2
مقدِّمة وأمت التَّسليم على نبيِّنا احلمدُ هلل ربِّ العاملني ،وأفضل الصَّالة ُّ حممَّدٍ النَّيبِّ األميِّ وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثرياً إىل يوم الدِّين ،أمَّا بعد: حقوق الطفل لقد اهتمَّ اإلسالمُ اهتمامًا بالغًا بأمر األطفال ،وأَوْاله جانباً كبرياً من احلقوق ما يضمن هلم حياةً كرميةً ،واستقراراً نفسيًّا واجتماعيًّا ل نشأةً صاحلةً ويكون نافعاً يف اجملتمع املسلم ،سواءٌ إىل أن ينشأَ الطف ُ كانُ الطِفل يتيماً ،أم كانت أمُّه مطلَّقةً ،أو كان لقيطاً ،أو كان جمهو َل األب ،فمَ ْن هذه احلقوق: أوالً :حقُّ احلياة: وهذا احلقُّ من أبرز ما كفله التَّشريع اإلسالميُّ للطِّفل ،حيثُ كانَ وأدُ البنات منتشراً يف اجلاهليَّة خشيةَ العار ،إضافةً إىل قتل 3
األوالد خوفاً من العَيْلة =الفقر +فحرَّم ذلك ،وشدَّد عليه حيثُ قال تعاىل :ﭽﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﭼ (اإلسراء.)13 : جعَلَ لِلَّهِ وقد سُئِلَ رسولُ اهلل " أَيُّ الذَّْنبِ َأعْظَمُ؟ قَالَ= :أَنْ َت ْ نِدًّا وَهُوَ َخ َلقَكَ ،+قَالَ :ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ= :أَنْ َتقْتُلَ وَلَدَكَ خَشَْيةَ أَنْ حلِي َلةَ جَارِكَ.+ يَأْكُلَ َمعَكَ ،+قَالَ :ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ= :أَنْ تُزَانِيَ َ ويف رواية= :أن تزنيَ حبليل ِة جارِك.)3(+ اللهَ حَرَّمَ َعلَيْكُمْ ُعقُوقَ األُمَّهَاتِ ،وَوَْأدَ الَْبنَاتِ، وقال "= :إِنَّ َّ السؤَالِ ،وَإِضَاعَةَ الثًا :قِيلَ وَقَالَ ،وَكَْث َرةَ ُّ َومَنعَ وَهَاتِ ،وَ َك ِرهَ لَكُمْ َث َ اْلمَالِ.)2(+ وبهذه التَّوجيهات قررَّ اإلسالم حقاً ثابتاً للطِّفل ،وهو حقُّه يف حيل انتهاكه بأيِّ شكلٍ من األشكال. احلياة ،ال ُّ رواه البخاريُّ من حديث ابن مسعود ( ،)7744والرواية األخرى البن ( )3 حبان (.)7737 ( )2رواه البخاريُّ من حديث املغرية بن شعبة (.)5745 4
حق النَّسب: ثانيًاُّ : بعد أن ضمنَ اإلسالم للطِّفل حقَّ احلياة ،ضمن له احلقَّ يف النَّسب؛ حتَّى ال يكون عُرضةً للجهالة ،ومن ثَمَّ ضياع حقوق أخرى ،مثلُ :اإلنفاق ،واإلرث. كما حرَّم اإلسالمُ التَّالعبَ باألنساب ،وأن يُنسبَ الطِّفلُ لغري أبيه ،قال تعاىل :ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﭼ (سورة األحزاب.)5 : وقال "َ = :منِ َّادعَى إِلَى غَْيرِ َأبِيهِ _ وَهُوَ َيعْلَمُ أََّنهُ غَْي ُر َأبِيهِ _ حرَامٌ.)3(+ فَاْلجََّنةُ َعلَْي ِه َ ثالثًا :حقُّ الرِّضاع: ويعدُّ الرَّضاعُ هو احلقَّ الثَّالث للطِّفل يف تسلسله يف احلياة ،فلقد أوجبَ اإلسالمُ على األمَّهات إرضاعَ أوالدهنَّ حولني كاملني لـمَنْ ( )3رواه مسلم ( )52/2من حديث سعد بن أبي وقاص ،وأبي بكرة. 5
أرادَ أن يتمَّ الرَّضاعة ،ﭧ ﭨ ﭽﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﭼ (البقرة ،)212 :ولقد أمج َع الفقهاءُ على وجوب إرضاع الطِّفل مادا َم يف حاجةٍ إليه ،وهو سن الرِّضاع مع اختالفٍ بني الفقهاء يف وجوبه على مَنْ يكون ؟ يف ِّ حق النَّفقة: رابعًاُّ : وهذا احلقُّ من احلقوق املقرَّرة يف اإلسالم ،وهي لألبناء على اآلباء؛ بل جعله مركوزاً يف الفطر ،فرتى األب ينفق على ولده بعطفٍ وحنانٍ ،ولو مل يعلمْ أنَّ ذلك واجبٌ عليه ،ولذلك عدَّ الرَّسول " النَّفقة على األبناء واألهل من أفضل النَّفقات ينفقها اللهِ ": الرَّجل على أهله ،ف َعنْ ثَ ْوبَانَ ÷ قَالَ :قَالَ رَسُولُ َّ =َأفْضَلُ دِينَارٍ ُيْن ِف ُقهُ الرَّجُلُ؛ دِينَارٌ ُيْن ِف ُقهُ عَلَى عِيَاِلهِ ،ودِينَارٌ ُينْ ِفقُهُ اللهِ ،ودِينَارٌ ُيْن ِفقُهُ الرَّجُلُ َعلَى أَصْحَاِبهِ الرَّجُلُ َعلَى دَابَِّتهِ فِي سَبِيلِ َّ اللهِ.)3(+ ل َّ فِي سَبِي ِ
( )3رواه مسلمٌ ( )2184 ،08/4من حديث ثوبان. 6
الَبةَ( )3أحدُ رواة احلديثَ :وبَدَأَ بِاْلعِيَالِ فَأَيُّ رَجُلٍ َأعْ َظ ُم قَالَ َأبُو ُق َ صغَارٍ ُيعِفُّهُمْ ،أَوْ َيْن َفعُهُمُ اللَّهُ بِهِ جرًا ِمنْ رَجُلٍ ُيْنفِقُ َعلَى عِيَالٍ ِ أَ ْ َوُي ْغنِيهِم. حق الوالية: خامسًاُّ : وهذا احلقُّ لألطفال مقرَّرٌ من ثالثة أوجهٍ؛ هي: والية احلضانة ،والية النَّفس ،والية املال. )3فوالية احلضانةِ يكون الدَّور فيها للنِّساء ،فتقوم املرأة برتبية الطِّفل ،ورعايته يف الفرتة الَّيت ال يستغين فيها الطِّفل عن النِّساءِ، وحنان األم دون ما سواها من النِّساء متى توفَّرت فيها شروط أهلية احلضانة كما سيأتي ،وإن مل يكن له أحدٌ يقوم برعايته من األقارب والعصبات؛ فالسُّلطان وليُّه ،وله احلقُّ يف إسناد رعايته إىل مَنْ يقوم حبفظه ،كلُّ ذلك من أجل احلفاظ على النَّاشئة حتَّى ال يكون هناك فرقٌ بني أطفال املسلمني.
()3
هو عبد اهلل بن زيد بن عمرو اجلرمي البصري ،ثقة فاضل( ،ت 387هـ). 7
)2وأمَّا والية النَّفس؛ فاملقصود بها التَّأديب ،والتَّوجيه، والتَّربية ،واإلرشاد بعد انتهاء احلضانة ،وهذه الوالية لألبوين معًا، وهي منوطةٌ بالرِّجالِ أكثر لِـمَا جبلَ اهللُ عليه الرِّجال من القوَّة والقدرة والشِّدَّة أكثر من النِّساء ،وقد حثَّ اهلل الرِّجالَ على القيام برتبية أوالدهم ،وحذَّرهم من وبال التَّفريط يف حقِّهم، فقال :ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﭼ (التحريم.)6 : كما ألزم الرَّسول " كلَّ راعٍ بالعناية َمبنْ حتته ،ولذلك قَالَ اللهِ "= :كُلُّكُمْ رَاعٍ َو َمسْؤولٌ َعنْ َرعِيَِّتهِ ،وَا ِإلمَامُ رَاعٍ رَسُولَ َّ َو َمسْؤولٌ َعنْ َرعِيَِّتهِ ،وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَ ْه ِلهِ َو َمسْؤولٌ َعنْ َرعِيَِّتهِ، وَاْل َمرَْأةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعَِيةٌ َو َمسْؤولَةٌ عَنْ َرعِيَّتِهَا ،وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّ ِدهِ رَاعٍ َومَسْؤولٌ َع ْن َرعِيَِّتهِ.)3(+
( )3رواه البخاريُّ ( )071من حديث ابن عمر. 8
فقد جعل رسولُ اهلل " رعايةَ األهل يف حقِّ الرَّجل ،يف حني أنَّه جعل رعاية املرأة تابعةً لبيت الزََّوج الَّذي هو صاحب الرِّعاية األوَّل الَّذي له القوامة على النِّساء. )1وأمَّا والية املال؛ فتقتضي احملافظة على أموال الطِّفل سواء كان يتيماً أو معتوهاً أو سفيهاً أو غري ذلك ،بكونه عديمَ التَّجربة يف احلياة ،ومل يكتمل بعد بناؤه اجلسميُّ ،واالجتماعيُّ ،والنَّفسيُّ، والعقليّ ،فلو ُترِكَ الطِّفل وأطلق له العنانُ يف التَّصرُّفِ يف ماله ،فقد يضيِّعه يف شهواته ونزواته ومحاقته وجهله؛ فال جيد ماله وهو يف أمس احلاجة إليه عندما يبلغ ويصبح رشيداً. ِّ سادسًا :حقُّ الرَّمحة: وهذا احلقُّ يستحقُّه كلُّ طفلٍ على أساس أنَّه صغري مل يرشد حتض على ُّ بعد ،ففي الشَّريعة اإلسالميَّة توجيهاتٌ متواصلة حمْ الرَّمحة للصَّغري ،فقد قال النَّبِيُّ "= :لَيْسَ مِنَّا َمنْ لَمْ َيرْ َ َيوقرْ كَِبريِنَا ،)3(+ولقد تعجَّب النَّيبُّ " من الصَّحابيِّ ص ِغريَنَا و ِّ َ ( )3رواه التِّرمذيُّ ( )3737من حديث أنس. 9
التمِيمِيِّ عندما قال للرَّسول " :إِنَّ لِي عَ َش َرةً ِمنَ األَ ْق َرعِ ْبنِ حَابِسٍ َّ الْوَلَدِ مَا قََّبلْتُ ِمنْهُمْ أَحَدًا ،وذلك عندما رأى رسولَ اهلل " يقََّبلُ اللهِ " لهَ = :منْ الَ َيرْحَمُ الَ ح َسنَ ْبنَ َعلِيٍّ ÷ ،فقال رَسُولُ َّ الْ َ ُيرْحَمُ.)3(+ ح َم َة ؟!.)2(+ ك الرَّ ْ اللهُ مِنْ َقلْبِ َ ك لَكَ أَ ْن نَ َز َع َّ ويف رواية= :أَوَ َأ ْملِ ُ فلو حرم الطِّفل الرَّمحة؛ فلن جيودَ بها إذا كرب حلرمانه منها يف الصِّغر ،والواقع شاهدٌ لذلك ،ولقد أثبت علماءُ التَّربية واالجتماع أنَّ عاداتِ األهل وطباعهم ومسالكهم يف احلياة تنتقل إىل األبناء حبكم التَّنشئة والتَّربية واحملاكاة(.)1 ***
( )3رواه البخاريُّ ( )5774من حديث أبي هريرة. ( )2رواه البخاريُّ ( )5770من حديث عائشة . ( )1هذه املقدِّمة مقتبسةٌ من كتاب =فضل كفالة اليتيم +للشَّيخ عبد اهلل بن ناصر السِّدحان. 01
من أحكام احلضانة أوالً :تعريف احلضانة لغةً: مشتقةٌ من احلضانة مأخوذةٌ من احلَضَن ،وهو جبلٌ بنجد ،أو َّ جلْنبُ :وهو ما دون اإلبط إىل الكشح واخلصر، احلِضْن وهو ا َ ضنُ بضمِّ احلاء جملموع الصَّدر ،وما ضنَا الشَّيء جانباه ،واحل ْ وحُ ْ بينهما يف قوهلم :رأيت الطِّفل يف حضن فالن(.)3 حسَناً ضنًِا َ ي " خَرَجَ مُحْتَ َ و َعنْ خَوْلَة ِبْنتِ حَكِيمٍ :أَنَّ النَّبِ َّ خلُونَ َوُتجَبّنُونُ وجتهلون ،وَإِنَّ ُكمْ َل ِمنْ حسَيْناًَ ،فقَالَ ِ= :إنَّ ُكمْ لَتُبَ ّ وَ ُ َريْحَا ِن الّلهِ.)2(+ ضن الطَّائرُ بيضه يَحْضُنه حَضنًا(.)1 وقال ابن السِّكِّيت :حَ َ
()3
غريب احلديث للحربي (.)3885/1
( )2رواه التَّرمذي ( ،)3738وغريه وهو صحيحٌ بشواهده ،انظر صحيح اجلامع ( ،)3778 _ 3707واملشكاة التحقيق الثاني.)7672 _ 7673( : ( )1تهذيب اللُّغة (.)301/7 00
ضنًا بالفتح وحِضانةً بالكسرِ جعلَه يف ضنُه حَ ْ وحضنَ الصَّيبَّ حي ُ ضَنهُ(.)3 حفِظَه كاحْتَ َ حضنِه ،أيَ :ك ِفلَه ورَبَّاهُ و َ فكأن املربِّي للولد يتَّخذه يف حضنه وإىل جنبه(.)2 َّ ثانيًا :احلضانة اصطالحاً: هو القيام حبفظ الصَّغري ،و الصَّغرية ،الَّذي ال مييِّز وال يستقلُّ حبقهِ من حيث تربيته وتعهُّده مبا يصلحه ،ووقايته ممَّا بأمره ،والقيام ِّ يؤذيه ويضرُُّه ،والقيام برتبيته جسميًّا ونفسيًّا وعقليًّا ،حتِّى يقوى ويستقلَّ بأمره(.)1 ثالثًا :مشروعية احلضانة: األصلُ يف احلضانة الكتاب والسنة واإلمجاع.
( )3تاج العروس (.)301/3 ( )2االختيار لتعليل احملتار (.)217/2 ( )1فقه السُّنَّة ( ،)703/2البدر التَّمام (.)261/7 02
أما الكتاب :قوله تعاىل :ﭽﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝﭼ (البقرة.)211 : قال ابن العربي :قال علماؤنا :احلضانة بدليل هذه اآلية لألمِّ، والنفقةُ لألبِ؛ ألنَّ احلضانةَ مع الرَّضاع(.)3 وقال تعاىل :ﭽﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﭼ (اإلسراء )27 :فأثبتَ اهلل تبارك وتعاىل الرتبيةَ لألبوين حا َل الصغرِ. اللهِ بْنِ َدهِ عَبْدِ َّ أما السنة؛ فعن َع ْمرُو ْبنِ ُشعَْيبٍ َعنْ َأبِيهِ َعنْ ج ِّ اللهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَ ْطنِي لَهُ َع ْمرٍو ،أَنَّ ا ْمرَأَةً قَالَتْ :يَا رَسُولَ َّ ِن َأبَاهُ طََّل َقنِي ،وََأرَادَ جرِي َلهُ حِوَاءً ،وَإ َّ حْ ِوعَاءًَ ،وثَ ْديِي َلهُ ِسقَاءً ،وَ ِ اللهِ "= :أَْنتِ أَحَقُّ ِبهِ مَا لَمْ أَنْ َينْتَ ِز َعهُ مِنِّيَ ،فقَالَ لَهَا رَسُولُ َّ َتنْكِحِي.)2(+ ( )3أحكام القرآن (.)287/3 ()2
أخرجه أبو داود بسند حسن كما سيأتي. 03
أما اإلمجاع؛ فقد أمجع العلماءُ على مشروعية احلضانة ،ومل خيالف يف ذلك أحدٌ من العلماء على اختالفٍ يف تفاصيل احلضانة ومن يستحقُّها كما سيأتي. رابعًا :وجوب حضانة الطِّفل وكفالته: حضانة الطِّفلِ ،وكفالتُه واجبةٌ؛ ألنَّه يهلكُ برتكهِ ،فيجبُ حفظهُ ك ،ويتعلَّ ُق بها جاؤُُه من املهالِ ِ عنْ اهلَالكِ كمَا جيبُ اإلنفاقُ عليهِ وإنْ َ حقٌّ لقرابَِت ِه؛ ألنَّ فيها واليةً على الطِّفلِ واستحقاقَه لهُ ،فيتعلَّ ُق بهَا احلقُّ ككفَالةِ اللَّقيطِ(.)3 ودليل وجوبها :قوله تعاىل :ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﭼ (التحريم). فإن وقايةَ األهل من النار تكون حبفظِهم والقيام مبصاحلهم وصونهم عمَّا يضرُّهم ،وتركُ هؤالء القُصَّارِ من دونِ حاضنٍ يكون ( )3املغين (.)632/4 04
سببًا لفسادِهم؛ وبالتالي فساد اجملتمع كلِّه ،فالدليل على وجوبِها دليلٌ وتعليلٌ ،وكذلك قوله "= :مروا أبناءَكم بالصالة وهم أبناء سبعٍ +...نوعٌ من احلضانةِ(.)3 خامسًا :شروط احلضانةِ: لقد نظرَ اإلسالمُ إىل احملضونِ بنظرِ الشفقةِ والرمحة والعطف؛ فأوجبَ على احلاضنِ شروطًا حتفظ حقَّ احملضونِ ،وتقومُ مبصاحله ورعايتِه ،وهذه الشروط اتفقَ الفقهاءُ على بعضِها ،واختلفوا يف بعضِها ،ولكنَّهم مل خيتلفوا يف وجوب مراعاةِ املصاحل للمحضونِ، وأنَّه ال يبقى بيدِ َمنْ ال يصونُه وال يُصلحه ،لذلك يُشرتطُ يف احلاضنِ الَّذي يتولَّى تربية الصَّغريِ وتنشِئَته الكفاءةُ والقدرةُ على االضطِّالع بهذه املهمَّة ،وإنَّما تتحققُّ هذه القدرة والكفاءة بتوفُّر شروطٍ يف احلاضنِ ،فإذا مل تتوفَّر هذه الشُّروط؛ انتقلت إىل غريه، وهي سبعةُ شروط:
( )3فقه السنة للنساء ( )630للشيخ ابن عثيمني. 05
الشَّرط األول اإلسالم :فال تثبتُ واليةُ الكافر ،ألنَّه يشرتط يف احلضانة اإلسالم ،وألنَّ احلضان َة واليةٌ ،ومل جيعل اهلل للكافر واليةً على املسلم ،قال تعاىل :ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭼ (النساء)373 :؛ فلذلك ال تثبت احلضانة لكافرٍ على مسلم ،وبهذا قال مالك والشَّافعيُّ وسوار العنربي(.)3 واشرتاط اإلسالم لوجهني: الوجه األوَّل :أنَّ احلاضنَ حريصٌ على تربية الطِّفل على دينه وأن ينشأَ عليه ويرتبَّى على ذلك ،فيصعب بعد كربه وعقله انتقاله عنه ،وقد يغريُه احلاضنُ عن فطرة اهلل الَّيت فطر النَّاس عليها ،فال يراجعها أبداً ،كما قال النَّيبُّ "= :كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ َعلَى اْلفِ ْط َرةِ، َجسَاِنهِ.)2(+ َصرَاِنهِ ،أَوْ ُيم ِّ َودَاِنهِ ،أَوْ ُين ِّ فََأبَوَاهُ يُه ِّ
( )3 هـ).
هو سوار بن عبد اهلل بن سوار بن قدامة التميمي العنربي ،ثقة (ت 275
( )2رواه البخاريُّ ( )3246من حديث أبي هريرة. 06
وعليه فال يُؤمنُ تهويدُ احلاضن وتنصريه للطِّفل املسلم ،فخرج بذلك عن املقصودِ والغايةِ الَّيت من أجلها فرضَ اهللُ حضانةَ الطِّفلِ من حفظ النَّفس واملال والدِّين. الوجه الثَّاني :أنَّ اهلل قطعَ املواالة بني املسلمني والكفَّار، وجعل املسلمني بعضهم أولياء بعض ،والكفَّار بعضهم من بعض، فقالَ تعاىل :ﭽﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﭼ (التوبة ،)43 :وقال :ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﭼ (التوبة ،)64 :وقالَ :ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭼ (النساء ،)373 :فاحلضانــــة من أقوى أسباب املوالة الَّيت قطعها اهلل بني الفريقني(.)3 اللهِ :ﭽﯭ قال ابنُ حزم= :أَمَّا َتقْدِيمُ الدِّينَِ ،ف ِلقَوْلِ َّ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﭼ (املائدة ،)2 :وقَوْله َتعَالَى :ﭽﭕ ﭖ ﭗﭼ (النساء ،)315 :وقَوْله ( )3زاد املعاد ( ،)777/5روضة الطَّالبني (.)70/7 07
َتعَالَى :ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭼ (األنعام،)328 : َربَانِ َعلَى َسمَاعِ الْ ُك ْفرِ، َالص ِغ َريةَ حَْيثُ يُد َّ الص ِغريَ و َّ َف َمنْ َترَكَ َّ اللهِ "َ ،و َعلَى َترْكِ الصَّالةِ، ُوةِ رَسُولِ َّ َويََتمَرَّنَانِ َعلَى جَحْدِ نُب َّ خ ْمرِ وَاألُنْسِ إلَيْهَا حَتَّى َيسْهُلَ وَاألَكْلِ فِي َرمَضَانََ ،و ُش ْربِ الْ َ َعلَيْ ِهمَا َشرَاِئعُ الْ ُك ْفرِ ،أَوْ َعلَى صُحَْبةِ َمنْ ال خَْيرَ فِيهِ ،وَاالنْ ِهمَاكِ َعلَى الْبَالءَِ :فقَدْ عَاوَنَ َعلَى ا ِإلثْمِ وَاْلعُدْوَانِ ،وَلَمْ ُيعَاوِنْ َعلَى الْبِرِّ َالتقْوَى ،وَلَمْ َيقُمْ بِاْل ِقسْطِ ،وَال َترَكَ ظَا ِهرَ ا ِإلثْمِ َوبَا ِطَنهُ ،وَهَذَا و َّ حرَامٌ َو َمعْصَِيةٌ )3(+أ.هـ َ وقال أهل الرَّأي وابن قاسم وأبو ثور :تثبت احلضانة للحاضن؛ كاألم مع كفرها وإسالم الوالد ،وذلك ألمرين: أوالً :الرِّضاع ،فاألم أحقُّ بالصَّغريين يف مدَّة الرِّضاع.
( )3احمللَّى (.)151/33 08
ثانيًا :خدمة الطِّفل ،وكالهما _ أي :الرضاع ،واخلدمة _ جيوزُ للكافرة ،فإذا بلغا من السِّنِّ واالستيفاء مبلغ الفهم؛ فال حضانة لكافرة(.)3 واحتجوا حبديث رَاِفعِ ْبنِ ِسنَانٍ أََّنهُ أَ ْسلَمَ وََأَبتِ ا ْمرََأُتهُ أَنْ ُت ْسلِمَ ي فَطِيمٌ أَوْ شِبْ ُههُ ،وَقَالَ رَافِعٌ: ي "َ ،فقَالَت :اْبنَتِي وَهِ َ فََأَتتِ النَّبِ َّ ي "= :ا ْقعُدْ نَاحَِيةً ،+وَقَالَ لَهَا= :ا ْقعُدِي اْبنَتِيَ ،فقَالَ لَهُ النَّبِ ُّ نَاحَِيةً ،+قَالَ :وَأَ ْقعَدَ الصَّبَِّيةَ بَْينَ ُهمَا ،ثُمَّ قَالَ= :ا ْدعُوَاهَاَ ،+فمَاَلتِ ي "= :اللَّهُمَّ اهْدِهَاَ ،+فمَالَتِ الصَّبِيَّةُ الصَّبَِّيةُ إِلَى أُمِّهَاَ ،فقَالَ النَّبِ ُّ إِلَى َأبِيهَا فَأَخَذَهَا(.)2 وأجيب عن هذا احلديث مبا يلي: أوَّالً :أنَّ احلديث ال يثبته أهل النَّقل؛ ألنَّ يف إسناده مقاالً(.)1 ( )3بدائع الصنائع للكاساني ( ،)72/7والبحر الرائق (.)303/7 رواه أبو داود يف السُّنن ( ،)2277وسنده صحيحٌ على شرط مسلم، ()2 وصحَّحه احلاكم ،ووافقه الذَّهيب ،وصححه األلباني يف صحيح سنن أبي داود. ( )1قلت :قد تقدَّم أنَّ احلديث صحيحٌ على شرط مسلم ،وقد صححه األلبانيُّ يف صحيح أبي داود ( ،)31/4والشيخ األرناؤوط يف تعليقه على الزاد (.)768/5 09
ثانيًا :أنَّ الطفل َة كانت فطيمًا ،والفطي ُم ال يُميِّزُ. ثالثاً :أنَّ احلديث ال حيتجُّ به على صحَّة مذهب من قال بعدم اشرتاط اإلسالم يف احلضانة ،فإنَّ الصَّبيَّة ملَّا مالت إىل أمِّها دعا النَّيبُّ " هلا باهلداية ،فمالت إىل أبيها ،وهذا يدلُّ علة كونها مع الكافرة خبالف هدى اهلل الَّذي أراده من عباده ،فلو استقرَّ جَ ْعلُها مع أمِّها لكان فيه حجَّة ،بل أبطله اهلل سبحانه بدعو ِة رسول اهلل "(.)3 وألنَّه " دعا بهدايتِها إىل مستحقِّ كفالتِها ،ال إىل اإلسالم؛ لثبوتِ إسالمِها بإسالم أبيها ،ولو كان لألمِّ حقٌّ ألقرَّها عليه وَلمَا دعا بهدايتِها إىل مستحقِّها(.)2 رابعًا :أنَّ واليةَ الكافر ال تثبتُ على مسلمٍ ،كوالية النِّكاح واملال واحلضانة ،وإنَّما تثبت حلظِّ الولد ،فال تشرع على وجهٍ فيه هالكه وهالك دينه(.)1
( )3زاد املعاد (.)768/5 ( )2احلاوي الكبري للماوردي (.)3337/33 ( )1املغين ( ،)631/4وانظر كشاف القناع (.)770/5 21
قلت :وهذا هو األقرب إن شاء اهلل وهو اشرتاط اإلسالم وهو غاية العدل والنصح للمسلم. الشَّرط الثاني البلوغ :يشرتط يف احلاضن البلوغ؛ ألنَّ الصَّيبَّ يف مرحلةٍ ال تثبت له واليةٌ ،فهو يف مرحلةٍ حيتاج إىل من يتولَّى شؤونه ،ويقوم بأمره ،فال يتولَّى هو أمر غريه(.)3 الشَّرط الثَّالث العقل :احلضانة من الواليات والغرض منها صيانة احملضون ورعايته ،وهذا ال يتأتَّى إال إذا كان احلاضن أهالً لذلك، فلهذا ال تثبت حضانةٌ ملعتوه ،وال جملنونٍ؛ ألنَّهما ال يصلحان للحضانة ،وكالهما فاقدٌ لألهليَّة ،وحمتاجٌ إىل مَنْ يكفلُه ،فكيف يكفلُ غريَه ؟ قال ابن القيِّم= :العقل مشرتطٌ يف احلضانة ،فال حضَانة جملنو ٍن وال معتوهٍ وال طفلٍ ،ألنَّ هؤالء حيتاجونَ إىل منْ حيضنُهم ويك ُفلُهم ،فكيفَ يكونونَ كافلنيَ لغريِهِ ْم ؟!.)2(+
()3
انظر كشاف القناع للبهوتي (.)770/5
( )2زاد املعاد ( ،)762/5روضة الطَّالبني (.)77/7 20
ويلحق بذلك من كان عاجزًا ملرضٍ يعوق هذه القدرة ،أو عاهةٍ كالعمى واخلرس والصّمم ،أو كان احلاضن مريضًا مرضًا معديًا، وألن هذا خالفُ املقصود من احلضانة. َّ الشَّرط الرَّابع العدالة :قال العلماء :ال تثبت احلضانة لفاسق، ألنَّه يشرتط العدالة يف احلضانة. قال ابن قدامة= :ال تثبت احلضانة للفاسق ،ألنَّه غريُ موثوقٍ به يف أداء الواجب من احلضانة ،وال حظَّ للولد يف حضانته ،ألنَّه ينشأ على طريقته.)3(+ وقد ناقش ابن القيِّم هذا القول يف الزَّاد ،فقال= :الصَّواب أنَّه ال تشرتط العدالة يف احلاضن قطعاً ،وإن شرطها أصحاب أمحد ط يف والشَّافعيُّ وغريهم ،واشرتاطها يف غاية البعد ،ولو اشتُ ِر َ احلاضن العدالة لضاع أطفال العامل ،ولعظمت املشقَّة على األمَّة، واشتدَّ العنتُ ،ومل يزل من حني قام اإلِسالم إىل أن تقومَ السَّاعة أطفال الفُ َّساقِ بينهم ال يتعرض أحدٌ هلم يف الدنيا ،مع كونهم ( )3املغين ( )632/4بتصرُّف. 22
األكثرين ،ومتى وقع يف اإلِسالم انتزاع الطِّفل من أبويه أو أحدهما بفسقه ؟!! وهذا يف احلرج والعسر .واستمرارُ العمل املتَّصل يف سائر األمصار واألعصار على خالفه وهو مبنزلة اشرتاط العدالة يف والية النِّكاح ،فإنَّه دائمُ الوقوع يف األمصار واألعصار ،والقرى والبوادي ،مع أنَّ أكثرَ األولياء الَّذين يلون ذلك فسَّاقٌ ،ومل يزل يب " وال أحدٌ من الصَّحابة فاسقاً الفسقُ يف النَّاس ،ومل مينع النَّ ُّ من تربية ابنه وحضانته له ،وال مِن تزوجيه مولِّيتَه ،والعادةُ شاهدٌة بأنَّ الرَّجل ولو كان فاسقًا؛ فإنَّه حيتاط البنته ،وال يُضيعها، ُدرَ خالف ذلك ،فهو قليل وحيرص على اخلري هلا جبهده ،وإن ق ِّ بيعي ،ولو بالنِّسبة إىل املعتاد ،والشَّارع يكتفي يف ذلك بالباعث الطَّ ِّ كان الفاسق مسلوبَ احلضانة ووالية النِّكاحِ؛ لكان بيانُ هذا لألمَّ ِة من أهم األمور ،واعتناءُ األمَّة بنقله ،وتوارثُ العملِ به مقدّماً على كثري ممَّا نقلوه ،وتوارثوا العمل به ،فكيف جيوز عليهم تضييعُه واتصالُ العمل خبالفه ؟! ولو كان الفِسق ينايف احلضانة ،لكان من
23
زنى أو شرب مخراً ،أو أتى كبريةً ،فرَّق بينه وبني أوالده الصِّغار، والتمَسَ هلم غريه واللّه أعلم )3(+أ.هـ قلت :وهذا هو األقرب إن شاء اهلل وهو عدم اشرتاط العدالة. الشَّرط اخلامس اشرتاط احلرِّيَّة :اشرتط الفقهاء يف احلضانة: احلرِّيَّة ،إذ اململوك مشغولٌ حبقِّ سيِّده فال ميلكُ وقتاً للحضانة، فقالوا :ال تثبت احلضانة للمملوك ،وبهذا قال عطاء والثوريُّ والشَّافعيُّ وأصحاب الرَّأي. قال ابن قدامة= :ولنا َّأنها ال متلك منافعها الَّيت حتصل الكفالة بها ،لكونها مملوكةً لسيِّدها فلم يكن هلا حضانةٌ ،كما لو بيعت ونقلت )2(+أ.هـ قال ابن القيِّم= :وأمَّا اشرتاطُ احلريَّة ،فال ينتهِضُ عليه دليلٌ يَر َكنُ القلب إليه ،وقد اشرتطه أصحابُ األئمَّة الثَّالثة ،وقال مالكٌ يف حُرٍّ له ولدٌ مِن أمة :إنَّ األمَّ أحقُّ به إال أنْ ُتباعَ ،فتنتقل ،فيكون ( )3زاد املعاد (.)763/5 ( )2املغين ( ،)632/4روضة الطَّالبني (.)77/7 24
يب " قالَ = :منْ فَرَّقَ األبُ أحقَّ بها ،وهذا هو الصَّحيح؛ ألنَّ النَّ َّ ق الّلهُ بَْينَ ُه وبَْي َن أحِبَِّتهِ يَوْ َم القِيا َمةِ.)3(+ بَْي َن الوالدة وَوَلَدِهَا ،فَرَّ َ وقد قالوا :ال جيوزُ التَّفريقُ يف البيع بني األمِّ وولدها الصَّغري، فكيف يُفرِّقون بينهما يف احلضانة ؟! وعمومُ األحاديث متنعُ مِن التفريق مطلقاً يف احلضانة والبيع ،واستدالَلُهم _ بكون منافِعها مملوكةً للسَِّّيد ،فهي مستغرَِقةٌ يف خدمته ،فال تَفرُغُ لِحَضانةِ الولد _ ممنوعٌ ،بل حَقُّ احلَضانةِ هلا ،تُقدَّم به يف أوقات حاجة الولد على حق السَّيد ،كما يف البيع سواء )2(+أ.هـ ِّ كاحلرةِ يف الطبيعة قلت :وهذا هو األقرب إن شاء اهلل؛ ألنَّ األمة َّ واخللقة ،والرِّقُّ وصفٌ عارضٌ ،واحلضانة حقٌّ للطفلِ؛ فهو أوىل بها ،وهي أوىل به.
أخرجه أمحد ( ،)732/5والرتمذي ( )3201من حديث أبي أيوب ( )3 األنصاري ،وصحَّحه احلاكم ،ووافقه الذَّهيب ،وقال األرناؤوط يف تعليقه على الزاد :إسناده حسن ،وكذلك حسنه األلباني يف صحيح الرتمذي (،)3476 وصحيح اجلامع (.)33150 ( )2زاد املعاد (.)762/5 25
واحلرةَ سواءٌ؛ فألنَّ القرآن والسنة مل قال ابن حزم= :إنَّ األمةَ َّ يأتِ يف أحدِهما نصٌّ يف التفريقِ بينهما ،فاحلكمُ فيما ال نصَّ فيه شرعٌ مل يأذنْ به اهلل.)3(+ الشَّرط السَّادس اتِّحاد الدَّار :اشرتط الفقهاء احتادَ الدَّار فقالوا: إن كان سفرُ أحدهما حلاجةٍ ثمَّ يعود ،واآلخر مقيمًا؛ فاملقيم أحقُّ به وأوىل باحلضانة ،ألنَّ يف املسافرة بالولد إضراراً به وتضييعاً له، وال سيما إن كان رضيعاً. وقد ذكر ابنُ القيِّم أقوالَ أهل العلم واختالفهم يف ذلك ،فقال: =هكذا أطلقوا ومل يستثنوا سفرَ احلج من غريه ،وإن كان أحدهما متن ِّقالً عن بلدٍ آلخرَ لإلِقامة ،والبلدُ وطريقُه خموِّفان ،أو أحدهُما؛ فاملقيمُ أحقُّ ،وإن كان هو وطريقُه آمنني ،ففيه قوالنِ ،وهما روايتان عن أمحد: إحداهما :أنّ احلضانةَ لألب ليتمكَّن من تربية الولد وتأديبه وتعليمِه ،وهو قولُ مالك والشَّافعيّ ،وقضى به شريح. ( )3انظر احمللى (.)157/33 26
والثَّانية :أنَّ األم أحقُّ. وفيها قولٌ ثالث :أنَّ املنتقلَ إن كان هو األب ،فاألمُّ أحقُّ به، وإن كان األم ،فإن انتقلت إىل البلد الَّذي كان فيه أصلُ النِّكاح فهي أحقُّ به ،وإن انتقلت إىل غريه ،فاألبُ أحق ،وهو قول احلنفيَّة، وحكوا عن أبي حنيفة روايةً أخرى أنَّ نقلها إن كان من بلدٍ إىل قريةٍ ،فاألبُ أحقُّ ،وإن كان من بلدٍ إىل بلد ،فهي أحقُّ ،وهذه ب إليه، أقوالٌ كُلها كما ترى ال يقوم عليها دليلٌ يسكن القل ُ فالصَّوابُ النظر واالحتياط للطِّفل يف األصلح له واألنفع مِن اإلِقامة أو النَّقلة ،فأيُّهما كان أنفعَ له وأصونَ وأحفظَ روعيَ ،وال تأثريَ كلهُ ما مل ُي ِردْ أحدُهما بالنَّقلة مضارَّةَ اآلَخر، إلِقامة وال نقلة ،هذا ُّ ()3
وانتزاعَ الولد منه ،فإن أراد ذلك؛ مل يُجبْ إليه ،واللّه املوفق+ أ.هـ قلت :وهذا هو األقرب إن شاء اهلل.
الزَّاد ( ،)761/5وانظر أحكام القرآن ( )350/1للقرطيب ،وروضة ( )3 الطَّالبني (.)388/7 27
الشَّرط السَّابع خلوُّ األم من النِّكاح :اختلفَ أهل العلم يف سقوط احلضانة بالنِّكاح على أربعة أقوال: القول األوَّل :أنَّ األمَّ إذا نكحت سقطت حضانتها به مطلقاً سواء كان احملضون ذكراً أو أنثى ،وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشَّافعيّ وأمحد يف املشهور عنه ،قال ابن املنذر= :أمجع على هذا كلُّ َمنْ أحفظ عنه من أهل العلم ،وقضى به شريح )3(+أ.هـ، واحتج أصحاب هذا القول مبا يلي: َّ َدهِ عَبْدِ اللَّهِ ْبنِ أوَّالً :حديث َع ْمرُو ْبنُ ُشعَيْبٍ عَنْ َأبِيهِ عَنْ ج ِّ اللهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَ ْطنِي لَهُ َع ْمرٍو ،أَنَّ ا ْمرَأَةً قَالَتْ :يَا رَسُولَ َّ جرِي َلهُ حِوَاءً ،وَإِنَّ َأبَاهُ طََّل َقنِي ،وََأرَادَ حْ ِوعَاءًَ ،وثَ ْديِي َلهُ ِسقَاءً ،وَ ِ اللهِ "= :أَْنتِ أَحَقُّ ِبهِ مَا لَمْ أَنْ َينْتَ ِز َعهُ مِنِّيَ ،فقَالَ لَهَا رَسُولُ َّ َتنْكِحِي.)2(+ ( )3اإلشراف ( ،)312/3اإلقناع (.)3113/1 ( )2أخرجه أبو داود يف السُّنن ( ،)2246وأمحد يف املسند ( ،)302/2وعبد الرَّزَّاق يف املصنَّف ( ،)3257وسنده حسنٌ للخالف يف عمرو بن شعيب ،وقد صرَّح عمرو بأنَّ اجلدَّ هو عبد اهلل بن عمرو ،وليس شعيباً ،وقد صحَّ مساع شعيب من جدِّه عبد اهلل بن عمرو ،فبطل قول من يقول ،إنَّه منقطع ،وقد احتجَّ البخاريُّ= 28
يب " حديثٌ يف سقوط احلضانة وقال ابن القيِّم= :ليس عن النَّ ِّ بالتَّزويج غري هذا ،وقد ذهب إليه األئمَّةُ األربعة وغريُهم ،قال: وقوهلا= :كان بطين له وعاء +إىل آخره ،إدالءٌ منها ،وتوسُّل إىل اختصاصها به ،كما اختصَّ بها يف هذه املواطنِ الثَّالثة ،واألبُ مل يُشاركها يف ذلك ،فنبَّهت يف هذا االختصاص َّالذي مل يُشارِكْها فيه األبُ على االختصاص الَّذي طلبته باالستفتاء واملخاصمة. ويف هذا دليلٌ على اعتبار املعاني والعِلل ،وتأثريها يف األحكام، وإناطتها بها ،وأنَّ ذلك أمرٌ مستقرٌ يف الفِطَرِ السَّليمةِ حتى فِطَر النساء ،وهذا الوصفُ الذي أدلت به املرأةُ وجعلته سبباً لتعليق احلكم به ،قد قرَّرهُ النَّيبُّ " ،ورتَّب عليه أثره ،ولو كان باطالً ألغاه ،بل ترتيبُه احلكمَ عقيبَه دليلٌ على تأثريه فيه ،وأنَّه سببه ،ودلّ احلديث على أنَّه إذا افرتق األبوانِ ،وبينهما ولدٌ ،فاألمّ أحقُّ به من األب ما مل يقم باألمِّ ما مينعُ تقدميَها ،أو بالولد وصفٌ يقتضي ختيريَه ،وهذا =برواية عمرو بن شعيب خارج الصَّحيح ونصَّ على صحَّته ،وقال _ يعين البخاري _ :وكان احلميدي وأمحد وإسحاق وعليُّ بن املديين حيتجُّون حبديثه فمن النَّاس بعدهم ؟! وقال إسحاق :هو عندنا صحيح كأيُّوب عن نافع عن ابن عمر ،وانظر زاد املعاد (.)717/5 29
ما ال يُعرف فيه نزاعٌ ،وقد قضى به خليفةُ رسولِ اللّه " أبو بكر ي عمرُ قضى على عمر بن اخلطَّاب ،ومل يُنْكِرْ عليهِ مُنْكِر .فلما وَل َ مبثله.)3(+ ثانياً :حديث الرباء بن عازب أنَّ ابنة محزة اخْتَصَمَ فِيهَا َعلِيٌّ وَ َزْيدٌ جعْفَرٌ :ابْنَةُ جعْفَرٌ ،فَقَالَ َعلِيٌّ :أَنَا أَحَقُّ بِهَاَ ،وهِيَ ابْنَةُ عَمِّي ،وَقَالَ َ وَ َ النبِيُّ " عَمِّي ،وَخَالَتُهَا تَحْتِي ،وَقَالَ َزْيدٌ :ابْنَةُ أَخِي ،فَ َقضَى بِهَا َّ لِخَالَتِهَا ،وَقَالَ= :الْخَالَ ُة بِمَنْزِلَةِ األُمِّ .)2(+...
قال احلافظ عند قوله "= :اخلالة مبنزلة األم :+أي يف هذا احلكم اخلاص ،ألنَّها تقرب منها يف احلنوِّ والشَّفقة واالهتداء إىل ما يصلح الولد ملا دلَّ عليه السِّياق أ.هـ قلت :ويف روايةٍ= :أمَّا اجلارية فأقضي بها جلعفر تكون مع خالتها إنَّما اخلالةُ مبنزلةِ األمِّ.)1(+
( )3زاد املعاد (.)717/5 ( )2رواه البخاري (.)7253 ()1
رواه أبو داود بسند صحيح (.)2240 31
ثالثاً :قال عبد الرَّزَّاق :حدَّثين ابن جريج قال حدَّثنا أبو الزُّبري عن رجلٍ صاحلٍ من أهل املدينة عن أبي سلمة بن عبد الرمحن، قال :كانت امرأةٌ من األنصار حتت رجلٍ من األنصار ،فقتل عنها يوم أحدٍ ،وله منها ولد ،فخطبها عمُّ ولدها ،ورجلٌ آخر إىل يب " فقالت: أبيها ،فأنكحَ الرَّجلَ وترك عمَّ ولدها ،فأتت النَّ َّ أنكحين أبي رجالً ال أريدُه ،وترك عمَّ ولدي يأخذُ منِّي ولدي، يب " أباها ،فقال= :أنكحت فالناً فالنة ؟!،+قال :نعم، فدعا النَّ ُّ قال= :أنت الَّذي ال نكاحَ لك ،اذهيب فانكحي عمَّ ولدك.)3(+ ( )3احلديث عند عبد الرزاق يف املصنف ( ،)38187وضعَّفه ابن حزمٍ يف احمللى ( )157/33فقال :هذا مرسل ،وفيه رجل جمهول ،قلت :لكن رواه ابن أبي شيبة يف املصنف ( )33282قال :حدثنا سالم وجرير عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي سلمة بن عبد الرمحن به ،ورجاله ثقاتٌ ،وهو مرسلٌ وقد أجاب ابن القيم عن إرساله؛ فقال يف الزَّاد ( :)756/5أبو سلمة من كبار التَّابعني وقد حكى القصَّة عن ل جيِّدٌ له األنصاريَّة ،وال ينكر لقاؤه هلا ،فال يتحقَّق اإلرسال ،ولو حتقَّق ،فمرس ٌ شواهد مرفوعة وموقوفة ،وليس االعتماد عليه وحده ،وعنى باجملهول الرَّجل ف به ولكن الصَّاحل الَّذي شهد له أبو الزُّبري بالصَّالح وال ريب أنَّ هذه الشَّهادة ال تعرِّ ُ اجملهول إذا عدله الرَّاوي عنه الثِّقة ثبتت عدالته وإن كان واحداً على أصح القولني، وأبو الزُّبري وإن كان فيه تدليسٌ ،فليس معروفاً بالتَّدليس عن املتَّهمني والضُّعفاء ،بل تدليسه من جنس تدليس السَّلف مل يكونوا يدلِّسون عن متَّهم أ.هـ بتصرُّف. 30
قال ابن القيِّم= :فلم ينكر أخذ الولد منها ،ملَّا تزوَّجت بل عم الولد لتبقى هلا احلضانة؛ ففيه دليلٌ على سقوط احلضانة أنكحها َّ بالنِّكاح وبقائها إذا تزوَّجت بنسيبٍ من الطِّفل +أ.هـ رابعاً :ما روى مالك يف املوطَّأ ،ومن طريقه البيهقيُّ ،عَنْ يَحْيَى ْبنِ َسعِيدٍ أََّنهُ قَالَ :سَ ِم ْعتُ اْلقَاسِمَ ْبنَ مُحَمَّدٍ َيقُولُ = :كَاَنتْ ِعنْدَ ُع َمرَ بْنِ الْخَطَّابِ ا ْمرََأةٌ ِمنَ األَنْصَارِ( ،)3فَوَلَ َدتْ َلهُ عَاصِمَ ْبنَ ُعمَرَ، ثُمَّ إَِّنهُ فَارَقَهَاَ ،فجَاءَ ُع َم ُر قُبَاءً ،فَوَجَدَ اْبَنهُ عَاصِماً َي ْلعَبُ ِب ِفنَاءِ َّابةِ ،فََأ ْدرَكَْتهُ جَدَّةُ ض َعهُ بَْينَ يَ َدْيهِ َعلَى الد َّ اْل َم ْسجِدِ ،فَأَخَذَ ِبعَضُ ِدهِ فَوَ َ اْل ُغالَمَِ ،فنَا َزعَْتهُ إِيَّاهُ ،حَتَّى َأتَيَا َأبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقََ ،فقَالَ ُع َمرُ :اْبنِي، وَقَاَلتِ اْل َمرْأَ ُة :اْبنِيَ ،فقَالَ َأبُو بَ ْكرٍ :خَلِّ بَيْنَهَا َوبَْيَنهُ ،قَالََ :فمَا ج َعهُ ُع َم ُر الْ َكالَمَ.+ رَا َ ويف رواية قال أبو بكرٍ= :أمُّه أحقُّ به ما مل تتزوَّج.)2(+ ويف رواية قال= :األمُّ أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأرأف، هي أحقُّ بولدها ما مل تتزوَّج.)1(+ ()3
وهي مجيلة بنت عاصم بن ثابت بن أبي األقلح األنصاريّ.
( )2رواه عبد الرَّزَّاق يف املصنَّف (.)32570 ( )1املصدر السابق (.)32688 32
ويف رواية= :فقضى هلا به ،وقال :رحيها وفراشها وحجرها خريٌ يشب وخيتار لنفسه.)3(+ له منك حتَّى َّ قال ابن عبد الرب= :هذا خربٌ منقطعٌ يف هذه الرِّوايةِ ،ولكنَّه مشهورُ مرويٌّ من وجوهٍ منقطعةٍ ومتَّصلة ،تلقَّاه أهل العلم بالقبول والعمل ،وفيه دليلٌ على أ َّن عمر كان مذهبه يف ذلك خالف مذهب أبي بكرٍ ،ولكنَّه سلَّم القضاء ممَّن له احلكم والقضاء ،ثم كان بع ُد يف خالفَِته يقضي به ويفيت ومل خيالف أبا بكرٍ يف شيءٍ منه ما دام الصَّيب صغرياً ال مييِّ ُز ،وال خمالف هلما من الصحابة )2(+أ.هـ وقال يف موضعٍ آخر= :ال أعلم خالفاً بني السَّلف من العلماءِ، واخللف يف املرأة املطلَّقة إذا مل تتزوَّج أَّنها أحقُّ بولدها من أبيه ما دام طفالً صغرياً ال مييِّز شيئاً إذا كان عندها يف حرزٍ وكفاي ٍة ،ومل يثبت منها فسقٌ ومل تتزوج )1(+أ.هـ ( )3املصدر السَّابق ( ،)32683وهناك رواياتٍ أخرى اكتفينا ببعضها ،راجع االستذكار ( ،)274/6سنن البيهقي ( ،)6_5/0وانظر إرواء الغليل (.)2300 ( )2االستذكار (.)270 _ 274/6 ( )1املصدر السابق (.)277/6 33
القول الثَّاني :أنَّ احلضانة ال تسقط بالنِّكاح حبالٍ ،وال فرق باحلضانة بني األيِّم وذات البعل ،وحكي هذا املذهب عن احلسن البصري ،وهو قول أبي حممَّد بن حزمٍ ،وقد استدلَّ مبا رواه من طريق مسلم عن أبي هريرة ،قال :قال رجلٌ :يا رسول اهلل ،من أحقُّ النَّاس حبسن الصُّحبة ؟ ،قال= :أ ّمك ،ثمَّ أ ّمك ،ثمَّ أ ّمك، ثمَّ أباك.)3(+ ()2
قال عقبة= :فهذا نصٌ جليٌ يف إجياب احلضانة ألنَّها صحبة+ أ.هـ
قلت :فهذا ليس فيه نصٌّ على ذلك ،وإنَّما هو يف حقِّ الرَّجل يسأل عن األحقِّ حبسن الصُّحبة حال كونه رجالً يريد التَّقرب إىل اهلل تعاىل بربِّ والديه ،ال أنَّه صغ ٌري جتري عليه أحكام احلضانة. واحتجَّ أيضاً مبا رواه من طريق البخاري عن أنس بن مالك، حةَ قَالَ= :قَدِمَ رَسُولُ اهللِ " اْلمَدِيَنةَ لَيْسَ َلهُ خَادِمٌ ،فَأَخَذَ َأبُو َطلْ َ
( )3رواه مسلم ( )6774( ،)382/36من حديث أبي هريرة. ( )2انظر احمللى (.)151/33 34
بِيَدِي فَانْ َطلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اهللِ "َ ،فقَالَ :يَا رَسُولَ اهللِ ،إِنَّ أََنسًا ضرِ.)3(+ الس َفرِ وَالْحَ َ غُال ٌم كَيِّسٌَ ،فلْيَخْ ُدمْكَ ،قَالَ :فَخَ َدمُْتهُ فِي َّ قال عقبة= :فهذا أنسٌ يف حضانة أمِّه ،وهلا زوجٌ وهو أبو طلحة بعلم رسول اهلل " +أ.هـ قال ابن القيِّم= :وهذا االحتجاجُ يف غاية السُّقوط ،واخلربُ يف يبِ غاية الصِّحة ،فإنَّ أحداً من أقارب أنسٍ مل ُينَازعْ أمَّه فيه إىل النَّ ّ " ،وهو طفلٌ صغريٌ مل يَثغِر ،ومل يأكل وحدَه ،ومل يشرب وحدَه ،ومل مييِّز ،وأمُّه مزوَّجة ،فحكم به ألمِّه ،والنَّيبُّ " َّملا قَدِ َم املدينة ،كان ألنسٍ من العمر عشرُ سنني ،فكان عند أمِّه ،فلمَّا س يُنازعها يف ولدها، تزوَّجت أبا طلحة ،مل يأت أحدٌ من أقارب أن ٍ ويقول :قد تزوجتِ فال حضانةَ لكِ ،وأنا أطلبُ انتزاعَه ِمنْكِ ،وال ريبَ أنَّه ال حيرم على املرأة املزوَّجة حضانةُ ابنها إذا اتَّفقت هي والزَّوجُ وأقارب الطِّفل على ذلك ،وال ريبَ أنَّه ال جيب ،بل ال جيوزُ أن يفرَّق بني األمِّ وولدها إذا تزوَّجت من غري أن يُخاصمَها مَنْ
( )3رواه البخاري ( )2547من حديث أنس بن مالك. 35
له احلضانة ،ويَ ْطلُب انتزاع الولد ،فاالحتجاجُ بهذه القصَّ ِة من أبعدِ االحتجاج وأبرده )3(+أ.هـ واحتجُّوا أيضاً ببقاء ابن أمِّ سلمةَ يف كفالتها بعد أن تزوَّجت يب " ،وجياب عن هذا بأنَّ جمرَّد البقاء مع عدم املنازعة ،ال بالنَّ ِّ حيتجُّ به الحتمال أنَّه مل يبق له قريبٌ غريها(.)2 القول الثَّالث :أنَّ الطِّفل إن كانت بنتاً مل تسقط احلضانة بنكاح أمِّها ،وإن كانت ذكراً سقطت ،وهي إحدى الرِّوايتني عن أمحد نصَّ عليه يف رواية مهنا بن حييى الشَّامي ،فقال= :إذا تزوجت األمُّ يب ؟ قال :ال، وابنها صغريٌ أخذ منها ،قيل له :فاجلارية مثل الصَّ ِّ اجلارية تكون مع أمِّها إىل سبع سنني.+ فظاهر هذا أنَّه مل يُ ِزل احلضانة عن اجلارية لتزويج أمِّها وأزاهلا عن الغالم ،ووجه ذلك ما روي أنَّ علياً وجعفراً وزيد بن حارثة تنازعوا يف حضانة ابنة محزة ،فجعل هلا احلضانة وهي مزوَّجة، والرِّواية األوىل عن اإلمام أمحد هي الصحيحة وهي املشهورة من ( )3زاد املعاد (.)754/5 ( )2الرَّوضة النَّديَّة (.)705/3 36
مذهبه كما تقدم ،قال ابن أبي موسى :وعليها العمل لقول رسول اهلل " للمرأة= :أنت أحقُّ به ما ملْ تنكحي ،+فأمَّا بنت محزة، فإنَّما قضى هلا خلالتها؛ ألنَّ زوجها من أهل احلضانة ،وألنَّه ال يساويه يف االستحقاق إال عليٌ ،وقد ترجَّح جعفر بأنَّ امرأته من أهل احلضانة ،فكان أوىل( )3أ.هـ القول الرَّابع :أنَّها إن تزوَّجت بنسيب الطِّفل مل تسقط حضانتها ،وفيه ثالث مذاهب: املذهب األوَّل :أنَّ املشرتط أن يكون الزَّوج نسيباً للطِّفل فقط، وهذا ظاهر قول أصحاب أمحد. املذهب الثّاني :أن يكون نسيباً للطِّفل ،ويكون ذا رحمٍ حمرم، وهو قول أصحاب أبي حنيفة. املذهب الثَّالث :أنَّه يشرتط أن يكون بني الزَّوج والطِّفل إيالدٌ بأن يكون جداً للطِّفل ،وهذا قول مالك وبعض أصحاب أمحد.
( )3انظر :املغين (.)637/4 37
واملختار _ واهلل أعلم _ القول األول وهو خلوُّ األمِّ من النِّكاح، وعليه جتتمع األدلة ،وهو مذهب اجلمهور وقضى به شريح. احلضانة حقٌّ لألم أم عليها ؟ إذا افرتق الزَّوجان وهلما ولدٌ طفلٌ ذكراً كان أو أنثى أو معتوهاً ،فأمُّه أوىل النَّاس به ،وأحقُّ النَّاس بكفالته ،وأنَّ احلضانة حقٌّ هلا إذا أكملت الشُّروط فيها ،وهذا قول حييى األنصاريِّ والزُّهريِّ والثَّوريِّ ومالك ق وأصحاب الرَّأي. والشَّافعيِّ وأبي ثورٍ وإسحا َ قال أبو عمر بن عبد الرب= :ال أعلم خالفاً بني السَّلف من العلماء يف املرأة املطلَّقة إذا مل تتزوَّج ،أَّنها أحقُّ بولدها من أبيه ،ما دام طفالً صغرياً ال مييِّز شيئاً إذا كان عندها يف حرزٍ وكفاية ،ومل يثبت فيها فسقٌ ،وال تربُّج )3(+أ.هـ
قلت :ثمَّ اختلف الفقهاء هل احلضانة لألم أم عليها ؟ قال ابن القيِّم= :على قولني يف مذهب أمحد ومالك وينبين عليهما :هل ملن له احلضانة أن يسقطَها فينزل عنها ؟ وأنَّه ال جيب عليه خدمة الولد أيَّام حضانته إال باألجرة إن قلنا :احلقُّ له ،وإن ( )3االستذكار ( ،)270/6أحكام القرآن (.)354/1 38
قلنا :احلقُّ عليه وجب خدمته جماناً ،وإن كان احلاضن فقرياً فله األجرُ على القولني ،وإذا وهبت احلضانة لألبِ ،وقلنا :احلقُّ هلا احلق عليها ،فلها العود لزمت اهلبة ،ومل ترجع فيها ،وإن قلناُّ : إىل طلبها ،قال :والصَّحيح أنَّ احلضانةَ حقٌ هلا ،وعليها إن احتاج الطِّفل إليها ومل يوجد غريها ،وإن اتَّفقت هي ووليُّ الطِّفل على ال نقلها إليه جاز ،واملقصود أنَّ يف قوله "= :أنت أحقُّ به +دلي ً على أنَّ احلضانة حقٌ هلا.)3(+ وقال ابن املنذر= :أمجع كلُّ من يُحفظ عنه من أهل العلم على أنَّ الزوجني إذا افرتقا وهلما ولدٌ طفلٌ؛ أنَّ األمَّ أحقُّ به ما مل تنكحْ، وممَّن حفظْنا عنه ذلك حييى بن سعيد األنصاري ،والزهري، ومالك ،والثوري ،والشافعي ،وأمحد ،وإسحاق ،وبه نقولُ، وقد روينا عن أبي بكر الصديق أنَّه حكمَ به على عمر.)2(+ قلت :وهذا هو املختار _ واهلل أعلم _ وعليه جتتمع األدلة. ( )3زاد املعاد ( ،)752/5وانظر االستذكار ( )188/6فقد ذكر مذاهب أهل العلم ،واملغين (.)627/4 ( )2جامع املسائل البن تيمية (.)725/1 39
هل نكاح األمِّ تعليلٌ أم توقيت ؟ وما يرتتَّب على ذلك: اختلف أهل العلم يف قوله "= :ما مل تنكحي ،+هل هو تعليل أم توقيت ؟ على قولني ،وينبين على ذلك :أنَّها لو تزوَّجت وسقطت حضانتها ،ثمَّ طُلِّقت ،فهل تعو ُد احلضانة إليها ؟ أجاب ابن القيِّم عن ذلك ما ملخَّصه ،فقال= :فإن قيل :اللَّفظُ تعليلٌ ،عادت احلضانة بالطَّالق ،ألنَّ احلكمَ إذا ثبت بعلَّ ٍة زال بزواهلا ،وعلَّة سقوط احلضانة؛ التَّزويج ،فإن طُِّلقت ،زالت العلَّ ُة ،فزال حكمها ،وهذا قولُ األكثرين ،منهم :الشَّافعيُّ، وأمحد ،وأبو حنيفة ،وقال مالك يف املشهور من مذهبه :إذا تزوَّجت ودخل بها ،مل َيعُد حقُّها من احلضانة ،وإن طُِّلقت ،وهذا ك من بناءً على أنَّ قوله "= :ما مل تنكحي ،+للتَّوقيت أي :حقُّ ِ ت؛ انقضى وقت ح ِ ت إىل حني نِكاحك ،فإذا نُ ِك ْ احلضانة مُؤَّق ٌ احلضانة ،فال تعودُ بعد انقضاء وقتها ،كما لو انقضى وقتُها ببلوغ الطفل واستغنائه عنها ،وقال بعض أصحابه :يعودُ حقُّها إذا فارقها زوجُها ،كقول اجلمهور ،وهو قول املغرية ،وابن أبي حازم ،قالُوا: ألنَّ املقتضي حلقِّها من احلضانة هو قرابتُها اخلاصَّة ،وإَّنما عارضها 41
مانع النِّكاح ملا يُوجبه من إضاعة الطِّفل ،واشتغاهلا حبقوقِ الزَّوج األجنيبِّ منه عن مصاحله ،وملا فيه من تغذيته وتربيته يف نعمة غري أقاربه ،وعليهم يف ذلك مَِّنةٌ وغَضَاضَة ،فإذا انقطع النِّكاحُ مبوتٍ، ُل أو فُرقةٍ ،زال املانعُ ،واملقتضي قائمٌ ،فرتَّتب عليه أثره ،وهكذا ك ُّ من قام به من أهل احلضانة مانعٌ منها ،ككفرٍ ،أورِقٍّ ،أو فسقٍ ،أو بدوٍ ،فإنَّه ال حضانة له ،فإن زالت املوانعُ ،عاد حقُّهم من احلضانة ،فهكذا النِّكاح والفرقة )3(+أ.هـ بتصرُّفٍ يسري. واملختار _ واهلل أعلم _ قولُ اجلمهور كما رجَّح ذلك ابن القيم، وهو قول احلسن بن حي كما يف =االستذكار +و=احمللى.)2(+ مسألة :يبقى النظرُ والنزاع :هل ترجعُ احلضانة للمطلَّقة ني عدتِها حتَّى تب َ مبجردِ الطالق أم بوقفه إىل انقضا ِء َّ الرَّجعيَّة َّ منه بينونةً صغرى ؟
( )3زاد املعاد ( ،)752/5املغين ( ،)625/4روضة الطَّالبني (.)383/7 ( )2االستذكار ( ،)183/6احمللى (.)154/33 40
فمأخذه كون الرجعية زوجة يف عامة األحكام؛ فإنَّه يثبتُ بينهما التوارث والنفقة ،ويصح منها الظهار واإليالء ،وحيرم عليه أن ينكح عليها أختها أو عمَّتها أو خالتها أو أربعًا سواها وهي زوجة، ف َمنْ راعى ذلكَ قالَ :مل تعدْ إليها احلضانة مبجرَّد الطالق الرجعي عدتُها وتبنيَ منه ،وهذا قولُ أبي حنيفة واملزني؛ ألنَّ حتى تنقضيَ َّ الطالق رجعيٌّ فلم يعدْ حقَّها ألنَّ الزوجةَ قائمةٌ فأشبهَ ما لو كانت يف صلب النكاح؛ ألنَّه ميلك رجعتَها. وقالَ آخرونَ :عاد حقُّها مبجرَّد الطالق ،وأنَّه عزهلا عن فراشِه ومل يبقَ هلا عليه قسمٌ ،وال هلا به شغلٌ ،وزالَ السبب عنها فأشبهت البائن يف عدَّتِها ،وهذا قول الشافعي وأبي ثور ،ورجَّح ذلك املوفق يف املغين ،وهذا ظاهر كالم اخلرقي. واألول هو األظهر؛ ألنَّها تعتدُّ يف بيتِه ،وله أن مينعَها من احلضانةِ ،واهلل أعلم(.)3
( )3انظر املغين ( ،)625/4وزاد املعاد (.)751/5 42
هل يسقط حقُّها بالنِّكاح مبجرَّد العقد ،أو بالعقد مع الدُّخول؟ قوالن يف ذلك ألهل العلم: الشافعيِّ، أحدهما :أنَّه مبجرد العقد تزول حضانتها ،وهو قول َّ وأبي حنيفة ،ألنَّه بالعقد يَملِكُ الزَّوجُ منافعَ االستمتاع بها، ويَملِك نفعها من حضانة الولد. فإن الثَّاني :أنَّها ال تزول إال بالدُّخولِ ،وهو قولُ مالكَّ ، بالدُّخولِ يتحقَّ ُق اشتغاهلا عن احلضانة. قال ابن القيِّم= :واحلديث حيتمل األمرين ،واألشبه سقوطُ حضانتها بالعقد ،ألنَّها حينئذٍ صارت يف مظنَّة االشتغال عن الولد، والتَّهيُّؤ للدُّخولِ ،وأخذها حينئذٍ يف أسبابه ،وهذا قولُ اجلمهور )3(+أ.هـ قلت :وهو املختارُ واهلل أعلم.
( )3زاد املعاد ( ،)757/5املغين ( ،)628/4وانظر توضيح األحكام (.)56/6 43
إذا ادَّعت املرأة أنَّها طلِّقت: قال ابن القيِّم= :استُ ِد َّل حبديث عمرو بن شعيب =أنت أحقُّ به ما ملْ تنكحي ،+على القضاء على الغائب ،فإنَّ األبَ مل يذكر له حضورٌ ،وال خماصمة ،وال داللة فيه ألنَّها واقعةُ عني ،فإنْ كان األبُ حاضراً فظاهرٌ ،وإن كان غائباً فاملرأة إنَّما جاءت مستفتيةً، يب " مبقتضى مسألتها ،وإال فال يُقبل قولُها على الزَّوج: أفتاها النَّ ُّ إنَّه طلَّقها حتَّى يُحكم هلا بالولد مبجرَّ ِد قوهلا.)3(+ قلت :القول جبواز القضاء على الغائب هو قول مالك والليث والشافعي وأبي عبيد وابن شربمة واألوزاعي وإسحاق وهو أحد الروايتني عن أمحد ،واستدلَّ من قال بهذا القول بهذا احلديث وحديث هند بنت عتبة يف قصَّتِها مع أبي سفيان ،وهو مشهورٌ يف الصحيحني ،واستثنى ابن القاسم عن مالك ما يكون للغائب فيه حججٌ كاألرض والعقار ،إال إن طالت غيبتُه وانقط َع خربه.
( )3زاد املعاد (.)715/5
44
ومنعَ ذلك ابن أبي ليلى وأبو حنيفة والشعيب والثوري وهي الرواية األخرى عن أمحد ،وقال أبو حنيفة= :فأما من هربَ واسترت بعد إقامة البينة ،فنادى القاضي عليه ثالثًا؛ فإن جاءَ وإال أنفذ احلكمَ عليه ،أو كان له وكيلٌ فجُ ِّو َز له احلكم عليه بعد الدعوى على وكيلِه.+ واحتجَّ من منعَ القضاءَ على الغائب بقول النَّيبِّ "= :إذا جلس ت إليك اخلصمان فال تقضِ بينهما حتَّى تسمعَ من اآلخر كما مسع َ تبينَ لك القضاء.)3(+ من األوَّل؛ فإنَّك إذا فعلتَ ذلك َّ والقول باملنعِ هو األقربُ إن شاء اهلل ،لكن هذا يف حقِّ اآلدميني دون حقوق اهلل باالتفاق حتى لو قامت البيِّنة على غائبٍ.
( )3رواه أمحد ( ،)475/2واحلاكم ( ،)71/7وقال :صحيح اإلسناد .ووافقه الذهيب ،انظر الصحيحة ( ،)3188وفتح الباري (،)231/31( ،)615/7 والزاد (.)581/5 45
أم الزَّوجة تقوم مقام الزَّوجة يف االدِّعاء أمام القاضي ؟ هل ُّ اختلفت الرِّوايات يف حديث عمر مع جدَّة عاصم ابنه ،ففي َدةُ اْل ُغالَمَِ ،فنَازَعَْتهُ إِيَّاهُ ،حَتَّى َأتَيَا َأبَا بعض الرِّوايات= :فََأ ْدرَكَْتهُ ج َّ بَكْر.)3(+ ويف روايةٍ أخرى= :طلَّق عمر امرأته األنصاريَّة أمَّ ابنه عاصم، فلقيها حتمله مبحسرٍ ،ولقيه قد فطمَ ومشى ،فأخذ بيده لينتزعَه منها ،ونازعها إيَّاه حتَّى أوجع الغالم وبكى ،وقال :أنا أحقُّ بابين منكِ ،فاختصما إىل أبي بكر.)2(+ أجاب ابن القيِّم عن هذا اإلشكال ،فقال= :فَإِنْ قِيلََ :فقَدْ ت اْل ُمنَا َز َعةُ وََق َعتْ بَْيَنهُ َوبَْي َن األُمِّ أَوَّالً ،ثُمَّ ل كَاَن ْ ت الرّوَاَيةُ :هَ ْ اخَْت َل َف ْ َدةِ ،أَوْ وََق َعتْ َمرَّةً وَاحِ َدةً بَيَْنهُ َوبَْينَ إحْدَا ُهمَا ،قِيلَ بَْيَنهُ َوبَْينَ اْلج َّ ا َأل ْمرُ فِي ذَلِكَ َقرِيبٌ ألَنّهَا إنْ كَاَنتْ ِمنْ األُمّ فَوَاضِحٌ ،وَإِنْ كَانَتْ ِم ْن اْلجَ ّدةِ َفقَضَاءُ الصّدّيقِ ÷ لَهَا يَدُلّ َعلَى أَنّ األُمّ أَوْلَى )1(+أ.هـ ( )3أخرجه مالك يف املوطَّأ ( ،)464/2والبيهقيُّ (.)5/0 ( )2أخرجه عبد الرَّزَّاق (.)32683 ( )1زاد املعاد (.)714/5 46
الوالية على الطِّفل: ل العلم الواليةَ على الطِّفل من جهتني: قسَّم أه ُ واليةٌ من جهة األب ،وواليةٌ من جهة األم. قال ابن القيِّم= :وَالْوِالَيةُ َعلَى ال ّطفْلِ نَ ْوعَانِ :نَ ْوعٌ ُيقَدّمُ فِيهِ األَبُ َعلَى األُمّ َو َمنْ فِي جِهَتِهَا؛ وَهِيَ وِالَيةُ اْلمَالِ وَالنّكَاحِ ،وَنَ ْوعٌ ُتقَدّمُ فِيهِ األُمّ َعلَى ا َألبِ؛ وَهِيَ وِالَيةُ الْحَضَاَنةِ وَالرّضَاعِ ،وَقُدِّمَ كُلٌّ ِمنْ ف حةِ الْوَلَدِ َوتَوقُّ ِ صلَ َ جعِلَ َلهُ ِمنْ ذَلِكَ لَِتمَامِ مَ ْ ا َألبَ َوْينِ فِيمَا ُ صلَحَتِهُ َعلَى َمنْ َيلِي ذَلِكَ ِمنْ َأبَ َويْهِ َوتَحْصُلُ ِبهِ ِكفَايَُتهُ ،وََلمّا كَانَ مَ ْ النِّسَاءُ َأ ْعرَفَ بِالتَّ ْربَِيةِ وَأَقْ َدرَ َعلَيْهَا وَأَصَْبرَ وََأرْأَفَ وََأ ْفرَغَ لَهَا لِذَلِكَ قُ ّد َمتْ األُمُّ فِيهَا َعلَى ا َألبِ ،وَلَمَّا كَانَ الرِّجَالُ أَقْوَمَ بِتَحْصِيلِ حةِ الْوَلَدِ وَاالحْتِيَاطِ َلهُ فِي الْبُضْعِ قُدِّمَ ا َألبُ فِيهَا َعلَى األُمِّ، صلَ َ مَ ْ فََتقْدِيمُ األُمِّ فِي الْحَضَاَنةِ مِنْ مَحَا ِسنِ ال ّشرِي َعةِ ،وَاالحْتِيَاطُ لِألَ ْطفَالِ ج كَذَلِكَ.)3(+ وَالنّ َظرُ لَهُمَْ ،وَتقْدِي ُم ا َألبِ فِي وِالَيةِ املَالِ وَالتّ ْزوِي ِ
( )3زاد املعاد ( ،)714/5وانظر جمموع الفتاوى.)177/2( : 47
وقال الشَّوكاني= :وأمَّا إثبات حقِّ األب يف احلضانة :فهو وإن مل يرد دليلٌ خيصُّه لكنَّه قد استفيد من قوله " لألم= :أنت أحقُّ به ما يدل على ثبوت أصل احلقِّ لألب بعد األم، مل تنكحي ،+فإنَّ هذا ُّ ومن مبنزلتها()3؛ وهي اخلالة ،وكذلك إثبات التَّخيري بينه وبني األمِّ يف الكفالة ،فإنَّه يفيد إثبات حقٍّ له يف اجلملة.)2(+ قلت :وهذا هو األرجح إن شاء اهلل؛ أنَّ األب هو األحقُّ بعد األم إذا تزوَّجت ،وحديث عمرو بن شعيب املتقدم يدلُّ على ذلك؛ حيث إنَّ األب جاء يُخاصمُ املرأة يف حقٍّ له فقضى له رسول اهلل " إذا تزوَّجت األم ،وهذا مذهب الليث بن سعد كما نقل عنه ذلك ابن حزمٍ يف احمللى(.)1
()3
ُقدمٌ على هؤالءِ. ب م َّ أي :ومَن مبنزلتها من جهة األم كاخلالة وغريها؛ فإنَّ األ َ
( )2الدَّراري املضيَّة (.)127 ( )1احمللى (.)154/33 48
األحقُّ باحلضانة بعد الوالدين: وأن كالً من األبوين له تقدَّم معنا أنَّ الوالية على الطِّفل نوعانَّ ، واليةٌ ختصُّه ،وأنَّ األمَّ قُدِّمت على األب يف احلضانة والرِّضاع، وذلك لتمام مصلحة الولد يف ذلك. لكن هل قدِّمت األمُّ لكون جهتها مقدَّمةً على جهة األب يف احلضانة ،فقدِّمت يف ذلك ألجل األمومة ،أم قدِّمت لكون النِّساء أقوم مبقاصد احلضانة والتَّربية من الذُّكور ،فيكون تقدميها ألجل األنوثة ؟ أجاب ابن القيِّم عن هذا ،فقالَ= :ففِي هذا للنَّاس قوالن ،وهما حمَدَ: يف مذهب َأ ْ ب ا َألبِ. ب األُمِّ َعلَى أَقَا ِر ِ إحْدَا ُهمَاَ :تقْدِيمُ أَقَارِ ِ الثّانَِيةُ :وَهِيَ األَصَحُّ دَلِيالً وَاخْتِيَارُ شَيْخِ اإلِسْالمِ اْبنِ تَْيمِّيةَ: صرِهِ، خرَقِيّ فِي مُخْتَ َ َتقْدِيمُ أَقَا ِربِ ا َألبِ وَهَذَا هُوَ الّذِي ذَ َك َرهُ الْ ِ َفقَالَ :وَاألُ ْختُ ِمنْ ا َألبِ أَحَقّ ِمنْ األُخْتِ ِمنْ األُمّ وَأَحَقّ مِنْ
49
الْخَاَلةِ ،وَخَاَلةُ ا َألبِ أَحَقّ ِمنْ خَاَلةِ األُمَِّ ،و َعلَى هَذَا فَأُمُّ ا َألبِ حمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَْينِ َعْنهُ. ُمقَدَّ َمةٌ عَلَى أُمِّ األُمِّ ،كَمَا نَصَّ َعلَْيهِ أَ ْ َو َعلَى هَ ِذهِ الرّوَاَيةِ فَأَقَا ِربُ ا َألبِ ِمنْ الرِّجَالِ ُمقَدَّمُونَ َعلَى أَقَا ِربِ األُمِّ ،وَاألَخُ لِألَبِ أَحَقُّ مِنْ األَخِ لِألُمِّ ،وَاْلعَمُّ أَوْلَى مِنْ الْخَالِ، هَذَا إنْ ُق ْلنَا :إنَّ ألَقَارِبِ األُمِّ ِمنْ الرِّجَالِ مَدْخَالً فِي الْحَضَاَنةَِ ،وفِي حمَدَ وَالشّاِفعِيِّ: ذَلِكَ وَجْهَانِ فِي مَذْ َهبِ أَ ْ أَحَدُ ُهمَا :أَنَّهُ ال حَضَاَنةَ إال ِلرَجُلٍ مِنْ الْعصَبةِ مَحرَمٌ ،أَوْ ال ْمرَأَةِ وَا ِرَثةٍ أَوْ مُدْلَِيةٍ ِبعَصََبةِ أَوْ وَا ِرثٍ. جهِ ،وَهُوَ قَوْلُ وَالثّانِي :أَنَّ لَهُمْ الْحَضَاَنةَ ،وَالّت ْفرِيعُ َعلَى هَذَا الْوَ ْ حنِي َفةَ وَهَذَا يَدُلّ َعلَى رُجْحَانِ جِ َهةِ ا ُألبُ ّوةِ َعلَى جِ َهةِ ا ُألمُو َمةِ َأبِي َ فِي الْحَضَاَنةِ ،وَأَنَّ األُمَّ إنَّمَا قُدِّ َمتْ لِكَوْنِهَا أُنْثَى ال لَِتقْدِيمِ جِهَتِهَا، حةً لََترَجّحَ رِجَالُهَا وَِنسَاؤُهَا َعلَى الرّجَالِ ت جِهَتُهَا رَاجِ َ إذْ لَوْ كَانَ ْ وَالّنسَاءِ ِمنْ جِ َهةِ األَبِ ،وََلمّا لَمْ يََترَجَّحْ رِجَالُهَا اّتفَاقًا فَكَذَِلكَ الّنسَاءُ ،وأُصُولُ الشَّ ْرعِ وَقَوَاعِ َدهُ شَاهِ َدةٌ بَِتقْدِيمِ أَقَا ِربِ ا َألبِ فِي اْل ِمريَاثِ ،وَوِالَيةِ النّكَاحِ ،وَوِالَيةِ اْلمَ ْوتَِ ،وغَْيرِ ذَلِكَ ،وَلَمْ ُيعْهَدْ فِي الشَّ ْرعِ َتقْدِيمُ َقرَاَبةِ األُمِّ َعلَى َقرَاَبةِ ا َألبِ فِي حُكْ ٍم ِمنْ األَحْكَامِ، 51
جبِ الدّلِيلِ ،مع أنَّ َف َمنْ قَدَّمَهَا فِي الْحَضَاَنةِ َفقَدْ َخرَجَ َعنْ مُو َ األب وأقاربه أشفقُ على الطِّفل وأرعى ملصلحته من قرابة األمِّ، فإنَّه ليس إليهم حبالٍ ،وال ينسب إليهم بل هو أجنيبٌّ منهم ،وإنَّما نسبُه ووالؤُه إىل أقارب أبيه ،وهم أوىل به يعقلون عنه ،وينفقون عليه عند اجلمهور ،ويتوارثون بالتَّعصيب إن بعدت القرابة بينهم خبالف قرابة األمِّ ،فإنَّه ال يثبت فيها ذلك ،فَالصَّوَابُ فِي اْلمَأْخَذِ هُوَ أَنَّ األُمَّ إّنمَا قُدِّمَتْ ألَنَّ النِّسَاءَ َأ ْرفَقُ بِالطِّفْلِ ،وَأَخَْبرُ بَِت ْربِيَِتهِ، ب أَوْلَى مِنْ أُ ِّم األُمِّ، وَأَصَْبرُ َعلَى ذَلِكََ ،و َعلَى هَذَا فَاْلجَدَّةُ أُمُّ ا َأل ِ ألبِ أَوْلَى ِمنْ األُ ْختِ لِألُمِّ ،وَاْلعَمَّةُ أَوْلَى ِمنْ الْخَاَلةِ، وَاألُ ْختُ لِ َ حمَدُ فِي إحْدَى الرّوَايَتَْينَِ ،و َعلَى هَذَا فَُتقَدَّمُ أُ ّمُ َكمَا نَصَّ َعلَْيهِ أَ ْ ا َألبِ َعلَى أَب ا َألبِ َكمَا ُتقَدَّمُ األُمُّ َعلَى ا َألبِ ،وَِإذَا تَ َق ّررَ هَذَا األَصْلُ ،فَهُوَ أَصْلٌ مُطَّ ِردٌ ُمنْضَبِطٌ ال تََتنَاقَضُ فُرُو ُعهُ ،بَلْ إنْ اّت َف َقتْ الذ َكرِ ،فَُتقَدَّمُ األُخْتُ جةُ وَاحِدَةٌ قُدِّ َمتْ األُنْثَى َعلَى َّ اْل َقرَاَبةُ وَالدَّرَ َ صلُهُ َعلَى األَخِ ،وَالْخَاَلةُ َعلَى الْخَالِ ،وَاْلجَدَّةُ َعلَى اْلجَدِّ ،وَأَ ْ ت َقرَاَب ُة األَبِ َعلَى ت اْل َقرَاَب ُة قُ ّد َم ْ َتقْدِي ُم األُمِّ َعلَى ا َألبِ ،وَإِنْ اخَْت َل َف ْ َمةُ عَلَى َقرَاَبةِ األُمِّ ،فَُتقَدّمُ األُ ْختُ لِألَبِ َعلَى األُ ْختِ لِألُمِّ ،وَاْلع َّ 50
الْخَاَلةَِ ،وعَمَّةُ ا َألبِ َعلَى خَالَِتهِ ،وَ َهلُمّ جَرّاً ،وَهَذَا هُوَ االعْتِبَارُ الصَّحِيحُ ،وَاْلقِيَاسُ اْلمُطَّ ِردُ ،وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَضَى ِبهِ سَيِّدُ قُضَاةِ ح َسنِ ْبنِ ُعقَْبةَ اإلِسْالمِ ُش َريْحٌَ ،كمَا رَوَى وَكِيعٌ فِي مُصَنَّ ِفهِ َعنْ الْ َ َعنْ َسعِيدِ بْنِ الْحَا ِرثِ ،قَالَ :اخْتَصَمَ عَمٌّ وَخَالٌ إلَى ُش َريْحٍ فِي ِطفْلٍَ ،فقَضَى ِبهِ ِل ْلعَمَِّ ،فقَالَ الْخَالُ :أَنَا أُنْفِقُ َعلَْيهِ ِمنْ مَالِي، فَ َدَف َعهُ إلَْيهِ ُش َريْحٌ )3(+أ.هـ بتصرف. قلت :واألرجحُ إن شاء اهلل ما ذهب إليه ابن القيم أنَّ أقارب األب تُقدَّمُ على أقارب األم ،وهو اختيار شيخ اإلسالم كما نقل ذلك ابن القيم ،وهذا مذهب األوزاعي؛ فقد قال= :إذا تزوجت األم فاجلدة لألب أحقُّ بالولد؛ فإن مل تكنْ فالعمُّ أحقُّ بالولد من جدتِه أمِّ أمِّه +أ.هـ وهذا ظاه ُر كال ِم ابن حزمٍ(.)2 َّ فإن قيل :قدَّمتم العمَّة على اخلالة ،والنَّيبُّ " أعطى ابنةَ محزة خلالتها مع وجود عمَّتها صفيَّة ؟ زاد املعاد ( ،)710/5وراجع جمموع الفتاوى ،)322/17( :واحمللى ( )3 (.)157/33 ( )2انظر احمللى ( ،)152/33وفيه نقل قول األوزاعي. 52
صفِيَّةُ قَدْ أجاب ابن القيِّم ،فقال= :إنَّمَا يَدُلُّ هَذَا إذَا كَاَنتْ َ نَا َز َعتْ َمعَهُمْ ،وَ َطلََبتْ الْحَضَاَنةَ َفلَمْ َيقْضِ لَهَا بِهَا َبعْدَ َطلَبِهَا، وَقَدَّمَ َعلَيْهَا الْخَاَلةَ ،هَذَا إذَا كَاَنتْ لَمْ ُت ْمَنعْ ِمنْهَا ِل َعجْزِهَا َعنْهَا ،فَإِنَّهَا تُوُفَِّيتْ َسَنةَ عِ ْشرِينَ َعنْ ثَالثٍ وَسَْب ِعنيَ َسَنةً ،فَيَكُونُ لَهَا وَ ْقتَ هَ ِذهِ ضعٌ وَ َخمْسُونَ َسَنةً ،فَيُحَْتمَلُ أنَّهَا َترَكَتْهَا ِل َعجْزِهَا َعنْهَا الْحُكُو َمةِ بِ ْ وَلَمْ تَ ْطلُبْهَا َمعَ قُ ْد َرتِهَا ،وَالْحَضَاَنةُ حَقٌّ ِل ْل َمرَْأةِ ،فَِإذَا َترَكَتْهَا انَْت َقلَتْ ج ْم َلةِ فَإِنَّمَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ َعلَى َتقْدِيمِ الْخَاَلةِ َعلَى إلَى غَْيرِهَاَ ،وبِاْل ُ ص َمتْ فِي اْبَنةِ أَخِيهَا ،وَ َطلََبتْ َكفَالَتَهَا، صفِيَّةَ خَا َ اْل َعمَّةِ إذَا ثََبتَ أَنَّ َ َفقَدَّمَ رَسُو ُل اهللِ " الْخَاَلةَ وَهَذَا ال سَبِيلَ إلَْيهِ )3(+أ.هـ صلٌ :احلكم باحلضانة من النَّيبِّ فَ ْ
يف هذه القصَّة هل
وق َع للخالة أم جلعفر ؟ ج ْع َفرٍ حمْ َزةَ ،وَاخْتِصَام َعلِيٍّ َو َزيْدٍ وَ َ تقدَّم معنا حديث قِصَّة ِبْنتِ َ ج ْعفَرِ ،فَإِنَّ هَ ِذهِ الْحُكُو َم َة كَانَتْ فِيهَا ،وَحُكْمُ رَسُولِ الّلهِ " بِهَا ِل َ َعقِيبَ َفرَاغِهِمْ ِمنْ ُعمْ َرةِ اْلقَضَاءِ ،فَإِنَّهُمْ لَمَّا َخرَجُوا ِمنْ مَ ّكةَ تَِبعَتْ ُهمْ ( )3زاد املعاد (.)778/5 53
حمْ َزةَ ُتنَادِيَ :يا عَمُّ يَا عَمُّ؛ فَأَخَذَ َعلِيٌّ بِيَدِهَا ،ثُمَّ َتنَا َزعَ فِيهَا هُوَ اْبَنةُ َ ج ْع َفرٌ َوزَيْدٌَ ،وذَ َكرَ كُلُّ وَاحِدٍ ِمنْ هؤالءِ الثَّالَثةِ َترْجِيحًا ،فَذَكَرَ وَ َ هلل " بَْيَنهُ َوبَيْنَ َزيْدٌ أَنَّهَا اْبَنةُ أَخِيهِ ِل ْل ُمؤَاخَاةِ الّتِي َعقَدَهَا رَسُولُ ا ِ ج ْع َفرٌ ُمرَجّحَْينِ: حمْ َزةََ ،وذَ َكرَ َعلِيٌّ كَوْنَهَا اْبَنةَ َع ّمهَِ ،وذَ َكرَ َ َ اْل َقرَاَبةَ ،وَكَوْنَ خَالَتِهَا ِعنْ َدهُ ،فَتَكُونُ ِعنْدَ خَالَتِهَا ،فَاعْتََبرَ النَّبِيُّ " ج ْع َفرٍ دُونَ ُمرَجّحِ اآل َخ َرْينِ ،فَحَكَمَ لَهُ ،ومل يعترب النَّيبُّ " ُمرَجَّحَ َ ح اْل ُمؤَاخَاةِ بني زيدٍ ومحزة؛ ألنَّ ذلك لَيْسَ ِب ُمقْتَضٍ ِللْحَضَاَنةِ. ُمرَجَّ َ فإن قيل :احلكم باحلضانة من النَّيبِّ " يف هذه القصَّة هل وقعَ للخالة أم جلعفر ؟ فقد استشكل الفقهاء هذا وهذا ،فإن كان القضاء جلعفرٍ فليس حمرَماً هلا ،وهو وعليٌّ يف القرابة من بنت محزة سواء ،وإن كان للخالة ،فهي مزوَّجة ،واحلاضنة إذا تزوَّجت سقطت حضانتها. ويُجاب عن هذين اإلشكالني مبا يلي: اإلشكال األوَّل:
54
وهو إشكال استواء القرابة بني عليٍّ وجعفر مع بنت محزة، وهي بنوَّة العم ،فهل يستحقُّ بها احلضانة ؟ على قولني: الشاِفعِيِّ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَحَدُ ُهمَاُ :يسْتَحَقّ بِهَا ،وَهُوَ َمنْصُوصُ َّ حمَدَ وَغَْيرِهِم ،ألََّنهُ عَصََبةٌ وََلهُ وِالَيةٌ بِاْل َقرَاَبةَِ ،فقُدِّمَ َعلَى وَأَ ْ األَجَاِنبِ َكمَا ُيقَدَّمُ َعلَيْهِمْ فِيْ اْلمِْيرَْاثِ ،وَوِ ْالَيةُ الْنِّكَاْحِ ،وَوِ ْالَيةُ اْلمَ ْوتَِ ،ورَسُوْلُ اهلل " لَمْ ُينْ ِكرْ َعلَى جَ ْع َفرٍ َو َعلِيٍّ ادِّعَاءَ ُهمَا حَضَانَتَهَا ،وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَ ُهمَا ذَلِكَ ألَنْ َكرَ َعلَيْ ِهمَا الدَّعْوَى الْبَا ِط َلةَ، فَإِنَّهَا َدعْوَى مَا لَيْسَ لَهُمَاَ ،والرَّسول " ال ُي ِقرّ َعلَى بَاطِلٍ ،والبنت جعَلَ مَعَ ا ْمرََأِتهِ فِي إذَا لَمْ يَ ُكنْ لَهَا َقرَاَبةٌ سِوَى اْبنِ عَمِّهَا جَاز أَنْ ُت ْ جنَبِيِّ ال سِيَّمَا إنْ كَانَ ابْ ُن بَيِْتهِ بَلْ يََتعَيَّنُ ذَلِكَ ،وَهُوَ أَوْلَى ِمنْ األَ ْ اْلعَمِّ مُْب ِرزًا فِي الدِّيَاَنةِ وَاْلعِفَّةِ وَالصِّيَاَنةِ فَإِنَّهُ فِي هَ ِذهِ الْحَالِ أَوْلَى ِمنْ األَجَاِنبِ بِال َريْبٍ ،فَإِنْ قِيلَ :فَالنَّبِيُّ " كَانَ اْبنَ َعمِّهَا ،وَكَا َن حمْ َزةَ كَانَ أَخَاهُ ِمنْ الرِّضَا َعةِ فَهَال أَخَذَهَا هُوَ ؟ قال ح َرمًا لَهَا؛ ألَنَّ َ َم ْ ابن القيِّم :كان رَسُو ُل اهلل " فِي ُشغْلٍ شَا ِغلٍ بَِأعْبَاءِ الرِّسَاَلةِ، َوتَْبلِيغِ الْوَحْيِ ،وَالدَّعْ َوةِ إلَى اهلل وَجِهَادِ أَعْدَاءِ اهلل َعنْ َفرَا ِغهِ
55
ِللْحَضَاَنةَِ ،فلَوْ أَخَذَهَا لَ َدَفعَهَا إلَى َبعْضِ ِنسَائِهِ ،فَخَالَتُهَا َأمَسُّ بِهَا حمًا وَأَ ْق َربُ. رَ ِ الثّانِي :أَنَّهُ ال حَضَاَنةَ ألَحَدٍ ِمنْ الرِّجَالِ سِوَى اآلبَاءِ وَاألَجْدَادِ، صهِ وَلِلدّلِيلِ وهَذَا قَوْلُ َبعْضِ أَصْحَابِ الشّاِفعِيِّ ،وَهُوَ مُخَالِفٌ ِلنَ ّ جمْهُورِ ،وَهُوَ الصَّوَابُ ،وهو القول األوَّل ،لكن قيِّد وقَوْلِ اْل ُ ح َرمًا لَهَا ِبرَضَاعِ أَوْ بقيدٍ ،وهو إن كَانَ الطِّفْلُ أُنْثَى وَكَانَ اْبنُ اْلعَمِّ مَ ْ ح َرمًا نَحْ ِوهِ؛ كَانَ َلهُ حَضَانَتُهَا ،وَإِنْ جَا َو َزتْ السّْبعَ ولَمْ يَ ُكنْ مَ ْ ص ِغ َريةً حَتّى تَبْلُغَ سَْبعًا ،فَال يَْبقَى لَهُ برضاعٍ أو حنوِه؛ َفلَهُ حَضَانَُتهَا َ ح َرمِهَا أَوْ ا ْمرََأةٍ ِثقَة(.)3 حَضَانَتُهَا بَلْ ُتسَلَّمُ إلَى مَ ْ اإلشكال الثَّاني: وهو عدم سقوط احلضانة عن خالة بنت محزة بنكاحها من جعفر على ثالثة أقوال: أجاب ابن القيِّم مبا يلي:
( )3املصدر السابق (.)708/4 56
- 3
ضَنةِ ال ُي ْسقِطُ حَضَاَنةَ الِْبْنتِ، أَنَّ نِكَاحَ الْحَا ِ
حمَدَ ،وَأَحَدُ قَوْلَيْ اْل ُع َلمَاءِ َكمَا هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَْينِ عَنْ أَ ْ وَحُجَّةُ هَذَا اْلقَوْلِ الْحَدِيثُ ،وَقَدْ َتقَدَّمَ سِرُّ الْ َفرْقِ بَْينَ الذَّكَرِ وَاألُنْثَى. - 2
أَنَّ نِكَاحَهَا َقرِيبًا ِمنْ الطِّفْلِ ال ُي ْسقِطُ حَضَانَتَهَا
ج ْع َف ٌر اْبنُ عَمِّهَا. وَ َ - 1
أَنَّ الزَّوْجَ إذَا رَضِيَ بِالْحَضَاَنةِ ،وَآَثرَ كَوْنَ
ج ِرهِ لَمْ َت ْسقُطْ الْحَضَاَنةُ ،هَذَا هُوَ حْ الطِّفْلِ ِعنْ َدهُ فِي ِ الصَّحِيحُ وَهُوَ مَْبنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ؛ وَهُوَ أَنَّ سُقُوطَ الْحَضَانَ ِة بِالنِّكَاحِ هُوَ ُمرَاعَاةٌ لِحَقِّ الزَّوْجِ ،فَإِنَّهُ يََتنَغَّصُ َعلَيْهِ االسِْتمْتَاعُ اْلمَ ْطلُوبُ ِمنْ اْل َمرْأَةِ لِحَضَانَتِهَا لِوَلَدِ غَْي ِرهِ، َويََتنَكَّدُ َعلَْيهِ عَيْ ُشهُ َمعَ الْ َمرَْأةِ ،وال ُي ْؤمَنُ أَنْ يَحْصُلَ بَْينَ ُهمَاْ ح َمةِ ،وَلِهَذَاْ كَاْنَ لِلزَّوْجِ أَنْ َي ْمَنعَهَا ِمنْ َدةِ وَالْرَّ ْ ِخالْفُ اْلمَو َّ صلَحَةُ حقُوقِ الزَّوْجِ ،فَتَضِيعُ مَ ْ هَذَا َمعَ اشِْتغَالِهَا هِيَ بِ ُ الطِّفْلِ ،فَِإذَا آَثرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَطَلََبهُ وَحَرَصَ َعلَْيهِ زَالَتْ حهُ أَ ّنَ جلِهَا َسقَ َطتْ الْحَضَاَنةَُ ،ويُوَضِّ ُ اْل َم ْفسَ َدةُ الَّتِي ألَ ْ 57
هلل وَإِنَّمَا هِيَ حَقٌّ ُسقُوطَ الْحَضَاَنةِ بِالنِّكَاحِ لَْي َستْ حَقًّا ِ لِلزَّوْجِ وَلِلطِّفْلِ وَأَقَا ِرِبهِ ،فَِإذَا رَضِيَ َمنْ َلهُ الْحَقُّ جَازَ ،فَزَالَ ا ِإلشْكَالُ َعلَى كُلّ َتقْدِيرٍ ،وظَ َهرَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ِمنْ رَسُولِ حسَنِ األَحْكَامِ ،وَأَوْضَحِهَا وََأشَدِّهَا مُوَا َفقَةً اهللِ " ِمنْ أَ ْ ح َمةِ وَاْلعَدْلِ(.)3 حةِ وَالْحِ ْك َمةِ وَالرَّ ْ صلَ َ ِل ْلمَ ْ سنُّ التَّخيري بني األبوين: خييَّر الطِفل بني أبويه إذا استغنى عن خدمة النِساء ،وذلك إذا بلغ سبع سنني وتنازعا فيه ،فمن اختاره منهما فهو أوىل به إذا مل تكن أمُّه قد نكحت ،قضى بذلك عمر وشريح ،وهو مذهب الشَّافعيُّ، وروايةٌ عن اإلمام أمحد وهو املشهور من مذهبه ،وهو اختيار أصحابه.
( )3املصدر السابق (.)707/4 58
قلت :وهو مذهب أبي هريرة كما ورد ذلك خمتصرًا ومطوَّالً، َعنْ هِاللِ بْنِ َأبِي مَْيمُوَنةَ ،قَالَ :شَهِدْت َأبَا ُه َرْي َرةَ خََّيرَ غُالمًا بَْينَ إن رسول اهلل " ،خيَّر غالمًا بني أبيه وأمِّه(.)3 ُمهِ ،وقال َّ َأبِيهِ وَأ ِّ واحلديث عند أبي داود بطوله عن أبي ميمونة ،قَالَ :بَْيَنمَا أَنَا جَالِسٌ َمعَ َأبِي ُه َرْيرَةَ ÷ جَا َء ْتهُ ا ْمرََأةٌ فَارِسَِّيةٌ َمعَهَا اْبنٌ لَهَا َادعَيَاهُ ،وَقَدْ طََّلقَهَا زَوْجُهَاَ ،فقَاَلتْ :يَا َأبَا ُه َرْي َرةَ زَوْجِي ُيرِيدُ أَنْ ف َّ يَذْ َهبَ بِاْبنِيَ ،فقَالَ َأبُو ُه َرْي َرةَ ÷ :اسْتَ ِهمَا َعلَْيهَِ ،فجَاءَ زَوْجُهَا، َاقنِي ِفي وَلَدِي ؟ َفقَالَ َأبُو ُه َريْ َرةَ ÷ :اللَّهُمَّ إِنِّي الَ َفقَالَ :مَنْ يُح ُّ أَقُولُ هَذَا إِالَّ أَنِّي َس ِم ْعتُ ا ْمرَأَةً جَا َءتْ إِلَى رَسُولِ اهللِ " وَأَنَا قَاعِدٌ ِعنْ َدهَُ ،فقَاَلتْ :يَا رَسُولَ اهللِ إِنَّ زَوْجِي ُيرِيدُ أَنْ يَذْ َهبَ بِاْبِني وَقَدْ ()2
َسقَانِي ِمنْ بِْئرِ َأبِى عِنََبةَ
هلل ": وَقَدْ َن َف َعنِيَ ،فقَالَ رَسُولُ ا ِ
ي َاقنِي ِفي وَلَدِي؟َ ،فقَالَ النَّبِ ُّ =اسْتَ ِهمَا َعلَْيهَِ ،+فقَالَ زَوْجُهَاَ :منْ يُح ُّ ( )3رجاله ثقات ،رواه الشَّافعيُّ يف األم ( ،)72/5وزهري بن حرب كما يف احمللَّى ( ،)126/38كالهما عن سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن هالل بن أبي ميمونة به ،وسيأتي مطوَّ ًال كما يف معرفة السُّنن ( ،)7443وانظر لزامًا املسند ( )4176حتقيق أمحد شاكر. ( )2بكسر العني وفتح النون بئرٌ على بريدٍ من املدينة. 59
"= :هَذَا َأبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ ،فَخُذْ بِيَدِ أَيِّ ِهمَا شِْئتَ ،+فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْ َط َل َقتْ ِبهِ(.)3 وهذا مذهب أبي بكر الصِّديق وعمر وعلي ،وقد تقدَّمت اآلثار يف خماصمة عمر وأمِّ عاصم زوجته ،وفيه ،فقال أبو بكر= :رحيها وفراشها خريٌ له منك حتَّى يشبَّ وخيتارَ لنفسه ،+وقد تقدَّم، فحكم أبو بكرٍ الصِّدِّيق ÷ ألمِّه حني مل يكن له متييز إىل أن يشبَّ وخيي َر حينئذٍ. ومييِّز َّ وعن عبد الرَّمحن بن غَْن ٍم ،قال= :شهدت عمر خيَّر صبيًّا بني أبيه وأمِّه.)2(+ ويف روايةٍ لعبد الرَّزَّاق عنه قال= :اختصم إىل عمر يف صيبٍّ، فقال :هو مع أمِّه حتَّى يعربَ عنه لسانُه ،فيختارَ.)1(+ أخرجه أبو داود يف السُّنن ( ،)2244والنَّسائيُّ يف السُّنن (،)305/6 ( )3 وغريهما ،وقال احلاكم ( :)74/7صحيح اإلسناد ،ووافقه الذَّهيبُّ ،وانظر اإلرواء ( ،)2372والزَّاد (.)711/5 ( )2رواه ابن شيبة ( ،)35265وصحَّحه يف اإلرواء (.)2377 ( )1رواه عبد الرَّزَّاق يف املصنَّف ( ،)32686ورجاله ثقات. 61
وروى سعيد بن منصور عن الوليد بن مسلم ،قال= :اختصموا إىل عمر يف يتيمٍ ،فخيَّره عمر ،فاختار أمَّه على عمِّه ،فقال عمر: إنَّ لطف أمِّك خريٌ من خصب عمِّك.)3(+ ِي قَالَ: و َعنْ ُعمَا َرةَ بْنِ َربِي َعةَ اْلجُ ْرم ِّ حرِ فِي بَعْضِ ِتلْكَ اْل َمغَازِي ،قَالََ :فقُتِلََ ،فجَاءَ =غَزَا َأبِي نَحْوَ الْبَ ْ صمَْتهُ أُمِّي إلَى َعلِيٍّ ،قَالََ :و َمعِي أَخٌ لِي عَمِّي لِيَذْ َهبَ بِي ،فَخَا َ الثًا ،فَاخَْترْت أُمِّي ،فََأبَى عَمِّي أَنْ ص ِغريٌ ،قَالَ :فَخَيَّرَنِي َعلِيٌّ َث َ َ ِرِتهِ ،وَقَالَ :وَهَذَا َأيْضًا لو ض َرَبهُ بِد َّ َيرْضَى قَالَ :فَوَكَ َزهُ عَلِيٌّ بِيَ ِدهِ وَ َ قَدْ َبلَ َغ خُيِّر.+ ويف رواية= :وكنت ابن سبعٍ أو مثان سنني.)2(+ ( )3رواه سعيد بن منصور ،قال :عن هشيم بن بشري ،عن خالد احلذَّاء ،عن الوليد بن مسلم به ،ورجاله ثقات ،وهو معضل. ( )2أخرجه ابن أبي شيبة ( ،)35226والشَّافعيُّ يف األم ( ،)72/5كالهما من طريق يونس بن عبد اهلل اجلرميِّ ،عن عمارة به ،ورجاله ثقاتٌ غري عمارة ،هو ابن ربيعة اجلرميِّ ،أورده ابن أبي حامت يف اجلرح والتَّعديل ،ومل يذكر فيه جرحًا وال تعديالً ،وذكره ابن حبَّان يف الثقات ،والسَّند إليه صحيح ،وعمارة يروي قصَّةً حصلت معه ،فال تضرُّ بالرِّواية ،واهلل أعلم ،لكنَّ الرِّواية األخرى وهي عند = 60
قال ابن قدامة يف املغين= :وهذه قصص يف مظنَّة الشُّهرةِ ،ومل تنكر فكانت إمجاعًا ،وألنَّ التَّقديم يف احلضانة حلقِّ الولد ،فيُقدَّ ُم َم ْن هو أشفق ،ألنَّ حظَّ الولد عنده أكثرُ ،واعتربنا الشَّفقة مبظنَّتها إذا مل ميكن اعتبارها بنفسها ،فإذا بلغ الغالم حدًّا يعرب عن نفسه، ومييِّ ُز بني اإلكرام وضدِّه ،فمالَ إىل أحد األبوين ،دلَّ على أنَّه أرفق به وأشفق عليه ،فقدِّم بذلك وقيَّدناه بالسَّبع ،ألنَّها أوَّل حالٍ أمر الشَّرع فيها مبخاطبته باألمر بالصَّالة ،وألنَّ األمَّ ُقدِّمت يف حال الصِّغر؛ حلاجته إىل محله ومباشرة خدمته ألنَّها أعرف بذلك، فرجح وأقوم به ،فإذا استغنى عن ذلك تساوى والداه ،لقربهما منه َّ باختياره.)3(+
= الشَّافعيُّ يف األم ( ،)72/5ومن طريقه البيهقيُّ يف السُّنن ( ،)7/0ويف املعرفة ( ،)7442قال الشَّافعيُّ :قال إبراهيم :عن يونس ،عن عمارة ،عن عليٍّ به ،كما تقدَّم بزيادة= :وكنت ابن سبعٍ ،أو مثان سنني ،+وهذه الزِّيادة واهية ،إبراهيم هو األسلمي مرتوك متَّهم. ِّ ابن أبي حييى ( )3املغين (.)635/4 62
قال النَّوويُّ= :وسنُّ التَّمييز غالبًا سبع سنني ،أو مثانٍ تقريبًا ،قال األصحاب :وقد يتقدَّم التَّمييزُ عن السَّبع ،وقد يتأخَّر عن الثَّمان، ومدار احلكم على نفس التَّمييز ،ال على سنِّه )3(+أ.هـ ث وقال ابن القيِّم= :وََأمّا َتقْيِيدُنَا َلهُ بِالسَّْبعَِ ،فال َرْيبَ أَنَّ الْحَدِي َ ج َمعٌ َعلَْيهِ ،فَإِنَّ ِل ْلمُخَيِّرِي َن قَوْلَْينِ: ال َيقْتَضِي ذَلِكَ ،وَال هُوَ َأ ْمرٌ مُ ْ خمْسٍ ،حَكَاهُ إسْحَاقُ ْبنُ رَاهوَيهِ ،ذَ َك َرهُ أَحَدُ ُهمَا :أَنَّهُ يُخَيَّرُ لِ َ الس ُّن الَّتِي خمْسَ هِيَ ِّ ح ْربٌ فِي َمسَاِئ ِلهَِ ،ويُحْتَجُّ لِ َهؤُالءِ بِأَنَّ الْ َ َعْنهُ َ حمُودُ يَصِحُّ فِيهَا َسمَاعُ الصَّبِيَِّ ،وُيمْ ِكنُ أَنْ َي ْعقِلَ فِيهَا ،وَقَدْ قَالَ مَ ْ ْبنُ ال ّربِيعَِ :ع َق ْلتُ َعنْ النَّبِيِّ " مَجَّةً مَجَّهَا فِي ِفيّ ،وَأَنَا اْب ُن خَمْسِ ِسِننيَ(.)2 حمَدَ وَاْلقَوْلُ الثّانِي :أَنَّهُ إنَّمَا يُخَيَّرُ ِلسَْبعٍ ،وَهُوَ قَوْلُ الشَّاِفعِيُّ وَأَ ْ حمَهُمْ اهللُ وَاحْتُجَّ لِهَذَا اْلقَوْلِ ،بِأَنَّ التَّخِْيريَ َيسْتَدْعِي وَِإسْحَاقَ رَ ِ التَّمْيِيزَ وَاْلفَهْمَ ،وَال ضَابِطَ َلهُ فِي األَ ْطفَالِ ،فَضُبِطَ ِبمَظِنَِّتهِ ،وَهِيَ
( )3روضة الطَّالبني (.)381/7 ( )2رواه البخاري (.)46 63
ج َعلَهَا النَّبِيُّ " حَدًّا ِللْوَ ْقتِ السَّْبعُ ،فَإِنَّهَا أَوَّلُ سِنِّ التَّمْيِيزِ ،وَلِهَذَا َ الَّذِي ُي ْؤ َمرُ فِيهِ الصَّبِيُّ بِالصَّالةِ )3(+أ.هـ ُخيرُ لسبعٍ ،وهذا قلت :واألقربُ _ واهلل أعلم _ قولُ من قال :ي َّ هو األغلبُ عند الطفل؛ فيُحملُ عليه؛ ألنَّ النَّادرَ ال حكمَ له، فيُضبطُ مبظنَّتِه وهي السَّبعُ ،واهلل أعلم. ح ْربُ ْبنُ إ ْسمَاعِيلَ لفظه وقول إسْحَاقَ ْبنِ رَاهَ َوْيهِ الَّذي ذكره َ ح ْربُ= :سَأَلْت إسْحَاقَ إلَى مَتَى يَكُونُ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ َمعَ األُمِّ قال َ إذَا طُِّل َقتْ ؟ قَالَ :أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ َمعَ األُمِّ إلَى سَْبعِ ِسِننيَ ثُمَّ يُخَيِّ ُرُ ،قلْت َلهَُ :أَترَى التَّخِْيريَ؟ قَالَ :شَدِيدًاُ ،قلْت :فَأَقَلُّ ِمنْ سَْبعِ ِسِننيَ ال يُخَيَّرُ؟ قَالَ :قَدْ قَالَ َبعْضُهُمْ إلَى خَمْسٍ وَأَنَا أَحَبُّ إلَيَّ إىل سَبْع.)2(+
( )3زاد املعاد ( ،)740/5الواضح شرح خمتصر اخلرقي (.)727/7 ( )2زاد املعاد ( ،)764/5وقال التِّرمذيُّ عقب حديث أبي هريرة= :وَالعَمَ ُ ل َعلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِ ْلمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ " وَغَْيرِ ِهمْ ،قَالُوا :يُخََّيرُ ال ُغالَمُ بَيْنَ َأبَ َويْهِ ِإذَا وََقعَتْ بَيْنَهُمَا الْمُنَا َزعَةُ فِي ال َولَدِ ،وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدََ ،وإِسْحَاقَ ،وَقَاالَ: المُ سَبْعَ سِنِنيَ خُِّي َر بَيْنَ َأبَ َويْهِ +أ.هـ. َق بِهِ ،فَِإذَا َب َل َغ ال ُغ َ مَا كَا َن ال َولَدُ صَ ِغريًا فَاألُمُّ أَح ُّ 64
إذا خيِّر الطِّفل فلم خيرتْ ،أو اختارهما مجيعًا: =قَدْ ثََبتَ التَّخِْيريُ َعنْ النَّبِيِّ " فِي الغُالمِ ِمنْ حَدِيثِ َأبِي ُه َرْيرَة خ َلفَاءِ الرَّاشِدِينَ ،وََأبِي ُه َرْي َرةَ ،وَال املتقدِّمَ ،وثََبتَ ذلكَ َعنْ الْ ُ ُي ْعرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَاَبةِ أَلْبَتَّ َة ،وَال أَنْكَ َرهُ ُمنْ ِكرٌ ،وَهَذَا غَايَةٌ فِي اْلعَدْلِ اْل ُممْ ِكنِ؛ فَإِنَّ األُمَّ إنَّمَا قُدِّ َمتْ فِي حَالِ الصِّ َغرِ لِحَاجَةِ حمْلِ وَالرِّضَاعِ وَاْلمُدَارَاةِ الَّتِي ال تَتَهَيَّأُ ِلغَيْرِ الْوَلَدِ إلَى التَّ ْربَِيةِ وَالْ َ النِّسَاءِ وَإِال فَاألُمُّ أَحَ ُد ا َألبَ َوْينِ ،فَكَيْفَ ُتقَدّمُ َعلَْيهِ ؟ حمْلِ فَِإذَا َبلَغَ الغُالمُ حَدًّا يُ ْع ِربُ فِيهِ عَنْ َن ْف ِسهَِ ،وَيسَْت ْغنِي عَنْ الْ َ جبُ النسَاءُ؛ َتسَاوَى ا َألبَوَانِ َوزَالَ السََّببُ اْلمُو ِ ضعَِ ،ومَا ُتعَانِيهِ ِّ وَالْوَ ْ ح، لَِتقْدِيمِ األُمِّ ،وَا َألبَوَانِ مَُتسَا ِويَانِ فِيهِ فَال ُيقَدَّمُ أَحَدُ ُهمَا إال ِب ُمرَجَّ ِ وَاْل ُمرَجَّحُ إمَّا ِمنْ خَارِجٍ وَهُوَ اْل ُق ْر َعةُ ،وَإِمَّا ِمنْ جِ َهةِ الْوَلَدِ ،وَهُ َو ج َمعَ ُهمَا يف حَدِيث َأبِي اخْتِيَا ُرهُ ،وَقَدْ جَا َءتْ السَُّّنةُ بِهَذَا وَهَذَا ،وَقَدْ َ ُه َرْي َرةَ ،لكن يقدَّم التَّخيري على القرعة ،ألنَّ القرعةَ إنَّما يصار إليها إذا تساوت احلقوق من كلِّ وجه ،ومل يبق مرجَّحٌ سواها ،فَإِنْ َلمْ جمِيعًا عَدَْلنَا إلَى اْلقُ ْر َعةِ ،فَهَذَا لَوْ لَمْ يَ ُكنْ فِيهِ يَخْتَرْ أَوْ اخْتَارَ ُهمَا َ ح َسنِ األَحْكَامِ وَأَعْدَلِهَا وَأَقْ َطعِهَا لِلنِّزَاعِ مُوَا َف َقةُ السُّنَّةِ لَكَانَ مِنْ أَ ْ 65
بَِترَاضِي اْلمَُتنَا ِزعَْينِ ،وإنَّمَا قُدِّمَ التَّخِْيريُ الّتفَاقِ أَْلفَا ِظ الْحَدِيثِ َعلَْيهِ خ َلفَاءِ الرَّاشِدِينَ ِبهِ ،وََأمَّا اْل ُق ْر َعةُ ،فَبَعْضُ الرُّوَاةِ ذَ َكرَهَا فِي َو َعمَلِ الْ ُ الْحَدِيثَِ ،وَبعْضُهُمْ لَمْ يَذْ ُكرْهَا ،وَإِنَّمَا كَاَنتْ فِي َبعْضِ ُط ُرقِ حديث َأبِي ُه َرْيرَةَ وَحْ َدهَُ ،فقُدِّمَ التَّخِْيريُ َعلَيْهَا ،فَِإذَا َتعَذَّرَ اْلقَضَاءُ ت اْل ُق ْر َعةُ َطرِيقًا لِلتَّرْجِيحِ إذْ لَمْ يَبْقَ سِوَاهَا.)3(+ بِالتَّخِْيريِ َتعَيََّن ْ خيرناه فلم خيرت واحدًا منهما ،أو اختارهما قال ابن قدامة= :وإن َّ معًا قدِّم أحدهما بالقرعة؛ ألنَّه ال مزيَّة ألحدهما على صاحبه ،وال ميكن اجتماعهما على حضانته ،فقدَّم أحدهما بالقرعة.)2(+ قال النَّوويُّ= :لو خيَّرناه فاختارهما ،أقرع بينهما ،وإن مل خيرت واحدًا منهما ،فوجهان: أحدهما :يقرع ،وبه قطع البغويُّ. وأصحُّهما :األ ُّم أحق ،ألَّنه مل خيرتْ غريها ،وكانت احلضانة هلا فيستصحب ،وبه قطع يف البسيط.)1(+ ( )3زاد املعاد ( )767/5بتصرُّف. املغين ( ،)636/4املمتع شرح املقنع ( ،)065/1احملرر يف الفقه ()2 ( ،)277/2الواضح (.)725/2 ( )1روضة الطَّالبني (.)385/7 66
ح قلت :والصحيح املختارُ أنَّه يقرعُ بينهما إذا مل خيرتْ ،كما رجَّ َ ذلك ابن قدامة وابن القيم كما تقدَّمَ. َّيب ؟ هل األنثى ختيَّر كما خيِّر الص ُّ اختلف أهل العلم يف ذلك على قولني: ختيرُ كما خييَّر الغالم؛ ألنَّ كلَّ سنٍّ خُيِّر فيه األوَّل :أنَّ األنثى َّ الغالم خيِّرت فيه اجلارية؛ كسنِّ البلوغ يف التَّكليف ال فرقَ بينهما، وكون الطِّفل يف احلديث ذكراً ال تأثري له يف احلكم ،بل هي كالذَّكر يف قوله "َ = :منْ وَجَدَ مَتَاعه ِعنْدَ رَجُل قَدْ َأفْلَسَ ،فهو أحقُّ به،+ فهذا ليس خاصًّا بالرِّجال ،بل يشمل اإلفالس الذَّكر واألنثى ،بل يب حديثُ احلَضَانة أوىل بعدم اشرتاط الذُّكورية فيه ،ألنَّ لَفظ الصَّ ِّ ليس مِن كالم الشارع ،وإمنا هو من قول الصَّحابيِّ راوي هذه تبي َن أنَّه ال تأثريَ لكونه القِصَّة ،وأنها كانت يف صيبٍّ ،فإذا نُقِّحَ املناطُ َّ َّافعي نقله عنه ابن قدامة املقدسيُّ يف املغين(.)3 ذكراً ،وهذا قول الش ِّ
( )3انظر املغين (.)636/4 67
قلت= :ال َرْيبَ أَنَّ ِمنْ األَحْكَامِ مَا يَ ْكفِي فِيهَا وَصْفُ الذُّكُو َرةِ َأوْ ف األُنُوَث ِة قَ ْطعًاَ ،و ِمنْهَا مَا ال يَ ْكفِي فِيهِ بَلْ ُيعْتََبرُ فِيهِ إمَّا هَذَا وَإِمَّا وَصْ ُ هَذَا فَُي ْلغَى الْوَصْفُ فِي كُلِّ حُكْمٍ َتعَلَّقَ بِاحلُكمِ اإلِْنسَانِيُّ اْلمُشْتَركِ ضعٍ كَانَ لَهُ تَأِْثريٌ فِيهِ ف الذُّكُو َرةِ فِي كُلِّ مَوْ ِ بَْينَ ا َأل ْفرَادَِ ،وُيعْتََبرُ وَصْ ُ كَالشَّهَا َدةِ وَاْل ِمريَاثِ وَالوِالَيةِ فِي النِّكَاحَِ ،وُيعْتََبرُ وَصْفُ األُنُوَثةِ فِي ضعٍ يَخْتَصُّ بِاإلِنَاثِ أَوْ ُيقَدَّ ْمنَ فِيهِ َعلَى الذُّكُورِ؛ كَالْحَضَانَةِ كُلِّ مَوْ ِ ج ِة الذَّ َكرُ وَاألُنْثَى قُدِّ َمتْ األُنْثَى.)3(+ إذَا اسْتَوَى فِي الدَّرَ َ وذهب اجلمهور وهو قول مالك وأبي حنيفة وأمحد وإسحاق أن البنت ال ختيَّر ،وهو القول الثَّاني ،وتكون يف كنف أبيها؛ ألنَّه إىل َّ لَوْ خُّي َرتْ الِْبْنتُ َأفْضَى ذَلِكَ إلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ ا َألبِ تَا َرةًَ ،و ِعنْدَ األُمِّ تارةً أُ ْخرَى ،فَإِنَّهَا كَُّلمَا شَا َءتْ االنِْتقَالَ أُجِيَبتْ إلَْيهَِ ،وذَِلكَ عَكْسُ مَا َشرَعَ اهللُ لِإلِنَاثِ ِمنْ لُزُومِ الْبُيُوتِ َوعَدَمِ الُْبرُوزِ وَلُزُومِ الْخُدُورِ َورَاءَ ا َألسْتَارِ ،وهذا أيضًا ُيفْضِي إلَى أَال يَْبقَى ا َألبُ حفْظِهَا ،وَال األُمُّ لَِتنَقُّلِهَا بَْينَ ُهمَا ،وَقَدْ ُعرِفَ بِاْلعَا َدةِ أَنَّ مَا َم ْو ُكو ًال بِ ِ حفْ ِظهَِ ،ويَتَوَا َكلُونَ فِيهِ فَهُوَ آيِلٌ إلَى الضَّيَاعٍ، يََتنَا َوبُ النَّاسُ َعلَى ِ ( )3زاد املعاد (.)743/5 68
صلُحُ اْلقِدْرُ بَْينَ طَبَّاخَْينِ ،+وألنَّ َو ِمنْ ا َألمْثَالِ السَّاِئ َرةِ= :ال يَ ْ السبع يف ال ُّسكونِ عند الغرضَ باحلضانة احلظُّ ،واحلظُّ للجارية بعد َّ أبيها؛ ألنَّها حتتاج إىل حفظ األبِ ،وألنَّ األمَّ حتتاج إىل من حيفظها ويصونها ،وألنَّ البنت إذا بلغت السَّبع ،قاربت الصَّالحيَّ َة للتَّزويجِ ،وإنَّما البنت ختطب من أبيها؛ ألنَّه وليُّها وهو املالكُ لتزوجيِها ،وهو أعلمُ بالكفاءة ،وأقدرُ على البحث ،فينبغي أن يقدَّم على غريه(.)3 وَال َرْيبَ أَنَّ تَرَدُّدَهَا بَْينَ ا َألبَ َوْينِ مِمَّا َيعُودُ عَلَى اْل َمقْصُودِ صهُ؛ ألَنَّهَا ال َتسَْتقِرُّ فِي مَكَانٍ ُمعَيَّن ،ثمَّ بِا ِإلبْطَالِ أَوْ يُخِلُّ ِبهِ ،أَوْ ُيْنقِ ُ إنَّ الرِّجَالَ َأغَْيرُ َعلَى الَْبنَاتِ مِنْ النِّسَاءِ ،فَال َتسْتَوِي غَْي َرةُ الرَّجُلِ َعلَى اْبنَِتهِ َوغَْي َرةُ األُمِّ َأبَدًا ،وَكَمْ ِمنْ أُمٍّ ُتسَاعِدُ اْبنَتَهَا َعلَى مَا تَهْوَاهُ ضعْفُ دَاعِي ضعْفُ َع ْقلِهَا وَ ُس ْر َعةُ انْخِدَاعِهَا وَ َ ح ِملُهَا َعلَى ذَلِكَ َ َويَ ْ جعَلَ الشَّارِعُ اْلغَْي َرةِ فِي طَْبعِهَا بِخِالفِ ا َألبِ ،وَلِهَذَا اْل َمعْنَى َوغَْي ِرهِ َ ضعِهَا جعَلْ ُألمِّهَا وِالَيةً َعلَى بُ ْ تَزْوِجيَهَا إلَى َأبِيهَا دُونَ أُمِّهَا ،وَلَمْ َي ْ أَلْبَتَّ َة وَال َعلَى مَالِهَا ،فَكَانَ ِمنْ مَحَا ِسنِ الشَّرِي َعةِ أَنْ تَكُونَ ِعنْدَ َمنْ ( )3املغين ( )634/4بتصرُّف. 69
صلَحَتِهَا وَأَصْوَنُ لَهَا يف األمر .ثمَّ هُوَ َأغَْيرُ َعلَيْهَا ،وَأَحْرَصُ َعلَى مَ ْ حنُ َنرَى فِي طَبِي َعةِ ا َألبِ َوغَْي ِرهِ مِنْ الرِّجَالِ ِمنْ اْلغَْي َرةِ وَلَوْ مَعَ ِف ْسقِهِ نَ ْ ح ِم ُلهُ عَلَى قَتْلِ اْبنَِتهِ وَأُخِْتهِ َومُوَلِّيَِتهِ إذَا رَأَى ِمنْهَا مَا َوُفجُو ِرهِ مَا يَ ْ ُيرِيُبهُ لِشِدَّةِ اْلغَْي َرةِ ،وََنرَى ِمن طَِبعِ النِّسَاءِ ِمنْ اإلنْحِاللِ وَاإلنْخِدَاعِ ضِدُّ ذَلِكَ .وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية(.)3 هل يعترب يف األب القدرة على احلفظ والصِّيانة ؟ حمَد × فِي الرِّوَاَيةِ اْلمَشْهُو َرةِ َعْنهُ إىل اعتبارِ ذهب ا ِإلمَامُ أَ ْ القُدرةِ على احلفظِ والصَّونِ ،فَإِنْ كَانَ مُ ْه ِمالً لِذَلِكَ أَوْ عَاجِزًا َعنْهُ أَوْ غَْيرَ َمرْضِيٍّ أَوْ ذَا ِديَاَثةٍ وَاألُمُّ بِخِالِفهِ ،فَهِيَ أَحَقُّ بِالِْبْنتِ بِال َرْيبٍَ ،فمَنْ قَدَّ ْمنَاهُ بِتَخِْيريِ أَوْ ُق ْر َعةٍ أَوْ ِبَن ْف ِسهِ ،فَإِنَّمَا ُنقَدِّ ُمهُ إذَا حةُ الْوَلَدِ ،وَلَوْ كَاَنتْ األُمُّ أَصْوَنَ ِمنْ ا َألبِ وََأغْيَرَ صلَ َ ص َلتْ ِبهِ مَ ْ حَ َ ِمْنهُ قُدِّ َمتْ َعلَْيهِ وَال الِْتفَاتَ إلَى ُق ْرعَةٍ وَال اخْتِيَارِ الصَّبِيِّ فِي هَذِهِ ضعِيفُ اْل َعقْلِ ُي ْؤِثرُ الْبَطَاَلةَ وَاللَّ ِعبَ ،فَِإذَا اخْتَارَ مَنْ الْحَاَلةِ ،فَإِنَّهُ َ ( )3زاد املعاد ( ،)747/5وجمموع الفتاوى ( 337/17و .)317 71
ُيسَاعِ ُدهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ ُيلَْت َفتْ إلَى اخْتِيَا ِرهِ ،وَكَانَ ِعنْدَ مَنْ هُوَ أَْن َفعُ لَهُ وَأَخَْيرُ ،وَال تَحَْتمِلُ الشَّرِي َعةُ غَيْرَ هَذَا وَالنَّبِيُّ " قَالَُ = :مرُوا أوالدكم بِالصَّالةِ وهم أبناء سَبْع ،)3(+...فإذا كانتِ األمُّ تُعلِّم الصَّيبَّ العلم النَّافع ،وحترص على تأديبه وتعليمه اْلقُرْآنَ، وَالصَّبِيُّ ُي ْؤِثرُ اللَّعِبَ َو ُمعَا َش َرةَ أَ ْقرَاِنهِ وََأبُوهُ يُمَكُِّنهُ ِمنْ ذَلِكَ فَإِنَّ ُها أَحَقُّ ِبهِ بِال تَخِْيريٍ وَال ُق ْر َعةٍ ،وَكَذَلِكَ اْلعَكْسُ ،فمَتَى أَخَلَّ أَحَ ُد ا َألبَ َوْينِ بَِأ ْمرِ اهللِ َورَسُوِلهِ فِي الصَّبِيِّ َوعَطَّ َلهُ ،وَاآل َخرُ مُرَاعٍ َلهُ فَهُوَ أَحَقُّ وَأَوْلَى ِبهِ. خنَا × َيقُولَُ :تنَازَعَ َأبَوَانِ صَبِيًّا قال ابن القيِّمَ :س ِمعْت شَيْ َ َي ِعنْدَ َبعْضِ الْحُكَّامِ فَخََّي َرهُ بَْينَ ُهمَا فَاخْتَارَ َأبَاهُ َفقَاَلتْ َلهُ أُمُّ ُهَ :س ْلهُ أل ِّ شَيْءٍ يَخْتَارُ َأبَاهَُ ،فسَأََلهَُ ،فقَالَ :أُمِّي تَْبعَُثنِي كُلَّ يَوْمٍ ِللْكُتَّابِ ض ِرُبنِي وََأبِي يَْترُ ُكنِي لِلَّعِبِ َمعَ الصِّبْيَانِ َفقَضَى ِبهِ لِألُمِّ، وَاْل َفقِيهُ يَ ْ وقَالَ أَْنتِ أَحَقُّ ِبهِ.
رواه أبو داود ( )773من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه، ( )3 وسنده حسنٌ. 70
خنَا :وَإِذَا َترَكَ أَحَدُ ا َألبَ َوْينِ َت ْعلِيمَ الصَّبِيِّ وََأ ْم َرهُ الَّذِي قَالَ شَيْ ُ أَوْجََبهُ اهللُ َعلَْيهِ؛ فَهُوَ عَاصٍ وَال وِالَيةَ َلهُ َعلَْيهِ بَلْ كُلُّ َمنْ لَمْ َيقُمْ بِالْوَاجِب فِيْ وِاليَِتهِ؛ َفالْ وِالَيةَ َلهُ ،بَلْ إِمَّا أَنْ ُت ْرَفعَ يَدُهُ عَنِ الْوِالَيةِ، جبِ، جبَ وَإِمَّا أَنْ يُضَمَّ إلَْيهِ َمنْ َيقُومُ َمعَهُ بِالْوَا ِ َوُيقَامَ َمنْ َي ْفعَلُ الْوَا ِ ب ا ِإلمْكَانِ. ح َس ِ إ ْذ اْل َمقْصُودُ طَاعَ ُة اهللِ َورَسُوِلهِ بِ َ قَالَ شَيْخُنَا :وَلَيْسَ َهذَا الْحَقُّ مِنْ جِنْسِ الْ ِمريَاثِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالرَّحِمِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَالءِ سَوَاءٌ كَانَ الْوَارِثُ فَاسِقًا أَوْ صَالِحًا ،بَلْ َهذَا ِمنْ جِنْسِ الْوِاليَةِ الَّتِي ال بُدَّ فِيهَا ِمنْ الْ ُقدْ َرةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَاْل ِعلْمِ بِهِ َوِف ْعلِهِ بِحَسَبِ ا ِإلمْكَانِ ،قَالََ :فلَوْ قُدِّرَ أَنَّ األَبَ تَزَوَّجَ امْ َرَأةً ال تُرَاعِي صلَحَةَ ابْنَتِهِ وَال تَقُومُ بِهَاَ ،وأُمُّهَا أَقْ َومُ بِ َمصْلَحَتِهَا ِمنْ ِتلْكَ الضُّ َّرةِ َم ْ حضَانَةُ هُنَا ِلألُمِّ قَ ْطعًا ،قَالََ :ومِمَّا يَْنَبغِي َأنْ ُي ْعلَمَ أَنَّ الشَّارِ َع لَيْسَ فَالْ َ حدِ األَبَ َويْنِ مُ ْطلَقًا وَال تَخِْيريِ الْوََلدِ بَيْنَ عَنْهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي تَ ْقدِيمِ أَ َ ح ُدهُمَا مُ ْطلَقًا، األَبَ َوْينِ مُ ْطلَقًا ،وَاْل ُعلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ َعلَى أَنَّهُ ال يََتعَيَّنُ أَ َ بَلْ ال يُقَدَّمُ ذُو اْل ُعدْوَانِ وَالتَّفْرِيطِ َعلَى اْلبَرِّ الْعَادِلِ الْمُحْ ِسنِ ،واهلل أَ ْعلَمُ(.)3 ( )3زاد املعاد ( )746 _ 748/5بتصرُّف ،املغين ،)237 _ 236/4( :وانظر جمموع الفتاوى 730/1( :إىل .)723 72
قلت :وهذا هو الراجح ،وهو قولُ اإلمام مالك كما نقلَ عنه شيخ اإلسالم يف الفتاوى ( ،)728/1وهو اختيار الشيخ األلباني حيث قال يف تعليقه على الروضة الندية ( )110/2يف التخيري بني األبوين= :وينبغي أن ال يكونَ هذا على إطالقِه ،بل يُقيَّد مبا إذا حصلت به مصلحة الولد ،وإال فال يُلتفتُ إىل اختيار الصيب؛ ألنَّه ضعيف العقل.+ وهذا مذهب ابن حزم كما يف احمللى ( ،)151/33وهو اختيا ُر الشوكاني كما يف السيل اجلرار (.)710/2 هل يصحُّ تقييد التَّخيري بالبلوغ ؟ ال يصحُّ تقييد التَّخيري بالبلوغ ،وقوله "= :أنت أحقُّ به ما مل تنكحي ،+فهذه األحقِّيَّة هلا حالتان: األوىل :أن يكون الولد صغريًا مل مييِّز ،فهي أحقُّ به مطلقًا من غري ختيريٍ ما مل تنكح. الثَّانية :أن يبلغ سنَّ التَّمييزِ ،فهي أحقُّ به أيضًا ،لكنَّ هذه األولويةَ مشروطةٌ بشرط ،واحلكم إذا عُلِّقَ بشرطٍ صدق إطالقه َّ 73
اعتمادًا على تقدير الشَّرط ،فهي أحقُّ به بشرط اختياره هلا ،ولو حمِل على إطالقه الستلزم ذلك إبطال أحاديث التَّخيري ،وأمَّا ُ محل احلديث على التَّخيري على ما بعد البلوغ ،فال يصحُّ محله، وقد أجاب ابن القيِّم عن هذا احلمل ،فقال: ح ْملُكُمْ أَحَادِيثَ التَّخِْيريِ َعلَى مَا َبعْدَ الُْبلُوغِ فَال يَصِحُّ وَأَمَّا َ جهٍ: خ ْم َسةِ أَوْ ُ لِ َ حقِي َقةُ أَحَدُهَا :أَنَّ َل ْفظَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَيَّرَ غُالمًا بَْينَ َأبَ َوْيهِ ،وَ َ حقِيقَِتهِ ِبغَْيرِ اْلغُالمِ َمنْ لَمْ يبلُغ ،فحملُه على البالغ إخراجٌ له عن َ جبٍ وَال َقرِيَنةٍ صَا ِرَفةٍ. مُو ِ الثَّانِي :أَنَّ الْبَالِغَ ال حَضَانَة َعلَْيهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُخَيَّرَ اْبنُ َأ ْرَب ِعنيَ َسَنةً بَْينَ َأبَ َويْ ِه ؟ هَذَا ِمنْ اْل ُممَْتِنعِ شَ ْرعًا َوعَا َدةً فَال َيجُوزُ ل الْحَدِيثِ َعلَْيهِ. حمْ ُ َ جلٍ الثَّاِلثُ :أَنَّهُ لَمْ َيفْهَمْ أَحَدٌ ِمنْ السَّا ِمعِنيَ أَنَّ ُهمْ َتنَا َزعُوا فِي رَ ُ كَِبريٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ ،وَأَنَّهُ خُيِّرَ بَْينَ َأبَ َويْهِ وَال َيسْبِقُ إلَى هَذَا فَهْمُ أَحَدٍ
74
ألْبَتَّ َة ،وَلَوْ ُفرِضَ تَخِْي ُريهُ لَكَانَ بَْينَ ثَالَثةِ َأشْيَاءَ؛ ا َألبَ َوْينِ وَاالْنفِرَادِ ِبَن ْف ِسهِ. الرَّاِبعُ :أَنَّهُ ال ُي ْعقَلُ فِي اْلعَا َدةِ وَال اْل ُعرْفِ وَال الشَّ ْرعِ أَنْ َتنَازَعَ ا َألبَوَانِ فِي رَجُلٍ كَِبريٍ بَالِغٍ عَاقِلٍَ ،كمَا ال ُي ْعقَلُ فِي الشَّرْعِ تَخِْيريُ مَنْ هَ ِذ ِه حَاُلهُ بَْينَ َأبَوَْيهِ. ص ِغريًا َلمْ الْخَامِسُ :أَنَّ فِي َبعْضِ أَْلفَاظِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ َ يَْبلُغْ ،ذَ َكرَُه النَّسَائِيُّ ،وَهُ َو حَدِيثُ رَاِفعِ ْبنِ ِسنَانٍَ ،وفِيهَِ= :فجَا َء ابْنٌ ُم جلَسَ النَّبِيُّ " ا َألبَ هَا ُهنَا وَاألُمَّ هَا ُهنَا ث َّ ص ِغريٌ لَمْ يَْبلُغْ فَأَ ْ لَهَا َ خَيَّ َرهُ )3(+أ.هـ ت حضانتِه: عالقة األبوين باحملضو ِن وق َ إذا حصلت فرقةٌ بني الزوجني ،وبينهما مولودٌ ،وكان عند أحدِهما؛ فال جيوزُ أن مينعَ أحدهما اآلخر من رؤيته ،وهذا أمرٌ متَّفقٌ عليه بني الفقهاء مع اختالفٍ يف بعضِ التفاصيل ،فاهلل سبحانه زاد املعاد ( ،)740/5واحلديث عند النَّسائيِّ يف الصُّغرى (،)1775 ( )3 والكربى ( )6151من طريق عبد الرَّزَّاق يف املصنَّف ( ،)32636وسنده صحيحٌ كما تقدَّم. 75
أوجبَ صلةَ األرحام فقال :ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﭼ (النساء.)16 : والرسول " قال= :من فرَّقَ بني والدةٍ وولدِها فرَّقَ اهلل بينه وبني أحبَّتِه يوم القيامة.)3(+ فإذا أصبحَ الولدُ يف حضانةِ أحد األبوين فال يعين انقطاعَه عنهما، فاألب مسؤولٌ عن نفقتِه وأجرةِ رضاعتِه بنصِّ الكتابِ ،قال اهلل تعاىل :ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝﭼ (البقرة: ،)211وقال تعاىل :ﭽﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫﭼ (الطالق ،)6 :ومن حقِّهما زيارةُ ولدِهما ،وال يُمَنعُ أحدُهما من تقدمَ أحد ذلك ،وهذا ما جرى العمل عليه يف احملاكم الشرعية إذا َّ األبوين بطلبِ حتديد زيارةٍ لطفلِه ،وهذا حقٌّ لألبوين ،وقرَّ َر الفقهاءُ أنَّ لألب أخذَ احملضونِ من حاضنتِه ليُعلِّمَه ويؤدِّبَه ،وحتَّى يعتادَ الولدُ رؤي َة أبيه ،وذلك أدعى للربِّ له يف الكربِ. ( )3رواه الرتمذي وقال حديث حسن غريب واحلاكم والدارقطين وقال احلاكم صحيح اإلسناد ،وحسَّنه األلباني يف صحيح الرتغيب والرتهيب ( ،)3476وانظر فتاوى اللجنة الدائمة ( )285/23وجمموع الفتاوى (.)06/7 76
قال ابن قدامة= :وإذا بلغ الغالمُ سبعَ سنني خُِّيرَ بني أبويه فكان مع من اختار منهما ،فإن اختار أباه كان عنده ليالً ونهارًا ،وال مينع من زيارة أمه وال متنع هي متريضَه ،وإن اختارَ أمَّه كان عندها ليالً وعند أبيه نهارًا ليعلِّمَه الصِّناعةَ والكتابةَ ويؤدِّبَه ،فإن عاد فاختار اآلخر نقل إليه ثم إن اختار األول رُ َّد إليه ،فإن مل خيرتْ أحدهما أُقرِعَ بينهما، وإن استوى اثنان يف احلضانة كاألختني قُ ِّدمَ أحدهما بالقرعة ،وإذا بلغت اجلارية سبعًا كانت عند أبيها وال متنع األمُّ من زيارتها ومتريضها.)3(+
النفقة النفقة لغةً :قال ابن فارس= :النون والفاء والقاف أصالن صحيحان ،يدلُّ أحدهما على انقطاعِ الشيء وذهابه ،والنفقة من هذا ألنَّها متضي لوجهها ،والنفقة الدراهم وحنوها من األموال.)2(+ ( )3انظر املبدع ( ،)322/7وانظر الفقه اإلسالمي وأدلته (.)61/38 ()2
=مقاييس اللغة.)167/5( +
77
النفقة شرعًا :هي كفاية من ميونُه طعامًا وكسوةً ومسكنًا وتوابعها(.)3 النفقة والسكنى للمطلقة البائن: إذا طُلقت املرأة؛ فإن كانت يف العدة فلها النفقة والسكنى؛ لقول اهلل تعاىل :ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭼ (الطالق ،)6 :وهذا ال خالفَ فيه بني أهل العلم. فإذا بانت املرأة من زوجِها ،سواءٌ كانت بينونةً صُغرى أم كربى؛ فال نفقةَ هلا وال سكنى ،إال أن تكونَ حامالً؛ فلها النفقةُ؛ لقول اهلل تعاىل :ﭽﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭼ (الطالق ،)6 :فهذه اآلية تدلُّ على وجوبِ النفقة للحاملِ سواءٌ الرجعي أم البائن. ِّ عدةِ الطالق كانت يف َّ ()3
انظر =توضيح األحكام +للبسام (.)11/4 78
أمَّا البائنة فقد اختلفَ الفقهاء يف وجوبِ النفقة هلا إذا مل تكنْ حامالً على ثالثةِ مذاهب ،وهي ثالثُ رواياتٍ يف مذهب اإلمام أمحد. أحدها :أنَّ هلا السكنى وال نفقةَ هلا ،لقول اهلل تعاىل: ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭼ (الطالق ،)6 :وهذا قولُ مالكٍ والشافعي وفقهاء املدينة السبعة ،وهو مذهب عائشة أم املؤمنني ،وهو روايةٌ يف مذهب أمحد. الثاني :أنَّ هلا السكنى والنفقة ،وهذا مرويٌّ عن عمرَ وعبد اهلل بن مسعودٍ ،وهو قو ُل أكثر أهل العراق ،وابن شربمة ،وابن أبي ليلى ،وسفيان الثوري ،واحلسن بن صاحل ،وأبي حنيفة وأصحابِه ،وعثمان البتِّي ،والعنربي ،وحكاه أبو يعلى القاضي يف مفرداتِه روايةً عن اإلمام أمحد. الثالث :أنَّه ال نفقةَ هلا وال سكنى ،وهذا قول عليٍّ ،وعبد اهلل بن عبَّاسٍ ،وجابر ،وعطاء ،وطاووس ،واحلسن ،وعكرمة، وميمون بن مهران ،وإسحاق بن راهويه ،وداود بن علي ،وأكثر 79
فقهاء أهل احلديث ،وهذا ظاهر مذهب اإلمام أمحد ،وهذا هو األقربُ إن شاء اهلل. طلقَها واستدلَّ أصحاب هذا القول حبديث فاطمة بنت قيس أنَّه َّ زوجُها يف عهد النَّيبِّ " وكانَ أنفقَ عليها نفقةَ دونٍ ،فما رأت ذلكَ قالت :واهلل ألُعلمَنَّ رسولَ اهلل "؛ فإذا كان لي نفقةٌ؛ أخذت الذي يصلحُين ،وإن مل تكنْ لي نفقة؛ مل آخذْ منه شيئاً ،قالت: فذكرتُ ذلك لرسول اهلل " فقالَ= :ال نفقةَ لك وال سكنى.)3(+ ويف رواية= :النفقةُ والسكنى للمرأة إذا كان لزوجِها عليها الرجعة.)2(+ ويف رواية= :ال نفقةَ لك إال أن تكوني حامالً.)1(+ قال ابن القيم= :وأسعد الناس بهذا اخلرب َمنْ قال به ،وأنَّه ال نفقةَ حجةٌ تقاومُه ،وال تقاربُه.+ هلا وال سكنى ،وليس مع َمنْ ردَّه َّ
( )3رواه مسلم (.)1602( ،)70/3 ( )2رواه أمحد ( ،)24388والنسائي ( ،)1781( ،)377/6وسنده صحيح. ( )1أخرجه أبو داود ( )2278بسند صحيح. 81
وقال ابن عبد الرب= :قولُ أمحد بن حنبل ومَن تابعَه أصحُّ نصـًا صرحيًا ،فأيُّ شيءٍ يعارضُ وأرجحُ ،ألنَّه ثبتَ عن النَّيبِّ " َّ املبينُ عن اهلل مرادَه ،وال شي َء هذا إال مثلَه عن النيبِّ " الذي هو ِّ يدفعُ ذلكَ ،ومعلومٌ أنَّه أعلمُ بتأويل قول اهلل تعاىل :ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭼ (الطالق )3(+ )6 :أ.هـ
***
( )3انظر تهذيب السنن (.)240/6 80
ملخص البحث وأخريًا :إليك أخي القارئ ملخَّصًا ملا سبق: وجوب كفالة الطفل ،ويُشرتط يف ذلك شروطٌ يف احلاضن: (اإلسالم والبلوغ والعقل والعدالة واحلرية واحتاد الدار وخلو األم من النكاح). )1
بد منه لوجهني: اإلسالم :وهذا الشرط ال َّ
األول :أن اهلل تعاىل قطع املواالة بني املسلمني والكفار، وجعل املسلمني بعضهم أولياء بعض .الثاني :أن يف عدم اشرتاط اإلسالم خروجًا عن املقصود من احلضانة ،وهو حفظ الدين والنفس ،وهذا قول مالك والشافعي وسوار العنربي. )2
البلوغ :ألنَّ الصيبَّ فاقدُ األهلية ،وهو حمتاجٌ
إىل من يصونه.
82
)3
العقل :إذ ال تثبت احلضانة ملعتوهٍ وال جمنون
وكالهما فاقدٌ لألهلية ،ويلحق بذلك كل من كان عاجزًا ض كما تقدَّمَ. عنها لعاهةٍ أو مر ٍ )4
العدالة :فقد اشرتطها أصحاب أمحد
والشافعي وغريهم؛ ألنَّ الفاسقَ غريُ موثوقٍ به ،واألقرب عدم اشرتاطها؛ وذلك ألمور: أ -
أنَّ هذا األمر يعسر حصره لكثرة
الفسَّاق يف كلِّ زمان. ب -
أنَّه مل يُنقل عن أحد على مدى
العصور أنَّه انتُزعَ منه ابنه لفسقه ،وهو مبنزلة الوالية يف النكاح. ت -
أن النيب " وأصحابه مل مينعوا فاسقًا
من تربية ابنه وال من تزوجيه. ث -
أنَّ الشارع اكتفى بالباعث الطبيعي من
أن الفاسق حيتاط البنته وال يضيِّعها وحيرص على اخلري هلا ما استطاع. 83
ج -
وجود املقتضي يف عهد النيب " ومل
ُبينْ شيئاً من ذلك مع عموم البلوى به. ي ِّ )5
اشرتاط احلرية :وقد اشرتطها احلنفية
والشافعية واحلنابلة ،ورجح ابن القيم عدم اشرتاطها لعدم وجود دليل على ذلك ،وهذا قول مالك ،وهو األقرب إن شاء اهلل. )6
احتاد الدار :والصواب أنَّه ال يشرتط ذلك،
وجيب النظر واالحتياط للطفل يف األصلح له ،واألنفع من اإلقامة والنقلةِ ،فأيُّهما كان أنفع له وأصون وأحفظ روعي بشرط عدم املضارَّة يف النقلة من أحد األبوين، وهذا ما رجحه ابن القيم وهو األقرب إن شاء اهلل. )7
خلوُّ األم من النكاح :اختلف أهل العلم يف
ذلك على أربعة أقوال؛ أقواها وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأمحد يف املشهور عنه أنَّ األم إذا نكحت سقطت حضانتها ،سواء كان احملضون ذكرًا أم أنثى ،وهو الراجح وعليه جتتمع األدلة واهلل أعلم. 84
احلضانة حقٌّ لألم أم عليها ؟ إذا افرتق الزوجان وهلما ولدٌ طفلٌ ذكرًا كان أم أنثى أو معتوهًا؛ فأمُّه أوىل الناس به وأحقُّ الناس بكفالته إذا حتقَّقت الشروط فيها، وهذا قول حييى بن سعيد والزهري والثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ،وهذا ما رجحه ابن القيم ،وهو األقرب إن شاء اهلل. هل النكاح تعليل أم توقيت ؟ يف هذه املسألة خالفٌ ،قال مالك :إذا تزوجت املرأة ودُخلَ بها مل يعدْ حقّها من احلضانة وإن طُلِّقت ،واجلمهور على خالفه، وهو قول الشافعي وأمحد وأبي حنيفة واحلسن بن حي ،وقال بذلك بعض أصحاب مالك؛ ألن قوله "= :ما مل تنكحي +تعليلٌ والعلة النكاح ،واحلكم إذا ثبت بعلة زال بزوالِها ،وكذلك كل من قام به من أهل احلضانة مانعٌ ككفرٍ أو رقٍّ أو فسقٍ أو بدوٍ ،فإن زالت املوانع عاد حقُّهم ،وكذلك النكاح والفرقة ،وهذا اختيار ابن القيم ،وهو املختار إن شاء اهلل.
85
لكن ال ترجع هلا احلضانة وتوقف إىل انقضاء عدتها وتبني منه كون الرجعية زوجة يف عامة األحكام ،فإنه يثبت بينهما التوارث والنفقة ويصح منها الظهار واإليالء وغري ذلكما تقدَّم ،وهذا قول أبي حنيفة واملزني؛ ألنَّ الرجعيةَ غريُ حمرَّمةٍ جتري عليها أحكامُ الزوجية كما تقدَّم. هل يسقط حقُّها مبجرَّ ِد العقد ؟ فيها قوالن ألهل العلم ،واألقرب سقوط حضانتها بالعقد؛ ألنَّها صارت حينئذٍ يف مظنَّة االشتغال والتهيُّئ للدخول وأسبابه ومقدماته ،وألن الزوجَ ميلك بالعقد منافعها ،وله منعها من حضانته كما لو دخل بها ،وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة. الوالية على الطفل: قسَّ َم أهل العلم الوالي َة إىل قسمني: )1
والية من جهة األب :وهي والية املال
والنكاح.
86
)2
والية من جهة األم وقد قُدِّ َم كلٌّ من األبوين يف
أن ما جُعل له من ذلك لتمام مصلحة الولد ،واحلقُّ َّ احلضانةَ والية من الواليات ال يليها إال األصلح فيها، والصالح يعود إىل القيام بشؤون احملضون وحتمل مؤنته، وتربيته ،والشرع ال يقصد من تقديم أحد على أحد مبجرد القرابة ،وإمنا يُقدِّم من هو األوىل فيها واألقدر عليها واألصلح هلا ،وهذا مراد العلماء مهما اختلفت عباراتهم وترتيبهم ،وانظر توضيح األحكام (.)54/6 األحق باحلضانة بعد الوالدين: ألهل العلم يف ذلك قوالن: أحدهما :تقديم أقارب األم على أقارب األب. الثاني :تقديم أقارب األب على أقارب األم ،وهو األصح دليالً ،وهذا ما رجَّحَه شيخ اإلسالم ،وألنَّ األم إنَّما قُدمت لكونها أنثى ال ألنَّ جهتها مقدمة ،وهي روايةٌ يف مذهب الشافعي وأمحد، ورجَّح ذلك ابن القيم يف الزاد ،وهذا الذي قضى به سيد قضاة
87
اإلسالم شريح ،وهذا هو األقرب إن شاء اهلل ،وهو مذهب األوزاعي كما تقدَّمَ. سن التخيري بني األبوين: ُّ إذا بلغَ الطفل سنَّ التمييز _ وهو سبع سنني _ ،واستغنى عن ُخيرُ بني أبويه؛ فمَن اختاره خدمة النساء ،وتنازعَ فيه األبوانِ ي َّ منهما؛ فهو أوىل به ،وهذا مذهب الشافعي وهو املشهور من مذهب اإلمام أمحد ،وهو قول إسحاق. ُخيرُ إذا بلغَ سنَّ اخلامسة ،ومدار احلكم على نفس وقيل :ي َّ التمييز ال على سنِّه ،كما رجَّحَ ذلك النووي يف الروضة ،وهذا ظاهر كالم ابن القيم ،وهو األقرب إن شاء اهلل ،لكن يُراعى فيه الغالب وهو السبعُ. إذا خُيِّ َر الطفل فلم خيرتْ ،أو اختارهما مجيعًا: إذا بلغ الطفل حدَّاً يُعرب فيه عن نفسه ،واستغنى عن خدمة النساء تساوَ األبوان وزال السبب املوجبُ لتقديم األم ،فال يُقدَّمُ أحدهما إال مبرجِّحٍ ،وهما أمران: 88
األول :التمييز ،وقد تقدَّمَ ،وهذا يكون باختيار الطفل ،وهو أَّولُ ما يُصار إليه. الثاني :القرعة ،وال يُصار إليها إال إذا عُدِمَ األوَّل ،وبهذا جاءت السنة املطهرة. هل األنثى تُخيَّ ُر كما يُخيَّر الغالم ؟ اختلف أهل العلم على ذلك على قولني: األول :أن األنثى ختيَّر كما يُخيَّر الغالم ،وهذا قول اإلمام الشافعي. الثاني :أنَّ البنت ال تُخيَّر ،وإنَّما تكون عند أبيها ،وهذا مذهب اجلمهور منهم األئمة الثالثة وإسحاق ،وهو اختيار شيخ اإلسالم وابن القيم. اعتبار القدرة يف احلاضن على احلفظ والصيانة: البدَّ من اعتبار القدرة على احلفظ والصون ،وهذا هو املقصود من احلضانة ،ف َمنْ قُدِّمَ من األبوين بتخيريٍ أو قرعةٍ وكان مهمالً لذلك أو عاجزًا عنه أو غري مرضيٍّ أو ذا دياثةٍ واآلخر خبالفه؛ 89
فيُجعلُ عنده ،وال التفات إىل قرعةٍ أو ختيريٍ ،وهذا مذهب اإلمام مالك وأمحد ،وهو اختيار شيخ اإلسالم وابن القيم ،وهو املختار إن شاء اهلل. عالقة األبوين باحملضون وقت احلضانة: إذا حصلت فرقةٌ بني الزوجني وبينهما مولودٌ فكان عند أحدهما؛ فال مينع أحدهما اآلخر من رؤية الطفل ملا فيه من اإلغراء بالعقوق وقطيعة الرحم ،وهذا من حماسن الشريعة ،وذلك بإمجاع أهل العلم. النفقة والسكنى للمطلقة البائن: ب هلا النفقةُ عدتِها الرجعية؛ فيج ُ إذا طُلِّقت املرأة وكانت يف َّ والسكنى ،فإذا بانت منه؛ فليس هلا نفقةٌ وال سكنى إال أن تكونَ حامالً فلها النفقةُ ،وإن كانت مرضعًا وطلبت النفقةَ تُعطَ وقد أمر اهلل بذلك يف القرآن. هذا واهلل أعلم ،وأسأل اهلل أن ينفع بها املسلمني ،وصلَّى اهلل على نبيِّنا حممَّ ٍد وعلى آله وصحبه وسلَّم. حرِّر بتاريخ 3715 / 6 / 0 :هـ | 2837 / 7 / 4م 91
الفهرس الصفحة
املوضوع مقدمة
3
حقوق الطفل
3
أوالً :حقُّ احلياة
3
ثالثًا :حقُّ الرِّضاع
5
رابعًا :حقُّ النَّفقة
6
خامسًا :حقُّ الوالية
7
سادسًا :حقُّ الرَّمحة
9
من أحكام احلضانة
11
أوالً :تعريف احلضانة لغةً
11
ثانيًا :احلضانة اصطالحاً
11
ثالثًا :مشروعية احلضانة
11
90
رابعًا :وجوب حضانة الطِّفل وكفالته
11
خامسًا :شروط احلضانةِ
15
الشَّرط األول اإلسالم
16
الشَّرط الثاني البلوغ
11
الشَّرط الثَّالث العقل
11
الشَّرط الرَّابع العدالة
11
الشَّرط اخلامس اشرتاط احلرِّيَّة
11
الشَّرط السَّادس اتِّحاد الدَّار
16
الشَّرط السَّابع خلوُّ األم من النِّكاح
12
احلضانة حقٌّ لألم أم عليها ؟
32
هل نكاح األمِّ تعليلٌ أم توقيت ؟ وما يرتتَّب عليه
14
مسألة :يبقى النظ ُر والنزاع :هل ترجعُ احلضانة مبجردِ الطالق أم بوقفه إىل َّ للمطلَّقة الرَّجعيَّة
11
انقضاءِ عدَّتِها حتَّى تبنيَ منه بينون ًة صغرى ؟ هل يسقط حقُّها بالنِّكاح مبجرَّد العقد ،أو بالعقد مع الدُّخول؟ 92
13
إذا ادَّعت املرأة أنَّها طلِّقت هل أمُّ الزَّوجة تقوم مقام الزَّوجة يف االدِّعاء أمام القاضي ؟
11 16
الوالية على الطِّفل
17
األحقُّ باحلضانة بعد الوالدين
19
فَصْلٌ :احلكم باحلضانة من النَّيبِّ " يف هذه القصَّة هل وق َع للخالة أم جلعفر ؟
53
سنُّ التَّخيري بني األبوين
52
إذا خيِّر الطِّفل فلم خيرتْ ،أو اختارهما مجيعًا
65
هل األنثى ختيَّر كما خيِّر الصَّيبُّ ؟
67
هل يعترب يف األب القدرة على احلفظ والصِّيانة؟
74
هل يصحُّ تقييد التَّخيري بالبلوغ ؟
73
ت حضانتِه عالقة األبوين باحملضونِ وق َ
75
النفقة والسكنى للمطلقة البائن
72
ملخص البحث
21
الفهرس
91
93