مجلة الملحدين العرب: العدد السادس والأربعون / شهر سبتمبر / 2016

Page 1

‫ا‬ ‫لذ رك‬ ‫ى ال‬

‫س‬

‫نو‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ا‬

‫ألو‬ ‫ىل‬ ‫ل‬ ‫وف ةا‬

‫‪r‬‬ ‫‪e‬‬ ‫‪v‬‬ ‫‪l‬‬ ‫‪Si‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪oJ h‬‬

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫البوكيمونبنيعاملني‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫العدد السادس واألربعون من مجلة امللحدين العرب لشهر أيلول ‪ /‬سبتمرب لسنة ‪2016‬‬

‫مهزلة املصادفات‬ ‫‪Colin Wilson‬‬ ‫‪Jerry Coyne‬‬ ‫يف حوار مع ‪...‬‬ ‫أحدث األديان العامل ّية الرئيس ّية‬ ‫هو‪ :‬الالدين!‬ ‫‪Gabe Bullard‬‬

‫مجلة امللحدين العرب هدفها نشر أفكار‬ ‫امللحدين والالدينيني العرب على اختالف‬ ‫توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والعرقية‬ ‫وبحري ٍة كاملة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫اجمللة رقمي ٌة مبني ٌة بجهود فردي ٍة وال تع ّبر عن أ ّ‬ ‫توج ٍه سياسي‪.‬‬ ‫املعلومات واملواضيع املطروحة تعتبر مسؤولية‬ ‫أصحابها من الناحية األدبية وحقوق النشر‬ ‫وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬


‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬ ‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء‬ ‫املجلة‪:‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪Alia›a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫ماري غزال‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Ishtar Serene‬‬ ‫‪Zorba Zad‬‬ ‫‪Tiky Mikky‬‬ ‫‪RoRo Evil-Girl‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Antoine Tannous‬‬ ‫‪X.AHTOHOB‬‬ ‫‪Maya Aljundy‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬ ‫عاد سبتمرب ومعه الذكرى األوىل لرحيل صديقنا وقبطان‬ ‫سفينتنا جون سيلفر مؤسس املجلة‪ ،‬مر عام كامل‪ ،‬ومل‬ ‫يغب جون عنا لحظة واحدة‪ ،‬يف كل عدد نعمل عليه‬ ‫للمجلة بقيت صورة جون ورؤيته حارضة‪ ،‬بإبداعه وتفانيه‬ ‫وحكمته‪ ،‬فقد أراد املجلة أن تستمر دون أن تعتمد‬ ‫عىل شخص واحد‪ ،‬وأن تتجدد فيها الكوادر باستمرار‬ ‫ألنها مرشوع تنويري فكري أكرب من األشخاص‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يحدث‪ ،‬فالكوادر تتغري وتتبدل‪ ،‬كل حسب استطاعته‪،‬‬ ‫ولكن تجمعهم مظلة العمل الجامعي ومسؤولية رسالة‬ ‫التنوير‪.‬‬ ‫عاش جون سيلفر ومات ومل يكشف شخصيته ألحد‪ ،‬مل‬ ‫يعرفوا اسمه‪ ،‬مل يعرفوا شكله‪ ،‬قد يكون بعضكم قابله‬ ‫دون أن يعلم أن هذا الشخص حمل عىل عاتقه مسؤولية‬ ‫غي وأثر بالكثريين‪ ،‬وعام بعد عام‬ ‫مرشوع فكري ثوري‪ّ ،‬‬ ‫يبلغ صداه امتدادات أبعد وأوسع‪.‬‬ ‫مجلتنا هي صوتكم‪ ،‬منربكم‪ ،‬أنتم امللحدون العرب‪ ،‬ثورة‬ ‫هذا الجيل‪ ،‬زلزلتم أركان املوروث واملقدس‪ ،‬بأقالمكم‬ ‫وفكركم ونقدكم العقالين لهذه األديان البالية‪ ،‬فاستمروا‬ ‫فاملستقبل لكم‪ ،‬كل ما نفعله اليوم سيثمر غ ًدا واق ًعا‬ ‫أفضل وحياة أفضل‪ ،‬وألجيالنا القادمة أبناءنا وأحفادنا‬ ‫نحن نعمل من أجلكم‪ ،‬حتى تعيشوا بسالم واطمئنان‬ ‫بعي ًدا عن ثقافة املوت والسبي والعنرصية‪ ،‬كونوا أحرا ًرا‬ ‫واملؤوا األرض محبة وتسامح‪ ،‬وال تؤجروا عقولكم ألحد‪،‬‬ ‫مال وال شهرة‪ ،‬كل ما أراده أن تصل رسالته‬ ‫جون مل يرد ً‬ ‫إليكم ولو بعد حني‪.‬‬ ‫ارقد بسالم يا صديقي وكن فخو ًرا مبا أنجزته ونحن‬ ‫مستمرون‪ ،‬ستبقى دو ًما يف قلوبنا‪.‬‬

‫‪Johnny Adams‬‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫أحدث األديان العامل ّية الرئيس ّية‬ ‫هو‪ :‬الالدين!‬ ‫‪Gabe Bullard‬‬

‫‪4‬‬

‫الجذور الفكرية والتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫‪14‬‬

‫مهزلة املصادفات‬ ‫‪Colin Wilson‬‬

‫‪40‬‬

‫قراءة ٌ يف كتاب‪ :‬مقتطفات من كتاب‬ ‫برتراند راسل (ملاذا لست مسيح ًيا؟)‬ ‫‪Sandy Bell‬‬

‫‪45‬‬

‫كلامت يف ذكرى رحيل القبطان‬ ‫األصدقاء‬

‫‪50‬‬

‫البوكيمون بني عاملني‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫‪57‬‬

‫سلسل ُة أحكام أهل الذمة (‪)4‬‬ ‫محمود جامل‬

‫‪66‬‬

‫‪Jerry Coyne‬‬ ‫يف حوار مع ‪...‬‬

‫‪71‬‬

‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫‪80‬‬

‫‪3‬‬


‫أحدث األديان العامل ّية‬ ‫الرئيس ّية هو‪ :‬الالدين!‬

‫‪Gabe Bullard‬‬

‫ترجمة‪ :‬أسامة البني (الوراق)‬ ‫ظهر املقال عىل موقع‬ ‫‪nationalgeographic.com‬‬ ‫بتاريخ ‪2016/4/22‬‬

‫تتزايد أعداد امللحدين‬ ‫والالأدريّني الالدين ّيني عمو ًما‬ ‫بوتري ٍة غري مسبوقة‪،‬‬ ‫تبعات‬ ‫وهو أم ٌر قد تكون له‬ ‫ٌ‬ ‫ككل‪.‬‬ ‫تغي العامل ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪4‬‬


‫أحدث األديان العامل ّية‬ ‫الرئيس ّية هو‪ :‬الالدين!‬ ‫غيب بوالرد‬

‫قد ال يعتقد املرء أن الكنائس هي ُدو ٌر قد ينتهي بها املطاف بإغالق أبوابها نهائيًّا‪ ،‬لكن هذا أم ٌر ابتدأ بالحدوث‪ .‬ففي‬ ‫ديني لها يف اململكة املتّحدة إثر‬ ‫شهر مارس آذار من هذا العام‪ ،‬عقدت طائفة املينونيت ‪ Mennonite‬آخر اجتام ٍع ٍّ‬ ‫وفيات يف أوساط الرعية وتضاؤل مستوى االهتامم بذلك املذهب‪)1(.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ففي عرص الهواتف الذكيّة‪ ،‬ليس من الصعوبة مبكانٍ‬ ‫أن يتن ّبأ املرء بانحسار االهتامم بتلك الطائفة التي‬ ‫يتبع أفرادها معتق ًدا قري ًبا ملعتقد طائفة اآلميش‬ ‫‪ Amish‬ويرتدون مالبس عادي ٍة ويعتربون التعميد‬ ‫أم ًرا يختاره الراشد ال يُفرض عىل الطفل‪ .‬لكن األمر‬ ‫جز ٌء من نزع ٍة تحدث عىل نطاقٍ أوسع‪ .‬ففي أنحاء‬ ‫العامل‪ ،‬نرى املزيد من الناس ير ّدون بالمباال ٍة حني‬ ‫يُسألون عن مشاعرهم تجاه الدين‪.‬‬ ‫إن الالدين ّيني هم فئ ٌة تكرب عد ًدا بشكلٍ بارز‪ ،‬حتى‬ ‫صاروا ثاين أكرب مجموع ٍة دين ّي ٍة يف أمريكا الشامل ّية‬ ‫وغالبيّة أوروپا(‪ .)2‬حتى بات الالدينيّون يف الواليات‬ ‫املتّحدة(‪ )3‬يشكّلون حوايل ربع السكّان‪ ،‬ويف العقد‬ ‫األخري فاقوا الكاثوليك عد ًدا‪ ،‬وفاقوا الطائفة الرئيس ّية‬ ‫من الپروتستانت وجميع أتباع الديانات غري‬ ‫املسيح ّية‪.‬‬

‫إد سيرت ‪ ،Ed Sirett‬أحد القادة السابقني في طائفة املينونيت‬

‫سيضمحل مع انتشار التق ّدم يف العامل‪ ،‬لكن كل الدراسات املسح ّية األخرية تظهر‬ ‫ّ‬ ‫ولطاملا شاعت تن ّبؤاتٌ مفادها أن الدين‬ ‫عم قريب‪ ،‬وكذلك هي الحال يف هولندا‬ ‫أ ّن األمر يحدث برسع ٍة مذهلة‪ .‬ففي فرنسا ستصبح غالبيّة السكّان علامنيّ ًة ّ‬ ‫ونيوزيالندا‪ .‬كام ستفقد اململكة املتّحدة وأسرتاليا قري ًبا األكرثيّة املسيح ّية فيهام‪ .‬لقد وصلت أه ّمية الدين إىل الحضيض‪،‬‬ ‫كل يشء‪ ،‬بد ًءا من الحكّام ومرو ًرا بحدود الدولة وحتى يف الفنون املعامريّة(‪.)4‬‬ ‫حتى يف الدول التي يؤث ّر فيها الدين عىل ّ‬ ‫لكن الالدين ّيني مل يرثوا األرض وما عليها بعد‪ ،‬ففي أماكن كثرية‪ ،‬وتحدي ًدا يف مناطق جنوب الصحراء الكربى اإلفريق ّية‪ ،‬يكرب‬ ‫(‪ )1‬تم نرش تغطية مفصلة للموضوع يف مقال عىل موقع جريدة الغارديان اإللكرتوين ‪ www.theguardian.com‬بتاريخ ‪.2016/3/16‬‬ ‫مقال عىل موقعه اإللكرتوين ‪ http://www.pewresearch.org‬بعنوان «ما هي ثاين أكرب مجموعة دينية يف كل دولة؟» ‪What is each country’s‬‬ ‫(‪ )2‬نرش مركز پيو لألبحاث ً‬ ‫‪ .?second largest religious group‬ظهر املقال بتاريخ ‪.2015/6/22‬‬ ‫(‪ )3‬تم نرش مقا ٍل بهذا الصدد يف العدد السابع والثالثني من مجلة امللحدين العرب‪ ،‬ص ‪.85‬‬

‫‪5‬‬


‫أحدث األديان العامل ّية‬ ‫الرئيس ّية هو‪ :‬الالدين!‬ ‫غيب بوالرد‬

‫الدين برسع ٍة لدرج ٍة ستتضاءل‬ ‫حصة الالدينيّني من املجموع‬ ‫معها ّ‬ ‫العاملي للسكّان يف غضون الخمس‬ ‫ّ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫والعرشين عا ًما املقبلة ‪ ،‬حيث‬ ‫سيتح ّول العامل‪ ،‬بحسب تعبري‬ ‫أحد الباحثني(‪ )6‬مكانًا «تزيد فيه‬ ‫علامنيّة الغرب بينام تزيد فيه‬ ‫أعداد باقي العامل‪».‬‬ ‫معقل آخر للعلامن ّية‪،‬‬ ‫وت ُعترب الصني ً‬ ‫حيث قامت الثورة الثقاف ّية هناك‬ ‫بقمع الدين عىل مدى عقود‪ ،‬بينام‬ ‫نرى الدين يزداد حضو ًرا يف بعض‬ ‫الدول الشيوع ّية السابقة‪.‬‬

‫أوروﭘﺎ‬

‫أﻣﻛﻛﺎ‬ ‫اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ‬

‫أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ‬ ‫أﻣﻛﻛﺎ‬ ‫اﻟﺸﻟﻟﻴﺔ‬

‫آﺳـﻴـﺎ‬

‫اﻟﺘﻐ اﳌﺌﻮي ﰲ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻼدﻳﻨﻴ�‬ ‫ﰲ اﻟﺘﻌﺪاد اﻟﻜﲇ ﻟﻠﺴﻜﺎن‪2015-2005 ،‬‬ ‫اﻟﺰﻳﺎدة‬

‫أﻛ ﻣﻦ ‪5‬‬ ‫‪5-2‬‬

‫اﻟﻨﻘﺼﺎن‬

‫‪5-2‬‬ ‫أﻛ ﻣﻦ ‪5‬‬

‫أوﺳﱰاﻟﻴﺎ‬

‫املحصلة ترمي إىل عدم تجريم‬ ‫وحتى يف الغرب العلام ّين‪ ،‬نرى موج ًة من مشاريع قوانني تتعلّق بالحريّة الدين ّية والتي يف ّ‬ ‫الديني والدائرة يف الواليات‬ ‫التمييز‪ ،‬وهذه املشاريع هي أحدث جبه ٍة من جبهات الحرب الثقافيّة املوسومة بالطابع‬ ‫ّ‬ ‫املتّحدة والتي ال يبدو أنها ستضع أوزارها قري ًبا‪.‬‬ ‫توجد انقساماتٌ عميق ٌة يف صفوف الالدين ّيني‪ ،‬فمنهم امللحد املجاهر‪ ،‬ومنهم الالأدري‪ ،‬ومنهم من ال يكرتث الختيار أي‬ ‫تفضيل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫مشرتك بأنّهم ال يؤمنون بيشء‪ ،‬فهم كمجموع ٍة‬ ‫ارتياب تجاه أي تنظيٍم ما ويو ّحدهم هو إميا ٌن‬ ‫إ ّن ما ينظّم الالدين ّيني هو‬ ‫ٌ‬ ‫ميلكون تعقي ًدا داخل ًّيا يشابه تعقيدات األديان‪ .‬وكمثل األديان‪ ،‬فإن هذه التناقضات الداخل ّية قد ت ُنفِّر األتباع الجدد‪.‬‬ ‫(‪ )4‬يقدم موقع ‪ http://mappinggothic.org‬خريطة ملواقع املعامر القوطي ‪ Gothic‬يف أوروپا‪.‬‬ ‫(‪ )5‬نرش موقع پيو للدراسات دراس ًة مسحي ًة بهذا الصدد بعنوان «مستقبل الديانات العاملية‪ :‬توقعات للنمو السكاين للفرتة ‪The Future of World Religions: »2050-2010‬‬ ‫‪ .Population Growth Projections, 2010-2050‬ظهرت الدراسة عىل موقع ‪ http://www.pewforum.org‬بتاريخ ‪.2015/4/2‬‬ ‫(‪ )6‬تم ذكر ذلك يف ندوة بعنوان «مستقبل الديانات العاملية» ‪ The Future of World Religion‬ظهرت عىل موقع ‪ http://www.pewforum.org‬بتاريخ ‪.2015/4/23‬‬

‫‪6‬‬


‫أحدث األديان العامل ّية‬ ‫الرئيس ّية هو‪ :‬الالدين!‬ ‫غيب بوالرد‬

‫أبناء األلف ّية يقولون لله‪ :‬شك ًرا ال نريدك‬ ‫إن كان العامل اليوم يقف عىل حافّة ه ّو ٍة دينيّ ٍة عميقة‪ ،‬فنحن كنا‬ ‫نتح ّرك نحوها ببط ٍء منذ عقود‪ .‬لقد طرحت مجلّة تايم ‪Time‬‬ ‫قبل خمسني عا ًما السؤال التايل‪« :‬هل الله ميت؟» تساءلت فيه‬ ‫املجلّة يف حينها إن كان الدين ما زال صال ًحا يف الحياة العرصيّة‪،‬‬ ‫يفس‬ ‫يف حقب ٍة ما بعد الذ ّرة‪ ،‬حني كانت الشيوع ّية تنترش والعلم ّ‬ ‫أي ٍ‬ ‫وقت مىض‪.‬‬ ‫خفايا عاملنا‬ ‫الطبيعي أكرث من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما زلنا إىل اليوم نطرح السؤال ذاته‪ ،‬لكن اإلجابة ليست محصور ًة‬ ‫بنعم أو بال‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إن نسب ًة ال يُستهان بها من الناس الذين ُولدوا بعد نرش ذلك‬ ‫املقال سري ّدون بالسؤال املثري‪:‬‬ ‫أصل؟» ومييل الالدين ّيون يف أوروپا وأمريكا الشامل ّية ألن يكونوا فئ ًة صغري ًة يف الس ّن مقارن ًة بباقي‬ ‫«من يكون الله ً‬ ‫السكّان‪ ،‬وما ينوف عىل أحد عرش يف املئة من األمريك ّيني املولودين بعد العام ‪ 1970‬قد نشأوا يف ٍ‬ ‫بيوت علامن ّية‪.‬‬

‫أيضا‬ ‫مم قد يعجبك ً‬ ‫ّ‬ ‫إ ّن اإلنجازات العلميّة مل تقترص عىل جعل الناس تشكّك يف وجود الله وحسب‪ ،‬فهي عالو ًة عىل ذلك تعمل عىل ربط‬ ‫ٍ‬ ‫تختص يف اإللحاد أو الالأدرية‪،‬‬ ‫مجموعات نقاش ّي ٍة عىل اإلنرتنت‬ ‫هؤالء الناس ببعض‪ ،‬إذ إ ّن من السهل أن يجد املرء‬ ‫ّ‬ ‫حتى لو كان املرء قد أىت من عائل ٍة أو مجتمعٍ دين ّي ْي‪ .‬وإن كان املرء يسعى وراء الرفقة التي تأيت عاد ًة من االنتامء إىل‬ ‫بديل علام ٌّين يتمثّل بتج ّمع األحد ‪ ،Sunday Assembly‬أو أحد اللقائ ّيات العديدة املو ّجهة لإلنسانويّني‬ ‫كنيسة‪ ،‬فثمة ٌ‬ ‫وامللحدين والالأدريّني والشكاكّني‪.‬‬ ‫يتع ّدى أثر القامئني عىل منتديات اإلنرتنت تلك توفري ُجملٍ تن ّم عن الذكاء ير ّد بها الالدينيّون عىل أقاربهم املؤمنني الذين‬ ‫يضغطون عليهم الرتياد الكنيسة‪ ،‬فهم يُطمئنون الالأدريّني الجدد بأنّهم ليسوا وحيدين‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫أحدث األديان العامل ّية‬ ‫الرئيس ّية هو‪ :‬الالدين!‬ ‫غيب بوالرد‬

‫ليس من السهل توحيد الناس وراء راية‬ ‫عدم اإلميان بيش ٍء ما‪ .‬تقول ستيفاين‬ ‫غاترمسون ‪Stephanie Guttormson‬‬ ‫مؤسسة‬ ‫‪ ،‬وهي مديرة العمل ّيات يف ّ‬ ‫ريتشارد دوكنز ‪Richard Dawkins‬‬ ‫‪ Foundation‬والتي هي يف طور‬ ‫التقص ‪Center for‬‬ ‫االندماج مع مركز ّ‬ ‫‪« :Inquiry‬إ ّن تنظيم امللحدين أشبه ما‬ ‫يكون بتجميع القطط‪ ،‬لك ّن الكثري من‬ ‫القطط قد وجدت طريقها إىل مكان‬ ‫التج ّمع»‪.‬‬

‫أﻣﻛﻛﺎ‬ ‫اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ‬

‫أوروﭘﺎ‬ ‫أﻓــﺮﻳـﻘـﻴـﺎ‬ ‫أﻣﻛﻛﺎ‬ ‫اﻟﺸﻟﻟﻴﺔ‬

‫اﻟﺘﻐ اﳌﺌﻮي ﰲ ﻧﺴﺐ اﳌﺴﻴﺤﻴ واﳌﺴﻠﻤ‬ ‫ﰲ اﻟﺘﻌﺪاد اﻟﻜﲇ ﻟﻠﺴﻜﺎن‪2015-2005 ،‬‬ ‫اﻟﺰﻳﺎدة )ﰲ اﳌﺴﻴﺤﻴ((‬ ‫أﻛ ﻣﻦ ‪5‬‬ ‫‪5-2‬‬

‫اﻟﻨﻘﺼﺎن )ﰲ اﳌﺴﻴﺤﻴ((ـ‬ ‫‪5-2‬‬ ‫أﻛ ﻣﻦ ‪5‬‬

‫اﻟﺰﻳﺎدة )ﰲ اﳌﺴﻠﻤ((ـ‬ ‫أﻛ ﻣﻦ ‪5‬‬ ‫‪5-2‬‬

‫آﺳـﻴـﺎ‬

‫أوﺳﱰاﻟﻴﺎ‬

‫ﻻ ﺗﻮﺟﺪ أﻳﺔ دوﻟﺔ ﻓﻘﺪت‬ ‫ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ ‪%2‬‬ ‫ﻣﻦ ﺗﻌﺪاد ﺳﻜﺎن‬

‫تقول غاترمسون أ ّن هدف مجموعتها‬ ‫هو الوصول بالتنظيم إىل ح ٍّد يزيل هذا‬ ‫التنظيم من الوجود‪ ،‬فهم يريدون تطبيع اإللحاد إىل درج ٍة يصري معها من الشائع ّأل يحتاج امللحدون مجموع ًة تُطمئنهم‬ ‫ٌ‬ ‫رشعني الدينيّني‪.‬‬ ‫بأ ّن عدم اإلميان هو أم ٌر‬ ‫مقبول أو تدافع عن أخالقيّاتهم يف مواجهة امل ّ‬

‫إشكال ّية التن ّوع يف اإللحاد‬ ‫ٍ‬ ‫مرشوبات كحول ّي ٍة يس ّميها «الرشب بتشكّك»‬ ‫التقص يف العاصمة األمريك ّية واشنطن جلسة احتساء‬ ‫يستضيف مركز ّ‬ ‫‪ .Drinking Skeptically‬ويف أحد أيّام األربعاء من شهر آذار مارس‪ ،‬ارتاد تلك الجلسة حوايل عرشة أشخاص‪ ،‬وكانوا‬ ‫كلّهم ما عدا واح ًدا من البيض‪.‬‬ ‫ويقول كيڤن دوغالس ‪ ،Kevin Douglas‬وهو املشارك األسود الوحيد يف الجلسة باستهجان‪« :‬أغلب املجموعات التي‬ ‫رأيتها يطغى عىل تكوينها البيض»‪.‬‬ ‫وينحدر دوغالس من عائل ٍة متديّن ٍة من نيويورك‪ ،‬حيث صارع شكّه الداخيل إىل فرت ٍة دامت إىل بُعيد إنهائه الدراسة‬ ‫‪8‬‬


‫أحدث األديان العامل ّية‬ ‫الرئيس ّية هو‪ :‬الالدين!‬ ‫غيب بوالرد‬

‫الجامع ّية‪ .‬وامل ّرة الوحيدة التي يذكر أنه واجه فيها‬ ‫صعوب ًة يف تق ّبل اآلخرين إللحاده كانت أثناء عمله يف‬ ‫مدينة داالس يف والية تكساس‪ ،‬ويقول أ ّن كونه أسو َد مل‬ ‫يلعب دو ًرا يف ذلك‪.‬‬ ‫وتقول مانديزا توماس ‪ ،Mandisa Thomas‬وهي‬ ‫مؤسسة الالدين ّيني السو د �‪Black Non‬‬ ‫مؤسسة ورئيسة ّ‬ ‫ِّ‬ ‫‪ ،.believers, Inc‬وهي مجموع ٌة يف مدينة أطلنطا‬ ‫األمريك ّية ما ييل‪:‬‬ ‫«إن ما يحدث عاد ًة هو أن مجتمعنا‬ ‫األفرو‪-‬أمرييكّ (مجتمع السود) يضغط عىل أفراده‪.‬‬ ‫وباألخص املسيح ّية‪ ،‬يف تاريخ األمريك ّيني من أصلٍ‬ ‫إفريقي‪ .‬فلقد‬ ‫وينبع هذا الضغط من املكانة التي يحظى بها الدين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات‬ ‫لعبت الكنائس إبّان فرتة إزالة العبوديّة دور الداعم للسود‪ ،‬فصارت هي غاية مجتمع السود وكينونته عىل مدى‬ ‫عديدة»‪.‬‬ ‫وتضيف توماس أ ّن القادة الدين ّيني قد طغوا عىل حركة الحقوق املدن ّية‬ ‫‪ ،Civil Rights Movement‬ال بل اختطفوها‪.‬‬ ‫ثم تقول‪« :‬أنت إن رفضت الدين أو قلت إنك لست مؤم ًنا‪ ،‬فسيعتربك اآلخرون خائ ًنا لعرق السود»‪.‬‬ ‫يجدر بالذكر أ ّن توماس ليست فقط حال ًة شا ّذ ًة بني الالدين ّيني بسبب عرقها‪ ،‬فهي عالو ًة عىل ذلك امرأة‪.‬‬ ‫يعج بالذكور البيض‪ .‬تبلغ نسبة الذكور يف املجتمع األمرييكّ ‪ ،46%‬ونسبة البيض يف أمريكا ‪ ، % 66‬إال‬ ‫إ ّن الغرب العلام ّين ّ‬ ‫الالديني الدو ّيل ‪Atheist Alliance‬‬ ‫أن ‪ % 68‬من امللحدين هم من الذكور‪ ،‬و‪ % 78‬هم من البيض‪ .‬وقد ُص ّنف التج ّمع‬ ‫ّ‬ ‫‪ International‬هذا االختالل يف الجنس عىل أنه مشكل ٌة ها ّم ٌة ومل ّحة‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫أحدث األديان العامل ّية‬ ‫الرئيس ّية هو‪ :‬الالدين!‬ ‫غيب بوالرد‬

‫اﳌﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄ ﰲ اﳌﺮﺗﺒﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ‬

‫ﺣﻴﺚ ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن ﰲ ﻛﻞ دوﻟﺔ ﰲ اﻟﻌﺎم ‪2015‬‬

‫اﻟﻼدﻳﻨﻴ )ﻻأدرﻳ وﻣﻠﺤﺪﻳﻦ(‬ ‫اﳌﺴﻴﺤﻴ‬ ‫اﳌﺴﻠﻤ‬ ‫اﻟﻬﻨﺪوس‬ ‫اﻟﺒﻮذﻳ‬ ‫دﻳﺎﻧﺎت إﺛﻨﻴﺔ )ﻣﺤﻠﻴﺔ وﻗﺒﻠﻴﺔ(‬ ‫دﻳﺎﻧﺎت أﺧﺮى )دﻳﺎﻧﺎت ﻓﻮﻟﻜﻠﻮرﻳﺔ ﺻﻴﻨﻴﺔ‪ ،1‬إﺎﺎن ﺑﺎﻷرواح‪،2‬‬ ‫اﻟﺒﻬﺎﺋﻴ‪ ،33‬دﻳﺎﻧﺎت ﺟﺪﻳﺪة‬ ‫‪4‬‬

‫أﻣﻛﻛﺎ‬ ‫اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ‬

‫أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ‬ ‫أوروﭘﺎ‬ ‫آﺳﻴﺎ‬

‫أﻣﻛﻛﺎ‬ ‫اﻟﺸﻟﻟﻴﺔ‬

‫ﻋﺎﳌﻲ ﻣﻦ‬ ‫اﻟﺪﻳﻦ ﻋﲆ ٍ‬ ‫ﻧﻄﺎق ٍ‬ ‫ﻣﻨﻈﻮ ٍر ﺟﺪﻳﺪ‬ ‫أﻛ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ ﺳﻜﺎن اﻟﻜﻮﻛﺐ ﻳﻌﺘﱪون أﻧﻔﺴﻬﻢ‬ ‫ﻣﺴﻴﺤﻴ أو ﻣﺴﻠﻤ‪ ،،‬ﺟﺎﻋﻠ ﺑﺬﻟﻚ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺪﻳﻨ‬ ‫اﻷوﻓﺮ ﻋﺪ ًدا ﻓﻴ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ‪ 200‬دوﻟﺔ‪ .‬ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻟﻮ‬ ‫ﻧﻈﺮﻧﺎ إﱃ ﻣﺎ وراء اﻷﻛﻳﻳﺔ ﻧﺮى أﺎﺎﻃًﺎ دﻳﻨﻴ ًﺔ ﺗﺪل‬ ‫ات ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻋﲆ‬ ‫ارﺗﺒﺎﻃﺎت ﺳﺎﺑﻘ ٍﺔ وﺗﻄﻮر ٍ‬ ‫ٍ‬

‫أوﺳﱰاﻟﻴﺎ‬

‫امتياز الالدين‬ ‫توجد ع ّدة نظريّ ٍ‬ ‫ات لتفسري تح ّول الناس بأعدا ٍد كبري ٍة إىل اإللحاد‪ ،‬فينسب بعض باحثي تعداد السكّان األمر إىل األمان‬ ‫يفس كون الدول األوروپ ّية التي متلك أمانًا اجتامع ًّيـا أكرث علامن ّي ًة من الواليات املتّحدة‪ ،‬إذ يسود الفقر يف‬ ‫املا ّيل‪ّ ،‬‬ ‫مم ّ‬ ‫الصحي األمرييكّ قد يؤ ّدي طارئٌ طبّ ٌّي باملرء إىل اإلفالس حتى لو امتلك‬ ‫الواليات املتّحدة أكرث‪ ،‬وبسبب طبيعة النظام‬ ‫ّ‬ ‫تأمي ًنا صح ًّيا‪.‬‬ ‫األكادميي‬ ‫كام ويرتبط اإللحاد بالتعليم‪ ،‬سوا ٌء أُقيس ذلك من منظور التحصيل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شهادات جامع ّية)‬ ‫(حيث يحمل امللحدون يف أماكن كثري ٍة‬ ‫أو من منظور املعرفة العا ّمة فيام يتعلّق بتع ّدد األديان واملعتقدات حول العامل‬ ‫(وهذه النقطة تتعلّق بالنظريّات التي ترى أن إمكان ّية الحصول عىل اإلنرتنت قد يكون بح ّد ذاته بابًا إىل اإللحاد)‪.‬‬ ‫يفس كون الواليات‬ ‫كذلك‪ ،‬فث ّمة ٌ‬ ‫دالئل تشري إىل أن وجود دينٍ‬ ‫رسمي للدولة يُنفِّر الناس من الدين متا ًما‪ ،‬وهو أم ٌر قد ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫(‪ )7‬قام مركز پيو بنرش دراسة سكانية بعنوان «الفجوة بني الجنسني يف الدين حول العامل» ‪ ،The Gender Gap in Religion Around the World‬وقد ظهرت عىل موقع‬ ‫‪ http://www.pewforum.org‬بتاريخ ‪.2016/3/22‬‬

‫‪10‬‬


‫أحدث األديان العامل ّية‬ ‫الرئيس ّية هو‪ :‬الالدين!‬ ‫غيب بوالرد‬

‫املتّحدة أكرث تديّ ًنا من دو ٍل غربيّ ٍة أخرى متلك دي ًنا رسميًّا‪ ،‬حتى لو مل يكن ذلك الدين ُمطبّقًا ّإل ما ندر‪.‬‬ ‫فرنى باملقارنة أن الواليات املتّحدة متلك عد ًدا من األديان املحل ّية ‪-‬كالسينتولوجيا ‪ scientology‬واملورمون ّية‪ -‬والتي قد‬ ‫تجذب إليها من ال تعجبه األديان القدمية‪.‬‬ ‫لطاملا كانت العوامل االجتامعيّة التي تش ّجع عىل اإللحاد‪ ،‬وهي األمان املا ّيل والتعليم‪ ،‬أصعب وصولً عىل النساء والسود‬ ‫يف الواليات املتّحدة‪.‬‬ ‫وقد وجد مركز پيو لالبحاث ((‪ ) Pew Research Center )7‬أن النساء يف أرجاء العامل َيِلْن أكرث التّباع األديان وللصالة‪،‬‬ ‫يتغي حاملا تسنح الفرص‪ .‬ويقول كونراد هاكت ‪ Conrad Hackett‬من‬ ‫ويعتربن للدين أه ّمي ًة يف حياته ّن‪ .‬لك ّن هذا ّ‬ ‫مركز پيو ما ييل يف هذا الصدد‪:‬‬ ‫«إ ّن تديّن النساء العامالت يقارب تديّن الرجال‪ .‬أما النساء اللوايت ال يعملن‪ ،‬فهن أكرث تديّ ًنا‪ ،‬وقد يرجع السبب يف ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات دين ّي ٍة تفرض عىل املرأة املكوث يف البيت»‪.‬‬ ‫جزئ ًّيا إىل انتامئه ّن إىل‬ ‫يف مقا ٍل نرشته جريدة الواشنطن پوست(‪ )8‬حول الفوارق العرقيّة بني امللحدين‪ ،‬قال سيكيڤو هتشنسون ‪Sikivu‬‬ ‫‪ Hutchinson‬من مجموعة الشكّاكني السود ‪ Black Skeptics Group‬أن‪« :‬أعداد الش ّبان السود والالتين ّيني الذين تُتاح‬ ‫لهم فرص تعلّم العلوم والرياض ّيات ما زالت منخفض ًة ج ًّدا‪ ».‬وهذا يعني حصولهم عىل ٍ‬ ‫أقل وتع ّرضهم‬ ‫فرص اقتصاديّ ٍة ّ‬ ‫أقل لوجهة نظ ٍر فلسف ّي ٍة ال تحتاج وجود الله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تجد النساء والسود والفقراء مكانًالهم يف الدين‪ ،‬أما العلامنيّة بحكم طبيعتها‪ ،‬فهي مفتوح ٌة للجميع‪ ،‬لك ّنها ال تفتح‬ ‫ذراعيها مر ّحب ًة بالجميع‪.‬‬

‫(‪ )8‬عنوان املقال هو «يعاين اإللحاد من مشكلة عرقية ال يتحدث عنها أحد» ‪ .Atheism has a big race problem that no one’s talking about‬ظهر املقال عىل موقع‬ ‫الواشنظن پوست ‪ The Washington Post‬بتاريخ ‪.2014/6/16‬‬ ‫(‪ )9‬ظهر مقال بهذا الصدد عىل موقع ‪ www.salon.com‬بعنوان «مشكلة اإللحاد الصادمة مع النساء‪ :‬ما الذي يقبع وراء عداء ريتشارد دوكنز وسام هاريس للنساء؟» �‪Athe‬‬ ‫‪ .?ism’s shocking women: what’s behind the misogyny of Richard Dawkins and Sam Harris‬ظهر املقال بتاريخ ‪ 2014/10/3‬لكاتبته ‪.Amanda Marcotte‬‬ ‫(‪ )10‬كتب هتشنز مقالً بعنوان «السبب وراء انعدام الفكاهة عند النساء» ‪ .Why Women Aren’t Funny‬ظهر املقال عىل موقع ‪ www.vanityfair.com‬بتاريخ ‪.2007/1/1‬‬ ‫(‪ )11‬ظهر مقال ينتقد ما ْهر عىل موقع ‪ www.slate.com‬تحت عنوان «إن بيل ما ْهر مقرف» ‪ Bill Maher Is Gross‬بتاريخ ‪ 2014/7/18‬بقلم ‪.Amanda Marcotte‬‬

‫‪11‬‬


‫أحدث األديان العامل ّية‬ ‫الرئيس ّية هو‪ :‬الالدين!‬ ‫غيب بوالرد‬

‫ونجد أ ّن أكرث ر ّواد الحركة اإلنسانويّة اليوم قد أبدوا بعض عدم االحرتام تجاه النساء‪ .‬إذ يُعرف عن ملحدين مشهورين‬ ‫غياب االحرتام للمرأة‪ ،‬ومن ضمن هؤالء(‪ )9‬سام هاريس‬ ‫‪ Sam Harris‬وريتشارد دوكنز ‪ Richard Dawkins‬والراحل كريستوفر هيتشنز(‪)10‬‬ ‫‪ ،Christopher Hitchens‬وكذلك الكوميديان وامللحد املُف ّوه بيل ما ْهر(‪.Bill Maher )11‬‬ ‫حق املعرفة‬ ‫التقص أنّهم يعرفون ّ‬ ‫ومؤسسة دوكنز‪ ،‬ومركز ّ‬ ‫وكان من الواضح من حديثي مع قادة تج ّمع الالدين ّيني الدو ّيل‪ّ ،‬‬ ‫فكل القادة التي تح ّدثت إليهم ك ّن من النساء‪.‬‬ ‫االختالالت السكّانية التي ذكرتها وهم يعملون جاهدين إلصالحها‪ّ ،‬‬ ‫ولكن حتى الذكور البيض املتعلّمني قد يخشون أحيانًا من أن يُعرف عنهم إلحادهم عىل املأل‪ .‬ففي اجتامع الرشب‬ ‫التقص كان هنالك طبيب أسنانٍ أبيض رفض أن يتح ّدث عل ًنا معنا خشية ألّ يرغب مرضاه‬ ‫بتشك ٍّك الذي يعقده مركز ّ‬ ‫ٍ‬ ‫«سمعتنا كملحدين أنّنا رشسني ومغرورين وأنّنا‬ ‫مؤسسة السود الالدين ّيني‪ُ :‬‬ ‫مبلحد يعالج أسنانهم‪ .‬وتقول توماس رئيسة ّ‬ ‫نسعى فقط الستثارة املتديّنني‪ ».‬وهي تعمل عىل محاولة تغيري هذه الصورة النمط ّية وزيادة حضور الالدين ّيني غري البيض‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتعتقد توماس أ ّن الرتكيبة السكّانية لالدين ّيني ال تعكس أعدادهم وتن ّوعهم‪ ،‬وإنّ ا فقط ت ُّبي أعداد من هم عىل استعدا ٍد‬ ‫للجهر بإلحادهم‪ .‬وتضيف قائل ًة أن‪« :‬هنالك املزيد م ّمن هم من غري البيض‪ ،‬واملزيد من النساء ممن يعتربون أنفسهم‬ ‫ملحدين‪ ،‬وهنالك الكثريون م ّمن يرتادون الكنائس وهم كلّهم ملحدون»‪.‬‬

‫توسعة الطبقات االجتامع ّية‬ ‫حرب ت ّم تصوير‬ ‫زخم يف أواسط ِعقد األلفيّة‪ ،‬فقد كانت تلك سنوات ٍ‬ ‫إ ّن ما يُسمى باإللحاد الجديد قد برز واكتسب ً‬ ‫اإلسالم من خاللها عىل أنه تهديد‪ ،‬وتغلغلت أثناءها املسيح ّية يف السياسة الخارج ّية والداخل ّية للواليات املتّحدة‪ ،‬وكان‬ ‫ذلك أوضح ما يكون يف مبادرات التصويت املبن ّية عىل الدين ض ّد زواج املثل ّيني‪.‬‬ ‫رشعي مجلس الشيوخ األمرييكّ يعتمدون عىل تفسريٍ ض ّي ٍق لألخالق املسيح ّية‪ ،‬والذي يقتيض االمتناع عن‬ ‫ما زال بعض م ّ‬ ‫منح الخدمات للمثليّني‪ ،‬وعدم توفري املراحيض املالمئة للمتح ّولني جنسيًّا‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫أحدث األديان العامل ّية‬ ‫الرئيس ّية هو‪ :‬الالدين!‬ ‫غيب بوالرد‬

‫لك ّن ر ّدة الفعل عىل مستوى أمريكا ض ّد هذا الترشيع‬ ‫أي ٍ‬ ‫وقت مىض‪.‬‬ ‫الديني أتت رسيع ًة وشديد ًة أكرث من ّ‬ ‫ّ‬ ‫رصين عىل مواجهة‬ ‫فاألوروپ ّيون من جهتهم باتوا م ّ‬ ‫اإلسالموفوبيا وغريها من القوى االجتامع ّية التي‬ ‫تولّد توتّ ًرا داخل ًّيا مع املجموعات األخرى التي تتزايد‬ ‫عد ًدا‪.‬‬ ‫وإذا ما قارنّا موسم الحمالت االنتخاب ّية الرئاس ّية‬ ‫األمرييكّ الحا ّيل بسابقيه‪ ،‬نجد أ ّن الدين ال يلعب دو ًرا‬ ‫ها ًّما هذا العام‪.‬‬ ‫رصفاته‪ ،‬ال بل إ ّن اجتذابه للناخبني اإلنجيل ّيني قد أنتج شكوكًا حول‬ ‫فدونالد ترامپ ‪ Donald Trump‬ليس متديّ ًنا يف ت ّ‬ ‫دوافع وقدرة اليمني املتديّن عىل االستمرار‪ .‬أ ّما هيالري كلينتون فقد قالت‪:‬‬ ‫«إ ّن اإلعالن عن اإلميان ليس أم ًرا أقوم به بشكلٍ‬ ‫طبيعي‪».‬‬ ‫ّ‬ ‫كام أ ّن بريين ساندرز ليس ناشطًا يف الدين بشكلٍ فاعل‪.‬‬ ‫إ ّن امتناع املرشّ حني الرئاسيّني عن اإلفصاح عن ميولهم الدينيّة يعكس رغبتهم يف التق ّرب إىل ثاين أكرب مجموع ٍة دينيّة‪.‬‬ ‫فباستثناء املرشّ ح تد كروز‪ ،‬نجد أ ّن املرشّ حني الرئيس ّيني غري مستع ّدين للحديث عن الدين‪ ،‬فأعداد األمريك ّيني املهت ّمني‬ ‫إلهي يف صندوق االقرتاع هي يف تناقص‪.‬‬ ‫بتد ّخلٍ ٍّ‬ ‫كل الجهد الذي تبذله املجموعات العلامن ّية لرتويج قبول الالدين ّيني‪ ،‬فإ ّن ذلك قد ال يقارن يف تأثريه بغياب االهتامم‬ ‫ورغم ّ‬ ‫بالدين إضاف ًة إىل عامل الزمن‪.‬‬ ‫فمع من ّو جيل األلف ّية وإنجابهم لألطفال‪ ،‬قد يقترص التقليد الوحيد الذي سيعلّمونه ألطفالهم عن صباح يوم األحد عىل‬ ‫يش ٍء يُج ِمع عليه العامل كله ‪..‬‬ ‫وهي وجبة اإلفطار الصباحيّة املتأ ّخرة‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫الجذور الفكرية والتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬ ‫املذهبي الذي تولّد يف املنطقة العرب ّية يُع ّد نتا ًجا ملؤامر ٍة أمريك ّية‪-‬صهيون ّية‪-‬سلف ّي ٍة‪-‬وهاب ّية‪،‬‬ ‫إن الرصاع‬ ‫ّ‬ ‫تهدف إىل تدمري األ ّمة العرب ّية‪ ،‬عرب تأليب أهل الس ّنة عىل الشيعة والعكس‪ ،‬من خالل نرش فك ٍر خاطئٍ‬ ‫لدى الطرفني عن بعضهم البعض‪ ،‬أ ّدى يف أحيا َن ع ّد ٍة إىل حدوث تناح ٍر بني الس ّنة والشيعة يف أماك َن‬ ‫شيعي‪،‬‬‫سني‬ ‫ّ‬ ‫مختلفة‪ ،‬لك ّنه أكّد عىل ثقته يف فشل هذا املُخطّط‪ ،‬الذي يحاول ج ّر العامل العر ّيب إىل رصا ٍع ٍّ‬ ‫اإلسالمي «ألزهر» يف مرص‪،‬‬ ‫فاريس‪ُ ،‬مر ّج ًعا ثقته يف فشل هذه املؤامرة إىل وجود منارة العامل‬‫أو عر ٍّيب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقي وخ ّط الدفاع األ ّول عن اإلسالم واملسلمني بشكلٍ عام‪.‬‬ ‫مؤكّ ًدا أنّه املرجع‬ ‫ّ‬ ‫‪14‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫كل أغراض هؤالء‬ ‫متت للواقع بصلة‪ ،‬وأن ّ‬ ‫وإن ف ّزاعة الشيعة التي يستخدمها بعض من يطلقون عىل أنفسهم دعا ًة ال ّ‬ ‫قريب أو بعيد‪)1(.‬‬ ‫سياس ّي ٌة فقط‪ ،‬وال عالقة لها بالدين من ٍ‬ ‫هذا الكالم قيل عىل لسان أستاذ الفقه املقارن يف جامعة األزهر (أحمد كرمية) وقد تع ّمدتُ أن أضع كالمه يف بداية‬ ‫الدموي املزمن‪ ،‬رغم أنه يحمل‬ ‫املقالة كأحد األمثلة التي تعمل عىل تشتيت األنظار عن األسباب الحقيق ّية لهذا الرصاع‬ ‫ّ‬ ‫الديني‪ ،‬رغم يقيني أن مثل هذا الكالم‬ ‫شهادة الدكتوراة يف الفقه املقارن وهو عىل اطّال ٍع عىل ما هو موجو ٌد يف الرتاث‬ ‫ّ‬ ‫أستهل املقال بكالمه‪ ،‬ألن أمثال هؤالء الدعاة واملفكّرين اإلسالم ّيني الذين‬ ‫ّ‬ ‫قد سبق وم ّر عىل مسامع الجميع‪ ،‬أردتُ أن‬ ‫اإلسالمي ورموزه من املسؤول ّية‪،‬‬ ‫الدموي عن طريق خلق األكاذيب يف سبيل تربئة الدين‬ ‫يقومون بتربير هذا الرصاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لجهات متع ّدد ٍة وكثري ٍة باإلضافة إىل أنهم يعتقدون أن مثل هكذا كال ًما سوف يعمل عىل تهدئة الفتنة‬ ‫ورمي هذه التهمة‬ ‫الطائف ّية ومن ت ّم إىل تقارب الس ّنة والشيعة‪.‬‬ ‫لك ّن الواقع الذي نعيشه والتاريخ الذي نتصفّحه يقول بأن‬ ‫السطحي من‬ ‫االستمرار يف الكذب ومحاولة خلق التقارب‬ ‫ّ‬ ‫خالل الصالة املو ّحدة ومؤمترات التقارب بني املذاهب‪،‬‬ ‫ومهرجانات املصالحة الوطن ّية التي ال تستنزف سوى‬ ‫األموال‪ ،‬وال ُخطب الرنّانة الفارغة ال ينتج عنها ّإل تهدئ ًة‬ ‫بسيط ًة لألوضاع لفرت ٍة وجيز ٍة ليتف ّجر الرصاع بعد ذلك‬ ‫ألبسط األسباب‪ ،‬أما املعالجة الحقيق ّية للموضوع فهي أننا‬ ‫نحتاج إىل تشخيص األسباب الحقيق ّية لهذا الرصاع‪ ،‬ومواجهة‬ ‫فعل أن نوقف هذا الرصاع‬ ‫الحقيقة مهام كانت‪ ،‬إذا أردنا ً‬ ‫العبثي يف املستقبل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وقد ال ت ُشكّل هذه املشكلة تهدي ًدا خط ًريا يف حياة العرب الذين يقطنون يف دو ٍل تتك ّون من طائف ٍة واحد ٍة مثل تونس‬ ‫ومرص واملغرب‪ ،‬لك ّن خطورة الوضع الزمت حياة الكثريين يف الدول األخرى‪ ،‬وبل ٌد كالعراق الذي أنتمي له شخص ًّيا قد‬ ‫عايشت فيه الحرب األهل ّية الطاحنة‪،‬‬ ‫الطائفي منذ الطفولة إىل مرحلة الشباب والذي‬ ‫شهدتُ فيه عىل هذا الرصاع‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمي ودفعتني إىل اإللحاد ومن بعدها إىل مغادرة‬ ‫وكان هذا من أحد األسباب التي جعلتني أُعيد تفكريي يف الدين‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫خلفيات دين ّي ٍة وفكريّ ٍة وتاريخ ّي ٍة تعمل عىل تزويد هذا‬ ‫العراق نهائ ًّيا‪ ،‬بعد أن تأكّدتُ أن هذا الرصاع لن يتوقّف لوجود‬ ‫الرصاع مبا يحتاجه يك يستم ّر طوال هذه القرون‪ ،‬وال أُنكر أن كث ًريا من الس ّنة والشيعة قد تجاوزوا هذا الرشخ الكبري‬ ‫(‪ )1‬جورنال مرص‪ ،‬لقاء صحفي مع د‪ .‬أحمد كرمية بتاريخ ‪ ،26/5/2015‬املحرر مصطفى محمود إبراهيم‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫التجاري‪ ،‬لك ّن هذا‬ ‫وتقاربوا عىل مست ًوى وصل إىل الزواج واملصاهرة والعمل‬ ‫ّ‬ ‫مل ينتج تقاربًا مذهب ًّيا بواسطة النصوص الدين ّية‪ ،‬بل كان نتيجة زيادة الوعي‬ ‫التعليمي والثقا ّيف‪ ،‬باإلضافة إىل وجود األنظمة السياس ّية‬ ‫وارتفاع املستوى‬ ‫ّ‬ ‫القويّة يف املنطقة التي عملت عىل منع هذا النوع من الرصاعات‪ ،‬كام ي ّدعي‬ ‫البعض أن يف فرتة حكم حزب البعث يف العراق مل تشهد رصا ًعا طائف ًّيا كهذا!‬ ‫رغم ّأن كنت شاه ًدا يف املجتمع عىل هذا الرصاع تحت الجمر‪ ،‬وكان يعجز‬ ‫طائفي يزعزع‬ ‫كل تح ّر ٍك‬ ‫عن االشتعال لوجود سلط ٍة قويّ ٍة يف الحكم تقمع ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫السعودي وحتى‬ ‫األمن يف العراق‪ ،‬وي ّدعي آخرون أن التد ّخل اإليرا ّين أو‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أهداف سياسيّ ٍة كام‬ ‫األمرييكّ والصهيو ّين هو من أشعل هذا الرصاع من أجل‬ ‫يحصل اليوم يف العراق وسوريا واليمن‪ ،‬وكذلك يف هذه النقطة ال أنكر وجود‬ ‫ٍ‬ ‫مح ّر ٍ‬ ‫ألهداف‬ ‫كات سياس ّي ٍة خارج ّي ٍة وداخل ّي ٍة تعمل عىل إذكاء هذا الرصاع‬ ‫حرب أهليّ ٍة يف العراق وسوريا واليمن‬ ‫الحقيقي ليس ّ‬ ‫مختلفة‪ ،‬لك ّن املسبّب‬ ‫كل هؤالء‪ .‬فليس من املعقول أن اشتعال ٍ‬ ‫ّ‬ ‫حمق وغبا ٌء ليس له نظري‪ ،‬باإلضافة‬ ‫ولبنان واالضطرابات يف البحرين والسعوديّة كلّها مؤامراتٌ خارج ّي ٌة تستهدفنا‪ .‬هذا ٌ‬ ‫إىل أن هذه الرصاعات املعارصة ليست رص ٍ‬ ‫اعات جديد ًة بل حدثت طوال القرون املاضية لذلك سوف أعمل يف هذا‬ ‫الدموي املزمن‪.‬‬ ‫املقال عىل توضيح الجذور الحقيق ّية لهذا الرصاع‬ ‫ّ‬ ‫ال يخفى عىل ٍ‬ ‫يل‬ ‫أحد أن بداية هذا الرصاع كانت يف يوم وفاة مح ّم ٍد والرصاع عىل من له األحقيّة يف الحكم‪ ٬‬أبو بك ٌر أم ع ٌّ‬ ‫يل من جه ٍة‬ ‫السلمي طوال حكم أيب بك ٍر وعم ٍر إىل أن تفجر إىل رصا ٍع‬ ‫بن أيب طالب‪ ،‬واستمرار هذا الرصاع‬ ‫ٍّ‬ ‫دموي بني ع ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫والزبري وطلحة وعائشة من جه ٍة أخرى يف معركة الجمل وكذلك مع معاوية يف معركة ِصفّني وانتقال هذا الرصاع إىل‬ ‫األبناء بني الحسني ويزيد يف معركة الطف واستمراره إىل جيل األحفاد كام حصل عىل سبيل املثال بني ٍ‬ ‫يل وهشام‬ ‫زيد بن ع ٍّ‬ ‫عوائل قرش ّي ٍة كانت‬ ‫بن عبدامللك‪ ،‬لك ّن املختلف يف األمر أن الرصاع كان يف بدايته رصا ًعا سياس ًّيا من أجل الحكم بني ع ّدة َ‬

‫‪16‬‬

‫تتقاتل من أجل االنفراد بالحكم وقد نجحت‬ ‫األرستان األمويّة والعباسيّة يف ذلك يف حني فشلت‬ ‫األرستان العلويّة والزبرييّة لسوء حظّهام‪ ،‬ولكن‬ ‫السيايس من أجل الحكم‬ ‫بعد ذلك تح ّول الرصاع‬ ‫ّ‬ ‫عقائدي أنتج مذهبي الس ّنة والشيعة‪،‬‬ ‫إىل رصا ٍع‬ ‫ٍّ‬ ‫وهنا املفارقة يف األمر بحيث يكمن سبب استمرار‬ ‫العقائدي‪،‬‬ ‫هذا الرصاع إىل اليوم يف هذا التح ّول‬ ‫ّ‬ ‫رغم انتفاء األسباب الحقيق ّية له‪ ،‬حيث أن نظام‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫الخالفة اإلسالمية انتهى من األساس عىل يد كامل أتاتورك ومل تعد األسباب املوجبة له موجود ًة يف هذا العرص‪ ،‬لك ّن وجود‬ ‫الفكري هو ما جعله مستم ًّرا وخري مثا ٍل عىل ذلك أنّنا ال نشاهد اليوم من يطالب بثارات عبدالله بن‬ ‫العقائدي‬ ‫الرصاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعقائدي فيام بعد‬ ‫السيايس‬ ‫الزبري وبأحقّيته يف الحكم ألنه مل يتح ّول عقائديًّا ليستم ّر إىل اليوم‪ .‬وقد أنتج هذا الرصاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رشع لهذا الرصاع وتُعطي التربيرات الستمراره بل ومتنح الرشع ّية الدين ّية للقتل‬ ‫مدرستني كبريتني وكُت ًبا فكريّ ًة ّ‬ ‫تؤصل وت ّ‬ ‫املذهبي بني الطائفتني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وكل من وقف بوجه أحقّيتها يف الحكم كام‬ ‫السيايس الذي حدث بني األرسة العلوية ّ‬ ‫يف هذا املقال لن أتط ّرق للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫ت ّدعي هي ‪ -‬بالرغم من كونه يعترب بداية الرصاع الطائفي‪ -‬لسببني‪ :‬األول أن هذا املوضوع قُتل بحثًا‪ ،‬والثاين أن الرصاع‬ ‫املذهبي ونرش الكراهية قد حدثا فيام بعد و ُد ّونا يف الكتب يف تلك الفرتة‬ ‫املجتمعي الذي يحدث اليوم والترشيع للقتل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعي األساسيّني وهام‬ ‫السيايس‪ ،‬مع رسد بعض األمثلة التاريخيّة التي تُظهر طر ّيف هذا الرصاع‬ ‫وليس يف فرتة الرصاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الس ّنة والشيعة عىل طول التاريخ قبل وجود أي تأثري ٍ‬ ‫ات خارج ّية‪.‬‬ ‫يُصدم الكثريون من مناظر القتل املتبادلة بني الطائفتني‬ ‫وتصل إىل حدو ٍد بق ّمة الشناعة‪ ،‬كام حصل عندما أقدمت‬ ‫شيعي من الجيش‬ ‫الدولة اإلسالمية عىل إعدام ‪1700‬‬ ‫ٍّ‬ ‫املهدي من‬ ‫اقي يف تكريت وكام حصل عىل يد جيش‬ ‫ّ‬ ‫العر ّ‬ ‫عمليّات تصفي ٍة منظّم ٍة للس ّنة يف بغداد أيّام الحرب األهليّة‬ ‫يف الـ ‪2006‬م وغريها من الجرائم البشعة املتبادلة التي تثري‬ ‫التساؤالت والتي يُجاب عنها دامئًا بأنّها ال متثّل املذهبني‬ ‫والشيعي‪ .‬لكن هل هذه هي الحقيقة؟ اإلجابة‬ ‫الس ّني‬ ‫ّ‬ ‫نجدها يف كتب الطائفتني وسوف نتصفّح هذه اإلجابة‬ ‫سويّ ًة وسوف تكون بدايتنا مع الكتب الشيعيّة‪.‬‬ ‫الناصبي يف الكتب الشيعيّة ألن الشيعة معروفون مببدأ التقيّة يف مذهبهم لذلك‬ ‫يف البداية يجب أن نح ّدد من هو‬ ‫ّ‬ ‫الناصبي املذكور يف كتبهم ال يُقصد‬ ‫يحاولون يف بعض األحيان الدفاع عن مذهبهم وإبعاد صفة التش ّدد فيه والقول إن‬ ‫ّ‬ ‫به الس ّني ولك ّن الحقيقة غري ذلك واألدلّة من كتبهم نفسها‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫لديهم رأيان مشهوران‪ ،‬كالهام ينطبق عىل أهل الس ّنة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫مذهب آخر من مذاهب الشيعة‪.‬‬ ‫مخالف لهم يف العقيدة‪ ،‬ولو كان شيع ًّيا عىل‬ ‫كل‬ ‫الرأي األ ّول‪- :‬هو أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫يل‪.‬‬ ‫الرأي الثاين‪:‬‬ ‫الناصبي هو الذي يُق ّدم الجبت والطاغوت (أبا بك ٍر وعمر) عىل ع ّ‬‫ّ‬ ‫والدليل عىل هذين الرأيني هو كاآليت‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫إدريس عن مح ّم ٍد بن عيىس‪ ،‬قال‪« :‬كتبت إليه (يعني عيل الهادي) أسأله عن الناصب‪ ،‬هل أحتاج يف‬ ‫وهو ما رواه ابن‬ ‫امتحانه إىل أكرث من تقدميه الجبت والطاغوت واعتقاده إمامتهام؟ فرجع الجواب‪ :‬من كان عىل هذا فهو ناصب»‪)2( .‬‬ ‫يل عليه»‪ ،‬ث ّم يقول يف نفس املصدر‪« :‬ويؤيّد هذا‬ ‫ائري ما ّ‬ ‫ويقول نعمة الله الجز ّ‬ ‫نصه‪« :‬أن عالمة النواصب تقديم غري ع ٍّ‬ ‫الناصبي عىل أيب حنيف ٍة‬ ‫وخواصهم أطلقوا لفظ‬ ‫يل عليه) أن األمئّة عليهم السالم‬ ‫ّ‬ ‫املعنى (أن الناصب من قدم غري ع ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫وأمثاله»‪)3( .‬‬ ‫قوله‪«:‬وغني عن التعريف بأن مذهب النواصب هو مذهب أهل‬ ‫الساموي األمر يف‬ ‫الشيعي مح ّم ٌد التيجاين‬ ‫ويحسم‬ ‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫الس ّنة والجامعة‪)4(».‬‬ ‫أما حس ٌني بن الشيخ مح ّمد آل عصفور الدرازي البحراين فيقول‪« :‬عىل أنّك قد عرفت سابقًا أنّه ليس الناصب ّإل عبار ًة‬ ‫عن التقديم عىل عيل غريه»‪)5( .‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ويُضيف‪:‬‬ ‫«بل أخبارهم عليهم السالم تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنيا»‪)6( .‬‬ ‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫للمجليس‪ «:‬أقول‪ :‬كتب أخبارنا مشحون ٌة باألخبار الدالّة عىل كفر الزيديّة وأمثالهم من الفطح ّية‬ ‫ونقرأ يف بحار األنوار‬ ‫ّ‬ ‫والواقفة‪ ،‬وغريهم من الفرق املضلّة املبتدعة‪)7( .»...‬‬ ‫(‪ )2‬مستطرفات الرسائر (ص ‪​.)479‬‬ ‫(‪ )3‬األنوار النعامنية (ج‪/2‬ص‪.)307‬‬ ‫(‪ )4‬الشيعة هم أهل الس ّنة (ص ‪.)161‬‬ ‫(‪ )5‬املحاسن النفسانية يف أجوبة املسائل الخرسانية (ص ‪ 157‬طبع بريوت)‪.‬‬ ‫(‪ )6‬املحاسن النفسانية يف أجوبة املسائل الخرسانية (ص‪ 147‬طبع بريوت)‪.‬‬ ‫(‪ )7‬بحار األنوار للمجليس (‪.)37/34‬‬

‫‪18‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫يف هذا الكالم ال يوجد أي ٍّ‬ ‫خصوصا بعد‬ ‫شك أو جدا ٍل بأن الس ّنة هم املقصودون بكلمة النواصب يف الكتب الشيع ّية‬ ‫ً‬ ‫أحق بالخالفة من أيب‬ ‫أن عرفنا أن الشيعة يعتربون الزيديّة من النواصب بالرغم من كونهم طائف ًة شيعيّ ًة تعترب عليًّا ّ‬ ‫يل زين العابدين بن الحسني وليس‬ ‫يل هو اإلمام بعد ع ٍّ‬ ‫بك ٍر وعمر ويختلفون مع الشيعة اإلمام ّية بقولهم إن زي ًدا بن ع ٍّ‬ ‫مح ّم ًدا الباقر‪ ،‬فمن باب أوىل أن الس ّنة يف املدارج األوىل من املنتمني إىل النواصب‪.‬‬ ‫لنتصفح اآلن يف الكتب الشيعية لنعرف ما هي النظرة تجاه الس ّنة وما موقفهم تجاه تكفريهم واستحالل قتلهم والبداية‬ ‫مع جعفر الصادق وهو كبري أمئة الشيعة واملؤسس للمذهب الفقهي والكالمي للشيعة األمامية الجعفرية والتي تسمى‬ ‫باسمه‪ ،‬حيث نجد هذه الروايات املنسوبة له يف أهم الكتب الشيعية وهي بحار األنوار ووسائل الشيعة «روى الصدوق‬ ‫طاب ثراه يف العلل مسن ًدا إىل داود بن فرقد قال‪ :‬قلت أليب عبد الله عليه السالم ما تقول يف الناصب؟‬ ‫قال‪ :‬حالل الدم لكني أتقي عليك‪ ،‬فإن قدرت أن تقلب عليه حائطا أو تغرقه يف ماء لكيال يشهد به عليك فافعل‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬فام ترى يف ماله؟‬ ‫قال خذه ما قدرت» (‪.)8( )9‬‬ ‫وتستمر أعامل عصابات املافيا مع جعفر الصادق بقوله‬ ‫خمسه»‪)10( )11( .‬‬ ‫«خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا ُ‬ ‫حيث يُجيبنا جعفر الصادق عن رأيه يف الس ّني عندما ُس ِئل عن ذلك من أحد أتباعه‬ ‫أنه حالل الدم وتستطيع قتله وأن تنهب ماله؟؟!! وطبعا لن تجد اليوم من الدعاة‬ ‫املقربني بني املذهبني من يتط ّرق ملثل هذا الحديث‪ ،‬ويف نفس الوقت الذي ينترش‬ ‫فيه هذا الكالم بني املليشيات لتربير عمليات القتل التي يقومون بها‪ .‬بل إنه يبدع‬ ‫يف ابتكار عمليات القتل من ناحية إغراق السني يف املاء أو هدم الجدار عليه برشط‬ ‫عدم تو ّرط الشيعي مبسؤولية قتله فيام بعد؟! واملثري يف األمر أنه يطالب بحصته املالية وهي الخمس يف عملية النهب‬ ‫خصوصا بعد أن أعطى الغطاء‬ ‫التي ستحصل ضد السني!! وكأنه رئيس لعصابة مافيا يطلب حصته من األموال املرسوقة‬ ‫ً‬ ‫الرشعي لعمليات القتل والنهب باعتباره أن الشيعة هم فقط عىل ملة إبراهيم وما سوى ذلك خارج هذه امللة ونستطيع‬ ‫أن نفعل بهم ما نشاء!!‬ ‫(‪ )8‬وسائل الشيعة (‪.)18/463‬‬ ‫(‪ )9‬بحار األنوار للمجليس (‪.)231 /27‬‬ ‫(‪ )10‬تهذيب األحكام (‪.)4/122‬‬ ‫(‪ )11‬الوايف (‪.)6/43‬‬

‫‪19‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ويكشف جعفر الصادق هنا عن استعال ٍء وعنرصي ٍة كبري ٍة تجاه البرش وباألخص تجاه السنة‪ ،‬حيث يكفي عند مصافحة‬ ‫الذ ّمي مسحها بالجدار ولكن مع السني يجب أن تغسل يديك!!! وعن خالد القالنيس قال‪ «:‬قلت أليب عبد الله (ع) ألقي‬ ‫الذمي فيصافحني؟ قال امسحها بالرتاب أو بالحائط‪ ،‬قلت فالناصب؟ قال اغسلها»‪)12( )13( .‬‬ ‫ّ‬ ‫يل بن الحسني عليه السالم قال‪ :‬كنت معه عليه السالم يف بعض خلواته‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫ويف (بحار األنوار) نطالع‪« :‬عن موىل لع ٍّ‬ ‫املجليس‬ ‫إن يل عليك حقًّا أال تخربين عن هذين الرجلني‪ :‬عن أيب بك ٍر وعمر؟ فقال‪ :‬كافران كاف ٌر من أح ّبهام» (‪ )14‬ويُضيف‬ ‫ّ‬ ‫يف نفس الكتاب «اعلم أن إطالق لفظ الرشك والكفر عىل من مل يعتقد بإمامة أمري املؤمنني واألمئّة من ولده عليهم السالم‬ ‫يدل أنهم ُمخلّدون يف النار» (‪ ٬)15‬وال يخفى عىل ٍ‬ ‫وفضل عليهم غريهم ّ‬ ‫أحد أن الس ّنة يحبّون أبا بك ٍر وعمر ويعتربونهام يف‬ ‫ّ‬ ‫املذهبي‪ ،‬ألن الشيعة يعتربون‬ ‫ق ّمة الصحابة وال يعرتفون بأمئّة الشيعة وهذا الكالم يرضب يف مقتل أيّة محاول ٍة للتقارب‬ ‫ّ‬ ‫مستحيل‬ ‫ٌ‬ ‫كل هذه الكتب وما تقوله (وطب ًعا هذا‬ ‫عمر وأبا بك ٍر من رؤوس الكفر عىل عكس الس ّنة‪ ،‬فبالتايل دون شطب ّ‬ ‫كل محاوالت التقارب املرسح ّية محكو ٌم عليها بالفشل سلفًا‪.‬‬ ‫حال ًّيا) فإن ّ‬ ‫املهدي يف آخر الزمان ومن عىل لسان أحد كبار‬ ‫ونطالع يف الحديث القادم تربي ًرا لقتل أحفاد قتلة الحسني عندما يخرج‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص مل‬ ‫يل الرضا‪ .‬ما هذا الحقد الدفني الذي سيستم ّر آلالف السنني وما هذه البشاعة يف تحليل قتل‬ ‫أمئتهم وهو ع ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫أصل اآلن ال يعرفون إذا كانوا هم أحفا ًدا لهؤالء أم‬ ‫وربا ً‬ ‫ذنب سوى أنهم كانوا أحفا ًدا‬ ‫يقرتفوا أي ٍ‬ ‫ألشخاص قتلوا الحسني ّ‬ ‫ال؟ من يعرف اليوم إذا كان حفي ًدا لعمر بن ٍ‬ ‫سعد أو حفي ًدا للشمر؟!‬ ‫يل عن أبيه عن الهروي قال‪« :‬قلت أليب الحسن الرضا (ع) يا ابن رسول الله ما تقول يف‬ ‫حيث يروي الهمداين عن ع ٍّ‬ ‫حديث روي عن الصادق (ع) أنّه قال إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسني (ع) بفعال آبائها؟ فقال (ع)‪ :‬هو كذلك‪.‬‬ ‫وجل وال ت َ ِز ُر وا ِز َر ٌة ِو ْز َر أُ ْخرى ما معناه؟! قال (ع)‪ :‬صدق الله يف جميع أقواله ولكن ذراري قتلة‬ ‫فقلت‪ :‬وقول الله عز ّ‬ ‫رجل‬ ‫رجل قُتل باملرشق فريض بقتله ٌ‬ ‫الحسني يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها ومن ريض شيئًا كان كمن أتاه ولو أن ً‬ ‫وجل رشيك القاتل وإنّ ا يقتلهم القائم (ع) إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم»‪)16( .‬‬ ‫باملغرب لكان الرايض عند الله ع ّز ّ‬ ‫ٍ‬ ‫حديث آخر عن تكفريه لعموم بق ّية املذاهب واعتباره أن الشيعة فقط هم عىل ملّة اإلسالم حني‬ ‫يل الرِضا يف‬ ‫ويُضيف ع ٌّ‬ ‫قال‪« :‬ليس عىل ملّة اإلسالم غرينا وغري شيعتنا»‪)17( .‬‬ ‫(‪ )12‬يوسف البحراين الحدائق النارضة (ج ‪ 5‬ص ‪.)188‬‬ ‫(‪ )13‬محمد مهدي املوسوي الخلخايل‪ ،‬فقه الشيعة ‪.147 :6‬‬ ‫(‪ )14‬بحار األنوار للمجليس (‪.)29/137‬‬ ‫(‪ )15‬بحار األنوار للمجليس (‪.)23/390‬‬ ‫(‪ )16‬عيون أخبار الرضا عليه السالم‪ ،‬بحار األنوار (‪.)295 /45‬‬ ‫(‪ )1‬الكايف (‪.)223 /1‬‬

‫‪20‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫بحق أهل البدع حتى ال يُفسدوا بأهل اإلسالم عىل‬ ‫هنا ينقل الشيخ املوسوي أن اإلمام الس ّجاد يجيز أن تفعل كل يش ٍء ّ‬ ‫اعتبار أنهم ليسوا من املسلمني‪ .‬بل ويطلب منهم أن يقتدوا بأمئتهم يف فكر الكراهية والشتم والتكفري‪ .‬حيث نطالع‬ ‫ٍ‬ ‫بحق أهل البدع‪ ..‬من قبيل‬ ‫كل‬ ‫قول الصادق املوسوي معلّقًا عىل رواي ٍة منسوب ٍة للسجاد‪« :‬أن اإلمام الس ّجاد يجيز ّ‬ ‫ترصف ّ‬ ‫كل ذلك حتى ال يطمعوا يف الفساد يف اإلسالم‬ ‫الرباءة منهم وس ّبهم وترويج شائعات السوء بحقّهم والوقيعة واملباهتة‪ّ ،‬‬ ‫ويف بالد املسلمني وحتى يحذّرهم الناس لكرثة ما يرون وما يسمعون من كالم السوء عنهم‪ ٬‬هكذا يترصف أمئّة اإلسالم‬ ‫إلزالة أهل الكفر والظلم والبدع فليتعلّم املسلمون من قادتهم وليسريوا عىل منهجهم»‪)18( .‬‬ ‫ويقول املفيد حاك ًيا إجامع الشيعة يف موقفهم تجاه املخالفني‪ ،‬وطب ًعا ليس هناك من أهل البدع من يفوق يف بدعته‬ ‫يل وأوالده كام عند الس ّنة‪ ،‬وكذلك نجد يف هذا الحديث البن ٍ‬ ‫مفيد النسخة الثانية لداعش عند‬ ‫م ّمن ينكر الوالية لع ٍّ‬ ‫التمكّن من املخالفني يف املذهب والدين وتخيريهم بني التشيع أو القتل‪.‬‬ ‫حني يقول‪« :‬اتفقت اإلمامية عىل أن أصحاب البدع كلهم كفار‪ ،‬وأن عىل اإلمام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة‬ ‫لهم وإقامة البينات عليهم‪ ،‬فإن تابوا عن بدعهم وصاروا إىل الصواب‪ ،‬وإال قتلهم لردتهم عن اإلميان‪ ،‬وأن من مات منهم‬ ‫عىل تلك البدعة فهو من أهل النار»‪)19( .‬‬ ‫نبي وال عىل‬ ‫ويقول نعمة الله الجزائري مبي ًنا حقيقة حجم الخالف بني الشيعة والسنة‪« :‬مل نجتمع معهم عىل إل ٍه وال ٍّ‬ ‫إمام‪ ،‬وذلك أنهم يقولون‪ :‬إن ربهم هو الذي كان محم ٌد صىل الله عليه وسلم نبيه‪ ،‬وخليفته بعده أبو بكر‪ ،‬ونحن ال‬ ‫نقول بهذا الرب وال بذلك النبي‪ ،‬بل نقول إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا وال ذلك النبي نبينا»‪)20( .‬‬ ‫ّ‬ ‫وهذا الكالم يؤدي به إىل أن يعتربهم كفا ًرا ويحلل دماءهم‪،‬‬ ‫إذ قال‪« :‬جواز قتلهم ‪ -‬أي النواصب ‪ -‬واستباحة أموالهم» (‪)21‬‬ ‫أيضا ليبني مدى نجاسة الس ّني وإليضاح ذلك يقارنه باليهود والنصارى باعتبارهم رمز النجاسة والكفر فبالتايل أي‬ ‫ويقول ً‬ ‫يش ٍء يفوقهم نجاس ًة غري الس ّني الناصبي‪« :‬وأما الناصب وأحواله‪ ،‬فهو يتم ببيان أمرين‪ ،‬األول‪ :‬يف بيان معنى الناصب‬ ‫نجس بإجامع علامء اإلمامية رضوان الله‬ ‫الذي ورد يف األخبار أنه نجس‪ ،‬وأنه أرش من اليهودي والنرصاين واملجويس‪ ،‬وأنه ٌ‬ ‫عليهم»‪)22( .‬‬ ‫(‪ )18‬نهج االنتصار (ص ‪.)152‬‬ ‫(‪ )19‬أوائل املقاالت (ص‪.)-52 51‬‬ ‫(‪ )20‬األنوار النعامنية (‪.)2/279‬‬ ‫(‪ )21‬األنوار النعامنية (‪.)2/307‬‬ ‫(‪ )22‬األنوار النعامنية (‪.)2/306‬‬

‫‪21‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ونجد هنا كال ًما يف قمة البشاعة وحتى ال يعمل به يف أشد الحروب قسو ًة فكيف بني طائفتني تنتميان إىل اإلسالم وطائف ٌة‬ ‫تصف نفسها بأنها تابع ٌة ملدرسة آل البيت يف أخالقها وقيمها‪ .‬لذلك يجب أال نستغرب من القسوة املفرطة بني الس ّنة‬ ‫والشيعة يف حروبهم التي تجري اليوم حيث نطالع يف كتاب بحار األنوار هذه النصيحة العظيمة‪« :‬ال تطعمه وال تسقه‬ ‫وإن مات جو ًعا أو عطشً ا‪ .‬وال تغثه‪ ،‬وإن كان غرقًا فاستغاث فغطسه وال تغثه‪ ...‬من أشبع ناص ًبا مأل الله جوفه نا ًرا يوم‬ ‫القيامة معذبا كان أو مغفو ًرا له»‪)23( .‬‬ ‫ً‬ ‫وهنا نطالع أن عدم األمر بقتل الس ّنة هو من أجل حقن دماء الشيعة فقط وليس من أجل حقن دماء املسلمني وإطفاء‬ ‫الفتنة والتقريب بني املذاهب املختلفة وذلك ألنه يعترب قيمة دمائهم تفوق ٍ‬ ‫بألف أو مئة ألف رجلٍ من الس ّنة مقابل‬ ‫شيعي واحد‪ .‬لهذا الحد وصل الشعور بالعظمة وحق احتكار الحق املطلق واعتبار جميع املخالفني كالحرشات التي‬ ‫ٍ‬ ‫تُسحق عندما فقط نأمن رشها‪ .‬ويرتكون أمر قتل الس ّنة إىل يوم ظهور املهدي ليعمل مجزر ًة بهم يف حالة مل تتوفر‬ ‫الظروف املناسبة لهم لقتل الس ّنة؟ هذا ما نجده يف كتاب الطويس تهذيب األحكام‪« :‬لوال أنَّا نخاف عليكم أن يقتل رجل‬ ‫ورجل منكم خ ٌري من ألف رجلٍ منهم ومئة ٍ‬ ‫ألف منهم ‪ -‬ألمرناكم بالقتل لهم‪ ،‬ولكن ذلك إىل اإلمام‬ ‫منكم برجلٍ منهم ‪ٌ -‬‬ ‫املهدي»‪)24( .‬‬ ‫ويقول العالمة عبدالله شرب‪ ،‬مب َّي ًنا حكم جميع الفرق اإلسالمية عند علامء‬ ‫الشيعة‪ ،‬فيقول‪« :‬وأما سائر املخالفني ممن مل ينصب ومل يعاند ومل يتعصب‪،‬‬ ‫فالذي عليه جملة من اإلمامية كالس ّيد املرتىض أنهم كفا ٌر يف الدنيا واآلخرة‪،‬‬ ‫والذي عليه األكرث األشهر أنهم كفا ٌر مخلدون يف اآلخرة»‪)25(.‬‬ ‫املرحلة األوىل لكل عملية ترشيعٍ للقتل هو التكفري وأنهم مخلدون يف نار‬ ‫جهنم‪.‬‬ ‫هنا يح ّدد الشيخ األنصاري حسب ظاهر األخبار الشيعية أن املؤمن فقط‬ ‫هو من كان شيع ًيا وتستطيع أن تستنتج ما يرتتب عىل هذا الحكم‪ .‬حيث‬ ‫يقول «ظاهر األخبار اختصاص حرمة الغيبة باملؤمن ‪-‬أي الشيعي‪ -‬فيجوز‬ ‫اغتياب املخالف‪ ،‬كام يجوز لعنه»‪)26( .‬‬ ‫(‪ )23‬بحار األنوار للمجليس (‪.)72 /93‬‬ ‫(‪ )24‬تهذيب األحكام للطويس (‪.)387 /6‬‬ ‫(‪ )25‬حق اليقني (ص‪.)510‬‬ ‫(‪ )26‬كتاب املكاسب (‪.)319 /1‬‬

‫‪22‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫وأعتقد أنه لن تجد املليشيات الشيعية أكرث من هذا الترشيع الواضح لتطلق يدها يف قتل الس ّنة ونهب أموالهم اعتام ًدا‬ ‫عىل كالم يوسف البحراين وهو ما نصه‪« :‬إن إطالق املسلم عىل الناصب وأنه ال يجوز أخذ ماله من حيث اإلسالم خالف‬ ‫ما عليه الطائفة املحقة سلفًا وخلفًا من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله»‪)27( .‬‬ ‫ويعدد املرزا حسن الحائري اإلحقاقي يف كتابه «النجاسات» ويعترب النواصب من ضمنهم وبالتأكيد كام هي العادة يف‬ ‫نجس وهم األطهار فقط‪« :‬النجاسات‪ :‬وهي اثنا عرش‪ ،‬وع ّد‬ ‫املذاهب اإلسالمية وعنرصيتها وتعاليمها تعترب ّ‬ ‫كل من عداها ٌ‬ ‫الكفار منها‪ ،‬ثم عد النواصب من أقسام الكفار‪)28( ».‬‬ ‫وي ّربر أحد شيوخ الشيعة أن األخبار التي تنهى عن قتل الس ّنة إمنا صدرت بسبب التقية وهذا ٌ‬ ‫مثال صار ٌخ للنفاق وكذلك‬ ‫تقارب بني املذهبني‪ ،‬حيث ما الضامن أن هذا التقارب حصل فقط نتيجة ضعف موقف الشيعة‬ ‫يرضب يف مقتلٍ أي‬ ‫ٍ‬ ‫حيث يقول حسني الدرازي البحراين‪« :‬إن األخبار الناهية عن القتل وأخذ األموال منهم (يقصد أهل السنة) إمنا صدرت‬ ‫تقية»‪)29( .‬‬ ‫أما الخميني صاحب الثورة اإلسالمية يف إيران والذي ال يخفى عىل ٍ‬ ‫أحد مكانته اليوم عند الشيعة‪ ،‬والذي يعترب الس ّنة‬ ‫دليل عىل ذلك من أحد أمئتهم‬ ‫حرب وأورد ً‬ ‫أنهم ليسوا إخوانًا لهم ويحلّل الهتك بهم والوقيعة فيهم‪ ،‬واعتبارهم أهل ٍ‬ ‫يبي االستمرارية يف عملية التكفري ونرش فكر الكراهية‬ ‫أنه اعترب الس ّنة أوالد زنا؟ وال يجوز الصالة عليهم؟! وهذا ما ّ‬ ‫والتعصب تجاه الس ّنة من زمن ركوب الخيل والبعري إىل زمن ركوب الطائرة ومركبة الفضاء كام هو الحال مع روح الله‬ ‫عند الشيعة حيث يقول‪:‬‬ ‫«غرينا ليسوا بإخواننا وإن كانوا مسلمني‪ ..‬فال شبه ًة يف عدم احرتامهم بل هو من رضوري املذهب كام قال املحققون‪،‬‬ ‫بل الناظر يف األخبار الكثرية يف األبواب املتفرقة ال يرتاب يف جواز هتكهم والوقيعة فيهم‪ ،‬بل األمئة املعصومون‪ ،‬أكرثوا‬ ‫يف الطعن واللعن عليهم وذكر مساوئهم»‪.‬‬ ‫ثم أورد الخميني هذه الرواية‪« :‬عن أيب حمزة عن أيب جعف ٍر عليه السالم‪ ،‬قال‪ :‬قلت له‪ :‬أن بعض أصحابنا يفرتون‬ ‫ويقذفون من خالفهم‪ .‬فقال‪ :‬الكف عنهم أجمل‪ .‬ثم قال‪ :‬يا أبا حمزة إن الناس كلهم أوالد بغاة –أي أوالد زنا‪ -‬ما خال‬ ‫شيعتنا»‪.‬‬ ‫فقال الخميني معلقًا عىل تلك الرواية‪« :‬الظاهر منها جواز االفرتاء والقذف عليهم!» (‪)30‬‬ ‫(‪ )27‬الحدائق النارضة يف أحكام العرتة الطاهرة (‪.)324 ،12/323‬‬ ‫(‪ )28‬أحكام الشيعة (‪ 1/137‬مكتبة جعفر الصادق ‪ -‬الكويت)‪.‬‬ ‫(‪ )29‬املحاسن النفسانية لحسني الدرازي (ص‪.)167‬‬ ‫(‪ )30‬املكاسب املحرمة (‪.)251 / 1‬‬

‫‪23‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ويقول الخميني يف تحرير الوسيلة‪« :‬واألقوى إلحاق النواصب بأهل الحرب يف إباحة ما ا ُ ْغتُ ِنم منهم وتعلّق الخمس به‪،‬‬ ‫بل الظاهر جواز أخذ ماله أينام وجد وبأي نح ٍو كان ووجوب إخراج خمسه»‪)31( .‬‬ ‫ُ‬ ‫وأيضا قال الخميني‪:‬‬ ‫ً‬ ‫«وال تجوز الصالة عىل الكافر بأقسامه حتى املرتد‪ ،‬ومن حكم بكفره ممن انتحل اإلسالم كالنواصب»‪)32( .‬‬ ‫ُ‬ ‫ونختتم مع الخويئ الذي يُعترب من مراجع الشيعة الكبار بل األكرب للشيعة قبل عيل السيستاين يف العراق يف العرص‬ ‫الحديث (عرص املعلومات واالنفتاح والعوملة) حيث أنه يُكفّر الس ّنة وإن أظهروا إميانهم!؟ حيث قال‪« :‬واألظهر أن‬ ‫الناصب يف حكم الكافر‪ ،‬وإن كان مظهرا للشهادتني واالعتقاد باملعاد»‪)33( .‬‬ ‫ُ ً‬ ‫أقل من ذلك يف املذهب الس ّني من تكفريٍ‬ ‫ويف املقابل سوف لن نجد َّ‬ ‫رش لفكر الكراهية والتعصب كام سرنى ذلك‬ ‫للشيعة وترشيعٍ لقتلهم ون ٍ‬ ‫يف كتبهم املعتمدة وكبار شيوخهم‪ ،‬بل نجد أنهم يكذبون ويؤلفون من‬ ‫ٍ‬ ‫محمد الذي لن يختلف عليه‬ ‫أجل إثبات تكفري الشيعة ومن عىل لسان‬ ‫اثنان من املسلمني وهذا ما وجدناه يف الحديث املنقول عن طريق عبد‬ ‫يل أن هناك قو ًما‬ ‫الله بن عباس والذي رواه الطرباين أن محم ًدا قال لع ٍ‬ ‫سيخرجون يدعون الرافضة‪ ،‬وقد طلب قتلهم باعتبارهم من‬ ‫أهل النار‪ .‬طب ًعا هذا الحديث مير مرور الكرام عند الس ّنة‬ ‫باعتبار أن محم ًدا هو رسول الله ويعلم الغيب عن طريق‬ ‫ربه‪ ،‬ولكن الباحث التاريخي سوف يضع كل الرتاث اإلسالمي‬ ‫تحت املجهر باعتبار أن محم ًدا مل يسمع بالرافضة يف زمانه‬ ‫لعدم وجودهم وال يعرف الغيب‪ ،‬بالطبع إذًا تم تأليف‬ ‫ألسباب سياسي ٍة معروف ٍة لكون التاريخ املحمدي‬ ‫الحديث‬ ‫ٍ‬ ‫واألحاديث املنقولة عنه تم جمعها يف زمن الخالفة العباسية‬ ‫التي كانت عىل ٍ‬ ‫خالف كبريٍ مع األرسة العلوية بسبب النزاع‬ ‫عىل الحكم ومن مصلحتها تشويه صورة الشيعة يف ذلك‬ ‫تساؤل جوهريًا عن مدى مصداقية‬ ‫ً‬ ‫الوقت وهذا يطرح‬ ‫الرتاث اإلسالمي باملجمل‪.‬‬ ‫(‪ )31‬تحرير الوسيلة (‪.)1/352‬‬ ‫(‪ )32‬تحرير الوسيلة (‪.)1/79:2/146‬‬ ‫(‪ )33‬املسائل املنتخبة (ص‪.)56‬‬

‫‪24‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫فعن عبد الله بن عباس ريض الله عنهام قال‪« :‬كنت عند النبي صىل الله عليه وسلم‪ ،‬وعنده عيل‪ ،‬فقال النبي صىل الله‬ ‫عليه وسلم‪ :‬يا عيل سيكون يف أمتي قوم ينتحلون حبنا أهل البيت‪ ،‬لهم نبز يسمون الرافضة فاقتلوهم فأنهم مرشكون»‪.‬‬ ‫رواه اإلمام الطرباين وإسناده حسن‪)34( .‬‬ ‫وباالنتقال إىل آراء أعمدة املذهب الس ّني حيث أن مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل يتفقون عىل ضاللة الشيعة‬ ‫وتكفريهم ولكن أحمد بن حنبل يذهب يف ذلك كث ًريا‪ ،‬حيث أصبحت عداوته للشيعي تفوق عداوته لليهودي حيث‬ ‫يقول إنه مستع ٌد ألكل ذبيحة اليهودي عىل أن يأكل من ذبيح ٍة للشيعي!!؟؟ وكام نرى يف هذه األحاديث املنقولة عنهم‪:‬‬ ‫ُّ َ َّ ٌ َّ ُ ُ‬ ‫َّ َ َّ َ َ َ ُ َ َّ َ َ ْ ُ َّ ُ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫اه ْم ُر َّك ًعا ُس َّجداً‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫اء‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ار‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫اء‬ ‫د‬ ‫ش‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ين‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫الل‬ ‫ول‬ ‫ابن كثريٍ يف النص القرآين‪﴿ :‬ممد رس‬ ‫حيث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ ْ َ َ ُّ ُ َ َ َ َ ُ ُ ِ‬ ‫ْ‬ ‫قال ْ ً‬ ‫َّ ْ َ َ َ َ ُ‬ ‫ََُْ َ َ‬ ‫َ ْ َ ً‬ ‫َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يل‬ ‫الل َّ و ِرضوانا ِسيماهم ِف وجو ِه ِهم من أث ِر السجو ِد ذلِك مثلهم ف‬ ‫يبتغون فضل من‬ ‫ال َِ‬ ‫اتلورا ِة َو َمثلهم ِ َّف ِ‬ ‫جن ُ ِ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َُ َِ َ َُ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ​َ‬ ‫ُ ِ ْ ُ َّ‬ ‫ُ ْ ُ ُّ َّ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الين آمنوا‬ ‫كزر ٍع أخرج شطأه فآزره فاستغ َلظ فاستوى ع سوقِ ِه يع ِجب الزراع ِل ِغيظ بِ ِهم الكفار وعد الل َّ ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ُ َّ ْ َ ً َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ج ًرا َعظ ً‬ ‫يما﴾‪( .‬الفتح ‪.)29‬‬ ‫ات ِمنهم مغ ِفرة وأ‬ ‫َوع ِملوا الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َ ِ‬

‫قال‪« :‬ومن هذه اآلية انتزع اإلمام مالك رحمة الله عليه يف رواي ٍة عنه بتكفري الروافض الذين يُبغضون الصحابة ريض‬ ‫الله عنهم»‪ .‬قال‪« :‬ألنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة ريض الله عنهم فهو كاف ٌر لهذه اآلية ووافقته طائف ٌة من العلامء‬ ‫ريض الله عنهم عىل ذلك»‪)35( .‬‬ ‫ويدعم القرطبي رأي مالك حول الشيعة بقوله‪ «:‬لقد أحسن ٌ‬ ‫مالك يف مقالته وأصاب يف تأويله فمن نقّص واح ًدا منهم‬ ‫أو طعن عليه يف روايته فقد رد عىل الله رب العاملني وأبطل رشائع املسلمني»‪)36( .‬‬

‫وعن الشافعي أنه قال‪« :‬مل أر أح ًدا من أصحاب األهواء أكذب يف الدعوى‪ ،‬وال أشهد بالزور من الرافضة»‪)37( .‬‬

‫أما رأي ٍ‬ ‫أحمد بن حنبل عن الشيعة فنطالعه بهذه األحاديث املنسوبة له‪.‬‬ ‫روى الخالل عن أيب بك ٍر املروذي قال‪« :‬سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عمن يشتم أبا بك ٍر وعم ٍر وعائشة؟‬ ‫قال‪ :‬ما أراه عىل اإلسالم»‪.‬‬ ‫سب عائشة أم املؤمنني ورماها مام‬ ‫ويروي ابن عبد القوي‪ :‬وكان اإلمام أحمد َ يُكفِّر من‬ ‫منهم (أي ُالصحابة) ومن َّ‬ ‫تربأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ ُ ُ َّ َ ُ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ودوا ل ِ ِمث ِل ِه أبدا إن كنتم مؤ ِم ِنني﴾ (النور‪)38( .)17‬‬ ‫برأها الله منه وكان يقرأ ﴿ي ِعظكم الل أن تع‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )34‬املعجم الكبري (‪ ،)12/242‬حديث رقم (‪).12998‬‬ ‫(‪ )35‬تفسري ابن كثري (‪.)219 / 4‬‬ ‫(‪ )36‬تفسري القرطبي (‪.)297 / 16‬‬ ‫(‪ )37‬الاللكايئ يف رشح أصول اعتقاد أهل الس ّنة (‪.)499 / 8‬‬ ‫(‪ )38‬كتاب ما يذهب إليه اإلمام أحمد ص ‪.21‬‬

‫‪25‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫افيض ألكلت ذبيحة اليهودي‪ ،‬ومل آكل ذبيحة‬ ‫ويف موضعٍ آخر يقول أحم ٌد بن حنبل‪« :‬لو أن يهوديًا ذبح شا ٍة‪ ،‬وذبح ر ٌ‬ ‫الرافيض ألنه مرت ٌد عن اإلسالم»‪)39( .‬‬ ‫يل ثم ّعقب‬ ‫وساق ابن كثريٍ األحاديث الثابتة يف السنة‪ ،‬واملتضمنة نفي دعوى النص والوص ّية التي ت ّدعيها الرافضة لع ٍ‬ ‫عليها بقوله‪« :‬ولو كان األمر كام زعموا ملا ر َّد ذلك أح ٌد من الصحابة فإنهم كانوا أطوع لله ولرسوله يف حياته وبعد وفاته‪،‬‬ ‫من أن يفتاتوا عليه ف ُيق ّدموا غري من ق ّدمه‪ ،‬ويؤخروا من ق ّدمه بنصه‪ ،‬حاشا وكال ومن ظ َّن بالصحابة رضوان الله عليهم‬ ‫ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إىل الفجور والتواطؤ عىل معاندة الرسول صىل الله عليه وسلم يف حكمه ونصه‪ ،‬ومن وصل‬ ‫أحل من إراقة املُدام»‪)40( .‬‬ ‫من الناس إىل هذا املقام فقد خلع ربقة اإلسالم‪ ،‬وكفر بإجامع األمئة األعالم وكانت إراقة دمه ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫وال يخفى عىل ٍ‬ ‫أحل من إراقة الخمر‬ ‫محمد وبالتايل فإن إراقة دمائهم ُّ‬ ‫يل عىل بقية صحابة‬ ‫أحد أن الشيعة يقدمون ع ٍّ‬ ‫حسب رأي ابن كثري‪.‬‬ ‫أما البخاري فيعلنها مقاطع ًة كربى مع الشيعة عىل مختلف األصعدة وكالعادة يقارن الشيعة باليهود والنصارى عىل‬ ‫اعتبار أن هؤالء القمة يف االنحراف ل ُيعطي فكر ًة واضح ًة عن مدى انحراف وضالل الشيعة حيث يقول‪« :‬ما أبايل صليت‬ ‫خلف الجهمي والرافيض‪ ،‬أم صليت خلف اليهود والنصارى وال يُسلّم عليهم وال يعادون وال يناكَحون وال يشهدون وال‬ ‫تؤكل ذبائحهم»‪)41( .‬‬ ‫حزم الظاهري من ناحية اعتبار الشيعة عىل قدم املساواة مع اليهود والنصارى يف الكذب‬ ‫وتعود نفس األسطوانة مع ابن ٍ‬ ‫يس ٍء يف نظرهم بهم‪،‬‬ ‫والكفر وهذا ّ‬ ‫يبي مدى الحقد الهائل عىل اليهود والنصارى وعادة املسلمني يف تشبيه كل يش ٍء ّ‬ ‫حيث قال‪« :‬وأما قولهم (يعني النصارى) يف دعوى الروافض تبديل القرآن فإن الروافض ليسوا من املسلمني‪ ،‬إمنا هي‬ ‫ٍ‬ ‫بخمس وعرشين سنة‪ ،‬وهي طائف ٌة تجري مجرى اليهود‬ ‫فرق ٌة حدث أولها بعد موت رسول الله صىل الله عليه وسلم‬ ‫والنصارى يف الكذب والكفر»‪)42( .‬‬ ‫وال يختلف أبو ٍ‬ ‫أيضا يف تكفري الشيعة عن بقية شيوخ اإلسالم عندما قال‪« :‬وألجل قصور فهم الروافض عنه‬ ‫حامد الغزايل ً‬ ‫فيغيه‪ ،‬وحكوا عن‬ ‫ارتكبوا البداء ونقلوا عن ع ٍ‬ ‫يل ريض الله عنه أنه كان ال يخرب عن الغيب مخافة أن يبدو له تعاىل فيه ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد أنه قال‪ :‬ما بدا لله شيئًا كام بدا له إسامعيل أي يف أمره بذبحه‪ ،‬وهذا هو الكفر الرصيح ونسبه اإلله‬ ‫جعف ٍر بن‬ ‫تعاىل إىل الجهل والتغيري»‪)43( .‬‬ ‫(‪ )39‬الصارم املسلول ص ‪.570‬‬ ‫(‪ )40‬البداية والنهاية (‪.)252 / 5‬‬ ‫(‪ )41‬خلق أفعال العباد ص ‪.125‬‬ ‫(‪ )42‬الفصل يف امللل والنحل (‪.)213 / 2‬‬ ‫(‪ )43‬املستصفى للغزايل (‪.)110 / 1‬‬

‫‪26‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ٍ‬ ‫محمد‬ ‫وقد اعترب أبو زرعة الرازي الشيعة زنادق ًة وأن ما يفكرون به هو إبطال اإلسالم عن طريق االنتقاص من صحابة‬ ‫الذين نقلوا اإلسالم إلينا حيث يقول‪« :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أح ًدا من أصحاب رسول الله صىل الله عليه وسلم فاعلم‬ ‫حق وإمنا أ ّدى إلينا القرآن والسنن أصحاب رسول‬ ‫أنه‬ ‫حق والقرآن ٌ‬ ‫زنديق وذلك أن الرسول صىل الله عليه وسلم عندنا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الله صىل الله عليه وسلم وإمنا يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أوىل وهم زنادق ٌة»‪)44(.‬‬ ‫قصد به طب ًعا إجامع شيوخ املذهب الس ّني يف تكفري الشيعة حيث قال‪« :‬واجتمعت‬ ‫وينقل السمعاين إجامع األمة والذي يُ َ‬ ‫األمة عىل تكفري اإلمامية‪ ،‬ألنهم يعتقدون تضليل الصحابة وينكرون إجامعهم وينسبونهم إىل ما ال يليق بهم»‪)45(.‬‬ ‫ويذكر أبو املحاسن الواسطي جمل ًة من مكفراتهم فمنها قوله‪ :‬إنهم ُيكفرون بتكفريهم لصحابة رسول الله صىل الله‬ ‫َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َّ ً َ َ ً ِّ َ ُ ُ ْ ُ َ َ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ع َّ‬ ‫اس َو َيكون‬ ‫القرآن‪﴿ :‬وكذلِك جعلن َّاكم أمة وسطا لكونوا شهداء‬ ‫عليه ُوسلم َ الثابت تعديلهم وتزكيتهم يف‬ ‫انل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ َّ ُ‬

‫َّ َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ك ْم َشه ً‬ ‫يدا َو َما َج َعلنَا القبْل َة الت ك َ‬ ‫نت َعليْ َها إال ِلَ ْعل َم َمن يَتَّب ُع َّ‬ ‫َّ‬ ‫ب َع َع ِقبَيْ ِه َوإِن‬ ‫الر ُسول ِممن ينق ِل‬ ‫الر ُسول علي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ً َّ َ َ َّ‬ ‫َ​َ ُ ٌ‬ ‫ّ َ​َ َ َ ّ ُ َ َ َ ُ‬ ‫ين َه َ‬ ‫وف َّرح ٌ‬ ‫ال َ‬ ‫ك ْم إ َّن الل ّ ب َّ‬ ‫يم﴾ (سورة البقرة‬ ‫اس لرؤ‬ ‫ان‬ ‫يم‬ ‫إ‬ ‫يع‬ ‫ض‬ ‫ل‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫الل‬ ‫ى‬ ‫د‬ ‫كنت لك ِبرية ِإال ع‬ ‫انل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫آية ‪.)143‬‬ ‫وبشهادة الله لهم أنهم ال يكفرون بقوله تعاىل‪ :‬فإن يكفر بها هؤالء فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين‪)46( .‬‬ ‫ً‬

‫وروى الخالل عن لسان الفريايب أنه يقول بتكفري الشيعة ويذهب يف كراهيته وحقده تجاه الشيعة أنه يرفض أن يصىل‬ ‫حرب بن إسامعيل الكرماين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬ ‫عىل الشيعي عند وفاته وأال متسه األيدي عند دفنه!!؟؟ كام روى الخالل‪« :‬أخربين ٌ‬ ‫ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر‪ ،‬قال‪ :‬كافر‪ ،‬قال‪ :‬فيصىل عليه؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬ ‫موىس بن هارون بن زياد قال‪ :‬سمعت الفريايب ٌ‬ ‫وسألته كيف يصنع به وهو يقول ال إله إال الله‪ ،‬قال‪ :‬ال متسوه بأيديكم ارفعوه بالخشب حتى تواروه يف حفرته»‪)47( .‬‬ ‫ويتهم ابن قتيبة الدينوري الشيعة بالغباء والجهل باإلضافة إىل كفرهم وكذبهم حيث يكاد قاموس الشتائم ال يسعف‬ ‫شيوخ اإلسالم من كرثة استخدامهم ألنواع الشتائم تجاه الشيعة وبعد ذلك يقال إن أمة اإلسالم أمة األخالق!! حيث‬ ‫يل املتمثل يف تقدميه عىل من ق ّدمه رسول الله صىل الله عليه وسلم وصحابته عليه‪،‬‬ ‫حب ع ٍ‬ ‫قال‪« :‬بأن غُلو الرافضة يف ِّ‬ ‫وا ّدعاؤهم له رشكة النبي صىل الله عليه وسلم يف نبوته وعلم الغيب لألمئة من ولده وتلك األقاويل واألمور الرسيّة قد‬

‫(‪ )45‬األنساب للسمعاين (‪.)341 / 6‬‬ ‫(‪ )46‬الورقة ‪ 66‬من املناظرة بني أهل الس ّنة والرافضة للواسطي وهو مخطوط‪.‬‬ ‫للخلل (‪.)566 / 2‬‬ ‫(‪ )47‬الس ّنة ّ‬ ‫(‪ )48‬االختالف يف اللفظ والرد عىل الجهمية واملشبهة البن قتيبة ص ‪.47‬‬

‫‪27‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬ ‫جمعت إىل الكذب والكفر أفراط الجهل والغباوة»‪)48(.‬‬

‫أيضا وال يعرتف بالصالة خلف الشيعي وال بالصالة عليه‪ ،‬وال أعرف كيف يتّسق‬ ‫أما عبد القاهر البغدادي فيكفّر الشيعة ً‬ ‫هذا الكالم مع مؤمترات الصالة املو ّحدة بني الس ّنة والشيعة؟ حيث يقول‪« :‬وأما أهل األهواء من الجارودية والهشامية‬ ‫والجهمية واإلمامية الذين كفَّروا خيار الصحابة فإنا نكفِّرهم‪ ،‬وال تجوز الصالة عليهم عندنا وال الصالة خلفهم»‪)49(.‬‬ ‫كامل يف شتم الشيعة ويسميه (شم العوارض يف ذم الروافض) ويقول فيه‪:‬‬ ‫يل بن سلطانٍ القاري فإنه يؤلف كتابًا ً‬ ‫أما ع ٌ‬ ‫مباح كام عليه بعض الشيعة وأصحابهم‬ ‫سب أح ًدا من الصحابة فهو ٌ‬ ‫فاسق ومبتد ٌع باإلجامع إال إذا اعتقد أنه ٌ‬ ‫«وأما من َّ‬ ‫أو يرتتب عليه ثواب كام هو دأب كالمهم أو اعتقد كفر الصحابة وأهل الس ّنة فإنه كافر باإلجامع»‪)50(.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أما ابن تيمية فإنه ميارس دور البطولة يف تكفري الشيعة ويتفنن يف إظهار األدلة التي تثبت خروجهم عن الدين اإلسالمي‬ ‫بل إنه يتعدى ذلك إىل قراءة املستقبل والتنبؤ أن الشيعة سوف يستمرون بأعاملهم التآمرية ضد املسلمني الذين ميثلون‬ ‫طب ًعا أهل الس ّنة والجامعة‪ ،‬الجامعة الناجية الوحيدة بنظره وبالتأكيد كام هي العادة يكون هذا الحلف مع اليهود‬ ‫والنصارى (أعداء املسلمني التقليديني)‪.‬‬ ‫ويعترب أن قتالهم أحق من قتال الخوارج‪ ،‬ويذهب يف التكفري أبعا ًدا أخرى حيث يكفّر من مل يكفّر الشيعة‪ ،‬حيث يقول‬ ‫ٍ‬ ‫ابن تيمية‪« :‬من زعم أن القرآن نقص منه ٍ‬ ‫تأويالت باطن ًة تُس ِقط األعامل املرشوعة‪ ،‬فال‬ ‫آيات وكُ ِت َم ْت‪ ،‬أو زعم أن له‬ ‫قليل ال يبلغون بضعة عرش‬ ‫خالف يف كفرهم‪ .‬ومن زعم أن الصحابة ارت ّدوا بعد رسول الله عليه الصالة والسالم إال نف ًرا ً‬ ‫أيضا يف كفره ألنه ُمكذ ٌِّب ملا نصه القرآن يف غري موضعٍ من الرىض عنهم‬ ‫ريب ً‬ ‫نفسا أو أنهم ّ‬ ‫ً‬ ‫فسقوا عامتهم‪ ،‬فهذا ال َ‬ ‫والثناء عليهم‪ .‬بل من يشك يف كفر مثل هذا؟ ُفإن ُكفره متعني‪ ،‬فإن مضمون هذه املقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفا ٌر‬ ‫ُ ُ ْ ْ َ َّ ْ َ ْ َّ‬ ‫فس ٌ‬ ‫لن ِاس﴾ (آل عمران ‪ ،)110‬وخريها هو القرن األول‪ ،‬كان‬ ‫اق وأن هذه اآلية التي هي ﴿كنتم خي أم ٍة أخ ِرجت ل ِ‬ ‫أو َّ‬ ‫رش األمم‪ ،‬وأن سابقي هذه األمة هم أرشارها‪ ،‬وكفر هذا مام يعلم‬ ‫عامتهم كفا ًرا‪ ،‬أو َّ‬ ‫فساقًا‪ ،‬ومضمونها أن هذه األمة ُّ‬ ‫باالضطرار من دين اإلسالم»‪)51(.‬‬ ‫ويف موضعٍ آخر يقول‪« :‬وكذلك إذا صار لليهود دول ًة بالعراق وغريه‪ ،‬تكون الرافضة من أعظم أعوانهم‪ ،‬فهم دامئًا يوالون‬ ‫الكفار من املرشكني واليهود والنصارى‪ ،‬ويعاونونهم عىل قتال املسلمني ومعاداتهم»‪)52( .‬‬ ‫أيضا‪« :‬وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية واإلسناد عىل أن الرافضة أكذب الطوائف‪ ،‬والكذب فيهم قديم‪،‬‬ ‫ويقول ً‬ ‫ولهذا كان أمئة اإلسالم يعلمون امتيازهم بكرثة الكذب»‪.‬‬ ‫(‪ )49‬الفرق بني ال ِفرق ص ‪.357‬‬ ‫(‪ )50‬شم العوارض يف ذم الروافض الورقة ‪6‬أ مخطوط‪.‬‬ ‫(‪ )51‬الصارم املسلول ص ‪.587 - 586‬‬ ‫(‪ )52‬منهاج الس ّنة النبوية ج ‪ / 3‬ص ‪.37‬‬ ‫(‪ )53‬مجموع الفتاوى (‪.)482 / 28‬‬

‫‪28‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬ ‫(‪)53‬‬

‫وأحق بالقتال من الخوارج»‪.‬‬ ‫رش من عامة أهل األهواء‪ُّ ،‬‬ ‫ويقول ابن تيمي ٍة هنا يف تحريضه لقتال الشيعة‪« :‬أنهم ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫ألف كتابًا يف الشيعة أسامه‬ ‫ويستمر تلميذ ابن تيمي ٍة‬ ‫محمد بن عبد الوهاب يف منهاج أستاذه حيث َّ‬ ‫(رسال ٌة يف الرد عىل الرافضة) يقول فيه‪« :‬فهؤالء اإلمامية خارجون عن السنة‪ ،‬بل عن امللة‪ ،‬واقعون يف الزنا وما أكرث ما‬ ‫(‪)54‬‬ ‫فتحوا عىل أنفسهم أبواب الزنا يف القبل والدبر‪ ،‬فام أحقهم بأن يكونوا أوالد زنا»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أما أبو ٍ‬ ‫وفهم من‬ ‫حامد‬ ‫محمد املقديس قال بعد حديثه عن فرق الرافضة وعقائدهم‪« :‬ال يخفى عىل كل ذي بصري ٍة ٍ‬ ‫املسلمني أن أكرث ما قدمناه يف الباب قبله من عقائ َد هذه الطائفة الرافضة عىل اختالف أصنافها كف ٌر رصيح‪ ،‬وعنا ٌد مع‬ ‫(‪)55‬‬ ‫جهلٍ قبيح‪ ،‬ال يتوقف الواقف عليه من تكفريهم والحكم عليهم باملروق من دين اإلسالم»‪.‬‬ ‫ويُعتَ َب املقديس من كبار املنظِّرين للتيار الجهادي السلفي وعىل رأسها القاعدة وليس باألمر الجديد عمليات القتل التي‬ ‫دليل ملن يُغلق عقله ويعترب أن‬ ‫مارستها وما زالت بحق الشيعة يف العراق وأفغانستان وباكستان وسورية واليمن وهذا ٌ‬ ‫عمليات القتل مج ّرد جرائ َم ال متثل اإلسالم رغم أن رأي املقديس ال يختلف يف يش ٍء عن بقية آراء شيوخ اإلسالم قدميهم‬ ‫وحديثهم‪.‬‬ ‫ويستمر تكفري الشيعة إىل عرص العلم واالنفتاح حيث ينربي مفتي السعودية بن با ٍز لتكفري الشيعة يف معرض إجابته‬ ‫عن تساؤ ٍل حول الشيعة كام ييل‪:‬‬ ‫«فقد تلقيت كتابكم الكريم وفهمت ما تضمنه‪ .‬وأفيدكم بأن الشيعة ِف ٌ‬ ‫رق كثري ٌة وكل فرق ٍة لديها أنوا ٌع من البدع‬ ‫وأخطرها فرقة الرافضة الخمينية االثني عرشية لكرثة الدعاة إليها وملا فيها من الرشك األكرب كاالستغاثة بأهل البيت‬ ‫واالعتقاد بأنهم يعلمون الغيب وال سيام األمئة االثني عرش حسب زعمهم ولكونهم يُكفّرون ويس ّبون غالب الصحابة‬ ‫(‪)56‬‬ ‫كأيب بك ٍر وعم ٍر ريض الله عنهام نسأل الله السالمة مام هم عليه من الباطل»‪.‬‬ ‫السؤال املهم اآلن بعد أن تصف ّحنا كل هذا الكم الهائل من األحقاد والكراهية والدعوة إىل قتل املختلف الس ّني والشيعي‬ ‫يل عىل أرض الواقع؟ الجواب نعم وقد استمر منذ موت‬ ‫يف كتب تراث الطرفني‪ ،‬هو هل انتقل هذا الفكر إىل‬ ‫ٍ‬ ‫تطبيق عم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد إىل وقت كتابة هذه املقالة يف سنة ‪ ،2016‬وتراوحت ش َّدة هذا الرصاع ومدى دمويته عىل عوامل ع َّدة‪ ،‬ولكنه‬ ‫استمر وتكفي مطالع ٌة تاريخي ٌة بسيط ٌة لنجد أثر هذا الرصاع الدموي الذي لطَّخ كتب التاريخ باملآيس والتي يحاول‬ ‫مبشاكل سياسي ٍة دولي ٍة وإقليمي ٍة يف الوقت‬ ‫َ‬ ‫البعض طمسها من أجل تجميل صورة اإلسالم وربط الرصاع الس ّني الشيعي‬ ‫الحارض‪ ،‬لذلك سوف أنقل بعض هذه األحداث الدموية دون التط ُّرق مر ًة أخرى للرصاع الدموي الذي حدث بني صحابة‬ ‫(‪ )54‬رسالة يف الرد عىل الرافضة ص‪.42‬‬ ‫(‪ )55‬رسالة يف الرد عىل الرافضة ص ‪.200‬‬ ‫(‪ )56‬صدرت اإلجابة من مكتب بن باز يف ‪ 1409 / 1 / 22‬هـ برقم ‪.1 / 136‬‬

‫‪29‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ٍ‬ ‫محمد من أجل كريس الحكم لنفس األسباب السابقة‪.‬‬ ‫ستكون البداية مع الرصاع الذي حدث يف بغداد أثناء‬ ‫سيطرة الدولة البويهية عىل العاصمة اإلسالمية وعىل‬ ‫الخلفاء العباسيني الضعيفني يف ذلك الوقت‪ ،‬حيث ينقل‬ ‫املؤرخون ابن كثريٍ وابن األثري وغريهام عن أوضاع بغداد يف‬ ‫ذلك العهد بأن بغداد كانت مرس ًحا للصدامات بني الس ّنة‬ ‫والشيعة طيلة العهد البويهي تقري ًبا‪ ،‬وتكمن أهمية هذا‬ ‫املثال كونه يعكس رصا ًعا مجتمع ًيا بني الس ّنة والشيعة‬ ‫ِ‬ ‫سيايس واض ِح كام يحصل اليوم لكون ساللة‬ ‫هدف‬ ‫دون‬ ‫ِ‬ ‫يل انقرضت باختفاء املهدي يف سامراء وكذلك أسباب‬ ‫ع ِ‬ ‫الرصاع التي تؤجج األحداث نفسها التي تحدث اليوم‪ ،‬كام‬ ‫سنقرأ فيام بعد وكأننا نقرأ لرصا ٍع يحدث اليوم يف بغداد‬ ‫لكون مصدر هذا الرصاع هو هذه الكتب التي غذَّت وتُغذِّي إىل اليوم كل هذه املآيس الدموية‪.‬‬ ‫خصوصا من الس ّنة أن هذا الرصاع الطائفي كان نتيجة إحكام الدولة البويهية السيطرة عىل‬ ‫رمبا سوف ي ِّربر البعض‬ ‫ً‬ ‫بغداد ودعم الشيعة ضد أهل الس ّنة من أجل دوافعٍ سياسية‪ ،‬وللرد عىل هذا اال ّدعاء سوف أجلب بعض األمثلة لهذا‬ ‫االحتقان الطائفي قبل سيطرة بني بويه عىل بغداد‪ ،‬والذي يُثبت أن االحتقان والكراهية موجود ٌة وال تحتاج إال‬ ‫للظروف املناسبة لتتف ّجر وهذا ما حصل مع سيطرة الدولة البويهية عىل بغداد‪ .‬حيث نطالع التايل‪:‬‬ ‫أحس أن هناك وجو ًدا لوزرا َء شيع ٍة‬ ‫«حيث قاد العامل الرببهاري الحنبيل جموع الجامهري ضد حملة التش ّيع والرفض‪ ،‬ألنه َّ‬ ‫داخل البالط العبايس يتآمرون‪ ،‬لذلك قاموا بإبعاد الرببهاري إىل البرصة»‪)57(.‬‬ ‫«وكان الوزراء الشيعة يزيّنون للخلفا َء إزاحة وزراء أهل الس ّنة ليصفو لهم الجو وينرشوا فتنتهم‪ ،‬وحني رشع الشيعة‬ ‫يف بغداد بالتجمع يف مسجد براثا سنة ‪313‬هـ غريب بغداد (الكرخ) ينالون من الصحابة وال يصلّون الجمعة ويكاتبون‬ ‫القرامطة ويتربؤون من الخليفة املقتدر‪ ،‬فلام بلغ الخليفة خربهم أمر بهدم البناء الذي يف ذلك املوضع وع ّده مسجد‬ ‫رضار»‪)58(.‬‬ ‫(‪ )57‬البداية والنهاية البن كثري (‪.)11/55‬‬ ‫(‪ )58‬البداية والنهاية البن كثري (‪.)11/152‬‬

‫‪30‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫«وتكررت املحاولة (للعن معاوية) بتزي ٍني من وزرا َء وقادة شيع ٍة يف عهد الخليفة القاهر (‪321‬هـ) عىل يد قائد جنده‬ ‫يلبق وبعض الوزراء الشيعة‪ ،‬فقام أهايل بغداد بالثورة يف الطرق فاضطر القاهر إىل إلغاء فكرة لعن معاوية‬ ‫ابن ٍ‬ ‫واألمويني»‪)59( .‬‬ ‫وباالنتقال إىل فرتة دخول الدولة البويهية إىل بغداد حيث تتفجر األوضاع بالكامل اعتام ًدا عىل ما نُ ِقل يف كتب التاريخ‬ ‫اإلسالمي نفسها وقد أدرجت تلك األحداث حسب تسلسلها زمن ًيا كااليت‪:‬‬ ‫«منذ أن دخل أحم ٌد بن بويه الديلمي بغداد سنة ‪334‬ه‪ ،‬بدأت ترى النور تلك الظاهرة التي ع ّمدها مؤرخوا الحوليات‬ ‫اإلسالمية باسم الفتنة‪ ،‬أي ظاهرة االقتتال وحرب األحياء ما بني الس ّنة والشيعة وال سيام بني حي الكرخ الشيعي وباب‬ ‫البرصة السني»‪)60(.‬‬ ‫شيعي يف بغداد رافضة الكرخ عىل التحرك‪ ،‬فحصلت فتن ٌة محدود ٌة نُ ِه َبت فيها ٌ‬ ‫محال تجاري ٌة‬ ‫حاكم‬ ‫حيث ش ّجع وجود ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات من سيطرة البويهيني عىل الحكم‪ .‬ثم حدثت فتن ٌة أخرى‬ ‫بني س ّنة الكرخ وشيعتها وذلك سنة ‪338‬هـ بعد أربع‬ ‫سنة ‪346‬هـ بسبب سب الشيعة للصحابة عل ًنا‪ ،‬لكن هذه املرة سالت دماء وقُتل عد ٌد ال يستهان به من الطرفني‪)61( .‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ويف سنة ‪346‬هـ‪957/‬م تج ّددت الفتنة بني الس ّنة والشيعة يف بغداد بسبب سب الصحابة؛ وكان من نتيجة ذلك أن قُتل‬ ‫خلق كث ٌري دون أن تتحرك السلطة ملعالجة الرصاع‪.‬‬ ‫من الفريقني ٌ‬ ‫​‬ ‫ويف الس ّنة التالية ‪347‬هـ ‪958/‬م انترشت ظاهرة سب وتكفري الصحابة يف كثري من البلدان‪)62(.‬‬ ‫حرب شديد ٌة بني أتباع‬ ‫واشتدت الفتنة الطائفية بني الشيعة والس ّنة ووقعت يف جامدى األوىل سنة ‪348‬هـ ‪959 /‬م ٌ‬ ‫مذاهب السلف من أهل بغداد واملتشيعة وقُتل فيها جامع ٌة واحرتق من البلد كثري‪.‬‬ ‫ويقول ابن كثري يف أحداث سنة ‪351‬هـ‪« :‬يف هذه الس ّنة كتبت العامة من الروافض عىل أبواب املساجد ببغداد‪ :‬ل َعن‬ ‫الله معاوية بن أيب سفيان‪ ،‬ولعن َمن غصب فاطمة فدك (يعنون أبا بكر‪ ،‬ريض الله عنه) ومن أخرج العباس من الشورى‬ ‫(يعنون عمر‪ ،‬ريض الله عنه) ومن نفى أبا ذر (يعنون عثامن‪ ،‬ريض الله عنه) ومن منع دفن الحسن عند جده (يعنون‬ ‫مروان بن الحكم)‪.‬‬ ‫(‪ )60‬جورج طرابييش – هرطقات ‪ - 2‬عن العلامنية كإشكالية إسالمية– املصدر‪ :‬منقول من الكامل يف التاريخ البن األثري – ص‪ - 14‬دار الساقي‪.‬‬ ‫(‪ )61‬البداية والنهاية (‪.)262 /11‬‬ ‫(‪ )62‬الحياة العلمية يف العراق خالل العرص البويهي‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪31‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ٍ‬ ‫محمد‬ ‫يغيه‪ ،‬ثم بلغه أن أهل الس ّنة محوا ذلك‪ ،‬فأمر بأن يُكتب‪ :‬لعن الله الظاملني آلل‬ ‫وملا بلغ ذلك ُمعز الدولة مل ينكره ومل ّ‬ ‫من األولني واآلخرين‪ ،‬والترصيح باسم معاوية يف اللعن‪ ،‬فكُتب ذلك‪ .‬قبح الله معز الدولة وشيعته من الروافض»‪)63( .‬‬ ‫ُ‬ ‫ويف العام التايل‪ ،‬أصبحت طقوس عاشوراء من اللطم والنياحة واإلساءة إىل الصحابة‪ ،‬وكذلك االحتفال بأعياد الشيعة‬ ‫تُفعل عالني ًة يف األسواق‪ .‬يقول ابن كثري يف أحداث سنة ‪352‬هـ‪« :‬يف عارش املحرم من هذه السنة أمر ُمعز الدولة بن‬ ‫بويه‪ ،‬قبحه الله‪ ،‬أن ت ُغلق األسواق وأن يلبس الناس املسوح من الشعر‪ ،‬وأن تخرج النساء حارس ٍ‬ ‫ات عن وجوههن‪،‬‬ ‫نارشات شعورهن يف األسواق يلطمن وجوههن‪ ،‬ينحن عىل الحسني بن عيل‪ ،‬ففُعل ذلك‪ ،‬ومل يتمكن أهل الس ّنة من منع‬ ‫ذلك لكرثة الشيعة‪ ،‬وكون السلطان معهم‪.‬‬ ‫ويف ثامن عرش ذي الحجة منها أمر معز الدولة بن بويه بإظهار الزينة يف بغداد‪ ،‬وأن تُفتح األسواق بالليل كام يف األعياد‪،‬‬ ‫وأن تُرضب الدبادب والبوقات‪ ،‬وأن تشعل النريان بأبواب األمراء وعند الرشط‪ ،‬فر ًحا بعيد الغدير‪ -‬غدير خم‪ -‬فكان وقتًا‬ ‫عجيبًا ويو ًما مشهو ًدا‪ ،‬وبدع ًة ظاهر ًة منكرةً‪ .‬وحصلت مواجه ٌة عنيف ٌة بني الس ّنة والشيعة‪ ،‬أ ّدب فيها أهل الس ّنة الشيعة‬ ‫عىل تجارسهم عىل الصحابة»‪ .‬ويف سنة ‪354‬هـ رتب جامهري أهل الس ّنة أمورهم وهجموا عىل مسجد براثا وقتلوا َمن‬ ‫فيه من الشيعة‪)64(.‬‬ ‫وينقل ابن كثري أنه قد حصل توغّل من الروم عىل تخوم الدولة العباسية شامل العراق‪ ،‬وشكّل الس ّنة وف ًدا للخليفة‬ ‫العبايس لرشح أوضاع الثغور وضعفها‪ ،‬وكان رئيس وفد الجامهري هو أحد علامء الحنابلة‪ .‬وشكّلوا جيشً ا شعبيًا بعد أن‬ ‫مال لهم (سبكتكني)‪ ،‬وقبل ذهابهم أحرقوا بيوت الشيعة وقالوا لهم‪« :‬الرش كله منكم» وكان هذا يف سنة ‪361‬هـ‪ ،‬وهو‬ ‫تاريخ انقالب املوازين لصالح الجامهري الس ّنية‪)65(.‬‬ ‫ويف سنة ‪398‬هـ رشع الشيعة يف استفزاز أهل الس ّنة فأخرجوا مصحفًا غري املصحف املوجود وقالوا‪ :‬هذا مصحف عبد‬ ‫الله بن مسعود‪ ،‬فهاج علامء الس ّنة الحنابلة وغريهم عىل عامل الشيعة يف بغداد آنذاك ابن املعلم محمد بن النعامن‪،‬‬ ‫ودخلوا بيته؛ وانتهى األمر إىل إحراق الفقهاء الس ّنة لهذا املصحف املزعوم‪ .‬فهاج الشيعة ولهجوا بالدعاء للخليفة‬ ‫الفاطمي (املنصور) يف وقته‪ ،‬فغضب الخليفة العبايس وعاقبهم‪ .‬ودب الضعف أكرث إىل شيعة بغداد‪)66(.‬‬ ‫َّ‬ ‫يف سنة ‪402‬هـ ثار س ّنة واسط عىل الشيعة وهزموهم حتى هرب أعيان الشيعة وبعض علامئهم يف واسط إىل الحلة‬ ‫املزيدية‪)67( .‬‬ ‫(‪ )63‬البداية والنهاية ص ‪.2337‬‬ ‫(‪ )64‬البداية والنهاية (‪.)262 /11‬‬ ‫(‪ )65‬البداية والنهاية (‪.)272 /11‬‬ ‫(‪ )66‬البداية والنهاية‪.)11/339( ،‬‬ ‫(‪ )67‬الكامل‪.)9/295( ،‬‬

‫‪32‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ويقول ابن كثري يف أحداث سنة ‪422‬هـ‪« :‬وفيها وقعت فتن ٌة عظيم ٌة بني الس ّنة والروافض‪ ،‬وقويت عليهم الس ّنة‪ ،‬وقتلوا‬ ‫خلقًا منهم‪ ،‬ونهبوا الكرخ ودار الرشيف املرتىض‪ ،‬ونَهبت العا ّمة ُدور اليهود ألنهم نُسبوا إىل معاونة أهل الكرخ من‬ ‫الروافض‪ ،‬وتع ّدى النهب إىل دو ٍر كثرية‪ ،‬وانترشت الفتنة ج ًدا‪ ،‬ثم سكنت بعد ذلك»‪)68(.‬‬ ‫خلق كثري‪ ،‬وذلك‬ ‫يف سنة (‪443‬ه) يف صفر منها وقعت الحرب بني الشيعة والسنة‪ ،‬يقول ابن األثري‪« :‬فقُتل من الفريقني ٌ‬ ‫أن الروافض (الشيعة) نصبوا أبرا ًجا وكتبوا عليها بالذهب‪( :‬محم ٌد وعيل خري البرش‪ ،‬فمن ريض فقد شكر ومن أىب فقد‬ ‫محمد (ص) يف هذا‪ ،‬فنشبت الحرب بينهم»‪)69(.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يل مع‬ ‫كفر)‪ ،‬فأنكرت الس ّنة إقران ع ٍّ‬ ‫وبعد سقوط الحكم البويهي وسيطرة السالجقة عىل بغداد (‪447‬هـ) خفّت حدة األمور ألن القوة املساندة للشيعة‬ ‫(الدولة البويهية) ضعفت‪ ،‬لكن بقيت شعاراتهم مكتوب ًة عىل بعض املساجد بشكلٍ محفو ٍر باآلجر (محم ٌد وعيل خري‬ ‫البرش)‪ ،‬لذا قامت جامهري الس ّنة بتغيري هذه الكتابات‪ ،‬ودخلوا الكرخ وهم ينشدون قصائد يف مدح الصحابة وقُتل بعض‬ ‫غالة الشيعة وهرب شيخ الطائفة الطويس خوفًا من الجامهري السنية ونُهبت داره وكان هذا سنة ‪448‬هـ‪)70( .‬‬ ‫ّ‬ ‫الطويس جانب الكرخ من بغداد‪ ،‬وهو مكان تج ّمع الشيعة‬ ‫سكن الشيخ‬ ‫ّ‬ ‫السالجقة بغداد صارت مرس ًحا ألنواع‬ ‫أتباع أهل البيت‪ ،‬وبعد دخول ّ‬ ‫بـ(حي‬ ‫الفنت‪ ،‬واشت َّد عنفها سنة(‪448‬هـ) «وفيها أُلزم الروافض برتك األذان‬ ‫ّ‬ ‫(حي عىل‬ ‫عىل خري العمل)‪ ،‬وأُمروا أن ينادي مؤذّنهم يف أذان الصبح بعد ّ‬ ‫زيل ما كان عىل أبواب املساجد‬ ‫(الصالة خ ٌري من النوم) م ّرتني‪ ،‬وأُ َ‬ ‫الفالح) بـ ّ‬ ‫يل خري البرش)‪ ،‬ودخل املنشدون من باب البرصة‬ ‫من كتابة (محم ٌد وع ٌّ‬ ‫إىل باب الكرخ ينشدون القصائد التي فيها مدح الصحابة‪ ،‬وذلك أن نو َء‬ ‫اضمحل‪ ،‬ألن بني بويه كانوا حكا ًما وكانوا يقو ّونهم وينرصونهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال ّرافضة‬ ‫فزالوا وبادوا وذهبت دولتهم‪ ،‬وجاء بعدهم قو ٌم آخرون من األتراك‬ ‫السلجوقية‪ ،‬الذين يحبون أهل الس ّنة ويوالونهم ويرفعون قدرهم‪ ،‬والله‬ ‫رئيس الرؤساء الوايل بقتل أيب عبد الله‬ ‫املحمود أب ًدا عىل طول املدى‪ ،‬وأمر ُ‬ ‫بن الجالب شيخ الروافض ملا كان تظاهر به من الرفض والغلو فيه‪ ،‬فقُتل‬ ‫ُ‬ ‫عىل باب دكّانه‪ ،‬وهرب أبو جعفر الطويس ونُهبت داره بالكرخ‪ ،‬وأخذ ما صورة الطويس عىل طابع بريدي إيراين أصدر يف الذكرى ‪ 700‬لوفاته‬ ‫وجد من دفاتره وكريس كان يجلس عليه للكالم»‪)71( .‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )68‬البداية والنهاية ص ‪.2446‬‬ ‫(‪ )69‬جورج طرابييش هرطقات ‪ - 2‬عن العلامنية كإشكالية إسالمية‪ -‬منقول عن البداية والنهاية البن كثري – ص‪.20‬‬ ‫(‪ )70‬املنتظم‪.)8/171( ،‬‬ ‫(‪ )71‬املنتظم‪ :‬ابن الجوزي‪ ،‬أحداث سنة ‪448‬هـ‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫مستغل خروج السالجقة منها‪ ،‬والبساسريي قائ ٌد تريك غاش ٌم‬ ‫ً‬ ‫إال أن األمور مل تدم للس ّنة فقد دخل البساسريي إىل بغداد‬ ‫(متحالف مع الشيعة) وتلقّاه الشيعة يف بغداد‪ ،‬وكان أول عملٍ قام به قتل ابن مسلمة‪ ،‬وخطب للخليفة العبيدي‬ ‫الفاطمي املستنرص‪ ،‬وخرج البساسريي خارج بغداد وخرج الشيعة معه‪ ،‬فهجم الوايل السلجوقي مع جامهري الس ّنة عىل‬ ‫محالت الشيعة ونُهبت أموالهم‪ ،‬والتقى السلطان بجيش البساسريي فهزمهم الله حتى أنه مل ينج من أصحابه إال القليل‬ ‫وقتل البساسريي‪)72( .‬‬ ‫كام قرأنا أعاله بأنه يف السنوات األخرية من الرصاع‪ ،‬وبعد دخول الدولة السلجوقية إىل بغداد‪ ،‬وهي دولة عىل املذهب‬ ‫الس ّني‪ ،‬أ ّدى ذلك إىل قمع الشيعة وإضعافهم وإرجاعهم إىل ضعفهم السابق يف صدر الدولة العباسية مام أدى إىل تقوية‬ ‫تقارب مذهبي أو مرشوع‬ ‫الس ّنة بالطبع؛ وبالتايل خفوت هذا الرصاع لعدم توازن القوى فقط ليس إلّ ‪ ،‬وليس لحدوث‬ ‫َ‬ ‫مثل وهذا يثبت ما قلناه سابقًا عن كون هذا الرصاع يتف ّجر عند توافر الظروف املناسبة له‪.‬‬ ‫مصالح ٍة مذهبي ٍة ً‬ ‫وإذا انتقلنا إىل فرت ٍة تاريخي ٍة أخرى ظهرت فيها قوتان‪ ،‬شيعية وس ّنية‪ ،‬جعلتا من بغداد إحدى ساحات تصفية الحساب‬ ‫بينهام؛ وهام الدولة العثامنية السنية والدولة الصفوية الشيعية حيث ينقل املؤرخون عن هذا الرصاع الطائفي التايل‪:‬‬ ‫إسامعيل مليون إنسانٍ‬ ‫َ‬ ‫عاىن أهل الس ّنة يف إيران معانا ًة هائل ًة وأُجربوا عىل اعتناق املذهب اإلمامي بعد أن قتل الشاه‬ ‫س ّني يف بضع سنني‪)73( .‬‬ ‫ويف سنة ‪916‬هـ تو ّجه إىل مرو شامل رشق إيران وذبح أكرث من عرشة ٍ‬ ‫آالف من سكانه من أهل الس ّنة ألنهم رفضوا‬ ‫التشيع‪)74( .‬‬ ‫ّ‬ ‫وعندما دخل املحتلون الصفويون بغداد عام ‪1508‬م‪ ،‬بدأ الشاه إسامعيل الصفوي بهدم ما كان فيها من قبور أمئة أهل‬ ‫السنة‪ ،‬وذبح جامع ًة من علامئهم‪ .‬وتشري أكرث املصادر التاريخية إىل أنه فعل بأهل بغداد مثلام فعل باإليرانيني من قبل‪،‬‬ ‫فأعلن سب الخلفاء‪ ،‬وقتل الكثري من أهل السنة‪ ،‬ونبش قرب أيب حنيفة‪)75( .‬‬ ‫ويُعلِّق نعمة الله الجزائري عىل أعامل الشاه عباس األول حفيد إسامعيل الصفوي الذي دخل إىل بغداد عام ‪ 1624‬م‬ ‫حيث يقول‪« :‬وأما الكرامات التي ظهرت من قبور أمئتهم األربعة فهي أكرث من أن تحىص وأعظمهام التي شاهدها الناس‬ ‫من قرب أيب حنيفة‪ ،‬وذلك بأن السلطان األعظم شاه عباس األول ملا فتح بغداد أمر بأن يجعل قرب أيب حنيفة كنيفًا (دورة‬ ‫املياه) وقد أمر بربط بغلتني عىل رأس السوق‪ ،‬حتى أن كل من يريد الغائط يركبهام ومييض إىل قرب أيب حنيفة لقضاء‬ ‫(‪ )72‬البداية والنهاية‪.)12/83( ،‬‬ ‫(‪ )73‬عيل الوردي‪ ،‬ملحات اجتامعية من تاريخ العراق الحديث‪ ،‬ج‪ ،1‬دار كوفان‪ ،‬لندن‪ ،1992 ،‬ص‪.43-50‬‬ ‫(‪( )74‬إيران دراسة عامة) د‪ .‬محمد وصفي أبو مغيل (ص‪.)247‬‬ ‫(‪ )75‬عيل الوردي‪ ،‬ملحات اجتامعية من تاريخ العراق الحديث‪ ،‬ج‪ ،1‬دار كوفان‪ ،‬لندن‪ ،1992 ،‬ص‪.43‬‬

‫‪34‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫الحاجة‪ .‬وقد طلب خادم قربه يو ًما فقال له‪:‬‬ ‫ما تخدم يف هذا القرب وأبو حنيفة اآلن يف أسفل الجحيم؟‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫إن يف هذا القرب كل ًبا أسو ًدا دفنه جدك املرحوم الشاه إسامعيل ملّا فتح بغداد قبلك‪ ،‬فأخرج عظام أيب حنيفة وجعل‬ ‫موضعها كل ًبا أسو ًدا‪ ،‬فأنا أخدم ذلك الكلب‪ .‬وكان صادقًا يف مقالته ألن املرحوم الشاه إسامعيل فعل هذا‪».‬‬ ‫تساؤل عن حقيقة القرب املوجود حال ًيا يف منطقة األعظمية يف بغداد املنسوب أليب حنيفة إذا كان ما فعله‬ ‫ً‬ ‫وهذا يطرح‬ ‫الشاه إسامعيل والشاه عباس بالقرب كام قرأنا قبل قليلٍ صحي ًحا؟! وهذا يضع كل املزارات والقبور اإلسالمية موضع‬ ‫الفحص والتدقيق لكون أكرثها أصبحت اليوم تجارة لدر األموال ولتنشيط السياحة الدينية‪)76( .‬‬ ‫ثم تاله نظريه الرتيك السلطان مراد الرابع بعد ‪ 15‬عا ًما بإبادة من يستطيع الوصول إليهم من النصف اآلخر من عرب‬ ‫بغداد ألنهم شيعة‪ .‬وسبقت مجزرة مراد عاصف ٌة من وباء الطاعون الشامل قضت عىل األلوف من أهل العراق املنكوبني‬ ‫سنة ‪1635‬م‪)77( .‬‬ ‫ونصف تأسست الدولة السعودية األوىل يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وبعد هذه األحداث بحوايل قرنٍ‬ ‫نجد وتحت رشعية مجدد اإلسالم محمد‬ ‫بن عبدالوهاب؛ الذي أعطى داف ًعا دين ًيا للغزو تحت شعار ٍ‬ ‫ات متعددة ٍمنها إزالة مظاهر الرشك يف بالد الجزيرة العربية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫غزوات عىل النجف وكربالء‬ ‫وبالطبع لن يجد أكرث من الشيعة من منظوره رشكًا وأصحابًا للبدع‪ ،‬لذلك قام أتباعه بعمل‬ ‫كان من نتيجتها الكثري من الضحايا؛ حيث ينقل املؤرخون عن مجزرة كربالء التايل‪« :‬حشد الوهابية جيشً ا من أعراب‬ ‫ٍ‬ ‫نجد قُ ّدر بعرشين ألفًا وتو ّجه إىل العراق حيث حارص مدينة كربالء واقتحمها‪ ،‬فقتل فيها قتال ذري ًعا مل ينج منه حتى‬ ‫األطفال ونُهبت خزائن من الذهب والجواهر النفيسة وهدم قرب الحسني ورسق الشباك املوضوع عليه‪ ،‬كام أنهم ربطوا‬ ‫خيلهم يف الصحن و ُدقت القهوة فيه‪ .‬يقول ابن برش مفتخ ًرا بفعلة قومه أعراب نجد ومسريهم نحو كربالء (‪ ..‬وقصد‬ ‫أرض كربالء ونازل أهل بلد الحسني‪ .‬وذلك يف ذي القعدة فحشد عليها املسلمون‪ ،‬وتسوروا جدرانها ودخلوها عنو ًة‬ ‫أيضا‪ ..( :‬وأخذوا جميع ما وجدوا يف البلد من أنواع األموال‬ ‫وقتلوا غالب أهلها يف األسواق والبيوت‪ )..‬ويقول ابن برش ً‬ ‫والسالح واللباس والفرش والذهب والفضة واملصاحف الثمينة وغري ذلك ما يعجز عنه الحرص»‪)79( )78( .‬‬ ‫(‪ )76‬األنوار النعامنية ج‪ 2‬ص‪ 282‬و‪ 283‬طـ العلمي ‪.2009‬‬ ‫(‪ )77‬حسن العلوي‪ ،‬الشيعة والدولة القومية‪ ،‬مطبوعات ‪ CEDI‬فرنسا عام ‪ ،1989‬ص ‪.48-49‬‬ ‫(‪ )78‬عنوان املجد ‪.1/121-122‬‬ ‫(‪ )79‬ملع الشهاب‪ ،‬ص ‪.90‬‬

‫‪35‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫وقد وصف محمد حامد الفقي‪ ،‬وهو من املتحمسني للوهابية‪ ،‬مجزرة كربالء مشي ًدا بدور (جند اإلسالم) الوهايب فقال‪:‬‬ ‫«توجه سعو ٌد يف ذي القعدة من سنة ‪1216‬هـ ‪1801 /‬م بجمو ٍع كثري ٍة وقو ٍة عظيم ٍة إىل العراق والتقى يف كربالء بجمو ٍع‬ ‫كثيف ٍة من األعاجم ورجال الشيعة الذين استامتوا يف الدفاع عن معاقل عزهم ومحط آمالهم‪ ،‬قبة اإلمام الشهيد الحسني‬ ‫نصب‬ ‫وغريها من القباب واملشاهد‪ .‬ولكن جيش التوحيد قد تغلّبوا بقوة إميانهم وصدق عزميتهم يف الجهاد لهدم كل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وطاغوت أُت ّخذ مع الله رشيكًا يف العبادات وجعل لله ن ًدا يف القربات‪ ...‬فكانت موقع ًة هائل ًة وكانت مذبح ًة عظيم ًة‬ ‫سالت فيها الدماء أنها ًرا‪ ،‬خرج منها سعو ٌد وجيشه ظافرين ودخل كربالء وهدم القبة العظيمة بل الوثن األكرب املنصوب‬ ‫(‪)80‬‬ ‫عىل ما يزعمون من قرب اإلمام الحسني بن عيل ريض الله عنهام»‪.‬‬ ‫وبعد نجاحهم الدموي يف كربالء قرروا إعادة األمر نفسه يف مدينة النجف لكنهم لحسن الحظ مل ينجحوا يف اقتحامها‬ ‫لكون الشيعة أخذوا حذرهم بعد مجزرة كربالء حيث نطالع يف كتاب صفحات من تاريخ الجزيرة عن هذا األمر‪« :‬ويف‬ ‫شهر صفر من سنة ‪1221‬هـ ‪1806/‬م هاجم سعو ٌد النجف األرشف حتى وصل إىل السور وصعد عليه بعض أصحابه‬ ‫ولكن أهل النجف تصدوا له وردوه عىل أعقابه بعد أن أكرثوا القتل يف املهاجمني‪ .‬ثم حاول سعو ٌد أن يغزو النجف مر ًة‬ ‫أخرى يف جامدى اآلخرة من الس ّنة التالية ولكنه وجد أهل النجف مستعدين عىل السور باألسلحة فك ّر راج ًعا‪ ،‬فتوجه‬ ‫إىل الحلة فلام رأى أهلها عىل استعدا ٍد تحول عنها إىل كربالء التي فاجأها نها ًرا‪ ،‬ونشبت معركة بينه وبني أهلها‪ ،‬وفشا‬ ‫الحج ثالث سنني‪ .‬ويف سنة ‪1225‬هـ‬ ‫القتل بني الفريقني فاضطر إىل الرتاجع وراح ينهب يف أنحا َء العراق الجنويب فعطّل ّ‬ ‫‪1810/‬م عاود الوهابية الكرة عىل النجف وكربالء فقطعوا الطريق وأخذوا ينهبون الزوار وقتلوا منهم عد ًدا كب ًريا قُ ّدر‬ ‫(‪)81‬‬ ‫نفسا ما بني الكوفة والنجف»‪.‬‬ ‫مبائة وخمسني ً‬ ‫واليوم يف القرن الواحد والعرشين عرص العلم والتكنولوجيا وعرص‬ ‫غزو الفضاء يتجدد هذا النزاع الطائفي‪ ،‬لكن هذه املرة باألسلحة‬ ‫الحديثة التي يتم تصنيعها يف بالد الكفر (حسب نظرتهم) ليقتل‬ ‫املسلمون بها أنفسهم يف حربهم األهلية التي مل تنتهي إىل اليوم‪ ،‬وقد‬ ‫عارصت شخصيًا هذا الرصاع يف العراق بكل تط ّرفه ودمويته منذ أن‬ ‫كان بالفكر والكالم يف عهد صدام حسني الدكتاتور الذي كتم عىل‬ ‫أنفاس الشيعة والس ّنة من أجل تأمني حكمه إىل أن تف ّجر هذا البلد‬ ‫قتل ود ًما بعد سقوط النظام عام ‪ 2003‬م عىل ي ّد القوات األمريكية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصا يف‬ ‫مام وفّر الظروف املالمئة إلشعال هذه الفتنة مجد ًدا‬ ‫ً‬ ‫ظل تواجد دولتني قويتني يف الرشق األوسط تدعم هذا النزاع وهي‬ ‫(‪ )80‬محمد حامد الفقي‪ ،‬أثر الدعوة الوهابية ص ‪.84‬‬ ‫(‪ )81‬صفحات من تاريخ الجزيرة ص (‪.)176-177‬‬

‫‪36‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫إيران الشيعية والسعودية السنية؛ ليصل إىل ذروته يف عام‬ ‫‪ 2006‬م بعد تفجري مرقد عيل الهادي وحسن العسكري يف‬ ‫سامراء عىل ي ّد املتطرفني السنة؛ ليكون الرد بتفجري عرشات‬ ‫املساجد السن ّية يف بغداد ومقتل املئات من الس ّنة باإلضافة‬ ‫إىل تصعيد القاعدة لعملياتها االنتحارية التي حصدت‬ ‫املئات يف األحياء الشيعية لتصبح بغداد يف أثنائها مدينة‬ ‫ٍ‬ ‫لسنوات لكوين س ّني رغم إلحادي‬ ‫أشبا ٍح مل أستطع دخولها‬ ‫ولكني أبقى مصنفًا حسب منطقتي مع السنة‪ ،‬وال أزال‬ ‫أذكر الكثري من الذكريات املؤملة والسوداء يف ذلك الوقت‬ ‫أليام حتى تهتدي عوائلهم ملكان الجثة؛ وطب ًعا كانت عمليات القتل‬ ‫ومنها رؤية الجثث امللقاة يف الشوارع والتي تبقى ٍ‬ ‫ألسباب مختلف ٍة وعىل رأسها السبب الطائفي‪ ،‬وكذلك منظر اآلباء املؤمل الذين قدموا من جنوب العراق إىل جامعة األنبار‬ ‫ٍ‬ ‫التي كنت أدرس بها للبحث عن أبنائهم‪ ،‬والكل يعلم أنهم قُتلوا لكونهم شيع ًة عىل يد تنظيم القاعدة بعد خروجهم من‬ ‫الجامعة‪ ،‬وحصل باملثل القتل عىل الهوية للس ّنة يف بغداد ودياىل وبابل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات عادت الحرب مجد ًدا‬ ‫وبعد أن تنفسنا الصعداء لعدة‬ ‫لتتفجر بني داعش واملليشيات الشيعية بعد احتالل داعش لألنبار‬ ‫ونينوى وصالح الدين وأجزاء من دياىل وكركوك يف سنة ‪2014‬م‬ ‫وقتلهم ‪ 1700‬جندي شيعي يف تكريت؛ باإلضافة إىل عمليات القتل‬ ‫والسبي لإليزيدين‪ ،‬وكان خياري الوحيد هو الهرب من األنبار‬ ‫باتجاه بغداد هربًا من حكم رشيعة اإلسالم؛ وبسبب تهديدهم‬ ‫ٍ‬ ‫وخصوصا كوين ناشطًا يف املجال‬ ‫مختلف عنهم فكريًا‬ ‫بالقتل لكل‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫مسبق‬ ‫لتهديد‬ ‫املدين ويف نرش الفكر العلامين حيث أنني تعرضت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مهرجانات أدبي ٍة وموسيقي ٍة وفكرية‪،‬‬ ‫منهم بسبب املشاركة يف‬ ‫ولكني كنت كاملستجري من الرمضاء بالنار‪،‬‬ ‫حيث نتيجة االنفالت األمني بسبب الغزو الداعيش اإلسالمي انترشت املليشيات الشيعية يف كل أجزا َء العاصمة بغداد‬ ‫ونتيجة الضغط الدموي الكبري لداعش بتفجري املفخخات واالنتحاريني يف بغداد تم اتهام النازحني الس ّنة وخصوصا‬ ‫القادمني من األنبار بأنهم خاليا نامئ ٌة وحواضن لداعش وحدثت أعامل تصفي ٍة تجاههم‪ ،‬ومن املضحك املبيك أنهم أقدموا‬ ‫عىل قتل عائل ٍة من عشرية البو منر بكل رجالها رغم أن هذه العشرية قاومت داعش وقاتلتهم وقدمت ‪ 600‬قتيل يف‬ ‫حربها ضدهم لكنهم يف نظرهم س ّن ٌة مهام حصل!‬ ‫‪37‬‬


‫الجذورالفكريةوالتاريخ ّية‬ ‫الطائفي بني الس ّنة والشيعة‬ ‫للرصاع‬ ‫ّ‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ومن سخافة القدر يف حالة عدم مغادريت العراق أن أُقتل بسبب سنيتي‬ ‫أصل ولكني أبقى سن ًّيا بنظر هذه املليشيات مهام‬ ‫التي ال أعرتف بها ً‬ ‫كان انتاميئ الفكري؛ حيث أن املهم بنظرهم هو أىن أنحدر من هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واغتياالت عديد ٍة للنازحني الس ّنة أىت‬ ‫هجامت‬ ‫املناطق السن ّية‪ ،‬وبعد‬ ‫الدور للمنطقة التي نزحت لها يف بغداد حيث متت مهاجمتها وقتل‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص وتهديد بقية النازحني بالقتل إذا مل يغادروا الحي الذي‬ ‫ع ّدة‬ ‫أسكنه! عندها اقتنعت قناع ًة كامل ًة بأن هذا الرصاع العبثي سوف لن‬ ‫ينتهي أب ًدا إال بانتهاء اإلسالم نفسه‪ ،‬املنبع األسايس للمذهبني‪ ،‬وأين لن‬ ‫أكون حط ًبا لحربهم العبثية الغبية حيث قررت الهرب من العراق وترك‬ ‫كل يش ٍء ورايئ والسفر إىل املجهول حيث استقرت رحايل يف أوربا‪.‬‬

‫لكن رغم سفري فإن قلبي يعترص د ًما لهذه الحرب املستمرة منذ قرونٍ يف بلدي نتيجة رصاعٍ تاف ٍه من أجل‬ ‫الحكم حصل قبل أكرث من ألف سن ٍة وأمتنى أن يستيقظ الجميع من سباتهم وأن يعرتفوا بأن مصدر العنف هو‬ ‫دينهم وليس أي يش ٍء آخر‪.‬‬

‫ٕاﺪﺪاد وﺗﻘﺪﱘ‬

‫ﺣﺎﻣﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ‬ ‫‪HAMED.TV‬‬

‫‪FB.ME/BOXOFISLAM‬‬ ‫‪38‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

39


‫مهزلة‬ ‫املصادفات‬

‫‪Colin Wilson‬‬ ‫سلسا وهادئًا متا ًما كام خطّط‬ ‫كان األمر ً‬ ‫الله له منذ بداية الخليقة‪ ..‬إنه يوم املحرش‪،‬‬ ‫جمو ٌع من الناس كتب الله عليها أن تت ّجه‬ ‫صوب الجنة‪ ..‬وجمو ٌع كتب الله عليها أن‬ ‫ت ُساق إىل النار‪...‬‬ ‫‪40‬‬


‫مهزلة‬ ‫املصادفات‬

‫‪Colin Wilson‬‬

‫فجأ ًة ملح جربيل ازدحا ًما شدي ًدا وشلل يف حركة املرور املتجهة إىل الجنة‪ ،‬التقط برسعة الالسليك الخاص به وتح ّدث بضع‬ ‫دقائق مع املالئكة املتواجدين يف املوقع ثم ركض صوب عرش الرب صار ًخا‪:‬‬ ‫رب الحق! املليونري املعروف عثامن الحلواين يرفض دخول الجنة‪.‬‬ ‫رب‪ ..‬يا ّ‬ ‫يا ّ‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫انتفض الرب ً‬ ‫ماهذا الهراء؟! كيف ٍ‬ ‫ألحد أن يرفض دخول الجنة؟‬ ‫جربيل‪:‬‬ ‫ال أعلم‪ ،‬لقد استوىل عىل مفاتيح الحافلة التي كانت تقلّه إىل‬ ‫مم أدى إىل تعطّل حركة املرور‬ ‫الجنة وأجربها عىل التوقف ّ‬ ‫وتك ّدس الحافالت من خلفها‪..‬‬ ‫الله‪ :‬وما هي مطالب هذا الغبي؟‬ ‫جربيل‪ :‬ال أعلم‪ ،‬يقول أنه لن يتحرك إال حني يقابلك شخص ًيا‪...‬‬

‫يا الله ‪ ..‬هذا متنح ومسكر الطريق!‬

‫الله يف غضب‪ :‬اللعنة عىل طمع بني آدم‪ ،‬بال ٍّ‬ ‫رصا من‬ ‫شك هو‬ ‫ٌ‬ ‫معرتض عىل البيت الذي أعطيناه إيّاه يف الجنة ويريد ق ً‬ ‫يتغي طعمه ويريد عصري قصب‪...‬‬ ‫رخام‪ ،‬أو‬ ‫ٌ‬ ‫معرتض عىل اللنب الذي مل ّ‬ ‫صعد الله عىل دراجته النارية متجاوزًا الزحام إىل أن وصل إىل عثامن‪ ،‬كانت جامهري من الناس تج ّمعوا حول املكان‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫ليعرفوا سبب الزحام‪ ،‬تر ّجل الله من دراجته ورصخ يف عثامن ً‬ ‫ماذا تريد؟ مل أصدق ان تكتمل خطتي الرائعة ويأيت يوم القيامة وأحقق أعظم إنجا ٍز يل يف حيايت‪ ..‬لتظهر حرضتك وتك ّدر‬ ‫نشوة االنتصار يف داخيل‪ ...‬ماذا تريد أيها العبد؟‬ ‫عثامن‪ :‬لقد دخل جاري ممدوح النار‪.‬‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫رصخ الله فيه ً‬ ‫نصبك أح ٌد محام ًيا عنه؟‬ ‫وما شأنك فيه‪ ،‬اذهب عىل األرائك واضحك عليه وهو يحرتق‪ ..‬هل ّ‬ ‫‪41‬‬


‫مهزلة‬ ‫املصادفات‬

‫‪Colin Wilson‬‬

‫ر ّد عثامن بصوت يقطعه الحزن‪:‬‬ ‫جل أيامه صامئًا قامئًا ‪ ...‬ولوال الفقر وحاجته للعمل لبقي يتع ّبد لك طوال الليل والنهار‪.‬‬ ‫لكنه كان يقيض ّ‬ ‫تناول الله جهاز اآليباد من جيبه وأجرى بحثًا رسي ًعا عن اسم ممدوح فظهرت كل التفاصيل أمامه عىل الشاشة‪ ،‬التفت‬ ‫الله نحو عثامن للحظ ٍة ثم نظر نحو الجنة بفخ ٍر وقال‪:‬‬ ‫تعبت يف صنعه وال يدخله إال‬ ‫كل ما فعله ال يكفي لرشاء جحر ٍ‬ ‫كلب يف الجنة‪ ،‬هذا مكا ٌن رائ ٌع ويف غاية الفخامة‪ ،‬لقد ُ‬ ‫الشخصيات الهامة فقط‪ ،‬ال مكان لهذه األشكال هنا‪..‬‬ ‫غضب عثامن وقال‪:‬‬ ‫فرضا‪ ،‬هذا غري‬ ‫وكيف ذلك؟ أنا مل أكن ّ‬ ‫أصل إال متأخ ًرا ويف زاوية بيتي‪ ...‬بينام هو أول من يدخل املسجد وال يكاد يرتك ً‬ ‫كرثة صيامه ومساعدته لآلخرين‪ ...‬كيف أنا أدخل الجنة وهو يدخل النار‪..‬‬ ‫الله‪ :‬نعم ذلك صحيح‪ ،‬لكنك دفعت املاليني لبناء املساجد‬ ‫التي ميج ّدين فيها هؤالء العبيد ليل نهار‪ ..‬بينام ذلك العبد‬ ‫املُس ّمى ممدوح مل يبني شيئًا‪...‬‬ ‫قائل‪ :‬لكنه كان فق ًريا ال ميلك ما يأكله‪ ،‬بينام‬ ‫قاطعه عثامن ً‬ ‫أنا ورثت مليارات الدوالرات من أجدادي‪...‬‬ ‫أشار الله بيده نحو عثامن يف نفاذ ص ٍرب طال ًبا منه أن يصمت‬ ‫وقال‪ :‬ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده‪.‬‬ ‫نادى أحد املتجمهرين‪:‬‬ ‫أيضا‪....‬‬ ‫صديقي مايكل دخل جهنم ً‬ ‫نظر الله اليه شز ًرا ثم رصخ غاض ًبا‪:‬‬ ‫لقد ُولد عىل غري الدين الصحيح أيها الغبي‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫مهزلة‬ ‫املصادفات‬

‫‪Colin Wilson‬‬

‫ٍ‬ ‫بخطوات قصرية بني املتجمهرين ثم قال‪:‬‬ ‫جال ممدوح‬ ‫إذن األمر كله محض مصادفات‪...‬‬ ‫لكنها مصادفاتٌ من تخطيطك وتدبريك أنت‪...‬‬ ‫شخصا ثم رميته ليقع يف بقع ٍة جغرافية معينة ويتط ّبع بطباعها ومعتقداتها ويؤمن أنها الحقيقة املطلقة‪،‬‬ ‫أنت خلقت ً‬ ‫وما أن ميوت حتى تفجعه بأن كل ما أجربته أنت بأن يقتنع أنه الحقيقة املطلقة تعتربه أنت دي ًنا خاطئًا فيدخل النار‪،‬‬ ‫أو أن تخلق آخر ويصادف أن يولد يف البقعة التي ينترش فيها الدين الصحيح‬ ‫( الذي ق ّدرت حرضتك له أن يكون هناك) فيكون أمام معضلة ومصادفة أخرى يف انتظاره‪ ،‬يف أن يولد فق ًريا يقيض طول‬ ‫يومه يف العبادة والشقاء وبالنهاية قد تكفي أو ال تكفي أعامله لدخول الجنة‪،‬‬ ‫جالس مسرت ٍخ عىل أريكته يحتيس عصري‬ ‫أيضا) أن يكون غنيًا فيتربع وهو‬ ‫أو أن تسعفه مصادفة (من صنع حرضتك ً‬ ‫ٌ‬ ‫التفاح مببلغٍ لبناء مسجد فيدخل الجنة! ما هذه املهزلة‪...‬‬ ‫جانب (حرقوه وحرروا إخوانكم ان كنتم فاعلني)‬ ‫تعاىل اللغط من كل جانب‪ ،‬ثم ما لبثت أن تعالت الصيحات من كل ٍ‬ ‫ركضت الجموع الغاضبة تجاه الله وزبانيته وش ّدوا وثاقهم ثم ج ّرتهم يف اتجاه النار‪...‬‬

‫‪Facebook: https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪YouTube: http://www.youtube.com/channel/UCZPNmgRuJExL6k3QBDsX-VA‬‬ ‫‪twitter: https://twitter.com/eskandarany/‬‬

‫ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺣﻮاري ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﺗﺪﻋﻢ ﺑﻌﺾ ﺣﻠﻘﺎﺗﻪ ﴍﻛﺔ‪،‬‬ ‫‪ ،Google‬ﻳﻬﺪف ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﱃ إﱃ إﺟﺮاء اﻟﺤﻮار ﻣﻊ‬ ‫اﳌﻠﺤﺪﻳﻦ واﻟﻼدﻳﻨﻴﻦﻴ اﳌﴫﻳﻦﻴ‪ ،‬واﳌﺘﺤﺪﺛﻦﻴ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻠﻐﺔ‬ ‫اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ُﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﰲ اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ وﺷﺎﻤل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ‬ ‫ﻓﻜﺮة وﺗﻨﻔﻴﺬ اﺳﺎﻤﻋﻴﻞ ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫‪43‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪44‬‬


‫صفحة ثابتة نقدم فيها قراءة ألحد الكتب القيمة‬

‫مقتطفات من كتاب برتراند راسل‬ ‫(ملاذا لست مسيح ًيا؟)‬ ‫شخصية املسيح‪ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت قليل ٍة حول هذا املوضوع‪ ،‬الذي أعتقد‬ ‫أريد أن أقول‬ ‫أن العقالنيني مل يتطرقوا إليه بالشكل الكايف‪ .‬السؤال هو‪:‬‬ ‫هل كان املسيح أفضل البرش وأكرثهم حكمة؟ بشكلٍ عام‬ ‫يسود االعتقاد أننا جمي ًعا متفقون عىل ذلك‪.‬‬ ‫أنا ال أعتقد بذلك‪ ،‬أنا اعتقد أن هناك العديد من النقاط‬ ‫التي أتفق بها مع املسيح أكرث م ّمن ي ّدعي املسيحية‪ .‬أنا ال‬ ‫أتفق معه يف كل كالمه ولكنني أتفق معه أكرث من أغلبية‬ ‫عي املسيحية‪ .‬أنتم تذكرون أنه قال‪:‬‬ ‫م ّد ْ‬ ‫«ال تقاوموا الرش‪ ،‬بل من لطمك عىل خدك األمين فح ّول له‬ ‫أيضا» (متى‪.)39 / 5‬‬ ‫اآلخر ً‬ ‫هذا الكالم أو املبدأ ليس جدي ًدا؛ هذا الكالم قاله الوتيس‬ ‫و بوذا قبل املسيح ب ‪ 500‬أو ‪ 600‬سنة وهذه املقولة من‬ ‫املقوالت التي ال يتبعها املسيحيون بشكلٍ عام‪.‬‬ ‫‪45‬‬

‫تلخيص‪Sandy Bell :‬‬


‫مقتطفات من كتاب (ملاذا لست مسيح ًيا؟)‬

‫‪Sandy Bell‬‬

‫ليس لدي ٌ‬ ‫مسيحي حق‬ ‫شك بأن رئيس الوزراء الحايل (ستانيل بالدوين)‬ ‫ٌّ‬ ‫ولكني لن أنصح أيّا منكم بأن يذهب إليه ويصفعه عىل خده ألنكم‬ ‫ستكتشفون أنه يعتقد أن هذه املقولة مجازية املعنى ليست حرفية‪.‬‬ ‫هناك نقط ٌة أخرى أجدها ممتازة‪ ،‬أنتم تذكرون أن املسيح قال‪:‬‬ ‫«ال تدينوا ليك ال تدانوا» (متى ‪.)1 / 7‬‬ ‫ال أعتقد أنكم ستجدون هذا املبدأ يف محاكم الدول املسيحية‪ .‬لقد‬ ‫عرفت يف حيايت العديد من القضاة املسيحيني املخلصني وجميعهم مل‬ ‫يشعروا أنهم يناقضون املسيحية عندما كانوا يطلقون أحكامهم‪ .‬كذلك‬ ‫قال املسيح‪:‬‬ ‫«من سألك فأعطه‪ ،‬و من يريد أن يقرتض منك فال ترده» (متى ‪.)42 /5‬‬ ‫أيضا‪ ،‬نبهكم املدير هنا بأننا لن نتحدث يف السياسة هنا ولكني ال أستطيع إال أن أالحظ أ ّن املعركة‬ ‫هذه مقول ٌة نبيل ٌة ً‬ ‫األخرية يف االنتخابات األخرية كانت تدور حول إذا كان االقرتاض محبذًا‪ ،‬لذلك أستطيع أن أفرتض أن الليرباليني واملحافظني‬ ‫يف هذا البلد يتكونون من ٍ‬ ‫أناس ال يوافقون عىل مبادئ املسيح ألنهم كانوا ضد االقرتاض‪.‬‬ ‫محبوب ج ًدا لدى أصدقائنا‬ ‫أيضا أحد مبادئ املسيح التي أعتقد أنه مه ٌّم ج ًدا ولكني ال أجد أن هذا املبدأ‬ ‫هناك ً‬ ‫ٌ‬ ‫كامل فاذهب وبع أمالكك و اعط الفقراء فيكون لك كن ٌز يف السامء وتعال‬ ‫املسيحيني‪ ،‬قال املسيح‪« :‬إن أردت أن تكون ً‬ ‫اتبعني» (متى‪.)19/21‬‬ ‫هذا مبدأ ممتاز ولكن كام قلنا سابقًا ال يجد هذا املبدأ الكثري من التطبيق‪ .‬برأيي أن هذه املبادئ جيد ٌة ولكنه من‬ ‫الصعب أن يعيش املرء حسبها‪ .‬أنا شخص ًيا ال أقول أنني أطبقها ويف النهاية فإ ّن هذه املبادئ التعني يل كام تعني‬ ‫للمسيحي‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫مقتطفات من كتاب (ملاذا لست مسيح ًيا؟)‬

‫‪Sandy Bell‬‬

‫الخلل يف تعاليم املسيح‪:‬‬ ‫بعد أن اعرتفت بصحة بعض تعاليم املسيح سأذكر بعض التفاصيل التي ال أعتقد أنها كام وردت يف األناجيل‪ ،‬متثل حكم ًة‬ ‫أصل يف‬ ‫عظيم‪ ،‬وأضيف هنا أنني لن أدخل يف التحليل التاريخي‪ ،‬حسب املنظور التاريخي يساورنا الشك ً‬ ‫عليا أو خ ًريا‬ ‫ً‬ ‫وجود املسيح ويف حال وجوده فإننا ال نعرف شيئًا عنه‪ .‬لذلك لن أدخل يف هذا السؤال التاريخي الصعب بل سآخذ‬ ‫املسيح كام ورد يف األناجيل وسآخذ روايات األناجيل كام وردت‪.‬‬ ‫هنا توجد بعض األشياء التي ال أرى فيها أيّة حكمة‪.‬‬ ‫ال بد أن املسيح اعتقد أن قدومه الثاين يف سحائب النرص سيكون‬ ‫قبل موت معارصيه‪ .‬هناك العديد من املقاطع التي تثبت هذا‬ ‫الظن‪ .‬عىل سبيل املثال قال املسيح‪:‬‬ ‫«ال تكملون مدن إرسائيل حتى يأيت ابن اإلنسان» (متى ‪)23 /10‬‬ ‫أيضا‪« :‬الحق أقول لكم أن من القيام ههنا قو ٌم ال يذوقون‬ ‫وقال ً‬ ‫املوت حتى يرون ابن االنسان آتيًا يف ملكوته« (متى‪.)28 / 16‬‬ ‫وهناك الكثري من املواقع (يف األناجيل) التي يظهر واض ًحا منها أن‬ ‫املسيح كان يعتقد أنه سيعود خالل حياة بعض معارصيه‪ .‬هذا كان‬ ‫إميان أتباعه األوائل وأساس تعاليمه األخالقية‪ .‬عندما يقول املسيح‪:‬‬ ‫«فال تهتموا للغد‪ ،‬أل ّن الغد يهتم مبا لنفسه» (متى ‪)34 / 6‬‬ ‫وما شابه ذلك فإنه يقول ذلك ألنه كان يعتقد أن قدومه الثاين سيكون قري ًبا ولذلك فإن األمور األرضية تصبح بال معنى‪.‬‬ ‫قريب ج ًدا‪.‬‬ ‫لقد عرفت حقًا بعض املسيحيني الذين يعتقدون أن قدومه ٌ‬ ‫أحد الكهنة الذين كنت أعرفهم كان يرعب الناس بأن يقول لهم بأ ّن قدوم املسيح الثاين أصبح قري ًبا ج ًدا حقًا ولكن‬ ‫عندما رأى الناس أ ّن هذا الكاهن كان يزرع األشجار يف حديقته هدأ من روعهم‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫مقتطفات من كتاب (ملاذا لست مسيح ًيا؟)‬

‫‪Sandy Bell‬‬

‫ص ّدق املسيحيون األوائل هذه األشياء وتخلوا عن أشياء عادي ٍة كزراعة األشجار يف الحديقة؛ ألنهم أخذوا من املسيح‬ ‫حامل للحكمة العليا‪.‬‬ ‫إميانه بعودته الوشيكة‪ .‬يف هذا األمر مل يكن املسيح ذك ًيا كغريه ومل يكن ً‬

‫املعضلة األخالقية‪:‬‬ ‫خلل كب ٌري يف أخالق املسيح وهو أنه كان يؤمن بالجحيم‪.‬‬ ‫لنلتفت اآلن إىل األسئلة األخالقية‪ .‬برأيي الشخيص كان هناك ٌ‬ ‫من ناحيتي ال ميكنني أن أعتقد أن الشخص الذي يتحىل باألخالق اإلنسانية ميكن أن يؤمن بالعقوبة األبدية‪ .‬املسيح‪ ،‬كام‬ ‫ترشح لنا األناجيل‪ ،‬كان يؤمن بالعقوبة األبدية وكذلك يجد املرء يف هذه األقوال الغضب والرغبة يف االنتقام من البرش‬ ‫الذين رفضوا اإلصغاء ملواعظه‪ .‬وهذا املوقف ليس غري ًبا لدى املبرشين وهذا املوقف يضع ألوهيته يف موضع الشك‪.‬‬ ‫وحكيم تجاه الناس الذين رفضوا اإلصغاء إليه‪.‬‬ ‫عىل سبيل املثال لن يرى املرء هذا اليشء لدى سقراط الذي كان لطيفًا‬ ‫ً‬ ‫أنا أعتقد أن هذا املوقف (من سقراط) هو أكرث حكم ًة وكرام ًة من الغضب‪ .‬أنتم تتذكرون أقوال سقراط قبل موته وأنتم‬ ‫عام لألشخاص الذين ال يوافقونه الرأي‪ .‬‬ ‫تذكرون األقوال التي كان يوجهها بشكلٍ ٍ‬ ‫املسيح يقول يف األناجيل‪« :‬أيها الحيات أوالد األفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟» (متى ‪)33 / 23‬‬ ‫هذا ما قاله املسيح ٍ‬ ‫ألناس مل يُعجبوا مبواعظه‪ .‬يف رأيي أن هذا الكالم ليس أحسن ترصف‪.‬‬ ‫يف اإلنجيل هناك الكثري من املواضع املشابهة التي تتحدث عن الجحيم كام الجملة املشهورة حول التجديف عىل الروح‬ ‫القدس‪:‬‬ ‫«من قال كلم ًة عىل ابن اإلنسان يُغفر له‪ ،‬وأما من قال عىل الروح القدس فلن يُغفر له ال يف هذا العامل وال يف العامل‬ ‫اآلخر» (متى ‪.)32/ 12‬‬ ‫هذا املوقع تسبب يف شقاء الكثري من الناس ألن الكثري من الناس اعتقدوا أنهم أخطؤوا تجاه الروح القدس وأنه لن‬ ‫يُغفر لهم ال يف هذا العامل وال يف العامل اآلخر‪ .‬ال أعتقد أن هناك إنسا ٌن ميتلك بعض الخري يف نفسه سيوزع هذه الكمية‬ ‫من الخوف و الرعب يف العامل‪.‬‬ ‫ثم قال املسيح‪« :‬يرسل ابن اإلنسان مالئكته فيجمعون من ملكوته جميع املعاثر وفاعيل اإلثم ويطرحونهم يف أتون النار‪،‬‬ ‫هناك يكون البكاء ورصير األسنان» (متى ‪.)40-41 / 13‬‬ ‫‪48‬‬


‫مقتطفات من كتاب (ملاذا لست مسيح ًيا؟)‬

‫‪Sandy Bell‬‬

‫حول البكاء و رصير األسنان يتحدث مر ًة أخرى ويأيت ذلك يف أي ٍة تلو أي ٍة ولذلك يتضح للقارئ أن الحديث عن البكاء‬ ‫أيضا الحديث عن الجداء و الخراف وكيف سيقول عند عودته‬ ‫ورصير األسنان يتسبب ببعض املتعة‪ .‬أنتم تذكرون ً‬ ‫للجداء‪:‬‬ ‫«اذهبوا عني يا مالعني إىل النار األبدية» (متى ‪.)41 / 25‬‬ ‫و يتابع أقواله‪« :‬و إن أعرثتك يدك فاقطعها‪ ،‬خ ٌري لك أن متيض تدخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان ومتيض إىل جهنم‪،‬‬ ‫إىل النار التي ال تطفأ حيث دودهم ال ميوت والنار ال تطفأ» (مرقس ‪.)9-43‬‬ ‫وهذا يكرره املسيح مر ٍ‬ ‫ات عديدة‪ .‬يجب أن أقول أن املعتقد الذي يعتمد عىل نار الجحيم كعقوب ٍة للخطيئة هو معتق ٌد‬ ‫شديد القسوة‪ .‬هذا املعتقد جاء بالقسوة إىل العامل وبالتعذيب إىل أجيا ٍل كثرية‪ ،‬إذا افرتض املرء أن املسيح كان يف‬ ‫الحقيقة كام تصوره األناجيل يجب أن يتحمل جز ًءا من املسؤولية (عىل نتيجة أقواله)‪.‬‬ ‫هناك أشيا ٌء أخرى ولكنها أقل أهمية‪ ،‬كحكاية الخنازير وهذه القصة ليست لطيف ًة بالنسبة للخنازير التي تلبستها‬ ‫الشياطني حتى أنها سقطت من أعىل الجرف إىل البحر وماتت‪.‬‬ ‫يجب أن تفكروا أنه (املسيح) كان كيل القدرة وأنه كان يستطيع أن يرسل الشياطني بعي ًدا ولكنه وافق أن تذهب‬ ‫الشياطني إىل الخنازير‪ .‬أنتم تذكرون بال شك الحكاية العجيبة لشجرة التني‪ ،‬هذه الحكاية التي ال أعرف حقًا ما أقول بها‪:‬‬ ‫«و يف الغد ملا خرجوا من بيت عنيا جاع‪ ،‬فنظر شجرة ت ٍني من ٍ‬ ‫بعيد وعليها ٌ‬ ‫ورق وجاء لعله يجد فيها شيئًا فلام جاء إليها‬ ‫ومل يجد شيئًا إال ورقًا ألنه مل يكن وقت التني‪ ،‬فأجاب يسوع وقال لها‪ :‬ال يأكل أح ٌد منك مث ًرا بعد إىل األبد‪ .‬فتذكر بطرس‬ ‫وقال له‪ :‬يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست» (مرقس ‪.)12-21 :11‬‬ ‫هذه حكاي ٌة غريبة‪ ،‬ألن املرء ال يستطيع أن يلوم شجرة التني ألنه مل يكن موسم التني‪ .‬من جهتي ال أستطيع أن أجد‬ ‫ٍ‬ ‫شخصيات تاريخي ٍة أخرى‪ .‬يف وجهة النظر هذه أستطيع أن أضع بوذا أو‬ ‫لدى املسيح الحكمة واألخالق التي أجدها يف‬ ‫سقراط يف مرتب ٍة أعىل منه‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫كلامت يف ذكرى رحيل القبطان‬ ‫ٌ‬

‫الكابنت جون سيلفر‪ ،‬املعرف الفيسبويك ملؤسس مجلة امللحدين العرب‪،‬‬ ‫وأحد روادها ومطوريها عىل مدى ثالث سنوات‪ .‬الصديق واألخ املوجه‬ ‫والناصح املحبوب‪ ،‬متر هذا الشهر الذكرى األوىل لرحيله عن هذا العامل‪،‬‬ ‫وكان ألصدقائه املقربني كلامت وداع يف رثائه‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫الغراب الحكيم‬ ‫منيس أو تفقد ذرا ًعا يف حادث سري‪ ،‬بعد مرور بعض الوقت واندمال‬ ‫عندما تفقد عي ًنا يف تظاهرة‪ ،‬أو قد ًما من ٍ‬ ‫لغم ٍّ‬ ‫الجروح والتئام العظام وتوقف نزيف الدم واآلالم التي ترشخ الجمجمة من القعر‪ ،‬وعند جفاف الدموع التي تحرق‬ ‫العيون؛ تستطيع القول بأنك عىل مايرام‪ ،‬ولكن يف الواقع رغم كل الكربياء أنت تعرف متا ًما أن الحياة لن تعود إىل‬ ‫سابق عهدها‪ ،‬هناك يش ٌء انكرس‪ ،‬يش ٌء فُقد وال ميكن أن يعود وعليك أن تستمر يف الحياة من دونه‪.‬‬ ‫القبطان مازال معي يف كل مكان‪ ،‬يف كل زاوي ٍة وذكرى وتعب ويف كل ابتسام ٍة تسترشفني ومن خلفها حز ٌن وحرس ٌة‬ ‫وشفقة‪ ،‬ورمبا كنت شديد االعتامد عىل القبطان‪ ،‬والذي إىل اليوم مايزال مي ّد يل يد املساعدة من خلف الرثى بني‬ ‫الحني واآلخر‪.‬‬ ‫نم قرير العني ياأخي‪ ،‬ماغبت أنت ولكن غبت أنا فيك‪.‬‬

‫‪Alia›a Damascène‬‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫مل نكن ندرك أنك القبطان؛ والسفينة ً‬ ‫عا ٌم عىل رحيلك ونحن نظن أننا قادرون عىل تخطي هذه الصدمة‬ ‫وس ّد الحاجة إليك بالعمل الكثيف املتسارع‪.‬‬ ‫طويل‬ ‫ً‬ ‫أمسكنا الدفة جميعنا لنتدارك النقص لكن استهلكنا وقتا‬ ‫لنستوعب أننا لن نستطع أن منأل الفراغ الذي تركت‪.‬‬ ‫سال ٌم لذكراك العطرة والتي تزداد عبقًا كلام عتقت‪.‬‬

‫‪Zoro De La Vega‬‬ ‫حبيبي القبطان جون سيلفر‪ ،‬عا ٌم م ّر عىل رحلتك األخرية عن كوكبنا‪ ،‬ويف حرضة غيابك املؤمل ال يسعني إال أن أذكرك‬ ‫يوم من األيام حالفني الحظ بأن‬ ‫ويف قلبي حز ٌن من رحلتك املفاجئة تلك دومنا وداع‪ ،‬وعىل وجهي ابتسام ٌة ألين يف ٍ‬ ‫كنت صديقك‪.‬‬ ‫ستظل وشخصيتك الرائعة الطموحة شمع ًة وداف ًعا لنا ولكل من يريد النجاح يف بيئ ٍة يسودها الجهل والخرافة‪.‬‬ ‫لن ننساك‪ ،‬وكيف ننساك وذكراك مصدر قوتنا واستمراريتنا‪ .‬نفتقدك كث ًريا‪ ،‬ومجلة امللحدين العرب من ستبقيك ح ًيا‬ ‫عىل مر األجيال يف قلوبنا ويف عقول الكثريين‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫‪Ivan Karamazov‬‬ ‫كان يعرف أن السفينة لن تغرق‪ ،‬ولكنه كان يخىش غرق البحر الذي كان يرشب من ملوحته ليعيد تحلية الواقع‬ ‫الذي يأىب النجاة من املوت غرقًا‪.‬‬ ‫ولكن امللوحة قتلت البحر فيه وأعادته شب ًحا يلقي بظالله عىل الناجني ليوحي إليهم بأن يقودوا البحر إىل شاطئ‬ ‫النجاة‪.‬‬

‫عادل أحمد‬ ‫لقد خدعتني يا صديقي‪،‬‬ ‫كنت قد وعدتني أن نصنع التغيري‪ ،‬وانتظرتك ومل تأت‪.‬‬ ‫صديق أفضل مني؟ مل فضلته علينا؟‬ ‫هل املوت‬ ‫ٌ‬ ‫كنت وعدتني أن ترتشف الحياة برت ٍو‪ ،‬وأن تعطي كل ورد ٍة حقها‪ ،‬ولكنك‬ ‫مل ِ‬ ‫ثقب صغريِ وترسبت الحياة منك‪.‬‬ ‫تف بوعدك‪ ..‬مجرد ٍ‬ ‫كنت قد وضحت يل أن البقاء لألصلح‪ .‬ومل أ َر أصلح منك للبقاء‪..‬‬ ‫ولكن علمك املوت أن تكذب‪ ،‬ماذا أفعل لهذا الفراغ؟ ال ميلؤه يشء‪.‬‬ ‫ذكرياتك تزيد الهوة فقط‪ .‬أتلفت حويل يف الباص‪،‬‬ ‫وأجد وجهك يف كل طفل يحلم مبستقبل جميل‪.‬‬ ‫وأنا أبحث عن مقعدي جوارك‪ ،‬أنا أثق يف اختيارك صديقي‪.‬‬ ‫لرمبا املوت خيا ٌر أفضل‪ ،‬أثق بقدراتك‪..‬‬ ‫لرمبا هي تجرب ُة وستعود لتعلمنا بها‪ .‬يوم التأبني يعطيني سلوى وعزاء‪،‬‬ ‫ماذا أفعل يف بقية الثالمثائة وأربعة ستني يوماً األخرى؟‬ ‫سأشكوك رفيقي للشوق‪ ،‬وسيجدك مدانٌ‪ ،‬بصامتك يف كل مكان؛‬ ‫يف قلبي ويف وجداين ويف ذاكرة األحزان‪ ..‬متتع مبوتك ودع يل عذاب حيايت‪،‬‬ ‫قد يغلب شوقك موتك يو ًما فرتسل يل فكر ًة كام كنت تفعل يف حياتك‪،‬‬ ‫كنا قد خططنا للتغيري ووضعنا آخر اللمسات‬ ‫ولكنك كنت تخطط يف الخفاء‪،‬‬ ‫أن تستلم شهادة وفاتك دون صديقك‪..‬‬ ‫‪52‬‬


McKie Theman To John Funny how time goes around In one minute youre safe and sound The other you’re deep underground However.. That was the best time to bound Since they were howling like hounds Funny how in one minute you lead The other you’re dead.. Everybody thought that was the end And we were crying.. were afraid But that wasn’t what you planned! No.. That wasn’t how you wanted it to go That wasn’t what was in your mind afew years ago You were our beacon for a brighter future You were right there in the picture Looking strong.. standing tall Watching them as they fall We know there’s no resurrection We know this isn’t a redemption Even from deep down you’re with us Even more than before and forever

Reda Menwar ‫بتعازي الحارة لعائلته ولكل الساهرين عىل تنوير عقول الشباب‬ ‫يف ذكرى رحيل صديقنا ورفيق الدرب القبطان جون سلفر أتقدم‬ ّ ‫ كنت أمتنى‬.‫ وأمتنى أن تكون هذه املناسبة فرص ًة الستحضار منجزاته يف كشف خرافات األديان‬.‫يف الرشق األوسط وشامل إفريقيا‬ ‫ كان كاألخ األكرب؛ بأسلوبه الذيك واملهذب استطاع‬.‫ لكن لألسف مل تسمح الظروف بذلك‬،‫لقاء جون وأن أتبادل معه أطراف الحوار‬ ‫ أفضل خدم ٍة ميكننا‬.‫كسب محبة اآلالف من املعجبني حتى بعد رحيله بروعة أخالقه وقدرته عىل إظهار محبته الصادقة لهم‬ ٍ ‫تقدميها للقبطان هي رفع رشاع سفينة التنوير وامليش عىل دربه‬ .‫لغد أفضل‬

53


‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫يف الذكري السنوية األوىل لرحيلك؛ طيفك مازال يراودنا‪ ،‬متيض حياتنا برسع ٍة فائق ٍة بدونك ياجون‪ ،‬ومنذ رحيلك مل‬ ‫تعد الحياة كام كانت‪ ،‬نخفي أملنا واشتياقنا وحزننا عندما يذكر أحدهم اسمك ونكتفي بالصمت ليعرب عن حنيننا‬ ‫لوجودك معنا ياصديقي‪ .‬مضت سن ٌة عىل رحيلك عنا وستمر سن ٌني عديد ٌة أُخرى وسوف نرحل وراءك يو ًما؛ ما لكن‬ ‫عملك وعملنا يف مجلتنا التي صممتها أنت والغراب مازالت تنمو ومستمرة‪.‬‬ ‫أنت زرعت وأنجزت الكثري يف الحياة القصرية املدى التي عشتها‪ ،‬لكن إنتاجك كان كب ًريا ونبيل الهدف‪ ،‬يسعى لنرش‬ ‫الفائدة والعلم وحب االطالع يف املجتمع‪ .‬هاهي مجلتك تصدر كل شهر‪ ،‬تلك النبتة أصبحت شجر ًة مثمر ًة تنري‬ ‫العقول يف كل مكان‪ ،‬وكل هذا اإلنجاز بفضلك وبفضل جهود محبينك وأصدقائك‪ .‬كل وردة ٍمصريها الذبول لكن‬ ‫الذكرى تبقى وال تزول وذكراك يا صديقي دامئة الخلود‪.‬‬ ‫بسالم وطأمنين ٍة أيها الغايل فعملك باقٍ ويتمدد‪.‬‬ ‫إرقد ٍ‬

‫‪Zorba Balaa‬‬ ‫جون سيلفر‪ ،‬الكابنت‪ ،‬القبطان‪ ،‬املؤسس‪ ،‬الصديق‪ ،‬األخ األكرب‪ ،‬املثال‪ ،‬الغامض‪ ،‬القريب‪ ،‬املعلم‪...‬‬ ‫متت لجون سيلفر بصل ٍة ما‪.‬‬ ‫بعي ًدا عن املبالغة؛ يبدو ملن يعرفه أن ً‬ ‫كل من األوصاف السابقة ّ‬ ‫طيلة فرتة تعاملك معه تستشعر تلك الصفات من طبيعة املوقف بينك وبينه‪ ،‬كث ًريا ما كان قبطانًا باملعنى القيادي‬ ‫أيضا ما نشعر بغموض شخصيته‪ ،‬وبقربه‬ ‫للمجلة السفينة‪ ،‬وكث ًريا ما كان ً‬ ‫مثال يف سلوكه وتفكريه للكثري منا‪ ،‬وكث ًريا ً‬ ‫من أي أحد‪ ،‬وكث ًريا كث ًريا ما شعرنا جمي ًعا بأنه األخ األكرب والصديق الحارض دامئًا بإيقاعه الهادئ املتزن‪ ،‬بالنسبة‬ ‫رضا بكامل عقله الجميل وحضوره الهادئ الرصني‪ ،‬وال أذكر مر ًة تحدثت معه إال‬ ‫يل ال أذكر مر ًة طلبته ومل يكن حا ً‬ ‫ثقل كب ٌري لفرتة‬ ‫وأرخى هدوءه ولطافته واتزانه عىل املوقف‪ ،‬إال وأدار الدفة باتجاه التعقل والهدوء‪ .‬يف ذاكريت ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫كفارس يوشوش يف أذن جواده‪.‬‬ ‫عالجه‪ ،‬لطاملا شدين متاسكه وصالبته‪ ،‬هدوؤه‪ ،‬براعته يف ترويض انفعاالتنا‬ ‫كان غيابه عىل النقيض متا ًما من حضوره الهادئ‪ ،‬جلجل ٌة ما اعرتت أرواح من عرفوه‪ .‬جون سيلفر‪ ،‬الصديق‬ ‫القريب؛ مل نزل نستشعرك بيننا‪.‬‬ ‫رضا وغائ ًبا‪.‬‬ ‫لك السالم حا ً‬

‫‪54‬‬


‫‪Saad Taher‬‬ ‫قل ٌة قليل ٌة من البرش ممن يأتون إىل هذا العامل ثم يرحلون بعد أن يرتكوا بصامتهم يف كل مكانٍ وذكراهم الطيبة‬ ‫مع كل إنسانٍ ‪ ،‬وأنت صديقي الغائب الحارض جون واح ٌد من هذه القلة‪ ،‬فرغم قرص إقامتك بيننا إال أن آثارك‬ ‫وذكرياتك مازالت باقي ًة وعىل دربك درب التنوير الكل يسري‪.‬‬

‫اإلمام حاتم‬ ‫مخلصا لقضيته حتى آخر لحظة‪ ،‬حتى أن‬ ‫كان جون من أوائل رواد الفكر الحر يف العامل العريب واملستعرب‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات علمي ًة ومحاول ًة أخري ًة إلنارة العقول‪ .‬ويكفيه فخ ًرا أنه ترك‬ ‫آخر منشو ٍر له مل يكن ودا ًعا أو وصي ًة بل‬ ‫رقم مر ذات عرص‪.‬‬ ‫وراءه إرث ًا فكريًا خلد به اسمه و مل يكن مجرد ٍ‬

‫‪Gaia Athiest‬‬

‫مر عام كامل عىل رحيلك يا جون‪ ،‬ما زلت مل أستوعب رحيلك حتى أستوعب أنه مر عام‪ ،‬أفتقدك كث ًريا‪ ،‬أفتقد‬ ‫قبطان سفيتنا الذي ك ّرس نفسه للمجلة ولرسالتها السامية‪ ،‬لك الفخر يا صديقي فمرشوعنا يكرب يو ًما بعد يوم‪،‬‬ ‫وجهودنا تؤيت مثارها‪ ،‬ال زلت أذكر أنك قبل سفرك قلت لنا‪« :‬املجلة أمانة بني أيديكم»‪ ،‬ونحن حفظنا األمانة‪،‬‬ ‫تحية لك ولقلبك الكبري‪ ،‬الذي اتسع لنا جمي ًعا‪ ،‬وكل توصياتك وكلامتك ما زلنا نذكرها جي ًدا ونعمل بها‪ ،‬كنت دامئًا‬ ‫تقول‪«:‬ركّزوا عىل الصورة الكبرية والهدف األكرب»‪ ،‬نرش التنوير ورفع صوتنا‪ ،‬ال تقلق يا صديقي فاملجلة مستمرة‬ ‫ونحن نعمل كل يوم كأنك ما زلت بيننا وصوتنا يرتفع ويعلو‪ ،‬ورغم كل الصعوبات نحن مستمرون‪ ،‬ارقد بسالم‬ ‫يا جون‪ ،‬ستبقى دو ًما يف قلوبنا‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫أسامة البني (الوراق)‬

‫«لن توقفوا الطوفان»‪ .‬هكذا عنون جون إحدى مقاالته التي تعرب عن روح مجموعة امللحدين العرب‪ .‬لقد وجدت‬ ‫نفيس أكرر هذه الجملة مرا ًرا خالل العام املنرصم كلام تحدثت عن امللحدين العرب كمجموع ٍة تطالب بحقوقها‬ ‫وكحركة تنوي ٍر وتغيري‪ .‬لقد كان جون هو القبطان الذي ساهم يف إطالق سفينتنا نحو رحل ٍة مل تكن ممكن ًة قبل‬ ‫عقود‪ ،‬وألهم الكثريين ليبذلوا قصارى جهدهم يف سبيل إنجاح هذا املرشوع‪ ،‬وهو مرشو ٌع مل ينته معه ولن ينته‬ ‫حلم شخص ًيا‪،‬‬ ‫معنا‪ ،‬فالطوفان قد بدأ والسفينة ستظل مستمرة‪ .‬إن اإلرث الذي تركه جون فينا ليس شيئًا عاب ًرا أو ً‬ ‫هائل مل ندركه حقًا‬ ‫وإمنا أم ًرا بات واق ًعا قد جاء ليبقى ويستمر ويزدهر يتع ّدانا كلنا كأفراد‪ .‬لقد حمل جون عبئًا ً‬ ‫أهل لحملها وامليض قد ًما‪ .‬ترك رحيل جون‬ ‫إال بعد رحيله‪ ،‬وقد وضع املجلة أمان ًة بني أيدينا وسنسعى كلنا لنكون ً‬ ‫أيضا ترك شجر ًة مورق ًة وجامع ًة حي ًة ستبقي ذكراه حي ًة وتبني‬ ‫عنا فراغًا كب ًريا يف قلوب وعقول كل من عرفه‪ ،‬لكنه ً‬ ‫عىل األسس التي ساهم يف وضعها‪.‬‬

‫غيث جابري‬

‫م َّر عا ٌم عىل رحيل صديقنا جون سيلفر‪ ،‬املثقف املبدع الذي بذل الكثري من الجهد يف سبيل تحقيق مرشوعه‬ ‫التنويري‪.‬‬ ‫م َّر عا ٌم مل تغب خالله ذكرى جون بني أعضاء أرسة تحرير مجلة امللحدين العرب‪،‬‬ ‫خصوصا عندما تواجهنا مشكالتٌ‬ ‫ً‬ ‫اعتاد عىل حلّها كل مرة‪ .‬لهذا كان وقع رحيل جون شدي ًدا علينا‪ُ .‬صدمنا بالفراغ الكبري الذي تركه وراءه فحاولنا‬ ‫جاهدين مأله ما استطعنا‪ ،‬لنجد األمر بالغ الصعوبة!‬ ‫بعد عام عىل رحيل صديقنا القديم جون‪ ،‬رغم العقبات التي ال تنتهي‪ ،‬أقول لذكراه الط ّيبة‪ :‬مرشوعك الكبري الذي‬ ‫تقدم مستمر‪ .‬مع يقيني أنه ما من غنى عن وجودك‪ ،‬ولكن فريق التحرير‬ ‫تركته أمانة يف أعناقنا ال يزال حيًا ويف ٍ‬ ‫قام بعمل جبار وحافظ عىل األمانة التي تركتها لنا‪ .‬وأمتنى أن يكون هذا عزا ًء لنا جميعا برحيلك‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫الــ‬ ‫بني عاملني‬ ‫‪57‬‬

‫الغراب احلكيم‬


‫البوكيمونبنيعاملني‬

‫الغراب احلكيم‬

‫قصتنا مع طفلٍ‬ ‫مصاب بالتو ّحد يف العارشة من عمره‬ ‫ٍ‬ ‫بدأت ّ‬ ‫يعيش يف ضواحي طوكيو‪-‬اليابان اسمه ساتويش تاجريي‪.‬‬ ‫كان ساتويش مول ًعا بالبحث عن وجمع الحرشات والخنافس‬ ‫ولك ّن االزدهار العمرا ّين يف ذلك الزمن قىض عىل الغابات‬ ‫التي كان يزورها وح ّولها إىل أدغا ٍل إسمنت ّي ٍة من الشوارع‬ ‫واملباين‪ .‬شعر ساتويش بأ ّن الجيل القادم من األطفال‬ ‫لن يعرف معنى السعادة واملغامرة التي كان يتمتّع‬ ‫بها مبامرسة هوايته‪ ..‬وبقيت معه هذه الفكرة إىل عام‬ ‫‪ 1995‬حيث أتت له فكرة البوكيمون من هذا املايض‪.‬‬ ‫بدأت فكرة البوكيمون والتي هي اختصا ٌر لكلمتي(‪ - pocket monster‬وحوش الجيب) كعالم ٍة تجاريّ ٍة يف ألعاب‬ ‫نيتندو من نوع ‪( RPG‬لعبة تق ّمص أدوار) ابتدا ًء من عام ‪ 1997‬حيث تط ّورت الفكرة وأنتجت الرشكة ع ّدة أجزا ٍء من‬ ‫وأفالم وألعاب كومبيوتر بأنوا ٍع مختلف ٍة عدا عن أنوا ٍع أخرى من املنتجات املتن ّوعة إىل يومنا هذا‪.‬‬ ‫مسلسلٍ تلفزيو ٍّين ٍ‬ ‫رش هذا الغزو الزاحف من قبل هذه الكائنات الكرتون ّية اللطيفة عىل الثقافة البرشيّة ّإل يف اآلونة األخرية‬ ‫ولكن مل يست ِ‬ ‫مع إصدار لعبة بوكيمون غو عام ‪ 2016‬عىل األجهزة املحمولة‪ .‬حيث كان نجاح اللعبة غري املسبوق مبن ًّيا عىل عاملني‪:‬‬ ‫األ ّول هو تط ّور التكنولوجيا لح ٍّد يسمح بهذا النوع من الربمج ّيات بالعمل بجود ٍة كافية‪ .‬وطرح اللعبة أثناء كون‬ ‫املستهلك املُستهدف فيه اليوم هو نفس الطفل الذي كان ُمستهدفًا بهذا املنتج يف صغره ما بني عامي ‪ 1995‬و‪،2005‬‬ ‫يعني يف البداية يستهدفون رشيح ًة عمريّ ًة ومن ث ّم يعتمدون عىل نفس األفراد كزبائن مضمونني بعد مرور عرش‬ ‫ٍ‬ ‫لكل األعامر وليس لألطفال فقط‪.‬‬ ‫سنوات أو أكرث عن طريق تصميم برنامج اللعبة وتوزيعها عىل الهواتف ليكون مناس ًبا ّ‬ ‫جالس يف غرفة‬ ‫لعبة البوكيمون غو ال ميكن لعبها وأنت‬ ‫ٌ‬ ‫االنتظار أو أثناء اإلعالنات التجاريّة يف فيلم السهرة‪ .‬ما‬ ‫مي ّيز هذه اللعبة أنّها تستوجب من الالعب القيام وامليش‬ ‫ٍ‬ ‫ملسافات كبري ٍة بحثًا عن البوكيمونات ومن ثم صيدها‬ ‫وتدريبها مبا يُعرف بتكنولوجيا الـ‪Augmented reality‬‬ ‫التي تسمح بظهور هذه البوكيمونات اللطيفة املل ّونة‬ ‫الحقيقي عرب النافذة الصغرية‬ ‫أمام أعني الالعبني يف العامل‬ ‫ّ‬ ‫‪58‬‬


‫البوكيمونبنيعاملني‬

‫الغراب احلكيم‬

‫التي يحملونها بني أيديهم‪ .‬ويُعترب نجاح هذه اللعبة وانتشارها بني ٍ‬ ‫فئات عمريّ ٍة واسع ٍة من املستخدمني مفاجأ ًة عىل‬ ‫صعيد توقّعات األسواق واملحلّلني‪.‬‬ ‫الخاصة بهذه اللعبة من تدف ٍّق غري ُمت ّوقعٍ ألعدا ٍد ج ّم ٍة من الالعبني‬ ‫يف العامل األ ّول احتفل الناس بهذه الظاهرة وعانت الخدمات ّ‬ ‫املطاردين للبوكيمونات حول العامل‪ .‬هذا األمر الذي قد يشكّل نقطة تح ّو ٍل مه ّم ٍة يف التكنولوجيا يف القرن الواحد والعرشين‪.‬‬

‫يف بداية التسعينات أ ّدت زيادة الطلب عىل الهواتف املحمولة إىل ارتفاع املنافسة بني الرشكات بشكلٍ ضغط عىل‬ ‫التكنولوجيا وجعلها تتط ّور برسع ٍة صاروخ ّي ٍة يف مجال االتّصاالت والتكنولوجيا املحمولة والبطاريّات‪ .‬عند إعالن ستيـڤ‬ ‫جوبز أل ّول هاتف آيفون كان أيضا إعالنًا ضغط عىل التكنولوجيا من قوى االستهالك العامل ّية التي أشعلت املنافسة من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هاتف بأزرا ٍر حيث أ ّن تكنولوجيا الهواتف الذك ّية ذات شاشة اللمس‬ ‫سنوات قليل ٍة مل نعد نستطيع رؤية‬ ‫جديد‪ ،‬وخالل‬ ‫وكل هذا بسبب ضغط الزبائن والطلب‪.‬‬ ‫أي مرشو ٍع أو تكنولوجيا مرافق ٍة ّ‬ ‫أصبحت هي األساس الذي يُبنى عليه ّ‬ ‫عندما تق ّدم ولو خدم ًة صغري ًة أو‬ ‫ز ًّرا إضاف ًّيا أو آل ّي ًة برمج ّي ًة زياد ًة عن‬ ‫سيغي حركة‬ ‫منافسك اليوم فإ ّن هذا ّ‬ ‫مليارات الدوالرات باتّجاه الرشكة‬ ‫التي ق ّدمت هذا التغيري‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫البوكيمونبنيعاملني‬

‫الغراب احلكيم‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد عىل التكنولوجيا نحو تطوير‬ ‫لضغط‬ ‫اليوم‪ ،‬لعبة بوكيمون غو وعدد املستخدمني العمالق حول العامل سيؤ ّدي‬ ‫الـ ‪Augmented reality‬وتطبيقاتها وطرق استخدامها‪ .‬يف املستقبل‪ ،‬وبفضل هذه اللعبة‪ ،‬ستصبح هذه التكنولوجيا‬ ‫تغيها‬ ‫أم ًرا يوم ًّيا واعتياديًّا نعتمد عليه يف ّ‬ ‫كل يش ٍء يف حياتنا متا ًما كام الهواتف املتح ّركة‪ ،‬وأحد الجوانب التي ميكن أن ّ‬ ‫هذه التكنولوجيا هو تحرير التكنولوجيا‬ ‫الداعمة واملصاحبة لنا كأفرا ٍد من سجنها‬ ‫الخليوي‬ ‫املستطيل املُس ّمى بالهاتف‬ ‫ّ‬ ‫وتحويلها إىل صو ٍر هولوغراف ّي ٍة أمام أعني‬ ‫املستخدم طافي ٍة يف الهواء عرب أجهز ٍة مثل‬ ‫نظّارة مايكروسوفت الهولوغراف ّية املحمولة‬ ‫‪ HoloLens‬التي يت ّم تطويرها اليوم وقد‬ ‫تجاوزت الكثري من النجاحات يف هذا املجال‪.‬‬ ‫هذه التكنولوجيا مبا ستنتجه من تح ّو ٍ‬ ‫الت اجتامع ّي ٍة وثقاف ّي ٍة كبري ٍة سيقود لتغيري الكثري من األدوات والطرق واآلل ّيات‬ ‫ٍ‬ ‫الطب والدراسات الجزيئ ّية‬ ‫تصميم إىل هندس ٍة إىل‬ ‫التي نتعامل فيها مع األشياء أو حتى العمل واإلنتاج من‬ ‫ٍ‬ ‫اكتشاف إىل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بإعاقات اجتامع ّي ٍة أو جسديّ ٍة عدا عن الثورة يف عامل االتّصاالت التي ستجعل م ّنا نحن سكان‬ ‫إىل مساعدة املصابني‬ ‫عامل اليوم مج ّرد رجال ٍ‬ ‫كهف متخلّفني باملقارنة مع جيل املستقبل الذي سيعيش هذه التكنولوجيا ويعتمد عليها‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫البوكيمونبنيعاملني‬

‫الغراب احلكيم‬

‫ويف عا ٍمل آخ ٍر ٍ‬ ‫بعيد عن هذه األفكار املستقبل ّية الجميلة املل ّونة وبعد إطالق لعبة البوكيمون غو ونجاحها الصاخب الذي‬ ‫أظهر الكثري من ر ّدات الفعل التي عادت لتطفو عىل السطح‪،‬‬ ‫ألسباب كثري ٍة منها‬ ‫أي مرشو ٍع ناج ٍح أو فكر ٍة منترش ٍة سيكون هناك الكثري من محاوالت الطعن فيها ومحاربتها‬ ‫ٍ‬ ‫فكام ّ‬ ‫كل ما هو جدي ٌد وشيطنته‬ ‫املنافسة ولك ّن ما سأتكلّم عنه يف هذا املقال هو ر ّدات الفعل املتعلّقة بالتخلّف ومحاربة ّ‬ ‫بكل صور العاملة والخيانة والكفر‪ .‬كام سأتط ّرق عىل بعض التطوير والتجديد يف محاوالت الطعن هذه‪ ،‬فعىل‬ ‫ووصمه ّ‬ ‫ما يبدو حتى التخلّف يط ّور من أدواته ورسائله‪.‬‬

‫عند الظهور األ ّول ملسلسل البوكيمون ولعبة البطاقات‬ ‫واإلسالمي مل يعرف التخلّف‬ ‫الخاصة بها يف عاملنا العر ّيب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كيف يتعامل مع هذا االهتامم الجديد‪ .‬فلو أنّه فقط‬ ‫وصفه بأنّه له ٌو وابتعا ٌد عن ذكر الله لفشل‪ ،‬أل ّن املعن ّيني‬ ‫هم األطفال وعبثهم‪ .‬حتى الفتاوى التي أُصدرت حينها يف‬ ‫تحريم البوكيمون مل تؤث ّر يف ذلك البوكيمون املرعب الذي‬ ‫استم ّر بالنم ّو والق ّوة مه ّد ًدا خرافات الكبار القاتلة بخرافات‬ ‫وخيال األطفال املرح‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫البوكيمونبنيعاملني‬

‫الغراب احلكيم‬

‫فكل مغ ٍّن غر ٍّيب مشهو ٍر أو العب‬ ‫فام كان له إلّ أن يلجأ إىل سالحه القدين‪ ..‬الكذب‪ ..‬وهذه ليست آليّ ًة دفاعيّ ًة جديد ًة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أكاذيب وإشاعاتٌ عن كرهه للعرب واملسلمني وإهانته لهم حتى يت ّم تنفري العا ّمة‬ ‫معروف تنترش عىل لسانه‬ ‫كرة قدم‬ ‫ٌ‬ ‫من متابعته أو االهتامم به‪.‬‬ ‫انترشت يف التسعينات منشوراتٌ ورق ّي ٌة بني الناس تحثّهم عىل نرشها وتحتوي رسال ًة ُمو ّجه ًة للطعن ومحاربة عالمة البوكيمون‬ ‫التجاريّة‪ .‬طب ًعا الشعوب العربيّة الجاهلة ال تقرأ فتلقّفت املنشور وص ّدقته ونرشته دون التحقّق من محتوياته التي إن‬ ‫أي طفلٍ سيضحك منها‪ .‬ولك ّنها كانت ف ّعال ًة بالتسعينات يف تحويل األهل ض ّد البوكيمون وحرمان أطفالهم منه‪.‬‬ ‫نظر إليها ّ‬ ‫تحتوي هذه املنشورات عىل مجموع ٍة‬ ‫ُمل ّون ٍة من اال ّدعاءات املضحكة التي متزج‬ ‫بني نظريّات املؤامرة والغرية عىل الدين‬ ‫بشكلٍ طفو ٍّيل حقًّا‪ .‬ومع عودة ظهور هذه‬ ‫الحرشات املل ّونة املمتعة يف أزقة وأحياء‬ ‫عاملنا العر ّيب وتسابق الشباب عىل االمساك‬ ‫كنت ستتوقّع أن ينضج من كان يحارب‬ ‫بها َ‬ ‫البوكيمون يف التسعينات وأن يتوقف عن‬ ‫ٍ‬ ‫هاتف محمول‪..‬‬ ‫محاربة لعب ٍة عىل جهاز‬ ‫ولكن ع ّودنا الدين عىل أن يفاجئنا ويتخطّى‬ ‫توقّعاتنا مبا يتعلّق بالجهل والتخلّف وقامت‬ ‫كل الجهات الرسم ّية الدين ّية بإعادة تجديد‬ ‫ّ‬ ‫تحريم البوكيمون‪ ،‬هذه امل ّرة مل يعاودوا‬ ‫ربا‬ ‫استخدام الربوباغاندا القدمية املضحكة ّ‬ ‫ألنّهم أدركوا أ ّن نفس الهاتف الذي يش ّغل‬ ‫اللعبة قاد ٌر عىل البحث عن معاين أسامء‬ ‫البوكيمونات واكتشاف أكاذيبهم‪ .‬لذا تت ّم‬ ‫اليوم محاربة البوكيمون بطريق ٍة جديد ٍة‬ ‫تجس ٍس علينا من قوى العامل الظالم ّية التي تسعى لتدمرينا‪..‬‬ ‫وهي ا ّدعاء أ ّن اللعبة هي برنامج ّ‬ ‫أعرف أن هذا أم ٌر مضحك‪ ..‬ولك ّنها السياسة الجديدة ملحاربة البوكيمون‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫البوكيمونبنيعاملني‬

‫الغراب احلكيم‬

‫الخالصة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫أي شخص ّي ٍة مشهور ٍة وتصمها م ّر ًة بالفجور وم ّر ًة بالكفر وم ّر ًة بالعاملة‬ ‫أي يش ٍء‬ ‫جديد أو ّ‬ ‫ملاذا تحارب املؤسسات الدين ّية ّ‬ ‫إلرسائيل واملاسوصهيونيّة املريخيّة الكونيّة التي تريد النيل من فشلنا وتخلّفنا؟‬ ‫ملاذا مادونا أو مايكل جاكسون أو بيليه أو مارادونا كلّهم اتّفقوا عىل استخدام نفس اإلهانة للعرب واملسلمني يف‬ ‫الثامنينات؟ ‪-‬وأعتقد أن من هم من جييل يعرفون هذه القصص ‪-‬‬ ‫حيوانات وحرش ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات خياليّ ٍة كرتونيّ ٍة مل ّونة؟‬ ‫بوكيمونات هي عبار ٌة عن‬ ‫املؤسسة الدينيّة يف معرك ٍة مع‬ ‫وملاذا تتو ّرط ّ‬ ‫وكيف أصبح حلم ساتويش اليابا ّين مؤامر ًة صهيون ّي ًة شيطان ّية؟‬ ‫ٍ‬ ‫عظيم تجب محاربته وتحرميه؟‬ ‫رشا وإمثًا‬ ‫كل أم ٍر ناج ٍح‬ ‫ملاذا ّ‬ ‫ً‬ ‫وملفت ويفتّح العقول يجب اعتباره ًّ‬ ‫السبب أصدقايئ هو أ ّن الدين بدأ يدرك أن أساطريه وخرافاته مل تعد قادر ًة عىل شغل نفس الح ّيز من اهتامم الناس‬ ‫كام يف السابق وأنّه إن مل يفعلوا شيئًا ما ملواجهة الزمن فإ ّن فأ ًرا صغ ًريا لطيفًا أصفر اللون قد يكون هو من يقتل هذه‬ ‫بكل ما فيها!‬ ‫املؤسسة الدين ّية ّ‬ ‫ّ‬

‫‪63‬‬


64


http://www.thelandofsands.blogspot.com

65


‫سلسل ُة أحكام‬ ‫أهل الذمة (‪)4‬‬

‫محمود جامل‬

‫سلسل ٌة تتناول كيف عاش املسيحيون يف ظل الخالفة اإلسالمية‬

‫(‪ )1‬قبل اإلسالم‪،‬‬

‫كانت شبه جزيرة العرب محاط ًة بأهل الكتاب‪ ،‬أو باملسيحيني منهم عىل وجه الخصوص‪ ،‬من كل جانب‪ .‬وبعد املد‬ ‫االستعامري الذي نتج عنه اختالط األميني بالكتابيني‪ ،‬تحتم وجود مدون ٍة ترشيعي ٍة يس ّجل فيها الفقهاء كل ما يُستجد‬ ‫من قضايا‪ .‬لهذا السبب شغلت أحكام أهل الذ ّمة مساحاتٌ كبري ٌة من كتب الرتاث‪ ،‬إذ خصص لها الصناعني كتابًا باسم‬ ‫«أهل الكتابني» يف مصنفه الذي د ّونه يف القرن الثالث الهجري‪ ،‬ويف القرن الرابع جمع أبو بكر الخالل يف «أحكام أهل‬ ‫امللل والردة» آراء اإلمام أحمد‪.‬‬ ‫‪66‬‬


‫سلسلة أحكام أهل الذمة (‪)4‬‬ ‫محمود جمال‬

‫وقد شغلت األحكام ذاتها مساح ٌة شاسع ٌة يف مؤلف البيهقي «معرفة السنن واآلثار» الذي صدر يف القرن الخامس‪ .‬ويف‬ ‫القرن الثامن خصص ابن تيمية يف «مسألة الكنائس» كتابًا حمل االسم ذاته‪ ،‬ناهيك عن تطرقه للقضية بعمومها يف‬ ‫«مجموع الفتاوى» الذي شغل فيه أهل الذ ّمة مساح ًة كبري ًة ج ًدا‪ ،‬وكذلك كتابه «نقض املنطق»‪.‬‬ ‫أ ّما فيام يخص موضوع الجزية تحدي ًدا‪ ،‬فقد كتب فيها ابن زنجويه‪ ،‬يف القرن الثالث‪ ،‬تحت عنوان «األموال»‪ ،‬وبنفس‬ ‫العنوان‪ ،‬ويف نفس القرن‪ ،‬كتب ابن أيب عبيد بن سالم‪ .‬وكتب عنها الدمريي يف مؤلفه «رشح املنهاج» يف القرن السابع‪.‬‬ ‫وفيام يخص كيفية جبايتها‪ ،‬فقد تطرق إليها الشيزري‪ ‬يف كتابه «نهاية الرتبة» الذي صدر يف القرن السادس‪ ،‬وكتب عنها‬ ‫ابن األخوة يف مؤلفه «معامل القربة» يف القرن الثامن‪ ..‬وبخالف كُتب التاريخ‪ ،‬تلك هي املراجع التي اعتمدتُ عليها ‪-‬‬ ‫بشكلٍ أسايس ‪ -‬أثناء تحضري هذا البحث‪ .‬ويف كتابه «أهل الذمة يف مرص العصور الوسطي» ذكر الدكتور قاسم عبده‬ ‫قاسم العديد من املراجع التي مل يُتح يل الرجوع إليها‪.‬‬ ‫وقد آثرتُ التوطئة باإلشارة إىل املراجع‪ ‬للتسهيل عىل القارئ الراغب يف االستزادة‪ ،‬بيد أنني سأُركز يف قادم املحطّات عىل‬ ‫ٍ‬ ‫مجلدات جاءت فيام يقارب األلف‬ ‫املؤلف الجامع يف هذا املضامر‪« ،‬أحكام أهل الذمة»‪ ،‬الذي كتبه ابن القيم‪ ،‬يف ثالثة‬ ‫وخمسامئة صفحة‪ ،‬نقل فيها وف ّند معظم ما ُد ِّون يف القرون السابقة عىل اختالف املذاهب فيه‪.‬‬ ‫وسنتوقف أثناء رحلتنا عند محطتني أساسيتني‪،‬‬ ‫األوىل‪ :‬موقف اإلسالم من تويل املسيحيني الوظائف اإلدارية يف الدولة‪ ،‬وسرنكز فيها عىل فقه الواقع‪.‬‬ ‫والثانية‪ :‬كيف نظّم اإلسالم العالقات اإلنسانية بني املسلم واملسيحي‪ ،‬بحسب املدونة‪ ‬الفقهية والحديثية‪.‬‬ ‫مسيحي‪ ،‬استشاط غض َبًا وقال له‪ :‬قاتلك الله! أما‬ ‫كاتب‬ ‫ملّا علِم عمر بن الخطاب َأن أبا موىس األشعري قام بتوظيف ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ ّ َُ‬ ‫َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َ َ َّ َ َ ٰ ْ َ َ َ ْ ُ ُ ْ ْ َ ُ ْ‬ ‫اء َبع ٍض‪ .‬ومن يتولهم‬ ‫الين آمنوا ل تت ِخذوا الهود وانلصارى أو ِلاء‪ .‬بعضهم أو ِل‬ ‫سمعت قوله تعايل‪﴿ :‬يا أيها ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫نك ْم فَإنَّ ُه منْ ُه ْم‪ .‬إ َّن الل َّ َل َي ْهدي الق ْو َم الظالم َ‬ ‫ني﴾‪ .‬سورة املائدة اآلية ‪51‬؟!‪ ‬وملا طالت معاتبة الفاروق أليب موىس‬ ‫ِم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫عىل سوء تقديره رد عليه بالقول‪ :‬يا أمري املؤمنني! يل وظيفته‪ ،‬وله دينه‪.‬‬ ‫لكن هذا الرد العلامين‪ ،‬الذي ف ّرق فيه أبو موىس بني هوية املوظف الدينية وما تقتضيه املصلحة الدنيوية‪ ،‬ما كان ليلقى‬ ‫قبول الفاروق عمر‪ ،‬الذي عقّب عليه بصيغ ٍة أكرث وضو ًحا فقال‪ :‬ال أُكرمهم إذ أهانهم الله‪ ،‬وال أعزهم إذ أذلهم الله‪ ،‬وال‬ ‫أدنيهم إذ أقصاهم الله‪ .‬ويزيد ابن كثري‪ ،‬يف تفسريه‪ ،‬عىل هذه الرواية التي استشهد بها ابن القيم فيقول إن عمر كان‬ ‫املسيحي‪ ،‬وأثنى عليه أمام أيب موىس‪ ،‬بيد أنه ملّا علِم بأمر ديانته‪ ،‬جاء رد فعله‬ ‫يف بادئ األمر قد أُعجب بأداء املوظف‬ ‫ّ‬ ‫بهذا الشكل‪ ،‬وكعادته‪ ،‬رضب أيب موىس‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫سلسلة أحكام أهل الذمة (‪)4‬‬ ‫محمود جمال‬

‫وجاء يف خطابه أليب هريرة‪ ،‬أثناء واليته عىل البحرين‪« :‬أما بعد‪ ...‬أقم الحدود ولو ساع ًة من النهار‪ ،‬وإذا حرضك أمران‬ ‫أحدهام لله واآلخر للدنيا فآثر نصيبك من الله‪ ،‬فإن الدنيا تنفد واآلخرة تبقى‪ُ .‬عد مرىض املسلمني واشهد جنائزهم وافتح‬ ‫بابك وبارشهم‪ ،‬وأبعد أهل الرش وأنكر أفعالهم وال تستعن يف أم ٍر من أمور املسلمني مبرشك‪ ،‬وساعد عىل مصالح‬ ‫حامل ألثقالهم»‪.‬‬ ‫رجل منهم غري أن الله تعاىل جعلك ً‬ ‫املسلمني بنفسك‪ ،‬فإمنا أنت ٌ‬ ‫وحني اتسعت رقعة الدولة يف عهده‪ ،‬وأعقبها زياد ٌة يف حجم األموال واملوارد‪ ،‬للدرجة التي استحال معها قيام املسلمني‬ ‫قائل‪ :‬إن املال قد‬ ‫وحدهم بإدارة كل الوظائف‪ ،‬كتب إليه بعض الوالة‪ ،‬يستشريه يف استعامل أهل الذمة من املسيحيني ً‬ ‫حاسم‪ ‬قاط ًعا‪ ‬إذ قال‪ :‬ال تسلموهم ما منعهم الله منه‪،‬‬ ‫كرث‪ ،‬وليس يحصيه إال هم فاكتب إلينا مبا ترى‪ .‬فجاء الرد العمري‬ ‫ً‬ ‫وال تأمنوهم عىل أموالكم‪ ،‬وتعلموا الكتابة فإمنا هي للرجال‪.‬‬ ‫كاتب من املرشكني فال يعارشه وال يؤازره وال يجالسه‬ ‫وأصدر مرسو ًما استثنائ ًيا‪ ‬بقرا ٍر جاء فيه‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإنه من كان قبله ٌ‬ ‫وال يعتضد برأيه‪ ،‬فإن رسول الله مل يأمر باستعاملهم‪ ،‬وال خليفته من بعده‪.‬‬ ‫وعىل الجانب الشخيص؛ كان لعمر عب ٌد مسيحي‪ ،‬وكان يريد أن يستغل مهاراته ويوظفه‪ ،‬فقال له‪ :‬أسلم حتى نستعني‬ ‫بك عىل بعض أمور املسلمني‪ ،‬فإنه ال ينبغي لنا أن نستعني عىل أمرهم مبن ليس منهم‪ ،‬فرفض اإلسالم‪ ،‬فأعتقه عمر وقال‪:‬‬ ‫اذهب حيث شئت‪.‬‬ ‫وما فعله عمر بن الخطاب يف شأن توظيف أهل الذمة‪ ،‬كان قد طبّقه حفيده‪ ،‬عمر بن عبد العزيز‪ ،‬إذ أصدر مرسو ًما‬ ‫جميع الوالة يف أنحاء اإلمرباطورية اإلسالمية جاء فيه‪« :‬أما بعد‪ ،‬فإ ّن عمر بن عبد العزيز يقرأ عليكم‬ ‫بقانونٍ عممه عىل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال َ‬ ‫شكون ن ٌس﴾…‪ ،‬سورة التوبة َاآلية ‪ ،28‬جعلهم الله حزب الشيطان‬ ‫ين آمنوا ِإن َما ال ُم‬ ‫من كتاب‬ ‫الله‪﴿ :‬يا أي َها ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُّ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ َّ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫خ َس َ ْ َ‬ ‫ال َ‬ ‫ون ُصنْ ًعا﴾‪.‬سورة الكهف‪/‬‬ ‫ين َضل َسعيُ ُه ْم ِف اليا ِة ادلنيا وهم يسبون أنهم ي ِسن‬ ‫ين أعمال ِ‬ ‫وجعلهم ﴿ال ِ‬ ‫‪.104 – 103‬‬ ‫قوم من املسلمني أنهم استعانوا بأهل الرشك يف أعاملهم وكتابتهم‪ ،‬ل ِعلمهم بالكتابة والجباية والتدبري‪،‬‬ ‫وقد بلغني عن ٍ‬ ‫وال خري ًة وال تدب ًريا فيام يُ ِ‬ ‫غضب الله ورسوله‪ ،‬وقد كان لهم يف ذلك مد ٌة وقد قضاها الله تعاىل‪« ،‬فال أعلمن أن أح ًدا من‬ ‫رجل عىل غري دين اإلسالم إال نكلت به‪ ،‬فإن م ْحو أعاملهم كم ْحو دينهم‪ ،‬وأنزلوهم منزلتهم التي‬ ‫العمل أبقى يف عمله ً‬ ‫ّ‬ ‫خصهم الله بها من الذل والصغار»‪.‬‬ ‫عمله برضورة إبالغه فو ًرا بنتائج ما تم‬ ‫ويف املرسوم ذاته‪ ،‬وبعد أن أمر مبنع اليهود واملسيحيني من ركوب الخيل‪ ،‬أوىص ّ‬ ‫‪68‬‬


‫سلسلة أحكام أهل الذمة (‪)4‬‬ ‫محمود جمال‬

‫تنفيذه من أوامره‪ ،‬إذ قال‪« :‬ليكتب كل منكم مبا فعله من عمله»‪.‬‬ ‫ومبوت خامس الخلفاء الراشدين‪ ،‬وتراخي األمويني من بعده يف تنفيذ األحكام‪ ،‬عاد املسيحيون إىل تويل الوظائف م ّر ًة‬ ‫أخرى‪ ،‬إىل أن جاء الخليفة العبايس أبو جعفر املنصور فعزلهم‪ ،‬استجاب ًة لنصيحة الفقهاء‪.‬‬ ‫ويف زمن املهدي صدر عن ديوانه فرمان‪« :‬أال يُرتك أح ٌد من أهل الذمة يكتب ٍ‬ ‫ألحد من العامل‪ ،‬وإن علم أن أح ًدا من‬ ‫املسلمني استكتب أح ًدا من النصارى قطعت يده»‪ .‬وأرجو أال يظن القارئ أن عقوبة قطع اليد تقع عىل الذي قام‬ ‫بتوظيف املسيحي أو الذمي‪ ،‬بل عىل املوظف املسيحي نفسه‪ .‬إذ يعقّب ابن القيم عىل ما ترتب عىل هذا الفرمان‬ ‫فيقول‪« :‬فقُطعت يد جامع ٍة من الكُت ّـاب»!‪ ‬‬ ‫وتكرر األمر ذاته مع هارون الرشيد‪ ،‬الذي كان ال ميانع يف حشد عرشات املئات من الجواري املسيحيات يف قرصه‪ ،‬لكن‬ ‫ٍ‬ ‫مسيحي يكون له أمر السيادة عىل املسلمني‬ ‫كاتب‬ ‫ما كان لريىض أن يُغضب الله ويخالف سنة رسوله بتعيني‬ ‫موظف أو ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫عوضا منهم‪ ،‬وغري زيهم ولباسهم‪،‬‬ ‫ومصالحهم‪ ،‬فام كان منه إال أن «رصف أهل الذمة عن أعاملهم‪ ،‬واستعمل املسلمني ً‬ ‫وخرب الكنائس» وما كان قراره قرا ًرا‪ ‬سياس ًيا‪ ‬أو اجتها ًدا دين ًيا‪ ‬لكن كان فيام فعل متّب ًعا لسرية من سبقوه‪ ،‬كام رأينا‪،‬‬ ‫و«أفتاه بذلك علامء اإلسالم»‪ ،‬بحسب ما يؤكد صاحب األحكام!‬

‫‪69‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

70


‫‪Jerry Coyne‬‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫آراء املحاورين تعرب عنهم وال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫جريي كوين ‪ Jerry Coyne‬عامل أحيا ٍء‬ ‫تط ّوريّ ٍة متقاعد من جامعة شيكاغو‪ ،‬يكتب عن‬ ‫مواضيع التط ّور واإللحاد‪.‬‬ ‫من كتبه «الدين يف مواجهة الحقائق‪ :‬حول التنافر بني‬ ‫العلم والدين » �‪Faith vs. Fact: Why Science and Re‬‬ ‫‪ ligion Are Incompatible‬املنشور عام ‪ ،2015‬وكتاب «ملاذا‬ ‫النشوء والتط ّور حقيقة»‪ Why Evolution is True‬املنشور عام‬ ‫‪ ،2010‬وله مدون ٌة عىل اإلنرتنت بنفس عنوان هذا الكتاب‪.‬‬ ‫التقينا بجريي كوين يف إطار محارض ٍة ألقاها يف جامعة آدم‬ ‫مكيڤيتش يف مدينة پوزنان يف پولندا ‪Adam Mickiewicz‬‬ ‫‪ University in Poznań‬تحت عنوان «التطور واإللحاد‪:‬‬ ‫أفضل األصدقاء» ‪Evolution and atheism: the best of‬‬ ‫‪ friends‬بتاريخ ‪.2016/8/8‬‬ ‫مرحبًا بك سيد جريي كوين يف پوزنان‪ .‬لدينا بضعة أسئل ٍة نود‬ ‫طرحها عليك للنرش يف مجلة امللحدين العرب‪.‬‬

‫بال للنقاشات والخالفات التي تدور بني العلامء حول تفاصيل هذه النظريّة أو تلك‪ ،‬لكن‬ ‫س‪ :1‬يف العادة‪ ،‬ال يلقي العامة ً‬ ‫نظريّة التط ّور تختلف من هذه الناحية‪ ،‬إذ يُساء تفسري تلك الخالفات عىل أنها دالئل تشكك يف صحة النظريّة‪ ،‬هل لك‬ ‫بالتعرض إلحدى هذه الخالفات بيش ٍء من النقاش‪ ،‬وإيضاح فيام إذا كان هذا الخالف يؤدي إىل تخطئة النظريّة نفسها؟‬ ‫‪71‬‬


‫‪Jerry Coyne‬‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫توجد ته ٌم كثري ٌة توجه ضد نظريّة التط ّور‪ ،‬وإحداها —وهي تهم ٌة حديث ٌة تنترش خاصة يف الواليات املتحدة— مفادها أن‬ ‫التط ّور نظريّة خاطئ ٌة ألننا ال نراه يحدث أمام ناظرينا‪ .‬هذا خطأ طب ًعا‪ .‬وهنالك ٌ‬ ‫طرق عد ٌة لإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬أولها‬ ‫أننا يف الواقع نستطيع مشاهدة التط ّور يحدث أمام ناظرينا من خالل تط ّور مقاومة البكترييا للمضادات الحيوية‪ ،‬وتط ّور‬ ‫املقاومة ملبيدات األعشاب الضارة يف النباتات‪ ،‬وتط ّور املقاومة للمبيدات الحرشية عند الحرشات‪ ،‬كل هذا تجلياتٌ‬ ‫للتط ّور‪ .‬لو أخربنا هذه األمور ألحد الخلقيني قائلني بأنها تط ّور‪ ،‬فسيقول‪« :‬نعم هذا صحيح‪ ،‬لكنه تط ّور صغر ي �‪mi‬‬ ‫مستوى صغري‪ ،‬أما ما نريد رؤيته فهو يش ٌء كتح ّول قط ٍة إىل كلب» أو ما يسمى بالتط ّور‬ ‫‪cro-evolution‬؛ أي تط ّو ٌر عىل‬ ‫ً‬ ‫طويل‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫مستحيل ألنه يستغرق زم ًنا ً‬ ‫ٌ‬ ‫متطلب‬ ‫الكربوي (التط ّور عىل نطاقٍ كبري) ‪ .macro-evolution‬أولً ‪ ،‬هذا‬ ‫ٌ‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬مثة أدل ٍة عىل هذا النوع من التط ّور نراها يف السجل‬ ‫مثل تحول بعض الزواحف القدمية من الثريوپودات‬ ‫األحفوري‪ ،‬فرنى ً‬ ‫إىل الطيور ‪ ،‬وتح ُّدر الثدييات من بعض الزواحف‪ ،‬وتح ُّدر الزواحف‬ ‫من الربمائيات‪ .‬لذا‪ ،‬فالسجل األحفوري يُظهر كل هذا الدالئل عىل‬ ‫التط ّور الكربوي‪ .‬هذا باإلضافة إىل وجود األدلة الوراثية التي تدل‬ ‫عىل وجود األسالف املشرتكة‪ ،‬وكذلك األعضاء الضامر ة �‪vestigi‬‬ ‫مثل ميلكون املورثات‬ ‫‪ al organs‬التي لدى البرش‪ ،‬فالبرش ال زالوا ً‬ ‫إلنتاج صفار البيض دون أن ينتجوه‪ ،‬وهذا يشهد عىل أننا تط ّورنا‬ ‫من زواحف وأن لدينا أسالفًا من الزواحف‪ .‬فاالدعاء بأننا ال نشهد‬ ‫التط ّور هو ادعا ٌء خاطئ‪ ،‬لكنه شائ ٌع يف أوساط الخلقيني‪.‬‬ ‫س‪ :2‬معظم املجتمع العريب هم من الخلقيني‪ ،‬يؤمنون بقصة آدم وحواء‪ ،‬لكن بعضهم‪ ،‬وتحدي ًدا بعض علامء األحياء‬ ‫من بينهم‪ ،‬يعتقدون بصحة التط ّور فقط فيام يتعلق بالحيوانات‪ ،‬لكنهم ال يعتقدون أن البرش قد تط ّوروا‪ ،‬فام رأيك؟‬ ‫ألسباب دينية‪ ،‬إذ إن القرآن والكتاب املقدس يقوالن أن‬ ‫أجل‪ ،‬هذا يش ٌء سائ ٌد‪ ،‬وهو خاطئ‪ .‬ومر ّد اعتقادهم بذلك هو‬ ‫ٍ‬ ‫الله قد خلق البرش عىل صورته‪ ،‬مام يضفي متي ًزا عىل البرش‪ .‬لذا‪ ،‬وعىل حد علمي يف السعودية هنالك قبول للتط ّور‪،‬‬ ‫لكنه يتوقف عند البرش‪ ،‬فالقرآن يقول أن الله قد خلق اإلنسان من علق أو من طني‪ .‬لكن لو نظرنا إىل األدلة طب ًعا‪ ،‬نجد‬ ‫ٍ‬ ‫حيوانات شبيهة بالقردة العليا ‪ ape-like‬عىل مدى ماليني السنني‪ .‬لذا‪ ،‬ال يوجد ما يدل عىل أننا‬ ‫أن البرش قد تط ّوروا من‬ ‫اض‬ ‫خاصا‪ ،‬وال توجد أدل ٌة عىل أن البرش يختلفون عن باقي الكائنات األخرى أو أن لهم ً‬ ‫خاصا‪ ،‬فهذا افرت ٌ‬ ‫أصل ً‬ ‫ُخلقنا َخلْقًا ً‬ ‫مبني عىل الدين والنصوص الدينية‪ ،‬وليس عىل املعطيات واملشاهدات‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬الثريوبودات ‪ Theropods‬مجموعة من الديناصورات املفرتسة التي كانت تسري عىل رجليها الخلفيتني‪ ،‬ظهرت قبل أكرث من ‪ 230‬مليون عا ًما‪ ،‬ودلت الدراسات الحديثة عىل‬ ‫أنها أسالف الطيور التي تعيش اليوم‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫‪Jerry Coyne‬‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫س‪ :3‬يعتقد الكثري من رجال الدين اإلسالمي بأ ًّن القردة العليا هم يف الواقع برش تحولوا إىل قردة بعد أن مسخهم الله‬ ‫عىل تلك الصورة‪ .‬هل لديك رأي يف املوضوع؟‬ ‫أول ثم يظهر البرش‪،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬ففي السجل األحفوري تظهر القردة ً‬ ‫القردة تحدروا من البرش؟ إن املشاهدات تكذب ذلك ً‬ ‫معكوسا‪ ،‬لرمبا كان األمر كذلك‪ .‬ال يوجد حدود ملا قد يذهب إليه علامء الدين لتربير‬ ‫فلو كان ترتيب ذلك الظهور‬ ‫ً‬ ‫متصل لتط ّور‬ ‫املشاهدات‪ ،‬ولكن ماذا عن السعادين وقردة الليمور وآكالت الحرشات ‪insectivores‬؟ نحن نرى تدر ًجا ً‬ ‫ٍ‬ ‫ثدييات أخرى‪ ،‬فاالدعاء املذكور هو ببساط ٍة خاطئ‪.‬‬ ‫البرش من‬ ‫س‪ :4‬ميكننا أن نرى أمناطًا معين ًة يتداولها الخلقيون‪ ،‬ومن ضمنها ما ميكن صياغته عىل شكل السؤال اآليت‪« :‬كيف ميكن‬ ‫لكل هذا أن يأيت بالصدفة املحضة؟» وهو يظهر تصورهم للتط ّور كعملي ٍة عشوائية‪ ،‬فام رأيك يف هذا؟‬ ‫هذا خطأٌ شائ ٌع آخر‪ .‬إن أي ٍ‬ ‫دارس للتط ّور يدرك عىل الفور أن التط ّور ليس عملي ًة عشوائية‪ ،‬وإمنا هو توليف ٌة من عملية‬ ‫عشوائية هي الطفرات والتي تولد التنوع‪ ،‬لكن هذا التنوع تفرزه عملي ٌة غري عشوائي ٍة هي االنتخاب الطبيعي‪ .‬فرتى‬ ‫حدوث تغري ٍ‬ ‫ات يف الحمض النووي بفعل األخطاء‪ ،‬أو بتأثري األشعة الكونية أو خطأ يف ارتباط األزواج القاعدي ة �‪mispair‬‬ ‫‪ ،ing‬لكن التغريات التي تؤدي إىل نجاح التكاثر‪ ،‬أي تلك التي متلك فرص ًة أكرب لنسخ نفسها ‪-‬بحسب تعبري دوكنز‪ -‬هي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ونباتات متأقلمة مع بيئتها‪ .‬لذا‪ ،‬من الصحيح أن نقول إن العمليات العشوائية‬ ‫حيوانات‬ ‫التي تدوم‪ ،‬وهذا يؤدي إىل انتاج‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات متكيف ٍة مع بيئتها‪ ،‬والخطأ الكامن يف الفكرة املطروحة هو أن التط ّور ليس عملي ًة‬ ‫البحتة ال ميكنها أن تنتج‬ ‫عشوائي ًة بشكلٍ بحت‪ .‬ولرمبا كان هذا أحد أكرث األخطاء شيو ًعا فيام يتعلق بفهم التط ّور‪.‬‬ ‫هل حدثتنا بيش ٍء من التفصيل عن هذا؟‬ ‫س‪ :5‬ماذا عن األفكار التي تطرحها يف مدونتك عن مسألة اإلرادة الحرة؟ ّ‬ ‫تفصيل ذلك قد يستغرق ساع ًة بأكملها‪ .‬كل ما أستطيع قوله‪ ،‬هو أنك لو كنت تعتقد بصحة العلم وتتقبل العلم‪ ،‬فإنك‬ ‫لن تجد اإلرادة الحرة باملعنى الديني الذي نستطيع مبقتضاه تخطي القوانني الطبيعية يف عقولنا واتخاذ القرارات بنا ًء‬ ‫عىل ذلك‪ .‬والعلم يخربنا أننا يف أية لحظ ٍة معطا ٍة ال منلك اختيار ما نفعل‪ .‬نحن نشعر وكأننا منتلك الخيار‪ ،‬بأن نختار‬ ‫مثل‪ ،‬لكن هذا الخيار ليس أم ًرا نقوم به‪ ،‬فاالختيار قد تم بالفعل مسبقًا يف أدمغتنا‪.‬‬ ‫مطعم ً‬ ‫بطلب لحم أو دجاج يف‬ ‫ٍ‬ ‫س‪ :6‬من يقوم باالختيار إذن؟ من «أنا»؟ فلو كنت أنت دماغك‪ ،‬فأنت من يقوم باالختيار‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫‪Jerry Coyne‬‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫لكنك ال متلك الخيار‪ ،‬فلو استطعنا العودة إىل زمنٍ سابق إىل لحظة نظرك إىل قامئة الطعام يف املطعم‪ ،‬وافرتضنا أن كل‬ ‫الجزيئات يف الكون كانت يف نفس الوضعية السابقة‪ ،‬فستقوم بنفس االختيار السابق‪.‬‬ ‫س‪ :7‬لكن هذه الجزيئات هي اإلنسان الذي يقوم باالختيار‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫نعم‪ ،‬لكن أغلب املؤمنني يعتقدون بنو ٍع من اإلرادة الحرة يف إطار ما يسمى باملذهب التحرري ‪،libertarian free-will‬‬ ‫والذي ميتلك املرء من خالله حق االختيار‪ ،‬وهو أمر مهم للدين يف اختيار عبادة اإلله الصحيح‪.‬‬ ‫َ ْ َ ْ‬ ‫َّ َ َ َ ْ‬ ‫حبَبْ َ‬ ‫ت َولَ ٰـكنَّ‬ ‫س‪ :8‬اعذرين عىل املقاطعة‪ ،‬لكنهم يف نفس الوقت يقولون أن الهداية بيد الله‪ِ ﴿ :‬إنك ال ته ِدي من أ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٱلل َّ َي ْه ِدي َمن ي َ َش ُ‬ ‫آء﴾ القصص ‪ .56‬أال يتفق هذا مع ما قلت؟‬

‫هذا الكالم يعني انعدام اإلرادة الحرة‪ ،‬عىل األقل فيام يتعلق باتباع اإلله اإلسالمي‪ ،‬واإلشكال يكمن يف أن الله لو كان‬ ‫هو املسؤول عن قرارك‪ ،‬فهو يعذب ويقتل كل من مينعهم عن أن يختاروه‪ .‬أنا لست عىل اطال ٍع ٍ‬ ‫كاف عىل القرآن ألعرف‬ ‫مبعنى ما أن مثة تطابقًا بني اإلنسان ودماغه الذي يحتويه جسده‪ ،‬وأن ما ميتلكه املرء ودماغه‬ ‫هذه اآلية‪ .‬لكن العالِم يرى ً‬ ‫من مورثات مصحوبة بالتأثريات البيئية التي تغري يف تركيب الدماغ متثل م ًعا ماهية الشخص‪ ،‬ومبا أن ماهية الشخص‬ ‫ٍ‬ ‫بكيانات مادي ٍة بحت ٍة خاضع ٍة لقوانني الفيزياء‪ ،‬فإن عىل الدماغ نفسه أن يتبع هذه القوانني كذلك‪ .‬وطبيعة قوانني‬ ‫تتعلق‬ ‫الفيزياء عىل النطاق الكبري هي أنها قوانني حتمية‪ ،‬فإن دفعت كر ًة موضوع ًة عىل الطاولة ستتحرك باتجا ٍه معني‪ ،‬ولو‬ ‫حاولت تحريكها داخل عقلك فستتحرك يف ذلك االتجاه‪.‬‬ ‫إن مفهوم حرية اإلرادة بهذا املعنى ليس سهل الفهم‪ ،‬والبرش يشعرون وكأنهم ميتلكون القدرة عىل االختيار‪ .‬فهم‬ ‫مثل أو أن ال يختاروه‪.‬‬ ‫مثل أنهم يستطيعون اختيار يسوع كمخلص ً‬ ‫يشعرون ً‬ ‫تحكم فاعلٍ منا؟‬ ‫س‪ :9‬إذن فنحن مجرد مراقبني لحياتنا متر من أمامنا دون ٍ‬ ‫فمثل بحديثي هذا‪ ،‬أطمح‬ ‫مبقدورنا أن نفعل الكثري يف حياتنا‪ .‬نستطيع أن نتغري بحكم أشياء تطرأ يف البيئة التي نقطنها‪ً ،‬‬ ‫إىل تغيري آراء بعض قرائكم‪ .‬هذا ال يتناقض مع الحتمية‪ ،‬فاألشياء التي يسمعها املرء تستطيع أن تغري من حالة الدماغ‬ ‫مام يؤثر عىل ترصفات املرء املستقبلية‪ ،‬لذا فاتخاذ املوقف القائل بأن علينا الجلوس ومشاهدة األشياء تحدث أمامنا‬ ‫رش آخرين‪.‬‬ ‫ليس موقفًا صحي ًحا بالرضورة‪ ،‬فنحن سنفعل ما نفعله يف إطار قوانني الفيزياء‪ ،‬وهذا قد يؤثر يف ب ٍ‬ ‫‪74‬‬


‫‪Jerry Coyne‬‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫س‪ :10‬تطالع القارئ العابر ملدونتك فكرة أنك عامل يقوم أحيانًا باالستناد إىل العلم لتفسري قضايا فلسفية‪ ،‬فهل تعتقد أن‬ ‫ٍ‬ ‫مبحث مندثر؟‬ ‫العلم سيحيل الفلسفة إىل‬ ‫ال‪ ،‬ال أعتقد أن هذا صحيح‪ .‬أرى أن الفلسفة تشابه الرياضيات‪ ،‬والطريقة الوحيدة ملعرفة العامل هي عن طريق‬ ‫املشاهدة‪ ،‬ومل أ َر أسلوبًا ملعرفة طبيعة الكون سوى دراسته باملشاهدة‪ .‬أما الفلسفة والرياضيات فهي مباحث ال تعتمد‬ ‫عىل املشاهدة وإمنا املنطق‪ .‬ففي الرياضيات يبدأ املرء من افرت ٍ‬ ‫اضات معينة‪ ،‬ثم يُتبِع ذلك مبحاولة فهم تبعات هذه‬ ‫االفرتاضات‪ .‬واألمر ذاته يحدث يف الفلسفة‪ ،‬فهي نظا ٌم يتعلق بالتفكري الواضح‪ ،‬والتفكري باتباع املنطق‪ .‬لذا‪ ،‬ال أعتقد أن‬ ‫مبقدور الفلسفة والرياضيات تعليمنا أمو ًرا عن حقائق العامل‪ .‬هام أداتان مفيدتان تساعدان يف التوصل إىل ما هو مفي ٌد‬ ‫مثل ال متثل قضايا‬ ‫ناقصا‪ .‬فأمو ٌر كاألخالق ً‬ ‫من الناحية التطبيقية‪ ،‬وال أعتقد أن العلم قاد ٌر عىل جعل الفلسفة مبحثًا ً‬ ‫علمية‪ .‬فهنالك جوانب علمي ٍة ألسئلة من منط‪« :‬كيف نترصف؟»‪ ،‬لكن الترصف األخالقي يف املحصلة النهائية هو مسألة‬ ‫ٍ‬ ‫تفضيالت وليس مسألة علم‪ .‬والفلسفة تساعدنا عىل فهم هذه األفكار معالجتها بوضوح‪ ،‬وبشكلٍ عام فإن الفالسفة‬ ‫يساهمون يف مساعدتنا يف التفكري بوضوح‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫معطيات سكاني ٍة تظهر بوضو ٍح ظهور‬ ‫مقال يستعمل‬ ‫س‪ :11‬يف شهر نيسان‪/‬أبريل ‪2014‬نرشت مجلة ‪ً New Scientist‬‬ ‫الالدينيني كأرسع املجموعات الدينية من ًوا‪ ،‬هل ترى ارتباطًا بني هذه النتائج وبني تأثري حركات نرش العلم بني العامة‪،‬‬ ‫والتي من أبرز روادها كارل سيغن ‪ ،Carl Sagan‬نيل ديغراس تايسون ‪ Neil deGrasse Tyson‬وأنت رمبا؟‬ ‫أود أن أعتقد بصحة ذلك بصفتي ممن يعملون عىل نرش العلم بني العامة‪ ،‬لكنني أوافق ستيڤ پنكر ‪Steve Pinker‬‬ ‫حني أعطى يف كتابه‪ The Better Angels of Our Nature‬أسبابًا كثري ًة النحسار سطوة الدين يف أرجاء العامل‪ ،‬ونرش‬ ‫العلم بني العامة ليس من ضمن هذه األسباب‪ ،‬فهو يذكر التجارة‪ ،‬ومعرفة الشعوب األخرى‪ ،‬وبروز العقالنية وغري ذلك‪.‬‬ ‫وأعتقد أن العامل األهم أن يستطيع الناس الحديث عن معتقداتهم وألّ يتم حظر هذا األمر بالقانون‪ .‬ففي دول الرشق‬ ‫مثل‪ ،‬ال يستطيع املرء التشكيك يف املعتقدات الدينية‪ ،‬وهو ما يديم سطوة الدين عىل الناس‪ .‬فإن متكن الناس‬ ‫األوسط ً‬ ‫من البحث والتفكري بحرية ستتضح لهم برشية الدين‪ ،‬هذا من ناحية‪ ،‬وأن األديان تناقض بعضها من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬وهو‬ ‫مثل‪ ،‬ستعتقد أن من يؤمن بأن يسوع هو ابن الله سيدخل‬ ‫مسلم ً‬ ‫أم ٌر ال أعرف كيف يعمى عنه املؤمنون‪ .‬فلو كنت‬ ‫ً‬ ‫النار‪ ،‬ال بل يرى بعض املسلمني أن من واجبهم قتل من يؤمن بذلك‪ .‬أما لو كنت مسيح ًيا فستعتقد أن املسلم سيدخل‬ ‫النار لرفضه ألوهية يسوع‪ .‬فالنظرتان متناقضتان متا ًما‪ ،‬دون أملٍ يف مواءمتهام‪ .‬فالعقالنية وحدها ستخربنا باستحالة‬ ‫صحة النظرتني يف ذات اآلن‪ ،‬وأن من املرجح خطإ كلتيهام‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫‪Jerry Coyne‬‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫س‪ :12‬وكأنهم مصابون بالفصام؟‬ ‫هذا أم ٌر سآيت عىل ذكره يف محارضيت‪ ،‬فهو نوع من التحاو ز �‪compart‬‬ ‫‪ .mentalization‬إضافة إىل الخوف والرغبة لالنتامء إىل مجموعة‬ ‫ٍ‬ ‫إحصاءات تتعلق‬ ‫أيام عىل‬ ‫يشرتك املرء معها يف املعتقد‪ .‬اطلعت قبل ٍ‬ ‫بالدين يف بولندا‪ ،‬ووجدت تغري ٍ‬ ‫ات طفيف ٍة عىل مدى العقود الثالثة‬ ‫املنرصمة والتي تقابل الفرتة التي ظهر فيها ريتشارد دوكنز وسام‬ ‫هاريس وستيڤن جيه غولد وديفيد آتنربه وكارل سيغن‪ .‬فنرش العلم‬ ‫بني العامة قد ازداد خالل تلك األعوام الثالثني باطراد‪ ،‬لكن تأثري ذلك‬ ‫قليل‪.‬‬ ‫عىل الدين يف بولندا عىل األقل كان ً‬ ‫س‪ :13‬بصفتنا مجموعة ملحدة مهتمة بنرش الفهم العلمي العقالين‬ ‫لكل ما يحيط بنا‪ ،‬يواجهنا ٌ‬ ‫سؤال يتكرر يتخذ الصيغة التالية‪« :‬أال‬ ‫تضيعون يف موقفكم هذا شيئًا من غموض الحياة اإلنسانية وسحر‬ ‫املجهول والظواهر الخارقة من حولنا؟» ال أتخيلك تتعرض لهذا‬ ‫السؤال كث ًريا‪ ،‬فكيف تجيب عنه؟‬ ‫هذا السؤال يطرح كث ًريا‪ ،‬لكنه يقلب الواقع‪ ،‬فالعلامء يواجهون ألغازًا حقيقي ًة‪ ،‬مثل‬ ‫البحث يف طبيعة املادة املظلمة والطاقة املظلمة وكيفية عمل الدماغ وماهية الوعي‬ ‫وطبيعة أول أشكال الحياة وهل اعتمدت الحمض النووي الريبوزي ‪ RNA‬أم الحمض‬ ‫النووي الريبوزي منقوص األوكسجني ‪ .DNA‬إن ميزة العلم عىل الدين عىل سبيل‬ ‫املثال هو أننا يف العلم نستطيع اإلجابة عن هذه األسئلة من حيث املبدأ‪ ،‬أما األسئلة‬ ‫الدينية وغموض الدين فهي أمو ٌر لن ميكن حلها أب ًدا‪ ،‬حيث يأيت كل دينٍ بأجوبته‬ ‫الخاصة والتي تناقض أجوبة األديان األخرى‪ .‬فميزة العلم هنا تكمن بأن األلغاز التي‬ ‫تواجه العلم هي ألغاز حقيقية‪ .‬فلننظر إىل التقدم الذي تم إحرازه يف فهم ألغاز الكون‪،‬‬ ‫طفل‪ ،‬رصنا نعرف طبيعة املادة الوراثية ‪،DNA‬‬ ‫كنت ً‬ ‫ما نعرفه اليوم عن البيغ بانغ (اإلنفجار العظيم) مل نكن نعرفه حني ُ‬ ‫رصنا نعرف ما يقبع عىل سطح املريخ وسطح القمر‪ .‬يف يدنا أجوبة‪ .‬لكن لنفكر يف طبيعة األسئلة الدينية‪ :‬كم عدد‬ ‫اآللهة؟ إل ٌه واحد أم آلهة متعددة؟ هل هو الله؟ هل يسوع نبي؟ هل هنالك جنة ونار؟‬ ‫س‪ :14‬كم عدد الحوريات التي ستحصل عليها؟‬ ‫‪76‬‬


‫‪Jerry Coyne‬‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫أجل‪ ،‬كم عدد الحوريات؟ هذه أسئلة ال ميكن أن نحصل عىل إجابتها‪ .‬ميكن أن يصنف املرء هذه كألغاز‪ ،‬لكن ما فائدة‬ ‫األلغاز إن مل يكن مبقدور املرء حلها‪ .‬يختلف الحال يف العلم‪ ،‬حيث يتجه البحث نحو أجوب ٍة محددة بحكم اتفاق‬ ‫الجميع عىل مغزى محتوى املشاهدات‪ ،‬لكن هذا ال يحدث يف الدين‪ .‬أما يف إطار املشاعر‪ ،‬فرنى ادعاء البعض أن العلم‬ ‫يحول الناس إىل رجا ٍل آليني خالني من املشاعر‪ ،‬لكنني وجدت العلامء بهذا املعنى هم أناس أكرث روحانية (وإن كنت‬ ‫أكره استعامل هذه اللفظة)‪ ،‬فهم يتفاعلون مع اللوحات واملوسيقى والفن‪ .‬والعلامء عمو ًما يعرفون عن الفن واملوسيقى‬ ‫واألدب أكرث مام يعرف املشتغلون باإلنسانيات عن العلم الذين يضيعون معرفة ألغاز العامل الحقيقة التي نستطيع‬ ‫التعامل معها‪ .‬هذا إضاف ًة إىل مصادر تولد الدهشة واملشاعر‪.‬‬ ‫مثل‬ ‫س‪ :15‬كيف تصف نشأتك وتأثري الدين عليك أثناءها؟ هل خضعت لرتبي ٍة ديني ٍة متشدد ٍة أم معتدلة؟ هل عانيت ً‬ ‫سني املراهقة من ج ّراء التشكيك والسؤال يف أمو ٍر مثري ٍة للجدل تتعلق بالدي؟‬ ‫خالل ّ‬ ‫كانت عائلتنا يهودي ًة‪ ،‬لكنها مل تكن عىل يش ٍء من التدين‪ ،‬وكنا بالكاد نرتاد املعبد اليهودي (الكنيس)‪ ،‬ال بل كنا نشارك‬ ‫املسيحيني أعيادهم‪ ،‬كعيد امليالد‪ ،‬وإن مل نكن نحتفل بذلك بشكلٍ ديني‪ .‬أما يف مدرسة الدين اليهودي فلم أنجح‪ ،‬وهذا‬ ‫أدى إىل أنني مل أمر بطقس البار ِمتْ ْسڤاه (طقس ديني يفرتض أن مير به كل طفلٍ‬ ‫يهودي عند بلوغه سن الثالثة عرشة)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لكنني مل أجهر بكوين غري مؤمنٍ إال خالل الثامين أو التسع سنوات األخرية‪ .‬لذا‪ ،‬فأنا يف الواقع مل أعاين‪ ،‬ألنني ظللت صامتًا‪.‬‬ ‫س‪ :16‬يعترب املشتغلون بالدين أن الدين هو وسيل ٌة لخلق املعنى حيث يكون الالمعنى وانعدام الهدف وتقسيم الناس‬ ‫إىل مجموعتني‪ :‬املنتمني للدين والالمنتمني له‪ .‬وتقول سوزان جاكويب ‪ Susan Jacoby‬أن السبب الرئييس وراء بقاء الدين‬ ‫هو الخوف من املوت‪ ،‬بينام تعترب كارن آرمسرتونغ أن ماهية الدين هي التعامل مع األمل واملعاناة‪ ،‬فكيف ترى الدين‬ ‫من هذا املنظور؟‬ ‫أصل؟ كم مر ٍة تم اخرتاعه؟ وما الدافع الخرتاعه؟» ونحن‬ ‫هذان سؤاالن منفصالن‪ ،‬فالسؤال األول هو‪« :‬من أين أىت الدين ً‬ ‫ال منلك اإلجابات عن تلك األسئلة‪ ،‬فنحن مل نشهد بداية الدين‪ .‬يرى البعض من أمثال عامل اإلنسان الفرنيس پاسكال‬ ‫ميل لرؤية قدر ٍة فاعل ٍة يف الطبيعة‪ ،‬فلو سمعنا حفيف أوراق شج ٍر سنفرتض‬ ‫بوير ‪ Pascal Boyer‬أن البرش قد طوروا ً‬ ‫مثل‪ ،‬أو لو رأينا الربق افرتضنا أحدهم يرمي الصواعق من فوق‪ .‬ثم هنالك السؤال اآلخر وهو‪:‬‬ ‫وجود من ٍر يقبع خلفها ً‬ ‫«ما سبب استمرار األديان؟» وهو سؤال نستطيع استقراء إجابته بطرحه عىل املتدينني‪ ،‬والجواب هو خلي ٌط من أشياء‬ ‫أحدها الخوف‪ ،‬الخوف من أن املرء لن يذهب إىل أي مكانٍ بعد املوت إال لو كان مؤم ًنا‪ ،‬وهذا داف ٌع مؤث ٌر ج ًدا‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫‪77‬‬


‫‪Jerry Coyne‬‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫توجد أديا ٌن أخرى‪ ،‬كديني السابق اليهودية الذي ال توجد فيه حيا ٌة آخرة‪ ،‬مام يعني أن الخوف مام بعد املوت ليس‬ ‫هو محرك اليهود الذين يعتقدون أنهم يعيشون حيا ًة واحد ًة ستؤدي إىل عودة املسيح الحقيقي يو ًما ما يف املستقبل‪،‬‬ ‫مثل يف دول اسكندناڤيا الكثري‬ ‫حتى لو مل يشهدها اليهودي يف حياته‪ .‬أضف إىل ذلك الطبيعة الجمعية للدين‪ ،‬فرنى ً‬ ‫ممن ال يريدون االعرتاف بأنهم ال يؤمنون بالله‪ ،‬ومع ذلك يرتادون الكنيسة يف عيد امليالد ويتزوجون يف الكنائس‪ ،‬مام‬ ‫حسا باالنتامء إىل قبيلة‪ .‬ونحن البرش قد تط ّورنا‬ ‫يضفي ً‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات يرتاوح عدد أفرادها ما بني ‪15‬‬ ‫لنعيش يف‬ ‫و‪ 20‬فر ًدا‪ ،‬وأعتقد أن الحاجة لالنتامء إىل مجموعة من‬ ‫الناس الذين مياثلون املرء يف طريقة التفكري ال زالت‬ ‫قامئة‪ ،‬وهي أم ٌر يتناسب مع الدين‪.‬‬ ‫س‪ :17‬هل توافق عىل أن حركة اإللحاد الجديد ‪New‬‬ ‫‪ Atheism‬تشكل دي ًنا من نو ٍع ما؟ هل تعتقد أن هذا‬ ‫توصيفًا ذا معنى لهذه الحركة؟‬ ‫ال ميكن لإللحاد أن يكون دي ًنا‪ ،‬بنفس املعنى الذي ال يعترب فيه جلويس معك هنا رياضة وأنا ال أمارس التنس أو رمي‬ ‫مثل‪ ،‬فاإللحاد هو غياب الدين‪ ،‬هو غياب اإلميان بالله‪ .‬يسمي بعض املتدينني اإللحاد دي ًنا‪ ،‬محاولني بذلك إرشاك‬ ‫الرمح ً‬ ‫امللحدين معهم يف رشور الدين ومساوئه‪ .‬فعندما يقولون أن اإللحاد الجديد يعترب دي ًنا‪ ،‬هم ال يدركون أنهم بفعلهم هذا‬ ‫ينتقدون الدين‪ .‬اإللحاد ال ميكن أن يعترب دي ًنا ألنه غياب للدين‪ .‬توجد تشبيهاتٌ كثرية لهذا الوضع‪.‬‬ ‫س‪ :18‬بالفعل‪ ،‬فهو كمن يكون أصل ًعا ويسأله أحدهم عن لون شعره‪.‬‬ ‫صحيح‪ ،‬ال ميكن للمرء أن ميتلك شع ًرا ويكون أصل ًعا يف نفس الوقت‪ ،‬ال ميكن أن يكون ملح ًدا ومتدي ًنا يف نفس الوقت‪.‬‬ ‫أيضا‪ .‬لكن هنالك أمران مييزان حركة‬ ‫هذا عالوة عىل الجدل املستمر بني امللحدين‪ ،‬فهم ليسوا كباقي األديان بهذا املعنى ً‬ ‫اإللحاد الجديد‪ ،‬األول هو رشاسة امللحدين الجدد ومعاداتهم للدين وهجومهم عليه‪ .‬هذا ليس باألمر الجديد‪ ،‬فقد‬ ‫كان هنالك يف السابق ملحدون من أمثال روبرت إنغرسول ‪ ،Robert Ingersoll‬وهرني لويس منكن ‪Henry Louis‬‬ ‫‪ ،Mencken‬وبرتراند راسل ‪ Bertrand Russell‬ممن هاجموا الدين بنفس حدة امللحدين الجدد‪ ،‬وكل ما هنالك أن‬ ‫الناس قد نسيوا أثرهم‪ .‬لكنني أعتقد أن امليزة األساسية التي تع ّرف امللحدين الجدد هي توجههم العلمي‪ ،‬والذي ال‬ ‫يقيض فقط بتبيان مساوئ الدين وأذاه عىل البرش‪ ،‬وإمنا كذلك أن عىل املتدين إثبات ادعاءاته‪ ،‬وهذه دعوى علمية‪ .‬فلو‬ ‫‪78‬‬


‫‪Jerry Coyne‬‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫مسلم بدل أن‬ ‫مسلم‪ ،‬يتعني عليه رشح سبب كونه‬ ‫كان املرء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مثل‪ ،‬ملاذا يؤمن بوجود إله‪ ،‬وملاذا تعتقد أن هذا‬ ‫يكون مسيح ًيا ً‬ ‫اإلله بعث برسالة‪ .‬أي أنه إلحاد مبني عىل األدلة‪ ،‬واملتدينني‬ ‫يكرهون ذلك لعجزهم عن اإلتيان بأدل ٍة تثبت أساس إميانهم‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬لو كانوا حداثيني سيحاولون أن يكونون علميني يف‬ ‫نفس الوقت لكن دون أن يردوا علميًا عىل االنتقادات املوجهة‬ ‫ضد دينهم مام يولد تخالفًا معرف ًيا لديهم‪.‬‬ ‫جزيل جري كوين عىل هذه املقابلة‪.‬‬ ‫شك ًرا ً‬ ‫أجرى املقابلة‪ ،Chama Bensmail :‬أسامة البني (الوراق)‪،‬‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫‪79‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫مختلف‬ ‫بأسـلوب‬ ‫روايـة فاتنـة تحكي قصة‬ ‫ٍ‬ ‫شـخصيات مميزةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حوارات تلقي‬ ‫عـن المعتـاد فـي الروايات‪ .‬تبدأ الرواية بمشـاهد‬ ‫ٍ‬ ‫الضـوء علـى تعامـل الشـخصيات مـع مواضيـع يوميـة‪ .‬إلى أن‬ ‫روائيـا‪.‬‬ ‫طابعـا‬ ‫فريـد مـن األحـداث يتخـذ‬ ‫خليـط‬ ‫تتحـول إلـى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عالـم آخر‪ ،‬بل على عالمك نفسـه مـن منظو ٍر‬ ‫سـتتعرف علـى‬ ‫ٍ‬ ‫آخـر‪ .‬اختـر مـن تكـون وأيـن‪ ،‬وغ ّيـر التاريـخ فـي المسـتقبل‬ ‫حـي الرمـاد الموحلـة مـع سـالم‬ ‫القريـب‪ ،‬تشـ َّرد فـي أزقـة‬ ‫ّ‬ ‫الصغيـر‪ ،‬أو خـض حر ًبـا ضـروس إلـى جانـب الزيـر المهلهـل‬ ‫وتفنـن فـي االنتقـام مـن الذيـن يرتكبـون خطـأ مواجهتـك‪،‬‬ ‫تحـدى الخنزيـر األكبـر وليـد ومسـاعده الدنـيء يوسـف‪ ،‬تع ّرف‬ ‫حـب مـع مالك المـوت اسـمها دليله‪،‬‬ ‫إلـى امـرأةٍ تعيـش قصـة‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫فتـاة بارعـة الجمـال وأثره في مختلـف المجتمعات مع‬ ‫أو كـن‬ ‫فاتنـة‪ ،‬واكتشـف كيـف يغ ّيـر الحـب الطاغيـة!‬

‫‪80‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬كان يحاول اغتصايب‪.‬‬ ‫الحارس‪ :‬حاولت رضيب بالقلم يا سيدي إنها متوحشة‪.‬‬ ‫مأمور السجن‪ :‬خذها إىل زنزانتها وابقها مقيدة إىل أن تنقل إىل سجن النساء‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أحتاج إجراء اتصال يا سيدي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قضاياك وال تحتاجني قضايا جديدة‬ ‫املأمور‪ :‬علينا التحقيق يف الحادثة لكن اآلن إىل الزنزانة‪ .‬غ ًدا ستمثلني أمام القضاء يف‬ ‫فاخريس‪.‬‬ ‫مبنى مجاور‪ .‬تستقبلها‬ ‫يقتاد الحارس فاتنة إىل زنزانتها‪ ،‬بعد ساع ٍة يَصل ٌ‬ ‫حارس آخر ويقتادها إىل سيار ٍة صغرية تنقلها إىل ً‬ ‫امرأ ٌة بدينة ُمحجبة من الحارس‪ّ ،‬‬ ‫تفك قيودها ثم تدخلها إىل زنزانة مؤقتة وتدفعها بخشونة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ ،‬تلك الفتاة البارعة الجامل‪ ،‬حتى بدلة السجن فشلت يف طمس فتنتها‪ ،‬تلك الفتاة ذات الفكر املتوقد واللسان‬ ‫السليط‪ ،‬تقبع يف زنزانة صغري ٍة أسرية كسرية‪.‬‬ ‫تسحبها املرأة من الزنزانة لتدخل إىل باحة سجن الحراسة املشددة‪ ،‬ومن هناك تقتادها إىل زنزانة أُخرى صغرية فارغة‬ ‫وتغلق بابها عليها‪ .‬رائحة العفن والبول ت ُزكم األنوف‪ .‬األضواء مطفأة‪ ،‬وتكاد ال ترى شيئًا‪ .‬الوقت يقف صامتًا كئي ًبا‬ ‫مظلم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مل تستطع فاتنة النوم‪ ،‬يف الخامسة صبا ًحا يُفتح باب الزنزانة إىل باح ٍة فيها طاول ٌة معدني ٌة كبرية وبعض املقاعد‪ .‬السجينات‬ ‫األُخريات يرمقنها بنظر ٍ‬ ‫ات استفزازية‪ .‬لكن إحدى السجينات تقرتب منها مبتسمة‪.‬‬ ‫ُه َدى‪ :‬أنا هدى‪ ،‬وأنت؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أنا فاتنة‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫تنادي هدى عىل فتاتني قريبتني‪.‬‬ ‫هدى موجهة الحديث إىل الفتاتني؛ اسمها فاتنة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أين نحن؟ أقصد أي سجن هذا؟‬ ‫هدى‪ :‬سجن العاصمة املركزي عنرب الخطرين‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬عنرب الخطرين؟ حقًا؟ ماذا فعلتم لتنتهوا هنا؟‬ ‫قتلت زوجي وصديقته‪.‬‬ ‫هدى‪ُ :‬‬ ‫قتلت طفل عشيقي السابق‪.‬‬ ‫الفتاة الثانية‪ُ :‬‬ ‫الفتاة الثالثة‪ :‬قضايا متعددة‪ ،‬مخدرات تجارة أعضاء برشية إدارة شبكة دعارة رسقات‬ ‫هدى‪ :‬وأنت يا فاتنة؟‬ ‫بصوت ُم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تهدج‪ :‬أنا‪...‬أردت رؤية أُمي‪.‬‬ ‫فاتنة‬ ‫تنفجر النساء الثالث بالضحك‪.‬‬ ‫الفتاة الثالثة‪ :‬كلهم ي ّدعون الرباءة يف البداية ههه‬

‫هدى‪ :‬فاتنة نحن أفضل ثالثة هنا‪ ،‬قضينا هنا سنوات طويلة تعلمنا معها النظام‪ ،‬شكلك لن يروق للبقية‪ ،‬أو قد يروق‬ ‫لبعضهم أكرث من الالزم‪.‬‬ ‫تضحك النساء الثالث مرة أُخرى‪.‬‬ ‫هدى‪ :‬عىل أية حال‪ ،‬تبدين فتاة مدللة ولن يروق لك الطعام هنا‪ ،‬هل تسمحني لنا بأخذ حصتك؟‬ ‫تفهم فاتنة مغزى الحوار والتعارف‪ :‬طب ًعا‪ ،‬عىل حسابك‪.‬‬ ‫‪82‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫هدى‪ :‬فتاة جيدة ههه‬ ‫وهكذا تقاسمت هدى حصة فاتنة من الفطور مع األخريات‪ ،‬استغلّت فاتنة وقت الفطور ليك تتكلم مع الحارس الذي‬ ‫أيضا ملهام معينة‪.‬‬ ‫أىت به‪ ،‬كان طاقم الحرس من الرجال لكن كان هناك بعض النساء ً‬ ‫فاتنة‪ :‬سيدي ماذا سيحدث يل اآلن؟ إىل اآلن ال أعرف ملاذا أنا هنا‪.‬‬ ‫الحارس‪ :‬ستمثلني أمام القايض بعد الظهر‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل ميكنني استعامل الهاتف؟‬ ‫الحارس‪ :‬ال‪ ،‬فقط بإمكانك ذلك عن طريق املحامي‪.‬‬ ‫محام هل ميكنني االتصال بأحدهم؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ليس لدي ٍ‬ ‫الحارس‪ :‬ال‪ ،‬تحتاجني محام ًيا ليك تجري أي اتصال ألنك يف عنرب الخطرين‪ .‬كل ما تستطيعني فعله هو استدعاء املحامي‬ ‫ليك يطلب أن يسمح لك بإجراء اتصال‪.‬‬ ‫محام إذًا؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ما هذا النظام؟ كيف سأمثل أمام القايض بدون ٍ‬ ‫محام معني من الدولة‪.‬‬ ‫الحارس‪ :‬سيكون هناك ٍ‬ ‫فاتنة‪ :‬من هو؟‬ ‫الحارس‪ :‬مل يعني بعد‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ضع نفسك مكاين يا سيدي ماذا أفعل؟‬ ‫الحارس‪ :‬انتظري املثول أمام القايض‪ ،‬كفى اآلن أتعب ِتني بأسئلتك الغبية‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬آسفة إلزعاجك يا سيدي‪.‬‬ ‫الحارس‪ :‬انتهى وقت الفطور‪ ،‬كل سجينة إىل زنزانتها هيا! هيا!‬ ‫م ّرت الساعات بطيئة وفاتنة تروح وتجيء كاللبؤة الحبيسة‪.‬‬ ‫حارس يفتح الباب‪ :‬فاتنة!‬ ‫تندفع فاتنة بلهفة‪.‬‬ ‫الحارس‪ :‬قفي هنا‪.‬‬ ‫تأيت امرأ ٌة من الطاقم وتق ّيد قدمي فاتنة بسلسلة قصرية بالكاد تسمح لها بامليش‪ ،‬وتق ّيد يديها خلف ظهرها‪ ،‬ثم سلسلة‬ ‫حول ظهرها تج ّرها منها إىل قاعة املحكمة املتصلة بالسجن عرب أبواب وممرات كثرية‪.‬‬ ‫املرأة‪ :‬لديك بضع دقائق للحديث مع املحامي الذي ع ّينته الدولة لك‪ ،‬ثم ستمثلني أمام القايض‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا لك يا سيديت‪.‬‬ ‫املرأة‪ :‬ال تتظاهري باألدب أيتها املجرمة‪ ،‬من عنرب الخطرين وتنادينني سيديت؟‬ ‫تصمت فاتنة‪.‬‬ ‫رجل تبدو عىل مالمحه بعض البالهة‪ ،‬يدخن سيجارة رخيصة ويلبس نظارة ذات إطار عريض‪.‬‬ ‫يصل ٌ‬ ‫املحامي‪ :‬أنت فاتنة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أجل يا سيدي‪.‬‬ ‫املحامي‪ :‬اسمعي عندما ندخل سيقرؤون عليك التهم قويل لست مذنبة فقط‪ .‬بعدها سيق ّررون موعد محاكمتك‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬سيدي ما هي التهمة؟‬ ‫املحامي‪ :‬ته ٌم كثرية ليس لدي وقت‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سيدي هل ميكنك أن تتصل بصديق يل؟‬ ‫محام خاص ألق ّدم لك خدمات كهذه؟ ليس لدي وقت‪.‬‬ ‫املحامي‪ :‬هل تظنني أنني ٍ‬ ‫محام خاص وال أحد يعرف أنني هنا؟‬ ‫فاتنة‪ :‬لكن يا سيدي كيف أحصل عىل ٍ‬ ‫اتصال واح ًدا فقط‪ .‬ما هو الرقم؟‬ ‫املحامي يتأفف‪ :‬حس ًنا سأجري ً‬ ‫تعطيه فاتنة رقم راندي‪.‬‬ ‫املحامي‪ :‬إنهم يدعوننا‪ ،‬سأتصل بهذا الشخص بعد الجلسة هيا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل ميكنك طلب اإلفراج بكفالة؟‬ ‫املحامي‪ :‬هههه ما رأيك بسيارة ليموزين لتأخذك إىل حيثام تشائني؟ لن تخرجي من هنا اليوم‪ ،‬وال أعرف متى ستخرجني‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل هناك أي يشء تستطيع فعله ملساعديت؟‬ ‫محام خاص إذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫أردت أي يشء آخر‪.‬‬ ‫املحامي‪ :‬ماذا تريدين أكرث؟ سأتصل مبن‬ ‫طلبت هذا يكفي عليك بتعيني ٍ‬ ‫متثل فاتنة أمام القايض‪.‬‬ ‫القايض‪ :‬هل أنتي مذنبة بالتهم التالية‪ :‬الخيانة العظمى‪ ،‬زعزعة األمن واالستقرار‪ ،‬املشاركة بقمع ثورة سلمية‪ ،‬الزىن‪ ،‬نرش‬ ‫الرذيلة وافعال مخلة بالنظام العام؟‬ ‫‪85‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬لست مذنبة يا سيدي‪.‬‬ ‫اال ّدعاء‪ :‬الدالئل والشهود يستدعون إبقاءها يف السجن يا سيدي القايض‪.‬‬ ‫القايض‪ :‬املحاكمة تبدأ بعد أسبوع‪ ،‬إىل ذلك الحني تبقني سجينة يف عنرب الخطرين‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل ميكن نقيل إىل السجن العادي؟‬ ‫القايض‪ :‬اخريس فقط املحامي يتكلم عنك‪.‬‬ ‫املحامي‪ :‬اترك القرار للمحكمة‪.‬‬ ‫القايض‪ :‬سجن انفرادي ألنها تكلمت بدون إذن!‬ ‫املحامي‪ :‬حس ًنا يا سيدي القايض‪.‬‬ ‫فاتنة تُذكِر املحامي‪ :‬أرجوك اتصل بصديقي راندي أعتمد عليك أرجوك‪.‬‬ ‫املحامي‪ :‬سأتصل به لكن هذه آخر خدمة أق ّدمها لك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا لك يا سيدي‪.‬‬

‫تُ يض فاتنة الليلة يف السجن االنفرادي‪ ،‬ال تعرف الوقت‪ ،‬ما تزال يف حالة صدمة كاملة‪ .‬كل ما توقعته عىل األسوأ هو‬ ‫بعض املتاعب من والدها‪ ،‬لكن ليس دولة كاملة ضدها! يف اليوم التايل أخ ًريا يستدعيها الحارس‪ :‬لديك زيارة من محاميك‬ ‫الخاص!‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫املحامي جالل من وراء الزجاج‪ :‬فاتنة أنا جالل محامي الدفاع الخاص بك‪ ،‬السيد راندي معي هنا لرؤيتك ً‬ ‫اتصلت بالدكتور أسعد وجميل‪ ،‬مل أخرب أخواتك بعد ألنني لست متأك ًدا إذا ِ‬ ‫كنت ستخربين أمك‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬فاتنة ال تخايف ّ‬ ‫‪86‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬ال ال تخرب أمي‪ .‬راندي أنت صديق عظيم‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬أمتنى لو كنت أستطيع أن أفعل أكرث يا فاتنة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا لك! لن أنىس معروفك!‬ ‫املحامي جالل‪ :‬فاتنة الوقت محدود أريد الحديث معك عىل انفراد‪.‬‬ ‫يو ّدعها راندي ويغادر‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ما الذي يجري؟ ملاذا أنا هنا‪.‬‬ ‫جالل‪ :‬ال أعرف املوضوع يبدو يل سياس ًيا‪ ،‬باختصار أنت ِ‬ ‫لست املستهدفة بل خطيبك جميل رفيق‪ .‬هناك أرسا ٌر كثرية‬ ‫يحتفظ بها النظام السابق والحكومة الحالية ستفعل أي يشء لتصل إىل شخص بهذا املستوى‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬تقصد أنني مختطفة؟ هل هذه حكومة أم عصابة؟‬ ‫جالل‪ :‬لرنكز عىل الحلول‪ ،‬أعتقد بوجود طريقتني للخروج من هذا املأزق مع أن االحتامل ضعيف‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬واصل‪.‬‬ ‫جالل‪ :‬ميكننا أن نرى ما ميكن مفاوضته مع جميل مبارشة مثل أن يأيت مقابل صفقة محاكمة عادلة و‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‪ ،‬ما هو الحل اآلخر؟‬ ‫جالل‪ :‬أن ن ّدعي أن ال عالقة لك بِه وهكذا لن تهتم بك الحكومة‪ ،‬لكن يوجد شاهد ضدك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬من الشاهد؟‬ ‫‪87‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫جالل‪ :‬ال أعرف مل يطلعوين بعد‪ ،‬عيل تقديم طلب للمحكمة لكشف هوية الشاهد‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬عندما نعرف من الشاهد ميكن أن نقرر إذًا‪.‬‬ ‫جالل‪ :‬حس ًنا‪ ،‬سأزورك غ ًدا اذًا‪ ،‬هل هناك يشء آخر ميكنني تقدميه لك؟‬ ‫فاتنة‪ :‬بالنسبة للحساب‪.‬‬ ‫جالل‪ :‬السيد راندي وضع دفعة كبرية ال تقلقي من هذه الناحية‪ ،‬أرجو أن تركزي عىل وضعك هنا اآلن‪ ،‬هو توقع أن‬ ‫تثريي ذلك فقال يل أن اخربك أنكام ستتفاهامن عىل ذلك الحقًا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سأنتظر عودتك بجديد بفارغ الصرب‪ ،‬اشكر راندي ج ًدا من أجيل‪.‬‬ ‫جالل‪ :‬عىل فكرة قدمت طلب نقلك إىل السجن العادي بناء عىل أنه ليس لديك سوابق ومل يثبت عليك يشء‪ ،‬قد يتم‬ ‫ذلك اليوم أو غ ًدا وعندها سيتمكن أي شخص من زيارتك يف أوقات الزيارة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا جزيال لك سيد جالل!‬ ‫جالل‪ :‬أنا فقط أؤدي عميل‪ ،‬أراك غ ًدا‪.‬‬ ‫يف الصباح تُنقل فاتنة إىل السجن االعتيادي‪.‬‬ ‫يف نفس الوقت أبو صابر يتحدث مع املدعي العام‪ :‬أريد أن أتظاهر بأنني أساعدها‪ ،‬لكنني أريد إدانتها‪ ،‬عندما أصعد‬ ‫عىل منصة الشهود سأدافع عنها وأشهد أن ال عالقة لها لكن أنت سوف تسجنها بقضايا أُخرى مثل تلك الصورة التي‬ ‫انترشت عىل النت وتُعترب ُمخلة باآلداب‪.‬‬ ‫املدعي العام‪ :‬ميكننا جلدها عىل تلك الصورة لو كانت فعلتها تحت النظام الحايل لكن كونها من قبل النظام ال نستطيع‬ ‫ذلك‪ .‬هل لديك يش ٌء آخر؟ ملاذا ال تريدها أن تعرف أنك تشهد ضدها؟ وماذا سنستفيد نحن من ذلك؟‬ ‫‪88‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫أبو صابر‪ :‬أمل تقل يل أنكم مستعدون لعمل أي يشء يف سبيل جلب جميل رفيق؟ إذا تظاهرت بأن ال عالقة يل بالقصة‬ ‫عندها سأستعيد ثقتها وأستخدمها الستدراج جميل رفيق‪ .‬ابنتي غبية وعنيدة ولن تستدرجه حتى لو بقيت يف السجن‬ ‫إىل األبد‪.‬‬ ‫املدعي العام‪ :‬حس ًنا يا أبو صابر‪ ،‬لنجرب تلك الطريقة إذًا‪.‬‬ ‫لسبب ما‪.‬‬ ‫رسة‪ .‬السجن العادي أكرث اتسا ًخا من عنرب الخطرين‬ ‫ٍ‬ ‫يف السجن حيث فاتنة‪ ،‬يوجد عنابر ويف كل منها بضعة أ ّ‬ ‫الحارس‪ :‬فاتنة‪ ،‬لديك زيارة‪.‬‬ ‫يدخل يوسف إىل غرفة الزيارة‪ ،‬فاتنة تدير ظهرها للمغادرة‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬توقفي أنا هنا ملساعدتك!‬ ‫فاتنة‪ :‬كاذب‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬والدك سيشهد ضدك‪ ،‬أنا سأساعدك‪ ،‬هل ِ‬ ‫كنت تعرفني أن والدك هو من أبلغ عنك؟ هذا عربون ثقة مني‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كيف ستساعدين؟‬ ‫يوسف يبتسم‪ :‬األمر سيكلفك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ماذا تريد وكيف ستساعدين؟ أحذرك إذا كررت حديث الخضوع للمطالب سأغادر‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬مل تتعلمي من هذا الدرس؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أتعلَّم ماذا؟‬ ‫يوسف‪ِ :‬‬ ‫ِ‬ ‫أنك ِ‬ ‫وقعت يف الفخ كالساذجة‬ ‫لست ذكية كام تظنني‪ .‬والدك أذىك منك‪ .‬انظري كيف‬ ‫‪89‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬هل أنت هنا للشامتة؟ إذا كان كالمك حقيق ًيا ووالدي هو من دبَر هذا يل فهذا غدر وخبث وليس ذكا ًء‪ .‬عىل أية‬ ‫حال كيف ستساعدين؟ تذكر بأنني ال أثق بك‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬أنت تثقني بأنني دامئًا أريد الخري ‪...‬لنفيس‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أجل أنت أناين‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬شك ًرا‪ ):‬املهم‪ ،‬أبو صابر وبعد كل ما فعلته من أجله ال يبدو بأنه يخطط ليعطيني نصيبي‪ .‬أنا مستعد أن أشهد‬ ‫ضده يف املحكمة أن ال عالقة لك بجميل مقابل‪...‬مبلغ معني‬ ‫فاتنة‪ :‬ومن أين سآيت لك باملال؟‬ ‫يوسف‪ :‬أنت خطيبة جميل رفيق‪...‬وأنا متأكد أنه ال زال ميلك الكثري‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال أريد مساعدتك إذًا‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬أنتي مخطئة بقرارك هذا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال لست مخطئة‪ ،‬اغرب عن وجهي‪.‬‬ ‫تغادر فاتنة عائدة إىل السجن‪.‬‬ ‫يوسف يلتقي أبو صابر يف البيت‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬ما زالت ابنتك كام هي‪ ،‬مل يكرسها السجن ومل تخضعها السالسل‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬لن نحصل عىل ما ٍل جانبي من جميل؟‬ ‫يوسف‪ :‬ال أظن‪.‬‬ ‫‪90‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫وأيضا سأحاول خداعها كام اتفقنا‪ .‬عندما تراين أشهد معها سأطلب منها‬ ‫أبو صابر‪ :‬إذًا علينا أن نحصل عىل املكافأة‪ً ،‬‬ ‫الحقًا مبل ًغا من جميل‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬سرنى‪ ،‬إىل اآلن مل نستفد شيئًا‪.‬‬ ‫جميل يا يوسف‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬ص ًربا ً‬ ‫يف السجن‪ ،‬غرفة الزيارات‪:‬‬ ‫املحامي جالل‪ :‬فاتنة‪ ،‬والدك هو الشاهد‪ ،‬لكنهم يقولون بأن هناك أدلة وهو فقط يقدم شهادته كخدمة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬والدي وعمي أحقر شخصني يف الوجود ال بد أنهام يدبران شيئًا‪.‬‬ ‫جالل‪ :‬سأنكر أن لك أي عالقة بجميل وإن أثبتوا العالقة سأدافع أنها عالقة منتهية‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬إذًا أنا متهمة بالحب وبالرغبة برؤية أُمي؟ هذه جرائم عظيمة‪.‬‬ ‫جالل‪ :‬القانون يف كل بلدان العامل ال يقيم وزنًا لألخالق فهو مصمم لحفظ املجتمع وليس لجعل الناس مثاليني‪ .‬لذلك‬ ‫ِ‬ ‫شخصا جي ًدا أو سيئًا‪.‬‬ ‫حتى لو كانت الدولة عادلة سينظرون إذا‬ ‫كرست القانون أو ال وليس إذا كان املدعي عليك ً‬ ‫فاتنة‪ :‬تعني أن القانون مثل الرشائع الساموية‪.‬‬ ‫جالل‪ :‬عف ًوا؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ال يشء‪.‬‬ ‫جالل‪ :‬يف الجلسة القادمة سأطالب باإلفراج عنك بكفالة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬حس ًنا‪ ،‬أرجو أن ينجح ذلك‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫جالل‪ :‬برصاحة ذلك سيعتمد عىل نوعية شهادة والدك‪ ،‬سرنى‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬إىل اآلن مل أفهم التهم بالتحديد‪ ،‬خيانة عظمى؟‬ ‫جالل‪ :‬يف حالة ِ‬ ‫مثل‪ .‬نحن ال نعرف ما هي فرضياتهم‪ .‬كام تعرفني يف السياسة‬ ‫أنك زوجة جميل فهذه التهمة ستلصق بك ً‬ ‫كل نظام جديد يريد تبشيع صورة النظام السابق‬ ‫فاتنة‪ :‬لذلك أكره السياسة‪.‬‬ ‫جالل‪ :‬أنت اآلن جزء منها لألسف‪.‬‬ ‫الحارس‪ :‬الزيارة انتهت‪.‬‬ ‫تعود فاتنة إىل عنرب السجن‪ ،‬السجينة الجميلة التي تحتل الرسير السفيل تبدو فتاة خجولة وهادئة‪ ،‬تبدو وكأنها تكرب‬ ‫فاتنة بقليل‪.‬‬ ‫السجينة‪ :‬أنت جميلة ج ًدا ج ًدا‪ ،‬ما اسمك وملاذا أنت هنا؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أنت بارعة الجامل‪ ،‬أنا فاتنة‪ ،‬وأنا هنا ألنني أردت رؤية أمي املريضة‪ ،‬قصة طويلة‪ .‬ماذا عنك؟ اسمك وملاذا أنت‬ ‫هنا؟‬ ‫دليله‪ :‬اسمي دليلة وأنا هنا منذ أيام النظام السابق بتهمة الدعارة مع النامريد‪ ،‬منذ االنقالب ‪ ...‬أقصد الثورة حاولت‬ ‫محام خاص‪ .‬املحامي العام ال‬ ‫أن أرشح لهم ألف مرة أن ذلك كان سجن سيايس لتأديب بقايا النامريد‪ ،‬لكن ليس لدي ٍ‬ ‫يفعل شيئًا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أعرف ذلك‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬لو يعرف َر ُجيل أنني هنا لهدم السجن عىل رؤوسهم‪.‬‬ ‫فاتنة مبتسمة‪ :‬يبدو أن ر ُجلك قوي ج ًدا‪.‬‬

‫‪92‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫دليله‪ :‬أقوى رجل يف العامل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬رمبا‪ ،‬منذ صغري أحببت الرجال األقوياء‪ ،‬أظن أن رجيل منافس يف القوة‬ ‫تبتسامن‬ ‫عندما تدير دليله رأسها تالحظ فاتنة ثق ًبا فيه من الخلف بني شعرها‬ ‫فاتنة‪ :‬ما هذا؟‬ ‫دليله‪ :‬تقصدين املعجزة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬معجزة؟‬ ‫ِ‬ ‫سمعت عن شخص يعيش بعد أن يطلقوا عىل رأسه الرصاص من الخلف؟‬ ‫دليله‪ :‬هل‬ ‫فاتنة‪ :‬أعدموك برصاصة من الخلف وما ِ‬ ‫زلت حية؟‬

‫واجهت مشاكل نطق وحركة لكن بسبب عمري الصغري‬ ‫دليلة‪ :‬خرست طفيل الذي كنت أحمله‪ ،‬فقدت ذاكريت لفرتة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وقت اإلصابة استعاد دماغي وظائفه‪ .‬ما زالت الرصاصة تقبع يف مكان ما يف رأيس‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬يؤسفني ج ًدا ما حدث لك ولطفلك‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ال عليك أنا بخري اآلن‪ .‬هل تُحبني الشعر؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أجل‪ ،‬كث ًريا‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ما رأيك أن نتحدث عن الشعر؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ملَ ال‪ ،‬من هو شاعرك املفضل؟‬ ‫‪93‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫دليله‪ :‬الزير املهلهل!‬ ‫يف الواليات املتحدة‪ ،‬جميل عىل الهاتف مع الدكتور أسعد‪ :‬أنا متأكد أن هذا من فعل والدها الحقري‪.‬‬ ‫محام جيد وأرى ما أستطيع فعله ملساعدتها‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬ال شك يف ذلك‪ ،‬سأذهب إىل هناك وأتأكد من أن لديها ٍ‬ ‫جميل‪ :‬ماذا أفعل أنا؟ برصاحة بِقدر ما أنا حزين بِقدر ما أنا غاضب منها ألنها ذهبت رغم كل تحذيراتنا لها‪ .‬لكن علينا‬ ‫اآلن الرتكيز عىل الحلول‪.‬‬ ‫حل‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬فاتنة عنيدة‪ ،‬لكنني أثق بقدراتها‪ ،‬سنجد ً‬ ‫جميل‪ :‬أنا مستعد لتسليم نفيس إلخراجها‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬جميل هل أنت مجنون؟ هذا الترصف أكرث طيشً ا مام فعلته فاتنة‪ .‬سيقبضون عليك وال ضامن أنهم‬ ‫سيرتكونها‪ .‬ثم سيستخدمونك للنيل من والدك‪ .‬ال تفكر يف فعل يشء كهذا!‬ ‫جميل‪ :‬حس ًنا‪ ،‬سأبحث عن حلول بديلة‪ ،‬وما زلت أتابع االمور عن طريق راندي‬ ‫الدكتور اسعد‪ :‬عىل فكرة اتصلت بجامعة فاتنة وقمت بتأجيل الفصل القادم فنحن ال نعرف متى ستعود‪ .‬عيل أن اذهب‬ ‫االن‪ ،‬نتكلم يف املساء‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬طاب يومك دكتور اسعد‪.‬‬ ‫يف السجن‬ ‫فاتنة‪ :‬الزير املهلهل؟ ملاذا؟ هل ألنه أول من رقق الشعر؟‬ ‫دليله‪ :‬ال‪ ،‬بل ألن َر ُجيل كان يكنى باسمه‪.‬‬ ‫تظهر الصدمة بوضوح عىل وجه فاتنة!‬ ‫‪94‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫يف املستشفى يدخل أبو صابر لزيارة األم التي مل تعد تقوى عىل النهوض‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬هل تعرفني أين فاتنة عاهرتك الصغرية؟‬ ‫تسعل األم بشدة غري قادرة عىل الكالم‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬انظري إىل حالتك‪ ،‬أيتها املريضة املقعدة الضعيفة‪ ،‬ستموتني قري ًبا أيتها الحرشة‪ ،‬كان عليك أن تخضعي يل‬ ‫أنت وعاهرتك‪ ،‬اآلن تدفعني الثمن‪ ،‬فاتنة يف السجن‪ ،‬لقد قضيت عليها ودمرت مستقبلها‪ ،‬هل أنت سعيدة اآلن بنتيجة‬ ‫أفعالك؟‬ ‫األم تنظر إليه بهلع ويزداد سعالها‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬لقد انترصت يف النهاية‪ ،‬أعدك أنها سوف تنتهي مبصري سيجعل أشد أعدائها يشفقون عليها‪ .‬وأنت مويت هنا‬ ‫كالحرشة واشعري بذل الهزمية! عندما قلت لك سأنتقم مل أكن أمزح! انظري إىل وجهي وتذكري ذُل الهزمية يف األيام‬ ‫القليلة الباقية لك!‬ ‫خصوصا مع املرض‪.‬‬ ‫تنظر إليه األم بوجهها النحيل والتعاسة واضحة عليه‬ ‫ً‬ ‫أبو صابر‪ :‬إىل اللقاء أيتها الحرشة يا أُم السجينة املجرمة!‬ ‫مبتسم بينام يزداد سعال األم‪.‬‬ ‫يخرج أبو صابر متشف ًيا‬ ‫ً‬ ‫يف السجن‬ ‫فاتنة برتدد‪ :‬أخربيني أكرث عنه‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ال أعرف إذا كان ما زال ح ًيا‪ ،‬وال أعرف ماذا ستظنني يب لو قلت لك‪.‬‬ ‫فاتنة بفضول‪ :‬نحن يف السجن يا عزيزيت وليس لنا سوى الكالم‪ ،‬أخربيني قصة حياتك‬ ‫‪95‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫دليله‪ :‬تربيت يف ملجأ لأليتام‪ ،‬كنت أحلم دامئًا ‪...‬‬ ‫تتكلم دليله وترشح لفاتنة تفاصيل حياتها‪ ،‬يف اليوم التايل يصل الحديث عن تفاصيل مقابلتها للمهلهل‪ ،‬تالحظ اضطراب‬ ‫فاتنة‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬أعرف أن املوضوع يبدو مرع ًبا بالنسبة لك ولكن لو تعرفينه كام أعرفه أنا‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أخربيني عنه أكرث‪.‬‬ ‫تخربها دليلة عن طفولة املهلهل وحياتهام م ًعا ثم قصة االغتصاب الجامعي وكيف خرست طفلها‪.‬‬ ‫فاتنة؛ ِ‬ ‫آملت قلبي يا دليله‪ .‬ال أعرف ماذا أقول‪ ،‬لكنه حي عىل ما أظن‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬كيف تعرفني؟‬ ‫فاتنة‪ :‬رمبا أنني رصيحة لدرجة الغباء‪ ،‬لكن مع ذلك ال أعرف إذا كان من الحكمة أن أخربك‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬أخربيني برسعة!‬

‫يتبـع يف العدد القادم‪...‬‬

‫‪96‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلة امللحدين العرب هدفها نشر أفكار‬ ‫امللحدين والالدينيني العرب على اختالف‬ ‫توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والعرقية‬ ‫وبحري ٍة كاملة‪ .‬اجمللة رقمي ٌة مبني ٌة بجهود‬ ‫ي توج ٍه سياسي‪.‬‬ ‫فردي ٍة وال تع ّبر عن أ ّ‬ ‫املعلومات واملواضيع املطروحة تعتبر‬ ‫مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وحقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫والالديني‬ ‫امللحدينالعرب‪،‬أومنالك ّتابامللحدين‬ ‫ّ‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن بالنشر ‪.‬‬ ‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة‬ ‫موضوع‬ ‫ي‬ ‫على الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ضمنها يُعتبر تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬ ‫‪magazine@arabatheistbroadcasting.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.