مجلة الملحدين العرب: العدد الثامن والأربعون / شهر نوفمبر / 2016

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫الوجه اآلخر إلبليس‬ ‫‪Colin Wilson‬‬

‫العدد الثامن واألربعون من مجلة امللحدين العرب لشهر ترشين الثاين ‪ /‬نوفمرب لسنة ‪2016‬‬

‫ابن سينا الكافر وامللحد والباطني‬ ‫بحسب الرتاث اإلسالمي‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬ ‫قراءة ٌ يف كتاب‪“ :‬نقد الفكر الديني”‬ ‫لصادق جالل العظم‬ ‫شادي بشري‬ ‫فتنة خلق السيناريو‬ ‫الشيخ ديكارت‬

‫مجلة امللحدين العرب هدفها نشر أفكار‬ ‫امللحدين والالدينيني العرب على اختالف‬ ‫توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والعرقية‬ ‫وبحري ٍة كاملة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫اجمللة رقمي ٌة مبني ٌة بجهود فردي ٍة وال تع ّبر عن أ ّ‬ ‫توج ٍه سياسي‪.‬‬ ‫املعلومات واملواضيع املطروحة تعتبر مسؤولية‬ ‫أصحابها من الناحية األدبية وحقوق النشر‬ ‫وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬


‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬ ‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‪:‬‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫كلمة حترير اجمللة‬ ‫ما مير به اإلسالم اليوم هو أزمة حقيقية مل تحدث يف تاريخه بهذا الحجم‬ ‫متصل بالتكنولوجيا كام هو اليوم‪ ،‬فأصبحت‬ ‫من قبل‪ ،‬ألن العامل مل يكن ً‬ ‫الشبكة العنكبوتية تنرش برسعة الربق كل الفظائع التي يفعلها املسلمون‬ ‫رشقًا وغربًا‪ ،‬مل يعد من رقع تخفي العورات‪ ،‬وكتب الرتاث والفتاوى‬ ‫والتفسري والتاريخ كلها أصبحت متاحة للبحث والنقد‪ ،‬مئات املواقع‬ ‫الناقدة ومئات الفيديوهات ومئات املجموعات يف كل مكان تتفحص‬ ‫وتتحدث واملسلمون يسمعون ويدافعون ويتنازلون!‬

‫‪Alia›a Damascéne‬‬

‫تنازلوا عن السنة وكتبها وأحاديثها‪ ،‬تنازلوا عن تقديس الصحابة والرواة‬ ‫وجمع الحديث‪ ،‬تنازلوا عن التأويالت القدمية للقرآن وجاؤوا بتأويالت‬ ‫ّ‬ ‫أكرث إنسانية ورحمة‪ ،‬تنازلوا عن تعنتهم ضد العلم وأصبحوا يبحثون‬ ‫عن التطور واالنفجار الكبري يف ثنايا القرآن‪ ،‬حتى من ال زالوا يدافعون‬ ‫عن حرفية التفسري ومالمئته لكل زمان ومكان أصبحوا محط هجوم‬ ‫من املسلمني الجدد املعتدلني‪ ،‬وأصبحت السلفية والوهابية و أتباع ابن‬ ‫تيمية والدولة اإلسالمية كلها فئات ضالة تريد تشويه اإلسالم الجميل‬ ‫الرحيم‪ ،‬وأصبح قطع اليد ال يعني قطعها بل جرحها‪ ،‬ورضب املرأة ال‬ ‫حالل والحجاب‬ ‫يعني رضبها بل مداعبتها بالسواك‪ ،‬حتى الخمر أصبح ً‬ ‫عادة وليس عبادة‪ ،‬وقتال الكفار والجهاد والسبي أصبح ساقطًا من‬ ‫قاموسهم وال يالئم هذا الزمان‪ ،‬وعملية املخاض هذه جاءت لسبب‬ ‫واحد وهو شعورهم بالعار من دينهم بصيغته األصلية‪ ،‬فأرادوا البدء‬ ‫برتويضه وتقليم أظافره حتى يالئم العرص‪ ،‬وكأن ما حدث مع املسيحية‬ ‫واليهودية بدأ أخ ًريا بالحدوث مع اإلسالم مع التشديد عىل خصوصية‬ ‫التجربة لكل منهم‪.‬‬

‫‪Liza Paloulian‬‬

‫هذا بشكل عام مقبول ومحبب‪ ،‬وازدياد عدد املسلمني املناهضني‬ ‫للعنف املوجود يف نصوصهم والذين يودون االندماج يف املجتمعات‬ ‫الحديثة والعيش بسالم‪ ،‬هذه بوادر جادة للتغيري واإلصالح ولكنها ما‬ ‫زالت البداية فقط‪ ،‬فالتغيريات القادمة ستكون جذرية أكرث تحت كل‬ ‫هذه الضغوط التي مل يعودوا قادرين عىل مواجهتها بالعنف والقتل‪ ،‬بل‬ ‫أصبحوا مجربين عىل مواجهتها بالعقل واالقناع‪ .‬والقادم أفضل‪.‬‬

‫غيث جابري‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Zorba Zad‬‬ ‫‪RoRo Evil-Girl‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Antoine Tannous‬‬ ‫‪X.AHTOHOB‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬

‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫ابن سينا الكافر وامللحد والباطني‬ ‫حسب الرتاث اإلسالمي‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫‪4‬‬

‫فتنة خلق السيناريو‬ ‫الشيخ ديكارت‬

‫‪19‬‬

‫الوجه اآلخر ألبليس‬ ‫‪Colin Wilson‬‬

‫‪23‬‬

‫قراءة ٌ يف كتاب‪“ :‬نقد الفكر الديني”‬ ‫لصادق جالل العظم‬ ‫شادي بشري‬

‫‪28‬‬

‫حوا ٌر بني الرجل والقط‬ ‫‪Sam Mar‬‬

‫‪36‬‬

‫سلسل ُة أحكام أهل الذمة (‪)6‬‬ ‫محمود جامل‬

‫‪40‬‬

‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫‪45‬‬

‫‪3‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد والباطني‬ ‫حسب الرتاث اإلسالمي‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬ ‫لفت انتباهي أثناء متابعتي ملسلسل‬ ‫رص القصبي «سيلفي ‪»2‬‬ ‫املبدع نا ٍ‬ ‫وذلك يف إحدى الحلقات «حلقة‬ ‫صعصعة»‬ ‫رص بتغيري اسم‬ ‫حيث طالب جريان نا ٍ‬ ‫الشارع الذي يسكنون فيه بسبب‬ ‫يل وحجتهم‬ ‫تسميته باسم شاع ٍر جاه ٍ‬ ‫يف ذلك أنه كان شاربًا للخمر وصعلوكًا‬ ‫وقد استجابت البلدية لطلبهم وتم‬ ‫تغيريه إىل اسم العامل الكبري ابن سينا‬ ‫رص القصبي‬ ‫ولكن املفاجأة أن جريان نا ٍ‬ ‫طلبوا منه مر ًة أخرى أن يذهب‬ ‫معهم من أجل تغيري االسم!!! وهذا‬ ‫رص لكون الشارع‬ ‫أثار استغراب نا ٍ‬ ‫مسلم تتفاخر‬ ‫تم تسميته باسم عا ٍمل‬ ‫ٍ‬ ‫به الكتب واإلعالم العريب اإلسالمي‬ ‫صبا ًحا ومسا ًء‪ ،‬لذلك استفرس منهم‬ ‫عن سبب االعرتاض وأجابوه‪ :‬أن هذا‬ ‫العامل عقيدته باطني ٌة وهي باطلة!!!‬ ‫‪4‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫املسلسل نجح يف وضع اليد عىل بعض أمراض‬ ‫املجتمع العريب اإلسالمي وإحداها هي هذه‬ ‫االزدواجية يف تقييم العلامء العرب واملسلمني‬ ‫رص املسلم املعتدل املتأث ِّر بقيم‬ ‫حيث ميثِّل نا ٌ‬ ‫الحضارة والحداثة لذلك يق ِّدر إسهامات العلامء‬ ‫املسلمني أمثال ابن سينا‪ ،‬يف حني ميثِّل الجار‬ ‫املسلم املتأثر باإلسالم السلفي والذي أُس ّميه أنا‬ ‫كل ٍ‬ ‫شخص ال يلتزم‬ ‫«باملسلم الحقيقي» الذي يعترب ّ‬ ‫بالعقيدة اإلسالمية الصحيحة والرشيعة اإلسالمية‬ ‫وتطبيقاتها بكافة املجاالت خار ًجا عن املِلّة‬ ‫اإلسالمية مهام كانت إسهاماته العلمية واألدبية‪،‬‬ ‫وأن الحالة التي شاه ْدتها يف املسلسل ليست حال ًة‬ ‫شاذ ًة أو مقترص ًة فقط عىل ابن سينا‪ ،‬بل هي حال ٌة‬ ‫مزمن ٌة طوال التاريخ اإلسالمي الذي ش َّن حربًا شعواء ضد الفالسفة والعلامء بحيث وصلت األمور معهم إىل تكفريهم‬ ‫والدعوة إىل نبذهم ونبذ كتبهم وإحراقها ألنها متثِّل أفكا ًرا ضال ًة‪.‬‬ ‫قص ُد به فقط علامء الفقه والرشيعة املهتمني بال ّنفاس والحيض والطهارة وال‬ ‫بل أن لفظ علامء املسلمني املتداول يُ َ‬ ‫يُقصد به العلامء الحقيقني أمثال ابن سينا والرازي‪ ،‬ولكن الحال تبدل يف السنني املاضية بسبب نظرة العامل الغريب لهؤالء‬ ‫العلامء وتقديرهم إلنجازاتهم العلمية والفلسفية واألدبية‪ ،‬واعتبار أن الحضارة اإلسالمية العربية تتمثل بهم فقط وال‬ ‫قسم كب ًريا من الشعوب العربية ودعاة‬ ‫تتمثل بعلامء النفاس والحيض أمثال الشافعي وابن َح ْن َبل وابن تيمية‪ ،‬مام أجرب ً‬ ‫التلفزيون اإلسالميني «الكيوت» أمثال عمرو خالد وطارق سويدان إلعادة االعتبار لهم وإعادة تبنيهم من ٍ‬ ‫جديد بعد أن‬ ‫كانوا لقطاء يف نظر شيوخ اإلسالم‪ ،‬من أجل ترميم صورته يف الخارج‪ ،‬لكن االزدواجية يف األمر أن هؤالء الدعاة الحداثيني‬ ‫مل يسألوا أنفسهم أثناء تصديع رؤوسنا بتفاخرهم بابن سينا وابن رشد وأنهم ميثلون نتاج الدين والحضارة اإلسالمية وأن‬ ‫حضاري يش ّجع عىل العلم‪ ،‬فكيف يتسق كل هذا مع تكفري شيوخ اإلسالم لنفس‬ ‫هذا يثبت أن الدين اإلسالمي هو دي ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫هؤالء العلامء الذين يتفاخر بهم الدعاة الحداثيون!!؟؟‬

‫شخيص‬ ‫رص القصبي يف املسلسل كان يتكلم بداف ٍع‬ ‫السؤال املهم اآلن بنظري‪ :‬هل جا ُر نا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص إسالمي ٍة قدمي ٍة وحديث ٍة عملت عىل تكفري ابن سينا؟‬ ‫ومن دون االستناد إىل‬ ‫‪5‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫لإلجابة عىل هذا السؤال سوف نطرق كُتب التاريخ اإلسالمية لنطالع نظرة شيوخ اإلسالم لهذا العامل املتنور الذي تعرض‬ ‫لحرب شعواء من ِقبل طيور الظالم إىل أن نجحوا يف إطفاء شعلة العلم متا ًما يف مجتمعاتنا‪ ،‬وجعلونا يف ذيل الحضارة‬ ‫ٍ‬ ‫العاملية‪ ،‬ولكن قبل ذلك لنتعرف أكرث عىل ابن سينا وعىل إسهاماته العلمية والفلسفية‪.‬‬ ‫يل الحسني بن عبد الله واملعروف‬ ‫ابن سينا هو أبو ع ٍّ‬ ‫عند األوربيني باسم (‪ُ ،)Avicenna‬ولِد قرب بخارى‬ ‫يف أوزبكستان حال ًيا‪ -‬سنة (‪370‬هـ‪980 /‬م) وتويف يف‬‫همذان سنة (‪428‬هـ‪1037 /‬م) وهو فاريس األصل‪ .‬ونشأ‬ ‫نشأ ًة علمي ًة‪ ،‬حيث تع َّهده والده بالتعليم والتثقيف منذ‬ ‫طفولته‪ .‬وقد كان والد ابن سينا شيع ًيا إسامعيليا‪.‬‬ ‫وكان ابن سينا عاملًا وفيلسوفًا وطبي ًبا وشاع ًرا‪ ،‬ولُقِّب‬ ‫بالشيخ الرئيس واملعلم الثالث بعد أرسطو والفارايب‪ ،‬كام‬ ‫ُعرِف بأمري األطباء وأرسطو اإلسالم‪ ،‬وكان سابقًا لعرصه‬ ‫ٍ‬ ‫مجاالت فكري ٍة عديدة‪ ،‬ومل يرصفه انشغاله بالعلم‬ ‫يف‬ ‫عن املشاركة يف الحياة العامة يف عرصه‪ ،‬فقد تعايش مع‬ ‫ٍ‬ ‫اتجاهات‬ ‫مشكالت مجتمعه‪ ،‬وتفاعل مع ما ميوج به من‬ ‫فكرية‪ ،‬وشارك يف ُصنع نهضته العلمية والحضارية (‪.)1‬‬ ‫وقد تُرجِمت كتب ابن سينا يف الطب إىل الالتينية ومعظم‬ ‫لغات العامل‪ ،‬وظلَّت حوايل ستة قرونٍ هي املرجع العاملي‬ ‫ٍ‬ ‫كأساس للتعليم يف جامعات فرنسا‬ ‫يف الطب‪ ،‬واستُ ْخ ِد َم ْت‬ ‫وإيطاليا‪ ،‬وظلَّت ت ُد َّر ُس يف جامعة مونبلييه حتى أوائل القرن التاسع عرش(‪.)2‬‬ ‫السحايا األ َّو ِّيل وصفًا صحي ًحا‪ ،‬ووصف أسباب الريقان(‪ ،)3‬ووصف أعراض حىص‬ ‫ويُع ّد ابن سينا أول من وصف التهاب َّ‬ ‫املثانة‪ ،‬وانتبه إىل أثر املعالجة النفسانية يف الشفاء(‪.)4‬‬ ‫‪ .1‬معجم أعالم علم النفس ‪ /‬باب األلف‪.‬‬ ‫‪ .2‬جوستاف لوبون‪ :‬حضارة العرب ص‪.490‬‬ ‫‪ .3‬ابن خلكان‪ :‬وفيات األعيان ‪.1/152‬‬ ‫‪ .4‬شوقي أبو خليل‪ :‬الحضارة العربية اإلسالمية ص‪.511‬‬

‫‪6‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫يل يف الدماغ‬ ‫وكان أول من ف َّرق بني الشلل الناجم عن ٍ‬ ‫سبب داخ ٍ‬ ‫سبب خارجي‪ ،‬ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن‬ ‫والشلل الناتج عن ٍ‬ ‫كرثة الدم‪ ،‬مخالفًا بذلك ما استق َّر عليه أساطني الطب اليوناين القديم‪،‬‬ ‫فضل عن أنه أ َّول من ف َّرق بني املغص املعوي واملغص الكلوي(‪.)5‬‬ ‫ً‬ ‫كام كان البن سينا با ٌع كب ٌري يف مجال األمراض التناسلية‪ ،‬فوصف‬ ‫بدقَ ٍة بعض أمراض النساء‪ ،‬مثل‪ :‬االنسداد املهبيل‪ ،‬واإلسقاط‪ ،‬واألورام‬ ‫الليفية‪ .‬وتح َّدث عن األمراض التي ميكن أن تُصيب النفساء‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫النزيف‪ ،‬واحتباس الدم‪ ،‬وما قد يس ِّببه من أور ٍام وحم ّي ٍ‬ ‫ات حا َّدة‪ ،‬وأشار‬ ‫إىل أن تَ َعفُّن الرحم قد ينشأ من ُعرس الوِالدة أو موت الجنني‪ ،‬وهو ما‬ ‫مل يكن معروفًا من قبل‪ .‬كام تع َّرض للذكورة واألنوثة يف الجنني‪ ،‬وعزاها‬ ‫إىل الرجل دون املرأة‪ ،‬وهو األمر الذي أكَّده مؤ َّخ ًرا العلم الحديث(‪.)6‬‬ ‫أيضا‪ -‬طرق العدوى لبعض األمراض‬ ‫كام كشف ابن سينا ‪-‬أل َّول م َّر ٍة ً‬ ‫املعدية كالجدري والحصبة‪ ،‬وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض‬ ‫الكائنات الحية الدقيقة يف املاء والجو‪ ،‬وقال‪« :‬إن املاء يحتوي عىل‬ ‫ٍ‬ ‫حيوانات صغري ٍة ج ًّدا ال ت ُرى بالعني املج َّردة‪ ،‬وهي التي تس ِّبب بعض‬ ‫األمراض»(‪.)7‬‬ ‫ويُظهر ابن سينا براع ًة كبري ًة ومقدر ًة فائق ًة يف علم الجراحة‪ ،‬فقد ذكر ع َّدة طرقٍ إليقاف النزيف‪ ،‬سواء بالربط‪ ،‬أو‬ ‫السهام‬ ‫إدخال الفتائل‪ ،‬أو باليك بالنار‪ ،‬أو بدوا ٍء كاو‪ ،‬أو بضغط اللحم فوق العرق‪ .‬كام تح ّدث عن كيفية التعامل مع ِّ‬ ‫واستخراجها من الجروح‪ ،‬وحذَّر املعالجني من إصابة الرشايني أو األعصاب عند إخراج السهام من الجروح‪ ،‬كام ن َّبه إىل‬ ‫رضورة أن يكون املعالج عىل معرف ٍة تا ّم ٍة بالترشيح(‪.)8‬‬ ‫‪ .5‬عامر النجار‪ :‬يف تاريخ الطب يف الدولة اإلسالمية ص‪.133‬‬ ‫‪ .6‬ابن سينا‪ :‬القانون ‪.2/586‬‬ ‫‪ .7‬عيل بن عبد الله الدفاع‪ :‬رواد علم الطب يف الحضارة اإلسالمية ص‪.298‬‬ ‫‪ .8‬محمود الحاج قاسم‪ :‬الطب عند العرب واملسلمني ص‪.118‬‬

‫‪7‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫قليل إىل‬ ‫أما بالنسبة لفلسفته فنستطيع تلمسها يف كتابه «كتاب اإلشارات» الذي ذهب فيه مذهب أرسطو وق ّربه ً‬ ‫األديان‪ ،‬فهو مؤسس االتجاه الفلسفي الذي تحدى العقيدة وفكرة النبوة والرسالة يف اإلسالم وكان يقول بقدم العامل‬ ‫وإنكار امليعاد ونفي علم الله وقدرته وخلقه للعامل وبعثه من يف القبور‪.‬‬ ‫وذهب ابن سينا مذهب الفالسفة من أمثال الفارايب‪ ،‬وكان الفارايب يقول بامليعاد الروحاين ال الجثامين‪ ،‬ويخصص بامليعاد‬ ‫مذاهب يف ذلك يخالف املسلمني والفالسفة من سلفه األقدمني‪ ،‬وأعاد تلك الفكرة ابن‬ ‫األرواح العاملة ال الجاهلة‪ ،‬وله‬ ‫ٌ‬ ‫سينا ونَرصه‪.‬‬ ‫ال شك أن صحبته لفالسفة الباطنية (أبو عبد الله النائيل الذي علمه يف صغره) قد أث َّرت يف تفكريه‪ ،‬وهيأته للدور الذي‬ ‫لعبه يف تنشيط تيار الفلسفة واتخاذها موقف التحدي للعقيدة اإلسالمية‪ ،‬ومثال عىل ذلك «نظرية املعرفة» والتي ساوى‬ ‫خص الفالسفة مبيز ٍة أخرى وهي أنهم استمروا يف رسالتهم وارتقاء معارفهم يف الوقت‬ ‫فيها الفالسفة مع األنبياء‪ ،‬وقد ّ‬ ‫الذي ُخ ِتمت النبوة مبحمد‪.‬‬ ‫وكان اتباعه يُد َعون بـ«األىل» وقالوا مقالته‪ ،‬ومن أشهرهم النصري الطويس‪ ،‬الذي انترص ملذهب ابن سينا والذب عنه‬ ‫ورشح إشاراته وكان يسميها «قرآن الخاصة»‪ ،‬ويسمي كتاب الله «قرآن العامة»(‪.)9‬‬ ‫وضع ابن سينا حوايل ‪ 450‬مؤلفًا‪ ،‬مل يصلنا منها سوى ‪ 240‬تقري ًبا‪ .‬ومن بني أعامله املتوفرة لنا اليوم‪ ،‬هناك ‪ 150‬يف‬ ‫الفلسفة و‪ 40‬يف الطب وهام امليدانان العلميان اللذان ق ّدم فيهام أكرب إنجازاته‪ .‬كام وضع أعاملً يف علم النفس‬ ‫والجيولوجيا والرياضيات والفلك واملنطق‪.‬‬ ‫وقد كتب كل مؤلفاته باللغة العربية باستثناء كتابني اثنني وضعهام بالفارسية وهي لغته األم‪ .‬أحد هذين الكتابني هو‬ ‫بعنوان «موسوعة العلوم الفلسفية» والثاين هو «دراس ٌة عن النبض» أصبح ذائع الشهرة الحقًا‪.‬‬ ‫َح ِظي ابن سينا بتقدير واحرتام العلامء والباحثني عىل م ِّر العصور حتى قال عنه جورج ساتون‪« :‬إن ابن سينا ظاهر ٌة‬ ‫فكري ٌة عظيم ٌة رمبا ال نجد من يساويه يف ذكائه أو نشاطه اإلنتاجي‪ ...‬إن فكر ابن سينا ُيثِّل املثل األعىل للفلسفة يف‬ ‫القرون الوسطى»‪.‬‬

‫‪ .9‬عيىس الحسن‪ .‬تاريخ العرب من الحروب الصليبية إىل نهاية الدولة العثامنية‪/‬فصل األحوال العربية قبيل الحروب الصليبية‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ويقول دي بور‪« :‬كان تأثري ابن سينا يف الفلسفة املسيحية يف العصور الوسطى عظيم الشأن‪ ،‬واعتُ ِب يف املقام كأرسطو»‪.‬‬ ‫كل شف ٍة ولسان‪ ،‬ولقد كانت قيمته قيمة‬ ‫ويقول أوبرفيل‪« :‬إن ابن سينا اشتُهِر يف العصور الوسطى‪ ،‬وتر َّدد اسمه عىل ِّ‬ ‫مفك ٍر مأل عرصه‪ ..‬وكان من كبار عظامء اإلنسانية عىل اإلطالق»‪.‬‬ ‫يل بأنه أرسطو طاليس العرب‪ ،‬وال ريب يف أنه عاملٌ فاق غريه يف‬ ‫ويصفه هومليارد بقوله‪« :‬إن علامء أوربا يصفون أبا ع ٍ‬ ‫علم الطب وعلم طبقات األرض»‪.‬‬ ‫السري ويليم أوسلر ‪ Sir William Osler‬عن كتاب القانون البن سينا‪« :‬إنَّه كان اإلنجيل الط ِّبي ألطول فرت ٍة من‬ ‫وقال ِّ‬ ‫الزمن»‪.‬‬ ‫وال تزال صورة ابن سينا تزيِّن كربى قاعات كلية الطب بجامعة باريس حتى اآلن‪ ،‬تقدي ًرا لعلمه واعرتافًا بفضله وسبْقه‪،‬‬ ‫وس ِّميت عىل اسمه فوه ٌة عىل سطح القمر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بعد أن تصفحنا بعض االنجازات واملساهامت الكبرية لهذا العامل املتنور‬ ‫والتي بالطبع يضيق هذا املقال عن ذكرها‪ ،‬أريد هنا أن أثبت ثالث‬ ‫ٍ‬ ‫مالحظات قبل أن أبدأ برسد نصوص التكفري والكراهية اإلسالمية تجاه‬ ‫هذه القامة الكبرية وهي‪:‬‬ ‫املالحظة األوىل‪:‬‬ ‫تتعلق بالقوميني العرب وعىل رأسهم حزب البعث العريب االشرتايك الذي‬ ‫شت تحت ظالل حكمه ملدة ستة عرش سن ًة يف العراق‪ ،‬حيث تربينا منذ‬ ‫ِع ُ‬ ‫فاريس وكان هذا نتيجة عمل اآللة اإلعالمية‬ ‫الصغر عىل كراهية كل يش ٍء‬ ‫ّ‬ ‫القومية البعثية بعد اندالع الحرب العراقية اإليرانية عام ‪1980‬م عىل‬ ‫وأبدي ومستم ٌر منذ‬ ‫تاريخي‬ ‫تصوير الرصاع العريب الفاريس بأنه رصا ٌع‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مستقبل‪ ،‬وقد قاموا‬ ‫ً‬ ‫الرصاع بني عيالم وبابل وإىل اليوم وسوف يستمر‬ ‫أيضا بزرع هذا يف كتب التاريخ املدرسية بحيث ك ّنا ندرس فيها أن الفرس‬ ‫ً‬ ‫دخلوا اإلسالم فقط ليك يتآمروا عىل العرب ويعملوا عىل تشويه اإلسالم!!!‬ ‫‪9‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫بحيث كنت ال أتصور أب ًدا أن هذا الرجل من املمكن أن يكون فارس ًيا بحيث شكَّل صدم ًة يل عندما عرفت بذلك يف‬ ‫يسء‪ ،‬ولكن رغم كل ذلك ك ّنا‬ ‫املراهقة‪ ،‬نتيجة الغسيل اإلعالمي وارتباط كل يش ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫فاريس يف العقل الباطن بكل يش ٍء ّ‬ ‫أيضا مدى حجم االزدواجية‬ ‫يبي ً‬ ‫نجد االفتخار بابن سينا يف كل مكان يف العراق‪ ،‬حيث أنه من املثري للسخرية والذي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مخصص لعالج صدام حسني والطبقة الحاكمة يف أفضل مستشفًى يف العراق وكانت باسم‬ ‫قسم‬ ‫املوجودة‪ ،‬وهو وجود ٍ‬ ‫الفاريس ابن سينا!!! هذه االزدواجية يف التعامل يجب أن تطرح التساؤل ملاذا؟‬ ‫واضح وهو الرغبة يف تب ّني هذا الرجل بسبب علمه وتقديره من الغرب‪ ،‬وبالتايل االفتخار بأن حضارتنا العربية‬ ‫الجواب‬ ‫ٌ‬ ‫(كام يقول القوميون) أنتجت ابن سينا وبنفس الوقت نهاجم الفرس ونتهمهم صباح مساء مبحاربة العرب واإلسالم‬ ‫ونتجاهل بكل صفاق ٍة أن ابن سينا فاريس!!‬ ‫املالحظة الثانية‪:‬‬ ‫وهي خاص ٌة باملسلمني املعتدلني وشيوخ الفضائيات «الكيوت»‪ ،‬الذين يتبنون بالطبع ابن سينا وال يجدون أي مشكل ٍة‬ ‫فاريس (عىل عكس القوميون)‪ ،‬ويرفعون شعار ال فرق بني أعجمي وعر ٍّيب إال بالتقوى‪ ،‬وسوف يقولون أن أبا حنيفة‬ ‫بكونه‬ ‫ّ‬ ‫والبخاري ومسلم مل يكونوا عربًا وأن الحضارة اإلسالمية جمعت كل القوميات تحت مظلتها‪ ،‬ولكنهم يتجاهلون عن ٍ‬ ‫عمد‬ ‫أو يغفلون عن جهلٍ أن ابن سينا كان شيعيًا وأنه كان يساند الدولة الفاطمية وكان أبوه وأخوه من أبرز دعاة الشيعة لها‪،‬‬ ‫كام ينقل ابن تيمية يف مجموع الفتاوى‪« :‬وكذلك ابن سينا وغريه‪ ،‬يذكر من التنقص بالصحابة ما ورثه من أبيه‬ ‫وشيعته»(‪« )10‬ويُضيف يف موضعٍ آخر‪ :‬فإن أهل بيته كانوا من اإلسامعيلية أتباع الحاكم الذي كان مبرص»(‪،)11‬‬ ‫وبعدها يفتخرون بصالح الدين األيويب الس ّني الذي عمل عىل إسقاط الدولة الفاطمية الشيعية التي تشتم الصحابة‬ ‫افيض تقول كتبهم عن طائفته بوجوب قتلهم حسب الحديث املروي‬ ‫وأمهات املؤمنني!! وكيف يستقيم فخرهم برجلٍ ر ٍ‬ ‫عن نبيهم محمد‪« ،‬عن عبد الله بن عباس ريض الله عنهام قال‪ :‬كنت عند النبي صىل الله عليه وسلم‪ ،‬وعنده عيل‪ ،‬فقال‬ ‫النبي صىل الله عليه وسلم‪( :‬يا عيل سيكون يف أمتي قو ٌم ينتحلون حبنا أهل البيت‪ ،‬لهم نبز يسمون الرافضة فاقتلوهم‬ ‫فإنهم مرشكون) رواه اإلمام الطرباين وإسناده حسن» (‪.)12‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬الكثري من املسلمني املعتدلني ال يعرفون بحقيقة كون ابن سينا شيعيًا عىل عكس دعاة الفضائيات الذين أجزم‬ ‫مبعرفتهم بهذا‪ ،‬ولكنهم يتجاهلون ذلك من أجل نفس الهدف وهو تب ّني هذا العامل وتلميع صورة اإلسالم عن طريقه‪،‬‬ ‫ومن االزدواجية الساخرة يف هذا املوضوع أين كنت أعيش يف مدينة هيت يف محافظة األنبار والتي يسكن فيها السنة‬ ‫‪ .10‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى [‪.]4/103‬‬ ‫‪ .11‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى [‪.]11/571‬‬ ‫‪ .12‬املعجم الكبري (‪ ،)12/242‬حديث رقم (‪.)12998‬‬

‫‪10‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫العرب‪ ،‬والذين ال يعتربون الشيعة من ضمن طوائف اإلسالم ويهاجمون التسلّط الشيعي بالحكم يف العراق بعد سقوط‬ ‫رجل شيع ًيا تُس َّمى باسمه‬ ‫نظام صدام حسني وال يروق لهم أب ًدا انتشار األفكار والرموز الشيعية‪ ،‬ولكنهم ال يعلمون أن ً‬ ‫شيعي باألساس!!‬ ‫مدرس ٌة يف مدينتهم ألنهم يجهلون أنه‬ ‫ٌ‬ ‫املالحظة الثالثة‪:‬‬ ‫رمبا سوف ينربي الشيعة اآلن ويقولون نحن األحق بالفخر بابن سينا وهو من يثبت أن مذهبنا ينتج العلامء األفذاذ‪،‬‬ ‫ولكن قبل ذلك سوف نقول لألغلبية الشيعية والتي هي عىل املذهب اإلمامي الجعفري االثنا عرشي ما هو رأيكم‬ ‫باملذهب اإلسامعييل ومن ينتمي له!؟‬ ‫واإلجابة عىل ذلك نجدها يف كتبهم وهي تكفريهم وتضليلهم حيث يرشح العاميل مذهب اإلسامعيلية ويعطي رأيه‬ ‫فيهم‪« :‬لدى اإلسامعيلية فلسف ٌة تشبه فلسفة عبدة النجوم‪ ،‬وفيها يش ٌء من التصوف الهندي‪ ،‬ويذهبون إىل أن املعارف‬ ‫ولكل تنزيلٍ تأويل‪ ،‬وأن األوصياء عندهم بهذا الرتتيب‪ :‬محم ٌد‬ ‫فلكل ظاه ٍر باطنٍ ِّ‬ ‫واألحكام اإلسالمية‪ ،‬لها ظاه ٌر وباطن‪ِّ ،‬‬ ‫يل بن الحسني والسجاد ومحمد الباقر وجعف ٌر الصادق وإسامعيل ومحم ٌد بن إسامعيل “اإلمام الثاين‬ ‫يل والحسني وع ٌ‬ ‫وع ٌّ‬ ‫الحسن بن عيل ال يع ّدونه من األمئة» وبعد محمد بن إسامعيل سبع ٌة من نسله وولده‪ ،‬اسامؤهم مخفي ٌة مستور ٌة‬ ‫وبعدهم سبع ٌة من ملوك الفاطميني ملرص‪ ،‬أولهم ُعبيد الله املهدي مؤسس حكومة الفاطميني يف مرص» (‪.)13‬‬ ‫أما الطبطبايئ فريى أن مذهبهم واضح البطالن وال ّ‬ ‫شك فيه حيث قال‪« :‬وأما اإلسامعيلية‪ ،‬فمذهبهم واضح البطالن لسوء‬ ‫عقائدهم وقبح مذاهبهم‪ ،‬وهؤالء ُّسموا باإلسامعيلية النتسابهم إىل إسامعيل بن جعف ٍر الصادق عليه السالم» (‪.)14‬‬ ‫يف حني املريزا النوري يصل يف اتهام اإلسامعيلية إىل درجة اإللحاد والزندقة حسب ما ذكر يف كتابه خامتة املستدرك‪:‬‬ ‫«اإلسامعيلية من جملة فرق الشيعة‪ ،‬إال أن الغالب عليهم اإللحاد‪ ،‬والزندقة‪ ،‬واملروق من الدين‪ ،‬والخروج عن دائرة‬ ‫املوحدين‪ ،‬وامللّيني‪ ،‬واتباع النبيني» (‪.)15‬‬ ‫ومع رأيهم هذا باإلسامعيلية واعرتافهم بأن ابن سينا كان عىل املذهب اإلسامعييل حيث يقول محسن األمني يف «أعيأن‬ ‫الشيعة»‪ :‬أن ابن سينا كان شيع ًيا إسامعييل املذهب (‪ ،)16‬فكيف يتسق كل هذا مع فخرهم بابن سينا وإنجازاته!؟‬ ‫‪ .13‬عيل بن يونس العاميل‪ ،‬الرصاط املستقيم ‪ -‬ج‪ - 2‬ص‪.273-272‬‬ ‫‪ .14‬السيد محمد حسني الطباطبايئ‪ ،‬الشيعة يف اإلسالم ‪ -‬ص ‪.59-52‬‬ ‫‪ .15‬املريزا النوري‪ ،‬خامتة املستدرك ‪ -‬ج ‪ - 1‬ص ‪.139-140‬‬ ‫‪ .16‬محسن األمني‪ ،‬أعيان الشيعة ‪6:72‬‬

‫‪11‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫والتمسح به حيث نجد ذلك واض ًحا يف رضيح ابن سينا املعتنى‬ ‫هي إذن االزدواجية الشيعية يف التعاطي مع ابن سينا‬ ‫ُّ‬ ‫به يف إيران والتامثيل املوجودة بكرث ٍة له هناك‪ ،‬بالرغم أنهم يستطيعون التمسح به من جهة كونه فارس ًيا ولكن هذا ال‬ ‫يربر األمر كون نظام الدولة يف إيران هو عىل املذهب اإلمامي‪.‬‬ ‫إن الغرض من هذه املالحظات الثالث هي استباق األمور قبل‬ ‫إيراد نصوص التكفري من قبل شيوخ اإلسالم‪ّ ،‬‬ ‫ألن شبه ُمتيقّنٍ‬ ‫بأن الكثريين سوف يعملون عىل االلتفاف عىل األمر ويقولون‬ ‫أن ابن تيمية وغريه قد أخطأوا يف ذلك‪ ،‬وأنه مل يكن ملح ًدا وال‬ ‫خار ًجا عن الدين وسوف يقول البعض اآلخر إننا ال نعرتف بهؤالء‬ ‫أصل وال قيمة لتكفريهم‪ ،‬ولكن الوضع اختلف اآلن‪،‬‬ ‫الشيوخ ً‬ ‫فهم بني خيارين‪ ،‬أما أن يق ّروا ( شيوخ اإلسالم) يف رأيهم بتكفريه‬ ‫واعتباره ملح ًدا أو أن ال يعرتفوا بتكفريهم له وال بكونه ملح ًدا‪،‬‬ ‫وأنه مؤم ٌن باقٍ عىل إميانه عىل مذهبه اإلسامعييل الشيعي‪ ،‬وهذا‬ ‫ال يعني شيئًا بنهاية األمر!! فهو سيكون إما كاف ًرا لكونه ملح ًدا أو‬ ‫يكون كاف ًرا لكونه شيع ًّيا إسامعيل ًيا!! ويف نهاية املطاف لن يكون‬ ‫مسلم مؤم ًنا إال بنظر قلّ ٍة قليل ٍة ج ًدا وهي ما تبقّى من الطائفة‬ ‫ً‬ ‫اإلسامعيلية وتعدادهم ‪ 12‬مليونًا وهذا عىل فرض أنه مؤمن‪.‬‬ ‫أما اآلن فسوف نقرأ ما جادت به عقول شيوخ اإلسالم تجاه ابن سينا‪ ،‬وبالتأكيد ستكون بدايتنا مع شيخ التكفري ابن‬ ‫تيمية ألن له السبق دامئًا يف هذا املجال‪ ،‬حيث ير ّد عىل أفكار ابن سينا بحجته الدينية ويق ّرر بنفس الوقت أنها كف ٌر‬ ‫ويجب أن يستتاب صاحبها وإال قُ ِتل! لنتخ ّيل لو كان ابن سينا يف زمن ابن تيمية واألخري له السلطة لتحويل فتاويه‬ ‫إىل الواقع‪ ،‬فبالتأكيد عندها سوف يُنحر ابن سينا كالخراف‪ ،‬ومثلام تفعل الدولة اإلسالمية ( داعش ) اليوم يف العراق‬ ‫وسوريا‪.‬‬ ‫وكذلك نالحظ يف كالمه عن ابن سينا ذلك الحقد الكبري تجاه الشيعة بحيث يخلط باتّهامه تجاه الرجل ما بني اإللحاد‬ ‫والتش ُّيع‪ ،‬ألنه ال يستطيع أن يتغافل عن كون ابن سينا شيع ًّيا‪ ،‬بحيث لن تفهم‪ -‬بصور ٍة دقيق ٍة من كالمه‪ -‬هل كفّر ابن‬ ‫سينا لكونه شيع ًيا أم لكونه ملح ًدا؟! حيث أنه يحاول أن يكون منطق ًّيا قدر املستطاع ويقول إن ابن سينا أخذ ضاللته‬ ‫من فالسفة اليونان‪ ،‬ولكنه بنفس الوقت يعود ليقول إن حقيقة ابن سينا تعود لكونه إسامعيل ًّيا باطن ًيا! لن أطيل أكرث‬ ‫أي تعليق‪.‬‬ ‫يف التعقيب عىل كالم ابن تيمية‪ ،‬فكالمه بنظري أبلغ من ّ‬ ‫‪12‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫حيث يعقّب ابن تيمية عىل أفكار الفالسفة ومنهم ابن سينا بقوله هذا الكالم ‪ -‬وهو قول القائل‪« :‬إن معجزات األنبياء‬ ‫قوى نفسانية ‪ٌ -‬‬ ‫رص عىل اعتقاده بعد قيام الح ّجة عليه كُفِّر‬ ‫بي له ّ‬ ‫باطل بل هو كفٌر يُستتاب قائله ويُ ّ ُ‬ ‫ً‬ ‫الحق‪ ،‬فإن أ ّ‬ ‫رص عىل إظهاره بعد االستتابة قُ ِتل‪ ،‬وهو قول طائف ٍة من املتفلسفة والقرامطة الباطنية واإلسامعيلية ونحوهم‪،‬‬ ‫وإذا أ ّ‬ ‫كابن سينا وأمثاله وأصحاب رسائل إخوان الصفا والعبيديني الذين كانوا مبرص من الحاكمية وأشباههم‪ ،‬وهؤالء كانوا‬ ‫يتظاهرون بالتشيع وهم يف الباطن مالحدة‪ ،‬ويُس ّمون القرامطة والباطنية وغري ذلك» (‪.)17‬‬ ‫ويقول يف مجموع الفتاوى‪« :‬وابن سينا تكلم يف أشيا َء من اإلله ّيات والنبوءات واملعاد والرشائع مل يتكلم فيها سلفه‬ ‫وال وصلت إليها عقولُهم وال بلغتها علو ُمهم‪ .‬فإنه استفادها من املسلمني وإن كان‪ ،‬إمنا أخذ عن املالحدة املنتسبني إىل‬ ‫املسلمني كاإلسامعيلية‪ ،‬وكان هو وأهل بيته وأتباعهم معروفني عند املسلمني باإللحاد وأحسن ما يُظهرون دين الرفض‬ ‫وهم يف الباطن يبطنون الكفر املحض‪ .‬وقد ص ّنف املسلمون يف كشف أرسارهم وهتْك أستارهم كت ًبا كبا ًرا وصغا ًرا‬ ‫أحق من اليهود والنصارى‪ ،‬واملقصود هنا أن ابن سينا أخرب عن نفسه أن أهل‬ ‫وجاهدوه باللسان واليد‪ ،‬إذ كانوا بذلك ّ‬ ‫بيته وأباه وأخاه كانوا من هؤالء املالحدة وأنه إمنا اشتغل بالفلسفة بسبب ذلك» إىل أن قال‪« :‬وابن سينا ملّا عرف شيئًا‬ ‫من دين املسلمني وكان قد تلقى ما تلقاه عن املالحدة وعمن هو خري منهم من املعتزلة والروافض‪ ،‬أراد أن يجمع بني‬ ‫ما عرفه بعقله من هؤالء وبني ما أخذه من سلفه» (‪.)18‬‬ ‫وقال ابن تيمية يف موضعٍ آخر‪« :‬وابن سينا أحدث فلسف ًة ركّبها من كالم‬ ‫ومم أخذه من أهل الكالم املبتدعني الجهمية ونحوهم‪ ،‬وسلك‬ ‫سلفه اليونان‪ّ ،‬‬ ‫طريق املالحدة اإلسامعيلية يف كثريٍ من أمورهم العلمية والعملية‪ ،‬ومزجه‬ ‫بيش ٍء من كالم الصوفية وحقيقته تعود إىل كالم إخوانه اإلسامعيلية القرامطة‬ ‫الباطنية‪ .‬فإن أهل بيته كانوا من اإلسامعيلية أتباع الحاكم الذي كان مبرص‪،‬‬ ‫وكانوا يف زمنه ودينهم دين أصحاب «رسائل إخوان الصفا»‪ ،‬وأمثالهم من‬ ‫أمئة منافقي األمم الذين ليسوا مبسلمني وال يهود وال نصارى» (‪.)19‬‬

‫‪ .17‬ابن تيمية‪ ،‬الصفدية ‪.1/2‬‬ ‫‪ .18‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى [‪.]9/233-235‬‬ ‫‪ .19‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى [‪.]11/571‬‬ ‫‪ .20‬ابن تيمية نقض املنطق ص ‪.87‬‬

‫ويتهمه هنا بالتش ّيع واالنتقاص من الصحابة‪« :‬وكذلك ابن سينا وغريه يذكر‬ ‫من التنقّص بالصحابة ما ورثه عن أبيه وشيعته القرامطة‪ ،‬حتى تجدهم إذا‬ ‫ذكروا حاجة النوع اإلنساين إىل اإلمامة عرضوا بقول الرافضة الضالل‪ ،‬لكن‬ ‫بالسب بأكرث مام يرصح به هؤالء الفالسفة» (‪.)20‬‬ ‫رصحون‬ ‫ّ‬ ‫أولئك الرافضة ي ّ‬

‫‪13‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ويقارن هنا ابن تيمية األفكار الفلسفية البن سينا بأفكا ٍر ديني ٍة ويعتربها أسوأ منها‪ ،‬وال أعرف ما الرابط بينها وبني هذه‬ ‫الديانات إال ليك يوصل فكرة أنها س ّيئ ٌة لدرجة أن اليهود والنصارى واقوالهم أفضل منها‪« :‬ما يقوله ابن سينا وأمثاله‬ ‫وهؤالء قولهم رش من قول اليهود والنصارى ومرشيك العرب» (‪.)21‬‬ ‫وصف ابن سينا بامللحد مع‬ ‫وننتقل إىل الطالب الو ّيف البن تيمية يف التكفري‪ ،‬وهو ابن الق ّيم الجوزية‪ ،‬حيث يستم ّر يف ْ‬ ‫وضعِ ابن‬ ‫ربطه بالتش ّيع حيث يقول‪« :‬وأما هذا الذي يوجد يف كتب املتأخرين من حكاية مذهبه (أرسطو) فإمنا هو من ْ‬ ‫سينا‪ ،‬فإنه ق ّرب مذهب سلفه املالحدة من دين اإلسالم بجهده‪ ،‬وغاية ما أمكنه أن ق ّربه من أقوال الجهمية الغالني يف‬ ‫التج ّهم‪ ،‬فهم يف غلوهم يف تعطيلهم ونفيهم أس ّد مذه ًبا وأصح قولً من هؤالء» (‪.)22‬‬ ‫أيضا‪« :‬وكان ابن سينا كام أخرب عن نفسه قال‪ :‬أنا وأيب من أهل دعوة الحاكم‪ ،‬فكان من القرامطة الباطنية‬ ‫وقال عنه ً‬ ‫ٍ‬ ‫مبعوث جاء من عند الله تعاىل» (‪ .)23‬وأطلق عليه ابن القيم لقب‬ ‫رب وال رسو ٍل‬ ‫الذين ال يؤمنون مببدأٍ وال معا ٍد وال ٍ‬ ‫«إمام امللحدين» يف إغاثة اللهفان (‪.)24‬‬ ‫ويعطي لشتم ابن سينا بقصيدته النونية (‪ )25‬حي ًّزا ليس بالقليل‪ ،‬والتي مطلعها‪:‬‬ ‫وأىت ابن سينا القرمطي مصان ًعا ‪ ...‬للمسلمني بإفك ذي بهتان‬ ‫الذهبي فإنه يعترب أن ابن سينا مل ير ِو شيئًا من العلم! هذا الكالم صاد ٌم للوهلة األوىل لكنه غري ذلك متا ًما! ألن العلم‬ ‫أما‬ ‫ّ‬ ‫الذهبي وبقية شيوخ اإلسالم هو علم الفقه‪ ،‬وما يشتمل عليه من النفاس والحيض والطهارة وآداب‬ ‫الحقيقي بنظر‬ ‫ّ‬ ‫الجامع‪ ،‬وليس بطبيعة الحال الطب والفلسفة وعلم الفلك؛ فهي علو ٌم ضال ٌة تستوجب أن يقول الذهبي عن صاحبها‪:‬‬ ‫فلسفي ال ِنحلة ّ‬ ‫ضال‪ ،‬ال ريض الله عنه» (‪.)26‬‬ ‫«ما أعلمه روى شيئًا من العلم‪ ،‬ولو روى ما حلّت الرواية عنه ألنّه‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أوصاف جديد ٍة البن سينا حني يقول‪« :‬كان شيطانًا من شياطني اإلنس» (‪.)27‬‬ ‫ويبدع ابن الصالح يف‬ ‫‪ .21‬ابن تيمية‪ ،‬الجواب الصحيح ج‪ 4 :‬ص‪.463 :‬‬ ‫‪ .22‬ابن القيم الجوزية‪ ،‬إغاثة اللهفان ((‪.))2/374‬‬ ‫‪ .23‬ابن القيم الجوزية‪ ،‬إغاثة اللهفان [‪.]2/195‬‬ ‫‪ .24‬ابن القيم الجوزية‪ ،‬إغاثة اللهفان [‪.]2/196‬‬ ‫‪ .25‬ابن القيم الجوزية‪ ،‬كتاب منت القصيدة النونية‪.‬‬ ‫‪ .26‬الذهبي‪ ،‬ميزان االعتدال (‪.)1/539‬‬ ‫‪ .27‬فتاوى ابن الصـالح ‪.1/209‬‬

‫‪14‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫القرمطي‬ ‫ويجمع الكشمريي االتهامات التي ات ُّهم بها ابن سينا يف جمل ٍة واحد ٍة حيث يقول‪« :‬ابن سينا امللحد الزنديق‬ ‫ّ‬ ‫غدا مدى رشك الردى ورشيطة الشيطان» (‪.)28‬‬ ‫كتاب البن سينا وهو مقاصد الفالسفة بتكفريه يف ثالث أقوال‪:‬‬ ‫وينقل ابن كثري ر ّد الغزايل عىل ٍ‬ ‫مجلسا له‪ ،‬كفّره يف ثالث ٍة‬ ‫«قد حرص الغزايل كالمه يف «مقاصد الفالسفة» ث ّم ر ّد عليه يف «تهافت الفالسفة» يف عرشين‬ ‫ً‬ ‫منها‪ ،‬هي‪ :‬قوله ب ِقدم العامل وعدم املعاد الجسامين وأن الله ال يعلم الجزئيات وب ّدعه يف البواقي‪ .‬ويقال إنه تاب عند‬ ‫املوت والله أعلم» (‪.)29‬‬ ‫وينقل ابن حجر عن أيب الحموي أن هناك إجام ًعا لشيوخ املسلمني عىل تكفري ابن سينا حيث قال‪« :‬قد اتفق العلامء‬ ‫بعلم‬ ‫عىل أن «ابن سينا» كان يقول ِب ِقدم العالَم ونفي املعاد الجسام ّين‪ ،‬ونقل عنه أنّه قال‪ :‬إن الله ال يعلم الجزئيات ٍ‬ ‫يل‪ ،‬فقطع علامء زمانه و َمن بعدهم من األمئة ‪ -‬ممن يعترب قولهم أصولً وفرو ًعا‪ -‬بِك ْفرِه» (‪‍ .)30‬‬ ‫جز ٍّيئ بل ٍ‬ ‫بعلم ك ّ‬ ‫ر ّمبا سوف ينربي البعض مداف ًعا ليقول أن هذا الكالم اجتهد فيه بعض شيوخ اإلسالم يف ذلك الوقت واخطأوا‪ ،‬حيث مل‬ ‫تكن الصورة واضح ًة عندهم حول القيمة الكبرية للفلسفة والعلوم الطبيعية‪ ،‬وملبدعي هذه العلوم أمثال ابن سينا؟؟‬ ‫وإن كنت أجزم أن األغلبية املسلمة عندهم شعر ٌة من ابن تيمية أو الذهبي تعادل ألفًا من أمثال ابن سينا‪ ،‬وللر ّد عىل‬ ‫هذا الدفاع املفرتض‪ ،‬هو أن مسلسل التكفري استم ّر إىل اليوم حتى بعد أن عرفوا القيمة الحضارية الكبرية للعلوم التي‬ ‫عمل عليها ابن سينا‪ ،‬وللتقدير الكبري الذي حصل عليه الرجل من رشق األرض وغربها‪ ،‬ورغم كل ذلك نجد من يقول‬ ‫بكفره اليوم حيث وجدت يف املوقع اإللكرتوين املختص بالفتوى «إسالم ويب» هذه الفتوى(‪:)31‬‬ ‫السؤال‪ :‬ما أقوال العلامء يف ابن سينا وهل صحيح أن عد ًدا‬ ‫منهم قد كفّره؟‬ ‫اإلجابــة‪ :‬إ ّن ابن سينا اتُّهِم بأنه كان من القرامطة الباطنية‪،‬‬ ‫وكانت عنده أفكا ٌر فلسفي ٌة إلحادية‪ ،‬وقد كفّره شيخ اإلسالم‬ ‫ابن تيمية وابن الق ّيم‪.‬‬ ‫‪ .28‬الكشمريي‪ ،‬فيض الباري ‪.1/166‬‬ ‫‪ .29‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية [‪.]12/43‬‬ ‫‪ .30‬ابن الحجر العسقالين‪ ،‬لسان امليزان (‪.)2/293‬‬ ‫‪ .31‬إسالم ويب ‪ /‬رقم الفتوى ‪.53754‬‬

‫‪15‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫قال ابن القيم يف إغاثة اللهفان‪ :‬وكان ابن سينا كام أخرب عن نفسه‪ ،‬قال‪ :‬أنا وأيب من أهل دعوة الحاكم‪ ،‬فكان من‬ ‫ٍ‬ ‫مبعوث جاء من عند الله تعاىل‪ .‬وكان‬ ‫رب وال خالق‪ ،‬وال رسو ٍل‬ ‫القرامطة الباطنية الذين ال يؤمنون مببدأٍ وال معاد‪ ،‬وال ٍ‬ ‫هؤالء زنادق ٌة يتسرتون بالرفض‪ ،‬ويبطنون اإللحاد املحض‪ ،‬وينتسبون إىل أهل بيت الرسول صىل الله عليه وآله وسلم‪،‬‬ ‫وهو وأهل بيته برا ٌء منهم نس ًبا ودي ًنا‪ ،‬وكانوا يقتلون أهل العلم واإلميان‪ ،‬ويُدعون أهل اإللحاد والرشك والكفران‪ ،‬ال‬ ‫رصح ابن تيمية بتكفريه يف‬ ‫يح ّرمون حرا ًما‪ ،‬وال يُحلّون ً‬ ‫حالل‪ ،‬ويف زمنهم ولخواصهم ُو ِضعت رسائل إخوان الصفا‪ .‬وقد ّ‬ ‫عد ٍد من كتبه‪ .‬وقد نقل ابن كثري يف البداية‪ ،‬وابن األثري يف الكامل‪ ،‬وابن العامد يف شذرات الذهب تكفريه عن عدد من‬ ‫العلامء‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬ونن ّبه إىل أ ّن من أصعب الواجبات علينا يف هذا العرص أن نسعى يف هدايتنا وهداية املعارصين لنا‪ ،‬ونبذل يف ذلك‬ ‫نبي َضالل من انحرفوا يف العصور األوىل إذا خفنا من تأث ّر املعارصين بأفكارهم‪،‬‬ ‫قصارى جهدنا وطاقتنا‪ ،‬وال مانع أن ّ‬ ‫ولكن األهم واألوىل من ذلك هو دعوة الناس إىل اإلميان وربطهم بالس ّنة والقرآن‪.‬‬ ‫اما الشيخ الفوزان فهو يحاول أن يُبدع يف التكفري وأن يضيف جدي ًدا يف هذا املجال فيتميز عن بقية الفتاوى التي كفّرت‬ ‫ابن سينا يف السابق‪ ،‬حيث يعترب من يفتخر بابن سينا ويثني عليه وهو يعرف حقيقته كاف ًرا‪ ،‬أما الذي ال يعرف حقيقته‬ ‫جاهل وعليه أن يسكت!! وحسب فتوى الفوزان انقسم من يفتخر بابن سينا من املسلمني بني كاف ٍر وجاهل!!‬ ‫فهو ٌ‬ ‫وهذا هو نص الفتوى كامال‪:‬‬ ‫ُس ِئل فضيلة الشيخ العالمة صالح بن فوزان الفوزان‪:‬‬ ‫ما رأيكم فيمن يثني عىل ابن سينا ويجعله من علامء املسلمني؟‬ ‫الجواب‪ :‬هذا بني أمرين‪:‬‬ ‫جاهل وال يدري عن حال ابن سينا‪ ،‬وهذا ال يحق له أن يتكلم‪ ،‬بل يجب عليه أن يسكت‪.‬‬ ‫[‪ ]1‬إما أنه ٌ‬ ‫[‪ ]2‬وإما إنه عاملٌ بحال ابن سينا وكفرياته‪ ،‬فيكون ُمق ًّرا له عىل ذلك‪ ،‬فيكون حكمه مثل حكم ابن سينا‪ ،‬والعياذ بالله؛‬ ‫ألنه أقره عىل ذلك وزكّاه‪.‬‬ ‫طبيب فقط‪ ،‬وهذه حرف ٌة دنيوية‪ ،‬هو طبيب‪ ،‬ويف‬ ‫واألمر خط ٌري ج ًّدا‪ .‬لكن بعض الناس يثني عىل ابن سينا من ناحية أنه‬ ‫ٌ‬ ‫الكفار من هو أحذق منه يف الطب‪ ،‬فلامذا يُخص ابن سينا؟ يقولون‪ :‬ألنه ينتسب لإلسالم‪ ،‬وهذا مفخ ٌر لإلسالم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فيلسوف ملحد‪،‬‬ ‫يزك؛ ألنه باطني من الباطنية‪،‬‬ ‫غني عنه‪ .‬والحاصل‪ :‬أنه ال ُيدح وال ّ‬ ‫نقول‪ :‬اإلسالم بريء منه‪ ،‬واإلسالم ّ‬ ‫يقول بجواز قدم العامل (‪.)32‬‬ ‫‪ .32‬الفوزان‪ ،‬التعليق املخترص عىل القصيدة النونية (‪.)3/1328‬‬

‫‪16‬‬


‫ابن سينا الكافر وامللحد‬ ‫والباطني حسب الرتاث اإلسالمي‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ختا ًما انا ال أحاول أن أقول أن ابن سينا مل يكن جز ًءا من الحضارة العربية اإلسالمية ألنه بالفعل عمل تحت هذه املظلة‪،‬‬ ‫أوصله أن هذه الحضارة مل تكن النتاج املبارش للدين اإلسالمي‪ ،‬بل كانت نتيجة امتزاج الحضارات‬ ‫ولكن الذي أريد أن ّ‬ ‫اليونانية والهندية والفارسية والحضارات القدمية وكذلك يف العراق ومرص والشام‪ ،‬والدليل عىل ذلك أن هذه العلوم‬ ‫والفلسفات مل تظهر يف زمن الحكام الراشدين أو الحكام الذين يتصفون بتطبيق الرشيعة اإلسالمية بل كانت نواتها‬ ‫الرئيسية مع الخليفة املأمون العبايس الذي عمل عىل ترجمة العلوم والفلسفات القدمية وعىل رأسها اليونانية وهذا‬ ‫ٍ‬ ‫شديد من شيوخ املسلمني! بل أن ابن سينا نفسه قد متّت مطاردته من قبل‬ ‫هجوم‬ ‫الرجل وما قام به كان موضوع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مخالف لإلسالم‪ ،‬وقد وصل‬ ‫الحكام الغزنويني بسبب فلسفته التي يتضايق منها هؤالء الحكام والذين ينظرون إليها كفك ٍر‬ ‫متنقل متخف ًيا بسبب‬ ‫ً‬ ‫بزي الدراويش إىل أصفهان‪ .‬وهكذا نرى أنه بقي‬ ‫األمر إىل سجنه ألشه ٍر يف همذان ليهرب منها ّ‬ ‫فلسفته وفكره‪ ،‬والتي وجد املجتمع صعوبة يف تقبّلها‪ .‬حقيقة األمر أن النتاج الرشعي املبارش للدين اإلسالمي هي علوم‬ ‫الفقه والعقيدة والحديث والتفسري‪ ،‬وهي التي تنال فقط مباركة املجتمع اإلسالمي‪ ،‬وما سواها تنال اللعنة بوصفها من‬ ‫وسواس الشيطان‪ ،‬وهذا ما يؤكده الشافعي يف بعض أبياته‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُوم ِسوى ال ُق ْرآنِ َمشْ َغلَ ٌة ‪ ...‬إالَّ ال َحديث َو ِعل ِْم ال ِف ْق ِه يف الدِّينِ‬ ‫كل ال ُعل ِ‬ ‫اس الشَّ يَ ِاط ِني‬ ‫العل ُم ما قد كا َن فيه‪ :‬حدثنا ‪َ ...‬و َما ِسوى ذ َ​َاك َو ْس َو ُ‬ ‫وي ّجدون بنتاج ابن تيمية‪ ،‬وهذه‬ ‫باإلضافة إىل أن الدعاة الذي يُس ِّوقون البن سينا هم أنفسهم يس ّوقون للمذهب الس ّني ُ‬ ‫هي االزدواجية التي أقصدها والتي يجب عىل كل ٍ‬ ‫وعي أن يصارح نفسه بهذه الحقائق‪،‬‬ ‫بوعي أو بدون ٍّ‬ ‫شخص ميارسها ٍّ‬ ‫وأمامه خياران‪،‬‬ ‫إما أن ينض ّم ملدرسة ابن تيمية ويكون رصي ًحا يف تكفريه وته ّجمه عىل ابن سينا‪ ،‬وهذا ما يفعله إىل اليوم السلف ّية‬ ‫وعلامؤها أمثال الفوزان‪،‬‬ ‫أو يعلن براءته من هذا الفكر التكفريي وهذا التعصب الديني‪ ،‬وأن يتقبل الطوائف املذهبية والدينية ويكون إنسان ًيا يف‬ ‫كل شؤون حياتهم‪،‬‬ ‫تعامله مع الغري‪ ،‬حتى يحق له أن يفتخر بابن سينا وأن ال يعيش ازدواجي ًة مزمن ًة تُرافق املسلمني يف ّ‬ ‫خصوصا أن التاريخ قد قال ُحكمه وأعطى لهذا الرجل حقّه يف الغرب والرشق‪ ،‬اعرتافًا منهم بفضل مؤلفاته التي دفعت‬ ‫ً‬ ‫العلم والبرشية إىل األمام‪ ،‬ومل ِ‬ ‫أي أهمي ٍة أو تقدي ٍر لتكفري وآراء ابن تيمية حول ابن سينا‪ ،‬وكذلك مؤلفاته عىل‬ ‫تعط ّ‬ ‫وجه العموم والتي تفيض حق ًدا وكراهي ًة وتكف ًريا ومل تنتج سوى أجيا ٍل من القتلة واملتطرفني وآخرها الدولة اإلسالمية‬ ‫«داعش»‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫تعود إليكم من جديد مع املزيد من الرسومات الساخرة‬ ‫واملؤملة لذوي العقول املتحجرة واألصنام البائدة‬

‫” ‪“ M-80, II‬‬

‫‪www.facebook.com/M-80-II-941772382615672‬‬

‫‪18‬‬


‫فتنة خلق السيناريو‬

‫الشيخ ديكارت‬ ‫عمل ِ‬ ‫بالخطّة ‪ 4575878‬ب ‪ 5‬ف ‪،23‬‬ ‫ً‬ ‫يسعدين أن أضع بني أيدي املسلمني هذه‬ ‫املعضلة التي ستساعدهم عىل استعادة‬ ‫أمجاد املايض يف قتل بعضهم البعض‪ ،‬ورضب‬ ‫بعضهم البعض بالنعال‪ :‬‬ ‫‪19‬‬


‫فتنة خلق‬ ‫السيناريو‬ ‫الشيخ ديكارت‬

‫​كام تعلمون‪:‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫بكل يش ٍء عليم‪ ،‬وهو يعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون‪ ،‬وعلمه أز ٌّيل وال يحتمل الخطأ‪.‬‬ ‫ الله ّ‬‫فكل ما أفعله اآلن قد علمه الله قبل أن أفعله‪ ،‬وقبل أن يوجِ د الدنيا وما فيها‪.‬‬ ‫و بالتايل‪ّ ،‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫فالله علم منذ األزل أين سوف أكتب هذا املنشور بتفاصيله الدقيقة وعدد كلامته وحروفه‪ ،‬وعلمه ال يحتمل الخطأ‬ ‫ّ‬ ‫بكل‪ ‬يش ٍء عليم‪.‬‬ ‫وإل ملا قيل إنه ّ‬ ‫وبالتايل مل أكن أملك الخيار يف كتابة هذا املنشور أو عدم كتابته‪ ،‬ألنني لو مل أكتبه ألمكن القول بأنّ الله ظ ّن وقد‬ ‫عليم‪.‬‬ ‫أَخطأ الظن‪ ،‬وأنه ٌ‬ ‫جاهل وليس ً‬ ‫عليم أو ً‬ ‫جاهل‪.‬‬ ‫وأنا ال أملك الخيار يف أن أجعل الله ً‬ ‫علم به قبل أن نقوم بفعله‪.‬‬ ‫سي‪ ،‬وكلّنا كذلك‪ ،‬ألننا ُمجربون عىل ِفعل ما لله ٌ‬ ‫فأنا ُم ّ‬ ‫‪ ‬‬ ‫وبالتايل فعلم الله واجب الحدوث‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ومنه نستنتج أنّ ‪:‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫فيلم من تأليف وإخراج الله‪.‬‬ ‫ الحياة ليست ّإل ً‬‫ الله اآلن يستمتع مبشاهدة إعاد ٍة لفيلم الحياة الذي قام بتأليفه وإخراجه بنفسه‪.‬‬‫ الله يتحكّم بنا عن بعد‪.‬‬‫‪ ‬‬ ‫كل علمه هو من ذاته وال ميكن القول‬ ‫لكن وكام تعلمون‪ ،‬فالله ال يكتسب املعلومات‪ ،‬وال يقرأ الجرائد ليك يعلم‪ ،‬بل ّ‬ ‫بأنه تعلّمه من خارجه‪ ،‬ألنّ هذا يعني أنه كان ً‬ ‫جاهل به واكتشفه الحقًا‪ .‬‬ ‫فإ ّما أنه هو الذي خلق تلك املعلومات املُخ ّزنة يف ذاكرته‪ ،‬أو أنها أزل ّي ٌة وموجود ٌة منذ أن ُوجد‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫وهذا يقودنا لطرح ٍ‬ ‫ويفسقوا بعضهم بعضً ا كام فعلوا منذ فجر اإلسالم‪:‬‬ ‫سؤال ّ‬ ‫مهم‪ ،‬ميكن أن يأخذه املسلمون ل ُيكفِّروا ِّ‬ ‫‪ - ‬هل هذا السيناريو أز ٌّيل أم مخلوق؟‬ ‫‪20‬‬


‫فتنة خلق‬ ‫السيناريو‬ ‫الشيخ ديكارت‬

‫بكل يشء‪ ،‬ثم صار يعلم يف لحظ ٍة ُمع ّينة‪ ،‬ألنّ السيناريو هنا ما‬ ‫‪ ‬إذا قلنا إنه مخلوق‪ ،‬هذا يعني أن الله مل يكن يعلم ّ‬ ‫هو ّإل علم الله بالغيب‪ ،‬وعلمه باملستقبل الذي يحدث اآلن‪.‬‬ ‫جل‬ ‫وإذا قلنا إنه مخلوق‪ ،‬فنحن نقول إن الله ق ّرر يف لحظ ٍة أن يكتب هذا السيناريو ويجعله يحدث‪ ،‬ليك يجلس ّ‬ ‫فيلم‬ ‫جالله ويشاهد الفيلم يحدث أمامه‪ ،‬ثم يغضب لبعض أحداثه ويفرح لبعضها‪ ،‬ويف النهاية يحاسبنا عىل متثيل ٍ‬ ‫من إنتاجه وإخراجه ونحن قد أُجربنا عىل متثيله كام أراد هو‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫أي خيا ٍر يف خلقه‪ ،‬ألنه ليس مخلو ًقا‬ ‫و إذا قلنا أنه أز ّيل‪ ،‬فنحن هنا نقول أن علم الله أز ّيل‪ّ ،‬‬ ‫مم يعني أنّ الله مل يكن له ّ‬ ‫أساسا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فهو موجو ٌد غص ًبا عن الله نفسه‪ ،‬والله هنا ُمج ٌرب عىل مشاهدة سيناريو مل يكتبه بنفسه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا يعني ً‬ ‫حدث عاب ٌر يف هذا‬ ‫أي خيا ٍر يف خلقنا أو عدم خلقنا‪ ،‬ألنّ خلقنا ما هو ّإل‬ ‫مثل‪ ،‬أنّ الله مل يكن ميلك ّ‬ ‫أي دخلٍ يف وجوده أو عدم وجوده‪ ،‬ألنّ عدم وجوده ليس‬ ‫السيناريو الطويل األز ّيل الذي ُوجد منذ األزل‪ ،‬ومل يكن لله ّ‬ ‫أساسا لكونه أزل ًّيا‪.‬‬ ‫محل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫نقاش ً‬ ‫ومعناه أنّ مشاهدة الله للسيناريو وقيامه مبحاسبتنا‬ ‫ٌ‬ ‫أحداث ضمن السيناريو‬ ‫ومعاقبتنا ليست من خياراته‪ ،‬ألنها‬ ‫األز ّيل نفسه‪...‬‬ ‫وهذا يطرح ً‬ ‫مهم آخر‪:‬‬ ‫سؤال ًّ‬ ‫سي؟‪ ‬‬ ‫ هل الله ُمخري؟ أم ُم ّ‬‫‪ ‬‬ ‫أمت ّنى منكم أن تنقلوا شُ بهتي هذه لشيوخكم‪ ،‬وتخربوهم‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات حني وضعته‬ ‫أنّ الجزء األول منها ينتظر الر ّد منذ ‪4‬‬ ‫عىل إحدى قنوايت اليوتيوب ّية وشاهده مئات اآلالف ومل‬ ‫والسب والتبليغ عليه إىل‬ ‫يصلني منه ّإل التهديد والوعيد‬ ‫ّ‬ ‫أن ُح ِذف‪.‬‬ ‫‪21‬‬

‫سي؟‪ ‬‬ ‫هل الله ُمخري؟ أم ُم ّ‬


22


‫الوجه اآلخر‬

‫إلبليس‬

‫‪Colin Wilson‬‬

‫‪23‬‬


‫الوجه اآلخر إلبليس‬ ‫‪Colin Wilson‬‬

‫ثالثة‪ ...‬نعم ثالثة‪...‬‬ ‫القصة‪،‬‬ ‫إنها األجزاء املُقتطعة من ّ‬ ‫وهي كل ما وصل للبرش من الحكاية‪...‬‬ ‫ثالثة‪ ،‬لكن يف حقيقتها هي وجهة نظ ٍر واحد ٍة ت ّم تكرارها‬ ‫ثالث م ّرات‪ ...‬كُتبت نفس وجهة النظر األحادية يف التوراة‪،‬‬ ‫ثم كُتبت هي نفسها يف اإلنجيل‪ ،‬ثم تك ّررت بحذافريها يف‬ ‫القرآن‪...‬‬ ‫إنها القصة التي نُقلت عن ذلك املدع ّو الله لكن‪ ...‬لك ّن‬ ‫القصة‪ ...‬أح ًدا‬ ‫أح ًدا مل يهت ّم بأن يسمع الجزء املفقود من ّ‬ ‫مل يهت ّم أن يستمع إىل امل ُ ّدعى عليه يف تلك القضيّة‪ ...‬وبعد‬ ‫ٍ‬ ‫وكل‬ ‫صمت دام آالف القرون ها أنا أقف أمامكم اليوم ّ‬ ‫رجا ٌء أن أنال فرصتي ولو ملر ٍة واحد ٍة بالحديث والتعبري‬ ‫القصة‪...‬‬ ‫عن وجهة نظري وأن أتلو الجزء املفقود من ّ‬ ‫طلبت من حواء أن تأكل‬ ‫رفضت السجود آلدم‪ ،‬نعم‬ ‫نعم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫من تلك الشجرة‪ ....‬لك ّن ما حدث بعد ذلك من النتائج‬ ‫ليس من مسؤول ّيتي‪...‬‬ ‫للرب (كام يعرتف هو شخص ًّيا) وملتز ًما بكل القوانني والترشيعات املكتوبة يف الدستور‬ ‫كنت مالكًا عاب ًدا‬ ‫لقد ُ‬ ‫ً‬ ‫مخلصا ّ‬ ‫نبشت ذاكريت فوجدْتُ بن ًدا يف الدستور‬ ‫الذي وضعه بنفسه‪ ...‬كان األمر هادئًا حتى خلق الله آدم‪ ،‬ثم أمرنا أن نسجد له‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حاولت لفته وتنبيهه إىل مخالفة هذا األمر ٍ‬ ‫لبند مه ٍّم‬ ‫(الذي أحفظه عن ظهر قلب) أنه ال ينبغي أن يُس َجد لغري الله‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫من بنود الدستور فام كان منه إال أن اشتعل غض ًبا وأمر الح ّراس أن يلقوين خار ًجا مذمو ًما مدحو ًرا‪...‬‬ ‫كنت أعتقد أنه سيكافئني عىل احرتامي للقوانني التي كتبها‪ ،‬كنت أعتقد أنه ال يجوز تبديل دستور الله‪ ،‬لك ّن ما حدث‬ ‫ُ‬ ‫قد حدث‪...‬‬ ‫‪24‬‬


‫الوجه اآلخر إلبليس‬ ‫‪Colin Wilson‬‬

‫الرب‪ ،‬متج ّر ًعا آالمي وحزين‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫عشت حيايت خارج أسوار مملكة ّ‬ ‫يقض مضجعي ويحرمني النوم ٌ‬ ‫سؤال واح ٌد فقط‪ ....:‬ملاذا؟‪...‬‬ ‫وكان ّ‬ ‫جلل ليستوجب كل هذا؟‬ ‫الرب ورحمته؟ أكان األمر الذي اقرتفته ً‬ ‫ما الخطأ الذي‬ ‫ّ‬ ‫استحق أن أُطرد بسببه من ملكوت ّ‬ ‫وخاص ًة إن كان هذا اإلله يسري وفق خطّ ٍة وضعها ُمسبقًا‪...‬‬ ‫غموضا وحري ًة‬ ‫وكلام فكّرتُ يف ذلك يزداد‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫لت إليه أنه قد يكون الله قد وضع خطّ ًة عا ّم ًة دون تفاصيل‪ ،‬ورمبا غاب عنه أن يفكّر يف طريقة‬ ‫توص ُ‬ ‫وأقىص تفسريٍ ّ‬ ‫تنفيذها‪ ،‬لذا قد يُضط ّر أحيانًا إىل االرتجال وفعل أشيا ٍء سخيف ٍة وبعيد ٍة عن املنطق يف سبيل تنفيذ خطّته الرئيس ّية‪...‬‬ ‫والتزمت الصمت‪...‬‬ ‫عضضت عىل جراحي‬ ‫لكن ورغم كل يش ٍء‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عشت أقتات عىل النفايات التي تتك ّدس يف الحاوية عند باب الج ّنة‪ ،‬وأختلس النظر بني الفينة واألخرى بداخل الج ّنة‬ ‫ُ‬ ‫عرب الشقوق يف أسوارها‪...‬‬ ‫كانت حواء وقتها طفل ًة صغرية‪ ،‬كنت أراها تلعب باألرجوحة‪ ،‬تالحق الفراشات بني حقول ال َج ّنة‪...‬‬ ‫كانت طفل ًة رائع ًة بكل ما تحمله الكلمة من معنى‪...‬‬ ‫جامل وروعة‪...‬‬ ‫ناظري ويف كل مرحل ٍة من مراحل حياتها كانت تزداد ً‬ ‫كبت أمام‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫غي خطّته‪...‬‬ ‫الخلفي‬ ‫ويف أحد األيّام وبينام كنت أستند عىل جدار الجنة‬ ‫ُ‬ ‫سمعت حديثًا يدور بني املالئكة بأن الله ّ‬ ‫ّ‬ ‫فبعد أن كان يخلق الكائنات الخالدة مثل املالئكة ق ّرر أن يخلق املوت ويكتبه يف أقدار البرش‪...‬‬ ‫لوهل ٍة مل أشعر بيش ٍء لك ْن بعد برهة تفكريٍ أُصبت بالصدمة والهلع وارتجفت أطرايف رع ًبا‪...‬‬ ‫تذكّرت ذلك الكائن اللطيف املدع ّو حواء‪...‬‬ ‫م ّرت يف مخ ّيلتي كل لحظ ٍة كنت أراقبها فيها وهي تتقافز كالظبية الصغرية بني حدائق ال َج ّنة‪...‬‬ ‫وه ّزتني حقيقة أنها ستختفي فجأ ًة من الوجود‪...‬‬ ‫ستحل هذه املعضلة‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫بكيت كث ًريا ومل أستطع النوم‪ ،‬ويف لحظ ٍة تذكّرتُ الشجرة التي‬ ‫بكيت‪ُ ...‬‬ ‫بزي آخر‪...‬‬ ‫انتفضت من مكاين‬ ‫شجرة الخلود!‬ ‫وذهبت ر ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اكضا نحو حواء بعد أن استطعت خداع ح ّراس الجنة بأ ْن تنكّرتُ ٍّ‬ ‫أخربتها مبا سمعت ونصحتها بأن تأكل من الشجرة‪...‬‬ ‫الرب فاهت ّز غض ًبا وهاج وماج حتى أمر املالئكة برمي حواء‬ ‫وبينام كانت حواء ته ّم بقضم قضمتها األوىل شاهدها ّ‬ ‫وزوجها خار ًجا‪...‬‬ ‫‪25‬‬


‫الوجه اآلخر إلبليس‬ ‫‪Colin Wilson‬‬

‫القصة شيئًا سوى أنه طُرد‬ ‫ْ‬ ‫يل‪ ،‬وآدم الذي مل يكن يعلم من ّ‬ ‫أصبحت سمعتي س ّيئ ًة ج ًّدا وأخذ اإلعالم الربّاين بالتشنيع ع ّ‬ ‫من الجنة وأصبح مضط ًّرا للعمل يك يكسب قوت يومه ُمستا ًء من طرده من النعيم وأخذ يكيل يل السباب والشتائم‪،‬‬ ‫ورغم محاوالت حواء املستم ّرة لرشح ما حدث إال أ ّن آدم الذي كان منفج ًرا غيظًا بسبب طرده يسكتها برصاخه العايل‪،‬‬ ‫يل بأفظع أشكال السباب وعزا إ ّيل سبب شقائه وقد ر ّدت‬ ‫ويف إحدى امل ّرات وأثناء نوبات الغضب اآلدم ّية انهال آدم ع ّ‬ ‫غضب عار ٌم وتقافز‬ ‫حواء يف لوعة‪ :‬أمل يكن من األ ْوىل بربّك أن يكون أكرث حكم ًة من أن يغضب ألجل تفّاحة؟ اجتاح آدم ٌ‬ ‫حق ٌد مد ٍّو أمام عينيه فرفع يده وقام بصفعها عىل وجهها صفع ًة أطارت قرط أذنيها‪...‬‬ ‫تسي حياة البرش‪ ،‬وأصبح الرضب ال َحكم الفصل يف الحياة‬ ‫ومنذ تلك اللحظة أصبح الغضب والحقد والكراهية هي ما ّ‬ ‫الزوج ّية‪ ،‬ال املح ّبة والرحمة واألمان‪ ...‬تح ّولت حياة البرش إىل جحيم‪ ،‬ليس بسبب أكل حواء لتفّاحة‪ ،‬بل بسبب إل ٍه أحمق‬ ‫رص أن ينفّذ كلم ًة تفلّتت منه‪ :‬ليمأل ّن جه ّنم‪...‬‬ ‫أ ّ‬ ‫ماتت حواء بحرستها‪ ،‬ماتت دون أن تتمكّن من قول الحقيقة‪ ...‬تعاقبت بعدها ٌ‬ ‫أجيال تلو أجيا ٍل تتناقل الجانب الوحيد‬ ‫يتحل‬ ‫الجهوري‪ ،‬الجانب الذي ّ‬ ‫القصة‪ ،‬الجانب الذي سمعوه من الطرف األقوى‪ ،‬الجانب ذو الصوت‬ ‫الذي يعرفوه من ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالق ّوة والنفوذ لفرض وجهة نظره‪ ...‬ومهام كان رأيكم يف تلك الحكاية فهي ال تعدو كونها وجهة نظر الطرف األكرث عنفًا‬ ‫وجعجع ًة ليس إال‪...‬‬

‫‪Facebook: https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪YouTube: http://www.youtube.com/channel/UCZPNmgRuJExL6k3QBDsX-VA‬‬ ‫‪twitter: https://twitter.com/eskandarany/‬‬

‫ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺣﻮاري ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﺗﺪﻋﻢ ﺑﻌﺾ ﺣﻠﻘﺎﺗﻪ ﴍﻛﺔ‪،‬‬ ‫‪ ،Google‬ﻳﻬﺪف ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﱃ إﱃ إﺟﺮاء اﻟﺤﻮار ﻣﻊ‬ ‫اﳌﻠﺤﺪﻳﻦ واﻟﻼدﻳﻨﻴﻦﻴ اﳌﴫﻳﻦﻴ‪ ،‬واﳌﺘﺤﺪﺛﻦﻴ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻠﻐﺔ‬ ‫اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ُﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﰲ اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ وﺷﺎﻤل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ‬ ‫ﻓﻜﺮة وﺗﻨﻔﻴﺬ اﺳﺎﻤﻋﻴﻞ ﻣﺤﻤﺪ‬

‫‪26‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪27‬‬


‫صفحة ثابتة نقدم فيها قراءة ألحد الكتب القيمة‬

‫قراءة يف كتاب صادق جالل العظم‬

‫“نقد الفكر الديني”‬ ‫يتكون هذا الكتاب من مثانية أجزاء‪،‬‬

‫أ ّولها املقدَّ مة‪:‬‬

‫والتي أورد فيها املؤلف فكرة هذا الكتاب الذي يتكون‬ ‫من مجموعة من األبحاث الفكرية والتي تقوم عىل النقد‬ ‫املوضوعي العلمي واملناقشة العلامنية‪ ،‬والتي تتصدى‬ ‫حسب نظر الباحث للفكر الديني ببعض نواحيه السائدة‬ ‫خصوصا يف الوطن العريب مهد التخلف‬ ‫حاليًا يف عرصنا هذا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والقمع والرجعية‪ ،‬ويشري الباحث إىل األثر السلبي الناتج‬ ‫عن هذه النواحي يف حياة األمم والشعوب واألفراد وكيف‬ ‫تستغل بعض طبقات املجتمع (مثل األنظمة الحاكمة)‬ ‫هذا الفكر ملصلحتها الخاصة وللمحافظة عىل نفسها‬ ‫والبقاء يف مواقعها ويف السيطرة عىل القطيع والجموع‬ ‫وتغييبها‪ ،‬وكيف تستفيد من طبيعة الفكر الديني‬ ‫املطاطية القابلة للتشكّل وملء جميع القوالب الوهمية‬ ‫يف تطويعه لصالح الحاكم والنظام مهام كان نظام حكمه‪،‬‬ ‫ويوضح الباحث يف مقدم ِته هذه‪ ،‬املنهج العلمي الذي‬ ‫اتبعه واملعتمد عىل اإلنتاج الفكري الواعي املتعمد‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫تلخيص‪ :‬شادي بشري‬


‫قراءة يف كتاب “ نقد الفكر الديني ” لصادق جالل العظم‬

‫شادي بشير‬

‫الجزء الثاين من الكتاب‪:‬‬

‫وهو البحث األول الذي قام به هذا الكاتب‬ ‫وامل َعن َون ب «الثقافة العلمية وبؤس الفكر‬ ‫الديني»‪ :‬ويوضح يف البحث مالمح التفاعل القوي‬ ‫الحاصل بني الحركة العلمية الصاعدة يف القرنني‬ ‫املاضيني والحركة الدينية املسيطرة عىل جميع‬ ‫مناحي الحياة‪ ،‬حيث بدأت الحركة العلمية برتسيخ‬ ‫تأثرياتها القوية والواضحة عىل الحياة الدينية‬ ‫البحتة للناس‪ ،‬ويوضح الباحث كيف بدأت الحركة‬ ‫الدينية ترتاجع يف معركتها الدموية الطاحنة ضد‬ ‫العلم واملنهج العلمي والتفكري العقالين املنطقي‬ ‫القائم عىل األدلة والتجربة والربهان وبعد‬ ‫الحركات واملحطات الواضحة التأثري للنهضة‬ ‫العلمية القامئة‪ ،‬ثم يوضح فيه بعد ذلك كيف‬ ‫بدأت الحركة الدينية بتغيري سياستها مع الحركة‬ ‫العلمية للمحافظة عىل مكانتها‪ ،‬بعد أن أُجربت‬ ‫عىل الرتاجع إىل حدو ٍد ضيق ٍة بسبب رجعيتها‬ ‫والمنطقيتها وقيامها بابتداع بعض الحلول الواهية‬ ‫ملجاراة التطور يف جميع مناحي الحياة واملحافظة عىل نفسها من الضياع أو الفناء‪.‬‬ ‫ومن هذه الحلول الحل التوفيقي القائم عىل التوفيق بني املعارف العلمية اإلنسانية واملعتقدات الدينية املوروثة‪ ،‬والذي‬ ‫اتخذ (الحل التوفيقي) عدة أشكال مفهومة وأخرى غري مفهومة قامئة عىل املراوغة والخداع والتمويه وقد تضمن هذا‬ ‫الحل موضوع اإلعجاز العلمي يف القرآن‪.‬‬ ‫فكري قائ ٌم عىل رفض النظرية العلمية مبجملها واالنغالق داخل النظرة‬ ‫باإلضافة إىل ثالثة حلو ٍل أخرى أ ّولها انتحا ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫الدينية انغالقًا تا ًما‪ ،‬وثانيها القيام بفصلٍ‬ ‫تعسفي بني الجوهر الروحي للدين والجوهر الزمني للعلم واملتمثل يف مظاهر‬ ‫ٍ‬ ‫الحياة الدنيا‪ .‬أما الحل األخري والذي يعتمد عىل العاطفة اإلنسانية كنه ٍج يتبعه يف تحديد املوقف من اإلميان بالخالق‬ ‫من عدمه‪ ،‬فيتخذ الخيار الواهي األخري والقائل بأن اإلميان بالله مع عدم وجوده أكرث طأمنين ًة من الخيار املخيف‪،‬‬ ‫فعل‪ ،‬متناس ًيا صاحب هذا اال ّدعاء االحتامل الحقيقي للخطأ واملتمثل يف اإلميان‬ ‫وهو عدم اإلميان بالله وكان موجو ًدا ً‬ ‫‪29‬‬


‫قراءة يف كتاب “ نقد الفكر الديني ” لصادق جالل العظم‬

‫شادي بشير‬

‫خصوصا اإلسالم‬ ‫باإلله الخاطئ وبذلك ينتهي هذا البحث ببيان هزلية الوهم املتمثل يف محاولة التوفيق بني األديان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واملسيحية واتخاذ سياسة التحوير والتزوير والتحدث بشكل عام واملجاملة من أجل إثبات املوقف باالعتامد عىل الدين‬ ‫اآلخر‪ ،‬وعدم الخوض يف التفاصيل الحقيقية املف ِّرقة بني هذين الدينني‪ ،‬بل االكتفاء يف التعميامت حول التوافق اإلسالمي‬ ‫املسيحي القائم منذ زمن بعيد‪.‬‬

‫أما الجزء الثالث من الكتاب‬

‫أقسام متسلسل ٍة ويتكلم فيها عن األساطري باختصا ٍر ويورد الباحث قصة إبليس (الشطيان)‬ ‫قسمه الباحث اىل خمسة‬ ‫ٍ‬ ‫ف ُي ّ‬ ‫املرتسخة يف الذهنية الدينية الشائعة‪ ،‬والتي‬ ‫حسب الرؤية اإلسالمية كمثا ٍل عىل إحدى هذه األساطري الخرافية الكثرية‪ّ ،‬‬ ‫توجب وجود إبليس كجز ٍء من العقيدة الدينية وكركْنٍ من أركان القصة الدينية املتكونة من الله وأوامره واإلنسان‬ ‫والشيطان ذي الدور املهم ج ًدا يف اكتامل هذه املعضلة‪ .‬ويناقش الباحث آراء بعض كهنة (فقهاء) املسلمني يف قصة‬ ‫ويفصل صادق العظم األحداث التي حصلت منذ أن خلق الله آدم وأمر املالئكة بالسجود له‪ ،‬ويبني املحنة‬ ‫إبليس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املصريية التي وقع فيها إبليس بسبب إرغامه عىل االختيار بني املشيئة اإللهية واألوامر اإللهية املتضادتني يف نظره‪.‬‬ ‫ويف القسم التايل يتكلم عن األدبيات العاملية املقتبسة‬ ‫من هذه القصة‪ ،‬ثم يُ ّبي كيف أن إبليس وأفعاله ونتائج‬ ‫أفعاله كل ذلك محكو ٌم للقضاء والقدر الذي وضعه الله‬ ‫وحدده بالقلم يف أول الخلق وكيف ينظر إىل فعلة إبليس‬ ‫بيش ٍء من الرباءة‪ ،‬ال الجرمية حسب فلسفة إبليس نفسه‪.‬‬ ‫ويف القسم الخامس واألخري من هذا البحث يتكلم‬ ‫الباحث عن كل هذا األمل الناتج من تدبري الله‪ ،‬والذي‬ ‫هو نفسه خلق الخري والرش‪ ،‬هو الذي كتب القضاء‬ ‫وجف قلمه‪ ،‬هو الذي كتب عىل عباده املعايص‬ ‫والقدر َّ‬ ‫والطاعات‪ ،‬وسيدخل بعضهم النار وبعضهم الجنة بنا ًء‬ ‫عىل أعاملهم التي كانت من اختيارهم ظاهريًا‪ ،‬ومبشيئته‬ ‫باطن ًيا‪ ،‬ومجارا ًة لقلمه الذي ح َّدد مصائر الخالئق منذ‬ ‫األزل‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫قراءة يف كتاب “ نقد الفكر الديني ” لصادق جالل العظم‬

‫شادي بشير‬

‫يتح َّدث الباحث عن املكر اإللهي املتعلق بهذه املشيئة‪ ،‬أي أ ّن مشيئة الله تحدد مصري الخالئق وليست ذنوبها ومعاصيها‪،‬‬ ‫ولكنه جعلها ُمخري ًة ليوهمها بأنها استحقت العذاب بسبب معاصيها‪ ،‬ال بسبب مشيئته وأوامره‪ ،‬هذه هي االحرتافية‬ ‫اإللهية يف إنتاج الدراما الدينية التاريخية وحبك القصص األسطورية الرضورية الستمرار الفكر الديني يف عقول العوام‬ ‫واملغيّبني والوارثني ألفكار من سبقوهم‪.‬‬

‫أما يف الجزء الرابع من الكتاب‪:‬‬

‫والذي كان تاب ًعا للجزء السابق له‪ ،‬فقد أورد فيه الباحث ردوده املنطقية عىل االنتقادات الخاصة بالبحث «مأساة‬ ‫إبليس»‪ .‬وقد ناقش فيه‪ ،‬أي الجزء الرابع‪ ،‬عقليات النقاد الذين مل يتكلّفوا حتى عناء قراءة البحث بأكمله‪ ،‬بل اكتفوا‬ ‫بالقدر القليل الذي أرادته الصحف واملجالت يف زواياها وأعمدتها الثقافية‪ ،‬وهذا ما ع َّودنا عليه أصحاب الفكر الديني‬ ‫اإلسالمي وما عرفناه عنهم من قلة القراءة واالطالع والفهم الصحيح لألفكار والبحوث املناقشة لحقائق دينهم‪ .‬ولذلك‬ ‫ِ‬ ‫االنتقادات الواردة منهم لبحث مأساة إبليس ال‬ ‫قل ودل‪ .‬فحسب رأيه أن‬ ‫جاء الر ُّد من الباحث قص ًريا وات ّبع سياسة ما ّ‬ ‫خصوصا بعد‬ ‫بغنى عن االطالع عىل ما كتبه الناقد الرئييس للبحث‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تتعدى فكر ًة جزئي ًة مشوهة‪ ،‬هو والقارئ الواعي ً‬ ‫كشف الناقد عن نواياه الواضحة بإيذاء وتهديد الباحث واملهاترات واالتهامات التي و ّجهها إليه‪.‬‬

‫وبعد ذلك يعود بنا الكاتب يف الجزء الخامس‬ ‫من الكتاب عقو ًدا من الزمن ليستذكر‬

‫الحادثة املشهورة «الواقعة» يف عام ‪1968‬‬ ‫يف ضاحية الزيتون يف مرص ‪ -‬والتي تذكرك‬ ‫قاريئ العزيز باال ّدعاءات اإلسالمية الغبية يف‬ ‫أيامنا الحالية واملتمثلة يف وجود اسم الله‬ ‫عىل حبة البطاطا أو ظهور اسمه يف الغيوم‬ ‫وهكذا‪ -‬وهذه الحادثة متمثلة يف «معجزة‬ ‫ظهور العذراء» عىل قبة الكنيسة‪ ،‬ويتعجب‬ ‫الباحث من التغطية اإلعالمية الرسمية وشبه‬ ‫خصت هذه‬ ‫الرسمية الشديدة واملكثفة التي ّ‬ ‫املعجزة وعىل مستوى خارج مرص حتى‪ ،‬إىل‬ ‫درجة تب ّني الكثري من الجهات لهذه الحادثة‬ ‫فعل‪،‬‬ ‫كأنها حادثة حقيقية ً‬

‫‪31‬‬


‫قراءة يف كتاب “ نقد الفكر الديني ” لصادق جالل العظم‬

‫شادي بشير‬

‫أيضا من الصمت املقابل‬ ‫بل ويبدي تعجبه ً‬ ‫لهذا اال ّدعاء من قبل املفكرين واملثقفني‬ ‫واالشرتاكيني والعلامنيني وعدم ر ّدهم‬ ‫عىل هذه املزاعم الهستريية حسب رأيه‪،‬‬ ‫وتعجبه من تل ّهي الجامهري العربية الواسعة‬ ‫بالغيبيات والخوارق واملعجزات وغريها من‬ ‫األساطري‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يبدأ الباحث بتفنيد القصة‬ ‫املذكورة علم ًيا ومنطق ًيا بذكر املغالطات‬ ‫والتناقضات واألخطاء التاريخية واملفارقات املضحكة‪ ،‬وباستخدام الدالئل والقرائن وتسلسل األحداث وربطها ببعضها‪،‬‬ ‫ومام يثري السخرية أن األدوات التي استخدمها الباحث يف عمله هذا هي األقوال واملعلومات الصادرة عن أصحاب هذا‬ ‫اال ّدعاء والجهات التي تبنته‪ ،‬ليوضح التناقضات واالختالفات يف التنظريات امللصقة بهذا اال ّدعاء‪ ،‬ويقدم للمتحمسني منهم‬ ‫التجل‪.‬‬ ‫واملصدقني تحديًا إلثبات علمي مهام كانت درجة تعقيده أو بساطته لحادثة ّ‬ ‫ويف النهاية كانت نتائج هكذا خر ٍ‬ ‫افات هي سقوط العديد من الضحايا من املتجمهرين واملتدافعني لرؤية مكان التجيل‪،‬‬ ‫وهذا كله بسبب سيطرة الفكر الديني املعتمد عىل الخرافات واألساطري يف انتشاره وترسيخه‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫قراءة يف كتاب “ نقد الفكر الديني ” لصادق جالل العظم‬

‫شادي بشير‬

‫ويف البحث السادس من هذا الكتاب‪:‬‬ ‫يتكلم صادق العظم عن الحياة املسيحية الغربية املزيفة والتي أوضحها من خالل تعليقاته عىل مجموع ٍة من املحارضات‬ ‫لالهوتيني ورجال الدين املسيحيني من مختلف أصنافهم الدينية‪ ،‬والتي دعت بعضها إىل اتحاد الكنائس املسيحية املتنوعة‬ ‫بعد تراجع قيمة الكنيسة والديانة املسيحية يف حياة الناس واألمم‪ ،‬بسبب القوى العلامنية التي اهتمت باإلنسان‬ ‫وركزت عليه لتحسني حياته والتي كانت دامئًا يف حرب مع الكنيسة التي تحاول السيطرة عىل كل مظاهر الحياة‪ ،‬ومعظم‬ ‫مواضيع هذه املحارضات كانت تدور حول عالقة الكنيسة بالعامل الحديث وقيمة الكنيسة يف العامل املعارص‪ .‬إ ّن أهم‬ ‫ما ميّز هذه املحارضات واآلراء هي املحاوالت املستمرة ألصحابها لتحديد أركان ومظاهر ومجاالت اختصاص الديانة‬ ‫املسيحية بعد الهزائم املتتالية لها أمام القوى العلامنية التي يتحدث عنها الباحث‪ ،‬ويوضح الباحث كيف حاولوا تربير‬ ‫األحداث الخاصة بهذه املعركة عرب التاريخ حتى لو اضطروا إىل تزييف النتائج وقلب الهزائم اىل انتصارات‪ .‬كل ذلك‬ ‫لحفظ ماء الوجه وإنقاذ ما تبقى من تر ٍ‬ ‫ديني با ٍل مل يعد ذا قيم ٍة حقيقي ٍة يف القرن العرشين وما تاله‪.‬‬ ‫اث ٍ‬

‫يف البحث السابع من الكتاب‪:‬‬

‫يقدم الباحث معلومات عن تعامل الحضارات واملجتمعات مع فكرة الوجود والكون والحياة عرب التاريخ‪ ،‬فيذكر كيف‬ ‫كانت الرؤية الدينية هي املسيطرة عىل طريقة التعبري عن هذه النظرة الشاملة ويقدم الحضارة اليونانية كمثال‪ ،‬ثم‬ ‫قليل عن الفكر الديني ويتكلم عن تغري هذه النظرة إىل الكون وأصله وكيف تؤثر وتتأثر باملعارف والعلوم‬ ‫يبتعد الباحث ً‬ ‫املوجودة يف كل عرص ثم يتجه بعد ذلك للحديث عن نظرة العلوم الحديثة للكون ومكوناته من مكان وزمان وخصائص‬ ‫كل منهام ويستشهد ببعض الكتب وما ورد فيها كمراجع مثل كتاب املبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية للعامل الفيزيايئ‬ ‫نيوتن‪ ،‬ويذكر الباحث بأن الصورة املتولدة عن الكون بعد انطالق الثورة العلمية ُس ّميت باملادية امليكانيكية‪ ،‬وينتقل‬ ‫بعد ذلك للحديث عن التفاصيل العلمية الخاصة بهذه الصورة والتي ال يستطيع فهمها بشكلٍ كاملٍ وصحي ٍح سوى‬ ‫أيضا عن النظريات واألفكار العلمية التي تشابه هذه املادية امليكانيكية والتي تنطبق عىل‬ ‫أصحاب االختصاص‪ ،‬ويتكلم ً‬ ‫املجاالت األخرى املرتبطة بحياة اإلنسان مثل االقتصاد والتطور البيولوجي وعلم النفس وغريها‪ ،‬والتي تعتمد كلها عىل‬ ‫التبسيط والوصول للوحدة البسيطة التي ال ميكن الحصول عىل أصغ ٍر منها أو تقسيمها إىل أجزاء أصغر مثل الذرة‪،‬‬ ‫علم املادة ومثل اإلنسان يف املجتمع ومثل الحيوان يف الفسيولوجيا الحيوانية‪ ،‬ثم يأيت بعد ذلك إىل االنتقادات املوجهة‬ ‫الصفحة ‪221‬محذوفة من النسخة اإللكرتونية لهذا الكتاب‪ -‬لهذه املادية امليكانيكية من اليمني واليسار ويذكر بعض‬‫تلك االنتقادات ويعطي أمثلة عليها مثل املادية الديالكتيكية‪ ،‬ثم تأيت (يف أواخر القرن التاسع عرش) الرضبة الحاسمة‬ ‫لهذه الصورة الكونية (املادية امليكانيكية) من علم الفيزياء نفسه بسبب املفارقات النظرية والصعوبات التجريبية التي‬ ‫مرت بها مام أتاح املجال لظهور النظرية النسبية ألينشتاين بشقيها الخاص والعام‪ ،‬وينهي الباحث بحثه هذا بالتأكيد‬ ‫عىل أن املادية الديالكتيكية هي أنجح محاولة حتى القرن العرشين يف صياغة صورة كونية معقولة‪ .‬ويعترب هذا البحث‬ ‫فهم عىل القارئ العادي‪.‬‬ ‫من أصعب أبحاث هذا الكتاب ً‬ ‫‪33‬‬


‫قراءة يف كتاب “ نقد الفكر الديني ” لصادق جالل العظم‬

‫شادي بشير‬

‫الجزء األخري من الكتاب‪ ،‬يقسمه الكاتب إىل ثالثة أقسام‪.‬‬ ‫القسم األول يورد فيه وثائق قانوني ٍة من املحكمة‪ ،‬توضح اتهامه بإثارة النعرات الطائفية والدينية بسبب هذا الكتاب‬ ‫وما ورد فيه من أبحاث‪ ،‬وترد فيه عدة وثائق بالتفصيل التهامه هو ودار النرش الخاصة بهذا الكتاب‪ ،‬والتايل تحويله إىل‬ ‫محكمة املطبوعات يف بريوت‪.‬‬ ‫ويف القسم الثاين يتكلم عن االستجواب املوجه للباحث صادق العظم‪ ،‬وسؤاله الكثري عن ما أورده يف كتابه وإجاباته‬ ‫عنها‪ .‬باإلضافة إىل استجواب النارش‪.‬‬ ‫ويف القسم الثالث يورد قرار املحكمة باالتفاق عىل إبطال التعقبات الجارية بحق الباحث صادق جالل العظم والنارش‬ ‫بشري الداعوق عىل عدم توافر عنارص الجرائم املنسوبة إليهام‪ .‬وكانت نتيجة املحاكمة إنتصا ًرا آخر من إنتصار ٍ‬ ‫ات عديد ٍة‬ ‫للرأي العلمي والفكري عىل الخرافات واألساطري الدينية‪.‬‬

‫ٕاﺪﺪاد وﺗﻘﺪﱘ‬

‫ﺣﺎﻣﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ‬ ‫‪HAMED.TV‬‬

‫‪34‬‬

‫‪FB.ME/BOXOFISLAM‬‬


35


‫حوا ٌر بني الرجل والقط‬ ‫‪Sam Mar‬‬

‫تر ّجل من سيارته الفارهة يف‬ ‫مرآب بيته الواسع ثم نظر إىل‬ ‫ساعة (اللونجني) التي أشارت‬ ‫إىل التاسعة مسا ًء‪ ،‬ألقى‬ ‫محفظته ومفتاح السيارة‬ ‫اإللكرتوين عىل الطاولة دون‬ ‫اكرتاث‪.‬‬ ‫بعد دقائق صدح املرسح‬ ‫البيتي بإحدى مقطوعات‬ ‫األوبرا يف جميع أرجاء غرفة‬ ‫املعيشة‪ ،‬بينام انتقى وخلط‬ ‫مرشوبًا من البار املنزيل الذي‬ ‫يحتوي أنوا ًعا أكرث من بارات‬ ‫الفنادق الفخمة‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫حوا ٌر بني‬ ‫الرجلوالقط‬

‫‪Sam Mar‬‬

‫أشعل ع ّدة شمو ٍع فاخرة‪ ،‬ثم وصلته رسالة عىل هاتفه الجوال من تلك الشقراء التي خرج‬ ‫معها األسبوع املايض‪ ،‬قام مبسح الرسالة دون أن يقرأها‪ .‬أشعل سيجار ًة ونفث دخانها إىل‬ ‫األعىل وراقبه وهو يتفرق‪.‬‬ ‫سمع صوت القطار البعيد الذي مي ّر مرتني يف الليلة‪ ،‬بعد التاسعة ويف منتصف الليل‪،‬‬ ‫كل ذلك يف‬ ‫وكالعادة راودته فكرة القفز عىل إحدى عربات الشحن‪ ،‬يف الحقيقة هو فعل ّ‬ ‫نفس الوقت‪ .‬االستامع إىل املقطوعة املوسيقية وصوت القطار مع مراقبة الدخان والتفكري‬ ‫يف عربة الشحن ثم ارتشاف الكأس؛ ومع ذلك كان عقله يرصخ هل من مزيد‪ .‬كان يستطيع‬ ‫أن يفكر يف كل يش ٍء يف نفس الوقت دون مللٍ أو كلل‪ ،‬هو ال يرشب ليستمتع بل ليبطئ‬ ‫من ذلك العقل الذي عذّبه طيلة حياته‪.‬‬ ‫أيضا‪ .‬كان يفهم كل‬ ‫صحيح أن ذلك العقل كان هو سبب نجاحه يف كل يش ٍء يفعله‪ ،‬إال أنه كان سبب عذابه الرسمدي ً‬ ‫ٌ‬ ‫فيمل من كل يشء‪.‬‬ ‫يش ٍء ويتعلم كل يش ٍء ويتعمق يف كل يش ٍء ويُتقن كل يش ٍء ّ‬

‫جميل يف هذه الحياة؟ ما هو؟»‬ ‫سؤال عىل صفحته الشخصية ذات املتابعني الكُرث‪« :‬هل هناك يش ٌء ٌ‬ ‫نرش ً‬ ‫انهالت املشاركات‪ ،‬هذا يقول املال والنساء‪ ،‬وتلك تقول ال ُحب‪ ،‬وذاك يقول السفر‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصمت بينام دارت يف ذاكرته عرشات الصور لأليام التي قضاها يف فعل كل االقرتاحات التي ذُك َرت‪ ،‬ثم‬ ‫«مساكني» ر ّدد‬ ‫نظر إىل ِقطّه وسأله بجدي ٍة وكأنه يتوقع إجاب ًة حقًا‪ :‬وأنت ما رأيك أيها الق ُط املرح؟ نظر القط إىل صحنه الفارغ‪.‬‬ ‫بنهم ثم عاد إىل صاحبه شاك ًرا‪.‬‬ ‫قام من مكانه مبارش ًة ومأل الصحن (بالتونا) التي التهمها القط ٍ‬ ‫ربّت عىل عنق القط وسأله بجدي ٍة م ّر ًة أُخرى‪ :‬واآلن أيها القط اللعوب الدؤوب‪ ،‬ما رأيك؟ ما هو اليشء الجميل يف هذه‬ ‫الحياة؟ أجاب القط باملواء هذه املرة وأغلق عينيه‪.‬‬ ‫استطرد بالحديث‪ :‬أرأيت يا قطي؟ أنت أجبت أول م ّر ٍة أن الطعام الشهي أفضل يش ٍء يف الحياة ألنك كنت جائ ًعا‪.‬‬ ‫جميل‪ ،‬هو فقط كالغشاوة عىل عيوننا‪ُ ،‬ح ّب االستكشاف ليس أكرث من بقايا غريز ٍة طفولي ٍة‬ ‫تسديد الحاجات ليس شيئًا ً‬ ‫تطورت ليك نتعلم عن محيطنا ونحصل عىل ٍ‬ ‫فرص أفضل للبقاء‪ ،‬أما ال ُح ّب فهو وهم األوهام‪.‬‬ ‫رس آخر‪ ،‬النقص يف الحاجات ليس هو التعاسة املطلقة‪ ،‬أتعلم ما هي التعاسة أيها القط املرح؟‬ ‫إليك ٌ‬ ‫‪37‬‬


‫حوا ٌر بني‬ ‫الرجلوالقط‬

‫‪Sam Mar‬‬

‫نظر القط بعينيه املائلتني إىل الصفرة وكأنه ينتظر بقية الحديث‪.‬‬ ‫أجابه صاحبه‪ :‬أن تكون املستيقظ الوحيد بني النيام‪ ،‬كلهم يحلمون وأنت مستيقظ‪ ،‬يظنون األحالم حقيق ًة وأنت ترى‬ ‫الحقيقة كلها حلم‪.‬‬ ‫تجرع الكأس دفع ًة واحدةً‪ ،‬وأتبعها بأُخرى وكأنه يف‬ ‫سباقٍ مع الزمن إلطفاء دماغه‪.‬‬ ‫يف تلك الليلة عندما صعد للنوم نيس الشموع؛‬ ‫رصا بالنريان ابتسم‪ ،‬استمع لصوت‬ ‫عندما استيقظ محا ً‬ ‫قطار منتصف الليل وآخر كلامته كانت‪:‬‬ ‫‪ -‬لقد فعلتها أيها القط املرح!‬

‫‪https://secularegypt.com‬‬

‫نحن حركة فكرية مرصية مستقلة‪ ،‬نهتم بشكل أسايس بنش وتعزيز قيم العلامنية ىف مرص‪،‬‬ ‫ملواجهة األصولية والخطاب الواحد ىف املجتمع املرصي‪ ،‬وذلك بشتى طرق وأساليب التوعية من‬ ‫تدشي منتديات نقاشية‪ ،‬حمالت توعية‪ ،‬إقامة مؤمترات وورش عمل‪ ،‬إصدار نشات إلكرتونية‬ ‫وأوراق عمل لتعزيز قيم العلامنية ىف املجتمع املرصي‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫بعد مرور أربع سنوات‬ ‫عىل مرشوعنا التنويري يف‬ ‫مجلة امللحدين العرب‪،‬‬ ‫ولحاجتنا الدامئة للتطوير‬ ‫والتحديث والنمو؛ نقدم‬ ‫لكم مجلتكم بحلتها‬ ‫الجديدة فرتقبوها يف العدد‬ ‫األول للسنة الخامسة ‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪1‬‬


‫سلسل ُة أحكام‬ ‫أهل الذمة (‪)6‬‬

‫محمود جامل‬

‫سلسل ٌة تتناول كيف عاش املسيحيون يف ظل الخالفة اإلسالمية‪،‬‬

‫حني وصل قطار التاريخ يف مرص إىل محطّة املامليك‪ ،‬كانت الرشوط العمريّة التزال دستو ًرا واجب‬ ‫قبطي واح ٌد وتجرع‬ ‫النفاذ‪ ،‬رغم تعطيل الفاطميني لبنوده يف أغلب األحيان‪ .‬دستو ٌر مل يُ َ‬ ‫ستفت عليه ٌّ‬ ‫بسببه األقباط كأس ّ‬ ‫الذل‪ .‬كانت الدولة تقوم بتعيني رؤساء الطوائف وت ُحتّم عليهم االلتزام ببنود‬ ‫هذا الدستور‪ ،‬وإذا ما حدث طارئٌ أو ٌ‬ ‫تاريخي حال دون تطبيق الرشوط‪ ،‬أرسعت سلطات‬ ‫ظرف‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫بالص َغار‪.‬‬ ‫الخالفة اإلسالم ّية‪،‬‬ ‫بضغط من الفقهاء‪ ،‬إىل إصدار املراسيم إلذالل املرصيني وأخذهم َ‬ ‫‪40‬‬


‫سلسلة أحكام أهل الذمة (‪)6‬‬ ‫محمود جمال‬

‫وهذا ما حدث يف عام ‪ 700‬هجري‪ ،‬يف عهد محمد بن قالوون‪ ،‬بحسب ما يفيدنا ابن كثري‪ ،‬حني يقول‪« :‬قُرِئت رشوط‬ ‫الذمة عىل أهل الذمة وأُلزِموا بها واتفقت الكلمة عىل عزلهم عن الجهات (أي طردهم من وظائفهم) وأُخذوا بالصغار‪،‬‬ ‫بالصفر‪ ،‬فحصل بذلك خ ٌري كثري ومت ّيزوا عن املسلمني»‪.‬‬ ‫ونُو ِدي بذلك يف البلد‪ ،‬وأُلزم النصارى بالعامئم ال ُزرق‪ ،‬واليهود ُ‬ ‫ظل هذا الذل والتصغري! وبعد عامني فقط من صدور املرسوم ظهرت نتائجه رسي ًعا‬ ‫يتأت الخري يف ّ‬ ‫وال أح ٌد يدري كيف ّ‬ ‫حني هدم املسلمون بعض الكنائس‪ ،‬فاشتعلت الفتنة الطائف ّية واندلعت الحرائق يف أرجاء القاهرة‪ ،‬التي انتهى حالها‬ ‫اب كامل‪.‬‬ ‫إىل خر ٍ‬ ‫فخي األمري‬ ‫وقد سبق‬ ‫ُ‬ ‫تطبيق الرشوط العمريِّة عىل األقباط عقب انتهاء املسلمني من مالقاة التتار‪ ،‬وتفرغهم للمسيحيني‪ّ ،‬‬ ‫رك ُن الدين بيربس كاتب الحوائج بني اإلسالم والطرد‪ ،‬فأسلم مج ًربا‪ ،‬كحال اآلالف‪ ،‬من أجل لقمة العيش‪ .‬وأُ ِ‬ ‫بطل احتفال‬ ‫ٍ‬ ‫املسيحيني ٍ‬ ‫بعيد ٍ‬ ‫يوم تروج فيه التجارة‪ ،‬وتنتعش األسواق‪،‬‬ ‫خاص بهم كان يُسمى‬ ‫عرصئذ “عيد الشهيد”‪ ،‬حيث كان مبثابة ٍ‬ ‫فكان إبطال هذا العيد ومنعهم من الخروج والبيع والرشاء كارث ًة دين َّي ًة واقتصاديّ ًة يف آنٍ واحد‪.‬‬ ‫وبينام كان األقباط يحاولون تلميم جراح الفنت وتضميد جروح الحرائق‪ ،‬رضب مرص يف العام نفسه (‪702‬هـ) زلز ٌال‬ ‫عنيف‪ ،‬كانت أبرز نتائجه تدمري ما تبقى من القاهرة‪ ،‬وانهيار معظم ُدورِها وجوامعها‪ ،‬كالجامع األزهر وجامع عمرو‬ ‫بن العاص وغريهام الكثري‪ ،‬بحسب ما يفيدنا به املقريزي‪ ،‬ثم رضب املدن الواقعة عىل شاطئ املتوسط إعصا ٌر أعنف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الحامل والرجال‪ ،‬وغرقت املراكب‪ ،‬وسقطت مبرص دو ٌر‬ ‫يتحدث عنه السيوطي فيقول‪« :‬طلع البحر إىل نصف البلد‪ ،‬وأخذ‬ ‫ال تُحىص‪ ،‬وهلك تحت الردم الكثري من الخلق»‪.‬‬ ‫العجيب يف األمر أ ّن توايل املصائب بهذا التسلسل‪ -‬الذي يع ُّده اإلسالميون غض ًبا من الله ‪ -‬مل يكن األ ّول وال األخري من‬ ‫ُ‬ ‫نوعه‪ ،‬إذ يتحدث صاحب “حسن املحارضة يف تاريخ مرص والقاهرة” عن حوادث عام ‪ 398‬هـ فيقول‪« :‬هدم الحاكم‬ ‫الكنائس التي ببالد مرص‪ ،‬ونادى‪ :‬من مل يُسلم فليخرج من مملكتي‪ ،‬أو يلتزم مبا أُ ِمر‪ .‬ثم أ َمر بتعليق صلبانٍ كبار عىل‬ ‫صدور النصارى‪ ،‬وزن الصليب أربع ُة أرطال‪ ،‬وبتعليق خشب ٍة عىل متثال رأس عجلٍ وزنها ستة أرطا ٍل يف عنق اليهود»‪.‬‬ ‫السيول مرص‪ٌ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫سيول وصفها السيوطي بالعظيمة!‬ ‫ومل يشأ العام أن ينرصم قبل أن ترضب‬ ‫بالزي املخالف لتمييزهم عن املسلمني‪ ،‬وهو‬ ‫ويتك ّرر األمر عينه يف عام ‪ 755‬هـ؛ حني صدر مرسو ٌم بتجديد إلزام األقباط ّ‬ ‫مركب يف ميناء بوالق‪،‬‬ ‫املرسوم الذي أعقبته سنة سبعمئ ٍة وسبعٍ وخمسني عاصفة ٌعاتية ٌ أ ّدت إىل غرق قرابة ثالمثائة‬ ‫ٍ‬ ‫رص ال تتأىت إال مع اإلسالميني وسعيهم الحثيث‬ ‫واقتلعت الكثري من النخيل والزرع‪ .‬وكأ ّن الكوارث واملصائب يف ّ‬ ‫كل ع ٍ‬ ‫لتطبيق ما يظ ّنونه رشيعة الله!‬ ‫‪41‬‬


‫سلسلة أحكام أهل الذمة (‪)6‬‬ ‫محمود جمال‬

‫ويبدو أن شكوى األقباط وأنّاتهم كانت شغل الناس الشاغل عرصئذ‪ ،‬وهو األمر الذي نجد صداه يف فتاوي ابن تيمية‪ ،‬الذي‬ ‫عارص تلك األحداث‪ ،‬وسأله بعضهم عن رأيه‪« :‬السادة العلامء أمئ ُة ال ِّدين‪ ،‬وهدا ُة املسلمني‪ ،‬يف الكنائس التي بالقاهرة‬ ‫ظلم وأنّهم يستحقون إعادة فتحها‪.»...‬‬ ‫وغريها‪ ،‬التي أغلقت بأمر والة األمور‪ ،‬إذ ا َّدعى أهل الذمة أنّها أُغلقت ً‬ ‫مخالف ألهل العلم‪ .‬فإ ّن‬ ‫كذب‬ ‫فجاء رد شيخ اإلسالم‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫حاسم قاط ًعا‪« :‬أ ّما دعواهم أ ّن املسلمني ظلموهم يف إغالقها فهذا ٌ‬ ‫علامء املسلمني من أهل املذاهب األربعة‪ :‬مذهب أيب حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وغريهم من األمئة‪ ،‬كسفيان‬ ‫لكل كنيس ٍة بأرض‬ ‫الثوري‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬والليث بن سعد‪ ،‬ومن قبلهم الصحابة والتابعني‪ ،‬متفقون عىل أ ّن هدم اإلمام ّ‬ ‫ظلم منه؛ وتُوجب طاعته‪ ،‬وإن امتنعوا عن حكم‬ ‫العنوة كأرض مرص والسواد بالعراق‪ ،‬وب ّر الشام ونحو ذلك‪ ،‬مل يكن ذلك ً‬ ‫املسلمني لهم‪ ،‬كانوا ناقيض العهد‪ ،‬و ُحلِّلت بذلك دماؤهم وأموالهم»‪.‬‬ ‫وتستمر الشكوى من الفنت الطائفيّة وما من مجيب‪ ،‬ويتعاىل صوتُ األنني وما من طبيب‪ .‬فيعرض املرصيون يف عام ‪709‬‬ ‫درهم يف السنة‪ ،‬مقابل أن يخفف عنهم بعض‬ ‫هـ عىل السلطان محمد بن قالوون أن يزيدوا الجزية مبقدار سبعامئة ألف ٍ‬ ‫الرشوط‪ ،‬وأن يرفع عنهم شيئًا من الذل والصغار‪ ،‬ويرتك لهم الحريّة يف لبس ما يشاؤون‪ ،‬فيغريه املال الذي سيدخل خزائن‬ ‫الدولة‪ ،‬فيجمع السلطان العلامء ويستشريهم يف األمر‪ ،‬وكان ابن تيمية‪ -‬الذي خرج من السجن لتوه‪ -‬من ضمنهم‪ ،‬فأجاب‬ ‫ٍ‬ ‫مجلس جلسته يف أبهة امللك تنرص فيه أهل الذمة ألجل حطام الدنيا الفانية»‪.‬‬ ‫السلطان بالقول‪« :‬حاشاك أن يكون أول‬ ‫ُّ‬ ‫حق لله‪ ،‬ال يجوز للسلطان وال لغريه أن يأخذ منهم‬ ‫ويؤكد ابن تيمية عىل هذه املسألة فيقول‪« :‬الرشوط عىل أهل الذمة ُّ‬ ‫الجزية ويعاهدهم عىل املقام بدار اإلسالم إلّ إذا التزموها وإلّ وجب عليه قتالهم بنص القرآن‪.‬‬ ‫وتتواصل مسرية اإلذالل‪ ،‬بحسب ما يرسمها لنا اإلخباريون‪ ،‬إذ ُه ِدمت أغلب كنائس النصارى مبرص‪ ،‬ونُهِب الباقي منها يف‬ ‫عام ‪ 721‬هـ وم ّرت عىل القاهرة أيا ٌم ال يظهر فيها نرصاين؛ ويُضيف السيوطي‪« :‬وبقي ال يظهر نرصا ٌّين ّإل رضبه العوام‪،‬‬ ‫ورمبا قتلوه»‪،‬‬ ‫وتزداد وترية الفنت الطائف ّية‪ ،‬ويُحرق جامع ابن طولون واملنطقة التي‬ ‫حوله بأرسها؛ يُقبض عىل الفاعلني‪ ،‬فيُقتل بعضهم ويُحرق البعض‬ ‫اآلخر‪ ،‬وكعادتهم ينسب اإلخباريون كل أحداث الفنت لألقباط!‬ ‫هذا كلّه رغم تأديتهم للجزية التي كانت ت ُدفع عىل الرؤوس بخالف‬ ‫رضيبة املال واألرض والعقار التي تسمى “خ َراج”‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫سلسلة أحكام أهل الذمة (‪)6‬‬ ‫محمود جمال‬

‫وكان املحتسب أو العامل‬ ‫إذا جاء ألخذ الجزية أمسك‬ ‫املسيحي بني يديه‪ ،‬ثم لطمه‬ ‫ّ‬ ‫بيده عىل صفحة عنقه‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫«أ ِد الجزية يا كافر” إذ ذاك‬ ‫املرصي فقط أن‬ ‫يتوجب عىل‬ ‫ِّ‬ ‫يخرج يده من جيبه مطبوق ًة‬ ‫عىل الجزية‪ ،‬فيعطيها له ٍّ‬ ‫بذل‬ ‫وانكسار‪.‬‬

‫الذمي بالتزام‬ ‫وفقه ًيا يتوجب عىل املُحتسب‪ ،‬وقت تحصيل الجزية‪ ،‬أن يُذكّر‬ ‫ّ‬ ‫أحكام اإلسالم‪ ،‬فإن امتنع من لزوم األحكام انتقضت ذمته‪ ،‬وقُتل يف الحال‪،‬‬ ‫بيد أن القتل ال يقع عىل ناقض األحكام فحسب‪ ،‬إذ قد يكون جزاء امللتزمني‬ ‫أي دينٍ غري اإلسالم‪،‬‬ ‫واملحسنني عىل الفقراء واملورسين من أتباع ّ‬ ‫وهو األمر الذي حدث بالفعل سنة ‪ 666‬هـ مع أحد الرهبان‪ ،‬الذي كان‬ ‫يسكن القفار يف حلوان‪ ،‬وكان قد وقع عىل ما ٍل طائل‪« ،‬فواىس منه الفقراء‬ ‫أموال‬ ‫كل ملّة‪ ،‬واشتهر أمره وشاع ذكره‪ ،‬وأنفق يف ثالث سنني ً‬ ‫واملستورين من ّ‬ ‫عظيم ًة‪ ،‬فأحرضه السلطان‪ ،‬وبسط عليه العذاب حتى مات‪.‬‬

‫أيضا هناك‪ ،‬وكانت فتاوى علامء‬ ‫وكالعادة؛ كان الفقه ً‬ ‫املسلمني برضورة القتل حارضةً‪ ،‬يتح ّدث عنها اإلمام‬ ‫الذهبي فيقول‪:‬‬ ‫ّ‬

‫«‪ -‬وقد أفتى غري ٍ‬ ‫واحد بقتله‬ ‫ملاذا يا شيخنا ويا عاملنا؟‬‫ خوفًا عىل ضعفاء اإلميان من املسلمني‬‫أن يضلهم ويغويهم»‪!.‬‬ ‫املصادر‪ :‬‬ ‫‪1‬ابن كثري‪ .‬البداية والنهاية‪ .‬املجلد الرابع عرش‪ .‬صـ ‪ 16‬‬‫‪2‬املقريزي‪ .‬السلوك ملعرفة دول امللوك‪ .‬الجزء الثاين‪ .‬صـ ‪ 326‬وما بعدها‪ .‬‬‫‪3‬ابن تيمية‪ .‬مجموع الفتاوي‪ .‬الجزء ‪ 28‬بداية من صـ ‪ 634‬وما بعدها‪ .‬ومسألة يف الكنائس صـ ‪ 101‬و‪102‬‬‫‪4‬السيوطي‪ .‬حسن املحارضة يف تاريخ مرص والقاهرة‪ .‬املجلد الثاين‪ .‬صـ ‪ 282‬صـ ‪ 297 - 296‬صـ ‪ 299‬صـ ‪ 301‬‬‫‪5‬جالل الدين العدوي الشيزري‪ .‬نهاية الرتبة‪ .‬صـ ‪107‬‬‫‪6-‬ابن األخوة‪ .‬معامل القربة‪ .‬صـ ‪45‬‬

‫‪43‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

44


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫مختلف‬ ‫بأسـلوب‬ ‫روايـة فاتنـة تحكي قصة‬ ‫ٍ‬ ‫شـخصيات مميزةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حوارات تلقي‬ ‫عـن المعتـاد فـي الروايات‪ .‬تبدأ الرواية بمشـاهد‬ ‫ٍ‬ ‫الضـوء علـى تعامـل الشـخصيات مـع مواضيـع يوميـة‪ .‬إلى أن‬ ‫روائيـا‪.‬‬ ‫طابعـا‬ ‫فريـد مـن األحـداث يتخـذ‬ ‫خليـط‬ ‫تتحـول إلـى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عالـم آخر‪ ،‬بل على عالمك نفسـه مـن منظو ٍر‬ ‫سـتتعرف علـى‬ ‫ٍ‬ ‫آخـر‪ .‬اختـر مـن تكـون وأيـن‪ ،‬وغ ّيـر التاريـخ فـي المسـتقبل‬ ‫حـي الرمـاد الموحلـة مـع سـالم‬ ‫القريـب‪ ،‬تشـ َّرد فـي أزقـة‬ ‫ّ‬ ‫الصغيـر‪ ،‬أو خـض حر ًبـا ضـروس إلـى جانـب الزيـر المهلهـل‬ ‫وتفنـن فـي االنتقـام مـن الذيـن يرتكبـون خطـأ مواجهتـك‪،‬‬ ‫تحـدى الخنزيـر األكبـر وليـد ومسـاعده الدنـيء يوسـف‪ ،‬تع ّرف‬ ‫حـب مـع مالك المـوت اسـمها دليله‪،‬‬ ‫إلـى امـرأةٍ تعيـش قصـة‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫فتـاة بارعـة الجمـال وأثره في مختلـف المجتمعات مع‬ ‫أو كـن‬ ‫فاتنـة‪ ،‬واكتشـف كيـف يغ ّيـر الحـب الطاغيـة!‬

‫‪45‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫جميل يتصل بالدكتور أسعد‪ :‬هل من جديد؟‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬لألسف ال‪ ،‬هل من جديد معك؟‬ ‫جميل‪ :‬ال‪ ،‬االتصاالت مل تفيض إىل يشء إىل اآلن‪ ،‬وبرصاحة الحل العلمي لن ينجح‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬أخربين عن الحل العلمي‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬كنت أتأمل أن نصل إىل تقنية لكن كمية املعلومات املنقولة يف املوجات الجديدة من املستحيل أن تكفي لنقل‬ ‫كائن حي كامل‪ .‬فوق ذلك املوجات فقط تنقل سطح الجسيم فهي تسلك سلوك الضوء وال تخرتق معظم املواد‪.‬‬ ‫أي أن أي يشء ذو عمق عند نقله س ُينقل وكأنك ت ُقرشه عىل الجهة األُخرى من الناقل‪ .‬مستحيل نقل يشء حي يف الوقت‬ ‫الحايل‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬عندما تنقل شيئًا هل تختفي النسخة األصلية؟‬ ‫جميل‪ :‬ال‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬فقط ألفهم‪ ،‬ميكننا نقل جزء من يشء حي لكنه لن يبقى ح ًيا؟‬ ‫سهل والتجارب تسري ببطء بسبب تكلفة الطاقة واملواد العالية‪ .‬ما نس ّميه باملكعب‬ ‫جميل‪ :‬أجل‪ ،‬وطب ًعا ذلك ليس ً‬ ‫ستنسخ‪ .‬لقد فكرت يف املوضوع كث ًريا‪،‬‬ ‫الناسخ يستهلك عنارص ُمش ّعة مثينة لتغيري حالتها إىل الحالة الذرية والكمية لل ُم َ‬ ‫ال فائدة‪ ،‬علينا التفكري بحلو ٍل أُخرى‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬ماذا لو نقلنا جز ًءا منك وأعل ّنا وفاتك؟‬ ‫جميل‪ :‬فكّرت بذلك‪ ،‬ميكن فعل ذلك بتنمية نسيج بيولوجي كام تعلم حسب التقنيات الجديدة يف العلوم االستنساخية‪،‬‬ ‫أيضا بعملية اخرتاق السجن إلنقاذها‪ ،‬صدقني ال أفكر بيشء غري‬ ‫يف هذا العرص مل يعد ذلك كافيًا إلثبات يشء‪ .‬فكّرت ً‬ ‫طُرق إنقاذها‪.‬‬ ‫أجل‪.‬‬ ‫عاجل أم ً‬ ‫حل ً‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬سنجد ً‬ ‫‪46‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫يف املحكمة‪ ،‬يتم تقديم جلسة دليله بنا ًء عىل طلب املحامي جالل‪ ،‬ينجح املحامي جالل بإقناع املحكمة باإلفراج عن‬ ‫دليله‪ .‬يصل الخرب لدليله أن اإلفراج سيتم يف املساء‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬دليله ألف مربوك لك أنا سعيدة ج ًدا ألجلك!‬ ‫دليله‪ :‬كل الفضل لك‪ ،‬أنت مالك!‬ ‫فاتنة تضم دليله‪..‬‬ ‫دليله‪ :‬سأفعل كل ما بوسعي ملساعدتك‪ ،‬ال أعرف إن كنت سأستطيع فعل الكثري لكنني أعدك بفعل كل ما أستطيع‪ ،‬لن‬ ‫تعريف كم أنا حزين ٌة من أجلك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال تحزين من أجيل‪ ،‬كل هذا مؤقت‪ ،‬الحياة طويلة ملن يفكر عىل املدى البعيد وقصرية ملن ينظر ألحزانه عىل املدى‬ ‫القصري‪ ،‬تذكّري ذلك‪ ،‬أرجو لك التوفيق يف أي يشء تفعلينه‪ .‬إليك رقم هاتف خايل الدكتور أسعد‪ ،‬اتصيل به عند خروجك‬ ‫وأخربيه أنني أطلب منه مساعدتك‪ ،‬اعتني بنفسك‪.‬‬ ‫دليله والدموع تنساب من عينيها‪ :‬اعتني بنفسك يا فاتنة‪.‬‬ ‫تتصل دليله بالدكتور أسعد وتلتقي به‪..‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬أخربتني فاتنة عنك عندما زرتها‪.‬‬ ‫شخص ميكن أن يساعدها‪ .‬املشكلة أنني ال‬ ‫دليله‪ :‬يف الحقيقة ال أعرف ماذا أستطيع أن أفعل ملساعدتها‪ ،‬ولكن هناك ٌ‬ ‫أعرف أين هو‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬هل هو مسؤول يف الحكومة الجديدة؟‬ ‫دليله‪ :‬ال‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬إذًا كيف ميكنه املساعدة؟‬ ‫دليله‪ :‬ال أعرف كيف أرشح لك‪ ،‬لديه ‪”...‬ا ُسلوب مقنع ج ًدا”‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫الدكتور أسعد‪ :‬محامي فاتنة ممتاز ال تحتاج محام ًيا آخر‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ال هو ليس محام ًيا‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬ما هو عمله إذًا؟‬ ‫دليله‪ :‬رجل أعامل‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬املال ليس املشكلة‪ ،‬فاتنة سجينة بسبب لعبة سياسية قذرة و ّرطها بها والدها‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬فقط علينا أن نجده‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬أعرف ذلك يا سيدي‪ ،‬أنا متأكد ٌة بأنه سيتكفّل بوالدها ً‬ ‫رتبت ِ‬ ‫لك مكانًا مؤقتًا‬ ‫الدكتور أسعد بدأ يشعر بالضيق فهو يرى أن دليله ال تفهم صعوبة املوقف‪ :‬عىل أية حال لقد ُ‬ ‫للسكن إىل أن تتحسن أمورك‪ .‬شك ًرا الهتاممك بفاتنة‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬شك ًرا لك دكتور أسعد‪.‬‬ ‫يف بيت أيب صابر‬ ‫علمت من املدعي العام أن محامي الدفاع‬ ‫يوسف‪ :‬لقد وصلتنا اليوم ورقة استدعاء لجلسة اإلفراج عن فاتنة بكفالة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يريد استدعاء والدتها لتشهد معها أنها ليست مخطوبة لجميل رفيق وأنها فسخت الخطوبة‪ .‬رغم سوء صحتها أخىش‬ ‫أن تستطيع الحضور إىل املحكمة‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬املحكمة واملدعي العام قد يصدقون ذلك ويطلقون رساحها بكفالة‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬ليس هذا فقط بل قد يغضب منك املدعي العام ويتهمك بالشهادة ال ُّزور‪ .‬يجب أن نترصف يا أبا صابر‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬ال تقلق‪ ،‬سأترصف‪....‬‬ ‫يف املساء يذهب أبو صابر لزيارة األم يف املستشفى‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫ٍ‬ ‫بصوت ضعيف‪ :‬ماذا تفعل هنا أيها الخنزير األكرب؟‬ ‫األم‬ ‫أبو صابر‪ُّ :‬‬ ‫أدق رأس األفعى!‬

‫يغطّي أبو صابر وجه األم بالوسادة ويضغط بقوة‪ ،‬تحاول املقاومة لكن جسدها ضعيف أنهكه الرسطان‪ ،‬يضغط أبو‬ ‫صابر إىل أن تلفظ أنفاسها األخرية!‬ ‫يف مساء اليوم التايل يزور الدكتور أسعد فاتنة يف السجن‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كيف حالك يا خايل العزيز؟‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬بخري‪ ،‬كيف حالك أنت؟‬ ‫كنت قد سمعت لكن املحامي جالل طلب استدعاء أمي لتشهد ضد أقوال أيب عىل أثر تحسن‬ ‫فاتنة‪ :‬جيدة‪ ،‬ال أعرف إذا َ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫طفيف يف صحتها‪ ،‬أنا متفائلة ج ًدا بذلك‪ ،‬أخ ًريا سأرى أمي ً‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬فاتنة أريد منك أن تتامليك أعصابك‪ ،‬أنا هنا ليك‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال!‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬أنت تعرفني أن املريض يف املراحل األخرية من الرسطان قد ميوت يف أي لحظة‪ ،‬يستسلم الجسم فجأة‪،‬‬ ‫ُس ّمية كانت معها يف النهار لكن ليلة أمس وجدتها املمرضة وقد فارقت الحياة‪.‬‬ ‫فاتنة ترسح يف نظرتها وتنساب دموعها‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫تظل متامسكة حتى النهاية‪ ،‬علينا أن نركز عىل إخراجك من هنا‪.‬‬ ‫أرجوك أن ّ‬ ‫الدكتور أسعد‪:‬‬ ‫فاتنة‪ :‬مسكينة أمي ‪...‬قتلها الحزن‪...‬البقية بحياتك يا خايل‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬فاتنة‪...‬‬ ‫‪49‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬أريد منك خدمة‪...‬هذه كتبتها ليلة أمس ‪...‬كنت أتأمل أن اقولها ألُمي‪ .‬أرجوك ضعها مع إكليل ورد عند دفنها‪...‬‬ ‫أرجو أن يراها املعن ّيون بها!‬ ‫تناوله فاتنة قصاصة ورق كُتب عليها‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وابنتك ال ُح ّر ُة وإن كره العبي ُد‬ ‫لعينيك يا أُمي ‪...‬‬ ‫رهين ُة السجن‬ ‫ِ‬ ‫الحقد أشبعوه من غد ٍر ‪ ...‬والغد ُر صفة األذال ِء املناكي ُد‬ ‫وخنجر‬ ‫والكذب ٌ‬ ‫رشف ‪ ...‬وطعن الظه ِر محمو ُد‬ ‫ففي بيتهم الغد ُر شيم ٌة‬ ‫ُ‬ ‫كلب من مخبأ ال ُج ِنب بعي ُد‬ ‫أيقتل الضبع السب َع إال غاد ًرا ‪ٌ ...‬‬ ‫الكذب متدي ُد‬ ‫قبح الوجوه ولهم يف‬ ‫ِ‬ ‫الخس ُة بانت يف جبا ِهه ُم ‪ُ ...‬‬ ‫أبو صابر ويوسف يف عزاء األم‬ ‫أبو صابر يف املجلس أمام الناس‪ :‬رحمها الله‪ ،‬والله مل متت من الرسطان‪ ،‬لقد ماتت حزنًا بسبب ابنتها الطائشة ذات‬ ‫العالقات الغرامية املستهرتة‪ ،‬الحمد لله أنني أعلنت عدم رضاي عىل فاتنة وترصفاتها‪ .‬لقد انتهى بها األمر بقتل أمها‪.‬‬ ‫منها لله‪ ،‬عىل أية حال ها هي تأخذ جزاءها العادل يف السجن‪.‬‬ ‫رجل شهم وصادق وال تأخذك يف الحق لومة‬ ‫يوسف‪ :‬والله يا أخي هذه شجاعة منك أن تعرتف مبساوئ ابنتك‪ .‬والله إنك ٌ‬ ‫الئم‪ .‬أرجو أن يهدي الله فاتنة يف السجن وتتوب‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬السيدان هنا كانا عىل وشك املغادرة أيها السادة‪ .‬أليس كذلك يا أبا صابر؟‬ ‫أبو صابر‪ :‬ما زال الوقت مبك ًرا وهو عزاء أم بنايت الرشيفات العفيفات باستثناء فاتنة هداها الله‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد يهمس أليب صابر‪ :‬انقلع أنت وهو قبل أن أطردكام أمام الجميع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فعل‪ ،‬هيا بنا يا يوسف‪.‬‬ ‫بصوت عا ٍل‪ :‬الناس أصبحت بال حياء ً‬ ‫أبو صابر‬ ‫يغادران والغضب با ٍد عىل وجه الدكتور أسعد املعروف بلباقته وهدوئه وأدبه‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫يف السجن‬ ‫فاتنة فقدت الكثري من وزنها‪ ،‬يصل املحامي جالل لزيارتها‪.‬‬

‫سام مار‬

‫املحامي جالل‪ :‬كيف حالك يا فاتنة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ما زلت عىل قيد الحياة‪ ،‬أريد ترتيب أفكاري‪ ،‬ما هي االحتامالت الباقية لخروجي؟‬ ‫املحامي جالل‪ :‬مرافعتي الجديدة سرتتكز عىل تقديم طلب للمحكمة بتعيني محقّق يف ادعاءات أيب صابر وإخراجك‬ ‫بكفالة إىل حني اكتامل التحقيق‪ .‬طب ًعا بسبب دخول السياسة يف املسألة لن يوافقوا لذلك سأطالب باإلفراج عنك بعد‬ ‫اكتامل الجزء األول من التحقيق إذا مل يفيض لدليل قطعي بإدانتك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬لكن ماذا لو قاموا بتعيني محقّق غري محايد من طرفهم؟ أو حتى محقّق محايد أكّ َد عالقتي بجميل؟‬ ‫املحامي جالل‪ :‬ليس أمامنا إال هذا الخيار يف الوقت الحايل‪ ،‬لنتأ ّمل أن يكون املحقّق عادلً ‪ .‬إذا اقتنعت املحكمة أن ال‬ ‫طائل سياس ًيا من حبسك سيكون اإلفراج عنك أسهل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬حس ًنا‪ ،‬لنجرب ذلك‪.‬‬ ‫أخبار املهلهل‬ ‫دليله تذهب إىل حي الرماد‪ ،‬وتبدأ باالستفسار عن املهلهل دون فائدة‬ ‫يف نفس الوقت‪ ،‬يصل املهلهل إىل الحدود من نقطة منفى العشاق‪ .‬يتسلّل مع هبوط الليل ومير قرب املنفى الذي يبدو‬ ‫أنه ما زال غري ُمكتشف وال ُمصادر من قبل الحكومة الجديدة ف َعلم الحكومة القدمية ما زال عليه‪ .‬كونه كان ألحد‬ ‫شخصيات الحكومة القدمية فال بد أنه فارغ‪.‬‬ ‫يتجه املهلهل إىل الكوخ عىل طرف البحرية ويأخذ القارب إىل البيت يف وسطها‪ .‬يتسلق السور ويخلع الباب‪ .‬يفتش البيت‬ ‫لكنه ال يجد شيئًا يثري اهتاممه‪ .‬يف طريقه للخارج ينظر إىل الكامريا ويشري عىل عنقه بعالمة الذبح وكأنه يتو ّعد أصحاب‬ ‫كمل طريقه‪.‬‬ ‫البيت‪ .‬يأخذ بعض الحاجيات ويغادر ُم ً‬ ‫جهاز األمان يرسل رسالة نصية وبري ًدا إلكرتون ًيا إىل هاتف جميل كتنبي ٍه عىل حصول اخرتاق‪ .‬جميل يفتح الكامريا األمنية‬ ‫من هاتفه‪ ،‬ويشاهد وجه املهلهل وهو يشري بعالمة الذبح! يتصل بالدكتور أسعد مبارشةً!‬ ‫‪51‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫أيضا‪ ،‬املهلهل عاد وقضيتها منترشة يف الشارع‬ ‫جميل‪ :‬دكتور أسعد‪ ،‬أعرف أن لدينا مصائب كثرية لكن أرجوك حذِّر فاتنة ً‬ ‫العام قد يعرف عنها ويرتبص بها عند خروجها‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬املهلهل؟‬ ‫جميل‪ :‬أجل‪ ،‬السفاح الذي حاول قتل فاتنة‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬حس ًنا سأُحذِّر فاتنة‪ ،‬هذا ما كان ينقصنا!‬ ‫يف املحكمة يتم تعيني محقّق‪ ،‬وكام توقع املحامي جالل ت َّم رفض طلب اإلفراج لكن وافقت املحكمة عىل إعادة النظر‬ ‫بعد اكتامل الجزء األول من التحقيق‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حديث قصري وبعض التشجيع‪:‬‬ ‫الدكتور أسعد يزور فاتنة وبعد‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬فاتنة‪ ،‬هناك موضو ٌع طلب مني جميل إخبارك عنه‪ ،‬أنا أعرف أنك يف وضعٍ صعب وال أريد أن أزيد‬ ‫همومك‪ ،‬لكنه ذكر شيئًا عن عودة املهلهل‬ ‫فاتنة تبتسم‪ :‬حقًا؟! هذا أفضل خرب!‬ ‫ِ‬ ‫جننت؟ أليس ذلك السفّاح الذي حاول قتلك سابقًا؟‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬هل‬ ‫فاتنة‪ :‬هل تعرف أين هو؟ أخرب دليله كل ما تعرف‪ .‬لقد فكّرتُ يف املوضوع كث ًريا بعد خروج دليله وتغلبت عىل مخاويف‪.‬‬ ‫ال تخف سيكون إىل جانبنا بعد أن يعرف أن دليله حية ويتكلم معها‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬ال أعرف إن كان ذلك شيئًا جي ًدا‪ .‬نتحالف مع سفاح؟‬ ‫أول عندما يتكلم مع دليله‪ .‬قد ال يوافق هو عىل التحالف معنا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬لرنى ما سيحدث ً‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬مباذا س ُيفيدنا عىل أية حال؟‬ ‫‪52‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫عرضا مقن ًعا‪ ،‬أليس فلم الع ّراب من أفالمك املفضلة؟‬ ‫فاتنة‪ً :‬‬ ‫مثل ممكن أن يقدم للمدعي العام ً‬ ‫عروضا ال ميكن رفضها؟ لكن يا فاتنة‪...‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬يقدم ً‬ ‫فاتنة‪ :‬أنا لست مثالية مثلك يا خايل وأترصف حسب ما تحكمني الظروف‪ ،‬نحن نتعامل مع عصابة تستخدم القانون‬ ‫ملآربها القذرة‪ .‬ال نعرف نتيجة تقرير املحقق‪ .‬بنا ًء عىل تلك النتيجة إن كان املهلل س ُيفيدنا يف إحقاق العدل فل َم ال؟‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬إحقاق العدل بقتل الناس؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ال طب ًعا ال أريد أن يُقتل أحد‪ ،‬سوف أشرتط ذلك عىل دليله‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬هذا لعب بالنار‪.‬‬ ‫قلب ميت‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬بعد األشهر التي قضيتها هنا تغريت مفاهيمي‪ ،‬النار ليست أخطر من ٍ‬ ‫مبتسم‪ :‬تسعدين عودة لهجتك القيادية يا عزيزيت‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‬ ‫ً‬ ‫فاتنة‪ :‬سأخرج قري ًبا‪ ،‬أشعر بذلك‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬مبا أن إرادتك عادت اليك‪ ،‬سينثني الواقع مطي ًعا لها كام ِ‬ ‫كنت تقولني دامئًا‪.‬‬ ‫يتصل الدكتور أسعد بدليله بعد الزيارة ويخربها عن املعلومات الجديدة‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬هذا أفضل خ ٍرب سمعته يف حيايت!‬ ‫دليله اآلن تعرف أن املهلهل عاد لكنها ال تعرف أين هو‪.‬‬ ‫يصل املهلهل إىل شارع يستقل منه وسيلة نقل عام‪ .‬يتجه إىل حي الرماد‪ ،‬باملال الذي معه يف الحقيبة ميكنه فعل أي يشء‬ ‫هناك‪ .‬يفكّر مبشاريع مثل فتح مقهى للقامر كام يف السابق لكن هذه املرة سوف يس ّميه دليله‪ .‬الحكومة الجديدة مثل‬ ‫القدمية تتفادى حي الرماد وتتغاىض عن كرس القانون فيه‪ .‬سكان حي الرماد مثل طبقة الفالحني يف العصور اإلقطاعية‪،‬‬ ‫منذ أن نشأت املدن الكربى‪ ،‬كل عرص وكل دولة كان فيها حي الرماد‪ ،‬الحي الذي همشّ ه وتفاداه ال ُحكام عرب التاريخ‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫مل يتغري الحي كث ًريا مع الحكومة الجديدة‪ ،‬مجموعات املرشدين يف الشوارع املتسخة‪ ،‬املباين القدمية بال ترميم‪ ،‬الزمن ال‬ ‫يسري إىل اإلمام يف حي الرماد‪ .‬هنا يف هذا الحي يقبع الحصان “بوكرس” من قصة مزرعة الحيوانات لجورج أورويل‪ .‬إنه‬ ‫حي الشعب‪ .‬مل تتحسن أب ًدا أحوال الشعب‪ ،‬م ّر أكرث من ٍ‬ ‫عقد عىل هذه الثورات التي ُس ّميت يف البداية بالربيع العريب‪،‬‬ ‫واآلن حتى املهلهل صار يعرف أن كل ثورة ِعامدها الدين مصريها مزبلة التاريخ‪ .‬حكم الدين والدكتاتور ليسا طريف‬ ‫نقيض‪ ،‬بل وجهني لعملة واحدة‪.‬‬ ‫بينام يٓنظُر املهلهل من نافذة السيارة يتذكّر أيام مايكل الوحش‪ ،‬ذلك الكيان القريب عىل قلبه‪ ،‬كيف كان يشعر باألمان‬ ‫كل صبا ٍح يراه فيه‪ .‬ثم تذكّر أيام دليله‪ ،‬كيف كان يشعر أنها اإلنسانة األقرب إىل قلبه‪.‬‬ ‫لقد أخذوا منه كل يشء يحبه‪ ،‬مل يعد لديه الكثري من املشاعر الجميلة‪ ،‬وأقوى شهوة لديه هي االنتقام‪ .‬تلك الفتاة التي‬ ‫س ّببت مالحقته وهروبه من البالد يجب أن تدفع الثمن‪ .‬رغم أن هروبه من البالد سمح له بلقاء النمرود والصاحب عمر‬ ‫مرة أُخرى‪ ،‬وعاد عليه بالخري العميم‪ ،‬لكن فكرة أنها سبّبت مالحقته كافية ليقرر االنتقام منها‪ .‬يبدأ املهلهل بالبحث عن‬ ‫اسمها وصورتها عىل النت‪ ،‬بدون صعوبة ت ُذكِر يكتشف أنها سجينة ويوجد احتامل أن يُفرج عنها‪ .‬إذًا تم ذلك‪ ،‬سيكون‬ ‫لها باملرصاد‪ .‬هذه املرة‪ ،‬لن تُفلت منه بذراع مكسور!‬ ‫‪ ‬أما عىل الجهة األُخرى من الكوكب‪ ،‬فجميل غارق بني أوراقه ومعادالته‪ ،‬يضع يديه عىل رأسه ويعترصه بالتفكري‪ .‬يسقط‬ ‫الخاتم الذي ما زال يرتديه من يده‪ ،‬فلقد خرس وزنًا كث ًريا‪ ،‬يلتقطه وينظر إليه‪ ،‬يبتسم وينهض عىل قدميه‪ :‬وجدتها!‬ ‫الدكتور أسعد عىل وشك العودة إىل الواليات املتحدة فهو ال يستطيع أن يبقى بعي ًدا عن عمله أكرث من ذلك‪ .‬جميل‬ ‫توقف عن الرد عىل هاتفه منذ عدة أيام‪ .‬يف آخر مكاملة مع الدكتور أسعد كان قد طلب منه إيصال أشواقه لفاتنة ثم‬ ‫انقطعت اخباره‪.‬‬ ‫يطمنئ الدكتور أسعد عىل دليله ويعطي فاتنة رقم هاتفها الجوال الذي اشرتاه لها ليك تتصل بها عند خروجها‪ .‬املحامي‬ ‫جالل يواصل اتصاالته مع املحقق لكن األخبار ال تبدو جيدة‪ .‬إذا قدم املحقّق تقريره سيتأخر موضوع فاتنة أكرث‪.‬‬ ‫كل عىل حدى‪.‬‬ ‫ُس ّمية وبقية األخوات ي ُزر َن فاتنة يف السجن ٌ‬ ‫ُس ّمية‪ :‬كم أنا حزينة ألنك مل تتمكني من رؤية أمي‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬الفضل لوالدنا‪ ،‬مل تُخطىء أمي عندما أسمته بالخنزير األكرب يف السنوات األخرية‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫ُس ّمية تنظر إليها باندهاش‪ :‬ماذا تقولني يا فاتنة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أال تعرفني أنه هو من ورطني؟‬ ‫ُس ّمية‪ :‬ال ال ميكن‪ ،‬هو أراد أن تري أمك لقد شجعنا عىل االتصال بك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ليوقعني يف الفخ!‬ ‫تغي والدي تجاهك وكان قد امتدحك وأراد أن تسامحيه‪.‬‬ ‫ُس ّمية‪ :‬ال ال‪ ،‬لقد ّ‬ ‫فاتنة‪ :‬ال تكوين ساذجة يا ُس ّمية والدي هو سبب كل تلك املصائب لكنه خبيث ج ًدا ويخفي قذارته خلف كذبه!‬ ‫ُس ّمية‪ :‬أنت تظلمينه‪ ،‬أعرف أنه مل يعامل أمي جي ًدا لكن هذا ال يعني أن نح ّمله مسؤولية كل يشء! اتقي الله!‬ ‫فاتنة‪ :‬حس ًنا يا ُس ّمية شك ًرا لزيارتك!‬ ‫ُس ّمية‪ :‬أعرف أنك يف وضع صعب وأعتذر إن كنت قاسية‪ ،‬سأسأل والدي عن املوضوع‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال تصدقي حرفًا واح ًدا يخرج من فمه‪.‬‬ ‫ُس ّمية‪ :‬حس ًنا يا فاتنة سأرى ما يقول‪ ،‬اعتني بنفسك‪.‬‬ ‫بعد الزيارة تتصل ُس ّمية بأيب صابر لكن هاتفه ال يجيب‪ ،‬تتصل بيوسف‪.‬‬ ‫ُس ّمية‪ :‬عمي يوسف والدي ال يجيب هاتفه‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬طب ًعا ال يجيب فهو يف املستشفى عىل أثر ذبحة صدرية‪ ،‬لديه عدة رشايني مغلقة القلب تأثر والكىل تأثرت‪.‬‬ ‫أُجريت له عملية رسيعة والطبيب يقول أنه سيكون بخري لكنه سيتعب من الحركة برسعة من اآلن وصاع ًدا‪ .‬كنت‬ ‫سأتصل بكم الحقًا اليوم فاألمر حدث برسعة!‬ ‫‪55‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫ُس ّمية‪ :‬والدي املسكني! سأذهب لزيارته!‬ ‫يوسف‪ :‬طب ًعا فاتنة هي السبب فلقد أنهكته مبشاكلها! عىل أية حال أخربي بقية أخواتك‪.‬‬ ‫ُس ّمية‪ :‬سأفعل‪.‬‬ ‫بيوم واحد يقرأ خ ًربا يجعله يزور فاتنة مبارشةً‪.‬‬ ‫قبل مغادرة الدكتور أسعد ٍ‬ ‫يف الزيارة‬ ‫يوم لك هنا يا خايل العزيز‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أشكرك ألنك قررت زياريت يف آخر ٍ‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬كنت أمتنى أن أبقى هنا أكرث إىل أن تخرجي‪ ،‬سأعود قري ًبا إن استطعت‪ ،‬لدي خرب لك يا فاتنة ‪...‬‬ ‫خصيصا والمني عىل الذبحة الصدرية التي أصابته‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل هو عن والدي؟ إن كان كذلك فأنا أعرف لقد جاء يوسف‬ ‫ً‬ ‫وطب ًعا أكّد يل أنه سوف يشهد ضدي ولو كان آخر عملٍ يف حياته‪.‬‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬ال ليس هذا الخرب‪ ،‬الخرب عن‪...‬جميل‬ ‫فاتنة‪ :‬ماذا عن جميل يا خايل؟‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬منذ ايام توقف عن الرد عىل مكاملايت‪...‬و ‪...‬ال أعرف ماذا أقول‬ ‫فاتنة؛ تكلّم!‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬وسائل االعالم تتناقل خرب زواج جميل املفاجىء من املطربة العربية سمراء البحر‪ ،‬الزواج تم يف الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬ويقولون أنه كان عىل عالقة رسية بها منذ زمن‪ .‬وهم يقضون شهر العسل اآلن يف كانكون يف املكسيك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سمراء البحر؟ صاحبة أغنية “دلعني وأنا بتغنج”؟‬ ‫الدكتور أسعد‪ :‬ال أعرف ماذا تغني رصاحة أنا ال أتابع األغاين العربية‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫تنفجر فاتنة بالضحك وسط دهشة الدكتور أسعد‪..‬‬ ‫طويل ونحن نفكر يف القضية‪ ،‬حتى وصل بنا األمر إىل التفكري باملهلهل والنقل اآلين واخرتاعات‬ ‫فاتنة‪ :‬لقد ض ّيعنا وقتًا ً‬ ‫تحتاج لسنوات‪ ،‬كل هذا والحل أمام أعيننا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫محاميك الخاص هنا لزيارتك‪.‬‬ ‫الحارس‪ :‬الزيارة انتهت لكن‬ ‫فاتنة مبتسمة‪ :‬كنت أتوقع مجيئه‪.‬‬ ‫املحامي املحنك جالل مل يضيع يو ًما واح ًدا‪ ،‬لقد ق ّدم طلب إعادة نظر يف القضية بسبب وجود أدلة جديدة تثبت أن‬ ‫السيد جميل ليس عىل عالقة بفاتنة‪ ،‬فهو اآلن رجل متزوج من امرأة يتمنى معظم رجال الوطن العريب الزواج منها رغم‬ ‫أنهم ينعتونها بالعاهرة‪.‬‬ ‫‪ ‬بعد أيام ينترش خرب قرب اإلفراج عن فاتنة وتربئتها‪ .‬يف إحدى شقق حي الرماد‪ ،‬تتابع عينا املهلهل القاسيتان األخبار‬ ‫ويستل سكينه “نصل الرعب”‪ ،‬يفكر املهلهل كيف س ُيزين بطنه بندبة كبرية عندما يقتل‬ ‫ُّ‬ ‫الجانبية عىل النت‪ ،‬ينهض‬ ‫فاتنة!‬ ‫يف املحكمة‬ ‫قبل الجلسة تسأل فاتنة محاميها عن فرصة اإلفراج عنها‪.‬‬ ‫املحامي جالل‪ :‬أعتقد انهم يعرفون اآلن أن جميل لن يعود من أجلك‪ ،‬وهذا ما يه ّمهم‪ ،‬لذلك أعتقد أنني سأمتكن من‬ ‫إقناع القايض برباءتك أو عىل األقل باإلفراج ِ‬ ‫عنك ولو بكفالة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أرجو أن تنجح‪ ،‬هل تعرف أن أصعب يشء عىل اإلنسان هو ضبابية املستقبل؟ لقد بدأت أعصايب تتعب رغم أنني‬ ‫معتادة عىل التعامل مع التوتر‪ .‬أريد أن أعرف ما سيحدث يل‪.‬‬ ‫املحامي جالل‪ :‬سأفعل ما بوسعي‪.‬‬ ‫تبدأ الجلسة‪..‬‬

‫يتبــع يف العــدد القــادم‪...‬‬ ‫‪57‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلة امللحدين العرب هدفها نشر أفكار‬ ‫امللحدين والالدينيني العرب على اختالف‬ ‫توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والعرقية‬ ‫وبحري ٍة كاملة‪ .‬اجمللة رقمي ٌة مبني ٌة بجهود‬ ‫ي توج ٍه سياسي‪.‬‬ ‫فردي ٍة وال تع ّبر عن أ ّ‬ ‫املعلومات واملواضيع املطروحة تعتبر‬ ‫مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وحقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫والالديني‬ ‫امللحدينالعرب‪،‬أومنالك ّتابامللحدين‬ ‫ّ‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن بالنشر ‪.‬‬ ‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة‬ ‫موضوع‬ ‫ي‬ ‫على الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ضمنها يُعتبر تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬ ‫‪magazine@arabatheistbroadcasting.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.