مجلة الملحدين العرب / العدد الرابع والخمسون / مايو أيار / 2017

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫سقوط نظرية األخالق‬ ‫الدينية‬

‫‪Karrar Al Asfoor‬‬

‫الدواعش األوائل‬

‫ايهاب القسطاوى‬

‫العدد الرابع والخمسون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر مايو ‪ /‬أيار لسنة ‪2017‬‬

‫هشام آدم‬ ‫يف حوار مع‪..‬‬

‫للتوثيق‪..‬‬ ‫أمجد عبد الرحمن‬

‫‪Raghed Rustom‬‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪،‬‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم‬ ‫مبني ٌة بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫من الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Zorba Zad‬‬ ‫‪RoRo Evil-Girl‬‬

‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Antoine Tannous‬‬ ‫‪X. AHTOHOB‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫‪Liza Paloulian‬‬ ‫‪A Khodeir‬‬ ‫‪Romario Gamal‬‬ ‫‪Teky Mikky‬‬ ‫ليث رواندي‬

‫كلمة تحرير املجلة‬

‫عام مبقتل الشاب اليافع عمر باطويل‬ ‫فُجعنا قبل ٍ‬ ‫يف اليمن عىل يد الجامعات املتطرفة‪ ،‬وحزن ملوته‬ ‫القايص والداين‪ ،‬حتى بعض شيوخ اإلسالم نعوه‬ ‫وانتقدوا الفلتان األمني وانتشار الجامعات املتطرفة‬ ‫يف اليمن‪ ،‬ولكن عىل أرض الواقع مل يتغري يشء‪ ،‬وما‬ ‫زال أصحاب األصوات العاقلة املساملني الناشطني‬ ‫لنرش الفكر املعتدل ونبذ التطرف مالحقني ومهددين‪،‬‬ ‫حيث تم اغتيال الناشط أمجد عبد الرحمن صديق‬ ‫عمر باطويل‪ ،‬يف شهر ‪ 5‬من هذا العام‪ ،‬وكام رسمنا‬ ‫لوحة لعمر ووضعناها عىل غالف العدد لتوثيق‬ ‫إحداثيات جرمية مقتله‪ ،‬رسمنا لوح ًة أخرى لصديقه‬ ‫أمجد يف هذا العدد‪ ،‬من إبداع الفنانة رغد رستم‬ ‫التي صورت لنا فيها صفاء وجهه وابتسامته مختلط ًة‬ ‫مع الكون يف الخلفية يف إشار ًة لخلوده‪ ،‬فكم من‬ ‫ٍ‬ ‫شهيد ستفقد البرشية بسبب أفكاره‪ ،‬وكم من لوح ٍة‬ ‫سرنسم‪ ،‬وكم من قتيلٍ سننعي‪ ،‬قبل أن يفهم هؤالء‬ ‫الهمجيون املجرمون‪ ،‬أن قتلهم للجسد لن يقتل‬ ‫الفكرة‪.‬‬ ‫بل أن قتلهم للجسد سينرش الفكرة أكرث ويجعل‬ ‫صاحبها خال ًدا يف الذاكرة وهم الذين لن يذكرهم‬ ‫أح ٌد إال كعال ٍة عىل البرشية‪ ،‬دون أسامء‪ ،‬دون مالمح‪،‬‬ ‫فقط قتلة بربريون زائلون هم ورصاصهم وأفكارهم‬ ‫عقائدكم اإلجرامية؟ أمل يشبع إلهكم الوهمي‬ ‫السادي من رائحة الدماء التي تراق للدفاع عنه؟‬ ‫أمام ماذا؟ أمام األفكار!‬ ‫تعازينا ألرسة وأصدقاء الفقيد‪ ،‬قلوبنا معكم‪ ،‬صوت‬ ‫أمجد باقٍ وصوت رصاصهم إىل زوال‪.‬‬

‫الهشة الضعيفة التي تراق الدماء لحاميتها!‬ ‫ال إرهابكم‪ ،‬وال بنادقكم‪ ،‬وال تهديداتكم‪ ،‬ستمنع‬ ‫ٍ‬ ‫محمد الذي كان‬ ‫ول زمن‬ ‫األفكار من االنتشار‪ّ ،‬‬ ‫ول‬ ‫يغتال فيه من ينتقده‪ ،‬ويرهب به اآلخرين‪ّ ،‬‬ ‫ول زمن الرتهيب‪ ،‬وكل ٍ‬ ‫شهيد‬ ‫زمن الحجب واملنع‪ّ ،‬‬ ‫يسقط هو وصمة عا ٍر عىل جبني دينكم وشيوخكم‬ ‫وكتبكم‪ ،‬أمل تك ِفكُم دماء املاليني التي سالت بسبب ‪Gaia Athiest‬‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫مشعل خان واستفزاز مشاعر املسلمني‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫الدواعش األوائل‬ ‫ايهاب القسطاوى‬

‫‪8‬‬

‫قراءة يف كتاب‪:‬‬ ‫أصل األنواع لتشارلز دارون (‪)1‬‬ ‫عادل أحمد‬

‫‪14‬‬

‫سقوط نظرية األخالق الدينية‬ ‫‪Karrar Al Asfoor‬‬

‫‪22‬‬

‫للتوثيق‪..‬‬ ‫أمجد عبد الرحمن‬

‫‪30‬‬

‫الحمد إلحسان الناس‬ ‫عن مقال لدانيئيل دينيت‬ ‫ترجمة ‪Usama Al-Binni‬‬

‫‪32‬‬

‫هشام آدم‪ ..‬يف حوار مع‬

‫‪43‬‬

‫سرية محمد بن آمنة‬ ‫ترجمة عن منشورات شاريل إيبدو‬

‫‪61‬‬

‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫‪68‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪78‬‬ ‫‪3‬‬


‫مشعل خان واستفزاز‬ ‫مشاعراملسلمني‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫من ضمن القوانني التي ما زالت ت ُشكِّل اعتدا ًء عىل وجود وحياة اإلنسان يف مجتمعاتنا العربية واإلسالمية‪ ،‬وعىل ِقيم‬ ‫الحريات والدميقراطية وحقوق اإلنسان ‪ -‬أو ما تبقى منهام ‪ -‬هي قوانني ما يعرف بازدراء األديان‪ ،‬أو الطعن يف اإلسالم‪ ،‬أو‬ ‫الذات اإللهية‪ ،‬وغريها من الترشيعات التي ت ِ‬ ‫ُحاسب التطاول الكتايب واللفظي عىل األنبياء والصحابة حتى وصل األمر إىل‬ ‫ومسلم ومن ّلف يف فلكهام‪.‬‬ ‫قوان َني ت ُعا ِقب بل وتج ِّرم انتقاد كتب البخاري‬ ‫ٍ‬ ‫فمن وضع مثل تلك القوانني يف مجتمعاتنا؟؟‪...‬وملاذا استمرت إىل اليوم كفزاع ٍة يتم استخدامها ضد كل ٍ‬ ‫نقد وحرية رأي؟؟‪...‬‬ ‫فعل عىل األخالق أو حتى قلّصت من “جرمية” التطاول عىل هؤالء األنبياء والصحابة وأموات التاريخ‬ ‫واألهم هل حافظت ً‬ ‫اإلسالمي؟؟!!‬ ‫وجل القوانني املوضوعة يف الدساتري العربية تأخذ مفاهيمها واختياراتها من اإلسالم‬ ‫علينا يف البداية أن ندرك بأن غالبية ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مرجعيات متشابه ٍة خارج ًيا‪ ،‬مبعني‬ ‫والرشيعة اإلسالمية تحدي ًدا‪ ،‬ثم يأيت بعدها من تـقاليد املجتمع وعاداته‪ ،‬وبعدها من‬ ‫النقل والتعريب للقوانني املختلفة‪ ،‬الفرنسية تحدي ًدا‪.‬‬ ‫وتتميز القوانني العربية مبقاومتها للحداثة‪ ،‬ومبعارضتها لحقوق اإلنسان‪ ،‬أو مبناهضتها للعقالنية والفلسفة‪.‬‬ ‫فحتى لو كانت املواد القانونية حول الحريات والدميقراطية وحقوق اإلنسان موجود ٌة بل ومكتوب ٌة مباء الذهب‪ ،‬إال أن‬ ‫التطبيق يكون عكس الكالم املكتوب‪...‬‬ ‫‪4‬‬


‫مشعل خان واستفزاز مشاعر املسلمني‬ ‫فهكذا نعيش كأفرا ٍد يف مجتمعاتنا ضمن النفاق والكذب والكيل مبكيالني‪،‬‬ ‫والواقع املغاير للشعارات التي يرفعها الحكام والدساتري‪ .‬ويف العموم‪،‬‬ ‫تهدف قوانني ازدراء األديان ليس إىل املحافظة عىل الديانة اليهودية‬ ‫واملسيحية أو الديانات األرضية املختلفة من النقد‪ ،‬فهذه األديان يعتربها‬ ‫اإلسالم مح ّرف ٌة ومز ّور ٌة وباطلة‪ ،‬بل تهدف تحدي ًدا إىل صيانة اإلسالم من‬ ‫التشكيك‪ ،‬وعدم تعريض اإلسالم للنقد‪ ،‬وحامية املنظومة العقائدية‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وصحابته وأمهات املؤمنني‬ ‫لإلسالم مبا فيها الذات اإللهية والنبي‬ ‫وقامئ ٍة طويل ٍة من األموات يتم وضعها وتجديدها لكل من يكتب رأيًا ح ًّرا‬ ‫يف اإلسالم ويطالب بإعادة النظر يف التاريخ اإلسالمي ومنتوجاته بر ّمته‪.‬‬ ‫وت ُشكِّل العقوبات يف تلك القوانني ‪-‬حني تطال الناقد ‪ -‬منظوم ًة بشع ًة‬ ‫من اإلجرام (املرش َعن) إسالم ًيا‪ ،‬والتعدي عىل حرية الكلمة‪ ،‬واحتقار‬

‫آدمية اإلنسان‪.‬‬ ‫وترتاوح العقوبات بني السجن واإلعدام‪ ،‬وأسوأها حني تغض األنظمة ومؤسسات القانون واألمن النظر عن حامية الكاتب‬ ‫من االعتداءات الوحشية من ِقبل الهمج والرعاع يف الشارع‪ ،‬ليتم تنفيذ حكم اإلعدام بدون محاكم ٍة حتى ولو صورية‪ ،‬عىل‬ ‫يد الناس بشكلٍ يُس ِقط وجود مثل هذه األنظمة بل ويُس ِقط الدولة بكربها مع شعبها‪...‬‬ ‫وهو ما حدث مؤخ ًرا يف العديد من التجارب الوحشية وآخرها مقتل الباكستاين (مشعل خان) الذي اغتيل يف حفلة قتلٍ‬ ‫جامعي وعىل الهواء مبارش ًة بتهمة التجديف‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ما نستخلصه من هذه الجرمية‪ ،‬أن قوانني ازدراء األديان‬ ‫مهووس ٌة بالعقاب وليس اإلصالح‪ ،‬باالنتقام من الفرد‬ ‫وليس مواجهة الرأي والنقد‪ .‬بل وأتاحت للشعب مامرسة‬ ‫الجرمية بال عقاب‪ ،‬وجعلت العقوبات تطال العقل‬ ‫رشعني أن يعطوا أهمي ًة‬ ‫والقلم‪ ،‬بينام كان ينبغي عىل امل ّ‬ ‫أكرب لصيانة الحريات‪ ،‬والدفاع عنها‪.‬‬ ‫ألنه ال يجوز تجريم أفعا ٍل كتابية‪ ،‬أو أفعا ٍل تدخل ضمن‬ ‫الحريات العامة‪ .‬وألن األصل يف وظيفة القانون هو حامية‬ ‫الحريات‪ ،‬وليس التوسع يف تحديد الجرائم‪ ،‬أو االنتصار للموىت واملعتقدات الغيبية‪ .‬فكام قلنا سابقًا‪ ،‬وقال غرينا‪ ،‬إن عبارة‬ ‫“دين الدولة هو اإلسالم” املوجودة يف غالبية الدساتري والقوانني اإلسالمية هي عبار ٌة حمقاء‪ ،‬وبال مع ًنى ومنافي ٍة للعقل‪.‬‬ ‫ألنه ال يُعقَل وال يُق َبل أن تتـق ّيد الدولة بأي دين‪ .‬فالعقد االجتامعي الحديث طالب بأن تكون الدولة مدنية‪ ،‬ومحايدة‪ ،‬ويف‬ ‫خدمة كل فئات الشعب‪ ،‬وبدون أي تحي ٍز أو متييز‪ ،‬سوا ًء عىل املستوى الديني‪ ،‬أم العرقي‪ ،‬أم اللغوي‪ ،‬أم الجنيس‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫مشعل خان واستفزاز مشاعر املسلمني‬ ‫بينام إذا أصبحت الدولة ديني ًة‪ ،‬وتقوم تحت وصاية دينٍ معني‪ ،‬فإنها ستُح ِّول املجتمع إىل را ٍع ورعية‪ .‬وستؤدي حتام إىل‬ ‫حرب أهلية‪ ،‬مثلام أثبتت التجارب يف كل من لبنان‪ ،‬والسودان‪ ،‬وسورية‪ ،‬والعراق‪،‬‬ ‫االستبداد‪ ،‬وإىل االنحطاط‪ ،‬ورمبا إىل ٍ‬ ‫واليمن‪ ،‬وليبيا‪ ،‬وأفغانستان‪ ،‬وباكستان‪ ،‬إىل آخره‪ .‬فمن املستحيل التوفيق بني الدين والدولة‪ ،‬ألن منطق وعمل وآلية الدولة‬ ‫يتعارض مع منطق وفهم وآيديولوجية الدين‪ .‬فأساس الدولة هو العقل‪ ،‬بينام أساس الدين هو اإلميان املطلق‪ ،‬والخضوع‬ ‫ٍ‬ ‫لنصوص ديني ٍة مقدسة‪ ،‬جامدة‪ ،‬وغري قابل ٍة ال للنقد‪ ،‬وال للتطوير وال لإلصالح‪.‬‬ ‫التام غري املرشوط‬ ‫وعلنًا يسيئان إىل مشاعر املسلمني ويتطاوالن عىل ثوابتهم العقائدية‪ ،‬ت ّم يف مجتمعاتنا إشغال القضاء‬ ‫وتحت دعاوي أن فالنًا ّ‬ ‫بالعمل عىل تكييف القوانني الوضعية لصالح االنتصار لإلسالم‪ ،‬وأكاد أُجزِم أن غالبية القضاة ‪-‬كام نقل يل أحدهم‪ -‬يرفضون‬ ‫مثل هذه التُهم والدعاوي عقل ًيا ومنطق ًيا وحتى قانون ًيا‪ ،‬إلّ أنهم أمام ٍ‬ ‫شعبي باإلضافة إىل أن وجود املادة التي تقول‬ ‫ضغط‬ ‫ٍ‬ ‫بأن الرشيعة اإلسالمية مصد ٌر للحكم فإن بإمكان أي ماد ٍة كتابي ٍة وفكري ٍة ولفظي ٍة أن ت ِ‬ ‫ُدخل صاحبها ضمن مفهوم التطاول‬ ‫والعقاب‪ .‬وحتى نفند مفهوم اإلساءة إىل مشاعر املسلمني حني ينتقد أحدهم اإلسالم ومنظومته العقائدية‪ ،‬نقول بأن هذا‬ ‫املفهوم هو مفهو ٌم غامض‪ ،‬وغري واضح الداللة‪ ،‬بل وغري مربهَنٍ عليه ماديًا‪.‬‬ ‫فاإلساءة إىل املشاعر‪ ،‬ليست جرمي ًة ملموس ًة تستوجب عقابًا قانون ًيا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إحساس ذايت‪ ،‬وغري قابل لإلثبات‪.‬‬ ‫وأيضا اإلساءة إىل املشاعر هي مجرد‬ ‫ً‬ ‫وقابل للمالحظة‬ ‫ملموسا‪ً ،‬‬ ‫فعل ماديًا‪،‬‬ ‫كام وأن اإلساءة إىل املشاعر ليست ً‬ ‫ً‬ ‫والقياس‪ .‬إذ يختلف بني كل فر ٍد وآخر بحسب مستوى فهمه ووعيه‬ ‫وقبوله بالحريات الفكرية‪ .‬فكيف أعاقب فر ًدا عىل جرمي ٍة غري مكتملة‬ ‫أصل؟!‬ ‫متفق عليها ً‬ ‫األركان‪ ،‬بل وغري ٍ‬ ‫فتهمة ازدراء األديان‪ ،‬أو اإلساءة إىل الله‪ ،‬أو األنبياء‪ ،‬أو الصحابة‪ ،‬هي‬ ‫مصطلحاتٌ ضبابية‪ ،‬مبهمة‪ ،‬وغري محدد ٍة عمليًا‪ .‬وتهدف يف الواقع إىل‬ ‫قمع اآلراء‪ ،‬وليس إىل معاقبة أفعا ٍل ُجرمي ٍة حقيقي ٍة تسيئ إىل األفراد‬ ‫واملؤسسات بفعلٍ مؤذي‪.‬‬ ‫كام وتفتح هذه القوانني املجال للتامدي يف استعامل السلطة القضائية والسياسية ضد اإلنسان‪ .‬وتعطي هذه التهم الفارغة‬ ‫سال ًحا جدي ًدا للدولة‪ ،‬وللمؤسسات الدينية ولرجال الدين‪ ،‬ليك يحاربوا به كل مواطنٍ يخالفهم يف الرأي والتوجه‪ .‬حيث سيتم‬ ‫رأي مخالف‪ ،‬وإمنا سيتم اتهامه بالتطاول عىل الثوابت املجتمعية ومنها الدين‪.‬‬ ‫اتهامه‪ ،‬ليس بحمل ٍ‬ ‫كام وساهمت هذه القوانني ومنذ إصدارها بق ْمع كل من يحاول التحرر من القيود الدينية أو الطقوس الشعائرية السائدة‬ ‫داخل املجتمع‪ .‬وبهذا‪ ،‬ميكن للدولة أو للمؤسسات اإلسالمية ‪-‬وبكل بساطة‪ -‬أن يضطهدا كل مواطنٍ ال يخضع للدين بالقَدر‬ ‫الذي تريده الدولة واملؤسسات الدينية املتحالفة معها‪ .‬وبهذا صنعنا من هذه القوانني أدا ًة قمعي ًة استبدادي ًة تجيز التدخل‬ ‫يف العالقة الخاصة بني الفرد ومن يعبد‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫مشعل خان واستفزاز مشاعر املسلمني‬ ‫وأمام تزايد حاالت االعتداء عىل الكتّاب واملثقفني‪ ،‬أصبحت األنظمة العربية‬ ‫واإلسالمية‪ -‬بتواطؤها مع هذه الرغبات الدينية‪ -‬ظامل ًة ومخلّ ًة بالعدل‪.‬‬ ‫واألبشع أنها أصبحت رشيك ًة للمؤسسات الدينية يف محاولة فرض ِ‬ ‫الدين‬ ‫والتدين باإلكراه‪ ،‬وتحت التهديد بعقوبة السجن‪ .‬حتى غابت مهمة القانون‬ ‫الحقيقي الجنايئ يف الفصل العادل يف التظلامت والنزاعات التي تحدث فيام‬ ‫بني املواطنني أو املؤسسات داخل املجتمع‪ ،‬إىل الدفاع عن األموات والرموز‬ ‫والتاريخ والذات اإللهية‪ ،‬وكأن األديان بحاج ٍة إىل عصا الرشطي لضامن‬ ‫احرتامها‪ ،‬أو بأن األنبياء والصحابة يسمعون ويقرأون كل ما يكتب عنهم‪.‬‬ ‫لقد أصبحنا أضحوكة العامل مبثل هذه القوانني االستبدادية بدعوى املحافظة‬ ‫عىل مشاعر املسلمني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حتى تحولت تلك املشاعر إىل منظومة تكفريٍ‬ ‫وموت بشع ٍة ضد كل من‬ ‫يخالف املعتـقدات والثقافة اإلسالمية‪ .‬وقادتنا إىل إقامة محاكم تفتيش‬ ‫الضامئر والنوايا وفق الكلمة‪ ،‬ثم إىل االستبداد‪.‬‬ ‫حاصل‬ ‫ٌ‬ ‫وستؤدي بنا يف النهاية إىل االنحطاط املجتمعي واألخالقي كام هو‬ ‫متا ًما اليوم‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫الدواعش األوائل‬ ‫ايهاب القسطاوى‬

‫(‪)1‬‬

‫بتنظيم مسلّ ٍح ليتم القضاء‬ ‫داعش ليست‬ ‫ٍ‬ ‫عليها‪ ،‬داعش أفكا ٌر تعيش بيننا‪ ،‬تأكل‬ ‫وترشب وتتجول يف األسواق‪ ،‬وتخطب يف‬ ‫وتعب عن نفسها يف كل مكانٍ‬ ‫املساجد‪ّ ،‬‬ ‫وبكل سهول ٍة‪ ،‬ويتم تلقينها لنا يف كل‬ ‫لحظة‪ ،‬داعش موجود ٌة يف تراثنا ويف‬ ‫كتبنا الدينية‪ ،‬فالتعليم داعيش‪ ،‬واإلعالم‬ ‫داعيش‪ ،‬والبيئة داعشية‪ ،‬واملساجد‬ ‫داعش يف‬ ‫داعشية‪ ،‬وال ُخطب داعشية‪ُ ،‬‬ ‫كل مكان‪ ،‬وعندما يخرج من ُصلبنا‬ ‫دواعش نقول أولئك مغ ّر ٌر بهم؛‬ ‫(‪ )1‬كاتب وباحث مرصي‬

‫‪8‬‬


‫الدواعش األوائل‬ ‫ايهاب القسطاوى‬

‫داعش ال متثل إال األديان‪ ،‬عالو ًة عىل كون داعش‬ ‫ليست وليدة اليوم‪ ،‬وال هى ظاهر ٌة جديد ٌة عىل‬ ‫الحضارة اإلنسانية‪ ،‬إمنا هي ترجم ٌة فعلي ٌة واقعي ٌة‬ ‫صاحبت ظهور األديان‪.‬‬ ‫داعش املتأسلمة ال تختلف عن شقيقاتها من‬ ‫فكل منها يبدع يف إجرامه عندما‬ ‫الديانات األخرى‪ٌ ،‬‬ ‫يحني وقته‪ ،‬أي عندما تتهدد مصالحه‪ ،‬يف هذه‬ ‫األثناء‪ ،‬يبدأ ىف تشييد دور العبادة الخاصة به‪،‬‬ ‫عىل جثث األبرياء ودمائهم‪ ،‬وكل من يتحدث عن‬ ‫كون اإلغارات واالجتياحات العربية لبلدان العامل‪،‬‬ ‫كانت إغار ٍ‬ ‫ات حضاري ًة هدفها نرش الحضارة فهو‬ ‫كاذب‪ ،‬ويغالط وقائع التاريخ‪.‬‬ ‫إن الغزو العريب الهمجي لبلدان العامل كان األكرث وحشي ًة ودموي ًة يف التاريخ‪ ،‬يكفي أن تعلموا أن كل إغار ٍة كانت تنتهي‬ ‫بالجملة التالية‪ :‬فاقتلوا املقاتلة (الرجال) واسبوا النساء وال ُذ ّرية‪ ،‬فقد صارت النساء واألطفال عبي ًدا‪.‬‬ ‫ولنا يف حروب ٍ‬ ‫تناولت ىف إحدى‬ ‫مسلم خري مثا ٍل عىل الرحمة العربية‪ .‬عندما‬ ‫خالد بن الوليد ويزيد بن املهلب وقتيبة بن ٍ‬ ‫ُ‬ ‫مقاالىت واقعة ذبح ٍ‬ ‫خالد بن الوليد ٍ‬ ‫يش رأسه أو استعاملها كسناد ٍة ملوقد‪ ،‬أيًّا كانت فعلته تلك‪ ،‬فقد تق ّدم‬ ‫ملالك بن نويرة ومن تم ّ‬ ‫املكتب اإلعالمي لألزهر ببال ٍغ ونفى هذه الواقعة‪ ،‬وزعم أن تلك املعلومة ما هى إال افرتا ًء عىل ٍ‬ ‫خالد بن الوليد‪ ،‬واليوم ما هو موقف‬ ‫األزهر والوهابيني من أحد أعالم الدعوة السعوديني (عائض القرين) وهو يعلن حقيقة الرواية ويفتخر بها‪ ،‬أملْ يك ُّف الوهابيون‬ ‫بع ُد عىل تحريضهم لجحافل الجهال املغيبني بالقتل والذبح‪ ،‬أمل يكفهم أن أوطاننا تح ّولت لبؤ ٍر لإلرهاب والخراب والدمار‪.‬‬ ‫تاريخي يف الرتاث العريب‪ ،‬وتكمل ًة ملسرية بعض القتلة القدامى‪.‬‬ ‫جرائم داعش لها امتدا ٌد‬ ‫ٌّ‬ ‫سأحاول يف هذا املقال أن اتطرق إىل االمتداد التاريخي لهذا التنظيم‪ ،‬انطالقًا من الداعيش األول “خالد بن الوليد”‪ ،‬ذلك‬ ‫الداعيش الذي غزا إيران وقتل عرشات اآلالف‪ ،‬ويف معركة “اُلَيس” املعروفة ﮨ (نهر الدم) أمر بحبس النهر‪ ،‬ورضب رقاب‬ ‫األرسى ثم أجرى النهر حتى تح ّول د ًما‪ ،‬وأحرق ودمر املدن وأرس النساء واألطفال والشبان من أجل بيعهم يف سوق‬ ‫النخاسة‪ ،‬ثم اتجه إىل العراق لقتل وإبادة النصارى‪.‬‬ ‫دعوين استعرض بعض جرائم ٍ‬ ‫خالد بن الوليد املوثقة بكتابات بعض املؤرخني العرب‪ ،‬أمثال‪ :‬ابن كثري‪ ،‬الذهبي‪ ،‬الطربي‪،‬‬ ‫ابن األثري‪ ،‬وابن حجر العسقالين‪ ،‬وقد اتفقت الروايات التاريخية عىل أن مالك بن نويرة قتله خالد بن الوليد‪ ،‬وأن خال ًدا‬ ‫هذا نزل بعد ذلك عىل زوجته ليىل بنت سنان‪ ،‬وأنه مثّل بجثته بعد قتله فقطع رأسه وأحرقه وطبخ عليه الطعام‪،‬‬ ‫‪9‬‬


‫الدواعش األوائل‬ ‫ايهاب القسطاوى‬

‫فقد ذكر ابن كثري يف كتابه البداية والنهاية‪:‬‬ ‫“وأمر خالد برأسه (رأس مالك) ف ُج ِعل مع حجرين وطبخ عىل الثالثة ِقد ًرا‪ ،‬فأكل منها خال ٌد تلك الليلة ُلي ِهب بذلك‬ ‫األعراب من املرتدين وغريهم‪ ،‬ويقال‪ :‬إن شَ عر ٍ‬ ‫مالك جعلت النار تعمل فيه إىل أن نضج لحم القدر ومل تأكل كل الشعر‬ ‫لكرثته‪ ،‬وقد تكلم أبو قتادة مع ٍ‬ ‫خالد فيام صنع وتق ّوال يف ذلك حتى ذهب أبو قتادة فشكاه إىل أيب بكر”‬ ‫وعند ذاك بعث أبو بكر إىل ٍ‬ ‫مختال بنفسه غري عابئٍ بفعلته النكراء آم ًنا‬ ‫ً‬ ‫خالد أن يرجع إىل املدينة لينظروا يف أمره فعاد‬ ‫أيضا‬ ‫من العقوبة‪ ،‬والواقع إن للداعشية مرجعياتٌ متعدد ٌة يف تاريخ العرب ومنها مرجعية خالد بن الوليد‪ ،‬الذي قتل ً‬ ‫آالفًا من مسيحيي العراق‪.‬‬ ‫ا ّدعى العرب بأنهم غزوا البلدان من أجل نرش اإلسالم‪ ،‬لكن الحقائق وأفعال وجرائم أمثال “خالد بن الوليد” تشهد عىل‬ ‫أنه ال فرق بني غزوات العرب وغزوات الصليبيني واإلسكندر األكرب واملغول واحتالل عصابات املاليل إليران‪.‬‬ ‫الغزوات اإلسالمية وقتل ونهب يهود بني قريظة بأمر ٍ‬ ‫وأس أطفالهم ونسائهم‪ ،‬أشبه بهجامت عصابات‬ ‫سعد بن معا ٍذ ْ‬ ‫قُطّاع الطرق عىل القافالت‪ ،‬وجرائم عصابات الدواعش‪.‬‬ ‫وملا فتح يزيد بن املهلب طربستان سار إىل جرجان وعاهد الله إن ظفر بهم ليطحن القمح بدمائهم ويأكل منه‪،‬‬ ‫رجل من عجم‬ ‫فحارصهم سبعة أشه ٍر وهم يخرجون إليه فيقاتلونه ويرجعون‪ ،‬وكانوا ممتنعني يف الجبل واألوعار‪ ،‬وقصد ٌ‬ ‫رسي يؤدي إىل معسكرهم‪ ،‬فانتخب يزيد ثالمثائة رجلٍ مع ابنه خالد‪ ،‬وبعثه وذلك الرجل‬ ‫خراسان إىل يزيد فأخربه مبمر ّ‬ ‫ّ‬ ‫حطب عنده حتى اضطرمت‬ ‫يدل به‪ ،‬وواعده أن يناهضهم العرص من الغداة‪ ،‬وملّا كان الغد وقت الظهر أحرق يزي ُد كل‬ ‫ٍ‬ ‫النريان‪ ،‬ونظر العد ّو إىل النار فهالهم وحاموا للقتال آمنني خلفهم‪ ،‬فناشبهم يزيد إىل العرص وإذا بالتكبري من ورائهم‬ ‫فهربوا إىل حصنهم وأتبعهم املسلمون فأعطوا ما بأيديهم ونزلوا عىل حكم يزيد‪ ،‬فقتل املقاتلة وسبى الذرية وقاد منهم‬ ‫اثني عرش ألفًا إىل وادي جرجان ومكّن أهل الثأر منهم حتى استلحموهم وجرى املاء عىل الدم وعليه األرحاء فطحن‬ ‫وول عىل جرجان‬ ‫وخبز وأكل‪ ،‬وقتل منهم أربعني ألفًا وبنى مدينة جرجان ومل تكن بُ ِنيت من قبل‪ ،‬ورجع إىل خراسان ّ‬ ‫جهم بن ذخ ٍر الجعفي‪ ،‬وملا قتل مقاتلهم َصلبهم عىل مسافة فرسخني عن ميني الطريق ويساره‪.‬‬ ‫مثال بسيطًا ج ًدا عىل الرحمة العربية‪ ،‬ويف الحقيقة إن األمثلة ال تع ّد وال تحىص‪ ،‬فتاريخ الغزو العريب أغلبه عىل‬ ‫هذا ً‬ ‫هذا النحو‪ ،‬وينتهي غال ًبا بقتل املقاتلة وسلب األموال‪ ،‬وسبي النساء واألطفال‪ ،‬ولقد عاىن املرصيون أشد ما تكون املعاناة‬ ‫رص إال عىل أنها غنيم ٌة يغتنمونها من أصغر‬ ‫تحت هذا الحكم البدوي الجاهل‪ ،‬فاملحتلون العرب أنفسهم مل ينظروا مل َ‬ ‫جندي إيل الخليفة القابع يف جزيرة الرمال‪ ،‬متلهفًا عىل وصول خريات مرص‪ ،‬وحني نضب املعني واستبد الفقر بأهل مرص‬ ‫ٍّ‬ ‫تحت تأثري الجزية والرضائب الباهظة‪ ،‬ووجدوا أال خالص لهم إال بدخول اإلسالم حتى تُرفَع عنهم الجزية‪،‬‬ ‫‪10‬‬


‫الدواعش األوائل‬ ‫ايهاب القسطاوى‬

‫اضطر عمرو بن العاص بأن يطلب من الخليفة عمر بن الخطاب أن يجيز له فرض الجزية عىل من أسلم من أقباط‬ ‫مرص ألن دخول القبط إيل اإلسالم قد أرض بالجزية‪.‬‬ ‫قبائل عربي ٌة‬ ‫وبعد أن استتب األمر ورضخ املرصيون بدأت سياسة االستعامر العريب االستيطاين للمناطق املحتلة‪ .‬هاجرت ُ‬ ‫بأكملها من شبه الجزيرة العربية إىل األرايض املحتلة بحثًا عن أرايض خصبة‪ ،‬وصادر العرب املستعمرون أفضل األرايض‬ ‫من الفالحني املرصيني‪ ،‬الذين تحولوا إىل خ ّد ٍام وز ّرا ٍع للمهاجرين العرب الواصلني حديثًا‪ ،‬سلب املهاجرون العرب ق ًرى‬ ‫بأكملها وسيطروا عليها‪ ،‬بعد أن ر ّحلوا سكانها إىل مناطق أخرى مهجورة‪ ،‬ومع اختالط األقلية العربية املميزة باملرصيني‬ ‫باملصاهرة أصبح جميع من يف مرص من مسيحيني ومسلمني أقباطًا أي مرصيني‪.‬‬ ‫تنصب تحت مس ًّمى ٍ‬ ‫جيش عر ٌيب‬ ‫عسكري قام به ٌ‬ ‫واحد وهو غز ٌو‬ ‫غزو العرب ملرص أو (الفتح اإلسالمي ملرص) مسمياتٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫من شبه الجزيرة العربية عام ‪ 639‬بقيادة عمرو بن العاص‪ ،‬صا َحبه عملية نزو ٍح للقبائل العربية إىل مرص واستيطانها‬ ‫بالكامل عقب سقوط مدينة اإلسكندرية يف العام ‪ ،642‬لذا مل يكن االحتالل العريب لنرش الحضارة‪ ،‬ألن فاقد اليشء ال‬ ‫يعطيه‪ ،‬فأي حضار ٍة وهم مجموع ٌة من البدو الرعاع‪ ،‬كل إنجازاتهم هي اإلغارة عىل الشعوب وقطع الطرق والرقاب؟‬ ‫وكذلك مل يكن لرقّة قلب ابن العاص عند سامعه ألنني املرصيني وشكواهم من حكم الرومان فأراد لهم الخالص‪.‬‬

‫الحقيقة إن الغزو كان لالستيالء عىل ثروات مرص واستعباد أهلها‪ ،‬فعندما بلغ ابن الخطاب خرب دخول جيوش عمرو بن‬ ‫رشا‬ ‫العاص ملرص كان ال يزال ً‬ ‫جالسا بالجامع بعد أن اقتات عىل خب ٍز وزيت‪ ،‬وملّا بلغه النبأ أنّب الرسول الذي جاءه مب ً‬ ‫كونه انتظره حتى ينتهي من صالته‪ .‬فدخول مرص كان لدى عمر بن الخطاب أهم من أي يش ٍء حتى لو كانت الصالة‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫الدواعش األوائل‬ ‫والدليل القاطع عىل حاجة الغزاة العرب الحقيقية لدخول مرص هو أن أول‬ ‫أعامل عمرو بن العاص فيها كانت إعادة فتح قناة سيزوسرتيس (قناة تروجان)‪،‬‬ ‫بدل من الجِامل‬ ‫يك ينقل خريات مرص لجزيرة القحط عن طريق البحر األحمر‪ً ،‬‬ ‫التي ينتظر الخليفة فيها كل ما يأتيه من البقرة الحلوب مرص‪،‬‬ ‫وعندما دخل ابن العاص اإلسكندرية أرسل للخليفة عمر بن الخطاب رسال ًة‬ ‫حم ًما وأن أعمدة املدينة من‬ ‫قال فيها‪“ :‬أنه وجد بها ‪ 40000‬بيتًا بها ‪ّ 40000‬‬ ‫الرخام‪ ،‬حتى ظن أفراد الجيش العريب أنها إرم ذات العامد التي تح ّدث عنها‬ ‫القرآن‪ ،‬وأنه قد بذل جه ًدا يك يقنعهم بأنها ليست إرم‪ ،‬فمنهم من اقتنع ومنهم‬ ‫من مل يقتنع”‪.‬‬ ‫عالو ًة عن كون املغالطات املستمرة عن كون مرص مل تبادر بالثورة ضد الغزو‬ ‫العريب فهو ٌ‬ ‫قول تكذبه كل حقائق التاريخ‪ ،‬فاملرصيون ثاروا ‪ 120‬ثور ًة ونجحوا‬ ‫يف أحيانٍ كثري ٍة يف طرد العرب من أجزا ٍء كثري ٍة من البالد‪ ،‬مام كان يستدعي‬ ‫ٍ‬ ‫جيوش جديد ٍة لتُعا ِون الجيش العريب يف مرص عىل قمع هذه‬ ‫الخلفاء إلرسال‬ ‫الثورات واالحتفاظ بها‪.‬‬ ‫إن الفئة التي مل يدفعها العقل للحضارة‪ ،‬هي تركض اآلن نحوها‪ ،‬هربًا من‬ ‫داعش‪ ،‬فإن كنتم تريدون خداع أنفسكم فافرحوا بالقضاء عىل املجموعة‪ ،‬وإن‬ ‫طويل من اإلصالح التعليمي واملجتمعي‬ ‫طريق ٌ‬ ‫كنتم تريدون الحل الجذري فهو ٌ‬ ‫واألهم هو مواجهة الحقيقة بشجاعة‪.‬‬

‫‪12‬‬


13


‫صفحة ثابتة‬ ‫نقدم فيها قراءة‬ ‫ألحد الكتب‬ ‫القيمة‬

‫أصل األنواع‬ ‫لتشارلز داروين‬ ‫الجزء األول‬ ‫من املالحظ أن معظم الذين يقومون بنقد نظرية‬ ‫التطور مل يكلفوا أنفسهم مشقة أن يطلعوا حتى عىل‬ ‫كتاب أصل األنواع لصاحب النظرية تشارلز داروين‪،‬‬ ‫وبالنظر إىل حجم الكتاب يف نسخته العربية‪ ،‬نجد‬ ‫أن قراءة كتاب به أكرث من مثامنائة صفحة مسألة‬ ‫ميكن أن تكون تعجيزية‪ ،‬لذلك فحتى املجتهدين‬ ‫من الذين يعرتضون عىل النظرية يكتفون بالبحث‬ ‫عن النقد الذي وجه لها من قبل كتاب مشكوك يف‬ ‫صحة علميتهم يف األصل‪ ،‬وبعضهم أعاد أسئلة هي‬ ‫مردود عليها يف الكتاب‪ ،‬لذلك أنا أحاول هنا أن ألخص‬ ‫املبادئ األساسية لكتاب أصل األنواع‬ ‫‪14‬‬

‫عادل أحمد‬


‫أصل األنواع‬

‫تشارلز داروين‬

‫ورغم أن هذا التلخيص الذي هو يف غاية الضغط‪ ،‬سيجحف‬ ‫يف حق الكتاب أميا إجحاف‪ ،‬ولكنه قد يضع القارئ يف الطريق‬ ‫الصحيح لتفهم مبادئ عمل االنتقاء الطبيعي‪ ،‬ومن ناحية‬ ‫أخرى أنا غاية أميل أن يكون هذا العمل مشجع لقراءة‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫سأقوم بتقسيم الكتاب إىل قسمني‪ :‬القسم األول سألخص فيه‬ ‫الفصول الستة األوىل‪ ،‬والقسم الثاين سألخص فيه الفصول‬ ‫التالية‪ ،‬واآلن إىل الجزء األول من التلخيص‬

‫الفصل األول‪ :‬التاميز تحت تأثري التدجني‪:‬‬

‫التدجني هو مقدرة اإلنسان عىل أن يحور كائنات حية نباتية أو حيوانية من أجل منفعته الخاصة‪ ،‬وقد استطاع اإلنسان‬ ‫خالل عدد محدود من آالف السنوات أن يقوم بتحوير عدد كبري من الصفات للحيوانات الداجنة الستخدامه الشخيص‪،‬‬ ‫أما التاميز فهو االختالفات الطفيفة الناتجة يف األنسال (األجيال التالية) وهي مسألة مؤكدة يف الكائنات‪ ،‬فكل كائن ينتج‬ ‫ذرية تكون أفراد هذه الذرية عىل درجة ما من االختالف عن بعضها البعض‪ ،‬وكل كائناتنا الداجنة لها قدرة كبرية عىل‬ ‫التاميز‪ ،‬والعامالن املؤثران عىل التاميز هام طبيعة الكائن نفسه وطبيعة الظروف‪ ،‬وهناك نوع من أنواع التاميز يسمى‬ ‫التاميز املتالزم‪ ،‬وهو متايز يحدث بنفس الطريقة يف أكرث من عضو قد ال يكون بينها عالقة مبارشة‪ ،‬فالطبيعة تعطي‬ ‫متايزات متعاقبة واإلنسان يكدسها يف منتوجاتنا الداجنة مبا يسمى باالنتخاب الصناعي‪ ،‬والتاميزات تكون أكرث وضوحاً‬ ‫يف األعداد الكبرية من نفس الرضب‪،‬‬ ‫ومن السهل أن يالحظ مربو الحيوانات أو النباتات تأثري االنتخاب الصناعي عىل‬ ‫املنتوجات‪ ،‬فحتى أن مريب نشط ميكن أن يرى خالل فرتة حياته نقلة كبرية يف كائن تواله‬ ‫بالرعاية وتوجيه أنساله‪ ،‬فاإلنسان ال يستطيع أن ينتج متايز‪ ،‬ولكن فقط يستطيع أن يراكم‬ ‫التاميزات التي تظهر عىل عالتها‪ ،‬فكل من فرس السباق وفرس جر األثقال تم إنتاجهام‬ ‫عن طريق تكديس صفة الرسعة للرضب األول وتكديس صفة القوة للرضب الثاين‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫أصل األنواع‬

‫تشارلز داروين‬

‫الفصل الثاين‪ :‬التاميز تحت تأثري الطبيعة‬

‫الطفرة هي االنحراف الكبري يف الرتكيب‪ ،‬وهو عموماً يكون ضارا ً وغري مفيد‪ ،‬من املستحيل أن يكون‬ ‫هناك جزء أنت فجأة‪ .‬ولكن األجزاء تتكون من االختالفات البسيطة التي تظهر عىل الذراري التابعة‬ ‫لنفس األبوين‪ ،‬وهذه االختالفات الفردية غالباً ما تكون موروثة‪ .‬وهي بذلك تزود االنتخاب الطبيعي‬ ‫باألدوات التي يعمل عليها‪ ،‬وعىل تكديسها‪ ،‬بنفس الطريقة التي يكدس بها اإلنسان االختالفات الفردية‬ ‫يف منتجاتنا الداجنة‪ ،‬وهناك يف الطبيعة أشكال متتلك بدرجة جديرة باالعتبار الطابع الخاص باألنواع‪،‬‬ ‫ولكنها مامثلة بشكل قريب جدا ً إىل أشكال أخرى‪ ،‬أو هي مرتبطة بها عن طريق تدرجات بسيطة‪ ،‬هي‬ ‫يف غاية األهمية لفهم االنتخاب‪ ،‬وعند التحدث عن األنواع نجد أن علامء طبيعة فرسوا أنواع عىل أساس‬ ‫تصنيف رضوب لعلامء آخرين‪ ،‬بينام فرس علامء الرضوب عىل أساس أنواع لعلامء آخرين‪ ،‬مام يدل عىل‬ ‫أن مصطلح نوع مجرد تعبري تجريدي ال فائدة له‪ ،‬يلمح إىل ويفرتض فعالً منفصالً من أنواع الخلق‪،‬‬ ‫ومصطلح نوع تم إطالقه بشكل اعتباطي وذلك ابتغا ًء لراحة البال‪ ،‬وال يوجد خط واضح للتفرقة بني‬ ‫األنواع واألنواع الفرعية‪ ،‬وأنا أنظر إىل هذه الرضوب عىل أنها خطوات يف اتجاه رضوب أكرث تحديدا ً‪ ،‬ويف‬ ‫النهاية عىل أساس أنها ستؤدي إىل أنواع فرعية‪ ،‬ونجد أنه ليك تصبح الرضوب دامئة (غري منقرضة) فإنها‬ ‫ال بد لها من أن تتصارع مع املقيمني اآلخرين يف املوطن‪ ،‬واألنواع املهيمنة هي التي ستكون صاحبة‬ ‫املقام األول يف إنتاج ذرية‪ ،‬وستكون الذرية وريثة للصفات التي مكنت آباءها من السيطرة‪.‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬التنازع من أجل البقاء‪:‬‬

‫بسبب التنازع من أجل البقاء‪ ،‬فإن التاميزات مهام تكن بسيطة‪ ،‬ومهام يكن سبب انبثاقها‪ ،‬وإذا كانت مفيدة إىل أي‬ ‫ردجة إىل أحد األنواع‪ ،‬يف عالقتها املعقدة مع الكائنات العضوية األخرى ومع ظروفها الطبيعية يف الحياة‪ ،‬سوف متيل إىل‬ ‫االحتفاظ مبثل هذه األفراد‪ ،‬وسوف تصبح بشكل عام متوارثة لدى الذراري‪ ،‬وهذه الذراري سيكون لديها فرصة أفضل‬ ‫للبقاء عىل قيد الحياة‪ ،‬ويسمى هذا التعريف باالنتقاء الطبيعي أو (البقاء لألصلح)‬ ‫وجدير بالذكر أن مبدأ التنازع من أجل البقاء ليس محصورا ً يف افرتاس كائن آلخر‪ ،‬ولكن يتضمن طرق كثرية‪ ،‬مثل أن‬ ‫يتنازع كائنان نفس املورد الطبيعي‪ ،‬أو أن يتنازع كائن مع الطبيعة مثل تنازع نبات صحرواي مع الجفاف‪ ،‬أو ميكن أن‬ ‫يتم التنازع بني أفراد نفس النوع إذا كان عدد الذراري أكرب من املورد الغذايئ املتوفر‪ ،‬وإذا استمر كائن يف التناسل دون‬ ‫توقف‪ ،‬ودون أن يعاين أفراده تنازع من أجل البقاء فإنه يف خالل عقود محدودة ستغطي ذريته حرفياً كل األرض‪ ،‬وهذا‬ ‫يؤكد أهمية التنازع من أجل البقاء‪ ،‬ومن املؤكد أن كل كائن يعمل دامئاً لزيادة عدد أفرادة بالتوالد‪ ،‬بينام النزاع يجعل‬ ‫هذه األعداد متوت أغلبها قبل سن التزاوج‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫أصل األنواع‬

‫الباب الرابع‪ :‬االنتقاء الطبيعي (البقاء لألصلح)‬

‫تشارلز داروين‬

‫إذا وضعنا نصب أعيننا تأثري التنازع من أجل البقاء‪ ،‬والعدد الال نهايئ من التاميزات‪ ،‬ومدى التعقيد والتقارب الذي‬ ‫تتميز به العالقات املتبادلة الخاصة بالكائنات العضوية‪ ،‬فيام بينها نفسها‪ ،‬وفيام بينها وبني الظروف الحياتية الطبيعية‪،‬‬ ‫وأن من بني هذه التاميزات بالرضورة متايزات مفيدة حدثت ألفراد نوع من األنواع‪ ،‬بوضع هذا نصب أعيننا‪ ،‬فإن األفراد‬ ‫التي تكون لديها أي ميزة‪ ،‬مهام تكن بسيطة عن األخرى‪ ،‬سوف يكون لديها أحسن فرصة للبقاء عىل قيد الحياة وعىل‬ ‫زيادة أنسال صنفها‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن أي متايز مرض‪ ،‬سيتم تدمريه برصامة‪ ،‬وهذا الحفاظ عىل التاميزات املفيدة‬ ‫للبقاء‪ ،‬والقضاء عىل التاميزات املرضة‪ ،‬قد أطلق عليه اسم االنتقاء الطبيعي‪ ،‬ونجد أن كثري من الكتاب أخطئوا يف تفسري‬ ‫مصطلح االنتقاء الطبيعي‪ ،‬وبعضهم وصل إىل أن تخيل أن االنتقاء الطبيعي يسبب التاميز‪ ،‬مع أنه ال يتضمن إال الحفاظ‬ ‫عىل التامزيات كام تظهر‪ ،‬وكانت مفيدة للكائن تحت تأثري ظروف حياته‪ ،‬والفرق بني االنتخاب الصناعي واالنتخاب‬ ‫الطبيعي‪ ،‬هو أن اإلنسان يستطيع فقط أن يؤثر عىل الصفات الخارجية واملرئية‪ ،‬فال يهمها يشء من الظاهر‪ ،‬إال فيام‬ ‫يتعلق بكونها مفيدة ألي كائن‪ ،‬وهي تستطيع التأثري عىل عضو داخيل‪ ،‬وعىل كل ظل من االختالف البدين‪ ،‬وعىل مجمل‬ ‫آاليات الحياة‪ ،‬واإلنسان ينتقي فقط ملا يف مصلحته‪ ،‬أما الطبيعة فتنتقي ملا يف مصلحة الكائن‪ ،‬واإلنسان ال يدمر منتجاته‬ ‫الرديئة‪ ،‬وبذلك ميكن أن نقول أن االنتخاب الطبيعي يعمل بفاعلية أكرب من االنتخاب الصناعي‪ ،‬ويف الوقت التي تزداد‬ ‫فيها األعداد لألشكال املفضلة للبقاء‬ ‫يتبع ذلك عادة أن تقل األعداد غري املفضلة‪ ،‬وقلة العدد هو نذير‬ ‫باالنقراض‪ ،‬وإذا أنتج نواع كمية كافية من الذراري يف منطقة واسعة‪،‬‬ ‫فإن هذه الذراري ستنترش وستكتسب طباع مختلفة‪ ،‬فمنهم من‬ ‫سيحصل عىل غذائه من مسطح مايئ ومنهم من سيحاول تسلق‬ ‫شجرة‪ ،‬ومنهم ومن يحاول أن يطارد فريسته‪ ،‬والطبيعة ستكدس‬ ‫الطابع املفضل يف الذراري الالحقة‪ ،‬وهذا ما يسمى بتشعب الطابع‪،‬‬ ‫وهناك نوع آخر من أنواع االنتخاب يسمى باالنتقاء الجنيس هو انتقاء‬ ‫ال يحدث بسبب التنازع من أجل البقاء‪ ،‬بينام يحدث بسبب التنازع‬ ‫بني األفراد التابعني لشق جنيس واحد‪ ،‬من أجل االستحواذ عىل الشق‬ ‫الجنيس اآلخر‪ ،‬والنتيجة ليست املوت بالنسبة للمنافس الذي يفشل‪،‬‬ ‫ولكنها تنحرص يف إنجاب القليل من الذراري‪ ،‬أو عدم اإلنجاب‪ ،‬ويف‬ ‫الوقت التي تزداد فيها األعداد لألشكال املفضلة للبقاء‪ ،‬يتبع ذلك‬ ‫عادة أن تقل األعداد غري املفضلة‪ ،‬وقلة العدد هو نذير باالنقراض‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫أصل األنواع‬

‫تشارلز داروين‬

‫الباب الخامس‪ :‬قوانني التاميز‪:‬‬

‫جدير بالذكر أن العامل تشارلز داروين فشل يف أن يضع قوانني واضحة تفرس التاميز‬ ‫وأسبابه‪ ،‬ولكن هناك عامل اسمه غريغور يوهان مندل‪ ،‬ونرشت نتائج بحوث مندل‬ ‫وخالصة تجاربه يف علوم الوراثة عام ‪1860‬م ومن السخرية أن أحدا ً مل يتنبه لها‬ ‫بسبب اهتامم العلامء بنظرية دارون يف حينها إىل أن عرث علامء عىل التقرير عام‬ ‫‪1900‬م وهنا عرف فضل أبحاثه عىل علم الوراثة‪ ،‬ونذكر أيضاً أن فشل دراوين يف‬ ‫أن يضع قوانني ثابتة للتاميز ليس له عالقة بلب النظرية‪ ،‬فالتاميز يحدث ويقدم‬ ‫األدوات لالنتخاب الطبيعي‪ ،‬سواء أكان دراوين وضع له قوانني أو مل يضع له‪،‬‬ ‫ولقد كانت مالحظات داروين دقيقة متاماً فيام يتعلق بالتاميز‪ ،‬ولكن مل يستطع‬ ‫أن يرسم منط محدد لطبيعة املالحظات التي قدمها يف هذا الفصل‪ ،‬أو لألسباب‬ ‫التي أدت لهذا التاميز‪ ،‬ونجد أن املوضوعات التي متت دراستها يف هذا الفصل‬ ‫هي‪ :‬تأثري االستخدام وعدم االستخدام – التأقلم – التاميز املتالزم – التعويض‬ ‫ونظام النمو‪،‬‬ ‫وقوانني التاميز التي لخصها داروين هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬الرتاكيب املتعددة واألثرية غري املكتملة‪ ،‬واملتواضعة التعضية تكون قابلة‬ ‫للتاميز‪.‬‬ ‫‪ .2‬الجزء الذي يظهر يف أي نوع بأي درجة أو طريقة استثنائية باملقارنة مع الجزء‬ ‫نفسه املوجود يف نوع متقارب مييل إىل أن يكون شديد القابلية للتاميز‪.‬‬ ‫‪ .3‬الصفات النوعية تكون أكرث متايزا ً من الصفات العرقية‪.‬‬ ‫‪ .4‬الصفات الجنسية الثانوية قابلة للتاميز‪.‬‬ ‫‪ .5‬األنواع املتباينة تظهر فيها متايزات متامثلة إىل درجة أنه كثري ما يتخذ أحد‬ ‫الرضوب التابعة ألحد األنواع طابعاً خاصاً بنوع ميت له بصلة قرىب أو أن يرتد إىل‬ ‫بعض الخاصة بأحد األسالف األبوية املبكرة‪.‬‬ ‫يختم الفصل بأنه يؤكد أن الجهل بقوانني التاميز جهل عميق‪ ،‬ولكن هذا ال عالقة‬ ‫له بقوة النظرية‪ ،‬فاملهم أن التاميز يحدث‪ ،‬ويقدم األدوات الالزمة لالنتخاب‬ ‫الطبيعي ليعمل عليها‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫غريغور مندل‬ ‫املرحلة املرحلة‬ ‫املبكرة املتوسطة‬ ‫الجلكيات‬ ‫سمك الكلب‬ ‫سمك الرمح‬ ‫سمك السلمون‬ ‫السمكة الرئوية‬ ‫عفريت املاء‬ ‫هلبندر‬ ‫األفعى‬ ‫الدجاجة‬ ‫األپوسوم‬ ‫القطة‬ ‫الوطواط‬ ‫اإلنسان‬

‫املرحلة‬ ‫املتقدمة‬


‫أصل األنواع‬

‫تشارلز داروين‬

‫الباب السادس‪ :‬الصعوبات الخاصة بالنظرية‪:‬‬

‫أفرد داروين هذا الباب للصعوبات الخاصة بالنظرية‪ ،‬وقد رد عىل اثنني منها يف هذا الفصل وعىل البقية يف الفصل التايل‪،‬‬ ‫والصعوبات هي‪:‬‬

‫‪ .1‬إذا كانت األنواع قد نشأت وانحدرت من أنواع أخرى‪ ،‬عن طريق تدرجات دقيقة‪ ،‬فلامذا ال نستطيع أن نرى يف كل‬ ‫مكان عددا ً ال حرص له من األشكال االنتقالية‪:‬‬ ‫مبا أن االنتقاء الطبيعي يعمل بشكل كيل عن طريق االحتفاظ بالتعديالت املفيدة‪ ،‬فإن كل شكل جديد سوف مييل يف‬ ‫أي قطر مكتظ إىل آخره إىل أن يأخذ مكاناً‪ ،‬ويف النهاية إىل أن يبيد الشكل األبوي الخاص به‪ ،‬والذي هو أقل تحسناً‪،‬‬ ‫واألشكال األخرى األقل منه يف األفضلية‪ ،‬وبالتايل فإن اإلبادة واالنتقاء الطبيعي ميضيان متعاونان يدا ً بيد‪ ،‬ومن ثم إذا‬ ‫نظرنا إىل كل نوع عىل أنه قد انحدر من أحد األشكال غري املعروفة‪ ،‬فإن كل من الرضوب األبوية واالنتقالية سيكونان‬ ‫عادة قد متت إبادتهام بنفس العملية التي يجري بها التكوين والوصول بالشكل الجديد إىل الكامل‪.‬‬ ‫‪ .2‬هل نستطيع أن نصدق أن االنتخاب الطبيعي ميكنه أن ينتج من أحد الجوانب عضوا ً ذا أهمية تافهة مثل الذيل‬ ‫بالزرافة الذي يستخدم كمرضب للذباب‪ ،‬وعىل الجانب اآلخر عضو يف غاية الروعة مثل العني‪:‬‬ ‫إذا كان من املمكن إظهار وجود تدرجات عديدة من عني بسيطة ويف حالة منقوصة إىل عني معقدة وبالغة إىل حد‬ ‫الكامل‪ ،‬وأن كل درجة من هذه الدرجات كانت مفيدة ملالكها‪ ،‬فمن املمكن بالتايل أن تكوين عني كاملة ومعقدة عن‬ ‫طريق االنتقاء الطبيعي‪ ،‬ومن الصعب أن ننظر إىل الجدود املبارشين لنوع لرنى التدرج يف عضو معني‪ ،‬ولكن ميكن أن‬ ‫ننظر إىل األنواع والطبقات األخرى التابعني لنفس املجموعة‪ ،‬وذلك يعني النظر إىل الذراري املنحدرة بشكل غري مبارش‬ ‫من نفس الشكل األبوي وذلك من أجل رؤية ما التدرجات التي كانت ممكنة‪ ،‬ويذكر الكاتب تدرجات طبيعية لنظم‬ ‫برصية تبدأ من مجرد عصب جلدي يستشعر عتمة الضوء يف الكائنات البحرية‪ ،‬إىل أكثري العيون دقة وكامالً‪.‬‬ ‫‪ .3‬هل من املمكن أن تكتسب الغرائز وأن تتعدل من خالل االنتقاء الطبيعي؟ وماذا ميكن أن نقول عىل غريزة مثل‬ ‫الغريزة التي تقود النحل إىل أن يصنع خاليا‪ ،‬وهي التي قد سبقت بالفعل علامء الرياضيات عميقي التفكري‪( .‬اإلجابة‬ ‫يف الفصل السابع)‬ ‫‪ .4‬كيف ميكن أن نفرس األنواع التي تكون عقيمة وتنتج ذرية عقيمة‪ ،‬بينام عندما تتهاجن الرضوب خصوبتها ال تختل‪.‬‬ ‫(اإلجابة يف الفصل السابع)‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫أصل األنواع‬

‫تشارلز داروين‬

‫‪ .5‬الكائنات تم خلقها بشكل جميل إلبهاج اإلنسان والتفكر يف الخلق‪:‬‬ ‫من الواضح أن اإلحساس بالجامل يعتمد عىل الطبيعة الخاصة بالعقل‪ ،‬بغض النظر عن أي جودة حقيقية موجودة‬ ‫يف اليشء املثري لإلعجاب‪ ،‬وإن الفكرة املتكونة عام هو جميل ليست غري قابلة للتعديل‪ .‬ومن ناحية أخرى إذا كانت‬ ‫األشياء الجميلة قد تم خلقها إلبهاج اإلنسان‪ ،‬فإنه يتحتم قبل ظهور اإلنسان كان يوجد جامل أقل عىل سطح األرض‪ ،‬من‬ ‫املوجود من منذ أن تم ظهوره عىل خشبة املرسح‪ ،‬رغم أن هناك كائنات منقرضة يف غاية الجامل تم اكتشاف متحجرات‬ ‫لها‪.‬‬

‫الفصل السابع‪ :‬اعرتاضات مختلفة عىل نظرية التطور‪:‬‬

‫يقول تشارلز داروين يف مقدمة هذا الفصل‪ :‬من العبث أن نخضع جميع االعرتاضات إىل املناقشة‪ ،‬وذلك ألن الكثري منها‬ ‫أقيم بواسطة كتاب مل يكلفوا أنفسهم مشقة فهم املوضوع‪.‬‬ ‫وأنا أقول أن هذا الباب من الصعب تلخيصه‪ ،‬ألنه كله يف غاية األهمية‪ ،‬وفيه إجابات لكثري من األسئلة التي تدور بخلد‬ ‫املعرتضني عىل النظرية‪ ،‬وأنا أنصح الجميع بأن يقرأ هذا الباب من الكتاب مبارشة‪ ،‬ألن نقله إىل هذا امللخص يعني أن‬ ‫هذا امللخص لن يخدم غرضه وهو تبسيط الكتاب لجعله املبادئ األساسية ميكن قراءتها‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


‫ﻣﺴﻠﻤﻮ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻮﻥ‬

Ex-Muslims of North America NO BIGOTRY, NO APOLOGY

ٍ ‫ او ﺗﱪﻳﺮ‬،‫ﺗﻌﺼﺐ أﻋﻤﻰ‬ ‫ات واﻫﻴﺔ‬ ‫دون‬ ٍ ‫ﻧﺒﻨﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺩﺍﻋﻤﺔ‬

Building Communities

‫ﻧﻨﺸﺮ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ‬

Promoting Secular Values

‫ﻧﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻔﻴﻒ ﻋﻮﺍﻗﺐ ﺍﻟﺮﺩﺓ‬

Mitigating Costs of Apostasy

‫ﻧﺴﻌﻰ ﻟﺘﻄﺒﻴﻊ ﺍﻻﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ‬

Normalizing Religious Dissent

facebook.com/exmna

exmna.org

@exmuslimsofna

theexmuslim.com

E MNA 21


‫‪Karrar Al Asfoor‬‬

‫القتل خطأ؟ كيف ميكنك‬ ‫ملاذا ُ‬ ‫تخطئ ُة ستالني من خالل‬ ‫اإللحاد؟ من أين يستم ّد امللحد‬ ‫أخالقه؟‬

‫سقوط نظرية‬ ‫األخالق الدينية‬

‫ما هو معيار امللحد للصواب‬ ‫والخطأ؟ هذه األسئلة وغريها‬ ‫كث ًريا ما تواجه امللحدين يف‬ ‫حواراتهم مع املؤمنني‪ ،‬وألين‬ ‫وج ّدت قصو ًرا يف أجوبة‬ ‫فهم لواقع تلك‬ ‫امللحدين وعدم ٍ‬ ‫األسئلة قررت أن أكتب هذا‬ ‫املقال لعلّه ينفع أحدهم‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫سقوطنظرية‬ ‫األخالقالدينية‬

‫‪Karrar Al Asfoor‬‬

‫يف‬ ‪‭‬البداية‬ ‪‭‬علينا‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬نعرف‬ ‪‭‬ما الذي‬ ‪‭‬يقصده‬ ‪‭‬املؤمن‬ ‪‭‬من‬ ‪‭‬أسئلته تلك‬وماذ‪‭‬ا‬ ‫‬يري ‬د ‪‭‬أ ‬ن ‪‭‬يقول‪‬ ،‬فاملؤم ‬ن ‪‬ ‭‬ال ‪‭‬يقص ‬د ‪‭‬أ ّن‬ ‪‭‬امللحد هو‬ ‫‪‭‬أخالقي‬ ‪‭‬وإمنا‪‭‬‬ ‫‬شخص ‪‬ ‭‬ال‬ ‫ٌ‬‬ ‫ٌّ‬ ‫‪‭‬أناس‬ ‪‭‬أخالقيون‪‭ ‬،‬لك ّنه‬ ‪‭‬يقول‪‭‬‬ ‫‬يتفق‬ ‪‭‬معنا‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬أ ّن‬ ‪‭‬كث ًريا‬ ‪‭‬من‬ ‪‭‬امللحدين هم‬ ٌ‬ ‫‬أ ّن تلك ‬األخالق‬ ‪‭‬ليس‬ ‪‭‬لها‬ ‪‭‬عالق ٌة‬ ‪‭‬باإللحاد‪‭ ‬،‬وإنّ ا‬ ‪‭‬هي مستمد ٌة‬ ‪‭‬من‬ ‪‭‬القيم‪‭‬‬ ‫‬األخالقية‬ ‪‭‬الدينية‬ ‪‭‬املطلقة‪ ،‬مبعنى آخر‬ ‪‭‬إننا‬ ‪‭‬نقول‬ ‪‭‬أ ّن‬ ‪‭‬القتل‬ ‪‭‬خطأ‪‭ ‬،‬ولكن‬ ‪‭‬ما‪‭‬‬ ‫‬هو‬ ‪‭‬املعيار‬ ‪‭‬الذي‬ ‪‭‬احتكمنا‬ ‪‭‬إليه يف ذلك؟‬طاملا‬ ‪‭‬أ ّن‬ ‪‭‬األخالق‬ ‪‭‬هي أمو ٌر نسبي ٌة‪‭‬‬ ‫‪‭‬شخص ‪‭‬آلخ ‬ر ‪‭‬وم ‬ن ‪‭‬ثقاف ٍ ‬ة ‪‭‬ألخرى‪ ،‬فالبعض ‬يرى أ ّن ‬الرسقة‪‭‬‬ ‫ٍ‬‬ ‫ف ‪‭‬م ‬ن‬ ‫‬وتختل ‬‬ ‫‬بعضهم‬ ‪‭‬يرى أ ّن‬ ‪‭‬مامرسة‪‭‬‬ ‫‬والقتل‬ ‪‭‬خطأً والبعض اآلخر ‬يراها‬ ‪‭‬أم ًرا‬ ‪‭‬صائبًا‪ُ ،‬‬ ‫س ‪‭‬خار ‬ج ‪‭‬إطا ‬ر ‪‭‬الزوا ‬ج ‪‭‬هو أم ٌر أخالق ‬ي ‪‭‬وبعضهم اآلخ ‬ر ‪‭‬يراه ال أخالق ًيا‪،‬‬ ‫‬الجن ‬‬ ‫فام‬ ‪‭‬هو‬ ‪‭‬املعيار‬ ‪‭‬الذي‬ ‪‭‬نعتمده‬ ‪‭‬لتخطئة‬ ‪‭‬الجرائم؟‬ ‪‭‬وإن‬ ‪‭‬مل‬ ‪‭‬يكن‬ ‪‭‬هناك‬ ‪‭‬معيا ٌ‪‭‬ر‬ ‫‪‭‬أي ٍ‬ ‫‪‭‬شخص‬ ‪‭‬ارتكاب‪‭‬‬ ‫‬لذلك‪‭ ‬،‬فستالني‬‪ ‭‬إذًا ‬قام‬ ‪‭‬باألمر‬ ‪‭‬الصائب‪‭ ‬،‬وبذلك يستطيع‬ ُّ ‬‬ ‫‬أي ‪‭‬جرمي ٍة‬ ‪‭‬بدو ‬ن ‪‭‬وجو ‬د ‪‭‬معيا ٍر‬ ‪‭‬يقو ‬م ‪‭‬بتخطئت ‬ه ‪‭‬ألنه ‬ا ‪‭‬أم ٌ ‬ر‬ ‫‪‭‬أخالقي‬ ‪‭‬صائب‬ ‫ّ‬‬ ‫ٌ‬ ‫(من‬ ‪‭‬وجهة‬ ‪‭‬نظره)‪‭ ‬،‬فبالنهاية‬ ‪‭‬معياره‬ ‪‭‬هو‬ ‪‭‬رأيه‬ ‪‭‬الشخيص‪.‬‬ ‫وهن ‬ا ‪‭‬سيقو ‬م ‪‭‬املؤم ‬ن ‪‭‬بتمري ‬ر ‪‭‬النظري ‬ة ‪‭‬الديني ‬ة ‪‭‬لألخالق ‬‪‭ ،‬والت ‬ي ‪‭‬تقو ‬ل ‪‭‬طامل‪‭‬ا‬ ‫‬أ ّن‬ ‪‭‬البرش‬ ‪‭‬مختلفون‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬تحديد‬ ‪‭‬الصواب‬ ‪‭‬والخطأ‬ ‪‭‬وطاملا‬ ‪‭‬أ ّن معايريهم‬ ‪‭‬ناقص ٌة‪‭‬‬ ‫‬وتحتمل‬الخطأ‪ ،‬إ ًذا‬ ‪‭‬ال‬ ‪‭‬ب ّد‬ ‪‭‬لنا‬ ‪‭‬من‬ ‪‭‬االحتكام‬ ‪‭‬ملعيا ٍر‬ ‪‭‬كاملٍ ‬ ‪‭‬يُح ّدد‬ ‪‭‬لنا‬ ‪‭‬الصواب‪‭‬‬ ‫‬والخطأ‪‭ ‬،‬واملعيار‬ ‪‭‬الكامل‬ ‪‭‬هنا‬ ‪‭‬هو‬ ‪‭‬الله‬ ‪‭‬وترشيعاته‬ ‪‭‬وهي ‬(‪‭‬الكتالوج‬)‪‭‬‬ ‫املستخدم لتحديد‬ ‪‭‬الصواب‬ ‪‭‬من‬ ‪‭‬الخط ‬أ‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‭.‬‬ ‫سأرشح نظرية املعيار الكامل أكرث عرب هذا املثال‪ :‬لنفرتض أن هناك شخصني اختلفا عىل طول قطع ٍة خشبية‪ ،‬فأحدهم‬ ‫يقول إن طولها عرشة سنتمرت ٍ‬ ‫ات واآلخر يقول إن طولها اثنا عرش سنتمرتًا‪.‬‬ ‫فام هو املعيار هنا لتحديد الصح من الخطأ؟ بالطبع سنأيت مبسطر ٍة ونقيس الطول‪ ،‬واملسطرة هنا هي املعيار الكامل‬ ‫(املعيار الدقيق) ألن البرش املختلفني معيارهم ناقص‪ .‬فالرأي الشخيص والعقل البرشي ليسا بتلك الدقة ويحتمالن الخطأ‬ ‫والصواب‪.‬‬ ‫ومن هنا يستطيع املؤمن أن ينسف أي ٍ‬ ‫فمثل امللحد ينتقد حد الردة والعبودية يف اإلسالم ولكن‬ ‫نقد لترشيعات الدين‪ً ،‬‬ ‫وفق أي معيا ٍر ينتقدهام؟ ملاذا امللحد يعتربهام خطأين؟ كيف يقنع املؤمن أنهام أمران ال أخالقيان؟‬ ‫‪23‬‬


‫سقوطنظرية‬ ‫األخالقالدينية‬

‫‪Karrar Al Asfoor‬‬

‫رشعه الله‪،‬‬ ‫فحد الردة ترشي ٌع من معيا ٍر كامل (معيا ٌر دقيق) ولذلك هي أم ٌر‬ ‫أخالقي بالنسبة للمؤمن‪ ،‬ألن الصح هو ما ي ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫رأي من وجهة نظر امللحد‪ ،‬وامللحد يتفق مع املؤمن بأن اآلراء‬ ‫بينام امللحد ينتقد حد الردة عىل أنه أم ٌر ال‬ ‫أخالقي وهذا ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ناقص ولذلك فإن رأيه قد يحتمل الخطأ‬ ‫الشخصية نسبية‪ ،‬أي‬ ‫مبعنى يتفق معه عىل أن معيار (عقل البرش) هو معيا ٌر ٌ‬ ‫ً‬ ‫والصواب‪ ،‬وطاملا كذلك‪ ،‬فلامذا ينتقد ترشيعات الدين أخالق ًيا إن مل يكن لديه معيا ٌر يثبت من خالله خطأها؟‬

‫نظرية األخالقية الدينية ليست الوحيدة‪:‬‬ ‫يف البداية وقبل أن نقوم بنسف النظرية الدينية لألخالق يجب أن نقدم نظري ًة بديل ًة‪ ،‬فبدون تقديم البديل سنبقى‬ ‫ٍ‬ ‫معي للصح‬ ‫محمد وتخطئة اإلسالم وفق معيا ٍر ّ ٍ‬ ‫ندور يف حلق ٍة مفرغة‪ ،‬وال زال امللحد مطال ًبا بتخطئة ستالني وتخطئة‬ ‫والخطأ‪ .‬ولذلك سأل ّخص النظريتني األخالقيتني يف شكل ٍ‬ ‫نقاط مع العلم بأنه توجد بدائل أخرى كالرباغامتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬النظرية الدينية وتسمى (نظرية األمر اإللهي)‪:‬‬ ‫وهذه النظرية ملخصها يقول‪ :‬مبا أننا نحن البرش ال نتمتع بصفات الكامل‪ ،‬إذًا عقولنا ناقص ٌة ومعايرينا نسبي ٌة ولذلك‬ ‫رشعه الله هو األخالقي وما يحرمه الله هو غري‬ ‫سنحتاج ملعيا ٍر كامل (أو دقيق) ليك نح ّدد وفقه الصح من الخطأ‪ .‬فام ي ّ‬ ‫األخالقي‪.‬‬

‫طبعا ً هو فعل أخالقي ألن الله هو من أمر به!‬ ‫‪24‬‬


‫نظرية‬ ‫ﺻﻮرﺗني‬ ‫سقوط‪ ..‬ﰲ‬ ‫اﳌﻮت‬ ‫األخالقالدينية‬ ‫ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﻘﺮآن واﻹﻧﺠﻴﻞ؟ ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت أن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ اﻟﻌﺪو‪.‬‬ ‫‪ -2‬النظرية اإلنسانية وتسمى (النظرية النفعية)‪:‬‬ ‫ﺳﺄﻟﺖ ﻧﻔﴘ ﻳﺎ ﺗﺮى ﻣﺎ ﻫﻮ ﺗﺄﺛري اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ وﻫﻞ ﻣﻦ اﳌﻤﻜﻦ أن‬ ‫وهذه النظرية تقول إن جميع البرش بل إن جميع الكائنات الح ّية التي متتلك‬ ‫اﻟﻜﻔﺎر ﻛ ٌرث وأﻏﻠﺐ‬ ‫ﺛﻘﺐ أﺳﻮد ﺑﺴﺒﺐ ازدﻳﺎد ﻛﺘﻠﺘﻬﺎ؟ ﻣﻦ اﳌﻌﺮوف أن‬ ‫ﺗﺘﺤﻮل إﱃ ٍ‬ ‫جهازًا عصب ًيا متطو ًرا هي يف الحقيقة تبحث عن السعادة وترفض األمل واملعاناة‬ ‫ﺳﻜﺎن اﻷرض ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ ﺑﻬﻢ اﳌﻄﺎف ﻫﻨﺎ‪ .‬ﻛﻢ ﻣﻠﻴﺎر إﻧﺴﺎنٍ ﺗﺤﺘﺎج ﺟﻬﻨﻢ ﻟﺘﻨﻬﺎر ﻋﲆ‬ ‫ولذلك فإن األمر األخالقي هو تسبب بعضها ٍ‬ ‫لبعض بالسعادة‪ ،‬واألمر غري‬ ‫ﻟﺜﻘﺐ أﺳﻮد؟‬ ‫ﻧﻔﺴﻬﺎ وﺗﺘﺤﻮل ٍ‬ ‫األخالقي هو تسبب بعضها ٍ‬ ‫لبعض باألمل واملعاناة‪.‬‬ ‫ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت أن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻏري ﻣﺤﻤﻮد‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﳌﺎذا ﺧﻠﻘﻨﻲ اﳌﻌﻠﻢ ﺑﻌﻘﻞٍ‬ ‫انعكاس ملا ترغب به لنفسك ونستطيع اختصارها يف هذه‬ ‫أي أن األخالق هي‬ ‫ٌ‬ ‫وﻳﺤﺎﻛﻢ اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻌﺎﻗﺒﻨﻲ ﻋﲆ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎ ﺧﻠﻘﻪ ﱄ؟‬ ‫ﻳﻄﺮح ﻫﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫القاعدة (عامل الناس كام تحب أن يعاملوك)‪ ،‬وسآيت لرشح املعيار املنطقي يف‬ ‫ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﺣﱰق إﱃ اﻷﺑﺪ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﺮﺻ ٌﺔ ﻻ ﺗﻌﻮض أن أﻛﻮن داﺧﻞ‬ ‫ﻛﻔﻰ أﺳﺌﻠ ًﺔ‪،‬‬ ‫تخطئة املجرمني ٌحسب هذه النظرية الحقًا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ﺗﻔﺎﻋﻼت وأرﺻﺪﻫﺎ دون أن أﻣﻮت‪.‬‬ ‫ﻫﻜﺬا‬ ‫نسف النظرية الدينية‪:‬‬ ‫دﺧﻠﺖ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ وﺑﺪأ اﻟﻌﺬاب وأﻧﺎ أﴏخ وأﺗﻌﺬب‪ ،‬ﻟﻜﻨﻲ ﻻﺣﻈﺖ وﺟﻮد ﻛﺎﻣريا‬ ‫ﰲ أﻋﲆ ﺟﻬﻨﻢ ﺗﺼ ّﻮر ﻋﺬايب وﺗﺒﺜﻪ ﻷﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻟيك ﻳﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﻌﺬايب‪.‬‬ ‫النظرية الدينية تواجه معضل ًة حقيقي ًة من حيث أنها غري قابل ٍة‬ ‫يف الحقيقة‪ ،‬إن‬

‫للتطبيق‪ ،‬وهي فاسد ٌة يف أصلها وتعتمد عىل معيا ٍر ٍ‬ ‫ناقص بخالف ما ت ّدعيه‪.‬‬ ‫اﳌﺆﻣﻨﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺤﻤﻠﻮا ﻣﻘﺎﻻيت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﻴﻮم ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺸﻔﻮا ﻏﻠﻴﻠﻬﻢ‪،‬‬ ‫ﻫﺎ أﻧﺎ أﺣﱰق وأﺗﻌﺬب وﻫﻢ ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌﻮن‪ ،‬ﻓﺮﺣني مبﺎ أﻋﻄﺎﻫﻢ اﳌﻌﻠﻢ ﻣﻦ‬ ‫فمثل ٍ كيف سنح ّدد املعيار الكامل؟‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫وإﺟﺎص وﻧﺒﻴﺬ‪ ،‬اﻟﺬﻛﻮر ﻳﻀﺎﺟﻌﻮن اﻟﺤﻮرﻳﺎت واﻟﻨﺴﺎء ﻳﺸﺎﻫﺪن أزواﺟﻬﻦ‬ ‫ﻓﺎﻛﻬﺔ‬ ‫وﻳﺤﻔّﺰﻧﻬﻢ ﻋﲆ اﳌﺰﻳﺪ‪ .‬ﻛﻢ ﻫﻢ ﺳﻌﺪاء؟!‬ ‫مبعنى أنه توجد حول العامل آله ٌة متعدد ٌة وأديا ٌن متعدد ٌة وبطبيعة الحال كل‬ ‫دينٍ يقول إنه هو الدين الصحيح ويقول إن الرب الذي يعبده هو الصحيح‬ ‫ﺳﻴﺒﻘﻮن ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌني إﱃ اﻷﺑﺪ‪ ،‬ﻳﺄﻛﻠﻮن اﻹﺟﺎص وﻳﺘﻀﺎﺟﻌﻮن دون ﺗﻮﻗﻒ‪،‬‬ ‫ويقول إن باقي األديان مزيفة (خطأ)‪.‬‬ ‫ﴫ ﻫﻨﺎ وذاك ﻟﻪ ٌ‬ ‫ﻣﻨﺰل ﻫﻨﺎك‪.‬‬ ‫ﻫﺬا ﻟﻪ ﻗ ٌ‬ ‫فام هو املعيار الذي من خالله سنحكم عىل أن هذا الدين صحيح وهذا الرب‬ ‫ﻳﻮﺟﺪ أﻧﻬﺎ ٌر ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻴﺬ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﻜﺮ أو ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﻋﺼ ًريا ﻋﲆ ٌاﻷرض‪ ،‬أﻧﻬﺎ ٌر‬ ‫حقيقي وليس مزيّفًا؟‬ ‫ﻣﻦ ٌ‬ ‫اﻟﻌﺼري‪.‬‬ ‫خصوصا) بردو ٍد جدلي ٍة كأن يقول‪ :‬إنه ال توجد آله ٌة‬ ‫ورمبا يرد املؤمن (املسلم‬ ‫ﻓﻜﺮة‪ ،‬ﻣﺎ ً‬ ‫ﻫﻲ اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺎنٍ ﻟﻠﻤﻀﺎﺟﻌﺔ إﱃ اﻷﺑﺪ؟ ﻛﻴﻒ‬ ‫ﻓﺠﺄ ٌة ﺧﻄﺮت ﰲ ﺑﺎﱄ‬ ‫متعدد ٌة وإمنا يوجد إل ٌه واح ٌد ودي ٌن واح ٌد وباقي اآللهة هي تصوراتٌ خاطئ ٌة عن‬ ‫ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﺠﻨﺎن ﻫﻲ اﻟﺠﻮاب ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻮد وﻋﻈﻤﺔ اﻟﻜﻮن؟ ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت أن ﻫﺬا‬ ‫هذا اإلله‪ ،‬وباقي األديان هي أديا ٌن مح ّرف ٌة عن الدين الحق (اإلسالم)‪.‬‬ ‫اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻗﴣ ﻋﲇ‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪36‬‬

‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‬


‫سقوطنظرية‬ ‫األخالقالدينية‬

‫‪Karrar Al Asfoor‬‬

‫وهنا نفس اليشء ونفس السؤال ال زال مطرو ًحا‪ ،‬كيف نح ّدد التصور الصحيح لله من بني كل هذه التصورات الخاطئة‬ ‫بدل من الصفات‬ ‫وكيف نحدد الدين الصحيح من بني كل هذه األديان املح ّرفة‪ ،‬وكيف نعرف الصفات الحقيقية لله ً‬ ‫املنسوبة له زو ًرا؟‬ ‫ٌ‬ ‫أخالقي أم‬ ‫اختالف يف الترشيعات‪ ،‬فهل رشب الخمر‬ ‫هل الخالق الكامل املعايري هو كريشنا أم الله؟ وهذا األمر يتبعه‬ ‫ٌّ‬ ‫أخالقي أم ال؟‬ ‫ال؟ وهل العبودية أم ٌر‬ ‫ٌّ‬

‫اإلجابة الوحيدة التي ميتلكها املؤمن هي أننا منيز اإلله الحقيقي من املزيف من‬ ‫خالل العقل‪ ،‬وهنا قام املؤمن بنسف نظرية املعيار الكامل برمتها‪ ،‬فالعقل معيا ٌر‬ ‫أساسا لهذا السبب رفض مناقشة‬ ‫ناقص‬ ‫ٌ‬ ‫ونسبي ويحتمل الخطأ والصواب‪ ،‬واملؤمن ً‬ ‫ٌّ‬ ‫األخالق بالعقل فكيف يريد يف أصل النظرية أن يستعمل العقل (املعيار الناقص)‬ ‫لتحديد الصح من الخطأ؟‬ ‫حل لهذه املعضلة فإنه سينتهي ملعيا ٍر ٍ‬ ‫ناقص وهو قد رفضه يف البداية‪.‬‬ ‫مهام حاول املؤمن إيجاد ٍّ‬ ‫إذن نظرية املعيار الكامل فاسد ٌة يف أصلها ألننا لن نستطيع االحتكام ملعيا ٍر كاملٍ مهام حاولنا ذلك‪ ،‬وسننتهي يف النهاية‬ ‫إىل العقل‪ ،‬والعقل معيا ٌر نسبي‪.‬‬ ‫قد ير ّد املؤمن مبغالط ٍة منطقي ٍة وهي تحديد الكامل من خالل الكامل‪ ،‬فالله يقول إنه الحكيم‪ ،‬إذن هو الخالق ونفس‬ ‫اليشء هنا‪ ،‬فجميع اآللهة تدعي صفات الكامل واالحتكام الدعاءات أحدهم ستنتهي بنسب صفات الكامل له‪ ،‬وهذه‬ ‫أساسا محل النقاش ومحل االختالف هو يف متييز اإلله‬ ‫تعترب مغالطة املنطق الدائري ‪ ،circular reasoning fallacy‬ألنه ً‬ ‫املزيف من الحقيقي ومتييز صحة ادعاءات هذا اإلله من عدمها‪.‬‬ ‫بالنهاية املؤمن بني خيارين أحالهام مر‪ ،‬فإما أنه يقع يف مغالط ٍة منطقي ٍة وأما أنه ينسف نظرية املعيار الكامل بنفسه‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫سقوطنظرية‬ ‫األخالقالدينية‬

‫‪Karrar Al Asfoor‬‬

‫نظرية املعيار الكامل كارث ٌة أخالقي ٌة تواجه البرشية‪:‬‬ ‫فداعش يعتمدون عىل نظرية املعيار الكامل وحسب هذه‬ ‫النظرية فإنهم عىل املسار الصحيح‪ .‬كل ما فعلوه أنهم اتبعوا هذه‬ ‫الخطوات‪:‬‬ ‫‪ -1‬توصلوا من خالل معيارهم النسبي والناقص (عقولهم) إىل أن‬ ‫كامل‪.‬‬ ‫الخالق هو إله ابن تيمية واعتربوه معيا ًرا ً‬ ‫‪ -2‬اعتربوا ترشيعاته حقائق أخالقي ًة مطلق ًة قادم ًة من معيا ٍر كاملٍ‬ ‫ولذلك يتوجب ابعادها عن النقاش العقيل‬ ‫(النسبي والناقص)‪.‬‬ ‫‪ -3‬مربوك أصبح قتل الناس واستعبادهم واغتصابهم أمو ًرا أخالقي ًة‬ ‫كامل هنا ونحن ال نعرف الصح من الخطأ‪.‬‬ ‫ألن املقياس ٌ‬ ‫إذن النظرية الدينية لألخالق تدعو لتعطيل العقل يف األخالق ولكنها ال ترى مشكل ًة يف استخدام العقل الختيار أصل‬ ‫األخالق‪ ،‬وهذه قد تؤدي إىل كوارث أخالقية‪،‬‬ ‫مرسل من وحش السامء (الذي عندي أدل ٌة عقلي ٌة عىل أنه املعيار الكامل)‬ ‫نبي ٌ‬ ‫ً‬ ‫فمثل أستطيع االدعاء بأنني ٌّ‬ ‫ثم أقوم بترشيع إبادة املسلمني والهندوس واملكسيكيني وذوي االحتياجات الخاصة وال أحد يستطيع لومي ألنني احتكم‬ ‫للمعيار الكامل هنا‪ ،‬وهم يريدون تحكيم عقولهم الناقصة وانتقاد هذه الترشيعات‪.‬‬ ‫البديل اإلنساين‪:‬‬ ‫يتبق لنا إال البدائل اإلنسانية التي تعتمد عىل وضع املعايري من خالل العقل‪ ،‬وهنا سنأخذ النظرية‬ ‫كام تالحظون فإنه مل َّ‬ ‫النفعية لألخالق كمثال‪ ،‬وكام أسلفنا يف البداية فإن كل البرش هم باحثون عن السعادة ورافضون لألمل واملعاناة حسب‬ ‫هذه النظرية‪ ،‬واستخلصنا منها قاعد ًة أخالقي ًة تقول (عامل الناس كام تحب أن يعاملوك) واآلن سنأيت للتطبيق املنطقي‬ ‫لهذه النظرية‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫سقوطنظرية‬ ‫األخالقالدينية‬

‫‪Karrar Al Asfoor‬‬

‫فمثل لو أنك قتلت أح ًدا ما فأنت تقع يف مغالط ٍة منطقي ٍة تسمى مغالطة املرافعة الخاصة ‪special pleading fallacy‬‬ ‫ً‬ ‫افض‬ ‫ألنك تتعامل مع قضيتني متشابهتني مبعيارين مختلفني‪ ،‬فأنت ال تريد أن تتعرض للقتل (ألنك باحثٌ عن السعادة ور ٌ‬ ‫لألمل) ‪ ..‬ولكنك ال متانع من تعرض ٍ‬ ‫افض لألمل)‪ ،‬فالقضيتان‬ ‫شخص آخر للقتل (بالرغم من أنه مثلك باحثٌ عن السعادة ور ٌ‬ ‫هنا كلتاهام قتل إنسانٍ وأنت تعاملت معهام مبعيارين مختلفني‪ ،‬ومن خالل هذا املعيار نستطيع تخطئة هتلر وستالني‬ ‫ٍ‬ ‫ومحمد والخرض والله وغريهم من السفاحني واملجرمني‪.‬‬ ‫مثل‪ ،‬إن ستالني بالتأكيد ال يرغب بأن يتعرض‬ ‫ً‬ ‫للقتل‪ ،‬فبقتله لآلخرين هو يقع يف املغالطة‬ ‫املنطقية املذكورة آنفا‪ ،‬وحتى لو كانت لديه‬ ‫مثل مستوى الذكاء‪ ،‬فيقول إن‬ ‫تربيراتٌ أخرى ً‬ ‫الناس األقل ذكا ًء يجب أن يبادوا ألنهم عال ٌة‬ ‫عىل البرشية‪ .‬طيب‪ ،‬هل كان سريىض األمر‬ ‫شخصا آخر تحجج بأن ستالني‬ ‫لنفسه لو أن‬ ‫ً‬ ‫أقل ذكا ًء ويجب أن يباد؟‬

‫الشعب بيشتمني عشان بقتّل بيه!‬ ‫أيه الوقاحة دي!؟‬

‫بالطبع لن يرىض! ولذلك فال زالت املغالطة‬ ‫قامئ ًة ألن املربرات املذكورة ليست معيا ًرا‬ ‫مطلقًا لكل الحاالت‪ ،‬وإمنا يراد استخدامها يف‬ ‫ٍ‬ ‫تغي‬ ‫حاالت محدد ٍة وال زالت هذه املربرات ال ّ‬ ‫من حقيقة أن الشخص اآلخر هو باحثٌ عن‬ ‫افض لألمل‪.‬‬ ‫السعادة ور ٌ‬

‫هل حد الردة أم ٌر أخالقي؟ هنا أسأل هذا السؤال‪ :‬ماذا لو أن بوذيًا يعيش يف الصني وترك البوذية إىل اإلسالم وتعرض‬ ‫للقتل‪ ،‬هل كان املسلمون سريضون بهذا الحل؟ إذن ما دمت ال ترضاه لنفسك فكيف ترضاه لآلخرين؟ أنت هنا أيها‬ ‫املسلم تقع يف مغالطة املرافعة الخاصة ‪.special pleading fallacy‬‬ ‫أصل يف النظرية النفعية‪ ،‬واملعيار هو أنت نفسك وإجابتك عىل هذا السؤال‬ ‫إذن كام نالحظ أن املعيار موجو ٌد ً‬ ‫(هل تحب أن يعاملك الناس مبثل هذه املعاملة التي تريد أن تعاملهم بها؟)‬ ‫وهذه النظرية لو طُ ِّبقت عند جميع البرش بالفعل‪ ،‬سنتخلص من جميع أنواع األمل واملعاناة وسنحصل عىل السعادة‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫سقوطنظرية‬ ‫األخالقالدينية‬

‫‪Karrar Al Asfoor‬‬

‫مشاكل النظرية النفعية بسيط ٌة مقارن ًة بنظرية األمر اإللهي‪:‬‬ ‫كام أسلفنا سابقًا فإن النظرية الدينية تعاين من مشاكل قد تؤدي إىل ارتكاب شتى أنواع الجرائم الشنيعة تحت صبغ ٍة‬ ‫رشعية‪ ،‬ولكن هنا سنناقش مشاكل النظرية النفعية ونرى هل ميكن أن تصل مشاكلها إىل ما وصلت إليه النظرية الدينية؟‬ ‫يف الحقيقة ال تزال هناك بعض املشاكل يف النظرية النفعية‪ ،‬ولكن هذه املشاكل بسيط ٌة وتافه ٌة ولن تؤ ّدي إىل ٍ‬ ‫خالف‬ ‫شخص يرىض أن يقوم اآلخرون باملزاح معه ولذلك‬ ‫حقيقي حول األمور املهمة‪ً ،‬‬ ‫فمثل قد يكون الخالف حول املزاح‪ ،‬هناك ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫يقوم باملزاح مع الناس‪ ،‬ولكن ليس جميع الناس يرضون بأن ميزح أح ٌد معهم وهنا أصبح خالفًا عىل قضي ٍة تافهة‪.‬‬ ‫شخص هكذا فليبارش باالنتحار‬ ‫لكن ماذا عن القتل؟ بالطبع ال يوجد أح ٌد يرغب بأن يتعرض للقتل‪ ،‬وإن كان هناك‬ ‫ٌ‬ ‫وبذلك يرضب عصفورين بحج ٍر ٍ‬ ‫واحد فقد قام بقتل أحدهم وتعرض للقتل وكالهام أمران صحيحان من وجهة نظره‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خالفات يف أمو ٍر تافه ٍة مثل املزاح ومثل األكل أمام إنسانٍ جائع‪.‬‬ ‫كام ترون لن تصل املشاكل لألمور املصريية‪ ،‬لكنها مجرد‬ ‫امللخص‪:‬‬ ‫تبي مخاطر تطبيقها‪،‬‬ ‫تبدأ بنسف النظرية الدينية منطق ًيا‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ثم تقوم بتطبيق النظرية النفعية لحل املشاكل التي مل تقم سابقتها بحلها‪.‬‬

‫ٕاﺪﺪاد وﺗﻘﺪﱘ‬

‫ﺣﺎﻣﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ‬ ‫‪HAMED.TV‬‬

‫‪29‬‬

‫‪FB.ME/BOXOFISLAM‬‬


‫صفحة إخبارية‬ ‫متعلقة بقضايا‬ ‫الملحدين‬

‫أمجد عبد الرحمن‬

‫بريشة رغد رستم‬

‫‪30‬‬


‫أمجد عبد الرحمن‬ ‫ِ‬ ‫حرب دوافعها سياسي ٌة ال يربأ‬ ‫حرب طاحن ٌة يعيشها اليمن السعيد وقد دخلت عامها الثالث مثقل ًة‬ ‫باملوت والدما ِر والقهر‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حرب ال تبدو لها نهاية‪ ،‬بل رمبا كلمة «نهاية» قد ت ُرعب اليمنيني أكرث من الحرب نفسها‪ ،‬ووسط هذا اإلبهام‬ ‫الدين منها‪ٌ ،‬‬ ‫وتلك املآيس ارتأى بعض البلطجية املدفوعني بأيديولوجية اإلسالم أ ّن دينهم الحنيف يف َخطر‪ .‬فقد باتت كلامتٌ وآرا ٌء تنتقد‬ ‫رشا لوجود‬ ‫الجامعات الدينية املنترشة أو ت ُناهض التكفري ورمي الوقود عىل نار الحرب‪ ،‬باتت تلك الكلامت تهدي ًدا مبا ً‬ ‫تلك الجامعات‪ ،‬وتهدي ًدا لألمن واالستقرار والتقدم الذي ينعمون به كام يعتقدون‪ ،‬فتشكّلت عصاباتٌ مافياوي ٌة تخصصت‬ ‫مبجابهة (حركات التنوير والعمل املجتمعي والثقايف)‪ ،‬كل ذلك وسط تجاهلٍ‬ ‫حكومي كان مبثابة ترصي ٍح ملا يقومون به من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تصفيات لبعض النشطاء ممن يسعون إلشعال نور التحرر الفكري ليحل محل نار الحرب ويطفئها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عام بعد ٍ‬ ‫ومالحقات وبتغطي ٍة حكومي ٍة بالناشط‬ ‫تقص‬ ‫بدأوا قبل ٍ‬ ‫الشاب عمر باطويل واليوم جاء دور صديقه أمجد عبد الرحمن طالب‬ ‫الحقوق بجامعة عدن ورئيس نادي الناصية الثقايف واملعروف بتعريته‬ ‫ملا تقرتفه العصابات ذات األساس واأليديولوجيا الدينية املتفلت ًة من‬ ‫القانون املرتاخي‪ .‬متّت تصفية أمجد عبد الرحمن يوم ‪2017/5/15‬‬ ‫بنفس الطريقة البشعة التي تتم بها تصفية ضحايا اإلسالم منذ نشأته‪.‬‬ ‫لفظ أمجد عبد الرحمن أنفاسه األخرية يف مقهى لإلنرتنت حيث كان‬ ‫متواج ًدا حينها‪ ،‬وتم إعدامه بعدة أعري ٍة ناري ٍة ومن ث ّم أجهزوا عليه عرب نحره والتمثيل بجسده‪ ،‬ومل تحرض الرشطة إىل‬ ‫املكان إالّ بعد حوايل الساعتني ودون أن تقوم بعدها بأيّة إجر ٍ‬ ‫اءات ملموس ٍة ج ّدية يف سبيل تحقيق العدالة والقبض عىل‬ ‫القتلة بل عىل العكس متاما‪ .‬فقد ثبت قيام بعض أفراد قوات الرشطة بتعطيل وصول جثامن الشهيد إىل داره وقاموا‬ ‫بالتحرش باملعزين وتفريقهم‪ ،‬بل وتم اعتقال ثالثة صحفيني كانوا حارضين للعزاء وتم اإلفراج عنهم الحقا بعد أنبا ٍء عن‬ ‫تعذيبهم بتهمة «اإللحاد» أو «حرية املعتقد»‪ .‬هذه األحداث املؤملة ستزيدنا قناع ًة بأ ّن اإلسالم هو سبب بالئنا وتفيش‬ ‫الظلم والفوىض يف مجتمعاتنا والراعي الرسمي لتخلّفنا ووقود حروبنا التي ال تنطفئ‪ ،‬تلك الجرائم والسلوكيات الجبانة‬ ‫أقل ما يستحقه‪ ،‬وأ ّن السكاكني التي غُرست‬ ‫كل كلم ٍة قيلت يف نقد ومجابهة اإلسالم كانت ّ‬ ‫يوم أ ّن ّ‬ ‫تؤكد لنا وللعامل يو ًما بعد ٍ‬ ‫يف أعناق ِ‬ ‫فاضحي هذا الدين ستكون هي من ستُجهز عىل هذه األيديولوجيا‪.‬‬ ‫أمجد عبد الرحمن‪ ،‬يف زمن الكولريا‪ ،‬لكم يحتاج اليمن ألمثالك‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫‪Usama al-Binni‬‬

‫مقال لدانيئيل دنت‬ ‫تم نرش املقال عىل موقع‬ ‫‪ Edge.org‬بتاريخ‬ ‫‪ 2006/2/11‬تحت عنوان‬ ‫‪.!Thank Goodness‬‬ ‫ترجمه وقدم له أسامة البني‬

‫الحمد‬ ‫إلحسان الناس‬ ‫‪32‬‬


‫الحمد‬ ‫إلحسان الناس‬

‫‪Usama al-Binni‬‬

‫مقدمة املرتجم‪:‬‬ ‫كث ًريا ما نسمع املسلمني يق ّدمون استعامل بعض امللحدين لعبارات‬ ‫مثل «الحمد لله» أو «ما شاء الله» أو «إن شاء الله» كدليلٍ عىل‬ ‫إميانٍ دف ٍني يف نفس امللحد‪ ،‬متجاهلني أن هذه العبارات هي جز ٌء‬ ‫من الثقافة العربية التي يرضعها املرء مع حليب أمه‪.‬‬ ‫لكن ماذا لو أمكن فهم العاطفة واملقصد اللذان ترتبط بهام هذه‬ ‫الجمل بشكلٍ يعكس إطار استعاملها واملوقف التي وردت فيه؟‬ ‫مثل يحاولون استبدال بعض هذه التعابري‬ ‫نرى بعض امللحدين ً‬ ‫تغي‬ ‫بأخرى موازي ٍة تحافظ عىل اإلطار العام والقالب اللغوي‪ ،‬لكنها ّ‬ ‫فمثل‪ ،‬رصنا نسمع البعض يقول «الحمد للطبيعة» أو‬ ‫من املعنى‪ً .‬‬ ‫«الحمد للعقل»‪ ،‬دالل ًة عىل دور العقل كعاملٍ‬ ‫حقيقي يف املواقف‬ ‫ٍّ‬ ‫البرشية أو للطبيعة كق ّو ٍة عارم ٍة مجرد ٍة تؤثر عىل الجميع‪ ،‬بينام‬ ‫بعضا آخر يقول «الحمد لزيوس» أو «الحمد لزحل» كاستهزا ٍء‬ ‫نرى ً‬ ‫وهمي (باإلشارة هنا إىل كائنٍ يتفق الجميع‬ ‫بالحاجة إىل شكر كائنٍ‬ ‫ّ‬ ‫رض وال ينفع‪ ،‬أو بقول بعضهم ‪:‬‬ ‫اليوم عىل أنه وهمي) أو أنه ال ي ّ‬ ‫يعب‬ ‫«ال حلوى وال قهوة إال باملاء» كتحوي ٍر ساخ ٍر للحوقلة التي ّ‬ ‫فيها املسلم عن عجزه أمام إرادة الله‪.‬‬ ‫املقال التايل كتبه أحد أهم الفالسفة امللحدين اليوم‪ ،‬دانيئيل دنت ‪ Daniel Dennett‬بعد مروره بأزم ٍة صحي ٍة كادت‬ ‫تودي بحياته‪ ،‬واملقال يعالج مسألتني يعتربهام بعض املؤمنني مآخذ عىل امللحد‪ .‬األوىل استعامل بعض امللحدين للتعابري‬ ‫الدينية‪ ،‬والثانية هي مدى صدق امللحد يف إلحاده‪ .‬فأما التعبري الديني الذي يشري إليه املقال فهو التعبري اإلنجليزي‬ ‫املُناظر لجملة «الحمد لله»‪ .Thank God :‬واملقال يأخذ العاطفة التي تقبع وراء تلك التعابري الدينية ويضعها يف سياقٍ‬ ‫كل من امللحد واملؤمن املنفتح العقل عىل ٍ‬ ‫حد سواء‪.‬‬ ‫برشي مج ّر ٍد من الدين ويضفي عليها مع ًنى يستطيع رؤيته ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫كتاب يجمع األناجيل‬ ‫أما بصدد عنوان املقال نفسه‪ ،‬فال ب ّد هنا من مقدم ٍة لتأطريه‪ .‬فمن املعروف أن الكتاب املقدس هو ٌ‬ ‫املسيحية مع مجموع ٍة من كتب اليهود التي يشري إليها املسيحيون بأسفار العهد القديم‪ ،‬ويف أولها أسفار موىس التي‬ ‫تحتوي الوصايا العرش‪ ،‬وهي إحدى بقايا تعاليم اليهود التي ظلت يف املسيحية‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫الحمد‬ ‫إلحسان الناس‬

‫‪Usama al-Binni‬‬

‫وقد جاءت الوصية الثانية (أو الثالثة) يف سفر التثنية عىل النحو التايل‪:‬‬ ‫«الَ تَ ْن ِط ْق ب ِْاس ِم ال َّر ِّب إِله َِك بَ ِاطالً‪ ،‬ألَ َّن ال َّر َّب الَ يُ ْ ِبئُ َم ْن نَط َ​َق ب ِْاس ِم ِه بَ ِاطالً» (ثتنية ‪،)5 :11‬‬ ‫ٍ‬ ‫بكلامت أخرى‪.‬‬ ‫أدت هذه الوصية باليهود والكثري من املسيحيني إىل تجنب ذكر اسم اإلله رصاح ًة واستبداله‬ ‫فرنى املسيحيني الناطقني باإلنجليزية قد استبدلوا تعبري «الشكر للرب» ‪ Thank God‬بقولهم ‪ Thank goodness‬والتي‬ ‫ميكن ترجمتها تقري ًبا «الشكر للخري»‪ .‬واألمر هنا يختلف نوع ًيا عن استبدال امللحد للعبارة الدينية بنظائر الدينية عىل‬ ‫النحو الذي أوضحناه يف البداية‪ ،‬فاملقصود يف حالة املسيحيني تجنب ذكر كلمة ‪ God‬واالستعاضة عنها بكلمة‬ ‫‪ goodness‬والتي تعني الخري‪ .‬وتشابُ ُه تهجئة الكلمتني ليس صدف ًة‪ ،‬فأصل كلمة ‪ good‬يرتبط بكلمة(‪”God“ )1‬‬ ‫وال عجب‪ ،‬فمصدر الخري يف تصور املؤمن وتصور الكثري من الفالسفة هو الله‪.‬‬ ‫لكن امللحد ال يرى األمر كذلك‪ ،‬فلو نظرنا إىل الطبيعة نفسها نرى أمو ًرا ال ميكن أن تتسق مع فكرة أن من يدير هذا‬ ‫وبعضا بالرش بشكلٍ عشوايئ‪ ،‬ناهيك عن أن ما‬ ‫بعضا بالخري ً‬ ‫خي يحب الخري‪ ،‬فدوالب الحظ قد يصيب ً‬ ‫الكون هو كائ ٌن ّ ٌ‬ ‫رشا عىل حساب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫طرف آخر‪.‬‬ ‫هو خ ٌري‬ ‫لطرف ما قد يكون ً‬ ‫أيضا وجود ما يسميه الناس بالخري والرش‪ .‬واملقال هنا هو شك ٌر للخري‬ ‫ولو ابتعدنا عن الطبيعية ونظرنا إىل عامل البرش نرى ً‬ ‫الذي يف الناس‪ ،‬لطيبتهم‪ ،‬إلحسانهم‪ .‬فقد يكون سوء الحظ أصاب ِدنِ ْت مبكروه‪ ،‬لكن طيبة الناس وحبهم للمساعدة‬ ‫وجهود أجيا ٍل عديد ٍة من البرش مكّنه من املرور من محنته‪ .‬وبعد أن عاد ِدنِ ْت من عىل شفري املوت كتب هذا املقال‬ ‫تعب ًريا عن امتنانه ملن ساعده ووقف إىل جانبه بشكلٍ‬ ‫وهمي ساعده‬ ‫لرب‬ ‫رش وبشكلٍ غري مبارش‪ ،‬فال امتنان ٍ‬ ‫شخيص مبا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أصل) وال توبة عن حيا ٍة قضاها يف الكفر‪ ،‬وإمنا تأكي ٌد عىل موقفه اإللحادي وتفني ٌد ملوقف‬ ‫(بعد أن أوقعه يف املصيبة ً‬ ‫املؤمن الذي يأكله النفاق‪.‬‬ ‫داينئيل ِدنِ ْت ‪ Daniel C. Dennett‬هو أستاذ كريس (أوسنت فلترش ‪Austin B.‬‬ ‫‪ )Fletcher‬يف جامعة تَفْتس ‪ Tufts University‬األمريكية وأحد مدراء مركز‬ ‫أبحاث اإلدراك فيها ‪ .Center for Cognitive Studies‬له كتاباتٌ كثري ٌة تبحث‬ ‫يف اإلدراك والدين وحرية اإلرادة وتطور البرش‪ .‬كتاباته ترتاوح بني املقاالت‬ ‫املجلت املو ّجهة للعامة‪ ،‬كام أنه نرش يف‬ ‫املجلت املحكمة وأخرى يف ّ‬ ‫املنشورة يف ّ‬ ‫رض يف الكثري من‬ ‫تلك املواضيع وغريها عد ًدا من الكتب إضاف ًة إىل نشاطه كمحا ٍ‬ ‫املؤمترات واللقاءات‪.‬‬ ‫مثل قاموس أصول الكلامت ‪.etymonline.com‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ً‬

‫‪34‬‬


‫الحمد‬ ‫إلحسان الناس‬

‫‪Usama al-Binni‬‬

‫واآلن إليكم املقال‪.‬‬

‫توجد مقول ٌة قدمي ٌة إشكالي ٌة ت ّدعي أن الخنادق تخلو من امللحدين (‪ ،)2‬وهنالك عىل األقل بعض النوادر املتداولة التي‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت ذاع صيتها مللحدين مشهورين احترضوا أو قاربوا عىل املوت ثم أعلنوا عىل‬ ‫فيها بعض الدعم لهذه املقولة عرب‬ ‫املأل أنهم عادوا عن إلحادهم‪ .‬ومن أحدث األمثلة عىل ذلك الفيلسوف الربيطاين السري ألفرد جولز آير ‪Sir A. J. Ayer‬‬ ‫واملتوىف عام ‪ .1989‬واآلن‪ ،‬إليكم نادر ٌة أخرى لتفكّروا بها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إسعاف إىل املستشفى‪ ،‬حيث قام الفريق الطبي من خالل صور ٍة طبقي ٍة بتشخيص تسلّ ٍخ‬ ‫قبل أسبوعني ُهرِع يب يف سيارة‬ ‫يف رشياين األبهر ‪ ،Dissection of the aorta‬مت ّزقت فيه بطانة ذلك الرشيان الرئييس الذي ينقل الدم من قلبي إىل باقي‬ ‫ٍ‬ ‫حصلت عىل‬ ‫سنوات قد‬ ‫الجسم فانفصل إىل وعائني بدل أن يكون وعا ًء واح ًدا‪ .‬ومن ُحسن حظّي أنني كنت قبل سبع‬ ‫ُ‬ ‫طُ ْع ُم َمجازَة الشِّ ْ يانِ التَّاجي ‪ ،coronary artery bypass graft‬والذي ال بد أنه أنقذ حيايت‪ ،‬ذلك أن النسيج النديب الذي‬ ‫معرتش قد ق ّوى الرشيان األبهر وحال دون متدد االنسالخ الذي‬ ‫ٌ‬ ‫عشبي‬ ‫منا خالل تلك السنوات حول قلبي وكأنه نباتٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وخضعت لعملي ٍة جراحي ٍة دامت تسع ساعات‪ ،‬تم خاللها إيقاف قلبي بالكامل وتربيد جسمي ودماغي إىل‬ ‫حصل فيه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حرارة ‪ 45‬درجة فهرنهايت (سبع درجات سلسيوس) بغية منع وقوع ٍ‬ ‫دماغي بسبب انقطاع األوكسيجني إىل أن‬ ‫تلف‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )2‬باإلنجليزية‪ ،There are no atheists in foxholes :‬وذلك كناية عن تصو ٍر شائعٍ بأن امللحد هو يف أعامقه مؤم ٌن بالله‪ ،‬وأنه عند النوائب يلجأ إليه‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫الحمد‬ ‫إلحسان الناس‬

‫‪Usama al-Binni‬‬

‫يتمكن الجراحون من بدء آلة القلب والرئة االصطناعية‪ .‬واآلن بعد هذه العملية صار لدي رشيا ٌن أبه ٌر جدي ٌد وقوس‬ ‫ٍ‬ ‫جديد ‪ Aortic arch‬مصنوعان من ألياف نسيج الداكرون االصطناعية ‪ Dacron fabric‬قد خاطها الجراح عىل‬ ‫أبه ٍر‬ ‫بصامم من ألياف الكربون بحيث صار يصدر صوت نقر ٍة صغري ٍة تبعث عىل‬ ‫مالئم خالل العملية ووصلها بقلبي‬ ‫شكلٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الطأمنينة مع كل دق ٍة من دقات قلبي‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬بعد أن دخلت يف مرحل ٍة من النقاهة‪ ،‬أرى‬ ‫أمامي أمو ًرا كثري ًة تدعو للتفكر والتأمل‪ ،‬أمو ٌر‬ ‫تتعلق بالخربة العصيبة التي مرت يب‪ ،‬وأخرى‬ ‫تتعلق برسائل الدعم التي وصلتني منذ أن ذاع خرب‬ ‫مغامريت األخرية‪ .‬وقد كان أصدقايئ ت ّواقني ليسمعوا‬ ‫عم لو كنت قد مررت بخربة االقرتاب من املوت‬ ‫مني ّ‬ ‫((‪ ،)Near-Death Experience (NDE‬وعن‬ ‫التأثري الذي قد تكون تركته خرب ٌة كهذه عىل إلحادي‬ ‫املعلن‪.‬‬

‫السري ألفرد جولز آير‬

‫فهل اختربتُ تجل ًيا للذات اإللهية؟‬ ‫أيام من‬ ‫هل سأحذو حذو آير الذي استدرك رباطة جأشه بعد ٍ‬ ‫خربته إذ قال‪:‬‬ ‫«كان يجب أن أقول إن ما اختربته مل يضعف إمياين بعدم وجود‬ ‫حيا ٍة بعد املوت‪ ،‬وإمنا أحدث بعض اللني يف موقفي من قناعتي‬ ‫بذلك اإلميان»‪،‬‬ ‫أم لعل إلحادي بقي ساملًا غري منقوص؟‬ ‫تجل يل بوضو ٍح غري مسبوقٍ يف‬ ‫نعم‪ ،‬لقد رأيت تجل ًّيا‪ :‬فقد ّ‬ ‫حيايت أنني عندما أقول‪:‬‬ ‫«الحمد لإلحسان!» ‪،Thank goodness‬‬ ‫فإن ذلك ليس مجرد تحوي ٍر بديلٍ عن قول «الحمد لله! »‪،‬‬

‫هائل‬ ‫بحق حم ًدا إلحسان البرش! هنالك ك ٌّم ٌ‬ ‫فنحن معرش امللحدين ال نؤمن بوجود إل ٍه يستوجب الحمد‪ .‬وإمنا أنا أعني ٍ‬ ‫من اإلحسان والخري والطيبة يف هذا العامل‪ ،‬وهي أمو ٌر تزداد يو ًما بعد يوم‪ ،‬باتت متثل بنا ًء رائ ًعا من الفضيلة ابتدعه‬ ‫بحق عن حقيقة أنني اليوم ال أزال عىل قيد الحياة‪ ،‬فهو يستحق بجدار ٍة االمتنان الذي‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وهو أم ٌر كان مسؤولً ٍ‬ ‫أشعر به اآلن‪ ،‬وودتّ أن أقتنص هذه اللحظة وهذا املوضع ألحتفي بهذا الشعور‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫الحمد‬ ‫إلحسان الناس‬

‫‪Usama al-Binni‬‬

‫فلمن أدين باالمتنان؟‬

‫لطبيب القلب الذي أبقاين ح ًيا عىل مدى سنوات‪ ،‬والذي رفض برسع ٍة التشخيص األويل الذي قال إنني كنت أعاين من‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف‬ ‫نزل ٍة رئوية؟ أم للجراحني وأطباء األعصاب والتخدير‪ ،‬أم الختصايص اإلرواء الذي أبقى أجهزة جسمي تعمل يف ظل‬ ‫ٍ‬ ‫لجيش‬ ‫ومختص املعالجة الفيزيائية وفن ّيي األشعة السينية إضاف ًة‬ ‫مخيفة؟ أم لعرشات مساعدي األطباء واملمرضات‬ ‫ّ‬ ‫صغريٍ من فنيّي سحب الدم‪ ،‬وكل من جلب يل وجبات الطعام ونظف غرفتي وقام بغسل أكوام الغسيل الذي ولّدتها‬ ‫حالتي‪ ،‬أم أولئك الذين دفعوين عىل كريس العجالت إىل غرفة األشعة السينية وغريهم ك ُ​ُث؟ أولئك الناس الذين جاؤوا من‬ ‫أوغندا‪ ،‬من كينيا‪ ،‬من ليبرييا‪ ،‬من هايتي‪ ،‬من الفلپني‪ ،‬من كرواتيا‪ ،‬من روسيا‪ ،‬من الصني‪ ،‬من كوريا‪ ،‬من الهند‪ ،‬وطب ًعا‬ ‫من الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫مثيل له من قبل‪ ،‬كانوا خالله يساعد بعضهم البعض‪ ،‬وبعضهم يتأكد من صحة‬ ‫متبادل مل أ َر ً‬ ‫ً‬ ‫لقد شهدت فيام بينهم احرتا ًما‬ ‫عمل البعض اآلخر‪ .‬ولكن رغم هذا العمل الجامعي‪ ،‬ما كان لهذه الجامعة أن تتقن عملها بهذا الشكل لوال مساهامتٌ‬ ‫يف الخلفية من ٍ‬ ‫أناس آخرين‪ .‬وهنا أذكر بالكثري من االمتنان صديقي الراحل وزمييل يف جامعة تفتس‪ ،‬عامل الفيزياء آلن‬ ‫كورم ك ‪ Allan Cormack‬الذي كان أحد الحائزين عىل جائزة نوبل الخرتاعه آلة املسح الطبقي املحوسب �‪CT scan‬‬ ‫‪ .ner‬لقد أَنق ْذتَ حيا ًة أخرى يا آلن من بعد موتك‪ ،‬وليست‬ ‫شخص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حصون‬ ‫تلك سوى حياة‬ ‫واحد من بني أشخاص ال يُ َ‬ ‫أنقذهم اخرتاعك هذا‪ .‬الحمد لإلحسان! أضف إىل ذلك كله‬ ‫نظا ًما طب ًيا بشقّيه العلمي والتقني‪ ،‬والذي لواله لباءت كل‬ ‫النوايا الحسنة بالفشل تقري ًبا‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬أشعر بامتنانٍ تجاه أعضاء هيئات التحرير والحكام يف‬ ‫مجلت ‪ Science‬و‪Nature‬‬ ‫املايض والحارض واملستقبل يف ّ‬ ‫ومجلّة الرابطة الطبية األمريكي ة �‪Journal of the Amer‬‬ ‫‪ ،ican Medical Association‬ومجلّة ‪ ،Lancet‬وكل‬ ‫ٍ‬ ‫تحسينات‬ ‫املؤسسات العلمية والطبية التي ال تنفك تنتج‬ ‫وتكتشف أخطا ًء وتصححها‪.‬‬ ‫آلن كورمك‬

‫هل أنا أعبد الطب؟ هل العلم ديني؟‬

‫معفي من التمحيص الصارم‪ ،‬بل ومبقدوري اآلن تعداد‬ ‫جانب من جوانب الطب الحديث أو العلم‬ ‫أب ًدا! فام من‬ ‫ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫عاملي الطب‬ ‫مجموع ٍة من املشاكل الخطرية التي ال زالت بحاج ٍة إىل اإلصالح فيه‪ .‬وهذا سهل اإلنجاز طب ًعا‪ ،‬ذلك أن ّ‬ ‫تقييم ذا ٍيت صارم ٍة ال مساومة فيها وال مثيل لها يف تاريخ البرش حتى اآلن‪ ،‬وهم يقومون‬ ‫والعلم منخرطان يف عملية ٍ‬ ‫بانتظام عىل مخرجات فحوصهم الذاتية هذه‪.‬‬ ‫باطالع العامة‬ ‫ٍ‬ ‫‪37‬‬


‫الحمد‬ ‫إلحسان الناس‬

‫‪Usama al-Binni‬‬

‫عالو ًة عىل ذلك‪ ،‬فإن رس نجاح هذه املساعي البرشية يعود إىل هذا النقد العقالين املفتوح‪ ،‬رغم نقائصه‪.‬‬ ‫وهنالك تحسيناتٌ ميكن متييزها وقياسها تحدث باستمرار‪ ،‬فلو متزق رشياين األبهر قبل ٍ‬ ‫عقد من الزمن ملا كان هنالك‬ ‫ٌ‬ ‫مجال إلنقاذ حيايت‪ ،‬ومع أن عملية إصالحه مل تتحول إىل إجرا ٍء روتيني بعد‪ ،‬إال أن فرص النجاة منها ليست سيئ ًة‬ ‫(إحصائ ًيا‪ ،‬ميوت ما نسبته ‪ 33٪‬من مرىض متزق األبهر يف غضون األربع والعرشين ساع ًة األوىل منذ بدء التمزق لو مل تتم‬ ‫معالجته‪ ،‬والفرص تزداد سو ًءا مع مرور كل ساع ٍة بعد ذلك)‪.‬‬ ‫انكببت عىل‬ ‫ومام وجدته الفتًا للنظر عندما قارنت عامل الطب الذي باتت حيايت تعتمد عليه باألفكار الدينية التي‬ ‫ُ‬ ‫دراستها يف السنوات األخرية‪ ،‬حيث وجدت أن أحد األفكار األساسية التي تجمع كل األديان (عىل حد علمي) هي فكرة‬ ‫مطلوب منك كمؤمنٍ أن تكون نيتك طيب ًة صافي ًة وأن تحاول عمل الخري (بتطبيق‬ ‫أن النية هي املهمة‪ ،‬وأن أقىص ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫أوامر الله بلغة الدين)‪.‬‬ ‫لكن األمر ليس كذلك يف الطب! فلو ارتكبت خطأً‪ ،‬ال سيام لو كنت قد أسأت الحكم‪ ،‬فإن نواياك الطيبة لن تفيدك قيد‬ ‫أمنلة‪ .‬كذلك نجد أن الدين يحتفي مبن يقوم بقفز ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متحيص بالخيارات املطروحة‪ ،‬بينام‬ ‫ات إمياني ٍة ويترصف بنا ًء عليها دون‬ ‫طبيب بالسري وراء معتقداته الخاصة‬ ‫فمثل‪ ،‬لو قام‬ ‫نجد أم ًرا كهذا يُع ّد من أخطر الذنوب التي ميكن اقرتافها يف الطب‪ً .‬‬ ‫ٌ‬ ‫حول سبل معالجة ٍ‬ ‫مرض برش‪ ،‬فإنه سيلقى‬ ‫مرض رشيا ّين‪ ،‬فأجرى ‪-‬مدفو ًعا بإميانه بصحة هذه املعتقدات‪ -‬تجارب عىل ً‬ ‫تقري ًعا شدي ًدا‪ ،‬هذا إن مل يتم حرمانه من مامرسة الطب نهائ ًيا‪.‬‬ ‫لكن هذا ال يعني خلو األمر من االستثناءات‪.‬‬ ‫فهنالك ر ّوا ٌد مته ّورون يتم احتامل تعدياتهم‪ ،‬ال بل يتم تكرميهم أحيانًا‬ ‫ٍ‬ ‫استثناءات نادر ًة لنموذج‬ ‫لو كانوا محقني‪ .‬لكن وجود هؤالء ميثل‬ ‫الباحث النظامي الذي يستثني البدائل عن نظريته بعناي ٍة شديد ٍة قبل‬ ‫أن يحاول تطبيقها‪ .‬فالنوايا الحسنة واإللهام ال يكفيان هنا‪.‬‬ ‫غرضا حمي ًدا بجعله للناس مرتاحني‬ ‫وبعبار ٍة أخرى‪ ،‬فقد يؤدي الدين ً‬ ‫ملستوى األخالق الذي تطيقه أنفسهم‪ ،‬لكننا ال نجد أي دينٍ يصل يف‬ ‫حساب أتباعه إىل معايري املسؤولية األخالقية السائدة يف عاملي العلم‬ ‫والطب العلامنيني‪.‬‬ ‫وهنا ال أتحدث عن هذه املعايري الصارمة بني ممن يتحكمون مبصائر‬ ‫وحياة الناس كاألطباء والجراحني وحسب‪ ،‬وإمنا عن معايري تتطلب من‬ ‫‪38‬‬


‫الحمد‬ ‫إلحسان الناس‬

‫‪Usama al-Binni‬‬

‫محضي وجبات الطعام‪ .‬فالعلم يضع كل ثقته يف التطبيق‬ ‫املرء ضم ًريا ح ًيا تنطبق عىل فن ّيي املخترب مثلام تنطبق عىل ّ‬ ‫املستمر للعقالنية والتقيص التجريبي‪ ،‬يف الفحص وتكرار الفحص‪ ،‬ويف تعويد النفس عىل السؤال‪:‬‬ ‫«ماذا لو كنت مخطئًا؟»‪ ،‬أما اللجوء إىل اإلميان األعمى أو االنتساب إىل جامع ٍة ما فهي أمو ٌر ال يتم احتاملها مطلقًا‪.‬‬ ‫مثل كيف س ُيقابل عاملٌ إذا حاول أن يقول إن العلامء اآلخرين مل يستطيعوا تكرار الحصول عىل نتائجه ألنهم‬ ‫تخيل ً‬ ‫يفتقدون لإلميان الذي ميلكه من يعملون يف مختربه! ولنعد اآلن إىل نقطتي األساسية‪ ،‬وهي أنني أُدين بحيايت اليوم للخري‬ ‫الكامن يف هذا الرتاث العقالين وللتقيص املفتوح الحر‪.‬‬ ‫فكيف أر ّد عىل أصدقايئ املتدينني‬ ‫(نعم لدي عد ٌد ال بأس به من األصدقاء املتدينني) الذين‬ ‫امتلكوا الشجاعة الكافية ليعلموين أنهم كانوا يدعون‬ ‫الله من أجل سالمتي؟‬ ‫أنا أسامحهم بكل رسور‪ ،‬فال يوجد ما يُولّد اإلحباط أكرث‬ ‫من إحساس املرء بالعجز عن تقديم مساعد ٍة مبارش ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫آسف لعدم قدريت عىل‬ ‫لشخص يحبه‪ .‬أعرتف أنني ٌ‬ ‫الدعاء (الصادق) ألصدقايئ وأفراد عائلتي عند ضيقهم‪،‬‬ ‫فأنا أُق ِّدر الدافع للدعاء‪ ،‬لكنني أدرك متام اإلدراك أن‬ ‫الدعاء ال فائدة منه‪.‬‬ ‫فعند سامعي ملا يقوله أصدقايئ املتدينون أترجمه إىل نسخ ٍة مناظر ٍة ملا يقوله أصدقايئ املتنورون‪:‬‬ ‫«لقد كنت أفكر بك‪ ،‬وأمتنى لك من كل قلبي أن مت ّر من هذه األزمة بسالم»‪.‬‬ ‫أيضا غري مؤث ٍر عىل أرض الواقع‪ ،‬لكن عاد ًة مثة رغب ٌة عارم ٌة تتملّك املرء ليتم ّنى‪.‬‬ ‫طب ًعا هذا التمني ً‬ ‫ٍ‬ ‫ملضافات‬ ‫إن مجرد حقيقة أن أصدقايئ وأحبايب قد فكروا يب بهذه الطريقة‪ ،‬وأنهم تجشّ موا عناء إعالمي بذلك دون حاج ٍة‬ ‫خارق ٍة لهو أفضل دواء‪ .‬لقد استلمت رسائل كهذه من عائلتي ومن أصدقايئ حول العامل‪ ،‬وكان لها بالغ األثر عيل‪ ،‬وأنا‬ ‫مم ٌنت لرفعها ملعنويايت إىل األعايل‪ .‬وأنا مل أكن أمزح حني قلت إنني اضطررت ملسامحة أصدقايئ الذين قالوا إنهم دعوا‬ ‫أيضا بذبح عنز ٍة تق ّربًا لله»؟‬ ‫الله ألجيل‪ ،‬وكنت أمنع نفيس من الرد‪« :‬شك ًرا‪ ،‬أُق ِّدر لك ذلك‪ ،‬لكن هل قمت ً‬ ‫دفعت مبل ًغا ملشعو ٍذ ليضع تعويذ ًة تربِئك من‬ ‫إن شعوري تجاه ما يقولون مياثل ما سأشعر به لو قال يل أحدهم‪« :‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫سقمك»‪ .‬كم سيكون ذلك مضيع ًة ملا ٍل كان ميكن أن ينفق عىل مشاريع مهمة! ال تتوقع مني أن أشعر بالعرفان أو حتى‬ ‫أن آبه مبا تقوله‪ .‬أنا أق ّدر مشاعرك وسخاء روحك التي دفعتك لذلك‪ ،‬لكنني أمتنى لو أنك وجدت مرصفًا آخر لتعرب فيه‬ ‫عم جال يف خاطرك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪39‬‬


‫الحمد‬ ‫إلحسان الناس‬

‫‪Usama al-Binni‬‬

‫أليس هذا بال ًغا يف القسوة؟ فام الرضر الذي سيقع عىل العامل لو أن هنالك من يترضع لله بصدقٍ ألجيل؟ أنا أرى أنه مثّة‬ ‫رض ٌر من هذا‪.‬‬ ‫أولً ‪ ،‬لو أرادوا حقًا عمل يش ٍء ٍ‬ ‫فعل املساهمة يف‬ ‫مفيد لك ّرسوا الوقت والجهد الذي بذلوه يف الدعاء يف مرشو ٍع يستطيعون ً‬ ‫إنجازه‪.‬‬ ‫مثل‪ ،‬من خالل الدراسة التي أجراها بنسون �‪Ben‬‬ ‫ثان ًي‪،‬ا‪ ،‬لدينا اليوم أدل ٌة قوي ٌة عىل أن الدعاء للتوسط بهدف الشفاء ال ينفع‪ً ،‬‬ ‫‪ son‬مؤخ ًرا من جامعة هارڤرد ‪ Harvard‬وكل من يتجاهل هذا البحث (‪ )3‬يستخف بشأن االحرتام لإلحسان الذي أشكره‬ ‫هنا‪ .‬فلو كنت ترص عىل إدامة أسطورة أن الدعاء ينفع‪ ،‬فأنت تدين لبقيتنا بتربي ٍر ملوقفك يف مواجهة الدليل العلمي‪ .‬ويف‬ ‫انتظار تربيرك‪ ،‬سأعذر لك ات ّباعك لتقاليدك؛ وأنا أدرك أن السري وراء التقاليد يولّد راح ًة يف النفس‪.‬‬ ‫لكنني أريد منك أن تدرك أن ما تفعله هو يف أحسن أحواله إشكا ٌّيل من الناحية األخالقية‪ .‬فلو أنك فك ّرت يو ًما يف رفع دع ًوى‬ ‫طبيب أساء مامرسة مهنته بارتكاب خطأٍ أثناء معالجتك‪ ،‬أو برفع دع ًوى عىل رشكة أدوي ٍة مل تج ِر الفحوص الالزمة‬ ‫قضائي ٍة ضد ٍ‬ ‫قبل بيعها لدوا ٍء آذاك‪ ،‬فال بد أن تقر بتقديرك الضمني للمعايري العالية التي يلتزم بها عامل الطب يف أبحاثه‪ ،‬لكنك يف الوقت‬ ‫ذاته تستمر يف إشباع حاجتك ملامرسة يش ٍء ال يُع َرف له أي مرب ٍر عقالين‪ ،‬وفوق كل هذا تعترب أنك تقدم مساهم ًة‪.‬‬ ‫تخيل مدى حنقك لو ردت الرشكة الدوائية عىل دعواك القضائية بعدم‬ ‫اكرت ٍ‬ ‫اث قائل ًة‪« :‬لكننا ترضعنا لله بشد ٍة لنجاح هذا الدواء! ماذا تريد منا‬ ‫أكرث من ذلك؟»‪.‬‬ ‫إن أفضل ما هنالك هو شكر إحسان الناس بدلً من شكر الله‪ ،‬هو أن هنالك‬ ‫الكثري من السبل لسداد دين املرء تجاه اإلحسان‪ ،‬وذلك عرب اإلحسان إىل‬ ‫ٍ‬ ‫أناس آخرين‪ .‬ويأيت اإلحسان عىل عدة صو ٍر ال تقترص عىل املساهمة يف‬ ‫مثل يف موسيقى راندي نيوم ن �‪Randy New‬‬ ‫الطب والعلم‪ .‬فثمة خ ٌري ً‬ ‫‪ man‬والتي ما كانت لتوجد لوال كل آالت الپيانو واستوديوهات التسجيل‬ ‫عظيم من‬ ‫الرائعة‪ ،‬ناهيك عن كل اإلسهامات املوسيقية لكل موسيقا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫أمثال باخ ‪ Bach‬وڤاغرن ‪ Wagner‬مرو ًرا بسكوت جوپلن ‪Scott Joplin‬‬ ‫وفرقة البيتلز ‪ .Beatles‬الشكر للامء النقي الذي يتم ضخه إىل البيوت‬ ‫وللطعام الذي عىل موائدنا‪.‬‬ ‫(‪ )3‬اإلشارة هنا إىل املقال التايل‪:‬‬ ‫‪Benson H. et al., Study of the Therapeutic Effects of Intercessory Prayer (STEP) in cardiac bypass patients: A multicenter randomized trial of uncer‬‬‫‪.tainty and certainty of receiving intercessory prayer, American Hear Journal, vol. 151, issue 4, April 2006, pp. 934-94‬‬

‫‪40‬‬


‫الحمد‬ ‫إلحسان الناس‬

‫‪Usama al-Binni‬‬

‫ٍ‬ ‫انتخابات نزيه ٍة وصحاف ٍة‬ ‫الشكر للخري املتأيت من وجود‬ ‫صادقة‪ .‬لو أردت التعبري عن امتنانك لهذه الخريات‬ ‫يتيم أو أن تشرتي‬ ‫ميكنك أن تزرع شجرةً‪ ،‬أو أن تطعم ً‬ ‫كت ًبا لبنات املدارس يف العامل اإلسالمي أو أن تساهم من‬ ‫خالل آالف السبل األخرى لتحسني ظروف الحياة للغري‬ ‫عىل وجه هذا الكوكب يف يومنا الحارض‪ ،‬ويف املستقبل‬ ‫القريب‪.‬‬ ‫والبديل عن ذلك هو أن ت ُق ِّدم الشكر لله‪ .‬إال أن مجرد‬ ‫فكرة رد الجميل لله هي فكر ٌة سخيفة‪ ،‬فام الذي ميكن‬ ‫أن تقدمه للعليم الخبري القادر عىل كل يشء؟ عالو ًة عىل‬ ‫اقتص َدينه مر ًة‬ ‫ذلك‪ ،‬وبحسب الرتاث املسيحي‪ ،‬فإن الله ّ‬ ‫وإىل األبد بتضحيته بابنه‪ ،‬كيف لك أن تسد هذا الدين؟‬ ‫راندي نيومن‬

‫أدرك أن علينا أال نأخذ هذه األمور بشكلٍ حر ٍيف وإمنا بشكلٍ رمزي‪.‬‬ ‫فضل الخري الحقيقي عىل الخري الرمزي‪.‬‬ ‫أقر بذلك‪ ،‬ولكن هذا يعني أن شكرك لله سيكون خ ًريا رمزيًا كذلك‪ .‬أنا أُ ِّ‬ ‫رصون عىل رفض األدلة التي تدعم النظريات‬ ‫ورغم ذلك ال زلت أعذر من دعا الله ألجيل‪ ،‬أراهم وكأنهم علامء عنيدون ي ّ‬ ‫برفق عن موقفهم‪ .‬أحيي فيكم والءكم ملوقفكم‪،‬‬ ‫ميض فرت ٍة طويل ٍة كان يجب معها أن يتنازلوا ٍ‬ ‫التي ال يحبون‪ ،‬وذلك بعد ّ‬ ‫لكن تذكروا أن الوالء للتقاليد ال يكفي‪ .‬فعليكم أال تكفّوا عن سؤال أنفسكم‪« :‬ماذا لو كنا عىل خطأ؟»‪.‬‬ ‫وعىل املدى الطويل‪ ،‬أعتقد أن املتدين سيُجرب عىل االرتقاء إىل نفس املعايري األخالقية التي يتبعها العلامنيون يف العلم‬ ‫والطب‪.‬‬

‫‪41‬‬


www.facebook.com/groups/arbangroup www.facebook.com/A.A.MagazineOfficial www.aamagazine.blogspot.com 42


‫يف حوار مع ‪..‬‬ ‫هشام آدم‬ ‫آراء الضيوف تعرب عن أفكارهم وال متثل موقف املجلة بالرضورة‬ ‫ُرب أكرث‪ .‬أرستك والبيئة التي ترعرعت بها‪،‬‬ ‫س‪ .1‬نبدأ معك من الخاص إىل العام‪ ،‬لو سمحت لنا بالتعرف لشخصك عن ق ٍ‬ ‫وهل تلقيت تربي ًة ديني ًة؟ كيف كان تعاطي والديك مع تساؤالتك حول الحياة منذ الصغر؟‬ ‫تلقيت تعليمي األسايس (من‬ ‫ج‪ .1‬اسمي بالكامل هو‪ :‬هشام آدم مح ّمد آدم‪ .‬سوداين الجنس ّية من مواليد القاهرة ‪.1974‬‬ ‫ُ‬ ‫املرحلة االبتدائ ّية‪ ،‬وحتى املرحلة الثانويّة) يف اململكة العرب ّية السعوديّة‪ ،‬ثم التحقت بجامعة الخرطوم يف العام ‪،1993‬‬ ‫وانخرطت يف العمل املهني‬ ‫وتخ ّرجت من كلية اآلداب يف العام ‪ .1998‬بعد تخرجي عدتُ إىل اململكة العرب ّية السعوديّة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حتى أواخر العام ‪ ،2010‬حيث تم طردي من األرايض السعوديّة‪ ،‬بقرا ٍر من وزارة الداخليّة السعوديّة‪ ،‬بسبب مقااليت‬ ‫فانتقلت إىل مرص ثم إىل السودان‪ ،‬قبل أن ألجا أخ ًريا إىل بلجيكا‪ ،‬حيث أقيم‬ ‫يف نقد اإلسالم عىل موقع الحوار املتمدن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حال ًيا منذ العام ‪ .2012‬نشأت يف أرس ٍة مك ّون ٍة من مثانية أفراد‪ ،‬وترتيبي هو الثاين بني أخويت‪ .‬ال ميكن اعتبار أرسيت أرس ًة‬ ‫عامل أساس ًيا يف تكوينها‪ ،‬وتشكيل طريقة تفكريها‪ ،‬وهو‬ ‫ُمتشدد ًة أو ُمتدين ًة باملعنى الحريف للكلمة‪ ،‬غري أ ّن الدين يُشكل ً‬ ‫ما يُسمى باإلسالم الشعبي التقليدي‪ .‬هذه األرسة تنحدر من عائل ٍة معروف ٍة يف منطقتنا باهتاممها بالدين‪ ،‬فأحد أساليف‬ ‫يُشاع أنّه متكن من ترويض الضباع‪ ،‬وامتطائها وتسخريها‪ ،‬بفضل َو َرعه وتقواه‪ ،‬وج ّدي أليب كان إمام القرية وخطيبها‪،‬‬ ‫عام إىل مك َة ألداء العمرة يف اإلجازات‬ ‫شخص‬ ‫ووالدي‬ ‫مواظب عىل العبادات‪ ،‬وكان يحرص عىل أن يأخذنا معه كل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫السنويّة‪ ،‬ولكن األرسة ‪-‬رغم كل ذلك‪ -‬ليست ُمتشدد ًة عىل اإلطالق‪ .‬كل ما ُيكن قوله عن عالقة أرسيت بالدين هو أنّها‬ ‫عالقة ٍ‬ ‫خوف أكرث منها أي يش ٍء آخر‪ :‬الخوف من األسئلة‪ ،‬الخوف من املوت‪ ،‬الخوف من عذاب القرب‪ ،‬الخوف من عذاب‬ ‫عام مل يكن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لسنوات طويل ٍة ج ًدا من حيايت‪ ،‬غري أنّني‬ ‫الدين يأخذ ح ّي ًزا كب ًريا من اهتاممي‬ ‫النار‪ ،‬الخوف من الشك‪ .‬بشكلٍ ٍ‬ ‫فكنت أسعى لحفظ القرآن‪ ،‬وأعتكف يف رمضان‪ ،‬وأواظب عىل صالة‬ ‫توجهت إىل االلتزام الديني‪،‬‬ ‫يف مرحلة املراهقة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لعام ٍ‬ ‫واحد فقط‪ ،‬قبل أن أترك االلتزام‪ ،‬وأتح ّول إىل ُمتدينٍ ظاهري‪ ،‬كام‬ ‫الجامعة يف املسجد‪ ،‬ومل يستمر هذا األمر سوى ٍ‬ ‫أيضا‪ .‬وبطبيعة‬ ‫كنت سابقًا‪ ،‬وكام كان كثري من أبناء أرسيت‪ ،‬وأبناء جييل ً‬ ‫ُ‬ ‫الحال‪ ،‬فلم تكن مثة مساح ٌة لطرح ومناقشة القضايا الدينيّة داخل نطاق‬ ‫األرسة؛ وبالتايل مل تكن لدى أحدنا الجرأة عىل مجرد التفكري يف طرح أي‬ ‫كنت‬ ‫أسئل ٍة حول الدين بأي حال من األحوال‪ .‬لفرت ٍة طويل ٍة من الوقت ُ‬ ‫عىل ٍ‬ ‫دائم مع والدي بسبب إهاميل يف أداء الصلوات‪ ،‬وكان يعترب‬ ‫خالف ٍ‬ ‫‪43‬‬


‫هشام آدم‬ ‫دليل عىل حلول كارث ٍة أخالق ّية‪،‬‬ ‫تحويل من املنحى االلتزامي إىل اإلهامل والتهاون‪ً ،‬‬ ‫سلم‪ ،‬إال أنّني‬ ‫فكان ُمستا ًء من ذلك‪ .‬ورغم أنّني ‪-‬يف ذلك الوقت‪ُ -‬‬ ‫كنت ال أزال ُم ً‬ ‫مل أكن أتق ّبل فكرة اإلجبار عىل الصالة‪ ،‬ورمبا كان ذلك أول ما فتح يف ذهني نافذ ًة‬ ‫صغري ًة ج ًدا للتساؤالت حول الدين‪ ،‬وما يتعلّق به‪ .‬عالقتي اآلن مع أرسيت عالق ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫كتابات ضد‬ ‫ج ّيدة‪ ،‬رغم اعرتاضهم عىل إلحادي‪ ،‬ورفضهم ملا أُق ِّدمه أو أكتبه من‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ولكنهم يُحاولون تجاهل ذلك قدر اإلمكان‪.‬‬ ‫س‪ .2‬املدرسة هي بال ٍ‬ ‫شك األرسة الثانية وثاين مؤث ٍر يف شخصياتنا‪ ،‬حبذا لو تروي‬ ‫ٍ‬ ‫معي ترك أثره يف ذاكرتك من أيام‬ ‫موقف ّ ٍ‬ ‫لنا هشام الطالب كيف كان وهل من‬ ‫الدراسة؟‬ ‫قلت سابقًا‪ ،‬فقد تلقيت تعليمي األسايس يف اململكة العرب ّية السعوديّة‪،‬‬ ‫ج‪ .2‬كام ُ‬ ‫ودرست كل املراحل الدراس ّية بها‪ ،‬وكانت املناهج السعوديّة ‪-‬يف ذلك الوقت‪-‬‬ ‫تركّز بشكلٍ‬ ‫أسايس عىل العلوم الدين ّية‪ :‬القرآن‪ ،‬الحديث‪ ،‬التوحيد‪ ،‬التفسري‪ ،‬الفقه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكانت جرعاتها مكثّف ًة ج ًدا‪ .‬ليست لدي ذكرياتٌ ناضج ٌة عن املرحلة الدراسيّة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تساؤالت كثري ًة ج ًدا‪ ،‬مل يكن‬ ‫كنت أطرح عىل أساتذة الدين‬ ‫ولكن أذكر أنّني ُ‬ ‫ٍ‬ ‫تساؤالت‬ ‫الغرض أو الدافع من ورائها التشكيك‪ ،‬بل كانت ‪-‬حتى بالنسبة إ ّيل‪-‬‬ ‫كنت متف ّوقًا يف الدراسة‪،‬‬ ‫فضول ّي ًة سببها الجهل بالدين‪ ،‬ال أكرث‪ .‬ال أذكر أنّني ُ‬ ‫كطالب متفوق‪ ،‬كام ال ُيكن تصنيفي‬ ‫وكان تقييمي اعتياديًا‪ ،‬إذ ال ُيكن تصنيفي‬ ‫ٍ‬ ‫كنت يف املرحلة الثانويّة‪ ،‬وتحدي ًدا يف السنة األوىل‬ ‫كطالب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خائب ً‬ ‫أيضا‪ .‬عندما ُ‬ ‫شاركت يف مسابق ٍة ِ‬ ‫منها‪،‬‬ ‫للشعر عىل مستوى ثانويات مدينة الرياض‪ ،‬وأحرزتُ‬ ‫ُ‬ ‫املركز األول يف املسابقة‪ .‬رمبا كان ذلك أكرث ما أتذكره عن مراحيل الدراس ّية‪ ،‬أل ّن‬ ‫كنت أكره مادة الرياضيات‪ ،‬وبسبب ذلك‬ ‫ذلك كان له أث ٌر كب ٌري يف نفيس وقتها‪ُ .‬‬ ‫توجهت إىل التعليم األديب هربًا من هذه املادة‪ .‬أعرتف اآلن أنّني ناد ٌم عىل ذلك‬ ‫ُ‬ ‫غي‬ ‫القرار‪ ،‬إذ كانت لدي رغب ٌة يف أن أُصبح طبي ًبا عندما أكرب‪ ،‬ولكن هذا القرار ّ‬ ‫مسار حيايت متا ًما‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫هشام آدم‬ ‫س‪ .3‬كسودا ّين يعيش يف الغرب‪ ،‬هل أنت خاض ٌع لهذه الثنائية؟ وهل تعيشها‬ ‫عىل مستوى العقل والقلب أم أنك تعترب نفسك إنسانًا متعدد الحيوات؟‬ ‫وماذا أضافت إليك الهجرة؟‬ ‫شخصا بال وطن‪ ،‬وبال انتامء‪ .‬فقد ُولدتُ يف مرص‪ ،‬ونشأتُ‬ ‫ج‪ .3‬أنا أعترب نفيس ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات‬ ‫لسنوات طويلة‪ ،‬ومل أعش يف السودان ألكرث من ست‬ ‫يف السعوديّة‬ ‫يل‪.‬‬ ‫طوال حيايت كلها‪ .‬ولهذا فقد اعتدتُ عىل الغربة‪ ،‬وهي كذلك اعتادت ع ّ‬ ‫عىل املستوى الشخيص‪ ،‬فإنّني أرى أ ّن كل ما مل أتد ّخل بصناعته لنفيس‬ ‫وبنفيس ال يستحق االعتداد به‪ ،‬ولهذا أعترب نفيس كائ ًنا كون ًيا ال ينتمي إىل‬ ‫يش ٍء سوى إىل هذه الكرة األرض ّية‪ .‬وجودي يف أوروبا ‪-‬للحقيقة‪ -‬مل يُضف‬ ‫كنت‬ ‫يل شيئًا‪ ،‬سوى اإلحساس باألمان النسبي‪ ،‬وامتاليك تلك الحقوق‪ ،‬التي ُ‬ ‫أؤمن بأنّها ليست منح ًة أو ُمجرد ترف‪ ،‬كام كان إحسايس وأنا أقيم يف‬ ‫يل‪ ،‬إذ‬ ‫املنطقة العرب ّية‪ .‬ويف املقابل فإ ّن وجودي يف أوروبا كان‬ ‫ً‬ ‫خصم ع ّ‬ ‫وجدتُ نفيس مضط ًرا لتعلّم لغ ٍة جديد ٍة كل ًّيا‪ ،‬وهو ما عنى أن أظل ٍ‬ ‫لوقت‬ ‫عاطل عن العمل لحني إجادة اللغة‪.‬‬ ‫طويلٍ ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫خالل فرتة بقايئ يف أوروبا أشعر أنّني فقدت الكثري من ساميت الشخصيّة‪ ،‬كام أنّني فقدت العديد من األصدقاء ً‬ ‫لسبب ٍ‬ ‫غامض ال أعرفه عىل وجه الدقة‪ ،‬أشعر أ ّن حيايت متوقف ٌة منذ مجيئي إىل هنا‪ .‬أحاول قدر اإلمكان االستمتاع‬ ‫ٍ‬ ‫قليل‪.‬‬ ‫يل األمر ً‬ ‫بحيايت‪ ،‬واملواصلة يف أعاميل‪ ،‬وكتابايت النقديّة والفكريّة‪ ،‬وهو ما يه ّون ع ّ‬ ‫س‪ .4‬ماهي عوائق اإلبداع يف بالدنا برأيك‪ ،‬وهل من ر ًؤى أو حلو ٍل ممكنة التطبيق؟‬ ‫ج‪ .4‬أعتقد أ ّن اإلبداع مرهو ٌن بثالثة أمو ٍر أساس ّية‪ :‬أولها الحريّة‪ ،‬فبدون الحريّة ال ُيكن ألي ٍ‬ ‫شخص أن يُبدع‪ ،‬حتى وإن‬ ‫ٍ‬ ‫حكومات قمع ّي ٍة كحومات‬ ‫كان ميتلك املوهبة املطلوبة لذلك‪ .‬وسقف الحريّة يف البلدان العرب ّية متدنٍ ج ًدا‪ ،‬ويف ظل‬ ‫بلداننا‪ ،‬فإنّه ال ُيكن توقع أي إبدا ٍع حقيقي‪ ،‬ورمبا كان ذلك السبب وراء نجاح وإبداع بعض أبناء املنطقة العربيّة خارج‬ ‫بلدانهم‪ ،‬بل وخارج منطقتهم الثقاف ّية‪ .‬وثانيها األمان‪ ،‬وهو ما ال يتوفر يف كثريٍ من البلدان العرب ّية‪ ،‬واألمان الذي أقصده‬ ‫هنا ليس هو نقيض الحرب فقط‪ ،‬بل األمان النفيس‪ ،‬والعاطفي‪ ،‬والجنيس‪ ،‬واالجتامعي‪ .‬إن عدم تحقق أولويات اإلنسان‬ ‫مشغول كث ًريا بذاته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تجعل من الصعب إمكان ّية خلق إبدا ٍع حقيقي‪ ،‬ألنّه دون توفر هذه األولويات سيكون اإلنسان‬ ‫مادي لبعض األعامل اإلبداعيّة‪ ،‬يُؤدي إىل إخفاقها‪،‬‬ ‫مهاجسا بها‪ .‬وثالثها هو توفر املادة أو املال‪ ،‬وأل ّن عدم وجود ٍ‬ ‫دعم ٍّ‬ ‫ً‬ ‫‪45‬‬


‫هشام آدم‬ ‫والحيلولة دون تنميتها وتطويرها‪ ،‬وبعض األعامل اإلبداعيّة ‪-‬بطبيعتها‪ -‬تحتاج إىل املال‪ ،‬فاملشاركة يف املعارض الفنيّة‬ ‫تحتاج إىل مال‪ ،‬وطباعة الكُتب تحتاج يف كثري من األحيان إىل املال‪ ،‬وإنتاج فيلم سيناميئ يحتاج إىل املال‪.‬‬ ‫س‪ .5‬ماهي أول األسئلة التي بدأت تغزو عقلك حول الكون والحياة والدين‪ ...‬ومتى بدأت تتبلور هذه الصورة يف رأسك؟‬ ‫إىل من أو إىل ماذا كنت تلجأ إلرواء عطش أسئلتك‪ .‬ما هو املكان الذي تثق به للحصول عىل الحكمة؟‬ ‫س‪ .4‬ذكرتُ سابقًا أ ّن خالفايت الدامئة مع والدي‪ ،‬حول موضوع الصالة‪ ،‬كانت النواة األوىل للتساؤالت حول الدين‪ ،‬ومعنى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ذهني مقلق‪ ،‬بل كان األمر أشبه‬ ‫عصف‬ ‫تساؤالت عميق ٍة مبا يكفي إلنشاء‬ ‫التدين‪ .‬والحقيقة أ ّن تلك التساؤالت مل تكن‬ ‫ٍّ‬ ‫بثور ٍة مراهق ٍة ضد السلطة األبويّة فحسب‪ ،‬ولكن بدايات تفتّق الوعي األول كان يف املرحلة الجامعيّة‪ ،‬عندما انفتحت‬ ‫عىل عوامل فكريّ ٍة مختلف ٍة ومتنوعة؛ إذ كانت الجامعة تعج بالحراك السيايس والفكري ملختلف األحزاب والتيارات‬ ‫السياس ّية‪ ،‬وكانت مثة حال ٌة من االستقطاب الشديد‪ ،‬والذي دفعني للرغبة يف معرفة الربنامج السيايس‪ ،‬واألساس الفكري‬ ‫انضممت ‪-‬يف املرحلة الجامع ّية‪ -‬إىل الحزب الشيوعي السوداين‪ ،‬والذي كان التنظيم الطاليب له‬ ‫لكل حزب‪ .‬ونتيج ًة لذلك‬ ‫ُ‬ ‫تعرفت عىل أصدقا ٍء وزمال ٍء أصحاب‬ ‫داخل الجامعات السودانيّة يُع َرف باسم (الجبهة الدميقراطيّة)‪ ،‬وداخل هذا التنظيم‬ ‫ُ‬ ‫أصبحت‬ ‫ر ًؤى مستنرية‪ ،‬كان لهم الفضل يف وضعي عىل بداية الطريق نحو أسس التفكري العقالين‪ .‬ويف تلك املرحلة‬ ‫ُ‬ ‫ربوب ًيا الدين ًيا‪ .‬ولكن نجاحي يف كرس حاجز الرهبة والخوف من طرح األسئلة‪ ،‬جعلني ال أتوقف عند ذلك الحد‪ ،‬فبدأتُ‬ ‫أهتم كث ًريا بفكرة وجود الخالق‪ ،‬والذي مل يكن يل أن أقطع فيه برأي‪ ،‬إلّ عن طريق القراءة املتعمقة يف بعض النظريات‬ ‫العلميّة‪ ،‬وهو ما دعاين ‪-‬الحقًا‪ -‬إىل القراءة عن الفيزياء‪ ،‬واألحياء‪ ،‬وعلم الكونيات (‪ ،)Cosmology‬وكان ذلك أم ًرا شاقًا‬ ‫ٍ‬ ‫تساؤالت حول‬ ‫بالنسبة إ ّيل‪ ،‬السيام وأ ّن تحصييل كان أدب ًيا يف األساس‪ .‬ولكن ‪-‬وبصور ٍة أساس ّية‪ -‬فإ ّن أول ما دفعني لطرح‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫الحياة‪ ،‬هو املوت‪ .‬إ ّن فكرة املوت باعتباره غيابًا ً‬ ‫كامل تُعترب فكر ًة مؤرق ًة‪ ،‬ومثري ًة لالهتامم ً‬ ‫س‪ .6‬أين ترى نفسك يف هذه التصنيفات واملسميات التالية ملحد الديني ال أدري‪...‬‬ ‫ج‪ .6‬أنا أصنف نفيس ملح ًدا‪ ،‬رغم أ ّن البعض يعتربين ال أدريًا‪ .‬وأعتقد أ ّن السبب يف ذلك هو أ ّن مثّة مشكل ًة يف تعريف‬ ‫أو تحديد اإللحاد‪ ،‬و َمن هو امللحد‪ ،‬ولكن املسألة ‪-‬بالنسبة إ ّيل‪ -‬يف غاية الوضوح‪ .‬اإللحاد هو عىل النقيض من اإلميان‪،‬‬ ‫فإذا كان اإلميان هو التصديق باليشء دون دليل‪ ،‬فاإللحاد هو رفض التصديق باليشء دون دليل‪ ،‬سوا ٌء كان هذا اليشء‬ ‫مثل‪ -‬ملح ٌد فيام يتعلق بوجود الكائنات الفضائ ّية‪،‬‬‫هو فكرة الله أو أي فكر ٍة أخرى ال ُيكن إثباتها بشكلٍ مادي‪ .‬فأنا ً‬ ‫إذ ال تُوجد أدل ٌة علم ّي ٌة مؤكد ٌة عىل وجودها‪ ،‬رغم أنّه ‪-‬من الناحية املنطق ّية‪ -‬ال يُوجد ما مينع أن تكون موجودةً‪ ،‬ولكن‬ ‫اإلقرار بوجودها يحتاج إىل دليل‪ ،‬وعدم توفر دليلٍ يجعلني أرفض التصديق بوجودها‪ .‬وهنا يكمن الفرق‪ ،‬إذ أ ّن البعض‬ ‫رفض لفكرة الله أو لفكرة وجوده‪ ،‬يف حني أ ّن اإللحاد ‪-‬من وجهة نظري‪ -‬هو‪ :‬رفض التصديق‬ ‫يعتقدون أ ّن اإللحاد هو ٌ‬ ‫‪46‬‬


‫هشام آدم‬ ‫رفضا للفكرة نفسها‪ ،‬فالفكرة نفسها موجود ٌة وقامئة‪ ،‬ولكنها فقط تحتاج إىل دليلٍ‬ ‫بفكرة الله أو فكرة وجوده‪ ،‬وليس ً‬ ‫الحس املوضوعي‪ ،‬ولهذا فإ ّن عبارة‪“ :‬اإللحاد هو إنكار‬ ‫حتى تخرج من عامل الوجود الذهني الذايت إىل عامل الوجود ّ‬ ‫أول‪ ،‬وهذا ما مل يثبت يف األساس‪ .‬وأنا‬ ‫وجود الله” هي عبار ٌة خاطئ ٌة وخادعة‪ ،‬أل ّن إنكار اليشء ‪-‬غالبًا‪ -‬يتطلب وجوده ً‬ ‫ك ُملحد‪ -‬ال يتوقف إلحادي عند فكرة الله‪ ،‬بل يتعداه إىل جميع األفكار األخرى‪ ،‬التي مل يثبت وجودها بشكلٍ‬‫حيس‬ ‫ٍّ‬ ‫موضوعي‪ .‬ولهذا فإنني أتب ّنى التعريف الذي ق ّدمه الربوفيسور لورنس كراوس‪ :‬اإللحاد هو قبول الدليل الواقعي‪ ،‬وإن‬ ‫ّ‬ ‫ظهر يش ٌء يبدو أنّه يُناقض الدليل الواقعي أو أنّه بدا العقالن ًيا‪ ،‬فإنّه يتشكك به‪ .‬ويُخطئ البعض عند وصفي بالالأدري‪،‬‬ ‫فالحقيقة أنا أدري‪ .‬أنا أدري أ ّن هنالك ُمسببًا (أو سلسل ٌة من املسببات) لوجود الكون‪ ،‬أل ّن العقل يقول ذلك‪ ،‬وأل ّن املبدأ‬ ‫العلمي يقول ذلك‪ ،‬ولكن عندما يتعلّق األمر بتحديد ماه ّية هذا املسبب‪ ،‬فأنا الأدري‪ .‬واعتباري الأدريًا ألنّني ال أدري‬ ‫هويّة أو ماه ّية ُمسبب الكون هو نو ٌع من الخلط‪ ،‬أل ّن الالأدريّة متعلق ٌة بالوجود نفسه‪ ،‬وليس مباه ّية الوجود‪ .‬ولهذا فإ ّن‬ ‫الالأدري‪ ،‬وحسب قاموس أكسفورد‪ ،‬هو الشخص الذي يعتقد بأ ّن املعرفة متوهمة‪ ،‬وأنّه ال ُيكن أب ًدا معرفة ما إذا كان‬ ‫يل بحال من األحوال‪ ،‬فأنا أؤمن بأ ّن املعرفة الحقيقيّة ممكنة‪،‬‬ ‫الله موجو ًدا أم غري موجود‪ ،‬وهذا التعريف ال ينطبق ع ّ‬ ‫حقائق ال ميكن الطعن أو التشكيك بها‪ ،‬السيام الحقائق العلم ّية‪ ،‬وأؤمن كذلك بأ ّن فكرة الله (الشخصاين) غري‬ ‫وهنالك‬ ‫ٌ‬ ‫موجود ٍة إطالقًا‪ ،‬ولكن موقفي من فكرة الخالق هي القابلة‬ ‫للمناقشة عندي‪ ،‬وأرفض متا ًما أي طر ٍح من شأنه أن يقرتح‬ ‫ماه ّي ًة لهذا الخالق بدون أي دليل‪ ،‬وهذا هو اإللحاد يف‬ ‫نظري‪.‬‬ ‫كتب تنصحنا‬ ‫س‪ .7‬من هم كُتابك املفضلون وهل من ٍ‬ ‫برضورة قراءتها؟‬ ‫ج‪ .7‬أنا أُحب القراءة بكافة أنواعها وموضوعاتها‪ ،‬وال أتذكر‬ ‫كتاب حتى‬ ‫كتاب ما‪ ،‬أل ّن قراءيت ألي ٍ‬ ‫أنّني ندمت عىل قراءة ٍ‬ ‫آخره يعني أنّه لقي استحساين بأي شكلٍ من األشكال‪ .‬ولكن‬ ‫عندما يتعلّق األمر بالكتابات األدبيّة‪ ،‬فأنا أعشق كتابات‬ ‫غربيال غارسيا ماركيز‪ ،‬وهارويك موراكامي‪ ،‬وجورج أرويل‪،‬‬ ‫وألبري كامو عىل وجه التحديد‪ .‬وبصور ٍة عام ٍة فإنّني أعشق‬ ‫قراءة الكتب الفلسف ّية والفكريّة‪ ،‬والكتب التي تتناول‬ ‫موضوع األنرثوبولوجيا (‪ ،)Anthropology‬السيام كُتُب‬ ‫السواح‪ .‬وأنصح بقراءة كتاب (تاريخ املعتقدات‬ ‫فراس ّ‬ ‫‪47‬‬


‫هشام آدم‬ ‫واألفكار الدينية) للمؤلف مريسيا إلياد‪ ،‬وكذلك كتاب (العقل يف التاريخ) لهيجل‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل كتاب (الجني األناين) لريتشارد دوكنز‪ ،‬وكتاب (النزعات املادية يف‬ ‫الفلسفة العربية واإلسالمية) لحسني مروة‪ ،‬وكتاب (نقد الفكر اليومي) ملهدي‬ ‫كتاب يتناول الفلسفة أو التاريخ أو ال ِفكر‪ ،‬فهو بال ٍ‬ ‫شك‬ ‫عامل‪ .‬وبالعموم‪ ،‬فإ ّن أي ٍ‬ ‫مه ٌم ومفيد‪.‬‬ ‫س‪ .8‬الفن ينبع من الذات إال أنه يتواصل مع ٍ‬ ‫ذوات برشية‪ ،‬هل من كتاب قرأته‬ ‫فخرجت من عامله ليس كام دخلت؟‬ ‫السواح تجعلني‬ ‫ج‪ .8‬تقري ًبا كل كتابات فراس َ‬ ‫أخرج إنسانًا آخر‪ ،‬أكرث حزنًا‪ ،‬وأكرث تواض ًعا‪ ،‬ولكن‬ ‫فيام يتعلّق بالكتابات األدب ّية فإنّني أتعامل معها‬ ‫باعتبار وظيفتها وحسب‪ ،‬ووظيفة األدب ‪-‬كام‬ ‫أعرفها‪ -‬هي املتعة؛ فاالستمتاع والدهشة هو كل‬ ‫ما أبحث عنه يف الكتابات اإلبداع ّية‪ ،‬ولكن ال أتوقع‬ ‫أب ًدا أن ت ِ‬ ‫ُحدث أي كتاب ٍة أدب ّي ٍة تح ّو ًل ما‪ ،‬يف حيايت أو‬ ‫يف شخصيتي أو حتى يف انفعااليت أو أفكاري‪.‬‬ ‫ولكن ‪-‬وبعي ًدا عن القراءة‪ -‬فإ ّن كتابتي لرسديّة (قونقليز) والتي صدرت عام‬ ‫‪ 2010‬أدخلتني يف حال ٍة من الحزن والكآبة‪ ،‬مل أستطع التخلّص منهام حتى اآلن‪.‬‬ ‫لقد تأثرتُ كث ًريا بهذه الكتابة‪ ،‬ألنّني حاولت يف هذه الرسديّة أن أتناول شخص ّي ًة‬ ‫انفصام ّي ًة (‪ ،)Schizophrenic‬وأغوص فيها بغرض محاولة تحليلها‪ ،‬والوقوف‬ ‫عىل أبعادها النفس ّية‪ ،‬وكيف يتعامل املجتمع مع مثل هذه الشخص ّية يف الحياة‬ ‫اليوم ّية‪ ،‬مستفي ًدا من دراستي ل ِعلم النفس يف الجامعة‪.‬‬ ‫وبطريق ٍة ما‪ ،‬فإ ّن أبعاد هذه الشخص ّية المستني‪ ،‬وأث ّرت َّيف بصور ٍة مبارشة‪ ،‬ومل‬ ‫أستطع التخلص من لعنة رشف الدين بابو (الشخصية املحوريّة يف الرسديّة)‪ ،‬حتى‬ ‫اآلن‪ .‬كام أنّني تأثرتُ كث ًريا برسديّة (سلطانة) لغالب هلسا‪ ،‬وبرسديّة (الغريب)‬ ‫أللبري كامو‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫هشام آدم‬ ‫كتب مطبوعة ‪...‬‬ ‫س‪ .9‬لك العديد من املقاالت والكتابات عىل اإلنرتنت ولديك ٌ‬ ‫مكتوب آخر‬ ‫ماهي أحب كتبك إىل قلبك ‪ ...‬وملاذا ‪ ...‬ما الذي مي ّيز مكتوبًا عن‬ ‫ٍ‬ ‫إذا كان لهام نفس القلم؟‬ ‫كم ذات ًيا‪ ،‬يعود متا ًما ونهائ ًيا إىل القارئ‪ .‬أ ّما بالنسبة‬ ‫ج‪ .9‬ال ُحكم هنا سيكون ُح ً‬ ‫إ ّيل‪ ،‬فأنا ال أرتبط عاطف ًيا بكتابايت‪ .‬مبعنى أنّني ال أحب وال أكره كتابايت‪ ،‬فعالقتي‬ ‫بها تنتهي مبجرد انتهايئ من كتابتها ونرشها‪ ،‬وفيام عدا تلك الحالة النفسيّة‬ ‫السيئة التي تسببت بها رسديّة (قونقليز)‪ ،‬فلم يحدث أن ظللت متعلقًا بكتاب ٍة‬ ‫جانب آخر فأنا أُشفق كث ًريا عىل كتابايت ألنّني أشعر أنّها‬ ‫كتبتها أب ًدا‪ .‬وعىل‬ ‫ٍ‬ ‫مظلوم ٌة بسبب نسبتها إ ّيل‪ ،‬وأعتقد أ ّن مصريها كان من املحتمل أن يكون‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص آخر غريي‪.‬‬ ‫أفضل لو أنّها كانت‬ ‫غامض حاولت فهمه واإلمساك به خالل السنوات العرش املاضية‪،‬‬ ‫سبب‬ ‫ٌ‬ ‫مثّة ٌ‬ ‫حاولت مرا ًرا ُمعالجة‬ ‫يجعل كتابايت ال تنال حظّها من االنتشار والقراءة‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫هذا األمر‪ ،‬تار ًة عن طريق تغيري دار النرش‪ ،‬وتار ًة عن طريق محاولة توفري‬ ‫لكل من يطلبها‬ ‫نُس ٍخ من كتبي ‪-‬أو بعضها عىل األقل‪ -‬إلكرتون ًيا بصيغة ‪ّ PDF‬‬ ‫مني شخص ًيا أو حتى توفريها عىل بعض املواقع اإللكرتون ّية‪ ،‬ورغم ذلك ما‬ ‫زالت الكثري من كتبي غري منترشة‪ ،‬وغري مقروءة‪ ،‬وحتى أنّني ال أعرف أماكن‬ ‫توفّرها يف األسواق العربيّة‪ ،‬بل حتى أنّني ال أملك نس ًخا من أعاميل‪ ،‬ولهذا‬ ‫احتفلت مؤخ ًرا بحصويل عىل نسخ ٍة من رسديّة (برتوفوبيا)‪ ،‬رغم صدورها يف‬ ‫ُ‬ ‫العام ‪.2009‬‬ ‫س‪ .10‬يف رواية (أرض امليّت) التي رسمت فيها صور ًة عن أهل قرية (أرض امليّت) حيث قمت بعرض فكرة أن املجتمعات‬ ‫والرتاث مرتبط ٌة بشكلٍ‬ ‫عميق مع املوروث الديني واألسطوري‪ .‬إىل أي مدى تعتقد أن أساطرينا تحدد من نكون ‪ ...‬وما‬ ‫ٍ‬ ‫هي الحدود التي يتوقف عندها املوروث وتبدأ الذات‪ ،‬أم أننا كلنا نتيج ٌة حتمي ٌة ملا كان؟‬ ‫العالقة بني اإلنسان وبني األسطورة هي عالق ٌة قويّ ٌة ج ًدا‪ ،‬وأعتقد أ ّن العالقة بينهام تُشبه إىل ح ٍّد كبريٍ عالقة الطفل بأبويه‪،‬‬ ‫فرغم أنّنا ‪-‬يف تكويننا البيولوجي‪ -‬نتقاسم الجينات الوراث ّية من األبوين‪ ،‬ورغم أ ّن هذه الجينات تتداخل بصور ٍة ُمبارش ٍة‬ ‫يف تشكيلنا (املورفولوجي) (‪ ،)Morphological Shape‬بل وحتى يف سلوكنا‪،‬‬ ‫‪49‬‬


‫هشام آدم‬ ‫ّإل أنّه ‪-‬وبطريقة ما‪ -‬ال نكون نُس ًخا ُمطابق ًة لهام‪ ،‬بل وقد نكون عىل العكس منهام متا ًما‪ .‬فنحن ‪-‬عىل هذا املنوال‪-‬‬ ‫يل أو بعضنا عىل األقل‪ .‬اإلنسان‬ ‫ننبثق من األسطورة‪ ،‬ولكن ال يعني ذلك ‪-‬بالرضورة‪ -‬أن تتحكّم األسطورة بنا بشكلٍ ك ٍّ‬ ‫أي إنسان‪ -‬هو ابن بيئته ومجتمعه‪ ،‬واملجتمع هو ابن تراثه وموروثاته‪ .‬وبالنتيجة فإ ّن األسطورة هي نتاج أفكارنا‪،‬‬‫وتصوراتنا‪ ،‬ومخاوفنا‪ .‬إ ّن اإلنسان يصنع أسطورته وفقًا للطريقة التي يُفكر بها‪ ،‬فيخلقها عىل النحو الذي يُريد‪ ،‬ولهذا‬ ‫فإ ّن األسطورة ال تتصادم مع اإلنسان‪ ،‬بل اإلنسان هو من يتصادم معها‪ ،‬أل ّن األسطورة هي صنيعة اإلنسان‪ ،‬ولكن ليس‬ ‫اإلنسان ‪-‬بالرضورة‪ -‬صنيعة األسطورة‪.‬‬ ‫ولهذه خلق اإلنسان أسطورة الحياة بعد املوت‪ ،‬أل ّن رغبته هي ما أملت عليه ذلك‪ ،‬فرغبة اإلنسان يف الخلود‪ ،‬وخوفه‬ ‫من املوت املرتبطتني بغريزة البقاء هي ‪-‬يف الحقيقة‪ -‬ما كانت وراء نشوء أسطورة الحياة بعد املوت بكافة أشكالها عرب‬ ‫شخصا ما يُراقبه يف غرفة نومه‪ ،‬فلن يتمكن من النوم أب ًدا‪،‬‬ ‫الثقافات واألديان املختلفة‪ .‬إذا استسلم أحدهم لفكرة أ ّن ً‬ ‫وبالنتيجة فإنّه سوف يُصبح أس ًريا لفكرة خلقها هو بنفسه‪ ،‬وقيّد نفسه بها بإرادته‪ .‬والوسيلة الوحيدة للتخلّص من سلطة‬ ‫األسطورة هو االحتامء بالعقل النقدي والعلمي‪ ،‬فهام الضامنة الوحيدة لتخليص الذات من أفكارها‪ ،‬عرب ربطها مبا هو‬ ‫قاب ٌع خارجها‪ ،‬عىل أرض الواقع‪.‬‬ ‫س‪ .11‬يف رواية (برتوفوبيا) رأى البعض أن األحداث والشخوص والعنارص من‬ ‫دينٍ وسياس ٍة ما هي إال أدواتٌ تلعب عىل أوتار عواطفهم ليك تُريهم الطريق‬ ‫هل أخربتنا عن تلك الغاية‪.‬‬ ‫وتوصلهم إىل الفكرة الحقيقة من الرواية‪ّ .‬‬ ‫ج‪ .11‬استخراج الغاية من أي عملٍ‬ ‫رسدي هو وظيف ٌة خالص ٌة للقارئ‪ ،‬وال يحق‬ ‫ٍّ‬ ‫للكاتب ‪-‬بأي حا ٍل من األحوال‪ -‬أن يفرض غايته ويكشف أفكاره املخبأة يف‬ ‫ترميزي يف‬ ‫عمل‬ ‫رسديته‪ ،‬وإلّ ملا لجأ إىل إخفائها ابتدا ًء‪ .‬العمل الرسدي هو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫املقام األول‪ ،‬ولو كان باإلمكان اإلفصاح عن الرمز لكان األجدر بالكاتب أن‬ ‫رش يف مقال‪ .‬ولكن وبشكلٍ عا ٍّم فإ ّن غاية أي عملٍ‬ ‫يصوغ أفكاره بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫فني عمو ًما) هو اإلمتاع واإلدهاش كام قال جون بول سارتر‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫رسدي (أو ٍّ‬ ‫فني يف أداء هاتني الوظيفتني أو إحداهام فقد بلغ مأربه ومقصده متا ًما‪ِ .‬فكريت األساس ّية من وراء‬ ‫فإذا نجح أي عملٍ ٍّ‬ ‫رسديّة (برتوفوبيا) هي تحقيق مقلوب معادلة (نحن واآلخر)‪ ،‬وذلك بتق ّمص شخص ّية اآلخر‪ ،‬ومحاولة معرفة كيف يُفكر‬ ‫أحببت أن أخوض تجربة التقمص هذه‪ ،‬يف محاول ٍة إلقناع‬ ‫عمل تجريبي‪ ،‬وقد‬ ‫اآلخر‪ ،‬وكيف يرانا‪ .‬إ ّن العمل الرسدي هو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫نجحت يف ذلك أم ال‪ ،‬ولكنني‬ ‫كنت قد‬ ‫ُ‬ ‫القارئ بأ ّن الكاتب هو اآلخر نفسه‪ .‬كان ذلك نو ًعا من التحدي‪ ،‬وال أعرف إن ُ‬ ‫سعي ٌد بتلك التجربة عىل أي حال‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫هشام آدم‬ ‫س‪( .12‬كاجومي) ‪ ...‬هل هي رحلة البحث عن الذات أم رحلة تعريف الواقع والعقبات التي تنحتنا وتشكل ذواتنا‪ .‬هل‬ ‫نحن ال ُن ّحات ‪ ...‬أم أننا مشاهدون؟‬ ‫ج‪ُ .12‬يكنني اإلجابة عىل هذا السؤال بعي ًدا عن رسديّة كاجومي‪ ،‬ألنّني ال أملك أن أفرض رؤيتي عىل القارئ‪ ،‬فهو‬ ‫ح ٌر متا ًما يف أن يخرج من الرسديّة مبا يراه وفقًا لفهمه الخاص‪ .‬يف رأيي الخاص مثّة حتم ّي ٌة فوضويّ ٌة تتحكم بهذا العامل‪،‬‬ ‫فاشل‪ ،‬والناجح يُولد ناج ًحا‪ .‬هذا مبدأٌ عا ٌّم يرسي عىل نحو أكرث من ‪ 90%‬من سكان العامل‪ ،‬واالستثناءات‬ ‫فالفاشل يُولد ً‬ ‫قليل ٌة ج ًدا مهام كرث عددهم‪ ،‬ألنّهم مقارن ًة بعدد سكان العامل ال يكادون يُذكرون‪ .‬تلك القصص التي نسمعها عن الفقري‬ ‫قصص استثنائ ّي ٌة تلعب الصدفة املحضة دو ًرا كب ًريا يف‬ ‫الذي كافح كث ًريا حتى أصبح من أهم رجال األعامل يف بلد ما‪ ،‬هي ٌ‬ ‫خلقها‪ ،‬ولكن املبدأ العام هو حتمية الفوىض‪ .‬األمر أشبه برضبة البداية يف لعبة البلياردو‪ ،‬عندما تبدأ الكرات بالتصادم‬ ‫والتحرك بشكلٍ عشوايئ‪ ،‬فيام تسقط بعض الكرات يف الحفرة بطريق ٍة غري مدروسة‪ ،‬ال مخطط لها أب ًدا‪ .‬البحث عن الذات‬ ‫ما هو إلّ محاول ٌة لفهم قوانني لعبة البلياردو‪ ،‬ولكن يف كل مر ٍة تكون نتائج رضبة البداية يف البلياردو مختلف ًة‪ .‬ولهذا‬ ‫سيتغي”‪ ،‬ويف الوقت الذي نرى فيه أنفسنا ككرة بلياردو وهي‬ ‫كانت مقولة والدة عبد الواحد (بطل الرسديّة)‪“ :‬ال يشء‬ ‫ّ‬ ‫أيضا يف اتجا ٍه آخر‪ .‬قليلون هم من ينجحون يف تحقيق أهدافهم‪ ،‬وعبد‬ ‫تتحرك باتجاه ما‪ ،‬فإنّنا نرى بق ّية الكرات تتحرك ً‬ ‫الواحد كاجومي مل يكن واح ًدا منهم بالتأكيد‪ ،‬وحتى أولئك الذين نجحوا يف تحقيق أهدافهم مل يكن األمر بيدهم متا ًما‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ظروف كثرية‪ُ ،‬وجِدت مبحض الصدفة يف طريقهم‪ ،‬ولهذا كانوا محظوظني‪ ،‬وسمة الحظ يف الرسديّة سم ٌة‬ ‫فقد ساعدتهم‬ ‫أساس ّي ٌة ومقصود ٌة متا ًما‪.‬‬ ‫ديني املنشأ نستخدمه يف يومياتنا‬ ‫س‪ .13‬باتت املصطلحات الدينية جز ًءا من ثقافتنا اللغوية‪ ،‬فكم من تعبريٍ ومصطل ٍح ّ‬ ‫رأي يف هذه األمر وتشبي ُه ذلك مبا لقّبته بـ (الفخفخينا)‪ ،‬حبذا لو ترجمت لنا هذا املس ّمى‬ ‫ومناسباتنا االجتامعية‪ .‬لديك ٌّ‬ ‫ووضحت لنا فكرتك تحدي ًدا لو سمحت‪.‬‬ ‫العامي ّ‬ ‫ّ‬ ‫قلت ذلك ملا أرى من خلط وتداخل للمفاهيم لدى البعض‪،‬‬ ‫ج‪ .13‬الفخفخينا هي رشاب الكوكتيل (‪ ،)Cocktail‬وإنّ ا ُ‬ ‫وهو ما يجعلنا غري قادرين عىل تطبيق كثريٍ من املفاهيم عىل النحو الصحيح‪ ،‬بل نُخضعها ملعايرينا الذاتيّة‪ ،‬بحسب فهمنا‬ ‫املغلوط لها‪ .‬فعىل سبيل املثال عندما نتكلّم عن حريّة الرأي‪ ،‬فإ ّن البعض يلجأ إىل التفريق بني حريّة الرأي واإلساءة إىل‬ ‫مقدساته‪ ،‬فريى بذلك أ ّن اإلساءة إىل املقدسات ال تدخل ضمن حريّة الرأي‪ .‬وكذلك عندما يتكلّم البعض عن الحريّة‬ ‫ٍ‬ ‫رضب من تداخل املفاهيم‪.‬‬ ‫املطلقة يف التفكري‪ ،‬مع وضع قيو ٍد‬ ‫ورشوط عىل حريّة الرأي (عىل النحو السابق)‪ ،‬فإ ّن هذا ٌ‬ ‫والحقيقة إ ّن حريّة التفكري‪ ،‬وحريّة الرأي ال ينفصالن عن بعضهام البعض‪ ،‬وكالهام من الحقوق املرشوعة لكل إنسان‪،‬‬ ‫رأي‬ ‫أل ّن ما يراه وما يعتربه أح ٌد مق ّد ًسا ال يراه اآلخر كذلك‪ ،‬بل وقد ال يعني له شيئًا عىل اإلطالق‪ ،‬وحتى أنّه قد يكون له ٌ‬ ‫سالب عنه‪ .‬كام أ ّن حرية الرأي (والتي تتضمن داخلها حريّة نقد األديان) ال تتعارض أب ًدا مع حرية االعتقاد‪ ،‬وبسبب‬ ‫ٌ‬ ‫‪51‬‬


‫هشام آدم‬ ‫هذا التداخل يف املفاهيم فإنّنا نرى البعض يرفعون شعار حريّة االعتقاد واملعتقد يف وجه َمن ُيارسون حريّة الرأي‪،‬‬ ‫وينتقدون معتقداتهم‪ .‬وهنا يتقاطع مفهوم الحريّة مع مفهوم اإلساءة‪ ،‬إذ أ ّن الشخص الواقع تحت تأثري القداسة سوف‬ ‫يرى أي ٍ‬ ‫مسؤول عن تحديد سقف حريات اآلخرين‪ .‬أ ّما عن املصطلحات‬ ‫ً‬ ‫نصب نفسه‬ ‫نقد لفكرته إساء ٌة لها‪ ،‬وعندها سيُ ّ‬ ‫أيضا‪ .‬فكث ٌري من العبارات الدين ّية تنتقل (عرب حركة املجتمع)‬ ‫الدين ّية فهذا له عالق ٌة بتطور اللغة‪ ،‬وعالقة اللغة باإلنسان ً‬ ‫من خانة العبارات (‪ ،)Phrases‬إىل خانة التعابري (‪ ،)Expressions‬وهذا االنتقال يُفقد العبارات طابعها الديني‪ ،‬لتأخذ‬ ‫وظيف ًة أخرى‪ ،‬وهي الوظيفة التعبرييّة‪ ،‬وهذه الوظيفة التعبرييّة مرتبط ٌة متا ًما بالجانب الثقايف لإلنسان‪.‬‬ ‫ونحن نعلم أ ّن اإلنسان ابن بيئته ومجتمعه وثقافته‪ ،‬وحتى لو حاول اإلنسان أن يتملّص من هذه الثقافة‪ ،‬فإنّه لن‬ ‫يستطيع‪ .‬فاستخدام بعض امللحدين (بل وحتى املتدينني) لبعض العبارات الدين ّية هو يف حقيقته ال يحمل أي دالل ٍة‬ ‫قابل ثقاف ًيا للتعبري عن الوعد‪ ،‬وعبارة‪“ :‬حم ًدا لله‬ ‫دين ّية‪ ،‬بل يحمل دالل ًة ثقاف ّي ًة ال أكرث‪ .‬لتُصبح عبارة‪“ :‬إن شاء الله” ُم ً‬ ‫قابل ثقافيًا للتعبري عن التع ُّجب أو االستحسان‬ ‫قابل ثقافيًا للتعبري عن الرتحيب‪ ،‬وعبارة‪“ :‬سبحان الله” ُم ً‬ ‫عىل السالمة” ُم ً‬ ‫مثل لصيغة القسم (وهي صيغ ٌة دين ّي ٌة يف األساس)‪ ،‬يف موقعٍ ال‬ ‫وهكذا‪ .‬ولهذا فإنّنا ال نستغرب من استخدام األم ً‬ ‫أصل‪ ،‬فقد نسمعها تقول البنها وهي تهدده‪“ :‬والله سأقتلك وأرميك للكالب إن فعلت كذا‬ ‫عالقة له باملجمول الديني ً‬ ‫وكذا”‪ ،‬فهي ليست جاد ًة يف هذا التهديد طب ًعا‪ ،‬كل ما يف األمر أ ّن الق َ​َسم هنا أخذ محمولً ثقافيًا وليس دينيًا‪ ،‬وهو‬ ‫التهديد والتشديد عليه‪ .‬كذلك قد يُستخدم الق َ​َسم ألغراض االستهالل ال أكرث‪،‬‬ ‫مثل‪“ :‬والله إذا أراد أحدهم أن يُشاركنا طعامنا فله‬ ‫فنسمع أحدهم يقول ً‬ ‫أسلوب شائ ٌع بكرثة‪،‬‬ ‫قسم‪ ،‬بل هو استهالل‪ ،‬وهو‬ ‫ذلك” فهنا القسم ليس ً‬ ‫ٌ‬ ‫ديني عىل اإلطالق‪ ،‬حتى مع‬ ‫وهذا األسلوب ال عالقة له بأي محمو ٍل ٍّ‬ ‫استخدام لفظ ٍة دينية‪ ،‬فاالستخدام هنا يُجسد التأثري الثقايف‪ ،‬وليس‬ ‫ديني وبني ما هو ثقا ٌّيف بطبيعة‬ ‫ٌ‬ ‫الديني‪ ،‬ومثة‬ ‫تداخل بني ما هو ٌّ‬ ‫الحال‪ ،‬أل ّن الدين هو أحد العنارص املك ّونة للثقافة‪ ،‬فاستخدامنا‬ ‫دليل عىل التع ّود (الذي يعود بدوره‬ ‫ملثل هذه التعابري هو ٌ‬ ‫إىل تأثري الدين عىل ثقافة املجتمع) وال يعود إىل التدين‪،‬‬ ‫مثل‪،‬‬ ‫فبعض املتدينني يس ّبون الدين يف حديثهم الشعبي ً‬ ‫دون أن يعني ذلك إعالنًا رصي ًحا منهم بخروجهم عن‬ ‫تناولت هذه الفكرة‬ ‫الدين‪ .‬واألمثلة كثري ٌة ج ًدا‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫بيش ٍء من التفصيل يف مقا ٍل بعنوان (نقد العبث‬ ‫اليومي) تم نرشه يف موقع الحوار املتمدن‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫هشام آدم‬ ‫ٌ‬ ‫معروف أنه قبل تطور املنهج العلمي التجريبي كانت الفلسفة هي املصدر العلمي الوحيد‬ ‫س‪ .14‬تقول كام هو‬ ‫للمعرفة‪ .‬اليوم‪ ،‬ما هو دور وأهمية الفلسفة برأيك؟‬ ‫مهم للغاية‪ ،‬فالفلسفة ت ُنظّم طريقة التفكري‪ ،‬وتصقله‪ ،‬وتُعمقه‪ .‬وكث ٌري من مشكالتنا‬ ‫ج‪ .14‬أنا أعترب دراسة الفلسفة أم ًرا ً‬ ‫(املفاهيمية) سببها األسايس ‪-‬يف الغالب‪ -‬هو عدم إملامنا بالفلسفة‪ .‬معرفة الفلسفة تتيح لنا معرفة النمط التفكريي‬ ‫الذي ننتمي إليه‪ :‬ما إذا كان ماديًا فلسفيًا أم مثاليًا فلسفيًا‪ ،‬وبدون هذه املعرفة فإنّنا قد نقع يف معضلة عدم االتساق‪،‬‬ ‫إذ قد يقع اإلنسان يف التناقض بني طريقتي تفكريٍ مختلفتني متا ًما‪ ،‬ولكنه لن يستطيع االنتباه إىل ذلك‪ ،‬طاملا مل تكن له‬

‫معرف ٌة وإملا ٌم بالفلسفة‪ ،‬ومذاهبها‪ ،‬وتياراتها الرئيس ّية‪ .‬كام أ ّن الفلسفة قد متنحنا فرصة تعلّم طرق التفكري املنطقي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نقاشات بشكلٍ أكرث عقالن ّية‪ ،‬أل ّن أهم ركنٍ من أركان النقاش‬ ‫وبالتايل التفكري النقدي‪ ،‬وهذا ما يُساعدنا عىل خوض‬ ‫والحوار العقالين هو القدرة عىل صياغة األفكار بشكلٍ‬ ‫منطقي وسليم‪ ،‬ويف الوقت ذاته القدرة عىل فهم وإدراك جوهر‬ ‫ٍّ‬ ‫األفكار املطروحة من الطرف املقابل‪ .‬وعىل هذا فإ ّن الفلسفة مهم ٌة ورضوريّ ٌة للحصول عىل املعرفة (‪،)Knowledge‬‬ ‫ولكن يف الوقت ذاته ال ُيكننا الوثوق بالفلسفة للحصول عىل حقائق (‪ .)Facts‬الفرق بني املعرفة والحقيقة هي أ ّن‬ ‫التحصل عليها من أي مصد ٍر ُمتاح‪ ،‬بينام‬ ‫املعرفة قد تكون صائب ًة وقد تكون خاطئ ًة‪ ،‬فهي كل معلوم ٍة ُيكن لإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقة تكون نتيجة فحص هذه املعرفة‪ ،‬واختبارها‪ ،‬والتأكد من صحتها‪ .‬وهنا يقع البعض يف اللبس عندما يسخرون‬ ‫مثل أو تلك الدراسة‬ ‫من نتائج بعض الدراسات العلميّة‪ ،‬كتلك التي تقول إ ّن نظر الرجل إىل مؤخرة املرأة يُطيل عمره ً‬ ‫التي تقول إ ّن األشخاص الذين يسهرون هم أعىل ذكا ًء من أولئك الذين ينامون باك ًرا‪ ،‬وغري ذلك من در ٍ‬ ‫اسات منترشة‪.‬‬ ‫فهذه الدراسات ‪-‬إن كانت صحيح ًة‪ -‬ليست مصد ًرا للحقائق‪ ،‬بل هي مصد ٌر للمعلومات؛ فاملصادر األول ّية للمعرفة هي‬ ‫‪53‬‬


‫هشام آدم‬ ‫األبحاث والدراسات املنشورة يف املجاالت العلم ّية ذات املوثوق ّية العالية‪ ،‬أل ّن هذه املعلومات يف هذه املصادر تخضع‬ ‫ُنش حتى يتم التأكد من صحتها من ِقبل عد ٍد كبريٍ من العلامء‪ .‬وعمو ًما‪،‬‬ ‫إىل التمحيص والفحص واملقارنة باألضداد‪ ،‬وال ت َ‬ ‫فإنّه ال ُيكننا الوثوق بالفلسفة كمنه ٍج لفحص واختبار املعرفة‪ ،‬أل ّن املنهج الفلسفي قد يكون منه ًجا مثاليًا (ذاتيًا)‪ ،‬أي أنه‬ ‫ٍ‬ ‫موضوعات مستقل ٍة عن تصوراتنا الذهن ّية‪.‬‬ ‫انعكاسا ملا يف أذهاننا‪ ،‬ال باعتبارها‬ ‫ينطلق يف تقييمه وفهمه لألشياء باعتبارها‬ ‫ً‬ ‫رص بالفلسفة ومدارسها‪ ،‬فإنّه من املمكن أن يقع يف هذا الخطأ دون أن يدري‪ ،‬ودون أن‬ ‫وإذا كان اإلنسان غري مستب ٍ‬ ‫ميلك القدرة عىل إدراكه‪.‬‬ ‫إ ّن طريقة التفكري املنطق ّية ال تقود ‪-‬بالرضورة‪ -‬إىل حقيقة‪ ،‬بل تقود دامئًا إىل معرف ٍة معزز ٍة بالحجج املنطق ّية‪ ،‬بينام‬ ‫يُق ِّدم لنا ال ِعلم معرف ًة مع ّزز ًة باألدلة املاديّة‪ .‬والحجج املنطق ّية ال قيمة لها أمام األدلة املاديّة‪ .‬وعىل سبيل املثال فإنّه من‬ ‫مثل‪ -‬وصف يش ٍء بأنّه‬‫الناحية املنطق ّية ال ُيكن أن يتصف اليشء نفسه بصفتني متناقضتني يف الوقت ذاته‪ ،‬فال ُيكننا ً‬ ‫ونظيف يف الوقت ذاته‪.‬‬ ‫ومالح يف الوقت ذاته‪ ،‬أو أنّه ُمتس ٌخ‬ ‫بار ٌد وحا ٌر يف الوقت ذاته‪ ،‬أو أنّه ُمحلًّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مثل‪ -‬متتاز الجسيامت‬‫هذا األمر هو ضد مبدأ عدم التناقض‪ ،‬وهو أحد مبادئ املنطق الثالثة‪ ،‬ولكن يف ميكانيكا الكم ً‬ ‫ويكننا‬ ‫دون الذريّة بأ ّن لها خاص ّي ًة موج ّي ًة‪ ،‬وخاص ّي ًة جسيم ّي ًة يف الوقت ذاته‪ ،‬وهذه الخاص ّية املزدوجة مثبت ٌة علم ًيا‪ُ ،‬‬ ‫القول بأنّها حقيقة‪ :‬أي أنّها ُمع َّرف ٌة ُمثبتة‪ ،‬وتم التأكد من صحتها‪ ،‬وليست ُمج ّرد معرف ٍة وحسب‪.‬‬ ‫وتناقض هذه الحقيقة العلم ّية مع املنطق الفلسفي‪ ،‬يُؤكد عىل أ ّن املعرفة العلم ّية ال تخضع دامئًا إىل قوانني املنطق‬ ‫الفلسفي‪ ،‬وأ ّن املنهج العلمي هو ما ُيكننا االعتامد عليه للحصول عىل الحقائق‪ ،‬بينام ما مل يتمكن العلم من اإلجابة‬ ‫عليه فيُمكن للفلسفة تناوله‪ ،‬ورغم ذلك فإ ّن نتائج التفكري الفلسفي تظل غري موثوقة‪ ،‬ألنّها ال ت ُؤدي إىل حقائق؛‬ ‫فاملعرفة الفلسفية التي تقول باستحالة الالنهاية (‪ )Infinity‬كام زعم أرسطو‪ ،‬ليست معرف ًة حقيق َّي ًة أو ليست معرف ًة‬ ‫صحيح ًة‪ ،‬وبالتايل ال ُيكننا االعتامد عىل املقوالت الفلسف ّية‪.‬‬ ‫ويف الواقع إ ّن املقوالت الفلسفيّة يجب أن تخضع للمنهج املادي‪ ،‬حتى يتم اختبار صحتها من عدمه‪ .‬ولهذا يقول‬ ‫الربوفيسور لورنس كراوس يف إحدى مناظراته‪“ :‬عندما نالحظ للنتائج نجد أ ّن لها ُمسببات‪ ،‬ولكن مع بداية الزمن (أي يف‬ ‫سؤال بال قيمة‪ُ .‬يكن للفالسفة أن يتجادلوا‬ ‫الوقت الذي من املحتمل ظهور الزمن فيه) فإ ّن السؤال عن املس ّبب يُصبح ً‬ ‫ويتناقشوا حوله‪ ،‬ولكن ذلك ال يهم‪ ”.‬فاملقوالت الفلسف ّية ليست مصد ًرا للحقائق‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫هشام آدم‬ ‫قاس ج ًدا إذ يضغط علينا بقو ٍة ويتسبب بإحداث تغيري ٍ‬ ‫س‪ .15‬ترى أن املجتمع ٍ‬ ‫ات جذري ٍة يف شخصياتنا‪ .‬ماهي األمور‬ ‫التي ترى أنها تغريت يف هشام آدم منذ عرشين عا ًما مقارن ًة بهشام آدم اليوم؟‬ ‫ج‪ .15‬التغيري يحدث دامئًا وباستمرار‪ ،‬حتى دون تد ّخل املجتمع نفسه‪ .‬وبالتأكيد هنالك الكثري من التغيريات التي‬ ‫يل منذ عرشين عا ًما وحتى اليوم‪ ،‬وهذا التغيري شمل نواح ًيا عديدة‪ :‬عىل مستوى الوعي‪ ،‬عىل مستوى املعرفة‪،‬‬ ‫طرأت ع ّ‬ ‫أيضا‪ .‬قسوة‬ ‫عىل مستوى السلوك واملواقف‪ ،‬عىل مستوى املعايري األخالق َّية‪ ،‬بل حتى عىل املستوى الوجداين والعاطفي ً‬ ‫املجتمع تكمن يف تسلطّها عىل الفرد‪ ،‬وبالتايل تحديد اختياراته وميوله‪ ،‬وحتى إخضاعه ملعايري أخالقي ٍة محدد ٍة ال ُيكنه‬ ‫الخروج عنها بحا ٍل من األحوال‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫نقاشات أخالق ّي ٍة عميق ٍة ج ًدا‪ ،‬يف حني أ ّن‬ ‫مثل‪ ،‬قد تكون يف الرشق محل‬ ‫إ ّن فكرة ارتداء البنطلون بالنسبة إىل األنثى ً‬ ‫هذا األمر ال ميثّل أي يش ٍء بالنسبة للمرأة يف الغرب‪ .‬فاملجتمع ‪-‬يف الحقيقة‪ -‬يتدخل يف كثريٍ من األحيان يف ترصفاتنا‬ ‫مثل‪ ،‬هو نو ٌع‬ ‫طبيعي وإنسا ٍّين كالتقبيل ً‬ ‫وسلوكنا‪ ،‬بل وحتى يف تقييمنا ألنفسنا‪ ،‬فاالضطرار لالختباء من أجل مامرسة أم ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫املسلامت غري‬ ‫من االعرتاف الضمني بوصاية املجتمع عىل الفرد وعىل سلوكه‪ .‬ويف كثريٍ من الحاالت ً‬ ‫أيضا نجد أ ّن بعض ْ‬ ‫املحجبات يعرتفن بأنّهن مخطئاتٌ بعدم ارتدائهن الحجاب‪ ،‬وأنّهن يطلنب الهداية والتخلص من هذا (الذنب) يو ًما ما‪.‬‬ ‫هذا األمر ما هو ّإل نتيج ٌة واضح ٌة من نتائج تسلط املجتمع عىل الفرد‪ ،‬وتحديد طريقة تفكريه‪.‬‬ ‫ومن هنا تأيت صعوبة االنسالخ من العادات‬ ‫والتقاليد‪ ،‬أل ّن ذلك يُعترب مواجه ٌة مبارش ٌة مع‬ ‫املجتمع وسلطته‪ ،‬ورمبا من أجل هذا السبب‬ ‫تحدي ًدا يعدل البعض عن مناقشة القضايا الدين ّية‪،‬‬ ‫ألنّهم ال يرغبون يف التواجه مع سلطة املجتمع‪.‬‬ ‫ومن مظاهر تسلّط املجتمع وقسوته‪ ،‬وقدرته عىل‬ ‫تغيري سلوكيات وقناعات األفراد‪ ،‬هو ميل األفراد‬ ‫إىل اتباع ٍ‬ ‫تفكريي محدد؛‬ ‫منط سلويكٍّ أو حتى‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫مثل‪ ،‬هو‬ ‫أرداف كبري ٍة ً‬ ‫إذا كان هذا السلوك أو التفكري هو النمط السائد فرغبة بعض الفتيات يف الحصول عىل أثدا ٍء أو‬ ‫يف حقيقته‪ -‬انصيا ٌع لنمط التفكري املجتمعي السائد‪ ،‬ألنّها إن مل تفعل ذلك فسوف تخرج من املنافسة من أجل الحصول‬‫عىل الرشيك‪ ،‬حتى وإن كانت داخل ًيا مقتنع ًة بعدم أهمية هذا األمر‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫هشام آدم‬ ‫س‪ .16‬يتعرض الكثري من امللحدين والالدينيني يف بلداننا إىل شتّى أنواع االضطهاد والتضييق ‪-‬وهو ما اصطلحت حرضتك‬ ‫عىل تسميته باإلرهاب الناعم‪ -‬ولألسف أحيانًا للقتل يف بعض الحوادث‪ .‬ما رأيك باإلجهار باألفكار والتوجهات ممن‬ ‫يقطنون يف الرشق؟ ما إيجابيات تلك الخطوة وهل هذا ٍ‬ ‫مترشب‬ ‫مجد ً‬ ‫ٍ‬ ‫فعل أم أنه مجرد مجابه ٍة عقيم ٍة مع مجتمعٍ‬ ‫كل تفاصيل حياته؟‬ ‫للدين يف ّ‬ ‫كنت يف اململكة العربية السعوديّة كنت أكتب وأنرش مقااليت يف نقد اإلسالم باسمي الحقيقي‪،‬‬ ‫ج‪ .16‬أنا شخص ًيا عندما ُ‬ ‫كنت متهو ًرا يف ذلك‪ .‬يف هذا العرص الذي نعيش فيه‪ ،‬عرص اإلنرتنت‪،‬‬ ‫وصوريت الحقيقيّة‪ .‬ولكنني اآلن أعرتف أنّني ُ‬ ‫والفضائيات‪ ،‬عرص تدفق املعلومات‪ ،‬وسهولة الحصول عليها‪ ،‬مل يعد من الرضوري نرش األفكار املخالفة‪ ،‬واملواجهة‬ ‫املبارشة مع املجتمع‪ ،‬ألنّه أصبح من املمكن اآلن للجميع الحصول عىل املعرفة بأبسط الوسائل‪ .‬إ ّن فكرة تغيري املجتمع‬ ‫رش عرب التصادم معه‪ ،‬كانت رضور ًة ُملح ًة يف الوقت الذي كانت فيه املعرفة شحيح ًة‪ ،‬ومصادر املعرفة محدود ٌة‬ ‫بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫أو تكاد تكون معدومة‪ ،‬فكان عىل املثقف أن يتصادم مبارش ًة مع املجتمع‪ ،‬عرب نرش أفكاره وآرائه ومناقشتها عل ًنا‪ ،‬ألنّه‬ ‫إن مل يفعل ذلك‪ ،‬وق ّرر السكوت أو مغادرة البالد فإ ّن األمر يف مجتمعه سيظل عىل حاله‪ ،‬ولن يتغري يشء‪ ،‬ألنّه ال توجد‬ ‫مصادر معرف ٍة أخرى تتيح ألفراد هذا املجتمع أن يحصلوا عىل أفكا ٍر جديد ٍة ومغاير ٍة عن التي يتداولونها‪.‬‬ ‫هذا األمر مل يعد الز ًما ورضوريًا اآلن‪ .‬إضاف ًة إىل أنّه ال يشء أكرث قيم ًة من حياة اإلنسان نفسه‪ ،‬ولهذا فإ ّن اإلنسان صاحب‬ ‫باب أوىل أن يحرص عىل‬ ‫الرسالة‪ ،‬إن كان‬ ‫حريصا عىل إيصال رسالته إىل أكرب عد ٍد ممكنٍ من الناس‪ ،‬فإنّه يجب عليه من ٍ‬ ‫ً‬ ‫حياته‪ ،‬حتى يتمكن من إيصال هذه الرسالة‪ ،‬أل ّن موته سوف يحول دون ذلك‪ .‬إ ّن مناقشة املعتقدات واألفكار الدين ّية‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هي من أصعب املناقشات عىل اإلطالق‪ ،‬ومن الصعوبة مبكانٍ تغيري هذه القناعات‪ ،‬ولكن األمر ليس‬ ‫مستحيل ً‬ ‫طبيعي لهذه األفكار‪ ،‬والجداالت حول املعتقدات‬ ‫نتاج‬ ‫وأزعم أ ّن تيارات التجديد الديني اآلن‪ ،‬بكافة اتجاهاتها‪ ،‬هي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الدين ّية‪ .‬ولوال هذا الحراك والعصف الذهني الذي ولّده نقد الدين‪ ،‬ملا سمعنا أح ًدا يُنادي بتجديد اإلسالم أو إصالح‬ ‫خطابه الديني‪.‬‬ ‫س‪ .17‬نجح املسلمون برأيك بالفعل برسم فارقٍ بني اإلسالم كدينٍ وبني التطرف كأيدلوجيا؛ ومن ثم التهجم عىل كل من‬ ‫يحاول تصوير اإلسالم كدينٍ إرهايب‪ .‬إىل متى سيصمد هذا الفكر وهل من مصلحتنا التاميش مع هذه االدعاءات طاملا‬ ‫ٌ‬ ‫كالنا لديه ٌ‬ ‫مشرتك أال وهو القضاء عىل الفكر اإلرهايب التكفريي أم أن األنجع هو محاربة السبب ال النتيجة؟‬ ‫هدف‬ ‫لدي مشكل ٌة مع أفكارهم السلميّة‪.‬‬ ‫ج‪ .17‬موقفي ممن أسميهم (املسلمون الجدد) ٌ‬ ‫موقف شديد الوضوح‪ .‬فأنا ليست ّ‬ ‫إشكايل األسايس هو مع محاوالت ربط هذه األفكار السلم ّية بدينهم أو معتقداتهم‪ .‬إ ّن األمر هنا له عالق ٌة باالتساق‪.‬‬ ‫افضا من دعاة اإلعجاز العلمي سواء يف القرآن أو يف اإلنجيل‪،‬‬ ‫أيضا نتخذ موقفًا ر ً‬ ‫ولهذا ً‬ ‫‪56‬‬


‫هشام آدم‬ ‫مادي قد‬ ‫فأي رض ٍر قد يُصيبنا نحن ك ُملحدين إذا ادعى أحدهم أ ّن كتابه املقدس يحتوي عىل معلومات علم ّية؟ ال رض ٌر ٌ‬ ‫تدليس وكذب‪ .‬ال ُيكننا التغايض عن ادعاءات دعاة اإلعجاز‬ ‫يقع عىل اإلطالق‪ ،‬ولكننا رغم ذلك نرفض هذا األمر‪ ،‬ألنّه‬ ‫ٌ‬ ‫مثل أو أ ّن ذلك قد يكون مفي ًدا يف سبيل االرتقاء بطريقة‬ ‫العلمي بذريعة أنّه من الجيّد أن يعرتف املتدينون بال ِعلم ً‬ ‫تفكريهم‪ ،‬ووع ًدا بانتشار التفكري العلمي بينهم يو ًما ما‪ .‬النوايا السلم ّية ليست مرب ًرا لقبول التدليس أب ًدا‪ .‬ما يُس ّمى‬ ‫بالكتب املقدسة ال ميكن أن تكون مرج ًعا أخالق ًيا أو علم ًيا أو اجتامع ًيا بأي حا ٍل من األحوال‪ ،‬وأيًا كانت املسوغات‪ ،‬فإنّه‬ ‫ال ُيكن القبول بالتدليس لتمرير هذه املسوغات‪ ،‬وإلّ فإ ّن ذلك سوف يعني تغييب الوعي‪ ،‬وتزييفه‪ ،‬والقبول بذلك‬ ‫طواعي ًة‪ .‬ويف هذا الصدد فأنا أدعو الجميع إىل اقتناء وقراءة كتايب الجديد (املسلمون الجدد‪ :‬يف نقد اإلسالم املعتدل)‬ ‫الصادر عن دار (سطور للطباعة والنرش) بالعراق‪ ،‬وميكن رشاء الكتاب إلكرتون ًيا من موقع النيل والفرات‪ ،‬وكذلك من‬ ‫موقع الجملون اإللكرتوين‪.‬‬ ‫س‪ .18‬توجه الفن مؤخ ًرا بشكلٍ كثيف وخاص ًة الدراما إىل مواجهة الفكر اإلرهايب املتطرف عرب إنتاج أعام ٍل فني ٍة موجه ٍة‬ ‫أول بحال‬ ‫لهذا الغرض‪ ،‬وقد دأبت جميعها عىل تربئة الدين اإلسالمي بالطبع من كل النتائج التي وصلنا إليها يف بلداننا‪ً .‬‬ ‫تابعت أيًا من هذه األعامل ما رأيك بها وهل هناك إمكاني ٌة للتعويل عليها إلحداث أي تغيريٍ أو توعي ٍة وتنوير؟‬ ‫ج‪ .18‬الفن عمو ًما له وظيفتان‪ :‬اإلمتاع‪ ،‬واإلدهاش‪ ،‬كام ذكرنا من قبل‪ .‬وال ُيكن لألعامل الدرامية أو األعامل السينامئية‬ ‫أن ت ُحدث تغي ًريا جذريًا يف أي مجتمعٍ عىل املدى القصري‪ .‬والسبب يف ذلك أ ّن املتلقي العريب يتعامل مع الفن للتسلية‪،‬‬ ‫ومثّة ٌ‬ ‫كبي بني املتعة والتسلية بطبيعة الحال‪ .‬ولهذا ورغم حرص الدراما والسينام املرصيّة ‪-‬عىل سبيل املثال‪ -‬عىل‬ ‫فارق ٌ‬ ‫تناول موضوع التحرش الجنيس ومحاربته‪ ،‬فإ ّن ذلك‬ ‫غي من الوضع شيئًا‪ ،‬فام زالت ظاهرة التحرش‬ ‫مل يُ ّ‬ ‫الجنيس منترش ًة يف مرص حتى اآلن‪ .‬وكذلك تناول‬ ‫الدراما والسينام املرصية لظاهرة غالء املهور أو ت َسلّط‬ ‫رجال املال واألعامل أو ظاهرة (البلطجة) أو ظاهرة‬ ‫تغي‬ ‫العشوائيات وغريها من الظواهر‪ ،‬فإنّها ً‬ ‫أيضا مل ّ‬ ‫من واقع األمر شيئًا‪ .‬والحقيقة إ ّن املسلمني ليسوا‬ ‫بحاج ٍة إىل مثل هذه الرسائل الدرام ّية حتى يصلوا‬ ‫إىل نتيجة أ ّن اإلسالم بري ٌء من تهمة اإلرهاب‪ ،‬فهذه‬ ‫أصل‪ ،‬وأعتقد‬ ‫املعلومة موجود ٌة ومك ّرس ٌة يف أذهانهم ً‬ ‫أ ّن رسالة مثل هذه األعامل الفنيّة ليس املقصود بها‬ ‫املتلقي املسلم‪ ،‬بل املتلقي غري املسلم يف املقام األول‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫هشام آدم‬ ‫س‪ .19‬هل تتابع نشاطات امللحدين والالدينيني العرب عىل مواقع التواصل وما رأيك بها؟‬ ‫ج‪ .19‬الحقيقة أنّني غري متابعٍ لنشاطاتهم بشكلٍ لصيق‪ ،‬ليس ليش ٍء ولكن ألنّني ضد فكرة التح ّزب والتكتل‪ ،‬وأرفض أن‬ ‫أكون جز ًءا من هذا الحراك املؤسس‪ ،‬فال يشء يجمع امللحدين سوى فكر ٍة واحد ٍة فقط‪ ،‬وهي فكرة (عدم اإلميان بوجود‬ ‫الله)‪ ،‬ويف غري هذه النقطة فإنّهم مختلفون متا ًما يف كل يش ٍء تقري ًبا‪ .‬وهذا أم ٌر طبيعي ج ًدا‪ ،‬ولكن يف املقابل‪ ،‬فأنا شخص ًيا‬ ‫لست مقتن ًعا برضورة تحزب أي مجموع ٍة ملجرد أن أفرادها اتفقوا عىل فكر ٍة ما أو تشاركوا هذه الفكرة (مهام كانت‬ ‫ُ‬ ‫مثل أو تتطلب التعاون‪ ،‬والعمل الجامعي إلنجازه‪ .‬ورغم أنّني كنت من‬ ‫أهميتها)‪ ،‬إلّ أن تكون هذه الفكرة خدميّ ًة ً‬ ‫مؤسيس “رابطة امللحدين السودانيني” عىل (الفيسبوك) يف العام ‪ ،2009‬وهي (حسب علمي) أول مجموع ٍة للملحدين‬ ‫توقفت منذ فرت ٍة طويل ٍة عن املشاركة يف هذه املجموعة أو حتى االهتامم بها‪ ،‬وهي‬ ‫السودانيني عىل الفيسبوك‪ّ ،‬إل أنّني‬ ‫ُ‬ ‫اآلن متوقف ٌة متا ًما‪ .‬أ ّما بالنسبة ملجموعات امللحدين والالدينني ففي أغلبها تضم مجموع ًة من ُمدعي اإللحاد‪ ،‬الذين ال‬ ‫يفعلون شيئًا سوى السخرية من األديان‪.‬‬ ‫معرتض عىل ادماج الالدينيني الربوبيني يف بوتق ٍة واحد ٍة مع امللحدين‪ ،‬وهذا ما ساعد عىل إعطاء‬ ‫كام أنّني يف األساس‬ ‫ٌ‬ ‫نقيض لإلميان وليس‬ ‫صور ٍة منطي ٍة مغلوط ٍة عن اإللحاد‪ ،‬فقد أصبح اإللحاد ً‬ ‫نقيضا للدين‪ ،‬يف حني أ ّن اإللحاد ‪-‬يف حقيقته‪ٌ -‬‬ ‫لست ضد نقد األديان أو حتى السخرية منها‪ ،‬ولكن ال يجب تنميط اإللحاد يف هذا املسار‬ ‫الدين‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فأنا ُ‬ ‫عمل‬ ‫مثل‪ .‬نقد األديان هو مجهو ٌد أو ٌ‬ ‫الذي قد يتعاطى معه الالدينيون الربوبيون‪ ،‬وحتى بعض الدينيني‪ ،‬كاملسيحيني ً‬ ‫مؤسسا‪ .‬فنقد امللحد لألديان ال ُيكن أن يتم تصويره عىل اعتبار أنّه الهدف األسايس من‬ ‫فردي‪ ،‬وليس مجهو ًدا جامع ًيا‬ ‫ً‬ ‫اإللحاد‪ ،‬بل يجب أن يظل األمر يف إطار االهتاممات الشخص ّية‪ ،‬متا ًما كام لو كان هنالك ملح ٌد مهتٌم بالرياضة أو السياسة‪.‬‬ ‫املجموعات اإللحاديّة يجب أن ت ُناقش بشكلٍ‬ ‫أسايس قضايا إلحاديّة‪ ،‬وليس قضايا دينيّة‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وعىل هذا فإ ّن املنتسب إىل مجموع ٍة إلحادي ٍة يجب أن يرى اهتامم امللحدين من املوضوعات التي يطرقونها‪ ،‬ومبا أ ّن‬ ‫القض ّية األساس ّية يف اإللحاد هي‪ :‬قضية وجود أو عدم وجود الخالق أو الله‪ ،‬فكان من املتوقع أن تكون موضوعات‬ ‫املجموعات اإللحاديّة منصبّ ًة عىل هذه القضيّة‪ ،‬باإلضافة إىل القضايا العلمية والفلسفيّة‪ ،‬أ ّما الرتكيز عىل نقد األديان‬ ‫فهذا هو‪ ،‬تحدي ًدا‪ ،‬ما جعل املتدينني ال يُف ِّرقون بني الالدينية واإللحاد‪ ،‬ألنّهم يرون امللحدين يف تجمعاتهم ال يُناقشون‬ ‫سوى موضوع الدين‪.‬‬ ‫وأزعم أ ّن وجود مدعي اإللحاد من الالدينيني الربوبيني هو السبب وراء اشتهار املجموعات اإللحاديّة باملهاترات‪،‬‬ ‫والرتاشقات الكالم ّية‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫هشام آدم‬ ‫ٍ‬ ‫جديد ت َ ِعدنا به؟ وأي شاطئ أفكا ٍر ستغزو هذه املرة؟‬ ‫س‪ .20‬هل من‬ ‫ٍ‬ ‫مؤلف بعنوان (عندما أخطأ األستاذ)‪ ،‬وهو يتناول نق ًدا للفكرة‬ ‫لدي عد ٌد من املشاريع املعلَّقة‪ ،‬فأنا بصدد كتابة‬ ‫ج‪َّ .20‬‬ ‫الجمهوريّة‪ ،‬والفكرة الجمهوريّة هي من األفكار الدين ّية التي أسسها ودعا إليها محمود مح ّمد طه يف العام ‪.1945‬‬ ‫سيايس ومفك ٌر سوداين‪ ،‬تم إعدامه يف العام ‪ 1986‬عىل يد الرئيس السوداين األسبق جعفر‬ ‫ومحمود مح ّمد طه ناش ٌط‬ ‫ٌ‬ ‫منريي‪ ،‬بسبب فكرته الجمهوريّة‪.‬‬ ‫زعم محمود مح ّمد طه يف فكرته هذه أ ّن اإلسالم رسالتان‪:‬‬ ‫رسال ٌة مك ّية‪ ،‬وهي جوهر اإلسالم الحقيقي الذي يجب بعثه‬ ‫ٍ‬ ‫ترشيعات ألهل ذلك‬ ‫من جديد‪ ،‬ورسال ٌة مدن ّية‪ ،‬وهي مج ّرد‬ ‫الزمان‪ ،‬وأ ّن املسلمني ليسوا مطالبني بتطبيقها يف هذا العرص‬ ‫أب ًدا‪ ،‬كام زعم بأ ّن نسخ اآليات والسور املكيّة ال يعني اإللغاء‪،‬‬ ‫بل التأجيل واإلرجاء‪ ،‬وله أفكا ٌر كثري ٌة ال ُيكن طرحها جمي ًعا‬ ‫كتاب آخر بعنوان (ما ال‬ ‫يف هذا املقام‪ .‬كام أ ّن هنالك مرشوع ٍ‬ ‫يُقال عن الطيب صالح) وهي دراس ٌة نقديّ ٌة يف أدب الطيب‬ ‫(رسائل يف األدب) وهي عبار ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫كتاب آخر بعنوان‬ ‫صالح‪ ،‬وكذلك ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤلف يشمل جميع األفكار النقديّة التي أحاول إيصالها‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ٍ‬ ‫ونظريات نقديّ ٍة جديدة‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل طرح أفكا ٍر‬ ‫س‪ .21‬هل كانت لك معرف ٌة سابق ٌة مبجلتنا مجلة امللحدين العرب‪ ،‬وكيف عرفت بها؟‬ ‫ج‪ .21‬الحقيقة مل أعرف بوجود (مجلة امللحدين العرب) إلَّ منذ ٍ‬ ‫وقت قريب‪ ،‬عن طريقة صديقة الفيسبوك‪ :‬سناء حسني‬ ‫(‪ ،)Sanaa Hussein‬وبفضلها تابعت بعض األعداد السابقة‪ .‬ورمبا تكون هذه مناسب ٌة جيد ٌة لإلشادة بالجهد املقدر‬ ‫والواضح الذي تبذله أرسة تحرير املجلة يف تقدميها عىل هذا النحو الالئق والجيد واملمتع يف الوقت ذاته‪ ،‬فلهم كل الشكر‬ ‫ٍ‬ ‫لقاءات صحفيّ ٍة مع بعض الشخصيّات العاملية امللحدة‪ ،‬أمثال‪:‬‬ ‫مستقبل أن تشتمل املجلة عىل‬ ‫ً‬ ‫والتقدير عىل ذلك‪ .‬وأقرتح‬ ‫ريتشارد دوكنز‪ ،‬ولورنس كراوس‪ ،‬وسام هارس‪ ،‬ودانيال دينيت‪ ،‬وستفني هوكينج وغريهم‪ ،‬أل ّن ذلك من شأنه أن يُرثي‬ ‫املجلة إىل الحد البعيد‪ ،‬وال شك أنّه سيكون سبقًا كب ًريا للمجلة‪.‬‬ ‫قام باللقاء ‪ :‬شوكت كرميي و‪Alia’a Damascéne‬‬

‫‪59‬‬


www.facebook.com/groups/arbangroup

60


‫ﺳﻴﺮة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻣﻨﺔ‬ ‫اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪ :‬اﻟﺮﺿﺎﻋﺔ‬

‫ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب‬ ‫‪LA VIE DE MAHOMET‬‬ ‫ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻫﺬﻩ اﻟﺤﻠﻘﺔ‪:‬‬

‫‪Ayman Pheidias‬‬ ‫اﻟﺸﻴﺦ دﻳﻜﺎرت‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫‪61‬‬


‫اﻟﺮﺿﺎﻋﺔ‬

‫ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ‪ ،‬أرﺿﻌﺖ‬ ‫ﻣﺤﻤ ًﺪا ﺟﺎرﻳﺔ ﻋﻨﺪ‬ ‫ﻋﻤﻪ أﺑﻲ ﻟﻬﺐ‬ ‫أﺳﻤﻬﺎ ﺛﻮﻳﺒﺔ‬

‫ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻗﺮﻳﺶ ﺗﺘﺮك ﻣﻬﻤﺔ إرﺿﺎع ﻣﻮاﻟﻴﺪﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﻮر‬ ‫ﻷﻣﻬﺎت ﺑﺪوﻳﺎت‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻤﻮا ﺑﺼ ّﺤﺔ ﺟﻴﺪة‪ ،‬ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ اﻷﻣﺮاض‬ ‫اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﻓﻲ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ‪ ،‬وﺣﺘﻰ ﻳﺘﻌﻠﻤﻮا اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻣﻦ ﻋﺮب اﻟﺼﺤﺮاء‬

‫ﺛﻢ ﺗﻮاﻟﻰ ﻋﻠﻰ إرﺿﺎﻋﻪ‬ ‫ﻋ ّﺪة ﻧﺴﺎ ٍء ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﻋﺪدﻫﻦ‬ ‫ﻋﺸﺮة!‬

‫ﻳﺒﻖ ﻣﻌﻬﻦ ﻃﻮﻳ ًﻼ ﻛﻤﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻊ‬ ‫ﻟﻜﻦ ﻣﺤﻤ ًﺪا ﻟﻢ َ‬ ‫ّ‬ ‫ﺣﻠﻴﻤﺔ اﻟﺴﻌﺪﻳﺔ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ‬ ‫) ‪(1‬‬ ‫ﺳﻌﺪ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺠﻮدة اﻟﻤﺮﺿﻌﺎت‬

‫ﺣﺘﻰ ﻧﺎﻗﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ‬ ‫ﺗﺪر ﺣﻠﻴﺒﻬﺎ اﻟﻐﺰﻳﺮ ﻟﻢ‬ ‫ﺗﻌﺪ ﺗﻌﻄﻴﻨﺎ ﻛﺎﻟﺴﺎﺑﻖ‬

‫ﻗﺤﻂ وﻟﻢ‬ ‫ﺷﻬﺪت ﻗﺮﻳﺘﻲ اﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ ﺳﻨﺔ ٍ‬ ‫ﻳﻌﺪ ﻟﺪي إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻴﺐ ﻓﻲ‬ ‫ﺻﺪري ﻟﻮﻟﺪي ﻋﺒﺪ ّ‬ ‫اﷲ‬

‫‪62‬‬


‫ﻳﺒﻖ أﻣﺎﻣﻨﺎ أﻧﺎ وﺟﺎراﺗﻲ ﺳﻮى أن‬ ‫ﻟﻢ َ‬ ‫ﻧﺬﻫﺐ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻟﻨﻌﺮض ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻬﺎت‬ ‫إرﺿﺎع أﻃﻔﺎﻟﻬﻦ ﻣﻘﺎﺑﻞ أﺟﺮ‬

‫ﻧﺤﻦ ﻧﺨﺸﻰ أن ﻻ ﻳﻜﻮن ﺟ ّﺪه‬ ‫وﺟ ّﺪﺗﻪ ُﻛﺮﻣﺎء ﻛﻤﺎ ﻳﻜﻮن اﻷب‬

‫ُﻋﺮض ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺮﺿﻌﺎت ﺑﻨﻲ ﺳﻌﺪ‬ ‫ﻟﻜﻨﻬﻦ رﻓﻀﻦ إرﺿﺎﻋﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺮﻓﻦ‬ ‫أﻧﻪ ﻳﺘﻴﻢ‬

‫وﺣﻴﻦ اﻧﺘﻬﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ‬ ‫اﻟﻨﺴﺎء ﻗﺪ أﺧﺬت ﻃﻔ ًﻼ ﻛﻲ ﺗﺮﺿﻌﻪ‪ ،‬إﻻّ أﻧﺎ!‬

‫واﻷم‬

‫ﻟﻢ أرﻏﺐ‬ ‫ﺑﺎﻟﻌﻮدة ﺧﺎﻟﻴﺔ‬ ‫اﻟﻮﻓﺎض‪،‬‬ ‫ﻓﺮﺟﻌﺖ ﻟﺮؤﻳﺔ‬ ‫ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ‪..‬‬

‫ﻣﻐﻄﻰ ﺑﺜﻮب ﻣﻦ اﻟﺼﻮف‬ ‫ﻛﺎن ً‬ ‫أﺑﻴﺾ اﻟﻠﻮن ﻛﺎﻟﺤﻠﻴﺐ‪ ،‬وﻛﺎن‬ ‫ﻳﻨﺎم ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮه ﻓﻮق‬ ‫ﻗﻤﺎش أﺧﻀﺮ‪ ،‬وﺗﻔﻮح‬ ‫ﻣﻨﻪ راﺋﺤﺔ‬ ‫اﻟﻤﺴﻚ‬

‫‪63‬‬

‫وﺿﻌﺖ ﻳﺪي ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺻﺪره ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ وﻓﺘﺢ‬ ‫ﻋﻴﻨﺎه ﻓﺨﺮج‬ ‫ﺳﺎﻃﻊ‬ ‫ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻧﻮٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ﺑﻠﻎ اﻟﺴﻤﺎء‬


‫ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻠﻴﻤﺔ ﺗﺮﺿﻊ أﺑﻨﻬﺎ‬ ‫ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻻﺣﻈﺖ أن ﺛﺪﻳًﺎ‬ ‫واﺣ ًﺪا ﻓﻘﻂ ﻛﺎن‬ ‫ﻳﺪر اﻟﺤﻠﻴﺐ‬

‫اﻟﺒﺮﻛﺔ‬

‫ﻟﻜﻦ ﻣﺎ أن ﺑﺪأت ﻓﻲ إرﺿﺎع‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﺣﻠﻴﺒﻬﺎ‬ ‫ﻣﺪراًرا ﻣﻦ ﻛﻼ اﻟﺜﺪﻳﻴﻦ‪،‬‬ ‫وﻃﻴﻠﺔ ﺳﻨﺘﻲ اﻟﺮﺿﺎﻋﺔ‬

‫ﻟﻜﻦ أﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ‬ ‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻠﺘﻘﻢ ّ‬ ‫إﻻ‬ ‫اﻟﺜﺪي اﻷﻳﻤﻦ‬ ‫ﻟﻤﺮﺿﻌﺘﻪ‬

‫ﺛﻢ ﻣﺎﻟﺒﺜﺖ أن ﻻﺣﻈﺖ ﺣﻠﻴﻤﺔ وزوﺟﻬﺎ اﻟﺤﺎرث‬ ‫اﻟﺒﺮﻛﺔ اﻟﻤﻨﻬﻤﺮة ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻧﺎﻗﺘﻬﺎ‬ ‫وﻧﻌﺠﺘﻬﺎ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﺻﺎرﺗﺎ ﺗﺪران اﻟﺤﻠﻴﺐ‬ ‫واﻟﺠﺒﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻌﺠﺰ‬

‫ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻓﻲ‬ ‫روت ﺣﻠﻴﻤﺔ أﻧﻪ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﻳﺎم‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺤﻤ ًﺪا ً‬ ‫ﺣﻀﻨﻬﺎ‪ ،‬ﺗﺮﻛﺖ ﺷﺎ ٌة اﻟﻘﻄﻴﻊ وﺟﺎءت ﻛﻲ‬ ‫)‪(2‬‬ ‫ﺗﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺘﺤﻴﺔ!‬

‫‪64‬‬

‫أن ﺿﻮ ًءا ﻏﺮﻳًﺒﺎ ﻛﺎن‬ ‫ﻛﻤﺎ روت ّ‬ ‫ﻳُﻨﻴﺮ ﺟﺴﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻛﻞ ﻳﻮم وﻛﺄﻧﻪ‬ ‫ٌ‬ ‫ﺷﻌﺎع ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ ﺧﻼل‬ ‫) ‪(3‬‬ ‫اﻟﺸﻔﻖ‬


‫ﻋﻨﺪ وﺻﻮل ﻣﺤﻤﺪ ﻟﻠﻘﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻓﺎﺣﺖ راﺋﺤﺔ اﻟﻤﺴﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ‬ ‫ﻛﺜﻴﺮا ﻟﺪرﺟﺔ أن‬ ‫ﻣﻜﺎن وداﺧﻞ ﺑﻴﻮت اﻟﻨﺎس‪ ،‬وأﺣﺒﻪ اﻟﻨﺎس ً‬ ‫اﻟﻤﺮﻳﺾ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎن ﻳﻀﻊ ﻳﺪ اﻟﻄﻔﻞ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎن اﻷﻟﻢ‬ ‫ﻓُﻴﺸﻔﻰ ﻣﺒﺎﺷﺮة‪ ،‬ﺣﺘﻰ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺸﻔﻲ ﻣﺎﺷﻴﺘﻬﻢ اﻟﺴﻘﻴﻤﺔ‬ ‫) ‪(4‬‬ ‫ً‬ ‫أﻳﻀﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ‬

‫ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم‪ ،‬وﺟﺪت ﺣﻠﻴﻤﺔ ﻣﺤﻤ ًﺪا‬ ‫ﻣﻊ أﺑﻨﺘﻬﺎ ﺷﻴﻤﺎء‪ ،‬ﻓﺼﺎﺣﺖ ﺑﻬﺎ‪:‬‬ ‫ﻟﻤﺎذا ﺗُﺨﺮﺟﻴﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا‬ ‫اﻟﺤﺮاﻟﺸﺪﻳﺪ؟‬ ‫ﻻ ﺗﻘﻠﻘﻲ‬ ‫ﻳﺎ أ ّﻣﺎه!‬

‫ﻣﺤﻤﺪ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺮ أﺑﺪا‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬ ‫ً‬ ‫ﺳﺤﺎﺑﺔ ﻓﻮق رأﺳﻪ ﺗﺘﺒﻌﻪ‬ ‫رأﻳﺖ‬ ‫أﻳﻨﻤﺎ ﺣﻞ وارﺗﺤﻞ‪ ،‬إن ﻣﺸﻰ ﺗﻤﺸﻲ‬ ‫) ‪(5‬‬ ‫وإن ﺗﻮﻗﻒ ﺗﺘﻮﻗﻒ‬

‫‪65‬‬


‫(‪ .)1‬مرضعات محمد‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يقال إنه صىل الله عليه وسلم ارتضع من مثانية من النساء‪ ،‬وقيل من عرشة بزيادة‪ :‬خولة بنت املنذر‪ ،‬وأم أمين عزيزة قالت‪ :‬أول من أرضع رسول الله‬ ‫صىل الله عليه وسلم ثويبة‪ :‬أي بعد إرضاع أمه له كام سيأيت‪ ،‬قال‪ :‬وثويبة هي جارية عمه أيب لهب‪ ،‬وقد أعتقها حني برشته بوالدته صىل الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫أي فإنها قالت له‪ :‬أما شعرت أن آمنة ولدت ول ًدا‪ .‬ويف لفظ غال ًما ألخيك عبد الله‪ ،‬فقال لها‪ :‬أنت ُح ّرة‪.‬‬ ‫نقل عن السرية الحلبية‪-‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬عيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1427 ،‬هـ‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة‬ ‫ً‬ ‫(‪.)124‬‬ ‫(‪ .)2‬الشاة تلقي التحية عىل محمد‪:‬‬

‫قالت حليمة‪ :‬فلام بلغ صىل الله عليه وسلم مثانية أشه ٍر كان يتكلم بحيث يُس َمع كالمه‪ ،‬ومل ّا بلغ تسعة أشه ٍر كان يتكلم الكالم الفصيح‪ ،‬وملا بلغ عرشة‬ ‫يوم إذ مرت به غنياميت‪ ،‬فأقبلت واحد ٌة منهن حتى‬ ‫أشه ٍر كان يرمي السهام مع الصبيان‪ .‬وعنها ريض الله تعاىل عنها أنها قالت‪ :‬إنه لفي حجري ذات ٍ‬ ‫سجدت له وقبلت رأسه ثم ذهبت إىل صواحبها‬ ‫نقل عن السرية الحلبية‪-‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬عيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1427 ،‬هـ‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬باب ذكر‬ ‫ً‬ ‫رضاعه صىل الله عليه وسلم وما اتصل به‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)133‬‬

‫(‪ .)3‬حليمة تتحدث عن نو ٍر يشع من محمد‪:‬‬

‫يوم نو ٌر كنور الشمس ثم ينجيل عنه‪.‬‬ ‫قالت حليمة‪ :‬وكان ينزل عليه صىل الله عليه وسلم كل ٍ‬ ‫نقل عن السرية الحلبية‪-‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬عيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1427 ،‬هـ‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬باب ذكر‬ ‫ً‬ ‫رضاعه صىل الله عليه وسلم وما اتصل به‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)134‬‬

‫(‪ .)4‬قدرة الطفل محمد عىل الشفاء‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وعن حليمة ريض الله عنها «ملا دخلت به صىل الله عليه وسلم إىل منزيل مل يبق منزل من منازل بني سعد إال شممنا منه ريح املسك‪ ،‬وألقيت محبته صىل‬ ‫الله عليه وسلم‪ :‬أي واعتقاد بركته يف قلوب الناس‪ ،‬حتى إ ّن أحدهم كان إذا نزل به أذًى يف جسده أخذ كفه صىل الله عليه وسلم فيضعها عىل موضع‬ ‫األذى فيربأ بإذن الله تعاىل رسي ًعا‪ .‬وكذلك إذا اعتل لهم بع ٌري أو شا ٌة انتهى‪.‬‬ ‫نقل عن السرية الحلبية‪-‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬عيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1427 ،‬هـ‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬باب ذكر‬ ‫ً‬ ‫رضاعه صىل الله عليه وسلم وما اتصل به‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)135‬‬ ‫(‪ .)5‬سحابة شخصية تقي محمدً ا من الحر‪:‬‬

‫وعن حليمة ريض الله تعاىل عنها‪ :‬أنها كانت بعد رجوعها به صىل الله عليه وسلم من مكة ال تدعه أن يذهب مكانًا بعي ًدا‪ :‬أي عنها‪ ،‬فغفلت عنه صىل‬ ‫الله عليه وسلم يو ًما يف الظهرية فخرجت تطلبه فوجدته مع أخته أي من الرضاعة وهي الشيامء‪ ،‬وكانت تحضنه مع أمها أي ولذلك تدعى أ ّم النبي أيضً ا‬ ‫أي وكانت ترقصه بقولها‪:‬‬ ‫هذا أ ٌخ يل مل تلده أمي‪ ...‬وليس من نسل أيب وعمي‬ ‫فأمنه اللهم فيام تنمي‪،‬‬ ‫تظل عليه‪ ،‬إذا وقف وقفت‪ ،‬وإذا سار سارت‬ ‫فقالت يف هذا الحر‪ :‬أي ال ينبغي أن يكون يف هذا الحر‪ ،‬فقالت أخته‪ :‬يا أمه ما وجد أخي ح ًرا‪ ،‬رأيت غامم ًة ّ‬ ‫رش ما يحذر عىل ابني‪ :‬أي ويف كالم بعضهم‪ :‬ورأت‬ ‫حتى انتهى إىل هذا املوضع‪ ،‬فجعلت تقول‪ :‬أحقًا يا بنية؟ قالت‪ :‬إي والله‪ ،‬فجعلت تقول‪ :‬أعوذ بالله من ّ‬ ‫يعني حليمة الغاممة تظله‪ ،‬إذا وقف وقفت‪ ،‬وإذا سار سارت‪.‬‬ ‫نقل عن السرية الحلبية‪-‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬عيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1427 ،‬هـ‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬باب ذكر‬ ‫ً‬ ‫رضاعه صىل الله عليه وسلم وما اتصل به‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)150‬‬

‫‪66‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

67


www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

68


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫مختلف‬ ‫بأسـلوب‬ ‫روايـة فاتنـة تحكي قصة‬ ‫ٍ‬ ‫شـخصيات مميزةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حوارات تلقي‬ ‫عـن المعتـاد فـي الروايات‪ .‬تبدأ الرواية بمشـاهد‬ ‫ٍ‬ ‫الضـوء علـى تعامـل الشـخصيات مـع مواضيـع يوميـة‪ .‬إلى أن‬ ‫روائيـا‪.‬‬ ‫طابعـا‬ ‫فريـد مـن األحـداث يتخـذ‬ ‫خليـط‬ ‫تتحـول إلـى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عالـم آخر‪ ،‬بل على عالمك نفسـه مـن منظو ٍر‬ ‫سـتتعرف علـى‬ ‫ٍ‬ ‫آخـر‪ .‬اختـر مـن تكـون وأيـن‪ ،‬وغ ّيـر التاريـخ فـي المسـتقبل‬ ‫حـي الرمـاد الموحلـة مـع سـالم‬ ‫القريـب‪ ،‬تشـ َّرد فـي أزقـة‬ ‫ّ‬ ‫الصغيـر‪ ،‬أو خـض حر ًبـا ضـروس إلـى جانـب الزيـر المهلهـل‬ ‫وتفنـن فـي االنتقـام مـن الذيـن يرتكبـون خطـأ مواجهتـك‪،‬‬ ‫تحـدى الخنزيـر األكبـر وليـد ومسـاعده الدنـيء يوسـف‪ ،‬تع ّرف‬ ‫حـب مـع مالك المـوت اسـمها دليله‪،‬‬ ‫إلـى امـرأةٍ تعيـش قصـة‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫فتـاة بارعـة الجمـال وأثره في مختلـف المجتمعات مع‬ ‫أو كـن‬ ‫فاتنـة‪ ،‬واكتشـف كيـف يغ ّيـر الحـب الطاغيـة!‬

‫‪69‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫خصوصا بهذه القوة‪ ،‬فقد كان يقف كل يوم أمام‬ ‫تنهض فاتنة وتغادر تارك ًة ستيف مشدو ًها‪ ،‬فهو مل يعتد عىل الرفض‬ ‫ً‬ ‫اهتامم به منذ اليوم األول‪.‬‬ ‫املرآة مشدو ًها بوسامته وكامل جسده‪ ،‬الذي مل تبدي فاتنة أي‬ ‫ٍ‬ ‫يصل جميل لزيارة فاتنة وكانت قد اتصلت به يف السابق وأثنت عىل رسالته‪ ،‬لكن جميل ‪.‬هذه املرة يبدو ُمرتد ًدا‬ ‫جميل‪ :‬ال أعرف قد أكون حاملًا ‪...‬رمبا ا ُسلوب والدي هو الناجع لحكم ذلك الجزء من العامل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬الخالف بينكام عىل يش ٍء واحد‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ما هو؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أجبني ‪...‬ما هو اليشء الذي يولد معنا وإذا كرب معنا ال نشعر بقيمته إال إذا ُسلب منا‪ ،‬وعندها نحبه بينام أن‬ ‫أُخذ منا عند والدتنا نكرهه‪ .‬إذا رسقناه من اآلخرين خرسناه وإن أعطيناه جميعنا كسبناه؟‬ ‫جميل‪ :‬الحرية؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أعشق رسعة بديهتك!‬ ‫جميل‪ :‬ال تقارن برسعة بديهتك‪ ،‬لكن الخالف مع والدي أكرب من ذلك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‪ ،‬سرتى‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬كيف تعرفني؟‬ ‫فاتنة‪ :‬والدك ال يرى الحقيقة أن الشعب يكره الحرية ألنها ُسقت منه وأنه يفتقدها ألن الفرد يرسق حرية غريه‪ .‬لو‬ ‫تم إقناعهم بحب الحرية سيتوقفون عن رسقتها وبالتايل سيعيش الجميع أحرا ًرا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬مفهوم الحرية معقد يا فاتنة‪ ،‬أحيانًا أتساءل هل الغرب أحرار كشعب؟ أال ترين أنهم مقيدون أكرث منا بنظام‬ ‫صارم؟ أليست هذه دكتاتورية يف حد ذاتها؟‬ ‫فاتنة‪ :‬الشعوب يف الغرب بشكل عام مقيدون بقواعد النظام العلامين التي لكل منها نفع للمجتمع‪ ،‬والقواعد ترسي‬ ‫كامل لكنه منطقي إىل حد ما‪.‬‬ ‫عىل الجميع‪ .‬هذا تنظيم للمجتمع وليس تقيي ًدا للفرد‪ ،‬ال أراه نظاماً ً‬ ‫‪70‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫الدكتاتورية هي أن تكون مقي ًدا فال تستطيع انتقاد فكرة بل تعيش وفق قواعد ُوضعت لتدعيم حكم الدكتاتور‬ ‫وحاشية الدكتاتور وأصدقاء الدكتاتور ووعاظ الدكتاتور‪ ،‬فترسي تلك القواعد عىل أشخاص وال ترسي عىل غريهم‪.‬‬ ‫املشكلة أن وجود الفساد بهذا الشكل يُجرب الناس عىل الفوىض يف جميع مجاالت حياتهم ويُجرب الضعيف عىل‬ ‫االستنجاد بأصحاب القوة‪ ،‬فالضعيف ُمستعبد لسلطات األرض والسامء‪ ،‬يُفرس وعاظ الدكتاتور الدين ضده‪ ،‬ويُفرس‬ ‫القضاة القانون ضده‪ ،‬فيتمسك بقصص املايض والتاريخ الزائف عندما كان الخليفة يتمىش يف الشوارع وينرص املظلوم‪،‬‬ ‫متناس ًيا أن نفس الخليفة كان يبطش مبن ال يعجبه ألتفه األسباب‪ .‬‬ ‫يجب أن يفهم الجميع الحقيقة‪ ،‬يجب أن يعرفوا من كان هؤالء الخلفاء القدماء‪ ،‬ليعرفوا أنهم عادوا تحت مسمى‬ ‫الرؤساء‪ ،‬وال عالقة للعلامنية بكل تلك األنظمة التي ت ّدعيها‪ .‬الخلفاء كانوا مثل رؤساء وأقرب مثال هو الخليفة‬ ‫معاوية‪ ،‬أو كانوا أسوأ كأُمراء جتعشكم ومثال عليه هارون الرشيد‪ .‬جميل؟‬ ‫جميل‪ :‬أجل أكميل‪ ،‬أكميل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬يحرضين مقطع كتاب القصيمي الذي أخربين عنه الدكتور أسعد وشاركتك به سابقًا‪ ،‬أمتنى لو يقرؤه كل عريب‪،‬‬ ‫اسمعه مرة أُخرى (تقرأ فاتنة من هاتفها) ‪:‬‬ ‫«إين أخاف مجيء هارون الرشيد الجديد ألين قرأت عن هارون الرشيد القديم‪ .‬كان يقاتل بآبايئ ويقاتلهم بالسيوف‬ ‫والرماح والسهام والنبال‪ .‬كان ينفق قوت آبايئ عىل الجواري والشعراء واملغنني‪ .‬كان يعرض ذاته وهيبته ووحشيته‬ ‫املصل‪ ،‬ومن املصىل إىل القرص‪ ،‬ومن هذا‬ ‫وكربياءه فوق املنرب ويف املسجد ويف مواكبه البدوية املنطلقة من القرص إىل ّ‬ ‫القرص إىل ذلك القرص‪ ،‬ومن مخدع هذه الجارية إىل مخدع الجارية املنافسة اآلخرى‪ .‬كان يحارب ذكاء آبايئ وحرياتهم‬ ‫باملشايخ وباآليات واألحاديث‪ ،‬وباألنبياء‪ ،‬وبالسلف‪ ،‬وبالقبور‪ ».‬تذكره؟‬ ‫جميل‪ :‬أذكره متا ًما‪ ،‬استشهدتُ بيشء يشبهه يف حديثي مع والدي مع أمثل ٍة أُخرى‪ ،‬فكام ذكريت ليس هارون الرشيد‬ ‫فقط كان هكذا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أجل؟‬ ‫أيضا ‪):‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أقصد جميل أنك ترى األمور هكذا ً‬

‫‪71‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫تعود دليله إىل البيت وهي تنتحب بكا ًء‪ .‬هبه التي رفضت االنتقال للعيش معهم لفرتة مؤقتة وأرصت عىل البقاء يف‬ ‫املنزل الذي استُغلت فيه مل تجد يف االنتقام ضالتها املنشودة‪ .‬فعندما ذهبت دليله لزيارتها وجدتها جث ًة معلق ًة من‬ ‫جلب‬ ‫سقف املنزل‪ .‬سنوات العذاب واالستغالل مل ترتك لديها أي إراد ٍة تذكر لتواجه الحياة‪،‬‬ ‫وخصوصا تح ِّمل مسؤولية ِ‬ ‫ً‬ ‫طفلٍ إىل هذا العامل‪ .‬لقد انتحرت هبه مع الطفل يف أحشائها‪ .‬دليله مل تستطع إال أن تلوم نفسها‪ ،‬فلقد زاد هذا األمر‬ ‫هلعها من آلية االنتقام التي اعتادت عليها مع سامل‪ .‬ما زاد خوفها هو ردة فعل املهلهل عندما أخربته مبا حدث‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اتصلت بالرشطة؟‬ ‫املهلهل‪ :‬هل‬ ‫دليله‪ :‬أجل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بحثت يف املنزل عن أي أثر لرسالة أو ما شابه قبل أن تفعيل ذلك؟‬ ‫املهلهل‪ :‬هل‬ ‫دليله‪ :‬ال‪.‬‬ ‫املهلهل‪ :‬ما ِ‬ ‫ِ‬ ‫فقدت عقلك؟‬ ‫بك يا دليله هل‬ ‫دليله‪ :‬ماذا تقصد؟‬ ‫املهلهل‪ :‬عندما ينتحر الضعفاء يف العادة يرتكون رسالة‪ ،‬فهم يظنون أن العامل سيقف عند لحظة انتحارهم ل َيفهم‬ ‫مشاعرهم‪ ،‬لعلها تركت رسالة تروي فيها قصة موت الشيخ عدنان وصديقه وتورطني‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ال يا سامل هي انتحرت ألنها أرادت الهروب‪ .‬أعرف من كالمي معها بعد ما حدث أنها كانت مدينة لك ولكن‬ ‫حل ليشء‪ ،‬رمبا علينا إعادة النظر يف تفكرينا‪.‬‬ ‫االنتقام تركها يف حرية‪ .‬رمبا االنتقام ليس ً‬ ‫املهلهل‪ :‬كنت أظنك تعرفني ‪...‬‬ ‫دليله‪ :‬أعرف ماذا؟‬ ‫املهلهل‪ :‬ال يشء‪ ،‬فقط فكري جي ًدا ماذا ستقولني للرشطة إذا عاودوا االتصال بك حتى ال نتورط‪.‬‬ ‫لست غبية‪ ،‬لقد أخذوا إفاديت ولسنا موضع شك فدالئل االنتحار واضحة‬ ‫دليله‪ :‬ال تخف ُ‬ ‫‪72‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫املهلهل‪ :‬فكري قبل أن تترصيف يف املرة القادمة‪.‬‬ ‫كنت أمتنى لها الخري طوال حيايت‪...‬فقدتُ‬ ‫رأيت جثة طفلة وجنينها يف بطنها‪ .‬طفلة كربتْ معي وقد ُ‬ ‫دليله‪ :‬سامل لقد ُ‬ ‫أعصايب وترسعت أنا آسفة‪.‬‬ ‫املهلهل‪ :‬ال يوجد عذر‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ال أرجوك‪ ،‬أنا آسفة! ثم ما هو اليشء الذي ال أعرفه؟‬ ‫املهلهل‪ :‬أنا‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ارشح يل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫خيبت ظني يا دليله ‪...‬كنت أظنك تعرفينني وتحبينني كام أنا‪ ،‬واآلن عرفت أنك ال تعرفينني بل‬ ‫املهلهل‪ :‬لقد‬ ‫وتريدين تغيريي‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ال ليس صحي ًحا‪.‬‬ ‫املهلهل بغضب‪ :‬ال تكذيب!‬ ‫دليله‪ :‬سامل أنا فقط أريد الخري لك‪.‬‬ ‫شخصا آخر فال أريده!‬ ‫املهلهل‪ :‬إذا كان الخري أن أصبح ً‬ ‫دليله‪ :‬قل من أنت‪.‬‬ ‫املهلهل‪ :‬انا الزير املهلهل!‬ ‫أيضا سامل الربيء‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬وأنت ً‬ ‫املهلهل‪ :‬هل تعرفني ملاذا أعيش؟‬ ‫‪73‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫دليله‪ :‬ملاذا؟‬ ‫كنت أنتظر ألكرب فأجد‬ ‫كنت ً‬ ‫طفل سعي ًدا تحت حامية مايكل الوحش‪...‬عندما ُ‬ ‫املهلهل‪ :‬ألشعر بتلك اللحظات عندما ُ‬ ‫الحب مثله‪...‬ونُدير عصابة يف الغرب‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬مايكل مات يا سامل‪.‬‬ ‫املهلهل‪ :‬لكنه يعود كلام رأيت تلك النظرة يف عيون معاذ قلب األسد قبل أن أقتلعهام! نفس النظرة كانت يف عيني‬ ‫الشيخ عدنان‪...‬نظرة رعب الرجل الخسيس من العدل القادم! عندما يرحل رجل مثلهم من العامل ‪...‬يعود مايكل‬ ‫الوحش ‪...‬لفرتة‪ ،‬إىل أن يظهر معاذ آخر‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬سامل أنا أحبك وأنت وصلت مرك ًزا عاليًا مع النامريد‪ ،‬لو كان مايكل حيًا لكان فخو ًرا بك‪ ،‬كام أنك اقتصصت‬ ‫له‪...‬أال يكفيك كل ذلك وحبي؟‬ ‫املهلهل‪ :‬الحب الذي أعرفه ‪...‬ليس فيه ورود وغروب شمس عىل شاطئٍ منز ٍو‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬أعرف‪...‬لكنني أحبك‪.‬‬ ‫رجل يتحرك قلبه عند لحظة التقاء مخالب النمر وفكّه مع الغزال؟ ففي تلك اللحظة ميارسان الحب يف‬ ‫املهلهل‪ :‬تُحبني ً‬ ‫نظري‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬أجل‪ ،‬أحب ذلك الرجل!‬ ‫املهلهل‪ :‬إذًا افهمي أن النمر ال يستطيع العيش عىل أكل العشب يا دليله!‬

‫‪74‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫يصل رد السيد رفيق عىل رسالة ابنه جميل كالتايل‪:‬‬

‫كنت أمتنى يا جميل لو استطعت الرد عىل رسالتك دون أن أُجرب عىل إبالغك بأنها رغم تنميق كلامتها‬ ‫ٍ‬ ‫مثاليات ساذجة يف عامل السياسة‪.‬‬ ‫وتسلسل أفكارها ال تعدو أن تكون مجموعة‬ ‫أول أنت تتعامل مع الدين ورجال الدين كعدو‪ ،‬وكأنك مل تنتبه أن أنظمة الحكم العربية الجديدة ‪ -‬أي‬ ‫ً‬ ‫بعد االستعامر الغريب يف القرن املايض‪ -‬قامت كلها عىل تلك الركيزة‪ .‬الدين هو الوسيلة األسلم واألفضل‬ ‫لحكم الرشق‪ ،‬سواء بطريقة مبارشة مثل ما تفعل األحزاب الدينية أو بشكل غري مبارش عرب الخلط‬ ‫بني بعض املفاهيم العلامنية مع إبقاء الدين يف التعليم والدستور‪ .‬يبدو أنك تظن أن الدين يحدد من‬ ‫صالحياتك كحاكم بسبب النصوص‪ ،‬بينام الحقيقة هي العكس متا ًما‪ ،‬فالنصوص موجودة لخدمتك ت ُبطل‬ ‫منها ما تشاء وت ُح ِك ُم ما تشاء‪ .‬كحاكم‪ ،‬تستطيع أن تُبطل عدم االستجارة بالغرب وتحكم بالقصاص جزا ًء‬ ‫رضا تُبطل قطع يد السارق بينام تحكم بإعدام مثريي‬ ‫للخروج عىل ويل األمر‪ ،‬أو إذا أردت أن تظهر متح ً‬ ‫الفتنة‪ .‬هذه األمور مجربة‪ ،‬وإشارتك إىل انتشار املتنورين يف املجتمع ما هي إال تأكيد عىل عدم إدراكك‬ ‫ألساسيات الحكم‪ .‬الحاكم هو من ميلك القوة‪ ،‬وليس إرادة الشعب‪ ،‬حتى يف الغرب الحاكم هو من ريض‬ ‫شكل من‪ ‬مجتمعٍ آلخر‬ ‫به أصحاب رأس املال ففرضوه عىل الشعب عن طريق اإلعالم‪ .‬القوة تختلف ً‬ ‫لكنها دامئًا الركيزة األساسية يف الحكم‪ ،‬والدين هو الرابط واملو ِّجه لتلك القوة يف الرشق‪ .‬حتى لو متكّنت‬ ‫ٍ‬ ‫بترصيحات ساذجة فذلك سيكون راج ًعا لسيطرتنا عىل الجيش وليس منطقك وإقناعك‪.‬‬ ‫من أخذ الحكم‬ ‫رسعان ما سيستغل أحدهم الدين ضدك وتنتهي سجي ًنا أو أسوأ‪ .‬عىل مستوى العالقات العادية يا جميل‬ ‫ال يجب إظهار مشاعرك ونواياك الحقيقية أب ًدا‪ ،‬فام بالك يف السياسة؟ إذا كان ترششل الذي ما زال يعترب‬ ‫بطل يف تاريخ بالده يقول أن السياسة هي فن الكذب‪ ،‬فكيف تظن أنك ستُعيد اخرتاع ال َع َجلة وتأيت‬ ‫ً‬ ‫بيشء جديد يف مجال ال جديد فيه منذ القدم؟ سأعطيك فرصة أُخرى‪ ،‬أريد خطة عملية إلحكام قبضتك‬ ‫عىل البالد ونرش نظامك الحامل فيها‪ ،‬وأريد أن تطلعني عىل ترصيحاتك املزمعة قبل أن تبدأ باإلدالء بها‪.‬‬ ‫أطروحاتك إىل اآلن مل تقنعني سوى بأنك تتقن كتابة مواضيع اإلنشاء‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫فصول املايض‪ -‬أخبار امللك منرود‪ ‬‬ ‫يف أحد بلدان املغرب العريب‪ ‬‬ ‫استنار وجه أبو امللِك‪ ،‬الذي جاوز الخامسة واألربعني من عمره‪ ،‬عندما أخربته املمرضة أن املولود بصحة جيدة‪.‬‬ ‫بابتسامة عريضة رفع عينيه إىل السامء وحمد الله عىل استجابة دعائه‪ ‬بعد‪ ‬كل هذه السنوات‪ .‬كان يُك ّنى أبا‪ ‬امللك‬ ‫طفل طوال حياته‪ ،‬ورغم أن هذا‬ ‫لكن مل يكن لديه أوالد قبل اليوم‪ ،‬فكان يطلب أن يُدعى بذلك تفاؤالً‪ .‬لقد انتظر ً‬ ‫الطفل جاء بطريقة غري املعتاد‪ ،‬إال أن فرحة أبو امللك كانت أكرب من أن يعكّرها ذلك‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬اكتملت فرحته‬ ‫بإجراء تحليل الحمض النووي الذي أكد أبوته!‪ ‬‬ ‫التقى ابو امللِك باألُم وهي تعرض نفسها يف أحد الشوارع قبل عامني فقط‪ .‬بعد قضاء ليلة معها ورغم نظرته الدونية‬ ‫لبائعات اللذة فقد ّ‬ ‫رق قلبه إىل تلك الفتاة ذات العرشين شتا ًء التي استُعبدت يف هذا العمل‪ ،‬فقرر دفع املال‬ ‫تعارض‪ ‬برشط‪ ‬أل‪ ‬تسكنا م ًعا‪ ،‬فلطاملا المت نفسها عىل عدم اإلنجاب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫«للقواد» لرشائها والزواج منها‪ .‬زوجته األوىل مل‬ ‫وهي تعرف أن ذلك القطار فاتها منذ مدة‪ .‬أبو امللك كان ميلك دكانًا بجانب بيته ومخب ًزا يف الطرف اآلخر من الحي‪،‬‬ ‫ويعترب من الطبقة فوق املتوسطة يف بلده‪ .‬‬ ‫مدلل نسبيًا من والده‪ ،‬إال أن ذلك الدالل مل ميتد إىل أمه التي كان والده أحيانًا يُذكّرها ‪ -‬أمام ملك‪-‬‬ ‫هكذا نشأ َملِك ً‬ ‫أنه التقفها من الشوارع وسرت عليها رغم كالم الناس‪ ،‬وأنه لوال إنجابها مللك ملا كان ليحتمل نظرة الناس إليه‪ ،‬وأنه‬ ‫رمبا أخطأ يف زواجه منها‪ .‬أم َملِك أحبته كث ًريا واعتربته أغىل يشء يف‪ ‬حياتها‪ ،‬إال أن شعورها بالعار دامئًا‪ ،‬دفعها إىل أن‬ ‫قديسا كامالً‪ ،‬فأرسلته إىل الجامع يف صغره‪ ،‬ونشأ‬ ‫ترى يف ابنها أداة توبتها يف نظر املجتمع‪ ،‬لذلك أرادت أن يكون ابنها ً‬ ‫غيت مجرى حياته إىل األبد‪ .‬‬ ‫متدي ًنا‪ ،‬إىل سن الثامنة‪ ،‬حيث الحادثة التي ّ‬ ‫إعطائه‪ ‬درسا إضافياً‪ .‬يف ذلك اليوم‬ ‫بعد الدرس الديني‪ ،‬طلب منه الشيخ البقاء بعد مغادرة الطلبة اآلخرين‪ ‬بح ّجة‬ ‫ً‬ ‫املشؤوم اعتدى عليه الشيخ‪ ،‬وعندما قاوم قال له‪« :‬ملاذا تقاوم فأنت بال رشف مثل أمك‪ ،‬فنحن نعرف من هي»‪.‬‬ ‫عم‬ ‫هكذا تحطم عامل ملك املثايل‪ ،‬ذلك الصفاء الذي كان يجده يف البيت والجامع‪ ،‬صار ملوث ًا بالسواد‪ .‬مل يخرب أح ًدا ّ‬ ‫حدث معه ألنه رأى يف ذلك فضيحة بحقه‪ ،‬صار يخاف املرور بالقرب من شارع الجامع يف حيّه وعندما حاولت‬ ‫والدته إجباره عىل العودة قال لها أنه سينتحر إذا ما أرصت عىل موقفها‪ .‬ذهبت األم إىل اإلمام لتسأله إذا كان يعرف‬ ‫بكالم مبطن‪ .‬خافت أم ملك أن تخرب زوجها عن تلك الحادثة ليك ال يظن بها‬ ‫سببًا لسلوك ملك‪ ،‬لكنه دعاها إىل بيته ٍ‬ ‫الظنون التي هي يف غنى عنها واستسلمت لألمر الواقع‪ .‬يف وحدته‪ ،‬انكب ملك عىل قراءة قصص التاريخ الذي كانت‬ ‫والدته تقص بعضها عليه أحيانًا‪ ،‬وتركّز كيف أن أجداده كانوا فاتحني عظام‪ .‬كانت قصصها تناقض حسه املنطقي‪ ،‬فهو‬ ‫ال يفهم ملاذا يتكلم كتاب التاريخ عن االحتالل الفرنيس ويسميه استعام ًرا لكنه يثني عىل الفتوحات التي طمست‬ ‫هوية السكان األصليني من األمازيغ إىل ٍ‬ ‫حد بعيد‪.‬‬ ‫‪76‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫يف العارشة بدأ ملك يخرج إىل الشارع ويختلط باألطفال اآلخرين‪ ،‬لكن رسعان ما اكتشف أن الحي كله يتكلم‬ ‫ميض‪ ‬وقت طويل‪ ‬حتى صار بعض األوالد يلقبونه بإبن العاهرة وأحيانًا باللقيط رغم أنه ُولد من‬ ‫بالسوء‪ ‬عن أمه‪ ،‬ومل‬ ‫ٌ‬ ‫«زوا ٍج رشعي»‪.‬‬ ‫لقد فهم يف سنٍ صغرية أن عليه أن يط ّور أسلوب حياة ليستطيع التعايش مع واقعه‪ .‬كان موهوبًا رسيع البديهة‪،‬‬ ‫وعندما اصطحبه والده إىل املتجر أو املخبز يف العطل املدرسية تعلّم كيف يتعامل الكبار‪ .‬صار خفيف الظل ذو لسانٍ‬ ‫سليط‪ ،‬يف الثالثة عرشة من العمر بدأ والده برتكه إلدارة الدكان يف املساء‪ ،‬فكان يجلس‪ ‬فيه مع بقية األوالد الذين‬ ‫بدؤوا‪ ‬بتقبُله لعدة أسباب‪ ،‬منها توفري مكان مريح لتجمعهم يف الدكان باالضافة إىل ردوده وقصصه وطريقة رسده‬ ‫املسلية وذات املغزى يف نفس الوقت‪.‬‬ ‫مع األيام بدأت شخصيته القيادية بالظهور‪ ،‬وصار لديه مجموعة صغرية من التابعني الذين طغت عليهم شخصيته‬ ‫القوية‪ .‬يف أحد األيام دخلت فتاة محجبة يف نفس عمره إىل الدكان لتشرتي علبة سجائر لوالدها‪ ،‬عندما خرجت قال‬ ‫أحد األوالد‪ :‬ابنة اإلمام جميلة‪ ،‬كيف يرسلها وحدها هكذا لرشاء السجائر؟ مل يالحظ أحد ردة فعل ملك عىل تلك‬ ‫املعلومة‪.‬‬ ‫ترددت ابنة اإلمام عىل الدكان‪ ‬بني فرتة وفرتة‪ ‬و بدأ ملك بتوقع مجيئها‪ .‬يف أحد األمسيات اتفق مع اثنني من أتباعه‬ ‫املخلصني عىل فعلٍ رديء‪ ،‬وطلب من البقية املغادرة‪ .‬عندما دخلت ابنة اإلمام إىل الدكان‪ ،‬أغلق أحد رفقائه الباب‬ ‫مبارشةً‪ .‬ثبتها رفيقه اآلخر وك ّمم فمها‪ .‬‬ ‫ِ‬ ‫رصخت‪ ‬عندما يرفع رفيقي يده‪ ‬عن فمك فأقسم بأنني‬ ‫ملك‪ :‬لدي سؤال‪ ،‬إذا أعطيتني‪ ‬اإلجابة الصحيحة سأتركك‪ ،‬إذا‬ ‫ِ‬ ‫فهمت؟‪ ‬‬ ‫سأقتلك‪.‬‬ ‫تومئ‪ ‬الفتاة املسكينة باإليجاب‪ .‬‬ ‫ملك‪ :‬ما الفرق بني أمك والعاهرة؟‪ ‬‬ ‫الفتاة‪ :‬أمك هي ال‪...‬‬ ‫يو ّجه ملك لطمة ٍ‬ ‫بكف مفتوح مبارش ًة إىل فمها ثم يكممها الولد اآلخر مرة أُخرى‪ .‬‬ ‫ملك‪ :‬ما الفرق بني أمك والعاهرة؟‪ ‬‬ ‫‪77‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫الفتاة وقد أبعد الولد اآلخر يده عن فمها قليالً‪ :‬أرجوك ال تؤذين‪.‬‬ ‫ملك‪ :‬اخلع حجابها‪.‬‬ ‫يقوم الولدان بخلع حجابها‪.‬‬ ‫ملك‪ :‬ما الفرق بني أمك والعاهرة؟‪ ‬‬ ‫الفتاة‪ :‬ال أعرف‪.‬‬ ‫ملك‪ :‬اخلع جلبابها‪.‬‬ ‫تقاوم الفتاة وتحاول الرصاخ لكن ملك يهد ّدها بسكني هذه املرة‪ .‬الفتاة ترتجف مبالبسها الداخلية‪ .‬‬ ‫ملك‪ :‬ما الفرق بني أمك والعاهرة؟‬

‫يتبــــع يف العـــدد القـــادم‪...‬‬

‫‪78‬‬


‫بعد نفاذ العجينة البرشية‪ ،‬الحاجة هي ام االخرتاع‪.‬‬ ‫السخافة والبدائية هي أكرب دليل عىل برشية القصة‬

‫‪Baha Wissam‬‬

‫شوكت كرميي‬

‫‪Usama Al-Binni‬‬

‫تم جعل الحط من قدر املرأة جزء أسايس من قصة الخلق‪ .‬أديان ذكورية‬ ‫بامتياز‬ ‫فقدان املعيار ! وعشوائية االنطباع هو ما اراه‬

‫‪79‬‬

‫‪Sterlling Yoko‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab Atheists Magazine is a digital publication The Arab Atheists Magazine is a digital publication produced produced by volunteers and committed to promoting by volunteers and committed to promoting the thought and the thought and writings of atheists of various persuawritings of atheists of various persuasions with complete freesions with complete freedom. The Magazine does not adopt dom. The Magazine does not adopt or endorse any form of politior endorse any form of political ideology or affiliation cal ideology or affiliation Contributors bear the full responsibility of the content, illustraContributors bear the full responsibility of the content, illustrations tions and topics they provide insofar as it covers copyright and and topics they provide insofar as it covers copyright and issues of issues of intellectual property intellectual property Express permission for to publish in the Magazine is provided Express permission for to publish in the Magazine is provided by conby contributors, whether they are members of the Arab Atheists tributors, whether they are members of the Arab Atheists Magazine Magazine Group of other atheists and non-religious contributors Group of other atheists and non-religious contributors The Magazine does not publish material that is unethical or that The Magazine does not publish material that is unethical or that inincites racism or bigotry cites racism or bigotry The Editorial Board reserves the right to republish content The Editorial Board reserves the right to republish content originally originally published on the Magazine’s Facebook group, as published on the Magazine’s Facebook group, as publishing there publishing there implicitly contains consent for republication implicitly contains consent for republication in the Magazine in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.