مجلة الملحدين العرب: العدد الرابع والأربعون / شهر يوليو / 2016

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫حامر الرب‬ ‫قصة قصرية‬

‫‪Colin Wilson‬‬

‫العدد الرابع واألربعون من مجلة امللحدين العرب لشهر متوز ‪ /‬يوليو لسنة ‪2016‬‬

‫قراءة ٌ يف كتاب‪ :‬الدين والعلم (‪)2‬‬ ‫‪Noor Dawood‬‬ ‫جان برو‬ ‫يف حوار مع ‪...‬‬ ‫سلسل ُة أحكام أهل الذمة‪:‬‬ ‫العهدة العمرية (‪)2‬‬ ‫محمودجامل‬

‫مجلة امللحدين العرب هدفها نشر أفكار‬ ‫امللحدين والالدينيني العرب على اختالف‬ ‫توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والعرقية‬ ‫وبحري ٍة كاملة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫اجمللة رقمي ٌة مبني ٌة بجهود فردي ٍة وال تع ّبر عن أ ّ‬ ‫توج ٍه سياسي‪.‬‬ ‫املعلومات واملواضيع املطروحة تعتبر مسؤولية‬ ‫أصحابها من الناحية األدبية وحقوق النشر‬ ‫وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬


‫فريق التحرير‬

‫املشارك في هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء اجمللة‪:‬‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪Alia›a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫ماري غزال‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Ishtar Serene‬‬ ‫‪Zorba Zad‬‬ ‫‪Tiky Mikky‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬

‫ملاذا ُيطلب من امللحد أن يربر نفسه؟ مبجرد أن يعرفوا بإلحاده‬ ‫ينهالون عليه باألسئلة وطلب املناظرات والحوار! صحيح أن‬ ‫الكثري من امللحدين ق ّراء جيدون ولديهم خلفية قوية من‬ ‫املعلومات واألسباب والحجج التي ستأخذ ساعات يف طرحها‪،‬‬ ‫ولكنهم غري مطالبني يف كل مرة برسدها وتكرارها‪ ،‬وصحيح أن‬ ‫امللحد قد ينتقد هنا وهناك ولكن ال داعي ملطالبته كل مرة‬ ‫برشح القصة من بدايتها‪.‬‬ ‫حتى الناشطني واملتفرغني واملتخصصني تأيت عليهم أوقات ال‬ ‫يريدون فيها الحوار وال الدخول يف جداالت قد تكون عقيمة‪،‬‬ ‫نحن يف رصاع وجود ملجرد أننا ملحدون‪ ،‬نريد ً‬ ‫أول أن نثبت‬ ‫حقوقنا يف التواجد ويف املواطنة ويف حرية التعبري‪ ،‬حقوقنا يف أن‬ ‫نقول ما نريده دون خوف ودون تخفي ودون مواربة‪ ،‬حقوقنا‬ ‫وحقوق غرينا‪ ،‬حقوق التنوع واالندماج والحياة‪ ،‬كيف ميكنك‬ ‫التعبري عن أفكارك والسيف مسلط عىل رقبتك؟‬ ‫ورغم هذا نحن موجودون سواء بأسامء وهمية أوحقيقية‪،‬‬ ‫ونعيش يف خطر أينام كنا‪ ،‬فال مقارنة عادلة بني امللحد الغريب‬ ‫والعريب‪ ،‬حتى يستطيع امللحد العريب أن يظهر بكل حرية ويدخل‬ ‫مناظرات علنية ويعرب عن آرائه دون خوف‪ ،‬ودون أن يطالب يف‬ ‫كل مرة أن يربر إلحاده‪ ،‬نحن لن نربر إلحادنا‪ ،‬عليكم أن تفهموا‬ ‫أن املختلف له حق الوجود ً‬ ‫أول ومن ثم له الحرية يف أن يحاور‬ ‫أو ال‪ .‬الحرية هي املفتاح‪ ،‬والبقية تأيت كتحصيل حاصل‪.‬‬ ‫‪Gaia Atheist‬‬

‫‪RoRo Evil-Girl‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Antoine Tannous‬‬ ‫‪X.AHTOHOB‬‬ ‫‪Maya Aljundy‬‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫حامر الرب‬ ‫‪Colin Wilson‬‬

‫‪4‬‬

‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬ ‫صالة ال ُعراة والخمر وإهانة حمزة للنبي‬ ‫سامل الدليمي‬

‫‪8‬‬

‫قراءة ٌ يف كتاب‪ :‬الدين والعلم (‪)2‬‬ ‫‪Noor Dawood‬‬

‫‪21‬‬

‫أسطورة اسمها اإلسالم (‪)5‬‬ ‫عمر حسني‬

‫‪30‬‬

‫سلسل ُة أحكام أهل الذمة‪:‬‬ ‫العهدةالعمرية‬ ‫محمود جامل‬

‫‪39‬‬

‫يف حوار مع ‪...‬‬ ‫جان برو‬

‫‪43‬‬

‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫‪53‬‬

‫‪3‬‬


‫قصة قصرية‬

‫حامر الرب‬ ‫‪laughing donkey - Debbie Grayson Lincoln‬‬

‫‪Colin Wilson‬‬

‫السامء ال ُّدنيا يف الثلث األخري من اللّيل يرصخ ويقول‪ :‬هل من ُمستغف ٍر فأغفر له؟ هل‬ ‫بينام كان الله ً‬ ‫نازل من عليائه إىل ّ‬ ‫تائب فأعفو عنه؟ (حديثٌ يف البخاري) إذ هبطت دابت ُه يف أفريقيا‪ .‬تر ّجل ال ّر ُّب عنها وأخذ يف امليش وهو يتلفّت‬ ‫من ٍ‬ ‫حوله باحثًا عن ُمبتغاه‪ ،‬وبينام هو كذلك إذ م ّر عىل فتا ٍة ت ُغتصب من قبل ستّ ٍة من رجال العصابات‪ ،‬توقّف ال ّر ُب لثواين‬ ‫ث ّم خطا عىل جسدها العاري مك ّم ًل مسري ُه وهو يُر ّدد عبارته املشهورة اآلنفة الذّكر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫األفريقي بقليلٍ سمع أني ًنا خافتًا فانطلق فو ًرا إىل‬ ‫مسافات شاسع ٍة دون أن يجد ما يريد‪ ،‬لكن بعد أن تع ّدى القرن‬ ‫سار‬ ‫ّ‬ ‫تائب فأعفو عنه‪...‬‬ ‫الصوت فوجد ً‬ ‫طفل يتض ّور جو ًعا‪ ،‬فقال ل ُه ال ّر ُب‪ :‬هل من ُمستغف ٍر فأغف ُر له؟ هل من ٍ‬ ‫مصدر ّ‬ ‫ّفل عىل نفسه وقال شيئًا مل يستطع ال ّر ُب سامع ُه‪ ،‬لذا ق ّرب أُذنيه أكرث فأكرث إىل فم الطّفل فسمع ُه ُ‬ ‫يقول‬ ‫فتحامل الط ُ‬ ‫شيئًا أقرب إىل ( ُخب‪...‬ز‪ ...‬خبببززز‪ُ ...‬خبز ) فاستشاط ال ّر ُب غض ًبا وركله يف بطنه وهو يرصخ‪ :‬اللّعنة‪ ،‬أال يوجد يف هذه‬ ‫رجل رشيد‪.‬‬ ‫األرض الجاحدة أح ٌد يُو ّحد الله؟ يا أهل األرض أليس فيكم ٌ‬ ‫السامء‪ .‬لك ّنه تذكّر فجأ ًة أ ّن يف الكرة األرضية قا ّر ٍ‬ ‫ودول أُخرى كام أ ّن األرض تدور‬ ‫ات ً‬ ‫ث ّم ركب حامر ُه وانطلق راج ًعا إىل ّ‬ ‫فغي ال ّر ُب وجهت ُه بحرك ٍة لولب ّي ٍة‬ ‫حول محورها‪ .‬لذا فإ ّن ّ‬ ‫كل األوقات هي (الثلث األخري من اللّيل) يف مكانٍ ما حول العامل‪ّ .‬‬ ‫السعودية‪ .‬شاهد ال ّر ُب بعينيه املآيس وانتهاك حقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والسقوط يف ّ‬ ‫مم حدا بحامره األسود إىل فقدان توازنه ُّ‬ ‫‪4‬‬


‫حامر الرب‬ ‫‪Colin Wilson‬‬

‫بالسخرة دون أدىن رحم ٍة‪ .‬ه ّم ال ّر ُب بإخراج‬ ‫السجون املليئة باملُعتقلني دون محاكم ٍة‬ ‫ّ‬ ‫والعمل الذين يعملون ّ‬ ‫شاهد ّ‬ ‫السحرية لتغيري هذا الوضع املُزري‪ ،‬لكن ما أن وضع يد ُه يف جيبه حتى بلغت أسامعه أصوات دعاء املظلومني‬ ‫عصاه ّ‬ ‫الصادر من قلب آالمهم‪ .‬فقال يف‬ ‫واستغاثات السجناء وآهات املكروبني‪ .‬أغمض ال ّر ُب عينيه واستنشق العبري املُنعش ّ‬ ‫مشاكل هؤالء فلن أسمع املزيد من هذه الرتانيم الجميلة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫نفسه‪ :‬لو ُحلّت‬ ‫آدمي يطري برسعة‬ ‫أعاد ال ّر ُب العصا إىل جيبه وركب دابته وانطلق ً‬ ‫شامل‪ .‬وبينام هو يحلّق يف الهواء إذ م ّر بجانبه ٌ‬ ‫رأس ٌّ‬ ‫ألف كيلو مرتٍ يف الثانية ثم سمع أصوات انفجار ٍ‬ ‫الصوت فوجد أنّه قاد ٌم من العراق‪.‬‬ ‫ات انتحاري ٍة متتالي ٍة‪ .‬فنظر إىل مصدر ّ‬ ‫يحل الخالف‪ ،‬وما أن وصل إىل مطار بغداد حتى سمع دعاء إمام املسجد القريب يرت ّدد‬ ‫اتّ ًجه ال ّر ُب فو ًرا إىل هناك يك ّ‬ ‫برتنيم ٍة خاشع ٍة حزين ٍة (اللهم أهلك الشّ يعة ومن شايعهم)‬ ‫فأخرج ال ّر ُب عصاه فو ًرا وو ّجهها ناحية ال ّنجف‪ .‬لك ّن ال ُّرؤية كانت غري واضح ٍة بسبب ال ُّدخان الكثيف فاضطر ال ّر ُب إىل‬ ‫االقرتاب أكرث حتى أصبح عىل بُعد كيلومرت ٍ‬ ‫السحرية لتدمري املدينة‪ ،‬سمع‬ ‫ات قليل ٍة من ال ّنجف‪ .‬وبينام هو يُج ّه ُز عصاه ّ‬ ‫بكا ًء يقطع القلوب أىت من ُحسينيّ ٍة قريب ٍة يقول‪( :‬اللّهم عليك بالنواصب ومن ناصبهم)‪.‬‬

‫وقع ال ّر ُب يف حري ٍة وأخذ يُو ّجه عصا ُه تار ًة نحو بغداد وتار ًة نحو ال ّنجف‪ .‬أخ ًريا وضع ال ّر ُب عصا ُه يف جيب سرتته مق ّر ًرا ترك‬ ‫والس ّنة ل ُينهوا مشاكلهم بأنفسهم‪ ،‬ث ّم قفز عىل ظهر حامره األسود بحرك ٍة بهلواني ٍة كادت أن تكرس ظهر الحامر‬ ‫الشّ يعة ّ‬ ‫وانطلق غربًا ليك ّمل جولت ُه قبل بزوغ الشّ مس‪ .‬بعد نحو ساعتني من الطريان ال ُّح ّر‪ ،‬شاهد ال ّر ُب عدة انفجار ٍ‬ ‫ات تدوي‬ ‫‪5‬‬


‫حامر الرب‬ ‫‪Colin Wilson‬‬

‫أسفل منه فعرف بفطنته وذكائه أنه قد وصل إىل مشارف األرض املق ّدسة وأ ّن معرك ًة أخرى تشتعل بني اليهود واملسلمني‬ ‫والس ّنة‬ ‫قائل‪ :‬ال يُلدغ ال ّر ُب من ُجح ٍر مرتني‪ .‬لن أضع نفيس يف نفس املوقف الذي‬ ‫فابتسم ً‬ ‫ُ‬ ‫وضعت نفيس فيه بني الشّ يعة ّ‬ ‫يف العراق‪ .‬فليحل عبادي مشاكلهم بأنفسهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أرضا وأمسك بتالبيب بجامته صار ًخا‬ ‫وبينام هو كذلك إذ نهق الحامر سبع‬ ‫نهقات وشخر إحدى عرشة مر ًة ث ّم طرح ال ّر ّب ً‬ ‫كل هذه املصائٍب دون أن تُح ّرك ساك ًنا‪ ،‬يُقتل األطفال وت ُغتصب‬ ‫كل ليل ٍة تتف ّرج عىل ّ‬ ‫الوحش عدي ُم ال ّرحمة ّ‬ ‫ُ‬ ‫يف وجهه‪ :‬أيُّها‬ ‫ال ّنساء وتُرتكب شتّى أنواع الفظائع تحت مرأى ومسمعٍ منك وأنت ال ه ّم لك إال البحث عن التائبني لتسامحهم‪ .‬فإذا‬ ‫السامء ال ُّدنيا يا طال ًعا للسامء‬ ‫يوم فاقع يل مؤخريت يا ً‬ ‫حل مشاكل البرش‪ ،‬فلامذا ّ‬ ‫كنت ال تريد أن تتد ّخل يف ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫نازل إىل ّ‬ ‫السابعة وال ترتكني أرتاح يا ابن ال(‪...)....‬‬ ‫عيب يف أن أمارس هوايتي يف جمع ال ّدعوات وإشباع نهمي يف سامع الناس‬ ‫أي ٍ‬ ‫عيني ال ّرب وقال‪ُّ :‬‬ ‫فسالت ال ّدمو ُع من ّ‬ ‫تستغيثُني وتتملّقني ليل نهار‪ .‬هذا يُشع ُرين بالفخر ويزيد من تقديري لذايت ويُريض جنون األنا بداخيل‪.‬‬ ‫لو أنجزتُ لهم ما يطلبون ُه فلن أسمع أناشيدهم وتراتيلهم الجميلة بعد ذلك‪.‬‬ ‫للضجر؟‬ ‫السامء املثرية ّ‬ ‫فهل يُرضيك أن ميوت ربُّك ُحزنًا يف تلك ّ‬

‫(السالم األخرض) يف محاول ٍة من ُه لتقديم يش ٍء ٍ‬ ‫مفيد‬ ‫هناك أنبا ٌء شبه مؤكّد ٍة بأ ّن حامر ال ّرب ق ّدم استقالت ُه والتحق مبنظّمة ّ‬ ‫السامء ال ُّدنيا‪.‬‬ ‫بدل من التنقل العبثي ّ‬ ‫ً‬ ‫كل ٍ‬ ‫السامء السابعة إىل ّ‬ ‫يوم من ّ‬ ‫كام أ ّن هناك أنبا ًء أخرى ُ‬ ‫تقول أ ّن (وظيفة) حامر ال ّرب ما تزال شاغرة‪.‬‬ ‫‪6‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

7


‫صديقي امللحد‬ ‫َعتبي عليك‬ ‫َ‬ ‫الجزء ‪5‬‬ ‫صالة ال ُعراة والخمر وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سامل الدليمي‬

‫لَ َمحني صديقي آخر م ّر ٍة وأنا أخرج من جامع الهيتاويني بعد صالة عيد األضحى‪ ،‬ح ّياين مل ّو ًحا بيده تعلو شفتيه ابتسام ٌة‬ ‫حثثت ال ُخطى أللحق به‪ ،‬مل ِ‬ ‫يخب َحديس يف ابتسامته العريضة املاكرة‪.‬‬ ‫عريض ٌة ساخر ٌة فهمت منها أنه يتو ّعد بها صاليت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قال يل أنه ينوي السفر للسياحة يف جورجيا‪ ،‬وسيلتقيني بعد عودته لنتح ّدث يف أمور الصالة‪.‬‬ ‫لست راغ ًبا فيه‪ ،‬فهو من أصو ٍل سلف ّي ٍة قرأ واستمع ووقف يف الصالة خلف اإلمام أكرث مني بكثري‪،‬‬ ‫قبلت األم َر رغم أين ُ‬ ‫ُ‬ ‫وبالتايل سيغلبني كالعادة‪.‬‬ ‫أسلفت يف أحاديثي عنه يفرض حضوره واحرتامه عىل اآلخرين ألخالقه‬ ‫كان لقاؤنا بعد عودته وديًا حميم ًيا‪ ،‬فهو كام‬ ‫ُ‬ ‫الرفيعة وسلوكه االجتامعي القويم‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫ُنت يا سامل خار ًجا من صالة العيد عىل ما أظن حني ملحتُك يف امل ّرة السابقة‪ ،‬ال بأس سأبقى معك ناف ًخا يف القربة‬ ‫•ك َ‬ ‫املقطوعة فعىس أن يُنظّف نفخي بعض أدران باطنها‪.‬‬ ‫ُلت فلن أزعل َ‬ ‫منك‪ ،‬لكن ال تفرح فأنا عىل إمياين وتعبّدي وأُجزم أين لن أحيد عنهام‪،‬‬ ‫فعلت ومهام ق َ‬ ‫•قلت لصديقي‪ :‬مهام َ‬ ‫هم من سلويك املُسامل الذي يدعوين ملحبة الناس والتعاون معهم دون النظر ملعتقداتهم وأعراقهم ‪ ...‬ال‬ ‫فقد باتا جز ًءا ُم ًّ‬ ‫أستطيع‪...‬أَت َف َهم!؟ ال أستطيع ‪ ...‬بل نفيس ال تطاوعني عىل التنكّر لدعوى الخري يف ديني الذي صقل سلويك الذي يُرضيك‬ ‫إىل ح ٍّد كبري كام تقول‪.‬‬ ‫• ابق يا سامل املُسامل عىل سلوكِ َك هذا‪ ،‬فلم ولن أنوي تغيريه‪ ،‬بل عليك أن تعرف َ‬ ‫أنك مل تكتسب سلوكك من دي ِن َك بل‬ ‫عوامل كثرية‪ ،‬منها‬ ‫ٌ‬ ‫(وألكُن ُمنصفًا) أن البعض القليل من دينك‪ ،‬هو جز ٌء من سلوكك ‪ ...‬فسلوك الخري فيك توفّرت له‬ ‫فطرتك ومنها بعض التأثري املجتمعي والبيئي العائيل‪ ،‬فال ت ِ‬ ‫َ‬ ‫ساموي يف‬ ‫وثني يف حقيق ِت ِه‬ ‫ٌ‬ ‫ُنسب كل الخري لدينك ‪ .‬فدينك ٌ‬ ‫ا ّدعائه ‪ ...‬الخالق بري ٌء من نب ّيك ومن دعواه يف «أُ ِمرتُ أن أُقاتِل الناس حتى يشهدوا أن ال إلـــه إال الله‪ ،‬وأن محم ًدا‬ ‫رسول الله‪ ،‬ويقيموا الصالة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك‪ ،‬عصموا مني دماءهم وأموالهم‪ ،‬إال بحق اإلسالم‪ ،‬وحسابهم‬ ‫عىل الله تعاىل»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كت ُمقه ِق ًها‪ ،‬حتى الصالة وثنية؟ لقد نك ْرتَ علينا أن الصفا واملَر َوة ليستا من شعائر الله بل ٌ‬ ‫لقريش حول‬ ‫طواف‬ ‫َ‬ ‫•ض ِح ُ‬ ‫َ‬ ‫أيضا وثنية!! ما هذا ال ُهراء بالله عليك؟‬ ‫َص َن َم ْي إساف ونائلة‪،‬‬ ‫ودعواك أن الصوم أصل ُه من ُع ّباد القمر الوثنيني ‪ ...‬الصالة ً‬ ‫مشتك من الزرادشتية الفارسية ومن ُعبّاد القمر‪ ،‬وما وقفتكم عىل جبل عرفات‪،‬‬ ‫• نعم صالتكم وزكاتكم وثني ٌة أصلها َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ألوضح لك‪.‬‬ ‫تجسيد لوقفة الوثنيني يف عبادة اإلله سني (القمر) مرتقبين ُه هناك ‪ ...‬فقط اصرب ق ً‬ ‫سوى‬ ‫َليل ّ‬ ‫•وهل أمامي غري أن أسمع ُهراءك! قُل ما‬ ‫قلت لك «أنا عىل إمياين‬ ‫تريد وتذكّر أنني ُ‬ ‫كنت‬ ‫وتع ّبدي وأجزم أين لن أُحي ُد عنهام»‪ُ ،‬‬ ‫عارفًا أنك ستأيت عىل الصالة يوم ملحتَني‬ ‫خارج من الجامع بعد صالة العيد‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫• أصل كلمة الزكاة رسياين (‪ )Zakutt‬مبعنى طهارة‪ ،‬ويف العربانية «صيداقة» ويف اآلرامية (‪ )ZEDAQTO‬مبعنى َح َسن ٌة‬ ‫للفقراء ‪ ...‬وقد أُ ِمر بها يف التوراة واألناجيل ‪ ) ... Hastings) ، P.22‬وكان ميارسها املحسنون من ق ٍ‬ ‫ُريش‬ ‫أيضا‪ ،‬تُر ّددون نفس العبارات خمس مر ٍ‬ ‫ات أو أكرث وال‬ ‫وصالتكم يا سامل التي باتت عاد ًة وليست عباد ًة هي بقايا الوثنية ً‬ ‫الص َمد! رمبا سيظ ّن ُه ُمشتَق من‬ ‫تفهمون حتى معناها‪ً ،‬‬ ‫الص َمد» فهل سأل أح ُدكُم نفس ُه عن معنى َ‬ ‫فمثل ت ُر ّددون «الل ُه َ‬ ‫الصمود والتح ّدي متص ّورين أ َّن الرب بحاج ٍة للصمود بوجه قوى الرش‪.‬‬ ‫•نعم صديقي هناك الكثري من املسلمني غري العرب وبسطاء العرب ال يدقّقون يف املعنى بل ورمبا ال يعنيهم سوى أنها‬ ‫فرض ورك ٌن من أركان الدين‪ ،‬والصالة يا صديقي امللحد بكل األديان تقري ًبا صالتني‪ ،‬مفروضة من الرب وأخرى يُستَ َحب‬ ‫ٌ‬ ‫القيام بها‪ ،‬كل هذا قرأتُ عنه وأعرفه‪ ،‬فالصالة يف اللغة هي الدعاء والرحمة واالستغفار‪ ،‬وأصل الكلمة آرامي مأخوذ من‬ ‫«صلُوتا» يف األزمنة املتأخرة‬ ‫«صال» ومعناها َركَ َع وانحنى‪ ،‬واستعملها اليهود فصارت آرامية عربانية‪ ،‬يلفظها اليهود َ‬ ‫أصل َ‬ ‫من عهد التوراة‪ .‬ويف العربانية القدمية كان اسم صالة الركوع هو «تفيله» ‪ Tephillah‬و«تفلوت»‪ ،‬حتى أصبحت كلم ًة‬ ‫مألوف ًة ذات دالل ٍة دينية‪ ،‬ويُع ِّرف كتاب القاموس املقدس الصالة عىل أنها‪ :‬مظه ٌر من مظاهر تعلّق اإلنسان بخالقه‪،‬‬ ‫وواجب من واجباته الدينية‪ ،‬سوا ًء كانت صالة فر ٍد أو جامعة‪ ،‬وهي مناجاة الله وطلب ما يحتاج إليه اإلنسان مع الشكر‬ ‫ٌ‬ ‫عىل املراحم اإللـــهية‪.‬‬ ‫ويذكر الراغب األصفهاين يف ص ‪ 287‬من كتاب ِه «املفردات يف غريب القرآن» بأن يف الصالة عنرصان‪ :‬عنرص الشكر لإللــه‬ ‫ومدح ُه وتبجيله عىل عظمت ِه وبديع صنعه‪ ،‬وعنرص الطلب من الله الق ّهار الذي يُسأَل ف ُيجيب‪ .‬وهي من العبادات التي‬ ‫ال تخلو رشيع ٌة منها‪ ،‬وإن اختلفت صورها بحسب كل رشيعة‪.‬‬ ‫وقد الحظ املسترشقون أن لفظتي صال ًة وزكاةً‪ ،‬مل ت ُكتَبا عىل شكلهام الحايل وإمنا كُ ِت َبتا بحرف الواو يف صدر اإلسالم‪:‬‬ ‫أيضا “صالوته”‬ ‫(صلوة ‪ -‬زكوة)‪ .‬وقد أرجعوا ذلك إىل األثر اآلرامي يف أصل الكلمة إذ تُكتَب “صلوتو” ‪ ،Sloto‬وهي ً‬ ‫«زك» وتعني التطهري‪ .‬كام ذكر األب رفائيل نخلة‬ ‫و”صلوته” يف لغة بني أرم‪ ،‬وت ُكتَب الزكاة «زاكوت» وأصلها من ّ‬ ‫اليسوعي يف ص ‪ 184‬من كتابة «غرائب اللغة العربية» كل هذا يدل عىل أنها ساموي ٌة ت َ َع َّبد بها اليهود قبلنا ‪ ...‬فامذا‬ ‫َ‬ ‫لديك لتقوله يل عن الصالة!؟‬ ‫صحيح وإن َّ‬ ‫دل عىل يش ٍء فإمنا يدل عىل‬ ‫•خلّصت يا سامل؟ صالتكم وصالة اليهود قبلكم أصلها مجويس وهذا الذي ذكرت ُه‬ ‫ٌ‬ ‫يل بعض الجهد‪ .‬اتخذت‬ ‫أن الحضارات والثقافات تتأثر ببعضها البعض وهذا يدعم ما أُريد قوله فشك ًرا لك فقد وفَّرتَ ع َّ‬ ‫أول ولتقديسه‬ ‫معظم الديانات القدمية الرشوق والغروب مواقيت للصالة لعدم معرفة اإلنسان القديم ضبط الوقت ً‬ ‫‪10‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫أجرا ًما ساموي ًة كالشمس والقمر ألنها األكرث ظهو ًرا واختفا ًء ووضو ًحا وبالتايل تأث ًريا ثان ًيا‪ ،‬لذا نجد أن الديانات اآلرية‬ ‫والسامية َحتَّمت إقامة الصالة يف مواقيتها‪ ،‬فرنى املجوسية قد أوجبت عىل كل ٍ‬ ‫شخص من أتباعها بلغ ِس ّن التكليف‬ ‫صل ثالث مر ٍ‬ ‫أيضا صال ٌة أخرى تُسمى صالة الفراش‪ ،‬يؤديها‬ ‫الديني أن يُ ّ‬ ‫رصا ووقت الغروب» وعليه ً‬ ‫ات يوم ًيا «صبا ًحا وع ً‬ ‫عندما يأوي إىل فراشه وحني ينهض منه‪ ،‬املصدر‪)The Old Persian Religion P. 23( :‬‬ ‫«املقدسة» يف صالته فإنها ستُب ِعد األرواح الرشيرة وستنفع ُه يف إبعاد‬ ‫صل وكرر الكلامت‬ ‫يعتقد اإلنسان قد ًميا بأنه إذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫أحس َن صالته) من استخدام األرواح ال ُعليا لقضاء مصالحه وقضاء‬ ‫ّ‬ ‫األمراض والخبائث عنه‪ ،‬بل سيتمكّن‬ ‫املصل (إن َ‬ ‫طلباته‪ ،‬لهذا كان يُ ِ‬ ‫كث منها ويتهالَك عليها يف الشدائد واملصائب العتقاده أن اإللــه سريىض عنه ويرحمه ف َيستجيب‬ ‫يصل ملجرد االعرتاف بعظمة اآللــهة‪ ،‬بل ألناني ٍة فيه‪ ...‬فقد جاء يف «يسنا» يف الديانة الزرادشتية‪:‬‬ ‫لطلباتِ ِه‪ ،‬فهو مل ّ‬ ‫«بواسطة صاليت هذه يا مزدا‪ ،‬أرجو َ‬ ‫منك طرد األرواح الرشيرة والخبائث»‪.‬‬ ‫وقد تأث َّر اليهود أثناء السبي البابيل (ومعروف َلك أن بابل كانت تحت حكم اإلمرباطورية الفارسية) بديانة البابليني‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص كان يقرأها البابليون واآلشوريون يف‬ ‫وبالزرادشتية ونقلوها إىل كتبهم وقد عرثت بعثات التنقيب يف بابل عىل‬ ‫صالتهم‪( :‬نفس املصدر السابق)‪.‬‬ ‫صل‬ ‫أيضا‪ ،‬وتؤديها يف الكعبة حيث يُذكَر أ َّن النبي كان يخرج إىل الكعبة أول النهار ف ُي ّ‬ ‫وكانت ٌ‬ ‫قريش تعرف الصالة ً‬ ‫يل أو َزيْ ٌد يَرصدانه‪ .‬كام ذكر‬ ‫قريش ال تنكرها عليه‪ .‬وكان إذا ّ‬ ‫الضحى‪ ،‬وكانت ٌ‬ ‫صالة ُ‬ ‫صل يف سائر اليوم بعد ذلك قَع َد ع ٌ‬ ‫املقريزي يف ص‪ 17‬جـ‪ 1‬من كتابه «إمتاع األسامع» وهذا الخرب يُشري إىل أن قُريشً ا كانت تعرف صالة الضحى‪ ،‬لذلك مل‬ ‫وتأمل‪ ،‬وأديا ٌن‬ ‫تنكرها وتركت النبي يُصلّيها‪ ،‬أما طريقة الصالة فتختلف من دينٍ آلخر‪ ،‬فمنها ما جعلها صمتًا وتفك ًريا ً‬ ‫معي محفوظ‪ ،‬لكن الوقوف عند الصالة تشرتك فيه كل األديان تقريبًا‪ ،‬يليه‬ ‫كالم ّ ٍ‬ ‫وسكَناتٌ وترديد ٍ‬ ‫أخرى جعلتها حركاتٌ َ‬ ‫الركوع ثم السجود أمام الصنم تعب ًريا عن التعظيم والتقدير‪.‬‬ ‫تحدي ٌد لعدد السجدات‬ ‫وقد كانت صالتكم يف بداياتها ترنيامت ‪ -‬كام هم اليهود أمام حائط املبىك ‪ -‬وال وجود يف قرآنكم‬ ‫َ َ َّ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ْ َ​َ‬ ‫والركعات بل ورد َذكرهام فقط‪ ،‬وأول ذك ٍر للركوع يف سورة «ص» املك ّية اآلية‪﴿ :24‬وظن داوود أنما فتناه فاستغفر‬ ‫َر َّب ُه َو َخ َّر َراك ًعا َوأنَ َ‬ ‫اب﴾ وهي السورة املكيّة الوحيدة التي ذُك َرت فيها مفردة الركوع وكلام ورد بعدها كان يف الس َور‬ ‫ِ‬ ‫املدنية‪ ،‬عىل العكس من السجود الذي ُذكِر يف ُسو ٍر مك ّية أقدم من ذكر الركوع‪ ،‬وكذلك جاء يف ِس َو ٍر مدني ٍة فيام بعد‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫َ َ‬ ‫ُصل قبل اإلسالم لكن القرآن استهجن صالتهم بقوله‪َ ﴿ :‬و َما كن‬ ‫قريش ت ّ‬ ‫قائل‪ :‬شفت يا سامل!! كانت ٌ‬ ‫•تابع صديقي ً‬ ‫َ َ‬ ‫َّ ُ َ َ َ ْ َ ً َ ُ ُ ْ ْ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ُت ُه ْم ع َ‬ ‫ند ْ َ‬ ‫الي ِت ِإال مكء وتص ِدية فذوقوا العذاب بِما كنتم تكفرون﴾ األنفال ‪ .35‬ويذكر الواحدي يف ص‬ ‫ص‬ ‫ِ‬

‫‪ 176‬من كتابه «أسباب النزول» عن عطية عن ابن عمر قال‪ :‬كانوا يطوفون بالبيت ويصفّقون‪ .‬ووصف الصفق بيد ِه‪،‬‬ ‫ويصفّرون ووصف صفريهم‪ ،‬ويضعون خدودهم باألرض‪ .‬فنزلت هذ ِه اآلية‪ ،‬فصالتهم إذًا بها سجود عىل وصف ابن عمر‪.‬‬ ‫وأنا شخص ًيا ال أجد أيَّة غراب ٍة يف أن تكون صالة ٍ‬ ‫قريش تبدو وكأنها له ٌو ولَ ِع ٌب فالكثري من األديان (غري اإلبراهيمية‬ ‫الثالث) تؤدي صالتها بغنا ٍء وموسيقى ورقص‪ ،‬اعتقا ًدا منهم أن ذلك يُ ِ‬ ‫فتضيها‪.‬‬ ‫رسة عىل قلوب اآللـــهة ُ‬ ‫دخل امل ّ‬ ‫أما اليهود فقد كانوا يصلّون نفس صالة الفراش املجوسية يف مأواهم إليه ويف نهوضهم منه وهي تعترب شهادة بني‬ ‫إرسائيل‪ ،‬ويسمونها «شامع» أي «سامع» ألنهم يبتدئونها بـ (يشمع يرسائيل) أي اسمع يا إرسائيل‪ ،‬وتعترب تلك صالتهم‬ ‫اليومية إضاف ًة إىل صالة السبت (شيباث) وهي مبثابة صالة الجمعة عندكم أنتم املسلمني واآلحاد عند النصارى‪،‬‬ ‫وصالة رأس الشهر التي أخذوها عن املجوس وهي معروف ٌة عند املجوسية بـ أنرتمياه ‪ Antaremah‬و ُع ِرفَت عند الهنود‬ ‫أيضا‪ .‬وصالة املناسبات كاألعياد وصالة الصوم وصالة الجنازة‪ ،‬إضافة للصلوات الثالث التي ذكرتها‬ ‫والشعوب األوربية ً‬ ‫الس َحر (تفيله هشحر) وت ُس ّمى اختصا ًرا «شحريت» أي الس َحر وت ُقام صبا ًحا لذا‬ ‫صالة تفيله‪ Tephillah‬وكذلك صالة َ‬ ‫ُس ّميت بصالة الصباح‪ .‬وصالة العرص ت ُس ّمى «تفيله همنحه» وصالة املغرب «تفيله هعربيت» ويكون مجموعها خمس‬ ‫ٍ‬ ‫املجويس األصل لنب ّيك ليجعلها مثلها خمس‬ ‫الفاريس‬ ‫صلوات يوم ًّيا متا ًما كعدد صلوات الزرادشت ّية‪ ،‬التي نقلها سلامن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ينص عليها‪ .‬كل هذا تجده يف سفر التثنية ‪ -‬اإلصحاح السادس‪ ،‬اآلية ‪ 4‬إىل ‪ 9‬واإلصحاح ‪ 15‬اآلية‬ ‫صلوات مع أ ّن قرآنه ال ّ‬ ‫‪ 37‬وما بعدها‪ ..‬وميكنك مراجعة هذا الكتاب للتأكّد (‪ )The Old Persian Religion, P., 23‬أنّني مل آيت به من عندي‪.‬‬

‫•الغريب يا سامل أ ّن ر ّواد اإلسالم األوائل ُمغرمون‬ ‫بالتع ّري!! ففي ح ّجكم‪ ،‬يف سنينكم العرش األوىل كنتُم‬ ‫ُعرا ًة وصالتكم كذلك‪ .‬أظ ّنك ستنكر هذا وتتّهمني‬ ‫باالفرتاء‪.‬‬ ‫•ما هذا الهراء؟! هل وصل بكم معرش امللحدين أنّكم‬ ‫تلجؤون للكذب لتُ ِضلّوا به الشباب قلييل االطّالع؟ أال‬ ‫كنت أتوقّع منك أن تنسب الصالة‬ ‫تستحي بالله عليك!؟ ُ‬ ‫للوثنيّة لكن مل ي ُدر ب ُخلدي أ ّن األمر سيصل بك لهذا‬ ‫الح ّد‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫•نحن نتحاور يا سامل وال داعي للتجاوز‪ ،‬أنا مل أكذب وعىل رأي قرآنك فـ (الب ّينة عىل من ا ّدعى) وسآتيك من قرآنك‬ ‫بالدليل فاآلية ‪ 58‬من سورة النور تدل أ ّو ًل عىل أ ّن الصالة كانت ثالث مر ٍ‬ ‫تفس «ث َ​َالثُ‬ ‫ات وليست ً‬ ‫خمسا‪ ،‬وثان ًيا كيف ّ‬ ‫َ َُّ‬ ‫َع َ ْور ٍ‬ ‫املصل املسلم؟ ﴿يا أ َيها‬ ‫عندها الدخول َعىل ّ‬ ‫بحيث ال يُ ُسمح‬ ‫أليست هي َّعوراتكم‬ ‫ات لَّ ُك ْم»؟ ْ‬ ‫املكشوفة يف الصالة َّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬

‫ْ َ ُ ُ ْ َ َ ْ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫نك ُم ال َ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ال َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ات ِمن قبْ ِل َصل ِة‬ ‫آمنُوا ِليَ ْستَأ ِذ‬ ‫ين ملكت أيمانكم و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الين لم يبلغوا الُلم ِمنكم ثلث مر ٍ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ ُ ِّ َ َّ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ ْ َ َّ ُ‬ ‫ات لكم﴾‪.‬‬ ‫الفج ِر و ِحني تضعون ِثيابكم من الظ ِهري ِة و ِمن بع ِد صل ِة ال ِعشاء ثلث عور ٍ‬

‫•أرأيت أنك تتص ّيد باملاء العكر؟ القرآن مل يقصد الصالة تع ّريًا بل قصد خلع الثياب بعد صالة العشاء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫• ال يا سامل بل كانت هكذا حتى صالة الجامعة التي تشمل الرجال والنساء سواء‪ ،‬فهناك حديث لنبيّكم ينظّم صالة‬ ‫مسلم أخي‬ ‫ال ُعراة الجامع ّية تلك‪ ،‬فعن مح ّم ٍد بن املتوكّل العسقال ّين ح ّدثنا عبد الرزّاق أنبأنا مع ّم ٌر عن عبد الله بن‬ ‫ٍ‬ ‫صل الله عليه وسلّم يقول‪:‬‬ ‫الزهري عن موىل ألسامء ابنة أيب بك ٍر عن أسامء بنت أيب بك ٍر قالت‪ :‬سمعت رسول الله ّ‬ ‫ّ‬ ‫«من كان منكن يؤمن بالله واليوم اآلخر فال ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رؤوسهم كراهة أن يرين من عورات الرجال»‬ ‫صحيح سنن أيب داود الجزء‪ 3 :‬رقم الصفحة‪ .438 :‬فكيف سرتى النساء عورات الرجال ما مل يكونوا ُعراة؟‬ ‫لقد حرص رسولك ّأل ترى فالن ٌة عجيزة فالنٍ مكشوف ًة وخصيتاه‬ ‫مفسا‬ ‫ّ‬ ‫تتدل بني فخذيه‪ ،‬ويقول الشيخ مح ّم ٌد بن صالح العثيمني ّ ً‬ ‫«يصل الرجال ويستدبرهم النساء ث ّم يعكسوا» ومعنى‬ ‫ّ‬ ‫هذا‪:‬‬ ‫تستدبرهم النساء تلقيهم ظهوره ّن‪ ،‬فتكون ظهور النساء إىل‬ ‫تصل النساء‬ ‫لئل يرين عورات الرجال‪ ،‬ثم بعد ذلك ّ‬ ‫القبلة‪ّ ،‬‬ ‫لئل يروا‬ ‫ويستدبره ّن الرجال‪ ،‬فتكون ظهور الرجال نحو القبلة ّ‬ ‫عورات النساء» ‪ -‬الرشح املمتع لزاد املستقنع ص ‪ ،189‬فهل بعد‬ ‫هذا من ب ّينة!؟‬ ‫أتعرف يا سامل أ ّن األعراب يأنفون من الركوع والسجود يف الصالة فريون فيها مذلّ ًة وشناع ًة ومهان ًة ودناء ًة ففي السجود‬ ‫يجب أن يضع رأسه يف األرض ويرفع عجيزته نحو األعىل وتلك شناع ٌة عندهم‪ ،‬فجاء وف ٌد من ٍ‬ ‫ثقيف ملح ّم ٍد طال ًبا منه‬ ‫إعفاءهم من شيئني‪ :‬كرس أوثانهم بأيديهم وتأدية الصالة‪ ،‬فقال لهم‪« :‬أ ّما كرس أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه‪ ،‬وأ ّما‬ ‫الطربي‬ ‫الصالة‪ ،‬فال خري يف دينٍ ال صالة فيه» فقالوا‪« :‬يا مح ّمد‪ ،‬أ ّما هذه فسنؤتيكها‪ ،‬وإن كانت دناءة»‪ ،‬وهذا ما ذكره‬ ‫ّ‬ ‫النبي امتنع عن‬ ‫أتبي مصدره بشكلٍ ٍ‬ ‫يف جزئه الثالث ص ‪ 99‬الصادر عن دار املعارف‪ ،‬وهناك خ ٌرب مل ّ‬ ‫دقيق بأ ّن حمزة ع ّم ّ‬ ‫الصالة ألنّه يرى امتهانًا ٍ‬ ‫لفارس مثله يف أن يضع رأسه يف األرض ويرفع عجيزته بالسجود‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫وقد تعلّم مح ّم ٌد الركوع والسجود من جامع ٍة من يهو ٍد يُقال لهم «السامريّون» يركعون ويسجدون متا ًما كام يفعل‬ ‫املسلمون اليوم «كتاب الشخص ّية املح ّمدية ملعروف الرصايف‪ ،‬ص ‪ .»451‬وقد أصبحت صالتهم تلك من العبادات القدمية‬ ‫فتخل عنها أغلب اليهود ولكن هناك فرق ٌة ما زالت متارس هذا النوع من الصالة‪.‬‬ ‫ج ًّدا ّ‬ ‫حتى صالتكم عىل امل ّيت أخذها مح ّم ٌد عن ٍ‬ ‫تصل عىل امل ّيت فيقومون عىل قربه بذكر محاسنه ومناقبه‬ ‫قريش التي كانت ّ‬ ‫مظهرين الحزن عليه‪ ،‬ويس ّمون هذا الفعل «صالةً» وقد أطلق اإلسالم عليها وعىل أمثالها «دعوى الجاهل ّية» كام ذكر‬ ‫القسطال ّين يف ص ‪ 406‬من الجزء الثاين لكتابة إرشاد الساري لرشح صحيح البخاري‪.‬‬ ‫بل حتى وضوءكم أخذه مح ّم ٌد عن يهود بني عمرو بن عوف‪ ،‬حيث سألهم‪« :‬ما الطهور الذي أثنى الله به عليكم؟‬ ‫فروضا‬ ‫فذكروا له االستنجاء باملاء بعد االستجامر بالحجر‪ .‬فقال‪ :‬هو ذلكم فليعليكموه» وهذا يعني أ ّن تلك كانت ً‬ ‫جاهل ّي ًة ورثها اإلسالم وأق ّرها يف دستوره‪.‬‬ ‫األنصاري «أسعد بن زرارة» وقد وافقه القرآن عىل عادته يف موافقته لعمر بن‬ ‫أ ّما صالة الجمعة فقد وضعها لكم‬ ‫ّ‬ ‫الخطاب وألهواء نب ّيك الذي قالت فيه عائشة «ما أرى ربّك ّإل يسارع يف هواك» وقد أفحمته فلم يجبها بحرف‪ .‬ففي‬ ‫تفسري النيسابوري (‪ )28/66‬يروى لنا أ ّن األنصار باملدينة اجتمعوا إىل أسعد بن زرارة‪ ،‬وكنيته أبو إمامة‪ ،‬وقالوا‪ :‬هل ّموا‬ ‫فصل‬ ‫صل‪ ،‬فإ ّن لليهود السبت وللنصارى األحد‪ ،‬فاجعلوه يوم «ال َعروبة»‪ّ ،‬‬ ‫نجعل لنا يو ًما نجتمع فيه‪ ،‬فنذكر الله ونُ ّ‬ ‫الجمعة عندهم‪-‬ال َعروبة‪ -‬من قبل)‪ ،‬فنزلت آية‬ ‫بهم ركعتني وذكرهم‪ ،‬فس ّموه يوم الجمعة الجتامعهم فيه (وكان اسم‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫آمنُوا إذا نُودي ل َّ‬ ‫ين َ‬ ‫َ َ‬ ‫ال َ‬ ‫الجمعة وهي أ ّول ُجمع ٍة يف اإلسالم‬ ‫لصل ِة ِمن يَ ْومِ‬ ‫النبي ليرثب ﴿يا أيها ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫كانت قبل َمقدم َّ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ َْ ُ َ‬ ‫َّ َ َ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ ٌ ُ‬ ‫ْ َُ َ ْ َْ‬ ‫ون﴾ الجمعة‪.9‬‬ ‫ي لك ْم ِإن كنتم تعلم‬ ‫الل وذروا اليع ذ ِلكم خ‬ ‫الُمع ِة فاسعوا إىل ِذك ِر ِ‬ ‫•الحقيقة أنّني أجهل ُج ّل ما ذكر ُه يل صديقي شأين يف ذلك شأن الغالب ّية الساحقة من املسلمني البسطاء‪ ،‬نلجأ للتنكّر‬ ‫كلّام يُكال لديننا من ات ٍ‬ ‫ّهامات ملج ّرد أن ننترص مع علمنا بافتقارنا للح ّجة‪ ،‬فلم يكن بجعبتي سوى ما لُقّنت به من‬ ‫مشايخنا عن قدسيّة ديننا الحنيف باعتبار نصوصه سامويّة‪ ،‬وليتهم ز ّودونا بدليلٍ دامغٍ أُخرِس به مثل دعوى صديقي‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫قائل وقد الحظ رشودي‪ :‬خ ٌري لك أن تسمعني يا سامل لتتع ّرف عىل حقيقة تشكّل طقوس عباداتكم‪ ،‬فأنا‬ ‫•تابع صديقي ً‬ ‫أسلفت ال أريد منك أن ترتكها وال أن ت ُلحد‪ ،‬إنّ ا أجد أ ّن معرفة أصول الديانات وطقوس عباداتها سيجعلكم أكرث‬ ‫كام‬ ‫ُ‬ ‫تسام ًحا مع أديانٍ أخرى أخذتم عنها طقوسها وطرق تعبّدها ث ّم ا ّدعيتم أنّها من الله وأ ّن الله هذا مل ِ‬ ‫يهد غريكم ووصفهم‬ ‫قرآنكم باملغضوب عليهم والضالّني‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫ٍ‬ ‫كقريش الوثن ّية وكانت بركعتني فقط‪ ،‬فيذكر الدكتور جواد عيل يف ص‪ 20‬من‬ ‫الحظ يا سامل أنّكم بدأتم الصالة م ّر ًة باليوم‬ ‫النبي صال ًة بركعتني‪،‬‬ ‫كتابه «تاريخ الصالة» وكذلك السرية الحلب ّية البن هشام (‪ :)1/155‬نزل األمر بالصالة يف مكّة َ ّ‬ ‫فصل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ار‬ ‫ث ّم اكتملت بعد الهجرة يف يرثب فزيدت عليها فصارت‬ ‫صالتني َّ(صالة َح َض وصالة سفر) ﴿وأقِ ِم الصالة طر ِف انله ِ‬ ‫َ ُ َ ً ِّ َ َّ ْ َّ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ال َ َسنَ ُ ْ ْ َ َّ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ات ذلِك ِذكرى لِذلا ِك ِرين﴾ هود‪.114‬‬ ‫وزلفا من اللي ِل ِإن‬ ‫ات يذ ِهب السـيئ ِ‬ ‫ِ‬ ‫النبي مح ّم ٍد مبوىس وما دار بينهام من عدد‬ ‫ويذكر البخاري أ ّن الصالة فُرضت يف ليلة اإلرساء ويدعمها برواية لقاء ّ‬ ‫الصلوات وكيف أ ّن موىس نصح مح ّم ًدا أن يعود لربّه ليقلّص العدد وهذا طب ًعا ير ّجح كفّة موىس عىل مح ّم ٍد خالفًا‬ ‫كل الخلق‪ ،‬يف حني نجد أ ّن «املُزين» يذكر أ ّن الصالة قبل اإلرساء كانت صال ًة قبل غروب الشمس وأخرى‬ ‫لقولكم أنّه سيّد ّ‬ ‫َ ٌّ َ ْ َ ْ ْ َ َ‬ ‫َ ْ ْ َّ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نبك وسبح ِبم ِد‬ ‫قبل طلوعها‪.‬‬ ‫واستشهد املؤيّدون لهذا الرأي مبا جاء يف القرآن ﴿فاص ِب ِإن وعد ِ‬ ‫الل َّ حق واستغ ِفر ِل ِ‬ ‫َ ِّ َ ْ َ ِّ َ ْ ْ َ‬ ‫ار﴾ غافر‪ ،55‬وتشري السرية الحلب ّية (‪ )1/302‬أ ّن الصالة تلك كانت هي الصالة املفروضة يف حياة‬ ‫ربك بِالع ِش و ِ‬ ‫البك ِ‬ ‫خديجة أي قبل اإلرساء خالفًا ملا ذكره البخاري‪.‬‬ ‫وقال ابن حجر ال َهيْتمي‪« :‬مل يُكلّف الناس ّإل بالتوحيد فقط‪ ،‬ثم استم ّر عىل ذلك م ّد ًة مديدةً‪ ،‬ث ّم فُرض عليهم من الصالة‬ ‫ٍ‬ ‫صلوات وال تحدي ًدا‬ ‫ما ذُكر يف سورة املز ّمل‪ .‬ثم نُسخ ذلك كلّه بالصلوات الخمس (مع أنّه ال وجود آلي ٍة تح ّددها بخمس‬ ‫كل صالة)‪ .‬ث ّم مل تكرث الفرائض وتتتابع ّإل باملدينة‪ .‬وملّا ظهر اإلسالم ومتكّن يف القلوب وكان كلّام زاد ظهو ًرا‬ ‫لعدد ركعات ّ‬ ‫ومتكّن‪ ،‬ازدادت الفرائض وتتابعت»‪ .‬السرية الحلب ّية‪)1/302( .‬‬ ‫عرفت أ ّن وضوءكم أخذه نبيّكم عن غريه ومل يعلّمه إيّاه جربيل كام ت ّدعون‪ ،‬كم‬ ‫نعود يا سامل لبقيّة صلواتكم بعد أن‬ ‫َ‬ ‫مثل سورة الفاتحة نزلت مدنية – مكية‪ ،‬فقد نزل نصفها األول مبكة ونصفها الثاين باملدينة‬ ‫هي كثري ٌة مغالطاتكم‪ ،‬خذ ً‬ ‫وهذا ما حكاه القرطبي عن أيب الليث السمرقندي‪ ،‬بينام ت ّدعون أنها رك ًنا من أركان الصالة؟ أال يعني قبلها أن الصالة‬ ‫كانت بال تلك السورة وعرجاء ينقصها هذا الركن!؟‬ ‫الباء بن معزوز» يف بني َسلَ َمة فصنعت‬ ‫غيها مح ّم ٌد يف السنة الثانية بعد الهجرة عندما زار «أم بِرش بن َ‬ ‫حتى ِقبلتكم ّ‬ ‫فس ّمي مسجد بني َسلَمة‬ ‫له طعا ًما فحانت صالة الظهر ّ‬ ‫فصل بقومه ركعتني واستدار إىل الكعبة فاستقبل امليزاب‪ُ ،‬‬ ‫بـِ(مسجد القبلتني) وذلك يف يوم االثنني للنصف من رجب عىل رأس سبعة عرش شه ًرا من هجرته‪ .‬وفُرض صوم رمضان‬ ‫يف شعبان عىل رأس مثانية عرش شه ًرا‪ .‬كام ورد يف الطبقات البن سعد (‪.)1/241‬‬ ‫ْ‬

‫ْ َ َ َّ‬

‫ُ‬

‫َ‬

‫َّ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َّ َ َ‬ ‫﴿‪......‬و َما َج َعلنَا القبْلة الت ك َ‬ ‫نت َعليْ َها إال ِلَ ْعل َم َمن يَتَّب ُع َّ‬ ‫َ‬ ‫نق ِل ُب َع َع ِقبَيْ ِه‪ ﴾.....‬البقرة ‪.143‬‬ ‫الر ُسول ِممن ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪15‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫غيها يف مسجد‬ ‫من املنقلب عىل عقبيه!! أليس هو نب ّيك الذي كان ّ‬ ‫يصل نحو قبلة اليهود وعندما ّ‬ ‫غيها‪ ،‬فل ّبى جربائيل هوى نب ّيك بتلك اآلية!؟‬ ‫الباء بن معزوز) استنكر البعض أن يُ ّ‬ ‫(أ ّم بِرش بن َ‬ ‫طب ًعا مل تكن تلك فكرة نب ّيك يف تغيري صالته نحو الكعبة بل إ ّن «الرباء بن معزوز» وكان م ّمن شهد العقبة‪ ،‬ملّا رجع إىل‬ ‫رأيت أن ال أدع هذه ال َبن ّية م ّني بظه ٍر – يعني‬ ‫قومه قال لهم‪ّ :‬‬ ‫«إن رأيت رأيًا والله ما أدري أتوافقوين عليه أم ال‪ .‬قد ُ‬ ‫يصل ّإل إىل الشام‪ ،‬وما نريد أن نخالفه»‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫أصل إليها» فقالوا ل ُه‪« :‬والله ما بلّغنا نب ّينا أنّه ّ‬ ‫وأن ّ‬ ‫بال َبن ّية الكعبة‪ّ -‬‬ ‫وصل إىل الكعبة‪ ،‬حتى ِ‬ ‫قدمنا إىل‬ ‫صل إليها» فقالوا له‪« :‬ولك ّننا ال نفعل‪ .‬فك ّنا إذا حرضتْ الصالة صلّينا إىل الشام ّ‬ ‫«وإن مل ُ ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫الطربي (‪ 2/360‬وما بعدها) و(‪ 1/274‬وما بعدها)‪.‬‬ ‫مكّة» أي أنّهم بقوا يُؤ ّمون الشام حتى فتح مكّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وال ِقبلة يف الصالة يا سامل كانت من الشعائر املعروفة يف عبادات السام ّيني‪ ،‬لك ّنها كانت اختياريّة‪ ،‬واالتّجاه كان يح ّدده‬ ‫الرب نحو املدينة التي اخرتتَها‪ ،‬والبيت الذي بنيتَه السمك‪ ،‬فاسمع من السامء‬ ‫الدين‪ ،‬فقد جاء يف التوراة‪« :‬صلّوا إىل ّ‬ ‫رضعهم ِ‬ ‫واقض قضاءهم» امللوك األول – اإلصحاح الثامن – اآلية ‪ ،44‬وجاء يف الروض اآلنف‪)2/11(.:‬‬ ‫صالتهم وت ّ‬ ‫وورث اإلسالم عن العرب قبلهم غسل جثث املوىت فقد اعتربوا أ ّن املوت نجاس ًة لهذا حرصوا عىل غسل الجثث‪ ،‬كذلك‬ ‫أيضا ورثها اإلسالم عنهم‪ ،‬فجاء يف القرآن ﴿‬ ‫اعتربوا طمث األنثى نجاس ًة وح ّد َدوا لها أم ًدا س ّموه «اإلطهار» وهذه ً‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َُ َ َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َّ َ َ‬ ‫ُ ْ ُ َ ً َ ْ َ ُ ْ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫يض وال تقربوهن حت يطهرن ‪ ﴾ -‬سورة البقرة‪-‬‬ ‫تلوا النساء ِف الم ِح ِ‬ ‫ويسألونك ع ِن الم ِح ِ‬ ‫يض قل هو أذى فاع ِ‬ ‫اآلية‪ 222،‬وهي مدن ّي ٌة ترتيب نزولها‪ )87( ،‬وهذا ُّ‬ ‫يدل عىل أ ّن الحائض مل تكن نجسة باإلسالم قبل هذا التاريخ‪.‬‬ ‫أيضا من‬ ‫وت َعترب قريش أ ّن الجنابة نجاسة‪ ،‬وال يطوفون بال َح َرم وهم ُج ُنب‪ ،‬لهذا كانوا يغتسلون غُسل الجنابة وتلك ً‬ ‫العادات التي أورثوها لإلسالم‪ ،‬وكانوا يداومون عىل االستنشاق والسواك واملضمضة‪ ،‬والتي ال يزال املسلمون أمثالك‬ ‫ميارسونها‪ ،‬تلك األمور ذكرها «ولهوزن» يف كتابه «بقايا الوثنية العربية» وأوردها الدكتور جواد عيل يف كتابه «تاريخ‬ ‫الصالة» ص ‪40 .‬‬ ‫حتى املنرب الذي يعتليه الشّ يخ املسلم أخذمتوه عن الوثنيني‪ ،‬فقد كان حكّام العرب قبل اإلسالم يجلسون عىل ٍ‬ ‫منب أو‬ ‫رسير‪ ،‬وقد ُعر َِف «ربيعة بن مخاشن» أو أبوه «مخاشن» بذي األعواد ألنّ ُهام أول من جلس عىل رسي ٍر يف قضائهام بني‬ ‫املتخاصمني‪ ،‬بلوغ األرب (‪. )1/316‬‬

‫‪16‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫أ ّما التَ َي ُّمم فأخذه نب ّيك عن اليهودية‪ ،‬وأق ّره بعد انقطاع عقد عائشة يف غزوة بني املصطَلَق يف السنة الخامسة للهجرة‬ ‫أيضا كانوا يُع ِّمدون أبنائهم‬ ‫يف الحادثة التي تُسمونها بـ)اإلفك (كام جاء يف « إمتاع األسامع» (‪ ،)1/206‬وورد أ ّن ال ّنصارى ً‬ ‫بصعيد األرض‪ ،‬عند قطعهم البوادي وتعذّر توفر املاء‪ .‬راجع (‪Cedrenus, Annals, ed. Hylander, Basle 1566, P.,‬‬ ‫‪)206 Shorter Ency. of Islam. P. 589‬‬ ‫تلك الطقوس والعادات أخذتها اليهودية والنرصانية عن املجوسية فهي الديانة األقدم‪ ،‬حيث يتو ّجب عىل املجويس‬ ‫غسل وجهه ويديه وقدميه ثالث مر ٍ‬ ‫ات عند نهوضه من النوم صبا ًحا‪ ،‬ثم يدهن تلك األجزاء املغسولة من جسمه مبادة‬ ‫مقدسة طاهرة من عصري األمثار ت ُدعى (‪ )KEHURIN‬ويبدأ املجويس عاد ًة بغسل اليمني قبل اليسار وهذا ما ورثت ُه‬ ‫أيضا‪The Old Persian Religion, P, 29 ..‬‬ ‫عنهم اليهودية واإلسالم ً‬ ‫أما الصالة لظاهريت الخسوف والكسوف املعروفة أسبابهام الفلكية اليوم‪ ،‬فقد دفع الخوف والرعب بنب ِّي َك لصالتها فلام‬ ‫ودي للصالة جامع ًة‪ ،‬وركع فيها النبي ركعتني يف سجد ٍة واحد ٍة‬ ‫ك ُِسفَت الشّ مس يف السنه الخامسة أو السادسة للهجرة‪ ،‬نُ َ‬ ‫ثم قام فرك َع ركعتني يف سجد ٍة واحد ٍة كام ورد يف ُمس َند أيب حنيفة ص‪. 84‬‬ ‫رس ًعا فَ ِز ًعا يجر رداءه‪ ،‬وكان كُسوفها أول النهار‪ ،‬خاص ًة وأنه‬ ‫وعندما ك ُِسفت الشّ مس بعهده خرج النبي إىل املسجد ُم ِ‬ ‫صادف يوم وفاة ابن ُه إبراهي َم من رسيّت ُه ماريا القبطية وإبراهيم يكون هنا كابن املُتعة كام يحلو لبعض طوائف‬ ‫املسلمني أن يُس ّموا بعضهم‪ ،‬فتق ّدم فصىل ركعتني كام جاء بزاد املعاد (‪ )1/123‬يف كل ركوٍع له ركعتان وسجدتان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ركعات وأربع سجدات‪.‬‬ ‫فاستكمل يف الركعتني أربع‬ ‫أيضا وثني ٌة كان العرب يصلّونها قبل‬ ‫وصالة االستسقاء ً‬ ‫اإلسالم ويس ّمونها «صالة االستمطار»‪ ،‬حيث يَج َمعون‬ ‫السلع والعرش ويصعدون‬ ‫البقَر ويعقدون يف أذنابها ّ‬ ‫بها إىل الجبل الوعر‪ ،‬حيث يوقدون بها النار هناك‪،‬‬ ‫ويزعمون أن ذلك من أسباب املطر‪ ،‬ويُسمون النار‬ ‫التي ت ُنزِل لهم املطر بـ «نار االستمطار»‪ ،‬وقد ورد هذا‬ ‫يف صبح األعىش (‪ ،)1/409‬وخزانة األدب (‪،) 3/212‬‬ ‫ويف بلوغ األرب (‪ ،)2/164‬وصالة االستسقاء معروف ٌة يف‬ ‫صلها الرومان واليونانيون‪.‬‬ ‫اليهودية والنرصانية‪ ،‬كذلك ّ‬ ‫‪17‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫فهل بعد هذا كلّه تريد أن تُقنعني يا سامل بأن طقوس صالتك وأصولها ساموي ٌة غري وثنية!؟‬ ‫مستغل غزارة معلوماته ألرى رأيه يف الخمر‪ :‬بقي أ ٌمر آخر أال وهو إشكالية رشب الخمر ِ‬ ‫وصلته بالصالة‬ ‫ً‬ ‫• قلت لصديقي‬ ‫السكْر عند الصالة وحثَّ‬ ‫والذي قال عنه املفكّر الدكتور التونيس محمد الطالبي «أن القرآن مل يح ّرم الخمر إمنا نهى عن ُ‬ ‫عىل االبتعاد عنه»‪ ،‬فام قولكم أنتم امللحدون فيه؟‪.‬‬ ‫•سأروي لك السبب الحقيقي يا سامل رغم علمي بأن عقلك املُقفَل ال يقبل ما يخالف إميانه‪ ،‬جاء يف رشح النووي عىل‬ ‫مسلم بالرقم(‪ )1979‬ح ّدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخربنا حجاج بن محمد عن ابن جريج حدثني ابن شهاب عن عيل‬ ‫بن حسني بن عيل عن أبيه حسني بن عيل عن عيل بن أيب طالب قال أصبت شا ِرفًا ( َج َم ًل) مع رسول الله صىل الله عليه‬ ‫مغنم يوم بد ٍر وأعطاين رسول الله صىل الله عليه وسلم شارفًا أخرى فأنختهام يو ًما عند باب رجلٍ من األنصار‬ ‫وسلم يف ٍ‬ ‫وأنا أريد أن أحمل عليهام أذخ ًرا ألبي َع ُه ومعي صائِ ٌغ من بني قينقاع فأستع ُني ِب ِه عىل وليمة فاطمة‪ ،‬وحمزة بن عبد‬ ‫للش ِف ال َنوا ُء‬ ‫املطلب‬ ‫ُ‬ ‫يرشب يف ذلك البيت مع ُه قين ٌة تُغنيه فقالت‪ :‬أَال يا حم َز َ َ‬ ‫ِ‬ ‫فجب أس َن َمتَهام وبَ َق َر‬ ‫بالسيف‬ ‫فثار إليهام حمز ُة‬ ‫َّ‬ ‫قلت البن شهاب و ِم َن‬ ‫خواص ُهام ثم أخذ من أكبا ِد ِهام‪ُ ،‬‬ ‫ِ َ‬ ‫السنام!؟ قال‪ :‬قد َج َّب أسنمتهام فذهب بها‪ ،‬قال ابن‬ ‫فأتيت نبي‬ ‫شهاب‪ :‬قال عيل‪ :‬فنظرتُ إىل منظ ٍر أَفظَ َعني‬ ‫ُ‬ ‫الله صىل الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فأخربته‬ ‫وانطلقت َم َع ُه فدخل عىل حمزة‬ ‫فخرج ومعه زي ٌد‬ ‫الخرب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫رص ُه وقال‪« :‬وهل أنتم إّال عبيد‬ ‫فتغ َّيظ علي ِه فرفع حمزة ب َ‬ ‫آلبايئ!» فرجع رسول الله صىل الله عليه وسلم يُقه ِقر‬ ‫حتى خرج عنهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بتلك اآلية التي نهى بها َعن الخمر وساوى‬ ‫لنجدة‬ ‫فكانت إهانة حمزة ملح ٍمد وعيل‪ ،‬سب ًبا يف مسارعة جربيل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫الصال َة َوأنتُ ْم ُسك َرى َح َّ َ‬ ‫ت‬ ‫املرأة‬ ‫والغائط (و َرمبا كانت َّ انتقاما من مغنيّة حمزة) ُ﴿ي ْا أيها ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫الين آمنوا َال تقربوا َ‬ ‫بني َ ْ‬ ‫ُ‬

‫ُ َّ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َْ ُ َ َُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ع َس َفر أ ْو َ‬ ‫ت َت ْغتَ ِسلوا َ‬ ‫ون َوال ُجنُبًا ِإال َعبِري َس ِبيل َح َّ َ‬ ‫جاء أ َحد ِّمنكم ِّمن‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫نت‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫تعلموا َما تقول‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫ين َ‬ ‫َ َ‬ ‫ال َم ْستُ ُم النِّ َ‬ ‫ال َ‬ ‫آمنُوا ِإن َما‬ ‫اء﴾‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ط‬ ‫ئ‬ ‫آ‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫سورة ال ّنساء(‪ )43‬وهي مدني ٌة وترتيب نزولها(‪ )92‬وبآية أخرى‪﴿ :‬يا أيها ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ْ َ َ ْ َ ُ ُ َ َ َّ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ ْ ٌ ِّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ان فاجت ِنبوه لعلكم تف ِلحون﴾ سورة املائدة اآلية (‪)90‬‬ ‫المر والمي ِس واألنصاب واألزالم ِرجس من عم ِل الشيط ِ‬

‫وهي مدني ٌة وترتيب نزولها ‪)112(.‬‬

‫‪18‬‬


‫عتبي عليك صديقي املُل ِحد (‪)5‬‬

‫صالة ال ُعراة والخمر‬ ‫وإهانة حمزة للنبي‪.‬‬

‫سالم الدليمي‬

‫رجل بسيطًا يأ َمن َر َّدة فعله وعواقبها‪ ،‬لذا آثرتُ أن أقطع عليه افرتاءاته التي (ال أَخالُني‬ ‫•صديقي هذا رمبا وجد يف سامل ً‬ ‫عت بقرب صالة املغرب‬ ‫أكذب لو قُلت) أف َح َمتْني ودفعتني للبحث عن ص َّحتها رغم أن ُه ذك َر أسانيدها جمي ًعا‪ .‬فتذ ّر ُ‬ ‫ألنرصف لها‪ ،‬و َّدعني بنظر ٍة تُبدي خيبتَ ُه يف تأثري حديث ُه الطويل هذا‪.‬‬ ‫أعتذر ألخويت املسلمني عن قصوري يف الرد عليه‪ ،‬راج ًيا مساعديت بشكلٍ موث ٍّق قرآن ًيا ل ُيع ِّزز موقفي فال أُري ُد نصائ ًحا‬ ‫أو آرا ًء لشيوخ باتوا ِخزيًا وعا ًرا علينا بفتاويهم املُخلّة بالرشف واألخالق حي ًنا وبفتاوي التكفري والقتل وأكل لحم تارك‬ ‫الصالة حي ًنا آخر‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪20‬‬


‫صفحة ثابتة نقدم فيها قراءة ألحد الكتب القيمة‬

‫قراء ٌة يف مؤلف برتراند راسل‪:‬‬ ‫الدين والعلم (الجزء الثاين)‬

‫الفصل الخامس‪:‬‬ ‫الروح والجسد‪ ‬‬ ‫يبدأ راسل يف هذا الفصل بعرض مفهوم الروح وعدم علم ّيته‬ ‫بطبيعة الحال ألنه ينتمي إىل تأويلٍ يف فرت ٍة مل ميتلك اإلنسان‬ ‫بها الخربة املعرفية والعلمية الكافية؛ بسبب غياب إمكانية‬ ‫وجود أدا ٍة منهجي ٍة لفهم التصورات الذهنية التي يحملها‬ ‫اإلنسان من خالل تجربته مع الواقع والبيئة‪ ،‬التي تحتبس‬ ‫مجموع ًة من الرؤى املشوشة واالنفعاالت والسلوكيات‬ ‫املبنية عىل أثر هذا الواقع عىل تشكيل الشخصية‪.‬‬ ‫ويعرض علم النفس وعدم كفاية املعرفة التجريبية ليخرج‬ ‫من غامر الفلسفة التأملية املجردة سابقًا‪ ،‬التي تستند إىل‬ ‫ٍ‬ ‫تكهنات تضع أهم مرتكزاتها يف تساؤ ٍل مستم ٍر لدى املختصني‬ ‫يف التعامل مع الظاهرة املوجودة‪ ،‬وبالطبع كان الالهوت هو‬ ‫من يحتضن ويحرر الرؤى السيكولوجية لدى اإلنسان الذي‬ ‫اكتسب االعتقاد الديني من بيئته وثقافته املحصورة‪ ،‬ومل‬ ‫يستطع الالهوت وضع ح ٍّد أو تفسريٍ‬ ‫يل للظواهر‬ ‫طبيعي عم ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫السيكولوجية مثل الجنون؛ بل كانت املامرسات تزيد من‬ ‫حجم املشكلة نظ ًرا ألن املوضوع بعي ٌد عن كيفية رؤيته‪.‬‬ ‫‪21‬‬

‫تلخيص ‪Noor Dawood‬‬


‫برتراند راسل‪ :‬الدين والعلم (الجزء الثاين)‬

‫‪Noor Dawood‬‬

‫ولكن ما هو أصل مصطلح الروح وأين تم بلورته لغويًا ليعرب عن‬ ‫الحاالت الذهنية؟‬ ‫أىت املفهوم وتبلور كام هي غالبية املفاهيم من اليونان القديم‬ ‫وبالتحديد تم اصطالح هذا املصطلح عىل يد الفيثاغوريني التي أثرت‬ ‫كل من أفالطون وأرسطو وفكرة انفصال الروح‬ ‫الحقًا عىل تصورات ٍّ‬ ‫عن الجسد واملؤثرات الالحقة من أرسطو والرواقيني واللتان أثرتا الحقًا‬ ‫عىل الدين املسيحي الذي مررها بدوره إىل اإلسالم كشبك ٍة ابراهيمية‪.‬‬ ‫ومن ثم موضوع العدالة السامية ومناشدتها كفكر ٍة مثيل ٍة للروح‬ ‫يف ميتافيزيق ّيتها تدل عىل توجه اإلنسان للتفكري مبحتويات وجوده‬ ‫وذاته‪ ،‬ولكن استمرت حالة اإلحباط من الوجود املضني بفعل اإلنسان‬ ‫والطبيعة فتضخمت الحالة الذهنية أكرث لتبدأ بتشكيل قوالب أكرث‬ ‫اتسا ًعا للمشاعر املحبطة‪ ،‬يف ظل تجرب ٍة يف مرحل ٍة توصم باإلحباط‬ ‫ٍ‬ ‫لظروف شتى‪.‬‬ ‫وبدأ استغالل هذه الفكرة (الروح) يف املواضيع السياسية بد ًءا من سقراط الذي صور للمحاربني أ ّن هذا املكون من اإلنسان‬ ‫خال ٌد وسينتقل لحيا ٍة أكرث إمتا ًعا كجائز ٍة للمحاربني الذين يدافعون عن القيم التي يضعها رجال الدولة‪ .‬ويالحظ متثل مثل‬ ‫هذه السياسة يف تشكيل وعي البرشية عن طريق النظم الدينية‪ ،‬كمنح املحارب مثل هذه الوعود التي ميررها رجل السياسة‬ ‫الذيك لتحقيق مجده الخاص وال عزاء للجامهري التي احتضنته‪ ،‬وهذا ما نلمسه باملآيس التي كللت تاريخ الدعوات الزائفة‪.‬‬ ‫ومن ثم يناقش راسل خواص اليشء وعالقته به لتفكيك هذه األفكار واملفاهيم املشوشة‪ ،‬ويعرض لكوميديا األخطاء‬ ‫املستمرة املربرة بفرت ٍ‬ ‫تعطيل للعقل وبداية‬ ‫ً‬ ‫ات سحيق ٍة كأن اليشء ال ميكن معرفته وال بأي خاصي ٍة‪ ،‬وكانت هذه الدعوى‬ ‫ديني لتحويل البرش اىل قطيعٍ تم الحجر عىل ملكاته الفكرية مبا يخص إطار‬ ‫تكوين متالزمة العقل الجمعي‪ ،‬كإنجا ٍز ٍّ‬ ‫املعتقد الذي يوجهه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واحد يُفهم‬ ‫لعلم‬ ‫ويناقش راسل الفواصل واملقاربات بني ّ‬ ‫كل من الفيزياء وعلم النفس وعىل أنهام علامن ٍ‬ ‫بطريقتني‪ ،‬وكيف أ ّن فيلسوفًا مثل ديفيد هيوم قام حتى برفض املادة هذا املفهوم الفيزيايئ‪ ،‬وكان هذا الرفض‬ ‫من الجرأة واالستباقية الكبرية بعرصه؛ وهو املفهوم السائد للبعد املادي وليس املادة مبا تحمله من خواص‪،‬‬ ‫واالنتقال إىل الساحة الفلسفية من مفهوم الروح الذي مل يُجب عليه محمد وبأنه عل ٌم ربا ٌّين خاص‪ ،‬عىل أنه العقل‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫برتراند راسل‪ :‬الدين والعلم (الجزء الثاين)‬

‫‪Noor Dawood‬‬

‫وكانت خطو ًة أوىل يف املساس باملجرد من املفاهيم‪ ،‬وأفكار الفيلسوف املثايل األملاين يف إطار هذا التحول من الروح‬ ‫للعقل وفرضيته حول ذلك بأ ّن اإلنسان خارج اإلطار الزمكاين‪ ،‬والعقل بإدراكاته أو الجزء املدرك به يستطيع فهم الزمكان‬ ‫من خالل الظواهر وتزويد األنا بها‪ ،‬وهي مركزية الذات عند كانط التي انتهت عىل يد فالسف ٍة الحقني فلسفيًا نظ ًرا‬ ‫لتطور العلم وإملامه األكرب من املعهود عن طريق التجربة من األشياء‪.‬‬ ‫ويف خالصة أ ّن الظواهر هي الوسيلة ملعرفة الحقائق وال داعي إليجاد يش ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫وبديهيات علمي ٍة مثل أ ّن‬ ‫أسمى منها يف ذهنية اإلنسان لتفسريها وبقوان ٍني‬ ‫الحقائق األولية تدلنا عىل جوهر اليشء عقل ًيا مجر ًدا من كونه ظاهر ًة او‬ ‫مجموع ًة من الظواهر‪ ،‬يف ظل كل هذا بدأ الالهوت يحاول مداواة مأزقه‬ ‫وأدخل السببية وكانت خطو ًة مبدئي ًة لتعطيله بإدخال املنطق أو تغيري‬ ‫شكله السائد عىل األقل‪.‬‬ ‫وكان الفالسفة يحاولون موازاة ما توصل إليه العلم من تفسري ٍ‬ ‫ات وعالقة اإلنسان‬ ‫العادي بها‪ ،‬كعالقة العقل باملادة والعكس؛ وإيجاد حالة وسطى بينهام وهي‬ ‫املوضوعية بنقل الذات إىل إطار املوضوع وليس العكس وكان جدلي ًة بني الذهني‬ ‫والفيزيقي حسبام توصل إليه كانط‪.‬‬ ‫وقبل كان ديكارت الذي بدأ بطرح الشك كرضور ٍة فلسفي ٍة للتوصل إىل اليقني‪،‬‬ ‫بغض النظر‬ ‫وهكذا ومن هناك بدأ الفكر يوجد حال ًة طبيعي ًة يف تفسري األشياء ّ‬ ‫عن طبيعة النتائج التي ما زالت يف تلك الفرتة متعلق ًة باملفاهيم املوروثة‪.‬‬ ‫وبدأت فكرة الخلود بالزعزعة عن طريق الفيزياء‪ ،‬فإذا مات إنسا ٌن كيف‬ ‫لذراته املتناثرة أن تجتمع بذات األسلوب الذي كان عليه؟ ليس هنالك‬ ‫علمي‪ ،‬عىل افرتاض وجود تفسريٍ لفرضي ٍة من مثل هذا النوع‪.‬‬ ‫تفس ٌري‬ ‫ٌّ‬ ‫وشهدت الثقافة بتلك املرحلة والدة ما يسمى بالرومنسية كحالة ودا ٍع وتوديعٍ‬ ‫للفرضيات التي يك ّن لها اإلنسان عاطف ًة جياش ًة‪ ،‬والتي ارتبطت بوعيه التاريخي‬ ‫والثقايف لتعيل العاطفة عىل العقل‪ ،‬وهذا الفصل واالنقسام ناج ٌم عن اعتياد‬ ‫ٍ‬ ‫ذهني‬ ‫بسلوك‬ ‫لخواص معين ٍة ترتبط‬ ‫اإلنسان لفهم ظاهر ٍة معين ٍة يف تقسيمها‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫معني‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫برتراند راسل‪ :‬الدين والعلم (الجزء الثاين)‬

‫‪Noor Dawood‬‬

‫ومختلف‬ ‫وبدأت تتمثل لإلنسان حقيقته بانهيار جميع التصورات عن طريق الكيمياء والفيزياء واألحياء أنه يختلف‬ ‫ٌ‬ ‫مختلف بالنوع‬ ‫عن الحيوانات‪ ،‬وأنه ميلك طبيع ًة حيواني ًة ميكن التأكيد عليها وهي طبيعته‪ ،‬وميزته ال تعني انه‬ ‫ٌ‬ ‫وبداية نشوء ما يسمى باإلرادة اإلنسانية بعد تحلل اإلرادة امليتافيزيقية الوهمية يف املنظور الرائج التي هي بدورها‬ ‫أيضا ميتافيزيقية الن الشخصيات يرافقها ك ٌّم من األشياء التي تؤثر بها‪, ،‬والعقل يثبت أن االرادة ال إرادة لها مبا يخص‬ ‫َ‬ ‫القرارات ألن القرارات تخضع ملجموع ٍة من املكنونات الشعورية والالشعورية‪ ،‬فهي ليست كام يتم تصويرها بالعادة‪،‬‬ ‫ويف ظل انهيار الرسديات الثقافية الكربى بدأ تعزيز الهيمنة والدعوى لها فلسف ًيا كام أشار هيجل أن الحرية هي يف‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف من اإلرادة‬ ‫إطاعة الحكومات‪ ،‬وهذا ما رحبت به الحكومات بكل تأكيد‪ .‬وكان ذلك مبثابة محاكا ٍة لتشكيل نو ٍع‬ ‫ودوافع أفعا ٍل محددة‪.‬‬ ‫وبدأ العلم بتأويل أسباب الرغبات وأن كل يش ٍء يستند إىل الغريزة وما طبع بها ضمن تجربتها وعالقة القرار بالرغبة‪،‬‬ ‫وبدأ علم النفس والفيزياء يف اكتساب الطابع العلمي وتوسعت الفيزياء يف مواضيعها التي كانت محدود ًة باملادة‬ ‫والحركة يف أبحاث نيوتن الكالسيكية‪.‬‬ ‫وعالقة الوعي واإلدراك باألشياء وعدم دقتهام الكافية ألخذ نتائج نهائية‪ ،‬وأن الفروق بيننا وبني األشياء ليست سوى‬ ‫ذهني والعادة تتعلق بأنسجة األعصاب‪،‬‬ ‫فروقًا بردود األفعال‪ ،‬وأ ّن الذاكرة ٌ‬ ‫شكل من أشكال العادة وميكن إنكار أنها يش ٌء ٌّ‬ ‫وخصوصا أ ّن مفهوم املادة فقد خاصية الجوامد والذهن فقد‬ ‫وهكذا اكتسبت التفسريات نو ًعا حقيق ًيا من الجاملية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خاطئ وأن هذه‬ ‫خاصية ما فوق الطبيعي أو الروح‪ ،‬وأ ّن تفسري األشياء الفيزيقية عىل أنها خارج نطاق املادة الدماغية‬ ‫ٌ‬ ‫املادة مختص ٌة بعلم النفس‪.‬‬ ‫أسايس ضمن إطار هذا اإلميان وهو العذاب واالضطهاد الذي ال‬ ‫وكانت كيفية فقدان اإلميان بالخلود ناجم ًة عن يش ٍء‬ ‫ٍّ‬ ‫يكفي اإلله بل ميارسه رعاياه‪ ،‬لذلك نشأت الهرطقة عىل الهرطقة‪.‬‬ ‫ويف ظل ضعف املؤسسة الدينية بات األمر عاديًا ج ًدا‪ ،‬وكان رفع هذه املامرسات التعذيبية كاف ًيا للخروج من بوتقة‬ ‫اإلميان يالالمعقول‪ ،‬وما دعم ذلك إذا كان املوت من ضمنه موت الذاكرة والدماغ إذن كيف يتم االستمرار أل ّن كل‬ ‫تجرب ٍة تتصل بالذهن فكيف ميكن ذلك بعد انتهائه‪ ،‬ألن الشخصية سلسل ٌة من األحداث الذهنية‪ ،‬لذلك فاملوت يعني‬ ‫انتهاء العادات للموجود‪ ،‬وبهذا التكثيف يكون هذا الفصل قد تبني منه أهم ما فيه من مواضيع استجدت عىل فكر‬ ‫االنسان التي طورت من فهمه لنفسه أكرث‪ ،‬وبالتايل تنهار الرنجسية حول غموض اإلنسان التي ترضيه‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫برتراند راسل‪ :‬الدين والعلم (الجزء الثاين)‬

‫‪Noor Dawood‬‬

‫الفصل السادس‪:‬‬ ‫مذهب الجرب‬ ‫يل يف اسرتشاد الباحثني‪ ،‬ولكن واجه هذا النظام مجموع ٌة من األزمات التي أودت به‬ ‫الجرب هو مذهب عا ٌم للكون وعم ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫معروف يعتمد السببية التي توضح عدم كفايتها العلمية‪ ،‬وكان الجرب يديل بعد‬ ‫نظ ٌرا للتقدم العلمي‪ ،‬والجرب كام هو‬ ‫الدراسة نتائج حتمي ًة متوقع ًة‪ ،‬ولكن الذرة ونظريات امليكانيكا وضحت أنه ال ميكن التنبؤ بأيّة نتائج حتمي ًة أل ّن الذرة‬ ‫قلق وعبثي ٍة مطلقة‪.‬‬ ‫يف حالة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫معوقات كبري ٍة يف ظل هذه النظريات الحديثة‪ ،‬فامليكانيكا استبدلت اليقني‬ ‫وكان إطار معرفتنا الذي يحتويه الجرب له‬ ‫باالحتامالت املفتوحة وبالتايل أصبح الجرب يف هذه املرحلة مجرد تقاليد علمي ٍة كفلسفة اليونان يف النطاق الفلسفي‪،‬‬ ‫وكالدين يف الثقافة اإلنسانية‪.‬‬

‫الفصل السابع‪:‬‬ ‫التصوف‪ ‬‬ ‫لقد كان الرصاع الدائر فعل ًيا بني العلم والدين وليس بني‬ ‫رجاالت كال الطرفني‪ ،‬وعىل الرغم من أ ّن كث ٌري من رجال‬ ‫الثورة العلمية والذين كانوا عىل رأسها استحدثوا مفاهيم‬ ‫علمي ًة جديد ًة تعارض الدين واالعتقاد السائد؛ إال أ ّن‬ ‫رصح بذلك عالنية‪ ،‬بل‬ ‫أغلبهم ونظ ًرا لسلطة الكنيسة مل ي ّ‬ ‫وصنعوا الكثري من التسويات ومنهم من اعتذر عن نتائج‬ ‫أبحاثه‪ ،‬ورغم أنها تعارض الدين ا ّدعى بعض رجال العلم‬ ‫وأيضا يف ادعا ٍء آخر من ضمن‬ ‫أنها ال تعارض بل توافق ً‬ ‫االدعاءات التي سادت بأواخر مرحلة الهيمنة الكنسية؛‬ ‫بأ ّن النتائج العلمية يش ٌء والدينية يش ٌء آخر‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫برتراند راسل‪ :‬الدين والعلم (الجزء الثاين)‬

‫‪Noor Dawood‬‬

‫وكان من ضمن املآخذ عىل العلم عند البعض أنه ال يجيب عىل األسئلة جميعها مبا يخص الوجود‪ ،‬أل ّن هنالك فكر ٌة‬ ‫سادت بإمكانية هذا الكيان البسيط (اإلنسان) التوصل للحقيقة الكلية للكون واإلملام بأسباب وجود ظاهر ٍة تسمى‬ ‫وجود‪.‬‬ ‫ألي إجاب ٍة اعتباطي ٍة موروث ٍة ال متلك الحقيقة وال الربهان بل هي محطم ٌة أمام‬ ‫ولكن عدم توفر إجاب ٍة ال يعني العودة ّ‬ ‫الحقائق املكتشفة مؤخ ًرا يف البدايات قبل تحلل املوضوع أكرث‪.‬‬ ‫وكان األمر مبثابة الصدمة‪ ،‬أل ّن كل املداعي الالهوتية سقطت بظهور األداة التي متكّن اإلنسان من تشكيل منظو ٍر عن‬ ‫الحقيقة وهي التقنية العلمية‪ ،‬وبإخضاع الطبيعة لها جزئ ًيا مثلام قال فرانسيس بيكون‪ .‬وللعلم مزايا مل تتوفر سابقًا‬ ‫وهي املوضوعية‪ ،‬فهو يعرض اليشء عىل اإلنسان وال مييل عليه ما الذي يتوجب عليه فعله تجاه هذا اليشء‪ ،‬ويختار‬ ‫ترهيب مستم ٍّر‬ ‫حقيقي مبسائل ما يجب أن يكون بل يقدم حالة‬ ‫األشياء مبا يتالءم مع ظروفه ولك ّن الدين بدون مرتك ٍز‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫سلوكيات خطري ٍة من جنس طبيعة ترسيخ هذا السلوك‪.‬‬ ‫لصنع السلوك الفردي‪ ،‬وبالتايل الذي سيتمخض عنه مجموعة‬ ‫وأيضا جميع هذه املحاججات ميكن اختبارها‬ ‫ً‬ ‫ولكن ا ّدعى رجال الدين أ ّن محاجاتهم ال ميكن‬ ‫اختبارها بالرغم من أنهم حاولوا السيطرة‬ ‫وركوب املوجة العلمية مثلام يحدث مبا يسمى‬ ‫التصميم الذيك واإلعجاز العلمي‪.‬‬ ‫وكان املربر الوحيد إلميان كثريٍ من أعالم‬ ‫القساوسة والعودة إىل اإلميان هو انعدام إعطاء‬ ‫إجاب ٍة نهائي ٍة عن حقيقة الكون وهذا أم ٌر مث ٌري للسخرية‪ .‬وكان إجابتهم التي ورثوها مخترب ًة وحقيقي ًة ويبدو التصوف‬ ‫عند االطالع عليه وعىل تاريخ الحركات الصوفية متخبطًا وكل فرق ٍة من كل دينٍ ترفض األخرى؛ وت ّدعي بأنها األصح مع‬ ‫أ ّن الجميع يتجه إىل انعدام العقل والصحة‪ .‬ويف جانبه اآلخر أنه يهب نو ًعا رديئًا من املخدرات القارصة عن تحسني‬ ‫حياته ليفيق دو ًما عىل تضاعف أزمته‪ ،‬ليس فقط فيام يتعلق بسري وجوده بل مبسألة موته‪ ،‬فالعذاب الال ُمجدي‬ ‫سيالحقه ما بعد موته‪ .‬وكانت عبادة باخوس أو ديونيسوس بداي ًة للتعبري عن حالة السكر الصويف كإل ٍه للخمر‪ ،‬وفلسف ًيا‬ ‫مع بارميندس‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫برتراند راسل‪ :‬الدين والعلم (الجزء الثاين)‬

‫‪Noor Dawood‬‬

‫وساهمت الصوفية بجذب املؤمن ألصقاع اإلميان األكرث عمقًا لريى العقل الواعي كمية الوهم املفرزة من هذه الحالة‬ ‫والتي تعتمد عىل مسالك غري طبيعي ٍة للتوصل لها مثل االنقطاع الطويل عن األكل والرشب والنوم مام يؤدي إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسس لها فكريًا من األساس‪ ،‬والحقيقة التي يتوصل لها الصويف بالنهاية هي نفي اإلله للعودة‬ ‫وتهيؤات‬ ‫هلوسات‬ ‫ٌ‬ ‫لنفسه أو العكس‪ ،‬عدا عن نقط ٍة هام ٍة وهي أ ّن الصويف يرى العامل شيئًا ثانويًا‪ ،‬وأ ّن الزمان وجريان األحداث محض‬ ‫وهم‪ ،‬وأ ّن الهلوسات هي معرفة الحقيقة رغم عدم توفر يش ٍء سوى التهريج املستمر والجنون‪ ،‬ويقوم الصويف بفرز‬ ‫العامل املعاش والواقع ضمن األشياء الرشيرة وهذا ما رآه العرفانيني (الغنوصيني) لذلك إذا كانت هذه الفكرة هي املحرك‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات حمقاء أمثالهم إذا‬ ‫للنشاط اإلنساين عند الصوفيني فكيف ميكن االعتامد عىل أحكامهم؟ سيكون البرش عبار ٌة عن‬ ‫تم اعتامد رؤياهم‪ ،‬وهذا يش ٌء بعي ٌد حتى عند املؤمنني السطحيني‪ ،‬ولذلك اإلميان بالخرافات عىل كافة املستويات؛ منها‬ ‫ما هو مؤ ٍذ للذات وما هو مؤ ٍذ للجميع‪.‬‬ ‫الفصل الثامن‪:‬‬ ‫الغاية الكونية‬ ‫‪ ‬‬ ‫كام يف الفصل السابق يعرض راسل بعض اآلراء الساذجة حول‬ ‫اإلجابات الالعلمية مبا يخص الكون‪ ،‬وملاذا هو موجود‪ ،‬والتمسك‬ ‫بالرأي السائد فقط أل ّن العلم ال يقدم إجاب ًة مطلق ًة عن حقيقة‬ ‫متسك اإلنسان باإلجابات‬ ‫هذا الشأن بل يحاول استكشافها‪ ،‬ويأيت ّ‬ ‫القارصة نتيجة شعوره بقيم ٍة زائف ٍة أكرب بأنه هو محور هذا‬ ‫ترسب من عقائد الخيبة‬ ‫الكون وله قيم ٌة خاصة‪ ،‬وهي كام ذكرت‬ ‫ٌ‬ ‫يف حضن الحضارة املتقدمة فكريًا وعلميًا‪.‬‬ ‫ويذكر أسقف برمنجهام أ ّن هنالك عقالني ًة شبيه ًة بعقل اإلنسان‪،‬‬ ‫أساسا بأ ّن هذا الكون‬ ‫وهو تشبثٌ برنجسي ٍة غري‬ ‫موضوعي ً‬ ‫ٍّ‬ ‫أنتجه الوعي الراعي الرسمي لإلنسان‪ ،‬وهو ما ميكن التعبري عنه‬ ‫بالطفولية التي تتربأ من إعطاء دليلٍ‬ ‫موضوعي وانحسار اإلنسان‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫انعكاس‬ ‫بنفسه وكأنه الحقيقة الوحيدة يف الكون‪ ،‬وكل يش ٍء محض‬ ‫لحقيقته‪ ،‬كام قال بهذا املعنى الفيلسوف االنجليزي املثايل باركيل‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫برتراند راسل‪ :‬الدين والعلم (الجزء الثاين)‬

‫‪Noor Dawood‬‬

‫رص من يألف ويحتضن هذه‬ ‫ومهام كانت هذه النظرة جميل ًة ومريح ًة للبعض فهي أقل ما يقال عنها بأنها غري عقالنية‪ ،‬وي ّ‬ ‫النظرة بأ ّن ذلك الوعي خ ٌري وأ ّن الوجود يتو ّحد معه متناسني كل الرش املوجود ويعزون هذا الرش ملسألة الخيار واإلرادة‬ ‫مسائل إنساني ٌة بحتة‪ ،‬كمفهوم اإلله ال أكرث‪ ،‬وهي من نتاج الذهن البرشي ونسبي‬ ‫ٌ‬ ‫اإلنسانية‪ .‬إ ّن مسائل كالخري والرش‬ ‫رش النها ٍّيئ تجاه‬ ‫الطابع‪ ،‬فإذا افرتضنا أ ّن من يعاقب عىل الرش موجو ٌد فهو بالرضورة رشي ٌر ألنه يستكمل الفعل الرشير ب ٍّ‬ ‫الرش؛ الذي وضعه كخيا ٍر لإلنسان‪ ،‬وهذا يناقض الصفات املناقضة لصفاته‪ .‬ولليوم ونتيجة إبطال وحرس امللكات النقدية‬ ‫قوى فوق طبيعي ٍة‬ ‫والفكرية تجاه الدعوات اإلنسانية التي تخص اإلنسان الهمجي بالتعبري عن حالته الذهنية بأ ّن هنالك ً‬ ‫تهيمن عىل اإلنسان؛ ما زالت مستمر ًة بالحضارة املتقدمة‪ ،‬وهذا التصور ال ينتمي أو ال يوصم بها ال املجتمع الهمجي‬ ‫والبدايئ الذي تكرث به مثل هذه األوهام من القبائل األسرتالية واألفريقية بأديانها القدمية إىل اإلبراهيمية بأنساقها الثالثة‪.‬‬ ‫الفصل التاسع‪:‬‬ ‫العلم واألخالق‬ ‫‪ ‬‬ ‫األخالق كنتيج ٍة ملا يراه اإلنسان أنه خ ٌري يصبح من‬ ‫ضمن قواعده الرئيسية التي تحتاج ثور ًة دامئ ًة‬ ‫ٍ‬ ‫فضفاض من مثل ما هو خري‪،‬‬ ‫مفهوم‬ ‫ومستمر ًة لتطوير‬ ‫ٍ‬ ‫وبطبيعة الحال فالظروف تحدد مثل هذه املعايري‬ ‫وتبني عقيد ًة ديني ًة الرؤى األخالقية فيها من أكرب‬ ‫املعيقات األخالقية‪.‬‬ ‫ونتج عن األخالق ما يسمى مبصطلح الضمري الذي‬ ‫يتعلق بها‪ ،‬ولكن هذا الضمري الذي حسب االعتقاد‬ ‫يتشكل يف مكانٍ يف النفس أو جز ٍء منه؛ مفهو ٌم ضبا ٌّيب‬ ‫ومختلف من ٍ‬ ‫وال يحتوي عىل ٍ‬ ‫شخص إىل آخر ومن ثقاف ٍة إىل أخرى حسب التعاليم امللقاة التي تتجه للفرد‪،‬‬ ‫أسس محدد ٍة‬ ‫ٌ‬ ‫ووفق مصطل ٍح يف علم النفس التحلييل يسمى باألنا العليا وهي مجموع ٌة من التعاليم والنواهي التي تتعلق بأفعا ٍل‬ ‫رشف عليها اجتامع ًيا‪ ،‬ومن ينتهكها‬ ‫محدد ٍة قد تكون خاطئ ًة وقد تكون صحيحة‪ ،‬ولكن يتم معاملتها معامل ًة جربي ًة ي َ‬ ‫أيضا عدم تذكر ما طبع بالنشأة من مشاعر بعزوها إىل الكيان الذي يوصف بشامع ٍة لجهلنا وهو الله‪.‬‬ ‫يعترب مجر ًما‪ ،‬ويأيت ً‬ ‫‪28‬‬


‫برتراند راسل‪ :‬الدين والعلم (الجزء الثاين)‬

‫‪Noor Dawood‬‬

‫ولكن ال تنمية لألخالق من دون ترشيحها مبا يتناسب مع ظروف اإلنسان املستحدثة عىل الدوام‪ ،‬فظروف إنسان الثورة‬ ‫رش والخط الفاصل‬ ‫الزراعية تختلف عن ظروف إنسان الثورة الصناعية‪ .‬وارتبطت بطبيعة الحال مفاهيم األخالق مبا تراه خ ٌري و ٌ‬ ‫بينهام‪ .‬وأىت الدين لتبني هذا النسق الثقايف املسمى باألخالق لفرض هيمنته أكرث وتوجيه املجتمع مبا يتوجب فعله وما ال‬ ‫يتوجب كسلط ٍة يسلم بها الفرد عاطفيًا نتيجة موروثه غري العقالين‪ .‬ويقول نيتشه أ ّن اإلنسان العظيم من يك ّرس أخالق القطيع‬ ‫لصالحه فقط ‪ ،‬أي من يتجاوز فكر الجامهري لتحقيق غاياته‪ ،‬وتتعارض كث ٌري من األخالقيات مع مشاعر مختلف ًة لذلك يجب‬ ‫طويل‪ ،‬وليس استغاللها‬ ‫اجتامعي بني الطرح املسبق وطبيعة الغريزة التي تم تهذيبها ً‬ ‫فصام‬ ‫اختبار األخالق ليك ال تتكون حالة ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ودفعها لقضي ٍة خطري ٍة بنا ًء عىل تعاليم تختبئ وراء عناوين أخالقي ٍة عريض ٍة كالسبي اإلسالمي يف الحروب عىل سبيل املثال‪.‬‬ ‫وكان أثر علم األخالق عىل املجتمع قويًا دامئًا‪ ،‬كمحاولة رجل السياسة فرض رغباته عىل املجتمع وإحاللها كرغب ٍة جمعي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫رشع موضوع ًيا يف ترشيعه ال بد أن يرى‬ ‫أو محاولة جامع ٍة تكريس قيمها للسيادة عىل‬ ‫جامعات أخرى‪ ،‬ومهام كان امل ّ‬ ‫املوضوع من زاوي ٍة تخصه ومن وجهة نظره الخاصة‪ ،‬لذلك يجب دو ًما إعادة قلب املفاهيم وفحصها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫موضوعي من هذه املعيقات‪ ،‬صفة الواعظ وما تحمله من مكاسب اجتامعي ٍة وسياسي ٍة‬ ‫وهناك عدة‬ ‫إعاقات لترشيعٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫والتي تستغل املشاعر وتجيشها لغاي ٍة بعيد ٍة كل البعد عن الجامهري وتسهم يف اضطرابهم أكرث‪ ،‬وعمو ًما إ ّن علم األخالق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لرغبات عن كيفية تنظيم الحياة اإلنسانية مبا يتفق مع الحضارة وما توصلت إليه من‬ ‫مقاربات‬ ‫يتشكل من خالل‬ ‫ٍ‬ ‫معنى‪ ،‬ورضورة إحداث انقطا ٍع معها‪ ،‬أما عن‬ ‫مكتشفات بكل املجاالت‪ ،‬للتحرر من األشياء التي مل يعد لوجودها ّ‬ ‫أي ً‬ ‫األفكار الدينية التي مثلت رمزيًا وكرست سلطتها عن طريق الالهوت بأ ّن الخطاة سيعذبهم اإلله؛ فأداتهم الوثنية يف‬ ‫وجدان العامة أفرزت لهم أحقي ًة مبعاقبة هذا املخطئ وفقًا العتباراتهم‪.‬‬ ‫وهنا ينتهي الفصل األخري من هذا الكتاب الذي حاول به الفيلسوف‬ ‫االنجليزي برتراند راسل إيضاح أ ّن العلم هو األداة األكرث قدر ًة عىل تفسري‬ ‫كل ما يعجز اإلنسان عن تفسريه وعدم وجود تفسريٍ شاملٍ ال يعني‬ ‫وعي‬ ‫بالرضورة العودة لتفسريٍ قا ٍ‬ ‫أي مرب ٍر عىل إرصاره بصناعة ٍ‬ ‫رص ال ميلك ّ‬ ‫ومريض‪ .‬وأ ّن القمع الذي متارسه‬ ‫هالمي‬ ‫حقيقي أو واقعي‪ ،‬بل‬ ‫جامهريي‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫السلطات الثيولوجيا مبعاقلها املعروفة؛ ليس سوى ٍ‬ ‫كبت ملعرفة اليشء‬ ‫الذي يوقف أكاذيبها واالستمرار بسلطتها التي تعتمد عىل جهل اإلنسان‬ ‫ٍ‬ ‫مستقبل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ظروف أفضل‬ ‫بحارضه والوعي مباضيه ليتوصل إىل‬ ‫‪29‬‬


‫أسطورة اسمها اإلسالم‬ ‫(‪)5‬‬

‫نظريّة املسترشق األملا ّين غونرت لولينغ حول‬ ‫نبي اإلسالم وبني‬ ‫مقدار الزمن الفاصل بني وفاة ّ‬ ‫نشوء النصوص املُق ّدسة القانون ّية‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫عمر حسني‬


‫أسطور ٌة اسمها اإلسالم (‪)5‬‬ ‫عمر حسني‬

‫ تاريخ أديان التوحيد برأي الكاتب أشبه بألغا ٍز تختفي وراء‬‫ٍ‬ ‫بدايات ُمعتم ٍة ومجهولة‪ ،‬وتقبع خلف جدرانٍ من األسطرة‪ ،‬ش ّيدتها‬ ‫الدوغامت الثالثة‪ ،‬مام س ّبب إغالقًا ملنافذ الرؤية‪ ،‬من هنا فإ ّن نظريّة‬ ‫أساسا عىل تل ّمس تلك الفجوة يف املوروث الكتا ّيب‬ ‫لولينغ تقوم ً‬ ‫متوسطها ‪ 200‬سنة‪ ،‬وهي مقدار الزمن الفاصل بني وفاة‬ ‫والتي يبلغ ّ‬ ‫مؤسس العقيدة‪ ،‬وبني نشوء النصوص املُق ّدسة القانونيّة ‪،Canon‬‬ ‫ّ‬ ‫وينطلق لولينغ‪ ،‬من أ ّن اليهومسيح ّية كانت األساس لنشوء اإلسالم‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫انشقاق مه ّم‪ ،‬أنتج ت ّيارين‬ ‫فخالل القرون املبكرة للمسيح ّية‪ ،‬حدث‬ ‫رئيس ّيني‪ ،‬أ ّولهام ت ّيا ٌر ارتبط بالهلين ّية الرومان ّية‪ ،‬وقاد ُه بولس الرسول‬ ‫وأمثر عن والدة الكنيسة املسيحية‪ ،‬التي انقسمت فيام بعد إىل‬ ‫كنائس متع ّددة‪ ،‬أما التيّار الثاين فقد أنتج يهومسيحي ًة كان من أه ّم‬ ‫ممثّليها الطائفة األبيونية‪ ،‬التي تؤمن بإل ٍه واحد‪ُ ،‬من ّز ٍه من األقانيم‬ ‫الثالثة‪ ،‬وترفض عقيدة األلوهية ليسوع‪ ،‬وتنظر إليه كأحد املالئكة‬ ‫املسيحي إليصال رسالة الخالص‪ .‬ومن أه ّم ميزات العقيدة األبيونية‬ ‫الكبار الذين اختارهم املأل األعىل‪ ،‬وألبسهم الجسد‬ ‫ّ‬ ‫(اليهودي) وبنفس الوقت‬ ‫اليهودي‪ ،‬إىل جانب املعموديّة‪ ،‬وكذلك التزامها بتقديس يوم السبت‬ ‫التزامها بشعرية الختان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إدانتها لطقوس تقريب القرابني (التي تأمر بها الرشيعة اليهوديّة) ورفضها لقانون موىس‪ ،‬والنب ّوة (أو ّد اإلشارة إىل أ ّن‬ ‫فالنبي كان أشبه بع ّراف قبيلة‪ ،‬لذا نجد التوراة ترسد حكايا عن آالف األنبياء‪،‬‬ ‫فكرة النب ّوة آنذاك مل تكن تحظى بتقديس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الوثني وأنبياء إرسائيل‪ ،‬لهذا حملت العقيدة املسيحية مشاعر ازدرا ٍء واضح ٍة‬ ‫بحروب بني أنبياء البعليم‬ ‫وأحيانًا تذكّرنا‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫لغوي واحد!! فقط أردت‬ ‫للن ّبوة‪ّ ،‬‬ ‫وفضلت صيغة املسيح ملك يهوذا والسامرة‪ ،‬وال ننىس أ ّن ملك ومالك نشأتا من جذ ٍر ّ‬ ‫النبي املالك‪ ،‬وعالقتها باإلسالم)‬ ‫تعميق هذه الفكرة لنصل مع لولينغ إىل فهم فكرته القادمة عن النب ّوة املالئكية أو ّ‬ ‫وفضلوا عليها حياة الزهد والتقشّ ف‪ ،‬واملواظبة عىل طقوس الغسل‬ ‫وكذلك رفض األبيون ّيون الرشائع الباولوسية (بولس)‪ّ ،‬‬ ‫والصالة بات ّجاه القدس‪ ،‬بعكس الكنائس اليونان ّية التي اتّخذت رشوق الشمس اتّجا ًها لقبلتها (والناجمة حسب تقديري‬ ‫عن تأث ّرهم بعبادات رع املرصيّة)‪.‬‬ ‫ لهذا يستنتج لولينغ أ ّن اإلسالم املبكّر‪ ،‬يحتوي عىل تأثري ٍ‬‫خصوصا عند‬ ‫ات أبيونيّة‪ ،‬ميكن تل ّمسها يف أيّامنا الحارضة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫النبي وهو يف يومه السابع عىل يد‬ ‫الشيعة واإلسامعيل ّية‪ ،‬كام وميكن إثباتها من خالل قصص املوروث املتواترة (ختان ّ‬ ‫النص القرآ ّين دالل ًّيا ولفظ ًّيا‬ ‫يل الذي استبطن ّ‬ ‫ج ّده عبداملطّلب‪ ،‬ظاهرة األحناف وورقة بن نوفل‪ ،‬وظاهرة الشعر الجاه ّ‬ ‫يل مرشوع لسان‬ ‫كام يف أشعار ابن الصلت وعمرو ابن نفيل وزُهري وغريهم‪ ،‬وكذلك الحال استيعاب الشعر الجاه ّ‬ ‫علم أ ّن معظم الشعراء ليسوا من هذه القبيلة!! وكذلك دالالت اسم والد الرسول عبدالله‪ ،‬وعدد ال حرص له من‬ ‫قريش‪ً ،‬‬ ‫‪31‬‬


‫أسطور ٌة اسمها اإلسالم (‪)5‬‬ ‫عمر حسني‬

‫تدل عىل وجود تر ٍ‬ ‫اإلشارات التي ّ‬ ‫يهومسيحي غزير) لك ّن األمر الذي أفزع األوساط البحث ّية تل ّخ ّص يف نظريّة لولينغ‬ ‫اث‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫مرميات عرب ّيات‪ ،‬و ُهبل (هابيل‪:‬‬ ‫حول تاريخ الكعبة‪ ،‬واعتبارها كنيس ًة عرب ّي ًة صغرية‪ ،‬وكذلك اعتباره الالت والع ّزى ومناة‪،‬‬ ‫صور ٌة ميثولوجيّة إلله الرعي)‪.‬‬ ‫لألزرقي وغريه) الذي تح ّدث عن مراحل ع ّد ٍة‬ ‫ وقد اعتمد لولينغ يف تفسريه هذا إىل املوروث العر ّيب نفسه (تاريخ مكّة‬‫ّ‬ ‫لبناء الكعبة‪ ،‬يف عهد الزبري وعبدامللك بني مروان‪ ،‬ث ّم إشارته الذك ّية إىل ال ُحجر (وهو عبار ٌة عن ٍ‬ ‫قوس ضئيل االرتفاع أمام‬ ‫صل‬ ‫الشامي‪ ،‬بداخله قرب إسامعيل وأ ّمه هاجر) حيث تؤكّد املد ّونات العرب ّية أ ّن بناء ال ُحجر كان مرتف ًعا‪ ،‬ومتّ ً‬ ‫الجدار‬ ‫ّ‬ ‫بداخل الكعبة! إذ ميكن تص ّوره كمذب ٍح للكنيسة املُفرتضة‪ ،‬ناهيك عن أ ّن املوروث‪ ،‬تح ّدث عن وجود ستّة أعمد ٍة متوازي ٍة‬ ‫ملصل تلك األيّام أن يولّوا وجوههم صوب املذبح أو القدس أو ال ُحجر (حال ًّيا يوجد ثالثة أعمدة!)‪.‬‬ ‫داخل الكعبة‪ ،‬أتاحت ّ‬ ‫ويف مق ّدمة ابن خلدون ص‪ 389‬طبعة دار الجيل هنالك ما يؤكّد أ ّن الح ّجاج بن يوسف هدم ستّة أذر ٍع وش ًربا مكان‬ ‫األزرقي‪ ،‬التي تح ّدثت عن اللحظة التاريخ ّية لفتح مكّة‪ ،‬وذكره‬ ‫وأيضا مل ينس لولينغ رواية‬ ‫ال ُحجر‪ ،‬وس ّد الباب الغر ّيب! ً‬ ‫ّ‬ ‫النبي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫قصة صور مريم وعيىس داخل الكعبة‪ ،‬والتي ُمسحت الحقًا بأوامر من ّ‬ ‫ أ ّما األمر األكرث حساس ّية‪ ،‬هو دخول الس ّيد لولينغ يف واحد ٍة من املُح ّرمات اإلسالم ّية‪ ،‬أقصد بحثه الطويل واملُركّب يف‬‫اتيل وأغا َين مسيح ّي ًة عرب ّية‪ُ ،‬جمعت‬ ‫النص القرآ ّين‪ ،‬ومالحظته للسور القصرية (املقفّاة شعريًّا) واعتباره إيّاها تر ً‬ ‫قراءة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫النص ُد ّون بداية األمر بلغ ٍة‬ ‫وك ّونت نواة القرآن القديم‪ ،‬بعد‬ ‫إضافات منحتها محت ًوى ودالل ًة جديدة‪ ،‬وبرأيه فإ ّن هذا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وظل عىل حاله فرت ًة تصل إىل ‪ 150‬سنة‪ ،‬ث ّم تع ّرض بعدها إىل تغيريٍ دوغام ّيئ‪ ،‬استم ّر‬ ‫حركات صوت ّية‪ّ ،‬‬ ‫غري ُمنقّط ٍة وبدون‬ ‫السي النبويّة‪ ،‬وبداية ظهور التفاسري يف القرن العارش والحادي‬ ‫وترسخ ّ‬ ‫حتى نضوج ّ‬ ‫مؤسسة الدوغام ونشوء واكتامل َ‬ ‫ميالدي!‬ ‫عرش‬ ‫ّ‬ ‫هل كانت قريش مسيح ّي ًة تؤمن بالثالوث؟ وما هي‬ ‫االستنتاجات التي خلُص لها لولينغ عن الفتوحات اإلسالم ّية؟‬ ‫النص القرآ ّين تاريخ ًّيا هي من ُمسلّامت‬ ‫ إ ّن نشأة وصريورة ّ‬‫الفليلولوجي املعارص‪ ،‬فام سعى إليه لولينغ هو فتح‬ ‫البحث‬ ‫ّ‬ ‫ملف يعتربه‬ ‫ملف مجهول‪ ،‬من تاريخ الدعوة املح ّمدية‪ّ :‬‬ ‫ٍّ‬ ‫عبت عن نفسها من خالل‬ ‫الكاتب‪ ،‬جوهر الرسالة‪ ،‬التي ّ‬ ‫التوحيديي (األحناف)‬ ‫النبي مع األبيون ّيني‬ ‫ذوبان أتباع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املعادين للصور والنحوت‪ ،‬التي جلبتها مسيح ّية اليونان‬

‫‪32‬‬

‫أطالل كنيسة نسطورية يف الجبيل‬


‫أسطور ٌة اسمها اإلسالم (‪)5‬‬ ‫عمر حسني‬

‫ذات األقانيم الثالثة‪ ،‬والطقوس الغريبة‪ ،‬أي أ ّن الصدام مل يكن مع قريش الوثن ّية‪ ،‬بل مع قريش املسيح ّية التثليث ّية‪ ،‬وهذا‬ ‫تعتيم شمول ّية‪ ،‬ومس ٍح للذاكرة الجامع ّية‪ ..‬إ ّن مرشوع مح ّم ٍد مل‬ ‫ما أخفاه موروث الخلفاء‪ ،‬وطمسه وغ ّيبه عرب سياسة ٍ‬ ‫يكن يقصد إخراج العرب من الوثنيّة إىل التوحيد الذي مثّلته املسيحيّة واليهوديّة (أهل الكتاب) بل كان يقصد الخروج‬ ‫والعصيان عىل ذلك التوحيد (املسخ) والعودة إىل دين إبراهيم وإسامعيل ويعقوب وموىس وعيىس‪( ،‬وهنا بيت القصيد)‬ ‫مبعنى العودة إىل األصول البدئ ّية الطبيع ّية ‪ Pagan‬لرتاث العرب وديانات الخصوبة الطبيع ّية التي مثّلتها اليهوديّة‬ ‫املسيحي‪ ،‬باعتبارها فدا ًء للقبيلة والعصبة‬ ‫واملسيح ّية املبكرة (والتي تجلّت بصورة داوود وسليامن! و فكرة الفداء‬ ‫ّ‬ ‫لقصة املسيح‪ ،‬والتي تعود هي األخرى لديانات وطقوس مرتفعات‬ ‫وعالقات الرحم‪ ،‬ناهيك عن الجذور امليثولوج ّية ّ‬ ‫الخصوبة الكنعانيّة‪ ،‬التي م ّجدت البطولة وتقاليد القبور وإحياء املوىت‪ ،‬لهذا أعاد اإلسالم هذه الفكرة من خالل عقيدة‬ ‫النبي مح ّم ٍد إىل‬ ‫النبي كام ييل‪ :‬إ ّن عودة ّ‬ ‫النرش وحرش األجساد يف العام اآلخر) وهكذا يل ّخص لولينغ أفكاره يف اكتشاف ّ‬ ‫اهيمي هو عصيا ٌن ومتر ٌد أمام مسيح ّية روم هيلين ّية ذات مرشو ٍع كو ّين (باولويس) يرمي إىل تشييد امرباطويّ ٍة‬ ‫الجذر اإلبر ّ‬ ‫بروليتاريّ ٍة ألفرا ٍد مقطوعي الجذور! (أي أنّها عود ٌة إىل إبراهيم الذي يخاطب الله بدون تكلّف‪ ،‬فيح ّدد له تخوم أرضه‬ ‫ونسله وصلبه)‪.‬‬ ‫الالمنطقي قبول‬ ‫ أما النقطة الجديرة باالنتباه‪ ،‬فهي رفض غونرت لولينغ لفكرة الفتوحات اإلسالم ّية الرسيعة‪ ،‬فمن‬‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ومرب املاشية‪ ،‬وكيف اجتاحوا بالد فارس ووصلوا إىل‬ ‫وتصديق الرواية التي تتح ّدث عن‬ ‫مجموعات قليل ٍة من الت ّجار ّ‬ ‫تونس خالل ثالثني سنة‪ ،‬ويف غضون خمسني عا ًما إىل جبال البريينيه وه ّددوا القسطنطين ّية‪ ،‬كيف يستوي ذلك مع أخبار‬ ‫يل ومعاوية؟! إ ّن هذه‬ ‫نزاعات العرب فيام بينهم وتذابحهم عىل خالفة الرسول واشتعال فتنة عثامن وحروب عائشة وع ٍّ‬ ‫السلمي للعرب‪،‬‬ ‫اطوري كبري‪ ..‬إذن ال ب ّد لنا من قبول مبدأ التم ّدد‬ ‫أي مرشو ٍع امرب‬ ‫ٍّ‬ ‫النزاعات وحدها كانت كفيل ًة بإحباط ّ‬ ‫ّ‬ ‫فاإلميان فقط بعقيد ٍة ما ال يحقّق انتصار ٍ‬ ‫ات وفتوحات‪ ،‬ال بد أ ّن اللغة الكتاب ّية العرب ّية قد ازدهرت يف ٍ‬ ‫وقت ما وسبقت‬ ‫ٍ‬ ‫فتوحات لغويّ ٍة كتاب ّي ٍة عرب ّية‪ ،‬سحقت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وثقافات دبّت‬ ‫لغات‬ ‫الجيوش! (ببساط ٍة شديد ٍة ميكننا الحديث بهذا املعنى عن‬ ‫بها الشيخوخة‪ ،‬وعن لغ ٍة تح ّولت إىل العامل ّية ‪ Lingau Franca‬واحتلّت وحلّت مكان لغة الساسان ّيني واليهود وبيزنط ّيي‬ ‫شامل إفريقيا‪ ،‬وعن لغ ٍة استطاعت أن تجعل من أبناء الثقافة الفارس ّية العريقة أه ّم معلّميها ومبدعيها ون ّحاتيها! وقد‬ ‫نجد هنا اللغز األكرب يف نشأة اإلسالم!)‪.‬‬ ‫رس اإللهني إيساف ونائلة؟‬ ‫هل كانت مكّة ً‬ ‫أرضا لليهود‪ ،‬وما هو ّ‬ ‫ واآلن وبعد أن عرفنا بعض آراء لولينغ‪ ،‬أو ّد أن أتجاوز الكثري من أطروحاته‪ ،‬اختصا ًرا ملساحة هذه املقالة‪ ،‬وأتوقّف‬‫للهولندي راينهارد دوزي ‪ R. Dozy‬الذي أصدر عام ‪ 1864‬كتابًا بعنوان «اإلرسائيليّون يف مكّة»‬ ‫عند اكتشافه (املتأ ّخر)‬ ‫ّ‬ ‫امليالدي كان يُر ّدد يف الوثائق القدمية «ماكورابا ‪ »Macoraba‬وهو‬ ‫وفيه يذكر أ ّن اسم مكّة ولغاية القرن الثالث‬ ‫ّ‬ ‫‪33‬‬


‫أسطور ٌة اسمها اإلسالم (‪)5‬‬ ‫عمر حسني‬

‫نفس االسم الذي ورد ذكره مرا ًرا يف األسفار التورات ّية «مكا‬ ‫رابا» وتعني بالكنعان ّية «ساحة الرصاع أو أرض املعركة»‪،‬‬ ‫ومن امله ّم ذكر الحادثة التي ترويها التوراة عن رحيل سبط‬ ‫شمعون‪ ،‬أيّام امللك شاوول وداوود‪ ،‬وإقامتهم يف أرض‬ ‫كل هذه اإلشارات‬ ‫الحجاز‪( ،‬أحد األسباط اإلثني عرش) ّ‬ ‫قصة إسامعيل وهاجر التورات ّية‬ ‫دعت دوزي إىل االعتقاد أ ّن ّ‬ ‫تاريخي أحدثه مد ّونو التوراة مؤ ّخ ًرا لتربير رحيل‬ ‫هي حش ٌو‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫وتخفيف من مشاعر ّ‬ ‫الذل‬ ‫آل شمعون‪ ،‬كخرو ٍج من املأزق‬ ‫والعار التي لحقتهم‪ ،‬وبهذا فإ ّن نظريّة دوزي تقوم عىل‬ ‫وجود ٍ‬ ‫خلط بني شمعيل وشمعون (تع ّمدت كتابة اسم‬ ‫إسامعيل «شمعيل» إلظهار الفرق الضئيل مع اسم شمعون)‪.‬‬ ‫باسمي‬ ‫ثم ينتقل دوزي بدراسته إىل إلهني وثن ّيني‪ُ ،‬عرفا‬ ‫ّ‬ ‫«إيساف ونائلة» وهام إلهان انتصبا عىل ُمرتفعي الصفا‬ ‫اإلسالمي بكثريٍ من األسطرة‪ ،‬لك ّن دوزي يكتشف مفتا ًحا لغويًّا يؤكّد أ ّن‬ ‫واملروة (بالقرب من مكّة) ويذكرهام املوروث‬ ‫ّ‬ ‫إيساف بالعربان ّية هي آسوف (مكا ٌن لرمي فضالت الذبائح واألحشاء) ونائلة هي نوايل وتعني (مزبلة) وبهذا فإ ّن الصفا‬ ‫واملروة كانا أماكن لرمي النفايات الناتجة عن القرابني التي كانت ت ُنحر أمام الكعبة املُق ّدسة‪..‬‬ ‫وبعد موت دوزي‪ ،‬توقّفت اهتاممات باحثي التوراة‪ ،‬باستثناء محاولة فينكلر وهوميل التي تابعت أخبار العرص التورا ّيت‬ ‫للملك حزقيا (‪715‬و‪ 696‬ق‪.‬م) وأثبتت أ ّن كث ًريا من النصوص التوراتيّة التي ذكرت مرص كانت تعني املنطقة جنوب‬ ‫خليج العقبة (شامل غرب شبه الجزيرة العربية)‪ ،‬حيث أثبتت النقوش والكتابات املسامريّة التي ُعرث عليها أ ّن تلك‬ ‫املنطقة (حتى القرن السابع) كانت ت ُدعى ُم ُص أو ِمرص وهو املكان الذي تس ّميه التوراة مرصاييم‪ ،‬وعني املكان الذي‬ ‫الصليبيي‪ ،‬وأحمد داوود)‪.‬‬ ‫أقامت به قبائل الشامعيل ّية أو الشمعون ّية! (وهذا األمر سيفرح عشّ اق نظريّة كامل‬ ‫ّ‬ ‫قصة سبط الالويني (الذين تف ّرغوا للكهنة ومنهم‬ ‫حيت باحثي التوراة‪ ،‬وهي ّ‬ ‫ ث ّم ننتقل إىل واحد ٍة من األمور التي ّ‬‫حقيقي لهم عىل أرض التوراة (من‬ ‫موىس وهارون) والذين فُقد أثرهم‪ ،‬من خارطة توزيع القبائل اإلرسائيل ّية‪ ،‬إذ ال وجود‬ ‫ّ‬ ‫املعروف أ ّن سبطي يهوذا وبنيامني سكنا الجنوب‪ ،‬والباقي يف الشامل) لك ّننا نعود ونسمع قصة الالويني مج ّد ًدا من جيل‬ ‫يل‪ ،‬الذي تركنا نعرف أ ّن الالويني اختفوا ومل يعودا إىل أرض امليعاد!! وبنفس الوقت يخربنا املُد ّون‬ ‫ما بعد السبي الباب ّ‬ ‫التورا ّيت أ ّن نبوخذ نرص قام برتحيل مثانني ألفًا من فتيان اليهود إىل الحجاز!‬ ‫‪34‬‬


‫أسطور ٌة اسمها اإلسالم (‪)5‬‬ ‫عمر حسني‬

‫تصب يف اتّجا ٍه واحد‪ ،‬نجد أ ّن أرض الحجاز كانت أحد‬ ‫ وأخ ًريا‪ ،‬وبعد ّ‬‫كل هذه الروايات والقصص امليثولوج ّية التي ّ‬ ‫القصة اليهوديّة اإلبراهيميّة‪ ،‬فالكعبة مل تكن مرك ًزا لعبادات (الجاهليّة) الوثنيّة املُبتذلة‪،‬‬ ‫املراكز الروحيّة الكربى يف تاريخ ّ‬ ‫اإلسالمي‬ ‫للحج‬ ‫أسطوري‪ّ ،‬‬ ‫قصيص‬ ‫وإسهاب‬ ‫بإطناب‬ ‫اإلسالمي‬ ‫كام يخربنا املوروث‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وإل فكيف ّ‬ ‫يفسون تح ّولها إىل مرك ٍز ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النص القرآ ّين عىل جعل الصفا واملروة (حيث يقف صنام إيساف ونائلة!!) ضمن شعائر‬ ‫يفسون تأكيد ّ‬ ‫فيام بعد؟ وكيف ّ‬ ‫الحج؟؟‬ ‫ّ‬ ‫ما هي عالقة املسيحيّة بالقرآن من وجهة نظر لولينغ؟‬ ‫وهل توجد أناشي ُد مدائح ّي ٌة مسيح ّي ٌة تتخفّى خلف أجزا ٍء من القرآن؟‬ ‫املختصني األملان يف العلوم السام ّية وتحت‬ ‫ يف سنة ‪ 2002‬صدر كتاب «القراءة الرسيان ّية اآلرام ّية للقرآن» بقلم أحد‬‫ّ‬ ‫االسم املستعار لكريستوف لوكسنبورغ‪ .‬يطرح باحثٌ يف هذا العمل فرض ّي ًة تقول بأ ّن العديد من اآليات الغامضة يف‬ ‫القرآن (حوايل الربع من ُمجمل ما يزيد عن ‪ 6000‬آية) باإلمكان فهمها بطريق ٍة أفضل إذا ما انطلق املرء من األصل‬ ‫اللغوي الذي ال يتطابق عىل أيّة حا ٍل مع اللغة العرب ّية الفصحى التي نعرفها اآلن‬ ‫امي للقرآن‪ ،‬أي من ذلك الخليط‬ ‫ّ‬ ‫اآلر ّ‬ ‫والتي مل تتشكّل ّإل يف فرت ٍة الحق ٍة من التاريخ‪ .‬وقد أسقط لوكسنبورغ من بني ما أسقطه ذكر «حوريّات» الج ّنة املوعودة‬ ‫للشهداء كام جاء يف القرآن‪.‬‬ ‫اسم مستعار‪ ،‬وهو منذ أربعني سن ًة يجتهد‬ ‫ أ ّما غونرت لولينغ املسترشق وعامل األديان األملا ّين فلم ير داعيًا للتخفّي وراء ٍ‬‫خاص ًة بالنسبة ألولئك‬ ‫يف السعي إىل ٍ‬ ‫توصل إليها مذهل ًة ومثري ًة ّ‬ ‫فهم أفضل لكتاب املسلمني املُق ّدس‪ ،‬وكانت النتائج التي ّ‬ ‫املس باملُعتقد‪ ،‬ومع ذلك فإ ّن لولينغ مل يجد مضايق ًة بسبب ذلك‬ ‫رصون دو ًما عىل رضورة تنزيه النصوص وعدم ّ‬ ‫الذين ي ّ‬ ‫ّإل من طرف عد ٍد قليلٍ من املسلمني‪ ،‬بينام جاءت أكرث مضايقاته من طرف زمالئه من االختصاص ّيني‪ ،‬وإنّه ألم ٌر ذو دالل ٍة‬ ‫رش هنديّة‪،‬‬ ‫واضح ٍة عىل أ ّن صدور الصيغة النهائ ّية لعمله الذي يُع ّد عمل العمر قد ت ّم باللغة اإلنكليزيّة ولدى دار ن ٍ‬ ‫ولولينغ مل يقم سوى مبواصلة العمل الذي ابتُدئ يف فرتة ما بني القرنني التاسع عرش والعرشين‪ ،‬أال وهو تأسيس اجتها ٍد‬ ‫كل من كارلو دي الندبارغ ومارتن هارمتن‬ ‫فقهي يرتكز عىل املناهج النقديّة التاريخ ّية للعلوم الغرب ّية‪ ،‬كام استخدم ذلك ٌّ‬ ‫ٍّ‬ ‫وكارل فوللر عىل سبيل املثال‪.‬‬ ‫ وقد طُرحت منذ ذلك الحني فرض ّي ٌة تقول بأ ّن هناك أناشي ُد مدائح ّي ٌة مسيح ّي ٌة تختفي خلف بعض األجزاء من القرآن‪.‬‬‫يل»‪،‬‬ ‫ومنذ أطروحته التي أع ّدها يف سنة ‪ 1970‬ث ّم قام بتوسيعها يف سنة ‪ 1974‬يف شكل ٍ‬ ‫كتاب بعنوان «حول القرآن األص ّ‬ ‫سيظل يتبعها منذ ذلك الحني‪ ،‬وكان أن قادته هذه الطريق إىل االقصاء‬ ‫ّ‬ ‫كان لولينغ قد سطّر لبحوثه الطريق التي‬ ‫‪35‬‬


‫أسطور ٌة اسمها اإلسالم (‪)5‬‬ ‫عمر حسني‬

‫ظل املسلمون يتّمسكون بها كبديه ّي ٍ‬ ‫األكادميي واملصاعب الشخص ّية‪ ،‬ألنّه وضع موضع السؤال تص ّور ٍ‬ ‫ات ألكرث من‬ ‫ات ّ‬ ‫ّ‬ ‫أيضا بسبب مناقضته آلراء بعض ممن ميثّلون سلط ًة يف ميدان البحوث القرآن ّية‪ ،‬سيندهش‬ ‫ألف سن ٍة من الزمن‪ ،‬ولكن ً‬ ‫الناقد لوفرة الجزئيّات والحجج التي ينطوي عليها عمل لولينغ الذي يقع يف ما يفوق الخمسامئة صفحة‪ ،‬وال يسعه‬ ‫إالّ أن يق ّر بغزارة ما يحتوي عليه من املعرفة‪ .‬وخالفًا للمدرسة األنكلوسكسون ّية الجديدة للبحوث القرآن ّية (إصالح ّية‬ ‫النبي مح ّم ٍد (سنة ‪،)632‬‬ ‫فانسبورو) التي تركّز اهتاممها عىل عمل ّية تجميع القرآن التي متّت بعد مائتي سن ٍة من موت ّ‬ ‫النبي – كأناشي َد مدائح ّي ٍة ومقاط َع شعريّ ٍة مسيح ّية‪.‬‬ ‫يعتقد لولينغ أ ّن أجزا ًء ها ّم ًة من القرآن كانت موجود ًة قبل مجيء ّ‬ ‫يل‪.‬‬ ‫تلك هي أطروحته األساس ّية التي يُنظر إليها كـ«استعاد ٍة» للقرآن األص ّ‬ ‫ظل املسلمون يعتقدون دو ًما يف ص ّحتها حتى يومنا‬ ‫ وإذا ما ث ُبتت ص ّحة نظريّات لولينغ فإ ّن كث ًريا من األشياء التي ّ‬‫للنبي مح ّم ٍد وبصف ٍة تا ّم ٍة ث ّم وقع‬ ‫هذا ستجد نفسها متجا َوزة‪ ،‬كمسألة أ ّن القرآن كام نعرفه اليوم قد أُوحي به كل ًّيا ّ‬ ‫كتاب موثوقٍ مبصداق ّيته عىل عهد‬ ‫تجميعه يف صيغة ٍ‬ ‫تول الخالفة من سنة ‪ 644‬إىل‬ ‫الخليفة عثامن الذي ّ‬ ‫سنة ‪ 656‬م‪ .‬وقد الحظ العلامء املجتهدون من‬ ‫املسلمني بني الحني واآلخر أنّ العديد من املواقع‬ ‫النص القرآين كان يشوبها الغموض‪ ،‬وأنّ هناك‬ ‫يف ّ‬ ‫سبع قر ٍ‬ ‫ومسموح بها‬ ‫اءات مختلف ٍة ظلّت ُمتداول ًة‬ ‫ٌ‬ ‫عىل أيّة حال‪ ،‬لكن مل تكن تتوفّر لديهم املناهج‬ ‫النقديّة التاريخ ّية التي توفّرها العلوم الحديثة‬ ‫للباحثني اليوم‪.‬‬ ‫ ما هي الطريقة التي يعتمدها لولينغ يف تناول املسألة؟‬‫ٍ‬ ‫كأساس لتحليله‪ .‬فاللغة العربيّة ككل اللغات الساميّة ال ترسم يف كتابتها غري‬ ‫إنّه ينطلق من نواقص الكتابة العربيّة‬ ‫لكل‬ ‫تول ّ‬ ‫الخاصة التي ّ‬ ‫الحروف الساكنة وحروف امل ّد بينام تهمل الحركات والتنقيط‪ّ .‬إل أ ّن القرآن‪ ،‬وانطالقًا من األه ّمية‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫حرف بسبب التأويل‪ ،‬قد ت ّم تشكيله باستخدام الحركات التي مل يقع اعتامدها مع ذلك ّإل يف ٍ‬ ‫وقت متأ ّخر‪.‬‬ ‫ واألمر نفسه ينطبق عىل مسألة التنقيط التي تقيض بأ ّن هذا الحرف ب أو ت أو ث أو ن‪ ،‬س أو ش‪ ،‬ر أو ز‪ ،‬ف أو ق‪.‬‬‫والكتابة العربيّة املُستعملة اليوم قد عرفت عىل مدى أجيا ٍل متالحق ٍة تط ّو ًرا م ّرت عن طريقه وبوسائل الرموز املُنقّطة‬ ‫بنو ٍع من الرسم اإليحا ّيئ الشبيه بالكتابة االختزال ّية إىل كتاب ٍة «كاملة الرشوط» صريورة تط ّو ٍر شبيه ٍة بتلك التي شهدتها‬ ‫يل «املازورا»‪ .‬إنّه من السهل إذًا أ ْن نتص ّور االمكان ّيات العديدة لحصول‬ ‫اللغة العربيّة عىل أيدي حركة االصالح النق ّ‬ ‫‪36‬‬


‫أسطور ٌة اسمها اإلسالم (‪)5‬‬ ‫عمر حسني‬

‫قر ٍ‬ ‫اءات خاطئ ٍة بسبب الغموض الذي تس ّببت فيه نواقص هذه الكتابة‪.‬‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬بل عكس ذلك متا ًما‪ :‬إنّه ينتظر من‬ ‫ ومثل لوكسنبورغ‪ ،‬فإ ّن لولينغ ال تقوده يف بحوثه ن ّية تفكيك الكيان‬‫ّ‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫اإلسالمي‬ ‫يل أن تؤ ّدي إىل شحذ طاقات دفعٍ ها ّم ٍة لعمل ّية الحوار‬ ‫املسيحي ً‬ ‫عمل ّية إعادة استعادة النص القرآ ّين األص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رس عريض‪ ،‬كام ال ميكن تص ّور أفضل وأمنت‬ ‫وأن تفيض نتائج بحوثه ‪-‬إذا ما فُهمت عىل الوجه الصحيح‪ -‬إىل تأسيس ج ٍ‬ ‫سابق‬ ‫املسيحي داخل القرآن‪ ،‬واملكانة الها ّمة التي ت ّ‬ ‫منه‪ ،‬للتواصل بني الديانتني‪ .‬وإ ّن حضور الرتاث‬ ‫كنبي ٍ‬ ‫ُول للمسيح ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ملح ّمد‪ ،‬وكذلك مريم العذراء وأنبياء وبطارقة الكتاب املُق ّدس‪ ،‬تُع ّد جميعها من مك ّونات األسس املعرف ّية لإلسالم‪ ،‬بالنسبة‬ ‫توصل لولينغ باالعتامد عىل حج ٍج جديد ٍة إىل التع ّرف عىل مواقع ها ّم ٍة من القرآن‬ ‫للمسلمني ً‬ ‫أيضا بطبيعة الحال‪ .‬لقد ّ‬ ‫محاول إعادة صياغة عباراتها الدقيقة بوسائل ذات مست ًوى معر ٍّيف راقٍ تعتمد‬ ‫ً‬ ‫هي يف األصل أناشيد (مدائح) مسيح ّي ٌة‬ ‫املرشقي لفرتة ما قبل اإلسالم وعروضه وأشكاله اللغويّة‪ .‬وقد كان هناك من بني‬ ‫أيضا وبطبيعة الحال عىل معرف ٍة بالشعر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫الشعراء العرب القدامى مسيح ّيون ً‬ ‫اللغوي وقواعدها النحويّة ت ُع ّد من‬ ‫البدوي العر ّيب القديم وكذلك مستواها‬ ‫كام أ ّن البنية املُركّبة التي كان عليها الشعر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عب طه حسني خالل القرن املنرصم عن شكّه يف‬ ‫أكرث املواضيع أه ّمي ًة وأكرثها إثار ًة للخالفات يف مجال البحوث‪ .‬وقد ّ‬ ‫األصالة التا ّمة لهذه األشعار وص ّحة نسبتها كام ظلّت تُق ّدم بالطريقة املتداولة‪ ،‬كام أنّه هو الذي طرح أ ّن القرآن يحتوي‬ ‫نظم موزون ٍة» تعود إىل زمن ما قبل مح ّمد‪ .‬وقد أثار ذلك موج ًة كربى من االحتجاجات‪.‬‬ ‫عىل «مقاطع ٍ‬ ‫ تناول لولينغ مبنهجه س َو ًرا قرآن ّي ًة مثل «عبس» (رقم‪ )80‬و«العلَق» (‪ )96‬وسو ًرا أخرى كثرية‪ .‬وقاده ذلك بعي ًدا‪ ،‬أي إىل‬‫التوصل إىل تحوير ٍ‬ ‫ات يف املحتوى‬ ‫إعادة صياغة بعض «صيغٍ فعل ّي ٍة ُمح ّرفة القراءة»‪ ،‬وهكذا ت ّم عرب هذه القراءة الجديدة ّ‬ ‫الديني القديم‬ ‫األخروي والتي متكّن من الربط بصف ٍة أوضح وأبني باملوروث‬ ‫القيامي‬ ‫يف عد ٍد كبريٍ من املواقع ذات الطابع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتوصل هذه القراءة الجديدة إىل إعادة ربط‬ ‫مم تفعله القراءات املتداولة التي ت ُع ّد نهائ ّي ًة وغري قابل ٍة للتحوير‪ .‬وهكذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫عالقة االتّصال يف مجال تاريخ األديان‪.‬‬ ‫قصة جمع القرآن مع قصة إكلريوس عبد امللك يف جمع القراءات اإلنجيليّة والتوراتيّة يف‬ ‫الحلقة القادمة‪ :‬ملاذا تتشابه ّ‬ ‫عام من‬ ‫بالد الشام؟ وملاذا تعود أقدم نسخ ٍة من القرآن إىل القرن الثامن‬ ‫امليالدي؟ وهل احتاج القرآن ما يزيد عىل ‪ٍ ١٠٠‬‬ ‫ّ‬ ‫التنقيح والتعديل إىل أن ُختم بالشكل املوجود عليه؟؟ وما هي االستنتاجات امله ّمة التي خلُص إليها املسترشق غريد‬ ‫بوين عن مخطوطات صنعاء؟‬ ‫السوري‪ /‬نادر قريط ومبقاالت الباحث األملا ّين‪/‬فولفغانغ غونرت لريش‪ ،‬من صحيفة فرانكفورتر الغامينة تسايتونغ‪.‬‬ ‫تنويه‪ :‬متت االستعانة برتجمة الباحث‬ ‫ّ‬

‫‪37‬‬


38


‫سلسل ُة أحكام‬ ‫أهل الذمة (‪)2‬‬

‫محمود جامل‬

‫سلسل ٌة تتناول كيف عاش املسيحيون يف ظل الخالفة اإلسالمية‪.‬‬

‫بيد أ َّن الرشوط التي أق َّرها عمر بن الخطاب ليست عىل إطالقها‪،‬‬ ‫فيحق للخليفة‬ ‫إذ ترسي فقط عىل البلدان التي فتحها املسلمون بصل ٍح أو معاهدة‪ ،‬أما إذا كانت البلد قد فُتحت ُعنو ًة ُّ‬ ‫أن يهدم الكنائس فيها متى شاء‪ ،‬بل ويتوجب عليه هدمها‪ ،‬بحسب ما يقول ابن حنبل‪ ،‬الذي جاء عنه‪:‬‬ ‫إن كانت الكنائس صل ًحا تركوا عىل ما صولحوا عليه‪ ،‬أما العنوة فال‪ .‬ويف موضعٍ آخرٍ‪ :‬ما كان من صل ٍح يقر‪ ،‬وما كان أحدث يهدم‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫سلسلة أحكام أهل الذمة (‪)2‬‬ ‫محمود جمال‬

‫وإذا ما فتح املسلمون بل ًدا من البلدان‪ ،‬واستحدثوا عىل أرضه مدين ًة فال يحق ألهل البلد أن يبنوا يف تلك املدينة أي‬ ‫كنيس ٍة لهم‪ ،‬وقد ُسئل ابن ٍ‬ ‫عباس عن أمصار العرب‪ ،‬أو دار العرب‪:‬‬ ‫ناقوسا‪ ،‬وال‬ ‫هل للعجم أن يحدثوا فيها شيئًا؟ فقال‪ :‬أميا م ٍ‬ ‫رص مرصته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيع ًة‪ ،‬وال يرضبوا فيه ً‬ ‫يرشبوا فيه خم ًرا‪ ،‬وال يتخذوا فيه خنزي ًرا‪ ..‬ويزيد اإلمام أحمد عىل هذه الرشوط بالقول‪ :‬وال يرفعوا أصواتهم يف دورهم‪ .‬‬ ‫فقهي‪ ،‬بل هو ما طبقه عمل ًيا عمر بن عبد العزيز‪ ،‬قبل زمن ابن حنبلٍ بقرنني‬ ‫وليس قول إمام أهل السنة مجرد تنظريٍ ٍ‬ ‫تقريبًا‪ ،‬وذاك هو السبب الثاين الذي يُثبت صحة الرشوط العمرية كام أوردناها‪.‬‬ ‫إذ قد أمر خامس الخلفاء الراشدين بهدم الكنائس يف البالد التي فتحها املسلمون‪ ،‬وأصدر مرسو ًما بقانونٍ ألزم به‬ ‫مسيحيي الشام بالبنود التي كتبها لهم جده عم ٌر بن الخطاب وإذا ما خالف منهم أح ٌد‪ ،‬بأن رفع الصليب فوق الكنائس‪،‬‬ ‫أو رضب الناقوس‪ ،‬فإ ّن سلْبه ملن وجده من املسلمني‪ ،‬هذا عىل الرغم من أنه ‪ -‬بحسب ما أجمع‪ ‬اإلخباريون ‪ -‬كان‬ ‫رجل يقال له ’’أسامة بن زيد التنوخي‘‘‪،‬‬ ‫تول الخالفة كان عامل الخراج عىل مرص ٌ‬ ‫كل ترصفاته‪ ،‬فلام ّ‬ ‫يتحرى العدل يف ِّ‬ ‫يقول عنه ابن الجوزي‪:‬‬ ‫غاشم ظلو ًما معتديًا يف العقوبات‪ ،‬بغري ما أنزل الله عز وجل‪ .‬كان يقطع أيدي املرصيني وأرجلهم يف خالف‬ ‫كان‬ ‫ً‬ ‫ما يؤمر به‪ ،‬وكان يشق أجواف الدواب فَي ْدخل فيها القطّاع ثم يطرحهم يف النيل للتامسيح‪ ،‬فعزله عم ٌر بن عبد‬ ‫ٍ‬ ‫رشوط وأحكام‪.‬‬ ‫العزيز ورغم ذلك‪ ،‬مل يكن بوسعه أن يخالف يف املرصيني‪ ،‬أهل الذمة‪ ،‬ما جاء بحقهم من‬ ‫وكانت ظروف الحرب األهلية التي اشتعلت بعد موت عثامن بن عفانٍ ‪ ‬قد حالت دون تطبيق الرشوط العمرية‪ .‬لذا‪،‬‬ ‫فقد كانت عودة عم ٌر بن عبد العزيز لتطبيقها موضع حفاو ٍة كبري ٍة من املؤرخني والفقهاء‪.‬‬ ‫وهو األمر عينه الذي عاد وتكرر مع الرشيد‪ ،‬الذي هدم الكنائس يف مرص‪ ،‬واملتوكل الذي هدم كنائس العراق‪ ،‬والخليفة‬ ‫القادر‪ ،‬وبسببه نالوا جمي ًعا ذات الحفاوة‪.‬‬ ‫مثل يف معرض رسده ملناقب املتوكل‪ ،‬ما نصه‪:‬‬ ‫فقد جاء عن ابن كثريٍ ً‬ ‫’’ أمر املتوكل أهل الذ ّمة أن يتميزوا عن املسلمني يف لباسهم وعاممئهم وثيابهم‪ ،‬وأن ال يُستعملوا يف يشء من الدواوين‬ ‫التي يكون لهم فيها حك ٌم عىل مسلم‪ ،‬وأمر بتخريب كنائسهم املحدثة‪ ،‬وأمر بتسوية قبورهم باألرض‪ ،‬وكتب بذلك إىل‬ ‫سائر األقاليم واآلفاق‘‘‪ .‬وهو األمر الذي يُعق ُِّب عليه ابن تيمي ٍة بالقول‪ ’’ :‬وكان يف أيام املتوكل قد ع ّز اإلسالم‪ ،‬حتى ألزم‬ ‫أهل الذمة بالرشوط العمرية‪ ،‬وألزموا الصغار‘‘‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫سلسلة أحكام أهل الذمة (‪)2‬‬ ‫محمود جمال‬

‫والرشوط ذاتها‪ ،‬كان قد ت َّم تطبيقها عىل األقباط بعد غزو العرب ملرص‪ ،‬إذ كان الخلفاء قد فرضوا عىل املرصيني أن يحلقوا‬ ‫رؤوسهم أو نواصيهم‪ ،‬وأال يلبسوا عامم ًة أو حذا ًء‪ ،‬وال يركبوا الخيول‪ ،‬ولهم فقط ركوب ما دونها‪ ،‬رشيطة أن يركبوها‬ ‫بالعرض‪ ،‬وهي العادة التي مازالت قامئ ًة يف الريف املرصي حتى يومنا هذا‪ ،‬وحظروا عىل املرصيّات ركوب الرحائل‪ ،‬وإذا‬ ‫مرصي وخالف تلك الرشوط‪ ،‬فللعريب املسلم أن يسلبه وله سلبه‪ ،‬وقد استمر هذا الحال إىل أن جاء الفاطميون‪،‬‬ ‫ما تج َّرأ‬ ‫ٌ‬ ‫عوضا عن‬ ‫الذين ما كانوا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ألسباب سياسي ٍة‪ ،‬يثقون يف أهل السنة‪ ،‬فخففوا من وطأة القيود عىل األقباط‪ ،‬وق َّربوهم إليهم ً‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫ومن جملة أحكام أهل الذمة‪ ،‬ما يتوجب عىل املسلم فعله إذا ما تزوج من مسيحي ٍة يف بالدها‪ ،‬فله أن يأمرها بعدم‬ ‫رشب الخمر املُحلّل لها بحسب رشيعتها‪ ،‬وله أن مينعها من الذهاب لدور عبادتها‪ ،‬وليس لها حق الخروج إىل الكنائس‬ ‫يف األعياد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عرصئذ باسم ’’الزنار‘‘‪ ،‬وهو حزا ٌم يُش ُّد عىل‬ ‫وبينام فُر َِض عىل الذمي والذم ّية أن مييزوا أنفسهم بارتداء ما كان يُع َرف‬ ‫الوسط‪ ،‬ويتدىل طرفه‪ ،‬إال أنه ويف الوقت ذاته‪ ،‬ال يحق للزوجة املسيحية أن تطلب من زوجها املسلم أن يشرتيه لها‪،‬‬ ‫بحسب ما جاء عن ابن حنبلٍ ‪ ،‬فقيه أهل السنة وشيخهم األول‪.‬‬ ‫وللحديث بقية‪...‬‬ ‫‪ ‬‬

‫املصادر‪:‬‬ ‫ابن القيم‪ .‬أحكام أهل الذمة‪ .‬املجلد الثالث من صـ ‪ 1159‬إىل صـ ‪1348‬‬ ‫أبو بكر البغدادي (مش بتاع داعش)‪ .‬أحكام أهل امللل والردة‪ .‬صـ ‪ 346‬وما بعدها‪.‬‬ ‫ابن تيمية‪ .‬نقض املنطق‪ .‬من صـ ‪18‬و ‪19‬و‪.20‬‬ ‫ابن الجوزي‪ .‬سرية عمر بن عبد العزيز‪ .‬صـ ‪81‬‬ ‫ابن كثري‪ .‬البداية والنهاية‪ .‬املجلد العارش‪ .‬صـ ‪ 313‬وما بعدها‪.‬‬ ‫وانظر وقائع الفتح العريب عند ابن عبد الحكم‪ .‬فتوح مرص وأخبارها‪.‬‬

‫‪41‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

42


‫جان برو‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫آراء املحاورين تعرب عنهم وال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ٌ‬ ‫معروف عىل شبكة‬ ‫جان برو ناش ٌط‬ ‫اإلنرتنت‪ ،‬صاحب صفحة الجهر باإللحاد‬ ‫عىل فيسبوك وقناة برنامج الجهر باإللحاد ملن‬ ‫سبيل عىل يوتيوب‪ ،‬نو ّد الرتحيب بك‬ ‫استطاع إليه ً‬ ‫معنا يف مجلّة امللحدين العرب‪.‬‬ ‫وبكل ق ّرائكم الكرام‪..‬‬ ‫وسهل بكم ّ‬ ‫أهل ً‬ ‫ً‬ ‫لست صاحب صفحة الجهر باإللحاد عىل الفيسبوك إنّ ا صديقي الرائع أحمد‬ ‫أ ّو ًل أنا ُ‬ ‫مؤسسون وأصدقاء جدد‪ ..‬فقط للتوضيح وأعتذر‬ ‫حرقان صاحبها ومعنا أصدقا ٌء آخرون ّ‬ ‫عىل اإلطالة‪.‬‬ ‫هل أخربتنا أكرث عن البيئة التي نشأتَ فيها من ناحي ٍة اجتامع ّي ٍة دين ّية؟‬ ‫س‪ :1‬جان أنت من سوريا من مدينة حلب‪ّ ،‬‬ ‫ج‪ 1-‬نشأتُ يف إحدى أحياء مدينة حلب الفقرية‪ ،‬يف بيئ ٍة اجتامعيّ ٍة فقري ٍة وإسالميّ ٍة متديّن ٍة متخلّف ٍة إىل أقىص درجات‬ ‫التخلّف‪ ،‬والدي كان مد ّر ًسا للقرآن وشيخ ومفتي الحارة‪.‬‬ ‫هل أخربتنا عن عائلتك وأثرها يف تكوين طفولتك؟‬ ‫أي إنسان‪ّ ،‬‬ ‫س‪ :2‬ت ُعترب العائلة اللبنة األوىل يف تكوين ّ‬ ‫أي طفلٍ نشأ يف عائلة‪ ،‬يعني بكلم ٍة أخرى كطفلٍ‬ ‫ج‪ 2-‬أعتقد أ ّن تأثري عائلتي عىل تكوين طفولتي كان عاديًّا كحال ّ‬ ‫أي طفلٍ لعائل ٍة مسلمة‪ ،‬مثل هذا حالل وهذا حرام وناهيك عن التهديدات من‬ ‫كنت أسمع ّ‬ ‫كل ال ّرتهات التي يسمعها ّ‬ ‫كل هذه التهديدات مل تكن لتجعلني أؤمن‪ ،‬كنت دامئًا أسأل نفيس‪ :‬ملاذا هذا التهديد‬ ‫نار جه ّنم وغضب الله‪ ،‬وصدقًا ّ‬ ‫كنت أقول يف نفيس‪ :‬أريد أن أفهم قبل أن أطيعهم‪ .‬طب ًعا مل أكن أفهم تلك الخرافات‬ ‫وأنا مل أفعل شيئًا س ّيئًا؟! ودامئًا ُ‬ ‫وبالتايل مل أطعهم فيام يريدونه م ّني وهذا ولّد الشخص ّية املتم ّردة منذ نعومة أظافري‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫جان برو‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫س‪ :3‬يُعترب دخول املدرسة أوىل الخربات اإلنسان ّية التي تك ّون اإلنسان‪ ،‬ماذا كان أثر املدرسة عىل حياتك؟ وماذا تخربنا‬ ‫عن تجربتك؟‬ ‫ديكتاتوري‪ ،‬ولك ّن اليشء الوحيد الذي م ّيز‬ ‫ج‪ 3-‬مل يكن ج ّو املدرسة يختلف عن ج ّو العائلة كث ًريا فكالهام ذو طابعٍ‬ ‫ّ‬ ‫الصف األ ّول‪ ،‬وتع ّرفت عىل علم الفلك يف‬ ‫املدرسة بالنسبة يل هو ّأن اكتشفت نفيس يف املرحلة اإلعداديّة كشاع ٍر يف ّ‬ ‫الصف الثاين‪ ،‬وأظ ّن أ ّن دخول علم الفلك يف حيايت يف ذلك الس ّن ك ّون شخص ّيتي التي أنا عليها اآلن وأظ ّن أنّها كانت‬ ‫ّ‬ ‫أه ّم املحطّات يف حيايت‪.‬‬ ‫س‪ :4‬ما هو أثر العمل يف حياتك؟ وماهي األعامل التي مارستها والخربات التي اكتسبتها منها؟‬ ‫اإلعدادي والتحقت مبجال العمل‪ ،‬بدأتُ أجري خ ّي ٍاط وطب ًعا مل‬ ‫الصف الثالث‬ ‫ج‪ 4-‬طب ًعا تركت الدراسة بعد رسويب يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫طويل حتى انتقلت إىل مهنة التطريز اإللكرتو ّين وبقيت فيها سنني طويل ًة حتى انتهى يب املطاف أن أعمل‬ ‫يدم ذلك ً‬ ‫يل ألنّه حرمني من الحريّة‬ ‫سائق تاكيس وهو عميل الذي أعيش منه اآلن‪ ..‬وأعتقد أ ّن أثر ذلك يف حيايت كان سلبيًّا ع ّ‬ ‫خصوصا يف السنني األوىل من مراهقتي‪ ..‬مبا يعني ّأن كشاع ٍر مت ّنيت أن أعيش حياة‬ ‫التي كان من املفرتض أن أعيشها‬ ‫ً‬ ‫الشعراء من أمس ّي ٍ‬ ‫كل الصعاب‬ ‫ليل أغلب األيّام‪ ..‬ورغم ّ‬ ‫ات شعريّ ٍة وغريها‪ ،‬وليس كعميل الحا ّيل حيث أعمل ‪ 12‬ساع ًة ً‬ ‫التي واجهتها يف العمل كنت أجد فسح ًة للقراءة والكتابة‪ ،‬وأذكر ّأن كتبت أكرث من خمس ٍ‬ ‫قصص والكثري من القصائد‬ ‫يف تلك السنني املبكرة من عمري حتى جاءت مرحلة خدمة العلم (العسكرية) لتنسف الشاعر والكاتب يف داخيل‪.‬‬ ‫أي إنسانٍ هي ما يشكّل أه ّم سامت شخص ّيته‪ ،‬من كانوا أه ّم الكتّاب والشخص ّيات الذين أث ّروا يف‬ ‫س‪ :5‬قراءات ّ‬ ‫شخص ّيتك؟ وما هي أه ّم الكتب التي تنصح الق ّراء باالطّالع عليها؟‬ ‫سؤال ج ّي ٌد رصاح ًة ولك ّن أظ ّن أ ّن الجواب لن يكون ُمتوقّ ًعا‪ ..‬أعتقد أ ّن أغلب الناس متأث ّرين بشخص ّي ٍ‬ ‫ج‪ 5-‬هذا ٌ‬ ‫ات‬ ‫طبيعي‪ ،‬وقد حاولت عرص ذاكريت يك أجد شخصيّ ًة تأث ّرت بها ولك ّني مل أجد أح ًدا‪ ،‬أنا أحد البرش‬ ‫ُمعيّن ٍة وهذا أم ٌر‬ ‫ّ‬ ‫بأي شخص ّية؛ أ ّما بالنسبة لقراءايت‪ :‬يف البداية‪ ،‬عندما كنت أبلغ حوايل الثالثة عرشة من العمر كانت‬ ‫الذين مل يتأث ّروا ّ‬ ‫كل الكتب‬ ‫عام تقري ًبا وبعدها تح ّولت لعلم الفلك والفيزياء الكون ّية‪ ..‬بالنسبة يل‪ ،‬أنصح الناس أن تقرأ ّ‬ ‫إسالم ّي ًة مل ّدة ٍ‬ ‫كل ذلك علم الفلك‪.‬‬ ‫التي ال تعتمد عىل الغيب ّيات‪ ..‬مثل العلوم‪ ،‬الفيزياء‪ ،‬التاريخ‪ ...،‬واأله ّم من ّ‬

‫‪44‬‬


‫جان برو‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫س‪ :6‬ما هي األمور التي جعلتك تبدأ مرحلة ّ‬ ‫الشك وتنسلخ عن الت ّيار العام يف مجتمعك وتصبح ملح ًدا؟‬ ‫ج‪ 6-‬كام ذكرتُ سابقًا أ ّن طبعي يف طفولتي اعتمد عىل طلب الفهم قبل االستجابة‪ ،‬ولكن كام هو ُمتوقّ ٌع مل أجد من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فبقيت ُمعلّق ًة‬ ‫وخزعبالت‬ ‫تهديدات‬ ‫يل ّبي يل طلبي يف فهم تلك ال ّرتهات التي كانوا يتكلّمون عنها وأقصد ما حملته من‬ ‫ْ‬ ‫بلغت الرابعة عرشة من عمري‬ ‫مل أع ّرضها للنفي أو التصديق‪ ..‬لذلك مل أستطع أن أت ّخذ قرار االميان أب ًدا آنذاك‪ ،‬وعندما ُ‬ ‫لكاتب من‬ ‫أي دليلٍ يثبت يل أ ّن فكرة الدين هي خطأ‪ ،‬حتى قرأت كتابًا بعنوان «املا ّدة والوعي»‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫كنت أبحث عن ّ‬ ‫الحقبة السوڤييت ّية ال أذكر اسمه‪ ،‬وقد اقتنعت من خالل هذا الكتاب أ ّن الدين خراف ٌة وأنا ملح ٌد منذ ذلك الحني‪.‬‬ ‫س‪ :7‬حرضتك من خلف ّي ٍة مسيح ّية‪ ،‬ما هي أه ّم انتقاداتك عىل املسيح ّية وتجاربك فيها قبل التح ّول؟‬ ‫ج‪ 7-‬أنا من خلف ّي ٍة مسلم ٍة متديّن ٍة كام ذكرت يف البداية‪ ..‬ال يغ ّركم االسم (جان)‪ ،‬فقد ولدت باسم مح ّمد برو ولكن يف‬ ‫سيايس منذ ‪ 1999‬واسم جان هو اس ٌم‬ ‫أقمت فيها كالجئٍ‬ ‫غيته إىل جان بأوراقٍ رسم ّي ٍة يف بريطانيا حيث ُ‬ ‫سنة ‪ّ 2003‬‬ ‫ٍّ‬ ‫كردي يعني جميل الجسد أو الروح‪ ،‬وهو اس ٌم تستخدمه أغلب املجتمعات األوروب ّية للرجال وللنساء بني الشعوب‬ ‫ٌّ‬ ‫الناطقة باللغة اإلنجليزيّة‪.‬‬ ‫س‪ :8‬متى حدث هذا التح ّول وكيف كان أثره عىل مجتمعك وأهلك؟‬ ‫ألن‬ ‫ج‪ 8-‬كام ذكرت ّأن رصتُ ملح ًدا يف س ّن الرابعة عرشة‪ ،‬طب ًعا عندما ألحدت مل يكن ذلك بالنسبة يل شيئًا كب ًريا ّ‬ ‫أساسا مل أكن مؤم ًنا‪ ،‬أ ّما بالنسبة ألهيل‪ ،‬مل أكن أهت ّم كث ًريا أن يعرفوا بإلحادي حتى أنّهم ال يفهمون اإللحاد وما الذي‬ ‫ً‬ ‫يعنيه يف أساسه‪ ،‬فقد كانت كتبي املوجودة يف البيت أمامهم ومل يهت ّموا بأمرها مطلقًا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الفكري؟‬ ‫تهديدات أو تأثّرتَ سل ًبا بسبب اختيارك لهذا املنهج‬ ‫س‪ :9‬هل تلق ّيت‬ ‫ّ‬ ‫ج‪ 9-‬التهديدات كثري ٌة وح ّدث بال حرج‪ ،‬ولكن لحسن حظّي ّأن أعيش يف ٍ‬ ‫بكل ق ّو ٍة وجربوت‪.‬‬ ‫بلد يحمي مواطنيه ّ‬ ‫س‪ :10‬هل فكرتَ بأديانٍ أخرى أم كانت قفز ًة جريئ ًة نحو اإللحاد؟‬ ‫بأي دينٍ آخر‪ ..‬بالنسبة يل مل تكن قفز ًة جريئ ًة بقدر ما كانت خطو ًة مطلوب ًة ومل ّح ًة يف حيايت‪.‬‬ ‫ج‪ 10-‬ال‪ ،‬مل أفكّر ّ‬ ‫‪45‬‬


‫جان برو‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫س‪ :11‬حاليًّا أنت ناش ٌط مبرشوع الجهر باإللحاد‪ ،‬هل كان لك مشاري ٌع سابق ٌة عنه؟‬ ‫كل‬ ‫ج‪ 11-‬مبوضوع الجهر باإللحاد كتبت بعض القصائد عن الجهر قبل الربنامج وهي منشور ٌة يف الحوار املتم ّدن وهذا ّ‬ ‫يشء‪.‬‬ ‫س‪ :12‬متى بدأت فكرة مرشوع الجهر باإللحاد عندك؟ ومتى بدأ تطبيقه؟ وماذا تخربنا عن بداياته؟‬ ‫ج‪ 12-‬يف الواقع فكرة الجهر باإللحاد هي فكرة صديقي أحمد حرقان‪ ،‬وعندما ق ّررنا أن نبدأ باملرشوع مل أكن أعلم ّأن‬ ‫سأكون مق ّد ًما للربنامج حتى سألنا الصديق أحمد عن كامريا ج ّيد ٍة لتسجيل نشاطات الصفحة الجديدة‪ ،‬أذكر وقتها مل‬ ‫بتول امله ّمة ومن بعدها تط ّور املوضوع حتى أصبح الربنامج كام نشاهده اآلن‪.‬‬ ‫يجبه أح ٌد ففكّرتُ ّ‬ ‫الرئييس من هذا املرشوع؟ وهل تعتقد أنّك حقّقت هدفك؟‬ ‫س‪ :13‬ما هو هدفك‬ ‫ّ‬ ‫الظل إىل العلن‪ ..‬نريد أن نجعل الناس‬ ‫كل أصدقايئ يف هذا املرشوع هو الخروج من ّ‬ ‫ج‪ 13-‬طب ًعا هديف وهدف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كمجتمعات‬ ‫كل مكانٍ وأ ّن هدفنا هو تخليصهم من هذه الخرافات التي د ّمرتنا‬ ‫يفهمون أنّنا كملحدين موجودون يف ّ‬ ‫وأفراد‪ ،‬من املؤكّد أ ّن املرشوع أثبت وجوده ولكن ال أعتقد أ ّن الهدف قد تحقّق‪ ،‬فأهدافنا كبري ٌة ج ًّدا وهي أن نخلّص‬ ‫الناس من الخرافة نهائ ًّيا وأعتقد أ ّن أمامنا أشوا ٌط طويل ٌة يجب أن نقطعها‪ ،‬وبالتأكيد ال يكفي هذا املرشوع وحده‬ ‫فنحن بحاج ٍة إىل املزيد من املشاريع املامثلة كمرشوعكم هذا مجلّة امللحدين العرب‪ ..‬مع ّأن ال أتّفق عىل التسمية‪.‬‬ ‫س‪ :14‬هل كان هنالك مراحل للمرشوع؟ ماذا ميكنك أن تخربنا عن تط ّوره وتط ّور خربتك من خالل العمل فيه؟‬ ‫ج‪ 14-‬تقري ًبا كان هناك ثالث مراحلٍ لربنامج الجهر باإللحاد‪..‬‬ ‫‪ 1‬املرحلة األوىل‪ :‬وكانت عبار ًة عن نرش ٍ‬‫ات عن نشاطات صفحتنا عىل الفيس بوك‪..‬‬ ‫‪ 2‬املرحلة الثانية‪ :‬وهي الرتكيز عىل املجاهرين‪..‬‬‫‪ 3‬املرحلة الثالثة‪ :‬هي إىل جانب املجاهرين استضافة مفك ّرين أمثال نب ّينا الغايل سامي الذيب واألستاذ ديڤد رجل‬‫أسايس يف التوعية‬ ‫الحقيقي لإللحاد ويكون له دو ٌر‬ ‫الكهف وأمري البحث وغريهم حتى يفصح الربنامج عن املعنى‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫والتنوير‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫جان برو‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫سلبي منه‪ ،‬يقولون أ ّن مرشوع الجهر باإللحاد يشكل خطور ًة عىل‬ ‫س‪ :15‬هناك معارضون للمرشوع لديهم ٌ‬ ‫موقف ٌّ‬ ‫الشباب املتح ّمس وميكن أن يكون له دوافع سلبي ٌة وهذا االعرتاض ليس من طرف املؤمنني إنّ ا من بعض امللحدين‪،‬‬ ‫كيف تتعامل مع هذه االنتقادات؟ وما ر ّدك عليها؟‬ ‫ج‪ 15-‬يقول صديقي العزيز أحمد حرقان‪.. :‬فقط يف حارتنا‪..‬‬ ‫يزعقون فينا من داخل الحارة ‪ ..‬ملاذا؟ ألنّنا تج ّرأنا وفعلنا ما ال يستطيعون فعله‪..‬‬ ‫نحن يف ثور ٍة حقيق ّي ٍة والثورة تحتاج إىل تضحي ٍة وأنا وأصدقايئ خرجنا وال يه ّمنا املوت يف سبيل ح ّريتنا وأفكارنا‪ ،‬والذي‬ ‫اإلسالمي فليلزم الصمت ويجلس يف بيته ويدعنا نعمل‪.‬‬ ‫يخاف اإلرهاب‬ ‫ّ‬ ‫س‪ :16‬ماذا تخربنا عن طريقة عمل الحلقات؟ ما هي طرق التواصل؟ إىل من تتو ّجه إلجراء املقابالت؟ كيف يت ّم اختيار‬ ‫الضيوف؟ هل تعرض عليهم املشاركة بنفسك؟ أم هم من يفعلون ذلك؟‬ ‫كل املجاهرين يتّصلون بصفحتنا عىل الفيس بوك يك يجهروا بإلحادهم يف الصفحة‪ ،‬ونحن نعرض عىل‬ ‫ج‪ 16-‬طب ًعا ّ‬ ‫أي مجاه ٍر تحت الس ّن القانون ّية وهي ‪.18‬‬ ‫املجاهر إذا كان يرغب يف أن يكون ضيفًا يف الربنامج‪ ،‬وال نقبل ّ‬ ‫مثل؟‬ ‫س‪ :17‬هل يت ّم االتّفاق ُمسبقًا عىل إخالء املسؤوليّة من ناحي ٍة قانونيّ ٍة ً‬ ‫ج‪ 17-‬نحن نحذّر املجاهر من املخاطر النفس ّية والجسديّة التي ميكنها أن ترتت ّب عىل إجهاره‪،‬‬ ‫وهنالك كث ٌري من الحاالت التي رفضتُها يف الربنامج بسبب تلك املخاطر‪ ،‬وهناك مجاهرون طلبوا م ّني أن أحذف‬ ‫فعل بحذفها‪.‬‬ ‫مقابالتهم ألنّها بدأت تشكّل خط ًرا عليهم وقد قمت ً‬ ‫س‪ :18‬ما هي أكرث التجارب من الضيوف التي تركت أث ًرا لديك؟ ماذا تخربنا عن مناذج املشاركني وخلف ّياتهم وتجاربهم؟‬ ‫وكل تجرب ٍة من هذه التجارب تركت أث ًرا يف‬ ‫كل تجرب ٍة هي بح ّد ذاتها قيم ٌة حقيق ّي ٌة يجب أن نهت ّم بها ّ‬ ‫ج‪ 18-‬برصاحة‪ّ ،‬‬ ‫نفيس وال أريد هنا أن أذكر األسامء يك ال أظلم اح ًدا‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫جان برو‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫س‪ :19‬هل حدث وأن رفضت بعض املشاركات بسبب صغر الس ّن أو التواجد يف بال ٍد خطر ٍة أمنيًّا؟‬ ‫ج‪ 19-‬نعم رفضنا الكثري من األسامء املجاهرة يف صفحة الفيس بوك من هم دون الثامنة عرشة من العمر ويف حاالت‬ ‫أي ٍ‬ ‫شخص يف‬ ‫وجودهم يف مناطق خطر ٍة مثل سوريا والعراق‪ ،‬بإمكانكم مراجعة ّ‬ ‫كل حلقات الربنامج‪ ،‬مل نقم باستضافة ّ‬ ‫شاب يف التاسعة عرشة من العمر‪ ،‬هذا بالنسبة للربنامج‪ .‬وقد قمت‬ ‫س ّن الـ‪ 18‬أو ّ‬ ‫أقل وكان أصغر مجاه ٍر يف الربنامج ٌّ‬ ‫مبسح عد ٍد من الحلقات ملجاهرين موجودين يف أوروبا ألنّها قد تسبّب الرضر ألهل املجاهر‪ ،‬وميكنكم العودة لقناة‬ ‫الربنامج يف اليوتيوب وتشاهدون بأنفسكم تسلسل الربنامج لتجدوا أ ّن بعض الحلقات غري موجودة‪.‬‬ ‫سيتغي؟ أم أ ّن طبيعته ثابت ٌة وكافية؟‬ ‫س‪ :20‬أين االت ّجاه الذي تجد املرشوع يتّجه إليه؟ أين تراه يف املستقبل؟ هل‬ ‫ّ‬ ‫يوم شيئًا جدي ًدا‪ ،‬لذلك ال أعتقد أ ّن الربنامج سيبقى كام هو ونأمل ان يتط ّور‬ ‫ج‪ 20-‬أنا وفريق حملة الجهر نتعلّم ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫لألفضل‪.‬‬ ‫س‪ :21‬كيف أث ّر الربنامج بحياة األشخاص الذين شاركوا فيه سواء سل ًبا أو إيجابًا؟‬ ‫ج‪ 21-‬أظ ّن أ ّن الربنامج أعطى مساح ًة للتعبري عن أفكار الشباب وأث ّر بأغلب املشاركني بشكلٍ إيجا ّيب‪.‬‬ ‫س‪ :22‬أخربنا عن تجربتك الشعريّة‪ ،‬هل تكتب يف مواضيع أخرى غري اإللحاد؟‬ ‫ج‪ 22-‬بدأت بكتابة الشعر يف س ّن ‪ ،13‬يف مرحل ٍة ُمع ّين ٍة توقّفت عن كتابة الشعر مل ّدة ‪ 20‬عا ًما وال أريد أن أدخل يف‬ ‫سيايس ٍ‬ ‫ونقد للدين وقصائد إلحاديّة‪ ،‬ولكن‬ ‫تفاصيل هذه املرحلة اآلن‪ ،‬عدتُ للشعر يف سنة ‪ 2006‬بقصائد ذات طابعٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫الحب هي األغلب وكلّها منشور ٌة يف الحوار املتم ّدن‪.‬‬ ‫الخ ّط‬ ‫الحب فقصائد ّ‬ ‫الرئييس لقصائدي هو ّ‬ ‫ّ‬ ‫س‪ :23‬كلّنا نرى ما يحدث يف حلب كونها مدينتك األ ّم‪ ،‬ما رأيك مبا يحدث؟ وماهي أسبابه باعتقادك؟‬ ‫وكل سورية يش ٌء محز ٌن ويدمي القلب‪ ،‬ولكن إذا متع ّنا يف املشهد سنجد أ ّن ما يحصل هناك‬ ‫ج‪ 23-‬ما يحدث يف حلب ّ‬ ‫يل ابن أيب طالب‬ ‫هو نتيج ٌة حتم ّي ٌة لثقافتنا اإلسالم ّية الهمج ّية وهو امتدا ٌد ملعركة الجمل التي حصلت بني أنصار ع ٍّ‬ ‫وأنصار عائش ٍة بنت أيب بك ٍر يف رصاعهم عىل الخالفة‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫جان برو‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫س‪ :24‬كيف تش ّخص مجتمع امللحدين العرب عىل الشبكة العنبكوت ّية؟‬ ‫ج‪ 24-‬أنا أتحفّظ عىل كلمة (العرب)‪ ،‬فأغلب امللحدين املقصودين بالعرب ليسوا عربًا‪ ،‬هم يتح ّدثون اللغة العرب ّية‬ ‫فقط‪ ،‬وأغلب امللحدين املرصيّني يعتربون أنفسهم فراعن ًة وكذلك التونسيّون والجزائريّون واملغاربة والليبيّون يعتربون‬ ‫متفائل بهم‬ ‫ٌ‬ ‫أفضل أن أس ّميهم «امللحدون الناطقون باللغة العرب ّية»‪ ..‬نعم أنا‬ ‫كردي‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫أنفسم أمازيغ‪ ،‬وأنا ّ‬ ‫ج ًّدا‪ ،‬رغم وجود بعض التخ ّبط هنا وهناك ولك ّن املشهد العام يشري إىل قفز ٍة كبري ٍة ج ًّدا يف طريقة تفكري الشباب يف‬ ‫مجتمعاتنا الرشق ّية عىل العموم‪.‬‬ ‫س‪ :25‬ما رأيك باملشاريع الشبابيّة األخرى كالب ّط األسود إلسامعيل مح ّمد وبرامج أحمد حرقان وقناة العقل الح ّر؟ هل‬ ‫تش ّجعها؟‬ ‫بكل ٍ‬ ‫بأمس الحاجة إليها‪ ،‬وأنا متأكّ ٌد أ ّن هنالك‬ ‫ج‪ّ 25-‬‬ ‫تأكيد أش ّجع هذه املشاريع الشباب ّية وهي تجارب رائع ٌة نحن ّ‬ ‫مستقبل ألنّنا نعيش حال ًّيا يف زمن ال ّردة الكربى عن اإلسالم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مشاريع شباب ّي ٌة أخرى سوف تظهر‬ ‫س‪ :26‬هناك طرفني يف مجتمع امللحدين العرب‪ ،‬الطرف األول يش ّجع عىل الجهر باإللحاد والطرف الثاين يرفضه‬ ‫يفضلون ّأل يجاهروا؟ ما رأيك العام بالنسبة للفاصل‬ ‫ويعارضه‪ ،‬ما الفرق بني األشخاص املجاهرين واألشخاص الذين ّ‬ ‫بني هذين االتّجاهني؟‬ ‫كل ٍ‬ ‫شخص يبني موقفه من الجهر باإللحاد حسب ظروفه الشخصيّة‪ ،‬ولكن أريد أن أقول للذين ال تسمح‬ ‫ج‪ 26-‬طبعا ّ‬ ‫ظروفهم بالجهر‪ :‬أرجوكم ال تقفوا يف وجهنا وال تحاربونا‪ ،‬ال تكونوا عائقًا آخر يف وجهنا‪ ،‬تكفينا جيوش الصالعمة التي‬ ‫تحاربنا‪.‬‬ ‫س‪ :27‬متى تع ّرفت عىل مجلّة امللحدين العرب؟ وما رأيك بها؟‬ ‫ج‪ 27-‬ال أذكر التاريخ بالضبط ولكن أعتقد كان يف ‪ ،2013‬أ ّما بالنسبة لرأيي مبجلّتكم برصاح ٍة أنا من أحد املُعجبني‬ ‫بها‪ ،‬ولكن كام قلت لك سابقًا عندي تح ّف ٌظ شدي ٌد عىل كلمة العرب وأمت ّنى من إدارة املجلّة أن تعيد النظر يف‬ ‫التسمية‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫جان برو‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫س‪ :28‬ماهي الرسالة التي تو ّد توجيهها لق ّراء املجلّة سواء ملحدين أم مؤمنني؟‬ ‫ج‪ 28-‬أ ّو ًل أشكر املجلّة عىل إعطايئ الفرصة للتعبري عن رأيي‪،‬‬ ‫ثان ًيا أريد أن أتو ّجه بكلم ٍة للملحدين‪ :‬املستقبل لنا ألنّنا أصحاب ح ّج ٍة وتفكريٍ عقال ّين‪ ،‬لن ينفعنا الخوف ألنّه كان وما‬ ‫يزال السالح األقوى لدى رجال الدين للسيطرة عىل عقول شبابنا املُغ ّيب‪ ،‬ضعوا الخوف تحت أقدامكم‪ ..‬نحن يف زمن‬ ‫الح ّرية وأهديكم قصيديت املتواضعة هذه‪:..‬‬

‫ُقلْ َها أَنَا ُملْ ِح ْد‬ ‫قُلْ َها‪ ،‬أَنَا ُمل ِْح ْد‪..‬‬ ‫ُمل ِْح ْد ُمل ِْح ْد أَنَا ُمل ِْح ْد‪،‬‬ ‫أَ َس ٌد َل يَأبَ ُه ِ‬ ‫الخ ْرفَانْ‪،‬‬ ‫كُ ْن كَ ُنو ِر الشَّ ْم ِس َس ِاط ًعا‪،‬‬ ‫الس ْي ِف ق َِاط ًعا‪،‬‬ ‫كَ َح ِّد َّ‬ ‫إِنْ َف ِج ْر ِف َو ْج ِه ال َّج ْهلِ ‪،‬‬ ‫البكَانْ‪،‬‬ ‫ك َ​َم يَ ْن َف ِج ُر ُ ْ‬ ‫قُلْ َها‪..‬‬ ‫اب ث َ َعالِ َب‪،‬‬ ‫َل تَ ْخ َش األُ ُسو ُد يف ال َغ ِ‬ ‫َل يُثْ ِني ال ِّر َج َال ِف ال َح ِّق َمتَا ِع َب‪،‬‬ ‫يصانْ‪،‬‬ ‫الص َ‬ ‫َل يَلْتَ ِف ُت ال ُف ْر َسا ُن لِ َوقْ َوقَ ِة ِّ‬ ‫قُلْ َها‪ ..‬فَ َق ْد َحا َن َوقْتُ َها أَ ْن تَ ُقلْ َها‪،‬‬ ‫أَ ْعلِ ْن ِف ال َّن ِ‬ ‫اس َم ْوتَ ال َخ ْو ِف‪،‬‬ ‫َوأَ ْعلِ ْن َع َل َز َمنِ ا ِإلنْ ِحط َِاط ال ِع ْص َيانْ‪،‬‬

‫ُمل ِْح ْد‪..‬‬ ‫َوال َف ْخ ُر يَ ْفتَ ِخ ُر أَ ْن يَكُو َن ُمل ِْح ْد‪،‬‬ ‫َوال ُح ُّب يَ ْن َه ِم ُر‪َ ،‬والشِّ ْع ُر يَ ْز َد ِه ُر‪،‬‬ ‫ل َ​َم إِ ْس َم َك يُ ْن ِش ْد‪،‬‬ ‫ُمل ِْح ْد‪..‬‬ ‫َو ْح ُد َك َم ْن َسيُ َحطِّ ُم ِف َهذَا ال َعال َِم األَ ْوث َانْ‪،‬‬ ‫َو ْح ُد َك َم ْن َسي ُو ِق ُف َع َّدا َد ال َقتْلِ ‪،‬‬ ‫َويَ ْص َن ُع ِم ْن ال َح َيا ِة َج َّن ًة‪،‬‬ ‫َويَ ْص َن ُع ِم ْن كَ ْوك َِب األَ ْر ِض بُ ْستَانْ‪،‬‬ ‫قُلْ َها‪..‬‬ ‫ِف َص ْم ِت َك َج َر ِائُ ُه ْم‪،‬‬ ‫ِف َص ْم ِت َك طُ ْغ َيانُ ُه ْم‪،‬‬ ‫الص ْم ُت شَ ْيطَا ٌن َآ ْخ َر ُس‪َ ،‬وث ُ ْع َبانْ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الص ْم ُت ِخ ْن َج ٌر ُ َي ِّز ُق ال َح َّق‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َويُ ْد ِمي ِف نُف ِ‬ ‫ُوس َنا ال ِو ْج َدانْ‪،‬‬ ‫‪50‬‬


‫جان برو‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫قُلْ َها‪..‬‬ ‫َو ِق ْف كَأَشْ َجا ِر اللَ ّي ُمونِ شَ ا ِم ًخا‪،‬‬ ‫َوت َ َج َّذ ْر ِف األَ ْر ِض‪،‬‬ ‫الس ْن ِديَانْ‪،‬‬ ‫ك َ​َم تَتَ َج َّذ ُر ِفي َها أَشْ َجا ُر ِّ‬ ‫قُلْ َها‪..‬‬ ‫ص إِ ْن أَنْ َت لَ ْم تَ ُقلْ َها‪،‬‬ ‫الش يَ ْنتَ ِ ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫امل َ ْوتُ يَ ْقتَ ِد ُر إِ ْن أَنْ َت لَ ْم تَ ُقلْ َها‪،‬‬ ‫اص‪،‬‬ ‫َم ْن غ ْ َُي ُك لِلِ َمظْل ِ‬ ‫ُوم نَ ِ ٌ‬ ‫َو َم ْن غ ْ َُي َك يُ َخل ُِّص الطُّفُولَ َة‪،‬‬ ‫ِم ْن َم َخالِ ِب الشَّ ِّيطَانْ‪،‬‬ ‫قُلْ َها‪..‬‬ ‫إِ َن ال ُّر ُجولَ َة َل ت َ ْخ َش ُز َع َاق ال َح ْمقَى‪،‬‬ ‫اص الطُّ ْغيَانْ‪،‬‬ ‫َو َل يَ ْخ َش الثَّأْ ُر َر َص َ‬ ‫ُمل ِْح ْد ُمل ِْح ْد أَنَا ُمل ِْح ْد‪،‬‬ ‫َو َهذَا ُه َو يَ ْو ُم ال َج ْه ِر ِف امل َ ْي َدانِ ‪.‬‬

‫كابوسا اسمه الدين‪.‬‬ ‫وخصوصا املسلمني منهم‪ ..‬استيقظوا فأنتم تعيشون‬ ‫ثالثًا أو ّجه رسال ًة قصري ًة للمؤمنني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويف النهاية أشكر األخت ‪ Gaia‬عىل إعطايئ هذه الفرصة الق ّيمة‪.‬‬

‫قام باملقابلة‪ ،Gaia Athiest :‬الغراب الحكيم‪.‬‬ ‫‪51‬‬


http://www.thelandofsands.blogspot.com

52


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫مختلف‬ ‫بأسـلوب‬ ‫روايـة فاتنـة تحكي قصة‬ ‫ٍ‬ ‫شـخصيات مميزةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حوارات تلقي‬ ‫عـن المعتـاد فـي الروايات‪ .‬تبدأ الرواية بمشـاهد‬ ‫ٍ‬ ‫الضـوء علـى تعامـل الشـخصيات مـع مواضيـع يوميـة‪ .‬إلى أن‬ ‫روائيـا‪.‬‬ ‫طابعـا‬ ‫فريـد مـن األحـداث يتخـذ‬ ‫خليـط‬ ‫تتحـول إلـى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عالـم آخر‪ ،‬بل على عالمك نفسـه مـن منظو ٍر‬ ‫سـتتعرف علـى‬ ‫ٍ‬ ‫آخـر‪ .‬اختـر مـن تكـون وأيـن‪ ،‬وغ ّيـر التاريـخ فـي المسـتقبل‬ ‫حـي الرمـاد الموحلـة مـع سـالم‬ ‫القريـب‪ ،‬تشـ َّرد فـي أزقـة‬ ‫ّ‬ ‫الصغيـر‪ ،‬أو خـض حر ًبـا ضـروس إلـى جانـب الزيـر المهلهـل‬ ‫وتفنـن فـي االنتقـام مـن الذيـن يرتكبـون خطـأ مواجهتـك‪،‬‬ ‫تحـدى الخنزيـر األكبـر وليـد ومسـاعده الدنـيء يوسـف‪ ،‬تع ّرف‬ ‫حـب مـع مالك المـوت اسـمها دليله‪،‬‬ ‫إلـى امـرأةٍ تعيـش قصـة‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫فتـاة بارعـة الجمـال وأثره في مختلـف المجتمعات مع‬ ‫أو كـن‬ ‫فاتنـة‪ ،‬واكتشـف كيـف يغ ّيـر الحـب الطاغيـة!‬

‫‪53‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫أسعد‪ :‬إن أسوأ خيار يا فاتنة هو الدكتاتور الذي ي ّدعي أنه الحاكم بأمر الله‪ ،‬الوطن العريب سياسيًا هو نتيجة أجيا ٍل‬ ‫طويل ٍة من الخضوع لذلك النوع من الحكام‪ ،‬فهم يستخدمون النصوص ضد كل من حاول التفكري أو الثورة عىل الظلم‬ ‫والطغيان‪ .‬تأتيهم باملنطق ف ُيجابهونه بالنصوص والوعاظ‪ ،‬تأتيهم بالقلم ف ُيشهرون سيف الله‬ ‫فاتنة‪ :‬لكن العسكر يف الوطن العريب ليسوا بالنظام العلامين العادل‪ ،‬هم نسخ ٌة أخرى من الحاكم بأمر الله‪.‬‬ ‫نص فأفضل ما ميكن عمله‬ ‫يغي معتقدات الناس بالقوة؟ إذا هم أرادوا أن يحكمهم ّ‬ ‫جميل‪ :‬ماذا تتوقعني من الحاكم؟ أن ّ‬ ‫النص بإطا ٍر عرصي‪.‬‬ ‫هو قولبة ّ‬ ‫فاتنة‪ :‬ال ميكن أن يكون هذا هو أفضل الحلول‪ .‬نستحق أفضل من ذلك‪.‬‬ ‫أسعد‪ :‬أعتقد أن الثقافة هي الحل‪ ،‬لو مل يكن الحاكم ُمهد ًدا دامئًا بانقالب السلطة الدينية عليه لرمبا استطاع إطالق‬ ‫الحريات وإرساء القوانني العرصية بعي ًدا عن النصوص‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أي نو ٍع من الثقافة تقصد؟‬ ‫مثل يتغ ّنى الناس اآلن بعصور الخلفاء بسبب سطحية مناهج التدريس املتع ّمدة إلبقائنا يف املايض‪ .‬هل تظنني‬ ‫أسعد‪ً :‬‬ ‫مثل أن املتوكل زاد عدد جواربه عن الثالثة آالف؟ وهارون الرشيد مات‬ ‫الناس كانوا سيتغ ّنون بتلك العصور لو عرفوا ً‬ ‫ووجدوا يف قرصه ألفي جارية‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أي أمجا ٍد تلك التي قامت عىل قهر النساء!‬ ‫أسعد‪ :‬أ ّما عن الحريات فَلَو عرفوا من هو الحجاج؟‬ ‫فاتنة مبتسمة‪ :‬ال تتكلم عن الحريات ستزعج جميل‪.‬‬ ‫جميل يبتسم‪ :‬افرحي بحرية األصدقاء املؤمنني إىل أن تأيت ببديلٍ عميل‪.‬‬ ‫أسعد‪ :‬أنتم ظرفاء‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫يف البالد‪:‬‬ ‫أبو صابر ويوسف يطرقان باب بيت فاتنة‪ ،‬األم تفتح الباب فيفاجئها وجه أيب صابر الحقود‪.‬‬ ‫األم تحاول إغالق الباب‪ :‬ارحلوا من هنا‪.‬‬ ‫أبو صابر يدفع الباب ويدخل‪ :‬أين فاتنة اآلن؟‬ ‫األم‪ :‬أنت تعرف أنها مسافرة‪ ،‬اتركها بحالها و ِعش حياتك‪.‬‬ ‫أصل مل تطلب املسامحة‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬بعد كل ما فعلته ابنتك العاقة تتوقعني مني أن أسامحها؟ هي ً‬ ‫يوسف‪ :‬ومل تخضع لوالدها‪.‬‬ ‫األم وقد بدأ السعال يعاودها‪ :‬ال أريدكم يف بيتي‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬يبدو أن دعويت استجيبت ووصل الرسطان لرئتيك‪.‬‬ ‫األم‪ :‬أجل‪ ،‬افرح واشفي غليلك‪.‬‬ ‫بتستك عىل فاتنة ال يغتفر‪ .‬هل تعرف فاتنة أنك جث ٌة متحركة؟‬ ‫أبو صابر‪ :‬لن أسامحك حتى لو قتلك الرسطان فام فعل ِته ّ‬ ‫يوسف‪ :‬قويل لها أن تعود لرؤيتك‪.‬‬ ‫األم‪ :‬أنتم مجانني! من أين لكم كل هذا الحقد! اتركونا بحالنا‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬قويل لفاتنة أنك تريدين رؤيتها قبل املوت‪.‬‬ ‫األم‪ :‬فاتنة لن تعود‪ ،‬أنتم تريدون استدراجها لتُخضعوها‪ .‬هي ستموت قبل أن تسمح لكم بذلك‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬أفضل أن متوت‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫األم‪ :‬اخرس أيها الخنزير األصغر‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬سأنتقم ِ‬ ‫منك بطريقتي‪ ،‬أما هي فحسابها عسري‪.‬‬ ‫األم‪ :‬اخرس أيها الخنزير األكرب‬ ‫أبو صابر‪ :‬تتجرئني عيل؟‬ ‫يُطرق باب البيت‪ ،‬بنات أبو صابر زهراء وسمية مع األطفال هنا لزيارة أ ّمهام‪ ،‬أبو صابر ويوسف يتظاهران بأنهام هنا‬ ‫لالطمئنان عليها‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬كوين بخري‪ ،‬مع أن األعامر بيد الله لكن نظن أن الرأي األصوب هو إعالم فاتنة بسوء حالتك ليك ترى أمها‪.‬‬ ‫األم‪ :‬ال عليك أنت اخرج من بيتي وسأكون بخري‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬ال حول وال قوة اال بالله هكذا تعاملني من أىت لالطمئنان عليك؟‬ ‫األم‪ :‬اطمئننتام عيل أليس كذلك؟ ارحال اآلن‪.‬‬ ‫ُس ّمية‪ :‬ما بك يا أمي؟ ما الذي يحدث؟‬ ‫األم‪ :‬ال يشء‪.‬‬ ‫أبو صابر ويوسف يتظاهران باللطف ويغادران‪.‬‬ ‫اتصال من ُس ّمية‪.‬‬ ‫فاتنة تتلقى ً‬ ‫ُس ّمية‪ :‬فاتنة لقد عاد الرسطان إىل أمي وهو يف رئتيها اآلن وهي تخفي عنك الخرب‪ ،‬برأيي من حقك أن تعريف‪ ،‬رمبا متوت‬ ‫قبل أن تريها‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫ٍ‬ ‫بصوت ُمته ّدج‪ :‬ماذا يقول األطباء؟‬ ‫فاتنة‬ ‫ُس ّمية‪ :‬ال أعرف بالتحديد‪ ،‬فهي تتكتم عىل األمر‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سأتصل بها‪ ،‬شك ًرا لك يا ُس ّمية‪.‬‬ ‫ُس ّمية‪ :‬ال شكر عىل واجب‪.‬‬ ‫كنت أستغرب اهتاممك املفاجئ‪.‬‬ ‫تغلق ُس ّمية الهاتف وتلتفت إىل أيب صابر‪ :‬فعلت ما طلبته مني يا أيب‪ ،‬وإن ُ‬ ‫أبو صابر‪ :‬كام تعلمني فاتنة ابنتي ومهام حدث بيننا الدم ال يتحول إىل ماء‪ .‬لكن لو ِ‬ ‫قلق عليها ستتوجس‬ ‫قلت لها أنني ٌ‬ ‫فهي ال تثق يب مع أنني والدها ورغم الخالفات كل ما أردت هو مصلحتها‪.‬‬ ‫أخفيت أنني اتصلت بها بنا ًء عىل طلبك‪.‬‬ ‫غيت موقفك تجاه فاتنة‪ ،‬لذلك‬ ‫ُ‬ ‫ُس ّمية‪ :‬أنا سعيد ٌة بأنك ّ‬ ‫أبو صابر‪ :‬جزاك الله خ ًريا يا بنتي‪.‬‬ ‫تتصل فاتنة بوالدتها‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أمي ملاذا مل تخربيني أن حالتك ساءت؟‬ ‫األم‪ :‬من قال لك ذلك؟‬ ‫مهم املهم أخربيني عن حالتك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ُ :‬س ّمية لكن ذلك ليس ً‬ ‫األم‪ :‬أنا بخري ال تقلقي‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال! أريد الحقيقة!‬ ‫األم‪ :‬قلت لك أنا بخري ال تقلقي‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال فائدة عيل أن أسأل اآلخرين ألعرف‪ ،‬عطلتي القادمة بعد شهر أستطيع املجيء لرؤيتك‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫األم‪ :‬ال‪ ،‬ال تأيت هنا أب ًدا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ملاذا؟‬ ‫األم‪ :‬فقط ابقي حيث أنت وال تقلقي عيل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ماذا تخفني عني؟‬ ‫األم‪ :‬ال يشء استمتعي بوقتك وأكميل دراستك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬حس ًنا‪ ،‬كوين بخريٍ يا أمي‪.‬‬ ‫تتصل فاتنة براندي‪ :‬أريد منك خدمة‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬أنت تأمرين‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬اذهب إىل املستشفى واسأل عن الدكتور رامي واستفرس منه عن حالة أمي الحقيقية‪ .‬أنا محرج ٌة أن أتصل به‬ ‫مبارش ًة فلم أتكلم معه منذ مدة‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬سأذهب غ ًدا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أشكرك يا صديقي العزيز‪.‬‬ ‫تكتب فاتنة يف دفرتها الرسي‪:‬‬ ‫عندما ترتك أرض االحزان‪ ،‬ال ترتكك أحزانها‪.‬‬ ‫يف اليوم التايل ترد مكاملة خارجية عىل هاتف فاتنة‪.‬‬ ‫الدكتور رامي‪ :‬فاتنة أنا الدكتور رامي أخذتُ رقمك الجديد من راندي‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬كيف حالك؟ أق ّدر اتصالك أنا آسف ٌة إلزعاجك‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ال بالعكس ال تقويل ذلك‪ ،‬ماذا ِ‬ ‫أردت أن تعريف؟‬ ‫فاتنة‪ :‬حالة أمي بالتفصيل‪.‬‬

‫رامي‪ :‬لقد عاد الرسطان وأصاب رئتيها‪ ،‬لكن ذلك ليس النهاية‪ .‬األمر يعتمد عىل استجابتها للعالج‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كم لديها من الوقت عىل أسوأ حال؟‬ ‫رامي‪ :‬إذا انترش بقوة‪ ،‬حوايل العام‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل ما زال هناك احتامل بالشفاء؟‬ ‫رامي‪ :‬أجل لكن ذلك يعتمد عىل نتائج األيام القادمة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا لك دكتور رامي‪.‬‬ ‫تتصل زهراء أخت فاتنة‪ :‬فاتنة كيف حالك؟‬ ‫فاتنة‪ :‬بخري كيف حالك ِ‬ ‫أنت؟‬ ‫زهراء‪ :‬بخري‪ ،‬لكن أمي ليست كذلك‪ ،‬لقد عاد الرسطان‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سمعت بذلك لألسف‪.‬‬ ‫زهراء‪ :‬أنا متأكد ٌة أنها تتمنى رؤيتك لكنها تخاف أن تثقل عليك‪ ،‬رمبا من األفضل أن تفاجئيها بزيارة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال أعرف سرنى‪ ،‬شك ًرا لك يا زهراء‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫بعد أن تنهي زهراء املكاملة تلتفت إىل أيب صابر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أحسنت يا بنتي‪ ،‬ستكون أمك سعيدة باملفاجأة قبل موتها‪.‬‬ ‫أبو صابر‪:‬‬ ‫زهراء‪ :‬مل أفهم ملاذا مل ترد أن أخرب فاتنة أنك أنت صاحب الفكرة‪ ،‬س ُيحسن تغري موقفك واهتاممك من عالقتكام املتوترة‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬ال يا بنتي فاتنة صغري ٌة وجاهل ٌة وال تثق يب لذلك إخفاء األمر أفضل‬ ‫زهراء‪ :‬كام تشاء يا أيب‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬رضا الله ورضا الوالدين من نصيبك بإذن الله يا بنتي‪.‬‬ ‫تتصل األخت الثالثة شيامء بفاتنة ويدور حوا ٌر مشابه‪.‬‬ ‫فاتنة تتصل بجميل‪ :‬رمبا سأذهب إىل البالد يف عطلتي القادمة‪.‬‬ ‫سمعت أن جامعة األصدقاء املؤمنني تحتجز بعض العائدين‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬هل أنت متأكد ُة أن هذه فكر ٌة جيدة؟‬ ‫ُ‬ ‫فاتنة‪ :‬لقد عاد الرسطان إىل أُمي‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ملاذا ال تأيت هي للعالج؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ألنه يكلف الكثري هنا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ال تهتمي بذلك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ال أعرف لست مطمئ ًنا لهذه الرحلة‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة بلهجتها املختصة بهذه العبارة‪« :‬شو بدو يصري يعني»؟‬ ‫جميل‪ :‬كام تشائني‪...‬‬ ‫أخبار املهلهل‬ ‫يف تلك الليلة الباردة يف الصحراء سار الزير املهلهل مرد ًدا أبيات الشنفرى‪:‬‬ ‫َولَيْلَ ِة نَ ْح ٍ‬ ‫اللتـي بِـ َها يَتَ َن َّب ُـل‬ ‫ـس يَ ْصطَيل ال َق ْو َس َربُّـها َوأقْطُ َعـ ُه َّ‬ ‫‪َ ‬د َع ْس ُت عىل َغط ٍْش َوبَ ْغ ٍش َو ُص ْح َبتـي ُس َعـا ٌر وإ ْرزِيـ ٌز َو َو ْجـ ٌر َوأفَك َُل‬ ‫يعيش يف زمن عنرتة‬ ‫يقال أن كل إنسان حتى أشد املجرمني بطشً ا لديهم منظوم ٌة أخالقية بشكلٍ أو بآخر‪ .‬املهلهل كان ُ‬ ‫والشنفرى‪ ،‬زم ٌن كان فيه املجتمع يتقبل أن األقوى يرصع األضعف ويأخذ ما ميلكه‪ .‬زم ٌن كان االنتقام به من الشامئل‪.‬‬ ‫تحسس املهلهل حقيبة املال‪ ،‬وهو الذي عاش حياة الفقر‪ ،‬فأنشد من نفس المية الشنفرى‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬وأُ ْع ِـد ُم أَ ْح َيان ًـا وأَ ْغ َنـى وإنَّ ـا يَ َن ُ‬ ‫ـال ال ِغ َنى ذو ال ُب ْعـ َد ِة املُتَ َبـذ ُِّل‬ ‫بدأ يفكر يف لقائه املرتقب مع بقية النامريد يف ألبانيا‪ .‬سامل مل يعد يعرف لنفسه هدفًا سوى العيش عىل تلك املنظومة‬ ‫األخالقية الغريبة‪ .‬منظومة القوة والبطش واالنتقام‪ .‬كيف سيعيش اآلن مع املاليني وحاجاته كلها مس ّددة؟ ملاذا سيسطو‬ ‫ويغزو ويبطش وينتقم؟ تساءل يف نفسه بينام بدأ رذاذ مط ٍر خفيف بالسقوط عىل غري العادة يف تلك املناطق‪ ،‬وامت ّدت‬ ‫ٍ‬ ‫مسالك محددة‪ ،‬هكذا عشوائي ٌة كحياة سامل‪.‬‬ ‫الصحراء تحت ضوء القمر بال طرقٍ أو‬ ‫مبتسم إىل أن الحت أضواء آلي ٍة عسكرية أو سيار ٍة يف األفق‪ .‬ال بد أنها إحدى دوريات تنظيم‬ ‫وهكذا كان يسري املهلهل‬ ‫ً‬ ‫سيف عيل‪ .‬يبدأ املهلهل بالركض بعي ًدا عن اتجاه األضواء‪ .‬لكنه يتفاجأ بالسيارة تتبعه وكأنها هنا ملالحقته! مع اقرتاب‬ ‫اآللية مي ّيز املهلهل السيارة املصفحة‪ ،‬إنها الخيانة!‬ ‫‪ ‬تبدأ زخات الرصاص من السيارة من ٍ‬ ‫يغي اتجاهه مستخد ًما الصخور والكثبان‬ ‫بعيد بينام يركض املهلهل من أجل حياته‪ّ .‬‬ ‫جبا السيارة عىل االلتفاف حولها‪ .‬تظهر أضواء سيار ٍة يف االتجاه‬ ‫كستا ٍر لتصعيب مهمة إصابته ثم يصعد تل ًة صغري ًة ُم ِ ً‬ ‫املقابل‪ ،‬صوت إطالق النار لفت انتباه دوري ٍة من تنظيم سيف عيل‪ .‬رجال تنظيم سيف عيل ميّزوا أن السيارة جتعشكم‬ ‫وأطلق أحدهم قذيف ًة باتجاهها‪ ،‬متر القذيفة قرب التلة وتنفجر قرب السيارة املصفحة‪ .‬يتحول انتباه السيارة إىل‬ ‫‪61‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫مجموعة جيش عيل ومتر بقرب تلة املهلهل‪ .‬مي ّيز املهلهل الوجوه تحت ضوء السيارة املقابلة‪ .‬السبع جبار الذي يقود‬ ‫السيارة يقوم مبناور ٍة تُ كّن الصاحب عثامن من إمطار الجبهة املقابلة بالرصاص وإصابة السائق فتنقلب سيارتهم‪.‬‬ ‫املهلهل يستغل الفرصة وينتقل إىل تل ٍة وعرة يصعب عىل السيارة صعودها‪ .‬يُجهِز النامريد عىل األحياء من فرقة سيف‬ ‫عيل ثم يبدؤون بالبحث عن املهلهل‪ .‬املهلهل يتصل عىل الالسليك ويخرب النمرود بالخيانة‪.‬‬ ‫تنس هم معنا عىل نفس املوجة‪.‬‬ ‫النمرود‪ :‬سامل ال َ‬ ‫سامل عىل الالسليك‪ :‬ماذا تريدون؟ املال؟‬ ‫السبع جبار‪ :‬املال الذي معك ال يشء بالنسبة للذي احتفظ به النمرود والصاحب عمر‪.‬‬ ‫يضطرون إىل الرتجل ليصعدوا التلة‪.‬‬ ‫سامل‪ :‬ملاذا تريدون قتيل اذًا؟‬ ‫السبع جبار‪ :‬ستعرف بعد أن متوت‪.‬‬ ‫سامل‪ :‬منرود احذر‪ ،‬ال بد أن هناك كمي ًنا ينتظركم‪ ،‬هؤالء أخربوا آخرين أنا متأكد وإال ملاذا يأتون لقتيل قبل أن يحصلوا‬ ‫عىل املال؟‬ ‫منرود‪ :‬هذا ما كنت أخشاه‪ ،‬سننقطع عن الالسليك إذًا‪.‬‬ ‫غيوا الطريق‪.‬‬ ‫سامل‪ّ :‬‬ ‫صوت إطالق نار عىل الالسليك‪.‬‬ ‫السبع جبار‪ :‬لقد أطبقت جامعتنا عليهم‪ ،‬خطتكم غبية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت مرعب‪ :‬يف الصباح ستكون لحومكم جاهزة للنسور‪.‬‬ ‫املهلهل‬ ‫يغلق الالسليك‪ .‬يتأهب السبع جبار والصاحب عثامن وخليل ويبدؤون بصعود التلة مسلّحني بالبنادق اآللية ومناظري‬ ‫الرؤية الليلية مطبقني عىل املهلهل من ثالثة اتجاهات‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة مع خالها الدكتور أسعد عىل الهاتف‪ :‬ما رأيك يا خايل هل نذهب م ًعا لرؤية أُمي؟‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات كاملة‪ .‬حسب ما فهمت يبدو أن حالتها ليست بذلك السوء‬ ‫اتصلت باملستشفى ومل أحصل عىل‬ ‫أسعد‪ :‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫وإن كانت عىل مفرتق طرق‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كيف ليست سيئة وقد متوت بعد سنة؟‬ ‫ِ‬ ‫عرفت ذلك؟‬ ‫أسعد‪ :‬من أين‬ ‫فاتنة‪ :‬هل عرفت اآلن ملاذا مل أسألك؟ كنت ستخفي عيل‪ ،‬هل أنا عاطفي ٌة لهذه الدرجة حتى تخفي عني؟ أال أُستأمن‬ ‫عىل معلومة؟‬ ‫أسعد‪ :‬لن يفيد القلق يا فاتنة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬يف املستقبل يا خايل أرجو ّأل تق ّرر عني بل تعطيني املعلومة كام هي‪.‬‬ ‫أسعد‪ :‬حس ًنا‪ ،‬لكن أمك ال تريدك أن تذهبي‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ملاذا؟‬ ‫أسعد‪ :‬ال أعرف‪ ،‬أعتقد أن األمر له عالق ٌة بوالدك لكنها حقًا مل تخربين تفاصيل وقالت يل أن أحذّرك من الذهاب‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬معقول أن والدي ما زال حاق ًدا ويرتبص يب؟ معقول كل هذا الحقد؟ وماذا سيفعل؟ يقتلني؟‬ ‫مختل وقد يفعل أي يشء‪.‬‬ ‫أسعد‪ :‬أبو صابر ٌ‬ ‫خصوصا أن الرسطان يف أحيانٍ كثرية قد ينترش فجأة‪،‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أريد أن أرى أمي‪ ،‬سأُخاطر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أريد رؤيتها قبل أن تنهار أو تسوء حالتها‪.‬‬ ‫‪63‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫خصوصا أنني حذّرتك‪.‬‬ ‫أسعد‪ :‬هذا ليس قرا ًرا حكيام يا فاتنة‬ ‫ً‬ ‫لست آل ًة يف النهاية‪ ،‬أريد أن أرى أمي قبل أن يحدث لها يشء‪ .‬إنه‬ ‫فاتنة‪ :‬ليس كل قرا ٍر أتخذ ُه مبن ًيا عىل الحكمة‪ ،‬أنا ُ‬ ‫قرا ٌر أخالقي‪ ،‬قد يكون غب ًيا‪ ،‬لكنه أخالقي‪.‬‬ ‫أسعد‪ :‬عنيدة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سأحجز تذكرة‪ ،‬هل أستطيع رؤيتك عطلة نهاية األسبوع قبل سفري؟‬ ‫أسعد‪ :‬طب ًعا يسعدين ذلك‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬أراك يف العطلة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أريد أن أرى جميل ً‬ ‫أسعد‪ :‬أر ِ‬ ‫اك إذًا‪.‬‬ ‫تتصل فاتنة بجميل‪ :‬عقدتُ العزم عىل الذهاب لكن الدكتور أسعد حذّرين أن والدي يخطط شيئًا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ال أشجع تلك الزيارة لكن أخىش أن تلوميني إذا مل تذهبي وحدث يش ٌء لوالدتك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬شو بدو يصري يعني؟‬ ‫جميل‪ :‬هذه عبار ٌة هوجاء لكنني أحبها‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سآيت لرؤيتكم عطلة نهاية األسبوع‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ل ُن ِقم حفل وداع إذًا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أنا ذاهب ٌة لثالثة أسابيع فقط‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫جميل‪ :‬أحيانا الوداع قد يكون بحسب ال ُبعد الجغرايف‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أنت تريد عذ ًرا لحفل وداع‪ ،‬لنخرج ثالثتنا ونسهر إذًا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬حس ًنا‪ ،‬أراك قريبًا‪..‬‬

‫يتبــع يف العدد القـادم‪...‬‬

‫‪https://secularegypt.com‬‬

‫نحن حركة فكرية مرصية مستقلة‪ ،‬نهتم بشكل أسايس بنش وتعزيز قيم العلامنية ىف مرص‪،‬‬ ‫ملواجهة األصولية والخطاب الواحد ىف املجتمع املرصي‪ ،‬وذلك بشتى طرق وأساليب التوعية من‬ ‫تدشي منتديات نقاشية‪ ،‬حمالت توعية‪ ،‬إقامة مؤمترات وورش عمل‪ ،‬إصدار نشات إلكرتونية‬ ‫وأوراق عمل لتعزيز قيم العلامنية ىف املجتمع املرصي‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلة امللحدين العرب هدفها نشر أفكار‬ ‫امللحدين والالدينيني العرب على اختالف‬ ‫توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والعرقية‬ ‫وبحري ٍة كاملة‪ .‬اجمللة رقمي ٌة مبني ٌة بجهود‬ ‫ي توج ٍه سياسي‪.‬‬ ‫فردي ٍة وال تع ّبر عن أ ّ‬ ‫املعلومات واملواضيع املطروحة تعتبر‬ ‫مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وحقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫والالديني‬ ‫امللحدينالعرب‪،‬أومنالك ّتابامللحدين‬ ‫ّ‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن بالنشر ‪.‬‬ ‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة‬ ‫موضوع‬ ‫ي‬ ‫على الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ضمنها يُعتبر تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬ ‫‪magazine@arabatheistbroadcasting.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.