القول الفصل في حضانة الطفل

Page 1


2


‫مقدِّمة‬ ‫وأمت التَّسليم على نبيِّنا‬ ‫احلمدُ هلل ربِّ العاملني‪ ،‬وأفضل الصَّالة ُّ‬ ‫حممَّدٍ النَّيبِّ األميِّ وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثرياً إىل يوم‬ ‫الدِّين‪ ،‬أمَّا بعد‪:‬‬ ‫حقوق الطفل‬ ‫لقد اهتمَّ اإلسالمُ اهتمامًا بالغًا بأمر األطفال‪ ،‬وأَوْاله جانباً كبرياً‬ ‫من احلقوق ما يضمن هلم حياةً كرميةً‪ ،‬واستقراراً نفسيًّا واجتماعيًّا‬ ‫ل نشأةً صاحلةً ويكون نافعاً يف اجملتمع املسلم‪ ،‬سواءٌ‬ ‫إىل أن ينشأَ الطف ُ‬ ‫كانُ الطِفل يتيماً‪ ،‬أم كانت أمُّه مطلَّقةً‪ ،‬أو كان لقيطاً‪ ،‬أو كان‬ ‫جمهو َل األب‪ ،‬فمَ ْن هذه احلقوق‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬حقُّ احلياة‪:‬‬ ‫وهذا احلقُّ من أبرز ما كفله التَّشريع اإلسالميُّ للطِّفل‪ ،‬حيثُ‬ ‫كانَ وأدُ البنات منتشراً يف اجلاهليَّة خشيةَ العار‪ ،‬إضافةً إىل قتل‬ ‫‪3‬‬


‫األوالد خوفاً من العَيْلة =الفقر‪ +‬فحرَّم ذلك‪ ،‬وشدَّد عليه حيثُ قال‬ ‫تعاىل‪ :‬ﭽﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ‬ ‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﭼ (اإلسراء‪.)13 :‬‬ ‫جعَلَ لِلَّهِ‬ ‫وقد سُئِلَ رسولُ اهلل " أَيُّ الذَّْنبِ َأعْظَمُ؟ قَالَ‪= :‬أَنْ َت ْ‬ ‫نِدًّا وَهُوَ َخ َلقَكَ‪ ،+‬قَالَ‪ :‬ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ‪= :‬أَنْ َتقْتُلَ وَلَدَكَ خَشَْيةَ أَنْ‬ ‫حلِي َلةَ جَارِكَ‪.+‬‬ ‫يَأْكُلَ َمعَكَ‪ ،+‬قَالَ‪ :‬ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ‪= :‬أَنْ تُزَانِيَ َ‬ ‫ويف رواية‪= :‬أن تزنيَ حبليل ِة جارِك‪.)3(+‬‬ ‫اللهَ حَرَّمَ َعلَيْكُمْ ُعقُوقَ األُمَّهَاتِ‪ ،‬وَوَْأدَ الَْبنَاتِ‪،‬‬ ‫وقال "‪= :‬إِنَّ َّ‬ ‫السؤَالِ‪ ،‬وَإِضَاعَةَ‬ ‫الثًا‪ :‬قِيلَ وَقَالَ‪ ،‬وَكَْث َرةَ ُّ‬ ‫َومَنعَ وَهَاتِ‪ ،‬وَ َك ِرهَ لَكُمْ َث َ‬ ‫اْلمَالِ‪.)2(+‬‬ ‫وبهذه التَّوجيهات قررَّ اإلسالم حقاً ثابتاً للطِّفل‪ ،‬وهو حقُّه يف‬ ‫حيل انتهاكه بأيِّ شكلٍ من األشكال‪.‬‬ ‫احلياة‪ ،‬ال ُّ‬ ‫رواه البخاريُّ من حديث ابن مسعود (‪ ،)7744‬والرواية األخرى البن‬ ‫( ‪)3‬‬ ‫حبان (‪.)7737‬‬ ‫(‪ )2‬رواه البخاريُّ من حديث املغرية بن شعبة (‪.)5745‬‬ ‫‪4‬‬


‫حق النَّسب‪:‬‬ ‫ثانيًا‪ُّ :‬‬ ‫بعد أن ضمنَ اإلسالم للطِّفل حقَّ احلياة‪ ،‬ضمن له احلقَّ يف‬ ‫النَّسب؛ حتَّى ال يكون عُرضةً للجهالة‪ ،‬ومن ثَمَّ ضياع حقوق‬ ‫أخرى‪ ،‬مثلُ‪ :‬اإلنفاق‪ ،‬واإلرث‪.‬‬ ‫كما حرَّم اإلسالمُ التَّالعبَ باألنساب‪ ،‬وأن يُنسبَ الطِّفلُ لغري‬ ‫أبيه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﭼ (سورة‬ ‫األحزاب‪.)5 :‬‬ ‫وقال "‪َ = :‬منِ َّادعَى إِلَى غَْيرِ َأبِيهِ _ وَهُوَ َيعْلَمُ أََّنهُ غَْي ُر َأبِيهِ _‬ ‫حرَامٌ‪.)3(+‬‬ ‫فَاْلجََّنةُ َعلَْي ِه َ‬ ‫ثالثًا‪ :‬حقُّ الرِّضاع‪:‬‬ ‫ويعدُّ الرَّضاعُ هو احلقَّ الثَّالث للطِّفل يف تسلسله يف احلياة‪ ،‬فلقد‬ ‫أوجبَ اإلسالمُ على األمَّهات إرضاعَ أوالدهنَّ حولني كاملني لـمَنْ‬ ‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )52/2‬من حديث سعد بن أبي وقاص‪ ،‬وأبي بكرة‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫أرادَ أن يتمَّ الرَّضاعة‪ ،‬ﭧ ﭨ ﭽﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﭼ (البقرة‪ ،)212 :‬ولقد‬ ‫أمج َع الفقهاءُ على وجوب إرضاع الطِّفل مادا َم يف حاجةٍ إليه‪ ،‬وهو‬ ‫سن الرِّضاع مع اختالفٍ بني الفقهاء يف وجوبه على مَنْ يكون ؟‬ ‫يف ِّ‬ ‫حق النَّفقة‪:‬‬ ‫رابعًا‪ُّ :‬‬ ‫وهذا احلقُّ من احلقوق املقرَّرة يف اإلسالم‪ ،‬وهي لألبناء على‬ ‫اآلباء؛ بل جعله مركوزاً يف الفطر‪ ،‬فرتى األب ينفق على ولده‬ ‫بعطفٍ وحنانٍ‪ ،‬ولو مل يعلمْ أنَّ ذلك واجبٌ عليه‪ ،‬ولذلك عدَّ‬ ‫الرَّسول " النَّفقة على األبناء واألهل من أفضل النَّفقات ينفقها‬ ‫اللهِ "‪:‬‬ ‫الرَّجل على أهله‪ ،‬ف َعنْ ثَ ْوبَانَ ÷ قَالَ‪ :‬قَالَ رَسُولُ َّ‬ ‫=َأفْضَلُ دِينَارٍ ُيْن ِف ُقهُ الرَّجُلُ؛ دِينَارٌ ُيْن ِف ُقهُ عَلَى عِيَاِلهِ‪ ،‬ودِينَارٌ ُينْ ِفقُهُ‬ ‫اللهِ‪ ،‬ودِينَارٌ ُيْن ِفقُهُ الرَّجُلُ َعلَى أَصْحَاِبهِ‬ ‫الرَّجُلُ َعلَى دَابَِّتهِ فِي سَبِيلِ َّ‬ ‫اللهِ‪.)3(+‬‬ ‫ل َّ‬ ‫فِي سَبِي ِ‬

‫(‪ )3‬رواه مسلمٌ (‪ )2184 ،08/4‬من حديث ثوبان‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫الَبةَ(‪ )3‬أحدُ رواة احلديث‪َ :‬وبَدَأَ بِاْلعِيَالِ فَأَيُّ رَجُلٍ َأعْ َظ ُم‬ ‫قَالَ َأبُو ُق َ‬ ‫صغَارٍ ُيعِفُّهُمْ‪ ،‬أَوْ َيْن َفعُهُمُ اللَّهُ بِهِ‬ ‫جرًا ِمنْ رَجُلٍ ُيْنفِقُ َعلَى عِيَالٍ ِ‬ ‫أَ ْ‬ ‫َوُي ْغنِيهِم‪.‬‬ ‫حق الوالية‪:‬‬ ‫خامسًا‪ُّ :‬‬ ‫وهذا احلقُّ لألطفال مقرَّرٌ من ثالثة أوجهٍ؛ هي‪:‬‬ ‫والية احلضانة‪ ،‬والية النَّفس‪ ،‬والية املال‪.‬‬ ‫‪ )3‬فوالية احلضانةِ يكون الدَّور فيها للنِّساء‪ ،‬فتقوم املرأة برتبية‬ ‫الطِّفل‪ ،‬ورعايته يف الفرتة الَّيت ال يستغين فيها الطِّفل عن النِّساءِ‪،‬‬ ‫وحنان األم دون ما سواها من النِّساء متى توفَّرت فيها شروط أهلية‬ ‫احلضانة كما سيأتي‪ ،‬وإن مل يكن له أحدٌ يقوم برعايته من األقارب‬ ‫والعصبات؛ فالسُّلطان وليُّه‪ ،‬وله احلقُّ يف إسناد رعايته إىل مَنْ يقوم‬ ‫حبفظه‪ ،‬كلُّ ذلك من أجل احلفاظ على النَّاشئة حتَّى ال يكون هناك‬ ‫فرقٌ بني أطفال املسلمني‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫هو عبد اهلل بن زيد بن عمرو اجلرمي البصري‪ ،‬ثقة فاضل‪( ،‬ت ‪ 387‬هـ)‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪ )2‬وأمَّا والية النَّفس؛ فاملقصود بها التَّأديب‪ ،‬والتَّوجيه‪،‬‬ ‫والتَّربية‪ ،‬واإلرشاد بعد انتهاء احلضانة‪ ،‬وهذه الوالية لألبوين معًا‪،‬‬ ‫وهي منوطةٌ بالرِّجالِ أكثر لِـمَا جبلَ اهللُ عليه الرِّجال من القوَّة‬ ‫والقدرة والشِّدَّة أكثر من النِّساء‪ ،‬وقد حثَّ اهلل ‪ ‬الرِّجالَ على‬ ‫القيام برتبية أوالدهم‪ ،‬وحذَّرهم من وبال التَّفريط يف حقِّهم‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﯤﭼ (التحريم‪.)6 :‬‬ ‫كما ألزم الرَّسول " كلَّ راعٍ بالعناية َمبنْ حتته‪ ،‬ولذلك قَالَ‬ ‫اللهِ "‪= :‬كُلُّكُمْ رَاعٍ َو َمسْؤولٌ َعنْ َرعِيَِّتهِ‪ ،‬وَا ِإلمَامُ رَاعٍ‬ ‫رَسُولَ َّ‬ ‫َو َمسْؤولٌ َعنْ َرعِيَِّتهِ‪ ،‬وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَ ْه ِلهِ َو َمسْؤولٌ َعنْ َرعِيَِّتهِ‪،‬‬ ‫وَاْل َمرَْأةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعَِيةٌ َو َمسْؤولَةٌ عَنْ َرعِيَّتِهَا‪ ،‬وَالْخَادِمُ فِي‬ ‫مَالِ سَيِّ ِدهِ رَاعٍ َومَسْؤولٌ َع ْن َرعِيَِّتهِ‪.)3(+‬‬

‫(‪ )3‬رواه البخاريُّ (‪ )071‬من حديث ابن عمر‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫فقد جعل رسولُ اهلل " رعايةَ األهل يف حقِّ الرَّجل‪ ،‬يف حني‬ ‫أنَّه جعل رعاية املرأة تابعةً لبيت الزَ​َّوج الَّذي هو صاحب الرِّعاية‬ ‫األوَّل الَّذي له القوامة على النِّساء‪.‬‬ ‫‪ )1‬وأمَّا والية املال؛ فتقتضي احملافظة على أموال الطِّفل سواء‬ ‫كان يتيماً أو معتوهاً أو سفيهاً أو غري ذلك‪ ،‬بكونه عديمَ التَّجربة يف‬ ‫احلياة‪ ،‬ومل يكتمل بعد بناؤه اجلسميُّ‪ ،‬واالجتماعيُّ‪ ،‬والنَّفسيُّ‪،‬‬ ‫والعقليّ‪ ،‬فلو ُترِكَ الطِّفل وأطلق له العنانُ يف التَّصرُّفِ يف ماله‪ ،‬فقد‬ ‫يضيِّعه يف شهواته ونزواته ومحاقته وجهله؛ فال جيد ماله وهو يف‬ ‫أمس احلاجة إليه عندما يبلغ ويصبح رشيداً‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫سادسًا‪ :‬حقُّ الرَّمحة‪:‬‬ ‫وهذا احلقُّ يستحقُّه كلُّ طفلٍ على أساس أنَّه صغري مل يرشد‬ ‫حتض على‬ ‫ُّ‬ ‫بعد‪ ،‬ففي الشَّريعة اإلسالميَّة توجيهاتٌ متواصلة‬ ‫حمْ‬ ‫الرَّمحة للصَّغري‪ ،‬فقد قال النَّبِيُّ "‪= :‬لَيْسَ مِنَّا َمنْ لَمْ َيرْ َ‬ ‫َيوقرْ كَِبريِنَا‪ ،)3(+‬ولقد تعجَّب النَّيبُّ " من الصَّحابيِّ‬ ‫ص ِغريَنَا و ِّ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )3‬رواه التِّرمذيُّ (‪ )3737‬من حديث أنس‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫التمِيمِيِّ عندما قال للرَّسول "‪ :‬إِنَّ لِي عَ َش َرةً ِمنَ‬ ‫األَ ْق َرعِ ْبنِ حَابِسٍ َّ‬ ‫الْوَلَدِ مَا قََّبلْتُ ِمنْهُمْ أَحَدًا‪ ،‬وذلك عندما رأى رسولَ اهلل " يقََّبلُ‬ ‫اللهِ " له‪َ = :‬منْ الَ َيرْحَمُ الَ‬ ‫ح َسنَ ْبنَ َعلِيٍّ ÷‪ ،‬فقال رَسُولُ َّ‬ ‫الْ َ‬ ‫ُيرْحَمُ‪.)3(+‬‬ ‫ح َم َة ؟!‪.)2(+‬‬ ‫ك الرَّ ْ‬ ‫اللهُ مِنْ َقلْبِ َ‬ ‫ك لَكَ أَ ْن نَ َز َع َّ‬ ‫ويف رواية‪= :‬أَوَ َأ ْملِ ُ‬ ‫فلو حرم الطِّفل الرَّمحة؛ فلن جيودَ بها إذا كرب حلرمانه منها يف‬ ‫الصِّغر‪ ،‬والواقع شاهدٌ لذلك‪ ،‬ولقد أثبت علماءُ التَّربية واالجتماع‬ ‫أنَّ عاداتِ األهل وطباعهم ومسالكهم يف احلياة تنتقل إىل األبناء‬ ‫حبكم التَّنشئة والتَّربية واحملاكاة(‪.)1‬‬ ‫***‬

‫(‪ )3‬رواه البخاريُّ (‪ )5774‬من حديث أبي هريرة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬رواه البخاريُّ (‪ )5770‬من حديث عائشة ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذه املقدِّمة مقتبسةٌ من كتاب =فضل كفالة اليتيم‪ +‬للشَّيخ عبد اهلل بن ناصر‬ ‫السِّدحان‪.‬‬ ‫‪01‬‬


‫من أحكام احلضانة‬ ‫أوالً‪ :‬تعريف احلضانة لغةً‪:‬‬ ‫مشتقةٌ من‬ ‫احلضانة مأخوذةٌ من احلَضَن‪ ،‬وهو جبلٌ بنجد‪ ،‬أو َّ‬ ‫جلْنبُ‪ :‬وهو ما دون اإلبط إىل الكشح واخلصر‪،‬‬ ‫احلِضْن وهو ا َ‬ ‫ضنُ بضمِّ احلاء جملموع الصَّدر‪ ،‬وما‬ ‫ضنَا الشَّيء جانباه‪ ،‬واحل ْ‬ ‫وحُ ْ‬ ‫بينهما يف قوهلم‪ :‬رأيت الطِّفل يف حضن فالن(‪.)3‬‬ ‫حسَناً‬ ‫ضنًِا َ‬ ‫ي " خَرَجَ مُحْتَ َ‬ ‫و َعنْ خَوْلَة ِبْنتِ حَكِيمٍ ‪ :‬أَنَّ النَّبِ َّ‬ ‫خلُونَ َوُتجَبّنُونُ وجتهلون‪ ،‬وَإِنَّ ُكمْ َل ِمنْ‬ ‫حسَيْناً‪َ ،‬فقَالَ ‪ِ= :‬إنَّ ُكمْ لَتُبَ ّ‬ ‫وَ ُ‬ ‫َريْحَا ِن الّلهِ‪.)2(+‬‬ ‫ضن الطَّائرُ بيضه يَحْضُنه حَضنًا(‪.)1‬‬ ‫وقال ابن السِّكِّيت‪ :‬حَ َ‬

‫(‪)3‬‬

‫غريب احلديث للحربي (‪.)3885/1‬‬

‫(‪ )2‬رواه التَّرمذي (‪ ،)3738‬وغريه وهو صحيحٌ بشواهده‪ ،‬انظر صحيح اجلامع‬ ‫(‪ ،)3778 _ 3707‬واملشكاة التحقيق الثاني‪.)7672 _ 7673( :‬‬ ‫(‪ )1‬تهذيب اللُّغة (‪.)301/7‬‬ ‫‪00‬‬


‫ضنًا بالفتح وحِضانةً بالكسرِ جعلَه يف‬ ‫ضنُه حَ ْ‬ ‫وحضنَ الصَّيبَّ حي ُ‬ ‫ضَنهُ(‪.)3‬‬ ‫حفِظَه كاحْتَ َ‬ ‫حضنِه‪ ،‬أي‪َ :‬ك ِفلَه ورَبَّاهُ و َ‬ ‫فكأن املربِّي للولد يتَّخذه يف حضنه وإىل جنبه(‪.)2‬‬ ‫َّ‬ ‫ثانيًا‪ :‬احلضانة اصطالحاً‪:‬‬ ‫هو القيام حبفظ الصَّغري‪ ،‬و الصَّغرية‪ ،‬الَّذي ال مييِّز وال يستقلُّ‬ ‫حبقهِ من حيث تربيته وتعهُّده مبا يصلحه‪ ،‬ووقايته ممَّا‬ ‫بأمره‪ ،‬والقيام ِّ‬ ‫يؤذيه ويضرُُّه‪ ،‬والقيام برتبيته جسميًّا ونفسيًّا وعقليًّا‪ ،‬حتِّى يقوى‬ ‫ويستقلَّ بأمره(‪.)1‬‬ ‫ثالثًا‪ :‬مشروعية احلضانة‪:‬‬ ‫األصلُ يف احلضانة الكتاب والسنة واإلمجاع‪.‬‬

‫(‪ )3‬تاج العروس (‪.)301/3‬‬ ‫(‪ )2‬االختيار لتعليل احملتار (‪.)217/2‬‬ ‫(‪ )1‬فقه السُّنَّة (‪ ،)703/2‬البدر التَّمام (‪.)261/7‬‬ ‫‪02‬‬


‫أما الكتاب‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﭽﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬ ‫ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﯜﯝﭼ (البقرة‪.)211 :‬‬ ‫قال ابن العربي‪ :‬قال علماؤنا‪ :‬احلضانة بدليل هذه اآلية لألمِّ‪،‬‬ ‫والنفقةُ لألبِ؛ ألنَّ احلضانةَ مع الرَّضاع(‪.)3‬‬ ‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﭼ‬ ‫(اإلسراء‪ )27 :‬فأثبتَ اهلل تبارك وتعاىل الرتبيةَ لألبوين حا َل‬ ‫الصغرِ‪.‬‬ ‫اللهِ بْنِ‬ ‫َدهِ عَبْدِ َّ‬ ‫أما السنة؛ فعن َع ْمرُو ْبنِ ُشعَْيبٍ َعنْ َأبِيهِ َعنْ ج ِّ‬ ‫اللهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَ ْطنِي لَهُ‬ ‫َع ْمرٍو‪ ،‬أَنَّ ا ْمرَأَةً قَالَتْ‪ :‬يَا رَسُولَ َّ‬ ‫ِن َأبَاهُ طََّل َقنِي‪ ،‬وَ​َأرَادَ‬ ‫جرِي َلهُ حِوَاءً‪ ،‬وَإ َّ‬ ‫حْ‬ ‫ِوعَاءً‪َ ،‬وثَ ْديِي َلهُ ِسقَاءً‪ ،‬وَ ِ‬ ‫اللهِ "‪= :‬أَْنتِ أَحَقُّ ِبهِ مَا لَمْ‬ ‫أَنْ َينْتَ ِز َعهُ مِنِّي‪َ ،‬فقَالَ لَهَا رَسُولُ َّ‬ ‫َتنْكِحِي‪.)2(+‬‬ ‫(‪ )3‬أحكام القرآن (‪.)287/3‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫أخرجه أبو داود بسند حسن كما سيأتي‪.‬‬ ‫‪03‬‬


‫أما اإلمجاع؛ فقد أمجع العلماءُ على مشروعية احلضانة‪ ،‬ومل‬ ‫خيالف يف ذلك أحدٌ من العلماء على اختالفٍ يف تفاصيل احلضانة‬ ‫ومن يستحقُّها كما سيأتي‪.‬‬ ‫رابعًا‪ :‬وجوب حضانة الطِّفل وكفالته‪:‬‬ ‫حضانة الطِّفلِ‪ ،‬وكفالتُه واجبةٌ؛ ألنَّه يهلكُ برتكهِ‪ ،‬فيجبُ حفظهُ‬ ‫ك‪ ،‬ويتعلَّ ُق بها‬ ‫جاؤُ​ُه من املهالِ ِ‬ ‫عنْ اهلَالكِ كمَا جيبُ اإلنفاقُ عليهِ وإنْ َ‬ ‫حقٌّ لقرابَِت ِه؛ ألنَّ فيها واليةً على الطِّفلِ واستحقاقَه لهُ‪ ،‬فيتعلَّ ُق بهَا‬ ‫احلقُّ ككفَالةِ اللَّقيطِ(‪.)3‬‬ ‫ودليل وجوبها‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ﯠ ﯡ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﭼ (التحريم)‪.‬‬ ‫فإن وقايةَ األهل من النار تكون حبفظِهم والقيام مبصاحلهم‬ ‫وصونهم عمَّا يضرُّهم‪ ،‬وتركُ هؤالء القُصَّارِ من دونِ حاضنٍ يكون‬ ‫(‪ )3‬املغين (‪.)632/4‬‬ ‫‪04‬‬


‫سببًا لفسادِهم؛ وبالتالي فساد اجملتمع كلِّه‪ ،‬فالدليل على وجوبِها‬ ‫دليلٌ وتعليلٌ‪ ،‬وكذلك قوله "‪= :‬مروا أبناءَكم بالصالة وهم أبناء‬ ‫سبعٍ ‪ +...‬نوعٌ من احلضانةِ(‪.)3‬‬ ‫خامسًا‪ :‬شروط احلضانةِ‪:‬‬ ‫لقد نظرَ اإلسالمُ إىل احملضونِ بنظرِ الشفقةِ والرمحة والعطف؛‬ ‫فأوجبَ على احلاضنِ شروطًا حتفظ حقَّ احملضونِ‪ ،‬وتقومُ مبصاحله‬ ‫ورعايتِه‪ ،‬وهذه الشروط اتفقَ الفقهاءُ على بعضِها‪ ،‬واختلفوا يف‬ ‫بعضِها‪ ،‬ولكنَّهم مل خيتلفوا يف وجوب مراعاةِ املصاحل للمحضونِ‪،‬‬ ‫وأنَّه ال يبقى بيدِ َمنْ ال يصونُه وال يُصلحه‪ ،‬لذلك يُشرتطُ يف‬ ‫احلاضنِ الَّذي يتولَّى تربية الصَّغريِ وتنشِئَته الكفاءةُ والقدرةُ على‬ ‫االضطِّالع بهذه املهمَّة‪ ،‬وإنَّما تتحققُّ هذه القدرة والكفاءة بتوفُّر‬ ‫شروطٍ يف احلاضنِ‪ ،‬فإذا مل تتوفَّر هذه الشُّروط؛ انتقلت إىل غريه‪،‬‬ ‫وهي سبعةُ شروط‪:‬‬

‫(‪ )3‬فقه السنة للنساء (‪ )630‬للشيخ ابن عثيمني‪.‬‬ ‫‪05‬‬


‫الشَّرط األول اإلسالم‪ :‬فال تثبتُ واليةُ الكافر‪ ،‬ألنَّه يشرتط يف‬ ‫احلضانة اإلسالم‪ ،‬وألنَّ احلضان َة واليةٌ‪ ،‬ومل جيعل اهلل للكافر واليةً‬ ‫على املسلم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭶﭼ (النساء‪)373 :‬؛ فلذلك ال تثبت احلضانة لكافرٍ على‬ ‫مسلم‪ ،‬وبهذا قال مالك والشَّافعيُّ وسوار العنربي(‪.)3‬‬ ‫واشرتاط اإلسالم لوجهني‪:‬‬ ‫الوجه األوَّل‪ :‬أنَّ احلاضنَ حريصٌ على تربية الطِّفل على دينه‬ ‫وأن ينشأَ عليه ويرتبَّى على ذلك‪ ،‬فيصعب بعد كربه وعقله انتقاله‬ ‫عنه‪ ،‬وقد يغريُه احلاضنُ عن فطرة اهلل الَّيت فطر النَّاس عليها‪ ،‬فال‬ ‫يراجعها أبداً‪ ،‬كما قال النَّيبُّ "‪= :‬كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ َعلَى اْلفِ ْط َرةِ‪،‬‬ ‫َجسَاِنهِ‪.)2(+‬‬ ‫َصرَاِنهِ‪ ،‬أَوْ ُيم ِّ‬ ‫َودَاِنهِ‪ ،‬أَوْ ُين ِّ‬ ‫فَ​َأبَوَاهُ يُه ِّ‬

‫( ‪)3‬‬ ‫هـ)‪.‬‬

‫هو سوار بن عبد اهلل بن سوار بن قدامة التميمي العنربي‪ ،‬ثقة (ت ‪275‬‬

‫(‪ )2‬رواه البخاريُّ (‪ )3246‬من حديث أبي هريرة‪.‬‬ ‫‪06‬‬


‫وعليه فال يُؤمنُ تهويدُ احلاضن وتنصريه للطِّفل املسلم‪ ،‬فخرج‬ ‫بذلك عن املقصودِ والغايةِ الَّيت من أجلها فرضَ اهللُ حضانةَ الطِّفلِ‬ ‫من حفظ النَّفس واملال والدِّين‪.‬‬ ‫الوجه الثَّاني‪ :‬أنَّ اهلل ‪ ‬قطعَ املواالة بني املسلمني والكفَّار‪،‬‬ ‫وجعل املسلمني بعضهم أولياء بعض‪ ،‬والكفَّار بعضهم من بعض‪،‬‬ ‫فقالَ تعاىل‪ :‬ﭽﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﭼ‬ ‫(التوبة‪ ،)43 :‬وقال‪ :‬ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﮨﭼ (التوبة‪ ،)64 :‬وقالَ‪ :‬ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬ ‫ﭵ ﭶﭼ (النساء‪ ،)373 :‬فاحلضانــــة من أقوى أسباب‬ ‫املوالة الَّيت قطعها اهلل بني الفريقني(‪.)3‬‬ ‫اللهِ ‪ :‬ﭽﯭ‬ ‫قال ابنُ حزم‪= :‬أَمَّا َتقْدِيمُ الدِّينِ‪َ ،‬ف ِلقَوْلِ َّ‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﭼ (املائدة‪ ،)2 :‬وقَوْله‬ ‫َتعَالَى‪ :‬ﭽﭕ ﭖ ﭗﭼ (النساء‪ ،)315 :‬وقَوْله‬ ‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪ ،)777/5‬روضة الطَّالبني (‪.)70/7‬‬ ‫‪07‬‬


‫َتعَالَى‪ :‬ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭼ (األنعام‪،)328 :‬‬ ‫َربَانِ َعلَى َسمَاعِ الْ ُك ْفرِ‪،‬‬ ‫َالص ِغ َريةَ حَْيثُ يُد َّ‬ ‫الص ِغريَ و َّ‬ ‫َف َمنْ َترَكَ َّ‬ ‫اللهِ "‪َ ،‬و َعلَى َترْكِ الصَّالةِ‪،‬‬ ‫ُوةِ رَسُولِ َّ‬ ‫َويَ​َتمَرَّنَانِ َعلَى جَحْدِ نُب َّ‬ ‫خ ْمرِ وَاألُنْسِ إلَيْهَا حَتَّى َيسْهُلَ‬ ‫وَاألَكْلِ فِي َرمَضَانَ‪َ ،‬و ُش ْربِ الْ َ‬ ‫َعلَيْ ِهمَا َشرَاِئعُ الْ ُك ْفرِ‪ ،‬أَوْ َعلَى صُحَْبةِ َمنْ ال خَْيرَ فِيهِ‪ ،‬وَاالنْ ِهمَاكِ‬ ‫َعلَى الْبَالءِ‪َ :‬فقَدْ عَاوَنَ َعلَى ا ِإلثْمِ وَاْلعُدْوَانِ‪ ،‬وَلَمْ ُيعَاوِنْ َعلَى الْبِرِّ‬ ‫َالتقْوَى‪ ،‬وَلَمْ َيقُمْ بِاْل ِقسْطِ‪ ،‬وَال َترَكَ ظَا ِهرَ ا ِإلثْمِ َوبَا ِطَنهُ‪ ،‬وَهَذَا‬ ‫و َّ‬ ‫حرَامٌ َو َمعْصَِيةٌ‪ )3(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫َ‬ ‫وقال أهل الرَّأي وابن قاسم وأبو ثور‪ :‬تثبت احلضانة للحاضن؛‬ ‫كاألم مع كفرها وإسالم الوالد‪ ،‬وذلك ألمرين‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬الرِّضاع‪ ،‬فاألم أحقُّ بالصَّغريين يف مدَّة الرِّضاع‪.‬‬

‫(‪ )3‬احمللَّى (‪.)151/33‬‬ ‫‪08‬‬


‫ثانيًا‪ :‬خدمة الطِّفل‪ ،‬وكالهما _ أي‪ :‬الرضاع‪ ،‬واخلدمة _ جيوزُ‬ ‫للكافرة‪ ،‬فإذا بلغا من السِّنِّ واالستيفاء مبلغ الفهم؛ فال حضانة‬ ‫لكافرة(‪.)3‬‬ ‫واحتجوا حبديث رَاِفعِ ْبنِ ِسنَانٍ أََّنهُ أَ ْسلَمَ وَ​َأَبتِ ا ْمرَ​َأُتهُ أَنْ ُت ْسلِمَ‬ ‫ي فَطِيمٌ أَوْ شِبْ ُههُ‪ ،‬وَقَالَ رَافِعٌ‪:‬‬ ‫ي "‪َ ،‬فقَالَت‪ :‬اْبنَتِي وَهِ َ‬ ‫فَ​َأَتتِ النَّبِ َّ‬ ‫ي "‪= :‬ا ْقعُدْ نَاحَِيةً‪ ،+‬وَقَالَ لَهَا‪= :‬ا ْقعُدِي‬ ‫اْبنَتِي‪َ ،‬فقَالَ لَهُ النَّبِ ُّ‬ ‫نَاحَِيةً‪ ،+‬قَالَ‪ :‬وَأَ ْقعَدَ الصَّبَِّيةَ بَْينَ ُهمَا‪ ،‬ثُمَّ قَالَ‪= :‬ا ْدعُوَاهَا‪َ ،+‬فمَاَلتِ‬ ‫ي "‪= :‬اللَّهُمَّ اهْدِهَا‪َ ،+‬فمَالَتِ الصَّبِيَّةُ‬ ‫الصَّبَِّيةُ إِلَى أُمِّهَا‪َ ،‬فقَالَ النَّبِ ُّ‬ ‫إِلَى َأبِيهَا فَأَخَذَهَا(‪.)2‬‬ ‫وأجيب عن هذا احلديث مبا يلي‪:‬‬ ‫أوَّالً‪ :‬أنَّ احلديث ال يثبته أهل النَّقل؛ ألنَّ يف إسناده مقاالً(‪.)1‬‬ ‫(‪ )3‬بدائع الصنائع للكاساني (‪ ،)72/7‬والبحر الرائق (‪.)303/7‬‬ ‫رواه أبو داود يف السُّنن (‪ ،)2277‬وسنده صحيحٌ على شرط مسلم‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وصحَّحه احلاكم‪ ،‬ووافقه الذَّهيب‪ ،‬وصححه األلباني يف صحيح سنن أبي داود‪.‬‬ ‫(‪ )1‬قلت‪ :‬قد تقدَّم أنَّ احلديث صحيحٌ على شرط مسلم‪ ،‬وقد صححه األلبانيُّ‬ ‫يف صحيح أبي داود (‪ ،)31/4‬والشيخ األرناؤوط يف تعليقه على الزاد (‪.)768/5‬‬ ‫‪09‬‬


‫ثانيًا‪ :‬أنَّ الطفل َة كانت فطيمًا‪ ،‬والفطي ُم ال يُميِّزُ‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أنَّ احلديث ال حيتجُّ به على صحَّة مذهب من قال بعدم‬ ‫اشرتاط اإلسالم يف احلضانة‪ ،‬فإنَّ الصَّبيَّة ملَّا مالت إىل أمِّها دعا النَّيبُّ‬ ‫" هلا باهلداية‪ ،‬فمالت إىل أبيها‪ ،‬وهذا يدلُّ علة كونها مع الكافرة‬ ‫خبالف هدى اهلل الَّذي أراده من عباده‪ ،‬فلو استقرَّ جَ ْعلُها مع أمِّها‬ ‫لكان فيه حجَّة‪ ،‬بل أبطله اهلل سبحانه بدعو ِة رسول اهلل "(‪.)3‬‬ ‫وألنَّه " دعا بهدايتِها إىل مستحقِّ كفالتِها‪ ،‬ال إىل اإلسالم؛‬ ‫لثبوتِ إسالمِها بإسالم أبيها‪ ،‬ولو كان لألمِّ حقٌّ ألقرَّها عليه وَلمَا‬ ‫دعا بهدايتِها إىل مستحقِّها(‪.)2‬‬ ‫رابعًا‪ :‬أنَّ واليةَ الكافر ال تثبتُ على مسلمٍ‪ ،‬كوالية النِّكاح‬ ‫واملال واحلضانة‪ ،‬وإنَّما تثبت حلظِّ الولد‪ ،‬فال تشرع على وجهٍ فيه‬ ‫هالكه وهالك دينه(‪.)1‬‬

‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪.)768/5‬‬ ‫(‪ )2‬احلاوي الكبري للماوردي (‪.)3337/33‬‬ ‫(‪ )1‬املغين (‪ ،)631/4‬وانظر كشاف القناع (‪.)770/5‬‬ ‫‪21‬‬


‫قلت‪ :‬وهذا هو األقرب إن شاء اهلل وهو اشرتاط اإلسالم وهو‬ ‫غاية العدل والنصح للمسلم‪.‬‬ ‫الشَّرط الثاني البلوغ‪ :‬يشرتط يف احلاضن البلوغ؛ ألنَّ الصَّيبَّ يف‬ ‫مرحلةٍ ال تثبت له واليةٌ‪ ،‬فهو يف مرحلةٍ حيتاج إىل من يتولَّى‬ ‫شؤونه‪ ،‬ويقوم بأمره‪ ،‬فال يتولَّى هو أمر غريه(‪.)3‬‬ ‫الشَّرط الثَّالث العقل‪ :‬احلضانة من الواليات والغرض منها صيانة‬ ‫احملضون ورعايته‪ ،‬وهذا ال يتأتَّى إال إذا كان احلاضن أهالً لذلك‪،‬‬ ‫فلهذا ال تثبت حضانةٌ ملعتوه‪ ،‬وال جملنونٍ؛ ألنَّهما ال يصلحان‬ ‫للحضانة‪ ،‬وكالهما فاقدٌ لألهليَّة‪ ،‬وحمتاجٌ إىل مَنْ يكفلُه‪ ،‬فكيف‬ ‫يكفلُ غريَه ؟‬ ‫قال ابن القيِّم‪= :‬العقل مشرتطٌ يف احلضانة‪ ،‬فال حضَانة جملنو ٍن‬ ‫وال معتوهٍ وال طفلٍ‪ ،‬ألنَّ هؤالء حيتاجونَ إىل منْ حيضنُهم‬ ‫ويك ُفلُهم‪ ،‬فكيفَ يكونونَ كافلنيَ لغريِهِ ْم ؟!‪.)2(+‬‬

‫(‪)3‬‬

‫انظر كشاف القناع للبهوتي (‪.)770/5‬‬

‫(‪ )2‬زاد املعاد (‪ ،)762/5‬روضة الطَّالبني (‪.)77/7‬‬ ‫‪20‬‬


‫ويلحق بذلك من كان عاجزًا ملرضٍ يعوق هذه القدرة‪ ،‬أو عاهةٍ‬ ‫كالعمى واخلرس والصّمم‪ ،‬أو كان احلاضن مريضًا مرضًا معديًا‪،‬‬ ‫وألن هذا خالفُ املقصود من احلضانة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الشَّرط الرَّابع العدالة‪ :‬قال العلماء‪ :‬ال تثبت احلضانة لفاسق‪،‬‬ ‫ألنَّه يشرتط العدالة يف احلضانة‪.‬‬ ‫قال ابن قدامة‪= :‬ال تثبت احلضانة للفاسق‪ ،‬ألنَّه غريُ موثوقٍ به يف‬ ‫أداء الواجب من احلضانة‪ ،‬وال حظَّ للولد يف حضانته‪ ،‬ألنَّه ينشأ‬ ‫على طريقته‪.)3(+‬‬ ‫وقد ناقش ابن القيِّم هذا القول يف الزَّاد‪ ،‬فقال‪= :‬الصَّواب أنَّه ال‬ ‫تشرتط العدالة يف احلاضن قطعاً‪ ،‬وإن شرطها أصحاب أمحد‬ ‫ط يف‬ ‫والشَّافعيُّ وغريهم‪ ،‬واشرتاطها يف غاية البعد‪ ،‬ولو اشتُ ِر َ‬ ‫احلاضن العدالة لضاع أطفال العامل‪ ،‬ولعظمت املشقَّة على األمَّة‪،‬‬ ‫واشتدَّ العنتُ‪ ،‬ومل يزل من حني قام اإلِسالم إىل أن تقومَ السَّاعة‬ ‫أطفال الفُ َّساقِ بينهم ال يتعرض أحدٌ هلم يف الدنيا‪ ،‬مع كونهم‬ ‫(‪ )3‬املغين (‪ )632/4‬بتصرُّف‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫األكثرين‪ ،‬ومتى وقع يف اإلِسالم انتزاع الطِّفل من أبويه أو أحدهما‬ ‫بفسقه ؟!! وهذا يف احلرج والعسر‪ .‬واستمرارُ العمل املتَّصل يف سائر‬ ‫األمصار واألعصار على خالفه وهو مبنزلة اشرتاط العدالة يف والية‬ ‫النِّكاح‪ ،‬فإنَّه دائمُ الوقوع يف األمصار واألعصار‪ ،‬والقرى‬ ‫والبوادي‪ ،‬مع أنَّ أكثرَ األولياء الَّذين يلون ذلك فسَّاقٌ‪ ،‬ومل يزل‬ ‫يب " وال أحدٌ من الصَّحابة فاسقاً‬ ‫الفسقُ يف النَّاس‪ ،‬ومل مينع النَّ ُّ‬ ‫من تربية ابنه وحضانته له‪ ،‬وال مِن تزوجيه مولِّيتَه‪ ،‬والعادةُ شاهدٌة‬ ‫بأنَّ الرَّجل ولو كان فاسقًا؛ فإنَّه حيتاط البنته‪ ،‬وال يُضيعها‪،‬‬ ‫ُدرَ خالف ذلك‪ ،‬فهو قليل‬ ‫وحيرص على اخلري هلا جبهده‪ ،‬وإن ق ِّ‬ ‫بيعي‪ ،‬ولو‬ ‫بالنِّسبة إىل املعتاد‪ ،‬والشَّارع يكتفي يف ذلك بالباعث الطَّ ِّ‬ ‫كان الفاسق مسلوبَ احلضانة ووالية النِّكاحِ؛ لكان بيانُ هذا لألمَّ ِة‬ ‫من أهم األمور‪ ،‬واعتناءُ األمَّة بنقله‪ ،‬وتوارثُ العملِ به مقدّماً على‬ ‫كثري ممَّا نقلوه‪ ،‬وتوارثوا العمل به‪ ،‬فكيف جيوز عليهم تضييعُه‬ ‫واتصالُ العمل خبالفه ؟! ولو كان الفِسق ينايف احلضانة‪ ،‬لكان من‬

‫‪23‬‬


‫زنى أو شرب مخراً‪ ،‬أو أتى كبريةً‪ ،‬فرَّق بينه وبني أوالده الصِّغار‪،‬‬ ‫والتمَسَ هلم غريه واللّه أعلم‪ )3(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫قلت‪ :‬وهذا هو األقرب إن شاء اهلل وهو عدم اشرتاط العدالة‪.‬‬ ‫الشَّرط اخلامس اشرتاط احلرِّيَّة‪ :‬اشرتط الفقهاء يف احلضانة‪:‬‬ ‫احلرِّيَّة‪ ،‬إذ اململوك مشغولٌ حبقِّ سيِّده فال ميلكُ وقتاً للحضانة‪،‬‬ ‫فقالوا‪ :‬ال تثبت احلضانة للمملوك‪ ،‬وبهذا قال عطاء والثوريُّ‬ ‫والشَّافعيُّ وأصحاب الرَّأي‪.‬‬ ‫قال ابن قدامة‪= :‬ولنا َّأنها ال متلك منافعها الَّيت حتصل الكفالة‬ ‫بها‪ ،‬لكونها مملوكةً لسيِّدها فلم يكن هلا حضانةٌ‪ ،‬كما لو بيعت‬ ‫ونقلت‪ )2(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫قال ابن القيِّم‪= :‬وأمَّا اشرتاطُ احلريَّة‪ ،‬فال ينتهِضُ عليه دليلٌ‬ ‫يَر َكنُ القلب إليه‪ ،‬وقد اشرتطه أصحابُ األئمَّة الثَّالثة‪ ،‬وقال مالكٌ‬ ‫يف حُرٍّ له ولدٌ مِن أمة‪ :‬إنَّ األمَّ أحقُّ به إال أنْ ُتباعَ‪ ،‬فتنتقل‪ ،‬فيكون‬ ‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪.)763/5‬‬ ‫(‪ )2‬املغين (‪ ،)632/4‬روضة الطَّالبني (‪.)77/7‬‬ ‫‪24‬‬


‫يب " قال‪َ = :‬منْ فَرَّقَ‬ ‫األبُ أحقَّ بها‪ ،‬وهذا هو الصَّحيح؛ ألنَّ النَّ َّ‬ ‫ق الّلهُ بَْينَ ُه وبَْي َن أحِبَِّتهِ يَوْ َم القِيا َمةِ‪.)3(+‬‬ ‫بَْي َن الوالدة وَوَلَدِهَا‪ ،‬فَرَّ َ‬ ‫وقد قالوا‪ :‬ال جيوزُ التَّفريقُ يف البيع بني األمِّ وولدها الصَّغري‪،‬‬ ‫فكيف يُفرِّقون بينهما يف احلضانة ؟! وعمومُ األحاديث متنعُ مِن‬ ‫التفريق مطلقاً يف احلضانة والبيع‪ ،‬واستدالَلُهم _ بكون منافِعها‬ ‫مملوكةً للسَِّّيد‪ ،‬فهي مستغرَِقةٌ يف خدمته‪ ،‬فال تَفرُغُ لِحَضانةِ الولد _‬ ‫ممنوعٌ‪ ،‬بل حَقُّ احلَضانةِ هلا‪ ،‬تُقدَّم به يف أوقات حاجة الولد على‬ ‫حق السَّيد‪ ،‬كما يف البيع سواء‪ )2(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫ِّ‬ ‫كاحلرةِ يف الطبيعة‬ ‫قلت‪ :‬وهذا هو األقرب إن شاء اهلل؛ ألنَّ األمة َّ‬ ‫واخللقة‪ ،‬والرِّقُّ وصفٌ عارضٌ‪ ،‬واحلضانة حقٌّ للطفلِ؛ فهو أوىل‬ ‫بها‪ ،‬وهي أوىل به‪.‬‬

‫أخرجه أمحد (‪ ،)732/5‬والرتمذي (‪ )3201‬من حديث أبي أيوب‬ ‫( ‪)3‬‬ ‫األنصاري‪ ،‬وصحَّحه احلاكم‪ ،‬ووافقه الذَّهيب‪ ،‬وقال األرناؤوط يف تعليقه على‬ ‫الزاد‪ :‬إسناده حسن‪ ،‬وكذلك حسنه األلباني يف صحيح الرتمذي (‪،)3476‬‬ ‫وصحيح اجلامع (‪.)33150‬‬ ‫(‪ )2‬زاد املعاد (‪.)762/5‬‬ ‫‪25‬‬


‫واحلرةَ سواءٌ؛ فألنَّ القرآن والسنة مل‬ ‫قال ابن حزم‪= :‬إنَّ األمةَ َّ‬ ‫يأتِ يف أحدِهما نصٌّ يف التفريقِ بينهما‪ ،‬فاحلكمُ فيما ال نصَّ فيه‬ ‫شرعٌ مل يأذنْ به اهلل‪.)3(+‬‬ ‫الشَّرط السَّادس اتِّحاد الدَّار‪ :‬اشرتط الفقهاء احتادَ الدَّار فقالوا‪:‬‬ ‫إن كان سفرُ أحدهما حلاجةٍ ثمَّ يعود‪ ،‬واآلخر مقيمًا؛ فاملقيم أحقُّ‬ ‫به وأوىل باحلضانة‪ ،‬ألنَّ يف املسافرة بالولد إضراراً به وتضييعاً له‪،‬‬ ‫وال سيما إن كان رضيعاً‪.‬‬ ‫وقد ذكر ابنُ القيِّم أقوالَ أهل العلم واختالفهم يف ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫=هكذا أطلقوا ومل يستثنوا سفرَ احلج من غريه‪ ،‬وإن كان أحدهما‬ ‫متن ِّقالً عن بلدٍ آلخرَ لإلِقامة‪ ،‬والبلدُ وطريقُه خموِّفان‪ ،‬أو أحدهُما؛‬ ‫فاملقيمُ أحقُّ‪ ،‬وإن كان هو وطريقُه آمنني‪ ،‬ففيه قوالنِ‪ ،‬وهما‬ ‫روايتان عن أمحد‪:‬‬ ‫إحداهما‪ :‬أنّ احلضانةَ لألب ليتمكَّن من تربية الولد وتأديبه‬ ‫وتعليمِه‪ ،‬وهو قولُ مالك والشَّافعيّ‪ ،‬وقضى به شريح‪.‬‬ ‫(‪ )3‬انظر احمللى (‪.)157/33‬‬ ‫‪26‬‬


‫والثَّانية‪ :‬أنَّ األم أحقُّ‪.‬‬ ‫وفيها قولٌ ثالث‪ :‬أنَّ املنتقلَ إن كان هو األب‪ ،‬فاألمُّ أحقُّ به‪،‬‬ ‫وإن كان األم‪ ،‬فإن انتقلت إىل البلد الَّذي كان فيه أصلُ النِّكاح فهي‬ ‫أحقُّ به‪ ،‬وإن انتقلت إىل غريه‪ ،‬فاألبُ أحق‪ ،‬وهو قول احلنفيَّة‪،‬‬ ‫وحكوا عن أبي حنيفة روايةً أخرى أنَّ نقلها إن كان من بلدٍ إىل‬ ‫قريةٍ‪ ،‬فاألبُ أحقُّ‪ ،‬وإن كان من بلدٍ إىل بلد‪ ،‬فهي أحقُّ‪ ،‬وهذه‬ ‫ب إليه‪،‬‬ ‫أقوالٌ كُلها كما ترى ال يقوم عليها دليلٌ يسكن القل ُ‬ ‫فالصَّوابُ النظر واالحتياط للطِّفل يف األصلح له واألنفع مِن اإلِقامة‬ ‫أو النَّقلة‪ ،‬فأيُّهما كان أنفعَ له وأصونَ وأحفظَ روعيَ‪ ،‬وال تأثريَ‬ ‫كلهُ ما مل ُي ِردْ أحدُهما بالنَّقلة مضارَّةَ اآلَخر‪،‬‬ ‫إلِقامة وال نقلة‪ ،‬هذا ُّ‬ ‫(‪)3‬‬

‫وانتزاعَ الولد منه‪ ،‬فإن أراد ذلك؛ مل يُجبْ إليه‪ ،‬واللّه املوفق‪+‬‬ ‫أ‪.‬هـ‬ ‫قلت‪ :‬وهذا هو األقرب إن شاء اهلل‪.‬‬

‫الزَّاد (‪ ،)761/5‬وانظر أحكام القرآن (‪ )350/1‬للقرطيب‪ ،‬وروضة‬ ‫( ‪)3‬‬ ‫الطَّالبني (‪.)388/7‬‬ ‫‪27‬‬


‫الشَّرط السَّابع خلوُّ األم من النِّكاح‪ :‬اختلفَ أهل العلم يف‬ ‫سقوط احلضانة بالنِّكاح على أربعة أقوال‪:‬‬ ‫القول األوَّل‪ :‬أنَّ األمَّ إذا نكحت سقطت حضانتها به مطلقاً‬ ‫سواء كان احملضون ذكراً أو أنثى‪ ،‬وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك‬ ‫والشَّافعيّ وأمحد يف املشهور عنه‪ ،‬قال ابن املنذر‪= :‬أمجع على هذا‬ ‫كلُّ َمنْ أحفظ عنه من أهل العلم‪ ،‬وقضى به شريح‪ )3(+‬أ‪.‬هـ‪،‬‬ ‫واحتج أصحاب هذا القول مبا يلي‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َدهِ عَبْدِ اللَّهِ ْبنِ‬ ‫أوَّالً‪ :‬حديث َع ْمرُو ْبنُ ُشعَيْبٍ عَنْ َأبِيهِ عَنْ ج ِّ‬ ‫اللهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَ ْطنِي لَهُ‬ ‫َع ْمرٍو‪ ،‬أَنَّ ا ْمرَأَةً قَالَتْ‪ :‬يَا رَسُولَ َّ‬ ‫جرِي َلهُ حِوَاءً‪ ،‬وَإِنَّ َأبَاهُ طََّل َقنِي‪ ،‬وَ​َأرَادَ‬ ‫حْ‬ ‫ِوعَاءً‪َ ،‬وثَ ْديِي َلهُ ِسقَاءً‪ ،‬وَ ِ‬ ‫اللهِ "‪= :‬أَْنتِ أَحَقُّ ِبهِ مَا لَمْ‬ ‫أَنْ َينْتَ ِز َعهُ مِنِّي‪َ ،‬فقَالَ لَهَا رَسُولُ َّ‬ ‫َتنْكِحِي‪.)2(+‬‬ ‫(‪ )3‬اإلشراف (‪ ،)312/3‬اإلقناع (‪.)3113/1‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود يف السُّنن (‪ ،)2246‬وأمحد يف املسند (‪ ،)302/2‬وعبد‬ ‫الرَّزَّاق يف املصنَّف (‪ ،)3257‬وسنده حسنٌ للخالف يف عمرو بن شعيب‪ ،‬وقد‬ ‫صرَّح عمرو بأنَّ اجلدَّ هو عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬وليس شعيباً‪ ،‬وقد صحَّ مساع شعيب‬ ‫من جدِّه عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬فبطل قول من يقول‪ ،‬إنَّه منقطع‪ ،‬وقد احتجَّ البخاريُّ=‬ ‫‪28‬‬


‫يب " حديثٌ يف سقوط احلضانة‬ ‫وقال ابن القيِّم‪= :‬ليس عن النَّ ِّ‬ ‫بالتَّزويج غري هذا‪ ،‬وقد ذهب إليه األئمَّةُ األربعة وغريُهم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وقوهلا‪= :‬كان بطين له وعاء‪ +‬إىل آخره‪ ،‬إدالءٌ منها‪ ،‬وتوسُّل إىل‬ ‫اختصاصها به‪ ،‬كما اختصَّ بها يف هذه املواطنِ الثَّالثة‪ ،‬واألبُ مل‬ ‫يُشاركها يف ذلك‪ ،‬فنبَّهت يف هذا االختصاص َّالذي مل يُشارِكْها فيه‬ ‫األبُ على االختصاص الَّذي طلبته باالستفتاء واملخاصمة‪.‬‬ ‫ويف هذا دليلٌ على اعتبار املعاني والعِلل‪ ،‬وتأثريها يف األحكام‪،‬‬ ‫وإناطتها بها‪ ،‬وأنَّ ذلك أمرٌ مستقرٌ يف الفِطَرِ السَّليمةِ حتى فِطَر‬ ‫النساء‪ ،‬وهذا الوصفُ الذي أدلت به املرأةُ وجعلته سبباً لتعليق احلكم‬ ‫به‪ ،‬قد قرَّرهُ النَّيبُّ "‪ ،‬ورتَّب عليه أثره‪ ،‬ولو كان باطالً ألغاه‪ ،‬بل‬ ‫ترتيبُه احلكمَ عقيبَه دليلٌ على تأثريه فيه‪ ،‬وأنَّه سببه‪ ،‬ودلّ احلديث‬ ‫على أنَّه إذا افرتق األبوانِ‪ ،‬وبينهما ولدٌ‪ ،‬فاألمّ أحقُّ به من األب ما‬ ‫مل يقم باألمِّ ما مينعُ تقدميَها‪ ،‬أو بالولد وصفٌ يقتضي ختيريَه‪ ،‬وهذا‬ ‫=برواية عمرو بن شعيب خارج الصَّحيح ونصَّ على صحَّته‪ ،‬وقال _ يعين البخاري‬ ‫_ ‪ :‬وكان احلميدي وأمحد وإسحاق وعليُّ بن املديين حيتجُّون حبديثه فمن النَّاس‬ ‫بعدهم ؟! وقال إسحاق‪ :‬هو عندنا صحيح كأيُّوب عن نافع عن ابن عمر‪ ،‬وانظر زاد‬ ‫املعاد (‪.)717/5‬‬ ‫‪29‬‬


‫ما ال يُعرف فيه نزاعٌ‪ ،‬وقد قضى به خليفةُ رسولِ اللّه " أبو بكر‬ ‫ي عمرُ قضى‬ ‫على عمر بن اخلطَّاب‪ ،‬ومل يُنْكِرْ عليهِ مُنْكِر‪ .‬فلما وَل َ‬ ‫مبثله‪.)3(+‬‬ ‫ثانياً‪ :‬حديث الرباء بن عازب أنَّ ابنة محزة اخْتَصَمَ فِيهَا َعلِيٌّ وَ َزْيدٌ‬ ‫جعْفَرٌ‪ :‬ابْنَةُ‬ ‫جعْفَرٌ‪ ،‬فَقَالَ َعلِيٌّ‪ :‬أَنَا أَحَقُّ بِهَا‪َ ،‬وهِيَ ابْنَةُ عَمِّي‪ ،‬وَقَالَ َ‬ ‫وَ َ‬ ‫النبِيُّ "‬ ‫عَمِّي‪ ،‬وَخَالَتُهَا تَحْتِي‪ ،‬وَقَالَ َزْيدٌ‪ :‬ابْنَةُ أَخِي‪ ،‬فَ َقضَى بِهَا َّ‬ ‫لِخَالَتِهَا‪ ،‬وَقَالَ‪= :‬الْخَالَ ُة بِمَنْزِلَةِ األُمِّ ‪.)2(+...‬‬

‫قال احلافظ عند قوله "‪= :‬اخلالة مبنزلة األم‪ :+‬أي يف هذا‬ ‫احلكم اخلاص‪ ،‬ألنَّها تقرب منها يف احلنوِّ والشَّفقة واالهتداء إىل ما‬ ‫يصلح الولد ملا دلَّ عليه السِّياق أ‪.‬هـ‬ ‫قلت‪ :‬ويف روايةٍ‪= :‬أمَّا اجلارية فأقضي بها جلعفر تكون مع خالتها‬ ‫إنَّما اخلالةُ مبنزلةِ األمِّ‪.)1(+‬‬

‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪.)717/5‬‬ ‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)7253‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫رواه أبو داود بسند صحيح (‪.)2240‬‬ ‫‪31‬‬


‫ثالثاً‪ :‬قال عبد الرَّزَّاق‪ :‬حدَّثين ابن جريج قال حدَّثنا أبو الزُّبري‬ ‫عن رجلٍ صاحلٍ من أهل املدينة عن أبي سلمة بن عبد الرمحن‪،‬‬ ‫قال‪ :‬كانت امرأةٌ من األنصار حتت رجلٍ من األنصار‪ ،‬فقتل عنها‬ ‫يوم أحدٍ‪ ،‬وله منها ولد‪ ،‬فخطبها عمُّ ولدها‪ ،‬ورجلٌ آخر إىل‬ ‫يب " فقالت‪:‬‬ ‫أبيها‪ ،‬فأنكحَ الرَّجلَ وترك عمَّ ولدها‪ ،‬فأتت النَّ َّ‬ ‫أنكحين أبي رجالً ال أريدُه‪ ،‬وترك عمَّ ولدي يأخذُ منِّي ولدي‪،‬‬ ‫يب " أباها‪ ،‬فقال‪= :‬أنكحت فالناً فالنة ؟!‪،+‬قال‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫فدعا النَّ ُّ‬ ‫قال‪= :‬أنت الَّذي ال نكاحَ لك‪ ،‬اذهيب فانكحي عمَّ ولدك‪.)3(+‬‬ ‫(‪ )3‬احلديث عند عبد الرزاق يف املصنف (‪ ،)38187‬وضعَّفه ابن حزمٍ يف احمللى‬ ‫(‪ )157/33‬فقال‪ :‬هذا مرسل‪ ،‬وفيه رجل جمهول‪ ،‬قلت‪ :‬لكن رواه ابن أبي شيبة‬ ‫يف املصنف (‪ )33282‬قال‪ :‬حدثنا سالم وجرير عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي‬ ‫سلمة بن عبد الرمحن به‪ ،‬ورجاله ثقاتٌ‪ ،‬وهو مرسلٌ وقد أجاب ابن القيم عن‬ ‫إرساله؛ فقال يف الزَّاد (‪ :)756/5‬أبو سلمة من كبار التَّابعني وقد حكى القصَّة عن‬ ‫ل جيِّدٌ له‬ ‫األنصاريَّة‪ ،‬وال ينكر لقاؤه هلا‪ ،‬فال يتحقَّق اإلرسال‪ ،‬ولو حتقَّق‪ ،‬فمرس ٌ‬ ‫شواهد مرفوعة وموقوفة‪ ،‬وليس االعتماد عليه وحده‪ ،‬وعنى باجملهول الرَّجل‬ ‫ف به ولكن‬ ‫الصَّاحل الَّذي شهد له أبو الزُّبري بالصَّالح وال ريب أنَّ هذه الشَّهادة ال تعرِّ ُ‬ ‫اجملهول إذا عدله الرَّاوي عنه الثِّقة ثبتت عدالته وإن كان واحداً على أصح القولني‪،‬‬ ‫وأبو الزُّبري وإن كان فيه تدليسٌ‪ ،‬فليس معروفاً بالتَّدليس عن املتَّهمني والضُّعفاء‪ ،‬بل‬ ‫تدليسه من جنس تدليس السَّلف مل يكونوا يدلِّسون عن متَّهم أ‪.‬هـ بتصرُّف‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫قال ابن القيِّم‪= :‬فلم ينكر أخذ الولد منها‪ ،‬ملَّا تزوَّجت بل‬ ‫عم الولد لتبقى هلا احلضانة؛ ففيه دليلٌ على سقوط احلضانة‬ ‫أنكحها َّ‬ ‫بالنِّكاح وبقائها إذا تزوَّجت بنسيبٍ من الطِّفل‪ +‬أ‪.‬هـ‬ ‫رابعاً‪ :‬ما روى مالك يف املوطَّأ‪ ،‬ومن طريقه البيهقيُّ‪ ،‬عَنْ يَحْيَى‬ ‫ْبنِ َسعِيدٍ أََّنهُ قَالَ ‪ :‬سَ ِم ْعتُ اْلقَاسِمَ ْبنَ مُحَمَّدٍ َيقُولُ ‪= :‬كَاَنتْ ِعنْدَ‬ ‫ُع َمرَ بْنِ الْخَطَّابِ ا ْمرَ​َأةٌ ِمنَ األَنْصَارِ(‪ ،)3‬فَوَلَ َدتْ َلهُ عَاصِمَ ْبنَ ُعمَرَ‪،‬‬ ‫ثُمَّ إَِّنهُ فَارَقَهَا‪َ ،‬فجَاءَ ُع َم ُر قُبَاءً‪ ،‬فَوَجَدَ اْبَنهُ عَاصِماً َي ْلعَبُ ِب ِفنَاءِ‬ ‫َّابةِ‪ ،‬فَ​َأ ْدرَكَْتهُ جَدَّةُ‬ ‫ض َعهُ بَْينَ يَ َدْيهِ َعلَى الد َّ‬ ‫اْل َم ْسجِدِ‪ ،‬فَأَخَذَ ِبعَضُ ِدهِ فَوَ َ‬ ‫اْل ُغالَمِ‪َ ،‬فنَا َزعَْتهُ إِيَّاهُ‪ ،‬حَتَّى َأتَيَا َأبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ‪َ ،‬فقَالَ ُع َمرُ‪ :‬اْبنِي‪،‬‬ ‫وَقَاَلتِ اْل َمرْأَ ُة‪ :‬اْبنِي‪َ ،‬فقَالَ َأبُو بَ ْكرٍ‪ :‬خَلِّ بَيْنَهَا َوبَْيَنهُ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬فمَا‬ ‫ج َعهُ ُع َم ُر الْ َكالَمَ‪.+‬‬ ‫رَا َ‬ ‫ويف رواية قال أبو بكرٍ‪= :‬أمُّه أحقُّ به ما مل تتزوَّج‪.)2(+‬‬ ‫ويف رواية قال‪= :‬األمُّ أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأرأف‪،‬‬ ‫هي أحقُّ بولدها ما مل تتزوَّج‪.)1(+‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫وهي مجيلة بنت عاصم بن ثابت بن أبي األقلح األنصاريّ‪.‬‬

‫(‪ )2‬رواه عبد الرَّزَّاق يف املصنَّف (‪.)32570‬‬ ‫(‪ )1‬املصدر السابق (‪.)32688‬‬ ‫‪32‬‬


‫ويف رواية‪= :‬فقضى هلا به‪ ،‬وقال‪ :‬رحيها وفراشها وحجرها خريٌ‬ ‫يشب وخيتار لنفسه‪.)3(+‬‬ ‫له منك حتَّى َّ‬ ‫قال ابن عبد الرب‪= :‬هذا خربٌ منقطعٌ يف هذه الرِّوايةِ‪ ،‬ولكنَّه‬ ‫مشهورُ مرويٌّ من وجوهٍ منقطعةٍ ومتَّصلة‪ ،‬تلقَّاه أهل العلم بالقبول‬ ‫والعمل‪ ،‬وفيه دليلٌ على أ َّن عمر كان مذهبه يف ذلك خالف مذهب‬ ‫أبي بكرٍ‪ ،‬ولكنَّه سلَّم القضاء ممَّن له احلكم والقضاء‪ ،‬ثم كان بع ُد‬ ‫يف خالفَِته يقضي به ويفيت ومل خيالف أبا بكرٍ يف شيءٍ منه ما دام‬ ‫الصَّيب صغرياً ال مييِّ ُز‪ ،‬وال خمالف هلما من الصحابة‪ )2(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫وقال يف موضعٍ آخر‪= :‬ال أعلم خالفاً بني السَّلف من العلماءِ‪،‬‬ ‫واخللف يف املرأة املطلَّقة إذا مل تتزوَّج أَّنها أحقُّ بولدها من أبيه ما‬ ‫دام طفالً صغرياً ال مييِّز شيئاً إذا كان عندها يف حرزٍ وكفاي ٍة‪ ،‬ومل‬ ‫يثبت منها فسقٌ ومل تتزوج‪ )1(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫(‪ )3‬املصدر السَّابق (‪ ،)32683‬وهناك رواياتٍ أخرى اكتفينا ببعضها‪ ،‬راجع‬ ‫االستذكار (‪ ،)274/6‬سنن البيهقي (‪ ،)6_5/0‬وانظر إرواء الغليل (‪.)2300‬‬ ‫(‪ )2‬االستذكار (‪.)270 _ 274/6‬‬ ‫(‪ )1‬املصدر السابق (‪.)277/6‬‬ ‫‪33‬‬


‫القول الثَّاني‪ :‬أنَّ احلضانة ال تسقط بالنِّكاح حبالٍ‪ ،‬وال فرق‬ ‫باحلضانة بني األيِّم وذات البعل‪ ،‬وحكي هذا املذهب عن احلسن‬ ‫البصري‪ ،‬وهو قول أبي حممَّد بن حزمٍ‪ ،‬وقد استدلَّ مبا رواه من‬ ‫طريق مسلم عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رجلٌ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬من‬ ‫أحقُّ النَّاس حبسن الصُّحبة ؟‪ ،‬قال‪= :‬أ ّمك‪ ،‬ثمَّ أ ّمك‪ ،‬ثمَّ أ ّمك‪،‬‬ ‫ثمَّ أباك‪.)3(+‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫قال عقبة‪= :‬فهذا نصٌ جليٌ يف إجياب احلضانة ألنَّها صحبة‪+‬‬ ‫أ‪.‬هـ‬

‫قلت‪ :‬فهذا ليس فيه نصٌّ على ذلك‪ ،‬وإنَّما هو يف حقِّ الرَّجل‬ ‫يسأل عن األحقِّ حبسن الصُّحبة حال كونه رجالً يريد التَّقرب إىل‬ ‫اهلل تعاىل بربِّ والديه‪ ،‬ال أنَّه صغ ٌري جتري عليه أحكام احلضانة‪.‬‬ ‫واحتجَّ أيضاً مبا رواه من طريق البخاري عن أنس بن مالك‪،‬‬ ‫حةَ‬ ‫قَالَ‪= :‬قَدِمَ رَسُولُ اهللِ " اْلمَدِيَنةَ لَيْسَ َلهُ خَادِمٌ‪ ،‬فَأَخَذَ َأبُو َطلْ َ‬

‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ )6774( ،)382/36‬من حديث أبي هريرة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬انظر احمللى (‪.)151/33‬‬ ‫‪34‬‬


‫بِيَدِي فَانْ َطلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اهللِ "‪َ ،‬فقَالَ‪ :‬يَا رَسُولَ اهللِ‪ ،‬إِنَّ أَ​َنسًا‬ ‫ضرِ‪.)3(+‬‬ ‫الس َفرِ وَالْحَ َ‬ ‫غُال ٌم كَيِّسٌ‪َ ،‬فلْيَخْ ُدمْكَ‪ ،‬قَالَ‪ :‬فَخَ َدمُْتهُ فِي َّ‬ ‫قال عقبة‪= :‬فهذا أنسٌ يف حضانة أمِّه‪ ،‬وهلا زوجٌ وهو أبو طلحة‬ ‫بعلم رسول اهلل "‪ +‬أ‪.‬هـ‬ ‫قال ابن القيِّم‪= :‬وهذا االحتجاجُ يف غاية السُّقوط‪ ،‬واخلربُ يف‬ ‫يبِ‬ ‫غاية الصِّحة‪ ،‬فإنَّ أحداً من أقارب أنسٍ مل ُينَازعْ أمَّه فيه إىل النَّ ّ‬ ‫"‪ ،‬وهو طفلٌ صغريٌ مل يَثغِر‪ ،‬ومل يأكل وحدَه‪ ،‬ومل يشرب‬ ‫وحدَه‪ ،‬ومل مييِّز‪ ،‬وأمُّه مزوَّجة‪ ،‬فحكم به ألمِّه‪ ،‬والنَّيبُّ " َّملا قَدِ َم‬ ‫املدينة‪ ،‬كان ألنسٍ من العمر عشرُ سنني‪ ،‬فكان عند أمِّه‪ ،‬فلمَّا‬ ‫س يُنازعها يف ولدها‪،‬‬ ‫تزوَّجت أبا طلحة‪ ،‬مل يأت أحدٌ من أقارب أن ٍ‬ ‫ويقول‪ :‬قد تزوجتِ فال حضانةَ لكِ‪ ،‬وأنا أطلبُ انتزاعَه ِمنْكِ‪ ،‬وال‬ ‫ريبَ أنَّه ال حيرم على املرأة املزوَّجة حضانةُ ابنها إذا اتَّفقت هي‬ ‫والزَّوجُ وأقارب الطِّفل على ذلك‪ ،‬وال ريبَ أنَّه ال جيب‪ ،‬بل ال‬ ‫جيوزُ أن يفرَّق بني األمِّ وولدها إذا تزوَّجت من غري أن يُخاصمَها مَنْ‬

‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )2547‬من حديث أنس بن مالك‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫له احلضانة‪ ،‬ويَ ْطلُب انتزاع الولد‪ ،‬فاالحتجاجُ بهذه القصَّ ِة من أبعدِ‬ ‫االحتجاج وأبرده‪ )3(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫واحتجُّوا أيضاً ببقاء ابن أمِّ سلمةَ يف كفالتها بعد أن تزوَّجت‬ ‫يب "‪ ،‬وجياب عن هذا بأنَّ جمرَّد البقاء مع عدم املنازعة‪ ،‬ال‬ ‫بالنَّ ِّ‬ ‫حيتجُّ به الحتمال أنَّه مل يبق له قريبٌ غريها(‪.)2‬‬ ‫القول الثَّالث‪ :‬أنَّ الطِّفل إن كانت بنتاً مل تسقط احلضانة بنكاح‬ ‫أمِّها‪ ،‬وإن كانت ذكراً سقطت‪ ،‬وهي إحدى الرِّوايتني عن أمحد‬ ‫نصَّ عليه يف رواية مهنا بن حييى الشَّامي‪ ،‬فقال‪= :‬إذا تزوجت األمُّ‬ ‫يب ؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬ ‫وابنها صغريٌ أخذ منها‪ ،‬قيل له‪ :‬فاجلارية مثل الصَّ ِّ‬ ‫اجلارية تكون مع أمِّها إىل سبع سنني‪.+‬‬ ‫فظاهر هذا أنَّه مل يُ ِزل احلضانة عن اجلارية لتزويج أمِّها وأزاهلا‬ ‫عن الغالم‪ ،‬ووجه ذلك ما روي أنَّ علياً وجعفراً وزيد بن حارثة‬ ‫تنازعوا يف حضانة ابنة محزة‪ ،‬فجعل هلا احلضانة وهي مزوَّجة‪،‬‬ ‫والرِّواية األوىل عن اإلمام أمحد هي الصحيحة وهي املشهورة من‬ ‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪.)754/5‬‬ ‫(‪ )2‬الرَّوضة النَّديَّة (‪.)705/3‬‬ ‫‪36‬‬


‫مذهبه كما تقدم‪ ،‬قال ابن أبي موسى‪ :‬وعليها العمل لقول رسول‬ ‫اهلل " للمرأة‪= :‬أنت أحقُّ به ما ملْ تنكحي‪ ،+‬فأمَّا بنت محزة‪،‬‬ ‫فإنَّما قضى هلا خلالتها؛ ألنَّ زوجها من أهل احلضانة‪ ،‬وألنَّه ال‬ ‫يساويه يف االستحقاق إال عليٌ‪ ،‬وقد ترجَّح جعفر بأنَّ امرأته من‬ ‫أهل احلضانة‪ ،‬فكان أوىل(‪ )3‬أ‪.‬هـ‬ ‫القول الرَّابع‪ :‬أنَّها إن تزوَّجت بنسيب الطِّفل مل تسقط‬ ‫حضانتها‪ ،‬وفيه ثالث مذاهب‪:‬‬ ‫املذهب األوَّل‪ :‬أنَّ املشرتط أن يكون الزَّوج نسيباً للطِّفل فقط‪،‬‬ ‫وهذا ظاهر قول أصحاب أمحد‪.‬‬ ‫املذهب الثّاني‪ :‬أن يكون نسيباً للطِّفل‪ ،‬ويكون ذا رحمٍ حمرم‪،‬‬ ‫وهو قول أصحاب أبي حنيفة‪.‬‬ ‫املذهب الثَّالث‪ :‬أنَّه يشرتط أن يكون بني الزَّوج والطِّفل إيالدٌ بأن‬ ‫يكون جداً للطِّفل‪ ،‬وهذا قول مالك وبعض أصحاب أمحد‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬املغين (‪.)637/4‬‬ ‫‪37‬‬


‫واملختار _ واهلل أعلم _ القول األول وهو خلوُّ األمِّ من النِّكاح‪،‬‬ ‫وعليه جتتمع األدلة‪ ،‬وهو مذهب اجلمهور وقضى به شريح‪.‬‬ ‫احلضانة حقٌّ لألم أم عليها ؟‬ ‫إذا افرتق الزَّوجان وهلما ولدٌ طفلٌ ذكراً كان أو أنثى أو معتوهاً‪ ،‬فأمُّه‬ ‫أوىل النَّاس به‪ ،‬وأحقُّ النَّاس بكفالته‪ ،‬وأنَّ احلضانة حقٌّ هلا إذا أكملت‬ ‫الشُّروط فيها‪ ،‬وهذا قول حييى األنصاريِّ والزُّهريِّ والثَّوريِّ ومالك‬ ‫ق وأصحاب الرَّأي‪.‬‬ ‫والشَّافعيِّ وأبي ثورٍ وإسحا َ‬ ‫قال أبو عمر بن عبد الرب‪= :‬ال أعلم خالفاً بني السَّلف من العلماء يف‬ ‫املرأة املطلَّقة إذا مل تتزوَّج‪ ،‬أَّنها أحقُّ بولدها من أبيه‪ ،‬ما دام طفالً‬ ‫صغرياً ال مييِّز شيئاً إذا كان عندها يف حرزٍ وكفاية‪ ،‬ومل يثبت فيها‬ ‫فسقٌ‪ ،‬وال تربُّج‪ )3(+‬أ‪.‬هـ‬

‫قلت‪ :‬ثمَّ اختلف الفقهاء هل احلضانة لألم أم عليها ؟‬ ‫قال ابن القيِّم‪= :‬على قولني يف مذهب أمحد ومالك وينبين‬ ‫عليهما‪ :‬هل ملن له احلضانة أن يسقطَها فينزل عنها ؟ وأنَّه ال جيب‬ ‫عليه خدمة الولد أيَّام حضانته إال باألجرة إن قلنا‪ :‬احلقُّ له‪ ،‬وإن‬ ‫(‪ )3‬االستذكار (‪ ،)270/6‬أحكام القرآن (‪.)354/1‬‬ ‫‪38‬‬


‫قلنا‪ :‬احلقُّ عليه وجب خدمته جماناً‪ ،‬وإن كان احلاضن فقرياً فله‬ ‫األجرُ على القولني‪ ،‬وإذا وهبت احلضانة لألبِ‪ ،‬وقلنا‪ :‬احلقُّ هلا‬ ‫احلق عليها‪ ،‬فلها العود‬ ‫لزمت اهلبة‪ ،‬ومل ترجع فيها‪ ،‬وإن قلنا‪ُّ :‬‬ ‫إىل طلبها‪ ،‬قال‪ :‬والصَّحيح أنَّ احلضانةَ حقٌ هلا‪ ،‬وعليها إن احتاج‬ ‫الطِّفل إليها ومل يوجد غريها‪ ،‬وإن اتَّفقت هي ووليُّ الطِّفل على‬ ‫ال‬ ‫نقلها إليه جاز‪ ،‬واملقصود أنَّ يف قوله "‪= :‬أنت أحقُّ به‪ +‬دلي ً‬ ‫على أنَّ احلضانة حقٌ هلا‪.)3(+‬‬ ‫وقال ابن املنذر‪= :‬أمجع كلُّ من يُحفظ عنه من أهل العلم على‬ ‫أنَّ الزوجني إذا افرتقا وهلما ولدٌ طفلٌ؛ أنَّ األمَّ أحقُّ به ما مل تنكحْ‪،‬‬ ‫وممَّن حفظْنا عنه ذلك حييى بن سعيد األنصاري‪ ،‬والزهري‪،‬‬ ‫ومالك‪ ،‬والثوري‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وبه نقولُ‪،‬‬ ‫وقد روينا عن أبي بكر الصديق أنَّه حكمَ به على عمر‪.)2(+‬‬ ‫قلت‪ :‬وهذا هو املختار _ واهلل أعلم _ وعليه جتتمع األدلة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪ ،)752/5‬وانظر االستذكار (‪ )188/6‬فقد ذكر مذاهب أهل‬ ‫العلم‪ ،‬واملغين (‪.)627/4‬‬ ‫(‪ )2‬جامع املسائل البن تيمية (‪.)725/1‬‬ ‫‪39‬‬


‫هل نكاح األمِّ تعليلٌ أم توقيت ؟ وما يرتتَّب على ذلك‪:‬‬ ‫اختلف أهل العلم يف قوله "‪= :‬ما مل تنكحي‪ ،+‬هل هو تعليل‬ ‫أم توقيت ؟ على قولني‪ ،‬وينبين على ذلك‪ :‬أنَّها لو تزوَّجت‬ ‫وسقطت حضانتها‪ ،‬ثمَّ طُلِّقت‪ ،‬فهل تعو ُد احلضانة إليها ؟‬ ‫أجاب ابن القيِّم عن ذلك ما ملخَّصه‪ ،‬فقال‪= :‬فإن قيل‪ :‬اللَّفظُ‬ ‫تعليلٌ‪ ،‬عادت احلضانة بالطَّالق‪ ،‬ألنَّ احلكمَ إذا ثبت بعلَّ ٍة زال‬ ‫بزواهلا‪ ،‬وعلَّة سقوط احلضانة؛ التَّزويج‪ ،‬فإن طُِّلقت‪ ،‬زالت‬ ‫العلَّ ُة‪ ،‬فزال حكمها‪ ،‬وهذا قولُ األكثرين‪ ،‬منهم‪ :‬الشَّافعيُّ‪،‬‬ ‫وأمحد‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬وقال مالك يف املشهور من مذهبه‪ :‬إذا‬ ‫تزوَّجت ودخل بها‪ ،‬مل َيعُد حقُّها من احلضانة‪ ،‬وإن طُِّلقت‪ ،‬وهذا‬ ‫ك من‬ ‫بناءً على أنَّ قوله "‪= :‬ما مل تنكحي‪ ،+‬للتَّوقيت أي‪ :‬حقُّ ِ‬ ‫ت؛ انقضى وقت‬ ‫ح ِ‬ ‫ت إىل حني نِكاحك‪ ،‬فإذا نُ ِك ْ‬ ‫احلضانة مُؤَّق ٌ‬ ‫احلضانة‪ ،‬فال تعودُ بعد انقضاء وقتها‪ ،‬كما لو انقضى وقتُها ببلوغ‬ ‫الطفل واستغنائه عنها‪ ،‬وقال بعض أصحابه‪ :‬يعودُ حقُّها إذا فارقها‬ ‫زوجُها‪ ،‬كقول اجلمهور‪ ،‬وهو قول املغرية‪ ،‬وابن أبي حازم‪ ،‬قالُوا‪:‬‬ ‫ألنَّ املقتضي حلقِّها من احلضانة هو قرابتُها اخلاصَّة‪ ،‬وإَّنما عارضها‬ ‫‪41‬‬


‫مانع النِّكاح ملا يُوجبه من إضاعة الطِّفل‪ ،‬واشتغاهلا حبقوقِ الزَّوج‬ ‫األجنيبِّ منه عن مصاحله‪ ،‬وملا فيه من تغذيته وتربيته يف نعمة غري‬ ‫أقاربه‪ ،‬وعليهم يف ذلك مَِّنةٌ وغَضَاضَة‪ ،‬فإذا انقطع النِّكاحُ مبوتٍ‪،‬‬ ‫ُل‬ ‫أو فُرقةٍ‪ ،‬زال املانعُ‪ ،‬واملقتضي قائمٌ‪ ،‬فرتَّتب عليه أثره‪ ،‬وهكذا ك ُّ‬ ‫من قام به من أهل احلضانة مانعٌ منها‪ ،‬ككفرٍ‪ ،‬أورِقٍّ‪ ،‬أو فسقٍ‪ ،‬أو‬ ‫بدوٍ‪ ،‬فإنَّه ال حضانة له‪ ،‬فإن زالت املوانعُ‪ ،‬عاد حقُّهم من‬ ‫احلضانة‪ ،‬فهكذا النِّكاح والفرقة‪ )3(+‬أ‪.‬هـ بتصرُّفٍ يسري‪.‬‬ ‫واملختار _ واهلل أعلم _ قولُ اجلمهور كما رجَّح ذلك ابن القيم‪،‬‬ ‫وهو قول احلسن بن حي كما يف =االستذكار‪ +‬و=احمللى‪.)2(+‬‬ ‫مسألة‪ :‬يبقى النظرُ والنزاع‪ :‬هل ترجعُ احلضانة للمطلَّقة‬ ‫ني‬ ‫عدتِها حتَّى تب َ‬ ‫مبجردِ الطالق أم بوقفه إىل انقضا ِء َّ‬ ‫الرَّجعيَّة َّ‬ ‫منه بينونةً صغرى ؟‬

‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪ ،)752/5‬املغين (‪ ،)625/4‬روضة الطَّالبني (‪.)383/7‬‬ ‫(‪ )2‬االستذكار (‪ ،)183/6‬احمللى (‪.)154/33‬‬ ‫‪40‬‬


‫فمأخذه كون الرجعية زوجة يف عامة األحكام؛ فإنَّه يثبتُ بينهما‬ ‫التوارث والنفقة‪ ،‬ويصح منها الظهار واإليالء‪ ،‬وحيرم عليه أن‬ ‫ينكح عليها أختها أو عمَّتها أو خالتها أو أربعًا سواها وهي زوجة‪،‬‬ ‫ف َمنْ راعى ذلكَ قالَ‪ :‬مل تعدْ إليها احلضانة مبجرَّد الطالق الرجعي‬ ‫عدتُها وتبنيَ منه‪ ،‬وهذا قولُ أبي حنيفة واملزني؛ ألنَّ‬ ‫حتى تنقضيَ َّ‬ ‫الطالق رجعيٌّ فلم يعدْ حقَّها ألنَّ الزوجةَ قائمةٌ فأشبهَ ما لو كانت‬ ‫يف صلب النكاح؛ ألنَّه ميلك رجعتَها‪.‬‬ ‫وقالَ آخرونَ‪ :‬عاد حقُّها مبجرَّد الطالق‪ ،‬وأنَّه عزهلا عن فراشِه‬ ‫ومل يبقَ هلا عليه قسمٌ‪ ،‬وال هلا به شغلٌ‪ ،‬وزالَ السبب عنها‬ ‫فأشبهت البائن يف عدَّتِها‪ ،‬وهذا قول الشافعي وأبي ثور‪ ،‬ورجَّح‬ ‫ذلك املوفق يف املغين‪ ،‬وهذا ظاهر كالم اخلرقي‪.‬‬ ‫واألول هو األظهر؛ ألنَّها تعتدُّ يف بيتِه‪ ،‬وله أن مينعَها من‬ ‫احلضانةِ‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)3‬‬

‫(‪ )3‬انظر املغين (‪ ،)625/4‬وزاد املعاد (‪.)751/5‬‬ ‫‪42‬‬


‫هل يسقط حقُّها بالنِّكاح مبجرَّد العقد‪ ،‬أو بالعقد مع‬ ‫الدُّخول؟‬ ‫قوالن يف ذلك ألهل العلم‪:‬‬ ‫الشافعيِّ‪،‬‬ ‫أحدهما‪ :‬أنَّه مبجرد العقد تزول حضانتها‪ ،‬وهو قول َّ‬ ‫وأبي حنيفة‪ ،‬ألنَّه بالعقد يَملِكُ الزَّوجُ منافعَ االستمتاع بها‪،‬‬ ‫ويَملِك نفعها من حضانة الولد‪.‬‬ ‫فإن‬ ‫الثَّاني‪ :‬أنَّها ال تزول إال بالدُّخولِ‪ ،‬وهو قولُ مالك‪َّ ،‬‬ ‫بالدُّخولِ يتحقَّ ُق اشتغاهلا عن احلضانة‪.‬‬ ‫قال ابن القيِّم‪= :‬واحلديث حيتمل األمرين‪ ،‬واألشبه سقوطُ‬ ‫حضانتها بالعقد‪ ،‬ألنَّها حينئذٍ صارت يف مظنَّة االشتغال عن الولد‪،‬‬ ‫والتَّهيُّؤ للدُّخولِ‪ ،‬وأخذها حينئذٍ يف أسبابه‪ ،‬وهذا قولُ‬ ‫اجلمهور‪ )3(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫قلت‪ :‬وهو املختارُ واهلل أعلم‪.‬‬

‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪ ،)757/5‬املغين (‪ ،)628/4‬وانظر توضيح األحكام (‪.)56/6‬‬ ‫‪43‬‬


‫إذا ادَّعت املرأة أنَّها طلِّقت‪:‬‬ ‫قال ابن القيِّم‪= :‬استُ ِد َّل حبديث عمرو بن شعيب =أنت أحقُّ به ما‬ ‫ملْ تنكحي‪ ،+‬على القضاء على الغائب‪ ،‬فإنَّ األبَ مل يذكر له‬ ‫حضورٌ‪ ،‬وال خماصمة‪ ،‬وال داللة فيه ألنَّها واقعةُ عني‪ ،‬فإنْ كان‬ ‫األبُ حاضراً فظاهرٌ‪ ،‬وإن كان غائباً فاملرأة إنَّما جاءت مستفتيةً‪،‬‬ ‫يب " مبقتضى مسألتها‪ ،‬وإال فال يُقبل قولُها على الزَّوج‪:‬‬ ‫أفتاها النَّ ُّ‬ ‫إنَّه طلَّقها حتَّى يُحكم هلا بالولد مبجرَّ ِد قوهلا‪.)3(+‬‬ ‫قلت‪ :‬القول جبواز القضاء على الغائب هو قول مالك والليث‬ ‫والشافعي وأبي عبيد وابن شربمة واألوزاعي وإسحاق وهو أحد‬ ‫الروايتني عن أمحد‪ ،‬واستدلَّ من قال بهذا القول بهذا احلديث‬ ‫وحديث هند بنت عتبة يف قصَّتِها مع أبي سفيان‪ ،‬وهو مشهورٌ يف‬ ‫الصحيحني‪ ،‬واستثنى ابن القاسم عن مالك ما يكون للغائب فيه‬ ‫حججٌ كاألرض والعقار‪ ،‬إال إن طالت غيبتُه وانقط َع خربه‪.‬‬

‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪.)715/5‬‬

‫‪44‬‬


‫ومنعَ ذلك ابن أبي ليلى وأبو حنيفة والشعيب والثوري وهي‬ ‫الرواية األخرى عن أمحد‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪= :‬فأما من هربَ‬ ‫واسترت بعد إقامة البينة‪ ،‬فنادى القاضي عليه ثالثًا؛ فإن جاءَ وإال‬ ‫أنفذ احلكمَ عليه‪ ،‬أو كان له وكيلٌ فجُ ِّو َز له احلكم عليه بعد‬ ‫الدعوى على وكيلِه‪.+‬‬ ‫واحتجَّ من منعَ القضاءَ على الغائب بقول النَّيبِّ "‪= :‬إذا جلس‬ ‫ت‬ ‫إليك اخلصمان فال تقضِ بينهما حتَّى تسمعَ من اآلخر كما مسع َ‬ ‫تبينَ لك القضاء‪.)3(+‬‬ ‫من األوَّل؛ فإنَّك إذا فعلتَ ذلك َّ‬ ‫والقول باملنعِ هو األقربُ إن شاء اهلل‪ ،‬لكن هذا يف حقِّ اآلدميني‬ ‫دون حقوق اهلل باالتفاق حتى لو قامت البيِّنة على غائبٍ‪.‬‬

‫(‪ )3‬رواه أمحد (‪ ،)475/2‬واحلاكم (‪ ،)71/7‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‪ .‬ووافقه‬ ‫الذهيب‪ ،‬انظر الصحيحة (‪ ،)3188‬وفتح الباري (‪،)231/31( ،)615/7‬‬ ‫والزاد (‪.)581/5‬‬ ‫‪45‬‬


‫أم الزَّوجة تقوم مقام الزَّوجة يف االدِّعاء أمام القاضي ؟‬ ‫هل ُّ‬ ‫اختلفت الرِّوايات يف حديث عمر مع جدَّة عاصم ابنه‪ ،‬ففي‬ ‫َدةُ اْل ُغالَمِ‪َ ،‬فنَازَعَْتهُ إِيَّاهُ‪ ،‬حَتَّى َأتَيَا َأبَا‬ ‫بعض الرِّوايات‪= :‬فَ​َأ ْدرَكَْتهُ ج َّ‬ ‫بَكْر‪.)3(+‬‬ ‫ويف روايةٍ أخرى‪= :‬طلَّق عمر امرأته األنصاريَّة أمَّ ابنه عاصم‪،‬‬ ‫فلقيها حتمله مبحسرٍ‪ ،‬ولقيه قد فطمَ ومشى‪ ،‬فأخذ بيده لينتزعَه‬ ‫منها‪ ،‬ونازعها إيَّاه حتَّى أوجع الغالم وبكى‪ ،‬وقال‪ :‬أنا أحقُّ بابين‬ ‫منكِ‪ ،‬فاختصما إىل أبي بكر‪.)2(+‬‬ ‫أجاب ابن القيِّم عن هذا اإلشكال‪ ،‬فقال‪= :‬فَإِنْ قِيلَ‪َ :‬فقَدْ‬ ‫ت اْل ُمنَا َز َعةُ وَ​َق َعتْ بَْيَنهُ َوبَْي َن األُمِّ أَوَّالً‪ ،‬ثُمَّ‬ ‫ل كَاَن ْ‬ ‫ت الرّوَاَيةُ‪ :‬هَ ْ‬ ‫اخَْت َل َف ْ‬ ‫َدةِ‪ ،‬أَوْ وَ​َق َعتْ َمرَّةً وَاحِ َدةً بَيَْنهُ َوبَْينَ إحْدَا ُهمَا‪ ،‬قِيلَ‬ ‫بَْيَنهُ َوبَْينَ اْلج َّ‬ ‫ا َأل ْمرُ فِي ذَلِكَ َقرِيبٌ ألَنّهَا إنْ كَاَنتْ ِمنْ األُمّ فَوَاضِحٌ‪ ،‬وَإِنْ كَانَتْ‬ ‫ِم ْن اْلجَ ّدةِ َفقَضَاءُ الصّدّيقِ ÷ لَهَا يَدُلّ َعلَى أَنّ األُمّ أَوْلَى‪ )1(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫(‪ )3‬أخرجه مالك يف املوطَّأ (‪ ،)464/2‬والبيهقيُّ (‪.)5/0‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه عبد الرَّزَّاق (‪.)32683‬‬ ‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪.)714/5‬‬ ‫‪46‬‬


‫الوالية على الطِّفل‪:‬‬ ‫ل العلم الواليةَ على الطِّفل من جهتني‪:‬‬ ‫قسَّم أه ُ‬ ‫واليةٌ من جهة األب‪ ،‬وواليةٌ من جهة األم‪.‬‬ ‫قال ابن القيِّم‪= :‬وَالْوِالَيةُ َعلَى ال ّطفْلِ نَ ْوعَانِ‪ :‬نَ ْوعٌ ُيقَدّمُ فِيهِ األَبُ‬ ‫َعلَى األُمّ َو َمنْ فِي جِهَتِهَا؛ وَهِيَ وِالَيةُ اْلمَالِ وَالنّكَاحِ‪ ،‬وَنَ ْوعٌ ُتقَدّمُ‬ ‫فِيهِ األُمّ َعلَى ا َألبِ؛ وَهِيَ وِالَيةُ الْحَضَاَنةِ وَالرّضَاعِ‪ ،‬وَقُدِّمَ كُلٌّ ِمنْ‬ ‫ف‬ ‫حةِ الْوَلَدِ َوتَوقُّ ِ‬ ‫صلَ َ‬ ‫جعِلَ َلهُ ِمنْ ذَلِكَ لَِتمَامِ مَ ْ‬ ‫ا َألبَ َوْينِ فِيمَا ُ‬ ‫صلَحَتِهُ َعلَى َمنْ َيلِي ذَلِكَ ِمنْ َأبَ َويْهِ َوتَحْصُلُ ِبهِ ِكفَايَُتهُ‪ ،‬وَ​َلمّا كَانَ‬ ‫مَ ْ‬ ‫النِّسَاءُ َأ ْعرَفَ بِالتَّ ْربَِيةِ وَأَقْ َدرَ َعلَيْهَا وَأَصَْبرَ وَ​َأرْأَفَ وَ​َأ ْفرَغَ لَهَا لِذَلِكَ‬ ‫قُ ّد َمتْ األُمُّ فِيهَا َعلَى ا َألبِ‪ ،‬وَلَمَّا كَانَ الرِّجَالُ أَقْوَمَ بِتَحْصِيلِ‬ ‫حةِ الْوَلَدِ وَاالحْتِيَاطِ َلهُ فِي الْبُضْعِ قُدِّمَ ا َألبُ فِيهَا َعلَى األُمِّ‪،‬‬ ‫صلَ َ‬ ‫مَ ْ‬ ‫فَ​َتقْدِيمُ األُمِّ فِي الْحَضَاَنةِ مِنْ مَحَا ِسنِ ال ّشرِي َعةِ‪ ،‬وَاالحْتِيَاطُ لِألَ ْطفَالِ‬ ‫ج كَذَلِكَ‪.)3(+‬‬ ‫وَالنّ َظرُ لَهُمْ‪َ ،‬وَتقْدِي ُم ا َألبِ فِي وِالَيةِ املَالِ وَالتّ ْزوِي ِ‬

‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪ ،)714/5‬وانظر جمموع الفتاوى‪.)177/2( :‬‬ ‫‪47‬‬


‫وقال الشَّوكاني‪= :‬وأمَّا إثبات حقِّ األب يف احلضانة‪ :‬فهو وإن مل‬ ‫يرد دليلٌ خيصُّه لكنَّه قد استفيد من قوله " لألم‪= :‬أنت أحقُّ به ما‬ ‫يدل على ثبوت أصل احلقِّ لألب بعد األم‪،‬‬ ‫مل تنكحي‪ ،+‬فإنَّ هذا ُّ‬ ‫ومن مبنزلتها(‪)3‬؛ وهي اخلالة‪ ،‬وكذلك إثبات التَّخيري بينه وبني األمِّ‬ ‫يف الكفالة‪ ،‬فإنَّه يفيد إثبات حقٍّ له يف اجلملة‪.)2(+‬‬ ‫قلت‪ :‬وهذا هو األرجح إن شاء اهلل؛ أنَّ األب هو األحقُّ بعد‬ ‫األم إذا تزوَّجت‪ ،‬وحديث عمرو بن شعيب املتقدم يدلُّ على‬ ‫ذلك؛ حيث إنَّ األب جاء يُخاصمُ املرأة يف حقٍّ له فقضى له رسول‬ ‫اهلل " إذا تزوَّجت األم‪ ،‬وهذا مذهب الليث بن سعد كما نقل عنه‬ ‫ذلك ابن حزمٍ يف احمللى(‪.)1‬‬

‫(‪)3‬‬

‫ُقدمٌ على هؤالءِ‪.‬‬ ‫ب م َّ‬ ‫أي‪ :‬ومَن مبنزلتها من جهة األم كاخلالة وغريها؛ فإنَّ األ َ‬

‫(‪ )2‬الدَّراري املضيَّة (‪.)127‬‬ ‫(‪ )1‬احمللى (‪.)154/33‬‬ ‫‪48‬‬


‫األحقُّ باحلضانة بعد الوالدين‪:‬‬ ‫وأن كالً من األبوين له‬ ‫تقدَّم معنا أنَّ الوالية على الطِّفل نوعان‪َّ ،‬‬ ‫واليةٌ ختصُّه‪ ،‬وأنَّ األمَّ قُدِّمت على األب يف احلضانة والرِّضاع‪،‬‬ ‫وذلك لتمام مصلحة الولد يف ذلك‪.‬‬ ‫لكن هل قدِّمت األمُّ لكون جهتها مقدَّمةً على جهة األب يف‬ ‫احلضانة‪ ،‬فقدِّمت يف ذلك ألجل األمومة‪ ،‬أم قدِّمت لكون النِّساء‬ ‫أقوم مبقاصد احلضانة والتَّربية من الذُّكور‪ ،‬فيكون تقدميها ألجل‬ ‫األنوثة ؟‬ ‫أجاب ابن القيِّم عن هذا‪ ،‬فقال‪َ= :‬ففِي هذا للنَّاس قوالن‪ ،‬وهما‬ ‫حمَدَ‪:‬‬ ‫يف مذهب َأ ْ‬ ‫ب ا َألبِ‪.‬‬ ‫ب األُمِّ َعلَى أَقَا ِر ِ‬ ‫إحْدَا ُهمَا‪َ :‬تقْدِيمُ أَقَارِ ِ‬ ‫الثّانَِيةُ‪ :‬وَهِيَ األَصَحُّ دَلِيالً وَاخْتِيَارُ شَيْخِ اإلِسْالمِ اْبنِ تَْيمِّيةَ‪:‬‬ ‫صرِهِ‪،‬‬ ‫خرَقِيّ فِي مُخْتَ َ‬ ‫َتقْدِيمُ أَقَا ِربِ ا َألبِ وَهَذَا هُوَ الّذِي ذَ َك َرهُ الْ ِ‬ ‫َفقَالَ‪ :‬وَاألُ ْختُ ِمنْ ا َألبِ أَحَقّ ِمنْ األُخْتِ ِمنْ األُمّ وَأَحَقّ مِنْ‬

‫‪49‬‬


‫الْخَاَلةِ‪ ،‬وَخَاَلةُ ا َألبِ أَحَقّ ِمنْ خَاَلةِ األُمِّ‪َ ،‬و َعلَى هَذَا فَأُمُّ ا َألبِ‬ ‫حمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَْينِ َعْنهُ‪.‬‬ ‫ُمقَدَّ َمةٌ عَلَى أُمِّ األُمِّ‪ ،‬كَمَا نَصَّ َعلَْيهِ أَ ْ‬ ‫َو َعلَى هَ ِذهِ الرّوَاَيةِ فَأَقَا ِربُ ا َألبِ ِمنْ الرِّجَالِ ُمقَدَّمُونَ َعلَى أَقَا ِربِ‬ ‫األُمِّ‪ ،‬وَاألَخُ لِألَبِ أَحَقُّ مِنْ األَخِ لِألُمِّ‪ ،‬وَاْلعَمُّ أَوْلَى مِنْ الْخَالِ‪،‬‬ ‫هَذَا إنْ ُق ْلنَا‪ :‬إنَّ ألَقَارِبِ األُمِّ ِمنْ الرِّجَالِ مَدْخَالً فِي الْحَضَاَنةِ‪َ ،‬وفِي‬ ‫حمَدَ وَالشّاِفعِيِّ‪:‬‬ ‫ذَلِكَ وَجْهَانِ فِي مَذْ َهبِ أَ ْ‬ ‫أَحَدُ ُهمَا‪ :‬أَنَّهُ ال حَضَاَنةَ إال ِلرَجُلٍ مِنْ الْعصَبةِ مَحرَمٌ‪ ،‬أَوْ ال ْمرَأَةِ‬ ‫وَا ِرَثةٍ أَوْ مُدْلَِيةٍ ِبعَصَ​َبةِ أَوْ وَا ِرثٍ‪.‬‬ ‫جهِ‪ ،‬وَهُوَ قَوْلُ‬ ‫وَالثّانِي‪ :‬أَنَّ لَهُمْ الْحَضَاَنةَ‪ ،‬وَالّت ْفرِيعُ َعلَى هَذَا الْوَ ْ‬ ‫حنِي َفةَ وَهَذَا يَدُلّ َعلَى رُجْحَانِ جِ َهةِ ا ُألبُ ّوةِ َعلَى جِ َهةِ ا ُألمُو َمةِ‬ ‫َأبِي َ‬ ‫فِي الْحَضَاَنةِ‪ ،‬وَأَنَّ األُمَّ إنَّمَا قُدِّ َمتْ لِكَوْنِهَا أُنْثَى ال لَِتقْدِيمِ جِهَتِهَا‪،‬‬ ‫حةً لَ​َترَجّحَ رِجَالُهَا وَِنسَاؤُهَا َعلَى الرّجَالِ‬ ‫ت جِهَتُهَا رَاجِ َ‬ ‫إذْ لَوْ كَانَ ْ‬ ‫وَالّنسَاءِ ِمنْ جِ َهةِ األَبِ‪ ،‬وَ​َلمّا لَمْ يَ​َترَجَّحْ رِجَالُهَا اّتفَاقًا فَكَذَِلكَ‬ ‫الّنسَاءُ‪ ،‬وأُصُولُ الشَّ ْرعِ وَقَوَاعِ َدهُ شَاهِ َدةٌ بَِتقْدِيمِ أَقَا ِربِ ا َألبِ فِي‬ ‫اْل ِمريَاثِ‪ ،‬وَوِالَيةِ النّكَاحِ‪ ،‬وَوِالَيةِ اْلمَ ْوتِ‪َ ،‬وغَْيرِ ذَلِكَ‪ ،‬وَلَمْ ُيعْهَدْ‬ ‫فِي الشَّ ْرعِ َتقْدِيمُ َقرَاَبةِ األُمِّ َعلَى َقرَاَبةِ ا َألبِ فِي حُكْ ٍم ِمنْ األَحْكَامِ‪،‬‬ ‫‪51‬‬


‫جبِ الدّلِيلِ‪ ،‬مع أنَّ‬ ‫َف َمنْ قَدَّمَهَا فِي الْحَضَاَنةِ َفقَدْ َخرَجَ َعنْ مُو َ‬ ‫األب وأقاربه أشفقُ على الطِّفل وأرعى ملصلحته من قرابة األمِّ‪،‬‬ ‫فإنَّه ليس إليهم حبالٍ‪ ،‬وال ينسب إليهم بل هو أجنيبٌّ منهم‪ ،‬وإنَّما‬ ‫نسبُه ووالؤُه إىل أقارب أبيه‪ ،‬وهم أوىل به يعقلون عنه‪ ،‬وينفقون‬ ‫عليه عند اجلمهور‪ ،‬ويتوارثون بالتَّعصيب إن بعدت القرابة بينهم‬ ‫خبالف قرابة األمِّ‪ ،‬فإنَّه ال يثبت فيها ذلك‪ ،‬فَالصَّوَابُ فِي اْلمَأْخَذِ‬ ‫هُوَ أَنَّ األُمَّ إّنمَا قُدِّمَتْ ألَنَّ النِّسَاءَ َأ ْرفَقُ بِالطِّفْلِ‪ ،‬وَأَخَْبرُ بَِت ْربِيَِتهِ‪،‬‬ ‫ب أَوْلَى مِنْ أُ ِّم األُمِّ‪،‬‬ ‫وَأَصَْبرُ َعلَى ذَلِكَ‪َ ،‬و َعلَى هَذَا فَاْلجَدَّةُ أُمُّ ا َأل ِ‬ ‫ألبِ أَوْلَى ِمنْ األُ ْختِ لِألُمِّ‪ ،‬وَاْلعَمَّةُ أَوْلَى ِمنْ الْخَاَلةِ‪،‬‬ ‫وَاألُ ْختُ لِ َ‬ ‫حمَدُ فِي إحْدَى الرّوَايَتَْينِ‪َ ،‬و َعلَى هَذَا فَُتقَدَّمُ أُ ّمُ‬ ‫َكمَا نَصَّ َعلَْيهِ أَ ْ‬ ‫ا َألبِ َعلَى أَب ا َألبِ َكمَا ُتقَدَّمُ األُمُّ َعلَى ا َألبِ‪ ،‬وَِإذَا تَ َق ّررَ هَذَا‬ ‫األَصْلُ‪ ،‬فَهُوَ أَصْلٌ مُطَّ ِردٌ ُمنْضَبِطٌ ال تَ​َتنَاقَضُ فُرُو ُعهُ‪ ،‬بَلْ إنْ اّت َف َقتْ‬ ‫الذ َكرِ‪ ،‬فَُتقَدَّمُ األُخْتُ‬ ‫جةُ وَاحِدَةٌ قُدِّ َمتْ األُنْثَى َعلَى َّ‬ ‫اْل َقرَاَبةُ وَالدَّرَ َ‬ ‫صلُهُ‬ ‫َعلَى األَخِ‪ ،‬وَالْخَاَلةُ َعلَى الْخَالِ‪ ،‬وَاْلجَدَّةُ َعلَى اْلجَدِّ‪ ،‬وَأَ ْ‬ ‫ت َقرَاَب ُة األَبِ َعلَى‬ ‫ت اْل َقرَاَب ُة قُ ّد َم ْ‬ ‫َتقْدِي ُم األُمِّ َعلَى ا َألبِ‪ ،‬وَإِنْ اخَْت َل َف ْ‬ ‫َمةُ عَلَى‬ ‫َقرَاَبةِ األُمِّ‪ ،‬فَُتقَدّمُ األُ ْختُ لِألَبِ َعلَى األُ ْختِ لِألُمِّ‪ ،‬وَاْلع َّ‬ ‫‪50‬‬


‫الْخَاَلةِ‪َ ،‬وعَمَّةُ ا َألبِ َعلَى خَالَِتهِ‪ ،‬وَ َهلُمّ جَرّاً‪ ،‬وَهَذَا هُوَ االعْتِبَارُ‬ ‫الصَّحِيحُ‪ ،‬وَاْلقِيَاسُ اْلمُطَّ ِردُ‪ ،‬وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَضَى ِبهِ سَيِّدُ قُضَاةِ‬ ‫ح َسنِ ْبنِ ُعقَْبةَ‬ ‫اإلِسْالمِ ُش َريْحٌ‪َ ،‬كمَا رَوَى وَكِيعٌ فِي مُصَنَّ ِفهِ َعنْ الْ َ‬ ‫َعنْ َسعِيدِ بْنِ الْحَا ِرثِ‪ ،‬قَالَ‪ :‬اخْتَصَمَ عَمٌّ وَخَالٌ إلَى ُش َريْحٍ فِي‬ ‫ِطفْلٍ‪َ ،‬فقَضَى ِبهِ ِل ْلعَمِّ‪َ ،‬فقَالَ الْخَالُ‪ :‬أَنَا أُنْفِقُ َعلَْيهِ ِمنْ مَالِي‪،‬‬ ‫فَ َدَف َعهُ إلَْيهِ ُش َريْحٌ‪ )3(+‬أ‪.‬هـ بتصرف‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬واألرجحُ إن شاء اهلل ما ذهب إليه ابن القيم أنَّ أقارب‬ ‫األب تُقدَّمُ على أقارب األم‪ ،‬وهو اختيار شيخ اإلسالم كما نقل‬ ‫ذلك ابن القيم‪ ،‬وهذا مذهب األوزاعي؛ فقد قال‪= :‬إذا تزوجت‬ ‫األم فاجلدة لألب أحقُّ بالولد؛ فإن مل تكنْ فالعمُّ أحقُّ بالولد من‬ ‫جدتِه أمِّ أمِّه‪ +‬أ‪.‬هـ وهذا ظاه ُر كال ِم ابن حزمٍ(‪.)2‬‬ ‫َّ‬ ‫فإن قيل‪ :‬قدَّمتم العمَّة على اخلالة‪ ،‬والنَّيبُّ " أعطى ابنةَ محزة‬ ‫خلالتها مع وجود عمَّتها صفيَّة ؟‬ ‫زاد املعاد (‪ ،)710/5‬وراجع جمموع الفتاوى‪ ،)322/17( :‬واحمللى‬ ‫( ‪)3‬‬ ‫(‪.)157/33‬‬ ‫(‪ )2‬انظر احمللى (‪ ،)152/33‬وفيه نقل قول األوزاعي‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫صفِيَّةُ قَدْ‬ ‫أجاب ابن القيِّم‪ ،‬فقال‪= :‬إنَّمَا يَدُلُّ هَذَا إذَا كَاَنتْ َ‬ ‫نَا َز َعتْ َمعَهُمْ‪ ،‬وَ َطلَ​َبتْ الْحَضَاَنةَ َفلَمْ َيقْضِ لَهَا بِهَا َبعْدَ َطلَبِهَا‪،‬‬ ‫وَقَدَّمَ َعلَيْهَا الْخَاَلةَ‪ ،‬هَذَا إذَا كَاَنتْ لَمْ ُت ْمَنعْ ِمنْهَا ِل َعجْزِهَا َعنْهَا‪ ،‬فَإِنَّهَا‬ ‫تُوُفَِّيتْ َسَنةَ عِ ْشرِينَ َعنْ ثَالثٍ وَسَْب ِعنيَ َسَنةً‪ ،‬فَيَكُونُ لَهَا وَ ْقتَ هَ ِذهِ‬ ‫ضعٌ وَ َخمْسُونَ َسَنةً‪ ،‬فَيُحَْتمَلُ أنَّهَا َترَكَتْهَا ِل َعجْزِهَا َعنْهَا‬ ‫الْحُكُو َمةِ بِ ْ‬ ‫وَلَمْ تَ ْطلُبْهَا َمعَ قُ ْد َرتِهَا‪ ،‬وَالْحَضَاَنةُ حَقٌّ ِل ْل َمرَْأةِ‪ ،‬فَِإذَا َترَكَتْهَا انَْت َقلَتْ‬ ‫ج ْم َلةِ فَإِنَّمَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ َعلَى َتقْدِيمِ الْخَاَلةِ َعلَى‬ ‫إلَى غَْيرِهَا‪َ ،‬وبِاْل ُ‬ ‫ص َمتْ فِي اْبَنةِ أَخِيهَا‪ ،‬وَ َطلَ​َبتْ َكفَالَتَهَا‪،‬‬ ‫صفِيَّةَ خَا َ‬ ‫اْل َعمَّةِ إذَا ثَ​َبتَ أَنَّ َ‬ ‫َفقَدَّمَ رَسُو ُل اهللِ " الْخَاَلةَ وَهَذَا ال سَبِيلَ إلَْيهِ‪ )3(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫صلٌ‪ :‬احلكم باحلضانة من النَّيبِّ‬ ‫فَ ْ‬

‫يف هذه القصَّة هل‬

‫وق َع للخالة أم جلعفر ؟‬ ‫ج ْع َفرٍ‬ ‫حمْ َزةَ‪ ،‬وَاخْتِصَام َعلِيٍّ َو َزيْدٍ وَ َ‬ ‫تقدَّم معنا حديث قِصَّة ِبْنتِ َ‬ ‫ج ْعفَرِ‪ ،‬فَإِنَّ هَ ِذهِ الْحُكُو َم َة كَانَتْ‬ ‫فِيهَا‪ ،‬وَحُكْمُ رَسُولِ الّلهِ " بِهَا ِل َ‬ ‫َعقِيبَ َفرَاغِهِمْ ِمنْ ُعمْ َرةِ اْلقَضَاءِ‪ ،‬فَإِنَّهُمْ لَمَّا َخرَجُوا ِمنْ مَ ّكةَ تَِبعَتْ ُهمْ‬ ‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪.)778/5‬‬ ‫‪53‬‬


‫حمْ َزةَ ُتنَادِي‪َ :‬يا عَمُّ يَا عَمُّ؛ فَأَخَذَ َعلِيٌّ بِيَدِهَا‪ ،‬ثُمَّ َتنَا َزعَ فِيهَا هُوَ‬ ‫اْبَنةُ َ‬ ‫ج ْع َفرٌ َوزَيْدٌ‪َ ،‬وذَ َكرَ كُلُّ وَاحِدٍ ِمنْ هؤالءِ الثَّالَثةِ َترْجِيحًا‪ ،‬فَذَكَرَ‬ ‫وَ َ‬ ‫هلل " بَْيَنهُ َوبَيْنَ‬ ‫َزيْدٌ أَنَّهَا اْبَنةُ أَخِيهِ ِل ْل ُمؤَاخَاةِ الّتِي َعقَدَهَا رَسُولُ ا ِ‬ ‫ج ْع َفرٌ ُمرَجّحَْينِ‪:‬‬ ‫حمْ َزةَ‪َ ،‬وذَ َكرَ َعلِيٌّ كَوْنَهَا اْبَنةَ َع ّمهِ‪َ ،‬وذَ َكرَ َ‬ ‫َ‬ ‫اْل َقرَاَبةَ‪ ،‬وَكَوْنَ خَالَتِهَا ِعنْ َدهُ‪ ،‬فَتَكُونُ ِعنْدَ خَالَتِهَا‪ ،‬فَاعْتَ​َبرَ النَّبِيُّ "‬ ‫ج ْع َفرٍ دُونَ ُمرَجّحِ اآل َخ َرْينِ‪ ،‬فَحَكَمَ لَهُ‪ ،‬ومل يعترب النَّيبُّ "‬ ‫ُمرَجَّحَ َ‬ ‫ح اْل ُمؤَاخَاةِ بني زيدٍ ومحزة؛ ألنَّ ذلك لَيْسَ ِب ُمقْتَضٍ ِللْحَضَاَنةِ‪.‬‬ ‫ُمرَجَّ َ‬ ‫فإن قيل‪ :‬احلكم باحلضانة من النَّيبِّ " يف هذه القصَّة هل وقعَ‬ ‫للخالة أم جلعفر ؟‬ ‫فقد استشكل الفقهاء هذا وهذا‪ ،‬فإن كان القضاء جلعفرٍ فليس‬ ‫حمرَماً هلا‪ ،‬وهو وعليٌّ يف القرابة من بنت محزة سواء‪ ،‬وإن كان‬ ‫للخالة‪ ،‬فهي مزوَّجة‪ ،‬واحلاضنة إذا تزوَّجت سقطت حضانتها‪.‬‬ ‫ويُجاب عن هذين اإلشكالني مبا يلي‪:‬‬ ‫اإلشكال األوَّل‪:‬‬

‫‪54‬‬


‫وهو إشكال استواء القرابة بني عليٍّ وجعفر مع بنت محزة‪،‬‬ ‫وهي بنوَّة العم‪ ،‬فهل يستحقُّ بها احلضانة ؟ على قولني‪:‬‬ ‫الشاِفعِيِّ وَقَوْلُ مَالِكٍ‬ ‫أَحَدُ ُهمَا‪ُ :‬يسْتَحَقّ بِهَا‪ ،‬وَهُوَ َمنْصُوصُ َّ‬ ‫حمَدَ وَغَْيرِهِم‪ ،‬ألََّنهُ عَصَ​َبةٌ وَ​َلهُ وِالَيةٌ بِاْل َقرَاَبةِ‪َ ،‬فقُدِّمَ َعلَى‬ ‫وَأَ ْ‬ ‫األَجَاِنبِ َكمَا ُيقَدَّمُ َعلَيْهِمْ فِيْ اْلمِْيرَْاثِ‪ ،‬وَوِ ْالَيةُ الْنِّكَاْحِ‪ ،‬وَوِ ْالَيةُ‬ ‫اْلمَ ْوتِ‪َ ،‬ورَسُوْلُ اهلل " لَمْ ُينْ ِكرْ َعلَى جَ ْع َفرٍ َو َعلِيٍّ ادِّعَاءَ ُهمَا‬ ‫حَضَانَتَهَا‪ ،‬وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَ ُهمَا ذَلِكَ ألَنْ َكرَ َعلَيْ ِهمَا الدَّعْوَى الْبَا ِط َلةَ‪،‬‬ ‫فَإِنَّهَا َدعْوَى مَا لَيْسَ لَهُمَا‪َ ،‬والرَّسول " ال ُي ِقرّ َعلَى بَاطِلٍ‪ ،‬والبنت‬ ‫جعَلَ مَعَ ا ْمرَ​َأِتهِ فِي‬ ‫إذَا لَمْ يَ ُكنْ لَهَا َقرَاَبةٌ سِوَى اْبنِ عَمِّهَا جَاز أَنْ ُت ْ‬ ‫جنَبِيِّ ال سِيَّمَا إنْ كَانَ ابْ ُن‬ ‫بَيِْتهِ بَلْ يَ​َتعَيَّنُ ذَلِكَ‪ ،‬وَهُوَ أَوْلَى ِمنْ األَ ْ‬ ‫اْلعَمِّ مُْب ِرزًا فِي الدِّيَاَنةِ وَاْلعِفَّةِ وَالصِّيَاَنةِ فَإِنَّهُ فِي هَ ِذهِ الْحَالِ أَوْلَى ِمنْ‬ ‫األَجَاِنبِ بِال َريْبٍ‪ ،‬فَإِنْ قِيلَ‪ :‬فَالنَّبِيُّ " كَانَ اْبنَ َعمِّهَا‪ ،‬وَكَا َن‬ ‫حمْ َزةَ كَانَ أَخَاهُ ِمنْ الرِّضَا َعةِ فَهَال أَخَذَهَا هُوَ ؟ قال‬ ‫ح َرمًا لَهَا؛ ألَنَّ َ‬ ‫َم ْ‬ ‫ابن القيِّم‪ :‬كان رَسُو ُل اهلل " فِي ُشغْلٍ شَا ِغلٍ بَِأعْبَاءِ الرِّسَاَلةِ‪،‬‬ ‫َوتَْبلِيغِ الْوَحْيِ‪ ،‬وَالدَّعْ َوةِ إلَى اهلل وَجِهَادِ أَعْدَاءِ اهلل َعنْ َفرَا ِغهِ‬

‫‪55‬‬


‫ِللْحَضَاَنةِ‪َ ،‬فلَوْ أَخَذَهَا لَ َدَفعَهَا إلَى َبعْضِ ِنسَائِهِ‪ ،‬فَخَالَتُهَا َأمَسُّ بِهَا‬ ‫حمًا وَأَ ْق َربُ‪.‬‬ ‫رَ ِ‬ ‫الثّانِي‪ :‬أَنَّهُ ال حَضَاَنةَ ألَحَدٍ ِمنْ الرِّجَالِ سِوَى اآلبَاءِ وَاألَجْدَادِ‪،‬‬ ‫صهِ وَلِلدّلِيلِ‬ ‫وهَذَا قَوْلُ َبعْضِ أَصْحَابِ الشّاِفعِيِّ‪ ،‬وَهُوَ مُخَالِفٌ ِلنَ ّ‬ ‫جمْهُورِ‪ ،‬وَهُوَ الصَّوَابُ‪ ،‬وهو القول األوَّل‪ ،‬لكن قيِّد‬ ‫وقَوْلِ اْل ُ‬ ‫ح َرمًا لَهَا ِبرَضَاعِ أَوْ‬ ‫بقيدٍ‪ ،‬وهو إن كَانَ الطِّفْلُ أُنْثَى وَكَانَ اْبنُ اْلعَمِّ مَ ْ‬ ‫ح َرمًا‬ ‫نَحْ ِوهِ؛ كَانَ َلهُ حَضَانَتُهَا‪ ،‬وَإِنْ جَا َو َزتْ السّْبعَ ولَمْ يَ ُكنْ مَ ْ‬ ‫ص ِغ َريةً حَتّى تَبْلُغَ سَْبعًا‪ ،‬فَال يَْبقَى لَهُ‬ ‫برضاعٍ أو حنوِه؛ َفلَهُ حَضَانَُتهَا َ‬ ‫ح َرمِهَا أَوْ ا ْمرَ​َأةٍ ِثقَة(‪.)3‬‬ ‫حَضَانَتُهَا بَلْ ُتسَلَّمُ إلَى مَ ْ‬ ‫اإلشكال الثَّاني‪:‬‬ ‫وهو عدم سقوط احلضانة عن خالة بنت محزة بنكاحها من‬ ‫جعفر على ثالثة أقوال‪:‬‬ ‫أجاب ابن القيِّم مبا يلي‪:‬‬

‫(‪ )3‬املصدر السابق (‪.)708/4‬‬ ‫‪56‬‬


‫‪- 3‬‬

‫ضَنةِ ال ُي ْسقِطُ حَضَاَنةَ الِْبْنتِ‪،‬‬ ‫أَنَّ نِكَاحَ الْحَا ِ‬

‫حمَدَ‪ ،‬وَأَحَدُ قَوْلَيْ اْل ُع َلمَاءِ‬ ‫َكمَا هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَْينِ عَنْ أَ ْ‬ ‫وَحُجَّةُ هَذَا اْلقَوْلِ الْحَدِيثُ‪ ،‬وَقَدْ َتقَدَّمَ سِرُّ الْ َفرْقِ بَْينَ الذَّكَرِ‬ ‫وَاألُنْثَى‪.‬‬ ‫‪- 2‬‬

‫أَنَّ نِكَاحَهَا َقرِيبًا ِمنْ الطِّفْلِ ال ُي ْسقِطُ حَضَانَتَهَا‬

‫ج ْع َف ٌر اْبنُ عَمِّهَا‪.‬‬ ‫وَ َ‬ ‫‪- 1‬‬

‫أَنَّ الزَّوْجَ إذَا رَضِيَ بِالْحَضَاَنةِ‪ ،‬وَآَثرَ كَوْنَ‬

‫ج ِرهِ لَمْ َت ْسقُطْ الْحَضَاَنةُ‪ ،‬هَذَا هُوَ‬ ‫حْ‬ ‫الطِّفْلِ ِعنْ َدهُ فِي ِ‬ ‫الصَّحِيحُ وَهُوَ مَْبنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ؛ وَهُوَ أَنَّ سُقُوطَ الْحَضَانَ ِة‬ ‫بِالنِّكَاحِ هُوَ ُمرَاعَاةٌ لِحَقِّ الزَّوْجِ‪ ،‬فَإِنَّهُ يَ​َتنَغَّصُ َعلَيْهِ‬ ‫االسِْتمْتَاعُ اْلمَ ْطلُوبُ ِمنْ اْل َمرْأَةِ لِحَضَانَتِهَا لِوَلَدِ غَْي ِرهِ‪،‬‬ ‫َويَ​َتنَكَّدُ َعلَْيهِ عَيْ ُشهُ َمعَ الْ َمرَْأةِ‪ ،‬وال ُي ْؤمَنُ أَنْ يَحْصُلَ بَْينَ ُهمَاْ‬ ‫ح َمةِ‪ ،‬وَلِهَذَاْ كَاْنَ لِلزَّوْجِ أَنْ َي ْمَنعَهَا ِمنْ‬ ‫َدةِ وَالْرَّ ْ‬ ‫ِخالْفُ اْلمَو َّ‬ ‫صلَحَةُ‬ ‫حقُوقِ الزَّوْجِ‪ ،‬فَتَضِيعُ مَ ْ‬ ‫هَذَا َمعَ اشِْتغَالِهَا هِيَ بِ ُ‬ ‫الطِّفْلِ‪ ،‬فَِإذَا آَثرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَطَلَ​َبهُ وَحَرَصَ َعلَْيهِ زَالَتْ‬ ‫حهُ أَ ّنَ‬ ‫جلِهَا َسقَ َطتْ الْحَضَاَنةُ‪َ ،‬ويُوَضِّ ُ‬ ‫اْل َم ْفسَ َدةُ الَّتِي ألَ ْ‬ ‫‪57‬‬


‫هلل وَإِنَّمَا هِيَ حَقٌّ‬ ‫ُسقُوطَ الْحَضَاَنةِ بِالنِّكَاحِ لَْي َستْ حَقًّا ِ‬ ‫لِلزَّوْجِ وَلِلطِّفْلِ وَأَقَا ِرِبهِ‪ ،‬فَِإذَا رَضِيَ َمنْ َلهُ الْحَقُّ جَازَ‪ ،‬فَزَالَ‬ ‫ا ِإلشْكَالُ َعلَى كُلّ َتقْدِيرٍ‪ ،‬وظَ َهرَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ِمنْ رَسُولِ‬ ‫حسَنِ األَحْكَامِ‪ ،‬وَأَوْضَحِهَا وَ​َأشَدِّهَا مُوَا َفقَةً‬ ‫اهللِ " ِمنْ أَ ْ‬ ‫ح َمةِ وَاْلعَدْلِ(‪.)3‬‬ ‫حةِ وَالْحِ ْك َمةِ وَالرَّ ْ‬ ‫صلَ َ‬ ‫ِل ْلمَ ْ‬ ‫سنُّ التَّخيري بني األبوين‪:‬‬ ‫خييَّر الطِفل بني أبويه إذا استغنى عن خدمة النِساء‪ ،‬وذلك إذا بلغ‬ ‫سبع سنني وتنازعا فيه‪ ،‬فمن اختاره منهما فهو أوىل به إذا مل تكن‬ ‫أمُّه قد نكحت‪ ،‬قضى بذلك عمر وشريح‪ ،‬وهو مذهب الشَّافعيُّ‪،‬‬ ‫وروايةٌ عن اإلمام أمحد وهو املشهور من مذهبه‪ ،‬وهو اختيار‬ ‫أصحابه‪.‬‬

‫(‪ )3‬املصدر السابق (‪.)707/4‬‬ ‫‪58‬‬


‫قلت‪ :‬وهو مذهب أبي هريرة كما ورد ذلك خمتصرًا ومطوَّالً‪،‬‬ ‫َعنْ هِاللِ بْنِ َأبِي مَْيمُوَنةَ‪ ،‬قَالَ‪ :‬شَهِدْت َأبَا ُه َرْي َرةَ خََّيرَ غُالمًا بَْينَ‬ ‫إن رسول اهلل "‪ ،‬خيَّر غالمًا بني أبيه وأمِّه(‪.)3‬‬ ‫ُمهِ‪ ،‬وقال َّ‬ ‫َأبِيهِ وَأ ِّ‬ ‫واحلديث عند أبي داود بطوله عن أبي ميمونة‪ ،‬قَالَ‪ :‬بَْيَنمَا أَنَا‬ ‫جَالِسٌ َمعَ َأبِي ُه َرْيرَةَ ÷ جَا َء ْتهُ ا ْمرَ​َأةٌ فَارِسَِّيةٌ َمعَهَا اْبنٌ لَهَا‬ ‫َادعَيَاهُ‪ ،‬وَقَدْ طََّلقَهَا زَوْجُهَا‪َ ،‬فقَاَلتْ‪ :‬يَا َأبَا ُه َرْي َرةَ زَوْجِي ُيرِيدُ أَنْ‬ ‫ف َّ‬ ‫يَذْ َهبَ بِاْبنِي‪َ ،‬فقَالَ َأبُو ُه َرْي َرةَ ÷‪ :‬اسْتَ ِهمَا َعلَْيهِ‪َ ،‬فجَاءَ زَوْجُهَا‪،‬‬ ‫َاقنِي ِفي وَلَدِي ؟ َفقَالَ َأبُو ُه َريْ َرةَ ÷‪ :‬اللَّهُمَّ إِنِّي الَ‬ ‫َفقَالَ‪ :‬مَنْ يُح ُّ‬ ‫أَقُولُ هَذَا إِالَّ أَنِّي َس ِم ْعتُ ا ْمرَأَةً جَا َءتْ إِلَى رَسُولِ اهللِ " وَأَنَا قَاعِدٌ‬ ‫ِعنْ َدهُ‪َ ،‬فقَاَلتْ‪ :‬يَا رَسُولَ اهللِ إِنَّ زَوْجِي ُيرِيدُ أَنْ يَذْ َهبَ بِاْبِني وَقَدْ‬ ‫(‪)2‬‬

‫َسقَانِي ِمنْ بِْئرِ َأبِى عِنَ​َبةَ‬

‫هلل "‪:‬‬ ‫وَقَدْ َن َف َعنِي‪َ ،‬فقَالَ رَسُولُ ا ِ‬

‫ي‬ ‫َاقنِي ِفي وَلَدِي؟‪َ ،‬فقَالَ النَّبِ ُّ‬ ‫=اسْتَ ِهمَا َعلَْيهِ‪َ ،+‬فقَالَ زَوْجُهَا‪َ :‬منْ يُح ُّ‬ ‫(‪ )3‬رجاله ثقات ‪ ،‬رواه الشَّافعيُّ يف األم (‪ ،)72/5‬وزهري بن حرب كما يف‬ ‫احمللَّى (‪ ،)126/38‬كالهما عن سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن هالل بن أبي‬ ‫ميمونة به‪ ،‬وسيأتي مطوَّ ًال كما يف معرفة السُّنن (‪ ،)7443‬وانظر لزامًا املسند‬ ‫(‪ )4176‬حتقيق أمحد شاكر‪.‬‬ ‫(‪ )2‬بكسر العني وفتح النون بئرٌ على بريدٍ من املدينة‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫"‪= :‬هَذَا َأبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ‪ ،‬فَخُذْ بِيَدِ أَيِّ ِهمَا شِْئتَ‪ ،+‬فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ‬ ‫فَانْ َط َل َقتْ ِبهِ(‪.)3‬‬ ‫وهذا مذهب أبي بكر الصِّديق وعمر وعلي‪ ،‬وقد تقدَّمت اآلثار‬ ‫يف خماصمة عمر وأمِّ عاصم زوجته‪ ،‬وفيه‪ ،‬فقال أبو بكر‪= :‬رحيها‬ ‫وفراشها خريٌ له منك حتَّى يشبَّ وخيتارَ لنفسه‪ ،+‬وقد تقدَّم‪،‬‬ ‫فحكم أبو بكرٍ الصِّدِّيق ÷ ألمِّه حني مل يكن له متييز إىل أن يشبَّ‬ ‫وخيي َر حينئذٍ‪.‬‬ ‫ومييِّز َّ‬ ‫وعن عبد الرَّمحن بن غَْن ٍم‪ ،‬قال‪= :‬شهدت عمر خيَّر صبيًّا بني‬ ‫أبيه وأمِّه‪.)2(+‬‬ ‫ويف روايةٍ لعبد الرَّزَّاق عنه قال‪= :‬اختصم إىل عمر يف صيبٍّ‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬هو مع أمِّه حتَّى يعربَ عنه لسانُه‪ ،‬فيختارَ‪.)1(+‬‬ ‫أخرجه أبو داود يف السُّنن (‪ ،)2244‬والنَّسائيُّ يف السُّنن (‪،)305/6‬‬ ‫( ‪)3‬‬ ‫وغريهما‪ ،‬وقال احلاكم (‪ :)74/7‬صحيح اإلسناد‪ ،‬ووافقه الذَّهيبُّ‪ ،‬وانظر اإلرواء‬ ‫(‪ ،)2372‬والزَّاد (‪.)711/5‬‬ ‫(‪ )2‬رواه ابن شيبة (‪ ،)35265‬وصحَّحه يف اإلرواء (‪.)2377‬‬ ‫(‪ )1‬رواه عبد الرَّزَّاق يف املصنَّف (‪ ،)32686‬ورجاله ثقات‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫وروى سعيد بن منصور عن الوليد بن مسلم‪ ،‬قال‪= :‬اختصموا‬ ‫إىل عمر يف يتيمٍ‪ ،‬فخيَّره عمر‪ ،‬فاختار أمَّه على عمِّه‪ ،‬فقال عمر‪:‬‬ ‫إنَّ لطف أمِّك خريٌ من خصب عمِّك‪.)3(+‬‬ ‫ِي قَالَ‪:‬‬ ‫و َعنْ ُعمَا َرةَ بْنِ َربِي َعةَ اْلجُ ْرم ِّ‬ ‫حرِ فِي بَعْضِ ِتلْكَ اْل َمغَازِي‪ ،‬قَالَ‪َ :‬فقُتِلَ‪َ ،‬فجَاءَ‬ ‫=غَزَا َأبِي نَحْوَ الْبَ ْ‬ ‫صمَْتهُ أُمِّي إلَى َعلِيٍّ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬و َمعِي أَخٌ لِي‬ ‫عَمِّي لِيَذْ َهبَ بِي‪ ،‬فَخَا َ‬ ‫الثًا‪ ،‬فَاخَْترْت أُمِّي‪ ،‬فَ​َأبَى عَمِّي أَنْ‬ ‫ص ِغريٌ‪ ،‬قَالَ‪ :‬فَخَيَّرَنِي َعلِيٌّ َث َ‬ ‫َ‬ ‫ِرِتهِ‪ ،‬وَقَالَ‪ :‬وَهَذَا َأيْضًا لو‬ ‫ض َرَبهُ بِد َّ‬ ‫َيرْضَى قَالَ‪ :‬فَوَكَ َزهُ عَلِيٌّ بِيَ ِدهِ وَ َ‬ ‫قَدْ َبلَ َغ خُيِّر‪.+‬‬ ‫ويف رواية‪= :‬وكنت ابن سبعٍ أو مثان سنني‪.)2(+‬‬ ‫(‪ )3‬رواه سعيد بن منصور‪ ،‬قال‪ :‬عن هشيم بن بشري‪ ،‬عن خالد احلذَّاء‪ ،‬عن‬ ‫الوليد بن مسلم به‪ ،‬ورجاله ثقات‪ ،‬وهو معضل‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)35226‬والشَّافعيُّ يف األم (‪ ،)72/5‬كالهما من‬ ‫طريق يونس بن عبد اهلل اجلرميِّ‪ ،‬عن عمارة به‪ ،‬ورجاله ثقاتٌ غري عمارة‪ ،‬هو ابن‬ ‫ربيعة اجلرميِّ‪ ،‬أورده ابن أبي حامت يف اجلرح والتَّعديل‪ ،‬ومل يذكر فيه جرحًا وال‬ ‫تعديالً‪ ،‬وذكره ابن حبَّان يف الثقات‪ ،‬والسَّند إليه صحيح‪ ،‬وعمارة يروي قصَّةً‬ ‫حصلت معه‪ ،‬فال تضرُّ بالرِّواية‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬لكنَّ الرِّواية األخرى وهي عند =‬ ‫‪60‬‬


‫قال ابن قدامة يف املغين‪= :‬وهذه قصص يف مظنَّة الشُّهرةِ‪ ،‬ومل‬ ‫تنكر فكانت إمجاعًا‪ ،‬وألنَّ التَّقديم يف احلضانة حلقِّ الولد‪ ،‬فيُقدَّ ُم‬ ‫َم ْن هو أشفق‪ ،‬ألنَّ حظَّ الولد عنده أكثرُ‪ ،‬واعتربنا الشَّفقة مبظنَّتها‬ ‫إذا مل ميكن اعتبارها بنفسها‪ ،‬فإذا بلغ الغالم حدًّا يعرب عن نفسه‪،‬‬ ‫ومييِّ ُز بني اإلكرام وضدِّه‪ ،‬فمالَ إىل أحد األبوين‪ ،‬دلَّ على أنَّه أرفق‬ ‫به وأشفق عليه‪ ،‬فقدِّم بذلك وقيَّدناه بالسَّبع‪ ،‬ألنَّها أوَّل حالٍ أمر‬ ‫الشَّرع فيها مبخاطبته باألمر بالصَّالة‪ ،‬وألنَّ األمَّ ُقدِّمت يف حال‬ ‫الصِّغر؛ حلاجته إىل محله ومباشرة خدمته ألنَّها أعرف بذلك‪،‬‬ ‫فرجح‬ ‫وأقوم به‪ ،‬فإذا استغنى عن ذلك تساوى والداه‪ ،‬لقربهما منه َّ‬ ‫باختياره‪.)3(+‬‬

‫= الشَّافعيُّ يف األم (‪ ،)72/5‬ومن طريقه البيهقيُّ يف السُّنن (‪ ،)7/0‬ويف املعرفة‬ ‫(‪ ،)7442‬قال الشَّافعيُّ‪ :‬قال إبراهيم‪ :‬عن يونس‪ ،‬عن عمارة‪ ،‬عن عليٍّ به‪ ،‬كما‬ ‫تقدَّم بزيادة‪= :‬وكنت ابن سبعٍ‪ ،‬أو مثان سنني‪ ،+‬وهذه الزِّيادة واهية‪ ،‬إبراهيم هو‬ ‫األسلمي مرتوك متَّهم‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ابن أبي حييى‬ ‫(‪ )3‬املغين (‪.)635/4‬‬ ‫‪62‬‬


‫قال النَّوويُّ‪= :‬وسنُّ التَّمييز غالبًا سبع سنني‪ ،‬أو مثانٍ تقريبًا‪ ،‬قال‬ ‫األصحاب‪ :‬وقد يتقدَّم التَّمييزُ عن السَّبع‪ ،‬وقد يتأخَّر عن الثَّمان‪،‬‬ ‫ومدار احلكم على نفس التَّمييز‪ ،‬ال على سنِّه‪ )3(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫ث‬ ‫وقال ابن القيِّم‪= :‬وَ​َأمّا َتقْيِيدُنَا َلهُ بِالسَّْبعِ‪َ ،‬فال َرْيبَ أَنَّ الْحَدِي َ‬ ‫ج َمعٌ َعلَْيهِ‪ ،‬فَإِنَّ ِل ْلمُخَيِّرِي َن قَوْلَْينِ‪:‬‬ ‫ال َيقْتَضِي ذَلِكَ‪ ،‬وَال هُوَ َأ ْمرٌ مُ ْ‬ ‫خمْسٍ‪ ،‬حَكَاهُ إسْحَاقُ ْبنُ رَاهوَيهِ‪ ،‬ذَ َك َرهُ‬ ‫أَحَدُ ُهمَا‪ :‬أَنَّهُ يُخَيَّرُ لِ َ‬ ‫الس ُّن الَّتِي‬ ‫خمْسَ هِيَ ِّ‬ ‫ح ْربٌ فِي َمسَاِئ ِلهِ‪َ ،‬ويُحْتَجُّ لِ َهؤُالءِ بِأَنَّ الْ َ‬ ‫َعْنهُ َ‬ ‫حمُودُ‬ ‫يَصِحُّ فِيهَا َسمَاعُ الصَّبِيِّ‪َ ،‬وُيمْ ِكنُ أَنْ َي ْعقِلَ فِيهَا‪ ،‬وَقَدْ قَالَ مَ ْ‬ ‫ْبنُ ال ّربِيعِ‪َ :‬ع َق ْلتُ َعنْ النَّبِيِّ " مَجَّةً مَجَّهَا فِي ِفيّ‪ ،‬وَأَنَا اْب ُن خَمْسِ‬ ‫ِسِننيَ(‪.)2‬‬ ‫حمَدَ‬ ‫وَاْلقَوْلُ الثّانِي‪ :‬أَنَّهُ إنَّمَا يُخَيَّرُ ِلسَْبعٍ‪ ،‬وَهُوَ قَوْلُ الشَّاِفعِيُّ وَأَ ْ‬ ‫حمَهُمْ اهللُ وَاحْتُجَّ لِهَذَا اْلقَوْلِ‪ ،‬بِأَنَّ التَّخِْيريَ َيسْتَدْعِي‬ ‫وَِإسْحَاقَ رَ ِ‬ ‫التَّمْيِيزَ وَاْلفَهْمَ‪ ،‬وَال ضَابِطَ َلهُ فِي األَ ْطفَالِ‪ ،‬فَضُبِطَ ِبمَظِنَِّتهِ‪ ،‬وَهِيَ‬

‫(‪ )3‬روضة الطَّالبني (‪.)381/7‬‬ ‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)46‬‬ ‫‪63‬‬


‫ج َعلَهَا النَّبِيُّ " حَدًّا ِللْوَ ْقتِ‬ ‫السَّْبعُ‪ ،‬فَإِنَّهَا أَوَّلُ سِنِّ التَّمْيِيزِ‪ ،‬وَلِهَذَا َ‬ ‫الَّذِي ُي ْؤ َمرُ فِيهِ الصَّبِيُّ بِالصَّالةِ‪ )3(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫ُخيرُ لسبعٍ‪ ،‬وهذا‬ ‫قلت‪ :‬واألقربُ _ واهلل أعلم _ قولُ من قال‪ :‬ي َّ‬ ‫هو األغلبُ عند الطفل؛ فيُحملُ عليه؛ ألنَّ النَّادرَ ال حكمَ له‪،‬‬ ‫فيُضبطُ مبظنَّتِه وهي السَّبعُ‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ح ْربُ ْبنُ إ ْسمَاعِيلَ لفظه‬ ‫وقول إسْحَاقَ ْبنِ رَاهَ َوْيهِ الَّذي ذكره َ‬ ‫ح ْربُ‪= :‬سَأَلْت إسْحَاقَ إلَى مَتَى يَكُونُ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ َمعَ األُمِّ‬ ‫قال َ‬ ‫إذَا طُِّل َقتْ ؟ قَالَ‪ :‬أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ َمعَ األُمِّ إلَى سَْبعِ ِسِننيَ ثُمَّ‬ ‫يُخَيِّ ُر‪ُ ،‬قلْت َلهُ‪َ :‬أَترَى التَّخِْيريَ؟ قَالَ‪ :‬شَدِيدًا‪ُ ،‬قلْت‪ :‬فَأَقَلُّ ِمنْ سَْبعِ‬ ‫ِسِننيَ ال يُخَيَّرُ؟ قَالَ‪ :‬قَدْ قَالَ َبعْضُهُمْ إلَى خَمْسٍ وَأَنَا أَحَبُّ إلَيَّ إىل‬ ‫سَبْع‪.)2(+‬‬

‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪ ،)740/5‬الواضح شرح خمتصر اخلرقي (‪.)727/7‬‬ ‫(‪ )2‬زاد املعاد (‪ ،)764/5‬وقال التِّرمذيُّ عقب حديث أبي هريرة‪= :‬وَالعَمَ ُ‬ ‫ل‬ ‫َعلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِ ْلمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ " وَغَْيرِ ِهمْ‪ ،‬قَالُوا‪ :‬يُخََّيرُ ال ُغالَمُ‬ ‫بَيْنَ َأبَ َويْهِ ِإذَا وَ​َقعَتْ بَيْنَهُمَا الْمُنَا َزعَةُ فِي ال َولَدِ‪ ،‬وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ‪َ ،‬وإِسْحَاقَ‪ ،‬وَقَاالَ‪:‬‬ ‫المُ سَبْعَ سِنِنيَ خُِّي َر بَيْنَ َأبَ َويْهِ‪ +‬أ‪.‬هـ‪.‬‬ ‫َق بِهِ‪ ،‬فَِإذَا َب َل َغ ال ُغ َ‬ ‫مَا كَا َن ال َولَدُ صَ ِغريًا فَاألُمُّ أَح ُّ‬ ‫‪64‬‬


‫إذا خيِّر الطِّفل فلم خيرتْ‪ ،‬أو اختارهما مجيعًا‪:‬‬ ‫=قَدْ ثَ​َبتَ التَّخِْيريُ َعنْ النَّبِيِّ " فِي الغُالمِ ِمنْ حَدِيثِ َأبِي ُه َرْيرَة‬ ‫خ َلفَاءِ الرَّاشِدِينَ‪ ،‬وَ​َأبِي ُه َرْي َرةَ‪ ،‬وَال‬ ‫املتقدِّم‪َ ،‬وثَ​َبتَ ذلكَ َعنْ الْ ُ‬ ‫ُي ْعرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَاَبةِ أَلْبَتَّ َة‪ ،‬وَال أَنْكَ َرهُ ُمنْ ِكرٌ‪ ،‬وَهَذَا غَايَةٌ‬ ‫فِي اْلعَدْلِ اْل ُممْ ِكنِ؛ فَإِنَّ األُمَّ إنَّمَا قُدِّ َمتْ فِي حَالِ الصِّ َغرِ لِحَاجَةِ‬ ‫حمْلِ وَالرِّضَاعِ وَاْلمُدَارَاةِ الَّتِي ال تَتَهَيَّأُ ِلغَيْرِ‬ ‫الْوَلَدِ إلَى التَّ ْربَِيةِ وَالْ َ‬ ‫النِّسَاءِ وَإِال فَاألُمُّ أَحَ ُد ا َألبَ َوْينِ‪ ،‬فَكَيْفَ ُتقَدّمُ َعلَْيهِ ؟‬ ‫حمْلِ‬ ‫فَِإذَا َبلَغَ الغُالمُ حَدًّا يُ ْع ِربُ فِيهِ عَنْ َن ْف ِسهِ‪َ ،‬وَيسَْت ْغنِي عَنْ الْ َ‬ ‫جبُ‬ ‫النسَاءُ؛ َتسَاوَى ا َألبَوَانِ َوزَالَ السََّببُ اْلمُو ِ‬ ‫ضعِ‪َ ،‬ومَا ُتعَانِيهِ ِّ‬ ‫وَالْوَ ْ‬ ‫ح‪،‬‬ ‫لَِتقْدِيمِ األُمِّ‪ ،‬وَا َألبَوَانِ مَُتسَا ِويَانِ فِيهِ فَال ُيقَدَّمُ أَحَدُ ُهمَا إال ِب ُمرَجَّ ِ‬ ‫وَاْل ُمرَجَّحُ إمَّا ِمنْ خَارِجٍ وَهُوَ اْل ُق ْر َعةُ‪ ،‬وَإِمَّا ِمنْ جِ َهةِ الْوَلَدِ‪ ،‬وَهُ َو‬ ‫ج َمعَ ُهمَا يف حَدِيث َأبِي‬ ‫اخْتِيَا ُرهُ‪ ،‬وَقَدْ جَا َءتْ السَُّّنةُ بِهَذَا وَهَذَا‪ ،‬وَقَدْ َ‬ ‫ُه َرْي َرةَ‪ ،‬لكن يقدَّم التَّخيري على القرعة‪ ،‬ألنَّ القرعةَ إنَّما يصار إليها‬ ‫إذا تساوت احلقوق من كلِّ وجه‪ ،‬ومل يبق مرجَّحٌ سواها‪ ،‬فَإِنْ َلمْ‬ ‫جمِيعًا عَدَْلنَا إلَى اْلقُ ْر َعةِ‪ ،‬فَهَذَا لَوْ لَمْ يَ ُكنْ فِيهِ‬ ‫يَخْتَرْ أَوْ اخْتَارَ ُهمَا َ‬ ‫ح َسنِ األَحْكَامِ وَأَعْدَلِهَا وَأَقْ َطعِهَا لِلنِّزَاعِ‬ ‫مُوَا َف َقةُ السُّنَّةِ لَكَانَ مِنْ أَ ْ‬ ‫‪65‬‬


‫بَِترَاضِي اْلمَُتنَا ِزعَْينِ‪ ،‬وإنَّمَا قُدِّمَ التَّخِْيريُ الّتفَاقِ أَْلفَا ِظ الْحَدِيثِ َعلَْيهِ‬ ‫خ َلفَاءِ الرَّاشِدِينَ ِبهِ‪ ،‬وَ​َأمَّا اْل ُق ْر َعةُ‪ ،‬فَبَعْضُ الرُّوَاةِ ذَ َكرَهَا فِي‬ ‫َو َعمَلِ الْ ُ‬ ‫الْحَدِيثِ‪َ ،‬وَبعْضُهُمْ لَمْ يَذْ ُكرْهَا‪ ،‬وَإِنَّمَا كَاَنتْ فِي َبعْضِ ُط ُرقِ‬ ‫حديث َأبِي ُه َرْيرَةَ وَحْ َدهُ‪َ ،‬فقُدِّمَ التَّخِْيريُ َعلَيْهَا‪ ،‬فَِإذَا َتعَذَّرَ اْلقَضَاءُ‬ ‫ت اْل ُق ْر َعةُ َطرِيقًا لِلتَّرْجِيحِ إذْ لَمْ يَبْقَ سِوَاهَا‪.)3(+‬‬ ‫بِالتَّخِْيريِ َتعَيََّن ْ‬ ‫خيرناه فلم خيرت واحدًا منهما‪ ،‬أو اختارهما‬ ‫قال ابن قدامة‪= :‬وإن َّ‬ ‫معًا قدِّم أحدهما بالقرعة؛ ألنَّه ال مزيَّة ألحدهما على صاحبه‪ ،‬وال‬ ‫ميكن اجتماعهما على حضانته‪ ،‬فقدَّم أحدهما بالقرعة‪.)2(+‬‬ ‫قال النَّوويُّ‪= :‬لو خيَّرناه فاختارهما‪ ،‬أقرع بينهما‪ ،‬وإن مل خيرت‬ ‫واحدًا منهما‪ ،‬فوجهان‪:‬‬ ‫أحدهما‪ :‬يقرع‪ ،‬وبه قطع البغويُّ‪.‬‬ ‫وأصحُّهما‪ :‬األ ُّم أحق‪ ،‬ألَّنه مل خيرتْ غريها‪ ،‬وكانت احلضانة هلا‬ ‫فيستصحب‪ ،‬وبه قطع يف البسيط‪.)1(+‬‬ ‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪ )767/5‬بتصرُّف‪.‬‬ ‫املغين (‪ ،)636/4‬املمتع شرح املقنع (‪ ،)065/1‬احملرر يف الفقه‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪ ،)277/2‬الواضح (‪.)725/2‬‬ ‫(‪ )1‬روضة الطَّالبني (‪.)385/7‬‬ ‫‪66‬‬


‫ح‬ ‫قلت‪ :‬والصحيح املختارُ أنَّه يقرعُ بينهما إذا مل خيرتْ‪ ،‬كما رجَّ َ‬ ‫ذلك ابن قدامة وابن القيم كما تقدَّمَ‪.‬‬ ‫َّيب ؟‬ ‫هل األنثى ختيَّر كما خيِّر الص ُّ‬ ‫اختلف أهل العلم يف ذلك على قولني‪:‬‬ ‫ختيرُ كما خييَّر الغالم؛ ألنَّ كلَّ سنٍّ خُيِّر فيه‬ ‫األوَّل‪ :‬أنَّ األنثى َّ‬ ‫الغالم خيِّرت فيه اجلارية؛ كسنِّ البلوغ يف التَّكليف ال فرقَ بينهما‪،‬‬ ‫وكون الطِّفل يف احلديث ذكراً ال تأثري له يف احلكم‪ ،‬بل هي كالذَّكر‬ ‫يف قوله "‪َ = :‬منْ وَجَدَ مَتَاعه ِعنْدَ رَجُل قَدْ َأفْلَسَ‪ ،‬فهو أحقُّ به‪،+‬‬ ‫فهذا ليس خاصًّا بالرِّجال‪ ،‬بل يشمل اإلفالس الذَّكر واألنثى‪ ،‬بل‬ ‫يب‬ ‫حديثُ احلَضَانة أوىل بعدم اشرتاط الذُّكورية فيه‪ ،‬ألنَّ لَفظ الصَّ ِّ‬ ‫ليس مِن كالم الشارع‪ ،‬وإمنا هو من قول الصَّحابيِّ راوي هذه‬ ‫تبي َن أنَّه ال تأثريَ لكونه‬ ‫القِصَّة‪ ،‬وأنها كانت يف صيبٍّ‪ ،‬فإذا نُقِّحَ املناطُ َّ‬ ‫َّافعي نقله عنه ابن قدامة املقدسيُّ يف املغين(‪.)3‬‬ ‫ذكراً‪ ،‬وهذا قول الش ِّ‬

‫(‪ )3‬انظر املغين (‪.)636/4‬‬ ‫‪67‬‬


‫قلت‪= :‬ال َرْيبَ أَنَّ ِمنْ األَحْكَامِ مَا يَ ْكفِي فِيهَا وَصْفُ الذُّكُو َرةِ َأوْ‬ ‫ف األُنُوَث ِة قَ ْطعًا‪َ ،‬و ِمنْهَا مَا ال يَ ْكفِي فِيهِ بَلْ ُيعْتَ​َبرُ فِيهِ إمَّا هَذَا وَإِمَّا‬ ‫وَصْ ُ‬ ‫هَذَا فَُي ْلغَى الْوَصْفُ فِي كُلِّ حُكْمٍ َتعَلَّقَ بِاحلُكمِ اإلِْنسَانِيُّ اْلمُشْتَركِ‬ ‫ضعٍ كَانَ لَهُ تَأِْثريٌ فِيهِ‬ ‫ف الذُّكُو َرةِ فِي كُلِّ مَوْ ِ‬ ‫بَْينَ ا َأل ْفرَادِ‪َ ،‬وُيعْتَ​َبرُ وَصْ ُ‬ ‫كَالشَّهَا َدةِ وَاْل ِمريَاثِ وَالوِالَيةِ فِي النِّكَاحِ‪َ ،‬وُيعْتَ​َبرُ وَصْفُ األُنُوَثةِ فِي‬ ‫ضعٍ يَخْتَصُّ بِاإلِنَاثِ أَوْ ُيقَدَّ ْمنَ فِيهِ َعلَى الذُّكُورِ؛ كَالْحَضَانَةِ‬ ‫كُلِّ مَوْ ِ‬ ‫ج ِة الذَّ َكرُ وَاألُنْثَى قُدِّ َمتْ األُنْثَى‪.)3(+‬‬ ‫إذَا اسْتَوَى فِي الدَّرَ َ‬ ‫وذهب اجلمهور وهو قول مالك وأبي حنيفة وأمحد وإسحاق‬ ‫أن البنت ال ختيَّر‪ ،‬وهو القول الثَّاني‪ ،‬وتكون يف كنف أبيها؛ ألنَّه‬ ‫إىل َّ‬ ‫لَوْ خُّي َرتْ الِْبْنتُ َأفْضَى ذَلِكَ إلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ ا َألبِ تَا َرةً‪َ ،‬و ِعنْدَ‬ ‫األُمِّ تارةً أُ ْخرَى‪ ،‬فَإِنَّهَا كَُّلمَا شَا َءتْ االنِْتقَالَ أُجِيَبتْ إلَْيهِ‪َ ،‬وذَِلكَ‬ ‫عَكْسُ مَا َشرَعَ اهللُ لِإلِنَاثِ ِمنْ لُزُومِ الْبُيُوتِ َوعَدَمِ الُْبرُوزِ وَلُزُومِ‬ ‫الْخُدُورِ َورَاءَ ا َألسْتَارِ‪ ،‬وهذا أيضًا ُيفْضِي إلَى أَال يَْبقَى ا َألبُ‬ ‫حفْظِهَا‪ ،‬وَال األُمُّ لَِتنَقُّلِهَا بَْينَ ُهمَا‪ ،‬وَقَدْ ُعرِفَ بِاْلعَا َدةِ أَنَّ مَا‬ ‫َم ْو ُكو ًال بِ ِ‬ ‫حفْ ِظهِ‪َ ،‬ويَتَوَا َكلُونَ فِيهِ فَهُوَ آيِلٌ إلَى الضَّيَاعٍ‪،‬‬ ‫يَ​َتنَا َوبُ النَّاسُ َعلَى ِ‬ ‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪.)743/5‬‬ ‫‪68‬‬


‫صلُحُ اْلقِدْرُ بَْينَ طَبَّاخَْينِ‪ ،+‬وألنَّ‬ ‫َو ِمنْ ا َألمْثَالِ السَّاِئ َرةِ‪= :‬ال يَ ْ‬ ‫السبع يف ال ُّسكونِ عند‬ ‫الغرضَ باحلضانة احلظُّ‪ ،‬واحلظُّ للجارية بعد َّ‬ ‫أبيها؛ ألنَّها حتتاج إىل حفظ األبِ‪ ،‬وألنَّ األمَّ حتتاج إىل من حيفظها‬ ‫ويصونها‪ ،‬وألنَّ البنت إذا بلغت السَّبع‪ ،‬قاربت الصَّالحيَّ َة‬ ‫للتَّزويجِ‪ ،‬وإنَّما البنت ختطب من أبيها؛ ألنَّه وليُّها وهو املالكُ‬ ‫لتزوجيِها‪ ،‬وهو أعلمُ بالكفاءة‪ ،‬وأقدرُ على البحث‪ ،‬فينبغي أن‬ ‫يقدَّم على غريه(‪.)3‬‬ ‫وَال َرْيبَ أَنَّ تَرَدُّدَهَا بَْينَ ا َألبَ َوْينِ مِمَّا َيعُودُ عَلَى اْل َمقْصُودِ‬ ‫صهُ؛ ألَنَّهَا ال َتسَْتقِرُّ فِي مَكَانٍ ُمعَيَّن‪ ،‬ثمَّ‬ ‫بِا ِإلبْطَالِ أَوْ يُخِلُّ ِبهِ‪ ،‬أَوْ ُيْنقِ ُ‬ ‫إنَّ الرِّجَالَ َأغَْيرُ َعلَى الَْبنَاتِ مِنْ النِّسَاءِ‪ ،‬فَال َتسْتَوِي غَْي َرةُ الرَّجُلِ‬ ‫َعلَى اْبنَِتهِ َوغَْي َرةُ األُمِّ َأبَدًا‪ ،‬وَكَمْ ِمنْ أُمٍّ ُتسَاعِدُ اْبنَتَهَا َعلَى مَا تَهْوَاهُ‬ ‫ضعْفُ دَاعِي‬ ‫ضعْفُ َع ْقلِهَا وَ ُس ْر َعةُ انْخِدَاعِهَا وَ َ‬ ‫ح ِملُهَا َعلَى ذَلِكَ َ‬ ‫َويَ ْ‬ ‫جعَلَ الشَّارِعُ‬ ‫اْلغَْي َرةِ فِي طَْبعِهَا بِخِالفِ ا َألبِ‪ ،‬وَلِهَذَا اْل َمعْنَى َوغَْي ِرهِ َ‬ ‫ضعِهَا‬ ‫جعَلْ ُألمِّهَا وِالَيةً َعلَى بُ ْ‬ ‫تَزْوِجيَهَا إلَى َأبِيهَا دُونَ أُمِّهَا‪ ،‬وَلَمْ َي ْ‬ ‫أَلْبَتَّ َة وَال َعلَى مَالِهَا‪ ،‬فَكَانَ ِمنْ مَحَا ِسنِ الشَّرِي َعةِ أَنْ تَكُونَ ِعنْدَ َمنْ‬ ‫(‪ )3‬املغين (‪ )634/4‬بتصرُّف‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫صلَحَتِهَا وَأَصْوَنُ لَهَا يف األمر‪ .‬ثمَّ‬ ‫هُوَ َأغَْيرُ َعلَيْهَا‪ ،‬وَأَحْرَصُ َعلَى مَ ْ‬ ‫حنُ َنرَى فِي طَبِي َعةِ ا َألبِ َوغَْي ِرهِ مِنْ الرِّجَالِ ِمنْ اْلغَْي َرةِ وَلَوْ مَعَ ِف ْسقِهِ‬ ‫نَ ْ‬ ‫ح ِم ُلهُ عَلَى قَتْلِ اْبنَِتهِ وَأُخِْتهِ َومُوَلِّيَِتهِ إذَا رَأَى ِمنْهَا مَا‬ ‫َوُفجُو ِرهِ مَا يَ ْ‬ ‫ُيرِيُبهُ لِشِدَّةِ اْلغَْي َرةِ‪ ،‬وَ​َنرَى ِمن طَِبعِ النِّسَاءِ ِمنْ اإلنْحِاللِ وَاإلنْخِدَاعِ‬ ‫ضِدُّ ذَلِكَ‪ .‬وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية(‪.)3‬‬ ‫هل يعترب يف األب القدرة على احلفظ والصِّيانة ؟‬ ‫حمَد × فِي الرِّوَاَيةِ اْلمَشْهُو َرةِ َعْنهُ إىل اعتبارِ‬ ‫ذهب ا ِإلمَامُ أَ ْ‬ ‫القُدرةِ على احلفظِ والصَّونِ‪ ،‬فَإِنْ كَانَ مُ ْه ِمالً لِذَلِكَ أَوْ عَاجِزًا َعنْهُ‬ ‫أَوْ غَْيرَ َمرْضِيٍّ أَوْ ذَا ِديَاَثةٍ وَاألُمُّ بِخِالِفهِ‪ ،‬فَهِيَ أَحَقُّ بِالِْبْنتِ بِال‬ ‫َرْيبٍ‪َ ،‬فمَنْ قَدَّ ْمنَاهُ بِتَخِْيريِ أَوْ ُق ْر َعةٍ أَوْ ِبَن ْف ِسهِ‪ ،‬فَإِنَّمَا ُنقَدِّ ُمهُ إذَا‬ ‫حةُ الْوَلَدِ‪ ،‬وَلَوْ كَاَنتْ األُمُّ أَصْوَنَ ِمنْ ا َألبِ وَ​َأغْيَرَ‬ ‫صلَ َ‬ ‫ص َلتْ ِبهِ مَ ْ‬ ‫حَ َ‬ ‫ِمْنهُ قُدِّ َمتْ َعلَْيهِ وَال الِْتفَاتَ إلَى ُق ْرعَةٍ وَال اخْتِيَارِ الصَّبِيِّ فِي هَذِهِ‬ ‫ضعِيفُ اْل َعقْلِ ُي ْؤِثرُ الْبَطَاَلةَ وَاللَّ ِعبَ‪ ،‬فَِإذَا اخْتَارَ مَنْ‬ ‫الْحَاَلةِ‪ ،‬فَإِنَّهُ َ‬ ‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪ ،)747/5‬وجمموع الفتاوى (‪ 337/17‬و ‪.)317‬‬ ‫‪71‬‬


‫ُيسَاعِ ُدهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ ُيلَْت َفتْ إلَى اخْتِيَا ِرهِ‪ ،‬وَكَانَ ِعنْدَ مَنْ هُوَ أَْن َفعُ لَهُ‬ ‫وَأَخَْيرُ‪ ،‬وَال تَحَْتمِلُ الشَّرِي َعةُ غَيْرَ هَذَا وَالنَّبِيُّ " قَالَ‪ُ = :‬مرُوا‬ ‫أوالدكم بِالصَّالةِ وهم أبناء سَبْع‪ ،)3(+...‬فإذا كانتِ األمُّ تُعلِّم‬ ‫الصَّيبَّ العلم النَّافع‪ ،‬وحترص على تأديبه وتعليمه اْلقُرْآنَ‪،‬‬ ‫وَالصَّبِيُّ ُي ْؤِثرُ اللَّعِبَ َو ُمعَا َش َرةَ أَ ْقرَاِنهِ وَ​َأبُوهُ يُمَكُِّنهُ ِمنْ ذَلِكَ فَإِنَّ ُها‬ ‫أَحَقُّ ِبهِ بِال تَخِْيريٍ وَال ُق ْر َعةٍ‪ ،‬وَكَذَلِكَ اْلعَكْسُ‪ ،‬فمَتَى أَخَلَّ أَحَ ُد‬ ‫ا َألبَ َوْينِ بَِأ ْمرِ اهللِ َورَسُوِلهِ فِي الصَّبِيِّ َوعَطَّ َلهُ‪ ،‬وَاآل َخرُ مُرَاعٍ َلهُ فَهُوَ‬ ‫أَحَقُّ وَأَوْلَى ِبهِ‪.‬‬ ‫خنَا × َيقُولُ‪َ :‬تنَازَعَ َأبَوَانِ صَبِيًّا‬ ‫قال ابن القيِّم‪َ :‬س ِمعْت شَيْ َ‬ ‫َي‬ ‫ِعنْدَ َبعْضِ الْحُكَّامِ فَخََّي َرهُ بَْينَ ُهمَا فَاخْتَارَ َأبَاهُ َفقَاَلتْ َلهُ أُمُّ ُه‪َ :‬س ْلهُ أل ِّ‬ ‫شَيْءٍ يَخْتَارُ َأبَاهُ‪َ ،‬فسَأَ​َلهُ‪َ ،‬فقَالَ‪ :‬أُمِّي تَْبعَُثنِي كُلَّ يَوْمٍ ِللْكُتَّابِ‬ ‫ض ِرُبنِي وَ​َأبِي يَْترُ ُكنِي لِلَّعِبِ َمعَ الصِّبْيَانِ َفقَضَى ِبهِ لِألُمِّ‪،‬‬ ‫وَاْل َفقِيهُ يَ ْ‬ ‫وقَالَ أَْنتِ أَحَقُّ ِبهِ‪.‬‬

‫رواه أبو داود (‪ )773‬من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه‪،‬‬ ‫( ‪)3‬‬ ‫وسنده حسنٌ‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫خنَا‪ :‬وَإِذَا َترَكَ أَحَدُ ا َألبَ َوْينِ َت ْعلِيمَ الصَّبِيِّ وَ​َأ ْم َرهُ الَّذِي‬ ‫قَالَ شَيْ ُ‬ ‫أَوْجَ​َبهُ اهللُ َعلَْيهِ؛ فَهُوَ عَاصٍ وَال وِالَيةَ َلهُ َعلَْيهِ بَلْ كُلُّ َمنْ لَمْ َيقُمْ‬ ‫بِالْوَاجِب فِيْ وِاليَِتهِ؛ َفالْ وِالَيةَ َلهُ‪ ،‬بَلْ إِمَّا أَنْ ُت ْرَفعَ يَدُهُ عَنِ الْوِالَيةِ‪،‬‬ ‫جبِ‪،‬‬ ‫جبَ وَإِمَّا أَنْ يُضَمَّ إلَْيهِ َمنْ َيقُومُ َمعَهُ بِالْوَا ِ‬ ‫َوُيقَامَ َمنْ َي ْفعَلُ الْوَا ِ‬ ‫ب ا ِإلمْكَانِ‪.‬‬ ‫ح َس ِ‬ ‫إ ْذ اْل َمقْصُودُ طَاعَ ُة اهللِ َورَسُوِلهِ بِ َ‬ ‫قَالَ شَيْخُنَا‪ :‬وَلَيْسَ َهذَا الْحَقُّ مِنْ جِنْسِ الْ ِمريَاثِ الَّذِي يَحْصُلُ‬ ‫بِالرَّحِمِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَالءِ سَوَاءٌ كَانَ الْوَارِثُ فَاسِقًا أَوْ صَالِحًا‪ ،‬بَلْ َهذَا‬ ‫ِمنْ جِنْسِ الْوِاليَةِ الَّتِي ال بُدَّ فِيهَا ِمنْ الْ ُقدْ َرةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَاْل ِعلْمِ بِهِ‬ ‫َوِف ْعلِهِ بِحَسَبِ ا ِإلمْكَانِ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬فلَوْ قُدِّرَ أَنَّ األَبَ تَزَوَّجَ امْ َرَأةً ال تُرَاعِي‬ ‫صلَحَةَ ابْنَتِهِ وَال تَقُومُ بِهَا‪َ ،‬وأُمُّهَا أَقْ َومُ بِ َمصْلَحَتِهَا ِمنْ ِتلْكَ الضُّ َّرةِ‬ ‫َم ْ‬ ‫حضَانَةُ هُنَا ِلألُمِّ قَ ْطعًا‪ ،‬قَالَ‪َ :‬ومِمَّا يَْنَبغِي َأنْ ُي ْعلَمَ أَنَّ الشَّارِ َع لَيْسَ‬ ‫فَالْ َ‬ ‫حدِ األَبَ َويْنِ مُ ْطلَقًا وَال تَخِْيريِ الْوَ​َلدِ بَيْنَ‬ ‫عَنْهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي تَ ْقدِيمِ أَ َ‬ ‫ح ُدهُمَا مُ ْطلَقًا‪،‬‬ ‫األَبَ َوْينِ مُ ْطلَقًا‪ ،‬وَاْل ُعلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ َعلَى أَنَّهُ ال يَ​َتعَيَّنُ أَ َ‬ ‫بَلْ ال يُقَدَّمُ ذُو اْل ُعدْوَانِ وَالتَّفْرِيطِ َعلَى اْلبَرِّ الْعَادِلِ الْمُحْ ِسنِ‪ ،‬واهلل‬ ‫أَ ْعلَمُ(‪.)3‬‬ ‫(‪ )3‬زاد املعاد (‪ )746 _ 748/5‬بتصرُّف‪ ،‬املغين‪ ،)237 _ 236/4( :‬وانظر‬ ‫جمموع الفتاوى‪ 730/1( :‬إىل ‪.)723‬‬ ‫‪72‬‬


‫قلت‪ :‬وهذا هو الراجح‪ ،‬وهو قولُ اإلمام مالك كما نقلَ عنه‬ ‫شيخ اإلسالم يف الفتاوى (‪ ،)728/1‬وهو اختيار الشيخ األلباني‬ ‫حيث قال يف تعليقه على الروضة الندية (‪ )110/2‬يف التخيري بني‬ ‫األبوين‪= :‬وينبغي أن ال يكونَ هذا على إطالقِه‪ ،‬بل يُقيَّد مبا إذا‬ ‫حصلت به مصلحة الولد‪ ،‬وإال فال يُلتفتُ إىل اختيار الصيب؛ ألنَّه‬ ‫ضعيف العقل‪.+‬‬ ‫وهذا مذهب ابن حزم كما يف احمللى (‪ ،)151/33‬وهو اختيا ُر‬ ‫الشوكاني كما يف السيل اجلرار (‪.)710/2‬‬ ‫هل يصحُّ تقييد التَّخيري بالبلوغ ؟‬ ‫ال يصحُّ تقييد التَّخيري بالبلوغ‪ ،‬وقوله "‪= :‬أنت أحقُّ به ما مل‬ ‫تنكحي‪ ،+‬فهذه األحقِّيَّة هلا حالتان‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬أن يكون الولد صغريًا مل مييِّز‪ ،‬فهي أحقُّ به مطلقًا من‬ ‫غري ختيريٍ ما مل تنكح‪.‬‬ ‫الثَّانية‪ :‬أن يبلغ سنَّ التَّمييزِ‪ ،‬فهي أحقُّ به أيضًا‪ ،‬لكنَّ هذه‬ ‫األولويةَ مشروطةٌ بشرط‪ ،‬واحلكم إذا عُلِّقَ بشرطٍ صدق إطالقه‬ ‫َّ‬ ‫‪73‬‬


‫اعتمادًا على تقدير الشَّرط‪ ،‬فهي أحقُّ به بشرط اختياره هلا‪ ،‬ولو‬ ‫حمِل على إطالقه الستلزم ذلك إبطال أحاديث التَّخيري‪ ،‬وأمَّا‬ ‫ُ‬ ‫محل احلديث على التَّخيري على ما بعد البلوغ‪ ،‬فال يصحُّ محله‪،‬‬ ‫وقد أجاب ابن القيِّم عن هذا احلمل‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ح ْملُكُمْ أَحَادِيثَ التَّخِْيريِ َعلَى مَا َبعْدَ الُْبلُوغِ فَال يَصِحُّ‬ ‫وَأَمَّا َ‬ ‫جهٍ‪:‬‬ ‫خ ْم َسةِ أَوْ ُ‬ ‫لِ َ‬ ‫حقِي َقةُ‬ ‫أَحَدُهَا‪ :‬أَنَّ َل ْفظَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَيَّرَ غُالمًا بَْينَ َأبَ َوْيهِ‪ ،‬وَ َ‬ ‫حقِيقَِتهِ ِبغَْيرِ‬ ‫اْلغُالمِ َمنْ لَمْ يبلُغ‪ ،‬فحملُه على البالغ إخراجٌ له عن َ‬ ‫جبٍ وَال َقرِيَنةٍ صَا ِرَفةٍ‪.‬‬ ‫مُو ِ‬ ‫الثَّانِي‪ :‬أَنَّ الْبَالِغَ ال حَضَانَة َعلَْيهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُخَيَّرَ اْبنُ‬ ‫َأ ْرَب ِعنيَ َسَنةً بَْينَ َأبَ َويْ ِه ؟ هَذَا ِمنْ اْل ُممَْتِنعِ شَ ْرعًا َوعَا َدةً فَال َيجُوزُ‬ ‫ل الْحَدِيثِ َعلَْيهِ‪.‬‬ ‫حمْ ُ‬ ‫َ‬ ‫جلٍ‬ ‫الثَّاِلثُ‪ :‬أَنَّهُ لَمْ َيفْهَمْ أَحَدٌ ِمنْ السَّا ِمعِنيَ أَنَّ ُهمْ َتنَا َزعُوا فِي رَ ُ‬ ‫كَِبريٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ‪ ،‬وَأَنَّهُ خُيِّرَ بَْينَ َأبَ َويْهِ وَال َيسْبِقُ إلَى هَذَا فَهْمُ أَحَدٍ‬

‫‪74‬‬


‫ألْبَتَّ َة‪ ،‬وَلَوْ ُفرِضَ تَخِْي ُريهُ لَكَانَ بَْينَ ثَالَثةِ َأشْيَاءَ؛ ا َألبَ َوْينِ وَاالْنفِرَادِ‬ ‫ِبَن ْف ِسهِ‪.‬‬ ‫الرَّاِبعُ‪ :‬أَنَّهُ ال ُي ْعقَلُ فِي اْلعَا َدةِ وَال اْل ُعرْفِ وَال الشَّ ْرعِ أَنْ َتنَازَعَ‬ ‫ا َألبَوَانِ فِي رَجُلٍ كَِبريٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ‪َ ،‬كمَا ال ُي ْعقَلُ فِي الشَّرْعِ تَخِْيريُ مَنْ‬ ‫هَ ِذ ِه حَاُلهُ بَْينَ َأبَوَْيهِ‪.‬‬ ‫ص ِغريًا َلمْ‬ ‫الْخَامِسُ‪ :‬أَنَّ فِي َبعْضِ أَْلفَاظِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ َ‬ ‫يَْبلُغْ‪ ،‬ذَ َكرَُه النَّسَائِيُّ‪ ،‬وَهُ َو حَدِيثُ رَاِفعِ ْبنِ ِسنَانٍ‪َ ،‬وفِيهِ‪َ= :‬فجَا َء ابْنٌ‬ ‫ُم‬ ‫جلَسَ النَّبِيُّ " ا َألبَ هَا ُهنَا وَاألُمَّ هَا ُهنَا ث َّ‬ ‫ص ِغريٌ لَمْ يَْبلُغْ فَأَ ْ‬ ‫لَهَا َ‬ ‫خَيَّ َرهُ‪ )3(+‬أ‪.‬هـ‬ ‫ت حضانتِه‪:‬‬ ‫عالقة األبوين باحملضو ِن وق َ‬ ‫إذا حصلت فرقةٌ بني الزوجني‪ ،‬وبينهما مولودٌ‪ ،‬وكان عند‬ ‫أحدِهما؛ فال جيوزُ أن مينعَ أحدهما اآلخر من رؤيته‪ ،‬وهذا أمرٌ‬ ‫متَّفقٌ عليه بني الفقهاء مع اختالفٍ يف بعضِ التفاصيل‪ ،‬فاهلل سبحانه‬ ‫زاد املعاد (‪ ،)740/5‬واحلديث عند النَّسائيِّ يف الصُّغرى (‪،)1775‬‬ ‫( ‪)3‬‬ ‫والكربى (‪ )6151‬من طريق عبد الرَّزَّاق يف املصنَّف (‪ ،)32636‬وسنده صحيحٌ‬ ‫كما تقدَّم‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫أوجبَ صلةَ األرحام فقال‪ :‬ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﭼ (النساء‪.)16 :‬‬ ‫والرسول " قال‪= :‬من فرَّقَ بني والدةٍ وولدِها فرَّقَ اهلل بينه‬ ‫وبني أحبَّتِه يوم القيامة‪.)3(+‬‬ ‫فإذا أصبحَ الولدُ يف حضانةِ أحد األبوين فال يعين انقطاعَه عنهما‪،‬‬ ‫فاألب مسؤولٌ عن نفقتِه وأجرةِ رضاعتِه بنصِّ الكتابِ‪ ،‬قال اهلل‬ ‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝﭼ (البقرة‪:‬‬ ‫‪ ،)211‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫﭼ‬ ‫(الطالق‪ ،)6 :‬ومن حقِّهما زيارةُ ولدِهما‪ ،‬وال يُمَنعُ أحدُهما من‬ ‫تقدمَ أحد‬ ‫ذلك‪ ،‬وهذا ما جرى العمل عليه يف احملاكم الشرعية إذا َّ‬ ‫األبوين بطلبِ حتديد زيارةٍ لطفلِه‪ ،‬وهذا حقٌّ لألبوين‪ ،‬وقرَّ َر الفقهاءُ‬ ‫أنَّ لألب أخذَ احملضونِ من حاضنتِه ليُعلِّمَه ويؤدِّبَه‪ ،‬وحتَّى يعتادَ الولدُ‬ ‫رؤي َة أبيه‪ ،‬وذلك أدعى للربِّ له يف الكربِ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬رواه الرتمذي وقال حديث حسن غريب واحلاكم والدارقطين وقال احلاكم‬ ‫صحيح اإلسناد‪ ،‬وحسَّنه األلباني يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ ،)3476‬وانظر‬ ‫فتاوى اللجنة الدائمة (‪ )285/23‬وجمموع الفتاوى (‪.)06/7‬‬ ‫‪76‬‬


‫قال ابن قدامة‪= :‬وإذا بلغ الغالمُ سبعَ سنني خُِّيرَ بني أبويه فكان مع‬ ‫من اختار منهما‪ ،‬فإن اختار أباه كان عنده ليالً ونهارًا‪ ،‬وال مينع من‬ ‫زيارة أمه وال متنع هي متريضَه‪ ،‬وإن اختارَ أمَّه كان عندها ليالً وعند‬ ‫أبيه نهارًا ليعلِّمَه الصِّناعةَ والكتابةَ ويؤدِّبَه‪ ،‬فإن عاد فاختار اآلخر نقل‬ ‫إليه ثم إن اختار األول رُ َّد إليه‪ ،‬فإن مل خيرتْ أحدهما أُقرِعَ بينهما‪،‬‬ ‫وإن استوى اثنان يف احلضانة كاألختني قُ ِّدمَ أحدهما بالقرعة‪ ،‬وإذا‬ ‫بلغت اجلارية سبعًا كانت عند أبيها وال متنع األمُّ من زيارتها‬ ‫ومتريضها‪.)3(+‬‬

‫النفقة‬ ‫النفقة لغةً‪ :‬قال ابن فارس‪= :‬النون والفاء والقاف أصالن‬ ‫صحيحان‪ ،‬يدلُّ أحدهما على انقطاعِ الشيء وذهابه‪ ،‬والنفقة من‬ ‫هذا ألنَّها متضي لوجهها‪ ،‬والنفقة الدراهم وحنوها من األموال‪.)2(+‬‬ ‫(‪ )3‬انظر املبدع (‪ ،)322/7‬وانظر الفقه اإلسالمي وأدلته (‪.)61/38‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫=مقاييس اللغة‪.)167/5( +‬‬

‫‪77‬‬


‫النفقة شرعًا‪ :‬هي كفاية من ميونُه طعامًا وكسوةً ومسكنًا‬ ‫وتوابعها(‪.)3‬‬ ‫النفقة والسكنى للمطلقة البائن‪:‬‬ ‫إذا طُلقت املرأة؛ فإن كانت يف العدة فلها النفقة والسكنى؛ لقول‬ ‫اهلل تعاىل‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ‬ ‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭼ (الطالق‪ ،)6 :‬وهذا ال خالفَ‬ ‫فيه بني أهل العلم‪.‬‬ ‫فإذا بانت املرأة من زوجِها‪ ،‬سواءٌ كانت بينونةً صُغرى أم كربى؛‬ ‫فال نفقةَ هلا وال سكنى‪ ،‬إال أن تكونَ حامالً؛ فلها النفقةُ؛ لقول اهلل‬ ‫تعاىل‪ :‬ﭽﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭼ‬ ‫(الطالق‪ ،)6 :‬فهذه اآلية تدلُّ على وجوبِ النفقة للحاملِ سواءٌ‬ ‫الرجعي أم البائن‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫عدةِ الطالق‬ ‫كانت يف َّ‬ ‫(‪)3‬‬

‫انظر =توضيح األحكام‪ +‬للبسام (‪.)11/4‬‬ ‫‪78‬‬


‫أمَّا البائنة فقد اختلفَ الفقهاء يف وجوبِ النفقة هلا إذا مل تكنْ‬ ‫حامالً على ثالثةِ مذاهب‪ ،‬وهي ثالثُ رواياتٍ يف مذهب اإلمام‬ ‫أمحد‪.‬‬ ‫أحدها‪ :‬أنَّ هلا السكنى وال نفقةَ هلا‪ ،‬لقول اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭼ (الطالق‪ ،)6 :‬وهذا‬ ‫قولُ مالكٍ والشافعي وفقهاء املدينة السبعة‪ ،‬وهو مذهب عائشة أم‬ ‫املؤمنني‪ ،‬وهو روايةٌ يف مذهب أمحد‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أنَّ هلا السكنى والنفقة‪ ،‬وهذا مرويٌّ عن عمرَ وعبد اهلل‬ ‫بن مسعودٍ‪ ،‬وهو قو ُل أكثر أهل العراق‪ ،‬وابن شربمة‪ ،‬وابن أبي‬ ‫ليلى‪ ،‬وسفيان الثوري‪ ،‬واحلسن بن صاحل‪ ،‬وأبي حنيفة‬ ‫وأصحابِه‪ ،‬وعثمان البتِّي‪ ،‬والعنربي‪ ،‬وحكاه أبو يعلى القاضي يف‬ ‫مفرداتِه روايةً عن اإلمام أمحد‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أنَّه ال نفقةَ هلا وال سكنى‪ ،‬وهذا قول عليٍّ‪ ،‬وعبد اهلل‬ ‫بن عبَّاسٍ‪ ،‬وجابر‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وطاووس‪ ،‬واحلسن‪ ،‬وعكرمة‪،‬‬ ‫وميمون بن مهران‪ ،‬وإسحاق بن راهويه‪ ،‬وداود بن علي‪ ،‬وأكثر‬ ‫‪79‬‬


‫فقهاء أهل احلديث‪ ،‬وهذا ظاهر مذهب اإلمام أمحد‪ ،‬وهذا هو‬ ‫األقربُ إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫طلقَها‬ ‫واستدلَّ أصحاب هذا القول حبديث فاطمة بنت قيس أنَّه َّ‬ ‫زوجُها يف عهد النَّيبِّ " وكانَ أنفقَ عليها نفقةَ دونٍ‪ ،‬فما رأت‬ ‫ذلكَ قالت‪ :‬واهلل ألُعلمَنَّ رسولَ اهلل "؛ فإذا كان لي نفقةٌ؛ أخذت‬ ‫الذي يصلحُين‪ ،‬وإن مل تكنْ لي نفقة؛ مل آخذْ منه شيئاً‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫فذكرتُ ذلك لرسول اهلل " فقالَ‪= :‬ال نفقةَ لك وال سكنى‪.)3(+‬‬ ‫ويف رواية‪= :‬النفقةُ والسكنى للمرأة إذا كان لزوجِها عليها‬ ‫الرجعة‪.)2(+‬‬ ‫ويف رواية‪= :‬ال نفقةَ لك إال أن تكوني حامالً‪.)1(+‬‬ ‫قال ابن القيم‪= :‬وأسعد الناس بهذا اخلرب َمنْ قال به‪ ،‬وأنَّه ال نفقةَ‬ ‫حجةٌ تقاومُه‪ ،‬وال تقاربُه‪.+‬‬ ‫هلا وال سكنى‪ ،‬وليس مع َمنْ ردَّه َّ‬

‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪.)1602( ،)70/3‬‬ ‫(‪ )2‬رواه أمحد (‪ ،)24388‬والنسائي (‪ ،)1781( ،)377/6‬وسنده صحيح‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود (‪ )2278‬بسند صحيح‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫وقال ابن عبد الرب‪= :‬قولُ أمحد بن حنبل ومَن تابعَه أصحُّ‬ ‫نصـًا صرحيًا‪ ،‬فأيُّ شيءٍ يعارضُ‬ ‫وأرجحُ‪ ،‬ألنَّه ثبتَ عن النَّيبِّ " َّ‬ ‫املبينُ عن اهلل مرادَه‪ ،‬وال شي َء‬ ‫هذا إال مثلَه عن النيبِّ " الذي هو ِّ‬ ‫يدفعُ ذلكَ‪ ،‬ومعلومٌ أنَّه أعلمُ بتأويل قول اهلل تعاىل‪ :‬ﭽﭑ‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭼ (الطالق‪ )3(+ )6 :‬أ‪.‬هـ‬

‫***‬

‫(‪ )3‬انظر تهذيب السنن (‪.)240/6‬‬ ‫‪80‬‬


‫ملخص البحث‬ ‫وأخريًا‪ :‬إليك أخي القارئ ملخَّصًا ملا سبق‪:‬‬ ‫وجوب كفالة الطفل‪ ،‬ويُشرتط يف ذلك شروطٌ يف احلاضن‪:‬‬ ‫(اإلسالم والبلوغ والعقل والعدالة واحلرية واحتاد الدار وخلو األم‬ ‫من النكاح)‪.‬‬ ‫‪)1‬‬

‫بد منه لوجهني‪:‬‬ ‫اإلسالم‪ :‬وهذا الشرط ال َّ‬

‫األول‪ :‬أن اهلل تعاىل قطع املواالة بني املسلمني والكفار‪،‬‬ ‫وجعل املسلمني بعضهم أولياء بعض‪ .‬الثاني‪ :‬أن يف عدم‬ ‫اشرتاط اإلسالم خروجًا عن املقصود من احلضانة‪ ،‬وهو‬ ‫حفظ الدين والنفس‪ ،‬وهذا قول مالك والشافعي وسوار‬ ‫العنربي‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫البلوغ‪ :‬ألنَّ الصيبَّ فاقدُ األهلية‪ ،‬وهو حمتاجٌ‬

‫إىل من يصونه‪.‬‬

‫‪82‬‬


‫‪)3‬‬

‫العقل‪ :‬إذ ال تثبت احلضانة ملعتوهٍ وال جمنون‬

‫وكالهما فاقدٌ لألهلية‪ ،‬ويلحق بذلك كل من كان عاجزًا‬ ‫ض كما تقدَّمَ‪.‬‬ ‫عنها لعاهةٍ أو مر ٍ‬ ‫‪)4‬‬

‫العدالة‪ :‬فقد اشرتطها أصحاب أمحد‬

‫والشافعي وغريهم؛ ألنَّ الفاسقَ غريُ موثوقٍ به‪ ،‬واألقرب‬ ‫عدم اشرتاطها؛ وذلك ألمور‪:‬‬ ‫أ ‪-‬‬

‫أنَّ هذا األمر يعسر حصره لكثرة‬

‫الفسَّاق يف كلِّ زمان‪.‬‬ ‫ب ‪-‬‬

‫أنَّه مل يُنقل عن أحد على مدى‬

‫العصور أنَّه انتُزعَ منه ابنه لفسقه‪ ،‬وهو مبنزلة‬ ‫الوالية يف النكاح‪.‬‬ ‫ت ‪-‬‬

‫أن النيب " وأصحابه مل مينعوا فاسقًا‬

‫من تربية ابنه وال من تزوجيه‪.‬‬ ‫ث ‪-‬‬

‫أنَّ الشارع اكتفى بالباعث الطبيعي من‬

‫أن الفاسق حيتاط البنته وال يضيِّعها وحيرص على‬ ‫اخلري هلا ما استطاع‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫ج ‪-‬‬

‫وجود املقتضي يف عهد النيب " ومل‬

‫ُبينْ شيئاً من ذلك مع عموم البلوى به‪.‬‬ ‫ي ِّ‬ ‫‪)5‬‬

‫اشرتاط احلرية‪ :‬وقد اشرتطها احلنفية‬

‫والشافعية واحلنابلة‪ ،‬ورجح ابن القيم عدم اشرتاطها‬ ‫لعدم وجود دليل على ذلك‪ ،‬وهذا قول مالك‪ ،‬وهو‬ ‫األقرب إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫‪)6‬‬

‫احتاد الدار‪ :‬والصواب أنَّه ال يشرتط ذلك‪،‬‬

‫وجيب النظر واالحتياط للطفل يف األصلح له‪ ،‬واألنفع‬ ‫من اإلقامة والنقلةِ‪ ،‬فأيُّهما كان أنفع له وأصون وأحفظ‬ ‫روعي بشرط عدم املضارَّة يف النقلة من أحد األبوين‪،‬‬ ‫وهذا ما رجحه ابن القيم وهو األقرب إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫‪)7‬‬

‫خلوُّ األم من النكاح‪ :‬اختلف أهل العلم يف‬

‫ذلك على أربعة أقوال؛ أقواها وهو مذهب أبي حنيفة‬ ‫ومالك والشافعي وأمحد يف املشهور عنه أنَّ األم إذا‬ ‫نكحت سقطت حضانتها‪ ،‬سواء كان احملضون ذكرًا أم‬ ‫أنثى‪ ،‬وهو الراجح وعليه جتتمع األدلة واهلل أعلم‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫احلضانة حقٌّ لألم أم عليها ؟‬ ‫إذا افرتق الزوجان وهلما ولدٌ طفلٌ ذكرًا كان أم أنثى أو معتوهًا؛‬ ‫فأمُّه أوىل الناس به وأحقُّ الناس بكفالته إذا حتقَّقت الشروط فيها‪،‬‬ ‫وهذا قول حييى بن سعيد والزهري والثوري ومالك والشافعي وأبي‬ ‫ثور وأصحاب الرأي‪ ،‬وهذا ما رجحه ابن القيم‪ ،‬وهو األقرب إن‬ ‫شاء اهلل‪.‬‬ ‫هل النكاح تعليل أم توقيت ؟‬ ‫يف هذه املسألة خالفٌ‪ ،‬قال مالك‪ :‬إذا تزوجت املرأة ودُخلَ بها‬ ‫مل يعدْ حقّها من احلضانة وإن طُلِّقت‪ ،‬واجلمهور على خالفه‪،‬‬ ‫وهو قول الشافعي وأمحد وأبي حنيفة واحلسن بن حي‪ ،‬وقال‬ ‫بذلك بعض أصحاب مالك؛ ألن قوله "‪= :‬ما مل تنكحي‪ +‬تعليلٌ‬ ‫والعلة النكاح‪ ،‬واحلكم إذا ثبت بعلة زال بزوالِها‪ ،‬وكذلك كل من‬ ‫قام به من أهل احلضانة مانعٌ ككفرٍ أو رقٍّ أو فسقٍ أو بدوٍ‪ ،‬فإن‬ ‫زالت املوانع عاد حقُّهم‪ ،‬وكذلك النكاح والفرقة‪ ،‬وهذا اختيار ابن‬ ‫القيم‪ ،‬وهو املختار إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫لكن ال ترجع هلا احلضانة وتوقف إىل انقضاء عدتها وتبني منه‬ ‫كون الرجعية زوجة يف عامة األحكام‪ ،‬فإنه يثبت بينهما التوارث‬ ‫والنفقة ويصح منها الظهار واإليالء وغري ذلكما تقدَّم‪ ،‬وهذا قول‬ ‫أبي حنيفة واملزني؛ ألنَّ الرجعيةَ غريُ حمرَّمةٍ جتري عليها أحكامُ‬ ‫الزوجية كما تقدَّم‪.‬‬ ‫هل يسقط حقُّها مبجرَّ ِد العقد ؟‬ ‫فيها قوالن ألهل العلم‪ ،‬واألقرب سقوط حضانتها بالعقد؛ ألنَّها‬ ‫صارت حينئذٍ يف مظنَّة االشتغال والتهيُّئ للدخول وأسبابه‬ ‫ومقدماته‪ ،‬وألن الزوجَ ميلك بالعقد منافعها‪ ،‬وله منعها من‬ ‫حضانته كما لو دخل بها‪ ،‬وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة‪.‬‬ ‫الوالية على الطفل‪:‬‬ ‫قسَّ َم أهل العلم الوالي َة إىل قسمني‪:‬‬ ‫‪)1‬‬

‫والية من جهة األب‪ :‬وهي والية املال‬

‫والنكاح‪.‬‬

‫‪86‬‬


‫‪)2‬‬

‫والية من جهة األم وقد قُدِّ َم كلٌّ من األبوين يف‬

‫أن‬ ‫ما جُعل له من ذلك لتمام مصلحة الولد‪ ،‬واحلقُّ َّ‬ ‫احلضانةَ والية من الواليات ال يليها إال األصلح فيها‪،‬‬ ‫والصالح يعود إىل القيام بشؤون احملضون وحتمل مؤنته‪،‬‬ ‫وتربيته‪ ،‬والشرع ال يقصد من تقديم أحد على أحد‬ ‫مبجرد القرابة‪ ،‬وإمنا يُقدِّم من هو األوىل فيها واألقدر‬ ‫عليها واألصلح هلا‪ ،‬وهذا مراد العلماء مهما اختلفت‬ ‫عباراتهم وترتيبهم‪ ،‬وانظر توضيح األحكام (‪.)54/6‬‬ ‫األحق باحلضانة بعد الوالدين‪:‬‬ ‫ألهل العلم يف ذلك قوالن‪:‬‬ ‫أحدهما‪ :‬تقديم أقارب األم على أقارب األب‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬تقديم أقارب األب على أقارب األم‪ ،‬وهو األصح‬ ‫دليالً‪ ،‬وهذا ما رجَّحَه شيخ اإلسالم‪ ،‬وألنَّ األم إنَّما قُدمت لكونها‬ ‫أنثى ال ألنَّ جهتها مقدمة‪ ،‬وهي روايةٌ يف مذهب الشافعي وأمحد‪،‬‬ ‫ورجَّح ذلك ابن القيم يف الزاد‪ ،‬وهذا الذي قضى به سيد قضاة‬

‫‪87‬‬


‫اإلسالم شريح‪ ،‬وهذا هو األقرب إن شاء اهلل‪ ،‬وهو مذهب‬ ‫األوزاعي كما تقدَّمَ‪.‬‬ ‫سن التخيري بني األبوين‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫إذا بلغَ الطفل سنَّ التمييز _ وهو سبع سنني _‪ ،‬واستغنى عن‬ ‫ُخيرُ بني أبويه؛ فمَن اختاره‬ ‫خدمة النساء‪ ،‬وتنازعَ فيه األبوانِ ي َّ‬ ‫منهما؛ فهو أوىل به‪ ،‬وهذا مذهب الشافعي وهو املشهور من مذهب‬ ‫اإلمام أمحد‪ ،‬وهو قول إسحاق‪.‬‬ ‫ُخيرُ إذا بلغَ سنَّ اخلامسة‪ ،‬ومدار احلكم على نفس‬ ‫وقيل‪ :‬ي َّ‬ ‫التمييز ال على سنِّه‪ ،‬كما رجَّحَ ذلك النووي يف الروضة‪ ،‬وهذا‬ ‫ظاهر كالم ابن القيم‪ ،‬وهو األقرب إن شاء اهلل‪ ،‬لكن يُراعى فيه‬ ‫الغالب وهو السبعُ‪.‬‬ ‫إذا خُيِّ َر الطفل فلم خيرتْ‪ ،‬أو اختارهما مجيعًا‪:‬‬ ‫إذا بلغ الطفل حدَّاً يُعرب فيه عن نفسه‪ ،‬واستغنى عن خدمة‬ ‫النساء تساوَ األبوان وزال السبب املوجبُ لتقديم األم‪ ،‬فال يُقدَّمُ‬ ‫أحدهما إال مبرجِّحٍ‪ ،‬وهما أمران‪:‬‬ ‫‪88‬‬


‫األول‪ :‬التمييز‪ ،‬وقد تقدَّمَ‪ ،‬وهذا يكون باختيار الطفل‪ ،‬وهو‬ ‫أَّولُ ما يُصار إليه‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬القرعة‪ ،‬وال يُصار إليها إال إذا عُدِمَ األوَّل‪ ،‬وبهذا جاءت‬ ‫السنة املطهرة‪.‬‬ ‫هل األنثى تُخيَّ ُر كما يُخيَّر الغالم ؟‬ ‫اختلف أهل العلم على ذلك على قولني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن األنثى ختيَّر كما يُخيَّر الغالم‪ ،‬وهذا قول اإلمام‬ ‫الشافعي‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أنَّ البنت ال تُخيَّر‪ ،‬وإنَّما تكون عند أبيها‪ ،‬وهذا مذهب‬ ‫اجلمهور منهم األئمة الثالثة وإسحاق‪ ،‬وهو اختيار شيخ اإلسالم‬ ‫وابن القيم‪.‬‬ ‫اعتبار القدرة يف احلاضن على احلفظ والصيانة‪:‬‬ ‫البدَّ من اعتبار القدرة على احلفظ والصون‪ ،‬وهذا هو املقصود‬ ‫من احلضانة‪ ،‬ف َمنْ قُدِّمَ من األبوين بتخيريٍ أو قرعةٍ وكان مهمالً‬ ‫لذلك أو عاجزًا عنه أو غري مرضيٍّ أو ذا دياثةٍ واآلخر خبالفه؛‬ ‫‪89‬‬


‫فيُجعلُ عنده‪ ،‬وال التفات إىل قرعةٍ أو ختيريٍ‪ ،‬وهذا مذهب اإلمام‬ ‫مالك وأمحد‪ ،‬وهو اختيار شيخ اإلسالم وابن القيم‪ ،‬وهو املختار‬ ‫إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫عالقة األبوين باحملضون وقت احلضانة‪:‬‬ ‫إذا حصلت فرقةٌ بني الزوجني وبينهما مولودٌ فكان عند أحدهما؛‬ ‫فال مينع أحدهما اآلخر من رؤية الطفل ملا فيه من اإلغراء بالعقوق‬ ‫وقطيعة الرحم‪ ،‬وهذا من حماسن الشريعة‪ ،‬وذلك بإمجاع أهل‬ ‫العلم‪.‬‬ ‫النفقة والسكنى للمطلقة البائن‪:‬‬ ‫ب هلا النفقةُ‬ ‫عدتِها الرجعية؛ فيج ُ‬ ‫إذا طُلِّقت املرأة وكانت يف َّ‬ ‫والسكنى‪ ،‬فإذا بانت منه؛ فليس هلا نفقةٌ وال سكنى إال أن تكونَ‬ ‫حامالً فلها النفقةُ‪ ،‬وإن كانت مرضعًا وطلبت النفقةَ تُعطَ وقد أمر‬ ‫اهلل بذلك يف القرآن‪.‬‬ ‫هذا واهلل أعلم‪ ،‬وأسأل اهلل أن ينفع بها املسلمني‪ ،‬وصلَّى اهلل‬ ‫على نبيِّنا حممَّ ٍد وعلى آله وصحبه وسلَّم‪.‬‬ ‫حرِّر بتاريخ‪ 3715 / 6 / 0 :‬هـ | ‪ 2837 / 7 / 4‬م‬ ‫‪91‬‬


‫الفهرس‬ ‫الصفحة‬

‫املوضوع‬ ‫مقدمة‬

‫‪3‬‬

‫حقوق الطفل‬

‫‪3‬‬

‫أوالً‪ :‬حقُّ احلياة‬

‫‪3‬‬

‫ثالثًا‪ :‬حقُّ الرِّضاع‬

‫‪5‬‬

‫رابعًا‪ :‬حقُّ النَّفقة‬

‫‪6‬‬

‫خامسًا‪ :‬حقُّ الوالية‬

‫‪7‬‬

‫سادسًا‪ :‬حقُّ الرَّمحة‬

‫‪9‬‬

‫من أحكام احلضانة‬

‫‪11‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف احلضانة لغةً‬

‫‪11‬‬

‫ثانيًا‪ :‬احلضانة اصطالحاً‬

‫‪11‬‬

‫ثالثًا‪ :‬مشروعية احلضانة‬

‫‪11‬‬

‫‪90‬‬


‫رابعًا‪ :‬وجوب حضانة الطِّفل وكفالته‬

‫‪11‬‬

‫خامسًا‪ :‬شروط احلضانةِ‬

‫‪15‬‬

‫الشَّرط األول اإلسالم‬

‫‪16‬‬

‫الشَّرط الثاني البلوغ‬

‫‪11‬‬

‫الشَّرط الثَّالث العقل‬

‫‪11‬‬

‫الشَّرط الرَّابع العدالة‬

‫‪11‬‬

‫الشَّرط اخلامس اشرتاط احلرِّيَّة‬

‫‪11‬‬

‫الشَّرط السَّادس اتِّحاد الدَّار‬

‫‪16‬‬

‫الشَّرط السَّابع خلوُّ األم من النِّكاح‬

‫‪12‬‬

‫احلضانة حقٌّ لألم أم عليها ؟‬

‫‪32‬‬

‫هل نكاح األمِّ تعليلٌ أم توقيت ؟ وما يرتتَّب عليه‬

‫‪14‬‬

‫مسألة‪ :‬يبقى النظ ُر والنزاع‪ :‬هل ترجعُ احلضانة‬ ‫مبجردِ الطالق أم بوقفه إىل‬ ‫َّ‬ ‫للمطلَّقة الرَّجعيَّة‬

‫‪11‬‬

‫انقضاءِ عدَّتِها حتَّى تبنيَ منه بينون ًة صغرى ؟‬ ‫هل يسقط حقُّها بالنِّكاح مبجرَّد العقد‪ ،‬أو بالعقد‬ ‫مع الدُّخول؟‬ ‫‪92‬‬

‫‪13‬‬


‫إذا ادَّعت املرأة أنَّها طلِّقت‬ ‫هل أمُّ الزَّوجة تقوم مقام الزَّوجة يف االدِّعاء أمام‬ ‫القاضي ؟‬

‫‪11‬‬ ‫‪16‬‬

‫الوالية على الطِّفل‬

‫‪17‬‬

‫األحقُّ باحلضانة بعد الوالدين‬

‫‪19‬‬

‫فَصْلٌ‪ :‬احلكم باحلضانة من النَّيبِّ " يف هذه القصَّة‬ ‫هل وق َع للخالة أم جلعفر ؟‬

‫‪53‬‬

‫سنُّ التَّخيري بني األبوين‬

‫‪52‬‬

‫إذا خيِّر الطِّفل فلم خيرتْ‪ ،‬أو اختارهما مجيعًا‬

‫‪65‬‬

‫هل األنثى ختيَّر كما خيِّر الصَّيبُّ ؟‬

‫‪67‬‬

‫هل يعترب يف األب القدرة على احلفظ والصِّيانة؟‬

‫‪74‬‬

‫هل يصحُّ تقييد التَّخيري بالبلوغ ؟‬

‫‪73‬‬

‫ت حضانتِه‬ ‫عالقة األبوين باحملضونِ وق َ‬

‫‪75‬‬

‫النفقة والسكنى للمطلقة البائن‬

‫‪72‬‬

‫ملخص البحث‬

‫‪21‬‬

‫الفهرس‬

‫‪91‬‬

‫‪93‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.