مجلة الملحدين العرب: العدد الثالث والعشرون / لشهر أكتوبر / 2014

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫املسيح ُمنتح ًرا‬ ‫كيف تناظر مدافعا عن‬ ‫املسيحية ‪ .. 2‬عن الراحل‬ ‫العدد الثالث والعرشون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر اكتوبر لسنة ‪2014‬‬

‫‪victor stenger‬‬ ‫الكذب و التدليس في حضرة‬ ‫الفضائيني ‪3‬‬ ‫مجلة امللحدين العرب‬

‫قراءة تاريخية في الصيام‬ ‫هرمس مثلث الظمة‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛ هدفها‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫جهاتهم‬ ‫نشر أفكار امللحدين على اختالف تو ّ‬ ‫وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة تُعتبر‬ ‫مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية وناحية‬ ‫حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬


‫كلمة حترير اجمللة‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪..................................................... Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬ ‫‪John Silver‬‬

‫‪Wissem Ben Samir‬‬

‫عادل أحمد‬

‫‪Zena Aziz‬‬

‫الغراب احلكيم‬

‫أبو العبد‬

‫‪Sameer Samee‬‬

‫‪Destin Fatal‬‬

‫‪Zoro Diego‬‬

‫‪Em Ma‬‬

‫‪Yamen Al Refai‬‬

‫‪Nada Lutfi‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫‪Hassan W. Hassan‬‬

‫‪Mohamad Ahmed‬‬

‫‪Leena Awouda‬‬

‫عقالني عقالني‬

‫‪Ameer Albaghdadi‬‬

‫‪Shakek Altaher‬‬

‫‪Mohammad Sy‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫‪Anouar El Mekki‬‬

‫‪Alia`a Damascéne‬‬

‫‪Cold Winter‬‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫عاصم علي‬

‫‪Lina AL Assfer‬‬

‫سرود سليم‬

‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫ليث الراوندي‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫‪Muhannad D‬‬

‫تبــن أنــه يــدر ُّ مكاســ ًبا أكثــر‬ ‫بزنــس الديــن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مجــال آخــر‪ ،‬يكفــي أن يكــون‬ ‫وأســهل مــن أيِّ‬ ‫ٍ‬ ‫مميــز‪ ،‬إمــا‬ ‫لديــك بعــض الكاريزمــا‪ ،‬مــع ســتايل ّ‬ ‫املألــوف كالذقــن املشــعثّة ‪ -‬مــن فــرط التقــوى‬ ‫ والثــوب القصيــر‪ ،‬وبقعــة ســوداء علــى جبينــك‪،‬‬‫أو املــودرن مــع طقــم وربطــة عنــق وبعــض اجلــلّ أو‬ ‫الواكــس‪ ،‬حســب اجلمهــور الــذي ســتتوجه إليــه‪.‬‬ ‫عليــك أن حتفــظ بعــض القصــص مــن التــراث‬ ‫الدينــي‪ ،‬مــع بعــض األدعيــة واآليــات‪ ،‬وال تنســى‬ ‫البــكاء ومطمطــة احلبــال الصوتيــة إلرهــاب‬ ‫املشــاهد ووضعــه فــي املــزاج املناســب للبــدء‬ ‫بأخــذ اجلرعــة املهلوســة‪ ،‬التــي ستنســيه‬ ‫همومــه ليعيــش فــي عالــم مــواز ســاحر‬ ‫كلــه حورعــن وقصــور وأنهــار خمــر ولــن‪.‬‬ ‫وعنــد نهايــة اليــوم ســتقبض أنــت أجــرك املغــري‪،‬‬ ‫الــذي ســيضمن لــك إجــازة ســعيدة فــي ربــوع‬ ‫أوروبــا وزوجــة رابعــة وســيارة حديثــة مــع أقســاط‬ ‫أبنائــك اجلامعيــة‪ ،‬وقصــر جديــد ولكــن ليــس فــي‬ ‫اجلنــة بــل فــي عزبــة هادئــة بعيــدة عــن ضوضــاء‬ ‫املدينــة‪.‬‬ ‫هكــذا يبيعــون الوهــم للبســطاء والدهمــاء‪ ،‬كــي‬ ‫يســكتوا علــى حيــاة القهــر واملذلــة‪ ،‬آملــن بحيــاة‬ ‫تعوضهــم مــا حرمــوا منــه‪.‬‬ ‫أخــرى بعــد املــوت‪ّ ،‬‬ ‫يبيعونهــم األمــل بحيــاة أخــرى وهميــة‪ ،‬كــي‬ ‫ينعمــوا هــم باحليــاة احلقيقيــة‪.‬‬ ‫فهــل ستســفيق هــذه اجلماهيــر اخملــدرة يــا تــرى؟‬ ‫أم أن جرعــات الوهــم أكبــر وأقــوى مــن قدرتهــا علــى‬ ‫املقاومــة!‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪ Metis LM Apostate‬ماري غزال‬ ‫‪almolhed alarabi‬‬

‫‪Esraa Azzazy‬‬

‫‪Noor Massarwa‬‬

‫‪Hamdi Belhadjyoussef‬‬

‫‪Zaher Zaher‬‬

‫محمد سلطان‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫عن جرائم امللحدين‬ ‫‪Moussa Eghytyzz‬‬

‫‪4‬‬

‫كيف تناظر مدافعا عن املسيحية ‪2‬‬ ‫فريق ترجمة قناة امللحدين بالعربي‬

‫‪14‬‬

‫كتاب‬ ‫قراءةٌ في‬ ‫ٍ‬ ‫التاريخية ّ‬ ‫اإلسالمية‪:‬‬ ‫للشريعة‬ ‫اجلذور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خليل عبد الكرمي‬ ‫شقيق الطاهر‬

‫‪24‬‬

‫بادة محمد والتوسع االستعماري‬ ‫لعرب اجلزيرة‬ ‫‪Leo Atheo‬‬

‫‪30‬‬

‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫في حوار مع‪...........‬‬

‫‪38‬‬

‫سلسلة الفاحشة في فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪3‬‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫‪51‬‬

‫الكذب و التدليس في حضرة الفضائيني‬ ‫اجلزء الثالث ‪ :‬تدليس النصوص القدمية‬ ‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫‪57‬‬

‫املسيح منتحرا‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫‪98‬‬

‫إن الدين عند البدو اإلسالم ‪2‬‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫‪104‬‬

‫ما اإلله؟‬ ‫ماري غزال‬

‫‪101‬‬

‫قراءة تاريخية في الصيام‬ ‫هرمس مثلث الظمة‬

‫‪118‬‬

‫‪3‬‬


‫عن جرائم امللحدين‬ ‫‪Moussa Eightyz‬‬

‫سؤال عن امللحدين العرب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫منذ أيام نرشتُ يف املنتدى‬ ‫فكانت إحدى تعليقات املسلمني كاآليت‪( :‬أنا أقرتح جمعهم‬ ‫ووضعهم ىف حدائق الحيوانات‪ ،‬أو استخدامهم ىف التجارب‬ ‫بدل من الجرذان واألحصنة‪ ،‬أو إطعامهم للحيوانات الضارية‪ ،‬ألنه ال فائدة منهم‪ ،‬وهم ال يجلبون سوى الخراب‬ ‫ً‬ ‫نتوسم به خ ًريا يتم تحويله ملستشفيات األمراض النفسية والعقلية)‪.‬‬ ‫للبرشية أو إعدامهم ىف ميادين عامة‪ ،‬ومن ّ‬ ‫فض فوه‪( :‬أمل يكونوا سبباً ىف‬ ‫رس مشاعره الرقيقة تلك تجاه امللحدين‪ ،‬أضاف ال ّ‬ ‫وحني سئل صاحبنا عن ّ‬ ‫قتل ‪ 205‬ماليني نسمة؟! أليس أكرب مجرمي الحرب ىف التاريخ مثل ستالني وماوتىس تونج وبول بوت وهتلر‬ ‫ملحدين؟! أمل يكونوا سب ًبا يف قتل مئات األطفال ىف أسرتاليا‪ ،‬حيث استعملوهم بالسخرة لبناء مدينة دارون؟! أمل‬ ‫يقودوا النوبيني والزنوج وسكان القارات األصليني إىل املتاحف وحدائق الحيوانات ليستعبدوهم؟! الخ ‪)...‬‬ ‫مسلم آخر يف نفس املنشور‪ ،‬كام أنّني طب ًعا سمعت ما يشبهه من قبل من آخرين‪ ،‬بالتايل يبدو يل‬ ‫هذا الطرح نال تأييد ٍ‬ ‫مطول بعض اليشء‪.‬‬ ‫يستحق ر ًدا ً‬ ‫أنه‬ ‫ّ‬ ‫*ملحوظة‪ :‬املقال يتضمن بعض‬ ‫الح ّدة؛ بسبب أ ّن الطرح يتض ّمن‬ ‫الكثري من التط ّرف إىل جوار الجهل‬ ‫والحامقة؛ وبالتايل أرجو العذر من‬ ‫مسلم عاقلٍ و إنسا ٍين –‬ ‫أي مؤمنٍ أو ٍ‬ ‫ّ‬ ‫الكالم هنا ليس مو ّجهاّ لكم‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫عن جرائم امللحدين‬ ‫امللحدون ال فائدة منهم‬

‫‪Moussa Eghytyzz‬‬

‫قالها من ينتمي إىل أ ّم ٍة عال ٍة عىل األمم‪ ،‬مكمن تفاخرهم الوحيد الرتاث البائد ألجدادهم البدو من أعامل البلطجة‬ ‫وقطع الطريق ورسقة أرايض وأموال الشعوب؛ واألهم أ ّن األخ قالها‪ ،‬وهو يجلس يف غرف ٍة مضاء ٍة مبصبا ٍح مخرتعه ملح ٌد‪،‬‬ ‫مستخدماً حاسباً مبتكره ملح ٌد‪ ،‬غال ًبا صنعته رشك ٌة ميلكها ملح ٌد‪ ،‬فات ًحا موقع تواصلٍ‬ ‫اجتامعي ص ّممه ملح ٌد‪ ،‬ليكتب لنا‬ ‫ٍ‬ ‫منه األخ هذا الهراء‪.‬‬

‫امللحدون ال يجلبون سوى الخراب للبرشية‬

‫قالها من ينتمي إىل أ ّم ٍة مل ينتج لها دينها يف ماضيها سوى الغزو والسلب والنهب واملذابح الجامعية والحروب األهلية‬ ‫وتجارة العبيد‪ ،‬ومل ينتج لها يف حارضها ما تنافس به األمم إال نرش الجهل والتخلف والفقر وعمليات التفجري والتناحر‬ ‫الطائفي‪ ،‬فضالً عن دعم الدكتاتورية والكهنوتية‪ ،‬هذا بالطبع إىل جوار قمع النساء واألطفال واملستضعفني من أصحاب‬ ‫الطوائف األخرى‪.‬‬ ‫األخ الذي يقرتح وضعنا يف حدائق للحيوانات أو إعدامنا‬ ‫يف ميادين عام ٍة‪ :‬الحقيقة أ ّن سؤايل مل يكن مو ّج ًها للمسلم‬ ‫املهووس دينياً (وما أكرثهم) ملعرفة ما ينوي فعله بنا (وكأنه‬ ‫ميتلك القدرة أصال!) إمنا هو مو ّج ٌه للعقالء (وما أقلهم)‬ ‫والهدف منه التقييم وفتح املجال النتقاد الذات للملحدين‪،‬‬ ‫وهو أم ٌر غري موجو ٍد يف قاموس دينك مع األسف‪.‬‬ ‫ال أظ ّن أ ّن هناك جدوى من نقاش املهووسني دين ًيا الذين‬ ‫يؤمنون بالعقاب الجامعي ألصحاب األفكار‪ ،‬بشكلٍ‬ ‫خليق بعقول القرون الوسطى املظلمة‪ ،‬أي التي أظلمتها‬ ‫ٍ‬ ‫جدل كل املغالطات املنطقية‬ ‫األديان؛ فحتى لو تجاوزنا ً‬ ‫واملعرفية يف الكالم‪ ،‬وأق ّرينا أ ّن من امللحدين من فعل‬ ‫من الجرائم كذا و كذا‪ ،‬فهل هذا ‪ -‬يف مقياس املنطق أو‬ ‫يف مقياس اإلنسانية‪ -‬يجيز معاقبة جميع امللحدين؟!‬ ‫عاقل أو إنسا ٌّين اليوم يق ّر العقاب الجامعي؟ هل‬ ‫هل يوجد ٌ‬ ‫الجرائم املنسوبة للفئة الفالنية تجيز اضطهاد (أو قتل) جميع أهل تلك الفئة‪ ،‬كام يطالب املهووسون إسالمياً؟ لو أننا‬ ‫جئنا إىل كل طائف ٍة أجرم بعض أفرادها‪ ،‬فسمحنا بإبادة جميع املنتمني لتلك الطائفة‪ ،‬هل سيبقى عىل ظهر الكوكب‬ ‫إنسان؟‬ ‫‪5‬‬


‫عن جرائم امللحدين‬ ‫‪Moussa Eghytyzz‬‬

‫أصل‪ ،‬لكن املسألة كام قلت ال تعدو إشار ًة‬ ‫ألي عاقلٍ يقرأ كالمي‪ ،‬عن ما يبدو من اهتاممي مبناقشة هذا الجنون ً‬ ‫أعتذر ّ‬ ‫يصح‬ ‫إىل منوذ ٍج‪ ،‬أو حال ٍة فكري ٍة منترشة بشكلٍ غري ناد ٍر يف أوساط املهووسني املسلمني تحدي ًدا؛ فهذا املنطق وإن مل ّ‬ ‫يصح إسالم ًيا‪ ،‬فاألخ الذي يطالب بقتل امللحدين مل يأت بيش ٍء من عنده‪ ،‬فهو متّب ٌع ال مبتد ٌع‪،‬‬ ‫عقل ًيا أو إنسان ًيا فإنه حتام ّ‬ ‫إمنا يدعو لتطبيق دينه ال أكرث‪ .‬وال يه ّم هنا أ ّن ذلك السبب املذكور للمطالبة بإبادة امللحدين (جرائم بعض امللحدين)‬ ‫فضل عن أن تكون له صل ٌة بالعدالة أو الرحمة أو اإلنسانية؛ ال يه ّم ذلك مطلقًا‪ ،‬أل ّن هذا‬ ‫ال صلة له بالتامسك املنطقي‪ً ،‬‬ ‫التعصب الديني عند املسلم‪ ،‬وأتح ّدث هنا عن قطا ٍع معنيٍ‪،‬‬ ‫ليس السبب الحقيقي للمطالبة باإلقصاء أو اإلبادة‪ ،‬إمنا هو ّ‬ ‫تعص ًبا مو ّج ًها ضد امللحدين‬ ‫تعص ٌب كام ٌن يف دين اإلسالم‬ ‫ٌ‬ ‫ولصيق به‪ ،‬وليس ّ‬ ‫علم أنه ّ‬ ‫فلن أقع يف التعميم مثل املهووسني‪ً ،‬‬ ‫فقط بل ضد الجميع‪ ،‬كام سنأيت‪.‬‬ ‫‪ .1‬كام قلنا من حيث املبدأ‪ ،‬الجرمية تلزم صاحبها‪ :‬املسلمون الذين يتباكون ليل نهار مطالبني بعدم تحميلهم جرائم‬ ‫اإلرهابيني والذبّاحني واملفجرين إخوانهم يف الدين والذين يقتلون باسم اإلسالم قدميًا وحديثًا‪ ،‬مؤكدين أ ّن ذنب هؤالء ال‬ ‫ينبغي تعميمه عىل كل املسلمني‪ ،‬عىل هؤالء املتباكني أن يتحلّوا يف تقييم غريهم ببعض اإلنصاف الذي يطلبونه ألنفسهم‪.‬‬ ‫باختصار ليس من مصلحتك أيها املسلم أن تت ّم معاقبتك بأفعال املجرمني من املسلمني‪ ،‬وإال فالوزر عليك ثقيل ! اإلنصاف‬ ‫يقتيض أن متنح غريك ما تطلبه لنفسك‪ ،‬والعدل يقتيض معاملة اإلنسان بأفعاله الشخصية فقط؛ وحتى قرآنك يأمرك يف‬ ‫مواضع ّأل تزر وازر ٌة وز أخرى‪ ،‬ويؤكد أنه كل امرئٍ ما كسب رهني‪ ،‬وأن ليس لإلنسان إال ما سعى‪..‬إلخ‪ ،‬لكن كالعادة‬ ‫املسلم املهووس ال يهمه اإلنصاف أو العدالة أو حتى النصوص العاقلة يف كتابه‪ ،‬بقدر ما يه ّمه تحقيق حلمه املحموم‬ ‫غنم‬ ‫بسيادة دينه عىل سائر األديان‪ ،‬وأمته عىل سائر األمم‪ ،‬بالقوة ال بالفكر وباإلقصاء ال بالتعايش‪ ،‬كام وعده راعي ٍ‬ ‫مات منذ قرونٍ طويل ٍة م ّدع ًيا الحديث باسم إل ٍه مختبئٍ خلف سحب السامء‪ ،‬دون أن يتحقق الحلم منذ ذلك الزمن!‬ ‫أيضا ُس ّن ٌة قرآني ٌة نبوي ٌة‬ ‫مع مالحظة أنه عىل الجانب اآلخر فإن مبدأ العقوبات الجامعية وتحميل اإلنسان ظلم غريه‪ ،‬هو ً‬ ‫بامتياز‪ ،‬نجدها يف عرشات املواقف‪ ،‬فلو أخذنا اليهود كمثا ٍل فسنجد تحميل القرآن لليهود يف زمن مح ّم ٍد ذنب أجدادهم‬ ‫أيضا ذنب قتل املسيح) وسنجد أيضا إبادة‬ ‫الذين عصوا الله وقتلوا األنبياء‪..‬إلخ‪( ،‬وهو شبي ٌه بتحميل املسيحيني لليهود ً‬ ‫متناقض‪،‬‬ ‫نبي الرحمة حتى ألطفال يهود بني قريظة‪ ،‬جزا ًء عىل السلوك السيايس لقادتهم‪ :‬هكذا فهذا الكتاب الديني‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫وفيه الطالح كام فيه الصالح؛ ذلك الطالح الذي يت ّم زراعته يف رأس املسلم منذ الصغر‪ ،‬فيفسد عنده املنطق واإلنسانية‪،‬‬ ‫بكل برود ٍة معاقبة اإلنسان بجرمية غريه‪.‬‬ ‫وينتج الهوس الذي نراه عند ذلك املسلم‪ ،‬حيث يق ّر ّ‬ ‫‪ .2‬أي ٍ‬ ‫مقدس للملحدين يخربهم‬ ‫كتاب‬ ‫نصف‬ ‫ٍ‬ ‫متعلم قرأ كلمتني عن اإللحاد يعرف أنه ليس دي ًنا وليس معتق ًدا‪ ،‬ال يوجد ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مسؤول عن أفكاره وترصفاته وسلوكه سل ًبا أو إيجابًا‪.‬‬ ‫ملحد‬ ‫بيش ٍء؛ ّ‬ ‫‪6‬‬


‫عن جرائم امللحدين‬ ‫‪Moussa Eghytyzz‬‬

‫ٍ‬ ‫كملحد‬ ‫سلبي يف جزئي ٍة معين ٍة هي اآللهة؛ وهكذا فأنا‬ ‫فردي‬ ‫اإللحاد ‪ -‬لنك ّرر الدرس إياه‪ٌ -‬‬ ‫فكري ٌّ‬ ‫موقف ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫شخيص‪ ،‬ومعتق ٌد ٌّ‬ ‫مبلحد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص مقدس ٌة وال أنبياء‬ ‫جيد أو يسء‪ ،‬لسنا قبيل ًة‪ ،‬ليست لنا‬ ‫ال عالقة يل فكريًا أو أخالق ًيا أو سياس ًيا أو اجتامع ًيا‬ ‫ٌ‬ ‫ولسنا عبي ًدا ملزمني بطاعة ٍ‬ ‫أحد؛ وكل ما يجمع بيننا هو عدم اإلميان بخرافاتك‪،‬ال أكرث‪.‬‬ ‫فالقول إن ستالني ملح ٌد ال يحمل من الداللة أكرث من القول إن ستالني مل يكن يؤمن ببابا نويل؛ هكذا ‪-‬حسب منطقهم‪-‬‬ ‫فكل من ينكر بابا نويل يُعترب أخ ستالني يف الدين‪ ،‬بالتايل يُعترب مشاركًا يف جرائم ستالني‪ ،‬مستحقا للقتل بسببها!‬ ‫ّ‬ ‫شارب هو مجر ٌم‪ ،‬أل ّن هناك‬ ‫أو كام وضعها أحدهم بتشبي ٍه آخر ساخرٍ‪ :‬ستالني وهتلر كان لهام‬ ‫شوارب‪ ،‬بالتايل كل من له ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يش ٌء ما يجمع بينه وبني هتلر وستالني! أرجو أن تكون سخافة "حجة" املؤمن املهووس قد ات ّضحت مبا يكفي‪.‬‬

‫ما يؤكّد سخافة املقارنة ما يشري له الكثريون دامئًا من أن جرائم امللحدين التي ير ّوج لها مل تت ّم أب ًدا باسم اإللحاد‪ ،‬إمنا‬ ‫ٍ‬ ‫أيديولوجيات كالشيوعية وهو ما سنأيت له م ّر ًة أخرى‪.‬‬ ‫باسم‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص إجرامي ٍة مق ّدس ٍة تزرع يف رأسك منذ الطفولة‪ ،‬وأنت ملز ٌم‬ ‫كتاب مق ّد ٌس‪ ،‬ويحتوي عىل‬ ‫يف املقابل‪ ،‬فدينك له ٌ‬ ‫حتم أوىل‪.‬‬ ‫باتباعها‪ ،‬هذا يعني أنه لو حاسبنا فك ًرا بجرائم أتباعه‪ ،‬فاإلسالم ً‬ ‫‪ .3‬لنأيت اآلن عىل تدقيق بعض املعلومات الشائعة عن الجرائم اإللحادية (طب ًعا ليس بهدف الدفاع عن اإللحاد‪-‬فكام‬ ‫أيضا من‬ ‫قلنا‪ -‬التعميم عبثٌ ‪ ،‬كام أ ّن الشعار املرفوع عندهم مل يكن اإللحاد‪ ،‬بالتايل ليس مثة اتها ٌم ً‬ ‫أصل لنحتاج للدفاع؛ ً‬ ‫البديهي أن الهدف ليس الدفاع عن جرائم املجرمني‪ ،‬بل إن قتل بري ٍء ٍ‬ ‫واحد جرمي ٌة كربى‪ ،‬إمنا الهدف تدقيق ا ّدعاءات‬ ‫املؤمنني ال أكرث وتوضيح حجم التدليس عند مر ّددي تلك االسطوانة)‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫عن جرائم امللحدين‬ ‫‪Moussa Eghytyzz‬‬

‫قريب أو ٍ‬ ‫بعيد‪ ،‬بل إ ّن بعضها مرتب ٌط‬ ‫ً‬ ‫أول‪ :‬الجرائم التي قام بها األوروبيون‪ ،‬وير ّوج لها هؤالء ال صلة لها باإللحاد من ٍ‬ ‫باألديان‪ ،‬فام فعله األمريكيون مع الهنود الحمر‪ ،‬أو ما فعله اإلنكليز يف أسرتاليا كلها جرائم ال عالقة لها باإللحاد‪ ،‬بل‬ ‫فعلها مؤمنون بالله وباألنبياء؛ وال ميكن للمسلم هنا الدفاع أنهم كانوا مسيحيني‪ ،‬أي عىل دينٍ غري دينه‪ ،‬فهم مؤمنون‬ ‫أيضا‪ ،‬كذلك فإ ّن‬ ‫بالنهاية ما يضعهم يف نفس الفريق معه (وال تتعجلوا‪ ،‬فسنأيت بعد قليل عىل بعض جرائم أديانكم ً‬ ‫ظاهرة "حدائق الحيوانات اآلدمية" املُشار إليها بدأت يف القرن السادس عرش‪ ،‬يف عرص نهضة أوروبا املسيحية‪ ،‬وأول من‬ ‫ٌ‬ ‫مسيحي اسمه "هيبواليتيس ميديتيش" فهكذا طاملا نقارن يف املجمل عىل طريقتك بني اإللحاد والدين‪،‬‬ ‫كاردينال‬ ‫امتلكها‬ ‫ٌّ‬ ‫جاهل‬ ‫فتلك الجرمية البشعة موضوع ٌة عىل عاتق فريقك‪ ،‬ال فريقنا‪ ،‬هكذا فمن ينسب تلك الجرائم إىل اإللحاد‪ ،‬فهو إما ٌ‬ ‫كاذب‪.‬‬ ‫أو مدل ٌّس ٌ‬ ‫ثان ًيا‪ :‬عن ستالني وماو تيس تونج‪ ،‬يف البداية مل أكن أدري من أين يأتون بأرقام الضحايا؛ (األخ املذكور يقول ‪ 205‬ماليني‪،‬‬ ‫وغريه قال أرقا ًما أخرى) فألن املؤمن املتح ّمس عاد ًة ال يعبأ بالحقيقة‪ ،‬إمنا يهتم فقط بنرصة عقيدته البائسة‪ ،‬فهو عاد ًة‬ ‫جهل وحامس ًة؛ فالحامسة الدينية والتدقيق العلمي‬ ‫تقل ً‬ ‫ما يُنقل دون تدقيق فقط بجهلٍ متح ّم ٍس عن مواقع ديني ٍة ال ّ‬ ‫دليل‪.‬‬ ‫نقيضان ال يجتمعان‪ ،‬ولكم يف انتشار فكاهات اإلعجاز العلمي ً‬ ‫مع قليلٍ من االطالع يظهر لنا أن تقديرات ضحايا ستالني وماو ترتاوح بش ّد ٍة‪ ،‬وال توجد أرقا ٌم مدقق ٌة أصالً‪ ،‬فلو أخذنا‬ ‫ستالني كمثا ٍل فقد كان له ‪-‬كسابقه لينني‪ -‬سياس ًة إقصائي ًة إجرامي ًة يف تصفية الخصوم واملعارضني‪ ،‬نتج عنها قتل ما يقرب‬ ‫ٍ‬ ‫معارض‪ ،‬باإلضافة إىل إنشاء معسكرات اعتقا ٍل هائل ٍة‪ ،‬مات فيها‪-‬نتيج ًة للظروف السيئة‪ -‬ما يرتاوح تقديره‬ ‫من مليون‬ ‫من ‪ 12-15‬مليونًا‪.‬‬ ‫مع مالحظة أنه يف تلك الحقبة حدثت مجاعاتٌ يف روسيا‪ ،‬ضمن املجاعات وموجات الجفاف التي تصيبها بشكلٍ دوري‬ ‫كل ‪ 13 10-‬سنة؛ ففي عام ‪ 1921‬قرب نهاية حكم لينني حدثت مجاع ٌة كربى‪ ،‬استمرت حتى العام التايل‪ ،‬كان ضحيتها‬ ‫نحو ستة ماليني ٍ‬ ‫أيضا ما بني ‪ 6‬إىل ‪ 8‬ماليني إنسانٍ ‪.‬‬ ‫شخص؛ تلتها واحد ٌة أخرى عام ‪ 1932‬راح ضحيتها ً‬ ‫إقطاعي ومالك أرض؛ ثم بدأت إعادة تنظيم الزراعة‬ ‫أما ماو‪ ،‬فبعد تولّيه الحكم تم تصفية‪ -‬باسم الثورة‪ -‬نحو مليون‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ناجح بشكلٍ كبريٍ‪،‬‬ ‫والصناعة يف شكل‬ ‫مجتمعات مكتفي ٍة ذات ًيا (الكوميونات الشهرية)؛ ذلك النظام الذي بدا يف البداية أنه ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات حدثت عىل إثره مجاع ٌة كربى‬ ‫طقس يس ٌء أصاب الصني لثالث‬ ‫ثم بدأت مظاهر الفشل يف اإلدارة‪ ،‬صاحب ذلك ٌ‬ ‫أ ّدت إىل هالك ما يق ّدر بعرشين إىل ثالثني مليون ٍ‬ ‫شخص‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫عن جرائم امللحدين‬ ‫‪Moussa Eghytyzz‬‬

‫وحرب عاملية كربى (الثانية)‪،‬‬ ‫وحرب أهلي ٌة داخل الصني ذاتها‪،‬‬ ‫حرب بني الصني واليابان‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫صاحبت ذلك قبله وبعده ٌ‬ ‫حروب طالت اإلقليم كله (كحرب كوريا التي شاركت فيها الصني وروسيا) يف وسط ذلك الزخم‪ .‬ما يفعله املؤمن‬ ‫مع‬ ‫ٍ‬ ‫أي أرقام من أرقام ضحايا األحداث التي باملاليني (مجاعات‪ ،‬حروب‪..‬إلخ) ومن ثم يضيفها إىل السجل‬ ‫أنه يقوم بجمع ّ‬ ‫اإلجرامي (غري املنكور) مللحدين بعينهم‪ ،‬متجاوزًا األحداث واملالبسات‪ ،‬ذاك ًرا بشكلٍ مختز ٍل أ ّن ماو امللحد مثال "مات‬ ‫رب‪ ،‬ومن ثم قىض حياته يقتل املاليني عىل سبيل متضية الوقت!‬ ‫يف عهده كذا مليون"‪ ،‬وكأ ّن الرجل ق ّرر ذات ليل ٍة أنه ال ّ‬ ‫إذًا‪ ،‬األرقام التي ير ّوج لها املؤمنون غال ًبا أرقا ٌم اعتباطي ٌة تحتاج إىل التدقيق؛ وهذا كله ال مينع أننا نتح ّدث عن زعام ٍء‬ ‫عم قام به مئاتٌ من الزعامء والسياسيني والقادة‬ ‫سياسيني ملحدين‪ ،‬قاموا بجرائم إنساني ٍة بشع ٍة هائل ٍة‪ ،‬ال تختلف كث ًريا ّ‬ ‫املؤمنني‪ ،‬مسلمني ومسيحيني ويهو ًدا عرب تاري ٍخ طويلٍ امت ّد قرونًا‪ ،‬لكن مل يكن لإللحاد ‪ -‬مبعنى عدم وجود إل ٍه‪ -‬أي عالق ٍة‬ ‫باألمر‪.‬‬ ‫ثالثًا‪ :‬هتلر مل يكن ملح ًدا‪ ،‬وليس هناك ما يثبت هذا‪ ،‬هذه كذب ٌة أخرى؛‬ ‫هو يف الظاهر كان مسيح ًيا ‪-‬وكان معجباً باإلسالم باملناسبة‪ -‬كام أن‬ ‫كمسيحي كاثولييكٍّ‪،‬‬ ‫ترب‬ ‫كث ٌري من املسلمني معجبون به؛ لكن الرجل ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ومل يعلن أب ًدا بوضوح تخليه عن املسيحية؛ وقد ذكر يف كتابه الشهري‬ ‫"كفاحي" أ ّن "اإلميان هو األساس الوحيد للسلوك األخالقي"‪ ،‬وأعلن‬ ‫أيضا – يف نفس الكتاب و يف خطب ٍة شهرية‪ -‬أ ّن محاربته لليهود هي‬ ‫ً‬ ‫من قبيل تنفيذ إرادة الله‪ ،‬كام أ ّن املادة ‪ 24‬من برنامج الحزب‬ ‫النازي كانت تنادي مبا أسموه "املسيحية اإليجابية"؛ فوق هذا‬ ‫كان أتباعه –الذين نفذوا جرامئه‪ -‬مؤمنني‪ ،‬وعىل أحزمة الجنود‬ ‫النازيني كان مكتوبًا باألملانية عبارة "الله معنا" بالتايل من يدعي‬ ‫جاهل‪ ،‬ومن ثم‪ -‬لو رسنا‬ ‫ٌ‬ ‫كاذب أو‬ ‫أ ّن هتلر ملح ٌد هو ً‬ ‫أيضا إما ٌ‬ ‫عىل منطق املقارنة الكلية هذا‪ -‬فالواجب أ ّن نضيف جرائم‬ ‫الرجل إىل كفّتكم ال كفّتنا!‬ ‫‪ .4‬كام أشار بعض الزمالء‪ ،‬فإ ّن جرائم امللحدين املشار إليها مل تت ّم باسم اإللحاد وال تحت شعاره؛ هذه نقط ٌة فارق ٌة‪،‬‬ ‫الحكاية ببساط ٍة أ ّن املؤمنني املساكني سئموا الهجوم املستم ّر عليهم بسبب جرائم األديان وأهلها التي استم ّرت قرونًا‪،‬‬ ‫ما جعل البعض منهم يحاول اتباع سياسة الهجوم كخري وسيل ٍة للدفاع ضد امللحدين والعلامنيني؛ لكن أبسط ما فاتهم يف‬ ‫ذلك هو أ ّن االنتامء الفكري للمجرم ال يعني شيئًا‪ ،‬إمنا مربط الفرس هو مسؤولية ذلك االنتامء عن جرامئه؛ مبعنى آخر‬ ‫‪9‬‬


‫عن جرائم امللحدين‬ ‫‪Moussa Eghytyzz‬‬

‫أيضا أن يكون الدافع لجرميته‬ ‫منتم له‪ ،‬إمنا يجب ً‬ ‫ال يكفي أن يكون املجرم منتم ًيا إىل الدين الفالين أو العالين‪ ،‬أو غري ٍ‬ ‫انتامؤه لذلك الدين‪ ،‬أو عدم ذلك‪.‬‬ ‫أيضا قاموا بكل تلك الجرائم وأكرث‪ ،‬مبعنى آخر ال توجد جرمي ٌة‬ ‫امللحدون مل يجرموا ألنهم ملحدون‪ ،‬والدليل أن املؤمنني ً‬ ‫حرصي وال يقوم بها املؤمن‪ ،‬ولو لديكم ٌ‬ ‫واحد ٌة يقوم بها امللحد بشكلٍ‬ ‫مثال عىل هذا فسيسعدين سامعه‪ ،‬هذه الحقيقة‬ ‫ٍّ‬ ‫كل يش ٍء‪ ،‬وتكفي وحدها إلسقاط قضية‬ ‫تغي ّ‬ ‫البسيطة واملحورية‪-‬التي تف ّوت املؤمن املتح ّمس لر ّد الهجوم‪ -‬يف الواقع ّ‬ ‫"جرائم اإللحاد" هذه‪.‬‬ ‫يف املقابل وعىل الجانب اآلخر‪-‬نكرر‪ -‬إ ّن جرائم الفتوحات اإلسالمية والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش واضطهاد‬ ‫بكل وضو ٍح باسم الدين‬ ‫األقليات وسلب أموال الفالحني واملواطنني عىل مدار قرون‪ ،‬يف منطقتنا وغريها‪ ،‬قد متّت ّ‬ ‫وتحت شعاره ورشعه وحاميته‪ ،‬وهي جرائ ٌم طويل ٌة قاسي ٌة بشع ٌة مريرةٌ؛ بعد هذا يأيت املؤمن اليوم‪ ،‬ليص ّور لنا‬ ‫وكأن الدنيا كانت جن ًة سعيد ًة مسامل ًة تحت حكم أهل األديان‪ ،‬حتى جاء ملح ٌد أو اثنان أو ثالث ٌة فجعلوها جحيامً!‬ ‫و مبا أن املؤمن عاد ًة ينظر بع ٍني واحد ٍة فال يرى الخشبة يف عينه‪ ،‬أتساءل‪ :‬أين كان اإللحاد يف زمن حروب العهد القديم‬ ‫عىل أيدي مجرمي حرب كيوشع وداود و موىس شخصيًا؟‬‫عنرصي‬ ‫هل من أم َر بإبادة أهل املدن املفتوحة مع األطفال والحيوانات كان ملح ًدا‪ ،‬أم كان مؤم ًنا تق ًيا يكتب باسم إل ٍه‬ ‫ٍّ‬ ‫مجرم‪ ،‬يأمر أتباعه بالقتل‪ ،‬بل ويرتعد غض ًبا إن بدت منهم مظاهر رحم ٍة أو شفق ٍة تجاه أعداء الرب؟‬ ‫ٍ‬ ‫أين كان اإللحاد من الحمالت املسعورة يف القرنني الخامس والسادس وما بعدها‪ ،‬باسم املسيحية‪-‬دين املحبة‪-‬‬ ‫تجاه جميع الطوائف األخرى‪ ،‬من وثنيني وميرثائيني ومانويني ويهود وسامريني وحتى مسيحيني "مهرطقني"‪،‬‬ ‫ما شمل هدم معابدهم ومصادرة أمالكهم وقتل اآلالف منهم؟ وهل كان امللحدون هم املسؤولون الحقًا‬ ‫عن اضطهاد العلامء واملفكرين ونرش ثقافة السحر والدجل والعنرصية يف أوروبا الثيوقراطية لقرونٍ ؟‬ ‫هل امللحدون من ش ّن الغارات عىل املساملني‪ ،‬وقطعوا الطرق وذبحوا اآلالف يف جرائم إباد ٍة جامعي ٍة قذر ٍة تس ّمى‬ ‫الغزوات والرسايا‪ ،‬أم كان نبيك ‪-‬الذي جعل رزقه تحت ظل رمحه‪ ،‬كزعامء العصابات و قطاع الطرق‪ -‬هو الفاعل؟ هل‬ ‫شق أم قرفة نصفني‪ ،‬ومن أمر بقتل‬ ‫ارتكبت تلك الجرائم باسم اإللحاد‪ ،‬أم باسم إل ٍه سفّا ٍح مختلٍ متعط ٍّش للدماء؟ من ّ‬ ‫عصامء بنت مروان وهي ترضع ابنها‪ ،‬ومن عذّب رجال ليدلّه عىل مكان أمواله ثم قتله واغتصب امرأته (صفية)‪ ،‬ومن‬ ‫ح ّرض عىل قتل كل من كتب فيه بيت هجا ٍء من الشعر؟‬ ‫والحقًا‪ ،‬هل باسم اإللحاد ت ّم غزو البالد والعباد من الهند رشقًا‪ -‬حيث كانت النساء النبيالت يقمن باالنتحار الجامعي حتى ال يقعن‬ ‫سبايا بني أيدي الفاتح املسلم‪ -‬وحتى إسبانيا غربًا‪ ،‬حيث سيق ثالثني ألف فتا ٍة بك ٍر من هناك إىل قرص الخليفة األموي يف دمشق؟‬ ‫أي دينٍ بتحرميها‪ ،‬بل توسع اإلسالم‬ ‫هل باسم اإللحاد متّت التجارة يف الرقيق طوال قرون ‪ -‬تلك العادة القذرة التي مل يقم ّ‬ ‫فيها حتى صار يف كل مدين ٍة إسالمي ٍة سوق نخاس ٍة كبريٍ تباع فيه النساء واألطفال كالبهائم؟‬ ‫‪10‬‬


‫عن جرائم امللحدين‬ ‫‪Moussa Eghytyzz‬‬

‫فريق منهم أنه‬ ‫هل امللحدون هم من شنوا الحروب الدينية تجاه بعضهم البعض رشقًا وغربًا طوال قرونٍ ‪ ،‬يزعم ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫داعسا ماليني األبرياء املساكني يف طريقه؟ وترى‪ ،‬هل كان الصحابة ملحدين حني تصارعوا‬ ‫ممثل الدين اإللهي الوحيد‪ً ،‬‬ ‫مسلم يف معرك ٍة‬ ‫كالكالب املسعورة تناز ًعا عىل السلطة من بعد موت نبيهم‪ ،‬حتى قُتل ما يق ّدر بستني إىل سبعني ألف ٍ‬ ‫واحد ٍة بني مسلمني‪ ،‬وحتى ه ّدمت كعبتكم املقدسة مرتني‪ ،‬وحتى ت ّم غزو املدينة املنورة‪ -‬من قبل مسلمني‪ -‬حتى يحىك‬ ‫أنه ت ّم اغتصاب ألف عذرا ٍء هناك يف ثالثة أيام؟!‬ ‫ملاذا ال نسمعه كث ًريا يتباىك عىل مئات املاليني من العبيد املساكني الذين ُعذّبوا أو ماتوا بسبب سوء الظروف وسوء‬ ‫املعاملة عىل مدار قرونٍ ؟ الجواب‪ :‬ألن دينه يسمح بتجارة العبيد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أقفاص‪ ،‬لكنه ال يجد مشكل ًة يف أن يوضع الزنجي‬ ‫هكذا األخ رقيق املشاعر هنا يتألّم حزنًا عىل الزنوج الذين ُوضعوا يف‬ ‫مسلم آخر‪،‬‬ ‫بدوي‬ ‫يف سالسل سخر ًة لخدمة املسلم الفاتح‪ ،‬أو خطف فتاة من وسط أهلها لتصبح خادمة جنس عند‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هذه تسمى العبودية‪ ،‬وهي ٌ‬ ‫حالل يف دينك لو كنت ال تعلم‪ ،‬فلم الكيل مبكيالني؟ إذًا‪ ،‬ليست اإلنسانية هي املحرك‪ ،‬لكن‬ ‫كل جرمي ٍة يدينها عند اآلخرين موجود ٌة يف دينه‪،‬‬ ‫العصبية ونرصة الدين‪ .‬لكن املضحك املبيك أ ّن املسلم ال ينتبه إىل أن ّ‬ ‫مثل و بني خالد بن الوليد‪ ،‬أو بني ستالني ومح ّم ٍد؛ بحيث لو كان‬ ‫وط ّبقها نبيه وأتباعه‪ :‬ال أرى أب ًدا فوارق كبري ًة بني هتلر ً‬ ‫مسلم لتفاخرتم به ولقمتم بتربير كل جرامئه‪ ،‬وألطلقتم‬ ‫بطل من أبطال الله‪ ،‬ولو كان ستالني‬ ‫مسلم لجعلتموه ً‬ ‫هتلر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عليه لقبا تعظيمياً مثل "دبابة الله املسلولة" أو ما شابه!‬

‫‪11‬‬


‫عن جرائم امللحدين‬ ‫‪Moussa Eghytyzz‬‬

‫رب فوقه يحاسبه‪ ،‬ويتناىس‬ ‫هكذا يرفض املؤمن رؤية الخشبة التي يف عني دينه‪ ،‬و يزعم أ ّن امللحد مجر ٌم؛ ألنه يظ ّن أن ال ّ‬ ‫رب له‪ ،‬فاملؤمن خلق‬ ‫أن اآللهة‪ ،‬وخاص ًة اإلبراهيمية تسمح ‪-‬وأحياناً تأمر‪ -‬بالقتل والغزو واالستعباد؛ فإن كان امللحد ال ّ‬ ‫إلهه حتى يكون خادمه ي ّربر له جرامئه – هكذا نرى أن القتل يف اإلسالم مثال مح ّر ٌم حني يوجه للمسلمني‪ ،‬بينام هو جها ٌد‬ ‫محمو ٌد حني يو ّجه لآلخرين (الكفار)‪ ،‬والرسقة مح ّرم ٌة حني توجه للمسلمني‪ ،‬بينام هي غنيم ٌة ٌ‬ ‫حالل حني تو ّجه لآلخرين‪،‬‬ ‫والزنا واالغتصاب جرمي ٌة حني تو ّجه لنساء املسلمني‪ ،‬بينام هي عبودي ٌة حالل حني توجه لآلخرين‪ ،‬والكذب حرا ٌم حني‬ ‫يو ّجه للمسلمني‪ ،‬بينام هو خدا ٌع م ّرب ٌر حني يوجه لآلخرين؛ هكذا هذه هي األخالق الدينية التي تتفاخرون بها‪ ،‬يف أقذر‬ ‫صورها التي مل يرتك كث ٌري من امللحدين الدين إال نفو ًرا وتق ّززًا منها ومن رائحتها النتنة‪.‬‬

‫دعنا من تربيركم ألفعال األنبياء والصحابة مجرمي الحرب‪ ،‬ولننظر إىل الله نفسه‪ :‬تُرى هل توجد صف ٌة واحد ٌة‬ ‫سلبي ٌة اتّصف بها ستالني و مل يتّصف بها الله؟ التسلّط األبوي والدكتاتورية والبطش واالنتقام والتكرب واألنانية‬ ‫والرنجسية وطلب الطاعة والرغبة املستمرة يف التمجيد؛ أليست هذه كلها من صفات معبودكم الحبيب؟!‬ ‫وباملثل‪ ،‬هل توجد جرمي ٌة واحد ٌة فعلها ستالني ومل يفعلها إلهكم؟ نسمعكم تتباكون عىل اإلبادات الجامعية وقتل‬ ‫لشعوب كامل ٍة يف قصصكم الخرافية مثل إهالك عاد ومثود ولوط‪ ،‬بعضها ألنه عىص‬ ‫األبرياء‪ ،‬فلامذا إذًا تربرون قتل الله‬ ‫ٍ‬ ‫نب ًيا‪ ،‬وبعضها أل ّن سلوكه الجنيس مل يعجبه‪ ،‬وبعضها ألنه قتل ناقة! باإلضافة إىل إغراقه البرشية كلها برجالها وشيوخها‬ ‫ونسائها وأطفالها‪ ،‬بل مع الحيوانات وجميع الكائنات يف واحد ٍة من نوبات جنونه املحموم!‬ ‫فهل أنتم قادرون عىل ذكر جرمي ٍة واحد ٍة قام بها ملح ٌد توازي حجم هذه الجرمية امللحمية الشاملة التي ال نسمعكم‬ ‫تنبسون ببنت شف ٍة اعرتاض بشأنها؟!‬ ‫‪12‬‬


‫عن جرائم امللحدين‬ ‫‪Moussa Eghytyzz‬‬

‫بكل بساط ٍة ووضو ٍح يدين ما يراه من‬ ‫محوري مه ٍّم بني امللحد واملؤمن‪ ،‬األول ّ‬ ‫‪ .5‬هذا يقودنا إىل فارقٍ آخر إنسا ٍّين‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫كملحد عىل املستوى اإلنساين أدي ُن بشد ٍة مامرسات ستالني أو ماو تيس‬ ‫بغض النظر عن هوية مرتكبها؛ أنا‬ ‫جرائم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ملحد آخر قتل أو ظلم بريئًا واح ًدا‪ ،‬كام أدي ُن جرائم غريهم بنفس الشدة‪ ،‬شيوعيني أو رأسامليني‪،‬‬ ‫تونج أو أي‬ ‫رشقيني أو غربيني‪..‬إلخ؛ فهل يا ترى ميكنك أنت فعل نفس اليشء مع جرائم نبيك؟! هل ميكنك التجرؤ عىل‬ ‫إدانة النصوص واألفعال اإلجرامية يف دينك مثل قتل األرسى أو إبادة الشعوب أو التجارة يف العبيد و الجواري؟!‬ ‫ال أظن‪ ،‬كل ما ميكنك إما محاولة إنكار تلك الجرائم (عن طريق الهروب إىل إنكار األحاديث والتاريخ)‪ ،‬وإما محاولة‬ ‫بأي شكلٍ ؛ وهام طريقان بائسان فاشالن خليقان مبدل ٍّس مراو ٍغ يرفض مواجهة الحقائق واالعرتاف بها‪.‬‬ ‫تربيرها ّ‬ ‫هذا الفارق‪ -‬بني من يدين الجرمية أياً كان مرتكبها ومن يدين جرائم اآلخرين فقط‪ ،‬بينام ي ّربر جرائم دينه‪ -‬الفارق بني‬ ‫الحر والعبد وبني اإلنساين والدوغاميئ‪.‬‬ ‫‪ .6‬هذا يقودين إىل مظه ٍر آخر من مظاهر عبث تلك التهمة‪ ،‬وهي أن قائلها يتعامى عن أن الالدينية أو اإللحاد األكرث انتشا ًرا‬ ‫كل الدوغامئيات واأليديولوجيات‬ ‫اليوم‪ ،‬هو إلحا ٌد إنسا ٌّين ال عالقة له بإلحاد ستالني أو ماو أو غريهام؛ هو يف حقيقته تح ّر ٌر من ّ‬ ‫املتعصبة‪ ،‬التي يف فكرها ونظمها وهيكليتها ال تختلف عن األديان كث ًريا‪ ،‬فهي مثلها تحتوي رموزًا معبود ًة وكت ًبا مقدس ًة وتعاليم ال‬ ‫ّ‬ ‫ميكن مناقشتها؛ أما اإللحاد الالديني العلامين الذي نناقشه اليوم (وهو فكر معظم امللحدين) فيجعل األولوية لإلنسان وحريته‪.‬‬ ‫يوم – كاملسلمني ‪ -‬بتفجري أنفسهم يف املباين الحكومية واملستشفيات ودور‬ ‫بالتايل لو كنا نرى اليوم امللحدين يقومون ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫العبادة‪ ،‬أو يلقون األسيد عىل طفل ٍة ذاهب ٍة إىل مدرستها‪ ،‬أو يذبحون األرسى و يلعبون برؤوسهم املقطوعة‪ ,‬ويفعلون هذا‬ ‫كلّه باسم اإللحاد وتحت شعاراته الحامسية‪ ،‬حينها ميكن أن نتحدث عن جرائم إلحادي ٍة‪.‬‬ ‫‪ .7‬أختم بتساؤ ٍل‪ :‬هذا العداء اإلسالمي الذي يطالب بكذا وكذا للملحدين‪ ،‬هل هو عدا ٌء مو ّج ٌه فقط للملحدين؟! هل‬ ‫مثل؟ اليهود؟ الهندوس؟ البوذيني ؟‬ ‫نرى املسلمني (يف املايض و الحارض) عىل وفاقٍ تا ٍّم مع املسيحيني ً‬ ‫ألسباب يرونها وجيه ًة‪ ،‬فدلونا رجا ًء عىل الجامعة أو الطائفة التي ال يكرهها املسلم‬ ‫إن كان املسلمون يكرهون امللحدين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سلمي متسا ٍو عاد ٍل!‬ ‫تعايش‬ ‫و ينسجم معها يف إطار‬ ‫ٍ‬ ‫وتعص ٌب ودوغامئي ٌة عام ٌة شامل ٌة‬ ‫إذًا‪ ،‬هي كراهي ٌة ليست ُمسبّب ًة وليست مو ّجه ًة ض ّد امللحدين فقط‪ ،‬بل هي كراهي ٌة ّ‬ ‫كل الطوائف بشكلٍ شبي ٍه بعنرصية اليهود‪ ،‬كرباؤهم الذين علموهم السحر‪،‬‬ ‫أصيل ٌة مزروع ٌة يف الدين ذاته‪ ،‬وهي تجاه ّ‬ ‫مع الفارق طب ًعا يف الذكاء والكفاءة بني املسلمني واليهود؛ فال عجب إذًا أن هذه الكراهية والعصبية تنتج هذا التاريخ‬ ‫سبب‬ ‫الدموي الطويل يف املايض‪ ،‬وال عجب أنها تنتج احتقا ًرا من العامل بأرسه لكم ولدينكم يف الحارض‪ ،‬وهو احتقا ٌر ُم ٌ‬ ‫ستحق بجدار ٍة!‬ ‫و ُم ٌ‬ ‫‪13‬‬


‫فريق ترجمة‬ ‫قناة امللحدين بالعريب‬

‫كيف تناظر مداف ًعا عن املسيحية ‪2‬‬ ‫‪14‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية ‪2‬‬

‫مخالف العقل‪.‬‬ ‫ •ي ّدعي امللحدون بأنّ الكون ظهر للوجود من ال يش ٍء‪ ،‬وال ميكنني تصديق هذا‪ ،‬ألنّه‬ ‫ٌ‬

‫إذا كنت عاج ًزا عن التّصديق‪ ،‬فهذا ال يعني أ ّن األمر مل يحدث‪ ،‬فهناك عد ٌد من التّفسريات املمكنة واملتعلقة باألصل‬ ‫ٍ‬ ‫مستحيل‪ ،‬فعليك‬ ‫ٌ‬ ‫رصا عىل أ ّن األمر‬ ‫الطّبيعي للكون‪ ،‬نرشها علام ٌء متخصصون يف‬ ‫مجالت علمي ٍة مرموق ٍة‪ ،‬فإ ّن كنت ُم ً‬ ‫إثبات خطأهم‪.‬‬ ‫مهل‪ ..‬هل ت ُل ِمح إىل استحالة ظهور الكون من العدم بأم ٍر من اللّه؟ أم بوجود اللّه يصبح ذات الكالم الذي خالف‬ ‫ث ّم ً‬ ‫عقلك منذ قليلٍ موافقًا له؟‬ ‫مالحظة‪ :‬إ ْن كنت تبحث عن تفاصيل أكرث يف موضوع نشوء الكون‪ ،‬فأطّلع عىل ال ّنقاش بني عامل الكون شون كارول‬ ‫‪ Sean Carroll‬واملؤمن ويليام الين كرياغ ‪ William Lane Craig‬يف ندوة جرير هريد‪Greer-Heard symposium‬‬ ‫يف جامعة نيواورليانز يف الحادي والعرشين من شباط ‪.2014‬‬

‫ •من أين أتت قوانني الفيزياء؟‬ ‫متأصل يف الكون‪ ،‬وليس أوام ًرا عىل األشياء املادية طاعتها‪ ،‬إنّها مبادئٌ بناها‬ ‫ً‬ ‫ما نسميه قوانني الفيزياء‪ ،‬ليس أم ًرا‬ ‫كنامذج لوصف مالحظاتهم‪.‬‬ ‫الفيزيائيون‬ ‫َ‬ ‫أي منوذ ٍج فيزيا ٍيئ مع األشياء الحقيقية يف الواقع بشكلٍ‬ ‫مطلق‪ ،‬بالطّبع ال بد أنّها تتوافق‬ ‫ٍ‬ ‫فال يجب أب ًدا أ ْن نفرتض توافق ّ‬ ‫سبيل ملعرفة مدى هذا التّوافق بالذّات‪ ،‬لهذا ال ّنقاش يف‬ ‫مع الواقع كونها بُنيت اعتام ًدا عىل املالحظات‪ ،‬لكن ليس لدينا ٌ‬ ‫هذه ال ّنقطة مضيع ٌة للوقت‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫ •لو كانت الثّوابت الفيزيائية مختلف ٌة بشكلٍ‬ ‫بالصدفة‬ ‫بسيط لكانت الحياة مستحيل ًة‪ ،‬فإمكانية حدوثها ّ‬ ‫دقيق‪.‬‬ ‫مالئم ٍ‬ ‫أم ٌر صغري االحتامل للغاية‪ ،‬فالبد أنّ اللّه هو ُمرتبها وقَ َد َرها بشكلٍ ٍ‬ ‫السؤال‪ ،‬ولن يكون تطور الحياة بالشّ كل‬ ‫لو كانت قيم الثّوابت مختلف ًة‪ ،‬فلن نكون موجودين لنطرح هذا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عمليات محاكا ٍة بواسطة الحاسوب‪،‬‬ ‫الذّي نعرفه اليوم ممك ًنا‪ .‬لقد قام عد ٌد من العلامء األكفاء بعدة‬ ‫وبشكلٍ مستقلٍ ‪ ،‬ووجدوا أ ّن نشوء الحياة ممك ٌن حتى مع تغري قيم الثّوابت بشكلٍ واسعٍ‪ ،‬وإ ْن مل يكن‬ ‫ُمطابقًا للحياة التّي نعرفها اليوم‪ ،‬ومن الخطأ االفرتاض بأ َّن الحياة األرضية هي الشّ كل الوحيد املمكن‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية ‪2‬‬

‫ٍ‬ ‫الصغر‪ ،‬ضع يف االعتبار جميع االحتامالت‬ ‫كام أ َّن هناك دامئًا أحداثٌ تقع رغم أنّها ذات إمكانية‬ ‫حدوث متناهي ٍة يف ّ‬ ‫املؤدية لعدم وجود أجدادك‪ ،‬عندها قل يل ما هواحتامل وجودك أنت؟‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حدث آخر‪ ،‬البد من مقارنة احتامل حدوث كلٍ منهام‪.‬‬ ‫حدث ما أكرث من‬ ‫للحكم عىل إمكانية وقوع‬ ‫فام احتامل وجود كائنٍ خارقٍ ُمطلق الخري واملعرفة والقوة‪ ،‬يُرشف عىل الكون بأكمله ويف نفس الوقت يقود كل ورقة‬ ‫طفل صغ ًريا جدي ًدا ميوت بشكلٍ‬ ‫مأساوي بسبب فقر ال ّدم‬ ‫شج ٍر تسقط عىل األرض‪ ،‬مستم ًعا ألفكار كل إنسانٍ ‪ ،‬وتاركًا ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ساعات يف الواليات املتحدة؟‬ ‫كل أربع‬ ‫متناقض منطقيًا مع كل هذا الكم من األمل واملعاناة يف العامل‪ ،‬وهذه‬ ‫يف الواقع‪ ،‬إ ّن إل ًها مطلق الخري واملعرفة والقوة‪ ،‬أم ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫اللدينني‪.‬‬ ‫هي أقوى حج ٍة تدعم موقف ّ‬

‫ •أعطى اللّه اإلنسان إراد ًة حرةً‪ ،‬لذلك ال ميكنه ال ّتحكم باملعاناة‪.‬‬ ‫قد ال ميكنه التّحكم باملعاناة التي يُسببها البرش‪ ،‬لكن ال عالقة للبرش بالكوارث البيئية واألمراض التي تقتل آالف ال ّناس‬ ‫عام‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫‪16‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية ‪2‬‬ ‫كيف ميكن لألخالق املجردة أنْ توجد بدون وجود الله؟‬ ‫طرح سقراط معضلته األخالقية هذه يف إحدى حواراته املؤرخة عام ‪ 399‬قبل امليالد واملسامة ‪ ،Euthyphro‬حيث تقول‪:‬‬ ‫أفعال معين ًة جيد ٌة بطبيعتها‪.‬‬ ‫‪ .1‬إ ّما أ ّن الله يجعلنا نقوم مبا هو جي ٌد‪ ،‬أل ّن ً‬ ‫الشء يكون جي ًدا فقط أل ّن اللّه يريد ذلك‪.‬‬ ‫‪ .2‬أو أ ّن ّ‬ ‫فإذا أخذنا االحتامل ‪ 1‬فا ّن القيم األخالقية املجردة مستقل ٌة عن اللّه‪ ،‬وإذا أخذنا االحتامل ‪ 2‬فليس هنالك ما يُسمى‬ ‫باألخالقيات أل ّن اللّه يستطيع أ ْن يريد ما يشاء‪ ،‬ويف هذه الحالة إ ْن أراد منك قتل طفلٍ رضيعٍ فهل ستفعل؟ هل سيكون‬ ‫ذلك أخالقيًا كون اللّه أراده وأمر به ؟!‬ ‫إ ْن قلت إ ّن هذا ٍ‬ ‫مناف لطبيعة اللّه فإنّك تتبنى االحتامل ‪ .1‬مؤك ًدا أ ّن هنالك أخالقياتٌ ال تعتمد عىل وجود اللّه‪ ،‬وهكذا‬ ‫تكون أخالقيات امللحد املجردة مطابق ٌة ألخالقيات املؤمن املجردة‪.‬‬

‫أي تعتمد عىل املوقف؟‬ ‫ •أال يعتقد امللحدون بأنّ األخالق نسبي ٌة‪ْ ،‬‬ ‫رمبا يعتقد بعض امللحدين بذلك‪ ،‬فليس هناك عقيد ٌة يجب عىل جميع امللحدين اتباعها‪ .‬ولكن أغلب امللحدين وال ّدينني‬ ‫السنني نتيجة حاجتنا للعيش م ًعا يف‬ ‫يسعون إىل نفس املجموعة من األخالقيات املجردة التي تطورت عىل مدى آالف ّ‬ ‫املجتمع‪ ،‬العديد من ال ّدراسات بينت أ ّن امللحدين أخالقيني بنفس املستوى‪ ،‬ورمبا أكرث أخالقي ًة‪ ،‬من املسيحيني‪.‬‬

‫ •ماذا عن ماليني ال ّناس الذّين قُتِلوا عىل يد ٍ‬ ‫أناس ملحدين ‪ :‬هتلر‪ ،‬ستالني‪ ،‬ماو‪ ،‬بول بوت (‪ )Pol Pot‬؟‬ ‫هتلر مل يكن ملح ًدا‪ .‬البقية مل يَقتلُوا باسم اإللحاد‪ ،‬بينام قتل املسيحيون واملسلمون والهندوس وغريهم املاليني باسم‬ ‫مسؤول عن مقتل مليون إنسانٍ بري ٍء خالل الحملة‬ ‫ً‬ ‫آلهتهم‪ ،‬البابا أنوسنت الثّالث ‪ Pope Innocent III‬لوحده كان‬ ‫الصليبية ال ّرابعة‪ ،‬لو كان هناك شخصي ٌة تاريخي ٌة أُ ِسيئَت تسميتها بشكلٍ مخزي‪ ،‬فهو البابا إنوسنت الثّالث‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ •هناك أدل ٌة مقنع ٌة بأنّ املسيح كان شخصي ًة تاريخي ًة قام باملعجزات‪ ،‬وقام من املوت‪.‬‬ ‫أصل‪ .‬فقد ت ّم ذكره فقط يف العهد الجديد‪ ،‬والذّي‬ ‫أي أدل ٍة بأ ّن املسيح الوارد يف األناجيل قد ُو ِج َد ً‬ ‫قط ًعا ليس هنالك ّ‬ ‫كُ ِت َب بعد موته ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مم يقرتح وجود املسيح‬ ‫بوقت طويلٍ بأقالم‬ ‫أشخاص مل يكونوا يعرفونه‪ ،‬والقديس بولس قال القليل ج ًدا ّ‬ ‫‪17‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية ‪2‬‬

‫التّاريخي‪ .‬كام أنّه مل يعرف املسيح‪" .‬إثباتاته" عن املسيح كانت فقط نِتاج رؤاه الباطنية ال ّروحية‪ .‬يقول القديس بولس‬ ‫أي إنسانٍ ‪ ،‬وال‬ ‫« أريدكم أنْ تعرفوا‪ ،‬إخويت وأخوايت‪ ،‬بأنّ اإلنجيل ال ّذي أويص به ليس نتا ًجا برشيًا‪ .‬أنا مل أتلقاه من ّ‬ ‫َعل ْمتُهُ ‪ ،‬بل تلقيته بإيحا ٍء من يسوع املسيح‪( ».‬ال ّرسالة إىل أهل غالطية‪.)1:11-12‬‬ ‫حقيقة أ ّن املسيح مل يُذكر من قبل العديد من املؤرخني ال ّرومانيني يف ذلك الوقت الذّين عاش بعضهم يف القدس وكتبوا‬ ‫حقيقي فإنّه‬ ‫مجال للشّ ك بأ ّن يسوع املوضح يف األناجيل هو إ ْن مل يكن عىل األغلب غ ُري‬ ‫بكرث ٍة وغزار ٍة تثبت مبا ال يدع ً‬ ‫ٍ‬ ‫بكل ٍ‬ ‫أي حا ٍل الباحثون املحايدون يختلفون حول قضية كون اليسوع شخصي ًة تاريخي ًة‪.‬‬ ‫تأكيد شخصي ٌة خرافي ٌة‪ .‬ولكن عىل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متعفف ينرش خرب نهاية العامل للعامة‪ .‬روبرت‬ ‫كواعظ‬ ‫بارت ايهرمان ‪ Bart Ehrman‬يعتقد أ ّن املسيح كان موجو ًدا ولكن‬ ‫برايس ‪ Robert Price‬ال يعتقد بأنّه كان تاريخ ًيا‪.‬‬

‫ •ماذا عن يوسيفوس فالفيوس ‪ Josephus‬و تاسيتس ‪ Tacitus‬؟‬ ‫الصلب املزعوم للمسيح‪ ،‬لذا من الواضح بأنّهام مل يكونا شاهدي عيان وكتبوا بعد ٍ‬ ‫وقت طويل من‬ ‫كالهام ولد بعد ّ‬ ‫الحادثة املفرتضة‪ .‬من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬االقتباس الذّي يُستخدم بكرث ٍة عن يوسيفوس‬ ‫رجل»‬ ‫رجل حكي ٌم‪ ،‬لو كان هناك حقًا يف أ ْن ندعوه ً‬ ‫«يف هذا الوقت هناك املسيح‪ٌ ،‬‬ ‫هذا االقتباس أصبح من املُسلَم به اليوم أنّه ُز ِور وأُضيف الحقًا‪ .‬إ ّن تاسيتس ويوسيفوس بأفضل االحتامالت كانا يكتبان‬ ‫عن طائفة ٍ‬ ‫موت جديد ٍة يف ذلك الحني والتي ُسميت باملسيحية‪ ،‬والتي كانت موجود ٌة بالفعل يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫ •هناك أدلة عىل وجود املسيح بقدر األدلة عىل وجود سقراط‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص ‪ :‬أفالطون‪،‬‬ ‫حقيقي؛ بينام كتب عن سقراط ثالثة‬ ‫حي‬ ‫ٌ‬ ‫ليس صحي ًحا‪ .‬ال أحد ممن كتب عن املسيح عرفه كإنسانٍ ٌ‬ ‫أريستوفان‪ ،‬زينوفون‪ ،‬جميعهم كانوا يعرفونه شخص ًيا‪.‬‬

‫عظيم حلت تعاليمه مكان العهد القديم وجلبت مع ًنى جدي ًدا لألخالق إىل‬ ‫معلم أخالق ًيا‬ ‫ً‬ ‫ •املسيح كان ً‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية ‪2‬‬ ‫فإن‬ ‫يف إنجيل متى ‪ 5:17-5:18‬يقول يسوع‪«،‬ال تظنوا ّأن جئت ألنقض ال ّناموس أو األنبياء‪ .‬ما جئت ألنقض بل ألكمل‪ّ .‬‬ ‫السامء واألرض ال يزول ٌ‬ ‫كامل »‪.‬‬ ‫حرف واح ٌد أو نقط ٌة واحد ٌة من ال ّناموس حتى يُطَبق ً‬ ‫الحق أقول لكم ‪ :‬إىل أ ْن تزول ّ‬

‫ ‬

‫واثق أ َّن خصمي ميكنه العثور عىل مقطعٍ يقول‬ ‫ولكن بغض ال ّنظر عن هذا االقتباس‪ ،‬اإلنجيل ميل ٌء بالتّناقضات‪ ،‬لذا أنا ٌ‬ ‫فيه املسيح العكس‪.‬‬ ‫أي منها مل تكن من إنجازه‪ .‬ليس هناك تعليامتٌ أخالقي ٌة هام ٌة‬ ‫بالطّبع العديد من تعاليم املسيح كانت أخالقي ًة‪ .‬ولكن ٌ‬ ‫السنني يف العديد من الثّقافات املختلفة‪.‬‬ ‫للمسيح مثل‪ -‬القاعدة الذّهبية‪ -‬مل تظهر أبك َر مبئات ّ‬ ‫األهم من ذلك‪ ،‬ميكنك البحث جي ًدا وستجد العديد من أقوال املسيح غري األخالقية وفقًا للمعايري الحديثة‪.‬‬ ‫فإن‬ ‫يف إنجيل متى ‪ 34-35 :10‬حيث يقول‪« :‬ال تظنوا ّأن جئت أللقي سال ًما عىل األرض ما جئت أللقي سال ًما بل سيفًا‪ّ .‬‬ ‫جئت ألفرق اإلنسان ضد أبيه واالبنة ضد أمها والكنه ضد حامتها‪».‬‬ ‫وأيضا يف نفس اإلنجيل ‪« :37 :10‬من أحب أبًا أو أ ًّما أكرث مني فال يستحقني ومن أحب اب ًنا او ابن ًة أكرث مني فال‬ ‫ً‬ ‫يستحقني‪».‬‬ ‫جنب مع إله العهد‬ ‫لكن ما يجعل يسوع واح ًدا من أكرث الشّ خصيات الكريهة يف ما قدمته املخيلة البرشية‪ ،‬جن ًبا إىل ٍ‬ ‫(نقل عن ريتشارد دوكينز)‪ ،‬هي أنّه توعد كل ٍ‬ ‫الستة‬ ‫القديم يهوه ً‬ ‫شخص عىل األرض ال يقوم بعبادته بالخلود يف جه ّنم‪ّ .‬‬ ‫ماليني يهودي الذين ماتوا يف الهولوكوست انتقلوا من فرنٍ إىل آخر‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية ‪2‬‬ ‫ •امللحدون يؤمنون بأنّ الواقع فقط املادة‪ .‬لكن هناك العديد من األمثلة عىل أمور غري مادي ٍة كاألفكار‪،‬‬ ‫املشاعر‪ ،‬املعرفة‪ ،‬املنطق وال ّرياضيات‪ .‬كيف ميكن لهذا املوقف أنْ يتوافق مع العامل املادي البحت؟‬ ‫مر ًة أخرى‪ ،‬ليس هناك عقيد ٌة أو دوغام خاصة يؤمن بها امللحدون‪ ،‬وهنالك العديد من امللحدين ليسوا ماديني‪.‬‬ ‫بينام العنارص التّي تذكر ليست أشياء مادي ًة‪ ،‬فإنّها تظهر فقط يف صيغٍ وأط ٍر مادي ٍة‪ .‬األفكار والعواطف هي اإلشارات‬ ‫أي أفكا ٍر أو عواطف‪.‬‬ ‫الكهروكيميائية التي ميكن مالحظتها يف ال ّدماغ‪ .‬لو مل يكن هنالك أدمغ ٌة‪ ،‬لن يكون هناك ُّ‬ ‫يتم تخزين املعلومات بشكلٍ رقمي الثّنايئ داخل أجهزة كمبيوتر مادي ٍة بشكلٍ كاملٍ ‪ .‬املنطق وال ّرياضيات تعرض بواسطة‬ ‫السبورة‪.‬‬ ‫جزيئات الغرافيت أو الحرب عىل الورق‪ ،‬أو جزيئات من الطّباشري عىل ّ‬

‫ •إن مل يكن هنالك إل ٌه‪ ،‬كيف يكون هنالك مع ًنى وغاي ًة للحياة ؟‬ ‫أي نو ٍع من اإلميان كان عنده بوجود اإلله‬ ‫عندما رأى داروين كل اآلالم واملعاناة التي توجد بني الكائنات الح ّية‪ ،‬فقد ّ‬ ‫الخي ‪ .‬أما بال ّنسبة لحياة اإلنسان‪ ،‬فإنّه وملعظم التّاريخ ‪ ،‬كام قال توماس هوبز‪ Thomas Hobbes‬فإنّها كانت‬ ‫ال ّرحيم أو ِّ‬ ‫«فظيع ًة‪ ،‬وحشي ًة وقصريةً‪ ».‬ولكن هذا قد تغري ‪ -‬عىل األقل بال ّنسبة لبعضنا الذين؛ هم محظوظون بالعيش يف العامل‬ ‫املتقدم‪ .‬وبفضل العلم ‪-‬وليس ال ّدين– تحررنا من الكثري من األمل واملعاناة‪.‬‬ ‫السابق دان باركر‪ Dan Barker‬إنّه «ال يوجد غاياتٌ ساموي ٌة للحياة » ولكن هنالك «حيا ٌة تقودها‬ ‫يقول الواعظ ّ‬ ‫الغايات»‪ ،‬لدينا الوقت والوسائل لتحقيق أهدافًا أخرى تتجاوز هدف البقاء عىل قيد الحياة‪ ،‬ولدينا فرصة عيش حيا ًة‬ ‫سعيد ًة ج ًدا‪ ،‬حيا ٌة ذات مع ًنى‪ ،‬الحقيقة الشّ به مؤكد ٌة القائلة بأنّه ال يوجد هنالك حيا ٌة بعد املوت تعطينا األسباب‬ ‫وأي‬ ‫وال ّدافع لنعيش حياتنا الحالية‪ ،‬يو ًما ٍ‬ ‫السفر‪ّ ،‬‬ ‫بيوم‪ ،‬ونستمتع بكل متع الحياة املتوفرة لنا يف العائلة‪ ،‬الفن‪ ،‬املوسيقى‪ّ ،‬‬ ‫عملٍ ُيكن أ ْن يجعل لحياتنا مع ًنى وغاي ًة يف الوقت الحارض‪.‬‬

‫رش‬ ‫ •الكثري من ال ّناس و من ضمنهم أنا‪ ،‬قد م ّروا بتجرب ٍة ديني ٍة شخصي ٍة‪ ،‬وهي عندما يشعرون بتواصلٍ مبا ٍ‬ ‫أيضا؟!‬ ‫مع اللّه أو أنّهم زارو الج ّنة (تجارب القرب من املوت) هذه‬ ‫حقائق تجريبي ٌة ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫هلوسات‪ ،‬كلها فقط يف رأس الشّ خص الذي ي ّدعيها ؟‬ ‫كيف ميكنك إثبات أنّها مل تكن مجرد‬ ‫انا سأقول لك كيف ! كل مايجب أ ْن يحدث هو أ ْن يعود الشّ خص ببعض املعرفة أو املعلومات من تجربته والتّي ال ميكن‬ ‫مثال‪:‬‬ ‫أ ْن يعرفها قبل تجربته‪ .‬وسأطرح ً‬ ‫‪20‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية ‪2‬‬

‫شخصا ما قابل جيمي هوفا‪ Jimmy Hoffa‬يف الج ّنة (جيمي هوفا هو رئيس اتحا ٍد عام ٍيل‬ ‫افرتض أ َّن‬ ‫ً‬ ‫أمرييك اختفى عام ‪ 1975‬ويُعتقد أنّه ُق ِت َل) و أبلغه جيمي مبكان دفنه‪ ،‬عندما سيبلغ هذا الشّ خص‬ ‫ٍ‬ ‫للسلطات املختصة لتقوم بالبحث عن جثة جيمي يف ذلك املكان وتجده وتتعرف عليه‬ ‫هذا املوقع ّ‬ ‫عن طريق الحمض ال ّنووي الخاص به‪ .‬عندها فقط ميكن القول بأ ّن هذه الظاهرة تجريبي ٌة حقيقي ٌة‪.‬‬ ‫ال يشء مشاب ٌه لهذا سبق وحدث آلالف املتدينني الذين مروا بتلك التّجارب عىل مدى قرونٍ ‪.‬‬

‫سبب جي ٌد لعدم اإلميان‪ ،‬عندما تؤمن‬ ‫ •هنالك كل األسباب التي تدعو لإلميان بإل ٍه ولكن ليس هنالك ٌ‬ ‫فلديك كل يش ٍء لتكسبه وال يشء لتخرسه (رهان باسكال)‬ ‫بإمكانك أن تتبنى ال ّرهان إ ْن أردت‪ ،‬ولكن هذا ال يجعل اللّه موجو ًدا‪ ،‬يف حال مل يكن اللّه موجو ًدا فكر بكم الوقت واملال‬ ‫الذي تضيعه يف حياتك يف الذّهاب إىل الكنيسة‪ ،‬واألكرث من هذا‪ ،‬لو كان اللّه إل ًها بالفعل‪ ،‬أليس من املنطقي أن يُفضل‬ ‫أ ْن يشارك األبدية مع ٍ‬ ‫شخص مل يؤمن به بصدق بسبب عدم توفر األدلة الكافية ويفضله عىل الشّ خص الكذاب الذّي‬ ‫تظاهر بأنّه مؤم ٌن فقط ليك يصل إىل الج ّنة يف حال وجود اللّه ؟‬

‫ •مليارات ال ّناس لديها جو ٌع تجاه اللّه‪ ،‬كلنا لدينا‪ -‬ثغرةٌ‪ -‬ميلؤها اإلله يف قلوبنا‪ ،‬لو مل يكن هنالك طعا ٌم‪،‬‬ ‫فلن يكون هنالك يش ٌء لنجوع من أجله‪.‬‬ ‫بأي جو ٍع ت ُجاه اللّه‪ ،‬كام أ َّن هذا الجوع بح ّد ذاته ال يعني أ َّن اللّه موجو ٌد‪ ،‬أنا أجوع‬ ‫هنالك مليارات ال ّناس التّي ال تشعر ِّ‬ ‫وأتوق للبيتزا املثالية‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أنّها موجود ٌة كوين أفكر فيها وأتخيلها‪.‬‬

‫ •املؤمنون أكرث صح ًة وسعاد ًة من غري املؤمنني‬ ‫حتى لو كان هذا صحي ًحا فإنّه ال يعني بأ ّن اللّه موجو ٌد‪ ،‬ولك ّنه غري صحي ٍح‪ ،‬يف الواقع أكرث املجتمعات صح ًة و سعاد ًة هي‬ ‫سب عالي ٌة من غري املؤمنني‪ ،‬مثل ال ّدمنارك وال ّدول االسكندنافية‪ ،‬يف الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫املجتمعات التي فيها نِ ٌ‬ ‫أظهرت اإلحصائيات أ َّن امللحدين أكرث صح ًة وسعاد ًة من املؤمنني‪ ،‬بل أكرث من هذا‪ ،‬ال ّدراسات العلمية ال ّدقيقة فشلت‬ ‫الصحة‪.‬‬ ‫ُحسن ّ‬ ‫أي دليلٍ يثبت أ َّن ّ‬ ‫يف إيجاد ِّ‬ ‫الصالة ت ّ‬

‫‪21‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية ‪2‬‬ ‫ •ماذا عن ال ّدراسات ال ّتي تقول بأنَّ الذّين يذهبون للكنيسة أكرث صح ًة من الذّين ال يذهبون ؟‬ ‫حس ًنا‪ ،‬ليس هنالك تدخ ٌني يف الكنيسة‪ ،‬والكثري من ال ّناس مرىض لدرج ِة أنّهم ال يستطيعون الذّهاب للكنيسة‬ ‫يف الحقيقية‪ ،‬هذه ال ّدراسات غري حاسم ٍة وغري دقيق ٍة ألنّها ال تقارن عين ًة من الذّين يذهبون للكنيسة مع عين ٍة من الذين‬ ‫ال يذهبون للكنيسة يف نفس املناطق الجغرافية‪ ،‬فال ّدراسة العلمية التّي ال تحتوي عىل عين ٍة مقارن ٍة مناسب ٍة هي دراسة‬ ‫غري ذات قيم ٍة‪.‬‬

‫ •فقط بسبب عدم وجود دليلٍ عىل اللّه فهذا ال يعني أنَّ اللّه غري موجو ٍد‪ ،‬غياب ال ّدليل ليس ً‬ ‫دليل عىل‬ ‫الغياب‬ ‫دليل عىل الغياب عندما يجب أ ْن يكون هنالك حاج ٌة لل ّدليل وال ّدليل غري موجو ٍد‪ ،‬إذا كان اللّه الذّي‬ ‫غياب ال ّدليل هو ٌ‬ ‫يعبده أغلب ال ّناس موجو ًدا لكان من املفروض أ ْن نرى األدلة عىل وجوده‪ ،‬وحقيق ًة أنّنا ال نرى هذه األدلة يثبت مبا ال‬ ‫مجال للشّ ك بأ ّن اللّه غري موجو ٍد‪.‬‬ ‫يدع ً‬ ‫قل احتامل أ ْن يكون متدي ًنا‪ ،‬اإلحصائيات أظهرت أ َّن امللحدين يعرفون عن‬ ‫كُلام تعمق اإلنسان أكرث يف ال ّدين كُلام َّ‬ ‫األديان أكرث من املؤمنني‪ ،‬الكثري من الوعاظ االنجيليني كتبوا بشكلٍ ٍ‬ ‫جيد وبليغٍ عن كيفية فقدان إميانهم عندما اكتشفوا‬ ‫بعضا منهم ‪ :‬بارت ايرمان‬ ‫الحقيقة بخصوص اإلنجيل وكيف متت كتابته وحني تأملوا يف املعاناة التي يف العامل‪ ،‬سنذكر ً‬ ‫‪ ،Bart Ehrman‬دان باركر‪ ،Dan Barker‬وجون لوفتوس‪.John Loftus‬‬ ‫الكثري من قساوسة ال ّدين يَ ْخرجون من خزانتهم اآلن‪ ،‬فهم ال يستطيعون أن يستمروا يف احرتام ذاتهم عندما يوعظون‬ ‫بالهراء الذي قيل لهم أ ْن يُ َدرِسوه لجامعاتهم‪.‬‬ ‫لقد بدأنا نقرتب من الوقت الذي ميكننا فيه تخيل العامل بدون دينٍ ‪ ،‬وعندما يحدث هذا سيكون العامل مكانًا أفضل‪.‬‬

‫‪22‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup

23


‫كتاب‬ ‫قراء ٌة يف ٍ‬

‫للشيعة اإلسالم ّية‪:‬‬ ‫الجذور التاريخ ّية ّ‬ ‫خليل عبد الكريم‬ ‫ماذا رأيتم من اللّه حتّى تكرهوا رشيعته ؟ّ!‬ ‫ٌ‬ ‫بكل‬ ‫الشيعة اإلسالم ّية ّ‬ ‫سؤال يسأله أنصار‬ ‫ِ‬ ‫تطبيق ّ‬ ‫براء ٍة وسذاج ٍة لكل من يُطالب ِ‬ ‫األخذ بالحداثة‬ ‫والتّنظيامت االجتامعية الجديدة وترك‬ ‫القديم الّذي مل يعد يُناسب عرصنا‪ ،‬هذا‬ ‫للسخرية‬ ‫الساذج تح ّول إىل أدا ٍة ّ‬ ‫السؤال ّ‬ ‫ّ‬ ‫من هؤالء املتديّنني املؤمنني من أ ّن‬ ‫الشيعة اإلسالم ّية هي من عند اللّه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبذلك هي رشيعة اللّه الّتي يجب‬ ‫أن ت ُط ّبق عىل املسلمني جمي ًعا‪،‬‬ ‫زنديق أو‬ ‫ومن يرفضها كاف ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫علام ٌّين ملح ٌد ال يعرتف‬ ‫بوجود إل ٍه يُنظِّم شؤو َن‬ ‫هذا الكون‪ ،‬ويف القلب‬ ‫منه هذا الكوكب‬ ‫األزرق الجميل ‪.‬‬

‫شقيق الطاهر‬

‫‪24‬‬


‫كتاب‬ ‫قراء ٌة يف ٍ‬ ‫للشيعة اإلسالم ّية‬ ‫الجذور التاريخ ّية ّ‬

‫شقيق الطاهر‬

‫السذَّج يف حال رشيعتهم الّتي يقاتلون يف سبيل وضعها موضع التّنفيذ‪ ،‬ويقطعون ال ّرؤوس‬ ‫لكن لو تع ّمق هؤالء املؤمنون ُّ‬ ‫والس ّنة‪ ،‬لو أعملوا عقولهم‬ ‫يف سبيلها‪ ،‬وهم سعدا ٌء يظُ ُّنون أنّهم ينفّذون أوامر ربّهم وتعليامته الّتي وردت يف القرآن ّ‬ ‫الشيعة ما هي إالّ عاداتٌ وتقاليد العرب قبل اإلسالم‪ ،‬أضاف إليها مح ّم ٌد هال ًة من‬ ‫وش ّغلوا أدمغتهم لوجدوا أ ّن هذه ّ‬ ‫مسلم وسط ًّيا منهم قرأ هذه املُق ِّدمة سي ُم ُّط‬ ‫القداسة‪ ،‬فأصبحت ِحكامً ربَّان َّي ًة ال يجوز االلتفات عنها أو تجاهلها؛ ولو أ ّن‬ ‫ً‬ ‫شفتيه غاضبًا ُمتجاهالً هذا الكالم‪ ،‬وقد ميتنع عن إكامل املوضوع إىل نهايته باعتباره حراماً أو فيه هجو ٌم وانتقا ٌد وطع ٌن‬ ‫الشيعة اإلسالم ّية؛ لكن نقول له مت ّهل يا مسلم‪ ،‬ال توجد منفع ٌة يف الجهل كام ال يوجد رض ٌر يف املعرفة‪.‬‬ ‫يف ّ‬ ‫قد يندهش الكث ُري من املؤمنني بال ّدين اإلسالمي لو عرفوا أ ّن دينهم أخذ الكثري من الشّ عائر ال ّديني ِة والتّعبدي ِة من‬ ‫الحج والعمرة وتعظيم الكعبة باعتبارها بيت اللّه الحرام‪،‬‬ ‫العرب(الكفّار) قبل اإلسالم‪ ،‬ونسبها إىل اإلسالم‪ ،‬أ ّولها شعرية ِّ‬ ‫وشهر رمضان وحرمة القتال يف األشهر ال ُح ُر ِم؛ ليس ذلك فحسب‪ ،‬بل أخذ ثالث ُة حدو ٍد نقلها من عرب الجاهليّة وجعلها‬ ‫السقة وح ُّد ال ِّزنا وح ُّد رشاب الخمر‪ ،‬ليس ذلك فقط بل أخذ شط ًرا كب ًريا من املسؤول ّية‬ ‫يف ّ‬ ‫الشيعة اإلسالم ّية‪ ،‬وهي‪ :‬ح ُّد ّ‬ ‫الجزائ ّية مثل القصاص والديّة والقسامة والعاقلة إلخ‪ ،‬أحيانًا كان يأخذ ال ّنظام بأكمله دون تحوي ٍر سوى تغيري االسم‪،‬‬ ‫غيات الطَّفيف ِة سوا ٌء بالزيّاد ِة أو ال ُّنقصان ‪.‬‬ ‫وأحيانًا يأخذ ال ِّنظام مع بعض التَّ ُّ‬

‫العرب هم ما ّدة اإلسالم كام قال العميد(ال ّدكتور طه حسني)‪ ،‬فهم مصدر ق ّوته العسكريّة يف الغزوات الّتي أ ّدت إىل نرش‬ ‫أيضا مصدر معظم األحكام والتّقاليد واألعراف الّتي جاء بها اإلسالم أو‬ ‫الصني‪ ،‬والعرب ً‬ ‫اإلسالم من غرب إسبّانيا حتّى رشق ِّ‬ ‫الشء الكثري بل والبالغ الوفرة يف كل ال ّنواحي االقتصادية واالجتامعية‬ ‫رشعها‪ ،‬وميكننا ّ‬ ‫بكل ثق ٍة أن نؤكِّد أن اإلسالم ورث َّ‬ ‫ّ‬ ‫وال ّدين ّية التعبديّة؛ وفيام ييل سن ُورِد لكم البعض من هذه األمور بقدر ما تحتملها املساحة املح ّددة للمقال ‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫كتاب‬ ‫قراء ٌة يف ٍ‬ ‫للشيعة اإلسالم ّية‬ ‫الجذور التاريخ ّية ّ‬

‫شقيق الطاهر‬

‫الشّ عائر ال ّتعبد ّية‬

‫ •تقديس الكعبة‬ ‫كان العرب قبل اإلسالم يُعظِّمون البيت الحرام‪ ،‬رغم وجود ما يزيد عن إحدى وعرشين كعب ًة يف جزيرة العرب ‪ -‬قبل‬ ‫اإلسالم‪ -‬إالّ أن القبائل العربيّة قاطب ًة أجمعت عىل تقديس الكعبة (كعبة مكّة) بل إ ّن بعض القبائل العربيّة الّتي كانت‬ ‫الحج إىل كعبة مكّة‪ ،‬ومن ش ّدة تقديسهم للكعبة كان ال ّرجل يرى قاتل‬ ‫تدين بال ّنرصان ّية واليهوديّة كانت تحرص عىل ّ‬ ‫ميسه بسو ٍء‪ ،‬وعندما جاء اإلسالم احتفظ بتقديس العرب للكعبة وأطلق عليها القرآن العديد‬ ‫أبيه يف البيت الحرام فال ّ‬ ‫من ألقاب التّرشيف‪.‬‬ ‫الحج والعمرة‬ ‫ • ّ‬ ‫كان العرب قبل اإلسالم ي ُح ُّجو َن يف شهر ذي ِ‬ ‫عام‪ ،‬وكانوا يقومون بنفس املناسك الّتي يؤ ِّديها املسلمون‬ ‫الح ّجة من كل ٍ‬ ‫الشك َّية الّتي كانت ت ُقال أثناء التلب ّية ( ل ّبيك اللّهم ل ّبيك) إلخ‪ ،‬وكذلك منع طواف العرايا‪،‬‬ ‫حتّى اليوم‪ ،‬عدا بعض العبارات َّ‬ ‫الحج الّتي كان العرب يؤدونها قبل اإلسالم من ارتداء مالبس اإلحرام؛ وسوق‬ ‫عدا ذلك فقد احتفظ اإلسالم بكل مناسك ّ‬ ‫أيضا‬ ‫الهدى والوقوف بعرفة‪ ،‬وال ّدفع إىل مزدلفة‪ ،‬والتو ّجه إىل منى لرمي الجمرات‪ ،‬ونحر الهدى‪ ،‬والطَّواف حول الكعبة ً‬ ‫ٍ‬ ‫الصفا واملروة؛ بل إنّهم كانوا يُس ُّمون‬ ‫يف سبعة‬ ‫والسعي بني ّ‬ ‫أشواط مل تزد ومل تنقص بعد اإلسالم‪ ،‬وتقبيل الح ّجر األسود ّ‬ ‫كانوا‪-‬أيضا‪-‬‬ ‫اليوم الثامن من ذي الح ّجة يوم الرتويّة‪ ،‬ويقفون بعرفات يف التاسع وتبدأ من العارش أيّام منى ورمي الجامر‬ ‫ً‬ ‫الحج ‪.‬‬ ‫يُس ُّمونها أيام الترشيق‪ ،‬كام كانوا يعتمرون يف غري أشهر ّ‬

‫‪26‬‬


‫كتاب‬ ‫قراء ٌة يف ٍ‬ ‫للشيعة اإلسالم ّية‬ ‫الجذور التاريخ ّية ّ‬

‫شقيق الطاهر‬

‫ •تقديس شهر رمضان‬ ‫ورد يف القرآن الكتاب املق ّدس للمسلمني « شَ ْه ُر َر َم َضا َن ال َِّذي أُنز َِل ِفي ِه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى لِّل َّن ِ‬ ‫اس » سورة البقرة اآلية‪ ،185‬وفيه‬ ‫ليلة القدر خ ٌري من ألف شهرٍ؛ وتقديس هذا الشّ هر مام ورثه اإلسالم من العرب يف الجاهل ّية فقد كان الحنف ُّيون يفعلون‬ ‫ذلك ومنهم َج ُّد ال َّنبي مح ّمد عبد املطّلب‪ ،‬إذ نقل إلينا اإلخباريّون أنه إذا جاء شهر رمضان شد مئزره وصعد إىل غار‬ ‫حراء وتح ّنث فيه‪ ،‬وأمر بإطعام املساكني طوال الشّ هر‪ ،‬ومثله كان يفعل عمرو بن زيد بن نفيل عم عمر بن الخطاب‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫فقد كان من الحنفاء ً‬ ‫ •تحريم القتال يف األشهر ال ُح ُرم‬ ‫الحج‬ ‫كانت العرب قاطب ًة‪،‬تعترب ذي القعدة وذي الح ّجة و ُمح َّرم ورجب أشه ًرا ُحر ًما ألنها األشهر الّتي يقع فيها موسم ّ‬ ‫تستحل‬ ‫ُّ‬ ‫إىل أكرب الكعبات وأقدسها (كعبة مكّة)‪ ،‬أما شهر رجب ففيه العمرة‪ ،‬وقيل إ ّن سبب التسم ّية أ ّن العرب كانت ال‬ ‫فيه القتال عدا خثعم وطيء فقد كانتا تستحالّن القتال يف الشُّ هور كلها‪ ،‬وملّا جاء اإلسالم احتفظ بنفس شعرية تحريم‬ ‫القتال يف هذه األشهر ال ُح ُرم األربعة ‪.‬‬ ‫ •تعظيم إبراهيم وإسامعيل‬ ‫كانت العرب قبل اإلسالم ت ُعظِّ ُم ال َّنبي إبراهيم وابنه إسامعيل‪ ،‬ويعتقدون أنّهام من وضعا قواعد البيت الحرام (الكعبة)‪،‬‬ ‫الحج إليها وملا جاء اإلسالم تب ّنى نفس االعتقاد‬ ‫وفرضا ّ‬ ‫ •يوم االجتامع العام (الجمعة)‬ ‫كان أ ّول من س َّمى يوم الجمعة هو (كعب بن لؤي)‪ ،‬وكان قبلها يُس َّمى يوم ال ُعروبة‪ ،‬وقيل إن أول من جمع املسلمني‬ ‫يوم الجمعة باملدينة هو سعد زرارة‪ ،‬وقيل مصعب بن عمري‪ ،‬وملا هاجر مح ّمد إىل يرثب أدركته الجمعة يف بني سامل بن‬ ‫وصل بهم ‪.‬‬ ‫عوف فخطب يف الناس أول خطبة جمع ٍة َّ‬ ‫هذه بعض الشَّ عائر التَّع ُّبديّة الّتي استعارها اإلسالم من القبائل العرب ّية‪ ،‬لكن اإلسالم مل يقتبس أو يستعر من القبائل‬ ‫أيضا من الحنيف ّية شعائرها ال ّدين ّية‪ ،‬وفيام ييل نكشف بعض هذه الشَّ عائر‬ ‫العرب ّية فقط شعائرهم التَّع ُّبديّة‪ ،‬بل اقتبس ً‬ ‫املقتبسة من الحنيف ّية ‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫كتاب‬ ‫قراء ٌة يف ٍ‬ ‫للشيعة اإلسالم ّية‬ ‫الجذور التاريخ ّية ّ‬

‫شقيق الطاهر‬

‫ال ُحنفاء مجموع ًة من ُعقالء العرب رفضوا عبادة األوثان ومل يجنحوا إىل اليهوديّة أو ال ّنرصانيّة إمنا قالوا بوحدانيّة اللّه‪،‬‬ ‫كانوا يرون أن ال ّدين عند اللّه هو الحنيف ّية ملّة إبراهيم ‪،‬ومل تكن الحركة الحنيف ّية محصور ًة يف الحجاز‪ ،‬بل انترشت يف‬ ‫الصلت الشّ اعر املعروف من سادات ثقيف‪ ،‬عمرو بن‬ ‫أجزا ٍء ُمتف ِّرق ٍة من الجزيرة العرب ّية‪ ،‬ومن أبرز الحنفاء أمية بن أيب ّ‬ ‫زيد بن نفيل ع ّم عمر بن الخطَّاب‪ ،‬عبد اللّه بن حجش ابن أخت حمزة بن عبد املطَّلب عم ال َّنبي مح ّمد‪ ،‬زهري بن أيب‬ ‫سلمى‪ ،‬لؤي بن كعب بن غالب ال َج ُّد األعىل لل َّنبي مح ّم ٍد‪ ،‬كذلك ع ّمه عبد املطَّلب وورقة ابن نوفل ابن عم خديجة‬ ‫زوجة مح ّمد األوىل ‪.‬‬ ‫رغم ضيق ح ِّيز الدعوة الحنيف ِّية واقتصارها عىل عد ٍد من الشُّ عراء الكبار الذين كانوا ُيثِّلون ِق َّم َة الوعي والثقافة يف ذلك‬ ‫الزمن‪ ،‬إالّ أن تأثريها ظهر جل ًّيا يف اإلسالم‪ ،‬نذكر من أهم تأثرياتها النفور من عبادة األوثان وعدم املشاركة يف أعيادها‬ ‫ومناسباتها‪ ،‬وتحريم األضاحي الّتي تُذبح لألصنام وعدم أكل لحمها‪ ،‬تحريم ال ِّربَا والخمر وح َّد شاربها‪ ،‬تحريم ال ِّزنا وح َّد‬ ‫السارق‬ ‫الب وإطعام املساكني‪ ،‬قطع يد ّ‬ ‫مرتكبيه‪ ،‬االعتكاف يف غار حراء يف شهر رمضان للتح ُّنث‪ ،‬اإلكثار من فعل أعامل ِ ِّ‬ ‫وأمر به ال َج ُّد املبارش لل َّنبي مح ّمد‪ ،‬وهو أستاذ الحنيف ّية برأي س ِّيد ال ِقمني‪ ،‬تحريم أكل امليتة وال ّدم ولحم الخنزير‪،‬‬ ‫تحريم وأد البنات وتح ُّمل نفقات ترب َّيتهن ‪.‬‬ ‫كام جاء يف طبقات بن سعد ج ‪ 3‬ص ‪ 381‬أ ّن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ابن ع ّم عمر بن الخطاب‪ ،‬كان يُحيي املوؤدة‪ ،‬يقول‬ ‫للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته‪ :‬مهالً أنا أكفيك مؤونتها فال تقتلها‪ ،‬وكان يأخذها فإذا ترعرعت قال ألبيها إن شئت دفعتها إليك‬ ‫وإن شئت كفيتك مؤونتها‪ ،‬وكان سعيد أحد أبرز الحنف ِّيني وكان يفعل ذلك بتأثري أبيه زيد ابن عمر ابن نفيل وس ًريا عىل نهجه ‪.‬‬ ‫الصوم‪ِ ،‬‬ ‫الختان‪ ،‬الغسل من الجنابة‪ ،‬اإلميان بالبعث وال ُّنشور والحساب ‪ .‬وكان‬ ‫ومن شعائر الحنف ِّيني كام قلنا من قبل ّ‬ ‫كل ذلك يوصل إىل الشَّ عرية الرئيس ّية الّتي يؤمن بها الحنفاء وهي وحدان ّية اللّه‪ ،‬وقد وافقهم اإلسالم عىل تلك الشَّ عائر‬ ‫ّ‬ ‫وبش ودعا إليها ‪.‬‬ ‫حسب تعبري اإلمام الحافظ أيب الفرج الجوزي َّ‬

‫الشَّ عائر االجتامعية‬

‫ •تع ُّدد ال ّزوجات‬ ‫ٍ‬ ‫زوجات‪ ،‬ولكنه مل يقف يف وجه‬ ‫كانت العرب قبل اإلسالم تُبيح التع ُّدد بغري ح ٍّد أقىص‪ ،‬وملا جاء اإلسالم ح َّدد ال ّزواج بأربع‬ ‫وأيضا إباح ٌة‬ ‫ما اعتاده العرب‪ ،‬ففتح لهم التع ُّدد من‬ ‫ٍ‬ ‫جانب أخر هو أن يُطلِّق ال ّرجل زوج ًة من األربعة ويتز ّوج أخرى‪ً ،‬‬ ‫الصحابة تز َّوجوا أكرث من واحد ٍة فمثالً‬ ‫والساري والجواري‪ ،‬لذلك يف كُتُب ُّ‬ ‫التاث نجد أ ّن ّ‬ ‫دون ح ٍّد أقىص يف ملك اليمني ّ‬ ‫الصحابيات‬ ‫الصديق تز ّوج أربعاً وعمر ابن الخطّاب تز ّوج تس ًعا ومثله عثامن بن عفَّان وعيل ابن أيب طالب‪ ،‬حتّى ّ‬ ‫أبو بكر ّ‬ ‫فيهن من تز ّوجت أكرث من رجل طب ًعا ليسوا م ًعا‪ ،‬إمنا الواحد تلو اآلخر‪ ،‬مثل عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل تز ّوجت‬ ‫خمسة رجا ٍل ‪،‬أم كلثوم بنت عقبة بن معيط تز ّوجت أربعة رجا ٍل ‪ ،‬عائشة بنت طلحة بن مح ّمد تز ّوجت ثالثة رجا ٍل‪،‬‬ ‫وغريه ّن كثريات م ّمن تز ّوجن أكرث من رجلٍ ‪ ،‬لكن املقام ال يحتمل ذكره َّن ‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫كتاب‬ ‫قراء ٌة يف ٍ‬ ‫للشيعة اإلسالم ّية‬ ‫الجذور التاريخ ّية ّ‬

‫شقيق الطاهر‬

‫الشَّ عائر الحرب ّية‬

‫ • ُخ ُمس الغنائم‬ ‫كان لرئيس القبيلة أو قائدها يف الغزوة أن يحصل عىل ربع الغنيمة‪ ،‬ويف حديث عدي بن حاتم (ربّعت يف الجاهل ّية‬ ‫وخ ّمست يف اإلسالم)‪ ،‬وبذلك كان حصول القائد عىل ُربع الغنائم من عادات العرب يف الجاهل ّية‪ ،‬وجاء اإلسالم وأبقى‬ ‫السبيل ‪.‬‬ ‫عليها لكن خفّضها إىل الخمس‪ ،‬وت ّم تحديد املصارف لباقي الغنيمة لليتامى واملساكني وأبناء ّ‬ ‫السلب‬ ‫ • ّ‬ ‫السلب هو أن يحصل املجاهد عىل متعلقات من قتله يف املعركة مثل سيفه‪ ،‬ودرعه ومالبسه‪،‬ودابّته وهذا العرف القبيل‬ ‫ّ‬ ‫بقضه وقضيضه إىل اإلسالم ‪.‬‬ ‫انتقل ّ‬ ‫الصفى‬ ‫ • ّ‬ ‫الصفى هو ما كان يأخذه قائد الغزوة أو رئيس القبيلة من الغنائم قبل تقسيمها‪ ،‬مثل ٍ‬ ‫سيف أو ٍ‬ ‫فرس أو أم ٍة‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫التاث أ ّن صف ّية بنت حيي بن‬ ‫التَّقليد كان سائ ًدا بني العرب يف الجاهل ّية‪ ،‬انتقل بالكامل إىل اإلسالم وكام قالت كُتُب ُّ‬ ‫الصفى حيث اصطفاها ال َّنبي مح ّمد لنفسه من غنائم غزوة بني قريظة‪.‬‬ ‫أخطب أم املؤمنني‪ ،‬كانت من ّ‬ ‫والصفى أصبحا من أه ّم موارد ال ّدولة اإلسالم ّية بعد وفاة ال َّنبي مح ّمد وخاص ًة األول ‪.‬‬ ‫والخمس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫للشيعة اإلسالم ّية ) للشيخ األزهري خليل عبد الكريم املحامي‪،‬‬ ‫املقال عبار ٌة عن‬ ‫تلخيص ل ِكتَاب ( الجذور التاريخ ّية ّ‬ ‫وبذلك املصادر الّتي اعتمد عليها موجود ٌة يف هوامش الكتاب ‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫عبادة محمد والتوسع االستعماري‬ ‫لعرب الجزيرة‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫رب واح ٌد يعبده املسيحيّون واليهود كذلك‪ .‬سبق‬ ‫يزعم الدين املحم ّدي أن املؤمن يعبد الواحد الق ّهار املدعو الله وهو ٌ‬ ‫وثني كان يعبده العرب قبل ميالد محمد القريش‪ .‬عندما‬ ‫وأن بي ّنت أن هوية هذا اإلله مستقا ٌة من رب القمر وهو إل ٌه ٌ‬ ‫جاء محمد ا ّدعى أنه مبعوثٌ من إل ٍه شاءت الصدف أنه يحمل اسم إله القمر (الله) و لكنه إله اليهود واملسيحيني‬ ‫واملسلمني كذلك! لو ص ّدقنا هذه القصة لقبلنا أن الله هو الخالق وأن محمد هو مجرد مراسلٍ له‪ .‬وفق هذا املنطق أيّهام‬ ‫أهم وأعىل مكان ًة‪ ،‬الله أم محمد؟ منطق األشياء سوف يقول أن الله أهم من محمد‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫‪30‬‬


‫التوسع‬ ‫عبادة محمد و ّ‬ ‫االستعامري لعرب الجزيرة‪.‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫كل! محمد أهم بكثري من الله‪ ،‬يف الواقع اإلسم الدقيق لدين محمد يجب أن يكون‬ ‫إسالمي هو ّ‬ ‫الجواب من منظو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫وسأبي ملاذا الحقاً‪ ،‬وليك ال يقول‬ ‫املحمديّة وليس اإلسالم‪ .‬استخدام مصطلح اإلسالم له أبعا ٌد استعامري ٌة وعسكري ٌة‬ ‫ّ‬ ‫لسبب ّما‪ ،‬رمبا بسبب الشك يف‬ ‫أحدهم أنني أرمي بالكالم عىل عواهنه سوف أسوق أدل ًة صارخ ًة ويتجاهلها املسلمون‬ ‫ٍ‬ ‫صحة دينهم‪.‬‬ ‫أيام و إال القتل‪ ،‬أما عقوبة اإلساءة إىل‬ ‫عقوبة املرتد عن دين الله‪ ،‬يعني ترك اإلسالم من أصله‪ ،‬هي اإلستتابة خالل ثالثة ٍ‬ ‫محمد أو التشكيك يف نب ّوته فهي القتل الفوري بدون محاكمة! القتل ملجرد التشكيك يف مصداقية انسان آخر؟ ملاذا؟‬ ‫و ملاذا ال تنطبق نفس العقوبة عىل التشكيك يف وجود الله؟ الجواب‪ :‬محمد أهم من الله ألن الدين هو دين محمد‬ ‫بالدرجة األوىل و الكالم عن الله هو تحصيل حاصلٍ و مكياج لزوم الصنعة‪ ،‬لذلك فإن اإلساءة إىل الله لن تؤثر عىل الدين‬ ‫اإلسالمي أما اإلساءة إىل محمد فستنسف دينه الشخيص من أساسه‪.‬‬ ‫فس عدم‬ ‫و من هنا فإن تقديس محمد‬ ‫واجب عىل كل البرش أما تقديس الله فهو شأن كل ديان ٍة عىل حدة‪ ،‬وهذا ما يُ ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫رجل مس ٌن ذو لحي ٍة بيضا ٍء و يلبس‬ ‫اكرتاث املسلمني عندما ت ُص ِّور الصحافة الغربية يف صفحات الكاريكاتري الله عىل أنه ٌ‬ ‫بأي شكلٍ من األشكال حتى و إن كان محرت ًما‪.‬‬ ‫رسم محمد ِّ‬ ‫نظارة قراءة بينام تقوم قيامتهم عندما يُ َ‬

‫عقيدة عبادة الشخص ّية عند العرب ‪Cult of Personality‬‬ ‫تقول ويكيبيديا أن عقيدة عبادة الشخص ّية تظهر‬ ‫عندما يستخدم قائد وسائل االتصال لخلق صور ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫صفات حميد ٍة ال تتوافر‬ ‫ُقدسه وت ُسبغ عليه‬ ‫عام ٍة ت ّ‬ ‫يف غريه عن طريق املديح والتبجيل املستمر‪ ،‬و ينتج‬ ‫عن ذلك تقديس العامة له بشكلٍ مبالغٍ فيه‪ ،‬وليس‬ ‫بالرضورة أن يكون ذلك أثناء حياة الشخص املُق َّدس‬ ‫بل ُيكن أن يحدث ذلك بواسطة أتباعه الذين‬ ‫لهم مصلح ٌة من استمرار األسطورة بعد مامته‪.‬‬ ‫رش مه ٌم أن‬ ‫تعظيم املسلمني املبالغ فيه ملحمد هو مؤ ٌ‬ ‫الدين اإلسالمي يحمل سامت عقيدة عبادة الشخص ّية‬ ‫واملتمثلة مبحمد وما هسترييا رسومات الدمنارك و فلم‬

‫‪31‬‬


‫التوسع‬ ‫عبادة محمد و ّ‬ ‫االستعامري لعرب الجزيرة‪.‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫ٍ‬ ‫وجل ومل‬ ‫برسومات كريكاتريي ٍة للموىل ع ّز ّ‬ ‫تعج الصحف واملجالت العاملية‬ ‫انعكاس‬ ‫"براءة املسلمني" إال‬ ‫طبيعي لذلك‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مسلم ٍ‬ ‫يحتج عىل ذلك أما محمد فهو "يف قلب كل مسلم"‪.‬‬ ‫نسمع صوت ٍ‬ ‫واحد ّ‬

‫نت أ َّن الدالئل تشري أ َّن محمد كانت تبدو عليه عوارض أمر ٍ‬ ‫اض نفسي ٍة أه ّمها السيكوباثية‪ ،‬يف الفقرات‬ ‫سبق و أن ب ّي ُ‬ ‫أيضا من الرنجس ّية وجنون العظمة وأ َّن دينه اإلسالمي ما هو إال عقيدة‬ ‫أبي أ َّن محمد كان يُعاين ً‬ ‫القليلة القادمة سوف ّ‬ ‫فس اختفاء شخص ّية الدكتاتور يف جميع‬ ‫عبادة الشخص ّية وهو يش ٌء اعتاد عليه العرب من فجر التاريخ إىل اليوم مام يُ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫دول العامل ما عدا الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬املسلم الصالح يحتاج إىل ٍ‬ ‫مستبد يقول له كيف يعيش حياته سواء‬ ‫قائد‬ ‫كان الله أو محمد أو بشار األسد‪ .‬شخصية محمد والظروف التي ظهر فيها أ ّدت إىل قيام حرك ٍة استعامري ٍة عربي ٍة إسمها‬ ‫اإلسالم‪.‬‬

‫الرسول يرسق األضواء من الله‬

‫املتابع للخطاب اإلسالمي اليوم سوف يالحظ أن ‪ 70%‬منه هو عن الرسول وأهله وأصحابه وغزواته املباركة بينام‬ ‫يحصل الله عىل ال ‪ 30%‬املتبقية بالكاد‪ ،‬واألسوء من ذلك أن قصص الله منقول ٌة حرف ًيا من الدينني املسيحي واليهودي‬ ‫"أصيل" و فري ٌد لحياته! عندما تدرس األديان األخرى مثل اليهودية ال تالحظ هذا الهوس‬ ‫ٌ‬ ‫توثيق‬ ‫أما قصص محمد فهي ٌ‬ ‫بسرية " ُرسلهم" فيتعاملون معها وكأنها أحداثٌ تاريخي ٌة يُستخلص منها قي ٌم ال أكرث وال أقل‪ .‬املسلمون‪ ،‬و عىل عكس ذلك‪،‬‬ ‫فضل و كيف كان يتفل‬ ‫هوس غري‬ ‫طبيعي برسولهم وطعامه امل ُ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لديهم ٌ‬ ‫فضل عندما يذهب إىل التواليت! يش ٌء غري طبيعي‬ ‫ووضعه امل ُ ّ‬ ‫بكل املعايري‪ ،‬إذ ما هي القيمة األخالقية التي ميكن أن‬ ‫نستخلصها من قيام الرسول باالستنجاء بثالث حجر ٍ‬ ‫ات‬ ‫بعد قضاء حاجته؟ كيف سيستفيد املسلم عندما‬ ‫يقرأ حديثًا كهذا‪ :‬حدّ ثنا سعيد بن منصور‪،‬‬ ‫وقتيبة بن سعيد‪ ،‬قاال حدّ ثنا يعقوب بن‬ ‫عبد الرحمن‪ ،‬عن أيب حازم‪ ،‬عن مسلم‬ ‫بن قرط‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬أن‬ ‫رسول الله صىل الله عليه وسلم‬ ‫قال ‏ «إذا ذهب أحدكم إىل‬ ‫الغائط ‏ فليذهب معه بثالثة‬ ‫أحجار يستطيب بهن فإنها‬ ‫تجزئ عنه»‏ سنن ايب داود‬ ‫‪32‬‬


‫التوسع‬ ‫عبادة محمد و ّ‬ ‫االستعامري لعرب الجزيرة‪.‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫‏طب ًعا‪ ،‬الجواب الظاهري هو أن العرب كانوا يف حال ٍة من التخلّف لدرجة أنهم يحتاجون لرسو ٍل من خالق الساموات‬ ‫واألرض ل ُيعلّمهم كيف ينظفون مؤخراتهم بعد الذهاب إىل التواليت‪ .‬رمبا‪ ،‬لكن السبب الرئيس لتوثيق أفعال محمد‬ ‫حتى كيفية ت ّربزه‪ ،‬ال وتسميتها "سرية عطرة" كذلك‪ ،‬هو ما قلته عن تعظيم الشخص بدل القيمة أو املبدأ‪ ،‬املسلم يعبد‬ ‫تجريدي ال ميكن استيعابه من قبل العرب‬ ‫ملموس بينام الله هو مفهو ٌم‬ ‫محمد و ليس الله‪ .‬ملاذا؟ ألن محمد هو يش ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫صعب بالنسبة لهم لذلك اختزل محمد مفهوم اإلله‬ ‫الذين تع ّودوا عىل عبادة األصنام املصنوعة من متر‪ ،‬مفهوم الله‬ ‫ٌ‬ ‫وجل نياب ًة عنكم‪ .‬ليس ذلك فحسب‪ ،‬بل عندما‬ ‫بشخصه‪ ،‬مبعنى اعبدوين يا عربان وأنا سوف أوصل الرسالة إىل املوىل ع ّز ّ‬ ‫متوتون سوف أكون بإنتظاركم عند أبواب الجنة ليك أتحقّق من الهوية وأتأكّد إذا كان اسمك وار ًدا يف قامئة الضيوف‬ ‫املعزومني للحفلة أم مجرد كاف ٍر متطفل‪.‬‬ ‫استغل نزعة العرب نحو الشخصنة لجعله من نفسه إل ًه دون أن يقولها رصاحة‪ .‬الحظ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫محمد كان ذك ًيا سياس ًيا فقد‬ ‫بكل ما فيه ال قيمة له بدون شخص محمد‪ ،‬محمد هو اإلسالم و اإلسالم هو محمد‪ ،‬قارن ذلك باليهودية‬ ‫الدين اإلسالمي ِّ‬ ‫فلديهم من الرسل ما ال يُع ّد ويُحىص لكنهم مجرد رسلٍ أو مأمورين بدالة الله فقط ال غري‪ ،‬أما يف اإلسالم فمحمد هو اإلله‬ ‫فال تتم صال ٌة إال بالصالة عىل محمد وآله‪ ،‬الصالة عىل محمد هي الصالة ملحمد‪ ،‬طب ًعا املسلم سوف يرفض هذا الكالم‬ ‫تصل دون أن تذكر اسم محمد أو أن تأيت بذكر أرسته‪.‬‬ ‫لكن هذا ما يحدث عمليا‪ .‬ال تصدقني؟ حاول أن ّ‬

‫رسول أم محارب ؟ ‪ -‬الدمياغوجي املعجزة‬ ‫أي منهم دهاء محمد السيايس وقدرته عىل‬ ‫كانت جزيرة العرب تزخر ُمب ّدعي النب ّوة مثل مسيلمة واألسود لكن مل ميلك ٌ‬ ‫املراوغة والخداع و الغدر‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عندما كان محمد ضعيفًا عسكريًا يف مكة غازل اليهود يف املدينة وجعل من‬ ‫أورشليم (نعم أورشليم‪ ،‬كلمة القدس مل ت ُذكر وال مرة يف القرآن) قبلة املسلمني لكسب ِو ّدهم‪ ،‬وعندما استقوى محمد‬ ‫عسكريًا انقلب عليهم وفتك بهم و بقدرة قاد ٍر جعل من مسقط رأسه مكة قبل ًة للمسلمني‪ ،‬ليس ذلك فحسب بل جعل‬ ‫خصوصا أرسة محمد وأقربائه‬ ‫من كعبة قبيلته قريش بيتًا لربه ورب املسلمني لتبقى هذه القبيلة مميز ًة دون باقي البرش‬ ‫ً‬ ‫خصوصا‬ ‫مقدس وجز ٌء ال يتج ّزأ من العبادة‬ ‫ديني‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫من الدرجتني األوىل والثانية‪ ،‬فأرسته أصبحت "آل البيت" ولهم وض ٌع ٌ‬ ‫عند الشيعة‪ ،‬أما أقربائه من الدرجة الثانية وأنسبائه وأصدقائه املُق ّربني فتح ّولوا إىل منزلة "الصحابة" الذين لديهم حج ٌز‬ ‫هم من العبادة وفق املذهب السني‪.‬‬ ‫مؤك ٌد يف الجنة كام يُشكّلون جزءا ً ُم ً‬ ‫أناس ي ّدعون أنهم من نسل الرسول (ما أدراكم؟ عاملني فحص دي أن إي؟) هؤالء يُس ّمون أنفسهم‬ ‫املُضحك أنه إىل اليوم هناك ٌ‬ ‫يحتج‬ ‫ساد ًة أوأرشاف وكأ ّن بقية املسلمني عبي ٌد متزوجني من عاهرات! املُضحك أكرث من ذلك أن ال أحد من املسلمني العبيد ّ‬ ‫رضب من املاسوخية و إال ملَ نرى الشيعة وهم يفلقون رؤوسهم بالساطور تكرميًا لسادتهم؟‬ ‫عىل هذه اإلهانة املُبطنة! يبدو أنه ٌ‬ ‫‪33‬‬


‫التوسع‬ ‫عبادة محمد و ّ‬ ‫االستعامري لعرب الجزيرة‪.‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫رص دين‬ ‫عودة ملحمد‪ .‬واحد ٌة من الطرق املفيدة للنظر إىل الدين اإلسالمي هي بإعتباره حرك ًة قوم ّي ًة توسع ّية‪ .‬كيف؟ يُ ّ‬ ‫رص عىل أن‬ ‫محمد كجز ٍء من أجندته التوسع ّية أن يفعل العريب ما بوسعه ملحو الثقافات والقوم ّيات غري العربية‪ ،‬ف ُي ّ‬ ‫تكون لغة الدين الوحيدة هي عربية محمد كام يُجرب املسلمني غري العرب أن يُصلّوا بإتجاه كعبة قريش يوم ًيا بل ألربعٍ‬ ‫وعرشين ساع ٍة متواصل ٍة يف اليوم‪ ،‬كل يوم إذا ما أخذنا بالحسبان عامل املناطق الزمنية املختلفة حول العامل‪ ،‬باختصار‬ ‫يف كل ثاني ٍة هناك إنسان أو أكرث يتكلم العربية وهي ليست لغته األم‪ .‬و ألخذ املوضوع إىل ما بعد الحياة فإن اللغة‬ ‫الوحيدة املعتمدة يف جنة محمد هي العربية! إقرأ الحديث التايل و الذي يُعربن الصيني عنوة‪" :‬يا أيها الناس إن الرب‬ ‫واحد‪ ،‬واألب واحد‪ ،‬وليست العربية بأحدكم من أب وال أم‪ ،‬وإمنا هي اللسان‪ ،‬فمن تكلّم بالعربية فهو عريب"‪.‬‬

‫ما الدافع وراء عربنة العامل بالقوة؟‬ ‫طب ًعا هناك فكر ٌة وراء اسرتاتيج ّية عربنة ال ِّدين فالعرب قبل محمد كانوا أم ًة متخلف ًة ومهمش ًة يف املنطقة وليس‬ ‫لديهم يش ٌء يفتخرون به سوى قتل وسلب ونهب بعضهم البعض مبا يُسمى غزوات‪ .‬كذلك آلهتهم كانت هزيل ًة شكل ًيا‬ ‫إلهي معق ٌد ومتطو ٌر ومعابد ضخم ًة تعكس ذلك‪ ،‬كان عرب الصحراء يلفّون‬ ‫وضمن ًيا‪ ،‬فبينام كان عند الفراعنة مثالً نظا ٌم ٌ‬ ‫ويدورون عىل مزار ٍ‬ ‫ات هزيل ٍة ت ُس ّمى "كعبات" ويعبدون آله ًة مصنوع ًة من الطني والتمر والروث يُصلّون لها صبا ًحا و‬ ‫ٍ‬ ‫مخطوطات رباني ٍة مثل اليهود‪ .‬هذا ولَّد لديهم شعو ًرا بالنقص والدون ّية‬ ‫مقدس أو‬ ‫كتاب‬ ‫يأكلونها مسا ًءا‪ ،‬ومل يكن لهم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫واستغل محمد نقطة الضعف هذه‬ ‫ّ‬ ‫ألي يش ٍء يرفع من مكانتهم‪،‬‬ ‫مقابل الحضارات املحيطة بهم ولذلك كانوا عطىش ّ‬ ‫القومي عند عرب الصحراء فجعل من العربية لغة الله ومن العرب قو ًما ُمختارين‪.‬‬ ‫بفطن ٍة وذكاء وابتدأ يُدغدغ الشعور‬ ‫ّ‬ ‫من ميكنه رفض هذه الدعوة والفرصة ؟‬ ‫يا سالم! لغتي األم هي لغة خالق الكون وت ُرغم جميع األمم عىل تب ّنيها وإال فلن يقبلهم إله العرب الواحد األوحد يف‬ ‫الجنة‪ .‬أنا عريب أنا سوبر!‬

‫و ع ّزز محمد ذلك بحملة بروباجندا منظم ٍة بشعار ٍ‬ ‫ات مثل "خري أم ٍة أُخرجت للناس" و " العربية هي لغة الجنة" ناهيك‬ ‫أي لغ ٍة أخرى‪.‬‬ ‫عن حور العني والغلامن الذين ال يتقنون ّ‬ ‫‪34‬‬


‫التوسع‬ ‫عبادة محمد و ّ‬ ‫االستعامري لعرب الجزيرة‪.‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫نتيجة هذه االسرتاتيج ّية القوم ّية ذات النزعة االستعامريّة اليوم أن الغالب ّية ال ُعظمى من املسلمني (أكرث من ‪ 80‬باملئة)‬ ‫يضطرون إىل متتمة لغ ٍة ال يفهمونها بشكلٍ يومي‪ .‬بل أذهب إىل أبعد من ذلك‪ ،‬غالبية من يُس ّمون‬ ‫ليسو عربًا لكنهم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ثقافات أخرى مثل‬ ‫نفسهم عربًا اليوم حسب تعريف جامعة الدول العربية هم ليسو عربًا عىل اإلطالق بل ينتمون إىل‬ ‫الكلدانية واألشورية والفينيقية لكنهم يُطلقون عىل أنفسهم عرب ألنهم ينتمون إىل دول "عربية" (و ليست إسالمية)‬ ‫و يتكلمون العربية‪ .‬إذ ما دخل أهل مرص وهم أحفاد الفراعنة بالعروبة؟ إال إذا كنت ت ُص ّدق خرافة الجارية املرصية‬ ‫هاجر وابنها اسامعيل‪ .‬خذ السيناريو التايل‪.‬‬ ‫قال عمر بن الخطاب لتحفيز جيوشه يف غزوهم لشامل افريقيا‪« :‬إال بعون الله مع اإلميان بالله ورسوله‪ ،‬فأنتم‬ ‫مستخلفون يف األرض‪ ،‬قاهرون ألهلها‪ ،‬نرص الله دينكم‪ ،‬فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إال أمتان‪ :‬أمة مستعبدة لإلسالم‬ ‫وأهله‪ ،‬يجزون لكم‪ ،‬يُستصفون معايشهم وكدائحهم ورشح جباهم‪ ،‬عليهم املؤونة ولكم املنفعة‪ ،‬وأمة تنتظر وقائع الله‬ ‫وسطواته يف كل يوم وليلة‪ ،‬قد مأل الله قلوبهم رعبا‪ ،‬فليس لهم معقل يلجؤون إليه‪ ،‬وال مهرب يتقون به»( الطربي‪ ،‬ج‪،2‬‬ ‫ص‪)574‬‬ ‫يعني املرصيون صاروا عربًا غص ًبا عنهم ألن خياراتهم كانت محدود ًة فإ ّما أن يحتفظوا بهويّتهم و يدفعون الثمن بأن‬ ‫عرب تلقائيًا كونهم تكلّموا العربية وهذا ما حصل لألغلبيّة الذين‬ ‫يُصبحوا عبي ًدا للعرب أو أن يُسلموا ويتح ّولوا إىل ٍ‬ ‫تح ّولوا من ٍ‬ ‫عبيد إىل ساد ٍة بعد نطق الشهادة‪.‬‬

‫بعض آثار حمالت العربنة اإلسالمية عىل العامل اليوم‬ ‫تبعات الهيمنة العروب ّية املسترتة بدين محمد بدأت تظهر اليوم يف أماكن مثل العراق حيث يُطالب األكراد و األمازيغ‬ ‫بإقليم مستقلٍ له لغته وثقافته الخاصة به والتي ال يتفق الكثري منها مع دين محمد البدوي مثل اختالط الذكور باإلناث‬ ‫الجامعي هذا باإلضافة إىل عدم استساغة العقوبات اإلسالم ّية الوحش ّية مثل قطع األيدي‬ ‫يف املناسبات العامة والرقص‬ ‫ّ‬ ‫وفقأ العيون والرجم‪ .‬و لن أفاجأ إذا ما بدأ من يُس ّمون أنفسهم عربًا اليوم بالتساؤل عن هويّتهم األصليّة واالعتزاز بها‬ ‫وأشوريي العراق وبرابرة الشامل األفريقي‪.‬‬ ‫مثل فراعنة مرص‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫سؤال أخري‪ :‬ما هي نسبة "العرب" الذين يُتقنون و يستخدمون اللغة العربية اليوم؟ وملاذا هناك أكرث من ستة عرشة‬ ‫لهجة "عربية" بعضها ال ميت للعربية بصلة؟ بدك تقويل هلق ولوه و هسه و كيفاش‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫التوسع‬ ‫عبادة محمد و ّ‬ ‫االستعامري لعرب الجزيرة‪.‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫كام أن هناك ظاهرة عجيبة اليوم أال وهي جمهوري إسالمي إيران والتي ميكن اعتبارها مس ًخا سياس ًيا ثقاف ًيا اجتامع ًيا‬ ‫فرس ينتمون إىل العرق الهندو‪-‬أورويب أي ال‬ ‫ودينياً‪ ،‬نات ًجا عن حمالت محمد وأتباعه لعربنة املنطقة‪ .‬إثنياً اإليرانيون ٌ‬ ‫قريب وال من ٍ‬ ‫بعيد عىل الرغم من التقارب الجغرايف‪ .‬جمهورية‬ ‫عالقة لهم بالعرب‪ ،‬والذين يُص ّنفون "ساميني"‪ ،‬ال من ٍ‬ ‫إيران اإلسالمية الفارسية ّأسست نظا ًما سياسيًا يجعل العرب أرفع مكان ًة من الفرس! ال أعتقد أن هناك أمثل ًة أخرى يف‬ ‫التاريخ عىل دو ٍل تعطي دخال ًء مكان ًة أعىل من السكان األصليني و برغبتهم كذلك ! كيف؟ النظام الديني يف إيران يعطي‬ ‫السلطة السياسية املطلقة للسادة وهؤالء بحسب معتقد الشيعة ينتمون إىل الرسول بشكلٍ أو بآخر وهذا يجعلهم عربًا‬ ‫بالرضورة‪ ،‬ليس ذلك فحسب بل عرب من قريش! طب ًعا هؤالء البد وأن يتكلّموا العربية الفصحى بطالق ٍة غص ًبا عنهم‬ ‫حتى وإن مل تكن لغتهم األم‪ .‬هذا يعطي اإليراين الذي يتقن العربية الفصحى نو ٌع من "الربستيج" ألنه بالتأكيد تلقّى‬ ‫تعليم دينيًا عربيًا ممي ًزا و رمبا‪ ،‬أقول رمبا‪ ،‬فيه من ريحة الرسول العريب أبا القاسم أو بو جسوم كام تقول حارضة الخليج‬ ‫ً‬ ‫خلصونا ما هو‪ ،‬عريب أم فاريس؟‪! ‬‬ ‫العريب‪ ،‬عف ًوا الفاريس‪ ،‬ال قصدي العريب‪ ،‬ال فاريس‪ .‬طيب ّ‬

‫سلووووم‬

‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪36‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

37


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫أود أنْ أشكركم إلتاحة هذه الفرصة يل من خالل هذا املنرب لل ّتحدث‬ ‫عن فرت ٍة مميز ٍة يف حيايت استمرت منذ طفولتي الباكرة وحتى الـ‪17‬‬ ‫من عمري تقري ًبا‪،‬‬ ‫وألعرفكم عىل نفيس ً‬ ‫قليل فأنا حال ًيا يف أواخر العرشينات من عمري‪ ،‬ملحد ٌة‬ ‫منذ حوايل عرش سنوات‪ ،‬خريج ٌة جامعي ٌة وأعمل كمهندس ٍة‪ ،‬متزوج ٍة من ملح ٍد‬ ‫الصداقات مع القبيسيات‪ ،‬ووالدّ يت ال تزال واحد ًة منهن‪.‬‬ ‫والزلت احتفظ ببعض ّ‬ ‫س‪ 1‬ملاذا تعتربين أنّ فرتة انتامئك ملجموعة القبيسيات كانت فرت ًة مميز ًة؟‬ ‫ألنّها ساهمت يف صقل وتكوين شخصيتي املستقلة واملتمردة عن طريق تعرييض للضّ غوط والكبت وال ّتقييد‬ ‫لفرت ٍة طويل ٍة مام أعطاين الدّ افع القوي للبحث وال ّتفكري‪ .‬فعذ ًرا للتشبيه‪ ،‬ولك ّن الكلب الذي يجري وراءك سوف‬ ‫يجعلك أرسع! وهذا املنظور االيجايب هو الذي أفضل ال ّتعاطي معه يف حيايت وأمتنى ملن سيقرأ هذه املقابلة أنْ يدرك‬ ‫ٍ‬ ‫صعوبات مير بها ليعرف أنَّ املصاعب ال ّتي ال تقتلنا هي التي‬ ‫بأي‬ ‫متا ًما أنّني أتحدث عن فرت ٍة عصيب ٍة يف حيايت ويقارنها ّ‬ ‫تجعلنا أقوى كام يقول ال ّرائع نيتشه‬

‫‪38‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ 2‬كيف بدأت عالقتك مع القبيسيات؟‬ ‫بدأت عن طريق انضاممي يف الثّالثّة من عمري إىل روضة املناهل يف حلب – الفرقان‪ ،‬وهذه ال ّروضة هي مركز أو‬ ‫ٍ‬ ‫"وكر" للقبيسيات إنْ صح ال ّتعبري‪ ،‬حيث أنَّ ً‬ ‫قبيسيات وكذلك أغلب والدات‬ ‫كل من إدارتها ومرشفتها وجميع مد ّرساتها‬ ‫ٍ‬ ‫قبيسيات فقد كانت تتم دعوتهن واستدراجهن لالنضامم بطرقٍ سوف أتحدث عنها الحقًا‪ ،‬وحيث‬ ‫طالبها‪ ،‬فإنْ مل يك ّن‬ ‫أنّ هذه ال ّروضة تقع يف منطقة من املناطق الفارهة يف حلب وطالبها من أبناء العوائل ال ّتي متلك املال وال ّنفوذ‪ ،‬فقد‬ ‫الشيحة هي املستهدفة من قبل القبيسيات ولذلك ك ّن ينفقن من الوقت والجهد الكثري إلعداد املناسبات‬ ‫كانت تلك ّ‬ ‫الدّ ينية ودعوة األهايل إليها بهدف ضم األمهات إىل "الدّ عوة" كام كانوا يسمونها‪.‬‬ ‫س‪ 3‬ماذا تقصد القبيسيات متا ًما بكلمة "الدّ عوة"؟‬ ‫الواقع أنّ كثريًا من القبيسيات اآلنسات وال ّتلميذات ال يعلمن شي ًئا عن ال ّتنظيم والهيكلية العامة لهذه الجامعة‪ ،‬وال‬ ‫التويج لهذه الحركة بينهن‬ ‫عن تاريخ نشوئها وأهدافها ونفوذها وقياداتها الخفية–وكذلك كنت أنا‪ -‬فقد كان يتم ّ‬ ‫عن طريق تشبيهها بـ"الدّ عوة" التي قادها مح ّمد وصحابته ليك يدخل ال ّناس يف دين اإلسالم‪ ،‬كام كان ال ّتشبيه نفسه‬ ‫السية التي ينبغي عىل ال ّتلميذات االلتزام بها فال يتم الحديث يف العلن عن اآلنسات ومواعيد‬ ‫يستعمل يف تربير ّ‬ ‫وأماكن االجتامعات وإنّ ا فقط ملن تثق ال ّتلميذات بهن ويرغنب بدعوتهن‪.‬‬ ‫وهم بأنَّ الحركة تنويري ٌة وأنّها ضحي ٌة لجهل املجتمع وظلمه كام كان‬ ‫وهنا نرى أنَّ وصف "الدّ عوة" قد ساهم بإضفاء ٍ‬ ‫مح ّمد يعاين من االضطهاد يف زمن دعوته‪ ،‬كام كان يستعان بحديث "ولد اإلسالم غري ًبا وسيعود غري ًبا فطوىب للغرباء"‬ ‫حني تشتيك أية طالب ٍة عام يفرض عليها من قيو ٍد تؤدي إىل اختالف منط حياتها عن زميالتها الطّبيعيات وابتعاد بعضهن‬ ‫السجن الذي تعيشه الطّالبات إىل جن ٍة يف أنظارهن ويدفعن إىل االعتقاد بأنّ القوة اإللهية معهن‬ ‫عنها‪ ،‬وهكذا يتحول ّ‬ ‫الصادقة‪.‬‬ ‫ومع "دعوتهن" املحقة ّ‬

‫‪39‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫من املهم أنْ أشري هنا إىل وجود العديد من ال ّنساء والفتيات املغرر بهن واللّوايت ‪-‬لسذاجتهن‪ -‬يصدقن الشّ عارات‬ ‫الصعب جدً ا االنسالخ عنها الحقًا حتى‬ ‫الربيئة التي يسمعنها وينتهي األمر بانسياقهن وراء الجامعة مام يجعل من ّ‬ ‫لو رغنب‪ ،‬وهذا هو حال الكثري من املؤمنني الذين ليسوا يف حقيقة األمر سوى مغر ٍر بهم ويجب بال ّتايل ال ّتعامل معهم‬ ‫عىل أنّهم ضحايا ال مجرمني‪.‬‬

‫س‪ 4‬حدثينا ً‬ ‫قليل عن أوىل مراحل انتامئك إىل القبيسيات وكيف تطورت عالقتك معهن؟‬ ‫الصدفة‪ -‬حني انضممت‬ ‫كام سبق وأسلفت‪ ،‬كان ال ّتعامل األول بني والدّ يت وهذه الجامعة هو عن طريقي أنا –لسخرية ّ‬ ‫إىل روضة املناهل‪ ،‬فقد تعرفت عىل اآلنسات ومتت دعوتها لحضور بعض الحفالت حيث كان يتم تدريب األطفال عىل‬ ‫ٍ‬ ‫صديقات من القبيسيات ويبدو أنهن أثرن بها‬ ‫تأدية املشاهد ال ّتمثيلية والغنائية وقراءة القرآن فيها‪ ،‬وهكذا اكتسبت‬ ‫وأقنعنها بحضور بعض دروس الوعظ‪ ،‬وهكذا دخلت والدّ يت يف دوام ٍة مل تخرج منها حتى اآلن‪.‬‬ ‫للصغار بسبب قرص‬ ‫عم (الجزء املفضّ ل لتحفيظه ّ‬ ‫يتم تحفيظي األناشيد الدّ ينية وآيات جزء ّ‬ ‫كطالب ٍة يف ال ّروضة‪ ،‬كان ّ‬ ‫آياته) كام كان يتم تلقيني أدعي ٍة وهذه لوحدها حكاي ٌة! فهناك دعا ٌء للدخول إىل الحامم وآخ ٌر للخروج وآخ ٌر لركوب‬ ‫السيارة وآخ ٌر إنْ سعلنا أو عطسنا أو تقابلنا أو افرتقنا‪..‬الخ‪ ،‬إنّهم يعملون عىل إقحام الدّ ين يف حياة الفرد بحيث يتحول‬ ‫ّ‬ ‫الصغر ‪ +‬ال ّتطفل عىل‬ ‫إىل أسلوب حيا ٍة يصعب الفكاك منه وهذا بنظري أحد أسباب استمرارية اإلسالم (الغرس منذ ّ‬ ‫تنفسا لل ّتفكري خارجه)‪ ،‬وهكذا قضيت طفولتي أردد ما علموين إياه وأمأل أوقايت‬ ‫جميع نواحي الحياة بحيث ال تجد ُم ً‬ ‫ذنوب مل أرتكبها بعد‬ ‫باالستغفار من ٍ‬

‫س‪ 5‬وهل بقي الوضع هكذا طيلة فرتة مراهقتك؟‬ ‫لألسف‪ ،‬كان نصيبي من الحياة مراهق ًة ممل ًة فارغ ًة مكرورة خالي ٍة من املغامرات وسعادة االكتشاف ولذة االستقاللية‪،‬‬ ‫فقد تصاعدت مشاركتي يف دروس ونشاطات القبيسيات بل وكنت من الطّالبات املميزات بسبب مقدريت العالية عىل‬ ‫سن مبكرٍ‪ ،‬وكذلك بسبب صويت الجميل الذي انضممت بسببه إىل‬ ‫االستذكار والتي ساعدتني عىل إمتام حفظ القرآن يف ٍ‬ ‫السابقة فهذه ال ّنشاطات كانت محبذ ًة إلضفاء ج ٍو من الحيوية‬ ‫فرق الغناء وال ّتالوة وال ّتمثيل‪ ،‬وملن استغرب الجملة ّ‬ ‫‪40‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫"درس" كان يتوجب عىل اآلنسة أنْ تنهي الدّ رس بغناء‬ ‫واإلمتاع عىل اجتامعات القبيسيات يك ال تصبح ممل ًة‪ ،‬ففي كل ٍ‬ ‫بعض األناشيد الدّ ينية مع مرافقة الدّ ق عىل الدّ ف (فهو اآللة املوسيقية الوحيدة الحالل حيث ال يسكنها الشّ يطان كام‬ ‫يسكن الطّبل‪ ،‬يبدو أنّه يسقط من فتحة الدّ ف الواسعة )‪ ،‬وتلك األناشيد هي نسخٌ مشوه ٌة عن األغاين املنترشة يتم‬ ‫تحريف كلامتها لتضمينها املعاين الدّ عوية اإلسالمية املطلوبة‪ ،‬فالغناء وال ّتمثيل من ال ّنشاطات املفضلة لدى القبيسيات‬ ‫بهدف بث رسائلهم بطريق ٍة سهل ٍة الوصول إىل املتلقني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫منظامت لهذه الدّ رجة؟‬ ‫س‪ 6‬ولكن الغناء وال ّتمثيل وما ذكرته يتطلب جهو ًدا منظم ًة‪ ،‬فهل كانت القبيسيات‬ ‫بال ّتأكيد‪ ،‬فمن أهم واجبات اآلنسات هي فرز وانتقاء املواهب من طالباتها بناء عىل جدارتهن وموهبتهن وإخالصهن‬ ‫متخصصات يف تأليف األناشيد ً‬ ‫مثل أو يف ال ّتمثيل أو‬ ‫ٌ‬ ‫كل وفقًا ملوهبتها فهناك‬ ‫للجامعة‪ ،‬بعد ذلك تتخصص الفتيات ٌ‬ ‫اختصاص مهم ويستحق ال ّتوقف عنده‪ ،‬فالقبيسية التي تستضيف‬ ‫ال ّتالوة أو قرع الدّ ف أو يف استضافة الدّ روس‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫الدّ روس يف منزلها تضمن حضور املالئكة وطرد الشّ ياطني وحلول الربكة لديها لهذا كانت الكثريات تتسابقن لهذا‬ ‫الشف‪ ،‬ولكن كان يقع اختيار اآلنسات غال ًبا عىل البيوت الفارهة ال ّتي تجيد صاحبتهن فنون الضّ يافة ويتفنن يف إرضاء‬ ‫ّ‬ ‫الضّ يوف بأنواع الحلويات وغريها (كله صدق ٌة يف ميزان حسناتهن)‪ ،‬والهدف من ذلك بالطّبع هو إضافة اإلغراءات التي‬ ‫تجعل الفتيات يقبلن عىل الدّ روس أكرث (أنا شخص ًيا كنت أحرض كث ًريا من الدّ روس بداعي امللل من حيايت ال ّرتيبة وكانت‬ ‫ً‬ ‫مقبول أكرث‬ ‫أهم لحظ ٍة أترقبها بعد ملل الوعظ املكرور هي لحظ ُة الضّ يافة وال ّتلذذ يف ال ّتهامها مام يجعل الدّ رس ككل‬ ‫يف نظري كطفل ٍة)‪.‬‬ ‫وهناك أيضً ا من يقع عليهن االختيار الستضافة حفالت القبيسيات الدّ عوية يف مزارعهن وهذه لوحدها حكاي ٌة طويل ٌة‪.‬‬

‫حفالت ومزار ٌع ! أعتقد أنّ قراءنًا سوف يثري فضولهن ملعرفة ما كان يحدث يف هذه الفعاليات الحرصية‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫س‪7‬‬ ‫بال ّتأكيد‪ ،‬مبا أنّ من أهم أهداف القبيسيات هي اجتذاب الطّبقات العليا وال ّنافذة يف املجتمع فقد كان االهتامم الكبري‬ ‫‪41‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫يخصص لتلك ال ّنساء اللّوايت متتلك عائلتهن املنازل الكبرية أو املزارع ال ّنائية‪ ،‬فكان يتم استغالل تلك املزارع إلقامة‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫حفالت كبري ٍة يف كل فصل صيف سنو ًيا وقد يبلغ عدد الحضور يف الحفلة الواحدة‬ ‫حفالت (قد يقام ما يصل إىل ‪10‬‬ ‫لكل حفل ٍة قبل أسابيع بحيث يتم توزيع األدوار وإعداد املرسحيات ذات العربة‬ ‫‪ 500‬قبيسية أو أكرث)‪ .‬يتم ال ّتحضري ّ‬ ‫التفيهية واملسابقات‬ ‫الدّ ينية وال ّتدرب عليها وال ّتربع بكلفة أو مواد الدّ يكور وال ّتنكر‪ ،‬كام يتم تأليف األغاين والفقرات ّ‬ ‫ذات األسئلة الدّ ينية وكذلك ال ّتربع بالجوائز للمسابقات (ال تتحمسوا كث ًريا‪ :‬مسابح‪ ،‬سواك‪ ،‬مصحف‪ ،‬سجادة صالة‪،)..‬‬ ‫وأخ ًريا يتم توزيع أدوار الطّبخ‪ ،‬فال يجب أنْ تخلو الحفلة من مائد ٍة عارم ٍة مبا لذ وطاب‪ ،‬حيث أنّ قامئة املدعوات غال ًبا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عائالت مهم ٍة يتوجب إرضاؤهن وإمتاعهن يك يتم انضاممهن الحقًا‬ ‫جديدات عىل القبيسيات ومن‬ ‫ما تتضمن نسا ًء‬ ‫للجامعة‪.‬‬

‫س‪ 8‬ما هي بعض من أكرث املواقف ال ّتي تذكرينها من حياتك مع القبيسيات؟‬ ‫كان أحد املواقف املفجعة بال ّنسبة يل هو ما حدث بسبب ثقة والديت ّ‬ ‫اللمحدودة باآلنسة (وكذلك ثقة أمهات‬ ‫مفهوم ديني ٍ‬ ‫بحت وتحويل عالقتهن ببناتهن‬ ‫التبية وتحويل مفهومها إىل‬ ‫صديقايت)‪ ،‬فقد وصلن إىل مرحل ٍة من إهامل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إىل عالقة ٍ‬ ‫الشعية هي محور الحديث وبال ّتايل تصبح إجابات اآلنسة أهم من‬ ‫وعظ مستم ٍر بحيث تصبح األحكام ّ‬ ‫الحساسة للفتيات‬ ‫إجابات األم‪ ،‬وهي معاناة مرت بها عد ٌة من صديقايت‪ .‬األ ّم تثق باآلنسة وترتك لها مهمة رشح األمور ّ‬ ‫املراهقات من وجهة نظ ٍر ديني ٍة بحت ٍة‪ ،‬وبذلك تضعف عالقة األم بابنتها وتصبح مرجعيتهام األوىل واألخرية هي اآلنسة‬ ‫تم ال ّتنسيق عىل ما يبدو بني اآلنسة وأمهات الطّالبات عىل أنْ‬ ‫وفتاويها‪ .‬وما حدث معي هو أنّه قبل بلوغي بفرت ٍة ّ‬ ‫تعقد اآلنسة جلس ًة ترشح من خاللها للطالبات عن الدّ ورة الشّ هرية‪.‬‬ ‫علمي ملا يحدث بل تم تقديم الظّاهرة عىل أنّها طر ٌد لألذى املوجود يف الجسم وهي‬ ‫مل يحتوي الحديث عىل ّ‬ ‫أي تفسريٍ ٍ‬ ‫بذلك رحم ٌة من اللّه بال ّنساء‪ ،‬ولكن أثناء هذا الطّرد تصبح املرأة نجس ًة وقذر ًة وال تقرب املسجد والقرآن وال يقربها‬ ‫مخجل ومحزنٌ حقًا أنّه كانت تُ ارس عنرصي ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫زوجها (الحديث عن ال ّزواج وأحكامه يبدأ يف مرحل ٍة مبكر ٍة جدً ا)‪ .‬يش ٌء‬ ‫يف الدّ روس والحلقات فكانت تضطر الفتيات خالل أيام دورتهن إىل الجلوس عند الباب وميتنعن عن االقرتاب من‬ ‫موسومات بالقرف والعار‪( ،‬وهكذا ميكن لكل طالب ٍة أنْ تراقب انتظام الدّ ورة الشّ هرية لزميالتها بحيث‬ ‫ٌ‬ ‫البقية وكأنهن‬ ‫‪42‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ال يبقى ذرة للخصوصية واحرتام ال ّنفس)‪ .‬نعود إىل الحادثة التي حدت معي‪ ،‬ففي تلك الجلسة وأثناء تفصيل طريقة‬ ‫الشعي من الحيض" ويف خضم خجلنا من غريب ٍة تعتقد أنّها متلك الحق لل ّتحدث عن أدق خصوصياتنا‪ ،‬نسيت‬ ‫"ال ّتطهر ّ‬ ‫اآلنسة أنْ ترشح لنا عن تكرارية هذا الحدث الجلل بال ّنسبة لنا‪ ،‬كام مل ترشح عن أساسيات طريقة ال ّتعاطي معه! بل‬ ‫التكيز عىل ارتداء الثّياب الفضفاضة وعدم ملس القرآن‪ ..‬الخ‪ ،‬وبنتيجة هذا الدّ رس املنقوص حصلت عىل صدم ٍة‬ ‫كان ّ‬ ‫نفسي ٍة يف املرة األوىل‪ ،‬وتفاجأت يف امل ّرة الثّانية أيضً ا قبل أنْ أستوعب أنّ هذا سيحدث كل شه ٍر (مل يكن هناك انرتنت‬ ‫عىل أيامي‪ ،‬كنت حقًا ال أعرف شي ًئا عن املوضوع!)‬ ‫الشعي) قص ٌة‬ ‫يجب أنْ أذكر هنا أنّه يتم تحجيب الطّالبات قبل أنْ يصلن سن البلوغ‪ ،‬ولل ّتحجيب (وضع الحجاب ّ‬ ‫مهم ٌة أيضً ا‪.‬‬ ‫س‪ 9‬يرسنا ويهمنا أنْ نستمع لها‪ ،‬وأيضً ا أخربينا عن تجربتك الحالية مع الحجاب بعد تركك لإلسالم‪.‬‬ ‫أي يش ٍء‬ ‫الصالة ّ‬ ‫للحجاب عند القبيسيات أهمي ٌة خاص ٌة‪ ،‬يف الحقيقة فالحجاب عندهم أهم من فروض ّ‬ ‫والصيام ومن ّ‬ ‫آخر (وهذه نظرة مجتمعنا بشكلٍ عام)‪ ،‬فهو ال ّتعبري األسايس عن االستسالم الكامل للجامعة وتعاليمها‪ ،‬هو قربان‬ ‫أي مكانٍ ‪ ،‬وهو برأيي الخطوة األوىل يف ثقافة‬ ‫االنتامء لهم وهو الوصمة التي تساعدهم عىل متييز "األخوات" يف ّ‬ ‫ال ّتطويع التي متارس عىل األطفال وبال ّذات عىل الفتيات بهدف إنتاج نسا ٍء مسلوبات اإلرادة عدميات الشّ خصية وغري‬ ‫قادر ٍ‬ ‫تم فرضه عليهن بدون أي‬ ‫أي قرا ٍر أو حتى مواجهة العامل الخارجي من غري قناعٍ ّ‬ ‫ات عىل االستقاللية واتخاذ ّ‬ ‫مقاومة‪ .‬ولهذه األسباب فقد كانت الفتيات يف عم ٍر صغريٍ جدً ا (‪ 13-10‬حسب البنية الجسدية لكل فتا ٍة) يتم خداعهن‬ ‫الرتداء الحجاب عن طريقة إقامة حفلة تحجيب تجعل الفتاة تنبهر وتفخر بإنجازها وتعتقد أنّها أخ ًريا قد خطت‬ ‫الخطوة ال ّرائعة نحو اكتامل األنوثة وال ّتحول إىل صبي ٍة جميل ٍة ! (نعم كان يتم إقناعنا أنّ الحجاب األبيض ذو العقدة‬ ‫هو األجمل بني الحجابات‪ ،‬وهو عميل ويجعل الوجه ملي ًئا بال ّنور ويجعل الفتاة أكرث ً‬ ‫جامل وأنوث ًة!)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وشكل مبسطًا من الدّ بكة‬ ‫(رقصا رشع ًيا ال يتضمن سوى تحريك األيدي والدّ وران‬ ‫يف تلك الحفالت ترقص الفتيات ً‬

‫‪43‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫الشّ عبية) ويتلقني املباركات والهدايا والقبالت ثم يتم ال ّتهام الكيك والحلويات وبعد ذلك تنطلق الفتاة –بكل ثق ٍة‪-‬‬ ‫ملواجهة العامل مشوهة بقناع ال ّتطويع الذي عىل رأسها وبالقناعات العنرصية ضد من ال يرتدين هذا الحجاب يف قلبها‪.‬‬ ‫أذكر ّأن كنت يف الـ‪ 13‬من عمري‪ ،‬وحني وصلت إىل منزل األخت التي ستقام فيها حفلة تحجيبي أنا وبعض صديقايت‪،‬‬ ‫وقبل دخويل من باب البناية استوقفت صديقايت للحظة وقلت لهن بقليلٍ من الحزن‪:‬‬ ‫دعونا نودع الشّ مس فهذه هي آخر مر ٍة ترى الشّ مس شعرنا‪ ،‬فرمقتني إحداهن بنظر ٍة مستغرب ٍة واألخرى بنظر ٍة‬ ‫ممتعض ٍة ‪ -_-‬وكأنّ املوضوع ال يعني لهن شي ًئا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تخلصت منه؟‬ ‫س‪ 10‬كم سن ًة استمريت بارتداء الحجاب؟ وماذا عن حياتك اآلن‪ ،‬هل‬ ‫ارتديت الحجاب منذ كنت يف الـ‪ 13‬وحتى الـ‪ 26‬من عمري تقري َبا! مل استطع ال ّتخلص منه بالكامل طاملا أنا مقيم ٌة مع‬ ‫أهيل‪ ،‬فبالرغم من أنّهم يعرفون ّأن عىل األقل الديني ٌة (كلمة ملحد ٍة صعبة الفهم عليهم) فالحجاب له أهمي ٌة خاص ٌة‬ ‫فأنا ال أصيل ً‬ ‫مثل وهذا عادي طاملا ال أحد يالحظ‪ ،‬أما نزع الحجاب فهو "فضيح ٌة" تؤثر عىل العائلة كلها وإنْ نزعته فأنا‬ ‫أغامر بخسارة مواردي املادية طاملا أنا لست مستقل ٌة بعد‪ .‬وعىل كل حال فنزع الحجاب األبيض ذي العقدة (حجاب‬ ‫عادي ملونٍ أو ٍ‬ ‫أبيض كان بحد ذاته خطو ٌة ثوري ٌة تعني االنشقاق عن الجامعة‪ ،‬وقد‬ ‫القبيسيات) واستبداله بحجاب ٍ‬ ‫قمت بهذه الخطوة يف مرحل ٍة مبكر ٍة (بعد سنتني فقط من ارتدائه) وتعرضت للكثري من ال ّتضييق وال ّنقد والكراهية‬ ‫بسببها‪.‬‬ ‫وبالطّبع مل أمر مبراحل تطور اللّباس التي متر بها القبيسية ال ّنموذجية والتي تتضمن يف البداية الحجاب األبيض مع‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وجوارب بني ٌة أو سودا ٌء سميك ٌة وحذا ٌء‬ ‫أبيض يغطي ما تحت ال ّركبة)‬ ‫رسوال ٌ‬ ‫فضفاض تحته تنور ٌة طويل ٌة (تحتها‬ ‫قميص‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫محافظ‪ ،‬يف املرحلة ال ّتالية يتم ارتداء "املانطو" ولصعوبة هذه الخطوة فقد أصبحت الفتيات مؤخ ًرا متيل إىل‬ ‫غامق‬ ‫ٌ‬ ‫يل ولكن مع نفس‬ ‫االكتفاء بجاكيت طويل لعند ال ّركبة‪ .‬يف املراحل املتقدمة يتم استبدال الحجاب األبيض‬ ‫ٍ‬ ‫بحجاب كح ٍ‬ ‫‪44‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫السوداء‪ ،‬أو تغطية‬ ‫العقدة (العالمة الفارقة لتمييز القبيسيات) ثم يصبح أسو ٌد‪ ،‬ويتبع ذلك ارتداء ال ّنقاب‪ ،‬القفازات ّ‬ ‫الوجه بالكامل‪ ،‬وبالطّبع ففي عرف القبيسيات كلام تقدمت الفتاة يف هذه املراحل كلام ازداد رىض اللّه عليها وكلام‬ ‫احرتمها املجتمع أكرث وتحولت إىل "جوهر ٍة مصون ٍة ود ّر ٍة مكنون ٍة" تحتفظ بنفسها لزوجها فقط إرضا ًء لله‪.‬‬ ‫أذكر أنّني بدأت بـ"املشاغبة" يف مراحل مبكر ٍة من الدّ روس وكنت دامئًا أطرح أسئل ًة صعبة اإلجابة عىل اآلنسة وكث ًريا‬ ‫ما ينتهي ال ّنقاش بإسكايت متا ًما لعجزها عن اإلجابة‪ ،‬يف مر ٍة كانت تحدثنا عن عقوبة إظهار "الغرة" أو مقدمة الشّ عر‬ ‫شاب عىل خصل ٍة من شعر فتا ٍة فسيقوم اللّه بتعليقها يف جهنم من خصلة‬ ‫من تحت الحجاب فأخربتنا بأنّه إنْ وقع نظر ٍ‬ ‫السنني معلق ًة بال حيل ٍة من خصلة الشّ عر تلك وهي تتلوى وتحرتق‪ ،‬فرفعت يدي ألقاطع‬ ‫الشّ عر تلك وسيرتكها آالف ّ‬ ‫أقل‬ ‫اآلنسة وأخربها بأنّه يف تلك الحالة‪ ،‬فاألسلم لنا أنْ ننزع الحجاب كله‪ ،‬ألنّ األمل ال ّناتج عن شدّ الشّ عر كله م ًعا هو ّ‬ ‫بكثري من األمل ال ّناتج عن شدّ خصل ٍة واحد ٍة وأترك لكم أنْ تتخيلوا ردود فعل اآلنسات عىل هذه األفكار "الشّ يطانية"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مستسلامت متا ًما ملا يتم تلقينهن أم كانت هناك بوادر متر ٍد لدى غريك أيضً ا؟‬ ‫س‪ 11‬ماذا عن بقية الفتيات‪ ،‬هل كن‬ ‫خائفات‪ ،‬يتم تطويعهن وتعليمهن أنهن أقل شأنًا من ال ّرجل وواجبهن‬ ‫ٌ‬ ‫ساذجات‬ ‫ٌ‬ ‫فتيات‬ ‫ٌ‬ ‫الصغريات هن‬ ‫القبيسيات ّ‬ ‫والتبية و"صون حرمة وبيت أزواجهن"‪ .‬يتكرر عىل مسامعنا كث ًريا الحديث الذي يقول أنَّ‬ ‫األهم هو ال ّزواج واإلنجاب ّ‬ ‫ويتم ال ّتفصيل يف رشح العذابات التي تالقيها سيئات الحظ اللّوايت يقرر اللّه إلقاءهن يف‬ ‫"أكرث أهل ال ّنار هن ال ّنساء" ّ‬ ‫ال ّنار‪ ،‬وتتكرر عىل مسامعنا كث ًريا أحاديث حقوق ال ّزوج عىل زوجته‪ ،‬واألحاديث ال ّتي تدل عىل أنّ أفضل ال ّنساء هي‬ ‫املطيعة واملتدينة والولودة (كثرية األوالد!)‪.‬‬ ‫السب فقد كان يتم ِمأل أوقاتهن متا ًما بالدّ روس فعدا عن دروس‬ ‫ال متتلك الفتيات الكثري من املجال لل ّتفكري خارج ّ‬ ‫الصحابة‪ ،‬دروس فقه‬ ‫السري ال ّنبوية وسري ّ‬ ‫الوعظ كان يتم تنسيبهن لدروس تحفيظ‪ ،‬دروس تفسري القرآن‪ ،‬دروس ّ‬ ‫العبادات‪ ،‬دروس ال ّتجويد وغريها‪ ،‬وكل آنسة تتفنن يف إعطاء الوظائف املنزلية مل ِإل وقت الفراغ‪ ،‬وكذلك إعطاء جداول‬ ‫الصفحات التي قرأتها يوم ًيا من القرآن وعدد ال ّتسبيحات التي‬ ‫الصلوات التي صلّتها كل فتا ٍة وعدد ّ‬ ‫يتم ملؤها بعدد ّ‬ ‫لكتب معين ٍة مثل كتب عمرو خال ٍد‬ ‫سبحتها! كام كانت اآلنسات تشجعن الثّقافة والقراءات الخارجية ولكن –بالطّبع‪ٍ -‬‬ ‫ومصطفى محمود وعائض القرين‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫والتهيب‬ ‫الحقيقة أنّه يوجد دامئًا بوادر متر ٍد لدى البعض وخاصة يف عمر املراهقة‪ ،‬ولكن كان يتم قمعها بال ّتخويف ّ‬ ‫الصديقات واملتنفس الوحيد للفتاة خارج املدرسة‪ -‬وال ننىس طب ًعا أنَّ‬ ‫وال ّتهديد بال ّنبذ من الجامعة –وبال ّتايل خسارة ّ‬ ‫اآلنسة تتحدث باسم اإلله وبسلطته وكث ًريا ما تهدد الفتاة املتمردة بال ّنار وعذاب القرب!‪ ،‬وعىل فكرة فاآلنسة سلط ٌة‬ ‫كريس وتجلس الفتيات عىل األرض‪ ،‬وحني تتكلم‬ ‫كبري ٌة عىل الفتيات‪ ،‬ففي جميع الدّ روس بال استثنا ٍء تجلس اآلنسة عىل ٍ‬ ‫السن‪ ،‬طلباتها أوام ٌر والكل يريد رضاها‬ ‫اآلنسة يصمت الجميع‪ ،‬وال يسمح مبناداتها باسمها حتى وإنْ كانت صغري ٌة يف ّ‬ ‫وكث ًريا ما كان يرتدد أنّ "رىض اللّه من رىض اآلنسة!"‪.‬‬ ‫أضف عىل ذلك أنَّ الفتيات كن يتقربن من اآلنسة بال ّتجسس عىل بعضهن ونقل األخبار املضحكة من نوع (رأيت فالنة‬ ‫البارحة يف الشّ ارع وهي ترتدي البنطال –ارتداء البنطال جرمي ٌة‪ ،-‬رأيت فالنة البارحة يف املدرسة وقد رفعت أكاممها‬ ‫حتى بان ساعدها‪ ،‬سمعت فالنة البارحة تقول أنّها ستنزع الحجاب يف سفرتها إىل أوروبا‪..‬الخ)‪ ،‬و‬ ‫هكذا تسيطر اآلنسة عىل الطّالبات بطريق ٍة "فرق تسد"‪ ،‬ويعيش الجميع يف ٍ‬ ‫خوف ورهبة وتتحول املامرسات الدّ ينية‬ ‫التكيز عىل املظهر ويصبح ال ّنفاق هو القاعدة‪.‬‬ ‫إىل ّ‬ ‫س‪ 12‬هل تنشق الكثري من القبيسيات بعد تعرضهن لهذه الضّ غوط؟‬ ‫نعم بال ّتأكيد‪ ،‬أنا شخص ًيا أعرف الكثريات اللّوايت قمن باالنشقاق عن ال ّتنظيم يف مرحل ٍة مبكر ٍة‪ ،‬أما اولئك اللّوايت تأخرن‬ ‫الصعوبة عليهن فهو يعني خسارة املجتمع الوحيد الذي تعرفه الفتاة وبال ّتايل‬ ‫باتخاذ هذا القرار فهو يصبح بالغ ّ‬ ‫ستعاين من وحد ٍة قاتل ٍة فال املجتمع الطّبيعي سيتقبل عودتها إليه وهي جاهل ٌة بأبسط مكوناته ومصطلحاته وعاداته‬ ‫واهتامماته‪ ،‬وال بإمكانها الحفاظ عىل صديقاتها من القبيسيات اللّوايت سوف يعتربنها مارق ًة من أهل ال ّنار وال ّتعامل‬ ‫معها يحمل خطور ًة أنْ تجرجرهن إىل مصريها القاتم!‬ ‫أنا شخص ًيا عانيت من هذه الفرتة من ّ‬ ‫يل‪ ،‬وساعدين عىل تجاوزها أنّني كنت‬ ‫اللنتامء والضّ ياع وكانت بالغة ّ‬ ‫الصعوبة ع َ‬ ‫ٍ‬ ‫بعيدات عن‬ ‫منذ البداية مشاغب ًة وغري مقتنع ٍة بالعنرصية وشيطنة اآلخر التي تروج لها القبيسيات والتي تجعلهن‬ ‫‪46‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫الصديقات يف املدرسة واللّوايت عانني األم ّرين إىل أنْ أمتمت تحويل إىل فتا ٍة‬ ‫لدي عد ٌد من ّ‬ ‫املجتمع الطّبيعي‪ ،‬لذا كان َ‬ ‫الصباح بدل القرآن‪ ،‬وتعلم أنَّ ‪Backstreet‬‬ ‫مراهق ٍة طبيعي ٍة متيز أغاين عمرو دياب عن صباح فخري‪ ،‬تسمع فريوز يف ّ‬ ‫‪ boys‬هي فرق ٌة موسيقي ٌة وليس اسم عصاب ٍة‪ ،‬كام عانيت أنا األم ّرين حتى تعلمت كيف أرتدي مالبس طبيعي ٍة بطريق ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫عال أو كيف‬ ‫غري مبتذل ٍة‪ ،‬كيف استعمل أدوات ال ّتجميل وكيف أستعمل العطور املناسبة لسني‪ ،‬كيف أضحك‬ ‫أرقص يف الحفالت وكيف أشعر بالحب بال وخ ٍز من تأنيب الضّ مري واحتقار ال ّذات!‬ ‫ٍ‬ ‫هام وهو أنْ تُرفقوا بأولئك الذين انشقوا مؤخ ًرا عن الدّ ين أو عن‬ ‫وأنا أحيك لكم عن صعوبة هذه املرحلة‬ ‫بهدف ٍ‬ ‫الجامعات الدّ ينية أو حتى من ميتلكون الشّ كوك ويفكرون باالنشقاق‪ ،‬فهم بحاج ٍة إىل تقبلكم ولطفكم وتسامحكم مع‬ ‫سذاجة أفكارهم وبطء اندماجهم معكم‪ ،‬هم ليسوا سوى ضحايا ملجرمي األديان‪ ،‬ومن واجبنا دعمهم وتقديم صور ٍة‬ ‫جيد ٍة عن أنفسنا ليك ال ندفعهم إىل ال ّنكوص إنْ أظهرنا لهم كراهيتنا واحتقارنا ملا كانوا عليه‪.‬‬ ‫س‪ 13‬إ ًذا كيف حدث انشقاقك ال ّنهايئ عن القبيسيات وماذا كانت ردة فعلهم تُجاه قرارك؟‬ ‫حدث ذلك يف صيف عام ‪ 2004‬تقري ًبا‪ ،‬ال أذكر ما كانت القشة التي قصمت ظهر البعري بال ّنسبة يل ولكن تزايدت‬ ‫أسئلتي التي ال إجابة لديهم لها سوى نفس الجمل املكرورة الخالية من املعنى واملنطق مثل "هذه حكم ٌة إلهي ٌة ليس‬ ‫بالضورة أنْ نفهمها" أو "ال تسألوا عن أشياء إنْ تبد لكم تسوؤكم" أو "هذا ابتال ٌء من اللّه فهو يبتيل من يحبهم!" أو‬ ‫ّ‬ ‫"إنْ مل يستجب اللّه للدّ عاء فألنّه اختار األفضل لك" أو "لو اطلعتم عىل الغيب الخرتتم الواقع"‪ ..‬وغريها من األجوبة‬ ‫التي ال تهدف ّإل ملنع ال ّتفكري وحامية الخرافات من الخضوع للمنطق واإلنسانية‪.‬‬ ‫يوم ما وصلت إىل نتيج ٍة مفادها أنّ الدّ ين الحقيقي ال ميكن أنْ يكون هو اإلسالم ألنّه يهتم بسفاسف األمور (مثال‬ ‫يف ٍ‬ ‫نقطة ٍ‬ ‫الصالة مهام كانت خاشع ًة وصادق ًة مام يدل‬ ‫الصالة وطالء األظافر يفسد الوضوء وبال ّتايل ال يقبل اللّه ّ‬ ‫بول تفسد ّ‬ ‫عىل تفاهة تفكريه!) كام يحرض عىل الكراهية والعنرصية (مينع عىل املسلم أنْ يحب ويَ َو ُد غري املسلم‪ ،‬كام يتم ال ّتمييز‬ ‫بني املسلمني أنفسهم ضد من يتجرأ عىل ال ّنقد وال ّتفكري)كام مينع اإلسالم ال ّتفكري ويروج لل ّنفاق والكذب (فاملرتد ً‬ ‫مثل‬ ‫وكذلك من يتعرض بلده لغزو اإلسالم يضطر لل ّنفاق ولفظ الشّ هادة يك يحافظ عىل رأسه)‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ولهذه األسباب ولغريها قررت ّأن لن أكون مسلم ًة بعد اآلن وتحولت إىل الديني ٍة ربوبي ٍة‪ .‬حني عرفت والديت بهذا القرار‬ ‫قررت أنْ تطلب من إحدى الشّ يخات املتمرسات أنْ تزورين وتخوض معي نقاشً ا يهدف إىل مساعديت عىل العودة إىل‬ ‫"الصاط املستقيم"‪ ،‬فاشرتطت عليها يف بداية ال ّنقاش ّأل تستخدم أيًا من تلك األجوبة ال ّتي سبق وذكرتها يف الفقرة‬ ‫ّ‬ ‫املاضية‪ ،‬وحني وافقت عىل رشطي وبدأت بطرح األسئلة اكتشفت هي نفسها ضآلة آو انعدام املنطق يف طروحاتها‬ ‫واضطرارها مرا ًرا لالعتامد عىل الغيبيات والغموض واالل ّتفاف حول األسئلة ً‬ ‫بدل من إجابتها‪ ،‬ورغم ّأن مل أكن أعرف‬ ‫شي ًئا عن "املغالطات املنطقية" ّإل أنّه وباستخدام املنطق وحده استطعت تفنيد إجاباتها املراوغة وانتهى ال ّنقاش بأنّها‬ ‫صادفت تلك الشّ يخة بعد ذلك يف مناسب ٍة اجتامعي ٍة‬ ‫ُ‬ ‫غادرت غاضب ًة وأخربَت أ ّمي أنّني "حال ٌة مستعصي ٌة" ‪ .‬حدث أنْ‬ ‫بغضب ‪.‬‬ ‫الشعية‬ ‫فقامت بتغيري طريقها عني وهي تتمتم ببعض ال ّرقى ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بعد تلك الحادثة بدأت رحلتي الطّويلة مع البحث والشّ كوك‪ .‬شي ًئا فشي ًئا تطورت أفكاري وازداد اطالعي عىل تشابه‬ ‫خرافات األديان وعىل روعة االكتشافات العلمية مام ساعدين عىل ال ّتخلص من خرافات األديان وشي ًئا فشي ًئا فهمت‬ ‫أنَّ اللّه بحد ذاته ال يعدو عن كونه خرافة اختلقها جهل اإلنسان وهكذا أصبحت الأدري ًة أقرب إىل اإللحاد‪ ،‬وأنا اآلن‬ ‫متطوع ٌة يف حركة ترجم ٍة علمي ٍة عىل االنرتنت تهدف لزيادة املحتوى العلمي بالعربية بهدف مساعدة ال ّناس عىل‬ ‫االنتقال من ظالم الخرافات إىل نور العلم واملعرفة املبنية عىل الحقائق‪.‬‬

‫س‪ 14‬ماذا تنصحني الفتيات اللّوايت غادرن جامعتهن الدّ ينية مؤخ ًرا أو غرين قناعتهن الدّ ينية؟‬ ‫الصعوبة عليهن‪ ..‬فقد تلقني تربي ًة تجعلهن يشعرن باستصغار ال ّنفس وبانعدام األهمية‬ ‫أعرف متا ًما أنّ ال ّرحلة شديدة ّ‬ ‫السليمة‪ ،‬كام تم غسيل أدمغتهن‬ ‫وتعلمن أنّ ضعف الفتاة وقلة حيلتها واستسالمها ورضاها بالـ"قدر" هو فطرتها ّ‬ ‫ثم ال ّزوج‪ ،‬وأنّ إخفاءه والبقاء يف املنزل‬ ‫ليقتنعن بأنّ جسدهن هو مركز رشف العائلة وملكي ٌة محض ٌة لألخ واألب ومن ّ‬ ‫السيد‪ .‬كل من هذه القناعات بحاج ٍة إىل‬ ‫وال ّتعامل مع العامل الخارجي بخجلٍ وخيف ٍة يزيد من قيمتهن لدى ال ّزوج‪ّ /‬‬ ‫خوض معارك مع ال ّنفس ورص ٍ‬ ‫اعات داخلي ٍة لل ّتخلص منها‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫نوار عقاد ‪ -‬قبيسية منشقة ‪-‬‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫لألسف فكث ٌري من الفتيات بعد ال ّتحول عن الدّ ين والجامعة الدّ ينية تسقطن يف فخ املغاالة يف ردة الفعل‪ ،‬فبدل أنْ‬ ‫تصبح إنسان ًة طبيعي ًة معتدل ًة وجدت أنّ الكثريات تحاول أنْ تثبت لنفسها وملن حولها بأنّها عكس ما كانت عليه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كالشب وال ّتدخني‪..‬‬ ‫الصحية ّ‬ ‫فتدخل‬ ‫بعالقات غري مدروس ٍة وتنخرط ضمن شللٍ مشبوه ٍة وتقوم مبامرسة العادات غري ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مغريات‬ ‫أي‬ ‫الخ ومن املهم هنا أنْ أشري لالنعكاسات ال ّنفسية التي تجعل تلك الفتاة هش ًة جدً ا وقابل ًة لالنقياد وراء ِّ‬ ‫الصواب من الخطأ‪ ،‬فاملرجعية الدّ ينية تُع ِّود الفرد عىل أنّ‬ ‫فهي مل متتلك بعد القدرة عىل اتخاذ القرار بنفسها ومعرفة ّ‬ ‫الشّ يوخ يفكرون ً‬ ‫بدل عنه والكتب تحمل اإلجابات عىل أسئلته وبال ّتايل فهو ليس بحاج ٍة ملوهبة ال ّتفكري‪.‬‬ ‫وترتافق تلك الهشاشة لدى من ترك الدّ ين حديثًا مع شعو ٍر ٍ‬ ‫خاص بالفتيات هو احتقار ال ّذات‪ ،‬فهي تصبح ضائع ًة‬ ‫متا ًما بني شعور أنّها ترغب بتجربة الحياة ال ّتي فتحت أبوابها عىل مرصاعيها فجأ ًة وبني شعور الذنب وتأنيب الضّ مري‬ ‫والخجل والعار املغروس يف جسدها وأفكارها‪ ،‬لذلك أمتنى ملن مير بتجرب ٍة كهذه أنْ يرتيث كث ًريا قبل اتخاذ القرارات‪،‬‬ ‫الصعبة بدل أنْ مييل إىل االنعزال متا ًما واالستسالم للوحدة‬ ‫وأنْ يتعرف عىل من يثق بهم للمساعدة عىل اجتياز املراحل ّ‬ ‫التي دامئًا تكون نتائجها سيئ ٌة‪.‬‬ ‫وهذه املرحلة االنتقالية ال بد ستنتهي‪ ،‬فنحن لسنا بحاج ٍة للدّ ين يك نعيش حيا ًة سعيد ًة راضي ًة مكتفي ًة ذات مع ًنى‪،‬‬ ‫ولسنا بحاج ٍة ملن يخدعنا ويقدم لنا أجوب ًة معلب ًة يسيطر من خاللها عىل حياتنا‪ ،‬علينا أنْ نتخذ القرار بأنْ منسك بزمام‬ ‫ً‬ ‫مستقبل خال ًيا من احتقار‬ ‫حياتنا ونساعد غرينا أيضً ا عىل فعل ذلك‪ ..‬كفانا عبودي ًة مغلف ًة بأسام ٍء براق ٍة ولنصنع بأنفسنا‬ ‫ال ّنفس وكراهية اآلخر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مساعيك بعيدً ا عن خرافات األديان‬ ‫س‪ 15‬شك ًرا لك صديقتنا عىل هذه املقابلة الغنية ونتمنى لك ال ّتوفيق وال ّنجاح يف‬ ‫والعقد ال ّنفسية‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫موصول لقراء املجلة‪ ،‬وأمنيتي هي أنْ يتطور مجتمعنا ويسمح بتقبل ال ّرأي‬ ‫الشّ كر لك صديقي وألرسة املجلة والشّ كر‬ ‫اآلخر بحيث أرى مجلتكم مطبوعة يو ًما ما وتباع يف املكتبات ليقرأها كل من يتملك ً‬ ‫ثم يختار طريقه بنفسه‪.‬‬ ‫عقل ح ًرا ّ‬ ‫قام بالحوار ‪Ghaith Jabri‬‬ ‫‪49‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪50‬‬


‫(‪)1‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫سلسلة الفاحشة يف فضح أ ّم‬ ‫املؤمنني عائشة ‪3‬‬ ‫املصدر ‪:‬‬ ‫كتاب‪ :‬تراجم س ّيدات بيت ال ّنبوة "ريض الله عنهن"‪.‬‬ ‫من صــــ‪ 191‬حتي صـــــ ‪228‬‬ ‫تأليف‪ :‬د‪/‬عائشة عبد ال ّرحمن ‪ -‬بنت الشّ اطئ ‪.-‬‬ ‫سي وتراجم‪.‬‬ ‫إصدار‪ :‬مكتبة األرسة ‪ 2013-‬سلسلة ّ‬ ‫مقسم ٌة إىل مباحثَ ‪ ،‬بنفس ترتيب الفصول كام هي بالكتاب؛ ليتس ّنى ملن يريد املتابعة أ ْن يتابع‪.‬‬ ‫السلسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫املوضوع غري قطعي الثّبوت‪ ،‬غري قطعي ال ّداللة ‪ /‬فهي قراء ٌة عقلي ٌة‪ ،‬إلحادي ٌة شخصي ٌة‪ ،‬وأر ّح ُب بال ّنقاش‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪3‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫املبحث الثّالث – أكذوبة إ ّن الله معنا‬ ‫صـ‪ :198‬صـ‪202‬‬ ‫وفيه النقاط اآلتية‪:‬‬ ‫‪ 1.1‬اضطرابات الشخصية يف محمد‪.‬‬ ‫‪ 2.2‬أيّهام أقرب للبطولة‪ :‬البقاء مع املواجهة‪ ،‬أم ال ّرحيل حفاظًا عىل الحياة‪.‬‬ ‫‪ 3.3‬موقف أهل مكة من ال ّدين الجديد –تكرا ٌر للتاريخ ال ّروماين مع املسيحية‪.‬‬ ‫‪ 4.4‬أكذوبة إ ّن الله معنا‪.‬‬ ‫‪ 5.5‬شكاية أبو بكر وجزعه‪.‬‬ ‫‪--------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬‫والضوابط التي تُجيز للرجل أ ْن يستبدل زوجته إ ْن صح التّعبري؟‬ ‫ملاذا ُس َّن ال ّزواج يف اإلسالم وما هي املعايري ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫معروف وفقًا لرؤية العامل املتحرض‪ ،‬وطبقًا لقوانني حقوق اإلنسان وكذلك يف إطار حامية املرأة‬ ‫معروف ولك ّنه‬ ‫الجواب‬ ‫تمم ملكارم األخالق! وراف ًعا من قيمة املرأة! فقد أتت ترشيعات وترصفات رسوله وفقًا‬ ‫وحقوقها‪ ،‬ومبا أ ّن اإلسالم جاء ُم ً‬ ‫لكل ذلك؟‬ ‫تقول الكاتبة يف وصف حال مح ّم ٍد معلل ًة من ٍ‬ ‫خفي ملاذا أقدم عىل ال ّزواج ‪-‬أقصد اغتصاب– عائشة‬ ‫طرف ٍّ‬ ‫تقول إنّه كان‪:‬‬ ‫ •وحي ًدا وإ ْن كان يف عصمته (سودة بنت زمعة) تتفاىن يف خدمته وتقوم عىل شؤون داره وبناته‪.‬‬ ‫وأحقاب‪ ،‬وطاب له أ ْن يسعى إىل‬ ‫مقيم يف مكة‪ :‬بلد آبائه وأجداده منذ ما ال يُحىص من دهو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ •غري ًبا؛ وإ ْن يكن ً‬ ‫بيت صاحبه أيب بكرٍ‪ ،‬كلام اشتدت عليه وطأ ُة الشّ عور بالوحدة والغربة‪ ،‬ليالطف خطيبته الصغرية‪ ،‬ويُغرق أشجانه‬ ‫يف ٍ‬ ‫فيض من دعابتها الذّكية ومرحها الفياض‪.‬‬ ‫تذييل‬ ‫رغم كونها قامئ ًة عىل كافة شؤونه واحتياجاته ّإل أنّه فكر‬ ‫السمحاء‪ ،‬ووفق رشع اإلله‬ ‫يف غريها‪ ،‬ووفقًا لتعاليم اإلسالم ّ‬ ‫الذي دو ًما يسارع يف هوى مح ّم ٍد ت ّم رضب عرض الحائط‬ ‫بالعرشة والطّيبة‪ ،‬وسنني العذاب والتّحمل‪ .‬فهل كانت سودة‬ ‫عيب صار ٍخ؟ هل كانت قبيح ًة؟ هل كانت ال تجيد فنون‬ ‫ذات ٍ‬ ‫ال ُعهر يف الفراش؟ ال أدري لكن الواقع يقول أنّها كانت قامئ ًة‬ ‫عىل شؤونه مبا ينفي كل تلك الشّ بهات‪ ،‬فيبقي الحل األبرز‬ ‫لإلشكالية‪ ،‬وهو دونية مح ّم ٍد وانحطاطه ورغبته املُل ّحة دو ًما‬ ‫فض بكار ٍ‬ ‫ات جديد ٍة‪ ،‬والتّلذذ بالجديد والعذارى من ال ّنساء‪،‬‬ ‫يف ِّ‬ ‫صح أ ْن نطلق عىل عائشة يف س ّنها هذا أنّها من النساء‪.‬‬ ‫إ ْن ّ‬ ‫‪52‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪3‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫رسول مكلفًا من قبل ال ّرب؟ أَ َوال يعرف أ َّن األمانة ثقيل ٌة وتتطلب ال ِج ّد‬ ‫فكرة الوحدة والغربة ال تنفي عنه أقوالنا‪ ،‬أليس ً‬ ‫ثقيل» أين املعارشة‬ ‫والجهد الشّ اق املضني؟ أمل يعامله ربّه عىل أنّه من أُويل العزم؟ أمل يقل له ربّه‪ «:‬إنّا سنلقي عليك قوالً ً‬ ‫باملعروف أو املفارقة بإحسان؟! ملاذا ارتىض ُمح ّم ٌد رسول األخالق ومت ِّممها أ ْن يُب ّدل زوجاته كام يُب ّدل نعاله؟ بينام رفض‬ ‫يل بن أيب طالب حني عرف برغبته يف ال ّزواج عىل ابنته فاطمة!‬ ‫طلب ع ٌّ‬ ‫أال ت ُع ّد الشكوى من الوحدة والغربة نو ٌع من أنواع الجزع والتّأفف واالمتعاض من تكليف الله‪ ...‬مام يُحيلنا عىل فكرة‬ ‫أصل‪ -‬إ ْن كانت رغبة‬ ‫صح أ َّن هناك ربًّا ً‬ ‫أو التساؤل عن مدى أحقية مح ّم ٍد بال ّرسالة؟ ً‬ ‫فضل عن عوار اختيار ربّه له ‪-‬إ ْن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫معروف ضم ًنا بكونهم مصد ٌر للفرح‪ ،‬فكان األحرى به أ ْن يجول‬ ‫الس والتّرسي مع األطفال نظ ًرا ملا هو‬ ‫مح ّم ٍد ملح ًة يف ّ‬ ‫ويصول بني يتامى املسلمني الذين فقدوا أباءهم أو أمهاتهم عىل يد ترشيعاته وتنفيذًا لخططه‪ ،‬أهي األفعال ال ّربانية‬ ‫السمج‪ ،‬وإكساب هالة القداسة عىل الدونية واالنحطاط؟‬ ‫ال ّدينية‪ ،‬أم الرغبات والطموحات الشخصية والتغليف اإللهي ّ‬ ‫رشا‬ ‫ملاذا مل يسأل أبو بك ٍر نفسه كل تلك التّساؤالت؟ أين موقف أ ّمها من كل هذه املصائب والكوارث؟ أكانوا ٍ‬ ‫بحق ب ً‬ ‫عقول تفكر؟ أم كانوا مجرد ُمسو ٍخ ُمنومني مغناطيس ًيا (رافعني شعار سمعنا وأطعنا)‪.‬‬ ‫ميلكون ً‬ ‫رغبة مح ّم ٍد يف التّرسي واللعب مع عائشة عىل أنّها مالطف ٌة ومداعب ٌة تجعلنا عىل يق ٍني بعدم ال ّنضج يف شخصيته وعدم‬ ‫رشد ٍة‪ .‬حيث قىض فرتة طفولته بعي ًدا عن ثدي أ ّمه‪ ،‬وسط الرباري‬ ‫االكتامل يف منوه‪ ،‬كونه‬ ‫ً‬ ‫شخصا يعاين من طفول ٍة م ّ‬ ‫والصحاري يف عشرية أخواله من بني ال ّنجار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تقول الكاتبة عن عائش ٍة مؤكد ًة عىل مسخ طفولتها وأنّهم كانوا يتعاملون معها عىل أنّها امرأ ٌة كامل َة األنوثة وال ّنضج‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫بخطوات تدنو من الباب‪ ،‬فأصغت يف لهف ٍة وقد عرفت فيها خطوات زوجها العزيز»‬ ‫أحست‬ ‫«وفجأ ًة ّ‬ ‫السابعة‪ ،‬تخيل الغسيل الذّهني املمنهج الذي نشأت فيه تلك "العائشة"‪،‬‬ ‫تخيل التشويه الذهني الحاصل لطفل ٍة يف عمر ّ‬ ‫وأي ٍ‬ ‫أناس كانوا يعيشون فيها؟‬ ‫أيّة بيئ ٍة تلك! ُّ‬ ‫خصوصا إ ْن كان عىل نفس العهد يوجد من ال ّنسوة من‬ ‫مصطلح الجهل أو الجهالة يقف حائ ًرا أمام وصف ذلك املشهد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بارزن الرجال واشتهرن بقوة الح ّجة ورجاحة العقل‪.‬‬ ‫لفظة لهف ٍة الواردة يف نص الكاتبة تأكي ٌد عىل اضمحالل الطّفولة واندثارها إىل األبد‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪3‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫تذييل‬ ‫محاربة أهل مكة ملح ّم ٍد ومناصبتهم له العداء مل تكن عن تح ٍّد أو رغب ٍة يف منع القبس ال ّنوراين اإللهي من الوصول لل ّناس‪،‬‬ ‫حني تعرف عن اجتامع كبار قادة مكة يف دار ال ّندوة كام تقول الكاتبة صـ‪ 200‬لل ّنظر يف أمر مح ّم ٍد وعىل رأسهم أبو‬ ‫حرب‪ ،‬عتبه ‪،‬شيبة بن ربيعة‪ ،‬أمية بن خلف‪ ،‬أبوجهل بن هشام ‪،‬جبري بن مطعم‪ ،‬ال ّنرض بن الحارث‪ ،‬حكيم‬ ‫سفيان بن ٍ‬ ‫بن حزام‪.‬‬ ‫ومجتمعي‪،‬‬ ‫روحي‬ ‫وتناسق‬ ‫تناغم‬ ‫ٍ‬ ‫تتذكر موقف حكام روما عند بداية التبشري بال ّدين املسيحي الجديد‪ ،‬كانوا يعيشون يف ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫تفريق‪ ،‬حتى جاء فريوس ال ّدين ال ّنجس فشتت الشّ مل وحطّم الجمع‪ ،‬رغم كَ ْونِ ال ّناس‬ ‫تباغض‪ ،‬ال نبذٌ‪ ،‬ال‬ ‫ال حق ٌد‪ ،‬ال‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وقتها يعبدون ويتق ّربون آلالف اآللهة دون أ ْن يفكر أحدهم يف قتل أو تكفري أو أرس أو طرد اآلخر‪ .‬نفس القصة تكررت‬ ‫زمني فقط‪ ،‬فالقوم كانوا يعبدون ليثًا وعزة ومناة وغريهم أو غريهن‪ ،‬حتى جاء اإلسالم فوجدوا فيه نبت ًة فاسد ًة‬ ‫والفارق ٌّ‬ ‫تريد أ ْن تزعزع أرضية استقرار املجتمع فه ّبوا جمي ًعا ملناهضتها‪ ،‬وهنا نع ّرج عىل تزوير التّاريخ والتّدليس يف الحقائق‬ ‫التي أشبعوا بها عقولنا حني رموا بكل نقيص ٍة عىل أهل قريش ومكة‪ ،‬وتفننوا يف تطهري وتقديس مح ّم ٍد وأتباعه‪ ،‬رغم‬ ‫كَ ْونِ الواقع يُدلل عىل كَ ْونِ سادة قريش وقتها كسادة روما قبل ذلك ِق ّم ًة يف الوطنية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حسابات شخصي ٍة‪ ،‬ولكن األساس كان يف بعد‬ ‫ديني‪ ،‬ومل تكن تصفية‬ ‫فحروبهم مل تكن بدافعٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اقتصادي‪ ،‬ومل تكن بدافعٍ ٍ‬ ‫نظرهم‪ ،‬وقراءتهم املتأنية الواعية للمستقبل حيث استشعروا الخطر ال ّداهم القادم‪ ،‬فأرادوا َوأْ َد ُه يف مهده‪ ،‬وتخيل قاريئ‬ ‫العزيز كيف كان سيكون الحال لو أنّهم متكنوا من وأد هذا النبي القذر‪.‬‬ ‫تقول الكاتبة‬ ‫«وتحدثها أسامء (أسامء تحدث أختها‬ ‫عائشة) عن مشقة اإلقامة يف الغار وع ّم‬ ‫كان من حزن أيب بك ٍر حني رأى املصطفى‬ ‫يف ضيق الغار مع فرقة األهل ووحشة‬ ‫رجل‬ ‫الغربة فقال‪ :‬إ ْن أنا قُتلت فإنّ ا أنا ٌ‬ ‫واح ٌد وإ ْن قُتلت أنت َهلَك َِت األمة‪،‬‬ ‫ف ُيذهب عنه الخوف ويقول‪ :‬ال تحزن إ ّن‬ ‫الله معنا»‬ ‫«ما ظنك بإثنني يا أبا بك ٍر الله ثالثهام»‬

‫ما ظنك بـ ‪3975‬‬ ‫يا أبا بك ٍر الله ‪3976‬هام‬

‫‪54‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪3‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫تذييل‬ ‫كالسطان حتى يأيت عىل عقل‬ ‫يأيت اإلسالم فيمحي من الشخص مقوماته اآلدمية‪ ،‬شأنه شأن ِّ‬ ‫أي دينٍ آخر‪ ،‬يتمدد ببط ٍء ّ‬ ‫ٌ‬ ‫محدق بهام سويًا‪ ،‬يأيت ر ّد أيب بك ٍر الذي ينبئك بأنّه فادي ال ّرسالة‪،‬‬ ‫ضحيته‪ ،‬فرغم كون االثنان يف املرضة سويًا‪ ،‬والخطر‬ ‫وحامي ِ‬ ‫الحمى‪ ،‬وأنّه يُقدم نفسه عىل رسول الله فهو إ ْن مات فهو واح ٌد –الحظ التّحقري الذّايت والتّصغري‪ -‬بينام لو مات‬ ‫مح ّم ًدا فقد تهلك األمة كلها بل بالفعل ستهلك‪.‬‬ ‫بحق عظا ًما ضحوا بأنّفسهم من أجل قضي ٍة سامي ٍة‪ ،‬هدفها اإلنسان وحريته‪ ،‬صمدوا وبقوا‪،‬‬ ‫عرف التّاريخ البرشي ً‬ ‫أبطال ٍ‬ ‫الساحة دو ًما‪ ،‬مل يُ َولُوا ظهورهم‪ ،‬ولكن هل كان أبو بك ٍر وصحبة كذلك‪ ،‬الشّ اهد من‬ ‫استامتوا يف أرضهم‪ ،‬كانوا عىل ّ‬ ‫الحديث أ ّن أسام ًء كانت تنقل ألختها عائشة خوف جزع أبيها‪ ،‬ووحشة الغربة‪ .‬وهنا نتساءل مبنتهى الرباءة عن‪:‬‬ ‫ •هل هلكت البرشية بعد موىس وبعد عيىس؟‬ ‫ •هل انغمس ال ّناس يف االنحالل والفجور بعد موت ابراهيم واسامعيل؟‬ ‫مثل‪ ،‬رغم كونهم وفق مقالتهم أكرث األقوام املُرسل‬ ‫ •من منطلق فكرهم ومنطقهم‪ ،‬ملاذا مل يفنى ومل يُباد بنو إرسائيل ً‬ ‫رسل‪.‬‬ ‫إليهم ٌ‬ ‫املوت أو الشّ هادة‬

‫ِ‬ ‫خرست البرشية من موت بوذا؟ هل تاهت يف‬ ‫ماذا‬ ‫الضالل بعد رحيل كونفوشيوس؟‬ ‫ّ‬ ‫هل يئس أبو بكر من رحمة الله – فإنّه مل ييأس‬ ‫من رحمة الله ّإل القوم الكافرين‪ .‬إذن أبو بكر‪...‬‬ ‫( حكم وواقعية لكل أجل كتاب)‪ ،‬املوت قاد ٌم قاد ٌم‬ ‫ففي َم الخوف وملا الجزع؟ (أحد الحسنني إ ّما املوت‬ ‫أو الشّ هادة) كلامتٌ تعبريي ٌة أكلشيهي ٌة‪ ،‬لكن يف الواقع‬ ‫يراوغون ويتنصلون منها‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪3‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫الخوف والجزع أو حتى الشّ كوى ال تن ّم سوى عن ضيق ورغب ٍة يف الفرار‪ ،‬فهل كان أبو بك ٍر يريد أ ْن ي ِف ّر من قضاء الله؟‬ ‫نقرأ ال ّنص وسنعرف‪...‬ث ّم نُحيل حكم اإلسالم عليه بكونه ٍّ‬ ‫متول يوم ال ّزحف‪.‬‬ ‫وأخ ًريا ال تحزن إ ّن الله معنا‪ ،‬واثنني الله ثالثهام‪...‬استمراري ٌة للمشهد العبثي‪ ،‬وفكر غسيل األدمغة ألنّه إ ْن كان ربك كام‬ ‫أجرب أنت وصاحبك‪.‬‬ ‫كضب ٍ‬ ‫تقول‪ ،‬ملاذا أهملكم حتى طاردوك وحارصوك داخل غا ٍر كفأ ٍر مذعو ٍر أو ٍّ‬ ‫أين كان ربك وأتباعك‪ ،‬ومريدوك يخرجون مهرولني خوفًا وذع ًرا من مكة‪ ،‬تاركني ديارهم وأموالهم‪ .‬ملاذا اختصك ربّك‬ ‫أنت بالحامية‪ ،‬أنت وصاحبك وترك الباقني يُ ْصلَ ْون لوحدهم سوء العذاب؟‬ ‫السامء‪ ،‬وأنت معهم فتبيدهم ويحميك وي ّربهن ويُدلل عىل‬ ‫أين كان ربّك‪ ،‬وما كان مينعه أ ْن يُسقط عليهم صاعق ًة من ّ‬ ‫صدقك وصدق رسالتك‪.‬‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪56‬‬


‫الغالف بريشة‬ ‫‪Nada Lutfi‬‬

‫الكذب و التدليس‬ ‫يف حرضة الفضائيني‬

‫الجزء الثالث ‪ :‬تدليس النصوص القدمية‬ ‫‪57‬‬


‫عجلة حزقيال‬ ‫ٍ‬ ‫عجالت داخل عجالت‪ ،‬ومصدر طاقتها هو املالئكة ‪ .‬رغم أ ّن املؤرخني‬ ‫«يف سفر حزقيال يصف الكاتب عرب ًة طائر ًة تحوي‬ ‫رمزي عن األعداء الذين يواجهون إرسائيل ‪ ،‬فهل من املمكن أن تكون مثاال‬ ‫اإلنجليزيني يقولون‪ :‬إ ّن حزقيال يتكلم بشكلٍ ٍّ‬ ‫آخر عىل زيارة الفضائيني لألرض و إثبات وجود مركبات طائرة من حقب ما قبل التاريخ ؟»‬ ‫رؤيا حزقيال تم استخدامها عدة مر ٍ‬ ‫ات إلثبات نظرية الفضائيني القدامى فلنأخذ نظر ًة مقربة‪ ،‬و نرى ما إذا كانت فعال‬ ‫تؤيد نظريّة الفضائيني القدامى‪.‬‬ ‫يف البداية علينا االختالف مع الّراوي الذي يقول‪ :‬إ ّن مختيص اإلنجيل يقولون‪ :‬أ ّن هذه الرؤية ترمز إىل أعداء إرسائيل‬ ‫ٍ‬ ‫مختص يقول شيئا كهذا فالتعبري يف الكتاب كان واض ًحا والرؤيا تتكلم بكل وضوح عن مجد الله‬ ‫أي‬ ‫‪ ،‬ال أستطيع تخ ّيل َّ‬ ‫أي يش ٍء يقول أنهم يقصدون أعداء‬ ‫عىل عرشه ‪ ،‬وقد قرأت تعليقات العرشات من املختصني يف سفر حزقيال ومل أج ْد َّ‬ ‫إرسائيل ‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫برأيي إ ّن أنصار ال ّنظريّة يستخدمون مغالطة رجل القّش التي يلتجئ إليها مروجي ال ّنظرية غال ًبا‪ ،‬مبعنى آخر هم‬ ‫يأخذون فرضيّ ًة ضعيف ًة وي ّدعون بأنّها رأي األغلبية املخالفة لهم ‪.‬‬ ‫الفرض ّية الّرئيسية يف كالم مروجي ال ّنظرية هي‪ :‬أ ّن الكتاب القدامى مل يفهموا‪ ،‬أو مل يكن لديهم املصطلحات الكافية‬ ‫للتّعبري عن هذه التكنولوجيا‪ ،‬لكن هذه الفكرة ال تنفع مع حزقيال لعدة أسباب؛ فبداي ًة كان لدى حزقيال الكثري من‬ ‫املصطلحات فاللغة العربية هي واحدة من أغنى اللغات يف تاريخ العامل وكانت لدى حزقيال مهارات كبرية يف إظهار‬ ‫ووصف األشياء يف األماكن املختلفة يف كتابته ‪.‬‬ ‫كان لديه من املفردات اللغوية ما يك ِفي ليقول قرص فيض‪ ،‬أو مدور‪ ،‬أو نافذة ‪،‬أو كائن رمادي بأعني كبرية إذا أراد هذا‬ ‫‪ ،‬ولكنه مل يفعل وسرنى إن ما وصفه حزقيال ال ميكن مقارنته بأوصاف اليوفو ‪ UFO‬بأي شكل ‪.‬‬ ‫كاتب إنجييل آخر‪ ،‬وكان يتأكد من وصف كل التفاصيل ليس فقط يف هذه‬ ‫أي ٍ‬ ‫كان حزقيال متوس ًعا بالتفاصيل أكرث من ِّ‬ ‫الجزئية بل خالل كل كتاباته‪ ،‬كمثال فهو يقدم رش ًحا واف ًيا لنموذج مدينة ومعب ًدا كامالً ميكن بنائه وفق مواصفاته‬ ‫و كذلك يف احد رؤاه يقدم رش ًحا بالتّفصيل اململ لزمان و مكان الحدث‪ ،‬مثال ‪:‬‬

‫السا ِد ِس ِف الْ َخا ِم ِس ِم َن الشَّ ْهرِ‪َ ،‬وأَنَا َجالِ ٌس ِف بَ ْي ِتي َو َمشَ ا ِي ُخ يَ ُهوذَا َجالِ ُسو َن أَ َما ِمي‪،‬‬ ‫السا ِد َس ِة ِف الشَّ ْه ِر َّ‬ ‫الس َن ِة َّ‬ ‫« َوكَا َن ِف َّ‬ ‫ل ُه َن َاك» حزقيال ‪8:1‬‬ ‫أَ َّن يَ َد َّ‬ ‫الس ِّي ِد ال َّر ِّب َوقَ َع ْت َع َ َّ‬ ‫هذه الرؤيا التي رآها حزقيال كانت موضع تساؤ ٍل عن ما إذا كان باإلمكان ترجمتها عىل الورق باستخدام مواصفاته التي‬ ‫ذكرها‪ ،‬فقام الناس بعملها والحصول عىل نفس النتائج ‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫السابقة هي توصيف لعرش ال ّرب‪ ،‬والتي ميكن رسمها بسهولة عىل الورق‪ ،‬وكل من قام بتصوير‬ ‫كام قلنا فأ ّن ال ّرؤية ّ‬ ‫كل زاوي ٍة (‬ ‫ما تصفه النصوص أنتج نفس الصورة فعرش ال ّرب فيها مستق ٌر عىل منص ٍة يحملها أربعة ( كاروبيم ) من ِّ‬ ‫ּרּובים هو أحد أنواع املالئكة التي تم ذكرها يف الكتاب املقدس له أربعة وجوه‬ ‫الكاروبيم ‪ Cherubim‬بالعربية כְ ִ‬ ‫و عدة أجنحة ‪ ،‬وكذلك كان هناك أربع عجالت قرب املالئكة )‬

‫يقول مايك هايزر‬ ‫ٍ‬ ‫متخصص بهذا املجال يعرف املقصود يف اإلصحاح األول من سفر حزقيال ‪ ..‬إنّه عرش كاروبيم أل ّن لدينا الكثري من‬ ‫«كل‬ ‫َّ‬ ‫األمثلة عن العنارص التي تجدها يف حزقيال (‪»)1‬‬ ‫ليس األمر مثريا لهذا الح ِّد ‪ ،‬لك ّنه بشكلٍ أو آخر ما يحصل عليه الجميع من رسمهم لهذا الوصف يف النص ‪ ،‬طبعا مع‬ ‫وجود االستثناء التايل ‪:‬‬ ‫«جوزيف بلومريتش هو عامل صواريخ معتمد ‪ ،‬وقد عمل عىل مرشع القمر لصالح ناسا ‪ ،‬ومن خالل عقليته كمهندس‬ ‫صواريخ فقد قرأ الجزء األول من سفر حزقيال و بعد أشه ٍر من البحث استنتج جوزيف بلومريتش أ ّن ما وصفه حزقيال‬ ‫يف شهادته العينية كان مركبة فضائي ّة»‬ ‫«وقام جوزيف بلومريتش فيام بعد بكتابة كتاب بعنوان ‪ -‬سفينة حزقيال الفضائية »‬ ‫‪60‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫حسناً ؛إذن فهم يقولون إن هذا الشخص ‪ -‬والذي يقولون بأنه ذيك ومثقف جدا ً‪ -‬قد درس سفر حزقيال و استنتج من‬ ‫ال ّنص وجود أربعة دافعات (مراوح) موزعة عىل زوايا املركبة األربع‪ ،‬لك ّن أك َرب مشكل ٍة مع هذه ال ّنظرية هو انتباه‬ ‫حزقيال للتفاصيل ومن املستحيل الحصول عىل هكذا استنتاج من رشح حزقيال ‪.‬‬ ‫هايزر ‪:‬‬ ‫«كتاب بلومريتش و كتب أخرى من تأليف مروجي نظرية الفضائيني لديها نقاط ضعف ‪ ،‬فهم يتجاهلون معاين الكلامت‬ ‫اللغوية للفصل األول من سفر حزقيال ‪ ،‬مثال عىل هذا فالعرش املوصوف الذي يجلس عليه يهوه مل يتم وصفه عىل أنّه‬ ‫مدور‪ ،‬أو فيض ‪،‬أو بشكل قريص ‪ -‬هذا قد تم افرتاضه ووضعه يف النص ‪ -‬لذلك كانوا أمام خيار إ ّما حرشه يف النص أو‬ ‫القيام بتحديث الوصف ‪ ،‬وبالتايل يقولون مثال بأن حوافر الثّور حامل العرش تعني دعامات املركبة الفضائية بكل تأكيد»‬ ‫دعوين اقرأ لكم الوصف الذي يتكلم عن املالئكة األربعة الذين يحملون العرش وميكنكم أن تحكموا بأنفسكم إذا ما‬ ‫كان حزقيال يعاين من مصطلحاته القدمية يف محاولة لوصف أربع مروحيات ‪:‬‬

‫« َو ِم ْن َو ْس ِط َها خرج أَ ْربَ َع ٌة كائنات ‪َ .‬وهذَا َم ْنظَ ُر َها‪ :‬كان لَ َها ِش ْب ٌه باإلنْ َسان» حزقيال ‪5:1‬‬ ‫اح ٍد أَ ْربَ َع ُة أَ ْو ُج ٍه‪َ ،‬ولِك ُِّل َو ِ‬ ‫« َولِك ُِّل َو ِ‬ ‫اح ٍد أَ ْربَ َع ُة أَ ْج ِن َح ٍة» حزقيال ‪6:1‬‬ ‫« َوكان لها أَيْ ِدي إِنْ َسانٍ تَ ْح َت أَ ْج ِن َح ِت َها َع َل َج َوانِ ِب َها األَ ْربَ َع ِة‪َ .‬و ُو ُجو ُه َها َوأَ ْج ِن َحتُ َها لِ َج َوانِ ِب َها األَ ْربَ َع ِة» حزقيال ‪8:1‬‬ ‫س ألَ ْربَ َع ِت َها»‬ ‫« أَ َّما ِش ْب ُه ُو ُجو ِه َها فَ َو ْج ُه إِنْ َسانٍ َو َو ْج ُه أَ َس ٍد لِلْ َي ِم ِني ألَ ْربَ َع ِت َها‪َ ،‬و َو ْج ُه ث َ ْو ٍر ِم َن الش َِّم ِل ألَ ْربَ َع ِت َها‪َ ،‬و َو ْج ُه نَ ْ ٍ‬ ‫حزقيال ‪10:1‬‬

‫‪61‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫الصعب الوصول‬ ‫من ّ‬ ‫لفرضية أنّها كانت أجهزة‬ ‫دفعٍ مروحي ٍة حني ترى‬ ‫حزقيال بنفسه يقول‬ ‫« َوهذَا َم ْنظَ ُر َها‪ :‬لَ َها ِش ْب ُه‬ ‫باإلنْ َسان» فحزقيال كان‬ ‫يعرف شكل اإلنسان؛ لذا‬ ‫ميكننا بكل أمانة القول‬ ‫ال ميكن لحزقيال أن‬ ‫يخطئ الجهاز الدافع و‬ ‫يظنه إنسانًا ‪.‬‬ ‫ولكن ملروجي ال ّنظريّة‬ ‫طرقهم يف االلتفاف عىل‬ ‫هذا الكالم ‪:‬‬

‫« إذا اعتربنا كلمة مالك تعرب عن يشء مثل الطاقة الساموية‪ ،‬فحينها ستكون وكأنها سفينة فضاء »‪.‬‬ ‫إذن هو يقول كل ما علينا فعله هو جعل كلمة مالك تعني طاقة ساموية ‪،‬و بهذا سيكون ال ّنص متوافقاً مع نظريّة‬ ‫الفضائيني ‪ ،‬وهذا ليس إال حرشأً للدليل وسط الفرضية ‪.‬‬ ‫استخدمت كلم َة جها ٍز مضا ٍد‬ ‫باستعامل هذا املنطق عىل وصف سياريت فستكون سياريت عبارة عن سفين ٍة فضائي ٍة إذا‬ ‫َ‬ ‫للجاذبي َة بدالً من كلمة إطارات ‪.‬‬

‫املشكلة هنا أ ّن حزقيال ال يذكر املالئكة بصورة عابرة؛ بل يخصص لهم إصحا ًحا كامالً لوصفهم ويس ّميهم ( كاروبيم )‬ ‫ألكرث من عرشين مرة يف اإلصحاح العارش ويف اآلية ‪ 20‬من اإلصحاح العارش يقول أنّه يعرف أنهم كاروبيم ‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫هايزر ‪:‬‬

‫« إنّه من غري املنطقي أن يفرتض شخص من العرص الحديث مؤمن بنظرية الفضائيني أ ّن قراءته وفهمه أصح لكالم قاله‬ ‫يل ومع ذلك ينأى بنفسه عن النص هذا غاية يف التناقض؛ فأنت‬ ‫شخص قديم وبذل جه ًدا يف رشحه بشكل ممتا ٍز وتفصي ٍّ‬ ‫نصا قدميًا مفهو ًما جدا ً وتنظر إىل أفكار كتابه ومع ذلك تزيح كل هذا جان ًبا وتتجاهله »‪.‬‬ ‫هنا كمثل الذي يقرأ ً‬ ‫يش ٌء آخر ينفي ارتباط حزقيال بالفضائيني‪ ،‬هو بال ّنظر إىل مدى تكرار الحديث عن العرش اإللهي يف مواضع كثرية من‬ ‫الكتاب املقدس ( اإلنجيل ) يف أكرث من مرة‪ ،‬ومع ذلك ال أحد يقول إ ّن هذه ال ّنصوص تقصد الكالم عن الفضائيني رغم‬ ‫أنها تتكلم عن نفس األمور التي يتكلم عنها حزقيال ‪.‬‬ ‫فمثال سفر الرؤيا حني يتكلم يوحنا الالهويت عن أخذه إىل الجنة و إىل عرش الرب بالتحديد يصفه هكذا ‪:‬‬ ‫صتُ ِف ال ُّرو ِح‪َ ،‬وإِذَا َع ْر ٌش َم ْو ُضو ٌع ِف الس ََّم ِء‪َ ،‬و َع َل الْ َع ْر ِش َجالِ ٌس » رؤيا ‪2:4‬‬ ‫« َولِلْ َوق ِْت ِ ْ‬ ‫« َوقُ َّدا َم الْ َع ْر ِش بَ ْح ُر ُز َجا ٍج ِش ْب ُه الْ َبلُّورِ‪َ .‬و ِف َو َس ِط الْ َع ْر ِش َو َح ْو َل الْ َع ْر ِش أَ ْربَ َع ُة َح َي َوانَ ٍ‬ ‫ات َم ْملُ َّو ٌة بال ُع ُيون ِم ْن قُ َّد ٍام َو ِم ْن‬ ‫َو َرا ٍء » رؤيا ‪6:4‬‬ ‫« َوالْ َح َي َوا ُن األَ َّو ُل ِش ْب ُه أَ َس ٍد‪َ ،‬والْ َح َي َوا ُن الث َِّان ِش ْب ُه ِع ْجل‪َ ،‬والْ َح َي َوا ُن الثَّالِثُ لَ ُه َو ْج ٌه ِمث ُْل َو ْج ِه إِنْ َسانٍ ‪َ ،‬والْ َح َي َوا ُن ال َّرا ِب ُع ِش ْب ُه‬ ‫س طَائِ ٍر » رؤيا ‪7:4‬‬ ‫نَ ْ ٍ‬ ‫اح ٍد ِم ْن َها ِستَّ ُة أَ ْج ِن َح ٍة َح ْولَ َها‪َ ،‬و ِم ْن َد ِ‬ ‫« َواألَ ْربَ َع ُة الْ َح َي َوانَاتُ لِك ُِّل َو ِ‬ ‫وس‪،‬‬ ‫اخل َم ْملُ َّو ٌة ُع ُيونًا‪َ ،‬والَ ت َ َز ُال نَ َها ًرا َولَ ْيالً قَائِلَ ًة‪ :‬قُ ُّد ٌ‬ ‫ش ٍء‪ ،‬ال َِّذي كَا َن َوالْكَائِ ُن َوال َِّذي يَأْ ِت »‪ .‬رؤيا ‪8:4‬‬ ‫وس‪ ،‬قُ ُّد ٌ‬ ‫قُ ُّد ٌ‬ ‫وس‪ ،‬ال َّر ُّب ا ِإلل ُه الْقَا ِد ُر َع َل ك ُِّل َ ْ‬ ‫النبي دانيال أيضا يذكر عجالت عرش الرب ‪:‬‬ ‫َالص ِ‬ ‫ِيب‬ ‫« كُ ْن ُت أَ َرى أَنَّ ُه ُو ِض َع ْت ُع ُر ٌ‬ ‫وش‪َ ،‬و َجل َ​َس الْق َِدي ُم األَيَّ ِام‪ .‬لِ َب ُاس ُه أَبْ َي ُض كَالثَّلْ ِج‪َ ،‬وشَ ْع ُر َرأْ ِس ِه ك ُّ‬ ‫وف ال َّن ِق ِّي‪َ ،‬و َع ْرشُ ُه لَه ُ‬ ‫نَارٍ‪َ ،‬وبَ َك َراتُ ُه نَا ٌر ُمتَّ ِق َد ٌة » دانيال ‪9:7‬‬ ‫هايزر ‪:‬‬ ‫الشح و التفاصيل يف اإلنجيل العربي عن عرش الرب ‪ ..‬فمثال يف اإلصحاح السادس من سفر اشعياء‬ ‫« ال يوجد الكثري من ّ‬ ‫يوجد مثال مقارب حني يتواجد اشعياء أمام عرش ال ّرب مع كائنات الساراثيم و بعض الكائنات األخرى ‪ ،‬أظ ّن أ ّن النقطة‬ ‫األفضل موجودة يف اإلصحاح السابع من سفر دانيال و يوصف بكلمة ( عرش ) فعال حيث تظهر بوضوح يف ال ّنص ‪ ،‬و‬ ‫مبا أنّنا نعرف أ ّن هذا عرش أل ّن دانيال قال أنّه عرش فمن املهم جدا َ أن نرى أوصاف هذا العرش ‪ ،‬فهو به عجالت ‪،‬وبه‬ ‫مواصفات نارية ؛ وقد عرف الدارسون من وقت طويل بأن العنارص املوجودة يف اإلصحاح السابع من دانيال مطابق‬ ‫لإلصحاح األول لدى حزقيال ‪ ،‬فمن الواضح جدا أنه عرش و هناك عدة نصوص تؤيد هذا »‬ ‫‪63‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫ٍ‬ ‫نصوص أخرى‪ ،‬لك ّن النقطة هنا أنه وفقا لإلنجيل فعرش الرب مد َّعم بأربع ِة مالئك ٍة ذات أجنحة‬ ‫ميكننا أن نتطرق إىل‬ ‫متعددة ولديه عجالت ‪.‬‬ ‫و اآلن النقطة املثرية لالهتامم هي أ َن يف حضار ٍ‬ ‫ات أخرى من سومر ومرو ًرا مبرص وما بينهام قد ع ّرفوا عروش امللوك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عجالت باإلضافة لعنارص أخرى تط ّرق إليها حزقيال‪.‬‬ ‫بكائنات كالكاروبيم وتوجد بها‬ ‫وخصوصا عروش اآللهة بأنها مدعم ٌة‬ ‫ً‬ ‫نحن ُ‬ ‫القديم تظه ُر عنارصا ً‬ ‫نعرف هذا من خالل األعام ِل الفنيّ ِة للعامل القديم فهناك اآلالف من القطع الفنية من العا ِمل‬ ‫ِ‬ ‫مختلف ًة وصفها حزقيال يف عرش ال ّرب ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عجالت متصل ٍة باملنص ِة التي يستقر‬ ‫العروش تحتوي عىل‬ ‫وبعض‬ ‫ميكننا أن نرى بعضها يحتوي عىل مالئك ٍة بأربعِ وجو ٍه َ‬ ‫عليها العرش ‪.‬‬ ‫هايزر ‪:‬‬ ‫« من خالل مصطلحات علم الرموز فمجد ًدا إ ّن ما أريد رشحه هو األشياء التي تستقطب االنتباه يف العامل وقت العهد‬ ‫القديم‪ ،‬الصور التي تركوها لنا عن األشياء التي يتحدثون عنها‪ ،‬فكرة الكائن األعىل الذي يجلس عىل ٍ‬ ‫عرش محمو ٍل عىل‬ ‫ِ‬ ‫كائنات ما ورا َء طبيعيّ ٍة مع أجنح ٍة ؛ ووصفها بأنّها عرب ٌة ساموي ٌة هي يشء شائع‪ ،‬ولك ّن عندما يتم‬ ‫عرب ٍة محمول ٍة بواسطة‬ ‫كريس‬ ‫تصويرها ال يتم وصفها أبدا ً بأنها ما نظنه ‪ ، UFO‬ال يوجد مثلثات ‪،‬وال أشياء قرصية ال يشء من هذا‪ ،‬إنّه مجرد ّ‬ ‫مجرد ٍ‬ ‫عرش عىل منصة ما حيث يجلس عليه اإلله ( يهوه ) »‬ ‫ِ‬ ‫املغالطات املنطق ّية مع حديث مروجي ال ّنظرية يف قولهم إ ّن حزقيال كان يتكلم عن كائنات فضائية و‬ ‫هناك الكثري من‬ ‫هذا مثال عنهم ‪:‬‬ ‫«هذا يبدو كألسنة لهب‪ ،‬و بذلك يبدو كنظام دفع »‬ ‫يل للسفر بني النجوم ممكن‪ ،‬دون‬ ‫ال يوجد فيزيا ٌّيئ واح ٌد مهام تعاطف مع كالمهم يقول بأن استخدام محرك احرتاقٍ داخ ٍ‬ ‫فحم عىل املذبح‪ ،‬بالتايل ستكون هذه السفينة هي سفين ٌة فضائي ٌة‬ ‫أ ْن نذكر أ ّن ال ّنار التي يقصدونها آتي ًة من احرتاق ٍ‬ ‫للسفر بني النجوم و تعمل عىل الفحم !‬ ‫رغم بساطة األمر إال أ ّن هذا املوضوع مع حزقيال كان قد بدأ يف السبعينات من القرن املايض بسبب الجملة التي‬ ‫استخدمها حزقيال «عجالت داخل عجالت»‪.‬‬

‫‪64‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫الصحن الطّائر مدور أيضاً !‬ ‫الناس يقولون ‪ :‬العجالت مدورة ‪ ،‬بالتايل فإن ّ‬

‫« حزقيال رأى عجل ّة داخل عجلة هذا يبدو كتقني ٍة متطور ٍة أكرث من كونه خارق للطبيعة »‬ ‫ولك ّن الفكرة التي وصلتنا من كتابات حزقيال ليست سوى‬ ‫عادي مع إطا ِر ‪Rim‬‬ ‫دائرة متحدة املركز‪ ،‬كام حالة إطا ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫( إطار تجمييل معدين يستخدم عادة لتجميل إطارات‬ ‫والسبب‬ ‫السيارات ) وبالتايل هي ليست بالتقنية الخارقة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الوحيد لذكرها هو انتباه حزقيال املغرق بالتفاصيل كام‬ ‫ذكرنا‪ ،‬فدانيال ال يغوص بالتفاصيل مثل حزقيال حني رأى‬ ‫عرش الرب فهو فقط يكتفي بالقول ( عجالت ) ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تشكل وحد ًة واحد ًة فإذا‬ ‫ُ‬ ‫عجالت‬ ‫كل أربع ِة‬ ‫و كذلك فإ ّن َّ‬ ‫قلت أ ّن تقنية العجلة داخل عجلة هي فضائية فحينها‬ ‫ْ‬ ‫عليك القول بأ ّن الفضائيني يأتون فقط يف حزم من أربع ٍة‬ ‫رصا ألن هذا بالضبط ما كان حزقيال يرشحه ‪.‬‬ ‫ح ً‬ ‫و كذلك هذه العجالت ليست موضوع ًة بشكلٍ أفقي كام لو أنّها ستطري‪ ،‬إنها موضوعة بشكلٍ‬ ‫عمودي متاما بالوضع‬ ‫ٍّ‬ ‫املطلوب ليك نقول أنها ( عجالت ) ‪.‬‬ ‫و بذلك نرى انه قد تم تفنيد هذه النظرية بالنقاط التالية ‪:‬‬ ‫‪1.1‬مبدأ اإلنجيل ثابت وهو استخدام هذه العنارص لرشح عرش الرب ‪.‬‬ ‫‪2.2‬هناك آالف القطع الفنية التي تستخدم نفس العنارص التي استعملها حزقيال لرشح العرش ‪.‬‬ ‫‪3.3‬املشاكل املنطقية مع هذه النظرية مثل استخدام مركبة فضائية ذات احرتاق داخيل تعمل بالفحم ‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الحرب النووية القدمية‬

‫ٍ‬ ‫أوصاف‬ ‫رضب من روايات الخيال العلمي‪ ،‬لكن ميكن العثور عىل‬ ‫« قد تبدو الحرب النووية بني الحضارات القدمية‪ ،‬كأنها ٌ‬ ‫مشابه ٍة يف نفس النص الذي نقله الطبيب أوبنهامير بعد االختبار النووي يف نيو ميكسيكو»‪.‬‬ ‫حرب نووي ٍة‪ ،‬دعونا نرى ما يقولون‪:‬‬ ‫حسناً‪ ،‬هنا نظرية الزوار الفضائيني القدماء تزعم أن ماهابهاراتا تتحدث عن ٍ‬ ‫« يتح ّدث مرج ٌع واح ٌد لدينا‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عن هذه االنفجارات التي كانت أكرث سطوعاً من ألف ٍ‬ ‫شمس‪ ،‬وعندما‬ ‫شامل‪ ،‬و الناس الذين‬ ‫حدثت هذه االنفجارات كانت الشموس تدور يف الهواء واألشجار احرتقت بالكامل‪ ،‬إنّه دما ٌر ٌ‬ ‫نجوا بعد هذه االنفجارات بدؤوا بفقدان شعرهم‪ ،‬وبدأت أظفارهم يف السقوط‪ .‬أقصد أنه كان لدينا حقاً هناك مرج ٌع‬ ‫مقتضب للتسمم بفعل اإلشعاع؛ التداعيات النووية‪ ،‬وميت ّد عمر هذه النصوص إىل آالف السنني‪».‬‬ ‫ٌ‬ ‫لكن ماهابهاراتا يف الحقيقة ال تقول أي يش ٍء من ذلك‪ .‬وقد تكررت‬ ‫هذه املزاعم نفسها عن سقوط الشعر واألظفار‪ ،‬وعن االنفجار‬ ‫األكرث سطوعاً من ألف ٍ‬ ‫شمس يف أقوال منظّري نظرية الفضائيني‬ ‫القدماء م ّر ٍ‬ ‫ات عديد ٍة إىل درجة أنهم صدقوها‪ ،‬لكن أصل هذا‬ ‫السطر هو من كتاب فرنيس يدعى "صباح السحرة " [‪]1‬‬ ‫‪66‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫ال يستطيع أح ٌد ممن ي ّدعون هذا الزعم أن يذكر فعالً املكان‪ ،‬حيث ظهر هذا الزعم يف نص املاهابهاراتا‪ .‬ما يجعل من‬ ‫الصعب جدا ً عىل األشخاص اآلخرين املجادلة بهذا الشأن‪ ،‬ألن ماهابهاراتا تضم أكرث من ‪ 1.8‬مليون كلمة‪ ،‬لذلك حتى‬ ‫إذا قلت فقط ‪« :‬إنها يف مكانٍ ما يف النص‪ ،‬عليك أن تثق يب فقط‪ ،»،‬فإنك بهذا الزعم لن تتع ّرض للوم إىل ح ٍّد كبريٍ‪ .‬ومبا‬ ‫أسباب وجيه ٌة ملحاولتهم إخفاء أثرهم بعدم ذكر املرجع‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬دعونا‬ ‫أنك قد تكون خ ّمنت اآلن‪ ،‬هناك فعالً‬ ‫ٌ‬ ‫مستخدم يف تلك‬ ‫ننظر يف مزاعم سقوط الشعر واألظفار بسبب هذا السالح‪ .‬أوالً وقبل كل يشء‪ ،‬مل يكن هناك أي سال ٍح‬ ‫ٍ‬ ‫شؤم‪ ،‬وهذا ما تقوله فعال‪:‬‬ ‫القصة‪ ،‬كان ذلك جزءا ً من نذير ٍ‬ ‫سبب واض ٍح‪ .‬تأكل الجرذان والفرئان‬ ‫تتكس دون ٍ‬ ‫« شوار ٌع مكتظّ ٌة بالجرذان والفرئان‪ .‬بدت األواين الطينية تتشقق أو ّ‬ ‫أثناء الليل شعر وأظفار الرجال الغافني»‪]2[.‬‬ ‫حتى إن الفرئان هي من مضغها‪ ،‬مل يكن ذلك نتيجة‪ :‬قنبلة نووية‪ ،‬ماذا عن انفجار القنبلة الذي كان أكرث سطو ًعا من‬ ‫ألف شمس؟ إليك ما تقوله الفقرة يف ذلك ‪:‬‬ ‫« بعد أن شعر باالرتياح نحوه‪ ،‬أظهر القدوس لـ ‪ Utanka‬ذلك الشكل األبدي لـ ‪ Vaishnava‬الذي رآه ‪Dhananjaya‬‬ ‫بذكائه الشديد‪ Utanka .‬رأي ‪ Vasudeva‬بروحه العالية وذي الشكل الكوين‪ ،‬واملوهوب باألسلحة القوية‪ .‬كان تألق ذلك‬ ‫الشكل مثله يف ذلك مثل النار امللتهبة أو ألف ٍ‬ ‫شمس‪ .‬وقفت أمامه متأل كل الفضاء‪ .‬وكان لها وجو ٌه من كل جانب‪ .‬انظر‬ ‫إىل شكل ‪ Vaishnava‬الرائع والعايل لـ ‪ .Vishnu‬ويف الواقع‪ ،‬وبعد رؤية الرب األعىل يف ذلك الثوب‪ ،‬أصبح ‪Brahmana‬‬ ‫‪ Utanka‬ممتأل ً بالتعجب » ‪]3[.‬‬

‫‪67‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫يقول جيسون كوالفيتو ما ييل عن ذلك‪:‬‬

‫« إن هذه الفقرة التي تذكر ألف ٍ‬ ‫تجل اإلله ‪ . Vishnu‬هذه متثل العديد والعديد من الفقرات التي‬ ‫شمس‪ ،‬تشري إىل ّ‬ ‫يتم فيها استخدام البيت الشعري القيايس "عرشة آالف ٍ‬ ‫شمس" لوصف أحد اآللهة‪ ،‬ال يشري إىل السطوع املحدد بسبب‬ ‫االنفجار النووي ما مل يتص ّور أحدهم أن اآللهة نفسها هي التي تنف ّجر»‪.‬‬ ‫إذا كنت ترغب يف معرفة املزيد عن إساءة االقتباس املخادعة من النصوص القدمية املرتبطة بهذه الفكرة حول األسلحة‬ ‫النووية القدمية‪ ،‬انظر الكتاب املمتاز لجيسون كوالفيتو‪:‬‬ ‫‪ :Ancient Atom Bombs‬الواقع‪ ،‬االحتيال‪ ،‬وأسطورة الحرب النووية ما قبل التاريخ‬ ‫دعنا ننتقل إىل املجموعة الثانية من األدلة التي ق ّدمها مق ّدمو هذه النظرية للتدليل عىل هذه النقطة‪ ،‬التي تتمحور‬ ‫أثري ‪ -‬يسمى موهينجو دارو يف باكستان‪.‬‬ ‫كلها حول املدينة القدمية ‪ -‬وهي اآلن موق ٌع ٌّ‬

‫يزعم املدافعون عن هذه النظرية أن هناك قنبل ًة نووي ًة سقطت يف املايض السحيق‪ ،‬وق ّدموا عدة أسباب لهذا االعتقاد‪:‬‬ ‫هياكل عظمي ٍة مستلقي ٍة يف الشارع‪ ،‬العديد منهم ميسكون بأيدي بعضهم البعض‪ ،‬وأشارت وضعية‬ ‫َ‬ ‫«تم العثور عىل‬ ‫وجوههم وأجسامهم إىل تعرضهم للموت العنيف واملفاجئ »‪.‬‬ ‫عظيم‬ ‫«لديك حضارة األشخاص كانوا يرقدون قتىل يف الشارع بال مبالغ ٍة‪ ،‬وجد علامء اآلثار رفات برشية‪ ،‬وعرفوا أن شيئاً ً‬ ‫قد حدث لهؤالء الناس»‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫دليل عىل أن الحيوانات الربية تج ّنبت التغذّي عىل رفاتهم‪ ،‬وملاذا‪ ،‬حتى بعد آالف السنني‪ ،‬مل تتحلل‬ ‫«ملاذا يوجد هناك ٌ‬ ‫عظامهم؟»‬ ‫ٍ‬ ‫مستويات زائد ٍة من اإلشعاع‪».‬‬ ‫مناطق معي ّن ٍة من هذا املوقع ميكنك العثور عىل‬ ‫«ويف‬ ‫َ‬ ‫«ا ّدعى الباحث الربيطاين ديفيد دافنبورت أنه وجد مركز الزلزال بعرض ‪ 50‬يارد ًة يف موهينجو دارو حيث يبدو أن كل‬ ‫يش ٍء فيها قد انصهر خالل عملية تحويلية ت ُعرف باسم التزجيج»‪.‬‬ ‫«إن التزجيج عملي ٌة يذوب فيها الحجر من النوع املعتاد ويتح ّول إىل حال ٍة منصهر ٍة‪ ،‬ثم يتصلّب م ّر ًة أخرى‪ ،‬لكن‬ ‫مبج ّرد تصلّب الحجر م ّر ًة أخرى‪ ،‬يصبح ملمسه مثل ملمس الزجاج‪ .‬وجدنا يف موهينجو دارو دليالً عىل عملية التزجيج‪،‬‬ ‫التي ال تحدث إال إذا تع ّرضت املواد للحرارة الشديدة مثل بعض أنواع االنفجار»‬ ‫حسناً‪ ،‬لذلك‪ ،‬دعونا ند ّون هذه النقاط‪:‬‬ ‫هياكل عظمي ٌة‪ ،‬متسك أيدي بعضها‪ ،‬التي يقولون إنه يبدو أن أصحابها ماتوا يف نفس اللحظة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫أوالً‪:‬‬ ‫القممة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ال يوجد ٌ‬ ‫دليل عىل وجود الحيوانات َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ثالثاً‪ :‬عظا ٌم محفوظ ٌة جيدا ً بشكلٍ‬ ‫ملحوظ‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬وجود اإلشعاع يف املوقع‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬مركز الزالل حيث كان التزجيج موجودا ً‪.‬‬ ‫حرب نووي ٍة يف‬ ‫هذا يبدو وكأن هذه النقاط يش ٌء مقن ٌع جدا ً عن حدوث ٍ‬ ‫موهينجو دارو‪ ،‬عىل افرتاض أن أيّاً من هذه االدعاءات‬ ‫صحيح‪ ،‬وبالنظر‬ ‫ٌ‬ ‫إىل سجل ومصداقية منظّري نظرية الفضائيني القدماء فإنه يتوجب‬ ‫علينا التحقّق من هذه املزاعم عىل نح ٍو أفضل‪.‬‬ ‫إ ّن أحد أوىل املشكالت يف هذه النظرية هي املدينة نفسها‪ .‬ال تزال‬ ‫مبانيها عىل حالها‪ ،‬بعضها بارتفاع ‪ 15‬قدماً‪ ]4[.‬وهي مبني ٌة من الطني‪،‬‬ ‫لذلك هل تعتقد أن السالح النووي بقوته التدمريية الرئيسية‪ ،‬وهي قو ٌة‬ ‫موجة االنفجار غري قادر ٍة عىل إسقاط بضعة مبانٍ من الطوب اللنب‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫عند االنتقال إىل أشيا ٍء أخرى‪ ،‬ماذا عن هذه الهياكل العظمية؟ لقد أوهمنا أصحاب النظرية أن األمر يبدو كام لو ت ّم‬ ‫العثور عىل الكثري من الهياكل العظمية بينام ما ُوجد يف الحقيقة هو ‪ 37‬هيكالً‪ .‬وال تظهر فقط هذه الهياكل العظمية‬ ‫ٍ‬ ‫عالمات عىل املوت املفاجئ‪ ،‬بل يختلف تاريخ الوفاة أحيانا بقدر ألف سنة عن بعضها بعضاً‪]6[ ]5[.‬‬ ‫أي‬ ‫الـ ‪ّ 37‬‬ ‫أي من علامء اآلثار املشاركني أ ّن هذه الهياكل العظمية توحي بكارث ٍة مفاجئ ٍة‪ ،‬وما زاد الطني بل ًة بالنسبة‬ ‫مل يعتقد ٌّ‬ ‫ألصحاب النظرية أن جميع هذه الهياكل كانت مدفون ًة ! [‪]7‬‬ ‫مل تكن فكرة أن الجثث كانت ملقا ًة يف الشوارع حقيقي ًة‪ ،‬ويف الواقع كل يشء تقريباً مام قاله أصحاب النظرية ليس‬ ‫صحيحاً متاماً‪.‬‬ ‫تفس سبب عدم وجود آثار للحيوانات‬ ‫إن حقيقة أنها مل متت يف نفس اللحظة‪ ،‬وحقيقة أنها دفنت بالطريقة العادية ّ‬ ‫القممة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫لكن ماذا عن العظام املحفوظة جيدا بشكلٍ ٍ‬ ‫الفت لالنتباه؟‬ ‫ميكن أن ينطبق هذا عىل موهينجو دارو حيث إنها بال مبالغ ٍة واحد ٍة من أكرث األماكن سخون ًة عىل وجه األرض‪،‬‬ ‫حيث تصل درجات الحرارة إىل ‪ 128‬درجة فهرنهايت ( ‪ 53‬درج ًة مئوي ًة )‪ ،‬ألنّها أيضاً جافّ ٌة حقاً‪ ،‬واملناخ املثايل لحفظ‬ ‫املتحجرات ‪]8[.‬‬ ‫يف الواقع‪ ،‬فإن هذا أيضاً رمبا كان السبب يف أن املباين املش ّيدة من الطوب اللنب ال تزال قامئة أيضاً‪ ،‬إن املشكلة يف مزاعم‬ ‫وجود إشعاعات يف موهينجو دارو هي أننا ال نعرف من أين جاءت هذه املزاعم‪.‬‬ ‫أي من العلامء املتعاملني مع حفريات موهينجو دارو لي ّدعي ذلك‪ ،‬ومل يذكر أصحاب نظرية الفضائيني‬ ‫وبالتأكيد مل يكن ٌّ‬ ‫أي مراجعٍ ميكن من خاللها تفنيد هذه املزاعم‪ ،‬لذلك‪ ،‬وإىل أن يت ّم إثبات وجود اإلشعاع يف املوقع‪ ،‬فإنه ال يوجد‬ ‫القدماء ّ‬ ‫سبب للكالم عن هذا اال ّدعاء‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ألي زلزا ٍل‪ .‬كان هذا‬ ‫اآلن‪ ،‬ماذا عن هذا التزجيج يف بؤرة الزلزال؟ حسناً‪ ،‬وفقاً لعلامء اآلثار‪ ،‬مل يكن هناك تحدي ٌد مرك ٌز ّ‬ ‫مقدارا ً صغريا ً من الف ّخار املكسور‪ ،‬ألن الف ّخار يوضع يف النار ليتصلّب‪ ،‬فهو يحتوي عىل نو ٍع مح ّد ٍد من التزجيج يُسمى‬ ‫ألي يش ٍء ما عدا الف ّخار‬ ‫بالفريت‪ .‬لقد ألقوا بكلمة "مركز الزلزال" لجعل األمر يبدو أكرث رشعي ٍة‪ .‬لكن ليس هناك مرك ٌز ّ‬ ‫يف هذا املوقع[‪.]9‬‬

‫‪70‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫لكن هذا يطرح نقط ًة مه ّم ٌة‪ :‬إن موهينجو دارو ليس هو املوقع الوحيد الذي يزعم أصحاب النظرية وجود التزجيج‬ ‫فيه نتيجة لقنابل ذري ٍة قدمي ٍة‪ .‬لذلك سيكون من املفيد بالنسبة لنا أن ننظر إىل تزجيج الرمل وأسبابه املختلفة من أجل‬ ‫تفنيد هذه املزاعم‪ .‬عىل سبيل املثال‬ ‫هناك عيدان الصواعق‪ ،‬وهي الرمل املنصهر بسبب الصواعق‪.‬‬ ‫هناك التكتيت‪ ،‬وهو الرمل املنصهر بسبب القوة الضغط الناتجة عن سقوط نيزك‪.‬‬ ‫هناك الفريت‪ ،‬وهو الرمل املنصهر جزئياً‪ ،‬واملواد الكيميائية األخرى يف وجود الف ّخار املسخن‪ ،‬وهذا ما ُوجد يف موهينجو‬ ‫دارو‪ .‬وأخريا هناك ترينيتيت‪ ،‬وهو الرمل املز ّجج الناجم عن االنفجار النووي‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬رأينا‬ ‫أي يش ٍء مام قاله أصحاب نظرية الفضائيني القدماء‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬أن ماهابهاراتا مل تزعم ّ‬ ‫زمني يصل إىل ألف‬ ‫ثانياً‪ :‬رأينا أن الجثث يف موهينجو دارو مل متت بفعل كارث ٍة مفاجئ ٍة‪ .‬ويف الواقع أنها ماتت بفارقٍ ٍ‬ ‫سن ٍة يف بعض الحاالت‪ ،‬ودفنت بشكلٍ واض ٍح‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬قصة اإلشعاع ليست أحد العوامل لغياب الدليل عليها ‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬يعود سبب التزجيج إىل الفخار‪.‬‬ ‫أخريا ً‪ :‬الحظنا أنه إذا كان انفجارا ً نووياً فإنه مل يهدم حتى البيوت املش ّيدة من الطني التي ال تزال قامئة يف املوقع‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الفيامنا‬

‫السنسكريت ّية القدمية يرجع تاريخها إىل ستّة أالف سن ٍة قبل امليالد»‬ ‫« الكتابات ّ‬ ‫واو! ستّة أالف سن ٍة؟ حقا؟ يف الحقيقة أقدم هذه ال ّنصوص هي كتابات الفيدا املق ّدسة والتي يرجع تاريخها إىل ما بني‬ ‫‪ 1500-500‬ق‪.‬م‬ ‫أي ٍ‬ ‫مر ِّوجوا ال ّنظريّة يُضيفون خمسة ِ‬ ‫أحد‪ ،‬وكذلك فهم يُناقضون أنفسهم هنا ألنّهم‬ ‫أالف سن ٍة كام لو أنّه لن يالحظ ّ‬ ‫السومريّة ويعود تاريخها إىل أربعة أالف سن ٍة‬ ‫قالوا يف حلق ٍة أخرى أ ّن أقدم الكتابات املعروفة يف العامل هي‬ ‫األلواح ّ‬ ‫ُ‬ ‫صحيح ‪.‬‬ ‫ق‪.‬م وهذا الكالم‬ ‫ٌ‬ ‫نصوصا أقدم بـ ‪ 2000‬سن ٍة من أقدم ال ّنصوص املكتوبة يف العامل ؟ ال أظ ّن أ ّن هناك من يعرف ‪.‬‬ ‫إذن ملاذا يقولون أ ّن هناك‬ ‫ً‬ ‫« الكتابات تُق ِّدم رش ًحا واض ًحا عن آليّات طائر ٍة تسمى فيامنات ‪ Vimanas‬مفردها فيامنا »‬ ‫الش ِ‬ ‫« الفيامنات هي طائراتٌ ُمد َّعم ٌة ُمبح ِّر ٍ‬ ‫وحات املوجودة عن آل ّيات الطريان‪،‬‬ ‫كات نفَّاث ٍة‪ ،‬وهذا يبدو صحي ًحا بسبب ُّ‬ ‫واألعشاب تطايرت بسبب الضغط املوجود خلف الفيامنات‪ ،‬لذلك ميكننا القول أ ّن هذا‬ ‫فالف ّيلة هربت بسبب الفزع‬ ‫ُ‬ ‫رشح ملركب ٍة فضائ َّي ٍة ما »‬ ‫ٌ‬ ‫‪72‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫وتعب عن بنائها املعقّد‪،‬‬ ‫املعنى الحريف لكلمة فيامنا هو ( الّذي يت ُّم قياسه ) و كانت الكلمة منسوب ًة إىل قصور امللوك ِّ‬ ‫والحقًا حني صارت الكلمة مرادف ًة لكلمة قصو ٍر بشكلٍ عا ٍّم فقد ت َّم استخدامها لإلشارة بها إىل قصور اآللهة ‪.‬‬ ‫و نعم كانت قصور اآللهة هذه موجود ًة يف الج ّنة وكان بإمكانها الطريان‪ ،‬ولكن بالنظر إىل هذا فبعض الفيامنات كانت‬ ‫وش ٍ‬ ‫فات وسال ٍمل ذهب َّي ٍة ‪.‬‬ ‫قصو ٌر هائل ٌة مع‬ ‫ٍ‬ ‫حدائق ُ‬ ‫كل ما يطري سوا ًء كان أسطوريًّا أو حقيقيًّا ‪.‬‬ ‫و مبا أ ّن هذه القصور كانت تطري فقد ت َّم تحوير الكلمة الستخدامها عىل ّ‬ ‫إذن فبفهم دور مصطلح القرص يف تطوير كلمة فيامنا سيساعدنا بفهم املوضوع الّذي نبحث عنه‬ ‫أي يش ٍء‬ ‫ولكن قبل أ ّن نقرأ الوصف الحقيقي للفيامنا يف نصوص الفيدا‪ ،‬علينا أ َّوالً أ ّن نعاين ال ّنص املزيّف ألنّه تقري ًبا ّ‬ ‫نص مزيَّ ٍف إسمه فيامنيكا شاسرتا ‪Vimanika Shastra‬‬ ‫يقوله ُمر ِّوجوا ال ّنظريّة عن الفيامنا يأيت من ٍّ‬ ‫املختصني يعتقدون أ ّن ال ّنصوص‬ ‫«عىل الرغم من أ ّن املؤ ِّرخني‬ ‫ِّ‬ ‫املتعلّقة بالفيامنا هي مج ّرد خراف ٍة‪ ،‬إال أ ّن العديد من الوثائق‬ ‫نصوصا تبدو و كأنّها تصف آل ّيات و تكنولوجيا حديث ٍة »‬ ‫تحتوي‬ ‫ً‬ ‫« الفيامنيكا شاسرتا تتط ّرق إىل املعادن املستخدمة يف هذه‬ ‫الطائرات‪ ،‬تتحذّث عن الكهرباء و مصدر الطّاقة‪ ،‬الط ّيارين و‬ ‫املالبس التي يحتاجون الرتدائها‪ ،‬الطّعام الّذي يأكلونه‪ ،‬بل‬ ‫و حتّى تتكلّم عن األسلحة املوجودة يف املركبة »‬ ‫«دليل الطّريان املستخدم للفيامنا هو مشا ِب ٌه لدليل‬ ‫الطّريان الّذي تجده لدى املسافرين الحال ّيني أو يف طائر ٍة‬ ‫عسكري ٍة ما‪ ،‬فطبعا يجب أ ّن يكون لديهم دليل طريا ٌن‬ ‫ألنّه مه ٌّم ج ًّدا للط ّيار أ ْن تكون لديه املعرفة الكاف ّية للطريان بهذه الطائرة»‬ ‫نصا قد ًميا حقيق ًّيا‪ ،‬لقد ت َّم تلقينها إىل الكاتب من عامل األرواح يف عام ‪. 1918‬‬ ‫الفيامنيكا شاسرتا ليست ًّ‬

‫‪73‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫قديم إسمه بارادفادا ‪ Bharadvada‬وهو يربز يف ع ّدة‬ ‫ال ّروح الّتي يُقال أنّها أملت ال ّنص للكاتب ت ّدعي أنّها ملتن ِّبى ٍء ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كتابات قدمي ٍة‪ ،‬لذا أظ ّنهم لهذا السبب يُعطون مصداقيَّ ًة لهذا ال ّنص فقط أل ّن شبح ٍ‬ ‫السحيق قد أماله‬ ‫شخص من ال ّزمن ّ‬ ‫حسب ما ي ّدعون ‪.‬‬ ‫هم ليسوا متأكّدين حتّى من صحة هذه ال ّنسخة من قصتهم‪ ،‬أل ّن أول ذكر لها ت َّم بعام ‪ 1952‬من نفس الشّ خص الّذي‬ ‫القصة إىل شبح شخصي ٍة مشهور ٍة سنة ‪. 1952‬‬ ‫يفرتض أنّه وجد ال ّنص األصيل عام ‪ 1918‬وترجمه‪ ،‬وبذلك قام بتحويل ّ‬ ‫ال ّنص بنفسه يبدو كدليلٍ تقني حيث يصف تفاصيل كيف ّية تشغيل الفيامنا‪ ،‬و يتض ّمن فكر ًة كانت تبدو كتكنولوجيا‬ ‫عال َّي ًة سنة ‪ 1918‬أو ‪ 1952‬أال وهي تقن َّية مح ِّرك د ّوامة الزئبق ‪ ،Mercury-Vortex engine‬وقد قام ُمر ِّوجوا ال ّنظريّة‬ ‫بقضاء الكثري من الوقت للحديث عن هذه الفكرة ‪.‬‬ ‫« الفيامنيكا شاسرتا‪ ،‬أو علم الطّريان‪ ،‬تقول أ ّن الفيامنات قد استعملت نظام دفعٍ عمودي مبني عىل تركيب ٍة من‬ ‫الجايروسكوبات‪ ،‬الكهرباء و الزئبق‪ ،‬فهل هذا ممكن ؟ »‬ ‫رص غري اعتيّادي‪ ،‬فهو معد ٌن و هو‬ ‫«الزئبق هو عن ٌ‬ ‫موصل للكهرباء»‬ ‫ٌ‬ ‫سائل و‬ ‫أيضا ٌ‬ ‫ً‬ ‫« الفيامنيكا شاسرتا تقول أ ّن الفيامنا ت ُش ّغل عن‬ ‫طريق بضعة جايروسكوبات موضوع ٍة داخل دوامة‬ ‫زئبق مغلق ٍة »‬ ‫ٍ‬ ‫« أحد ال ّنصوص يتكلّم عن دوران ال ّزئبق وقيامه‬ ‫بدفع ريَّا ٍح قويَّ ٍة أو د َّوام ٍة‪ ،‬وهذا قد يكون نو ٌع من‬ ‫ما ندعوه ‪ :‬طاقة تخزين العجلة الطائرة‪ ،‬حيث يكون‬ ‫قرص دوار يت َّم استخالص طاقته ببطء‪ ،‬وبهذه‬ ‫لديك ٌ‬ ‫الطريقة يستخدم ال ّزئبق لتوصيل نظام دفعٍ عمودي‬ ‫أو ما نسميه باملروحة املوصلة للكهرباء»‬ ‫أيضا بعض الرسوم التقن ّية‬ ‫األشياء األخرى الّتي يصفها هذا ال ّنص تبدو وكأنّها علم َّي ًة كبقية ال ّنصوص‪ ،‬حتّى أنّها تتضمن ً‬ ‫عن األشياء الّتي يتكلّمون عنها ‪.‬‬ ‫ألي من هذه املركبات أ ْن ترتفع عن سطح األرض‬ ‫كثب إىل ّ‬ ‫ولكن عندما تنظر عن ٍ‬ ‫كل هذا يصبح من املستحيل فيزيائ ًّيا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كتابات ورسوم ال ّنص عن طريق معهد علوم‬ ‫‪ ،‬يف الواقع بعد حوايل ‪ 20‬سن ٍة ( سنة ‪ ) 1974‬أجريت وقتها دراس ًة عىل‬ ‫‪74‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫امليكانيك والطّريان يف بانغالور – الهند وأقتبس هنا كالم ويل هانت ‪ Will Hunt‬وهو كاتب مستقل كان يف الهند وقت‬ ‫نتيجة الدراسة ‪:‬‬ ‫بالتمم يف مقالة بعنوان ‪A Critical Study of the Work‬‬ ‫بالتمم فقد ت َّم اجراء الدراسة َّ‬ ‫« كام كانت مكتوب ًة َّ‬ ‫أي إملام بالفيزياء‪ ،‬الكيمياء أو الكهرباء‬ ‫أي كان ‪ّ -‬‬ ‫‪ Vimanika Shastra‬و سألوا وقتها ما إذا كان لدى مؤلف ال ّنص ‪ّ -‬‬ ‫من دون أ ْن نتطرق إىل فروع علم الطّريان والديناميكا الهوائ ّية وهياكل الطّريان و أجهزة الدفع واملواد وعلم املعادن »‬ ‫و كان استنتاجهم‬ ‫وخصوصا بهذه املواصفات الهندس ّية من وجهة نظر الطّريان‪،‬‬ ‫« ال توجد مركب ًة كان لديها الخصائص والقدرة عىل الطّريان‬ ‫ً‬ ‫وكالمهم عن نظام الدفع يجعل النظام مقأوم للطريان وليس مساع ًدا له كام يقولون »‬ ‫كاتب آخر – جاي يب هاير ‪ J.B Hare‬قال التايل يف كتاباته عن املركبات يف الفيامنيكا شاكرا بعد قرائته للنصوص املق ّدسة‬ ‫أي ديناميك ّي ٍة هوائ َّي ٍة بشكلٍ مسيل‪ ،‬إنّها مج ّرد قطعة ٍ‬ ‫كعك كبرية مع منارات وأجنح ٍة مضحكة‬ ‫القدمية ‪« :‬ال تحتوي عىل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مضحك »‬ ‫و نظام دفعٍ‬ ‫أشعر أنّه رغم كون ‪ % 90‬من معلومات ُمر ِّوجي ال ّنظريّة عن الفيامنا تأيت من هذا ال ّنص‪ ،‬إال أنّهم يعرفون أنّه قد ت َّم‬ ‫تعريته‪ ،‬ولكنهم يقومون بألتفافة غريبة وبعد قضاء خمسة دقائق من الحديث عن روعة فكرة املح ِّرك ذو د ّوامة الزئبق‪،‬‬ ‫يبدؤون القول أ ّن الفكرة ال تعمل !‬ ‫إنّهم يتوقفون لربهة‪ ،‬ومن دون أ ْن يقولوا أ ّن هناك خطأ يف ال ّنص‪ ،‬يقولون أ ّن هناك خطأ يف ترجمة كلمة أو اثنني‬ ‫هائل »‬ ‫« نظام طاقة تخزين العجلة الطائرة يخرس طاقته برسعة‪ ،‬و ليك يطري يف الفضاء يجب أ ْن يكون حجمه ً‬ ‫« ليس من الواضح متَّاما أ ّن هذه اله فعالة‪ ،‬رمبا كان الناس وقتها يتكلّمون عن يشء آخر بدا وكأنّه يشء ما لهم‪ ،‬ورمبا‬ ‫سائل معدن ًّيا من نوع آخرٍ»‬ ‫مل تحتوي عىل الزئبق‪ ،‬رمبا كان ً‬ ‫ٍ‬ ‫مبحرك نفاث»‬ ‫«املح ِّرك ذا دوامة الزئبق قد يكون خطأ يف الرتجمة ألن الدوامة يشء غري مادي ليت َّم وضعها‬ ‫لننتقل إذن إىل ذكر الفيامنات يف نصوص الفيدا القدمية ‪:‬‬ ‫ذكرت سابقا أ ّن معنى فيامنا يُستخدم كمر ٍ‬ ‫قابل للطريان ‪.‬‬ ‫إلهي فالبد أنّه ٌ‬ ‫رص وإذا كان الكالم هنا عن ق ٍ‬ ‫ادف لكلمة ق ٍ‬ ‫رص ٍّ‬ ‫عندما نرى تط ّور استخدام الفيامنا فإ ّن الغموض الّذي يحيطها يختفي‪ ،‬بداي ًة مل يت َّم ذكر الفيامنا يف ال ّنصوص القدمية‬ ‫من الفيدا‪ ،‬و حني ت َّم ذكرها أخ ًريا شهدت األلف سن ٍة الّتي تلت ذكرها بأنّها كانت دامئًا تذكر عىل أنّها ( الفيامنا ) تحتوي‬ ‫‪75‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫ٍ‬ ‫عجالت و يت َّم ج ُّرها باألحصنة‪ ،‬و ليس مبح ِّر ٍك يعمل بد ّوامة الزئبق ‪.‬‬ ‫عىل‬

‫و الحقًا يف الفرتة ‪ 500‬ق‪.‬م فقدت العربات أحصنتها وت َّم القول بأنّها تطري من تلقاء نفسها ‪.‬‬ ‫جيسون كوالفيتو ‪ Jason Colavito‬يقول التايل عن أول ذك ٍر للفيامنا بدون األحصنة ‪:‬‬ ‫«جاء أول ذك ٍر للعربات الطائرة بدون أحصن ٍة للعربة الخاصة بامللك‬ ‫رافانا ‪ Ravana‬و كان اسم العربة بوشباكا ‪ Pushpaka‬يف فرتة‬ ‫املاهاباهاترا ( امللحمة الهنديّة املعروفة ) سنة ‪ 400‬ق‪.‬م‪ ،‬وقد كربت‬ ‫هذه العربات من ناح ّية الحجم وت َّم وصف أحدها بأ ّن محيطها كان‬ ‫‪ 12‬ذرا ًعا ومع ذلك مل تفقد املركبات عجالتها الكبرية الّتي جعلتها‬ ‫مستوح ّي ًة من العربات األرض ّية الّتي تجرها األحصنة »‬ ‫و من املثري لالهتمامم قيام ُمر ِّوجي ال ّنظريّة بتحوير الوصف الحقيقي‬ ‫للفيامنا يف نصوص الفيدا وجعلها تبدو كاألجسام الطائرة املجهولة‬ ‫‪.UFO‬‬ ‫كمثا ٍل سأقتس لكم التايل من كتاب ديفيد تشايلدريس ‪ David Childress‬حيث يفرتض به هنا أ ْن يقتبس وصف‬ ‫قديم ( ملحمة الرامانيا )‪ ،‬سرنيكم ما يقول و ثم سرنيكم ما يقوله ال ّنص األصيل و نالحظ الفرق ‪:‬‬ ‫نص ٍ‬ ‫الفيامنا من ٍّ‬ ‫لرنى أ َّوالً جانب تشايلدريس ‪:‬‬ ‫«عندما بزغ الصباح‪ ،‬قام راما بركوب العربة السامويّة ( بوسباكا )‬ ‫الّتي أرسلت إليه من فيفبيشاند‪ ،‬فاستعد للمغادرة‪ ،‬كانت العربة‬ ‫ذات دفعٍ ذايت و كانت كبري ًة و مطليّ ًة حديثا ‪ ،‬كان يوجد بها طابقني‬ ‫و حجرات عديد ٍة محتويّ ٍة عىل نوافذ ‪ ،‬و كانت مزين ًة باألعالم و‬ ‫الرايات ‪ ،‬و اصدرت صوتا موسيق ًّيا اثناء طريأنّها يف الطريق الهوايئ »‬ ‫لرنى ما تقوله الرامانيا فعال ‪:‬‬ ‫« وتر ّجل القرد العظيم من العربة الرائعة ( بوسباكا ) الّتي احتوت‬ ‫ذئاب مزين ٍة بأعمد ٍة ممتاز ٍة‪ ،‬كانت تتألق من الروعة‪،‬‬ ‫عىل صور ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وكانت مزخرف ًة مع ٍ‬ ‫وصالونات ‪ ،‬كانت خارق ًة من الج ّنة‬ ‫غرف رسيّ ٍة‬ ‫و متَّثل مريو أو مانديرا‪ ،‬بدت وكأنّها الشّ مس املشتعلة‪ ،‬مهار ًة غريب ًة‬ ‫من فيك واك ارما ‪ ،‬السالمل الذهب ّية واملقاعد العال ّية الوثرية‪ ،‬صفوف‬ ‫من نوافذ الذهب والكريستال‪ ،‬منصات مؤلف ٍة من الياقوت والزمرد‬ ‫‪76‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫وجواهر نادر ٍة أخرى‪ ،‬منمق ٍة بشعارات النبالة مكونة من أحجا ٍر غال ّي ٍة وآليلء مدور ٍة ‪ ،‬مدرجات مطعم ٍة بخشب‬ ‫الصندل األحمر مع الذهب مع عطر مقدس‪ ،‬ويبدو كالشّ مس الشارقة » سونداراكاندام ‪9‬‬ ‫يقول كوالفيتو عن هذا « يف أماكن أخرى يت َّم وصفها عىل أنّها مليئ ًة بأشجار الفاكهة‪ ،‬وأحيانا يت َّم وصفها عىل أنّها تجر‬ ‫بواسطة الوز‪ ،‬كم يوفو ‪ UFO‬تعرف يحتوي عىل حدائق عامئ ًة و طال ٍء أحمر ؟»‬ ‫نص‬ ‫نص مش َّو ٌه من القرن العرشين‪ ،‬و يقولون عنه أنّه ٌّ‬ ‫يف الختام‪ ،‬ما يستخدمه ُمر ِّوجوا ال ّنظريّة إلثبات كالمهم هو ٌّ‬ ‫قدي ٌم و حتّى األوصاف الحقيق ّية للفيامنا يقومون بل ّيها وتحويرها فقط لجعلها تبدو كاليوفو ‪.UFO‬‬ ‫كل ارتباطاتها مع نظريّة الفضائ ّيني القدامى ‪.‬‬ ‫ميكن تتبع تطور فكرة الفيامنا يف الهندوس ّية بسهول ٍة وبذلك ستخرس ّ‬

‫‪77‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫األنونايك‬

‫مروجو نظرية الفضائني القدماء‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫السامء تُدعى باآلنونايك‪ .‬يعني مصطلح اآلنانويك 'هؤالء‬ ‫السومرية القدمية أوصافًا‬ ‫لكائنات ته ِب ُط من ّ‬ ‫« لدينا يف ال ّنصوص ّ‬ ‫الساموات»‬ ‫الذي أتوا من ّ‬ ‫رشا‬ ‫هذا الكالم خاطي ٌء كل ًيا‪ .‬تعني كلمة آنونايك ‪ٌ :‬‬ ‫نسل ٌ‬ ‫أمريي أو دما ٌء أمريية ‪ .‬تكمن الفكرة يف أ ّن اآلنونايك كانوا خلقًا مبا ً‬ ‫أب وملك اآللهة‪)3()2()1( .‬‬ ‫آلنو الذي ت ّم اعتباره َ‬ ‫السومريني‪ .‬ذلك أنّهم ُخلقوا مبارشة من ِقبلِ آنو‬ ‫و كام سرنى‪ ،‬هذه هي الفكرة األساسية املرتبطة باآلنونايك يف تفكري ّ‬ ‫منطقي متا ًما نظ ًرا إىل أ ّن أسامءهم تعكس هذه الفكرة‪ ،‬أنّهم ذرية األمري‪.‬‬ ‫وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫للسامء‪.‬‬ ‫مليك' أو ' ٍ‬ ‫«يعني املصطلح نفسه ' من نسلٍ ٍ‬ ‫أمريي' ألنّه ت ّم اعتبار اآلنانويك ذرية آنو أو آن‪ -‬اإلله العظيم ّ‬ ‫السامء واألرض‪ .‬وقد حدث هذا التّقارن اإللهي كام تصوره ال ّرافديون‬ ‫لقد كان اآلنانويك ً‬ ‫أيضا ذرية آن وقرينته "يك" إلهة ّ‬ ‫يف معابد آلهتهم‪».‬‬ ‫‪78‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫فإذا كان مصطلح اآلنونايك يعني ال ّنسل األمريي أو ذرية األمري‪ ،‬كيف يقول مروجو نظرية الفضائيني القدامى أ ّن كلمة‬ ‫السامء إىل األرض؟‬ ‫اآلنونايك تعني القادمون من ّ‬ ‫الجواب املخترص لذلك أ ّن كل يش ٍء يقوله مروجو نظرية "الفضائيون‬ ‫القدامی" حول اآلنونايك يأيت من رجلٍ أسمه زخريا سیتشین‪ .‬كتب‬ ‫كتب يزعم فيها أ ّن اآلنونايك كانوا حقًا فضائيني‪ .‬لسوء‬ ‫سيتشني عدة ٍ‬ ‫بالسبعينيات‪ ،‬مل تتوفر ٌ‬ ‫طرق‬ ‫الحظ‪ ،‬ففي الوقت الذي كتب فيه هذا ّ‬ ‫عديد ٌة للعامة يك يتحققوا من صحة أو خطأ ما كان يقوله‪.‬‬ ‫و لتوضيح ذلك فإ ّن ترجمة سيتشني لكلمة آنونايك خاطئ ٌة متا ًما‪.‬‬ ‫حيث يقول مايكل هيرس‪:‬‬ ‫السامء' أو أوصافًا‬ ‫« ستقرؤون كث ًريا‪ ،‬وخاصة يف كتابات زخريا سيتشني‪ ،‬أ ّن اآلنونايك تعني شيئًا مثل 'هؤالء الذين أتوا من ّ‬ ‫أخرى تجعلهم يبدون مثل فضائيني أو غرباء من خارج األرض‪ .‬يف الواقع ال يوجد مصد ٌر واح ٌد عىل سطح األرض من‬ ‫ٍ‬ ‫أي ِ‬ ‫لسانيات سومري ٍة قد يتفق مع هذا التّعريف‪ .‬فهذا ليس مصطل ًحا صع ًبا‪ .‬وال أعتقد شخص ًيا أن سيتشني‬ ‫باحث‬ ‫ِق َبلِ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألوهيات بالغة األهمية‪ ،‬ففي ماذا ستخطئ‬ ‫مرتبط مع مجموعة‬ ‫السومرية البتّة ألنّك لو أخطأت يف مصطل ٍح‬ ‫عرف اللّغة ّ‬ ‫بعد ذلك!»‬ ‫السومرية‪ ،‬وبال ّرغم من ذلك نجد أنّه ال يبدو عىل معرف ٍة وثيق ٍة بالقواعد األساسية‬ ‫ادعى سيتشني أنّه خب ٌري بالكتابات ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤهالت أكادميي ٍة يف‬ ‫ألي‬ ‫السومرية‪ .‬لقد تحداه عدة باحثني حقيقيني عىل ترجامته‪ ،‬وعىل افتقاده ّ‬ ‫ومفردات اللّغة ّ‬ ‫أي شهاد ٍة ماعدا ديبلو ُم صحاف ٍة(‪ :)4‬أحد هؤالء الباحثني‬ ‫املجال‪ ،‬مشريين إىل عدم وجود سجلٍ عىل حصول سيتشني عىل ِّ‬ ‫هو مايكل هيرس الذي يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫مؤهالت‬ ‫أي‬ ‫«إىل يومنا هذا‪ ،‬مل أستطع إيجاد‪ ،‬مثل جميع األشخاص الذين طلبت مساعدتهم‪ -‬والذين يساندون سيتشني‪ُّ -‬‬ ‫بأي طريق ٍة كانت يف ال ّدراسات املتعلقة بالحضارات القرب‪-‬رشقية القدمية‪».‬‬ ‫أي لغ ٍة وال كونه ً‬ ‫مؤهل ِّ‬ ‫له يف ّ‬ ‫بينام نتقدم و ننظر إىل بعض أراء سيتشني املعينة‪ -‬املُستعملة بوضو ٍح من طرف مروجي نظرية الفضائيني القدامى‪-‬‬ ‫أظن أنّكم سرتون أ ّن الفصل يف هذه املسألة املعقدة ليس صع ًبا حتى عىل ٍ‬ ‫عامي‪.‬‬ ‫شخص ٍ‬ ‫مروجو نظرية الفضائيني القدامى‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫السامء‪».‬‬ ‫«تقول ال ّنصوص‪،‬حرفيًا‪ ،‬أ ّن هذه الكائنات هبطت يف‬ ‫مركبات طائر ٍة من ّ‬ ‫‪79‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫ترصيح ٍ‬ ‫أي ٍ‬ ‫شخص لتقديم هذا ال ّنص "الحريف" الذي يتحدث عنه‪.‬‬ ‫هذا‬ ‫مناف للعقل‪ .‬أتحدى َّ‬ ‫ٌ‬ ‫بإمكانكم أ ْن تُجروا بحثًا عىل شبكة اإلنرتنت(‪ ،)5‬وتشاهدوا حرف ًيا كل املراجع املؤدية إىل كلمة أنونايك يف ال ّنصوص‬ ‫رشا‬ ‫ألي يش ٍء ولو ٍ‬ ‫السومرية‪ .‬املرة الوحيدة التي تشري فيها ِّ‬ ‫ّ‬ ‫قريب من هذا‪ ،‬هي ملا تتحدث حول كون اآلنونايك خلقًا ُمبا ً‬ ‫السامء‪ .‬بعض األمثلة هي كالتّايل‪:‬‬ ‫آلنو يف ّ‬ ‫السامء حبل بهم آن‪.‬‬ ‫السامء اآلنونا‪ ،‬الذين يف ّ‬ ‫اآلنونا‪( ،‬اآللهة)‪ ،‬الذين حبل بهم آن يف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مركبات طائر ٍة" هي محض خيال‪ ،‬وهذه ألطف طريق ٍة ميكنني التّفكري بها لصياغة‬ ‫فكرة أ ّن ال ّنص يقول أنّهم "هبطوا من‬ ‫هذه العبارة‪.‬‬ ‫ما يفعله مروجو نظرية الفضائني القدامى هنا أنّهم يعرضون صو ًرا ٍ‬ ‫لقرص شميس مجنح عندما يتحدثون عن اآلنونايك‪،‬‬ ‫السومرية ‪،‬‬ ‫كأنّهم يتوقعون من الجمهور الظن أ ّن ال ّنصوص تتحدث عن تلك األقراص كأنّها سف ٌن فضائي ٌة يف القصص ّ‬ ‫بينام يف الواقع فإ ّن األقراص الشّ مسية املعروضة غري مرتبط ٍة مع اآلنونايك البتة‪ ،‬بل باألحرى هي مرتبط ٌة مع الشّ مس أو‬ ‫إله الشّ مس (‪.)6‬‬

‫وهذا عىل األرجح سبب قول تسوكالوس ملا ييل‪:‬‬ ‫«و لقد تم دامئًا وصفهم أو تصويرهم وهم يطوفون فوق ٍ‬ ‫أناس عادیین‪».‬‬ ‫مبا أنّه مل يتم أب ًدا تصویر األنونايك وهم يطوفون فوق رؤوس ال ّناس‪ ،‬بإمكاننا استنتاج أنّهم يريدون من ال ّناس تصديق‬ ‫أ ّن القرص الشّ ميس هو سفينة األنونايك الفضائية‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫أسباب‪.‬‬ ‫وهذا خطأٌ لعدة‬ ‫ٍ‬ ‫السومرية قد مثلت الشّ مس أو إله الشّ مس‪.‬‬ ‫السبب األول أ ّن األقراص الشّ مسية يف الحظارة ّ‬ ‫ّ‬ ‫يوم بأجنح ٍة عليها‪.‬‬ ‫السامء كل ٍ‬ ‫ُر ِم َز لعبور الشّ مس ّ‬ ‫السومرية قد يقرتح أنّهم حقًا يتحدثون‬ ‫عليكم أ ْن تعرفوا أنّه ال وجود ِّ‬ ‫ألي يش ٍء يف وصف الشّ مس املوجود يف ال ّنصوص ّ‬ ‫وأقل تشويقًا‪ ،‬ف ُهم يف الواقع كانوا يتحدثون عن الشّ مس‪.‬‬ ‫أجسام فضائي ٍة طائر ٍة‪ ،‬و بال ّرغم من أ ّن الحقيقة ممل ٌة ّ‬ ‫عن‬ ‫ٍ‬ ‫توجد طريق ٌة لتوضيح هذا يف ملحمة جيلغاميش‪ .‬يعبد جيلغاميش الشّ اماش‪ ،‬إله الشّ مس‪ ،‬ليلقى امل ّنة نصي ًبا ليومه‪،‬‬ ‫الصباح‪ -‬و هذا يعني يف جهة رشوق الشّ مس‪)7( .‬‬ ‫ويفعل ذلك عرب إدارة وجهه إىل ّ‬ ‫الشق يف ّ‬ ‫فكرة أ ّن مروجي نظرية الفضائيني القدامى يقرتحون هنا أ ّن األنونايك يف الواقع قد هبطوا من األقراص الشّ مسية أو أنّه‬ ‫أي دليلٍ عليها‪.‬‬ ‫قد ت ّم تصويرهم وهم يركبونها هي مجرد كذب ٍة؛ ال يوجد ُّ‬ ‫وأيضا تصوي ًرا لهم‪ .‬بإمكاننا رؤيتهم يف التّامثيل‪ ،‬وال ّنحوت‪ ،‬ولذلك فمن‬ ‫«ال ُيكننا أ ّن نجد أوصافًا لألنونايك فحسب‪ ،‬بل ً‬ ‫ٍ‬ ‫املثري لالهتامم رؤية أ َّن هؤالء الكائنات قد بدوا مثل رواد الفضاء الحديثني مع بز ٍ‬ ‫ساعات‬ ‫ات غريب ٍة؛ لبس البعض منهم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خوذات وكان لديهم أجنح ٌة فوق ذلك كله‪».‬‬ ‫جزمات و‬ ‫يدوي ٍة؛ لقد لبسوا‬ ‫السامية املجنحة عىل أساس أنّهم األنونايك‪.‬‬ ‫يعرض مروجو نظرية الفضائيني القدامى طوال سلسلتهم صو ًرا للعفاريت ّ‬ ‫أصل‪ ،‬بل سامي ًة‪.‬‬ ‫ولكن من املضحك أ َّن العفاريت املجنحة ليست األنونايك‪ .‬يف الواقع‪ ،‬هذه ال ّنقوش ليست سوماري ًة ً‬ ‫الصور‪ ،‬مع أن ليس لها أي صلة باألنونايك البتّة‪.‬‬ ‫ولكن ال بأس‪ ،‬مبا أنّنا هنا فبإمكاننا أ ْن نرشح عام تتحدث عنه تلك ّ‬

‫ينص املعتقد عىل أن هذه العفاريت املجنحة تتحكّم يف نوا ٍح طبيع ّي ٍة مع ّينة‪ ،‬وبشكلٍ ٍ‬ ‫خاص‪ ،‬كانت مسؤول ًة عن إخصاب‬ ‫املحاصيل‪)9()8(.‬‬ ‫‪81‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫لقد ت ّم تصويرهم غال ًبا وهم يحملون دل ًوا من غبار الطّلع أو املاء يف ٍيد‪ ،‬ومجموع ٌة من األزهار الذّكرية أو كوزًا من‬ ‫فص ِّوروا غالبًا و هم بصدد تخصيب شجر ِة مترٍ‪ ،‬حيث كانت رم ًزا لإلمثار‪.‬‬ ‫الصنوبر يف اليد األخرى‪ُ .‬‬ ‫ّ‬

‫أحيانا ت ّم تصويرهم وهم يشريون إىل امللك حيث نعلم‪ ،‬بفضل ال ّنقوش املرفقة‪ ،‬أ ّن امللك يُعترب نو ًعا من الوساطة بني‬ ‫ومسؤول عن إخصاب األرض و ال ّناس‪)10(.‬‬ ‫ً‬ ‫اآللهة‪،‬‬ ‫توجد طريق ٌة لتوضي ِح هذا عن طريق رشح ما يدعوه مروجو‬ ‫نظرية الفضائيني القدامى "ساع ًة يدوي ًة"‪ .‬يف البداية‪ ،‬عليكم‬ ‫أ ْن تالحظوا أنّه إ ْن كانت تلك ساع ًة‪ ،‬فالعفاريت كانوا أكرث‬ ‫من جادين حول مسألة التّوقيت‪ ،‬ألنّهم وضعوا واحد ًة يف‬ ‫"الساعة"‬ ‫كلتا اليدين‪ ،‬وأحيانًا عىل عصابة ال ّرأس ً‬ ‫أيضا‪ .‬هذه ّ‬ ‫هي يف الواقع رم ٌز سامي لعشتار إله َة الخصوبة‪ .‬بوسعكم أ ْن‬ ‫تروا نفس الحلية ببوابة عشتار الشّ هرية يف بابل‪.‬‬ ‫ترتبط خصوبة األرض‪ ،‬كام بإمكانكم أ ْن تتوقعوا‪ ،‬بإله ِة‬ ‫الخصوبة‪ ،‬وت ّم تصوير هذه الكائنات وهي تشتغل ملصلحة‬ ‫عشتار وهذا بتخصيب شجرة التّمر تلك‪.‬‬ ‫‪82‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫أيضا وجود األجنحة‪ ،‬باعتبار أ ّن الطّريقة الطّبيع ّية الواضحة للعيان هي بتلقيح ال ّنحل والعصافري‬ ‫وهذا عىل األرجح يرشح ً‬ ‫الصعب فهم أنّهم تصوروا لدى عمالء تخصيبهم ال ّروحانيني أجنح ًة بدورهم‪.‬‬ ‫لل ّزهرة‪ .‬ولهذا فليس من ّ‬ ‫مروجو نظرية الفضائيني القدامى‪:‬‬ ‫أساسا أ َّن سبب زيارة رواد الفضاء القدامى لنا يف املايض البعيد هو أ ّن كوكبهم األم احتاج الذّهب‬ ‫« اقرتح زخريا سيتشني ً‬ ‫لغالفهم الجوي و أ ّن محتوى الذّهب يف ج ّوهم كان يُستنفذ‪ -‬و لهذا ق َِدموا لألرض من أجل استخراج الذّهب وال ّرجوع‬ ‫به لكوكبهم‪».‬‬ ‫السطور حول‬ ‫يكرر منظرو نظرية رواد الفضاء القدامى هذه ّ‬ ‫قدوم الفضائيني الستخراج الذّهب من أجل غالفهم الجوي‬ ‫يف املايض القديم‪ ،‬عل نح ٍو واسعٍ‪ .‬يف الواقع لقد أصبحت من‬ ‫األفكار األساسية للحركة‪ .‬تعود هذه الفكرة مبارش ًة إىل زخريا‬ ‫السومرية‪.‬‬ ‫سيتشني وال عالقة لها متا ًما بال ّنصوص ّ‬ ‫من املثري ِللهتامم مالحظ ُة أ َّن سيتشني ال يعطي مكانًا لتربير‬ ‫السومرية‪-‬أنّهم احتاجوا الذّهب‬ ‫هذه الفكرة يف ال ّنصوص ّ‬ ‫لغالفهم الجوي‪ .‬حيث يقول يف كتابه 'حروب اآللهة والبرش' ‪:‬‬ ‫« لقد كانوا يف حاج ٍة ماس ٍة إىل املعدن و لوزامه الفريدة‪،‬‬ ‫‪...‬أفضل ما بإمكاننا تخمينه أ َّن هذه الحاجة املاسة كانت‬ ‫لتعليق جزيئات الذّهب يف غالف نيبريو املضمحل وهكذا‬ ‫حاميته من انقشا ٍع خطريٍ‪( ».‬تنجي ٌم البد منه)‬ ‫وأي‬ ‫إذًا هو يقول ' أفضل ما بإمكاننا تخمينه'‪ .‬من 'نحن'؟ ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫نص قد يلمح لذلك؟ لقد أىت من العدم بفكرة احتياج‬ ‫لكوكب ما‪.‬‬ ‫الجوي‬ ‫جزيئات الذّهب يف الغالف‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يف الوقت الحارض بإمكانكم إجراء ٍ‬ ‫بحث عن اِستعامل‬ ‫السومرية‪ )11(.‬بإمكاننا قراءة‬ ‫كلمة "ذهب" يف ال ّنصوص ّ‬ ‫السياق‪.‬‬ ‫كل ذك ٍر لها يف ّ‬

‫‪83‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫أي يش ٍء عدا‬ ‫ليس األمر أن ذكر كلمة ذهب ٌ‬ ‫السومرية وحسب‪ ،‬بل ال يوجد ما قد يدل عن ّ‬ ‫قليل نسب ًيا يف ال ّنصوص ّ‬ ‫االستعامالت العادية له(‪ .)12‬يف الواقع أنّها دراس ٌة ممل ٌة بشكلٍ مفاجئٍ ‪.‬‬ ‫السومرية عرب العقود القليلة األخرية‪ ،‬إضاف ًة إىل حلول اإلنرتنت‪ ،‬ليس علينا أ ْن نثق‬ ‫بفضل الفهرسة ال ّدقيقة لل ّنصوص ّ‬ ‫مبصداقية ٍ‬ ‫أناس مثل سيتشني بعد اآلن‪.‬‬ ‫هيرس‪:‬‬ ‫ولدي رشيط فيديو يف‬ ‫السومرية‪َ ،‬‬ ‫« توجد بعض القواعد البيانية عىل شبكة اإلنرتنت تسمح لكم بالبحث يف ال ّنصوص ّ‬ ‫موقعي املسمى بـ ‪ . sitchiniswrong.com‬لو ذهبتم إىل هناك ونقرتم عىل شارة األنونايك سأريكم كيفية البحث عن‬ ‫السومري‪ .‬سأريكم كيفية البحث عن كل ظهو ٍر لكلمة أنونايك‬ ‫طريق يش ٍء يسمى باملجموعة ال ّنصية اإللكرتونية لألدب ّ‬ ‫و من ث ّم ال ّنقر عىل تحديد اللّغة اإلنجليزية لكل تلك الظّهورات‪ .‬بإمكانكم أ ْن تجدوا هذه القواعد البيانية وأشجعكم‬ ‫عىل فعل ذلك ألنّه بإمكانكم التّقيص عن زخريا سيتشني؛ و بإمكانكم التّقيص عني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مثل األنونايك عىل نيبريو أو مرتبط ًة بكلمة نيبريو؛ وأ ّن نيبريو ليس‬ ‫لنصوص أو لدفات ٍر ت ُذكر ً‬ ‫عندما أَ َّد ِعي أنّه ال وجود‬ ‫السهل سيكون إثباتُ أنّني عىل خطأٍ لو علمتم كيف تبحثون عن هذه املصطلحات!‬ ‫كوك ًبا وراء بلوتو ً‬ ‫أصل‪ ،‬كم من ّ‬ ‫السهولة‪ ،‬وأشجعكم لتتقصوا عني وعن الجميع و تقوموا بالبحث‪ .‬بإمكانكم الولوج لهذه البيانات‬ ‫سيكون األمر غاي ًة يف ّ‬ ‫ومعرفة من يقول الحقيقة‪».‬‬ ‫السومريات انتقاديني ج ًدا فيام يتعلق بسيتشني‪ ،‬ليس ألنّهم منغلقو‬ ‫بإمكاننا يف األخري أن نرى بأنفسنا ملاذا كان باحثو ّ‬ ‫العقول أو شيئًا من هذا القبيل‪ ،‬لكن أل ّن سيتشني ال يبدو كأنّه يعرف عام يتحدث عنه‪.‬‬ ‫مثال حول كيف يأيت سيتشني برتجامته "املُدهشة"‪.‬‬ ‫دعوين أعطكم ً‬ ‫السومرية تتحدث حول التّنجيم عن الذّهب‪ .‬واآلن مبا‬ ‫فلنفهم أ ّن ال ّنصوص ّ‬ ‫السومرية ال تتحدث بالتّحديد عن طريقة هذا التّنجيم‪ ،‬فعىل‬ ‫أ ّن ال ّنصوص ّ‬ ‫سيتشني أ ْن يُركِب هذه الفكرة من العدم‪ .‬لقد فعلها بهذه الكيفية‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫اقتباس من كتابه األول "الكوكب الثّاين عرش"‪:‬‬ ‫فلنأخذ نظر ًة عن‬ ‫التاتيل ال ّرافدية إىل إيا تُ جده عىل أنّه "بيل نيمييك"‪ ،‬متت‬ ‫«بعض ّ‬ ‫الصحيحة يجب أ ْن‬ ‫ترجمتها عىل أساس 'إله الحكمة'؛ لكن ّ‬ ‫التجمة ّ‬ ‫تكون بدون ٍ‬ ‫شك 'إله املناجم»‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الصحيحة" أ ْن تكون بدون ٍ‬ ‫شك "إله املناجم‪ ".‬و إنّ ا يقولها‬ ‫أي ٍ‬ ‫سبب ملاذا تجدر ّ‬ ‫بـ"التجمة ّ‬ ‫و كعادة سيتشني فهو ال يقدم َّ‬ ‫فحسب ويتوقف عند ذلك الحد‪.‬‬ ‫السومريون مع سيتشني هنا‬ ‫السومريني أنفسهم‪ ،‬وال يتفق ّ‬ ‫السومرية التي كُتبت من طرف ّ‬ ‫ُمجددا ً‪ ،‬لدينا معاجم اللّغة ّ‬ ‫البتة‪ ،‬فلامذا يجدر بنا فعل ذلك؟‬ ‫السياق‪ ،‬و سرنى‬ ‫التجمة‪ ،‬هي أ ْن نقرأ ً‬ ‫أظن أ ّن إحدى الطّرق لتوضيح مدى سوء تلك ّ‬ ‫قليل عن حكمة إيا أو إنيك يف ذلك ّ‬ ‫إ ْن كانت حقًا تعني الحكمة‪ ،‬أو املناجم‪.‬‬ ‫مثال من ٍ‬ ‫هذا ٌ‬ ‫سومري يُدعى إنوما إليش‪:‬‬ ‫نص‬ ‫ٍ‬ ‫هو الذي يفهم كل يش ٍء هو األكرث حكم ًة‪ ،‬هو األكرث عظم ًة‪ ،‬إيا هو الذي يحس بكل املؤامرات‪ .‬هو الذي يتصدى لها‬ ‫بتعويذ ٍة جبار ٍة‪.‬‬ ‫أيضا أنّه بفضل حكمة‬ ‫ال يرشح هذا االقتباس مدى حكمة إيا أكرث بقوله "هو الذي يفهم كل يشء" و حسب‪ ،‬بل يقول ً‬ ‫إيا فقد كان قاد ًرا عىل اإلحساس باملؤامرات قبل أ ْن تحدث و إفشالها‪ .‬ال يشء مام قرأناه للتّو يفيد بأ ّن الحكمة تعني‬ ‫التّنجيم‪.‬‬ ‫أيضا من نفس امللحمة‪:‬‬ ‫و لدينا ً‬ ‫إيا هو الذي يعرف كل األشياء‪ ،‬لقد عرف عدم مقدرته عىل هزمية كينغو ومضيفي تيامات‪.‬‬ ‫أيضا أنّه يعرف كل يش ٍء‪ ،‬و نرى كيف أ ّن معرفته ساعدته ليدرك‬ ‫نرى هنا مجد ًدا تعريفًا سياقيًا ملعرفة إيا‪ .‬فمذكور هنا ً‬ ‫أ ْن ليس مبقدرته هزمية كينغو‪.‬‬ ‫لسبب ما‪ .‬ال يشء قيل عنه يكون له معنى لو أ ّن املعرفة‬ ‫تلك ليست أوصافًا معزول ًة لهذه املعرفة؛ إيا هو إله الحكمة‬ ‫ٍ‬ ‫الضوء عن فهمه العظيم‪ ،‬و باملقابل فال وجود‬ ‫تعني التّنجيم‪ ،‬أو حتى معرف ًة عن التّنجيم‪ .‬ت ُسلّط جميع القصص حوله ّ‬ ‫جهل بال ّنصوص‬ ‫أي يش ٍء آخر‪ ...‬ال وجود لذلك‪ .‬يتطلب األمر ً‬ ‫حتى لتلمي ٍح عن أنّه مهت ٌم ولو ً‬ ‫قليل بالتّنقيب عن الذّهب أو ّ‬ ‫السومرية من أجل تصديق ذلك األمر‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪85‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫فلننتقل إىل إدعاء آخر حول اآلنونايك‪:‬‬ ‫مروجو نظرية الفضائيني القدامى‪:‬‬

‫السومريني القدماء‪.‬‬ ‫«عمل ًيا فإ ّن كل قص ٍة وردت يف سفر التّكوين‪-‬قصة الطّوفان‪ ،‬قصة آدم وحواء‪ -‬لجميعها‬ ‫ٌ‬ ‫سوابق مع ّ‬ ‫السومريني أ ّن اآلنونايك كانوا ينجمون عن الذّهب يف األرض فتذمر مجموعة من عامل التّصفية‬ ‫القصة التي انحدرت إىل ّ‬ ‫لعمل مجه ٌد ولقد تعبنا‪ .‬ال نريد أ ْن نفعل هذا بعد اآلن' وهكذا عقدوا اجتامعا كب ًريا وقرروا خلق عاملٍ‬ ‫قائلني‪ :‬إ ّن هذا ٌ‬ ‫ِ‬ ‫كجنس عبيد‪».‬‬ ‫بدا ٍيئ اسمه آدامو‪ .‬لقد خلق اآلنونايك البرش‬ ‫أول يش ٍء ننتبه إليه هو أنّه يف ملحمة الخلق التي يشريون إليها يف هذا املوضع‪ ،‬مل تكن اآللهة تنجم عن الذّهب‪ .‬العمل‬ ‫الذي كانت تقوم به اآللهة هو خلق العامل‪ ،‬متا ًما نوع األشياء التي تتوقعها من ملحمة خلق‪.‬‬ ‫جبال و أنها ًرا‪ ،‬مثل تيغريس و أوفراتس‪ )13( .‬فاآللهة هنا كانوا متعبني من‬ ‫بل و تشري تحدي ًدا إىل أنّهم كانوا يصنعون ً‬ ‫خلق األرض وليس التّنجيم عن الذّهب‪.‬‬ ‫تستمر امللحمة لتصف األحداث التّالية‪:‬‬ ‫رجل‪ .‬عندما ارتفعت نسخة ال ّرجال الذين صنعوهم يف العدد‪ ،‬أغضب‬ ‫قرر اآللهة أ ْن ميزجوا أنفسهم بالطّني و يصنعوا ً‬ ‫الضجيج الذي أصدروه اآللهة‪ .‬فقرروا أ ْن يقتلوهم باستعامل فيضانٍ ‪ .‬يُأم ُر أحد ال ّرجال ببناء سفين ٍة‪ .‬فيضع الحيوانات‬ ‫ّ‬ ‫أيام و سبعة ليا ٍل‪ .‬يت ُم إنقاذ ال ّرجل وعائلته‪.‬‬ ‫السامء لسبعة ٍ‬ ‫بداخلها‪ .‬متطر ّ‬ ‫السومرية وال ّروايات اإلنجيلية الخاصة بخلق اإلنسان وطوفان نوح‪.‬‬ ‫يوجد العديد من التّشابهات بني هذه الكتابات ّ‬ ‫السومرية القدمية‪ .‬ولكن ستنطوي هذه‬ ‫يظن بعض ال ّناس أ َّن هذا راج ٌع لكون كاتبي اإلنجيل قد نسخوا الكتابات ّ‬ ‫ألي دليلٍ‬ ‫الفرضية عىل مشاكلٍ معق ّد ٍة ألنّه يقول حتى ال ّناقدون املتخصصون يف هذا ال ّنوع من األدب القديم أ ْن ال وجود ّ‬ ‫حول االستعارة األدبية(‪ ،)14‬بل بالعكس متا ًما‪ .‬يقرتحون أنّهم كانوا ليشريوا إىل املصدر العام لهذه املعلومة‪.‬‬ ‫ورقة من طرف أ‪ .‬هايدل‪ ،‬و أ‪.‬ر‪.‬ميالرد و د‪.‬دامروسش تُختتم بهذه الطّريقة‪:‬‬ ‫«ال ميكن توضيح االعتامد األديب‪ .‬هنا‪ ،‬متا ًما مثل كل ما املثائل يف التّاريخ البدايئ‪ ،‬يتم اعتبار أنّه من املرجح اعتامد التّحدار‬ ‫عام‪ .‬يرى البعض هذا املصدر العام عىل أنّه قطع ٌة من األدب األكرث ِقد ًما‪ ،‬بينام يعترب‬ ‫ال ّرافدي واإلنجييل عىل مصد ٍر ٍ‬ ‫البعض اآلخر الحدث الواقعي‪(.‬يقصد الوحي)»‬ ‫الصفحة‪.)2010( .‬‬ ‫هيل ووالتّون ' فحص للعهد القديم'‪ّ ،‬‬ ‫‪86‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫السومرية واإلنجيل اللّذان يتحدثان عن نفس القصة األساسية‪ ،‬و لكن توجد‬ ‫أضف إىل هذا أنّه ليس فقط ال ّنصوص ّ‬ ‫رص واضح ٌة من القصة يف كل ثقاف ٍة تقريبًا‪ ،‬بغض ال ّنظر عن الحيِّز الجغرايف‪.‬‬ ‫عنا ٌ‬ ‫مثل قصة فرياكوشا يف أمريكا الجنوبية‪.‬‬ ‫خذوا ً‬ ‫الساموات واألرض‪ .‬ث ّم أخذ أحجا ًرا عريض ًة ونفخ الحياة فيها‪ .‬لكنهم أصبحوا عاملق ًة‪ ،‬فأرسل إليهم‬ ‫لقد خلق فرياكوشا ّ‬ ‫ناسا أصغر‪ ،‬حيث‬ ‫الطّوفان لتصفيتهم‪ .‬و بعد الطّوفان نفخ الحياة يف أحجا ٍر أقل ً‬ ‫حجم من املرة األوىل خالقًا بذلك أُ ً‬ ‫انترشوا حينها يف كل أنحاء العامل‪)15(.‬‬ ‫مامثل‪ .‬حيث عىص أبناء اإلله أباهم‪ ،‬فأتوا إىل األرض ومارسوا الجنس مع نساء‬ ‫و يف اإلنجيل‪ ،‬يف سفر التّكوين ‪ 6‬نرى شيئًا ً‬ ‫البرش‪ ،‬منتجني عاملق ًة ُسموا ال ّنيفاليم‪ .‬كاد يقيض ال ّنيفاليم مع الوقت عىل تعداد البرش األصليني‪ ،‬و هذا أحد أسباب‬ ‫إرسال اإلله للطّوفان‪)16(.‬‬ ‫الشق األوسط‪ ،‬و‬ ‫بالصني‪ ،‬أوروبا‪ّ ،‬‬ ‫توجد هذه القصص بشكلٍ أو بآخر يف الثّقافات مهام تباعد ح ِّيزها الجغرايف‪ .‬توجد ّ‬ ‫مناطق عديد ٍة أخرى‪.‬‬ ‫توجد يف عادات الهنود الحمر‪ ،‬و يف أمريكا الجنوبية و‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص كانوا عىل سفین ٍة مذكور ٌة بنسب ٍة‬ ‫التّشابه أكرث بديهي ًة من أ ْن نرصف عنه ال ّنظر بكل بساط ٍة‪ .‬أشيا ٌء مثل أ ّن ‪8‬‬ ‫كبري ٍة يف تلك القصص‪)17(.‬‬ ‫شخص ًيا‪ ،‬أظن أ َّن كل هذه الثّقافات أتت من قص ٍة واحد ٍة أصلي ٍة‪ ،‬لقد قيلت هذه القصة بطريق ٍة واحدة‪ ،‬وكلام حدثت‬ ‫ِهجراتٌ من هذه املجموعة بدأوا بإضافة التّفاصيل التي كانت أكرث أهمي ًة من ال ّناحية املحل ّية لهم‪ .‬لكن آمنت كل‬ ‫حضار ٍة بأنَّه بصدقٍ أنّهم كانوا ينقلون ال ّرواية الحقيقیة املتعلقة بأصل البرشية إىل أحفادهم عندما رووها لهم‪.‬‬ ‫تهكم‪ ،‬لو كان هنالك حقًا طوفا ٌن وأ َّن جميع البرش باستثناء هؤالء الذين كانوا عىل‬ ‫إذا أخذنا املعنى الظّاهري و لو ً‬ ‫القارب قد ماتوا‪ ،‬و أ َّن أغلب الحضارات الحديثة قد أتت منهم‪ ،‬فالواقع أ َّن كل ال ّناس سيكون قد ورثوا نفس القصة يبدو‬ ‫أكرث منطقي ًة‪ ،‬ألنّه مبدئ ًيا سيكون لديهم نفس األسالف الثّامنية الذين عاشوا تلك الحادثة وقرروا نقل القصة لكل جيلٍ ‪.‬‬ ‫السؤال الذي بحوزيت هنا هو‪:‬‬ ‫أقرتح أن شيئًا مثل هذا قد حدث حقًا يف التّاريخ القديم‪ .‬ال أرى ّ‬ ‫أي دليل عىل ذلك ‪ .‬لكن ّ‬ ‫ُ‬ ‫أي واحد ٍة من تلك ال ّروايات هي األقرب إىل الواقع؟‬ ‫ُّ‬ ‫السومرية هي األقرب للحقيقة ألنّه قد ت َّم تسجيلها يف ٍ‬ ‫وقت أبكر‪.‬‬ ‫يقول لنا مروجو نظرية الفضائيني القدامى أ َّن ال ّنسخة ّ‬ ‫السومرية كانت تاري ًخا قد ًميا‬ ‫و هذا يبدو منطق ًيا إىل درج ٍة ما‪ ،‬لكن علينا نتذكر أ َّن األحداث التي ت ّم وصفها يف ال ّنصوص ّ‬ ‫الشء املهم هنا ليس تاريخ هذه الكتابات بل حول ما إذا ُحفظت القصة األصلية‪.‬‬ ‫للسومريني أنفسهم‪ .‬إذًا ّ‬ ‫حتى بال ّنسبة ّ‬ ‫التكيز بنح ٍو أكرب يف ال ّنقاط التي تختلف فيها ال ّروايات‬ ‫سأعطيكم بعض األسباب القوية للتّشكيك بأنّه يجب أ ْن يتم ّ‬ ‫السومرية عن األخريات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪87‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫السومرية ليست متامسك ًة منطق ًيا‪.‬‬ ‫السبب األول أ ّن القصص ّ‬ ‫ّ‬

‫السفينة‪.‬‬ ‫السومرية واإلنجيلية‪ ،‬ت ّم إعطاء أبعاد ّ‬ ‫أحد األمثلة أنّه يف كال ال ّروايات ّ‬ ‫واقع أ ّن أحد أهم األجزاء يف هذه القصة هي أبعاد القارب هو يش ٌء مث ٌري لالهتامم‪ ،‬لكن بذكر األبعاد‪ ،‬لديكم من جهة‬ ‫السفينة يف ال ّرواية اإلنجيلية مثالي ٌة‬ ‫السومرية مكع ًبا كب ًريا‪ ،‬بينام وصف املهندسون البحريون أ ّن ّ‬ ‫السفينة يف ال ّرواية ّ‬ ‫كون ّ‬ ‫رض ِر جسمها حتى يف أعتى البحار‪)18(.‬‬ ‫تقري ًبا يف الحفاظ عىل توازنها دون ت ُ‬ ‫السومرية عندما تختلف عن ال ّروايات األخرى‪ ،‬هو أنّه كام يعرف الباحثون يف‬ ‫سبب آخ ٌر لعدم الوثوق يف ال ّنصوص ّ‬ ‫ٌ‬ ‫السومريني دامئًا ما يغريون تفاصيل قصصهم لتتناسب مع الظّروف املختلفة‪.‬‬ ‫السومريات فإ َّن ّ‬ ‫ّ‬ ‫مثل‪ ،‬نصوص نفس ال ّرواية املوجودة يف معبد انيك ستختلف عن تلك املوجودة يف معبد إينانا‪ ،‬حتى لو كانا من نفس‬ ‫ً‬ ‫خصوصا لو كانا من فرت ٍ‬ ‫السومريني‪:‬‬ ‫الفرتة ال ّزمنية‪ ،‬لكن‬ ‫ً‬ ‫ات متباعد ٍة‪ .‬نقتبس من أحد الباحثني ّ‬ ‫السومري‪».‬‬ ‫«ت ُعترب التّضاربات ميز ًة منتظم ًة يف الشّ عر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لنصوص مختلف ٍة غال ًبا ما يبدو ُمه ِم ًل نو ًعا ما‪)19(».‬‬ ‫السومريني‬ ‫يتابع ليقول أ َّن «تأليف ال ُكتَّاب ّ‬ ‫قارنوا ذلك مع ال ُكتَّاب العربانيني القدماء‪ ،‬الذين ُعرفوا بأخذهم لعملهم مبنتهى الجدية‪ .‬لقد كان لهم العديد من القوانني‬ ‫ٍ‬ ‫مثل‪ ،‬قيل أنّه كان عليهم قول كل ٍ‬ ‫بصوت عا ٍل قبل كتابته عىل الورق‪.‬‬ ‫حرف‬ ‫التي ضبطت نقلهم لنصوصهم املقدسة‪ً .‬‬ ‫(‪)21()20‬‬ ‫أحد أمثلة ال ّدفاع عن تدقيقهم يف االهتامم بالتّفاصيل هو مع لفيفة سفر أشعيا التي ُوجدت مع اللّفائف املعثور عليها‬ ‫بالبحر امليت‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫ال ّنسخ األبكر من العهد القديم اليهودي قبل لفائف البحر امليت كانت ال ّنصوص املاسورية التي ت ّم نقلها ما بني سنوات‬ ‫‪ 600-1000‬ميالدي‪ .‬إذن فلُفافة سفر أشعياء كانت من بني أكرث اللّفائف سالم ًة‪ ،‬وكانت لتكون وسيل ًة لتربهن يف حال‬ ‫فعل قد قاموا بعملٍ‬ ‫تبي أنّهم ً‬ ‫كانت مخطوطاتهم قد نُقلت بأمان ٍة من قبل كُتَّابهم خالل ال‪ 800‬سنة ّ‬ ‫السابقة‪ .‬ويف األخري ّ‬ ‫ال عيب فيه و أ ّن الكتاب اليهود كانوا م ّربئني‪)23()22(.‬‬ ‫أي ال ّنصني أك ُرث دق ًة فيام يتعلق برواياتهام حول األحداث القدمية فمن األكرث منطقي ًة أن نُعطي أهمي ًة‬ ‫لذلك فعند تقرير ًّ‬ ‫نصوص مجموع ٍة لديها تقالي ُد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قليل‬ ‫السومريني الذين يبدو أنّه لديهم اهتام ٌم ٌ‬ ‫أكرب النحدار‬ ‫حفظ دقيق ٍة عىل حضار ٍة مثل ّ‬ ‫يف ال ّنقل ال ّدقيق لتفاصيل قصصهم‪.‬‬ ‫يف الختام‪ ،‬نجد تقري ًبا أ َّن جميع األشياء التي يقولها مروجو نظرية الفضائيني القدامى حول اآلنونايك هي غري صحيح ٍة‪.‬‬ ‫و هذا ليس مفاجئًا باعتبار أنّهم نسخوا ولصقوا تقري ًبا كل يش ٍء حول هذا املوضوع من كتب زخريا سيتشني‪.‬‬ ‫السومرية واألركادية‪ ،‬سأوجهكم إىل املوقع املمتاز للدكتور‬ ‫ملزيد من املعلومات حول أخطاء سيتشني يف ترجمة ال ّنصوص ّ‬ ‫مايكل هيرس ‘ ‪.’Sitchiniswrong.com‬‬

‫‪89‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫النفليم‬

‫«األساطري القدمية تتح ّدث عن نزول اآللهة إىل األرض للتّزاوج مع البرش‪».‬‬ ‫قصص عن نزول أبناء اآللهة أو‬ ‫« وفقاً للعديد من املصادر‪ ،‬ومنها امليثولوجيا ال ّنورديّة واليونانيّة وحتّى يف اإلنجيل‪ ،‬لدينا ٌ‬ ‫آله ٍة بح ّد ذاتها من جبل األوليمبوس أو الفالهاال‪ Valhala‬إىل األرض‪ .‬يجدون أن بنات اإلنسان جذّابات‪».‬‬ ‫«وفقاً للنصوص القدمية‪ ،‬فاملالئكة املطرودة من الج ّنة ال تتزاوج فقط مع نساء البرش‪ ،‬بل وينجبون ذري ًة أيضاً‪ ،‬النفليم‬ ‫‪ ،The Nephilim‬وهم عبار ٌة عن سالل ٍة من العاملقة مشابهة لغولياث (جالوت يف الرتاث اإلسالمي) املذكورة يف قصة‬ ‫داود وغولياث‪».‬‬ ‫أنا أتّفق مع قصة نشأتهم املذكورة هنا‪ ،‬فالعديد من النصوص من عدة أماكن يف العامل تتحدث عن نفس اليشء‪ ،‬وبسبب‬ ‫التّشابه املخيف املوجود يف هذه القصص بني الثقافات املختلفة‪ ،‬فقد ارتأينا ّأل نرمي بهذه القصص جميعاً عرض الحائط‪،‬‬ ‫الخاصة‪ ،‬أظن أن هذا املوضوع يستحق إلقاء نظر ٍة مقرب ٍة‬ ‫فقط ألننا ننتظر من الحضارات املستقلّة أن تنتج قصصها‬ ‫ّ‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات فضائ ّي ًة قد جاءت إىل‬ ‫مروجي ال ّنظرية رأيان متناقضان بخصوص هذا املوضوع‪ ،‬فمن جهة هم يؤمنون بأ ّن‬ ‫لدى‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات جنس ّي ًة مع نساء البرش ألنّهم وجدوه ّن جذَابات‪.‬‬ ‫السحيق‪ ،‬وخاضوا‬ ‫األرض يف املايض ّ‬ ‫‪90‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫السحيق رأوا أ ّن نساء األرض جميالتٌ‬ ‫«النصوص القدمية تتح ّدث عن األشخاص الّذين زاروا األرض – اآللهة – يف املايض ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ساموي‪ ،‬لقد‬ ‫مناسبات ع ّدة نرى أ ّن هذه الكائنات قد تزاوجت مع البرش‪ ،‬وأُيس َء فهم املوضوع عىل أنه يش ٌء‬ ‫ج ّدا ً‪ ،‬ويف‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫بدم ولح ًم‪» .‬‬ ‫كانت مجرد‬ ‫كائنات فضائ ّي ًة ٍ‬ ‫«عندما نقرأ األساطري اإلغريق ّية‪ ،‬وأساطري أخرى حول العامل‪ ،‬نرى أنّها تحوي تلك القصص عن اآللهة الّتي تنزل من‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات جنس ّية مع البرش‪ ،‬لينتجوا بالتايل نوعاً جديدا ً من البرش‪» .‬‬ ‫السامء‪ ،‬ومتارس‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل أنحاء الكوكب‪ ،‬فهذه‬ ‫نصوص من ّ‬ ‫«عندما تحدث هذه اللقاءات وتنام ال ّنساء مع هذه اآللهة‪ ،‬كام هو مذكور يف ع ّدة‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات فضائ ّية‪ ،‬وليس مع آلهة ‪-‬أل ّن اآللهة غري موجودة‪».‬‬ ‫ال ّنساء يف الحقيقة مارسن الجنس مع‬ ‫الفضائيي القدامى‪ ،‬وبذلك هم يفضلون‬ ‫لك ّن الحديث عن أ ّن هكذا لقاءات تض ّمنت شغفاً وجنساً‪ ،‬ال يتناسب مع نظرية‬ ‫ّ‬ ‫اصطناعي‪.‬‬ ‫القول أ ّن ما حصل كان مج ّرد تلقي ٍح‬ ‫ّ‬ ‫اصطناعي ال َيوم‪ ،‬مل تعد مضطّرا ً إىل مامرسة الجنس للحصول عىل أطفال‪.‬‬ ‫« يوجد تلقيح‬ ‫ّ‬ ‫أي شخص ‪».‬‬ ‫السنني ‪،‬عن نسا ٍء حبلْ َن فجأ ًة دون أن ين ْم َن مع ّ‬ ‫لدينا نفس الوصف من آالف ّ‬ ‫االصطناعي‬ ‫كالم رصي ٍح عن رغبة املالئكة الجسديّة بال ّنساء‪ ،‬وليك نجعل التلقيح‬ ‫املشكلة مع هذه ال ّنصوص‪ ،‬هي وجود ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يظهر باملوضوع‪ ،‬ينح ّط مر ّوجو ال ّنظرية إىل مست ٍو وضيع‪:‬‬ ‫«إحدى مخطوطات البحر امل ّيت ت ُس ّمى مبخطوطات المخ ‪ .Lamech‬من هو المخ ؟‪ ،‬المخ كان راعياً‪ ،‬وذات م ّرة حملت‬ ‫زوجته‪ ،‬فقال’ هذا مستحيل‪ ،‬فأنا مل أكن موجودا ً منذ أشهر‪ ،’.‬زوجته املسامة (بات‪-‬عنوش ‪ )Bat-Enosh‬أقسمت‬ ‫بأ ّن أحدا ً مل يلمسها‪ ،‬ولكن المخ ال يصدقها‪ ،‬ويذهب ألبيه (متشولح ‪ )Methuselah‬فيقول له متشولح‪ ’ :‬ال أستطيع‬ ‫مساعدتك‪ ،‬فأنا ال أفهم هذا‪ ،‬فأنا أص ّدق قول بات‪-‬عنوش بأنه مل يلمسها أحد‪ ،‬وأص ّدقك أيضاً‪ ،‬فامذا أفعل؟’‪ .‬يذهب‬ ‫اصطناعي لرحم بات‪-‬‬ ‫السامء قد قاموا بتلقي ٍح‬ ‫متشولح إىل والده وجد المخ – انوخ –‪ ،‬انوخ يخرب متشولح بأ ّن حراس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عنوش‪ ،‬ويجب عليه أن يتق ّبل هذا الطفل‪ ،‬ألنّه سيكون والدا ً لجيلٍ‬ ‫جديد من البرش‪ ،‬ويف اإلنجيل كان اسم هذا الطفل‬ ‫هو نوح‪».‬‬ ‫إنّهم يكذبون هنا حرف ّياً‪ .‬يبدو أ ّن فون دانيكن ‪ Von Daniken‬يعتمد عىل حقيقة أ ّن الكثري من ال ّناس ال يعرفون النص‬ ‫الّذي يقتبسه‪ ،‬وبالتايل لن يدقّقوا من بعده‪ ،‬لذلك فهو يظ ّن أ ّن بإمكانه الكذب مبا يقوله‪.‬‬ ‫دعوين أظهر لكم بعض الخداع يف هذا املقطع‪:‬‬

‫‪91‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫« ويف أحد األيام حملت زوجة المخ فقال‪ :‬هذا مستحيل‪ ،‬أنا مل أكن موجودا ً ألشهر! ‪».‬‬ ‫بكل‬ ‫أول كذب ٍة هنا‪ ،‬هي أ ّن المخ رفض فكرة أن يكون نوح ابنه بسبب عدم تواجده لع ّدة أشهر‪ ،‬بينام ال ّنص يظهر ّ‬ ‫وضو ٍح‪ ،‬أ ّن المخ رفض نوح بسبب مظهره‪ ،‬فون دانيكن فقط أضاف فقرة‪ « :‬مل أكن موجودا ً ألشهر »‬ ‫تضليل كبري‪ ،‬خصوصاً وأ ّن بات‪-‬عنوش تذكره باليوم الّذي‬ ‫ٌ‬ ‫باعتقادي‪ ،‬إظهار أ ّن نوح ال ميكن أن يكون ابن المخ هو‬ ‫حملت فيه بالطفل‪ .‬وإذا كنت تظ ّن أن هذا خداع من طرف فون دانيكن فأنت مل ت َر شيئاً بعد‪.‬‬ ‫السامء قد لقّحوا بات‪-‬عنوش اصطناع ّياً‪».‬‬ ‫« واآلن انوخ يخرب متشولح أن حامة ّ‬ ‫هذا ال يص ّدق‪ ،‬يف ال ّنص‪ ،‬انوخ يقول العكس متاماً ويؤكد أ ّن نوح هو ابن المخ‪.‬‬ ‫كل كذبه‪.‬‬ ‫االصطناعي مع ّ‬ ‫إذن‪ ،‬هو ال يكذب فقط بخصوص ما قال انوخ عن نوح‪ ،‬بل ويدرج فكرة التلقيح‬ ‫ّ‬ ‫أي مشكل ٍة بالكذب‪ ،‬ألجل أن يربط النفليم مع التلقيح‬ ‫مؤسيس نظريّة‬ ‫كام ترون‪ ،‬أ ّن أحد‬ ‫الفضائيي القدامى‪ ،‬ال ميلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االصطناعي يف ال َنصوص القدمية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مروجي ال ّنظريّة‪ّ ،‬إل أنّني أعتقد أ ّن التّفاصيل املوجودة يف ال ّنصوص القدمية عن النفليم‪ ،‬تقودنا إىل‬ ‫رغم تعاطفي مع‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كوكب آخر‪.‬‬ ‫بكائنات فضائي ٍة من‬ ‫غريب فعالً يف املايض‪ .‬لك ّني ال أظ ّن أن األدلّة تكفي لربطه‬ ‫الخالصة بحصول يش ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يقول هايزر‪:‬‬ ‫غريب ح ّقاً‪ ،‬فهو واحد من‬ ‫السادس اآليات من ‪1-4‬‬ ‫«ال ّنص املتعلّق بالنفليم واملوجود يف سفر التّكوين اإلصحاح ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ال ّنصوص املوجودة يف اإلنجيل من دون تفسريٍ بعد‪ ،‬وخصوصاً بال ّنسبة لل ّناس الّذين يقاومون فكرة الكائنات الخارقة‬ ‫املادي ‪،‬فلامذا نحرص نشاطها مبجرد (‬ ‫للطّبيعة‪ ،‬فإذا كان لدينا كائناتٌ عاقل ٌة تعيش خارج عاملنا املخلوق‪ ،‬خارج عاملنا‬ ‫ّ‬ ‫التّزاوج مع نساء البرش ) فقط ؟‪ ،‬ما هي القواعد الّتي اتّبعتَها لتضييق هذه ال ّنشاطات ؟‪ ،‬فإذا كنت ستسمح بفكرة أ ّن‬ ‫البرشي‪ ،‬فعليك املتابعة من هذا املنطلق‪» .‬‬ ‫ميل نحو الجسد‬ ‫هذه الكائنات لديها ٌ‬ ‫ّ‬ ‫لقد رأينا خداعهم يف األدلّة الّتي ق ّدموها‪ ،‬لك ّني أظ ّنهم سيخادعون أيضاً مع األدلة الّتي مل يق ّدموها بعد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات هجين ًة مثل النفليم مقرتن ًة مع‬ ‫الشق إىل أمريكا القدمية‪ ،‬تض ّمنت‬ ‫كمثال‪ ،‬الكثري من ال ّنصوص القدمية من ّ‬ ‫الفيضان العظيم‪.‬‬ ‫هذه القصص مع تنوعاتها املتفاوتة‪ ،‬تصف أن الفيضان العظيم حصل بسبب هذا التهجني الّذي كان مخالفاً إلرادة‬ ‫الخالق‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫هايزر‪:‬‬

‫قصة الفيضان العظيم يف الحضارات القدمية‪ ،‬فاملوضوع يبدو وكأنّه ترشي ٌع للذّاكرة الجمع ّية‪ .‬املشكلة أنّه يت ّم‬ ‫«توجد ّ‬ ‫نسيان إلحاق التّفاصيل األخرى املوجودة مع قصص الفيضان العظيم يف هذه املصادر‪ ،‬أشياء مثل التعايش املشرتك‪،‬‬ ‫األريض الّتي أنتجت أشياء غريبة كالنفليم‪».‬‬ ‫اموي والعامل‬ ‫الس ّ‬ ‫والتّفاعالت الّتي حدثت بني العامل ّ‬ ‫ّ‬ ‫األمر مع ّق ٌد وغريب‪ ،‬ولك ّنه ثابت مبا أ ّن العديد من الحضارات قد تناقلتها فيام بينها‪ ،‬وإىل خلفائها‪.‬‬ ‫فهم فعالً اعتقدوا أ ّن هذا االتحاد الغريب قد أنتج العاملقة‪ ،‬ولك ّن مبا أ ّن هذه القصص القدمية تتقاطع مع نظريات‬ ‫الفضائيي القدامى‪ ،‬فهم من رمى ال ّدليل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫«هل كانوا عاملق ًة فعالً أم أن الكلمة يجب أن تُص ّحح إىل فضائ ّيني؟»‬ ‫كلمة (نفليم) تعني فعالّ (عاملقة)‪ ،‬والتّفاصيل يف ال ّنصوص تدعم هذا الكالم متاماً‪ ،‬حيث أنّه ت ّم الكالم عن طولهم وحجم‬ ‫أسلحتهم وما شابه‪.‬‬ ‫هايزر‪:‬‬ ‫السبعون ّية و اآلرام ّية‬ ‫« مصطلح نفليم يعني عمالق بشكل صحيح‪ ،‬و هذا ما فهمه املرتجمون القدامى ‪-‬مرتجمو التّوراة ّ‬ ‫الشء‪ ،‬وستجد رشحاً له إذا دخلت إىل موقعي ‪ www.sitchiniswrong.com‬و ضغطت عىل‬ ‫– األمر مع ّق ٌد بعض ّ‬ ‫أيقونة ’‪، ’Nephilim‬ستجد رشحاً هناك‪».‬‬ ‫خيص‪ ،‬هو الفرق بني تعريف املالك ‪ Angel‬يف الكتب القدمية‪ ،‬وبني ترجمتها يف الثّقافة‬ ‫جز ٌء آخر من املشكلة برأيي الشّ ّ‬ ‫الشّ عب ّية الحال ّية‪.‬‬ ‫الشق األدىن لوحده‪ ،‬ستستنتج أ ّن لديهم أجساماً‬ ‫قديم من ّ‬ ‫نص ٍ‬ ‫أي ٍّ‬ ‫إذا أردت تحديد ماهية املالك باستخدام اإلنجيل أو ّ‬ ‫ناس أحياناً‪ ،‬ويف قصة‬ ‫كامل ّة وظيف ّياً‪ ،‬يستطيعون تناول الطّعام مع البرش‪ ،‬يستطيعون اإلمساك بال ّناس‪ ،‬يُشتَ َب ُه بأنّهم ٌ‬ ‫سدوم وعمورة نرى أن ال ّناس أرادت اغتصابهم‪.‬‬ ‫وغيته إىل‬ ‫يل‪ّ ،‬‬ ‫نرى يف اإلنجيل أ ّن املالئكة الّتي ق ّررت التّمرد‪ ،‬ومامرسة الجنس مع نساء البرش‪ ،‬قد تخلّت عن شكلها األص ّ‬ ‫شكلٍ آخر‪ .‬والحديث عن الجسد الّذي تركوه واملوصوف باملسكن موجو ٌد برسالة يهوذا‪:‬‬ ‫« َوالْ َمالَئِ َك ُة ال َِّذي َن لَ ْم يَ ْح َفظُوا ِريَ َاستَ ُه ْم‪ ،‬بَ ْل ت َ َركُوا َم ْس َك َن ُه ْم َح ِفظَ ُه ْم إِ َل َديْ ُنونَ ِة الْيَ ْو ِم الْ َع ِظ ِيم ِب ُقيُو ٍد أَبَ ِديَّ ٍة ت َ ْح َت الظَّال َِم‬ ‫«يهوذا ‪6:1‬‬ ‫‪93‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫كلمة مسكن ‪( Habitation‬ترجمة للكلمة اإلغريق ّية ‪ ،)oikterion‬مذكور ٌة مل ّر ٍة واحد ٍة أخرى يف العهد الجديد‪ ،‬لتصف‬ ‫األجساد الّتي سيمتلكها أتباع املسيح حني يتم إحيائهم من املوت‪.‬‬ ‫إذن فالكالم هنا عن قدرة املالئكة ملغادرة الجسد إىل ٍ‬ ‫جسد آخر‪ ،‬وهذا الجسد اآلخر‪-‬وفقاً لإلنجيل‪ -‬يستطيع القيام‬ ‫بالجنس والتّكاثر‪.‬‬ ‫«هناك سابق ٌة إنجيليّة يف هذه الفكرة‪ ،‬أال وهي أ ّن جسد املالئكة يستطيع القيام بأشياء يستطيع جسمنا القيام بها‪ .‬يف‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت أخرى الحديث هنا عن جسد‪ ،‬لذلك ميكنك أن تعرف اإلمكان ّيات والحدود الّتي يتمتّع بها‪» .‬‬ ‫مم يجعل الكالم اآليت من فون دانيكن مضلّالً‬ ‫اإلنجيل يصف بدقّة ماه ّية املالئكة واإلمكانيات املتوفّرة يف أجسادها‪ّ ،‬‬ ‫أكرث‪:‬‬ ‫«كيف تستطيع املالئكة مامرسة الجنس؟ هذا مستحيل‪ .‬من وجهة نظرنا فاملالئكة كانت شيئاً روحان ّياً‪ ،‬وليست شيئاً‬ ‫يستطيع اإلحساس بالجنس‪ ،‬فكيف مارست الجنس؟ »‬ ‫فكرة دانيكن عن املالئكة تبدو وكأنّها مقتبسة من بطاقات هوملارك (بطاقات معايدة ومناسبات) أكرث من كونها مقتبسة‬ ‫من ٍ‬ ‫نص قديم‪ .‬فمن الواضح أ ّن الحضارات القدمية ومن ضمنهم كُتّاب اإلنجيل‪ ،‬كانوا يؤمنون أ ّن املالئكة تستطيع‬ ‫ومارست الجنس فعالً مع نساء البرش‪.‬‬ ‫اختالط عنارص هذه القصة مع ما يشابهها مع الحضارات القدمية هو مجرد صدفة برأيي‪ .‬ومع ذلك فالتّفاصيل هنا ال‬ ‫الفضائيي‪.‬‬ ‫تخدم أصحاب نظريّة‬ ‫ّ‬ ‫قصة اإلنجيل أكرث‪ ،‬أو بعض التّفاصيل منها عىل وجه التحديد‪ ،‬خصوصاً مع وجود تشابهاتها‬ ‫يف الواقع هذا االختالط يؤيّد ّ‬ ‫الشق األوسط وأوروبا وأمريكا وإفريقيا‪.‬‬ ‫يف ّ‬ ‫فكرة وجود النيفليم غريبة‪ ،‬وربطها بالكائنات الفضائ ّية ال تتناسب واألدلة املوجودة‪.‬‬

‫‪94‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الخامتة‬ ‫تُوجد العديد من املواضيع التي كان بإمكاننا‬ ‫تغطيتها يف هذا املقال‪ ،‬مثل ا ّدعاء أ ّن أحد‬ ‫النحوت املرصيّة القدمية يُص ِّور مخلوقًا فضائ ًيا‬ ‫أخرض اللّون‪ ،‬لكن سیبدو النحت يف صو ٍر ذات‬ ‫دق ٍة أعىل أنه إنا ٌء او مزهريّة تم تصويرهام‬ ‫أيضا بأماكنٍ عديد ٍة أخرى يف املواقع األثريّة‬ ‫ً‬ ‫املرصيّة القدمية‪.‬‬ ‫أو تلك "املنحوتة الحجريّة" لسفین ٍة مزعوم ٍة و التي تعد مز ّور ٌة‬ ‫وفقًا لجريد ٍة تركيّ ٍة صدرت يف عام ‪ ،)1(2003‬و يقتبس ذلك املقال‬ ‫عن أمني املتحف الرتيك الذي يقول أن عمرها ال يتجاوز ‪ 25‬سنة‬ ‫و أنّها مصنوعة من البالستيك‪ .‬يختلق ُمر ِّوجو نظرية الفضائني‬ ‫القدامى عدي ًدا من اال ّدعائات يف سالسلهم‪ ،‬لكنني أظ ُن أننا قُمنا‬ ‫اعم التي قاموا بتقدميها‪ .‬بإمكاين املتابعة و‬ ‫بالر ِّد عىل أفضل املز ٍ‬ ‫كل إدعائاتهم‪ ،‬وإىل ٍ‬ ‫حد ما سأقوم بذلك يف موقعِ فض ِح‬ ‫فضح زيف ّ‬ ‫زيف مر ِّوجي نظرية الفضائني القدامى‪ .‬وآمل أن أجعل هذا املوقع‬ ‫ِمحو ًرا لهذا النوع من املعلومات‪ .‬ما أري ُد الرتكيز عليه هنا‪ ،‬أنني ال‬ ‫اح أنَّه مبا أ ّن بعض ادعائات مر ِّوجي نظرية الفضائني القدامى خاطئة إال أنَّه قد يوجد‬ ‫أقصد بأي حا ٍل من األحوا ِل االِقرت َ‬ ‫ٌ‬ ‫مجال للصحة يف نظريتهم‪ ،‬ال فَليس هذا موقفًا يقبل الدفاع عنه‪ .‬لقد شَ هِدتُم كون أوضح ركائز النظرية خاطئة‪ .‬أطلب‬ ‫منكم أن تأخذوا نظر ًة طويلة وجا ّد ًة إىل ال ُكتَّاب‪ ،‬واملتح ِّدثني‪ ،‬والشخصيات املؤث ِّرة التي قادتكم لإلميان ببعض األشياء‬ ‫التي أمتنى أنّه بإمكانك معرفة مدى خطأها اآلن‪ .‬آمل أ ّن األمر قد ساعدكم لتدركوا أنهم ليسوا أذكياء مثلام أوهموكم‪،‬‬ ‫أي أخطاء أخرى قد لقَّنوها لكم‪ .‬علينا أن ال نسمح ألنفسنا باالنخداع من ِقبل هذا النوع من األشياء‪ .‬علينا أن‬ ‫وتدركوا ّ‬ ‫ناسا مبعايريٍ عالي ٍة عندما يتعلق األمر بالتحق ُِّق من الصواب والخطأ‪.‬‬ ‫نكون أُ ً‬

‫‪95‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫يقول هيرس‪:‬‬

‫« ال تدعوا الوجوه السلطويّة تستعبدكم‪ ،‬عليهم دامئا أن يقودوكم مبارش ًة إىل املعلومة بحيث تستطيعون البحث و‬ ‫ٍ‬ ‫كباحث و بروفيسور‪ ،‬أن أُعلِّم طاليب‬ ‫التقص عنهم‪ ،‬فإن مل يفعلوا ذلك‪ ،‬عليكم أن تكونوا شكَّاكني‪ ،‬هذا يش ٌء أُحاول‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اعتباره والتفكري فيه ألنّه‪ ،‬فلنواجه األمر‪ ،‬كم منا مطّلع عىل هذه اليشء‪ ،‬كم منا درس اللغات القدمية‪ ،‬كم منا قاد ٌر عىل‬ ‫التقيص عن زخريا سيتشني الذي يأيت و يبدأ بإطالق الرتاهات حول اللغة الساميّة والعربية؟ الجواب هو‪ :‬ليس الكثري‪ .‬أنا‬ ‫أفهم أن األمر يبدو كأنّه يتطلّب اكتساب الكثري من املعرفة حتى تستطيعوا تف ُّحص ما يقولونه‪ ،‬لكن عليكم أن ال تدعوا‬ ‫هذا الشعور يكبح تفكريكم‪ ،‬عليكم أن تطالبوا باملصدر؛ عليكم أن تكونوا ذلك الشخص الذي يسأل‪ ،‬أين بإمكاين البحث؟‬ ‫ماذا بإمكاين أن أعمل؟ أين بإمكاين التحقق من مدى صحة كالمك؟‬ ‫الرجاء زيارة املوقع ‪ ancientaliensdebunked.com‬لرؤية مختلف مقاطع هذا الفيلم أو لتقوموا بتحميله من أجل‬ ‫بأي طريق ٍة كانت‪ .-‬شك ًرا‬ ‫استعاملكم الشخيص‪ّ .‬‬ ‫بأي وسيل ٍة تناسبكم‪ -‬ماعدا اإلضافة إليه ّ‬ ‫تفضلوا باستخدام هذا الفيلم ِّ‬ ‫عىل وقتكم‪.‬‬

‫‪96‬‬


97


‫املسيح ُمنتح ًرا‪:‬‬ ‫يف نقد الدين‬ ‫املسيحي‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫آمل‬ ‫"ذهبت إىل أحد أسوأ البارات‪ً ،‬‬ ‫ُ‬ ‫كل‬ ‫يف أ ّن أحدهم سيقتلني‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫أصبحت‬ ‫ما استطعت فعله هو أين‬ ‫ُ‬ ‫مثل‪ ،‬مر ًة أخرى‪ ،‬واألسوأ من ذلك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انتهى األمر بأن أصبحت محبوبًا‬ ‫السكارى هناك‪ ،‬فأخذت أزيد‬ ‫من ُ‬ ‫من حدة املوقف‪ ،‬ولكني حصلت‬ ‫عىل املزيد من املرشوبات املجانية‪،‬‬ ‫بينام يستلقي أحد أبناء العاهرات‬ ‫يف مستشفى‪ ،‬حيث ميتلئ جسده‬ ‫باألنابيب والعقاقري ويقاتل ٍ‬ ‫ببأس‬ ‫ٍ‬ ‫شديد ألجل حياته"‪،‬‬ ‫تشارلز بكوسيك‪،‬‬ ‫(قصيدة الفتى املنتحر)‬

‫"الفرق الوحيد بني االنتحار واالستشهاد‬ ‫هو حجم التغطية اإلعالمية"‪ ،‬تشاك‬ ‫بالنيوك‪ ،‬من رواية (الناجي)‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫املسيح ُمنتح ًرا‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫االنتحار بواسطة رشطي‪ )Suicide by Cop( ،‬هي ظاهر ٌة اجتامعي ٌة معروف ٌة لدى متخصيص علم النفس‪ ،‬حينام يقوم الفرد‬ ‫بفعل ما قد يودي بحياته عىل يد منفّذي القانون وهو عىل دراي ٍة تام ٍة بنتائج فعلته هذه بِغية إنهاء حياته‪ ،‬االنتحار‬ ‫النموذجي يت ّم بأن يقتل أح ُدهم نَفسه‪ ،‬ولكن يف حالة االنتحار بواسطة رشطي عاد ًة ال تكون لدى الفرد القابلية بأن‬ ‫يُنهي حيات َه بنفسه‪ ،‬كالذي ال يستطيع أن يغرِز حقن ًة طبي ًة يف رشيانه بنفسه‪ ،‬لذا يستدرج أح َدهم ليستخدم القانون‬ ‫يف إنهاء حياته هو‪.‬‬ ‫نفيس‬ ‫اب‬ ‫لالنتحار بواسطة رشطي‬ ‫أسباب ع ّدة‪ ،‬قد يكون السبب عدم رغبة الشخص يف إكامل حياته لخلفية اضطر ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫ما‪ ،‬فينتهي به األمر أن يُديل ببيانٍ ي ُح ّض فيه رشط ًيا أن يقتله أو ٍ‬ ‫سبب آخر لالنتحار بواسطة‬ ‫قاض ألن يحكم بإعدامه‪ٌ ،‬‬ ‫رشطي هو أن يكون الفرد متهربًا من عواقب قانونية أو نفسية أو ضمريية لفعل ٍة ما قد فعلها‪ ،‬فيلجأ إىل مهرب املوت‪،‬‬ ‫ورمبا يكون السبب هو منافع سيحصل عليها أحد أقربائه أو هو بنفسه بعد املوت‪ ،‬ولرمبا لن يحصل عىل تلك املنافع‬ ‫أسباب أخرى‪ ،‬ولكن‬ ‫لو قتل نفسه بنفسه‪ ،‬وقد نجد أن السبب الحقيقي هو توليف ٌة معين ٌة من أحد هذه األسباب مع‬ ‫ٍ‬ ‫مهام كان السبب فاالنتحار بواسطة رشطي يبقى انتحا ًرا‪ ،‬ففي حني مل تلمس أصابعهم الزناد‪ ،‬فإنهم فرضوا عىل أحدهم‬ ‫بأن يضغط الزناد نياب ًة عنهم وحصلوا عىل النتيجة التي تُرضيهم‪ ،‬وعىل أيّة حال فإذا نظرنا إىل هذه الظاهرة وأوهمتنا‬ ‫فعل عىل الزناد‪،‬‬ ‫طبيعة األحداث بأن هنالك ضحي ٌة واحد ٌة فقط‪ ،‬فسنكون قد ظلمنا منفّذي القانون‪ ،‬أي من ضغط ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ألنهم هم ضحايا ً‬

‫عىل ال ّرغم من أ ّن مصطلح (االنتحار بواسطة رشطي) ت ّم صكّه يف مثانينات القرن املايض‪ ،‬ونعتقد بأنه ظاهر ٌة حديث ٌة نسب ًيا‪،‬‬ ‫فإنه يف الحقيقة ليس حديثًا كام نظن‪ ،‬فلنأخذ قصة يسوع املسيح عىل سبيل املثال‪ ،‬والذي نزل إىل البرشية يك يُخلّصهم‬ ‫من ذنوبهم بأن يضحي بنفسه عىل صليب كام أشارت القصة‪« :‬لِ َذلِ َك فَإ َّن امل َ ِس ْي َح ُه َو َو ِس ْي ُط َع ٍ‬ ‫هد َج ِد ٍيد‪ ،‬فَاآلنَ‪َ ،‬وقَ ْد‬

‫َحت ال َع ِ‬ ‫هد األ َّو ِل‪ُ ،‬ي ِك ُن ألول ِئ َك الَّذي َن َدعا ُه ُم الل ُه أ ْن يَنالوا‬ ‫سيح لِ ِفدا ِء ال َب َ ِ‬ ‫ش ِم َن ال َخطايا املُرت َ َك َب ِة ت َ‬ ‫ماتَ امل َ ُ‬ ‫امل ِ ْياثَ األبَ ِد َّي املَو ُعو َد» العربانيني ‪، 9:15‬‬

‫ش ٍء تَ ْقرِي ًبا بِال َّد ِم‪َ ،‬والَ ُغ ْف َرا َن إِالَّ ب َِسف ِ‬ ‫َالشي َع ُة ت ِ‬ ‫ْك ال َّد ِم» العربانيني ‪، 9:22‬‬ ‫«ف َّ ِ‬ ‫ُوص ِبأَ ْن يَتَطَ َّه َر ك ُُّل َ ْ‬ ‫‪99‬‬


‫املسيح ُمنتح ًرا‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫وف ِف ِ‬ ‫يف الحقيقة عاد ًة ما يتم قرن يسوع املسيح بأضحي ٍة تُقدم إىل اإلله‪ِ ،‬‬ ‫يح ُه َو َخ ُر ُ‬ ‫صحنا ال َِّذي ُذب َِح ِم ْن‬ ‫«ل َّن امل َ ِس َ‬ ‫أجلِنا» ﻛﻮﺭﻧﺜﻮﺱ ﺍﻻﻭﻝ ‪َ « ، 5:7‬و ِف الْ َي ْو ِم التَّ ِال َرأَى يُو َح َّنا يَ ُسو َع آتِ ًيا نَ ْح َو ُه‪ ،‬فَ َهتَ َف قَائِ ًل‪َ :‬هذَا ُه َو َح َم ُل الل ِه ال َِّذي‬ ‫ِيل َخ ِطيئَ َة الْ َعال َِم» يوحنا ‪ ،1:29‬فكام نرى فإن السبب املطلق وراء نزول املسيح إىل األرض هو أن ميوت كأضحية‪،‬‬ ‫يُز ُ‬

‫بتعبريٍ آخر‪ ،‬املسيح كان يف مهم ٍة انتحاري ٍة‪ ،‬ألنه كان عليه أن ميوت ليكمل مهمة الخالص البرشي ولندخل يف العهد‬ ‫الجديد‪ ،‬وبطبيعة الحال مل يكن املسيح قاد ًرا عىل أن يصعد محراب األضاحي وينزع حنجرته من الرقبة ألن فعل ًة كهذه‬ ‫يعب عن‬ ‫ستكون خطيئ ًة وستح ّول املسيح إىل قاتلٍ لنفسه‪ ،‬باإلضافة إىل هذا فإ ّن موته كان رضوريًا ليؤدي إىل بيانٍ ‪ ،‬بيا ٌن ّ‬ ‫محبة اإلله للبرشية فريسل ابنه الوحيد يك يذوق أقىس أنواع العذاب‪ ،‬لذا كان من الرضوري أن يكون هنالك من يقوم‬ ‫بالتعذيب والقتل نياب ًة عنه‪ ،‬وبهذا نخرج باستنتاج أ ّن املسيح قام مبا أسميناه مؤخ ًرا‪( :‬االنتحار بواسطة رشطي)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت كثري ٍة من االنتحار بواسطة رشطي‪ ،‬وضع‬ ‫يف الواقع‪ ،‬كام يف‬ ‫ٍ‬ ‫وأحداث متتالي ٍة انبثقت عنها يف النهاية‬ ‫املسيح نفسه يف مواقف‬ ‫رسالته للبرشية بأن ميوت‪ ،‬بأن يخلّص البرشية‪ ،‬بأن يقيم العهد‬ ‫الجديد‪ .‬لقد خرق املسيح القانون وتح ّدى السلطات الدينية‬ ‫يف عموم املنطقة‪ ،‬وأكرث من هذا قام باستخدام العنف اللفظي‬ ‫والجسدي يف وسط معبد أورشليم ليوقف العلميات املرصفية‬ ‫التي كانت تحصل هناك‪« :‬ف َ​َص َن َع َس ْوطًا ِم َن ِ‬ ‫الحبا ِل َوطَ َر َد ُه ْم‬

‫َج ِمي ًعا ِم ْن سا َح ِة ال َه ْيكَلِ َم َع ال َغ َن ِم َوالث ِّْيانِ ‪َ ،‬وبَ ْع َ َث نُقُو َد‬ ‫الصا ِف ْ َي‪َ ،‬وقَل َ​َب َموائِ َد ُه ْم‪َ ،‬و َ‬ ‫امم‪ :‬أخ ِر ُجوا‬ ‫قال لِبائِ ِعي ال َح ِ‬ ‫َّ ّ‬ ‫َه ِذ ِه ِم ْن ُهنا! َوال تَج َعلُوا ِم ْن بَ ْي ِت ِأب ُسوقًا لِلتِّجا َر ِة»‬ ‫يوحنا ‪ – 2:15‬يوحنا ‪2:16‬‬

‫مل يتوقف األمر باملسيح بأن يُظهر ذلك السلوك العدواين‪ ،‬بل زاد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مناهض للسالم والو ّد‬ ‫موقف‬ ‫وعب عن‬ ‫من األمر ح ّد ًة بأن تكلّم ّ‬

‫آت ِلُ ِ‬ ‫ِئت لِ َك أُ َر ِّس َخ َسال ًما َع َل األ ْر ِض‪ ،‬لَ ْم ِ‬ ‫َيت لِ َينق َِس َم ال َّر ُج ُل‬ ‫عط َي َسال ًما بَ ْل َسيفًا! أت ُ‬ ‫العائيل‪«:‬ال تَظُ ُّنوا ِّأن ج ُ‬ ‫أهل بَي ِت ِه ِل َّن َم ْن يُ ِح ُّب أبا ُه َوأُ َّم ُه‬ ‫ل َحامتِها‪ ،‬فَ َيكو َن أعدا ُء اإلنسانِ ُه ْم َ‬ ‫ل أبِي ِه‪َ ،‬والب ُ‬ ‫ل أُ ِّمها‪َ ،‬وال َك َّن ُة َع َ ْ‬ ‫ِنت َع َ ْ‬ ‫َع َ ْ‬ ‫خاص ِتي‪،‬‬ ‫أكث ِم ِّني‪ ،‬ال يَستَ ِح ُّق أ ْن يَكُو َن ِم ْن َّ‬ ‫أكث ِم ِّني‪ ،‬ال يَستَ ِح ُّق أ ْن يَكُو َن ِم ْن َّ‬ ‫خاص ِتي‪َ ،‬م ْن يُ ِح ُّب ابْ ًنا أ ْو اب َن ًة َ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫خس َحيات َ ُه‬ ‫خسها‪ ،‬أ ّما َم ْن يَ َ ُ‬ ‫ُّني‪َ ،‬م ْن يُحا ِو ُل أ ْن يَربَ َح َحياتَ ُه َس َي َ ُ‬ ‫َو َم ْن ال يَأ ُخ ُذ َصلِي َب ُه َويَت َب ُع ِني فَ ُه َو ال يَستَ ِحق ْ‬ ‫ِل ِ‬ ‫جل ف َ​َس َيبَ ُحها» متي ‪10:39 10:38 10:37 10:36 10:35 10:34‬‬ ‫‪100‬‬


‫املسيح ُمنتح ًرا‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫لقد كان السلوك العدواين وامليل نحو مناهضة السالم والتعابري املتناقضة سب ًبا مقن ًعا بأن يرى اليهود يف ذلك ضو ًءا أحمر‪،‬‬ ‫محدق وتهدي ٌد واضح‪ ،‬وكر ّد فعلٍ‬ ‫ٌ‬ ‫واقعي‬ ‫إنذا ًرا بخط ٍر قادم‪ ،‬ومن هنا بدء املجتمع اليهودي باعتبار املسيح عىل أنه خط ٌر‬ ‫ٍّ‬ ‫وحكيم ت ّم تسليمه للسلطات الرومانية‪ ،‬ولكن لنتخيل أن املسيح مل يقم بفعلته هذه‪ ،‬ماذا لو مل يديل املسيح برسالته‬ ‫ٍ‬ ‫املتناقضة هذه؟ ماذا لو مل يُظهر سلوكًا عدوانيًا كهذا؟ ما الذي كان سيحثهم يا ترى يك يلقوا القبض عليه؟ ولكن املسيح‬ ‫كان يعلم ما يفعله وكان يقرتب شيئًا فشيئًا إىل حبل املشنقة مناديًا ألحدهم يك يرضب البساط من تحته فيختنق‪.‬‬

‫يم كَانُوا يَتَ َج َّم ُعو َن ِف الْ َجلِيلِ ‪ ،‬ق َ​َال يَ ُسو ُع لِتَالَ ِم ِيذ ِه‪ :‬اِبْ ُن ا ِإلنْ َسانِ‬ ‫حينام أىت املسيح إىل الخليل مع أتباعه قال‪َ « :‬و ِف َ‬ ‫اس‪ ،‬فَ َي ْقتُلُونَ ُه‪َ ،‬و ِف الْ َي ْو ِم الثَّالِ ِ‬ ‫َع َل َوشْ ِك أَ ْن يُ َسلَّ َم إىل أَيْ ِدي ال َّن ِ‬ ‫ث يُقَا ُم‪ ،‬فَ َح ِزنُوا ُح ْزنًا شَ ِدي ًدا» متي ‪،17:23 17:22‬‬ ‫وحتى بعد إلقاء القبض عىل املسيح‪ ،‬هناك العديد من املناسبات التي كان بوسع املسيح أن يتج ّنب فيها حكم املوت‪،‬‬ ‫يف الحقيقة كان بيالطس البنطي يرفض بأن يُوقع حكم املوت عىل املسيح بال أدل ٍة دامغ ٍة عىل جنايته‪ ،‬ووصف هرطقته‬ ‫بعضا من (معجزاته) ليذهب‬ ‫بأنها محصور ٌة عىل إله اليهود وال تتع ّرض إىل الحكومة الرومانية وطلب من املسيح أن يريه ً‬ ‫به بنفسه إىل روما‪ ،‬ولكن املسيح مل يُح ّرك إصب ًعا‪ ،‬لقد كانت عملية إنكار رشعية السلطات لدى املسيح أم ًرا يخدم غرضه‪،‬‬ ‫تلك العملية التي أودت به إىل العقوبة التي مت ّناها بنفسه‬ ‫ومتناها له اليهود‪ ،‬من املثري لالهتامم أن املسيح كان أكرث من‬ ‫مستع ٍّد ألن يقوم بالعديد من املعجزات بد ًءا من شفاء املريض‬ ‫واألعمى وانتها ًء بأن يُحيي املوىت وأن مييش عىل املاء وأن يحول‬ ‫املاء إىل نبيذ وأن يثبت ألوهيته‪ ،‬كل ذلك كان سيؤدي إىل زيادة‬ ‫أتباعه‪ ،‬ولكننا هنا نجده عندما ت ُتاح له الفرصة إلثبات ألوهيته‬ ‫للسلطات ويُنقذ نفسه كان يقف كالتمثال ال يح ّرك ساك ًنا‪ ،‬وكان‬ ‫هذا السلوك االنتحاري يخدم غرضه بشكلٍ ٍ‬ ‫وأي ٍ‬ ‫إثبات‬ ‫جيد ج ًدا‪ّ ،‬‬ ‫سلبي عىل مهمته وعىل‬ ‫أو دفا ٍع كان سيقوم به سيكون ذو أث ٍر ٍّ‬ ‫رسالته‪ ،‬وكل ما فعله هو أنه زاد من حجة اليهود ضده‪ ،‬وكأيّة‬ ‫حادثة انتحا ٍر بواسطة رشطي‪ ،‬كان هناك أكرث من ضحية‪ ،‬فأحد‬ ‫أهم املفاتيح يف قصة املسيح اإلنجيلية كانت خيانة أحد أتباعه‬ ‫له وهو يهوذا‪ ،‬لذا كان يهوذا مليئًا بالشعور بالذنب والعار حتى‬ ‫انتهى به األمر أن أنتحر‪« ،‬فَألقَى يَ ُهوذا ِقطَ َع ال َّنق ِْد ِف ال َهيكَلِ‬ ‫فس ُه» متي ‪،27:5‬‬ ‫ث ُ َّم غا َد َر‪َ ،‬و َذ َه َب َوشَ َن َق نَ َ‬ ‫‪101‬‬


‫املسيح ُمنتح ًرا‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫لننظر إىل الضحايا الحقيقيني يف هذه السلسة الدرامية‪ ،‬لننظر وبصور ٍة عقالني ٍة إىل موقف يهوذا الذي ساعد املسيح‬ ‫كل من ساهم يف بناء املشهد‬ ‫بأن يت ّمم رسالته يف خالص البرشية‪ ،‬وما تبعه من عذاب الضمري‪ ،‬يف الحقيقة الضحايا هم ّ‬ ‫أيضا اليهود والرومان‪ ،‬فكل هؤالء ساهموا يف خلق‬ ‫الدارمي الذي انتحر فيه املسيح‪ ،‬فال يقترص األمر بتات ًا عىل يهوذا‪ ،‬بل ً‬ ‫فبدل من أن تتم مكافأتهم عىل خلق تلك البيئة‪ ،‬كُتب‬ ‫البيئة املثالية ليتم فيها صلب املسيح ليخلّص البرش من خطاياهم‪ً ،‬‬ ‫عليهم أن يت ّم اضطهادهم ومالحقتهم وشيطنتهم‪ ،‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬من املسلّم به بالنسبة لنا أن نقول بأ ّن يهوذا ذهب‬ ‫إىل الجحيم‪ ،‬ليس ملج ّرد أنه سلّم املسيح للسلطات بل الرتكابه خطيئة قتل النفس‪ ،‬وهذه الخطيئة هي نتاج الدور الذي‬ ‫كامل من البرش (اليهود) وقع عليهم أبشع ما‬ ‫قام به يف صلب املسيح‪ ،‬ومل تقع العواقب عىل يهوذا وحده‪ ،‬بل إ ّن ِعرقًا ً‬ ‫ميكن تخيله عرب املئات من السنني لـ(ذنب) فعلوه كان املطلوب أن يفعلوه ليك يؤدي إىل خالص البرشية مبوت املسيح!‬ ‫رش عن معاداة السامية ومناهضتها‬ ‫الكثري من (السلف املسيحي الصالح) والقساوسة األولني كانوا مسؤولني وبشكلٍ مبا ٍ‬ ‫ووصف اليهود بقتلة املسيح يف كتاب ‪Dialogue‬‬ ‫‪ with Trypho‬يف القرن الثاين قام القسيس جسنت‬ ‫مارتر ‪ Justin Martyr‬باتهام اليهود بصلب املسيح‬ ‫وبدفع الناس بعي ًدا عن الخالص‪ ،‬ويف القرن الرابع‪،‬‬ ‫القسيس ‪ John Chrysostom‬قال‪« :‬املعابد أسوء‬

‫من بيت الدعارة‪ ،‬معبد الشيطان املكرس لعبادة‬ ‫الوثنية‪ ،‬ملجأ قطاع الطرق‪ ،‬كهف الشيطان‪ ،‬بل‬ ‫هو الجمعية الجنائية من اليهود‪ ،‬مكان اجتامع‬ ‫قتلة املسيح‪ٌ ،‬‬ ‫منزل أسوأ من متجر الرشب‪ ،‬وك ًرا‬ ‫للصوص…» ‪« ،‬أو ّد أن أقول نفس اليشء عن‬ ‫أرواحهم‪ ،‬أما بالنسبة يل أنا أكره املعبد وأكره‬ ‫اليهود لنفس السبب»‪ ،‬يف عام ‪ 1543‬قام الراهب‬

‫األملاين مارتن لوثر بكتابة خمس وستني ألف كلم ٍة معادي ٍة لليهود عنوانها كان‪( :‬حول اليهود وأكاذيبهم)‪ ،‬للمزيد من‬ ‫هذه االقتباسات املعادية للسامية أنصح بزيارة الصفحة التالية‪:‬‬ ‫‪http://www.yashanet.com/library/fathers.htm‬‬ ‫رصح مبعاداة اليهود ووصفهم بقاتيل املسيح‪« :‬فَ َق ْد ِصت ُ ْم أيُّها اإلخ َوةُ‪ِ ،‬م َثل كَنائِ ِس‬ ‫يف الحقيقة‪ ،‬فإ ّن اإلنجيل بنفسه ّ‬

‫الل ِه ِف امل َ ِسي ِح يَ ُسو َع ِف إقلِ ِيم ال َي ُهو ِديَّ ِة‪ ،‬فَق َِد اضطَ َه َدكُ ْم أبنا ُء أُ َّم ِت ُك ْم كَام اضطَ َه َد ُه ْم أبنا ُء أُ َّم ِت ِه ْم ِم َن ال َي ُهو ِد‪،‬‬ ‫رضو َن الل َه‪َ ،‬ويُعا ُدو َن ك َُّل ال ّن ِ‬ ‫اس»‬ ‫َو ُه ُم ال َي ُهو ُد أنف ُ​ُس ُه ُم ال َِّذي َن قَتَلُوا ال َّر َّب يَ ُسو َع َواألنبِيا َء‪َ ،‬واضطَ َه ُدونا‪ ،‬فَ ُه ْم ال يُ ُ‬ ‫ﺍﻻﻭﻝ ﺗﺴﺎﻟﻮﻧﻴﻲﻜ ‪2:15 2:14‬‬

‫‪102‬‬


‫املسيح ُمنتح ًرا‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫لقد انترشت معاداة السامية يف أوروبا والرشق األوسط بد ًءا من القرون الرومانية وحتى وصلت إىل املجرم العاملي هتلر‬ ‫ٍ‬ ‫صفات مطلق ٍة ال محدود ٍة كاملقدرة والحب‪ ،‬فهل من‬ ‫(محبوب العرب) ومجازره وحتى يومنا هذا‪ ،‬فإذا كان اإلله ذو‬ ‫الحكمة أن يع ّرض اليهود خالل كل تلك السنوات لهذا الكم الهائل من املعاناة واملهالك ملج ّرد أنهم قاموا بتيسري أداء‬ ‫رسالته وخالص البرشية؟ أمل يكن هناك طريق ٌة أفضل من هذه؟ إذًا كانت التضحية كل ما هو مطلوب‪ ،‬فلامذا كان عىل‬ ‫القصة أن تنحى من ًحا درام ًيا كهذا ليتو ّجب عىل يهوذا واليهود والرومان القيام بعمل الله القذر؟ لقد تالعب املسيح بكل‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف وكان باإلمكان وجود خيارات أخرى ت ُج ّنب كل املشاركني‬ ‫يسي األمر مبسا ٍر‬ ‫هؤالء األفراد وكان من املمكن أن ّ‬ ‫بهذه العملية الكثري من املآيس واملعاناة‪ ،‬هل علينا أن نص ّدق بأ ّن كل هذه األفعال والخطط كانت من صنع إل ٍه ٍ‬ ‫رشيد‬ ‫قوي ُمطلق الفعل ُمطلق اإلرادة ُمطلق الخري ُمطلق الحب؟ لقد كان مثن هذا املشهد غاليًا دفعه ماليني من‬ ‫ٍ‬ ‫حكيم ٍّ‬ ‫اليهود منذ القرن الثاين وإىل اليوم‪.‬‬ ‫ولنتخيل أ ّن األمر مل يرس عىل ذلك النحو‪ ،‬ماذا لو مل ي ُخن يهوذا املسيح؟ ماذا لو قبل اليهود برفض بيالطس البنطي حكم‬ ‫املوت عىل املسيح؟ ماذا كان املسيح ليفعل إذًا؟ هل كان ليذهب إىل مدين ٍة أخرى ليج ّند أتبا ًعا أخرين ويخلق اضطرابًا‬ ‫اجتامعيًا آخر هناك ويأمل أن تت ّم خيانته أو يؤدي به ذلك إىل الصلب؟ أكتب هذه األسطر وأتذكر قصيدة بكوسيك‬ ‫(الفتى املنتحر)‪:‬‬

‫آمل أ ّن أحدهم سيقتلني‪ ،‬ولكن كل ما استطعت فعله هو أين أصبحت‬ ‫«ذهبت إىل أحد أسوأ البارات‪ً ،‬‬ ‫السكارى هناك‪ ،‬فأخذت أزيد من‬ ‫ً‬ ‫مثل‪ ،‬مر ًة أخرى‪ ،‬واألسوأ من ذلك‪ ،‬انتهى األمر بأن أصبح محبوبًا من ُ‬ ‫ح ّدة املوقف‪ ،‬ولكني حصلت عىل املزيد من املرشوبات املجانية‪ ،‬بينام يستلقي أحد أبناء العاهرات يف‬ ‫مستشفى‪ ،‬حيث ميتلئ جسده باألنابيب والعقاقري ويقاتل ٍ‬ ‫ببأس شديد ألجل حياته»‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫إن الدين عند البدو اإلسالم ‪2‬‬ ‫املركزيّة الذكوريّة املح ّمدية بالقرآن منوذ ًجا‬

‫التاث املروي عن النبي مح ّم ٍد‬ ‫يُحسب للقرآن ‪ -‬وليس لإلسالم الذي يشمل يف جز ٍء منه ّ‬ ‫وصحابته ‪ -‬مساواته بني الرجلِ واملرأ ِة يف جانبنيِ‪ ،‬األول‪ :‬املساواة يف أصلِ‬ ‫الخلق ﴿يَا‬ ‫ِ‬ ‫اس ات َّقوا ربَّ ُك ُم الَّذي خلقكُم ِّمن ٍ‬ ‫نفس واحد ٍة﴾ (ال ِّنساء‪ُ ﴿ ،)1 :‬ه َو ال َِّذي‬ ‫أيُّها ال َّن ُ‬ ‫خلقكُم ِّمن نَّ ٍ‬ ‫فس واحد ٍة وجعل منها زوجها ليس ُك َن إِليها﴾ (األع َراف‪)189 :‬؛ أما الثّاين‬ ‫فهو يف التّ ِ‬ ‫وعقاب إذا استثنينا التّمييز الواقع‬ ‫ثواب‬ ‫ٍ‬ ‫كاليف ال ّدينية وما يرتتب عليها من ٍ‬ ‫نتيجة الحيض العتبار ٍ‬ ‫ات أسطوري ٍة كانت سائد ًة آنذاك حول نجاسة املرأة وهي يف هذه‬ ‫الحالة ﴿من عمل صال ًحا ِّمن ذك ٍر أو أُنثى وهو ُمؤم ٌن فل ُنحيي َّن ُه حيا ًة طيِّب ًة‬ ‫ولنجزي َّن ُهم أجر ُهم بأِحسنِ ماكانوا يعملونَ﴾ (ال ّنحل‪)97 :‬‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫الص ِ‬ ‫الحات ِمن ذك ٍر أو أنثى وهو ُمؤم ٌن فأول ِئك يدخلون‬ ‫﴿و َمن يعمل ِمن َّ‬ ‫الج َّنة وال يُظل ُمون نق ًريا﴾ (ال ّنساء‪)124 :‬‬ ‫﴿ َمن َع ِم َل س ِّيئ ًة فال يُجزى ّإل ِمثل َها و َمن َع ِم َل صال ًحا ِّمن ذك ٍر أو أُنثى وهو ُمؤم ٌن فأُول ِئك يدخلو َن الج َّنة‬ ‫ويرزقو َن فيها بغريِ‬ ‫حساب﴾(غَافر‪)40 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّواب﴾ (آل عم َران‪)195 :‬‬ ‫﴿فاستجاب ل ُهم ربُّ ُهم ِّأن ال أُ ِضي ُع َع َم َل عاملٍ ِّمنكم ِّمن ذك ٍر أو أُنثى‪ ..‬والل ُه ِعند ُه ُحس ُن الث ِ‬ ‫َ‬

‫‪104‬‬


‫إنّ الدين عند البدو اإلسالم‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫ِ‬ ‫عض ُهم أَوليا ُء ٍ‬ ‫باملعروف وينهون عنِ املُنكرِ‪( ﴾..‬التّوبَة‪)71 :‬‬ ‫بعض يأ ُمرو َن‬ ‫﴿واملُؤ ِمنو َن واملُؤ ِمناتُ بَ ُ‬ ‫وسعان ما تتالىش هذه املساواة‪ ،‬وتتنامى عىل حسابها ال َّنزاعات واملوروثات والتّصورات املستم ّدة من الثّقاف ِة البدويّ ِة‬ ‫ُ‬ ‫ونظرتها ومفهومها عن املرأة‪ ،‬ويظهر ذلك تحدي ًدا يف ِ‬ ‫شكل من‬ ‫السجالي ِة بني الله واملرشكني‪ ،‬حيث يُلتمس فيها ٌ‬ ‫اآليات ّ‬ ‫الضمني من الله‬ ‫أشكا ِل املسايرة واالستجابة البتزاز املرشكني ومزايداتهم بأعرافهم وأساطري ُهم حول املرأة‪ ،‬واإلقرار ّ‬ ‫بحقار ِة ِ‬ ‫الصياغة القرآنية وسياقها وليس ترصيح لفظي مبارش‬ ‫وضع ِة شأنِ األُنثى وهو بالطبع التامس ورؤية ملا توحي به ّ‬ ‫اللت وال ُع َّزى‪ ،‬ومناة الثَّالثة‬ ‫بدونيّة املرأة؛ أعني استهجان تأنيث املالئكة أو عبادة اآللهة (اإلناث) مثل‪﴿ :‬أفَ َرأيتُ ُم َّ‬ ‫األُخرى‪ ،‬ألك ُم الذَّك ُر ول ُه األُنثى‪ ،‬تِلك إذًا قسم ٌة ِضي َزى‪ ،‬إن هى ّأل أسام ٌء س َّميتُ ُموها أنتم وأباؤكم َّما َ‬ ‫أنزل الل ُه‬ ‫بِها ِمن سلطانٍ ‪ ..‬إ َّن الَّذي َن ال يُؤمنو َن باآلخرة ليُس ُّمو َن املالئكة تسمية األُنثى﴾ (ال ّنجم‪)19-27 :‬‬

‫ِ‬ ‫األساس ّإل بعد أ ّن يستميت يف نفي تهمة التّأنيث‪ ،‬يُوحى أ ّن‬ ‫تس ّمية تلك القسم ٌة (الضيزى) وعدم رفض القسمة من‬ ‫يعضضه عدم اعرتاضه أو استنكاره لتأنيث وتذكري األلوهية‬ ‫وجه االعرتاض مصبوبًا تجاه إنكار التّأنيث أكرث‪ ،‬األمر الّذي ِّ‬ ‫أو املالئكية‪ ،‬بل اكتفى باألوىل وإن مل يُثبت الثانية‪ ،‬ثم أىت يف مستوىِ آخ ٍر ينفي املس ّميات مبجملها؛ مبعنى آخر يتضح‬ ‫فضل عن كونها ن ًدا يل‪ ،‬وكأ ّن يف ذلك إقرا ًرا‬ ‫ترتق حتى أل ّن تكون ذكو ًرا ً‬ ‫السياقِ أ ّن الله يقول لهم‪ :‬إ ّن أَلهتكُم مل ِ‬ ‫لنا من ّ‬ ‫ترتق ملستوى األُلوهية‪ ،‬وكأ ّن القرآن يقول إ ّن اآللهة اإلناث ‪-‬عىل عالتها‪ -‬ال‬ ‫قرآنيًا ضمنيًا بأفضليّة الذّكوريّة وإن كانت ال ِ‬ ‫خص ذكرها يف محرض سعيه للتقليلِ من شأنِ اآللهة التي تحمل أسام ِء التّ ِ‬ ‫أنيث ؟!‬ ‫تعل كع ًبا عن اآللهة الذكور؛ ّ‬ ‫ُ‬ ‫وإل ملا ّ‬ ‫السجال ّية (الفحول ّي َة) حامية الوطيس يستنكر الله اتهام الكفار له باصطفاء البنات‬ ‫ث ُم بعد ذلك ويف أتون تلك املعركة ّ‬

‫ِ‬ ‫البنات عىل البن َني‪ ،‬مالكُم‬ ‫وجعلها مالئكة ﴿أصطفَى‬ ‫(الصافات‪)153-154 :‬‬ ‫كيف تح ُك ُمونَ﴾ َّ‬ ‫﴿أَفَأَصفَاكُم َربَّكُم بِالبن َني واتَّخ َذ ِمن املالئِك ِة إناث ًا‬ ‫رساء‪)40 :‬‬ ‫قول‬ ‫إنَّكم لتقولون ً‬ ‫ً‬ ‫عظيم﴾ (اإل َ‬

‫جمعية املطالبة بحقوق الهة‬ ‫املرشكني االناث‬

‫إلهي لعدم اتخاذ الله‬ ‫نفي ٌّ‬ ‫و ُهنا ال يَرِد عىل اإلطالق ٌ‬ ‫املالئكة ال إناث ًا وال ذكو ًرا‪ ،‬إنّ ا اقترص ال ّنفي عىل‬ ‫اإلناث فقط‪ ،‬وهذا ‪ -‬لو أحس َّنا الظن بالقرآن ‪ -‬له‬ ‫قوي عىل نجا ِح خط ِة املرشكني الستدراج‬ ‫مؤش ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫القرآن لفخ الذّكوريّة‪ ،‬هذا طب ًعا لو مل نُسئ الظّن‬ ‫ِ‬ ‫األساس واق ًعا فيه‪ ،‬ولك‬ ‫به ونقول إنّه هو من‬ ‫عي املُرشكني‬ ‫أن تنظر إليه ّ‬ ‫أي للقرآن‪ -‬كذلك يُ ِّ‬‫أن ألهت ُهم إناث ‪.‬‬

‫‪105‬‬


‫إنّ الدين عند البدو اإلسالم‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫﴿إن يدعو َن ِمن ُدون ِه َّإل إناث ًا وإن يدعو َن َّإل شيطانًا َّمري ًد﴾ (ال ِّن َساء‪)117 :‬‬ ‫ِ‬ ‫الفروض مبنزلة الفرحة‬ ‫يصل االزدراء ُمنتهاه لألنثى عندما يُنكر القرآن نسبة املرأة لبني اإلنسان ويضعها عىل أحسنِ‬ ‫اس ُح ُّب الشَّ ِ‬ ‫والفضة والخيل واألنعام والحرث! ﴿ ُزيِّ َن لل َّن ِ‬ ‫هوات‬ ‫املُتولّدة تجاه األطفال‪ ،‬وعىل أسوء الفروض كالذّهب‬ ‫ّ‬ ‫واألنعام وال َح ِ‬ ‫رث‪( ﴾.‬آل ِعمران‪)14 :‬‬ ‫والفض ِة والخيلِ املُس َّو َم ِة‬ ‫م َن ال ِّنسا ِء والبن َني والقناطريِ املُقنطر ِة من الذ ِ‬ ‫َّهب َّ‬ ‫ِ‬ ‫فإ ّما أ ّن اآلية كام قُلنا تضع املرأة بجانب هذه الجامدات باإلضاف ِة لكونها فرحة للنفس كتلك التي يبعثها (متلك) األطفال‬ ‫التبوية؛ أو أ ّن القرآن العريب املُبني يعترب املرأة والبنني ال يصح إدراجهم‬ ‫بها‪ ،‬ذلك التّملّك القائم عىل الوصائ ّية الوالدية ّ‬ ‫لغويًّا ضمن لفظة (ال َّناس)؛ وكال الخيارين ُمزريان باملرأة‪ ،‬ومن املُؤسف أال يجد دعاة مناهضة عمل املرأة من الظّالميني‬ ‫إالّ آية يسرتشدون بها يف دعواهم تلك وهي ﴿فَقُلنا يا أد ُم إ ّن هذا ع ُد ٌّو ل َ​َّك ولزوج َِك فال يُخرج َّنكُام ِم َن الج َّن ِة‬ ‫فتشقى﴾ (طه‪)117 :‬‬ ‫فتشقي (بالتأنيث) بل قالت (فتشقى)‬ ‫والشّ قاء هو العمل كام ذهب لذلك اللغويون‪ ،‬واملُالحظ أ ّن اآلية مل تقل فتشقيا أو‬ ‫ِ‬ ‫وكأنّ ا الشقاء والكفاح ُمقترص عىل الذكو ِر فقط!‬ ‫هذه الدائرة املركزيّة الذّكوريّة الكربى ‪ -‬الَّتي تحدثنا عن بعض تجلياتها بال ّنص القرآ ّين فيام رسدناه أعاله وفيام رسدناه‬ ‫حجم لكنها أقوى تأث ًريا ونفوذًا‪ ،‬وهي دائر ٌة أو مركزيّة ُمح ّمد‬ ‫يف الجز ِء األول من املقال ِة ‪ -‬تتمركز بداخلها دائرة أصغر ً‬ ‫بي نفسه يف القرآنِ ‪ ،‬وهي مركزيّ ٌة إطارها العام والغالب باملثل الذكورية كام سرنى الحقًا‪ ،‬وليست األخالق أو النبوة‬ ‫ال َّن ِّ‬ ‫لقصص األنبياء‬ ‫للنبي ُمح ّمد الَّذي أك َّد القرآن برشيته يف أكرثِ من مر ٍة َّإل فيام ندر؛ ولعل املُتّتبع َّ‬ ‫أو امتيازا ً ُمغايرا ً منسو ِباً ِّ‬ ‫وسف أعرض عن‬ ‫أي تبجيلٍ أو‬ ‫تعظيم أو حتى نسب ٍة للنبوة ﴿يُ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫يف القرآن يجد أ َّن معظمهم قد ورد إسم ُهم ُمجرد من ِّ‬ ‫وسف‪)29 :‬‬ ‫هذا‪( ﴾..‬يُ ُ‬ ‫﴿يا ُموىس َّإن أنا ربُّ َك‪( ﴾..‬طه‪)11-12 :‬‬ ‫﴿وإذ َ‬ ‫رب اجعل هذا البلد آمنا‪( ﴾..‬ابراهيم‪)35 :‬‬ ‫قال إبراهيم ِّ‬ ‫َّهب ُمغاض ًبا‪( ﴾..‬األنبياء‪)87 :‬‬ ‫﴿وذا ال ُّنونِ إذ ذ َ‬ ‫﴿وزكريَّا إذ نَادى ربَّ ُه‪( ﴾..‬األنبياء‪)89 :‬‬ ‫وح َّربَّ ُه‪ُ ( ﴾..‬هود‪)45 :‬‬ ‫﴿ونَادى نُ ٌ‬ ‫﴿وإذ َ‬ ‫قال الل ُه يا عيىس اب َن مري َم‪( ﴾..‬املائِ َدة‪ ... )116 :‬إلخ‬

‫‪106‬‬


‫إنّ الدين عند البدو اإلسالم‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫بي ُمح ّمد الَّذي مل يرد اسمه بال ّنص القرآين قط مجر ًدا دون إتبا ٍع له بالرسول ّية أو النبوة أو التعظيم؛ فمثال‪:‬‬ ‫َّإل ال َّن ِّ‬ ‫﴿ ُّمح َّم ٌد َّر ُ‬ ‫سول الل ِه والَّذين مع ُه‪( ﴾..‬الفَتح‪)29 :‬‬ ‫﴿و َما ُمح َّمد َّإل ٌ‬ ‫رسول‪( ﴾..‬آل ِعمران‪)144 :‬‬ ‫بي إنَّا أحللنا لك‪( ﴾..‬األح َزاب‪)50 :‬‬ ‫﴿يا أيُّها ال َّن ُّ‬ ‫﴿ َّما كان ُمح َّمد أبا ٍ‬ ‫أحد ِّمن ِّرجالِكم ولكن َّرسول الل ِه وخاتم ال َّن ِّبي‪( ﴾..‬األح َزاب‪)40 :‬‬ ‫الحق ﴿والَّذي َن أمنوا‬ ‫واآلية الوحيدة الّتي ّورد فيها اسمه مجر ًدا كان السياق سياق أم ٍر بإتِّباعه والتأكيد عىل أنّه ِّ‬ ‫الص ِ‬ ‫الحق من َّربِّهم‪( ﴾..‬مح َّمد‪)2 :‬‬ ‫الحات وأمنوا مبا نُ َّز َل عىل ُمح َّم ٍد و ُهو ُّ‬ ‫وع ِملوا َّ‬ ‫وحتى اآليات التي قال عنها ال َّرسول إنّها أتّت لتأنيبه مل تتطرق إىل ذك ِر اسمه قط‬ ‫َول‪( ﴾..‬عبس‪)1 :‬‬ ‫﴿ َع َب َس وت َّ‬ ‫﴿وت ُخفي يف ِ‬ ‫نفس َك ما الل ُه ُمبدي ِه‪( ﴾..‬األحزاب‪)37 :‬‬ ‫﴿و َو َ‬ ‫(الضحى‪)7 :‬‬ ‫جدك َض ًّال فَهدى﴾ ُّ‬ ‫كل ذلك نجد أ ّن القرآن قام بتربئة زوجته (الثانية األقرب إىل قلبه بعد خديجة حسب املوروث النبوي من‬ ‫وأكرث من ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫وسي) عند خوض بعض املسلمني واملنافقني يف عرضها ورشفها‪.‬‬ ‫مرويات ّ‬ ‫لحل مشاكل ال ّنبي الشّ خصية مثل تزويج ُه من زوجة ابنه بالتبني ‪ -‬سابقًا طب ًعا ‪ -‬أل ّن‬ ‫ويستمر تدخل الوحي القرآين ّ‬ ‫بي ُمح َّمد بتلك الزيّجة الغريبة عىل العرب آنذاك؛ ويخص القرآن ذُريِّة‬ ‫القرآن بعد ذلك منع التَّبني حتى ال يُ ِّ‬ ‫عي ال َّناس ال َّن ِّ‬ ‫أهل ِ‬ ‫البيت ويُط ِّهركم تطه ًريا﴾ (األحزاب‪)33 :‬‬ ‫ذهب عنك ُم ال ِّرجس َ‬ ‫ال َّرسول بالطَّهارة من ال ِّرجس ﴿يُريد الل ُه ل ُي َ‬ ‫طب ًعا الله يُريد لكل عباده التطهري من ال ِّر ِ‬ ‫دليل و ُح ّج ٌة دامغ ٌة عىل‬ ‫بي ُمح َّمد بآي ٍة كامل ٍة هو ٌ‬ ‫جس‪ ،‬لكن تخصيص أهل ال َّن ِّ‬ ‫بي مح َّمد ﴿قُل لَّ أسألكُم علي ِه أج ًرا َّإل‬ ‫متييزهم عن هؤالء العباد‪ ،‬وحتى إ ّن جز ًءا من األج ِر صار يف مودة قرىب ال َّن ِّ‬ ‫املو َّدة يف القُرىب‪( ﴾..‬الشّ ورى‪)23 :‬‬ ‫ِ‬ ‫العفاف (البدوي) بأن أمره َّن أن يق َّرن يف بيوته ّن حتى ال‬ ‫بي مح َّمد كذلك بدرج ٍة كبري ٍة من‬ ‫وخص القرآن ً‬ ‫َّ‬ ‫أيضا نساء ال َّن ِّ‬ ‫السلفي‬ ‫بي مح ّمد (وكأ ّن باقي النساء ال ميكن أن يحدث له ّن ذلك) وهنا أجد َّ‬ ‫يتعرض له ّن أح ًدا بنظر ٍة تجرح كربياء ال ّن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫باملكوث يف دارها متس ًقاً مع قناعات ِه وإميان ِه بالقرآن أكرث من املعتد ِل الَّذي يزعم بأ ّن األمر يف اآلية‬ ‫الَّذي يأ ُمر املرأة‬ ‫بي مح َّمد فقط؛ فهذا من ناحية يعد متيي ًزا له َّن واضطهادا لباقي النساء‪ ،‬لو أ ّن املكوث بالدا ِر ميثل سلوكًا‬ ‫ُمختص بنساء ال َّن ِّ‬ ‫ذكوري‬ ‫بي‪ -‬لو أ ّن املكوث باملنز ِل أم ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫حري بنساء ال ّنبي فعله‪ ،‬ومن ناحي ٍة أخرى ميثل ً‬ ‫ظلم له َّن ِّ‬ ‫أخالق ًيا ٌ‬ ‫أي لنساء ال َّن ِّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املكوث‬ ‫حكم‬ ‫وغري أخالقي‪ ،‬كام أ ّن ُمجرد حرص الحكم‬ ‫أي عىل ِ‬ ‫بي ال يُضفي أخالقي ًة عليه ‪ِّ -‬‬ ‫باملكوث بالدا ِر عىل نساء ال َّن ِّ‬ ‫‪107‬‬


‫إنّ الدين عند البدو اإلسالم‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫تساؤل جدي ًدا‪ ،‬وهو أما كان أوىل بال ّنبي أن يحض نسائه عىل الخروج‬ ‫ً‬ ‫بالدا ِر ـ إطالقًا كام يعتقد املجددون‪ ،‬إنّ ا هذا يقدح‬ ‫بدل من أمره ّن باملكوث يف ِ‬ ‫البيت حتى يقتدي به أتباعه املأمورون بالقرآن بأن يجعلوا منه أُسوة حسنة؟!‬ ‫ً‬

‫بي‬ ‫كذلك نجد أ ّن القرآن قد ميّز زوجات ال َّن ِّ‬ ‫بي مح َّمد عن بقية أترابه َّن من النسا ِء ونفى عدم متاثله ّن به ّن ﴿يا نسا َء ال َّن ِّ‬ ‫لست ٍ‬ ‫أي وفاة‬‫ُ َّ‬ ‫بي ُمح َّمد (الذّكوري) حتى بعد وفاته ِّ‬ ‫كأحد ّمن ال ِّنسا ِء‪( ﴾..‬األحزاب‪ )32 :‬وحرص القرآن عىل كربياء ال َّن ِّ‬ ‫رس َ‬ ‫ول الله وال أن تنكحوا أزواج ُه من بعد ِه أب ًدا إ ّن ذلكُم‬ ‫النبي محمد‪ -‬فيقول القرآن‪ ﴿ :‬وما كا َن لكُم أن ت ُؤذُوا ُ‬ ‫عظيم﴾ (األحزاب‪)53 :‬‬ ‫كا َن عن َد الل ِه‬ ‫ً‬

‫حق كان مرشوعاً‬ ‫فنجد ُهنا أ ّن القرآن قد منع املسلمني من ٍ‬ ‫حق نكاح أزواجه من‬ ‫للنبي مح َّمد نفسه‪ ،‬وهو ُ‬ ‫لهم ومرشوعاً ِّ‬ ‫بي مح َّمد نفسه تز ّوج‬ ‫بعد ِه حتى ال يؤذوا مشاعره! رغم أ ّن ال َّن ِّ‬ ‫من نسا ٍء توىف عنه ّن أزواجه ّن‪ ،‬فلو كان ال ّزواج من امرأ ٍة توىف‬ ‫ّ‬ ‫بي‬ ‫زوجها يُ ّعد مبثابة إيذاء لهذا ال ّزوج‬ ‫املتوف فهذا يعني أ ّن ال َّن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫األموات‪ ،‬وال ترثيب عليه يف ذلك‬ ‫مح ّمدا ً قد آذى عد ًدا من‬ ‫بالطبع‪ ،‬لكن يأيت التّرثيب عندما يرفض أن ُيا َرس عليه املثل‪.‬‬ ‫الغريب أنّه حتى ال َّنص القرآين الَّذي ذهب بعض املجددين‬ ‫إىل أنّه ح ّرم ال ِّرق ﴿فإ َّما م َّنا بع ُد وإ َّما فدا ًء‪( ﴾..‬مح َّمد‪ )4 :‬مل‬ ‫يدمغ مخالفيه ب َّعظم فعلهم هذا‪ ،‬لكنه دمغ ما هو أقل وحشي ًة‬ ‫بي‬ ‫وانتهاكًا لإلنسانية من ال ِّر ّق‪ ،‬وهو ال ّزواج من زوجات ال َّن ِّ‬ ‫فعل عظي ٌم عند الله من سوءه! كام‬ ‫مح َّمد يف حالة وفاته بأنّه ٌ‬ ‫ِ‬ ‫عدم إيذا ِء الرسو ِل أن أفرد‬ ‫أيضا إمعانًا يف‬ ‫نالحظ ً‬ ‫الحرص عىل ِ‬ ‫الله ٍ‬ ‫خمس آيات ‪ -‬وهذا ما مل يفعله يف تحرميه لل ِّر ّق املتجذّر‬ ‫ثقاف ًيا واجتامع ًيا آنذاك‪ ،‬بل اكتفى حسب رأي املج ّددين‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت (فإما من بعد وإما فداء) أقول‪ :‬إ ّن هذا القرآن‬ ‫بخمس‬ ‫الَّذي مل يكرتث لتجريم ال ِّرق نجده يُفرد خمس ٍ‬ ‫آيات من أ ّول‬ ‫سورة الحجرات يلوم فيها املسلمني وينهاهم عن رفع صوتهم‬

‫بي مح َّمد أو الجهر له بالقول كام يتجاهر املسلمون بينهم وبني بعضهم البعض‪ ،‬بل وه ّددهم القرآن‬ ‫فوق صوت ال َّن ِّ‬ ‫بي مح َّمد أنّهم ناجحون يف امتحانٍ‬ ‫بإحباط أعاملهم إن هم فعلوا ذلك! ونعت الذين يخفضون أصواتهم عند حرضة ال َّن ِّ‬ ‫امتحن الله به قلوبهم ووعدهم باملغفرة واألجر العظيم! اآليات من ‪1‬ـ ‪ 5‬من سورة الحجرات‪.‬‬ ‫‪108‬‬


‫إنّ الدين عند البدو اإلسالم‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫بي محمد بنكا ِح ما شاء من النسا ِء وليس فقط (رباع) عىل‬ ‫وطب ًعا ال حاجة لنا للتذكري يف هذا السياق أ ّن الله اختص ال َّن ِّ‬ ‫كل هذا االهتامم الج ّم املبالغ فيه بالن َّب ِّي مح ّمد وحياته الشّ خصية ورغباته الجنس ّية‪،‬‬ ‫أقىص حد كبقية املسلمني! إزاء ّ‬ ‫يقف املرء حائ ًرا من ذلك اإلله الذي يشغل نفسه بأمور فرد سيحيى ‪ -‬عىل أقىص تقدير ‪ -‬ملدة ستة أو سبعة عقود؛‬ ‫ِ‬ ‫الوقت ذاته مناقشة وضع حلول وتجريم مسألة ستؤرق وتفض مضجع ماليني البرش وستكوى بنريانها الحارقة‬ ‫ويُهمل يف‬ ‫السنني وهي ظاهرة ال ِّرق؛‬ ‫وتعاين قسوتها املاليني آلالف ّ‬ ‫ختا ًما فإ ّن القرآن ذكوري وفقًا لعرصنا الحايل‪ ،‬وهو بالطَّبع غري ذكوري يف عرص إنتاجه‪ ،‬وحكمنا عىل أنّه نص ذكوري‬ ‫لكل العصور وعىل (ال تاريخيته)‪ ،‬نحن‬ ‫رصين عىل صالحيته ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مبعايينا ال يُدينه وال يُج ِّرمه كنص بقدر ما يُدين أولئك امل ِّ‬ ‫رصون عىل أن يجرونا إىل القرن السابع امليالدي مستخدمني يف عملي ِة الج ِر هذه أحدث آليات الجر‬ ‫نُدين أولئك الذين يُ ُّ‬ ‫بالقرن الواحد والعرشين يف ٍ‬ ‫عجيب‪.‬‬ ‫مريض‬ ‫ٍ‬ ‫تناقض ٍ‬ ‫توجهت بها إىل املسلمني يف بداية الجزء األ ّول من املقال ِة وهي أن نهجر القرآن بوصفه ايدولوجيا‬ ‫وأك ِّرر هنا دعويت التي‬ ‫ُ‬ ‫اجتامعي قاف ٍز عىل الزمانِ واملكانِ البد من تفعيله بحرفية مغلقة‪ ،‬وأن نكتفي باإلبقاء عليه بوصفه تراث ًا تاريخيًا‬ ‫نسق‬ ‫أو ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫دين ًيا للتعبد واإللهام الروحي والنفيس والوجداين‪ ،‬والخروج به من كونه (منفستو) أو (كتلوج) إىل إطا ِر ِ‬ ‫األدب والفنِ‬ ‫القصيص والوعظي‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪109‬‬


‫ما اإلله؟‬

‫ماري غزال‬ ‫ِ‬ ‫تحديد ماهيته‪ ،‬فاملشكلة لدى غالبية امللحدين ال تكمن‬ ‫عاد ًة ما يت ّم الجدال حول مسألة وجود اإلله من عدمه‪ ،‬دون‬ ‫أول يف ظل هذا الجد ِل القائم هو‪ :‬ما اإلله؟ ما‬ ‫والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح ً‬ ‫يف وجود اإلله أو عدم ِه وإنّ ا يف ماهيته‪ّ ،‬‬ ‫طبيعة هذا الكائن الذي نبحث يف وجوده وعدم ِه؟‬ ‫عقل بال ٍ‬ ‫جسد‪ ،‬كيل القدرة‪ ،‬ليس كمثل ِه يش ٌء‪ ...‬كام‬ ‫السائد‪:‬اإلله ٌ‬ ‫السؤال يف املفهوم العام ّ‬ ‫يأيت الجواب عاد ًة عىل هذا ّ‬ ‫أيضا يختلف بني األديان‪ ،‬فاإلله عند املسيحيني والهندوس ليس هو اإلله عند املسلمني واليهود‪ ،‬أديا ٌن تُق ّر‬ ‫نجد تعريفه ً‬ ‫رسل تعاليمه عن طريق أنبياء اصطفاهم‬ ‫بأ ّن اإلله ت َجسد يف صورة إنسانٍ لينقل تعاليمه إىل البرش‪ ،‬و أخرى ت ّدعي بأنّه يُ ُ‬ ‫وفضلهم عىل العاملني‪.‬‬ ‫‪110‬‬


‫ما اإلله‬ ‫ماري غزال‬

‫الصوفية ليس هو اإلله نفسه‬ ‫أيضا بني الطوائف‪ ،‬ففي اإلسالم وحده ً‬ ‫نجد هذا االختالف يف هذا األمر قائ ٌم ً‬ ‫مثل اإلله عند ّ‬ ‫عند املعتزلة وليس هو نفسه عند األشعرية وغريها‪ ..‬لكن إله األديان ليس هو موضوعنا املحدد هنا‪ ،‬فال ّديانات مل تأتينا‬ ‫دليل عىل عدم مصداقيتها‪ ،‬مام يفيض بنا إىل القول بأنّها تظل مجرد‬ ‫السؤال‪ ،‬كام أن تعددها هو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بجواب قاطعٍ عن هذا ّ‬ ‫فرضيات وتصور ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات برشي ٍة كلها تناقضاتٌ ‪.‬‬ ‫أيضا ما بني الفالسفة والعلامء مثال العامل الشّ هري(ستيفن هوكينغ) أبرز علامء الفزياء ال ّنظرية‪،‬‬ ‫يختلف مفهوم اإلله ً‬ ‫كل يرى اإلله‬ ‫أيضا البرش العاديني لهم نظرتهم وتصوراتهم حول اإلله‪ٌ ،‬‬ ‫يتجىل معنى اإلله عنده يف القوان ِني الطّبيعية‪ً .‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخص إلهه الخاص‪ ،‬لكن كل هذه التّعريفات تظل مجرد تصور ٍ‬ ‫حسب هواه أو ما يصوره له عقله‪ ،‬لكل ٍ‬ ‫ومتثيالت ال‬ ‫ات‬ ‫مثل التي ترى أنّه ال ميكن الربهنة عىل وجود‬ ‫دليل وال برهان عليها‪ .‬يف ظل أقوال بعض التّوجهات الفكرية كالالّأدرية ً‬ ‫السؤال مر ًة ثاني ًة وبشد ٍة‪ :‬ما اإلله؟‬ ‫اإلله كام ال ميكن إنكار احتامل وجوده نوجه ّ‬ ‫ •نشأت فكرة اإلله مع اإلنسان حني عجز هذا‬ ‫األخري عن فهم وإدراك الظّواهر من حوله‪،‬‬ ‫فقام بإرجاع األمر إىل ق ًوى غيبي ٍة باعتبارها‬ ‫مسؤول ًة عن نشأة هذا الكون واملتحكمة يف‬ ‫صريورته‪ ،‬ومن ناحي ٍة سيكولوجي ٍة فاإلنسان‬ ‫والضعف‪ ،‬لذا فهو‬ ‫بطبيعته يتخلله العجز ّ‬ ‫بحاج ٍة إىل ملئ فراغه ال ّروحي ومقاومة‬ ‫ضعفه عن طريق تقديس هذا الكائن‬ ‫املاورايئ باعتباره إل ًها حاميًا وراعيًا‪.‬‬ ‫متمثل يف الحج ِر والشّ مس‬ ‫ •يف البدء كان اإلله ً‬ ‫والقم ِر وغريِهم‪ ،‬إذ كان اإلنسان كلام رأى‬ ‫يف الطّبيعة ما يذهله يصور له عقله أ ّن‬ ‫ذلك هو اإلله‪.‬مل تنفع كل هذه املسائل يف‬ ‫تجسيد اإلله فقام اإلنسان بإدعاء وابتكار‬ ‫ِ‬ ‫صفات اإلله أنّه يخفى‬ ‫فكر ٍة مفادها أ ّن من‬ ‫عن األبصار وتستحيل رؤيته‪.‬‬ ‫‪111‬‬


‫ما اإلله‬ ‫ماري غزال‬

‫ •وإذا ما انتقلنا إىل الحديث عن وجود اإلله وإن كان هذا األخري حقًا موجو ٌد فهو مل يستطع أن يثبت وجوده‪ ،‬فال‬ ‫دليل لدينا عىل وجوده سوى بعض التّصورات والتّخمينات وبعض األدل ِة والرباه ِني ال ّناقص ِة التي يأيت بها املؤمنون‬ ‫نظام كاملٍ مام يدل عىل أنّه مصم ٌم من طرف ق ًوى عقالني ًة‪ .‬ال نشك‬ ‫وأولها نظام الكون‪ ،‬أي أ ّن الكون يسري وفق ٍ‬ ‫يف هذا القول حني نلقي نظر ًة آني ًة سطحي ًة عىل هذا الكون فيتبني لنا ذلك‪ ،‬لكن إذا رجعنا إىل اللّحظة التي بدأت‬ ‫خاللها نشأة الكون‪ ،‬فسنجد أ ّن هذا ال ّنظام جاء من الالّنظام أي من العشوائية كام فرس ذلك كارل هايزنربغ‬ ‫الند من خالل‬ ‫الند»(‪ ،)3‬لكن قد تبني بأ ّن اإلله يلعب ّ‬ ‫(‪1901‬ـ‪ )2()1976‬ر ًدا عىل قولة اينشتاين(‪« :)1‬إ ّن الله ال يلعب ّ‬ ‫الحرك ِة العشوائي ِة للجسيامت التي تحوم حول نوا ِة الذّر ِة‪ ،‬التي هي املكون األساس للامدة‪ ،‬و حتى الكائنات الحية‬ ‫قد تبني أنّها تطورت عرب ال ّزمن‪ ،‬فعني الكائن الحي التي نجد يف تصميمها مايبهر عقولنا مل تكن كذلك يف البدء وإنّ ا‬ ‫تطورت‪ ،‬فالكون بأكمله صريورة تطو ٍر هذا من جه ٍة‪ ،‬لكن من جه ٍة ثاني ٍة كام نرى اإلله يف جامل الطّبيعة يلزم أن‬ ‫أيضا حتى ال ننظر بع ٍني واحد ٍة وإذ كانت هناك حقًا قو ًة مطلق ًة (اإلله) يجب أن نجد أجوب ًة لهذه‬ ‫نراه يف خرابها ً‬ ‫األسئلة ال ّدامئة الطّرح‪:‬‬ ‫السوداء؟ أي عقلٍ‬ ‫الساموية القاحل ِة والثّقوب ّ‬ ‫‪1.1‬ملاذا نرى غياب كل أشكال الحيا ِة يف الفضاء الشّ اسع واألجرام ّ‬ ‫أحمق كام قال أحدهم‪« :‬إذا كان الله‬ ‫ألي يش ٍء‪ ،‬ال شك يف أنّه ٌ‬ ‫هذا يخلق مئات الكواكب ال حياة فيها وال تنفع ّ‬ ‫مختل عقل ًيا»‪ ،‬ملاذا ك ّنا وال زلنا نشهد انقراض العديد‬ ‫موجو ًدا فبمجرد إلقاء نظر ٍة عىل العامل‪ ،‬نفهم أ ّن هذا الله ٌ‬ ‫من الكائنات الح ّية يف كوكبنا هذا الذي يظهر عىل أنّه مالئ ٌم للحياة ؟‬ ‫‪2.2‬ملاذا عاش الكون ثلثي عمره األَ َول َْي بدون كوكبنا األزرق؟ وعاش كوكبنا ربع عمره األول بدون حيا ٍة؟ وبقيت‬ ‫أصل دون التّكاثر ومقاومة الظّروف الطّبيعية أو ما نسميه باالنتخاب‬ ‫الحياة وهل ميكن للحياة أن تكون ً‬ ‫الطّبيعي فالكائنات الحية التي ليس باستطاعتها مقاومة الظّروف الطّبيعية القاسية عاد ًة ما تكون عرض ًة‬ ‫لالنقراض أو املوت هل هذه هي القدرة اإللهية أم أ ّن هذا اإلله يجد متعته يف فعل ذلك؟ سيلخص الخلقيون‬ ‫جواب ٍ‬ ‫واحد ساذ ٍج‪« :‬إنّها حكم ٌة إلهي ٌة ال يعرفها سوى اإلله نفسه»!هنا‬ ‫أجوب ًة عىل هذه األسئلة العميقة يف‬ ‫ٍ‬ ‫يظهر العجز الفكري والعجز اإللهي نفسه‪.‬‬ ‫‪3.3‬نحن ال نشك أب ًدا يف أ ّن هناك قو ٌة وراء نشأة هذا الكون لكن ال ميكن أن تتسم بالكامل فالكون ميل ٌء‬ ‫بالتّناقضات واألخطاء وال يخلو من العيوب التي ت ُجسد ضعفها وعجزها‪ ،‬سبق وطرحت هذه القضية فكان رد‬ ‫سويرسي أمرييك الجنسية‪ ،‬اشتهر بنظريته ال ّنسبية (العامة والخاصة)‪ ،‬التي كانت أساس الفيزياء ال ّنظرية الحديثة‪،‬‬ ‫‪1.1‬ألربت اينشتاين‪1879(:‬ـ‪ )1955‬عامل الفيزياء الشّ هري أملا ٌين‬ ‫ٌ‬ ‫والحائز عىل جائزة نوبل سنة ‪.1921‬‬ ‫‪2.2‬كارل هايزنربغ‪1901(:‬ـ‪ )1976‬فيزيا ٌيئ أملا ٌين حائ ٌز عىل جائزة نوبل عام ‪ ،1932‬اشتهر باكتشافه مليكانيكا الكم التي تعد فر ًعا ها ًما يف الفيزياء‪ ،‬واكتشافه ملبدأ عدم التّأكد‬ ‫الند‬ ‫سنة ‪1927‬الذي كان مبثابة نظري ٍة جد مقلق ٍة بال ّنسبة للعديد من العلامء من بينهم من هم بوزن اينشتني حيث قال‪« :‬إ ّن عقيل ال يستطيع أن يتصور أن الله يلعب ّ‬ ‫بهذا الكون»‪ ،‬لكن هذه ال ّنظرية فرضت نفسها ومل يبقى أمام العلامء سوى قبولها‪.‬‬ ‫‪3. William Hemanns, Albert Enstein and the poet: in search of the cosmic man, Branden Press, 1983, pp 151‬‬

‫‪112‬‬


‫ما اإلله‬ ‫ماري غزال‬

‫أحدهم كالتّايل‪« :‬ال ميكن ِ‬ ‫ُدرك وتري الكامل ألنّك لست كامل ًة»‪ ،‬ال أنكر صحة هذا القول لكني أدرك‬ ‫لك أن ت ِ‬ ‫متا ًما ّأن ناقصة ومبقدوري أن أرى ال ّنقص ومبا أ ّن هذا األخري هو ضديد الكامل فبذلك ال كامل يف الكون أل ّن‬ ‫ال ّنقص والتّناقض يظهران فيه من كل ال ّنواحي‪ ،‬ث ّم إنّه إذا ك ّنا يف طبيعة وجو ٍد أخرى سنبني نفس التّصورات‬ ‫والحلول لنخرج فكرة اإلله من مأزقها‪.‬‬ ‫مبناسبة الحديث عن الرباهني العقلي ِة املطروح ِة حول‬ ‫فكر ِة وجود إل ٍه نستحرض برهان ديكارت يف مؤلفه‬ ‫مقالة الطّريقة(‪( )4‬القسم ال ّرابع‪ :‬أسس علم ما بعد‬ ‫الطّبيعة) يستند ديكارت للربهان عىل وجود اإلله‬ ‫إىل إسقاط اليق ِني الريّايض عىل اليق ِني امليتافيزيقي‬ ‫ويقول يف ذلك‪« :‬ث ّم إنِّ أردت بعد ذلك أن أبحث‬ ‫عن حقائق أخرى‪ ،‬فاخرتت املوضوع الذي يبحث فيه‬ ‫متصل‪ ،‬أو‬ ‫ٌ‬ ‫علامء الهندسة‪ .‬وهو‪ ،‬كام أتصوره‪ ،‬جس ٌم‬ ‫مكا ٌن ال ح ّد المتداده يف الطول‪ ،‬والعرض‪ ،‬واالرتفاع‪،‬‬ ‫أو العمق يقبل االنقسام إىل أجزا ٍء مختلف ٍة‪ ،‬ذات‬ ‫وحجوم مختلف ٍة‪ ،‬وتُح َّرك أو ت ُ َّبدل عىل‬ ‫أشكا ٍل‬ ‫ٍ‬ ‫جميع الوجوه‪( ،‬أل ّن علامء الهندسة يفرضون ذلك‬ ‫كلّه يف موضوع علمهم)‪ .‬وتصفحت بعض براهينهم‬ ‫البسيطة‪ ،‬ففطنت إىل أ ّن هذا اليقني العظيم الذي‬ ‫مبني عىل كون تصورها‬ ‫يعزوه ال ّناس إليها إنّ ا هو ٌ‬ ‫بديه ًيا تب ًعا للقاعدة التي ذكرتها سابقًا‪،‬‬ ‫أيضا إىل أنّه ال يشء يف هذه الرباهني يجعلني عىل يق ٍني بوجود موضوعاتها خارج الذّهن‪ .‬مثال ذلك‪ :‬كنت‬ ‫ث ّم‬ ‫فطنت ً‬ ‫ُ‬ ‫أرى جي ًدا أنّني إذا فرضت مثلثًا لزم من ذلك أن تكون زواياه الثّالث مساوي ٌة لزاويتني قامئتني‪ ،‬ولك ِني مل أجد يف ذلك ما‬ ‫يجعل ِني عىل يق ٍني بأ ّن يف العامل مثلثًا ما؛ يف حني أنّني إذا رجعت إىل امتحان معنى املوجود الكامل الذي أتصوره‪ ،‬وجدت‬ ‫أنّه يتضمن الوجود عىل نحو ما يتضمن معنى املثلث أ ّن زواياه الثّالث مساوي ٌة لزاويتني قامئتني‪ ،‬أو كام يدخل يف معنى‬ ‫الكرة أ ّن جميع أقسام سطحها متساوي ٌة البعد عن مركزها‪ ،‬بل هو أكرث من هذينِ األمرينِ بداه ًة‪ .‬ويلزم عن ذلك أ ّن‬ ‫أي برهانٍ من براهني الهندسة‪.‬‬ ‫وجود الله‪ ،‬الذي هو ذلك الكائن الكامل‪ ،‬ال يقل يقي ًنا عن ِّ‬ ‫‪)4(4.4‬رينيه ديكارت‪ ،‬مقالة الطّريقة لحسن قيادة العقل وللبحث عن الحقيقة‪ ،1637 ،‬ترجمه إىل العربية وقدم له و َعلق عليه جميل صليبا‪ ،‬الطبعة الثّانية(‪)4‬رينيه ديكارت‪،‬‬ ‫مقالة الطّريقة لحسن قيادة العقل وللبحث عن الحقيقة‪ ،1637 ،‬ترجمه إىل العربية وقدم له و َعلق عليه جميل صليبا‪ ،‬الطبعة الثّانية(‪)5‬برتراند راسل يف مقا ٍل كتب لكن‬

‫‪113‬‬


‫ما اإلله‬ ‫ماري غزال‬

‫مثال وجود املثلث وال ّدائرة‬ ‫من هنا نستخلص برهان ديكارت عىل وجود اإلله استنا ًدا إىل العلوم الريّاضية‪ ،‬فهو يعطي ً‬ ‫حيث يرى أ ّن املثلث أو ال ّدائرة هام موجودان وطبيعة وجودهام ليست مادي ًة وإنّ ا هي طبيع ٌة ذات وجود تصو ٍر‬ ‫مادي لك ّنه موجو ٌد يف أذهاننا‪ .‬هذا الربهان الذي جاء به ديكارت عاد ًة ما نجده سالح‬ ‫ٍ‬ ‫ذهني‪ ،‬فاملثلث ليس له وجو ٌد ٌ‬ ‫بعض الخلقيني يف محاولة دفاعهم عن فكرة وجود اإلله‪ ،‬لكن هنا ديكارت حاول أن يربهن عىل وجود اإلله لك ّنه يف‬ ‫مادي وإنّ ا هو فقط تصور وهذا التّصور هو فقط من نتاج‬ ‫نفس الوقت برهن عىل عدم وجوده فاملثلث ليس له وجو ٌد ٌ‬ ‫العقل أي أنّه ال وجود ال للمثلث وال ال ّدائرة وإنّ ا اإلنسان هو من بنى هذا التّصور وكام أعطى لهذه األشكال الهندسية‬ ‫أسامء فقط أعطى كذلك لهذا الكائن املاوارايئ اسم اإلله‪.‬‬

‫إذن إذا أردنا أن نفهم بشكلٍ‬ ‫يتبي لنا أ ّن اإلله موجو ٌد لك ّنه موجو ٌد يف عقولنا فقط أ ّما‬ ‫ٍ‬ ‫دقيق برهان ديكارت‪ ،‬فإنّه ّ‬ ‫السؤال مطرو ًحا‪ :‬ما اإلله؟ ث ّم إ ّن‬ ‫وجوده يف ذاته فال برهان عليه وبذلك تظل فكرة اإلله ً‬ ‫وهم يرتصد بالعقل‪ ،‬ويظل ّ‬ ‫أيضا‬ ‫ديكارت قد اعتمد عىل العقل يف برهنته عىل وجود إل ٍه لكن من يضمن لنا أ ّن هذا العقل‬ ‫صائب فالعقل يخدعنا ً‬ ‫ٌ‬ ‫كام تخدعنا حواسنا ويظل مجرد وسيل ٍة لبلوغ املعرفة وقد يقع يف الخطأ وال ّزلل ذلك ألنّه ال يتسم بالكامل‪.‬‬ ‫فكرة اإلله تظل مجرد تصور ٍ‬ ‫ات واملالحدة ليسوا مضطرين لتربير ودحض هذه الفكرة ألنّها يف األصل ال تقدم دالئل كافي ًة‬ ‫تؤكد صحتها نستحرض هنا مثال الفيلسوف برتراند راسل(‪.)5‬‬ ‫خالق؟ ‪ ،?Is There a God‬ملجلة املصور ‪ Illustrated‬يف ‪ ،1952‬كتب‬ ‫يف مقا ٍل كُتب لكن مل ينرش ق ٌط بعنوان‪:‬هل هناك ٌ‬ ‫الصيني يدور حول الشّ مس يف مدا ٍر‬ ‫راسل‪ :‬إذا أمكنني أن أشري أنّه يوجد بني األرض واملريخ ٌ‬ ‫إبريق مصنو ٌع من الخزف ّ‬ ‫بيضاوي‪ ،‬ال ميكن ٍ‬ ‫حريصا عىل ذكر أ ّن اإلبريق أصغر من أن تراه أقوى التّلسكوبات‬ ‫ألحد أن يدحض افرتايض‪ ،‬إذا كنت‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫املوجودة عندنا‪ ،‬ولكني إذا انتقلت إىل اإلدعاء بأ ّن افرتايض يتمتع بخاصية أنّه ال ميكن إثبات عدم صحته‪ ،‬وبذلك فإنّه‬ ‫خالق؟ ملجلة املصور للوسرتاتيد يف ‪.1952‬‬ ‫‪5.5‬مل ينرش قط بعنوان "هل هناك ٌ‬

‫‪114‬‬


‫ما اإلله‬ ‫ماري غزال‬

‫ٍ‬ ‫ألي عقلٍ‬ ‫برشي متزنٍ أن يشكك يف صحته‪ ،‬فبالتّأكيد يجب أن يعتربين ال ّناس أتحدث بجنونٍ‬ ‫خالص‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫من غري املقبول ِّ‬ ‫مقدس كل يوم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أحد‪ ،‬وزرع يف‬ ‫نصوص قدمي ٍة ما يؤكد ُوجود مثل ذلك اإلبريق‪ ،‬وا ْعتُرب كيش ٍء‬ ‫ورغم ذلك فإنّه إذا ُوجد يف‬ ‫الصغار يف املدرسة‪ ،‬فإن شككت يف وجودها فسيكون ذلك عالم ًة عىل عدم االتزان ويجذب ذلك املُشكك‬ ‫عقول األوالد ّ‬ ‫السحيقة‪.‬‬ ‫انتباهات‬ ‫ٍ‬ ‫طبيب نفسا ٍين يف ع ٍ‬ ‫رص مستنريٍ كعرصنا أو َّ‬ ‫أي فضو ٍيل يف العصور ّ‬ ‫حاول راسل يف هذا املثال أن ينفي الفكرة التي تقول بأ ّن املطالب بال ّدليل هو من يرفض الفكرة وهذا ما نراه يف‬ ‫رص‬ ‫الحوارات بني املالحدة والخلقيني حول فكرة وجود إل ٍه‪ ،‬فحني يتحاور املؤمن مع امللحد الذي ال يؤمن بوجود إل ٍه يُ ّ‬ ‫املؤمن عىل مطالبة امللحد باإلتيان بدليلٍ عىل عدم وجود إل ٍه‪ ،‬ويع ّد هذا األمر مغالط ًة منطقي ًة أل ّن امللحد ال يؤمن يف‬ ‫األصل بوجود إل ٍه فكيف ينفي فكر ًة ال وجود لها يف األصل فهي غري موجود ٍة ّإل يف عقل املؤمن بها‪ .‬نفس األمر الذي أشار‬ ‫الصفات كقدرته‬ ‫إبريق‬ ‫إليه راسل يف ال ّنص‪ ،‬فحني أقول بوجود‬ ‫ٍ‬ ‫أي مكانٍ معنيٍ‪ ،‬وأطلق عليه بعض ّ‬ ‫ٍ‬ ‫صيني يف الفضاء أو ِّ‬ ‫مادي فمن يستطيع أن ينفي فكريت هذه؟ وما ال ّدليل الذي‬ ‫املطلقة عىل خلق توازنٍ يف الكون وأقول بأ ّن وجوده غري ٍ‬ ‫سيقدمه ليثبت يل عدم وجود هذا اإلبريق؟ ال أحد يستطيع نفي أو إثبات فكريت هذه‪ ،‬و األمر نفسه ينطبق عىل فكرة‬ ‫صيني أل ّن كلتاهام فرضيتان غري قابلتان للفحص واالختبار‬ ‫وجود إل ٍه؛ إذن ال فرق بني فكرة وجود إل ٍه وفكرة وجود ٍ‬ ‫إبريق ٍ‬ ‫السؤال التّايل‪« :‬مبا أنّه ليس هناك ٌ‬ ‫شاي‬ ‫فرق بني إل ٍه ٍ‬ ‫خالق وبني إبريق ٍ‬ ‫أو إخضاعهام للمنهج العلمي؛ البعض سيطرح ّ‬ ‫السؤال‬ ‫يدور حول املشرتي أو غريه‪ ،‬فام تعريف أبريق الشّ اي هذا؟» هنا يأيت الجواب يجب ً‬ ‫أول عىل الذي يطرح هذا ّ‬ ‫شاي يدور حول أحد الكواكب يف درب التّبانة‪ ،‬فاألمر نفسه‬ ‫ً‬ ‫محاول دحض هذه الفكرة هو أن يثبت عدم وجود إبريق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تجريبي‪.‬‬ ‫تعريف محد ٍد لهام أل ّن كالهام غري‬ ‫ينطبق متا ًما عىل املطالبة بإثبات عدم وجود إل ٍه؛ وطب ًعا ال ميكن إعطاء‬ ‫ٍ‬ ‫السؤال التّايل‪ :‬هل ُيكن لنا أن نرى العقل؟ كام ال ُيكن‬ ‫األغلبية ممن يُسقطون مفهوم العقل عىل اإلله إذ يُوجهون ّ‬ ‫أول؟ العقل كام جاء يف كتاب العقل‬ ‫السؤال التّايل‪ :‬ما العقل ً‬ ‫للعقل أن يرى فكذلك األمر بال ّنسبة لإلله‪ .‬وهنا سنطرح ّ‬ ‫السببية ما هو إال ردود أفعا ٍل إلشار ٍ‬ ‫ات يُرسلُها ال ّدماغ‪ ،‬إذ نجد أ ّن‬ ‫لجون سريل فإنّه يظهر لنا بأ ّن العقل وفق مبدأ ّ‬ ‫مادي وبذلك فالعقل ال ينفصل عن العامل املادي‪ ،‬لقد تبني بأ ّن العقول ال تتميز‬ ‫الحاالت العقلية الالّمادية توجد يف عا ٍمل ٍ‬ ‫نتاج ألنوا ٍع‬ ‫بوجو ٍد مستقلٍ عن األدمغة‪ ،‬إذ ينبثق الجوهر العقيل من البيولوجيا العصبية‪ ،‬فكل الحاالت العقلية هي ٌ‬ ‫عقل بال ٍ‬ ‫جسد‬ ‫من العمليات ال ّدماغية‪ ،‬ويف حالة عدم وجود دما ٍغ ال ميكن للعقل أن يوجد‪ ،‬وهذا يدحض فكرة أ ّن اإلله ٌ‬ ‫شخصا وقمنا بتخريب دماغه‬ ‫كيف ميكننا القول بانفصال العقل عن الجسد أو عن ال ّدماغ؟ إذا أخدنا عىل سبيل املثال ً‬ ‫حتم سيكون ال؛ أل ّن ال ّدماغ هنا لن يقوم‬ ‫عاقل هل ميكننا القول أنّه ميتلك ٌ‬ ‫فهل سيظل هذا الشّ خص ً‬ ‫عقل؟ الجواب ً‬ ‫بوظيفته وبعمله الطّبيعي‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫ما اإلله‬ ‫ماري غزال‬

‫إ ّن ما يدفعنا دامئًا إىل التّشبث بفكرة اإلله هو عجزنا ال ّدائم يف فهم الكون وقبل هذا اعتقادنا باستحالة وجود كونٍ بدون‬ ‫مسبب‪ ،‬لكن إذ أردنا الخوض يف هذه املسألة سنضع أنفسنا أمام سببي ٍة ال متناهي ٍة‪ ،‬مادام‬ ‫سبب من‬ ‫ٍ‬ ‫خالق‪ ،‬فال بد لكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سبب مسبب‬ ‫سبب‬ ‫خالق لهذا الكون لكن لن نقف عند هذه ال ّنقطة إذ كنا نعتقد حقًا بأ ّن لكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لكل ٍ‬ ‫مسبب إذن هناك ٌ‬ ‫السؤال التّايل‪ :‬من خلق الله؟ إذ قلنا أ ّن الله أز ٌيل فال مانع من أن نفرتض أ ّن املادة أزلي ٌة‪.‬‬ ‫سنطرح ّ‬ ‫جواب عن لغز هذا الكون ذلك بحكم محدوديته فالعلم ينبني عىل حقائق‬ ‫العلم مل يستطع لحد اآلن أن يصل إىل‬ ‫ٍ‬ ‫نسبي ٍة ونحن نرى الكون وندرسه من وجهتنا ورؤيتنا الخاصة حسب موقعنا فيه وما نشاهده يظل حقائق نسبي ٍة أما‬ ‫حقيقة الكون يف ذاته فال أحد يعلمها‪ ،‬لكن هذا ليس عي ًبا فالعيب هو إرجاع هذا األمر إىل ق ًوى غيبي ٍة كلام عجزنا عن‬ ‫وبأي طريق ٍة سوا ٌء عن طريق فكرة اإلله أو غريها‪ ،‬لكن املهم‬ ‫إيجاد ٍ‬ ‫جواب للغز هذا الكون‪ ،‬ليس املهم هو أن نجد جوابًا ِّ‬ ‫هو أن يحمل هذا الجواب يف جوهره حقيق ًة يقينية ً بعيد ًة كل البعد عن االفرتاضات والتّخمينات‪.‬‬ ‫فكرة اإلله هي مجرد افرت ٍ‬ ‫اض لكن يتم اإلميان بها عىل أنّها حقيق ٌة يقيني ٌة‪ ،‬وهذا ما ميكن أن نطلق عليه انتحا ًرا عقل ًيا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مطلق بافرت ٍ‬ ‫إذ يرمي العقل بنفسه يف إميانٍ‬ ‫بأي فكر ٍة‬ ‫اضات‬ ‫ٍ‬ ‫وشبهات ال أساس ٍ‬ ‫يل‪ .‬وختا ًما فنحن ال نقبل ِّ‬ ‫علمي لها أو عق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد ليظل‬ ‫السؤال من‬ ‫ّإل إذا كانت تحمل يف جوهرها برهانًا قاط ًعا وفكرة اإلله هذه مل تتجاوز ح ّد االفرتاض ونطرح ّ‬ ‫جواب‪ :‬ما اإلله؟‬ ‫معلقًا بال‬ ‫ٍ‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪116‬‬


117


‫قراء ٌة تاريخ ّي ٌة يف الصيام‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬ ‫عند كتابتنا للمقال سنخوض تجرب ًة فريد ًة من نوعها وهي العودة بال ّزمن من أجل مناقشة حادث ٍة معين ٍة ووضعها تحت‬ ‫خطوات البحث العلمي مظهرين بذلك األساطري والحوادث التي ميكن أن تستقي منها ال ّديانات فلسفتها لتبني الفلسفة‬ ‫بأسلوب ب ّراقٍ يعىص عىل العني غري‬ ‫بأسلوب خالقٍ بعد جمع ودمج العنارص من شتّى الفلسفات لتظهر‬ ‫الخاصة بها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الخبرية كشفه وهذا سيكون موضوعنا" رمضان والصيام" ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص مح ّددين عىل الصيام خصوصا الكهنة‪ ،‬من أجل‬ ‫ُوجد الصيام يف أديان الشعوب والحضارات‪ ،‬وكان لتدريب‬ ‫الطب" اسكيليبوس"(‪.)1‬‬ ‫رسية الهلينية مثال يُعبد إله ّ‬ ‫التق ّرب لآللهة‪ ،‬ففي الديانات ال ّ‬ ‫‪ ( Encyclopedia Britannica1.1‬تعريف الصيام )‬

‫‪118‬‬


‫قراء ٌة تاريخ ّي ٌة يف الصيام‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫وقد شاع االعتقاد أنّه من خالل هذه املامرسة تكشف اآللهة أرسارها عرب ال ّرؤى يف األحالم‪ ،‬وهو يف الغالب من أجل‬ ‫التكفري عن الذنب‪ ،‬بعد اعرتاف الفرد بذنوبه أمام الكاهن؛ نقرأ يف مزامري التوبة يف الديانة العراق ّية القدمية ‪:‬‬ ‫«والخطيئة التي أكون قد ارتكبتها ومل أعرفها‬ ‫ويجب أن يعاين اآلثم أو ال لن يعاين جراء فعلته‬ ‫باإلضافة إىل اعرتافه‪ ،‬فرض عىل نفسه صيام قايس‬ ‫الطعام لن أكله‬ ‫املاء الصايف لن أرشبه»(‪)2‬‬ ‫ونجد األمر ذاته عند اليهود حيث نقرأ يف اشعياء اإلصحاح الثامن والخمسون أ ّن الصيام هو لتكفري الخطيئة واالنشغال‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت عا ٍل ال متسك ارفع صوتك كبوقٍ و اخرب شعبي بتعديهم و بيت يعقوب بخطاياهم و إيّاي يطلبون‬ ‫بالرب‪ « :‬ناد‬ ‫ّ‬ ‫يو ًما فيو ًما و يرسون مبعرفة طرقي كأمة عملت ب ًّرا و مل ترتك قضاء الهها يسالونني عن احكام الرب يرسون بالتقرب اىل الله‬ ‫يقولون ملاذا صمنا و مل تنظر ذللنا انفسنا و مل تالحظ ها انكم يف يوم صومكم توجدون مرسة و بكل اشغالكم تسخرون‬ ‫ها انكم للخصومة و النزاع تصومون و لترضبوا بلكمة الرش لستم تصومون كام اليوم لتسميع صوتكم يف العالء أمثل هذا‬ ‫يكون صوم اختاره يوما يذلل االنسان فيه نفسه يحني كاالسلة راسه و يفرش تحته مسحا و رمادا هل تسمي هذا صوما‬ ‫و يوما مقبوال للرب اليس هذا صوما اختاره حل قيود الرش فك عقد النري و اطالق املسحوقني احرارا و قطع كل نري»‪.‬‬ ‫وأحيانًا نجد نو ًعا غري ًبا من الصيام لدى اليهود يص ّنف كـ"تابو" وهو موجو ٌد لدى الشعوب البدائ ّية‪ ،‬سكّان اسرتاليا‬ ‫األصل ّيني‪ ،‬حيث كان من املتّبع أنّه لدى وفاة ٍ‬ ‫تظل م ّدة طويل ًة قد تبلغ العام وهي صامئة‪..‬‬ ‫شخص يجب عىل زوجته أن ّ‬ ‫وهنالك من ير ّجح وجود هذا النوع من الصيام لدى اليهود (الصوم واألضحية بني اإلسالم واألديان السابقة) ويظهر هذا‬ ‫وخصوصا املرصيّني ويُعرف بصوم الحداد‪ ،‬حيث كانوا يحيطون الثريان‬ ‫النوع من الصيام لدى الشعوب يف الرشق القديم‬ ‫ً‬ ‫خاص ٍة حتّى فرت ٍ‬ ‫ات متأ ّخر ٍة‪ ،‬وبلغت هذه العناية ح ًّدا فائقًا يف عهد امللوك اإلغريق وكانت تُؤ َّدى للثور‬ ‫املتوفّاة برعاي ٍة ّ‬ ‫امل ّيت شعرية فتح الفم عىل نحو ما كان يُؤ َّدى لألموات من بني اإلنسان‪ ،‬وتستغرق تلك الطقوس سبعني يو ًما «أظ ّن أنّك‬ ‫تجد جوابًا لهذه الحادثة الغريبة يف كتاب الله ملاذا‪ ،‬أسطورة الحيوان الس ّيد» حيث تلبس النساء فيها مالبس الحداد‪،‬‬ ‫ويُنادى بالصوم يف كل مرص (‪.)3‬‬

‫‪2.2‬الديانة البابلية واآلشورية لـ موريس جاسرتو‬ ‫‪3.3‬إرمان ادلف‪ ،‬ديانة مرص القدمية‬

‫‪119‬‬


‫قراء ٌة تاريخ ّي ٌة يف الصيام‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫املسيحي القائم عىل‬ ‫تعترب هذه الطقوس من الطرق املساعدة عىل إحياء اإلله النبايت‪ ،‬وبذلك نعرف أصل الصيام‬ ‫ّ‬ ‫القمري كام هو الحال عند‬ ‫بحت‪ ،‬حيث نجد أ ّن املسيح ّيني أخذوا صيامهم وفقا للشهر‬ ‫اعي ٌ‬ ‫ّ‬ ‫قيامة املسيح‪ ،‬فهو صيا ٌم زر ٌّ‬ ‫املسلمني الحقًا‪ ،‬وذلك من خالل نسخهم للصيام الروماين يف شهر مارس وهو يقوم يف بستانٍ بني "افنتي" و"تالل بالطي"‪،‬‬ ‫حيث تقوم املرأة بالتضحية إلله الحصاد" كونسيس" يف كل سنة‪ ،‬وبعد" املاتورنيال" (عيد األ ّم) تحتفل املرأة الرومان ّية من‬ ‫خالل الصيام حتّى عيد "سريس" يف ابريل من اجل ضامن عودة اإلله الزراعي(‪ )4‬الذي مات مخل ًّصا لخطايا ديونيسوس‪/‬‬ ‫باخوس وضامنًا لخصوبة األرض ووفرة املحاصيل‪ ،‬وقد أصبح ذلك يف املسيح ّية الصوم الكبري‪.‬‬ ‫خاصة‪ ،‬تتض ّمن الصيام‪ ،‬إذ نرى يف عقائد الكلدان ّيني أن عليهم الصيام ثالثني يو ًما‬ ‫هنالك فرتاتٌ مع ّين ٌة من أجل طقوس ّ‬ ‫أولها من ‪ 8‬أذار أخر تسعة أيام من كانون األول وأول سبعة أيام من شباط وهنا تكمن أعظم األيّام‪ ،‬وعند االنتهاء لديهم‬ ‫عي ٌد يس ّمى عيد فطر السبعة وفطر الشهر‪ ،‬ويقابله عند املسلمني عيد الفطر‪ ،‬وبالتايل يتّضح لنا أصل عيد فطر املسلمني‬ ‫موض ٍح‪ ،‬لذلك سأستعني‬ ‫وهو عي ٌد كلدا ٌّين أو ح ّرا ٌّين ٌ‬ ‫أصيل‪ .‬وبالرغم من أ ّن الجزء األ ّول هو ما أريده غري انّه يبدو غري ّ‬ ‫مبرجعٍ آخر ألوفّق مابني املسيح ّية واإلسالم من خالل الجذور األول ّية للصيام‪.‬‬ ‫يقول ابن حزم فيام مفاده أنّه «عىل الرغم من أ ّن صيام رمضان قد متّت مامرسته قبل اإلسالم من قبل الوثن ّيني يف‬ ‫الجاهلية‪ ،‬فقد قدم للعرب من خالل ح ّران التي كانت عبادتها الرئيسية القمر" اإلله سني" حيث ربطوا صيامهم الرئييس‬ ‫وصول لثامنية نيسان» (‪ .)5‬وهنا تتّضح أوجه‬ ‫ً‬ ‫بالقمر‪ ،‬شأن املسيح ّيني سابقا‪ ،‬من خالل ثالثني يو ًما تبدأ من مثانية آذار‬ ‫الشبه بني املسلمني واملسيح ّيني يف أصل الصيام‪ ‬حيث إ ّن صيام الحران ّيني تكري ٌم لإلله"سني" أي القمر وحيث إنهم يصلون‬ ‫خمس م ّر ٍ‬ ‫ات كاملسلمني ويصومون من قبل مطلع الشمس إىل ح ّد الغروب كام املسلمون يف شهر رمضان‪.‬‬ ‫فسبب صيام الحران ّيني هو اختفاء القمر" اإلله سني" وانضاممه للرثيّا يف كوكبة الثور‪ ،‬يف األسبوع الثالث من‬ ‫متوس ًل عودته ولك ّن القمر رفض العودة لح ّران‪ ،‬وبعد العودة يت ّم االحتفال‬ ‫يصل للقمر‬ ‫شهر آذار‪ ،‬والشعب ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعيد الفطر كاملسلمني‪ ،‬من هذا املبدأ ميكننا القول إن قيامة املسيح تحصل بعد اكتامل القمر يف ‪ 21‬آذار أي‬ ‫يف األسبوع الثالث من شهر آذار وهذا ما يؤكد الطرح السابق‪ ،‬وتتم عودة القمر اىل دير القايض ال إىل ح ّران(‪.)6‬‬ ‫احتل يرثب ونقل إليها عبادة القمر"‬ ‫يل" نابونيدس"(‪ ،)7‬إذ ّ‬ ‫والسبب يف انتقالها إىل العرب كان خالل فرتة حكم امللك الباب ّ‬ ‫سني" (‪ )8‬وطقس الصيام ‪،‬ث ّم قام النبي بتعديلها مبا يتناسب مع الطقوس الدينية الخاصة بجزيرة العرب‪.‬‬ ‫‪4. 4Bachofen, Myth, Religion, and Mother Right, trans. Ralph Manheim, Bollingen Series 84. Copyright© 1967 by Princeton University Press.‬‬ ‫‪5. Sinasi Gunduz The Knowledge of Life‬‬ ‫‪6.6‬الفهرست البن النديم‪ ‬‬ ‫‪7. Georges Roux, Ancient Iraq, 3rd ed., Penguin Books, London, 1991, p.381‬‬ ‫‪8. Did Muhammad Exist?: An Inquiry into Islam's Obscure Origins‬‬

‫‪120‬‬


‫قراء ٌة تاريخ ّي ٌة يف الصيام‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫نبي اإلسالم هو جعل رمضان يعتمد عىل االنقالب الصيفي‪،‬‬ ‫ومن أه ّم التعديالت التي قام بها ّ‬ ‫يقول "أ‪.‬ج‪.‬ويسكنك" ‪:‬‬ ‫«إ ّن األرضيّة التي يعتمد عليها املسلمون‬ ‫يف الصيام أصلها يعود للعادات السامية‬ ‫القدمية فسنة التكفري عن الذنوب‬ ‫والخطايا تبدأ يف بداية االنقالب الصيفي‬ ‫فس ما يقوله معجم‬ ‫»(‪ )9‬وهذا ما يُ ّ‬ ‫معاين األسامء حيث أن رمضان هو ‪:‬اسم‬ ‫علم مذكر عريب‪ ،‬وهو اسم شهر الصوم‬ ‫عند املسلمني‪ ،‬تس ّموا به ت ّربكاً‪ .‬وهو اسم‬ ‫الشهر التاسع من السنة القمريّة وكان‬ ‫هذا الشهر يقع يف الجاهل ّية صيفاً‪ ،‬حني‬ ‫كانوا يعتمدون الشمس يف تقوميهم‪ ،‬و‬ ‫وأرمض الح ُّر‬ ‫ال َّر َمض ‪ُ :‬حرقة الصيف‪.‬‬ ‫َ‬ ‫القو َم ‪ :‬اشت ّد عليهم وآذاهم(‪.)10‬‬ ‫يقول بعض املؤ ّرخني إ ّن صيام رمضان كان متّب ًعا عند بعض قبائل العرب يف الجاهل ّية والسيام قريْش (‪ .)11‬ويقول آخرون إ ّن‬ ‫النبي مح ّمد كان أ ّول من س ّن الصيام وعمل به (*)‪ ،‬و يف كتاب أصول القرآن لـ"ابن الو ّراق" (‪ )12‬تُطرح نقط ٌة‬ ‫عبد املطّلب ج ّد ّ‬ ‫مثري ٌة لالهتامم وهي أ ّن اإلسالم واليهوديّة متشابهان إىل ح ٍّد كبريٍ‪ ،‬غري أنّه يف حديثه عن رمضان يقول أ ّن رمضان أُخذ من‬ ‫الصابئة(أهل ح ّران) ومل يُؤخذ من اليهوديّة ث ّم أضاف الحقًا نقطة تشاب ٍه باالعتامد عىل التلمود "املشيناه"‪،‬إذ نجد يف القرآن‪: ‬‬ ‫يتبي لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من الفجر ثم أمتّوا الصيام إىل الليل{ (البقرة‪)187:‬‬ ‫}وكلوا وارشبوا حتى ّ‬ ‫ونجد يف املشيناه‪] :‬يف بداية اليوم يف لحظة عندما يستطيع الفرد التمييز بني الخيط األزرق و الخيط األبيض[‪.‬‬ ‫بأسلوب ذيكٍّ‪.‬‬ ‫حيث يقول ابن الو ّراق إنّها مصادف ٌة مذهل ٌة‪ ،‬مب ّي ًنا األصل لتلك اآلية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪9. Fastinig in the Koran‬‬

‫‪1010‬معجم املعاين الجامع واملعجم الوسيط‬ ‫‪1111‬وايف عبد الواحد الصوم واالضحية بني االسالم و االديان السابقة‬ ‫‪1212‬أصول القرآن البن الوراق‬

‫* يُفضّ ل أن أذكر أن عبد املطلب كان من أتباع الحنيفية و كان يتعبد يف غار حراء وله حلم أن يؤسس دولة عربية لإلطالع أكرث راجع الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة اإلسالم ّية‬ ‫لسيّد القمني‬

‫‪121‬‬


‫قراء ٌة تاريخ ّي ٌة يف الصيام‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫وصول للتفسري‬ ‫ً‬ ‫لقد تتبّعنا جذور رمضان التاريخيّة يف أبرز الديانات؛ من املسيحيّة واليهودية‬ ‫نفس‬ ‫األسايس لرمضان لدى املسلمني‪ ،‬وال أظ ّن أ ّن أح ًدا سبقنا لهذا التفسري‪،‬فكان علينا لزا ًما أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل رمضان ويُطلق عليه ليلة القدر ونحن نذهب إىل أ ّن منشأها أسطور ٌة فـ‪:‬‬ ‫مهم يحدث يف ّ‬ ‫حدث ًا ًّ‬ ‫«ليلة القدر أُخذت من الديانة املانويّة التي اسمها" نايت بور" حيث قُتل"ماين" يف ليلة السابع والعرشين من صيامه‬ ‫وهذه العادة مازالت دارج ًة إىل اليوم بني أوساط املسلمني»(‪.)13‬‬ ‫فهم يُحيون ليلة القدر يف ليلة السابع والعرشين من صيامهم‪ ،‬وهنالك العديد من األحاديث تؤكّد ذلك‪ .‬ولنطرح األمثلة‬ ‫همم عبد املعبود ‪:‬‬ ‫عىل ذلك تبا ًعا‪ ،‬يقول ّ‬ ‫«الراجح الذي عليه جمهور العلامء أ ّن ليلة القدر تكون يف شهر رمضان‪ ،‬وأنّها يف العرش األواخر منه‪ ،‬وأ ّما تحديدها يف‬ ‫لف فيه تب ًعا الختالف الروايات الصحيحة‪ ،‬واألرجح أنّها يف الليايل الوتر من العرش األواخر‪ ،‬وأر ّجح‬ ‫العرش األواخر فمختَ ٌ‬ ‫ليل ًة لها هي ليلة السابع والعرشين‪ .‬وفضلها عظي ٌم ملن أحياها‪ ،‬وإحياؤها يكون بالصالة‪ ،‬والقرآن‪ ،‬والذكر‪ ،‬واالستغفار‪،‬‬ ‫والدعاء من غروب الشمس إىل طلوع الفجر‪ ،‬وصالة الرتاويح يف رمضان إحياء لها» (‪.)14‬‬ ‫كام روى أحمد‪ -‬بإسنا ٍد صحي ٍح‪ -‬عن ابن عمر (ريض الله عنهام) « من كان ُمتح ّريها فليتح ّرها ليلة السابع والعرشين»‪،‬‬ ‫كام قال رسول الله ورواه مسلم وأحمد و أبو داود والرتمذي وصححه‪ ،‬عن أيب بن كعب أنه قال «والله الذي ال إله إال‬ ‫أي ليل ٍة هي‪ ،‬هي الليلة التي أمرنا رسول الله بقيامها‪ ،‬هي ليلة‬ ‫هو إنها لفي رمضان ‪-‬يحلف ما يستثني‪ -‬والله إين ألعلم ّ‬ ‫سبع وعرشين‪ ،‬وأمارتها أن تطلع الشمس يف صبيحة يومها بيضاء ال شعاع لها» وبذلك نرى أ ّن ليلة القدر ليست سوى‬ ‫صورة محدث ٍة ت ّم نقلها عن الديانة املانويّة‪.‬‬ ‫أ ّود أيضا أن أشري إىل مالحظة مهمة تنبّهت لها عند قراءيت لكتاب "هل وجد محمد"؟ (‪ )15‬تحت عنوان "ليلة امليالد أو‬ ‫علم بهذه النقطة وكانت غائب ًة ع ّني‬ ‫تبي الحقا أنني عىل ٍ‬ ‫الكريسامس لدى املسلمني"‪ ،‬استغربت بداي ًة من العنوان لكن ّ‬ ‫كلّ ًيا وهي كاآليت ‪ « :‬وعىل ضوء الجذور املسيحية الرسيانية للقرآن هنالك تفسري منطقي للسورة ‪( 97‬القدر) تشري إىل‬ ‫عيد امليالد‪ ،‬حيث نجد أ ّن الباحث يف الشؤون القرآن ّية" ريتشارد بيل" يرى يف الليل و املالئكة و الروح والسالم يف تلك‬ ‫السورة تلمي ًحا‪ ،‬حتّى من دون إجراء ٍ‬ ‫دقيق‪ ،‬إىل أ ّن فكرة ليلة الق ّوة" القدر" غري واضح ٍة‪ ،‬وقد تشري يف بعض‬ ‫لغوي ٍ‬ ‫فحص ٍّ‬ ‫األحيان إىل عشيّة ميالد املسيح»‪ .‬‬ ‫) قسم املانويّة ( ‪13. Encyclopedia Britannica‬‬ ‫‪14. http://islamstory.com/ar/%D9%88%D9%82%D8%AA_%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B1‬‬ ‫‪ 1515‬مصدر سابق‪Did Muhammad Exist?: An Inquiry into Islam's Obscure Origins :‬‬

‫‪122‬‬


‫قراء ٌة تاريخ ّي ٌة يف الصيام‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫يشري "لوكسنربغ" بأن ليلة القدر مرتبط ٌة بو ْحي القرآن‬ ‫فاملسلمون يقومون بالقيام والسهر يف ليايل رمضان ومع‬ ‫ذلك الحظ‪ ،‬وعىل ح ّد تعبريه‪ ،‬انّه ال يوجد للمسلمني ق ّداس‬ ‫بغض النظر عن صلوات الرتاويح التي تقام برمضان‪،‬‬ ‫يل‪ّ ،‬‬ ‫لي ّ‬ ‫هنالك ما يدعو لالعتقاد بأن ذلك القيام مييش عىل التوازي‬ ‫مع املامرسة الليتورج ّية (الصالة) املسيح ّية املرتبطة بوالدة‬ ‫يسوع املسيح‪ ،‬والذي ت ّم اعتامده الحقًا من قبل اإلسالم‪،‬‬ ‫ولك ّن التفسريات الالهوت ّية أُعيد تفسريها ضمن الفلسفة أو‬ ‫تجسد‬ ‫بوتقة اإلسالم بأنّها تشري إىل نزول القرآن راجع مقايل‪ّ :‬‬ ‫اإلله بني اإلسالم واملسيحية** واملقصود هو املقارنة مع ما‬ ‫ذُكر يف إنجيل لوقا‪:‬‬ ‫«فولدت ابنها البكر وق ّمطته وأضجعته يف املذْود إ ْذ مل يكن لهام موضع يف املنزل‪ ،‬وكان يف تلك الكورة رعاة متبدين‬ ‫عظيم‪ ،‬فقال‬ ‫الرب وقف بهم و مجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفًا‬ ‫ً‬ ‫يحرسون حراسات الليل عىل رع ّيتهم‪ ،‬وإذا مالك ّ‬ ‫عظيم يكون لجميع الشعب‪ ،‬انه ولد لكم اليوم يف مدينة داود مخلص هو‬ ‫لهم املالك ال تخافوا فها أنا أبرشكم بفر ٍح‬ ‫ٍ‬ ‫املسيح الرب‪ ،‬و هذه لكم العالمة تجدون طفال مق ّمطا مضجعا يف مذود‪ ،‬و ظهر بغت ًة مع املالك جمهو ٌر من الجند‬ ‫الساموي مسبحني الله و قائلني‪ ،‬املجد لله يف األعايل و عىل األرض السالم و بالناس املرسة‪ ،‬و ملا مضت عنهم املالئكة‬ ‫الرب‪،‬‬ ‫إىل السامء قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب اآلن إىل بيت لحم و ننظر هذا األمر الواقع الذي أعلمنا به ّ‬ ‫فلم رأوه اخربوا بالكالم الذي قيل لهم عن هذا‬ ‫فجاءوا مرسعني و وجدوا مريم و يوسف و الطفل مضج ًعا يف املذْود‪ّ ،‬‬ ‫الصبي‪ ،‬و كل الذين سمعوا تعجبوا مام قيل لهم من الرعاة‪ ،‬وأ ّما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكالم متفكرة به يف‬ ‫ّ‬ ‫قلبها‪ ،‬ثم رجع الرعاة و هم ميجدون الله و يسبحونه عىل كل ما سمعوه و رأوه كام قيل لهم» (‪)16‬‬ ‫ّ‬ ‫ونختم بالديانة االيزيديّة الهندوأوروبية و أصحابها الذين يعبدون اإلله "نابو" الذي كان يُعبد يف مدينة برس منرود حيث‬ ‫اشتق اسمهم(‪ ،)17‬إذ تتل ّخص عقيدتهم بخصوص ليلة القدر بالتايل‪« :‬‬ ‫وجد معبده الرئيس املس ّمى ايزيدا ومن هذا املعبد ّ‬ ‫الديانة االيزيديّة هي ديانة متك ّونة من ٍ‬ ‫وأريض‪ ،‬وتع ّد االيزيديّة من الديانات القدمية التي ظهرت يف عهود‬ ‫ساموي‬ ‫خليط‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ما قبل اإلسالم‪ ،‬حيث يحتفل االيزيديّون سنويّا يف منتصف شهر شعبان حسب التقويم الهجري‪ ،‬بقدوم ليلة (بشفربات)‬ ‫أي ليلة القدر حتّى مطلع الفجر‪.‬‬ ‫‪1616‬إنجيل لوقا اإلصحاح الثاين‬ ‫‪1717‬حضارة وادي الرافدين‬ ‫** أي إن املقارنة التتم بني محمد ويسوع فمحمد أقل مرتبة من يسوع بل ال يوضعان يف ميزان واحد‪ ،‬وإمنا القرآن هو الذي يوازي يسوع من هذا املنطلق‬

‫‪123‬‬


‫قراء ٌة تاريخ ّي ٌة يف الصيام‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫وقد جاء عىل لسان مسؤول القسم الثقا ّيف يف مركز اللش اإليزيدي" شمو قاسم" قوله‪ :‬إن اإليزيديّني يحتفلون سنويّا يف‬ ‫الهجري‪ ،‬بقدوم ليلة "بشفربات" أي ليلة القدر‪ ،‬وهي إحدى املناسبات االجتامع ّية‬ ‫منتصف شهر شعبان بحسب التقويم‬ ‫ّ‬ ‫امله ّمة لإليزيديّني التي يتج ّمع فيها الش ّبان والشابّات ويؤ ّدون األغاين والرقصات واأللعاب الشعب ّية حتّى مطلع الفجر‪،‬‬ ‫فضالً عن إحضار أنوا ٍع مختلف ٍة من األطعمة »(‪.)18‬‬

‫‪ 1818‬مقتبس من تاريخية ليلة القدر (‪ )1-2‬الحوار املتمدن‬

‫‪124‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون‬ ‫امللحدين‬ ‫والالديني‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬

‫هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬

‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.