ﻣﻮﺟﺰ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻴﻤﻦ ٠٠٠ ﻣﻦ ﻓﺠﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺣﱴ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻻﺳﻼﻡ
א ن ط وא د دود ن
א وض ،و ذ א מ ن א
! ،ن א ض ) (١وא & ! %א ن ن א وא د *+ ,ص &'
! מ א ( (' ) (٢و ل ن א ن وא ! ، /ودع א + 1ن א ، 0و ذ 3 + 3د א 7/א , 50 6زא 3و ، /و!(& و 3 + 3 0 (٣) 5د א و ن 9د א א د .,
اﻋﺪاد :اﻻﻋﻼم اﻟﺠﺪﻳﺪ ) ( 18 1
وفي خيرات اليمن يقول الكالعي: ھي الخضراء فاسأل عن رباھا **** يخبرك اليقين المخبرينا ويمطرھا المھيمن في زمان
**** به كل البرية يظمؤونا
وفي أجبالھا عز عزيز
****
يظل له الورى متقاصرينا
وأشجار منورة وزرع
****
وفاكھة تروق األكلينا)(٤
للحاشية : ١ياقوت معجم البلدان المجلد – ١ص ١١٢ للحاشية : ٢جواد علي ،ج – ١ص ١٣٥ للحاشية : ٣الھمداني – صفة جزيرة العرب ،ص ٥١األلوسي ،ج ١ص – ٢٠٣ياقوت ،المعجم مادة يمن ،مجلد ٥ص .٤٧٤ للحاشية : ٤األلوسي ،ج – ١ص ٢٠٣
ولقد أشار القرآن الكريم إلى ما كانت عليه بالد اليمن من حضارة وعمران ،فيقول تعالى: ال ُكلُوا مِن رِّ ْز ِق َر ِّب ُك ْم َوا ْش ُكرُوا ) َل َق ْد َك َ ِين َوشِ َم ٍ ان َعن َيم ٍ ان ِل َس َبإٍ فِي َمسْ َكن ِِھ ْم آ َي ٌة َج َّن َت ِ َل ُه َب ْل َدةٌ َط ِّي َب ٌة َو َربٌّ َغ ُفو ٌر * َفأَعْ َرضُوا َفأَرْ َس ْل َنا َع َلي ِْھ ْم َس ْي َل ْال َع ِر ِم َو َب َّد ْل َناھُم ِب َج َّن َتي ِْھ ْم ِيل( سبأ ١٦-١٥ ْن َذ َوا َتى أ ُ ُك ٍل َخمْطٍ َوأَ ْث ٍل َو َشيْ ٍء مِّن سِ ْد ٍر َقل ٍ َج َّن َتي ِ والواقع أن بالد اليمن لم تكن تعرف بھذا اإلسم ،وال بھذا المعنى أو بذاك ،فقد ورد إسم اليمن في نصوص سبأ القديمة بإسم يمنات ويمنت ،ومن البديھي أن اسم اليمن قد اشتق من يمنات .ولعل يمنات تعنى اليُمن والخير ،فقد كانت بالد اليمن في أقدم عصورھا التاريخية بالداً كثيرة األشجار والثمار والزروع حتى إنھا عرفت لذلك السبب باليمن الخضراء. ومن مدن اليمن القديمة صنعاء ،وقد ذكر ابن حوقل )أنھا كانت ديار ملوك اليمن فيما تقدم()(١ والمعروف أن السبأيين ،بعد حملة أبليوس جالوس على اليمن ،نقلوا عاصمتھم من مأرب إلى ذمار) (٢ويذكر ياقوت أن ذمار قرية باليمن على مرحلتين من صنعاء، كما يذكر عن بعض الروات أن ذمار اسم لصنعاء (٣) .ومنذ ذلك الحين ازدھرت صنعاء ،ثم اتخذھا األحباش حاضرة لھم في اليمن وأقاموا فيھا القليس المشھور .وقد ذكرھا وھب ابن منبه ) (٤ولعلھا الكنيسة الكبرى التي سماھا العرب كعبة نجران) (٥وكانت مقامة من أدم من جلد وكانت لعبد المسيح بن دارس ابن عدي بن معقل وفيھا يقول األعشى: 2
وكعبة نجران حتم عليك **** حتى تناخ بأبوابھا نزور يزيداً وعبد المسيح **** وقيساھم خير أربابھا وشاھدنا الورد والياسمــ **** ـــين والمسمعات بقسابھا )(٦ للحاشية : ١ابن حوقل ص ٤٣ للحاشية : ٢صالح أحمد العلي – محاضرات في تاريخ العرب ،ج – ١بغداد ،١٩٥٩ص .٢٤ للحاشية : ٣ياقوت معجم البلدان مجلد ٣مادة ذمار ص ٧ للحاشية : ٤ياقوت معجم البلدان مجلد ،٥مادة نجران ص .٢٦٦ للحاشية : ٥ابن الكلبي كتاب األصنام ص .٤٥ للحاشية : ٦ابن الكلبي كتاب األصنام – ص .٢٦٨
وعلى الرغم من قضاء ذي نواس الحميري على نصارى نجران بالحرق ،فقد عادت نجران في ظل األحباش والفرس إلى مثل ما كانت عليه حتى ظھور اإلسالم .وفي العام التاسع للھجرة قدم وفد من نصارى نجران على الرسول )ص( وفيھم عبد المسيح واالسقف أبو حارثة ،وصالحوا النبي ،فكتب لھم كتابا ً .وفي خالفة عمر أجالھم من بالدھم ،فإنتقلوا منھا إلى موضوع الكوفة وواسط )( ١
الدولة المعينية ٦٣٠ – ١٣٠٠ق م اعتبر الدولة المعينية أقدم الدول العربية التي قامت في اليمن ،إذ دامت من سنة ١٣٠٠تقريبا ً ق م إلى سنة ٦٣٠ق م – ولم يرد لھذه الدولة ذكر في المصادر ً خاصة ببلدتي معين وبراقش ال يتجاتوز العربية وحتى ما تضمنته ھذه المصادر كونھما موضعين في الجوف بين نجران وحضر موت أو محفدين من جملة محافد اليمن وقصورھا القديمة ) (٢وقد ورد اسم المعينين في المصادر اليونانية والرومانية فسماھم استرابون وديودور الصقيلي وبلنيوس Minaeiوذكر استرابون أن عاصمتھم مدينة قرناو Carnao.وقد ذھب بعض العلماء قبل الكشف عن آثار معين في اليمن في سنة ١٨٧٤ :إلى أن لفظة Minaeiإنما تطلق على جبل منى الواقع بالقرب من مكة ) (٣في حين اعتقد بعضھم أن كلمة ماعون أو معون MAONالواردة في التوراة إنما يقصد بھا معان الواقعة جنوب شرقي البتراء بالد األدوميين. للحاشية : ١البالذري ،فتوح البلدان ،ج ،١ص .٨١ – ٧٦ للحاشية : ٢الھمداني – صفة جزيرة العرب – ص – ٢٠٣اإلكليل ،ج ٨ص – ١٠٥ياقوت ،معجم البلدان مجلد ٥مادة معين ص .١٦٠ للحاشية : ٣جرجي زيدان ،العرب قبل اإلسالم ص ٣٠
3
الدولة المعينية: ظھرت الدولة المعينية في الجوف أي في المنطقة السھلة الواقعة بين نجران وحضر موت ،ولم يكن المعينيون وافدين من الشمال كما يعتقد بعض الباحثين) (١وإنما كانوا من أھل البالد الجنوبية .وقد اشتغل المعنيون بالتجارة ،وسيطروا على الطرق التجارية بين الشمال والجنوب ولم يلبث نفوذھم السياسي أن أدرك شمال الحجاز فدخلت معان وديدن )العال الحديثة( ،في فلك دولتھم استناداً إلى الكتابات المعينية التي أسفر عنھا البحث األثري والكشوفات في منطقة معان والعال )ديدن). ومن المعروف أن الطريق التجاري البري الموصل بين اليمن والشام ومصر كان يمر غربي تيماء ،وكان ھذا الطريق األعظم أحيانا ً في سيطرة المعينيين ،وأحيانا ً أخرى في أيدي السبأيين الذين كانوا يعاصرونھم ،وفي جميع الواحات التي يمر عليھا ھذا الطريق في الشمال الغربي من بالد العرب مثل واحة مدين وواحة ديدان المذكروة في الكتاب المقدس بإسم :ددن أو ديدن ،والتي تقع قريبا ً من واحة العال، ومثل واحة معون أي معان الحديثة ،كانت تقيم طائفة من حكام معين أو سبأ تؤيدھا حاميات عسكرية وجاليات جنوبية من األوساط التجارية ،كما كانت تقيم معھا جالية من األفريقيين الكوشيين بإعتبار أن ھؤالء الكوشيين كانوا يمارسون التجارة مع المعينيين أو السبأيين بحكم الجوار(٢). وقد استلزم اشتغال المعينيين بالتجارة معرفتھم بتدون الحسابات التجارية والكتابة، فاقتبسوا األبجدية الفينيقية لسھولة استعمالھا ،ودونوا بھا لغتھم .وقد عثر على كتابات معينية في مصر وفي الجيزة ،وفي جزيرة ديلوس من جزر اليونان ،ترجع إلى القرن الثاني قبل الميالد) (٣وتشير ھذه الكتابات إلى الصالت التي كانت تربط مصر واليونان بالدولة المعينية في اليمن ،كما تشير إلى أن المعينيين حتى بعد سقوط دولتھم بزمن طويل ظلوا يحتفظون بكيانھم اإلجتماعي وتقاليدھم التجارية)(٤ للحاشية : juidi, l Arabie anteislanique, p. 64 ١حسن ابراھيم حسن تاريخ اإلسالم السياسي ج ١ص .٢٣يعتقد الدكتور حسن ابراھيم أن المعينين ھاجروا من بالد العراق ،والتمسوا مقراً متحضراً يقيمون فيه ،ويرجح من دراسة أحوالھم السياسية واإلجتماعية، ومن أسماء رجالھم وآلھتھم أنھم ينسبون في األصل إلى عمالقة العراق ،ولما نزلوا في جنوب الجزيرة شيدوا القصور والمحافد على مثال ما شاھدوه في بابل .وال نوافق الدكتور حسن ابراھيم حسن على ھذا الرأي. للحاشية : ٢الويس موسل ،ص ٨٨ – ٨٧ للحاشية : ٣جواد علي ،ج ١ص ٣٩٧ – ٣٨٥ويرجع تاريخ نقوش معين في مصر إلى سنة ١٥٩ق م في العام ٢٢من حكم بطليموس السادس فيلوماتر. للحاشية : ٤صالح أحمد العلي ،محاضرات في تاريخ العرب ،ج ١ص ١٨ – ١٧
ونستدل من الكتابات المعينية التي عثر عليھا في الجوف اليمني وفي ديدن )العال( 4
على أن حكومة "معين" كانت حكومة ملكية ،وكانت للمدن المعينية مجالس تدير شؤونھا في السلم والحرب تعرف بإسم )مسود( على النحو الذي كانت عليه )دار الندوة( في مكة في العصر الجاھلي)(١ كذلك نستدل من النقوش المعينية على أن الضرائب كانت تنقسم إلى ثالثة انواع: ضرائب تعود جبايتھا لخزانة الملك. ضرائب تؤول إلى المعابد. وضرائب إلى المشايخ والحكام. وضرائب المعابد نوعان: نوع يقال له أكرب ،أي تقدمھا القبائل تقربا ً لآللھة ،ونوع إجباري كان يفرض على األفراد يقال له عشر)(٢ للحاشية : ١جواد علي ص ٤٠٥ للحاشية : ٢جواد علي ص ٤٠٦
الدولة السبئية ٨٠٠ق م – ١١٥ق م جاء ذكر السبأيين في النقوش األشورية التي ترجع إلى أيام الملك تجالت بالسر الثالث وسرجون الثاني وسنحريب ،بما يشير أن ھؤالء الملوك قد فرضوا الجزيات على ملكي سبأ يثعمر وكرب إيلو ) (١كذلك ورد اسم سبأ في التوراة ألنھا بالد تنتج الطيوب واللبان ) (٢واألحجار الكريمة ومعدن الذھب ) (٣وأن ملكة سبأ زارت سليمان في أورشليم ،وحملت إليه الطيوب والذھب الكثير واألحجار الكريمة )،(٤ كذلك جاء ذكر ملكة سبأ في القرآن الكريم في سورة النمل )( ٥ للحاشية : ١المقصود بملوك سبأ في النصوص األشورية ،حكام سبأ المقيمين في واحات ديدن ومعان وتيماء ممثلين لملوك سبأ )إرجع إلى :موسل شمال الحجاز ترجمة الدكتور عبد المحسن الحسيني ،اإلسكندرية ١٩٥٢ ،ص .٩٧ – ٩٦ للحاشية ٢الكتاب المقدس ،سفر أرمياء ،إصحاح ٦آية ٢٠ص ١٠٨٣ للحاشية : ٣سفر حزقيال ،إصحاح ٢٧أية ٣٤ – ٣٣ص ١٢١٩ للحاشية : ٤سفر الملوك األول ،إصحاح ١٠أية – ٢ – ١ص ٥٥١ للحاشية ٥يقول mتعالى :سورة النمل ٤٤ – ٢٢
وقد اختلف المؤرخون في أصل السبأيين ،فبينما تذكر الروايات العربية أن سبأ من ولد يشجب بن يعرب بن قحطان وتسميه بعبد شمس ،وتفسر تسميته بسبأ بأنه كان يسبي الذراري واألطفال فسمي لذلك بسبأ) (١ونجد أن سم سبأ ورد في التوراة 5
بإعتباره من كوش بن حام مرة ) (٢ومن ولد يقطان مرة ثانية ) (٣وأغلب الظن أن السبأيين كانوا في األصل شعب بدوي يتنقل بين شمال شبه جزيرة العرب وجنوبھا، ثم استقر ھذا الشعب في بالد اليمن فيما يقرب من عام ٨٠٠ق م نتيجة لضغط األشوريين عليھم من الشمال ،واستغل السبأيون ضعف المعينيين ،فأخذوا يوسعون منطقة نفوذھم على حساب دولة "معين" ،فلما قوي أمر السبأيين قضوا على الدولة المعينية ،وأقاموا دولتھم على أنقاضھا ،وورثوا لغتھا وديانتھا وتقاليد شعبھا، وخلفوھم في اإلشتغال بنقل التجارة بين الھند والحبشة ومصر والشام والعراق ،حتى أصبحوا في القرون األولى ق م أعظم وسطاء التجارة بين الحبشة والھند وبين الشام ومصر .ويرى االستاذ ھومل أن السبأيين كانوا يستوطنون الجوف في بالد العربية الشمالية ،غير أنھم تركوا مواطنھم وارتحلوا إلى جنوب الجزيرة العربية في القرن الثامن ق م ،واتخذوا صرواح ثم مأرب عاصمة لھم ،ويتعقد االستاذ ھومل أنھم كانوا في األصل يقيمون في المواضع التي أطلق عليھا األشوريون اسم عربي أو أريبي ،ووردت في التورات بإسم يارب أو يعرب ،فلما استقروا في اليمن أسسوا عاصمتھم مأرب التي سميت كذلك نسبة إلى اسم موطنھم األصلي أريبي أو يارب)(٤ للحاشية : ١وھب بن منبه ،كتاب التيجان في ملوك حمير ،حيذر آباد الدكن ،١٣٤٧ص – ٤٨عبيد بن ابن شربة ،أخبار عبيد بن شربة ،ملحق بكتاب التيجان ،ص – ٣٩٧البالذري ،أنساب األشراف ،ج ، ١تحقيق الدكتور محمد حميد , mالقاھرة 195,ص – ٤ المسعودي ،مروج الذھب ،ج ٢ص .٧٤ للحاشية : ٢أخبار األيام األولى ،إصحاح ١أية ٩ص .٦٣٣ للحاشية : ٣سفر التكوين ،إصحاح ،١٠آية ٢٨ص .١٦ للحاشية : ٤جواد علي ج ٢ص .١٠٦
ويمكننا بفضل النقوش السبأية أن نقسم عصر الدولة السبأية إلى مرحلتين تاريخيتين متتابعتين: األولى – مرحلة المكارب ،وھي مرحلة كان يتلقب فيھا حاكم سبأ بلقب مكرب أي المقرب من األلھة والناس ،أو الوسيط الذي يقرب بين اآللة والناس .ويمتد عصر المكارب من سنة ٨٠٠ق م إلى سنة ٦٥٠ق م . الثانية – مرحلة ملوك سبأ ،وھي المرحلة التي تلقب فيھا حكام سبأ بلقب ملك سبأ ، وقد استمرت ھذه المرحلة إلى سنة ١١٥ق م والتي أنتھت بسقوط سد مأرب المشھور ،وھجرة الشعوب إلى أصقاع البالد. 6
الدولة الحميرية ١١٥ق م ٥٢٥م وكما يالحظ المدقق في قراءة النقوش في مراحل تطور اليمن أن العرب في ذلك الزمن قد اعتمدوا على خطوط ألبجديتھم تختلف تماما ً عن الخط العربي المعروف اليوم فقد استخدموا األحرف الحميرية والألحرف خط المسند القريب إلى الخط الفينيقي. و قد اتفق المؤرخون على أن عصر )ملوك سبأ وذي ريدان( والعصر التالي له المعروف بعصر )ملوك سبأ وذي ريدان وحضر موت ويمنت ( ھما العصران اللذان برز فيھما الحميريون على مسرح األحداث في بالد العرب الجنوبية ،ولذلك اصطلحوا على تسمية ھذين العصرين بعصري الدولتين الحميرية األولى والثانية. - ١الدولة الحميرية األولى )ملوك سبأ وذي ريدان( ١١٥ق م ٣٠٠م وبعد سقوط سد مأرب في اليمن سادت اليمن فترة من المجاعة والھجرة الجماعية وسيطرة القراصنة على البحار فكانت الحملة الرومانية المعروفة بحملة إليوس جاولس حاكم مصر الرومانية في سنة ٢٤ق م لإلستيالء على اليمن بغية السيطرة على طرق التجارة التي كان يحتكرھا ملوك سبأ ،واستغالل ثروات اليمن )(١ وتطھير البحر األحمر من القراصنة .واعتمد إليوس جالوس في حملته على مساعدة األنباط في عھد ملكھم عبادة الثاني الذي وعد الرومان بتقديم كافة المساعدات ، ويبدوا أن فشل حملة إليوس جالوس كان السبب في قيام الرومان بتغير خططھم السياسية نحو بالد العرب ،فعدلوا نھائيا ً عن فتح ھذه البالد عسكريا ً ،واقتصروا على محاولة السيطرة على التجارة البحرية ،وتدعيم مصالحھم التجارية في ھذه البالد عن طريق تحسين عالقتھم السياسية باإلمارات العربية في الجنوب العربي. وفي ھذا العصر الحميري األول بدأ الضعف يدب في كيان دولة سبأ وذي ريدان، وتطلع البطالسة ومن بعدھم الرومان إلى احتكار الطريق التجاري عبر البحر األحمر والتخلص بذلك من اعتماده على تجار العرب في اليمن وحضر موت )(٢ ومن ھذا الميناء كانت السفن تصل إلى الساحل المصري لتفرغ حمولتھا ھناك، فتنقل منه بالقوافل البرية أو بالسفن عبر القناة القديمة الموصلة بين البحر األحمر والنيل إلى داخل البالد ) (٣وقد أضر ذلك بإقتصاديات اليمن إضراراً بالغا ً أكثر مما 7
أضر بھا إنكسار سد مأرب(٤) . وآخر ملوك دولة حمير األولى المعروفين في المصادر العربية بالتبابعة ھو الملك )ياسر يھنعم( ،ويعرف في المصادر العربية بإسم ناشر النعم ) (٥أو ناشر ينعم ).(٦أو ياسر ينعم ) (٧وھو عند اإلخباريين مالك ابن يعفر بن عمرو بن حمير بن السياب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ )، (٨ ويزعمون أنه عرف بھذا اإلسم ألنه أحيا ملك حمير بعد أربعين عاما ً أيام سليمان بن داوود )(٩ للحاشية : philpy, Op. CIT. P. 100 – ١فيليب حتي ص – ٥٦جواد علي ،ج ٢ص .٣٨٤ للحاشية : ٢فيليب حتي ،تاريخ العرب ترجمة محمد مبروك نافع ،ص .٧٢ – ٦٩ للحاشية : ٣جواد علي ،ج ٢ص ٣٧٨ للحاشية : Guidi, L, arabie Anteislanique P 67٤ للحاشية : ٥وھب ابن منبه كتاب التيجان من ملوك حمير ،ص -٤٢٦ ،٢١٩اإلكليل ،ص .٢٠٧ للحاشية : ٦حمزة بن حمزة األصفھاني ،كتاب تاريخ سني ملوك األرض واألنبياء ،برلين ،١٣٤٠ص .٨٣ للحاشية . ٧اليعقوبي ،تاريخ اليعقوبي ،النجف ، ١٣٥٨ج ، ١ص .٥٩ للحاشية : ٨كتاب التيجان ص ،٢١٩ويسميه الھمداني مالك بن عمر بن يعفر بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ. للحاشية : ٩التيجان ص .٢١٩وذكر عبيد بن الشربة أنه سمي كذلك ألنه استرجع ملك الحميرين وجمع األمر لھم)كتاب التيجان ص ).٤٢٦
أي أنھم يرجعون عھده خطأ ً إلى أيام سليمان مع أنه من ملوك حمير في القرن الثالث الميالدي( ١) . وينسب الرواة إليه الفتوحات العظمى ،فزعموا أنه )جمع حمير وقبائل قحطان وخرج بالجيوش إلى ماحوي أباؤه والتبابعة العظماء ،فوطئ موطئا ً من األرض عظيما ً ،واشتد سلطانه ،فخرج إلى المغرب حتى بلغ إلى البحر المحيط ،فركب في عشرة آالف مركبا ً وسار يريد وادي الرمل ،فركب شمر ونزل ناشر النعم على صنم ذو القرنين فأخرج عساكر إلى اإلفرنج والسكسك ،وعبر عساكره إلى أرض الصقالبة فغنموا األموال وسبوا الذراري ،ورجعوا إليه بسبي من كل أمة في جزائر البحر (٢) .وزعموا أيضا ً أنه غزى الحبشة واستولى عليھا ) (٣وغلب على أرض الترك وطبرستان وجبال الصفد ) (٤إلى أرض الكرد والزط والخزر وفرغان فغلب عليھم ،وأنه مات بدينور ) (٥وقد ورد اسمه في نقش مؤرخ في سنة ٢٧٠م )(٦ للحاشية : ١جواد علي ،ج ٣ص ١٤٠ للحاشية ٢كتاب التيجان ،ص ٢٢٠ للحاشية : ٣كتاب التيجان ص ٢٢٠ للحاشية ٤كتابات التيجان ص ٢٢١ للحاشية ٥اإلكليل ،ص ٢٠٨ للحاشية ٦فرتس ھومل ،التاريخ العام لبالد العرب الجنوبية ،من كتاب التاريخ العربي القديم ص ،٩٨جواد علي ،ج ٢ص .١٤١
8
- ٢الدولة الحميرية الثانية :ملوك سبأ وذي ريدان وحضر موت ويمنت٣٠٠ .م – ٥٢٥م مؤسس ھذه الدولة ھو شمر يھرشع المعروف عند األخباريين بشمر يرعش بن ناشر النعم) (٣١٠ – ٢٧٠م الذي تلقب فيما يقرب من عام ٢٩٠م بملك سبأ وذي ريدان وحضر موت ويمنت .وشمر ھذا عند األخباريين ھو تبّع األكبر ) (١الذي جاء ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى :اھم خير ام قوم تبع والذين من قبلھم اھلكناھم انھم كانوا مجرمين -الدخان ٣٧ وذكروا أنه زحف بجيوشه إلى أرمينية وھزم الترك ،وھد المدائن بدينور وسنجار، ودخل مدينة السغد وھدمھا فسميت شمر كند ) (٢أو شمر كنداي عند الفرس ،من شمر أي خرب في زعمھم ثم ُع ّر َبت إلى سمرقند ) (٣ألن شمر ھدمھا فسميت به ) (٤وقيل في رواية أخرى أن شمر يھرعش لما افتتح سمرقند ھدمھا ثم أمر ببنائھا)(٥ للحاشية : ١كتاب التيجان ،ص – ٢٢٢اإلكليل ،ص . ٢١٠وقد سمي باألكبر ألنه لم يتم للعرب قائم قط أحفظ لھم منه ،وكان أعقل من وراه من الملوك وأعالھم ھمة وأشدھم مكراً لمن حارب. للحاشية : ٢أخبار عبيد بن شربة ،ص ٤٢٩ للحاشية : ٣كتاب التيجان ،ص ٢٢٧ للحاشية : ٤أخبار عبيد بن شربة ،ص ٤٢٩ للحاشية : ٥أخبار عبيد بن شربة ص – ٤٣٢اإلكليل ،ص .٢٢٥
وغزو األحباش األول لليمن ال يرجع إلى عوامل دينة ،إذ لم يكن ملك الحبشة قد نبذ بعد الوثنية واعتنق المسيحية ،ولم يرد في األخبار أن األعميدا ،وھو النجاشي الذي افتتح اليمن ،كان مسيحيا ً ،ويرجح الدكتور جواد علي أن ھناك عوامل اقتصادية لھا اعتبارھا في غزو األحباش لليمن ) (١وأعتقد أن غزو األحباش األول لليمن كان رد فعل لسيطرة الحميريين في القرن األول الميالدي على ساحل أزانيا أو لتأديب الحميريين بسبب تجرئھم على مھاجمة التجارة الحبشية. فترة اإلحتالل الحبشي األول لليمن في عصر الدولة الحميرية الثانية: يعتقد فريق من العلماء أن الحبشة )حبشت( كانوا في األصل جماعات عربية يمنية كانت تعيش على الساحل الجنوبي للجزيرة العربية شرقي حضر موت ،ثم ھاجرت غربا ً وعبرت مديق باب المندب ،واستوطنت المناطق المقابلة لليمن على ساحل البحر األحمر من القارة األفريقية ) .(٢وقد تم عبور ھؤالء العرب الجنوبيين 9
تدريجيا ً في زمن قديم ال نستطيع تحديده على وجه الدقة ،واألرجح أنه حدث قبل طليعة القرن الرابع ق م وتمكن ھؤالء العرب الجنوبيون من تأسيس مستعمرة تجارية على الشاطئ األريتيري ،ولم يلبثوا أن مدوا نفوذھم إلى الھضبة األثيوبية على حساب شعوب الكوش التي كانت تعيش في ھذه البالد قبل ھجرتھم. ويمضي الزمن فتأفرق ھؤالء المھاجرون ،وأخذوا ينثرون بذور الحضارة السامية في البالد ،ومنذ القرن األول الميالدي ونجح ھؤالء العرب الجنوبيون في تأسيس مملكة أكسوم ،ومدينة أكسوم ،عاصمة المملكة الحبشية والمركز الرئيسي لتجارة العاج )(٣ للحاشية : ١جواد علي ج ٣ص ١٤٩ للحاشية ٢جواد علي ج ٣ص ١٤٩ وتبعه في ذلك جمھور كبير من العلماء من بينھم رينان وكونتي روسيني وموسكاتي وجويدي ،ولم نتوصل بعد إلى معرفة موضع حبشت. Die Abessinier in Arabien Und Afika Munehen 1895 للحاشية : Guidi, L Arabie Anteislanique, P. 69 – Mosca2, Histore et Civilisa2on semi2ques p 214-215٣
إزدھرت مملكة أكسوم في القرن الثالث الميالدي وأخذت تمد نفوذھا وسيطرتھا على المناطق المجاورة لھا في الشمال والجنوب والشرق .وفي ھذه المرحلة التوسعية من مراحل تاريخ مملكة أكسوم دخلت المسيحية في الحبشة عن طريق بعض المبشرين فيما يقرب من عام ٣٢٠م وأصبحت المسيحية بعد أن اعتنقھا "عزانا" ملك أكسوم ،الدين الرسمي للمملكة األكسومية ) (١ولم يمض عشر سنوات على إنتشار المسيحية في الحبشة حتى أقيم في أكسوم أول أسقف وأسمه "فرومنتيوس" وفي الوقت نفسه كان المبشرون المسيحيون يقومون بنشر المسيحية في اليمن )(٢ كان غزو األحباش لليمن في العھد النجاشي األعميدا فيما يقرب من سنة ٣٤٠م كما سبق أن أوضحنا ،رد فعل للغزو الذي قام به ملوك حمير للسواحل الشرقية للحبشة، ولم يكن للعوامل الدينية دخل في ھذا الغزو .وتم الغزو في عھد يريم يرحب بن شمر يھرعش ومنذ ذلك الحين تلقب ملك أكسوم بلقب ملك أكسوم وحمير وذي ريدان وحبشت وسبأ وتھامة ،وفر ملك حمير وأبناؤه إلى يثرب ) (٣مركز اليھودية في الجزيرة العربية ،منذ أن ّ حطم طيطس بيت المقدس في سنة ٧٠م. للحاشية : ١ديتلف نيلسون ،تاريخ العلم ،الفصل األول من كتاب التاريخ العربي القديم ،ص ٣٤ للحاشية : ٢ديتلف نيلسون ،تاريخ العلم ،الفصل األول من كتاب التاريخ العربي القديم ،ص ٣٤ للحاشية : Guidi, L Arabie Anteislamique, p 72- Moseca2, op.cit. P 216٣ فؤاد حسنين استكمال لكتاب التاريخ العربي الثديم ،ص ٣٠١
10
ولم يطل أمد اإلحتالل الحبشي لليمن ففي عھد الملك األكسومي "عزانا" ،الذي اعتنق المسيحية في سنة ٣٥٠م كدين للدولة الحبشية ،قامت بعض الثورات في مناطق إفريقية من مملكته ،فانتھز اليمنيون فرصة إنشغاله بإخماد ھذه الثورات وتمكن ملكي كرب يھمن من استرداد البالد وطرد األحباش منھا فيما بين عامي ٣٧٨ – ٣٧٠م وقد ورد اسم ھذا الملك مع ابنيه أبي كرب أسعد وورد أمر أيمن في نقش يرجع تاريخه إلى سنة ٣٧٨م جاء فيه أن ھؤالء جميعا ً أقاموا معبداً لآللھة "ذو سموي" أي إله السماء أو رب السماء ) (١ويعلل األخباريون العرب إنتشار اليھودية في اليمن بعد أن استردھا أبو كرب أسعد بأنه لما رجع إلى اليمن بمن معه من جنود واألحبار اليھود دعا قومه إلى الدخول إلى اليھودية فحال قومه بينه وبين دخولھا، وقالوا له “ :ال تدخلھا علينا وقد فارقت ديننا" .قال إنه خير من دينكم ،فقالوا له ”: حاكمنا إلى النار” .قال :نعم .وكانت باليمن فيما يزعم أھل اليمن نار تحكم بينھم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم وال تضر المظلوم شيئا ً .فخرج قومه بأوثانھم وما يتقربون به ،وخرج الحبران بمصاحفھما في أعناقھما متقلدين بھا حتى قعدوا للنار عند مخرجھا ،فخرجت النار إليھم ،فلما أقبلت نحوھم حادوا عنھا وھابوھا. فأمرھم من حضر بالصبر .وصبر حتى غشيتھم وأكلت األوثان وما قربوا معھا ومن حمل ذلك من رجال حمير ،وخرج الحبران بمصاحفھما في أعناقھما تعرق جباھھما ولم تضرھما .فأتفقت عند ذلك حمير على دينه ،فمن ھناك كان أصل دين اليھودية في اليمن(٢) . للحاشية : ١جواد علي ج ٣ص ١٥٣ للحاشية : ٢كتاب التيجان ص ٢٩٧ – ٢٩٦
ال تدل عبارة "ذو سموي" عند الحميريين بعد ٣٧٨م على إنتشار اليھودية في بالد اليمن ،كما تشيع الروايات العربية ،ولكن انتشار ھذه العبادة يدل على إتساع أفق العرب الجنوبيين الديني بعد احتكاكھم بالمبشرين المسحيين وباألحباش المتنصرين وباألحبار اليھود ،ويعتقد الدكتور جواد علي ،على أنه يفھم من ذلك أن عرب الجنوب خطوا "خطوة نحو التوحيد ،خطوة نحو تصفية الحساب مع العقيدة الوثنية القديمة التي تعترف بآلھة عديدة مع اآللھة المحلية ،واإلعتقاد بوجود إله واحد أعلى وقاھر ھو رب السماء" ) (١وخلف أبو كرب أسعد أخوه وروامر أيمن فيما يقرب من سنة ٤١٥م ثم انتقل الحكم من بعده إلى أخيه شرحبيل يعفر سنة ٤٢٠م .وفي عھده تم ترميم سد مأرب في عام ٤٤٩م .ويبدو أن ھذه األعمال لم تجد نفعا ً ،فقد 11
تھدم السد بعد ترميمه بعام واحد في سنة ٤٥١ – ٤٥٠م ،وأدى ذلك إلى فرار جماعات كبيرة من سكان ھذه المنطقة إلى الجبال ،فقام الملك شرحبيل من جديد ببناء السد ،وتم ذلك في سنة ٤٥١م .وسجل الملك شرحبيل ھذه األعمال في نقش طويل تضمن فيما تضمنه عبارة تدل على إنتشار عقيدة التوحيد في اليمن في زمن شرحبيل نصھا: )بنصر وردا الھن بعل سمين وأرض( ،أي بنصر وبعون اإلله سيد السماء واألرض ،وھي تعبير ال يتفق مع الديانتين المسيحية واليھودية )( ٢ للحاشية : ١جواد علي ج ٣ص .١٥٣ للحاشية : ٢جواد علي ج ٣ص ١٥٨
الغزو الحبشي الثاني لليمن وسقوط الدولة الحميرية الثانية: كان تحول ملوك أكسوم إلى المسيحية إذانا ً بتقارب ھذه المملكة مع بيزنطة حامية نصارى الشرق ،وكان األحباش يطمعون في السيطرة على بالد اليمن لتضمان توزيع البضائع الحبشية ) (١دون أن تتعرض لإلعتدائات التي كان يمارسھا الحميريون .ويبدو أن نفوذ األحباش على اليمن ظل قويا ً حتى بعد أن تمكن أبو كرب أسعد من تحرح اليمن من حكمھم ،ولعل ھذا النفوذ أو الضغط السياسي الذي كان يمارسه ملك الحبشة على اليمن قد دعا مليكھا "ذا نواس" ) (٢إلى أن يربط بين أنتشار المسيحية في اليمن وبين ازدياد نفوذ األحباش السياسي في البالد ،ولذلك عول على تحويل نصارى نجران عن دينھم بالقوة ) (٣وعندئذ وجد كالب ملك الحبشة فرصته المواتية لغزو اليمن بحجة وضع حد لسياسة ذي نواس التعسفية مع النصارى .وجاءت اللحظة التي تھيء له فيھا التدخل المباشر عن طريق الغزو ،إذ قام ذو نواس بمھاجمة نجران أكبر مركز للمسيحية في اليمن في سنة ٥٢٣م ،وخير أھلھا بين نبذ المسيحية أو تقتل حرقا ً ،فتخيروا القتل ،وآثروا اإلستشھاد فحفر لھم أخاديد أحرقھم فيھا وأحرق إنجيلھم ،وقد ذكرھم mتعالى في القرآن الكريم في سورة البروج ،إذ يقول سبحانة وتعالى: ُ َ ت ْال َوقُو ِد * إِ ْذ ُھ ْم َع َل ْي َھا قُعُو ٌد * َو ُھ ْم َع َلى َما ار َذا ِ (قُ ِت َل أصْ َحابُ األ ْخ ُدو ِد * ال َّن ِ ِين ُ شھُو ٌد( )(٤ ون ِب ْالم ُْؤ ِمن َ َي ْف َعلُ َ للحاشية : ١مراد كامل ،مقدمة لكتاب شيرة الحبشة ،تأليف الحيمي الحسن بن أحمد ,القاھرة 1958ص .٦١
12
للحاشية : ٢يسميه بعض اإخبارين العرب زرعة ذي نواس ابن تبان أسعد "كتاب التيجان ،ص ”٣٠٠ويسمه أخرون بيوس ذي نواس "الطبري ،تاريخ األمم والملوك ج ٢قسم ١ص ”.٩١٩ ً للحاشية : ٣ذكر حمزة اإلصفھاني أن ذا نواس كان قد "نزل يثرب مجتازا بھا فأعجبته اليھودية فتھود ،وحملته يھود يثرب على غزو نجران إلمتحان من بھا من النصارى" الذين اعتنقوا النصرانية بفضل تعاليم رجل قدم إليھم من بالد الغساسنة "حمزة اإلصفھاني ،ص “.٨٨ للحاشية : ٤القرآن الكريم ،سورة البروج ،٨٥آية .٧ – ٤
وفي رواية أخرى لليعقوبي يقول فيھا “ :وملك ذو نواس بن أسعد ،وكان اسمه زرعة ،فعتا ،وھو صاحب اإلخدود ،وذلك أنه كان على دين اليھودية ،وقدم اليمن رجل يقال له عبد mبن الثامر ،وكان على دين المسيح فأظھر دينه باليمن ،وكان إذا رأى العليل والسقيم قال :أدعوا mلك يشفيك ،وترجع عن دين قومك ،فيفعل ذلك ،فكثر من اتبعه ،وبلغ ذا نواس ،فجعل يطلب من قال بھذا الدين ويحفر لھم في األرض اإلخدود ،ويحرق بالنار ،ويقتل بالسيف حتى أتى عليھم ،فسار رجل منھم إلى النجاشي وھو على دين النصرانية فوجه النجاشي إلى اليمن بجيش (١) “ .... فسار إلى ملك الروم فأعلمه ما صنع ذو نواس بأھل دينه من قتل األساقفة وإحراق اإلنجيل وھدم البيع ،فكتب إلى النجاشي ملك الحبشة فبعث بأرياط(٢) .... أما النصارى الحميريون فقد كانوا – وفقا ً للوراية الحبشية يرسلون بھداياھم إلى النجاشي ويدفعون إليه الضرائب ،وكان من الطبيعي لذلك أن ال يسكت ملك حمير على ھذا التدخل)(٣ وال شك أن أصحاب اإلخدود كانوا وثنيين لم ينقموا من أھل نجران إال ألنھم كانوا يؤمنون با ،xويتضح ذلك في قوله تعالى: ض يز ْال َحمِي ِد * الَّذِي َل ُه م ُْل ُ ك ال َّس َم َاوا ِ ( َو َما َن َقمُوا ِم ْن ُھ ْم إِالَّ أَن ي ُْؤ ِم ُنوا ِب َّ ِ ت َواألَرْ ِ اْ xال َع ِز ِ َو َّ َ ُ mع َلى ُك ِّل َشيْ ٍء َش ِھي ٌد( )(٤ للحاشية : ١اليعقوبي ،ص .١٦١ للحاشية : ٢أبو حنيفة الدينوري ،األخبار الطوال ،ص .٦٢ للحاشية : ٣جواد علي ،ج ٣ص .١٧٩ للحاشية : ٤القرآن الكريم سورة البروج ٨٥أيه ٩ – ٨
تولية أبرھة على اليمن: تذكر المصادر العربية أن أرياط لما دخل اليمن وضبطھا ،درت عليه األموال ، فجعل يؤثر بھا من يحب ،فأثار بذلك ثائرة األحباش ،فإنضموا إلى أبرھة ، وبايعوه ،وإنقسم معسكر األحباش إلى فريقين ،فريق يؤيد أرياط ،والفريق اآلخر 13
يؤيد أبرھة ،وتبارز كل من أرياط وأبرھة ،فدفع أرياط عليه حربته ،فوقعت في وجه أبرھة ،فشرمته ،ولذلك سمي باألشرم ،وضرب أبرھة أرياط بالسيف على مفرق رأسه ،فقتله ،وإنحازت الحبشة إليه فملكھم ،وأقره النجاشي على سلطان اليمن(١) . ويذكر برو كوبيوس أن األحباش في اليمن أعلنوا الثورة على "السميفع" وحاصروه في قلعته ،وأقاموا مكانه عبداً نصرانيا ً إسمه إبراھام ،فغضب النجاشي وسير قوة قوامھا ٣٠٠٠رجل لتأديبه وتأديب من إنضم إليه ،فلما قدمت القوة المذكورة إنحاز جنودھا إلى أبرھة بعد أن وثبوا على قائدھم .واتفق أن توفي نجاشي الحبشة ،فصالح أبرھة ألنجاشي الجديد على دفع جزية سنوية ،على أن يعترف به نائبا ً عن الملك في اليمن ،فأقره النجاشي على ذلك ) (٢ونخرج من ذلك بأن عھد "السميفع" كان قصيراً وأن أبرھة الذي كان قد تغلب على أرياط اغتصب الحكم في اليمن ،وأن النجاشي أقره على حكم اليمن نظير جزية يدفعھا له .ويؤكد ذلك ما ذكره المسعودي وغيره(٣) ، للحاشية : ١الدينوري ،ص ٦٢اليعقوبي ،ج ، ١ص – ١٦٢الطبري ،ج ٢قسم ١ص – ٩٢٣المسعودي ،ج ٢ص .٧٨ للحاشية : ٢جواد علي ،ج ٣ص “ ١٩٢نقالً عن بروكوبيوس ". للحاشية : ٣راجع اليعقوبي ،ج ١ص .١٦٢
حملة إبرھة على مكة في عام الفيل ٥٧٠م: كان من أھم أعمال أبرھة نشر الدين المسيحي في اليمن ،وبناء كنيسة في صنعاء سماھا القليس "من لفظة Ekklessiaاليونانية. وذكر ياقوت أن أبرھة "إستذل أھل اليمن في بنيان ھذه الكنيسة ،وجشمھم فيھا أنواعا ً من السخر ،كان ينقل إليھا آالت البناء كالرخام والحجارة المنقوشة بالذھب من قصر بلقيس صاحبة سليمان عليه السالم ،وكان من موضع ھذه الكنيسة على فراسخ ،وكان فيھا بقايا من آثار ملكھم ،فاستعان بذلك على ما أراده من بناء ھذه الكنيسة وبھجتھا وبھائھا ،ونصب فيھا صلبانا ً من الذھب والفضة ،ومنابر من العاج واألبينوس (١) .واستخدم في بنائھا الذھب والفضة والزجاج والفسيفساء وألوان األصباغ" ) (٢فلما استتم بنيانھا كتب إلى النجاشي ”:إني قد بنيت لك أيھا الملك كنيسة لم يبن مثلھا لملك كان قبلك ،ولست بمنتھي حتى أصرف إليھا حج العرب" 14
)(٣ وتحدث العرب بذلك ،فغضب رجل من النسأ من بني فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة ،وعزم على تدنيس القليس ،فخرج الفقيمي إلى القليس ودنسه ببعض القاظورات ،واتصل خبر ذلك بأبرھة ،فغضب غضبا ً شديداً وسائه أن يفعل ذلك رجل من أھل البيت الذي يحج إليه العرب بمكة ،وأقسم ليسيرن إلى الكعبة ويھدمنھا حجراً حجراً ،ثم أنه أمر بإعداد جيش كبير ،وتقدم جيشه فيل أرسله إليه النجاشي يقال له "محمود" )( ٤ “لعله معرب من لفظة Mammouth,ويقصد بھا فيل ضخم مغطى بالشعر الكثيف كان يعيش في العصور الجيولوجية". ومر أبرھة ھلى الطائف في طريقه إلى مكة ،فبعثت معه رجالً يدله على الطريق يقال له أبو رغال ") (٥فھلك أبو رغال في موضع يقال له المغمس بين الطائف ومكة ،فرجم قبره بعد ذلك ،والعرب تتمثل بذلك )(٦ للحاشية : ١جواد علي ص ٢٠٤ للحاشية : ٢ياقوت ،معجم البلدان ،مادة قليس ،مجلد ٤ص – ٣٩٥إبن كثير ،المسيرة النبوية ،ج ١ص .٣٠ للحاشية : ٣الطبري ،ج ،٢ص – ١٣١ ،١٣٠ياقوت ،نفس المصدر ،ص .٣٩٥ للحاشية : ٤طبقات ابن سعد ،ج ١ص – ٥٦الدينوري ،األخبار الطوال ص .٦٣وذكر الزمخشري أن الفيل المذكور كان معه ١٢ فيالً أخرى "الزمخشري ،ج ، ٢القاھرة ١٩٢٥ص ”.٥٦٠ للحاشية : ٥وقيل الثقيل بن حبيب الخشمي "البالذري ،أنساب األشراف ص ٦٧طبقات ابن سعد ج ١ص ”.٥٦ للحاشية : ٦المسعودي ،مروج الذھب ،ج ٢ص – ٧٩ياقوت ،معجم البلدان ،مجلد ، ٥ص .١٦١
ولما اقترب أبرھة من مكة بث طائفة من جنده للغارة ،من بينھم رجل يقال له األسود بن مقصود ،فأصابوا إبالً لعبد المطلب .وتقدم أبرھة حتى اقترب من مكة، وأتى أنصاب الحرم ،فنزل في الموضع المعروف بحب المحصب ) (١وعندئذ أتاه عبد المطلب بن ھاشم بن عبد مناف سيد قريش فإدخل في حضرة أبرھة ،وكان عبد المطلب وسيما ً) ،له غديرتان ،أھدب األشفار ،دقيق العرنين أشمه ،رقيق البشرة، سھل الخدين( ) (٢فعظمه أبرھة وھابه وأجله ثم قال له “ :سلني يا عبد المطلب. فأبى أن يسأله إال إبالً له .فأمر بردھا عليه وقال له: أال تسألني الرجوع ؟ فقال :أنا رب ھذه اإلبل ،وللبيت رب سيمنعه منك " ) (٣ثم انصرف عبد المطلب إلى قومه وھو يقول : يا أھل مكة قد وافاكم ملك **** مع الفيول على أنيابھا الزرد ھذا النجاشي قد سارت كتائبه **** مع الليوث عليھا البيض تتقد 15
**** كمنع تبع لما جائھا حرد يريد كعبتكم ،و mمانعه ثم أنه أمر قريشا ً بأن تلحق ببطون األودية ورؤوس الجبال من معرة الحبشة ،ووقف بباب الكعبة وھو يقول: يارب ال أرجو لھم سواك **** يا رب فامنع منھم حماكا إن عدوا البيت من عاداك *** فامنعھم أن يخربوا قراك )(٤ ثم أرسل إلى عبد المطلب سيد مكة يخبره بأنه لم يقدم للحرب وإنما قدم ليھدم البيت )) ٥وعندما عزم أبرھة على ھدم الكعبة برك الفيل بالمغمس "فلم يحرك ،و ُنخس بالرماح فلم ينھض ،ثم بعث mعلى الجيش طيراً مع كل طير ثالثة أحجار فألقتھا عليھم ،فلم ينجوا منھم شفر" ) (٦وذكر المؤرخون أن ھذه الطير ،التي وصفت في القرآن الكريم باألبابيل ،أشباه اليعاسيب ،وأنھا كانت ترميھم بحجارة من سجيل، وھي طين خلط بحجارة خرجت من البحر )(٧ وقد ذكر mتعالى في كتابه العزيز قصة أبرھة وأصحابه بقوله تعالى: ِيل * َوأَرْ َس َل َع َلي ِْھ ْم ُّك ِبأَصْ َحا ِ ْف َف َع َل َرب َ (أَ َل ْم َت َر َكي َ ِيل * أَ َل ْم َيجْ َع ْل َك ْي َد ُھ ْم فِي َتضْ ل ٍ ب ْالف ِ يل * َف َج َع َل ُھ ْم َك َعصْ ٍ ول( )(٨ ِيھم ِبح َِج َ ف مَّأْ ُك ٍ ار ٍة مِّن سِ جِّ ٍ َطيْرً ا أَ َب ِابي َل * َترْ م ِ للحاشية : ١وھو موضع فيما بين مكة ومنى وھو إلى منى أقرب ،وھو موضع رمي الحصباء )راجع ياقوت معجم البلدان ،مجلد ٥ ص ).٦٢ للحاشية : ٢البالذري ،أنساب األشراف ،ص .٦٨ للحاشية : ٣إبن ھشام ،السيرة ،ج ١ص .٥١ للحاشية : ٤المسعودي ،ج ٢ص .١٢٨ للحاشية : ٥ابن ھشام ،ج ١ص – ٤٧الطبري ،ج ٢ص .٩٣٨ للحاشية : ٦البالذري ،أنساب األشراف ،ص .٦٧ للحاشية : ٧المسعودي ،ج ٢ص .١٢٩ للحاشية : ٨القرآن الكريم سورة الفيل ١٠٥
وعاد أبرھة إلى اليمن منھزما ً وھلك بعد عودته من الحرم ،فخلفه على اليمن إبنه يكسوم ،وكان ظالما ً غاشما ً ،ع ّم أذاه سائر اليمن ،واتبع سياسة تقوم على إذالل أھل اليمن واضطھاد العناصر الوطنية فيھا حتى يضمن بذلك انضواء اليمن تحت لوائه. وظل يكسوم بن إبرھة يحكم اليمن بعد وفاة أبيه نحو عشرين سنة ) (١أذل خاللھا أھل اليمن ،فكان "شراً من أبيه وأخبث سيرة" .فلما توفي خلفه أخوه مسروق الذي كان يتولى إمارة مخالف شناتر في عھد أبيه ،ولعل ذلك كان سببا ً في أن يسميه ثيوفانيس سنطرق Sanaturcesوھي لفظة محرفة من شناتر . ولم يكن مسروق أرحم من أخيه يكسوم بل كان أكثر تعسفا ً منه في معاملة 16
الحميريين ،فكان "شراً من أخيه وأخبث سيرة" ) (٢وقد كانت ھذه المعاملة السيئة سببا ً في نفور أھل اليمن من حكم األحباش ،ورغبتھم في التخلص من استبدادھم. فلما طال البالء على أھل اليمن من األحباش ظھر زعيم وطني من حمير يقال له سيف بن ذى يزن ويكنى أبا مرة ) (٣وعقد سيف بن ذي يزن عزمه على تخليص قومه من بطش مسروق وتحرير بالده من احتالل األحباش .ولكنه رأى استحالة قھرھم بالسيف ،إذ كان األحباش قد جردوا الوطنيين من قواھم وضربوا بين القبائل اليمنية ولم يجد أمامه بداً من اصطناع السياسة في إخراج األحباش من اليمن. فركب سفينة في البحر إلى القسطنطينية وقيل أنطاكية ،وقدم على اإلمبراطور البيزنطي )جستين الثاني( ملتمسا ً منه العون على تحقيق أمنيته ،ويبدو أنه مناه بالوعود التي تكفل لبيزنطة السيطرة على اليمن إقتصاديا ً وسياسيا ً فأطمعه في مواالة الوطنيين في اليمن للبيزنطيين ) (٤وطال مقام إبن ذي يزن ببالط اإلمبراطور البيزنطي حتى قيل أنه أقام ببابه سبع سنين ،ولكن طلبه قوبل بالرفض ،وأبى اإلمبراطور أن ينجده ،وھو أمر طبيعي ،لما كان يربطه بحلفائه األحباش من عالقات دينية وسياسية وإقتصادية ،ثم إن مناصرة قيصر للعناصر الوطنية في اليمن لن تزيده شيئا ً على ما كان يلقاه من إمتيازات في اليمن ،فرد سيف قائالً “ :أنتم يھود والحبشة نصارى وليس في الديانة أن ننصر المخالف على الموافق " ) .(٥ولما يئس إبن ذي يزن من استجابة البيزنطيين لمطالب أھل اليمن ،لم يجد بداً من التحول بطلبه إلى زعيم الكتلة الشرقية وكان يمثلھا كسرى أنو شروان "٥٧٨ – ٥٣١م ، على أمل أن يقوم ھذا بنجدته تحقيقا ً لحلم فارس في السيطرة على طريق التجارة عبر البحر األحمر .ولكي يضمن استجابة كسرى له رأى أن يعرض األمر على النعمان بن المنذر ملك الحيرة الذي يرتبط برابطة الوالء والتبعية مع كسرى فارس ،حتى يقدمه بنفسه أمام كسرى. للحاشية : ١المسعودي ،ج ١ص ،٨٠وقيل ١٩سنة )الدينوري ،األخبار الطوال ص ،٦٣وقيل ١٧سنة )حمزة األصففھاني ،ص .٨٩ للحاشية : ٢األخبار الطوال ص .٦٣ويقول المسعودي أنه زاد على أبيه وأخيه في األذى ج ٢ص .٨٠ للحاشية : ٣وھب بن منبه ،كتاب التيجان ص . ٣٠٣وقد ذكر وھب أن حركة سيف بن ذي يزن ظھرت في عھد يكسوم بن ابرھة، بينما ذكرھا آخرون في عھد مسروق )راجع الدينوري ،ص – ٦٣المسعودي مروج الذھب ج ٢ص .٨٠ للحاشية : ٤كتاب التيجان ص ٣٠٤الطبري ج ٢قسم ١ص ٩٤٦ للحاشية : ٥المسعودي ،مروج الذھب ،ج ٢ص .٨٠
فمضى إلى الحيرة ،وشكى إلى النعمان ما يلقاه العرب في اليمن من استبداد األحباش .فاستضافه ووعده بأن يقدمه إلى كسرى ) (١ثم خرج معه فأدخله عليه فلما دخل سيف إيوان كسرى وشاھد ما بين يديه من مظاھر األبھة والعظمة ،لم 17
يبھره شيء مما رآه ،بل تقدم في جرأة إلى كسرى وطلب منه أن يساعد قومه على طرد األحباش وتحرير اليمن ) (٢فاستھان كسرى ألمره وقال له “ :بعدت أرضك من أرضنا ،وھي أرض قليلة الخير وإنما بھا الشاء والبعير وذلك مما ال حاجة لنا به" ،ثم صرفه بعد أن أعطاه عشرة آالف درھم وخلع عليه .فغضب ابن ذي يزن ونثر دراھم كسرى بعد خروجه من حضرته على الناس .ولما علم كسرى بذلك أمر به فأحضر أمامه فقال له :عمدت إلى حباء الملك تنثره للناس .فقال :ما أصنع به ؟ ،ما جبال أرضي كلھا إال ذھب وفضة(٣) . وعندئذ طمع كسرى في بالد اليمن لوفرة معادنھا وكثرة ثرواتھا ،وعقد مجلسا ً من وزرائه ،وقال “ :ما ترون في أمر ھذا الرجل وما حاله ؟. للحاشية : ١الدينوري ،ص – ٦٢الطبري ،ج ٢قسم ١ص .٩٤٦ للحاشية : ٢ذكر وھب ابن منبه أنه قال لكسرى “ :أيھا الملك َغلّبت األغربة علينا في بالدنا فقال كسرى أي األغربة ؟ ...السند أم الحبشة ؟ فقال له :الحبشة ،وجئتك لتنصرني ويكون ملك أرضي لك .قال له كسرى :بعدت أرضك مع قلة خيرھا ،ما كنت ألورط فارس في بالد الحبشة ،ال حاجة لي بذلك") .كتاب التيجان ،ص ).٣٠٤ للحاشية : ٣كتاب التيجان ،ص – ٣٠٤إبن ھشام ،السيرة ج ١ص – ٦٥الطبري ،ج ٢قسم ١ص .٩٤٧
فقال رجل منھم :أيھا الملك إن في سجونك رجاالً حبستھم للقتل ،فلو أنك بعثتھم معه فإن يھلكوا كان الذي أردت بھم ،وإن أظفروا كان ملكا ً زاده الملك إلى ملكه". ) (١فبعث كسرى بمن كان في سجونه معه ،وكانوا ٨٠٠رجل ،استعمل عليھم رجالً يدعى وھرز بن الكامجار كان متقدما ً في السن ذو تجربة وخبرة ،وأبحروا في ثمان سفن ،غرقت منھا اثنتان ونجت ٌ ست أرست على ساحل عدن. ويتضح أن سبق ان سيف بن ذي يزن تولى عبء إخراج األحباش من اليمن ،وأنه اتصل بادئ ذي بدء بالبيزنطيين وأطمعھم في البالد فلما أخفق معھم أعاد محاولته مع الفرس .وال شك أن محاولة إبن ذي يزن اإلستنصار بأعظم قوتين في العالم في ھذا الوقت واستجابة الفرس له ،تعبر عن قيام منافسة بين الروم والفرس للسيطرة على الطرق التجارية الموصلة للھند(٢) ، للحاشية : ١كتاب التيجان ،ص ٣٠٥ – ٣٠٤الطبري ،ج ٢قسم ١ص .٩٤٨ للحاشية : ٢نجد نفس ھذه السياسة يطبقھا في العصر اإلسالمي عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن ھشام في األندلس ،عندما اتصل أوالً بحزب القيسية فخذله زعيم ھذا الحزب ،فاستغل النزاع بين القيسية واليمنية لمصلحته ،وأعاد الكرة مع اليمنية فنصروه .
نجحت حملة وھرز نجاحا ً تجاوز كل تقدير في الحسبان وانھزم مسروق ابن أبرھة وقتل في المعركة ،ودخل وھرز صنعاء ،وضبط اليمن ،وكتب إلى كسرى بالفتح فكتب إليه كسرى يأمره بقتل كل أسود في اليمن ،وبتمليك سيف عليھا ) ، (١وألن يعرج بعد ذلك إلى فارس .ويبدوا أن كسرى قنع بإقامة حكم وطني في اليمن يرتبط 18
بالتبعية له ،فقد كان أنو شروان قد اشترط على ابن ذي يزن نظير مناصرته له عدة شروط ،منھا أن يتزوج الفرس من نساء اليمن وال يتزوج اليمنيون من نساء الفرس، ومنھا أن يحمل سيف بن ذي يزن الخراج إليه ) (٢وكان سيف بن ذي يزن أو ابنه معد يكرب ،آخر ملوك حمير في اليمن“ ،وإنقضى ملك حمير فصارت اليمن بأيدي عمال ملوك الفرس" ) (٣وعقب مصرعه رد كسرى وھرز إلى أرض اليمن ومعه أربعة آالف من الفرس استأصل بھم من بقي في اليمن من األحباش )(٤ وليس ببعيد أنھم ھم الذين تآمروا على قتله حتى يخلو لھم الجو من بعده وتصبح اليمن أرضا ً تابعة لإلمبراطورية الساسانية. للحاشية : ١الدينوري ،ص .٦٤ للحاشية : ٢المسعودي ،ج ٢ص .٨٢ للحاشية : ٣حمزة األصففھاني ص - ٩٠المسعودي ج ٢ص ٨٥ للحاشية : ٤الطبري ،ج ٢قسم ١ص – ٩٥٨ – ٩٥٧المسعودي ،ج ٢ص .٨٧
وتتابع على اليمن والة من قبل األكاسرة بفارس اختلف حمزة األصففھاني والمسعودي والطبري في ذكر أسمائھم )( ١ وكسب الفرس كثيراً من ضم اليمن إلى حوزتھم ،فقد أصبحوا يسيطرون سيطرة فعلية على الطريق البحري التجاري إلى الھند عبر البحر األحمر ،كما سيطروا كذلك على الطريق البري أو طريق الحجاز )) ٢وفي عام ٦٠٩م وقعت بين العرب والفرس معركة تدعى بمعركة ذي قار التي انتصر فيھا العرب على الفرس. 1 - ١خالصة ما حدث في يوم ذي قار : أن قبائل بكر استصحبوا من خلفھم نساءھم وانقضوا على الجيش الفارسي ،وكان ھانئ قد نصب كمينا ً وراء الجيش الفارسي ،فانقض الكمين على الملك الجديد الذي كان كسرى قد عينه خلفا ً للنعمان بن المنذر ،وفي أثناء ذلك أحس العرب بروابط األخوة التي تربطھم ببعض ،فانسحب من جيش فارس كثير من العرب الذين كانوا يعطون والءھم لفارس من قبائل تميم وقيس وعيالن فانقضوا على الفرس الذين يلونھم بعد أن كانوا يدينون بالوالء لھم ،وعرف العرب أنھم كانوا مخدوعين بملك رخيص كان كسرى يضحك به على بعض أذنابه منھم .وروي عنه عليه الصالة والسالم أنه لما بلغه انتصار قبائل بكر بقيادة ھانئ بن مسعود الشيباني على عساكر الفرس قال ) :ھذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم ،وبي قد نصروا ( )( ٣ والحق أن انتصار العرب على العجم في ذي قار كان نواة لمعركة القادسية التي أعز mفيھا قبائل العرب بنور اإلسالم ،ونبوة محمد عليه الصالة والسالم. 19
ولم يلبث الفرس أن توجوا جھودھم بفتح الشام ومصر في سنة ٦١٤م وأدرك ھرقل أن الفرس قد أصبحوا أصحاب السلطان الفعلي على سواحل البحر المتوسط والبحر األحمر ،وأنھم خنقوا دولة أكسوم الحبشية حليفة الروم ،ولكن ھذا الوضع لم يلبث أن تغير سريعا ً ،إذ تمكن ھرقل من استرداد سلطانه على الشام ومصر بفضل حملة بحرية واحدة ،أما اليمن فقد دخلت في فلك دولة الرسول في المدينة. وبعد ھزيمة الفرس امتنع العرب عن دفع األتاوات والضرائب للفرس. للحاشية : ١حمزة األصففھاني ،ص ، ٩٢ – ٩١المسعودي ،ج ٢من – ٨٨ – ٨٧الطبري ،ج ٢قسم ١ص .٩٥٨ للحاشية : ٢جواد علي ،ج ٣ص .٢١٢ للحاشية : ٣تاريخ الدولة العربية دار النھضة العربية الدكتور عبد العزيز سالم.
ﺑﻠﻘﻴﺲ ﻣﻠﻜﺔ ﺳﺒﺄ
اﻋﺪاد :اﻻﻋﻼم اﻟﺠﺪﻳﺪ ) ( 18
20