مجلة الملحدين العرب: العدد السادس والعشرون / شهر يناير / 2015

Page 1

‫ســـ ّر األســامء‬ ‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫ال شيء في علم احلياة يبدو‬ ‫طور‬ ‫منطقيا ّإل في ضوء ال ّت ّ‬ ‫ًّ‬

‫بريشة‬ ‫] ‪Ragod Akili [ Nada Lufi‬‬

‫العدد السادس والعرشون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر ياناير لسنة ‪2015‬‬

‫ودانا سمعان‬

‫كيف ميكنك أن تصبح قارئًا‬ ‫ت‬ ‫للطالع بعشرة خطوا ٍ‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫مايكل شيرمر‬ ‫في حوار مع‪...........‬‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛ هدفها‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫جهاتهم‬ ‫نشر أفكار امللحدين على اختالف تو ّ‬ ‫وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة تُعتبر‬ ‫مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية وناحية‬ ‫حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬


‫فريق التحرير‬

‫املشارك في هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪........... Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب احلكيم‬ ‫‪McKie Theman‬‬ ‫‪Alia`a Damascéne‬‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫‪Ghaith Jabri‬‬ ‫‪almolhed alarabi‬‬ ‫‪Destin Fatal‬‬ ‫‪Nada Lutfi‬‬ ‫ماري غزال‬ ‫‪Abdu Safrani‬‬ ‫‪Serene Nina‬‬ ‫‪Srood Saleem‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬ ‫مل تنقـ ِ‬ ‫ـض أيــا ٌم قليل ـ ٌة عــى بــدء العــام الجديــد‪ ،‬إال واإلرهــاب اإلســامي‬ ‫يطــل برأســه كاألفعــى الســامة التــي تلــدغ وتقتــل دون رحمــة‪ ،‬وع ّجــت‬ ‫وكاالت األنبــاء بخــر الهجــوم املســلح عــى صحيفــة شــاريل إيبــدو الفرنســية‬ ‫شــخصا‪ ،‬مــن بينهــم‬ ‫الســاخرة‪ ،‬وقتــل وإصابــة مــاال يقــل عــن عرشيــن‬ ‫ً‬ ‫رســامي الكاريكاتــر ورئيــس التحريــر‪ ،‬وكالعــادة كان التكبــر‪ -‬اللــه أكــر‪-‬‬ ‫هــو املوســيقى التصويريــة مــع طلقــات البنــادق‪ ،‬يصــدح يف خلفيــة املشــهد‬ ‫الدمــوي‪ ،‬فهــذا اإللــه الطفــويل تزعجــه الرســومات الفكاهيــة‪ ،‬وال يرتــاح لــه‬ ‫بـ ٌ‬ ‫ـال إال برائحــة الــدم والبــارود!‬ ‫ثــم جــاء نبــأ جلــد رائــف بــدوي عــى املــأ بعــد صــاة الجمعــة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫كانــت التكبـرات رفيقــة املشــهد‪ ،‬بينــا وقــف رائــف بــكل عنفــوان صام ًتــا‬ ‫ال يبــدي أيّــة ردة فعــل‪ ،‬وقبلهــا يف كانــون الثــاين‪ -‬ديســمرب املــايض قضــت‬ ‫محكم ـ ٌة موريتاني ـ ٌة باإلعــدام حــدً ا عــى الشــاب محمــد الشــيخ بتهمــة‬ ‫اإلســاءة ملحمــد والــردّة‪ ،‬بســبب مقــالٍ كتبــه ينقــل فيــه وقائــع تاريخيــة‬ ‫ويقارنهــا بالواقــع الحــايل!‪ ،‬ثــم جــاء الحكــم عــى الشــاب املــري كريــم‬ ‫البنــا بالســجن لثــاث سـ ٍ‬ ‫ـنوات بســبب اإللحــاد!‬ ‫مــا هــو العامــل املشــرك بــن كل هــذه األحــداث يــا تــرى؟ إنــه يــا أع ـزايئ‬ ‫الخــوف والرعــب مــن حريــة التعبــر‪ ،‬فاألفــكار الهشــة هــي التــي ترتعــد‬ ‫رع ًبــا مــن مقــالٍ أو كلم ـ ٍة أو رســمة!‬ ‫ـف‪ ،‬ال أحــد يغ ـ ّرد خــارج‬ ‫يريــدون الجميــع نســخ ًة واحــدةً‪ ،‬ال أحــد مختلـ ٌ‬ ‫الــرب‪ ،‬ومــن يفعــل يتــم إيقــاع أقــى العقوبــات بــه‪ ،‬حتــى يكــون عــر ًة‬ ‫لغــره‪ ،‬وحتــى ال يجــرؤ أحــدٌ عــى اإلدالء برأيــه أو التفكــر بصـ ٍ‬ ‫ـوت عــالٍ‬ ‫مــن بعــده‪.‬‬ ‫فحريــة التعبــر هــي أقــدس حـ ٍّـق لإلنســان‪ ،‬حيــث ال خطــوط حمـراء أمــام‬ ‫النقــد والتحليــل‪ ،‬وكيــان اإلنســان ووجــوده كلــه مرتبـ ٌ‬ ‫ـط بأفــكاره وصوتــه‬ ‫أي موضــوعٍ كان‪.‬‬ ‫وقدرتــه عــى اإلدالء بدلــوه يف ّ‬ ‫لكنهــم يختــارون الطريــق األســهل‪ ،‬بـ ً‬ ‫ـدل مــن إجهــاد أدمغتهــم يف التفكــر‬ ‫فيــا يقولــه املخالــف‪ ،‬واألخــذ والــرد والجــدل‪ ،‬فهــم يخرســونه ويرهبونــه‬ ‫ويقتلونــه! وأنــت عزيــزي القــارئ‪ ،‬حــن تصفــق لإلرهــاب ومنــع حريــة‬ ‫التعبــر‪ ،‬فإنــك تحــرم نفســك مــن هــذا الحــق‪ ،‬مــن حــق إبــداء الــرأي‬ ‫املختلــف واالســتامع إليــه‪ ،‬فلــاذا تــرك لهــؤالء أن يختــاروا لــك ويفرضــوا‬ ‫عليــك مــا تقولــه ومــا تســمعه؟‬ ‫آن األوان للوقــوف وج ًهــا لوجــه ضــد هــذا اإلرهــاب العاملــي املمنهــج مــن‬ ‫املســلمني‪ ،‬والــذي يريــدون إخـراس العــامل أجمــع بــه‪ ،‬وكــا قــال "شــارب"‬ ‫أحــد الرســامني الــذي قضــوا نحبهــم يف الهجــوم معل ًقــا عــى التهديــدات‬ ‫التــي كانــت تصلــه‪« :‬أُفضِّ ــل أن أمــوت واقفًــا عــى أن أعيــش راك ًعــا»‪،‬‬ ‫وكــا قالــت فرنســا يف وقفتهــا املليونيــة‪ :‬ال لإلرهــاب‪ ،‬وصــدرت الصحيفــة‬ ‫ً‬ ‫وبــدل مــن ‪ 60‬ألــف نســخة تــم توزيــع ‪ 3‬ماليــن نفــذت‬ ‫يف موعدهــا‪،‬‬ ‫كلهــا خــال دقائــق‪ ،‬وهكــذا يكــون الــرد عــى أعــداء الحريــة‪ ،‬ال تفــاوض‬ ‫وال استســام‪.‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫‪4‬‬

‫للتوثيق‪ ...‬رائف البدوي‬

‫‪16‬‬

‫حوار مع صديقى املسيحي‬ ‫‪Donna Khaled‬‬

‫‪18‬‬

‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع ‪..........‬‬

‫‪28‬‬

‫الوعي و اإلرادة الح ّرة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫‪38‬‬

‫ســــ ّر األســـــامء‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪41‬‬

‫للتوثيق مجلة شاريل ايبدو‬

‫‪52‬‬

‫ٍ‬ ‫كيف ميكنك أن تصبح قارئًا للطالع بعرشة‬ ‫خطوات ‪54‬‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫كيف علّمتنا رسوم محمد ّأل نُساوم عىل حرية‬ ‫التعبري‬ ‫محمد شنيان (جورداين أغنستو)‬

‫‪63‬‬

‫للتوثيق محمد شيخ ولد امخيطري‬

‫‪64‬‬

‫امللحد يحرتم‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫‪69‬‬

‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطقيًّا ّإل يف ضوء‬ ‫التّط ّور‬ ‫ودانا سمعان‬

‫‪75‬‬

‫لقايئ مع الله‬ ‫أرشيف املنتدى األم‬ ‫بقلم‪ :‬مش فاهم‬

‫‪90‬‬

‫األفكار غري املعصومة‬ ‫] ‪Ragod Akili [ Nada Lufi‬‬

‫‪94‬‬

‫‪3‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإليمان‪:‬‬ ‫نق ٌد صار ٌم لمغالطات األصولي عدنان ابراهيم‬

‫حيان الخياط‬

‫كثريون‬ ‫منا تع ّرضوا‬ ‫للخداع يف حياتهم‬ ‫سوا ًء عىل مستوى األفكار‬ ‫أو التعامالت مع اآلخرين وهو‬ ‫ليس أم ًرا معيبًا أو مهي ًنا‪ ،‬لكن ينبغي‬ ‫علينا أن نتعلّم كيفية التع ّرف عىل املخادعني‬ ‫وفضحهم بدالً من أن نكون ضحاياهم دامئاً‪.‬‬ ‫وهديف يف هذا املقال البسيط هو أن أُبعد الناس عن أحد‬ ‫املخادعني الذين حظوا بشهر ٍة واسع ٍة يف السنني األخرية املاضية‪،‬‬ ‫يوم من األيام‪ ،‬والشخص الذي‬ ‫وال أُخفي كوين أحد الذين ُخدعوا به يف ٍ‬ ‫أتح ّدث عنه هو رجل دينٍ يعيش يف الغرب ويُلقي محارض ٍ‬ ‫ات يف مختلف‬ ‫املجاالت واسمه عدنان ابراهيم‪.‬‬ ‫ولغرض االختصار والتبسيط عىل القارئ سنبدأ مبارش ًة باستعراض أقواله من سلسلة‬ ‫املحارضات التي تحمل عنوان‪“ :‬مطرقة الربهان وزجاج اإللحاد”‪ .‬وبسبب كرثة املواضيع وتش ّعبها‬ ‫فإنني أدعوك عزيزي القارئ إىل مشاهدة هذه السلسلة وتحدي ًدا الحلقات الخمس األوىل وذلك من‬ ‫أجل أن تفهم كل نقط ٍة أو فقر ٍة سأقوم بالرتكيز عليها وتحليلها نقدياً‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫الحلقة األوىل‬

‫‪ 1‬ـ الدقيقة ‪ « :12‬وإذا ثبت أن الله تبارك وتعاىل هو حقيقة الحقائق فخط ٌري جداً وخسار ٌة فادح ٌة أن ّ‬ ‫يضل اإلنسان‬ ‫طريقه إىل هذه الحقيقة‪ ،‬هذا سيكلّفه الكثري يف الدنيا ويف العامل اآلخر الذي ال يؤمن به »‪.‬‬ ‫متهافت جدا ً ويحتوي عىل الكثري من املغالطات املنطقية التي سنوجزها كاآليت‪:‬‬ ‫هذا الكالم‬ ‫ٌ‬ ‫سيمى يف نار‬ ‫الشخص امللحد ال يؤمن بوجود إله‪ ،‬ويف حال أنه مات واكتشف أن هنالك إلهاً فعالً فإن هذا ال يعني أنه ُ‬ ‫جهنم‪ ،‬حيث ال يوجد تراب ٌط أو تالز ٌم بني وجود إله ووجود جهنم‪ .‬والسبب الحقيقي يف قول عدنان ابراهيم لهذا الكالم‬ ‫هو أن النار والعذاب يف اآلخرة والتفاصيل البشعة لآلالم التي سيتع ّرض لها غري املؤمنني مذكور ٌة يف الكتب الدينية التي‬ ‫يؤمن بها‪ .‬ولذلك فإن افرتاضه يتض ّمن افرت ٍ‬ ‫اضات أخرى إضافية‪ ،‬وهي افرتاض وجود إل ٍه ثم افرتاض أن اآلخرة صحيح ٌة‬ ‫كام وردت يف نصوص الدين الذي يؤمن به‪ ،‬ثم افرتاض أن هذا اإلله ٌ‬ ‫عادل ولن يرميك يف نار جهنم مع أنك من املؤمنني‬ ‫به الخ‪...‬‬ ‫كل هذه االفرتاضات يجب أن يتم إثبات ص ّحتها عىل حدة قبل الدخول يف جدا ٍل طويلٍ عن احتاملية دخول امللحد إىل‬ ‫النار يف حال مل يؤمن قبل موته‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ الدقيقة ‪ « :22‬يف أثناء هذا العرض أحاول أن أعرج وأن أضع اصبعي عىل األسباب التي دعت لإللحاد‪ ،‬ألن كث ٌري‬ ‫أسباب عقلي ٍة برهاني ٍة استداللي ٍة استنتاجية‪ .‬ال‪ ،‬كانت من باب العوامل‪ ،‬يوجد‬ ‫جداً من هذه األسباب مل تكن محض‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫فرق بني السبب والعامل أو بني الدليل وبني العلّة»‪.‬‬ ‫لتبسيط هذه الفكرة نقول إن هنالك فرقًا بني الدليل عىل صحة فكر ٍة ما‪ ،‬وبني العلّة التي تُوجد شيئاً ما‪ .‬فحني يسألك‬ ‫أحدهم ملاذا تعتقد أن األرض كروية؟ فإنك تجيبه بطرح مجموع ٍة من األدلّة مثل وجود صو ٍر ت ّم التقاطها بواسطة األقامر‬ ‫الصناعية وغري ذلك‪ ،‬وهذا يُسمى استدالالً‪ ،‬حيث أنك قمت بتقديم دليلٍ عىل صحة ما تعتقد‪ .‬أما حني يت ّم سؤالك ملاذا‬ ‫تأكل طعاماً خالياً من امللح وتجيب بكونك مصاباً مبرض ارتفاع ضغط الدم فإن هذا ليس استدالالً‪ ،‬بل تقديم عل ٍة أو‬ ‫سبب يدفعك إىل االبتعاد عن الطعام الذي يحتوي عىل امللح‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وما يحاول عدنان ابراهيم قوله هو أن امللحدين مل ينكروا وجود اإلله بسبب امتالكهم ألدل ٍة عقلي ٍة أو علمي ٍة بل بسبب‬ ‫حاالتهم النفسية وتجاربهم يف الحياة وما شابه ذلك‪ .‬والرد عىل هذا االدعاء بسي ٌط جدا ً ننقله من املثال الذي رضبه‬ ‫بنفسه لتبسيط الفرق بني الدليل والعلّة حيث يطرح سؤاالً بسيطاً وهو‪ « :‬ملاذا البلدة الفالنية مسيحي ٌة كاثوليكية؟ هذا‬ ‫يك عندي األدلّة عىل ذلك‪.‬‬ ‫مسيحي كاثولي ٌ‬ ‫كل فر ٍد من أهل هذه البلدة أنا‬ ‫ليس ُمدلالً بل ُمعلالً‪ ،‬مستحيل أن يقول لك ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أنت وجدت نفسك كذلك‪ ،‬أنت ابن عواملٍ معين ٍة ابن عللٍ معين ٍة »‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫أي دينٍ آخر يتبع‬ ‫واملشكلة التي أوقع نفسه بها أن مثاله يدل عىل كون املؤمن سوا ًء اليهودي أو املسيحي أو املسلم أو ُ‬ ‫دين أهله الذي وجدهم عليه‪ ،‬أي إن حجته تنقلب عليه لتثبت أن املؤمن هو الذي يتبع أفكارا ً معين ًة بسبب عواملٍ‬ ‫وعللٍ ال أدل ًة وبراهني‪ .‬هذا من جهة أما من جه ٍة أخرى فإن املؤمن باإلله هو الذي يجب أن يق ّدم أدل ًة عىل وجوده‪ ،‬يف‬ ‫مطالب بتقديم أي أدل ٍة أو براهني ألن الب ّينة عىل من ا ّدعى‪ ،‬وامللحد ببساطة “ال يؤمن” بوجود إله‪.‬‬ ‫حني أن امللحد غري‬ ‫ٍ‬ ‫رص كان نجد نقدا ً فلسفياً لجميع األدلة التي يطرحها املؤمنون‪ ،‬ويف‬ ‫أي ع ٍ‬ ‫ورغم ذلك فإننا حني نقرأ كتب امللحدين ومن ِ‬ ‫وقتنا الحايل توجد العديد من الكتب النقدية الصارمة التي تطرح وجود أدل ٍة فلسفي ٍة وعلمي ٍة عىل عدم وجود اإلله (مع‬ ‫مطالب بذلك من حيث األصل)‪.‬‬ ‫األخذ بالحسبان أن امللحد غري‬ ‫ٍ‬

‫‪ 3‬ـ الدقيقة ‪ « :39‬عمو ًما يتم ربط اإللحاد بنفي األخالقية‪ ،‬و ُيقال بأن امللحد ال ميتلك أخالقي ًة أو التزا ًما أخالق ًيا وهذا‬ ‫غري صحيح‪ ،‬طبعاً واقعياً غري صحيح‪ ،‬ميكن أن تجد ملحدً ا وعنده أخالقية عالية جداً »‪.‬‬ ‫الظاهر من هذا الكالم أن عدنان ابراهيم ال يتّهم امللحدين بسوء األخالق أو انعدام الوازع األخالقي‪ ،‬وأن كل ٍ‬ ‫شخص‬ ‫نصه‪« :‬‬ ‫يربط بني الالأخالقية واإللحاد فهو مخطئ‪ .‬إال ان األمر ليس كذلك ففي الحلقة الثانية‪/‬الدقيقة ‪ 23‬يقول ما ّ‬ ‫مهتم بالقضية إال أنه يعيش وكأن اآللهة‬ ‫اإللحاد العميل ال ينخرط صاحبه يف‬ ‫املحاجات والسجاالت النظرية‪ ،‬فهو غري ٍ‬ ‫ّ‬ ‫غري موجودة كأن الله غري موجود‪ ،‬يعني عايش حياته بالطول وبالعرض ال ميتلك حال ًال أو حراماً‪ .‬اآلن لو سألت هل‬ ‫هذا موجود؟ الجواب‪ :‬موجود بكرثة بني املسلمني وبني املسيحيني وبني اليهود وبني الهندوس وبني كل بني البرش‪ .‬كث ٌري‬ ‫من بني البرش يعيش عملياً كملح ٍد عميل‪ .‬وأنت تستغرب هذا الشخص يؤمن بالله واليوم اآلخر! وهو يفعل هذه‬ ‫األفاعيل‪ .‬يهجر أباه ‪ 10‬سنني أو يرضب أباه أو يرضب أمه أو يكره أقرب الناس إليه أو يزين يف أقرب الناس إليه – زنا‬ ‫املحارم‪ -‬أو يأكل أموال املساجد أو أموال اليتامى أو أموال التربعات للمنكوبني »‪ .‬لقد نقلت هذا الكالم رغم طوله‬ ‫حتى يقتنع القارئ بأنني ال أتج ّنى عليه أو أق ّوله ما مل يقل‪ .‬وهذا يعني أن عدنان ابراهيم يعتقد بأن الشخص الذي‬ ‫أي‬ ‫أي راد ٍع مينعه من فعل ِّ‬ ‫يعيش وكأن اإلله غري موجود ـ جميع امللحدين يعيشون وكأن اإلله غري موجود ـ ال ميتلك ّ‬ ‫يش ٍء يُريده وهو يعيش حياته بالطول وبالعرض‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫ولنؤكّد نظرته هذه ننقل ما قاله يف الحلقة الثانية أيضاً‪ ،‬الدقيقة ‪ 42‬عند حديثه عن مدرسة هندوسية تعود للقرن‬ ‫أشعار قليلة‪ ،‬وحني تقرأ هذه األشعار تشعر أنك أمام نزع ٍة إلحادي ٍة‬ ‫السادس قبل امليالد تدعى لوكاياتا‪ « :‬وردتنا عنها‬ ‫ٌ‬ ‫أي عيش حياتك بالطول وبالعرض‪ ،‬يف النهاية الكل فاين واضح أنها نزعة إلحادية »‪.‬‬ ‫فهي تدعو إىل التم ّتع ّ‬ ‫فس التمتّع وعيش الحياة بالطول والعرض عىل أنه نزع ٌة إلحادي ٌة واضح ٌة‪.‬‬ ‫وكام هو واضح وظاهر للعيان فانه قد ّ‬ ‫ظن أن سقراط كان نبياً الله أعلم‪ ،‬وسلوكه عجيب وميتته الكرمية فيها‬ ‫‪ 4‬ـ الدقيقة ‪ « :47‬لذلك بعض اإلسالميني ّ‬ ‫رشف»‪ .‬وقبل أن نرشح الخطأ يف هذا الكالم ينبغي أن نسطر بعض الكلامت التي نرشح من خاللها الطريقة التي مات‬ ‫الفيلسوف سقراط بها‪.‬‬ ‫ملخص القصة باالعتامد عىل كتاب محاورات أفالطون‪ :‬قضت املحكمة اليونانية بإعدام سقراط والتهمة هي إفساد‬ ‫الشباب وعدم اإلميان باآللهة التي تعرتف بها الدولة‪ .‬ويف الساعات األخرية قبل تنفيذ الحكم حدث يش ٌء مفاجئ‪ ،‬وهو‬ ‫رص عىل‬ ‫قدوم صديقه أقريطون ليقنعه بالهروب من السجن وعدم الخضوع للعقوبة الظاملة‪ ،‬إال أن سقراط أىب ذلك وأ ّ‬ ‫البقاء وتقبّل العقوبة املتمثلة برشب السم‪ ،‬فهو يعتقد أن الهروب سيُق ّدم مثاالً سيئاً للناس الذين لن يحرتموا تطبيق‬ ‫القانون يف حال هروبه‪ .‬ومن أجل نظر ٍة تفصيلي ٍة لهذه الحادثة املؤملة ميكنك عزيزي القارئ أن تشاهد لوحة “موت‬ ‫سقراط” للرسام الفرنيس جاك لوي دافيد‪.‬‬ ‫والسؤال الذي نطرحه عىل عدنان‬ ‫ابراهيم هو‪ :‬أين الرشف والكرامة‬ ‫يف االنتحار؟ ففي النهاية‪ ،‬سقراط‬ ‫هو الذي ق ّرر البقاء يف السجن‬ ‫ورشب السم مبحض إرادته‪ ،‬ويف‬ ‫حال افرتضنا كونه نبياً‪ ،‬هل يجوز‬ ‫له أن يخضع لقوانني دول ٍة وثني ٍة‬ ‫ظامل ٍة ال تحكم مبا أنزل إلهه‬ ‫عليه؟ وأكرث من ذلك هو أن‬ ‫سقراط مل يهرب من أجل عدم‬ ‫تشجيع الناس عىل مخالفة هذه‬ ‫القوانني الوثنية!‬ ‫‪ 5‬ـ الدقيقة ‪ « :49‬إذا ع ّرفنا اإللحاد بأنه إنكار وجود الذات االلهية أو إنكار وجود الله‪ ،‬فليس يف الحضارة اإلسالمية‬ ‫ملحدٌ واحد‪ .‬ال أبو العالء املعري وال محمد بن زكريا الرازي وال ابن الراوندي‪ ،‬وهؤالء كبار املالحدة املشهورين يف‬ ‫التاريخ »‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫ملحد ٍ‬ ‫كيف علِم عدنان ابراهيم بعدم وجود ٍ‬ ‫واحد طوال قرونٍ عديد ٍة وعىل امتداد آالف األميال؟ هل سأل الناس جميعاً‬ ‫ملحد ٍ‬ ‫إن كانوا غري مؤمنني بوجود اإلله وأجابوه بالنفي؟ أم لعلّه يقصد عدم وجود ٍ‬ ‫واحد ضمن فالسفة ومفكّري وأدباء‬ ‫ٍ‬ ‫الحضارة اإلسالمية‪ ،‬ولكن هذا املقصد لن ينفعه أيضاً وسيبقى كالمه يف خانة الخطأ‪ ،‬حيث أننا نجد شذر ٍ‬ ‫ومقتطفات‬ ‫ات‬ ‫كثري ٍة ّ‬ ‫تدل عىل إلحاد بعضهم وعدم إميانهم بوجود اإلله‪ .‬ومثال ذلك قول الشاعر بشار بن برد يف الرد عىل اعرتاضات‬ ‫أحد أصدقائه‪ :‬ال أعرف إال ما عاينت أو عاينت مثله‪( .‬شخصيات غري قلقة يف اإلسالم ص ‪.)150‬‬ ‫كام أن هنالك مناظراتٌ عديد ٌة متّت بني جعفر بن محمد ـ املُلقب بالصادق ـ من جه ٍة وبعض امللحدين من جه ٍة أخرى‪،‬‬ ‫وهذا أحد امللحدين يسأله “ما الدليل عىل صانع العامل؟” ويسأل أيضاً‪: :‬فام الفرق بني أن ترفعوا أيديكم إىل السامء وبني‬ ‫أن تخفضوها نحو األرض؟“(االحتجاج ص ‪.)332‬‬ ‫ويف جلس ٍة أخرى دخل امللحد ابن أيب العوجاء عىل الصادق فسأله األخري‪”:‬يا ابن أيب العوجاء أنت مصنو ٌع أم غري‬ ‫مصنوع؟ قال‪ :‬لست مبصنوع‪( .‬املصدر السابق ص ‪.)333‬‬ ‫وللتأكد أكرث عزيزي القارئ أنقل لك أيضاً سؤال ابن أيب العوجاء للصادق‪ :‬أليس تزعم أ ّن الله تعاىل خالق كل يشء؟‬ ‫فقال ابو عبد الله (يعني الصادق)‪ :‬بىل‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬أنا أخلق‪.‬‬ ‫فقال له‪ :‬كيف تخلق؟‬ ‫فقال‪ :‬أحدث يف املوضوع‪ ،‬ثم ألبث عنه‪ ،‬فيصري دواب‪ ،‬فكنت أنا الذي خلقتها‪( .‬اإلمام الصادق ص ‪ 431‬وص ‪.)432‬‬ ‫وهذه النامذج ت ُّبي بكل وضو ٍح وجود مفكّرين يُنكرون وجود اإلله يف الحضارة اإلسالمية عىل عكس ما زعمه عدنان‬ ‫ابراهيم‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫الحلقة الثانية‬ ‫‪ 1‬ـ الدقيقة ‪ « :14‬أكرث من فيلسوف يف العصور الحديثة طرح السؤال‪ :‬هل يوجد مالحدة حقيقيون؟ أعتقد ديدرو‬ ‫نفسه ُسئل مرة‪ ،‬هل يوجد ملحدٌ حقيقي؟ فقال وهل يوجد مسيحي حقيقي؟»‬ ‫قبل اإلجابة عىل هذا السؤال نحتاج اىل وضع‬ ‫ٍ‬ ‫تعريف موج ٍز لإللحاد وهو‪ :‬عدم اإلميان بوجود إله‬ ‫أو آلهة‪ .‬وعليه هل يوجد ملح ٌد حقيقي؟ جوابنا‪:‬‬ ‫يوجد بكل تأكيد‪ .‬ففي كل مكانٍ حول العامل‬ ‫يوجد ماليني األشخاص الذين ال يؤمنون باإلله أو‬ ‫اآللهة وكفى‪ .‬إن اإللحاد ليس إمياناً بيش ٍء مع ٍني‬ ‫وال مجموع ٍة من الطقوس واجبة التطبيق ليك‬ ‫نبحث عن ٍ‬ ‫ملحد يقوم بتطبيقها ونس ّميه “ملح ٌد‬ ‫حقيقي”‪ ،‬إنه بكل بساط ٍة عدم اإلميان بفكر ٍة‬ ‫معين ٍة تُدعى الله‪ ،‬ولذلك فإن اإللحاد يختلف عن‬ ‫ٍ‬ ‫عقائد ومامرسة‬ ‫اإلميان الذي يُجربك عىل اعتناق‬ ‫ٍ‬ ‫طقوس محدد ٍة قبل الحصول عىل لقب مؤمن‪.‬‬ ‫ميجسانه ويف رواية‬ ‫‪ 2‬ـ الدقيقة ‪ « :33‬النبي قال هذا‪ :‬كل مولو ٍد يولد عىل الفطرة فأبواه يه ّودانه أو ّ‬ ‫ينصانه أو ّ‬ ‫ميسلامنه‪ ،‬كام تنتج البهيمة بهيم ًة جمعاء‪ ،‬هل ترى فيها من جدعاء؟‬ ‫حجة ضد الدين‪ ،‬أن املجتمع هو الذي يشكّل بعد ذلك عقيدة‬ ‫لكن النبي يعرف ويفهم أن هذا ال ُيكن أن يشكّل ّ‬ ‫الطفل أو عقيدة الفرد وموقفه األيديولوجي‪ .‬نحن نتحدّ ث عن االستعداد»‪.‬‬ ‫ال جدال يف أن تأثري املجتمع عىل طبيعة اإلله أو الدين الذي يؤمن به الفرد داخل هذا املجتمع ال عالقة له بكون هذا‬ ‫الدين حقاً أو باطالً‪ ،‬إال أن هذا التأثري الذي يقول عنه عدنان ابراهيم بأنه “يشكل بعد ذلك عقيدة الطفل أو عقيدة‬ ‫الفرد وموقفه األيديولوجي”‪ ،‬يكون يف غري صالح املؤمن أبدا ً‪ .‬وأمر آخر ينبغي الرتكيز عليه‪ ،‬هو أن مقارنته بني وجود‬ ‫موفق أبدا ً فاألول ميتلك وعياً‬ ‫االستعداد لدى االنسان لتق ّبـل الدين والتعامل معه عىل عكس باقي الكائنات الحية غري ٍ‬ ‫يختلف عن وعي باقي الكائنات‪ .‬ثم إن وجود هذا االستعداد ال يعني أنه أم ٌر جي ٌد أو مفي ٌد‪ ،‬فاإلنسان لديه االستعداد‬ ‫رضة واالعتقاد بص ّحتها والعيش وفقاً لها مثل الخرافات واألساطري والشعوذة وما شابه ذلك‪.‬‬ ‫لتق ّبـل الكثري من األمور امل ُ َّ‬ ‫وألجل هذا كله‪ ،‬ينبغي عىل عدنان ابراهيم أن يثبت حقانية الدين ووجود منفع ٍة يحصل عليها اإلنسان منه‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫الحلقة الثالثة‬ ‫متقارب أما‬ ‫‪ 1‬ـ الدقيقة‪ « :11‬إله أفالطون غري إله أرسطو‪ ،‬إله ديكارت غري إله سبينوزا‪ ،‬إله ليبنتز مالربانش وديكارت‬ ‫ٌ‬ ‫إله سبينوزا فمختلف‪ ،‬إله كانط الذي قال به لرضور ٍ‬ ‫ات أخالقي ٍة وعملي ٍة فقط يختلف عن كل هذه اآللهة‪ ،‬إله هيغل‬ ‫وهو الروح املطلق يختلف متاماً‪ ،‬وهذا هو إله الفالسفة‪ ،‬ولدينا أيضاً إله ابراهيم واسحق ويعقوب ويسوع »‪.‬‬ ‫نُضيف إىل هذا املقتطف عبار ًة أخرى قالها يف الحلقة األوىل‪/‬الدقيقة ‪« :46‬اإلله الذي تؤمن به الحضارة هذه‪ ،‬غري اإلله‬ ‫الذي تؤمن به الحضارة تلك‪ .‬فأنت قد تنفي هذا اإلله ف ُتعد ملحدً ا عند أبناء هذه الثقافة لكن تبقى مؤمن ًـا وقد تكون‬ ‫مؤمن ًـا كر ًميا عند ثقاف ٍة أخرى مل ِ‬ ‫تنف آلهتها أو إلهها»‪.‬‬ ‫ال يحتاج امللحد إىل أكرث من هذا الكالم الذي ذكره عدنان ابراهيم ليُثبت كون فكرة اإلله ليست موضوعي ًة بتاتاً‪ ،‬فهي‬ ‫تخضع ملشاعر الناس وتقلّباتهم الفكرية من زمانٍ إىل آخر ومن بقع ٍة جغرافي ٍة إىل أخرى وهكذا دواليك‪ ،‬ومام لفت‬ ‫نظرنا يف املقتطف األول هو قوله‪“ :‬ولدينا أيضاً إله ابراهيم واسحق ويعقوب ويسوع”‪ ،‬الذي يشري به اىل كون هؤالء‬ ‫األنبياء لديهم فكر ٌة واحد ٌة أو تص ّو ٌر واح ٌد لإلله عىل عكس الفالسفة الذين اختلفوا فيام بينهم‪ .‬ونحن نعرتض عىل ذلك‬ ‫ألن عدنان ابراهيم ال ميتلك وثائقًا تعود إىل عصور هؤالء األنبياء لتخربنه بفكرة كل ٍ‬ ‫واحد منهم عن اإلله الذي يؤمن‬ ‫ينص عىل كون جميع األنبياء‬ ‫به ويدعو اليه‪ .‬والسبب الوحيد الذي دفعه لقول مثل هذا الكالم هو إميانه بالقرآن الذي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شخص ي ّدعي املوضوعية والحيادية ويُنايف‬ ‫مرسلون من قبل اإلله لغرض نرش رسال ٍة واحدة‪ ،‬وهو خطأٌ كب ٌري من قبل‬ ‫قوله يف الحلقة األوىل‪/‬الدقيقة ‪« :29‬نحن لن نتدخّل يف األديان ال اإلسالم وال غري اإلسالم ال توحيدية وال غري توحيدية‬ ‫سنتط ّرق فقط ملحل النزاع وهو الله كخالق»‪.‬‬ ‫ونبي نفرتض ألف سن ٍة أو أكرث أو أقل‪ ،‬فال بد‬ ‫نبي ٍ‬ ‫‪ 2‬ـ الدقيقة ‪« :30‬البد أن الرشائع تختلف من مرحل ٍة إىل مرحل ٍة بني ٍ‬ ‫أن تختلف الترشيعات‪ ،‬ما املشكلة؟ ما الذي ُينكر يف اختالف الترشيعات؟ لكن يف التوحيد يف أصول االعتقاد كلّهم عىل‬ ‫ٍ‬ ‫قول واح ٍد فال يتناقضون»‪.‬‬ ‫عند قراءة هذا الكالم للمرة األوىل قد نستنتج منه أن هنالك دعوى لتحديث الدين وأن ال مشكلة يف اختالف األحكام‬ ‫اإللهية تبعاً لتب ّدل الظروف واألزمان‪ ،‬إال أننا حني نقرأه بعقلٍ‬ ‫صارم فإننا نجد فيه الكثري من املغالطات‪ ،‬أولها‪ :‬ملاذا‬ ‫نقدي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ال يقوم الشيخ عدنان ابراهيم بتطبيق هذا املبدأ عىل الرشيعة اإلسالمية وأن يعتربها رشيع ًة متاثل الرشائع الدينية التي‬ ‫سبقتها من حيث حاجتها للتجديد والتحديث؟ فاألحكام اإلسالمية ظهرت قبل ‪ 15‬قرناً يف حني أننا حالياً نعيش يف القرن‬ ‫الحادي والعرشين‪ ،‬وعليه أال ينبغي أن نط ّور من فروع الدين؟ قد يُجيب بأن الرشيعة اإلسالمية كامل ٌة وصالح ٌة لكل‬ ‫زمانٍ ومكان‪ ،‬ور ّدنا عىل ذلك هو‪ :‬لو أن الرشيعة اإلسالمية كانت كذلك حقاً‪ ،‬اذا ً ملاذا أرسل اإلله رشائع ناقصة سبقت‬ ‫اإلسالم؟ أمل يكن من األفضل أن يُرسل رشيع ًة كامل ًة منذ البداية لينتهي مثل هذا االعرتاض‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫رصف بشكلٍ غري منطقي‬ ‫عدنان ابراهيم هنا يقع بني خيارين‪ ،‬فإما ان يقبل بتحديث فروع الدين أو يقبل بكون اإلله يت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رساالت غري كامل ٍة إىل أن يصل الدور إىل النبي األخري الذي ميتلك ديناً كامالً‪.‬‬ ‫ويقوم بإرسال أنبيا ٍء مع‬ ‫النص وهي‪“ :‬لكن يف التوحيد يف أصول االعتقاد كلهم عىل ٍ‬ ‫قول واح ٍد فال‬ ‫نصل اآلن اىل محاكمة العبارة األخرية يف ّ‬ ‫يتناقضون”‪ .‬وهي عبار ٌة غريب ٌة جدا ً ت ُجربناً عىل التساؤل أال يعلم عدنان ابراهيم بأن صفات اإلله ليست واحد ًة يف جميع‬ ‫األديان‪ ،‬بل إن طبيعة اإلله ليست هي نفسها يف جميع األديان؟‬ ‫وليك يكون كالمه هذا ذا مصداقية ملتابعيه فإنه يجب أن يُثبت كونه قد قرأ رساالت جميع األنبياء يف رشق األرض وغربها‬ ‫حتى ميكنه القول بأنهم عىل قو ٍل ٍ‬ ‫واحد‪ ،‬ومبا أن كالمه موج ٌه للملحدين بالدرجة األوىل‪ ،‬فهل ميكن أن يقول لنا كيف‬ ‫سيُقنع ملحدا ً بأن األنبياء عىل قو ٍل ٍ‬ ‫النص الديني؟‬ ‫واحد يف مسألة التوحيد وذلك باالعتامد عىل مصاد ٍر مستقل ًة عن ّ‬ ‫‪ 3‬ـ الساعة ‪ 1‬الدقيقة ‪« :3‬فكرة من الذي ق ّنن القوانني إىل اليوم تطرح نفسها بقو ٍة متجدد ٍة يف العلوم الطبيعية”‪“ .‬وال‬ ‫جواب عن هذا األمر»‪.‬‬ ‫فلسفي وقناعتنا أنه ال يوجد‬ ‫جواب‬ ‫يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وجود األسئلة يف مجال العلم وفلسفته أم ٌر جي ٌد ومطلوب‪ ،‬وذلك ألن األسئلة هي التي تح ّرك وتدفع العلامء للبحث‬ ‫ومحاولة الوصول إىل إجاب ٍة علمي ٍة صحيحة‪ ،‬وفيام يتعلّق بقضية من الذي وضع القانون يف الطبيعة توجد إجاباتٌ‬ ‫متعدد ٌة وبعض االعرتاضات بني أصحاب اإلجابات املختلفة‪ ،‬ومثال ذلك‪:‬‬ ‫الرأي األول‪ :‬هنالك أكوان متوازي ٌة النهائية‪ ،‬ويف كل كونٍ من هذه األكوان توجد قوان ٌني مختلف ٌة عن تلك املوجودة يف‬ ‫كوننا الذي نعيش فيه‪.‬‬ ‫الرأي الثاين‪ :‬القوانني غري موجودة يف الواقع الخارجي‪ ،‬وكل ما يف األمر أن العلامء يدرسون الظواهر الطبيعية وفق‬ ‫ٍ‬ ‫تيس عليهم فهم الواقع‪.‬‬ ‫معادالت وصيغٍ رياضية ّ‬ ‫وغري ذلك من اآلراء الفلسفية التي مل تحسم حتى اآلن‪ ،‬لكن الغريب يف األمر أن عدنان ابراهيم يعترب الرأي الثاين مجرد‬ ‫نظر ٍة عدمي ٍة ويقول عنه بأنه يرضب “صدقية العلم بل صدقية العقل ذاته”‪ .‬لكننا سنثبت كون عدنان ابراهيم ومن‬ ‫ّلف لفّه هم الذين يرضبون صدقية العلم بل وصدقية العقل ذاته ومن كالمه هو شخصياً حيث قال يف الدقيقة ‪:33‬‬ ‫«يف األديان ـ حتى األديان التوحيدية ـ فإن اإلله يتدخّل يف الشأن الطبيعي واإلنساين أحياناً‬ ‫وبأسلوب‬ ‫بأسلوب ساف ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ينتهك حرمة القوانني الطبيعية واالجتامعية‪ ،‬هذا األمر يرفضه العقل الفلسفي الجديد‪ ،‬والعقل العلمي فريفضه متاماً»‪.‬‬ ‫وأترك الحكم لك عزيزي القارئ لتخربنا من هو الذي يرضب العلم والعقل من أجل املحافظة عىل إميانه واعتقاده‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫الساعة ‪ 1‬الدقيقة ‪« :4‬اإللحاد‬ ‫عقيل يعني قبل أن تلحد متاماً وبثق ٍة كامل ٍة البد أن تنتحر عقلياً ال يوجد ملحدٌ‬ ‫ٌ‬ ‫انتحار ٌ‬ ‫يلحد ويكون واثقاً إال بعد أن بقوم مبحاولة االنتحار العقيل وينكر صدقية العقل ولياقات العقل درى أو مل يد ِر»‪.‬‬ ‫ينص عىل كون الفيلسوف ديفيد هيوم وكثري من امللحدين‬ ‫املقتطف األخري جاء تعقيباً عىل افرتاض عدنان ابراهيم الذي ّ‬ ‫الجدد يعتقدون بعدم وجود قوانني يف الواقع الخارجي وأن كل ما يحصل يف البحث العلمي هو محاول ٌة عقلي ٌة لتفسري‬ ‫الطبيعة‪ .‬فإذا كان الحال كذلك‪ ،‬كيف يتج ّرأ عىل ات ّهام جميع امللحدين باالنتحار العقيل وإنكار لياقات العقل مع أن‬ ‫القضية تقترص عىل ديفيد هيوم وكثري ـ ليس كل ـ امللحدين الجدد فقط؟‬ ‫مهام يكن من أم ٍر فإن رأينا الشخيص هو أن هذا املوضوع يرتبط بفلسفة العلم‪ ،‬وكيفام كانت النتيجة التي يتم اثباتها‬ ‫فإننا سنأخذ بها حتى وإن تم اتّهامنا جزافاً باالنتحار العقيل (دون إثبات لهذه التهمة)‪.‬‬

‫وقبل أن نغادر هذه الفقرة سنثبت لك عزيزي القارئ بأن املؤمن هو الذي ينكر صدقية العقل ولياقات العقل درى‬ ‫أو مل يدرِ‪ ،‬وأنه ينتحر عقلياً عند قوله عبارة‪ :‬أنا اؤمن بوجود اإلله‪ .‬وكل ذلك من كالم عدنان ابراهيم يف نفس هذه‬ ‫السلسلة من املحارضات حيث قال يف الحلقة الثالثة‪/‬الدقيقة ‪« :26‬يف نهاية املطاف‪ّ ،‬‬ ‫كل إميان البد أن يكون فيه جز ٌء‬ ‫سمه باسكال رهاين‪ ،‬يعني نو ٌع من الرهان أ ّما أن تقول بأن اإلميان ُيكن تربيره كلّه عقلياً‪ ،‬هذا‬ ‫تسليمي وهو جز ٌء كام ّ‬ ‫كال ٌم فارغ»‪.‬‬ ‫هذا ما تحصل عليه عند إميانك فهنيئاً لك به يا عزيزي املؤمن‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫الحلقة الرابعة‬

‫‪ 1‬ـ الدقيقة ‪ : 40 - 39‬ينقل لنا عدنان ابراهيم قص ًة رواها اليهودي الحاصل عىل جائزة نوبل إييل ويزيل الذي فقد‬ ‫أمه وأخته يف محرقة اليهود‪ .‬ومل ّخص القصة أن هنالك طفالً يف العارشة من العمر أو دون ذلك اقتيد إىل حبل املشنقة‬ ‫أمام عيني ويزيل وعد ٍد كبري من اليهود ويف لحظة اإلعدام تساءل أحد الواقفني “أين الله؟ أين هو؟”‪ .‬يقول وييل‪ :‬انبثق‬ ‫معلق عىل املشنقة! وهو يقصد أن الله قد مات مع الطفل‪.‬‬ ‫صوتٌ يف داخيل أسمعه بشكلٍ واضح يقول ها هو ٌ‬ ‫منطقي لإللحاد‪ ،‬إمنا‬ ‫يل وال تربي ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫يعقّب عدنان ابراهيم عىل هذه القصة‪« :‬هذه مسأل ٌة نفسي ٌة وليست بتفس ٍري عق ٍ‬ ‫مسأل ٌة نفسي ٌة ناتج ٌة من تجرب ٍة شخصية»‪.‬‬ ‫نفيس أبدا ً‪ ،‬فأساس الحجة‬ ‫قد يكون للتأثري النفيس دو ٌر يف إلحاد كثريٍ من الناس إال أن هذه القصة ال تحتوي عىل تأثريٍ ٍ‬ ‫كل القدرة أن يقف مكتوف األيدي وهو يشاهد‬ ‫التي دفعت ويزيل لإللحاد عقيل وليس عاطفي‪ .‬إذ كيف ميكن إلل ٍه ّ‬ ‫طفالً يُعدم أو يُغتصب أو يتم يعذبه؟ مثل هذه األسئلة تضع اإلله قيد املحاكمة األخالقية وتنفي عنه آية الرحمة أو‬ ‫جانب آخر فإننا مل ننس االقتباس الذي نقلناه عن عدنان ابراهيم الذي يقول فيه أن اإلله‬ ‫الطيبة‪ ،‬هذا من جانب أ ّما من ٍ‬ ‫وفقاً للتص ّور اإلمياين يتد ّخل لتغيري الواقع دامئاً‪ ،‬ونُعيده هنا الرتباطه باملوضوع حيث قال يف الحلقة الثالثة‪/‬الدقيقة ‪:33‬‬ ‫«يف األديان ـ حتى األديان التوحيدية ـ فإن اإلله يتدخّل يف الشأن الطبيعي واإلنساين أحياناً‬ ‫وبأسلوب‬ ‫بأسلوب ساف ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ينتهك حرمة القوانني الطبيعية واالجتامعية‪ ،‬هذا األمر يرفضه العقل الفلسفي الجديد‪ ،‬والعقل العلمي فريفضه متاماً»‪.‬‬ ‫يتبي أن قضية وجود اإلله ُيكن أن تتم محاكمتها بطرقٍ مختلف ٍة وكل ذلك وفقاً ٍ‬ ‫يل رصني‪.‬‬ ‫ألساس عق ٍ‬ ‫وهكذا ّ‬

‫الحلقة الخامسة‬ ‫‪ 1‬ـ الدقيقة ‪« :23‬هل سيأيت يو ٌم عىل اإلنسان فع ًال ميلك فيه أز ّمة كل يشء ويترصف فيه يف كل يشء؟ أنا شخصياً ال‬ ‫أؤمن بهذا‪ ،‬مستحيل‪ ،‬مستحيل‪ .‬ال يستطيع ولن يستطيع‪ ،‬تعرفون ملاذا؟ الكون أرحب بكثري من أن يسمح له بذلك»‪.‬‬ ‫هذا الكالم ال يحتوي عىل أي دليلٍ يسنده وخصوصاً كلمتي “لن يستطيع”‪ ،‬فهي تعني أن البرش لن يتمكّنوا أبدا ً مهام‬ ‫حافظوا عىل أنفسهم وتق ّدمت تقنياتهم من بلوغ هذه املرحلة‪ .‬ثم ملاذا هذه الثقة واإلميان الزائد يف يش ٍء ﻻ نعرفه أصالً‬ ‫ويقع يف خانة املجهول؟‬ ‫‪ 2‬ـ الدقيقة ‪« :39‬الخطأ أن يتدخّل الدين يف املسار العلمي‪ ،‬سوا ًء كان إسالم أو مسيحية أو يهودية‪ .‬ال يجوز ملُفتي ال‬ ‫ُمفتي الجمهورية وال ُمفتي اململكة ال يجوز لعامل دين أن يقول للعلامء ماذا تكتشفون وعن ماذا تسكتون‪ ،‬كيف تبنون‬ ‫املحرمة أن تُبنى‪ ،‬هذا كالم فارغ‪ ،‬العلم البد أن ُيعطى حري ًة تامة»‪.‬‬ ‫نظري ًة وما هي النظريات ّ‬ ‫‪13‬‬


‫مطرقة اإللحاد وزجاج اإلميان‬ ‫حيان الخياط‬

‫الكالم جميل جدا ً وال منلك أي اعرت ٍ‬ ‫اض عليه‪ ،‬لكننا ال نشكر عدنان ابراهيم أو نرفع من شأنه من أجل ما قاله‪ .‬فالوضع‬ ‫الطبيعي هو أن مننع الدين من التد ّخل يف أي يش ٍء ما عدا تأثريه عىل الفرد الذي يرغب بذلك لنفسه وفقط نفسه‪،‬‬ ‫رصح أحد رجال الدين برضورة فصل العلم أو أي مجا ٍل آخر عن الدين وإعطائه الحرية الكاملة فإنه ال يُحسن‬ ‫وحني يُ ّ‬ ‫أو يتفضل علينا بقوله لهذا الكالم‪.‬‬ ‫وإىل هنا نكون قد وصلنا إىل نهاية املقال‪ ،‬وبعد كل ما ذكرناه يف نقدنا للحلقات الخمس األوىل من هذه السلسلة سنضع‬ ‫حكمنا عىل طروحات وأفكار عدنان ابراهيم بصور ٍة عامة يف أقل عد ٍد ممكنٍ من الكلامت‪ .‬ورأينا الرصيح فيه‪:‬‬ ‫أنه أفضل من غريه من رجال الدين‪ ،‬إال أن اليسء واألسوأ لن يختلفا كثريا ً يف نهاية املطاف وذلك ألن املنبع واحد‪.‬‬

‫املصادر‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ االحتجاج ـ احمد بن عيل بن ايب طالب الطربيس‪ ،‬مؤسسة االعلمي للمطبوعات ـ مؤسسة اهل البيت‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ اإلمام جعفر الصادق يف نظر علامء الغرب ـ ترجمة نور الدين ال عيل‪ ،‬دار الفاضل‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ تحقيق ما لإللحاد من مقولة ـ محمد املزوغي‪ ،‬دار الجمل‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ شخصيات غري قلقة يف اإلسالم ـ هادي العلوي‪ ،‬دار الكنوز االدبية‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ محاورات أفالطون‪ :‬أوطيفرون‪ .‬الدفاع‪ .‬أقريطون‪ .‬فيدون ـ تعريب زيك نجيب محمود‪ ،‬لجنة التأليف والرتجمة والنرش ‪.1937‬‬

‫‪14‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

15


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬

‫لكل ٍ‬ ‫شخص حرية التفكري والضمري والدين‪ ،‬ويشمل هذا الحق حرية تغيري ديانته أو عقيدته‪ ،‬وحرية اإلعراب عنها‬ ‫ّ‬ ‫رسا أو مع الجامعة‪.‬‬ ‫بالتعليم واملامرسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء كان ذلك ً‬ ‫هذا كان نص املادة ‪ 18‬من حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫لكل شخص الحق يف حرية الرأي والتعبري‪ ،‬ويشمل هذا الحق حرية‬ ‫تنص أنّ‪ّ :‬‬ ‫ويكمل مع املادة رقم ‪ 19‬والتي ّ‬ ‫أي تد ّخلٍ واستقاء األنباء واألفكار وتلقّيها وإذاعتها بأيّة وسيل ٍة كانت دون ٍ‬ ‫تقيد بالحدود‬ ‫اعتناق اآلراء دون ّ‬ ‫الجغرافية‪.‬‬ ‫هذا ما تنص عليه حقوق اإلنسان‪ ،‬اإلنسان معدوم القيمة مبنطقتنا العربية واإلسالمية ‪.‬‬ ‫صنفت نامي ًة‪ -‬عرض الحائط‪ ،‬بلدا ٌن نامي ٌة بينام األجدر كان نعتها مبتوقفة النمو بل‬‫وقد رمت بهذا النص بلدا ٌن ُ‬ ‫املتحجرة من عصو ٍر غابرة‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬ ‫رائف البدوي‪ ،‬من مواليد مدينة الخرب السعودية سنة ‪ ،1984‬ناش ٌط مبجال حقوق اإلنسان‪ ،‬ومن املطالبني بإلغاء هيئة‬ ‫متأهل وله بنتان وولد‪ .‬حائ ٌز عىل جائزة منظمة مراسلني بال حدود لعام ‪.2014‬‬ ‫ٌ‬ ‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات مع عرشة آالف جلد ٍة بنا ًء عىل تهمة التهجم عىل رموز دينية‪.‬‬ ‫متت محاكمته بالسجن لعرش‬ ‫بدأ تطبيق الح ّد صباح يوم الجمعة بعد صالة الظهر من أمام مسجد الجفايل مبدينة جدة بالسعودية بتاريخ‬ ‫التاسع من شهر كانون الثاين‪ -‬ديسمرب لعام ‪ 2015‬عىل مرأى سكان املدينة من أطفا ٍل وش ّبانٍ وكهول‪ ،‬حيث ُجلد‬ ‫خمسني جلد ًة ليكن عرب ًة ملن يعترب وراد ًعا ألحرار اململكة‪.‬‬ ‫يُذكر أ ّن رائف من مؤسيس موقع الشبكة اللليربالية السعودية املحظورة حاليًا‪ ،‬وهو يقبع يف السجن منذ سنتني‬ ‫بينام غادرت زوجته إنصاف حيدر وأطفالهام الثالثة إىل كندا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت عا ٍل عن مدى تطور املجتمع السعودي‪ ،‬واملطالبة باحرتام‬ ‫الجرمية التي اقرتفها رائف كانت التساؤل‬ ‫ٍ‬ ‫نقاشات سياسي ٍة وديني ٍة واجتامعية‪.‬‬ ‫الحريات األساسية يف البالد‪ ،‬مام أثار موجة‬ ‫الهش يرتجف من انتقا ٍد هنا وتساؤ ٍل هناك‪ ،‬ماالذي مينع لو كان دي ًنا ومعتق ًدأ قويًا مرتك ًزا بثقة‬ ‫هذا الدين ّ‬ ‫عىل ٍ‬ ‫أسس صلب ٍة ‪-‬كام ي ّدعي‪ -‬أن يفتح الباب للنقاشات والحوارات وحرية االعتناق أو االرتداد؟ ما مربر كل هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫معتقد‬ ‫استفهام قد تتسبب بنظرهم بهدم أو تهديد‬ ‫اص ٍة وبضع إشارات‬ ‫الخشية والرعب من مج ّرد‬ ‫ٍ‬ ‫حروف مرت ّ‬ ‫إرهاب للنفوس وس ٍّن للسيوف ملنع‬ ‫كاملٍ أو كيانٍ الينفكّون عن اللهاث خلف إحاطته بكل وسائل الدعم من‬ ‫ٍ‬ ‫كل من تس ّول له نفسه محاولة نفض الغبار عن معتقد مهرتئٍ تجد الفئة الحاكمة واملستفيدين منه استمراري ًة‬ ‫لبقائهم‪.‬‬ ‫فض بكارة الحرية باململكة السعودية‪،‬‬ ‫رائف البدوي مع قل ٍة من املفكرين السعوديني الجريئني‪ ،‬م ّمن قرروا ّ‬ ‫فكانت تهمة التحرش بالذات اإللهية ومن ثم امللكية إحدى التهم الجاهزة بانتظاره‪ ،‬حل َم ببعض التغيري للنهوض‬ ‫مبجتمعٍ اجتمع القايص والداين عىل تصنيفه مش ّو ًها لإلسالم حتى من أبناء جلدته‪ ،‬فكان مكانه الطبيعي بسجنٍ‬ ‫صغريٍ ضمن سجنٍ أكرب‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫حوار مع صديقى املسيحي‬

‫‪Donna Khaled‬‬

‫ٌ‬ ‫نابع عن تجرب ٍة حقيقي ٍة شخصية‬ ‫مقال ٌ‬ ‫يف مؤمت ٍر للرد عىل امللحدين‪ 10 ،‬نقاط للنقاش‪.‬‬ ‫الزمان ‪ :‬يوم الجمعة‪ 21 ،‬نوفمرب ‪.2014‬‬ ‫املكان ‪ :‬إحدى الكنائس يف محافظة املنيا‪ ،‬صعيد مرص‪.‬‬ ‫نقايش بعنوان‬ ‫الحدث ‪ :‬مؤمت ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫“‪( ”I am‬أنا هو ) ‪ ،‬منعق ٌد من قبل رجال الالهوت املسيحي‪.‬‬ ‫أما الهدف‪ ،‬فهو الرد عىل امللحدين ‪ -‬والذين يبدو أن انتشارهم املتصاعد يف أنحا ٍء عديد ٍة من ربوع مرص قد بدأ يزعج‬ ‫رجال الدين املسيحيني‪ ،‬كام نراه يزعج مشايخ اإلسالم‪.‬‬ ‫وقد كنت معكم ‪ ،‬من قلب األحداث لحظ ًة بلحظة‪.‬‬ ‫قبل أن أتط ّرق للمحارضات التي أُلقيت والنقاشات التي دارت واألسئلة التي طرحناها‪ ،‬سأعرض أوالً الخطوط العريضة‬ ‫التي هيمنت عىل مجريات اليوم كام رأيته ‪:‬‬ ‫‪18‬‬


‫حوار مع صديقى املسيحي‬

‫‪Donna Khaled‬‬

‫أول ما ميكن مالحظته هو الرتكيز من جانب املؤمنني عىل تحقري امللحدين‪ ،‬ومحاولة اإليحاء –املعتادة واملك ّررة ‪ -‬بأن‬ ‫ألسباب منطقي ٍة أوعلمية‪ ،‬وإمنا هو ترك األديان فقط من أجل اتباع شهواته و التح ّرر من القيود اإللهية‬ ‫امللحد مل يُلحد‬ ‫ٍ‬ ‫واملجتمعية ‪ ..‬إلخ ؛ والهدف الواضح طب ًعا هو التهوين من الحجج املنطقية التي يطرحها امللحد وإظهاره كام لو كان‬ ‫شاب أرعنٍ متهو ٍر هوا ٍيئ ال يجدر االستامع له‪.‬‬ ‫مجرد ٍ‬ ‫العامل الثاين الذي رأيته هو االعتامد بشكلٍ كب ٍري ج ًدا عىل عامل العاطفة والتأثري النفيس للرتويج للدين‪ ،‬عن طريق‬ ‫خلق أجوا ٍء مؤثر ٍة من الرتانيم والصالة والحديث عن الله الذي يحبك‪..‬إلخ‪ ،‬إىل آخر ما يعتمدون عليه دو ًما للتأثري يف‬ ‫الناس وهو جانب املشاعر والعواطف‪.‬‬ ‫أصح هو يؤثر فيمن يريد‬ ‫و البديهي أن هذا األسلوب ال ينجح يف التأثري إال فيمن لديه مشاع ٌر إمياني ٌة مسبقة ‪ -‬أو مبعنى ّ‬ ‫أن يتم التأثري فيه‪.‬‬ ‫ثالث ملحوظ ٍة هي التشويه املتكرر للعلوم الطبيعية‪ ،‬أو حتى تكذيب العلم يف بعض األحيان‪ ،‬والقيام بتحوير املعلومات‬ ‫خصيصا يك تالئم الدوغام الدينية الجاهزة؛ فالغريب ‪ -‬كمثا ٍل وحيد ‪ -‬أن الدكتور ماهر‪ ،‬نجم املؤمتر واالستشاري النفيس‬ ‫ً‬ ‫املرموق الحاصل عىل الدكتوراة‪ ،‬يتكلّم عن شخصية شارلوك هوملز وكأنه شخصي ٌة حقيقية ‪ ،‬و يتناول نقاشً ا فعليـًا حدث‬ ‫بني هوملز و بني "العامل واتسون"!‬

‫‪19‬‬


‫حوار مع صديقى املسيحي‬

‫‪Donna Khaled‬‬

‫و بشكلٍ أع ٍّم فاملوضوعية كانت غائب ًة عن النقاش إىل ٍ‬ ‫حد كبري‪ ،‬بل الشعار املرفوع كان أن املؤمنني معهم الحق املطلق‬ ‫‪ ،‬بينام امللحدون مخطؤون وعىل ضال ٍل مبني‪.‬‬ ‫اآلن سأبدأ يف رشح النقاط الرئيسية املطروحة‪ ،‬وردودي عليها‪ ،‬مع ٍ‬ ‫عرض للمناظرة التي جرت بيني و بني األخ وسيم‪ ،‬و‬ ‫الذي كان ُمنتدب ًـا لإلجابة عىل أسئلة امللحدين‪.‬‬ ‫أخالقي مل يلحد إال من أجل شهواته‪ ،‬وكان تربيره أن امللحد يعتقد‬ ‫النقطة األوىل ‪ :‬اإلدعاء بأن امللحد هو إنسانٌ غري‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بأنه وحده ىف هذا الكون ال يؤمن بالوحدة الكونية ولهذا سيفعل ما يريد ويتح ّول إىل حيوانٍ‬ ‫متوحش‬ ‫أي‬ ‫ر ّدي ‪ :‬مبدئي ًـا عليك تعريف كلمة "ملحد " ؛ فامللحد ببساطة هو إنسا ٌن ال يؤمن باآللهة‪ ،‬وامللحدون ال يص ّدقون ّ‬ ‫ادعا ٍء دون دليل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫التوصل لها من خالل التجارب اإلنسانية الطويلة عرب القرون‪ ،‬وال تعتمد عىل‬ ‫أما األخالق فهي مجموعة‬ ‫سلوكيات ت ّم ّ‬ ‫قريب أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ارتباط بني اإلميان واألخالق‪.‬‬ ‫أي‬ ‫األديان من ٍ‬ ‫بعيد‪ ،‬و بالتايل ال يوجد ّ‬ ‫و ليس الدين هو الذي سيجعلني إنساناً جي ًدا؛ فأنت إن‬ ‫كنت تلتزم باألخالق من أجل الدين فهذا يعني أن ما‬ ‫مزيج من الخوف والطمع‪ ،‬أنت‬ ‫يُحركك يف النهاية هو ٌ‬ ‫تتج ّنب الخطأ خوفًا من عقاب إلهك‪ ،‬وتلتزم بالسلوك‬ ‫سخيف‬ ‫الجيد طم ًعا يف مكافأة إلهك‪ ،‬وهذا بح ّد ذاته مبدأ‬ ‫ٌ‬ ‫بل ُمدمر‪ ،‬ألنه يجعل املسألة مجرد تجار ٍة وحسابات ربح‬ ‫‪ ،‬ويقيم الحياة عىل مبدأ الخوف ال أكرث‪.‬‬ ‫اإلنسانية هي أن تلتزم باألخالق ليس لخوفك من العقاب‬ ‫أو طمعك يف املكافأة‪ ،‬وليس ألن كائنـًا علويـًا ما يأمرك‬ ‫بذلك‪ ،‬وإمنا اإلنسانية هي أن تسرتشد بضمريك وعقلك‬ ‫وتتحل مببادئ سلوكي ٍة منطقي ٍة موجه ٍة لخدمة البرش‬ ‫ّ‬ ‫وتعايشهم وسعادتهم‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫حوار مع صديقى املسيحي‬

‫‪Donna Khaled‬‬

‫النقطة الثانية ‪ :‬وهي التط ّور‪ ،‬فاملحاور مل ينكر التط ّور‪ ،‬وإمنا أكّد أن حدوث التط ّور ال ينفي وجود الخالق‪ ،‬كام أن التط ّور‬ ‫ال يتعارض مع نصوص الكتاب املقدس‪ ،‬وكان تربيره أنه يوجد الكثري من التفسريات واملدارس التى تقول أننا ال نعلم ما‬ ‫هو زمن اليوم عند الرب فيمكن أن يكون اليوم بألف سن ٍة كام رشح القديس أوغاسطينوس‬ ‫ر ّدي ‪ :‬مبدئيـًا مفهوم الخلق هو اإلبداع القائم عىل التصميم الشخيص‪ ،‬بينام التط ّور هو عملي ٌة طبيعي ٌة ولها آلياتٌ‬ ‫وأخذت ماليني السنني‪ ،‬كام أن مستجدات التط ّور أحد مصادرها هو حدوث الطفرات البيولوجية يف الكائن‪ ،‬وهذه‬ ‫ٍ‬ ‫تركيبات جيني ٍة ليس لها وعي‪ ،‬كام أنها عشوائي ٌة وأكرثها ُمرض للكائن‪ ،‬مام ال ميكن تسميته "إبدا ًعا‬ ‫الطفرات تحدث يف‬ ‫"تصميم " يف كل حا ٍل من األحوال‪.‬‬ ‫" أو‬ ‫ً‬ ‫مختلف متا ًما عن الخلق‪ ،‬ويكاد يكون من املستحيل الجمع بينهام‪.‬‬ ‫بالتايل فالتط ّور هو مفهو ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫متفق عليها ‪ -‬ال تنفي وجود الخالق‪ ،‬فهي عىل األقل ال تجعل هناك رضورة الفرتاضه‬ ‫و إن كان التط ّور ‪-‬كنظري ٍة علمي ٍة ٌ‬ ‫نفس تعقيد مظاهر الحياة عىل كوكبنا‪.‬‬ ‫يك ّ‬ ‫أما ما ال ميكن قبوله فهو أن التط ّور يتامىش مع قصة الخلق يف كتابك املقدس ‪ ،‬فالقول بذلك هو مغالط ٌة علمي ُة ومنطقي ٌة‬ ‫ودينية‪ ،‬فأوالً قصة الخلق يف كتابك واضح ٌة رصيح ٌة يف أن اإلنسان مل يتط ّور من حيوان و إمنا خلقه الله من تراب األرض‪.‬‬ ‫و ثانياً فذلك التطور مل يتم بإرادة اإلنسان‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫مل يخرت الخروج من الجنة واالبتعاد عنها‪..‬إلخ‪،‬‬ ‫مغزى من عملية‬ ‫أي‬ ‫ً‬ ‫وبذلك التص ّور ال يعود هناك ّ‬ ‫الفداء اإللهي التي بُنيت عليها املسيحية‪ ،‬فهي‬ ‫مل ت ُحقق هدفها املزعوم أي "محو خطيئة آدم "‪،‬‬ ‫ويف تلك الحالة فلو أن إلهك نزل للتضحية فاألمر‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ يعود لقراره الشخيص وال عالقة له بالخطيئة‬ ‫األصلية أو ما شابه‪.‬‬ ‫هذا يعني أن التصديق بالتط ّور يهدم العقيدة‬ ‫املسيحية ‪ ،‬بهدمه لفكرة الخطيئة األصلية ‪ ،‬والتي‬ ‫بُنيت عليها فكرة الفداء املسيحي‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫حوار مع صديقى املسيحي‬

‫‪Donna Khaled‬‬

‫النقطة الثالثة ‪ :‬املحاور املؤمن يجزم بأنه ميثّل الحق والحقيقة الكاملة املطلقة‪ .‬وأن املسيح هو طريق الحق والحياة‬ ‫وأن مفهومه وتص ّوره هو الصحيح وهو من يتبع الحق وبالتايل فهو يتبع الحقيقة املطلقة‬ ‫ر ّدي ‪ :‬أوالً يجب التفرقة بني الحق والحقيقة‪ ،‬فالحق ليس أكرث من جز ٍء من الحقيقة‪ ،‬أو ميكن القول أن الحق هو األمر‬ ‫الجيد والعادل‪..‬إلخ‪ ،‬بينام الحقيقة هي أكرث عمومي ًة وشمولية‪ ،‬فقد تكون الحقيقة سيئ ًة أو جيدة‪ ،‬سلبي ًة أو إيجابية‪،‬‬ ‫وهذا كلّه يرجع إىل تص ّور اإلنسان‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فرضيات قابلة للمراجعة‬ ‫و ثانياً ال ميكنك الجزم بالقول أنك متتلك الحقيقة املطلقة‪ ،‬ألن تص ّوراتك يف النهاية هي مجرد‬ ‫كأي فك ٍر آخر ‪ ،‬فال يصلح القول بأنك متتلك الحقيقة‬ ‫‪ ،‬ودينك نفسه هو فك ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫معرض للمغالطات املنطقية والعلمية ّ‬ ‫املطلقة أو تجزم بأنك يف طريق الحق الكامل‪.‬‬ ‫و أنا كملحدة ال أستطيع القول أنني أتبع حقيق ًة مطلق ًة كامل ًة وثابتة‪ ،‬فلو ُوجدت مثّة حقيقة مطلقة فهي خارج عقولنا‬ ‫وتعص ٍب غري قائم عىل يشء‪.‬‬ ‫النسبية واملحدودة ‪ ،‬مام يجعل الزعم بامتالكها مجرد غرو ٍر ّ‬ ‫النقطة الرابعة ‪ :‬حول مشكلة الرش الشهرية ‪ ،‬قال أن الله ال يت ّدخل يف حياة اإلنسان‪ ،‬وال يج ّربه ‪ ،‬وال يسمح له بالرش‪.‬‬ ‫معنى وبدون أ ٍمل ال يوجد معنى للحياة‬ ‫يقول أن األمل جز ٌء من الحياة واألمل يكسب الحياة ً‬ ‫ر ّدي ‪ :‬فلامذا إذن أمر الله بالقتل والذبح والرجم يف‬ ‫كثريٍ من املواضع من العهد القديم ؟ ملاذا أهلك الناس‬ ‫ٍ‬ ‫مناسبات‬ ‫بالطوفان والنار والكربيت وغريها يف‬ ‫مختلفة ؟ وإن كان بتلك األفعال يعاقب الكبار عىل‬ ‫أخطائهم فام ذنب األطفال بل والحيوانات وحتى‬ ‫النباتات مل يرحمها ؟‬ ‫و األهم ‪ :‬أليست هذه كلها ت ّد ٍ‬ ‫خالت إلهي ٍة ؟ !‬ ‫و تقول أن الله ال يج ّرب البرش‪ ،‬فهل لك أن ترشح‬ ‫وتفس لنا ما الذي قام به الله مع أيوب؟ أمل تكن هذه‬ ‫ّ‬ ‫أيضا؟‬ ‫تجربة ‪ -‬بل و تجرب ٌة مؤمل ٌة وقاتل ٌة ً‬ ‫‪22‬‬


‫حوار مع صديقى املسيحي‬

‫‪Donna Khaled‬‬

‫و إن كان الله يكره الرش ويريد أن يكون ٍ‬ ‫قاض عادل‪ ،‬ويسعى بتد ّخالته تلك ألن يقيض عىل رش البرش‪ ،‬فلامذا يا ترى ال‬ ‫يوم من الرشور بأنواعها‪ ،‬فام بال إلهك ال يهلك األرشار‬ ‫نلمس ذلك العدل وتلك الرحمة يف زماننا الحايل ؟ نحن نعاين كل ٍ‬ ‫رشهم ‪ ،‬أم أنه قرر التقاعد واإلستقالة؟!‬ ‫وال يوقف ّ‬ ‫(هذا مع التغايض عن أن الكثري من الرشور التي نجابهها هي من صنع الله نفسه‪ ،‬خالق الطبيعة و ُمو ّجهها ‪ ،‬كالزالزل‬ ‫والرباكني واألعاصري واألمراض واألوبئة واملجاعات‪..‬إلخ)‪ ،‬والنتيجة أن هناك الكثري من مصادر الرش و اآلالم التي ال‬ ‫يتدخل الله ملنعها ‪ ،‬إن مل يكن هو سببها املبارش‪.‬‬ ‫النقطة الخامسة ‪ :‬عن العقاب األخروي‪ ،‬قال مبا أن الله ٌ‬ ‫كل منا عىل حسب إمكانياته‬ ‫عادل فهو سوف يقوم مبحاسبة ٍّ‬ ‫العقلية‪.‬‬ ‫ر ّدي ‪ :‬أنا إمكانيايت العقلية قادتني إىل اإللحاد‪ ،‬فهل سوف يحاسبني الله عىل تفكري عقيل الذي خلقه؟ أم عىل حريّتي‬ ‫التي تركها يل؟‬ ‫أنا إنسان ٌة إىل ٍ‬ ‫حد ما صالح ٌة أتجنب أن أؤذي أح ًدا‪ ،‬فهل إلهك سيقرر أن يرميني يف جحيمه ‪ ،‬الذي مج ّرد تص ّوره يبعد‬ ‫منطق أو رحم ٍة‪ ،‬ملج ّرد فكر توصل إليه عقيل ؟!‬ ‫بنا كل البعد عن أي‬ ‫ٍ‬ ‫ثم هل توجد أيّ ُة مقارن ٍة منطقي ٍة بني سنوات عمري التي قضيتها عىل األرض‪ ،‬والتي تساوي صفر يف مقابل الخلود ‪ ،‬وبني‬ ‫أن يتم تعذيبي يف نا ٍر أبدي ٍة ‪ -‬فقط من أجل فكري ؟!‬ ‫هذا كلّه إمنا سيعني أم ًرا واح ًدا وهو أن الله بحاجة إىل إمياين ‪ ،‬وكأنه يف احتيا ٍج إ ّيل !‪ ،‬فال يحق حينها للمؤمن الحديث‬ ‫عن استغناء الله عن البرش‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫حوار مع صديقى املسيحي‬

‫‪Donna Khaled‬‬

‫النقطة السادسة ‪ :‬عن تركيز املحاور عىل اإلميان ‪ ،‬وقوله أن اإلميان بالخالق هو أهم يشء‪.‬‬ ‫حس ًنا‪ ،‬سوف أقبل تصديق وجود ذلك "الخالق "‪ ،‬ولكن هل هذا ٍ‬ ‫كاف إلدخايل إىل امللكوت حسب اإلميان املسيحي ؟!‬ ‫شخيص‬ ‫كان ر ّده‪ :‬بالطبع ال‪ ،‬ليك تدخيل امللكوت يجب اإلميان باملسيح ك ُمخل ٍّص‬ ‫ّ‬ ‫خالق ما‪ ،‬ولكن ذلك الخالق لن يكون راغ ًبا يف إيصال رسالته إىل البرش‪ ،‬وهذا أم ٌر من‬ ‫أجبته ‪ :‬ميكنني أن أفرتض وجود ٍ‬ ‫السهل إثباته حني ننظر إىل التناقضات واملغالطات العلمية واملنطقية يف األديان‪ ،‬والتي هي مبني ٌة عىل الخوف والجهل‬ ‫وقصور العقل اإلنساين ورغبة الكهنة القدمية يف السيطرة عىل العوام‪.‬‬ ‫بالتايل فأنا أعرف متا ًما أنني حني أموت وأنا مؤمن ٌة بوجود "خالق"‪ ،‬فلن أقابل آلهة األديان الساذجة‪ ،‬والتي ال تعدو كونها‬ ‫وشخص ثانٍ ميكن أن يقنعه اإلسالم و ثالثٌ ستقنعه املسيحية‬ ‫شخص ميكن أن تقنعه البوذية‬ ‫ٌ‬ ‫مجرد فرضيات‪ ،‬فهناك ٌ‬ ‫وهكذا‪ ،‬وذلك كله يعتمد عىل نشأتنا وتربيتنا وطباعنا الشخصية وطريقة تفكرينا كبرش‪ ،‬مام ي ّوضح أن اإلنسان مل‬ ‫يصل بعد إىل الحقيقة املطلقة املزعومة ‪ -‬كام يت ّوهم الشخص املؤمن خاد ًعا نفسه‪.‬‬ ‫النقطة السابعة ‪ :‬اإلميان يبحث يف حقيقة األشياء‪ ،‬وكذلك العلم‪ ،‬و بالتايل فهام وجهان لعمل ٍة واحد ٍة‪.‬‬ ‫رص متا ًما أن االميان والعلم يقودان إىل نهاي ٍة واحد ٍة وهي معرفة الحقيقة‬ ‫وم ٌ‬ ‫ر ّدي ‪ :‬بل العلم واإلميان عىل طريف نقيض‪.‬‬ ‫تصديق ألمو ٍر غيبي ٍة ال ميكن معاينتها أو التأكّد من وجودها‬ ‫املسيح يقول "طوىب ملن آمن و مل يرى "‪ ،‬فاإلميان يقوم عىل‬ ‫ٍ‬ ‫بالنسبة لنا‪ :‬املالئكة والشياطني‪ ،‬الصلب والقيامة ‪ ،‬الوحي والروح القدس‪ ،‬والله ذاته‪ ،‬هي كلّها أمو ٌر ال ت ُرى وال ميكن‬ ‫رصدها‪.‬‬ ‫العلم ‪ -‬عىل الجانب اآلخر ‪ -‬يقوم عىل رصد الواقع وتأثرياته امللموسة والتي ميكن قياسها‪ ،‬والربط بني عنارص الواقع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تلك بشكلٍ‬ ‫معادالت رياضي ٍة أو غريه‪.‬‬ ‫نظريات أو‬ ‫منتظم يف شكل‬ ‫ٍ‬ ‫كل من املجالني له رجاله‪ ،‬ودراساته الخاصة‪ ،‬ولهذا ال نرى بحث ًـا علمي ًـا يثبت حقيق ًة إميانية‪ ،‬ولهذا‬ ‫لهذا من الطبيعي أن ً‬ ‫فكل حقيق ٍة علمي ٍة حرش اإلميان نفسه فيها وا ّدعى الحق ثبت خطأه واضطر للرتاجع عن ادعاءاته و االنصياع للعلوم‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫حوار مع صديقى املسيحي‬

‫‪Donna Khaled‬‬

‫مصمم مبد ٍع فأىت‬ ‫مصمم للكون‪ .‬فيقول ال ُيكن أن يكون هذا الكون بدون‬ ‫خالق‬ ‫النقطة الثامنة ‪ :‬العلم يثبت وجود ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مبثا ٍل وكان املثال هو مركب ٌة فضائي ٌة ويقول أن امللحد يقول أن لتلك املركبة صان ٌع ومصم ٌم وأما للكون ال يوجد مصمم‬ ‫ر ّدي ‪ :‬العكس هو الصحيح ‪ ،‬فالعلوم تقوم عىل‬ ‫ٍ‬ ‫آليات وقوان ٍني طبيعي ٍة‬ ‫تفسري الوجود بشكل‬ ‫وليست إلهية؛ و مثال عىل ذلك هو إثبات هايز‬ ‫نربغ وغريه من ر ّواد الفيزياء الك ّمية خطأ مقولة‬ ‫أينشتاين بأن "الله ال يلعب بالرند " ‪ ،‬فالعلم اليوم‬ ‫يقول أن الله (الطبيعة) يلعب بالرند بل ويغش‬ ‫يف اللعب‪ ،‬وأن بداية كوننا كانت عملي ًة عشوائي ًة‬ ‫ال نظامية – إذ أن الجسيامت حول الذرة ‪ -‬وهي‬ ‫أساس كل مادة ‪ -‬تكون يف حرك ٍة عشوائي ٍة غري‬ ‫موجهة‪.‬‬ ‫فريق لآلخر‪ ،‬قال‬ ‫للنص‪ ،‬وأن ذلك الخالف يصل إىل تكفري كل ٍ‬ ‫النقطة التاسعة ‪ :‬حول اختالف تفسري كل طائفة دينية ّ‬ ‫املحاور أن الله سوف يحاسب كل ٍ‬ ‫للنص‪.‬‬ ‫شخص بحسب إمكانياته العقلية وحسب فهمه‬ ‫الخاص ّ‬ ‫ّ‬ ‫فهم مختلفني يف نقاط ولكن كلّهم مؤمنني بخالص املسيح ورسالته‬ ‫ر ّدي ‪ :‬ولكن هناك نقا ٌط كثري ٌة جوهري ُة تختلفون عليها نقا ٌط تحدد دخول امللكوت وما الداعي لكل ذلك الخلط ؟!‬ ‫و مبا إن إلهك هو إله الكامل‪ ،‬أمل يكن قاد ًرا عىل إنزال ٍ‬ ‫ديني يحتمل تفس ًريا واح ًدا فقط ‪ -‬وهو التفسري الصحيح‬ ‫نص ٍ‬ ‫الذي أراده ؟! و أال يتح ّمل هو – بكالمه غري الواضح ‪ -‬وزر ماليني البرش الذين تقاتلوا عرب التاريخ حول تلك النصوص‬ ‫وبسببها ؟!‬

‫‪25‬‬


‫حوار مع صديقى املسيحي‬

‫‪Donna Khaled‬‬

‫نفيس لوجود إله‪ ،‬والله خلقنا بهذا االحتياج إليه ولهذا نحن نشعر‬ ‫النقطة العارشة ‪ :‬قال املحاور أن اإلنسان يف احتيا ٍج ٍ‬ ‫دامئًا بالحاجة اليه‬ ‫ر ّدي ‪ :‬إنني أحتسب تلك النقطة ضد الفكر اإلمياين وليس يف صالحه‪.‬‬ ‫برشي ناشئ عن احتيا ٍج إنسا ٍين محض‪ ،‬مام يجعله مجرد فكر ٍة‬ ‫فهذا الكالم يدعم الفكرة القائلة بأن الله هو مفهو ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫اخرتعناها لتلبية احتياجنا املفهوم إىل الحامية والرعاية واألمان الوجودي‪.‬‬ ‫و التاريخ يؤكّد لنا تلك الحقيقة ‪ :‬أن اآللهة كان لها مفاهي ٌم مختلف ٌة تشكلت وتط ّورت حسب ظروف كل حضار ٍة‬ ‫وطبيعتها السياسية واالجتامعية ‪.‬‬ ‫أما بعد‪ ،‬فال أستطيع الجزم مبن الذي "فاز " باملناظرة‪ ،‬ولكن كل ما ميكنني قوله هو أن الكثريين من الحارضين خرجوا‬ ‫يل أنا شخصيًا‪.‬‬ ‫من النقاش متشككّني يف معتقدهم ‪ ،‬وطرحوا أسئل ًة عديد ًة عىل األخ وسيم وع ّ‬ ‫أما األخ وسيم فانتهى إىل يش ٍء من العصبية ‪ ،‬عىل الرغم من هدوئه يف بداية املناظرة‪ ،‬ولكن بعد االنتهاء جاء وح ّياين‬ ‫وحتم ستصلني إىل الحقيقة‪.‬‬ ‫وقال يل أنا أحرتم تفكريك‪ ،‬والله يحبك‪ ،‬واستمري يف البحث ً‬ ‫سؤال مل يجب‬ ‫أيضا من صديق ٍة أخرى‪ ،‬ال دينية من خلفي ٍة مسلمة‪ ،‬أن تستمر يف بحثها‪ ،‬قمت بسؤاله ً‬ ‫و عندما طلب ً‬ ‫عليه ‪ :‬فامذا لو ماتت وهي مازالت تبحث‪ ،‬كيف سيكون مصريها األخروي من وجهة نظرك ؟‬ ‫جواب حاسم حول ذلك األمر‪.‬‬ ‫و أعتقد أنه من جهة املؤمن فال يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫ضخم يقع فيه كثري من املؤمنني‪ ،‬نتيجة خلطهم بني أربعة مفاهيم‬ ‫و كنقط ٍة ختامية‪ ،‬أو ّد اإلشارة إىل خطأ‬ ‫منهجي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫منفصلة ‪ :‬وهي ‪ 1-‬سبب الوجود‪ 2- ،‬الخالق ‪ 3- ،‬اإلله ‪ 4- ،‬إله الدين ؛ فمن وجهة نظري أن املفاهيم األربعة منفصل ٌة‬ ‫عن بعضها ‪ ،‬وال يجب الخلط بينها‪ ،‬وهو ما سأسعى لرشحه‪.‬‬ ‫أما "سبب الوجود" فيصعب عىل أحد إنكاره بالقول أن الكون نشأ "بدون أي سبب"‪ ،‬بل إن املؤمن وامللحد يتفقان عىل‬ ‫أشخاصا‪.‬‬ ‫شخصا أو‬ ‫سبب ما للوجود‪ ،‬لكن الفارق أن امللحد ير ّجح أن هذا السبب فيزيا ٌيئ‬ ‫وجود ٍ‬ ‫ً‬ ‫طبيعي وليس ً‬ ‫ٌ‬ ‫‪26‬‬


‫حوار مع صديقى املسيحي‬

‫‪Donna Khaled‬‬

‫يصح بالرضورة نسبة الوحدانية أو الكامل أو‬ ‫أما "الخالق " فهو املسبب الواعي املفرتض؛ ولكن من وجهة نظر امللحد ال ّ‬ ‫اإلبداع لهذا الخالق‪ ،‬فحني ننظر إىل الكون فهو غري كامل‪ ،‬وحتى كوكبنا الذي نحيا عليه ال يبدو مالمئًا متاما لنا‪ ،‬وكذلك‬ ‫عملية التط ّور فهي‪ ،‬كام قلنا‪ ،‬ال تتميّز باإلبداع والعظمة والكامل‪.‬‬ ‫بالتايل لو فرضنا وجود ذلك الخالق فال ميكننا معرفة ماهيته أو طبيعته أو صفاته‪ ،‬فام الذي يضمن لنا أن هذا الخالق‬ ‫واح ٌد وليس أكرث؟ ٌ‬ ‫محب وليس كاره؟ يهتم بنا ومل ينسانا؟ ‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫عادل وليس ظامل؟ حكي ٌم وليس عابث؟ ٌ‬ ‫نظريًا قد يكون الخالق أي يش ٍء وكل يشء؛ قد يكون إل ًها أو عدة آله ٍة أو حتى مجموع ٌة من الكائنات الفضائية التي‬ ‫علمي‪ -‬مثال‪.‬‬ ‫تعاونت عىل خلق الكون كعملية اختبا ٍر ٍ‬ ‫احتج أحدهم هنا بأن تع ّدد الخالقني قد يؤدي إىل اختالفهم وفساد الخلق‪ ،‬فيمكنني بسهولة أن أفرض عىل تلك‬ ‫(و لو ّ‬ ‫الكائنات صفة التعاون الكامل كام يفرض املؤمن صفات إلهه الواحد)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وعادل ورحي ٌم‪..‬إلخ؛‬ ‫بصفات محددة‪ ،‬فهو قاد ٌر وعلي ٌم وكامل‬ ‫ومفرتض أنه ميتاز‬ ‫مفرتض أنه وا ٍع‬ ‫خالق‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أما "اإلله" فهو ٌ‬ ‫وهذه الصفات اإللهية ال ميكن بحا ٍل من األحوال اإلثبات يقي ًنا انطباقها عىل الخالق الذي قد يكون أي يش ٍء كام ذكرنا‪.‬‬ ‫خاص بعقيد ٍة معين ٍة وتختلف صفاته باختالف تلك‬ ‫أما املفهوم الرابع "إله األديان " فهو سبب وجود – خالق ‪ -‬إله‪ٌ ،‬‬ ‫ديني هو فرضي ٌة‬ ‫العقيدة؛ فإله اإلسالم مثالً ليس هو إله املسيحية‪ ،‬واألخري يختلف عن إله اليهودية وهكذا‪ ،‬فكل إل ٍه ٍ‬ ‫كمفاهيم برشي ٍة محض ٍة ‪ ،‬وكام‬ ‫محدد ٌة مرتبط ٌة بالدين ذاته‪ ،‬وهي كلها فرضياتٌ فاشل ٌة ميكن تتبع تط ّورها التاريخي‬ ‫ٍ‬ ‫أرشنا مل تنبع إال من احتياجات البرش وأساطريهم ورغبة الكهنة يف السيطرة‪.‬‬ ‫مربط الفرس هنا أن اإلله الديني الذي يسعى املؤمن إلثباته يختلف متا ًما عن سبب الوجود أو عن الخالق وال يجب‬ ‫الخلط بينهم كام يحلو للبعض أن يفعل بـ"خفة يد "‪ ،‬بل إن اإلله الديني هو مجرد احتام ٍل داخل احتام ٍل داخل احتام ٍل‬ ‫داخل احتامل‪ ،‬فسبب الوجود "قد يكون " خالقا أو غري ذلك‪ ،‬والخالق "قد يكون " إل ًها أو غري ذلك ‪ ،‬واإلله "قد يكون‬ ‫" إله ذلك الدين أو غريه‪ ،‬مام يضع عبء اإلثبات مضاعفًا عىل املؤمن الذي ننتظر منه أن يطرح سلسلة من اإلثباتات‬ ‫املتتالية تؤكد أن إلهه الديني هو بالذات سبب وجود الكون‪ ،‬و هي مه ّم ٌة نراها مستحيلة‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ضيفنا املميز لهذا العدد من املجلة هو مؤسس جمعية املُتشكّك‬ ‫‪ ،The Skeptic Society‬ومؤسس مجلة املُتشكّك ‪The Skeptic‬‬ ‫ختص يف علم النفس‪ ،‬ويف تاريخ العلوم أيضً ا‪ .‬إنه‬ ‫‪ ،Magazine‬وهو ُم ٌ‬ ‫الدكتور مايكل شريمر ‪.Michael Shermer‬‬ ‫ثابت يف مجلة «العلمي األمرييك ‪Scientific‬‬ ‫باإلضافة إىل ما سبق‪ ،‬لديه عمو ٌد ٌ‬ ‫‪ ،»American‬وبشكلٍ مثريٍ لالهتامم علم ّنا أنه كان مسيح ّيا أصول ّيا يو ًما ما حتى أصبح‬ ‫الحقًا ملحداً بعد دراسته األكادميية‪.‬‬ ‫الدكتور مايكل شريمر لديه درجة بكالوريوس يف علم النفس‪ ،‬ودرجة املاجستري يف علوم النفس التطبيقية‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل دكتوراه يف تاريخ العلوم‪ .‬د َّرس يف جامعة ‪ Occidental College‬وجامعة ‪Claremont‬‬ ‫رئايس يف جامعة ‪.Chapman University‬‬ ‫‪ Graduate University‬واآلن هو زميل‬ ‫ّ‬ ‫باإلضافة إىل كونه محرر مجلة املُتشكّك ‪Skeptic‬‬ ‫‪ Magazine‬قام شريمر بكتابة العديد من الكتب‬ ‫امله ّمة التي أثرت مكتبات ُقرائها بشدّ ة ومنها – عىل‬ ‫سبيل الذكر ال الحرص‪« :‬ملاذا يه ُّمنا دارون ‪Why‬‬ ‫‪ »Darwin Matters‬و«العلم وراء الخري والرش ‪The‬‬ ‫‪ »Science of Good and Evil‬و«ملاذا يؤمن ال ّناس‬ ‫باألمور الغريبة ‪Why People Believe in Weird‬‬ ‫‪ »Things‬و«الدّ ماغ املؤمن ‪.»The Believing Brain‬‬ ‫أما كتابه الجديد «القوس األخالقي ‪»The Moral Arc‬‬ ‫فسيصدر يف العرشين من الشّ هر الحايل‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ .1‬دكتور شريمر‪ ،‬نعتذر عن هذه املقدمة املتواضعة‪ .‬بداي ًة نحن ُمهت ّمون بكتابك الجديد «القوس األخالقي ‪The‬‬ ‫‪ »Moral Arc‬فهالّ أعطيتنا نبذ ًة مخترص ًة عن فحوى الكتاب؟‬ ‫نعيش اليوم أكرث الفرتات أخالقي ًة يف تاريخ جنسنا البرشي؛ منذ أن شهدنا عرص العقالنية ومفكّري عرص التنوير حينام‬ ‫قاموا بتطبيق األساليب العلمية يف حل املشكالت االجتامعية واألخالقية بشكل واعٍ‪ .‬يف كتايب أناقش كيف أنّ طرق‬ ‫العلم ال ّتجريبية والتفكري التحلييل خلقت عاملنا املُعارص بقيمه الليربال ّية الدّ ميقراطية‪ ،‬والحقوق والحريات املدنية‬ ‫واملساواة والعدالة االجتامعية‪ ،‬باإلضافة إىل القوانني والدساتري بشكلها املعارص وفتح الحدود االقتصادية والسياسية‪،‬‬ ‫البرشي منذ أي ٍ‬ ‫وقت مىض‪ ،‬وبشكلٍ يدعو للتفاؤل‬ ‫واألسواق والعقول الحرة‪ .‬وازدها ٌر مثل هذا مل يتمتع به الجنس‬ ‫ّ‬ ‫يحصل الكثري من الناس عىل املزيد من الحقوق والحريات والتعليم واالزدهار‪.‬‬

‫‪ .2‬نشأ أغلبنا يف بيئة دينية‪ ،‬وكان هذا ً‬ ‫عامل جدّ مؤث ٍر يف حياتنا التي قضينا شط ًرا كب ًريا منها ونحن مؤمنني‪ .‬ما‬ ‫الذي ميكنك أن تخربنا به عن خلفيتك الدينية والبيئة التي نشأت بها؟‬ ‫يل لدينا‪ ،‬دخلت يف‬ ‫مل يكن‬ ‫َ‬ ‫والداي متدينني؛ ومل يكن لديهام ما هو ضد الدين‪ ،‬فلم أ َر الدين يظهر كموضوعٍ عائ ٍّ‬ ‫حركة تبشريية يف املدرسة الثانوية متأث ًرا بأقراين‪ ،‬أخذت كل يش ٍء عىل محمل الجد‪ ،‬حتى س ّجلت يف جامعة بربدين‬ ‫التخصص يف علم الالهوت وأن أحصل‬ ‫‪ – Pepperdine University‬وهي مدرسة دينية تابعة للكنيسة – وكنت أنوي‬ ‫ّ‬ ‫عىل درجة الدكتوراه فيه ألصبح الهوتياًّ محرتفا‪ .‬لكني مل أكن عىل استعداد إلتقان اللغة العربية واليونانية واآلرامية‬ ‫تخص ٍص آخر وحينها اكتشفت العلم‪ ،‬أ ّما اهتاممايت األخرى فأصبحت تاريخاً منسياَّ بعد‬ ‫والالتينية‪ ،‬لذا قمت باختيار ّ‬ ‫سبعة أعوام من مامرسة املسيحية‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫لك من املسحية إىل اإللحاد خالل دراستك الجامعية؛ ما الذي ميكنك‬ ‫‪ .3‬ب َحسب ما علمناه عن حرضتك‪ ،‬حصل تح ّو َ‬ ‫ان تخربنا به عن هذه التجربة؟‬ ‫أي أح ٍد منهم متديناً؛ كام مل يكونوا ضد أي دين‪ .‬موضوع‬ ‫لقد كنت محاطًا بالعلامء والطالب بشكلٍ أسايس‪ ،‬ومل يكن ُّ‬ ‫مهم هناك‪ ،‬ومل يأيت له ذكر‪ ،‬لذلك أدركت أنه بإمكان املرء أن يعيش حيا ًة غني ًة ذات معنى‬ ‫الدين من عدمه مل يكن ً‬ ‫من دون الدين‪ .‬وبدأت أدرس ادعاءات الديانة املسيحية من وجهة نظر العلم‪ ،‬إذ جعلتها تحت ضو ٍء ساطع من املنهج‬ ‫والطريقة العلمية‪.‬‬ ‫‪ .4‬ال بدَّ أنَّ تح ّولك من املسيحية إىل اإللحاد كان أم ًرا صاد ًما يف البداية‪ ،‬كيف أثّر ذلك التح ّول عىل حياتك‬ ‫الشخصية مع العائلة واألصدقاء؟‬ ‫ٍ‬ ‫لقد تخلّيت عن الدّ ين بشكلٍ‬ ‫أي أح ٍد اهتم ً‬ ‫فعل‬ ‫صامت وهادئ ومل أجعل لألمر ضجة كبرية ألي أحد‪ ،‬وال أعتقد أنَّ َّ‬ ‫بهذا التحول عدا عائلتي اللذين كانوا مرتاحني يف الحقيقة؛ فقد توقفت أخريًا «شهادايت» املستمرة حول يسوع املسيح‪،‬‬ ‫والتي مل تكن يف الواقع إال مواعظ أصبحت مزعجة وكريهة بعد فرتة‪.‬‬

‫‪ .5‬‬

‫كتب ومؤلفني معارصين تنصح بهم لقرائنا؟‬ ‫وأي ٍ‬ ‫أي من املؤلفني والكتب أثر عىل حياتك؟ ُّ‬ ‫ٌّ‬

‫كل من «كارل ساغان ‪ »Carl Sagan‬و«ستيفن جاي غولد ‪ »Steven Jay Gould‬عىل تط ّوري املعريف‪ .‬اليوم‪،‬‬ ‫لقد أثّر ٌ‬ ‫أنا أنصح بقراءة كتب «سام هاريس ‪ »Sam Harris‬و«ريتشارد داوكنز ‪ »Richard Dawkins‬و«ستيفن بينكر‬ ‫‪ »Stephen Pinker‬و«ليونارد مولدينوف ‪ »Leonard Mlodinow‬و«كارل تافريس ‪ »Carl Tavris‬و«جون كاراكور‬ ‫‪ »Jon Krakauer‬وآخرين‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫شخص ٌ‬ ‫نشط وبارز‪ ،‬نجده يرت ّدد عىل الكثري من ال ّنشاطات واالجتامعات ُمعنونًاً نفسه مبصطلح‬ ‫‪ .6‬دكتور شريمر‬ ‫ٌ‬ ‫« ُمتشكّك»‪ .‬هل ميكنك ان تشارك قرا َءنا مبعلوماتك الق ّيمة عن معنى هذا املصطلح؟ وما الحاجة إىل التشكّكية؟‬ ‫أي‬ ‫أي ادعا ٍء بل عىل جميع اال ّدعاءات‪ ،‬بال ِّ‬ ‫التشكّكية ‪ Skepticism‬هي تطبيق املنهجيات العلمية واملنطقية عىل ِّ‬ ‫وأظهرت ذلك بوضوح يف كتايب «القوس األخالقي ‪ .»The Moral Arc‬فالتشكّكية هي يف‬ ‫ُ‬ ‫استثناء‪ ،‬ومنها القيم األخالقية‬ ‫الحقيقة ليست سوى علامء يطلبون أدل ًة عىل اال ّدعاءات‪ ،‬فتبدأ اال ّدعاءات بـ «الفرضية الفارغة ‪»Null Hypothesis‬‬ ‫أي أن جميع ا ّدعاءاتك باطلة حتى تثبت عكس ذلك‪ ،‬وعبء اإلثبات يقع عىل املدَّ عي ليك يثبت ما يدَّ عيه وال يقع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات فضائية‪ ،‬ال بأس‪ ،‬كل ما عليك‬ ‫حيوانات أسطوري ٍة أو‬ ‫عىل املتشكّك إثبات خطأ اال ّدعاء‪ .‬فإن كنت تدَّ عي وجود‬ ‫فعله إثبات وجودها‪.‬‬ ‫مؤلف غزير اإلنتاج‪ ،‬ولديك قامئ ٌة من الكتب الناجحة التي تحمل اسمك‪ً ،‬‬ ‫فضل عن نشاطاتك األخرى‪،‬‬ ‫‪ .7‬حرضتك‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫كاملحارضات التي تلقيها‪ ،‬والخطابات التي تُنرش لك عىل الشبكة العنكبوتية يف‬ ‫اجتامعات مختلفة‪ .‬هل تطر ّقت يف ٍّ‬ ‫من هذه النشاطات العديدة إىل اإلسالم كدين أو إىل ٍ‬ ‫بعض من تعاليمه؟ وهل سبق لك أن ناقشت املسلمني؟ وهل‬ ‫ٍ‬ ‫منظامت مسلمة أو أكادمييني مسلمني؟‬ ‫واجهت انتقا ًدا من‬ ‫يخص اإلسالم‪ ،‬ويعود السبب األسايس يف ذلك إىل كوين ال أعرف حقًا الكثري عنه‪ .‬ولكن آخرون‬ ‫مل أتحدَّ ث كثريًا فيام ّ‬ ‫صت ً‬ ‫فصل‬ ‫خص ُ‬ ‫مقصين يف عملهم‪ .‬لقد َّ‬ ‫– كسام هاريس – لديهم دراسة متع ّمقة فيام يخص اإلسالم وال يبدو يل أنهم ّ‬ ‫كامل يف كتاب «القوس األخالقي ‪ »The Moral Arc‬عن األخالقيات الدينية وتحدثت بشكلٍ‬ ‫ً‬ ‫أسايس عن اليهودية‬ ‫ٍّ‬ ‫واملسيحية‪ ،‬لكونهام الديانتان األكرث تأثريًا يف الغرب‪ ،‬وحاججت أنَّ قيمنا األخالقية الحالية أتت من عرص التنوير ُمشريًا‬ ‫يل أن أتعامل مع اال ّدعاء القائل بأنَّ قيمنا األخالقية الحالية مصدرها األديان‬ ‫إىل القيم العلامنية كاملنطق والعلم‪ .‬كان ع َّ‬ ‫وتعرضّ ت بشكلٍ قليل إىل اإلسالم‪ ،‬ولكن مل أتط ّرق للكثريٍ من التفاصيل كام فعل آخرون‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ .8‬اإلسالم عقيد ٌة‪ ،‬وحاله كحال الكثري من العقائد األخرى يف رمي منوذجه الديني حول خلق اإلنسان ونشأة‬ ‫الحياة (فرضية الخلق)‪ .‬ولكن إضاف ًة إىل ذلك‪ ،‬لدينا يف اإلسالم بعضً ا من دعاة الدين الذين يعتنقون االكتشافات‬ ‫العلمية وينسبونها إىل القرآن كإعجاز علمي‪ .‬ويف بعض األحيان نجد أن هذه العملية صحيحة حتى بالنسبة لنظرية‬ ‫االنفجار الكبري ونظرية التطور الداروين‪ ،‬ما رأيك حول ذلك؟‬ ‫اال ّدعاءات الدّ ينية حيال العامل الطبيعي ال أهم ّية لها‪ ،‬فالطّبيعة هي ما هي عليه سوا َء كان ذلك ً‬ ‫مامثل ملا نعتقد أم‬ ‫ال‪ ،‬أعجبنا ذلك أم ال‪ .‬بعض األحيان‪ ،‬تأيت ا ّدعاءات األديان صحيحة إىل درج ٍة ما حول العامل الطبيعي – ويف معظم‬ ‫األحيان يكون ذلك عن طريق الصدفة أو التجربة والخطأ؛ وغال ًبا ما تكون ا ّدعاءاتهم خاطئة‪ .‬وعىل أية حال‪ ،‬فإن هذه‬ ‫اال ّدعاءات واملصادفات ال تهم‪ ،‬فال نجد يف األديان طريق ًة منهجي ًة لتحديد ما هو صحيح وما هو خاطئ حول العامل‬ ‫الطبيعي‪ ،‬لذا يجب علينا أن نتجاهل هذه األمور الدينية متا ًما كطريق ٍة يف التفكري‪.‬‬ ‫‪ .9‬يف كتابك «كيف نؤمن ‪ »How We Believe‬تحدثت عن مصطلحني وأرشت إىل أهميتهام يف معرفة أسباب‬ ‫لجوء اإلنسان إىل اإلميان بالغيبيات‪ ،‬وهام «النمطية ‪ »Patternicity‬و«العاملية ‪َ ،»Agenticity‬‬ ‫فهل قدمت لنا نبذ ًة‬ ‫عن هذين املصطلحني؟‬ ‫النمطية ‪ :Patternicity‬وهي امليل إىل إيجاد ٍ‬ ‫أي‬ ‫أمناط ذات معنى يف ضوضاء قد يكون لها معنى أو قد تخلوا من ِّ‬ ‫معنى‪ .‬عىل نح ٍو تقليدي‪ ،‬عدَّ العلامء النمطية عىل أنها خطأٌ يف اإلدراك‪ .‬وهناك نوعني من الخطأ؛‬ ‫النوع األول ‪( Type I Error‬إيجابية زائفة ‪ )False Positive‬حني تعتقد أن هناك شي ًئا حقيقياً وهو يف الواقع غري‬ ‫حقيقي – أي إيجاد أمناط غري موجودة‪،‬‬ ‫أما النوع الثاين ‪( Type II Error‬سلبية زائفة ‪ )False Negative‬هو أن تعتقد بعدم وجود يشء ما بينام هو‬ ‫موجود يف الواقع – أي عدم إيجاد ٍ‬ ‫أمناط بينام هي موجودة ً‬ ‫فعل؛ فلنس ّمها الالمنطية‪ .‬ويف كتايب «العقل املؤمن‬ ‫‪ »The Believing Brain‬ويف كتايب اآلخر «كيف نؤمن ‪ ،»How We Believe‬وضعت حج ًجا تدل عىل أن أدمغتنا‬ ‫معنى حني تجدها يف‬ ‫هي ما ِكنات لإلميان‪ ،‬إنَّها ما ِك ٌ‬ ‫نات لتمييز األمناط تقوم بربط النقاط الغري مرتبطة وتخلق منها ً‬ ‫الطبيعة‪ .‬ويف بعض األحيان نجد أنَّ هذه النقاط مرتبطة ً‬ ‫فعل ببعضها البعض‪ ،‬ويف بعضها اآلخر نجدها غري مرتبطة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تنبؤات وفق هذا‬ ‫ويكن لنا أن نضع‬ ‫إن كانت بالفعل مرتبطة؛ فقد تعلّمنا شي ًئا ذا قيمة حيال البيئة التي نعيش فيها‪ُ ،‬‬ ‫البرشي األكرث إيجا ًدا لألمناط‪.‬‬ ‫النمط وستساعدنا تلك ال ّتنبؤات عىل النجاة والتكاثر‪ .‬فنحن أسالف النوع‬ ‫ّ‬ ‫‪32‬‬


‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫عوامل مقصود ٌة ال نراها‪ .‬وبهذا فنحن غال ًبا ما‬ ‫ٌ‬ ‫أما العاملية ‪ :Agenticity‬هو امليل إىل اإلميان بأن العامل تسيطر عليه‬ ‫نضع العوامل املقصودة داخل األمناط التي نجدها‪ ،‬ونؤمن أن هذه العوامل هي من تتحكّم يف العامل‪ ،‬ونؤمن يف بعض‬ ‫األحيان بأن هذه العوامل تقوم بتحكّمها بشكل ال مر ٍّيئ من األعىل إىل األسفل‪.‬‬ ‫لذا نجد أن ً‬ ‫كل من هذين – العاملية والنمطية – يشكّالن أساس اإلدراك املعريف لألديان الشامانية واألرواحية والوثنية‬ ‫والرشكية والتوحيدية وجميع أنواع الروحانية القدمية والجديدة (حركات العرص الجديد)‪ .‬وقد تعدَّ ت العاملية عامل‬ ‫عامل ال مر ٌّيئ خلق جميع الكائنات الحية من األعىل إىل األسفل‪ .‬ونعتقد بوجود‬ ‫األرواح؛ لتؤمن أخ ًريا مبصمم ذيك‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات فضائية ذات تقن َّي ٍة وقو ٍة تفوق مخ ّيلتنا لتأيت يف بعض األحيان وتن ّبهنا من عملية التدمري الذايت التي نقوم بها‪،‬‬ ‫ونؤمن بنظرية املؤامرة وجميع العوامل الخفية التي تقع خلف األحداث متالعب ًة ب ّنا كالدمى عرب خيوط االقتصاد‬ ‫والسياسة وتجعلنا نرقص عىل أنغام «مجموعة بيلدبريغ ‪ »Bilderberg Group‬و«عائلة روثتشايلد ‪»Rothchilds‬‬ ‫و«عائلة روكفيلر ‪ »Rockefellers‬و«املتنورون ‪.»The Illuminati‬‬ ‫‪ .10‬يف كتابك «العقل املؤمن ‪ »The Believing Brain‬أعطيتنا أسباباً مقنعة جدً ا لوجود عد ٍد هائل من املؤمنني‬ ‫ثم طرحت ً‬ ‫سؤال نود التطرق له يف هذه املقابلة؛ إن ك ّنا نعلم بالضبط ما الذي يدفعنا لإلميان‬ ‫بالله يف هذا العامل‪ ،‬ومن َّ‬ ‫بالله‪ ،‬فهل هذا يعني أن الله غري موجود؟‬ ‫إنَّ فهمنا لسبب إميان ال ّناس بالله‪ ،‬ال يعني أن الله غري موجود‪ ،‬كام أنَّ فه َمنا لسبب تصويت الناس للحزب الدميقراطي‬ ‫أو الحزب الجمهوري‪ ،‬ال يعني أنَّ هذين الحزبني غري موجودين‪ .‬ولكن حينام ال نجد دليال عىل وجود الله‪ ،‬وال زال‬ ‫أغلبية البرش يؤمنون بوجوده‪ ،‬يصبح إميانهم أمراً مهامً ومثرياً لالهتامم والدراسة‪ ،‬ويشري أيضً ا أن إميانهم مبني عىل‬ ‫أمو ٍر خارج الواقع‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫نفس ومروجٍ كبريٍ للتفكري‬ ‫‪ .11‬يف حياتنا اليومية‪ ،‬نُصادف الكثري من الناس ممن ينقصهم التفكري النقدي‪ ،‬كعامل ٍ‬ ‫النقدي والتشكّكية‪ ،‬ما الطريقة التي تقرتح أن يبدأ بها املرء يف تعريفهم وتقدميهم إىل التفكري النقدي واملنهجية‬ ‫العلمية التشكّكية؟‬ ‫أقل مقاوم ٍة لتغيري آراءهم‪.‬‬ ‫من األفضل دامئًا أن نعامل الناس بقد ٍر كبريٍ من االحرتام واألدب ألنهم بهذا سيكونون َّ‬ ‫طريقة التعامل العدوانية وعدم االحرتام ستؤدي بك ألن تحصل عىل قد ٍر مشاب ٍه من العدوانية وعدم االحرتام‪ .‬ولن‬ ‫تقدم حيث سيلتزم كل طرف بدفاعه عام يعتقد ورمي االتهامات عىل الطرف األخر‪ً ،‬‬ ‫بدل من أن يحاول فهم‬ ‫أي ٍ‬ ‫تُحرز َّ‬ ‫الواقع والحقيقة‪.‬‬

‫‪ .12‬التفكري النقدي والتشكّكية‪ ،‬هل هام عكس الفطرة الطبيعية لإلنسان؟ هل هام سلوكيات يتم تعلمها واكتسابها؟‬ ‫أم أن الناس (أو بعض الناس) يولدون بـ «جني التشكك»؟‬ ‫نعم‪ ،‬التفكري النقدي والتشكّكية عكس الفطرة الطّبيعية لإلنسان‪ ،‬وال يأتيان بشكلٍ طبيعي‪ .‬يف الحقيقة‪ ،‬ما يأيت بشكل‬ ‫رسيع وطبيعي هو اإلميان‪ .‬أن تشكّكك يف ادعاء ما هو أن تقوم بفهمه ً‬ ‫أول ومن ثم تتحدّ اه باألدلة؛ وهذه عملي ٌة‬ ‫معرفي ٌة كبري ٌة وتحتاج مزيدً ا من الوقت والطاقة ملعالجتها‪ .‬من السهل جدً ا ان تؤمن بصحة اال ّدعاء فحسب‪ ،‬ومعظمنا‬ ‫يكتفي بفعل ذلك‪ .‬أن تكون متشككًا يعني أن تخطو خطو ًة إضافي ًة يف سلوكك املعريف‪ ،‬ومعظم البرش ال يخطون هذه‬ ‫الخطوة‪ .‬ولكن العلامء يتم تدريبهم ألن يفكّروا بشكلٍ ناق ٍد وأن يكونوا متشككّني دامئًا؛ لذا فإن طريقة التفكري العلمية‬ ‫هي أم ٌر حبذا لو تعلّمه اإلنسان‪ .‬يف الحقيقة‪ ،‬أقدّ م شخص ًيا حلق ًة دراسي ًة تُعلمك كيف تفكّر كعا ٍمل عىل موقع ‪The‬‬ ‫‪ Great Courses‬ميكنكم االطالع عليها‪.‬‬

‫‪ .13‬‬

‫هل سبق لك أن واجهت موقفًا وجدت نفسك فيه أقل تشككّية مام يجب أن تكون؟‬

‫بالطبع‪ ،‬الحب‬ ‫‪34‬‬


‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ .14‬عاد ًة ما يشعر الناس بعدم االرتياح حيال املجهول‪ ،‬ويظهر هذا جل ًيا لدى املؤمنني وحتى لدى بعض املفكّرين‬ ‫العقالنيني حني ال يتم قبول موقف الالأدريّة بسهولة؛ هل ميكن أن تشاركنا بسبب ذلك من خلفيتك يف علم النفس؟‬ ‫العقل ميقت الخواء ‪.‬‬ ‫‪. 15‬‬ ‫شريمر‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫تعريف واض ٍح للعلوم الكاذبة من محرر موسوعة العلوم الكاذبة – الدكتور مايكل‬ ‫يا حبذا لو حصلنا عىل‬

‫العلوم الكاذبة‪ :‬هي مجموعة ا ّد ٍ‬ ‫عاءات تُظهر نفسها عىل أنها علمية بطبيعتها ولكنها ليست كذلك‪ .‬وهاكم ما ذكرته يف‬ ‫مجلة «العلمي األمرييك ‪ »Scientific American‬حيال األفكار الثورية الجديدة‪« :‬هل تقدّم لنا [أي هذه األفكار الثورية‬ ‫الجديدة] اهتام ًما ليتم تضمينها وتبنيها لدى العلامء ويف مخابر العلم وأبحاثه؟ هل تسعى ألن تُك ّون خطًا جديدًا من األبحاث‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وفرضيات جديدة؟ هل تؤثر عىل‬ ‫ونظريات‬ ‫اكتشافات جديدة أوإىل بناء مناذج وصيغ‬ ‫واالختبارات التجريبية؟ هل ستؤدي إىل‬ ‫النامذج والصيغ والنظريات والفرضيات العلمية السابقة لها؟ إن كانت اإلجابة كال؛ فاألرجح أن تكون [هذه األفكار] علو ًما‬ ‫زائف ًة‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬ميكننا ان نفصل بني العلوم الحقيقية والعلوم الكاذبة مبا هو العلم وما يفعله العلامء بشكلٍ أسايس‪.‬‬ ‫فالعلم هو مجموعة من الطرق لتوصيف وفهم ظاهرة متّت مالحظتها أو االستدالل عليها عن طريق املنهج ّية امل ُ ّتبعة يف فحص‬ ‫الفرضيات وبناء النامذج والنظريات‪ .‬فإن تب ّنى عد ٌد من العلامء فكر ًة ما بشكلٍ نشط‪ ،‬وانترشت هذه الفكرة عرب حقول العلوم‬ ‫وتم تضمينها داخل أبحاث تقدم معلومات مفيدة عن العامل وتنعكس يف العروض واملنشورات والدوريات العلمية‬ ‫املختلفة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫خطوط جديد ٍة من البحث والتحقيق‪ ،‬فاألرجح أن تكون هذه الفكرة هي من العلوم الحقيقية‪».‬‬ ‫وباألخص يف‬ ‫‪ .16‬يف مناظرتهام املشهورة‪ ،‬حصل بني كني هام وبيل ناي ٌ‬ ‫حام حول نظرية التط ّور والخلقوية‪ .‬واحدٌ من أهم‬ ‫نقاش ٍ‬ ‫األمور التي الحظنا كني هام يشدد عليها ويكررها هو الفصل بني «العلوم التاريخية ‪ »Historical Science‬و«العلوم‬ ‫املشاهدة ‪ .»Observational Science‬هل ميكنك ان تعطينا وجهة نظرك حول نقطة كني هام الرئيسية؟‬ ‫معظم علوم اليوم ليست «علوم مشاهدة ‪ – »Observational Science‬كام يُع ّرف كني هام هذا املصطلح‪ .‬معظم‬ ‫العلوم هي علوم استداللية‪ ،‬إما عن طريق األجهزة والتقنيات العلمية (كالتلسكوب‪ ،‬واملايكروسكوب‪ ،‬ومرسع‬ ‫تاريخي أيضً ا؛ كالجيولوجيا‪ ،‬والبيولوجيا‪ ،‬واألركيولوجيا‪ ،‬والفيزياء الكونية وغريها‪.‬‬ ‫الجسيامت وغريها) والكثري منها‬ ‫ٌّ‬ ‫ما ذكره كني هام محض جدال‪ ،‬فالعلامء ال يه ّمهم ما إن كان ما يقومون به مالحظ ‪ Observational‬أم تاريخي‬ ‫‪ Historical‬أم استداليل ‪.Inferential‬‬ ‫‪35‬‬


‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ .17‬برأيك هل ميكن للعلم – بحسب ما هو عليه اآلن أو ما سيكون عليه الحقًا – هل ميكن له أن يجيب عىل‬ ‫أسئل ٍة وجودي ٍة مثل‪« :‬ما معنى الحياة»؟‬ ‫السؤال عن معنى الحياة سؤال خاطئ‪ ،‬فسؤالك عن معنى يش ٍء ما يرتبط بطريقة فهمك لهذا اليشء‪ .‬فـ «املعنى»‬ ‫من حياة النجوم‪ ،‬هي أن تقوم بتحويل الهيدروجني إىل هيليوم‪ ،‬و«املعنى» من حياة اإلنسان هو أن يقوم بتحويل‬ ‫السعرات الحراريَّة إىل جزيئات ‪ DNA‬من أجل التكاثر ‪...‬الخ‪ .‬لكل يشء جوه ٌر معني‪ ،‬وإن فهمنا ذلك الجوهر فسنفهم‬ ‫أن املعنى من وجوده هو القيام بذلك الجوهر‪ .‬وجوهرنا (معنى حياتنا) هو بالطبع أكرث تعقيدً ا من مجرد تحويل‬ ‫السعرات الحرارية إىل أطفال‪ ،‬ولكن الكثري من دوافعنا األساسية نجدها غريزية وأساسية وطبيعية وتفيد ذلك الغرض‪.‬‬

‫‪ .18‬‬

‫ٍ‬ ‫حقول أخرى من العلوم؟‬ ‫ك ُمختص يف تاريخ العلوم‪ ،‬كيف أثرت وتؤثر نظرية التطور عىل‬

‫ٍ‬ ‫بدرجات مختلفة‪ ،‬بل أثّرت حتى عىل حقول بعيد ٍة متا ًما كاألدب واالقتصاد‪ .‬إنها‬ ‫نظرية التطور تتخلّل جميع العلوم‬ ‫وسيل ٌة مهم ٌة إىل درج ٍة عظيم ٍة جدً ا يف التفكري بالعامل‪.‬‬

‫‪ .19‬يف عرص اإلعالم املريئ والتواصل الرسيع الذي نعيش فيه‪ ،‬بدئًا من أجهزة اإلعالم املتلفزة وإنتها ًءا مبواقع‬ ‫كم هائل من املعلومات وأصبح من السهل الحصول‬ ‫اإلنرتنت وشبكات التواصل االجتامعي‪ ،‬أصبح اإلنسان مطّل ًعا عىل ٍّ‬ ‫عىل أية معلومة كانت‪ ،‬كيف ميكن لذلك أن يؤثر عىل املجتمع وعىل اإلنسان الذي يعيش يف هذا املجتمع من ناحية‬ ‫التفكري العقالين والثقافة العلمية؟‬ ‫تعمل أجهزة اإلعالم عىل الجانبني‪ ،‬مع وضد العلم واملجتمع‪ ،‬بنفس الطريقة التي عمل بها اخرتاع املطابع‪ .‬فنفس‬ ‫تم استخدامها لطبع مؤلفات شكسبري وجدناها قد اس ُتخدمت لطبع كتاب «كفاحي» ‪ .‬واليوم يتم‬ ‫األجهزة التي ّ‬ ‫تكريس الكثري من املواقع اإللكرتونية ألجل ثقافة علمية مجانية غري محدودة‪ ،‬ومواقع أخرى يتم تكريسها ألجل نرش‬ ‫نظريات املؤامرة كنظرية «حقيقة» أحداث الحادي عرش من سبتمرب ‪ ،‬ونرش الخلقوية والعلوم الكاذبة وغريها‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫مايكل شريمر‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫نتاج ملجتمع ٍ‬ ‫فعال من أصحاب التفكري الناقد واملفكرين األحرار وامللحدين‪ ،‬نتحدث فيها عن‬ ‫‪ .20‬مجلتنا هي ٌ‬ ‫ش ّتى األمور ونعارض فيها األصولية الدينية والالعقالنية املرتبطة بها‪ ،‬كام نعتقد أنّنا نحقق غرضا مفيدا للمجتمع عرب‬ ‫نشاطات مثل هذه املجلة وغريها وبطرق مختلفة‪ ،‬أحدها نرش وترويج املعارف العلمية‪ .‬هل سبق لك أن سمعت‬ ‫بنشاطات عربية كهذه؟ أم أنَّ هذه أول مرة؟ وهل تعتقد أنَّ ملثل هذه الحركات أثر عىل املجتمع لرمبا نراه يف‬ ‫املستقبل القريب؟‬ ‫ال أعلم الكثري حول النشاطات العربية كهذه‪ .‬أما عن تأثريها‪ ،‬فأعتقد أن هذا يعتمد عىل مدى الحرية املُناطة بنرش‬ ‫مثل هذه األفكار‪.‬‬

‫‪ .21‬بالنسبة للمعتقدات الالعقالنية التي نراها يف هذه األيام‪ ،‬كالعلوم الكاذبة وحركة العرص الجديد مثل ما يُر ّوج‬ ‫له ديباك شوبرا وغريه‪ ،‬باإلضافة إىل األديان بشكل عام‪ ،‬ومن ضمنها اإلسالم‪ ،‬هل تراها يف انتشار أم انحدار؟ وبالحديث‬ ‫عن اإلسالم؛ هل ترى انه سينتهي بأصوليته التي نشهدها اليوم؟ أم أنه سيمر مبراحل تقوم بتهذيبه إىل دين مناسب‬ ‫أكرث للقيم املعارصة – كام حدث مع املسيحية؟‬ ‫أرى أنه عىل املدى البعيد ستتالىش األديان جمي ًعا وستصبح بال فائدة‪ ،‬ولك ّنه مدى بعيدٌ جدً ا‪ ،‬رمبا قرنٌ كامل أو قرنني‬ ‫عىل أقل تقدير‪.‬‬

‫‪ .22‬‬

‫يف الختام دكتور شريمر‪ّ ،‬‬ ‫هل تفضلت بتوجيه رسال ٍة ونصيح ٍة لنا ولقراء املجلة؟‬

‫اعتنقوا العلم واملنطق‪ ،‬واستخدموا هذين السبيلني لتصنعوا من العامل مكانًا أفضل‪ .‬وموقع «جمعية املتشكّك»‬ ‫و«مجلة املتشكّك» يرحب بكم دامئًا‪.‬‬ ‫قام بالحوار ‪Gaia Atheo - Ali Alnajafi - Srood Saleem ............‬‬ ‫‪37‬‬


‫الوعي و اإلرادة‬ ‫الح ّرة‬

‫بروفيسور ‪ Big Think‬جزء من مقابلة موقع‬ ‫مع‬ ‫ّ‬ ‫الفلسفة يف جامعة تافتس واملديراملساعد ملركز‬ ‫‪ Daniel Dennett‬الدراسات املعرف ّية دانيال دينيت‬

‫‪ -‬ما هو الوعي ؟‬

‫ معظم الناس يظ ّنون أ ّن الوعي (مهام كان) هو يش ٌء‬‫فوق التوقّعات ورائ ٌع ج ًّدا إىل درجة أنّنا يجب أن‬ ‫نقسمه إىل جزئني‪ ،‬وأنا أتف ّهم ملاذا يظ ّنون هذ‪ ،‬إنّه‬ ‫ّ‬ ‫يش ٌء رائ ٌع لك ّنه ليس مبعجز ٍة وليس سح ًرا‪ ،‬إنّه مج ّرد‬ ‫مجموع ٍة من الخدع‪ ،‬أنا أو ّد مقارنته بالسحر أل ّن‬ ‫السحر الذي يؤ ّديه السحرة عىل املسارح ليس سح ًرا‬ ‫أيضا مجموع ٌة‬ ‫بل مج ّرد مجموع ٍة من الخدع‪ ،‬والوعي ً‬ ‫من الخدع‪ ،‬وسنتعلّم ما هي هذه الخدع وكيف تتالءم‬ ‫مع بعضها و لِام يبدو األمر أكرث من كونه مج ّرد خد ٍع ‪.‬‬ ‫بعض الناس يعتربون هذا مهي ًنا ومستف ًّزا ولن تُعجبهم‬ ‫هذه الفكرة وسيعتربونها إهان ٌة لكرامتهم؛ وهذا‬ ‫برأيي خطأٌ كب ٌري‪ ،‬ألنك بتفكريك بهذا الشكل سوف‬ ‫تتجاهل كل االختبارات التي تؤكّد خطأك‪ ،‬وستتش ّبث‬ ‫بهذا الغموض والتّم ّيز الذي تحيط به نفسك‪ ،‬وبعض‬ ‫الناس ال يتاملكون أنفسهم وال ميكنهم تقبّل فكرة أن‬ ‫الوعي هو مج ّرد خد ٍع ممتاز ٍة تحصل يف العقل بشكل‬ ‫ج ّد ٍي‪ ،‬ويقولون ال ميكننا تخ ّيل األمر فأقول لهم ال‬ ‫تستطيعون تخ ّيله فأنتم ال تحاولون ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬ما الذي ُيخيف الناس من هذه الفكرة ؟‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫ أعتقد أ ّن االجندة املخفيّة يف هذا املوضوع هي‬‫أيضا أ ّن ما يقلق‬ ‫متعلّق ٌة باإلرادة الحرة ‪ ،‬وأعتق ُد ً‬ ‫الناس يف أعامقهم هو أنّه لو كان لدينا نظرية آل ّية عن‬ ‫الوعي عىل مستوى مص ّغ ٌر ج ًّدا إىل ح ّد الربوتونات‬ ‫‪38‬‬


‫الوعي و اإلرادة الح ّرة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫مسؤول عن أعاميل الج ّيدة أو‬ ‫ً‬ ‫فسيبدؤون القول ‪" :‬يا للهول ليست لدينا إراد ٌة ح ّر ٌة والحياة ال معنى لها وأنا لست‬ ‫السيئة" ؛ ال عالقة لهذا مبوضوعنا ولكن الخوف من كونه يرعب الناس ويحرِفهم عن أخذ هذه األفكار بج ّدي ٍة ألنّهم ال‬ ‫يريدونها أن تكون حقيقي ًة‪.‬‬ ‫فكل يشء تريده أو ينبغي أن تريده يف إطار‬ ‫و أطروحتي بالنسبة لهذا املوضوع هي تح ّدي تلك الرغبة ‪ ،‬والقول لها "ال" ّ‬ ‫اإلرادة الح ّرة ميكنك الحصول عليه من هذا املنظو‪ ،‬بعض الحركات التقليديّة يف نطاق اإلرادة الح ّرة ستكون مستحيل ًة‬ ‫من هذا املنظور‪ ،‬و لكن ملا تريد هكذا أشياء‪ ،‬فهي ليست مهم ًة‪ ،‬بل إنّها مج ّرد رغبات مريضة‪ ،‬وتن ّوعات اإلرادة الح ّرة‬ ‫نفس واسرتخي و دعنا نعرف كيفية فعل هذا ‪.‬‬ ‫التي‬ ‫ّ‬ ‫تستحق طلبها ميكنك أخذها ‪ ،‬لذلك خذ ٌ‬

‫تهم فعال ؟‬ ‫‪ -‬ملاذا هي الحرية الوحيدة التي ّ‬

‫ ملليارات السنني كانت هناك حيا ٌة عىل هذا الكوكب لكن بال إرادة ح ّرة‪ ،‬مل تتغري الفيزياء ولكن مع هذا لدينا إرادة‬‫خصوصا‬ ‫ح ّرة اآلن‪ ،‬االختالف هنا ليس بالفيزياء و ليس بالحتم ّية والعالقة له بهؤالء‪ ،‬املوضوع متعل ٌّق بعلم األحياء و‬ ‫ً‬ ‫الحسية واملعرف ّية‬ ‫علم التط ّور ‪ :‬ما حصل خالل هذه املليارات من األعوام هو تط ّور ماليني الكفاءات‪ ،‬فتط ّور الكفاءات ّ‬ ‫والعقل ّية للدولفني والشمبانزي كان أكرث من مثيلتها لدى الكركند و نجم البحر‪ ،‬وهذه الكفاءات لدينا أعىل من مثيالتها‬ ‫مفصل ملعرفة كيف تولّدت لدينا هكذا كفاءات‪.‬‬ ‫رشح‬ ‫طبيعي ّ‬ ‫لدى الدولفني والشمبانزي‪ ،‬وهناك ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ألسباب ما بل نق ّدم تلك‬ ‫رصف وفقّا‬ ‫ٍ‬ ‫إنّها ق ّوة التصميم واإلرادة التي تفصلنا عن األجناس األخرى‪ ،‬ومفتاحها هو أنّنا ال نت ّ‬ ‫األسباب ألنفسنا ولغرينا‪ ،‬فحني تسأل أحدهم ‪ ":‬ملا تفعل هذا ؟ " و كون الشخص قاد ًرا عىل اإلجابة هو يش ٌء بسي ٌط‬ ‫وسهل وهي ظاهرة تحدث يوم ًيا ولك ّنها مفتاح املسؤولية‪ ،‬وكلمة مسؤولي ٌة بحد ذاتها مفهوم ٌة بشكل واض ٍح وكوننا‬ ‫ٌ‬ ‫مسؤولني يعني أنّه ميكننا االستجابة إىل التح ّديات التي نتع ّرض لها‪ ،‬وليست كل األسباب بل األسباب التي منثّلها بوعينا‬ ‫وهذا ما مينحنا الق ّوة وااللتزام لنفكّر مسبقًا ونعرف عواقب أفعالنا وقدرتنا عىل تقييم هذه العقوبات عىل ضوء ما‬ ‫جنس آخر يفعل هذا‪ ،‬وسبب كوننا نستطيع‬ ‫يُخربنا الناس اآلخرون عن تجاربهم وت َشا ُركنا لحكمتنا مع غرينا ؛ ال يوجد ٌ‬ ‫مشاركة حكمتنا مع بعضنا هو لكوننا منتلك مسؤولي ًة خاص ًة‪ ،‬لدينا القوة وهذا ما يعطينا االلتزام ويجعلنا أحرا ًرا وأفضل‬ ‫من الطيور ‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬

‫ق ّررت محكم ٌة مرصي ٌة حبس كريم البنا الطالب املرصي ثالثة سنوات إلعالنه عىل "فيس بوك" بتهمة أنه ملحد وأيضا‬ ‫الزدرائه اإلسالم‪ ،‬حسبام نقلت صحيفة "دييل ميل" عن محامي املتهم يف مقالها بتاريخ ‪ 11‬و ‪ 12‬يناير ‪2015‬‬ ‫ويف السياق ذاته‪ ،‬شهد والد كريم البنا ضد ابنه يف املحكمة يف البحرية يوم السبت ‪ 10‬يناير ‪ ،2015‬حسبام نقلت‬ ‫الصحيفة عن محامي املتهم أحمد عبد النبي‪.‬‬ ‫حكم آخ ٍر يف محكمة‬ ‫وأضاف املحامي أن عىل املتهم أن يدفع كفالة ألف جنيه لوقف تنفيذ الحكم وحتى يتم إصدار ٍ‬ ‫النقض واملقررة يوم ‪ 9‬مارس القادم‪.‬‬ ‫جدي ٌر بالذكر القول أن اسم البنا ظهر يف قامئة بامللحدين يف صحيفة محلية ما أدى إىل مضايفة جريانه له‪ ،‬حسبام ذكر‬ ‫إسحاق إبراهيم باحث يف األديان يف املبادرة املرصية للحقوق الشخصية‪.‬‬ ‫وذكرت الصحيفة أنه حينام ذهب البنا إىل القسم لتقديم شكوى ضد مضايقات جريانه‪ ،‬فاتهم بازدراء اإلسالم وتم القبض‬ ‫عليه منذ نوفمرب املايض ‪. 2014‬‬

‫‪40‬‬


‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ســــ ّر األســـــامء‬ ‫‪41‬‬


‫سـ ّر األســامء‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫َو َعل َ​َّم آ َد َم األَ ْس َمء‬

‫قليل منهم من تساءل بالقدر‬ ‫ربا ٌ‬ ‫( ‪ ...‬أكرث املسلمني سمعوا وقرؤوا ذلك الجزء القصري من اآلية مرارا ً يف قرآنهم‪ ،‬لكن ّ‬ ‫الكايف عن معناه‪.‬‬ ‫ما تلك "األسامء" تحديدا ً؟ ما أهميتها ودورها يف قصة خلق آدم؟ ما عالقتها مبوقف املالئكة والشيطان من ذلك الخلق؟‬ ‫هل املسألة حقاً‪ -‬كام قد تبدو‪ -‬بسيط ٌة أو ال تستحق الكثري من االهتامم‪ ،‬أم أن البحث عن معاين تلك األسامء وأصلها‬ ‫ميكن أن يكشف لنا الكثري عن التص ّورات والرموز يف قصة الخلق اإلبراهيمية‪ ،‬وعن كيفية نشأة وتشكّل الفكر الديني‬ ‫عام؟!‬ ‫بوج ٍه ٍ‬ ‫هذا ما سنحاول بحثه هنا‬

‫مقدمة‬ ‫ّ‬

‫من يدرك أن األديان ظاهر ٌة نفسي ٌة اجتامعي ٌة‪ ،‬يدرك بالتايل أن األفكار الدينية كلها‪ ،‬تنبع أوالً من العقل البرشي‪ ،‬متخلّق ٌة‬ ‫تعب يف‬ ‫من تفاعالت ذلك العقل مع نفسه ومع أقرانه من البرش اآلخرين‪ ،‬وعنارص الطبيعة املتقلّبة من حوله‪ ،‬كام أنها ّ‬ ‫النهاية عن احتياجات ذلك العقل ومخاوفه وتطلّعاته وأحالمه‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫سـ ّر األســامء‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ثم إن األفكار الدينية تتبلور‪ -‬ثانياً‪ -‬بأشكا ٍل متباين ٍة اجتامعياً حسب الظروف واألحوال‪ ،‬فتظهر يف ع ّدة نس ٍخ متن ّوع ٍة‬ ‫جنب مع تط ّورها عرب الزمن‪.‬هذا التص ّور‪ -‬لو‬ ‫يف ثقافات الشعوب‪ ،‬وتتشكّل مع تشكّل تلك الثقافات‪ ،‬وتتط ّور جنباً إىل ٍ‬ ‫أي فكر ٍة ديني ٍة‪ ،‬عن طريق أوالً مالحظتها يف نصوصها الحالية‬ ‫صح ‪ -‬فسيعني أنه بإمكاننا استخدام منهجي ٍة بسيط ٍة لفهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتاحة يف دينٍ من األديان‪ ،‬ثم ثانياً بتت ّبع تط ّورها العكيس يف األديان واملعتقدات واألساطري املبكّرة السابقة‪ ،‬حيث يبدو‬ ‫األمر‪ ،‬كأننا ننطلق يف رحل ٍة زمني ٍة إىل املايض‪ ،‬لنصل إىل أصل تلك الفكرة يف صورتها املبكّرة األكرث نقا ًء‪ -‬األمر الذي سيتيح‬ ‫لنا ‪ -‬ثالثاً ‪ -‬فهم مصدر نشأة تلك الفكرة‪ ،‬عن طريق تخليصها من الشوائب املضافة لها الحقاً‪ ،‬مع ربطها بالواقع اإلنساين‬ ‫الذي أفرزها ابتدا ًء‪.‬‬ ‫املبسطة سنسعى إىل تطبيقها هنا عىل فكرة األسامء التي قام الله بتعليمها آلدم‪ ،‬لعلّنا ننجح يف ّ‬ ‫فك شفرتها‬ ‫تلك املنهجية ّ‬ ‫وفهم املزيد عنها‪.‬‬

‫"األسامء" يف اإلسالم‬

‫يف سورة البقرة نقرأ عن قرار الله بخلق اإلنسان األول‪ ،‬آدم‪ ،‬ونفاجأ بظهور يش ٍء من االعرتاض يف صفوف املالئكة‪ ،‬بح ّجة‬ ‫أن ذلك الكائن الجديد‪ ،‬الخليفة‪ ،‬سيفسد يف األرض ويسفك الدماء‪.‬‬ ‫هنا يرشع الله يف تعليم آدم "األسامء" ما سيؤ ّدي إىل ظهور تف ّوق هذا اإلنسان األول عىل املالئكة‪ ،‬وخاص ًة حني يبدو‬ ‫جهلهم التام بتلك األسامء‪ ،‬مع اعرتافهم املذعن بذلك الجهل‪ ،‬ما سيستتبعه األمر املبارش من الله إليهم بالسجود آلدم‪.‬‬ ‫﴿ َوإِ ْذ َق َال َربُّ َك لِلْ َمالَئِكَ ِة إِ ِّن َجا ِع ٌل ِف األَ ْر ِض َخلِي َف ًة َقالُواْ أَتَ ْج َع ُل ِفي َها َمن يُف ِْسدُ ِفي َها َويَ ْس ِف ُك الدِّ َماء َونَ ْح ُن ن َُس ِّب ُح‬ ‫ون ِبأَ ْس َمء‬ ‫ِب َح ْم ِد َك َونُ َقدِّ ُس ل َ​َك َق َال إِ ِّن أَ ْعل َُم َما الَ تَ ْعلَ ُمونَ ‪َ -‬و َعل َ​َّم آ َد َم األَ ْس َمء كُلَّ َها ثُ َّم َع َرضَ ُه ْم َع َل الْ َمالَئِكَ ِة َفق َ​َال أَن ِب ُئ ِ‬ ‫يم ‪َ -‬ق َال َيا آ َد ُم أَن ِب ْئ ُهم ِبأَ ْس َمئِه ِْم‬ ‫َهـؤُالء إِن كُن ُت ْم َصا ِد ِق َني ‪َ -‬قالُواْ ُس ْب َحان َ​َك الَ ِعل َْم لَ َنا إِالَّ َما َعلَّ ْم َت َنا إِن َ​َّك أَ َ‬ ‫يم الْ َح ِك ُ‬ ‫نت الْ َعلِ ُ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ات َواألَ ْر ِض َوأَ ْعل َُم َما تُ ْبدُ ونَ َو َما كُن ُت ْم تَكْ ُت ُمونَونَ – َو إِ ْذ‬ ‫َفل ََّم أَن َبأَ ُه ْم ِبأَ ْس َمئِه ِْم َق َال أَل َْم أَ ُقل لَّك ُْم إِ ِّن أَ ْعل َُم َغ ْي َب َّ‬ ‫يس أَ َب َو ْاس َتك َ َْب َوكَانَ ِم َن الْكَا ِفرِي َن﴾ البقرة ‪.30-34‬‬ ‫ُقلْ َنا لِلْ َمالَئِكَ ِة ْاس ُجدُ واْ آل َد َم َف َس َجدُ واْ إِالَّ إِ ْبلِ َ‬ ‫ما تلك األسامء ‪ -‬بالغة األهمية ‪ -‬التي مل يُتح للمالئكة تعلّمها؟ ما عالقة اكتساب آدم لذلك العلم بسجود املالئكة له‪،‬‬ ‫باستثناء الشيطان املتم ّرد؟‬ ‫لو ألقينا نظر ًة رسيع ًة عىل التفاسري القرآنية الكالسيكية لآلية (الطربي‪ ،‬القرطبي‪ ،‬ابن كثري‪..‬إلخ)‪ ،‬فسنجد تبايناً مربكاً يف‬ ‫كل يش ٍء"‪ ،‬ما ال‬ ‫تفس ماهية تلك األسامء‪ ،‬وإن كنا نرى أن أكرث عبارة تتكرر حولها أنها "أسامء ّ‬ ‫اآلراء واالجتهادات التي ّ‬ ‫فهم كاملٍ الصورة‪ ،‬ويؤكّد أننا بحاج ٍة إىل املزيد من البحث‪.‬‬ ‫يساعد كثريا عىل ٍ‬ ‫‪43‬‬


‫سـ ّر األســامء‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫"األسامء" يف اليهودية‬

‫فإذا انتقلنا إىل قصة الخلق اإلبراهيمية األقدم‪ ،‬يف التوراة‪ ،‬سفر التكوين‪ ،‬فسنجد صور ًة مختلف ًة نوعاً عن الصورة‬ ‫القرآنية‪ :‬حيث أول ما نالحظه أننا لن نجد هنا ذكرا ً للمالئكة أو اعرتاضهم عىل الخلق‪ ،‬ولن نجد حديثاً عن السجود أو‬ ‫التم ّرد الشيطاين بشأنه‪.‬‬ ‫كل ما سنجده أنه بعد أن خلق الله آدم قام بخلق جميع الحيوانات والطيور األخرى‪ ،‬وأحرضها آلدم ليك مينحها أسامءها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اص َن َع لَهُ ُم ِعينا ن َِظ َري ُه" ‪َ -‬و َج َب َل ال َّر ُّب االلَهُ ِم َن اال ْر ِض ك َُّل‬ ‫(‪َ ..‬و َق َال ال َّر ُّب االلَهُ ‪" :‬لَ ْي َس َج ِّيدا انْ َيكُونَ ا َد ُم َو ْحدَ ُه َف ْ‬ ‫َح َي َوان ِ‬ ‫ات نَف ٍْس َح َّي ٍة َف ُه َو ْاس ُم َها‬ ‫ض َها َإل ا َد َم لِ َ َيى َما َذا يَدْ ُعو َها َوك ُُّل َما َد َعا ِب ِه ا َد ُم َذ َ‬ ‫َات ال َ ِّْبيَّ ِة َوك َُّل طُ ُيو ِر َّ‬ ‫الس َم ِء َفا ْح َ َ‬ ‫يع َح َي َوان ِ‬ ‫َات ال َ ِّْب َّي ِة) تكوين‪ -‬إصحاح ‪.18،20 - 2‬‬ ‫الس َم ِء َو َج ِم َ‬ ‫ِاس َم ٍء َج ِم َ‬ ‫ َفدَ َعا ا َد ُم ب ْ‬‫يع الْ َب َهائِ ِم َوطُ ُيو َر َّ‬ ‫هذا يحسم لنا أخريا ً معنى تلك "األسامء" إذا ً‪ ،‬إنها ببساط ٍة أسامء سائر املخلوقات الح ّية! هنا نالحظ اختالفاً آخ ًرا جوهرياً‬ ‫عن القصة القرآنية‪ ،‬هو أ ّن الله يف التوراة مل يقم بتعليم آدم األسامء بشكلٍ تلقيني‪ ،‬كأنه مد ّر ٌس يحفّظ تلميذه درساً‪ ،‬إمنا‬ ‫ض َها َال ا َد َم لِ َ َيى َماذَا يَ ْد ُعو َها)‬ ‫باألحرى نجد أن الله منح آدم السلطة والسيادة؛ ليختار بنفسه أسامء الكائنات (فَا ْح َ َ‬ ‫ما يق ّدم لنا ملمحاً جديدا ً‪ ،‬وإن كان يف رواي ٍة أقدم‪.‬‬ ‫رس غياب عنارص املنافسة املالئكية‬ ‫لنرتك هذا امللمح جانباً اآلن‪ ،‬ولنبدأ باالختالف األكرب بني الروايتني‪ ،‬نتساءل أوالً عن ّ‬ ‫والسجود والتم ّرد الشيطاين من القصة التوراتية؟‬ ‫رمبا نجد الجواب عنه يف ثنايا الرتاث اليهودي‪ ،‬املكتوب بعد التوراة وقبل القرآن‪ ،‬لنلقي نظر ًة عىل الكتاب الشهري‬ ‫"أساطري اليهود" للحاخام وعامل التلمود "لويس غنزبرغ"؛ والكتاب ‪ -‬املجلّد يف ع ّدة أجزا ٍء‪ -‬عبار ٌة عن تجميعٍ ٍ‬ ‫ملئات من‬ ‫التفاسري التوراتية (املدراش) والقصص اليهودية (الهاجاداة) التي كتبها الحاخامات عرب القرون‪ ،‬كان يت ّم تداولها شفاهاَ‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات يهودي ٍة عديد ٍة‪.‬‬ ‫يف‬ ‫يف الجزء األول من كتاب غنزبرغ‪ ،‬الفصل الثاين تحت عنوان "آدم" (‪ ، )1‬نجد فقرتني مه ّمتني لبحثنا‪.‬‬

‫‪1 - http://www.sacred-texts.com/jud/loj/loj104.htm‬‬

‫‪44‬‬


‫سـ ّر األســامء‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ الفقرة األوىل بعنوان "الرجل املثايل" نقرأ فيها (تجلّت حكمة آدم يف أعظم مميزاتها حني أعطى أسام ًء للحيوانات‪.‬‬‫ٍ‬ ‫رص عىل أن‬ ‫حينئذ ظهر أن الله‪ ،‬يف رصاعه مع حجج املالئكة املعارضني لخلق اإلنسان‪ ،‬كان قد تكلّم بالصواب حني أ ّ‬ ‫اإلنسان ميتلك حكم ًة أكرث منهم‪ .‬حني كان عمر آدم بالكاد ساع ًة‪ ،‬قام الله بجمع عامل الحيوانات أمامه واملالئكة‪ .‬األخريون‬ ‫طُلب الله منهم أن ينادوا بأسامء األنواع املختلفة‪ ،‬لكنهم مل يكونوا عىل قدر املهمة‪ .‬آدم‪ ،‬عىل الجانب اآلخر‪ ،‬تكلّم دون‬ ‫تر ّد ٍد "يا إله العامل‪ ،‬االسم الصحيح لهذا الحيوان هو الثور‪ ،‬ولذلك هو الحصان‪ ،‬ولذلك هو األسد‪ ،‬ولذلك الجمل"‪ ،‬واستمر‬ ‫كل حيوانٍ )‪.‬‬ ‫سق مع ّ‬ ‫يف مناداتهم بأسامئهم‪ ،‬بشكلٍ متّ ٍ‬ ‫ الفقرة الثانية بعنوان "سقوط الشيطان"‪ ،‬نقرأ (املميزات غري العادية التي منحها ال ّرب آلدم‪ ،‬جسدياً وروحانياً عىل‬‫السواء‪ ،‬أثارت حسد املالئكة حتى حاولوا إهالكه بالنار‪ ،‬وكاد ليهلك لوال أن يد الله الحامية أحاطت به‪ ،‬وصنع الرب سالماً‬ ‫بينه وبني املأل الساموي‪ .‬تحديدا ً الشيطان كان يغار من الرجل األول‪ ،‬وأفكاره الرشيرة يف النهاية أ ّدت إىل سقوطه‪ .‬بعدما‬ ‫رشا ً بني مالئكة‬ ‫وهب الله آلدم روحاً‪ ،‬دعا الله جميع املالئكة ألن يأتوا ويق ّدموا له االحرتام والتقدير‪ .‬الشيطان‪ ،‬األكرث ّ‬ ‫السامء‪ ،‬وله اثنا عرش جناحاً بدالً من ست ٍة كاملالئكة اآلخرين‪ ،‬رفض االلتفات إىل أمر الله‪ ،‬قائالً‪" :‬أنت خلقتنا من بهاء‬ ‫الشكينة (أي روح الله‪ ،‬الذي يظهر كنا ٍر يف مواضع عديدة من التوراة‪ ،‬كام يف شجرة سيناء مع موىس)‪ ،‬اآلن تأمرنا أن ّ‬ ‫نذل‬ ‫أنفسنا أمام الكائن الذي صنعته من تراب األرض!"؛ فأجابه الله قائالً‪" :‬مع ذلك فرتاب األرض هذا لديه حكم ٌة ومعرف ٌة‬ ‫خلقت الوحوش والطيور‬ ‫تحكيم للذكاء بينه وآدم‪ ،‬فوافقه الله عىل طلبه قائالً‪" :‬لقد‬ ‫أكرث منك"‪ .‬هنا قام الشيطان بطلب‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫والزواحف‪ ،‬وسأقوم بإحضارهم جميعاً أمامك وآدم؛ لو كنت قادرا ً عىل معرفة أسامئها فسآمر آدم بتقديم االحرتام‬ ‫لك‪ ،‬وسيكون مستقرك إىل جوار شكينة‬ ‫مجدي؛ أما لو مل يحدث ذلك وناداهم‬ ‫آدم بأسامئهم التي أطلقتها عليهم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فحينئذ ستخضع أنت آلدم‪ ،‬و سيصري له‬ ‫مكا ٌن يف ج ّنتي ويزرعها)‪.‬‬

‫إكتب‪ :‬الحامر‪ ،‬السمكة‪ ،‬الخرتيت ‪..‬‬ ‫و شيل إيدك من هنيك و كتوب ‪...‬‬

‫ياللصدف السعيدة! هنا نجد جميع‬ ‫العنارص القصصية التي ستظهر يف القرآن‬ ‫الحقاً‪ :‬اعرتاض املالئكة عىل استخالف‬ ‫اإلنسان ‪ -‬تعليم الله األسامء آلدم ‪-‬‬ ‫املنافسة بني املالئكة واإلنسان‪ ،‬وتف ّوق‬ ‫األخري عليهم ‪ -‬مت ّرد الشيطان‪ ،‬الذي‬ ‫فشل أيضاً يف معرفة األسامء‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫سـ ّر األســامء‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫لو عدنا م ّر ًة أخرى إىل التفاسري القرآنية‪ ،‬سنجد تشابهاً ملفتاً بني تفاصيل ما ورد يف الفقرة األوىل عن غرية املالئكة من‬ ‫آدم؛ أما عن أسامء الحيوانات فنقرأ يف الطربي مثالً‪( :‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬علّم الله آدم األسامء كلها‪ ،‬وهي هذه األسامء‬ ‫ٍ‬ ‫مجاهد‪،‬‬ ‫وجبل‪ ،‬وحام ٌر‪ ،‬وأشباه ذلك من األمم وغريها)‪( ،‬عن‬ ‫وسهل‪ ،‬وبح ٌر‪ٌ ،‬‬ ‫وأرض‪ٌ ،‬‬ ‫التـي يتعارف بها الناس‪ :‬إنسا ٌن ودابّ ٌة‪ٌ ،‬‬ ‫كل يش ٍء‪ :‬هذه الخيل‪ ،‬وهذه‬ ‫قال‪ :‬علّمه اسم الغراب والحاممة‪ ،‬واسم كل يش ٍء)‪( ،‬عن الحسن وقتادة قاال‪ :‬علّمه اسم ّ‬ ‫واضح‪.‬‬ ‫كل يش ٍء باسمه) (‪ )2‬فالتشابه بني القصتني إىل ح ّد التطابق‬ ‫البغال‪ ،‬واإلبل‪ ،‬والج ّن‪ ،‬والوحش وجعل يس ّمي ّ‬ ‫ٌ‬ ‫لكن يف الرتاث اليهودي ويف القرآن عىل السواء‪ ،‬يبدو لنا أن األسامء‪ -‬أسامء الحيوانات والطيور‪ -‬مج ّرد موضو ٍع للتح ّدي أو‬ ‫كم‪ ،‬مع قيام ذلك ال َحكم املاكر بتعليم أحد الطرفني مسبقاً‬ ‫"مسابقة معلومات" بني آدم واملالئكة‪ ،‬يقوم الله بإجرائها ك َح ٍ‬ ‫وبغض النظر عن التفاصيل‪ ،‬فالهدف الواضح من القصة إبراز وتأسيس‬ ‫الجواب الصحيح‪ ،‬ليك يضمن فوزه عىل اآلخر(!) ّ‬ ‫تف ّوق اإلنسان عىل املالئكة والشياطني‪.‬‬ ‫فهل هذا الهدف واملغزى الوحيد لتعليم آدم األسامء؟ أم أن املزيد من الغوص يف النصوص املق ّدسة قد يكشف لنا املزيد‬ ‫للقصة؟‬ ‫من املعاين واألرسار ّ‬

‫"األسامء" يف العقيدة املرصية القدمية‬

‫رسي ذا‬ ‫تحيك لنا األساطري املرصية القدمية حكاي ًة ممتع ًة عن كيفية قيام املاكرة إيزيس بخداع اإلله رع‪ ،‬لتعرف اسمه ال ّ‬ ‫القوة السحرية العظمى‪.‬‬ ‫نقرأ من كتاب عامل املرصيات واليس بدج بعنوان "بردية آين‪ :‬كتاب املوىت املرصي"‪ ،‬تحت فصلٍ بعنوان "أسطورة رع‬ ‫و إيزيس"(‪ ،)3‬بادئاً بتساؤل الربّة إيزيس قائل ًة‪( :‬أليس بإمكاين‪ ،‬عن طريق معرفة االسم املق ّدس لإلله‪ ،‬أن أجعل نفيس‬ ‫سيدة األرض‪ ،‬وأصبح آله ًة مثل رع يف السموات وعىل األرض؟)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مبشهد يظهر كبري اآللهة وج ّدهم رع الذي بلغ آنذاك الشيخوخة وأصيب بالضعف والهزال‪ ،‬حتى سقط لعابه‬ ‫تبدأ القصة‬ ‫عىل األرض؛ فقامت إيزيس بأخذ بعض ذلك اللعاب الخاص‪ ،‬وخلطته بالطني لتخلق منه ثعباناً سا ّماً مق ّدساً عىل شكل‬ ‫يتمش غري منتب ٍه‪ ،‬إذا بالثعبان يلدغه‪ ،‬فيقع‬ ‫رم ٍح‪ ،‬وقامت بوضعه عىل األرض‪ ،‬يف طريق رع مبارشةً! وبينام اإلله العجوز ّ‬ ‫‪ - 2‬جامع البيان يف تفسري القرآن‪ -‬تفسري الطربي‪ -‬سورة البقرة ‪ -‬اآلية ‪.31‬‬ ‫ ‪(3) http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?tMadhNo=1&tTafsirNo=1&tSoraNo=2&tAyahNo=31&tDisplay=yes&Page=2&Size=1&LanguageId=1‬‬‫‪http://www.sacred-texts.com/egy/ebod/ebod07.htm‬‬

‫‪46‬‬


‫سـ ّر األســامء‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫أرضاً صارخاً مستغيثاً من األمل والصدمة‪ ،‬وتهرع إليه جميع اآللهة‪ ،‬دون أن ينجح أحد يف فهم ما أصابه‪.‬‬ ‫وسط معاناته ورثائه لنفسه يعلن رع أنه مل يشعر بأ ٍمل مامثلٍ يف حياته‪ ،‬ويذكر عظمته وقدراته قائالً‪( :‬أنا عظي ٌم وابن‬ ‫ٌ‬ ‫وأشكال عديدةٌ‪ ،‬فوجودي يف جميع اآللهة‪ ،‬أيب وأمي نطقا باسمي‪،‬‬ ‫لدي أسام ٌء عديد ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫عظيم‪ ،‬وقام أيب باختيار اسمي؛ ّ‬ ‫يل)‪.‬‬ ‫ولكنه ّ‬ ‫ظل مخف ّياً بداخيل‪ ،‬حتى إن الكلامت التي ينطق بها ّ‬ ‫أي ع ّراف ال ميكنها التسلّط ع ّ‬ ‫عم أصابه‪ ،‬وحني يحيك لها عام ح ّدث‬ ‫هنا ترسع إيزيس الخبيثة إىل اإلله املتألّم‪ ،‬متص ّنع ًة الدهشة والجزع‪ ،‬سائل ًة إيّاه ّ‬ ‫رسي املق ّدس (أخربين باسمك أيّها األب املق ّدس‪،‬‬ ‫ستتظاهر أنها تحاول شفاءه‪ ،‬ولكنها ستطلب منه أن يخربها باسمه ال ّ‬ ‫فمن يخلص بذلك االسم فسوف يحيا)‪.‬‬ ‫يف البداية حاول رع أن ميتنع عن البوح باسمه للربّة‪ ،‬لكن تحت ضغط األمل استسلم كبري اآللهة لألمر‪ ،‬معلناً أسفه من‬ ‫أ ّن اسمه سوف ينتقل منه إىل إيزيس‪ ،‬التي صارت منذ ذلك الحني ملكة األرباب وصاحبة قوى سحري ٍة ال تضاهى‪ ،‬ألنها‬ ‫"تعرف اسم رع"! وعرب الرتاث املرصي كلّه ظلّت إيزيس رمزا ً وأيقون ًة للسحر والتعاويذ املؤث ّرة‪ ،‬وخاص ًة يف مجايل الحامية‬ ‫والشفاء‪.‬‬ ‫وبشكلٍ أكرث عمومي ٍة‪ ،‬يبدو التأثري السحري لألسامء من أهم مميزات الحضارة املرصية القدمية‪ ،‬فحني كان املرصيون‬ ‫يسعون لتمجيد ٍ‬ ‫كل النصوص محاطاً بالتبجيل والتقديس‪ ،‬وحني كانوا‬ ‫شخص ما كانوا يعنون بتسجيل اسمه كتاب ًة يف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شخص ما كانوا ميحون اسمه من عىل‬ ‫يريدون لعن‬ ‫جدران املعابد إىل األبد‪ ،‬ذلك املحو كان العقوبة املعنوية‬ ‫ألي ٍ‬ ‫شخص‪.‬‬ ‫الروحانية القصوى األكرث إرعاباً ّ‬ ‫نص كتاب املوىت‪ ،‬الجزء ‪ 125-‬أ (‪ ،)4‬نقرأ ما يُس ّمى‬ ‫يف ّ‬ ‫"االعرتاف اإلنكاري" الذي يأيت يف إطار محاكمة اإلنسان‬ ‫بعد موته‪ ،‬أمام مجموعة من القضاة \ اآللهة األخرويني؛‬ ‫ٍ‬ ‫مخالفات‬ ‫أي‬ ‫حيث يسعى الشخص لتربئة نفسه من ّ‬ ‫أخالقي ٍة‪ ،‬فري ّدد‪" :‬أنا مل أقتل‪ ،‬أنا مل أرسق‪ ،‬أنا مل أرتكب‬ ‫الزنا‪..‬إلخ"‪.‬‬ ‫‪(4) - http://www.ucl.ac.uk/museums-static/digitalegypt/literature/religious/bd125a.html‬‬

‫‪47‬‬


‫سـ ّر األســامء‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫وضمن كالم املتوىف نجد أيضاً تأكيده عىل أنه "يعرف اسم اإلله"‪ ،‬بشكلٍ يوحي‪ ،‬وكأن معرفة ذلك االسم متنحه قو ًة‬ ‫وحصان ًة من األذى؛ ويضيف (أنا أعرف أسامء االثنني وأربعني إلهاً‪ ،‬املك ّونني لتلك املحكمة)‪ ،‬يف الخامتة يؤكّد أنه (ال يشء‬ ‫رشيرا ً ميكنه أن يصيبني يف تلك األرض‪ ،‬ذلك ألنني أعرف أسامء اآللهة التي تسكنها)‪.‬‬ ‫يقول واليس بدج‪ ،‬يف كتابه "الدين املرصي" ص ‪ )5( 192‬يف الحضارات القدمية إ ّن (اسم الشخص كان واحدا ً من أه ّم‬ ‫وأي ٍ‬ ‫شخص‬ ‫أجزائه املك ّونة؛ فاملرصيون بالتشارك مع جميع الشعوب الرشقية‪ ،‬كانوا يولّون األهمية القصوى لحفظ االسم‪ّ ،‬‬ ‫كان يقوم بتلطيخ اسم ٍ‬ ‫شخص آخر يُعترب أنه قد قام بتدمري الشخص نفسه‪ ،‬ومثل الـ"كا" (الروح) كان االسم كذلك قسامً‬ ‫اسم يستحيل تقدميه إىل‬ ‫من الهوية األخص لإلنسان‪ ،‬ومن السهل رؤية ملاذا ت ّم منحه الكثري من األهمية‪ ،‬فكيا ٌن بال ٍ‬ ‫اسم‪ ،‬فكذلك الشخص الذي ال اسم له‪ ،‬فإن موقفه أمام اآللهة يعترب أسوأ من أتفه‬ ‫اآللهة‪ ،‬وكام أنه ال يتواجد يش ٌء دون ٍ‬ ‫الجامدات‪ ،‬والحفاظ عىل اسم األب وضامن استمراره كان من واجبات االبن البار‪ ،‬أما الحفاظ عىل مقابر املوىت يف حال ٍة‬ ‫أجل األعامل‪ ،‬عىل الجانب اآلخر فلو كان املتوىف‬ ‫جيد ٍة‪ ،‬حيث يتس ّنى للجميع قراءة األسامء املد ّونة عليها فكان من ّ‬ ‫عارفاً بأسامء اآللهة‪ ،‬سواء كانت صديق ًة أم عدوةً‪ ،‬وبإمكانه أن ينطقها‪ ،‬فإنه ميتلك فورا ً سلط ًة فوق تلك اآللهة‪ ،‬ويجعلها‬ ‫تستجيب إلرادته)‪.‬‬

‫رمزية اإلسم و قوته‬

‫يف التوراة‪ ،‬ضمن الوصايا العرشة‪ ،‬نجد نهياً صارماً عن النطق باسم اإلله باطالً‬ ‫(ال ت َ ْن ِط ْق ب ِْاس ِم ال َّر ِّب إِله َِك بَ ِاطالً ألَ َّن ال َّر َّب ال يُ ْ ِبئُ َم ْن نَط َ​َق ب ِْاس ِم ِه بَ ِاطالً) خروج ‪ 7 - 20‬و تثنية ‪11 - 5‬‬ ‫الواضح أن النهي ليس فقط عن الحنث بالقسم‪ ،‬لكن عن تدنيس اسم الله بشكلٍ عا ٍّم‪ ،‬تراثياً نعلم أ ّن اليهود التقليديني‬ ‫يتحفّظون عن ذكر "اسم الله" سواء كتابياً أم شفوياً‪ ،‬تنزيهاً له (‪ ،)6‬فيعتربون أن األسامء الكثرية لله يف تراثهم ليست‬ ‫ٍ‬ ‫ألقاب أو‬ ‫صفات تعكس بعض خصائص اإلله كالعدل أو الرحمة‪..‬إلخ (‪،)7‬‬ ‫أسام ًء باملعنى الحقيقي لألسامء‪ ،‬بل أقرب إىل ٍ‬ ‫املسلمون أيضا لديهم تص ّو ٌر مشاب ٌه ملا يُسمى بأسامء الله الحسنى املُشار لها يف القرآن (األعراف ‪ ،180‬اإلرساء ‪،110‬طه ‪)8‬‬ ‫ٍ‬ ‫السال ُم الْ ُم ْؤ ِم ُن‬ ‫فهي أيضاً ليست أسام ًء باملعنى‪ ،‬إمنا أقرب إىل‬ ‫وس َّ‬ ‫صفات متن ّوع ٍة لإلله (ال َّر ْح َم ُن ال َّر ِحي ُم الْ َملِ ُك الْ ُق ُّد ُ‬ ‫الْ ُم َهيْ ِم ُن الْ َعزِي ُز الْ َجبَّا ُر الْ ُمتَك ِّ َُب‪..‬إلخ) (الحرش ‪.)22،23‬‬ ‫‪(5) - Egyptian ideas of the future life; Egyptian religion. ... . Budge, E. A. Wallis Sir, (Ernest Alfred Wallis), 1857-1934. – Page 192‬‬ ‫‪http://babel.hathitrust.org/cgi/pt?id=mdp.39015047485159;view=1up;seq=202‬‬ ‫‪(6) - Harris, Stephen L. Understanding the Bible: a reader's introduction, 2nd ed. Palo Alto: Mayfield. 1985. page 21.‬‬ ‫‪(7) – Karesh, Sara E.; Hurvitz, Mitchell M. (2005). "Names of God". Encyclopedia of Judaism. Infobase Publishing. p. 179.‬‬ ‫‪http://books.google.co.uk/books?id=Z2cCZBDm8F8C&lpg=PA179&pg=PA179#v=onepage&q=seven%20names%20of%20God&f=false‬‬

‫‪48‬‬


‫سـ ّر األســامء‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫عىل الجانب اآلخر يهت ّم املسلمون كثريا بذكر "اسم الله" فتلك الصيغة أيضا ترد يف القرآن بشكلٍ متك ّر ٍر (املائدة ‪،4‬‬ ‫األنعام ‪ ،118،119،121،138‬الحج ‪ ،28،34،36،40‬الرحمن ‪ ،78‬املزمل ‪ ،8‬اإلنسان ‪ ،25‬األعىل ‪.)15 ،1‬‬ ‫ٍ‬ ‫روايات عديد ًة عن "اسم الله األعظم"‪ ،‬الذي له فيام يبدو تأثريا ً خاصاً‪ ،‬حيث ورد عن النبي مح ّم ٍد‬ ‫ويف الحديث نجد‬ ‫اب َوإِذَا ُس ِئ َل ِب ِه أَ ْعطَى" (‪ ،)8‬ما يوحي أن معرفة ذلك االسم متنح العارف مزي ًة‬ ‫مرارا ً أنه االسم "ال َِّذي إِذَا ُد ِع َي ِب ِه أَ َج َ‬ ‫مه ّم ًة يف الدعاء‪.‬‬ ‫أما املسيحيون‪ ،‬وإضاف ًة لتب ّنيهم بطبيعة الحال لكثريٍ من الرتاث اليهودي‪ ،‬فهم أيضاً يولّون أهمي ًة كبري ًة السم إلههم‪ ،‬حيث‬ ‫كل ما يُطلب‬ ‫نجد يف العهد الجديد نصوصاً عديد ًة تؤكّد عىل متجيد اسم الرب أو املسيح (فيلبي ‪ ،)2-10‬وتشري إىل أن ّ‬ ‫باسم املسيح يتم االستجابة له (يوحنا ‪)16-23‬؛ مع إمكانية القيام مبعجزات عن طريق ذلك االسم (أعامل الرسل ‪3-6‬‬ ‫و ‪ 4-7،11‬و ‪)9-34‬؛ أيضاً يت ّم إخراج األرواح الرشيرة باسم يسوع املسيح (أعامل الرسل ‪ ،)16-18‬وهو عني ما يقوم به‬ ‫رجال الدين املسيحيون إىل اليوم‪.‬‬

‫كل هذا؟‬ ‫ما الذي يعنيه ّ‬

‫يعني أنه بشكلٍ عا ٍّم‪ ،‬حسب عقلية أجدادنا القدامى ذات الطابع األسطوري السحري‪ ،‬فإن معرفة االسم والقدرة عىل‬ ‫ذكره كانت عىل ما يبدو مزي ًة عظيم ًة‪ ،‬توازي منح العارف سلط ًة خاص ًة عىل ذلك اليشء الذي عرف اسمه‪ ،‬كام أشار‬ ‫بدج يف االقتباس السابق‪.‬‬ ‫يف ذهن القدماء‪ ،‬فإن معرفتك السم اليشء تعني هيمنتك عليه واستطاعتك توجيه قدراته كام تشاء‪ ،‬معرفة اسم اآللهة‬ ‫يس ّخر قدراتها ملصلحتك (كام رأينا يف قصة إيزيس ورع) ومعرفة اسم الشياطني يتيح لك تج ّنب أذاها وتاليف خطرها‪.‬‬ ‫ترسخه‬ ‫هذا هو املفهوم الذي نراه بشكلٍ متك ّر ٍر يف األديان واملعتقدات القدمية‪ ،‬لكن كيف نشأ ذلك املفهوم‪ ،‬ما سبب ّ‬ ‫يف عقول القدماء؟‬ ‫رمبا بقليلٍ من املالحظة والتأ ّمل سنستطيع ‪ -‬بسهول ٍة نسبي ٍة ‪ -‬اإلجابة عىل ذلك السؤال‪ ،‬سيكون بإمكاننا معرفة كيف‬ ‫ظهر االعتقاد بقوة االسم‪ ،‬من خالل واقع اإلنسان القديم‪ ،‬كيف تبلور من خالل العادات والسلوكيات اليومية له‬ ‫وملجتمعه‪.‬‬ ‫(‪ – )8‬حديثٌ يف ابن ماجة ‪ – 3856‬و حديثٌ يف الرتمذي ‪ 3544‬و أيب داود ‪ 1495‬و النسايئ ‪ 1300‬و ابن ماجة ‪ – 3858‬و حديثٌ يف الرتمذي ‪ 3475‬و أيب داود ‪ 1493‬و ابن ماجة‬ ‫‪ – 3857‬و حديثٌ يف الرتمذي ‪ 3478‬و أيب داود ‪ 1496‬و ابن ماجة ‪.3855‬‬

‫‪49‬‬


‫سـ ّر األســامء‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫يف الحياة العادية‪ ،‬االسم عالمة الشخص (أو اليشء) التي متنحه خصوصيته ومت ّيزه عن اآلخرين‪ ،‬اسمي رمزي وهويتي‬ ‫ووجودي املعنوي يف حياة اآلخرين‪ ،‬حتى بعد وفايت‪.‬‬ ‫دليل عىل وجود عالق ٍة خاص ٍة بينك وفالن هذا‪ ،‬فهو مل يعد غريباً‪ ،‬إمنا صار قريباً أو‬ ‫و بنا ًء عليه فمعرفتك السم فالنٍ ٌ‬ ‫بصوت واض ٍح مبثابة ٍ‬ ‫متجيد له واعرت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اف به‪ ،‬وعند اللزوم تح ّك ٌم فيه واستدعا ٌء‬ ‫صديقاً‪ ،‬أو حتى تابعاً محتمالً‪ ،‬وذكرك السمه‬ ‫واستجالب لخصائصه‪ ،‬عىل الجانب اآلخر فجهل االسم جفا ٌء وتناف ٌر وغرب ٌة جدير ٌة بعد ٍو خطريٍ‬ ‫لحضوره واستعان ٌة بقدراته‬ ‫ٌ‬ ‫أو ٍ‬ ‫بعيد ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وإهامل وامتها ٌن له‪.‬‬ ‫غامض‪ ،‬أما محو االسم ونسيانه فهو مح ٌو لذكر اإلنسان‬ ‫يوم يف حياتنا اليومية كام رآه القدماء يف‬ ‫واضح نراه ّ‬ ‫حقيقي‬ ‫جانب‬ ‫كل ٍ‬ ‫واقعي ٌ‬ ‫تلك التأثريات املعنوية لألسامء لها جانبان‪ٌ :‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫وناشئ منه ومتف ّر ٌع عنه) نراه يف املعتقدات‬ ‫سحري خيا ٌّيل مت ّوه ٌّم مبال ٌغ فيه (تاب ٌع للجانب األول‬ ‫وجانب آخر‬ ‫حياتهم‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫واألساطري واألديان قدمياً وحديثاً‪ ،‬كام ورد يف األمثلة املذكورة‪ ،‬وبالطبع فاإلنسان القديم مل يكن قادرا ً عىل التمييز بوضو ٍح‬ ‫بني هذين الجانبني‪ ،‬بل َخلَ َط بينهام‪.‬‬

‫التسمية = الهيمنة‬

‫قصة األسامء املرتبطة بخلق آدم‪ ،‬فأول ما قد نهتم بفعله تجاهل "الشوائب" املضافة إليها‬ ‫إذا عدنا إىل موضوعنا األصيل‪ّ ،‬‬ ‫يف أزمن ٍة متأخر ٍة (غرية املالئكة ومسابقة املعلومات واألمر بالسجود والتم ّرد الشيطاين‪ ،‬التي قد تحتاج إىل تحليلٍ آخر‬ ‫لتفسريها وتفكيكها)‪ ،‬والرتكيز فقط عىل الهيكل الرئييس للقصة يف صورتها األقدم زمنياً واألكرث نقا ًء‪ ،‬يف التوراة‪.‬‬ ‫فإذا أعدنا تأ ّمل املشهد التورايت القصري ( َو َج َب َل ال َّر ُّب االلَ ُه ِم َن اال ْر ِض ك َُّل َح َي َوانَ ِ‬ ‫ض َها َإل‬ ‫ات ال َ ِّْبيَّ ِة َوك َُّل طُ ُيو ِر َّ‬ ‫الس َم ِء فَا ْح َ َ‬ ‫الس َم ِء‬ ‫ا َد َم لِ َ َيى َماذَا يَ ْد ُعو َها َوك ُُّل َما َد َعا ِب ِه ا َد ُم َذاتَ نَف ٍْس َح َّي ٍة فَ ُه َو ْاس ُم َها ‪ -‬فَ َد َعا ا َد ُم ب ِْأس َم ٍء َج ِمي َع الْ َب َهائِ ِم َوطُ ُيو َر َّ‬ ‫َو َج ِمي َع َحيَ َوانَ ِ‬ ‫ات ال َ ِّْبيَّ ِة)‪ ،‬فسنجد أن املغزى الرمزي البسيط املبارش للقصة صار واضحاً اآلن‪ :‬وهو أ ّن الله أراد منح آدم \‬ ‫كل تلك الكائنات! هذا املفهوم‪ -‬تسخري الله لجميع الكائنات ملصلحة البرش‪ -‬معنى موجو ٌد مؤكّ ٌد‬ ‫اإلنسان السلطة فوق ّ‬ ‫عليه بقو ٍة يف الكتب املق ّدسة الثالثة‪ ،‬من أول سفر التكوين (‪ )1-28‬و حتى القرآن (لقامن ‪ ،20‬الحج ‪ ،65‬النحل ‪،14‬‬ ‫رمزي و"رشعن ٌة ديني ٌة"‬ ‫الجاثية ‪)12‬؛ وما مسألة سامح الله آلدم بإطالق أسامء عىل الحيوانات والطيور إال تأكي ٌد إضا ٌّيف ٌّ‬ ‫لسيطرة اإلنسان عىل الطبيعة وهيمنته عىل جميع الكائنات فيها‪ ،‬تلك الهيمنة التي ستتط ّور يف الرتاث اليهودي والعريب‬ ‫الالحق لتصري تفوقاً عىل املالئكة والشياطني أيضاً‪ ،‬يف إطار مسابقة املعلومات إيّاها!‬

‫‪50‬‬


‫سـ ّر األســامء‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫لو أردنا ربط تلك الفكرة (إطالق االسم تعب ٌري عن الهيمنة والتسلّط) بالواقع اليومي للناس قدمياً وحديثاً‪ ،‬فال أوضح من‬ ‫عالقة الوالدين بابنهام‪ ،‬فأول ما يقوم به األب حني ينجب طفالً هو أن يختار له اسامً‪ ،‬فذلك الفعل البسيط أول مامرس ٍة‬ ‫لسلطة األب عىل ابنه‪ ،‬فهو مبثابة إعالنٍ‬ ‫رمزي للهيمنة وامللكية‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫رشب مغزاها يف تراثه؛ ليعتقد أن‬ ‫يومي‪ ،‬وت ّ‬ ‫اإلنسان القديم رأى تلك العادة (إطالق األسامء عىل املواليد) ومارسها بشكلٍ ٍّ‬ ‫إطالق االسم عىل الشخص ‪ -‬أو عىل اليشء ‪ -‬مبثابة ٍ‬ ‫رصف فيه‪ ،‬كام ميتلك األب‬ ‫تأكيد للسيطرة عليه وامتالك أحق ّية الت ّ‬ ‫ابنه الصغري‪ ،‬أو حتى كام متتلك حيوانك األليف الذي تختار اسمه كام تشاء‪.‬‬ ‫وسمه (‪ ،)2-7‬إال أن من اختار أن يس ّمي‬ ‫تأكيدا ً عىل ذلك املعنى‪ ،‬نجد يف سفر التكوين أنه بينام الله هو من خلق الرجل ّ‬ ‫املرأة باسمها مل يكن الله‪ ،‬إمنا آدم نفسه! (فَق َ​َال ا َد ُم‪َ " :‬ه ِذ ِه ْال َن َعظْ ٌم ِم ْن ِعظَا ِمي َولَ ْح ٌم ِم ْن لَ ْح ِمي‪َ .‬ه ِذ ِه تُ ْد َعى ا ْم َرأ ًة‬ ‫ألنها ِمنِ امرئ ِ‬ ‫اخ َذتْ ) تكوين ‪ - 2-23‬و ال ب ّد أن داللة ذلك رمزياً قد اتّضحت لنا اآلن‪ :‬فالرجل يسود عىل املرأة ويهيمن‬ ‫عليها‪ ،‬وهو ما تأكّد بشكلٍ رصي ٍح يف تكوين ‪.3-16‬‬ ‫هكذا نجد أن فهم الفكرة الدينية بشكلٍ شاملٍ ميكن أن يتأىت عن طريق تفكيك تلك الفكرة وتتبعها بأشكالها املتن ّوعة‬ ‫يف العقائد املختلفة وصوالً إىل مصادرها األقدم‪ ،‬ثم محاولة تخليصها من شوائبها املتأخرة‪ ،‬ومحاولة تل ّمس مغزاها األصيل‬ ‫يف عقل اإلنسان القديم الذي أنتجها ابتدا ًء استلهاماً من واقعه البيئي االجتامعي‪ ،‬وما قمنا به يف مثال "األسامء" ميكن‬ ‫أي فكر ٍة ديني ٍة أخرى‪.‬‬ ‫القيام به مع ّ‬

‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪51‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬

‫شاريل ايبدو أو مجلة شاريل األسبوعية‬ ‫كام ترتجم باللغة الفرنسية‪ ،‬هي‬ ‫مجل ٌة فرنسي ٌة أسبوعي ٌة ساخرةٌ‪ ،‬تتناول‬ ‫تهكمي‬ ‫بأسلوب‬ ‫األحداث من حولها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫وبلهج ٍة حادة‪.‬‬ ‫ظهرت مجلة شاريل ايبدو ألول مر ٍة‬ ‫سنة ‪ 1970‬خلفًا ملجلة هارا كريي التي‬ ‫أُوقفت تلك الفرتة بسبب سخريتها من‬ ‫وفاة الرئيس الفرنيس السابق شارل دوغول‪.‬‬ ‫أيضا يف ستينيات‬ ‫وسبق و ُحظرت ملرتني ً‬ ‫القرن املايض‪ ،‬مرة سنة ‪ 1961‬والثانية سنة‬ ‫‪.1966‬‬ ‫تع ّرضت شاريل ايبدو لهجومني أولهام ‪2011‬‬ ‫حيث أُلقيت عبو ٌة حارق ٌة عىل مق ّر املجلة‬ ‫لرسوم تتناول رسول اإلسالم محمد‪.‬‬ ‫بسبب نرشها‬ ‫ٍ‬ ‫وتع ّرض موقعها عىل الشبكة العنكبوتية للقرصنة‪.‬‬ ‫وثانيها عام ‪.2015‬‬ ‫ويف ‪ 2007‬تق ّدم الجامع األكرب يف باريس بدعو ٍة قضائي ٍة ضد رئيس تحرير شاريل ايبدو حينها عىل خلفية نرشها‬ ‫رسوم اعتربوها مسيئ ًة لإلسالم‪ ،‬لكن املحكمة ب ّرأته حيث اعتربت أ ّن املجلة ال تتع ّرض برسوماتها تلك‬ ‫لثالثة ٍ‬ ‫للمسلمني بل فقط للمسلمني األصوليني‪.‬‬ ‫كام وواجهت سنة ‪ 2008‬دعو ًة قضائي ًة بتهمة معاداة السامية‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬ ‫‪ 2015‬كان العام األسوأ بتاريخ املجلة‪ ،‬حيث تع ّرضت صباح يوم األربعاء املوافق للسابع من شهر كانون الثاين –‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص مسلمني ملثّمني مسلّحني‪ ،‬اقتحموا مبنى املجلة يف منطقة ايل دو فرانس يف الدائرة‬ ‫لهجوم من عدة‬ ‫يناير‬ ‫ٍ‬ ‫شخصا من بينهم أربعة رسامي كاريكاتور فيها ورئيس التحرير‬ ‫الحادية عرشة يف العاصمة الفرنسية‪ ،‬واغتالوا ‪12‬‬ ‫ً‬ ‫أثناء انعقاد اجتامعهم األسبوعي‪.‬‬ ‫وعىل إثرها‪ ،‬قامت مظاهر ٌة مواسا ًة لفرنسا وضحايا املجلة بالعاصمة باريس شارك فيها عد ٌد كب ٌري من حكام‬ ‫ومسؤويل العامل‪ ،‬ضد اإلرهاب الفكري ومع حرية التعبري‪.‬‬ ‫كانت الحادثة صدم ًة مدوي ًة بالوسط الفرنيس خاص ًة واألورو ّيب عام ًة‪ ،‬مل يعد االعرتاض اإلسالمي عىل مايع ّدونه‬ ‫ٍ‬ ‫عصابات مفتوحة‪ ،‬حيث املجالس واألحزاب‬ ‫تع ّديًا عىل مقدساتهم مجرد اعرتاض‪ ،‬بل تخطى ليصبح ما يشبه حرب‬ ‫سيايس كام فعل املجلس الفرنيس للديانة اإلسالمية‪ ،‬واتحاد املنظامت اإلسالمية‬ ‫منطلق‬ ‫اإلسالمية تندد وتستنكر من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫الفرنسية اللذان أدانا الهجوم‪.‬‬ ‫انتقام لرموزهم املقدسة ودينهم غري القابل‬ ‫بينام نلحظ نسب ًة البأس بها من الشعوب اإلسالمية تراه بطول ًة وخري ٍ‬ ‫للنقد أو إلشارات االستفهام‪.‬‬ ‫فليك يثبتوا للعامل أ ّن محمد ليس راع ًيا لإلجرام ومل ُيك يو ًما كذلك‪ ،‬ارتأوا أ ّن أنجع طريق ٍة لتحقيق ذلك هي‪:‬‬ ‫ارتكاب جرمية‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫كيف ميكنك أن تصبح‬ ‫قارئًا للطالع بعرشة‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات‬

‫مايكل شريمر مع أوراق التارو‬ ‫كتبها‪ :‬مايكل شريمر‪ .‬ترجمة بترصف‬ ‫‪54‬‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬


Ali Alnajafi

rs with hem. A , a soft ighting ur readg. Your are the tual.

‫مقدمة‬

‫ وبينام‬،‫النفيس‬ ‫ وهي خلي ٌط من التمثيل الج ّيد والتالعب‬،‫قراءة الطّالع والقراءات النفس ّية هي واحد ٌة من الفنون القدمية‬ ّ ‫ سرنكّز‬،‫ولربا يكونون أقربا ٌء لهم‬ ّ ‫يقوم الكثري من قاريئ الطالع‬ ّ – ‫بالغش وجمع املعلومات عن األشخاص قبل لقاءهم‬ ٍ ٍ ‫ – أي قراءة طالع‬Cold Reading ‫مختلف وهو القراء ُة البارد ُة‬ .‫أي معرف ٍة مسبق ٍة به‬ ‫هنا عىل نو ٍع‬ ِّ ‫شخص ما دون‬ Full Facts Book ‫الباردة‬ ‫ القراءة‬and ‫عن‬fortunetelling ‫«الحقائق الكامل ُة‬ ‫واملوسوعي‬ ُ are an ancient ّ art—a ‫مصدر هذه املقالة هو كتاب إيّان روالند الرائع‬ Psychic readings combination of acting and psychological manipulation. ٌ some ‫محرتف للطالع كان األفضل‬ ‫بتقدميه‬are‫قام‬known ‫مام قد‬ ‫بسيط ٌة‬and‫ن ٌة‬acquire ‫» وما سنعرضه هنا ما هو إال ع ّي‬About Cold Reading While to cheat ٌ‫قارئ‬psychics information ahead of time, our ten tips will focus on what is known as “cold reading”—reading someone "cold" .‫بال مناز ٍع يف أيّا ِمه‬ without any prior knowledge about them. Our primary source for this information is Ian Rowland's insightful and encyclopedicThe Full Facts Book of Cold Reading (available at ianrowland.com). What we describe here is only a small sampling from this comprehensive compendium by a professional cold reader who is arguably one of the best in the world.

ٍ »The Skeptics Society ‫مقاالت أخرى نُرشت لدى «جمعيّة املتشككني‬ ‫أيضا من‬ ً ‫قمت بجمع بعض املعلومات‬ ُ ‫لقد‬ ٍ ‫يوم‬ ،‫الكف‬ ّ ‫ وقراءة‬،‫ كيف أصبحت محرتفًا لبطاقات التارو‬:‫واحد فقط‬ ٍ ‫وأبرزها مقال ٌة كتبتها بعنوان «قارئ للطّالع يف‬ ‫ظهوري يف برنامج «بيل ناي‬ ‫ذلك املقال‬ ‫ كتبت‬.»from ‫ساع ًة‬other‫وعرشون‬ ِّ ‫ والوساط ِة الروح ّي ِة يف‬،‫وعلم التنجيم‬ We have ‫بعد‬ also included information articles ‫أقل من أربع‬ published by the Skeptics Society, most notably Michael Shermer’s Tarot»Eye Cards,on Nye ‫ «عني عىل ناي‬PBS ‫» عىل قناة‬Bill Nye ‫وعرشون ساع ًة ليك أتقن‬ ‫“أربع‬Psychic ‫ سوى‬for‫لدي‬ .2003‫عام‬ َّ a Day:‫يكن‬How‫ومل‬I Learned Palm Reading, Astrology, and Mediumship in 24 Hours” written after appearance on ،‫ والقراءة النجمية‬،‫ وبطاقات التارو‬،‫الكف‬ ‫األربع والعرشون مل يكن‬ ‫الساعات‬ ‫تلك‬his‫وبعد‬ ،‫املوىت‬as‫مع‬a ersatz ‫أتكلم‬psychic ‫وحتى أن‬ ّ ‫قراءة‬ ّ Bill Nye’s adult oriented PBS science series Eye on Nye in 2003, and posted on our website (www.michaelshermer. ‫بإمكاين تقديم أدا ٍء مقنع‬ ‫ حقيقة أنه كان‬.»‫طّالع‬In‫لل‬it,ٌ‫ئ‬Shermer ‫ «قار‬:‫بالفعل‬ ‫لدي مشكل ٌة يف إقناع أفرا ٍد مل ألتق بهم يف حيايت‬ ّ com/science-friction/excerpt/). answers ‫بأنني‬ the question, “Do you have to master the details of the ٍ ‫يوم‬ ِ or‫النفس ّي‬ ِonly window‫لهذه‬ ‫الناس‬ ‫واحد من التحضري يُظهر مدى ضعف‬ ٍ ‫لهم مبج ّر ِد‬ fortunetelling arts,.‫ة‬ are they‫التالعبات‬ dressing for the more down to earth techniques described in this booklet?” With only 24 hours to master palm readings, tarot card readings, astrological readings, and even talking to the dead, Shermer had no problem convincing subjects that he had never met that he was psychic. The fact that he could perform reasonably well with only one day of preparation shows just how vulnerable people are to these very effective psychological manipulations.

‫الخطوات العرشة‬

،‫ وقم بتأسيس سلطتك كقارئٍ للطّالع مع دعائ َم نفسي ٍة قويّ ٍة‬،‫ قم بتمهيد الطريق لتجرب ٍة مريح ٍة وروح ّي ٍة‬:‫الخطوة األوىل‬ ‫ وال تنىس‬،‫ ضع كل هذا عىل الطاولة‬.‫كالرسوم البيانيّة املثرية والدوائر واألشكال املخطّطة باإلضافة إىل النجوم السداسيّة‬ ‫أن تكون لديك مكتب ًة تقع خلفك مليئ ًة بالكتب‬ .‫كتب مرجع ّي ٌة رصين ٌة‬ ٌ ‫العتيقة تظهر أنها‬

prepares for his debut hic for a Day.”

tage mate, ble, blish ority h as king ases nce

‫كيف ميكنك أن تصبح قارئًا‬ ٍ ‫خطوات‬ ‫للطالع بعرشة‬

‫ فضع كَر ٍاس كبري ٍة مريح ٍة‬،‫أما عىل جانب الزبون‬ ٍ ٍ ‫قامش‬ ‫وطاوالت صغري ٍة بينها تغطّيها قطعة‬ ٍ ‫ تحت كل‬،‫خافت‬ ‫دانتيل وفوقها شمو ٌع بضو ٍء‬ ‫هذا ضع سجاد ًة ناعم ًة ج ًدا بلونٍ مري ٍح وتذكّر‬ ‫بعضا من البخور لتعطي زبائنك تجرب ًة‬ ً ‫أن تضع‬ MIchael Shermer prepares for‫أن‬his debut ‫يشعر كل زبون‬ ‫ يجب‬.‫لزيارتهم‬ -‫ روحيّ ًة‬as a “Psychic for a Day.” ٍ ‫أنه وسط‬ .‫روحي وذو أهم ّي ٍة‬ ‫طقس‬ ٍّ SKEPTIC.com

55


‫كيف ميكنك أن تصبح قارئًا‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات‬ ‫للطالع بعرشة‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫الخطوة الثان ّية‪ :‬اعكس شخص ّي ًة متعاطف ًة‪ ،‬وضع زبونك مبزا ٍج متقبلٍ وتعاو ّين بإخباره أن قراءة الطّالع هي جه ٌد جامعي‬ ‫قد يتطلب تعاونه يف بعض األحيان‪.‬‬ ‫استخدم صوتًا خافتًا‪ ،‬وسلوكًا هادئًا‪ ،‬واجعل لغة‬ ‫الجسد خاصتك متعاطف ًة ال متواجه ًة‪ ،‬بابتسام ٍة‬ ‫لطيف ٍة‪ ،‬وتواصلٍ‬ ‫برصي مستم ٍّر‪ ،‬وإمالة الرأس إىل‬ ‫ٍّ‬ ‫أحد الجوانب أثناء االستامع‪ ،‬واجه املوضوع واض ًعا‬ ‫ساقيك م ًعا‪ ،‬ولكن ال تجعل أحدهام فوق األخرى‬ ‫ولتكن ذراعاك مفتوحتان‪ .‬صف نفسك بأنك‪ :‬قارئٌ‬ ‫للطالع بشكل ِفطر ٍِّي‪ ،‬وارشح للزائر بأنك تق ّدم‬ ‫مت بها مبساعدتهم يف أمور تثقل الكاهل وتعرص القلب‪ ،‬ارشح لهم‬ ‫خدم ًة لزبائنك بواسطة تِ َلك الهبة الفطريّة التي أُن ِع َ‬ ‫بأن جميع البرش لديهم هذه الفطرة إال أنك قد منيّتها وم ّرنتها بواسطة الخربة واملامرسة‪ ،‬وليك ت ّربر أخطا ًء قد تقع بها‬ ‫يف ٍ‬ ‫الحق‪ ،‬اذكر لزبونك بأنك ال ميكن لك أن تتوقّع املستقبل بشكلٍ كاملٍ ‪ ،‬وأنك تتمنى أن تكون لديك نسبة صح ٍة‬ ‫وقت ٍ‬ ‫فكاهي قم بتذكريهم بأنه حتى العب كرة السلّة «مايكل جوردان ‪»Michael Jordan‬‬ ‫وبأسلوب‬ ‫تصل إىل مئ ٍة باملئة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫أضاع الكثري من الفرص‪.‬‬ ‫الخطوة الثالثة‪ :‬هنالك سبعة مواضيعٍ أساس ّي ٍة يو ّد زبائنك التحدث عنها‪ :‬الحب‪ ،‬والص ّحة‪ ،‬واملال‪ ،‬والعمل‪ ،‬والسفر‪،‬‬ ‫وتدل بكثري من ال ُجمل املتعلقة‬ ‫والتعليم‪ ،‬والطموح‪ .‬حاول الرتكيز عىل هذه املواضيع السبعة بأن تسأل كث ًريا من األسئلة ّ‬ ‫بكل موضوع‪ ،‬كام سيساعدك ذلك يف تذكر الطالع الذي تقرأه‪.‬‬

‫‪MIchael Shermer prepares for his debut‬‬ ‫”‪as a “Psychic for a Day.‬‬ ‫‪56‬‬


‫كيف ميكنك أن تصبح قارئًا‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات‬ ‫للطالع بعرشة‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫أي ٍ‬ ‫شخص كان‪ ،‬وميكن‬ ‫الخطوة الرابعة‪ :‬إبدأ بالقراء ِة التمهيديّ ِة‪ ،‬بترصيحك لجملٍ عموميّ ٍة ج ًدا تنفع يف قراءة طالع َّ‬ ‫بعضا من األمثلة‪:‬‬ ‫فهمها بطرقٍ متعدد ٍة‪ .‬وهاك ً‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫لكتاب أو كتابني‪ ،‬بل‬ ‫•لديك نظرتك الخاصة حيال الحياة اليوم ّية وحيال العامل ككل‪ ،‬مل تكتسب هذه النظرة بقراءتك‬ ‫ٍ‬ ‫بتجارب صعب ٍة‪.‬‬ ‫اكتسبتها بعد مرورك‬ ‫ٍ‬ ‫شخص ميتلك مقالي َد التحكم يف بعض األحيان‪ ،‬ولكن يف الحقيقة‪ ،‬ويف أعامقِ‬ ‫•بإمكانك أن ت ُظهِر نفسك عىل أنك‬ ‫ٌ‬ ‫قليل‪ .‬وتتمنى أن تحظى بشعب ّي ٍة أكرث – رمبا مبرون ٍة أكرث – يف عالقتك‬ ‫مشاعرك‪ ،‬تجد نفسك غ ُري مستق ٍر أو متزعز ٍع ً‬ ‫العا ّمة مع اآلخرين‪.‬‬ ‫شخص‬ ‫يسا‪ ،‬لست مثال ًّيا‪ ،‬ولكن لنقل إنك ٌ‬ ‫•ما أجده هنا هو أنك ٌ‬ ‫شخص ميكن لآلخرين الثقة به بشكل عا ٍّم‪ .‬لست ق ّد ً‬ ‫يفهم معنى ويق ّدر مدى أهم ّية امتالكه لثقة أحدهم‪.‬‬ ‫•حس ًنا‪ ،‬بعض األحيان تكون رصي ًحا أكرث مام ينبغي حيال مشاعرك‪ ،‬وتبوح لآلخرين كث ًريا من األمور حيال نفسك‪.‬‬ ‫تغي رأيك بكثريٍ من األمور‪ .‬وحني‬ ‫ولكنك ج ّي ٌد حينام تفكر باألمور بشكل أكرث‪ ،‬وتو ّد أن تبحث عن األدلّة قبل أن ّ‬ ‫تجد نفسك يف مواقف غريب ٍة أو جديد ٍة بعض اليشء‪ ،‬تتوخى الحذر حتى تفهم بالضبط ما الذي يحصل وحينها‬ ‫تترصف بثق ٍة أكرب‪.‬‬ ‫شخص مرا ٍع ملشاعر اآلخرين‪ ،‬ورسي ٌع يف تقديم املعونة لهم‪ ،‬ولكن لديك أحيانٌ‪ ،‬حيث تعلو لديك مؤرشات‬ ‫•أنت‬ ‫ٌ‬ ‫شخص هادئ ال تحب أن يت ّم تسليط األضواء عليك‪ ،‬ولكن لديك يف داخلك روح املتعة وميكن‬ ‫األنانيّة برصاح ٍة‪ .‬أنت ٌ‬ ‫محي للحفالت إن كان مزاجك مناس ًبا لذلك‪.‬‬ ‫أن تكون ٍ‬

‫الخطوة الخامسة‪ :‬بعد هذه الجمل العموم ّية بإمكانك اآلن أن تبدأ بأمو ٍر أكرث خصوص ّي ٍة وشخص ّي ٍة‪ ،‬ولكنها تنطبق عىل‬ ‫معظم الناس كذلك بإشارتك إىل أمور شائع ٍة كالتال ّية‪:‬‬ ‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫قريب ٍ‬ ‫قطع مجوهر ٍ‬ ‫متوف لك‪.‬‬ ‫ات قدمي ٍة من ٍ‬ ‫عالج‪ ،‬دوا ٌء‪ ،‬إنتهت مدة صالحيته‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫كتب‪ ،‬تذكاراتٌ جميل ٌة‪ ،‬من أيام الطفولة‪.‬‬ ‫لعب أطفا ٍل‪ٍ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أي ألبوم‪.‬‬ ‫صندوق يحتوي عىل ص ّو ٍر شخص ّي ٍة‪ ،‬ليست يف ّ‬ ‫ساعة ٍيد أو ساع ٌة كبريةٌ‪ ،‬لك ّنها ال تعمل يف الوقت الحايل‪.‬‬ ‫مالحظ ٌة قصري ٌة عىل باب الثالّجة أو قرب الهاتف‪.‬‬ ‫‪MIchael Shermer prepares‬‬ ‫‪for his debut‬‬ ‫كتاب أو مقال ٌة حول هواي ٍة مل تعد متارسها‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫”‪as a “Psychic for a .Day.‬‬ ‫درج (مجر) ال ينزلق بسهول ٍة‬ ‫ٌ‬ ‫‪57‬‬


‫كيف ميكنك أن تصبح قارئًا‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات‬ ‫للطالع بعرشة‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫باإلضافة إىل بعض الخصائص التي قد يعتقد زبونك أنها مم ّيز ٌة له‪:‬‬ ‫حادثٌ‬ ‫مؤسف يف الطفولة‪ ،‬يتضمن امل ّياه‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ٌ‬ ‫الرقم ‪ 2‬يف عنوان املنزل‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ندب ٌة قدمي ٌة عىل الركبة‪.‬‬ ‫• ‬ ‫طويل يف الطفولة‪.‬‬ ‫شع ٌر ٌ‬ ‫• ‬ ‫مالبس مل ترتديها أب ًدا‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ٌ‬ ‫صو ٌر لألح ّباء يف الحقيبة النسائ ّية أو يف محفظة النقود‪.‬‬ ‫• ‬ ‫حلق ٍ‬ ‫قرط مفر ٍد أضعت زوجه‪.‬‬ ‫• ‬ ‫الخطوة السادسة‪ :‬استخرج املعلومات من زبونك بتمويه األسئلة داخل العبارات‪:‬‬

‫‪MIchael Shermer prepares for his debut‬‬ ‫”‪as a “Psychic for a Day.‬‬ ‫‪58‬‬


‫كيف ميكنك أن تصبح قارئًا‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات‬ ‫للطالع بعرشة‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫ٍ‬ ‫شعوب أو‬ ‫أيضا إىل‬ ‫الخطوة السابعة‪ :‬مناشد ُة الحكمة القدمية‪ .‬كاستخدام‬ ‫ٍ‬ ‫مصطلحات غريب ٍة‪ ،‬ومن املناسب اإلشارة ً‬ ‫حضار ٍ‬ ‫كشعب املايا وحكم الصين ّيني القدماء‪ .‬يدعو إيّان روالند هذه الطريقة بـ «غارة املصطلحات»‪ ،‬ويشري‬ ‫ات قدمي ٍة‬ ‫ِ‬ ‫إىل أنها واحد ٌة من طرقه املفضلة‪ .‬فاستخدام املصطلحات الغامضة وتوسيمها عىل أنها حكم ٌة لشعوب قدمي ٍة يجعل من‬ ‫شخص ذو سلط ٍة وله معرف ٌة رسيّ ٌة بشكلٍ ما‪ .‬مناشدة‬ ‫منطق قارئ الطالع غري قابلٍ للنقد‪ ،‬ويعزز فكرة أن قارئ الطالع ٌ‬ ‫أيضا شعور الزبون بأنه داخل ٍ‬ ‫طقس روحا ٍين وأنه مرك ًزا لهذا الطقس كام يشجع التعاون‬ ‫حكمة الشعوب القدمية يعزز ً‬ ‫ٍ‬ ‫شكوك أو اعرت ٍ‬ ‫اضات‪ .‬ولنأخذ عىل سبيل املثال أوراق التارو‪ ،‬فهي مليئ ٌة بالرموز الغريبة التي ميكنك إحالتها‬ ‫ويثبط أي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتسميات كام تشاء‪ ،‬وميكنك أخذ املعلومات وربطها بشكل ممو ٍه يف نهاية الجمل (الزبون) – بينام ال‬ ‫مصطلحات‬ ‫إىل‬ ‫منشغل يف فهم ما تقصده باملصطلح‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يزال هو‬ ‫مثال عىل كيفيّة إخفاء‬ ‫يعطينا هنا روالند ً‬ ‫السؤال يف النهاية يف هذا املثال‪« :‬من املثري‬ ‫لالهتامم‪ ،‬أجد أن إبهامك وقع عىل ورق ٍة‬ ‫كذي السيوف‬ ‫تحمل صور ٍة من ال ِق ِيم ال ُيرسى ّ‬ ‫الخمسة‪ ،‬وهي ورق ٌة مهم ٌة ولكنها ذو سح ٍر‬ ‫أقل‪ .‬يرتبط رمز هذه الورقة تقليديًّا لدى‬ ‫حضارة اإلنكا بالتحدي والنضال فيام يختص‬ ‫بالقلوب واملشاعر والعواطف ولكن ما يثري‬ ‫فضويل حقًا هو اختيارك السابق لورقة الناسك‬ ‫والتي هي يف الحقيقة واحد ٌة من ثالث ّي ِة‬ ‫األوراق ال ُدنّيا‪ .‬تشري هذه الورقة لوحدها‬ ‫إىل العزلة‪ ،‬ولكن اآلن وبإعادة النظر إليها‪،‬‬ ‫وبحسب خ ّياراتك األخرى‪ ،‬نجد أنها تشري إىل‬ ‫أيضا‪ .‬يف الحقيقة‪،‬‬ ‫إنجاز األهداف الشخص ّية ً‬ ‫ما أجده هو كام أن لو البطاقات تقرتح أن‬ ‫أهدافك الشخصيّة موضوع ًة ذو أولويّ ٍة أكرث‬ ‫من العاطف ّية‪ ،‬ال أعلم إن كان هذا يبدو‬ ‫منطق ًّيا لك‪.» ...‬‬ ‫‪prepares for his debut‬‬

‫‪MIchael Shermer‬‬ ‫”‪as a “Psychic for a Day.‬‬ ‫‪59‬‬


‫كيف ميكنك أن تصبح قارئًا‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات‬ ‫للطالع بعرشة‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫أيضا استخدام قليل من املعرفة العلميّة من علم النفس وعلم االجتامع لتستدل عىل اهتاممات‬ ‫الخطوة الثامنة‪ :‬ميكنك ً‬ ‫زبونك‪ .‬ويذكر حول هذا املوضوع القارئ املحنك يف هذه املهنة إيّان روالند‪:‬‬ ‫ال تقرأ تلك الكتب املتعفّنة [الغامضة والخارقة للطبيعة] والتي تستخدمها أثناء الجلسة رمبا لدعم كالمك‪ .‬بل ستجد أن‬ ‫كتب املعالجة واإلرشاد النفيس ذا فائدة أكرب كث ًريا‪ .‬أما عن كتايب املفضل فاسمه «املقاطع ‪ »Passages‬وهو كتاب نُرش‬ ‫يف السبعين ّيات من القرن املايض‪ ،‬ملؤلفه «جايل شييل ‪ ،»Gail Sheehly‬وحصل عىل مبيعات عال ّية‪ .‬وستجد أن عنوان‬ ‫الكتاب الفرعي يرشح لك ملاذا ستحتاجه؛ إذ يأيت بنصه التايل‪« :‬أزماتٌ ميكن التنبؤ بها يف حياة اإلنسان البالغ»‪.‬‬

‫يستخدم قُراء الطالع مصاد ًرا علمي ًة كثري ًة ومختلف ًة‪ .‬لعل أهمها اإلحصائ ّيات الدميغراف ّية التي تكشف عام يهم األفراد‬ ‫من فئ ٍة عمريّ ٍة‪ ،‬أو من فئ ٍة اجتامع ّي ٍة‪ ،‬أو من هويّ ٍة جنس ّي ٍة مع ّين ٍة‪ .‬أما يف يومي الذي قضيته كقارئٍ للطالع فاستخدمت‬ ‫منوذجاً علم ًّيا نفس ًّيا يُعرف باسم‪« :‬منوذج العوامل الخمسة للشخص ّية ‪– »Five Factors Model of Personality‬‬ ‫‪prepares‬‬ ‫للتجربة‪his،‬‬ ‫‪debut‬‬ ‫‪MIchael‬سولواي ‪Frank‬‬ ‫‪Shermer‬جانب بحوث فرانك‬ ‫والوفاق‪ ،‬والعصاب ّية – إىل‬ ‫‪for‬النفيس‪ ،‬والضمري‪،‬‬ ‫واالنبساط‬ ‫وهي اإلنفتاح‬ ‫‪as‬نسب ًة إىل أخوته (األخ األصغر‪ ،‬األخ‬ ‫والدة‪a‬الزبون‬ ‫‪for‬أمو ٍر أحدها ترتيب‬ ‫للتنبؤ بع ّدة‬ ‫‪ Sulloway‬حول ديناميكيّات األرسة‬ ‫‪“Psychic‬‬ ‫”‪a Day.‬‬ ‫املتوسط‪ ،‬األخ الالّحق)‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫كيف ميكنك أن تصبح قارئًا‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات‬ ‫للطالع بعرشة‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫الخطوة التاسعة‪ :‬ال تنىس أن متدح الزبون‪ ،‬قل له ما يو ّد سامعه‪.‬‬ ‫شخص ٌ‬ ‫عادل‪،‬‬ ‫شخص‬ ‫دؤوب يف العمل‪ ،‬أنت ٌ‬ ‫تحسنٍ ‪ ،‬مشاكلك االقتصاديّة ستقوم بحلّها‪ ،‬أنت ٌ‬ ‫«حياتك العاطف ّية ستكون يف ّ‬ ‫ٌ‬ ‫لديك ميزة االستقالل ّية بذاتك والحكمة»‪ .‬قُرا ُء الطالع املحرتفون ال يضعون تلك املجامالت فحسب؛ بل مي ّوهونها داخل‬ ‫متوسعٍ يخفي طبيعتها املتالعبة‪ .‬حينام يستمع الزبون إىل أم ٍر عا ٍّم ج ًدا ميكن له أن ينطبق عىل أي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شخص؛ يقوم‬ ‫عرض ّ‬ ‫ولعل أكرث‬ ‫ودقيق ج ًدا‪ ،‬ولن يكون أم ًرا عموميًّا بعد ذلك‪ّ .‬‬ ‫بتطبيقه عىل أمو ٍر خاص ٍة حيال نفسه ويدركه عىل أنه مح ّد ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫األمثلة وضو ًحا عىل ذلك هي األبراج‪.‬‬ ‫وتبي أنه ال‬ ‫ولكن ماذا لو مل تنطبق إحدى املجامالت عىل الزبون؟ ماذا لو مل تنطبق املجاملة العاطف ّية ً‬ ‫مثل عىل الزبون ّ‬ ‫يعاين من أية مشكل ٍة عاطفي ٍة؟ حس ًنا‪ ،‬يف هذه الحالة نجد أن البرش لديهم ميل لتذكر األمور املناسبة ونسيان تلك الغري‬ ‫هائل من املعلومات‪.‬‬ ‫كم ً‬ ‫مناسبة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصا حينام يكونون قد تلقوا ً‬

‫‪MIchael Shermer prepares for his debut‬‬ ‫”‪as a “Psychic for a Day.‬‬ ‫‪61‬‬


‫كيف ميكنك أن تصبح قارئًا‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات‬ ‫للطالع بعرشة‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫أي نتيج ٍة إىل صالحك‪ .‬وهاك بعضاً من األمثلة‪:‬‬ ‫الخطوة العارشة‪ :‬قم بتجهيز األعذار املناسبة‪ .‬وحاول أن تحول ّ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•كام ذكرت يف األعىل‪ ،‬نبه الزبون عىل أن نسبة ص ّحة القراءة ال تصل إىل مئ ٍة باملئة‪.‬‬ ‫•إن أشار الزبون إىل أن جمل ًة مع ّين ًة أدليت بها ال تنطبق عليه‪ ،‬فضع اللوم عليه بطريق ٍة ما‪ ،‬كأن تقول له بأنه رمبا ال‬ ‫مستقبل له‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يتذكر ولكنه قد حصل بالفعل‪ .‬أو بإمكانك أن تشري إىل أنه من املمكن أن يحصل ذلك‬ ‫حبيب متويف‪ ،‬وأخطأت يف التخمني بشأن موضوع ما‪ ،‬ميكنك القول باحتامل ّية‬ ‫•إن كنت تعطي الزبون رسال ًة من روح‬ ‫ٍ‬ ‫غيت رأيها بخصوص املوضوع‪.‬‬ ‫أن روح الحبيب هذا قد ّ‬ ‫كالم لفرت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات طويل ٍة نسب ًّيا بحيث أصبحت محرج ًة‪ ،‬فألقي اللوم عىل صعوب ٍة ما بالتواصل‬ ‫•إن عانيت من‬ ‫وقفات دون ٍ‬ ‫الروحي‪.‬‬ ‫•ميكنك دامئًا إلقاء اللوم عىل الزبون‪ ،‬بأن تطلب منه أن يحاول معك بشكلٍ أكرث‪.‬‬

‫‪MIchael Shermer prepares for his debut‬‬ ‫”‪as a “Psychic for a Day.‬‬ ‫‪62‬‬


‫كيف علّمتنا رسوم محمد ّأل نُساوم عىل حرية التعبري‬ ‫أندرياس فوغ‬ ‫رئيس وزراء الدمنارك ‪ 2001-2009‬وأمني عام االتحاد األورويب ‪2009-2014‬‬ ‫حديث مع منظمة ‪Big Think‬‬

‫ترجمة محمد شنيان (جورداين أغنستو)‬ ‫يف كلم ٍة قصري ٍة ملنظمة ‪ ،‬يُح ّدثنا الرئيس راسموسني عن أه ّم ٍ‬ ‫درس تعلّمه عن حرية التعبري وأهم ّيتها للمجتمع الحر‪،‬‬ ‫من األزمة التي عصفت بالدمنارك إبان فرتة حكمه للبالد‪ ،‬والتي متثلت بالرسوم املسيئة لشخص نبي العرب محمد بن‬ ‫عبدلله حيث يقول ‪:‬‬ ‫« إن أزمة الكاريكاتري يف الدمنارك‪ ،‬كانت يف حقيقتها حول حرية التعبري وحرية الصحافة‪ ،‬ولقد شكّلت تلك األزمة‬ ‫تحديًا حقيق ًيا لحكومة الدمنارك ‪ ،‬ألننا وإن كنا نبحث عن التوازن إال أننا كنا ملزمني بتهدئة أمواج الغضب املتالطمة ‪.‬‬ ‫وبحزم عىل بعض املبادىء األساسية وأن ال نساوم عليها‪،‬‬ ‫و لكنني تعلّمت من تلك األزمة‪ ،‬أننا يجب أن نكون ثابتني‬ ‫ٍ‬ ‫ومل نفعل !!‬ ‫زلق‪ ،‬ألننا‬ ‫كان قد طُلب منا أن نعتذر نياب ًة عن صحيف ٍة نرشت بعض الكاريكاتريات‪ ،‬ولكنني أظن أن هذا هو منحد ٌر ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫حديث هو إمكانية التعبري الحر عن‬ ‫أي مجتمعٍ‬ ‫سوا ًء تعاطفنا مع تلك الرسوم أو مل نفعل‪ ،‬فإن املبدأ األسايس يف ّ‬ ‫بأي طريق ٍة تراها مناسبة سوا ًء كانت مكتوبة أو تلفزيونية أو فيلمية أو رسوم كرتونية‪ ،‬وإن أخدت‬ ‫وجهات نظرك ّ‬ ‫باملساومة عىل هذا املبدأ‪ ،‬فإنك ستكون قد بدأت تدريج ًيا يف تقويض ركائز املجتمع الحر الدميوقراطي ‪.‬‬ ‫وطب ًعا من البديهي أنه يف املجتمع الحر الدميوقراطي‪ ،‬أن يوجد حرية دين‪ ،‬و لكن أحد أهم ركائز ذلك املجتمع هو‬ ‫إمكانية النقد والنقاش الحر يف كل املواضيع مبا فيها األديان ‪.‬‬ ‫وهذا كان هو الدرس الذي تعلّمته من تلك األزمة‪ ،‬وأعتقد أن الجميع يؤمن بأهمية الدفاع عن تلك املبادىء الرئيسية‬ ‫للمجتمع الحر‪ ،‬وهذا ما فعلته الحكومة الدمناركية وقتها عىل الرغم من كونه وقتًا عصي ًبا ج ًدا »‬ ‫‪http://www.youtube.com/watch?v=U-eWnrtBsnw‬‬ ‫‪63‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬

‫يف ديسمرب املايض ‪ ،‬قضت محكمة موريتانية‪ ،‬يف مدينة نواذيبو عىل الشاب محمد شيخ ولد امخيطري باإلعدام ح ًدا‪ ،‬بعد‬ ‫اعتقاله ملا يقارب السنة منذ يناير ‪ ،2014‬فامهي جرميته الخطرية التي ارتكبها لتؤ ّدي ملوته؟ هل قتل أحد؟ هل اغتصب‬ ‫مقال!!‬ ‫أحد؟ هل قام بعملية إرهابية تزعزع نظام البلد؟ نتسائل‪ ،‬واإلجابة هي ‪:‬كال‪ ،‬فقد كتب ً‬ ‫كانت التهمة املو ّجه له هي اإلساءة ملحمد‪ ،‬بسبب مقاله‪ ،‬والر ّدة‪ ،‬ورغم أن الشاب البالغ من العمر ‪ 30‬عاً ًما‪ ،‬قال للقايض‬ ‫أنه مل يرت ّد عن دينه‪ ،‬وأنه يُعلن توبته‪ ،‬إال أن ال ُحكم صدر‪ ،‬وقد علمنا أن املحامني تق ّدموا بطلب استئناف‪ ،‬وال ندري ما‬ ‫مصري هذا الشاب بعد‪.‬‬ ‫نق ّدم لكم املقال الذي قد يؤدي ملوت صاحبه‪:‬‬

‫الدين و التدين و –ملعلمني‬ ‫محمد الشيخ بن محمد‬ ‫ال عالقة للدين بقضيّتكم أيها ملعلمني الكرام فال أنساب يف الدين وال طبقية وال "أمعلمني" و ال "بيظان" و هم يحزنون‪......‬‬ ‫صح ما تقولون ُيكن إدراجها فيام يعرف بـ"التدين"‪......‬‬ ‫مشكلتكم إن ّ‬ ‫تلكم أطروح ٌة جدي ٌدة وقد وجدت من بني ملعلمني أنفسهم من يدافع عنها‪....‬‬ ‫حسنا‪....‬‬ ‫نتبي موقع األنساب والطبق ّية من الدين‪...‬‬ ‫دعونا اآلن نعود للدين والتديّن حتى ّ‬ ‫ما هو الفرق بني الدين و التديّن؟‬ ‫‪64‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬ ‫يقول الدكتور عبد املجيد النجار (إن حقيقة الدين تختلف عن حقيقة التدين؛ إذ الدين هو ذات التعاليم التي هي‬ ‫كسب إنساين‪ .‬و هذا الفارق يف الحقيقة بينهام يُفيض إىل فارقٍ يف‬ ‫رشع بتلك التعاليم‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫رش ٌع إلهي‪ ،‬والتدين هو الت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫واختالف يف األحكام بالنسبة لكلٍ منهام)(كتاب األمة)‪.‬‬ ‫الخصائص‪،‬‬ ‫برشي‪.‬‬ ‫كسب ٌ‬ ‫إلهي والتدين ٌ‬ ‫إذن‪ :‬الدين هو وض ٌع ٌ‬ ‫متى كان الدين و متى كان التديّن‪...‬؟‬ ‫مام ال شك فيه أننا إذا قسمنا الفرتة الزمنية لإلسالم إىل قسمني سنجد‪:‬‬ ‫ فرتة حياة محمد وهي فرتة دين‬‫‪ -‬ما بعد محمد وهي فرتة تديّن‬

‫تعالوا بنا لنأخذ بعض املشاهد من عرص الدين‪:‬‬ ‫الزمان‪ :‬بعيد معركة بدر ‪ 624‬ميالدية‬ ‫املكان‪ :‬يرثب‬ ‫ماذا حدث ؟‬ ‫األرسى من قريش يف قبضة املسلمني‪ ،‬وال ُحكم قد صدر مباييل‪:‬‬ ‫قال املستشار األول لرسول الله أبو بكر الصديق‪" :‬يا رسول الله‪ ،‬هؤالء بنو العم والعشرية واإلخوان‪ ،‬وإين أرى أن تأخذ‬ ‫منهم الفدية‪ ،‬فيكون ما أخذناه قو ُة لنا عىل الكفار‪ ،‬وعىس أن يهديهم الله فيكونوا لنا عض ًدا"‪.‬‬ ‫مالحظة‪ :‬من هم الكفار إذا ً هنا يف رأي أيب بكر‪...‬؟‬ ‫ثم كان بعد ذلك قرار أيب بكر هو القرار النهايئ مع إضافة عملية التعليم ملن ال ميلك املال‪.‬‬ ‫لكن مهالً‪ ،‬لقد كانت هنالك حال ٌة استثنائي ٌة فقد أرادت زينب بنت رسول الله افتداء زوجها أيب العاص بقالد ٍة لها كانت‬ ‫فلم رآها رسول الله ّ‬ ‫رق لها رقّ ًة شديدة‪ ،‬وقال ألصحابه ‪ (:‬إن رأيتم أن تطلقوا لها أسريها وتر ّدوا عليها الذي‬ ‫عند خديجة‪ّ ،‬‬ ‫لها فوافقوا عىل ذلك )‪ ،‬رواه أبو داود ‪.‬‬ ‫برأيكم ما هذا االستثناء‪.....‬؟‬

‫‪65‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬ ‫الزمان‪ 625 :‬ميالدية‬ ‫املكان‪ :‬أحد‬ ‫الحدث‪ٌ :‬‬ ‫قتال بني املسلمني وقريش‬ ‫قريش يف مواجهة املسلمني انتقا ًما لبدر و رغب ًة يف القضاء عىل محمد وأتباعه‬ ‫هند بنت عتبة تستأجر وحيش لقتل حمزة مقابل حريته ومكافأة مالية تتمثل يف حليها‬ ‫هند تصل للهدف ومتثـّل يف جثة حمزة‪.‬‬ ‫و بعد سنوات عدة وأيام ما يعرف بفتح مكة دخلت هند يف اإلسالم لتنال اللقب الشهري "عزيز ٌة يف الكفر‪ ،‬عزيز ٌة يف‬ ‫اإلسالم"‬ ‫أما وحيش فأمره النبي أن يتوارى عن أنظاره عند دخوله اإلسالم‬ ‫هند قرشي ٌة ووحيش حبيش وإال فام هو سبب التمييز بينهام وهام يف الجرم عىل األقل سوا ٌء أو إن شئتم الدقة فهند هي‬ ‫املذنب الحقيقي وما ذنب ٍ‬ ‫عبد مأجور‪.‬‬ ‫دامئًا و يف نفس املعركة – أحد‪ -‬و لنقارن ما حدث لـ"وحيش" مع دور شخص آخر هو خالد بن الوليد حيث أن هذا‬ ‫الرجل كان السبب الرئييس يف هزمية املسلمني يف "أحد" و قتل عد ًدا من املسلمني وعند دخوله اإلسالم أخذ اللقب‬ ‫الشهري "سيف الله املسلول" ‪ ،‬فلامذا ال يتم استقبال وحيش و يأخذ مثالً لقب "حربة الله التي ال ت ُخطئ الهدف"‪.....‬؟‪.‬‬ ‫املكان‪ :‬مكة‬ ‫الزمان‪ 630 :‬ميالدية‬ ‫الحدث‪ :‬فتح مكة‬ ‫ما هي النتيحة‪....‬؟‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ودعوته‪ ،‬ومع قدرة الجيش اإلسالمي عىل‬ ‫أهل مكة عف ًوا عا ًّما رغم أنواع األذى التي ألحقوها بالرسول‬ ‫نال ُ‬ ‫إبادتهم‪ ،‬وقد جاء إعالن العفو عنهم وهم مجتمعون قرب الكعبة ينتظرون حكم الرسول محمد فيهم‪ ،‬فقال‪« :‬ما تظنون‬ ‫يب َعلَ ْي ُك ُم الْ َي ْو َم يَ ْغ ِف ُر الل ُه لَ ُك ْم» و عبارة "اذهبوا‬ ‫أين فاعل بكم؟»‪ ،‬فقالوا‪« :‬خ ًريا أ ٌخ كري ٌم وابن أ ٍخ ٍ‬ ‫كريم»‪ ،‬فقال‪« :‬الَ ت ْ َ​َث َ‬ ‫فأنتم الطلقاء" وقد ترتب عىل هذا العفو العام حفظ األنفس من القتل أو السبي‪ ،‬وإبقاء األموال املنقولة واألرايض بيد‬ ‫أصحابها‪ ،‬وعدم فرض الخراج عليها‪ ،‬فلم تُعامل مكة كام عوملت املناطق األخرى‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬ ‫املكان‪ :‬حصون بني قريظة‬ ‫الزمان‪ 627 :‬ميالدية‬ ‫الحدث‪ :‬إبادة بني قريظة‬ ‫السبب ‪:‬‬ ‫‪ .1‬تآمر رجاالت من بني قريظة ضد املسلمني يف حصار الخندق _ هم القادة فقط إن عممنا مع العلم أن هنالك آية‬ ‫تقول ‪ " :‬و ال تزر وازرة وزر أخرى‪-"....‬‬ ‫ٌ‬ ‫مرشف عىل حصون بني قريظة وقد حارصهم ‪ ":‬يا إخوة القردة والخنازير وعبدة‬ ‫‪ .2‬وقد ثبت أن النبي قال لليهود وهو‬ ‫الطواغيت أتشتمونني ؟ قال فجعلوا يحلفون بالتوراة التي أنزلت عىل موىس ‪ :‬ما فعلنا ويقولون‪ :‬يا أبا القاسم ما كنت‬ ‫جهوالً ثم قدم رسول الله ‪ -‬صىل الله عليه وسلم ‪ -‬الرماة من أصحابه ‪.‬‬ ‫وقد ناداهم بذلك لشتمهم إيَّاه‪( .‬الطربي(‪ )2/252‬تحقيق الشيخ أحمد شاكر‪ ،‬وذكره ابن كثري بتحقيق الوادعي‪)1/207(:‬‬ ‫أريد هنا قبل أن أواصل أن أشري إىل أننا يف سياق الحديث عن النبي فنحن نتحدث عن ما ميكن تسميته "العقل الشامل"‬ ‫بدليل أنه ال ينطق عن الهوى‪.‬‬ ‫و نعود للمقارنة بني الحالتني – مكة و بني قريظة‪:-‬‬ ‫بنو قريظة هموا بالتاملؤ – و األمر مل يحدث ‪ -‬مع قريش من أجل القضاء عىل محمد و دعوته‪ .‬فت ّم العفو العام عن‬ ‫قريش و نُفذ اإلعدام يف بني قريظة سيان من ه ّم بنقض العهد أو من مل يه ّم بذلك فقد ت ّم الحكم عىل بني قريظة‪،‬‬ ‫فقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم‪ ،‬فكان يكشف عن مؤتزر املراهقني فمن أنبت منهم قتل‪ ،‬ومن مل ينبت جعل يف الذراري‪،‬‬ ‫الراوي‪ - :‬املحدث‪ :‬ابن امللقن ‪ -‬املصدر‪ :‬البدر املنري ‪ -‬لصفحة أو الرقم‪ 6/670 :‬خالصة حكم املحدث‪ :‬صحيح مشهور‪.‬‬ ‫وهذا غالم ويُدعى عطية القرظي‪ ،‬مل يُقتل ألن املسلمني كشفوا عن عورته و مل يجدوا شعرا ً (دليل البلوغ) فنجا من‬ ‫السيف املحمدي‪.‬‬ ‫عن عطية القرظي‪ ،‬قال‪ :‬كنت من سبي قريظة‪ ،‬عرضنا عىل النبي ‪ -‬صىل الله عليه وسلم ‪ -‬فكانوا ينظرون؛ فمن أنبت‬ ‫الشعر قتل‪ ،‬ومن مل ينبت مل يقتل‪ ،‬فكشفوا عانتي‪ ،‬فوجدوها مل تنبت‪ ،‬فجعلوين يف السبي‪ .‬الراوي‪ :‬عطية القرظي‬ ‫املحدث‪ :‬األلباين ‪ -‬املصدر‪ :‬تخريج مشكاة املصابيح ‪ -‬لصفحة أو الرقم‪ 3901 :‬خالصة حكم املحدث‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬ ‫قريش واجهت املسلمني يف أكرث من معركة و حارصتهم حصا ًرا شدي ًدا يف الخندق ويف بدايات الدعوة انتدبت أربعني‬ ‫شاباً لقتل محمد ليلة الهجرة و قبل الهجرة ويف مكة قتلوا وعذبوا املسلمني أشد تعذيب و يف فتح مكة وجدوا أمامهم‬ ‫أخاً كرميًا و ابن أ ٍخ كريم فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء‪.‬‬ ‫بني قريظة فقط ه ّموا بالتحالف مع املرشكني فكان جزاءهم القتل الجامعي‪.‬‬ ‫أين راحت الرحمة‪.....‬‬ ‫أم أن لألخوة و "أَتْ َب ْن ِعي َمه" دورها يف "العقل الشامل‪/‬املطلق"‪.‬‬

‫وكخالصة‪:‬‬ ‫إذا كان مفهوم " بنو الع ّم والعشرية واإلخوان" يجعل أيب بكر يحجم عن قتل املرشكني‬ ‫وعالقة األب ّوة بني زينب والرسول متنحها إطالق رساح زوجها مجاناً‪ ،‬و االنتامء القريش يعطي ألقاب البطوالت للقرشيني‬ ‫ومينعها عن الحبشيني‪.‬‬ ‫واألخ ّوة و عالقة الدم والقرىب متنح حق الرحمة لقريش يف الفتح وتحرم بني قريظة من ذلك الحق‪.‬‬ ‫وكل هذه األمور تتم يف عرص الدين فام بالك بعرص التديّن‪.‬‬ ‫إخويت‬ ‫أريد فقط أن أصل معكم – و أخاطب ملعلمني أساسا – أن محاولة التفريق بني روح الدين وواقع التديّن هي محاوالتٌ‬ ‫"طيبة لكنها ال تنافس" فالحقائق ال ميكن طمسها‪ ،‬وهذا الشبل‪/‬البيظاين من ذاك األسد‪...‬‬ ‫و أن الذي يعاين يجب أن يكون رصي ًحا مع ذاته يف سبب معاناته مهام كان السبب‪ ،‬إذا كان الدين يلعب دو ًرا فلنقلها‬ ‫بأعىل صوت‪ :‬يلعب الدين ورجال الدين وكتب الدين أدوارهم يف كل القضايا االجتامعية من‪ :‬قضايا لحراطني وملعلمني‬ ‫وإيكاون الذين ال زالوا صامتني رغم أن الدين يق ّر بأن مأكلهم حرام ومرشبهم حرام وعملهم حرام‪.......‬‬

‫للتوقيع عىل عريضة إليقاف حكم االعدام‬

‫‪http://ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=688‬‬ ‫‪68‬‬


‫امللحد يحرتم‬

‫الغراب الحكيم‬

‫يختلف الناس يف ما بينهم يف الكثري من األمور ومن بينها القيم والغايات وما يرون أنه ذو أهمي ٍة يف حياتهم ‪ .‬وامللحد‬ ‫ويتحل بالكثري من األمور املشرتكة بينه وبني أفراد مجتمعه وسأحاول‬ ‫ّ‬ ‫بالنهاية إنسا ٌن يعيش يف نفس املجتمع اإلنساين‬ ‫يتحل بها امللحدون بشكلٍ ٍ‬ ‫خاص يف محاول ٍة لفهم وتعريف امللحد بشكلٍ‬ ‫هنا توضيح بعض القيم والصفات العامة التي ّ‬ ‫أكرث وضو ًحا للمؤمنني ‪.‬‬

‫‪ .1‬امللحد يحرتم الحقيقة ‪:‬‬

‫امللحد هو إنسا ٌن فقد اعتقاده بالكثري من األمور التي تعتمد عىل اإلميان والقبول بدون الحاجة لدليلٍ وعدم استمراره‬ ‫بالقبول بها‪ ،‬سببه هو تقديره للحقيقة التي مل يجدها يف معتقده السابق أو يف املعتقدات املختلفة األخرى‪ ،‬عملية هذا‬ ‫التح ّول يف املعتقدات حتى إن كانت من دينٍ آلخر سببها تقدير اإلنسان للحقيقة التي مل يجدها يف معتقداته السابقة‬ ‫أساسا‪ ،‬وهذا االحرتام للحقيقة هو الدافع‬ ‫فلو أنه غري ٍ‬ ‫مهتم بالحقيقة وال تعني له الكثري ملا قام بهذا التح ّول الصعب ً‬ ‫الرئييس الذي دفع امللحد مع غريه من املتح ّولني دينياً إىل تب ّني جمل ٍة جديد ٍة مام يعتربونه حقائق‪ ،‬وهذه العملية‬ ‫ليست بالعملية السهلة فهي لها تبعاتٌ إجتامعي ٌة كبري ٌة كام أنها تقوم عىل نسف البنية التحتية ملعارف وقيم اإلنسان‬ ‫دليل عىل تقديره واحرتامه للحقيقة أيًا كانت‬ ‫وهي أم ٌر يتطّلب الكثري من الشجاعة والقوة‪ ،‬وخوض امللحد لهذه الرحلة ٌ‬ ‫وحتى لو كانت ال ترضيه ‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫امللحد يحرتم‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫‪ .2‬امللحد يحرتم العلم ‪:‬‬

‫أستطيع القول بأن األغلبية الساحقة من امللحدين يحرتمون العلم ويح ّبونه ألنهم وجدوا فيه البديل الف ّعال واملنهج‬ ‫املتواضع والقوي الذي ميكّنهم من الوصول للحقائق حول الوجود الذي يعيشون فيه ‪.‬‬ ‫أيضا مكّنت اإلنسان يف بضعة ٍ‬ ‫مئات من السنني من الوصول‬ ‫العلم هو املنهج الوحيد الذي يعطي نتائج ونتائج مذهل ًة ً‬ ‫وحل املشكالت االقتصادية وجعل حياة اإلنسان أفضل وأسعد؛ وامللحد ( كام غريه‬ ‫للفضاء وعالج األمراض املستعصية ِّ‬ ‫من الواعني لهذا األثر ) يُق ّدر هذه القوة والخري ويحرتمها ويدافع عنها رمبا بشكلٍ‬ ‫عاطفي أحيان ًـا مام يوهم البعض بأن‬ ‫ٍ‬ ‫العلم هو دين امللحدين ولكن هيهات‪ ،‬الفرق شاس ٌع بني املنهج الديني القائم عىل التلقني والتبعية واإلميان واألحكام‬ ‫واملعلومات املطلقة الغري قابلة للنقد وبني منه ٍج يقوم عىل إنتاج املعارف والتشكيك بها وتصفيتها عىل الدوام من‬ ‫أي مشكل ٍة يف ترك ما هو خاطئ وتب ّني ما هو‬ ‫املعارف الفاسدة أو الغري دقيقة بشكلٍ متواضعٍ دائم الشك وليس لديه ُ‬ ‫صحيح ‪.‬‬

‫‪ .3‬امللحد يحرتم اإلنسانية ‪:‬‬

‫يف ظل غياب وجود كيانٍ‬ ‫مطلق هو مركز التقدير والتبجيل والحب والتبعية والطاعة لدى امللحد‪ ،‬ترك هذا املجال له‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقي ويستحق التقدير والحب والعمل من أجله وهي اإلنسانية وقيمة اإلنسان التي يعتربها‬ ‫ليك يلتفت إىل ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫أغلب امللحدين قيم ًة عليا‪ ،‬هي التي تستوجب العمل واالهتامم واألهداف‪ ،‬امللحد ال يضع قيمة اإلنسان يف املرتبة الثانية‬ ‫مفهوم آخر تراه ينكمش وينفر من هذا اليشء سوا ًء كان‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫ألي يشء‪ ،‬وإذا ما تعارضت املصلحة اإلنسانية والخري مع ِ‬ ‫عقيد ًة سياسي ًة أو قيم ًة ديني ًة أو حتى رم ٌز اجتامعي ‪.‬‬ ‫املهم هنا هو مصلحة اإلنسان وأي‬ ‫يش ٍء يفرض أو يُسقط األذى عىل‬ ‫اإلنسان وحقوقه وحياته بغرض إرضاء‬ ‫مفهوم أو عقيد ٍة أو مؤسس ٍة‬ ‫كيانٍ أو‬ ‫ٍ‬ ‫مرفوض ينفر منه امللحد‬ ‫هو أم ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ويرفضه بل ويقف منه موقفًا سلب ًيا‬ ‫ويواجهه‪ ،‬ويحاول إيقافه لتخفيف‬ ‫الظلم والقهر عن الناس ‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫امللحد يحرتم‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫‪ .4‬امللحد يحرتم الحرية ‪:‬‬

‫حساس ومه ٌم ج ًدا‪ ،‬حيث أنه يعطي اإلنسانية قيمتها ومينح التفرد واإلبداع‬ ‫مفهوم الحرية لدى امللحدين هو مفهو ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫والفكر املجال والقدرة والتن ّوع التي تقود إىل الخري والتقدم‪ ،‬وبدون الحرية سوا ًء كانت فكري ًة أو إنساني ًة أو حرية تعبري‪،‬‬ ‫أوحرية الخيار والعمل يصبح اإلنسان مجرد عجل ٍة يف آل ٍة كبري ٍة ال تعمل بهدف سعادته وخريه‪ ،‬حتى الحرية الدينية‬ ‫امللحد يحرتمها وال يفرض إلحاده والدينيته عىل اآلخرين‪ ،‬وال يفكر حتى بالتطاول عىل حرية املعتقد لدى اآلخرين ألنه‬ ‫هو نفسه أصبح ملح ًدا من خالل مامرسته لحريته الفكرية‪ ،‬لذا من الطبيعي أن ال يعتدي عىل هذه الحرية التي يتب ّناها‬ ‫ويستثمرها ويحرتمها والتي أنتجته فكريًا كإنسان ملحد ‪ .‬طب ًعا هناك مشكلة التوازن بني الحرية الفردية واملصلحة‬ ‫أيضا الفرق الكبري بني الحرية والفوىض وهي أمو ٌر كلها يختلف امللحدون كام غريهم عن بعضهم البعض‬ ‫العامة‪ ،‬وهناك ً‬ ‫يف تب ّني هذا التوازن الدقيق بينها‪ ،‬والذي مينح الحياة الفكرية تن ّوعها وجاملها واستقرارها‪ ،‬ولكن كلها تكون مدفوعة‬ ‫لدى الليرباليني ومنهم أغلب امللحدين مبفهوم الحرية وقيمتها لديهم ‪.‬‬

‫‪ .5‬امللحد يحرتم الفن والثقافة والجامل‪:‬‬

‫عىل الرغم من أننا ال نستطيع التعميم إال أننا نستطيع القول بأن أغلب امللحدين يحرتمون ويق ّدرون الفن والثقافة‬ ‫ظل غياب التبعية املركزية التي يق ّدمها مفهوم اإلله‪ ،‬الذي يحتاج‬ ‫والجامل‪ ،‬فهي بالنهاية ما مينحهم القيمة لحياتهم يف ِّ‬ ‫التبعية والطاعة والتي يجد فيها املؤمنون قيمتهم‬ ‫وغايتهم يف الحياة‪ ،‬امللحد ليس لديه هذا الكيان‬ ‫النزق املُتطلب الناقص‪ ،‬الذي يستوجب أن يُك ّرس‬ ‫امللحد نفسه وحياته وأهدافه بغرض إرضائه‪ ،‬لذا‬ ‫ترى امللحدين يتن ّوعون ويتل ّونون يف حبهم وسعيهم‬ ‫للجامل واإلبداع ولذة الجامل والفن واألدب‬ ‫والثقافة‪ ،‬عىل خالف بعض األديان واملعتقدات التي‬ ‫منافسا للنصوص والعقائد‬ ‫تجد يف الفن والثقافة‬ ‫ً‬ ‫الدينية الضحلة الجامدة البدائية‪ ،‬التي ال ميكنها‬ ‫منافسة تط ّور وتق ّدم وتن ّوع الفنون والجامل‪ ،‬ولهذا‬ ‫يقومون بتحريم ومنع الفن واملوسيقى واإلبداع‬ ‫ويرون فيه إسائ ًة ملعتقداتهم ‪ .‬امللحد ليس هكذا ‪...‬‬ ‫امللحد يحرتم ويق ّدر ويحب الفن والجامل والثقافة‬ ‫ويُنتجها وينرشها ويدافع عنها ‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫امللحد يحرتم‬ ‫‪ .6‬‬

‫الغراب الحكيم‬

‫امللحد يحرتم الحياة ‪:‬‬

‫وهذه النقطة مهم ٌة ج ًدا‪ ،‬فامللحد ال يعتقد بوجود حيا ٍة ثاني ٍة أو بقاء لذاته بعد املوت‪ ،‬ولهذا فإن قيمة الحياة بالنسبة‬ ‫له غاي ٌة يف األهمية‪ ،‬فاليشء املحدود والنادر والذي ال يُع ّوض أو يتجدد أكرث قيم ًة من أي يش ٍء يوجد منه اثنني أو أكرث ‪.‬‬ ‫كث ًريا ما يُيسء املؤمنون بالحياة األخرى فهم امللحد وعملي ًـا هم يُسقطون قيمة الحياة لديهم عىل امللحد‪ ،‬فمن يؤمن‬ ‫بأن هناك حيا ًة أخرى أو جز ًءا ثان ًيا أو حلق ًة ثاني ًة بعد املوت لوجوده‪ ،‬لن يكون لديه نفس القيمة للحياة التي يعيشها‬ ‫اآلن كام امللحد فكيف إذا ما كان يعتقد أن الحياة األخرى أبدي ًة مليئ ًة بالنعيم املطلق وخالي ًة من األمل والعذاب كل ًيا ؟!‬ ‫أي دافعٍ للعمل واإلنتاج والتق ّدم وتحسني هذه الحياة‬ ‫الحياة التي يعيشها اليوم ستكون عدمية القيمة ولن يكون لديه ُ‬ ‫بأي شكلٍ ‪ ،‬وعمليـًا هذا هو أحد أهم أسباب تخلّف وتأ ّخر املجتمعات املتدينة‪ ،‬التي لوال أن النصوص الدينية تأمرهم‬ ‫ِ‬ ‫بالعمل لكانت هذه املجتمعات انقرضت منذ زمنٍ بعيد ‪ .‬تخي ّـلوا هذا! لوال أن الدين يفرض عىل متبعيه أن يعملوا‬ ‫ومينعهم من االنتحار للوصول للحياة األبدية املُطلقة بخريها واملعدومة من رشورها ملا بقي هناك دين‪ ،‬بل أستطيع‬ ‫افرتاض أن األديان والطوائف التي مل يستطع ك ّهانها وكتبها إدراك هذا انقرضت واختفت مع املؤمنني بها الذين تكاسلوا‬ ‫عن العمل لحيا ٍة أفضلٍ ومستقبلٍ أفضل ‪.‬‬ ‫‪ 7‬امللحد يحرتم الله ‪:‬‬‫هذه فكرة قد تكون غريب ٌة نوعاً ما ولكن بالفعل امللحد يحرتم الله أكرث من املؤمنني به ويفرتض أنه من الواجب أن يكون‬ ‫هذا اإلله امل ُ ّدعى واملُفرتض من املؤمنني به أفضل بكثري مام يُق ّدمه أتباعه واملؤمنون بوجوده ‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫امللحد يحرتم‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫كم من مر ٍة تجد مؤم ًنا شغوفًا يقول بأن إلهه يأمر أو يهتم بأمو ٍر غاي ًة بالسخافة واملحلية والصغر‪ ،‬من دخول الحامم‬ ‫ويبشوا بأن إلهم املطلق بالحكمة والقوة‬ ‫بالرجل الصحيحة أو بقطع جز ٍء من األعضاء التناسلية لل ُر ّضع أو أن يعظوا ّ‬ ‫لحل مشكل ٍة هو سببها ؟!‬ ‫والذكاء والوعي يقوم بالكذب أو الغضب أو اخرتاع حلو ٍل غبي ٍة ِّ‬ ‫وأي افرت ٍ‬ ‫اض ي ّدعي أن‬ ‫أي إل ٍه إال أن له وعيًا وإدراكًا لعظمة الوجود وجامله‪ُ ،‬‬ ‫امللحد عىل الرغم من أنه ال يؤمن بوجود ِّ‬ ‫عظيم وجميلٍ و ُم ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫عقد كهذا‪ ،‬يجب أن يرقى إىل مستواه فتجد بعض امللحدين غيورين‬ ‫هناك من هو‬ ‫مسؤول عن يش ٍء ٍ‬ ‫عىل صورة الله أكرث من املؤمنني به أنفسهم فتقرأ لهم شيئًا مثل ‪ :‬هل خالق هذا الكون من الصغر لدرجة أن يهتم‬ ‫بكائنٍ ضئيلٍ يعيش عىل ذرة غبا ٍر تسمى األرض هامئ ًة يف مجر ٍة معقد ٍة وعمالق ٍة كمجرتنا‪ ،‬التي هي واحد ٌة من مليارات‬ ‫بأي ٍيد يأكل اإلنسان‪ ،‬أو ماذا يجب أن يقول قبل النوم ؟!‬ ‫املجرات األخرى ويهتم يف سفاسف مثل كيف يت ّربز أو ِّ‬ ‫هذا النوع من األسئلة وإن اختلفت صياغتها شائ ٌع يف حوارات امللحدين واملؤمنني‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫استنكاري هدفه لفت‬ ‫سؤال‬ ‫ٌ‬ ‫يل‬ ‫االنتباه وتسليط الضوء عىل املفارقة املضحكة‪ ،‬بني قيمة وحجم واحرتام املؤمن الذي ال ميكن وصفه إال بأنه بدا ٌيئ ومح ٌ‬ ‫وضئيل ومث ٌري للشفقة‪ ،‬إللهه ومعبوده املُطلق مبقابل االحرتام الذي يُطالب به امللحد لكيانٍ من هذا النوع وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫وبرشي‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مسؤول عن كل هذا الجامل والعظمة املوجودة يف الكون والحياة واإلنسان‪.‬‬ ‫املستوى‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪73‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup

74


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫مراجعة‪ :‬غيث جابري‪.‬‬

‫كتب هذه املقالة ثيودوسيوس دوبجانسيك ‪ ،THEODOSIUS DOBZHANSKY‬ونرشها يف العدد ‪ 35‬من مجلّة ‪THE AMERICAN‬‬ ‫‪ .BIOLOGY TEACHER‬دوبجانسيك عامل بيولوجي مسيحي يتبع الكنيسة االورثوذكسية االروسية‪ ،‬كتب مقالته يف العام ‪ ،١٩٧٣‬والزال يتداولها‬ ‫نص كالسييك يُظهر أهمية ونجاح نظرية التطور‪ ،‬وكيف أنّها مدعوم ٌة بأدل ٍة يصعب حتى عىل أكرث املتدينني غض النظر عنها‪.‬‬ ‫الكثريون عىل أنها ٌ‬

‫يف العام ‪ 1966‬طلب الشيخ عبد العزيز بن باز من ملك العربيّة السعوديّة أن يقمع بدع ًة كانت تنترش يف بالده‪ .‬كتب‬ ‫الشيخ‪« :‬إ ّن القرآن الكريم‪ ،‬وتعاليم ال ّرسول‪ ،‬وغالب ّية علامء املسلمني والحقائق الفعل ّية كلّها تثبت أ ّن الشمس تجري‬ ‫وأي ٍ‬ ‫شخص يزعم غري ذلك فهو ينطق‬ ‫يف مدارها‪ ،‬وأ ّن األرض ثابت ٌة يف مكانها‪ ،‬مستق ّر ٌة بفضل الله تعاىل ألجل البرشيّة‪ّ ،‬‬ ‫بالباطل تجاه الله وكتابه ونب ّيه الكريم»‪.‬‬ ‫محق بهذا عمل ًيا‪ ،‬فالنظريّة ميكن أن‬ ‫يعترب فضيلة الشيخ النظريّة الكوبرنيق ّية "مج ّرد نظريّة" وليست "حقيقة"‪ .‬وهو ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫لربا كان الشيخ يجهل أ ّن عرص اكتشاف‬ ‫تثبت مبجموع ٍة من الحقائق‪ ،‬لك ّنها‬ ‫حينئذ تصبح نظريّ ًة ُمثبت ًة‪ ،‬ال حقيقة! ّ‬ ‫وأيضا كل سكّان‬ ‫الفضاء بدأ قبل أن يطلب من امللك أن يقمع البدعة الكوبرنيق ّية‪ .‬فقد شاهد ر ّواد الفضاء كرويّة األرض‪ً ،‬‬ ‫فلعل الشّ يخ ير ّد بح ّج ٍة معاكس ٍة‪ ،‬وهي أ ّن أولئك الّذين يغامرون بالخروج بعي ًدا عن‬ ‫األرض عىل شاشاتهم التّلفزيونيّة‪ّ .‬‬ ‫حدود أرض الله يعانون من الهلوسة والهذيان‪ ،‬وأ ّن األرض مسطّح ًة يف حقيقتها‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫هناك أجزا ٌء من منوذج كوبرنيقوس للمجموعة الشمسية‪ ،‬مل يت ّم‬ ‫إثباتها باملالحظات املبارشة كام أُثبتت كرويّة األرض‪ ،‬مثل القول بأ ّن‬ ‫األرض تدور حول الشمس وليس العكس‪ .‬ومع ذلك يقر العلامء بهذا‬ ‫معنى للعديد‬ ‫ال ّنموذج بوصفه ً‬ ‫متثيل دقيقًا للواقع‪ .‬ملاذا؟ ألنّه يعطي ً‬ ‫من الحقائق واملشاهدات الّتي لن تكون منطقي ًة ومفهوم ًة بغري ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مألوف‪ .‬لدرجة‬ ‫املختصني‪ ،‬فمعظم هذه الحقائق غري‬ ‫أ ّما بال ّنسبة لغري‬ ‫ّ‬ ‫قد يتسائل معها البعض‪ :‬ملاذا نقبل إذًا ما يدعى "مج ّرد نظريّة" أ ّن‬ ‫األرض كر ٌة تدور حول ٍ‬ ‫شمس كرويّة؟ هل وقعنا يف مغالطة االحتكام‬ ‫مثل؟‬ ‫إىل سلط ٍة ً‬ ‫طويل يف دراسة األدلّة وجدوها مقنع ًة بل مفحمة‪.‬‬ ‫ليس كذلك‪ ،‬بل نحن نعرف أ ّن أولئك الّذين أخذوا وقتًا ً‬ ‫جاهل باألدلّة‪ ،‬ومن املر ّجح بأنّه منحا ٌز بشكلٍ كبري‪ ،‬لدرجة أنّه لن يقتنع مهام كان عدد‬ ‫ً‬ ‫قد يكون فضيلة الشّ يخ‬ ‫األدلّة‪ ،‬وستكون محاولة إقناعه مج ّرد مضيع ٍة للوقت‪ .‬ولك ّني أرى أ ّن القرآن واإلنجيل ال يتعارضان مع كوبرنيقوس‪ ،‬وال‬ ‫كوبرنيقوس يتعارض معهام‪ .‬تلك الكتب تعالج أمو ًرا أكرث أهم ّي ًة‪ ،‬مثل معنى اإلنسان وعالقاته مع الله‪ .‬فمن املضحك أن‬ ‫نعترب أيّا من اإلنجيل أو القرآن خاطئًا بسبب مبادئ العلوم الطّبيعيّة‪ .‬فهام مكتوبان برمو ٍز شعريّ ٍة كانت مفهوم ًة لل ّناس‬ ‫يف العرص الّذي كتبت فيه ولل ّناس يف كافّة العصور األخرى‪.‬‬ ‫السعودية لطلب الشّ يخ‪ .‬فهو كان يعلم أ ّن بعض ال ّناس يخشون حركة التّنوير أل ّن التّنوير يه ّدد‬ ‫مل يستجب ملك ّ‬ ‫الخاصة‪ .‬فال ينبغي أن يُستخدم التّعليم لتعزيز الجهل‪.‬‬ ‫مصالحهم‬ ‫ّ‬ ‫الهنديس للكون‪ ،‬رغم أنّها قد تكون مركزه‬ ‫إ ّن األرض ليست املركز‬ ‫ّ‬ ‫ال ّروحي‪ .‬فاألرض ليست أكرث من ذرة غبا ٍر يف الفراغات الكون ّية‪ .‬وخالفًا‬ ‫لحسابات األسقف جيمس أرش ‪ ،James Ussher‬فالعامل مل يظهر بحالته‬ ‫ال ّراهنة سنة ‪ 4004‬قبل امليالد‪ .‬إ ّن تقديرات عمر الكون الّتي ق ّدمها‬ ‫لقيم‬ ‫علامء الكون الحديثون ال تزال تقريب ّي ًة فقط‪ ،‬ويت ّم تعديلها (عاد ًة ٍ‬ ‫أعىل) كلّام ت ّم صقل أساليب التّقدير‪ .‬فقد اتّخذ بعض العلامء عم ًرا‬ ‫للكون مقاربًا لعرشة مليارات سن ٍة‪ ،‬يف حني افرتض آخرون أنّه قد يكون‬ ‫موجو ًدا منذ األزل ويستم ّر بالوجود إىل األبد‪.‬‬ ‫‪76‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫ويرجع تاريخ نشأة الحياة عىل األرض إىل ما بني ثالثة وخمسة مليارات سن ٍة‪ ،‬أ ّما الكائنات البرشيّة فقد ظهرت مؤ ّخ ًرا‬ ‫نسب ّيا‪ ،‬منذ اثنني إىل أربعة ماليني سن ٍة‪ .‬وتستند تقديرات عمر األرض‪ ،‬وم ّدة العصور الجيولوج ّية‪ ،‬وعمر األسالف األوىل‬ ‫لإلنسان‪ ،‬بشكلٍ‬ ‫رئييس عىل أدلّ ٍة إشعاع ّي ٍة ونسبة نظائر عنارص كيميائي ٍة مح ّدد ٍة يف صخو ٍر مناسب ٍة ملثل هذه ال ّدراسات‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫إ ّن الشّ يخ بن باز وأمثاله يرفضون قبول األدلّة اإلشعاعيّة ألنّها "مج ّرد نظريّة"‪ .‬فام البديل؟ ميكن للمرء أن يفرتض أ ّن‬ ‫الصخور ذات‬ ‫الخالق يلعب ً‬ ‫حيل مخادع ًة عىل ال ّجيولوج ّيني وعلامء األحياء‪ .‬لقد رتّب بعناي ٍة ألن يكون لدينا العديد من ّ‬ ‫الصخور عمرها مليارا سنة وبعضها اآلخر مليونا سنة‪،‬‬ ‫نسب نّظائ ٍر متباينة‪ ،‬من أجل التّضليل بنا لنتو ّهم بأ ّن بعض تلك ّ‬ ‫بينام هي يف الواقع نحو ستّة أالف سن ٍة من العمر‪.‬‬ ‫هذا ال ّنوع من أشباه التّفاسري ليس جدي ًدا‪ ،‬فقد قام أحد املعارضني املبكّرين لنظريّة التّط ّور‪ ،‬ويدعى فيليب هرني غوس‬ ‫السة ‪ .Omphalos‬خالصة هذا الكتاب املدهش هي أ ّن آدم‪ ،‬عىل ال ّرغم من أنّه ليس‬ ‫‪ ،P.H.Gosse‬بنرش ٍ‬ ‫كتاب بعنوان ّ ّ‬ ‫عمل متع ّم ٌد من جانبه ليعطينا مظهر‬ ‫رسة‪ ،‬وأ ّن األحافري الّتي وضعها الخالق حيث نجدها اآلن هي ٌ‬ ‫لديه أ ٌّم‪ُ ،‬خلق ولديه ّ‬ ‫تجديف عىل‬ ‫كل هذه األفكار‪ .‬إنّها‬ ‫السهل أن نرى الخلل القاتل املُعيب يف ّ‬ ‫ٌ‬ ‫غيات الجيولوج ّية‪ .‬من ّ‬ ‫العصور القدمية والتّ ّ‬ ‫الله واتّهامه بالخداع السخيف‪ ،‬وهذا مق ّز ٌز وغريمقبول‪.‬‬

‫تن ّوع الكائنات الح ّية‬

‫معنى وبنفس ال ّروعة‪ .‬لقد ت ّم وصف ودراسة‬ ‫الحي وكالهام ذو ً‬ ‫يُعترب تن ّوع الحياة ووحدتها مظهران من مظاهر العامل ّ‬ ‫مستقبل هو عىل األرجح بنفس‬ ‫ً‬ ‫ما بني ‪ 1.5‬إىل ‪ 2‬مليون نو ًعا من الحيوانات وال ّنباتات‪ ،‬والعدد الذي سيت ّم توصيفه‬ ‫مذهل‪ ،‬بل ساحر‪ .‬وهذه مج ّرد أمثل ٍة قليلة‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫الضخامة‪ .‬إ ّن تن ّوع األحجام والبنيات وأساليب الحياة‬ ‫ّ‬ ‫كروي قطره ‪12 – 8‬‬ ‫فايروس مرض الح ّمى القالعيّة هو جس ٌم ٌّ‬ ‫ملم‪ ،‬يف حني يصل الحوت األزرق إىل ‪ 30‬م ًرتا يف الطّول و‪135‬‬ ‫ط ًّنا يف الوزن‪ .‬إ ّن أبسط الفايروسات هي أجسا ٌم طفيل ّي ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات ح ّي ٍة أخرى‪ ،‬وهي تحوي أدىن الكم ّيات‬ ‫عىل خاليا‬ ‫ووي ‪ DNA‬أو ‪ RNA‬الّتي‬ ‫ّ‬ ‫الصغرية الرضوريّة من الحمض ال ّن ّ‬ ‫تخ ّرب اآلليّة الكيميائيّة الحيويّة للخاليا املُضيفة يك تنسخ‬ ‫بدل من معلومات املضيف‪.‬‬ ‫الخاصة بها ً‬ ‫املعلومات الوراث ّية‬ ‫ّ‬ ‫‪77‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خاصة‪ .‬إ ّن مجرد‬ ‫تعريف‪ ،‬فيام إذا كانت ت ُعترب الفايروسات‬ ‫إنّها مسألة وجهة نظرٍ‪ ،‬أو‬ ‫كائنات حي ًة أم موا ٍد كيميائيّ ًة ّ‬ ‫وجود مثل هذه الخالفات يف الرأي هو أم ٌر يف ح ّد ذاته ها ٌّم للغاية‪ ،‬فهو يعني أ ّن الخ ّط الفاصل بني املا ّدة الح ّية وغري‬ ‫الح ّية غري واض ٍح‪ .‬ويف الطّرف املُقابل من طيف البساطة والتّعقيد لدينا الحيوانات الفقاريّة مبا يف ذلك اإلنسان‪ .‬يحتوي‬ ‫وربا تكون املشابك بني الخاليا العصب ّية أكرث بآالف امل ّرات‪.‬‬ ‫ال ّدماغ‬ ‫ّ‬ ‫البرشي عىل نحو ‪ ١٢‬مليار خل ّي ٍة عصب ّي ٍة‪ّ ،‬‬ ‫إ ّن بعض الكائنات الحيّة تعيش يف مجموع ٍة كبري ٍة متن ّوع ٍة من‬ ‫جنسا‬ ‫السلّم يف هذا ّ‬ ‫الصدد‪ ،‬فهو ليس ً‬ ‫البيئات‪ .‬يقع اإلنسان يف ق ّمة ّ‬ ‫عامل ًّيا فحسب‪ ،‬بل ونظ ًرا إلنجازاته التّكنولوج ّية ميكنه البقاء ح ًّيا‬ ‫األقل عىل سطح القمر ويف الفضاء الواسع‪ .‬وعىل‬ ‫لفرت ٍة محدود ٍة عىل ّ‬ ‫متخص ٌص بشكلٍ مثريٍ‬ ‫ال ّنقيض من ذلك‪ ،‬فإ ّن بعض الكائنات الح ّية‬ ‫ّ‬ ‫الكل هو لنو ٍع من‬ ‫بيئي من بني ّ‬ ‫لل ّدهشة‪ّ .‬‬ ‫ربا يكون أضيق موئلٍ ٍّ‬ ‫الفطريّات ينتمي لفصيلة ‪ ، Laboulobeniaceae‬وهو ينمو بشكلٍ‬ ‫الخلفي من الجناح األمامي لخنفساء ‪Aphenops‬‬ ‫خاص عىل ال ّجزء‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ cronei‬من فصيلة غمديات األجنحة ‪ ،Coleoptera‬والّتي بدورها‬ ‫توجد فقط يف بعض الكهوف الكلس ّية جنوب فرنسا‪.‬‬ ‫رسبات ال ّنفط الخام يف‬ ‫وتتط ّور يرقات ذبابة ‪ Psilopa petrolei‬يف ت ّ‬ ‫أي‬ ‫حقول كاليفورنيا (حسب معلوماتنا الحال ّية هي غري موجود ٍة يف ّ‬ ‫مكانٍ آخر)‪ ،‬وهي الحرشة الوحيدة القادرة عىل العيش والحصول‬ ‫عىل الغذاء يف ال ّنفط‪ ،‬والبالغة منها ميكنها أن متيش عىل سطح‬ ‫أي جز ٍء من جسمها سوى‬ ‫ال ّنفط فقط ما دام مل يالمس ال ّنفط ّ‬ ‫رسغها‪.‬‬ ‫كام تتط ّور يرقات ذبابة ‪ Drosophila carciniphila‬فقط يف‬ ‫للسطان ال ّرب ّي‬ ‫األثالم الكلويّة تحت صفائح ال ّرجل الف ّك ّية الثّالثة ّ‬ ‫رصا يف جز ٍر مح ّدد ٍة يف‬ ‫‪ Geocarcinus ruricola‬الّذي يعيش ح ً‬ ‫البحر الكاريبي‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫يوضح سبب هذا التّن ّوع الهائل يف الكائنات‬ ‫هل هناك تفس ٌري ّ‬ ‫الح ّية؟ من أين جاءت هذه املخلوقات غري العاديّة‪ ،‬والّتي‬ ‫تبدو زائد ًة غري مجدية‪ ،‬مثل فطور ‪،Laboulobenia‬‬ ‫وخنفساء ‪ ،Aphenops cronei‬وذبابة ‪،Psilopa petrolei‬‬ ‫وذبابة ‪ Drosophila carciniphila‬والعديد العديد من‬ ‫تلك التّحف البيولوج ّية الغريبة؟ إ ّن التفسري العقال ّين الوحيد‬ ‫العضوي قد تط ّور كاستجاب ٍة لتن ّوع البيئة‬ ‫هو أ ّن التّن ّوع‬ ‫ّ‬ ‫عىل كوكب األرض‪ .‬ال يوجد نو ٌع واح ٌد‪ ،‬مهام كان مثاليًا‬ ‫يستغل جميع الفرص للعيش‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وقابل للتك ّيف‪ ،‬بإمكانه أن‬ ‫ً‬ ‫الخاصة يف‬ ‫كل نو ٍع من املاليني من األنواع لديه طريقته‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العيش والحصول عىل غذائه من البيئة‪ .‬ال ّ‬ ‫شك بأ ّن هناك‬ ‫أي‬ ‫العديد من الطّرق املمكنة األخرى للعيش مل يستغلّها ّ‬ ‫نو ٍع موجو ٍد بعد‪ ،‬لك ّن الواضح هنا يش ٌء واح ٌد‪ ،‬وهو أنّه مع‬ ‫أقل‪ ،‬فإ ّن بعض فرص العيش كانت ستبقى‬ ‫عضوي ٍّ‬ ‫تن ّو ٍع‬ ‫ٍّ‬ ‫غري مستغلّة‪ .‬متيل العمليّة التّطوريّة إىل ملء املوائل البيئية‬ ‫بوعي أو عن‬ ‫املتاحة ‪ .ecologic niches‬إنّها ال تفعل ذلك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عمد‪ ،‬فالعالقات بني التّط ّور والبيئة هي أكرث إتقانًا وتشويقًا‬ ‫التغيات التّطوريّة عىل قاطنيها‬ ‫من ذلك‪ .‬ال تفرض البيئة ّ‬ ‫اللمارك ّية الجديدة املُهملة حال ًّيا‪.‬‬ ‫كام ادعت ال ّنظريّات ّ‬ ‫إ ّن أفضل طريق ٍة لتص ّور الوضع هي كالتّايل‪ :‬تق ّدم البيئة‬ ‫الحي‪ ،‬وهذه التّح ّديات قد يستجيب لها‬ ‫التّحديات للكائن ّ‬ ‫بتغي ٍ‬ ‫ات جين ّي ٍة تك ّيف ّية‪.‬‬ ‫الحي ّ‬ ‫الكائن ّ‬ ‫التغي‬ ‫بيئي شاغرٍ‪ ،‬أو عىل فرص ٍة بيئ ّي ٍة للعيش غ ٍري مستغلّة‪ ،‬هو مبثابة تح ٍّد‬ ‫حقيقي‪ .‬كذلك هو ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫إ ّن العثور عىل موئلٍ ٍّ‬ ‫ّبيعي ‪natural‬‬ ‫البيئي‪ ،‬كام حصل عندما انحرس مناخ العرص ال ّج ّ‬ ‫ليدي فاس ًحا املجال ملنا ٍخ أدفأ‪ .‬قد يس ّبب االنتخاب الط ّ‬ ‫ّ‬ ‫تغي ٍ‬ ‫التغيات قد متكّن ال ّنوع من احتالل املوئل‬ ‫ات جين ّي ٍة تك ّيف ّية‪ ،‬وهذه ّ‬ ‫حي للتّح ّدي من خالل ّ‬ ‫‪ selection‬استجابة نو ٍع ٍّ‬ ‫البيئي الفارغ السابق كفرص ٍة جديد ٍة للعيش أو متكّنه من مقاومة ّ ٍ‬ ‫بيئي غري مالئم‪ .‬ولك ّن االستجابة قد تكون أو‬ ‫ّ‬ ‫تغي ٍّ‬ ‫الجيني للنوع املستجيب يف الوقت الّذي يستدعي‬ ‫ال تكون ناجح ًة‪ .‬هذا يعتمد عىل ع ّدة عوامل‪ ،‬أه ّمها هو الرتكيب‬ ‫ّ‬ ‫االستجابة‪ .‬قد يؤ ّدي نقص االستجابة ال ّناجحة إىل انقراض ال ّنوع‪ .‬تُظهر أدلّة الحفريّات بوضو ٍح أ ّن نهاية معظم الخطوط‬ ‫التط ّوريّة هي االنقراض‪ .‬إ ّن الكائنات الّتي تحيا اليوم هي سالالتٌ ناجح ٌة ألقل ّي ٍة فقط من األنواع الّتي عاشت يف املايض‬ ‫‪79‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫وألقل ّي ٍ‬ ‫ات أصغر وأصغر كلّام تع ّمقنا يف ال ّنظر إىل الوراء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬مل يتضاءل عدد األنواع الح ّية؛ يف الواقع‪ ،‬لقد ازداد‬ ‫كل هذا هو أم ٌر مفهو ٌم يف ضوء نظريّة التّط ّور؛ لكن يا لها من عمل ّي ٍة خرقاء ستكون‪ ،‬من جانب‬ ‫مع الوقت عىل األرجح‪ّ .‬‬ ‫الله‪ ،‬أن يخلق العديد من األنواع من العدم ومن ث ّم يسمح ملعظمها باملوت!‬ ‫البيولوجي لنفسه‪ :‬فألحاول غ ًدا‪،‬‬ ‫الطبيعي‪ .‬ال يقول ال ّنوع‬ ‫أي يش ٍء وا ٍع أو متع ّم ٍد يف عمل ّية االنتخاب‬ ‫ليس هناك‪ ،‬بالطّبع‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف‬ ‫أو بعد مليون سن ٍة من اآلن‪ ،‬أن أمنو يف ترب ٍة مختلف ٍة‪ ،‬أو أستهلك موا ّد غذائي ًة مختلفة‪ ،‬أو أن أوجد عىل جز ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف‪ .‬وحده اإلنسان ميكنه أن يتّخذ مثل هذه القرارات الواعية‪ .‬وهذا هو سبب اعتبار اإلنسان العاقل يف‬ ‫من رسطان‬ ‫خلق ٌة وعمياء يف آنٍ واحد‪ .‬وحدها العمل ّية اإلبداع ّية العمياء‬ ‫ّبيعي هو مبجمله عمل ّي ٌة ّ‬ ‫ق ّمة سلّم التط ّور‪ .‬إ ّن االنتخاب الط ّ‬ ‫البرشي من جهة‪ ،‬وأشكاال مبثل هذا التّالؤم الضيّق واملحدود‬ ‫البيولوجي الهائل متمث ًّل بال ّجنس‬ ‫ميكنها أن تنتج لنا ال ّنجاح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتخصصة التي ذكرت أعاله من ال ّجهة األخرى‪.‬‬ ‫كالخنفساء والذّباب والفطريّات‬ ‫ّ‬ ‫ّبيعي‪ .‬يتخ ّيل هؤالء أن جميع األنواع وجدت بأمر‬ ‫ال يستطيع معارضو نظريّة التّط ّور أن يفهموا كيف ّية عمل االنتخاب الط ّ‬ ‫ق ّو ٍة خارق ٍة للطّبيعة منذ بضعة ٍ‬ ‫السنني بنفس شكلها الّذي نراه اليوم‪.‬‬ ‫آالف من ّ‬ ‫ّبيعي‬ ‫لكن ما هو املعنى من وجود ما يصل إىل ‪ 2‬أو ‪ 3‬مليونٍ من أنواع الكائنات الح ّية عىل األرض؟ إذا كان االنتخاب الط ّ‬ ‫أي عد ٍد من األنواع هو أم ٌر مفهوم‪ .‬فاالنتخاب الطّبيعي ال يعمل وفقًا لخطّ ٍة‬ ‫ئييس الّذي أ ّدى للتط ّور‪ ،‬فإ ّن ّ‬ ‫هو العامل ال ّر ّ‬ ‫بكل بساط ٍة يوجد فرص ٌة بيئ ّي ٌة‬ ‫محتاج إليها يف بعض الغايات‪ ،‬بل ألنّه ّ‬ ‫مفروض ٍة سلفًا‪ ،‬واألنواع ال ّناتجة عنه ال تنتج ألنّه‬ ‫ٌ‬ ‫ائق ج ّدا عندما أوجد ذبابة ‪ Psilopa petroli‬لتعيش‬ ‫ووسيل ٌة جين ّي ٌة جعلت وجودها ممك ًنا‪ .‬هل كان الخالق يف مزا ٍج ر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رسطانات بريّ ٍة‬ ‫يصا عىل بعض أجزاء ال ّجسم من‬ ‫خص ً‬ ‫يف حقول ال ّنفط يف كاليفورنيا ونو ًعا من ذبابة ‪ Dorsophila‬لتعيش ّ‬ ‫ومعقول‬ ‫ً‬ ‫العضوي أم ًرا مفهو ًما‬ ‫مح ّدد ٍة عىل جز ٍر مح ّدد ٍة فقط من منطقة البحر الكاريبي؟ عىل أيّة حا ٍل‪ ،‬يصبح التن ّوع‬ ‫ّ‬ ‫ّبيعي‪.‬‬ ‫الحي ليس عن طريق نزو ٍة مفاجئ ٍة‪ ،‬بل عن طريق التط ّور مدفو ًعا باالنتخاب الط ّ‬ ‫إذا كان الخالق قد خلق العامل ّ‬ ‫بعضا‪.‬‬ ‫من الخطأ أن نأخذ نظريّتا الخلق والتط ّور عىل أنّها بدائل يستبعد بعضها ً‬ ‫ري يف نفس الوقت‪ ،‬فالتّط ّور هو طريقة الله أو الطّبيعة للخلق‪ .‬الخلق ليس حدث ًا وقع سنة ‪ 4004‬قبل‬ ‫أنا‬ ‫خلقي وتط ّو ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫امليالد‪ ،‬بل هو عمل ّي ٌة بدأت منذ نحو عرشات مليارات السنني وال تزال مستم ّرةً‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫وحدة الحياة‬

‫والصفات املشرتكة‬ ‫إ ّن وحدة الحياة ليست ّ‬ ‫أقل روع ًة من تن ّوعها‪ .‬معظم أشكال الحياة متشابه ٌة يف كثريٍ من ال ّنواحي‪ّ .‬‬ ‫خاص يف مجال الكيمياء الحيويّة‪ .‬بد ًءا من الفايروس وحتّى اإلنسان‪ ،‬يت ّم ترميز مجموع‬ ‫بني الكائنات الح ّية بارز ٌة بشكلٍ ٍّ‬ ‫النووي‬ ‫النووي منقوص األوكسجني ‪ DNA‬والحمض‬ ‫الصفات املوروثة باثنني فقط من امل ّوا ّد الكيميائيّة هام الحمض‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫حروف جين ّي ٍة يف الـ‬ ‫الرايبي ‪ .RNA‬إ ّن الشيفرة الوراثية بسيط ٌة بقدر عموم انتشارها بني األحياء‪ .‬يوجد فقط أربعة‬ ‫محل الثيامني‪ .‬إ ّن‬ ‫يحل اليوراسيل ‪ّ U‬‬ ‫‪ DNA‬وهي األدنني ‪ ،A‬والغوانني ‪ ،G‬والثيامني ‪ ،T‬والسيتوزين ‪ .C‬ويف الـ ‪ّ RNA‬‬ ‫ٍ‬ ‫حروف جديد ٍة يف األبجديّة الجين ّية‪ ،‬بل من خالل إعداد‬ ‫الحي بر ّمته مل يحدث من خالل اخرتاع‬ ‫الرتقّي التط ّوري يف العامل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات جديد ٍة من هذه الحروف‪.‬‬ ‫أيضا طريقة ترجمة تسلسالت‬ ‫ليست الشّ يفرة الوراث ّية املك ّونة من ‪ DNA‬و‪ RNA‬وحدها مشرتك ٌة بني األحياء فحسب‪ ،‬بل ً‬ ‫النووي إىل سالسل من األحامض األمين ّية يف بروتينات‪ .‬إ ّن نفس األحامض األمين ّية العرشين تشكّل عد ًدا‬ ‫حروف الحمض‬ ‫ّ‬ ‫األقل معظم‪ ،‬الكائنات‪ .‬يت ّم ترميز األحامض األمين ّية املختلفة بواسطة‬ ‫كل‪ ،‬أو عىل ّ‬ ‫ال يحىص من الربوتينات املختلفة يف ّ‬ ‫النووي‪ .‬وال تقترص التّشابهات الكيميائ ّية الحيويّة عىل الشّ يفرة الوراث ّية‬ ‫‪ 6 – 1‬ثالث ّية نكليوتيديّة موجود ٍة يف الحمض‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الخلوي للكائنات الحيّة األكرث‬ ‫مدهش يف االستقالب‬ ‫ٌ‬ ‫متاثل‬ ‫بروتينات فحسب بل تتجاوز ذلك‪ ،‬حيث يسود ٌ‬ ‫وترجمتها إىل‬ ‫ّ‬ ‫كل من أدينوزين ثال ّيث الفوسفات‪ ،‬البيوتني‪ ،‬ال ّريبوفالفني‪ ،‬الهيم‪ ،‬البريودكسني‪ ،‬الفيتامينات ‪ K‬و‪ ،B12‬وحمض‬ ‫تن ّو ًعا‪ .‬يقوم ٌّ‬ ‫كل مكانٍ ‪.‬‬ ‫الفوليك بإنجاز العمل ّيات االستقالب ّية يف ّ‬ ‫ماذا تعني هذه التّشابهات البيولوج ّية والكيميائ ّية الحيويّة؟ إنّها توحي أ ّن الحياة نشأت من ما ّد ٍة غري ح ّي ٍة م ّر ًة واحد ًة‬ ‫السامت األساسيّة للحياة البدائيّة‪ .‬ومن املمكن‬ ‫فقط‪ ،‬وأ ّن جميع الكائنات الحيّة‪ ،‬مهام كانت متن ّوع ًة اآلن‪ ،‬تحافظ عىل ّ‬ ‫أيضا أنّه كان هناك العديد‪ ،‬أو حتّى الكثري‪ ،‬من أصول الحياة؛ إذا كان األمر كذلك‪ ،‬فإ ّن سالل ًة لواحد ٍة منها فقط قد‬ ‫ً‬ ‫وكل نو ٍع من ماليني األنواع قد ت ّم إنشاؤه بأم ٍر منفصلٍ من الله؟‬ ‫نجت وأهلت األرض‪ .‬لكن ماذا لو مل يكن هناك تط ّو ٌر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ‪ ،‬ومهام كانت الفكرة جارح ًة ملشاعرهم الدين ّية‪ ،‬يجب عىل معاريض نظريّة التّط ّور أن يتّهموا الخالق م ّر ًة أخرى‬ ‫بالغش والخداع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يجب أن يق ّروا أنّه "الخالق" وعن ٍ‬ ‫عمد رت ّب األشياء متا ًما كام لو كان التط ّور هو طريقته يف الخلق‪ ،‬قاص ًدا أن يضلّل‬ ‫الباحثني املخلصني عن الحقيقة‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫السنوات األخرية جعلنا قادرين أن نفهم كيف ميكن أن‬ ‫إ ّن التق ّدم امللحوظ الّذي ت ّم إحرازه يف علم األحياء‬ ‫الجزيئي يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫بكل تن ّوعها مركّب ًة من موا ّد متامثل ٍة رتيب ٍة كالربوتينات املك ّونة من عرشين نو ًعا من األحامض‬ ‫تكون الكائنات الح ّية ّ‬ ‫كل منها بأربعة أنوا ٍع من النيوكليوتيدات فقط‪ .‬إ ّن الطّريقة لفهم ذلك‬ ‫النووي فقط‪ٌّ ،‬‬ ‫األمين ّية فقط وير ّمزها الحمض‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫متواليات من ‪ 26‬حرفًا أبجديًا‪( .‬ميكن‬ ‫بسيط ٌة بشكلٍ مذهلٍ ؛ إ ّن كلامت وجمل وفصول وكتب االنكليزيّة كلّها مك ّون ٌة من‬ ‫أيضا بثالث إشار ٍ‬ ‫ات فقط من شيفر ٍة مورس‪ :‬نقطة‪ ،‬فراغ‪ ،‬شخطة)‪ .‬ال يت ّم تحديد معنى كلم ٍة أو جمل ٍة‬ ‫أن منثّل اللّغة ً‬ ‫ٍ‬ ‫الصفات‬ ‫من خالل ما تحتوي من‬ ‫حروف بقدر ما هو من خالل تسلسل هذه الحروف‪ .‬األمر ذاته بال ّنسبة إىل مجموع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫النووي ثم تت ّم الرتجمة إىل سالسل من‬ ‫حروف جين ّي ٍة يف نكليوتيدات الحمض‬ ‫املوروثة‪ ،‬حيث تر ّمزها تسلسالتٌ من‬ ‫ّ‬ ‫األحامض األمين ّية يف الربوتينات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قياسات لدرجات التّشابه واالختالف‬ ‫إ ّن ال ّدراسات الجزيئيّة جعلت من املمكن لنا أن نجد نه ًجا ننتزع من خالله‬ ‫األقل واسعة‬ ‫الكيميائ ّية الحيويّة بني الكائنات الح ّية‪ .‬بعض أنواع اإلنزميات والربوتينات األخرى هي شبه مشرتك ٍة‪ ،‬أو عىل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تفاعالت كيميائ ّي ٍة متامثلة‪.‬‬ ‫كائنات ح ّي ٍة مختلف ٍة‪ ،‬وهي بذلك تحفّز‬ ‫االنتشار‪ ،‬بني جميع األحياء‪ .‬إنّها متامثل ٌة وظيف ًّيا يف‬ ‫يتبي غال ًبا أنّها تحوي سالسل من األحامض األمين ّية قد‬ ‫ولكن عندما يت ّم عزل هذه الربوتينات وتحديد تركيبها كيميائ ًّيا‪ّ ،‬‬ ‫تطول أو تقرص يف الكائنات املختلفة‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬ما يس ّمى بسالسل ألفا يف الهيموغلوبني لديها سالسل متطابق ٌة‬ ‫أميني ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الغوريل‪ .‬تختلف‬ ‫ّ‬ ‫واحد (من أصل ‪ )141‬يف‬ ‫من األحامض األمينيّة يف اإلنسان والشّ مبانزي ولك ّنها تختلف‬ ‫بحمض ٍّ‬ ‫بديل عن تلك املوجودة يف هيموغلوبني املاشية‪18 ،‬عن الحصان‪،‬‬ ‫حمضا أمين ًّيا ً‬ ‫سالسل ألفا يف الهيموغلوبني‬ ‫البرشي ب ‪ً 17‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 20‬عن الحامر‪ 25 ،‬عن األرنب‪ ،‬و‪ 71‬عن سمك الشّ بوط‪.‬‬ ‫السيتوكروم ( ‪ C (Cytochrome C‬هو‬ ‫ّ‬ ‫إنزي ٌم يلعب دو ًرا ها ًّما يف استقالب الخاليا‬ ‫الهوائيّة‪ .‬وهو موجو ٌد يف الكائنات الحيّة‬ ‫األكرث تن ّو ًعا‪ ،‬من اإلنسان إىل العفن‪ .‬لقد‬ ‫قامت مارغوليس ‪ E.Margoliash‬وفيتش‬ ‫‪ Fitch‬وآخرون مبقارنة تسلسل األحامض‬ ‫السيتوكروم ‪ C‬يف فرو ٍع مختلف ٍة‬ ‫األمين ّية يف ّ‬ ‫الحي واكتشاف معظم أوجه‬ ‫من العامل‬ ‫ّ‬ ‫الشّ به الها ّمة باإلضافة لالختالفات أيضا ً‪.‬‬

‫‪82‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫رتب مختلف ٍة من الثدييات والطّيور ب ‪ 17 – 2‬من األحامض األمينية‪ ،‬بني صفوف الفقاريّات‬ ‫السيتوكروم ‪ C‬بني ٍ‬ ‫يختلف ّ‬ ‫ب ‪ ،38 – 7‬والفقاريّات والحرشات ب ‪ ،41 – 23‬وتختلف الحيوانات عن العفن والخامئر الفطريّة ب ‪ 72 – 56‬من‬ ‫الصغرى ‪minimal‬‬ ‫األحامض األمين ّية‪ّ .‬‬ ‫يعبا عن نتائج بحثهام مبا يس ّمى املسافات الطّفريّة ّ‬ ‫تفضل مارغوليس وفيتش أن ّ‬ ‫‪ .mutational distances‬لقد ذكرنا سابقًا أ ّن األحامض األمين ّية املختلفة يت ّم ترميزها بواسطة ثالث ّي ٍ‬ ‫ات مختلف ٍة من‬ ‫لنكليوتيد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واحد‬ ‫النكليوتيدات يف ‪ DNA‬ال ّجينات؛ هذا ال ّرمز أصبح معروفًا اآلن‪ .‬تشتمل معظم الطّفرات عىل بدائل‬ ‫األقل من الطّفرات‬ ‫معي‪ .‬وبالتّايل ميكن للمرء أن يحسب العدد ّ‬ ‫يف مكانٍ ما يف سلسلة الحمض‬ ‫ّ‬ ‫النووي املر ّمز لربوت ٍني ّ‬ ‫السيتوكروم‬ ‫ّ‬ ‫حي آخر‪ .‬املسافات الطّفرية ّ‬ ‫الصغرى بني ّ‬ ‫اللزمة لتغيري ّ‬ ‫حي لذلك املوجود يف كائنٍ ٍّ‬ ‫السيتوكروم ‪ C‬يف كائنٍ ٍّ‬ ‫الخاص بالكائنات الح ّية األخرى هي كالتّايل‪:‬‬ ‫والسيتوكروم ‪C‬‬ ‫‪C‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البرشي ّ‬ ‫‪18‬‬ ‫الدجاجة‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫‪1‬‬ ‫القرد ‬ ‫‪18‬‬ ‫البطريق‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫‪13‬‬ ‫الكلب ‬ ‫‪19‬‬ ‫السلحفاة‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫‪17‬‬ ‫الحصان ‬ ‫ ‪20‬‬ ‫أفعى الجرسية‬ ‫ ‬ ‫‪16‬‬ ‫الحامر ‬ ‫ ‪31‬‬ ‫سمك التونة‬ ‫ ‬ ‫‪13‬‬ ‫الخنزير ‬ ‫‪33‬‬ ‫ ‬ ‫الذبابة‬ ‫ ‬ ‫‪12‬‬ ‫األرنب ‬ ‫‪36‬‬ ‫ ‬ ‫القمل‬ ‫ ‬ ‫‪12‬‬ ‫الكنغر ‬ ‫العث أو العفن ‪63‬‬ ‫ ‬ ‫‪17‬‬ ‫البطة ‬ ‫‪56‬‬ ‫ ‬ ‫الخمرية‬ ‫ ‬ ‫‪16‬‬ ‫الحاممة ‬ ‫معي من الربوتينات يختلف ضمن ال ّنوع نفسه من الكائنات‬ ‫من امله ّم أن نالحظ أ ّن تسلسل األحامض األمين ّية يف نو ٍع ّ ٍ‬ ‫الحيّة كاختالفها بني نو ٍع ونو ٍع آخر‪ .‬فمن الواضح أ ّن االختالفات بني الربوتينات عىل مستوى ال ّنوع ‪ ،Species‬وال ّجنس‬ ‫أيضا‬ ‫والص ّف ‪ ،Class‬والشّ عبة ‪ ،Phylum‬هي ناتج ٌة عن عنارص تختلف ً‬ ‫‪ ، Genus‬والفصيلة ‪ ،Family‬وال ّرتبة ‪ّ ،Order‬‬ ‫بني أفرا ٍد من ال ّنوع نفسه‪ .‬الفروق الفرديّة والجامع ّية هي ٌ‬ ‫فروق ك ّمي ٌة فقط‪ ،‬ال نوع ّية‪ .‬واألدلّة ال ّداعمة للمقرتحات‬ ‫السنوات األخرية عىل الفروق الفرديّة يف تسلسل‬ ‫املذكورة أعاله متوفّر ٌة وتزداد برسعة‪ .‬لقد أنجز الكثري من العمل يف ّ‬ ‫البرشي وت ّم الكشف عن أكرث من مائ ٍة من الفروقات‪ .‬معظم هذه الفروقات‬ ‫األحامض األمين ّية لهيموغلوبني ال ّدم‬ ‫ّ‬ ‫حموض أمينيّ ٍة مفردة‪ ،‬بدائل نشأت من طفر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات جينيّ ٍة يف األشخاص الّذين ت ّم اكتشافها فيهم أو‬ ‫يشتمل عىل بدائل من‬ ‫يف أسالفهم‪ .‬وكام هو متوقّ ٌع‪ ،‬فإ ّن بعض هذه الطّفرات ضا ّر ٌة بحامليها‪ ،‬ولكن بعضها اآلخر محاي ٌد عىل ما يبدو أو حتّى‬ ‫شخص ٍ‬ ‫إيجا ٌّيب يف ٍ‬ ‫بيئات مع ّينة‪ .‬لقد وجدت بعض الهيموغلوبينات الطّافرة يف ٍ‬ ‫واحد فقط أو يف عائل ٍة واحد ٍة‪ ،‬يف حني ت ّم‬ ‫اكتشاف بعضها اآلخر مرا ًرا وتكرا ًرا بني سكّان مناطق مختلف ٍة من العامل‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫نتائج منطق ّي ٌة يف ضوء التّط ّور‪ ،‬إنّ ا هرا ٌء بغري ذلك‪.‬‬ ‫أنا أسلّم بأ ّن ّ‬ ‫كل هذه ال ّنتائج الها ّمة هي ٌ‬

‫علوم األج ّنة وال ّترشيح املقارنة‬

‫إ ّن التّامثالت الكيميائ ّية الحيويّة هي األكرث إثار ًة لإلعجاب واألحدث اكتشافًا‪ ،‬لك ّنها‬ ‫بالتأكيد ليست اآلثار الوحيدة لعمليّة التّط ّور‪ .‬تظهر علوم األج ّنة والتّرشيح املقارنة‬ ‫األصول التّط ّوريّة للكائنات الح ّية املوجودة حال ًّيا يف كوكبنا‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،1555‬أكّد بيري بيلو ‪ Pierre Belon‬وجود تناظ ٍر يف العظام يف الهياكل العظم ّية‬ ‫املختلفة ظاهريًّا لإلنسان والطّيور‪ .‬قام علامء التّرشيح يف ٍ‬ ‫الحق بتت ّبع الّتّناظرات‬ ‫وقت ٍ‬ ‫يف الهياكل العظم ّية‪ ،‬وكذلك يف األعضاء األخرى‪ ،‬لجميع الفقاريّات‪ .‬ميكننا مالحظة‬ ‫أيضا يف الهياكل العظميّة الخارجيّة عند مفصليّ ٍ‬ ‫ات ال تبدو متشابه ًة ظاهريّا‬ ‫التّناظرات ً‬ ‫كالكرنكد والذّبابة والفراشة‪ .‬واألمثلة عىل هذه التّشابهات الحرص لها‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫ودانا سمعان‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫ٍ‬ ‫تشابهات ملفت ًة لل ّنظر يف‬ ‫أيضا تبدي‬ ‫أ ّما أج ّنة الحيوانات املتباعدة ظاهريًّا فإنّها ً‬ ‫أغلب األحيان‪ .‬منذ قرنٍ من ال ّزمن‪ ،‬أ ّدت هذه التّشابهات ببعض علامء األحياء‬ ‫رسعهم‬ ‫ّ‬ ‫(خاص ًة العامل األملا ّين إرنست هايكل ‪ )Ernst Haeckel‬ألن يقودهم ت ّ‬ ‫يف تفسري هذه التّشابهات إىل االعتقاد بأ ّن ال ّجنني يك ّرر يف مراحل منوه التّاريخ‬ ‫ري لنوعه‪ ،‬مبعنى أ ّن ال ّجنني مي ّر عرب مراحل يشبه من خاللها أسالفه البعيدة‪.‬‬ ‫التّط ّو ّ‬ ‫بعبار ٍة أخرى‪ ،‬افرتض هؤالء العلامء أنّه بإمكانهم مقابلة مراحل من ّو ال ّجنني مع‬ ‫املراحل الّتي م ّرت بها عمل ّية التّط ّور‪.‬‬

‫الحيوي‬ ‫إ ّن نظرية التّلخيص‬ ‫ّ‬ ‫‪ Biological Recapitulation‬هذه‬ ‫مل تعد صالح ًة يف صيغتها األصل ّية‪،‬‬ ‫ومع ذلك ال ميكننا إنكار أهمية‬ ‫تلك التّشابهات ال ّجنين ّية وداللتها‬ ‫التطورية‪.‬‬ ‫ربا يعرف ال ّجميع الربنقيل الالطئ ‪ sedentary barnacles‬الّذي ال يبدو أ ّن لديه‬ ‫ّ‬ ‫السباحة مثل مجذاف ّيات األرجل ‪ .copepods‬من‬ ‫ّ‬ ‫أي تشاب ٍه مع القرشيّات ح ّرة ّ‬ ‫السباحة ‪ !nauplius‬يف تلك‬ ‫ّ‬ ‫اللفت لل ّنظر أ ّن الربنقيل مي ّر عرب مرحلة الريقة ح ّرة ّ‬ ‫يل‪ .‬وهذا‬ ‫املرحلة فإ ّن الربنقيل والسايكلوبس ‪ Cyclops‬يبدوان متشابهني بشكلٍ ج ٍّ‬ ‫دليل عىل وجود رابطة قرىب بينهام‪ .‬كام أ ّن وجود الشّ قوق الغلصم ّية يف األج ّنة‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫البرشيّة وأج ّنة فقاريّ ٍ‬ ‫ات ب ّريّ ٍة أخرى هو ٌ‬ ‫تأكيد‪ ،‬ال يكون‬ ‫بكل‬ ‫مثال شه ٌري آخر‪ّ .‬‬ ‫البرشي سمك ًة يف أيّة مرحل ٍة من مراحل من ّوه‪ ،‬وال ميلك أب ًدا غالصم ف ّعال ًة‬ ‫ال ّجنني‬ ‫ّ‬ ‫وظيف ًّيا‪ .‬ولكن ملاذا ينبغي أل ّجنته أن متلك شقوقًا غلصم ّية جل ّي ًة ما مل يتنفس‬ ‫أسالفها البعيدة مبعونتها؟ هل يلعب الخالق حيله ومزحاته املعتادة مج ّد ًدا؟‬ ‫‪85‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫اإلشعاع ال ّتك ّيفي ‪ : adaptive radiation‬ذبابات هاواي‬ ‫هناك حوايل ألفا نو ًعا يف فصيلة ذبابة الفاكهة ‪ Drosophilidae‬يف العامل‪ ،‬ربعها موجو ٌد يف جزر هاواي‪ ،‬عىل ال ّرغم من‬ ‫كل األنواع املوجودة يف هاواي (عدا ‪ ١٧‬منها) هي متوطّن ٌة هناك (غري‬ ‫أ ّن مساحة هذه الجزر كمساحة الكويت فقط‪ .‬إ ّن ّ‬ ‫أي مكانٍ آخر)‪ .‬عالو ًة عىل ذلك‪ ،‬فإ ّن الغالب ّية العظمى من األصناف املتوطنة جزر هاواي ال توجد يف جميع‬ ‫موجود ٍة يف ّ‬ ‫أنحاء األرخبيل (مجموعة الجزر) بل يقترص وجودها عىل جز ٍر مفرد ٍة أو حتى عىل جز ٍء من جزيرة‪ .‬ما هو تفسري هذا‬ ‫كل من ‪H.L.Carson‬‬ ‫العادي ألصناف ذبابة الفاكهة يف منطق ٍة صغري ٍة ج ًّدا؟ إ ّن العمل الّذي قام به مؤ ّخ ًرا ٌّ‬ ‫االنتشار غري‬ ‫ّ‬ ‫و‪ H.T.Spieth‬و‪ D.E.Hardy‬وآخرون يجعل الوضع مفهو ًما أكرث‪.‬‬

‫إ ّن جزر هاواي ذات منشأٍ بركا ٍّين‪ ،‬ومل تكن أب ًدا جز ًءا من أيّة قا ّرة‪ ،‬وأعامرها ما بني ‪ 5.6‬و ‪ 0.7‬مليون سنة‪ .‬قبل أن يأيت‬ ‫اإلنسان إليها‪ ،‬كان يقطنها أبناء الذّبابات الّتي هاجرت إليها عرب املحيط بواسطة التّ ّيارات الهوائ ّية والوسائط األخرى غري‬ ‫املقصودة‪ .‬وكانوا نو ًعا واح ًدا من ذبابة الفاكهة‪ ،‬وهو أ ّول نو ٍع وصل إىل هاواي قبل أن يكون هناك ع ّدة منافسني‪ ،‬وواجه‬ ‫التّح ّدي املتمثّل برضورة التك ّيف مع مختلف املوائل البيئ ّية الشّ اغرة‪.‬‬ ‫وقد استجاب أبناء هذا النوع لهذا التّح ّدي باإلشعاع التّك ّيفي التّط ّوري الّذي أنتج جميع ذبابات الفاكهة املوجودة يف‬ ‫نوضح أ ّن األنواع املتوطّنة يف هاواي ليست مشابه ًة لبعضها‬ ‫فهم محتملٍ ‪ ،‬دعونا ّ‬ ‫أي سوء ٍ‬ ‫هاواي اليوم‪ .‬ملنع حدوث ّ‬ ‫بأي حا ٍل أن نخطئ ونعتربها أصنافًا لنو ٍع ٍ‬ ‫واحد‪ .‬ففي هاواي‪ ،‬نجد أكرب وأصغر نو ٍع من ذبابة‬ ‫البعض إطالقًا وال ميكن ِّ‬ ‫السلوك‪ ،‬حتى أ ّن بعضها قد تك ّيف مع أساليب حيا ٍة غري عاديّ ٍة أب ًدا بال ّنسبة‬ ‫ً‬ ‫الفاكهة‪ ،‬وهي تبدي تن ّو ًعا‬ ‫مذهل يف أمناط ّ‬ ‫لذبابة فاكهة‪ ،‬كأن تصبح طفيل ّي ًة عىل رشانق بيض العناكب‪.‬‬ ‫إ ّن ال ّجزر املحيط ّية املبعرثة عىل طول املحيط الهادي‪ ،‬عدا جزر هاواي‪ ،‬ليست غن ّي ًة بشكلٍ واض ٍح باألنواع املتوطّنة من‬ ‫ذبابة الفاكهة‪ .‬والتّفسري األرجح لهذا هو أ ّن هذه الجزر األخرى عندما استوطنت فيها ذبابة الفاكهة كان قد ت ّم شغل معظم‬ ‫املساكن البيئ ّية من قبل وافدين سابقني‪ .‬هذه‬ ‫بالتّأكيد مج ّرد فرض ّي ٍة‪ ،‬لك ّنها فرض ّي ٌة معقولة‪.‬‬ ‫قد يقرتح معارضو نظريّة التّط ّور فرضيّ ًة بديل ًة‪:‬‬ ‫يف نوب ٍة من رشود الذّهن‪ ،‬استم ّر الخالق يف‬ ‫تصنيع أنوا ٍع أكرث وأكرث من ذبابة الفاكهة يف‬ ‫جزر هاواي‪ ،‬حتّى أصبح هناك إرس ٌاف مفر ٌط‬ ‫بعددها يف هذا األرخبيل‪ .‬سوف أترك األمر لكم‬ ‫لتق ّرروا أيّة فرضيّ ٍة هي العقالنيّة‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫ق ّوة وقبول ال ّنظريّة‬

‫الضوء‪ ،‬فإنّه يصبح كوم ًة من‬ ‫ربا العلم األكرث إثار ًة وإرضا ًء فكريًّا‪ .‬أ ّما بدون ذلك ّ‬ ‫إ ّن علم األحياء‪ ،‬يف ضوء التّط ّور‪ ،‬هو ّ‬ ‫غريب أو مث ٌري لالهتامم لك ّنها مع بعضها تصنع صور ًة غري مفهوم ٍة وبال معنى‪.‬‬ ‫حقائق متن ّوع ٍة بعضها‬ ‫ٌ‬ ‫أي عامل أحيا ٍء قدي ٍر هو ٌ‬ ‫مدرك لك ّم‬ ‫هذا ال يعني أنّنا نعرف ّ‬ ‫كل ما ميكن وينبغي معرفته عن علم األحياء وعن التّط ّور‪ .‬إ ّن ّ‬ ‫تحل واألسئلة الّتي مل يجب عنها بعد‪ .‬وال تظهر األبحاث البيولوج ّية أيّة عالم ٍة عن اقرتاب االنتهاء‪ ،‬بل‬ ‫املشاكل الّتي مل ّ‬ ‫علم ينمو‬ ‫أي ٍ‬ ‫العكس متا ًما هو ّ‬ ‫الصحيح‪ ،‬حيث أ ّن الخالفات واالشتباكات يف ال ّرأي شائع ٌة بني علامء األحياء‪ ،‬كام هو حال ّ‬ ‫مؤشاتٌ اللتباس مبدأ‬ ‫ويتق ّدم‪ .‬ييسء معارضو نظريّة التّط ّور فهم هذه الخالفات‪ ،‬أو يتظاهرون بسوء الفهم‪ ،‬عىل أنّها ّ‬ ‫بكل عناي ٍة وأحيانًا بخرب ٍة‪ ،‬إلظهار أنّه ال يشء‬ ‫السياق ّ‬ ‫التّط ّور‪ .‬إ ّن رياضتهم ّ‬ ‫املفضلة هي جمع االقتباسات‪ ،‬املأخوذة خارج ّ‬ ‫ٍ‬ ‫استشهادات‬ ‫وبعض من زماليئ ندهش ونستمتع بقراءة‬ ‫فق عليه بني أنصار نظريّة التّط ّور‪ .‬لقد ك ّنا أنا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مثبت حقًّا أو متّ ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫واقتباسات مأخوذ ٍة ع ّنا تظهر أنّنا معارضون لنظريّة التّط ّور من تحت جلودنا‪.‬‬ ‫املنطقي وما يحتاج إىل دراس ٍة أوىف بشأن التّط ّور بشكلٍ ال يعرتيه‬ ‫أوضح ما يقبع خلف أسس الشّ ّك‬ ‫دعوين أحاول أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫لبس‪ .‬إ ّن التّط ّور باعتباره عمل ّي ًة لطاملا كانت مست ّمر ًة يف تاريخ األرض ميكن أن ّ‬ ‫يشك به فقط أولئك الّذين‬ ‫ٌ‬ ‫غموض أو ٌ‬ ‫ديني أعمى‪ .‬وعىل النقيض من ذلك‪ ،‬فإ ّن اآلل ّيات الّتي أ ّدت‬ ‫يجهلون األدلّة أو يقاومونها‬ ‫ٍ‬ ‫ألسباب عاطف ّي ٍة أو ّ‬ ‫لتعص ٍب ٍّ‬ ‫بكل ٍ‬ ‫تأكيد بحاج ٍة لل ّدراسة والتّوضيح‪ .‬ال يوجد بدائل للتّط ّور كتاري ٍخ للحياة بإمكانها أن تصمد أمام الفحص‬ ‫للتّط ّور هي ّ‬ ‫قدي‪ ،‬ومع ذلك فنحن ال نزال نتعلّم باستمرا ٍر حقائق جديد ًة وها ّم ًة حول آل ّيات التّط ّور‪.‬‬ ‫ال ّن ّ‬ ‫يتبي الكثري عن التّط ّور دون أن تكون الحقائق‬ ‫من ال ّجدير باملالحظة أ ّن دارون منذ أكرث من قرنٍ من ال ّزمن كان قاد ًرا أن ّ‬ ‫الجزيئي‬ ‫وخاص ًة علم الوراثة‬ ‫الرئيس ّية الّتي اكتشفت منذ ذلك الحني متاح ًة له‪ .‬إ ّن تط ّور علم الوراثة بعد عام ‪1900‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات أساس ّي ًة لفهم آل ّيات التّط ّور‪ .‬ويبقى لدينا الكثري موضع ٍّ‬ ‫شك والكثري لنتعلّمه‪،‬‬ ‫قد وفّر لنا يف العقدين األخريين‬ ‫ٌ‬ ‫معروف كلّ ًّيا وأ ّن العلم ليس‬ ‫كل يش ٍء‬ ‫مستوى معتد ٍل من املهارة‪ .‬تخ ّيل أ ّن ّ‬ ‫ألي عا ٍمل ولو كان عىل‬ ‫ً‬ ‫وهذا مش ّج ٌع ومث ٌري ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كابوس مر ّوعٍ!‬ ‫لديه املزيد ليكتشفه! يا له من‬

‫يني؟‬ ‫هل تتعارض نظر ّية ال ّتط ّور مع اإلميان ّ‬ ‫الد ّ‬

‫كتب مدرسيّ ٍة ابتدائيّ ٍة يف علوم الفلك وال ّجيولوجيا‬ ‫فادح أن نخطّئ الكتب املق ّدسة بسبب ٍ‬ ‫ال‪ ،‬إنّها ال تتعارض‪ .‬بل إنّه لخطأٌ ٌ‬ ‫واألحياء واإلنسان‪ .‬فقط يف حال تحليل ال ّرموز إىل معانٍ غري املعاين املقصودة بها‪ ،‬ميكن أن تنشأ رصاعاتٌ تص ّوريّ ٌة غري‬ ‫ٍ‬ ‫بخداعات منهج ّية‪.‬‬ ‫للحل‪ .‬كام أرشنا أعاله‪ ،‬إ ّن ذلك الخطأ الفادح يقود للكفر والتّجديف بأ ّن الخالق متّه ٌم‬ ‫قابل ٍة ّ‬ ‫‪87‬‬


‫ال يشء يف علم الحياة يبدو منطق ًّيا‬ ‫ّإل يف ضوء ال ّتط ّور‬

‫ودانا سمعان‬

‫كتب أحد كبار مفكّري عرصنا بيري تيالرد دو شاردان‬ ‫‪« :Pierre Teilhard de Chardin‬هل التّط ّور نظريّ ٌة‪،‬‬ ‫منظوم ٌة‪ ،‬أم فرض ّية؟ إنّها أكرث من ذلك بكثري‪ ،‬إنّها مسلّم ٌة‬ ‫عا ّم ٌة تخضع لها جميع ال ّنظريّات والفرض ّيات واملنظومات‬ ‫من اآلن فصاع ًدا‪ ،‬ويجب استيفاؤها يف أيّة فرض ّي ٍة حتّى‬ ‫نقبل بإمكانيّة وص ّحة هذه الفرضيّة‪ .‬التّط ّور هو ال ّنور‬ ‫كل الحقائق‪ ،‬واملسار الّذي يجب أن تتبعه‬ ‫الّذي ينري ّ‬ ‫جميع خطوط الفكر‪ ،‬هذا هو التّط ّور»‪.‬‬ ‫فضل عن بعض الفالسفة‬ ‫طب ًعا يختلف بعض العلامء‪ً ،‬‬ ‫واللهوتيّني‪ ،‬مع تعاليم ال ّراهب بيري تيالرد دو شاردان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فقبول رؤيته مل يصل إىل درجة العامل ّية‪ .‬لكن ليس هناك‬ ‫أدىن ٍّ‬ ‫رجل متديّ ًنا بش ّد ٍة وبصدقٍ وأ ّن‬ ‫شك أ ّن بيري كان ً‬ ‫املسيح ّي ّة كانت حجر الزاوية يف رؤيته‪ .‬وعالو ًة عىل ذلك‪،‬‬ ‫مستحيل من منظوره كام هام‬ ‫ً‬ ‫فإ ّن العلم وال ّدين ليسا ح ًّبا‬ ‫بال ّنسبة للكثري من ال ّناس بل كان يراهام متناغمني مع‬ ‫بعضهام‪ .‬هو كان خلق ّيا‪ ،‬لك ّنه أحد الّذين فهموا أ ّن الخلق‬ ‫قد تحقّق يف العامل من خالل التّط ّور‪.‬‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪88‬‬


89


‫لقايئ مع الله‬ ‫أرشيف املنتدى األم‬

‫بقلم‪ :‬مش فاهم‬

‫مش فاهم‪ ،‬الرجاء التو ّجه إىل سدرة املُنتهى‬ ‫السيد مش فاهم‪ ،‬الرجاء التو ّجه إىل سدرة املُنتهى‬ ‫السيد مش فاهم‪ ،‬الرجاء تنظيف أذنك والتو ّجه إىل سدرة املُنتهى‬ ‫‪90‬‬


‫أرشيف املنتدى األم‬

‫لقايئ مع الله‬ ‫بقلم‪ :‬مش فاهم‬

‫لربا تب ّيض برشيت بعض اليشء‪ ،‬ومل أنىس أن أستخدم‬ ‫ُ‬ ‫سمعت النداء من ‪ -‬أول مرة‪ -‬كعاديت‪ ،‬وأنا أعو ُم يف نهر اللنب ّ‬ ‫حوري ًة من الحوريّات كعوام ٍة‪ ،‬ما أمتع السباحة‪ ،‬ولكن أشعر بامللل رغم ذلك ‪.‬‬ ‫قضمت فيها نصف لسانها الجميل‪ ،‬هممم كان طعمه‬ ‫خرجت من النهر وشكرتُ الحورية مع قبل ٍة فرنسي ٍة رقيق ٍة ج ًدا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لربا أعاود الك ّرة بعدما أرجع ‪.‬‬ ‫حل ًوا‪ّ ،‬‬ ‫الستمئة‬ ‫ضخم يُزيل عنه الرتاب بأجنحته‬ ‫جالسا عىل‬ ‫ثم‬ ‫ٍ‬ ‫مكتب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ذهبت إىل السكرتارية لالستفسار‪ ،‬فوجدت جربيل ً‬ ‫ويبصق من أثر الرتاب ‪.‬‬ ‫وهو يس ُعل ُ‬ ‫تنحنحت حتى يعلم بوجودي ثم قلت ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫السالم عليكم‪ ،‬لقد سمعت النداء يف امليكروفون ( من أول مرة )‪ ،‬إذا ً ماذا تريدون مني ؟؟‬ ‫قال جربيل وهو ما زال يس ُعل وينفُض الرتاب من عىل مكتبه ‪:‬‬ ‫وعليكم‪ ...‬كح‪ ،‬نعم‪ ،‬لقد طلب كح كح‪ ،‬الله مقابلتك ألم ٍر كح‪ ،‬ها ٌم ج ًدا ‪.‬‬ ‫شفتي من الوصول إىل أذ ّين فر ًحا بالخرب ‪:‬‬ ‫قلت وأنا أمنع‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫رب ‪.‬‬ ‫لب ّيك وسعديك يا ّ‬ ‫جربيل وهو يطارد ذباب ًة خبيث ًة بأحد أجنحته ‪:‬‬ ‫الباب أمامك‪ ،‬يا ملعونة‪ ،‬تو ّجه إليه ستلقى الله‪ ،‬ال تتح ّديني يا حقرية‪ ،‬يف انتظارك ‪.‬‬ ‫تركته وهو مازال يطارد الذبابة‪ ،‬وتو ّجهت إىل الباب وطرقته ثالث مرات ‪:‬‬ ‫الله من وراء الباب ‪ :‬ا ُدخل‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت أعىل ‪ :‬ا ُدخلللل‬ ‫الله من وراء الباب‬ ‫الله من وراء الباب صار ًخا ‪ :‬ا ُدخل يا مش فااااااااااهم حسبي أنا ونعم الوكيل فيك‪.‬‬ ‫رصع بالذهب والياقوت‬ ‫جالسا كعادته عىل العرش امل ُ ّ‬ ‫دخلت عىل الله بعد ما سمح يل بالدخول ‪ -‬من أول مرة‪ -‬فوج ّدته ً‬ ‫وكل أنواع الجواهر واملعادن املعروفة وغري املعروفة‪.‬‬ ‫والفضة ّ‬ ‫واملاس ّ‬

‫‪91‬‬


‫أرشيف املنتدى األم‬

‫لقايئ مع الله‬ ‫بقلم‪ :‬مش فاهم‬

‫قال الله وهو ُّ‬ ‫يحك يديه كمن يطلب الدفء ‪:‬‬ ‫سمعت أ ّن جـ ّنـتي ال ت ُعجبك‪ ،‬وأنّـك تشعر بامللل‪ ،‬دعك من عدم حضورك مائدة الرحمن يوم الجمعة حتى ال تراين ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫ماذا دهاك بحق الجحيم ؟؟‬ ‫ٌ‬ ‫جفاف يف الحلق‪ ،‬دمو ٌع يف العينني‪،‬‬ ‫ارتعدت فرائيس‪ ،‬وعندما أقول ارتعدت فرائيس فأنا أعني رعش ًة يف األقدام واليدين‪،‬‬ ‫والتهاب‬ ‫دموي يزحف إىل ثنايا ُم ّخي‪،‬‬ ‫انقباض يف الخصية‪ ،‬ناهيك عن رسعة رضبات القلب‪ ،‬وتجلّ ٌط‬ ‫ضيق يف التنفس‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫محمو ٌم يف األنف حتى إن املُخاط يخرج عىل هيئة بخار ‪.‬‬ ‫وركعت عىل ركبتي التي تح ّولت إىل ما يُشبه املكرونة املسلوقه وقلت ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫اب ولك الحمد عىل‬ ‫ونوم‬ ‫كل يش ٍء متوف ٌر‬ ‫غفرانك يارب‪ ،‬سامحني بعفوك‪ ،‬إ ّن ّ‬ ‫وطعام ورش ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومباح يف ج ّنـتك من مضاجع ٍة ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ذلك‪ ،‬ولكن أشعر بامللل حقـًا وال أجد شيئًا جدي ًدا أفعله ‪.‬‬ ‫قال الله وهو يغرز اصبعه يف أنفه الربانية ‪:‬‬ ‫هل ج ّربت صيد الحيتان بالشّ باك البدائية ؟؟ وماذا عن قتال الشوارع ؟؟ وهل ج ّربت كرة القدم يف البالي ستيشن ؟؟‬ ‫مذهلة ‪.‬‬ ‫دليل عىل خيبة األمل ‪:‬‬ ‫قلت وأنا أفتح يدي ً‬ ‫ُ‬ ‫بت البالي ستيشن وهناك وغ ٌد يُالعبني ويكسبني دامئًا بالربازيل‪ ،‬أ ّما عن صيد الحيتان فليس فيه أية مهار ٍة‪،‬‬ ‫نعم ‪ ...‬ج ّر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أتلق رضب ًة واحد ًة من خصومي يف قتال الشوارع كام لو أنّهم ُمربمجني عىل تلقّي‬ ‫فالحيتان تقفز يف الشبكة‬ ‫بحامس‪ ،‬ومل َّ‬ ‫الرضبات فقط ‪.‬‬ ‫تناول الله مرآ ًة وملقاطًا وأخذ ينتف شعر أنفه املق ّدسة يف عصبي ٍة واضح ٍة ثم قال ‪:‬‬ ‫اممم‪ ،‬حس ًنا‪ ،‬سنقوم بتطوير أساليب التسلية إىل أعىل مستوى‪ ،‬ال تحزن ‪.‬‬ ‫قلت بفراغ ص ٍرب ضاغطًا عىل الحروف ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫يا إلهي‪ ،‬ليس العيب يف التسلية بل ‪...‬‬ ‫اللهوتية يف املرآة ‪:‬‬ ‫قاطعني وهو ينظر إىل أنفه ّ‬ ‫يف نظام التهوية ؟؟‬ ‫‪92‬‬


‫أرشيف املنتدى األم‬

‫لقايئ مع الله‬ ‫بقلم‪ :‬مش فاهم‬

‫وضقت ملقاطعته كالمي ثم انفجرت فيه ‪:‬‬ ‫حاجبي‬ ‫قطبت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ومللت من هذا الطعام‪ ،‬دعك من أنني ال‬ ‫العيب أنه ليس هناك جديد‪ ،‬لقد نفذ صربي من مضاجعة هؤالء الغواين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫شفتي ‪ ،‬أريد الخروج من‬ ‫أحب األلبان والخمور يا هذا‪ ،‬أريد الخروج من هنا‪ ،‬أريد العودة إىل الدنيا‪ ،‬هل تسمع ؟؟ اقرأ ّ‬ ‫هنا‪ ،‬أريد العودة إىل الدنيا ‪.‬‬ ‫انتفض الله واقفـًا وأطاح بعرشه الذي طُبعت مؤخرته عليه بشكلٍ‬ ‫فكاهي من طول فرتة جلوسه‪ ،‬ث ّم رصخ بأعىل صوته‬ ‫ٍ‬ ‫حتى كاد يص ّم أذين ‪:‬‬ ‫بنيت لك وألمثالك هذه الجنة حتى تتمتع بها‪ ،‬وأرشف عىل بناء القصور‬ ‫ماذا تقول أيها امللعون ؟؟ هل تجرؤ ؟؟ لقد ُ‬ ‫بيدي هاتني الحوريات عىل أجمل وصف‪ ،‬وأمرتُ بزراعة األشجار وحفر األنهار‬ ‫نخب ٌة من كبار املهندسني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وخلقت ّ‬ ‫كل هذا‬ ‫واستعنت بالفريق الياباين ( هشو كان يويو ) أو يش ٌء من هذا القبيل لإلرشاف عىل التسلية ‪ ...‬وبعد ّ‬ ‫والبحار‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رصح بهذا يا كلب ؟؟‬ ‫ّ‬ ‫متل و تضجر وت ُ ّ‬ ‫ثم صفق بيديه املباركة وقال ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫هل تريد أن تذهب إىل مكانٍ‬ ‫جديد يا صاح ؟؟‬ ‫رصخ والرذاذ يتطاير من فمه الرشيفة ‪:‬‬ ‫خذوه إىل النااااااااااااااااااااااااااااااااااار ‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫األفكار غري املعصومة‬ ‫ملاذا التفكري العقالين مهم‬

‫بقلم " أل ّيت تامبل "‬ ‫التفكري العقالين هو نو ٌع من التقاليد حول كيفية التفكري السليم‪ .‬إنه يحاول تجنب التح ّيز ويحاول العثور عىل الحقيقة‬ ‫سوا ًء أعجبتنا أم ال‪ .‬إنه يتجنب الخرافات‪ ،‬والتفكري السحري‪ ،‬و ضيق األفق‪ ،‬واإلميان األعمى ‪ ،‬والعناد والنزوة‪ ،‬ويتطلب‬ ‫من الناس القابلية واالنفتاح لتغيري آرآءهم‪ .‬التفكري العقالين يرفض فكرة استطاعة السلطات فرض مفهوم آراءها مبا تراه‬ ‫محتوى الحقيقة وإذا كان ينبغي عليها أن تفرض هذه الحقيقه ‪ .‬بدالً من ذلك‪ ،‬ينبغي علينا أن نحاكم األفكار بأنفسنا‬ ‫‪ ،‬واستنا ًدا عىل مضمون الفكرة وليس الشخص الذي ق ّدم هذه الفكرة ‪ .‬حتى لو كنت أنا الشخص الذي طرح الفكرة‪،‬‬ ‫ولدي دكتوراة‪ ،‬هذا ال يلزمك أن تعول عىل أي يشء‪ ،‬وميكن أن أكون مخطئا‪ ،‬وينبغي أن يكون الحكم عىل مزايا ما‬ ‫ّ‬ ‫أطرحه وليس شخيص‪.‬‬

‫‪Ragod Akili‬‬ ‫] ‪[ Nada Lufi‬‬ ‫مراجعة‪ :‬غيث جابري‪.‬‬

‫‪94‬‬


‫األفكار غري املعصومة‬ ‫ملاذا التفكري العقالين مهم‬

‫‪] Ragod Akili [ Nada Lufi‬‬

‫التفكري العقالين ليس حول إذا كانت األفكار حقيق ًة أم ال‪ .‬إنها التقليد الفوقي‪ ،‬مبعنى أنها تتعلق بكيفية التعامل مع‬ ‫األفكار‪ ،‬وكيفية التعامل مع الخالفات‪ .‬أنت غري منطقي إذا كنت تعتقد بيشء زائف‪ .‬أنا غري عقالين إذا اعتقدت بيشء‬ ‫كاذب وبررت هذا بقويل "ذلك ألين أنا قلته " أو "انظروا إىل هذه الشهادات عىل جدار بيتي "‪ .‬مبوقفي هذا‪ ،‬واذا كنت‬ ‫مخطئ كيف يل أن أعرف أين كنت مخطئا? بطريقه تفكريي هذه‪ ،‬مل ولن أعرف خطأي‪ ،‬ولن أتحسن وأوصل أفكاري ‪.‬‬ ‫ما يخالف متطلبات التفكري العقالين هو افرتايض أين أعرف الحقيقة منذ البداية‪ .‬القيام بذلك يقطع إمكانية التعلم إذا‬ ‫كنت ُمخطئًا أو التع ّرف عىل فكرة أفضل‪.‬‬

‫واحدة من األفكار األساسية للفكر العقالين التقليدي هي أن الحقيقة ليست واضحة أومفرو ٌغ منها فمن املمكن أن‬ ‫نكون مخطئني‪ ،‬وهذه ليست مجرد أخطاء تكنيكية‪ ،‬فالبعض يقع فيها رغم أنها واضحة‪ ،‬ولكن ال يرون ذلك ‪ ،‬هذه‬ ‫األخطاء ليست مجرد أخطاء تقنية‪ ،‬لكنها أخطاء شائعة‪ ،‬ومن الالزم أن نكون عىل علم وانتباه لها يف جميع األوقات‪.‬‬ ‫أثناء خالف بني اثنني‪ ،‬هكذا يفكّر املتابع للعقل واملنطق‪ ،‬ويقول لنفسه "رمبا هذا الرجل اآلخر يعرف شيئا أنا ال أعرفه‬ ‫ومبا أن األخطاء شائعة‪ ،‬لذلك قد أكون أنا ارتكبت خطأ "‪ .‬أتباع العقل والتفكري املنطقي يحاولون التعلم من بعضهم‬ ‫البعض‪ ،‬وتقديم االنتقادات‪ ،‬والحجج واألسباب ملعتقداتهم‪ .‬هذه ليست عملية سهلة‪ ،‬ولكن خالل املرور مبراحل التفاعل‬ ‫فمن املمكن أن يتعلموا شيئا أو يصححوا خطأ‪.‬‬ ‫التفكري العقالين يرفض مصادر موثوقة أو معرفة مصادرها مبجلة ومثينة اجتامعيا ‪ .‬إن قبولها كليا يعني عدم استخدام‬ ‫تتوضح لنا أخطاءنا ونحاول أن نفعل‬ ‫تقديرك الشخيص ‪ .‬نحن بحاجة إىل استخدام حكمتنا الشخصية حتى نستنتج أو ّ‬ ‫شيئا تجاه هذه األخطاء ‪ .‬إ َن ترك محاكمتنا الشخصية خارج منهجنا للوصول للمعرفة ‪ ،‬سيسلبنا مصدرا ً ق ّيام لتصحيح‬ ‫األخطاء‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫األفكار غري املعصومة‬ ‫ملاذا التفكري العقالين مهم‬

‫‪] Ragod Akili [ Nada Lufi‬‬

‫التفكري العقالين يُستخدم يف جميع مجاالت النشاط اإلنساين الذي يحث ويصنع التقدم ‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬املنهج‬ ‫العلمي هو نو ٌع من أنواع التفكري العقالين ‪ .‬املنهج العلمي هو نو ٌع من أنواع العلم التقليدي مبا يسمى [التقليد الفوقي‬ ‫‪..‬تقاليد التقاليد [‪ ] meta-tradition‬التي ال تفرض علينا ما نفكر به مبارشة‪ ،‬ولكن بدالً من ذلك تدعونا التباع‬ ‫منهج البحث عن الحقيقة‪ .‬وقال عامل الفيزياء ريتشارد فاينامن أن العلم هو حول كيفية تجنب خداع أنفسنا‪ .‬وبعبارة‬ ‫أخرى‪ ،‬تم تصميم املنهج العلمي بطريق ٍه تجعل من الصعب تكرار األخطاء إىل ما ال نهاية‪ .‬باتباع املنهج العلمي‪ ،‬إنه‬ ‫من الصعب أن نخطئ ونكرر الخطأ‪ ،‬حتى إذا كنا نريده ‪ -‬بسبب التح ّيز‪ ، -‬ذلك ألن املنهج العلمي يقول يجب جعل‬ ‫التجارب الها ّمة تتخطى عدة فحوص مرتني أو ثالث من قبل عدد من العلامء‪ ،‬ويجب عليهم انتقاد بعضهم البعض‪ ،‬وال‬ ‫تحل وت ُقدر قيمتها بالرجوع ملن لديه املنزلة األعىل يف التقرير االجتامعي‬ ‫ميكن أن تسمح للخالفات العلمية بينهم أن ّ‬ ‫املرموق أو حتى ارتفاع درجة الذكاء‪ .‬املنهج العلمي يعطي توجيهات حول ما يجب القيام به لتجنب وإصالح األخطاء‪.‬‬ ‫األخطاء ترض بالناس‪ .‬األخطاء تجعل األمور تسود بشكل يسء يف حياتنا‪ ،‬والمتيش عىل وفق ما نريده ‪ .‬األفكا ٌر الخاطئ ٌة‬ ‫من املمكن أن تؤثرسل ًبا عىل الكثري من النواحي‪ ،‬بد ًءا بالركود االقتصادي أو الحروب‪ ،‬إىل فقدان املال بلعب القامر بسبب‬ ‫اإلدمان به ‪ ،‬أو حتى يف أم ٍر بسيط كالتأخر عىل اجتام ٍع هام ‪ .‬االنسان الذي حياته فيها أقل عدد ممكن من األخطاء‪،‬‬ ‫سوف يكون األكرث سعادة وسوف يحقق أكربعدد ممكن من أهدافه‪ ،‬التفكري العقالين مهم ألنه يُساعده يف تحقيق‬ ‫كل ذلك ‪.‬‬

‫الظاهر أنك كنت محقاً‬

‫‪96‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون‬ ‫امللحدين‬ ‫والالديني‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬

‫هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬

‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.