف عبد المطلب ،بأنه ٍ والتقليل من شعبيته. كان عبد المطلب – قبيل اندالع فتنة منع الرقيق في مكة – قد تورط في حادثة مقتل نقيب السادة العلويين في مكة السيّد اسحاق بن عقيل بصورة بشعة – كون األخير كان حليفا ً لرجال السلطنة ،خصوم الشريف في مكة ،في صراعه الدائم والمفتوح على السلطة. وأدرك عبد المطلب ،الذي تحصّن في اطراف الطائف ،حضن الحجاز العشائري، فاراً من مواجھة جنود الوالي ،دنو صدور مرسوم اعفائه من شرافة الحجاز ،فوثب
3
الى استغالل موجة العداء الشعبية التي انفلتت من عقالھا مع صدور قرار منع بيع الرقيق ،وتماھى مع غارات المضار ،فأجج في نيران الفتنة بما اتفق مع مصالحه. لم يكن عبد المطلب مدفوعا ً بايمان أيديولوجي في تبنيه لمطالب الغوغاء بالشارع الم ّكي قدر ما ُنظر دوما ً لموقفه على انه استغالل سياسي وتوظيف ذرائعي. وبالمثل ،لم تكن عوامل اندالع الفتنة في الشارع بريئة خالصا ً. لقد أجبر عبد المطلب ،بإيعاز من دالّلي الرقيق في مكة وتجار جدة ،علماء مكة الى اصدار فتوى تناھض قرار الغاء تجارة العبيد .ثم قاد مناوشات عسكرية ضد الحامية العسكرية التركيّة ،قبل ان يتقھقر ويتحصّن في صفوف المقاومة طيلة سبع أشھر. انتھت األزمة الحقا ً بالقاء القبض على عبد المطلب من قبل السلطات العثمانية ونفيه الى سالونيك باليونان ،لكن قرار الغاء الرقيق في والية الحجاز كان قد ُجمّد الى أجل غير معلوم. ٍ كان الحجاز يخضع حينھا لفضاء المحيط الھندي الكبير ،وھو فضاء ثقافي وحضاري ممتد جغرافياً ،تشد أطرافه المتباعدة حركة التجارة البحرية المنطلقة من البحر األحمر الى تخوم الصين .وقبل صعود أفكار الدولة القومية عالمياً ،اشترك الحجاز ،مع مصر وسواحل السودان والقرن االفريقي وتنزانيا وكيبتاون ،وسواحل تھامة واليمن وحضرموت ومسقط مع غرب القارة الھندية وسنغافورة وأرخبيل مالوي )أندونسيا وماليزيا( وأجزاء من تايالند والصين ،في وحدة ثقافية وبشرية كان ابرز معالمھا االنتماء للمذھب الشافعي ،األشد في التأصيل الفقھي – واألكثر تساھالً – مع عادة شراء العبيد ،وفي “اجتھادات” ورُخص التسرّي بالجواري. الحجاز ،الفقير يومھا ومنعدم الموارد الذاتية ،والذي كان يلمّلم شظايا شخصيته الحضارية ،يريد استئناف دوره وإعالن موقفه من جديد في حركة التاريخ ..كانت سموم العوائد القديمة قد اجتاحت بنيته الذھنية فيما ال يزال ھو يقاوم للخروج من وھنه الناتج من رزوحه تحت وطأة غفالت األبويّة وأوھام التقليد. لقد سوّ رت متاعب الزمان وتوابع المحن بسورھا السميك على العقول التي َتلِفت ازاء التقاط اي حجة او شرعة ضداً على الواقع السائد للعوائد الكسيفة. وم ّر عقدان ساكنان ويزيد منذ تمرد عبد المطلب ،واحداثه لفتنة مكة. وفي العاشر من يناير ١٨٧٧م ،نشرت التايمز اللندنية خبراً من جدة عن رجل أسود عشريني سبح الى البارجة فاون المرابطة على ساحل جدة طالبا ً تخليصه من ربقة 4
العمل مع النوخذة الذي يملكه ..فما كان من قائد البارجة ،الكوماندور وارتن ،اال تسليمه الى القائم باألعمال في قنصلية جدة ،السيّد أوزوالد ،الذي سلّمه بدوره الى الوالي التركي ،ممثل السلطات العثمانية المحلية في جدة. واستشاط غضبا ً من مضمون الخبر المنشور في التايمز كال من السادة جوزف كووبر وادموند ستورج من جمعية مكافحة العبيد ،وارسال برقية عاجلة من مقر الجمعية في ٢٧نيو -بورد ستريت بلندن الى قنصلية جدة ،يخبرانھما بأنه كان األدعى االلتزام من قبلھم بقوانين اتفاقية العاشر من اغسطس ١٨٧٦م الخاصة بعدم تسليم العبيد الالجئين لسلطات بلدانھم[٢] . واضطر السيّد أوزوالد ازاء التساؤالت الحقوقية والصحافية الى فتح تحقيق رسمي خلص الى اآلتي :الرجل الالجئ الى البارجة ،اسمه مرجان ،وھو نوبي ،اُختطف عن طريق البربر عبر مجرى النيل الى ميناء القصير ومنھا ھُرّ ب مع مجموعة أخرى من العبيد الى جدة ،حتى بيع الى احد مالّك القوارب الشراعية في جدة؛ اسمه ابراھيم عجالن ،الذي س ّخره ألعمال التحميل ومساعدة الركاب في سنبوكه. واعترف مرجان ان مالكه كان يُحسن معاملته ولم يكن يضربه قط .ولكنه كان يشتكي من تعرض جسده للبرودة حيث ال تكفيه مالبسه الخفيفة .وألجل ذلك لجأ - عفويا ً -للبارجة. واعتبر اوزوالد ،في تقريره المرفوع ،انه حيث لم تكن ھناك اتفاقية بيّنية ملزمة فيما يخص العبيد الالجئين فقد تم تسليمه للوالي التركي ،الذي اعاده بدوره لمالكه بعد انتفاء دعوى اساءة المعاملة.[٣] . كانت محاولة مرجان أولى حوادث لجوء العبيد الى الجھات القنصلية البريطانية في جدة ..وھي وان مرت دون تدخل جوھري ،فانھا ستش ّكل نقطة تحوّ ل في طريقة عمل الجھات القنصلية األجنبية ازاء العبيد الالجئين فيما بعد كما سنرى. تجارة مزدھرة كانت تجارة العبيد مزدھرة بين ض ّفتي البحر االحمر :في انطالقھا من موانئ تاجورة )جيبوتي( وزيلع )الصومال( وبربرة ومصوّ ع )ارتريا( الى موانئ البحر االحمر اآلسيوية. وضمت تجارة العبيد الى جزيرة العرب عناصر افريقية عدة من ارتريا والصومال وجيبوتي واثيوبيا يدخلون عبر موانئ جدة والحُديدة والمخا ،وقوقاز وجاويين يأتون في مواسم الحج ،ونساء ھندوس من بومباي ونساء من فارس وزنجبار يأتون عبر 5
قنطرة جُزر كمران )بالبحر االحمر( ..بعضھم لالحتياج المحلي واآلخر يجري اعادة تصديره شماالً الى تركيا ومصر. وبدت تجارة العبيد متجذرة حينھا بشكل يتعذر معھا مجرد التفكير في اجتثاثھا ،حتى ان نائب القنصل البريطاني في جدة ،مستر وايلد كتب في مذكرته التوضيحية الى الخارجية البريطانية في ١٨٧٧م بان “ممارسة الرق في الحجاز غدت مؤسسة تمارس منذ عھد النبّوة ،وان التدخل بين العبيد ومالّكھم انما ھو معقدة حيث انھا َ مسألة شديدة الصعوبة” ..لكنه عاد واستدرك بأن عبيد جدة يجري معاملتھم بشكل انساني وخال من االھانات ونادرا ما تسجل ضد ّ مالكھم اي شكاوي[٤] . وصير الى مبادرات تنظيمية كان مُلھمھا األول الحد من نشاط تھريب الرقيق المتفاقم. وفي األول من ابريل ١٨٧٧م ،رُصد على قارب “قونيه” الذي يملكه عيسى بن خليفة من تجار سواحل الخليج ،ستة عبيد كان يجري تھريبھم للحجاز من قِبل وكيله سلطان بن حارب .وفطنت حينھا السلطات البريطانية ،الى ِح َيل التھريب عند تجار ورأى ماكدونالد ،نائب االدميرال“ ،ان غياب الخليج ومتعھدي النقل البحري فيه. َ قوائم المسافرين الھنود للحج وعدم طباعة اسم الراكب على التذكرة سبب في رواج تجارة العبيد بين رعايا الھند والحجاز”]٥] . وفي الحادي والعشرين من مارس ١٨٧٧م اصدر الكوماندور كاليتون المقيم في مسقط الى نائب االدميرال ماكدونالد ،يخبره ان عدداً كبيراً من العبيد يجري تھريبھم سنويا ً من سواحل الخليج العربي الى الحجاز في مواسم الحج]٦] . وشرعت القنصلية البريطانية في الزام وكالء شركات البواخر والقوارب في جدة، التي تتعامل مع حجاج الھنود وسواحل الخليج ،على كتابة اسماء الركاب على التذاكر وتقييدھم في قوائم دخول. وظلّت اكبر مسارات جلب العبيد لجدة تلك التي تأتي بالمخطوفين من اثيوبيا عبر وكالء عرب مستقرون في موانئ تاجورة وزيلع ومصوّ ع ومنھا عبر البحر االحمر الى ميناء الحُديدة ومنھا الى جدة واسواق مكة في مواسم الحج. وق ّدر الكوماندور بويز في السويس في ٣يوليو ١٨٧٧م عدد من جرى تھريبه من اثيوبيا -وحدھا -الى ميناء الحديدة بثالثين ألف عبد فقط في عام ١٨٧٦م .كان العبيد يصلون للميناء ويباعون عبر وكالء ومن يفيض يجري نقله الى مكة والطائف وينبع
6
والمدينة دون اعتراض من السلطات التركية .ويق ّدر عدد الذين يستھلكھم او يُعيد تصديرھم سوق جدة سنويا ً من عشر آالف الى خمسة عشر ألف عبد. وكانت جدة ،د ّرة موانئ اقليم الحجاز ،مركز ًا رئيسيا ً لوصول العبيد ،فيما كانت مكة ،عاصمة االقليم ،مركزاً العادة تصديره ،اضطراداً مع حركة مواسم الحج. كان العبيد ينزلون على موانئ الحديدة وجدة وينبع على التوالي ..وحين سأل الكوماندور باوليت ،الذي زار جدة لتفقد احوالھا في يناير ١٨٧٨م الوالي التركي في جدة ،ان كان مينائيّ الليث والقنفذة يُستخدمان ايضا ً لتھريب العبيد ،اجاب بالنفي الن البدو سيسرقونھم فور رسوّ ھم [٧] .وكان البدو يقتنون عبيدھم من جدة بالشراء. ولم يخلو بيت في مكة والمدينة وجدة من العبيد والجواري ،الذين يُستخدمون للعمل كسقائيين للمياه وعمال يدويين وقراريّة )عمال بناء( ومرافقين وباعة في الدكاكين ومديرين ومحاسبين وصيادين ،ناھيك عن القيام باألعباء المنزلية .والنساء ھن جاريات وسريات للمُالك الذين ال يستطيعون تحمل تكلفة الزواج الرسمي ،بحسب تعاليم المذھب الشافعي ،وھن ايضا سراري لألثرياء والمترفين الباحثين عن التسليّة. وكان كثير من العبيد في سوق مكة يعودون لرعويّة بريطانيا او رعويّة الھند الشرقية الھولندية .وأغلب الرق الھولنديون ينتمون لجماعات :البورنيو ،والسيليبس او من جزر نياز -وكلھا في اندونوسيا الحالية -وھم يُرسلون اول م ّرة الى مصر، ومنھا في مواسم الحج الى الحجاز .وكثير منھم يُسترقون في قصور أمراء مصر. وكان من ضمن العبيد االثيوبيين المجلوبين للحجاز مسيحيون بالوالدة ،كما رُصد جواري في مكة من ھندوستان. وعقدت مصر مع بريطانيا اتفاقية في الرابع من اغسطس ١٨٧٧م اللغاء االسترقاق والنخاسة في جميع انحاء القطر المصري ،ومنحت االتفاقية البريطانيين حق توقيف السفن المصرية للتفتيش عن العبيد. وتأثرت تجارة الرقيق في ميناء الحديدة مع القوانين الجديدة ،وتفاعلت السلطات التركية في البحر االحمر ببطء ،وشرعت الى توفير قارب تجديف صغير في ميناء جدة للمراقبة اال انه لم يكن ذي اي تأثير]٨] . وشرعت القنصليات االجنبية في جدة في تحرير العبيد الالجئين اليھا وترحيلھم الى ديارھم األصليّة – لكن ھذا تسبب في اندالع فتنة بين اوساط القبائل. 7
وحدثت فتنة في اطراف مكة ،واختل األمن في الطرقات خصوصا ً في طريق جدة- المدينة المنورة ،ومع شھر رمضان ،الموافق يوليو ١٨٨٣م ،خرج بعض المتمردين من قبائل زبيد وبشر ومعبد وسليم ،والثالث االوائل بطون مسروحية تنتمي لقبيلة حرب“ ،خرجوا في طريق جدة ،وصاروا ينھبون الحمل الذي يمر بھم” بحسب احمد زيني دحالن في خالصة الكالم]٩] . وحين ھمّوا الى االعتداء على القنصليات األجنبية في جدة ،تص ّدى لھم الشريف عون الرفيق ،وقاتلھم حتى تقھقروا الى عسفان ،فأدركھم وأوقع بھم حتى اطاعوا له، وساقوا جملة من المبررات التي دعتھم الى اشعال الفتنة ،كان في صدارتھا “أن النصارى يأخذون رقيقھم ،ويطلقونھم من أيديھم ويرفعون الرق عنه ،حتى عصي عليھم عبيدھم” – بحسب دحالن. وبات ظاھراً ان يلجأ الرقيق الھارب الى القنصليات االجنبية في جدة ويحتمون بھا للحصول على شھادات الحرية .وكانت القنصليات تمنحھم شھادات حرية دون الرجوع الى والية الحجاز او انتظار اوراقھا الرسمية .ويحتوي االرشيف العثماني تفاصيل قصة عبد ھارب توجه الى استانبول في اغسطس ١٨٨٩م مع افراد اسرته بعد حصوله على ورقة الحرية من القنصلية االيطالية في جدة دون موافقة الوالية]١٠] . ونادى القنصل االنجليزي في جدة األھالي صراحة باطالق سراح عبيدھم في نوفمبر ١٨٩١م. وكانت السلطات العثمانية تشعر بالضيق ازاء ذلك التدخل السافر في شئونھا الداخليّة .وتوجست اسطانبول من اھتمام بريطانيا المتزايد بالحجاز ،كونه كان يخالف مصالحھا اقليميا ً. وعاد عثمان نوري باشا واليا للحجاز في فترة ثانية في منتصف ١٨٩٢م ..لكن عداؤه الشخصي القديم مع الشريف عون الرفيق لم يلبث االّ واندلع من جديد، محوره السيطرة على الحكم ،وظاھره قضية الرقيق. واُنتدب احمد راتب باشا من قبل السلطان عبدالحميد للتحقيق حامالً معه تعليمات تتلخص في اربع مھام ،أولھا :التحقيق في تمرد القبائل في الحجاز بسبب اعتراضھم على فرار عبيدھم. ورشا عون الرفيق ،راتب باشا بستة آالف جنيه ذھبا ً وضِ عت في ص ّرة وسلمّت له لحظة وصوله في ميناء جدة ،يؤكد األفندي محمد نصيف ان األخير قام بعدھا جنيھا ً 8
جنيھا ً .وكتب راتب باشا تقريرا يؤيد فيه الشريف ،ويبرئ ساحته ضداً على الوالي، الذي حمّل الالئمة عليه]١١] . واجتمع راتب باشا ببعض شيوخ القبائل بوساطة من الشريف عون بن ناصر الذي انتدبه ألجل ذلك ،ولما التئموا احتموا باسم جناب السلطان ورموا بعقلھم واشمغتھم على األرض حسب العادات العربية مطالبين بالعفو ،واعتبروا ان تمردھم كان احتجاجا ً على فرار عبيدھم ،وتراخي عثمان نوري المنحاز لالجئين والمدفوع الى رفع الرق عنھم. ...................................................
دكة الرقيق -مؤسسة تجارة العبيد المكيّة:ولما استفحل امر الدراويش المھديون واستولوا على األقطار السودانية في مطلع ١٨٨٥م ،الغوا قرارات غوردن باشا واعادوا تجارة الرق الى افظع ما كانت عليه، فتدفق الى الحجاز ،عبر عصابات سودانية محليّة ،موجات ضخمة من الرقيق
9
السوداني .وبات نشاط تھريب الرقيق من ميناء سواكن يجري في العلن ،وعبر مجموعات ضخمة تتجاوز األلفيّ شخص مع كل حمولة بحرية{١٢} . وكما ازدھرت تجارة الرقيق والجواري في الحجاز ،ازدھر معھا نشاط شراء الحجاج العبيد العتاقھم ،واعادة حرياتھم اليھم .وغصت مدن الحجاز باألرقاء العتقاء ،بل ان مدينة كاملة في جوار المدينة المنورة ،وھي خيبر ،قد تألّفت حصراً من االرقاء السابقين. وبرزت في مكة مؤسسة د ّكة الرقيق ،وكانت سوقا ً للعبيد في اطراف سوق سويقة، على مقربة من باب الدريبة ،يقوم عليھا شيوخ التجارة ،وملحقة بأحواش مفتوحة غير كبيرة يحبس فيھا الرقيق في المساء. وكانت مراسم البيع تجري بحضور شاھديّن ،و ُتسجّل في اوراق مجلوبة ومُصدقة من المحكمة الشرعية. ويصف المستشرق الھولندي سنوك ھوروخرنيه الذي مكث في مكة عام ١٨٨٤م، أجواء ومناخات بيع العبيد والجواري في د ّكة الرقيق“ ..ازاء الجدار تقف الفتيات والنساء من الجواري على الد ّكة ،والكبار منھن ال يرتدين سوى حجاب خفيف، ويقف أمامھن على األرضيّة الرقيق الذكور ،وفي بھو القاعة يلعب مجموعة من العبيد الصبيّة .ويجلّس الداللون على مركازھم ويتبادلون أطراف الحديث سوية او مع بضاعتھم من الرقيق”[١٣] . فيما يصف طقوس الشراء“ ..واذا اھ ّتم زبون بصبي أسود صغير ،يقوم الدالّل المخصص بمناداته ،ويطلب منه الكشف للزبون عن شعره ،واقدامه ،وبقية أطرافه؛ ويجبّر الصبي على فتح فمه واستعراض لسانه واسنانه ،فيما يقوم ّ الدالل باستعراض مواھبه للزبون المھ ّتم”[١٤] . واذا جاء المشتري البتياع جارية فحصھا فحصا ً دقيقا ً من قمة رأسھا الى أخمص قدميھا كما ُتفحص البھائم .فاذا تحقق من لباقتھا ولياقتھا سامھا من البائع. ويقوم المشترون عادة بعدة اختبارات للرقيق قبل اتمام عملية الشراء .فيسألونھم ان كانوا يتحدثون العربية ،ويسألونھم بعض األسئلة الشخصيّة ..ثم يقومون بالكشف عن عالمات االصابة بالجدري ،ويبحثون في اجسادھم عن ختم “جدرّ ي خالص” تنويھا ً عن تلقيحھم ضد الجدري – واللقاح كان يُمنح في الحجاز ،مشفوعا ً بشھادات اعتماد مختومة من مفتي الشافعيّة في مكة ،ولكن قلّما كانت تمنح ھذه الشھادات للعبيد. 10
واذا ظ ّل في نفس الزبون قليل من الشك ،فانه يصطحب العبد الذي ينوي شراؤه لفحصه عند طبيب مقابل عائد مادي ،او يقوم بصالة “االستخارة” ..اما اذا كان يعمل بالرمل والندر ،فھو يذھب لشيخ الرمل ليقرأ طالعه قبل اتمام صفقة الشراء. ][١٥ راض؟” ..ومن خالل االجابة ،حتى لو وأخيراً يسأل السيّد الجديد عبده“ :ھل انت ٍ جاءت بالسلب ،يدرك الرجال بفراستھم فرص نجاح العالقة الجديدة من عدمھا. ووقف الضابط الروسي عبدالعزيز دولتشين الذي زار مكة متخفيا ً في عام ١٨٩٨م على اجواء د ّكة الرقيق ،ووصفھا بالمحفل الرھيب. يقول دولتشين“ :وعندما زرت ھذا السوق ،كان ھناك زھاء ٨٠شخصا ً معظمھم شابات حبشيّات مع اثنتين او ثالث منھم اطفال رضع ،وجميعھن مزيّنات ومصفوفات فرقا ً على دواوين طويلة؛ وكان ھناك مقعدان يجلس عليھما كادحون راشدون من الزنوج ،البسون بعناية ومقصوصو الشعر ..يشرف على البيع تاجر عربي نشيط راح يمدح بصوت مدو مزايا بضاعته”]١٦] . لقد خلص دولتشين الى ان ما رأه قد ترك في نفسه انطباعا ً كئيبا ً ومُرھقا ً جداً. لكن المستشرق ھوروخرونيّه ،االعتذاري للشرق وممارساته وأخالقه ،اعتبر ان الر ّحالة األوروبيين الذين يحكمون على تجارة العبيد في الحجاز باستعالء وبفرض تام لقيّمھم انما يجافون الواقع ويغلّبون نظرتھم السطحية والمستعجلة لألمور“ .وأسفا ً فإن غالب المستشرقين ينقلون لنا مالحظات سطحيّة عن ممارسات الرقيق في مكة” ،يقول ھوروخرونيه]١٧] . ويرى ھوروخرونيه انه ال يمكن ان يشتري احد في اسواق مكة أي عبد ذكر دون ارادته ،لكن ھذا الشرط يجري التسامح معه مع الرقيق االناث والجواري .وان الرقيق اذا استشعر سوء المعاملة فانه يصرّ على بيعه حتى يرضخ مالكه ،فيعيد تسليمه الى د ّكة الرقيق .لكن ذلك كان يجري دون غطاء قانوني. ويقول ھوروخرونيه“ :ال تبدو على الرقيق في البيوت أي عالئم للحزن او السخط، وھم ال يسكبون دمعة واحدة على تقييد حرياتھم .لكنھم يبدأون في االعتراض اذا ما تم اساءة معاملتھم حتى ينالون فرصة أخرى للبيع لمالك آخر”[١٨] . واذا اخطأ العبد فان عقوبة الضرب على أسفل قدميه في انتظاره .يصف ھوروخرونيّه ذلك المشھد كما شاھده في احد حارات جدة“ :يضجع العبد على بطنه، ويرفع قدميه للسماء ،فيما ينزل المالك او احد رجاله بعصا “ال َف َل َكة” على اسفل 11
قدميّه ،فيما يصرخ العبد معلنا ً التوبة ،وطالبا ً العفو بإسم الرسول” ] .. [١٩لكن ھوروخرونيه يعود ويستدرك ان ھذه العقوبة ھي نفسھا التي يستخدمھا أھالي الحجاز ازاء ابنائھم المشاغبين ،نافيا ً أي شبھة تمييز. ويخلص المستشرق ھوروخرونيه الى تسامح المجتمع الم ّكي واحترامه للعبيد ..كون العديد من الجواري ،انما يصبحن أمھات لمكيين ،فيما يعقب العبيد الذكور أسيادھم في مھنھم ومكاناتھم االجتماعية ،بل ويحملون ألقابھم العائليّة[٢٠] . وھو يضرب مثالً بأحد “ ُكباريّة” مكة ،ممن ينحدر من عائلة أرستقراطية مكيّة عملت في االفتاء ،في وصف المعاملة فائقة االحسان التي يتعامل بھا العبيد في الحجاز ،فيشير الى تعامله شديد التھذيب حد التدليل لمرافقه المملوك ،في احد الغدوات التي كان يحرص على لقائه فيھا بشكل دوري ابّان مكوثه في مكة – واغلب الظن ان المقصود ھو صديقه الحميم السيّد عبد rالزواوي ،مفتي الشافعية في مكة. ويذھب ھوروخرونيه ،الذي كان يحكم على المظاھر بشكل نسبي ،ان “عبيد” مكة ھم في حقيقة األمر الموازون للخدم والمساعدين الشخصيين في اوروبا “المتحضّرة” .ويكاد يُفرط في اعجابه بالتعامل األفضل الذي يحظى به العبيد في بيوت مكة .فھو يعلن رفضه لألحكام القاسيّة التي يُصدرھا بعض المستشرقين االوروبيين في عجالة ضد ظاھرة العبيد في الشرق ،معتبراً انھا مؤسسة متجذرة اجتماعياً ،ولھا أصولھا القرآنية ،التي يصعب الغاءھا بجرّة قلم ،او بمطالب نزقة من الغربيين[٢١] . لكنه اعتبر ان اسوء الممارسات البغيضة التي تترافق مع تجارة العبيد ،والتي ال يمكن التسامح ازاءھا اطالقاً ،ھي ظاھرة “الخصي” لفئة األغوات الذين يحق لھم الدخول في مجالس النساء االرستقراطيّات ،او اؤلئك الذين يعملون في فِراشة الحرم الم ّكي الشريف. ولم يُخفي ھوروخرونيه بغضه لممارسات اختطاف األطفال في افريقيا وبيعھم في اسواق الجزيرة العربية ،لكنه اعتبر ان السؤال الجوھري يتعلق بنوعية الخطاب المعقول الذي يجدر بالغربيين استخدامه بما يساعد على القضاء على الظاھرة من جذورھا ،ال مفاقمتھا من خالل اعالن العداء لھا اعالميا وسياسيا والترصد لممارسيھا[٢٢] . وھو يضرب مثاالً بالسياسات األوروبية المتخذة في القرن االفريقي لمكافحة تھريب الرقيق“ .لقد اجبرت “الجالّبين” ]أي مھربي العبيد[ على اتخاد مسارات أبعد وأكثر 12
وعورة ،تصل الى اثني عشر ساعة من المشي على األقدام للوصول الى الشاطئ، وھو ما يعزز من فرص الوفيات بين االطفال“ .ان سياسات محاربة الرقيق ،لم تقلّص من اعداد المھربّين ،لكنھا فاقمت من اعداد الوفيّات” ،يقول ھوروخرونيه، الذي وجد في المقابل السياسات العربية في الحجاز اكثر انسانيّة. ھوروخرونيه خلص الى ان تجارة العبيد ستنتفي بالتنميّة البشريّة الحقيقية للمجتمعات االفريقية الفقيرة والمعوزة“ ،ألنھا ستعلي وقتھا من قيمة الحياة لألفراد” ] .[٢٣وھو ما كان يراه مفقوداً في أبجديات الخطاب االوروبي الذي اعتبر انه يريد معالجة المسألة باالرجاف والتھمة وفرض سياقاته المختلفة بشكل متعسف.
الدستور العثماني الحديث ،انتصار مؤقت للحريّات:وبعد اعادة صدور الدستور العثماني في عام ١٩٠٨م ،وصعود االتحاديين للحكم في االستانة )اسطانبول( ،تشددت السلطات ازاء تجارة العبيد في والية الحجاز ،امتثاال لبنود الدستور. وصدر فرمانُ ،نشر في صحيفة تقويم الوقائع ) (Taqvim-I Veqayiفي الثالثين من اكتوبر ١٩٠٩م بالتأكيد على منع تجارة العبيد والتأكيد على حريتھم ايا ً كان لونھم او جنسھم – بحسب الدستور – وان أي مخالفة لذلك يُعد بمثابة جريمة يُعاقب عليھا القانون. لكن مع عام ١٩١٠م يفيد تقرير للخارجية البريطانية بأن تجارة العبيد في الحجاز كانت ال تزال رائجة – وان بإستتار -خوفا ً من التشديد الحكومي األخير .ويسمّي التقرير اسماء التجار الذين يعملون في تجارة العبيد في ميناء جدة ،كان أبرزھم؛ سعيد قاسم الصعيدي ،ووكالئه :باسودان الحضرمي ،والصافي الحضرمي]٢٤] . ما بعد الثورة العربية؛ الشريف وتجارة العبيد:وعادت التجارة لالزدھار من جديد مع قيام الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من مكة في ١٩١٦م ضد االتحاديين .لكن الشريف حسين ،ملك الحجاز وقائد الثورة، سيقوم بعد اقل من ثالث سنوات – في عام ١٩١٩م -باغالق سوق العبيد الشھير في مكة الذي يحمل اسم “دكة الرقيق” ،وفي البدء في التضييق على نشاط التھريب. وبزغت ازاء الترتيبات المحلية واغالق اسواق ودكك الرقيق بدائل مبتكرة لبيع وتسويق العبيد في مدن الحجاز .كان العبيد بعد ھبوطھم ألرض الميناء َ يوزعون 13
على منازل الداللين في جدة الذين يقومون بدورھم ببيعھم سراً ،ال في سوق او مزاد علني ،وانما بالداللة المباشرة[٢٥] . وارتفع سعر العبد الذكر مع حلول عام ١٩٢١م في جدة الى ستين جنيھا ً استرلينيا ً. اما العبدة المؤھلة بالقيام بأعباء المنزل فوصل سعرھا الى مائة جنيه استرليني. ]]٢٦ ومع ديسمبر ١٩٢١م عادت تجارة العبيد لسابق عھدھا مع تراخي السلطات .ويفيد تقرير المايجور مارشال ،قُنصل بريطانيا ،الذي بعثه الى قيادة البحر االحمر في بورسودان ،بأنه لم تعد للحكومة الحجازية الھاشمية القُدرة على السيطرة على تجارة العبيد ،وال مُالحقة المھربين ،حد ان بعض رجال الجُمرك الفاسدين يُقدِمون بين فينة وأخرى على تلقي رسوم جمركيّة رسمية على شحنات العبيد ،وآخرھا شحنة قادمة من اليمن محمّلة بعشرين جارية حبشية – تماما ً مثل االيام الخوالي قبل الدستور العثماني! وبيع الشاب عثمان آدم ١٦-سنة -من قِبل آدم عبد rالبرناوي في جدة الذي كان قد احضره من سواكن للعمل معه ثم حينما تقاعس باعه بـ ٤٤جنيھا ً .وتم البيع بواسطة الشيخ محمد جبركاني احد شيوخ البرنو ،فيما كان ّ الدالل الشيخ ادريس مالك الذي تحصّل على عمولة البيع ومقدارھا أربع جنيھات. كان من وجھاء الجاليات االفارقية المستق ّرة في مكة من يتوسط ويعمل دالالً في بيع العبيد المجلوبين من افريقية ،وكثيراً ما كانوا يتخذون اساليب المراوغة والحيلة. وفي موسم حج عام ١٩٢١م ،اُختطف عبد مرافق ألحد ميسورات السودان وتدعى عيشة يوسف .اختطفه منھا في جدة احمد محمد ابوبكر .وحين ارادت استعادته توسطت لدى شيخ البرنو في مكة محمد فونتامي الذي افادھا بوفاة مالِك العبد ،وان العبد اصبح من اآلن ملكا للشريف ودفع لھا تعويضا .وذھبت عيشة الى المدينة المنورة وتزوجت فيھا ،وحين عادت الى جدة وجدت عبدھا السابق قد ُسلّم من الفونتامي الى شيخ آخر للبرنو تمھيدا لبيعه لمصلحة األول[٢٧] . وفي رسالة من نائب القنصل في جدة للقيادة في بورتسودان بتاريخ ١٠يناير ١٩٢٢م ،تفيد بوصول اعداد كبيرة من االطفال االثيوبيين المخطوفين للحجاز، وبشكل يومي .ورُصد في األول من يناير وصول ٣٧طفل ،وفي الثاني من يناير ٤٥طفل ،وفي الرابع من يناير ٥اطفال .وصلوا جميعا من ميناء تاجورة في الصومال الفرنسية )جيبوتي( ،حيث تم شحنھم بالسنابيك الى ميدي في اليمن عبر 14
شيخ ميناء ميدي الشيخ عبدالمطلق ،وفي ميناء حبل عبر الشيخ سعيد بن مساعد، احد وسطاء تجار عبيد الدنقلة بين سواحل ارتريا وتجار الحجاز[٢٨] . وفي جدة كان يستقبل االطفال المھربين السيد عبدالحميد ابن عبدالمطلوب بعد ان ترسو سنابيكھم في الرويس او جنوب جدة حيث مقبرة النصارى ،خارج السور. وكان تھريب العبيد ممنوع رسميا لكن يجري غض البصر عنه مقابل رشوة مقدارھا ٣جنيھات ونصف عن العبد[٢٩] . وفي الحاالت القليلة التي يجري اخطار السلطات بالعمليات وتقوم بمداھمتھا ،يجري اعتقال المتورطين عبر شرطة جدة المحلية. وكان شيوخ تجارة العبيد في ميناء تاجورة – وھي احد مقاطعات جيبوتي الست: علي احمد ،حسن محمد ،داود خنبشي وج ّرات العبلي[٣٠] . وفزع الصحفي العربي/االمريكي أمين الريحاني ابان زيارته للحجاز وعسير في انحاء عام ١٩٢٢م من تفشي داء العبودية ..فكتب وھو في تھامة تغلفه مشاعر االحباط“ :كنت أؤمل ،على فرض وجود الرقيق والنخاسة ،ان تكون الحكومة ناھضة لألمر متعقبة المجرمين ،ساعية في محق ھذه التجارة المستنكرة ،األثيمة، فوجدتھا في الحجاز وعسير نائمة –وا اسفآه -او متناومة ،او عاجزة .بل وجدت الحكومة أحيانا حليفة الرعاع”[٣١] . والى جانب د ّكة الرقيق في سويقة ،كان ھناك دكك للرقيق في كل من المدينة والطائف ،وسوق للرقيق في جدة على بعد خمسين مترا من دار القنصلية البريطانية .فيما كان سوق عرد في تھامة احد اعظم اسواق الرقيق ،وكان سوق ميدي مركزاً لتصدير العبيد الى عقبة اليمن والعسير وجدة .يقول امين الريحاني: “واذا اراد أحد السادة األدارسة شراء جارية حسناء يجئ الى ميدي فال تضل خطاه ومناه”. ووجد الريحاني بشئ من األسف“ ،ان في الحجاز من يحللون ويحبذون النخاسة ومنھم من يأسف انھا غير مستمرة ويلعن المراقبة البريطانية”[٣٢] . وفي التاسع من مايو ١٩٢٢م اخبر السير اوليفانت من الخارجية البريطانية الشريف حسين ان حكومة الملكة لن تدخل في اتفاقية ثنائية مع دولته ما لم تشدد القبضة ضد تجارة العبيد[٣٣] . وفي رسالة من قائد البارجة كورنفالور الى الشريف الحسين في ٢٢يونيو ١٩٢٢م ،نجده يدعوه للتعاون في الغاء العبيد من جديد[٣٤] . 15
الحسين ابدى امتعاضه من النظام الحالي للرق ولكنه كان يبرر بأنه كزعيم اسالمي يصعب عليه الغاء ما تجذر في الثقافة االجتماعية للحجاز من شيوخ البادية وأعيان الحضر – فھو يكتفي بأال يُنكر وال يؤيد .يقول المايجور مارشال ،قنصل بريطانيا، انسجاما ً مع تبريرات الحسين ،بأنه يجب ان تكتفي حكومة بريطانيا بانتزاع ادانة أخالقية من الحسين للرق. واعتبر المايجور مارشال في رسالة الى الخارجية البريطانية في ٢٩مايو ١٩٢٢م، انه ليس من الموضوعية الحكم األخالقي ضد الشريف ازاء ثقافة تجذرت في التربة الحجازية والعربية لقرون[٣٥] . وكان من االوروبيين في جدة من تورط في تلك الممارسة .فالقنصل االيطالي استقدم عبدة من ارتريا ،وطبيب ھولندي معروف يقيم في جدة اشترى جارية حبشية في نوفمبر ١٩٢١م مقابل سبعين جنيھا ً ذھبيا ً استرلينيا ً]٣٦] . وتعاونت السلطات المحلية في الحجاز مع الطلبات البريطانية لتحرير رعاياھا – يعود ذلك لنشاط وزير خارجية الحجاز ،الشيخ فؤاد الخطيب. وكان القنصل البريطاني يرسل بأسماء وجوازات من يعتقد انھم تجار للعبيد، للخارجية الحجازية التي كانت ترد على االستفسارات بشكل فوري. في السادس والعشرين من ديسمبر ١٩٢٢م ،اشتبه القنصل بخمس تجار يحملون الجواز الحجازي من اصول حبشية كانوا في اتجاھھم عبر ميناء جدة الى عدن: سراج بن بكر ،عربو بن محمد ،محمد وحمزة بن ثاني ،وعلي بن عبد – rوكلھم في عقد الثالثينات ،ولكنه عاد وأكد انه ال يملك أي دليل ادانة ضدھم[٣٧] . وكان كثير من مھربي العبيد في تلك الفترة أحباش يحملون جوازات سفر حجازية يحصلون عليھا بالحيلة او بالرشوة ،مثل علي بن عبد rالحبشي ،حامل جواز حجازي رقم ١٠٦٠/١١بتاريخ ١٣٤١-٦-٢٦ھـ[٣٨] . وصالح بن ابراھيم الح َبشي ،حامل جواز حجازي رقم ٢٣٧/٣بتاريخ ١٣٤٢/١/١٤ھـ .واسمه األصلي صالح ابراھيم تراب ،والده ابراھيم تراب ،حبشي يحمل الجنسية الفرنسية ،من كبار تجار العبيد في تاجورة .كان صالح قد ھرّب الى جدة في يونيو/يوليو ١٩٢٣م ،مائة وثالثين عبداً ،منھم ستون امرأة ،تتراوح اعمارھم ما بين ١٠و ٢٥سنة ،عبر سنبوك “فتح الخير” الذي يملكه علي محمد من خوخة اليمانية ،حيث استلم ُ شحنتھم احد اخوته الصغار في جبل الشِ حر باليمن، وانتقل بھا صعوداً على ظھور الجمال الى جدة حيث التقاه اخوه صالح ووالده 16
ابراھيم الذي التحق بھما من ميناء مصوّ ع .وقد بيع عبيد ابراھيم تراب المجلوبون الى جدة بأربعين الى سبعين جنيه للفرد[٣٩] . كانت السلطات الفرنسية تحاول الحد من التجارة البغيضة المنطلقة من سواحلھا. وقبض على المُھرب ادريس بن عبدو الحبشي ،حامل جواز حجازي رقم ٢٠٠/٢ بتاريخ ١١المحرم ١٣٤٢ھـ ،حال وصوله الى ميناء جيبوتي ،وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات مع خمسة تجار حبوش آخرون يحملون جوازات حجازية كان من ضمنھم صالح تراب الذي تلقى حكما ً بالحبس مدته ثالث سنوات. وفي مايو ١٩٢٣م ،الذ آدم بن يحيى من أھل الفاشر الى القنصلية البريطانية. جاء آدم لمكة في ١٩١٧م وھو اليزال طفل حر تم خطفه من بالده ،وبيع الى رئيس شرطة مكة منصور بن زاھر ،وظل يعمل في خدمته ست سنوات ،وحينما طلب منه اعتاقه او بيعه ،باعه على احد شيوخ حجاج الجاوا من المكيين ،ثم استرده واخبره بانه سيبيعه لشخص اكثر وجاھة على أمل اعتاقه .وفي غضون ذلك التحق به في مكة عمه عبد rبن محمد ،والشيخ جبريل وكالھما من وجھاء الفاشر ،سعيا ً منھما لضمانه واثبات أصوله الحرة. في السادس والعشرين من مايو ١٩٢٣م ،ق ّدم وزير خارجية الحجاز فؤاد الخطيب اعتذاره للحكومة البريطانية واعتمد اخالء سبيآلدم للسودان على الفور]٤٠] . ..........................................
17
القنصل البريطاني بوالرد -عھد من الترصد لمقتني العبيد:ُعيّن ريدر بوالرد قنصالً ومعتمداً بريطانيا ً في جدة في يونيو ١٩٢٣م وبقي معتمداً حتى حصار السعوديين لجدة ،قبل ان يترك منصبه لنائبه المستر جوردان ،قبل سقوط جدة بأشھر معدودة في يد جيوش ابن سعود. كان بوالرد سادس معتمد قنصلي رفيع يجري تعيينه في الحجاز بعيد اندالع الثورة العربية الكبرى التي تحالف فيھا شريف مكة مع البريطانيين ..ولم يكن بوالرد مثل القناصل المخضرمين الذين جرى تعيينھم عقب الثورة مباشرة ،من امثال الكولونيل سيريل ويلسون ،الذين عبّروا عن تجربة طويلة وعميقة في فھم الذھنية الشرقية واحترام مطامح العرب وتطلعاتھم .بوالرد ،على النقيض ،كشف عن موقف عدائي اتسم دوما ً بالصلف والتكبر االستعماري. اشتھر بوالرد بمعاندته لمطامح الشريف السياسية حتى اتسعت الھوة بينھما ،واتخذ من حوادث اقتناء وانتھاك معاملة العبيد مدخالً واسعا ً لمالحقة الشريف واعوانه وكبار التجار في الحجاز ،وان كان من االنصاف ان نذكر ان كثيراً من مواقفه اتسمت -ولو ظاھريا ً -باإلنسانية .بوالرد الحقا ً في مذكراته التي حملت عنوان: “ال ِجمال يجب ان ترحل” ) ،(The Camels Must Goاعترف بأن الوضع بين الحسين وبريطانيا “كان مثاالً من امثلة العداء بين الشرق والغرب .وھو عداء كثيرا ما ينشأ بسبب ان كل طرف من الطرفين ينظر الى األمور من وجھة نظر مختلفة”. ][٤١ و ُتظھر وثائق الخارجية البريطانيّة ،ان بوالرد انتظر عاما ً كامالً قبل ان يتبنى النبرة الضارية ضد اقتناء الحجازيين للعبيد ..يعود ذلك لموقف الشريف حسين المتع ّنت ازاء توقيع االتفاقية البريطانية-الحجازية الذي كان يتطور بشكل طردي. كان الشريف حسين ،يشعر بابتزاز البريطانيين له في تسييسھم لموضوع الرقيق على اراضيه .واضطر الحسين الى مواجھة ما لمس بأنه استغالل سياسي لموضوع الرقيق من قبل البريطانيين ،بتسييس مُضاد. وفي حادثة شھيرة ،أمر فوراً باعتاق عبد سوداني فقط حينما كان بائعه المتورط سوداني آخر يحمل الرعويّة البريطانية ،يريد بذلك خلق انطباع للبريطانيين بأن ممن يمارس تجارة العبيد أيضا ممن ينضوون تحت رعويتھم ،وان ذلك ال يقف على رعايا الحجاز[٤٢] .
18
ولربما نجح الشريف في خلق ذلك االنطباع ،حد ان القنصل بوالرد في رسالة منه الى رمزي ماكدونالد ،وزير الخارجية البريطاني)ورئيس الوزراء البريطاني فيما بعد( في الحادي عشر من يونيو ،١٩٢٤أق ّر بأن الرعايا البريطانيون من ھنود مكة يمارسون بيع وشراء العبيد في مكة وجدة مثل الرعايا الحجازيين تماماً ،وھو يستأذن منه استدعائھم جميعا من مكة فرداً فرداً للتبيّن ما ان كان من يعمل في دورھم عبيد ارقاء حقا ً ام مجرد عمال أحرار يعملون باألجرة. بوالرد اقترح بدوره ان تمنح التابعيات الحجازية ،للمطالبين بھا من المھاجرين الھنود القدامى في مكة ،دون ندم او تردد ،كونھم قد استعرقوا في الحجاز بما يكفي ،وانصھروا في تركيبة المجتمع الحجازي حتى انھم باتوا يمارسون أغاليظھم االجتماعية ذاتھا ،بحسب تعبيره[٤٣] . وبدأ الحسين ،مع معاندة البريطانيين له في مطالبه بتسويات عادلة في كل من سورية وفلسطين ،بالتعنت ازاء قبول القنصليات األجنبية ألي الجئين من العبيد. وفي احد المراسالت بين حكومتيّ الحجاز والخارجية البريطانية كانت تعترض األخيرة على الرسوم الجمركية المفروضة على العبيد في ميناء جدة ،فجاء الرد في جھة أخرى تماما ً حول ضرورة تقديم تسوية عادلة في سورية ضد االنتداب الفرنسي[٤٤] . وخفت نشاط لجوء العبيد الفاريّن من مالّكھم الى القنصليات األجنبية ،لتعنت السلطات الحجازية ازاء ذلك. لكن في الخامس من اغسطس ١٩٢٤م لجأت امرأة تدعى “مؤمنة” مع ابنتھا الصغيرة وھي من اھل السودان االنجليزية الى دار االعتماد البريطاني )القنصلية( في جدة تطلب تحريرھا وترحيلھا الى وطنھا – خارقة بذلك السكون الطويل. ومؤمنة كانت قد وصلت الى مكة قبل عام عن طريق بائعھا في جدة محمد باعقومة وھو سوداني .فارسل بوالرد الى الشريف حسين في مكة في ١٣اغسطس الصدار اوامره الى قائم مقامه في جدة لتحريرھا[٤٥] . باعقومة كان قد فلت من االعتقال في جيبوتي الفرنسية وعاد الى جدة من جديد حيث قبض عليه في قضية بيع امرأة اخرى حتى ان القنصل البريطاني عبر عن استيائه من تراخي الفرنسيين عن ضبط سواحلھم في رسالة امعتاض وجّ ھھا الى القنصل المؤقت الفرنسي في جدة السيد كالل وھو من اصل جزائري .فارسلت الخارجية الفرنسية من باريس رسالة الى السفير البريطاني في باريس في ٢٣ 19
سبتمبر ١٩٢٤م للتفاھم المشترك حول التعاون بين قنصلية البلدين في جدة للحد من تجارة العبيد[٤٦] . كان الحسين في أواخر عھده حاسما ً في منع قبول القنصليّات األجنبية في جدة ألي حالة لجوء من الرقيق ،مع وعود صارمة منه بمالحقة المھربّين .ونحن كلما اقتربنا من لحظة تنحي الحسين عن العرش ورحيله الى المنفى نلمس ازدياد حساسيته ازاء القضايا “السيادية” .يقول بوالرد الذي عاصر آخر ستة عشر شھراً للشريف حسين وھو في العرش ،كمعتمد قنصلي في جدة“ :طيلة ستة عشر شھراً قبل تنحي الشريف حسين ،فقط امرأة واحدة لجأت للقنصلية بطفلھا ]وھي مؤمنة السودانية[ – البقية كانوا يرتعبون من الحسين ومن قبضته الحديدية وكانوا اليجرؤون على االقتراب منا”[٤٧] . واخذت قضية اختطاف فتاتين جاويّتين مسيحيتين وتھريبھما لمكة أبعاداً دولية. الفتاتان كانتا في طريقھما الروتيني ألحد جزائر ارخبيل الماليو ،لكن سمساراً حضرميا ً اعترض طريقھما واختطفھما الى سنغافورة ومنھا الى مكة ،حيث بيعتا بمقابل ٥٠٠جنيه استرليني للفتاة ،لندرة الجاريات الجاوّ يات آنذاك وشدة الطلب عليھن .ووصلت الفتاتان ،كما تشير وثائق الخارجية البريطانية ،الى نفر من آل شيبي ،وان ك ّنا ال نعلم بالبيع ام باالھداء – وآل الشيبي من اقدم عائالت مكة وأكثرھا وجاھة بعد عائلة الشريف .وحينما وصل األمر للسفارة الھولندية اخطرت بدورھا فؤاد الخطيب ،وزير الخارجية الحجازي ،الذي اصيب بانھيار عصبي ج ّراء ذلك الخبر ،كونه يأتي في وقت حرج على الدبلوماسية الحجازية التي كانت تواجه خطراً حدوديا ً عسكريا ً محدقا ً يشي بزوال دولتھا .ومرر الخطيب الخبر بطريقته للشريف حسين ،وكان الخطيب يريد تخفيض الخسائر الدولية ،فاستشاط الشريف غضبا ً واعتذر بحرارة للھولنديين وامر باطالق الفتاتين وبتوبيخ المتورط من آل الشيبي بشكل معلن وصارم ،لرغبته في اظھار ان عدالته تنسحب على الجميع. ][٤٨ وبعد تنازل الشريف حسين ،ورحيله الى المنفى ،تقاطر العبيد الى مبنى القنصلية البريطانية في جدة طلبا ً للعتق والترحيل الى بالدھم األصلية .يؤكد بوالرد في وثيقته التي حررھا من ١٦صفحة الى وزير الخارجية البريطاني“ :لحظة رحيل الحسين الى منفاه بميناء العقبة تقاطر العبيد على القنصلية البريطانية ،مع أقلية ارترية لجأت للقنصلية االيطالية”[٤٩] . وفي الثامن عشر من ديسمبر ١٩٢٤م حررت القنصلية البريطانية فردين لجئا اليھا، بعثتھما الى ارتريا عبر جيبوتي ،وكانا :بشير )واسمه الحقيقي ارصوره( عمره ١٢ 20
سنة ،ومالكه السابق :الشريف عبد rمھ ّنا ،وفرج )واسمه الحقيقي عنبر عبد (rمن اھل الفاشر في الطرف البريطاني-المصري ومالكه السابق :احمد الصبحي من عربان قبيلة حرب ،وقد وصل الى سواكن في ٢٥ديسمبر ١٩٢٤م ،بعد عشرين عاما قضاھا في إسار العبودية[٥٠] . واذا كان الشريف حسين ،في آخر سنواته ،قد تعامل مع دعاوي اطالق العبيد ولجوءھم للقنصليات األجنبية بجدة بحساسية شديدة ،فاننا نلمس في المقابل نبرة اعتذارية من افراد طاقمه الوزاري واالداري المقرب. ونالحظ وجود محاوالت نبيلة من فؤاد باشا الخطيب وزير خارجية الحجاز، وعبدالملك الخطيب سفير )مُعتمد( الحجاز بمصر ،وناجي األصيل ،سفير )مندوب( الحجاز في لندن ،وأبناء الحسين؛ علي وفيصل وعبد ،rلطي ملف الرق في الحجاز ..لكن جھودھم بعثرتھا أولويات أخرى منھا القضية الحدودية مع ابن سعود وشبح الحرب الذي كان يخيّم على األجواء ،وتضعضع االوضاع األمنية في نواحي القبائل الحجازية الساخطة على سلطة الھاشميين خارج المدن المركزية ،وتأجيل توقيع االتفاقيات بين البريطانيين والحكومة العربية الھاشمية في الحجاز نتيجة تصلّب الحسين حول بعض البنود التي كان يراھا تخدش سيادته على االراضي العربية وتخل بوعوده ألھالي فلسطين وسورية. وفي اغسطس ١٩٢٤م تورطت امرأة مكيّة في قضية تھريب للرقيق تناولتھا الصحافة الدولية بشئ من االثارة .كانت تلك السيّدة المكيّة تمكث في جاوى ،عند احد عائالتھا المحلية الميسورة التي استعانت بھا لتعليم بناتھا اللغة العربية وتعاليم اإلسالم ،وحينما ھمّت للعودة لمكة طلبت منھا العائلة ان تصطحب معھا احدى بناتھا لتقضي فريضة الحج معھا ،لكن السيدة عند وصولھا الى مكة ادعت ان الفتاة من أمالكھا وعاملتھا على ھذا االساس .ووصل اخو الفتاة المخت َطفة للحج ،وحاول سراً تھريبھا لكن السلطات اوقفته في بحرة )في الطريق بين مكة وجدة( واعادت الفتاة لمنزل سيدتھا التي تمسّكت بھا. كانت صحيفة الديلي كرونكل البريطانية قد نشرت في السادس من نوفمبر ١٩٢٤م، عبر مراسلھا الجديد في البحر األحمر – ومقره السويس ،مستر جورج رينويك، تقريراً الفتا ً تحت عنوان ساخط“ :رعايا بريطانيون عبيداً للعرب” ..كشف فيه عن ممارسات الخطف التي تجري في االراضي البريطانية في آسيا وافريقيا لعبيد يُباعون في الجزيرة العربية .وذھب التقرير الى ان تلك التجارة انما “تحظى بتشجيع ملكي من الحسين ..حيث ان احد وزراء حكومته يملك وحده ١٤عبداً ..بل ان الحسين ،نفسه ،وھو في طريقه الى منفاه اصطحب معه عبيده األفارقة”. 21
وارسل السيّد ناجي األصيل الى السيد ماليت في الخارجية البريطانية ،رسالة يعبّر فيھا عن استيائه عما قرأه في صحيفة الدايلي كرونكل عن تجارة العبيد في الحجاز.. مؤكداً موقفه الشخصي المناھض لتجارة العبيد ومعلنا ترحيبه للتعاون مع وزير الخارجية الجديد في اضافة بند في اتفاقية الحجاز وبريطانيا ُتبطل ممارسة العبودية. ][٥١ لكن مكة كانت اثناء ذلك قد سقطت في يد جيوش اإلخوان ضداً على حكامھا الھاشميين الذين تراجعوا الى حصون جدة .وتواصلت القنصلية الھولندية مع الخارجية السعودية وممثلھا آنذاك الشيخ فؤاد حمزة ،الذي كان يواجه امتحانه الدولي األول في قضية الرقيق الحجازي ،فوافق على الفور على اطالق سراح الفتاة الجاويّة لكنه امر بتسوية لمصاريف سكن ومعيشة الفتاة في مكة ُتدفع لسيّدتھا. وفي عام ١٩٢٤صعد نجما :المنشي احسان اله وھو مسؤول قنصلية بريطانيا في مكة ،والسيد يوسف خان من وجھاء مكة من أصول ھندية ،وكانا يقاومان ،بكل استنارة ،ممارسة الرق في مكة. ومع انتقال الحكومة الھاشمية من مكة الى جدة ،وانتقال العرش من الحسين الى ابنه ُ تأخذ أبعاداً دولية. علي ،بدأت مساعي بوالرد لمالحقة مالّك العبيد في الحجاز ومع بدايات حصار جدة ارسل بوالرد رسالة الى الحاكم المدني لوالية البحر االحمر ھاويل اسك ،في ٢٠يناير ١٩٢٥م ،يخبره انه لن يقوم باستقبال اي من العبيد الالجئين الى دار القنصلية على الفور كونه اليريد ان تمتأل القنصلية بالعبيد الفارين في وقت حرب مما سيعقد المساعي الدبلوماسية ،لكنه في المقابل سيتقيد بما نصت عليه اتفاقية بروكسل األخيرة في الغاء الرق ،باعتاقھم واطالقھم احراراً في جدة – ولكنه اعترف بعدم جدوى ذلك كون العبيد المعاتيق يعودون الى مالكھم السابقين تحينا ألفضل فرصة لترك الحجاز الـى بالدنھم األصليّة[٥٢] . واعلن بوالرد بأن اول مسألة سيفاتح فيھا ابن سعود عند سقوط جدة ھي ّ حثه على الغاء العبودية .لكن بوالرد اعترف بضعف موقفه التفاوضي ،كون التقارير الصادرة مؤخرا من جنوب افريقيا تفيد بمھازل يقيمھا ابناء جلدته البيض ضداً على السود ،لكنه قرر انه سير ّكز علـى قضية الغاء الرق في الحجاز من منطلقات انسانية صرفة ال مُسيّسة]٥٣] . وكان بوالرد يتنبأ بسقوط جدة الحتمي في يد جيش االخوان ،وھو لم يكن يخفي بغضه للعائلة الھاشمية في الحجاز]٥٤] . 22
واعترف بوالرد بأن الملك الجديد علي بن الحسين ،كان نظريا ً اكثر تحررا وانفتاحا من والده ،وبانه ضد تجارة العبيد. وكان علي ،قد استھل واليته الدستورية على ما تبقى من اراضي الحجاز ،باعطاء وعود للقنصلية البريطانية تقضي بتحرير كل الرق الموجودين في الحجاز ،وإبطال تجارة العبيد ومعاقبة ممارسيھا ،حال انتھاء األزمة القائمة واسترداد سلطاته لعافيتھا .ثم اصدر قراراً نافذاً من حكومة الحجاز الدستورية يمنح العبيد حق الجوء للقنصلية البريطانية من جديد ،خالف التصلّب الذي ابداه والده[٥٥] . ومع مارس ١٩٢٥م واشتداد أزمة حصار جدة ،لجأت بعض عوائل الحجاز الميسورة الى مصر طلبا ً للسالمة واعالنا ً للحياد .وارسل بوالرد القنصل البريطاني في جدة الى المعتمد السامي البريطاني بالقاھرة في العاشر من ابريل يناشده بايقاف كل من يصطحب عبيده معه وبأن يرغمه بقوة القانون على اطالق سراحھم. كان الفارون من الحجاز يذھبون الى موانئ مصر والسودان كمجموعات عائلية تضم عشرين فرداً في المع ّدل يرافقھا خدم شخصيّون يدخلون مصر بجوازات “خدم” – لكن بوالرد كان يصّر على ان ھؤالء رقيق تم شراؤھم. واخبر القنصل الھولندي في جدة ،بوالرد ،بأن المطوّ ف الحجازي المعروف ،السيّد محمد نور جوخدار يصطحب معه جارية جاوية اسمھا “موار” اعيد تسميتھا بنعيمة وانھا تعمل عنده كجارية ،وأن نور جوخدار في طريقه للسويس مع عائلته .فطالب بوالرد من حاكم السويس تعقبّه ومعاقبته[٥٦] . وفي رد من حاكم السويس في الثاني والعشرين من ابريل ١٩٢٥م الى قنصلية جدة ..أفاد بانه جرى تعقب الشيخ محمد نور جوخدار وتحديد مقر اقامته بفندق الحميدية بالسويس حيث كان يقطن مؤقتا ً كالجئ سياسي مع عائلته وخدمه ومن ضمنھم نعيمة ،منذ الخامس من مارس ١٩٢٥م قادمين علـى متن الباخرة االيطالية إلتريسو .لكنھم وجدوا بعد اجراء التحقيقات سالمة موقفه ،ورضا نعيمة التام بأوضاعھا. وأق ّر الشيخ الجوخدار في سير التحقيقات ،بأنه اشترى نعيمة كجارية قبل عامين، من تاجر الحبوب الج ّداوي مصطفى اسالم مقابل خمسين جنيه استرليني ،ثم منحھا حريتھا ،وقام بتوظيفھا لديه للخدمة المنزلية بناء على طلبھا ومقابل راتب شھري قوامه ٣رياالت مجيدية ،وانه ال يعرف والديھا وان كان يظن انھما يقطنان في جاوى .واقرّت نعيمة ،وھي شابة في الخامسة والعشرين ،بأن اسمھا الفِعلي موار، وانھا ولدت في جزر الھند الھولندية وانھا حينما كانت في الخامسة اختطفت عبر 23
امرأة اسمھا رحمة وھي التي قامت بتھريبھا الى مكة حيث مكثت معھا اثني عشر عاما ثم بيعت ألخت الشريف حسين التي باعتھا بدورھا للتاجر مصطفى إسالم ومنه لمحمد نور جوخدار .وان اسم والدھا محمد طاھر من بوقس ،وھو من رعايا ھولندا .وان ابن مالكھا السابق كان يتسرى بھا .أما محمد نور جوخدار فقد اعتقھا لوجه rوان معاملته لھا انسانية ونبيلة .وأك ّدت بانھا حرة بشكل تام وانھا ال تريد ان ترفع اي دعوى وانھا ترغب في االستمرار كعاملة مع بيت جوخدار[٥٧] . وأرسل بوالرد الى مُفوّ ض الشرطة في بومباي في ٢٩يونيو ١٩٢٥م يطالبه بتعقب أسرة الحاج عبد rعلي رضا ،قائمقام جدة ،ووكيل شركتيّ البواخر :ترنر مورسون وخطوط ناسا للمالحة البحرية في جدة – التي رحلت بحراً الى بومباي، يرافقھا سودانيتان وامرأة يمنية اسمھا “صفرار” ،وحبشيّان ھما :ريحان وتحسين – يعتقد بوالرد بأنھم رقيق .كما طالب بوالرد في ذات الرسالة بتشديد الرقابة على عوائل التجار الحجازيين القادمين الى كراتشي وبومباي ھربا ً من الحرب العامة، وضرورة التأكد من ان مرافقيھم االفارقة مجرد خدم يعملون مقابل أجرة متفق عليھا ال رقيق. وفي رد من شرطة بومباي في ٢٦اغسطس ١٩٢٥م أفادت بتح ّريھا الواقعة ،لكنھا برأت ساحة عائلة علي رضا كون الجوازات التي حملھا الخمسة المذكورون تشير الى ان وظائفھم “عمال منزل” والى اقرارھم الشخصي بذلك ،كما أكد مأمور الشرطة الى صعوبة اثبات عكس ذلك في اي محكمة ھندية[٥٨] . وحاول سكرتير المستعمرات في سنغافورة مالحقة تاجر األخشاب الشھير ومتعدد الجنسيات السيّد ابراھيم عمر السقاف على خلفية بالغات من شرطة بنانغ حول تھريبه لفتيات صينيات صغيرات من سنغافورة الى مكة. كان السيّد )الداتو( ابراھيم ،اكبر ابناء السيّد عمر السقاف ،يتحدر من عائلة حضرمية األصل استعرقت بين مكة وسنغافورة ،ولھا اعمال تمتد على طول امتداد فضاء المحيط الھندي الكبير .والس ّقاف على امتداد ثروته وجاھه كان محسنا ً كبيراً، ينشط في مجال تبني الفتيات الصينيات الفقيرات لتحسين شروط معيشتھن. وفي ١٧مايو ١٩٢٤م ،تابع سكرتير المستعمرات بالغ اختطاف فتاتان صينيتان اسمھما مھجة ووھبة واعمارھن ١٦و ١٧على التوالي ،عبر السيد سالم بن شيخ السقاف ،وثبت مع التحقيقات انھما كانتا ابنتان له وزوجه نور بنت طاھر السقاف بالتبني وانھما انتقلتا للعيش في قصر ابراھيم السقاف في المعابدة في مكة .وعبثا ً
24
حاول السكرتير اثبات انھما مسترقتان – اال انه عاد واعترف انه ال يملك اي دليل ادانة ضد السيد السقاف[٥٩] . وكان الصينيات مرغوبات للتسري عند العرب حيث تصل اسعارھن الى مائتي جنيه كما في عمريّ مھجة ووھبة. وفي الثاني من يونيو ١٩٢٥م ارسل القنصل بوالرد من داخل سور جدة رسالة الى سلطان نجد ،عبدالعزيز ال سعود يطلب منه تحرير مجموعة من الحجاج النيجيرين من رعايا بريطانيا الذين كانوا في طريقھم من المدينة الى جدة سيراً على األقدام عندما أغارت عليھم جماعة من البدو وخطفتھم واستعملتھم كعبيد في ميناء القضيمة ،وانھم محتجزون اآلن في قصر بين رابغ وجدة في منطقة اسمھا الخريبة ]بئر مبيريك[ من امالك شخص اسمه عبد .rفابدى الطرف السعودي تعاونا ً في ذلك. وھربت “زھرة” من منزل آمنة بنت محمد الفضل في ٢٣يوليو ١٩٢٥م ولجأت الى القنصلية البريطانية في جدة وطلبت اللجوء السياسي وارسالھا الى وطنھا السودان/فاشر .وقد ارسل المعتمد البريطاني رسالة بذلك في اليوم التالي الى الشيخ فؤاد الخطيب[٦٠] . وتسببت حادثة “زھرة” في احتجاج بعض األھالي النافذين ضد تراخي حكومة الشريف علي. .......................
25
وفي السادس والعشرين من اغسطس ١٩٢٥م ،في أوج حصار جدة ،طلب الملك علي من نائب القنصل البريطاني المستر جوردان التوقف عن استقبال ألالجئين غير انه وعد بابطال العبودية تماما ً بعد انتھاء الحرب ،بيد انه ال يريد اضعاف موقفه مع التجار والمحليين في الوقت الحالي .وارسل المستر جوردان ،وكان اكثر تفھما ً من بوالرد لوجھة نظر الملك علي ،الى القيادة البريطانية في السودان مؤكداً موقف الملك علي المناھض للعبودية ،انما المشروط بنظرة واقعية“ .الملك علي ال تروقه ّ لتجذر مظاھر العبودية المنتشرة ،لكنه ايضا اق ّر بصعوبة الغاء ذلك بشكل قاطع الممارسة لقرون ،فيما المسألة ينبغي مباشرتھا برفق وتدريج ،وانه نظرا لخصوصية المسألة ،فانه يريد تجّ نب اصدار اي قرارات قد تضعف من شعبيته اثناء األزمة السياسية المندلعة ..لكنه وعد بالغاء الرقيق فور استقرار الحجاز وانجالء أزمته”]٦١] . لكن الخارجية البريطانية التي كانت قد ر ّجحت موقفھا في الحرب لصالح ابن سعود ،لم تعطي باالً لمطالب الملك علي .وفي تلغرام من الخارجية البريطانية ،الى نائب القنصل أبدت الخارجية عدم اقتناعھا بالمبررات التي ساقھا الملك علي، وأفادت بأن القنصلية يجب ان تستمر في استقبال الالجئين وفي ارسالھم الـى ميناء سواكن بعد تحريرھم[٦٢] . وفي سبتمبر ١٩٢٥م لجأ السوداني “بالل” الى القنصلية البريطانية ھاربا ً من مالكه الشيخ دخيل ،rواألخير تاجر مواد غذائية بشارع قابل التجاري ،فوضعت القنصلية بالل في احد البواخر الراحلة لسواكن ،غير ان دخيل اتھم بالالً بسرقة صندوق جواھر منه ،فطالبت الخارجية الحجازية عبر فؤاد الخطيب باعادته من الباخرة للمثول امام قاضي المحكمة الشرعية ،ولكن لمماطلة المحكمة ،بعد احدى عشر يوماً ،من اصدار اي حكم ،قام جوردان بتحدي السلطات الحجازية وترحيله الى السودان. وكتب جوردان في ١٤سبتمبر شارحا ً الى الخارجية البريطانية“ :لقد اضحى من عادات مالك العبيد اتھامھم بالسرقة عند فرارھم والحصول على احكام في صالحھم من المحكمة الشرعية ،التي تنحاز دوما للمالّك”[٦٣] . كان ذلك التضعضع واالرتباك المتصاعد من طرف القيادات والمؤسسات واألھالي كناية صريحة عن أفول عھد على الحجاز ،وبداية عھد سياسي جديد.
26
في ٢١ديسمبر ١٩٢٥م سُلمت مفاتيح جدة سِ لما ً الى السلطان ابن سعود ،وبعدھا بأيام اُعلن عن تأسيس الكيان الجديد “مملكة الحجاز ونجد وملحقاتھا” وھو بداية العھد السعودي على كامل أراضي الحجاز. الحجاز تحت الراية السعودية:وتسارع نشاط االعتاق بين اھالي مكة ،وھناك من باع جواريه بنصف اسعارھن، حينما نزحوا الى جدة في جماعات قبيل دخول جيش االخوان الى مكة .وھبط سعر الجاريات في دكة الرقيق في مكة من سبعين جنيھا ً الى ثالثين[٦٤] . وكان المطوفون يقنعون اغنياء الجاوا باعتاق العبيد المملوكين في مكة كونھا مثل الصدقة الجارية[٦٥] . وتكرر ھذا النمط قبيل سقوط جدة .ونالحظ في نوفمبر ١٩٢٥م في اوراق المحكمة الشرعية في جدة تسارع في نشاط اعتاق العبيد. واعتق السيّد علي بن عثمان شطا ،الذي لجأ كباقي أھل مكة الى جدة عند دخول جيوش االخوان ،في ١٩٢٥م ،زھرة عبد rالتي كان قد اشتراھا من محامي الملك حسين في مكة الشيخ عمر ،واصدر لھا حجة صادرة من محكمة جدة الشرعية، لكنھا آثرت البقاء معه والعودة الى مكة مع آل شطا حينما تستقر االوضاع فيھا. وتحرر كثير من العبيد بعد سفر اھل الحجاز ذعرا الـى موانئ مصر والسودان. واعتق الشيخ احمد بن محمد سعيد تاج )اخو جمال وعبدالغني تاج الدين ،وآل تاج الدين من اثرياء مكة الذين يتاجرون مع سنغافوره وبتافيا( ،جاريته زھرة عبدr السوداني وابنتھا القاصر فريدة سالم ،ودجد عبد rمن بتافيا وعبدالقاھر السوداني واثنتين أخرتين ،كما تفيد صكوك المحكمة الشرعية. وكان يمكن اتالف الصكوك الشرعية او مصادرتھا بكل سھولة .وبمقابل مبلغ بسيط من الرشوة كان يمكن اتالف اي ارشيف في المحكمة الشرعية بجدة[٦٦] . ونشطت القنصلية البريطانية في ارسال المعاتيق الى بلدانھم .وفي رسالة من القنصل في ٢٤ديسمبر ١٩٢٥م ،الى السادة جالتلي ھنكي في جدة وكالء الشركة الخديوية للمالحة ،يطالبھم بتوفير تذاكر لنقل معاتيق الى سواكن ٢٦ :شخص منھم: بخيتة ام مسعود ،عبدالمولى بن سالم ،عبد rالقصيمي ،فرج لحياني ،فرج ،r بالل ،مبارك بن علي ،ابراھيم تكروني وآخرون[٦٧] .
27
ورحب ابن سعود في حوار مع القنصل البريطاني بجدة بالتشدد ازاء منع دخول العبيد الى االراضي الحجازية ولكنه في المقابل اعتقد ان المنع يجب ان يجري بالتدريج كون اي خطوة استفزاز قد تؤلب ضده قبائل الحجاز التي ال تزال تعتمد على العبيد. وأشار القنصل البريطاني للملك برصدھم لوكالء نجديين ينشطون في تجارة العبيد في عمان واالطراف الشمالية من الخليج العربي وتوريدھم لنجد ،وأبدى الملك تفھمه وتعاونه. وفي رسالة من السير اورفالنت من الخارجية البريطانية الى القنصل البريطاني في جدة في ٢٢ابريل ١٩٢٦م ،أملى عليه سياسة بريطانيا الجديدة مع ابن سعود. وطالبه باستصدار قرارات منه بتشديد الحدود لمنع دخول العبيد المھربين للحجاز وعسير ،اضافة الى منح القنصلية حق تحرير وتسفير من يلجأ اليھا ..ثم كخطوة تالية اعالنه اللغاء العبيد مستعينا ً ربما بفتوى من علماء مكة ،وعلى نھج ما فعلت قبرص في قراراتھا اللغاء الخدم المرغمين في ١٨٧٩م. على اثر رسالة اورفالنت قام جوردان نائب القنصل ببعث خطاب الى الملك عبدالعزيز في ١١مايو ١٩٢٦م ،بذلك االمر. وكانت سياسة ابن سعود ھي عدم حرق المراحل والحرص على معاملة العبيد معاملة انسانية[٦٨] . وفي اول طلب رسمي للحكومة السعودية بالحجاز تقدم به نائب القنصل جوردان في ٢٥مايو ١٩٢٦م ،باعتاق المدعو عثمان موسى من اھل سواكن الذي اُختطف عام ١٩١٨م عبر الريّس عبدالخير بن الحسين ،مالك السنبوك “خضرا” وبيع في ساحل ينبع لمازن بن عمر من اھل ينبع .وان عم عثمان :حسن عبدالفرج قد وصل ينبع لبحث سبل اعتاقه انما دون فائدة. وجاء في جواب الملك عبدالعزيز بعد اربع ايام انه اصدر اوامره للسلطة المحلية في ينبع لتسليمه لعمه على الفور[٦٩] . وتفيد احصائات القنصلية البريطانية انه خالل شھريّ سبتمبر واغسطس من عام ١٩٢٦م تم تحرير ٩٧شخص عبر قنصليةجدة.
28
معاناة مزدوجة:وليس كل من تحررھم القنصلية في جدة وتعيدھم الى ميناء سواكن تنتھي معاناتھم عند ذلك الحد. واُعتق سعيد أمان واطلق سراحه واُعيد للسودان في السابق لكنه عاد ادراجه الى القنصلية البريطانية في جدة بعد ستة اشھر يطلب اللجوء مجدداً! حين وصل سعيد الى سواكن ،بعد تحريره في المرة األولى ،عمِل معاونا ً للناخوذة احمد مبارك الجھني على متن السنبوك “خضرا” من امالك محمد البربري من اھل سواكن .وفي رحلة تحمِل شحنة فحم متجھة الى جدة وبدال من العودة مباشرة الى بورتسودان كما كان مجدوالً ،انعطف السنبوك الى رابغ لتحميل بضائع ليجري تصريفھا في جدة وبورتسودان على التوالي .ولكنه في الطريق توقف في قرية الرويس على مقربة من جدة فركب منھا مصادفة مالك سعيد الذي ف ّر منه في السابق ،واسمه حامد بن قريب الجدعاني ومعه ثالث عُربان ھم :ضيف rوحميد وحمدان ،وكلھم من الجداعين .وحينما رأى الجدعاني عبده السابق ،قام بارشاء النوخذة بـ ٦جنيھات استرليني مقابل تمكينه من مصير سعيد ،رغم اعتراض ركاب السنبوك .وقام الجدعاني ببيعه بعيد ذلك في مكة الى مالك جديد اسمه حسن أبو النجا ،من اھل مكة،الذي ف ّر سعيد منه بدوره من جديد الى دار القنصلية البريطانية التي وضعته للمرة الثانية في غضون ستة أشھر على متن الباخرة المنصورة التابعة للشركة الخديوية في طريق حريته الى بورتسودان[٧٠] . أفارقة الحجاز:وتوزع أفارقة مكة على جماعات اثنية منغلقة على نفسھا منذ القرن الميالدي التاسع عشر ،لكل جماعة منھا شيوخھا وشبكتھا االجتماعية الخاصة – تمركزت غالبيتھا في منطقة البير المالح امام المنشيّة بحارة المسفلة او في حارة جرول .كان لكل جالية افريقية في مكة شيخھا )كبيرھا( الذي يفصل في خالفاتھا بأحكام قضائية موازية ،يعاضده نقيب مدجج بعصا ،يقوم مقام السلطة التنفيذية. ونحن نعلم ان من شيوخ البرنو في مكة في العشرينات الميالدية من القرن الماضي الشيخ محمد فونتامي )أو :فوالني( والشيخ محمد جبركاني ،فيما كان شيخ الفالتة: الشيخ سمبو. وساھم الرقيق من افريقيا الشرقية والسودان واثيوبيا وافريقيا الغربية )التكارنة( في اغناء التنوع الثقافي واإلثني لمكة والحجاز. 29
ومنذ عام ١٨٨٥م وصف المستشرق الھولندي سنوك ھوروخرونيه مالمح الحياة االجتماعية للجاليات االفريقية/المكيّة وكشف شيئا ً من مظاھر ثقافتھم الفرعية الھجينة. فھم يقومون باحتفاالت شعبية اسبوعية تبدأ من ظھيرة يوم الخميس وتمتد الى تباشير صباح الجمعة .وكان لھم في مكة ما اسماه ھوروخرونيه بـ”االوركسترا االفارقية“ :فيلعب الزنوج في مكة بآلة العود “الطنبورة” المكيّة ،مرفقة بآالت خرج قرقعة أثناء الطبل ،فيما يرتدي الراقصون أحزمة مشغولة بحوافر الغنم ُت ِ الرقص واالحتكاك xثم يرقصون رقصة المزمار البلدي .وبين دورات الجوش يحتسي العبو العصا من شراب محلي مُسكر يسمّى البوظة .ثم يعودون ادراجھم للعمل مع ظھيرة يوم الجمعة[٧١] . ويقول ھوروخرنيه :ومأكلھم متوفر والبأس به .وھم بعد تحريرھم يسعى الفرد منھم للعمل باألجرة كعمال بناء او سقائي مياه ،الخ .فيما اغلبھم يفضلون البقاء تحت وصاية األسر التي خدموا فيھا خصوصا اذا قرروا الزواج. ويتصدى الزنوج ذو المواھب األكثر بروزاً لألعمال المنزلية او يعملون كأمناء متاجر ومحاسبي دكاكين تجارية. ان اثرياء مكة يحبذون ملء منازلھم بالعبيد ،وھؤالء العبيد بدورھم يعيشون حياة مترفة مقارنة بغيرھم ويجري التعامل معھم كأفراد من العائلة .اما الكفؤين منھم فيتحولون تلقائيا ً الى مسيّري شئون التجارة لألسر التي يعملون فيھا حتى يغدو خال من اي مدلول. “العبد” في كثير من الحاالت مجرد لفظ ٍ وأغلب عبيد المنازل يجري اطالق سراحھم حال تجاوزھم سن العشرين ،نظراً لخوف مالّكھم من استمرار اختالطھم كبالغين مع نساء األسرة وجواريھا ،ثم ان التحرير يبقي العالقة مستمرة انما يمنح المّالك فسحة من الثقة مع األفراد المُحررين[٧٢] . ويتنافس المعاتيق مع الرجال المكيين في كافة مجاالت الحياة بنديّة متساوية. ولم تفرّق لوثة االسترقاق بين أي طرف ،كما انھا لم تقف حكراً على اجناس األفارقة والجاوى. وارسل عيد بن سالم احد عُربان المدينة المنورة الذين تم أسرھم في احد معارك االخوان وتم بيعھم ،برسالة “نداء” بعثھا في الحادي عشر من ابريل ١٩٢٦م الى الوكيل القنصلي البريطاني في لنجا )على سواحل فارس( يخبره بمالبسات اختطافه. 30
حينما حاصر جيش السلطان بن سعود المدينة كان عيد يخدم في حامية مدائن صالح ومع سقوطھا تم تسليمه لجيش ابن سعود ف ُنفي الى قطر وھناك تملكه محمد بن فضال لمدة شھر ثم اخذه في قارب لثالث اشھر بين جزر اللؤلؤ ،وھناك حاول بيعه في جزيرة الشيخ )وھي جزيرة فارسية( لكنه ھرب قبل ان يوقف في ساحل فارس ليعود ويمكث مع مالكه في نخيلو ،حتى ھروبه الثاني االن الى لنجا حيث يريد حسم امر حريته واثبات ھويته]٧٣] . و خدم عيد بن سالم في جيش الشريف حسين النظامي منذ ١٩١٥م حين كان في سن الخامسة عشر ،وأك ّد في رسالته الى انه شخصية معروفة يمكن ان يضمنھا ھؤالء السادة من اعيان المدينة :الشريف شحات ،والشريف ناصر ،واسعد بن طاھر سنبل وعبدالمحسن بن طاھر سنبل .وان عمّه ھو جمعة بن شليّه واخوه ھو عايض بن سالم. وسمّت وثائق الخارجية البريطانية ،في مايو ١٩٢٦م ،في رسالة للكولونيل بريدو، المعتمد السياسي في الخليج ،اسماء تجار نجديون وحساويون يتاجرون في تھريب العبيد من سواحل االمارات الى دواخل نجد :عجيل النجدي في دبي ،ومحمد القفيدي في دبي والشارقة والبريمي ،وبن عتيق في الشارقة وعجمان ،وعبد rالطويل في الشارقة ،ومحمد بن عبد rالنصيبي في عجمان[٧٤] . وو ّقعت حكومة الحجاز ،تحت االدارة السعودية الجديدة ،اتفاقية الغاء الرق في جنيف في سبتمبر ١٩٢٦م ..لكن لحداثتھا في الحجاز الذي كان يدخل مرحلة سياسية انتقالية ،لم تعطى االتفاقية اي عناية ،فاُھملت. وفي عام ١٩٢٦م استخدمت حكومة التاج البريطاني اسطولھا الرابض في مالطا لمراقبة تجارة العبيد في البحر االحمر .كانت بريطانيا ال تزال ُتحكم السيطرة على البحر االحمر ،الشريان االمبريالي االكثر اھمية لھا. ومخرت البارجة كورنفالور )العنبر( القادمة من مالطا العباب بين عدن وجدة وبورتسودان .اما البارجة داھيال )زھرة األضاليا( تركت مالطا للبحر االحمر في ١٩٢٧م ..وآبت البارجة كليماتس )الياسمينة( من ميناء بورتسودان الى مالطا عبر جزر كمران اليمانية. وكان متعھدو نقل العبيد بين ضفتي البحر االحمر متى ما صادفوا بارجة حربية بريطانية ،فانھم يوعزون في فورھم للعبيد بسرعة االختباء ،بعد ايھامھم بأن ھؤالء الرجال “البيض” انما ھم من فصيل “أكلة لحوم بشر”[٧٥] . 31
ومن سخرية األقدار ان البارجة كورنفالور التي كانت ُتستخدم للتفتيش عن العبيد المھ ّربين في سنابيك البحر االحمر ،كانت ھي من تولى نقل الشريف علي بن الحسين ،آخر ملوك الحجاز الھاشميين الى منفاه األخير في ٢٥ديسمبر ١٩٢٥م. وفي مايو ١٩٢٧م اعترفت بريطانيا رسميا ً بالحكم السعودي لمملكة الحجاز ونجد. وأصبح السير اندرو رايان ،ممثلھا في قنصلية جدة ،أول مسؤل دبلوماسي رفيع بعد التحوالت السياسية األخيرة وصعود ابن سعود على عرش الحجاز. وتم توقيع االتفاقية البريطانية-السعودية ،فيما يعرف بـ”اتفاقية جدة“ .وجاء في مادتھا السابعة ان “يتعھد صاحب الجاللة ملك الحجاز ونجد وملحقاتھا بأن يتعاون بكل مالديه من الوسائل مع صاحب الجاللة البريطانية في القضاء على االتجار بالرقيق”. لكن في السابع من يوليو ١٩٢٧م قام السنبوك الشراعي “سلك الھوا” ،الذي يملكه حاجي محمد ،ويقوده الناخوذة محمد صالح الدنقلي ،بنقل ٧٥عبد اثيوبي من أمالك التاجر احمد عمر ،الذي جلبھم من جيبوتي ،بالقرب من تاجورة ،مورّداً اياھم الى موانئ زيلع )الصومال( ،وأوبخ )جيبوتي( ومنھا الى المخا )اليمن( ومن األخيرة الى الحجاز بالتھريب[٧٦] . وقدرت الوثائق البريطانية انه في عام ١٩٢٧م وحده تم تھريب ما بين ثالثمائة الى اربعمائة عبد بين اثيوبيا وحدھا الى موانئ الجزيرة العربية. وكانت آلية تھريب العبيد االثيوبيين تجري كالتالي: يُخ َطف العبيد االثيوبيون وخاصة البنات الصغار من انحاء أديس أبابا الغربية :من جماعات كافا وولغا وبني شنقول )وھؤالء مقرّ ھم غرب اثيوبيا وھي منطقة تتبع شيخ الخوجلي الذي كان يفرض رسوم ضريبية على تجار العبيد فيھا( – وكلھم من اصول عرقية زنجية ي َُسمون باللغة األمھرية بجماعة الشنقيلة – وھم ليسوا حاميين مثل جماعات الجالس ،فالجاالس واألمھريين ھم من يخطف العبيد الزنوج ويتاجر بھم – ثم يعبر العبيد المخطوفون في مسارات سريّة الى شمال اديس أبابا حيث اسواق العبيد في باتيس وداوا )مناطق تابعة للعيسى( ومنھا يساقون الى تاجورة من خالل ال ُتجار الدانقلة. في تاجورة يجري تنظيم العبيد في جبل الغواد – ويفرض عليھم سلطان راھيتا ضرائب تجبى عبر شيوخ قبيلة العيسى الصومالية ..ثم يباع العبيد الى التجار العرب في جيبوتي مقابل ١٦٠دوالر للرأس .ثم ال يبعثون من موانئ تاجورة 32
الرئيسية مباشرة توجسا ً من الرقابة البحرية ،فيرحلون بدال من ذلك الى رأس دمار حيث يفرض سلطانھا المحلي ضريبة اضافية عليھم .وحينما تھب الرياح الجنوبية على البحر األحمر بين شھري نوفمبر ومارس ،تنشط السنابيك وترفد سواحل جيبوتي موانئ الجزيرة العربية بأسراب العبيد والجواري صغيرات السن. وكان سالطين الدناقلة في ساحل جيبوتي يتقنون صناعة النعل والسِ كافة بشكل ماھر ،لكنھم تورطوا الى جانب ذلك في تجارة وتسويق الجواري البغيضة .وكانت الحكومة الفرنسية في جيبوتي في فترة من الفترات تقاسم السلطان الدنقلي ارباحه من تجارة العبيد. وتحمل السنابيك في البحر األحمر الكثير من الحصى الصغير )الصابورة( التي تستعمل كثقل الموازنة ،وكانت تستخدم لتقييد ايدي العبيد. في الحجاز تكون اقرب الموانئ لھم :القنفذة والليث وراس األسود جنوب جدة، ويرسون بأعداد أكثر في االخير ،ومنھا يجري تھريبھم الى اسواق جدة .وتصل اسعارھم في جدة الى ستمائة دوالر .ويباع أعداد منھم للسوق المحلي ،وجزء آخر يشتريه ح ّجاج اسطنبول والقاھرة وينقلونھم معھم الى ديارھم .أما من يبقى يُعاد توزيعه الى المخا. وفي ھذه الفترة كانت قبيلة الزرانيق البحرية جنوب الحُديدة من اكثر القبائل استھالكا ً للعبيد في الجزيرة العربية. وال تقف طرق التھريب على ما سبق .ومن طرق تھريب العبيد الذين يجري شراؤھم بشكل فردي :رشوة القضاة في تاجورة بخمس او عشر دوالرات مقابل ان يصك لھم ورق زواج مع الفتيات فيتم تھريبھن بأوراق رسمية[٧٧] . وفي الضفة البحرية المقابلة من الجزيرة العربية كان يُخطف صغار الھنود والبلوش الستخدامھم في العمل في قوارب صيد اللؤلؤ بالبحرين والكويت .وفي ١٩٢٨م كان عبد rبن محمد دوار ،في دبي ،ھو أكبر وكيل لبيع العبيد المجلوبين من كراتشي. سنابيك البحر األحمر -المتاجرة في كل شئ:كانت السنابيك في البحر االحمر تنقل بين موانئ راس المدر وعدن والحديدة والمخا وجدة وعصب وجيبوتي – كل من السكر والتبغ والكيروسين )الجاز( والقھوة والحبوب والتمور ،الى جانب العبيد .وترفرف على صواريھا اعالم :مملكة الحجاز او ايطاليا اوالحكومة العربية او دولة اإلمام. 33
وفي ميناء جزيرة بريم في مدخل باب المندب كان وكالء تجارة العبيد :شيخ سعيد وھو وكيل السنبوك “متساھل” لمالكه محمد ھادي في تاجورة ،ينقل الخشب والفحم. وعبيد علوي الذي اقلع الحقا ً عن تھريب العبيد وبات يعمل في صيد االسماك بالقرب من جزر كمران .وفي جيبوتي الشيخ ابراھيم صالح ومعه عشرون رجالً مسلّحا ً. وكان يسيطر على ساحل تاجورة :الشيخ محمد قاسم الدنقلي والشيخ عبده داود الدنقلي. وفي عام ١٩٢٨م تن ّقل وكيل بريطاني سري بين مقاھي جيبوتي المرصوصة على الميناء واعطانا صورة عن الحياة االجتماعية لنواخذة السنابيك فيھا ..وذكر من كبار النواخذة في حينه: ابوخليل ،وھو مالك وناخوذة سنبوك “صاح ”rفي جيبوتي وعليه علم ايطالي.. ومثله محمد شحيم ،وھو دنقلي ،كان ناخوذة ألحد السفن الفرنسية لكنه يملك االن سنبوكا ً اسمه “زاحف” وعليه علم عربي – وھو ينقل عبيد احيانا ..وعلوي حكمي وسنبوكه اسمه “الھبوب” وعلمه عربي ..وأحمد سيموح كان وكيالً تجاريا ً في الميناء ،يعمل لصالح الشيخ العيسى الثاني والشيخ ابوبكر الثالث وھما رجالن مُسلحان يعمالن في تجارة السالح والعبيد ،يحتكران التجارة الذاھبة لميناء الطائف اليمني التاريخي )في حدود الحديدة وھو غير مدينة الطائف الحجازية( ،عند رجل محلي ھناك اسمه احمد فتياني وھو شيخ الطائف. وھناك سنبوك “المايل” للناخوذة عمر سعيد الوحيش ويعمل مع تجار تاجورة وزعماء العفر )الدناقلة(. الثالثينات الميالدية ..انقالب في الوعي وتبدل قيمي:وتشير احصائات لجوء العبيد لدار االعتماد البريطاني في جدة الى تناقصھا الحاد بعد حصار جدة وصعود الفترة السعودية في الحجاز .ومن لجوء اربعين رجالً وامرأة في عام ١٩٢٦م الى دار القنصلية ،لم يلجأ سوى سبع عشر رجالً وامرأة في عام ١٩٣١م ،بقي منھم خمسة في الحجاز بعد تحريرھم .وان لم تنتفي تجارة العبيد بعد ،فإنھا خفتت بشكل ملحوظ]٧٨] . وحملت الثالثينات للحجاز – والتي سبقھا عقدان دراميّان شھد فيھما الحجاز؛ انقالبين في دار الخالفة وثورة كبرى في مكة وحربا ً عالمية وأخرى حدودية وفترتيّ حصار وجوائح وبائية وتمردات قبائلية ش ّتى – حملت ،عكس كل ذلك، 34
استقراراً مطلقاً ،انتعش فيه الميناء ،وتماسك فيه موسم الحج ،فانفتح األھليون بشكل ھائل على العالم وروح العصر. يقول بوند ،السفير البريطاني في جدة في رسالة للخارجية البريطانية في السادس من مارس ١٩٣٠م“ :لقد تقلّصت نسبة العبيد في جدة في السنوات األخيرة بشكل مطرد ،ھذا يعود الى كون كثير من التجار المعروفين انفتحوا على روح العصر وباتوا يمارسون أشكال تجارة اكثر عصرية ومالئمة قانونيا وقطعوا مع االشكال التقليدية”[٧٩] . وضعف ارسال العبيد المھربين الى الحجاز عبر ميناء جدة وموانئھا القريبة كما سبق ..مقابل ازدياد نشاط التھريب عن طريق البر من بالد الشحر والمكال في اليمن ..او من يجري اختطافه او بيعه أصالة في موسم الحج[٨٠] . وسجّ ل شيخ الداللّين ،القيّم على دكة الرقيق بأطراف سوق سويقة ،في مكة ألف عملية بيع في عام ١٩٣٠م ،لكنه عاد وسجّ ل مائة عملية بيع فقط بعد ثالث سنوات في عام ١٩٣٣م .وفي المدينة المنورة اُغلقت الد ّكة ،وخرجت عن الخدمة ،حيث لم تس ّجل سوى عشر عمليات بيع في عام ١٩٣٣م[٨١] . وشھدت الثالثينات ،اقتحاما ً مُفاجئا ً للتقنيات الحديثة )التكنولوجيا( – ما ادى الى انقالب في الوعي وتبدل قيّمي حاد خصوصا ً في ذھنيّة وعادات البادية الحجازية. ان احد االسباب الجوھرية لتقلّص استھالك العبيد بشكل كاسح في البادية الحجازية، ھو إدخال النقل بالسيارات في موسم الحج والغاء نظام “الكوشان” – وھي رسوم الطريق التي كان يدفعھا الجمّالة للشريف كنوع من الضريبة المحليّة )ويدفع األھليون ،مُمثلون في طبقات المطوفين ضريبة مماثلة(. لقد ضرب ذلك التحوّ ل ،الھيكل االقتصادي للبادية الحجازية ،خصوصا ً لدى قبيلتيّ الحوازم واألحامدة ،في صميمه وقوّ ض مراكز قوته وشبكة عالقاته القديمة. وأدى انخفاض الطلب في النقل التقليدي على الجمال والشقادف الى تقليص الطلب بين شيوخ الجمّالة والمخ ّرجين للعبيد الذين كانوا يستعينون بھم سابقا ً في اعباء وتجھيزات قوافل الحجيج وتسييرھا.
35
أزمة دبلوماسية حا ّدة بين حكومتي بريطانيا والسعودية:وفي الرابع والعشرين من ديسمبر ١٩٣١م سلّم احد العبيد ،ويُدعى بخيت ،نفسه لدار السفارة البريطانية في جدة طالبا ً تحريره وارساله الى بالده في بورتسودان. لكن ھذا تسبب في اندالع فتيل أزمة دبلوماسية بين البلدين .كان بخيت قد اُھدي ،كما جرت العادة العشائرية حينھا ،من ابن مساعد )امير حائل( الى الملك .لكنه لم ً حقيقة في القصر الملكي ،وظل في مقابل ذلك يخدم في دار الوزير عبدr ينخرط السليمان في مكة. واجاب الشيخ حافظ وھبة ،من الطرف السعودي ،في التاسع عشر من يناير ١٩٣٢م ان بخيت ھو احد عبيد القصر الملكي الذين ال تشملھم اتفاقية جدة]٨٢] . كان وھبة يشير الى الفقرة )أ( من المادة السابعة من اتفاقية عام ١٩٢٧م .وكان في مفاوضات اتفاقية جدة مع السير جلبرت كاليتون ان اُستثني عبيد القصر الملكي كونھم في حقيقة األمر اما جنود او خدم خاصين. وكان بخيت قد ف ّر مع عبد آخر يدعى ھارون ،من بيت عبد rالسليمان للسفارة البريطانية مطالبان بتسفيرھما الى بورتسودان .كان ھارون قد خطف في موسم حج العام الماضي وتم بيعه .اما بخيت فقد ا ّدعى انه خطف وھو طفل من جيبوتي وتم بيعه صغيرا في الحجاز عبر سوداني اسمه محمد وھو في السادسة .ثم خطف من جماعة من البدو فيما كان يلعب خارج سور جدة في الكندرة ،واخذوه الى اليمن حيث بيع من جديد ألحمد بن غصين الذي عاد به الى مكة وبيع مجدداً الى سيّد جديد ھو شاكر ابوجمال )من أشراف مكة( حيث مكث معه خمس سنوات ثم بعث به مع عائلته للمدينة فيما بقي ھو في مكة وحينما سقطت المدينة في يد السعوديين أخذه ابن مساعد في حائل وبعد سنوات من ذلك بعث به الى بن سليمان حيث امضى ١٨شھرا قبل ان يھرب من بيت اخيه حمد السليمان الى السفارة البريطانية. وفي ٢٦ديسمبر طالبت النيابة العامة في الحجاز باعادة السفارة البريطانية في جدة لبخيت وتسليمه الى نائب قائمقام جدة السيد علي طه رضوان. وأرسل فؤاد حمزة ،من الخارجية السعودية ،رسالة في ٢٩يناير ،الى السفير اندرو رايان يخبره بأن المسألة باتت مسألة مبدأ ،وان الحكومة السعودية ال ترضخ من منطلق سيادي لرغبة البريطانيين في اي شأن خارج عن اتفاقية جدة ١٩٢٧م. لكن في ذات اليوم كان اندرو رايان قد بعث ببخيت على متن السفينة بينزانس.
36
ومن بعدھا ،في الثالث من فبراير ،اصدرت السلطات السعودية قرارا مشدداً بأنه ال يحق للسفارة البريطانية تسفير اي شخص على اي قارب سوى بموافقة مسبقة من أمير جدة الذي يصدر وحده تأشيرات الخروج ،اما ان كان عبداً الجئا ً تم تحريره فيستلزم موافقة خطية من امير جدة قبل ترحيله. كان من العويص شرح كنه العالقة بين جاللة الملك ووزيره األول الشيخ السليمان أليٍ من الغربيين ،كما كان يتعذر للغربيين فھم نفسيات عبيد القصور الملكيّة حينھا – او بشكل ادق غالبيتھم. كان بعض اؤلئك العبيد يحظون بامتيازات تفوق تلك الممنوحة لدى األعيان واألھليين .وكان الملك يقرّب اليه افراداً منھم. وكان “مواليد” القصور يحظون برعاية كبيرة ،بل ان بعضھم يتك ّبر على المواطنين ويمارس اضطھاداً ممنھجا ً ضدھم مدعوما ً بما يتوھمه من نفوذ خاص .حد ان نكتة محلية شاعت في العشرينات الميالدية في الدوائر القنصليّة بجدة وصلت الى نائب القنصل البريطاني تقول بأنه يجب نقل جميع التكارنة للجزيرة العربية لتتحسن احوالھم المعيشية – لكن القنصل ،في تقاريره ،استھجنھا وأنكرھا ،وان لم ينكر أصلھا! وتمتع حِلوان ،احد عبيد القصر الملكي بحظوة وثقة ھائلة وكان قائداً عسكريا ً الحد ألوية جيش جاللة الملك التي شاركت في تأديب عصيان ابن رفادة عام ١٩٣١م. ولوجود أفارقة ملحقون بالحراسة األميرية الخاصة جذور عشائرية قديمة في الجزيرة العربية .لقد م َنح قانون الواليات العثماني أمير مكة حق تشكيل حرسه النظامي الخاص فكوّ نه في عام ١٨٧٢م من مجموعتين :البياشة ،وھم من اھل وادي بيشة بعسير ،ومن التكارنة ،واغلبھم من العبيد المعتقين القاطنين في مكة من اصول نيجيرية وكونغولية ..وقد انحصرت مھتھم اول االمر في تأمين سالمة القوافل بين جدة ومكة ،وبين مكة والطائف ،ثم شكلّوا نواة جيش الشريف النظامي. ومحمد عبدالقادر محمد فالتة ،تم بيعه صغيراً على كذا بيت في مكة ثم امتلكه األمير سعود ولي العھد الذي اعتقه في يونيو ١٩٣٨م ،لكنه آثر البقاء عنده ،فتزوج وتسلّك في الحرس الخاص لقصر ولي العھد[٨٣] . وفي عام ١٩٤٤م اصيب القيّمين على فندق وولدورف استوريا في نييورك بصدمة كبيرة عندما أحضر األمير فيصل معه مرافقه االفريقي مرزوق ،اثناء زيارته الرسمية ،وكانت صدمتھم اكبر عندما أص ّر األمير على أن يأكل مرزوق معه ،كما 37
ھي عادته ،ذلك ألن ھذا كان يقتضي السماح له بدخول قاعة المآدب الشھيرة “ويدجوود روم” التي لم يكن يسمح لزنجي أبداً ان يدخلھا[٨٤] . وبرز في االربعينات الميالدية نفر قليل من اعيان جدة ،كانوا رقيقا ً في اصولھم.. حتى انه كان من النادر ان تجد اي عائلة تجارية دون ان تجد تميز احد افرداھا بلون اسمر ،يحمل اسمھا ويعمل في ادارة بيتھا التجاري. وكان المعتنون بالكعبة واعمال المسجد النبوي عبيداً “أغوات” طائلي الثراء والمتانة الوقفية وواسعي الوجاھة االجتماعية في الحرمين الشريفين. وقدر السير رايان ،قنصل بريطانيا في جدة ،عدد عبيد القصر الملكي بحوالي ثالث َ آالف نفر؛ القليل منھم باالقتناء ،فيما غالبيتھم باالھداء او مولدون. كان تجار الرق ،انطالقا ً من صالل العوائد العشائرية البالية ،يھدون الملك العبيد بكثير من الحماسة طمعا ً في التعويضات الملكية السخية ..ولكن قبضة الوزير عبد rالسليمان الصارمة ،وسياسته المتقشفة والحريصة على المال العام وعلى عدم تكبيد الموازنة اية مصاريف اضافية في سنوات التقشف ،ر ّ شدت الكثير من حماستھم فيما بعد ،وساھمت في ابطال تلك العادة. آخر ُتجار ووكالء العبيد في جدة:وكان من اشھر دالّلي الجواري في جدة :باسترة أفندي ،وأبوالسعود ].[٨٥ وفي رسالة من اسماعيل افندي حول العبيد في التاسع من مارس ١٩٣٣م من مقتنيات الخارجية البريطانية ،ع ّدد اسماء كبار وكالء العبيد في جدة ،مزودة بھويّاتھم الجھوية: “كبار وكالء العبيد في جدة :حسن العمودي )حضرمي( وأحمد بن سيف )من بدو الحجاز( وشمعون بن عمر )صومالي/ايطالي( واحمد الحنبولي )ج ّداوي( وأبو زيدان )جّداوي( والليّاتي )ج ّداوي(”[٨٦] . وبات العبيد يرسون مباشرة في ميناء جدة ،عكس السابق حينما كانوا ينزلون في النزلة اليمانية حيث يقيم الوكيل ابن سيف. وتقمّص اسماعيل افندي مع صديق ج ّداوي دور الراغب في الشراء ليراقب اوضاعھم“ :كانوا في اقبية احد البيوت ،حيث الجو خانقا ً والروائح ال تكاد تطاق والد ّكة كان فيھا رجال ونساء مختلطون”.
38
وآخر مقر لبيع العبيد في جدة كان في منطقة حوش الھواشم – داخل سور المدينة القديم. واحد مكافحي تجارة العبيد في ساحل جيبوتي ھو السيّد علي العطاس ،وھو أخ السيّد حسين العطاس من تجار وأعيان جدة. كان العطاس قد اخبر نائب القنصل البريطاني في جيبوتي بتحركات تجارة العبيد األخيرة ،وكان يعتبر ان من ال يُخطئه ضميره بحمل العبيد والمتاجرة بالبشر سيقع في كل محظور آخر. وكان الشيخ محمد بابو احد شيوخ دنقلة ومحتكر تجارة العبيد في ساحل جيبوتي في عام ١٩٣٤م ،قد فرض على جميع السنابيك المغادرة مينائي تاجورة و أوبخ بحموالت العبيد الى ميدي او جيزان ان تجلب معھا في ايابھا حموالت سالح. ً حقيقة العبيد فكانت السنابيك تتظاھر بنقل الخشب والفحم لكنھا تقايض بالسالح[٨٧] . وفي احصاء لعام ١٩٣١م ..قُدر عدد العبيد في السعودية بأربعين ألفا ،وُ زعت جغرافيا كالتالي: مكة :ثالث االف. جدة :ألف. رابغ :خمسمائة. الوجه وينبع والطائف والمدينة وشمال الحجاز :خمسمائة. القنفذة ،ميناء البرك ،جيزان وعسير :عشر آالف. بادية الحجاز :خمس آالف. الرياض وبادية نجد وخصوصا واحات االحساء والبريمي :عشرون ألفا ً[٨٨] .
39
...................................
وانحصرت اجناس العبيد في ھذه الفترة بين سودانيين او اثيوبيين حاميين او تكارنة ..ونساء يمنيات .وعند اھالي الحجاز كان يوجد نفر قليل من جواري وعبيد جاويين وھنود وسوريين وماليزيين. 40
قاض من محكمة مكة الشرعية منح صك اعتاق لعبد تم في عام ١٩٣٢م رفض ٍ تحريره كون الحكومة قد اخطرته بعدم القيام بذلك ألي عبد عمره يزيد عن العشرين عاما. وفي ٢٢فبراير ١٩٣٤م ..اُرسل السير ماكسويل من قِبل لجنة الرقيق بعصبة األمم واصدر تقريرا عن حالة العبيد بين افريقيا والجزيرة العربية. ونشطت البوارج الحربية البريطانية في تفتيش السنابيك في المياة الدولية بالبحر االحمر بحثا ً عن العبيد .وقبضت على ٥٦عبداً في ١٩٣١م ،و ٣٥عبداً في ١٩٣٢م ،و ٣٥عبداً في ١٩٣٣م[٨٩] . وفي اكتوبر ١٩٣٦م خطت السلطات السعودية أكبر خطوة فيما يخص الحد من االتجار بالرقيق في الجزيرة العربية. فصدر في الثاني من اكتوبر ١٩٣٦م ،المرسوم المعروف بـ :تعليمات بشأن االتجار بالرقيق ،من ستة عشر مادة .وحظر المرسوم ادخال االرقاء الى السعودية عبر البحر او البر )مالم يبرز جالب الرقيق وثيقة حكومية رسمية تخوّ له بذلك( ..كما حظر استرقاق األحرار .والمرسوم -وان لم يلغ ممارسة الرقيق ،اال انه اعترف بھا كظاھرة ونظمھا وجعل للعمل فيھا وكيالً او سمساراً برخصة رسمية .اما من يخالف تلك التعليمات تنذره الحكومة بعقوبة حبس لمدة ال تزيد عن سنة. لكن ھذه القرارات وماجلبت من محاسن على نفسيات الرقيق اال انه ترتب عليھا مساوئ جديدة – اذ ازداد اصرار المالك على ابقاء عبيدھم للندرة الحاصلة في األسواق فنتج عن ذلك تقلص مطرد لنشاط العتق. واستمرت الممارسات بشكل مُستتر. وكان جابر احمد من اھل كسال في السودان في أسر العبودية في الحجاز حتى حرر في عام ١٩٢٧م ..وحينما عاد للحج بعد عشر سنوات في ١٩٣٧م رصده مالكه السابق الحسين بن علي الحارثي من أشراف المضيق ،واثر مشادة وقعت بينھما أصر األخير على استعادته فعصى لكنه ألحقه بحاشيته بالقوة .فارسلت القنصلية البريطانية من السفير بوالرد لألمير فيصل نائب الملك تطالبه باطالق سراحه في الثاني عشر من يونيو ١٩٣٨م ،فنال حريته ورحل ادراجه على احد سفن شركة جاللتي ھنكي الى ميناء سواكن[٩٠] . وفي يونيو ١٩٣٦م باع علي بريمة ياسين وزوجته ست األھل في مكة ،آمنة التي ادعيا انھا ابنتھما ،ثم رحال برا لليمن ومنھا للفاشرُ .تركت آمنة عند الشيخ حسن 41
زيني وھو رجل طاعن في السن ،الذي سلمھا بدوره البن ناصر تاجر الرقيق النجدي في مكة الذي عرضھا على كذا منزل فنزلت عند بيت السادة آل المرغني الذي كان يخلو من الذكور ،واشترتھا سيدة ومكثت معھا عاما ً كامالً ولكنھا مرضت فاضطرت الى بيعھا لتذھب للعالج في مصر ،فاشتراھا محمد الشيبي بـ ٣٥جنيھا ً ذھبيا ً استرلينياً ،وقبل شراءھا عرضھا على سيدة قابلة اكدت انھا لم تنجب من قبل، وظلت عنده ثالث سنوات دون ان يُعاشرھا .ثم عادت لسيدتھا القديمة في بيت الميرغني النھا كانت تحسن معاملتھا وھناك وجدھا القنصل البريطاني واستدعاھا وارسلھا الى السودان[٩١] . ومع عام ١٩٤٣م خفت نشاط شراء الجواري ،واصبح التسري يمارس بعيداً عن أعين الزوجات الالتي ِبتن مع االنفتاح على العالم يرفضن على أزواجھن ذلك النمط الشاذ من الممارسة الجنسيّة[٩٢] . وكان آخر ثالثة وكالء للعبيد في مكة في يدھم كل التجارة :وكان آخر المسيّطرين عليھا بحسب وثائق الخارجية البريطانية :ميمش ،والقرّعا ،وبن ناصر ،واألخيران نجديّان [٩٣] .وصعد افراد من نجد في داللة العبيد في مكة ،كون بوصلة جلب الجواري الى مكة باتت تتجه شرقاً ،حيث تجلب الجواري من التجار النجديين عبر واحة البريمي والساحل الغربي للخليج :بلوشيات وفارسيات بدالً من األجناس المعتادة االفارقة واالحباش والجاوا[٩٤] . ومن ابرز التجار النجديين في سواحل الخليج :عبد rبن سالم بن غراب ،ومبارك وعبدالعزيز الدليمي ،وعلي بن موفي الودعاني ،وسليمان بن موسى ،وعبد rبن خفره ،وعبد rبن غانم العوار وھذا االخير كان اصبعه االوسط في يده اليمنى مقطوعا وكان يبيع الجاريات في الدوحة .وحينما قُبض عليه في سبتمبر ١٩٥٢م حلف أيمانا مغلظة انه ترك التجارة منذ خمسة عشر عاما وانه يعمل االن في الزراعة وان المشتبه به ھو عبد rبن غانم القطري وھو شخص آخر ولكن تبين الحقا ان كالھما يعمل في تلك التجارة. ونحن ال يمكن ان نجزم ان جميعھم كان يتاجر بشكل حصري في العبيد ،لكن اسماؤھم وردت في الوثائق البريطانية مرة واحدة على األقل. وطالب السفير السير تروت في ديسمبر ١٩٤٧م ،من يوسف ياسين من الخارجية السعودية ،بمالحقة المتورطين في تجارة الرق في البحر االحمر ،وانزال اشد العقوبات عليھم ،وكانوا :احمد ابوصالحه في ميناء البرك )عسير( ،بن سيف في الرويس ،وحسن العمودي في جدة[٩٥] . 42
وفي ١٩٤٨قبضت السلطات السعودية على احمد علي ابوصالحة وھو يُھ ّرب العبيد سراً من مصوّ ع الى ميناء البرك في عسير[٩٦] . ومن تجار العبيد في الرياض حينھا بحسب الوثائق البريطانية :ابن غراب المري، وجابو بن حضفه وبن عبدربه ،وھم يحضرون الجواري عبر حمد البوشامس من دبي او مسقط الى كبار المستھلكين في االحساء والرياض .وكان كبير التجار في سوق الرياض اسمه عبد rبن مروان[٩٧] . في الرياض كانت الجارية الجميلة تباع بسبعة عشر الف ،yوالمتوسطة الجمال تباع بسبع الى ثماني آالف. ومع عام ١٩٤٨م خفت اھتمام السعوديين باقتناء العبيد الذكور]٩٨] . وفي الخمسينات الميالدية تالشت تجارة العبيد ،وانقشعت مظاھر العبودية تقريبا عن جدة ،فيما بقيت في الرياض ومكة والمدينة ،وان حُصرت في الجاريات المجلوبات من حضرموت واليمن والبلوشيات المجلوبات من السواحل المسقطية والسواحل المتصالحة .فلم تعد تأتي االفريقيات ،من موانئ جيبوتي والصومال ،كما في السابق. وفي السادس والعشرين من نوفمبر ١٩٥٢م ارسل يوسف ياسين ،من الخارجية السعودية ،خطابا ً لبيلھام يخبره ان الحكومة السعودية ترغب في اخطارھا عن أي رعايا سعوديين يرحلون الى امارات الخليج بحثا ً عن عبيدھم الفارين .وان الحكومة السعودية ال تريد التھاون في ھذا]٩٩] . وفي نوفمبر ١٩٥٣م ارسل السفير الفرنسي في جدة قائمة بمن يشتبه بھم بنقل العبيد الى ساحل جدة وذكر منھم: أحمدو بوبوي وھو سنغالي مقيم في جدة ،والشيخ عبدو بجني من النيجر يقيم في جدة ،والشيخ عبد rالبحيري من كبار حارة اليمن في جدة وھو من شيوخ الداللين. ][١٠٠ واتبعھا بقائمة لداللين اقسم يقينا ً بأنھم يبيعون الجواري مباشرة للقصور والمتنفذين والميسورين ،وھم :عمر كِندي – سنغالي في مكة ،حاج محمد عمر فتاي – سنغالي في جدة ،تيرنو يوروبا – سنغالي في جدة٤٣ ،حمد وتديان ديو في جدة ،حاج بلي – سنغالي في مكة ،محمد طاھر – من الطوارق يقيم في السودان ويتاجر في جدة، ومحسن – وھو نيجيري موظف في شركة باكر االمريكية في جدة]١٠١] . 43
وقُبض على محمد حسين وھو يتاجر في الكربالء والنجف وكان يجمع خمسين فتاة صغيرة ليحضرھن للرياض وقد حكم عليه في العراق عام ١٩٥٥م بالسجن عشر اعوام]١٠٢] . وضرب الكساد سوق الرياض حيث كان يتعيّن على كل تاجر عبيد ربط سبع الى ثماني من العبيد خلفه والمشي بھم ،فيما كانت دكة الرقيق في مكة تحتضر وتعيش آخر أيامھا]١٠٣] .
ضغوط دوليّة ومحلية يتوّ جھا قرار الفيصل التاريخي:لم يكن عقد الخمسينات رحيما ً على سمعة وصورة السعودية دولياً ،كما كانت مھمة الدبلوماسية السعودية لترطيب االجواء وتحسين صورة البالد مُضاعفة .وفي عام ١٩٥٣م قامت حملة تلفزيونية وصحافية كبرى في فرنسا على قانون الرقيق في السعودية .كما اشت ّدت ضرواة دعوات الخارج – والداخل -على الحكومة لحسم ملف العبيد وطي صفحته لألبد. واستوعبت الحكومة المعاتيق الحديثين في مكة او المستقرين فيھا بعد موسم الحج من جاليات التكارنة وفرضت عليھم دفع رسوم اقامة سنوية ..وقام األمن العام منذ ٢٥ابريل ١٩٥٢م بتنظيم المسألة بشكل أكثر مرونة. وصعد مطلب الغاء نظام الرق منذ الخمسينات الميالدية عند الحركات القومية والوطنية الشعبية الداخلية .وفي ميثاق جبھة التحرير الوطني العربية الصادر عام ١٩٦١م ،نالحظ حضوراً مركزيا ً لمسألة الغاء نظام الرقيق وتحرير االرقاء كأحد مطالب برنامج االصالح – كان ذلك ذروة حراك وطني سابق امتد ألكثر من عشر سنوات اجتر ذات المطلب. وفي السادس من نوفمبر ١٩٦٢م اصدر األمير فيصل بن عبدالعزيز ،ولي العھد ورئيس مجلس الوزراء السعودي ،برنامجه االصالحي المعروف بـ ) النقاط العشر ( ..الذي قضت نقطته العاشرة بالغاء الرق مطلقاً ،وتحرير جميع األرقاء وتعويض مُالكھم. وصار الناس في ارتباك .فالقرار كان يكتنف طرق تطبيقه الكثير من الغموض – والنقاط العشر كانت مُغلفة بلغة عمومية غير حاسمة.
44
وكتب صالح محمد جمال في جريدة الندوة المكيّة في السادس والعشرين من نوفمبر ١٩٦٢م مُنتقداً“ :كثير من االرقاء ينتظرون ان يُبادر مسترقوھم بتحريرھم واعالن ذلك لھم تنفيذا لقرار الحكومة اال ان احدا لم يحرك ساكنا ،ويبدو انھم ينتظرون ان تاتي اليھم الحكومة لتدفع لھم التعويض سلفا xان تلك الفقرة الموجزة في البيان الوزاري عن الغاء الرق اصبحت في حاجة الى مذكرة ايضاحية مستعجلة يجري اعالنھا للطريقة التي يجب ان يتم تنفيذ التحرير”[١٠٤] . واستجاب مجلس الوزراء للتساؤالت التي انطوى عليھا مقال جمال وغيره ،وأصدر قراره رقم ) (4305الصادر في التاسع من يناير من عام ١٩٦٣م ،مبينا ً الطريقة التي سيتم بھا التعويض ،مفوضا ً وزارة الداخلية الى اشعار المواطنين الذين كانوا يمتلكون رقيقا ً بالتقدم بطلبات التعويض مصحوبة بالوثائق والصكوك الشرعية الى اللجان المختصة. واعتمد مجلس الوزراء السعودي مبلغ خمسة ماليين yسعودي ،كدفعة أولى لتعويضات الرقيق. و ُ ش ّكلت لجان تعويض المّالك الشھر التالي في ٢٦مدينة سعودية :من جدة ومكة والقنفذة الى الدمام والحساء ،ومن الجوف والقريّات الى بيشة وجيزان ،مروراً بالرياض والحوطة وبريدة وشقراء! وكان الرقيق قبل البيان االيضاحي ينفرون اجتھاداً الى الديوان الملكي في الرياض يطلبون اوراق تحريرھم ومن ثم يعودون الى مالّكھم يقدمونھا لھم ويخيّرونھم بين اطالق سراحھم لوجه rوبين رغبتھم في طلب تعويض من الحكومة. وبادر الشيخ علي طايع – من أثرياء محلة شِ عب عامر في مكة ،وھو جد الشاعر محمد حسن فقي ألمه ،فاعتق وحده مائة رقبة ما بين جارية وعبد .وقام سعادة الشيخ مساعد السديري بعتق جميع عبيده البالغ عددھم ١٧شخصا ً بين ذكر وانثى، وسجّ ل ذلك في محكمة تبوك .وحرر سمو وزير الداخلية فھد بن عبدالعزيز جميع االرقاء التابعين له وقدم لكل منھم صكا ً بتحريره ،واعلن ذلك في برقية عامة لتشجيع غيره ] .[١٠٥كما قام سعادة اللواء علي جميل ،وحرمه في مكة ،بتحرير كافة االرقاء لديھم. انطوت الصفحة رغما ً عن ممانعة أعداد من مالّك العبيد في بعض القصور والمزارع والحقول والنجوع والبيوت ..ورغما ً عن صرخات السُفھاء المضللين وقوارص المتحذلقين. 45
وارسل كيندي رسائل تھنئة الى االمير فيصل ولي العھد ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية ،يشكره ضمنا على الغاء الرق ،ويعلن عن عصر جديد في العالقات االمريكية والسعودية .فرد عليه األمير فيصل في الحادي عشر من يناير ١٩٦٣م قائالً“ :ان القضايا األصلية لشعوب ھذه المنطقة :رفع مستوى السكان واستغالل كافة طاقاتھم وزيادة دخلھم القومي وتزويدھم بمؤسسات ديموقراطية للحكم يستطيعون في ظلھا التعبير عن ذاتھم وأمانيھم وآمالھم في حرّ ية بناءة”. منذ بيان كامل باشا الذي تاله قائمقامه بالنيابة في سوق مكة عام ١٨٥٥م ،وقوبل بممانعة رھيبة ،دارت األرحاء ألكثر من قرن من الزمان ،حتى استجابت الذھنيّة المحلية. ھكذا تجلّت شمس الكرامة االنسانية فأنارت من دياجي الجزيرة العربية من جديد.. للباطل جولة ثم يضّمحل. وكما قيل :ان ِ الھوامش:قمت باخفاء الھوامش من التدوينة عمداً ،على ان تظھر مع أصل الدراسة التي س ُتنشر قريبا ً في اضمامة أبحاث مُتفرقة تتناول تواريخ مھمّشة في الحجاز الحديث.
...............................
46
يعتمد البحث في مصادره ،وبشكل ريادي في ھذا الباب ،على أرشيف وزارة الخارجية البريطاني في المقام األول ،فھو يمسح بشكل شامل ومتفحص ونقدي جميع المراسالت الرسمية لدار االعتماد البريطاني )القنصلية( في جدة فيما يخص مسألة العبيد ،كما يستعين بوثائق متناثرة تم جمعھا من أرشيفات أخرى كأرشيف وزارة الھند البريطانية ،وأرشيف وزارة المستعمرات البريطانية ،وأوراق قليلة من األرشيف العثماني )لصعوبة توفره( ،ومواد أرشيفية صحفية تعود لبعض وكاالت االخبار العالمية والصحف المحلية ،ومؤل َفات لمؤرخين محليين مثل أحمد زيني رحالة مكثوا بالحجاز مثل المستشرق الھولندي سنوك ھوروخرنيه دحالن وعبد غازي أو ّ والضابط الروسي عبدالعزيز دولتشين أو عرب مھجريين مثل أمين الريحاني ،وبعض مذكرات القناصل المتعاقبين على جدة – ناھيك عن توضيحات وشروحات الباحث التي تعتمد على مصادر وقراءات وروايات مكتوبة او شفھ ّية متفرقة عن تاريخ المنطقة
توزيع :االعالم الجديد اصدار ٢٣٦ :
47