موجز تاريخ الساسانيين
اﻋﺪاد :اﻻﻋﻼم اﻟﺠﺪﻳﺪ عند المؤرخ وول ديورانت في كتاب ِه قصة الحضارة :وفيھا تكرار ما تذكره المصادر حول التسمية لالقوام التي عاشت في ايران والمناطق المحيطة بھا بالفرس ،بدون ذكر للقوميات االخرى ولكننا نرى في ثنايا كتابت ِه توضيحا ً لتسمية المنطقة كلھا بمنطقة فارس التي يمكن ان تكون من أھم التوضيحات في ھذا المجال . من وراء نھر الفرات أو دجلة وطوال تاريخ اليونان وروما كانت ھناك إمبراطورية تكاد تكون خافية على العالم الغربي،لبثت ألف عام تصد أوربا المتوسعة وجحافل آسية الھمجية ،وال تنسى قط ما ورثته من مجد األكميمينيين\ االخمينيين ،وتنتعش على مھل مما أصابھا في حروب البارثيين ،وتحتفظ في زھو وخيالء بثقافتھا األرستقراطية الفذة تحت حكم ملوكھا الساسانيين األشداء الشجعان، احتفاظا ً أمكنھا به أن تحول فتح المسلمين إليران إلى نھضة فارسية جليلة
1
الشأن.وكان لفظ إيران في القرن الثالث الميالدي أوسع معنى من لفظ إيران أو فارس في ھذه األيام. فقد كانت ،كما يدل اسمھا اآلريين وكانت تشمل أفغانستان وبلوخستان ،وسنجديانا، وبلخ والعراق .ولم تكن فارس ،وھي االسم القديم إلحدى الواليات الحديثة ،إال جزءاً صغيراً يقع في الجنوب الشرقي من ھذه اإلمبراطورية ،ولكن اليونان والرومان الذين لم يكونوا يعنون بشؤون البرابرة أطلقوا اسم الجزء على الكل. وكان يخترق إيران في وسطھا من الجنوب الشرقي لجبال ھماليا إلى الشمال الغربي لجبال القفقاس حاجز جبلي يقسم البالد قسمين ،في الشرق منه ھضبة عالية جدباء ،وفي الغرب وديان خضراء يسقيھا النھران التوأمان ،ويجري ماء فيضانھما الموسمي في شبكة من القنوات تكسب البالد الخصب والنماء فتنتج أرضھا القمح، والبلح ،والعنب ،والفاكھة. وكان بين النھرين ،وعلى ضفافھما ،وفي ثنايا التالل ،وواحات الصحراء ،عدد ال حصر له من القرى وعشرات المئات من البلدان وعشرات من المدائن الكبيرة :منھا إكباتانا ،والري ،وموصل ،واصطخر )برسبوليس القديمة( ،والسوس ،وسلوقية، وطيسفون )المدائن( العظيمة عاصمة الملوك الساسانيين.ويصف أميانوس الفرس بأنھم نحاف األجسام ،سمر البشرة لھم لحى وشعر طويل أشعث .غير أن الطبقات العليا لم تكن ذات شعر أشعث ،ولم يكن أفرادھا نحاف األجسام على الدوام يغلب عليھم الجمال ذوي أنفة وكبرياء ودماثة في األخالق ،يميلون إلى الرياضة الشاقة والثياب الفخمة .ورجالھم يلبسون العمائم على رءوسھم ،والسراويل المنتفخة في سيقانھم ،والصنادل أو األحذية ذات األربطة في أقدامھم .وكان أغنيائھم يلبسون معاطف أو جالبيب من الصوف أو الحرير ويتمنطقون بمناطق يعلقون فيھا السيوف .أما الفقراء فكانوا يقنعون بأثواب من القطن أو الشعر أو الجلد. وكانت النساء يلبسن أحذية طويلة ،وسراويل قصيرة ،وقمصانا ً واسعة ،وعباءات أو أثوابا ً مھفھفة ،ويعقصن الشعر األسود من األمام في غديرة يتركنھا تنوس خلفھن ويزينھا باألزھار.والكھنة والزرادشتيون المتحمسون يلبسون ثياب القطن األبيض التي ترمز إلى الطھارة وقواد الجنود كانوا يفضلون اللون األحمر ،والملوك يميزون أنفسھم من سائر الطبقات باألحذية القصيرة الحمراء ،والسراويل الزرقاء ،وأغطية للرءوس تعلوھا كرات منتفخة أو رءوس حيوانات أو طيور. الرجل الفارسي العادي المتعلم سريع االنفعال شديد التحمس كثير التقلب يغلب عليه الخمول ال يخافه إال البعيدون عنه .وفقراؤھم يشربون الجعة،والطبقات كلھا بما فيھا اآللھة يفضلون النبيذ ،يصف المؤرخون الفرس في عصر الساسانيين بأنھم أغلظ 2
أخالقا ً مما كانوا في عھد األكيمينيين ،وأرق منھم في عھد البارثيين ولكن قصص بروكبيوس تحملنا على االعتقاد بأن الفرس ظلوا طوال العھود أحسن أخالقا ً من اليونان وملوكھم المتنافسون يخاطب بعضھم بعضا ً بلفظ األخ. ويضمنون للدبلوماسيين األجانب سالمتھم من االعتداء ومرورھم سالمين بأرضھم، ويعفونھم من التفتيش الجمركي .وفي وسعنا أن نرجع التقاليد الدبلوماسية المتبعة في أوربا وأمريكا إلى األساليب التي كانت متبعة في بالط ملوك الفرس.ويقول أميانوس إن الفرس يسرفون في الجماع وأن اللواط والدعارة كانا أقل انتشاراً بينھم مما بين اليونان .وكتب غماليل ان الفرس يستخدمون كل الوسائل لتشجيع الزواج وزيادة المواليد ،حتى يكون لھم من األبناء ما يسد مطالب الحرب ولھذا كان إله الحب عندھم ھو المريخ الفينوس .وكان الدين يأمر بالزواج وإذا لم يولد له أبناء من صلبه تبنى ولداً من أبناء غيره .وكان اآلباء ھم الذين ينظمون عادة زواج أبنائھم يساعدھم في ھذا غالبا ً موثق رسمي لعقود الزواج ،والمرأة بوسعھا أن تتزوج على خالف رغبة والديھا .وكان يسمح للرجال بتعدد الزوجات .وكان يوصي به إذا كانت الزوجة األولى عاقراً .وكان الزنى منتشراً. وكان في وسع الزوج أن يطلق زوجته إذا خانته ،كما كان في وسع الزوجة أن تطلق زوجھا إذا ھجرھا أو قسا عليھا .وكان التسري مباحا ً .وكان لھؤالء المحظيات كما كان لنظائرھن عند اليونان الحرية الكاملة في أن يسرن أمام الجماھير وأن يحضرن مآدب الرجال .أما الزوجات الشرعيات فكن في العادة يبقين في أجنحة خاصة بھن في البيوت ،وقد ورث المسلمون عن الفرس ھذه العادة القديمة .وكانت نساء الفرس ذوات جمال بارع .وكان كل ساساني يرى في الموسيقى عونا ً البد منه في شؤون الدين ،والحب ،وتؤكد الرواية المأثورة أن برباد مغني كسرى أبرويز ألف ٣٦٠أغنية ،ظل يغني في كل ليلة واحدة منھا لسيده عاما ً كامال وكان مقر المدارس االبتدائية ھو أبنية الھياكل والكھنة يقومون بالتعليم في اآلداب ،والطب، والعلوم ،والفلسفة فكان يتلقى في دار المجمع العلمي الشھير في غندي سابور في سوريلنا.وظلت اللغة الفھلوية الھندي-أوروبية لغة فارس البارثية المستعملة في البالد. ولم يبق مما كتب بھا في ذلك العھد إال نحو ٦٠٠٫٠٠٠كلمة كلھا تقريبا ً تبحث في شؤون الدين .لكننا نعلم أنھا كانت لغة واسعة غير أن الكھنة كانوا ھم حفظتھا وناقليھا ،ولذلك تركوا الكثير مما كتب بھا في غير الدين يفنى على مر للزمان. وكان الملوك الساسانيون ملوكا ً مستنيرين يناصرون األدب والفلسفة و أكثرھم مناصرة لھا كسرى أنو شروان ،فقد أمر بترجمة كتب أفالطون وأرسطو إلى اللغة 3
الفھلوية ،وبتدريسھا في غندي سابوروقرأھا بنفسه .وقد كتب في عھده الكثير من المؤلفات التاريخية لم يبق منھا إال الكرنماكي-أرتخشتر أو أعمال أردشير وھو مزيج من التاريخ ولما أغلق جستنيان مدارس أثينة فر سبعة من أساتذتھا إلى فارس ووجدوا لھم في بالط كسرى ملجأ أمينا ً. ويؤم مدارسھا النساطرة المسيحيون ،الذين جاءوا معھم بتراجم سريانية لكتب الطب والفلسفة اليونانية .فامتزجت فيھا علوم الطب الھندية ،والفارسية ،والسورية، واليونانية وعن علم الفلك عند الفرس في ذلك الوقت احتفظ لھم بتقويم منظم ،وأن سنتھم كانت تنقسم إلى اثني عشر شھراً في كل منھا ثالثون يوماً ،وأن الشھر كان ينقسم إلى أربعة أسابيع ،اثنان منھا يحتوي كل منھا على سبعة أيام واثنان في كل منھما ثمانية ،وأنھم كانوا يضيفون خمسة أيام في آخر العام .وكان التنجيم والسحر منتشر في البالد.وأعاد الملوك الساسانيون إلى الكھنة الزرادشتيين األراضي والعشور ،وأسسوا نظام الحكم على أساس الدين كما كان الحال في أوربا ،وعين كاھن أكبر ذو سلطان ال يفوقه سلطان الملك وكانت تشرف على جميع نواحي الحياة الذھنية في فارس وكانت تنذر كل من تحدثه نفسه باإلثم أو بالخروج على سلطان الدولة بالعذاب الدائم في الجحيم وظلت تسيطر على عقول الفرس وعلى جماھير الشعب مدى أربعة قرون. وقد بلغ ثراء ھذه الجماعة أن كان الملوك أنفسھم يستدينون أمواالً طائلة من خزائن الھياكل .وكان مثراس إله الشمس المحبب للبارثيين بين عدد قليل من أفراد الشعب بوصفه مساعداً ألھورا .ولكن الكھنة الزرداشتيين كانوا يعدونه خروج على الدين كما يعده المسيحيون ،والمسلمون ،واليھود جريمة كبرى يعاقب عليھا باإلعدام.وقد وجد كثير من اليھود ملجأ لھم في الواليات الغربية من اإلمبراطورية الفارسية. وكانت المسيحية قد ثبتت دعائمھا في تلك الواليات حين جلس الساسانيون على العرش.أمر شابور في عام ٣٤١م بذبح جميع المسيحيين الساكنين في اإلمبراطورية ،ولما جلس يزدجر األول على العرش ٤٢٠-٣٣٩م ر ّدت للمسيحيين حريتھم الدينية. وكان الفالح الفارسي في أمس الحاجة إلى السلوى الروحية ألنه يعمل بوصفه مستأجراً ألرض األمير اإلقطاعي ،ويؤد ضرائب ورسوم من المحاصيل يتراوح بين سدسه وثلثه. ونقل الفرس عن الھند حوالي عام ٤٥٠م استخراج السكر من القصب حتى لقد وجد اإلمبراطور الشرقي ھرقل مخازن مألى بالسكر في القصر الملكي بطيسفون )المدائن( ولما فتح العرب بالد فارس عرفوا كيف يزرعون القصب ،وأدخلوا 4
زراعته في مصر وصقلية ،ومراكش ،وأسبانيا ومنھا انتشرت في أوربا ،وقد قدس الفرس الكلب لعظيم نفعه في حراسة قطعان الماشية والبيوت ،وكان للقطة الفارسية شأن عظيم في كافة أنحاء البالد. وتطورت الصناعة في عھد الساسانيين فانتقلت من المنازل إلى الحوانيت في المدن. وكثرت نقابات الحرف ،ووجدت في بعض البلدان جماعات ثورية من الصعاليك، إن الضرائب في الدولة الفارسية أقل إرھاقا ً مما كانت عليه في اإلمبراطورية الرومانية الشرقية أو الغربية .ولقد كان في خزائن كسرى أبرويز في عام ٦٢٦م ما قيمته ٤٦٠،٠٠٠،٠٠٠دوالر أمريكي ووصف أميانوس الذي كان يحارب الفرس ،قضاتھم بأنھم كانوا رجاال عدوال ،ذوي تجربة وعلم بالقوانين وكان المعروف عن الفرس بوجه عام أنھم يحافظون على الوعد .وكان وأد األطفال وإسقاط األجنة محرمين يعاقب من يرتكبھما باإلعدام .وكان الزاني إذا عرف ينفى من البالد والزانية يجع أنفھا وتصلم أذناھا .وكان في وسع المتقاضين أن يستأنفوا األحكام أمام محاكم عليا ولم يكن الحكم باإلعدام ينفذ إال إذا نظر فيه الملك وأقره.والملك يقول إنه يستمد سلطانه من اآللھة وإنه وليھم في األرض ،ويضارعھم في قوة أحكامھم ،وكان يلقب نفسه حين تسمح الظروف بملك الملوك ،وملك اآلريين وغير اآلريين ،وسيد الكون ،وابن اآللھة وأضاف شابور الثاني إلى ھذه األلقاب: أخا الشمس والقمرورفيق النجوم .وكان الملك الساساني مطلق السلطان بمشورة وزرائه الذين كانوا يؤلفون مجلسا ً للدولة .كانت ال َم َلكِية في األوقات العادية وراثية، ولكن كان في وسع الملك أن يختار غير ابنه األكبر ليخلفه على العرش .وجلست ملكتان على العرش في زمنين مختلفين؛ وإذا لم يترك الملك من بعده وليا ً من نسله اختار األشراف ورجال الدين حاكما ً على البالد ،ولكنھم لم يكونوا يستطيعون أن يختاروا واحداً من غير األسرة المالكة .وكان على الذين يدخلون على الملك أن يخروا سجداً أمامه ،ويقبلوا األرض بين يديه ،وأال يقفوا إال إذا أمرھم بالوقوف ،وال يتحدثوا إليه إال وفي فمھم منديل خشية أن تعدي أنفاسھم الملك أو تدنسه.تقول الرواية الفارسية إن ساسان كان كاھنا ً في برسبوليس )اصطخر( وإن ابنه باباك كان أميراً صغيراً في خور ،وإن باباك قتل جوزھر ،حاكم الوالية الفارسية وأعلن نفسه ملكا ً على تلك الرواية ،وأورث سلطانه ابنه شابور ،وإن شابور مات نتيجة لحادثة وقعت في الوقت المناسب ،فخلفه ابنه أردشير .وأبى أرطبانوس الخامس آخر ملوك الفرس األرساسيين أو البارثيين أن يعترفوا بھذه األسرة المحلية الجديدة؛ فحاربه أردشير وھزمه وصار ملك الملوك وكسب تأييد رجال الدين وقد قام بحمالت خاطفة في الشمال إلى نھر جيحون ،وفي الغرب إلى نھر الفرات ،ووضع التاج قبل أن تدركه المنية في عام ٢٤١م على رأس ابنه شابور ،وأمره أن يلقي باليونان 5
والرومان في البحر .ويقال إنه أعجب بحديث أوسطاثيوس السوفسطائي سفير اليونان إعجابا ً جعله يفكر في اعتزال الملك ليتفرغ للفلسفة وأطلق الحرية الكاملة لجميع األديان ،وسمح لماني بأن يلقي مواعظه الدينية في بالطه وأعلن أن المجوس ،والمانيين ،واليھود ،والنصارى ،والناس جميعا ً أيا ً كان دينھم يجب أن يتركوا وشأنھم في جميع أنحاء إمبراطوريته .وواصل ما بدأه أردشير من تنقيح األبستاق فأقنع الكھنة بأن يضموا إلى كتابھم المقدس أبوابا ً في غير شؤون الدين تشمل علوم ما بعد الطبيعة والفلك ،والطب ،معظمھا مأخوذ من بالد الھند واليونان وأقام عند ششتار على نھر قارون سداً يعد من أكبر األعمال الھندسية في التاريخ القديم .وقد ظل ھذا السد يؤدي الغرض منه حتى ھذا القرن.غزا سوريا ،ووصل في حملته إلى إنطاكية ولكنه ھزم في معركة مع جيش روماني فعقد مع روما صلحا ً استردت بمقتضاه جميع ما كان قد استولى عليه في حروبه .غير أنه حقد على أرمينية ألتي تعاونت مع روما ،فزحف عليھم وأقام فيھا أسرة صديقة لفارس ولما حمى بذلك جناحه األيمن ،عاد إلى قتال روما ،فھزم اإلمبراطور فلبريان وأسره ونھب إنطاكية ،واستولى على آالف من األسرى سخرھم للعمل في إيران وخلفه على العرش فيما بين ٢٧٢و ٣٠٢م ملوك لم يرق أحد منھم إلى ما فوق الدرجة الوسطى من الكفاية .ويأتي بعد ھذا ھرمزد الثاني )(٣٠٩ -٣٠٢م الذي يشيد التاريخ بحكمه القصير األجل ،والذي بدأ فيه طائفة من األعمال النافعة وبسط على البالد لواء السلم والرخاء .وبذل الملك عناية كبيرة فى ترميم األبنية العامة، والمساكن الخاصة ،موجھا ً أكبر اھتمامه إلى مساكن الفقراء ،وكان ينفق على ھذه األعمال كلھا من أموال الدولة .وأنشأ محكمة جديدة خصھا بسماع شكاوى الفقراء ضد األغنياء ،وكثيراً ما كان يتولى رياستھا بنفسه .ولسنا نعرف ھل كانت ھذه العادات الغريبة ھي التي حرمت ابنه من وراثة العرش؛ وسواء كان ذلك أو لم يكن فقد حدث على أثر وفاة ھورمزد أن زج النبالء بابنه في السجن ،وأعطوا الملك البنه الذي لم يولد بعد ،ولقبوه في ثقة واطمئنان بشابور الثاني ،وأرادوا أال يتركوا في األمر مجاال للشك فتوجوا الجنين بأن علقوا التاج الملكي على رحم أمه ثم تولى شؤون الملك ونزل إلى ميدان القتال ،فغزا شرقي جزيرة العرب وخرب حوالي عشرين قرية ،وقتل آالفا ً من األسرى ،وقاد ألفا ً غيرھم إلى األسر في حبال ربطھا بجروحھم .وفي عام ٣٣٧م شن الحرب على روما للسيطرة على الطرق التجارية المؤدية إلى بالد الشرق األقصى وقد عقد جوفيان صلحا ً مع شابور نزل له بمقتضاه عن الواليات الرومانية الممتدة على نھر دجلة وعن أرمينية كلھا وانتقل ميدان الحرب في القرن التالي إلى حدود الفرس الشرقية .فقد حدث حوالي عام ٤٢٥م أن استولت على األقاليم المحصورة بين نھري سيحون وجيحون جماعات طورانية يطلق عليھا اليونان اسم اإلفثاليين ويلقبون خطأ باسم الھون البيض استولوا 6
على اإلقليم المحصور بين نھري سيحون وجيحون وحاربھم الملك بھرام الخامس الساساني )(٤٣٨ -٤٢٠م ،المعروف باسم الغور}مالحظة من المعد:خه ر{ أي الحمار الوحشي وانتصر عليھم ،وبعد وفاته أخذوا ينتشرون في اإلقليم لكثرة تناسلھم وتفوقھم في القتال ،وأنشئوا لھم إمبراطورية امتدت من بحر الخزر إلى نھر السند، وجعلوا عاصمتھا جرجران ،وكانت أشھر مدنھا بلخ ،وھزموا فيروز شاه وقتلوه ) (٤٨٤-٤٥٩م وأرغموا الشاه الذي خلفه على أداء الجزية.وبينما كان الخطر يتھدد فارس من جھة الشرق ،إذ ضربت الفوضى أطنابھا في البالد ،وفكر كفاده األول ) (٥٣١-٤٨٨في أن يضعف رجال الدين بمناصرة إحدى الحركات الشيوعية وتفصيل ذلك أن أحد رجال الدين الزرادشتيين المدعو مزدق قد أعلن في عام ٤٩٠ م أنه مرسل من kللدعوة إلى عقيدة قديمة مضمونھا أن الناس جميعا ً يولدون أكفاء وأن الم ِْلكية والزواج من البدع التي ابتدعھا البشر ويقول عنه أعدائه إنه كان يجيز السرقة والزنى ومضاجعة المحارم ويتخذ ھذه األعمال وسيلته الطبيعية لمقاومة الملكية والزواج .ثارت ثائرة األشراف فزجوا بكفاده في السجن وأجلسوا أخاه جامسب على العرش .وقضى كفاده في قلعة النسيان ثالث سنين فر بعدھا من السجن ،وھرب إلى اإلفثاليين ،ورأى ھؤالء الفرصة سانحة ألن يكون حاكم بالد الفرس خاضعا ً لسلطانھم ،فأمدوه بجيش وساعدوه على أخذ طيسفون عنوة .ونزل جامسب عن العرش وفر األشراف إلى ضياعھم في الريف ،وأصبح كفاده مرة أخرى ملك الملوك ) (٤٩٩م .ولما استتب له األمر غدر بالشيوعيين ،وقتل مزدق وآالفا ً من أتباعه وحكم كفاده بعد ذلك جيالً آخر؛ وحارب أصدقاءه اإلفثاليين وانتصر عليھم ،وحارب روما حربا ً غير حاسمة ،ثم مات وترك العرش البنه الثاني كسرى أعظم ملوك الساسانيين جميعا ً.كان خسرو األول أي صاحب المجد المتقى٥٧٩-٥٣١م يـــُعرف عند اليونانيين باسم كسروس وعند العرب باسم كسرى ولقبه الفرس بأنوشروان الروح الخالدة .ولما أن ائتمر به اخوته األكبر منه سنا ً ليخلعوه قتل اخوته جميعا ولقبه رعاياه بالعادل ولعله يستحق ھذا اللقب إذا فرقنا بين العدالة والرحمة .ويصفه بروكبيوس بأنه بارعا ً إلى أقصى حد في تصنع التقى وفي نكث العھد ولكن بروكبيوس من ألد أعدائه ونظم كسرى الحكومة كلھا على أساس جديد وأختار أعوانه لكفايتھم بصرف النظرعن طبقتھم وأنشأ نظاما ً عادالً للضرائب وحمل العزاب على الزواج بأن وھب البائنات للزوجات ،وأمر بتعليم أبنائھم على نفقة الدولة وكان يسمح بانتشار المسيحية حتى بين حريمه ويمد بالمال المترجمين والمؤرخين .وبلغت جامعة غنديسابور في أيامه ذروة مجدھا .وكان يحرص كل الحرص على حماية األجانب في بالده فكان بالطه لھذا السبب غاصا ً على الدوام بكبار الزائرين من البالد األجنبية.ولما جلس على العرش جھر برغبته في أن يعقد الصلح مع روما .ووافق جستنيان على ھذه الرغبة ألنه كان يعد العدة لغزو أفريقية 7
وإيطاليا وفي عام ٥٣٢م عقد صلحا ً دائما ً وما أن سقطت أفريقية وإيطاليا في يد جستنيان طالب كسرى متفكھا ً بقسط من الغنيمة ،وحجته أن بيزنطية لم تكن لتصل إلى ھذا النصر لو أن فارس لم تعقد معھا الصلح ،فبعث إليه جستنيان ببعض الھدايا القيمة وفى عام ٥٣٩م أعلن كسرى الحرب على روما بحجة أن جستنيان قد أخل بشروط الصلح ،ويؤيد بركبيوس ھذه التھمة .لكن أكبر الظن أن كسرى قد رأى امتالك مناجم الذھب في طربزون وأن يكون لھا منفذ على البحر األسود فلھذا زحف على سوريا ،وحاصر ھيرابوليس ،وأباميا ،وحلب ،وتركھا وشأنھا بعد أن افتدت أنفسھا بكثير من المال ،وسرعان ما وقف أمام إنطاكية.ث ّم ھجم على المدينة واستولى عليھا عنوة ،ونھب كنوزھا ،وأحرق جميع مبانيھا عدا كنيستھا الكبرى، وذبح عدداً كبيراً من أھلھا ،وساق من بقي منھم ليعمروا إنطاكية أخرى في بالد الفرس ،ثم نزل مبتھجا ً ليستحم في البحر المتوسط الذي كان في وقت من األوقات حد دولة الفرس الغربي .وأرسل -جستنيان قائده بليساريوس لينقذ بالده ،ولكن كسرى عبر الفرات على مھل مثقالً بالغنائم ،وفضل القائد الحصيف أال يتبعه وقام كسرى بعدئذ بثالث غزوات على آسية الرومانية زحف فيھا على تلك البالد زحفا ً سريعاً ،وحاصر عدداً من مدنھا ،وأخذ منھا الفداء واألسرى ،ونھب ريفھا ،ثم ارتد عنھا في أمان ) (٥٤٣-٥٤٢م وأدى له جستنيان عام ٥٤٢م ألفي رطل من الذھب )نحو ٨٤٠٫٠٠٠دوالر أمريكي( ثمنا ً لھدنة تدوم خمسة أعوام على أن يؤدي إليه بعد انتھائھا ٢٦٠٠رطل أخرى نظير امتدادھا خمسة أعوام جديدة وبعد أن دامت الحرب بين العاھلين الطاعنين في السن جيالً من الزمان تعھد آخر األمرفي )(٥٦٢ م بأن يحتفظا بالسلم خمسين عاماً ،وتعھد جستنيان بأن يؤدي للفرس ثالثين قطعة من الذھب في كل عام ) ٧٫٥٠٠٫٠٠٠دوالر أمريكي( ،ونزل كسرى عن حقه في جميع األقاليم المتنازع عليھا في بالد القوقاز والبحر األسود.ولكن كسرى لم يفرغ بھذا من حروبه كلھا .فقد أرسل حوالي عام ٥٧٠م بناء على طلب الحميريين المقيمين في الجنوب الغربي من جزيرة العرب جيشا ً من عنده ليخلصھم من األحباش الذين فتحوا بالدھم .فلما أنجى الفرس الحميريين من الغزاة ،وجد ھؤالء أن بالدھم قد أضحت والية فارسية .وكان جستنيان قد عقد حلفا ً مع بالد الحبشة، ورأى خلفه جستين الثاني أن طرد الفرس لألحباش من جزيرة العرب عمل عدائي موجه له .ھذا إلى أن الترك الضاربين على الحدود الشرقية لبالد الفرس قد اتفقوا سراً أن ينضموا إلى من يھاجمون كسرى .وأعلن جستين الحرب في عام ٥٧٢م. ونزل كسرى إلى الميدان بنفسه واستولى على مدينة دارا الواقعة على الحدود الرومانية؛ ولكن صحته خانته فھزم ألول مرة في حياته ) (٥٧٨م ،وارتد إلى طيسفون حيث وافته منيته في عام ٥٧٩م وحكم بعده ابنه ھرمز الرابع )-٥٧٩ (٥٨٩م ولكن قائده بھرام قوبين خلعه وأعلن نفسه وصيا ً على كسرى الثاني ابن 8
ھرمز ) (٥٨٩م ،ثم أعلن نفسه ملكا ً بعد عام واحد من ذلك الوقت .ولما بلغ كسرى سن الرشد طالب بعرش أبيه؛ فرفض بھرام طلبه ،ففر كسرى إلى ھيرابوليس في سوريا الرومانية وعرض عليه اإلمبراطور اليوناني موريس أن يعيده إلى ملكه إذا انسحب الفرس من أرمينية .ووافق كسرى على ھذا الطلب وبلغ كسرى أبرويز )الظافر( درجة من السلطان لم يبلغھا ملك آخر من ملوك الفرس منذ أيام خشيارشاي ،وقد مھد السبيل لسقوط دولته حين قتل فوفاس موريس وجلس مكانه على العرش فأعلن أبرويز الحرب على المغتصب انتقاما ً لصديقه ولكن الواقع أن الحرب لم تكن إال تجديداً للنزاع قديم .وكانت الدولة البيزنطية قد مزقھا الشقاق والتحزب ،فلم تجد جيوش الفرس صعوبة في االستيالء على دارا ،وأميدا ،والرھا، وھيرابوليس ،وحلب ،وأباميا ،ودمشق ) (٦١٣-٦٠٥م .وزاد ھذا النصر من حماسة أبرويز فأعلن الحرب الدينية على المسيحيين ،وانضم ٢٦٫٠٠٠من اليھود إلى جيشه ،ونھبت جيوشه المتحدة في عام ٦١٤م أورشليم ،وقتلت ٩٠٫٠٠٠من المسيحيين وأحرقت كثيراً من كنائسھا ومن بينھا كنيسة الضريح المقدس ،وأخذ الصليب الحق ،وھو أعز أثر على المسيحيين ،إلى بالد الفرس .وأرسل أبرويز إلى ھرقل اإلمبراطور الجديد رسالة دينية قال فيھا :من كسرى أعظم اآللھة وسيد األرض كلھا إلى ھرقل عبده الغبي الذليل :إنك تقول إنك تعتمد على إلھك ،فلم إذن لم ينقذ أورشليم من يدي .واستولى جيش فارس على اإلسكندرية في عام ٦١٦م، ولم يحل عام ٦١٩م حتى دخلت مصر كلھا في حوزة ملك الملوك ،وھو ما لم يحدث لھا منذ أيام دارا الثاني .وفي ھذه األثناء كان جيش فارسي آخر يجتاح آسية الصغرى ويستولي على خلقيدون التي لم يكن يفصلھا عن القسطنطينية إال مضيق البسفور .وكان أبرويز في ھذه السنين العشر يدمر الكنائس ،وينقل ما فيھا من اآلثار الفنية والكنوز إلى بالد الفرس ثم ترك كسرى تصريف الحرب لقواده لينقلب في اللھو والترف في قصره بدستجرد )على بعد نحو ستين ميالً من طيسفون(؛ وقضى وقته بين الفن والحب .وجمع المھندسين ،والمثالين ،والمصورين ،ليجعل عاصمته الجديدة أعظم شأنا ً من عاصمته القديمة ،ولينحت صوراً مشابھة لشيرين أجمل زوجاته الثالثة آالف وأحبھن إلى قلبه .وشكا الفرس قائلين إنھا امرأة مسيحية.انتقم الفرس من اليونان لھزائمھم في مرثون ،وسالميس ،وبالتية ،وأربيال.ولم يكن باقيا ً لإلمبراطورية البيزنطية إال عدد قليل من الثغور األسيوية وقليل من أرض إيطاليا، وأفريقية ،وبالد اليونان ،وأسطول لم يھزم بعد ،وعاصمة محاصرة جن جنونھا من الرعب واليأس .ولبث ھرقل عشر سنين ينشئ جيشا ً جديداً ودولة جديدة من أنقاض الجيش القديم والدولة القديمة .فلما تم له ذلك لم يحاول عبور البسفور إلى خلقيدون بل تجنب ذلك العمل الكثير النفقة والمشقة ،وأبحر بأسطوله إلى البحر األسود ثم اخترق أرمينية وھاجم بالد الفرس من خلفھا ،ودمر كلورمية مسقط رأس زرادشت، 9
كما ضرب كسرى من قبل مدينة أورشليم ،وأطفأ نارھا المقدسة الخالدة وسير إليه كسرى الجيوش يتلو بعضھا بعضاً ،ولكن ھرقل ھزمھا جميعاً ،ولما تقدم اليونان فر كسرى إلى طيسفون .وآلم قواده ما كان يوجھه إليھم من إھانات فانضموا إلى النبالء وخلعوه ،ثم سجنوه ولم يطعموه إال الخبز القفار والماء ،وذبحوا ثمانية عشر من أبنائه أمام عينيه ،وانتھى أمره بأن قتله ابن من أبنائه يدعى شيروى .طاق كسرى األول:ربما كان ھو البناء الذي وصفه المؤرخ يوناني في عام ٦٣٨م :إن جستنيان بعث إلى كسرى برخام يوناني وصناع مھرة شادوا له قصراً على الطراز الروماني غير بعيد من طيسفون ،ويصف الشاعر البحتري ما كان على جدران قصر المدائن من صور ملونة .وكان من عاداتھم أنه إذا مات ملك من ملوك الساسانيين اس ُتدعي أعظم مصور في زمانه لرسم صورة له تضم إلى مجموعة الصور المحفوظة في الخزانة الملكية.لمــّا استولى ھرقل على قصر كسرى أبرويز في دستجرد كان من أثمن غنائمه أقمشة مطرزة رقيقة ،وطنفسة كبيرة .ومن التحف الذائعة الصيت طنفسة الشتاء لكسرى أنوشروان .وقد نقشت ھذه الطنفسة لتنسيه نقوشھا التي تمثل مناظر الربيع والصيف برد الشتاء .كان فيھا أزھار وفاكھة منسوجة من الياقوت، وكانت فيه ماسات تنمو بجوار جدران من الفضة وجداول من اللؤلؤ فوق أرضية من الذھب وكان مما يفخر به ھارون الرشيد طنفسة ساسانية كبيرة مرصعة بالجواھر.كانت النقود الساسانية تنافس النقود الرومانية في جمال منظرھا ،كما تشھد بذلك عملة شابور األول .والكتب الساسانية نفسھا يمكن أن تعد من التحف الفنية .وتصف الروايات المتواترة كيف كان الذھب والفضة يجريان من جلود ماني حين أحرقت في الميادين العامة .والمواد الثمينة أستخدمت في أثاث الساسانيين فأن كسرى األول كانت له منضدة من الذھب مرصعة بالحجارة الكريمة ،وأن كسرى الثاني أرسل إلى منقذه اإلمبراطور موريس منضدة من الكھرمان قطرھا خمسة أقدام ذات قوائم من الذھب ومغلفة بالجواھروكان يصدر تحفه شرقا ً إلى بالد الھند، وإلى التركستان والصين ،وغربا ً إلى سوريا وآسية الصغرى ،والقسطنطينية، والبلقان ،ومصر ،وأسبانيا.وانتقلت البواكي وأنصاف القباب العظيمة من العمارة الساسانية إلى المساجد اإلسالمية وإلى القصور واألضرحة المغولية.ث ّم قتل شروى أباه وتوج ملكا ً باسم كفاده الثاني ،ثم عقد الصلح مع ھرقل ونزل له عن مصر، وفلسطين ،وسوريا ،وآسية الصغرى ،وغربي الجزيرة ،وأعاد األسرى الذين أخذھم الفرس إلى بالدھم ور َّد إلى أورشليم بقايا الصليب المقدس .وابتھج ھرقل ولم يكن يعرف أنه في اليوم الذي أعاد فيه الصليب المقدس إلى موضعه في الضريح عام ٦٢٩م ،قد ھاجمت سرية من العرب حامية يونانية بالقرب من نھر األردن .وفي ذلك العام نفسه فشا وباء فاتك في بالد الفرس ،أودى بحياة آالف من أھلھا ومنھم الملك نفسه .وعلى أثر موته نودي بابنه أردشير الثالث ولم يكن قد جاوز السابعة 10
من عمره ولكن قائداً يدعى شھربراز قتل الغالم واغتصب العرش .ثم قُتِل شھربراز نفسه بأيدي جنوده ،وج ّر أولئك الجنود جثته في شوارع المدائن وھم يصيحون:ھذا مصير كل من جلس على عرش بالد فارس ولم يكن يجري في عروقه الدم الملكي ث ّم قام تسعة من الحكام يتنازعون عرش البالد في خالل أربع سنوات ،ثم اختفوا كلھم مقتولين أو ھاربين أو ميتين ميتة طبيعية أو شاذة .وأعلنت بعض الواليات ،بل بعض المدن نفسھا ،استقاللھا عن الحكومة المركزية بعد أن عجزت ھذه الحكومة عن بسط سلطانھا على البالد .ووضع التاج في عام ٦٣٤م على رأس يزدجرد الثالث سليل بيت ساسان وابن جارية زنجية ،وفي عام ٦٣٢م توفي محمد )ص( وتل ّقى عُمر خليفته الثاني ،رسالة من المثنى قائده في سوريا ،يبلغه فيھا أن الفوضى ضاربة أطنابھا في بالد الفرس وأنه قد آن األوان لالستيالء عليھا فعھد عمر ھذا العمل إلى خالد بن الوليد فزحف خالد بإزاء الساحل الجنوبي للخليج الفارسي على رأس قوة من العرب البدو الذين ضرستھم الحروب والراغبين أشد الرغبة في الغنائم ،ثم أرسل رسالة إلى ھورمزد حاكم الوالية القائمة على الحدود الفارسية يقول له فيھا:أسلم تسلم ودعاه ھورمزد إلى المبارزة وقبل خالد دعوته وقتله .ث ّم تغلب المسلمون على كل ما واجھوه من مقاومة حتى وصلوا إلى نھر الفرات؛ ثم استدعي خالد لينقذ جيشا ً عربيا ً في الجبھة أخرى فتولى المثنى قيادة العرب وعبر النھر على جسر من القوارب .وعھد يزدجرد الذي كان شابا ً في الثانية والعشرين بالقيادة العليا إلى رستم والي خراسان ،وأمره أن يجند قوة ضخمة ينقذ بھا اإلمبراطورية .والتقى الفرس بالعرب في موقعة الجسر وھزموھم وأعاد المثنى تنظيم صفوفه وھزم في واقعة البويب الجيش الفارسي ومات المثنى متأثراً بجراحه، ولكن الخليفة أرسل قائداً آخر أقدر منه يدعى سعد بن أبي وقاص على رأس جيش جديد قوامه ثالثون ألف رجل .ورد يزدجرد على ھذا بأن أنزل إلى الميدان جيشا ً مؤلفا ً من ١٢٠٫٠٠٠من الفرس .وعبر بھم رستم نھر الفرات وعسكر عند القادسية حيث دارت معركة وھبت في اليوم الرابع عاصفة رملية في وجوه الفرس ،واغتنم العرب ھذه الفرصة وحملوا على أعدائھم الذين أعمتھم الرمال حملة صادقة ،قتل فيھا رستم ومزق جيشه شر ممزق وزحف سعد بجنوده دون أن يلقى مقاومة تذكر حتى وصل إلى نھر دجلة ،واجتازوه ودخل المدائن.وقضوا أربعة أيام يحاولون جمع غنائمھم .ولعل ھذا ھو السبب الذي من أجله نھى عمر سعداً عن متابعة الزحف نحو الشرق وقال له إن في العراق ما يكفي ووافق سعد على أمر الخليفة وقضى الثالث السنين التالية يوطد دعائم حكم العرب في أرض الجزيرة .وكان يزدجرد في ھذه األثناء ينشئ في والياته الشمالية جيشا ً جديداً قوامه ١٥٠٫٠٠٠ مقاتل .وبعث عمر لمالقاته ٣٠٫٠٠٠الف من رجاله ،والتقى الجيشان عند نھاوند، وھزم العرب الفرس وسقطت بالد الفرس كلھا في أيدي العرب ،وفر يزدجرد إلى 11
بلخ وطلب إلى الصين أن تمد له يد المعونة؛ ولكن الصين لم تجبه إلى طلبه ،ثم عاد فطلبھا إلى الترك ،فأمدوه بقوة صغيرة ،لكن الجنود الترك قتلوه طمعا ً في جواھره حين ھ ّم بالزحف ليبدأ الحرب من جديد في٦٥٢م وبذلك انتھى عھد الساسانيين.
12