مجلة الملحدين العرب: العدد السابع والثلاثون/ شهر ديسمبر / 2015

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫العدد السـابع والثالثون من مجلة امللحدين العرب لـ شهر كانون األول ‪ /‬ديسمرب ‪2015‬‬

‫الديانات الشيطانية‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫فقه الفضـاء‬

‫‪Khaled Bensekaim‬‬

‫ماذا في صندوق داعش األسود؟‬ ‫الغراب احلكيم‬ ‫حــوار مع ‪..‬‬ ‫عبد العزيز القناعي‬

‫مجلة امللحدين العرب رقمي ٌة تطوعي ٌة مبني ٌة بجهودٍ‬ ‫فردية وال تنتمي إلى أي توج ٍه سياسي‪،‬‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف انتماءاتهم و‬ ‫توجهاتهم وبحري ٍة كاملة‪ .‬األفكار واملواضيع املطروحة‬ ‫من ناحية حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية تعتبر‬ ‫مسؤولية أصحابها‪.‬‬


‫فريق التحرير‬

‫املشارك في هذا العدد‬

‫كلمة حترير اجمللة‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪........... Gaia Athiest‬‬

‫عام آخر انقضى‪ ،‬منذ أن رأت مجلتنا النور وانطلقت شرارتها‬ ‫األولى قبل ثالثة أعوام‪ ،‬حني بدأ مشروعها الزمالء عادل أحمد‬ ‫وجون سيلفر وفينوس صفوري ومن كان معهم ممن سلمونا‬ ‫مشعل التنوير من بعدهم‪.‬‬

‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬

‫عام انقضى بكل مافيه من حتديات وصعوبات ومحاسن ومساوئ‪،‬‬ ‫فقدنا فيه صديقنا العزيز جون سيلفر‪ ،‬وتغلبنا على أحزاننا‬ ‫وأكملنا مسيرتنا‪ ،‬فجون كان يعرف أن مشروع اجمللة سيستمر‬ ‫رغم تغير الكوادر وجتددها‪ ،‬وهذه ميزتها فهي عمل تطوعي‬ ‫ينتقل ويتوزع في مجهوده وال يقف‪ ،‬فهو مستمر باستمرار‬ ‫حلمنا بالتنوير وحتطيم معاقل اجلهل والتخلف في مجتمعاتنا‪،‬‬ ‫مستمر مع كل كلمة وكل حرف وكل شمعة نشعلها لتضيء‬ ‫هذا الظالم‪.‬‬ ‫عام انقضى وما زال امللحدون العرب موجودين بل وفي ازدياد‪ ،‬لم‬ ‫ينتهي وجودهم ولم يكونوا مجرد ظاهرة عابرة‪ ،‬بل ازداد ظهورهم‬ ‫وتواجدهم وازداد رعب املؤسسات الدينية منهم‪ ،‬وتزايد القمع‬ ‫والتكميم واالعتقال والسجن واجللد‪ ،‬وكل هذا ال يستطيع أن‬ ‫مينع فكرة من التحليق عاليا‪ ،‬رغم كل أسوارهم‪.‬‬

‫غيث جابري‬

‫إلى جون سيلفر‪ ،‬نحن نفتقدك كثيرا يا صديقي‪ ،‬ولكن كل ما‬ ‫زرعته فينا من عزمية وإصرار سيجعلنا أقوى وأقدر على املتابعة‬ ‫واالستمرار‪ ،‬كلماتك وتوصياتك سنذكرها دائما‪ ،‬وسنبقى‬ ‫وستبقى اجمللة منبرًا للكلمة احلرة ورسالة لألجيال القادمة كما‬ ‫أردتها أن تكون‪ ،‬وإلى كل من ساهم ويساهم في مجلتنا من‬ ‫كوادر ومتابعني وقراء‪ ،‬شكرا لكم‪ ،‬وكل عام وأنتم بخير وللعقل‬ ‫والعلم والتقدم منبر وعنوان‪.‬‬

‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب احلكيم‬ ‫‪McKie Theman‬‬ ‫‪Alia`a Damascéne‬‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫‪Abdulkarim Ahmad Azizi‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Zaher Zaher‬‬

‫رئيس التحرير‬

‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪Abdu Alafrani‬‬ ‫‪Zorba Zad‬‬ ‫‪Tiky Mikky‬‬ ‫‪RoRo Evil-Girl‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Mohamed Larbi‬‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫الديانات الشيطانية‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫‪4‬‬

‫ماذا في صندوق داعش األسود؟‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫‪12‬‬

‫فقه الفضـاء‬ ‫‪Khaled Bensekaim‬‬

‫‪16‬‬

‫املشكلة مع اإلسالم ‪-‬اجلزء األول (سام هاريس)‬

‫‪21‬‬

‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة على أرض الواقع‬ ‫ترجمة‪McKie Theman :‬‬

‫‪37‬‬

‫حــوار مع ‪...‬‬ ‫عبد العزيز القناعي‬

‫‪48‬‬

‫ترجمة‪Adam Ismaiel :‬‬

‫القول احلاسم في مسألة أمتثل داعش اإلسالم؟ ‪67‬‬ ‫‪phi brain‬‬ ‫منـاظرة ‪ :‬هل اإلسالم دين عنف أم دين سالم‬ ‫ترجمة‪ :‬أسامة البني(الوراق)‬

‫‪72‬‬

‫هل تتجه أمريكا إلى ترك الدين‬ ‫ترجمة ‪ :‬أسامة البني(الوراق)‬

‫‪85‬‬

‫روايـة فـاتنة‬ ‫سام مـار‬

‫‪101‬‬

‫محتوى العدد ‪ 114 :‬صفحة‬

‫‪3‬‬


‫الديانات‬ ‫الشيطانية‬ ‫‪McKie Theman‬‬ ‫رش وكانت سب ًبا يف حرق وقتل الكثري من الناس‪ ،‬فهل ما يُقال‬ ‫هذه الديانات ترتبط بالشياطني بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫صحيح أم هناك ما ال نعرفه عنها؟‬ ‫عنها‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫معروف‬ ‫معروف للعامة وبعضها‬ ‫ومبسميات كثري ٍة فبعضها ما هو‬ ‫فالديانات الشيطانية قدمي ٌة مبعظمها‬ ‫رصا‪ ،‬ويف هذا املقال سنحاول التع ّرف عىل ٍ‬ ‫بعض منها‪...‬‬ ‫ألعضائها ح ً‬

‫‪4‬‬


‫الديانات‬ ‫الشيطانية‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫‪ – 1‬معبد الشيطان‪The Satanic Temple 1‬‬

‫ميثولوجي لديان ٍة ال ترتبط مبا وراء الطبيعيات‪ ،‬فمتّبعوه ال يعبدون الشيطان‬ ‫معبد الشيطان يستخدم الشيطان كرم ٍز‬ ‫ٍّ‬ ‫نقيض‬ ‫أب ًدا وال يعرتفون بوجوده وإمنا يستخدمونه رم ًزا لهم كمثا ٍل عىل التم ّرد والثورة‪ .‬أي أن الديانة بح ّد ذاتها هي ٌ‬ ‫رش للديانة املسيحية‪.‬‬ ‫مبا ٌ‬ ‫رش يف الحياة العامة ويتد ّخل ببعض القرارات السياسية ويُركّز عىل العلامنية‬ ‫ومعبد الشيطان يشرتك بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫رصح بأن أي تد ّخلٍ يف الحياة الدينية هو ٌ‬ ‫انتهاك للحرية‬ ‫ومحاولة فصل الدين عن الدولة‪ ،‬ولكنه مع الحرية الدينية‪ ،‬ويُ ّ‬ ‫الشيطانية‪.‬‬ ‫تأسس املعبد الشيطا ّين بواسطة« لوسيان غريفز ‪ »Lucian Greaves‬وتقع أكرب كنائسه يف ديرتويت – ميشيغان‪ -‬يف‬ ‫ّ‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية وقائدها حاليًا هو« جكس بالكمور ‪.»Jex Blackmore‬‬

‫‪5‬‬


‫الديانات‬ ‫الشيطانية‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫‪ – 2‬عبادة الجن (‪Demonolatry )2‬‬

‫وباألخص أتباع الديانة‬ ‫رغم أن االسم قد يوحي بوجود عباد ٍة فعل ّي ٍة للجن إال أنها ليست كذلك بالنسبة للكثري منهم‬ ‫ّ‬ ‫بشكلها الحديث‪ ،‬حيث أن أتباع هذه الديانة يرون أنفسهم كمساعدين مؤث ّرين فقط عىل سري السحر والطقوس‪ ،‬وهي‬ ‫رش إال أن الشيطان قد يكون أحد الج ّن الذي يتبعه بعض أتباع هذه الديانة‪.‬‬ ‫ليست مرتبط ًة بالشيطان بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫بعض األتباع ي ّدعي التواصل مع الجن وبذلك هم مختلفون عن الشياطني الذين يقولون إن الشيطان هو مج ّرد كائنٍ‬ ‫منتسب لهذه الديانة يختار الجن‬ ‫رمزي فقط وقد يقول البعض‪ :‬ملاذا الشيطان ليس كائ ًنا رئيس ًيا هنا؟ الجواب هو أن كل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫الخاص به الذي ميثّله ويعمل معه طول حياته وميثل هذا الجن طاق ٌة مؤثرة‪ ،‬لذلك ال ميكن عبادة الطاقة‪ ..‬ولذلك حني‬ ‫يقول لك أحد أتباع هذه الديانة (أنا ال أعبد الكهرباء) ستتف ّهم السبب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تضحيات جسدي ٍة بأي حيوانٍ أو إنسانٍ ‪ ،‬رغم هذا ال مينع أن يقوم البعض‬ ‫وبعكس الشائع عنهم ف ُهم ال يقومون بأي‬ ‫منهم باالنتحار أحيانًا‪.‬‬ ‫هذه الديانة يعود تاريخها إىل ما قبل امليالد‪ ،‬والج ّن املذكورون بها تتن ّوع مراكزهم وأعاملهم وأسامؤهم وطقوسهم وما‬ ‫شابه؛ وإذا أردنا تلخيص أسامئهم ومهامهم فسنحتاج إىل سنني طوا ٍل للقيام بذلك‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫الديانات‬ ‫الشيطانية‬ ‫‪ – 3‬السيتية ‪( Setains‬معبد ِست)‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫(‪)3‬‬

‫معبد ِست هو مج ّرد فر ٍع ملعبد الشيطان‪ِ .‬‬ ‫رشير‪ ،‬كان هو إله الظالم والعنف يف امليثولوجيا املرصية‬ ‫وست هو إل ٌه‬ ‫ٌّ‬ ‫مرصي ّ‬ ‫وكان عد ًّوا لباقي اآللهة‪ .‬وكباقي الشيطانيني فهم يؤمنون بسم ّو القيم اإلنسانية‪.‬‬ ‫تأسست عام ‪1975‬م عن طريق «مايكل أكوينو ‪ »Michael A. Aquino‬مؤلِّف كتاب «التق ّدم بواسطة الليل ‪Coming‬‬ ‫نفي واض ٍح للكتاب املرصي القديم املس ّمى «التقدم بواسطة النهار ‪Coming forth by‬‬ ‫‪ ،»forth by Night‬وهو مج ّرد ٍّ‬ ‫‪.»Day‬‬ ‫وحال ًيا املعبد ُمتمرك ٌز يف والية كاليفورنيا بالواليات املتحدة األمريكية كمؤسس ٍة ديني ٍة غري ربحي ٍة وبلغ عدد أعضائه حوايل‬ ‫‪ 2000‬عض ٍو سنة ‪2007‬م‪.‬‬ ‫طوائف ِست مقسم ٌة إىل العديد من الطوائف ومن أبرزها‪)4( :‬‬ ‫طائفة بعل زِبوب ‪Order of Beelzebub‬و تنادي بـ إكتامل اإلنسان عن طريق االستقالل والوحي واالخرتاع‪.‬‬ ‫‪،Order‬س ّميت ت ّي ُم ًنا باسم االبن الرابع للفرعون رمسيس الثاين وتُنادي‬ ‫طائفة سينت خاموست ‪of Setne Khamuast‬‬ ‫ُ‬ ‫بالعودة إىل التقاليد القدمية يف سبيل النهوض مبعبد املستقبل‪.‬‬ ‫أيضا بطائفة الفرسان وهي مك ّرس ٌة ألمري الظالم وحامية‬ ‫طائفة شبه املنحرف ‪ ،Order of the Trapezoid‬وتُس َّمى ً‬ ‫الشعلة السوداء التي تُ َعد مصد ًرا للمعرفة‪.‬‬ ‫ملصايص الدماء لغرض الوصول‬ ‫مصايص الدماء ‪ ،Order of the Vampires‬وهي طائفة تعتنق املفاهيم الوجودية ّ‬ ‫طائفة ّ‬ ‫إىل مرحلة الخلود عن طريق استخدام السحر األسود‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫الديانات‬ ‫الشيطانية‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫‪ –4‬الشيطانية املضادة للكونية ‪Anti-Cosmic Satanism‬‬

‫أو كام ت ُعرف باسمها الحايل «معبد الضوء األسود ‪ » Temple of the Black Light‬وكذلك ت ُعرف باسم «الشيطانية‬ ‫وتأسست عام ‪ 1995‬ويف عام ‪ 2002‬أصدروا كتابهم « �‪Azer‬‬ ‫الكارهة للب رش ‪ّ »Misanthropic Luciferian Order‬‬ ‫‪ » ate‬واملتضمن ألسامء اآللهة األحد عرش املضادة للكونية والحاكمة مع الشيطان وهم «مولوك ‪ – Moloch‬بعلزبوث‬ ‫‪ – Beelzebuth‬لوسيفج روفوكيل ‪ – Lucifuge Rofocale‬استاروث ‪ – Astaroth‬ازموديوس ‪ – Asmodeus‬بلفيجور‬ ‫‪ – Belfegor‬بعل ‪ – Baal‬ادراميليخ ‪ – Adramelech‬ليليث ‪ – Lilith‬ناماه ‪ Naamah‬والشيطان ‪.»Satan‬‬ ‫بشكلٍ‬ ‫واقعي ُمنفصلني‪ ،‬الواقع األول هو وه ٌم صنعه الرب لوضع املعوقات أمام البرش‬ ‫أسايس تتّسم هذه الديانة بوجود ْ‬ ‫ٍّ‬ ‫منها الوقت والجسد البرشي‪ .‬والواقع اآلخر هو عبار ٌة عن فوىض مطلق ٍة ويحكمها الشيطان واآللهة األحد عرش‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫الديانات‬ ‫الشيطانية‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫‪ – 5‬طائفة كثولهو(‪The Cult of Cthulhu )6‬‬

‫أَتباع هذه الطائفة يؤمنون بسيادة شخصية كثولهو التي اخرتعها «هوارد فيليبس الفركراف ت �‪Howard Phillips Love‬‬ ‫‪ »craft‬مؤلِّف القصص املرعبة األمرييك املعروف (ليس ات ّبا ًعا حرفيًّا بالضبط)‪ ،‬ف ُهم كمثل بعض الطوائف الشيطانية‬ ‫عاملي‪.‬‬ ‫األخرى يؤمنون بوجود ْ‬ ‫عام) (‪ )Generally Accepted Reality‬ويؤمن أتباع هذه الطائفة بأنه‬ ‫العامل األول واملس ّمى (الواقع املقبول بشكلٍ ٍ‬ ‫مج ّرد وهم‪ .‬والعامل اآلخر الذي يقبع خلف هذا العامل هو عاملٌ مظل ٌم وسيظهر حني يُسيطر املظلمون (‪)Dark Ones‬‬ ‫عىل الكون‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫طوائف منها األخويّة السوداء وأخويّة الوحش وأخويّة الفرعون األسود وغريها‪.‬‬ ‫و تنقسم إىل عدة‬

‫‪9‬‬


‫الديانات‬ ‫الشيطانية‬ ‫‪ – 6‬اللوسفرية ‪( Luciferianism‬االبليسية)‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫(‪)7‬‬

‫ك ِمثل معابد الشيطان األخرى‪ ،‬اللوسفرية تُ ِّجد لوسيفر (إبليس) ‪( Lucifer‬ترتجم إىل جالب الضوء أو حامل النور)‬ ‫ويتّخذونه رم ًزا لهم وال يعبدونه بشكلٍ شخيص‪ ،‬ويُق ّدسون املسؤولية الشخصية وكل ٍ‬ ‫شخص مسؤو ٍل أمام نفسه وليس‬ ‫أمام الله أو أي إل ٍه آخر‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫الديانات‬ ‫الشيطانية‬

McKie Theman

Christian-based )8( ‫– الثنائية املستندة عىل املسيحية‬7 Duotheism ‫ فهم يقولون بأن اإلله‬،‫ فهذه الديانة تؤمن بإلهني‬،‫كام يقرتح االسم‬ ‫املسيحي موجو ٌد وس ُيحارب الشيطان يف املعركة النهائية؛ إال أنهم‬ ‫ بأن الشيطان سيهزِم الرب‬-‫ أو يأملون بأحسن األحوال‬- ‫يؤمنون‬ .‫بهذه املعركة‬ ‫إال أنهم واعون متا ًما إىل أمكانية فوز الرب يف املعركة كام يقول‬ ‫ لذلك فهم يُش ّجعون أتباعهم عىل الصرب‬،‫موقعهم اإللكرتوين‬ .‫األبدي يف حال فوز الرب‬ ‫والتحض للعذاب‬ ّ ّ

‫املصادر‬

1-Oppenheimer، Mark (July 10، 2015). «A Mischievious Thorn in the Side of Conservative Christianity».The New York .Times.2015-07-11 2-MODERN. DEMONOLATRY. By S. Connolly. The No Sigils Version. For Kindle and Electronic Distribution. DB Publishing – The Demonolatry Book 3-California Secretary of State - California Business Search - Corporation Search Results». Retrieved 2008-09-25 4-https://xeper.org/pub/pub_structure.html

5-http://www.whiskey-soda.de/news.php?id=12247

6-Harms، «Black Brotherhood»، p. 23

7-Catherine Beyer. «How Luciferians Differ From Satanists». About.com Religion & Spirituality. Retrieved 16 Sep� tember 2015 8-http://theisticsatanism.com/CoAz/belief/index.html

11


‫الغراب الحكيم‬

‫ماذا يف صندوق داعش األسود‬

‫كيف نجحت داعش يف‬ ‫جعل العامل يعمل لديها؟‬ ‫‪12‬‬


‫ماذا يف صندوق‬ ‫داعش األسود‬

‫الغراب احلكيم‬

‫بينام يُطرق الغرب محتا ًرا يف كيفية مواجهة ذلك التنظيم الخفي الذي ما يلبث أعضاؤه أن يذوبوا بني الشعب ويختفون‬ ‫بالرتسخ يف املنطقة‪ ،‬ينشغل العرب يف اتهام بعضهم وتوجيه‬ ‫متا ًما‪ .‬ذلك التنظيم الذي رغم كل التوقعات ما زال مستم ًرا ّ‬ ‫بالتوسع عنهم‪ .‬ولكن‬ ‫أصابع االتهام ونسب داعش إىل أي مؤامر ٍة أوجه ٍة ت ُ ّربئهم وترفع مسؤولية خلق داعش والسامح لها‬ ‫ّ‬ ‫إىل اآلن مل يُفكّر أحدهم بتحليل اآلليات والديناميكية التي ت ُنتج هذا الوحش السام وتُغذِّيه بغرض معرفة مواطن ضعفه‬ ‫وكيف ُيكن القضاء عليه بأقل الخسائر املمكنة‪ .‬أي باختصار مل يُفلح أح ٌد بعد بالنظر إىل داخل صندوق داعش األسود‬ ‫ورؤية ماذا يوجد داخل هذا الوحش وما هي الديناميكيات التي تُح ّركه‪.‬‬ ‫وسأجيب عىل بعض األسئلة يف هذا املقال مثل‪:‬‬ ‫ ملاذا تقوم داعش باملُبالغة بقطع الرؤوس والتعذيب والحرق وتصوير تلك الفظائع ونرشها عىل املأل؟‬‫ ماذا ستكسب داعش من زيادة كراهية الغرب للمسلمني؟‬‫ ملاذا ت ُركّز داعش مؤخ ًرا عىل تجنيد أفرا ٍد كانوا معروفني باعتدالهم ليقوموا بأعام ٍل إرهابي ٍة يف الغرب؟‬‫يائسا‪ .‬وليك‬ ‫عندما ترغب بالحصول عىل ٍ‬ ‫شعب ُمطيع يجب أن تجعله خائفًا‪ .‬وليك تجعله يفعل ما تُريد يجب أن تجعله ً‬ ‫تُحقق هذه املعادلة من الخوف واليأس أنت بحاٍجة للجهل والفقر‪.‬‬ ‫الكنيسة يف أوروبا يف العصور الوسطى كانت تعتمد عىل إبقاء العامة جهل ًة وفقراء حتى أنها ر ّوجت أن الفقر فضيل ٌة وأن‬ ‫وسلطتها ومنع ترجمة‬ ‫مؤسستها وتحت ُمراقبتها ُ‬ ‫الشك والتفكري من الخطايا‪ ،‬هذا باإلضافة لحرص االقتصاد والتعليم يف ّ‬ ‫اإلنجيل إىل أي لغ ٍة عدا الالتينية لعقو ٍد طويلة‪.‬‬ ‫نجحت تلك املؤسسة الطفيلية بالبقاء عن طريق خلق ٍ‬ ‫أرض خصب ٍة معزول ٍة و ُمريح ٍة لبقائها ُمكون ٌة من الجهل والفقر‪.‬‬ ‫ولكنها سقطت بالنهاية ألنها مل تعمل حسابًا للنور القادم من الرشق عرب األندلس والذي له قص ٌة ُمشابه ٌة حيث أن‬ ‫اإلسالم يف األصل عمل عىل تدمري أي منافس ٍة حضاري ٍة من تدمريٍ للثقافات والفنون واألديان وفرض الدين واللغة العربية‬ ‫كبديلٍ حرصي‪ .‬حتى الشّ عر الذي م ّيز العرب لعصو ٍر ُمنع إن مل يكن يف تبجيل محمد ودينه‪ .‬ولهذا نرى أن زمن اإلسالم‬ ‫الوليد كان خاليًا تقريبًا من الشعراء‪.‬‬ ‫ولكن هذا الفرض مل ينجومن وطأة الزمن والتأثريات الخارجية فالعرب بانفتاحهم عىل ثقافات الشعوب املجاورة‬ ‫املؤسسة الدينية وسمح بوصول‬ ‫وتغيت لديهم موازين القوى ّ‬ ‫مم أضعف ّ‬ ‫واختالطهم بها ازدادت ثقافة وأفق الشعوب ّ‬ ‫رص‬ ‫تقدم أوتطو ٍر إال بعد أن بدأت حركة الرتجمة ودخول عنا ٍ‬ ‫العرب إىل القمة يف ذلك الزمن‪ .‬فالعرب مل يُحرزوا أي ٍ‬ ‫ثقافي ٍة متنوع ًة إىل الوسط اإلسالمي‪ ،‬وال ننىس الرفاهية االقتصادية الناتجة عن الغزووالسبي يف شامل أفريقيا‪ .‬كل تلك‬ ‫العنارص أ ّدت لتقهقر الدين وضعف يده الحديدية التي كانت تفرض وتحافظ عىل الفقر والجهل ك ُبنية ألرض ّيتها‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫ماذا يف صندوق‬ ‫داعش األسود‬

‫الغراب احلكيم‬

‫اآلن نأيت لداعش‪ ..‬داعش قامت بالفعل بإغالق املدارس والسيطرة عىل املوارد والجنس كوسيل ٍة إضافي ٍة للتحكّم بعنارصها‪.‬‬ ‫تغي ومل يعد باإلمكان منع األفكار واألخبار من االنتقال‬ ‫ولكن هناك خط ٌر يُه ّدد داعش عىل املدى القريب‪ ،‬فالزمن ّ‬ ‫عرب الحدود‪ ،‬كان ذلك ممكن نسب ًيا يف نهايات القرن املايض عندما قامت األنظمة العقائدية يف العامل العريب باستخدام‬ ‫شيطنة ما ال يُعجبها من أفكا ٍر ووصمها بالعاملة والخيانة لحجبها عن الشعب عن طريق السيطرة عىل وسائل اإلعالم‬ ‫يائسا وخائفًا ليك تستطيع االستمرار قدر اإلمكان والتمتّع باملوارد دون وجود من‬ ‫ليبقى الشعب ً‬ ‫جاهل وفق ًريا وبالتايل ً‬ ‫يتح ّداها‪ .‬ولكن نحن اليوم يف عرص اإلنرتنت وال ميكن لداعش أن تقنع رهائنها من الشعوب التي تتسلّط عليهم بأنهم‬ ‫أفضل من غريهم بينام العامل كله من حولها ينعمون بحيا ٍة أفضل وحضار ٍة أقوى‪.‬‬ ‫ال ب ّد لداعش أن تجد طريق ًة أُخرى إلبقاء املسلمني معزولني عن ذلك العامل الخارجي الجميل والحضاري وضامن بقائهم‬ ‫الحل الذيك ج ًدا هو بتوظيف الغرب ملساعدتهم يف عزل املسلمني‪.‬‬ ‫جهلة وفقراء‪ .‬كان ّ‬ ‫كل ما احتاجته داعش هو بعض الجرائم باإلضافة لإلنرتنت وتكنولوجيا االتّصال الحديثة حيث ت ّم توظيفها لتغيري الرأي‬ ‫العام يف خارج الدائرة وجعل الغرب بشكلٍ عام غري ٍ‬ ‫مدرك يُغلق األبواب ويعمل عىل عزل املسلمني‪ .‬بهذا تحصل داعش‬ ‫أيضا عىل مور ٍد ُمتجد ٍد من الشباب الغاضبني اليائسني املنبوذين من ذلك الغرب‬ ‫عىل األمان الذي ت ُريده كام أنها تحصل ً‬ ‫ليك يكونوا لقم ًة سائغ ٍة للدوغام والتجنيد‪.‬‬ ‫رش لتسجيالت فظائعها ومغاالتها بالتقطيع والتعذيب واإلجرام له ٌ‬ ‫هدف واح ٌد‬ ‫إن كل ما تفعله داعش اليوم من ن ٍ‬ ‫وهوتقسيم العامل إىل ٍ‬ ‫أبيض وأسو ٍد ودفْع العامل إىل عزل املسلمني ونبذهم ليك تدفعهم غري مدرك ٍة إىل حضن العزلة‬ ‫وداعش والتطرف‪ .‬إن أكرث ما يُخيف داعش ويه ّددها هواللّون الرمادي وهي تسعى جاهد ًة للقضاء عليه‪.‬‬ ‫واجتامعي للقيام بعملٍ‬ ‫إن تجنيد املسلمني الغربيّني الذين يعيشون يف رفاهي ٍة وأمانٍ‬ ‫تخريبي أوجرمي ٍة إرهابية‬ ‫اقتصادي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ليس بعملٍ سهل أورخيص ويستهلك الكثري من املوارد والوقت‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خدمات‬ ‫مؤخ ًرا قام مسلامن ُمعتدالن من أصلٍ باكستاين يف الواليات املتحدة بقتل ‪ 14‬شخص كانوا يف غدا ٍء تابع ملركز‬ ‫مسلم لطيف من أصلٍ بريطاين ُعرف عن طريق حمل ٍة‬ ‫اجتامعي ٍة يف «سان برناردينو» ومبارش ًة بعد ذلك يت ّم القبض عىل ٍ‬ ‫إعالمية بعد أحداث تفجريات فرنسا األخرية بكونه ذلك املسلم الربيء الذي يقف يف الشارع معصوب العينني فات ًحا‬ ‫حامل الفت ًة كُتب عليها ‪« :‬أنا مسل ٌم أنا مته ٌم باإلرهاب‪ .‬أنا أثق بك فهل تثق يب» وهكذا بدأ بتوزيع املعانقات‬ ‫ذراعيه ً‬ ‫عىل املا ّرة يف الشارع يف محاول ٍة للدفاع عن صورة املسلمني وتجميلها‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫ماذا يف صندوق‬ ‫داعش األسود‬

‫الغراب احلكيم‬

‫ولكن هذا املسلم الجميل املُسامل أُلقي القبض عليه بتهمة التهديد بالقتل وتفجري عضوة الربملان اليمينية « ‪Charlotte‬‬ ‫‪ Leslie‬شارلوت ليزيل » برسائلٍ مليئ ٍة باأللفاظ النابية عىل مواقع التواصل االجتامعي‪.‬‬ ‫ومبارش ًة أىت الر ّد مبا يُناسب ُمخططّات داعش بإعالن املُرشَّ ح الرئايس األمرييك «دونالد ترامب» يف إحدى خطاباته أنه‬ ‫ينوي منع املسلمني كلّهم من الدخول للواليات املتحدة‪ .‬ذلك بالضبط ما تريده داعش وما كانت تعمل عليه لسنوات‪.‬‬ ‫داعش تستثمر بهؤالء املسلمني الذين يحملون صورة املسلم املعتدل الجميل املسامل بهدف تدمري تلك الصورة يف الغرب‬ ‫وزرع صور ٍة جديدة للمسلم وهي صورة اإلرهايب الخائن الذي يجب أن تكون قلقًا منه و ُمتش ّككًا من نواياه‪ .‬ألنها عندما‬ ‫تُحقّق ذلك ستكون حصلت عىل مساندة ودعم الغرب لها وحقّقت تلك األرض الخصبة التي ت ُساعدها عىل التكاثر‬ ‫والبقاء‪ .‬إن العامل اليوم ينجرف إىل تحقيق هدف داعش ومنحها ما تريده متا ًما وهوعزل املسلمني ونبذهم وجعلهم‬ ‫لقم ًة سائغة للربوباغاندا الداعشية‪.‬‬ ‫الحل ليك نستطيع القضاء عىل داعش؟‬ ‫إذن ما ّ‬ ‫ومباذا أفادتنا تلك النظرة إىل داخل ميكانيك ّية صندوقها األسود؟‬ ‫باختصار أنا أرى أن أفضل وسيل ٍة لقتل البعوض هي تجفيف املستنقعات‪.‬‬ ‫وأن تجفيف تلك املستنقعات يحتاج لفتحها عىل الشمس والهواء وليس تغطيتها والسامح للمرض والعفن باإلنتشار‬ ‫فيها‪ ،‬وهذا االنفتاح لن يت ّم إال بأيدي األخ (مسلم معتدل) الذي يستطيع التح ّرك بني العاملني ونقل الثقافة والفكر‬ ‫والحضارة اإلنسانية إىل داخل الدائرة اإلسالمية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الحل هو يف دعم املسلم املعتدل ومحاربة أي مرشو ٍع لعزل املسلمني عن العامل والرتويج‬ ‫كملحد أرى اآلن أن ّ‬ ‫نعم أنا‬ ‫لكل من لديه قراء ٌة معتدل ٌة حضاري ٌة للدين اإلسالمي وجعلهم ُمع ِّرضني أكرث لإلعالم ونرش أخبار إنجازاتهم وحياتهم‬ ‫ِّ‬ ‫وأنسنتهم وتقريبهم من املجتمعات سوا ًء املسلمة بالرتكيز عىل إسالمهم األكرث منطقية واألقل سمية أواملجتمعات‬ ‫الغربية املتقدمة عرب إظهار أنهم ال يُشكّلون ذلك الخطر الذي تحاول داعش إقناعهم به‪.‬‬ ‫فهؤالء املسلمني املعتدلني وتجاربهم وأخبارهم هي التي ستكرس الجدار الذي تبنيه داعش بني املسلمني والعامل لجعل‬ ‫ٍ‬ ‫أطياف رمادية و ُمل ّونة‪.‬‬ ‫العامل عىل صورة َعلَ ِمهم‪ُ .‬مكو ٌن من األبيض واألسود فقط دون‬ ‫وستفتح هذه النخبة املسلمة املُتحرضة النوافذ عىل تلك األرض التي أكلها العفن وغطّتها املُستنقعات لتتنفّس الهواء‬ ‫النقي وتبدأ بقتل تلك الفطريّات الفكرية والبعوض الحامل ملالريا التط ّرف‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫املسلمون سيحكُمون العامل يف املئة سن ٍة‬ ‫مهووس‬ ‫مسلم‬ ‫القادمة‪ ،‬وسيتحقّق ُحلم ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫بالسلطة والخالفة وستكون الرشيعة‬ ‫ُ‬ ‫سي العامل‪..‬‬ ‫اإلسالمية هي القانون الذي يُ ّ‬ ‫أبرشوا أيها املسلمني ألن الغرب سيرتك لكم‬ ‫األرض ويتّجه نحو كوكب ‪HD 904790‬‬ ‫الذي جعل األرض تبدو كوك ًبا حق ًريا وتاف ًها‪..‬‬

‫‪Khaled Bensekaim‬‬

‫فقه الفضاء‬ ‫قص ٌة خيالي ٌة علمي ٌة ساخرة ‪..‬‬

‫‪16‬‬


‫فقه الفضــاء‬ ‫قصة خيـالية علميـة سـاخرة‬

‫‪Khaled Bensekaim‬‬

‫يف الوقت الذي تتقاتلون فيه عىل رشعية عيل ومعاوية ومريس والسييس هم يبحثون عن طريق ٍة إلعامر كوكبهم الجديد‪..‬‬ ‫يف الوقت الذي مازال مشايخكم يُفتونكم يف أمور الفضاء ودوران الشمس بدل األرض ورشوقها من املغرب هم يُفكّرون‬ ‫جيل آخر ال‬ ‫يف طريق ٍة للنجاة‪ ،‬بعد أن تحرتق الشمس وتختفي‪ ..‬وبعد املئة سن ٍة القادمة وبعد أن يفنى هذا الجيل سيأيت ٌ‬ ‫يعرف أن البرشية قد سافرت يو ًما ما ورحلت عن األرض‪ ..‬سري ْون صحونهم الطائرة وهي تنزل تبا ًعا إىل األرض يف ذكرى‬ ‫الحادي عرش من سبتمرب‪ ،‬ليضعوا باقات الورد والشموع عىل قبور موتاهم ‪ -‬إن مل تنبشوها‪ -‬ثم يعودون إىل بيوتهم‪..‬‬ ‫ستكونون حينها دون تكنولوجيا وال اتصاالت وال وسائل نقلٍ ألن من كان يصنعها لكم ذهب‪ ..‬بعي ًدا‪ ..‬بح‪ ..‬ستتحقّق‬ ‫نبوءة نب ّيكم وسرتجعون إىل العصور األوىل تتقاتلون فيام بينكم بالسيوف والعيص‪ ..‬سينقسم العامل آنذاك إىل ‪ 73‬قبيلة‪..‬‬ ‫لحل نزاعكم‬ ‫سيحكم السنة املُعسكر الغريب ويحكم الشيعة املُعسكر الرشقي‪ ..‬سينزل دبلوماس ّيون من الكوكب الجديد ّ‬ ‫األبدي لك ّنهم سريجعون ُمحبطني بعد أن يستقبلهم اإلخوان املسلمني بشعارات رابعة!!‬ ‫داعش ستفكّر يف ذلك الوقت يف حلو ٍل اقتصادي ٍة جديدة بعد أن انهار اقتصاد السبي والغنائم الذي جفّت منابعه برحيل‬ ‫الكفار إىل األرض الجديدة‪ ..‬يجتمع الخليفة بعلامء امرباطوريّته إليجاد حلو ٍل لغزو الفضاء وجلب السبايا والجواري‬ ‫وبيعهن‪ ..‬الحل هو اختطاف سفن الفضاء القادمة من الكوكب الكافر لتفكيك الرتسانة النووية الروسية قبل أن يصل‬ ‫إليها الشيعة‪ ..‬متّت املهمة بنجاح‪ ..‬غزو ٌة تل َو األخرى‪ ..‬غزوة بدر الثانية (القمر)‪ ..‬غزوة املريخ‪ ..‬غزوة املشرتي‪ ..‬غزوة‬ ‫زحل‪ ..‬وتوالت الفتوحات الفضائية‪ ..‬ت ّم سبي اآلالف من الكائنات الغريبة‪ ..‬لكنها لألسف ال تصلح للنكح‪ ...‬بعد آالف‬ ‫السنوات الضوئية هبط املسلمون عىل الكوكب الكافر‪ ..‬لألسف!! ليس هناك أحد‪ ..‬ال سبايا ال جد أماليكم‪ ..‬النصب‬ ‫التذكاري املوضوع يف مدخل املطار كُتب عليه ‪:‬‬ ‫(‪)thank you HD 904790, we are travelling to the other universe‬‬ ‫«شك ًرا أيها الكوكب الجميل‪ ..‬نحن ذاهبون إىل كونٍ آخر‪ ..‬لقد اكتشفنا أكوانًا موازية‪ ..‬رمبا سيأيت آخرون للعيش هنا‪..‬‬ ‫بسالم عىل أرضك»‬ ‫بلّغهم تحيّاتنا ولريقد موتانا ٍ‬ ‫استشاط زعيم السفينة غض ًبا «اللعنة» واستدار إىل الفقيه‪ ...‬هل يجوز نكاح امليتة يا شيخ؟!‬ ‫بعد تفكريٍ وتشاور‪ ..‬ق ّرر غزاة الفضاء العرب إرسال السفن الفضائية إىل األرض إلجالء أهل السنة وإعامر الكوكب الجديد‬ ‫تقويم سنوي جديد‪ ..‬هذه‬ ‫القديم‪ ..‬بينام بقي هناك مفتي الكوكب وبعض الحراس للبحث عن القبلة والهالل واخرتاع‬ ‫ٍ‬ ‫هي املشاكل الوحيدة التي تؤ ّرقهم‪ ..‬فكل يش ٍء عىل ما يرام بعد تأهيل الكوكب ‪ HD 904790‬من طرف الكفار الذين‬

‫‪17‬‬


‫فقه الفضــاء‬ ‫قصة خيـالية علميـة سـاخرة‬

‫‪Khaled Bensekaim‬‬

‫سهل أب ًدا عىل فضيلة الشيخ‪ ..‬فاليوم هناك ليس كاليوم عىل كوكب األرض‪..‬‬ ‫سافروا إىل الكون الثاين‪ ..‬مل يكن األمر ً‬ ‫انتظر الشيخ غروب الشمس ورشوقها ليكتشف أن اليوم هناك يدوم سنتني أرضيّتني‪...‬حتى البعري ال ميكنه الصوم هنا‪..‬‬ ‫لنحزم حقائبنا‪ ..‬أشار إليه أحدهم‪ :‬لكن الصالة هنا أم ٌر رائع‪ ..‬فبني كل أذانٍ وآخر شهو ٌر طويلة‪ ..‬اخرس يا عدو الله‪..‬‬ ‫قال الشيخ‪ ..‬وهل بإمكانك صوم شه ٍر كامل هنا؟؟ (‪70‬سنة)‪ ..‬ال ميكننا الرجوع يا فضيلة الشيخ فكل السفن سافرت إىل‬ ‫األرض ولن تعود إال بعد ‪ 300‬سنة ضوئية‪ ،‬أُغمي عىل الشيخ‪ ،‬وبعد استيقاظه ق ّرر أن هذا الدين ال يصلح لكل زمانٍ‬ ‫ومكان!! لنعتنق املسيحية! ر ّد أحدهم‪:‬‬ ‫ال تُتعب عقلك يا شيخ كل األديان لديهم فرتاتٌ يصومون فيها‪ ..‬إال األكل يا شيخ‪ ..‬قال أحد الحراس‪ ،‬اإللحاد هو الحل‪..‬‬ ‫ابتسم الشيخ ثم قال‪:‬‬ ‫بارك الله فيك يا ولدي‪ ،‬نعم اإللحاد هو الحل‪ ،‬ال إله والحياة مادة‪ ..‬صعد الشيخ إىل مكانٍ مرتفع‪..‬‬ ‫بعد حمد الله والثناء عليه قال ‪:‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا‪ ..‬أوصيكم ونفيس باإللحاد‪ ..‬فهو الحقيقة الساطعة والدين الحق‪ ..‬قال تعاىل‪« :‬إن هي إال حياتنا الدنيا‬ ‫منوت ونحيا وما يُهلكنا إال الدهر» صدق الله العظيم‪ ..‬ومنه فإن الله غري موجود كام أخربنا القرآن الكريم قبل أربعة‬ ‫عرش قرنًا‪ ..‬وهذا إعجا ٌز علمي كبري‪ ..‬فكيف أمكن لنب ّينا األمي يف ذلك الوقت أن يكتشف أن الله غري موجود‪ ..‬فسبحان‬ ‫الله والحمد لله والله أكرب‪ ..‬وقوموا إىل صالتكم يرحمكم الله‪ ..‬عف ًوا عف ًوا‪ ..‬قوموا إىل الرقص والرشب يرحمكم الله‪.‬‬ ‫يُقاس تطور أي دول ٍة بنا ًءا عىل فهمها لنظرية التطور‪ ..‬يقول “تشومسيك” وال ميكن فهم الفيزياء الحديثة بعي ًدا عن‬ ‫نظرية التط ّور‪ ..‬قال “هوكينغ” ‪ ..‬إن كان هؤالء تط ّوروا من البرش فلامذا ال يزال هناك برش؟؟ سأل أحد املسلمني الذين‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات غريبة مل ير ْوها من قبل‪ ..‬كائناتٌ تشبه البرش لكنها بنصف‬ ‫عادوا إىل األرض إلجالء سكانها السنة بعد أن وجدوا‬ ‫وأنياب وقضبا ٌن ذكرية ٌطويلة‪ ..‬واصل رائد السفينة املختطفة رشح نظرية التطور‪« ..‬لقد‬ ‫ومخالب‬ ‫دماغ‪ ..‬ع ٌني واحدة‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫م ّر عىل ذهابنا للفضاء ماليني السنوات األرضية ألننا سافرنا برسعة الضوء‪ ..‬أثناء عملية نسخ ونقل الجينات إىل األجيال‬ ‫القادمة عن طريق الجنس تحدث طفراتٌ وأخطا ٌء قليلة يف النسخ‪ ،‬لكن مع مرور ماليني السنوات وتراكم الطفرات‬ ‫الوراثية ينتج عن ذلك نو ٌع جدي ٌد من البرش‪ ،‬س ُنطلق عليهم اسم “هومو ايديوت ‪ “ homo idiot‬قضبانهم الطويلة‬ ‫تط ّورت بسبب كرثة مامرسة الجنس عند أسالفهم الذين تركتموهم هنا‪ ،‬أما النصف األيرس من الدماغ املسؤول عن‬ ‫التفكري واملنطق اختفى ألنهم مل يعودوا بحاج ٍة إليه للبقاء والتكاثر‪ .‬أما طول أنيابهم ومخالبهم فسببها أن سلفهم‬ ‫فضل ذوي األنياب واملخالب الطويلة‬ ‫الصالح استعملوها يف حروبهم ض ّد الشيعة وأكلِ لحومهم‪ ،‬فاالنتخاب الطبيعي ّ‬ ‫بينام انقرضت األنواع التي ال متتلكها‪ ...‬فالبقاء لألصلح»‬

‫‪18‬‬


‫فقه الفضــاء‬ ‫قصة خيـالية علميـة سـاخرة‬

‫‪Khaled Bensekaim‬‬

‫رشا فكيف سيُحاسبهم الله يوم القيامة وهم ال ميلكون‬ ‫ضحك أحدهم وقال ‪ :‬أولً ‪ :‬البقاء لله‪ ..‬ثانيًا‪ :‬إذا كان هؤالء ب ً‬ ‫عقولً ؟ هههه نظرية مضحكة تذكرين بالبوكيمونات هههههه‪...‬هؤالء هم يأجوج ومأجوج‪ ..‬ت ًبا‪ ..‬ستقوم القيامة!! ياالله!!‬ ‫سنموت هنا!! وستُرشق الشمس من املغرب‪ ..‬سينزل املسيح قري ًبا‪ ..‬يجب أن نتوب إىل الله قبل أن منوت‪ ..‬انظروا‪..‬هناك‬ ‫مركب ٌة تنزل‪ ..‬ال ّ‬ ‫شك أنه املسيح املُخلِّص‪ ..‬قال أحدهم‪.‬‬ ‫أُغمي عىل الجميع‪ ..‬فعالمات الساعة وأهوالها عند املسلمني يفوق رعبها كل أفالم هوليوود التي تجعلك توقظ أخيك‬ ‫ليل لقضاء حاجتك‪ ..‬وأخطر من برامج الكامريا الخفية التي انترشت يف القرن العرشين والتي كانت ت ُذاع يف رمضان‪ ..‬ال‬ ‫ً‬ ‫أدري ملاذا يف رمضان بالتحديد وكأ ّن الحر الشديد والجوع والعطش يف ع ِّز أغسطس مل يكف لرتكيع املسلمني!! مل تكن‬ ‫تلك املركبة للمسيح عيىس وال للمسيح الدجال‪ ..‬فعندما استيقظ غزاة الفضاء العرب وجدوا أنفسهم يف داخل مركب ٍة‬ ‫تابع ٍة لوكالة الفضاء ناسا‪ ...‬صاح أحدهم بعدما رأى فتا ًة مل ي َر مثلها من قبل «هل نحن يف الجنة؟؟» تعايل‪ ..‬تعايل زوجتي‬ ‫الجميلة‪ ..‬ال تخايف أنا زوجك‪ ..‬ضحكت بخجل‪ ..‬عيناها الكبريتان ج ًدا وشفتاها الشهيّتان‪ ..‬وصدرها الكبري‪ ..‬جعلوا الجنود‬ ‫سل القائد سيفه‪« ..‬هذه الحورية يل وحدي‪ ..‬من يلمسها‬ ‫يركضون نحوها‪ ..‬زادت املشهد شبقًا عندما نزعت قميصها‪ّ ..‬‬ ‫كل يذهب إىل قرصه ستجدون حوريّاتكم هناك‪ .‬اقرتب القائد وهو ينزع قميصه ببطء‪..‬‬ ‫لن أضمن له رأسه» انرصفوا ‪ٌ ..‬‬ ‫مبتس ٌم هو‪ ..‬بل إن نواجذه بانت من السعادة‪ ..‬اقرتب أكرث لتقبيلها‪ ..‬أبعدته بدالل وسألته‪:‬‬ ‫هل تعلم أين أنت اآلن؟ قال أنا يف الجنة طب ًعا وأين ميكن أن أكون‪ ..‬قهقهت‪ ..‬أنت اآلن داخل موقع انرتنت إباحي‪..‬‬ ‫لقد قام العلامء بتخزين وعيكم وذاكرتكم يف فالش ميموري وح ّملوكم عىل شبكة اإلنرتنت‪ ..‬مل يفهم املسكني شيئًا‪ ..‬هذه‬ ‫أول تجرب ٍة ناجح ٍة متكّن العلامء فيها من تحميل العقل عىل اإلنرتنت‪ ..‬وأنتم فرئان التجارب‪ ..‬أنا أعمل يف هدا املوقع‬ ‫اإلباحي ك ُمضيفة فقط‪ ..‬تستطيع أن تتج ّول يف موقعنا بكل حري ٍة واخرت حوريّاتك كام تشاء‪ ..‬هل توجد عندكم فياغرا؟‬ ‫سألها‪ ..‬هههه الال أنت اآلن يف كامل قواك الجنسية‪ ..‬استمتع‪..‬‬ ‫العلامء داخل املركبة يحتفلون بهذا اإلنجاز الكبري‪ ..‬متكّن العلم ألول مر ٍة من تحميل البرش عىل اإلنرتنت‪ ..‬وسيبقى‬ ‫أمامهم مشكل ٌة وحيدةٌ‪«.‬إعامر املواقع اإللكرتونية العلمية» فالعرب لن يعيشوا هناك وال أح ٌد من سكان الكون الكافر‬ ‫يريد أن يعيش يف عا ٍمل افرتايض‪..‬‬ ‫اآللة الغريبة التي تقبع يف وسط املطار املهجور جعلت الشيخ وأعوانه يرتعدون من االخوف‪..‬ال تشبه شيئًا لدرجة أنني‬ ‫ال أستطيع تخيلها ‪ ..‬لكن كُتب عليها ‪« :‬آلة السفر عرب الزمن» بعد أن قرأ الشيخ آيات الكريس واملائدة اقرتب منها وبدأ‬ ‫‪19‬‬


‫فقه الفضــاء‬ ‫قصة خيـالية علميـة سـاخرة‬

‫‪Khaled Bensekaim‬‬

‫يُفكّر‪ :‬إىل أي زمنٍ أريد أن أسافر؟‬ ‫كامل يُعادل سبعني سن ٍة من سنوات األرض‪،‬‬ ‫مل يُطل التفكري كعادة الشيوخ بالرغم من تركه اإلسالم حتى ال يصوم شه ًرا ً‬ ‫مازال مرض الصلعمة البدوية يؤثر عىل تفكريه‪ ،‬بعد أن ضغط عىل رقم ‪ 611‬وجد نفسه فجأ ًة يف قريش والكفار يطوفون‬ ‫عرا ًة حول الكعبة‪..‬‬ ‫سأله أحد الحجاج الذين اصطدم بهم قاد ًما من عام ‪ : 2561‬من أنت أيها الفويسقة؟؟‬ ‫رد برسعة ‪« :‬أنا رئيس هيئة العلامء املسلمني جئت من زمنٍ غري زمنكم أبحث عن النبي وصحابته الكرام‪..‬ال تقلق‬ ‫نبي هذا الذي تبحث عنه وأي صحابة؟»‬ ‫ستفهم يو ًما ما» فر ّد عليه الحاج‪« :‬أي ٍ‬ ‫قال الشيخ‪« :‬النبي‪..‬النبي محمد‪..‬أال تعرفونه؟ ابن عبد الله وآمنة بنت وهب وجده عبد املطلب!! النبي الذي أخرجكم‬ ‫ونبي يف قريتنا ونو ٌر وظلامت؟؟ تعال معي ‪..‬يف الخيمة‪..‬‬ ‫من الظلامت إىل النور؟؟» ‪...‬هل أنت مجنون أم ماذا؟ زم ٌن آخر ٌ‬ ‫رجل قادم ‪..‬هرولت النساء والصبايا إىل خيمة البعري‪..‬وأخذ الشيخ يروي قصته‪..‬أوك‪،‬‬ ‫احمم أحمم ‪..‬اخلوا الطريق هناك ٌ‬ ‫مخطئ يف تاريخ وجوده‪ ،‬لكن ال‬ ‫نبي بهذا االسم هنا بل ال وجود أصال ألنبياء يف جزيرة العرب‪ ،‬ورمبا أنت‬ ‫ٍأي ٍ‬ ‫ال يوجد ُ‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا سافرت إليكم يف ملح البرص‬ ‫أظن أنه سيولد ٌ‬ ‫رجل يسافر إىل الفضاء عىل حامر‪ ،‬ال تستغرب‪ .‬قال الشيخ املفتي‪ :‬أنا ً‬ ‫من مكانٍ وزمانٍ مختلف؟؟‪...‬وهل سافرت عىل حامر؟‪..‬طأطأ الرجل رأسه‪..‬ممم ال ال‪..‬لكن ‪..‬اسرتح قليال لنخرج لصيد‬ ‫السحايل ‪..‬هذا عشاؤنا كل يوم‪..‬‬ ‫واملكان‪..‬حامل‬ ‫ً‬ ‫بعد أيام ‪..‬ا ّدعى الشيخ املفتي النب ّوة وراح يُجاهر بدعوته ومعجزاته وقدرته عىل السفر عرب الزمان‬ ‫معه هاتفه الذيك ونظّاراته الطبية وجهازًا لقياس ضغط الدم‪..‬أصبح اسمه أشهر من كرسى ملك الفرس‪..‬الجميع آمن‬ ‫يقص عليهم ما سيحدث يف‬ ‫به وات ّبعه‪..‬فهو يصور الناس بكامريا يف هاتفه ويتحدث به مع الله (صديقه يف املستقبل) ّ‬ ‫ميت عرشون سنة‪..‬‬ ‫القرون القادمة من ف ٍنت ستحدث بني العرب ومقتل حكامهم‪« :‬سيأيت زمان عىل أمتي يحكمهم ٌ‬ ‫رجل ٌ‬ ‫قالوا وما نفعل إن أدركنا ذلك؟‪..‬قال‪ :‬انتخبوه لعهد ٍة خامسة‪..‬فإنه أما ٌن لكم ومصالحة‪..‬قالوا وما أماراته؟ قال‪ :‬يجلس‬ ‫كريس ُمتح ِّرك وال يتح ّرك منه يشء‪..‬وما الثانية؟ قال‪ :‬يقبل بأربعٍ عىل من عرفه أو مل يعرفه‪ ..‬قالوا وما الثالثة؟ قال‪:‬‬ ‫عىل ٍ‬ ‫يلعن أبو اليل ما يحبّوش»‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫املشكلة مع اإلسالم‬ ‫الجزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬ ‫تعقي ًبا عىل أحداث باريس املُؤسفة‪ ،‬يجد الواحد منا‬ ‫نفسه عاج ًزا عن رؤية أي بصيص أملٍ قاد ٌم يف األفق‪،‬‬ ‫ولكن ال يجد غري قلمه وسيل ًة لعرض تفسريٍ ولو ٍ‬ ‫بسيط‬ ‫ملا يحدث عىل األرض‪ ،‬فاإلسالم اليوم أضحى دي ًنا بربريًا‬ ‫ميحق يف طريقه األخرض واليابس ويف نفس الوقت تجد‬ ‫ُمعتنقيه يحاولون إنقاذه من براثن خاطفيه ‪-‬كام يزعمون‪-‬‬ ‫ولكن أ َوملْ يعلم هؤالء الذين يحاولون أن يقنعونا أن رسالة‬ ‫محمد قد ُخطفت منذ وفاته من ‪ 1400‬سنة‪..‬‬ ‫‪21‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫التخل عنها‪ ،‬وعند الحديث عن اإلسالم نجد أنه‬ ‫أن النظرية والفكرة التي تكون غري قابل ٍة لإلصالح يجب عىل ُمعتنقيها ّ‬ ‫فشل ذري ًعا عىل مدار تلك القرون‪ ،‬أ َوملْ يحن ملُعتنقيه أن يستيقظوا وي ُعوا أنه قد حان األوان لنضع ح ًدا‬ ‫فشل كدينٍ ً‬ ‫وعويل قد وضعوا‬ ‫ً‬ ‫لتلك املهزلة! فعند الحديث عن مشكلة الدولة اإلسالمية «داعش» تجد هؤالء الذين أصمونا بكا ًء‬ ‫األمور يف نطاقها االجتامعي والسيايس وتجدهم يتغاضون عم ًدا عن األصل األيديولوجي والترشيعي لتلك الرببرية‬ ‫والتوحش غري املربر إال بوضعه ضمن نطاقه الديني! ويف محاولتي لعرض تلك الفكرة مل أجد أفضل من تقديم هذه‬ ‫الرتجمة «املجتزئة» لفصلٍ من كتاب سام هاريس «نهاية اإلميان» ‪ End Of Faith‬والتي حاول فيها سام هاريس‬ ‫ديني بحت ثم بدأ يف التط ّرق للمشكلة‬ ‫منحى‬ ‫أن يضع النقاط عىل الحروف وأن يعرض املشكلة بداي ًة من‬ ‫ٍ‬ ‫عقائدي ٍ‬ ‫ً‬ ‫سيايس له عالقة بتاريخ تصادم الغرب والرشق منذ أن ظهر اإلسالم وتصادم مع املسيحية‪ ،‬ولذلك فإن ما‬ ‫من منظو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫يعنيني هنا وما سأق ّدمه هو تقديم الرشح العقائدي الديني لتلك املعضلة ويف الواقع فإن السياسة هنا التعنيني‪،‬‬ ‫كل من الفريقني مع بعضهام هويش ٌء ال يُ ّربر عىل اإلطالق الرببرية‬ ‫وما أقصده بذلك هوأن السياسة وطريقة تعامل ٌ‬ ‫والعنف الديني إال بوضعه يف إطاره العقائدي‪ ،‬وبالتايل يغدوالحديث عن السياسة لتفسري مشكل ٍة دينية أشبه مبن‬ ‫كسبب وليس العكس‪.‬‬ ‫فس النتيجة‬ ‫ٍ‬ ‫يحاول أن يقفز عىل النص أوأن يُ ّ‬

‫نبذة عن سام هاريس‬

‫(‪)5‬‬

‫ٌ‬ ‫ؤسيس‪ ‬مرشوع إدراك و ُمديره التنفيذي‪“ .‬سام “‬ ‫‪ ‬وفيلسوف‪ ‬و ُمفك ٌر‪ ‬وعامل‬ ‫هو مؤل ٌِّف‬ ‫ٍ‬ ‫أعصاب‪ ‬أمرييك وهو أحد ُم ّ‬ ‫مؤلف كتاب (نهاية اإلميان ‪ )End Of Faith -‬الذي صدر عام ‪ 2004‬والذي ظهر يف الئحة‪ ‬النيويورك تاميز‪ ‬ألفضل‬ ‫املبيعات ‪ 33‬أسبو ًعا عىل التوايل‪ .‬كام ت ُ ّوج الكتاب بجائزة بَ ْن (‪ )PEN Award‬عام ‪ 2005‬عام ‪ ،2006‬قام هاريس بنرش‬ ‫ٍ‬ ‫انتقادات لكتاب (نهاية اإلميان)‪ .‬تَبِع هذا العمل كتابه(املشهد األخالقي)‪،‬‬ ‫كتاب (رسالة إىل أمة مسيحية) ر ًّدا عىل‬ ‫الذي صدر سنة ‪ ،2010‬ليتبعه مبقال ٍة من الطراز الطويل (أنْ تكذب) سنة ‪ ،2012‬لتتم سلسلة مؤلّفاته مع كتاب‬ ‫دليل إىل الروحانية الخالية من التدين‪).‬‬ ‫(االستيقاظ‪ٌ :‬‬ ‫هاريس أحد املُنتقدين املعارصين لألديان‪ ،‬كام يُعترب أحد أهم ُمؤيّدي الشكوكية العلمية وحركة‪ ‬اإللحاد الجديد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مقاالت لكلٍ من‬ ‫يتم ّيز بدفاعه القوي عن‪ ‬العلامنية‪ ،‬وحرية االعتقاد‪ ‬وحرية انتقاد األديان‪ .‬كتب “هاريس” عدة‬ ‫املواقع اإلخبارية‪“ ‬الهافنغتون بوست” ‪ ‬و “لوس أنجلوس تاميز”‪ ‬و “الواشنطن بوست”‪ ‬و “النيويورك تاميز”‪ ‬و‬ ‫“النيوزويك “ و “املجلة العلمية‪ ‬نيترش”‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫يف كتابه (املشهد األخالقي) يقرتح “هاريس” أن ال ِعلم قاد ٌر عىل اإلجابة عىل األسئلة األخالقية واملُساهمة يف تحقيق‬ ‫الحياة الكرمية للفرد‪.‬‬

‫حاف ٌة بال مركز‬ ‫أشار الكثري من الكُتاب إىل املشكلة التي تنجم عند الحديث عن اإلسالم (األصويل) ألن ذلك يقتيض أن هناك ٌ‬ ‫فرق‬ ‫كب ٌري يف العقيدة بني اإلسالم األصويل وبني “اإلسالم العمومي ‪ ”Mainstream‬ولكن يف الحقيقة إن السواد األعظم من‬ ‫املسلمني يظهرون كأصوليني – من الجانب الغريب للكلمة – وذلك ألنه حتى عوام املسلمني يؤمنون بأن القرآن هو‬ ‫كلمة الله الحرفية املُن َّزلة غري املُح ّرفة‪ .‬وبالتايل ُيكننا القول بأن االختالف بني “اإلسالم األصويل” و “اإلسالم املُعتدل”‬ ‫ٌ‬ ‫اختالف يف الدرجة التي ير ْون فيها الشؤون السياسية والحربية‬ ‫وهنا أعني االختالف ككلٍ بني األصوليني واملُعتدلني‪ ،‬هو‬ ‫متس جوهر العقيدة التي يؤمنون بها‪ .‬ولكن بأية حال‪ ،‬فالذين يؤمنون بأن اإلسالم يجب أن يُغطي كل‬ ‫والتي بدورها ّ‬ ‫بُ ٍ‬ ‫عد من الوجود اإلنساين مبا يف ذلك ال ُبعد السيايس والحقوقي‪ ،‬مل يعد يُطلق عليهم أصوليون أوحتى ُمتط ّرفون ولكن‬ ‫جرت العادة أن يُطلق عليهم (إسالمويون)‪.‬‬ ‫قسم العامل حسب وجهة نظر اإلسالم إىل «دار اإلسالم» و«دار الحرب»‪ ،‬وهذا الوصف األخري يقتيض بالرضورة اإلشارة‬ ‫يُ ّ‬ ‫حل الخالفات مع الذين ال يشاطرونهم نفس‬ ‫إىل ما يعتقده كث ٌري من املسلمني بالكيفية التي ُيكن بها يف النهاية ّ‬ ‫يغضوا الطرف عن العدائية‬ ‫عقيدتهم‪ .‬وبالرغم من أنه وبال شك هناك مسلمون معتدلون‪ ،‬هؤالء الذين ق ّرروا أن ّ‬ ‫املُفرطة لديانتهم‪ ،‬فاإلسالم وبرصيح العبارة هودي ٌن قائ ٌم عىل “الغزو”‪ .‬الشكل الوحيد لل ُمستقبل الذي ميكن للمسلمني‬ ‫املتديّنني املُخلصني تص ّوره‪ ،‬هوالذي يكون فيه كل يف الكفار إما قد دخلوا اإلسالم أومتّت هزميتهم أوقتلهم‪ .‬فالعقيدة‬ ‫السلطة‪.‬‬ ‫اإلسالمية وببساط ٍة ُيكنها القبول بأي يش ٍء إال أن تقبل أن يُشاطرها «أعداء الله» ُ‬ ‫وكأي ديان ٍة فقد عاىن الدين اإلسالم العديد من الشقاقات‪ ،‬فمنذ القرن السابع امليالدي كانت األغلبية السنية ترى‬ ‫الشيعة كهراطقة‪ ،‬وبالطبع فقد ر ّد لهم الشيعة الجميل‪ .‬وقد تصاعدت وترية الشقاقات بني أبناء الطائفة الواحدة حتى‬ ‫بني هؤالء الذين ُيكن وصفهم –وبدون شك‪ -‬بأنهم إسالميون‪ .‬ونحن ال نريد أن نخوض يف تفاصيل تلك الحسابات‬ ‫الطائفية بأي شكلٍ إال أن نُ ّبي أن تلك الشقاقات كانت هي العامل «املفيد» يف أن ينقلب «دار اإلسالم» عىل نفسه‪.‬‬ ‫ومبا أن هذا «العامل» يُخفّف وطأة التهديد الذي يش ّنه اإلسالم اليوم عىل الغرب‪ ،‬يغدواإلسالم وتغدوالليربالية شيئان‬ ‫ال ُيكن توفقيهام البتة‪.‬‬ ‫وفيام يبدوأن وجود اإلسالم املُعتدل ‪ -‬ذلك الذي ينتقد الالمعقول الديني يف اإلسالم ‪ -‬أضحى ناد ًرا‪ ،‬وإذا كان موجو ًدا‬ ‫‪23‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫فعالً ف ُيمكننا القول بأنه يقوم بنفس الدور الج ّيد الذي كانت تقوم به «املسيحية املُعتدلة»‪ -‬ولنفس األسباب‪ -‬يف‬ ‫القرن الرابع العرش امليالدي‪.‬‬ ‫أكرث خاصي ٍة يف اإلسالم والتي ُيكن اعتبارها أكرب مصد ٍر للقلق لغري املسلمني والتي يسعى الكثري من املُدافعني عن‬ ‫الدين اإلسالمي التعتيم عليها هي مفهوم(الجهاد)‪.‬‬ ‫ميكننا ترجمة هذا املصطلح حرف ًيا ل ُيصبح معناه الكفاح أوالنضال ولكنها تظهر جلي ًة يف اللغة االنجليزية عند ترجمتها‬ ‫قدسة” وهذه ليست محض مصادفة‪ ،‬فعندما يالحظ املسلمون وبشكلٍ رسيع بأن هناك جها ًدا داخل ًيا‬ ‫إىل “الحرب امل ُ ّ‬ ‫أوجها ًدا أكرب وهوالذي يتضمن الحرب عىل نفس اإلنسان العاصية(‪ )2‬ال يوجد هناك قد ٌر ٍ‬ ‫كاف من التسويغ األخالقي‬ ‫غض الطرف عن حقيقة أن الجهاد الخارجي (األصغر) وهوالجهاد ض ّد الكفار واملُرت ّدين يُعترب ركيز ًة أساسي ًة‬ ‫ميكنه ّ‬ ‫لإلميان‪ .‬النزاع املُسلّح للدفاع عن اإلسالم هوفريض ٌة ديني ٌة عىل كل رجلٍ مسلم‪ ،‬وتُصبح مخدو ًعا إذا اعتقدت ولولوهل ٍة‬ ‫حرب للدفاع عن النفس‪ ،‬بل عىل العكس متا ًما‬ ‫بأن عبارة “الدفاع عن اإلسالم” تقتيض بأن حرب املسلمني هي ٌ‬ ‫رصيح لغزوالعامل‪ .‬وكام كتب (برنارد لويس) “الفرضية اإلسالمية تقوم عىل أن فريضة الجهاد‬ ‫ففريضة الجهاد هي ندا ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫ستستمر‪ ،‬وستتوقّف فقط بعقد الهدنات إىل أن يدخل العامل اإلسالم أوأن يزرح تحت الحكم اإلسالمي‪ .3‬وال ميكننا‬ ‫أيضا يف العامل الذي يليه”‪.‬‬ ‫اإلنكار بأن املسلمون يتوقّعون النرص يف هذا العامل كام ً‬ ‫وكام قال (ماليس روثفان) “ لقد كان النبي هوقيرص نفسه‪ ،‬فإذا كان معنى أن تكون املسيح هوأن تنبذ الطموحات‬ ‫آجل ستحمل‬ ‫عاجل أم ً‬ ‫الدنيوية وأن تبحث عن الخالص بفضيلة أفعالك الشخصية‪ ،‬فمعنى أن تكون محمدا هوبأنك ً‬ ‫السالح ضد أولئك الذين يه ّددون اإلسالم من داخله أوخارجه” (‪.)4‬‬ ‫ليوضح ذلك‪:‬‬ ‫و مبا أن القرآن ال يُعترب كافيًا ليعرض تلك األفكار‪ ،‬يأيت الحديث النبوي ّ‬ ‫“لغدوةٌ‪ ‬يف سبيل الله‪ ‬أوروح ٌة‪ ‬خري من الدنيا وما فيها” (صحيح مسلم‪.)1880 :‬‬ ‫“من مات ومل يغزو ومل يُح ّدث نفسه بالغزو مات عىل شعب ٍة من النفاق” (شعب اإلميان للبيهقي‪)3909 :‬‬ ‫“‪ ‬إن أبواب‪ ‬الجنة‪ ‬تحت‪ ‬ظالل السيوف”‪( ‬سنن الرتمذي‪) 1659 :‬‬ ‫يوم وليل ٍة‪ ‬خ ٌري‪ ‬من‪ ‬صيام شهر” (صحيح مسلم‪)1913 :‬‬ ‫“رباط ٍ‬ ‫“‪ ‬يُؤىت بالرجل من أهل الجنة فيقول الله تعاىل‪ :‬يا ابن آدم كيف وج ّدت منزلك؟ فيقول‪ :‬أي رب خري منزل‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫سل ومت ّنى‪ ،‬فيقول‪ :‬ما أسألك وأمتنى؟ أن تر ّدين إىل الدنيا فأقتل يف سبيلك عرش مرات‪ ،‬ملا رأى من فضل الشهادة”‪.‬‬ ‫(صحيح البخاري‪.)2662:‬‬

‫‪24‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫ميكن أن نجد أحاديث كثرية من هذا املنوال‪ ،‬ويف العادة يستخدم اإلسالميون مثل هذه األحاديث لتربير اعتداءاتهم‬ ‫ض ّد الكفار واملُرت ّدين‪.‬‬ ‫ولهؤالء الذين حاولوا الوصول لطريق ٍة لفصل العدائية املستأصلة يف اإلسالم‪ ،‬فقد وجدوا بعض السطور يف القرآن تتكلّم‬ ‫بشكلٍ ُمبارش ض ّد العنف غري املُو ّجه يف اآلية‪َ ﴿ :‬و َقاتِلُواْ ِف َسبِيلِ ِﷲ الَّ ِذيـن يُقَاتِلُونَك ُْم َوالَ تَ ْعتَدُ واْ إِنَّ ﷲ الَ يُ ِح ُّب‬ ‫الْ ُم ْع َت ِدي َن﴾‪ ،‬ولكن تلك النصيحة مل تكبح جامح ٍ‬ ‫أحد باألخذ باالعتبار الرصاع الطويل بني اإلسالم والغرب‪ ،‬فتقري ًبا أي‬ ‫اعتدا ٍء عىل الكفار ُيكن ترجمته يف معظم األحيان عىل أنه وسيل ٌة للدفاع عن الدين‪ .‬ومغامرتنا الحديثة يف العراق‬ ‫أعطت جميع األسباب املنطقية لهؤالء الذين تتوق أنفسهم للشهادة لشن الجهاد ضد أصدقاء الشيطان رمبا تستمر‬ ‫أوطفل أوشي ًخا عجوزًا إال‬ ‫ً‬ ‫مفروض عليه أن ال يقتل امرأ ًة‬ ‫لعقود‪ .‬ويالحظ لويس بأن هذا الذي س ُيحارب يف سبيل الله‬ ‫ٌ‬ ‫أخالقي بسيط فيام يتعلّق بفكرة «الدفاع عن النفس» استطاع املحاربون‬ ‫يف حالة الدفاع عن النفس‪ ،‬ولكن بتسويغٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شكوك فيام يتعلّق‬ ‫أيضا‪ .‬خالصة القول بأن املُسلم املُتديّن ال يوجد لديه أية‬ ‫املسلمون أن يتملّصوا من هذا التضييق ً‬ ‫كطريق للوصول هناك‪ ،‬وال ميكن له أن يتساءل عن الحكمة وراء ذلك أوحتى عن‬ ‫بحقيقة الجنة أوبفعالية الشهادة‬ ‫ٍ‬ ‫معقولية قتل الناس ألي درج ٍة أوحتى كمظلمة دينية‪ .‬وبالتايل ففي اإلسالم‪ ،‬اإلسالمي املُعتدل هوالذي يُرتك ليحلق‬ ‫شعره‪ ،‬ألن الدافع األسايس للعقيدة ال ميكن إنكاره‪ :‬ادفع الناس أن ت ُسلم أوتستلم أو أن يُقتلوا ككفار‪.‬‬ ‫إن الحقيقة املُل ّحة لغزوالعامل من ِق َبل املسلمني مثري ٌة لالنتباه وذلك بالنظر للـ «االمربيالية» كخطيئ ٍة يسم بها‬ ‫املسلمون الغرب‪:‬‬ ‫وخصوصا فيام يتعلّق بقضية اإلسالم تجاه الغرب‪ .‬فعندهم‬ ‫• إن االمربيالية موضو ٌع مهم يف الرشق األوسط‬ ‫ً‬ ‫خاصا كسبيل املثال‪ ،‬مل تُستخدم تلك الكلمة أبدً ا من أية مسلمني يف أي من تلك‬ ‫معنى ً‬ ‫تحمل كلمة االمربيالية ً‬ ‫ٍ‬ ‫مقاطعات‬ ‫االمرباطوريات اإلسالمية العظيمة‪ ،‬أ ّولها التي أنشأها العرب‪ ،‬وآخرها التي أُنشئت بيد األتراك الذين غزوا‬ ‫ٍ‬ ‫وقطاعات كبرية من السكان وأدخلوهم يف دار اإلسالم‪ .‬وكان رشع ًيا متا ًما للمسلمني أن يغزوا ويحكموا أوروبا‬ ‫شاسع ٍة‬ ‫واألوربيي وبالتايل أن يسمحوا لهم (وليس باإلجبار) أن يعتنقوا الدين القويم‪ ،‬وكانت جرمي ًة وخطيئ ًة لألورب ّيني بأن‬ ‫ّ‬ ‫يغزوا ويحكموا املسلمني واألسوأ من ذلك بأن يو ّجهوهم إىل طريق الضالل‪ .‬ومن وجهة نظر املسلمني أن تدخل‬ ‫اإلسالم هي مصلح ٌة لل ُمتح ّول من دينه ومنفع ٌة لهؤالء الذين أدخلوه يف دين اإلسالم‪ .‬ويف الرشع اإلسالمي ُيعترب‬ ‫التح ّول عن اإلسالم ردة‪ ،‬وهي جرمي ٌة عقوبتها اإلعدام لل ُمرتد وملن حاول تضليله‪ .‬ويف مثل هذه القضية تجد الرشع‬ ‫رصي ًحا وال لبس فيه‪ ،‬فإذا نبذ مسلم اإلسالم‪ ،‬وحتى لوكان ُمتح ّو ًل جديدً ا أراد الرجوع إىل عقيدته السابقة‪ ،‬فإن‬

‫‪25‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬ ‫عقوبته هي املوت(‪)5‬‬

‫سرنجع إىل جزئية (حد الردة) مر ًة أخرى‪ ،‬ولكن يجب علينا يف البداية أن نن ّوه أن تعليق لويس «عدم إجبار الذين‬ ‫فصحيح متا ًما أن القرآن يُق ّدم مكب ًحا يدويًا‬ ‫تم احتاللهم عىل اعتناق الدين القويم» لهي عبار ٌة مضللة يف هذا السياق‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ين﴾‪ ،‬ولكن بلمح ٍة رسيع ٍة عىل بقية القرآن‬ ‫أوشيئ من هذا القبيل للمسلمني املعتدلني يف اآلية‪﴿ :‬الَ إِكْ َرا َه ِف الدِّ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وتاريخ املسلمني‪ ،‬سنعرف أنه ليس علينا أن نتوقّع الكثري من جراء استخدام هكذا آية‪ .‬كام تظهر لنا‪ ،‬فإن هذه اآلية‬ ‫أول فإن التسامح اإلسالمي من منظور املسلمني ينطبق فقط عىل اليهود‬ ‫تعرض األساس الهزيل للتسامح اإلسالمي‪ً .‬‬ ‫واملسيح ّيني (أهل الكتاب)‪ ،‬ولكن ت ُعترب املُامرسات البوذية والهندوسية واملُامرسات الوثنية األخرى مامرساتٌ روحي ٌة‬ ‫فاسد ٌة قد تجاوزت كل حدود املسموح به(‪.)6‬‬ ‫حتى بالنسبة لـ أهل الكتاب فيجب عليهم أن يحتفظوا مبعتقداتهم ألنفسهم وأن يدفعوا الجزية ل ُحكّامهم املسلمني‪.‬‬ ‫ويُالحظ فريد زكريا (‪ ,)7‬كام الحظ غريه آخرون‪ ،‬بأن اليهود قد عاشوا تحت الحكم اإلسالمي لقرونٍ طويلة وكان‬ ‫عيشهم نسب ًيا عيشً ا سهالً ولكن هذه املقارنة ميكن وضعها فقط عند الحديث عن أهوال املعيشة التي تع ّرضوا‬ ‫لها تحت الحكم الثيوقراطي املسيحي‪ .‬ألن الحقيقة بأن حياة اليهود يف دار اإلسالم مت ّيزت بذ ٍل متواصلٍ ال ينقطع‬ ‫باإلضافة إىل حدوث مذاب ٍح بشكلٍ ُمنتظم‪ .‬كان مبدأ الوالية اإلسالمية قامئًا عىل التمييز العنرصي‪ ،‬حيث كان ُمحر ًما‬ ‫عىل اليهود حمل السالح‪ ،‬أوأن يشهدوا يف املحكمة أوأن يركبوا األحصنة‪ .‬وكان عليهم أن يلبسوا ألبس ًة تُ ّيزهم عن‬ ‫وأيضا كان عليهم أن يتج ّنبوا املرور من بعض‬ ‫غريهم ‪-‬الشارة الصفراء التي كان أصلها يف بغداد وليس يف أملانيا النازية‪ً -‬‬ ‫الشوارع واألبنية‪ .‬وقد تحتّم عليهم بحكم القوة بل باملوت أحيانًا بأن يسريوا وهم عىل يسار املسلمني ‪-‬كدليلٍ عىل‬ ‫نجاستهم‪ -‬وأن يُبقوا أعينهم منخفضة‪ .‬ويف بعض أجزاء العامل العريب كان تقلي ًدا محل ًيا ألطفال املسلمني أن يقذفوا‬ ‫أيضا ٌ‬ ‫أفعال مهين ٌة أخرى ُس ّجلت بشكلٍ‬ ‫منتظم كمذابح ومجازر‪:‬‬ ‫اليهود بالحجارة وأن يبصقوا عليهم‪ )8(.‬هذه كام ً‬ ‫ٍ‬ ‫يف املغرب “‪ ،)1955 ،1952 ,1948 ,1912 ,1903 ,1890 ,1884 ,1875 ,1790 ,1728‬يف الجزائر (‪ 1805‬و‪ ،)1934‬يف‬ ‫تونس “‪ ،)1967 ,1932 ,1869 ,1864‬يف بالد فارس “‪ ،)1910 ,1867 ,1839‬يف العراق‪،1941 ,1937 ،1936 ,1828( ،‬‬ ‫‪ ،)1969,1967 ،,1948 ,1946‬يف ليبيا “‪ ،)1967 ,1948 ,1945 ,1897 ,1860 ,1785‬يف مرص “ ‪,1921 ،1919 ,1882‬‬ ‫‪ ،) 1967 ،1948 ,1945 ,1939 ,1938 ،1924‬يف فلسطني (‪ ،)1936 ,1929‬يف سوريا (‪,1948 ،1947 ,1945 ،1840‬‬ ‫‪ ،)1967 ،1949‬يف اليمن (‪ ،)1947‬الخ (‪ .)9‬وكانت الحياة بالنسبة للمسيحيني كذلك تحت الحكم اإلسالمي ناد ًرا ما‬ ‫تتسم بالبهجة‪.‬‬ ‫كمسأل ٍة عقائدية‪ ،‬نجد أن مفهوم املسلم عن التسامح هوأن يخضع غري املسلم سياس ًيا واقتصاديًا له‪ ،‬أن يدخل اإلسالم‬ ‫أوأن يُرفع عليه السيف‪ .‬وحقيقة أن العامل اإلسالمي مل يكن موح ًدا تحت حكومة واحدة يف معظم تاريخه‪ ,‬ورمبا لن‬ ‫‪26‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫يفعلها أبدا مرة أخرى‪ ،‬ليس له عالقة البتة من أين يأيت ذلك الطموح والتطلّع للسيطرة‪ ،‬فسوف تجد يف كل جامع ٍة‬ ‫سياسي ٍة داخل اإلسالم قولهم«إن وظيفة الدولة اإلسالمية أن تحقق الطاعة تحت حكم الرشيعة اإلسالمي» (‪.)10‬‬ ‫يالحظ زكريا أن املسلمني الذي يعيشون يف الغرب يظهرون عمو ًما ك ُمتسامحني مع معتقدات اآلخرين‪ .‬فلنتق ّبل‬ ‫هذا التشخيص للحظ ٍة هنا‪ ،‬مع أنه يتغاىض عن الحقيقة غري املريحة بأن كث ًريا من دول الغرب تظهر اآلن بأنها مرتع‬ ‫للتشدد اإلسالمي(‪. )11‬‬ ‫للتعصب اإلسالمي‬ ‫ولكن وقبل أن نعزو هذا التشخيص إىل تسامح املسلمني‪ ،‬يجب علينا أن نسأل أنفسنا كيف ُيكن‬ ‫ّ‬ ‫أن يظهر يف بالد الغرب‪ .‬ما هي األقلية التي حتى لو كانت متطرف ًة مل تكن يف العادة ُمتسامح ًة مع األغلبية عىل طول‬ ‫اإلرهابيي والثوريّني املعروفني يقضون معظم أيامهم ينتظرون اللحظة املناسبة للقيام بيش ٍء ما مبعنى‬ ‫الخط؟ حتى‬ ‫ّ‬ ‫أنهم يظهرون ك ُمتسامحني‪.‬‬ ‫يالحظ لويس أنه بالنسبة للمسلمني‪ ،‬ال يوجد قطع ٌة من األرض ت ّم ض ّمها للمملكة اإلسالمية ولو ملر ٍة واحدة ُيكن أن‬ ‫عقل تم ض ّمه للمملكة اإلسالمية ميكن التنازل عنه‪،‬‬ ‫أيضا أن نضيف بأنه ال يوجد ٌ‬ ‫ويكننا ً‬ ‫يت ّم التنازل عنها لألبد(‪ُ ، )12‬‬ ‫ألنه وكام الحظ لويس‪ ،‬بأن عقوبة الردة هي املوت‪ .‬ويجب علينا هنا أن نرتيّث فيام يتعلّق بهذه الحقيقة‪ ،‬ألنها هي‬ ‫للتعصب والتي ال يستطيع أي محللٍ ليربايل أن يستوعبها بشكلٍ كاملٍ مهام حاول‪ .‬فضمن حدود دار‬ ‫اللؤلوة السوداء‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬أن يتعلم الواحد أكرث مام ينبغي عن العامل ومن ضمن هذا أن يضع مبادئ العقيدة يف موضع الشك‪ ،‬تكون‬ ‫مسلم لساعة واحدة‪ ،‬الرد‬ ‫عقوبة يشء كهذا هي املوت‪ .‬إذا ً فقد املسلم إميانه يف القرن الحادي والعرشين حتى لوكان‬ ‫ً‬ ‫الطبيعي عىل هكذا فعل هوالقتل‪ .‬بينام يصف القرآن العقوبات التي تنتظر هذا املرتد يف العامل اآلخر يف اآليات‪:‬‬ ‫كَ ْي َف يَ ْه ِدي اللَّ ُه قَ ْو ًما كَ َف ُروا ْ بَ ْع َد إِميَانِ ِه ْم َوشَ ِه ُدوا ْ أَ َّن ال َّر ُس َ‬ ‫ول َح ٌّق َو َجا َء ُه ُم الْ َب ِّي َناتُ َواللَّ ُه الَ يَ ْه ِدي الْ َق ْو َم الظَّالِ ِم َني‬ ‫أُ ْولَ ِئ َك َج َزا ُؤ ُه ْم أَ َّن َعلَ ْي ِه ْم لَ ْع َن َة اللَّ ِه َوالْ َمالئِ َك ِة َوال َّن ِ‬ ‫َاب َوالَ ُه ْم‬ ‫اس أَ ْج َم ِعني َ﴿◌﴾ َخالِ ِدي َن ِفي َها الَ يُ َخف َُّف َع ْن ُه ُم الْ َعذ ُ‬ ‫يُنظَ ُرو َن ﴿◌﴾ إِالَّ ال َِّذي َن ت َابُوا ْ ِمن بَ ْع ِد َذلِ َك َوأَ ْصلَ ُحوا ْ فَ ِإ َّن اللَّه َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم ﴿◌﴾ إِ َّن ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ بَ ْع َد إِميَانِ ِه ْم ث ُ َّم‬ ‫الضالُّو َن ﴿◌﴾ إِ َّن ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ َو َماتُوا ْ َو ُه ْم كُفَّا ٌر فَلَن يُ ْق َب َل ِم ْن أَ َح ِد ِهم ِّم ْل ُء‬ ‫ا ْز َدا ُدوا ْ كُ ْف ًرا لَّن تُ ْق َب َل ت َ ْوبَتُ ُه ْم َوأُولَ ِئ َك ُه ُم َّ‬ ‫اصي َن ﴾ (آل عمران ‪.)86-91‬‬ ‫َاب أَلِي ٌم َو َما لَ ُهم ِّمن نَّ ِ ِ‬ ‫األَ ْر ِض َذ َه ًبا َولَوافْتَ َدى ِب ِه أُ ْولَ ِئ َك لَ ُه ْم َعذ ٌ‬ ‫نرى الحديث النبوي يأيت ُمؤك ًدا عىل العدالة التي يجب أن يلقاها هذا املُرتد‪“ :‬من ب ّدل دينه فاقتلوه”‪ ،‬ال يوجد‬ ‫استعار ٌة مختبئ ٌة هنا يف هذا األمر املبارش‪ ،‬وبالتايل يظهر لنا أنه ال يوجد هنا أي وسيل ٍة يستطيع بها أصحاب التفسري‬ ‫الليربايل بأن يدفعوا بهذا املعنى بعي ًدا عن املقصود‪ .‬قد نكون منيل إىل منح أهمي ٍة كبري ٍة إىل الحقيقة بأن الوصايا‬ ‫كأوام ٍر ونواهي ال تظهر يف القرآن نفسه‪ ،‬ولكن ما نجده عمل ًيا بأن الحديث النبوي هوالذي يظهر كدستو ٍر يُشكّل‬ ‫موقف املسلمني عن تلك الوصايا يف العامل أجمع‪ .‬فالحقيقة بأن الحديث النبوي يف العادة يُستخدم كعدس ٍة ُيكن عن‬ ‫طريقها تفسري القرآن وكيفية العبادة يف اإلسالم(‪.)13‬‬ ‫‪27‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫إنه من الصحيح القول بأن بعض القُضاة الليرباليني يطلبون من املُرتد بأن يتكلّم أمامهم ضد اإلسالم قبل أن يحكموا‬ ‫عليه بالقتل‪ ،‬ولكن العقوبة نفسها عادة ال يرونها “متشددة”‪.‬‬ ‫فس ملاذا مل يظهر مسل ٌم‬ ‫العدل يف قتل املُرت ّدين هو شأ ٌن له عالق ٌة بتق ّبل عوام املسلمني له‪ ،‬ال يف تطبيقه‪ .‬وهذا يُ ّ‬ ‫عاقل واح ٌد يعيش عىل سطح البسيطة ليعرتض عىل قرار آية الله الخميني عندما وضع جائزة عىل رأس سلامن رشدي‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫تع ّجب كث ٌري من الغرب ّيني يف ذلك الحني ملاذا يقوم املاليني من املسلمني املعتدلني بالتنصل من هكذا فتوى‪ .‬نرى‬ ‫شخصا مثل “ ‪ Cats Stevens‬كات ستفيفتز “ مغني شعبي‬ ‫التفسري ظاه ًرا جل ًيا يف مبادئ وعقائد اإلسالم‪ ،‬حيث أن ً‬ ‫ولد يف الغرب‪ -‬واسمه اآلن “‪ -Yosef Islam‬يوسف إسالم” ‪ ،‬ال يستطيع أن يُشكّك يف عدالة مثل هذه الفتوى(‪.)14‬‬ ‫وكام رأينا‪ ،‬ميكن للمسيحية واليهودية بأن يظهرا كام اإلسالم‪ ،‬دياناتٌ متعصب ٌة غري متسامحة‪ ،‬ولكن قد م ّرت قرو ٌن‬ ‫عد ٌة منذ أن اقرتفت إحداهام ما اقرتفت يف املايض‪ .‬ولكن الواقع اآلن تحت وطأة اإلسالم يُقتىض أنك إذا فتحت الباب‬ ‫الخطأ يف تساؤالتك وشكوكك عن العامل‪ ،‬ستجد إخوتك يف اإلميان يعتقدون بقتلك‪ .‬وبالتايل ُيكننا أن نتع ّجب ونتساءل‪،‬‬ ‫يف أي سياقٍ يؤمن املسلمون بأنه ﴿ال إكره يف الدين﴾ !‪.‬‬ ‫يف استعر ٍ‬ ‫اض لكتاب “لويس” الذي صدر حديثًا عن اإلسالم‪ ،‬و ّجه “كينيث بوالك‪“ Kenneth Pollack-‬نق ًدا ميكنني‬ ‫وضعه هنا ببهج ٍة عامرة تعقي ًبا عىل ما تح ّدثت عنه‪:‬‬ ‫«ال يزال “لويس” مل يتصارع بعد مع األسئلة العميقة ل ُق ّرائه‪ ،‬ال يزال مل يعرض تفسري ٍ‬ ‫ات عن ماهية األسباب التي‬ ‫أ ّدت بالرشق األوسط للركود‪ ،‬وعن فشل الجهود لإلصالح‪ ،‬وملاذا تفشل بشكلٍ ُمالحظ يف االندماج يف االقتصاد العاملي‬ ‫بشكلٍ ذو معنى وملاذا كل تلك املحاوالت الفاشلة مل تعطي أي دافعٍ للنجاح من جديد (كرشق آسيا يف الخمسني سن ٍة‬ ‫املنرصمة‪ ،‬وبشكلٍ ما يف الهند‪ ،‬ويف أمريكا الالتينية‪ ،‬وبعض أجزا ٍء من أفريقيا اليوم )‪ ،‬ولكن كان ما أنتجته هو مزي ٌد‬ ‫تفش والناري تجاه الغرب إىل الدرجة التي دفعته إىل أن يُف ّرخ سفاحني وإرهابيني انتحاريني‬ ‫من الغضب واإلحباط امل ُ ّ‬ ‫بالرغم من التحريم اإلسالمي ملثل هذه األفعال» (‪.)15‬‬ ‫كل هذه األسئلة ج ّيدة‪ ،‬ويُق ّدم زكريا أجوب ًة معقول ًة ملثل هذه األسئلة‪ ،‬ولكنها ليست بـ”األسئلة العميقة”‪.‬‬ ‫كنت تؤمن بأي يش ٍء مثل ما يقوله القرآن عن كيفية اإلميان الذي يجب عليك أن تتبعه ليك تنجو من نار الجحيم‪،‬‬ ‫إذا َ‬ ‫فعليك حينها عىل األقل أن تتعاطف مع أفعال أسامة بن الدن‪ .‬التحرميات ضد اإلرهاب االنتحاري ليست بالكثرية‬ ‫كام يطرح ‪ Pollack‬بوالك‪ .‬فالقرآن يحتوي عىل سط ٍر ٍ‬ ‫واحد ُمبهم ﴿ َوالَ تَ ْق ُتلُواْ أَنف َُسك ُْم ﴾(النساء ‪ ،)29‬وكام معظم‬ ‫ٍ‬ ‫كشخص ال يستطيع أن يضع نفسه يف موضع املؤمن الذي يعتقد‬ ‫املُعلّقني عىل تلك األمور‪ ،‬يظهر “‪ Pollack‬بوالك”‬ ‫حواسنا ال تق ّدم لنا إال الدليل عىل عامل ها ٍو ويف أمس الحاجة إىل مجد الله‪.‬‬ ‫مبا يطرحه القرآن‪ ،‬بأن الجنة تنتظرنا‪ ،‬بأن ّ‬ ‫قليل من الرحمة يجب‬ ‫كم ً‬ ‫افتح القرآن‪ ،‬والذي هو مضبو ٌط يف كل كلم ٍة وبكل بساط ٍة اقرأه بعني املؤمن‪ .‬سرتى ً‬ ‫‪28‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫إهدارها عىل هؤالء الذين مازال الله نفسه يستهزئ بهم‪ ،‬يلعنهم‪ ،‬يفضحهم‪ ،‬يُعذّبهم‪ ،‬يُعاقبهم‪ ،‬يحرقهم‪ ،‬يُحاسبهم‪،‬‬ ‫ميحقهم‪ ،‬ال يغفر لهم‪ ،‬وال يتوب عليهم‪.‬‬ ‫الله‪ ،‬الذي حكمته بلغت منتهاها لعن الكفار بشكّهم فيه‪ .‬إنه يُطيل حياتهم الدنيا يهنئون فيها وذلك ليزدادوا إمثًا‬ ‫عىل إثم‪ ،‬ليستحقّوا بعد ذلك العذاب الذي ينتظرهم يف قبورهم‪ .‬يف ضوء ما ت ّم ذكره ُيكننا القول بأن هؤالء الذين‬ ‫ماتوا يف الحادي عرش من أيلول‪/‬سبتمرب ‪ 2001‬مل يكونوا غري مجرد وقو ٍد لتحقيق عدالة ﷲ يف ناره األزلية‪ .‬وألنقل لكم‬ ‫النص القرآين‪ ،‬ها أنا أم ّدكم بتجميع ٍة طويلة من اآليات واملُقتطفات‪ ،‬برتتيب‬ ‫كيف أن الكفار مذمومون وبال هواد ٍة يف ّ‬ ‫وجودهم يف القرآن‪.‬‬ ‫منشغل بالثوابت الفيزيائية واألوزان الذرية»‪:‬‬ ‫ً‬ ‫«عىل ما يبدوأن هذا ما كان يف عقل اإلله خالق الكون عندما كان غري‬ ‫واضح وال لبس فيه‪.‬‬ ‫مالحظة‪ :‬بعض اآليات هنا مجتزأ ٌة وليست كامل ًة ولكن املعنى‬ ‫ٌ‬ ‫﴿إ َّن ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ َس َوا ٌء َعلَ ْي ِه ْم أَأَن َذ ْرت َ ُه ْم أَ ْم لَ ْم ت ُِنذ ْر ُه ْم الَ يُ ْؤ ِم ُنو َن ﴾(البقرة‪)6 :‬‬ ‫﴿اللَّ ُه يَ ْستَ ْه ِزئُ ِب ِه ْم َو َ ُي ُّد ُه ْم ِف طُ ْغ َيانِ ِه ْم يَ ْع َم ُهونَ﴾ (البقرة‪) 15 :‬‬ ‫اس َوال ِْح َجا َر ُة أُ ِعدَّتْ لِلْكَا ِفرِي َن﴾ (البقرة‪)24 :‬‬ ‫﴿فَ ِإن لَّ ْم تَ ْف َعلُوا ْ َولَن ت َ ْف َعلُوا ْ فَاتَّقُوا ْ ال َّنا َر الَّ ِتي َوقُو ُد َها ال َّن ُ‬ ‫َاب ﴾(البقرة‪)85 :‬‬ ‫﴿ف َ​َم َج َزاء َمن يَ ْف َع ُل َذلِ َك ِمن ُك ْم إِالَّ ِخ ْز ٌي ِف الْ َح َيا ِة ال ُّدنْ َيا َويَ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة يُ َر ُّدو َن إىل أَشَ ِّد الْ َعذ ِ‬ ‫﴿فَلَ ْع َن ُة اللَّه َع َل الْكَا ِفرِي َن ﴾(البقرة‪) 89 :‬‬ ‫َاب ُّم ِه ٌني ﴾(البقرة‪)90 :‬‬ ‫﴿فَ َبا ُؤوا ْ ِب َغ َض ٍب َع َل غ َ​َض ٍب َولِلْكَا ِفرِي َن َعذ ٌ‬ ‫﴿فَ ِإ َّن اللَّ َه َع ُدو�لِّلْكَا ِفرِي َن﴾ (البقرة‪) 98 :‬‬ ‫شكِ َني أَن يُ َن َّز َل َعلَ ْيكُم ِّم ْن َخ ْ ٍي ِّمن َّربِّ ُك ْم َواللَّ ُه يَ ْختَ ُّص ِب َر ْح َم ِت ِه َمن‬ ‫﴿ َّما يَ َو ُّد ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ ِم ْن أَ ْهلِ الْ ِكتَ ِ‬ ‫اب َوالَ الْ ُم ْ ِ‬ ‫يَشَ اء﴾ (البقرة‪) 105 :‬‬ ‫﴿لَ ُه ْم ِف ال ُّدنْيَا ِخ ْز ٌي َولَ ُه ْم ِف ِ‬ ‫َاب َع ِظي ٌم﴾ (البقرة‪) 114 :‬‬ ‫اآلخ َر ِة َعذ ٌ‬ ‫اسونَ﴾ (البقرة‪) 121 :‬‬ ‫﴿ال َِّذي َن آت َ ْي َنا ُه ُم الْ ِكتَ َ‬ ‫اب يَتْلُونَ ُه َح َّق تِال َوتِ ِه أُ ْولَ ِئ َك يُ ْؤ ِم ُنو َن ِب ِه َو َمن يَ ْك ُف ْر ِب ِه فَأُولَ ِئ َك ُه ُم الْ َخ ِ ُ‬ ‫َاب ال َّنا ِر َو ِبئْ َس الْ َم ِص ُري﴾ (البقرة‪)126 :‬‬ ‫﴿ َو َمن كَ َف َر فَأُ َمتِّ ُع ُه قَلِيالً ث ُ َّم أَ ْضطَ ُّر ُه إىل َعذ ِ‬ ‫ص ٍاط ُّم ْستَ ِق ٍيم﴾ (البقرة‪)142 :‬‬ ‫﴿قُل �لِّلَّ ِه الْ َم ْ ِ‬ ‫ش ُق َوالْ َم ْغر ُِب يَ ْه ِدي َمن يَشَ اء إىل ِ َ‬ ‫﴿الَ تَقُولُوا ْ لِ َم ْن يُ ْقتَ ُل ِف َسبِيلِ اللَّ ِه أَ ْم َواتٌ بَ ْل أَ ْح َياء َولَ ِكن الَّ ت َشْ ُع ُرونَ﴾ (البقرة‪)154 :‬‬ ‫﴿ال َِّذي َن كَ َف ُروا َو َمات ُوا َو ُه ْم كُفَّا ٌر أُ ْولَ ِئ َك َعلَيْ ِه ْم لَ ْع َن ُة اللَّ ِه َوالْ َمالئِ َك ِة َوال َّن ِ‬ ‫اس أَ ْج َم ِع َني﴾ (البقرة‪) 161 :‬‬ ‫َاب َوالَ ُه ْم يُنظَ ُرونَ﴾ (البقرة‪) 162 :‬‬ ‫﴿ َخالِ ِدي َن ِفي َها الَ يُ َخف َُّف َع ْن ُه ُم الْ َعذ ُ‬ ‫س ٍ‬ ‫ات َعلَ ْي ِه ْم َو َما ُهم ِب َخا ِر ِج َني ِم َن ال َّنارِ﴾ (البقرة‪) 167 :‬‬ ‫﴿كَ َذلِ َك يُرِي ِه ُم اللَّ ُه أَ ْع َملَ ُه ْم َح َ َ‬ ‫﴿ َو َمث َُل ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ كَ َمثَلِ ال َِّذي يَ ْن ِع ُق بِ َا الَ يَ ْس َم ُع إِالَّ ُد َعاء َونِ َداء ُص ٌّم بُ ْك ٌم ُع ْم ٌي فَ ُه ْم الَ يَ ْع ِقلُونَ﴾ (البقرة‪) 171 :‬‬ ‫‪29‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫اب لَ ِفي ِشقَاقٍ بَ ِعيد﴾ٍ (البقرة‪) 176 :‬‬ ‫اب بِالْ َح ِّق َوإِ َّن ال َِّذي َن ا ْختَلَفُوا ْ ِف الْ ِكتَ ِ‬ ‫﴿ذلِ َك ِبأَ َّن اللَّ َه نَ َّز َل الْ ِكتَ َ‬ ‫﴿ َوقَاتِلُوا ْ ِف َسبِيلِ اللَّ ِه ال َِّذي َن يُقَاتِلُونَ ُك ْم َوالَ ت َ ْعتَ ُدوا ْ إِ َّن اللَّ َه الَ يُ ِح ُّب الْ ُم ْعتَ ِدي َن﴾ (البقرة‪) 190 :‬‬ ‫﴿ َواقْتُلُو ُه ْم َح ْيثُ ث َ ِق ْفتُ ُمو ُه ْم َوأَ ْخ ِر ُجو ُهم ِّم ْن َح ْيثُ أَ ْخ َر ُجوكُ ْم َوالْ ِفتْ َن ُة أَشَ ُّد ِم َن الْ َقتْلِ َوالَ تُقَاتِلُو ُه ْم ِعن َد الْ َم ْسج ِ​ِد‬ ‫الْ َح َر ِام َحتَّى يُقَاتِلُوكُ ْم ِفي ِه فَ ِإن قَاتَلُوكُ ْم فَاقْتُلُو ُه ْم كَ َذلِ َك َج َزاء الْكَا ِفرِي َن﴾ (البقرة‪)191 :‬‬ ‫﴿فَ ِإنِ انتَ َه ْوا فَ ِإ َّن اللَّ َه َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم﴾ (البقرة‪)192 :‬‬ ‫﴿ َوقَاتِلُو ُه ْم َحتَّى الَ تَكُو َن ِفتْ َن ٌة َويَكُو َن ال ِّدي ُن لِلَّ ِه فَ ِإنِ انتَ َه ْوا فَالَ ُع ْد َوا َن إِالَّ َع َل الظَّالِ ِم َني﴾ (البقرة‪) 193 :‬‬ ‫وش لَّ ُك ْم َواللَّ ُه يَ ْعلَ ُم‬ ‫﴿كُ ِت َب َعلَيْ ُك ُم الْ ِقتَ ُال َو ُهوكُ ْر ٌه لَّ ُك ْم َو َع َس أَن تَ ْك َر ُهوا ْ شَ يْئًا َو ُهو َخ ْ ٌي لَّ ُك ْم َو َع َس أَن ت ُِحبُّوا ْ شَ يْئًا َو ُه َ ٌّ‬ ‫َوأَنتُ ْم الَ ت َ ْعلَ ُمونَ﴾ (البقرة‪)216 :‬‬ ‫﴿ َوالَ يَ َزالُو َن يُقَاتِلُونَ ُك ْم َحتَّ َى يَ ُر ُّدوكُ ْم َعن ِدي ِن ُك ْم إِنِ ْاستَطَا ُعوا ْ َو َمن يَ ْرت َِد ْد ِمن ُك ْم َعن ِدي ِن ِه فَ َي ُم ْت َو ُهوكَا ِف ٌر فَأُولَ ِئ َك‬ ‫َح ِبط َْت أَ ْع َملُ ُه ْم ِف ال ُّدنْ َيا َو ِ‬ ‫اب ال َّنا ِر ُه ْم ِفي َها َخالِ ُدونَ﴾ (البقرة‪) 217 :‬‬ ‫اآلخ َر ِة َوأُولَ ِئ َك أَ ْص َح ُ‬ ‫﴿ َواللَّ ُه الَ يَ ْه ِدي الْ َق ْو َم الْكَا ِفرِي َن﴾ (البقرة‪)264 :‬‬ ‫﴿ َواللَّ ُه الَ يَ ْه ِدي الْ َق ْو َم الظَّالِ ِم َني﴾ (البقرة‪)258 :‬‬ ‫نصار﴾ (البقرة‪) 270 :‬‬ ‫﴿ َو َما لِلظَّالِ ِم َني ِم ْن أَ َ‬ ‫﴿ َولَ ِك َّن اللَّ َه يَ ْه ِدي َمن يَشَ اء﴾ (البقرة‪)272 :‬‬ ‫﴿إِ َّن ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ بِآيَ ِ‬ ‫َاب شَ ِدي ٌد َواللَّ ُه َعزِي ٌز ذُوان ِتق ٍَام﴾ (آل عمران‪)4 :‬‬ ‫ات اللَّ ِه لَ ُه ْم َعذ ٌ‬ ‫﴿إ َّن ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ لَن ت ُ ْغ ِن َي َع ْن ُه ْم أَ ْم َوالُ ُه ْم َوالَ أَ ْوال ُد ُهم ِّم َن اللَّ ِه شَ ْيئًا َوأُولَ ِئ َك ُه ْم َوقُو ُد ال َّنارِ﴾ (آل عمران‪)10 :‬‬ ‫شو َن إىل َج َه َّن َم َو ِبئْ َس الْ ِم َها ُد﴾ (آل عمران‪)12 :‬‬ ‫﴿قُل �لِّل َِّذي َن كَ َف ُروا ْ َستُ ْغلَبُو َن َوت ُ ْح َ ُ‬ ‫﴿إِ َّن ال ِّدي َن ِعن َد اللَّ ِه ا ِإل ْسال ُم َو َمن يَ ْك ُف ْر بِآيَ ِ‬ ‫اب﴾ (آل عمران‪)19 :‬‬ ‫سي ُع ال ِْح َس ِ‬ ‫ات اللَّ ِه فَ ِإ َّن اللَّ َه َ ِ‬ ‫ش ٍء إِالَّ أَن تَتَّقُوا ْ ِم ْن ُه ْم‬ ‫﴿الَّ يَتَّ ِخ ِذ الْ ُم ْؤ ِم ُنو َن الْكَا ِفرِي َن أَ ْولِ َياء ِمن ُدونِ الْ ُم ْؤ ِم ِن َني َو َمن يَ ْف َع ْل َذلِ َك فَلَ ْي َس ِم َن اللَّ ِه ِف َ ْ‬ ‫تُقَاةً﴾ (آل عمران‪)28 :‬‬ ‫﴿يَا أَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا ْ الَ تَتَّ ِخذُوا ْ ِبطَانَ ًة ِّمن ُدونِ ُك ْم الَ يَأْلُونَ ُك ْم َخ َباالً َو ُّدوا ْ َما َع ِنتُّ ْم قَ ْد بَ َد ِت الْ َب ْغ َضا ُء ِم ْن أَفْ َوا ِه ِه ْم َو َما‬ ‫تُ ْخ ِفي ُص ُدو ُر ُه ْم أَك َ ُْب﴾ (آل عمران‪)118 :‬‬ ‫﴿إِن َ ْي َس ْس ُك ْم قَ ْر ٌح فَ َق ْد َم َّس الْ َق ْو َم قَ ْر ٌح ِّمثْلُ ُه َوتِل َْك األَيَّا ُم نُ َدا ِولُ َها بَ ْ َي ال َّن ِ‬ ‫اس َولِ َي ْعلَ َم اللَّ ُه ال َِّذي َن آ َم ُنوا ْ َويَتَّ ِخ َذ ِمن ُك ْم‬ ‫شُ َه َداء َواللَّ ُه الَ يُ ِح ُّب الظَّالِ ِم َني َولِ ُي َم ِّح َص اللَّ ُه ال َِّذي َن آ َم ُنوا ْ َو َ ْي َح َق الْكَا ِفرِي َن﴾ (آل عمران‪)140 :‬‬ ‫اسي َن﴾ (آل عمران‪)149 :‬‬ ‫﴿يَا أَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا ْ إِن ت ُِطي ُعوا ْ ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ يَ ُر ُّدوكُ ْم َع َل أَ ْعقَا ِب ُك ْم فَتَن َقلِ ُبوا ْ َخ ِ ِ‬ ‫اصي َن﴾ (آل عمران‪)150 :‬‬ ‫﴿بَلِ اللَّ ُه َم ْوالكُ ْم َو ُهو َخ ْ ُي ال َّن ِ ِ‬ ‫شكُوا ْ بِاللَّ ِه َما لَ ْم يُ َن ِّز ْل ِب ِه ُسلْطَانًا َو َمأْ َوا ُه ُم ال َّنا ُر َو ِبئْ َس َمثْ َوى الظَّالِ ِم َني﴾‬ ‫﴿س ُنلْ ِقي ِف قُل ِ‬ ‫َ‬ ‫ُوب ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ ال ُّر ْع َب بِ َا أَ ْ َ‬ ‫(آل عمران‪)151 :‬‬ ‫‪30‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫ضبُوا ْ ِف األَ ْر ِض أَوكَانُوا ْ ُغ ًّزى لَّوكَانُوا ْ ِعن َدنَا َما َماتُوا ْ‬ ‫﴿يَا أَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا ْ الَ تَكُونُوا ْ كَال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ َوقَالُوا ْ ِإل ْخ َوانِ ِه ْم إِذَا َ َ‬ ‫ِيت َواللَّ ُه بِ َا تَ ْع َملُو َن بَ ِص ٌري﴾ (آل عمران‪.)156 :‬‬ ‫س ًة ِف قُلُو ِب ِه ْم َواللَّ ُه يُ ْحيِي َو ُي ُ‬ ‫َو َما قُ ِتلُوا ْ لِ َي ْج َع َل اللَّ ُه َذلِ َك َح ْ َ‬ ‫﴿ َوالَ تَ ْح َس َ َّب ال َِّذي َن قُ ِتلُوا ْ ِف َسبِيلِ اللَّ ِه أَ ْم َوات ًا بَ ْل أَ ْح َياء ِعن َد َربِّ ِه ْم يُ ْر َزقُونَ﴾ (آل عمران‪)169 :‬‬ ‫شو َن بِال َِّذي َن لَ ْم يَلْ َحقُوا ْ ِبهِم ِّم ْن َخلْ ِف ِه ْم أَالَّ َخ ْو ٌف َعلَ ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم يَ ْح َزنُونَ﴾‬ ‫﴿فَر ِ​ِح َني بِ َا آت َا ُه ُم اللَّ ُه ِمن ف َْضلِ ِه َويَ ْستَ ْب ِ ُ‬ ‫(آل عمران‪) 170 :‬‬ ‫َاب ُّم ِه ٌني﴾ (آل عمران‪) 178 :‬‬ ‫﴿ َوالَ يَ ْح َس َ َّب ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ أَنَّ َا نُ ِْل لَ ُه ْم َخ ْ ٌي ِّلَنف ُِس ِه ْم إِنَّ َا نُ ِْل لَ ُه ْم لِيَ ْز َدا ُدوا ْ إِ ْثًا َولَ ُه ُم َعذ ٌ‬ ‫﴿فَال َِّذي َن َها َج ُروا ْ َوأُ ْخ ِر ُجوا ْ ِمن ِديَا ِر ِه ْم َوأُوذُوا ْ ِف َسب ِ​ِيل َوقَاتَلُوا ْ َوقُ ِتلُوا ْ ألُكَ ِّف َر َّن َع ْن ُه ْم َس ِّيئَاتِ ِه ْم َوألُ ْد ِخلَ َّن ُه ْم َج َّن ٍ‬ ‫ات تَ ْجرِي‬ ‫اب﴾ (آل عمران‪)195 :‬‬ ‫ِمن تَ ْح ِت َها األَنْ َها ُر ث َ َوابًا ِّمن ِع ِند اللَّ ِه َواللَّ ُه ِعن َد ُه ُح ْس ُن الثَّ َو ِ‬ ‫﴿الَ يَ ُغ َّرنَّ َك ت َ َقل ُ​ُّب ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ ِف الْبِال ِد﴾ (آل عمران‪)196 :‬‬ ‫﴿ َمتَا ٌع قَلِ ٌيل ث ُ َّم َمأْ َوا ُه ْم َج َه َّن ُم َو ِبئْ َس الْ ِم َها ُد﴾ (آل عمران‪)197 :‬‬ ‫﴿ َولَ ِكن لَّ َع َن ُه ُم اللَّ ُه ِب ُك ْف ِر ِه ْم فَالَ يُ ْؤ ِم ُنو َن إِالَّ قَلِيالً﴾ (النساء‪)46 :‬‬ ‫ْتو َن َع َل اللَّ ِه الْك َِذ َب َوكَفَى ِب ِه إِ ْثًا ُّمبِي ًنا (النساء‪)50 :‬‬ ‫انظُ ْر كَ ْي َف يَف َ ُ‬ ‫اب يُ ْؤ ِم ُنو َن بِالْ ِج ْب ِت َوالطَّاغ ِ‬ ‫ُوت َويَقُولُو َن لِل َِّذي َن كَ َف ُروا ْ َه ُؤالء أَ ْه َدى ِم َن ال َِّذي َن‬ ‫﴿أَلَ ْم تَ َر إىل ال َِّذي َن أُوت ُوا ْ نَ ِصي ًبا ِّم َن الْ ِكتَ ِ‬ ‫آ َم ُنوا ْ َسبِيالً﴾ (النساء‪)51 :‬‬ ‫﴿أُ ْولَ ِئ َك ال َِّذي َن لَ َع َن ُه ُم اللَّ ُه َو َمن يَلْ َعنِ اللَّ ُه فَلَن ت َ ِج َد لَ ُه نَ ِص ًريا﴾ (النساء‪) 52 :‬‬ ‫﴿فَ ِم ْن ُهم َّم ْن آ َم َن ِب ِه َو ِم ْن ُهم َّمن َص َّد َع ْن ُه َوكَفَى ِب َج َه َّن َم َس ِع ًريا﴾(النساء‪)55 :‬‬ ‫َاب﴾‬ ‫﴿إِ َّن ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ بِآيَاتِ َنا َس ْو َف نُ ْصلِي ِه ْم نَا ًرا كُل َ​َّم نَ ِض َج ْت ُجلُو ُد ُه ْم بَ َّدلْ َنا ُه ْم ُجلُو ًدا غ ْ َ​َي َها لِ َيذُوقُوا ْ الْ َعذ َ‬ ‫(النساء‪) 56 :‬‬ ‫اب ِمن قَ ْبلِ ُك ْم َوالْ ُكفَّا َر أَ ْولِ َياء﴾‬ ‫﴿يَا أَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا ْ الَ تَتَّ ِخذُوا ْ ال َِّذي َن ات َّ َخذُوا ْ ِدي َن ُك ْم ُه ُز ًوا َولَ ِع ًبا ِّم َن ال َِّذي َن أُوتُوا ْ الْ ِكتَ َ‬ ‫(املائدة‪) 57 :‬‬ ‫﴿ َولَيَزِي َد َّن كَ ِث ًريا ِّم ْن ُهم َّما أُنز َِل إِلَيْ َك ِمن َّربِّ َك طُ ْغيَانًا َوكُ ْف ًرا َوأَلْ َقيْ َنا بَيْ َن ُه ُم الْ َع َدا َو َة َوالْبَ ْغ َضاء إىل يَ ْو ِم الْ ِقيَا َم ِة﴾ (املائدة‪:‬‬ ‫‪) 64‬‬ ‫﴿إِ َّن اللَّ َه الَ يَ ْه ِدي الْ َق ْو َم الْكَا ِفرِي َن﴾ (املائدة‪) 67 :‬‬ ‫َاب ُه ْم َخالِ ُدونَ﴾‬ ‫﴿تَ َرى كَ ِث ًريا ِّم ْن ُه ْم يَتَ َولَّ ْو َن ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ لَ ِبئْ َس َما قَ َّد َم ْت لَ ُه ْم أَنف ُ​ُس ُه ْم أَن َس ِخ َط اللَّ ُه َعلَ ْي ِه ْم َو ِف الْ َعذ ِ‬ ‫(املائدة‪) 80 :‬‬ ‫﴿لَتَ ِج َد َّن أَشَ َّد ال َّن ِ‬ ‫شكُوا ْ َولَتَ ِج َد َّن أَقْ َربَ ُه ْم َّم َو َّد ًة �لِّل َِّذي َن آ َم ُنوا ْ ال َِّذي َن قَالُوا ْ إِنَّا‬ ‫اس َع َدا َو ًة �لِّل َِّذي َن آ َم ُنوا ْ الْيَ ُهو َد َوال َِّذي َن أَ ْ َ‬ ‫نَ َصا َرى َذلِ َك ِبأَ َّن ِم ْن ُه ْم ِق ِّس ِ‬ ‫يس َني َو ُر ْه َبانًا َوأَنَّ ُه ْم الَ يَ ْستَك ِ ُْبونَ﴾ (املائدة‪) 82 :‬‬ ‫‪31‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫اب الْ َج ِح ِيم﴾ (املائدة‪)86 :‬‬ ‫﴿ َوال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ َوكَ َّذبُوا ْ بِآيَاتِ َنا أُ ْولَ ِئ َك أَ ْص َح ُ‬ ‫﴿فَ َق ْد كَ َّذبُوا ْ بِالْ َح ِّق ل ََّم َجا َء ُه ْم ف َ​َس ْو َف يَأْتِي ِه ْم أَن َباء َما كَانُوا ْ ِب ِه يَ ْستَ ْه ِز ُؤونَ﴾ (األنعام‪) 5 :‬‬ ‫الس َمء َعلَ ْيهِم ِّم ْد َرا ًرا َو َج َعلْ َنا‬ ‫﴿أَلَ ْم يَ َر ْوا كَ ْم أَ ْهلَ ْك َنا ِمن قَ ْبلِهِم ِّمن قَ ْرنٍ َّم َّك َّنا ُه ْم ِف األَ ْر ِض َما لَ ْم نُ َكِّن لَّ ُك ْم َوأَ ْر َسلْ َنا َّ‬ ‫األَنْ َها َر تَ ْجرِي ِمن ت َ ْح ِت ِه ْم فَأَ ْهلَ ْك َنا ُهم ِب ُذنُو ِب ِه ْم َوأَنشَ أْنَا ِمن بَ ْع ِد ِه ْم قَ ْرنًا آ َخرِي َن﴾(األنعام‪)6 :‬‬ ‫﴿ َولَونَ َّزلْ َنا َعلَيْ َك كِتَابًا ِف ِق ْرط ٍ‬ ‫َاس فَلَ َم ُسو ُه ِبأَيْ ِدي ِه ْم لَق َ​َال ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ إِ ْن َهذَا إِالَّ ِس ْح ٌر ُّم ِب ٌني﴾ (األنعام‪) 7 :‬‬ ‫ُض األَ ْم ُر ث ُ َّم الَ يُنظَ ُرونَ﴾ (األنعام‪) 8 :‬‬ ‫﴿ َوقَالُوا ْ لَ ْوال أُنز َِل َعلَ ْي ِه َمل ٌَك َولَوأَن َزلْ َنا َملَكًا لَّق ِ َ‬ ‫﴿ َو َم ْن أَظْلَ ُم ِم َّمنِ اف َ َْتى َع َل اللَّ ِه ك َِذبًا أَوكَذ َ​َّب بِآيَاتِ ِه إِنَّ ُه الَ يُ ْفلِ ُح الظَّالِ ُمونَ﴾ (األنعام‪) 21 :‬‬ ‫شكِ َني﴾ (األنعام‪) 23 :‬‬ ‫﴿ث ُ َّم لَ ْم تَكُن ِفتْ َنتُ ُه ْم إِالَّ أَن قَالُوا ْ َواللَّ ِه َربِّ َنا َما كُ َّنا ُم ْ ِ‬ ‫ْتونَ﴾ (األنعام‪) 24 :‬‬ ‫﴿انظُ ْر كَ ْي َف كَ َذبُوا ْ َع َل أَنف ُِس ِه ْم َو َض َّل َع ْن ُهم َّما كَانُوا ْ يَف َ ُ‬ ‫﴿ َو ِم ْن ُهم َّمن يَ ْستَ ِم ُع إِلَيْ َك َو َج َعلْ َنا َع َل قُلُو ِب ِه ْم أَكِ َّن ًة أَن يَ ْف َق ُهو ُه َو ِف آذَانِ ِه ْم َوقْ ًرا َوإِن يَ َر ْوا ك َُّل آيَ ٍة الَّ يُ ْؤ ِم ُنوا ْ ِب َها َحتَّى إِذَا‬ ‫َجا ُؤ َوك يُ َجا ِدلُونَ َك يَق ُ‬ ‫ُول ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ إِ ْن َهذَا إِالَّ أَ َس ِاط ُري األَ َّولِ َني﴾ (األنعام‪) 25 :‬‬ ‫﴿ َو ُه ْم يَ ْن َه ْو َن َع ْن ُه َويَ ْنأَ ْو َن َع ْن ُه َوإِن يُ ْهلِكُو َن إِالَّ أَنف َُس ُه ْم َو َما يَشْ ُع ُرونَ﴾ (األنعام‪) 26 :‬‬ ‫﴿ َولَو تَ َر َى إِ ْذ ُو ِقفُوا ْ َع َل ال َّنا ِر فَقَالُوا ْ يَا لَ ْيتَ َنا نُ َر ُّد َوالَ نُ َكذ َِّب بِآيَ ِ‬ ‫ات َربِّ َنا َونَكُو َن ِم َن الْ ُم ْؤ ِم ِن َني﴾(األنعام‪) 27 :‬‬ ‫و َ﴿لَو ُر ُّدوا ْ لَ َعا ُدوا ْ لِ َم نُ ُهوا ْ َع ْن ُه َوإِنَّ ُه ْم لَكَا ِذبُونَ﴾ (األنعام‪) 29 :‬‬ ‫﴿ َولَو شَ اء اللَّ ُه لَ َج َم َع ُه ْم َع َل الْ ُه َدى﴾ (األنعام‪) 35 :‬‬ ‫ص ٍاط ُّم ْستَ ِق ٍيم﴾‬ ‫﴿ َوال َِّذي َن كَ َّذبُوا ْ بِآيَاتِ َنا ُص ٌّم َوبُ ْك ٌم ِف الظُّل َُم ِت َمن يَشَ ِإ اللَّ ُه يُ ْضلِلْ ُه َو َمن يَشَ أْ يَ ْج َعلْ ُه َع َل ِ َ‬ ‫(األنعام‪) 39 :‬‬ ‫َض ُعوا ْ َولَ ِكن ق َ​َس ْت قُلُوبُ ُه ْم َو َزيَّ َن لَ ُه ُم الشَّ ْيطَا ُن َما كَانُوا ْ يَ ْع َملُونَ﴾(األنعام‪) 43 :‬‬ ‫﴿فَلَ ْوال إِ ْذ َجا َء ُه ْم بَأْ ُس َنا ت َ َّ‬ ‫ش ٍء َحتَّى إِذَا فَ ِر ُحوا ْ بِ َا أُوتُوا ْ أَ َخ ْذنَا ُهم بَ ْغتَ ًة فَ ِإذَا ُهم ُّم ْبلِ ُسونَ﴾‬ ‫﴿فَل ََّم نَ ُسوا ْ َما ُذكِّ ُروا ْ ِب ِه فَتَ ْح َنا َعلَ ْي ِه ْم أَبْ َو َ‬ ‫اب ك ُِّل َ ْ‬ ‫(األنعام‪) 44 :‬‬ ‫﴿فَق ُِط َع َدا ِب ُر الْ َق ْو ِم ال َِّذي َن ظَلَ ُموا ْ َوالْ َح ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّب الْ َعالَ ِم َني﴾ (األنعام‪)45 :‬‬ ‫َاب بِ َا كَانُوا ْ يَف ُْسقُونَ﴾(األنعام‪) 49 :‬‬ ‫﴿ َوال َِّذي َن كَ َّذبُوا ْ بِآيَاتِ َنا َ َي ُّس ُه ُم الْ َعذ ُ‬ ‫َاب أَلِي ٌم بِ َا كَانُوا ْ يَ ْك ُف ُرونَ﴾ (األنعام‪) 70 :‬‬ ‫اب ِّم ْن َح ِم ٍيم َو َعذ ٌ‬ ‫ش ٌ‬ ‫﴿أُ ْولَ ِئ َك ال َِّذي َن أُبْ ِسلُوا ْ بِ َا ك َ​َس ُبوا ْ لَ ُه ْم َ َ‬ ‫﴿ َولَو ت َ َرى إِ ِذ الظَّالِ ُمو َن ِف َغ َم َر ِ‬ ‫َاب الْ ُهونِ بِ َا‬ ‫ات الْ َم ْو ِت َوالْ َمالئِ َك ُة بَ ِاسطُوا ْ أَيْ ِدي ِه ْم أَ ْخ ِر ُجوا ْ أَنف َُس ُك ُم الْ َي ْو َم ت ُ ْج َز ْو َن َعذ َ‬ ‫كُنتُ ْم تَقُولُو َن َع َل اللَّ ِه غ ْ َ​َي الْ َح ِّق َوكُنتُ ْم َع ْن آيَاتِ ِه ت َْستَك ِ ُْبونَ﴾ (األنعام‪) 93 :‬‬ ‫نت َعلَ ْيهِم ِب َوكِيلٍ ﴾(األنعام‪) 107 :‬‬ ‫شكُوا ْ َو َما َج َعلْ َن َاك َعلَ ْي ِه ْم َح ِفيظًا َو َما أَ َ‬ ‫﴿ َولَو شَ اء اللَّ ُه َما أَ ْ َ‬ ‫﴿ َوالَ ت َُس ُّبوا ْ ال َِّذي َن يَ ْد ُعو َن ِمن ُدونِ اللَّ ِه فَ َي ُس ُّبوا ْ اللَّ َه َع ْد ًوا ِب َغ ْ ِي ِعل ٍْم كَ َذلِ َك َزيَّ َّنا لِك ُِّل أُ َّم ٍة َع َملَ ُه ْم ث ُ َّم إىل َربِّهِم َّم ْر ِج ُع ُه ْم‬ ‫فَ ُي َن ِّبئُ ُهم بِ َا كَانُوا ْ يَ ْع َملُونَ﴾ (األنعام‪)108 :‬‬ ‫﴿ َونُ َقل ُِّب أَفْ ِئ َدتَ ُه ْم َوأَبْ َصا َر ُه ْم ك َ​َم لَ ْم يُ ْؤ ِم ُنوا ْ ِب ِه أَ َّو َل َم َّر ٍة َونَ َذ ُر ُه ْم ِف طُ ْغ َيانِ ِه ْم يَ ْع َم ُهونَ﴾(األنعام‪)110 :‬‬ ‫‪32‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫ش ٍء قُبُالً َّما كَانُوا ْ لِيُ ْؤ ِم ُنوا ْ إِالَّ أَن يَشَ اء اللَّ ُه َولَ ِك َّن‬ ‫﴿ َولَوأَنَّ َنا نَ َّزلْ َنا إِلَيْ ِه ُم الْ َمالئِ َك َة َوكَلَّ َم ُه ُم الْ َم ْو َت َو َح َ ْ‬ ‫شنَا َعلَيْ ِه ْم ك َُّل َ ْ‬ ‫أَك َ َْث ُه ْم يَ ْج َهلُونَ﴾ (األنعام‪)111 :‬‬ ‫النص نفسه‪ ،‬وال‬ ‫يتسم بامللل (‪ ،)16‬ولكن ال يوجد ٌ‬ ‫بديل آخر ملواجهة ّ‬ ‫هذا كله يدفعك لليأس بالطبع من كرثة ما هو ّ‬ ‫فربا هي لغ ٌة عظيمة‪ ،‬ولكن ال ُيكنني قول املِثل عىل محتويات هذا‬ ‫ُيكنني أن أحكم عىل جودة اللغة العربية‪ّ ،‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬فتقريبًا يف كل صفح ٍة يو ّجه القرآن قُ ّرائه املسلمني أن ميقتوا غري املسلمني‪ ،‬ويف كل صفح ٍة تقريبًا يُج ّهز‬ ‫األرضية املُناسبة للرصاع الديني‪ .‬فألي ٍ‬ ‫شخص يستطيع أن يقرأ تلك النصوص املُقتبسة أعاله وال يرى أي عالق ٍة بني‬ ‫تخصصا يف األمراض العصبية‪ .‬اإلسالم‪ ،‬أكرث من أي‬ ‫إميان املسلم وعنف املسلم أعتقد أنه يجب عليه أن يستشري طبي ًبا ُم‬ ‫ً‬ ‫ديان ٍة صنعها اإلنسان‪ ،‬تحتوي عىل كل املزايا الالزمة لتكون عقيد ًة كامل ًة للموت‪.‬‬ ‫الس ّني الحدايث‪:‬‬ ‫فلقد كتب “سيد قطب” وهو واح ٌد من أهم املُفكّرين املُؤث ّرين يف العامل اإلسالمي وأبو اإلسالم ُ‬ ‫وبغض النظر عن‬ ‫حرصهم الجبان عىل الحياة‪ ،‬مهام كان الثمن ّ‬ ‫«إن القرآن يُشري إىل صف ٍة مزري ٍة أخرى لليهود وهي ُ‬ ‫املنزلة أوالرشف أوالكرامة»(‪ ،)17‬ويف حقيقة األمر فإن هذه العبارة لهي معجز ٌة يف إيجازها‪ ،‬رغم أنها قد تظهر وكأنها‬ ‫ليست أكرث من مجرد عبار ٍة إضافي ٍة للتنكيل ض ّد اليهود ولكنها يف حقيقة األمر خالصة الخالصة فيام يتعلّق بنظرة‬ ‫قليل وستجد ماكينة العنف وعظمة االنتحار قد بدأت يف‬ ‫املسلمني للعامل‪ ،‬فام عليك إال أن تحدق النظر إليها ولو ً‬ ‫التشكّل أمام عينيك‪ .‬تحريم القرآن املُبهم لالنتحار يبدوهنا أنه مسأل ٌة غري مهم ٍة البتة‪.‬‬ ‫يوجد بعض القُضاة املسلمني بالطبع من هؤالء الذين يقولون بأن التفجري االنتحاري هوعكس ما تقوم به مبادئ‬ ‫اإلسالم ولكن باملناسبة أين هم هؤالء القضاة ؟‪ ،‬وأنه وبالتايل اعتربوا أن املُف ّجرين االنتحاريّني ليسو بشهدا ٍء ولكن‬ ‫غي من حقيقة أن التفجريات‬ ‫لحومهم تسعر بها الجحيم‪ .‬ورغم أن رأي األقلية هذا –إذا ُوجد‪ -‬ال يستطيع أن يُ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫قطاعات كبري ٍة يف العامل اإلسالمي ‪-‬حيث تُس ّمى هناك العمليات االستشهادية‪-‬‬ ‫االنتحارية كانت ومازالت ُم ّربر ًة من‬ ‫وبالطبع ٍتربي ٌر كهذا لهو من السهولة مبكانٍ إذا ما أخذنا يف االعتبار املنحى العقائدي لإلسالم‪.‬‬ ‫يف ضوء ما يعتقده املسلم املُتديّن عن الجهاد والشهادة والجنة والكفار‪ ،‬تجد أنه من الصعب أن يظهر التفجري‬ ‫االنتحاري وكأنه يش ٌء شا ٌذ عن العقيدة‪ .‬وبالتايل ليس من العجيب أن نجد الكثري من هؤالء الذين ماتوا مبثل هذه‬ ‫الطريقة قد ا ُعتربوا شهدا ًء م ّمن يشاطرونهم نفس العقيدة والدين‪ .‬أي عملي ٍة عسكري ٍة تتض ّمن قد ًرا كافيًا من خطر‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص يؤ ّدي واجبه‬ ‫املوت ت ُعترب بالرضورة عملي ٌة انتحارية‪ ،‬ويُصبح أم ٌر ُمتناز ٌع فيه أن ت ُف ّرق بني املوت واالنتحار‬ ‫«للدفاع من أجل الله»‪ .‬خالصة القول أن لهؤالء الذين تتوق أنفسهم للشهادة األمر كالتايل‪« :‬طاملا أنك تقاتل الكفار‬ ‫‪33‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫ٍ‬ ‫حينئذ إذا كنت ستُقتل أم ال»‪.‬‬ ‫واملُرت ّدين وأنت تدافع عن اإلسالم‪ ،‬ال يهم الله‬ ‫عاملي ت ّم إجراؤه من قبل ‪Pew Research Center for‬‬ ‫شارك أكرث من مثانية وثالثون الف شخص ‪ 38000‬يف استقصا ٍء ٍ‬ ‫‪ the people and the presss‬وشكّلت النتائج أول منشور من “مرشوع السلوك العاملي” �‪Global Attitudes Proj‬‬ ‫‪ ect‬بعنوان(‪( )18‬مباذا يفكر العامل يف العام ‪ )What the World Thinks in 2002 | 2002‬واحتوت هذه الدراسة عىل‬ ‫االسئلة التالية والتي كانت ُموجه ًة فقط للمسلمني‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫أهداف كاملدن ّيني ال ُع ّزل لهي مربر ٌة للدفاع عن‬ ‫«يعتقد البعض أن التفجري االنتحاري واألشكال األخرى من العنف ض ّد‬ ‫اإلسالم ضد أعدائه‪ ،‬ويعتقد البعض اآلخر أنه مهام كانت األسباب والدوافع‪ ،‬ال ُيكن تربير مثل هذا الشكل من العنف‬ ‫أب ًدا‪ .‬بصف ٍة شخصي ٍة هل تشعر أن هذا الشكل من العنف ُم ّبر غال ًبا‪ُ ،‬م ّبر يف بعض األحيان‪ُ ،‬م ّربر ولكن ناد ًرا‪ ،‬ليس‬ ‫ُمرب ًرا أب ًدا‪.‬‬ ‫قبل أن نطّلع عىل نتائج هذه الدراسة‪ ،‬يجب علينا أن نُق ّدر أهمية وجود «التفجري االنتحاري» جن ًبا إىل جنب مع‬ ‫ٍ‬ ‫«أهداف كاملدنيني»‪ ،‬فنحن نعيش اآلن يف عا ٍمل ت ّم فيه عمل دراس ٍة استقصائي ٍة عىل املسلمني بشكلٍ‬ ‫علمي‬ ‫ٍ‬ ‫(مبعيار خطأ يبلغ مداه من ‪ 2‬إىل ‪ 4‬يف املئة) بحيث إذا‬ ‫كانوا (غالبا‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬ناد ًرا أوأب ًدا) ما يدعمون‬ ‫القتل املُتع ّمد وأذى املدنيني ال ُع ّزل من الرجال والنساء‬ ‫واألطفال من أجل الدفاع عن اإلسالم‪.‬‬ ‫هنا بعض من هذه النتائج من الدراسة التي أجرتها ‪Pew‬‬ ‫( ليست كل النسب املئوية تجمع لـ ‪:)100‬‬ ‫إذا مل تجد هذا األرقام مثري ًة للقلق‪ ،‬حاول أن ت ُفكّر‬ ‫يف األماكن التي مل تشلمها الدراسة كالسعودية‬ ‫واليمن ومرص وإيران والسوادن والعراق واملقاطعات‬ ‫الفلسطينية‪ .‬وأعتقد أنني أستطيع أن أقول وبصد ٍر‬ ‫ُمطم ٍنئ بأنه إذا شملت هذه الدراسة تلك الدول‬ ‫فستفقد لبنان مكانها يف الق ّمة عدة مر ٍ‬ ‫ات لصالح دو ٍل‬ ‫أخرى‪ .‬وكام نعلم فالتفجري االنتحاري يتض ّمن بداخله‬ ‫فكرة «االنتحار» والتي يعتقد معظم املسلمون بشكلٍ‬ ‫‪34‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫واض ٍح بأنّها ُمحرم ٌة من قبل الله‪ .‬وبالتايل فإذا كان السؤال كالتايل‪ :‬هل ُيكن تربير قتل مدن ّيني لصالح الدفاع عن‬ ‫اإلسالم؟‪ ،‬أعتقد أنّنا كنا سنت ّوقع مزي ًدا من التأييد من قبل املسلمني لإلرهاب‪.‬‬ ‫هذه األرقام شنيعة‪ ،‬لوأجاب كل املسلمني كام أجابت تركيا‪ 4% ( ،‬غالبًا ُم ّربرة‪ 9% ،‬يف بعض األحيان ُم ّربرة و‪ 7%‬ناد ًرا‬ ‫ما تكون مربرة)‪ ،‬لكان ما يزال هناك مشكل ٌة نقلق منها‪ ،‬لكننا نتكلّم عن وجود أكرث من ‪ 200‬مليون مسلم يُق ّرون‬ ‫ويدعمون اإلرهاب‪ .‬ولكن تركيا مقارن ًة ببقية العامل اإلسالمي هي جزيرة ُسفراء النوايا الحسنة‪.‬‬ ‫فلنتخ ّيل أن السالم قد ح ّط يو ًما ما عىل الرشق األوسط‪ ،‬ماذا سيقول املسلمون وقتها عن دعمهم للتفجريات‬ ‫جيل من املرىض االجتامعيني ‪ ،Sociopaths‬كيف سيُحاسبوا أنفسهم عىل االحتفاالت‬ ‫اإلرهابية؟ هل سيقولون‪ :‬لقد كنا ً‬ ‫شاب ُولد يف وضع ّي ٍة جيد ٍة باملقارنة بأقرانه‪ ،‬ميأل مالبسه باملتف ّجرات‪،‬‬ ‫التي تُقام عقب تلك «العمليات االستشهادية»؟‪ٌ ،‬‬ ‫ملهى لييل‪ ،‬ويتم تهنئة أ ّمه عىل الفور من ٍ‬ ‫مئات من جريانها‪.‬‬ ‫ويُف ّجر نفسه هو وبضعة أطفا ٍل يف ً‬ ‫مباذا س ُيفكّر الفلسطين ّيون يف مثل هذا الفعل إذا ما قام السالم يو ًما؟ إذا ما كانوا يومها مازالو مسلمني متديّنني فعىل‬ ‫األغلب سيكون هذا هواعتقادهم‪« :‬أطفالنا يف الجنة‪ ،‬ولقد م ّهدوا لنا الطريق لنلحق بهم‪ ،‬وأُع ّدت الجحيم للكافرين»‪.‬‬ ‫أعتقد أنه كحقيق ٍة بديهي ٍة للطبيعة البرشية لن تقوم قامئ ٌة يف الغالب ليش ٍء اسمه سالم‪ ،‬إذا ما ظلّت عقائ ٌد كتلك‬ ‫تعيش بيننا لوقت طويل‪.‬‬ ‫نغض الطرف عن أن نسب ًة كبري ًة من العامل اإلسالمي تعتقد بأن الرجال الذين أسقطوا برجي التجارة‬ ‫يجب علينا أن ال ّ‬ ‫العامليّني هم اآلن يف حرضة الله يف وسط ﴿أَنْ َها ٌر ِّمن َّماء غ ْ َِي ِ‬ ‫َي طَ ْع ُمهُ َوأَنْ َها ٌر ِّم ْن َخ ْم ٍر‬ ‫آس ٍن َوأَنْ َها ٌر ِمن ل َ ٍَّب ل َّْم يَ َتغ َّ ْ‬ ‫لَّ َّذ ٍة لِّلشَّ ا ِر ِب َني َوأَنْ َها ٌر ِّم ْن َع َسلٍ ُّم َصفًّى﴾(محمد‪ ،)15 :‬هؤالء الرجال الذين ذبحوا املُضيفني‪ ،‬بجانب من لقى حتفه‬ ‫وف َعلَ ْيه ِْم ِولْدَ انٌ ُم َخلَّدُ ونَ ﴾‬ ‫من أزوا ٍج وذويهم وذلك باصطدامهم بهم برسعة ‪ 800‬كيلومرت‪/‬ساعة‪ .‬هؤالء اآلن ﴿ َيطُ ُ‬ ‫اف َعلَ ْيهِم بِآنِ َي ٍة ِّمن ِفضَّ ٍة‬ ‫يم َو ُملْكًا كَ ِبريًا﴾(اإلنسان‪َ ﴿ .)20 :‬ويُطَ ُ‬ ‫(الواقعة‪ ،)17 :‬وهم يهنئون فلقد وعدهم ﷲ ﴿نَ ِع ً‬ ‫اب كَان َْت َق َوارِي َرا﴾ (اإلنسان‪.)15 :‬‬ ‫َوأَكْ َو ٍ‬ ‫وطب ًعا تطول القامئة باألنعم التي تنتظرهم‪ .‬ولكن ما الذي سيجعل الشهيد يستيقظ باك ًرا ليقوم من رسيره يف آخر‬ ‫شخصا –الذين نفذّوا أحداث الـ ‪ 11‬من سبتمر‪ -‬بأن ق ّدم‬ ‫يوم له بني األحياء؟ هل قام أحد الخاطفني من التسعة عرش ً‬ ‫حصته من الحرير؟ أجد هذا ُمث ًريا للشك والريبة‪ .‬ولكن ما أجده‬ ‫نفسه للهالك ليصل إىل جنة ﷲ ليحصل فقط عىل ّ‬ ‫ُمث ًريا للسخرية يف حق املوضوع نفسه هو هذا الوصف‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫جتمعات من أكرث املجتمعات التي تعاين من الكبت الجنيس يف العامل اليوم‪،‬‬ ‫«إن هؤالء االنتحاريني يعيشون ضمن ُم‬ ‫تجد هؤالء الذين ميوجون يف موج ٍة من موجات القتل الغاضب ال ليشء إال أن يلحقوا ببعض العاهرات! لقد تم‬ ‫‪35‬‬


‫املـشكلة يف اإلسـالم‬ ‫الجــزء األول‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫يل فاخر حيث‬ ‫التغرير بهم بالشهادة وذلك عن طريق مفهوم الجنة والتي ّ‬ ‫ملهى لي ٍ‬ ‫أقل ما ميكن أن يُقال عنها أنها ً‬ ‫الخمر والنساء»‪.‬‬ ‫بعي ًدا عن العواقب األخالقية الوخيمة التي تأيت من الدخول يف مثل هذه الغيب ّيات‪ ،‬يجب علينا أن نالحظ كيف أن‬ ‫فنبي أىت من القرن السابع امليالدي ل ُيخربنا أن الجنة هي حديقة‪ ،‬مليئ ٌة بأنها ٍر‬ ‫جنة املسلمني تلك غري معقولة البتة‪ٌ .‬‬ ‫من الحليب والعسل فهومثل ٍنبي يف القرن الحادي والعرشين أىت ل ُيخربنا بأن هناك مدين ٌة رائع ٌة يف ملعانها حيث كل‬ ‫ٍ‬ ‫شخص هناك يستطيع أن يقود سيارة ‪ Lexus‬لكزس جديدة‪ .‬االنعكاس اللحظي للمنطق يجب أن يظهر لنا هنا وذلك‬ ‫بأن تلكم ترصيحاتٌ ال تشري إىل أي يش ٍء يتعلّق بحياة ما بعد املوت‪ ،‬وبالطبع عن أنه ال يوجد حدو ٌد للمدى الذي قد‬ ‫تصل إليه ُمخ ّيلة اإلنسان‪.‬‬ ‫الهوامش‪:‬‬

‫• ‪https://ar.wikipedia.org/wiki/Sam_Harris‬‬ ‫• هنا يقصد ما يعرف يف اإلسالم باسم “جهاد النفس” – املرتجم‪.‬‬ ‫‪B. Lewis, The Crisis of Islam: Holy War and Unholy Terror (New York: Modern Library, 2003), 32‬‬ ‫‪M. Ruthven, Islam in the World, 2d ed. (Oxford: Oxford Univ. Press, 2000), 7‬‬ ‫‪.Lewis, Crisis of Islam, 55‬‬ ‫•والفتنة أش ّد من القتل (البقرة‪ ،)191 :‬والفتنة هنا بإجامع التفاسري “هي الرشك بالله”‪ ،‬ولكن حكم االمرباطور املغويل “أكرب” والذي حكم يف الفرتة ‪ ،1605-1556‬وكان تسامحا‬ ‫منه أن سمح للهندوس بالقيام بشعائرهم‪ ،‬رغم ان هذا يعترب انتهاك رصيح للرشع اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪F. Zakaria, The Future of Freedom: Illiberal Democracy at Home and Abroad (New York: W. W. Norton, 2003), 126‬‬ ‫•‪See A. Dershowitz, The Case for Israel (Hoboken, N.J.: John Wiley, 2003), 61‬‬ ‫‪R. S. Wistrich, Anti-Semitism: The Longest Hatred (New York: Schocken Books, 1991), and Dershowitz, Case for IsraelL. Binder, Islamic Liberal‬‬‫‪ism: A Critique of Development Ideologies (Chicago: Univ. of Chicago Press, 1988), 129‬‬ ‫‪A. Cowell, “Zeal for Suicide Bombing Reaches British Midland,” New York Times, May 2, 2003‬‬ ‫‪Lewis, Crisis of Islam, xxviii‬‬ ‫‪Ruthven, Islam in the World, 137-catsteven.com/articles/00013‬‬ ‫وإذا مل يتنصل من هكذا فتوى شخص كهذا الذي تعلم يف الغرب والذي كان يوما من هؤالء الهيبيز‪ ,‬فام بالك مبشاعر هؤالء الذين كانوا يجولون يف شوارع طهران ؟‪.‬‬ ‫‪K. H. Pollack, “The Crisis of Islam’: Faith and Terrorism in the Muslim World,” New York Times Book Review, April 6, 2003 6‬‬ ‫•وكام كتب توماس كاراليل (‪“ ،)1795-1881‬يجب أن أرصح‪ ،‬إنها ألكرث قراءة اجهدتني وأخذت عىل عاتقي أن أكملها يف حيايت‪ ،‬إنه لخليط مضجر ومحري‪ ،‬جاف ومفكك بتكرار ال‬ ‫ينتهي‪ ،‬وإسهاب ميلء بالتعقيد‪ ،‬وغباء ال يحتمل‪ ،‬باختصار‪ ،‬ال يشء ميكن أن يحمل األورويب عىل الخوض يف غامر القرآن غري إحساسه بالواجب”‬ ‫•هذا النص مقتبس من‪Ruthven, Islam in the World, 81-82 :‬‬ ‫‪Cited in P. Berman, Terror and Liberalism (New York: W. W. Norton, 2003), 68‬‬ ‫‪www.people-press.org‬‬

‫‪36‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة‬ ‫موجودة عىل‬ ‫أرض الواقع‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫ُمرتجم من مقطع عىل يوتيوب بعنوان ‪:‬‬ ‫‪Bizarre Religions That Actually Exist 7‬‬ ‫من قناة ‪ Thoughty2‬التي تعرض املعلومات بطريقة فكاهية‬ ‫‪37‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة‬ ‫عىل أرض الواقع‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫إىل حد عام ‪ 2015‬يوجد ما يقارب الـ ‪ 4200‬دين يف العامل‪ ،‬بعضها عمره آالف السنني إضاف ًة إىل وجود أديانٍ حديث ٍة يتم‬ ‫ٍ‬ ‫ديانات والتي تبدو وكأننا اختلقناها بنفسنا ولكنها ليست كذلك‪:‬‬ ‫اخرتاعها دامئًا‪ .‬إليكم أغرب سبع‬

‫‪ - 1‬ديانة الجيداي ‪Jedi‬‬

‫لنبدأ مع أكرب دين يف قامئتنا‪ :‬يف عام ‪ 2001‬وبفضل قيام بعض البلدان بعملية التعداد السكاين تم اكتشاف بأن هذه‬ ‫الديانة هي ثاين أكرب ديانة يف نيوزيلندا ورابع أكرب ديانة يف كل من إنكلرتا وويلز‪.‬‬ ‫قد يبدو األمر غري ًبا‪ ،‬لكن نعم حوايل ‪ 1.5%‬من النيوزيلنديني وضعوا الجيداي كدينهم الرسمي‪ ،‬بينام اختار ‪ 8.9%‬من‬ ‫السكان املسيحية واملوقعني اآلخرين كانتا (الديني) و(التحفظ عىل اإلجابة)‪ ،‬وهذا يجعل الجيداي الديانة الثانية يف‬ ‫معنى يف سؤالهم عام إذا كان هذا دين‪.‬‬ ‫نيوزيلندا إال لو كانت (التحفظ عىل اإلجابة) ت ُعترب دي ًنا وال يوجد ً‬ ‫يف إنكلرتا وويلز ‪ 0.8%‬من السكان اختاروا الجيداي كدينٍ‬ ‫لهم ومع كون أكرب الديانات يف البالد هي املسيحية واإلسالم‬ ‫والهندوسية‪ ،‬إذن من أين أىت هذا؟‬ ‫وقت طويلٍ ج ًدا‪ ،‬يف ٍ‬ ‫قبل ٍ‬ ‫بلد ليس بعيد قام مجلس املجرة‬ ‫وأعني بهذا حكومات دول الكومنولث بإخبار الجميع بأنهم‬ ‫بصدد إجراء تعدا ٍد سكاين‪ ،‬الكثري من الناس عىل االنرتنت مل‬ ‫يكونوا راغبني بإخبار الحكومة عن دينهم وبهذا بدأت أول‬ ‫الظواهر االنرتنيتية حيث بدأ الناس بالترصيح عن نفسهم‬ ‫بأنهم جيداي يف التعداد السكاين‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة‬ ‫عىل أرض الواقع‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫حني تنظر إىل معتقداتهم هذه ستجد أنها إيجابية ومرضية‪ ،‬فهم يؤمنون بالقوة ‪( The Force‬القوة كام يعرفها اويب ون‬ ‫كنويب يف أفالم حرب النجوم ‪ Star Wars‬بكونها حقل طاق ٍة ُصنع بواسطة كل األحياء وهو يُحيط ويخرتق كل الكائنات‬ ‫وجانب ُمظل ٌم يتحكّم به أعداء الجيداي املدع ّوون‬ ‫خي يتحكّم به الجيداي‬ ‫جانب ّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الحية ويجمع املجرة مع بعضها ولديها ٌ‬ ‫السيث ‪ ) The Sith‬وبالحق املوروث لجميع األحياء بالعيش بها‪ ،‬وباقي املعتقدات هي فقط عن نبذ العنرصية وأن‬ ‫تكون منطق ًيا وحسب اعتقادي عدم الحديث ُمطلقًا يف العامة عن تهديد الشبح ‪( The Phantom Menace‬الفيلم‬ ‫الرابع يف تصنيف اإلنتاج واألول يف القصة من سلسلة حرب النجوم)‪.‬‬ ‫ويف الواقع فطوائفهم تسمح لهم بتكوين وزار ٍة عاملية ُم ٌ‬ ‫عرتف بها و ُمس ّجل ٌة ك ُمنظم ٍة خريية‪ .‬فإذا كان عندك أي نقو ٍد‬ ‫مجرية فأنت تعرف اآلن إىل أين ترسلهم‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة‬ ‫عىل أرض الواقع‬ ‫‪ – 2‬ديانة األمري فيليب ‪Prince Philip‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫هناك بعض الناس الذين نخطيء ونظ ّنهم آلهة “ريان غوسلينغ ‪“ Ryan Gosling -‬مثال بوجهه الوسيم أو بطل‬ ‫(ممثل‬ ‫ٌ‬ ‫الشطرنج بويب فيرش ‪ Bobby Fischer‬مع ذكائه الخارق والرسيع أو حتى هيو جاكامن ‪Hugh Jackman‬‬ ‫ٌ‬ ‫مثل عىل ق ّمة جبلٍ ما‪ ،‬لكن ال‬ ‫معروف بأفالم ‪ X-man‬بدور ولفرين ‪ )Wolverine‬حني نراه يقطع الخشب ً‬ ‫أسرتايل‬ ‫أحد من هؤالء الناس لديه أتبا ٌع دينيون‪ .‬الرجل الذي لديه أتبا ٌع دينيون هنا هو األمري فيليب دوق أدنربة وزوج امللكة‬ ‫اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا وأتباعه هنا ليسوا متطرفني وطنيني بريطانيني‪ ،‬أتباعه هم سكان جزيرة صغرية تسمى‬ ‫“تانا ‪ “ Tanna‬وهي جز ٌء من جمهورية فانواتو‪.‬‬ ‫فانواتو هي عبارة عن مجموعة جزر تقع جنوب املحيط الهادئ عىل بعد ‪ 2000‬كم إىل الشامل الرشقي من أسرتاليا‬ ‫وتانا هي واحد ٌة من الجزر االثنني والثامنني التي سكانها من القومية امليالنيزية ُمبعظمهم والذين ميلكون أصولً مشابه ًة‬

‫لألسرتاليني األصليني‪ ،‬هناك خراف ٌة يف الجزيرة تتكلّم عن‬ ‫روح األسالف التي ذهبت عرب البحار لتجد زوج ًة قوية‪،‬‬ ‫لذا حني قام األمري فيليب بزيارة الجزيرة سنة ‪1974‬‬ ‫متأبطا ذراع جاللتها إحدى أقوى النساء يف العامل‪ ،‬ق ّرر‬ ‫السكان وقتها أن املواصفات تنطبق عىل األمري وأعلنوه‬ ‫إل ًها عليهم‪ .‬ويبدو أنه عاىن من نفس مصري ‪C-3PO‬‬ ‫(روبوتٌ آخر من سلسلة حرب النجوم) أثناء استضافته‬ ‫من قبل اإليواكس ‪( Ewoks‬أحد الشعوب البدائية‬ ‫الخيالية من حرب النجوم) أثناء زيارته إلندور ‪.Endor‬‬ ‫أنيس فقد بعث لهم بصور ٍة‬ ‫ولكون األمري فيليب ٌ‬ ‫رجل ٌ‬ ‫موقع ٌة منه‪ ،‬فقاموا بالرد بإرسال هراو ٍة ت ُستعمل لقتل‬ ‫الخنازير‪ ،‬وال أعرف هنا ما إذا كان لهذا السالح عالق ٌة‬ ‫بأزدياد استهالك البيكون يف قرص بيكنغهام ذلك العام‪.‬‬ ‫قام الرسول جاك ‪ -‬قائد وع ّراف حركة األمري فيليب‬ ‫الدينية – باال ّدعاء بأن اإلعصار الكبري الذي رضب‬ ‫الجزيرة يف بدايات سنة ‪ 2015‬كان إشار ًة إىل أن األمري‬ ‫العظيم سريجع إىل الجزيرة عام ‪ 2016‬لذا علينا االنتظار‬ ‫لرؤية هذا‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة‬ ‫عىل أرض الواقع‬ ‫‪ – 3‬ديانة جون فروم ‪The John Frum Movement‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫طوائف تشكّلت بعد‬ ‫ليس بعي ًدا عن تانا‪ ،‬يوجد يف فنواتا العديد من الطوائف التي تُق ّدس السفن التجارية‪ ،‬وهي‬ ‫ٌ‬ ‫احتكاك امليالنيزيني مع املُج ّمعات االستعامرية التي كانت تزور الجزيرة‪ ،‬فعىل جزيرة تانا نفسها ‪ 50%‬من السكان هم‬ ‫أعضا ٌء من حرك ٍة اسمها جون فروم والتي بدأت عن طريق رؤيا لكبارهم يف أواخر ‪ 1930‬وتحقّقت مع مجيء الجنود‬ ‫األمريكان يف الحرب العاملية الثانية إىل الجزيرة‪.‬‬ ‫جاء االسم حينام قام أحد الجنود بإخبار السكان بأنه جون من أمريكا ‪ John from America‬وحينها رأى الناس‬ ‫األشياء والحموالت املذهلة التي أحرضها هؤالء الجنود مثل املركبات وأجهزة الراديو واملاركة الرائجة عامليا (كوكا كوال)‪...‬‬ ‫يوم وس ُيشارك أغراضه الرائعة معهم جمي ًعا‪.‬‬ ‫وعندما غادر الجنود اعتقد الناس بأن جون فروم سريجع ذات ٍ‬ ‫بشكلٍ ما ف ُهم كانوا ُمحقّني مع بناء مطا ٍر وبعض املباين األخرى لغرض التعليم باإلضافة لوجود العديد من األشياء‬ ‫الغربية‪ ،‬كان الناس ُممت ّنني ج ًدا ووضعوا يو ًما تحتفل به ُمجتمعاتهم باسم يوم “جون فروم ‪“ John Frum Day‬‬ ‫وهو يف يوم الخامس عرش من فرباير ويحتفلون بعودة جون فروم يف مثل هذا اليوم باستعر ٍ‬ ‫اض ُمشابه لالستعراضات‬ ‫العسكرية ويصولون الجزيرة ويحملون العلم األمرييك ويكتبون ‪ USA‬عىل صدورهم بصبغٍ أحمر ويقومون بإشعال‬ ‫األلعاب النارية ورشب الجعة يف احتفا ٍل مشابه الحتفال يوم االستقالل األمرييك املصادف يف الرابع من يوليو‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة‬ ‫عىل أرض الواقع‬ ‫‪ – 4‬الباستافارية ‪Pastafarian‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫ديانتنا التالية لديها الكثري من األتباع امللحدين‪ ،‬قد تتساءلون هنا ‪ :‬كيف ميكن ٍ‬ ‫ألناس ال يؤمنون بفكرة األديان أن يكون‬ ‫لديهم دين؟‬ ‫الباستافاريني لديهم الجواب لهذا‪ ،‬فالباستافارية ظهرت عام ‪ 2005‬حني قام بويب هندرسون ‪Bobby Henderson‬‬ ‫مبناقشة وحش السباغيتي الطائر يف رسال ٍة مفتوح ٍة إىل مجلس والية كنساس التعليمي‪ ،‬فهذا اإلله هو عبارة عن كومة‬ ‫طائرة من املعكرونة وكرات اللحم وإذا بدا هذا سخيفًا لكم فهذا هو هدفه فقد جاء بويب بهذه الفكرة لغرض الوقوف‬ ‫ضد قرار تدريس نظرية الخلق يف املدارس بفضل حمل ٍة قامت بها بعض الجامعات املسيحية‪ .‬ولهؤالء منكم ممن ال‬ ‫يعرفون فحوى هذا الخالف فامللحدين ومن ضمنهم عد ٌد كب ٌري من العلامء يعتقدون بأن الكون تك ّون قبل ‪ 14‬بليون‬ ‫عام واألرض تكونت قبل أربعة ونصف بلي ّون عام والحياة منت وتن ّوعت عليها من خالل التطور مع تح ّول املتعض ّيات‬ ‫وصول إلينا – قمة التطور البرشي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الصغرية‬

‫‪42‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة‬ ‫عىل أرض الواقع‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫عام وكل مخلوقٍ تم خلقه عىل شكله الحايل وهذا ما يُس ّمى‬ ‫الخلق ّيون يعتقدون بأن الله خلق األرض قبل ‪ 10‬آالف ٍ‬ ‫“بالتصميم الذيك ‪ “ Intelligent Design‬وهو يختلف مع نظرية التطور بأشياء كثرية‪.‬‬ ‫رصح لحم بقر الباستافاريني (أو مهام كان نوع اللحم املوجود يف وحش السباغيتي الطائر) بأن تعليم نظرية الخلق‬ ‫يُ ّ‬ ‫يف املدارس ينتهك األسس العلامنية التي تم بناء قوانني الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬عليها حيث يجب أن يكون هناك‬ ‫كامل بني الكنيسة والدولة وهذا يشمل املدارس‪ ،‬ومع كون نظرية الخلق مجرد فكر ٍة ديني ٍة محدد ٌة لبضعة أديان‬ ‫فصل ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وليس كلهم لهذا ال يجب أن تكون جز ًءا من التعليم‬ ‫رصح بويب هندرسون بأنه‬ ‫الحكومي‪ .‬وإلثبات هذا ّ‬ ‫ٌ‬ ‫خارق للطبيعة هو الذي‬ ‫يُؤمن بأن طعا ًما إيطال ًيا‬ ‫خلق العامل وكلام يقوم العلامء بقياس عمر مادة ما‬ ‫باستخدام الكربون يقوم هذا اإلله بتغيري النتيجة‬ ‫باستخدام زوائده املعكرونية‪.‬‬ ‫ويقول بويب بأن معتقداته صالح ٌة حالُها حال‬ ‫معتقدات الخلقيني ولهذا يجب شملها يف النظام‬ ‫التعليمي‪ ،‬انترشت هذه الفكرة عىل االنرتنت وبهذا‬ ‫صار لدى كنيسة السباغيتي الطائر العديد من األتباع‬ ‫وصول إىل القراصنة الذين كانوا هم الباستافاريني‬ ‫ً‬ ‫األصليني!‬ ‫قد ي ُه ّمكم أن تعرفوا بأن نقص القراصنة هو السبب‬ ‫حل لهذا سوى إصدار‬ ‫الرئيس لالحتباس الحراري وال ّ‬ ‫‪ 18‬فيلم آخر عن “جاك سبارو ‪”Jack Sparrow‬‬ ‫(سلسلة أفالم قراصنة الكاريبي من بطولة جوين‬ ‫ديب) (تهكم)‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة‬ ‫عىل أرض الواقع‬ ‫‪ – 5‬شعب الكون ‪Universe People‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫لننتقل اآلن من الصلصة إىل الفضائيني ولننظر إىل أحد “ديانات اليوفو ‪ “ UFO‬املتعددة التي ظهرت يف النصف الثاين‬ ‫من القرن العرشين‪ .‬شعب الكون أو كونيو قوى الضوء‪ ،‬وهم يعتقدون بأن هناك أسطولً من السفن الفضائية يطوف‬ ‫حول األرض يتد ّخل بحياة األخيار من الناس ويُساعدهم‪ .‬ويف أحد األيام ستقوم قياد ة أشتار املجرية �‪Ashtar Galac‬‬ ‫‪ tic Command‬التي تقود هذه السفن بجمع املؤمنني ونقلهم إىل عا ٍمل رائعٍ آخر‪ .‬معظم هؤالء املؤمنني يتمركزون‬ ‫كتاب باسم‬ ‫يف جمهورية التشيك وسلوفاكيا بفضل مؤسس الديانة ايفو ا‪ .‬بيندا ‪ Ivo A. Benda‬حيث نُرش عام ‪ٌ 1997‬‬ ‫ٍ‬ ‫إرشادات من أصدقايئ يف الكون) (‪Interviews with Instructions from my friends from the‬‬ ‫(مقابالت مع‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بجوالت وإعطاء بعض املحارضات للناس مام أوصله بالتايل إىل التلفاز الوطني يف‬ ‫كأساس للقيام‬ ‫‪ )universe‬واستعمله‬ ‫كلٍ من جمهورية التشيك وسلوفاكيا ويف أواخر عام ‪ 2000‬رصح بيندا بأن عامل الفضائيني مشاب ٌه لألرض يف احتوائه عىل‬ ‫ٍ‬ ‫خيين وأرشار‪.‬‬ ‫أناس ّ‬ ‫(شعب خيا ٌيل نتج من تط ّور الزواحف ويظهر يف كثريٍ من ألعاب الفيديو‬ ‫فالسوريانز ‪( Saurians‬اإلنسان – الزاحف)‬ ‫ٌ‬ ‫وأفالم الخيال العلمي) قادمون للنيل منا وبيندا سيقوم مبا بوسعه إليقافهم يف استذكا ٍر مشابه للرواية التشيكية ‪War‬‬ ‫‪ with the Newts‬ملؤلفها “كارل كابيك ‪“ Karel Capek‬حيث تقوم حيوانات السلمندر بالقضاء عىل البرش‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 2007‬تسبّبت خطط بيندا بإنذا ٍر أمني يف وزارة الدفاع السلوفاكية حني وصلت شحنة الربوتكتني الخاصة به‬ ‫والتي كانت تتضمن أقراص إرشادية وأغراض دعائية‪ .‬إذا مل يستطع املرء حامية نفسه من الزواحف الناطقة ببعض‬ ‫املُحارضات املُس َّجلة واأللعاب النارية كيف عساه يفعل؟‬ ‫بيندا ما زال يقاتل وميكنكم رؤية ما يفعله عىل موقعه اإللكرتوين ‪ universe-people.com‬ورمبا ستحتاجون إىل نظار ٍ‬ ‫ات‬ ‫حني تتصفّحون املوقع ألنه ملو ٌن أكرث من جوارب اليونيكورن املل ّونة التي يستعملها املراهقون‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة‬ ‫عىل أرض الواقع‬ ‫‪ – 6‬العلم السعيد ‪Happy Science‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫انا ال أقول بأن الرجل – الزاحف حقيقي‪ ..‬لكنهم إن كانوا كذلك فأنا متأك ٌد بأن القائد الديني التايل هو واح ٌد منهم‪.‬‬ ‫تأسست “العلم السعيد” عام ‪ 1986‬عن طريق “ريوهو أوكاوا ‪ “ Ryuho Okawa‬الذي يبدو شبي ًها بالزواحف‪ ،‬فبعد أن‬ ‫ّ‬ ‫قرأ بعض كتب “تاكاهايش شينجي ‪“ Takahashi Shinji -‬املُلهمة (وال أقصد العب البيسبول هنا) بل أقصد تاكاهايش‬ ‫شينجي املشهور اآلخر الذي كان قائ ًدا لجمعية ضوء الرب ‪ God Light Association‬وكانت لهذه الكتب أثرها عىل‬ ‫السيد أوكاوا وجعلته يرى بأنه التجسيد الحي للمسيح وبوذا والله وغريهم‪ .‬كان قرا ًرا صع ًبا عليه لكنه أدرك مبا أنه‬ ‫ٍ‬ ‫مستوف لوظيفته يف رشكة تجار ٍة ياباني ٍة كبرية رغم كونها كانت وظيف ًة‬ ‫كان إل ًها خارقًا قاد ٌر عىل كل يش ٍء فهو أكرث من‬ ‫جيدة‪ ،‬لذلك استقال منها وبدأ بنرش كلمته عن أنه اإلله العظيم الخارق املدعو “الكنتارا ‪“ El Cantare -‬وكون معناها‬ ‫(املُغني) باللغة اإلسبانية هو مجرد صدف ٍة كونية‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة‬ ‫عىل أرض الواقع‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫لتكون عاملًا سعي ًدا فعليك الرتكيز عىل الطرق األربعة (الحب‪ ،‬الحكمة‪ ،‬التأ ّمل الذايت والتقدم) وال تتطلّب أي معرف ٍة‬ ‫علمي ٍة حقيقية فال تقلق إذا نسيت ما تعرفه عن الكيمياء‪ ..‬قد تحتاج إىل نسيان ٍ‬ ‫بعض من تاريخك ألن الكنتارا قد أخربنا‬ ‫بأن فرت ٍ‬ ‫ات معين ٍة يف التأريخ الياباين مثل املجازر التي قام بها اليابانيون يف الحرب العاملية الثانية مل تحصل فعال‪.‬‬ ‫سيايس اسمه حزب تحقيق السعاد ة �‪The Happiness Realisa‬‬ ‫جناح‬ ‫السياسة ال تنتهي هنا حيث لدى هذه الحركة ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ tion Party‬وابتدأ هذا الحزب أعامله عام ‪ 2009‬وحصل بشكلٍ مفاجئ عىل مليون ٍ‬ ‫صوت يف مقاطعات اليابان الـ‪300‬‬ ‫ٍ‬ ‫مقعد نيايب‪ ،‬مام ضاعف تركيزهم عىل هدفهم وهو مضاعفة سكان اليابان وبناء ترسان ٍة‬ ‫ومع هذا مل يحصلوا عىل أي‬ ‫أساسا‬ ‫نووي ٍة لتهديد الصني وكوريا الشاملية‪ .‬فهم حقًا ال يحبون كوريا الشاملية وال الصني وال أعرف إن كان بإمكاننا ً‬ ‫تسمية األسلحة النووية بالعلم السعيد ولكن أوالً وآخ ًرا فأنا لست هذا اإلله الخارق فام الذي أعرفه بالضبط؟‬

‫‪ – 7‬جامعة املعبد الشميس ‪The Order of The Solar Temple‬‬

‫سل حني يتعلّق باألمري الربيطاين والرجال الزواحف والكنتارا‪.‬‬ ‫ديانتنا األخرية لديها تاري ٌخ أسو ٌد أكرث من البقية‪ ..‬فاألمر ُم ِّ‬ ‫لكن حني تؤ ّدي بك طائفتك إىل القتل واالنتحار الجامعي فهذا بحثٌ آخر‪.‬‬ ‫جامعة “املعبد الشميس” ظهرت عام ‪ 1984‬عن طريق كلٍ من “جوزيف دي مامربو ‪ Joseph di Mambro‬ولوك‬ ‫ٍ‬ ‫ملجموعات أخرى انشأها دي مامربو يف العقد السابق أو كان مجرد عض ٍو بها‪.‬‬ ‫جوريت ‪“ Luc Jouret‬وكانت استمرا ًرا‬ ‫كانت البداية يف سويرسا ثم نقلوا مق ّرهم الرئييس إىل كوبيك – كندا يف أواخر الثامنينات‪ ،‬لديان ٍة كانت مبنية عىل مصاد ٍر‬ ‫مختلطة ومصدرها الرئييس هو “فرسان الهيكل ‪. ”Knight Templars‬‬ ‫فكرتهم تتلّخص باسرتجاع التوازن يف القوى يف العامل وتهيئة الطريق للمجيء الثاين للمسيح (امللك الشميس) وكذلك‬ ‫أخذوا اإللهام من املُن ِّجم الربيطاين أليسرت كراويل ‪.Aleister Crowley‬‬ ‫وظهر الجانب املظلم للجامعة أمام العامل يف أكتوبر عام ‪ 1994‬مع حاالت املوت عىل جانبي املحيط األطليس حيث تم‬ ‫ٍ‬ ‫إشاعات عن كون دي مامربو قد ّ‬ ‫شك بأن هذا الطفل هو املسيح الدجال‪ .‬وبعد‬ ‫قتل زوجني وطفلٍ صغري يف كوبيك مع‬ ‫أيام يف سويرسا تم إيجاد كل من دي مامربو وجوريت ميتني مع ‪ 46‬عض ٍو آخر من أعضاء الطائفة‪ ،‬ليس هذا فقط‬ ‫عدة ٍ‬ ‫بل كانت الجثث مرتبة عىل األرض بشكلٍ شبي ٍه للشمس‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫‪ 7‬ديانات غريبة موجودة‬ ‫عىل أرض الواقع‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫مل نعرف القصة الحقيقية ملا حصل هناك‪ .‬لكن العديد منهم ت ّم تخديرهم وبعضهم ت ّم إطالق النار عليه والبعض اآلخر‬ ‫ٍ‬ ‫بأكياس وكال املبنيني كانا يحرتقان‪ .‬لسوء الحظ مل ينتهي هذا مبوت املؤسسني بل كانت‬ ‫اختنقوا بواسطة حبس رؤوسهم‬ ‫هناك حاالت قتلٍ جامعي أخرى عامي ‪ 1995‬و‪ 1997‬واتّضح باآلخر بأن حاالت القتل واالنتحار هذه كانت من ُمتطلبات‬ ‫االنضامم إىل املعبد الشميس‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ابل‬

‫ة‬ ‫م‬

‫ج‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫ا‬ ‫مل‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫‪7‬‬ ‫ل‬ ‫‪3‬‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫‪48‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫ٍ‬ ‫شهادات عليا‬ ‫حاصل عىل‬ ‫ٌ‬ ‫عبد العزيز عبدالله القناعي‪،‬‬ ‫موظف بإحدى قطاعات‬ ‫يف مجال إدارة املعلومات‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫صحفي منذ ‪ .1989‬مهت ٌم بالشأن‬ ‫وكاتب‬ ‫الدولة يف الكويت‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫العام واإلقليمي‪ .‬صدر له ديواين شعر‪ ،‬األول بعنوان «عف ًوا إن‬ ‫أحببتك» والثاين «يا جروحي ال تعتبني» يحملون هموم ومشاعر‬ ‫ٍ‬ ‫قصائد سياسية‪ ،‬ويرشح حال‬ ‫املواطن العريب‪ ،‬فالديوان األول يحتوي عىل‬ ‫املواطن يف مجتمعاتنا العربية‪ .‬كتب الكثري من املقاالت والدراسات حول‬ ‫تأثري الدين اإلسالمي عىل حياة وواقع مجتمعاتنا العربية واإلسالمية‪ ،‬وت ّم نرشها‬ ‫يف العديد من الصحف واملجالت املحلية والعربية‪ .‬حال ًيا يعمل عىل تأليف كتاب‬ ‫«اإلسالم بني النظرية والتطبيق» وفيه ينتقل الكاتب برسد حال الدين اإلسالمي وفق‬ ‫الدراسات األركيولوجية ملعرفة تأثري السلوك الديني عىل الذات واملجتمع‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫مشارك يف العديد من الربامج التلفزيونية واملقابالت حول العديد من القضايا السياسية والدينية‪ .‬كام وأنشأ عىل‬ ‫كام أنه‬ ‫اليوتيوب مع األصدقا ّء قناة التنوير ويُق ّدم فيها برنامج «أوشاج» ويتناول يف الربنامج ه ّم التغيري الدميقراطي والتحول إىل‬ ‫العلامنية كأولوي ٍة تاريخي ٍة إلنقاذ املجتمعات العربية واإلسالمية من براثن الجهل واالستبداد الديني والسيايس‪.‬‬ ‫ ‪ - 1‬ضيفنا اليوم من دولة الكويت؛ تلك الدولة الخليجية التي لها بصم ٌة منسي ٌة يف الثقافة والفنون واإلعالم‬ ‫ونستهل الحوار بالسؤال عن الوطن وما يعنيه لك وما يجب أن نعرفه عنه‪ّ .‬‬ ‫هل رسمت لنا صور ًة‬ ‫ّ‬ ‫والصحافة‪ .‬نُر ِّحب بك‬ ‫عن الكويت التي نشأت فيها يف السبعينات؟‬ ‫وسهل بكم‪ ،‬وأشكر لكم هذه املقابلة وتقدميي إىل الجمهور العريب واإلسالمي و ُمتابعي مجلّتكم الرائعة أين ما‬ ‫أهل ً‬‫ً‬ ‫عب اليوم عن قيم ٍة مفقود ٍة يف الوعي العريب‪ ،‬بعد أن اخرتقتنا‬ ‫كانوا يف العامل الكوين‪ .‬الوطن كهوي ٍة وانتامء وشعور يُ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وانحطاط قيمي وحضاري‪.‬‬ ‫هوياتٌ متعدد ٌة قاتل ٌة أعادتنا أكرث إىل العصور البدائية أو ج ّمدتنا عىل ما نحن فيه من تراجعٍ‬ ‫فالوطن مل يعد يُد َّرس يف التعليم إال كبقع ٍة جغرافية‪ ،‬بينام الوالء للوطن أصبح مأسو ًرا باملذهبية والطائفية والعرقية‬ ‫والق َبلية‪ ،‬وهوما يُشكّل أحد األسباب الرئيسية يف إخفاق النهضة العربية املنشودة‪ .‬من املُؤكّد أن غياب مفهوم الوطن‬ ‫واملواطنة أث ّر بشكلٍ كبري عىل تعاطينا مع األزمات السياسية واالجتامعية‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫فالوطن ليس فقط بقع ًة جغرافي ًة متّت والدتنا داخلها‪ ،‬بل هو انتام ٌء ونه ٌر جاري من العطاء والحب والغرام‪ ،‬هو‬ ‫السيمفونية التي ال تنتهي حتى لو فقدنا الحياة‪ ،‬هو استمراري ٌة وتاري ٌخ وتطو ٌر وبناء‪ ،‬هو أنت وأنا وال يجمعنا داخله ال‬ ‫دين وال مذهب وال عرق‪ ،‬بل تجمعنا قيم املواطنة والعدالة واملساواة التي تتمثل باالندماج اإلنساين والحضاري واألخالقي‬ ‫لنق ّدم جمي ًعا ٍ‬ ‫لبنات معرفي ًة خالد ًة يف سلّم الحضارات البرشية‪ ...‬الكويت يف السبعينات كان يُطلق عليها منارة الخليج‬ ‫ود ّرة الخليج‪ ،‬ملا خلقته من تطو ٍر معريف وثقايف وبدايات التطور التعليمي والعلمي والتكنولوجي بشكلٍ متساوي بني‬ ‫الرجال والنساء‪ .‬الكويت يف تلك الفرتة مل تكن تعرف التعنرص الديني ومل تشهد التط ّرف واإلرهاب اإلسالمي‪ ...‬فقد عرفت‬ ‫الكويت يف السبعينات وحتى قبلها معنى الدميقراطية والحوار واختالف الرأي‪ ،‬فبعد استقالل الكويت عام ‪1961‬م‪ ،‬ق ّرر‬ ‫يؤسس نظا ًما دميقراط ًيا يشرتك فيه الشعب بالحكم‪ ،‬وكانت البداية‬ ‫أمري الكويت آنذاك الشيخ عبد الله السامل الصباح أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫انتخابات الختيار ممثلني من الشعب يصيغون الدستور‪ ،‬ويف يوم ‪ 26‬أغسطس‬ ‫دائم للكويت‪ ،‬فتق ّرر عمل‬ ‫بوضع دستو ٍر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫انتخابات للمجلس‬ ‫‪1961‬م أصدر الشيخ عبد الله السامل الصباح مرسو ًما أمرييًا تحت رقم ‪ 22‬لسنة ‪1961‬م‪ ،‬يقيض بإجراء‬ ‫التأسييس‪ ،‬ويف ‪ 11‬نوفمرب سنة ‪1962‬م ت ّم إصدار الدستور‪ ،‬ويف تاريخ ‪ 7‬سبتمرب ‪1961‬م صدر قانو ٌن جديد بشأن العلم‬ ‫الوطني ليكون العلم الجديد رم ًزا الستقالل البالد‪.‬‬ ‫يف الحقيقة‪ ،‬شهدنا يف تلك الفرتة بدايات التح ّول الطبيعي إىل قيام الدولة املدنية‪ ،‬ولكن بعدها حدث الخطب الكبري‬ ‫بتح ّو ٍ‬ ‫الت دينية واجتامعية وسياسية واقتصادية عصفت مسار الوطن العريب مبا فيها الكويت‪.‬‬ ‫س‪- 2‬وماذا عن الكويت اليوم‪ ،‬كيف ُيكنك أن تصفها لل ُق ّراء؟‬ ‫الكويت اليوم شذّت عن مسارها القديم‪ ،‬عن تاريخها السيايس واالجتامعي‪ ،‬عن إرثها املدين والدميقراطي‪ ،‬بل أصبحت‬‫ٍ‬ ‫تسري بشكلٍ‬ ‫مخيف إىل دروب الرتاجع الحضاري مع كل شكل ّيات املدنية والتكنولوجيا املادية‪ .‬فالكويت متلك ثروة‬ ‫النفط ولكنها إىل اليوم مل تستثمرها يف التنمية املُستدامة وخطط طويلة املدى‪ ،‬ومل تخلق الخط البديل االقتصادي‬ ‫أسباب عديدة‬ ‫أساسا ثرو ًة نفطي ًة كام حدث يف بعض دول رشق آسيا‪ ،‬وهذا راج ٌع إىل‬ ‫ٍ‬ ‫والصناعي كام فعلت دول ال متلك ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتحالفات قبَلية حي ًنا‬ ‫تحالفات دينية حي ًنا‬ ‫منها التخبّطات الحكومية يف السياسة الداخلية وتد ّخلها اجتامعيًا ببناء‬ ‫آخر مام أث ّر عىل البناء االجتامعي وخلق االصطفافات املذهبية والق َبلية‪ ،‬وساهم يف تعطيل التنمية وانتشار الفساد‬ ‫واملحسوبيات والبريوقراطية‪.‬‬ ‫الكويت اليوم تعاين بشكلٍ كبري من استنزاف مواردها ومن تراجع مؤرشات التنمية والرفاه والتعليم‪ .‬وأنا هنا ال احبط‬ ‫القارئ‪ ،‬أو أتج ّنى عىل بعض اإليجابيات املوجودة وروح العمل الخافتة وقابلية املواطن الكويتي بالنهضة‪ ،‬ولكن أنقل‬ ‫‪50‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫فعل نتعايش معها بكل فئاتنا ونحارب من أجل تغيريها وفرض البدائل قبل أن يطوينا التاريخ وندخل يف أتون‬ ‫صور ًة ً‬ ‫الرصاعات الدينية واملذهبية املشتعلة يف دول الجوار واملحيط العريب‪ .‬الكويت كانت يف املايض قائد ًة ملسرية التطور‬ ‫والبناء والتنمية وكانت مح ّط أقرانها من الدول الخليجية والعربية بالقدوم إليها من أجل العمل أومن اجل بنائها علم ًيا‬ ‫وفن ًيا ومرسح ًيا‪ ،‬فاألمة التي متلك مثل هذه الروح وهذه العزمية لن تختفي بسهولة‪ ،‬بل سوف نقاتل حتى نسرتجعها‬ ‫د ّرة الخليج ومظلّ ًة للعرب ودا ًرا لألمن واألمان‪.‬‬ ‫س‪ - 3‬هل كانت بيئتك التي نشأت فيها منفتح ًة عىل الثقافة والفنون أم ُمتديّنة؟‬ ‫العائلة التي ُولِّدتُ فيها كانت معروف ًة يف التاريخ الكويتي بأنها ُمحب ٌة للعلم واالنفتاح والتعليم‪ ،‬فعائلة القناعات من‬ ‫األرس الكبرية واملُه ّمة يف تاريخ الكويت منذ ما يقارب ‪ 250‬عام وإسهاماتها يف شتّى امليادين العلمية واألدبية والتجارية‬ ‫ٍ‬ ‫ورقي الكويت‪ ،‬ومن هؤالء‪ ،‬وم ّمن يُشار‬ ‫والدينية لها بصامتٌ كبرية‪ ،‬فقد أنجبت عائلة القناعات‬ ‫رجاالت ساهموا يف رفعة ّ‬ ‫إليهم بأسباب رفعة الكويت وتق ّدمها التعليمي هو الشيخ يوسف بن عيىس القناعي املولود يف العام ‪ 1878‬ميالدي‪.‬‬ ‫والذي كانت له بصامتٌ كبري ٌة سياس ًيا واجتامع ًيا ضد الغلو الديني والتش ّدد ومع تعليم املرأة وحصولها عىل حقوقها‬ ‫آنذاك يف الزمن القديم‪ ،‬فكان صاحب نظر ٍ‬ ‫ورؤى‬ ‫ات دقيقة يف تعليم البنات‪ ،‬وكانت آراؤه حول املرأة ترجم ًة واقعي ًة‬ ‫ً‬ ‫فهم عميق واقتنا ٍع حقيقي وإميانٍ أكيد بأهمية تأهيل املرأة ملامرسة دورها اإليجايب والفاعل يف األرسة‬ ‫حقيقي ٌة نابع ٌة من ٍ‬ ‫ماسة تتطلّبها موجبات النهوض الحضاري والرقي‬ ‫واملجتمع م ًعا‪ ،‬فكان يرى أن تعليم املرأة رضور ٌة حضاري ٌة وحاج ٌة ّ‬ ‫املجتمعي‪ .‬كام وشارك سياس ًيا يف تأسيس مجالس الشورى الكويتية ومن بعدها مجالس األمة عرب النضال السيايس مع‬ ‫أقرانه من الشعب الكويتي الذين خلقوا نهض ًة حقيقي ًة يف ذلك الوقت قوامها العمل والكفاح والتعليم‪.‬‬ ‫ضمن هذا املناخ العائيل كان وجودي ضمن أرسة والدي الذي كان امتدا ًدا لتاريخ الكويت وبنائها‪ ،‬فلم يشذ أب ًدا عن‬ ‫املعادلة التاريخية يف إيالء التعليم والحرية كمبادئ يُعلّمها ألبناء أرسته‪ ،‬فنشأنا جمي ًعا أوالد وبنات يف بيئ ٍة يكتنفها‬ ‫السالم والدراسة وحرية الرأي واالعتقاد‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وشخصيات جديدة وغال ًبا ما تكون عرب‬ ‫بنهم عىل اكتشاف أفكا ٍر‬ ‫س‪ - 4‬لكل‬ ‫ينكب فيها ٍ‬ ‫شخص مرحل ٌة يف حياته ُّ‬ ‫الكتب واملطالعة؟ متى كانت تجربتك هذه وما هي أنواع الكتب التي كانت تستهويك؟‬ ‫هتم بقضايا املراهقة‪ ،‬فقد‬ ‫يف الحقيقة‪ ،‬تجربتي مع املطالعة والقراءة بدأت يف سنٍ ُمبكر ٍة ج ًدا‪ ،‬حيث مل أكن مثل أقراين ُم ً‬ ‫كنت شغوفًا بالقراءة واالطّالع عىل الكتب التي تقع بيدي‪ ،‬ومن ذكريايت يف هذا األمر أنني يف سن العارشة وما بعدها‬ ‫ُ‬ ‫حريصا عىل ذلك لدرجة أنني أجلس عند باب املكتبة عىل‬ ‫كنت‬ ‫كنت أتر ّدد عىل املكتبة العامة يف منطقتنا السكنية وقد ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫الرصيف بانتظار فتح الباب وال أخرج منها إال بعد أن يأتيني أمني املكتبة يف التاسعة مسا ًء ل ُيخربين بإغالقها‪ ،‬ويف داخلها‬ ‫وانتقلت‬ ‫فأتيت عىل كل الكتب املختلفة‪،‬‬ ‫بنهم شديد‬ ‫كنت أغوص برفوف الكتب املُتن ّوعة من األدب العريب ألقرأها ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بعدها إىل األدب االنجليزي املُرتجم بخالف كتب التاريخ‪ .‬لقد كانت هذه املكتبة بوابة املعرفة يف حيايت التي فتحت‬ ‫ّجهت إىل دراسة الكتب الدينية بشقّيها الس ّني والشيعي‬ ‫مداريك وقراءايت املختلفة يف سن املراهقة‪ .‬وبعد هذه املرحلة ات ُ‬ ‫زلت أحتفظ يف منزيل مبكتب ٍة ضخم ٍة من كتب التاريخ والدين والنقد‪ ،‬وقد شكّلت جميع هذه الكتب‬ ‫والراديكايل وما ُ‬ ‫التبص ومن ثم إىل معرفة الحقيقة اإلنسانية‪.‬‬ ‫مراحل انتقايل الفكري من التديّن إىل ّ‬ ‫س‪ - 5‬ما هي الرموز الثقافية التي ترى أنها صاحبة األثر األكرب يف تشكيل مواقفك الفكرية اليوم؟‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫شخصيات عظيمة وأفرا ًدا ساهموا يف خلق األفكار التق ّدمية التنويرية التي استطاعت‬ ‫الشك أن التاريخ العريب يحمل‬ ‫تشكيل الثقافة العربية النقدية‪ ،‬ومن هؤالء اللذين أفتخر بأنني أحد االشخاص الذين أث ّروا عىل ثقافتي وتغيري أفكاري‬ ‫هم طه حسني وابن خلدون وما تبقّى من كتب ابن رشد‪ ،‬باإلضافة إىل اطّالعي وقراءايت لرسائل إخوان الصفا واملعتزلة‪.‬‬ ‫بنهم وشغف من أمثال محمد عابد الجابري وفرج‬ ‫ومن العرص الحديث يوجد العديد من املُفكِّرين الذين قرأتُ لهم ٍ‬ ‫فودة ونرص حامد أبوزيد وسالمه موىس وهاشم صالح ومحمد أركون والعديد العديد من املُثقفني الذين يحملون‬ ‫ٍ‬ ‫بصامت رائعة يف نقد العقل العريب أويف نقد املفهوم اإلسالمي والدين اإلسالمي‪ .‬ولهم مني كل التحايا والتقدير واالحرتام‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫إسالمي حدا ٍيث أم تنأى بنفسك أكرث عن الدين؟‬ ‫س‪- 6‬كيف تُص ّنف نفسك فكريًا‪ ،‬هل تضع نفسك كعلام ٍين أم‬ ‫ٍ‬ ‫يا سيدي أنا اليوم علام ٌين حتى النخاع‪ ،‬أؤمن بأن هذا املفهوم وهذا التاريخ الذي صنعته العلامنية هو املسار والطريق‬ ‫رشع‬ ‫الصحيح إىل التطور والنهضة والتعايش مع كل األفكار املختلفة‪ .‬نحن اليوم لسنا بحاج ٍة إىل الدين حتى يحكمنا أو يُ ّ‬ ‫لنا‪ ،‬بل نحن بحاج ٍة أكرث إىل اإلنسانية والتعايش واألخالق الكونية‪ ،‬وال ميكن أن يُق ِّدم هذه املنظومة من القيم واملفاهيم‬ ‫ٍ‬ ‫غايات وإدارة واعية عقالنية ملختلف الشعوب والثقافات واألديان‪ .‬لقد‬ ‫واملبادئ الرائعة سوى العلامنية مبا تحمله من‬ ‫فشلت كل املُس ّميات اإلسالمية والشيوعية والوسطية الدينية من القيام بدورها اإلنساين يف تقريب الشعوب أو خلق‬ ‫الحضارة‪ ،‬وسقطت كل الشعارات الدينية يف وحل االستبداد والهيمنة والوصاية وتطبيق الرشيعة‪ .‬لقد فهم املسلمون‬ ‫سيايس تصنع اإلنسان‬ ‫اقتصادي‬ ‫اجتامعي‬ ‫الحداثة بأنها بنا ٌء وماد ٌة وتكنولوجيا‪ ،‬ولكن غاب عنهم أن الحداثة تطو ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بخطى واعي ٍة ونظر ٍة حصيفة وقدرة عىل االبتكار دون أي قيود‪.‬‬ ‫وتخلق التنمية وتسترشف املستقبل‬ ‫ً‬ ‫س‪- 7‬العلامنية؛ كلم ٌة غريب ٌة يف مجتمعاتنا التي ترى يف الدواء والعالج ُس ًّم زعاف‪ ،‬برأيك الشخيص ملاذا ينفر‬ ‫املواطن العريب من العلامنية؟‬ ‫املواطن العريب ال ينفر من العلامنية‪ ،‬ألنه إىل اليوم مل يتعايش معها أو حتى يج ّربها‪ ،‬فكل ما تعرفه غالبية الشعوب‬ ‫إلحادي يسعى إىل تشويه سمعة املسلمني ونرش الرذيلة بأوساط النساء‪ .‬وهذا‬ ‫تغريبي‬ ‫العربية عن العلامنية أنها تيا ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫طويل من الدعوة الدينية ضد العلامنية‪ ،‬ونتاج عرشات الفتاوي‬ ‫نتاج ٌ‬ ‫املفهوم أو الوعي السائد يف العقل العريب هو ٌ‬ ‫الرشعية بتكفري العلامنيني عىل طول الوطن العريب وعرضه‪ ،‬وبالتايل وأمام هذا الوعي الزائف املُنترش يف التعليم واملساجد‬ ‫ٍ‬ ‫بخوف وحذ ٍر وكراهية‪.‬‬ ‫والفضائيات الدينية مل تتعاطى الشعوب العربية مع العلامنية إال‬ ‫وأيضا مل تساهم األنظمة العربية يف دعم الثقافة العلامنية ألنها تخاف من مبادئها يف نرش ودعم حقوق اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫نظام عريب ي ّدعي بأنه نظا ٌم علام ٌين دون أن تتواجد حرية الرأي واالعتقاد والدميقراطية‬ ‫والحريات وتداول السلطة‪ .‬فكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كاذب ي ّدعي زو ًرا وبهتانًا بأنه علام ٌين لخداع الشعوب واملجتمع الدويل‪.‬‬ ‫كسلوك وثقاف ٍة ومجتم ٌع مدين‪ ،‬فهو نظا ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫العلامنية سيدي الفاضل ليست عقيد ًة وال دين‪ ،‬بل هي آلي ٌة إلدارة املجتمع بصور ٍة حيادي ٍة أمام مختلف التن ّوعات‬ ‫الفكرية والدينية والالدينية‪ ،‬وبالتايل فالعلامنية تتطلّب الحياد التام والرؤية العقالنية واالهتامم باإلنسان أولً وأخ ًريا‬ ‫من خالل توفري البيئة املجتمعية القامئة عىل العدالة واملساواة والحريات واحرتام القانون والتعايش مع اآلخر املختلف‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫س‪- 8‬كيف ترى أهمية العلامنية اليوم وحاجتنا إليها يف مجتمعاتنا العربية؟‬ ‫عندما أقرأ بإمعانٍ عن نية الشعوب العربية بالتغيري‪ ،‬ولكنها تعت ّز ج ًدا بنفس الوقت بذاكرتها املاضوية‪ .‬وكيف تتعامل‬ ‫ويائسا إزاء مجتمعاتنا العربية التي ال تتزحزح قيد‬ ‫مع حارضها‪ ،‬وكيف تريد أن يكون مستقبلها‪ .‬أج ُد نفيس ُمحبطًا‬ ‫ً‬ ‫حاالت فوضوية‪ ،‬ومصالح سياسية‪ ،‬وترديد شعار ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات دينية‪ ،‬وتتعامل مع‬ ‫أمنل ٍة عن بني ٍة صلدة من التفكري وهي ترتع يف‬ ‫ٍ‬ ‫للتعصبات الدينية‬ ‫بعواطف ماورائية‪ .‬إن أسوأ ما نجده يف املجتمعات العربية هو هذا التواصل‬ ‫أفكا ٍر رجعية‪ ،‬وتتش ّبع‬ ‫ّ‬ ‫والطائفية والق َبلية‪ ،‬وخضوع النخب املثقفة بتياراتها املدنية والعلامنية والدميقراطية لثقافة املجتمع السائدة وعدم‬ ‫حاصل مع إلقاء اللوم دامئًا عىل‬ ‫ٌ‬ ‫القدرة‪ ،‬وأنا أراها عدم الرغبة يف املواجهة الحقيقية للتيارات اإلسالمية‪ ،‬وتفضيل ما هو‬ ‫الحكومة والحاكم بأنه هو املسؤول متا ًما عن رعاية التيارات الدينية وتفاقم حضورها‪ ،‬وإن كانت هذه التهمة حقيقية‪،‬‬ ‫إال إن إخفاقات النخب يف دعم وتشجيع الثقافة العلامنية هو الخوف األول وهو األزمة التي نعيشها يف مجتمعاتنا‬ ‫ٍ‬ ‫تشوهات فكرية ملفاهيم ومصطلحات العلامنية والحريات الشخصية‪ ،‬وجعلت من‬ ‫والتي أ ّخرت التح ّول املدين وخلقت‬ ‫العلامنية يف خطابهم مجرد شعار ٍ‬ ‫مآرب أخرى‪.‬‬ ‫ات لها ٌ‬ ‫فعل وواق ًعا ما تسمعه‬ ‫سبب ظاهر‪ ،‬وهذا ً‬ ‫إن من يسيطر الخوف عىل تفكريهم باستمرار إمنا يشتكون من التعب بدون ٍ‬ ‫من نخبنا املثقفة العربية دامئًا بأنهم ُمتعبون ج ًدا‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬وأمام هذا النوع من اإلخفاقات النهضوية‪ ،‬الب ّد لنا كعلامن ّيني حقيق ّيني من أن نحارب الواقع وأن نفرض التغيري وأن‬ ‫املؤسسني األوائل وواضعي أدبيات‬ ‫نصنع الثورة التي تأ ّخرت كث ًريا بعد عرص النهضة العربية األوىل‪ ،‬وأن نستكمل جهود ّ‬ ‫الفكر العلامين العريب لنخلق مسار ٍ‬ ‫ات جديدة وثور ًة حقيقي ًة عىل السائد واملوروث والثابت الديني والسيايس‪ ،‬لقد آن‬ ‫األوان لتحطيم القيود وقيادة مجتمعاتنا العربية وفقًا ملبادئ العلامنية وتحقيقًا لقيم العدالة واملساواة والحريات‪.‬‬ ‫وأمل ُمرتجى وآيات إنسانية تقود‬ ‫العلامنية يا سيدي مل تعد اليوم خيا ًرا هامش ًيا أو نخبويًا بل أصبحت خيا ًرا مستحقًا ً‬ ‫والتحض واألخالق‪ ،‬بعد مسري ٍة طويل ٍة من التضحيات والدماء ّ‬ ‫وفك قيود الدين‬ ‫وقادت املجتمعات إىل بر السالم والعلم‬ ‫ّ‬ ‫والعرق عن اإلنسان ل ُيحلّق عال ًيا يف فضاء العلم والفلسفة والفنون‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫س‪- 9‬هل تُعاين دولة الكويت من مشاكلٍ بسبب اإلسالم السيايس؟‬ ‫يف مجتمعنا الكويتي حال ًيا نعيش اكتامل مرحلة التط ّرف الديني‪ ،‬وهي مرحل ٌة َم َرضي ٌة خطري ٌة ج ًدا‪ ،‬فقد بدأ االستقطاب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يأخذ مسار ٍ‬ ‫لتصفيات وحوادث قتل اتخذت مسارين‪،‬‬ ‫وعمليات لوجستي ًة وإرهابي ًة متثّلت يف القيام العميل‬ ‫ات مذهبي ًة‬ ‫متثّل األول يف داعش السنية وتفجرياتها يف املساجد‪ ،‬واملسار الثاين يف الخلية اإلرهابية التي ت ّم القبض عليها مؤخ ًرا‬ ‫والتابعة بحسب الصحف املحلية إىل حزب الله الشيعي‪ ..‬هذه التطورات ليست مقصور ًة عىل الكويت‪ ،‬ولكن قياس‬ ‫للتغي الرسيع يف املجتمع الكويتي من املدنية البدائية إىل مرحلة دعم اإلرهاب‬ ‫املجتمع الكويتي قد اتّخذته نظ ًرا ّ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وهو األمر الذي يُن ّبئ بخطور ٍة كبري ٍة عىل مستقبل الوطن وأجياله‪ .‬فالحقيقة أن التط ّرف مسترشي يف مختلف‬ ‫ٍ‬ ‫منعطفات دالة‪ ،‬ساعدت عىل انتشاره فئاتٌ اجتامعية متنوعة‪،‬‬ ‫الثقافات الدينية‪ ،‬إال أن متثله يف الدين اإلسالمي قد أخذ‬ ‫وامت ّدت جذوره عرب مختلف الدول العربية واإلسالمية‪ .‬فأصبحت مظاهر الغلو والتكفري والقتل نو ًعا من االلتزام بالدين‪،‬‬ ‫أصل من أصول الدين‪ ،‬يت ّم تدريسه والدفاع عنه بل وإقامة املُحاكامت‬ ‫وأصبح رمي اآلخرين بالكفر والخروج عن الدين ً‬ ‫القانونية ضد املُفكّرين واملثقفني‪ .‬كام وانعكست مظاهر اإلرهاب اإلسالمي عىل املستوى االجتامعي‪ ،‬من خالل تفكيك‬ ‫املجتمع ومتزيق نسيجه‪ ،‬وتفرقته الناس بني املؤمن والكافر‪ ،‬ثم غرسه لقيم التش ّدد ودعمه بالكتب والفكر واإلعالم‪،‬‬ ‫ل ُيعاد إنتاجه مع كل جيلٍ كثقاف ٍة مجتمعية‪ ،‬ال تعرتف باالختالف والتع ّدد‪ ،‬فتقيص االجتهاد لتفرض النظرة األرثوذكسية‬ ‫عىل النصوص الدينية‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬جاءت‬ ‫كل هذه التط ّورات‪ ،‬نحو التط ّرف واإلرهاب اإلسالمي يف املجتمع الكويتي‪ ،‬واملجتمعات العربية والخليجية ً‬ ‫بعد مراحلٍ من تغييب الوعي العلامين‪ ،‬وتعزيز الهيمنة الدينية الذكورية‪ ،‬وإعالء النقل والتقليد والعنعنة مقابل تحريم‬ ‫سهل‪ ،‬فاملرحلة الحالية هي مرحلة ت ّم التخطيط لها بدق ٍة من قبل‬ ‫وعدم اهتامم بالفلسفة والعلم‪ .‬التغيري لن يكون ً‬ ‫الكهنوت اإلسالمي‪ ،‬فمرشوع الحاكمية‪ ،‬وبعد ثورات الربيع العريب‪ ،‬لن يكون مرشو ًعا نظريًا فقط‪ ،‬بل اسرتاتيجي ٌة ُعليا‬ ‫ٌ‬ ‫وهدف أسمى إلقامة دولة الخالفة وحكم العامل وهدايتهم اىل الدين الصحيح‪.‬‬ ‫هذه تجلياتٌ تاريخي ٌة مل تأيت من العدم‪ ،‬ومل تأيت من الخيال‪ ،‬بل جاءت كأوامر إلهي ٍة الب ّد من تحقيقها عىل أيدي خري‬ ‫أمة أخرجت للناس‪ .‬هنا ماذا نحن فاعلون؟‪ ..‬وكيف نستطيع أن نُحدث التغيري واملواجهة مع من يريد إلغاء الحضارة‬ ‫حق إنسا ٌين لكل البرش واملحافظة‬ ‫واإلنسانية والحب ليستبدلهم بالدم والجلد والرجم‪ .‬الدين لن يكون املظلوم أب ًدا‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫عليه وفق العلامنية هو الغاية الحضارية لإلنسان الحر الواعي‪ ،‬فالتغيري املطلوب من اإلنسان الكويتي والعريب أن يبدأ‬ ‫يف تغيري نفسه وفكره وسلوكه‪.‬‬ ‫أن يقرأ يك يكتشف فضاء املعرفة‪ ،‬أن يؤمن بحرية الرأي واالعتقاد‪ ،‬أن يفرض عىل حكومته العدالة واملساواة‪ ،‬أن يصنع‬ ‫مستقبل أب ًدا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الغد بدلً من أن يلعن الحارض‪ ،‬فقد أخفقنا يف الحارض‪ ،‬ومن ال يتعلّم من الحارض لن يكون له‬ ‫‪55‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫س‪- 10‬هل ُيكن لإلسالم السيايس أن يتعايش مع العلامنية اليوم‪ ،‬أم أنه يجب القضاء عىل أحدهام حتى يعيش‬ ‫اآلخر ويُثمر؟‬ ‫هنا ضمن هذا السؤال نرى الصورة أكرث وضو ًحا يف حكمنا عىل اإلسالم السيايس والعلامنية‪ ،‬ففي حني أن العلامنية ت ُدير‬ ‫املجتمعات وفقًا لكل املعتقدات واألفكار بعدال ٍة ومساوا ٍة ضمن رشوط القانون املدين ومواثيق حقوق اإلنسان‪ ،‬إال أن‬ ‫اإلسالم السيايس يرفض وجود التيارات املعارضة ألفكاره‪ ،‬مبعنى أن الحكم يف املجتمع االسالمي يجب بل الب ّد أن يكون‬ ‫إسالمي التو ّجه أي بتطبيق الرشيعة التي بدورها تتعامل مع اآلخر املُختلف وفقًا لإلميان أو الكفر‪ ،‬الحالل والحرام‪،‬‬ ‫وبالتايل ال وجود ألفكار الحرية واملساواة والعدالة إال داخل الجامعة املؤمنة‪ ،‬اما غري املسلم أو الالديني ف ُيعامل وفقًا‬ ‫للحدود اإلسالمية والتي تبدأ من الجزية إىل بقية الحدود املعروفة يف التمييز بني الرجل واملرأة‪ .‬العلامنية وخالل تاريخها‬ ‫السيايس يف العرص الحديث مل ت ُقيص أي تيا ٍر أو أي فر ٍد بل هي املُدافعة برشاس ٍة عن الحقوق اإلنسانية ومن ضمنها‬ ‫وخصوصا يف‬ ‫االعتقاد الديني وكم رأينا قضايا قد ت ّم الحكم فيها لصالح املسلمني‪ ،‬إال فيام يتعارض مع قانون الدول‬ ‫ً‬ ‫القضايا األمنية بعد تزايد اإلرهاب اإلسالمي من قبل املسلمني وتوحش الدعوة إىل الدين يف دول الغرب‪ ،‬بينام يف الدول‬ ‫التي يحكمها اإلسالم السيايس أو حتى التي تحكم بقوانينها بالرشيعة اإلسالمية فرنى املآيس والقضايا وأحكام القتل‬ ‫والجلد والرجم ت ٌطلق عىل كل من يُخالف أو ينتقد أو يرفض الدين يف صور ٍة خطري ٍة يغيب فيها حق اإلنسان يف الحياة‬ ‫ويف حرية الرأي واالعتقاد‪.‬‬ ‫س‪- 11‬داعش اليوم هي حديث الساعة وال مير يو ٌم إال ونرى فظائعها ونتائج الرعب الذي تزرعه‪ ،‬برأيك ما هي‬ ‫البذرة التي أنتجت لنا داعش‪ ،‬وهل هناك من يسقيها‪ ،‬وملاذا؟‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف‬ ‫إسالمي ينتج نفسه كل مر ٍة ضمن‬ ‫داعش اليوم ليست أفرا ًدا فقط‪ ،‬بل كت ًبا ديني ًة ومدارس فقهي ٍة وتاري ٌخ‬‫ٌ‬ ‫اجتامعي ٍة وسياسي ٍة واقتصادية‪ .‬وحتى نكون أكرث وضو ًحا من غرينا وحتى نضع الحقيقة أمام القراء‪ ،‬نقول أن داعش‬ ‫هي أساس العقل العريب‪ ،‬أساس الفكر الديني إذا ما توافرت له الرشوط التاريخية يف الظهور‪ ،‬فالعنف الديني كام ٌن يف‬ ‫ٍ‬ ‫لظروف ووعي وسلوك‪ ،‬وهوما نتعايش‬ ‫الكتب الفقهية والنصوص الدينية والتاريخ اإلسالمي‪ ،‬ليبقى الظهور مجرد إثار ٍة‬ ‫معه اللحظة بكل تجلياتها السياسية واالجتامعية من فوىض وعنف وجهل وتدين كامل يف مجتمعاتنا العربية‪ ،‬فال ميكن‬ ‫كشعوب مازلنا نحمل ثقاف ًة اقصائي ًة ونتعامل مع بعضنا البعض أو‬ ‫أن ننتج التطور والعلوم والفلسفة والفنون‪ ،‬ونحن‬ ‫ٍ‬ ‫مع اآلخر املُختلف وفقًا للدين واملذهب والعرق‪ ،‬فهذه املفاهيم هي أساس داعش وتاريخ داعش وثقافة داعش‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫واملشكلة الكربى أمام املسلمني أنهم إىل اليوم يف غالب ّيتهم مل يقرؤوا التاريخ اإلسالمي بكل تفاصيله بل اعتمدوا عىل‬ ‫التاريخ الذي يُروى من قبل كهنة الدين وهو التاريخ الذي يُج ّمل القبيح فقط ويرتك الشاذ والعنيف يف بطون الكتب‬ ‫ألن الكهنة يعلمون بأن الشعوب العربية ال تقرأ‪ ،‬وبالتايل كربنا مع تاري ٍخ مزور وثقاف ٍة مزورة وأحال ٌم طوباوي ٌة كاذبة‪.‬‬ ‫وإن كانت هناك تقاطعاتٌ مصلحي ٌة مع الدول االقليمية أو الدول الغربية يف االستفادة من داعش ومت ّددها‪ ،‬إال أن ما‬ ‫يبقى هو الحقيقة التي تقول أنه لوال هذه الثقافة الداعشية اإلسالمية ملا استطاعت هذه الدول من التق ّدم والدخول‬ ‫إىل مجتمعاتنا‪ .‬إن من يسقي داعش ومن يُعطيها البذور والرعاية واالستمرار هو نحن‪ ،‬نعم نحن جمي ًعا مشاركون يف‬ ‫هذا‪ ،‬مشاركون يف الجرائم التي تحدث ويف القتل الذي يجري‪ ،‬فبعدم سعينا إىل فصل الدين عن الدولة والقانون أبقينا‬ ‫عىل الثقافة الداعشية وعدم احرتامنا لحرية الرأي واالعتقاد أبقينا عىل داعش تتم ّدد‪ ،‬وعدم مواجهتنا للوصاية الدينية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أهداف‬ ‫عنيف ومن‬ ‫سلوك‬ ‫واالستبداد السيايس‪ ،‬أبقينا عىل تاريخنا اإلسالمي ح ًيا يف حياتنا لنسرتجع كل ما فيه من‬ ‫توسعي ٍة ومن متيي ٍز وكراهي ٍة واستعام ٍر وغزو‪..‬‬ ‫س‪- 12‬ملاذا دو ًما يقود التديّن إىل التط ُّرف‪ ،‬هل هويش ٌء يف طبيعة الدين وعنارصه أم أنها مجرد مصادفة؟‬ ‫يل بحثًا عن االستقرار الوهمي وعج ًزا عن البحث أو خوفًا من الحقيقة الصادمة للعقل الجامد‪،‬‬ ‫نفيس داخ ٌ‬ ‫التديّن أم ٌر ٌ‬ ‫إىل هنا يُعترب اإلميان أو التديّن يف محيطه الطبيعي‪ ،‬بينام ما تقصده يف سؤالك عن التديّن الذي يقود إىل التط ّرف فهو‬ ‫التديّن الذي يخرج من الداخل إىل الخارج‪ ،‬مبعنى التديّن املجتمعي والسيايس والتعليمي وهو أخطر األنواع من اإلميان‬ ‫اذ يتح ّول من حال ٍة فردي ٍة إىل حال ٍة تفرض رشوطها وثقافتها عىل الجميع وبالتايل يسعى من يحمل هذا النوع من اإلميان‬ ‫إىل تطبيقه وهوما يصنع ويخلق املُتط ّرفني املُتح ّمسني الراغبني بالتامهي مع املايض والتاريخ اإلسالمي‪ ،‬وهؤالء املُتط ّرفون‬ ‫بالحقيقة هم املُلتزمون بالدين بحذافريه‪ ،‬إذن التط ّرف والتش ّدد هو الحالة اإلميانية الكاملة بعكس املُتديّن الطبيعي‬ ‫غافل عنه‪ ،‬أو اندماجه‬ ‫ناقصا مل يستكمله بسبب خوفه من البحث أكرث عن الدين ليكتشف ما كان ً‬ ‫الذي يحمل إميانًا ً‬ ‫مع املدنية ورفضه للحدود الدينية والقتل والتكفري‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫طبيعي تتم املبالغة يف الحديث‬ ‫س‪- 13‬ما رأيك بوضع املرأة العربية يف هذا الواقع الذي يحتاج للتغيري هل هوأم ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫عنه وميكن التعايش معه‪ ،‬أم أنه مشكل ٌة تعوق حياتها وتقدُّ م املجتمع؟‬ ‫مل تُظلم املرأة العربية يف حياتها‪ ،‬سوا ًء القدمية أو الحديثة‪ ،‬إال حني يت ّم الحديث بأنها أخذت حقوقها وفقًا لألديان‪ ،‬ليكون‬ ‫توصل إليه اإلنسان من مبادئ وقوانني‬ ‫املُنطلق وقياس درجة متتّعها بإنسانيتها وحريّتها وكيانها هو الدين وليس ما ّ‬ ‫ومواثيق حقوق اإلنسان والحريات‪ ،‬وهوما يُعترب أعىل درج ٍة من املساواة والعدالة بني الجنسني دون أي مرجعي ٍة ديني ًة‬ ‫عم كان عليه يف مناطق أخرى‬ ‫أو فكري ًة تنتقص من حقوقها‪ .‬ويف الواقع مل يكن وضع املرأة يف العامل العريب اليوم ُمختلفًا ّ‬ ‫من العامل املُتخلّف‪ ،‬حيث م ّر هذا الوضع عرب التاريخ مبراحل من التمييز‪ ،‬مام أ ّدى لخضوع املرأة لقيو ٍد عىل حقوقها‬ ‫تأسست عىل املعتقدات الدينية‪ ،‬ويخضع البعض اآلخر من هذه القيود إىل الثقافة‬ ‫وحريّاتها‪ ،‬كث ٌري من هذه القيود ّ‬ ‫مم‬ ‫املجتمعية‪ ،‬كام تنبع من العادات والتقاليد البالية‪ .‬ومتثل هذه القيود جميعها عقب ًة نحو حقوق وحريّات املرأة‪ّ ،‬‬ ‫ينعكس بالتايل عىل القوانني والترشيعات املُتعلّقة بالعدالة القانونية واالقتصاد والتعليم وكذا الرعاية الصحية واملسكن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محاوالت‬ ‫ويف نظر ٍة رسيع ٍة إىل مكانة املرأة يف الديانات املُختلفة نرى أنها تراوحت بني نظرات االستهزاء واالحتقار‪ ،‬وبني‬ ‫ٍ‬ ‫محاوالت مل ترى النور أوت ّم ترقيعها بحسب تطور املجتمع‬ ‫جاد ٍة لرفع شأنها ومساواتها مع الرجل‪ ،‬ولكن جميعها ظلّت‬ ‫أو بحسب نضال وكفاح املرأة لنيل مطالبها‪.‬‬ ‫إن املرأة العربية اليوم قد أصبحت تعيش بني نارين‪ ،‬بني الدين وترشيعاته وبني املجتمع العريب وعاداته وتقاليده‬ ‫املستمرة منذ التاريخ‪ ،‬حيث مل تشهد املجتمعات العربية أي طفر ٍة اجتامعي ٍة أو سياسي ٍة ذات أث ٍر يف تغيري النظرة إىل‬ ‫املرأة‪ ،‬ما عدا محاوالت بعض الكتاب والنساء الثائرات‪ .‬فام زالت املرأة هي األم واألخت والزوجة والبنت‪ ،‬وغاب عن‬ ‫هذه التعاريف املرأة ككائنٍ ح ّر ال يتبع أي سلط ٍة أو يخىش من املجتمع ور ّدة فعله والتي غال ًبا ما تأخذ شتّى صنوف‬ ‫االحتقار واالت ّهام بالدعارة والزىن والشذوذ حني تطالب بحقوقها أو تعمل عىل انتزاعها‪ ،‬وتصل ر ّدة الفعل يف بعض الدول‬ ‫الخليجية والعربية إىل جرائم قتلٍ تُ ارس ض ّدها باسم املحافظة عىل الرشف والعادات والتقاليد والدين‪ ،‬وعاد ًة ما يخرج‬ ‫بطل ألنه حافظ عىل عرضه ورشفه الذي لوثته‬ ‫بأخف األرضار‪ ،‬بل ويُنظر له اجتامعيًا بأنه ٌ‬ ‫القاتل يف مثل هذه الجرائم ّ‬ ‫جانب آخر فإن املرأة ّ العربية يف معظم الحاالت مل تتح ّرر بشكلٍ عام من‬ ‫املرأة ومل يلوثه تخلّفه وعاداته وتقاليده‪ .‬ويف ٍ‬ ‫رواسب الرتبية التقلـيديّة بعد‪ ،‬وهذا انعكس عىل نظرتها إىل نفسها‪ ،‬إىل دورها‪ ،‬إىل إمكان ّياتها ومجاالتها ومساحات‬ ‫حركتها ومـدى طموحاتهـا فـي الحـياة العامة‪ ،‬كام انعكس عىل ُمقاربتها لعملها‪ .‬فكث ًريا ما نرى النساء الُمتعلامت‬ ‫يخرجـن إىل العمل بنظر ٍة مؤقت ٍة وكأنه مرحل ٌة بني مرحلتني‪ :‬مرحلة الدراسة ومرحلة الزواج‪ ،‬وهذا يُبعدها عـن املهنـ ّية‬ ‫الحقّـة والجديّة واالستمرارية وااللتزام‪ ،‬ويُفقد املرأة صورة الرشيك الرئييس الفاعل املؤثر املُساوي للرجل يف الحقوق‬ ‫ظلم عىل عملها كقيادي ٍة يف مرتبة صنع القرار‪ ،‬وعىل كيانها ٍ‬ ‫كذات مستقل ٍة لها حقوقها‬ ‫والواجبات‪ ،‬وبالتايل يُلقي ً‬ ‫ظل ُم ً‬ ‫وآمالها وإرادتها‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫س‪- 14‬ما هي النصائح أو األفكار التي تُقدّ مها للمرأة العربية العاد ّية التي قد ال متتلك الكثري من الخيارات يف‬ ‫هذا املجتمع؟‬ ‫بقيم مزدوجة املعايري وضبابية‪،‬‬ ‫إن تحويل املرأة العربية من كائنٍ تابعٍ ُمستلب ملنظوم ٍة ديني ٍة ومؤسس ٍة ذكوري ٍة تُحارصها ٍ‬ ‫إلـى إنسـانٍ مسـتقل‪ ،‬لـن يـتم دون إعادة النظر يف املفاهيم والوقوف عند العراقيل الدينية واملنهجية والتعليمية التـي‬ ‫وأيضا تنطلق مبادئ تحرير املرأة بالرتكـيز علـى الوسائل التي تُستعمل‬ ‫تحول دون ذلك يف املجتمعات العربية قاطبة‪ً .‬‬ ‫لرتسيخ استالب املرأة وأبرزها النظام املعريف الديني الذي يُعيد إنتاج نفس القيم واألمناط السلوكية عرب نتاجاته املختلفة‪،‬‬ ‫وسوا ٌء ذلك من خالل النظام التعليمي والرتبوي يف كافة مراحله‪ ،‬أومن خالل إعادة إنتاج صورة املرأة يف وسائل اإلعالم‬ ‫واألدب والفن وغريها من أشكال اإلنتاج الثقايف‪ ،‬أومن خالل تكريس الدور الثانوي للمرأة يف مؤسسات املجتمع املدين‬ ‫من تيار ٍ‬ ‫ات سياسي ٍة وإسالمي ٍة وجمعيات نفعٍ عام والتي يتجاهل خطابهـا العام صلب قضية املرأة واآلليات الناجعة‬ ‫أيضا عىل خطاب وآليات الحركة النسائية‬ ‫ملعالجتها‪ ،‬ويستمر باحتكامه إىل النظرة النفعية لدور املرأة والتي انسحبت ً‬ ‫ذاتها التي حرصت أهدافها بالحصول عىل جمل ٍة من الحقوق املدنـية دون الدخـول فـي تحلـيلٍ‬ ‫عميق لجوهر قضية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات هدفية‬ ‫املرأة وطبيعة املفاهيم التي ت ُحارصها بآلياتها املُختلفة‪ ،‬والتعامل مع املرأة ككلٍ ُمطلق دون تحديد‬ ‫أول‪ ،‬هو املسار الذي‬ ‫متكن مخاطبتها وبالتايل تحقيق نتائج ملموس ٍة لها‪ .‬هنا‪ ،‬ومن اإلميان بقضية املرأة ودورها كإنسانٍ ً‬ ‫يجب التعامل معه واالنطالق إليه‪ ،‬فمعظم املقرتحات التي عرضناها‪ ،‬أو التي متّت كتابتها سابقًا وخرجت من خالل‬ ‫التوصل لوضع قانونٍ مد ٍين ُموح ٌد‬ ‫الندوات واملؤمترات والتوصيات العربية لن تأخذ طريقها إىل التطبيق ّإل يف حال‬ ‫ّ‬ ‫لألحوال الشخصية‪ ،‬وهذا القانون املدين يجب أن يكون علامنيًا فقط‪ ،‬ألن يف ذلك تكمن اإلمكانية الوحـيدة لتغيـريٍ‬ ‫فعلـي يف العالقة (اجتامع ًيا وذات ًيا) بني املرأة والرجل يف اتّجاه املساواة الفعلية‪ ،‬وكذلك فهوال يُساوي بني املرأة والرجل‬ ‫أيضا بني النساء أنفسهن‪ ،‬كام يُساوي بني املواطنني يف البلد الواحد‪.‬‬ ‫فقط بل يُساوي ً‬ ‫عشت يف الكويت وتستطيع رسم صور ٍة لل ُق ّراء عن حالة‬ ‫س‪- 15‬التعليم هو األساس الذي ُيبنى عليه املستقبل ولقد َ‬ ‫ٍ‬ ‫رضا‪ .‬ماذا تُخربنا عنه؟‬ ‫التعليم هناك‬ ‫كمثال للمجتمع الخليجي عمو ًما ماض ًيا وحا ً‬ ‫تعليم بدائ ًيا مل يرقي إىل التعليم املنهجي النظامي النقدي‪ ،‬فامزالت املناهج تعتمد عىل‬ ‫التعليم يف دول الخليج مازال ً‬‫الحفظ والتلقني والطاعة وهوما أفرز نتائج مخيب ًة لآلمال وال ترقى إىل تخريج أجيال يُعتمد عليهم يف التنمية والبناء‬ ‫واالخرتاع‪ .‬ومع كل اإلنفاق املا ّدي عىل ال ُبنى التعليمية وإنشاء مباين فخمة للجامعات إال أننا مازلنا يف أسفل التقييم‬ ‫أسباب عدة منها خوف الحكومات من التعليم املُتق ِّدم والقائم‬ ‫العاملي للجامعات املُتف ّوقة علميًا وثقافيًا وهذا يرجع إىل‬ ‫ٍ‬ ‫عىل النقد واملُشاركة والحريات وهوما يُهدد منط الحكم يف الخليج ويضعنا أمام إشكالية املواطن الح ّر‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫وسعت الكويت إىل ابتعاث الطلبة إىل الخارج أوال ًدا وبناتًا للحصول‬ ‫يف املايض ويف الكويت كان التعليم يف بداياته األوىل َ‬ ‫عىل املعرفة ومتكني املواطن الكويتي من االطّالع عىل التجارب الرائدة يف التعليم وهوما ساهم يف بناء الكويت الحديثة‪،‬‬ ‫وإن كان إىل اليوم مل يتوقّف برنامج اإليفاد‪ ،‬إال أن التعليم مل يجني مثار التف ّوق ألسباب التعيني والواسطات وعدم ربط‬ ‫للتخصصات املطلوبة‪ .‬هنا نحن نقع وليس الكويت وحدها ولكن‬ ‫ُمخرجات التعليم بسوق العمل واالحتياجات الفعلية‬ ‫ّ‬ ‫يف الوطن العريب بأزمة خصخصة التعليم والتد ّخالت الحكومية يف ربط مسار التعليم مبا يخدم تو ّجهات الدولة الدينية‬ ‫والسياسية وتغييب فرص اإلبداع والتف ّوق‪ .‬لقد أهملت الحكومات تطوير التعليم بشكلٍ كبري واعتمدت عىل الدين‬ ‫والفقه والتاريخ بدون أي تغيري‪ ،‬كام ت ّم إىل اليوم تحريم الفلسفة وتحريم تدريس نظرية التطور واملادية الجدلية‬ ‫ومقارنة األديان مام أ ّدى إىل تخريج أجيا ٍل أحادية التو ّجه ومؤدلج ٌة دين ًيا وهوما ساهم يف تخريج غالبي ٍة من املُتط ّرفني‬ ‫أصبحوا فيام بعد من عتاة اإلرهابيني‪.‬‬ ‫إن التحوالت االقتصادية واالجتامعية والسياسية يف أي مجتمعٍ مرتبط ٌة بدرجة التطور املعريف والفلسفي والعلمي‬ ‫للشعب‪ ،‬ومتى ما كان الشعب ُمؤدل ًجا ويحمل هوي ًة منغلق ًة عىل الذات والدين والثقافة السائدة‪ ،‬فإنه لن يستطيع‬ ‫االبتكار والتف ّوق وال حتى مبقدوره أن يتعايش مع املُختلف‪ ..‬يف الحقيقة التعليم يف الكويت والخليج يتح ّمل املسؤولية‬ ‫الكربى فيام آل إليه وضع الشباب من تعزيز االتكالية والريعية والخوف من النقد والشك‪ .‬فقد مارس التعليم الخليجي‬ ‫كل ما من شأنه موت ملكات اإلبداع واملوهبة وتجريم الفنون واملوسيقى مبقابل الرتكيز عىل ثقافة املوىت واملايض‬ ‫والتاريخ‪.‬‬ ‫س‪- 16‬وماذا عن التحدّ يات التي ُيواجهها التعليم يف باقي الدول العربية؟‬ ‫ألي منها مكا ٌن يف الجامعات الـ‪ 100‬األعىل‬ ‫الوطن العريب هو أك ُرب بؤر ٍة لأل ِّم َّية يف العامل‪ ،‬وإن الجامعات العربية مل يكن ٍّ‬‫نجا ًحا يف العامل‪ ،‬يف حني أن إرسائيل قد ت ّم إدرا ُجها عىل هذه القامئة بجامعة القدس يف املركز الـ‪ 70‬بني ‪ 100‬جامعة‪ ،‬ومن‬ ‫هذه النسب ِة يتَّضح لنا اهتامم إرسائيل بالتعليم كبني ٍة أساسي ٍة وكعامو ٍد أسايس من عواميد تكوين الدولة الناجحة‪ .‬ومن‬ ‫قائل ‪«:‬أن مشكالت التعليم يف الوطن العريب‬ ‫جانب آخر ح َّدد تقرير منظمة اليونسكو مشكلة التعليم يف الوطن العريب ً‬ ‫ٍ‬ ‫تختلف من دول ٍة ألخرى‪ ،‬فهناك ٌ‬ ‫فرق بني دول الخليج والدول العربية الواقعة يف قارة أسيا‪ ،‬والدول العربية الواقعة يف‬ ‫ٌ‬ ‫وفروق بني الدول الواقعة يف شامل إفريقيا والدول الواقعة يف الجنوب‪ ،‬تتمثل تلك الفروق يف إمكانات تلك‬ ‫إفريقيا‪،‬‬ ‫الدول املادية؛ فالوضع يختلف من دو ٍل ألخرى‪ ،‬وأن هذا يؤثر عىل جودة التعليم‪ » .‬كام وأشار التقرير أن األمية يف‬ ‫الوطن العريب للعام ‪ 2013‬قد بلغت ‪ 27%‬من إجاميل سكَّان الوطن العريب أي إن عددهم يبلغ من ‪ 70‬إىل ‪ 100‬مليون‬ ‫املحل عىل‬ ‫أُ ِّمي‪ .‬ومن ناحية اإلنفاق عىل التعليم يؤكّد التقرير أن الدول العربية تُنفق أقل من ‪ 2٪‬فقط من ناتجِها ّ‬ ‫ضئيل ج ًّدا بجانب ما تنفقه الدول املُتق ّدمة التي تنفق حوايل ‪10٪‬‬ ‫رقم ً‬ ‫التعليم والبحث العلمي‪ ،‬وهذا يُع ّد ً‬ ‫‪60‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫وتُؤكِّد هذه األرقام الفجو َة الكبرية بني الدول العربية واألوروبية‪ ،‬ويظهر أثر ذلك يف انخفاض نسبة التعليم وجودته‬ ‫يف الدول العربية‪ .‬ويف الكويت‪ ،‬ونظ ًرا لوقوعها ضمن منظومة الدول الغنية‪ ،‬فقد استطاعت الرثوة النفطية من تحسني‬ ‫صورة التعليم بشكلٍ مادي‪ ،‬وتقليل مستويات األمية والجهل بشكلٍ كبري‪ ،‬حيث انترشت املدارس الحكومية والخاصة‪.‬‬ ‫كام وأن الدستور الكويتي كفل مجانية التعليم وتعيني مخرجاته‪ ،‬إال أن املناهج الدراسية واملنظومة التعليمية مازالت‬ ‫قليل عن بقية الدول العربية‪ ،‬فام يجمع التعليم العريب هو الثقافة العربية وتف ّرعاتها‬ ‫هي هي تتشابه كث ًريا وتختلف ً‬ ‫يتضح أن عوامل تشكيل وتصميم املناهج الدراسية الكويتية ال تختلف‬ ‫من الدين والعادات والتقاليد والثقافة‪ .‬ومن هنا ّ‬ ‫كث ًريا يف الدول العربية‪ ،‬وإن كانت تتفاوت يف الجرعات الدينية وتقليص مبادئ ومفاهيم املدنية والبحث العلمي‬ ‫والتفكري‪ .‬وهوما يقودنا إىل السؤال األول الذي يفرض نفسه‪:‬‬ ‫وخصوصا أن التعاون مع بيوت‬ ‫ملاذا عجزت الحكومات العربية عن تغيري املناهج التعليمية مبا يُساير العرص الحديث‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الخربة العاملية والزيارات إىل أرقى الدول يف مجال التعليم‪ُ ،‬مستم ّر ٌة منذ سنني طويل ٍة ويُرصف عليها ماليني الدوالرات‬ ‫دون أي نتيج ٍة منها؟!! اإلجابة الوحيدة عىل هذا التساؤل لن تخرج من أن الحكومات تريد‪ ،‬ليس فقط السيطرة املادية‬ ‫أيضا غسل األدمغة والسيطرة الروحية واملعنوية والثقافية‪ ،‬وهذا الجانب ال يقوم‬ ‫واالقتصادية عىل البالد‪ ،‬ولكن املطلوب ً‬ ‫به إال التعليم‪ ،‬واألداة التي تقوم بهذا الدور هي التوجيه الديني القائم عىل التلقني والسمع والطاعة‪ ،‬وتعزيز النقل عىل‬ ‫العقل ورفض النقد العلمي والسؤال والنقاش‪.‬‬ ‫وهذا ما أخرج أجيالً من الطلبة غري قادرين عىل إصالح املجتمع‪ ،‬بل ُمنخرطني بالفساد و ُمساهمني يف تر ِّدي األوضاع‬ ‫السياسية واالجتامعية‪ .‬فنتيج ًة لسيطرة تيارات اإلسالم السيايس‪ ،‬من خالل االنتخابات أو الدعم الحكومي لهم مجتمع ًيا‬ ‫وسع التعليم الديني بشكلٍ كبريٍ ج ًدا عىل حساب الوطن واملواطنة‬ ‫وإتاحة الفرص اإلعالمية التلفزيونية ومنابر املساجد ّ‬ ‫مام جعل مبدأ املواطنة ُمغيّبًا‪ ،‬فبدل أن تقود الهوية إىل الدولة‪ ،‬تسعى الدولة لخلق الهوية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تفتيت له‪ ،‬باستغالل املأزق االجتامعي والثقايف للمجتمع‪،‬‬ ‫توحيد للمجتمع‪ ،‬تتح ّول إىل عامل‬ ‫وبدل أن تغدو الدولة عامل‬ ‫ٍ‬ ‫خطابات تحريضي ٍة بني الطوائف واملذاهب والثقافات املختلفة‪ ،‬إلضعاف املواطنة وتكريس‬ ‫من خالل السامح باعتامد‬ ‫مم ساهم يف انتقالها إىل مدارس وجامعات الوطن العريب‪ .‬لقد ق ّدم‬ ‫الوالءات القبلية واملذهبية داخل كيان املجتمعات ّ‬ ‫ٍ‬ ‫خدمات مجاني ًة للفكر الديني ولجامعات اإلخوان املسلمني‬ ‫التعليم العريب‪ ،‬ووزارات الرتبية والتعليم يف هذه الدول‬ ‫وداعش وغريهم عرب توفري الحواضن الفكرية الدينية ودعمها باملال والحامية والتشجيع‪ ،‬فلم تعالج األنظمة العربية‬ ‫أي خللٍ‬ ‫وتعليمي منذ بدايات تشكيل الدولة الحديثة بعد االستعامر‪ ،‬بل سلّمت أه ّم جه ٍة مسؤول ٍة عن التطور‬ ‫تربوي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫والحضارة والعلم إىل من ال يستحق‬ ‫‪61‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫ٍ‬ ‫دروسا و ِع َ ًبا لالنطالق إىل الحداثة‬ ‫كشعوب‬ ‫فجنينا‬ ‫ٍ‬ ‫ومجتمعات ما زرعناه يف مناهجنا من تاري ٍخ كان يجب أن يكون ً‬ ‫والتنوير‪ ،‬وليس إلعادة إنتاجه بكل ما فيه من رص ٍ‬ ‫وحروب وقتا ٍل لن ينتهي ولن يقف طاملا أن ما يُغ ّديه هو الدين‪.‬‬ ‫اعات‬ ‫ٍ‬ ‫يستشف وضعنا العريب وقدرة الجامعات‬ ‫وال نجد ما هو أكرث تعب ًريا وصدقًا مام قاله ويل ديورانت حني قال وكأنه‬ ‫ّ‬ ‫رأس آخر»‪ . ..‬فمتى‬ ‫اإلسالمية عىل التفريخ «أنهم يف الحقيقة يقطعون رأس أفعوانٍ خرايف‪ ،‬كلّام قطعوا ً‬ ‫رأسا نبت له ٌ‬ ‫رأس آخر؟‪.‬‬ ‫سنقطع الرأس الخرايف حتى ال ينبت له ٌ‬ ‫س‪- 17‬ما رأيك يف اإلعالم العريب ككلٍ وهل يُعاين من مشاكل وما هي الطريقة املُثىل لحلِّها؟‬ ‫اإلعالم العريب يف العرص الحديث واكب التط ّورات التكنولوجية والتقنية ولكن من جانب تعزيز الثقافة السائدة ومنط‬ ‫التفكري والدين والعادات والتقاليد‪ ،‬فهو إعال ٌم مل ينفتح عىل املعرفة الجديدة بل أعاد إنتاج الثقافة القدمية بصو ٍر أكرث‬ ‫تز ّمتًا ورجعية وحارب التجديد والعلوم وفلسفات التطور والعلوم‪ ،‬وهو بهذا خلق شعوبًا تبحث عن املُتعة‪ ،‬تبحث عن‬ ‫التكنولوجيا‪ ،‬ال الكتشافها أو سرب أغوار الفكر الذي أنتجها‪ ،‬ولكن ليك يشرتيها أو يتفاخر فيها‪.‬‬ ‫إن الرسالة اإلعالمية هي األكرث تأث ًريا ألنها تعب ٌري عن منطوقٍ شاملٍ يحتوي كل األوامر األخرى السابقة عىل تشكيله‪ .‬إن‬ ‫اإلعالم هو الظاهرة العرصية النهائية للرصاع السيايس والحوار اإليديولوجي والتنافس االقتصادي‪ .‬ولكن يف مجتمعاتنا‬ ‫املحل من دون‬ ‫رص ألنه يتح ّدث يف الغالب إىل الداخل ساع ًيا نحو االستهالك ّ‬ ‫العربية علينا أن نعرتف بأن اإلعالم العريب قا ٌ‬ ‫التفكري يف املُخاطبة الجا ّدة للغري وتقديم الصورة الصحيحة عن واقعنا املُعارص واكتساب الصدقيّة املُفتقدة واستعادة‬ ‫الثقة الضائعة بيننا وبني غرينا من القوميات والشعوب‪ ،‬وهوما أنتج بالتايل منطًا استهالك ًيا ُمقلّ ًدا للغري دون القدرة‬ ‫عىل االبتكار والتجديد‪ ،‬والطامة الكربى يف اإلعالم العريب هو قبول املُشاهد العريب بغالبية الهراء الذي يت ّم إنتاجه يف‬ ‫الفضائيات العربية عىل اعتبار أنه جودة اإلعالم املُتف ّوق‪.‬‬ ‫وهذا الرت ّدي اإلعالمي يف مجتمعاتنا‪ ،‬وحتى نكون صادقني ينبع من ذات املشكلة السياسية واالجتامعية‪ ،‬فمجتمعاتنا‬ ‫تدن مستوى الثقافة والوعي العريب‪ ،‬وهوما يُنتج بالتايل إعال ًما‬ ‫فقري ٌة معرف ًيا وضعيف ٌة فكريًا وتحمل نسبة أمي ٍة كبري ٍة مع ّ‬ ‫هشً ا يفتقد املصداقية ويُط ّبل لألنظمة ويخاف من الخطوط الحمراء الدينية والسياسية‪ ،‬فاألمة الضعيفة فكريًا هي أم ٌة‬ ‫مثل بينام كل مجاالتنا األخرى االقتصادية والسياسية‬ ‫ضعيف ٌة بكل املجاالت األخرى‪ .‬وال ُيكننا التقدم يف مجال اإلعالم ً‬ ‫واالجتامعية ضعيفة‪ ،‬فالتطور هو سم ٌة مالزم ٌة لكل املجاالت وال ُيكن التف ّوق يف مجا ٍل بينام املجاالت األخرى شبه ميتة‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫س‪- 18‬لقد كان لك ديوانني شعر ّيني يتط ّرقان لقضايا سياسي ٍة واجتامعية‪ ،‬مام يجعلنا نفرتض أنك ترى أن األدب‬ ‫والشعر قد يكونان أدا ًة للتغري املجتمعي‪ ،‬ما تعليقك؟‬ ‫ثورة الشعر ال تقترص عىل الحب‪ .‬فقد قالت مديرة اليونيسكو ايرينا بوكوفا إن «الشعراء يتمتّعون بقدر ٍ‬ ‫ات تُ كّنهم‬ ‫من مرافقة الحركات املدنية وتوعية الضامئر يف خض ّم التغ ّيريات الها ّمة التي يشهدها العامل اليوم‪ ،‬وما يعصف به من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تقل ٍ‬ ‫مديات عظيم ٍة‬ ‫تحوالت اجتامعية»‪ .‬إذن الشعر يخلق التطور ويُحيي العقل ويذهب باإلنسان إىل‬ ‫ّبات رسيع ٍة ومن‬ ‫ات تتجاوز السائد والثابت‪ ،‬وهو بهذا يصنع التغيري بال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومغامر ٍ‬ ‫عمليات لتصفية‬ ‫شك وكم شهدنا يف التاريخ البرشي‬ ‫نبي أو مسؤول وهوما يُؤكّد أن الشعر ليس فقط عالق ًة شاعري ًة مع أنثى جميلة‬ ‫الشعراء وقتلهم ملُج ّرد انتقاد ٍ‬ ‫حاكم أو ٍ‬ ‫وإن كان هذا من أعذب الحاالت‪ ،‬إال أن األنثى اختُزلت يف مخيلة الشعراء باألوطان والحرية والجامل‪ .‬الفعل الثوري‬ ‫معزول عن الخطاب الذي تنتجه‬ ‫ً‬ ‫العريب الذي تحقّق يف األشهر األخرية مل يكن معزولً عن خطاب الشعر‪ ،‬مثلام مل يكن‬ ‫األنظمة العربية وهوما خلق ثور ٍ‬ ‫ات قصائدية تواجه القمع والظلم بالكلمة‪.‬‬ ‫مت مؤخ ًرا بتسجيل حوا ٍر مع الصديق إسامعيل محمد يف برنامج البط األسود الذي يُعترب أحد تجلّيات‬ ‫س‪ُ - 19‬ق َ‬ ‫الحالة السياسية واالجتامعية يف مرص‪ ،‬التي سلّطت الضوء عىل امللحدين أكرث من ذي قبل‪ .‬كمجل ٍة للملحدين نحب أن‬ ‫نطرح عليك أسئل ًة حول رأيك يف اإللحاد العريب بشكلٍ عام وما هو رأيك بامللحد العريب بشكلٍ شخيص؟‬ ‫امللحد العريب حال ٌة طبيعي ٌة لوجو ٍد مل يعد قاد ًرا عىل اإلجابة عىل أسئلة العرص الحديث‪ ،‬فبعد ظهور واستقواء موجة‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات من‬ ‫التطور العلمي والتكنولوجي والثقايف عرب الثورة الرقمية‪ ،‬ظهرت األفكار إىل العلن لتُعلن عن وجودها بعد‬ ‫القمع والتحريم‪ .‬امللحد العريب أراه امتدا ًدا للعرص العبايس القديم وامتدا ًدا للثورة عىل السائد واملوروث الديني بعد‬ ‫أن تو ّحش فكريًا وسياس ًيا واجتامع ًيا وحارص العقل العريب مبتاهات الدين والعادات والتقاليد‪ ،‬فكان أن تو ّجهت غالبي ٌة‬ ‫كبري ٌة من الشباب والشابات يف الوطن العريب إىل القراءة والبحث عن هذه القيود ودورها يف إضعاف األمة وج ّرها إىل‬ ‫الحضيض والتخلّف واالستبداد‪.‬‬ ‫وأحب يف هذا املقام أن أش ّجع كل الربامج الحوارية التي تتحدث وتناقش وتحاور الشباب امللحدين والعلامنيني يف‬ ‫الوطن العريب‪ ،‬وهذا مام يُعطي الدعم والثقة بأن الوطن العريب لن يكون مثل األول ولن يكون مثل السابق يحمل‬ ‫توج ًها واح ًدا أو رأيًا واح ًدا فقط‪ ،‬بل هناك من استطاع أن يكرس تابوهات القداسة ومن استطاع أن يُفكّر ويُناقش وينقد‬ ‫املسكوت عنه يف التاريخ اإلسالمي وأن يقتحم ثالوث الجنس والدين والسياسة بكل ثق ٍة واقتدا ٍر ومعرفة‪.‬‬ ‫‪63‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫كام وأش ّجع كل الشباب والشابات عىل االنخراط يف الثورة العلامنية والفكرية الجديدة وعدم الخوف من االنظمة أومن‬ ‫كهنة الدين‪ ،‬فالصوت العايل ال يعني بالرضورة أنه الصوت الصائب ولكن يعنى غال ًبا أنه صوت الذبيح قبل موته‪ ،‬ولهذا‬ ‫رص الصفوف وترتيب مجموعاتنا الفكرية والثقافية ملواجهة أعتى األنظمة والكهنة‪ .‬فالح ّرية ال تأيت بال‬ ‫علينا جمي ًعا ّ‬ ‫مثنٍ وكم ق ّدم الكثري من املثقفني والفالسفة سوا ًء يف العرص القديم أويف العرص الحديث أرواحهم مث ًنا للح ّرية ومث ًنا ليك‬ ‫يكون اإلنسان العريب ح ًرا رأيًا وفك ًرا واعتقا ًدا‪ ،‬ولن نكون نحن أقل منهم يف بذل الغايل والنفيس لتحقيق معادلة الح ّرية‬ ‫والعدالة واملساواة‪.‬‬ ‫عبون عن صوتهم ُ‬ ‫حيث مل يعد من املمكن يف عرص االنرتنت تغطية املوضوع‬ ‫س‪- 20‬امللحدين العرب بدأوا يُ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتصفيات بحق اإلنسان ملج ّرد أنه قال شي ًئا‬ ‫اضطهادات‬ ‫والتظاهر بأنهم غري موجودين‪ .‬كام أن العامل مل يعد يتق ّبل‬ ‫رأي وأطرح هنا أمثل ًة مثل قضية رائف بدوي والشاعر أرشف فياض‪ ،‬برأيك هل سيكون للملحد العريب مكانٌ‬ ‫أوكان له ٌ‬ ‫ً‬ ‫مستقبل؟‬ ‫يف الرشق األوسط‬ ‫يعيش اإلنسان العريب واملسلم خائفًا من فكرة الدين‪ ،‬طاملا أن انتقادها أو رفضها أو حتى االنفصال عنها يؤ ّدي به إىل‬ ‫املوت يف أبشع صور ٍة من خالل إصدار ٍ‬ ‫رشعي بأنه مرت ٌد عنها‪ ،‬ليواجه عقوبة قطع رقبته أمام جمعٍ من الناس يف‬ ‫صك‬ ‫ٍ‬ ‫ساح ٍة عامة‪ .‬تاريخ ًيا‪ ،‬مل ُيارس إىل اليوم هذه العبثية يف التالعب بأرواح الناس سوى الفكر اإلسالمي وتراثه العامر بفتاوي‬ ‫ٍ‬ ‫ونصوص ديني ٍة تعترب اإلنسان مج ّرد أدا ٍة ال قيمة لها أمام بقاء الدين وانتصاره عىل كل اإليديولوجيات والشعوب يف‬ ‫العامل‪ .‬فقد ات ّخذ واضعو الفكر اإلسالمي الطريقة املُثىل لإلبقاء عىل القطيع داخل الحظرية‪ ،‬عرب تشديد الرقابة والوصاية‪،‬‬ ‫وصول إىل التهديد بالقتل يف حال الخروج من الدين حفاظًا عليه من التهتّك واالندثار‪ .‬فقد ُشعت عقوبة الر ّدة يف‬ ‫ً‬ ‫اإلسالم لحفظ الدين وحراسة العقيدة‪ ،‬كام يقول غالبية الفقهاء والرواة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مخالف لدين األغلبية‪ ،‬تقع مسؤولية النخبة املثقفة‬ ‫رأي‬ ‫أمام هذا الواقع البشع واملُح ّدد بالحكم عىل أي إنسانٍ ملجرد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات حر ٍة مدنية‬ ‫ومسؤولية الثوار والداعني إىل العلامنية ليك يتح ّملوا مسؤول ّياتهم التاريخية يف التطور وبناء‬ ‫حضارية‪ .‬إنني هنا ومن خالل مجلتكم أعلن رفيض واستهجاين لكل األحكام التي صدرت ض ّد رائف بدوي وضد أرشف‬ ‫فياض وغريهم الكثري يف الوطن العريب ملُج ّرد كتابة رأيهم يف قضايا املجتمع والدين والعادات والتقاليد‪ ،‬فهذه املحاكم‬ ‫رص ٍ‬ ‫فات مل تعد تالئم العرص الحديث بل تالئم عرص االنحطاط‬ ‫الداعشية استطاعت تخويف شبابنا وز ّجهم يف السجون يف ت ّ‬ ‫الحضاري ومحاكم التفتيش يف العصور القروسطية‪ .‬كام أناشد األمم املتحدة ومنظامت حقوق اإلنسان التد ّخل ومنع‬ ‫تنفيذ األحكام والدفاع عن ح ّرية الرأي واالعتقاد املنصوص عليها يف مواثيق األمم املتحدة والتي ظهرت إىل الوجود بعد‬ ‫رص ٍ‬ ‫اعات دامي ٍة ض ّد االستبداد الديني والسيايس يف عرص النهضة األوروبية‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫وفق رؤيتي وقراءايت واستنتاجايت‪ ،‬أتوقّع للملحدين العرب دو ًرا أكرب يف املستقبل‪ ،‬ليس كجامع ٍة تحارب الدين وتستهزئ‬ ‫ٍ‬ ‫كجامعات وأفرا ٍد لهم الحق يف الوجود والتعبري عن رأيهم وثقافتهم وإنسانيتهم كمواطنني يف‬ ‫باملُعتقدات البرشية‪ ،‬بل‬ ‫مختلف الدول العربية‪ ،‬فاإللحاد ال يعني بالرضورة وجود أعداء للدين وإمنا هو وجود رؤي ٍة مختلفة عن الدين تنظر‬ ‫علمي إنساين‪.‬‬ ‫للحياة والوجود واإلنسان وفق منظو ٍر ٍ‬ ‫التغيات الحالية وكيف تتو ّقع أن يكون الحال بعد عق ٍد من اآلن؟‬ ‫س‪- 21‬كيف ترى مستقبل امللحد العريب يف ّ‬ ‫ظل ّ‬ ‫املستقبل يكون ملن يُخطّط ويسترشف ويبني الخطط واالسرتاتيجيات‪ ،‬ونحن هنا يف مجتمعاتنا العربية ومن مختلف‬ ‫الفئات والتيارات الدينية والالدينية يغيب عن غالبيتنا وجود الخطط واالسرتاتيجيات نظ ًرا لغياب أفق الحريّات والتعليم‬ ‫املنهجي وضعف أدوات ووسائل البحث العلمي‪ ،‬كام أن غياب مراكز البحوث والدراسات التي تبحث بكل حري ٍة يف الوطن‬ ‫العريب ساهم يف إضعاف قضية املستقبل وبنائه‪ .‬ولكن كاسترش ٍ‬ ‫اف ُمستقبيل‪ ،‬يكمن وجود امللحدين وق ّوتهم باعتقادي‬ ‫إذا ما استطاعوا تقديم رؤي ٍة مشرتك ٍة ووضع ٍ‬ ‫خطط ُمستقبلي ٍة لبناء جبه ٍة مو ّحدة تحمي وجودهم القانوين واملجتمعي‪،‬‬ ‫فهنا تكون البداية مؤطر ٌة بشكلٍ يدعم وجودهم ونرش أفكارهم ضمن املُتغريات السياسية الداخلية والخارجية‪ .‬كام‬ ‫وأنني أمت ّنى عىل امللحدين العرب االهتامم أكرث بالجوانب العلمية والبحث أكرث ودراسة األديان املقارنة لتقوية أدوات‬ ‫النقاش والحوار‪ ،‬فاإللحاد مرحل ٌة متقدم ٌة من التفكري العقيل ال ميلكها املؤمن التقليدي‪ .‬إن املستقبل لألفكار الح ّرة‪،‬‬ ‫للتفكري النقدي والبعيد عن القيود الدينية والسياسية‪ ،‬فلن يستطيع أي مجتمعٍ مهام امتلك من أدوات القمع والرتهيب‬ ‫والتخويف من أن مينع فكر ًة أو يقتل رأيًا فالتاريخ اإلنساين دامئًا يشهد والدة األفكار من رحم املعاناة والقهر لتكون تلك‬ ‫األفكار رائدة التطور واالبداع‪.‬‬ ‫مختلف ً‬ ‫قليل عام اعتدت‬ ‫كتاب بعنوان «اإلسالم بني النظرية والتطبيق» وهو‬ ‫س‪- 22‬تعمل حال ًيا عىل مرشوع ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫الكتابة عنه‪ ،‬ماذا تستطيع أن تخربنا عنه؟‬ ‫نعم‪ ،‬حال ًيا أعكف عىل كتابة كتايب األول يف نقد الدين اإلسالمي من خالل مراحل تكوينه ونشأته وتاريخه حتى نستطيع‬ ‫ان نضع أمام القارئ العريب إضاف ًة أو استكامل لسلسلة نقد الدين االسالمي من خالل زوايا مختلف ٍة ورؤي ٍة متقدمة‬ ‫ملستقبل الدين بعد كشف دوره يف التعاطي العميل يف مجتمعاتنا العربية واإلسالمية‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫حـوار مــ‪۶‬‬

‫عبد العزيز عبدالله القناعي‬

‫س‪- 23‬نشكرك عىل هذه املقابلة املُمتعة ونسألك هل لك رسال ٌة تحب توجيهها ل ُق ّراء املجلة من ملحدين ومؤمنني‬ ‫عىل ح ٍد سواء؟‬ ‫أشكركم مر ًة أخرى عىل هذه االستضافة الرائعة وأمت ّنى لكم وملجلتكم واسع االنتشار واالهتامم من قبل القارئ العريب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫معتقد من إنهاء اآلخر املختلف‪،‬‬ ‫رسالتي للملحدين وللمؤمنني‪ ،‬هي أن يتعايشوا جمي ًعا‪ ،‬فلن يستطيع أي فك ٍر أو‬ ‫ٍ‬ ‫منطلقات دينية فإنها تزرع األمل والكره والدم‪ .‬بينام التعايش يخلق األمل والحب‬ ‫فالعداوة والكراهية إذا انطلقت من‬ ‫والسالم‪ ،‬لقد كان لحرية الرأي واالعتقاد كوالد ٍة لعرص الحداثة والتنوير والعلامنية األثر األكرب يف التطور والعلم والفلسفة‪،‬‬ ‫فلنؤمن جمي ًعا بهذا املبدأ الخالد حتى نستطيع أن نتق ّدم جميعا بدون أي فرقٍ يف الدين واملذهب والجنس والعرق‪،‬‬ ‫ليبقى فينا اإلنسان واإلنسان فقط‪.‬‬

‫إعداد وتقديم‪ :‬الغراب الحكيم‪Gaia Athiest، Adam Ismaiel ،‬‬

‫‪66‬‬


‫القول الحسام يف مسألة‬ ‫ُأتثّـل داعش اإلسالم؟‬

‫‪phi brain‬‬ ‫كلّام ت ّم فتح موضوع الدولة اإلسالمية للنقاش بيني‬ ‫وبني أصدقايئ راحوا يتخبّطون هنا وهناك‪ ،‬ويقفزون‬ ‫من موضو ٍع آلخر يك يُثبتوا يل أن «داعش» ال متثّل‬ ‫اإلسالم أب ًدا‪ ،‬باعرت ٍ‬ ‫فعل‬ ‫اضات وحج ٍج واهية أثبتت يل ً‬ ‫جهلهم بدينهم‪ ،‬وأنهم ليسوا سوى خر ٍ‬ ‫اف تتبع املقوالت‬ ‫الشائعة‪ ،‬أو ما يُر ّوج له اإلعالم العريب الذي ال يتّصف باملهنية‬ ‫واملحايدة يف الطرح‪ ،‬وبعضهم وجدته عاشقًا لنظريات املؤامرة‬ ‫التي تسعى لتدمري املسلمني بسبب تف ّوقهم يف العامل!‬ ‫‪67‬‬


‫القول الحاسم يف‬ ‫مسألة أمتثل داعش اإلسالم؟‬

‫‪phi Brain‬‬

‫يل‬ ‫سؤايل لهم كان بسيطًا ج ًدا ما هو األمر الذي فعلته «داعش» ومل يفعله النبي محمد وأصحابه؟ فراحوا يتباهون ع ّ‬ ‫بوسع صدره وصدر اإلسالم وسامحته مع جميع البرش وإقساطه لهم‪ ،‬عىل عكس هذا التنظيم اإلرهايب الرهيب الذي‬ ‫يرتكب املجازر واملذابح الوحشية‪ ،‬دون تفرق ٍة بني مسلٍم أو غريه‪ ،‬ويسبي النساء‪ ،‬وير ّوج للعبودية‪ ...‬وبعد أن رددتُ‬ ‫لحل هذا اللغز‪ ،‬لذا سأبدأ يف اإلجابة انطالقًا من‬ ‫آمل أن ت ُفيد من يسعى ّ‬ ‫عليهم شبهاتهم ق ّررتُ توثيق هذه األخرية ً‬ ‫املصادر املجمع عليها عند املسلمني (قرآن‪ ،‬الصحيحني‪ ،‬السري‪ )..‬وسأذكر األحاديث الصحيحة فقط‪ ،‬أنا ال أقوم بهذا ألنني‬ ‫أريد الدفاع عن «داعش» لكن ليك أكون باحثًا وناق ًدا أمي ًنا يف هذا املوضوع‪ ..‬لنبدأ إذن‪.‬‬

‫الشبهة األوىل‪ :‬الرسول وأصحابه مل يَحرقوا الناس‪.‬‬ ‫كتعقيب عىل حرق الطيار «معاذ الكساسبة» فأخربوين أن هذا الفعل الشنيع ليس من اإلسالم من‬ ‫أثرنا هذه الجزئية‬ ‫ٍ‬ ‫يشء‪ ،‬فأجبتهم بالتايل‪:‬‬ ‫بحطب فيحطب‪ ،‬ثم‬ ‫هممت أن آمر‬ ‫عن أيب الزناد عن األعرج عن أيب هريرة أن رسول الله قال‪ :‬والذي نفيس بيده لقد‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫رجل فيؤ ّم الناس‪ ،‬ثم أخالف إىل رجا ٍل فأحرق عليهم بيوتهم (‪)1‬‬ ‫آمر بالصالة فيُؤذن لها‪ ،‬ثم آمر ً‬ ‫بي صىل الله‬ ‫ورسدتُ حديثًا آخر‪ :‬عن عكرمة‪ :‬أ َّن عل ًّيا ح َّرق قو ًما‪ ،‬فبلغ اب َن عباس فقال‪ :‬لو ُ‬ ‫كنت أنا مل أح ِّرقهم؛ أل َّن ال َّن َّ‬ ‫عليه وسلم قال ﴿ ال تُع ِّذبوا بعذاب الله ﴾ ولَ َقتَلتُهم كام قال ال َّنبي صىل الله عليه وسلم‪َ ﴿ :‬من بدَّ َل ِدي َنهُ َفا ْق ُتلُوه﴾(‪)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫كام ذكرتُ أنه جاء يف فتح الباري‪ :‬أن معاذًا وأبو موىس كانا يريان جواز التعذيب بالنار وإحراق امليت بالنار مبالغ ًة يف‬ ‫إهانته وترهيبا عن اإلقتداء به (‪)3‬‬ ‫ً‬ ‫وقال الحافظ‪ :‬ح ّرق اللوطية بالنار أربع خلفاء‪ :‬أبو بكر الصديق‪ ،‬وعيل بن أيب طالب‪ ،‬وعبد الله بن الزبري‪ ،‬وهشام بن‬ ‫عبد امللك (‪)4‬‬ ‫ناسا من أهل الردة‪ ،‬وأكرث علامء املدينة يُجيزون تحريق‬ ‫كام ذكرتُ القول يف فتح الباري‪ :‬وحرق خالد بن الوليد بالنار ً‬ ‫الحصون واملراكب عىل أهلها (‪)5‬‬ ‫هذا بالنسبة لقضية الحرق التي مل يكن لهم عل ٌم بها‪ ،‬ورغم أقوايل واستشهادايت هذه مل يقتنعوا بها‪ ،‬بل ج ّروين ملوضو ٍع‬ ‫آخر‪ ،‬ف ُرحت أجيبهم‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫القول الحاسم يف‬ ‫مسألة أمتثل داعش اإلسالم؟‬

‫‪phi Brain‬‬

‫الشبهة الثانية‪ :‬الرسول وأصحابه مل يقتلوا‪ ،‬ومل يسبوا‪ ،‬وما أكرهوا الناس أبدً ا‬ ‫يك ي ّربروا موقفهم ذكّروين بأنه بُعث رحم ًة للعاملني‪ ،‬وأنه كان متسام ًحا ج ًدا‪ ،‬ولو كان فظًا ملا آمن الناس به‪ ،‬ف ُرحت أر ّد‬ ‫عليهم بينام هم يتكلّمون يف آنٍ واحد‪:‬‬ ‫فلم رجع الرسول من الخندق وضع السالح فاغتسل‪ ،‬فأتاه جربيل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال‪:‬‬ ‫جاء يف الصحيحني‪ّ :‬‬ ‫وضعت السالح؟ والله ما وضعناه اخرج إليهم‪..‬فأشار (النبي) إىل بني قريظة‪.‬إين أحكم فيكم أن تُقتل املقاتلة‪ ،‬وأن تُسبى‬ ‫َ‬ ‫الذرية والنساء وتُقسم األموال (‪ )6‬وكام تجدر اإلشارة إىل أنهم كانوا بني الـ‪ 800‬إىل الـ‪ 900‬كام قال السهييل‪.‬‬ ‫حتى أن أسلم األنصاري الذي كلّفه الرسول بحكمه يقول‪ :‬جعلني النبي عىل أسارى قريظة‪ ،‬فكنت أنظر يف فرج الغالم‬ ‫فإن رأيته قد أنبت رضبت عنقه (‪)7‬‬ ‫إال أنني مل أجد ر ًدا منهم عىل أدلتي‪ ،‬بل كالعادة قفزوا ملوضو ٍع آخر‪ ،‬هو التايل‪.‬‬

‫رصف كذلك‪.‬‬ ‫الشبهة الثالثة‪ :‬جميع الحوادث التي ذكرتها حدثت فيها أذية للرسول فت ّ‬ ‫نت لهم أن «داعش» ال تقتل جزافًا‪ ،‬وستُالحظون ذلك عندما تزورون موقعها االلكرتوين‬ ‫وافقتهم عىل ذلك طب ًعا‪ ،‬وب ّي ُ‬ ‫«دولة الخالفة اإلسالمية» وتشاهدون الفيديوهات التي تنرشها؛ إذ تأيت باملُذنب املعلوم أمام الكامريا فيعرتف مبا اقرتف‪،‬‬ ‫عمل باآلية‪﴿ :‬ومن مل يحكم مبا أنزل الله فأولئك هم‬ ‫ترتيل آلية تحكم بعقوب ٍة عىل خطيئته‪ ،‬وت ُط ّبق الحد ً‬ ‫ث ّم تجد ً‬ ‫الكافرون﴾ (‪)8‬‬ ‫رصفات‪ ،‬فعادوا‬ ‫ُ‬ ‫وأردفت قائالً أن الذنب ذنبكم ألنكم ال ت ُتابعون املوقع وتحاولون أن ّ‬ ‫تفسوا هذه الت ّ‬ ‫ملوضوع اإلكراه مجد ًدا‪ ،‬فأجبتهم بالحديث القائل يك أتالىف املسألة‪ :‬عن عبد الله بن عمر‪-‬ريض الله عنهام‪ -‬قال‪..‬‬ ‫قال رسول الله ﷺ ‪:‬‬ ‫الص َغا ُر‬ ‫بالس ْي ِف‪ ،‬حتى يُعب َد الل ُه وح َده ال رشيك له‪َ ،‬و ُج ِع َل ِر ْز ِقي ت َ ْح َت ِظ ّل ُر ْم ِحي‪َ ،‬و ُج ِع َل ال ِّذلَّ ُة َو َّ‬ ‫السا َع ِة َّ‬ ‫بُ ِعث ُْت بَ ْ َي يَ َد ْي َّ‬ ‫َع َل َم ْن َخال َ​َف أَ ْمرِي‪َ ،‬و َم ْن ت َشَ َّب َه ِب َق ْو ٍم فَ ُه َو ِم ْن ُه ْم (‪ . )9‬ومل أحتج للتوضيح كيف يقول الحديث أن عليك أن تؤمن كيفام‬ ‫كان الحال‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫القول الحاسم يف‬ ‫مسألة أمتثل داعش اإلسالم؟‬

‫‪phi Brain‬‬

‫الشبهة الرابعة‪ :‬دي ُننا مل يبح العبودية‪ ،‬كام تفعل داعش بالنساء اآلن‪.‬‬ ‫أجببت ببىل ُمندهشً ا من عدم ُمطالعتهم وتدبّرهم للقرآن الذي قال‪﴿ :‬والذين هم لفروجهم حافظون‪ ،‬إال عىل‬ ‫خصوصا ويُس ّمني‪ :‬الجواري والرساري‬ ‫وض ًحا لهم‪ :‬وقد يُراد به النساء اململوكات‬ ‫أزواجهم أو ما ملكت أميانهم﴾ (‪ُ )10‬م ّ‬ ‫ً‬ ‫توضح اآلية‪ ،‬وذكرتُ لهم أن بيت‬ ‫وملك اليمني‪ ،‬ويجوز ملالكها أن يطأها ويستمتع بها بغري عقد زوا ٍج بل ُمبلك اليمني كام ّ‬ ‫الرسول كانت فيه جواري‪ ،‬لقول عائشة‪ :‬دخل‪ ‬أبو بكر‪ ‬وعندي جاريتان من جواري األنصار تغنيان مبا تقاولت األنصار‬ ‫يوم بعاث‪ ،‬قالت‪ :‬وليستا مبغنيتني‪ ،‬فقال‪ ‬أبو بكر‪ ‬أمزامري الشيطان يف بيت رسول الله ﷺ ‪-‬وذلك يف يوم عيد‪ -‬فقال‬ ‫قوم عي ًدا‪ ،‬وهذا عيدنا ‪ -‬رواه‪ ‬البخاري‪.‬‬ ‫رسول الله ﷺ‪ :‬يا‪ ‬أبا بكر‪ ‬إن لكل ٍ‬ ‫وذكرتُ قول اإلمام أحمد‪ :‬ح ّدثنا عبد الرزاق‪ ،‬أخربنا سفيان ‪ -‬هو الثوري‪ -‬عن عثامن ال َبتِّي‪ ،‬عن أيب الخليل‪ ،‬عن أيب سعيد‬ ‫الخدري قال‪ :‬أصبنا نساء من سبي أوطاس‪ ،‬ولهن أزواج‪ ،‬فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج‪ ،‬فسألنا النبي صىل الله عليه‬ ‫ات ِم َن ال ِّن َسا ِء إِال َما َملَك َْت أَ ْيَانُك ُْم﴾‪ ،‬قال‪ :‬فاستحللنا فروجهن‪.‬‬ ‫وآله وسلم‪ ،‬فنـزلت هذه اآلية‪َ ﴿ :‬والْ ُم ْح َص َن ُ‬ ‫كل هذا وكل ذلك التعب العقيل والنفيس يف استذكار األحاديث واآليات إال أنني مل أملس عالمات الرضا واملوافقة‬ ‫رغم ّ‬ ‫يف أوجه أصدقايئ املُنحازين‪ ،‬وزادوين شبه ًة أخرى‪.‬‬

‫الشبهة الخامسة‪ :‬داعش تقتل األبرياء من املسلمني‪ ،‬وغري املسلمني (وكان يقصد تفجريات فرنسا األخرية‬ ‫ف ُرحت أجيبهم كذلك‪ ،‬أنت مل تح ّدد مفهوم املسلمني ومن تقصد بهم‪ ،‬أهم الشيعة الذين يُق ّدسون أهل البيت؟‬ ‫أم يكونون الصوفية الذين ال يؤمنون بالعبادات؟ أم الحوثيّون الذين يطعنون يف القرآن؟‪ ،‬أم العلوية الذين ُي ّجدون عليّا؟‬ ‫إذا كنت تقصدهم فمن الطبيعي أن يُقتلوا ألن أفعالهم ارتداد عن الدين‪ ،‬وقد جاء هذا يف العرص الذهبي حيث أن أبا‬ ‫بكر قاتل مانعي الزكاة‪ ،‬وخالد بن الوليد قاتل املُرتدين‪..‬‬ ‫مثل‪ ،‬ويكفي أن تسمعوا هذه‬ ‫أما غري املسلمني فمن البديهي موتهم إذا مل يقبلوا اإلسالم ومل يدفعوا الجزية كفرنسا ً‬ ‫اآليات‪:‬‬ ‫﴿أيها النبي حرض املؤمنني عىل القتال﴾(‪)11‬‬ ‫﴿وإن نكثوا أميانهم من بعد عهدهم وطعنوا يف دينكم فقاتلوا أمئة الكفر إنهم ال أميان لهم لعلهم ينتهون﴾(‪ )12‬وال‬ ‫تنسوا «شاريل إيبدو» باملناسبة!‬

‫‪70‬‬


‫القول الحاسم يف‬ ‫مسألة أمتثل داعش اإلسالم؟‬

‫‪phi Brain‬‬

‫﴿فإذا انسلخ األشهر الحرم فاقتلوا املرشكني حيث وجدمتوهم وخذوهم واحرصوهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا‬ ‫وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم﴾(‪)13‬‬ ‫﴿واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم﴾ (‪ )14‬هذا يُشري ملعرك ٍة قريب ٍة يف األندلس (إسبانيا)!‬ ‫﴿فإذا لقيتم الذين كفروا فرضب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدّ وا الوثاق﴾(‪)15‬‬ ‫ختمت باآلية التي تقول‪﴿:‬ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيني والصديقني‬ ‫ويف النهاية‬ ‫ُ‬ ‫والشهداء﴾(‪)16‬‬ ‫وفاجأين أصدقايئ بأجوبتهم؛ أرجوك أصمت أنت ال تعرف شيئًا يف الدين‪ ،‬ومن أنت حتى تتكلّم يف هذه املواضيع؟ كام‬ ‫أن فهمك خاطئ! فلم يسعني قول يشء غري‪ :‬اللهم اشهد أنني بلّغت‬ ‫املراجع‪:‬‬ ‫•صحيح البخاري كتاب اآلذان‪ ،‬باب وجوب صالة الجامعة‪.‬‬ ‫•صحيح البخاري كتاب استتابة املرتدين واملعاندين‪ ،‬باب حكم املرتد واملرتدة واستتابتهم‪.‬‬ ‫•فتح الباري كتاب استتابة املرتدين باب حكم املرتد واملرتدة واستتابتهم‪.‬‬ ‫•الرتغيب والرتهيب ج‪3‬‬ ‫•فتح الباري كتاب الجهاد والسري‪.‬‬ ‫•جاء يف الصحيحني‪.‬‬ ‫•الطرباين الكبري والصغري‪.‬‬ ‫•مائدة ‪44‬‬ ‫•صحيح البخاري باب الجهاد‪.‬‬ ‫•املؤمنون ‪5-6‬‬ ‫•األنفال ‪65‬‬ ‫•توبة ‪12‬‬ ‫•توبة ‪5‬‬ ‫•بقرة ‪191‬‬ ‫•محمد ‪4‬‬ ‫•الزمر ‪69‬‬

‫‪71‬‬


‫مناظرة‬ ‫آيان حريس عيل‬

‫منال عمر‬

‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬

‫‪72‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫مقاالن مرتجامن عىل شكل مناظرة تم نرشهام عىل موقع مجلة ‪ Foreign Policy‬بتاريخ التاسع من ترشين الثاين‪/‬‬ ‫نوفمرب ‪.2015‬‬ ‫األول بقلم “آيان حريس عيل ‪ ”Ayaan Hirsi Ali‬بعنوان‪“ :‬اإلسالم دين عنف ‪”Islam is a Religion of Violence -‬‬ ‫والثاين بقلم “منال عمر” بعنوان‪“ :‬اإلسالم دين سالم ‪. ”Islam is a Religion of Peace -‬‬ ‫قام بالرتجمة مع بعض الترصف‪ :‬أسامة الب ّني‪.‬‬ ‫كل من روسيا والواليات املتحدة مؤخ ًرا حمالتهام العسكرية ضد تنظيم الدولة اإلسالمية (داعش)‪ ،‬ويف هذه‬ ‫ص ّعدت ٌ‬ ‫األثناء‪ ،‬بينام تعيث داعش فسا ًدا يف سوريا والعراق‪ ،‬توجهت قناة السالم يف مجلة ‪ ،Foreign Policy‬وهي رشاك ٌة بني‬ ‫املجلة ومعهد الواليات املتحدة للسالم ‪ ،United States Institute of Peace‬إىل نائبة رئيس املعهد منال عمر‪ ،‬وهي‬ ‫أحد أبرز املشتغلني يف قضايا السالم واإلسالم‪ ،‬وإىل آيان حريس عيل ‪ ،Ayaan Hirsi Ali‬مؤلفة كتاب «املهرطق‪:‬‬ ‫وطلبت منهام الدخول‬ ‫ملاذا يحتاج اإلسالم إصال ًحا عىل الفور» ‪،Heretic: Why Islam Needs a Reformation Now‬‬ ‫ُ‬ ‫يف مناظر ٍة تبحث فيام يكمن وراء التط ّرف الحديث وكيفية هزميته‪ .‬ففي عرص القاعدة والدولة اإلسالمية وبوكو حرام‪،‬‬ ‫هل مثّة رب ٌط بني العنف الذي ترتكبه هذه املجموعات والدين الذي يدينون به؟‬

‫‪73‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫مقال آيان حريس عيل‪ :‬اإلسالم دين عنف‬ ‫خالل األربع عرشة سن ًة املاضية‪ ،‬والتي أعقبت اعتداءات الحادي عرش من أيلول‪/‬سپتمرب برز اإلرهاب اإلسالمي عىل‬ ‫واجهة الوعي األمرييك والغريب‪ .‬ويف خضم ذلك أعلن الرئيس األمرييك يف حينها جورج بوش اإلبن «الحرب عىل اإلرهاب»‪.‬‬ ‫ويف األثناء‪ ،‬استرشى ذلك النوع العنيف من اإلسالم واستفحل‪ ،‬فوقعت أجزا ٌء من سوريا والعراق بأيدي من يسمون‬ ‫أنفسهم بالدولة اإلسالمية‪ ،‬وع ّمت الفوىض ليبيا والصومال‪ ،‬وم ّزقت الحرب األهلية اليمن‪ ،‬وعادت طالبان للظهور يف‬ ‫أفغانستان‪ ،‬ور ّوعت بوكو حرام النيجرييني‪ ،‬وبات ُص ّناع القرار أبعد ما يكونون عن التوصل إىل سبل القضاء عىل تهديد‬ ‫لهجوم داخيل‪ ،‬كمقتل قارع‬ ‫العنف اإلسالموي منذ ش ّنوا حربهم عليه‪ .‬بل‪ ،‬إن الدول الغربية صارت نفسها تتعرض‬ ‫ٍ‬ ‫الطبول العسكري الربيطاين ‪ Lee Rigby‬وتفجريات ماراثون بوسطن عام ‪ ،2013‬وحادثة إطالق النار يف مقر الربملان‬ ‫الكندي عام ‪ ،2014‬والهجوم عىل جريدة “شاريل إيبدو ‪ “Charlie Hebdo‬الساخرة والسوق اليهودي يف كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناير من هذا العام‪ ،‬وأخ ًريا الهجوم اإلرهايب الذي وقع يف مدينة “تشاتانوچا ‪ “ Chattanooga‬يف والية تِ ِنيس ‪Tennessee‬‬ ‫ٍ‬ ‫عسكري ومج َمعٍ لسالح البحرية‪.‬‬ ‫تجنيد‬ ‫األمريكية عىل مركز‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف ش ّوهت وح ّرفت أُسس اإلسالم؟‬ ‫ولكن هل ينبع هذا التطرف من نصوص اإلسالم املق ّدسة؟ أم لعله نتاج‬ ‫لإلجابة عن هذا‪ ،‬يجدر التفريق بني اإلسالم من حيث هو مجموعة أفكا ٍر من جهة‪ ،‬وبني املسلمني من جه ٍة أخرى‪ ،‬إذ‬ ‫تتباين ظروف املسلمني االجتامعية واالقتصادية والسياسية والثقافية باختالف بلدانهم‪ ،‬لكنني أعتقد أن باإلمكان تقسيم‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات يف عامل اليوم بطريق ٍة تعتمد عىل تصورهم ومامرستهم للدين‪.‬‬ ‫املسلمني إىل ثالث‬ ‫مبني عىل الرشيعة‪ .‬وير ّوج‬ ‫املجموعة األوىل هي األكرث إشكالية‪ ،‬وهي مجموعة األصوليني الذي يتصورون نظام ٍ‬ ‫حكم ٍّ‬ ‫إلسالم مياثل ‪-‬أو يقارب أن مياثل‪ -‬صورة اإلسالم األصلية يف القرن السابع امليالدي‪ ،‬وهم يرون أن فرض دينهم‬ ‫خطابهم‬ ‫ٍ‬ ‫“مسلمي املدينة ‪ ”Medina Muslims -‬العتبارهم فرض‬ ‫عىل غريهم هو من متطلبات هذا الدين‪ .‬أُسمي هؤالء‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد عندما استقر يف املدينة‪ .‬وهم يستغلون احرتام املسلمني‬ ‫ديني يقتدون بفعله بالنبي‬ ‫الرشيعة بالقوة‬ ‫ٍ‬ ‫كواجب ٍ‬ ‫اآلخرين للرشيعة باعتبارها قانونًا ربان ًيا له األسبقية فوق سائر القوانني املدنية‪ ،‬وال يبدؤون بإقناع من يُ َج ّندون للجهاد‬ ‫إال بعد وضع هذه األساسات‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫أما املجموعة الثانية‪ ،‬والتي متثل الغالبية العظمى يف العامل اإلسالمي‪ ،‬فتتكون من املسلمني املخلصني للعقيدة األساسية‪،‬‬ ‫والذين يؤدون العبادات بور ٍع وال ينزعون نحو مامرسة العنف أو حتى التعصب تجاه غري املسلمني‪ .‬أُسمي هذه‬ ‫“مسلمي مكة ‪ .”Mecca Muslims -‬واملشكلة األساسية تكمن يف أن غالبية هذه الفئة‪ ،‬عىل الرغم من‬ ‫املجموعة‬ ‫ّ‬ ‫سلميتها والتزامها بالقوانني‪ ،‬إال أنها ترفض االعرتاف أو استنكار التفويض الديني الذي يحض عىل التعصب والعنف‬ ‫املتضمن يف النصوص الدينية‪.‬‬ ‫منسجم مع ظهور اإلرهاب اإلسالمي‪ ،‬بدأت مجموع ٌة ثالث ٌة بالظهور داخل اإلسالم‪ ،‬وهي مجموع ٌة إصالحية‪،‬‬ ‫مؤخ ًرا‪ ،‬وكر ٍّد‬ ‫ٍ‬ ‫أسميها “املسلمني املعدِّلني ‪ ،”Modifying Muslims -‬والذين ينادون بفصل الدين عن السياسة‪ ،‬وبغريها من‬ ‫اإلصالحات‪ .‬ومع أن بعض هؤالء املنشقني هم من املسلمني السابقني (املرتدين)‪ ،‬إال أن أغلبهم مؤمنون‪ ،‬فبعضهم رجال‬ ‫دينٍ أدركوا أن عىل الدين أن يتغري لو أراد أتباعه أن ال يدخلوا دوامة ٍ‬ ‫سيايس ال تنتهي‪.‬‬ ‫عنف‬ ‫ٍّ‬ ‫مسلمي املدينة أو املسلمني املع ِّدلني‪ ،‬بدعم‬ ‫وسيتقرر مستقبل اإلسالم وعالقته بالعامل كنتيج ٍة لفوز إحدى األقليتني‪ ،‬أي‬ ‫ّ‬ ‫فكري أصله يف العقيدة‬ ‫األكرثية املكية‪ .‬ولهذا السبب كان الرتكيز عىل “التطرف العنيف” هو تركي ٌز عىل أحد أعراض وبا ٍء ٍّ‬ ‫اإلسالمية نفسها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مثل أعىل‪،‬‬ ‫محمد من حيث هو ٌ‬ ‫متأصل يف اإلسالم‪ ،‬يتعني علينا النظر إىل مؤسس اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫وحتى نتبني ما إذا كان العنف‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص قرآني ٍة وفقهي ٍة ت ُستعمل لتربير العنف الذي نشهده اليوم يف بقا ٍع عد ٍة من العامل اإلسالمي‪ .‬يف مكة‪ ،‬دعا‬ ‫وإىل‬ ‫محم ٌد أبناء عشريته إىل نبذ آلهتهم وقبول إلهه‪ ،‬ودعا كذلك إىل صنع املعروف واإلحسان إىل األرامل واليتامى‪ .‬لكن‬ ‫ميض أكرث من ٍ‬ ‫عقد‬ ‫محمد وصحبه مل يُ ِصب دعوتهم يشء من النجاح (بإدخال كثريين يف الدين الجديد) يف مكة‪ .‬وبعد ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عصابات ش ّن معها الحروب‪.‬‬ ‫من الزمن عىل البعثة هرب إىل املدينة‪ ،‬فقىض فرت ًة هناك جمع خاللها حوله‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص من القرآن والحديث املتعلقة بالفرتة املدنية‪.‬‬ ‫إلهي للجهاد املسلّح يستطيع إيجاده يف‬ ‫كل من يبحث عن ٍ‬ ‫دعم ٍ‬ ‫تقول اآلية ‪ 95‬من سورة النساء‪َّ :‬‬ ‫الض ِر َوالْ ُم َجا ِهدُ ونَ ِف َسبِيلِ اللَّ ِه‬ ‫﴿ل يَ ْس َتوِي الْقَا ِعدُ ونَ ِم َن الْ ُم ْؤ ِم ِن َني غ ْ َُي أُ ِ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫ِبأَ ْم َوالِه ِْم َوأَنف ُِسه ِْم ◊ َفضَّ َل اللَّهُ الْ ُم َجا ِه ِدي َن ِبأَ ْم َوالِه ِْم َوأَنف ُِسه ِْم َع َل الْقَا ِع ِدي َن َد َر َج ًة ◊ َوك ًُّل َو َعدَ اللَّهُ الْ ُح ْس َن ٰى ◊ َو َفضَّ َل‬ ‫يم (‪.﴾ )95‬‬ ‫اللَّهُ الْ ُم َجا ِه ِدي َن َع َل الْقَا ِع ِدي َن أَ ْج ًرا َع ِظ ً‬ ‫وإليكم اآلية ‪ 60‬من سورة األنفال‪َ ﴿ :‬وأَ ِع ُّدوا لَ ُه ْم َما ْاستَطَ ْعتُ ْم ِم ْن قُ َّو ٍة َو ِم ْن ِربَ ِاط الْ َخ ْيلِ ت ُ ْر ِه ُبو َن ِب ِه َع ُد َّو اللَّ ِه َو َع ُد َّوكُ ْم‬ ‫ش ٍء ِف َسبِيلِ اللَّ ِه يُ َو َّف إِلَ ْي ُك ْم َوأَنْتُ ْم لَ تُظْلَ ُمو َن ﴾‪.‬‬ ‫َو َآ َخرِي َن ِم ْن ُدونِ ِه ْم لَ ت َ ْعلَ ُمونَ ُه ُم اللَّ ُه يَ ْعلَ ُم ُه ْم َو َما ت ُ ْن ِفقُوا ِم ْن َ ْ‬

‫‪75‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫أو كمثا ٍل أخري‪ ،‬اآلية ‪ 29‬من سورة التوبة‪َ ﴿ :‬قاتِلُوا الَّ ِذي َن َل ُي ْؤ ِم ُنونَ بِاللَّ ِه َو َل بِالْ َي ْو ِم ْال ِخ ِر َو َل ُي َح ِّر ُمونَ َما َح َّر َم اللَّهُ‬ ‫اب َح َّت ٰى يُ ْعطُوا الْجِ ْزيَ َة َعن يَ ٍد َو ُه ْم َصا ِغ ُرونَ (‪.﴾ )29‬‬ ‫َو َر ُسولُهُ َو َل يَ ِدي ُنونَ ِدي َن الْ َح ِّق ِم َن الَّ ِذي َن أُوتُوا الْ ِك َت َ‬ ‫املسمة بآيات السيف (التوبة‪ ،5 :‬والتوبة‪ )29 :‬قد نسخت اآليات التي تدعو‬ ‫ويقول الرأي الفقهي السائد أن اآليات‬ ‫ّ‬ ‫للتسامح والرحمة والسالم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مثل أن صحيح مسلم يزعم أن النبي‬ ‫محمد كقدوة‪ ،‬فنجد ً‬ ‫أما بالنظر إىل‬ ‫محم ًدا قد ش ّن ما ال يقل عن تسع عرشة حمل ٍة عسكرية‪ ،‬شارك هو‬ ‫بنفسه يف مثانٍ منها‪ .‬ويقول چرهارد باورنچ ‪ Gerhard Bowering‬أستاذ‬ ‫الدراسات الدينية من جامعة ييل ‪ Yale University‬يف كتابه «الفكر‬ ‫السيايس اإلسالمي» ‪ Islamic Political Thought‬أنه يف أعقاب غزوة‬ ‫الخندق عام ‪627‬م «مل يتوا َن محم ٌد عن التعامل بقسو ٍة مع بني قريظة‪،‬‬ ‫حيث قتل رجالهم وسبى نساءهم وأطفالهم‪ ،‬وبات قتال الكفار سم ًة‬ ‫واضح ًة للتاريخ اإلسالمي فدخل يف صلب النصوص ِ‬ ‫املؤسسة للدين»‪.‬‬ ‫ويف هذا مكمن االزدواجية يف اإلسالم‪ ،‬إذ يستطيع املسلم أن يقول أنه‬ ‫ٍ‬ ‫محمد يف مكة أن اإلسالم هو دين سالم‪ .‬لكن من املمكن‬ ‫باتّباعه ملثال‬ ‫ٍ‬ ‫ملحمد يأمر فيه املسلمني بالجهاد حتى‬ ‫القول كذلك أن الوحي جاء‬ ‫يقبل كل إنسانٍ عىل وجه البسيطة اإلسال َم دي ًنا أو أن يقبل حال ًة من‬

‫غالف كتاب الفكر اإلسالمي السيايس‬

‫ٍ‬ ‫محمد يف املدينة‪ ،‬وهذا املنطق هو ما تتّبعه داعش‪ .‬والسؤال الجوهري ليس فيام‬ ‫الخضوع لدولة اإلسالم بنا ًء عىل تراث‬ ‫ٍ‬ ‫مبحمد أثناء فرتة تواجده يف املدنية بغض النظر عن كونهم‬ ‫سالم وإمنا لو كان املسلمون يقتدون‬ ‫لو كان اإلسالم دين ٍ‬ ‫س ّن ًة أو شيعة‪.‬‬ ‫ال زال الغرب اليوم يكافح ليفهم التسويغات الدينية وراء فكر املدينة‪ ،‬وهو فكر يف انتشا ٍر اليوم‪ ،‬وليفهم الروابط بني‬ ‫العنف والالعنف فيه‪ .‬وقد تبلورت وجهتا نظ ٍر يف النقاش الدائر حول أسباب التطرف العنيف يف اإلسالم‪ ،‬ويظهر الفرق‬ ‫بينهام يف اختالف املصطلحات التي يستعملها منارصو الطرفني‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬ ‫ويعتقد أكادمييون من أمثال جون إسپوزيتو ‪ John Esposito‬من جامعة‬ ‫جورج تاون ‪ Georgetown‬وكارن آرمسرتونچ ‪ Karen Armstrong‬أن‬ ‫عامل ظريف‪ ،‬ويعتربون أن األسباب الحقيقية للعنف‬ ‫الدين اإلسالمي هو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وأشكال أخرى‬ ‫اإلسالمي هي الفقر والتهميش السيايس‪ ،‬واالنعزال الثقايف‬ ‫من أشكال التغريب‪ ،‬مبا فيها التمييز الحقيقي والظاهري ضد املسلمني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت مثل «الراديكالية»‪« ،‬التطرف‬ ‫ويستعمل املدافعون عن اإلسالم‬ ‫العنيف»‪« ،‬اإلرهاب» لوصف االعتداءات اإلرهابية التي ت ُرتكب باسم‬ ‫أصل‪ ،‬يكون ذلك ليقولوا‬ ‫اإلسالم يف أرجاء العامل‪ .‬ولو ذكروا لفظة «اإلسالم» ً‬ ‫أن اإلسالم قد تم تشويهه أو اختطافه‪ .‬ويؤكدون أن اإلسالم دي ٌن كغريه‬ ‫تقريبي للرأي الرسمي الذي‬ ‫وصف‬ ‫من الديانات‪ ،‬ال مييزه عنها يشء‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يتبناه ُص ّناع القرار‪ ،‬ليس فقط يف حكومة الواليات املتحدة‪ ،‬وإمنا يف غالبية‬ ‫الدول الغربية‪ ،‬عىل أن بوادر تغري ٍ‬ ‫ات يف هذه السياسة بدأت بالظهور يف‬ ‫بعض الدول‪ ،‬كربيطانيا وكندا وأسرتاليا‪.‬‬ ‫لكن موقف املدافعني هذا أثبت فشله كسياسة ميكن اتباعها‪ ،‬وذلك إلنكاره‬ ‫التسويغات الدينية املوجودة يف القرآن والحديث والتي تبيح العنف‬ ‫والتمييز بني الجنسني والتمييز ضد الديانات األخرى‪.‬‬

‫‪77‬‬

‫آيان حريس عيل‬

‫كارن آرمسرتونچ و جون إسپوزيتو‬

‫منــال عمر‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬ ‫أما أنصار النظرة البديلة‪ ،‬مثل األكادميية الراحلة پاتريشا كرون ‪Patricia‬‬ ‫‪ Crone‬والكاتب پول بِرمن ‪ ،Paul Berman‬ففي قاموسهم مصطلحاتٌ‬ ‫مثل «اإلسالم السيايس»‪« ،‬اإلسالموية»‪« ،‬السلفية»‪« ،‬الوهابية» و«الجهاد»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كأساس للظاهرة‪ .‬وما يقولونه‬ ‫كلها مصطلحاتٌ ُص ّممت للتأكيد عىل الدين‬ ‫هو أن مثة حرك ًة أيديولوجي ًة تسعى لفرض تطبيق الرشيعة‪ ،‬وبالقوة لو‬ ‫اقتىض األمر‪ ،‬باتت تعم أرجاء الرشق األوسط وشامل إفريقيا وجنوب رشق‬ ‫آسيا‪ ،‬وحتى يف أوروپا‪ .‬قال رئيس وزراء بريطانيا ديڤيد كامريون ‪David‬‬ ‫خطاب ألقاه يف شهر متوز‪/‬يوليو هذا العام‪« :‬ال نستطيع‬ ‫‪ Cameron‬يف‬ ‫ٍ‬ ‫إنكار العالقة بني الدين اإلسالمي واملتطرفني‪ ،‬فأولئك املتطرفون يُع ّرفون‬ ‫أنفسهم كمسلمني‪ ،‬ف ِمن ووليتش ‪ Woolich‬وحتى تونس‪ ،‬ومن أوتاوا‬ ‫‪ Ottawa‬وحتى بايل ‪ ،Bali‬نسمع هؤالء القتلة يتفوهون بنفس الخطاب‬ ‫خطاب ينسب نفسه إىل دينٍ واحد‪ .‬لقد بات من العبث‬ ‫املنحرف‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫إنكار ذلك»‪ .‬وأنا أتفق مع هذا الرأي‪.‬‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫پاتريشا كرون و پول برمن‬

‫متأصل يف النصوص اإلسالمية‬ ‫ٌ‬ ‫إن الرأي القائل بأن الفكر املتطرف اإلسالمي‬ ‫رأي يأخذ املنطق الديني مأخذ الجِد‪ ،‬بدل‬ ‫يدرك متا ًما سبب اإلرهاب‪ :‬فهو ٌ‬ ‫أن يعترب الدين متوي ًها لدوافع «حقيقية»‪ ،‬تقبع وراء هذه الدوافع من مثل‬ ‫التظلامت االجتامعية واالقتصادية‪ .‬وتدرك مدرسة الفكر هذه أن مشكلة‬ ‫انتحاري لسرتته املتفجرة وال مع حمل‬ ‫التطرف ال تبدأ مع ارتداء مفج ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫وتعص ٍب والتز ٍام باإلسالم املدين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محارب لسالحه‪ ،‬وإمنا تبدأ يف املساجد واملدارس‪ ،‬حيث يخطب أمئ ٌة خطاب كراهي ٍة ّ‬ ‫وقد حاولت الحكومات الغربية التعاطي مع «املسلمني املعتدلني» من أمئ ٍة وقاد ٍة يف املجتمع ممن استنكروا العمليات‬ ‫اإلرهابية والذين ا ّدعوا أنهم ميثلون اإلسالم الحقيقي املسامل‪ ،‬لكن هذا التعاطي مل ِ‬ ‫فكري بناء‪ .‬فالذين‬ ‫يفض إىل حوا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫يلقبون أنفسهم باملمثلني املعتدلني لإلسالم يرصون عىل اعتبار أن العنف ال صلة له باإلسالم‪ ،‬مام يؤدي إىل تجاهل‬ ‫نقاش حول إمكانية تغري ٍ‬ ‫الجوانب الالمتسامحة والعنيفة من القرآن‪ ،‬بل وحتى إىل رفضها‪ .‬وال نجد أي ٍ‬ ‫ات داخل اإلسالم‬ ‫حقيقي تجاه أتباع‬ ‫لتحديث الجوانب املتعلقة باألخالق والتي عفى عليها الزمن بحيث تواكب العرص‪ ،‬أو لخلق تسام ٍح‬ ‫ٍّ‬ ‫الديانات األخرى‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫ال شك بأن الحكومات املستبدة والحروب األهلية والفوىض واليأس االقتصادي‪ ،‬كلها تساهم يف انتشار الحركة اإلسالموية‪.‬‬ ‫وهذا االنتشار لن ينحرس ما مل يعرتف الغرب ومعه املسلمون أنفسهم بأن وقف هذه الحركة لن يحدث دون دحر الفكر‬ ‫الديني الذي تقوم عليه أولً ‪ .‬ولو أردنا دحر هذا الفكر ال نستطيع الرتكيز فقط عىل التطرف العنيف‪ ،‬وإمنا علينا مواجهة‬ ‫الخطاب الخايل من العنف‪ ،‬الداعي للرشيعة واالستشهاد والذي يسبق مرحلة الجهاد‪.‬‬ ‫ولن ننترص عىل أيديولوجيا إسالم املدينة لو اقترص ما نفعله عىل إيقاف االنتحاري قُبيل تفجري نفسه أينام كان‪ .‬ف ُبعيد‬ ‫ذلك سيكون هنالك من يحل محله (أو محلها)‪ .‬ولن ننترص بسحق داعش أو القاعدة أو بوكو حرام أو حركة الشباب‬ ‫الصومالية‪ ،‬إذ لن نلبث أن نفعل ذلك حتى تنبت جامع ٌة متطرف ٌة أخرى يف مكانٍ آخر‪ .‬ولن يأيت النرص إال لو تعاطينا‬ ‫مع الفكر اإلسالموي املتطرف‪ ،‬وقاومنا دعوتهم للموت والتعصب والسعي وراء اآلخرة مواجهني إياها برسالتنا األسمى‪،‬‬ ‫الداعية للحياة والحرية والسعي وراء السعادة‪.‬‬

‫مقال منال عمر‪ :‬اإلسالم دين سالم‬ ‫منطق راج يف عامل ما بعد الحادي عرش من أيلول‪ /‬سبتمرب ينسب تطرف املسلمني العنيف إىل تعاليم اإلسالم‬ ‫مثّة‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‬ ‫األساسية‪ .‬وتكمن جاذبية ذلك املنطق يف اختزاله لسبب النزاع إىل مح ّر ٍك واحد‪ ،‬إذ ال بد أن يكون الحل‬ ‫عندئذ ً‬ ‫واح ًدا‪ .‬لكن محاولة فهم أصول العنف املعقدة ليست أم ًرا سهل االستيعاب‪ ،‬والسعي وراء الحلول قد يولّد العجز‬ ‫حل واحد‪ ،‬قد يكون أم ًرا‬ ‫سبب واحد‪ ،‬وبالتايل ٍّ‬ ‫والشلل عند صانعي القرار وعند القادة السياسيني‪ .‬لكن تب ّني فكرة وجود ٍ‬ ‫بالغ الخطورة‪ .‬ففي أحسن األحوال‪ ،‬قد يؤدي هذا التبسيط إىل تبذي ٍر يف األموال والجهود الساعية لحل املشاكل‪ ،‬كونها‬ ‫ٍ‬ ‫تشخيص خاطئٍ ‪ ،‬ويف أسوأ األحوال ستُذيك نار الرصاع‪.‬‬ ‫مبن ّي ًة عىل‬ ‫بل إن اإلغراء الكامن يف هذه النظرة التبسيطية با ٍد يف صيغة سؤال املناظرة نفسها‪ ،‬فإطار الطرح يكشف عن خطأٍ‬ ‫جوهري وهو أن التطرف العنيف أصل من أصول اإلسالم بدل أن يكون من سامت من يقرتفه‪ .‬وال يعني صدور ٍ‬ ‫عنف‬ ‫عن أجزاء معينة من العامل اإلسالمي أن هذا العنف قد تولّد من الدين‪.‬‬ ‫أما حقيقة الوضع املعقدة فتتمثل بأن التطرف العنيف الذي شمل رقع ًة واسع ًة من دو ٍل إسالمية‪ ،‬مبا فيها العراق‬ ‫ٍ‬ ‫لظروف سياسي ٍة واجتامعي ٍة معقدة‪ .‬ومن ضمن تلك الظروف‪ ،‬اإلرث االستعامري وسياسات‬ ‫نتاج‬ ‫وسوريا والپاكستان‪ ،‬هو ٌ‬ ‫الدول العظمى يف الزمن الحديث‪ ،‬أضف إىل ذلك الحدود االصطناعية التي رسمها االستعامر يف املنطقة‪ .‬ومرتكبو العنف‬ ‫ُفضل مصلحة ال ِقلّة عىل مصلحة األكرثية‪ ،‬وتسعى إىل هدم املؤسسات الحكومية‪ .‬ومام ال شك فيه أن‬ ‫هم تنظيامتٌ ت ّ‬ ‫‪79‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫الدين جز ٌء من هذه املنظومة‪ ،‬خاص ًة يف الدول الهشة أو يف ظل األنظمة االستبدادية‪ ،‬ولكن هذا ال يتمخض عن طبيعة‬ ‫الدين نفسه‪ ،‬وإمنا عن إساءة تطبيقه والتالعب فيه‪.‬‬ ‫لفهم هذا التعقيد‪ ،‬من املهم أن نفهم ثالث مجاالت‪ :‬دور السياسة الدولية التي زعزعت استقرار املنطقة وأ ّججت التوتر‬ ‫فيها‪ ،‬والكيفية التي تفسح فيها الدول الفاشلة املجال للتطرف‪ ،‬وأخ ًريا‪ ،‬الكيفية التي ميأل فيها الدين الفجوات التي يخلقها‬ ‫عدم اليقني الدويل واملحيل‪.‬‬ ‫ولنبدأ بالسياسة‪ ،‬ومن الرضوري أن نالحظ أن الدول الغربية قد لعبت دو ًرا ها ًما يف ظهور املجموعات املتطرفة‪ .‬فرنى‬ ‫خربا ًء من أمثال حسن حسن (الذي شارك يف تأليف كتاب داعش‪ :‬نظرة إىل قلب جيش اإلرهاب ‪ISIS: Inside the‬‬ ‫‪ )Army of Terror‬يقول‪:‬‬ ‫أن ظهور ما يسمى بالدولة اإلسالمية مر ّده إىل السياسة‬ ‫الخارجية للواليات املتحدة يف الرشق األوسط (من تدعم‬ ‫أمريكا؟ كيف غريت تدخالتها العسكرية باملنطقة؟)‬ ‫فمثل أدى قرار سلطة االئتالف املؤقتة‬ ‫أكرث من القرآن‪ً .‬‬ ‫األمريكية ‪ Coalition Provisional Authority‬عام‬ ‫‪ 2003‬بحل القوات املسلحة العراقية إىل جعل مئات‬ ‫اآلالف من الجنود املدربني عاطلني عن العمل يشعرون‬ ‫باملرارة‪ .‬وبات العديد من هؤالء الضباط املؤهلني‬ ‫يقدمون الخربة العسكرية ملقاتيل داعش الحتالل األرض‬ ‫بالرسعة التي جرت فيها املسألة‪.‬‬

‫غالف كتاب داعش ‪ -‬نظرة إىل قلب جيش اإلرهاب‬

‫‪80‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫ٌ‬ ‫مثال آخر عىل دور الواليات املتحدة يف إذكاء نار التطرف هو دعمها لسياسات األمم املتحدة بصدد إرسائيل‪ ،‬والتي‬ ‫انتقدها املحللون باعتبارها معايري مزدوجة‪ .‬ويف عام ‪ 2003‬كتب العضو السابق يف الربملان الربيطاين جون أوسنت ‪John‬‬ ‫‪ Austin‬مقالً ملنظمة مفتاح (املبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العاملي والدميقراطية) أشار فيه إىل الرصاعات يف‬ ‫كوسوڤو وتيمور الرشقية والعراق ورواندا‪ .‬حيث اتخذت األمم املتحدة إجر ٍ‬ ‫اءات يف كل تلك النزاعات‪ ،‬كفرض حظر‬ ‫ٍ‬ ‫محاكامت دولي ٍة ملقاضاة مرتكبي جرائم ضد اإلنسانية‪ .‬ولكن عندما تأيت املسألة إىل بناء إرسائيل‬ ‫استرياد أسلح ٍة وإجراء‬ ‫للمستوطنات بشكلٍ غري قانوين‪ ،‬فال يوجد أي ٍ‬ ‫تحرك عىل الرغم من كل القرارات التي أصدرتها األمم املتحدة منذ أواخر‬ ‫سبعينيات القرن املايض‪ ،‬وغال ًبا ما كان ذلك بسبب تدخل الواليات املتحدة لحامية إرسائيل‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للمشاكل عىل مستوى الدول‪ ،‬فقد فتح الرصاع‬ ‫املحيل عىل السلطة واختالل عمل الحكومات يف أرجاء‬ ‫الرشق األوسط الباب أمام الجامعات املتطرفة العنيفة‪.‬‬ ‫ويبني روبرت إ‪ .‬روتربچ ‪ Robert I. Rotberg‬يف كتابه‬ ‫«عندما تفشل الدول‪ :‬األسباب والنتائج» ‪When States‬‬ ‫‪ Fail: Causes and Consequences‬أن فشل الدولة‬ ‫بتوفري الحقوق والخدمات األساسية يفسح املجال أمام‬ ‫ٍ‬ ‫حكومي يأيت ويأخذ بزمام األمور‪ .‬والفشل ال‬ ‫عنف غري‬ ‫ٍ‬ ‫يتعلق فقط بالشأن االقتصادي‪ ،‬فاإلقصاء السيايس‪ ،‬و ِقلّة‬ ‫حرية التعبري أو العيش بكرامة‪ ،‬كل تلك محفزاتٌ أساسي ٌة‬ ‫تقف وراء تطرف الشباب واتجاههم نحو العنف‪ .‬وأحد‬ ‫األمثلة القريبة تأيت من سوريا والعراق‪ ،‬حيث تعرِض‬ ‫داعش وجبهة النرصة الخدمات واملنافع املادية إلغواء‬ ‫املواطنني باالنضامم لصفوفهم يف القتال‪.‬‬

‫غالف كتاب عندما تفشل الدول األسباب والنتائج‬

‫‪81‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫يف دراس ٍة ملؤسسة ‪ Mercy Corps‬للعام ‪ 2015‬تحت عنوان» الشباب والعواقب‪ :‬البطالة‪ ،‬الظلم والعنف‪Youth،‬‬ ‫‪ »& Consequences: Unemployment Injustice and Violence‬تم متحيص النزاعات التي شملت أفغانستان‪،‬‬ ‫كولومبيا والصومال‪ ،‬فوجدت الدراسة أن الدوافع األساسية للعنف املس ّيس مل تكن ارتفاع نسب البطالة أو غياب الفرص‬ ‫كام تقول منظامت التنمية‪ ،‬إمنا وجدت الدراسة أن العنف املس ّيس‪ ،‬والذي يصاغ عاد ًة بأط ٍر دينية‪ ،‬يرتبط بالشعور‬ ‫بالضيم والتمييز وانتشار الفساد وإساءة املعاملة من قوات األمن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خدمات كفرص العمل‪ ،‬فهم‬ ‫يف هذا السياق‪ ،‬تزداد قيمة وقوة الفضاءات الدينية‪ .‬فاملجموعات املتطرفة ال تعرض فقط‬ ‫يخلقون فك ًرا مثال ًيا يتعدى الكالم عن االنتحار والتضحية‪ ،‬ويتعداه ل َيعد بدول ٍة مثالي ٍة مبني ٍة عىل أسس عد ٍل صارم ٍة وعىل‬ ‫مبني عىل تفسريهم املنحرف لإلسالم‪ .‬مام يجعل اإلسالم أدا ًة بيد الجامعات العنيفة لجلب الدعم لقضاياهم‪ ،‬مثلام‬ ‫ٍ‬ ‫نظام ٍّ‬ ‫ط ّوعت الدول ذات الطبيعة القومية الحمي َة الوطني َة وحس القومية ألغراضها‪ .‬واملجال الوحيد الذي يتوفر عاد ًة لتجنيد‬ ‫منتسبني جدد يف املجتمعات القمعية هو املؤسسات الدينية املتطرفة‪.‬‬ ‫دول عديدة يف الرشق‬ ‫حكم مستبد‪ ،‬كام كان الحال يف نظام صدام حسني يف العراق‪ ،‬ومعمر القذايف يف ليبيا‪ ،‬فإن ً‬ ‫يف ظل ٍ‬ ‫األوسط وغريه حظرت وسائل اإلعالم املستقلة واالتحادات الطالبية والنقابات املهنية إال لو خضعت لرقاب ٍة مبارش ٍة من‬ ‫الدولة‪ .‬وبالنسبة للمسلم الذي يعيش ظروفًا كهذه‪ ،‬يتحول املسجد إىل متنفس التعبري الوحيد عن املقاومة‪ ،‬وتتحول‬ ‫خطبة الجمعة إىل املكان الوحيد الذي يستطيع املنشقون الوصول فيه إىل الناس‪.‬‬ ‫إن استعامل اإلسالم كأدا ٍة بيد التطرف السيايس قد أدى إىل نتائج متعددة‪ .‬فالظروف التي أنتجت داعش يف سوريا‬ ‫والعراق تختلف عن تلك التي شكلت بوكو حرام يف نيجرييا‪ ،‬عىل الرغم من أن كلتيهام ت ّدعيان أنهام جامعاتٌ إسالمي ٌة‬ ‫حقة‪ .‬يف حالة بوكو حرام‪ ،‬تطورت هذه املنظمة املتطرفة كرد فعلٍ عىل أسلوب الحكومة النيجريية العنيف معهم والذي‬ ‫ٍ‬ ‫هجومات‬ ‫انتهى بقتل الحكومة لرئيس الجامعة محمد يوسف عام ‪ .2009‬قبل حدوث ذلك‪ ،‬كانت الجامعة تكتفي بشن‬ ‫بدل من االعتداءات االستعراضية التي يقومون بها اآلن ضد املدنيني وضد الجيش النيجريي‪.‬‬ ‫صغرية‪ً ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تجنيد بنفس الطريقة التي ط ّوعت فيها دولً غربي ًة القومية لحشد الدعم‬ ‫بوكو حرام وأمثالها ط ّوعت اإلسالم كأداة‬ ‫ٍ‬ ‫جامعات أكرث‬ ‫للحرب‪ .‬وقد أشعلت مواجهاتٌ مثل غزو العراق أو تدخل االتحاد السوڤيتي يف أفغانستان رشارة خلق‬ ‫مثل‪ ،‬ففاقت الدين يف فعاليتها بإنجاز ذلك بأشواط‪.‬‬ ‫تطرفًا بتدمريها للمجتمع املدين ً‬ ‫‪82‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫عنيف بطبيعته يتجاهلون أن األغلبية الساحقة من أتباع هذا الدين والذين يزيدون عىل‬ ‫من ي ّدعون أن اإلسالم هو دي ٌن ٌ‬ ‫املليار ونصف املليار يعيشون بسالم‪ .‬وهم يتجاهلون كذلك أن استخدام الدين لتربير العنف ليس أم ًرا جدي ًدا‪ ،‬فثمة‬ ‫ٍ‬ ‫ديانات أخرى استعملوا دينهم القرتاف العنف‪ ،‬كالحركات البوذية القومية يف رسيالنكا وميامنار‬ ‫أمثل ٌة عديد ٌة من أتباع‬ ‫ٍ‬ ‫حمالت عنيف ٍة ضد املسلمني‪ .‬وغالبية الناس تستطيع تحليل وفهم هذه الحركات والنأي عن لوم البوذية‬ ‫والتي ش ّنت‬ ‫أو املسيحية‪.‬‬ ‫ويُجمع أغلب العلامء املسلمون عىل أن املجموعات املتطرفة تؤمن بنسخ ٍة من اإلسالم تخرج عن دائرة اإلجامع‪ .‬ويف‬ ‫عام ‪ 2014‬كتب أكرث من ‪120‬من قادة املسلمني وفقهائهم رسال ًة مفتوح ًة إىل قائد داعش أيب بك ٍر البغدادي وأتباعه‬ ‫استعملوا فيها ذات النصوص الدينية التي استعملتها الجامعة لتربير أفعالها مبيّنني أن مامرسات داعش تخالف اإلسالم‪.‬‬ ‫وكان من ضمن املوقعني عىل الرسالة‪ ،‬مفتي مرص‪ ،‬وفقهاء من نيجرييا والواليات املتحدة وكندا والپاكستان وإندونيسيا‪.‬‬ ‫يخاطر املسلمون بشجبهم للعنف‪ ،‬بل إن بعض املسلمني متواجدون عىل الخطوط العسكرية األمامية‪ .‬ويتلقى الكثري‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫روايات بديل ٍة لحل النزاع دون اللجوء إىل العنف‪.‬‬ ‫تهديدات بالقتل من ج ّراء وضعهم‬ ‫من الناشطني الشباب حول العامل‬ ‫شباب آخرون قرروا قتال أولئك املتطرفني عندما مل ينفع الشجب‪ ،‬فاملسلمون هم من يقودون القتال يف العراق‬ ‫وهنالك ٌ‬ ‫فعل تحض عىل العنف‪ ،‬لوجدنا كل أولئك املسلمني ينضمون إىل صفوف‬ ‫وسوريا ضد داعش‪ .‬ولو كانت تعاليم اإلسالم ً‬ ‫داعش بدلً من املخاطرة بحياتهم لوقفها‪.‬‬ ‫طبيعي لإلسالم يشرتكون مع داعش بتصورهم الضيق‬ ‫ومام يدعو للسخرية‪ ،‬أن الذين يرصون عىل اعتبار داعش كتطو ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫للدين‪ .‬فهم يرصون عىل تعريف اإلسالم كفك ٍر ٍ‬ ‫واحد ال تباين فيه عىل الرغم من كل الغنى والتنوع الذي يزخر به اإلسالم‪.‬‬ ‫انتصار رب ‪ ،Intisar Rabb‬وهي أستاذ ٌة يف القانون ومديرة برنامج الدراسات اإلسالمية يف كلية القانون يف جامعة‬ ‫هارڤارد‪ ،‬قالت عرب اإلمييل‪« :‬لعل أكرب نعم ٍة وأكرب نقم ٍة عىل اإلسالم الس ّني يف ذات الوقت هي قدرته الكبرية عىل‬ ‫فقهي طاملا اقتىض ذلك عملية اجتهاد تكون النية‬ ‫مامشاة تعدد التفسريات الفقهية والتي متكّنه من تقبل أن أي ٍ‬ ‫تفسي ٍّ‬ ‫منها إيجاد إجاب ٍة صحيحة‪ ،‬وإن اختلفت مع الزمن»‪ .‬من الناحية التاريخية‪ ،‬سمحت هذه امليزة للتغيري وإعادة صياغة‬ ‫القوانني الفقهية لتتناسب مع اختالف األزمنة واألماكن‪ ،‬فناسبت الصني يف القرن السابع‪ ،‬وبغداد يف القرن العارش وأمريكا‬ ‫أيضا‪ ،‬ألنها تعني غياب سلط ٍة عليا‪ ،‬مام يرتك فراغًا قد متلؤه تفسرياتٌ ف ّج ٌة‬ ‫يف القرن العرشين‪ .‬لكن هذه قد تكون نقم ٌة ً‬ ‫وعدائي ٌة قد تجتذب الجهلة السذج‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫هل اإلسالم دين ٍ‬ ‫عنف أم دين سالم؟‬ ‫منـــال عمـر‬ ‫آيان حرسي علي‬

‫آيان حريس عيل‬

‫منــال عمر‬

‫ويحسن القيم اإلسالمية لتواكب‬ ‫أما الشيعة فيتبعون خب ًريا يف فهم الدين يكون مرج ًعا يف تفسري القانون اإلسالمي يق ّيم‬ ‫ّ‬ ‫تطورات العرص‪ .‬وقد أثبت هذا النظام أهميته بكبحه شيئًا من جامح العنف يف العراق‪ ،‬فقد منعت ترصيحات وفتاوى‬ ‫آية الله عيل السيستاين العديد من جرائم الثأر منذ بداية النزاع عام ‪ .2003‬ودعت إحدى فتاواه هذا العام إىل ضبط‬ ‫النفس بعد أن كشفت قوات األمن الحكومية واملليشيات التي يغلب عليها الطابع الشيعي قبو ًرا جامعي ًة يف تكريت بعد‬ ‫دليل صاد ًما عىل املجازر التي ارتكبت يف حزيران‪/‬يونيو املايض وراح ضحيتها املئات ورمبا اآلالف‬ ‫تحرير املدينة‪ ،‬مام وفّر ً‬ ‫من الجنود العراقيني يف مخيم سپايكر ‪ Camp Speicher‬املجاور بعد اجتياح الدولة اإلسالمية لتلك القاعدة العسكرية‪.‬‬ ‫وقد أدى ذلك الكشف إىل زيادة احتامل االنتقام من السنة‪ ،‬كون داعش متثل السنة وتدافع عنهم‪.‬‬ ‫عدا عن تصعيد النزاع‪ ،‬فإن تبسيط األسباب الكامنة وراءه بإلقاء اللوم عىل عتبة دينٍ بأرسه ستعني تبذير ماليني‬ ‫ٍ‬ ‫ملقدمات خاطئة‪ ،‬عالو ًة عىل تضييع ٍ‬ ‫مثل لجعل شيو ٍخ‬ ‫فرص حقيقية‪ .‬فالسعي ً‬ ‫دعم‬ ‫الدوالرات من املساعدات املالية ً‬ ‫معتدلني يقاومون بسطحي ٍة الطروحات املتطرفة قد ال يؤثر كث ًريا لو كان مكمن املشكلة يف موضعٍ آخر‪.‬‬ ‫تبسيطي يرى باألبيض واألسود‬ ‫بدل من رؤيتها مبنظا ٍر‬ ‫إن حل مشكلة التطرف العنيف يتطلب التسليم بتعقيد املشكلة ً‬ ‫ٍ‬ ‫فقط يتبناه متطرفون عىل جانبي الحوار‪ .‬إن التحليل البحثي والخربة املُعاشة ملا يزيد عىل املليار مسلم‪ ،‬مبن فيهم أنا‪،‬‬ ‫الجل أن العنف الذي يرتكبه مسلمون ال يسببه الدين نفسه‪ .‬متى تم فهم ذلك‪ ،‬صار مبقدور العامل التوقف‬ ‫تجعل من ّ‬ ‫عن الرتكيز عىل اتجا ٍه خاطئٍ يختزل األمر إىل عاملٍ ٍ‬ ‫أسلوب‬ ‫واحد تم تشويهه بشكلٍ مل يعد باإلمكان متييزه فيه‪ .‬وبتبني‬ ‫ٍ‬ ‫أكرث توازنًا‪ ،‬يصري باإلمكان تبيان أن التطرف العنيف ال دولة له وال دين‪ ،‬وأن كل الهويّات والعرقيات واألديان هي أجزا ٌء‬ ‫متكامل ٌة من الحل املنشود‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫مقال لـ‬ ‫دانيئل ِدنِ ْت ‪Daniel Dennett‬‬ ‫السكُوال ‪Linda LaScola‬‬ ‫و لِندا ْ‬ ‫تم نرشه عىل موقع ‪patheos.com‬‬ ‫بتاريخ ‪ 19‬آب‪/‬أغسطس ‪ 2015‬وعنوانه‬ ‫األصيل‪The Inevitable Growth of :‬‬ ‫‪Atheism: Six Predictions‬‬ ‫صحفي صاد ٌر عن مركز‬ ‫مع ملحق‪ :‬بيا ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫پْ ُيو لألبحاث ‪Pew Research Center‬‬ ‫يرصد تحوالت املشهد الديني األمرييك‪.‬‬ ‫تم إصدار البيان بتاريخ ‪ 12‬أيار‪/‬مايو‬ ‫‪ 2015‬عىل موقع املركز ‪:‬‬ ‫‪pewforum.org‬‬ ‫تحت عنوان ‪New Pew Research‬‬ ‫‪Center Study Examines America’s‬‬ ‫‪Changing Religious Landscape‬‬

‫أسامة البني‬

‫ترجمة وتقديم‪( :‬مع بعض الترصف)‬

‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬ ‫‪85‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫مقدمة املرتجم‬ ‫إن من املفروغ منه أن الواليات املتحدة األمريكية تختلف عن باقي الدول الغربية الكربى يف أمو ٍر عدة‪ ،‬ولعل الدين‬ ‫فصل تا ًما عن الدين‪ ،‬ومع ذلك يغلب عليها‬ ‫أبرزها‪ ،‬فأمريكا هي دول ٌة بنيت عىل أساس دستو ٍر علام ٍين يفصل السلطة ً‬ ‫ديني يف شتى مناحي الحياة‪ .‬يقول التعديل األول للدستور األمرييك‪:‬‬ ‫طاب ٌع ٌ‬ ‫«يُحظر عىل مجلس الكونغرس ترشيع أي قانونٍ يؤ ّدي إىل دعم مامرسة أي دين‪ ،‬أو ترشيع أي قانونٍ يؤ ّدي إىل منع‬ ‫ٍ‬ ‫تجمعات‬ ‫مامرسة أي دين؛ أو ترشيع أي قانونٍ يؤ ّدي إىل تعطيل حرية الكالم أو النرش الصحفي أو حق الناس يف إقامة‬ ‫سلمي ٍة أو إرسالهم عرائض إىل الحكومة تطالبها برفع الظلم‪».‬‬ ‫مقدسا من‬ ‫وعىل الرغم من أن العلامنية األمريكية مل تطبق بشكلٍ مثا ٍيل عىل مر السنني‪ ،‬إال أنها كانت عىل الدوم مبدأً ً‬ ‫مبادئ السياسة والحياة األمريكية‪ .‬وهذا ال يتعارض مع الطابع املسيحي للمجتمع األمرييك‪ ،‬إذ أن تركيبة الشعوب التي‬ ‫شكلت الواليات املتحدة‪ ،‬باستثناء السكان األصليني‪ ،‬كانت يف غالبها من املسيحيني‪ .‬فال عجب إذن أن يحافظ البلد عىل‬ ‫هوي ٍة مسيحي ٍة عىل املدى الطويل‪ ،‬كام أن فصل الدين عن السلطة ال يؤدي بالرضورة إىل علمنة الشعب نفسه‪ .‬لكن‬ ‫العلامنية تضمن أن الهوية املسيحية ليست من املزايا املع ّرفة للواليات املتحدة التي ال تتزعزع‪ ،‬فال يشء يف القانون مينع‬ ‫يتغي الرتكيب السكاين يف الواليات املتحدة من غالبي ٍة مسيحي ٍة إىل تركيب ٍة يغلب عليها دي ٌن أو أديا ٌن أخرى‪.‬‬ ‫أن َّ‬ ‫تشري الدالئل يف السنوات األخرية إىل تغري ٍ‬ ‫ات تحدث يف املشهد الديني األمرييك قد تؤدي عىل املدى املتوسط والبعيد‬ ‫إىل تغيريٍ يف الرتكيبة الدينية للمجمتع األمرييك وتتمثل بشكلٍ‬ ‫أسايس بنزع ٍة عام ٍة نحو الالدين‪ ،‬سواء برتك الدين املنظم‬ ‫ٍ‬ ‫أو باالتجاه نحو اإللحاد‪ .‬قد تبدو الظاهرة غريب ًة‪ ،‬السيام يف إطار املواجهة القامئة اليوم بني الواليات املتحدة واإلرهاب‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ذلك أن املواجهة العسكرية املستمرة منذ أحداث الحادي عرش من أيلول‪/‬سبتمرب ‪ 2001‬قد تجعل الناظر‬ ‫يعتقد أن الدين يقابل بالدين‪ ،‬وهذه ليست نظر ًة خاطئ ًة من حيث املبدأ‪ ،‬ولذلك سابق ٌة تاريخي ٌة عندما اكتسب الدين‬ ‫قيم ًة يف مجابهة االتحاد السوڤيتي الذي كان يُنظر إىل اإللحاد املاركيس كأحد عالماته الفارقة‪ .‬فإىل جانب االبتعاد عن‬ ‫تنام يف التدين يف أمريكا بل وحتى إىل التطرف الديني عند بعض الفئات‪ ،‬إال أن قوقعة الحياة‬ ‫الدين اليوم‪ ،‬هنالك ً‬ ‫أيضا ٍ‬ ‫األمريكية تجعل من املمكن فصل السياسة الخارجية عن مجريات الداخل األمرييك إىل ٍ‬ ‫حد كبري‪.‬‬

‫‪86‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫يتكون هذا املقال من ترجمتني‪ :‬األوىل هي وجهة نظ ٍر‬ ‫السكُوال‬ ‫لكاتبني هام دانيئل ِدنِ ْت ‪ Daniel Dennett‬ولِ ْندا ْ‬ ‫ٍ‬ ‫تنبؤات حول تنامي اإللحاد‬ ‫‪ Linda LaScola‬يقدمان فيها‬ ‫يف الواليات املتحدة‪ .‬أما الرتجمة الثانية فهي لبيانٍ‬ ‫صحفي‬ ‫ٍ‬ ‫يلخص نتائج دراس ٍة إحصائي ٍة واسعة النطاق أجريت عام‬ ‫‪ 2014‬لتحليل تحوالت ونزعات املشهد الديني األمرييك‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫استكامل لدراس ٍة مامثلة من العام ‪ .2007‬واالستنتاج‬ ‫وهي‬ ‫الرئييس من مقارنة هاتني الدراستني هو عزوف الكثري من‬ ‫األمريكيني يف السنوات األخرية عن الدين املنظّم‪ ،‬وتحدي ًدا‬ ‫ملموسا‪ .‬عىل حساب‬ ‫املسيحية‪ ،‬التي باتت تشهد انحسا ًرا‬ ‫ً‬ ‫ذلك‪ ،‬وجدت الدراسة اتجاه الكثري من جيل الشباب نحو‬ ‫الالدين بأطيافه‪ ،‬مبا يف ذلك عدم االنتامء إىل أي دين‪،‬‬ ‫واإللحاد والالأدرية‪.‬‬ ‫والرسالة التي أريد إيصالها من هذا املقال ليست أن‬ ‫الواليات املتحدة تتجه ألن تكون بل ًدا ملح ًدا‪ ،‬فهذا تبسي ٌط‬ ‫ٍ‬ ‫معقد يستفرد بظاهر ٍة واحد ٍة مرتبط ٍة بغريها‬ ‫ساذج لوضعٍ‬ ‫ٌ‬ ‫فيؤدي إىل صور ٍة غالط ٍة‪ ،‬فتنامي اإللحاد ال يعني اختفاء‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مدلول‬ ‫نزعات ديني ٍة منافسة‪ ،‬لكنه‬ ‫الدين وال يعني غياب‬ ‫عميق يف أهمية الدين يف حياة الناس‪.‬‬ ‫مه ٌم يشري إىل تحو ٍل‬ ‫ٍ‬ ‫لكن ملاذا نرى اإللحاد يزداد يف ٍ‬ ‫بلد مثل أمريكا؟ الجواب لن‬ ‫سبب ٍ‬ ‫واحد وحيد‪ ،‬لكنه‬ ‫يكون بسيطًا ولن ميكن اختزاله إىل ٍ‬ ‫سيكون مجموع ًة من األسباب تصب يف فقدان الدين للدور‬ ‫ٍ‬ ‫بجهات أخرى‬ ‫الذي كان يلعبه يف حياة الناس واستبداله‬ ‫أصل‪.‬‬ ‫تؤدي نفس الغرض أو باختفاء بعض الدواعي له ً‬

‫دانبئيل دنت‬

‫لندا السكوال‬

‫‪87‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫دور الدين‪ ،‬أو أي عاملٍ بنفس التأثري يف املجتمع األمرييك له أهمي ٌة كبري ٌة ليس فقط عىل الصعيد األمرييك الداخيل‪،‬‬ ‫وإمنا عىل العامل بأرسه باعتبار أمرييكا أكرب الع ًبا أساس ًيا عىل الساحة الدولية يف أغلب الصعد‪ ،‬فعىل الرغم من أن‬ ‫ٌ‬ ‫مفصول عن السلطة‪ ،‬إال أن طبيعة الشعب‪ ،‬وبالتايل طبيعة الناخبني الذين ميثلون الشعب تشكل سياسات البلد‬ ‫الدين‬ ‫وأولوياته وتفاعله ونشاطه مع العامل‪ ،‬لذا ففهم الشأن الداخيل األمرييك هو أم ٌر يتعني عىل العامل ككل االنتباه إليه وإىل‬ ‫تحوالته ومحاولة إدراك منطوياته عىل باقي العامل‪.‬‬ ‫ولكن ماذا عن اإلسالم يف خضم هذه التغريات؟ أليس اإلسالم بزعم البعض أرسع األديان يف وترية النمو؟ ما هو حال‬ ‫اإلسالم يف الواليات املتحدة؟ بحسب دراسات معهد پيو‪ ،‬فإن حصة اإلسالم بني األمريكيني ازدادت بالفعل خالل الفرتة بني‬ ‫العامني ‪ 2007‬و‪ 2014‬من ‪ 0.4%‬إىل ‪ .0.9%‬ولكن الزيادة‪ ،‬عىل الرغم من كونها زيادة نسبية ملحوظة‪ ،‬إال أنها كنسب ٍة‬ ‫مطلق ٍة هي نسب ٌة قليلة‪ .‬ميكن ذكر نقطتني مثريتني لالهتامم بصدد املسلمني يف هذه الدراسة‪:‬‬ ‫تغلب نسبة الذكور عىل اإلناث بشكلٍ واضح‪ ،‬حيث بلغت عام ‪ 2014‬حوايل سبعة ذكور لكل ثالثة إناث كام يبني الرسم‬ ‫األول‪ .‬أي أن الزيادة جاءت بشكلٍ رئييس من تزايد عدد الذكور‪ ،‬وحيث أن الرسم الثاين يبني ازديا ًدا ملحوظًا يف نسبة‬ ‫سبب أسايس يف تزايد عدد املسلمني يف أمريكا‪.‬‬ ‫املهاجرين‪ ،‬فهذا يعني أن الهجرة‪ ،‬وليس تغيري الدين‪ ،‬هي ٌ‬

‫‪88‬‬


‫ازدادت نسبة املؤمنني بالله من بني املسلمني‪ ،‬حيث ارتفعت نسبة املؤمنني بشكل مطلق بالله من ‪ 82%‬إىل ‪،84%‬‬ ‫وانخفضت نسبة املسلمني الذين ال يؤمنون بالله من ‪ 5%‬إىل ‪ .3%‬والوضع مشاب ٌه إىل ٍ‬ ‫حد كبريٍ يف أمو ٍر مثل التقيد‬ ‫بالصالة‪ ،‬وارتياد املسجد‪ ،‬واملشاركة يف الدروس والحلقات الدينية وغريها من مظاهر الذين‪ .‬وهي أمو ٌر لرمبا كانت‬ ‫مرتبط ًة بالنقطة السابقة التي بينت ازديا ًدا يف نسبة املهاجرين من املسلمني إىل املسلمني املولودين يف أمريكا‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫توجد الكثري من من التفاصيل اإلضافية والتحليالت عىل موقع معهد پيو‪ ،‬ولكن الجدول التايل هو تلخيص لتغري املشهد‬ ‫الديني األمرييك باألرقام‪.‬‬ ‫النسبة املئوية عام ‪ 2007‬النسبة املئوية عام ‪ 2014‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫‪70.6‬‬ ‫ ‬ ‫‪78.4‬‬ ‫املسيحيني (الكيل) ‬ ‫ ‬ ‫‪46.5‬‬ ‫ ‬ ‫‪51.3‬‬ ‫الپروتستانت (الكيل) ‬ ‫ ‬ ‫‪25.4‬‬ ‫ ‬ ‫‪26.3‬‬ ‫الپروتستانت اإلنجيليني ‬ ‫ ‬ ‫‪14.7‬‬ ‫ ‬ ‫‪18.1‬‬ ‫الپروتستانت املركزية ‬ ‫ ‬ ‫‪6.5‬‬ ‫ ‬ ‫‪6.9‬‬ ‫الپروتستانت السود ‬ ‫ ‬ ‫الكاثوليك‬ ‫ ‬ ‫‪20.8‬‬ ‫ ‬ ‫‪23.9‬‬ ‫ ‬ ‫‪0.5‬‬ ‫ ‬ ‫‪0.6‬‬ ‫املسحيني األورثوذوكس ‬ ‫ ‬ ‫‪1.6‬‬ ‫ ‬ ‫‪1.7‬‬ ‫املورمونيني ‬ ‫ ‬ ‫‪0.8‬‬ ‫ ‬ ‫‪0.7‬‬ ‫شهود يهوه ‬ ‫ ‬ ‫‪0.4‬‬ ‫ ‬ ‫‪0.3‬‬ ‫مسيحيني آخرين ‬ ‫ ‬ ‫‪5.9‬‬ ‫ ‬ ‫ديانات غري مسيحية (كيل) ‪4.7‬‬ ‫ ‬ ‫اليهود‬ ‫ ‬ ‫‪1.9‬‬ ‫ ‬ ‫‪1.7‬‬ ‫ ‬ ‫‪0.9‬‬ ‫ ‬ ‫‪0.4‬‬ ‫ ‬ ‫املسلمني‬ ‫ ‬ ‫‪0.7‬‬ ‫ ‬ ‫‪0.7‬‬ ‫ ‬ ‫البوذيني‬ ‫ ‬ ‫‪0.7‬‬ ‫ ‬ ‫‪0.4‬‬ ‫ ‬ ‫الهندوس‬ ‫ ‬ ‫‪0.3‬‬ ‫ ‬ ‫<‪0.3‬‬ ‫ ‬ ‫أديان عاملية أخرى‬ ‫ ‬ ‫‪1.5‬‬ ‫ ‬ ‫‪1.2‬‬ ‫ديانات أخرى ‬ ‫ ‬ ‫‪22.8‬‬ ‫ ‬ ‫‪16.1‬‬ ‫الالدينيني (كيل) ‬ ‫ ‬ ‫امللحدين‬ ‫ ‬ ‫‪3.1‬‬ ‫ ‬ ‫‪1.6‬‬ ‫ ‬ ‫‪4.0‬‬ ‫ ‬ ‫‪2.4‬‬ ‫ ‬ ‫الالأدريني‬ ‫ ‬ ‫‪15.8‬‬ ‫ ‬ ‫‪12.1‬‬ ‫ ‬ ‫ال يشء محدد‬ ‫ ‬ ‫‪0.6‬‬ ‫ ‬ ‫ال يعرفون‪/‬يرفضون اإلجابة ‪0.8‬‬ ‫‪ 100.0‬‬ ‫ ‬ ‫‪100.0‬‬ ‫ ‬

‫التغري املئوي*‬ ‫‪-7.8‬‬ ‫‪-4.8‬‬ ‫‪-0.9‬‬ ‫‪-3.4‬‬ ‫‬‫‪-3.1‬‬ ‫‬‫‬‫‬‫‬‫‪+1.2‬‬ ‫‬‫‪+0.5‬‬ ‫‬‫‪+0.3‬‬ ‫‬‫‪+0.3‬‬ ‫‪+6.7‬‬ ‫‪+1.5‬‬ ‫‪+1.6‬‬ ‫‪+3.7‬‬ ‫‪-0.2‬‬

‫*تظهر خانة التغري املئوي فقط التغريات املعنوية التي تتعدى حجم الخطأ اإلحصايئ‪ ،‬فلم يتم وضع التغري لو كان ضمن نطاق حجم الخطأ اإلحصايئ‪.‬‬

‫‪90‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫تعريف موج ٌز بهام‪.‬‬ ‫والسكُوال‪ ،‬فيام ييل‬ ‫ٌ‬ ‫قبل التوجه إىل مقال «تنامي اإللحاد» ل ِدنِ ْت ْ‬ ‫دانيئل ِدنِ ْ​ْت هو أستا ٌذ يف الفلسفة يف جامعة ت َ ْفتْس ‪ Tufts University‬األمريكية ومدير مركز الدراسات اإلدراكية �‪Cen‬‬ ‫ٍ‬ ‫وككاتب يف نقاش األمور‬ ‫كمتحدث‬ ‫‪ ter for Cognitive Studies‬يف تلك الجامعة‪ ،‬وله الكثري من الكتب‪ .‬له حضو ٌر بار ٌز‬ ‫ٍ‬ ‫الفلسفية املعارصة وله آرا ٌء متداول ٌة يف قضايا حرية اإلرادة‪ ،‬فلسفة العقل‪ ،‬الفهم العام لنظرية التطور‪ ،‬والدين األخالق‪.‬‬ ‫السكُوال فتعمل كباحث ٍة مستشار ٍة مستقلة‪ ،‬وهي تحمل درجة املاجستري يف العمل االجتامعي من الجامعة أمريكا‬ ‫أما لِ ْندا ْ‬ ‫الكاثوليكية ‪ ،Catholic University of America‬وقد ساهمت مع ِدنِت يف تأسيس «مرشوع رجال الكهنوت» ‪The‬‬ ‫‪ ،Clergy Project‬وهو مؤسسة غري ربحية تهدف إىل تقديم الدعم لرجال الدين الذين فقدوا إميانهم‪ ،‬حيث تساعدهم‬ ‫عىل البحث عن عملٍ خارج إطار الكنيسة‪ ،‬وتوفر بيئ ًة آمن ًة مرحب ًة عىل اإلنرتنت ملجتمع رجال الكنيسة السابقني‪ .‬اشرتك‬ ‫كتاب عن املوضوع بعنوان «عالقون عىل املنرب‪ :‬مع من يرتكون اإلميان» ‪Caught in‬‬ ‫دنت مع السكوال مؤخ ًرا يف تأليف ٍ‬ ‫‪ ،the Pulpit: Leaving Belief Behind‬واملقال التايل هو كتاب ٌة مشرتك ٌة لهام يسترشفان فيه تطور اإللحاد يف الواليات‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫غالف كتاب عالقون عىل املنرب مع من يرتكون اإلميان‬

‫‪91‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫والسكُوال‪ :‬التنامي الحتمي لإللحاد — ست تنبؤات‬ ‫مقال ِدنِ ْت ْ‬ ‫واضح ومستم ٌر للدين يف الواليات املتحدة األمريكية اليوم‪ ،‬ومتكن رؤية ذلك من خالل نتائج استطالع‬ ‫هنالك انحسا ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫الرأي الذي أجراه معهد پيو مؤخ ًرا‪ ،‬فالسؤال مل يعد حول ما إذا كان الدين يف الواليات املتحدة ينحرس‪ ،‬وإمنا صار متعلقًا‬ ‫ٍ‬ ‫نزعات لهذا النمو نتوقعها‪ ،‬إضاف ًة إىل‬ ‫بالشكل الذي يتخذه هذا االنحسار ومآله يف املستقبل‪ .‬فيام ييل سنقدم لست‬ ‫تحفظ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واحد يف الختام‪.‬‬ ‫اإلنرتنت‪ :‬ستظل اإلنرتنت تؤثر سل ًبا عىل الدين‪ ،‬بل إن تأثريها سيرتاكم برسعة‪ ،‬ال سيام وأن الشفافية التي تولدها تخرتق‬ ‫فمثل‪ ،‬يف ظل تطور سبل فحص الحمض النووي ‪ ،DNA‬بات من الصعب عىل املورمونيني اليوم االستمرار‬ ‫كل الحواجز(‪ً .)1‬‬ ‫يف ا ّدعائهم العائد إىل القرن التاسع عرش بأن الهنود الحمر ليسوا سوى إحدى القبائل اإلرسائيلية القدمية املفقودة‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬فلم تعد كنيسة الروم الكاثوليك قادر ٌة عىل دفن أرسارها اآلن‪ .‬كام وظهرت مؤسساتٌ جديد ٌة ما كانت لتظهر‬ ‫لوال اإلنرتنت‪ ،‬كمرشوع رجال الكهنوت ‪ ،The Clergy Project‬الذي وفر بؤرة اجتام ٍع خصوصي ٍة لغري املؤمنني من سلك‬ ‫الكهنوت أينام ُوجدوا‪ .‬يف عام ‪ 2007‬مل نكن نجد شيئًا عن رجال دين غري مؤمنني عىل اإلنرتنت‪ ،‬بينام اليوم يعطي محرك‬ ‫البحث چوچل ‪ 844000‬نتيجة‪.‬‬

‫‪92‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫سيستمر منو الجامعات اإلنسانوية ويتزايد‪ .‬يتوقع الكثري من الخرباء أنه لو حدث يو ًما أن انهارت اإلنرتنت وانهارت‬ ‫الشبكة الكهربائية يف آنٍ م ًعا‪ ،‬فستُلقى الكثري من املهام امللحة الحيوية عىل عاتق املجتمعات املحلية‪ .‬إذ سيتعينت عليهم‬ ‫مثل يف غضون عمل طواقم الصيانة عىل‬ ‫العمل عىل تجنب الهلع الجامعي لو دام االنقطاع مدة مثانٍ وأربعني ساعة ً‬ ‫إصالح الخلل‪.‬‬ ‫مايك أوس و جريي ديويت‬

‫نرى تكرار هذا السيناريو يف أفالم نهاية العامل‪ ،‬ولو كانت الجامعات اإلنسانوية عىل أهبة االستعداد ٍ‬ ‫لظرف كهذا قد تحتل‬ ‫دو ًرا رياديًا يف إدارة الوضع‪ ،‬من خالل إعالم الجريان بتطورات الوضع وتهدئتهم وتوفري املأوى لهم‪ .‬توجد مبادراتٌ مثل‬ ‫«تج ّمع األحد»(‪ Sunday Assembly )2‬ومجموعاتٌ جديد ٌة أنشأها رجال دينٍ سابقني من أمثال جريي ْديُوِيت ‪Jerry‬‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف كتلك‪ ،‬فاألمر سيعتمد عىل أعداد من يشعرون‬ ‫‪ Dewitt‬ومايك أَ ْوس ‪ ،Mike Aus‬والتي قد وقد ال تزدهر تحت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ملامرسات كهذه مع‬ ‫لجرعات منتظم ٍة من جوانب املعيشة الجامعية ورفع املعنويات‪ ،‬إذ قد تتضاءل الحاجة‬ ‫بحاج ٍة‬ ‫الوقت مع تآكل ارتباط مفهوم األرسة بهذه التقاليد‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫سيستمر تضاؤل الطوائف املسيحية‪ ،‬ذلك أن هنالك تزاي ًدا يف أعداد املؤمنني ممن ال يشعرون بحاج ٍة لالنتامء إىل‬ ‫كنيس ٍة وما يرافق ذلك من مراسيم ديني ٍة حتى يكونوا مسيحيني صالحني‪.‬‬

‫ستتزايد أعداد الالدينيني وغريهم من الفئات التي متثل درجات عىل السلم املؤدي إىل اإللحاد الرصيح‪ ،‬ذلك أن وصمة‬ ‫العار التي كانت تلصق مبن ال ينتمي إىل أي مؤسس ٍة ديني ٍة هي يف انحسار‪ ،‬فالعديد من الناس صار يصف نفسه‬ ‫بالروحانية دون دين‪ ،‬وهنالك الكثري يف هذه الفئة ممن يتجه يف مرحل ٍة الحق ٍة نحو الالأدرية يف ضوء انتشار نقد الدين‬ ‫بشكل علني‪ .‬لكن البعض اآلخر يتجه نحو اإللحاد بنفس السهولة‪ ،‬ويف كل هذه الحاالت‪ ،‬ال يقوم هؤالء الالدينيون برتبية‬ ‫قبول اليوم‬ ‫أطفالهم عىل دينٍ ما‪ .‬لكن العادات الدينية ستستمر‪ ،‬وقد نرى شيو ًعا لتعبري «مسيحي علامين»‪ ،‬مثلام نرى ً‬ ‫لتسمية «يهودي علامين» وما لتلك التعابري من تداعيات يف الذهن‪.‬‬

‫‪94‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫سيستمر رجال الدين الليرباليني بقيادة الركب التارك لنمط الدين املقيد بالكتاب املقدس‪.‬‬ ‫فأولئك هم حلفاء اإلنسانويني الطبيعيني‪ ،‬يقفون يف صفهم يف القضايا التقدمية‪ ،‬كمناهضة العبودية ودخول النساء إىل‬ ‫سلك الكهنوت‪ ،‬وحقوق املثليني‪ .‬وهم ال يدعمون ذلك من باب املظاهر‪ ،‬وإمنا العتقادهم أن ذلك هو املسلك الصحيح‪،‬‬ ‫فهم يخرسون أعضا ًء من أبناء رعيتهم مقابل حفاظهم عىل استقامتهم‪ .‬ونتنبأ أن تتآكل العقيدة املسيحية عىل أيديهم‬ ‫حتى تختفي‪ .‬وهذا األمر يحدث اآلن بالفعل من خالل دراسات «أنسنة املسيح» ‪ human Jesus studies‬والتي يجريها‬ ‫يهودي عاش يف القرن األول‪ ،‬ال بصفته‬ ‫معهد وستار ‪ Westar Institute‬واملتمحورة حول شخصية يسوع كمعلم حكم ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫سحيق ونحن لدينا‬ ‫إل ًها‪ .‬ولكن إن بتم ذلك‪ ،‬ما الذي سيدفع الناس لالستمرار يف تكريس أنفسهم إلنسانٍ عاش من زمنٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هائل من البرش الذين يستحقون اإلعجاب عىل مر التاريخ؟‬ ‫ك ٌم ٌ‬ ‫نتفق مع رجال الدين الليرباليني يف كتابنا (عالقني عىل املنرب) يف أن يسوع اإلنسان هو شخصي ٌة انتقالية‪ ،‬ففي اللحظة‬ ‫التي ينبذ املسيحيون فيها تعلقهم البايل باملعتقدات الخارقة ويبدؤون برؤية الكتاب املقدس ككتاب قصص ستكون‬ ‫اإلنسانوية محطتهم التالية‪ .‬والعديد من املسيحيني قد نبذوا هذه املعتقدات بالفعل‪ ،‬أو أصبح إميانهم بها ضعيفًا‪ .‬ولرمبا‬ ‫تستطيع الكنائس الليربالية عكس ظاهرة ترك أعضائها لها من خالل نبذ تلك الكنائس للخوارق واعتبارها هراء‪ ،‬إذ قد‬ ‫تجتذب تلك الكنائس من يشعرون بالحرج من ارتباطهم باإلميان بالخوارق حتى لو كان ذلك من باب العادات والتقاليد‪،‬‬ ‫ال سيام لو كان هؤالء يتوقون للمشاركة يف نشاطات جامعة ذات فحوى‪.‬‬ ‫حسا داخل ًيا بكيانٍ يريد لهم الخري‪ ،‬وهم بذلك ال‬ ‫سيبقى البعض متدي ًنا ألن ذلك من طبيعتهم‪ .‬فهنالك من ميلكون ً‬ ‫مثل يقارب ح ّد اإلدمان‪ .‬وسيأيت يوم يتحرر فيه الدين من‬ ‫حسا داخل ًيا بحب املوسيقى ً‬ ‫يختلفون عن آخرين ميلكون ً‬ ‫كجاذب‬ ‫حيث هو فعالي ٌة جامعي ٌة من عبء محاولة تفسري العلم ومن عبء الحكومات‪ .‬وعىل األرجح سيبقى الدين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كأقليات محمي ٍة طاملا ال ييسء الدين‬ ‫يصعب عىل البعض مقاومته‪ .‬وعلينا التسامح مع األديان واملحافظة عىل أتباعهم‬ ‫معاملة أتباعه أو يعمل عىل تجهيل األطفال‪.‬‬ ‫حرب‬ ‫تحفظ‪ :‬هل من املمكن أن يحدث ما يؤدي إىل عكس اتجاه انحسار الدين؟ لألسف نعم‪ ،‬فحدوث وبا ٍء عاملي‪ ،‬أو ٍ‬ ‫عاملي ٍة عىل املاء أو النفط‪ ،‬أو انهيار اإلنرتنت والشبكة الكهربائية‪ ،‬أو أية كارث ٍة أخرى ال تخطر عىل البال تلقي بالناجني‬ ‫يف الجهل والبؤس والخوف‪ ،‬وهي أمو ٌر متثل أكرث ترب ٍة خصب ٍة الزدهار الدين‪ .‬وعندها سيتعني علينا إعادة بناء الحضارة‬ ‫من جديد‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫بيان صحفي‪ :‬دراسة جديدة صادرة عن مركز پيو لألبحاث(‪ )3‬تدرس تغري املشهد الديني يف أمريكا‬ ‫وجدت الدراسة التي شملت ‪ 35000‬أمرييك أن نسبة املسيحيني يف السكان قد انحدرت بشكلٍ حاد‪ ،‬بينام يتزايد عدد‬ ‫الالدينيني وأتباع األديان األخرى‪.‬‬

‫واشنطن‪ 12 ،‬أيار‪/‬مايو ‪ .2015‬استنا ًدا إىل دراسة واسعة النطاق أجراها مركز پيو لألبحاث ‪،Pew Research Center‬‬ ‫فقد انخفضت حصة الدين املسيحي من التعداد الكيل لسكان الواليات املتحدة‪ ،‬بينام ازدادت نسبة البالغني (من تعدى‬ ‫‪ 18‬عا ًما) ممن ال ينتمون إىل أي دين‪ .‬وقد وجدت الدراسة أن هذه التغريات قد أصابت املشهد الديني األمريكيي‬ ‫يف كل أرجائه‪ ،‬فعمت كل املناطق الجغرافية وكل املجموعات الدميوغرافية (السكانية)‪ .‬ويظهر االنخفاض يف انتامء‬ ‫أيضا‪ .‬وومتكن رؤية نزعتي ترك‬ ‫جيل الشباب بالذات إىل املسيحية‪ ،‬لكن االنخفاض موجود يف الفئات العمرية األخرى ً‬ ‫املسيحية وتنامي املجموعات األخرى يف كل األعراق (بني البيض‪ ،‬والسود والالتينيني)‪ ،‬ويف أوساط خريجي الجامعات‬ ‫والبالغني من حملة الشهادة الثانوية‪ ،‬وبني النساء والرجال‪ ،‬عىل ٍ‬ ‫حد سواء‪.‬‬ ‫تظل الواليات املتحدة بؤرة تواج ٍد للمسيحيني أكرث من أي بل ٍد آخر‪ ،‬وال زال أغلب األمريكيني يعتربون أنفسهم مسيحيني‬ ‫بنسبة سبع ٍة من كل عرشة أمريكيني ينتمون إىل شتى أنواع الطوائف املسيحية‪ .‬لكن الدراسة الجديدة والتي شملت‬ ‫‪ 35000‬أمرييك قد وجدت أن نسبة البالغني الذين يصفون أنفسهم عىل أنهم مسيحيون قد تناقصت بحوايل مثان ٍ‬ ‫نقاط‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات فقط‪ ،‬فنزلت من ‪ 78.4%‬حسب دراسة كبري ٍة كالحالية أجراها مركز پيو عام ‪ 2007‬أىل‬ ‫يف املئة يف غضون سبع‬ ‫‪ 70.6%‬عام ‪ .2014‬ويف نفس تلك الفرتة ارتفعت نسبة الالدينيني بست ٍ‬ ‫نقاط يف املئة‪ ،‬فقفزت من ‪ 16.1%‬إىل ‪.22.8%‬‬ ‫وتشمل فئة الالدينيني من يعتربون أنفسهم ملحدين‪ ،‬والأدريني‪ ،‬وأشخاص دون أي معتقد‪ .‬أما نسبة األمريكيني التي تدين‬

‫‪96‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫بغري املسيحية‪ ،‬فقد ازدادت هي األخرى‪ ،‬وكانت الزيادة بنسبة ‪ 1.2‬نقطة يف املئة‪ ،‬فارتفعت من ‪ 4.7%‬عام ‪ 2007‬إىل‬ ‫‪ 5.9%‬عام ‪ .2014‬وكانت هذه الزيادة يف أعالها بني صفوف املسلمني والهندوس‪ ،‬وإن كانت زيادة عىل ٍ‬ ‫أصل‪.‬‬ ‫أساس قليلٍ ً‬ ‫وقد كان جاء التناقص يف أعداد املسيحيني عىل حساب أعداد الطوائف الرئيسية يف الپروتستانتية والكاثوليكية‪ ،‬إذ‬ ‫تقلصت كل من هاتني الطائفتني مبا يقارب الثالثة يف املئة لكل منهام منذ ‪ .2007‬كام وانخفضت حصة الپروتستانيني‬ ‫اإلنجيليني‪ ،‬ولكن بنسب ٍة أقل تنوف عىل حوايل نقط ٍة واحد ٍة يف املئة منذ إحصاء ‪.2007‬‬ ‫ٍ‬ ‫كاستكامل‬ ‫كانت هذه خالصة نتائج الدراسة التي قام بها مركز پيو لألبحاث يف إحصائه الثاين للمشهد الديني األمرييك‬ ‫للدراسة الشاملة األوىل التي تم إجراؤها عام ‪.2007‬‬ ‫وال توجد نتائج حكومية لإلحصاء الديني يف أمريكا‪ ،‬نظ ًرا ألن اإلحصاء الحكومي ال يسأل عن دين السكان‪ .‬وتقوم بعض‬ ‫الطوائف املسيحية بإجراء مسحها الخاص بها‪ ،‬لكن معايري االنتامء الديني التي يستعملونها تتباين فيام بينهم‪ ،‬ويف بعض‬ ‫األحيان يظلون يعدون أفرا ًدا تركوا الطائفة‪ .‬أما اإلحصاءات التي تستهدف عموم السكان‪ ،‬فتحتوي أحيانًا بعض األسئلة‬ ‫عن االنتامء الديني‪ ،‬لكن عدد املشاركني ال يكون كاف ًيا يف العادة‪ ،‬كام أنهم ال يسألونهم أسئل ًة مفصلة‪ ،‬بحيث ال ميكن‬ ‫معها وصف املشهد الديني للبلد ككل‪ .‬وقد جاءت دراسات املشهد الديني ‪ Religious Landscape Studies‬مللئ هذه‬ ‫الفجوة‪.‬‬ ‫ومن مخرجات الدراسة الحالية ما ييل‪:‬‬ ‫انخفاض يف العدد كذلك‪ .‬ففي‬ ‫ٌ‬ ‫•مل يكن انخفاض أعداد املسيحيني فقط كنسب ٍة إىل التعداد الكيل للسكان‪ ،‬وإمنا هو‬ ‫قليل عىل ‪ 78%‬من‬ ‫عام ‪ 2007‬كان تعداد البالغني يف الواليات املتحدة يربو عىل ‪ 227‬مليونًا‪ ،‬من ضمنهم ما يزيد ً‬ ‫املسيحيني‪ ،‬أي ما يقارب ‪ 178‬مليونًا‪ .‬وبني العامني ‪ 2007‬و‪ 2014‬ازداد تعداد البالغني الكيل يف أمرييكا مبا يقارب ‪18‬‬ ‫مليونًا ليصبح حوايل ‪ 245‬مليونًا‪ ،‬لكن نسبة املسيحيني انخفضت إىل أقل من ‪ 71%‬بقليل‪ ،‬أو ما يعادل ‪ 173‬مليون‬ ‫أمرييك‪ ،‬أي بانخفاض ٍ‬ ‫صاف قيمته خمسة ماليني‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫•بات املسيحيون األمريكيون‪ ،‬مثلهم مثل باقي سكان الواليات املتحدة‪ ،‬أكرث تنو ًعا وتعددية من الناحية العرقية‬ ‫واإلثنية‪ .‬فقد صار البيض من أصو ٍل غري التينية يشكلون نسب ًة أقل قي صفوف كلٍ من الپروتستانتيني اإلنجيليني‬ ‫والطائفة الپروتستانتية املركزية والكاثوليكيني‪ ،‬مقارن ًة مبا كانوا عليه قبل سبع سنوات‪ ،‬يف حني زادت نسب األمريكيني‬ ‫الالتينيني (الهسپان ‪ )Hespanic‬يف تلك الطوائف الثالث‪ ،‬حيث صارت األقليات العرقية واإلثنية تشكل ‪ 41%‬من‬ ‫الكاثوليك (بعد أن كانت ‪ 35%‬عن ‪ ،)2007‬و‪ 24%‬من الپروتستانتيني اإلنجيليني (بعد أن كانت ‪ )19%‬و‪ 14%‬من الخط‬ ‫الپروتستانتي العام الذي كان ‪.9%‬‬ ‫•أعداد الزيجات املختلطة بني األديان يف ازدياد‪ .‬فمن بني األمرييكيني الذين تزوجوا منذ عام ‪ ،2010‬يقول واح ٌد من كل‬ ‫أربعة (أي ما نسبته ‪ )39%‬أنهم يف زوا ٍج يخلط بني أكرث من دين‪ ،‬وذلك مقارنة بنسبة ‪ 19%‬من املتزوجني قبل العام‬ ‫‪.1960‬‬ ‫عام هم مجموع ٌة‬ ‫• يف الوقت الذي تشيخ فيه املجموعات الدينية يف أمريكا‪ ،‬نجد أن الالدينيني ‪ unaffiliated‬بشكلٍ ٍ‬ ‫فتية‪ ،‬وأعامرهم يف املتوسط يف تناقص‪ .‬فبوصول مجموع ٍة كبري ٍة من الالدينيني من أبناء جيل األلفية (املولودين بني حوايل‬ ‫‪ 1980‬و‪ )2000‬إىل سن الرشد‪ ،‬ينخفض العمر الوسيط لالدينيني إىل ‪ 36‬بعد أن كان ‪ 38‬عام ‪ ،2007‬وهو أخفض بكثريٍ من‬ ‫العمر الوسيط للسكان والبالغ ‪ 46‬سنة‪ .‬أما لو نظرنا إىل العمر الوسيط ألتباع الطائفة الپروتستانتية املركزية‪ ،‬فنجده قد‬ ‫ارتفع يف الدراسة الجديدة إىل ‪ 52‬سنة بعد أن كان ‪ 50‬سنة يف العام ‪ ،2007‬أما العمر الوسيط للطائفة الكاثوليكية فقد‬ ‫ارتفع من ‪ 45‬سنة قبل سبعة أعوام إىل ‪.49‬‬ ‫•صار تغيري الدين أم ًرا شائع الحدوث يف الواليات املتحدة‪ .‬لو اعتربنا لغرض العد أن كل الپروتستانتيني ينتمون إىل‬ ‫مجموع ٍة ديني ٍة واحدة‪ ،‬فإن ‪ 34%‬من املجموع الكيل لألمريكيني البالغني ميلكون اليوم هوي ًة ديني ًة تختلف عن الهوية‬ ‫الدينية التي نشؤوا عليها‪ .‬وميثل هذا ازديا ًدا مقداره ست ٍ‬ ‫نقاط عام كان عليه عام ‪ ،2007‬حني قال ‪ 28%‬من البالغني‬ ‫أنهم عىل دينٍ يختلف عن دينهم عندما كانوا أطفالً ‪ .‬أما لو اعتربنا يف هذا الحساب تنقل الپروتستانت بني أقسام‬ ‫مثل من الطائفة املركزية إىل اإلنجيلية أو من اإلنجيلية إىل طائفة للسود) فإن نسبة األمريكيني‬ ‫الطائفة نفسها (باالنتقال ً‬ ‫الذين هم اليوم عىل دينٍ يختلف عن دينهم يف الطفولة سرتتفع إىل ‪.42%‬‬ ‫‪98‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫•تفقد املسيحية‪ ،‬والكاثوليكية أكرث من غريها‪ ،‬أتبا ًعا قدامى أكرث مام تكسب أتبا ًعا جد ًدا‪ .‬يصل عدد األمريكيني‬ ‫البالغني الذي متت تربيتهم تربي ًة مسيحي ًة ما نسبته ‪ ،85%‬لكن ربعهم تقري ًبا ال يع ّدون أنفسهم مسيحيني اليوم‪.‬‬ ‫كل من الطائفة‬ ‫وميثل املسيحييون السابقون ما نسبته ‪ 19.2%‬من ضمن التعداد العام للبالغني يف أمريكا‪ .‬وقد فقدت ٌ‬ ‫الپروتستانتية املركزية وطوائف الپروتستانت السود أتبا ًعا أكرث مام كسبت من خالل التنقل بني الطوائف‪ ،‬لكن الخارس‬ ‫األكرب هو الطائفة الكاثوليكية والتي فقدت أكرب عد ٍد من األتباع‪ ،‬إذ يقول حوايل ثلث األمريكيني (‪ )31.7%‬أنهم نشؤوا‬ ‫عىل الكاثوليكية‪ ،‬ومن ضمن هؤالء نجد ‪ 41%‬ممن ال يعتربون أنفسهم اليوم كاثوليكيني‪ .‬أي أن ما نسبته ‪ 12.9%‬من‬ ‫األمريكيني هم يف الواقع كاثوليكيون سابقون‪ .‬أما نسبة البالغني الذين اعتنقوا الكاثوليكية متحولني من دينٍ آخر فكانت‬ ‫‪ .2%‬ومل تتعرض أية مجموع ٍة ديني ٍة أخرى يف الدراسة لتباينٍ كبريٍ كهذا بني الزيادة والنقصان يف عدد األتباع‪.‬‬ ‫•برزت الطائفة الپروتستانتية اإلنجيلية عىل أنها الطائفة الوحيدة بني الطوائف الرئيسية التي اكتسبت أفرا ًدا جدد أكرث‬ ‫مام خرست من خالل تغيري الدين‪ .‬فوصلت نسبة األمريكيني البالغني الذين يعتربون أنفسهم پروتستانتيني إنجيليني بعد‬ ‫أن تربوا يف تر ٍ‬ ‫ديني آخر إىل ‪ ،10%‬مام يعوض نسبة من تركوا اإلنجيلية ليعتنقوا غريها أو تركوا الدين املنظم نهائ ًيا‬ ‫اث ٍ‬ ‫والذين تصل نسبتهم إىل ‪.8%‬‬ ‫•حصة املسيحية من بني السكان يف انحسار‪ ،‬وباملقابل‪ ،‬فحصة الالدين يف ازدياد يف أرجاء مناطق البلد الجغرافية األربع‪.‬‬ ‫وتبلغ نسبة من هم بال دين إىل ‪ 19%‬من تعداد البالغني يف جنوب البالد (بعد أن كانوا ‪ 13%‬عام ‪ ،)2007‬أما يف الغرب‬ ‫األوسط فنسبتهم ‪( 22%‬وكانوا سابقًا ‪ ،)16%‬وهم ‪ 25%‬يف الشامل الرشقي (بعد أن كانوا ‪ ،)16%‬كام ووصلوا إىل ‪28%‬‬ ‫يف الغرب حيث كانت نسبتهم ‪ 21%‬يف السابق‪ .‬ويجدر بالذكر أن نسبة من هم بال دينٍ يف املنطقة الغربية قد تعدت‬ ‫نسبة الكاثوليك (‪ )23%‬واإلنجيليني (‪ )22%‬وكل املجموعات الدينية األخرى‪.‬‬

‫‪99‬‬


‫هل تتجه أمريكا إىل‬ ‫ترك الدين؟‬

‫أسامة البني‬

‫ً‬ ‫احتامل من السود والالتينيني يف أن يكونوا بال دين‪ .‬إذ يقول ‪ 24%‬من البيض أنهم بال دين‪ ،‬مقارنة‬ ‫•ال زال البيض أكرث‬ ‫مع ‪ 20%‬من الهسپان (الالتينيني) و‪ 18%‬من السود‪ .‬لكن نسبة الالدينيني قد ازدادت عىل حساب املسيحيني يف كلٍ من‬ ‫هذه املجموعات العرقية واإلثنية‪.‬‬

‫أعاله‪ ،‬قدمنا التقرير األول عن مخرجات دراسة املشهد الديني األمرييك من العام ‪ 2014‬والتي كان مصدرها‬ ‫األسايس مقابالت هاتفية شملت ‪ 35071‬بالغًا متت محادثتهم يف الفرتة ما بني حزيران‪/‬يونيو وأيلول‪/‬سپتمرب من‬ ‫عام ‪ .2014‬وبلغت نسبة الخطأ اإلحصايئ باعتبار العينة الكاملة ‪ 0.6‬نقاط مئوية‪.‬‬

‫وسيتم نرش نتائج دراسة املشهد الديني يف سلسل ٍة من التقارير خالل العام املقبل‪ .‬وقد ركز هذا التقرير األول عىل‬ ‫التحوالت يف الرتكيبة الدينية األمريكية ووصف خصائص املجموعات الدينية يف أمريكا مبا فيها العمر الوسيط‪ ،‬الرتكيب‬ ‫العرقي واإلثني‪ ،‬معلومات امليالد‪ ،‬التعليم‪ ،‬مستوى الدخل‪ ،‬نسب الجنسني‪ ،‬والرتكيب األرسي (مبا يف ذلك نسبه التزواج‬ ‫ملحق قارن بني دراستي‬ ‫بني األديان) إضافة إىل التوزيع الجغرايف‪ .‬كام ولخص التقرير أمناط التحول الديني‪ ،‬واحتوى عىل‬ ‫ٍ‬ ‫املشهد الديني من العامني ‪ 2007‬و‪ 2014‬من جهة ونتائج مسو ٍح إحصائي ٍة من جهة أخرى‪ ،‬وق ّيم دور التطورات الدينية‬ ‫يف أمريكا عىل املدى الطويل‪.‬‬ ‫هوامش‬

‫(‪ _)1‬يشري بذلك دنت إىل املقا ٍل التايل الذي كتبه بالتعاون مع روي ِد ْب ‪:Deb Roy‬‬ ‫‪Dennett, Daniel & Roy, Deb. (2015) How Digital Transparency Became a Force of Nature. In Scientific American Vol‬‬‫‪.ume 312, Issue 3‬‬ ‫[مالحظة املرتجم]‬ ‫الديني يشابه االجتامع الديني التقليدي للمسيحيني يوم األحد هدفه إيجاد اإلبقاء عىل روح الجامعة والتخلص‬ ‫(‪ _)2‬تجمع األحد هو تجمه ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫من املراسيم الدينية‪ .‬بدأ التجمع يف بريطانيا عام ‪ 2013‬لكنه امتد إىل الواليات املتحدة اليوم‪.‬‬ ‫[مالحظة املرتجم]‬ ‫مركز پيو لألبحاث ‪ Pew Research Center‬هو مرك ٌز ال‪-‬حزيب لتجميع الوقائع ‪ fact tank‬يهدف إىل إعالم الجمهور بالقضايا واملواقف والنزعات‬ ‫التي تشكل أمرييكا والعامل‪ .‬وال يتخذ املركز قرار ٍ‬ ‫ات سياسية‪ .‬واملركز تاب ٌع لصناديق پيو الخريية ‪ ،The Pew Charitable Trusts‬والتي متثل‬ ‫بدعم من منحة لييل ‪ .Lilly Endowment Inc‬التي وجهت الدعم‬ ‫مصدر الدعم األسايس للمركز‪ .‬وقد تم إنجاز الدراسة موضوع هذا البيان ٍ‬ ‫لصناديق پيو الخريية‪.‬‬

‫‪100‬‬


‫سام مار‬

‫روايـة فــاتنة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف عن املعتاد يف‬ ‫بأسلوب‬ ‫شخصيات مميز ٍة‬ ‫رواية فاتنة تحيك قصة‬ ‫ٍ‬ ‫الروايات‪ .‬تبدأ الرواية مبشاهد حوار ٍ‬ ‫ات تلقي الضوء عىل تعامل الشخصيات‬ ‫خليط ٍ‬ ‫مع مواضيع يومية‪ .‬إىل أن تتحول إىل ٍ‬ ‫فريد من األحداث يتخذ‬ ‫طاب ًعا روائ ًيا‪ .‬ستتعرف عىل عا ٍمل آخر‪ ،‬بل عىل عاملك نفسه من منظو ٍر‬ ‫رشد يف‬ ‫آخر‪ .‬إخرت من تكون وأين‪ّ ،‬‬ ‫وغي التاريخ يف املستقبل القريب‪ ،‬ت َّ‬ ‫حي الرماد املوحلة مع سامل الصغري‪ ،‬أو خض حربًا رضوس إىل جانب‬ ‫أزقة ّ‬ ‫الزير املهلهل وتفنن يف االنتقام من الذين يرتكبون خطأ مواجهتك‪ ،‬تحدى‬ ‫الخنزير األكرب وليد ومساعده الدينء يوسف‪ ،‬تع ّرف إىل امرأ ٍة تعيش قصة‬ ‫حب مع مالك املوت إسمها دليله‪ ،‬أو كن فتا ًة بارعة الجامل وأثره يف‬ ‫ٍّ‬ ‫يغي الحب الطاغية!‬ ‫مختلف املجتمعات مع فاتنة‪ ،‬واكتشف كيف ّ‬ ‫‪101‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫سامل يتشبّث مبايكل‪.‬‬ ‫شاب ضخم الجثة ومعه سك ٌني كبري‪ .‬هذا الشاب يبيع املوز بالعادة عىل إشار ٍة يف الحي‪.‬‬ ‫يتق ّدم منهم ٌ‬ ‫معاذ قلب األسد‪ :‬يا بن العاهرة‪...‬تظن أنك تستطيع أن متيش مع أختي يف وضح النهار وتعيش؟‬ ‫مايكل‪ :‬من هي أختك؟‬ ‫أيضا! لقد وجدتُ رسالة الحب يف حقيبتها‪ .‬اآلن سيعلم الجميع ما‬ ‫معاذ قلب األسد‪ :‬ما أوقحك يا بن العاهرة! وتسأل ً‬ ‫يحدث ملن يتج ّرأ عىل قلب األسد!‬ ‫مايكل‪ :‬سامل اهرب!!!‬ ‫أرضا ويسقط السكني من يده ثم يبدأ مايكل وسامل‬ ‫يقفز مايكل بشجاع ٍة ويو ّجه لكم ًة ملعاذ قلب األسد فيطرحه ً‬ ‫بالركض‪ .‬رغم أن ساملًا رسي ٌع ج ًدا حتى إن بعض أوالد اإلشارات كانوا يُس ّمونه سامل الرسيع‪ ،‬لكنه تأ ّخر بالركض فأمسكه‬ ‫أحد الشباب‪ .‬بينام يبتعد مايكل يسمع رصخة سامل‪ :‬مايكل!‬ ‫يلتفت إىل الوراء‪ ،‬معاذ قلب األسد يضع السكني عىل رقبة سامل‪ .‬بدون تفكريٍ يندفع مايكل عائ ًدا ويقفز موج ًها ركل ًة‬ ‫أرضا فيشبعونه‬ ‫ملعاذ‪ ،‬هذه املرة يحيط به الشباب اآلخرون ويرضبه أحدهم بحج ٍر عىل رأسه من الخلف‪ .‬يسقط مايكل ً‬ ‫ركل ورضبًا‪ .‬يُث ّبت أحدهم سامل بينام يُث ّبت اثنني منهم مايكل واقفًا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫معاذ‪ :‬اآلن ستدفع الثمن يا بن العاهرة‪.‬‬ ‫ينظر إىل سامل ثم ينظر إىل مايكل مر ًة ثانية ويو ّجه له طعن ًة بالسكني يف بطنه‪ ،‬يرصخ مايكل بأ ٍمل شديد‪ ،‬يُعاجله معاذ‬ ‫برضب ٍة يف رقبته‪ ،‬تنفر الدماء بغزارة‪ .‬يرتكونه فريكع عىل ركبتيه‪ ،‬ثم يسقط عىل وجهه‪.‬‬ ‫سامل يخلّص نفسه ويندفع صار ًخا‪ :‬مااايكل! قُم أيها الوحش‪...‬قُم ال متوت‪...‬‬ ‫بينام يبيك ساملٌ بحرقة‪ ،‬ميسكه معاذ من شعره‪ :‬واآلن جاء دورك‪ ،‬تذكّر معاذ قلب األسد إىل األبد‪ ،‬أنت تحتاج فقط إىل‬ ‫ع ٍني واحد ٍة ليك ال تنساين كلّام نظرت يف مرآة!‬ ‫يرضب معاذ فوق حاجب سامل إىل أسفل عينه بالسكني‪ .‬تغرق عني سامل بالدماء ويفقد البرص مبارشةً‪ .‬يركله معاذ ويبصق‬ ‫عليه ثم يرتكه‪ .‬سامل يظن أنه فقد عينه ألنه ال يرى من كرثة الدماء‪ .‬لكن عينه الغائرة مل تتأذّى يف الحقيقة‪ ،‬إمنا تلك‬ ‫الندبة ستبقى إىل األبد‪.‬‬ ‫يف تلك اللحظة‪...‬مات سامل‪...‬و ُولد املهلهل‪.‬‬

‫‪102‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫‪ ‬مضت ستة أشه ٍر عىل موت محمد “مايكل”‪ .‬لقد فقد سامل األمل يف الحياة وهوما زال يف العارشة من العمر‪ .‬انتقل‬ ‫يوم كان‬ ‫للبيع يف جز ٍء آخر من حي الرماد خوفًا من معاذ قلب األسد وغريه‪ .‬مل يرى سعيد منذ ذلك اليوم ً‬ ‫أيضا‪ .‬كل ٍ‬ ‫يشعر بالوحدة القاتلة‪ .‬مع أنه صار أفضل يف أساليب تفادي الرضب من األوالد األكرب س ًنا بفضل تعليم مايكل‪ ،‬إال أنه ما‬ ‫زال صغ ًريا وكان عليه أن يهرب عدة مر ٍ‬ ‫ات يف األسبوع‪ .‬يف كل ليل ٍة كانت تُصيبه الكوابيس ورصخات مايكل األخرية ترت ّدد‬ ‫يف أذنيه‪ .‬الرعب مأله‪ ،‬والتشتت‪ .‬من سيسأل عندما ي ُح ّيه يشء؟ إىل من يلتجىء؟ ملاذا استكرثت عليه الحياة صديقه‬ ‫الوحيد‪.‬‬ ‫ق ّرر سامل أن يقرأ أكرث عن املهلهل الن ذلك هو االسم الذي أعطاه إياه مايكل‪ .‬طلب من صاحب محل بيع الكتب كتابًا‬ ‫يرشح عن حياته‪.‬‬ ‫كتاب عنه‪ ،‬لكنني قرأت عنه يف السابق‪ .‬ماذا تريد أن تعرف أيها الغالم؟‬ ‫صاحب املحل‪ :‬ليس لدي ٌ‬ ‫سامل‪ :‬أي يشء‪.‬‬ ‫صاحب املحل‪ :‬اسمه كان الزير سامل أبو ليىل املهلهل‪ .‬قُتل أخوه وكان اسمه كُليب‪ ،‬فأقسم املهلهل عىل االنتقام له من‬ ‫وقس قلبه حتى أنه يقول‪:‬‬ ‫قاتليه‪ .‬وهكذا تجد ذلك ظاه ًرا يف أشعاره وبقية حياته تدور حول ذلك الثأر الذي غ َّم حياته ّ‬ ‫يقول الزير أبو ليىل املهلهل‪...‬وقلب الزير ٍ‬ ‫قاس ال يلينا‬ ‫وإن الن الحديد ما الن قلبي‪...‬وقلبي من الحديد القاسيينا‬ ‫‪...‬أبيت الليل مهمو ًما حزينا‬ ‫يل‬ ‫ُ‬ ‫وسبع سن ٍني قد م ّرت ع ّ‬ ‫سامل يبتسم ويغادر املحل مع دهشة الرجل لردة فعله‪.‬‬ ‫منذ تلك اللحظة‪ ،‬عاد األمل إىل سامل‪ .‬ما زال هناك ٌ‬ ‫هدف لحياته‪ .‬إنه الثأر واالنتقام‪.‬‬ ‫ميكافييل مؤلف كتاب “االمري” يرشح يف كتابه كيف أنك إذا ما أردت إيذاء الرجال‪ ،‬فعليك بإيذائهم إىل درجة كرسهم‬ ‫رسا ال يستطيعون معه الشفاء فينتقمون منك الحقًا! معاذ قلب األسد مل يقرأ كتاب األمري‪ ،‬وإال ملا ترك سامل ح ًيا‬ ‫متا ًما‪ .‬ك ً‬ ‫وجري ًحا‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫رشدين كانوا ينتمون ملجموع ٍة أو كان عليهم‬ ‫ساءت حياة سامل أكرث مع انقضاء الوقت بعد موت مايكل‪ .‬معظم األوالد امل ّ‬ ‫رقيب لحامية رزقه‪ .‬أما سامل فكان وحي ًدا فوالده السكّري ال يُكلّف نفسه عناء يشء‪ .‬كانوا يسخرون من الندبة يف وجهه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫لقد بلغ الثالثة عرشة‪ .‬تذكّر كيف كان مايكل يُخربه عن مغامرات كارس قلوب العذارى‪ .‬ق ّرر أن يذهب بعد العمل إىل‬ ‫مدرسة ٍ‬ ‫بنات إعدادي ٍة ل ُيج ّرب حظّه‪ .‬مايكل كان قد أخربه أن تعليقاته املرحة قد تجذب انتباه فتا ٍة فتصري صديقته كام‬ ‫حدث معه‪ .‬لكن إضاف ًة إىل كونه مرش ًدا‪ ،‬الندبة التي يف وجهه س ّببت له الرفض حتى من أفقر البنات‪ .‬يف الخامسة عرشة‬ ‫بدأ عوده يشتد‪ .‬ه َوملْ ينقطع أب ًدا عن التدريبات التي علّمه إياها مايكل‪ .‬اآلن أصبح يتد ّرب بعلبتي سمنٍ كبريتني مثل‬ ‫مايكل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مشمس م ّرت سيار ٌة قري ًبا منه وملح فيها وج ًها مألوفًا‪ .‬الرجل داخل السيارة‪ ،‬معاذ قلب األسد! وقع الرعب‬ ‫يوم‬ ‫يف صباح ٍ‬ ‫طويل فهو يف السادسة عرشة من العمر اآلن‪ .‬بعد لحظة تفكري‪ ،‬يبدأ‬ ‫يف قلب املهلهل اولً ‪ ،‬ثم نظر إىل نفسه‪...‬لقد أصبح ً‬ ‫املهلهل بالركض وراء السيارة‪.‬‬ ‫قليل‪ ،‬ذراعاه‬ ‫املهلهل يركض بطريق ٍة مختلف ٍة عن الغالبية‪ .‬ظهره ينحني قليالً ويتق ّوس‪ ،‬وجهه ميتد إىل األمام ورقبته تنزل ً‬ ‫يتح ّركان بقو ٍة ملوازنة جسمه ويُشبه عدوه قفز ٍ‬ ‫ات متتالي ًة أكرث منها خطوات‪ .‬من يشاهد املهلهل يركض‪ ،‬يصدق أساطري‬ ‫العرب عن الشنفرى الذي قالوا أنه كان يعدو فيسبق الخيل‪ .‬بل ويصدق أبيات الشنفرى يف الم ّيته التي ي ّدعي فيها أنه‬ ‫يسبق طيور القطا!‬ ‫مزدحم‬ ‫من إشارة مرو ٍر إىل إشارة مرو ٍر يف وسط الحي املزدحم يتت ّبع املهلهل السيارة‪ .‬تتوقّف السيارة أخ ًريا يف شار ٍع غري‬ ‫ٍ‬ ‫وأمام شقق إسكانٍ للفقراء‪ .‬يراقب املهلهل معاذ الذي ينزل ثم يُرغم فتا ًة صغرية عىل النزول من السيارة‪ .‬الفتاة تحاول‬ ‫اإلفالت فيه ّزها معاذ بقوة‪ .‬معاذ يسحبها بات ّجاه باب الشقة املفتوح‪ .‬يلفت ذلك نظر رجلٍ كان مي ّر بالطريق‪.‬‬ ‫رصح معاذ‪ .‬يستمر الرجل يف طريقه بدون اكرت ٍ‬ ‫يلتف معاذ ليُجرب الفتاة عىل‬ ‫اث وكأن شيئًا مل يكن‪ .‬عندما ّ‬ ‫“إنها أختي” يُ ِّ‬ ‫الدخول معه‪ ،‬يرى املهلهل سكني املوز معلقًا يف حزامه من الخلف‪.‬‬ ‫تنفجر الدماء يف عروق املهلهل وينطلق من مخبأه كالقذيفة بركضته املعهودة‪ ،‬املهلهل ذلك الفتى اليافع ذوال‪ ١٦‬عا ًما‬ ‫بدم بارد!‬ ‫يندفع باتّجاه رجلٍ بالغٍ ضخم الجثة له با ٌع يف القتل ٍ‬ ‫‪104‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫قبل أن يغلق معاذ الباب يعاجله املهلهل بلكم ٍة عىل وجهه فتهرب الفتاة‪ .‬بينام ينهض معاذ ويسحب سكينه يلتقط‬ ‫املهلهل لو ًحا خشب ًيا من املقعد العام املُهرتىء‪ .‬يندفع معاذ بات ّجاهه‪ ،‬املهلهل يرضب يده باللوح الخشبي بكل ما أويت‬ ‫من قو ٍة فيسقط السكني‪.‬‬ ‫معاذ‪ :‬واجهني بدون سال ٍح أيها الجبان‪.‬‬ ‫يرمي املهلهل اللوح‪ .‬يكيل له معاذ لكم ًة قوي ًة ثم يركض باتّجاه السكني! لكن املهلهل معتا ٌد عىل تلقّي الرضبات فال‬ ‫يفقد توازنه بل يسبق معاذ ويلتقط السكني ويضعه عىل رقبته‪ :‬ادخل معي إىل البيت!‬ ‫يغلق الباب‪.‬‬ ‫معاذ‪ :‬إذا قتلتني ستجدك عائلتي ويقطّعونك إربًا!‬ ‫املهلهل ينشد‪:‬‬ ‫‪...‬أبيت الليل مهمو ًما حزينا‬ ‫يل‬ ‫ُ‬ ‫وسبع سن ٍني قد م ّرت ع ّ‬ ‫معاذ‪ :‬من أنت؟‬ ‫يشري املهلهل إىل الندبة عىل عينيه‪ :‬هذه الندبة من أجلك أنت‪.‬‬ ‫معاذ‪ :‬ماذا؟‬ ‫املهلهل؛ قلت لك هذه الندبة من أجلك أنت‪ ،‬ألنك سوف تتألّم كث ًريا‪.‬‬ ‫معاذ وقد م ّيزه‪ :‬اسمع أنت مل تفهم املوضوع كان مسألة ٍ‬ ‫رشف ومل يكن شخص ًيا و‪...‬‬ ‫الضعاف ويف الحروب نعام ٌة؟‬ ‫املهلهل‪ :‬ما بك ترتعد يا قلب األسد؟ أم أنك أس ٌد عىل ّ‬ ‫معاذ يحاول أخذ السكني بحرك ٍة مفاجئة‪ ،‬لكن سنوات الخوف والت ّيقظ الدائم شحذت ردود فعل املهلهل الذي تفاداه‬ ‫برسع ٍة ثم و ّجه له رضب ًة بالسكني عىل يده جرحتها جر ًحا عميقًا ج ًدا‪.‬‬ ‫ويتوسل املهلهل أن ال يقتله‪.‬‬ ‫معاذ يرصخ بأ ٍمل‬ ‫ّ‬ ‫املهلهل يو ّجه له رضب ًة ثانية عىل يده األخرى تكلّفه أحد أصابعه‪ .‬يتعاىل رصاخ معاذ ويداه تنزفان بشدة‪ .‬يركله املهلهل‬ ‫أرضا‪ .‬يجثم املهلهل عىل صدره‪ ،‬يبدأ بخنقه ٍ‬ ‫بيد بينام يحمل‬ ‫ببطنه فينثني ثم يو ّجه له ركل ًة قوي ًة يف الوجه تطرحه ً‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت بارد‪ :‬أنت ال تحتاج عيونًا لتنظر يف املرآة وتتذكّرين!‬ ‫السكني باليد األخرى ويهمس‬ ‫ثم يقتلع عينه من مكانها‪ .‬يتعاىل رصاخ معاذ املكتوم مع حرشج ٍة يف حنجرته‪.‬‬ ‫املهلهل‪ :‬هذه كانت من أجيل‪ .‬أما هذه فمن أجل مايكل‪.‬‬ ‫يستعمل املهلهل سكينه عىل معاذ ويتعاىل أنينه املكتوم‪.‬‬

‫‪105‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫بعد أيام‪ ،‬محقق الرشطة للضابط‪:‬‬ ‫هذه أبشع جرمية قتلٍ رأيتها طوال ال‪ ١٥‬عا ًما يف هذه املهنة‪ .‬تشري التحليالت أنه اقتلع عيونه‪ ،‬ولسانه‪ ،‬وقطّع حباله‬ ‫الصوتية‪ ،‬وقصد أن يرتكه حيًا ألطول فرت ٍة ممكن ٍة بينام قام بتمزيق جلده ثم خنقه‪.‬‬ ‫الضابط‪ :‬هل استجوبت الشهود؟‬ ‫املحقق‪ :‬يوجد شاه ٌد من سكان املنطقة يقول أن القتيل كان يحاول ادخال فتا ٍة عنو ًة إىل البيت وقال أنها أخته فأكمل‬ ‫طريقه‪.‬‬ ‫الضابط‪ :‬ابحث عن شهو ٍد آخرين‪ ،‬وابحث عن تلك الفتاة‪.‬‬ ‫املحقق‪ :‬سيدي هذا الرجل صاحب سوابق‪ ،‬ويوجد الكثري من القضايا األخرى‪ .‬سأفعل ما طلبت لكن ليس لدي املوارد‬ ‫ٍ‬ ‫عصابات أوما شابه‪.‬‬ ‫للرتكيز عىل هذه القضية رغم بشاعة الجرمية‪ .‬عىل األغلب املوضوع رصاع‬ ‫الضابط‪ :‬افعل ما يف وسعك واترك الباقي عىل الله‪.‬‬ ‫املحقق‪ :‬أمرك يا سيدي‪.‬‬ ‫جميل وفاتنة يف منفى العشاق‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل تؤمن بالحب؟‬ ‫جميل متفاجئًا‪ :‬تعرفني إجابتي! ملاذا تسألني؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ألنني فكّرت كث ًريا الليلة املاضية‪ ،‬لوكان الحب موجو ًدا وروح ًيا‪ ،‬ملاذا يبدأ حسب الظروف؟‬ ‫جميل‪ :‬من قال ذلك؟‬ ‫فاتنة‪ :‬لوكنت يف ٍ‬ ‫بلد أخرى ملا قابلتني وملا أحببتني‪ .‬لكنت أحببت فتا ًة أخرى‪ .‬لنكن واقعيني‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬لكن هل كنت سأح ّبها كام أحبك؟ كل يش ٍء تحكمه الظروف‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬صحيح ولكن‪...‬‬ ‫جميل يحيطها بذراعيه‪ :‬توقفي عن إعطاء املربرات‪.‬‬ ‫يق ّبلها جميل‪...‬ترت ّدد ثم تق ّبله ويتبادالن القبل عىل األريكة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أحيانًا أخاف أن تعلّقي بك سببه الخوف‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ماذا تقصدين؟‬

‫‪106‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬ألنني أرى فيك القوة والحامية‪...‬رغم أنني ال أظهر ذلك لكنني فتا ٌة لديها كوابيسها‪ .‬عندما كنت طفل ًة اختطفني‬ ‫رجل مرعب لكن شابًا أنقذين‪ ،‬ثم تع ّرضت ملحاولة ٍ‬ ‫تحرش يف الليل وأنا شابّه‪ ،‬وطب ًعا أيب حاول قتيل‪ ،‬ثم املهلهل‪...‬أشعر‬ ‫ٌ‬ ‫أحيانًا ان املوت نفسه يالحقني‪.‬‬ ‫ميس شعر ًة منك‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ابقي هنا إذًا ولن أدع أح ًدا ّ‬ ‫فاتنة‪ :‬أليس العصفور آم ًنا من بنادق الصيادين وأنياب األفاعي يف القفص؟ لكن لوفتحت له باب القفص‪ ،‬يهرب‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬سأس ّميك عصفوريت إذًا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أي أنت س ّجاين؟‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ال‪ ،‬سأكون عصفو ًرا ً‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل رفيق عصفور؟ أم نرس؟‬ ‫رسا وحاممة نطري نحوالشمس‪...‬ونلتقي هناك وننصهر م ًعا لنكون طائر الفينيق‬ ‫جميل‪ :‬فلنكن ن ً‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل‪):‬‬ ‫يتصل جميل‪ :‬فاتنة‪ ،‬أريدك أن تزورينا يف البيت وتتع ّريف عىل أهيل رسم ًيا‪.‬‬ ‫بعد عودتهم من منفى العشاق‪ّ ،‬‬ ‫توقيت رائ ٌع لذلك! “مرح ًبا أنا فاتنة ال أعرف بأي صف ٍة أنا هنا فأنا مسافر ٌة األسبوع القادم!”‬ ‫فاتنة‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫جميل‪ :‬حس ًنا تعايل بصفتها حفلة وداع‪ ،‬أريد أن تتقابلوا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ملاذا؟‬ ‫جميل‪ :‬هكذا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬حس ًنا‪ ،‬إن كان ذلك يسعدك‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬هل تسمحني أن آيت ألخدك بنفيس هذه املرة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أنت تأمر‪):‬‬ ‫تتصل فاتنة براندي‪ ،‬تطمنئ عليه وتو ّدعه عىل الهاتف‪.‬‬ ‫بعد ذلك ّ‬ ‫يف ليلة حفلة الوداع يصل جميل ألخذ فاتنة التي ترتدي فستانًا أحم ًرا مع طاقية صغرية‪ ،‬أحمر شفا ٍه بنفس اللون‪،‬‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫حذا ٌء عايل الكعب وأسوار من القامش األحمر بيدها اليمنى وساع ٌة برباط ٍأحمر بيدها اليرسى‪ ،‬طالء أظاف ٍر أحم ٌر ً‬ ‫منديل شفافًا بلون النار الحمراء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وحقيبة ٍيد سوداء وحمراء‪ .‬أخ ًريا ربطت عىل عنقها‬ ‫جوقة الرتحيب تهامسوا بحذ ٍر ألن منرة سيارة جميل الشخصية عبار ٌة عن الرقم واحد‪ .‬يعم عبق عطر فاتنة األنثوي‬ ‫املنعش يف نفس الوقت مقصورة السيارة‪ .‬تجلس فاتنة بدال ٍل وتنظر إىل االمام مع ابتسامة‪.‬‬ ‫جميل ماز ًحا يتكلّم كسائق سيارة اجرة‪ :‬إىل أين أيتها الجميلة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬إىل حيث يذهب الفينيق‪ ،‬إىل الشمس‪.‬‬ ‫‪107‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫جميل بينام يبدأ التحرك‪ :‬لوقلت شيئًا جا ًدا لكنتي ردديت باملزاح‪.‬‬ ‫فاتنة وهي ما تزال تنظر إىل اإلمام مبتسمة‪ :‬رمبا‪.‬‬ ‫يتبادالن حديثًا عا ًما عن أخبار اليوم‪ ،‬ثم عندما يصالن إىل البوابة الخارجية التي تفتح بالبصمة‪ ،‬يراقب جميل وجه فاتنة‬ ‫بينام يبدأ بقطع الحديقة األمامية العمالقة املرتبة عىل طريقة الحدائق اليابانية‬ ‫فاتنة تنظر اليه ألول مر ٍة الليلة‪ :‬إىل ماذا تنظر؟‬ ‫جميل‪ِ :‬‬ ‫أنت قويل يل‪.‬‬ ‫مم يجذبك إليها‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬إىل وجه أنثى من فصيلة الهومو‪-‬سابيان يُظهر وجهها وجسدها عالمات جينات الصحة ّ‬ ‫جميل‪ِ :‬‬ ‫أنت أصعب امرأ ٍة يف العامل!‬ ‫فاتنة‪ :‬يبدوأنك مل تعرف عد ًدا كافيًا من النساء إذًا‪ ):‬كان بإمكانك أن تقول ِ‬ ‫وأنت إال َم تنظرين؟‬ ‫جميل‪ :‬إال َم تنظرين؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ال راحت عليك‪):‬‬ ‫جميل يه ّز رأسه مع ابتسام ٍة خافتة‪ :‬ال فائدة‪.‬‬ ‫رجل ببدل ٍة سوداء لفتح باب السيارة لفاتنة‪.‬‬ ‫يتوقّف جميل أمام الباب فيندفع ٌ‬ ‫تنزل فاتنة من السيارة‪ ،‬الفخامة عنوان املشهد‪ ،‬لوت ّم إدراج قرص السيد رفيق يف مسابقة عجائب الدنيا السبعة لكان‬ ‫منافسا قويًا‪ .‬البناء يبدو وكأنه يحتوي عىل كمي ٍة من الرخام أكرث من تاج محل‪ .‬من الستائر املخملية إىل السجاد‬ ‫بالتأكيد‬ ‫ً‬ ‫العجمي يف الباحة الرئيسية‪ ،‬إىل مختلف أنواع الحيوانات املحنطة واألنتيكات املنترشة يف كل مكانٍ‬ ‫وتصميم‬ ‫برتتيب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مبتكر‪ .‬كل يش ٍء بدا مبه ًرا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬والدي يحب الصيد‪ ،‬ويذهب إىل رحالت سفاري حول العامل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬رياضة األثرياء املفضلة عندما ميلّون متع الحياة العادية‪ .‬‬ ‫يه ّز جميل كتفيه‪ .‬‬ ‫لكن ما يفاجىء فاتنة حقًا هومجموعة املدع ّوين الكبرية‪ٌ .‬‬ ‫رجال ونسا ٌء بالبدالت وفساتني السهرة‪ ،‬وزراء ورؤساء رشكات‬ ‫ورجال أعام ٍل من املستوى الرفيع‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ما هذه الحفلة يا جميل؟ أنا ال أعرف أغلبية هؤالء‪ ،‬ملاذا قلت يل حفلة وداع مع األهل؟‬ ‫أول‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ص ًربا‪ ):‬تعايل أق ّدمك إىل أهيل ً‬ ‫السيد رفيق‪ ،‬يرتك سيجاره الكو ّيب يف املنفضة ويضع كأس الويسيك السكوتلندي عىل طاول ٍة قريبة ومي ّد يده ملصافحة‬ ‫فاتنة‪ .‬تصافحه مع ابتسامة‪.‬‬

‫‪108‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫السيد رفيق‪ :‬كلّام اقرتب الناظر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ازددت جامال يف عينيه يا آنسة فاتنة‪ .‬يذكّرين جاملك بزوجتي نازك أيام كنا شبابًا‪.‬‬ ‫منك‬ ‫فاتنة تنظر إىل نازك‪ :‬بل ما زلت أصبو للوصول إىل جاملها اآلن يا سيدي‪.‬‬ ‫يرشق وجه نازك‪ :‬أحب املرأة التي تضيف اللباقة إىل الجامل‪.‬‬ ‫جميل يطلب انتباه الحارضين‪ ،‬ويخرج من جيبه علب ًة مذهبة‪ ،‬ثم ينحني ويركع عىل ركب ٍة واحدة ويفتح العلبة التي‬ ‫بحجم ال يباع يف املحالت العادية‪ :‬فاتنة‪ ،‬هل تقبلني الزواج يب؟‬ ‫فيها خاتم عليه أملاس ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫يتغي تعبري وجهها عدة مر ٍ‬ ‫حلم جميل أن أصبح مخطوب ًة لجميل!‬ ‫ات يف أقل من ثاني ٍة ثم تر ّد وهي مت ّد يدها‪ :‬يا له من ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يصفق املدع ّوون ويبتسم السيد رفيق ونازك ويبدأ الجميع بتهنئة “املخطوبني”‪ .‬تجامل فاتنة الجميع كعادتها‪ ،‬وتجيب‬ ‫باقتضاب لكنها توضح ألكرث من ٍ‬ ‫شخص أنها ستسافر إلكامل دراستها بعد هذه الخطوبة‪ .‬بعد أكرث من ساع ٍة‬ ‫عن األسئلة‬ ‫ٍ‬ ‫ونصف تنفرد بجميل يف الرشفة املطلة عىل نه ٍر اصطناعي ميلء بنو ٍع نادر من األسامك امللونة يف الحديقة الخلفية‪.‬‬ ‫بغضب مل يره جميل من قبل‪ :‬هل أنت مجنون؟ ما هذا الترصف األرعن؟!؟‬ ‫فاتنة‬ ‫ٍ‬ ‫أول لكن الوقت أصبح قص ًريا قبل سفرك ولقد أخذت موافقتهم املسبقة‬ ‫جميل‪ :‬فاتنة أعرف أنك رمبا أرديت مقابلة أهيل ً‬ ‫عىل التقدم لك باألسلوب الغريب الذي توقعت أن تفضلينه و‪...‬‬ ‫أول انت تعرف رأيي مسبقًا مبوضوع الزواج اآلن! ثانيًا أنت أحرجتني أمام الناس! ما هي خيارايت؟ أن‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل!!! ً‬ ‫متناقضا!‬ ‫شخصا‬ ‫أحرجك أمام أهلك وأصدقائهم أوأتظاهر بالقبول!‬ ‫ً‬ ‫غريب ترصفك! أحيانا أجدك ً‬ ‫ٌ‬ ‫جميل يحاول تقبيلها‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال! أنا غاضب ٌة منك حقًا! أريد العودة إىل البيت اآلن!‬ ‫جميل‪ :‬فاتنة اهديئ ما هذا الكالم!‬ ‫فاتنة‪ :‬قلت لك أريد الذهاب إىل البيت اآلن!‬ ‫جميل‪ :‬واملدع ّوون؟ وأهيل؟ ماذا سيقولون؟‬ ‫فاتنة‪ :‬هل أنت متفاجىء حقًا من ردة فعيل؟‬ ‫جميل‪ :‬بعض اليشء‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ماذا كنت تتوقع؟‬ ‫جميل‪ :‬مل أكن أتوقع‪ ،‬رمبا كنت أحلم…‬ ‫فاتنة توافق عىل البقاء إىل آخر السهرة‪ ،‬لكنها تتفادى البقاء بعدها للحديث مع السيد رفيق ونازك ألنها استشفت انهام‬ ‫ال يعرفان حقيقة ما يجري‪.‬‬ ‫ُص أن يوصلها غريه لكنه ال يرتك لها الخيار‪ .‬فاتنة جالس ٌة تنظر إىل الشُ باك دون أن تقول‬ ‫‪ ‬جميل يريد توصيلها‪ ،‬هي ت ِ ّ‬ ‫كلم ًة واحدة‪.‬‬ ‫‪109‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫جميل‪ :‬فاتنة‪...‬أنا‪...‬‬ ‫فاتنة وهي ما زالت تنظر يف الشُ باك‪ :‬وفّر كالمك يا جميل‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬اسمعيني عىل األقل!‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل‪ ،‬أنت أذىك من أن تترصف ترصفًا كهذا بعفوية‪ ،‬أتعرف ما يحزنني يا جميل؟‬ ‫مدروسا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬بعد التفكري ال أنكر أن ترصيف مل يكن‬ ‫ً‬ ‫مدروسا يا جميل‪ .‬هذا ما يحزنني‪ .‬أنا ظننت أنك تعرف من هي فاتنة‪ ،‬لكن يا للخسارة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬بل كان‬ ‫ً‬ ‫أتعرف‪ ،‬عندما يكون اإلنسان مختلفًا ع ّمن حوله‪ ،‬فإنه يهتم للتفاهم أكرث من العواطف‪ .‬كام يقول جورج أورويل رمبا‬ ‫يريد املرء أن يُف َهم أكرث من أن يُ َحب!‬ ‫جميل‪ :‬انا أفهمك يا فاتنة‪.‬‬ ‫تدمع عيون فاتنة‪ :‬تفهمني لكنك تحاول فرض قرارك عيل وأنا التي كدتُ أموت أكرث من مر ٍة ألنني أرفض أن يفرض عيل‬ ‫رص وأسلوب حياة راقٍ سيجعلني أبيع إراديت؟‬ ‫يش ٌء مثل ذلك؟ تظن أن إبهاري بق ٍ‬ ‫جميل‪ :‬تبالغني كث ًريا يا فاتنة ملاذا تفرتضني سوء النية؟‬ ‫لست غبيًا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬املؤمل يا جميل أن لدي خيارين‪ ،‬أن افرتض سوء النية أوالغباء‪ .‬وأنت َ‬ ‫جميل‪:‬ال يوجد سوء ني ٍة يف الحب يا فاتنة‪.‬‬ ‫لكنت رمبا وجدت نفيس مع الحيوانات‬ ‫فاتنة‪ :‬هذا ليس ح ًبا‪...‬بل حب ذات‪ .‬من الجيد أنك ال تحب الصيد كوالدك وإال ُ‬ ‫املح ّنطة‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬كفى يا فاتنة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬إذًا اتركني وال تتحدث معي إىل أن نصل‪.‬‬ ‫يخيم الصمت عىل مقصورة السيارة‪ ،‬تنزل فاتنة‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬تصبحني عىل خري‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬تصبح عىل خري‪.‬‬ ‫يف الصباح‪ ،‬جميل يف حري ٍة من أمره‪ .‬هل ما فعله حقًا يستحق سخط فاتنة؟ وحتى لوكان مخطئًا فعىل األقل من عادة‬ ‫فاتنة أن تكون متزنة‪ ،‬هي حتى مل متدح تحضرياته وال يشء آخر تلك الليلة‪ .‬بعث لها برسالة اعتذار ومل ترد‪.‬‬

‫‪110‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة تكتب يف دفرتها الرسي‪:‬‬ ‫بكيت مل يكن ذلك‬ ‫قسوتُ عىل جميل‪ ،‬رمبا ألضع ح ًدا ألن هذه ليست أول مرة‪ ،‬ورمبا ألجعل الفراق أسهل‪ .‬ولكن عندما ُ‬ ‫ألنه أجربين عىل خطبته‪ ،‬بل كان ذلك بسبب الفراق املزمع‪ .‬أحب أن أكون واضحة‪ ،‬ولكن ال أريد أن أرشح له كل يشء‬ ‫صعب إيضاحه لكن اإلثبات الوحيد هوالزمن‪ .‬املهووس‬ ‫فيتبع كالمي‪ .‬أنا قلت الرس لجميل‪ ،‬الفرق بني الهوس والحب‬ ‫ٌ‬ ‫ينىس لعبته إن مل يلعب بها ملدة‪.‬‬ ‫تنظر فاتنة إىل رسالة جميل التي تقول‪:‬‬ ‫أعتذر ِ‬ ‫بخاتم وجواهر‪...‬‬ ‫لك‪ ..‬فلقد بعت قصائد‬ ‫ِ‬ ‫العشق ٍ‬ ‫بقلب صادقٍ فالقصائ ُد كالضامئر‪...‬‬ ‫سأعيد رشاءها ٍ‬ ‫قلب ومشاعر‪...‬‬ ‫إذا ما بيعت اضم ّحلت إال إذا ج ّددها ٌ‬ ‫أقسم لك بعد اليوم لن أب ّدل ذهب العامل بواحد ٍة من تلك الضفائر!‬ ‫تغلق فاتنة هاتفها وتنظر إىل السقف وتتمتم‪ :‬ملاذا تعذّبني أكرث يا جميل‪...‬‬ ‫تدخل األم‪ :‬فاتنة‪ ،‬هناك يش ٌء أريد إخبارك به‪.‬‬ ‫فاتنة تع ّدل من جلستها‪ :‬تفضيل يا أمي‪.‬‬ ‫األم‪ :‬خالك أسعد ترك إنجلرتا ورحل إىل الواليات املتحدة منذ شهرين‪ .‬مل أرد إخبارك ليك ال أشجعك عىل السفر أكرث‬ ‫فرأيي يف موضوع السفر متقلب‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أمي لشدة روعة الخرب لن أعاتبك عىل إخفائه!‬ ‫أسعد خال فاتنة ج ّراح األعصاب الالمع كان له دو ٌر كب ٌري يف حياتها وهي صغرية‪ .‬ليس فقط يف التأثري عىل تفكريها فهومن‬ ‫أيضا بعد أن هاجر وهي يف التاسعة كان له دو ٌر كب ٌري يف مساعدة أخته ماديًا‬ ‫زرع بها حب القراءة واملنهج املنطقي‪ ،‬بل ً‬ ‫فصدقات أيب صابر املتقطعة وعمل األم مل يكونا كافيني ليعيشوا حياة الطبقة املتوسطة‪.‬‬ ‫سرتاه فاتنة مرة أُخرى‪ ،‬تتساءل هل يا ترى سيكون فخو ًرا بها؟‬

‫‪111‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فصول املايض‪ -‬أخبار املهلهل‬ ‫سامل يشعر أنه تائه ٌبال ٍ‬ ‫هدف مر ًة أُخرى‪ .‬انتقامه بتعذيب وقتل معاذ مل يجلب له الراحة التي تص ّورها‪ .‬لكنه شعر وكأن‬ ‫فصل مايكل يف حياته انطوى‪ ،‬عاد إىل حياة الشوارع املعتادة‪ ،‬ومل يزعجه اختفاء والده املفاجىء يف ليل ٍة رمضانية‪ .‬عاد‬ ‫معنى لحياته‪ .‬املناوشات اليومية مع الباعة املتجولني اآلخرين ما زالت مستمرة‪ .‬لكن سامل صار‬ ‫يبحث عن هدف‪ ،‬عن ً‬ ‫عنيفًا يف ردوده وال يهرب‪ .‬أصبح له اس ٌم يف السوق بني “الزعران”‪ .‬الزير‪ ،‬صار شه ًريا أكرث عندما تغلّب عىل ‪ ٣‬شباب‬ ‫ٍ‬ ‫إصابات جسيمة‪ .‬لكن الشهرة يف السوق ال تأيت بدون مثن‪ .‬رغم افتقار عصابات حي الرماد إىل‬ ‫مر ًة واحدة وك ّبدهم‬ ‫التنظيم‪ ،‬ما زال يوجد هناك تنظيامتٌ اجرامية لها شأن‪ .‬عصابة “النمرود” التي يُلقب أعضاؤها بالنامريد كانت أقوى‬ ‫زعيم ويختفي عن‬ ‫تلك التنظيامت‪ .‬سمعة رئيسهم “امللك منرود” الذي مل يخرس عراكًا يف حياته يف السوق قبل أن يصبح ً‬ ‫األنظار‪ ،‬وإشاعات قتل منافسيه والبطش بهم كانت تدب الرعب يف قلوب السكان وحتى “الزعران”‪.‬‬ ‫عصابة النامريد لها شبكة تجار ٍة بالحبوب املخدرة‪ ،‬تفرض إتاوات “حامية” عىل أصحاب املحالت يف حي الرماد‪ ،‬تقوم‬ ‫ٍ‬ ‫ورسقات يف أحياء العاصمة الغنية وغري ذلك من وسائل الكسب غري املرشوع‪ .‬يُشاع أن معظم عمليات‬ ‫بعمليات سط ٍو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مهمل مهمشً ا‪ .‬رغم أن معظم الجرائم‬ ‫وعصابات أخرى‪ .‬هكذا كان حي الرماد ً‬ ‫حسابات بني النامريد‬ ‫القتل كانت تصفية‬ ‫تحدث فيه‪ ،‬كانت ثالثة أرباع قوات األمن موجود ًة يف األجزاء الغنية من العاصمة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مبجموعات من مثانية شباب‬ ‫يوم عادي يف السوق‪ ،‬يجد سامل نفسه محاطًا بثامنية من “النامريد”‪ .‬النامريد يتح ّركون‬ ‫يف ٍ‬ ‫رئيس يسمى بالسبع والرؤساء يخضعون للملك منرود‪.‬‬ ‫يف العادة‪ ،‬تُس ّمى املجموعة “ ُعصبة”‪ .‬ولكل عصب ٍة ٌ‬ ‫أول؟‬ ‫يشهر املهلهل سكينه‪ :‬من يريد أن ميوت ً‬ ‫ترتقب ال ُعصبة وسامل يراقب حوله وقبضته شديدة َعىل السكني‪.‬‬ ‫السبع عزيز‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬نحن لسنا هنا لنحاربك‪ .‬فقط أريد الكالم معك‪.‬‬ ‫يُخفض سامل سكينه بحذر‪.‬‬ ‫عرضا لن تستطيع رفضه”‪.‬‬ ‫السبع عزيز‪ :‬بنا ًء عىل سمعتك يف السوق‪ ،‬امللك منرود يريد أن “يعرض عليك ً‬ ‫يقرتب السبع عزيز من سامل ويهمس‪ :‬نحن نشك أنك انت قتلت معاذ قلب األسد وهورئيس إحدى العصابات املنافسة‬ ‫رجل منطقي يختار‬ ‫ألن أحد عنارصنا شاهدك يف تلك املنطقة‪ .‬إضاف ًة إىل سمعتك يف السوق‪ .‬لذلك امللك منرود‪ ،‬وألنه ٌ‬ ‫معاركه بعناية‪ ،‬يعرض عليك رتبة سبع أي رئيس ُعصبة‪ ،‬أي سيكون هناك سبعة رجا ٍل تحت أمرك‪ .‬أضف إىل ذلك‪ ،‬بقايا‬ ‫حساب إذا كنت منرو ًدا‪.‬‬ ‫عصابة معاذ التي يسميها عائلته‪ ،‬لواكتشفت أمرك‪ ،‬ستحسب ألف‬ ‫ٍ‬ ‫يل اتخاذ القرار بحذر‪.‬‬ ‫سامل‪ :‬سأتكلّم معه شخص ًيا ونرى ألنني أعلم ان من يدخل معكم ال ميكنه االرتداد‪ .‬ع ّ‬ ‫السبع عزيز‪ :‬هذا حقك‪ ،‬سأرتب لك لقا ًء مع امللك منرود‪ .‬أترى؟ نحن نناقش باللتي هي أحسن‪.‬‬ ‫سامل‪ :‬أرى ذلك‪...‬‬ ‫‪112‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫يف اليوم التايل تصطحب ُع ْصبَة السبع عزيز سامل إىل إحدى الحواري‪ ،‬يفتشونه ثم يسلمونه قطعة ٍ‬ ‫قامش ويطلبون منه‬ ‫أن يربطها عىل عينيه‪.‬‬ ‫سامل‪ :‬هل نحن يف فيلم؟‬ ‫السبع عزيز‪ :‬امللك منرود ال يقابل أح ًدا من خارج العصابة عادةً‪ .‬ال بد أنه حقًا يريدك معنا حتى وافق عىل مقابلتك‪.‬‬ ‫عليك أن تثق بنا‪ ،‬أنت تعلم أننا لوأردنا قتلك لفعلنا‪.‬‬ ‫سامل‪ :‬ال تكن واثقًا من ذلك‪ .‬عىل أية حا ٍل سأضع القامشة‪.‬‬ ‫يتأكّد السبع عزيز بنفسه من إٍحكام القامشة‪ ،‬ثم يصطحبون املهلهل مش ًيا يف الحواري‪ ،‬ثم مع أحدهم عىل دراج ٍة نارية‬ ‫بعد إلباسه خوذ ًة تخفي القامشة التي عىل عينيه من املارة‪.‬‬ ‫يُدخلون املهلهل إىل مكانٍ داىفء ثم تُزال قطعة القامش‪.‬‬ ‫الصاحب ُعمر‪ :‬امللك منرود بانتظارك‪.‬‬ ‫ينظر املهلهل حوله‪ ،‬هناك عدة رجا ٍل مسلحني بالبنادق الحديثة‪ .‬هؤالء يُس ّمون “األصحاب” وهم الرجال الثقة املقربني‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫من امللك منرود وحرسه الشخص ّيون ً‬ ‫رجل قص ٌري أسم ٌر له لحي ٌة سوداء وشوارب كثة‪“ .‬االصحاب” جالسون أوواقفون حوله‪.‬‬ ‫يدخل املهلهل إىل غرفة امللك‪ٌ ،‬‬ ‫أهل بقلب األسد الحقيقي‪ .‬أتعرف ملاذا أردت أن أراك؟‬ ‫امللك منرود‪ً :‬‬ ‫املهلهل‪ :‬ملاذا؟‬ ‫طول‪):‬‬ ‫امللك منرود‪ :‬ألنك تذكّرين ببدايايت‪ .‬إال أنك أكرث ً‬ ‫املهلهل يبتسم‪.‬‬ ‫امللك منرود‪ :‬أعرف أن السبع عزيز أطلعك عىل عريض‪ ،‬لكنني أريد أن أضيف لك خيا ًرا آخ ًرا كعربون صداقة‪ .‬أنت يف‬ ‫السابعة عرشة‪ ،‬لكن خرب تكسري أنوف ‪ ٣‬شباب وحدك يف نفس الوقت قد يفيدك يف العمل الجديد‪ .‬هناك طريقتان‬ ‫لالنضامم إلينا‪ ،‬أن تكون عض ًوا أورئيس عصبة‪ ،‬أوأن تكون عض ًوا فخريًا يُدير أحد مصالحنا‪ .‬طب ًعا هذا يتطلب وال ًء مساويًا‬ ‫أيضا سياسة الوالء والرباء‪ .‬أي من ب ّدل والءه يُقتل‪.‬‬ ‫لوالء العضواملبارش وتطبق عليه ً‬ ‫املهلهل‪ :‬أخربين أكرث عن العضوية الفخرية‪.‬‬ ‫امللك منرود‪ :‬أنا أعترب نفيس رجل أعام ٍل قبل اي يشء‪ ،‬أريد أن ندخل عامل القامر‪ .‬كام تعرف القامر هنا غري قانونية‪،‬‬ ‫والثقة بني الناس معدومة‪ .‬املسؤولون واألثرياء ج ًدا قادرون عىل السفر للعب القامر خار ًجا‪ .‬أما الطبقة فوق املتوسطة‬ ‫فالكثري منها تتمنى اللعب لكن من س ُيجرب الخارس عىل االلتزام بالدفع أويُجربه عىل عدم اإلخالل بالقواعد مثل محاولة‬ ‫مثل؟‬ ‫اسرتجاع املال ً‬ ‫املهلهل‪ :‬يعجبني الكالم إىل هنا‪...‬‬ ‫يتبــ يف العـدد القاد ‬ ‫‪113‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون‬ ‫امللحدين‬ ‫والالديني‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬

‫هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬

‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫‪arabatheistbroadcasting.com/program/magazine‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬ ‫‪magazine@arabatheistbroadcasting.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.