ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﰲ ﺍﳉﺰﺍﺋﺮ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﲢﻠﻴﻠﻴﺔ
لوجاني طارق مقدمة : عرف ظھور الرواية العربية في الجزائر حدثا كبير األھمية ،رغم تأخرھا مقارنة مع باقي الروايات في االقطار العربية األخرى ،ويعود ذلك إلي اإلستعمار ،وبالرغم من ھذا فإن ھناك بوادر أولي لظھورھا ،تتمثل في بعض الكتابات لكتاب أمثال رضا حوحو في قصة "غادة أم االقري '' وبن ھدوقة في" ريح الجنوب '' والطاھر وطار في "الالز". ھذا االخير الذي يعتبر من رواد فن الروية الجزائرية المكتوبة بالعربية ،رغم جھل الكثيرين بشخصه المتميز،له شھرته في البالد العربية والغربية ،وھذا مادفع فضولنا إلي كشف عالمه من خالل روايته 'الالز" التي تعتبر من بواكير الرواية العربية في الجزائر ،والتي تعكس الواقع الذي عاشه المجتمع أثناء الثورة ،لذا كان ميلنا إلي الرواية الجزائرية ھو األرجح وھو الشيئ الذي جذبنا للبحث في ھذا الميدان – األدب الواقعي – لما فيه من أبعاد أنسانية ورؤى جمالية تعبد درب العدالة والمساواة ،فكان إسم ''الطاھر وطار'' على الواجھة ،إذ يمثل اإلتجاه الواقعي . وقد تناولنا في ھذا البحث دراسة األبعاد الموضوعية والفنية في رواية "الالز" للطاھر وطار وداوفعنا إ.لى القيام بھذا البحث التنحصر بإعجابنا بھذا األديب فقط ،وإنما غريزة ،ا لحب الالكتشاف ودافع الفضول في موضوع اليزال بكر ا ،ويعد جديد الطرح كل مايقال فيه من أراء ويتوصل إليه من نتائج وھناك دافع الغيرة الوطنية على تراثنا الثقافي والمسؤولية تجاھه ، وضرورة تظافر جھود كل أفراد الوطن بلحفاظ عليه ،وإنقاذه من الضياع والتالشي وھناك دافع ذاتي يتمثل في إعجابنا بأدب الطاھر وطار وبروحه المرحة وصدق عاطفية ومقصده ،وإخالصه لوطنه وفنه. 2
أما فيما يخص المنھج المتبع في ھذه الدراسة فإنه يقوم على الوصف والتحليل ألنه األنسب الطبيعة الموضوع وعليه فقد حاولنا تتبع بعض مفاھيم الدراسة الوصفية التحليلية من خالل ھذه الرواية علنا نساھم بقسط ولوبسيط بساطة معلوماتنا عن ھذ المنھج فقد وجدنا أنفسنا مضطرين إلى التركيز عن المجتمع الروائي أوال وأخيرا مع تتبع الجوانب الفنية فيه ،محاولين ربطھا بالفترة التاريخيةا لتى صدر فيھا العمل إلبداعي ،وذلك للحصول على موضوعية الباحث ،وحتي النجحف في حق النص. وتضمنت خطة البحث المراحل التالية : المقدمة وتضم مدخال بسيطا ومباشرا إلى موضوع البحث ،واألسباب الدافعة إلى إختياره ، وتالھا مدخل في تاريخ الرواية الجزائرية ،ألقينا فيه الضوء على ظھور الرواية الجزائرية قبل الثورة ،وأثناء الثورة ،و بعد اإلستقالل .وتضمن الفصل األول ملخص الرواية ، أما الفصل الثاني فتناولنا فيه األبعاد الموضوعية في الرواية الذي إشتمل ثالث عناصر ''البعد السياسي ،البعد االجتماعي والبعد الثقافي ،ودرسنا في الفصل األخير األبعاد الفنية محاولين االوقوف على توظيف التراث الشعبي ،وتحديد الشخصيات ،والزمان والمكان اللذان ساعدا على تعيين الحدث وإعطائه أبعاد فنية وجمالية ،إضافة إلى دراسة األسلوب والتقنيات السردية المختلفة المستعملة في الرواية ،إلى جانب الحوار واللغة ،وفي الخاتمة حاولنا الخروج بنتائج نرجو أن تكون في مستوي البحث والجھد المبذول في إنجازه . كما زودنا البحث بقائمة المصادر والمراجع ،ومن الطبيعي أن يتطلب موضوع كھذا قراءة مصادر ومراجع متنوعة المضوعات واإلختصاصات واإلتجاھات الفكرية والسياسية واإلجتماعية واألدبية والفنية ،واعتمدنا في ذلك بالدرجة األولى على المصدر المتمثل في رواية "الالز " لطاھر وطار وبعض المراجع نذكر منھا محمد البصير في" الموقف الثوري في الرواية الجزائرية المعاصرة " ،والطاھر رواينية "إتجھات الرواية العربية في بلدان المغرب العربي" ، ،وأحمد شريبط "الفن القصصى في األدب الجزائري المعاصر" ،والدكتور عبد ﷲ الركيبي '' في تطور النثرالجزائر ي الحديث" ،ابو القاسم سعد ﷲ " دراسات في األدب الجزائري الحديث"، ومحمد بشير بويجرة " الشخصية في الرواية الجزائرية " ،وعبد المالك مرتاض في "عناصر االتراث الشعبي في الالز". وكأي باحث مبتدئ واجھتنا صعوبات من أھمھا :عد م تمكننا من العثور على المراجع منذ البداية مما سبب في ضياع الوقت ،كما واجھتنا في إنجاز ھذا العمل مشكلة التكرار مما إستلزم أحيانا ااألسلوب اإلنشائي وذلك للصيغة السردية التي أوجدتھا طبيعة البحث . وفي ھذا المقام اليسعنا إال أن نتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساعدنا في إنجاز ھذا البحث المتواضع وبصفة خاصة لأل ستاذالكريم ''محمد فورار '' الذي أشرف على ھذا العمل ،وكان له الفضل في التوجيه واإلرشاد إلى طريق العلم الصحيح ورغم إنشغاالته الكثيرة لم يبخل علينا بالنصائح والتوجيھات واإلرشادات القيمة ،فله نقدم أيات الشكر والثناء و التقدير. مد خل تاريخ الرواية الجزائرية ظھرت الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في سنة ١٩٥٠ على أيدي رواد كبار بلغوا درجة عالية في مضمار الفن الروائي ).(١ وفي ھذا السياق يقول أحد الباحثين مشيرا3إلى ھذه الكوكبة من الروائيين الذين لھم شھرة واسعة في ھذا المجال في الخمسينات من ھذا القرن ،برزت في األدب الفرنسي جماعة من الكتاب
الذين يتميزون بالموھبة األصلية والعبقرية الفذة في اإلنتاج األدبي والمسرحي ،والذوق الحسن ، والمقدرة على الرواية والكتابة ، والعمق في التعبير والتجاوب العميق مع األرض التي ولدوا فيھا والمجتمع الذي نشأوافيه .. ھذه الجماعة ونعني بھا كاتب ياسين ،ومولود فرعون ،و إبن ومولود ، عمروش معمري،ومحمد ديب ،ومالك حداد ، وآيت جعفر ،برزت على المسرح الوطني فخلفت جماعة الكتاب الفرنسيين الذين اليھمھم من الجزائر سوي ما فيھا من مناظر طبيعية خالبة ،وخيرات كثيرة ، ولھذا فإن إنتاج الفرنسيين كان ذا طابع غنائي فعبروا عن أحاسيسھم الذاتية ولم يھتموا ال بالمجتمع وال باإلنسان)(٢ وقد عالج الكتاب الجزائريين القضايا واألوضاع اإلجتماعية و اإلقتصادية والثقافية والسياسية في البالد قبل الثورة وأثنائھا وبعد اإلستقالل ،فألف مولود فرعون رواية " بن الفقير " عام ، ١٩٥٠ورواية "االرض والدم " عام ، ١٩٥٣و "الدروب الوعرة " عام ، ١٩٥٧كما ألف مولود معمري "الھضبة المنسية " عام ''، ١٩٥٢السبات العادل'" عام ، ١٩٥٥ثم ألف فيما بعد ''األفيون والعصا "عام ، (٣) ١٩٦٥أما محمد ديب فنشر ثالثيته الشھيرة "الدار الكبيرة" عام "، ١٩٥٢الحريق " عام '' ١٩٥٤والنول " عام.(٤) ١ ٩٥٧ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد البصير :الموقف الثوري في الرواية الجزائرية المعاصرة .١٩٨٢-١٩٧٠ ، بحث لنيل شھادة الماجستير ،جامعة ااجزائر ،معھد اللغة واألدب العربي ،سنة -١٩٨٥ ،١٩٨٦ص .٢٤ )(٢د -حنفي بن عيسى :الرواية الجزائرية المعاصرة ،مجلة الثقافة ،عدد.١٩٧٢، ٨،٩ ) (٣محمد البصير :الموقف الثورى في ا لرواية الجزائرية المعاصرة ، ١٩٨٢-١٩٧٠ص.٢٥ )(٤المرجع نفسه ،ص .٢٥ وألف كاتب ياسين رواية " نجمة " عام ، ١٩٥٦ونشر مالك حداد أربع روايا ت بدأھا " بالبصمة األخيرة " عام ، ١٩٥٨و "سأھديك غزالة " عام ١٩٥٩و" التلميذ والدرس" عام " ، ١٩٦٠رصيف األزھار ال يجيب "عام (١) ١٩٦١ أما أسيا جبار فألفت "العطش " عام " ، ١٩٥٧الجازعون " عام ، ١٩٥٨ثم ألفت فيما بعد " أبناء العالم الجديد" ، ١٩٦٢وأخيرا وليس آخرا جاء دور رشيد بوجدرة بعد االستقالل فألف عدة روايات من بينھا "الطالق" عام ، ١٩٦٩و"الحلزون العنيد " عام ، ١٩٧٧وألف "عام وعام من الحنين" عام ، ١٩٨١وھناك روائيون أخرون من الشباب كتبوا روايات بالفرنسية 4 اليتسع المقام لذكرھم(٢) .
عالجت الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية قضايا الشعب وھمومه المختلفة من فقروجھل وتشرد و بؤس وحرمان ،كما وصفت الھجرة والبطالة والظلم والقھر الذي كان يعانيه الشعب الجزائري ،حيث أتخذ كاتب الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية موقفا حازما مع الشعب الجزائري كله ،فصوروا في رويا تھم آالمه وآماله ،وحالة تشرده وضياعه ،أصدق تصوير وأدق تفصيل كان ھذا قبل ثورة نوفمبر . (٣) ١٩٥٤ أما أثناء الثورة فقد سجل ھؤالء الروائيين صيحات الرفض والتمرد وتحول ھذا الرفض والتمرد إلى سخط وغضب وإستنكار ،فأعلن الشعب حينئذ العنف الثوري ضد االستعمار ،ولم يكتف األدباء الجزائريين بالتحدي السياسي بل شنوا حربا على العدو بالكلمة المقاتلة واألدب الملزم ودفعوا أرواحھم الطاھرة ودماءھم الزكية في سبيل تحرير الوطن وتطھيره من أرجاس الغاضبين ،فاستشھد أحمد رضا حوحو ،ومولود فرعون من كتاب الرواية ). (٤ والشك أن الناس تعودوا قراءة الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية وقد ترجمت العديد من ھذه الروايات إلى اللغة العربية ،وأصبح الناس يرددون أسماء كتابھا ويعرفون عنھم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد البصير :الموقف الثوري في الرواية الجزائرية المعاصرة ،١٩٨٢ -١٩٧٠ص .٢٥ المرجع نفسه ،ص.٢٥ المرجع نفسه ،،ص .٢٦ – ٢٥ المرجع نفسه ،ص .٢٧-٢٦ الشيء الكثير بينما ال يكادوا يعرفون عن كتاب النثر الجزائري إال القليل ،ھذا ما جعل إھتمام الدارسين لألدب الجزائري الحديث ينصب نحو اآلثار المكتوبة باللغة األجنبية ،ولم يشر من قريب أو بعيد إلى من يكتب باللغة القومية ،فضال عن الباحثين في البيئات األوربية شرقا وغربا ،الذين إحتفلوا باألدب المكتوب باللغة الفرنسية في الجزائر ،حتى أن بعضھم إعتبر أن الكتاب الفرنسيون الذين ولدوا فوق التراب الجزائري من الكتاب الجزائريين ،وحاولوا تقديم أدلة وبراھين ساقوھا لتأكيد غرضھم ،وقد أثيرت ضجة حول ھذا األدب برزت منھا عوامل شتي كأجھزة اإلعالم والثقافة الفرنسية التي روجت ھذه الفكرة لتظھر أن الثقافة الفرنسية خلفت كتابا بارزين في الجزائر وأن اإلستعمارلم يكن كله شر ،وأثمرت ھذه النماذج العربية شعرا ونثرا وقدمت لھم جوائز تشجيعية ليس تقديرا لتفوفق الكتاب الجزائريين ولكن للدعاية -وتشجيع األدب الفرنسي واللغة الفرنسية ،وكان لھذا الموقف أثراكبيرا على الدارسين لألدب الجزائري في بيئات أخري فترجموه بما فيه من أصالة وعمق وتجديد ،خاصة وأنه دار حول الثورة ،ونضال الشعب الجزائري بجرأة وفھم عميق لمطامع الشعب وأشواقه ). (١ ھذا بالنسبة للرواية قبل اإلستقالل ،أما بعد اإلستقالل فقد نشرت أول رواية عربية جزائرية بعنوان '' صوت الغرام " ) (٢مؤلفھا محمد منيع تدور أحداثھا في الريف الجزائري حول عالقته حب تنشأ بين البطلين ) العمري وفلة( في وسط متخلف تتحكم فيه العادات والتقاليد البالية التي تحرم أية عالقة حب بين شاب وشابة ،مھما كانت براءة ھذه العالقة ،التي تفشل بسبب خجل البطل ،وسلبيته ،الذي لم يستطع حتى التعبير عن مشاعره لتلك الفتاة ،بل كانت الفتاة أكثر منه جرأة وصراحة ،حين إقترحت عليه خطة الفرار عندما فشل في إيجاد حل لمشكلتھما . 5 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (١عبد ﷲ ركيبي :تطور النثر الجزائري الحديث ، ١٩٧٤-١٨٣٠المؤسسة الوطنية للكتاب ، ٣شارع زيروت يوسف ،الجزائر ،مطبعة القلم تونس ، ١٩٨٣عدد الناشر ، ٤٠٠-١٤ -٧٨ ص . ١٩٩ ) (٢محمد منيع :صوت الغرام ،مطبعة البعث ،قسطنطينة ،عام ، ١٩٦٧ص . ٧٩ تأخر صدور الرواية ورواية " صوت الغرام " سطحية الطرح ،وساذجة األفكار وضعيفة األسلوب واللغة وبالتالي فھي رديـئة شكال ومضمونا ،وھي تشبه رواية "الطالب المنكوب " لعبد المجيد الشافعي ، فكلتا الروايتين ضعيفة في الشكل و المحتوى ؟ ! ) (١ويرد الدكتورعبد ﷲ الركيبي تأخر ظھور الرواية العربية في الجزائر إلٮاألسباب التالية : صعوبة فن الرواية ألنه يحتاج إلى صبر وأنات وتأمل طويل . إنعدام نماذج روائية جزائرية بالعربية يمكن تقليدھا والنسج على منوالھا . عدم توفر اللغة الطبيعية المرنة التي تصور البيئة الكاملة في الرواية ). (٢ إذا دققنھا النظر في ھذه األسباب نخالف الدكتور عبد ﷲ الركيبي الن ھذه األسبا ب ربما تجوز في عھد اإلحتالل المظلم ،أما بعد اإلستقالل فاليجوز بأي حال من األحوال ،والينبغي أن يبقى الكاتب مكتوف األيدي فترة التقرب من عشرة سنوات بحجة الصبر والتأمل الطويل ،فال تخرج أي رواية فنية جيدة إلى حيز الوجود ،عن بداية اإلستقالل إلى أوائل السبعينات إال إذا إعتبرنا أن الكسل العقلي كان مسيطرا على الروائيين ،فالتصدر رواية واحدة إالبعد سبع سنوات كما صرح بعضھم في مقدمة روايته ). (٣ و بعد إنقشاع ظالم ليل اإلستعمار الحالك أشرق فجر الرواية الجزائرية العربية سنة ١٩٤٧ على يد الرائد األول أحمد رضاحوحو ١٩٥٦ -١٩١١في روايته "غادة أم القرى" التي كتبھا بالحجاز وأراد أن يلوح بھا إلى المرأة الجزائرية التي تعاني ضروبا مختلفة من الجھل و التخلف ، ولم يستطع المؤلف أن يخرجھا باسم أسرة جزائرية خوفا من سلطة المجتمع ،مكتفيا بإھدائھا إلى المرأة الجزائرية ،فيقول في مقدمة الرواية ) :إلى تلك التي تعيش محرومةمن نعمة الحب ،من نعمة العلم ،من نعمة الحرية ،إلى تلك المخلوقة البائسة ،المھملة في ھذا الوجود ،إلى المرأة الجزائرية أقدم ھذه القصة تعزية سلوى( )..(٤ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. )(١محمد البصير :الموقف الثورى في الرواية الجزائرية المعاصر ة ، ١٩٨٢-١٩٧٠ص ٣٥ . )-(٢د /عبد ﷲ الركبيي :تطور النثر الجزائري الحديث ،ص .١٩٨ )(٣محمد البصير:الموقف الثورى في الرواية الجزائرية المعاصرة ، ١٩٨٢—١٩٧٠ص -٣٦ ٣٦ ) (٤أحمد رضا حوحو:غادة أم القرى وقصص أخرى ،تقديم ونيسى األعرج ،سلسلة األنس ، الجزائر ، ١٩٨٩ص٥ وحينما صدرت الرواية عام ١٩٤٧ثار عليھا6كثير من الناس خاصة القلوب المتحجرة والنفوس المتزمتة التى إعتبرتھا دعوة لتحرر المرأة وخروجھا من سلطة الرجل .
وخرجت ھذه الرواية إلى حيز الوجود في وسط متغلق يعتبر خروج المرأة وصمة عار في جبين الفرد والمجتمع . وتبدو الرواية في حد ذاتھا دعوة صارخة من أحمد رضا حوحو إلى تحرير المرأة الجزائرية من األوھام والخرافات ،متأثرة في ذلك بدعوة قاسم أمين في تحرير المرأة وقضية الحجاب في الشرق العربي ،وتعتبر ھذه الرواية أول رواية جزائرية بالعربية مثلما تؤرخ المصرية "لزينب" عام ١٩١٤لمحمد حسين ھيكل تؤرخ الرواية الجزائرية العربية ''غادة أم القري " ألحمد رضا حوحو عام ١٩٤٧بغض النظر عم أثير حولھا من خالف في مستواھا الفني )(١ وفي حوالي عام ١٩٥١ظھرت رواية "الطالب المنكوب ''لعبد المجيد الشافعي تتحدث ھذه الرواية عن طالب جامعي عاش في تونس في أواخر األربعينيات أحب فتاة تونسية وسيطر عليه حبھا حتى أنه كاد يغمى عليه من شدة الحب ). (٢ويصف الدكتور عبد ﷲ الركيبي ھذه الرواية بأنھا رومانسية في أسلوبھا وموضوعھا ،وأنھا ساذجة في طريقة التعبير ).(٣ وقد صور كتاب الرواية موقفھم التضامني ،واألخوي مع جميع فئات الشعب المختلفة من عمال وفالحين وفقراء كادحين ،فأعطوا لنا صور اآلمھم و آمالھم ،وحالة تشردھم وضياعھم ،سواء كان كذلك في ريف أو قرية أو مدينة ،والغرابة في ذلك فقد كان الكتاب أنفسھم قد يذوقون مرارة الفقر وبؤس الحياة فانعكست تلك المآسى على أثارھم األدبية وخيرو سرھا وعرفوا بؤسھا عن قرب وعن تجربه وخبرة وممارسة . )فھم في الواقع يشبھون الكتاب األمريكيين إلى حد كبير من ھذه الناحية حيث أنھم لم يمارسوا األدب إالبعد التجارب التي أتقنوھا في مختلف الحرف ،لذلك جاءت موضوعاتھم األدبية تعبر عن حيرة شخصية بالمشاكل اليومية ـ )(١محمد البصير :الموقف الثورة في الرواية الجزائرية المعاصرة ، ١٩٨٢-١٩٧٠ص -٣٣ . ٣٤ )(٢د /عبد ﷲ الركيبي :تطور النثر الجزائري ، ١٩٧٤– ١٩٣٠ص.١٩٧ )(٣المرجع نفسه ،،ص.١٩٨ . وھكذا نجد كاتب ياسين مثال قد إحترف الصحافة والعمل في الموانئ والزراعة قبل أن يمارس كتابة الرواية . أما محمد ديب فقدإ شتغل محاسبا ونساجا ومعلما وصحفيا ،قبل أن يدخل ميدان األدب ،ومن المھم أن نالحظ أن ھؤالء الكتاب جميعا قد مارسوا مھنة التعليم وھي مھنة مازال يشغلھا الكثير منھم اليوم ،أما الصحافة فقد منحتھم الفرص لكي يرو ويشعروا بالعالم حولھم ( ). (١ وتأخر ظھور الرواية الفنية ،إلى الفترة التي ذكرناھا ،يرجع إلى أن ھذا الفن صعب يحتاج إلى تأمل طويل إلى صبر ثم يتطلب ظروفا مالئمة تساعد على تطوره وعناية األدباء به ،وفي مقدمة ھذه العوامل أن الكتاب الجزائريين الذين كتبوا باللغة القومية أدبا عربيا إتجھوا إلى القصة القصيرة ألنھا تعبر عن واقع الحياة اليومي خاصة أثناء الثورة التي أحدثت تغييراعميقا في الفرد ، فكان أسلوب القصة القصيرة مالئما للتعبير عن الموقف أوعن اللحظة األنية وعن التجربة المحدودة بحدود الفرد ،أما الرواية فإنھا تعالج قطاعا من المجتمع رحابة واسعة لشخصيات تختلف إتجاھاتھا وتتفرع تجاربھا وتتصارع أھواؤھا ومواقفھا ،ومن ثم كان الكاتب يحتاج إلى تأمل طويل ،ثم إن الرواية تتطلب لغة7طبيعية مرنة قادرة على تصوير بيئة كاملة، وھذا مالم يتوفر لھا سوى بعد االستقال ل ألسباب كثيرة ليس ھذا مجال الحديث عنھا .وفوق ھذا
فإن كتاب الرواية في الجزائر لم يجدوا أمامھم نماذج جزائرية يقلدونھا أو ينسجون على منوالھا كما كان األمر بالنسبة للكتاب باللغة الفرنسية الذين وجدوتراثا غنيا ونماذج جيدة في األدب الفرنسي ،ومع ذلك فإن الكتاب الرواية العربية قد أتيح لھم أن يقرأوا في لغتھم عيونا واسعة في بسب الرواية العربية الحديثة والمعاصرة،ولكنھم لم يتصل بھذاإلنتاج إال في فترة قريبة الظروف التي عاشوھا وعاشتھا الثقافة القومية في الجزائر ،لذلك فإن البدايات الحقيقية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )(١د./أبوقاسم سعد ﷲ، :دراسات في األدب الجزائري الحديث ،دار األداب ،الطبعة الثانية ، ١٩٧٧ص.٥٨ التي يمكن أن تدخل في مفھوم الرواية التى ظھرت منذ سنوات قليلة ،أي أن السبعينات مثل قصة " ماال تذروه الرياح " لمحمد عرعار ،ثم رواية" ريح الجنوب" للكاتب القصصي عبد الحميد ھدوقة التي كتبت فيما يبدو قبل السابقة ولكنھا طبعت بعدھا ،ثم ظھرت في السنتين الماضيتين روايتان الطاھر وطار وھما على التوالي "الزلزال" و''الالز''. تدور أحداث رواية "لالز" في فرية من قرى الريف الجزائرية ،تحيط بھا عدة جبال ،وتجثم على القري ثكنة عسكرية يراسھا ضابط فرنسي إبان الثورة التحريرية ،و كانت ھذه القرية تعج بأناس من فئات مختلفة وطبقات متنوعة من بينھم ''الشيخ الربيعي '' حيث يستھل الكاتب بتصويره أمام مكتب المنح في طابور المستفيدين ،الذي أطلق العنان لمخيلتة ليتذكر ماعاشته القرية أثناء الثورة ،حيث '' ...استند إلى الجدار ،وأطلق العنان لمخيلته ،تتحسس الجرح ...شيئا عشناه ... وشيئ سمعناه ...وشيئي نتخيله (١) ''... نشأ في ھذه القرية ولد لقيط وإبن غير شرعي اليعرف له أب إسمه "الالز" وأمه تدعي ''مريانة '' ) مريم ( شرير يخشاه الجميع ،يضرب ويسرق ويخطف مستخدما العنف على افراد قريته، وكان سالحه الخنجر ،كما كان يتعاظى الخمر والحشيش ولعب القمار '' ،ودأب على دخول السجن حتي بلغ دخوله السجن ثالثين مرة في الشھر حتي صار له سجن خاص به اليدخله سواه '' ).(٢ ولما كبر" الالز" إعتقد الجميع أنه سيقلع عن عاداته السيئة وشروره ولكنه الالسف خيب أمالھم . وعند إندالع الثورة تمني الجميع الھالك "لالز" والقضاء عليه من طرف الثورة ليستريح الناس من شروره ،لكن ھذا األخير عرف كيف يتكيف و الظروف ،ويتأ قلم مع االحداث بعقده صداقة مشبوھة مع الضابط الفرنسي قائد الثكنة ،ھذه العالقة التي كانت مصدر الكثير من االشاعات ،فمن القائل أن "الالز "كا ن واسطة بين أمه "مريانة" وبين الضابط ،وأن "مريانة" ' كانت تتاجر باعراض السيدات البائسات مقابل أموال تتسلمھا ،وقائل أن األمر أعمق وأخطر ،ھو خيانة "لالز" ' بمساعدة الجيش الفرنسي ضد الثورة ورجالھا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )(١وطار الطاھر :رواية الالز ،مطبعة أحمد زبانة ،الجزائر ،ط، ٣سنة ، ١٩٨١ص .١٠ ) (٢المصدر نفسه ،ص. ١٣ ولم ير سببا اخر لھذا االزدھار الذي ظھر فجاة8في حياة "مريانة " وأبنھا "الالز'' ،ھذا االزدھار المبررله إالأنھا تتاجر بإعراض البائسات الفقيرلت بواسطة إبنھا ،و يقين أن الضابط لن
يقتنع بھذه الخدمة المتواضعة من "الالز " ،ولو لم تكن ھناك خيانة ماوطئت قدماه الثكنة مكتب القيادة . ولكن" الالز "عندما يتعرف على أبيه" زيدان '' تنقلب حياته من شرير إلى مناضل يعمل لصالح الثورة ،فيھرب المجندين الجزائرين إلى الجبال ،ولما إكتشف أمره زج به في السجن وذاق الوانا من التعذيب الوحشي على يد الضابط الفرنسي الذي طلب منه أن يعرفه على أسماء الذين يتعاونون معه من المجاھدين ،غير أن "الالز " رفض ذلك باصرار وعناد ،وصمد تحت الضغط والتعذيب ،وإعطاء الضابط مھلة قصيرة يراجع فيھا نفسه ،وفي ھذه االثناء أبتكر "الالز" حيلة ذكية تمكن إثرھا من الفرار مع بعض المجندين الجزائريين ليلتحق بأبية" زيدان" وينضم إلى صفوف الثوار المجاھدين في الجبل . وفي اليوم التالي يجمع الضابط قواته ،ويشرع في عمليات االنتقام ضد السكان بعد مقتل مساعده " ستيفان " وھروب" الالز " مع مجموعة من المجندين ،فينتقل مباشرة إلى بيت "قدور " صحبة الخائن "بعطوش "و عند الوصول يطلب منه أن يقتل البقرة فيفعل ،ويطلب منه أن يقتل ''مريانة "أم " الالز" ،ثم يسأله عن والدة " قدور " فيعرف بأنھا خالته ،فيطلب منه ان يضاجعھا فورا أمام الجمع المكون من القائد "،الشامبيط " "،الربيعي" زوجھا ،فيفعل ذلك ،ولكن بعد العودة يصاب " بعطوش " بانھيار عصبي فيلجأ إلى الخمر لنسيان ماحدث فيزداد ھيجانه ،ويقتل خالته بطريقة وحشية عنيفة ،ويعود عند ئذ إلى الثكنة مفكرا بعمل أنتقامي ضد الضابط . اما" زيدان " فيستدعى مع رفاقه االروبيين الخمسه الين عملوا في صفوف الثوره سنين فيطلب منھم ان ينسلخوا من مدھبھم ويتبرؤا من عقيدتھم ،حين أمرت القيادة العليا حل جميع االحزاب و تكوين حزب واحد ھو حزب جبھة التحرير الوطني ،لكنھم رفضوا ذلك وأثاروا الموت على أن يتخلو على المبدأ والعقيدة ،فذبح" زيدان "واالوربيون الخمسة بحد السكين على مراى ومسمع من "الالز" الذي صعق من ھول الصدمة وأصابه الذھول والخبل . وتصل االمور إلى نقطة االنفجار حين يدعو الضابط المخنث "بعطوش " الى غرفته مساء ويراوده للنوم معه اللشباع شذوذه الجنسي ومركب نقصه فيقترب منه وھو مستلق في فراشه، فينقض عليه ويخنقه بيديه ،ثم يستل خنجره ويطعنه عدة طعنات و كأن ھذا القتل أيقضه وأزال عن عينيه غشاوة الضباب التي كانت تكتنفھما ،فيأخذ الرشاش وبعض القنابل وينطلق إلٮا الساحة ليضرم النار في الشاحنات والسيارات وقرورات البنزين ،وفي ھذه اللحظات يلتقي بأحد الفدائيين الذين جاء الغتياله،ولكن االمر تغير لصالحه بعد أن أختار موقفا جديدا للضابط وأشعال النيران في المعسكر فيلتحق معه إلى الجبل . وتتخلص القريةمن ذلك االخطبوط الذي كان جاسما على صدرھا ،و تغمر الفرحة جميع سكانھا ،و يصبح "بعطوش" قائد الثورة بعد مقتل "زيدان" مباشرة. و لما نالت الجزائر استقاللھا ،انتقل "بعطوش" إلى العاصمة ليحتل مكانة مرموقة بين كبار المسؤولين في أجھزة الدولة ،أما سكان القرية فيبتھجون بھذا الحدث العظيم ،و لسان حالھم يردد " ما يبقى في الواد غير حجاره") (١العبارة الشھيرة ذات المعنى الرمزي العميق التي ترددھا بعض الشخصيات باستمرار . و ھكذا تنتھي الرواية بحادثتين تتمثالن في9موت البطلين الرئيسيين "زيدان" و "الالز" ، أي األب و اإلبن ،األول يموت جسديا ،و الثاني يموت موتا معنويا بفقدان وعيه و عقله.
و من نقطة الموت و العجز تلتقى األحداث في خط دائري ،و كان "الالز" يظل مشدودا إلى ماضي الثورة ھروبا من صدمة اإلستقالل ،و كما جاء على لسان "الشيخ الربيعي" " :إنك اآلن أفضلنا جميعا يا الالز ،ألنك تحس ال بشيء ،ألنك ما تزال تعيش الثورة بل ألنك الثورة (٢)". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ) (١الطاھروطار :رواية الالز ،ص . ٢٧٣ )(٢المصدر نفسه ،ص .٢٧٧ البعد السياسي : اھتمت الرواية الجزائرية بموضوع المقاومة و النضال ،و أصبحت أحداث ووقائع حرب التحرير تشكل المحور الرئيسي في أغلب األعمال ،كما اھتم الروائيون باآلثار النفسية و االجتماعية التي خلفتھا ھذه الحرب على الشعب الجزائري ،و إذا كان عبد الحميد بن ھدوقة قد ركز على أسلوب التقابل بين الماضي و الحاضر بحيث كانت الحرب في روايتي " ريح الجنوب " و " نھاية األمس " مجرد خلفية استعان بھا الكاتب لدراسة الشخصيات الروائية فإن ،الطاھر وطار قد اندمج أكثر مع أحداث الحرب في رواية " الالز " ،فھو يمتلك قدرة عالية على التعبير الفني الجميل الخصب المركز خاصة ما كان عنه في موضوع السياسة ،فھي موضوعه األثير الطاغي على كل أعماله ).(١ فقد اقترب وطار أكثر من ميدان القتال ،و بذلك استطاع أن يرسم لوحة شاملة ،ضمنھا تفاصيل أعمال المقاومة و النضال ،و انطالقا من منظور إشكالي يتيح للكاتب الكشف عن الوعي القائم ،و عن المعوقات التي تحول دون الوصول إلى بلورة وعي ممكن ،ليكون االنقالب عميقا و شامال ،يحرر اإلنسان من االستعمار ،و من كل مظاھر اإلستيالب و الكبت و الحرمان ،و لھذا وجدنا الكاتب يقول " :إنني لست مؤرخا ،و ال يعني أبدا أنني أ قدمت على عمل يمت بصلة كبيرة إلى التاريخ رغم أن بعض األحداث المروية وقعت أو وقع ما يشبھھا ..إنني قاص ،وقفت في زاوية معينة أللقي نظرة -بوسيلتي الخاصة -على حقبة من حقب ثورتنا "(٢). فالرواية ثورية نضالية صورت بشاعة الحرب و فظاعتھا في عنفھا الشديد و صراعھا المرير ضد العدو الغاشم ،و أبرزت بطوالت و معارك جيش التحرير ضد قوات االحتالل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )(١أحمد شريبط :الفن القصصي في األدب الجزائري المعاصر " ،الشكل الفني " – ١٩٧٤ ، ١٩٨٥رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في األدب العربي ،جامعة عنابة ،معھد اللغة و األدب العربي ،العام الجامعي ، ١٩٨٧ – ١٩٨٦ص ١٨٣ ) (٢الطاھروطار :روايةا لالز ،ص .٨ ، ٧ اإلحتالل الفرنسي في ميادين القتال و ساحة الفداء ،و تنفيذ العمليات الجريئة التي قام بھا الفدائيون من ذبح و حرق و تخريب األسالك و تدمير السكك الحديدية ،و زرع قنابل في مسالك جبلية وطرقات تمر بھا قوافل قوات االحتالل ،و نعرف من خالل سياق الرواية وحشية االستعمار وھمجيته و أنواع التعذيب و التقتيل الجماعي التي يصبھا على المناضلين الثوريين الذين يطالبون بالحرية و االستقالل ،و دحر االستعمار من البالد إلى غير رجعة. و انطالقا من ھذا المنظور استطاع الطاھر10وطار من خالل أحداث حرب التحرير في القرية و فوق الجبال و داخل الثكنات العسكرة و بين فرقعات البارود و صمت الرعب ،أن ينفذ
إلى عالم اإلنسان الواسع و أن ينقلنا بعيدا عن مجال التاريخ و التوثيق ليكشف لنا عن الخلفيات اإليديولوجية كتاريخ الثورة و أثرھا في تحديد موقف اإلنسان المناضل ،عندما يواجه قرارا حاسما يتعلق بمصيره ،كإنسان و مناضل صاحب موقف إيديولوجي متميز. و إذا كانت رواية الالز قد أولت البعد االديولوجي أھمية خاصة فإن ھذا البعد لم يتبلور إال من خالل عالم الحرب حيث يشكل عالم الحرب المنطلق االساسي في الرواية ،واذا يصور وطار عالم الحرب فان اھتمامه األساسي ينصب على التنمية الحركية للشخصيات ،من خالل سعيھا لمقاومة االستعمار بحيث تشكل مواقف صراع الوحدات األساسية للحركة القصصية في الرواية ،و لما كانت حرب العصابات تعتمد على العمليات الخاطفة ،و ال ترتبط في نشاطھا بمكان أو زمان ما ، ذلك أن العمليات الفدائية يمكن أن تنفذ في وقت واحد و في أماكن متعددة "جمع زيدان وحدته على بعد بضع مئات األمتار من كوخ سي الفرحي ،ثم قسمھا إلى أربع فرق صغيرة ،ثالثة تتكون كل واحدة منھا من سبعة جنود . األولى تذھب إلى الناحية الشمالية ،لتحطم المركز الكھربائي ،و خزان الماء ،و الجسر رقم .١٧ و الثانية تتولى تنفيذ حكم الذبح في الخونة العشرة ،في الدواوير الثالث بالناحية الوسطى. أما الثالثة فستقوم في الناحية الغربية بعملية قطع األعمدة الھاتفية ،و زرع األلغام على المسالك الجبلية ،و إحراق ضيعة المعمر شيخ بلدية القرية . و تبقى الفرقة الرابعة ،و المتكونة من عشرين جنديا فإنه يقودھا بنفسه لشن ھجوم في الناحية الشرقية على المركز العسكري بمحطة القطاع ،حتى تتمكن قافلة السالح القادمة من الحدود ،من المرور ،دون أن يتفطن إليھا العدو")(١ فكان الكاتب يتنقل بحرية عبر المكان و الزمان ،كما كانت العمليات الفدائية التي يشنھا الثوار، تتم في الجبال و الشعاب ،و في القرية و الدواوير ،و داخل الثكنات العسكرية في النھار و الليل و في كل وقت ،و قد أدت ھذه الحمالت الخاطفة الى أرباك الجيش الفرنسي و شل حركته ،إذ يجد ھذا األخير في األھالي العزل كبش الفداء كلما عجز عن مواجھة المجاھدين ،حيث يلجأ إليھم دائما ليطفئ فيھم ما به من حقد ،فصور الطاھر وطارھذا الموقف كاشفا عما يتميز به االستعمار من بشاعة ووحشية " راح الضابط يتقدم في تؤدة ،و عيناه مركزتان في الربيعي ...كانت البقرة تحك قرنھا على الجدار و ھي تتوجع ،معانية آالم الوضع الذي كانت حيزية تترقبه بفارغ الصبر .. تأملھا الضابط في حقد ،ثم أشار بحركة من رأسه إلى بعطوش ،و أصدر األمر: أرحھا من األلم يا سا رجان. رمق بعطوش خالته ،ثم أغمض عينه ،و ضغط بإصبعه لتتقيأ الرشاشة ،و تئن البقرة أنينا حزينا ،و تنھض و تسقط ...خيل إلى الضابط أن الرصاصات تمكنت من صدر الالز فتنفس من أعماقه و ابتسم ،و شعر بحبل الغضب الذي كان يخنقه ،يتالشى فجأة ...و عاد يتفحص و وجھي الربيعي و حيزية و كأنما يقرأ فيھما حروفا مطموسة ...المرأة في سن األربعين ما تزال تحتفظ بشبابھا ...الشك أنھا تبكي بقرتھا ....ما أروع أن أقتلع أسنانه بيدي واحدة بعد أخرى ،ثم أصب عليه البنزين و أوقد النار ...تفوه ،و مأل وجه الربيعي ببصقة ،و ظل يرقب عينيه ،ھل تتحركان ،ثم أصدر األمر: تعريا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 11 الطاھروطار :رواية الالز ،ص .١٠٠
و لما لم يبديا حراكا ...أشار إلى الجنود بحركة من رأسه ...تقدم بعطوش نحو عمه ... بينما تقدم آخر نحو حيزية التي فقدت كل وعيھا ..سار جان بعطوش ،أرح الوجود منھا ")(١ و ھكذا يمكننا القول :أن تركيز الطاھر وطار على عالم الحرب في رواية "الالز " مكنه من الغوص في أعماق اللحظات الحرجة لوضع متفجر متعدد الصراعات و اكتشاف عمق التجربة الثورية ،و األثر الكبير الذي تحدثه في نفس اإلنسان على أساس) أن الحرب تدفع اإلنسان إلى أقصى إمكانياته ،و من ثمة فإنه يقوم بتصرفات ال يمكن أن تصدر عنه في ظروف و أوقات عادية ().(٢ و انطالقا من ھذا المنظور اھتم الطاھر وطار على إبراز أثر الثورة التحريرية على شخصية "الالز " و ما أحدثته من انقالب جذري فھو لم يكد يتحرر من عالم الصعلكة و التشرد حتى أحس بأنه إنسان آخر يجب عليه أن يقوم بعمل عظيم يشعر بأھميته في نظر نفسه و في نظراآلخرين ،و يطھره من اإلحساس بأنه لقيط منبوذ " أريد أن أتخلص من الالز و لد مريانة " ). (٣وانطالقا من ھذا الشعور المفعم باألحاسيس اإلنسانية كان " الالز " يريد أن يفتك اعتراف الناس به بالقوة ،و لھذا كان منذ البداية مناضال فذا و صريحا الى حدود الطيش ،كما كان يشعر أنه معذب و منبوذ و لھذا فھو ينتمي إلى عالم ھؤالء المنبوذين من بني وطنه بالرغم من أنھم كما يقول " لم يتصوروني ،و لن يتصوروني أبدا ،واحدا منھم ،قد أعمل ذات يوم من أجل صالحھم العام ")(٤ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الطاھروطار :رواية الالز ،ص .١٣٦ ، ١٣٥ ،١٣٤ عايدة أديب بامية :تطور األدب القصصي الجزائري ) ،(١٩٦٧-١٩٢٥ترجمة د/محمد صقر ، ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ، ١٩٨٢ ،ص . ١٦٧ الطاھر وطار ، :رواية الالز ،ص . ٦٣ المصدر نفسه ،ص . ١٢٤
ومنذ أن التحق " الالز " بصفوف الثورة أصبحت ھي الخالصة الوحيد ة ،و أحس أنه ولد من جديد ،ولذلك قرر أن يبدأ صفحة جديدة من حياته ،و أن ينسى الماضي بما فيه من آالم و ضياع و شقاء ،و قد وجد في المقاومة و سيلة لتحقيق ذاته و مجاال إلستعمال خبراته السابقة في إطار شرعي ،و لذلك استعمل عالقته بقائد الثكنة العسكرية ،في مساعدة المجاھدين و تمكين المجندين الجزائريين في الجيش الفرنسي من الھروب ،و اإللتحاق بصفوف الثورة ،و لما اكتشف أمره ذاق ألوان من العذاب لكنه لم يستسلم للعدو حيث دبر حيلة للفرار مع من تبقى من المجندين الجزائريين و عندما صار يحمل السالح أحس أن كل شيء قد تغير لألبد. و يأتي اإلنقالب الثاني في حياة " الالز" مجسدا في اإلحساس بالكيان و الھوية الشخصية في ظھور األب المجھول و ھو ليس أبا عاديا إنه " زيدان " .. " ،عمي زيدان ،أنت أبي ؟ أنت.. أنت ..عندي أب إذن ! ")(١ فانتساب " الالز " لزيدان " يعني انتسابه للثورة ،و لھذا نراه قد آمن بالثورة بسرعة ،و تحول من صعلوك متشرد منبوذ من الجميع إلى بطل من أبطال المقاومة مفعم بمشاعر الثورة و 12 التمرد .
و لو تتبعنا أحداث الرواية وجدنا أن صورة " الالز " تكبر و تتضخم لتندمج من النھاية في صورة الشعب الجزائري و تعبر عن ضميره الحي ،الذي يستمر حاضرا حتى بعد انتھاء فترة المقاومة المسلحة " إنك اآلن أفضلنا جميعا يا الالز ،ألنك ال تحس بشيء ،ألنك ما تزال تعيش الثورة ،بل ألنك الثورة ").(٢ "فالالز" لما تكشف عنه الرواية ليس مجرد شخصية حية في عالم روائي متميز ،و إنما ھو رمز عميق لداللة الشعب لعالم األغلبية ،عالم الفقراء الجائعين و األميين المشحونين بروح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )(١الطاھر وطار :رواية الالز ،ص .٦٥ )(٢لمصدر نفسه ،ص .٢٧٧ الثورة والتمرد الثورة و التمرد ،إنه رمز لعموم الشعب الجزائري الذي عاش ما يزيد على قرن من الزمن ينتسب لغير أصله " آه ،أيھا القذر ،إنك ال تمثل شيئا ،إنك ال تمثل غير ھذا الشعب اللقيط " ).(١ ثم يستمر وطار مؤكدا على ھذا البعد الرمزي بحيث يتحد الجزء في الكل و يبدو الالز مجسدا لروح الشعب بكل أنواعھا في شموليتھا و اتساعھا " فيك بذور كل ھؤالء يا لالز ..بذور كل الحياة ..كالبحر ..ال ،إنك الشعب المنطلق ،بكل المفاھيم . (٢)".... كما تبرز العالقة الجدلية بين "الالز "والشعب في سرعة إيمانه بالثورة وإحتضانه لھا " آمن بھا بسرعة كالشعب ،النھا كانت منه .. ،فيضامنه ..وأنضم إليھا بنفس السرعة ..بل لقد إحتضنھا،كما احتضنھا الشعب (٣) ".. ثم تأخذ داللة ھذا الرمز في االتساع والشمولية حتى تصل إلى مستوى تجريدى ،حيث يبدوا "الالز "مجسدا لروح الثورة وأنطالقتھا وتحديھا الذي اليعرف الحدود والسدود " التحقت بھا عفويا ،بل ھي التي إلتحقت بك ،أدركت الثورة وأدركتك ،أدركتھا عمال وأدركتك روحا " )(٤ وإلى جانب شخصية"ا لالز"بما تتميز به من غنى وعمق وما تحملة من دالالت رمزية وتجريديه تتجاوز حدود الزمان والمكان لتشكل ھاجس الثورة المستمر في وجدان الجماھير ،توجد شخصية " زيدان "وتمثل ھذه الشحصية البعد االيديولوجي في الرواية ،وتعبر عن موقف الكاتب ورؤيته الفكرية والسياسية ولذلك فھي شخصية شبه مسطحة )ذات رؤية أحاديةتسير على درب مرسوم لھا سلفا ،التتلون والتتطور ،بل تخضع لتخطيط المؤلف الصارم ( )(٥ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١).الطاھر وطار :رواية الالز ،ص .١٣٠ ) (٢لمصدر نفسه ،ص ١٦٤ )(٣المصدر نفسه ،ص.٢٤٨ )(٤المصدر نفسه ،ص٢٥٧ ) (٥أمحد محمد عطية :رواية السياسية ،مكتبة مدبولي القاھرة ،ب ،ت ،ص١٢٠
13
ويعتبر"زيدان" الشخصية الوحيدة في الرواية التي سلط الكاتب عليھا عد سته وكشف عن أصولھا الفكرية وااليديولوجية فكانت بذلك نموذجا لوضوح الرؤية والفكر ومثاال للتضحية والفناء في الثورة والعمل النضالي ،وبالرغم مما بنسب للحزب الشيوعي الجزائري أشار الكاتب إلى واحد منھا على لسان "زيدان" وبطريقة غير مباشرة " آه ،لم يحن أواننا بعد ..سابقون لزمننا .. تفصلنا عنه مسافات ،مسافة جيلين أوثالثة على األقل " ) (١فالكاتب أراد أن يوحي من خالل شخصية "زيدان "بأن الشيوعيين الجزائريين –ككل فئات الشعب الجزائري –لم يتخلفو عن مسيرة الثورة ،بل أن مواقفھم الثورية وتضحياتھم وإلتزامھم ـ كما يدل على ذلك نشاط "زيدان "يمكن أن تعبر عن مدي االرتباط وااليمان بالثورة ،ومن ھذا المنطلق بالذات حاول "حمو" أن يبحث عن الفرق بين أأخيه "زيدان "وبين غيره من المجاھدين ،وتبين له بعد تساؤل عميق أن" زيدان" يفوق الجميع إلتزما وتضحية ووالء للثورة والوطن" فقط زيدان يفكر أحسن مني ،أحسن منا جميعا ،آراؤه دائما صائبة ،وأحكامه سليمة ،وتنبؤاته صادقة ...إذا كان ھذاألنه أحمر ،فيجب أن نحمر كلنا ،يجب أن تحمر الثورة كلھا لتفكر تفكيرا سليما ،وتصدر أحكاما صحيحة .(٢) ".. وھنا يصل الطاھر وطار بان العقيدة اليمكن أن تقف دون والء الشيوعي لوطنه وثورته ، وھو مايعبر عنه" زيدان" بقوله ":اليوم التحقت بالثورة ،ان لم استشر أحدا ،الالحزب والغيره ، رغم أنني عضو اللجنة المركزية ،أوجبت الظروف المحيطة بي ذلك ،ففعلت ،وإذا ما سئلت ، ھل أنسلخت من حزبي ،فسأجيب فورا بالنفي ،واذا ماطلب مني ذلك فسأظل أسأل عن الدوافع ..لن أنسلخ ،ولن أدفع االشتراك ،ولن أسع لتكوين خاليا جديدة ،و سأظل أكافح من أجل االستقالل الوطني " ).(٣ كما أنه بامكان الشيوعي مھما كانت جنسيته أن يكون إلى جانب القضايا العادلة لمعذبي االرض الجائعين والمقھورين ،ھذا الموقف أكده" زيدان" لممثل الجبھة الذي جاء لمحاكمته ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الطاھر وطار :رواية الالز ،ص ١٠٩ -١٠٨ المصدر نفسه ،ص ١٠٦ المصدر نفسه ،ص٢٠٣
في إطار حركة التطوير الواسعة التي قادتھا جبھة التحرير للقضاء على النزعات الحزبية والحفاظ على سالمة الثورة،ووضع حد لالنقسامات الحزبية والتكتالت السياسية داخل صفوف الجيش "،المسؤول الكبير سألني في المرة األخيرة ھل مازلت شيوعيا أحمر ..أفھمته بأن الشيوعية ليست رداء ننزعة في الوقت الذ ي نشاء ،وإنھا عقيدة تقوم أول ماتقوم على االقناع المدرك للحياة ".. ). (١فعندمايتراجع االنسان عن مبادئه ،تفقد التجربة االنسانية معناھا وتتحول إلى كذبة كبيرة ، يكون وقعھا أكثر ايالما من الموت ألنھا الموت المعنوي النسانية االنسان . ويبدوا أن إختيار الكاتب لھذه النھاية المأساوية لروايته جاء معبرا عما يمكن أن يقدمه االنسان في سبيل مبادئه ،وما يمكن أن يقع في أي حركة ثورية من تعسف وتناقض صارخ ،يدفع بالثورة إلى أن تضحي بأبنائھا المخلصين فالثورة كالقطة عندما تجوع تأكل أبناءھا ،أوكما يقول الطاھر وطار ) :الثورة الجزائرية ثورة كبيرة ،حدث فيھا مااليستطيع أن يتصوره خيال بشري ()(٢ 14
.ولھذا نراه يغلق ھذا الموقف المأساوى بمسحة من تفاؤل تجسدت عبر صرخة "الالز" مصعوقا من ھول ما أرى " مايبقي في الواد غير حجاره " وقد بقي "الالز "بعد ھذا الموقف الرھيب يھذي شارد البال ،يحلم بتغيير العالم ويردد دوما ھذه العبارة " مايبقي في الواد غير حجاره " وكأنه عراف يتنبأ بالمستقبل ويبشربما لم يتحقق. إن حديثنا عن البعد االيديولوجي في رواية" الالز" يقودنا في النھاية إلى القول بأن السياسة في الرواية المعاصرة أصبحت تعد إغراء وعبئاوضرورة في الوقت نفسه ،ولذلك فإن إحتفال الروائيين بالسياسة قد يساھم في إخصاب أحاسيس القراء بالتجارب اإلنسانية ،بينما جرھذا اإلھتمام المبالغ فيه -في بعض األحيان – بعض الروائيين إلى اإلتكاء على التاريخ من أجل الشھادة تارة ومن أجل الدعاية والتشويه المقصود تارة أخرى . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الطاھر وطار :رواية اللالز ،ص١٠٥ جرزيف كيروز :مقابلة مع الطاھر وطار ،الوطن العربي ،باريس ،السنة ٧عدد ١٦ ،٣٥٧ ،١٩٨٣/١٢/ص٦٩ البعد اإلجتماعي : تعكس الخلفية اإلجتماعية لرواية المقاومة األبعاد األساسية الزمة الواقع اإلستعماري ،حيث يبرز وعي البطل الروائي نقيض لھذا الواقع ،يكشف زيفه و يعلن الحرب عليه ،و تتمثل أزمة الواقع اإلستعماري في تردي النواحي اإلجتماعية و اإلقتصادية و السياسية نتيجة الھيمنة اإلستعمارية االجنبية ،و عجز البنى اإلجتماعية عن رد التحدي اإلستعماري ،و لذلك نجد الروائيون يركزون على إبراز التناقض بين الوعي و الواقع ،حيث يؤدي ھذا في النھاية إلى انھيار ھذا الواقع ،و تأتي الحرب -بعد ذلك -لتخلخل كل شيء ،و تصبح الحرب شاملة ،و مؤشرا للتحوالت اإلجتماعية و رمزا إلمكانية تجاوز حالة الخيبة التي خيمت على الواقع اإلجتماعي منذ دخول اإلستعمار . و قد حاولت الرواية أن تقدم تصورا بانوراميا للمشاكل اإلجتماعية التي خلفھا الوجود اإلستعماري ،و أدت أكثر من مرة إلى الثورة ،و على رأس ھذه المشاكل الحساسة مشكلة األرض ،إذ نالحظ أن األرض كانت أساس كل المشاكل اإلجتماعية التي ميزت المرحلة اإلستعمارية ،فقد أدى اغتصاب األرض و مصادرتھا بالقوة إلى تفشي الفقر و المجاعة ،و انقسام المجتمع إلى طبقتين متمايزتين تمايزا حادا ،طبقة ثرية جدا مكونة من المعمرين و من قلة من اإلقطاعيين الذين ساندوا سياسة اإلستعمار ،و طبقة أخرى فقيرة جدا تعيش أوضاعا بائسة و مزرية ،و تمثل السواد األعظم من السكان األصليين ،و في ظل ھذه األوضاع المأساوية الخانقة يظطر العديد من الرجال و األطفال إلى الھجرة للمدن بحثا عن عمل ،أما البقية فقد قبل العمل عند المعمرين ،أو عند من يوالونھم من اإلقطاعيين ،فكان نظام العمل قائما على اإلستغالل و البطش و القمع ،و قد أنجب الواقع اإلستعماري الھجين وضعية إجتماعية ھجينة و مأساوية ،أ صبح اإلنسان فيھا يعيش انفصاال اغترابيا ملموسا ،وعدم انسجام تام بينه و بين وضعية اإلجتماعي ،و سيطرة الفوضى على كل شيء بحيث أصبح المجتمع كالبحر المتالطم األمواج ،و قد أسھم كل ذلك في تدھور القيم و تفسخ العادات و التقاليد ،واھتزاز العالقات األسرية و اإلجتماعية ،و في ھذا الواقع اإلشكالي ولدت نماذج بشرية ،تعيش تمزقا حادا و غربة قاتلة ،منھا نموذج المتشرد و الضائع و المتواطئ و العميل الخائن ،15و اللقيط ،وقد كانت ھذه النماذج تعيش في تعارض و صدام مع المجتمع ،كانت ترفض المجتمع و تحاول دائما اإلنتقام منه ،و إذالله ،كما
كان المجتمع يرفضھا ،و يحاول التخلص منھا بشتى الوسائل ،و "الالز" نموذجا حيا للتشرد اللقيط ،نبذته القرية لذنب لم يرتكبه و أصبح رمزا للشر ،و قد كان يشعر بعمق ھذا الحرج في نفسه ،و لذلك لم يغفر للقرية موقفھا فسعى يبطش بأھلھا انتقاما منھم . و من روح البغض التي أحاطوه بھا ،ولم تنجح السنوات بإخماد شوكته " ...اللقيط ،كلما كبر ،واعتقد الناس أنه سيھدأ ،أو على األقل تخف وطأته ،ازداد سعاره ،و نمت فيه الشرور ،و لم نكن لنتوقع ،من سطو على المتاجر ليال ،إلى الخمر ،إلى الحشيش ،إلى القمار ...حتى بلغ معدل دخوله السجن ثالثين مرة في الشھر ").(١ كما كان يتحاشاه الجميع و يتمنون موته و الخالص منه "ھذا الالز ،تقوده دورية ،انشاء ﷲ ، ھذه الضربة األخيرة ،تريحنا و تريح جميع خلق ﷲ " ).(٢ و قد أعلن " الالز " بدوره الثورة على ھذا الواقع ،بأنه كان يرى أنه سبب محنته ،و من خالل تحدي الالز للمجتمع و رفضه لقيمه استطاع الكاتب أن يميز بين الوعي القائم لمجتمع القرية ،و بين الوعي الممكن الذي كان تمرد " الالز " إرھاصا به ، و كانت الثورة تجسيدا و تحقيقا له ،و لذلك كان على " الالز " أن يلتحق بصفوف الثورة ،و أن يتطھر نھائيا من ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ الطاھر وطار :رواية الالز ،ص.١٣-١٢ المصدر نفسه ،ص.١١ أحاسيسه و مشاعره ،و يصبح إنسانا كامل اإلنسانية و لكي يرد " الالز " اإلعتبار إلى نفسه و جماعته ) وجدناه ينطلق من ظلم نفسه الواقع فيه و من نواقض جماعته ()(١ ألنه بالثورة وحدھا يستطيع " الالز " أن يتحرر من أوضاعه اإلجتماعية المزرية و أن يفرض احترام الناس له بالقوة ،ألن طبيعة الواقع اإلستعماري اللقيط الذي ينتمي إليه تجعل من القوة و التحدي الوسيلة المالئمة لتأكيد الذات . كما ساعدت ظاھرة التغريب الروائي في خلق قوة كبيرة بين" زيدان" و بين النسيج اإلجتماعي "،فزيدان" يعيش أھم مراحل حياته بعيدا عن الوطن ،حتى أصبح غريب األفكار و المواقف ، مما دفع إلى إمكانية وجود توافق بين ھذه الشخصية ذات الثقافة المتأرجحة بين باريس و موسكو و بين باقي شخصيات الروائية ،التي تتأرجح ثقافتھا بين الكتاتيب و المحراث و الفرن ثم 16 البندقية .
وانعدام التوافق ھذا ھو الذي أدى إلى خلق نوع من العداء بين "زيدان" و بين الطبقات اإلجتماعية األخرى ،غير العمال ،و لعل أرقى مرتبة لھذا العداء تتجلى في قوله " ...مجتمع أشد تخلف من مجتمعات القرون الوسطى ..مجتمع تطمسه البداوة ..مجتمع رعوي ضارب في التأخر و اإلنغالق ") ، (٢فقد سيطرت النظرة التشاؤمية على" زيدان "صاحب اإلتجاه التقدمي المناصر لمثل ھذا النوع من المجتمعات ،و المؤمن بإيجابية التاريخ و بالنظرة التفاؤلية للمستقبل . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الطاھر رواينية :إتجاھات الرواية العربية ) في بلدان المغرب العربي :تونس ،الجزائر ، المغرب ،( ١٩٧٥ – ١٩٤٥رسالة مقدمة لنيل درجة ماجستير في األدب المعاصر ،ج ، ٢العام الجامعي ، ١٩٨٦ – ١٩٨٥جامعة الجزائر ،معھد اللغة و األدب ،ص . ٣١٧ الطاھر وطار :رواية الالز ،ص .١٠٩
و يقول في ھذا الصدد محمد بشير بويجرة ):نحن مع الروائي و شخصيته ،في شدة تخلف و انغالق المجتمع الجزائري في تلك الفترة لكننا نعجز عن تقديم تقرير حاقد و جائر و متشائم مثل الذي قدمه زيدان و الذي ال يضاھي إال تقارير األوربيين على المجتمعات العربية اإلسالمية قصد اإلساءة للعروبة و اإلسالم ().(١ و لم تكن ھذه النظرة تخص المجتمع العادي فقط ،بل تعدته إلى رفقاء السالح ،و خاصة منھم التجار و األثرياء ،الذين كان ال يناديھم بالرفيق و ال يتحمل عناء تنبھھم إلى خطر اإلستعمار ، عندما يقول " الالز " ... " :قل لحموان يخبر الھامين فقط ،و يدع من ال يعرفون أي سر") (٢و الھامون الذين يقصدھم ھم العمال فقط ،دون باقي الطبقات اإلجتماعية ،ألن الحرب ،عند "زيدان" ھي حرب الطبقات الكادحة من العمال ،و ليست حرب كل الشعب الجزائري . و بسبب نضرته ھاته ،نجده مولعا بالتصنيف الطبقي و يعمل على تأصيله بين رفقاء السالح بواسطة لغة حادة ،تحمل كثيرا من الحقد و العداء ،و ذلك كقوله " لقدور" " :أيھا التاجر الحقير ،أيھا الفالح األعمى يجب أن أحولك بسرعة ") ، (٣وكقوله عن العريف " رمضان " بأسلوب األستاذ المعلم .. " :ينبغي أن أھتم به أكثر ،و أعمق وعيه الطبقي " ) ،(٤ثم قوله عن الفرقة كلھا التي كان يقودھا " :لو كانوا كلھم عماال ،لو كانت األغلبية أو حتى النصف من العمال"). (٥ "فزيدان" بأسلوبه ھذا يقلل من قيمة اإلنسان الجزائري ،و من دوره في الثورة و في إطار الحديث عن البعد اإلجتماعي لرواية المقاومة يمكننا أن نتوقف عند موضوع المرأة و الثورة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد بشير بويجرة :الشخصية في الرواية الجزائرية ، ١٩٨٣– ١٩٧٠ ،ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ص ٥٣ الطاھر وطار :روايةا لالز ،ص ٦٧ المصدر نفسه ،ص٧١ ) (٤المصدر نفسه ،ص٦٠-٥٩ 17 )(٥المصدر نفسه ،ص١٦١
لنبرز أثر مشاركة المرأة في الثورة على طبيعة العالقات اإلجتماعية في المجتمع المحافظ كمجتمع المغرب العربي. و قد كان إھتمام الروائيين بالمرأة الجاھلة المسلوبة أكثر من إھتمامھم بالمرأة المتعلمة التي استطاعت أن تؤكد حضورھا في المجتمع و في حركة الثورة ،و ذلك أن الرجال لم يستطيعوا نسيان أن المرأة متاع أو شيء لھم يجب اإلعتناء به و المحافظة عليه ،و قد برزت صورة المرأة الجاھلة في الرواية مكملة لصورة الرجل ،أو رمز لواقعه اإلشكالي أو سببا في أزماته النفسية و اإلجتماعية ،و في رواية الالز تكون "مريانة" في نظر " الالز " رمزا للخطيئة و سببا أساسيا في كل مشاكله ،و ال يفتأ " الالز " يعنفھا و يذكرھا بأنھا سبب مأساته " و ھل اقترفت أنا ذلك ياعاھرة " ).(١ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ) (١الطاھر وطار :رواية الالز ،ص١٣ البعد الثقافي : شھد الواقع الجزائري أثناء الثورة تيارات فكرية و سياسية مختلفة أثرت بشكل واضح على تعدد اإلتجاھات الفكرية في الجزائر أدت إلى تكوين معتقدات إجتماعية و اقتصادية و فكرية ،و ضرورة تطبيقھا على الواقع ) إذ تمركزت ھذه اإلتجاھات على محورين رئيسيين ،أحدھما يساري مرتبط عالميا باإليديولوجية األھمية المادية ،و ثانيھما مرتبط تاريخيا بالحركة التحريرية للشعب في مراحلھا التاريخية ( ).(١ فكانت رواية " الالز " ھي الرواية الوحيدة التي تعرضت للثورة الجزائرية من وجھة نظر إيديولوجية بحتة ،جمع فيھا الروائي اإليديولوجية الشيوعية الممثلة في" زيدان " و بين اإليديولوجية الوطنية التي يمثلھا حزب جبھة التحرير الوطني ،لذا سنكتفي من ھذه الرواية بالوقوف عند شخصية " زيدان " الذي كان ھدفه الوحيد إخراج المستعمر من أرض الوطن ،حتى يتمكن سكانه من رفع أسباب التخلف و اإلنغالق و البداوة ،و يرجع ذلك كون ھذا الثوري مثقف ثقافة عالية ،يمكن أن يعرف بواسطتھا أن الثورة الجزائرية لم تقم بھا طبقة العمال فقط ،و إنما قام بھا كل الشعب الجزائري ،و يعرف أيضا أن أي مجتمع مكون من عدة طبقات إجتماعية مختلفة األھواء و اإلنتماءات " ال فرق ..نقاتل جنبا إلى جنب ،و نتحمل نفس المشاق ..ننظر إلى العدو نظرة واحدة ..فقط زيدان يفكر أحسن مني ،أحسن منا جميعا ..آراؤه دائما صائبة ،و أحكامه سليمة و تنبؤاته صادقة ..ربما السبب في ذلك أنه متعلم بينما أنا أمي ،معنا بعض المتعلمين مثله و لكنه يفكر أحسن منھم "). (٢ و لعل ثقافة" زيدان" ھي التي جعلته يطرح قضية الثورة الجزائرية طرحا فلسفيا " ،يقين أن األحمر اللعين يخطط لھم ،تدرب في صفوفنا و تثقف في مدارسنا ،وسبقتنا إليه موسكو")(٣ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد بشير بويجرة :الشخصية في الرواية الجزائرية ، ١٩٨٣ – ١٩٧٠ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ص .٤٤ 18 الطاھروطار :رواية الالز ،ص .١٠٦ المصدر نفسه ،ص . ٨٤
الشيء الذي جعله نموذجا للشخصية األيديولوجية ذات الصبغة الرومانتقية ،على الرغم مما بذله الروائي في سبيل جعله يتعدى النطاق المحلي إلى النطاق العالمي ،حين جعل خمسة من األجانب ينخرطون في صفوف ثورة التحرير بدون إقناع فني ،يبرز الدوافع التي أدت بھم إلى ھذا اإلنخراط ،اللھم إذا كان القصد من ذلك تقوية " زيدان " و شد أزره في اللحظات الحرجة. كما كانت الغربة و الظلم المسلطين عليه في التجنيد سببا في تكوينه اإليديولوجي ،و انتھاء بمعايشته الصراعات األيديولوجية التي كانت تشھدھا أوربا في تلك الفترة ،كل ھذه العوامل جعلته يكره اإلستعمار و يمقت الطبقات البرجوازية و اإلقطاعية ،في نفس الوقت الذي كان يمجد فيه الحرية و العدل و المساواة ،و يناصر الطبقات الكادحة . و ھي اإلختيارات التي تبلورت لديه بفضل إطالعه على كتب اإلقتصاد السياسي في الجامعة الشعبية ،و اإلحتكاك المباشر بالحزبين الشيوعي الفرنسي و الروسي و مبادئھما التي تمجد البروليتاريا ،باعتبارھا الفئة الوحيدة صاحبة الفضل في الثورة ،و في التقدم نحو الديمقراطية و المساواة " .إلى أن وجدت نفسي ذات يوم أدرس اإلقتصاد السياسي في الجامعة الشعبية ،و ببساطة أيضا وجدتني في حلقة ماركسية ،ثم في خلية شيوعية إلى جانبھا ،و قبل أن أتخرج أنتخبت لمدرسة إطارات الحزب ،و درست مبادئ القيادة الجھوية ثم اإلقليمية " ).(١ فقد كانت شخصية " زيدان " الوحيدة في ھذه الرواية التي تظھر عليھا مالمح الثقافة التي اكتسبھا من إطالعاته الواسعة ،مما ساعده على فھم الثورة أكثر من غيره من أبناء القرية ،الشيء الذي جعله ذا مكانة عالية بين رفقائه و أصدقائه حيث أصبح قائد المجاھدين ،فنال رتبة مرموقة بين أصدقائه و أعضاء الحزب الشيوعي " آه لو كنت أحسن القراءة مثل أبي لكنه احمر بحق ").(٢ " فزيدان" يعيش أھم مراحل حياته بعيدا عن الوطن ،حتى أصبح غريب األفكار و المواقف ،مما دفع إلى إمكانية وجود توافق مقنع بين ھذه الشخصية ذات الثقافة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الطاھر وطار :رواية الالز ،ص .٢٠٦ ) (٢المصدر نفسه ،ص .٩ المتأرجحة في باريس و موسكو و بين باقي شخصيات الرواية التي تتأرجح ثقافاتھا بين الكتاتيب و المحراث و الفرن ثم البندقية ،في الوقت الذي كانت فيه الكلمة للبندقية من جھة ،و من جھة أخرى تعتبر أيديولوجية "زيدان " و انتماءه ،و كذلك مواقفه الخطابية التبشيرية ،كافية لتحرير البالد و طرد المستعمر ،أو على األقل موازية لتلك األعمال الثورية التي قام بھا "الالز" و" حمو" و العريف "رمضان " ،حين ھزوا القرية كلھا و أفسدوا خطط المستعمر بتحطيم لثكنة القرية تحطيما كامال . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توظيف التراث الشعبي : كان التراث الشعبي و ال يزال مصدرا ثريا يغرف منه الكتاب و الشعراء و خاصة ھؤالء الذين يمثل ھذا التراث جزءا ھاما من ثقافتھم ،أسھم في تكوين خيالھم و لغتھم و ھم يدرجون ، و أصبح مصدرا يستوحون منه الصور و19يستلھمون بأدواته الفنية في كتاباته ،و ھم يبدعون ،و يتفاوت ھذا اإلستيحاء و ھذه اإلستفادة من كاتب إلى آخر من ناحية الكم و الكيف ،
حسب اإلنتماء الطبقي لھذا المبدع و نوعية عالقته بھا ،إن كانت عالقة معايشة و انتماء ،أو عالقة إعجاب و تعايش أم عالقة إستعالء و احتقار ،و قد يكون تأثر األديب بالتراث الشعبي تأثرا عفويا ألن ھذا التراث يمثل مكونا من مكونات ثقافته ،و البد أن يظھر أثره في إبداعه ،و قد يكون تأثرا مقصودا سعى إليه األديب بأسرار عن طريق دراسة أشكال التعبير الشعبي في صورھا الفنية و لغتھا و مضمونھا . فالمأثورات الشعبية عند وطار ) تتجاوز المعاني و الدالالت التي تؤديھا الحياة اليومية إلى معاني و دالالت جديدة ،تتمثل في المعنى الخاص ،الذي يھدف الكاتب إلى إيصاله في روايته ،أي تصبح دالة على القضية الرئيسية التي يعالجھا الكاتب ().(١ وعن طريق التراث كشف الكاتب عن التناقضات الموجودة في الواقع حيث تضمنت الرواية العديد من المأثورات الشعبية المستمدة من بيئة الشخصيات ،و نستھلھا بعنوان الرواية بعبارة " الالز " و ھي كلمة شعبية منتشرة االستعمال في األوساط الشعبية ،ويجد القارئ ألفة عجيبة مع ھذا الشخص منذ بداية الرواية ،و كأنه يعرفه ،و الواقع أن ھذه الشخصية لن نعدم وجودھا في األحياء الشعبية في كثير من المدن و القرى الجزائرية ،سواء بھذا االسم بالذات أو باسم آخر مشابه ،إنھا شخصية من منبت يقع في أسفل السلم اإلجتماعي ،ترفض الخضوع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عبد الحميد بورايو :منطق السرد ،دراسات في القصة الجزائرية الحديثة ،ديوان المطبوعات الجامعية ، ١٩٩٤-٠٩الساحة المركزية ،بن عكنون ،الجزائر ،رقم النشر ، ٤ -٠٩ -٣٨٠١ ص . ١١٠ للقوانين اإلجتماعية و الخلقية السائدة في مجتمع تحكمه إيديولوجيات اللقيط ،أو كل أعور يتشاءم منه" ).(١ و تتسم بروح التمرد و الرفض بكل محاوالت اإلحتواء من طرف القوى اإلجتماعية السائدة ، و ھي الشخصية األكثر من غيرھا استعدادا للعمل الثوري المنظم ،إذا ما وجدت الفرصة ،و قد أوشكت أن تجدھا عن طريق اإلحتكاك بالمثقف الثوري" زيدان " ،و قد إنظمت للعمل المسلح بكل تلقائية ،وھي التي تمثل الطبقة الكادحة بشھادة " زيدان " عندما يطلق عليھا مواصفات ھذه الطبقة " ...لقد كنت دائما أعلق عليك آماال كبيرة ،و كنت أثق في أنك ال تطمع في شيء و ال تخش ضياع شيء " ) ، (٢وعندما يقول عنه " :الالز و الشعب شيء واحد"). (٣ و تردد الرواية ستة عشر مثال شعبيا قامت بدورھا في تطوير الحدث الروائي ،و في الكشف عن ذھنيات الشخصيات ،وفي اعتاء التجربة الحياتية ألفراد الرواية ،و في الداللة على البيئة المحلية ،و ذلك بمعانيھا المكثفة في أقصر عبارة ،و قد اختار الكاتب من بين ھذه األمثال " ما يبقى في الواد غير حجاره " فقد بدأت به الرواية و تكرر كثيرا في ثناياھا ،و أنھت به أيضا ،و نفھم من حجارة الوادي أنھا كل ما ھو أصيل ،وصحيح كما تردد على لسان " حمو " مرتين " الصح ،الصح ...ال يبقى في الواد غيرالصح...الصح ھو الحق ،وھذه البالد ليس فيھا حق،لكن سياتي يوم اليبقى في الوادي اال الحجارة،اال الحق(٤)". أما "الالز" الذي جعل من الكلمة أغنيته الدائمة في مختلف الظروف فلم يمنحھا ھوية إال مرة واحدة ،حين طلب منه " حمو " أن ينطقھا ثالث مرات متتالية ،كلمة السر بينه و بين 20 قدور . و يرى الدكتور عمر بن قينة أن األمثال الشعبية في الرواية أفقدت عمق الداللة فيھا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )(١الطاھروطار :روايةالالز ،ص . ١٣٠ )(٢المصدر نفسه ،ص . ٦٧ )(٣المصدر نفسه ،ص . ٢٤٨ )(٤المصدر نفسه ،ص٤٣-٤٢ --------------------------------وفي مقدمتھا " :ما يبقى في الواد غير حجاره " فحاول الكاتب تجاوز ھذا التعبير الدارج إلى مستوى آخر عربي فصيح " ما يبقى في الواد غير حجاره " ) ص ، ٢٧٣ ، ٥٣ ، ٥٢ ، ٤٢ ، ٦١ ( ٢٧٧ ، ٢٧٦ ، ٢٧٥مثال ،ولم تفصح تماما إال مرة واحدة ) ص .(١) ( ٤٣ كما يرى أن المؤلف حاول أن يكيف المثل الشعبي ليوظف جزئيا في خدمة غرضه ،في حمى الصراع الطبقي و المادي ،تجاوزا لضاللة اإلنسانية العامية ،وروحه الدينية في الوقت نفسه ، انعكاسا لتعبير القرآن رمزيا في مثل قوله تعالى )) :كل من عليھا فان ،و يبقى وجه ربك ذو الجالل و اإلكرام ( ..سورة الرحمان ) .(٢) ( ٢٥ ، ٢٤ و من خالل ذلك ينبغي أن نسجل تناقض حادا في موقف الكاتب و رؤيته ،فبينما حاول اإلجتھاد في تصحيح مثل شعبي دارج ذا شيوع معترف به ،نراه يغرف في الدارجة في سياق عام ،كان يجب اإلرتقاء بالتعبير فيه ،كلمة ،و جملة ،و صورة ،من األمثلة على ذلك " :ھلكته السياسة " )(٣بدل أھلكته على سبيل التعدية " ،أتمنى لو ينوب النواب و أتزوجھا ") (٤بدل أن يفتح ﷲ ،أو يفرج ،بل لم يكلف نفسه جھدا حتى في استعمال كلمة اليربوع بدل كلمة الجربوع الدارجة المحرفة عن الفصحى ":كنا نضع الموسى في فم الجربوع قبل أن نذبحه ")(٥ و تتناثر داخل الرواية اإلشارة إلى المعتقدات الشعبية المختلفة تتجلى في بعض الصور التي نقلھا الكاتب من صميم الحياة اليومية التي تعكس بعض العادات و التقاليد المنتشرة في مواضع كثيرة من الوطن ،كاإلعتماد على قدرة األولياءو اإلستجابة لدعوات الناس و اإلطالع على الغيب و اإليمان باألجل ،و بفعالية السحر و الحرز ،و اإلعتقاد في الجن و التوابع و التطير ،و توقع المكروه بعد الضحك ...إال أن ھذه المعتقدات تحتل مكانا ثانويا في حياة شخصيات الرواية ،يقول " قدور " "حق ربي ،ما تركت بابا ،خسرت أكثر من عشرين ألف د /عمر بن قينة :في األدب الجزائري الحديث ،تاريخا ..و أنواعا ..و قضايا ..و أعالما ،ديوان المطبوعات الجامعية ، ١٩٩٥ – ٠٥الساحة المركزية ،بن عكنون ،الجزائر ،رقم النشر ٤٠٩٠ ، ٤ ، ٠٩ ،ص ٢٣٦ المرجع نقسه ،ص . ٢٣٧ الطاھروطار/ :روايةالالز ،ص .٢٦ المصدر نفسه ،ص .١٥٥ المصدر نفسه ،ص١٥٥ حرز سي حمود و ما أدراك لم ينفع ...سحر سي القريشي ،و ما أدراك كذلك ...حرز سي عثمان و ما أدراك كذلك ...و يستغرق قدور في سرد أسماء كل الذين استعان بھم ،و كل ما بذله حتى اشترى أخيرا كتاب الشيخ السيوطي ،الرحمة في الطب و الحكمة .(١) ( ... و بالرغم من بساطة الصورة ،إال أن الكاتب كشف بواسطتھا عما يدور في ذھنية " قدور " أحد شخوص رواية " الالز "،كما21كشف عن أھمية ھذه العادات في األوساط الشعبية ،و اعتقاد الناس الراسخ فيھا في تلك المرحلة ،بالرغم مما تنطوي عليه ھذه العادات من
تخلف و جھل و تأثر ،إال أن الكاتب حقق بمثل ھذه الصور المستوحاة من التراث الشعبي الزاخر واقعية شخصياته و تمثيلھا الصادق ،و بيئتھا ،و زمانھا ،و اكتسبت األحداث بواسطة ھذه الصورة مرونة كبيرة ،و كشف الكاتب عن مثل ھذه العادات ھو أيضا إدانة لھا . و كثيرا ما تأتي ھذه في معرض التنكيت و السخرية " استمعوا إذن ،لشيخ مشعوذ قھر القرية إلدعائه اإلطالع على الغيب و الكشف عن األسرار مھما كانت ،و يقال أنه متزوج مع جنية مسلمة ،و يقال أنه صديق عدة شياطين يھود ...حاول يوما بعض شبان القرية أن يختبروه "... ) ،(٢ألن الشاغل األول لشخصيات الطاھر وطار ھو الحياة اليومية ،و ما تعانيه الجماھير من بؤس و حرمان ،و الذي يدفعھا إلى اإللتحاق بالثورة المسلحة و الحلم بمستقبل أفضل ،و ھكذا يفلت الكاتب من الشرك الذي يقع فيه كثير من مثقفي البرجوازية الصغيرة في مجتمعنا عندما يضخمون من أمر ھذه المعتقدات ،و يجعلونھا تقف سدا منيعا في وجه توعية الجماھير ،و قد أفلح " زيدان " المثقف الثوري في تبيين شخصية المسؤول السياسي و معلم القرآن السابق الذي كانت المعتقدات تطغى على وعيه ،و تغرقه في الشعوذة " :بذلت قصارى جھدي ألنفخ فيه روح الطبقية ،و قد تطور بنسبة أربعين بالمائة " ) ".(٣عملت على تطويره ،حتى أصبح يخجل من نفسه كلما تذكر ،ترھاته " )(٤ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الطاھروطار :روايةالالز ،ص .٣٠ ، ٢٩ المصدر نفسه ،ص .٢٣٩ المصدر نفسه ،ص . ١٧٣ المصدر نفسه ،ص .١٧٤ و ھكذا يضرب " زيدان " مثال في اإلرتباط الحقيقي بالطبقة الكادحة ،بالنضال الدؤوب في سبيل توعيتھا ،و قد تأتي له كل ذلك عن طريق إدراكه للشروط التي تحكم تطور عقلية األشخاص ،الذين يتعامل معھم . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثالث األبعاد الفنية : توظيف التراث الشعبي الشخصيات المكان الزمان األسلوب السرد الحوار اللغة 22