مجلة الملحدين العرب: العدد الثاني عشر / شهر نوفمبر / 2013

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫العدد الثاين عرش من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر نوفمرب لسنة ‪2013‬‬

‫نوال السعداوي‬ ‫في حوار مع‬ ‫نضوج فهمنا للكون‬ ‫احلدائق اخلفية‬ ‫إلساءة ألي امرأة هي إساءة‬ ‫لكل امرأة!‬ ‫وفاء سلطان‬

‫نحو علم خارق جديد‬ ‫إنتاج مجلة امللحدين‬ ‫العرب‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها نشر‬ ‫أفكار امللحدين العرب على إختالف توجهاتهم‬ ‫السياسية و العرقية بحرية كاملة‬ ‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود فردية‬ ‫وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة تعتبر‬ ‫مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية و ناحية‬ ‫حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية‬


‫رئيس التحرير‪:‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬

‫‪ ............................................. Gaia Athiest‬كيف أستطيع حترير امرأة‬ ‫تتكحل بعبوديّـتها ؟‬ ‫وتعتبر قيودها أساور من ذهب‬ ‫تخشخش في معصميها ؟" – نزار قباني‪.‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬ ‫‪...............................................John Silver‬‬ ‫عادل أحمد ‪..................................................‬‬ ‫الغراب احلكيم ‪..............................................‬‬ ‫‪........................................ Sameer Samee‬‬ ‫‪.............................................. Zoro Diego‬‬ ‫‪........................................ Syrian Atheists‬‬ ‫‪........................................ McKie Theman‬‬ ‫‪............................................ Atheism Era‬‬ ‫‪..................................... Mohamad Ahmed‬‬ ‫عقالني عقالني ‪.............................................‬‬ ‫‪........................................ Shakek Altaher‬‬ ‫‪................................................ Leo Atheo‬‬ ‫‪.....................................Alia`a Damascéne‬‬ ‫‪..................................... Alnajafi Atheistic‬‬ ‫بار مان‪........................................................‬‬

‫كانت املرأة تتبوَّأ مكان ًة عالية في امليثولوجيا القدمية‪ ،‬فهي‬ ‫اإللهة املعبودة املُق ّدسة‪ ،‬وبالرغم من رمزي ّ ِة هذه املكانة‪،‬‬ ‫إال أنّها تُعطينا فكرةً ُمجمل ًة عن الفرق بني الديانات‬ ‫االبراهيمية وديانات الشرق األخرى‪.‬‬ ‫ت من فراغ فهي األم التي حتمل‬ ‫هذا التكرمي للمرأة لم يأ ِ‬ ‫احلياة بداخلها ومتنحها الرعاية واحلنان‪ ،‬وهي التي فتنت‬ ‫األدباء والرسامني والفنّانني على مر ِّ العصور‪،‬‬ ‫حتت لها‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫القصائد‬ ‫فرُسمت لها اللوحات وكُتبت فيها‬ ‫ُ ِ‬ ‫التماثيل وزُخرفت املتاحف بكل أشكال اإلبداع الذي كانت‬ ‫ملهم ُته امرأة‪ ،‬ولكن وبنظرة ال تخيب إلى بالدنا‪ ،‬جن ِ ُد املرأة‬ ‫مثال ً تعاني من اخلتان وتشويه أعضائها وتُدافع عن حقّ ها‬ ‫في احلياة هنا‪ ،‬و تُصارع اجملتمع جملرد أن تتمكّن من قيادة‬ ‫السيارة هناك!‬ ‫فمن املسؤول يا تُرى؟ هل هو املجُتمع؟ أم الدِّين؟ أم املرأة‬ ‫نفسها؟‬ ‫الكُلُّ‬ ‫طبعا‪ ،‬ولكن املرأة هي املُالم األكبر‪ ،‬ولو مترّدت‬ ‫مسؤولون‬ ‫ً‬ ‫وألصبح الدِّين ُمجرّد نصوص‬ ‫املرأة خلضع املجُتمع لرغبتها‬ ‫َ‬ ‫خنوعهن وقبولهن بالذل‬ ‫خر‪ ،‬لوال‬ ‫ِ‬ ‫ورق ال تُقدَّم وال تُؤ ِّ‬ ‫على ٍ‬ ‫والهوان لكان احلال أفضل كثيرًا‪ ،‬ألنه ُمقابل كل امرأة‬ ‫الظلم هنالك امرأة أُخرى تحُ ّبط من عزميتها‬ ‫تقف في وجه ُّ‬ ‫وتهاجمها وتقف لها باملرصاد!‬ ‫حطمت قيدها هنالك امرأة تقع في غرام‬ ‫مقابل كل امرأة ّ‬ ‫جانِها!‬ ‫َس َّ‬ ‫ُمقابل كل امرأة ترفض أن يتزوّج زوجها عليها هنالك امرأة‬ ‫تقبل بذلك!‬ ‫ُمقابل كل امرأة تُنادي بأقصى العقوبات على من يضرب‬ ‫زوجته هنالك امرأة تتنازل عن حقّ ها في احملكمة!‬ ‫وإلى أن يغلب عدد النساء من الطرف األول على نساء الطرف‬ ‫تغيرًا ملحوظً ا في بالدنا‪ ،‬وسنبقى ندور في‬ ‫الثاني لن نرى ُّ‬ ‫مكاننا‪.‬‬ ‫فاحلُرية تٌنتزع وال تمُ نح يا صديقتي!‬

‫‪..............................................Ghaith Jabri‬‬

‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪.............................................................. Wissem‬‬ ‫‪.......................................................... Lily Queen‬‬ ‫‪.................................................Abdullah Hussein‬‬

‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫‪4‬‬

‫جتربتي مع االقتصاد اإلسالمي‬ ‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫‪15‬‬

‫أسئلة جريئة مع بسام بغدادي‬

‫‪22‬‬

‫نوال السعداوي ‪ ....‬في حوار مع‬

‫‪26‬‬

‫إلساءة ألي امرأة هي إساءة لكل امرأة!‬ ‫وفاء سلطان‬

‫‪36‬‬

‫جاذبية األرض و جاذبية املرأة‬ ‫محمد ماجد ديوب‬

‫‪41‬‬

‫للتوثيق‬ ‫شريف جابر‬

‫‪44‬‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬احلدائق اخلفية‬ ‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫‪45‬‬

‫هل اإلسالم دين أم فيل أبيض‬ ‫‪Leo Atheo‬‬

‫‪61‬‬

‫نحو علم خارق جديد‬ ‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫‪70‬‬

‫عشرة مساويء للتطور‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫‪78‬‬

‫أوهام حصانة النظرية و فشل الواقع‬ ‫‪Nesat Fz‬‬

‫‪87‬‬

‫‪3‬‬


‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬ ‫ُخصص بعض التعاليم‬ ‫ما الحكمة من أن ت َّ‬ ‫األخالقية للمرأة وأخرى للرجل؟ كأن يُقال‪ :‬يجوز‬ ‫للرجل فعل ذلك لكن ال يجوز للمرأة والعكس‪.‬‬ ‫رس االزدواجية يف تعاليم األخالق بني املرأة‬ ‫ما ّ‬ ‫والرجل يف العرف الديني خاص ًة؟ أم أ ّن الدين‬ ‫مج ّرد مرآ ٍة تعكس واقعنا؟ أليس من املفرتض أن‬ ‫يكون مفهوم اإلثم أو "الخطيئة" موح ًدا؟ أم أ ّن‬ ‫هناك خطيئ ٌة زرقاء وخطيئ ٌة ورديّة؟‬ ‫تبايناتٌ جسدي ٌة ونفسية‪ ،‬حق ٌد أزيل‪ ،‬مغاال ٌة‬ ‫يف الحب والحرص‪ ،‬أزمة ثقة‪ ،‬أم من املمكن‬ ‫ٍ‬ ‫موروثات اجتامعي ٍة نتيج ًة‬ ‫اختصار كل ذلك بـ‬ ‫لكل هذه األسباب مجتمعة؟‬ ‫أي من هذه األسباب آنفة الذّكر يكمن خلف‬ ‫ٌّ‬ ‫شيطنة املرأة عرب العصور ومعاملتها بهذه‬ ‫ال ّدونية؟‬ ‫هل الدين بري ٌء فعالً باعتباره استلم واق ًعا جاه ًزا‬ ‫ٍ‬ ‫صح التعبري‪ُ -‬ح ّددت فيه هذه‬ ‫بإرث ثقيلٍ –إن ّ‬ ‫التباينات مسبقًا؟ يف الحقيقة‪ ،‬هذا أم ٌر يتشارك‬ ‫فيه الغرب والرشق واألديان االبراهيمية الثالث‪.‬‬ ‫من يطّلع عىل كتاب د‪.‬جون غراي (النساء من‬ ‫ال ُّزهرة والرجال من املريخ) يدرك فعالً أننا أمام‬ ‫كائنني من كوكبني مختلفني‪.‬لكن‪...‬‬

‫‪4‬‬


‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫رس هذا الكيل الجائر مبسألة األخالق األنثوية‪ ،‬أو باألحرى لنحاول فهم‬ ‫لنحاول العودة إىل بداية الحياة‪ ،‬لنحاول فهم ّ‬ ‫ماهيّة األخالق بالدرجة األوىل‪ .‬فقد ربط الفيلسوف األملاين (إميانوئيل كانط) منشأ األخالق بالسعادة‪ ،‬لكنه بنفس‬ ‫ٍ‬ ‫كمقياس للخري والرش‪ ،‬واستبعد كانط أن‬ ‫نصل العاطفة كمرجعٍ لألخالق باعتبارها متغري ًة نسب ًيا‪ ،‬وال تصلح‬ ‫الوقت ّ‬ ‫تكون السعادة الذاتية أو املنفعة هي لتحرير السلوك األخالقي من قيود امليول واألهواء ( كتاب تأسيس ميتافيزيقيا‬ ‫األخالق‪ -‬كانط)‪ .‬لكننا نجد أ ّن املجتمع اإلنساين بحسب تعامله مع املرأة وبنظرته لها اتبع من حيث يدري أو ال يدري‬ ‫مبدأ تحقيق السعادة الذاتية للرجل‪ ،‬للرجل فقط‪.‬‬ ‫السؤال هنا‪ :‬أليس من أه ّم ما ميكن أن نبدأ به تعريف‬ ‫األخالق هو العدل واتباع منه ٍج مو ّح ٍد إنسان ًيا؟ مثالً‪:‬‬ ‫بنفس القدر الذي نرفض فيه بديه ًيا أن ُيقال‪ :‬ال يجوز‬ ‫ألسود البرشة فعل هذا أما األبيض فيجوز له أو العكس‪.‬‬ ‫فعلينا أن نستهجن ازدواجية معايري األخالق بني الجنسني‬ ‫أيضاً‪ .‬وبالعودة بالصورة إىل البداية‪:‬‬ ‫الرجل كان يذهب إىل الصيد ليأيت بالطعام والكساء‪،‬‬ ‫واملرأة تالزم البيت واألطفال‪ ،‬اختالف هذه املهام جاء‬ ‫أوالً من االختالف الجسدي بينهام مماّ خلق اختالف‬ ‫املهام بطبيعة الحال‪ ،‬لكن ماالذي خلقه اختالف هذه‬ ‫املهام؟ هل السبب يعود لغياب اإلنصاف يف توزيعها‬ ‫من وجهة نظر أحدهام أو رمبا كليهام؟ هل من املمكن‬ ‫أن نعزو هذه السلطة الذكرية إىل زمنٍ ورث الذكر منه‬ ‫اعتدا ًدا بالنفس مرجعه أ ّن مجابهة الوحوش وصعوبة‬ ‫الصيد مبا فيه من مخاطر ٍة ال توازي طهي الطعام وحياكة‬ ‫الثياب أو حتى إنجاب األطفال وتربيتهم؟ فتعامل مع‬ ‫آالم املرأة الجسدية من باب الشفقة‪ ،‬لذا نشأ شعور‬ ‫الرغبة باحتضانها واحتوائها؟ أم أ ّن القوة العضلية والبنية‬ ‫الجسدية له ولّد لديه شعو ًرا باالستمتاع بلذّة التسلط‬ ‫فيام بعد واالستعالء واإلحساس بتلك الفوقية؟‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪5‬‬


‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫فموضوع ثورة املرأة عىل ما ُسمي الحقًا بالظلم أو االضطهاد بحقها هو حديث العهد نسب ًيا‪ ،‬فقد كنا نرى أن الكيل‬ ‫مبكيالني عرب التاريخ مل يُرث حفيظة املرأة كام اليوم أو عىل األقل مل يكن بهذه القوة والوضوح أو رمبا قد ُعتّم عليه! ففي‬ ‫التاريخ اإلسالمي مثالً مفهوم الجواري كان أم ًرا مستساغًا‪ ،‬كلنا اعتاد رؤيته ّن يف السينام أو الدراما التاريخية يجالسن‬ ‫الخلفاء و(أمراء املؤمنني) وبكل فخ ٍر ودون أن ينتقص ذلك من وزن هذا الخليفة األخالقي أو ذاك امللقب (بأمري‬ ‫ٍ‬ ‫املؤمنني)! لكن ما هو موقف الحرائر وزوجات الخلفاء من الجواري؟ أكُ ّن بوقارهن مثري ٍ‬ ‫كئيبات وتقترص‬ ‫ات للملل؟ أك ّن‬ ‫ٍ‬ ‫شت‬ ‫مهامه ّن عىل اإلنجاب وه ّن‬ ‫قنوعات بهذه املهمة عن رضا أم عن تسليم أم هناك حاالتٌ فردي ٌة من التم ّرد ُه ّم ْ‬ ‫يل متأل‬ ‫عن قصد ومل ترقى ألن تكون قضي ًة ت ُذكر يو ًما؟! لقد كان حفيف حرير مالبسهن وعطوره ّن الزكية و ِوسوسة ال ُح ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أي اعرت ٍ‬ ‫امتعاض يُذكر؟!‬ ‫اض أو‬ ‫البالط أمام أعني زوجات الخلفاء وتحت ناظرهن دون ّ‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫رشب املجتمع يف ذاك الوقت مفهوم الجارية وز ُّج بالعقول والضامئر حتى كاد أن يصبح طبيع ًيا‪ ،‬ونكاد نجزم أ ّن‬ ‫لقد ت ّ‬ ‫داخل كل امرأ ٍة إىل هذا اليوم جارية‪ .‬منه ّن من قررت عزلها أو تخديرها يف داخلها‪ ،‬ومنه ّن من استسلمت لها‪ ،‬ومنه ّن‬ ‫من ال زالت ترتنّح بني رغبتها بأن تنفض عنها غبار االستعباد وبني الخوف من أن تخرسأنوثتها‪ ،‬هم يقنعونها أنها تخاطر‬ ‫خصها إلهها به‪ ،‬ناهيك عماّ ورثته أ ّن استقاللها قد يفقدها الجاذبية يف عني الرجل‪،‬‬ ‫بأن ترت ّجل عن عرش التكريم الذي ّ‬ ‫الرجل الذي يح ّدد مسار حياتها وهويتها دون أن تشعر‪ ،‬كام يف واحد ٍة من روائع قصص األديب الرويس الساخر أنطون‬ ‫تشيخوف (الحبوبة) حيث تتجىل إحدى الصور التي كانت أصدق ما ُعبرّ عن تبعية املرأة لرشيك حياتها وفقدانها‬ ‫لهويتها الذاتية مع الزمن‪ ،‬حيث يروي قصة امرأ ٍة ترت ّمل عدة م ّرات‪ ،‬فتستغرق يف شخصية الزوج إىل ح ّد الذوبان والفناء‬ ‫يف كل مرة ‪ ،‬فم ّر ًة (ح ّدادة)‪ ،‬ومر ًة ( ن ّجارة)‪ ،‬ومر ًة (معلّمة)‪ ،‬حسب مهن أزواجها املتتابعني‪ ،‬إنها باختصار ظل‪ ،‬وال تدري‬ ‫كيف تلتفت إىل ذاتها فتمنحها ملن يستخدمها كام يشاء! هي مل متلك الوقت أو الفرصة رمبا يك تتع ّرف إىل ذاتها!‬ ‫‪6‬‬


‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫لن ن ّربئ باقي الديانات والحضارات من تهميشها للمرأة ومن تحقريها أو شيطنتها يف بعض األوقات‪ .‬فحتى أفالطون‬ ‫الفيلسوف الرمز يف إحدى األزمنة‪ ،‬قد رسم جمهوريته يف كتابه الشهري (جمهورية أفالطون) مرتبًا طبقاتها باألفضلية‬ ‫كالتايل‪ " :‬الفالسفة‪ ,‬القادة العسكريون‪ ,‬التجار‪ ,‬الفالحون‪ ،‬الخدم! (دون ِذك ٍر رصي ٍح للنساء حتى بعد الخدم!)‪...‬فال‬ ‫الفلسفة وال األديان "ذلك التوأم" أنصفتا املرأة! فهل انعكس ذلك عىل املجتمع أم أ ّن الجواب األفضل أ ّن ذلك هو‬ ‫انعكاس عن املجتمع أصالً؟ سنبدأ بأوىل االحتامالت التي من املمكن أن تكون خلف هذه النظرة ال ّدونية‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫تباينات جسدية و نفسية‬

‫جسدي ونفيس‪ ،‬أي كام سبق وقلنا بأ ّن بنية املرأة الجسدية هي وراء االختالف يف بعض‬ ‫لنبدأ بافرتاض أ ّن السبب‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫الختالفات جسدي ٍة حقاً؟ االختالفات بني الذكر‬ ‫املتطلبات األخالقية‪ ،‬لكن هل من املمكن أن يختلف مفهوم األخالق تب ًعا‬ ‫ٍ‬ ‫اختالف عىل املستوى الصبغي فقط‪ .‬لكن ما شأن موضوع األخالق بهذا؟‬ ‫واألنثى مر ّدها يف األصل إىل‬

‫تستحرضنا هنا قص ٌة تروى عن أنه يف إحدى القبائل‬ ‫بإحدى الجزر التابعة إلحدى القارات املطلّة عىل‬ ‫أحد املحيطات املتبعة إلحدى املعتقدات‪ ،‬يُقال أنه‬ ‫يف عرف تلك القبيلة يُباح الكذب للرجال فقط أما‬ ‫املرأة فقد تصل العقوبة بحال كذبت عىل زوجها‬ ‫خصوصا إىل لدغة عقرب كعقوبة عىل فعلتها هذه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أما الرجل فال إثم عليه لو كذب عند الرضورة‬ ‫وخاص ًة عىل زوجته‪ ،‬حسب اعتقادهم رمبا يكون‬ ‫رض بالعائلة‪ .‬ويف‬ ‫الكذب أحيانًا اتقا ًء ملشكل ٍة قد ت ّ‬ ‫غياهب تلك القبيلة أيضاً يُباح للمرأة الرسقة أما‬ ‫الرجل فهذا عا ٌر كب ٌري عليه إ ْن فعل‪ ،‬ويربرالحكامء‬ ‫ضعيف جسديًا ويف حال‬ ‫ذلك إىل أ ّن املرأة كائ ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫غياب معيلٍ لها فمن حقها املرشوع الرسقة يك‬ ‫أخامسا بأسداس‬ ‫تعيش‪ .‬طب ًعا وقبل أن ترضبوا‬ ‫ً‬ ‫فإ ّن هذه القبيلة هي افرتاضي ٌة وغري موجودة‪،‬‬ ‫لكنه ليس سوى ٌ‬ ‫مثال بسي ٌط رضبناه يك نجلس‬ ‫مع أنفسنا للحظة ونسأل‪ :‬هل األخالق تتبع نوع‬ ‫الجنس حقاً يف بعض الحاالت؟‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪7‬‬


‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫ٍ‬ ‫أيضا؟ قد‬ ‫عندما يعترب اإلله أنه من حق الرجل معارشة عدة نسا ٍء تحت‬ ‫مسميات مختلف ٍة فل َم ال يجوز ذلك للمرأة ً‬ ‫ينتفض جسدك لدى سامع هذا االحتامل‪ ،‬ولكن لو عدت بنفسك قليالً إىل الطبيعة النقية فمن الواجب عليك أن‬ ‫تنتفض من فكرة تعدد األزواج بح ّد ذاتها وليس فقط ألحد الجنسني! فكلمة زوج لو استع ّنا باللغة العربية لرشحها تعني‬ ‫ٍ‬ ‫زوجات لعدة أزواج‪ ،‬أما‬ ‫بالرضورة "اثنان" وعندما أقول زوجات وأزواج فيجب أن يكون لغويًا املقصود من الكالم عدة‬ ‫(بغض النظر‬ ‫أن يُقال ٌ‬ ‫رجل وزوجاته! فمن قبل أن أتناول األمر أخالق ًيا هو فاس ٌد لغويًا‪ ،‬وهو متا ًما كقويل امرأ ٌة وأزواجها! ّ‬ ‫عن أ ّن السبب يف استهجان ذلك يعود ملسألة تحديد نسب األبناء) لكننا نتناولها من املنطلق األخالقي والترشيعي هنا‪.‬‬ ‫إذا ً األسباب العضوية يف معايري األخالق غري منطقي ٍة‪.‬‬ ‫لنذهب إىل األسباب النفسية‪ ،‬هل حقًا سبب اعتبار ٍ‬ ‫أخالقي بالنسبة للمرأة‬ ‫أخالقي بالنسبة للرجل وغري‬ ‫سلوك ما بأنه‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ألسباب نفسي ٍة أو لبعض اإلفرازات املتباينة يف الجهاز العصبي بني املرأة والرجل؟ مثالً يف اإلسالم تُع ّد‬ ‫قد يكون تاب ًعا‬ ‫ٍ‬ ‫شهادة املرأة يف املحكمة ناقص ًة ويلزم وجود امرأتان يك يُؤخذ بها‪ ،‬وتفسريهم هو أن تركيبة املرأة عاطفيًا وعقليًا تختلف‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪8‬‬


‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫عن الرجل‪ ،‬فهي ُمع ّرض ٌة للنسيان أو نقص الرتكيز أكرث من الرجل‪ ،‬بينام الرجل يتميز بصفاء الذهن!‬ ‫ٍ‬ ‫اعتباطي ال أساس له من الصحة علميًا‪ .‬سنعرج قليالً عىل موضوع إل ٍه ٍ‬ ‫واحد‪ ,‬لكونٍ‬ ‫واحد‪ ،‬عا ٍمل بكل يشء‪،‬‬ ‫طبعا كال ٌم‬ ‫ٌّ‬ ‫خلقت الكون كله وخلقتنا جمي ًعا‪،‬‬ ‫العادل‪ ،‬الذي ال يسهو‪...‬السؤال هنا سنو ّجهه لإلله "العادل"‪ :‬أنت ومن املفروض أنك‬ ‫َ‬ ‫خلقت‬ ‫ّ!‪...‬خلقت الخري وباملقابل‬ ‫أنزلت قواعد وقوانني عديد ًة يف مؤلفاتك‪-‬التي وصلتنا‪ -‬وقد حثّيتنا عىل االلتزام بها وإال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الرش‪-‬لحكم ٍة ال زلنا نبحث عنها‪ -‬املهم‪ ،‬طاملا أنك أنت من خلقت االستثناءات‪ ،‬فمن املؤكد أنك تعلم أن من النساء من‬ ‫تفوق بعض الرجال عقالً ودراي ًة وحنكة؟ وأ ّن من الرجال من يفوق بعض النساء عاطف ًة ولي ًنا؟ كيف تعمم بهذا الشكل‬ ‫وأنت تعلم أ ّن املرأة العاطفية "التي تنىس فتُذكر إحداهام األخرى" هي مسال ٌة نسبية؟ وأنه من اإلجحاف أن تقارِن‬ ‫امرأ ًة مثقف ًة برجلٍ جاهلٍ يف بعض األحيان؟ فهل يعقل مثالً أن ت ُع ّد شهادة "قاضية" يف املحكمة ناقص ًة وتحتاج المرأ ٍة‬ ‫رجل بسي ٌط ال يُستبعد أن يصادف بأن يكون بالكاد حاصل عىل الشهادة االبتدائية؟ أو‬ ‫أخرى بينام قد يقف يف مواجهها ٌ‬ ‫قد يكون عاطف ًيا أيضاً مااملانع يف ذلك؟ هو يش ٌء نصادفه كث ًريا‪ٌ :‬‬ ‫غضة رقيقة قد‬ ‫رجال عاطفيون دموعهم سخية قلوبهم ّ‬ ‫رؤوسا برشية!عندما نتكلم‬ ‫ال يحتمل منظر دجاج ٍة تذبح‪ ،‬بينام قد نصادف نسا ًء لديه ّن كامل االستعداد ألن يقطعن ً‬ ‫عن شهاد ٍة يف قضي ٍة ما يف املحكمة فاألمر يف غاية األهمية بل والخطورة‪ ،‬وقد تكون مصريي ًة‪ ،‬خاص ًة وأننا نتكلم عن‬ ‫محكم ٍة وقضايا وأمور ال تحتمل االستهتار‪.‬‬ ‫منطقي‪ ،‬وال الجسدي‪ ،‬رغم ادعاء أحد شيوخ اإلسالم أ ّن دراس ًة حديث ًة أثبتت أ ّن هناك غد ٌة‬ ‫إذا ً‪ ،‬ال التفسري النفيس‬ ‫ٌّ‬ ‫ميتلكها الرجل دون املرأة ت ُثبت زعم رسول اإلسالم وتقف خلف نعته له ّن بناقصات العقل‪ .‬هذه الغدة اكتشفها القرآن‪،‬‬ ‫ولليوم يبحث عنها األطباء ومل يجدوها!‬ ‫‪http://www.youtube.com/watch?v=Als-KrnTATo‬‬

‫حقد أزيل‬

‫ما نقصده بالحقد األزيل هو تحميل املرأة ذنب إغواء جدتها "حواء" آلدم وأنها املسبب لنزوله إىل األرض‪ ،‬وهو ما ركزت‬ ‫عليه اليهودية واملسيحية يف تربيراتهام للعنرصية الذكورية يف دينيهام أكرث من اإلسالم هنا‪ .‬لطاملا وقف اإلنسان محتا ًرا‬ ‫أمام اآلالم التي يتك ّبدها جسد املرأة الغض‪ ،‬فاجتهد باختالق التفاسري‪ ،‬وما كان منه إالّ أن ي ّحملها ذن ًبا اقرتفته منذ األزل‬ ‫وعليها دفع الثمن‪ ،‬ومنه نعتقد ُولدت فكرة قصة اإلغواء‪ .‬ذُكر يف اإلنجيل ‪:‬‬ ‫(( للمرأة أن تعلم وال تتسلط عىل الرجل بل تكون يف سكوت‪.‬ألنّ آدم ُجبل أوالً ثم حواء‪ .‬وآدم مل يغ ِو لكن املرأة‬ ‫أغويت فحصلت يف التعدي‪ .‬ولكنها ستخلص بوالدة األوالد أن ثبنت يف اإلميان واملحبة والقداسة مع التعقلل خضوع ))‬ ‫‪9‬‬


‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫ويف اليهودية وكام ُرويت قصة اإلغواء يف التوارة وما ترتب عليها فيام بعد‪:‬‬ ‫الرب اإلله‪ ،‬فقالت للمرأة‪ :‬أحقًّا قال الله‪ :‬ال تأكال من كل‬ ‫((وكانت الح ّي ُة أَ ْح َي َل جميع الحيوانات الربيّة التي عملها ّ‬ ‫شجر الجنة؟ فقالت املرأة للح ّية‪ :‬من مثر شجر الجنة نأكل‪ .‬وأ ّما مثر الشجرة التي يف وسط الجنة‪ ،‬فقال الله‪ :‬ال تأكال‬ ‫منه وال تمَ َّساه؛ لئال متوتا‪ .‬فقالت الح ّية للمرأة لن متوتا‪ .‬بل الله عامل أنه يوم تأكال منه تتفتح أعينكام وتكونان كالله‬ ‫الرب اإلله للح ّية‪ :‬ألن ِّك فعلت‬ ‫َعا ِر َف نْ ِي للخري والرش‪ ...‬فأخذت من مثرها وأكلت وأعطت رجلها أيضً ا معها فأكل‪ ...‬فقال ّ‬ ‫هذا ملعونة ِ‬ ‫أنت من جميع البهائم‪ ،‬ومن جميع ُوحوش الرب ّية‪ ...‬وقال للمرأة‪ :‬تكث ًريا أُك رِّ َُث أتعاب حبلك‪ ،‬بالوجع تلدين‬ ‫أوال ًدا‪ ،‬وإىل رجلك يكون اشتياقك‪ ،‬وهو يسود عليك تكوين ‪))16–1 :3‬‬ ‫عىل الرغم من أ ّن نّية حواء مل تكن سيئة‪ ،‬واإلله يعتمد عىل الن ّيات بالدرجة األوىل يف محاسبة خلقه عىل ما يقرتفونه بل‬ ‫عىل ما ينوون أن يقرتفوه كام ي ّدعي!‬

‫مغاالة يف الحب!‬

‫إلهي‪ ،‬من ورائه حكم ٌة خفي ٌة خاص ٌة بها‪ .‬فنحن مثالً وكام تستشهد األديان‬ ‫ٌّ‬ ‫حب مبط ٌن للمرأة‪ ،‬يكمن يف ط ّيات كل أم ٍر ٍّ‬ ‫اقتنيت جوهر ًة نفيس ًة فأنت حتماً ستغلّفها‬ ‫وباألخص "اإلسالم"‪ ،‬عندما نحب شيئًا نصونه ونحافظ عليه بكل قوة‪ ،‬فلو‬ ‫َ‬ ‫وتحفظها من عيون الطامعني‪ ،‬أما لو كانت رخيص ًة يف نظرك وال يهمك أمرها فلن تغايل بصونها وقد تهملها‪ ،‬هم يدخلون‬ ‫من هذا الباب دامئًا ليربروا هوسهم غري املربر مبحارصة املرأة كإنسانٍ يتساوى بحقوقه وواجباته معهم‪ .‬يحق للرجل أن‬ ‫يغلّفها باألقمشة يك ال ترمقها العيون فتشتهيها‪ ،‬فتقع بالفاحشة‪ ،‬فتحصل الكارثة‪ .‬يتكلمون من هذا املنطلق وكأنهم‬ ‫يتكلمون عن حيوانٍ ٍ‬ ‫أليف يربّونه أو عن طفلٍ ساذ ٍج أُوكِ َل إليهم رعايته‪.‬‬ ‫ومن األسئلة الشائعة التي نراها‪ :‬هل ترىض هذا الفعل أو ذاك ألختك؟ هل تقبل أن تفعل أمك هكذا أو زوجتك أو ابنتك‬ ‫هذا ؟‪...‬نعتقد أ ّن هذه النظرة هي ما يصلح تسميته بـ "تشييء" املرأة ومعاملتها كيشء ليس إالّ‪ ،‬فلو سلّمنا برضورة‬ ‫النقاش وتبادل اآلراء‪ ،‬عندها من األفضل أن يكون السؤال‪ :‬هل (تتق ّبل) أفضل من كلمة هل (تقبل) فهكذا يكون السؤال‬ ‫مقبوالً‪ ،‬ومن املمكن أن يُسأل لكال الجنسني عن رأيهم ببعض السلوكيات للجنس اآلخر‪ .‬لكن ما يثري االستغراب هو‬ ‫رجل يقبل أن متارس زوجته أو أخته التجاوزات األخالقية فستامرسها حتماً ! لك ّن السبب يف‬ ‫كأنّهم يقولون لو أ ّن هناك ٌ‬ ‫أ ّن هذه املرأة أو تلك هي ملتزم ٌة ورصينة يعود بالتأكيد إىل أ ّن زوجها أو أبيها أو أخيها قد أجاد ردعها ومراقبتها! "حتى‬ ‫أخالقها تنسب إىل الرجل يف نهاية املطاف!"‬

‫‪10‬‬


‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫املغاالة يف حبها والحرص عليها غال ًبا ما يأيت بردود فعلٍ عكسية‪ ،‬أو رمبا ممكن تفسريه "بالخوف" منها وعليها‪ ،‬فهو غال ًبا‬ ‫ما يقف يف وجه أي تطو ٍر أو حتى تعديلٍ بسيط بالنظرة للمرأة أو التعامل معها‪ ،‬ويعود إىل تراكم األسباب السابقة‬ ‫مجتمع ًة يف دماغ املؤمن‪ ،‬فقد ورث الرجل كل هذا ِ‬ ‫الح ْمل الثقيل يف عقله عن أ ّن املرأة أقرب إىل شيطان وو َج َب‬ ‫مراقبتها‪ ،‬فهي إن مل تىسء عن قصد قد تيسء لنفسها وبالتايل ملن حولها عن غري قصد‪ ،‬ألنها ناقصة عقلٍ وتابع‪ ،‬عاطفي ٌة‬ ‫برشي بالذكر‪.‬‬ ‫ال تدرك عواقب األمور‪ ،‬باملخترص هي ٌ‬ ‫ملحق ٌّ‬

‫أزمة ثقة‬

‫خيانتها أقىس من خيانة الرجل‪ ،‬عقمها أصعب من عقم الرجل‪ ،‬ضعفها برأيهم هو السبب خلف لجوئها لفعل أي يش ٍء‬ ‫يك تحصد مكاسب أو تحمي نفسها من ورائه‪ ،‬وبأ ّن قوتها يف ضعفها‪ ،‬وأ ّن "كيده ّن عظيم"‪ ...‬كل ذلك يزعزع الثقة بها‪،‬‬ ‫أضف إىل ذلك ما جاءت به األديان من تحذير ٍ‬ ‫ات واستحقا ٍر لها‪ ،‬واعتبارها شيطانًا بإحدى األديان‪ ،‬وسبب بالء البرشية‬ ‫يف دينٍ آخر‪ ،‬وبأحسن األحوال ا ُستأصلت من ضلع الرجل فهي أمان ٌة يف عنقه حتى املوت‪ ،‬عاطفي ٌة أو باألحرى ناقصة‬ ‫أي أم ٍر‬ ‫عقلٍ كام ّ‬ ‫فضل البعض تسميتها‪ .‬كَ ٌّم من االستعالء غُرز يف قلب وعقل الرجل حتى عطّله بالكامل عن معاينة ّ‬ ‫يتعلق باملرأة‪ ،‬ذلك الكائن الغامض بنظره‪ ،‬فاعترب أ ّن من خلقها يفهمها أكرث منه فلجأ إليه محاوالً فهمها‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪11‬‬


‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫موروثات اجتامعية‬

‫موروثاتٌ اجتامعية ما هي إالّ تعب ٌري مطاط‪ ،‬شامع ٌة تصلح ألن نعلّق عليها كل ٍ‬ ‫سلوك نقوم به وال نجد له تفس ًريا مقن ًعا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ترصفات شاذة؟‬ ‫يصب فيها كل ما سبق وذكرناه‪ .‬لكن من ح ّدد هذه املوروثات حتى غدت مط ّي ًة لكل ما يُحيق بنا من‬ ‫ّ‬ ‫هل من تفسريٍ لتباينها تب ًعا للجغرافية والتاريخ؟ لنحاول يف البداية أن نفهم ما هي املوروثات االجتامعية وما هو أصلها‪.‬‬ ‫يقول املثل الفرنيس‪" :‬ثالثة عوامل تح ّدد سلوكياتنا‪ :‬الدين‪ ،‬املناخ‪ ،‬والسياسة"‪.‬‬

‫بجول ٍة بسيط ٍة وباستخدام هذه العوامل الثالثة‪ ،‬سنجد أنها فعالً من أكرث ما يؤثر بسلوكيات مجتمعٍ دون آخر‪ ،‬فأحيانًا‬ ‫ٍ‬ ‫رض‬ ‫نجد دوالً متجاورةً‪ ،‬لكن نلحظ‬ ‫اختالفات جلي ًة بترصفات أفرادها أو بقيمها االجتامعية ككل‪ .‬الدين هو ٌ‬ ‫سبب حا ٌ‬ ‫بقو ٍة يشعرنا بهذا االختالف عندما نزور قري ًة مسيحي ًة‪ ،‬وأخرى يهودية‪ ،‬أو إسالمية‪ ...‬سنشعر باالختالف أيضاً لو كان‬ ‫البلد قرب خط االستواء‪ ،‬أو قرب القطب الجنويب‪...‬أو لو قارنّا طبيعة سكان املدن‪ ،‬السواحل‪ ،‬الجبال‪ ،‬الصحاري‪ ،‬وال ُجزر‪...‬‬ ‫أخ ًريا السياسة‪ ،‬وهي املسبب األقوى لالختالف أحيانًا بني سلوكيات أبناء املنطقة الواحدة‪ .‬فاملناطق التي قاست الحروب‬ ‫ألسباب طائفي ٍة أم سياسي ٍة بحتة ستختلف عن سواها م ّمن مل مير بهذه التجربة‪.‬‬ ‫والويالت سواء‬ ‫ٍ‬ ‫كل هذا كان مرو ًرا رسي ًعا عىل ما مييز بيئاتنا االجتامعية وبالتايل يفرز املوروثات التي تتحول إىل تقاليد‪ ،‬ومن هذه‬ ‫ٍ‬ ‫أحداث‬ ‫املوروثات فكرة أ ّن املرأة هي مواط ٌن من الدرجة الثانية وأ ّن الرجال ق ّوامون عىل النساء تعود يف الغالب إىل‬ ‫قَولَبت املرأة بأدوا ٍر معين ٍة عرب العصور‪ ،‬جعلت تركيزها بالفعل ينحرص عىل أرستها ‪.‬‬ ‫فلو حاولنا تفسري تحرر املرأة الغربية يف أوروبا مثالً نجد أ ّن بعد الثورة الصناعية ازداد الطلب عىل اليد العاملة وباتت‬ ‫فصقلت شخصيتها وتبلورت وخرجت من عباءة الرجل املعيل و‬ ‫العائالت تعمل بكل أفرادها‪ ،‬خرجت املرأة للعمل ُ‬ ‫واجبات املنزل‪ ،‬فتحررت مع اتساع مساحة استقالليتها شيئًا فشيئًا‪ ،‬ومماّ ساعد عىل ذلك أكرث تقلّص دور الكنيسة‬ ‫وبالتايل شاءت الظروف أن ت ُكرس كل القيود يف فرت ٍة واحدة‪ ،‬وهنا يكمن السبب خلف ما وصلت إليه املرأة يف الغرب‬ ‫اليوم لو قارنّاها بالرشقية‪.‬‬ ‫رشب مجتمعنا أن املرأة ضل ٌع قارص‪ ،‬وكان لألديان الدور األكرب يف ترسيخ هذه الفكرة بالطبع‪ ،‬لكن املستغرب أننا‬ ‫لقد ت ّ‬ ‫لو عدنا إىل العصور الغابرة‪ ،‬عصور األساطري و بعض االمرباطوريات التوسعية‪ ،‬سنفاجئ مبكانة املرأة يف تلك الحقبة من‬ ‫الزمن‪ .‬كانت اآللهة يف األساطري امرأة! رمز الخصوبة والعطاء‪ ،‬هي إنانا عند السومريني‪ ،‬عشتار عند البابلني‪ ،‬عشرتوت‬ ‫عند الكنعانيني‪ ،‬إيزيس عند الفراعنة‪ ،‬أفروديت عند اإلغريق وفينوس عند الرومان‪...‬وأعظم املاملك واالمرباطوريات‬ ‫ترأستها نسا ٌء جبابرة‪ ،‬مل يكد يخلو التاريخ من أسامء النساء‪ ،‬إن مل يكن كبطالت فه ّن مح ّركاتٌ فاعالتٌ يالزمه ّن الطابع‬ ‫رس وراء تدهور مكانتها هكذا عند بداية التداول مبا يعرف‬ ‫الراقي املحرتم إىل ح ّد التقديس يف بعض األحيان‪ ،‬فام ال ّ‬ ‫باألديان االبراهيمية؟‬ ‫‪12‬‬


‫الشيطان الوردي‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫يف اليهودية مثالً ح ّدث وال حرج‪ ،‬تعالي ٌم توراتي ٌة غريبة‪ ،‬منها أ ّن اليهود يؤمنون أ ّن نجاسة والدة األنثى ضعف نجاسة‬ ‫والدة الذكر‪(( :‬إذا حبلت امرأة وولدت ذك ًرا تكون نجسة سبعة أيام‪...‬ثم تقيم ثالثة وثالثني يو ًما يف دم تطهريها‪ ...‬وإن‬ ‫ولدت أنثى‪ ،‬تكون نجس ًة أسبوعني‪ ...‬ثم تقيم ستة وستني يو ًما يف دم تطهريها)) (الويني ‪.)5– 1 :12‬‬ ‫يف املسيحية ‪ (( :‬الرجل ليس من املرأة بل املرأة من الرجل‪ .‬وألنّ الرجل مل يخلق من أجل املرأة بل املرأة من أجل‬ ‫الرجل‪ .‬لهذا ينبغي للمرأة أن يكون لها سلطان عىل رأسها من اجل املالئكة))‬ ‫يف اإلسالم ‪ (( :‬لَ ْو أَ َم ْر ُت أَ َحدً ا أَنْ َي ْس ُجدَ ألَ َح ٍد ألَ َم ْر ُت الْ َم ْرأَ َة أَنْ ت َْس ُجدَ لِ َز ْوجِ َها)) سنن الرتمذي (‪)1192‬‬ ‫كل هذا الك ّم من الحقد واإلهانات ثم يتبجحون بتكرميهم للمرأة وبأن إلههم ٌ‬ ‫عادل منصف!‬ ‫يف النهاية‪ ,‬وطاملا أنّه ال االختالفات النفسية وال الجسدية أُثبتت‪ ،‬وال املغاالة يف الحب مقنعة‪ ،‬وال الحقد األزيل ساري‬ ‫املفعول إىل اآلن‪ ،‬لذا من األنسب أن ننسب كل ما نساؤنا فيه بأنه عائ ٌد إىل املوروثات االجتامعية املبنية عىل قلة الثقة‬ ‫الخاضعة لعدة عوامل ال يربأ الدين منها بالطبع بل هو املغذي األقوى مذ بداية تغلغله يف مجتمعاتنا والذي يعود غال ًبا‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف اقتصادي ٍة قاهر ٍة وجهلٍ كان متعم ًدا يف إحدى الحقب التي مرت بها منطقتنا‪ ،‬وتاب ًعا لعوامل سياسي ٍة عديدة‪.‬‬ ‫إىل‬ ‫خلّف قنوطًا وإحباطًا وظروفًا اقتصادي ًة سيئ ًة‪ ،‬جعل فكرة اإلله مالذًا رمبا يلجأ إليه الغالبية يف بيئتنا املريضة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مؤمنات وبصدق بعد كل هذا التنكيل بكرامتهن من ِق َبل األديان‪ ،‬واألغرب أنه و لألسف ويف كثريٍ‬ ‫الغريب أن نجد نسا ًء‬ ‫من األحيان نجد أ ّن أكرث من اعرتض سبيل تح ّرر املرأة‪...‬هي املرأة نفسها‪.‬‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪13‬‬


‫كتاب مصور خاص باألطفال باللغة العربية‪ ،‬يتكلم عن األلهة ملحق مبجلة امللحدين العرب‪.‬‬ ‫‪http://aamagazine.blogspot.com/p/blog-page.html‬‬

‫‪14‬‬


‫تجربتي مع‬ ‫"اإلقتصاد اإلسالمي"‪.‬‬ ‫‪Abdullah Hussein‬‬ ‫يف البداية‪ ،‬قد يثري فضول القارئ وضع اإلقتصاد اإلسالمي داخل عالمات التنصيص‪ .‬و ي ُعزى ذلك إىل‬ ‫رفيض‪ ،‬بعد التقيص والبحث و التجربة‪ ،‬إطالق لفظ إقتصاد عىل بعض قواعد‬ ‫للتعامالت التي وضعها محمد للعرب يف زمنه و جاءت إلينا بالتواتر‬ ‫و رسد القصص‪ .‬وهذه الحقيقة حول تلك القواعد البسيطة‬ ‫التي تم إقرارها يف اإلسالم حسب املواقف العارضة و‬ ‫املشاكل اللحظية تخالف بطبيعتها تعريف علم‬ ‫اإلقتصاد‪ ،‬و أبسط تعريف له بأنه ذلك الفرع من‬ ‫العلوم االجتامعية الذي يبحث االستخدامات‬ ‫املتعددة للموارد االقتصادية إلنتاج السلع‬ ‫وتوزيعها لالستهالك يف الحارض واملستقبل‪،‬‬ ‫بني أفراد املجتمع بداعي وجود مشكلة‬ ‫الندرة‪ .‬فام هو سبب رفيض لتلك‬ ‫التسمية؟ و ما هي عيوب و محددات‬ ‫ما يسمى باإلقتصاد اإلسالمي يف ظل‬ ‫التجربة اإلقتصادية الحديثة؟‬

‫‪15‬‬


‫تجربتي مع‬ ‫"اإلقتصاد اإلسالمي"‪.‬‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫يل أحد أصدقايئ الذي يدرس تخصص اإلقتصاد‬ ‫عندما كنت يف السنة الثانية من دراستي لإلقتصاد يف الجامعة‪ ،‬عرض ع َّ‬ ‫و املصارف اإلسالمية الحضور معه كضيف إىل محارضة يف مساق يس ّمى "املالية العامة يف اإلسالم"‪ .‬دخل األستاذ إىل‬ ‫املحارضة‪ ،‬و بعد التمتامت بالصالة عىل النبي و الدعاء بزيادة العلم و املعرفة و الطلب من الله أن ميكّنه من نفع األمة‪.‬‬ ‫بدأ محارضته بحامس غري معتاد‪ ،‬وهو األمر الذي عرفته من دهشة الطالب من ذلك السلوك الغريب‪ ،‬ثم قال للطالب‪:‬‬ ‫"هل سمعتم بأن البنك املركزي الياباين قام البارحة بتخفيض نسبة الفائدة حتى أصبحت قريبة من الصفر؟ الله أكرب ولله‬ ‫الحمد‪ ،‬إنهم يطبقون اإلسالم دون أن يعرفوه! ماذا لو عرفوا أكرث عن اإلسالم‪ ..‬إلخ" قمت بالرد بعفوية‪ :‬إن هذا القرار‬ ‫خاضع للتطبيق فقط بني البنك املركزي و البنوك التجارية ضمن خطة إنقاذ حكومية تقيض مبساعدة البنوك التجارية‬ ‫عىل تفادي اإلفالس و أن سعر الفائدة الزال قامئًا قط ًعا بني املؤسسات التجارية الخاصة و البنوك التجارية‪ ،‬كام أنك بهذا‬ ‫الكالم تتهم النظام الرأساميل اإلسالمي بأنه نظام طوارئ‪ ،‬يقيض حتماً بعدم تحقيق بيئة إستثامرية آمنة‪ .‬ساد الصمت‬ ‫قليلاً ‪ ،‬ثم رد األستاذ ببعض العبارات املهذبة التي ال عالقة لها باإلقتصاد‪ .‬ثم ُدهشت بعد املحارضة عندما أخربين صديقي‬ ‫أن هذا األستاذ مل يدرس اإلقتصاد و إمنا درس أصول الفقه فقط‪ .‬ومل تكن هذه الحادثة البسيطة إال بداية ملشوار بحث‬ ‫موسع يف اإلقتصاد اإلسالمي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يف الواقع‪ ،‬مل تعرف اإلنسانية منذ فجرها أي نظام إقتصادي مبني عىل أساس عرقي أو ديني أو جغرايف؛ فاإلشرتاكية‪ ،‬عىل‬ ‫سبيل املثال ال الحرص‪ ،‬هي ذاتها و تحمل نفس املبادئ و القواعد يف أي مكان تُطبق به‪ .‬و هذا يقودين إىل التساؤل عن‬ ‫صحة اإلدعاء القائل بوجود نظام إقتصادي إسالمي قابل للتطبيق فعلاً ‪ .‬لنبدأ البحث إذًا عن صحة القول بوجود نظام‬ ‫مايل أو إقتصادي يف اإلسالم‪" .‬الدليل الجامع آليات االقتصاد كام وردت يف القرآن الكريم" هي دراسة أعدها الدكتور‬ ‫حسني حسني شحاتة‪ ،‬األستاذ بجامعة األزهر و خبري استشاري يف املعامالت املالية الرشعية‪ ،‬نجد فيها كل اآليات التي لها‬ ‫عالقة بالتعامالت املالية‪ .‬بالطبع‪ ،‬لن نذكر جميع اآليات نظ ًرا للتشابه الكبري فيام بينها‪ ،‬و لكن سنذكر أول خمس آيات‬ ‫منها للتعرف عىل طبيعتها‪.‬‬ ‫اس كُلُوا ِمماَّ فيِ األَ ْر ِض َحالالً طَ ِّيباً َوالَ تَ َّت ِب ُعوا ُخطُ َو ِ‬ ‫(يَا أَيُّ َها ال َّن ُ‬ ‫ات الشَّ ْيطَانِ إِنَّهُ لَك ُْم َعدُ ٌّو ُّم ِب ٌني)‪ .‬البقرة‪( ،168:‬لَ ْي َس البرِ َّ‬ ‫اب َوال َّنبِي َِّني َو ىَآت امل َ َال‬ ‫أَن تُ َولُّوا ُو ُجو َهك ُْم ِق َب َل املَشرْ ِقِ َوالْ َم ْغر ِ​ِب َولَ ِك َّن البرِ َّ َم ْن آ َم َن بِاللَّ ِه َوالْ َي ْو ِم اآل ِخ ِر َوالْ َمالئِكَ ِة َوالْ ِك َت ِ‬ ‫َعلىَ ُح ِّب ِه َذوِي ال ُق ْر ىَب[‪َ ]...‬وأُ ْولَ ِئ َك ُه ُم امل ُ َّتقُونَ ‪ ).‬البقرة‪َ ( ،177:‬وأَ َح َّل اللَّهُ ال َب ْي َع َو َح َّر َم ال ِّر َبا‪ ).‬البقرة‪َ ( ،275:‬يا أَ ُّي َها الَّ ِذي َن‬ ‫س ٍة َوأَن ت َ​َصدَّ ُقوا‬ ‫س ٍة َف َن ِظ َر ٌة إِلىَ َم ْي رَ َ‬ ‫آ َم ُنوا اتَّقُوا اللَّهَ َو َذ ُروا َما بَ ِق َي ِم َن ال ِّربَا إِن كُن ُتم ُّم ْؤ ِم ِن َني‪ ).‬البقرة‪َ ( ،278:‬وإِن كَانَ ُذو ُع رْ َ‬ ‫َخيرْ ٌ لَّك ُْم إِن كُن ُت ْم تَ ْعلَ ُمونَ ‪ .‬البقرة‪.)280:‬‬

‫‪16‬‬


‫تجربتي مع‬ ‫"اإلقتصاد اإلسالمي"‪.‬‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫عند النظر إىل اآليات السابقة‪ ،‬ال يجد القارئ أية قوانني أو أنظمة محددة للتعالمات املالية؛ و ما أقصده بكلمة "محددة"‬ ‫هو وجود بيان واضح تطبيقي خاضع للتحليل العلمي‪ .‬فمثال‪ ،‬اآلية التي تقول‪ :‬كلوا مام يف األرض حاللاً طيبًا‪ ...‬ال‬ ‫تعطي أي قاعدة إقتصادية‪ ،‬و ال ميكن إستنباط حكم مايل منها‪ ،‬و ذلك ألنها بالطبع أمر بديهي؛ فإن مل يأكل الناس من‬ ‫األرض‪ ،‬فمن أين سيأكلون؟ لكن آية تحريم الربا فيها نص رصيح وواضح مبنعه‪ ،‬فهل هي قاعد إقتصادية أم مالحظة‬ ‫بديهية؟ وملاذا و متى تم تحريم الربا؟ ُحر َم الربا يف سورة البقرة و هي سورة مدنية نزلت بعد الهجرة‪" ،‬وكان عدد‬ ‫سكان املدينة يف حرب األحزاب [يف السنة الخامسة الهجرية] نحو خمسة آالف نسمة‪( ".‬الصحيح من السرية‪،)182/9:‬‬ ‫"و كانوا يعيشون عىل الزراعة وتربية املوايش‪ ،‬والتجارة الداخلية وبعض الصناعات‪( ".‬السرية النبوية عند أهل البيت‪ ،‬ج‬ ‫‪ ،1‬الفصل الثاين‪ ،‬ص‪ .)1:‬و تجدر اإلشارة هنا إىل أن تحريم الربا مل يكن سبقًا للقرآن ليك يتميز به عن غريه؛ فقد جاء يف‬ ‫اإلنجيل‪" :‬وإن أقرضتم الذين ترجون أن تسرتدوا منهم فأي فضل لكم فإن الخطأة أيضً ا يقرضون الخطأة ليك تسرتدوا‬ ‫منهم املثل‪( ".‬انجيل لوقا‪ ،‬اإلصحاح السادس‪ ،‬عدد ‪.)34‬‬ ‫كام جاء يف التوارة إشارة رصيحة إىل تحريم الربا بني اليهود‪" :‬لألجنبي تقرض بربا‪ ،‬ولكن ألخيك ال تقرض بربا ليك‬ ‫يباركك الرب آلهك يف كل ما متتد إليه يدك‪( ".‬سفر الخروج‪ ،‬االصحاح الثاين والعرشين‪ ،‬عدد ‪.)25‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪17‬‬


‫تجربتي مع‬ ‫"اإلقتصاد اإلسالمي"‪.‬‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫بالنظر إىل العدد القليل لسكان منطقة منغلقة إقتصاديًا تعتمد يف إقتصادها عىل التعامالت الداخلية بالغالب‪ ،‬فإن‬ ‫تنمية املال عن طريق عوائد القروض هو إنتحار إقتصادي رسيع؛ فهو يُظهر اآلثار السلبية عىل اإلقتصاد رسي ًعا‪ ،‬و‬ ‫ال يحتاج شخص يسكن يف مثل هذه املجتمعات الصغرية إىل ترشيعات أو علم إقتصاد ليالحظ الثأثري‪ ،‬ابتدا ًء بإتساع‬ ‫الفجوة الطبقية بني الدائن و املدين وزيادة أعداد الفقراء و تزايد ثروات املُقرِضني‪ ،‬و انتها ًء بتعطل و شلل الحركة‬ ‫اإلقتصادية‪ .‬و هذا سبب يجعلني أقول بأن منع الفائدة يف املجتمعات اإلقتصادية الصغرية هو أمر بديهي و متكرر عىل‬ ‫مدى التاريخ‪ .‬لكن ماذا عن املجتمعات اإلقتصادية الكبرية؟ الواقع و التجربة يؤكدان بأن طبيعة املجتمعات اإلقتصادية‬ ‫الكبرية ال تعتمد يف مصادر رأس املال عىل اإلقراض فقط‪ ،‬و ذلك ألن تلك املجتمعات لديها بدائل كثرية عن الفائدة‪.‬‬ ‫كام أن زيادة العمل و اإلنجاز و التوسع التجاري هي الضامنة الحقيقية لحفظ القيمة السوقية ألي مؤسسة مالية‪ ،‬مام‬ ‫يعني زيادة فرص العمل و تنمية املوارد بشكل دائم‪ .‬و أما القرض‪ ،‬و هو املستوجب للفائدة بالطبع‪ ،‬فهو وسيلة لحل‬ ‫أساسا‬ ‫األزمات التجارية‪ ،‬و رضورة من رضورات تسهيل حركة السوق‪ .‬و ميكن إعتبار الفائدة استنثنا ًء إقتصاديًا و ليس ً‬ ‫إقتصاديًا؛ مبعنى أن نظام الفائدة ليس من ماهية إقتصاد السوق‪ ،‬لكنه عارض حلويل‪ .‬و باملناسبة‪ ،‬فإن البنك يف النظام‬ ‫الرأساميل هو يف جزء منه مؤسسة قرض تلعب دورا مهام يف متويل النشاط االقتصادي للمؤسسات األخرى باإلضافة إىل‬ ‫أعامله و استثامراته الخاصة‪.‬‬ ‫نالحظ اآلن عدم إستجابة النص الديني إىل التحليل العلمي يف مجال اإلقتصاد و توقفه عند كونه مجرد إستنباطات‬ ‫بديهية بحتة ال تحتاج إىل خبري‪ ،‬فمن أين أىت إلينا مفهوم اإلقتصاد اإلسالمي؟ بدأت كتب التحليل اإلقتصادي املأسلمة‬ ‫التي تتشدق بوجود نظام إقتصادي إسالمي يحمل حلولاً أكرث فاعلية و عدالة من اإلقتصاد "الوضعي" يف الظهور يف‬ ‫مثانينات القرن العرشين بعد دخول رشكات النفط األجنبية إىل الخليج العريب و زيادة الرثوات اإلقتصادية فيها‪ ،‬و ال‬ ‫أتحدث هنا عن كتب التفسري بل عن الكتب التي تشري إىل اإلقتصاد اإلسالمي كعلم‪ ،‬و من أقدم تلك الكتب التي وقعت‬ ‫يدي عليها (االقتصاد اإلسالمي‪ :‬مدخل ومنهاج‪ ،‬لعيىس عبده‪ .)1974 ،‬و (اإلسالم واالقتصاد‪ ،‬لعبد الهادي النجار‪.)1984 ،‬‬ ‫و(األسس الفكرية والعملية لإلقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ملحمود بابليل‪ .)1984 ،‬وال زالت تتدفق العرشات من مثيالت تلك‬ ‫الكتب حتى اآلن‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪18‬‬


‫تجربتي مع‬ ‫"اإلقتصاد اإلسالمي"‪.‬‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫مبجرد النظر إىل تلك الكتب و مؤلفيها‪ ،‬ستجد أن تلك الكتب تحتوي عىل الكثري من الكالم و التكرار‪ ،‬و قد يُعزى ذلك‬ ‫إىل طبيعة اآليات التي تكرر نفس الخطاب يف مواضع متعددة‪ .‬كام أن هذا الخطاب ال يراعي األسلوب العلمي يف الطرح‬ ‫و التحليل‪ ،‬مبعنى أنها تتناول املواضيع بإسلوب الخطاب الروحاين و العاطفي يف معظم أجزائها‪ ،‬ناهيك عن ربط علم‬ ‫أيضا‪ .‬كام ستجد أن املؤلفني‬ ‫اإلقتصاد الواقعي بامليتافيزيقيا و ما بعد الحياة‪ ،‬من حساب و جزاء‪ ،‬من منظور إسالمي ً‬ ‫ينحدرون من خلفيات إسالمية‪ ،‬و دراساتهم األساسية ليست اإلقتصاد بشكل جوهري‪ ،‬و إمنا الرشيعة اإلسالمية‪ .‬و هذا‬ ‫ما يدعو للشك يف مصداقية الطرح لديهم ومدى قبول املنهج العلمي لطروحاتهم‪ .‬و إذا إفرتضنا جدلاً أنهم صادقني يف‬ ‫طرحهم‪ ،‬فدراساتهم بالتأكيد غري محايدة‪ ،‬و بالتايل غري مقبولة للباحث املحايد؛ إذ مل نسمع من قبل عن وجود مؤلفات‬ ‫علمية مرجعية من خارج الدوائر اإلسالمية املُؤدلجة تتناول اإلقتصاد اإلسالمي بحيادية‪ .‬و لتقريب الصورة للقارئ‬ ‫الكريم‪ ،‬هل يُسمح ٍ‬ ‫لقاض ما أن يحكم يف قضية يكون فيها املتهم إبنه؟ و هل يُسمح لطبيب ما أن يجري جراحة ألحد‬ ‫أفراد عائلته؟ قط ًعا ال‪ .‬و من هذا املنطلق‪ ،‬فإن قبول أي دراسة غري محايدة هو نهج غري علمي بتات ًا‪.‬‬ ‫لنتجاهل جدلاً مسألة الحيادية قليلاً ‪ ،‬كام تجاهلنا مسألة املصداقية‪ .‬فهل تقدم كتب اإلقتصاد اإلسالمي إجابات واضحة‬ ‫عن ماهية ماهية االقتصاد؟ و إذا كانت تلك الكتب لتصنف عىل أنها كتب تحليل علمي‪ ،‬فهل قدمت أية نتائج أو‬ ‫خالصات واضحة عن طبيعة ما يسمى باإلقتصاد اإلسالمي؟ الواقع أن من يس ّمون بعلامء االقتصاد االسالمي ليس‬ ‫بإمكانهم اإلجابة عىل تساؤالت طالب يف مستوى السنة الدارسية األوىل يف كلية اإلقتصاد‪ .‬و ليس بإمكانهم تقديم‬ ‫إجابات علمية و تحليلية شافية عن ماهية اإلقتصاد اإلسالمي‪ .‬و السبب الحقيقي يكمن يف أن اإلقتصاد اإلسالمي ال‬ ‫ميكن إعتباره إقتصا ًدا باملفهوم العلمي والتفصييل للكلمة؛ فهو ال يحدد قواع ًدا ثابتة لإلنتاج و وسائل اإلنتاج و إدارته‪،‬‬ ‫كام ال يحدد حقوق العامل بشكل مفصل‪ ،‬باإلضافة إىل عدم تحديده ملفاهيم أساسية مثل دورة رأس املال وغريها من‬ ‫األسس‪ .‬و هنا يتأكد لنا‪ ،‬عزيزي القارئ‪ ،‬بأن اإلقتصاد اإلسالمي ليس علماً عىل اإلطالق‪ .‬و لكن قد يستثري ذهن القارئ‬ ‫التطبيق لإلقتصاد اإلسالمي يف املؤسسات املالية‪ ،‬مبا أن الجانب العميل أهم من الجانب النظري من الناحية التطبيقية‪،‬‬ ‫فهل هناك تطبيق فعيل ملا يسمى اإلقتصاد اإلسالمي يف البنوك و املؤسسسات اإلسالمية؟ سنغض الطَ ْرف‪ ،‬عىل سبيل‬ ‫الجدل‪ ،‬عن كون اإلقتصاد اإلسالمي ليس علماً إقتصاديًا قامئًا بذاته‪ .‬و دعونا ننقل بالطرح إىل ماهية عمل البنوك و‬ ‫املؤسسات اإلسالمية‪.‬‬ ‫كلنا نعرف أن البنك مهام كان توجهه أو نهجه يف التعامل مع العمالء هو يف النهاية مؤسسة لها وجهان؛ الوجه األول هو‬ ‫مجموعة من املوظفني يأخذون منك أموالك و هم مبتسمون و متأنقون و متعطرون مبنتهى الفخامة‪ ،‬و الوجه الثاين هو‬ ‫رجل رأساميل يف الداخل يجلس يف غرفة مظلمة و يدخن سيجا ًرا كوبيًا و يلعب فيها بالنقود امل ُ ّدخرة لديه‪ .‬إذًا ال يختلف‬ ‫عاقالن بأن البنك هو مؤسسة هدفها األسايس و الوحيد هو الربحية و تحقيق املنفعة ملالكه‪ .‬و من منطلق املنفعة‪ ،‬فإن‬ ‫البنك لن يتحمل نفقات حامية األموال و إدخارها و الترصف بها و تشغيلها دون مقابل‪ ،‬كام ال ميكن للبنك دفع رضيبة‬ ‫‪19‬‬


‫تجربتي مع‬ ‫"اإلقتصاد اإلسالمي"‪.‬‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫تسمى عاد ًة بنسبة فائدة سوق املال و هي رضيبة تدفعها البنوك التجارية للبنك املركزي التابع للدولة‪ ،‬دون تحقيق‬ ‫املنفعة املادية من العمالء‪ .‬لذلك يجب عىل البنوك و من ضمنها البنك اإلسالمي التناغم مع املنافسة السوقية القصوى‬ ‫بهدف رصاع البقاء بني املؤسسات املالية‪ .‬فام هي أهم موارد البنك اإلسالمي؟ و ما هي وسائله يف تحقيق ربحيته و ما‬ ‫هي آلية عمله الداخلية (بينه و بني العمالء) و الخارحية (بينه و بني البنك املركزي و املؤسسات املالية األخرى)؟‬ ‫عىل مستوى تعامل البنك اإلسالمي مع العمالء‪ ،‬يتوقف حد إقراض البنوك اإلسالمية عند مبالغ زهيدة ال تتجاوز سعر‬ ‫عرشة غرامات من الذهب‪ ،‬و تسمى عادة بالقروض الحسنة‪ ،‬مبعنى أنها التستوجب الفائدة‪ .‬لكن إذا كنت تريد رشاء‬ ‫سيارة مثلاً ‪ ،‬فإن البنك اإلسالمي يعاملك باملرابحة‪ .‬و يقصد باملرابحة هو رشاء البنك للسيارة بعقد بيع‪ ،‬ثم بيعها لك‬ ‫بعقد بيع جديد بسعر أعىل مقابل دفع الثمن عىل دفعات‪ .‬و من املثري للدهشة أن املرابحة ليست من ضمن الترشيع‬ ‫أساسا‪ ،‬أي أنه ال يوجد أي نص رشعي صحيح عىل جواز املرابحة أو حدوثها يف عهد محمد‪ ،‬ألنه حسب القاعدة‬ ‫اإلسالمي ً‬ ‫حكم يف اإلقتصاد اإلسالمي و إمنا ثغرة‬ ‫الرشعية أن "األصل يف املعامالت اإلباحة"‪ .‬وهذا يعني أن املرابحة هي ليست أً‬ ‫أيضا‪ ،‬أن مقدار‬ ‫ترشيعية و إسلوب تحايل عىل تحريم الربا لتحقيق الفائدة للبنك األسالمي‪ .‬و مام يثري اإلستغراب ً‬ ‫الزيادة عىل سعر السيارة بعد معاملة البنك اإلسالمية الذي يزخرف أبوابه بعبارات مخافة الله و ال ِقسط يف التعامل‬ ‫التي تدغدغ العواطف الدينية لدى العمالء هي أعىل بنسبة كبرية من البنك التجاري "التقليدي"‪ .‬وال يتوقف التناقض‬ ‫عند هذا الحد‪ ،‬بل إن البنك اإلسالمي مجرب بقانون الدولة عىل التعامل الربوي مع البنك املركزي‪ .‬كام أنه يتعامل طوع ًيا‬ ‫بشكل ربوي مع باقي البنوك التجارية األخرى‪ .‬و هذا ما يعني أن تعامل البنوك األسالمية مع البنوك التقليدية يف‬ ‫الداخل و الخارج يتم وفق قوانني و ضوابط التعامالت التقليدية‪ .‬يف حقيقة األمر‪ ،‬إن هذا األسلوب يف التعامل يؤكد عىل‬ ‫أن البنك اإلسالمي هو مؤسسة ربحية ذو طبيعة دينية تاريخية يف جانبه الظاهري فقط‪ ،‬و ال ميلك أي برتوكوالت خاصة‬ ‫و أصيلة يف التعامل املايل‪ ،‬مبعنى أنه بنك تقليدي بإمتياز‪ ،‬و عليه فإمكاننا إسقاط إمكانية تطبيق "اإلقتصاد اإلسالمي"‪.‬‬ ‫قبل أن ننهي‪ ،‬دعونا نستعرض بإختصار أسباب عدم إستحقاق "اإلقتصاد اإلسالمي" للقب إقتصاد امللحق به‪ ،‬بنا ًء عىل‬ ‫ماسبق‪.‬‬ ‫أولاً ‪ :‬مل تقدم النصوص الرشعية اإلسالمية أي أصالة أو تفصيل علمي يف مجال اإلقتصاد‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬مل تقدم كتب و نظريات اإلقتصاد اإلسالمي أي تحليالت أو تفصيالت علمية يف مجال اإلقتصاد‪ ،‬ومل يظهر أي نوع‬ ‫من الحيادية يف تقديم األطروحات من املؤلفني لها‪.‬‬ ‫ثالثًا‪ :‬فشل الناحية التطبيقية يف تطبيق األطروحات اإلسالمية من خالل البنوك و املؤسسات املالية اإلسالمية‪.‬‬ ‫و إعتام ًدا عىل ما سبق‪ ،‬فإن ما قدمه اإلسالم فيام يتعلق باإلقتصاد ال يستحق لقب إقتصاد‪.‬‬ ‫‪20‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

21


‫?‬

‫أسئلة جريئة هي حلقة تواصل بيننا وبني القارئ ومن ميتلك أسئلة بأمكان ُه أرسالها مبارشة عىل بريدي االلكرتوين‬ ‫‪Al.baghdady@gmail.com‬‬ ‫ ‬ ‫للرد عليها يف االعداد القادمة‪.‬‬

‫كيف أصبح جسد املرأة رشف ًـا للرجل؟‬

‫كيف ومتى تح ّول الرشف من عالق ِة الفر ِد باملجتمع من حول ِه إىل رأي املجتمع بأعضاء الفرد الجنسية‪ ،‬ليس هذا فحسب‬ ‫بل ارتبط التعريف املُخزي للرشف هذا ارتباطًا وثيقًا بحياة املرأة الجنسية‪ ،‬حيث أصبح جسد املرأة ليس ُملكًا لها بل‬ ‫لكل الفحول يف العائلة‪ ،‬حتى ذلك اليوم الذي يقومون فيه بتسليمها إىل فحلٍ آخ ٍر من خارج العائلة ليتح ّمل هذا‬ ‫(الرشف) الثقيل‪ .‬كيف أصبح هذا املفهوم العقيم للرشف صف ًة ُمالزم ًة لجميع الشعوب العربية واإلسالمية اليوم؟ بل‬ ‫أصبح يحمل عنوانًا معروفًا يف املجتمعات التي ا ُبتليت مبهاجرين من هذه الشعوب لتتم اإلشارة إىل هذه الجاليات‬ ‫أي ٍ‬ ‫رشف نتح ّدث هنا؟‬ ‫مبجتمعات الرشف؟ عن ِّ‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪22‬‬


‫يف بلدي األم العراق يتناسب رشف الرجل طرديًّـا مع جهل ِه بحياة املرأة الجنسية‪ .‬ال يهم أن يكون إرهاب ًّيـا يف القاعدة‬ ‫لصا أو موظفًا ُمرتش ًيا‪ .‬املهم هو والناس من حول ِه ال يعرفون أي يشء عن‬ ‫يقوم بح ِّز الرقاب وال يهم أن يكون سفا ًحا أو ًّ‬ ‫مامرسة اإلناث يف عائلته (أخته‪ ،‬أمه‪ ،‬زوجته‪ ،‬بنت عمته أو خالته‪ ..‬الخ) للجنس‪ .‬هل يوجد تشويه أكرب من هذا ملفهوم‬ ‫الرشف بشكلٍ عام وهل هناك أكرب من هذا االنحطاط لفعلٍ نبيلٍ مثل مامرسة الحب؟ حني يتعلّق ُ‬ ‫رشف عائل ٍة أو عشري ٍة‬ ‫أو ٍ‬ ‫بلد كامل مبامرسات أفراد ِه الجنسية فمن الصعب أن يفهم اإلنسان يف هذا املجتمع حجم العار الذي يلحق ب ِه عندما‬ ‫يُطالب أو يأخذ أو يعرض رشو ًة عىل موظف يف مكان عمل ِه‪.‬‬ ‫حاولت كث ًريا معرفة سبب هذا الهبوط األخالقي ملفهوم الرشف لدينا‪ ،‬وما هي عالقة الرشف مبامرسة الجنس؟ هل هو‬ ‫ُ‬ ‫ظهور املجتمع الذكوري الذي جيالً بعد جيل قام بتطوير هذا املفهوم عىل مدى آالف السنني لالرتقاء مبقام الرجل حتى‬ ‫أصبح اإلله ذاته رجالً؟ أم هل ألن جميع األبطال واألنبياء يف تاريخنا املُز َّور يتناسب حجم بطوالتهم وقداستهم طرديًّا‬ ‫مع مغامراتهم الجنسية؟ ما هو سبب هذا التش ّنج الغريب والرتكيز غري املنطقي ملجتمعاتنا حول الجنس بالذات؟ ملاذا‬ ‫كل تاريخنا و ُمقدساتنا تدور حول الجنس ومدى استخدام أو عدم استخدام أنبيائنا وق ّديسينا ألعضائهم الجنسية؟‬

‫نزوالً من الرتاث املُت َّوهم بقصة آدم وحواء عندما اكتشفوا وبصورة ال منطقية بأنهم ( ُعراة)‪ ،‬مرورا ً بالتقديس غري املربر‬ ‫لعذرية مريم العذراء وانتها ًء مبغامرات محمد الجنسية‪ .‬هذا التحقري األعمى والخوف األزرق من جسد املرأة وكل ما‬ ‫له عالقة بالجنس‪ ،‬وهذا التمجيد املهول لقدرات الرجل الجنسية ميأل كل كتب التاريخ واألدب والدين لدينا‪ .‬الكثري من‬ ‫املراهقني املسلمني حتى يومنا هذا يفتخرون بقدرات محمد الجنسية وعىل الطرف اآلخر يتخذ املسيحيون من مريم‬ ‫‪23‬‬


‫العذراء مثاالً يف البتولية والعفة ويق ّدسونها حتى ارتبط اسمها بسلبية نشاطها الـجنيس‪ .‬تصور معي لو تح ّدثنا بنفس‬ ‫املقدار من الفخر عن قدرات مريم (العذارء) الجنسية؟ عن عالقتها الجنسية الوطيدة مع تالميذ املسيح األوائل لتوحيد‬ ‫القلوب ونرش اإلميان بابنها املُخلِّص؟ أمل يستخدم الله جسدها (رغامً عنها) لنرش رسالته؟ ما الرضر من استخدامه يف‬ ‫أشياء أخرى ولنفس الهدف النبيل؟ تص ّور معي لو تح ّدثنا بنفس الفخر عن حياة فاطمة أو زينب الجنسية يف البدايات‬ ‫األوىل لظهور اإلسالم واستخدامهن الجنس (متاماً كأبيهن) لتوحيد القبائل العربية عىل الدين الجديد؟ تص ّور معي‪،‬‬ ‫رشف يستحق الدفاع عنه أم ٌ‬ ‫واكتشف فيام لو كان الرشف الذي تؤمن به هو ٌ‬ ‫رشف يجب أن تخجل منه وترتكه ألنه ال‬ ‫يليق بك كإنسان عقله فوق رقبته ال بني فخذيه‪.‬‬ ‫السؤال الذي يطرح نفسه اآلن وبشدة علينا نحن (ذكور القبيلة حرصا ً) هو كيف نتخلّص من هذه العقدة املريرة‬ ‫واملُخزية املدع ّوة الرشف التي تسلبنا أدىن حد من انسانيتنا وراحة البال الكامنة يف تعاملنا مع كل النساء حولنا‪ .‬كيف‬ ‫نتخلّص من هذا الشعور املرير بالدماء املتوهجة يف عروقنا كلّام رأينا أو ملحنا أو حتى سمعنا عن اقرتاب فحلٍ ما من‬ ‫إحدى إناث (قبيلتنا)‪ .‬كيف س ُنسكت د ّوامات األفكار والشكوك ونت ّوقف عن محاولة لعب دور حامي الحمى و فارس‬ ‫فرسان القبيلة؟‬ ‫يك ال نُعق ِّـد املسائل أكرث مام هي معقدة‪ ،‬تذكّر أوالً بأن األنثى إنسانة كاملة وناضجة ومسؤولة عن نفسها متاماً كام أنك‬ ‫أنت مسؤول عن نفسك‪ .‬تذكّر أن أمك أو أختك لسن أبقا ًرا مق ّدس ًة متلكها العشرية‪ ،‬بل ه َّن برش مساويات لك بالقيمة‬ ‫وله َّن نفس الحقوق ميتلكن نفس املشاعر واألحاسيس واألحالم بحياة ميألها الحب والسعادة‪ .‬سيقول لك الكثري من‬ ‫الفحول حولك‪ ،‬هل ترضاه ألختك‪( .....‬نفس النغمة ونفس األسطوانة القدمية)‪ .‬إجابتك ستكون واضحة وحادة‪ ،‬أختي‬ ‫ليست داب ًة قارص َة العقلِ أقودها من الحظرية إىل املعلف كل يوم‪ ،‬بل إنسان ٌة واعي ٌة أثق بها وأحرتم قراراتها وسأكون‬ ‫دامئاً سعيدا ً لسعادتها وموجود جوارها ملساعدتها فقط وليس قيادتها‪.‬‬ ‫بسام البغدادي‬ ‫‪Al.baghdady@gmail.com‬‬

‫‪24‬‬


25


‫نوال السعداوي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫كاتب ٌة وأديب ٌة عاملية وطبيب ٌة نفسي ٌة مرصية‪ ،‬مدافع ٌة عن‬ ‫الحرية والعدالة والكرامة للنساء والرجال واألطفال‪ .‬تخرجت‬ ‫من كلية الطب جامعة القاهرة وعملت طبيبة امتيا ٍز بالقرص‬ ‫العيني ومستشفيات أخرى يف القاهرة والقرى‪ ،‬ثم ُفصلت من مناصبها‬ ‫بسبب آرائها وكتاباتها‪ .‬تعرضت للسجن عام ‪ 1981‬تحت حكم السادات‪،‬‬ ‫كام تعرضت للنفي تحت حكم مبارك نتيج ًة آلرائها ومؤلفاتها‪ ،‬وتم رفع‬ ‫قضايا ضدها من ِقبل أصوليني متطرفني (خمسة قضايا حسبة) وتهمة "إزدراء‬ ‫األديان"‪ ،‬و ُوضع إسمها عىل قامئة املوت للجامعات اإلسالمية املتطرفة حيث ُهددت‬ ‫بالقتل‪ .‬رفضت محكمة القضاء اإلداري إسقاط الجنسية املرصية عنها بسبب قيمتها‬ ‫األدبية والعلمية العالية وأفكارها اإلنسانية املدافعة عن حقوق املرأة‪ .‬أسست جمعية‬ ‫تضامن املرأة العربية العام ‪ 1982‬وهي جمعي ٌة تسعى إىل تحرير العقل واملرأة يف العامل العريب‪،‬‬ ‫حكومي غري قانوين عام ‪،1991‬‬ ‫تم إغالقها دون سبب ودون تحقيق بقرا ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫كام تم مصادرة االتحاد النسايئ املرصي‬ ‫الذي أنشأته عام ‪ 2000‬وأعادت إنشاءه‬ ‫عام ‪ 2004‬ثم أعادت إنشاءه مر ًة‬ ‫أخرى أيضاً يف ميدان التحرير يف شباط‬ ‫فرباير ‪ ، 2011‬صدر لها خمسون كتابًا‬ ‫أُعيد نرشهم عدة مرات‪ ،‬وتُرجمت‬ ‫كتاباتها إىل خمس ٍة وثالثني لغة ًعىل‬ ‫األقل‪ .‬حازت عىل عدة جوائز عاملية‬ ‫أدبية وعلمية‪ ،‬وكان آخرها جائزة‬ ‫ستيغ داغريمان (السويد ‪ )2012‬و هي‬ ‫جائز ٌة متنح إىل قادة الفكر الحر يف‬ ‫العامل ومناضيل حرية التعبري‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫نوال السعداوي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫ِ‬ ‫قبولك التحدث إىل مجلتنا‪.‬‬ ‫أهالً وسهالً بضيفتنا الكرمية و شك ًرا جزيلاً عىل‬ ‫عرفت بوجود مجلة امللحدين العرب‪ ،‬وهل تر ّد ِ‬ ‫ِ‬ ‫دت يف إجراء املقابلة؟‬ ‫س‪ :1‬كيف‬ ‫مل أعرف بوجود هذه املجلة إال منكم عرب اإلمييل وال أتر ّدد يف إجراء الحوار مع املؤمنني وغري املؤمنني‪ ،‬أو‬ ‫ما يسمون ملحدين‪ ،‬وغريهم من كل أصحاب األفكار الجديدة من مختلف الفلسفات واالتجاهات‪ ،‬ألن‬ ‫الحوار واالختالف والتجديد وحرية التعبري هو الطريق إىل مستقبلٍ أفضل يقوم عىل اإلبداع الفكري‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‪ :2‬هل ِ‬ ‫نضالك‪،‬‬ ‫معاناتك و‬ ‫يزعجك تبلور ما ورد فيها حول‬ ‫تعليق أو إضاف ٍة عىل مقدمتنا‪ ،‬و هل‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫لك ّ‬ ‫أم ِ‬ ‫أنك تعتربينها جز ًءا من إالنجازات التي تستحق أن يُفخر بها؟‬ ‫أفضّ ل أن أُقدّ م إىل القراء باعتباري كاتب ٌة وروائي ٌة وطبيب ٌة نفسية‪ ،‬وأن تُذكر بعض عنوانني مؤلفايت األدبية‬ ‫والعلمية واالجتامعية حتى يتمكن القراء من الحصول عليها إذ أنّ هناك‬ ‫تعتيم كبريٌ عىل أعاميل وتشويهٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بسيط مقابل حريتي‬ ‫لها‪ ،‬أما التحديات والصعوبات التي واجهتها يف حيايت العامة والخاصة فهي مث ٌن‬ ‫ككاتبة وكرامتي كإنسانة‪.‬‬ ‫س‪ :3‬كيف ميكن وصف نوال السعداوي الطفلة يف الريف املرصي و ما هو مدى تعرضها لعادات املجتمع‬ ‫و الدين بشكلٍ خاص؟‬ ‫ٍ‬ ‫وتناقضات صارخ ٍة يف‬ ‫مثل أغلب األطفال األصحاء كنت طفل ًة كثرية التساؤل عام أراه من‬ ‫ٍ‬ ‫كذب واضحٍ‬ ‫البيت واملدرسة واملجتمع والدين واألخالق‪ ،‬التفرقة بني البنات واألوالد كانت ضد املنطق والعدل‪ ،‬واعتبار‬ ‫ذكاء البنت عي ًبا أو عاه ًة أو شذو ًذا عن الطبيعة ومحاولة إعداد البنت وتطويعها لخدمة األرسة وزوجها‬ ‫وأطفالها‪ ،‬وغري ذلك مام ترفضه عقول األطفال األصحاء البنات واألوالد‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫نوال السعداوي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫تزويجك برجلٍ وصفتيه يف مذكر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‪ :4‬عندما ِ‬ ‫غريب‬ ‫اتك بأنه ذو وج ٍه‬ ‫أهلك‬ ‫كنت يف اإلبتدائية حاول‬ ‫ٍ‬ ‫مخيف‪ .‬ما هو أثر هذه التجربة عليك؟‬ ‫هذه التجربة السلبية وغريها من التجارب املؤملة ساعدتني عىل التمرد والثورة ضد الزواج وضد كل أشكال‬ ‫الظلم والتفرقة بني الناس‪ ،‬فهي تجرب ٌة إيجابي ٌة رغم قبحها‪ ،‬وال يشء يساعد عىل التحدي واإلبداع والتقدم‬ ‫مثل هذه التجارب السيئة‪.‬‬ ‫وخصوصا أن دراسة الطب مهن ٌة حساس ٌة جدً ا بالتوازي مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫فكرك الحر‬ ‫حياتك الجامعية‪،‬‬ ‫س‪ :5‬كيف تصفني‬ ‫ً‬ ‫املغاير ألعراف املجتمع يف تلك الفرتة؛ كيف كانت صعوبة تلك الفرتة و مثارها ِ‬ ‫عليك؟‬ ‫دراستي للطب ساعدتني عىل فهم الجسد والنفس‪ ،‬وكشف التناقضات يف علوم الطب وقوانني املهن الحرة‬ ‫القامئة عىل التجارة والغش ومنها مهنة الطب‪ ،‬وكان رضوريًا أن أحاول تغيري قانون مهنة الطب من خالل‬ ‫نقابة األطباء‪ ،‬وفعالً نجحت مع بعض زماليئ األطباء املتقدمني خالل أعوام ‪1966‬إىل ‪ 1969‬أن ندعو لفكرة‬ ‫الطب االشرتايك الوقايئ والعالجي‪ ،‬ونصدر قانونًا جديدً ا للمهنة الطبية يحرتم حقوق املرىض واملريضات‪،‬‬ ‫وال يقوم عىل الربح والعيادات الطبية الخاصة‪ ،‬لكن ما إن جاء السادات حاكماً ملرص عام ‪ 1970‬حتى‬ ‫أُجهض هذا العمل االشرتايك من أجل بدء الخصخصة الرأساملية وزياة أرباح القطاع الخاص مبا فيه‬ ‫وتدخل موظفو السادات يف انتخابات نقابة األطباء وتم‬ ‫َ‬ ‫املستشفيات الخاصة التي ميلكها أثرياء األطباء‪،‬‬ ‫إقصاء كل العنارص الشابة االشرتاكية ومنهم أنا‪ ،‬وتم عزيل عن منصبي يف وزارة الصحة عام ‪ ،1972‬كام‬ ‫متت مصادرة كتبي ومنعي من النرش يف مرص فاتجهت إىل دور النرش يف لبنان‪ ،‬واستمر النضال ضد سياسة‬ ‫السادات الذي فتح أبواب مرص للقوى االستعامرية والتيارات الدينية األصولية‪ ،‬اىل أن وضعني السادات‬ ‫يف السجن يف ‪ 6‬أيلول سبتمرب ‪ ،1981‬ثم تم اغتياله‪ ،‬ومل يكن مبارك إال امتدا ًدا للسادات‪ ،‬ولهذا استمر‬ ‫الرصاع والنضال حتى ثورة ‪ 25‬كانون الثاين يناير ‪ 2011‬وسقوط مبارك يف ‪ 11‬شباط فرباير ‪ ،2011‬ثم‬ ‫سقوط مريس واألخوان املسلمني بعد ثورة ‪ 30‬حزيران يونيو ‪ ، 2013‬واستمرار الرصاع والنضال حتى اليوم‬ ‫لتحقيق أهداف الثورة‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫نوال السعداوي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألهمك التوجه للكفاح من‬ ‫شعرت بها برت ّدي وضع اإلنسان العريب‪ ،‬و ما الذي‬ ‫س‪ :6‬متى كانت اللحظة التي‬ ‫أجل قضايا اإلنسان العريب‪ ،‬واملرأة والطفل عىل وجه التحديد؟‬ ‫منذ طفولتي كنت أصارع ضد أي ظلم‪ ،‬وكنت أشعر يف جميع مراحل عمري حتى اليوم برتدي وضع‬ ‫اإلنسان واإلنسانة والطفلة املرصية والعربية‪ ،‬وقد ألهمتني أمي وجديت وأيب للكفاح لتحرير نفيس وغريي‬ ‫من البنات واألوالد‪ ،‬وكنت أزداد وع ًيا ومعرف ًة بقضايا النساء كلام كربت وخربت الحياة العامة والخاصة‪ ،‬أما‬ ‫مؤسسة الزواج فقد كشفت يل التجارب السياسية والشخصية عن أنها مؤسس ٌة تجاري ٌة غري إنساني ٍة قامئ ٌة‬ ‫عىل االزدواجية األخالقية والرشعية غري العادلة ‪.‬‬ ‫س‪ :7‬كيف تق ّيمني وضع املرأة العربية و الحركات األنثوية عىل الساحة بشكلٍ عام‪ ،‬و ما هو مدى نجاحها‪،‬‬ ‫و ما هو دور الرجل يف هذه القضية؟‬ ‫لعبت الحكومات املرصية والعربية دو ًرا يف رضب الحركة النسائية والشبابية والعاملية والفالحية وغريها‬ ‫من الحركات الشعبية املناضلة ضد النظام الطبقي األبوي العنرصي الذي يتاجر بالدين ويستخدمه لفرض‬ ‫الطاعة والخضوع عىل النساء والفقراء‪ ،‬وكم من منظم ٍة أنشأتها مع زمياليت‪ ،‬بجانب جمعية تضامن املرأة‬ ‫العربية‪ ،‬ومنها االتحاد النسايئ املرصي‪ ،‬الذي صادرته سوزان مبارك أكرث من مرة‪ ،‬لتنىشء املجلس القومي‬ ‫للمرأة تحت سيطرتها مع وزيرة الشؤون االجتامعية وموظفات الحكومة‪.‬‬ ‫حكومي غري قانوين‪ ،‬وإحالل‬ ‫بسبب القمع وسطوة الحكومة تم حل هذه املنظامت النسائية الشعبية بقرا ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫املنظامت الحكومية بدلاً منها‪ ،‬والتي يسمونها منظامت غري حكومية‪ ،‬أو منظامت مجتمع مدين‪ ،‬وكلها‬ ‫تتلقى األوامر من الحكومة‪.‬‬ ‫بالطبع لعبت بعض هذه املنظامت دو ًرا يف التعريف والتنبيه لبعض قضايا النساء إال أنّ تأثريها صغري‬ ‫بسبب خضوعها للحكومات‪ ،‬كذلك دور الرجل كان صغ ًريا فيام يخص قضية املرأة بحكم مصالحه الخاصة‬ ‫داخل النظام األبوي‪ ،‬ميكن يل القول أن الكتب املقدمة عن املرأة (ومنها كتبي) قد لعبت دو ًرا أكرب يف رفع‬ ‫الوعي العام للنساء والرجال ضد النظام الطبقي األبوي‪ ،‬والتشجيع عىل التمرد والثورة‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫نوال السعداوي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫س‪ :8‬تثري حركة فيمني ‪ Femen‬الجدل حول العامل‪ ،‬وهي حرك ٌة أنثوي ٌة تدعو إىل الدفاع عن حقوق املرأة‬ ‫ِ‬ ‫موقفك من هذه الحركة‪ ،‬و ما هي‬ ‫"بالصدور العارية" ‪-‬عىل حدّ تعبري عد ٍد من الصحف العاملية‪ -‬ما هو‬ ‫ِ‬ ‫توقعاتك لها يف تحقيق نجاحها؟‬ ‫الصدور العارية ميكن أن تثري الرجال لكنها ال تحرر النساء من النظام الطبقي األبوي‪ .‬تحرير النساء‬ ‫والرجال يحتاج إىل ثور ٍة فكري ٍة شامل ٍة للعقل والجسم واملجتمع‪ ،‬تكشف فساد الفكر والقيم والقوانني‬ ‫السائدة املوروثة منذ العبودية‪.‬‬ ‫س‪ :9‬رمبا يعلم الجميع أن أساس نجاح الحركة األنثوية ‪ -‬إىل حد ّما‪ -‬يف الواليات املتحدة األمريكية هو‬ ‫بغض النظر عن الجنس‪ ،‬وهو ما أ ّدى إىل تب ّنيها‬ ‫ارتباطها مبسائل تهم الجميع وتقبلها كل الفئات االجتامعية ّ‬ ‫من ِق َبل الشارع‪ ،‬وحصولها عىل نو ٍع من التمكني والقبول يف الشارع حتى أصبح بإمكانها طرح القضايا‬ ‫الخاصة باملرأة‪ .‬فهل ميكن تطبيق التجربة األمريكية يف العامل العريب وما هي التحديات واملعوقات التي‬ ‫قد تواجهها؟‬ ‫الحركة األمريكية النسائية ضرُ بت سياس ًيا وفكر ًيا مثل الحركات االشرتاكية وتم سيطرة الرأساملية الرشسة‬ ‫واألبوية والعنرصية عليها ‪ ،‬والعودة إىل تشجيع التيارات األصولية املسيحية واليهودية واإلسالمية‪ ،‬لك ّن‬ ‫الحركات الشعبية الثورية األمريكية ومنها الحركة النسائية تتجمع من جديد‪ ،‬وتضغط عىل الحكومة مع‬ ‫الحركات االشرتاكية‪ ،‬وتر ّد حكومة أوباما بالقمع البولييس كام حدث لحركة (احتلوا وول سرتيت) ‪ ،‬وميكن‬ ‫للحركات النسائية واالشرتاكية العربية أن تتعاون وتتبادل الخربات مع مثل هذه التيارات التقدمية يف‬ ‫العامل وليس أمريكا فقط‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫نوال السعداوي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كتابك (ملك و إمراة و إله) أنّ "الرتبية فشلت يف بيوتنا ىف خلق الضمري الحي‪ ،‬و أنّ‬ ‫ذكرت يف‬ ‫س‪:10‬‬ ‫متيز اإلنسان الراقي يكون بالقدرة عىل تغليب املسؤولية الفردية والجامعية عىل شهوة األكل والجنس‬ ‫والتسلط‪" ،‬وكام نعرف جمي ًعا أن الضمري الحي هو أساس إحقاق الحقوق‪ ،‬فام هو رأيك باألحكام الدينية‬ ‫ومناهجها والتي يعتربها غالبية العرب املنهج الرتبوي يف تحقيق حقوق اإلنسان بشكلٍ عام واملرأة والطفل‬ ‫واألقليات بشكلٍ خاص؟‬ ‫كتبت كث ًريا عن أن القيم اإلنسانية ومنها العدل واألخالق الراقية والضمري الحي واإلحساس باملسؤولية‬ ‫ُ‬ ‫الفردية والجامعية تنبع من الرتبية والسلوك اليومي يف البيت واملدرسة والشارع وال عالقة لها باألديان‬ ‫واملذاهب‪ ،‬بدليل أن أغلب الكهنة يف التاريخ ورجال األديان والقساوسة واملشايخ‪ ،‬مل يكن سلوكهم يدعو‬ ‫للفخر‪ ،‬بل اقرتفوا أبشع أنواع الفسق والقهر ضد النساء والفقراء تحت اسم الدين‪ .‬بعد دراستي املتعمقة‬ ‫أدركت أن أغلب تعاليمها وقيمها تقوم عىل االزدواجية األخالقية‪ ،‬واملبدأ األول يف علم األخالق هو‬ ‫ُ‬ ‫لألديان‬ ‫ٌ‬ ‫مكيال واحد‪.‬‬ ‫مقياس أو‬ ‫أن يكون لها‬ ‫ٌ‬ ‫س‪ :11‬الختان‪ ،‬والذي ُيع ّرف طب ًيا عىل أنه تشويه األعضاء التناسلية لألطفال‪ :‬حدثينا عن عملك كطبيبة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫متكنت من منع ختان اإلناث‬ ‫حربك ضد الختان السائد يف مجتمعاتنا العربية‪ ،‬و كيف‬ ‫الريف املرصي وعن‬ ‫يف مرص؟‬ ‫هذه قص ٌة طويل ٌة ميكنكم الحصول عليها من كتبي ومقااليت املتعددة‪ ،‬وباختصار ال ميكن إلنسانٍ أو إنسان ٍة‬ ‫لديها عقل أن تقتنع بأن النظافة أو الصحة أو العفة تقتيض قطع أجزاء من أجسام األطفال الذكور أو‬ ‫االناث‪ ،‬واألسهل واألجدى واألصح هو تعليم األطفال النظافة والصحة والعفة واملسؤولية األخالقية‪ ،‬وقد‬ ‫مباح‬ ‫صدر قانون يف مرص عام ‪ 2008‬مبنع ختان اإلناث إال أنّ هذا القانون ال ينفّذ‪ ،‬كام أنّ ختان الذكور ٌ‬ ‫قانون ًيا حتى اليوم ‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫نوال السعداوي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كتابك (مذكرايت يف سجن النساء)‬ ‫عانيت منها يف السجن نقتبس من‬ ‫س‪ :12‬يف ظل التجربة القاسية التي‬ ‫ِ‬ ‫قولك "الميوت اإلنسان يف السجن من الجوع أو من الحر أو الربد أو الرضب أو األمراض أوالحرشات‪ .‬لكنه‬ ‫قد ميوت من االنتظار؛ االنتظار يح ّول الزمن إىل الالزمن‪ ،‬واليشء إىل الاليشء‪ ،‬واملعنى إىل الالمعنى‪ ".‬هل‬ ‫ِ‬ ‫لك أن تحدثينا عن تأثري هذه التجربة ِ‬ ‫ِ‬ ‫خروجك من السجن؟‬ ‫عليك بعد‬ ‫تجربة السجن كانت رغم سلبيتها مفيد ًة يل‪ ،‬فقد رأيت الوجه اآلخر للنظام الحاكم الذي كنت أحاربه منذ‬ ‫الطفولة وتأكد يل رضورة مواصلة الكفاح إلسقاط هذا النظام الطبقي األبوي العنرصي املزدوج الوجه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يصنفك املوقع العاملي ويكيبيديا يف مقال ٍة بعنوان "‪ "،List of feminists‬والتي تستعرض قادة‬ ‫س‪:13‬‬ ‫الحركات األنثوية عىل مدى التاريخ‪ ،‬عىل أنك منارص ٌة "إسالمية" للمرأة و قضاياها "‪".Muslim feminist‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إتفاقك مع هذا التصنيف‪ ،‬و‬ ‫معتقداتك الدينية‪ ،‬ما هو مدى‬ ‫جمهورك مسألة‬ ‫متابعيك و‬ ‫كام يثري فضول‬ ‫ِ‬ ‫هل ِ‬ ‫معتقداتك الدينية؟‬ ‫لك أن تحدثينا عن‬ ‫مل أطّلع عىل هذا املوقع وال ته ّمني التصنيفات التي كث ًريا ما تخالف الحقيقة‪ ،‬ومن يريد معرفتي فليقرأ‬ ‫درست تاريخ نشوء اآللهة واألديان األرضية والساموية‪ ،‬ويف مرص القدمية كان هناك‬ ‫ُ‬ ‫كتبي ومقااليت‪ ،‬وقد‬ ‫آلهة إناث وذكور‪ ،‬ويل مرسحي ٌة بعنوان (ازيس)‪ ،‬تحيك الرصاع بني اآللهة يف مرص القدمية‪ ،‬وانهزام اآللهة‬ ‫األنثى واختفاؤها من التاريخ الطبقي األبوي‪ ،‬الذي مل يبق فيه (منذ اليهودية) إال إله ذكر واحد للسامء‪.‬‬ ‫س‪ :14‬يطالب ناشطون ملحدون يف مرص حال ًيا بوضع كلمة "ملحد" يف خانة الديانة يف البطاقة الشخصية‬ ‫ُمعللني ذلك بأنه ُيكسبهم حقوق املواطنة بشكلٍ رسمي كفئ ٍة مجتمعية‪ ،‬فيام يطالب آخرون بإلغاء خانة‬ ‫الديانة يف البطاقة الشخصية‪ ،‬ما هو الرأي الصحيح والذي تفضلينه من وجهة نظرك؟‬ ‫إلغاء خانة الديانة بأكملها رضور ٌة لبناء مستقبلٍ أفضل ليس فيه حروب وفنت طائفية‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫نوال السعداوي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫ِ‬ ‫س‪ :15‬يلفت األنظار مصطلح "قامئة املوىت" الذي ِ‬ ‫كتابك‪( ،‬اإلله يقدم إستقالته يف إجتامع‬ ‫أرشت إليه يف‬ ‫القمة) والذي ُمنع من النرش يف مرص‪ .‬وتتمحورالفكرة حول نظرة األصوليني والشموليني إىل "اآلخر" و‬ ‫تهديد حياة أصحاب الفكر املخالف‪ ،‬و نحن كملحدين عرب لرمبا نكون عىل رأس القامئة‪ .‬ما هو أصل ذلك‬ ‫خالصا للبرش؟‬ ‫العنف واإلقصاء إذا كانت األديان تدّ عي أنها أُرسلت رحم ًة و ً‬ ‫وخالصا للبرش إال نظريًا ولغوياً فقط‪ ،‬ويزخر تاريخ جميع األديان عمل ًيا و واقع ًيا‬ ‫األديان مل تكن رحم ًة‬ ‫ً‬ ‫نبي آخر‪ ،‬تعاليم الكتب الدينية‬ ‫بالدماء والحروب والتعصب وقتل اآلخرين الذين لهم دي ٌن آخر أو إلهٌ أو ٌّ‬ ‫كلها تطلق اسم الكفار الفاسدين لكل من ال يؤمن بها‪ ،‬ولن تخلو بالدنا من الفنت والدماء إن مل نقم مبراجع ٍة‬ ‫فكري ٍة شجاع ٍة لهذه األديان وتحريرها من التعصب الطبقي األبوي والنظرة األحادية األنانية‪ ،‬وكراهيتها‬ ‫للعلم واملعرفة والنساء‪ ،‬أال يتساءل أي عاقلٍ ملاذا تم تأثيم املعرفة وح ّواء يف هذه األديان ؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لفكرك‪ ،‬وقد تعدّ ى األمر ذلك‪ ،‬من بعض األصوليني‪ ،‬إىل‬ ‫تعرضت للتهجم و التجريح من املعارضني‬ ‫س‪:16‬‬ ‫ِ‬ ‫إقصائك وتحليل دمك والتحريض عىل قتلك والتهديد به‪ ،‬و قد حصل ذلك مرا ًرا و تكرا ًرا‪ .‬كيف‬ ‫محاولة‬ ‫تكون ردة ِ‬ ‫فعلك تجاه هذه الترصفات؟‬ ‫أنا تحررت من الخوف من املوت‪ ،‬ضمن مخاوف أخرى نرتىب عليها منذ الوالدة‪ ،‬إنّ الخوف من املوت هو‬ ‫السبب وراء موت البرش قبل أن يدركهم املوت‪ ،‬إنهم يحاولون إلغاء حقيقة املوت بإلغاء عقولهم وعدم‬ ‫االعرتاف مبوتهم‪ ،‬أو تصورهم أنهم سيعيشون اىل األبد بعد موتهم‪ ،‬وبالتايل ميوتون عقل ًيا قبل أن ميوتوا‬ ‫تناقض خطريٌ يعيشه أغلب الناس خو ًفا من الحقيقة‪.‬‬ ‫جسديًا‪ٌ ،‬‬ ‫س‪ :17‬لعل قارئنا العزير ينتظر هذا السؤال منذ بدء املقابلة؛ شهيد الكلمة فرج فودة والذي يصفه البعض‬ ‫بأسطورة العلامنية يف مرص‪ ،‬ماذا يعني ِ‬ ‫لك هذا اإلسم‪ ،‬و كيف كانت العالقة بينكام؟‬ ‫كان فرج فودة مفك ًرا وكات ًبا متقد ًما‪ ،‬وكان يحرض بعض الندوات الثقافية يف جمعية تضامن املرأة العربية‪،‬‬ ‫لكني ال أستخدم لقب " أسطورة " ألي شخص‪ ،‬وكنت أختلف مع فرج فودة سياس ًيا واقتصاديًا وفكريًا‪،‬‬ ‫وأعتقد أن نقد الدين أو اإللحاد ليس هد ًفا بحدّ ذاته‪ ،‬بل هديف األسايس هو تغيري النظام السيايس‬ ‫االقتصادي االجتامعي األخالقي القائم عىل الظلم الطبقي والسلطة املطلقة للذكور يف الدولة واألرسة‬ ‫والعامل كله‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫نوال السعداوي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نشاطات جديد ٍة لنوال السعداوي يف املستقبل القريب؟‬ ‫أعامل أو‬ ‫س‪ :18‬هل نرتقب أ ّية‬ ‫يل رواي ٌة ستصدر يف بريوت الشهر القادم (عن دار املطبوعات) بعنوان " إنه الدّ م " من وحي الثورات‬ ‫املرصية األخرية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رسالتك للمنظامت أو األفراد املناضلني ألجل حقوق اإلنسان واملرأة كركيز ٍة أساسي ٍة فيها‪ ،‬وما‬ ‫س‪ :19‬ما هي‬ ‫هي أهم النصائح لتحقيق األهداف املنشودة؟‬ ‫ال أحب إعطاء النصائح إال أين أقول للمرأة (والرجل) ال تسمعوا النصائح‪ ،‬وتعلّموا من تجاربكم يف الحياة‬ ‫العامة والخاصة‪.‬‬ ‫س‪ :20‬ما هي الرسالة التي تو ّدين توجيهها لجمهور املجلة‪ ،‬من امللحدين و غري امللحدين؟‬ ‫أولاً ال أميل إىل تصنيف الناس ملحدين أو مؤمنني‪ ،‬ألنّ ذلك يحبسهم داخل بوتقة الفكر الديني‪ ،‬إيجا ًبا‬ ‫أو سل ًبا‪ ،‬اعرتا ًفا أو إنكا ًرا‪ ،‬ملاذا ال يكون الدين أو نقد األديان جز ٌء من رسالتكم‪ ،‬وليس الرسالة كلها ؟ وإن‬ ‫كانت كلمة " اإللحاد " ترعب الكثريين‪.‬‬ ‫ومن املهم رفع الحجاب عنها والتحدث عنها بوضو ٍح وشجاعة‪ ،‬ويف رأيي أنّ اإلميان واإللحاد وجهان لعمل ٍة‬ ‫واحد ٍة مثل اإلله والشيطان والحياة واملوت‪.‬‬

‫تقديم ‪Lily Queen ..........‬‬

‫إعداد ‪Abdullah Hussein ......‬‬

‫نوال السعداوي‬ ‫القاهرة ‪ 24‬ترشين األول أكتوبر ‪2013‬‬ ‫مع تحيات هيئة تحرير مجله امللحدين العرب‬

‫‪34‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪35‬‬


‫اإلساءة ألي‬ ‫امرأة‬ ‫هي إساءة‬ ‫لكل امرأة!‬ ‫وفاء سلطان‬

‫‪Zuzana Benková's‬‬

‫‪36‬‬

‫منذ قرون ـ أو هكذا أحس ـ ويف ع ّز الصحافة‬ ‫اللبنانية يف السبعينات من القرن املنرصم‪ ،‬يوم كانت‬ ‫متتص كل مايُحيط بها‪ ،‬يومها‬ ‫ذاكريت ّ‬ ‫غضة كاسفنج ٍة ُّ‬ ‫اطلعت عىل كاريكاتور يف إحدى الصحف‪ ،‬كان‬ ‫يظهر رجال ذي لحية طويلة ولعت بها النار ـ يا رب‬ ‫امللحدين أشعل النار يف كل لحية يف رشقنا املعذب ـ‬ ‫راح الرجل يركض مين ًة ويرس ًة محاولاً أن يُطفئ‬ ‫اللحية املشتعلة بيده‪ ،‬ويف ذرو ِة جنون ِه اقرتب منه‬ ‫طفل صغ ٌري ممسكًا بعصفو ٍر وهو يقول له‪ :‬عمو‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الله يخليك اشوي ها العصفور عىل نارك قبل أن‬ ‫تنطفئ!‬


‫اإلساءة ألي امرأة‬ ‫هي إساءة لكل امرأة!‬

‫وفاء سلطان‬

‫ِ‬ ‫األلب‬ ‫هكذا هي ملكة الكتابة‪ ،‬بريئ ٌة وعفوي ٌة كاألطفال‪ ،‬قد تهرب منك وأنت تستلقي يف أحىل‬ ‫املنتجعات يف جبا ِل ِ‬ ‫ُممسكًا بقلمك ومتوسلاً إليها‪ ،‬وقد تأيت إليك وأنت تحاول أن تطفئ نا ًرا تلتهم كل يش ٍء من حولك!‬ ‫اتصل يب القامئون عىل مجلة "امللحدين العرب" مشكورين‪ ،‬يطلبون مني أن أساهم مبقا ٍل يف هذا العدد‪ ،‬عىل أن‬ ‫يتناول قضية وهموم املرأة العربية ـ وما أقلها!ـ‬ ‫تلك ـ لعمري ـ أصعب مهم ٍة أتوالها‪ ،‬وهي أن أكتب مقالاً وفقًا لتوقيت مجل ٍة وليس حسب مزاج ملكة الكتابة لدي‪،‬‬ ‫التي تحب أن تزورين والنار مشتعل ًة من حويل!‬ ‫ال أملك أي سيطر ٍة عىل قلمي‪ ،‬بل هو الذي يُسيطر عيل‪ ،‬ولذلك بدت املهمة شبه مستحيلة‪ ،‬حتى فاجأين رابط منشور‬ ‫ِ‬ ‫صفحات ِ‬ ‫بعض أصدقا ِء الفيس بوك!‬ ‫عىل‬ ‫أشف أوجه الجامل‪ ،‬ولكنني مل أ َر يف حيايت رابط ًـا‬ ‫لقد رأيت من الدنيا العجب ال ُعجاب‪ ،‬من أقىس أشكال القبح إىل ِّ‬ ‫يهبط مبستوى األخالق إىل هذا الحد من اإلسفاف!‬

‫ولكنني مل أ َر يف حيايت رابط ًـا يهبط مبستوى األخالق إىل هذا الحد‬

‫‪37‬‬


‫اإلساءة ألي امرأة‬ ‫هي إساءة لكل امرأة!‬

‫وفاء سلطان‬

‫يقول توليستوي عىل لسان أحد أبطاله يف قصته "الحرب والسالم"‪ :‬أتساءل‪ :‬كيف يكون وضع الرجل جي ًدا‪ ،‬عندما‬ ‫فلسا أخالقي ًّـا؟‬ ‫يكون ُم ً‬ ‫من املستحيل!‬

‫?‪How can one be well…when one suffers morally‬‬

‫لذلك‪ ،‬أقولها وبشجاعة وبال أدىن تردد‪ :‬إن وضع تلك األ ّمة يعكس االنحطاط األخالقي الذي هبطت إليه‪.‬‬ ‫البعض يحتج‪ :‬ال تعممي!‬ ‫سأعمم‪ ،‬وسأردد ماحييت‪ :‬هذه األمة هي ُمنحطّة أخالقي ًّـا إىل حد ال يمُ كن أن ترتفع فوقه‪ ،‬حتي يُعاد تأهيل الرجل‬ ‫الذي يمُ ثلها‪ ،‬وأعني بالتأهيل أن يُعاد خلقه فكريـًّا ونفسيـًّا وعاطفيـًّا وكتحصيل حاصل أخالقيـًّا!‬ ‫لو حاولت أن تقسم رقم ‪ ١٠٠‬عىل ‪ ،٣‬لن تحصل يف حياتك عىل قسمة َح ّدية ُمطلقة‪ ،‬ولكن يف علم الرياضيات تقبل‬ ‫بالرقم ‪ ٣,٣٣٣٣‬وتُسقط من حسابك الرقم املُتبقّي والذي يُطلق عليه "الخطأ املرتكب" ونهمله نظ ًرا لضآلته‪.‬‬ ‫من وجهة نظر رياضياتية محضة‪ ،‬يحق يل أن أعمم االنحطاط األخالقي عىل تلك األ ّمة‪ ،‬ألن العدد الذي يرتفع فوق‬ ‫مستوى ذلك االنحطاط ضئيل إىل حد يسمح يل بإهامله!‬ ‫اطلعت عىل الرشيط اآلنف الذكر‪ ،‬لكنني مل أطلع عىل عبارة واحدة من شخص واحد ين ّدد مبا جاء يف ذلك الرشيط‪،‬‬ ‫رغم أنه تكرر عىل صفحات الشبكات االجتامعية مئات املرات‪.‬‬ ‫مذيع مرصي معروف‪ ،‬ومن عىل شاشة تلفزيون عام‪ ،‬يسقط بأخالقه إىل حد يندى له الجبني خجلاً ‪ ،‬وال يخرج شخص‪،‬‬ ‫شخص واحد لين ّدد مبا فعله ذلك الرجل‪ ،‬احرتا ًما للحياء العام الذي يبدو أنه مل يعد موجو ًدا ولو مبقدار ذ ّرة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫األخالقي!‬ ‫وما يُثري غضبي أكرث‪ ،‬عندما تكون املرأة ـ أية امرأة ـ هي السلعة املستهلكة يف خضم هذا العهر‬ ‫ّ‬ ‫االختالف سياسيـًّا وارد‪ ،‬لدى كل الشعوب‪ ،‬وحتى بني أفراد العائلة الواحدة‪ ،‬والرصاع حول املواقف السياسية رصاع‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص ما كبرية ومؤثرة!‬ ‫موقف ما‬ ‫أبدي أزيل‪ ،‬وال ميكن حله وفقًا ملشاعرنا العاطفية‪ ،‬مهام كانت األذية التي خلّفها ٌ‬ ‫منذ أن بدأ جحيم الثورات العربية‪ ،‬و اللغط الدائر حول موقف دولة قطر بني ُمؤيـّ ٍد و ُم ٍ‬ ‫عارض يتنامى كل يوم أكرث‬ ‫فأكرث!‬ ‫الرجل العريب ال يعرف من لغة الحوار إال الشتيمة والتهديد ومضغِ أعر ِ‬ ‫اض النساء!‬ ‫‪38‬‬


‫اإلساءة ألي امرأة‬ ‫هي إساءة لكل امرأة!‬

‫وفاء سلطان‬

‫األخالقي الذي ابتىل به كام ابتىل بقحط‬ ‫يل ونتيجة للقحط‬ ‫هو ال يعرف إإل تلك اللغة نظ ًرا إلفالسه‬ ‫ّ‬ ‫الفكري والعق ّ‬ ‫ّ‬ ‫صحرائه!‬ ‫املعارضون لسياسة دولة قطر من هؤالء الرجال‪ ،‬وجدوا ـ أو ظنوا أنهم وجدوا ـ يف شخصية السيدة موزه زوجة أمري‬ ‫قطر لُقم ًة سائغ ًة يك متضغها ألسنتهم الوسخة‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن من هي يف الحقيقة السيدة موزه‪ ،‬إن اإلساءة ألية امرأة هي إساءة‬ ‫بغض النظر عن سياسة قطر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫لكل امرأة!‬ ‫لذلك‪ ،‬آملني جدا ماجاء يف هذا الرشيط‪ ،‬وتفاقم أملي بسبب إدرايك لحجم التأثري‪ ،‬ولخطورة هذا التأثري الذي تسببه‬ ‫ْ‬ ‫وخصوصا عقلِ الشباب الذي مير يف مرحلة التكوين‬ ‫الجمعي‪،‬‬ ‫معروف‪ ،‬عىل العقل‬ ‫شخصي ٌة اجتامعي ٌة كشخصي ِة مذيعٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫واألخالقي!‬ ‫والفكري‬ ‫النفيس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تزداد مسؤولية اإلنسان وفقا للدور الذي يلعبه يف املجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لكلٍ منا مسؤولية‪ ،‬ولكن تتضاعف تلك املسؤولية لدى رجلِ اإلعالم‪ ،‬وأقصد هنا برجلِ اإلعالم كل ٍ‬ ‫معروف‬ ‫شخص‬ ‫يتطّلع إليه الجمهور كمثلٍ أعىل!‬ ‫إعالم‬ ‫رجل مغمو ٌر عىل صفحته يف الفيس بوك تعليق ًـا ُمخلاً بالحس‬ ‫هناك فرق بني أن يرتك ٌ‬ ‫األخالقي‪ ،‬وبني رجلِ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫معروف يفضح مستوى أخالقه من عىل شاشة تلفزيون يُراقبها املاليني!‬

‫‪39‬‬


‫اإلساءة ألي امرأة‬ ‫هي إساءة لكل امرأة!‬

‫وفاء سلطان‬

‫رصح مرة بقوله‪:‬‬ ‫دايل الما‪ ،‬كأعىل شخصية بوذية روحانية ّ‬ ‫‪Whenever I go meeting the public….Spreading a message of human values, spreading a message‬‬ ‫‪of harmony, is the most important thing‬‬ ‫يف أي مكان يتس ّنى يل فيه أن أقابل الجمهور‪ ،‬وأن أنرش رسالة من القيم اإلنسانية‪ ،‬ورسالة تحض عىل التآلف والتآخي‬ ‫البرشي‪ ،‬أعتربها أهم مهمة عىل اإلطالق!‬ ‫جسد الفرق بني دايل الما وبني املذيع صاحب ذلك الرشيط‪.‬‬ ‫الفرق بني شعوبنا وشعوبهم يُ ِّ‬ ‫أزمتنا هي أزمة قيادة وقائد!‬ ‫والقيادة الحكيمة ال تأيت من فراغ‪ ،‬بل تأيت من الخصوبة الفكرية واألخالقية‪ ،‬ولذلك تفتقر إليها األمم التي تف ّرغت من‬ ‫األخالقي…‬ ‫الفكري وأعلنت إفالسها‬ ‫محتواها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األخالقي ألنها املخلوق األضعف‪ ،‬كذلك هي نفسها املسؤولة‬ ‫وكام هي املرأة عاد ًة اللقمة السائغة يف خضم هذا العهر‬ ‫ّ‬ ‫عن ذلك العهر‪ ،‬ألنها املخلوق األقوى!‬ ‫فمتى ترتقي املرأة العربية إىل مستوى مسؤولياتها‪ ،‬يك تستطيع أن ترتفع بنفسها فوق مستوى الشبهات؟‬ ‫أترككم مع هذا الرشيط‪ ،‬وأود أن ألفت انتباهكم إىل القسم املغلّظ بالله‪ ،‬الذي يكرره هذا املخلوق املنحط كربهان‬ ‫عىل مصداقيته!‬ ‫لقد صار الله ـ بنا ًءا عىل إميانهم ـ عربي ًدا يبصم بأصابعه مص ّدق ًـا ملا يتق ّيؤون من بذيء الكالم وملا يأتون من شنيع‬ ‫األفعال‪.‬‬ ‫فليذهبوا هم وإلههم إىل الجحيم‪ ،‬ولتثمر جهودنا من أجل مجتمع أفضل‬ ‫إنها عىل حد قول الدايل الما‪ ،‬أهم‪ ،‬بل وأقدس مهمة نحملها عىل عاتقنا!‬

‫‪40‬‬


‫محمد ماجد ديوب‬

‫جاذبية املرأة‬ ‫و جاذبية األرض‬ ‫‪41‬‬


‫جاذبية املرأة‬ ‫و جاذبية األرض‬ ‫هل انتبه أحد منكم إىل التامثل الغريب بني جاذبية املرأة وجاذبية األرض ؟‬

‫محمد ماجد ديوب‬

‫املرأة فيها سح ٌر يدفعك ودون تفكري للوقوع يف شباكها وما أن تصبح يف حضنها حتى تشعر بدفء غامر عجيب تتمنى‬ ‫ألاّ يزول ترمي بذارك يف أحشائها لتعود إىل الوجود كائناً حياً ميسك عليك قلبك ويأرسك لدرجة أنك تفتديه لو أصابه‬ ‫مكروه كيف الوهو امتدادك إىل املستقبل ونارش ذكرك يف األنام ‪.‬‬ ‫تضاجعها وكأن بك ٌ‬ ‫رحم أمضيت فيه تسع َة شهو ٍر تعفيك من كل متاعب الحياة‬ ‫شوق يجتاحك لتعود من جديد إىل ٍ‬ ‫وشم لرائحة جسدها‬ ‫يف حضنها تنىس همومك اليومية ومشاكلك كلها‪ ،‬متارس معها كل ما مارسته مع أمك من رضاع ٍة ٍ‬ ‫وتتمتع بأن تضع يدها بحنان عىل كتفك رأسك وأنت يف حضنها تتمنى ولو كنت تستطيع الدخول إىل عمق أعامقها‪.‬‬ ‫من اليشعر بها وهي تحضنه وتض ّمه وتش ّده وتعرصه كأن بها ٌ‬ ‫شوق ورغب ٌة جامحة لتعيده إىل رحمها مر ًة ثانية كيف‬ ‫اليراها عندما ميرض وهي تعامله وكأنه طفلها‬

‫‪A.A.M‬‬

‫كيف اليرى يف عينيها ذلك الشوق غري املنتهي للقائه كيف اليرى تح ّمل قسوته يف مضاجعتها بشكلٍ يثبت أن اللذة أقوى‬ ‫من األمل ولوال ذلك مل تستمر الحياة عىل األرض‪.‬‬ ‫وكام ترس لرؤية الرغبة بك يف عيني امرأ ٍة أخرى كيف الميكنك أن ترى أيضاً الرغبة يف عينيها برجل آخر سواك؟‬ ‫كام ترغب أنت يف التن ّوع كيف الترى رغبتها هي أيضاً يف ذلك ؟‬ ‫‪42‬‬


‫جاذبية املرأة‬ ‫و جاذبية األرض‬

‫محمد ماجد ديوب‬

‫أنت فالح وتحب حراثة كل ٍ‬ ‫أرض ترحب بكل فالح يريد حرثها وزرعها وإذا كنت الترى‬ ‫أرض تقع تحت محراثك وهي ٌ‬ ‫ذلك فأنت أعمى واألصح متعامي‪.‬‬ ‫جسم يقع يف مجال جاذبيتها ؟ هل ترى أن الهو قادر عىل رفض قوة الجذب والهي قادرة‬ ‫هل ترى األرض ترفض أي ٍ‬ ‫عىل إيقاف قوة جاذبيتها؟‬ ‫هل رأيت مرة أن األرض رفضت بذارا ً وقبلت آخر إال إذا كانت صحراء ؟!‬ ‫هل تستطيع أنت أن ترفض جاذبية أنثوية ؟ وهنا التحدثني عن األخالق فهذه الترصف عندي ألين أراها أخالقك أنت‬ ‫وقد فرضتها عىل األنثى بحكم قوتك وقدرتك وتسلطك منذ أن تخلت األنثى مكره ًة عن سلطتها لصالحك‪.‬‬ ‫أخالقك هذه رشعها إلهك الذي فصلته عىل قياس رغباتك وأهمل رغبات محكومك األنثى‪.‬‬ ‫هل اليهود عىل حق إذ ليس يهودياً من مل تلده يهودية ؟وماذا يعني هذا غري اعرت ٍ‬ ‫ضمني بأن املرأة لها حق التنوع‬ ‫اف‬ ‫ٍ‬ ‫كام هو للرجل ؟‬ ‫الطبيعة أليست أكرث حكمة من إله البرش الذي طوره العقل البرشي وفقاً ملا يخدم سلطته وأنانيته ورغباته ضارباً عرض‬ ‫الحائط برغبات األنثى كام يرضب الحاكم عرض الحائط برغبات محكوميه ؟؟‬ ‫عندما نقر ونعرتف ونرشعن ونقونن أن األنثى هي رجل تختلف عنه فقط بالعضو التناسيل ( ولو أجرينا إنطباقاً لجسد‬ ‫الرجل واألنثى يف وضعية الجامع هل نالحظ أنهام سيصبحان جسدا ً واحدا ً لكن دون عينني ودون فمني ودون أنفني‬ ‫ودون أعضاء تناسلية مام يوحي بأن عقوبة الله لهام كانت بسبب ظهور العينني ومعها ظهرت األعضاء التناسلية وظهرت‬ ‫الرغبة فحق عليهام الهبوط إىل األرض )‬ ‫أقول إذا مل نقر ما أوردته سابقاً فكل حديث عن الحرية والعدالة واملساواة المعنى له كائناً من كان املثقف الذي يتبجح‬ ‫ويدعي أنه يدعو لذلك‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬

‫رشيف جابر‬

‫مل يكن رشيف يعلم أ ّن ذكاءه واجتهاده سيلقيان به يف السجن‪.‬‬ ‫نعم إنّه الطالب املجتهد (رشيف جابر) الحاصل عىل املرتبة األوىل يف الثانوية العامة عىل مستوى مدرسة‬ ‫(الفاروق عمر) العسكرية قسم أديب لعام ‪ ،2010‬والخامس عىل مستوى محافظة االسامعيلية‪.‬‬ ‫مرصي‪ ،‬عمره عرشون سنة‪ ،‬تاريخ ميالده ‪.10-02-1993‬‬ ‫طالب‬ ‫ٌّ‬ ‫رشيف جابر‪ٌ ،‬‬ ‫يدرس اآلداب قسم اجتامع جامعة السويس‪ ،‬ويعيش يف مدينة االسامعلية مبرص‪.‬‬ ‫أُلقي القبض علية الساعة الثالثة فج ًرا يوم األحد بتاريخ ‪. 27-10-2013‬‬ ‫تع ّرض رشيف جابر لالضطهاد يف الجامعة التي يدرس فيها بسبب فكره الحر‪ ،‬حتى وصل به األمر إىل التغ ّيب‬ ‫عن الجابعة بسبب املضايقات التي يتعرض لها‪ ،‬ولكن هذا مل يُوقف االعتداء عليه‪ .‬يف بداية شهر نيسان أبريل‬ ‫‪ ، 2013‬قام بعض الطلبة بتقديم أوراقٍ عليها منشورات رشيف عىل الفيس بوك‪ .‬فقام أحد املعيدين بالتدخل‬ ‫وتع ّمد إهانة رشيف أمام الطلبة يف إحدى املحارضات‪ .‬ثم تو ّعد هذا املعيد بأنّه سريفع املوضوع إىل رئيس‬ ‫ٍ‬ ‫توقيعات لفصل رشيف من الجامعة‪ .‬وبالفعل قام رئيس القسم باستدعاء‬ ‫القسم ورئيس الجامعة‪ ،‬وبدأ بجمع‬ ‫أي ٍ‬ ‫أحد سيتع ّرض لك سأواجهه‪ ...‬ولك ّن املعيد ق ّدم شكوى إىل النائب‬ ‫رشيف وتكلم معه فتف ّهم فكره وقال له‪ُّ :‬‬ ‫العام والتي بسببها قام أمن الدولة بالقبض عىل رشيف من منزله‪.‬‬ ‫ت ّم عرض رشيف عىل القضاء لتجديد حبسه يوم األربعاء بتاريخ ‪ 30-10-2013‬و قٌ ّرر حبسه ملدة ‪ 15‬يو ًما‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫نضوج فهمنا للكون‬ ‫احلدائق اخلفية‬ ‫الحلقة الرابعة من نضج فهمنا للكون ‪ .............‬ترجمة ملحارضة العامل رترشد دوكنز‬

‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬ ‫‪45‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫ي أحد األيام كنت أقود سياريت يف األرياف ترافقني فتا ٌة ذات ستة أعوام‪ ،‬عندما أشارت بيدها الصغرية إىل األزهار عىل‬ ‫جانبي الطريق العام‪ ،‬سألتها‪ :‬ماهي فائدة األزهار برأيك؟‬ ‫فأجابتني بعد تفكري‪ :‬األزهار تفيد يف أمرين‪ ،‬األول هو جعل عاملنا جميالً‪ ،‬والثاين هو مساعدة النحل يف صنع العسل‬ ‫لنا‪.‬‬ ‫يل التوضيح لها بأنه ليس جوابًا صحي ًحا‪ ،‬هذا الجواب الذي اليختلف كثريًا عن األجوبة التي‬ ‫ورغم جامل جوابها‪ ،‬كان ع ّ‬ ‫قدمها اإلنسان عرب التاريخ‪ ،‬إذ يقول الكتاب املقدس يف سفر التكوين (‪:)1:26‬‬ ‫"وقال الله نعمل اإلنسان عىل صورتنا كشبهنا‪ ،‬فيتسلطون عىل سمك البحر وعىل طري السامء وعىل البهائم وعىل كل‬ ‫األرض وعىل جميع الدبابات التي تدب عىل األرض"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تشكيك يف هذا الجواب‪ ،‬بل حتى اليوم ال يزال الكثري من العامة يظنوه صحي ًحا‪،‬‬ ‫وخالل القرون الوسطى مل يُقبل أي‬ ‫فقد قال أحد رجال الدين من العصور الوسطى بأن األعشاب الضارة موجود ٌة لفائدتنا‪ ،‬ألننا باقتالعها من الرتبة‬ ‫غنى عنه‪ ،‬ألنه يدفعنا‬ ‫وتنظيف الحديقة منها منارس الرياضة من دون أن نشعر! كام اعتقد كاه ٌن آخر بأن القمل ال ً‬ ‫دف ًعا لالستحامم ويحفّزنا عىل االهتامم بالنظافة الشخصية! كام انترشت فكر ٌة مفادها أن الحيوانات موجودة لفائدة‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وأنها ترغب عن طيب خاط ٍر بأن نأكلها!‬ ‫تذكرين وجهة النظر هذه مبقطعٍ من رواي ٍة خيالي ٍة رائعة لدوغالس آدامز ‪ ،Douglas Adams‬بعنوان‪" :‬دليل املسافر‬ ‫بني املجرات ‪ ،" Hitchhiker’s Guide to Galaxies‬عندما دعا الكائن الفضايئ زافود صديقه آرثر من كوكب األرض‬ ‫إىل الغداء‪ ،‬ولنقرأه م ًعا‪:‬‬

‫‪46‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫ضخم غزير اللحم وصغري القرون من طاولة زافود‪ ،‬وقال بابتسام ٍة لطيف ٍة‪:‬‬ ‫تقدم ثو ٌر ٌ‬ ‫ مساء الخري‪ ،‬أنا وجبتكام الرئيسية لهذا اليوم‪ ،‬أمتنى أن يعجبكام مذاق لحمي‪.‬‬‫ثم انحنى احرتا ًما‪ ،‬فارتعد آرثر فز ًعا مام رأى‪ ،‬ولكن زافود كان يتأمل الثور بنظر ٍة جائعة‪ ،‬قال الثور‪:‬‬ ‫ هل تحبون تجربة طعم أكتايف املطبوخة مع صلصة النبيذ األبيض؟‬‫متتم آرثر مضطربًا‪ :‬يا الهي‪ ،‬إنه يقول أكتايف!‬ ‫قال الثور محاوالً ارضاء آرثر‪ :‬عذ ًرا سيدي‪ ،‬الميكنني سوى أن أقدم لكم أكتايف‪ ،‬فليس يل سلط ٌة عىل غريي من الثريان‬ ‫ألقدم لكم أكتافه!‬ ‫قفز زافود إىل جانب الثور وبدأ يتحسس أكتافه ويربّت عليها‪ ،‬فاقرتح عليه الثور‪ :‬أو لو أحببتم‪ ،‬فأردايف أيضً ا ستكون‬ ‫وجب ًة فاخرة‪ ،‬إذ كنت أم ّرنها دامئًا‪ ،‬وكنت أتناول الكثري من الحبوب كذلك‪ ،‬لذلك أضمن لكم لحماً جيدً ا فيها!‬ ‫هتف آرثر‪ :‬هل تقصد أن هذا الحيوان يريدنا أن نأكله بالفعل؟ هذا مرعب‪ ..‬هذا أفظع ماسمعته يف حيايت!‬ ‫قال زافود‪ :‬ما املشكلة يف األمر أيها الكائن األريض؟‬ ‫قال آرثر‪ :‬ال أريد أكل ذاك الكائن الواقف هناك وهو يغريني بلحمه‪ ،‬لست عديم الرحمة!‬ ‫قال زافود‪ :‬إنه أكرث رحم ًة من أكل حيوانٍ اليريدك أن تأكله!‬ ‫قال آرثر‪ :‬ليست هذه النقطة التي‪...‬‬ ‫فكّر آرثر لوهلة بكالم زافود‪ ،‬وقال‪ :‬حس ًنا‪ ،‬رمبا هذه نقط ٌة مهمة‪ ،‬لكنني ال أريد التفكري يف األمر‪ ،‬فقط ال أريد التهام‬ ‫ذاك اليشء‪ ،‬اطلب يل سلطة خضار فقط!‬ ‫غض لذيذ الطعم‪ ،‬فقد كنت أجرب نفيس عىل الطعام ألشهر‪.‬‬ ‫سأله الثور‪ :‬هل تسمح يل حرضتك باقرتاح كبدي؟ البد أنه ٌّ‬ ‫أجاب آرثر بحزم‪ :‬سلطة خضار فقط!‬ ‫نظر الثور إىل آرثر باستغراب‪ ،‬فقال آرثر‪ :‬هل تريد أن تقول يل أن الخضار هنا مثلك؟‬ ‫قال الثور‪ :‬حس ًنا‪ ،‬أعرف العديد من الخرضاوات التي تفضل أن يأكلها حيوان يريد أن يُؤكل يو ًما ما‪ ،‬ولكن البأس‪،‬‬ ‫ميكنني البحث عمن يود أن يؤكل مبارش ًة!‬ ‫كأسا من املاء فقط!‬ ‫صاح آرثر‪ :‬أريد ً‬ ‫جائع أم ال؟‬ ‫هتف زافود بنفاذ صرب‪ :‬كفاك يا هذا! هل أنت ٌ‬ ‫لحم من فضلك‪ ،‬ول ُتطهى جيدً ا!‬ ‫ثم التفت إىل الثور وقال‪ :‬أربع رشائح ٍ‬ ‫موفق سيدي‪ ،‬سأقتل نفيس حاالً‪.‬‬ ‫قال الثور‪ :‬اختيا ٌر ٌ‬ ‫والتفت آلرثر وقال بلطف قبل املغادرة‪ :‬ال تقلق سيدي‪ ،‬سأقتل نفيس بإنسانية كام تريد‪.‬‬ ‫يخطئ كثريًا من يظ ُّن أنَّ الحيوانات موجود ٌة من أجل فائدة اإلنسان‪ ،‬وقد يتفاجأ البعض لهذا ويسأل‪ :‬إ ًذا ما فائدة‬ ‫الحيوانات؟‬

‫‪47‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬ ‫لنفهم حقيقة األمر علينا أن نغيرّ نظرتنا للعامل‪ ،‬لرنى األشياء‬ ‫من وجهة نظر الكائنات الحية‪ ،‬بدالً من نظرتنا الخاصة األنانية‬ ‫هذه‪ ،‬فلو سألنا النحل عن فائدة األزهار سيقول‪ :‬األزهار‬ ‫موجودة لتز ّودنا بالرحيق وح ّبات الطلع‪.‬‬ ‫ورأي النحل هنا ليس دقيقـًا كذلك‪ ،‬فهو يرى األشياء من‬ ‫منظوره الخاص الذي يختلف عن غريه من الكائنات‪ ،‬ومن‬ ‫هنا أخذنا عنوان املقالة‪ ،‬فالحديقة الخف ّية علينا هي تلك‬ ‫التي يراها النحل وال نراها‪ ،‬فالنحل قاد ٌر عىل ابصار ٍ‬ ‫طيف من‬ ‫األشعة الضوئية التي النراها‪ ،‬وهي األشعة فوق البنفسجية‬ ‫‪ ،Ultraviolet light‬وهي ضو ٌء كأي ضو ٍء آخر‪ ،‬لكنه ذو ٍ‬ ‫طول‬

‫موجي تعجز أعيننا عن رؤيته‪ ،‬بينام تراه عني النحلة بلون‬ ‫ٍ‬ ‫مميز النعرف ماهو‪ ،‬باملقابل نحن نرى طيف الضوء األحمر‪،‬‬ ‫بينام ال يستطيع النحل ادراك هذا اللون‪ ،‬لهذا تظهر األزهار يف‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف عام نراه نحن‪ ،‬وكأنها‬ ‫الحديقة بالنسبة للنحالت بشكل‬ ‫ترى حديق ًة أخرى خفي ٌة علينا‪ ،‬يف الشكل املجاور صورة لزهرة‬ ‫كام نراها يف األعىل‪ ،‬وأسفلها نفس الزهرة كام تراها النحلة‪.‬‬ ‫اآلن لنسأل األزهار‪ :‬ما فائدة النحل؟‬ ‫األزهار هي أعضاء التكاثر يف النبات‪ ،‬قام االنتخاب الطبيعي‬ ‫بتصميمها لتقوم مبهمة انتاج أعراس النبات الذكرية واألنثوية‬ ‫وضامن التقائهام م ًعا‪ ،‬ونالحظ يف الكثري من النباتات وجود‬ ‫موانع جينية تحول دون التقاء األعراس املنتجة يف نفس الزهرة‪،‬‬ ‫إذ غال ًبا ما يتم االلقاح بني أعراس أزها ٍر مختلفة‪ ،‬وتستخدم‬ ‫النباتات النحل والفراشات وطائر الطنان وغريها من املل ّقحات‬ ‫‪ Pollinators‬يف نقل ح ّبات الطلع بني األزهار املختلفة‪ ،‬فألوان‬ ‫األزهار تجذب املل ّقحات هذه كام تفعل اإلعالنات يف التلفاز‪،‬‬ ‫وتكافئ الزهرة النحلة التي تزورها بكمي ٍة من الرحيق الحلو‪،‬‬ ‫علماً بأن تكلفة إنتاج هذا الرحيق باهظة عىل الزهرة‪ ،‬لهذا نجد‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت ال تنتج فيها األزهار الرحيق‪ ،‬فبعضها – مثل‬ ‫يف الطبيعة‬ ‫نبات األوركيد أبو مطرقة ‪ -Hammerhead Orchid‬له أزها ٌر‬ ‫‪48‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬ ‫تحايك شكل أنثى الدبّور‪ ،‬فيأيت الذكر ليسافدها ظ ًنا منه‬ ‫بأنها أنثاه‪ ،‬وأثناء محاولة الذكر الدؤوبة تلك‪ ،‬تعلق أكياس‬ ‫الطلع بجسمه‪ ،‬لينقلها إىل زهر ٍة أخرى‪.‬‬ ‫وهذا أوركيد الدلو ‪ ،Bucket Orchid‬زهرته تشبه الدلو‬ ‫خاصا من الدبابري الخرضاء‪ ،‬التي‬ ‫اململوء بسائلٍ يجذب نو ًعا ً‬ ‫تسقط يف هذا السائل وال تجد طريقًا للنجاة سوى فتح ًة‬ ‫ضيق ًة يف طرف الزهرة‪ ،‬حيث تنتظرها أكياس الطلع التي‬ ‫تلتصق بظهرها أثناء عبورها من الفتحة‪ ،‬والحقًا عندما يطري‬

‫الدبور إىل زهر ٍة أخرى ويسقط يف سائلها‪ ،‬سيخرج من‬ ‫الفتحة الوحيدة فيها تاركًا كيس الطلع الذي حمله معه‬ ‫عىل الزهرة الجديدة ويحدث االخصاب فيها‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬تخدع نباتات األوركيد الدبابري والنحل‪،‬‬ ‫وتستخدم أجنحتها لتحمل لها أكياس الطلع بعيدً ا‪.‬‬ ‫يعترب حجم التلقيح الذي تقوم به الحرشات هائالً‬ ‫للغاية‪ ،‬فأحد الباحثني االملان َح َسب ذلك يف املانيا‬ ‫وحدها‪ ،‬فوجد أن نحل العسل لوحده يلقّح حوايل‬ ‫يوم واح ٍد فقط من أيّام الصيف‪،‬‬ ‫‪ 10‬تريليون زهر ٍة يف ٍ‬ ‫وأظهر بالحساب أن حوايل ‪ %30‬من كل غذاء اإلنسان‬ ‫يعتمد عىل تلقيح النحل‪ ،‬أي أن انقراض نحل العسل‬ ‫سيؤدي اىل خسارة ‪ %30‬من غذائنا‪ .‬والننىس أنّ هناك‬ ‫العديد من أنواع النحل األخرى‪ ،‬أغلبها تعيش منفردة‬ ‫وليس يف خاليا مثل نحل العسل‪.‬‬ ‫تجمع النحالت ح ّبات الطلع عن طريق زيارة املاليني‬ ‫من األزهار مرا ًرا وتكرا ًرا كل يوم‪ ،‬وذلك بهدف تغذية‬ ‫ِ‬ ‫النحالت بوقود الطريان‪ ،‬وهو‬ ‫صغارها‪ ،‬كام تز ّود األزها ُر‬ ‫هنا الرحيق حلو املذاق‪ ،‬ولصنع ‪ 1‬كيلوغرام من العسل‪،‬‬ ‫عىل النحالت زيارة حوايل ‪ 20‬مليون زهرة‪ ،‬وبهذا‬ ‫نستطيع القول بأن األزهار تستخدم النحل‪ ،‬والنحل‬ ‫يستخدم األزهار يف ذات الوقت!‬ ‫‪49‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫ولكن هذه ليست القاعدة دامئًا يف الطبيعة‪ ،‬كونُ النحل واألزهار قد طورا طريق ًة للمنفعة املتبادلة‪ ،‬فهذا ال يعني أن‬ ‫نع ّمم األمر لنقول أن الظباء موجود ٌة لتستفيد منها األسود بالتغذي عليها‪ ،‬وأن األسود موجود ٌة لتستفيد منها الظباء‬ ‫بالحفاظ عىل أعدا ٍد قليل ٍة منها! فهذا محض هرا ٍء يشبه قصة الثور الذي جاء طو ًعا ليقدّ م لحمه للغداء‪.‬‬ ‫ولنأخذ الخفّاش الذي يتغذى عىل الحرشات مثاالً‪ ،‬فالخفّاش ال تهمه مصلحة الحرشة التي يأكلها‪ ،‬فكل ه ّمه أكل‬ ‫أي فائد ٍة للخفّاش‪ ،‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬ستكون الحرشة أكرث سعاد ًة‬ ‫الحرشة وحسب‪ ،‬كذلك الحرشة ال تهتم بتقديم ّ‬ ‫لو مل يكن هناك خفافيش عىل االطالق يف هذا العامل‪.‬‬ ‫واآلن عندما نقول‪ :‬األزهار تستخدم النحل لتعود عليها بالفائدة‪ ،‬أو‪ :‬الخفاش يستخدم الحرشات ملنفعته الخاصة‪،‬‬ ‫فامذا يعني هذا بالظبط؟ ما الفائدة الحقيقية لألزهار والنحل وطائر الطنان والخفاش؟‬ ‫هذا ٌ‬ ‫عميق بحق‪ ،‬لإلجابة عليه سأستخدم مثاالً من العامل الرقمي‪ ،‬وهو فايروس الحاسوب الذي يعترب تهديدً ا‬ ‫سؤال ٌ‬ ‫خط ًرا يف بعض األحيان‪ ،‬ولرنى ما فائدة فايروسات الحاسوب؟‬ ‫برنامج‬ ‫شخص ما بربمجته‪ ،‬وهو‬ ‫حاسوب آخر‪ ،‬قام‬ ‫كأي برنامج‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫فايروسات الحاسوب عبار ٌة عن برنام ٍج ‪ّ Software‬‬ ‫ٌ‬ ‫بسيط للغاية باملقارنة مع برنامج معالجة النصوص الذي يقوم بعمل رائعٍ ومفي ٍد لنا‪.‬‬ ‫فربنامج الفايروس يقوم بعملٍ واح ٍد فقط‪ ،‬أال وهو نسخ ونرش نفسه يف كل مكان‪ ،‬وبرمجته بسيطة‪:‬‬ ‫ابدأ > انسخني > انتهى‪.‬‬ ‫وبهذا ينترش برسعة بني الحواسيب‪ ،‬فهو يعمل تلقائ ًيا دون أي هدف‪ ،‬ينترش ألنه ينترش ألنه ينترش إلخ‪..‬‬ ‫وإذا مل تستخدم مضاد فايروسات‪ ،‬فال مانع يحول دون‬ ‫نرش الفايروس يف كل الحواسيب طاملا أن الحاسوب‬ ‫ينفّذ األوامر املطلوبة منه بدقة‪ ،‬ويف الواقع ال تفعل‬ ‫الفريوسات شي ًئا مفيدً ا‪ ،‬بالعكس قد تكون ضار ًة جدً ا‪.‬‬ ‫أما يف الطبيعة‪ ،‬تسبب الفايروسات املرض‪ ،‬مثل فايروس‬ ‫الكريب‪ ،‬وهي تشبه كث ًريا الفايروسات الحاسوبية‪ ،‬إال‬ ‫أنها ليست مكتوب ًة بلغ ٍة برمجية‪ ،‬بل مكتوب ٌة بلغة‬ ‫الحمض النووي الريبي منقوص األوكسجني ‪ ،DNA‬ومل‬ ‫يكتبها مربمج حاسوب‪ ،‬إمنا ظهرت بواسطة االنتخاب‬ ‫الطبيعي‪ ،‬ومع ذلك فإن قطع ‪ DNA‬يف الفايروسات‬ ‫‪50‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫الطبيعية تحمل أم ًرا واحدً ا فقط‪" :‬انسخني"‪ ،‬وتعمل بالتايل عمالً واحدً ا هو نرش الفايروس يف كل مكان‪ .‬أيضً ا دون‬ ‫هدف‪ ،‬فهي تنترش ألنها تنترش ألنها تنترش إلخ‪..‬‬ ‫وكام تحتاج الفريوسات الرقمية إىل آل ٍة للنسخ وهي الحاسوب الذي نعرف أنه صنع اإلنسان‪ ،‬فالفريوسات يف الطبيعة‬ ‫تحتاج خاليا جسمنا لتنسخ نفسها‪.‬‬ ‫ولكن َمن َصنع أجسامنا وأجسام غرينا من الكائنات الحية؟‬ ‫إنه جزيئة الحمض النووي منقوص األكسجني ‪ DNA‬الخاصة بنا‪ ،‬وهي جزيئة قادرة عىل النسخ الذايت لنفسها‪.‬‬ ‫ونكرر السؤال‪ :‬ا ًذا مافائدة الكائنات الكبرية مثلنا؟‬ ‫من وجهة نظر الفايروسات‪ ،‬نحن موجودون يف هذا العامل لتقديم الفائدة لها بضامن نسخها باستمرار‪.‬‬ ‫ولكن هذا ليس جوابًا مرض ًيا‪ ،‬ألنه مل يفرس فائدة وجودنا لنا باملقام األول‪ ،‬لهذا علينا مجد ًدا تغيري وجهة النظر التي‬ ‫ننظر من خاللها لألمر‪ ،‬ولنبحث أكرث يف فايروسات الكومبيوتر علّنا نجد جوابًا لسؤالنا‪.‬‬ ‫أحمق ميكنه القيام بذلك‪ ،‬لهذا ال نسمع بأسامء األوغاد مصممي‬ ‫إن كتابة برنامج الفايروس أشبه بلعب األطفال‪ ،‬فأي‬ ‫ٍ‬ ‫الفايروسات‪ ،‬فهم اليجدون ما يفخرون به بعملهم هذا‪.‬‬ ‫لحاسوب ينفذ األمر "انسخني"‪ ،‬هذه‬ ‫فايروسا حاسوب ًيا يبدأ نسخ نفسه من الصفر‪ ،‬دون الحاجة‬ ‫ولكن لنتخيل‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫حاسوب لينفذ عملية‬ ‫الفايروس سيكون أكرث تعقيدً ا‪ ،‬فلن يفيد األمر "انسخني" املجرد يف يش ٍء هنا‪ ،‬ألنه اليوجد‬ ‫ٌ‬ ‫النسخ‪ ،‬بل عليه أوالً أن يصدر أم ًرا بصنع الجهاز الالزم لعملية النسخ‪ ،‬وقبل هذا عليه اصدار أم ٍر بجمع أجزاء هذا‬ ‫الجهاز‪ ،‬وقبل ذلك عليه اصدار ام ٍر بجمع املادة األول ّية الالزمة‬ ‫لصنع أجزاء هذا الجهاز إلخ‪..‬‬ ‫لنسمي هذا الفايروس الرائع "الربنامج ذايت النسخ كل ًيا"‪ ،‬وهو‬ ‫بحاجة ألي ٍد يجمع بها أجزاء جهاز النسخ‪ ،‬وأيضً ا بحاجة ألرجلٍ‬ ‫ليتحرك باحثًا عن املادة األولية الالزمة لصنعه‪ ،‬وكأنه صار‬ ‫يشبه رجالً آل ًيا نو ًعا ما‪ ،‬مثل تلك التي تستخدم يف مصانع‬ ‫السيارات‪ ،‬أو تلك التي يرسلها اإلنسان الصالح األعطال يف‬ ‫املنشآت النووية حيث ال يجرؤ أحدٌ عىل االقرتاب‪ ،‬أو حتى‬ ‫تلك اآلالت التي ترسل للكواكب األخرى لجمع املواد واجراء‬ ‫التجارب هناك‪.‬‬ ‫ولكن عىل الرجل اآليل الذي نتحدث عنه صنع نفسه من‬ ‫البداية‪ ،‬وهذا النوع من الرجال اآلليني مل يتم اخرتاعه حتى‬ ‫اليوم‪ ،‬بل ناقش تصميمه نظر ًيا الباحث األملاين جون فون‬ ‫نوميان ‪ ،John von Neumann‬إذ سيحتوي عىل كومبيوتره‬ ‫‪51‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫الخاص بتشغيل برنامجه الرئييس‪ ،‬الذي يصدر ام ًرا بصنع نسخ ٍة عن اآللة كلّها‪ ،‬وسيقوم بامليش يف أرجاء األرض حامالً‬ ‫األدوات الالزمة لصنع نسخة عنه‪ ،‬سيملك أي ٍد وعيونًا إلخ‪..‬‬ ‫مهالً‪ ..‬عماّ ذا نتحدث نحن؟ أال يذكرنا هذا بيشء مألوف؟‬ ‫الكائنات الحية‪ ،‬نحن والحيوانات األخرى‪ ،‬نسري يف األرض حاملني برنامج النسخ خاصتنا وهو الـ ‪ ،DNA‬كام نجمع‬ ‫املادة األولية عن طريق تناول الطعام‪ ،‬لنستخدمها يف صنع نسخٍ جديد ٍة لنا!‬ ‫أالت نسخٍ صنعها‬ ‫هذه هي حقيقة وجودنا‪ ،‬الـ ‪ DNA‬خاصتنا قام ببناء اآللة التي تحقق له نسخًا ذات ًيا كل ًيا‪ ،‬فنحن ا ًذا ُ‬ ‫الـ ‪.DNA‬‬ ‫السؤال الذي يتبادر لألذهان‪ :‬كيف تشكل الـ ‪ DNA‬منذ البداية؟ وكيف بنى أول آل ٍة لنسخه؟‬ ‫لنبحث عن اإلجابة علينا التوغل عميقًا يف التاريخ‪ ،‬لفرت ٍة بعيد ٍة جدً ا‪ ،‬حوايل أربع آالف مليون سنة‪ ،‬يف تلك الفرتة‬ ‫كانت األرض مختلف ًة جدً ا عماّ هي عليه اليوم‪ ،‬مل يكن هناك حياة‪ ،‬مل توجد البيولوجيا بعد‪ ،‬كان هناك فيزياء‬ ‫وكيمياء فقط‪ ،‬ويعتقد العلامء أن الحياة بدأت فيام يسمى بالحساء األويل ‪ ،Primeval Soup‬وهو مجموع املركّبات‬ ‫العضوية البسيطة املنحلّة يف ماء البحر‪ ،‬ولكن‬ ‫ال أحد يعرف كيف نشأت الحياة بالضبط‪،‬‬ ‫كل مانعرفه أنها نشأت بطريق ٍة ما ال تتعارض‬ ‫مع قوانني الفيزياء والكيمياء‪ ،‬لتظهر جزيئ ًة‬ ‫جديد ًة عىل سطح األرض متلك خاصية النسخ‬ ‫الذايت‪ ،‬لتفسح املجال للتطور الدارويني لينجز‬ ‫عمله‪.‬‬ ‫ومهام كان احتامل تشكل هذه الجزئية ضئيالً‪،‬‬ ‫فإنّ وجود مليارات املليارات من الكواكب يف‬ ‫هذا الكون يجعل ظهورها ممك ًنا يف إحدى‬ ‫مليارات السنني من عمر الكون‪ ،‬وقد ظهرت بالفعل يف كوكبنا‪ ،‬بدليل أننا‬ ‫هنا اآلن نناقش نشأتها!‬ ‫وبالنسبة يل‪ ،‬ال أرى أنّ احتامل ظهور جزيئة الحياة األوىل بعيدٌ إىل هذه‬ ‫الدرجة‪ ،‬مام يقودين إىل افرتاض نشوء الحياة يف كواكب أخرى يف هذا‬ ‫كوكب آخر لتنترش‬ ‫الكون‪ ،‬بل إنّ بعض الباحثني يفرتض نشأة الحياة يف‬ ‫ٍ‬ ‫منه لكواكب عدّ ة‪ ،‬بانطالق املادة الوراثية املغلّفة بدرعٍ يحميها يف أرجاء‬ ‫الفضاء‪ ،‬وتدعى هذه الفرضية بالبذور الكونية ‪ ،Panspermia‬والتي‬ ‫طرحها ألول مرة الباحث السويدي أرهينيوس ‪،Arrhenius‬‬ ‫‪52‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫وطب ًعا هذا كله محض خيال‪ ،‬ولكنه يقدّ م وجهة نظ ٍر بإمكانية وجود حيا ٍة يف كواكب أخرى يف الكون الفسيح‪.‬‬ ‫أما يف كوكبنا‪ ،‬فقد بدأت الحياة بآالت نسخٍ ذاتي ٍة بسيطة‪ ،‬وميكننا اعتبار الجراثيم أقرب الكائنات املوجودة اليوم لها‪،‬‬ ‫رغم أن الجرثومة املفردة تعترب معقد ًة جدً ا‪ ،‬إذ يُحيط بالخلية الجرثومية جدا ٌر خلوي‪ ،‬وتحتوي داخلها ماد ًة وراثي ًة‬ ‫بنى خلوي ًة معقد ًة أخرى‪.‬‬ ‫عىل شكل صبغي‪ ،‬كام تضم الخلية الجرثومية ً‬

‫ولكن ميكننا القول بأن الحياة بدأت‬ ‫عىل سطح األرض بآالت نس ٍخ ذايت تشبه‬ ‫الجراثيم‪ ،‬ثم يف وقت الحق تجمعت عىل‬ ‫بعضها وشكّلت خلية حقيقية النواة‪،‬‬ ‫وهي نفس النوع من الخاليا التي يُبنى‬ ‫منها جسم اإلنسان والحيوانات األخرى‬ ‫والنباتات والفطريات واألول ّيات‪ ،‬وقد‬ ‫حدث ذلك منذ حوايل ألفي مليون سنة‬ ‫خلت‪ ،‬ومتتلك الخاليا حقيقية النوى‬ ‫ٍ‬ ‫صفات مت ّيزها عن الخلية الجرثومية‪،‬‬ ‫مثل وجود الجسميات الكوندرية‬ ‫‪ Mitochondria‬والتي هي يف الواقع‬ ‫جراثيم‪ ،‬أو بعبارة أصح‪ :‬هي من أصلٍ‬ ‫جرثومي‪ ،‬وتقوم الجسيامت الكوندرية‬ ‫بالتكاثر بشكلٍ مستقلٍ داخل الخلية‬ ‫اثيم مستقلّة‪.‬‬ ‫وكأنها جر ٌ‬ ‫‪53‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫يف مرحل ٍة تالية‪ ،‬تجمعت الخاليا حقيقية النواة مع بعضها لتشكّل وحد ًة أكرب‪ ،‬تشبه كائ ًنا اسمه الفولفوكس ‪،Volvox‬‬ ‫وهو عىل شكل كر ٍة مجوف ٍة مك ّون ٍة من تج ّم ِع حوايل ٍ‬ ‫ألف من الخاليا حقيقية النواة‪ ،‬تتحرك هذه الخاليا كام لو أنها كائ ٌن‬ ‫واحدٌ بواسطة ٍ‬ ‫رص لنا‪ ،‬ولكنه يدلّنا‬ ‫سياط دقيق ٍة عىل محيطها‪ ،‬وبالطبع الفولفوكس ليس أحد أجدادنا‪ ،‬فهو كائ ٌن معا ٌ‬

‫عىل الشكل الذي انحدر منه أسالفنا‪ ،‬فنحن أيضً ا مك ّونون من تج ّمع عد ٍد كبريٍ من الخاليا‪ ،‬وقد قلنا سابقًا أن الفيل هو‬ ‫برنامج نسخ ذايت ضخم‪ ،‬وهو بالفعل ضخم جدً ا مقارن ًة بالفولفوكس‪ ،‬فبينام يتكون جسم الفولفوكس من حوايل ألف‬ ‫خلية‪ ،‬يتكون الفيل من ألف تريليون خلية‪ ،‬وهو بهذا هائل الضخامة مقارن ًة بالحمض النووي ‪ DNA‬الذي قام بنسخه‬ ‫باألصل‪ ،‬فكيف ميكن لخلي ٍة واحد ٍة أن تنقسم لهذا العدد الهائل من الخاليا؟‬ ‫يتم ذلك بواسطة النمو األسيّ ‪ ،exponential growth‬أو النمو بواسطة التضاعف‪ ،‬ولنفهم كيف يحدث النمو األيس‬ ‫للخلية‪ ،‬لنأيت برقعة شطرنج‪ ،‬وحفنة من القطع النقدية‪ ،‬ونضع قطعة نقدية واحدة عىل املربع يف إحدى زوايا الرقعة‪،‬‬ ‫هذه القطعة النقدية متثل الخلية األوىل التي تنقسم إىل خليتني متامثلتني‪ ،‬ولنضع يف املربع املجاور قطعتني نقديتني‪،‬‬ ‫ثم تنقسم كل خلي ٍة منهام ليصبح لدينا أربع خاليا‪ ،‬ولنضع أربع قطع نقدية يف املربع التايل‪ ،‬وهكذا نضاعف عدد‬ ‫القطع النقدية باستمراريف كل مربع من مربعات رقعة الشطرنج‪ ،‬متا ًما كام تتضاعف الخاليا باالنقسام‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬كم سيبلغ عدد القطع النقدية التي يجب وضعها يف املربع األخري رقم ‪64‬؟‬ ‫سيكون عد ًدا فلك ًيا لن يسعنا كتابته هنا‪ ،‬ولكن لو رصفنا القطع النقدية يف عمود‪ ،‬سيصل هذا العمود إىل النجم‬ ‫‪ ،Alpha Centauri‬أي سبيلغ ارتفاعه أربع سنني ضوئية!‬ ‫‪54‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫كائن بحجم‬ ‫هذا هو النمو األسيّ الذي تنمو به أجسامنا‪ ،‬ولو حسبنا عدد االنقسامات الخلوية الالزمة للوصول اىل ٍ‬ ‫الحوت األزرق ابتدا ًء من خلي ٍة واحدة ( الحوت األزرق هو أكرب الكائنات الحية حجماً بسبب عدد خاليا جسمه البالغ‬ ‫‪ 100‬ألف تريليون خلية)‪ ،‬سيكون ‪ 57‬انقسا ًما خلويًا فقط! أما اإلنسان البالغ فيمتلك حوايل ‪ 150‬تريليون خلية‪ ،‬وميكن‬ ‫الوصول لهذا العدد من الخاليا بعد ‪ 47‬انقسا ًما خلويًا‪ ،‬مبعنى أنه لو تضاعفت خاليا جسمنا عرش مر ٍ‬ ‫ات أخرى‪ ،‬سنصبح‬ ‫بحجم الحوت األزرق!‬

‫ولكن لنتذكر أن اإلنقسام الخلوي ليس بهذه البساطة‪ ،‬إذ تختلف مدّ ة انقسام الخاليا بحسب العضو‪ ،‬فخاليا الكبد‬ ‫تنقسم لفرت ٍة أطول من خاليا الكلية‪ ،‬وهكذا نفهم كيف يتحكم الجسم بشكل األعضاء وحجمها‪ ،‬فكل ماعليه فعله‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بسيط يف‬ ‫اختالف‬ ‫فأي‬ ‫هو تحديد الزمن املتاح لالنقسام الخلوي‪ ،‬أي تحديد عدد االنقسامات الخلوية يف كل عضو‪ّ ،‬‬ ‫واضح يف الشكل‪ ،‬عىل سبيل املثال نحن منتلك ذق ًنا بارزة لألمام مقارن ًة‬ ‫ّ‬ ‫عدد االنقسامات الخلوية سينتج عنه تغيرّ ٌ‬ ‫بأحد أسالفنا املسمى باإلنسان املاهر ‪ ،Homo habilis‬الذي ميتلك ذق ًنا مرتاجعة للخلف‪ ،‬وهذا يعني أنّ أثناء تطور‬ ‫اإلنسان‪ ،‬كانت الذقن تتطاول لألمام‪ ،‬وهذا التغيرّ يحدث بسهولة مبجرد تغيري عدد االنقسامات الخلوية يف خاليا عظم‬ ‫الفك‪.‬‬ ‫واملميز هنا أنّ االنقسام الخلوي يتوقف يف الوقت املناسب دامئًا‪ ،‬وبهذا متتلك‬ ‫كل األعضاء يف الجسم حجماً مناس ًبا للجسم ككل‪ ،‬ويف بعض الحاالت ال يتوقف‬ ‫االنقسام الخلوي يف أحد األعضاء‪ ،‬وهذه الحالة نسميها الرسطان‪.‬‬ ‫أجسام عمالقة كأجسامنا‪ ،‬عمالق ٌة بالنسبة للب ّناء ونقصد به جزيئة الـ‬ ‫إنّ بناء‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،DNA‬يُس ّمى بتكنولوجيا الغيغا ‪ ،Gigatechnology‬وتعني بناء أشيا ٍء تفوق‬ ‫حجم صانعها مبليار م ّرة عىل األقل‪ ،‬ومل يصل اإلنسان بعد إىل تقنية الغيغا حتى‬ ‫توصلوا إىل التقنية املعاكسة لها‪ ،‬وهي تُس ّمى بتقنية النانو‬ ‫اليوم‪ ،‬ولكن العلامء ّ‬ ‫أجسام أصغر من حجمنا مبليار م ّرة – نانو‬ ‫‪ ،Nanotechnology‬وتعني بناء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تطبيقات رائع ٍة لتقنية‬ ‫تعني جزء من مليار‪ ، -‬ويتوقع العلامء الوصول إىل‬ ‫النانو يف املستقبل القريب‪ ،‬مثالً بناء رجل آيل نانوي بحجم كرية الدم الحمراء‪،‬‬ ‫يسبح يف الدم ويتلف الفايروسات املمرضة‪ ،‬أو قد تطبق يف الجراحة الدقيقة‪،‬‬ ‫‪55‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬ ‫ولنتخيل األثر الثوري الذي سوف تحققه تقنية النانو يف‬ ‫الجراحة‪ ،‬يقول ايريك دريكسلر ‪ ،Eric Drexler‬وهو‬ ‫يك رائدٌ يف مجال تقنية النانو‪:‬‬ ‫عاملٌ أمري ٌ‬ ‫إن أدوات الجراحة املستخدمة اليوم غليظ ٌة جدً ا‬ ‫بالنسبة لعمليات اصالح التلف يف الخاليا واألوعية‬ ‫ٍ‬ ‫الدموية الشعرية‪ّ ،‬‬ ‫مرشط تم صنعه اليوم ليس‬ ‫فأدق‬ ‫يقص بشكلٍ‬ ‫إال شفر ًة عمالق ًة بالنسبة للخل ّية‪ ،‬وتراه ّ‬ ‫أعمى متلفًا آالف الخاليا السليمة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حتى إبرة خياطة الجروح الدقيقة‪ ،‬تبدو كمسلّ ٍة ضخم ٍة‬ ‫مخيفة‪ ،‬تخرتق جموع الخاليا ساحب ًة وراءها حبالً‬ ‫ثخي ًنا كام يخرتق القطار جمهو ًرا من الناس‪ ،‬ليحزمهم‬

‫بحبلٍ‬ ‫فوالذي ثخ ٍني م ًعا‪ .‬فمن وجهة نظر الخلية‪ ،‬حتى ّ‬ ‫بأدق‬ ‫ٍ‬ ‫املشارط الجراحية ال يختلف العمل الجراحي عن مذبحة‬ ‫عشوائية ولو كان بيد أمهر الج ّراحني!‬ ‫حل هذه املعضلة‪ ،‬فبواسطتها‬ ‫إن تقنية النانو قادر ٌة عىل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات جراحي ٍة بقياس الخلية نفسها‪ ،‬وهذ القياس‬ ‫ميكننا بناء‬ ‫صغريٌ جدً ا لدرجة يستحيل عىل الطبيب الج ّراح التعامل معه‬ ‫بأصابعه‪ ،‬ولن تكون آلة واحدة‪ ،‬بل آالف النسخ القادرة عىل‬ ‫رجل آيل‬ ‫التضاعف كام تتضاعف خاليا الجسم‪ ،‬مثالً‪ ،‬هذا ٌ‬ ‫نانوي يقوم بحقن كرية دم حمراء بجزيئة مناعية تحمي‬ ‫من مرض التهاب الكبد املناعي ‪ ،Hepatitis‬وهذا تص ّو ٌر عماّ‬ ‫ستجني لنا تقنية النانو من فوائد‪.‬‬

‫قد تبدو لنا تقنية النانو أم ًرا غري ًبا ال يصدّ ق‪ ،‬أم ًرا من املستقبل والينتمي إىل زماننا هذا‪ ،‬ففكرة بناء ٍ‬ ‫آالت انطال ًقا من‬ ‫الذرات‪ ،‬لهو أغرب من فكرة نشوء الحياء يف كواكب أخرى‪ ،‬حتى أنها تفوق خيال ك ّتاب قصص الخيال العلمي‪ ،‬لكنها‬ ‫نتج تقنية الغيغا الجدد‪ ،‬أما الحياة أول ما بدأت‪،‬‬ ‫يف الواقع تقني ٌة قدمي ٌة ُوجدت قبل أن نوجد يف هذا الكوكب‪ ،‬فنحن ُم ُ‬ ‫فقد كانت قامئة باألصل عىل تقنية النانو‪ ،‬فكام قلنا أن الخاليا نشأت من تجمع الجراثيم‪ ،‬وأجسامنا تكونت من تجمع‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات حية‪ ،‬وأقصد بهذا الحرشات‬ ‫تجمعات من أجسام‬ ‫ٌ‬ ‫الخاليا‪ ،‬وهناك يف الطبيعة مستوى أعىل من البناء‪ ،‬وهو‬ ‫‪56‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫االجتامعية كالنمل العسكري ‪ Army ants‬من جنوب يف الصورة التالية نرى ملكة النمل األبيض (األرضة)‬ ‫أمريكا‪ ،‬الذي يعيش يف مستعمر ٍ‬ ‫ات تتكون من ماليني ‪ ،Termites‬وهي آلة وضع بيض عمالقة‪ ،‬وهي عمالقة‬ ‫األفراد‪ ،‬تتعاون وتتكافل لدرج ٍة تُعترب معها املستعمرة لدرج ٍة متنعها من الحركة‪.‬‬ ‫كائن واح ٍد ضخم‪.‬‬ ‫الواحدة مبثابة جسم ٍ‬

‫ٍ‬ ‫ويف ٍ‬ ‫مختلف من النمل‪ ،‬نرى يف‬ ‫مثال آخر من نوعٍ‬ ‫الصورة عاملتان متباينتان بالقد‪ ،‬وهام من نفس النوع‬ ‫ومن نفس املستعمرة‪ ،‬وكالهام رضوريتان الستمرار‬ ‫حياة املجموعة‪ ،‬فوظيفة العاملة الصغرية هي االهتامم‬ ‫برعاية صغار النمل‪ ،‬والعاملة الكبرية مهمتها الدفاع عن‬ ‫الجميع‪ ،‬ومهمة صغار النمل هي حمل ‪ DNA‬املستعمرة‬ ‫إىل األجيال القادمة‪ ،‬فاملستعمرة ككل مبثابة آلة تعمل‬ ‫لنقل الـ ‪ DNA‬آم ًنا إىل املستقبل‪.‬‬

‫وهذا نوع آخر من النمل يدعى بنمل جرار العسل‬ ‫تخصصت عامالته مبهم ٍة غريبة‪،‬‬ ‫‪ّ ،Honey-pot ants‬‬ ‫وهي حفظ العسل يف أجسامها‪ ،‬ونالحظ أن جسمها‬ ‫ممتلئ بالعسل كالج ّرة‪ ،‬وكل ماتفعله هو التعلق يف سقف‬ ‫ٌ‬ ‫يشح الغذاء يف البيئة‪ ،‬تقدّ م العسل ألفراد‬ ‫العش‪ ،‬وعندما ّ‬ ‫املستعمرة األخرى لتستمر حياتها‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫ويف الصورة التالية نرى منل الفطر ‪ Fungus ant‬من ميلك ببغاء املاكاو ‪ Macaw‬ريشً ا ملونًا بهدف انتاج طيور‬ ‫ضخم تحت ماكاو أخرى‪ ،‬ألن الريش امللون يجذب الجنس اآلخر‪،‬‬ ‫أمريكا الجنوبية‪ ،‬يعيش هذا النوع يف ٍ‬ ‫عش ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫األرض عىل شكل‬ ‫تجويف كبريٍ يصل قطره إىل أربعة أمتار‪ ،‬كام تجذب اعالنات التلفاز املستهلكني‪ ،‬وحتى أجنحة‬ ‫الطائر ليست إال أدا ًة تساعده عىل نرش جيناته ومتريرها‬ ‫والميكن للنمل حفر هذا العش إال بالعمل الجامعي‪.‬‬ ‫لألجيال القادمة‪ ،‬فهي متنح الطائر القدرة عىل الهروب من‬ ‫املفرتسني والتقاط الغذاء والبحث عىل الرشيك املناسب‪،‬‬ ‫فالجينات املوجودة يف ‪ DNA‬الطائر تحمل تعليامت بناء‬ ‫أجنح ٍة تساعد ساللته عىل ضامن التكاثر لتمرير الـ ‪DNA‬‬ ‫لساللتها‪.‬‬

‫وهذا ٌ‬ ‫مثال جيدٌ آخر‪ ،‬وهو النمل الناسك ‪Weaver‬‬ ‫‪ ،ants‬يقوم هذا النمل بجذب قط ٍع من أوراق الشجر‬ ‫ٍ‬ ‫كوصالت بني أجزاء العش‬ ‫لبناء عشّ ه‪ ،‬وتعمل العامالت‬ ‫الورقية‪ ،‬ميكننا تخيلها جز ًءا من بنائه‪.‬‬

‫بدأنا بالسؤال‪ :‬ما فائدة األزهار؟‬ ‫بحثنا عن اإلجابة من عدة وجهات نظر‪ ،‬واستنتجنا يف‬ ‫النهاية أن األزهار ال تختلف يف هدفها عن أي يشء آخر‬ ‫يف ماملك الحياة‪ ،‬الهدف هو نرش برنامج "انسخني" يف‬ ‫الطبيعة النتاج أزهار أخرى‪ ،‬متا ًما كام النحل يعيش لنرش‬ ‫برنامجه الخاص النتاج نحلٍ أكرث‪ ،‬وكام تفعل الفيلة النتاج‬ ‫فيل ٍة أخرى‪ ،‬والطيور النتاج طيو ٍر غريها‪ ،‬وهكذا‪...‬‬

‫بينام النباتات المتتلك أجنحة‪ ،‬وال تستطيع الطريان كذلك‪،‬‬ ‫ولكن من وجهة النظر الخاصة بها‪ ،‬فهي التحتاج ألجنح ٍة‬ ‫طاملا كان بإمكانها استعارة أجنحة النحل والفراشات‬ ‫وطائر الط ّنان‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬الحديقة الخف ّية‬

‫ولو أخذنا رأي ‪ DNA‬النبات‪ ،‬فستكون وجهة نظره بأن أجنحة النحل هي يف الحقيقة أجنحة للنبات نفسه! فهي يف‬ ‫الواقع أعضاء طريانٍ تقوم بحمل ونقل جينات النبات‪ ،‬متا ًما كام تفعل أجنحة ببغاء املاكاو‪ ،‬فهي أيضً ا أعضاء طري ٍان‬ ‫تقوم بحمل ونقل جينات املاكاو‪.‬‬ ‫لنعمم الفكرة عىل األلوان كذلك‪ ،‬فألوان األزهار الجميلة مبثابة إعالن تلفا ٍز يجذب النحل إليها‪ ،‬متا ًما كام تفعل ألوان‬ ‫طائر املاكاو‪ ،‬فكالهام يعمل عىل جذب ٍ‬ ‫آالت مجنحة تحمل الجينات‪ ،‬وهي يف الحالة األوىل حرشات النحل‪ ،‬ويف الحالة‬ ‫كائن يساعد عىل نقل الـ ‪ DNA‬إىل‬ ‫الثانية إناث طائر املاكاو‪ ،‬ولكن يف كلتا الحالتني النتيجة واحدة‪ ،‬وهي جذب ٍ‬ ‫األجيال األخرى‪.‬‬ ‫املاكاو يجذب اإلناث ليقرتن بها ويضع فيها جيناته لتحملها معها ومتررها إىل األجيال القادمة‪ ،‬والنحل تعلق حبات‬ ‫ٍ‬ ‫أجيال نباتية‬ ‫طلع الزهرة بجسمه التي تحتوي جينات النبات ويحملها معه إىل زهر ٍة أخرى لتمرر هذه الجينات إىل‬ ‫قادمة‪.‬‬ ‫لو نظرنا ألجنحة النحل من هذه الزاوية‪ ،‬ميكن إعتبارها بالفعل أجنح ًة للنبات‪.‬‬ ‫إن هذه النظرة للحياة جديد ٌة وغريب ٌة كل ًيا‪ ،‬ولكنها متنحنا رؤي ًة تجيب عىل كل األسئلة إجاب ًة شافي ًة وحقيقية‪ ،‬وتعرض‬ ‫وجهة نظ ٍر غريب ٍة بقدر غرابة الحياة يف الحديقة الخف ّية‪.‬‬ ‫قام بالرتجمة و بناء املقال ‪Ghaith Jabri‬‬

‫‪https://www.facebook.com/EstenartAqlEnlightenedMind‬‬ ‫‪59‬‬


https://www.facebook.com/groups/136652479873391

60


‫هل اإلسالم دين‬ ‫أم فيل أبيض‬ ‫‪Leo Atheo‬‬

‫?‪Is Islam a religion or a white elephant‬‬ ‫?‪L'Islam est-il une religion ou un éléphant blanc‬‬

‫"ابتلشت بكذا" أو "ابتلش فالن بكذا"‪ .‬أقرب يش ٍء لهذه‬ ‫هناك كلم ٌة باللهجة الخليجية تسمى "بلشة"‪ ،‬فيقال‪ :‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫مرغوب فيه عىل أحدهم وهو يقبل به إما‬ ‫الكلمة باللهجة املرصية هي كلمة "أتدبس" وتعني أن يُفرض يش ٌء غري‬ ‫ٍ‬ ‫مجامل ًة أو لعدم وجود خيا ٍر آخر‪ .‬مثال‪ :‬تطلب صديقة زوجتك من زوجتك أن يقيض أطفالها املزعجون بعض الوقت‬ ‫يف بيتك يف يوم عطلتك وأنت تحب الهدوء والقراءة‪ .‬أنت هنا "ابتلشت" بأطفال صديقة زوجتك التي قبلتهم مجامل ًة‬ ‫لصديقتها‪ ،‬وأنت مضط ٌّر للقبول وعدم إظهار االستياء من باب الذوق‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫هل اإلسالم دين‬ ‫أم فيل أبيض ؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫توجد قص ٌة من الرتاث اآلسيوي‪ ،‬أنا متأك ٌّد أ ّن معظمكم يعرفها‪ ،‬وهي قصة الفيل األبيض‪ .‬تحيك القصة أن والدة أحد‬ ‫امللوك حلمت بفيلٍ أبيض يقدم لها زهرة اللوتس‪ ،‬والتي تعترب رم ًزا للنقاء والحكمة‪ ،‬وقامت بعدها بالطلب من ابنها أن‬ ‫رش عىل سمو الحاكم‬ ‫يحتفظ بفيلٍ أبيض يس ّخر كل ما ميلك لراحته‪ .‬من هنا توارثت األجيال رمز الفيل األبيض بأنه مؤ ٌ‬ ‫وعدالته‪ .‬واعتُرب إهداء الحاكم فيلاً أبيض ألحد‪ ،‬مبثابة إعطاء ملكة بريطانيا لقب النبل مثل "سري" و "اليدي" ألحد‬ ‫رعاياها‪ ،‬أي كناي ٌة عن ٍ‬ ‫رشف عظيم‪ .‬املشكلة أ ّن لقب النبل الربيطاين يحتوي عىل ميدالي ٍة وشهاد ٍة تضعها عىل الرف‪ .‬أما‬ ‫الفيل املقدس فهو ٌ‬ ‫مكلف ج ًدا‪ .‬كام أنك ال تستطيع بيعه‬ ‫رشف يحتاج اىل أطنان من الغذاء والرعاية املستمرة وكالهام ٌ‬ ‫أو حتى استغالله وإلاّ راح الرشف وجاء بدله الخزي والعار ورمبا حتى القتل!‬ ‫من هنا نجد أن الفيل األبيض هو ٌ‬ ‫طريق‬ ‫رشف و"بلشة" يف نفس الوقت‪ .‬فملكيته هي رم ٌز للرشف لكن االحتفاظ به هو ٌ‬ ‫لسبب أو آخر‪:‬‬ ‫ضخم تفوق تكلفته فائدته بكثري ويصعب التخلص منه‬ ‫ٍ‬ ‫رسي ٌع لإلفالس‪ .‬ويُطلق اليوم عىل كل مرشو ٍع ٍ‬ ‫فيل أبيض‪ .‬أبرز مثا ٍل عىل ذلك هو طائرة الكونكورد بتكاليفها التشغيلية واملادية والبيئية املرتفعة‪ ،‬كل ذلك الختصار‬ ‫ٌ‬ ‫خصوصا أمام األمريكان‪ ،‬بأنهم أول من‬ ‫وقت الرحلة عرب األطليس ملدة ثالث ساعات بدلاً من ستة‪ ،‬وليتفاخر األوروبيون‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ركاب تفوق رسعتها رسعة الصوت عرب األطليس‪ .‬طب ًعا كلنا يعرف اآلن النهاية املأساوية لطائرة‬ ‫رحالت عىل طائرة ٍ‬ ‫سيرّ‬ ‫الكونكورد والتي تسببت يف سحبها من الخدمة نهائيًا‪.‬‬ ‫رشف" من يعتنقه من وجهة نظره‬ ‫والسؤال الذي يطرح نفسه هنا‪ :‬هل من املفيد النظر إىل اإلسالم عىل أنه ٌ‬ ‫فيل أبيض "ي ّ‬ ‫ويعطيه الكثري من املزايا ظاهريًا مثل املرياث املضاعف للذكر‪ ،‬والزواج بأكرث من امرأة أيضاً للذكر‪ ،‬لكنه يف نفس الوقت‬ ‫مكلف ج ًدا للمسلم كفرد وعىل الدول التي تصنف نفسها باإلسالمية؟ باختصار‪ ،‬هل اإلسالم "بلشة"؟‪ ...‬لرنى‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫النظرة الدارجة واملقبولة هي أن اإلسالم يحفظ األمن واالستقرار والعدالة االجتامعية‪ ،‬ليس ذلك فحسب‪ ،‬بل يحمي األمم‬ ‫من أزمة املال العاملية وانفلونزا الطيور والخنازير والنيازك وهجوم الكائنات الفضائية القادمة من مجرة األندروميدا‪.‬‬ ‫هل هذا صحيح أم أن العكس التام هو األرجح؟ هل تكلفة اإلسالم يف مجتمعات اليوم تفوق فائدته؟ هل سيكون‬ ‫فيل أبيض‪،‬‬ ‫املسلمون بوضعٍ أفضل أم أسوأ بدون اإلسالم يف الحياة العامة (البعض يسميها علامنية)؟ وعليه‪ ،‬فهل اإلسالم ٌ‬ ‫متكامل يحفظ العدالة والحرية واألمن واالستقرار‪ ،‬لذا‬ ‫ٌ‬ ‫يأكل الكثري ويقدم القليل ومن األفضل تحييده؟ أم أنه نظا ٌم‬ ‫وجب الحفاظ عليه؟ لنبحث‪...‬‬

‫‪62‬‬


‫هل اإلسالم دين‬ ‫أم فيل أبيض ؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫تكاليف اإلسالم عىل مستوى الفرد‬ ‫الصالة‬ ‫بحركات تسمى صالة‪ :‬خمس مر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات يف اليوم تأخذ منه ما ال يقل عن ساعتني يوم ًيا‪ ،‬وهذا ألداء‬ ‫يضطر املسلم للقيام‬ ‫الحركات فقط وليس التحضري لها‪ ،‬والوقت املخصص للذهاب واإلياب من وإىل املسجد يف حالة الصالة هناك‪ .‬هذا‬ ‫الوقت كان ممك ًنا أن يُستغل يف العمل‪ ،‬القراءة أو حتى للراحة‪.‬‬ ‫الصيام‬ ‫الكل ميدح فوائد الصيام وال يجرؤ أح ٌد عىل مناقشة مضاره خوفًا من غضب الفيل األبيض‪ .‬الصيام عن الطعام واملاء‬ ‫يؤدي إىل جفاف الجسم (الذي نعلم أنه يتكون بنسبة ‪ %70‬من املاء) والجوع والرضبة الشمسية وهبوط سكر الدم‬ ‫و تآكل األنسجة وحرمان الكبد من الجلوكوز وانتشار سموم البدن يف الدم‪ ،‬هذا ناهيك عن املزاج العكر ورائحة الفم‬ ‫خصوصا الضار منه‪ ،‬مثل الشحوم الحيوانية‬ ‫الكريهة ولخبطة أوقات النوم‪ .‬الفائدة الصحية هي يف تخفيف األكل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والسكر املكرر‪ ،‬و ليس يف تجويع البدن متا ًما ولساعات‪ .‬من يقول لكم غري ذلك يكذب عليكم‪ .‬اللعنة! هل فيكم عاقل؟‬ ‫من يصدق يف يومنا هذا أن للعطش فوائد؟‬ ‫الزكاة‬ ‫بينام تعترب الرضائب يف الدولة الحديثة نظا ًما مفي ًدا يغذي خزينة الدولة لدعم برامجها التنموية وخدماتها االجتامعية‪،‬‬ ‫تذهب أموال الزكاة والخمس من جيوب املسلمني بدون توثيق وبشكلٍ عشوا ٍّيئ ٍ‬ ‫ألناس ليس لهم صف ٌة سوى أنهم ملتحون‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت ال يفهمها معظم من حولهم‪ .‬ثبت مرا ًرا و تكرا ًرا أن هذه األموال تذهب إىل جهتني ال ثالث لهام‪:‬‬ ‫ويتمتمون‬ ‫جيوب امللتحني أنفسهم ودعم اإلرهاب اإلسالمي‪،‬‬ ‫سوا ٌء بشكلٍ مبارش مثل متويل رشاء أسلح ٍة وقنابل‪،‬‬ ‫أو غري مبارش مثل دعم املراكز اإلسالمية يف الغرب‬ ‫والتي تُستغل لتجنيد اإلرهابيني‪ .‬كام نالحظ أنه‬ ‫فلس واح ٌد يذهب لغري املسلم‪ .‬بل ال يذهب‬ ‫وال ٌ‬ ‫أي مبلغٍ ألي ٍ‬ ‫غرض غري تعزيز قدسية الفيل األبيض‬ ‫والقامئني عليه من رهبان ومشعوذين ليستمر‬ ‫عذاب املسلمني برضاهم‪.‬‬ ‫‪63‬‬


‫هل اإلسالم دين‬ ‫أم فيل أبيض ؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫الجهاد‬ ‫يرمي املسلم حياته يف التهلكه ويخرب بيته وبيت أرسته ليك يقاوم الكفار وينال الشهادة آملاً يف مامرسة الجنس مع‬ ‫الجن والعفاريت لألبد‪ ،‬يف مكانٍ خيا ٍّيل يسميه اإلسالم الجنة‪ .‬من يقول لكم أ ّن الجهاد الحقيقي الذي قصده اإلسالم هو‬ ‫محق بذلك ألنكم أنتم من سمح له بال ّدوس عىل ما تبقى لكم من‬ ‫طلب العلم وتطوير الذات يحتقر عقولكم‪ ،‬وهو ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫مبقوالت بلهاء مثل جزاك الله خ ًريا‪ ،‬و جعلها يف ميزان حسناتك‪ .‬لكن أتعلمون‬ ‫خاليا الدماغ‪ ،‬ال بل وتشكرونه عىل ذلك‬ ‫شيئًا؟ كالمكم‪ -‬رغم بالهته‪ -‬إلاّ أنه دقيق‪ .‬نعم‪ ،‬سيجزيه الله خ ًريا يف ميزانه بأموالكم التي ستذهب إىل ميزانيته‪.‬‬ ‫أمراض نفسية متنوعة‬ ‫أغلب املسلمني يعانون من ٍ‬ ‫واحد أو أكرث من األمراض النفسية التالية بسبب اإلسالم‪ :‬عقدة اإلضطهاد‪ ،‬البارانويا (الريبة)‪،‬‬ ‫اضطراب النظافة القرسي‪ ،‬الزينوفوبيا (كراهية اآلخر املختلف)‪ ،‬الهوموفوبيا (كراهية املثليني)‪ ،‬الشيزوفرينيا (مرض‬ ‫الفصام)‪ ،‬البيدوفيليا (مامرسة الجنس مع األطفال)‪ ،‬الكذب القرسي‪ ،‬الشعور املزمن بالذنب‪ ،‬احتقار الذات‪ ،‬االكتئاب‬ ‫(خصوصا يف سن املراهقة)‪ ،‬الهسترييا (يسميها املسلمون سكن الجن)‪ ،‬الرنجسية (ينترش بني دعاة التلفزيون)‪ ،‬الريوفيليا‬ ‫ً‬ ‫(الهوس الجنيس بالبول)‪ ،‬متالزمة ستوكهومل(التعاطف مع و حب املسيئ)‪ ،‬السادية‪ ،‬املازوخية‪ ،‬فاجني ايزمس (التشنج‬ ‫الالإرادي لعضالت املهبل عند مامرسة الجنس خصوصا يف ليلة الدخله)‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪64‬‬


‫هل اإلسالم دين‬ ‫أم فيل أبيض ؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫ٍ‬ ‫مقاالت أخرى‪ ،‬وبعضها مل أتطرق إليه مثل األخري‪ ،‬والذي يعترب تابو بني األطباء يف‬ ‫ناقشت الكثري من هذه األمراض يف‬ ‫ُ‬ ‫الدول اإلسالمية‪ .‬لكن أصدقايئ يف املجال الطبي يحكون يل أنه أصبح مبثابة وبا ٍء ال يجرؤ أح ٌد عىل الخوض فيه رغم‬ ‫خطورته‪ .‬فتمر عليهم حاالتٌ كثري ٌة من النزيف املهبيل‪ ،‬بعضه خط ٌري وميكن أن يتسبب باملوت‪ ،‬بينام ينظر إليه املسلم‬ ‫الذكر بأنه عمل رجويل ورم ًزا لفحولته‪.‬‬

‫التكاليف اإلجتامعية واإلقتصادية لإلسالم‬ ‫ضعف اإلنتاجية‬ ‫قلت أن املسلم الصالح يضيع ما ال يقل عن ساعتني يوم ًيا ألداء صالته‪ .‬معظم أوقات الصلوات تقع أثناء وقت العمل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫إذا افرتضنا أنه من الساعة التاسعة صبا ًحا إىل الخامسة‪ .‬تخيل بل ًدا مسلماً قوته العاملة قوامها مليون إنسان‪ .‬بحسب ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫حركات بهلواني ٍة ال عالقة لها باإلنتاج‪.‬‬ ‫بسيطة‪ ،‬يضيع عىل اقتصاد هذا البلد مليون وثالمثئة ألف ساعة عمل يوم ًيا يف أداء‬ ‫أضف إىل ذلك أن املسلم بطبعه يجنح للكسل واالتكالية وحب الرثثرة واإلدمان عىل مواقع اإلنرتنت اإلباحية وستكتمل‬ ‫عندك الصورة‪ .‬هل تتخيل اقتصا ًدا مثل هذا سوف ينتج سيارات مرسيدس وفرياري أو طائرات إير باص أو مكوكًا فضائ ًيا؟‬ ‫لذلك تجد أن املجتمعات اإلسالمية تعتمد ‪ %100‬عىل أمم الرشق والغرب يف كل ما تحتاجه للحياة الحديثة بدءا ً من‬ ‫التطبب إىل التنقل وما بينهام حتى إبر الخياطة!‬ ‫غياب اإلبداع‬ ‫أحد األعراض الجانبية لإلميان باإلسالم هو انخفاض مستوى الذكاء بشكل ٍعام واختفاء القدرة عىل التفكري املبدع‬ ‫رش كغريهم‪ .‬السبب هو اإلسالم وطقوسه وأوامره ونواهيه‪.‬‬ ‫والخالق بشكلٍ خاص‪ .‬السبب ليس عضويًا‪ ،‬فاملسلمون ب ٌ‬ ‫كالم مكرر وغري علمي كالقرآن يؤدي إىل قتل ملكة التفكري‪ ،‬فرتكيز املجهود الذهني عىل‬ ‫فطقس‬ ‫إسالمي مثل حفظ ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫الحفظ يسلب العقل الطاقة املطلوبة للتفكري املستقل‪ .‬أضف إىل ذلك أن نواهي اإلسالم املعادية للحضارة مثل تحريم‬ ‫الرسم واملوسيقى‪ ،‬تسلب العقل القدرة عىل اإلبداع والتفكري خارج الصندوق كام تقول الفرنجة‪ .‬كام تضعف من قدرته‬ ‫عىل التفكري الريايض‪-‬من الرياضيات‪ -‬فأثبتت الكثري من الدراسات النفسية أن مهارات عزف املوسيقى الكالسيكة‪ ،‬عىل‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬هي ذاتها مهارات الجمع والطرح والقسمة والرضب من وجهة نظر العقل‪ ،‬فمعظم عملياتها ترتكز يف‬ ‫الجانب األيرس من الدماغ‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫هل اإلسالم دين‬ ‫أم فيل أبيض ؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫الفوىض يف إدارة شؤون الدولة‬ ‫هناك نوعان من الفوىض نراهام يوميًا يف إدارة الدولة بسبب الفيل األبيض‪ .‬هناك قراراتٌ إداري ٌة (اختصاص السلطة‬ ‫التنفيذية) تخرج عىل شكل قوانني (اختصاص السلطة الترشيعية)‪ ،‬وهناك قوان ٌني تخرج عىل شكل قر ٍ‬ ‫ارت إدارية‪ ،‬وال‬ ‫أحد ينتبه أو يكرتث لذلك والسبب أن اإلسالم املمثل البطويل يف هذا الفيلم‪ .‬هذا يسمى بلغة القانون الدستوري‪:‬‬ ‫بغض النظر عن‬ ‫تداخل السلطات‪ .‬مثال عىل النوع األول هو قانون منع االختالط بني الجنسني يف جامعات الكويت‪ّ .‬‬ ‫رشع ال‬ ‫عدم دستوريته‪ ،‬هذا املوضوع يقع يف خانة القرارات اإلدارية التي هي من اختصاص الجامعة إن ارتأت ذلك‪ ،‬وامل ّ‬ ‫رشع الربملان قوانني ألفضل طريق ٍة إلطفاء النريان الكيميائية لدائرة اإلطفاء‬ ‫عالقة له باألمر إطالقًا‪ .‬وإال لو سلمنا بذلك فلي ّ‬ ‫وألنجح أسلوب لتصميم الجسور لوزارة األشغال ولكيفية تربية الخراف لهيئة الرثوة الحيوانية‪ .‬أال تبدو لكم األمور‬ ‫مضحكة؟ ملاذا مل تضحكوا عندما أُقر قانون منع اإلختالط؟ أنا أقول لكم ملاذا‪ ،‬ألن اإلسالم ٌ‬ ‫طرف يف املوضوع‪ ،‬فغضضتم‬ ‫النظر عن هذه الفوىض اإلدارية التي كلفت الدولة مئات املاليني فقط لضامن حسن الخامتة مع الفيل األبيض‪.‬‬ ‫أما املثال عىل النوع الثاين فهو قرار‬ ‫منع املرأة من استخراج جواز سفر‬ ‫دون موافقة ويل أمرها‪ .‬هذا قرا ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫إداري غيو ٌر عىل دينه‬ ‫مسؤول‬ ‫اتخذه‬ ‫ٌّ‬ ‫يوم ما‪ ،‬رمبا إرضا ًء لرواد ديوانيته‪،‬‬ ‫يف ٍ‬ ‫لكنه يعا َمل إىل اليوم معاملة القانون‪،‬‬ ‫وال يجرؤ أح ٌد عىل ت ّحديه أو الطعن‬ ‫يف دستوريته‪ ،‬والسبب طبعاً هو كون‬ ‫اإلسالم طرفًا يف املوضوع‪ .‬فال يجوز‬ ‫للمرأة السفر دون محرم وهذا يرسي‬ ‫عىل وثيقة السفر كذلك‪ .‬تخيل لو أن‬ ‫مسؤولاً آخر يف نفس الوزارة قرر منع‬ ‫الرتخيص للسيارات ذات اللون األحمر‬ ‫ملن يف رأسه شيب‪ .‬هل تعتقد أن الناس‬ ‫سوف تسكت؟ كال بالطبع‪ ،‬سوف يحتج‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت عا ٍل‪ ،‬والسبب أن اإلسالم‬ ‫الشياب‬ ‫مل يتطرق للسيارات الحمر إذن ال بأس‬ ‫من االحتجاج‪ .‬الفيل األبيض ال ميانع‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪66‬‬


‫هل اإلسالم دين‬ ‫أم فيل أبيض ؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫التفكك األرسي‬ ‫ال يشجع اإلسالم عىل الزواج يف سنٍ مبكر ٍة فحسب‪ ،‬بل يحث متّبعيه من الذكور عىل الزواج بأكرث من امرأ ٍة واإلنجاب‬ ‫منهن بدون حساب حتى وإن كان رب األرسة عاطلاً عن العمل‪ ،‬و كل ذلك لزيادة عدد املسلمني ليتباهون أمام العامل‬ ‫أ ّن اإلسالم هو بالتأكيد دين الحق فيستحيل أن مليار مسلم عىل خطأ! إين أراه اآلن‪ ،‬أرى من منكم يحاول إطالق ر ٍّد من‬ ‫ردود التقية اإلسالمية التقليدية‪" :‬لكن اإلسالم قال من استطاع الباءة ‪-‬يعني املقتدر ماديًا‪ -‬عىل النكاح هو فقط من يحق‬ ‫له مثنى وثالث ورباع‪ ،‬يا صديقي العزيز كن منصفًا وال تتبىل عىل اإلسالم كعادتك! سؤايل‪ :‬هل مينع اإلسالم الفقري من‬ ‫االقرتان بأربع؟ مبعنى هل هو ممنو ٌع رش ًعا؟ إذا كان الجواب ال‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬فحديث الباءة هو تحصيل حاصل وكال ٌم‬ ‫مأخو ٌذ خريه عىل غريه‪ .‬يعني ال يقدم وال يؤخر‪.‬‬ ‫لذلك نجد أن متوسط عدد األطفال يف األرسة املسلمة الفقرية يصل إىل ‪ 11‬فر ًدا أو أكرث ومعظم هؤالء سوف يقضون‬ ‫حياتهم يف التسول واإلجرام وبيع الهوى‪ ،‬و مؤخ ًرا اإلرهاب اإلسالمي‪ ،‬للخالص من حياتهم التعيسة التي تسبب بها‬ ‫والدهم املسلم الذي مل يسمع بيش ٍء اسمه واقٍ ذكري أو حبوب منع الحمل‪.‬‬

‫حوادث السري‬ ‫قائل هنا‪" :‬رفقًا بنا يا رجل! أنت تبالغ‪ .‬ما عالقة اإلسالم بحوادث املرور؟ مل يبق سوى االحتباس الحراري مل تلم‬ ‫سيقول ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫رئييس وتفرج عىل وضع السيارات هناك أثناء‬ ‫قريب من مدخل شار ٍع‬ ‫أي‬ ‫مسجد ٍ‬ ‫اإلسالم عليه!" أقول لهؤالء‪ :‬اذهب إىل ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫صالة املغرب التي ال تحتمل االنتظار ألن كونت دراكيوال سوف يفيق من نومه مع مغيب الشمس‪ .‬نعم‪ ،‬فهمت ما‬ ‫أقصد‪ ،‬أليس كذلك؟ إنها السيارات التي يوقفها املسلمون يف منتصف الطريق غري عابئني بحركة املرور والخطورة التي‬ ‫يشكلها هذا الوقوف غري القانوين عىل حياة البرش‪ .‬كام ال أحتاج أن أذكّرك بحركة السري والرسعة الجنونية قبيل آذان‬ ‫معرضا حياته وحياة اآلخرين للخطر ألنه جائع‪ .‬طيب‪ ،‬وما الذي‬ ‫املغرب يف شهر رمضان‪ .‬املسلم يقود سيارته برسعة ً‬ ‫أجربه عىل الجوع؟ إنه الفيل األبيض‪ .‬عزيزي‪ ،‬اإلسالم له عالق ٌة بحوادث املرور‪ ،‬وأنت تعلم ذلك جي ًدا‪ .‬اعرتف‪ ،‬أنت واح ٌد‬ ‫من هؤالء املرسعني‪ ،‬كفاية تقية‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫هل اإلسالم دين‬ ‫أم فيل أبيض ؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫الحريات املدنية واملساواة وحرية التعبري‬ ‫اإلسالم يكره شيئًا اسمه حرية‪ ،‬ألنه ومن وجهة نظره الحرية تلغيه‪ ،‬حتى ولو كانت حرية رشب املاء‪ .‬أسوء نظم العامل‬ ‫وأكرثها تخلفًا وهمجي ًة ال متنع اإلنسان من رشب املاء‪ ،‬لكن الدول اإلسالمية مهام بلغ تحرضها الشكيل تسلب حق‬ ‫اإلنسان يف رشب املاء‪ ،‬والذي يحتاجه للحياة وبقوة القانون الوضعي ال ليش ٍء سوى إرضاء مزاج الفيل األبيض الذي‬ ‫ٍ‬ ‫أوقات معين ٍة تحددها حركة القمر‪ .‬طيب‪ ،‬ما عالقة حركة القمر بحاجتي لرشب املاء وقت الظهرية وأنا يف‬ ‫مينع ذلك يف‬ ‫سياريت؟ إنني أموت عطشً ا ودرجة الحرارة فوق الخمسني مئوية‪ ،‬ملاذا أُمنع من رشب املاء وإال دخلت السجن!؟ ال أحد‬ ‫بديهي‪ ،‬والسبب أ ّن عني الفيل األبيض تراقب الدولة وهو مستع ٌد أن‬ ‫يجرؤ عىل مثل هذا التساؤل عىل الرغم من أنه‬ ‫ّ‬ ‫يخسف بهم األرض يف أيّة لحظة‪ ،‬أو هكذا يعتقدون‪ .‬فلتمت الناس عطشً ا طاملا أن الفيل األبيض ر ٍ‬ ‫اض عنا‪ .‬ال يشء يعلو‬ ‫عىل رضا الفيل األبيض‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للمساواة فح ّدث وال حرج‪ ،‬فال مساوا ٌة بني الرجل واملرأة وال املسلم وغري املسلم وال بني املتزوج واألعزب‪،‬‬ ‫فاألول يحظى مبزايا ال يحلم بها الثاين ألن الفيل األبيض يحب التكاثر‪ ،‬كون التكاثر يغذيه ليستمر ألبد اآلبدين وليتفاخر‬ ‫أمام بقية الفيلة‪ ،‬األزرق منهم واألصفر واألحمر‪ ،‬وهو يقول‪ :‬مليار إنسان يؤمنون بأنني الحق‪ ،‬لذلك أنا الحق رغماً عن‬ ‫أنوفكم جمي ًعا يا أيتها الفيلة الكافرة !‬ ‫ختا ًما‪ ،‬هناك يش ٌء مه ُّم ميقته اإلسالم أال وهو حرية التعبري‪ .‬اإلسالم يكره حرية التعبري لدرجة أن وأدها عبادة! لذلك‬ ‫جاءت القوانني الوضعية يف الدول اإلسالمية لتقنن هذه العبادة فيام يسمى قوانني املطبوعات وجرائم النرش التي‬ ‫تج ّرم أيّة فكر ٍة تحتوي ولو عىل قطر ٍة واحد ٍة من السلبية تجاه الفيل األبيض‪ ،‬هو ورسله وزوجاتهم وأبنائهم وخدمهم‬ ‫وعفاريتهم‪ .‬نعم‪ ،‬تخيل أننا يف القرن الحادي والعرشين ولدينا قانو ٌن يعاقب بالسجن من يسخر من املالئكة! يعني‬ ‫رشد أبناؤه‪ ،‬وما هي جرميته النكراء؟ جرميته هي السخرية من‬ ‫تخيل رجلاً يُفصل من عمله ويسجن وتد ّمر أرسته و ي ّ‬ ‫عفريت! نعم عفريت! تفضل‪ ،‬اقرص نفسك‪ ،‬أنت لست نامئًا! هذا ليس مبنام‪ ،‬إنها الحقيقة التي ترتعدون خوفًا من‬ ‫مواجهتها‪ .‬إنها بَ َركات الفيل األبيض الذي سيبقيكم يف الحضيض لألبد يا مسلمني‪ ،‬طاملا أنه جاث ٌم عىل صدوركم برغبتكم‪،‬‬ ‫مقدس و تسجدون له و تُس ّخرون حياتكم وحياة أبنائكم له‪.‬‬ ‫وأنتم تصدقون أنه‬ ‫ٌ‬

‫‪68‬‬


‫روابط قراءة المجلة مباشرة أون الين‬

http://issuu.com/i-think-magazine http://www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp

‫روابط التحميل‬

http://www.mediafire.com/?odd3nd897q2ne http://www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp http://issuu.com/i-think-magazine

:‫صفحة المجلة على الفيسبووك‬

https://www.facebook.com/I.Think.Magazine

‫مدونة أنا أفكر‬

http://i-think-magazine.blogspot.com

69


‫الدين كـ أب سيئ‬

‫نحو علم خارق جديد‬

‫‪70‬‬

‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نحو علم خارق جديد‬

‫قام بويب هيندرسون بكتابة رسالة إىل اللجنة التعليمية يف والية كانساس األمريكية يقدم فيها مطالبه بشمل مادة‬ ‫الباستافارية يف املنهاج التعليمي كنوع من السخرية واملناهضة لحركة التصميم الذيك التي كانت تطالب بشملها‬ ‫يف املناهج وبعد أن نرش بويب رسالته عىل األنرتنت تحولت الباستافارية أو ديانة وحش السباغيتي الطائر الساخرة‬ ‫إىل ظاهرة ضخمة إنترشت كالنار يف الهشيم مام لفت أنظار دور النرش والتي عرضت عىل بويب هندرسون رسول‬ ‫الباستافارية نرش أنجيله الخاص وبالفعل تم يف الـ ‪ 2006‬نرش أنجيل وحش اإلسباغيتي الطائر والذي يحتوي مقاالت‬ ‫وعظات وأساطري خلق وطرق للنرش والدعاية وذالك مبحاولة تقديم ديانة جديدة سخيفة جدا ولكن باستخدام املنطق‬ ‫الديني وأدلته والتربيرات واألعذار التي تستخدمها األديان وأنصار فكرة التصميم الذيك ‪ .‬ونقدم لكم هنا ترجمة مقتطفة‬ ‫من هذا الكتاب‬ ‫ِ‬ ‫وشك دخو ِل‬ ‫نحن اليوم عىل‬ ‫ِ‬ ‫أعتاب زمنٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد مثريٍ للغاية‪ ،‬حيث لن يكون العلم‬ ‫محدو ًدا بالتفسريات املادية بعد اآلن‪ .‬من يا‬ ‫بعدم‬ ‫يحق له اإلنكار أو يستطيع الجزم ِ‬ ‫تُرى ُّ‬ ‫تحك ُِّم القوى املاورائية (أو السحر كام يسميه‬ ‫البعض) يف ما يحدث حولنا من ظواهر ؟‪.‬‬ ‫وبدعم وتأثريِ الرأي العام‬ ‫أصبح العلم اليوم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النظريات املنطقي ِة‬ ‫لكل‬ ‫والحكومات أكرث تق ُّبال ِّ‬ ‫سوا ًء كانت طبيعية أو خارقة للطبيعة‪ .‬هذه‬ ‫بالفعل فرص ٌة مثين ٌة ‪ ،‬إذ مل نح َظ منذ العصور‬ ‫الوسطى بسياس ٍة تتمتع بهذا االنفتاح يف‬ ‫التعامل مع العلم مثل ما نرى اليوم ‪.‬‬ ‫واقعي ًّـا ‪..‬ما هو تعريف العلم ؟‬ ‫قد يقول البعض بأنه مجموعة التفسريات‬ ‫امل ُ َوث َّ َّـقة واملوصوفة واملُج َّربة والنظرية‬ ‫للظواهر‪ .‬لذلك ليس شيئًا يدعو للدهشة أن‬ ‫يقول البعض بعدم وجود مكان للنظريات‬ ‫الخارقة للطبيعة يف فروع ومجاالت العلم‬ ‫بحجة أن االدعاءات الخارقة للطبيعة ال تنتج‬ ‫أي ادعاءات قابلة للتجربة عىل أرض الواقع‪.‬‬ ‫لكن هذه الفكرة تعاين قليال من ِقرص النظر‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نحو علم خارق جديد‬

‫أيضا مجموعة من األدوات التي تهدف إىل متكني البرشية من حل املشكالت‪ .‬من هذا املُنطلق فإن نظريات‬ ‫فالعلم هو ً‬ ‫الخوارق‪ ،‬أو السحر‪ ،‬أو املاورائيات‪ ،‬أو الوهم ‪ ،‬و ما إىل ذلك من تسميات‪ ،‬لديها اإلمكانيات ألن تكون ُمفيدة ‪ ،‬هذا إن‬ ‫مل تكن مفيدة أكرث من “العلم القيايس الطبيعي” و الذي استخدمته البرشية عىل مدى القرنني السابقني‪.‬‬ ‫بحسب هذا املفهوم أال يجدر بنا السعي ليك نعطي العلامء أكرب قدر ممكن من األدوات ؟‬ ‫و بهدف توسيع فاعلية العلم‬ ‫ِ‬ ‫نحن ال نقول بأنه يجب عىل العلامء استخدام التفسريات الخارقة للطبيعة يف تفسري كل الظواهر ‪ ،‬و إمنا يجب أن تكون‬ ‫مطروحة يف حال فشل جميع الطرق األخرى يف تفسريها‪ ،‬أو يف حال توافقها مع بعض األهداف السياسية املُضلِلة‪.‬‬ ‫و تذكروا أن هذا االقرتاح ليس مجرد فكرة جديدة مثرية للجدل‪ .‬فعند النظر إىل عدد السنوات التي تم فيها استخدام‬ ‫علم ما فوق الطبيعة ‪-‬أو العلم الخارق إن شئتم تسميته كذلك‪ -‬نجد أن لديه األسبقية بل والتفوق عىل العلم التقليدي‪.‬‬ ‫العلم التقليدي أو التجريبي مل يكن قيد االستخدام إال يف القرون األخرية القليلة املاضية‪ .‬من الواضح أن هناك سبب جيد‬ ‫الستمرار استخدام علم ما وراء الطبيعة لفرتة طويلة قبل أن تبدأ بدعة وموضة العلم التجريبي‪.‬‬ ‫هل من املمكن أن يكون السبب أن علوم ما وراء الطبيعة أكرث إنتاجية و فائدة من العلم التجريبي؟‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اكتشاف و تطوي ِر أر ٍ‬ ‫ومساحات جديد ٍة من الكرة األرضية‪ ،‬و هو ما يُعد هدفا علميًا مهماً مبختلف‬ ‫اض‬ ‫لنتناول موضوع‬ ‫املقاييس لدى الجميع‪ .‬إذا ما قمنا مبقارنة الفرتة الزمنية التي كان فيها علم ما وراء الطبيعة هو العلم السائد‪ ( ،‬وهي‬ ‫الفرتة مماّ قبل ‪1400‬م إىل ‪1600‬م ) بالفرتة التي كان فيها العلم التجريبي هو العلم السائد صاحب األفضلية بني العلامء‬ ‫( و هي الفرتة من ‪1800‬م إىل‪2000‬م ) فسيكون باستطاعتنا الحصول عىل صور ٍة واضح ٍة تبني لنا كيف أنه من املمكن‬ ‫للعلم التجريبي أن يكون ضا ًرا‪( .‬أنظر الشكل)‬

‫مقارنة بني مساحة‬ ‫األرايض املكتشفة‬ ‫تبني العلوم الخارقة للطبيعة‬ ‫‪1400‬م‪1600-‬م‬ ‫‪ 14.5‬مليون كم‪2‬‬

‫تبني العلوم املادية‬ ‫‪1800‬م‪2000-‬م‬ ‫‪ 0.3‬مليون كم‪2‬‬ ‫‪72‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نحو علم خارق جديد‬

‫من الواضح كام يف الشكل أن العلم التجريبي كان أقل إنجازًا بالرغم من كل االمتياز ِ‬ ‫ات التكنولوجي ِة التي ميتلكها ‪ .‬حتى‬ ‫بوجود صور األقامر الصناعية و أنظمة تحديد املواقع ‪ ،‬مل يستطع العلامء املقيدون باملنهج التجريبي حتى اكتشاف ‪3%‬‬ ‫فقط و هي نسبة تافهة من حجم األرايض التي اكتشفها نظراؤهم الذين اعتمدوا علم ما وراء الطبيعة منه ًجا يف فرتة‬ ‫زمنية متساوية‪.‬‬ ‫مل يكن لدى العلامء واملستكشفني يف األعوام من ‪1400‬م إىل ‪1600‬م سوى القليل من الخرائط وبوصلة وعصا الصليب‬ ‫واالسطرالب الستخدامها يف املالحة‪ ،‬كام مل يكن لديهم أية آليات تعمل بقو ِة املحركات‪ .‬ولكن بالرغم من كل تلك‬ ‫أيضا أن‬ ‫املُعوقات‪ ،‬كان بإمكانهم اكتشاف أكرث من ‪ 14‬مليون كم مربع من األرايض الجديدة املفيدة‪ .‬من الواضح ً‬ ‫انفتاحهم عىل القوى املاورائية كان له دور يف نجاحهم‪ ،‬و بإمكاننا أيضا أن نستنتج أنه تم إرشادهم إىل تلك األرايض‬ ‫الجديدة التي اكتشفوها مبساعدة كائن خارق ‪-‬وهو عىل األرجح وحش السباغيتي الطائر‪ -‬كام تؤكد بعض املصادر‬ ‫الفنية التاريخية ‪.‬‬

‫صورة تاريخية تبني كيف أرشدت القوى الخارقة للطبيعة الرحالة كريستوفر كولومبس‬ ‫من املنطقي جدا ً أن نستنتج أن عودتنا اىل األساليب املتوازنة للعلوم ‪-‬أي التوفيق بني النظريات الطبيعية والنظريات‬ ‫الخارقة للطبيعة‪ -‬سيؤدي بنا اىل اكتشاف أر ٍ‬ ‫بأمس الحاجة له‪ ،‬كيف ال ونحن نشهد تضخامً‬ ‫اض جديدة‪ ،‬وذلك أمر نحن ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫مجاعات أقل‬ ‫سكانياً كبريا ً مثل الذي نعيشه ؟ املزيد من األرايض يعني املزيد من الرثوات‪ ،‬ومزيدا ً من الرثوات يعني‬ ‫‪ .‬لذا بوسعنا القول بأن كل من يُعارض إدخال النظريات الخارقة للطبيعة‪ ،‬يريد بالتأكيد أن يرى األطفال متوت جوعاً‪.‬‬ ‫بأي من آرائهم بهذا‬ ‫فعلينا ألاّ نرحب مبثل هكذا أشخاص ال أخالقيني تحت قب ِة صناع ِة القرارات‪ ،‬وأقرتح ألاّ نأخذ ٍّ‬ ‫الخصوص‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نحو علم خارق جديد‬

‫دعنا نُلقي نظرة عىل الطب أيضاً‪ .‬قد يبدو من غري املنطقي القول بأن الطب يف العصور الوسطى كان بحا ٍل أفضل‪ ،‬حينام‬ ‫احتوت العلوم نظريات خارقة للطبيعة‪ ،‬عىل النقيض من حالته اليوم حيث تقترص دراسة الطب عىل الظواهر الطبيعية‪.‬‬ ‫ولكن دعنا نتمحص األمر أكرث‪ .‬هيمن الدين عىل الطب يف العصور الوسطى‪ ،‬وكان يُعتقد بأن املرض بشكل عام عاقبة‬ ‫دنيوية للخطيئة وعقاب عىل اآلثام‪ ،‬لذا اقترصت املعالجة عىل الدعاء والصالة‪ .‬ولكن ماذا عن اإلجراءات الطبية "القدمية"‬ ‫؟ إذ كانت ذات نسب نجاح كبرية مام يجعل إقصاءها ليس عادالً‪.‬‬ ‫“إراقة الدم” وهي إزالة كميات كبرية من الدماء من جسم املريض‪ ،‬يُعترب عمالً شائناً ضمن مفاهيم أطباء اليوم الذين‬ ‫يُفرتض أن يكونوا متفوقني‪ .‬ولكن من له الصالحية أو الحق بإقصائها وجعل الطرق املعارصة بديلة لها ؟‬ ‫نصوص العصور الوسطى الطبية ‪-‬والتي ميكن ألي شخص متمكن من قراءة اللغة الالتينية أن يفهمها‪ ،‬وليس لدينا أي‬ ‫سبب ليجعلنا نُشكك يف مصداقيتها‪ -‬ت ُخربنا بأن كثريا ً من األمراض‪ ،‬بدئاً من الصداع وإنتها ًء باألورام الرسطانية‪ ،‬كان‬ ‫غضب األرواح الرشيرة مسبباً لها‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬نحن نعلم اليوم أن هنالك مسببات كثرية لهذه األمراض‪ ،‬ونصوص العصور‬ ‫الوسطى تثبت لنا وبوضوح‪ ،‬أن األرواح الرشيرة كانت أحد أهم املسببات آنذاك‪ .‬ولكن مل يعد ذلك املسبب يُذكر يف هذا‬ ‫الوقت بسبب النجاح الباهر الذي حققته عملية “إراقة الدم” يف إزالة ذلك املسبب متاماً من العامل ‪.‬‬ ‫ونفس الحال حصلت حني قُمنا بالقضاء عىل شلل األطفال متاماً عن طريق استخدام فيتامني يس‪ .‬ولدي سؤال لكل من‬ ‫بت فيها بال ُح ّمى بسبب األرواح الرشيرة ؟‬ ‫يعرتض عىل كالمي عن نجاح تلك العالجات ‪ :‬متى كانت أخر مرة أُ ِص َ‬ ‫ولكن هنالك الكثري من األمراض‪ ،‬بحيث أن العلوم الطبية بالطرق املعارصة وحدها ال يمُ كن أن تقيض عىل هذا العدد‬ ‫كله منها‪ .‬ملَ ال نُعطي األطباء والعلامء إذًا مرون ًة الستخدام املزيد من الطرق وإدراج النظريات التي ت ُق ِّدر قيمة املسببات‬ ‫الخارقة للطبيعة ؟ ومن يعلم‪ ..‬رمبا سنقيض عىل العديد من األمراض األخرى‪ ،‬ومن ضمنها األمراض التي ال دخل لألرواح‬ ‫الرشيرة بها ‪ .‬من يدري ‪ ..‬رمبا نستطيع عالج األمراض بواسطة استخدام العمليات البسيطة “كإراقة الدم” أو تعريض‬ ‫املنطقة املصابة للعلق ببساطة‪ ،‬لن نعلم حتى نحاول‪.‬‬ ‫وبينام يؤمن الكثري من األفراد بشفاء األمراض عرب الصلوات واألدعية‪ ،‬ال توجد أية أدلة ميكن التحقق منها لدعم نجاح‬ ‫تلك املامرسة‪ .‬وال أقصد هنا أن العالج باألدعية والصلوات غري ممكن‪ ،‬بالعكس‪ ،‬من املمكن جدا ً أن الصالة تساعد يف‬ ‫شفاء املرىض بالفعل‪ .‬ولكن رمبا تكون الطريقة التي يتم تنفيذ الصلوات بها ليست األمثل‪ ،‬وهذا يُفسرِّ لنا نقص األدلة‬ ‫التي تدعم نجاح تلك املامرسة‪ .‬يف الحقيقة ال نعلم ذلك ألن السياسات العلمية املعارصة وحساسية الديانات ال يسمحان‬ ‫بهذا النوع من الدراسة‪.‬‬ ‫ماذا لو كانت تلك الصلوات تُؤ َّدى لإلله الخطأ أو قد تكون ُمهينة له بطريقة ما ؟ ماذا لو كان وضعنا لرقعة قامش عىل‬ ‫عيننا ولبسنا لقلنسوة قرصان سيجعل الصلوات والدعوات يُستجاب لها من قبل وحش السباغيتي الطائر ؟‬ ‫‪74‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نحو علم خارق جديد‬

‫التاريخ ميلء بأمثلة عن أحداث خارقة للطبيعة‪ ،‬وإن مل نكن أكرث ذكا ًء وعلامً ومجهزين بشكل جيد لفهم األحداث التي‬ ‫ت ُع ُّد غري مفهومة والتي كانت مفهومة قبل خمسمئة عام ‪ ،‬فعلينا عىل األقل قبول التفسريات التي يقدمها هؤالء الذين‬ ‫شهدوها‪.‬‬ ‫لو أخذنا الساحرات كمثال‪ ،‬تواجدن بأعداد كبرية وس َّبنب العديد من املشاكل لدرجة أنه أصبح من الرضوري أن يتم إلقاء‬ ‫القبض عليهن وحرقهن بأعداد فاقت عرشات اآلالف‪ .‬اآلن نحن يف القرن الواحد والعرشين‪ ،‬بعد تلك الحوادث مبئات‬ ‫األعوام ‪ ،‬وهذا زمن كايف لتزايد وتضاعف أعداد الساحرات منذ ذلك الحني‪ ،‬إال أن أعدادهن ال تزال قليلة ومشاكلهن أقل‬ ‫مام كانت عليه خالل نصف األلفية السابقة‪.‬‬ ‫حتى أنني مل يسبق يل أن رأيت ساحرة ‪ ،‬ناهيك عن الشعور برغبة تدفعني لحرق واحدة منهن حتى املوت‪ .‬ميكننا‬ ‫االستنتاج من خالل هذا الواقع ‪ ،‬أن أسالفنا الذين كانوا مسلحني بالعلوم الخارقة للطبيعة و مقتنعني مبنطقيتها استطاعوا‬ ‫اإلحاطة بكل الساحرات يف هذا العامل وتخلصوا من خطرهن متاما ‪.‬‬ ‫هنالك احتامل آخر هو أن الساحرات مختبئات يف مكان ما ويحاولن التخطيط لالنتقام ‪ ،‬وبحرية يُركِّنب مواد مقاومة‬ ‫يوم ما سيظهرن من جديد ويقُمن بإيقاع الجميع يف املشاكل‪ ،‬حينها مالذي‬ ‫لالحرتاق ويضعنها عىل أنفسهن ‪ .‬ويف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اآلالت الحاسب ِة عليهن؟‬ ‫سيفعله العلامء التجريبيون الفطاحل ورياضياتهم الحديثة يف هذا املوقف؟ هل سريمون‬ ‫الساحرات تأكل اآلالت الحاسبة!‬

‫‪75‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫الدين كـ أب سيئ‬

‫إن املجتمع العلمي الحديث سيكون عاج ًزا أمام تهديد الساحرات بتقدميه فقط للحلول والتفسريات "املنطقية والعلمية"‬ ‫لألحداث املرعبة التي ستسلطها الساحرات علينا بقواهن السحرية ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وتقديس طُرقنا التجريبي ِة الجامد ِة وتق ُّد ِمنا التقني وكأننا فخورون بها ومبا استطعنا تحقيقه من‬ ‫غالبـًا ما منيل لنف ِخ‬ ‫خاللها ‪ ،‬ولكن عندما تُظهِر الوقائع وبشكل واضح أن العلوم الخارقة للطبيعة غري التجريبية وغري املادية يمُ كنها أن توفر‬ ‫هذا القدر من النتائج ‪ ،‬من اكتشاف أر ٍ‬ ‫اض جديدة إىل عالج األمراض التي تسببها الشياطني إىل إنهاء خطر الساحرات‬ ‫كليا‪ ،‬علينا حينها أن نعيد التفكري مبقاييسنا والعودة إىل طُرقنا القدمية التي ت ُعطي نتائج حقيقية‪.‬‬ ‫ومن املُفارقات الكُربى أن املُحاججات ضد تضمني األمور الخارقة للطبيعة يف املنهج العلمي املقبول أظهرت أن النظريات‬ ‫الخارقة للطبيعة هي مجال رشعي مستقل وموازي يف الدراسة العلمية‪.‬‬ ‫ال أحد يقول إن العلم الطبيعي التجريبي والعلم الخارق للطبيعة غري التجريبي ال ميكن أن يعيشا جن ًبا إىل جنب‪.‬‬ ‫حقيق ُة بإمكانهام ذلك‪ ،‬ال بل من الواجب أن يتعايشا م ًعا‪ .‬قد يقوم التصميم الذيك بتجنب التفسريات الخارقة للطبيعة‬ ‫يف تفسري الظواهر‪ ،‬ولكن منهج وفكر وحش السباغيتي الطائر املتفوق ميكنه أن يستخدم التفسري الطبيعي والخارق‬ ‫للطبيعة بطريقة متساوية‪.‬‬

‫خارق للطبيعة‬

‫العقيدة الباستفارية‬

‫الباستفارية‬

‫‪76‬‬

‫طبيعي‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫الدين كـ أب سيئ‬

‫خارق للطبيعة‬

‫قام بالرتجمة‬

‫‪Lily Queen‬‬ ‫‪Alnajafi Atheistic‬‬ ‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫التصميم الذيك‬

‫التصميم الذيك‬

‫غباء‬

‫تدقيق لغوي‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫متابعة و إرشاف‬ ‫‪John Silver‬‬

‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪77‬‬


‫عرشة مساويء للتطور‬

‫من موقع ‪ S.Grant‬مرتجم من مقال بقلم‬ ‫‪ListVerse 10 Ways Evolution Made Humans Worse‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫عرشة نقاط تبني مساوئ التطور‬ ‫لو تسن ّـى للمهندسني أن يُص ّمموا الشكل األكرث فعالية للجسم البرشي‪ ،‬لكانت النتيجة تختلف عماّ نحن عليه من‬ ‫الناحية الترشيحية‪ ،‬وذلك ألن التطور مل يصل بنا إىل الشكل املثايل بل تركنا يف تركيبنا الحايل مع خليط من التعديالت‪،‬‬ ‫رغم أن هذه التعديالت قد أوصلتنا إىل قمة السلسلة الغذائية‪ ،‬إال أنها ألقت بثقلها علينا؛ حيثُ تطورتْ لدينا أمراض‬ ‫وآالم تُعترب جديدة بالنسبة إىل رتبة الرئيسيات‪ ،‬كذب من قال أنه خلق اإلنسان يف أحسن تقويم‪ ،‬وكذب من قال أنه‬ ‫خلق اإلنسان عىل صورته !‬ ‫عرشة نقاط تُبينّ كيف َجعلَنا التطور بوضعٍ أسوأ ‪:‬‬

‫‪ -1‬آالم الظهر‪:‬‬

‫يل‪ ،‬مام يضطرنا‬ ‫قسم إىل أ ِمل ظه ٍر ُع ّ‬ ‫لرمبا ال يوج ُد مرض مزعج لدى اإلنسان ب َق ْد ِر أمل الظهر‪ ،‬حيث أنه يُ َّ‬ ‫لوي و أ ِمل ظه ٍر ُسف ّ‬ ‫اختصاصيي العظام كث ًريا‪ .‬فام السبب يف ذلك؟‬ ‫لزيارة عيادات‬ ‫ّ‬ ‫‪78‬‬


‫عرشة مساويء للتطور‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫هل أتت مشاكل عمودنا الفقري من قضاء الوقت الكثري ونحن نحني رؤوسنا أمام شاش ِة الحاسوب‪ ،‬ومن كوننا نحمل‬ ‫األثقال باالعتام ِد عىل ظُهورنا بدلاً من سيقاننا؟‬ ‫يف حني ت ُعترب هذه األشياء سب ًبا ملشاكل الظهر الكثرية‪ ،‬لكن العلامء يقولون بأن السبب الحقيقي هو تصميم العمود‬ ‫الفقري نفسه ‪.‬كام هو حال القرود الحديثة‪ ،‬كان َسلفنا يمَ يش عىل أربع ِة قوائم‪ ،‬وكان عموده الفقري أصغر وأكرث استدار ًة‬ ‫وتحدبًا فلم يتطلّب الكثري من الجهد؛ حيث أن امليش عىل اليدين والرجلني كان ميتص القوة وبالتايل يوزّع الضغط‬ ‫بشكلٍ أفضل عىل العمود الفقري‪ ،‬لكن حني بدأ‬ ‫أسالفنا بامليش (قبل أربع ماليني سنة) صار العمود‬ ‫الفقري أكرث طولاً وعىل شكل حرف (‪ )S‬ليتمكن من‬ ‫موازنة منطقة الصدر عىل الورك واألقدام ‪.‬‬ ‫إن امتالك عمود فقري منحنٍ يؤدي إىل تركّز اإلجهاد‬ ‫عىل بعض النقاط من العمود الفقري دون أخرى‪،‬‬ ‫مام يُسبب بعض األمراض املعروفة‪ ،‬مثل انزالق‬ ‫وآالم أسفلِ الظهر‪ ،‬وتح ّدب الظهر وغريها‪.‬‬ ‫الفقرات‪ِ ،‬‬ ‫كذلك‪ ،‬فإن طريقة مشينا املعتادة (خطوة لألمام‬ ‫مع تحريك اليد املعاكسة للقدم املتحركة إىل االمام)‬ ‫تتسبب بحركة ملتوية من شأنها أن تُؤذي الفقرات‬ ‫أي من الثدييات الرئيسية (عدا سلف‬ ‫‪.‬كام ال يوجد ّ‬ ‫اإلنسان املبارش) يعاين من مثل هذه املشكلة ‪.‬‬

‫السمنة‪:‬‬ ‫‪ُّ -2‬‬

‫من الواضح أ ّن تط ّور الجسم البرشي يخذلنا حاليًا‪ ،‬ألنه مل يصل بعد إىل التكيّف مع منط حياتنا الحايل الذي يُعد أقل‬ ‫األسايس الصيد وجمع الطعام؛ فأسالفنا السابقني مل يكونوا يعرفون أين ومتى‬ ‫اليومي‬ ‫نشاطًا‪ ،‬وال يتضمن يف نشاطه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سيأكلون وجبتهم التالية‪ ،‬لذا ط ّور الجسم طريقة لتخزين الطاقة (عىل شكل دهون)‪ ،‬لكن أجسادنا تك ّيـفت بشكلٍ‬ ‫أيضا‬ ‫كبريٍ مع منط التخزين هذا‪ ،‬بحيث أصبح من الصعب ج ًدا التخلص ِم ْن هذه الدهون بسهولة‪ ،‬وكذلك من الصعب ً‬ ‫مطاعم للوجبات الرسيعة يف كل زاوية‪ ،‬مام يجعل‬ ‫وخصوصا مع وجود‬ ‫رشيق وممشوق ملدة طويلة‬ ‫االحتفاظ‬ ‫بجسم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫من أي ٍ‬ ‫وقت وقتًا ُمناسبًا لتناول وجبة طعام‪ ،‬وهو ما يؤدي بالتايل إىل تك ّدس الدهون‪ ،‬وهو ما ال يعود إال بالرضر عىل‬ ‫السمنة ومرض السكري من الدرجة الثانية ‪.‬‬ ‫أجسامنا مام يُسبب إنتشار ُّ‬ ‫‪79‬‬


‫عرشة مساويء للتطور‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫مع أننا نستطيع تجنب هذه العواقب إذا مارسنا التامرين الرياضية أكرث وأكلنا بشكلٍ صحي‪ ،‬فإنه إذا أفرطنا يف‬ ‫أي‬ ‫األكل وزاد وزننا‪ ،‬فسيتغري منط العيش‪ ،‬وهو ما لن يجعلنا رشيقني أو ممشوقي البُنية‪ .‬وفقا لألبحاث‪ ،‬إذا خرسنا ّ‬ ‫وزن‪ ،‬فسيبدأ الجسم بإطالق خليط من الهرمونات تلقائ ًيا‪ ،‬ومن ضمنها هرمون الغريلني ‪ Ghrelin‬والذي يُس ّمى‬ ‫أيضا بهرمون الجوع‪ ،‬وهو ما يُغيرّ خط سري عمليات األيض‬ ‫ً‬ ‫بنهم أكرث ‪.‬‬ ‫(الهدم و البناء) لدينا ويدفعنا اىل األكل ٍ‬ ‫أيضا‬ ‫بعد خسارتنا للوزن‪ ،‬سيبدأ الجزء العاطفي من الدماغ ً‬ ‫باالستجابة أكرث للطعام‪ ،‬يف حني سيكون الجزء املقاوم لهذه‬ ‫التوجيهات أقل نشاطًا‪ ،‬وعليه فسوف ندخل بحالة شرَ ْه‬ ‫و نهم ولن نسمع الصوت الذي بداخلنا‪ ،‬والذي يأمرنا‬ ‫بالتوقف عن حشو أفواهنا هكذا‪.،‬لكن إذا كانت إرادتنا‬ ‫قوية لدرجة بدأنا بخسارة الوزن فعليًّا‪ ،‬فسيستمر الجسم بهجومه ملقاومة (التض ّور بالجوع) وسيدفعنا إىل أقىص حد‬ ‫ممكن ملحاولة كسب ذلك الوزن مجد ًدا‪ ،‬وسيستمر هذا األمر لعدة سنوات وقد ميتد ملدى الحياة ‪.‬‬ ‫نعرف‪ ،‬بالطبع‪ ،‬أنه من املمكن خسارة الوزن وعدم معاودة اكتسابه مجد ًدا‪ .‬فبعض الناس قد حققوا هذا األمر ُمسبقًا‪،‬‬ ‫لكن العلامء يقولون بأن هؤالء الناس هم مجرد شذوذ عن القاعدة‪ ،‬وللبقاء عىل نهجهم هذا فعليهم القيام بحساب‬ ‫السعرات الحرارية‪ ،‬وقياس مداها يف األطعمة‪ ،‬والتمرين لعدة ساعات يوميًا و ُمراقبة أوزانهم عىل امليزان دو ًما‪ ،‬دون أن‬ ‫ننىس بأن هؤالء سيحرقون سعرات أقل أثناء قيامهم بنفس األنشطة التي يقوم بها غريهم ممن مل يفقد وزنه الزائد عادة‪،‬‬ ‫مام يعني أنه عىل البدناء السابقني أن يتم ّرنوا مرتني أكرث من نظرائهم الطبيعني ليك يبقوا ممشوقي ال ُبنية‪ ،‬ولألسف‪،‬‬ ‫فإن ُمعظمنا ليس لديه القدرة عىل خوض معارك االنتفاخ بشكلٍ غري محدد بهذا النحو ‪.‬‬

‫‪ -3‬القلق‪:‬‬

‫إ ّن البقاء عىل أُهبة االستعداد دامئًا (للك ِّر والف ِّر) كان ناف ًعا حني ك ّنا نعيش يف الطبيعة ونحاول التفوق بالع ْد ِو عىل‬ ‫ٍ‬ ‫مخصص للسباقات‪ ،‬وعضالت نشيطة دامئا‪ ،‬و هرمونات‬ ‫قلب‬ ‫الحيوانات التي كانت تحاول أكلنا ‪.‬لذلك‪ ،‬فإن امتالك ٍ‬ ‫منشّ طة تجري يف أجسادنا ليس ناف ًعا أثناء العمل املكتبي‪ .‬فحني يحاول بعضنا قمع هذه االستجابات غري الرضورية‬ ‫ستتس ّبب باالضطرابات والقلق بدلاً من اختفائها‪ ،‬و هذا ما يقوله بعض العلامء عىل األقل ‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫عرشة مساويء للتطور‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫وفقًا لعامل تطوراألحياء الدكتور ستيفن سترينز ‪ Stephen Stearns‬فإن هذه الترصفات تنتج من بقايا العرص البليستوسيني‬ ‫(‪ 10,000 - 2,000,000‬ق‪.‬م) حيث أن األحالم املتعلقة بالخطر والقلق مثل الذهاب لعملك عاريًا أو سقوطك من مكانٍ‬ ‫عا ٍل هو ِمن بقايا عقلنا البليستوسيني‪ ،‬وذلك لتن ّبهنا بأن الليل ليس آمنا ‪.‬‬ ‫أي وضع موجود (سوا ًء أكان‬ ‫بالنسبة للبعض منا‪ ،‬فإ ّن موضوع (الك ِّر والف ِّر) ليس هو ما يؤدي إىل القلق لكن تطبيقه يف ّ‬ ‫وض ًعا خط ًرا أم ال) إىل الحد الذي يؤدي إىل مرضنا هو‬ ‫ما يُس ّبب املشكلة ‪ .‬يقول االختصايص النفيس راندولف‬ ‫تحسسنا للخطر يف‬ ‫نييس ‪ Randolph Nesse‬بأن ُّ‬ ‫األوضاع العادية هو بسبب أن استجابة (الحرب أو‬ ‫الهرب) مل تتطور بعد بالتوازي مع تطور أجسادنا أو‬ ‫مع العامل الحايل الذي بنيناه‪ ،‬فمثلاً ‪ ،‬إن الطريان فوق‬ ‫السحاب بطائرة أو امليش بغرفة مليئة بالغرباء هي أشياء‬ ‫ال يستطيع دماغنا القديم أن يقوم بها فهناك الكثري من‬ ‫املجازفة بذلك بالنسبة له‪ ،‬إال أنها أشياء من الشائع‬ ‫القيام بها حاليًا‪ .‬إ ّن االستمرار مبحاولة موازنة ضغوطنا‬ ‫االجتامعية مع غرائزنا الطبيعية لهو أمر غري سهل بتات ًا و قد يؤدي إىل اإلحباط ‪.‬‬

‫‪ -4‬إجهاد الركبة‪:‬‬

‫تعرضا لإلصابة‪ ،‬و هناك ما‬ ‫عىل الرغم من أن الركبة ف ّعالة وممتازة للتنقل وحمل األثقال‪ ،‬إال أنها ِمن أكرث أجزاء الجسم ً‬ ‫يُقارب املليون عملية جراحية ت ُجرى للركبة سنويًا يف الواليات املتحدة فقط !‬ ‫فعىل ما يبدو إن تطورنا للميش عىل طرفني يؤدي إىل تسليط‬ ‫الكثري من الجهد عىل أطرافنا السفلية‪ ،‬كام تحصل الركبة عىل‬ ‫نصيب األسد من هذا الجهد‪ .‬فحني نركض مثلاً فإن الركبة متتص‬ ‫ِحملاً يفوق وزننا بعدة أضعاف‪ ،‬وبسبب هيكل الحوض العريض‪،‬‬ ‫فإن عظام الفخذ املقوسة تك ّون زاوية مع الركبة‪ ،‬وهذا جيد‬ ‫للموازنة الكلية ألنها ستجعل أقدامنا تحت مركز موازنة جاذبية‬ ‫تعرضا‬ ‫الجسم‪ ،‬لكن هذا يُضعف مفصل الركبة و يجعلها أكرث ً‬ ‫لإلصابة ‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫عرشة مساويء للتطور‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫فعند النساء‪ ،‬واللوايت يتميّزن عن الرجال بكون أواركهن أعرض‪ ،‬تكون الزاوية بني ركبهن و أفخاذهن أكرب‪ ،‬لذلك ال‬ ‫يستطعن الجري برسعة مثل الرجال يف العادة‪ ،‬ويتعرضن لإلصابة بالركبة بشكل أكرب‪.‬‬

‫‪ -5‬مشاكل القدم‪:‬‬

‫من املؤكد أن أطباء األطفال سعداء بأننا منيش عىل اثنتني‪ ،‬وإال ألصبحوا عاطلني عن العمل‪ ،‬فعىل ما يبدو أن قابليتنا‬ ‫للوقوف ورؤية األشياء البعيدة أو الوصول إىل الفاكهة يف األشجار العالية تصيبنا بالتهابات أخمص القدم وبعض األورام‬ ‫األخرى‪ .‬مشاكل القدم هذه ليست وليدة منط حياتنا الحايل و مل تأتِنا بسبب استخدامنا لألحذية؛ حيث أن بعض‬ ‫الحفريات قد دلت عىل وجود مشاكل القدم هذه مع بعض أسالفنا السابقني الذين كانوا ميشون عىل اثنتني ‪.‬‬

‫الستيعاب القدرة عىل امليش املستقيم‪ ،‬قللت أقدامنا‬ ‫تقوسا مسان ًدا لها‪ ،‬ومع‬ ‫من بعض فاعل ّيتها وطورت ً‬ ‫ذلك فال زالت كواحلنا وأقدامنا تفتقر للقوة الكافية‬ ‫ملُساندة الضغط املُسلّط عليها‪ .‬إذ تحتوي أقدامنا‬ ‫عىل ستة وعرشين عظمة كانت نافعة أيام تسلقنا‬ ‫لألشجار‪ ،‬لكن كل ما تفعله هذه العظام هو التسبب‬ ‫باملتاعب واالآلم ‪.‬‬ ‫يقول عامل الحفريات ويل هاركورت سميث ‪Will‬‬ ‫‪ :Harcourt Smith‬مبا أن القدم ُمص َّممة بشكل متخصص‪ ،‬فلديها إمكانية صغرية عىل العمل بشكل صحيح؛ فكونها‬ ‫ُمسطَّحة أو مقوسة أكرث أو أقل مام يجب سيتسبب بالكثري من التعقيدات‪.‬‬ ‫كام يصف الدكتور جريميي دا سيلفا ‪ Jeremy DeSilva‬التطور املزيف ألقدامنا بأنه املُكافئ الحيوي ملشبك الورق أو‬ ‫وسلفه كانا ميشيان عىل األرض ُمنذ‬ ‫الرشيط الالصق‪ ،‬إن أقدام النعامة ُمع ّدة بشكل أفضل للميش عىل اثنتني‪ ،‬لك َّن النعام َ‬ ‫‪ 230‬مليون سنة بينام بدأنا نحن بامليش منذ خمسة ماليني سنة‪ ،‬لذلك سنحتاج إىل ‪ 100‬مليون سنة عىل األقل لنحصل‬ ‫عىل كاحل منفصم واصبعني لكل قدم ‪.‬‬

‫‪82‬‬


‫عرشة مساويء للتطور‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫‪ -6‬اصبع القدم الكبري الكامل التحكم ‪:‬‬

‫إ ّن تطورنا إىل كائنات متيش عىل اثنتني مل يرتكنا مع الكثري من مشاكل القدم فحسب‪ ،‬بل تسبب بفقداننا لوظيفة اصبع‬ ‫القدم الكبري الكامل التحكم‪ ،‬و لطاملا أعطانا إبهامنا تفوقًا عىل باقي الحيوانات من ناحية اليدين‪ .‬تخيل لو كان هناك‬ ‫اصبعا آخ ًرا‪ ،‬بنفس مزايا اإلبهام‪ ،‬موجو ًدا يف رجلك‪ .‬لو بقيت أقدامنا عىل حالها الذي كانت عليه يف عهد األرديبيثيكوس‬ ‫راميدوس ‪ ، Ardipithecus Ramidus‬وهو سلف برشي من ‪ 4.4‬ماليني سنة‪ ،‬لكان ما زال لدينا ذلك االصبع وألصبح‬ ‫بإمكاننا امليش وتسلق األشجار بنفس السهولة‪ .‬رغم أن هذا سيبدو ُجنونًا مبقاييس اليوم‪ ،‬إال أن الجانب الجيد فيه هو‬ ‫أننا لن نضطر لالنحناء وحمل األشياء‪ ،‬مام سيالئم منط حياتنا الكسول ‪.‬‬ ‫مع ذلك فام زال بإمكان الجسم البرشي التكيف‪.‬‬ ‫فبالنسبة لبعض الناس ومنهم القزم األفريقي ‪African‬‬ ‫‪ Pygmy‬ال زال بإمكانه تسلق األشجار كالشمبانزي‪،‬‬ ‫كام ميكنه تسلق األشجار الرفيعة‪ .‬إن شيئًا كهذا يتطلّب‬ ‫الكثري من التمرين من سن مبكرة‪ ،‬وعضالت قوية ج ًدا‪،‬‬ ‫وتدريبًا للقدم والكاحل ليكون مالمئًا أكرث لهذا الغرض‪.‬‬ ‫فلو تق ّدم شخص عادي لتسلق نفس الشجرة‪ ،‬فسيقوم‬ ‫فقط بكرس كاحله حني يحاول ثني ُه بنفس الزاوية التي‬ ‫يَثني بها القزم االفريقي قدمه حني يتسلق الشجرة‪.‬‬

‫‪ -7‬مشاكل الوالدة ‪:‬‬

‫مشكلة الوالدة هي مشكلة أخرى ظهرت بسبب تحولنا‬ ‫من كائنات بشكل أفقي إىل كائنات منتصبة‪ .‬فبالنسبة‬ ‫إىل رتبة الرئيسيات األخرى‪ ،‬مثل إناث القرود‪ ،‬يكون‬ ‫ويخرج الجنني بكل سهولة‪،‬‬ ‫اتجاه قناة الوالدة واح ًدا‬ ‫ُ‬ ‫لكن بالنسبة إلناث البرش‪ ،‬فقناة الوالدة تنعطف ‪90‬‬ ‫درجة بإحدى مراحل الوالدة‪ ،‬مام يتطلب شخص آخر‬ ‫للتحكم باتجاه الوليد خالل نتوءات الحوض‪ .‬و إذا ما‬ ‫علمنا أنه من املمكن أن يعلق الطفل بسبب الدوران‬ ‫‪83‬‬


‫عرشة مساويء للتطور‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫والتحكم مبسار خروجه‪ ،‬ف ُيمكننا فهم ملاذا كانت تُعد الوالدة من أهم أسباب موت النساء ‪.‬‬ ‫طب ًعا‪ ،‬لو بقينا منيش عىل أربعة ملا كان املوضوع بهذا التعقيد‪ ،‬ألن امليش عىل اثنتني هو ما سبب هذا الضيق والنتوءات‬ ‫داخل الحوض ‪.‬‬ ‫‪ -8‬األدمغة املتقلصة ‪:‬‬ ‫عىل عكس االعتقاد السائد‪ .‬فإن دماغ البرش يتقلص بالحجم منذ ‪ 20,000‬سنة‪ .‬عىل الرغم من أنه كرب بشكل كبري خالل‬ ‫تطورنا يف أول مليوين سنة‪ ،‬إال أنه قد فقد ما مقدارة كرة تنس من كتلته الحالية‪.‬‬ ‫علينا االعرتاف أننا مل نصل حتى اآلن بنتيجة عن كون تقلص الدماغ هو يشء جيد أو يسء‪ .‬فهناك بعض العلامء الذين‬ ‫يعتقدون أننا نزداد غبا ًء ‪ ،‬يُسمي العامل دايفد غريري ‪ David Greary‬هذه الظاهرة بنظرية العته ‪Idiocracy‬‬

‫‪ Theory‬و يفرتض بها أن مجتمعنا الحديث يجعل الوضع أسهل عىل األغبياء ليك يعيشوا ويتكاثروا‪ ،‬بينام مل يكن يف‬ ‫العصور القدمية‪ ،‬حني كان عىل الناس أن يستعملوا الدهاء ليبقوا عىل قيد الحياة‪ ،‬لدى هؤالء األغبياء أمل بالنجاة‪ .‬و مع‬ ‫بقاء جينات هؤالء يف الحوض الجيني‪ ،‬بدأت عقولنا بالتقلص‪ .‬حتى مع التكنولوجيا املتقدمة‪ ،‬يعتقد غريري أن سبب‬ ‫هذا األمر هو املساندة االجتامعية و أن الكروماغنوس ‪ Cro-Magnus‬الكبري العقل قد تجاوزنا ‪.‬‬ ‫و ليك نكون عادلني‪ ،‬يعتقد البعض أن تقلص حجم الدماغ يُعزى لكونه صار يعمل بشكل أفضل‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬ليك‬ ‫نتمكن من حفظ السعرات والطاقة‪ .‬حيث أن عقولنا قد تقلصت مع احتفاظها مبيزاتها األساسية (للحصول عىل أكرث ما‬ ‫ميكن من الذكاء باستهالك مقدار قليل من الطاقة)‪ .‬يف حني يعتقد البعض اآلخر أن السبب هو قلة عدوانيتنا و تحولنا إىل‬ ‫كائنات أليفة‪ ،‬كام يتخد مؤيدوا هذه النظرية قرود البابون و الكالب كدليل عىل كالمهم؛ حيث أن عقول هذه الحيوانات‬ ‫املساملة صغرية إذا ما قورنت بأقربائهم املتوحشني من الذئاب والشمبانزي ‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫عرشة مساويء للتطور‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫‪ -9‬العظام اللينة ‪:‬‬

‫تخربنا الجينات أن عظامنا ليست مختلفة كث ًريا عن عظام الهومو اريكتوس‪ .‬لكن لسوء الحظ‪ ،‬فإن عظامنا فقدت‬ ‫حوايل ‪ %40‬من كتلتها مام يجعلها أكرث طواعية للكرس والهشاشة ‪.‬فلامذا تتناقص كثافة عظامنا؟ عىل ما يبدو أنه ما زال‬ ‫عظام أقوى وأكرث سامكة‪ .‬إال أ ّن قلة حركتنا التي بدأت بعصور مبكرة قد ح ّولتنا إىل مجموعة‬ ‫باستطاعة أجسامنا تطوير ٍ‬ ‫من النواعم !‬

‫لذلك‪ ،‬ينصح األطباء بأداء التامرين التي تزيد من مقاومة العظام‪ .‬فعىل سبيل املثال‪،‬يجب عىل العب التنس املحرتف أن‬ ‫يُبقي ذراعه بحالة مترين مستمر‪ ،‬مام يجعل عظامها بسامكة عظام الهومو اريكتوس‪.‬‬ ‫النساء تحدي ًدا معرضات بشكل أكرب إىل خسارة كثافة العظام‪ .‬قد يظن البعض أن السبب هو الحميات الغذائية‬ ‫ ‬ ‫التي تتبعها معظم النساء حال ًيا‪ .‬إال أن األبحاث أثبتت أن ذلك قد حدث قبل الثورة الزراعية‪ ،‬لذلك‪ ،‬قد يكون السبب‬ ‫هو قلة الحركة بني النساء حينها ‪.‬‬

‫‪ -10‬تحولنا إىل كائنات أبطأ‪:‬‬

‫نظ ًرا لكوننا أغبى‪ ،‬وأضعف‪ ،‬وأسمن ومعرضني لإلصابة أكرث‪ ،‬فقد ال يبدو مفاجئًا بأننا أبطأ من أسالفنا‪ .‬وفقًا للبحث‬ ‫الذي قام به عامل اإلنرثوبولوجيا بيرت مكاليسرت ‪ Peter McAllister‬فقد ثبت أن إنسانًا عاديًا من سكان أسرتاليا‬ ‫القدماء (األصليني) كان بإمكانه العدو أرسع من ع ّداء أوليمبي حال ًيا؛ فباالعتامد عىل آثار أقدام متحجرة محفوظة يف‬ ‫بحرية طينية‪ ،‬استنتج مكاليسرت بأن الشخص الذي صنع هذه اآلثار كان يجري حايف القدمني يف الطني برسعة ‪ 37‬كيلوم ًرتا‪.‬‬ ‫باملقارنة مع أرسع رجل بالعامل‪ ،‬الع ّداء الجاماييك أوسني بولت ‪ Usain Bolt‬الذي وصل إىل رسعة ‪ 41,8‬كيلوم ًرتا بعد‬ ‫مترين طويل وأحذية مخصصة وعىل طريق مخصص‪ ،‬ولو كان لذلك اإلنسان القديم هذه املعدات‪ ،‬و تسابق مع بولت‪،‬‬ ‫لرتك األخري يتنشق غباره !‬ ‫‪85‬‬


‫عرشة مساويء للتطور‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫عىل الرغم من كوننا قد تطورنا إىل أبطأ‪ ،‬وأضعف‪ ،‬وأغبى‪ ...‬إلخ‪ ،‬فإن التطور ال يضمن التقدم دامئًا؛ فاملوضوع يعتمد‬ ‫عىل البيئة‪ .‬إذ قد نتطور بشكل إيجايب أو بشكل سلبي‪ ،‬وما ينفعنا يف مكان و زمان ما‪ ،‬قد ال ينفعنا يف ظروف مختلفة‪.‬‬ ‫لكن إذا ما رضبنا اليوم نيزك ما‪ ،‬حيث أن القدرات الرياضية و مهارات البقاء قد ال تكون ذات قيمة يف منط حياتنا الحايل‪،‬‬ ‫وأعاد األرض اىل العرص الحجري فمهارتنا يف الجلوس أمام الحاسوب لثامن ساعات يوميًا لن تكون ذات فائدة حينها‪.‬‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪86‬‬


‫أوهام حصانة النظرية‬ ‫و فشل الواقع‬

‫‪Nesat Fz‬‬ ‫كث ٌري من املؤمنيني يف محرض الدفاع عن إميانهم‬ ‫وأصولهم الفكرية ومرجعياتهم املعرفية‪ ،‬يزعمون‬ ‫أ ّن امللحدين نظروا إىل التطبيق وأغفلوا جوهر الدين الذي‬ ‫ل ّوثته التجارب التي خيضت باسمه‪ ،‬ومن ث ّم بنوا ـأي امللحدين ـ‬ ‫عىل تلك التجارب فهمهم للدين فرفضوه‪ .‬باختصار هي ذات املقولة التي‬ ‫الكها وعجنها جميع أصحاب التجارب اإلنسانية الفاشلة التي أمثرت عن استبدا ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫وانتهاك للشعارات التي رفعها أصحاب تلك الشعارات بأنفسهم‪ ،‬وأعني مقولة‬ ‫ومجازر‬ ‫(الخطأ يف التطبيق ال يف النظرية)‪ ،‬وسوا ٌء يف االتحاد السوفيتي أو عراق البعث أو يف روما‬ ‫الكاثوليكية بالقرون املظلمة ستجد ذات ال ُح ّجة‪ ،‬حيث يعزوا سدنة تلك املشاريع الفاشلة الفشل الذي حاق مبشاريعهم‬ ‫عىل مصاف التجربة إىل التطبيق وهوى وأهواء (بعض) سدنة التجربة‪ ،‬منوذجاً‪ :‬املرشوع الفكري للدكتور الرتايب الذي نال‬ ‫ميسها التطبيق التاريخي‬ ‫حظه من التطبيق ( املرشوع الحضاري)‪ .‬فاإلسالم من وجهة نظر هؤالء‪ ،‬تجرب ٌة روحي ٌة كربى ال ّ‬ ‫ألنّها متعالي ٌة عليه‪ .‬هكذا يغرق املؤمن يف الفكر الالتاريخي‪ ،‬يف أوهام صفاء الفكرة وعصمتها وتعاليها وسحرها‪ ،‬إنّه من ٌط‬ ‫من التفكري السلفي تبدو السلفية الوهابية أكرث عقالني ًة وواقعي ًة معه كام س ُنبينِّ الحقاً‪ ،‬هكذا يُقام الفصل بني الوحي‬ ‫‪87‬‬


‫أوهام حصانة النظرية‬ ‫وفشل الواقع‬

‫‪Nesat Fz‬‬

‫والتاريخ‪ ،‬وبني املثال والتطبيق‪ ،‬رغم أ ّن الوحي يتحدث بلسانٍ‬ ‫برشي تاريخي‪ ،‬يأخذ من اللغة نسبيتها وعيوبها كام‬ ‫ٍّ‬ ‫يأخذ منها بديعها ومحسناتها وبالغتها وطاقاتها التعبريية‪ .‬إ ّن الزعم بتجاوز الوحي للتاريخ وتربئته من مناذجه التطبيقية‬ ‫هو كام قلنا محض حيل ٍة أدمن أدعياء املشاريع األيدولوجية الدوغامئيني عىل توظيفها للتهرب من مستحقات فشل‬ ‫مناذجهم التطبيقية باسم أيدولوجياتهم‪ ،‬وأعني الحيلة القامئة عىل الفصل بني األفكار ومجاالت تطبيقها‪ ،‬فالكل يعملون‬ ‫عىل تنزيه أصولهم ونظرياتهم عن الخطأ والقصور‪ ،‬أو عن النقصان واالستحالة‪ .‬يُر ّد ذلك كلّه إىل سوء الفهم والرشح أو‬ ‫أسايس‬ ‫إىل سوء الرتجمة والتطبيق‪ .‬عموماً ال وجود لنظري ٍة أو مرشو ٍع متعا ٍل أو ما ورا ٍّيئ أو مج ّرد‪ ،‬وإنمّ ا النظرية يف جز ٍء‬ ‫ٍّ‬ ‫منها هي فهمي وفهمك وفهم اآلخرين لها‪ ،‬هي تجليّاتها العملية والتطبيقية‪ ،‬هي تلك التجارب التي خيضت باسمها‪.‬‬ ‫من املستحيل أن نزعم اليوم أ ّن نظري ًة ما أو مرشو ًعا إنسان ًيا ما ظل يُج ّرب عىل مدى مئات القرون ُمف ّرخاً نتائج كارثية‬ ‫ومؤسس ٍة وسياقٍ‬ ‫واجتامعي ُمغاي ٍر أرشف عىل هذا التطبيق‪ .‬أقول من املستحيل الزعم‬ ‫حضاري‬ ‫ٍّ‬ ‫وبشعة وعرب أكرث من فر ٍد ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫كل املشاريع اإلنسانية التي‬ ‫بأنّه مرشو ٌع ال يتحمل ولو (جزئ ًيا) تبِعات ذلك التطبيق الكاريث‪ .‬ينسحب هذا الكالم عىل ِّ‬ ‫صاحبها الفشل جزئ ًيا أو كل ًيا‪ ،‬يف االتحاد السوفيتي أو رأساملية القرن التاسع عرش املتوحشة‪ ،‬أو التجارب الثيوقراطية‬ ‫إسالم ـأو‬ ‫رضب من الطوباوية كام يتحدث املفكر عيل حرب‪( :‬االعتقاد بوجود ٍ‬ ‫باإلسالم أو املسيحية ‪ ...‬إلخ‪ .‬إذا ً هو ٌ‬ ‫قائم يف ذاته برصف النظر عن أمناط تح ّق ِقه يف ال ُهنا واآلن (أي املكان والزمان)‪ ،‬أي برصف النظر عن‬ ‫فكرٍـ مثا ٍّيل‬ ‫ماهوي ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫البرش الذين أسهموا تاريخ ًيا يف صنعه وتشكيله بإبداعاتهم وإنجازاتهم‪ ،‬بأخطائهم وكوارثهم‪ ،‬باصطفائهم وعنرصيتهم‪،‬‬ ‫أو بانفتاحهم وتسامحهم)‪)1(.‬‬ ‫هذه هي فعالً املُسلّمة الضمنية التي يسكت عنها الزاعمون بوجود نظري ٍة متجاوز ٍة لتطبيقاتها باستمرار ويتأسس عليها‬ ‫جسدوه بخطاباتهم‬ ‫خطابهم‪ ،‬أعني االعتقاد بوجود ٍ‬ ‫إسالم متعا ٍل عىل تاريخه‪ ،‬مفصو ٍل عن املسلمني الذين مارسوه أو ّ‬ ‫ومؤسساتهم‪ ،‬بأهوائهم وعصبياتهم‪ ،‬برهاناتهم ورصاعاتهم‪ ،‬باختالفهم وانقسامهم)‪ .‬فجميع تلك التجارب األيدولوجية‬ ‫ٍ‬ ‫فجوات أو قصو ٍر ما بالنظرية سواء أكانت ماركسية أو ليربالية أو إسالمية أومسيحية‪ .‬ومل تأيت فقط‬ ‫أتت نتيج ًة ألخطا ٍء أو‬ ‫أل ّن البرش قد أخطأوا عندما ط ّبقوها‪ .‬وحتى لو كانت النظرية (متعالي ًة ومتكامل ًة ومعصوم ًة ومثالي ًة كام تطرح عاد ًة‬ ‫النظريات أو املشاريع الدينية نفسها) فإ ّن مجرد فشل البرش (الفاعلني االجتامعيني) يف تنزيلها واق ًعا معاشً ا عىل أرض‬ ‫مبعنى آخر كيف تكون املسيحية‬ ‫الواقع يُبنى عليه ضمنياً فشل هذه النظريات‪ ،‬أو عىل األقل عدم مالمئتها لنا كبرش‪،‬‬ ‫ً‬ ‫دعو ًة للمحبة ويعجز املسيحيون عن الحب‪ ،‬ويُبدعوا يف العنف والكراهية‪ ،‬ويبتكروا ويط ِّوروا فيهام؟ ما الجدوى منها‬ ‫يقيني وعجزوا عن‬ ‫إذا ً؟ أال يعني هذا أ ّن هذه الدعوة دعو ٌة فاشل ٌة ألنّها عجزت عن إقناع حتى املؤمنيني بها عىل نح ٍو‬ ‫ٍّ‬ ‫أن يفهموها ملا يُقارب األلفي عام؟‬ ‫(‪( )1‬نقد النص صفحة ‪-)153‬عيل حرب‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫أوهام حصانة النظرية‬ ‫وفشل الواقع‬

‫‪Nesat Fz‬‬

‫يف املسلسل الساخر (سيمبسون) أراد الكهنة حرق ساحر ٍة ما‪ ،‬فقال أحد الحضور قوالً للمسيح ينهى فيه عن القتل‪،‬‬ ‫ألي ٍ‬ ‫سلوك ستجد‬ ‫فقال له أحد الحضور املتشوقني لحرق تلك (الساحرة)‪( :‬لقد قال املسيح أشياء كثرية)‪ ،‬مبعنى أن امل ِّربر ِّ‬ ‫نصا من متون النصوص‪ ،‬وهذا بدوره يجعل من الزعم بأ ّن النظرية معصوم ٌة مطلقة الرباءة والتطبيق‬ ‫له بنح ٍو أو بآخر ً‬ ‫هو الخاطئ‪ٌ ،‬‬ ‫قول ال يثبت عند إجراء أيّة محاكم ٍة موضوعي ٍة أو واقعي ٍة له‪ ،‬وال س ّيام بالنسبة للتجارب الدينية التي تستند‬ ‫وعظي وليست‬ ‫نصوص ذات طابعٍ أد ٍّيب أو‬ ‫إىل عد ٍد مهو ٍل من النصوص التي لها أكرث من إمكاني ٍة للقراءة والتأويل ألنّها‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫ذات طبيع ٍة علمي ٍة ال تقبل التأويل والقراءة املغايرة بل واملتناقضة‪ .‬وحتى هذا التطبيق الفاشل للدين سنجد أ ّن من‬ ‫وث ّقوا النصوص وجمعوها ونسبوها للنبي هم أنفسهم من كان لهم القدح املُعىل من خطيئة التطبيق (الخاطئ) للدين‪،‬‬ ‫سوا ٌء باملسيحية أو باإلسالم‪ ،‬فالقساوسة أو الرهبان الذين ارتبط اسمهم بأسوأ الحقب التاريخية للمسيحية هم أنفسهم‬ ‫من كتبوا أناجيلها املُق ّدسة أو بصيغ ٍة أخرى هم من وضعوا سرية املسيح ووث ّقوا أقواله ومقوالته‪ ،‬بل ِ‬ ‫وصيغت عىل‬ ‫أيديهم املسيحية عىل النحو الذي انترشت به يف العامل وعاىن معها عرشات الشعوب‪ ،‬ونفس املسألة تنطبق عىل اإلسالم‪،‬‬ ‫فجيل الصحابة هو الذي د ّون أو جمع القرآن والحديث‪ ،‬وهم من بادروا بنرش اإلسالم مسلّحني مبا د ّونوه وجمعوه من‬ ‫كل هذا أالّ صلة بني النظرية وبني تطبيقاتها؟‬ ‫آثار النبي‪ ،‬فكيف ن ّدعي بعد ِّ‬

‫ليزا ‪ :‬توقفوا ! ‪ ..‬أال يقول األنجيل "ال ت َ ْح ُك ْم مبا ال‬ ‫تريد ان يُ ْح َك ْم عليك به" ؟‬ ‫الرشطي ويغام ‪ :‬األنجيل يقول الكثري من األشياء‬

‫‪89‬‬


‫أوهام حصانة النظرية‬ ‫وفشل الواقع‬

‫‪Nesat Fz‬‬

‫خالصة القول أ ّن األمر مرهو ٌن يف آخر املطاف بقراءة الفاعلني االجتامعيني ومامرساتهم بال ّنص أو باسمه‪ ،‬وجوهر ال ّنص‬ ‫برشي محض‪ ،‬وأيّة قراء ٍة أو تأويلٍ أو‬ ‫وأسلوب‬ ‫هو قراءة اآلخرين له‪ ،‬فهو غري متعا ٍل أو مطلق‪ ،‬بدليل كتابته بلغ ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫تطبيق استند إىل منت ال ّنص هو قراء ٌة تعكس جوهرا ً وبعدا ً من أبعاده‪ ،‬وال يحق ٍ‬ ‫ألحد أن يُخرج فريقًا ـمن القارئني‬ ‫ٍ‬ ‫لل ّنص ـ من زمرة املؤمنيني به بدعوى أن قراءة ذلك الفريق أو تأويله مخالف ٌة لجوهر النص‪ ،‬فمن ذا الذي ي ّدعي أنّه‬ ‫مطابق للمراد الرباين الذي ألّف هذا ال ّنص؟ من ذا الذي يحتكر قلماً يقول‬ ‫ومستوعب له‪ ،‬أو أ ّن فهمه‬ ‫طبق لجوهره‬ ‫ٌ‬ ‫ُم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫هذا هو الحق وهذا هو الباطل؟ فعىل الجميع أن يتحلوا بقد ٍر من التواضع والتُقى املعريف‪ ،‬وأن يُح ِّملوا مشاريعهم‬ ‫وأصولهم ومرجعياتهم ـ ولو جزئيًا ـ مغبّة التطبيقات الكارثية لها‪ ،‬أي لتلك املرجعيات واألصول‪ ،‬وتعميق النقد الذايت‬ ‫بدالً من مامرسة الكسل الفكري واالكتفاء بإلقاء اللوم عىل التطبيق هروبًا من نقد الذات أو اإلميان‪ .‬فمثل ذلك النقد‬ ‫السطحي الذي ال يطال إالّ التطبيق س ُيفيض قط ًعا إىل إعادة إنتاج ذات النموذج التطبيقي البائس والكاريث يف حال تكرار‬ ‫التجربة باسم النظرية (املعصومة) لذلك ال نستبعد بل ونُر ِّجح أن يُعيد الرتايب ـ لو أمسك بأ ِع ّنة ال ُحكم من جديد ـ‬ ‫ذات منط وفكر ومامرسة اإلقصاء واالستبعاد والعنف الذي اتّسم به (مرشوعه الحضاري) يف التسعينيات‪ ،‬فقد نقل الباقر‬ ‫العفيف يف كتابه ( وجو ٌه خلف الحرب) ترصيحاً للرتايب جاء به ‪( :‬أ ّن السودانيني قلوبهم سوداء ومل ترتقي لسمو و ُرقي‬ ‫املرشوع الحضاري) (‪ .)2‬حيث نالحظ هنا الخطأ ليس يف النظرية وال حتى يف التطبيق‪ ،‬وإنمّ ا الخطأ يف الواقع نفسه وهذا‬ ‫هو املآل الطبيعي أليّة فكر ٍة أو نظري ٍة ي ّدعي أصحابها معصوميتها‪ ،‬إنّه مآل االستبداد باسمها واإلقصاء واالستبعاد‪ ،‬ليس‬ ‫لآلخر املخالف فحسب‪ ،‬وإنمّ ا للواقع نفسه و(الشطح) يف الخيال والرنجسية املُتو ّهمة‪ ،‬منوذ ًجا‪ :‬حسن الرتايب ومرشوعه‬ ‫الحضاري‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫(‪ ( )2‬وجو ٌه خلف الحرب) – الباقر العفيف‪.‬‬

‫‪90‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها‬ ‫نشر أفكار امللحدين العرب على إختالف‬ ‫توجهاتهم السياسية و العرقية بحرية‬ ‫كاملة‬ ‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود‬ ‫فردية وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة‬ ‫تعتبر مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية و‬ ‫ناحية حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية‬ ‫الناشرون في اجمللة هم من أعضاء مجموعة‬ ‫مجلة امللحدين العرب أو من الكتاب العرب‬ ‫امللحدين ممن إستطعنا التواصل معه ألخذ‬ ‫اإلذن بالنشر‬ ‫مينع نشر كل ماهو مناف لألخالق العامه و‬ ‫كذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‬ ‫لهيئة التحرير احلق باختيار ما تراه مناسبا‬ ‫من املواضيع املوضوعة في اجملموعة للنشر‬ ‫فنشر أي موضوع صمن اجملموعة يعتبر‬ ‫تفويضا للمجلة بالنشر‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.