مجلة الملحدين العرب / العدد الخامس والخمسون / يونيو حزيران / 2017

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫أماكن الظالم يف‬ ‫املجتمعات الخليجية‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫رحلة انتحا ٍر مو ّفقة‬

‫خالد الوحيمد‬

‫العدد الخامس والخمسون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر يونيو ‪ /‬حزيران لسنة ‪2017‬‬

‫السامء الخنفشارية‬ ‫واالزعاج العلمي‬ ‫‪Moh Alakan‬‬

‫الفلسفة يف‬ ‫خدمة الله‬ ‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪،‬‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم‬ ‫مبني ٌة بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫من الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫معي؟ لنقل أنه موضو ٌع شائك‪ ،‬سواء يف الدين‬ ‫كيف نقرأ عن موضو ٍع ّ‬ ‫أو الفسلفة أو العلم أو السياسة أو غريه‪ ،‬وكيف نك ّون رأيًا موضوع ًيا‬ ‫عنه‪ ،‬بعي ًدا عن التحيزات؟‬ ‫علينا أن نجري أبحاثنا عن هذا املوضوع‪ ،‬نبحث عن الكتب التي‬ ‫تطرحه‪ ،‬ثم الكتب التي تنتقده‪ ،‬ثم الكتب التي ترد عىل النقد وهكذا‬ ‫دواليك‪ ،‬ونأخذ نظر ًة عىل املؤلفني‪ ،‬من هم؟ أين عاشوا؟ وكيف عاشوا؟‬ ‫وكيف كانت الظروف املحيطة بهم وماهي خلفيتهم‪ ،‬وماهي األحداث‬ ‫الكربى التي حدثت يف العامل يف عرصهم‪ ،‬فاملؤلف ابن بيئته وزمانه‪،‬‬ ‫وحني نتعرف عليه وعىل بيئته املحيطة سنفهم مقاصده أكرث‪ ،‬أما‬ ‫الكتاب نفسه فعلينا أن نقرأه أكرث من مرة‪ ،‬املرة األوىل استكشافية‪،‬‬ ‫والثانية تحليلية‪ ،‬والثالثة نقدية‪ ،‬قد نأخذ وقتًا حتى نصل إىل املرحلة‬ ‫الثالثة‪ ،‬ولكن تدوين املالحظات يساعدنا يف العودة إليها الحقًا‪ ،‬وإن‬ ‫بانتظام مع كل مبحث‪ ،‬سنجد أنفسنا وقد ك ّونا رأيًا موضوعيًا‬ ‫فعلنا هذا‬ ‫ٍ‬ ‫عقالن ًيا عنه‪ ،‬طاملا ابتعدنا عن التحيزات والتعصب واألفكار املسبقة‪.‬‬ ‫هذا األمر سيساعدنا كث ًريا حني ندخل يف ٍ‬ ‫نقاش عن هذا املوضوع‪،‬‬ ‫حيث سنفهم الطرف املقابل ونعرف ما الذي يفوته وما الذي يجعله‬ ‫وتأن‪ ،‬سنضع أنفسنا مكانه ونحتويه‬ ‫ونبي له ذلك بهدو ٍء ّ‬ ‫متعصبًا‪ّ ،‬‬ ‫ونخربه بوجهات نظرنا دون توتّر‪ .‬فاالنسان املطّلع املثقف بحق‪،‬‬ ‫ستظهر ثقافته يف أفعاله قبل أقواله‪ ،‬يف أسلوب تعامله مع املختلف‬ ‫وكيفية احتوائه ورق ّيه يف كالمه وردوده‪.‬‬ ‫مثل‪ ،‬من اطّلع‬ ‫فمن ك ّون رأيًا موضوعيًا عن موضوع املثلية الجنسية ً‬ ‫عىل إحداثياتها التاريخية وتطورات حركات النضال ملجتمع ‪LGBTQ‬‬ ‫واطّلع عىل رأي العلم والطب والطب النفيس‪ ،‬وما وصلت إليه القوانني‪،‬‬ ‫وما ينقصها‪ ،‬وما مينعها إلخ إلخ‪ ،‬لن يكون كالمه عنرصيًا ضد املثليني‪،‬‬ ‫مثل حتى تضع قدمها عىل‬ ‫عم ينقص بالدنا ً‬ ‫بل سيتكلم مبوضوعي ٍة ّ‬ ‫الطريق الذي يوصل إىل س ّن القوانني التي تحفظ لهم حق الحياة‬ ‫أول ومن ثم الزواج وغريه‪ ،‬ويق ّدم النصائح للمتحمسني الشباب كيف‬ ‫ً‬ ‫يبدؤون ومن أين‪ ،‬وكيف يتعاملون مع رفض مجتمعاتنا لهم بروي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫وخطوات ثابت ٍة مستمرة‪ ،‬فأهم يشء هو االستمرار‪ ،‬ولن ميوت‬ ‫وهدو ٍء‬ ‫حق وراءه ُمطالب‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فليس بالرضورة أن تكون مثل ًيا حتى تدعم حقوق املثليني أو ملح ًدا‬ ‫حتى تدعم قضايا امللحدين‪ ،‬أو من أقلي ٍة عرقي ٍة أو ديني ٍة أو غريها‪،‬‬ ‫حتى تدعم حقوق األقليات‪ ،‬وإذا أىت اليوم الذي تحتاج فيه للدعم‬ ‫ستجدهم جمي ًعا حولك ومعك‪ ،‬وهكذا يقف اإلنسان إىل جانب أخيه‬

‫‪2‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Zorba Zad‬‬ ‫‪RoRo Evil-Girl‬‬

‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Antoine Tannous‬‬ ‫‪X. AHTOHOB‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫‪Liza Paloulian‬‬ ‫‪A Koder‬‬ ‫‪Romario Gamal‬‬ ‫‪Teky Mikky‬‬ ‫ليث رواندي‬

‫اإلنسان املظلوم املقهور املكلوم يف كل مكان‪،‬‬ ‫ومن منربنا هذا نقول لكل مقهو ٍر مظلوم‪ ،‬أنت‬ ‫لست وحدك‪ ،‬نحن جمي ًعا معك‪ ،‬فاستمر وال‬ ‫تيأس‪.‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫أماكن الظالم يف املجتمعات الخليجية‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫السامء الخنفشارية واإلزعاج العلمي‬ ‫‪Moh Alakan‬‬

‫‪9‬‬

‫وال تقل لهام أُ ٍف وال تنهرهام‬ ‫الشيخ ديكارت‬

‫‪14‬‬

‫مشكلة يف فهم االنتقاء الطبيعي‬ ‫مصطفى عابدين‬

‫‪18‬‬

‫الفلسفة يف خدمة الله‬ ‫هشام آدم‬

‫‪24‬‬

‫رحلة انتحا ٍر مو ّفقة‬ ‫خالد الوحيمد‬

‫‪35‬‬

‫تصحيح املفاهيم‪ :‬العلم واليقني‬ ‫‪Usama al-Binni‬‬

‫‪39‬‬

‫سرية محمد بن آمنة‬ ‫ترجمة عن منشورات شاريل إيبدو‬

‫‪44‬‬

‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫‪53‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪61‬‬

‫‪3‬‬


‫أماكن الظالم يف‬ ‫املجتمعاتالخليجية‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫متتاز دول الخليج العريب بأط ٍر سياسي ٍة واجتامعي ٍة متشابهة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وثقافات ديني ٍة متقاربة‪ ،‬وتقاليد قبلي ٍة ال تختلف كث ًريا بني‬ ‫التغيات التي طالت تلك املجتمعات‬ ‫دول ٍة وأخرى‪ ،‬إال أن ّ‬ ‫املتغيات السياسية‬ ‫وخصوصا‬ ‫بعد اكتشاف النفط‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫واالجتامعية‪ ،‬ألقت بظاللها عىل مح ّددات الدين والثقافة‬ ‫وأنظمة الحكم القبلية يف تشويه منط التعايش والعالقات‬ ‫الداخلية والخارجية‪.‬‬

‫اإلنسان وح ّريّات التعبري‪ .‬وهذه النتائج طب ًعا ال تتح ّمل‬ ‫ِو ْز َرها فقط الشعوب الخليجية‪ ،‬فمن بينها من يسعى إىل‬ ‫التغيري ومن يؤمن بالحرية ومن يدافع عن اإلنسان و ِق َيم‬ ‫الحداثة والدميقراطية وحتى العلامنية‪ ،‬ولكنه مك ّب ٌل بقيو ٍد‬ ‫سياسي ٍة واجتامعي ٍة تتخذ من ِق َيم القبل ّية وطاعة أويل األمر‬ ‫مرتك ًزا يف الدفاع عن القمع والكبت السيايس‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬ماذا كان موقفنا نحن شعوب تلك الدول أمام هذه‬ ‫فعل يف دفع عمليات التغيري إىل‬ ‫املتغيات؟ وهل ساهمنا ً‬ ‫ّ‬ ‫األفضل لنا وملجتمعاتنا؟ أم استفدنا من الوضع القائم‬ ‫واملشوب بالفساد والشّ لل ّية والتخلف ورسقة أموال األجيال؟!‬ ‫ال شك أن اإلجابة عن هذه األسئلة لن يكون صع ًبا نظ ًرا لدقّة‬ ‫التقارير الدولية عن وضع مجتمعاتنا الخليجية واستمرارها‬ ‫يف البقاء بأسفل مؤرشات التنمية والشفافية وغياب حقوق‬

‫‪4‬‬

‫يف الخليج العريب‪ ،‬مل تستفد األنظمة القبل ّية واملشيخ ّية‬ ‫من التطورات االقتصادية يف بناء دو ٍل مدني ٍة حديث ٍة ذات‬ ‫ٍ‬ ‫نقدي متقدم‪ ،‬ودساتري‬ ‫اقتصاديات منتج ٍة ومؤثرة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتعليم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هويات كونية‪ ،‬بقدر ما كان ه ّمها يف إطعام وتلبيس‬ ‫تحمل‬ ‫شعوبها بطريق ٍة ريع ّية‪ ،‬وتوزيع ثروات النفط عىل الشعوب‬ ‫تام ألسس املواطنة‬ ‫بنظام الراعي والرعية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بغياب شبه ٍ‬ ‫والحريات واملساواة والدميقراطية‪ .‬فام هو متواج ٌد من شبه‬ ‫ٍ‬ ‫اجتامعي يقوم يف جلّه عىل روابط الدين‬ ‫وتعاقد‬ ‫دساتري‬ ‫ٍّ‬ ‫وحكم أمري القبيلة‪ ،‬وليس الحكم الرشيد وتداول السلطة‬


‫أماكن الظالم يف املجتمعات الخليجية‬ ‫والدميقراطية الليربالية‪ .‬ورغم أ ّن تلك الدول فارقت عرص القبل ّية بشكلها القديم إىل املباين الفارهة والتكنولوجيا املتطورة‪،‬‬ ‫إال أ ّن عالقات اإلنتاج القبل ّية والدين ّية واالقتصاديّة الفكرية‪ ،‬واملتمثلة يف اإلغارة والقوة والتعصب للظامل وأويل القرىب ال‬ ‫زالت هي املهيمنة سياس ًّيا واجتامع ًيا عىل ال ُبنى املجتمعية والعقل الخليجي‪ .‬وهذا كام ذكرتُ سابقًا ال نتح ّمل ِو ْز َره نحن‬ ‫ٍ‬ ‫حكومات‬ ‫كشعوب خضعت واستكانت وبني‬ ‫وأيضا ليس األنظمة الخليجية فقط‪ ،‬بل هو جرمي ٌة مشرتك ٌة بيننا‬ ‫ٍ‬ ‫الشعوب فقط‪ً ،‬‬ ‫استشعرت الضعف فينا فكانت قوي ًة فسادت‪.‬‬ ‫هذا هو الخلل الخليجي يف التقدم والنهضة‪ ،‬وال أقصد يف الجوانب املادية‪ ،‬فنحن متف ّوقون فيها ايل درجة التخمة‪ ،‬فنحن أول‬ ‫سحاب وأكرب بر ٍج وأفخم سكّة ٍ‬ ‫حديد وأجمل مبنى وأغىل ماعز‪ ،‬وغريها من التفوقات الشكل ّية‪.‬‬ ‫الشعوب يف بناء أكرب ناطحة‬ ‫ٍ‬ ‫ولكن الخلل الحقيقي يكمن يف أماكن ظلت تحت الظالم مل يطالها التجديد والتغيري واإلحياء‪ ،‬أماكن طالتها الدوغامئية‬ ‫ٍ‬ ‫ومؤسسات تدافع عنها‪ ،‬أماكن أعطت ملؤسسات‬ ‫وتابوهات التحريم‪ ،‬أماكن ظلّت خطوطًا حمراء حتى كربت وفقست جنو ًدا‬ ‫الحكم الدعم الالزم للبقاء دون دميقراطي ٍة ودون حريات‪ .‬وأقصد بذلك التعليم والدين والتقاليد‪ ،‬فهذا الثالوث ظل بعي ًدا‬ ‫قرب منه يؤ ّدي إىل النبذ وكل ٍ‬ ‫نقد يؤدي إىل املوت‪.‬‬ ‫عن التغيري وعص ًيا عىل التجديد‪ّ ،‬‬ ‫فكل ٍ‬ ‫فمن ناحية التعليم‪ ،‬مل َ‬ ‫يرق النظام التعليمي والدرايس لدينا إىل التعليم‬ ‫املنهجي النظامي النقدي‪ ،‬فام زالت املناهج تعتمد عىل الحفظ والتلقني‬ ‫والطاعة‪ ،‬وهو ما أفرز نتائج مخيب ًة لآلمال ال ترقى إىل تخريج أجيا ٍل‬ ‫يُعتمد عليهم يف التنمية والبناء واالخرتاع‪.‬‬ ‫ومع كل اإلنفاق املادي عىل ال ُبنى التعليم ّية وإنشاء مبانٍ فخم ٍة‬ ‫للجامعات إال أننا مازلنا يف أسفل التقييم العاملي للجامعات املتفوقة‬ ‫أسباب عدة‪ ،‬منها خوف الحكومات من‬ ‫علم ًّيا وفكريًا وهذا يرجع إىل‬ ‫ٍ‬ ‫التعليم املتقدم والقائم عىل النقد واملشاركة والحريات وهو ما يه ّدد‬ ‫منط الحكم يف الخليج ويضعنا أمام إشكال ّية املواطن الحر‪.‬‬ ‫ألسباب تتعلّق بعدم ربط ُمخ َرجات التعليم‬ ‫فالتعليم مل يجنِ مثار التفوق‬ ‫ٍ‬ ‫وأيضا‬ ‫بسوق العمل واالحتياجات الفعلية‬ ‫للتخصصات املطلوبة فقط‪ً ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الرتبوي وكتابة املناهج‪ ،‬باإلضافة إىل التدخالت‬ ‫لغياب املختصني بالحقل‬ ‫ّ‬ ‫الحكومية يف ربط مسار التعليم مبا يخدم تو ّجهات الدولة الدين ّية‬ ‫والسياس ّية وتغييب فرص اإلبداع والتفوق‪ .‬لقد أهملت الحكومات‬ ‫الخليجية تطوير التعليم بشكلٍ كبريٍ واعتمدت عىل الدين والفقه‬ ‫أي تطوير‪ ،‬كام تم إىل اليوم تحريم الفلسفة وتحريم‬ ‫والتاريخ بدون ّ‬ ‫تدريس نظرية التطور واملادية الجدل ّية ومقارنة األديان‪ ،‬مام أ ّدى إىل‬ ‫تخريج أجيا ٍل أُحاديّة التوجه و ُمؤدلَ َج ٍة دين ًيا‪ ،‬وهو ما ساهم يف تخريج‬ ‫غالبي ٍة من املتطرفني أصبحوا فيام بعد من ُعتاة اإلرهابيني‪.‬‬ ‫ومن ناحية الدين‪ ،‬كان للتديّن املُجتمعي والسيايس والتعليمي يف‬ ‫‪5‬‬


‫أماكن الظالم يف املجتمعات الخليجية‬ ‫منطقة الخليج دو ٌر سلبي‪ ،‬إذ تح ّول بفعل التحالف مع األنظمة والحكّام من حال ٍة فردي ٍة إىل حال ٍة تفرِض رشوطها وثقافتها‬ ‫عىل األفراد واملجتمع‪ ،‬وبالتايل خلق هذا النوع من اإلميان النمطية والقولبة وال ّنمذَجة التي تجعل الشعوب نس ًخا مكررة‪،‬‬ ‫وليست شعوبًا ح ّرة التفكري واالرادة‪ ،‬ولعل غياب مشاريع اإلصالح الديني يف منطقة الخليج قد أث ّر بشكلٍ كبريٍ عىل بقاء‬ ‫الشعوب غائب ًة عن الفعل الحضاري الحديث‪ ،‬وحارض ًة بقو ٍة يف الطائف ّية واملذهب ّية كام يحدث يف البحرين وبعض مناطق‬ ‫اململكة السعودية‪.‬‬ ‫وحتى نصل ايل درج ٍة من وضع الحلول الجذرية‪ ،‬البد أن نقول بأن ما ت ّم السكوت عنه ملد ٍة طويل ٍة بأ ّن الدين‪ ،‬يتحول بفعل‬ ‫السياسة وبفعل رجال الدين واملؤسسات الدينية إىل علّ ٍة للتخلّف والركود العقيل والفكري ينتج عنه بالرضورة اضطها ٌد‬ ‫وعرقي بفعل الترشنق أو التكلّس الذي يصيب نصوص هذه األديان هو حقيق ٌة تاريخية‪ .‬وهنا يكمن الرس يف‬ ‫وديني‬ ‫فكري‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫تقص‪ ،‬لكنها المحالة من إصابتها بالتخلف‪ .‬ألنها تفقد ديناميك ّيتها فال‬ ‫ألي دينٍ بفرت ٍة تطول أو ُ‬ ‫تراجع الشعوب بعد اعتناقها ّ‬ ‫تجد من يقوم بتعديل نصوصها أو تغيريها أو حتى إلغائها‪ ،‬وما الخمول واالنحطاط الذي يصيب العقل الديني نتيجة تأويل‬ ‫جدي إال نتيج ٌة منطقي ٌة لتناول املريض لنفس الدواء‪ .‬وكنتيج ٍة طبيعي ٍة لثبات‬ ‫النصوص الدينية دون إعادة النظر فيها بشكلٍ ٍّ‬ ‫النصوص الدينية فإنها تنقل عدوى ثباتها إىل العقل الديني ليناله الجمود‪ ،‬ثم ال يلبث أن يتحول إىل عقلٍ مح ّن ٍط ويف أحسن‬ ‫األحوال إىل كمبيوت ٍر آ ٍيل يقوم بتلقي الربامج املقدمة إليه واكتنازها دون أدىن اعرتاض‪ ،‬ومن ثم االشتغال وتقديم النتائج وفق‬ ‫تلك املعطيات‪.‬‬ ‫ويف مسألة العادات والتقاليد‪ ،‬فقد عانت مجتمعات الخليج العريب من هيمن ٍة غري طبيعي ٍة وال مسبوق ٍة ملنظومة التقاليد‬ ‫القبلية والعادات البالية التى ظلت تحكم مجتمعاتهم وقُراهم وقبائلهم ملد ٍة طويل ٍة دون املقدرة عىل تجاوز سلطتها أو‬ ‫التخفيف من ح ّدتها‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬مازالت املرأة الخليجية تعاين‪ ،‬ليس فقط من قوانني األحوال الشخصية والنابعة‬ ‫غم عنها‪ ،‬وقد تُ نع‬ ‫من الرشيعة االسالمية‪ ،‬وإمنا ً‬ ‫أيضا من ثقافة العيب‪ ،‬فهي قد تُقتل بسبب الرشف وقد تتزوج صغري ًة أو ُر ً‬ ‫من العمل أو السفر أو قيادة السيارة أو العمل بالوظائف القياديّة العليا بسبب منظومة السلطة األبوية النابعة من النظام‬ ‫البطريريك‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫أماكن الظالم يف املجتمعات الخليجية‬ ‫أيضا‪ ،‬فالشاب عليه مسؤوليات مراقبة‬ ‫كام وأن هيمنة ثقافة القبل ّية والتقاليد ال تقترص فقط عىل النساء‪ ،‬بل تطال الرجال ً‬ ‫أ ّمه وأخواته بشكلٍ يتجاوز األخالق والقوانني‪ ،‬كام وأنه ح ٌر يف أن يفعل ما يشاء إىل درجة االغتصاب دون أي مسائل ٍة قانوني ٍة‬ ‫أو أخالقية‪.‬‬ ‫دارج يف الخليج أدى ايل شيوع القهر والجرائم‪.‬‬ ‫كام وأن مفهوم االنتصار للظامل‪ ،‬فقط ألنه قريب للمجرم‪ ،‬هو ثقاف ٌة ومفهو ٌم ٌ‬ ‫قصصا مهول ًة عن زنا املحارم وقتل البنات واالعتداء عىل األطفال‪ ،‬ولكن يتم التسرت عليها‬ ‫وكم تحمل مجتمعات الخليج العريب ً‬ ‫بحجة املحافظة عىل العادات والتقاليد‪.‬‬ ‫إن التحوالت االقتصادية واالجتامعية والسياسية يف أي مجتمعٍ مرتبط ٌة بدرجة التطور املعريف والفلسفي والعلمي للشعب‪،‬‬ ‫ودرجة االنفكاك من الهيمنة الدينية ومن سلطة العادات والتقاليد البالية‪ .‬فمتى ما كان الشعب مؤ ْدل ًجا ويحمل هوي ًة‬ ‫منغلق ًة عىل الذات والدين والتقاليد‪ ،‬فإنه لن يستطيع االبتكار والتفوق وال حتى مبقدوره أن يتعايش بشكلٍ‬ ‫صحي وأخالقي‪.‬‬ ‫ٍّ‬

‫‪7‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

8


‫السامء الخنفشارية‬ ‫واإلزعاج العلمي‬ ‫‪Moh Alakan‬‬

‫رجل كان يفتي كل سائلٍ دون‬ ‫يحىك أن ً‬ ‫توقف‪ ،‬فالحظ أقرانه ذلك منه‪ ،‬فأجمعوا‬ ‫أمرهم المتحانه بنحت كلم ٍة ليس لها‬ ‫أصل هي «الخنفشار» فسألوه عنها‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫نبت طيب‬ ‫فأجاب عىل البديهة‪ :‬بأنه ٌ‬ ‫الرائحة ينبت بأطراف اليمن إذا أكلته‬ ‫اإلبل عقد لبنها‪ ،‬قال شاعرهم اليامين‪:‬‬ ‫لقد َع َق َدت محبتُكم فؤادي‪...‬‬ ‫الحليب الخنفشار‬ ‫كام عقد‬ ‫َ‬ ‫وقال داود األنطايك يف (تَ ْذكِ َرته) كذا‬ ‫وكذا ‪ ،‬وقال فال ٌن وفالن ‪ ..‬وقال النبي‪،‬‬ ‫فاستوقفوه‪ ،‬وقالوا‪ :‬كذبت عىل‬ ‫هؤالء‪ ،‬فال تكذب عىل النبي ‪...‬‬ ‫‪9‬‬


‫السامء الخنفشارية‬ ‫واإلزعاج العلمي‬

‫‪Moh Alakan‬‬

‫تُستخ َدم (الخنفشار) اآلن لوصف‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص م ّدع‪،‬‬ ‫يش ٍء ال معنى له أو‬ ‫حيث أن الكلمة ليس لها مع ًنى‬ ‫أساسا‪ ،‬وت ُطلَق خنفشاري عىل‬ ‫ً‬ ‫الشخص الذي يدعي معرفة كل‬ ‫يشء‪.‬‬ ‫الخنفشار ميكن أن يُطلَق عىل‬ ‫الروح والشياطني والجن واملالئكة‬ ‫والسامء‪ ...‬إلخ من الكلامت‬ ‫القرآنية ولكننا اليوم سنتكلم عن‬ ‫السامء فقط‪...‬‬ ‫غنم عاش يف القرون الوسطى‪ ،‬مل يكن يعرف أن ما يحيط‬ ‫السامء كلم ٌة خنفشاري ٌة استخدمها محم ٌد كث ًريا وكأي راعي ٍ‬ ‫سطح مست ٍو له أطراف) هو الفضاء أي الفراغ املوجود بني األجرام السابحة يف هذا‬ ‫بالكرة األرضية‪ ،‬هذا إن مل يتصور أنها ٌ‬ ‫الفضاء مبا يف ذلك األرض ‪..‬‬ ‫نسبي مكو ٌن من كثاف ٍة منخفض ٍة من الجزيئات‪ ،‬لذلك كان‬ ‫ونقول فرا ٌغ هنا مجازًا فهو ليس فارغًا متا ًما بل هو فرا ٌغ‬ ‫ٌ‬ ‫يستعمل كلم ًة مبهم ًة (سام ًء) للداللة عىل ما يراه فوقه من ق ّب ٍة زرقاء ومل يكن يعلم متا ًما ما هي‪ ،‬وألنه متيق ٌن‬ ‫من أن جمهوره ومتابعيه وأصحابه من بدو الصحراء مل يعرفوا ما هذا اليشء الذي يرونه فوقهم‪ ،‬فقد ثرثر كث ًريا يف‬ ‫هذا املجال كعادة الدجالني دامئًا‪ ،‬حينام يختارون موضو ًعا يجهله الناس ليدندنوا حوله مدعني بذلك معرف ًة وهمي ًة؛‬ ‫ٍ‬ ‫إجابات عن أسئلة هؤالء البدو الذين ص ّدقوه فأرا دوا منه أن يشبِع‬ ‫وأغلب الظن أن هذه الرثثرة املتعلقة بالسامء كانت‬ ‫تعطشهم ملعرفة الكون من حولهم ‪..‬‬ ‫ْ‬

‫ْ ً َّ ْ ُ‬

‫ً‬ ‫سقف وهو ما أقرهم عليه ﴿ َو َج َعلنَا َّ‬ ‫الس َم َ‬ ‫وظا﴾ األنبياء ‪ ،32‬وعندما سألوه‬ ‫اء َسقفا مف‬ ‫ً‬ ‫فمثل كانوا يعتقدون أن السامء هي ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َّ َ َ​َ‬ ‫الي رفع‬ ‫عن أعمدة هذا السقف‪ -‬ألنهم يرون أن سقف الخيمة يحتاج ألعمد ٍة تسنده يف‬ ‫الوقوف‪ -‬ألّف َلهم آي ًة‪﴿ :‬الل َّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اوات ب َغ ْ‬ ‫اوات ب َغ ْي َع َمد تَ َر ْو َن َها ۖ﴾ الرعد ‪ ، 2‬وآي ًة أخرى‪َ ﴿ :‬خلَ َق َّ‬ ‫َّ‬ ‫الس َم َ‬ ‫الس َم َ‬ ‫ق ِف ال ْر ِض َر َو ِ َ‬ ‫ي َع َم ٍد تَ َر ْو َن َها ۖ َوأل َ ٰ‬ ‫اس﴾ لقامن‪،10‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َّ َ َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ويف ٍ‬ ‫وج﴾ ق ‪،6‬‬ ‫آيات أخرى يقول مؤلف القران‪﴿ :‬أفلم ينظروا إِل السما ِء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها ِمن فر ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ ً َ َ َ َ َّ‬ ‫َ ً َ َ َ​َ َ‬ ‫َ​َْ َ​َ ْ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ات ِطباقا * وجعل القمر ِف ِيهن نورا وجعل الشمس ِساجا﴾ نوح ‪،16-15‬‬ ‫﴿ألم تروا كيف خلق الل َّ سبع سماو ٍ‬ ‫﴿ َولَ َق ْد َز َّي ّنَا َّ‬ ‫ادل ْنيَا ب َم َصاب َ‬ ‫اء ُّ‬ ‫الس َم َ‬ ‫يح﴾ امللك ‪.5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪10‬‬


‫السامء الخنفشارية‬ ‫واإلزعاج العلمي‬

‫‪Moh Alakan‬‬

‫اآليات املذكورة أعاله تحمل تصورات مؤلف القران البدائية عن الكون ومبا أنها تتعارض مع العلم فان دعاة اإلعجاز‬ ‫يهملونها متا ًما ويقولون أنها مجاز‪ ،‬أحيانًا يقولون أنها تتحدث عن طبقات الغالف الجوي مع أنه ال يحتوي عىل القمر‬ ‫والشمس‪ ،‬ومر ًة يقولون أنها تعني الكون رغم أنها تتحدث عن شقوقٍ وفروج! وال أعرف ما معنى أن الكون خا ٍل من‬ ‫الشقوق والفروج!‬ ‫رغم عن صياغة اآليات‪ ،‬حيث أنها تتحدث عن يش ٍء مر ٍيئ ميكن رؤيته بالعني املجردة‬ ‫وإذا سألتهم عنها قالو هذه أشيا ُء غيبي ٌة ً‬ ‫(وهنا سريفعون ضغطك مر ًة أخرى ويقولون أن الرؤية ال تعني الرؤية ويحدثونك عن الرؤية البرصية والرؤية العلمية‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫طبقات من الساموات‬ ‫الخ) ‪,‬ومر ًة أخرى يقولون إنها مرفوع ٌة عن األرض وميكن أن تسقط عليها‪ ،‬ومر ًة يتحدثون عن سبع‬ ‫ميكننا رؤيتها‪ ،‬وأن الشمس والقمر يقعان ضمن هذه الساموات السبع وأن النجوم تقع ضمن السامء األوىل او الدنيا‪.‬‬ ‫ننتقل إىل املرحلة التي ميكن أن تسبب لك ارتفاع سكّر الدم‪ ،‬وهي عندما يرتك دعاة اإلعجاز كل هذه التناقضات يف كالم‬ ‫مؤلف القرآن عن هذا اليشء الذي يس ّميه السامء‪ ،‬وميسكون يف آي ٍة واحد ٍة وهي آية الدخان للداللة عىل الغبار الكوين‪،‬‬ ‫رغم أن هذه اآلية يف نفسها متناقض ٌة و تحمل تصورات رعاة أغنام القرون الوسطى عن الكون ‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫السامء الخنفشارية‬ ‫واإلزعاج العلمي‬

‫‪Moh Alakan‬‬

‫حيث تقول اآلية‪:‬‬

‫ُ ْ َ َّ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َّ‬ ‫َْ َ ْ َ َْ َ ُ َ َُ َْ َ ً َ َ‬ ‫َ َ​َ َْْ َ‬ ‫ني * َو َج َع َل ف َ‬ ‫ك َر ُّب الْ َعالَم َ‬ ‫يها َر َو ِ َ‬ ‫ل‬ ‫ون‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫﴿قل أئِنكم لكفرون ب‬ ‫اس‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ا‬ ‫اد‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ َ ِ‬ ‫َ ُ َّ ْ َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ ِ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫ان َف َق َال لَهاَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ِمنْ َفوقِها وبارك ِفيه َا وقدر ِفيه َا أق َواتها ِف أربع ِة أيامٍ سواء لِلسائِ ِلني * ثم استوى ِإ َل السما ِء و ِه دخ‬ ‫ََْْ‬ ‫ُ ِّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ​َ َ ُ‬ ‫الا أتَيْنَا َ‬ ‫اه َّن َسبْ َع َس َم َ‬ ‫َو ِلل ْر ِض ائْتِيَا َط ْو ًع أ ْو َك ْر ًها قَ َ‬ ‫ي َوأ ْوح ِف ك سما ٍء أمرها وزينا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ات‬ ‫او‬ ‫ض‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫*‬ ‫ني‬ ‫ع‬ ‫ئ‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ ْ ً َ َ‬ ‫ير الْ َ‬ ‫ك َت ْق ِد ُ‬ ‫يز ال َع ِل ِيم﴾ فصلت ‪12 – 9‬‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫ابيح و ِحفظا ذل ِ‬ ‫السماء ادلنيا بِمص ِ‬ ‫ِ ِ‬

‫قص ٍة طفولي ٍة مضحك ٍة عن نشأة الكون‪ ،‬ففي هذه القصة ُخلِقت األرض يف يومني ثم‬ ‫إذا تأملنا يف اآليات أعاله نرى أننا أمام ّ‬ ‫يف اليومني التاليني متت تهيئتها لتكون صالح ًة للحياة ثم يف اليومني اللذين بعد ذلك تم تحويل السامء من هيئتها الدخانية‬ ‫لتكون ‪ 7‬ساموات وتم وضع النجوم يف السامء األوىل أو الدنيا لتكون زين ًة و حامي ًة من (الشياطني)‪ ،‬رمبا‪ ،‬أو من يش ٍء آخر‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فعل ال أعرف معنى‬ ‫مقبول‪ ،‬فأنا ً‬ ‫موقف‬ ‫لو سألتني عن معنى السامء أو الساموات السبع فسأقول ال اعرف‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫كل كلم ٍة كان يرثثر بها صلعم‪،‬‬ ‫ولست ملز ًما بإيجاد تفسري ٍ‬ ‫ات لها‬ ‫ولكن من غري املقبول أن يجادل‬ ‫علمي‬ ‫مسل ٌم بأن هناك إعجا ٌز‬ ‫ٌّ‬ ‫يف آية الدخان فتسأله ما معنى‬ ‫السامء فيعجز عن اإلجابة أو‬ ‫يجيبك بأنها كلم ٌة لها ‪ 14‬معنى!!‬ ‫إن كلم ًة لها أربعة عرش معنى‬ ‫هي ببساط ٍة كلم ٌة بال معنى‪،‬‬ ‫كلم ٌة خنفشارية بامتياز‪ ،‬و‬ ‫من املثري للسخرية أن يربط أحدهم شيئًا معق ًدا‬ ‫كتفسري نشأة الكون بكلم ٍة ال معنى لها أو لها أربعة‬ ‫معنى كام قال أحد كبار هيئة مكافحة اإللحاد‪،‬‬ ‫عرش ً‬ ‫وهذا يدل عىل جهلٍ باألسلوب العلمي الذي تكون‬ ‫كلامته موزون ًة بامليزان الدقيق وال تقبل مليون‬ ‫تفسريٍ وتأويل ‪...‬‬

‫‪12‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪13‬‬


‫وال تقل لهام ٍ‬ ‫أف وال تنهرهام‬ ‫ألن حجم الدمار الذي خلّفته تجاوز املعقول‪،‬‬ ‫واملدة التي أمضتها عىل هذا الكوكب فاقت‬ ‫األلوف من السنني‪ ،‬صارت بعض مخلفات‬ ‫األديان السامة مسلامت‪ ،‬وتحولت إىل أمو ٍر‬ ‫طبيعي ٍة ال يالحظ أثرها اليسء أحد‪.‬‬ ‫مثل‪ ،‬والتي شُ ِّوهت‬ ‫كعالقة اآلباء باألبناء ً‬ ‫رأسا عىل عقب‪ .‬ففي‬ ‫وقُلِب منطقها ً‬ ‫املجتمعات العاقلة‪ ،‬األبناء مسؤولية‬ ‫اآلباء واملجتمع‪ ،‬وليس العكس كام‬ ‫عندنا‪ ،‬عبي ٌد وخد ٌم آلبائهم بسبب‬ ‫ِغض النظر‬ ‫ثقافة االحرتام الزائد ‪-‬ب ّ‬ ‫ِغض النظر‬ ‫عن ِسن األبناء وب ّ‬ ‫عن أخالق اآلباء‪ -‬وحرمة‬ ‫النهر‪ ،‬بل حرمة األف!‬ ‫َ َ َ ُ َّ ُ َ ُ ٍّ‬ ‫﴿فل َتقل لهما أف‬ ‫َْ ُ‬ ‫َول تن َه ً ْره َما‬ ‫ُ َّ َ‬ ‫َوقل ل ُه َما ق ْول‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ك ِريما﴾‬

‫الشيخ ديكارت‬ ‫‪14‬‬


‫لهامﺻﻮرﺗني‬ ‫تقل‪ ..‬ﰲ‬ ‫اﳌﻮت‬ ‫وال‬ ‫أف وال تنهرهام‬

‫اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ‬ ‫اﻟﻨﻮع ﻣﻦ‬ ‫الفمويﺗﺬﻛﺮت‬ ‫واﻹﻧﺠﻴﻞ؟ ﺛﻢ‬ ‫فأصبحاﻟﻘﺮآن‬ ‫ﻛﺘﺎﺑﺔ‬ ‫اﻟﻌﺪو‪.‬أمامهام‬ ‫واالكتئاب‬ ‫والغضب‬ ‫ﻫﺬاالتعب‬ ‫الناتجأنعن‬ ‫حتى الزفري‬ ‫حرا ًما‪ .‬فهم كأنصاف اآللهة يأمرون وينهون يغضبون ويُح َّرم الغضب منهم؛‬ ‫األبأن‬ ‫اﳌﻤﻜﻦ‬ ‫ﺟﻬﻨﻢ وﻫﻞ‬ ‫ﻋﲆ ﻧﺎر‬ ‫اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ‬ ‫ﺗﺮى ﻣﺎ‬ ‫ومنﻧﻔﴘ ﻳﺎ‬ ‫ﺳﺄﻟﺖ‬ ‫اإلناث‪-‬ﻣﻦفيزوج‬ ‫وخصوصا‬‫أبنائهم‬ ‫ﺗﺄﺛري حياة‬ ‫تغيريﻫﻮمجرى‬ ‫صالحياتهم‬ ‫بل‬ ‫وأﻏﻠﺐ‬ ‫رث‬ ‫ﻛ‬ ‫اﻟﻜﻔﺎر‬ ‫أن‬ ‫اﳌﻌﺮوف‬ ‫ﻣﻦ‬ ‫ﻛﺘﻠﺘﻬﺎ؟‬ ‫ازدﻳﺎد‬ ‫ﺑﺴﺒﺐ‬ ‫أﺳﻮد‬ ‫ﺛﻘﺐ‬ ‫إﱃ‬ ‫ﺗﺘﺤﻮل‬ ‫ٍ‬ ‫ابنته ولو كانت يف املهد وال مانع! وال يتم الزواج بدون موافقتهام ٌ‬ ‫وإن ُج َّن‬ ‫اﻷرض ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ ﺑﻬﻢ اﳌﻄﺎف ﻫﻨﺎ‪ .‬ﻛﻢ ﻣﻠﻴﺎر إﻧﺴﺎنٍ ﺗﺤﺘﺎج ﺟﻬﻨﻢ ﻟﺘﻨﻬﺎر ﻋﲆ‬ ‫ﺳﻜﺎن‬ ‫العاشقان!‬ ‫ﻟﺜﻘﺐ أﺳﻮد؟‬ ‫ﻧﻔﺴﻬﺎ وﺗﺘﺤﻮل ٍ‬ ‫وبعد موت اآلباء ومغادرتهم هذا العامل‪ ،‬يصبح األبناء عال ًة عىل املجتمع دون‬ ‫ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت أن ًﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻏري ﻣﺤﻤﻮد‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﳌﺎذا ﺧﻠﻘﻨﻲ اﳌﻌﻠﻢ ﺑﻌﻘﻞٍ‬ ‫أن يكونوا عالة عليه! فيتحملهم دون أن يتحمل مسؤولية اإلعتناء بهم بعد‬ ‫تبعاتهاﱄ؟‬ ‫اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎمنﺧﻠﻘﻪ‬ ‫شبه ﻋﲆ‬ ‫ﻳﻌﺎﻗﺒﻨﻲ‬ ‫اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت‪،‬‬ ‫ففكرةاﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫آبائهم‪،‬ﻫﺬه‬ ‫ﻳﻄﺮح‬ ‫منعدمة‪ ،‬ألن‬ ‫قبلﺛﻢآبائهم‬ ‫وﻳﺤﺎﻛﻢاملجتمع‬ ‫كونهم أبناء‬ ‫داﺧﻞ‬ ‫ﺗﻌﻮض أن‬ ‫ﻓﺮﺻ ٌﺔ ﻻ‬ ‫اﻷﺑﺪمنﻟﻜﻨﻬﺎ‬ ‫ينتزع إﱃ‬ ‫أﻧﻨﻲ أنﺳﺄﺣﱰق‬ ‫ﺻﺤﻴﺢ‬ ‫ﻛﻔﻰمنأﺳﺌﻠ ًﺔ‪،‬‬ ‫صالحية ٌ‬ ‫أﻛﻮن ثبت‬ ‫برتبيتهم إن‬ ‫ويتكلف‬ ‫آبائهم‬ ‫األبناء‬ ‫املجتمع‬ ‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫أﻣﻮت‪.‬‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫وأرﺻﺪﻫﺎ‬ ‫ﺗﻔﺎﻋﻼت‬ ‫ﻫﻜﺬا‬ ‫سوء سرية األبوين‪ ،‬وهذا غري مقبو ٍل ألن األمر يشبه انتزاع العبد من مالكه‬

‫بحسب املنطق السائد‪ ،‬ويناقض املنطق السليم الذي يقول إن اآلباء خدم‬ ‫وأﺗﻌﺬب‪ ،‬ﻟﻜﻨﻲ ﻻﺣﻈﺖ وﺟﻮد ﻛﺎﻣريا‬ ‫رغم وأﻧﺎ‬ ‫اﻟﻌﺬاب‬ ‫دﺧﻠﺖ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ وﺑﺪأ‬ ‫أﴏخالعكس‪.‬‬ ‫عنهم ال‬ ‫األبناء بحكم إنجابهم لهم ً‬ ‫ﰲ أﻋﲆ ﺟﻬﻨﻢ ﺗﺼ ّﻮر ﻋﺬايب وﺗﺒﺜﻪ ﻷﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻟيك ﻳﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﻌﺬايب‪.‬‬

‫ولهذا حني يُر َمون يف أحضان املجتمع‪ ،‬يتحمل األخري سوء أخالقهم وتربيتهم‪،‬‬ ‫ﻏﻠﻴﻠﻬﻢ‪،‬‬ ‫ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن‬ ‫تربيتهماﻟﻴﻮم‬ ‫مسؤوليةاﻟﻌﻠﻤﻴﺔ‬ ‫عاتقهﻣﻘﺎﻻيت‬ ‫اﻟﺬﻳﻦعىلﺗﺤﻤﻠﻮا‬ ‫ﻳﺸﻔﻮايؤمن أنه‬ ‫حاجاتهم‪،‬أنألنه ال‬ ‫وتلبية‬ ‫اﳌﺆﻣﻨﻮنيحمل‬ ‫دون أن‬ ‫ﻫﺎ أﻧﺎ ٌأﺣﱰق وأﺗﻌﺬب وﻫﻢ ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌﻮن‪ ،‬ﻓﺮﺣني مبﺎ أﻋﻄﺎﻫﻢ اﳌﻌﻠﻢ ﻣﻦ‬ ‫مسؤول عنهم‪ ،‬بل يكاد ال يؤمن باملسؤولية تجاههم فهم عبي ٌد ومن مسؤوليتهم‬ ‫ٍ‬ ‫ﻳﻀﺎﺟﻌﻮن اﻟﺤﻮرﻳﺎت واﻟﻨﺴﺎء ﻳﺸﺎﻫﺪن أزواﺟﻬﻦ‬ ‫اﻟﺬﻛﻮر‬ ‫وﻧﺒﻴﺬ‪،‬‬ ‫ﻓﺎﻛﻬ ٍﺔ‬ ‫آبائهم‪.‬‬ ‫كهم أي‬ ‫وإﺟﺎصام ُم َّل‬ ‫الرشعية احرت‬ ‫وﻳﺤﻔّﺰﻧﻬﻢ ﻋﲆ اﳌﺰﻳﺪ‪ .‬ﻛﻢ ﻫﻢ ﺳﻌﺪاء؟!‬ ‫لعل عقلك الباطن يقول لك إين أبالغ‪.‬‬ ‫ﺗﻮﻗﻒ‪،‬‬ ‫دون‬ ‫وﻳﺘﻀﺎﺟﻌﻮن‬ ‫اﻹﺟﺎص‬ ‫ﻳﺄﻛﻠﻮن‬ ‫ﻣﺘﻜﺌني إﱃ‬ ‫ﺳﻴﺒﻘﻮنإذًاﻋﲆعناﻷراﺋﻚ‬ ‫اﻷﺑﺪ‪،‬وتحداه أن ينكر إن سوء الرتبية والعناية‬ ‫املجتمع‪،‬‬ ‫سبب فساد‬ ‫فإسأله‬ ‫ﴫ ﻫﻨﺎ وذاك ﻟﻪ ٌ‬ ‫ﻣﻨﺰل ﻫﻨﺎك‪.‬‬ ‫ﻗ‬ ‫ﻟﻪ‬ ‫ﻫﺬا‬ ‫أي عدم ٌتحمل املسؤوليات األخالقية والعاطفية والنفسية‪ -‬من أحد أهم‬‫األسباب‪.‬‬ ‫ﻳﻮﺟﺪ أﻧﻬﺎ ٌر ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻴﺬ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﻜﺮ أو ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﻋﺼ ًريا ﻋﲆ اﻷرض‪ ،‬أﻧﻬﺎ ٌر‬ ‫ﻣﻦ‬ ‫اﻟﻌﺼري‪.‬أهم أسباب سوء الرتبية والعناية هو أن فكرة املسؤولية تكاد تكون‬ ‫وإن أحد‬

‫رصح‬ ‫منعدم ًة‪ ،‬لذا اآلباء وإن أدركوها وأقروا بها شفه ًيا فأفعالهم وواقع الحال ي ّ‬ ‫ﻓﺠﺄ ٌة ﺧﻄﺮت ﰲ ﺑﺎﱄ ﻓﻜﺮة‪ ،‬ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻐﺎﻳﺔ ﺟﻨﺎنٍ‬ ‫ﻛﻴﻒ‬ ‫ﻟﻠﻤﻀﺎﺟﻌﺔ‬ ‫اﻷﺑﺪ؟ دون‬ ‫تردده إﱃاأللسنة‬ ‫ائجﻣﻦاملنترش الذي‬ ‫بالعكس‪ ،‬ألن الثقافة تغلب الكالم الر‬ ‫ﻫﺬا‬ ‫العاقلﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت أن‬ ‫العاملاﻟﻜﻮن؟‬ ‫وﻋﻈﻤﺔ‬ ‫السجونﻋﲆ‬ ‫ﻫﻲ اﻟﺠﻮاب‬ ‫ملموس‪.‬اﻟﺠﻨﺎن‬ ‫ﺗﻜﻮن ﻫﺬه‬ ‫بـ(اإلصالحيات)‬ ‫اﻟﻮﺟﻮدى يف‬ ‫التي ت ُس َّم‬ ‫وانظر إىل‬ ‫أث ٍر‬ ‫اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻗﴣ ﻋﲇ‪.‬‬ ‫اصطال ًحا وواق ًعا‪ ،‬بعكس التي عندنا والتي تنحرص تسميتها باإلصالحيات يف‬ ‫املصطلح والتسمية‪ ،‬دون أن يكون لها واقع‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪36‬‬

‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‬


‫وال تقل لهام‬ ‫أف وال تنهرهام‬ ‫الشيخ ديكارت‬

‫فكم من أطباء النفس يتابعون‬ ‫املساجني؟‬ ‫وما هي برامج السجون اإلصالحية‬ ‫لدينا؟‬ ‫وماذا عن النتيجة‪ ،‬هل يخرج املجرم‬ ‫صال ًحا أم يزيد إجرا ًما وطغيانًا وفخ ًرا‬ ‫بأنه كان مسجونًا؟‬ ‫سأدعك تفكر وتجيب نفسك بنفسك‪.‬‬ ‫ماذا عن العلم واملعرفة وحب‬ ‫االستطالع؟‬ ‫أليس الخوف من اآلباء وفكرة الطاعة لهم واملحبة الجربية وحرمة النهر واألف والجدال‪ ،‬وفكرة أن عقوقهم ومعاندتهم‬ ‫من تجلب غضب الرب أحد أهم أسباب اإلمتناع عن السؤال والنقاش وبناء جدرانٍ نفسي ٍة تفصل بني الطرفني‪ ،‬ومتنع‬ ‫الطفل من إطالق العنان ملخيلته ومصارحة والديه بأحاسيسه وأفكاره مهام كانت شاذ ًة ومرفوض ًة لديهم دون أن يخىش‬ ‫عقابهام أو غضبهام وسخطهام فيحل عليه غضب الخالق ويستحق جهنم؟‬ ‫فكيف تريدون خلق أجيا ٍل مبدع ٍة خالق ٍة وأنتم تحجرون عىل عقولهم وحرياتهم بثقاف ٍة ديني ٍة إقصائي ٍة للفكر استعبادي ٍة‬ ‫لإلنسان منذ الطفولة؟ نعم‪ ،‬قد ال يكون العامل العاقل مثال ًيا‪ ،‬وقد ال تكون سجونه مدارس أخالقٍ بامتياز وأبنائه علامء‬ ‫ٌ‬ ‫ورجال آليون مربمجون عىل فلسفة األخالق؛‬ ‫ذر ٍة بالجملة‬ ‫لكنه عىل األقل يسعى إىل بلوغ ذلك املستوى ويحاول من خالل تب ّنيه للعقل واملنطق كمرجعٍ وإقراره بأن اإلنسان أهم‬ ‫من األديان واآللهة‪ ،‬وتجاوز ما ال زلنا نتصارع لنتجاوزه ومل نفهم أنه سبب الرصاع‪ ،‬بل ومل نق ّر بأنه كذلك‪.‬‬ ‫أما العقالء فهم عقالء من يوم أق ّروا بأن االعرتاف بالخطأ أول خطوات العقالنية‪ ،‬ولهذا السبب سميتهم بـ (العامل العاقل)‪.‬‬

‫‪16‬‬


17


‫مشكل ٌة يف فهم االنتقاء الطبيعي‬ ‫من أسباب الفهم الخاطئ لنظرية التطور‬ ‫عرب االنتقاء الطبيعي يعود الستخدام‬ ‫كلمة “تطور”‪ ،‬إذ أ ّن كلمة تطور تعطي‬ ‫انطبا ًعا وكأ ّن العملية هي عملية ّ ٍ‬ ‫تغي‬ ‫إىل األفضل‪ .‬فالتطور ليس عملية‬ ‫تغيري (من صفة إىل أخرى)‪ ،‬إذ أنّه‬ ‫ال يوجد كائ ٌن واح ٌد تتبدل صفاته‬ ‫أثناء فرتة حياته‪ .‬إمنا التطور هو‬ ‫موت الكائنات قبل وصولها إىل‬ ‫ألسباب تتعلّق‬ ‫مرحلة التكاثر‬ ‫ٍ‬ ‫مبواصفاتها‪ ،‬وبقاء الكائنات‬ ‫التي تستطيع البقاء إىل‬ ‫ما بعد مرحلة التكاثر‬ ‫بسبب مواصفاتها‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ً‬

‫مصطفى عابدين‬ ‫‪18‬‬


‫مشكل ٌة يف فهم االنتقاء الطبيعي‬ ‫مصطفى عابدين‬

‫طابق‬ ‫تخيل معي بر ًجا عا ٍل ج ًدا يتألف من عدة طوابق‪ّ ،‬‬ ‫وكل ٍ‬ ‫يتألف من كر ٍة كبري ٍة توجد يف أسفلها بواب ٌة‪ ،‬ويتدىل منها‬ ‫زجاجي يصل الطابق األعىل بالطابق األسفل‪ .‬يف أسفل‬ ‫عنق‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫عنق الزجاجة توجد فتحاتٌ بأشكا ٍل محدد ِة (مثلثات‪ ،‬دوائر‪،‬‬ ‫مستطيالت‪ ،‬مثمنات‪ ،‬مخمسات‪ ..‬إلخ)‪.‬‬ ‫ألي يش ٍء أن مي ّر من هذه الفتحات ّإل إذا كان حجمه‬ ‫ال ميكن ِّ‬ ‫وشكله متناس ًبا مع الفتحات‪.‬‬ ‫متثيل املج ّمع الجيني‬ ‫الجينات يف الطبيعة هي ما متثل الخواص واملواصفات التي‬ ‫متتلكها األحياء‪ ،‬إذ أنّها ت َُتجم إىل الربوتينات التي تشكّل الجسد‪.‬‬ ‫لنتخيل أنّه لدينا مجم ًعا جين ًّيا يتألف من ماليني القطع‬ ‫البالستيكية الشبيهة بقطع الليجو‪ .‬تأيت هذه القطع بأشكا ٍل‬ ‫وألوانٍ مختلفة‪ :‬مثلثات‪ ،‬دوائر‪ ،‬مستطيالت‪ ،‬مثمنات‪ ،‬مخ ّمسات‪..‬‬ ‫كل واحد ٍة من هذه القطع البالستيكية ت ُساهم يف تحديد‬ ‫إلخ‪ُّ ،‬‬ ‫مواصفات الشكل النهايئ‪.‬‬ ‫الضغوط الطبيعية واملؤثرات التطورية‬ ‫طابق من الربج ُيثل األولوية‬ ‫لنعود ملثال الربج العايل الذي يتألف من الكرة الكبرية‪ّ .‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫البقائية يف الطبيعة‪ .‬األولوية البقائية ببساط ٍة تعني الظروف البيئية التي قد تؤدي ملوت‬ ‫كل فتح ٍة من األشكال عىل البوابات املوجودة يف أسفل طوابق البناء متثّل‬ ‫الكائن‪ .‬اآلن ّ‬ ‫الضغوط املتعلقة بهذه األولوية‪.‬‬ ‫مثل‪ :‬الفتحات املوجودة يف الطابق األول (من أعىل الربج) يف بنائنا االفرتايض متثل القدرة‬ ‫ً‬ ‫عىل تأمني الطاقة‪.‬‬ ‫جميع األشكال التي ال تستطيع العبور من الطابق العلوي (تأمني الطاقة) ستنقرض‬ ‫وتبقى يف هذا الطابق دون أن تُتابِع الرحلة إىل الطابق الثاين‪ .‬بهذا تكون قد بدأت رحلة‬ ‫‪19‬‬


‫مشكل ٌة يف فهم االنتقاء الطبيعي‬ ‫مصطفى عابدين‬

‫التطور‪ ،‬وفقط القطع البالستيكية التي تستطيع املرور من الفتحات املتواجدة يف املرحلة األوىل ستتمكن من العبور‪.‬‬ ‫نتيجة هذا العبور سيتم انتقاء األشكال القادرة عىل تأمني الطاقة فقط والبقية ستنقرض وتخرج خارج املجمع الجيني‪.‬‬ ‫هذه األشكال التي ال تستطيع تأمني الطاقة يتم رميها خار ًجا يف سلة االنقراض‪.‬‬ ‫متثل الفتحات املوجودة ضمن البوابة األوىل االسرتاتيجيات املختلفة لتأمني الطاقة واستقالبها‪ ،‬وبالتايل جميع األشكال‬ ‫ٌ‬ ‫أشكال تستطيع تأمني الطاقة مهام اختلفت الوسائل‪ .‬هذا يعني أ ّن األشكال‬ ‫التي تستطيع املرور من هذه العقبة هي‬ ‫التي نجحت بالعبور ليست نفس األشكال‪ ،‬لكن جميعها قادر ٌة عىل تأمني الطاقة بصور ٍة ما‪.‬‬ ‫الطابق القادم هو طابق التكاثر‬ ‫مختلف بعض اليشء‪ ،‬إذ أ ّن الفتحات يف األسفل عىل الرغم من أنّها كبري ٌة مبا يكفي ّإل أَّنّها تتغري طوال‬ ‫هذا الطابق‬ ‫ٌ‬ ‫أي من األشكال البالستكية املوجودة‪ ،‬والطريقة الوحيدة للعبور نحو الطابق األسفل هي‬ ‫الوقت‪ .‬الفتحات ال تنطبق مع ٍّ‬ ‫أشكال تتناسب مع الفتحات‪ .‬هذا يعني أ ّن الضغط التطوري يف هذه املرحلة سينتقي‬ ‫ً‬ ‫أن تتحد هذه القطع وتشكّل‬ ‫أشكال مختلف ًة‬ ‫ً‬ ‫األشكال القادرة عىل االتحاد فقط والبقية ستعلق عىل هذا الطابق وتنقرض‪ .‬بالفعل تتحد القطع وتشكل‬ ‫ومتنوع ًة‪ .‬نجد أنّه يف هذه املرحلة الكثري من القطع مل تستطع االتحاد بشكلٍ‬ ‫مناسب وانتهى بها األمر يف سلة االنقراض‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إذًا يف هذه املرحلة أصبحت لدينا قط ٌع بالستيكي ًة (جينية) قادر ًة عىل استقالب الطاقة بطرقٍ مختلف ٍة‪ ،‬وقادر ًة عىل‬ ‫التكاثر عن طريق االتحاد مع قطعٍ أخرى بعد تشابك هذه القطع الجينية ومرورها إىل املستوى األسفل ضمن برجنا‬ ‫التطوري‪.‬‬ ‫يف هذا الطابق يوجد رش ٌط جدي ٌد للعبور‪ ،‬وذلك بأن تكون القطع قادر ٌة عىل تأمني الطاقة وتستطيع االلتحام‪ ،‬رشط أن‬ ‫تنتج عن هذا االتحاد ألوانًا مخطط ًة‪ .‬هذا الرشط الجديد يعني أ ّن جميع القطع غري املخططة سينتهي بها األمر يف سلة‬ ‫االنقراض عىل الرغم من عبورها للمرحلتني السابقتني‪.‬‬ ‫نتيجة الرحلة‬ ‫مع الوقت وعندما نصل إىل أسفل البناء سنجد أن القطع التي استطاعت املرور عرب جميع الطوابق هي القطع األقدر‬ ‫ٍ‬ ‫جينات‬ ‫عىل املرور من جميع الفتحات السابقة‪ ،‬لك ّنها مل تتغري خالل الرحلة ليك تستطيع العبور‪ .‬أجسامنا تتشكل من‬ ‫شبيه ٍة بهذه القطع البالستكية وفقط الجينات التي استطاعت بناء أجسا ٍد قادر ٌة عىل التأقلم مع الضغوط البيئية‬ ‫استطا َعت البقاء‪ .‬أنت هنا اليوم ألن جسدك يتكون من آالف الجينات التي استطاعت أن تتعاون فيام بينها ومكّنت‬ ‫سلسل ًة طويل ًة من األسالف عىل البقاء واالستمرار يف رحلة الحياة‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫مشكل ٌة يف فهم االنتقاء الطبيعي‬ ‫مصطفى عابدين‬

‫عودة إىل مصطلح التطور‬ ‫القطع البالستيكية التي وصلت إىل املستوى األخري من الربج االفرتايض مل تتطور ومل تتغري اطالقًا منذ بداية الرحلة‪ ،‬وإنّ ا‬ ‫مستقبل قد تنشأ ضغو ٌط جديدة (رشو ٌط للعبور بني‬ ‫ً‬ ‫الظروف التي مرت بها سمحت لها بالوصول إىل هذه املرحلة‪.‬‬ ‫املستويات) ال تسمح لجميع القطع باملرور‪ .‬املراقب الخارجي الذي ينظر إىل القطعة النهائية يف أسفل الربج التطوري‬ ‫مصمم ذيكٍّ قام بتصميم قطعٍ قادر ٍة عىل استقالب الطاقة والتكاثر عرب االتحاد الثنايئ وأن تكون نتيجة‬ ‫قد يعتقد بوجود‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أشكال مخطط ٌة حرصيًا‪ ،‬لكن يف الواقع املُص ّمم هنا هو موت أو انقراض جميع األشكال التي مل تكن‬ ‫هذا االتحاد هي‬ ‫قادر ًة عىل املرور وبقاء األشكال القادرة عىل التأقلم مع فتحات الربج التطوري (الضغوط الطبيعية)‪.‬‬ ‫مصمم ذيكٍّ للمراقب الذي ال يدرس تفاصيل عملية التطور مفهوم ٌة بعض اليشء‪ ،‬إذ أ ّن النتيجة‬ ‫مغالط ُة اعتقاد وجود‬ ‫ٍ‬ ‫دقيق ج ًدا‪ .‬لكن يف الواقع‬ ‫شكل مخط ٌط قاد ٌر عىل استقالب الطاقة والتكاثر‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫النهائية ٌ‬ ‫شكل يتامىش مع البيئة بشكلٍ ٍ‬ ‫طبيعة فتحات الربج هي من صممت النتيجة النهائية وليس كائ ٌن وا ٍع ذيكٍّ صمم هذه األشكال‪.‬‬ ‫وقضت عىل هؤالء‬ ‫عىل سبيل املثال‪ ،‬فقد نجحت جميع األمراض القاتلة التي كانت تصيب األطفال يف املايض يف مهمتها‪َ ،‬‬ ‫األطفال قبل أن يصلوا مرحلة التكاثر‪ ،‬وبالتايل اختفت جينات هؤالء األطفال من املجمع الجيني وبقي األطفال الذين‬ ‫ميتلكون مناع ًة من تلك األمراض‪.‬‬ ‫الخارجي أ ّن األطفال الذين بقوا حتى اليوم قد تطوروا بحيث يستطيعون التغلب عىل هذه األمراض‪،‬‬ ‫قد يظن املراقب‬ ‫ّ‬ ‫لكن يف الواقع‪ ،‬العملية أشبه باصطفاء األطفال الذين لديهم مناع ٌة عىل حساب الذين ليست لديهم مناعة‪ .‬ال يوجد‬ ‫مصم ٌم صمم أطفالً جد ًدا قادرين عىل مكافحة هذه الفريوسات‪ .‬فقط بقي من هم قادرون عىل مكافحة املرض‪ .‬عىل‬ ‫مرض معني (فتحة يف الربج‬ ‫فرض جاء ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫جينات مت ّر منها‬ ‫أي‬ ‫التطوري) وال توجد ّ‬ ‫أو بقو ٍل آخر ال توجد طفراتٌ جيني ٌة‬ ‫قادر ٌة عىل العبور للمرحلة القادمة‪،‬‬ ‫شامل للنوع‪.‬‬ ‫اض ٌ‬ ‫فإ ّن النتيجة هي انقر ٌ‬ ‫يف الواقع هكذا يحدث االنقراض‪ .‬ليس‬ ‫أي‬ ‫بالرضورة أن يكون‬ ‫فريوسا وإنّ ا ّ‬ ‫ً‬ ‫مالئم للنوع وال توجد‬ ‫بيئي غري ٍ‬ ‫تغيريٍ ٍّ‬ ‫ما تكفي من الطفرات الجينية لتجاوزه‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫مشكل ٌة يف فهم االنتقاء الطبيعي‬ ‫مصطفى عابدين‬

‫مثل لو فجأ ًة انخفض مستوى األوكسيجني بشكلٍ كبريٍعىل كوكب األرض فهذا ال يعني انتهاء الحياة بشكلٍ كاملٍ بسبب‬ ‫ً‬ ‫بنسب ضئيلة‪ ،‬لكن الكثري من األحياء ستنقرض بسبب‬ ‫وجود بعض الكائنات التي تستطيع أن تعيش دون أوكسجني أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أشكال كافي ٌة قادر ٌة عىل العبور من خالله‪ .‬مع‬ ‫كون هذا التغيري الكبري فتح ًة غريبة الشكل يف الربج التطوري‪ ،‬فال توجد‬ ‫الوقت ستتكاثر الكائنات التي ال تحتاج لألوكسجني عىل حساب الكائنات التي ماتت‪ ،‬فيأيت املراقب الخارجي ويعتقد‬ ‫مصمم ذك ًّيا قام بتصميم أحيا ٍء تعيش دون أوكسجني‪.‬‬ ‫أ ّن‬ ‫ًّ‬ ‫امللخص‬ ‫كلمة تطور ال ترشح العملية بشكلٍ ٍ‬ ‫تغيا عىل مستوى الفرد من حال ٍة إىل أخرى‪ ،‬وإنَّ ا بقاء‬ ‫جيد‪ ،‬أل ّن ما يحدث ليس ّ ً‬ ‫ٍ‬ ‫مواصفات مالمئ ٍة لبقائهم‪ .‬لهذا عملية التطور ليست عملي ًة ذكي ًة مربمج ًة وليس لها ٌ‬ ‫هدف‪ ،‬وإنّ ا‬ ‫األفراد الذين ميتلكون‬ ‫عبار ٌة عن نتيج ٍة ملوت جميع الكائنات التي مل تستطيع البقاء مقابل نسب ٍة ضئيل ٍة ج ًدا ممن لديهم مواصفاتٌ ساعدتهم‬ ‫عىل البقاء حتى اآلن‪.‬‬ ‫فاالنقراض هو الحالة العامة والبقاء هو االستثناء‪.‬‬

‫‪https://secularegypt.com‬‬

‫نحن حركة فكرية مرصية مستقلة‪ ،‬نهتم بشكل أسايس بنش وتعزيز قيم العلامنية ىف مرص‪،‬‬ ‫ملواجهة األصولية والخطاب الواحد ىف املجتمع املرصي‪ ،‬وذلك بشتى طرق وأساليب التوعية من‬ ‫تدشي منتديات نقاشية‪ ،‬حمالت توعية‪ ،‬إقامة مؤمترات وورش عمل‪ ،‬إصدار نشات إلكرتونية‬ ‫وأوراق عمل لتعزيز قيم العلامنية ىف املجتمع املرصي‪.‬‬ ‫‪22‬‬


http://www.thelandofsands.blogspot.com

23


‫الفلسفة‬ ‫يف خدمة‬ ‫الله‬ ‫يف عصور ما قبل املنهج العلمي‬ ‫التجريبي‪ ،‬كانت الفلسفة هي‬ ‫املصدر «العلمي» الوحيد للمعرفة‪،‬‬ ‫ولهذا كان الفالسفة يُشكلون النخبة‬ ‫املُفكّرة‪ ،‬ولهذا شغلوا وظائف ُمهم ٍة‬ ‫أخرى‪ ،‬فكان الفيلسوف طبي ًبا‪،‬‬ ‫وفلك ًّيا‪ ،‬وعامل رياضيات‪ ،‬وفيزيائ ًيا‪،‬‬ ‫هندسا‪ ،‬وميكانيك ًيا‪ ،‬وباختصار‪،‬‬ ‫و ُم ً‬ ‫كان الفالسفة هم علامء ذلك‬ ‫العرص‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪Hisham Adam‬‬


‫الفلسفة يف‬ ‫خدمة الله‬ ‫وأل ّن هدف الفلسفة األسايس هو تفسري هذا العامل‪ ،‬وكشف أرساره‪ ،‬وإيجاد‬ ‫تفسري ٍ‬ ‫ات لظواهره‪ ،‬فكان الناتج إرث ًا كب ًريا من املقوالت الفلسف ّية الخاطئة (بل‬ ‫والسخيفة أحيانًا)‪ ،‬والتي شكّلت علوم ذلك الزمان‪ ،‬ومنها نظريات الفالسفة‬ ‫مثل‪ ،‬والتي يتناول فيها تكوين‬ ‫الخاطئة حول علم األحياء‪ ،‬ومنها مقوالت أرسطو ً‬ ‫األجنة‪ ،‬والتي ال عالقة لها بالعلم‪ ،‬وكذلك نظريات الفالسفة الخاطئة حول علم‬ ‫الكونيات (الفلك)‪ ،‬وكيف أ ّن الفالسفة (قبل كوبرنيكوس) كانوا يعتقدون بأ ّن‬ ‫األرض هي مركز الكون‪ ،‬وأنّها ُمسطح ٌة‪ ،‬وأ ّن الشمس (بل كل الكواكب) تدور‬ ‫حولها‪ ،‬وكذلك نظريات الفالسفة الخاطئة حول علم الحركة والجاذبيّة‪ ،‬بنا ًء‬ ‫عىل فكرة مركزيّة األرض‪ ،‬بل أ ّن بعض الفالسفة نفى الحركة وأبطلها‪ ،‬كام فعل‬ ‫الفيلسوف زينون اإلييل يف ُمفارقته التي ُس ّميت باسمه (‪،)Zeno’s paradox‬‬ ‫واألمثلة كثري ٌة ج ًدا عىل تهافت الفالسفة يف ُمحاوالتهم لرشح وتفسري الظواهر‬ ‫الطبيعيّة‪.‬‬ ‫وكان السبب الرئييس وراء هذه اإلخفاقات الكبرية يف تفسري الظواهر الطبيع ّية‬ ‫هو تأثر العقل الفلسفي باملبادئ املثال ّية الذات ّية‪ ،‬والذي ينطلق يف حكمه عىل‬ ‫الظواهر الخارجيّة يف الطبيعة من تصوراته الذاتيّة لها‪ .‬وبطبيعة الحال كان‬ ‫تيا ٌر من الفالسفة يرفض هذه الفكرة‪ ،‬عىل اعتبار أ ّن العامل الطبيعي له وجو ٌد‬ ‫ستقل عن تصوراتنا الذهن ّية‪ ،‬وأنّه يتوجب علينا ‪-‬عند دراسة هذه الظواهر‪-‬‬ ‫ُم ٌ‬ ‫عدم إسقاط تصوراتنا الخاصة عليها‪ ،‬بل دراستها بشكلٍ‬ ‫موضوعي ُمستقلٍ متا ًما‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ولكن ‪-‬وبسبب غياب املنهج العلمي واألدلة العلميّة‪ -‬مل تكن مقوالت هؤالء‬ ‫قبول كب ًريا لدى العامة أو الخاصة‪ ،‬هذا باإلضافة إىل أ ّن غياب‬ ‫الفالسفة تج ُد ً‬ ‫املنهج العلمي عمل بشكلٍ كبريٍ ج ًدا عىل تضعيف هذا التيار الفلسفي‪ ،‬فكان‬ ‫املنهج املثايل هو السابق دامئًا عىل املنهج املادي‪.‬‬ ‫يف عرصنا الحايل‪ ،‬يلجأ بعض املثاليني إىل الفلسفة للربهنة عىل وجود “الله”‪،‬‬ ‫وهو ما حاول الفالسفة القدماء (أمثال أرسطو وأفالطون وغريهام) ِفعله؛‬ ‫فيقولون إنّه باإلمكان الربهنة عىل وجود “الله” فلسف ًيا‪ ،‬باالعتامد عىل بعض‬ ‫قسمون املوجودات إىل ثالثة أنواع‪:‬‬ ‫القواعد “املنطقيّة” والقواعد “العقليّة”‪ ،‬فيُ ّ‬ ‫‪ )1‬واجب الوجود‪.‬‬ ‫‪ )2‬ممكن الوجود‪.‬‬ ‫‪ُ )3‬مستحيل الوجود‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫الفلسفة يف خدمة الله‬ ‫‪Hisham Adam‬‬

‫واجب‬ ‫بحيث يكون واجب الوجود هو املُح ّرك األ ّول‪ ،‬الذي يُعترب الوجود صف ًة ذات َّي ًة له‪ ،‬وكذلك من حيث إن وجوده‬ ‫ٌ‬ ‫لوجود املوجودات املُمكنة‪ .‬ولكن ما الذي جعل وجوده واج ًبا؟ ‪ ..‬وما الذي جعل الوجود صف ًة ذات ّي ًة له؟‬ ‫ايض غري ُملزم؟‬ ‫هل هنالك سبب “منطقي” أو “عقيل” لذلك أم هو حك ٌم افرت ٌّ‬ ‫الحقيقة أ ّن فكرة ذات ّية الوجود هذه كانت رضور ًة ‪-‬بالنسبة إليهم‪ -‬لتفادي التسلسل الالنهايئ لل ُمتح ّركات‪ ،‬أل ّن هذا‬ ‫عقل؟ وأي عقلٍ نقصد هنا بالتحديد؟‬ ‫“عقل”‪ .‬ولكن ملاذا هو غري مقبو ٍل ً‬ ‫التسلسل الالنهايئ ‪-‬بالنسبة إليهم‪ -‬غري مقبول ً‬ ‫هل هو العقل املُج ّرد أو هو العقل املُتح ّيز معرف ًيا؟‬ ‫املُعضلة األساس ّية يف تقسيم املوجودات إىل واجب‪ ،‬و ُممكن‪ ،‬و ُمستحيل‪ ،‬أنّها مبن ّي ٌة عىل تصور ٍ‬ ‫ات ذهن ّي ٍة ذات ّي ٍة ال أكرث‪ ،‬وال‬ ‫ستقل عن أذهاننا نحن‪ .‬وعندها سيكون الحكم عىل املوجود‬ ‫عالقة لها باملوجودات كام هي‪ ،‬من حيث إ ّن لها وجو ًدا ُم ً‬ ‫كم ذات ًيا‪ ،‬ال عالقة للموجود به‪ ،‬ألنّه ال ُيكننا إيجاد العالقة بني املوجود وبني ال ُحكم عىل‬ ‫بأنّه “واجب” أو “ ُممكن” ُح ً‬ ‫وصف ذايت‪ ،‬ال ُيكننا‬ ‫وجوده بالوجوب أو باإلمكان ّية‪ .‬ولهذا فإ ّن وصف واجب الوجود بأ ّن الوجود هو صف ٌة ذات ّي ٌة له‪ ،‬هو ٌ‬ ‫لسبب ٍ‬ ‫تعي‪ ،‬أي ال ماهيّة له‪ ،‬وكل‬ ‫إيجاد العالقة بني الوصف وبينه‪ ،‬وذلك‬ ‫ٍ‬ ‫بسيط ج ًدا‪ ،‬وهو أ ّن واجب الوجود هذا غري ُم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وصف ميكن أن يُطلق عليها‪ ،‬دون أن ميتلك اآلخرون أي وسيل ٍة إلنكار هذه الصفات أو‬ ‫الالماه ّيات قابل ٌة الحتامل أي‬ ‫تفنيدها‪ .‬فنحن بحاج ٍة إىل التعيني حتّى ُيكننا إخضاع الصفات إىل االختبار‪ ،‬لنتأكد من كونها صحيح ًة و ُمطابق ًة لها أم ال‪.‬‬ ‫مثل‪“ :‬أضالع املُربع ُمتساوية‪ ”.‬فإنّه ُيكننا اختبار هذا الوصف‪ ،‬والتأكد من صحته‪ ،‬رغم أ ّن املُربع (واألشكال‬ ‫فعندما أقول ً‬ ‫تجريدي ذهني‪ ،‬وكذلك كام يف قولنا‪“ :‬العرشة أكرب من الواحد‪ ”.‬فرغم أ ّن األرقام هي عبار ٌة‬ ‫الهندسيّة عمو ًما) مفهو ٌم‬ ‫ٌّ‬ ‫عن مفاهيم تجريديّة‪ ،‬ال وجود لها ّإل يف أذهاننا‪ ،‬ولكن ُيكننا إخضاع هذا املفهوم لالختبار‪ ،‬لنتأكد من ص ّحة املقولة‪.‬‬ ‫تجريدي ُيكن تجسيده‪ ،‬ف ُيمكن أن نقوم برسم املُربع‬ ‫مفهوم‬ ‫نُالحظ أنّنا يف املثال األول (مثال املربع)‪ ،‬اعتمدنا عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫عىل الورق‪ ،‬وعندها ُيكننا إنزال هذه الصورة الذهن ّية من حيز املُج ّردات إىل حيز التعيني‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة إىل‬ ‫املثال الثاين (مثال األعداد)‪ ،‬فرغم كون األعداد مفاهيم تجريديّة؛ إلّ أنّه ُيكننا إنزالها من حيز التجريد الذهني إىل‬ ‫حيز التعيني‪ ،‬وذلك باستبدال الصورة الذهن ّية للعدد عرشة مبرمو ٍز يدل عليها‪ ،‬كالتفاح أو الكرات أو غريها مام يحمل‬ ‫ٍ‬ ‫مثل‪ ،‬ونضعها مقابل تفاح ٍة واحدة‪ ،‬ونُجري اختبارنا عىل املُتع ّينات التي ترمز إىل‬ ‫تفاحات ً‬ ‫مرموزها الذهني؛ فنأخذ عرش‬ ‫تلك املفاهيم التجريديّة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وصف يُطلق عليها‪ ،‬وهو ما ال ُيكننا إسقاطه عىل مفهوم “الله”‬ ‫ومن هنا يتضح لنا أهميّة التعيني يف اختبار ص ّحة أي‬ ‫تجريدي‬ ‫مفهوم‬ ‫ُطلق عىل أي‬ ‫ٍ‬ ‫تعي‪ ،‬ويف ظل غياب املاه ّية ال ُيكننا أب ًدا اختبار أي صف ٍة ُيكن أن ت َ‬ ‫ٍّ‬ ‫التجريدي‪ ،‬ألنّه غري ُم ّ‬ ‫قلت‪“ :‬األسد من آكالت األعشاب‪ ”.‬ف ُيمكن لكل ٍ‬ ‫شخص يعرف األسد أن يُف ّند هذه املقولة‪،‬‬ ‫ذهني‪ .‬فعىل سبيل املثال لو ُ‬ ‫‪26‬‬


‫الفلسفة يف خدمة الله‬ ‫‪Hisham Adam‬‬

‫ويُثبت عكسها‪ ،‬بنا ًء عىل التعيني القائم لألسد نفسه كموضو ٍع ُمستقلٍ عن‬ ‫تصورايت الذهن ّية الذات ّية‪ ،‬والتي كانت األساس يف تكويني لتلك املقولة‪ ،‬رغم‬ ‫أ ّن وصف “آكل لألعشاب” يف حد ذاته ال يحتوي عىل ُمشكل ٍة منطق ّية‪،‬‬ ‫ولكن املُشكلة جاءت من اقرتان هذه الصفة باملُتعني “األسد”؛ ولكن إن‬ ‫قلت‪“ :‬الثعبوم من آكالت األعشاب‪ ”.‬فلن يستطيع أح ٌد أن يُجادلني يف‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬أل ّن املُشكلة هنا ليست يف ص ّحة الصفة أو عدمها‪ ،‬بل يف عدم التعيني‪،‬‬ ‫فنحن يف الحقيقة نجهل ماه ّية الثعبوم‪ ،‬وبالتايل فإنّه ليس بإمكاننا الحكم‬ ‫عىل صفات غري املُتعني‪ ،‬فال نستطيع إثباتها‪ ،‬وال نستطيع نفيها‪ .‬ولهذا فإ ّن‬ ‫الال ُمتعني يقبل أي صف ٍة ُيكن أن تُطلق عليه‪ ،‬أل ّن الالماه ّيات هي ُمج ّرداتٌ‬ ‫ذهنيّة‪ ،‬خاضع ٌة للعامل الذايت متا ًما‪.‬‬

‫الثعبوم‬

‫كذلك األمر عندما يكون نقاشنا حول املقوالت أو التصورات الذهن ّية الذات ّية‪ ،‬حتّى لل ُمتعينات أو املاه ّيات‪ ،‬فعندما‬ ‫كم ذايت‪ ،‬ال ُيكن نقده‪ ،‬أل ّن لها جذو ًرا تتعلّق بالخربات‬ ‫أقول ً‬ ‫مثل‪“ :‬القطط حيواناتٌ رائعة” فهذه املقولة تنطوي عىل ُح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حيوانات رائعة‪ ،‬بل قد‬ ‫شخص آخر ال يرى القطط‬ ‫الذات ّية للشخص‪ ،‬ولكنها ال تصح أن تُطلق ك ُح ٍ‬ ‫كم عام‪ ،‬ألنّه قد يُوجد ٌ‬ ‫يخاف منها‪ ،‬كأولئك املصابني برهاب القطط (‪.)Ailurophobia‬‬ ‫تعي) ال ُيكن نقدها أو تفنيدها‪َ ،‬إل بتصور ٍ‬ ‫أيضا‪ ،‬ويف هذه‬ ‫ات ذات ّي ٍة ً‬ ‫فمثل هذه األحكام والتصورات الذات ّية (حتّى عىل امل ُ ّ‬ ‫تعي والتصور‬ ‫حكم موضوع ًيا ً‬ ‫الحالة ال يكون حكمنا (سل ًبا أو إيجابًا‪ ،‬قبولً أو ً‬ ‫رفضا) ً‬ ‫قابل للتعميم‪ ،‬أل ّن العالقة بني امل ُ ّ‬ ‫الذهني هي عالقة تجرب ٍة شخص ّية‪ ،‬ولهذا يجب أن تكون العالقة بني التصور الذهني (الوصف)‪ ،‬وبني املُتعني عالق ًة‬ ‫موضوعيّ ًة ُيكن الفصل فيها‪ ،‬متا ًما كام يف مثال “األسد” السابق ذكره‪.‬‬ ‫ستقل‬ ‫وهذه هي ُمعضلة الفلسفة املثال ّية‪ :‬إنّها تنطلق من الذات للحكم عىل املوضوع‪ ،‬رغم أ ّن املوضوع له وجو ٌد ُم ٌ‬ ‫متا ًما عن تصوراتنا الذات ّية‪ ،‬فالواجب أن يكون العكس‪ ،‬بأن يكون الواقع هو املادة األساس ّية لتكوين التصورات الذهن ّية‪،‬‬ ‫وهو الذي عليه املذهب املادي الفلسفي‪ .‬فإذا قال شخص‪“ :‬الوجود صف ٌة ذات ّي ٌة لله‪ ”.‬فهل ُيكن الفصل يف هذه املسألة‬ ‫يف ظل غياب التعيني؟ وهل ُيكننا إيجاد العالقة بني املُتعني الذهني وبني الوصف الذهني؟ ألنّه إن كان “الله” موجو ًدا‬ ‫ستقل عن التصورات الذهن ّية لهذا الشخص‪ ،‬وليس محكو ًما بها‪ ،‬أل ّن عدم التعيني أو غياب املاه ّية‬ ‫فعل‪ ،‬فسوف يكون ُم ً‬ ‫ً‬ ‫تُفيض إىل ذلك‪ ،‬عىل العكس من حكمنا عىل األسد بأنّه من آكالت اللحوم‪ ،‬فالوصف هنا ُملز ٌم لل ُمتعني‪ ،‬أل ّن الوصف‬ ‫نفسه بُني عىل املُتعني من حيث هو كائ ٌن بشكلٍ ُمستقلٍ عن تصوراتنا‪ ،‬فتصوراتنا ‪-‬يف هذه الحالة‪ -‬نشأت نتيج ًة‬ ‫لل ُمتعني‪ ،‬ولكن يف حالة “الله” فإ ّن العكس هو الصحيح‪ ،‬فالتصورات الذهن ّية هي التي أنشأته‪ ،‬ولهذا قال القائلون إ ّن‬ ‫“الله” من ُصنع اإلنسان‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫الفلسفة يف خدمة الله‬ ‫‪Hisham Adam‬‬

‫أيضا تعريض مفهوم “العقل” ‪-‬الذي يحتكم إليه هؤالء‪ -‬إىل النقد والتمحيص‪ ،‬لنفهم أي عقلٍ هذا الذي يحت ّجون‬ ‫ويهمنا ً‬ ‫مثل‪ ،‬قائلني بأنّه ُم ٌ‬ ‫دليل يستندون إليه‬ ‫عقل‪ ،‬فلامذا هو كذلك؟ هل يوجد ٌ‬ ‫حال ً‬ ‫به عند رفضهم لفكرة التسلسل الالنهايئ ً‬ ‫يف تب ّني هذا املوقف؟ الحقيقة إ ّن الدليل الوحيد الذي يستندون إليه هو تعارض فكرة التسلسل الالنهايئ مع فكرة العلّة‬ ‫أصل من اخرتاعهم‪ .‬عىل أنّه ال ُيكن دامئًا االحتكام إىل فكرة “املعقوالت” للحكم عىل الواقع‪ ،‬أل ّن الواقع‬ ‫األوىل‪ ،‬التي هي ً‬ ‫فعل)‪ ،‬كفكرة تواجد يش ٍء ما‪ ،‬يف مكانني ُمختلفني يف‬ ‫نفسه ال يقوم عىل املعقوالت‪ ،‬بل عىل الكينونة (أي ما هو كائ ٌن ً‬ ‫الوقت نفسه (كام هو الحال يف ال ُجسيامت دون الذريّة)‪.‬‬ ‫إ ّن العلوم الحديثة والتي تتعامل ‪-‬يف تفسريها للعامل‪ -‬مع الواقع‪ ،‬كامد ٍة مستقل ٍة عن وعينا‪ ،‬هو ما يجعل نتائجها ُمستقل ًة‬ ‫أيضا‪ ،‬فسواء اقتنعنا بها أو مل نقتنع فهي حقيق ّية‪ ،‬وسواء أعجبنا ذلك أو مل يُعجبنا فهي حقيق ّية‪ ،‬والواجب‬ ‫عن وعينا ً‬ ‫عندها ‪-‬ليك نكون “عقالنيني”‪ -‬أن نُكيّف وعينا العقيل بنا ًء عىل العلوم‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬أل ّن املُشكلة الحقيقيّة والكربى‬ ‫يف نقاشات املُلحدين مع الربوبيني عىل اختالف أنواعهم ليست ُمشكل ًة يف طبيعة األفكار وحسب‪ ،‬بل يف طريقة التفكري‬ ‫يف املقام األول‪ ،‬فالطريقة املثال ّية “الذات ّية” يف تفكري الربوبيني‪ ،‬هي ما تجعل النقاش ‪-‬يف غالبه‪ -‬بال طائلٍ يُذكر‪ ،‬ليس‬ ‫أل ّن األفكار املطروحة من كال الجانبني غري ُمقنعة‪ ،‬بل أل ّن طريقة التفكري ُمختلف ٌة متا ًما‪ ،‬فكل فكر ٍة يتم طرحها تخضع‬ ‫ٍ‬ ‫لعمليات ذهنيّ ٍة محكوم ٍة بطريقة التفكري الخاصة بكل شخص‪،‬‬ ‫فإن كان مثال ًيا فإنّه سوف يُخضع األفكار ملنظومة التصورات‬ ‫الذهن ّية التي ت ُشكل قاعدة البيانات األساس ّية بالنسبة إليه‪ ،‬وإن‬ ‫كان ماديًا فإنّه سوف يجد صعوب ًة يف دهن الواقع بتصوراته‬ ‫الذهن ّية كام يفعل املثايل‪.‬‬ ‫هذا إضاف ًة إىل أ ّن الربوبيني يعتمدون يف ُمحاوالت إثبات‬ ‫حجج إلثبات “وجود”‬ ‫“الله” عىل حج ٍج هي ‪-‬يف أساسها‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫الله‪ ،‬وذلك انطالقًا من الفكرة املغلوطة عن طبيعة اإللحاد‪.‬‬ ‫فالفكرة املنترشة لدى الربوبيني عن املُلحدين أنّهم يُنكرون‬ ‫خالق لهذا الكون‪ ،‬ويفرتضون أ ّن‬ ‫وجود الله‪ ،‬ويُنكرون وجود ٍ‬ ‫الصدفة هي التي أنشأت الكون‪ ،‬وبنا ًء عىل هذا االفرتاض‪ ،‬فإ ّن‬ ‫كل املحاوالت تصب يف دحض هذه الفكرة‪ ،‬يف حني أ ّن الحقيقة‬ ‫ُمغاير ٌة متا ًما‪ ،‬فاإللحاد (كمنهج مادي) يُقر متا ًما بوجود “خالق”‬ ‫للكون‪ ،‬أل ّن الكون بالنسبة إىل امللحد(بحسب العلم وليس‬ ‫بحسب تصوراته الذهنيّة) هو نتيج ٌة عرضيّة‪ ،‬وبالتايل فإنّه البد‬ ‫سبب له‪ ،‬وهنا يكون الفارق بني امللحد والربويب‪،‬‬ ‫من وجود ٍ‬ ‫‪28‬‬


‫الفلسفة يف خدمة الله‬ ‫‪Hisham Adam‬‬

‫فاملُلحد يرفض استخدام ُمصطلح “خالق” ويستخدم بدلً عنه ُمصطلح “سبب”‪ ،‬واملسألة هنا ليست ُمج ّرد عنا ٍد أو‬ ‫لفظي وحسب‪ ،‬ولكن عدم التعيني هو ما يجعلنا نختار ُمصطل ًحا ُمحاي ًدا ال ييش‬ ‫رغب ٍة يف االختالف أو حتى تباينٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫لغوي ٍّ‬ ‫مبعرفتنا باملاهيّة‪ ،‬يف حني أ ّن هذا غري ُمتحقّق‪ ،‬ف ُمصطلح “خالق” يُوحي بالعقل واإلرادة والقصد‪ ،‬يف حني أنّنا ال نعرف‬ ‫“يقي ًنا” ما إذا كان الكون قد نتج عن ٍ‬ ‫قصد أو كنتيج ٍة طبيع ّي ٍة لسلسل ٍة من األسباب‪ ،‬ولهذا فنحن نُطلق عليه لفظ‬ ‫–مثل‪ -‬هام‬ ‫موضوعي من القض ّية‪ ،‬فأيب وأمي ً‬ ‫موقف‬ ‫“سبب”‪ ،‬عىل أ ّن السبب هو ُمصطلح “ ُمحايد” متا ًما‪ ،‬ولهذا فهو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫“السبب” يف وجودي يف هذا العامل‪ ،‬وأيب وأمي “عاقالن”‪ ،‬فلفظة “سبب” هنا مل ِ‬ ‫تنف صفة العقل‪ ،‬ويف الوقت ذاته‬ ‫والدي مل “يُريدا” وجودي تعيي ًنا‪ ،‬أل ّن اإلنجاب ‪-‬يف حقيقته‪ -‬هو‬ ‫فإ ّن نفس اللفظة ال تدل عىل “اإلرادة”‪ ،‬يف الواقع أ ّن‬ ‫ّ‬ ‫“نتيجة” للمامرسة الجنسيّة‪ ،‬ولكنه ال يُحقق اإلرادة‪ ،‬فالدافع الذي كان وراء مامرستهام للجنس هو “الرغبة الجنسيّة”‪،‬‬ ‫رضا‪ ،‬فإنّهام ‪-‬بالرضورة‪ -‬مل يُريدا إنجايب عىل التعيني بكل ما‬ ‫رصا حا ً‬ ‫وليس “اإلنجاب”‪ ،‬وحتّى لو قلنا إ ّن اإلرادة كانت عن ً‬ ‫ٍ‬ ‫سامت خاص ٍة وعامة‪ .‬وخالصة القول‪ :‬فإ ّن املُلحدين يتبنون لفظ “سبب”‪،‬‬ ‫اتصف به من صفات‪ ،‬وبكل ما أمتتع به من‬ ‫ُ‬ ‫موضوعي وعلمي‪ ،‬وليس عنا ًدا مع الربوبيني‪ ،‬أو استكبا ًرا عىل استخدام لفظة “خالق” كام يقول البعض‪.‬‬ ‫وصف‬ ‫ألنّه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مثال‬ ‫لقد عرفنا سابقًا أنّنا يجب أن نُكيّف عقولنا مع الواقع‪ ،‬ال أن نُكيّف الواقع لعقولنا وتصوراتنا الذهنيّة‪ ،‬ورضبنا ً‬ ‫بال ُجسيامت دون الذريّة‪ ،‬التي ُيكنها التواجد يف مكانني يف نفس الوقت‪ ،‬ضارب ًة بذلك عرض الحائط بكل القواعد‬ ‫وصحيح‬ ‫والقوانني العقل ّية‪ ،‬فإذا رفضت عقولنا تصديق ذلك‪ ،‬فإنّه باإلمكان إثباته تجريب ًيا‪ ،‬ولهذا قلنا إ ّن العلم قائ ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا فإنّه يكون الفصل والحكم يف‬ ‫برصف النظر عن مواقفنا وتصوراتنا الذهن ّية‪ ،‬ولهذا فإ ّن العلم‬ ‫موضوعي متا ًما‪ ،‬ولهذا ً‬ ‫ٌ‬ ‫القضايا الخالف ّية‪،‬‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫فإذا رفضت عقولنا مبدأ الالنهاية ً‬ ‫مثل‪ ،‬فبإمكان العلم إثباته‪ ،‬فاألعداد املوجبة ال نهائ ّية‪ ،‬واألعداد السالبة ال نهائ ّي ٌة ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وإذا قمنا بطرح الالنهايئ (‪ )Infinity‬من الالنهايئ فإنّنا نحصل عىل‬ ‫وكذلك فإ ّن أعداد أي شكلٍ هنديس ال نهائ ّي ٌة ً‬ ‫أيضا‪ ،‬رغم أ ّن املنطق “العقيل” يقول إ ّن النتيجة يجب أن تكون(صف ًرا)‪ ،‬ولكن سواء ص ّدقنا ذلك‬ ‫العدد باي (‪ )π‬الالنهايئ ً‬ ‫ويكن إثبات ذلك‬ ‫أم مل نُصدق‪ ،‬وسواء اقتنعنا بذلك أم مل نقتنع فإ ّن الالنهاية هي حاصل طرح الالنهاية من الالنهاية‪ُ ،‬‬ ‫والربهنة عليه رياضيًا‪.‬‬ ‫عقل‪ ،‬فهل ذلك صحيح؟‬ ‫ستحيل ً‬ ‫ٌ‬ ‫اآلن‪ ،‬عندما يقول لنا الربوبيون إ ّن تسلسل املوجودات إىل ما ال نهاية هو ُم‬ ‫الحقيقة أ ّن هذه االستحالة ُمشابه ٌة متا ًما الستحالة تصديق وجود ُجسيمني يف مكانني يف ٍ‬ ‫وقت واحد‪ ،‬واستحالة التصديق‬ ‫بأ ّن الالنهاية هو حاصل طرح الالنهاية من الالنهاية‪ ،‬أي أنّها من الالمعقوالت ب ُحكم أنّها غري قابل ٍة للتصور الذهني‪ ،‬ولكن‬ ‫هذا ال يعني أنّها غري قابل ٍة لإلثبات سوا ٌء التجريبي (كام يف مثال ال ُجسيامت دون الذريّة)‪ ،‬أو الربهان الريايض (كام يف‬ ‫مثال الالنهاية)‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫الفلسفة يف خدمة الله‬ ‫‪Hisham Adam‬‬

‫ولكن هل عندما يزعم املُلحدون بعدم استحالة التسلسل الالنهايئ يفعلون ذلك بدافعٍ ذايت‪ ،‬كام يفعل املثاليون أو‬ ‫الربوبيون؟‬ ‫موضوعي كام عرفنا)؛ إذ ينص القانون األول من الديناميكا الحراريّة‬ ‫إطالقًا‪ ،‬فزعمهم هذا قائ ٌم عىل قانونٍ علمي (والعلم‬ ‫ٌ‬ ‫عىل أ ّن املادة ال تفنى وال ت ُستحدث من العدم‪ ،‬وهذا يعني أ ّن املادة “أزل ّية”‪ ،‬وال يُوجد ما مينع األزيل من التسلسل‬ ‫الالنهايئ أب ًدا‪ ،‬حتى وإن وجدنا صعوب ًة يف تصديق ذلك‪ ،‬فالواقع ليس محكو ًما بتصوراتنا الذهن ّية‪ ،‬وإنّ ا بقوانني موضوع ّي ٍة‬ ‫مستقل ٍة عن أذهاننا متا ًما‪.‬‬ ‫مقبول‬ ‫ً‬ ‫فرضا ذات ًيا‪ ،‬بل قانونًا علم ًيا موضوع ًيا‪ ،‬وهذا ما يجعل التسلسل الالنهايئ للموجودات أم ًرا‬ ‫فأزل ّية املادة ليست ً‬ ‫ومنطق ًيا‪ ،‬وبالتايل نفي الالمنطق َّية التي يقول بها الربوبيون‪ ،‬وعندها سيتضح لنا أ ّن هذه الالمنطق ّية إ ّما أنّها ناشئ ٌة من‬ ‫عدم قدرة العقل عىل تص ّور الالنهايئ‪ ،‬وإ ّما أن تكون ناشئ ًة من وضع الربوبيني لفرض ّية “العلّة األوىل” أو “املُحرك األول”‪،‬‬ ‫ورغم اعرتاض الربوبيني عىل مفهوم الالنهاية والمنطقيتها‪ّ ،‬إل أنّهم –فجأةً‪ -‬يتصالحون مع هذا املفهوم‪ ،‬وال يجدون أي‬ ‫غضاض ٍة فيه‪ ،‬عندما يتعلّق باملح ّرك األول‪ ،‬فهم يُؤمنون بأزل ّية “الله”!‬ ‫لقد قلنا سابقًا إ ّن الربوبيني يعتمدون يف ُمحاوالت‬ ‫حجج‬ ‫إثبات “الله” عىل حج ٍج هي ‪-‬يف أساسها‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫إلثبات “وجود” الله‪ ،‬فام الذي نعنيه بذلك؟‬ ‫هذا يعني الخلط الواضح ‪-‬يف أذهانهم‪ -‬بني‬ ‫مفهوم “الوجود” ومفهوم “املاه ّية”‪ ،‬ففي الوقت‬ ‫الذي يتفق فيه املُلحدون والربوبيون عىل مفهوم‬ ‫“الوجود” (برغم اختالفهم يف التسميات)‪ ،‬إلّ أنّهم‬ ‫يختلفون جذريًا عىل مفهوم “املاه ّية”‪ ،‬والتي هي‬ ‫السبب الرئييس يف االختالف حول ُمس ّمى “سبب”‪،‬‬ ‫و ُمس ّمى “خالق”‪ ،‬حيث أ ّن ُمس ّمى “خالق” يُوحي‬ ‫بالعقل واإلرادة‪ ،‬وهي صفاتٌ تحتاج إىل تحديد‬ ‫املاه ّية حتى ُيكن اختبارها‪ ،‬كام سبق وأرشنا‪،‬‬ ‫طالب فيه املُلحدون بأدلة‬ ‫ويف الوقت الذي يُ ُ‬ ‫“املاهيّة”‪ ،‬فإ ّن الربوبيني ال يُق ّدمون شيئًا سوى‬ ‫أصل‪.‬‬ ‫أدلة “الوجود” املُتفق عليها ً‬ ‫‪30‬‬


‫الفلسفة يف خدمة الله‬ ‫‪Hisham Adam‬‬

‫ولنفرتض وجود شخصني شاهدا مب ًنى أمامهام‪،‬‬ ‫فتساءل األول‪“ :‬من الذي بنى هذا املبنى؟”‬ ‫ف ُيجيبه اآلخر‪“ :‬إنّه املهندس رشيف‪”.‬‬ ‫عندها يتساءل األول‪“ :‬ما هو دليلك عىل أ ّن املهندس‬ ‫رشيف هو من بنى هذا املبنى؟”‬ ‫“عقل” بوجود‬ ‫فتكون إجابة اآلخر أنّه ال يجوز التصديق ً‬ ‫مب ًنى دون بانٍ أو دون مهندس‪ ،‬يف حني أ ّن سؤال صديقه‬ ‫ال يدور حول هذه النقطة‪ ،‬فهذه ال ُح ّجة وإن كانت‬ ‫تُشري إىل “السبب” وراء وجود املبنى‪ ،‬لكنها ‪-‬يف الوقت‬ ‫ذاته‪ -‬ال تدل عىل “ماهيّة” السبب‪ ،‬وهو ما يُطالب به‬ ‫دليل عىل ص ّحة املاه ّية التي‬ ‫امللحدون‪ ،‬فهم يُريدون ً‬ ‫يفرتضها الربوبيون‪ ،‬ألنّهم سلفًا ُمقتنعون برضورة وجود‬ ‫سبب‬ ‫“سبب” للكون‪ ،‬وهذه القناعة برضورة وجود ٍ‬ ‫للكون مل تنشأ اعتباطًا‪ ،‬بل هي مبن ّي ٌة عىل مبدأٍ‬ ‫علمي‬ ‫ٍّ‬ ‫ينص عىل أ ّن كل نتيج ٍة لها ُمسبب‪ ،‬ولكن لتحديد ماهيّة‬ ‫املُسبب فإنّه يتوجب علينا معرفة العالقة التي تربط املُسبب بالنتيجة‪ ،‬وهو ما ال ُيكن معرفته ّإل عن طريق التجريب‪،‬‬ ‫وليس ُمبجرد الحدس أو البداهة‪ ،‬أل ّن الحدس والبداهة يقوداننا إىل معرفة أ ّن كل نتيج ٍة البد أن يكون وراءها مسبب‪،‬‬ ‫ولكن هذه البداهة نفسها ال تقودنا إىل معرفة ماه ّية السبب‪ ،‬وال إىل معرفة العالقة التي تربطه بالنتيجة‪.‬‬ ‫ويف هذا الصدد يحرضين املثال الذي يستخدمه الربوبيون إلثبات الله‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫مثال شائ ٌع يقوم عىل مقول ٍة أعرابيّة‪“ :‬البعرة‬ ‫تدل عىل البعري‪ ،‬واألثر يدل عىل املسري‪ ”.‬ولن أتكلّم هنا عن بعرة البعري‪ ،‬وإنّ ا عن أثر مسريها (‪،)foot-prints‬‬ ‫فام هو مصدر معرفة األعرايب بنسبة األثر إىل البعري تحدي ًدا‪ ،‬وليس إىل أي حيوانٍ أو كائنٍ آخر؟‬ ‫حدس أم هو تجريب؟ إ ّن الحدس جعله يعلم أ ّن ُمجرد وجود آثا ٍر عىل األرض يُشري إىل وجود كائنٍ ما م ّر بهذا‬ ‫هل هو ٌ‬ ‫أيضا؟‬ ‫املكان‪ ،‬ولكن كيف له أن يُحدد نوع (ماه ّية) هذا الكائن؟ هل بالحدس ً‬ ‫الحقيقة أنّه اعتمد عىل التجربة‪ ،‬فبالتأكيد أنّه رأى البعري من قبل‪ ،‬ورآه وهو يسري‪ ،‬ورأى األثر الذي يرتكه ُخ ّف البعري‬ ‫عىل األرض‪ ،‬ولوال هذه املعرفة الحس ّية القامئة عىل التجريب‪ ،‬ملا استطاع األعرايب أن يُحدد ارتباط هذه اآلثار بالبعري‪ .‬إ ّن‬ ‫الخالف بني املُلحدين والربوبيني يُشبه هذا املثال إىل ح ٍّد بعيد‪ ،‬ففي حني يطالب املُلحدون بدليلٍ يربط لهم بني “األثر”‬ ‫وبني “ماه ّية البعري” فإ ّن الربوبيني ال يُق ّدمون من األدلة إلّ ما يدل عىل رضورة وجود “كائن” ترك هذا األثر‪ ،‬اعتام ًدا‬ ‫عىل أنّه ال ُيكن لآلثار أن تُنتَج صدف ًة‪ .‬وهذه النقطة تحدي ًدا يتفق فيها املُلحد مع املُؤمن‪،‬‬ ‫‪31‬‬


‫الفلسفة يف‬ ‫خدمة الله‬ ‫وهو ‪-‬يف الحقيقة‪ -‬ال يُطالب بهذا اإلثبات‪ ،‬فهو ُمسبقًا يعلم أ ّن أي نتيج ٍة البُد‬ ‫لها من ُمسبب‪ ،‬ولكنه ‪-‬هنا‪ -‬يُطالب بدليلٍ عىل إثبات املاهيّة‪ ،‬والعالقة بينها‬ ‫وبني النتيجة‪.‬‬ ‫أصل)‪ ،‬فإنّه‬ ‫فمثل‪ ،‬لو رأى األعرايب آثار أقدام متساح (وهو ال يعرف التمساح ً‬ ‫ً‬ ‫سوف يقول‪“ :‬هذه اآلثار تدل عىل مسري كائنٍ ما‪ ”.‬وهو نفس موقف املُلحد‬ ‫الذي ال يتط ّوع بإثبات املاهيّة دون دليل‪.‬‬ ‫قائل إ ّن هذه اآلثار تعود إىل التمساح (وهو ال يعرف التمساح)‪،‬‬ ‫فإذا قال له ٌ‬ ‫فسوف تكون هذه املعرفة معرف ًة ناقص ًة بالنسبة إليه‪ ،‬أل ّن ماه ّية التمساح‬ ‫بالنسبة إليه غري ُمتحقق ٍة أو غري ُمتع ّينة‪ ،‬فهو ال يعرف التمساح حتى يُصادق‬ ‫عىل هذا القول أو يرفضه‪ ،‬واملوقف العقالين منه عندها أنّه سوف يُطالب بدليلٍ‬ ‫(ليس ليثبت أ ّن لهذا األثر ُمسبب)‪ ،‬ولكن ل ُيثبت العالقة بني التمساح وبني األثر‪.‬‬ ‫ظل اآلخر يصف له التمساح فإ ّن هذا الوصف لن يُساعده عىل إيجاد‬ ‫عندها إذا ّ‬ ‫العالقة بني هذا الكائن وبني األثر؛ هذا باإلضافة إىل أنّه لن يتمكن من رفض أو‬ ‫أصل‪ ،‬فالتمساح‬ ‫نفي أي صف ٍة يقوم بإلصاقها للتمساح‪ ،‬ألنّه ال يعرف التمساح ً‬ ‫ٍ‬ ‫تحقق أو تعيني‬ ‫وصف ُمتعلّق باملاه ّية دون‬ ‫أصل‪ ،‬فأي‬ ‫بالنسبة إليه غري ُمتع ٍني ً‬ ‫ٍ‬ ‫املاه ّية لن يُساعد أب ًدا يف إنشاء العالقة املطلوبة بني املاه ّية وبني األثر‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يفعله الربوبيون‪ ،‬إذ ال يفعلون شيئًا سوى إغداق الصفات عىل “الله” غري‬ ‫املُتعني‪ ،‬معتقدين أنّهم بذلك يُق ّدمون لنا “ماه ّية”‪ ،‬فوصف الله بأنّه الخالق أو‬ ‫الرازق أو العليم أو الحكيم أو أي صف ٍة ًاخرى ال يُفيد أب ًدا يف قضيّة اإلثبات‪،‬‬ ‫وطب ًعا لن يكون بإمكاننا نفي أي صف ٍة ليس لله فقط ولكن ألي كائنٍ غري ُمتعني‪.‬‬ ‫متا ًما كام أ ّن األعرايب لن يستطيع نفي أي صف ٍة للتمساح‪ ،‬حتى ولو كانت صف ًة‬ ‫صحيح ًة‪ .‬ت ُصبح املُعضلة أكرث سخري ًة عندما يكون دليلنا عىل وجود التمساح‬ ‫هو أثر التمساح يف حني أ ّن التمساح (بالنسبة لألعرايب غري ُمتعني)‪ ،‬فوجود األثر‬ ‫أصل‪،‬‬ ‫بالنسبة إليه ال يعني أي يش ٍء له عالق ٌة بالتمساح ألنّه ال يعرف التمساح ً‬ ‫دليل عىل وجود الله” أو “كل ما يف‬ ‫ولهذا فإ ّن مقولة بعض الربوبيني‪“ :‬اإلنسان ٌ‬ ‫الكون هو دليل عىل وجود الله‪ ”.‬يدل بشكلٍ واض ٍح عىل أ ّن الربوبيني يُغردون‬ ‫‪32‬‬

‫ﺣﻮاري ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ﺗﺪﻋﻢ ﺑﻌﺾ ﺣﻠﻘﺎﺗﻪ ﴍﻛﺔ‬ ‫‪ ،Google‬ﻳﻬﺪف ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ‬ ‫اﻷوﱃ إﱃ إﺟﺮاء اﻟﺤﻮار ﻣﻊ‬ ‫اﳌﻠﺤﺪﻳﻦ واﻟﻼدﻳﻨﻴ‬ ‫اﳌﴫﻳ‪ ،،‬واﳌﺘﺤﺪﺛ ﻣﻨﻬﻢ‬ ‫ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ‬ ‫ﰲ اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ وﺷلل‬ ‫أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ‪.‬‬ ‫ﻓﻜﺮة وﺗﻨﻔﻴﺬ إﺳﻋﻋﻴﻞ ﻣﺤﻤﺪ‬

‫‪/theblackducks‬‬ ‫‪goo.gl/EgjCs7‬‬ ‫‪@blackducksshow‬‬ ‫‪++eBlackDucks‬‬


‫الفلسفة يف خدمة الله‬ ‫‪Hisham Adam‬‬

‫خارج الرسب‪ ،‬متا ًما كام نفعل نحن مع األعرايب عندما نستدل له عىل وجود التمساح بأثر التمساح الذي ال يعرفه!‬ ‫الحالة الوحيدة التي ُيكننا فيها نفي صفة الال ُمتعني هو أن تتعارض هذه الصفات مع قواعد املنطق العقيل‪ ،‬مثل قانون‬ ‫طويل وقص ٌري يف‬ ‫عدم التعارض‪ ،‬فإذا وصفنا الال ُمتعني بصفتني ُمتعارضتني و ُمتناقضتني‪ ،‬عندها جاز لنا نفيه‪ ،‬فإذا قلنا إنّه ٌ‬ ‫الوقت نفسه وقع التعارض‪ ،‬وبالتايل ُحق لنا أن ننفي وجود كائنٍ طويلٍ وقصريٍ يف الوقت نفسه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأوصاف ُمتعارضة‪ ،‬كأنّه األول واآلخر يف الوقت نفسه‪،‬‬ ‫وهو الخطأ الذي يقع فيه بعض الربوبيني الذين يصفون “الله”‬ ‫ٍ‬ ‫صفات ُمتعارضة‪،‬‬ ‫أو أنّه رحي ٌم وشديد العقاب يف الوقت نفسه‪ ،‬أو أنّه الظاهر والباطن يف الوقت نفسه وما إىل ذلك من‬ ‫انعكاس‬ ‫وبالطبع فإ ّن العقل الربويب املثايل ال يرى يف ذلك أي تعارض‪ .‬ملاذا؟ ببساطة‪ ،‬أل ّن الواقع بالنسبة إليه هو‬ ‫ٌ‬ ‫لتصوراته الذهن ّية‪ ،‬ولهذا قلنا إ ّن املُشكلة األساسية مع الربوبيني تكمن يف “طريقة التفكري”‪ ،‬فاملنهج املثايل يضفي عىل‬ ‫الواقع تصوراته الذهن ّية الذات ّية‪ ،‬فال يعود قاد ًرا عىل رؤية العامل إلّ من خالل منظوره الذايت ذلك‪ ،‬ولهذا فإنّهم عندما‬ ‫يقولون باالستحالة العقليّة ألي مسألة‪ ،‬فإنّهم يقصدون العقل اإلمياين املثايل‪ ،‬وليس العقل املُج ّرد‪ .‬وإذا مل نستطع أن نُوفّر‬ ‫لألعرايب أي دليلٍ يساعده يف معرفة العالقة التي تربط بني التمساح وبني آثار األقدام‪ ،‬فال ُي ِكننا وصف موقفه الرافض‬ ‫موقف عقالين‪ ،‬إذ ليس من العقالن ّية يف يش ٍء أن أص ّدق وجود عالق ٍة بني آثار املسري‪ ،‬وبني كائنٍ ال‬ ‫من التصديق إلّ بأنّه ٌ‬ ‫أعرفه‪ ،‬دون دليلٍ يُساعدين عىل ذلك‪.‬‬ ‫إ ّن فكرة الله ال يدعمها العلم كام ال تدعمها الفلسفة؛ إلّ أ ّن االعتامد عىل الفلسفة يف هذا العرص ويف موضو ٍع كهذا‬ ‫بالتحديد‪ ،‬هو ُمحاول ٌة إلضاعة الوقت ليس ّإل‪ ،‬وعندها سوف يجد الربويب نفسه ُمضط ًرا إىل رفض العلم لتحقيق فكرته‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫كم عىل أم ٍر ما‪ ،‬ف ُيمكننا فقط ُمناقشة نتيجة هذا الحكم‬ ‫الفلسفة ال ُيكنها البقاء حيث العلم‪ ،‬فإذا أصدر العلم ُح ً‬ ‫فلسف ًيا‪ ،‬ولكن ال ُيكننا نفي ما أثبته العلم أو إثبات ما نفاه العلم فلسف ًيا‪ ،‬هذه ليست أكرث من ُمجرد “سفسطة” كالم ّي ٍة‬ ‫ال تُق ّدم وال ت ُؤخر‪.‬‬ ‫وأل ّن الكثريين غري قادرين عىل التسلل إىل فكرة “الله” عرب العلم‪ ،‬فإنّهم يتخذون أحد موقفني‪ ،‬املوقف األول هو االدعاء‬ ‫باحرتام العلم‪ ،‬واالعتامد عىل فكرة أ ّن العلم ال يناقش فكرة الله والغيبيات عمو ًما‪ ،‬ويتخذون من ذلك ذريع ًة إلقحام‬ ‫الفلسفة يف املوضوع باعتبار أ ّن فكرة الله هي قض ّي ٌة فلسف ّية‪ ،‬وال يجب أن ت ُناقَش بعي ًدا عن الفلسفة‪.‬‬ ‫واملوقف الثاين هو امتهان وازدراء العلم إ ّما بالتدليس أو بالتكذيب بغرض إثبات فكرة “الله”‪ ،‬فهم إ ّما يلجأون إىل‬ ‫ناقصا وغري ُمكتمل‪ُ ،‬معتمدين‬ ‫تدليس العلوم يف ُمحاول ٍة إلثبات فكرة “الله” أو يرفضون العلم باعتباره ُمنت ًجا برشيًا ً‬ ‫عىل أهم خاصي ٍة يف العلم وهي خاصية الشك والاليقني‪ ،‬في ّدعون أنّه ال ُيكننا االعتامد عىل العلم ألنّه غري يقيني‪ ،‬وغري‬ ‫أصل‪ ،‬وهي‪“ :‬اليقني‬ ‫ثابت‪ ،‬وهم يف الحقيقة ال يعرفون ما يقولون‪ ،‬إذ يعتمدون يف رفضهم للعلم عىل فكر ٍة ال وجود لها ً‬ ‫املُطلق” و”الثابت املُطلق”‪ ،‬والتي هي من رواسب األديان يف األساس‪.‬‬ ‫‪33‬‬


www.facebook.com/groups/arbangroup

34


‫رحلة انتحا ٍر‬ ‫مو ّفقة‬ ‫من املستحيل فهم سلوك اإلنسان طاملا مل‬ ‫يُ ِ‬ ‫فصح عن مكنوناته الداخلية‪ ،‬التي وإن َع ّب‬ ‫عنها بطريق ٍة ظاهري ٍة فلن ينتهي األمر بفهم‬ ‫غامض‬ ‫طبيعته السلوكية‪ ،‬فاإلنسان كائ ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫وغريب األطوار ال يعرف ماذا يريد أو ماذا‬ ‫ترصفات مشين ٌة مع اآلخرين‬ ‫يفعل‪ ،‬وله‬ ‫ٌ‬ ‫وحتى مع نفسه ‪ ،‬هو يف الواقع كائ ٌن‬ ‫سوي وال متصالح‪ ،‬والصفة األخرية‪،‬‬ ‫غ ُري ٍ‬ ‫هي النقطة الحاسمة يف فهم‬ ‫طبيعة تعايشه األخالقي مع كافة‬ ‫االختالفات الثقافية واملذهبية‬ ‫واالجتامعية والسياسية َوع ِّدد‬ ‫ٍ‬ ‫اختالفات‬ ‫ما تشاء من‬ ‫أخرى‪ ،‬فلقد قُلنا إ ّن‬ ‫اإلنسان غري متصال ٍح‬ ‫مع نفسه‪،‬‬

‫خالد الوحيمد‬ ‫‪35‬‬


‫رحلة انتحا ٍر مو ّفقة‬ ‫خالد الوحيمد‬

‫وهذه هي املعضلة الرئيسية لخالفاتنا‬ ‫وإشكالية وجودنا‪ ،‬لكن ذلك ال يعني‬ ‫كل متصال ٍح مع نفسه يستطيع‬ ‫أ ّن ّ‬ ‫أن يتكيف مع املختلفني عنه‪ ،‬قد‬ ‫يكون لدى هذا املتصالح مع نفسه‬ ‫غريزة األنانية أو األنا متضخم ٌة‬ ‫ج ًدا‪ ،‬وهنا يفقد هذا الشخص معنى‬ ‫بكل عواطفها الروحانية‬ ‫اإلنسانية ّ‬ ‫والتأملية‪ ،‬ومثالنا عىل ذلك اإلرهابيون‬ ‫االنتحاريون‪ ،‬فهم مل يُف ّجروا أنفسهم‬ ‫ٍ‬ ‫مخاض طويلٍ من إرضاء‬ ‫إالّ بعد‬ ‫ٍ‬ ‫متصاعد وجام ٍح لقوة‬ ‫النفس بغرو ٍر‬ ‫حي‬ ‫األنا وسيطرت َها عىل ِّ‬ ‫كل ضمريٍ ٍّ‬ ‫يتغلغل يف مشاعرهم‪ ،‬حتى مات هذا‬ ‫الضمري نهائ ًيا لحظة سحب الصاعق‬ ‫الكهربايئ أو الز ّر املرشع للتفجري‪.‬‬ ‫من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬وحسب الكثري من علامء النفس‪ ،‬فإ ّن الشخص الذي‬ ‫قاتل‬ ‫يريد قتل نفسه يوجد داخله شخصي ٌة عدواني ٌة أخرى ‪ ،‬أي أ ّن هناك ً‬ ‫مختلف متا ًما مع اإلرهابيني‪ ،‬فال توجد‬ ‫ومقتول يف آنٍ واحد‪ ،‬لك ّن الوضع‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫شخصي ٌة أخرى كامن ٌة يف الذات‪ ،‬وإ ْن ُوج َدت فهي شخصي ٌة خفي ٌة سيطرت‬ ‫عليها األنا ال ُعليا‪ ،‬وتعليل ما نقول هو أ ّن جميع املُنتحرين يُ ِ‬ ‫قدمون عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ضغوط عليا‪ ،‬هم عاطفيون‬ ‫االنتحار بإراد ٍة ذاتية‪ ،‬ال بدواف َع ِحزبي ٍة أو‬ ‫أرادوا تخليص ذاتهم بذاتهم‪ ،‬دون وقوع ضحايا معهم‪ ،‬ويف الغالب نجدهم‬ ‫أشخاص مبدعون‪ ،‬رمبا يكونون كُتّابًا‪َ ،‬ر ّسامني‪ ،‬فنانني‪ ،‬أو شعراء… إلخ‪ ،‬أل ّن‬ ‫ٌ‬ ‫حي يف هذا‬ ‫اإلبداع ِحملُه ٌ‬ ‫ثقيل عىل املبدع وعليه أن يُبدع أكرث طاملا هو ٌّ‬ ‫الكون‪ ،‬وإذا استُنفذ هذا اإلبداع فال خيا َر أمامه سوى املوت‪ ،‬كالشاعر‬ ‫اللبناين خليل حاوي (‪ 1919‬ـ ‪ )1982‬حني أطلق عىل نفسه رصاصة الرحمة‬ ‫احتجا ًجا عىل اجتياح إرسائيل لجنوب لبنان‪ ،‬هذا يف الظاهر‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫رحلة انتحا ٍر مو ّفقة‬ ‫خالد الوحيمد‬

‫ولكن يف حقيقة األمر أنّه مل يعاود الكتابة كام كان‪ ،‬وأضحت الروح تتحرشج مبيالد ٍ‬ ‫موت جديد‪ ،‬وهي القصيدة املعربة‬ ‫نوضح أ ّن القاتل الحقيقي هنا هو القصيدة‪ ،‬وليس خليل حاوي!‬ ‫عن فَناء الشاعر‪ ،‬وهنا ّ‬ ‫هكذا هو انتحار املبدعني‪ ،‬يرتكون بصم ًة جميل ًة كأنّهم يُخربونا أننا نعيش يك نُبدع ونكتب ونرسم ونعزف أجمل األلحان‪،‬‬ ‫وإن توقّفت املصادر الفنية توقفت حياتنا يف حناجرنا‪ ،‬من يعيش مع الكتابة يجد أنّها حياته األبدية‪.‬‬

‫رس‬ ‫َيعربو َن ال ِج َ‬ ‫يف الصب ِح خفا فًا‪.‬‬ ‫أَضلُعي ام َت َّد ْت‬ ‫ِسا وطي ْد ‪.‬‬ ‫لَ ُهم ج ْ ً‬ ‫ِمن ك ِ‬ ‫ُهوف الرشقِ ‪,‬‬ ‫الشقِ ‪.‬‬ ‫ِمن ُمست ْنقعِ َ‬ ‫الشقِ الجدي ْد ‪.‬‬ ‫إِ ىل َّ‬ ‫أ َ ْضلُعي ا ْم َت َّد ْت لَ ُهم‬ ‫رسا وطي ْد ‪.‬‬ ‫ِج ً‬

‫خليل حاوي‬

‫كوحي أو‬ ‫فحني يكتب الكاتب قصيدته أو مقالته يشعر بتجدد الروح يف جسمه‪ ،‬وإن خمدت هذه األحرف ومل تعاوده‬ ‫ٍ‬ ‫كل جانب‪ ،‬فيكون الخيار الوحيد أمامه هو املوت بني أحضان الدفاتر‬ ‫حتم ستُحيط به الكآبة وتحارصه من ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ملهم حينها ً‬ ‫واألوراق‪.‬‬ ‫اآلن أوضحنا الفرق بني املُنتحر املُبدع واملُنتحر املُجرم وليس أمرهام سيا ٌن إطالقًا‪ ،‬فاملبدع يُق ّدم الخ َري إىل الناس ويرحل يف‬ ‫بكل أنواعه تاركًا خلفه الدمار‬ ‫رش ِّ‬ ‫هدو ٍء تاركًا لنا ً‬ ‫أعامل جميل ًة وسري ًة عطرة‪ ،‬أ ّما املجرم املترشذم فيُق ّدم لنا عند رحيله ال ّ‬ ‫والعار الالحق باسمه‪ ،‬وتكون (األنا) التي سيطرت عليه هي التي أخرجته من مجمل حياة الرحمة وال ُخلق القويم‪.‬‬ ‫‪37‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

38


‫‪Usama al-Binni‬‬

‫العلم واليقني‬

‫فهم بني بعض العامة مفاده أن العلم ال‬ ‫يسود سوء ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نظريات‬ ‫يتوصل إىل أي معرف ٍة ثابت ٍة العتامده عىل‬ ‫تجب‬ ‫قد تتغري‪ ،‬وأن العلم يف مرحلة تغريٍ ٍ‬ ‫دائم ُّ‬ ‫كل مرحل ٍة ما سبقها‪ .‬وسوء الفهم هذا ينبثق‬ ‫فيه ّ‬ ‫من معرف ٍة منقوص ٍة عن كيفية عمل العلم وعالقة‬ ‫السابق بالالحق فيه‪ .‬ولو كان الجهل عد ّو صاحبه‬ ‫ومن حوله‪ ،‬فاملعرفة الجزئية ال تقل خط ًرا يف بعض األحيان‪ ،‬ال سيام لو اعتقد صاحبها أنه حاز عىل الحقيقة‪ .‬يف هذا‬ ‫ونوضح سبب الخلط الذي يؤ ّدي عاد ًة إىل سوء الفهم‪.‬‬ ‫املقال سنعالج هذه القضية الهامة ّ‬ ‫بادئ ذي بدء‪ ،‬لننظر إىل العامل الذي نعيش فيه اليوم مقارن ًة بالعامل الذي ترعرع فيه أجدادنا أو الذي ترعرع فيه‬ ‫أجدادهم‪ .‬مثة قفزاتٌ هائل ٌة يف كل مناحي الحياة بسبب التطور العلمي والتكنولوجي الذي شمل جميع جوانب‬ ‫حياة البرش‪ ،‬بحيث رصنا نعتمد عىل هذه التكنولوجيا ونثق فيها بحياتنا‪ ،‬بد ًءا من السيارات والطائرات‪ ،‬إىل األجهزة‬ ‫الكهربائية يف املنزل واألجهزة الطبية وغريها‪ .‬شئنا أم أبينا نحن كلنا نؤمن بالعلم لدرج ٍة تعدت اإلميان بأمو ٍر أخرى‬ ‫درج االعتقاد عىل أنها يقينيّة؛ فكم منا يثق بقدرة الله عىل شفائه دون تدخلٍ طبي مقارن ًة بثقتنا بقدرة الطبيب‬ ‫ٍ‬ ‫عىل إنجاز عملٍ‬ ‫ملموس تجاه الشفاء؟‬ ‫مع ذلك‪ ،‬يخاف املؤمن عاد ًة من التسليم بأن العلم يولّد لديه معرف ًة أكرث موثوقي ًة من دينه ال س ّيام لو كان مستهلكًا‬ ‫ملنتَ ٍج تكنولوجي ال يفهم طريقة عمله أو عملية إنتاجه‪ .‬والدين بالتعريف هو الحقيقة األساسية يف الحياة بالنسبة‬ ‫للمؤمن به‪ ،‬والعلم يف منظور الكثري من املؤمنني ليس أكرث من أدا ٍة لتسهيل تسخري مخلوقات ربهم لخدمة اإلنسان‪،‬‬ ‫لذا نجد الكثري من املؤمنني ال يأبهون بالنظر إىل دواخل العلم وكيفية عمله‪ ،‬فتتولد لديهم أفكا ٌر مغلوط ٌة عن العلم‬ ‫وعالقته بحياتهم وأساليب عمله‪ .‬لكن املؤمن معذو ٌر جزئ ًيا‪ ،‬فالعلم هو مبحثٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مغرق يف التخصص ينطوي عىل‬ ‫معرف ٍة ال ميكن تحصيلها إال باملشاهدة الدقيقة والبحث املتع ّمق وعملية تعل ٍّم مط ّول ٍة تستغرق سنواتٌ إن أراد املرء‬ ‫تخصيص‬ ‫إيفاءها حقها‪ ،‬إال أن هذا ال يعفي الفرد من واجب التعلم‪ ،‬فهنالك الكثري مام متكن معرفته دون تع ّم ٍق‬ ‫ٍّ‬ ‫يف العلم‪ .‬لكن التعلم يش ٌء والبحث األصيل يش ٌء آخر‪ .‬فلو كان العلم معرف ًة بديهي ًة ملا شهد تطو ًرا ولكانت املعرفة‬ ‫جاهز ًة ناجز ًة متوفر ًة لنا كلنا دون حاج ٍة لتحصيلٍ أو ٍ‬ ‫تعلم ووقو ٍع يف خطأٍ يتبعه التصحيح لذلك الخطأ‬ ‫بحث أو ٍ‬ ‫‪39‬‬


‫والتعلم منه‪.‬‬ ‫جمع المشاهدات‬

‫إلدراك موضع سوء الفهم‪،‬‬ ‫علينا أن نُق ِّدم بعض الرشح‬ ‫عن كيفية تقدم العلم‬ ‫نظرية‬ ‫تطوير‬ ‫تحليل المشاهدات‬ ‫وأهدافه‪ .‬وتوجد مناذج عدة‪،‬‬ ‫تفسر المشاهدات‬ ‫وصياغة أسئلة‬ ‫وال تتعارض مع‬ ‫على أساسها‬ ‫قدمها باحثون يف فلسفة‬ ‫المعارف السابقة‬ ‫وتاريخ العلوم لرشح تقدم‬ ‫ﺗﻠﺧﯾص‬ ‫العلم‪ ،‬لكننا سنكتفي هنا‬ ‫ﺧطوات ﻣﻧﮭﺞ‬ ‫بتوضيح املنهج العام والذي‬ ‫اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ‬ ‫صار يشار إليه كمنهج البحث‬ ‫العلمي‪ .‬الرسم التوضيحي إىل‬ ‫جمع المزيد من‬ ‫صياغة فرضيات‬ ‫اليسار يق ّدم نظر ًة مبسط ًة‬ ‫المشاهدات بهدف‬ ‫بناء على تلك‬ ‫فحص تلك‬ ‫األسئلة‬ ‫ملراحل البحث العلمي‪ .‬ما‬ ‫التنبؤات‬ ‫نالحظه من هذا الرسم أن‬ ‫استخراج تنبؤات‬ ‫العملية متثل حلق ًة‪ ،‬ولنأخذ‬ ‫قابلة للفحص‬ ‫مثالً عىل نتائج عدم إدراك‬ ‫التجريبي من تلك‬ ‫الفرضيات‬ ‫هذه الخاصية‪ .‬نسمع بعض‬ ‫املؤمنني يقولون شيئًا من منط‬ ‫«حاول العلامء وفشلوا» وذلك لتبيان فشل العلم يف التوصل إىل نتيج ٍة يف مضام ٍر ما‪ ،‬كأن يقولوا «فشل العلم يف‬ ‫إيجاد دوا ٍء ملرض اإليدز»‪ ،‬وكأن البحث محاول ٌة واحد ٌة وحيد ٌة تصيب أو تخيب‪ .‬واألمر ليس كذلك‪ ،‬فالذي يحدث‬ ‫هو أن الفشل يف تجرب ٍة ما للحصول عىل عالج لهذا الداء أو ذاك يُعترب فرص ًة لتعلم املزيد عن ذلك الداء وعن موضع‬ ‫لجانب ما من أسلوب التجريب‪ ،‬وهكذا‪ .‬فالبحث‬ ‫الفشل‪ ،‬فتتم املحاولة ثاني ًة مع تغيريٍ يف أسلوب البحث أو إصال ٍح‬ ‫ٍ‬ ‫يف يش ٍء ما هو عملي ٌة حلقي ٌة ‪ cyclical‬لكنها ال تدور يف حلق ٍة مفرغة‪ ،‬وإمنا هي أشبه بحرك ٍة حلزونية ‪ ،helical‬تتقدم‬ ‫إىل األمام بعد إمتام كل حلقة‪ ،‬وقد يكون التقدم رسي ًعا وقد يكون بطيئًا تعرتضه عقباتٌ وأخطاء‪ ،‬لكن االستمرار يف‬ ‫تقدم من نو ٍع ما‪.‬‬ ‫البحث والعمل يؤدي دو ًما إىل ٍ‬ ‫من هنا نرى خطأ الفكرة الرائجة التي يعتقد البعض مبوجبها أن النظريات الجديدة ت ِ‬ ‫ُبطل ما سبقها‪ .‬وكث ًريا ما نسمع‬ ‫يف األخبار املوجهة للعامة أنه تم نقض النسبية أو أن آينشتاين أو داروين كان مخطئًا‪ ،‬وما شابه ذلك من األخبار‬ ‫املُضلِّلة عن ٍ‬ ‫قصد أو بدون قصد‪ .‬فكيف نفهم هذه االدعاءات يف ضوء الوصف السالف الذكر لطبيعة البحث‬ ‫العلمي؟‬ ‫‪40‬‬


‫لنأخذ كمثا ٍل نظرية التطور‪ ،‬كونها من أكرث النظريات العلمية إثار ًة الهتامم املؤمنني‪ .‬نسمع تار ًة منهم أن النظرية‬ ‫سقطت أو تم نسفها وغري ذلك من األوصاف التي توحي أنها اآلن نظري ٌة يف أحسن أحوالها مل تعد صالح ًة‪ .‬إن‬ ‫من املفروغ منه أن نظري ًة تتعلق بجوانب أساسي ٍة يف وصف الحياة ال ميكن أن تكون قد اكتملت يف القرن التاسع‬ ‫عرش حني صاغها تشارلز داروين ألول مرة‪ .‬لذا‪ ،‬وبهذا املفهوم ال ميكن النظر إىل داروين إال كمرحل ٍة أوىل من‬ ‫عملي ٍة مستمر ٍة من التطوير والتعمق وزيادة الفهم ومراكمة التجارب‪ .‬فعند الحديث عن التطور من منظور علم‬ ‫األحياء الحديث ال نتحدث عن كتاب «أصل األنواع» الذي ميلك اليوم قيم ًة تاريخي ًة أكرث من القيمة العلمية‪ .‬ومن‬ ‫أكرب األمثلة عىل يش ٍء مل يكن يعرف داروين عنه شيئًا نذكر األساس الجزيئي للوراثة‪ ،‬والذي مكّن علم األحياء‬ ‫اليوم من النفاذ إىل دواخل آليات حدوث التطور بشكلٍ ما كان لداروين أن يعرفه مبا كان لديه من املعرفة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مكتشفات‬ ‫بعضا من جوانب نظرية داروين األصلية مبا يتامىش مع ما تبعها من‬ ‫فنظرية التطور املعارصة عدلت ً‬ ‫ات نظري ٍة لكنها مل ِ‬ ‫وتطور ٍ‬ ‫تنف الجوهر األسايس للنظرية‪ .‬والنظرية مل تكتمل يف عرص داروين‪ ،‬مثلام أنها مل تكتمل‬ ‫ٍ‬ ‫بأضعاف ما كانت عليه يف صيغتها‬ ‫اليوم‪ ،‬لكن حالها ومطابقتها مع املشاهدات وقدرتها التفسريية اليوم تتعدى‬ ‫يوضح عالقة نظرية داروين األصلية بنظرية التطور املعارصة التي‬ ‫األصلية التي ق ّدمها داروين‪ .‬الشكل التايل(‪ّ )1‬‬ ‫صارت تُعرف بالنظرية الرتكيبية الشاملة ‪ integrated synthesis‬والتي باتت أحد أساسات علم األحياء بأرسه‪.‬‬ ‫اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ‪Integrated Synthesis‬‬

‫ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻤﻮ اﻟﺘﻄﻮرﻳﺔ‬

‫اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ )اﻟﺪاروﻳﻨﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة(‬

‫‪Evo-devo theory‬‬

‫اﻟﺘﻜﻴّﻒ ﻣﻊ اﻟﻮﺳﻂ اﳌﺤﻴﻂ‬

‫)‪Modern Synthesis (Neo-Darwinism‬‬

‫‪Plasticity & Accommodation‬‬

‫اﻟﻄﻔﺮة اﻟﺠﻴﻨﻴﺔ‬

‫اﻟﻮراﺛﺔ ﻓﻮق اﻟﺠﻴﻨﻴﺔ‬ ‫‪Epigenetic inheritance‬‬

‫اﻻﻧﺘﺨﺎب ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﻣﺘﻌﺪدة‬ ‫‪Multilevel selection‬‬

‫اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺠﻴﻨﻮﻣﻲ‬

‫‪Genomic evolution‬‬

‫ﺑﻨﻴﺔ اﳌﻮﻃﻦ اﻟﺒﻴﺌﻲ‬ ‫‪Niche construction‬‬ ‫ﻧﻈﺮﻳﺔ اﳌ ُﺴﺘﻨﺴﺨﺎت‬

‫‪Gene mutation‬‬

‫اﻟﺪاروﻳﻨﻴﺔ ‪Darwinism‬‬ ‫اﻟﺘامﻳﺰ ‪Variation‬‬ ‫اﻟﻮراﺛﺔ ‪Inheritance‬‬ ‫اﻻﻧﺘﻘﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ‬

‫اﻟﻮراﺛﺔ اﳌﻨﺪﻟﻴﺔ‬

‫‪Mendelian inheritance‬‬

‫ﻋﻠﻢ وراﺛﺔ اﻟﺠامﻋﺎت‬ ‫‪Population genetics‬‬

‫ﺣﻮادث ﻃﺎرﺋﺔ‬

‫‪Natural Selection‬‬

‫‪Contingency‬‬

‫ﻧﺸﻮء اﻷﻧﻮاع وﺗﻄﻮرﻫﺎ‬

‫‪Replicator theory‬‬

‫وراﺛﺔ اﻟﺪﻧﺎ ﻓﻘﻂ‬

‫‪DNA inheritance ONLY‬‬

‫اﻻﻧﺘﺨﺎب اﻟﺠﻴﻨﻲ ﻓﻘﻂ‬ ‫‪Gene selection ONLY‬‬

‫اﻧﻌﺰال اﻟﺠﻴﻨﻮم‬

‫‪Genome isolated‬‬

‫‪Speciation & trends‬‬

‫اﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻠﺘﻄﻮر‬ ‫‪Evolvability‬‬

‫وكمثا ٍل آخر نذكر العالقة بني نسبية آينشتاين وميكانيكا نيوتن‪ .‬فالبعض يعتقد أن آينشتاين أثبت خطأ نيوتن‪ ،‬وهذا‬ ‫‪ -1‬الشكل التوضيحي متّت ترجمته عن املصدر التايل‪:‬‬ ‫‪Pigliucci, M. and Müller, G. B. (2010). Elements of an extended evolutionary synthesis. In Evolution: The Extended Synthesis‬‬ ‫‪(ed. Pigliucci, M. and Muller, G. B.), pp. 3-17. Cambridge, MA: MIT Press.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪41‬‬


‫غري صحيح‪ .‬فالذي حدث هو أن ميكانيكا نيوتن تصلح عند الرسعات البطيئة نسب ًيا (األقل بكثري من رسعة الضوء)‬ ‫ٍ‬ ‫برسعات تقارب رسعة الضوء نرى تباي ًنا بني املشاهدات‬ ‫وعندما تكون الجاذبية ضعيف ًة‪ .‬وعند زيادة الجاذبية والسري‬ ‫وتنبؤات ميكانيكا نيوتن‪ ،‬فميكانيكا نيوتن هي‬ ‫حال ٌة خاص ٌة من نسبية آينشتاين لها مجال‬ ‫تطبيق محدو ٍد يف إطاره تعطي نتائج دقيق ًة‬ ‫ٍ‬ ‫إىل ح ٍّد كبري‪ ،‬بل وميكن اشتقاقها من نسبية‬ ‫آينشتاين عند افرتاض الرسع البطيئة والجاذبية‬ ‫الضعيفة‪ .‬فهي ليست نظري ًة باطل ًة‪ ،‬وإمنا‬ ‫نظري ٌة محدودة التطبيق‪ .‬واملهندسون قلّام‬ ‫يتعاملون مع النسبية ويعتمدون يف معظم‬ ‫عملهم عىل ميكانيكا نيوتن‪ ،‬فهي تعطي نتائج دقيق ًة إىل ح ٍّد ٍ‬ ‫بعيد يف أكرث املجاالت التطبيقية عىل األرض لدرج ٍة يندر‬ ‫مهندس للولوج يف تعقيدات النسبية وحساباتها‪ .‬كلتا النظريتني ستعطيان نتائج دقيق ًة يف هذه الحال‪،‬‬ ‫معها أن يحتاج‬ ‫ٌ‬ ‫لكن الدقة التي توفرها النسبية تتعدى الحاجات الشائعة يف التطبيقات الهندسية‪ .‬كذلك هي الحال عند املقارنة‬ ‫بني ميكانيكا نيوتن ونظرية الكم املختصة باألنظمة الصغرية‪.‬‬ ‫فميكانيكا الكم مل ِ‬ ‫تنف ميكانيكا نيوتن‪ ،‬وإمنا جعلت منها‬ ‫ٍ‬ ‫يوضح الشكل املجاور)‪.‬‬ ‫حال ًة خاص ًة تقريبي ًة‬ ‫لوصف أع ٍّم (كام ّ‬ ‫ﻣﯾﻛﺎﻧﯾﻛﺎ اﻟﻛم‬ ‫‪Quantum Mechanics‬‬

‫نرى إذًا وجود مرون ٍة أصيل ٍة كامن ٍة يف العلم بشكلٍ تغيب‬ ‫فيه اليقينيات التي تقيد سريه وتظل فيه كل النظريات دو ًما‬ ‫موضع الفحص‪ .‬فالنظريات يف العلم ال تثبت أب ًدا مهام دعمتها‬ ‫املشاهدات‪ .‬كل ما يحدث أن النظرية إن مل تتناقض مع‬ ‫املشاهدات تصمد لكنها ال تثبت‪ ،‬وصمودها مرشو ٌط بقدرتها‬ ‫ٍ‬ ‫باحث عىل مطابقة‬ ‫يف أية لحظ ٍة ويف أي مكانٍ وعىل يد أي‬ ‫املشاهدات مع تنبؤات النظرية‪.‬‬

‫• اﻟﺗﻘرﯾب ﺷﺑﮫ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ ﻟﻠﺟﺎذﺑﯾﺔ‬ ‫وﻣﯾﻛﺎﻧﯾﻛﺎ اﻟﻛم ﻋﻠﻰ زﻣﻛﺎن ﻣﻘوس‬

‫• ﻣﺑدأ اﻟﺗﻘﺎﺑل‬ ‫• ﻋدم اﻟﺗﻣﺎﺳك‬

‫• اﻟﺟﺎذﺑﯾﺔ اﻟﻛﻣوﻣﯾﺔ‬

‫• ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻘﯾﺎس‬

‫اﻟﻧﺳﺑﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬

‫اﻟﻔﯾزﯾﺎء اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ‬

‫‪General Relativity‬‬

‫‪Classical Physics‬‬

‫• اﻟﺗﻘرﯾب اﻟﻧﯾوﺗوﻧﻲ‬

‫هذه املرونة وغياب ال َعقَديّة (الدوغامئية) هي إحدى مواضع القوة األساسية والتفوق والتي سمحت للعلم بالنجاح‬ ‫نصوص ثابت ٌة ومعتقداتٌ يعتقد أتباعه‬ ‫وأدت بالدين بجموده إىل الفشل يف تفسري الظواهر الطبيعية‪ .‬فالدين لديه‬ ‫ٌ‬ ‫بيقينيتها‪ ،‬وكل ما ميلكه املؤمن هو تأويل هذه النصوص وإعادة تفسريها لتتامىش مع تقدم املعرفة‪ ،‬أما العلم فعىل‬ ‫استعدا ٍد مستم ٍر إلعادة النظر يف كل يش ٍء والتخلص من النظرية ككلٍ إن تناقضت مع الواقع‪ ،‬لكن لفظة «نظرية»‬ ‫حدسا عاب ًرا يسقط بسهولة‪ ،‬بل هي إشار ٌة إىل الوصف‬ ‫رغم التداعيات التي قد تتبادر إىل ذهن غري املتخصص ليست ً‬ ‫النظري الذي تم استخالصه من عد ٍد كبريٍ من التجارب والفحوص مرت من خاللها النظرية بنجاح‪.‬‬ ‫‪42‬‬


www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

43


‫ﺳﻴﺮة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻣﻨﺔ‬

‫اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ‪ :‬ﻃﻔﻮﻟﺔ ﻧﺒﻲ‬

‫ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب‬ ‫‪LA VIE DE MAHOMET‬‬ ‫ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻫﺬﻩ اﻟﺤﻠﻘﺔ‪:‬‬

‫‪Ayman Pheidias‬‬ ‫اﻟﺸﻴﺦ دﻳﻜﺎرت‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫‪44‬‬


‫اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ‬

‫ﻃﻠﺒﺖ اﻟﻤﺮﺿﻌﺔ ﻣﻦ أﻣﻪ أن ﺗﺘﺮك‬ ‫ﺳﻨﺔ أﺧﺮى ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪا ﻋﻨﺪﻫﺎ ً‬ ‫ً‬ ‫ﺑﻬﻮاء اﻟﺒﺎدﻳﺔ اﻟﻌﻠﻴﻞ‪ ،‬وﻟﻜﻲ ﻻ ﻳﻤﺮض‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ‪ ،‬ﻓﻮاﻓﻘﺖ آﻣﻨﺔ‬

‫ﻣﺤﻤﺪا ِﺳﻦ‬ ‫ﺣﻴﻦ ﺑﻠﻎ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻔﻄﺎم‪ ،‬أﺧﺬﺗﻪ ﻣﺮﺿﻌﺘﻪ‬ ‫إﻟﻰ أﻣﻪ آﻣﻨﺔ‬

‫ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺣﻠﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺳﻮق‬ ‫ذي اﻟﻤﺠﺎز‬

‫ﻋﺮ ٍ‬ ‫اف ﻳﺘﻨﺒﺄ‬ ‫ذﻫﺒﺖ إﻟﻰ ّ‬ ‫ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻷﻃﻔﺎل‬

‫اﻟﻨﺒﻮة ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﺻﺎح‪:‬‬ ‫ﺣﻴﻦ ّ‬ ‫ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻪ ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬ورأى ﻋﻼﻣﺔ ّ‬ ‫ﻳﺎ ﻋﺮب‪ ،‬اﻗﺘﻠﻮا ﻫﺬا اﻟﻄﻔﻞ‪...‬‬

‫‪45‬‬


‫وإﻻ ﺳﻴﺤﻄﻢ أﺻﻨﺎﻣﻜﻢ‬ ‫ّ‬ ‫وﻳﻔﺮق ﺷﻤﻠﻜﻢ‪ ،‬وﻳﺴﻮدﻛﻢ‪.‬‬

‫اﻟﻤﺎرة ﺣﻮل ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬وأﺣﺴﺖ ﺣﻠﻴﻤﺔ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ‬ ‫اﺟﺘﻤﻊ ّ‬ ‫ﻓﺤﺎوﻟﺖ ﺣﻤﺎﻳﺘﻪ‬ ‫أي ﻃﻔﻞ؟‬ ‫ّ‬ ‫ﻫﺬا‬ ‫اﻟﻄﻔﻞ!‬

‫ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ رؤﻳﺘﻪ وﻧﺠﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻤﻌﺠﺰة‬

‫اﻟﻌﺮاف ﻋﻴﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻟﻜّﻨﻪ ُﺟ ّﻦ ﻟﻸﺑﺪ‬ ‫أﺻﺎب ّ‬

‫ﺳﺎﻟﻤﺎ ﻟﻠﺤﺪﻳﺒﻴﺔ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﺣﻠﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻨﺎدﻳﻬﺎ أﻣﻲ‪ ،‬وزوﺟﻬﺎ اﻟﺬي‬ ‫وﺻﻞ ﻣﺤﻤﺪ ً‬ ‫ﻛﺎن ﻳﻨﺎدﻳﻪ أﺑﻲ‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫)‪(2‬‬


‫اﻟﺒﻘﻌﺔ اﻟﺴﻮداء‬

‫ﺗﻔﺎﺟﺄت ﺣﻠﻴﻤﺔ واﻟﺤﺎرث ﺑﺼﺮاخ اﺑﻨﻬﻤﺎ‪..‬‬ ‫أﺑﻲ أﻣﻲ‪ ،‬اﻟﻨﺠﺪة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ!‬

‫ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﻓﻲ‬ ‫ﻓﻲ ٍ‬ ‫ﺳﻦ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﺣﺪث‬ ‫ﺷﻲء ﻏﺮﻳﺐ‬ ‫ٌ‬

‫ﻣﺎذا ﺣﺼﻞ ﻟﻚ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ؟‬

‫وﺟﺪ اﻟﺰوﺟﺎن اﻟﻄﻔﻞ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺴﺘﻠﻘًﻴﺎ‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺗﻠّﺔ‪ ،‬ﻓﻈّﻨﻮا‬ ‫ﻣﻴﺖ‪.‬‬ ‫أﻧﻪ ّ‬

‫ﻟﻘﺪ أﺗﺎﻧﻲ رﺟﻼن‬ ‫ﻳﻠﺒﺴﺎن أﺑﻴﺾ‬ ‫اﻟﺜﻴﺎب‬

‫ﺧﻴﺮ‬ ‫ﺧﻴﺮ‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ﻳﺎ أﻣﻲ‬

‫إﺑﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ‪،‬‬ ‫أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﻴﺪه ٌ‬ ‫اﻟﺰﻣﺮد ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﺜﻠﺞ‬ ‫واﻵﺧﺮ ﺑﻴﺪه إﻧﺎء ﻣﻦ‬ ‫ّ‬ ‫وﻛﺎﻧﺎ ﻳﺴﺠﺪان ﻟﻲ ﺑﻴﻨﻤﺎ أﻧﺎ أﻟﻌﺐ‬

‫‪47‬‬


‫ﺛﻢ أﺧﺬاﻧﻲ إﻟﻰ‬ ‫ّ‬ ‫أﻋﻠﻰ اﻟﺘﻞ‪...‬‬

‫ﺑﻌﻴﺪا وﻫﻤﺎ‬ ‫رﻣﻴﺎﻫﺎ ً‬ ‫ﻳﻘﻮﻻن‪ :‬ﺗﺨﻠﺼﻨﺎ‬ ‫ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺪ واﻟﺤﺴﺪ!‬

‫ﻓﺘﺤﺎ ﺑﻄﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﺪر إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻧﺔ وأﺧﺮﺟﺎ‬ ‫ﻣﻨﻪ ُﻛﺮ ًة ﺳﻮداء‬

‫ﺛﻢ ﻗﺎم أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﻐﺴﻞ ﻗﻠﺒﻲ‬ ‫ّ‬ ‫ﺑﺎﻟﺜﻠﺞ‪ ،‬وأﻧﺎ أﺷﺎﻫﺪ وﻻ أﺷﻌﺮ‬ ‫ﺑﺄي أﻟﻢ‪.‬‬

‫ﻟﻢ ﻳﻌﺮف زوج ﺣﻠﻴﻤﺔ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﻗﺪ اﻟﺘﻘﻰ ﺑﻤﻼﺋﻜﺔ أم ﺑﺸﻴﺎﻃﻴﻦ‪..‬‬ ‫ٌ‬

‫ﻇﻬﺮ اﻟﻤﻼﻛﺎن ﺟﺒﺮﻳﻞ وﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ‬ ‫ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ ﺑﺸﺮ‪ ،‬وﻋﻤﻼ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺢ‬ ‫ﺟﺴﺪه واﻧﺘﺰاع ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺮة‬ ‫اﻟﺴﻮداء اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ داﺧﻞ‬ ‫ﻛﻞ اﻟﺮﺟﺎل‬

‫أﻇﻦ أﻧﻪ ﻗﺪ أﺻﺎﺑﻪ َﻣ ّﺲ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫أﻋﻴﺪﻳﻪ ﻷﻫﻠﻪ ّ‬ ‫وإﻻ ﺳﺘﺼﺒﺤﻴﻦ‬ ‫)‪(3‬‬ ‫ﻣﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ اﻷﻣﺮ!‬

‫‪48‬‬


‫اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﻣﻜّﺔ‬ ‫ﺣﻴﻦ اﻗﺘﺮﺑﺖ ﻗﺎﻓﻠﺘﻬﻢ ﻣﻦ‬ ‫وﺟﻬﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺳﻬﻮ‬ ‫ﻓﻘﺪت ﺣﻠﻴﻤﺔ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ‬

‫ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻧﻮي إﺣﻀﺎر‬ ‫ﻓﻘﺪﺗﻪ‬ ‫اﺑﻨﻜﻢ ﻫﺬه اﻟﻠﻴﻠﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻲ ّ‬ ‫ﻓﻲ ﺗﻼل ﻣﻜّﺔ وﻻ أﻋﻠﻢ‬ ‫أﻳﻦ ﻫﻮ!‬

‫اﺗﺠﻪ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ إﻟﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ‬ ‫ﻟﻴﺼﻠﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻋﻮدة ﻣﺤﻤﺪ‬

‫أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس‬ ‫ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻮا‪ ،‬ﻓﻠﻤﺤﻤﺪ‬ ‫ﻳﻀﻴﻌﻪ‬ ‫ٌ‬ ‫رب ﻻ ّ‬

‫ﻣﺎ ﻫﺬا؟‬ ‫ﻣﻦ ﻳﺪﻟﻨﺎ‬ ‫إﻟﻴﻪ؟‬

‫إﻧّﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻞ‬ ‫ﺗﻬﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺑﺠﺎﻧﺐ‬ ‫اﻟﺸﺠﺮة ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﻴﻤﻴﻦ‬

‫ﻗﻔﺰ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺣﺼﺎﻧﻪ واﺗّﺠﻪ‬ ‫ﻟﻠﺠﺒﻞ‪ ،‬ﺑﺮﻓﻘﺔ ورﻗﺔ ﺑﻦ ﻧﻮﻓﻞ‬

‫‪49‬‬


‫ﻣﻦ أﻧﺖ‬ ‫أﻳّﻬﺎ اﻟﻄﻔﻞ؟‬

‫وﺟﺪوه ﺗﺤﺖ اﻟﺸﺠﺮة ﻳﻠﻌﺐ‬ ‫ﺑﺎﻷﻏﺼﺎن‬

‫ّ‬ ‫ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ‪،‬‬ ‫ﺟﺪك‬ ‫وأﻧﺎ ّ‬ ‫روﺣﻲ ﻟﻚ ﻓﺪاء‪.‬‬

‫أﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫اﺑﻦ ﻋﺒﺪاﷲ‬ ‫ّ‬ ‫ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ‬ ‫اﺑﻦ‬

‫وﻗﺪم اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب‬ ‫ﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻬﻢ‪ ،‬ذﺑﺢ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﻤﻮاﺷﻲ ّ‬ ‫)‪(4‬‬ ‫ﻟﻠﻘﺒﻴﻠﺔ ﻓﺮﺣ ًﺎ ﺑﻌﻮدة ﺣﻔﻴﺪه‬

‫ٍ‬ ‫ﺳﻨﻮات وﻳﻮﻣﻴﻦ‪ ،‬ﻋﺎد ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﻤﺮه ﺧﻤﺲ‬ ‫)‪(5‬‬ ‫ﻟﺤﻀﻦ أﻣﻪ آﻣﻨﺔ‬

‫‪50‬‬


‫(‪ .)1‬عودة محمد مع حليمة عند بلوغه سن الفطام‪:‬‬

‫«قالت حليمة‪ :‬فقدمنا مكة عىل أمه ﷺ‪ :‬أي بعد أن بلغ سنتني ونحن أحرص يشء عىل مكثه فينا ملا نرى من بركته ﷺ‪ ،‬فكلمنا أمه وقلت لها‪ :‬لو‬ ‫بني عندي حتى يغلظ‪ .‬ويف كالم ابن األثري‪ :‬قلنا لها دعينا نرجع به هذه السنة األخرى فإين أخىش عليه وباء مكة‪ :‬أي مرضها ووخمها فلم نزل بها‬ ‫تركتي ّ‬ ‫حتى ر ّدته ﷺ معنا»‪.‬‬ ‫نقل عن السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427 -‬‬ ‫ً‬ ‫هـ‪ ،‬باب ذكر رضاعه صىل الله عليه وسلم وما اتصل به‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)135-136‬‬

‫(‪ .)2‬حادثة الع ّراف الذي يتنبأ مبستقبل األطفال‪:‬‬

‫«وعنها ريض الله عنها أنها ملا رجعت به مرت بذي املجاز‪ :‬وهو سوق للجاهلية عىل فرسخ من عرفة‪ :‬أي وهذا السوق قبله سوق يقال له سوق مجنة‪،‬‬ ‫كانت العرب تنتقل إليه بعد انفضاضهم من سوق عكاظ فتقيم فيه عرشين يوما من ذي القعدة‪ ،‬ثم تنتقل إىل هذا السوق الذي هو سوق ذي املجاز‬ ‫فتقيم به إىل أيام الحج‪ ،‬وكان بهذا السوق عراف‪ :‬أي منجم يؤىت إليه بالصبيان ينظر إليهم‪ ،‬فلام نظر إىل رسول الله ﷺ أي نظر إىل خاتم النبوة وإىل‬ ‫الحمرة يف عينيه صاح‪ :‬يا معرش العرب اقتلوا هذا الصبي‪ ،‬فليقتلن أهل دينكم‪ ،‬وليكرسن أصنامكم‪ ،‬وليظهرن أمره عليكم‪ ،‬إن هذا لينظر أمرا من السامء‪،‬‬ ‫وجعل يغري بالنبي ﷺ‪ ،‬فلم يلبث أن وله فذهب عقله حتى مات»‪.‬‬ ‫نقل عن السرية الحلبية‪-‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427 -‬‬ ‫ً‬ ‫هـ‪ ،‬باب ذكر رضاعه صىل الله عليه وسلم وما اتصل به‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)140‬‬

‫(‪ .)3‬حادثة شق صدر مح ّمد وما جاء فيها من روايات‪:‬‬

‫«فبينام هو صىل الله عليه وسلم وأخوه يف بهم لنا خلف بيوتنا‪ .‬والبهم‪ :‬أوالد الضأن‪ ،‬إذ أىت أخوه يشتد‪ .‬أي يعدو‪ ،‬فقال يل وألبيه ذاك أخي القريش قد‬ ‫أخذه رجالن عليهام ثياب بيض فأضجعاه‪ ،‬فشقا بطنه فهام يسوطانه‪ :‬أي يدخالن يديهام يف بطنه‪ ،‬قالت‪ :‬فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه قامئا منتق ًعا‬ ‫وجهه‪ .‬ويف لفظ لونه أي متغري أي صار لونه كلون النقع الذي هو الغبار وهو صفة ألوان املوىت‪ ،‬وذلك ملا ناله من الفزع أي من رؤية املالئكة‪ ،‬ال من مشقة‬ ‫نشأت عن ذلك الشق‪ ،‬ملا يأيت يف بعض الروايات‪ :‬فلم أجد لذلك حسا وال أملا‪.‬‬ ‫قالت‪ :‬فالتزمته والتزمه أبوه فقلنا له‪ :‬ما لك يا بني؟ فقال ﷺ‪ :‬جاءين رجالن عليها ثياب بيض أي وهام جربيل وميكائيل‪ :‬أي وهام املراد بقوله يف رواية‪:‬‬ ‫فأقبل إ ّيل طريان أبيضان كأنهام نرسان»‪.‬‬ ‫• «قالت حليمة‪ :‬فلام كان يوما من ذلك خرجوا‪ ،‬فلام انتصف إليها أتاين أخوه‪ ،‬أي ويف رواية إذ أىت ابني ضمرة يعدو فزعا وجبينه يرشح باكيا ينادي يا‬ ‫أبت ويا أمه الحقا أخي محمدا فام تلحقانه إال ميتا‪ .‬قلت‪ :‬وما قضيته‪ ،‬قال‪ :‬بينا نحن قيام إذ أتاه رجل فاختطفه من وسطنا وعال به ذروة الجبل ونحن‬ ‫ننظر إليه حتى شق صدره إىل عانته وال أدري ما فعل به‪ .‬فانطلقت أنا وأبوه نسعى سعيا فإذا نحن به قاعدا عىل ذروة الجبل شاخصا ببرصه إىل السامء‬ ‫يتبسم ويضحك فأكببت عليه وقبلته بني عينيه‪ ،‬وقلت له‪ :‬فدتك نفيس‪ ،‬وما الذي دهاك؟ قال خريا كذا بالنصب يا أماه‪ ،‬بينا أنا الساعة قائم إذ أتاين رهط‬ ‫ثالثة بيد أحدهم إبريق فضة‪ ،‬ويف يد اآلخر طست من زمردة خرضاء والزمردة بالضم والزاي املعجمة‪ .‬الزبرجد‪ ،‬وهو معرب‪ ،‬فأخذوين وانطلقوا يب إىل‬ ‫ذروة الجبل فأضجعوين عىل الجبل إضجاعا لطيفا‪ ،‬وفيه أن هذا يخالف قوله ﷺ اآليت‪ :‬فأخذوين حتى أتوا شفري الوادي‪ ،‬فعمد أحدهم فأضجعني إىل‬ ‫األرض ثم شق من صدري إىل عانتي» وسيأيت الجمع بينهام وقوله‪ :‬ثم شق من صدري إىل عانتي‪ ،‬هو املراد ببطنه ببطنه ففيام تقدم وما يأيت‪ .‬قال‪ :‬وأنا‬ ‫أنظر إليه فلم أجد لذلك حسا وال أملا‪.‬‬ ‫قالت حليمة‪ :‬فرجعنا به ﷺ إىل خبائنا‪ :‬أي محل اإلقامة وقال يل أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغالم قد أصيب‪ ،‬فألحقيه بأهله قبل أن يظهر‬ ‫به ذلك‪ .‬ويف رواية‪ :‬قال الناس يا حليمة رديه عىل جده واخرجي من أمانتك‪ .‬ويف رواية وقال‪ :‬زوجي أرى أن ترديه عىل أمه لتعالجه‪ ،‬والله إن أصابه ما‬ ‫أصابه إال حسد من آل فالن ملا يرون من عظيم بركته»‪.‬‬ ‫• «قال‪ :‬ويف املرة التي كان ابن عرش سنني‪ :‬أي وأشهر قال ﷺ‪« :‬جاءين رجالن‪ ،‬فقال أحدهام لصاحبه أضجعه فأضجعني لحالوة القفا‪ ،‬ثم شقا بطني فكان‬ ‫أحدهام يختلف باملاء يف طست من ذهب‪ ،‬واآلخر يغسل جويف‪ ،‬ثم شق قلبي فقال أخرج الغل والحسد منه‪ ،‬فأخرج منه العلقة‪.».‬‬ ‫نقل عن السرية الحلبية‪-‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬عيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1427 ،‬هـ‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬باب ذكر‬ ‫ً‬ ‫رضاعه صىل الله عليه وسلم وما اتصل به‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)134‬‬

‫(‪ .)4‬حادثة ضياع محمد وعثور جده عبد املطلب عليه‪:‬‬

‫«قال‪ :‬وذكر ابن إسحق أن حليمة ملا قدمت به ﷺ مكة لرتده عىل أمه أي بعد شق صدره ﷺ وقد بلغ أربع سنني أو خمسا أو ستا عىل ما تقدم أضلته‬ ‫يف أعايل مكة فأتت جده عبد املطلب‪ ،‬فقال‪ :‬إين قدمت مبحمد هذه الليلة‪ ،‬فلام كنت بأعايل مكة أضلني‪ ،‬فو الله ما أدري‪ ،‬أين هو؟ فقام عبد املطلب عند‬

‫‪51‬‬


‫الكعبة يدعو الله أن يرده عليه‪ .‬فسمع هاتفا من السامء يقول‪ :‬أيها الناس ال تضجوا إن ملحمد ربا لن يخذله وال يضيعه‪ ،‬فقال عبد املطلب‪ ،‬من لنا به‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬إنه بوادي تهامة عند الشجرة اليمنى‪ ،‬فركب عبد املطلب نحوه‪ ،‬وتبعه ورقة بن نوفل‪ .‬فوجداه ﷺ قامئا تحت شجرة يجذب غصنا من أغصانها‪،‬‬ ‫فقال له جده‪ :‬من أنت يا غالم؟ فقال أنا محمد بن عبد الله بن عبد املطلب‪ ،‬فقال وأنا عبد املطلب جدك فدتك نفيس‪ ،‬واحتمله وعانقه وهو يبيك‪ ،‬ثم‬ ‫رجع إىل مكة وهو قدامه عىل قربوس فرسه‪ ،‬ونحر الشياه والبقر‪ ،‬وأطعم أهل مكة»‪.‬‬ ‫نقل عن السرية الحلبية‪-‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬عيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪ ،‬باب ذكر رضاعه صىل‬ ‫ً‬ ‫الله عليه وسلم وما اتصل به‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحات (‪.)138-139‬‬

‫(‪ .)5‬عودة محمد ألمه عندما بلغ عمره خمس سنوات ويومني‪:‬‬

‫«قالت‪ :‬فحملناه فقدمنا به مكة عىل أمه‪ .‬قال الواقدي وكان ابن عباس يقول‪ :‬رجع إىل أمه وهو ابن خمس سنني أي وزاد يف االستيعاب ويومني من مولده‬ ‫ﷺ‪ ،‬وكان غريه أي غري ابن عباس يقول‪ :‬رجع إىل أمه وهو ابن أربع سنني‪ .‬وذكر األموي أنه رجع إىل أمه وهو ابن ست سنني‪ ،‬انتهى»‪.‬‬ ‫نقل عن السرية الحلبية‪-‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬عيل الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪ ،‬باب ذكر رضاعه صىل‬ ‫ً‬ ‫الله عليه وسلم وما اتصل به‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)137‬‬

‫عقابك مئة‬ ‫جلدة إن لم‬ ‫ُمتت من‬ ‫الضحك‬

‫‪52‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫مختلف‬ ‫بأسـلوب‬ ‫روايـة فاتنـة تحكي قصة‬ ‫ٍ‬ ‫شـخصيات مميزةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حوارات تلقي‬ ‫عـن المعتـاد فـي الروايات‪ .‬تبدأ الرواية بمشـاهد‬ ‫ٍ‬ ‫الضـوء علـى تعامـل الشـخصيات مـع مواضيـع يوميـة‪ .‬إلى أن‬ ‫روائيـا‪.‬‬ ‫طابعـا‬ ‫فريـد مـن األحـداث يتخـذ‬ ‫خليـط‬ ‫تتحـول إلـى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عالـم آخر‪ ،‬بل على عالمك نفسـه مـن منظو ٍر‬ ‫سـتتعرف علـى‬ ‫ٍ‬ ‫آخـر‪ .‬اختـر مـن تكـون وأيـن‪ ،‬وغ ّيـر التاريـخ فـي المسـتقبل‬ ‫حـي الرمـاد الموحلـة مـع سـالم‬ ‫القريـب‪ ،‬تشـ َّرد فـي أزقـة‬ ‫ّ‬ ‫الصغيـر‪ ،‬أو خـض حر ًبـا ضـروس إلـى جانـب الزيـر المهلهـل‬ ‫وتفنـن فـي االنتقـام مـن الذيـن يرتكبـون خطـأ مواجهتـك‪،‬‬ ‫تحـدى الخنزيـر األكبـر وليـد ومسـاعده الدنـيء يوسـف‪ ،‬تع ّرف‬ ‫حـب مـع مالك المـوت اسـمها دليله‪،‬‬ ‫إلـى امـرأةٍ تعيـش قصـة‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫فتـاة بارعـة الجمـال وأثره في مختلـف المجتمعات مع‬ ‫أو كـن‬ ‫فاتنـة‪ ،‬واكتشـف كيـف يغ ّيـر الحـب الطاغيـة!‬

‫‪53‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫َملِك‪ :‬ما الفرق بني أمك والعاهرة؟‪ ‬‬ ‫الفتاة‪ :‬ماذا تريدين أن أقول؟‪ ‬‬ ‫َملِك‪ :‬اخلعوا‪ ‬حاملة صدرها‪ .‬‬ ‫الفتاة وهي ترتعد‪ :‬أرجوك قل يل! ماذا أقول!‪ ‬‬ ‫َملِك ميد يده إىل ثديها وقد بدأت بالبكاء‪ :‬ما الفرق بني أمك والعاهرة؟‪ ‬‬ ‫الفتاة‪ :‬ال يشء‪ .‬‬ ‫ِ‬ ‫َملِك‪ :‬متا ًما‪ ،‬أمك عاهرة‪ِ ،‬‬ ‫أخربت‪ ‬أح ًدا مبا‪ ‬حدث‬ ‫وأنت عاهرة‪ ،‬وكلنا أوالد عاهرات‪ ،‬هذا العامل عاهر‪ ،‬وسيبقى كذلك! إذا‬ ‫ِ‬ ‫فهمت؟‪ ‬‬ ‫اليوم‪ ،‬ستندمني كث ًريا‪،‬‬ ‫الفتاة‪ :‬لن أخرب أح ًدا فقط اتركوين‪ .‬‬ ‫أحد األوالد‪ :‬ملاذا نرتكها دعني أنال منها شيئًا!‪ ‬‬ ‫َملِك‪ :‬ال‪ ،‬لقد أخذتُ حقي وكفى‪.‬‬ ‫الولد‪ :‬حقك؟‪ ‬‬ ‫َملِك‪ :‬اتفقنا أن تطيعوين‪ ،‬بدون أسئلة‪ ،‬اتركها اآلن‪ .‬‬ ‫ترتدي الفتاة مالبسها وتغادر برسعة‪ ،‬وبالفعل ال تخرب أح ًدا ألنها تعرف أن والدها نفسه سيجد طريق ًة ليلومها عىل ما‬ ‫حدث لها‪ .‬‬ ‫بعد مغادرتها‪...‬‬ ‫لست ابن عاهرة‪ ،‬مل أرد افتعال مشكلة أمام الفتاة ألجل اتفاقنا‪ .‬‬ ‫أحد األوالد‪ :‬أنا ُ‬ ‫‪54‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫َملِك‪ :‬كلنا أوالد عاهرات‪ .‬‬ ‫الولد‪ :‬تكلم عن نفسك‪ .‬‬ ‫َملِك‪ :‬هل تعرف كل نساء أجدادك منذ خمسة آالف عام؟‪ ‬‬ ‫الولد‪ :‬ال‪ .‬‬ ‫مثل؟ هل تعرف تاريخ هذه املنطقة؟‬ ‫َملِك‪ :‬هل تريد إقناعي بأننا لو عدنا يف التاريخ جدلً ‪ ،‬لن نجد أي منهن كجاري ٍة ً‬ ‫‪ ‬‬ ‫الولد‪ :‬إذا كان هذا ما قصدته فقد فهمت اآلن‪ ،‬لكن أمي ليست‪...‬‬ ‫َملِك‪ :‬مل تفهم شيئًا‪ .‬‬ ‫الولد الثاين‪ :‬لنغلق املوضوع يا شباب‪.‬‬ ‫َملِك‪ :‬حس ًنا‪ ،‬لنتناول املرشوبات الغازية عىل حسايب اليوم‪ ،‬لقد ق ّدمتام يل خدمة‪ .‬‬ ‫يتناول الولدان مرشوبًا غازيًا دون أن يفهام ترصف َملِك الغريب اليوم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫صمت‬ ‫أيام عادت الفتاة إىل الدكان عندما كان َملِك وحده ونظرت إليه نظر ًة ذات مغزى‪ ،‬أغلق الباب بهدوء‪ ،‬ويف‬ ‫بعد ٍ‬ ‫أيام تكرر ذلك الحدث‪ .‬‬ ‫قامت هي برفع جلبابها واالنحناء‪ .‬كل بضعة ٍ‬ ‫قليل وجه القط‪ ،‬ومع قزحية عينيه‬ ‫شكل يشبه ً‬ ‫مرت السنني وازدادت قوة شخصية َملِك‪ ،‬بدأ وجهه األسمر يتخذ ً‬ ‫األقرب لونًا إىل الصفار كان مظهره يوحي بالشدة والفطنة‪ ،‬وكان قصري القامة خفيف اللحم رسيع الحركة‪.‬‬ ‫يف أحد األيام التقاه أحد «السحرة» أو قُ ّراء الطالع وكان يحمل سجاد ًة عىل كتفه وقال له‪ :‬ستسافر بعي ًدا ويتبعك‬ ‫رجال كثريون‪ ،‬وستملك وال ميلك عليك‪ ،‬لكن سيقتلك ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫رجال كثريون!‪ ‬‬ ‫ذهب َملِك إىل الجامعة بعد إنهاء املدرسة وحصل عىل بكالوريوس تجارة‪ ،‬كان لديه عدة عالقات مع الجنس اللطيف‬ ‫أثناء الجامعة‪ ،‬ودخل يف أكرث من عر ٍ‬ ‫ألسباب مختلفة فاز بها كلها‪ .‬اشتهر بشيئني‪ ،‬األول أنه كان يصمد مهام‬ ‫اك باأليدي‬ ‫ٍ‬ ‫تلقى من رضبات ولكامت وسقطات معاو ًدا النهوض واستفزاز الخصم‪ ،‬ومن هنا اكتسب لقب النمرود‪.‬‬ ‫والثاين أنه كان يجثم عىل صدر الخارس ويوجه له سؤالً ‪ :‬ما الفرق بني أمك والعاهرة؟‬ ‫‪55‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫ويُكيل له اللكامت حتى يجيب «ال يشء»‪ .‬يف السنة األخرية يف الجامعة تويف والده وترك له كل يشء‪ .‬مل يكن ذلك‬ ‫كاف ًيا إلشباع طموح َملِك‪ .‬يف ذلك الوقت بدأ عمليات بيع املواد املهربة واملرسوقة يف دكانه باالتفاق مع املهربني‬ ‫الذين أعجبه عاملهم‪ .‬يف ِ‬ ‫وقت‪ ‬قصري أسس مجموع ًة صغري ًة للتهريب لحسابه الشخيص‪ ،‬وقام بفتح عدة متاجر‪ ،‬وانتقل‬ ‫للعيش يف ٍ‬ ‫بيت منفصل عن والدته واشرتى لها بيتًا أفضل‪ ،‬واستمر بإعالة زوجة والده األوىل التي كانت طيب ًة معه‬ ‫طوال حياته رغم غريتها الواضحة من أمه‪ .‬لكن كل ذلك النجاح مل يكن كاف ًيا بالنسبة له‪ .‬‬ ‫كان َملِك قد بدأ يضيق ذر ًعا بحياته الروتينية بحكم طبيعته النارية‪ ،‬وكان يُكن كر ًها شدي ًدا لكل املنظومات مبا فيها‬ ‫منظومة القانون‪ ،‬وهكذا بدأ بدراسة طرق تجارة املاس غري القانونية‪ ،‬ويف سن الرابعة والعرشين انطلق مع مجموع ٍة‬ ‫من املهربني املبتدئني إىل شامل الكونجو لرشاء املاس املهرب من أنجوال‪ .‬وصلوا بسهولة بالطائرة‪ ،‬لكن طريق العودة‬ ‫وصول إىل البحر املتوسط حيث ميكن شحن املاس إىل الهند لتبييضه بوثائق‬ ‫ً‬ ‫كان بريًا إىل الشامل عرب الصحراء الكربى‬ ‫مزورة‪ .‬هذا الخط مل يكن معتا ًدا لكن َملِك رأى أن يف ذلك حامي ًة إضافية‪.‬‬ ‫حرص َملِك عىل لقاء الباعة يف منطقة مفتوحة وإيضاح أن رجاله مسلحون‪ ،‬نجح يف إمتام عملية الرشاء التي استثمر‬ ‫فيها معظم ما ميلك‪ ،‬كان كل يشء يسري عىل ما يرام إىل أن وصلوا إىل الصحراء الكربى يف املنطقة بني تشاد وليبيا‬ ‫والنيجر‪ .‬يف تلك املنطقة الحت عدة سيارات تالحقهم من بعيد‪ ،‬وعندما اقرتبت السيارات بدأ الرجال امللثمون بإطالق‬ ‫النار عىل سيارة َملِك وقام رجاله املبتدئون بالرد‪ .‬مل تكن معرك ًة متكافئة‪ ،‬قُتل رجالن من رجاله أثناء املطاردة وبقي‬ ‫هو والسائق‪ ،‬متكّن من قتل أحد املطاردين ثم استلم القيادة بعد إصابة مرافقه بعيا ٍر يف كتفه‪ .‬انطلق َملِك مناو ًرا‬ ‫املُطاردين حول الكثبان الرملية بينام بدأت الرياح باالشتداد‪ ،‬ورسعان ما تح ّولت الرياح إىل عاصف ٍة صحراوية فقد‬ ‫معها املُطاردون أثر َملِك وصاحبه‪.‬‬ ‫املشكلة أن املطاردة أفقدته الطريق‪ ،‬واستنزفت وقو ًدا مل يكن محسوبًا يف تجهيزات رحلته‪ .‬عندما توقفت السيارة‬ ‫طويل بسبب جرحه‪ ،‬وهكذا‬ ‫طعام وماء وإكامل الرحلة عىل األرجل‪ .‬مل يعش مرافقه ً‬ ‫كان عليهام حمل ما تبقى من ٍ‬ ‫سار َملِك وحي ًدا وهو يش ّجع نفسه منش ًدا بيت الشنفرى‪ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫أصليت وصفراء عيطلِ‬ ‫أصحاب فؤا ٌد مشي ٌع‪...‬وأبيض‬ ‫ثالثة‬ ‫ٍ‬ ‫مع الوقت صار أكرث ما يؤمل نظره هو كثبان الرمال‪ ،‬ألنه كلام تجاوزها ظهر غريها‪ .‬بدأ طعامه ينفد‪ ،‬وماؤه يقل‪ .‬يف‬ ‫العادة يف مثل هذه املواقف يندم أشد الرجال عىل قراراتهم التي أفضت بهم إىل حالة كهذه‪ .‬أما َملِك فلم يندم عىل‬ ‫قراره حتى بينه وبني نفسه‪ ،‬لقد كان يعرف املخاطر قبل أن يبدأ وكان من املستحيل التنبؤ بالنجاح أو الفشل‪ ،‬لذلك‬ ‫فالندم يف نظره فقط لكون االحتامل األسوأ حصل ليس إال شعو ًرا بال معنى‪ .‬تلك العقلية جعلته صل ًبا حتى يف أسوأ‬ ‫املواقف‪ ،‬ولعلها ما دفعه إىل مواصلة السري إىل أن نجح يف النهاية أن يصل إىل قري ٍة صغرية ُمقامة حول واحة‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫كان هناك سيار ٌة واحدة يف البلدة يقوم صاحبها برحل ٍة واحدة يوم ًيا إىل مدين ٍة صغرية قريبة‪ .‬مببلغٍ صغري وصل َملِك‬ ‫إىل املدينة‪ ،‬ومن هناك واصل طريقه بوسائل النقل العام إىل مدين ٍة أكرب ثم اشرتى سيار ًة ووصل إىل أحد مواىنء البحر‬ ‫املتوسط‪ .‬يف تلك العملية الجنونية كسب َملِك مليونه األول‪.‬‬ ‫طويل فحزن كث ًريا ألنها كانت تتمنى أن تراه متزو ًجا ولديه أوالد‪،‬‬ ‫توفيت أمه مبرض الكبد الوبايئ املزمن الذي الزمها ً‬ ‫لكنه رسعان ما استدرك عواطفه وعاد إىل حياته‪ .‬خطته الجديدة كانت تهريب كمية هائلة من املخدرات إىل الخليج‪.‬‬ ‫افق خبري‪ ،‬ومتت عمليته‬ ‫بعد إجراء اتصاالته سافر إىل تركيا لرشاء املخدرات وتهريبها مرو ًرا ببالد الشام‪ .‬استعان مبر ٍ‬ ‫بنجاح‪ ،‬قام بتسليم الشحنة داخل الحدود ثم قفل عائ ًدا‪ .‬أراد أن يقيض بعض الوقت قبل أن يعود إىل بالده‪ .‬هنا‬ ‫بدأت أوارص الصداقة مع ذلك املرافق املدعو عمر تشتد حتى أنه أقنع َملِك بنقل عملياته إىل بالد الشام‪ ،‬إىل حي‬ ‫الرماد تحدي ًدا‪ ،‬لسهولة إخفائها مهام بلغ حجمها‪ ،‬وسهولة تجنيد الرجال من الفقراء‪ .‬هكذا بدأت عصابة النامريد‪،‬‬ ‫وهكذا تربّع امللك منرود عىل عرش الجرمية لسنوات تلت‪.‬‬ ‫الصاحب أول‪ ،‬كام كان أحيانًا يُلقب الصاحب عمر‪ ،‬مل يكن يعرف حني التقى امللك منرود أنهام سيواجهان املوت سويًا‬ ‫بعد سنوات محارصين بآليات كمني رجال جتعشكم يف نفس الليلة التي أرسلوا‪ ‬فيها معظم رجال التنظيم للهالك‪ .‬ويف‬ ‫أيضا بينام بدأ الرصاص ينهال عىل سيارته املصفحة من كل صوب‪ ،‬تذكر امللك منرود عبارة الع ّراف «يقتلك‬ ‫تلك الليل ِة ً‬ ‫ٌ‬ ‫رجال كثريون»‪.‬‬ ‫رجل عاديًا‪ ،‬ألحبطت تلك العبارة معنوياته يف ذلك املوقف‪ ،‬ولكنه النمرود!‪ ‬‬ ‫لو‪ ‬كان امللك منرود ً‬ ‫امللك منرود‪ :‬عمر حاول أن تكرس الدائرة وتجعلهم خلفنا‪ .‬‬ ‫الصاحب عمر‪ :‬هذا ما أحاول فعله يا رجل‪ .‬‬ ‫امللك منرود‪ :‬متالك أعصابك! لن منوت الليلة أقسم لك!‪ ‬‬ ‫يف تلك اللحظة تنفجر أول قذيفة إىل جانب السيارة‪ .‬‬ ‫الصاحب عمر‪ :‬سأتجه إىل الشامل بأقىص رسعة وأش ّغل نظام القيادة التلقايئ ألساعدك يف إطالق النار‪ .‬‬ ‫تنطلق السيارة املزودة بنظام القيادة التلقايئ الذي يعتمد وجود رادار يف مقدمتها ومجسات عىل الجوانب ‪ -‬مثل‬ ‫معظم السيارات الفاخرة يف ذلك الزمن‪ -‬برسعة مئتني وأربعني كيلو م ًرتا يف الساعة مثري ًة زوبع ًة من الغبارخلفها يف‬ ‫الليل الحالك الذي أضاءته فقط نريان الرشاشات اآللية‪ .‬يفتح‪ ‬امللك منرود حقيب ًة كبرية يف املقعد الخلفي ويُخرج‬ ‫‪57‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫مدف ًعا رشاشً ا غريب الشكل له عدة فوهات إىل جانب بعضها البعض‪ ،‬بينام ميسك الصاحب عمر برشيط الرصاص‬ ‫ومستغل الغبار خلف السيارة يفتح امللك منرود فتحة السقف‬ ‫ً‬ ‫الخاص بذلك السالح التجريبي الجديد‪ .‬بحركة انتحاري ٍة‬ ‫ويخرج نصفه العلوي منها موج ًها املدفع إىل الخلف‪.‬‬ ‫عندما يضغط الزر األول تبدأ الفوهات بالدوران برسعة هائلة مصدر ًة صوتًا يشبه الصفري العايل‪ ،‬ثم ييضء زر أخرض‬ ‫بعد ثوانٍ ‪ ‬للتنبيه أن املدفع اآلن جاهز لإلطالق! يرصخ ملك‪ :‬أنا امللك منرود يا أوالد العاهرات! عندما يضغط الزر‬ ‫فينطلق الرصاص الذي يبدو متوسط الحجم‪ ،‬تصطدم أول رصاصة باألرض ويحدث انفجار هائل ثم تتواىل تلك‬ ‫لحم يف‬ ‫االنفجارات يف كل مكانٍ مدمر ًة عدة آليات‪ ،‬ويتطاير رجال جتعشكم يف مشهد يجعل الناظر يظن أنهم قطع ٍ‬ ‫مقال ٍة يجري ه ّزها بعنف وقد اشتعلت النار بالزيت! تبدأ اآلليات بالرتاجع ويتفرق معظم الرجال‪ .‬إال أن امللك منرود‬ ‫والصاحب عمر مل يف ّكرا أن نظام القيادة اآليل مصم ٌم لتفادي التصادمات وليس للمطاردات! بسبب تلة رملية أمامها‬ ‫تتباطىء السيارة أوتوماتيكيًا فيختل توجيه املدفع ويبدأ بإطالق القذائف يف الفضاء‪ .‬يعود الصاحب عمر إىل مقعد‬ ‫غي االتجاه ثم ينطلق برسعة أكرب‪ .‬مل يعد هناك أحد من جتعشكم خلفهم‪ ،‬لكن اآلن لديهم مشكلة أكرب‪.‬‬ ‫القيادة ويُ ّ‬ ‫فهم يف ممر للطائرات األمريكية املتجهة لقصف هجوم جتعشكم‪ ،‬وإطالق النريان إىل الفضاء أدى إىل إرسال تقري ٍر‬ ‫أن هناك مضادات أرضية يف تلك املنطقة‪ .‬مبارش ًة تتجه طائرتان بدون طيار لتعقب الخطر‪ ،‬من بعيد يشاهد َملِك‬ ‫والصاحب عمر نا ًرا تهبط من‪ ‬السامء عىل مكان آليات جتعشكم‪ .‬الصاحب عمر‪ :‬الطائرات األمريكية هنا!‪ ‬‬ ‫َملِك‪ :‬اللعنة! علينا أن نرتجل من السيارة برسعة!‪ ‬‬ ‫يوقف الصاحب عمر السيارة‪ ،‬يجمعان ما استطاعا من حقائب املال ويبدآن بالركض تاركني السيارة‪ .‬قبل أن يبتعدا‬ ‫كث ًريا يتوقف الصاحب عمر‪.‬‬ ‫الصاحب عمر‪ :‬لقد نسينا الالسليك بالسيارة‪ .‬‬ ‫امللك منرود‪ :‬حس ًنا لنعو‪...‬‬ ‫أرضا‪ .‬يُغمى عىل‬ ‫قبل أن يكمل جملته تنفجر قذيفة جوية تصيب السيارة مبارش ًة وتطرح صدمة االنفجار الرجلني ً‬ ‫الصاحب عمر‪ .‬امللك منرود يشعر بالدوار والغثيان‪ .‬يزحف إىل حيث الصاحب عمر ويستلقي إىل جانبه ويفقد الوعي‬ ‫هو اآلخر‪ .‬‬ ‫يستيقظ َملِك عىل صوت الصاحب عمر‪ :‬لقد نجونا!‪ ‬‬ ‫امللك منرود‪ :‬قلت لك لن منوت يف تلك الليلة‪.‬‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫فضل أن ال منوت اليوم ً‬ ‫الصاحب عمر‪ :‬أُ ِّ‬ ‫امللك منرود‪ :‬لن منوت‪ ،‬لنعد إىل السيارة لرنى إن بقي يشء ميكننا االستفادة منه‪ ،‬هذه املنطقة مليئة بالقرى الصغرية‪.‬‬ ‫بالنسبة للتوهان يف الصحراء الكربى هذه أشبه بنزهة‪ .‬لدي نظام توجيه يف ساعتي ما زال يعمل‪ .‬أول يش ٍء اشرتيته‬ ‫‪58‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫عند عوديت من الصحراء الكربى كان هذه الساعة!‪ ‬‬ ‫الصاحب عمر‪ :‬الخربة جيدة حتى يف الضياع!‪ ‬‬ ‫يضحك الصديقان ثم يتجهان إىل السيارة املحرتقة ثم إىل أقرب قرية عىل الخريطة‪ .‬بقية الرحلة إىل حيث يقطن خال‬ ‫الصاحب عمر يف ألبانيا كانت سهلة‪ .‬‬

‫يكتب يف إحدى الليايل املاطرة التي يُفرتض أنها من ليايل الربيع‪:‬‬ ‫مع مرور الوقت أثبتت فاتنة أنها قادرة عىل إدارة عدة جبهات يف وقت واحد‪ ،‬فرغم أنها يف هذه األيام مشغول ٌة‬ ‫مبستقبل جميل ونقاشاته مع والده‪ ،‬والدكتور أسعد الذي بدأ يواعد جانيت ويسافر إىل واليتها‪ ،‬واتصاالت دليله‬ ‫ٍ‬ ‫بنشاطات‬ ‫اكتئاب مزمنة‪ ،‬إال أنها مل تُهمل التقدم يف دراستها بل والقيام‬ ‫وقلقها‪ ،‬ومساعدة جنيفر يف التغلب عىل حالة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ندوات‬ ‫إضافية‪ ،‬كاملشاركة يف تحرير مجل ٍة إلكرتوني ٍة تناضل من أجل حقوق املرأة يف الرشق األوسط‪ ،‬إضاف ًة إىل حضور‬ ‫حول حقوق اإلنسان يف العامل الثالث‪.‬‬ ‫لقد بدأت تكتسب شهر ًة عىل االنرتنت‪ ،‬جنيفر ترى أن تلك الشهرة راجعة لجامل فاتنة أكرث من أفكارها‪ ،‬وفاتنة تتأمل‬ ‫أنها عىل خطأ‪ .‬جنيفر وغريها ال يعرفون أن فاتنة ما زالت جريحة وإن كانت عصية الدمع رسيعة الشفاء‪ .‬‬ ‫‪59‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫يف إحدى الليايل تكتب يف دفرتها الرسي‪:‬‬ ‫“أعمق الجراح هي تلك التي يُ ِ‬ ‫حدثها الشخص الذي يُفرتض أن يكون عىل عالق ٍة عميقة بك‪ ،‬ذلك الشخص القريب‬ ‫الذي يُفرتض أن يحميك‪ ،‬الطعنة التي تأيت من داخل القلب تنزف إىل األبد”‬ ‫أما جميل فام زال مشتتًا عن أبحاثه‪ ،‬ومل يكتب شع ًرا منذ مدة‪ ،‬إال أنه يواظب عىل االتصال بوالده والعمل عىل إقناعه‬ ‫بأفكاره‪ .‬أما ُحبه لفاتنة فكان الثابت يف حياته‪.‬‬ ‫السيد رفيق يقرتب من إكامل االستعداد لالنقالب يف البالد‪ ،‬ويحاول صقل أفكار جميل لتكون أكرث عملية‪.‬‬ ‫مريضا‪ ،‬واستكانت لقَدرِها راضية بأي يش ٍء يحدث لها‬ ‫دليله اقتنعت بأن املهلهل ٌ‬ ‫رجل فري ٌد من نوعه‪ ،‬ومل تعد تعتربه ً‬ ‫حتى لو ض ّحت بحياتها من أجل عالقتها معه‪.‬‬ ‫املهلهل يفكر كث ًريا يف هجرتهم املزمعة ويُداوم عىل تعلم اإلنجليزية ومشاهدة الربامج التوضيحية والقراءة عن الحياة‬ ‫تجارب ليخترب قوة حرشته املدللة‪ ،‬يف خضم تجاربه قام بإطعام جمجوم حرش ٍ‬ ‫ات أكرب‪ ،‬ثم ضفادع‬ ‫يف الغرب‪ .‬بدأ بإجراء‬ ‫ٍ‬ ‫صغرية‪ ،‬ثم طيو ًرا صغرية‪ ،‬ثم لقي جمجموم حتفه بسبب عصفور أكرب من الالزم‪...‬‬

‫يتبـــع يف العـــدد القـــادم الفصول األخرية‪...‬‬

‫‪60‬‬


‫الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها؛ لكنه يقبل رميهم بالعذاب‬ ‫األبدي بحال رفضوا عبادته‪.‬‬

‫‪Ali Nuder‬‬

‫ـ‬

‫احمدالحسيناوي‬

‫‪From Hell with love...‬‬ ‫املحبة املرشوطة بالتبعية هي محبة أفراد القطيع بعضهم‬ ‫البعض وعداوتهم لبقية القطعان‪.‬‬

‫‪Nart Sasruka‬‬

‫‪Sami Jamal‬‬

‫يا خرفان الرب ‪..‬‬ ‫الراعي ينتظركم يف الحظرية‪..‬‬ ‫ليك يذبحكم ‪!!.‬‬

‫‪61‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab Atheists Magazine is a digital publication The Arab AtheistsbyMagazine digital publication produced produced volunteersis aand committed to promoting by volunteers committed the thought and the thoughtandand writings to of promoting atheists of various persuawritings of complete atheists offreedom. various persuasions withdoes complete freesions with The Magazine not adopt dom. Theor Magazine not adopt or endorse any form of politiendorsedoes any form of political ideology or affiliation cal ideology or affiliation Contributors bear the full responsibility of the content, illustraContributors bear the fullprovide responsibility content, illustrations tions and topics they insofarofasthe it covers copyright and and topics they provide insofar as itissues coversofcopyright andproperty issues of intellectual intellectual property Express permission for to publish in the Magazine is provided Express permission for to publish Magazineofisthe provided by conby contributors, whether theyinarethemembers Arab Atheists tributors, are atheists membersand of the Arab Atheists Magazine Magazinewhether Group ofthey other non-religious contributors Group of other atheists and non-religious contributors The Magazine does not publish material that is unethical or that The Magazine does not publish material that is unethical or bigotry that inincites racism or cites racism or bigotry The Editorial Board reserves the right to republish content The Editorial Boardpublished reserves the to republish content group, originally originally on right the Magazine’s Facebook as published onthere the Magazine’s group, asforpublishing there publishing implicitly Facebook contains consent republication implicitly contains consent for republicationininthe theMagazine Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.