مجلة الملحدين العرب / العدد الثامن والخمسون / سبتمبر أيلول / 2017

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫املسلم‬

‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫االستعامر العريب‪ :‬صفحة‬ ‫دموية يف تاريخ مرص (‪)2‬‬

‫إيهاب القسطاوى‬

‫هدم أسطورة دين‬ ‫العفة (‪)1‬‬

‫العدد الثامن والخمسون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬سبتمرب‪ /‬أيلول ‪.2017‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫رحلة الرافدين‬ ‫البدايات األوىل‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪،‬‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم‬ ‫مبني ٌة بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫من الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫للسعادة تعريفاتٌ كثرية‪ ،‬ولكل ٍ‬ ‫شخص تعريفه الخاص لها‪ ،‬هناك من يربطها‬ ‫باملال وهناك من يربطها بالحب أو األرسة أو السفر أو النجاح‪ ،‬ولكن لنتفق‬ ‫يل بالرضا‪ ،‬رضا اإلنسان عن حاله وأحواله‪.‬‬ ‫أنها يف البداية عبار ٌة عن شعو ٍر داخ ٍ‬ ‫أبيقور‪ ،‬الفيلسوف اليوناين املعروف‪ ،‬ع ّرفها بأنها غياب األمل وربطها بالشعور‬ ‫أول اللذة الجسدية‬ ‫باللذة تحدي ًدا‪ ،‬ووضع لها تدر ًجا من األسفل لألعىل‪ً ،‬‬ ‫كاللذة بالغرائز من أكلٍ‬ ‫ورشب وجنس‪ ،‬ثان ًيا يف الدرجة األعىل وضع اللذة‬ ‫ٍ‬ ‫الوجدانية كاللذة بالدين أو القيم أوالحب أو الصداقة‪ ،‬ثالثًا ويف أعىل درج ٍة‬ ‫وضع اللذة العقلية أو الفكرية‪ ،‬وهي لذ ٌة تفوق بقية اللذات‪ ،‬وهذه حقيقة‪،‬‬ ‫فاإلنسان يسمو عىل ذاته ويُحلّق يف عوامل بعيد ٍة يف كل مر ٍة يقرأ فيها كتابًا‬ ‫جدي ًدا أو يطلع عىل أفكا ٍر جديد ٍة أو يتعلم شيئًا جدي ًدا‪.‬‬ ‫يل باألصل‪ ،‬لكنها ليست منفصلة عن الظروف‬ ‫ٌ‬ ‫صحيح أن منشأ السعادة داخ ٌ‬ ‫املحيطة‪ ،‬وهي تحتاج للتدريب وتغيري طريقة التفكري وزوايا النظر لألمور‬ ‫أحيانًا‪ ،‬فعلينا يف البداية أن نتقبل الواقع املحيط بنا حتى وإن مل يعجبنا‪،‬‬ ‫يف البداية نتقبله ومنه ننطلق نحو تغيري ما نريد تغيريه‪ ،‬بعضنا يعتقد أن‬ ‫جميل‪ ،‬وحني‬ ‫سعادته ستحقق إذا امتلك الكثري من املال‪ ،‬أو إذا امتلك بيتًا ً‬ ‫يحقق هذا يبقى غري سعيد! ملاذا؟‬ ‫ألنك إن مل تجد السعادة يف استغالل املتاح لن تتعلم كيف تكون سعي ًدا عند‬ ‫الوصول لغري املتاح‪ ،‬فإذا ربطت السعادة بعوامل خارجي ٍة دون الرتكيز عىل‬ ‫العوامل الداخلية ستبقى متذبذب املشاعر غري مستقر‪ ،‬السعادة تبدأ من‬ ‫الداخل وتزدهر بالخارج‪ ،‬لكنها إذا بدأت من الخارج وكان الداخل فارغًا لن‬ ‫تجد ما تزدهر به‪.‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫شادي سليمي‬ ‫‪RoRo Evil-Girl‬‬

‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Antoine Tannous‬‬ ‫‪X. AHTOHOB‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫‪Liza Paloulian‬‬ ‫‪A Koder‬‬ ‫‪Romario Gamal‬‬ ‫‪Teky Mikky‬‬ ‫ليث رواندي‬

‫ٍ‬ ‫سعيد وقد يصل به األمر إىل‬ ‫غني ومشهو ٌر لكنه غري‬ ‫لذلك قد تجد من هو ٌ‬ ‫االنتحار!‬ ‫هذا ما تعنيه مقولة جيم كاري املمثل الكوميدي العاملي‪ :‬أمتنى أن يصبح‬ ‫الجميع أغنياء ومشاهري حتى يعرفوا أن هذه ليست هي اإلجابة!‬ ‫هذا ال يعني أن ال متتلك طمو ًحا‪ ،‬وال تسعى جاه ًدا لتحسني ظروفك وتحقيق‬ ‫أحالمك‪ ،‬ولكن تعلّم أن تكون سعي ًدا بكل األحوال‪ ،‬وأن تنبع السعادة دو ًما‬ ‫من داخلك‪.‬‬ ‫يقول برتراند راسل يف خامتة كتابه “انتصار السعادة” أن اإلنسان إذا وجد‬ ‫لنفسه اهتاممات غري شخصية‪ ،‬وإذا ربط نفسه بالكيان الكيل الذي هو‬ ‫البرشية جمعاء وفعل ما بوسعه حتى لو كان صغ ًريا بيش ٍء ٍ‬ ‫مفيد للبرشية‬ ‫سيشعر بسعادة حقيقة مستقرة مطمئنة ولن يخىش املوت‪ ،‬ألنه متصل مبن‬ ‫بعده ضمن تيار الحياة‪.‬‬ ‫لذلك ال عالقة للدين أو اإللحاد بالسعادة كمسبب رئييس‪ ،‬رغم أنها عوامل‬ ‫مساعدة‪ ،‬فقد يجد املتدين بعض العزاء يف مايؤمن به‪ ،‬وقد يجد امللحد‬ ‫أن استغناءه عن الوهم ــ رغم أنه صعب ــ ولكنه مينحه شعور بالقوة‬

‫‪2‬‬

‫والسعادة‪ ،‬ولكن املعيار األسايس هنا هو نفسية‬ ‫بغض النظر عن إميانه بدين‬ ‫اإلنسان من الداخل‪ّ ،‬‬ ‫أوعدمه‪ ،‬يف النهاية كل واحد منا هو الذي يستطيع‬ ‫تحديد ما يريده‪ ،‬فلنكن أحرا ًرا متمردين‪ ،‬ال نتنازل‬ ‫عن حقنا يف السعادة‪.‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫املسلم‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫هدم أسطورة دين العفة (‪)1‬‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪8‬‬

‫عر ٌيب بال رب‪ :‬منفي فلسطيني‬ ‫ينرش كتابًا عن تركه لإلسالم‬ ‫‪Barry Duke‬‬

‫‪15‬‬

‫قراءة يف كتاب‪ :‬تاريخ موجز للزمن‬ ‫لستيفن هوكنغ بقلم‪Majd Ha :‬‬

‫‪22‬‬

‫رحلة الرافدين‪ :‬البدايات األوىل‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫‪27‬‬

‫االستعامر العريب‪ :‬صفحة دموية‬ ‫من تاريخ مرص (‪)2‬‬ ‫إيهاب القسطاوى‬

‫‪43‬‬

‫تصحيح املفاهيم‪ :‬ملاذا ال يلتزم‬ ‫امللحد العريب الصمت؟‬ ‫‪Ahmad F. Alabbasi‬‬

‫‪48‬‬

‫سرية محمد بن آمنة‬ ‫ترجمة عن منشورات شاريل إيبدو‬

‫‪52‬‬

‫رواية سقوط اإلله‬ ‫‪Noha Selem‬‬

‫‪60‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪71‬‬ ‫‪3‬‬


‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫املسلم هو كل من يعتنق اإلسالم‪ ،‬ومبع ًنى آخر‪ ،‬املسلم‬ ‫هو الشخص الذي يُق ّر بالله ربًا وإل ًها واح ًدا وينفي الربوبية‬ ‫أو األلوهية لغريه‪ ،‬ويتّخذ اإلسالم دي ًنا‪ ،‬ويتّبع محم ًدا نبيًا‬ ‫ورسول‪ ،‬ويتّخذ القرآن كتاب هداية‪ ،‬ويؤ ّدي أركان اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫الخمسة‪.‬‬

‫املسلم‬

‫مجاالت العلوم واملعارف والفنون والفلسفات والقوانني‬ ‫والسلوك اإلنساين الوضعي البرشي؟ يف هذا اختلف العديد‬ ‫أيضا يف تقديم رؤي ٍة‬ ‫من املفكرين والفالسفة ودعاة األديان ً‬ ‫واضح ٍة أو مقبول ٍة لألخالق‪.‬‬

‫مثل يقول‪« :‬إن أخالق الرحمة واإلحسان والصرب هي‬ ‫نيتشه ً‬ ‫ويف تعاريف أخرى عىل املسلم لكامل إسالمه أن يكون حيل ٌة ابتكرها الضعفاء؛ ليك يضحكوا بها عىل األقوياء‪ ،‬وليك‬ ‫قسم األخالق‬ ‫ُمتّب ًعا ملذهب السنة والجامعة أو املذهب االثنا عرشي أو يأخذوا منهم مكاسب ومنافع‪ ،‬وبنا ًء عىل هذا َّ‬ ‫أيضا‪ -‬رغم اختالف إىل قسمني‪ :‬هام أخالق السادة‪ ،‬وأخالق العبيد»‪.‬‬ ‫غريها من املذاهب اإلسالمية‪ ،‬وعليه ً‬ ‫وجهات النظر‪ -‬أن يكون ُمق ِّد ًسا للرتاث اإلسالمي والتاريخ‬ ‫اإلسالمي وأن يؤمن غال ًبا بأن السلف هم خري الرجال وأن ويقول ماركس‪« :‬األخالق هي صناعة األقوياء واملرتفني‬ ‫ٍ‬ ‫الستعباد الضعفاء واملعدمني‪ ،‬أي أن القيم األخالقية من‬ ‫محمد والخالفة الراشدة هام أفضل العصور‪.‬‬ ‫عرص النبي‬ ‫إنتاج األقوياء اقتصاديًا يف املجتمع‪ ،‬ودامئًا ما كانوا هم من‬ ‫مسلم اليوم حتى يتحول يصنع األخالق التي بها يضمنون بقاء ومناء مصالحهم املادية‪،‬‬ ‫فهل يكفي أن يكون اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫انعكاس لعالقات اإلنتاج‪ ،‬والطبقة املسيطرة‬ ‫وصفات مثالية؟ فالقيم األخالقية‬ ‫بالرضورة إىل إنسانٍ مثا ٍّيل ذي أخالقٍ عالي ٍة‬ ‫ٌ‬ ‫أم أن ذلك حصيلة معرف ٍة الدينية‪ ،‬مبعنى عدم ارتباطها بأي اقتصاديًا هي الطبقة املسيطرة أخالق ًيا‪ ،‬يف كل العصور وكل‬ ‫ُكتسب من خالل العقل اإلنساين وابتكاره يف املجتمعات‪ ،‬سوا ًء أكان ذلك يف النظام اإلقطاعي أو الرأساميل‬ ‫دين‪ ،‬أي أنها ت َ‬ ‫‪4‬‬


‫املسلم‬ ‫أو االشرتايك‪ ،‬فالقيم األخالقية مصدرها‬ ‫الطبقة املالكة لقوى اإلنتاج‪».‬‬ ‫بينام يقول أهل اإلسالم إن األخالق يف‬ ‫أصلها وتكوينها مرتبط ٌة بالرسالة اإلسالمية‬ ‫باعتبارها خامتة الرساالت اإللهية وحامل ٌة‬ ‫لكل التعاليم السابقة والالحقة‪ ،‬وباعتبار‬ ‫ٍ‬ ‫محمد جاء ليت ّمم مكارم األخالق‪.‬‬ ‫النبي‬ ‫فمفهوم األخالق اإلسالمية ينطلق من أن‬ ‫األخالق هي اعتياد االستجابة للفضائل‬ ‫اإلسالمية يف التعامل مع ما خلق الله‬ ‫تعاىل‪ ،‬مبا يتوافق مع املنهج الرباين بهدف‬ ‫كسب مرضاة الله تعاىل‪.‬‬ ‫عام جالب ًة للخري وطارد ًة للرش وفقًا للفلسفة‬ ‫وبينهام ميكن أن نقول بأن األخالق هي منظومة ٍ‬ ‫قيم يعتربها الناس بشكلٍ ٍ‬ ‫شكل من أشكال الوعي اإلنساين‪ ،‬كام ت ُعترب مجموع ٌة من القيم واملبادئ التي تعلّمها اإلنسان‬ ‫الليربالية‪ ،‬وقد قيل عنها إنها ٌ‬ ‫خالل مسريته كالعدل والحرية واملساواة‪ ،‬بحيث ترتقي إىل درجة أن تصبح مرجعي ًة ثقافي ًة لتلك الشعوب لتكون سن ًدا‬ ‫قانون ًيا تستقي منه الدول األنظمة والقوانني‪.‬‬ ‫هذه املقدمة رضوري ٌة حتى نستطيع أن نق ّدم ما نحن بصدد التعليق عليه من ترصفات بعض املسلمني‪ ،‬ورغم أن التعميم‬ ‫ظاهر ٌة غري ص ّحي ٍة أو ال تالمس الحقيقة بالرضورة‪ ،‬إال أن القياس دامئًا يكون عىل الغالبية التي تُشكِّل ظاهر ًة ملفت ًة للنظر‬ ‫يكون فيها االستثناء شيئًا ال يصح القياس عليه علميًا‪.‬‬ ‫ُعب عن‬ ‫رص ٍف ما‪ ،‬قد ال تكون صحيح ًة منطق ًيا إال أنها ً‬ ‫أيضا ت ّ‬ ‫ورغم أن الظاهرة هي ما يتفق عليه الغالبية حول أم ٍر ما أو ت ّ‬ ‫إميانٍ واعتقا ٍد بذلك الترصف والسلوك قد يصل إىل درجة التطرف والتعصب‪ ،‬لتبقى األقلية أو االستثناء كتعبريٍ عن أفرا ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫محاوالت رشعي ًة أحيانًا وأخالقي ًة أحيانًا‬ ‫متسكًا مبعتقداتهم‪ ،‬أو يق ّدمون‬ ‫يرفضون ما تؤمن به الغالبية‪ ،‬وغال ًبا هم أقل الناس ّ‬ ‫أخرى لتربير ما تقوم به الغالبية أو الظاهرة كرفض الرق والعبودية ورفض تعدد الزوجات والجواري‪ ،‬ومؤخ ًرا ما حدث يف‬ ‫مسلم فقط‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫تونس من رفض إلزام املسلمة بالزواج من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تناقضات كبري ًة مع ما يؤمن به وما يتعايش معه‪ ،‬ومر ّد ذلك ايل أمرين‪ ،‬فإما هو مؤم ٌن يف وعيه وال‬ ‫املسلم اليوم يعيش‬ ‫يرفض األمور الالأخالقية ّ‬ ‫كالرق والعبودية ‪ -‬رغم تحليلهام فقه ًيا ‪ -‬وينتظر الفرصة املناسبة لتطبيقها‪ ،‬وإما يخىش التعبري عن‬ ‫رفضه ليبقى صامتًا خائفًا‪ ،‬وكال األمرين أنتجا مواط ًنا وإنسانًا بعي ًدا عن الواقع ومفصول الصلة باإلنسانية واألخالق البرشية‬ ‫الطبيعية‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫املسلم‬ ‫فحادث إعصار إيرما كمثال‪ ،‬استطاع تقديم صور ٍة‬ ‫واقعي ٍة عن املسلم الذي يتم ّنى هالك الشعوب الغربية‬ ‫سبب سوى أنهم كفار‪ ،‬وتحريم العلامنية كمثا ٍل‬ ‫بال ٍ‬ ‫آخر سمعه املسلم من رجال الدين‪ ،‬فآمن بأنها محرم ٌة‬ ‫دون أن يرى الواقع أو يتعلم ويقرأ عن مبادئها وقيمها‪،‬‬ ‫وهناك أمثل ٌة كثري ٌة ج ًدا عن وقوع املسلم ضحي ًة ألخالقٍ‬ ‫أو ثقاف ٍة موروث ٍة ديني ٍة ق ّدمت له بعض الترصفات‬ ‫والسلوكيات عىل أنها أمو ٌر طبيعي ٌة بينام هي ُمج ّرم ٌة‬ ‫قانون ًيا كرضب املرأة وزواج الصغريات وقضية الجواري‬ ‫واإلماء و ِملك اليمني‪.‬‬ ‫وهنا علينا أن نتساءل‪..‬‬ ‫أين هي قيم العدالة واملساواة والحريات يف منظومة األخالق اإلسالمية؟‬ ‫اإلجابة لن تكون سوى إجاب ًة اعتيادي ًة‪ ،‬وهي أننا سنأخذ بها طاملا ال تتعارض مع ديننا وقيمنا وتقاليدنا‪ ،‬وهذه اإلجابة تعني‬ ‫الرفض التام ملا توصل إليه العقل البرشي والقوانني اإلنسانية يف رضورة احرتام اإلنسان وحقوقه وكرامته وإرادته بغض النظر‬ ‫عن الدين واملذهب واللغة والجنس وال ِعرق‪.‬‬ ‫ميكننا القول هنا‪ ،‬إن املسؤولية األخالقية اإلسالمية الخاصة تختلف عن املسئولية األخالقية العامة‪ ،‬فاملسؤولية اإلسالمية‬ ‫ٍ‬ ‫بترشيعات وفق ٍه ملزِمني أمام ٍ‬ ‫شخص أو مجتمعٍ ال ميكن رفضهام أو تغيريهام‪ ،‬كعالقة املسلم بالكفار أو املوقف‬ ‫تتح ّدد‬ ‫من الفلسفة والحريات الفردية‪ ،‬لكن املسؤولية األخالقية أوسع وأشمل من دائرة األديان ألنها تتعلق بعالقة اإلنسان بذاته‬ ‫وبغريه ومبجتمعه وباملعرفة والعلوم املتطورة‪ ،‬فهي مسؤولي ٌة تنطلق من الضمري ال ُحر والعالقات املتبادلة وفق القانون‬ ‫املتطور واملجتمع العلامين الحديث‪ ،‬أما دائرة األخالق اإلسالمية فمقصور ٌة عىل سلوك اإلنسان املطيع واملنفّذ ألوامر سلط ٍة‬ ‫خارجي ٍة قد تكون أوامر إلهي ٍة أو سلطة املؤسسات الدينية ورجال الدين‪.‬‬ ‫وميكننا أن نقول بشكلٍ فاصلٍ أن األخالق األساسية يشرتك فيها كث ٌري من الناس وهي غري مرتبط ٍة بدينٍ أو حتى بقانون‪ ،‬فقد‬ ‫خلق ط ّيب‪ ،‬والغدر خيانة‪ ،‬تعارفوا عىل التعايش‬ ‫تعارف الناس عىل أن الصدق فضيلة‪ ،‬وأن الكذب رذيلة‪ ،‬وأن الوفاء ٌ‬ ‫والتسامح ومساعدة الغري وعدم الرسقة‪ ،‬فأنت ميكن أن تتعامل مع صاحب دينٍ من غري دينك وتجد عنده هذه الصفات‪،‬‬ ‫بينام أنت تفتقدها مع كل إميانك وتقواك‪.‬‬ ‫هنا ميكننا أن نصل إىل مفهوم النسبية األخالقية يف ضوء املقارنة مع األخالقيات الدينية‪ .‬فالنسبية األخالقية هي وجهة نظ ٍر‬ ‫أصول يف الفكر الفلسفي اليوناين الكالسييك الذي كان يتميز بالتنوع األخالقي‪،‬‬ ‫فلسفي ٍة برزت يف القرن العرشين‪ ،‬إال أن لها ً‬ ‫وتقول وجهة نظر األخالق النسبية بأن جميع األحكام األخالقية ومربراتها ليست مطلق ًة أو موضوعي ًة أو عاملي ًة‪ ،‬بل هي‬ ‫نسبي ًة وتتعلق بتقاليد ومعتقدات ومامرسات وتاريخ مجموع ٍة من األشخاص واملجتمعات‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫املسلم‬ ‫أي أن املجتمعات املختلفة واألفراد لديهم معايري مختلف ٌة عن الحق والباطل‪ .‬وتتغري‬ ‫هذه املعايري األخالقية من ٍ‬ ‫مثل يؤمن‬ ‫وقت آلخر يف نفس الثقافة واملجتمع‪ .‬فاملسلم ً‬ ‫أن الله هو املصدر األعىل لألخالق العامة‪ ،‬ولهذا فهي ِمثله ال تتغري إطالقًا‪.‬‬ ‫بينام تؤكد النسبية األخالقية أن األخالق ال تقوم عىل أي مبدأٍ مطلق‪ .‬بل تعتمد‬ ‫الحقائق األخالقية عىل عجلة التطور االجتامعي‪ ،‬وتخضع لتأثري العوامل االقتصادية‬ ‫رص إىل عرص‪،‬‬ ‫والدينية والثقافية والتاريخية‪ ،‬وهذه كلها متطور ٌة ومتغري ٌة من ع ٍ‬ ‫وعليه تتطور األخالق بتطور هذه املؤثرات‪.‬‬ ‫مسلم فقط حتى يتأكد بأنه صاحب األخالق‬ ‫إذن‪ ،‬عىل املسلم اليوم ّأل يكتفي بكونه ً‬ ‫العليا واألمثل‪ ،‬وأن سلوكه مع البرش هو الصحيح واألكمل‪ ،‬فام زالت ثقافته تحتوي‬ ‫قيم وأخالقٍ بدائي ٍة تتعارض متا ًما مع منظومة األخالق اإلنسانية النسبية‪ ،‬فام‬ ‫عىل ٍ‬ ‫كان يف السابق أخالقيًا بل طريقًا ِ‬ ‫يوصل إىل الجنة‪ ،‬فهو اليوم يعترب طريقًا إىل إيذاء‬ ‫البرش‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫الجزء األول‪ :‬عن الجنس‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫هل اإلسالم دين عف ٍة وفضيل ٍة وحشم ٍة حقًا؟‬ ‫ٍ‬ ‫مناسبات عديد ٍة نرى املسلم ينتقد‬ ‫يف‬ ‫اآلخرين (سوا ًء أكانوا الدينيني‪ ،‬أو حتى‬ ‫مسيحيني ويهود‪...‬إلخ) بحجة أنهم يفتقرون‬ ‫إىل األخالق وتحدي ًدا إىل فضيلة “العفة”‪.‬‬ ‫من وجهة نظر كث ٍري من املسلمني‪ ،‬فاآلخر‬ ‫دامئًا‪ -‬خاص ًة امللحدين‪ -‬لديهم أنوا ٌع مختلف ٌة‬ ‫من التس ّيب واالنحالل الجنيس والفسق‬ ‫والفجور والخالعة‪ ،‬إىل آخر املسميات‬ ‫إياها‪ ،‬سوا ًء عىل مستوى الفكر أو عىل‬ ‫مستوى السلوك؛ كام نجد الكثريين‬ ‫مثل فال‬ ‫ينظرون إىل الحضارة الغربية ً‬ ‫يرون فيها سوى العري واإلباحية‬ ‫واملراقص واملالهي والدعارة‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة (‪)1‬‬ ‫عنالجنس‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ ‬ويف املقابل ينظر املسلم اليوم إىل مظاهر بعض املجتمعات اإلسالمية املنغلقة‪ ،‬فريى الحجاب والنقاب وتش ّدد الشيوخ‬ ‫الهيستريي يف منع االختالط وتغطية املرأة حتى كتم أنفاسها‪ ،‬فيمتأل فخ ًرا بهذا “الرشف” العظيم الذي يك ّرم املرأة‬ ‫ٍ‬ ‫حامس عىل تأكيد مدى االستقامة والعفة‬ ‫ويصونها متا ًما كام يتم صيانة الجواهر والحيل متا ًما! وإذا به يحرص بكل‬ ‫يف دينه‪ ،‬الذي ينهى عن الزنا والفوىض الجنسية ويأمر بالحشمة والوقار والعفاف ويتشدد تجاه االختالط‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫هائل يف فكر املسلم وحديثه‪ ،‬حتى أن الجدال اإلسالمي ضد اآلخر (كالعلامين‬ ‫والحقيقة أن تلك املقارنة بالتحديد تأخذ حي ًزا ً‬ ‫حرصي ما بني العفاف الجنيس من ناحي ٍة يف مقابل االنحالل الجنيس من ناحي ٍة أخرى!‬ ‫أو الالديني) يبدو أحيانًا وكأنه رصا ٌع‬ ‫ٌ‬ ‫فهل تلك الصورة دقيقة؟ أم أن صاحبنا ينظر بشكلٍ‬ ‫سطحي ال يرى ّإل قمة جبل الجليد‪ ،‬ويجهل‪ -‬أو يتجاهل‪-‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ما تحته‪ .‬فلو أنه قرأ ما يكفي يف نصوص دينه وتاريخه لظهرت له صور ٌة مغاير ٌة متا ًما‪ ،‬وصادم ٌة أحيانًا؟‬ ‫هل اإلسالم حقًا هو دين الحشمة والوقار وااللتزام الجنيس؟‬ ‫هذا ما سنناقشه هنا‪ ،‬وسنجيب عنه بالنفي القاطع‪ ،‬مثبتني أن هذا الدين‪ ،‬وعىل عكس ما يزعم لنفسه‪ ،‬يتضمن‬ ‫عنارص كثري ًة من االنحالل الجنيس والشذوذ والعهر‪ ،‬حتى أنه ال يوجد مظه ٌر واح ٌد من مظاهر “الفجور” يدين به‬ ‫املسلم اآلخرين إال ويوجد مثله‪ -‬بل أكرث فضائحي ًة منه‪ -‬يف ثنايا نصوصه الدينية وتاريخه ِ‬ ‫وس َي شخوصه املقدسني‪.‬‬

‫فهرس األجزاء‪:‬‬ ‫أول‪ :‬عن الجنس‪ ‬‬ ‫ً‬

‫معيب؟‬ ‫الجنس خارج الدين ‪ -‬هل الجنس أم ٌر‬ ‫ٌ‬

‫ثان ًيا‪ :‬األنبياء والعفة‬

‫البداية‪ :‬نكاح املحارم ‪ -‬أبو األنبياء القواد بزوجته ‪ -‬لوط يعرض بناته لالغتصاب الجامعي ‪ -‬الله يع ّري‬ ‫موىس (باالستعانة بحج ٍر عداء) ‪ -‬داود الزاين ومغامراته مع “نعجاته” ‪ -‬سليامن والرقم القيايس للجنس‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬اإلسالم والزواج‬ ‫عن الروايات ‪ -‬املرأة = متاع ‪ -‬الزواج = جنس ‪ -‬الزواج هو متلّك الرجل لفرج املرأة ‪ -‬املرأة ملك للرجل ‪ -‬تعدد الزوجات‬ ‫ زواج الطفالت حتى الرضيعة ‪ -‬ماذا قال الفقهاء؟ ‪ -‬ال تُستأذَن يف الزواج ‪ -‬متى يُدخل بها؟ ‪ -‬مقدمات االنتهاك‪.‬‬‫‪9‬‬


‫ﺻﻮرﺗني(‪)1‬‬ ‫أسطورة دين العفّة‬ ‫هدم‬ ‫الجنسﰲ‬ ‫اﳌﻮت ‪..‬‬ ‫عن‬ ‫ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﻘﺮآن واﻹﻧﺠﻴﻞ؟ ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت أن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ اﻟﻌﺪو‪.‬‬ ‫راب ًعا‪ :‬اإلسالم والزنا‬ ‫الجرمية املستحيل إثباتها ‪ -‬االنحالل يف املجتمع العريب ‪ -‬املالعنة واملزيد من‬ ‫ﺳﺄﻟﺖ ﻧﻔﴘ ﻳﺎ ﺗﺮى ﻣﺎ ﻫﻮ ﺗﺄﺛري اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﻋﲆ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ وﻫﻞ ﻣﻦ اﳌﻤﻜﻦ أن‬ ‫االنحالل ‪ -‬املغ ّيبات ‪ -‬أحكام اإلسالم‪ :‬عف ٌة أم براغامتية؟‪ - ‬قصة املغرية بن‬ ‫ﺛﻘﺐ أﺳﻮد ﺑﺴﺒﺐ ازدﻳﺎد ﻛﺘﻠﺘﻬﺎ؟ ﻣﻦ اﳌﻌﺮوف أن اﻟﻜﻔﺎر ﻛ ٌرث وأﻏﻠﺐ‬ ‫ﺗﺘﺤﻮل إﱃ ٍ‬ ‫نسب للزوج‪ -‬الحمل‬ ‫شعبة ‪ -‬إباحة الزنا يف اإلسالم ‪ -‬ابن الزوجة الزانية ي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ﺳﻜﺎن اﻷرض ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ ﺑﻬﻢ اﳌﻄﺎف ﻫﻨﺎ‪ .‬ﻛﻢ ﻣﻠﻴﺎر إﻧﺴﺎنٍ ﺗﺤﺘﺎج ﺟﻬﻨﻢ ﻟﺘﻨﻬﺎر ﻋﲆ‬ ‫سنوات ‪ -‬التساهل مع مقدمات الزنا ‪ -‬معالجة اإلسالم للمشاكل الجنسية‪.‬‬ ‫ﻟﺜﻘﺐ أﺳﻮد؟‬ ‫ﻧﻔﺴﻬﺎ وﺗﺘﺤﻮل ٍ‬

‫الدعارة‬ ‫خامسا‪:‬‬ ‫ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت ً‬ ‫الرشعيةاﻷﺳﺌﻠﺔ ﻏري ﻣﺤﻤﻮد‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﳌﺎذا ﺧﻠﻘﻨﻲ اﳌﻌﻠﻢ ﺑﻌﻘﻞٍ‬ ‫اﻟﻨﻮع ﻣﻦ‬ ‫أن ﻫﺬا‬ ‫مكروهﱄ؟‪-‬‬ ‫اليمني ‪-‬ﻋﲆالزواج‬ ‫وﻳﺤﺎﻛﻢاليمني –‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ‪ -‬ملك‬ ‫ﻫﺬه املتعة‬ ‫ﻳﻄﺮحدعارة‬ ‫بالجاريةﺧﻠﻘﻪ‬ ‫اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎ‬ ‫وطء ﺛﻢملكﻳﻌﺎﻗﺒﻨﻲ‬ ‫اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت‪،‬‬ ‫داﺧﻞ–‬ ‫لوطئها‬ ‫زوجها‬ ‫الجارية من‬ ‫ﻟﻜﻨﻬﺎنزع‬ ‫متزوجة ‪-‬‬ ‫كانت‬ ‫حتى لو‬ ‫اغتصاب‬ ‫أﻛﻮن‬ ‫ﺗﻌﻮض أن‬ ‫ﻓﺮﺻ ٌﺔ ﻻ‬ ‫إﱃ اﻷﺑﺪ‬ ‫ﺳﺄﺣﱰق‬ ‫الجاريةأﻧﻨﻲ‬ ‫ﺻﺤﻴﺢ‬ ‫ﻛﻔﻰ أﺳﺌﻠ ًﺔ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫دوافع الجهاد ‪ -‬عورة الجارية من الرسة للركبة‬ ‫النساء‬ ‫ﺗﻔﺎﻋﻼتاغتصاب‬ ‫ﻫﻜﺬاالعزل ‪ٍ -‬‬ ‫دونمنأنأهمأﻣﻮت‪.‬‬ ‫وأرﺻﺪﻫﺎ‬ ‫ التحرش والحجاب‪ ،‬بني الجارية والحرة ‪ -‬الفاروق يرضب الجارية لتتع ّرى‬‫العهر‪.‬‬ ‫املزيد من‬ ‫الجارية‪-‬‬ ‫أﴏخالجواري ‪-‬‬ ‫وأﻧﺎبغاء‬ ‫واالبتذال ‪-‬‬ ‫املزيد من‬ ‫‬‫وﺟﻮد ﻛﺎﻣريا‬ ‫ﻻﺣﻈﺖ‬ ‫وأﺗﻌﺬب‪،‬مثنﻟﻜﻨﻲ‬ ‫العرياﻟﻌﺬاب‬ ‫ﺟﻬﻨﻢ وﺑﺪأ‬ ‫دﺧﻠﺖ ﻧﺎر‬ ‫ﰲ أﻋﲆ ﺟﻬﻨﻢ ﺗﺼ ّﻮر ﻋﺬايب وﺗﺒﺜﻪ ﻷﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻟيك ﻳﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﻌﺬايب‪.‬‬ ‫سادسا‪ :‬دين االنحالل‬ ‫ً‬

‫اللعوب‬ ‫ﻣﻘﺎﻻيت‪ -‬حضارة‬ ‫والجواري‪ ‬‬ ‫عائشة‪ ،‬ﻏﻠﻴﻠﻬﻢ‪،‬‬ ‫والفحش ‪-‬أن ﻳﺸﻔﻮا‬ ‫اإلباحيةﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن‬ ‫اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﻴﻮم‬ ‫السبيﺗﺤﻤﻠﻮا‬ ‫حضارةاﻟﺬﻳﻦ‬ ‫اﳌﺆﻣﻨﻮن‬ ‫الجنةﻣﻦ‪-‬‬ ‫الجنة –‬ ‫ﻣﺘﻜﺌﻮن‪ ،‬غلامن‬ ‫اﻷراﺋﻚالغلامن ‪-‬‬ ‫ﻋﲆعشق‬ ‫املدهشة –‬ ‫أﺣﱰقاملؤخرة‬ ‫ﻫﺎ أﻧﺎذات‬ ‫أﻋﻄﺎﻫﻢعهراﳌﻌﻠﻢ‬ ‫ﻓﺮﺣني مبﺎ‬ ‫وأﺗﻌﺬب وﻫﻢ‬ ‫أمام‬ ‫املسلمة‬ ‫واﻟﻨﺴﺎء عورة‬ ‫العورات‪- ‬‬ ‫التساهل يف‬ ‫اﻟﺬﻛﻮر ٌة إىل‬ ‫وﻧﺒﻴﺬ‪ - ،‬عود‬ ‫وإﺟﺎصاإللهية‬ ‫ﻓﺎﻛﻬ ٍﺔالقوادة ٍ‬ ‫أزواﺟﻬﻦ‬ ‫ﻳﺸﺎﻫﺪن‬ ‫اﻟﺤﻮرﻳﺎت‬ ‫ﻳﻀﺎﺟﻌﻮن‬ ‫ﺳﻌﺪاء؟! ‪ -‬مهزلة رضاع الكبري ‪ -‬حتى البهائم‪.‬‬ ‫ﻫﻢ املحارم‬ ‫الفقه ﻛﻢونكاح‬ ‫محارمها‬ ‫ﻋﲆ‪-‬اﳌﺰﻳﺪ‪.‬‬ ‫وﻳﺤﻔّﺰﻧﻬﻢ‬

‫ﻋﲆ محمد‬ ‫ساب ًعا‪:‬‬ ‫اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌني إﱃ اﻷﺑﺪ‪ ،‬ﻳﺄﻛﻠﻮن اﻹﺟﺎص وﻳﺘﻀﺎﺟﻌﻮن دون ﺗﻮﻗﻒ‪،‬‬ ‫ﺳﻴﺒﻘﻮن‬ ‫ﻫﻨﺎك‪ .‬الله لنبيه‪ -‬الاليت وهنب أنفسهن له ‪ -‬مسارعة‬ ‫ﻣﻨﺰل أحلهن‬ ‫الاليت‬ ‫والنساء ‪-‬‬ ‫النساء ٌ‬ ‫وذاك ﻟﻪ‬ ‫ﴫ ﻫﻨﺎ‬ ‫ﻫﺬا ﻟﻪ ﻗ‬ ‫النبي ٌ‬ ‫الله يف هوى نبيه ‪ -‬عن الخصائص النبوية – زيجاته – عائشة – الظلم الحالل‬ ‫أﻧﻬﺎ ٌرال‬ ‫اﻷرض‪،‬النبي‬ ‫والصيام –‬ ‫ﻛﻨﺎحتى يف‬ ‫النبوية ‪-‬‬ ‫رواياتﻻالفحولة‬ ‫غنيم ٌةﻣﻦأخرى ‪-‬‬ ‫الحيض ﻋﲆ‬ ‫ﻧﺴﻤﻴﻪ ﻋﺼ ًريا‬ ‫ﻳﺴﻜﺮ أو ﻣﺎ‬ ‫اﻟﻨﺒﻴﺬ اﻟﺬي‬ ‫ﻳﻮﺟﺪ–أﻧﻬﺎ ٌر‬ ‫اﻟﻌﺼري‪.‬برصه ‪ -‬الطمع يف زوجة االبن‪ -‬حامية الله لنساء نبيه‪ -‬رساريه – جويرية –‬ ‫ﻣﻦ يغض‬ ‫متلبسا ‪ -‬ابن مارية‬ ‫ريحانة – مأساة صفية – مارية ‪ -‬حفصة متسك برسول الله‬ ‫ً‬ ‫الفاحشة‬ ‫الروايات‬ ‫ﺟﻨﺎنٍ املزيد من‬ ‫الجنسية ‪-‬‬ ‫واألخبار‬ ‫وصفوان ‪-‬‬ ‫اﻷﺑﺪ؟ ﻛﻴﻒ‬ ‫ﻟﻠﻤﻀﺎﺟﻌﺔ إﱃ‬ ‫اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ‬ ‫عائشةﻫﻲ‬ ‫ﻓﻜﺮة‪ ،‬ﻣﺎ‬ ‫عائشة ﰲ ﺑﺎﱄ‬ ‫ﻓﺠﺄ ٌة ‪-‬ﺧﻄﺮت‬ ‫األحفاد‪.‬‬ ‫الشذوذ مع‬ ‫وﻋﻈﻤﺔالرسول‪-‬‬ ‫روايات شذوذ‬ ‫الغامضني‬ ‫عائشة و‬ ‫ﺗﺬﻛﺮت أن ﻫﺬا‬ ‫اﻟﻜﻮن؟ ﺛﻢ‬ ‫ﻋﲆ‪-‬اﻟﻮﺟﻮد‬ ‫“إخوانها”اﻟﺠﻮاب‬ ‫اﻟﺠﻨﺎن ﻫﻲ‬ ‫ﺗﻜﻮن‪-‬ﻫﺬه‬ ‫اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻗﴣ ﻋﲇ‪.‬‬ ‫ثام ًنا‪ :‬الختام‬

‫‪1036‬‬

‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة (‪)1‬‬ ‫عنالجنس‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫عن الجنس‬ ‫الجنس خارج الدين‬ ‫سنبدأ بإلقاء نظر ٍة رسيع ٍة عىل الرؤية األخرى املقابلة‬ ‫لرؤية الدين‪ ،‬وهي النظرة الالدينية أو الطبيعية أو‬ ‫العلامنية‪.‬‬ ‫املعروف أن الالدينيني ال يستمدون أفكارهم بشكلٍ‬ ‫جامعي من مصادر مقدسة‪ ،‬وإمنا كل إنسانٍ يك ّون‬ ‫ٍّ‬ ‫فردي من خالل البيئة واملجتمع‬ ‫وجهات نظره بشكلٍ ٍّ‬ ‫والظروف‪ ،‬وبالطبع من خالل الفكر والقراءة واالطالع‬ ‫كل حسب جهوده الذاتية‪ ،‬وبذلك فالطبيعي أن‬ ‫ٌ‬ ‫تختلف طبائع ووجهات نظر الالدينيني فيام يخص‬ ‫فمثل البعض‬ ‫كل يش ٍء مبا يف ذلك السلوك الجنيس‪ً ،‬‬ ‫مييل إىل املحافظة‪ ،‬بينام البعض إىل التحرر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫واقع ًيا نسب ٌة كبري ٌة من الالدينيني العلامنيني العقالنيني الحداثيني يؤمنون بح ّدين رئيسيني للسلوك اإلنساين عمو ًما‪ :‬الحد‬ ‫األول هو الحرية‪ ،‬فال يحق أب ًدا إلنسانٍ فرض رغباته أو قيمه الشخصية عىل إنسانٍ آخر‪ .‬والحد الثاين هو أمن املجتمع‪،‬‬ ‫فالسلوك الذي يؤثر سلب ًيا عىل املجتمع هو ٌ‬ ‫سلوك ضا ٌر يجدر استنكاره ومقاومة انتشاره قدر اإلمكان ‪ -‬واملطلوب هنا‬ ‫هو تحقيق نو ٍع من املوازنة بني الحدين‪.‬‬ ‫رص فنظرة الكثري من الالدينيني إىل الجنس أنه مسأل ٌة شخصي ٌة بحتة‪ ،‬لكل إنسانٍ أن يقرر سلوكه كام يشاء‪،‬‬ ‫بشكلٍ مخت ٍ‬ ‫وال يحق للدولة أو املجتمع أن يتدخال فيه باسم الدين أو القيم األخالقية أو العادات والتقاليد‪...‬إلخ‪ ،‬إال إذا اقرتن ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫مثل)؛ فد ْور الدولة واملجتمع‬ ‫رش لفر ٍد آخر أو للمجتمع بشكلٍ عام (كام يف حاالت االغتصاب ً‬ ‫السلوك برض ٍر‬ ‫ملموس ومبا ٍ‬ ‫هو حامية البرش وليس فرض قيم العفة والفضيلة‪ ،‬والتي يقررها كل إنسانٍ لنفسه حسب معتقده أو دينه أو ميوله ‪-‬‬ ‫حق إنسا ٌّين أصيل‪.‬‬ ‫ذلك أن حق الشخص يف امتالك جسده‪ ،‬وتقرير كيفية الترصف فيه بنفسه‪ ،‬هو ٌ‬ ‫وقد قام «االتحاد العاملي للصحة الجنسية» يف اجتامعه الرابع عرش (هونغ كونغ ‪ )1999‬بتب ّني “اإلعالن العاملي للحقوق‬ ‫الجنسية”‪ ،‬والذي يتضمن أحد عرش حقًا جنس ًيا لكل إنسان‪ ،‬منها حقه يف الحرية والكرامة واملتعة الجنسية‪ ،‬ويف السالمة‬ ‫الجسدية‪ ،‬ويف الخصوصية واملساواة وحرية التعبري والتواصل الجنيس‪ ،‬وحقه يف اختيار اختيار ٍ‬ ‫ات تناسلية‪ ،‬ويف‪ ‬الحصول‬ ‫وأيضا عىل رعاي ٍة صحي ٍة جنسي ٍة مالمئة‪.‬‬ ‫تعليم وثقاف ٍة جنسي ٍة ً‬ ‫عىل ٍ‬ ‫‪11‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة (‪)1‬‬ ‫عنالجنس‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫هل الجنس أم ٌر معيب؟‬ ‫أخالقي يستحق اإلدانة؟‬ ‫إذن‪ ،‬فهل الجنس بحد ذاته‪ ‬هو أم ٌر ال‬ ‫ٌّ‬ ‫من وجهة نظر بعض األديان التي ت ُركِّز عىل النظرة الثنائية للوجود أنه منقس ٌم إىل ماد ٍة وروح‪ ،‬ومن ثم تنحاز بقو ٍة إىل‬ ‫األخرية‪ ،‬فالجنس والشهوة الجنسية هي أمو ٌر محتقر ٌة دنيئ ٌة ال تليق‪ ،‬مثلام هي الحال مع البوذية واملسيحية؛ ويصل‬ ‫نصوصا عىل لسان يسوع تجعل النظرة إىل املرأة مساوي ًة لفعل الزنا‪ ،‬وتدعو إىل برت األعضاء‬ ‫األمر يف الثانية أنها تحتوي‬ ‫ً‬ ‫وفقأ العيون وخيص البرش تجن ًبا للشهوة‪ ،‬كام نجد بولس الرسول ينصح الناس بعدم الزواج إال عند االضطرار‪ ،‬ألنه‬ ‫“يحسن بالرجل ّأل ميس امرأة”‪.‬‬ ‫وال ننىس بالطبع أن الرمز األكرب لتلك الديانة ‪ -‬يسوع املسيح‪ -‬قد ُولِد بدون ٍ‬ ‫جنس من عذراء مل ميسها ذكر‪ ،‬وكأنهم‬ ‫أرادوه أن يكون مطه ًرا من ذلك “الدنس”‪ ،‬كام أن الرجل طوال سريته املكتوبة يف األناجيل نجده منقطع الصلة متا ًما‬ ‫بأي مشاع َر أو شهو ٍة أو مامرس ٍة جنسي ٍة من أي نوع‪ ،‬فلم ينظر حتى إىل امرأ ٍة ف ُيع َجب بجاملها‪ -‬وذلك رغم أنه قد شعر‬ ‫بأحاسيس برشي ٍة وجسدي ٍة أخرى مثل الجوع واألمل‪...‬إلخ‪ ،‬لكن الجنس بالذات مح ّر ٌم عليه‪ ،‬فهو أرقى من ذلك!‬ ‫ٍ‬ ‫نصا آخر عىل لسان يوحنا‬ ‫وقد أكّد يسوع أنه حتى يف امللكوت لن يكون هناك وجو ٌد ألي‬ ‫مامرسات جنسية‪ ،‬كام نجد ً‬ ‫مفاده أن من يرثون امللكوت هم الذين مل ينجسوا أجسادهم مع النساء‪.‬‬ ‫هكذا حني نقرأ نق ًدا لإلسالم من وجهة نظ ٍر مسيحية‪ ،‬نجد هناك إدان ًة شديد ًة لكل مامرس ٍة إسالمي ٍة تحتوي شهو ًة أو‬ ‫جنسا‪ ،‬وكأن الدين الصحيح يفرتض فيه أن يعادي الجنس يف املجمل‪ ،‬ويرفض الشهوة باعتبارها أم ًرا “غري روحاين” دين ٍء‬ ‫ً‬ ‫ودنس‪.‬‬ ‫هنا لن ننظر إىل املسألة بهذا الشكل أب ًدا‪ ،‬وإمنا من وجهة نظ ٍر علامني ٍة أو إنساني ٍة نرى أن الجنس يف املقام األول مسأل ٌة‬ ‫شخصي ٌة تتعلق بحرية اإلنسان وال يحق ٍ‬ ‫ألحد التدخل فيها‪ ،‬ومن الناحية األخالقية ال نرى أن الجنس أم ٌر مدان‪ ،‬وال نرى‬ ‫أن كرثة الزواج أو كرثة الشهوة أو حتى صياغة األدب ِ‬ ‫والشعر الجنيس الرصيح هي يف حد ذاتها أمو ٌر مشين ٌة أو خاطئ ٌة‬ ‫ورضوري لصحتهم النفسية والجسدية‪،‬‬ ‫باملرة؛ وإمنا بشكلٍ مبد ٍّيئ فالجنس هو يش ٌء رائ ٌع وراقٍ مرتبطٌ‪ ‬مبتعة البرش‬ ‫ٌّ‬ ‫باإلضافة إىل غاية بقاء النوع طب ًعا‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬ميكن لنا القول إن من أجمل النصوص الدينية عىل اإلطالق هو نشيد اإلنشاد يف الكتاب املقدس اليهودي‪ ،‬والذي‬ ‫مثل والتي سنم ّر بها‪ ،‬مبا احتوته من‬ ‫هو عبار ٌة عن شع ٍر غز ٍّيل جنيس‪ ،‬واليشء نفسه ينطبق عىل أشعار العرص العبايس ً‬ ‫ٍ‬ ‫عفيف أو حتى رصي ٍح وجنيس‪.‬‬ ‫حب وغز ٍل‬ ‫أبيات ٍّ‬ ‫‪12‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة (‪)1‬‬ ‫عنالجنس‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫بالتايل فحني نُدين النظرة اإلسالمية إىل الجنس فنحن‬ ‫ال نُدينها من وجهة نظ ٍر ديني ٍة متعصب ٍة تحتقر الشهوة‬ ‫وترفضها‪ ،‬وإمنا باألحرى من وجهة نظ ٍر إنسانية‪ ،‬ترى‬ ‫أن العيب ليس يف االستمتاع الجنيس بحد ذاته‪ ،‬ولكن‬ ‫العيب يف أمرين خطريين مصاحبني لذلك االستمتاع‪،‬‬ ‫وهو ما يجعلنا نُدينه بكل قوة‪:‬‬ ‫بظلم للبرش‪،‬‬ ‫أول أن يقرتن ذلك االستمتاع‬ ‫العيب ً‬ ‫ٍ‬ ‫مثلام سرنى يف تعدد الزوجات وزواج الطفلة وأحكام‬ ‫الطالق وزواج املتعة واغتصاب السبي وملك اليمني‬ ‫وتجارة البرش‪ ،‬وهي كلها أحكا ٌم قاسي ٌة جائر ٌة منحاز ٌة‬ ‫مئة باملئة لخدمة الذكر املسلم الحر وحده‪ ،‬الذي ميتلك‬ ‫املرأة للمتعة فيشرتيها مباله أو يأرسها بسيفه‪ ،‬ثم يحق‬ ‫له التحكم يف مصريها بشكلٍ ال عالقة له بالعدل أو‬ ‫الرحمة ‪ -‬هنا تصبح الشهوة مسال ًة منحط ًة‪ ،‬حني تقرتن‬ ‫باغتصاب طفل ٍة أو امرأ ٍة أسرية‪ ،‬بعد قتل أهلها أو رشائها‬ ‫من السوق‪.‬‬ ‫ثم إن العيب ثانيًا يف النفاق الذي ميارسه املسلم‪ ،‬حني يدعي الطهر والنقاء والعفة والزهد لدينه‪ ،‬ثم يفرتي عىل‬ ‫معتقدات اآلخرين فينتقد املسيحيني ساخ ًرا من ٍ‬ ‫مثل‪ ،‬ويُدين الحضارة الغربية باعتبارها حضارة‬ ‫نص كنشيد اإلنشاد ً‬ ‫الفسق والفجور‪ ،‬ويتناىس الكم الهائل من اإلباحية الفجة واالنحالل والدعارة املنظمة‪ ،‬يف دينه وتاريخه اللذين يفتخر‬ ‫بهام دون علم‪.‬‬ ‫بظلم أو نفاق؛ هنا يخرج الجنس‬ ‫إذن‪ ،‬فالشهوة الجنسية هي أم ٌر رائع‪ ،‬وال يصح إدانة تلك الشهوة إال حني ترتبط ٍ‬ ‫مم ميارسه الحيوان يف الغابة – فاألخري إن وقع يف بعض الظلم‬ ‫من نطاق السلوك الشخيص‪ ،‬وتصبح الشهوة أكرث دناء ًة ّ‬ ‫بغريزته‪ ،‬فعىل األقل ال ميكننا اتهامه بالنفاق والعيش بوجهني‪.‬‬ ‫أما بعد‪ ،‬فلنشاهد م ًعا مالمح من تعامل النصوص الدينية واإلسالمية تحدي ًدا مع الجنس؛ نبدأ ِ‬ ‫أول‪،‬‬ ‫بسري األنبياء السابقني ً‬ ‫ثم نصل إىل التعاليم والرشائع اإلسالمية وسلوكيات نبي اإلسالم ذاته‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫األخطاءاللغوية يف‬

‫القرآن الكريم‬ ‫د‪ .‬سامي الذيب‬

‫كتاب أخطاء القرآن حيصر أكثر من ألفني ومخسمائة خطأ لغوي يف القرآن ويرتجم‬ ‫النص القرآني لثالث لغات ويقدمه ألول مرة بالرتتيب التارخيي الصحيح‬ ‫متوفر اآلن جمانا على األنرتنت وعلى موقع أمازون‬ ‫‪goo.gl/ei2Jce‬‬ ‫‪14‬‬


‫رب!‬ ‫عر ٌيب بِال ْ‬

‫منفي فلسطيني ينرش كتا ًبا‬ ‫ٌّ‬ ‫عن تركه لإلسالم‬

‫أجد عىل موقع الفيسبوك بني الفينة واألخرى‬ ‫أشخاصا يلفتون انتباهي بشكلٍ كبري‪ ،‬فأُرسل‬ ‫ً‬ ‫إليهم طلبات صداقة‪.‬‬ ‫آخر مر ٍة حدث ذلك كان يف أواسط شهر‬ ‫آب أغسطس من هذا العام عندما‬ ‫صديق‬ ‫الحظت أن وليد الحسيني(‪ )1‬هو‬ ‫ٌ‬ ‫ملريم منازي التي تعمل مع مجلس‬ ‫املسلمني السابقني يف بريطانيا‬ ‫‪Council of Ex-Muslims of‬‬ ‫‪.Britain‬‬ ‫فقلت لنفيس‪ ،‬أن أي‬ ‫صديق للشُ جاعة‬ ‫ٍ‬ ‫مريم ال بد أن‬ ‫يصري صديقًا يل‬ ‫أنا كذلك‪،‬‬

‫‪Barry Duke‬‬

‫‪ -1‬أجرت مجلة امللحدين العرب مقابلة مع وليد الحسيني يف العدد الثالث‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫رب !‬ ‫عر ٌيب بِال ْ‬ ‫‪Barry Duke‬‬

‫فراسلته عىل إثر ذلك‪ ،‬وعىل الفور‬ ‫قبِل الصداقة‪ ،‬ويف تلك اللحظة أدركت‬ ‫شخصا ال يقل عن مريم‬ ‫أنني صادقت‬ ‫ً‬ ‫شجاع ًة‪ ،‬لقد صادقت من ّأسس مجلس‬ ‫املسلمني السابقني يف فرنسا عام ‪2013‬م‬ ‫والذي قام مؤخ ًرا بنرش كتابه‬ ‫«املزدري‪ :‬الثمن الذي دفعته لرفيض‬ ‫اإلسالم»‬ ‫‪Blasphemer: The Price I Paid for‬‬ ‫‪.Rejecting Islam‬‬ ‫يصف موقع أمازون ‪ Amazon‬الكتاب عىل النحو اآليت‪:‬‬ ‫«بدأ وليد الحسيني كغريه من أبناء جيله بكتابة مدون ٍة إلكرتونية وهو يف العرشينات‬ ‫من العمر‪ .‬لكنه بعكس الكثريين شاء سوء حظه أن يكون مد ِّونًا يعيش يف فلسطني‪ ،‬وما‬ ‫زاد األمر سو ًءا أنه كث ًريا ما كان ينتقد اإلسالم واملسلمني‪ ،‬كام أنه أعلن عن نفسه مرت ًدا‬ ‫يف كتاباته‪ .‬مل يُعجِب ذلك السلطة الفلسطينية‪ ،‬فقامت بز ّجه يف السجن دون محاكم ٍة‬ ‫أو حتى أي تربي ٍر قانوين‪ .‬وكأمنا ذلك مل يكن كاف ًيا‪ ،‬وضعوا وليد يف الحبس االنفرادي‬ ‫أيضا‪ ،‬واستمر األمر كذلك مدة أحد عرش شه ًرا‪ ،‬تم تعذيب ولي َد خاللها وعاىن الكثري من‬ ‫ً‬ ‫اإلهانات والحرمان ملجرد أنه تج ّرأ وقال ما يجول يف خاطره‪ .‬ويف النهاية‪ ،‬اجتذب سجنه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومنظامت حقوقية‪ ،‬فو ّجهوا الضغط عىل السلطة الفلسطينية‬ ‫حكومات أجنبي ٍة‬ ‫انتباه‬ ‫وأرغموها يف النهاية عىل تقديم وليد للمحاكمة ومن تم إطالق رساحه بشكلٍ مرشوط‪.‬‬ ‫أول إىل األردن وبعده إىل فرنسا‪ ،‬حيث صار‬ ‫وعىل ذلك هرب وليد من فلسطني‪ ،‬فتوجه ً‬ ‫داعم لحرية التعبري وناق ًدا لحالة اإلسالم املعارص»‪.‬‬ ‫متح ّدث ًا مفو ًها ً‬ ‫‪16‬‬


‫رب !‬ ‫عر ٌيب بِال ْ‬ ‫‪Barry Duke‬‬

‫«يشكل كتاب املزدري رس ًدا فات ًحا لألعني متلؤه العاطفة‪،‬‬ ‫يقص عىل القارئ هذه الخربة الكافكاوية(‪ )2‬إضاف ًة إىل‬ ‫ّ‬ ‫توجيه ٍ‬ ‫نقد الذ ٍع لحال النفاق الذي بات من مع ّرفات‬ ‫ماهية فلسطني املعارصة»‪.‬‬ ‫ثم اكتشفت أن وليد كان قد ّأسس صفح ًة عىل الفيسبوك‬ ‫بعنوان ‪( I’m Proud to be Atheist‬أفخر لكوين ملح ًدا)‬ ‫وذلك يف العام ‪2010‬م‪ ،‬وقد حصلت عىل ما يزيد عن ‪158‬‬ ‫إعجاب ولها ما يزيد عىل ‪ 152‬ألف متابع‪.‬‬ ‫ألف‬ ‫ٍ‬ ‫وبعد التعمق يف البحث اكتشفت املزيد عن الحسيني يف مقطعٍ من كتاب «عرب بال رب» لربايان‬ ‫ويتاكر(‪ ،Arabs Without God by Brian Whitaker )3‬يقول فيه‪« :‬يف بلدة قلقيلية الفلسطينية‪،‬‬ ‫شاب يف الخامسة والعرشين من عمره حني رأى أن الوقت‬ ‫خطرت فكر ٌة غريب ٌة لوليد الحسيني‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫قد حان ألن يكون لله صفح ٌة خاص ٌة به عىل موقع “فيسبوك”‪ ،‬فأنشأ تلك الصفحة وأطلق عليها‬ ‫تسمية “أنا الله”‪ ،‬وأعلن فيها ساخ ًرا أنه الله‪ ،‬وأنه يف قا ِدم األيام سوف يتواصل مبارش ًة مع عباده من‬ ‫رسل لذلك‪.‬‬ ‫خالل موقع “فيسبوك”؛ ألن قرونًا من الزمن ّمرت د َون أن تصل رسالته رغم أنه أرسل ً‬ ‫إحدى اإلرشادات اإللهية التخيلية التي كتبها‬ ‫بأسلوب مشاب ٍه ألسلوب‬ ‫ونرشها الحسيني‬ ‫ٍ‬ ‫القرآن تُح ّرم رشب الويسيك ممزو ًجا بالپيپيس‪،‬‬ ‫حيث قال إن “الله” أمرهم أن ميزجوا‬ ‫بدل من الپيپيس‪ ،‬ويف منشو ٍر‬ ‫الويسيك باملاء ً‬ ‫آخر للحسيني‪ ،‬ينصح الله عباده بتعاطي‬ ‫الحشيش‪.‬‬ ‫‪ -2‬نسب ًة ألسلوب كتابة الروايئ فرانتز كافكا ‪ Franz Kafka‬الذي ات ّسمت رواياته بطابع الكوابيس الغريبة‬ ‫ٍ‬ ‫لظروف عصيب ٍة غريبة صعبة الفهم والتفسري‪[ .‬مالحظة املرتجم]‬ ‫التي يتعرض فيها املرء‬ ‫كامل كملحق للعدد ‪ 36‬من مجلة امللحدين العرب‪[ .‬مالحظة املرتجم]‬ ‫‪ -3‬تم نرش ترجمة الكتاب ً‬

‫‪17‬‬


‫رب !‬ ‫عر ٌيب بِال ْ‬ ‫‪Barry Duke‬‬

‫مل تكن السلطات الفلسطينية مرسور ًة بنشاط الحسيني‬ ‫الحائز عىل شهاد ٍة جامعي ٍة من قسم تقنيات االتصاالت‪،‬‬ ‫أيام قليل ٍة من نرشه تلك املقوالت الساخرة تم‬ ‫وبعد ٍ‬ ‫اعتقاله بينام كان يلعب الورق يف أحد املقاهي‪ ،‬حيث‬ ‫دخل عنرصان من الرشطة الرسية إىل املقهى واعتقاله»‪.‬‬ ‫ويضيف ويتاكر أن قصة تح ّول الحسيني إىل اإللحاد هي‬ ‫قص ٌة منوذجي ٌة من نوا ٍح ع ّدة‪ ،‬فقد نشأ يف فلسطني يف عائل ٍة يصفها «باملسلمة العادية»‪ ،‬لكنه بوصوله‬ ‫مسيون أم مخ ّريون؟»‪،‬‬ ‫مرحلة املدرسة الثانوية تولّدت لديه تساؤالت –‬ ‫ٌ‬ ‫«تساؤالت من منط‪ :‬هل نحن ّ‬ ‫توصل إىل الجدل الفلسفي حول حرية اإلرادة والقضاء والقدر‪ ،‬والذي‬ ‫وهو بذلك‪ ،‬من دون أن يدرك ّ‬ ‫بكل يشء‪ ،‬فهو قاد ٌر عىل رؤية الرش قبل‬ ‫شغل عقول الفقهاء عىل مدى قرون‪ .‬فلو كان الله عاملًا ّ‬ ‫وقوعه‪ ،‬ولو كان قاد ًرا عىل كل يشء‪ ،‬فبمقدوره منع ذلك الرش‪ ،‬فإن كان طي ًبا‪ ،‬ما الذي مينعه عن وقف‬ ‫الرش ومعاقبة مقرتفيه؟‬ ‫َ​َ َ​َ ُ َ‬ ‫الل َّ َربُّ‬ ‫اء ُ‬ ‫ون إ َّل أَن ي َ َش َ‬ ‫ْوعند سؤال الحسيني ألحد مد ّرسيه يف املدرسة عن اآلية القائلة‪﴿ :‬وما تشاء ِ‬ ‫ال َعالَم َ‬ ‫ني﴾ (التكوير ‪ ،)29‬رد عليه املدرس بالقول بأن السؤال عن ذلك حرام‪ ،‬وعندما مل يحصل عىل‬ ‫ِ‬

‫إمام يف مدينة قلقيلية وسأله ذات السؤال فحصل عىل نفس الجواب‪.‬‬ ‫الجواب ذهب إىل ٍ‬

‫ٌ‬ ‫مألوف يف املجتمعات السلطوية‪ ،‬وهو ر ٌد‬ ‫ويكمل ويتاكر‪« :‬إن هذا الرد باعتبار السؤال حرا ًما‪ ،‬هو ر ٌّد‬ ‫جواب‬ ‫وصفه العديد من العرب اآلخرين الذين تركوا دينهم‪ .‬ولرمبا كان دفعهم للبحث بعي ًدا عن‬ ‫ٍ‬ ‫هو من أكرث ما أ ّدى بهم للسري نحو هجر اإلميان»‪ .‬الحقًا‪ ،‬قام الحسيني بإطالق مدونتني‪ ،‬إحداهام‬ ‫بالعربية واسمها «نور العقل»(‪ ،)4‬والثانية باإلنجليزية واسمها ‪( I’m Proud to be an Atheist‬أفخر‬ ‫لكوين ملح ًدا)(‪.)5‬‬ ‫‪ -4‬هذه املدونة موجود ٌة عند لحظة كتابة املقال عىل العنوان التايل‪ https://nour-alakl.blogspot.com :‬واآلن لدى الحسيني نسخ ًة فرنسية بنفس االسم عىل العنوان التايل‪:‬‬ ‫‪[ https://la-voie-de-la-raison.blogspot.com‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬ ‫‪ -5‬عند كتابة هذا املقال صار اسم املدونة ‪ Proud Atheist‬وهي موجود ٌة عىل العنوان التايل‪[ https://proud-a.blogspot.com :‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫رب !‬ ‫عر ٌيب بِال ْ‬ ‫يقول الحسيني‪« :‬بدأت بالنقاش‪ ،‬وكنت فقط أبحث عن الحقيقة‪ .‬يف‬ ‫البداية مل يكن لدي متابعون»‪ ،‬ثم يف شهر آب ‪2010‬م‪ ،‬شهران قبل‬ ‫إلقاء القبض عليه‪ ،‬كتب الحسيني مد ّونًا‪:‬‬ ‫«كث ًريا ما يسألني املسلمون عن سبب تريك لإلسالم‪ ،‬وما يصدمني‬ ‫متاح‬ ‫هو أنّهم ال يستطيعون أن يدركوا أن نبذ اإلسالم هو خيا ٌر ٌ‬ ‫للجميع‪ ،‬وأن للجميع الحق بفعل ما يشاؤون‪ .‬هم يعتقدون أن كل‬ ‫جاسوس لصالح دول ٍة ما‪ ،‬إلرسائيل‬ ‫عميل أو‬ ‫من يرتك اإلسالم هو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أموال طائل ًة من الحكومات الغربية ومخابراتها‪،‬‬ ‫تحدي ًدا‪ ،‬وأنه يتلقى ً‬ ‫وهم ال يستطيعون أن يتصوروا أن الناس أحرا ٌر لالعتقاد مبا يناسبهم‪.‬‬ ‫وأود أن أؤكد أن كتابتي لهذا املقال ال تعني أن املسيحية أو اليهودية‬ ‫هي أديا ٌن أفضل من اإلسالم‪ ،‬وعىل القارئ أال ينخدع معتق ًدا أنني‬ ‫أرفض اإلسالم دونًا عن غريه من األديان‪ ،‬فهي كلّها يف نظري ال تعدو‬ ‫أن تكون أساطري وأكوا ٌم من الهراء تتنافس بني بعضها يف الغباء»‪.‬‬ ‫تم اتهام الحسيني يف النهاية بإهانة املسلمني وازدراء الدين وإثارة‬ ‫النعرات الدينية‪ ،‬لكنه مل ميثُل أمام القضاء إال بعد أربعة أشهر‪ .‬وقد‬ ‫مثُل ما مجموعه عرش مر ٍ‬ ‫ات أمام املحكمة بحسب قوله‪ ،‬كانت‬ ‫الجلسة تُرفَع فيها كل مر ٍة دون إكامل املحاكمة‪ ،‬وهو يعتقد أن‬ ‫ألسباب سياسي ٍة أكرث منها دينية‪ ،‬الرتباط املوضوع‬ ‫اعتقاله كان‬ ‫ٍ‬ ‫بالتنافس القائم بني السلطة الفلسطينية يف الضفة الغربية وحركة‬ ‫حامس اإلسالمية يف غزة‪ ،‬فقد كانت حامس تتهم السلطة الفلسطينية‬ ‫بأنها ليست متدين ًة مبا يكفي‪ ،‬فأرادت السلطة استعراض يش ٍء من‬ ‫مؤهالتها الدينية باعتقاله‪.‬‬ ‫‪19‬‬

‫اﳌﻮﻗﻊ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ‬ ‫اﳊﻮار اﳌﺘﻤﺪن‬ ‫ﻳﺴﺎرﻳﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬دﳝﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ‬ ‫»ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ‬ ‫دﳝﻘﺮاﻃﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ اﳊﺮﻳﺔ‬ ‫اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ«‬

‫‪http://www.ahewar.org‬‬


‫رب !‬ ‫عر ٌيب بِال ْ‬ ‫‪Barry Duke‬‬

‫بعد ميض عرشة أشه ٍر يف الحبس‪ ،‬تم إطالق رساح الحسيني‪،‬‬ ‫لكنه كان ممنو ًعا من استخدام اإلنرتنت أو إجراء االتصاالت‬ ‫الهاتفية‪ ،‬وكان عليه زيارة مركز الرشطة مساء كل يوم‪ .‬وكلام‬ ‫وجدت السلطات انتقا ًدا جدي ًدا لإلسالم عىل اإلنرتنت‪ ،‬اشتبهوا‬ ‫بالحسيني‪ ،‬وتم اعتقاله عدة مرات‪.‬‬ ‫«كانوا يعتقلونني مساء الخميس‪ ،‬ألن املحكمة ال تنعقد يومي‬ ‫الجمعة والسبت‪ .‬فكنت أقيض كل ذلك الوقت رهن االعتقال‪،‬‬ ‫ثم كانوا يأتون يوم األحد ويقولون‪“ :‬حس ًنا‪ ،‬تم إخالء سبيلك‪،‬‬ ‫لست أنت الفاعل”‪ ،‬وبعد تكرار هذا كنت عىل اتصا ٍل بصحف ّي ٍة‬ ‫علم بقصتي وقالت إن من‬ ‫أمريكية يف القدس‪ ،‬كانت عىل ٍ‬ ‫األفضل أن أغادر»‪.‬‬

‫ترجمة‪Usama al-Binni :‬‬ ‫تم نرش املقال األصيل يف مجلة ‪ The Pink Humanist‬يف عددها الصادر يف صيف ‪ 2017‬تحت عنوان‪:‬‬ ‫‪.Palestinian exile publishes book about his rejection of Islam‬‬ ‫‪20‬‬


‫ﺍﻟﻤﺰﺩﺭﻱ‬ ‫وﻟﻴﺪ اﻟﺤﺴﻴﻨﻲ‬

‫اﻟﺜﻤﻦ اﻟﺬي دﻓﻌﺘﻪ ﻟﱰ اﻹﺳﻼم‬

‫اﻟﻜﺘــﺎب وﺛﻴﻘــﺔ ﻣﻬﻤــﺔ ﻳــﺮوي ﻓﻴﻬــﺎ وﻟﻴــﺪ اﻟﺤﺴــﻴﻨﻲ ﻗﺼــﺔ اﳌﻌﺎﻧــﺎة اﻟﺘــﻲ ﻣــﺮ ﺑﻬــﺎ ﻣــﻦ‬ ‫ﺟـﺮاء ﺗﺮﻛــﻪ ﻟﻺﺳــﻼم وﺟﻬــﺮه ﺑﺬﻟــﻚ‪ ،‬ﺑــﺪ ًءا ﻣــﻦ ﺗﺴــﺎؤﻻت ـــﺮ ﺑﻬــﺎ ﻛﻠﻨــﺎ إﱃ ﻧﻘــﺪه اﻟﺴــﺎﺧﺮ‬ ‫ﻟﻠﺪﻳــﻦ‪ ،‬ﻓﺴــﺠﻨﻪ وﺗﻌﺮﺿــﻪ ﻟﻠﺘﻌﺬﻳــﺐ واﻧﺘﻬــﺎء ﺑﻠﺠﻮﺋــﻪ إﱃ ﻓﺮﻧﺴــﺎ ﺣﻴــﺚ ﻻ زال ﻳﻌﻤــﻞ‬ ‫ﺑــﺪأب ﰲ ﻣﴩوﻋــﻪ اﻟﻔﻜــﺮي‪ .‬ﻇﻬــﺮ ﻛﺘﺎﺑــﻪ »اﳌــﺰدري« ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴــﻴﺔ ﺗﺤــﺖ ﻋﻨــﻮان‬ ‫‪ Blasphémateur‬وﻣﺆﺧ ًﺮا ﺖﺖ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ إﱃ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﺑﻌﻨﻮان ‪ ،Blasphemer‬وﻫﻮ ﻣﱰﺟ ٌﻢ‬ ‫أﻳﻀﺎ إﱃ اﻟﭙﻮﻟﻨﺪﻳﺔ واﻟﺪﺎﺎرﻛﻴﺔ‪ .‬اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻣﻮﺟﻮدة ﻋﲆ ﻣﺘﺠﺮ أﻣﺎزون ‪Amazon.com‬‬ ‫ً‬

‫‪21‬‬


‫صفحة ثابتة‬ ‫نقدم فيها قراءة‬ ‫ألحد الكتب‬ ‫القيمة‬

‫تاريخ موجز للزمن‬

‫موجز الزمن منذ االنفجار الكبري وحتى‬ ‫الثقوب السوداء‬ ‫للفيزيايئ ستيفن هوكينغ‬ ‫نفسا عميقًا ألننا سوف نسافر مع‬ ‫جهز أمتعتك وخذ ً‬ ‫العامل ستيفن هوكينج يف أرجاء الكون وأرسار الوجود‬ ‫ونقيض رحل ًة شيق ًة مليئ ًة بالشكوك والتساؤالت عن‬ ‫ماهية وجودنا‪ ،‬تذكر يف رحلتك هذه أ ّن مقدم الكتاب‬ ‫قام بتقديم هذا العمل املميز وهو يصارع الحياة ويصنع‬ ‫األمل من العدم بعد أصابته مبرض التصلب الجانبي‬ ‫الضموري‪ ،‬أستاذ الرياضيات هوكينج يأخذ نفس الكريس‬ ‫الذي كان للعامل نيوتن من قبله يف جامعة كمربدج‪،‬‬ ‫ويرحل بك نحو تفسري النجوم والكون وأبعاد الزمان واملكان‬

‫‪22‬‬

‫‪Majd Ha‬‬


‫تاريخ موجز للزمن‬

‫ستيفن هوكينغ‬

‫وتشكّل املجرات ومت ّدد الكون حتى يصل للثقوب السوداء‬ ‫ٍ‬ ‫متحرك ال يستطيع الكتابة‬ ‫كريس‬ ‫وأرسارها‪ُّ ،‬‬ ‫وكل ذلك وهو عىل ٍ‬ ‫رص عىل‬ ‫أو التحرك كام اآلخرين ولك ّنه رغم ذلك قاوم العجز وأ ّ‬ ‫اإلبداع ألنه يؤمن بالعلم وال يشء غري العلم‪.‬‬ ‫أيضا ذكر مكانة الكتاب العلمية والرتويجية التي‬ ‫يجب علينا ً‬ ‫نالها من خالل نجاحه‪ ،‬فقد ت ُرجم ألكرث من أربعني لغ ًة حول‬ ‫العامل‪ ،‬وبيع مبعدل نسخة لكل ‪ 750‬شخص وهذا املعدل من‬ ‫أنجح املعدالت يف مبيعات الكتب حول العامل‪.‬‬ ‫كل شخص منا‪:‬‬ ‫يبدأ الكاتب كتابه مبجموعة أسئل ٍة تشغل بال َّ‬ ‫من أين أىت الكون؟‪ ..‬كيف وملاذا بدأ؟‪ ..‬هل سيصل إىل النهاية؟‪ ..‬وبعد النهاية ماذا سيحدث؟‬ ‫املم ّيز يف الكتاب والطرح العلمي الذي يق ّدمه الكاتب هو طريقة تبسيط العلوم واملعادالت الفيزيائية‪ ،‬ولهذا ففي كل‬ ‫الكتاب يعتمد هوكينج عىل قانون واحد للرشح وهو قانون تكافؤ الكتلة والطاقة ألينشتاين‪:‬‬ ‫‪E = mc2‬‬ ‫وهذا طب ًعا أل ّن ما يقدمه من الفيزياء النظرية يدور يف الذهن والتحليل العقالين أكرث من ماهيته يف املعادالت واألوراق‬ ‫واألرقام‪.‬‬

‫يف مقدمة الكتاب‪:‬‬

‫يصف لنا الكاتب الربمجة العقلية الخاطئة لألطفال وتشويه فكرهم املعريف من خالل الدين أو اإلجابات األسطورية مثل‬ ‫أي نو ٍع من الجدل والتفكري وهذا بحد ذاته يعتربه الكاتب قصورا ً يف الحق املعريف لكل إنسان‪،‬‬ ‫كن فكانت (اإلله) دون َّ‬ ‫أل ّن األطفال يولدون متشوقني للبحث واملعرفة يف فطرتهم ونحن من نقوم بتشويه تلك الرغبة من خالل وضع حدو ٍد‬ ‫بينهم وبني البحث وغال ًبا ما تكون تلك الحدود ممثل ًة بالدين واألساطري والرتهيب الفكري‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫تاريخ موجز للزمن‬

‫ستيفن هوكينغ‬

‫ينقسم الكتاب إىل أحد عرش فصالً من أهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬صورتنا عن الكون‪ :‬وهنا يرشح لنا العامل ستيفن هوكينج الصورة النمطية التي اقتبسناها عن الكون وكيفية تطورها‬ ‫منذ أزل التاريخ حتى اليوم‪ ،‬ومراحل تطورها يف كل عرص‪ ،‬يذكر لنا مثال عىل ذلك االختالف الجذري بني االعتقاد القديم‬ ‫تغي تلك األفكار بالربهنة منذ عصور فالسفة اليونان حتى اليوم‪.‬‬ ‫أ ّن األرض مسطّحة وأ ّن الزمان واملكان ثابتني وكيفية ّ‬ ‫‪ -2‬املكان والزمان‪ :‬يف هذا القسم الذي يُعترب حجر األساس للفيزياء النظرية يقوم الكاتب بتقديم مفهوم الزمان واملكان‬ ‫ٍ‬ ‫بشكلٍ‬ ‫مبسط ليمهد لك الخوض يف رحلتك نحو الفيزياء النظرية‪ ،‬وحسب رأيي الخاص فهذا القسم هو من أكرث األقسام‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات جديد ٍة وتتعلم مدى نسبية األمور واملحاكاة الكونية التي نقع بها‪،‬‬ ‫متع ًة يف الكتاب ألنك سوف تتعرف عىل‬ ‫مثالً‪ :‬نحن عىل بعد أربعة مليارات سن ٍة ضوئي ٍة يف املستقبل (غري موجودون بعد)! هل ترى الفكرة غريبة بعض اليشء؟‬ ‫عليك بقراءة القسم الثاين من الكتاب لتعلم مدى غموض املحاكاة التي نعيشها بني الزمان واملكان‪.‬‬ ‫‪ -3‬الكون املتمدد‪ :‬عملية الوصول لنظرية التمدد الكوين هي من أكرث العمليات الربهانية متع ًة عرب التاريخ ألنها سب ّبت‬ ‫تغيريا ً جذرياً يف فهم ما سبقها من نظريات‪ ،‬ومنها استُخلصت نظرية االنفجار الكبري‪ ،‬وهنا سوف تتعرف عىل كيفية‬ ‫ثابت فيزيا ٌيئ وكيف ت ّم تحديد رسعة التم ّدد الكوين وملاذا الكون يتمدد؟‪ ،‬وبعد التم ّدد‬ ‫تحديد رسعة الضوء واعتبارها ٌ‬ ‫ماذا سيحدث؟ هل سوف يتقلص مر ًة أخرى أم أ ّن التمدد أز ٌيل ال مجال للرجوع فيه؟‬ ‫أيضا عىل تفاصيل رحلة القمر الصناعي هابل إىل الفضاء ومدى‬ ‫وسوف تتعرف ً‬ ‫أهميته يف التاريخ العلمي والتغيري العلمي الذي أحدثه والكثري من التفاصيل‬ ‫التي سوف تتوصل إليها بطريق ٍة مبسط ٍة ج ًدا‪.‬‬ ‫‪ -4‬مبدأ عدم اليقني‪ :‬هنا تبدأ الفيزياء معارضة وجود الذات اإللهية‬ ‫وبرهنة أزلية الكون وإعادة تدويره بشكلٍ كامل‪ ،‬يجب عليك‬ ‫دقيق ج ًدا والذي هو برأيي قس ٌم‬ ‫دراسة مبدأ عدم اليقني بشكلٍ ٍ‬ ‫خا ٍيل من التبسيط‪ ،‬ويحتاج إىل معرف ٍة مسبق ٍة يف الفرضيات‬ ‫العلمية والفيزياء النظرية‪ ،‬وأكرب فائد ٍة حصلت عليها من‬ ‫هذا القسم هو مبدأ بالنك الذي أوصلني إىل إجابة‬ ‫سؤا ٍل طاملا شغل فكري‪:‬‬ ‫‪24‬‬


‫تاريخ موجز للزمن‬

‫ستيفن هوكينغ‬

‫تلك النجمة هناك‪ ،‬كيف نعرف حرارتها وبُعدها؟ كيف نعرف موادها وخواصها الكيميائية؟‬ ‫‪ -5‬الثقوب السوداء‪ :‬مصطلح الثقب األسود يعترب من املصطلحات الحديثة ج ًدا‪ ،‬فقد صاغه العامل جون هويلر عام‬ ‫‪1969‬م كتصور مبدأي للفكرة‪ ،‬وهنا نبتعد قليالً عن النسبية العامة ليك ندخل يف متاهات فيزياء الكم‪ ،‬فالكون يوصف‬ ‫من خالل نظريتني فقط‪ ،‬األوىل هي للوصف عىل املستوى الكبري وهنا نستخدم النسبية العامة‪ ،‬والثانية عىل املستوى‬ ‫الصغري دون الذرة وهي فيزياء الكم‪ ،‬وكث ًريا ما نقع يف خطأ دمج أسس وقوانني النظريتني مبكانها الغري صحيح ولهذا‬ ‫يجب اإليضاح أ ّن النظريتني ال يندمجان بأي شكلٍ من األشكال ولكل منها بيئتها يف الوصف‪ ،‬والعلامء إىل اليوم يسعون‬ ‫كل يشء وهي التي تدمج نظرية النسبية العامة وفيزياء الكم مع بعضهام البعض لوصف الكون‪.‬‬ ‫إليجاد نظرية ّ‬ ‫ما تبقى من فصول هي تتم ٌة لألفكار الرئيسية التي تحدثنا عنها‪ ،‬ومن أجل عدم اإلطالة وترك مساح ًة لألثارة والحامس‬ ‫تجاه الكتاب نرتككم مع العناوين فقط‪:‬‬ ‫ الثقوب السوداء ليست ج ًدا سوداء‪.‬‬‫ أصل ومصري الكون‪ :‬وهنا يقدم لك هوكينج أجوب ًة عن‬‫كل األسئلة الوجودية التي تفكّر بها‪.‬‬ ‫ سهم الزمان‪ :‬وهو قس ٌم يرشح لك السهم الديناميكية‬‫الحرارية والسفر عرب الزمن‪.‬‬ ‫معجم لكل‬ ‫ توحيد الفيزياء‪ :‬هذا القسم هو مبثابة‬‫ٍ‬ ‫املصطلحات يف الفيزياء النظرية والتي ستساعدك يف‬ ‫الخوض يف أي ٍ‬ ‫علمي تريد قراءته‪.‬‬ ‫بحث ٍ‬

‫‪25‬‬


‫ﻣﺴﻠﻤﻮ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻮﻥ‬

Ex-Muslims of North America NO BIGOTRY, NO APOLOGY

ٍ ‫ او ﺗﱪﻳﺮ‬،‫ﺗﻌﺼﺐ أﻋﻤﻰ‬ ‫ات واﻫﻴﺔ‬ ‫دون‬ ٍ ‫ﻧﺒﻨﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺩﺍﻋﻤﺔ‬

Building Communities

‫ﻧﻨﺸﺮ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ‬

Promoting Secular Values

‫ﻧﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻔﻴﻒ ﻋﻮﺍﻗﺐ ﺍﻟﺮﺩﺓ‬

Mitigating Costs of Apostasy

‫ﻧﺴﻌﻰ ﻟﺘﻄﺒﻴﻊ ﺍﻻﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ‬

Normalizing Religious Dissent

facebook.com/exmna

exmna.org

@exmuslimsofna

theexmuslim.com

E MNA 26


‫رحلة الرافدين‬ ‫البدايات األوىل‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫نش ّد الرحال يف رحل ٍة عىل ضفاف‬ ‫وصول إىل‬ ‫ً‬ ‫نهر الزمن والقرون‬ ‫املنابع األوىل املوغلة يف القدم‬ ‫يف محاول ٍة منا لِ َملْئ ج ّرتنا‪ ،‬ومن‬ ‫معني ذاك الزالل القديم نسرب‬ ‫تراث بالد الرافدين وأساطريها‬ ‫القدمية بكل ما تحمله من صو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫حكايات عن‬ ‫وأقاصيص تروي لنا‬ ‫َ‬ ‫الخوف والرغبة والحلم واملعنى‬ ‫يف الرتاث اإلنساين‪ ،‬عندما كانت‬ ‫البرشية والحضارة بل وحتى‬ ‫اللغة ال تزال يف مهدها األول‪.‬‬ ‫* قاموس اآللهة واألساطري‪ :‬يف بالد الرافدين (السومرية والبابلية) يف الحضارة السورية (االوغاريتية والفينيقية)‪ ،‬تاليف د‪ .‬ادزارد و م‪ .‬هـ‪ .‬بوب‪ ،‬ترجمة محمد وحيد خياطة ‪ -‬دار الرشق العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫كانت بالد الرافدين عرب الزمن ملتقى للشعوب والحضارات ومتتعت بالخصب والحياة وعانت من الحروب والفواجع‬ ‫عرب تاريخها الطويل وسالت عىل ضفاف دجلتها وفراتها الكثري من الدماء والخمر والدموع‪..‬‬ ‫ولكن لهذه األرض قصصا كثرية أجملها هي تلك الخطوات األوىل يف تشخيص هويتها ورسم تراثها‪ ..‬الخطوات األوىل التي‬ ‫خطتها البرشية يف بناء الحضارة عرب رسم امليثيولوجيا‬ ‫هي تلك األساطري واآللهة والكائنات الخارقة التي كانت نبعا لألحالم والكوابيس‬ ‫والتي عبدت وقدمت لها األضاحي وقدمت لها الدماء واألرواح‬ ‫راسمة بحكاياتها مرسحيات درامية وتراجيدية ونظمت القصائد وغنت األهازيج لها عرب عصور من الزمن لتعود مرة‬ ‫أخرى عرب صفحات مجلة امللحدين العرب لتقدم تحيتها للجمهور مرة أخرى معرفة عن نفسها ومقدمة صورتها بكل ما‬ ‫تحمله‪ ..‬من هوة بالد الرافدين األصيلة‬

‫‪My Family‬‬

‫وسوف أصحبك صديقي القارىء يف رحلة مع شجرة‬ ‫عائلة اآللهة الرافدينية التي تبدأ من تعامة وزوجها‬ ‫آبزو وتستمر مع ابنائهم واحفاد احفادهم لرتسم لنا‬ ‫ملحمة غنية بالشخصيات املبهرة‪ ،‬والتي خط رسمها‬ ‫السومري ومن ثم أضاف األكادي والبابيل واآلشوري‬ ‫بصمتهم املميزة عليها لتخرج مجموعة من األساطري‬ ‫واآللهة والشخصيات األسطورية يف اول محاولة برشية‬ ‫لتفسري وجود هذا الكون وكيفية نشأته ومن خلق‬ ‫اإلنسان وملاذا وكيف خلق‪ ،‬ومن يتحكم بهذا الكون‬ ‫وهذه الطبيعة املحيطة به‪ ،‬هذه األساطري التي مل ت ُزل‬ ‫اىل اليوم تؤثر يف عاملنا الذي نعيشه الن الكثري منها‬ ‫يعترب هو األساس امليثولوجي لالديان اإلبراهيمية مثل‬ ‫أسطورة التكوين والطوفان وغريها‪.‬‬

‫ﺗﻌﺎﻣﺔ‬

‫ﺁﺑﺴﻮ‬ ‫‪My Family‬‬

‫ﻟﺨﺎﻣﻮ‬

‫ﻟﺨﻤﻮ‬ ‫‪My Family‬‬

‫‪Printed from Family Echo - http://www.familyecho.com/‬‬

‫ﻛﻴﺸﺎﺭ‬ ‫ﻛﻴﺸﺎﺭ‬

‫ﺃﻧﺸﺎﺭ‬ ‫ﺃﻧﺸﺎﺭ‬

‫‪Printed from Family Echo - http://www.familyecho.com/‬‬

‫ﻧﻤﻮ‬

‫‪28‬‬

‫ﺁﻥ‬

‫‪Printed from Family Echo - http://www.familyecho.com/‬‬

‫ﻛﻲ‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫يشكل السومريون واألكاديون األرضية الحقيقية لحضارة ما بني النهرين‪ ،‬والسومريون شعب مهاجر حط يف‬ ‫أرض الرافدين بعد أن غادر موطنه األصيل الذي يقع يف مكان ما يف آسيا‪ ،‬وال أحد يعرف موضعه بالضبط حتى‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬واستطاع هذا الشعب الفذ أن ينخرط مع السكان األصليني ويذوب فيهم‪.‬‬ ‫اما األكاديون الساميون فهم قبائل بدوية هاجرت من الجزيرة العربية اىل أرض الرافدين عىل دفعات وموجات‬ ‫متدفقة باستمرار‪ ،‬ولكن السومريون هم الذين الذين اخرتعوا الكتابة وبواسطتهم تعلم األكاديون أن يدونوا‬ ‫لغتهم املحكية ويعربوا عن نتاجهم الفكري والديني واألديب عىل األلواح الطينية‪.‬‬ ‫وأننا لنعتقد أن الشعب السامي كان مستوطنا أرض الرافدين قبل هجرة السومريون اليها منذ منتصف األلف‬ ‫الرابع قبل امليالد ولكن ال نعرف شيئا عن هوية أقدم السكان وال عن الشعوب الغريبة التي ساهمت يف تكوين‬ ‫حضارة الرافدين قبل إخرتاع الكتابة‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫تعامة ‪Tiamat -‬‬

‫و يعني هذا االسم يف اللغة األكادية اليم‪ ،‬وكانت تشكل هذه اإللهة مع زوجها أبزو حسب الروايات األكادية مياه‬ ‫املحيط األويل قبل خلق العامل ونشوء الكون‪ ،‬وقد امتزجت مياههام يف املحيط‪ ،‬وبعد أن نشأت اآللهة وتعاقبت أجيالها‬ ‫يقوم اإلله إيا بقتل أبزو عندما علم إيا بالتدبري الذي أعده أبزو لقتله‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫فتعد تعامة العدة لألخذ بثأر زوجها‬ ‫الرصيع من اآللهة الشابة إال أن مردوخ‬ ‫يتمكن من اإلجهاز عليها‪ .‬رغم أن صفات‬ ‫تعامة ال تتضح من خالل رسد أسطورة‬ ‫الخلق إال أن بعض الباحثني يعتقدون أنها‬ ‫مصورة عىل مشاهد األختام االسطوانية‬ ‫عىل شكل تنني يف رصاع أسطوري مع أحد‬ ‫اآللهة مردوخ او آشور‪ ،‬كام يعتقد بعض‬ ‫الباحثني أن اإلله الذي يظهر يف رصاع مع‬ ‫شخصية هيدرا ذات الرؤوس السبع أقدم‬ ‫من زمن نشوء أسطورة التكوين ومع‬ ‫ذلك ليس من املستبعد أن يتأثر موضوع‬ ‫جديد مبوضوع قديم ويكتسب معاين‬ ‫ومضامني جديدة‪.‬‬ ‫فحسب أسطورة التكوين السومري‬ ‫والبابيل والتي سنطلع عىل تفاصليها‬ ‫بالكامل مع شخصية مردوخ وحيث نقرأ‬ ‫فيها أنه قبل بداية الكون كانت حالة من‬ ‫العامء واملياه األوىل‪ ،‬ممثل ًة بثالثة آلهة‪،‬‬ ‫آبسو هو املاء العذب‪ ،‬تعامة زوجته وهي‬ ‫املاء املالح‪ ،‬أما ممو فهو ميثل الضباب‬ ‫الناشئ عن تلك املياه واملنترش فوقها‪.‬‬ ‫كانت هذه اآللهة يف حالة من السكون‪،‬‬ ‫ثم آخذت هذه اآللهة بالتناسل‪ .‬فولد‬ ‫آبسو وتعامة إلهان جديدان هام لخمو‬ ‫ولخامو الذين بدورهام أنجبا أنشار‬ ‫وكيشار‪ .‬وبعد فرتة أنجب أنشار وكيشار‬ ‫اإلله آن الذي أصبح إله السامء‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫آن ‪Anu -‬‬

‫يعني هذا االسم يف اللغة السومرية األعايل او السامء ويلفظ باألكادية آنو‪ ،‬ورمزه بالخط‬ ‫املسامري يعني اإلله عامة ويسبق هذا الرمز كل أسامء اآللهة‪ ،‬وآن هو اإلله الرئيس يف‬ ‫مجمع اآللهة السومري‪ ،‬ويحافظ عىل وضعه يف العرص األكادي‪ ،‬وبغض النظر عن اآللهة‬ ‫األصول يأيت اسمه األول يف قوائم أسامء اآللهة‪ ،‬ويقابل آن عىل األرض اإللهة يك وتعني‬ ‫األرض او األسفل وتسمى يف النصوص السومرية كزوجة لإلله آن‪،‬‬ ‫‪32‬‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫ويظهر الزوجان آن و يك معا يف النصوص البابلية القدمية‪ ،‬ويف العرص‬ ‫األكادي تستبدل يك بأنتوم لتكون قرينته‪ ،‬وتحل محلها انانا ‪ -‬عشتار‬ ‫بعد ان ترقى يف سلم األلوهية‪.‬‬ ‫ويرد يف ملحمة التكوين أن آن هو ابن أنشار و كيشار‪ ،‬وهو والد كثري‬ ‫من اآللهة كام تعترب العفاريت من مخلوقاته‪ ،‬واالبن البكر له هو‬ ‫اإلله إنليل الذي يصبح اإلله الرئيس واإلله القومي للشعب السومري‪،‬‬ ‫ويتضائل دور اإلله آن بوجود ابنه إنليل‪ ،‬ويتم تبادل األدوار سلام دون‬ ‫رصاع‪ ،‬ورغم أن األساطري واألناشيد تضع آن يف املرتبة األوىل داخل‬ ‫مجمع اآللهة إال أنه ال يقوم بأي دور فعال ويبقى ظال باهتا البنه‬ ‫النشيط إنليل‪.‬‬ ‫وتتحدث أسطورة خسوف القمر عن مزاحمة ثالث‬ ‫آلهة لإلله آن لرتقى إىل مرتبته‪ ،‬ولكن دون أن تقتلعه‬ ‫من موقعه‪ ،‬ويكون دور آن يف ملحمة التكوين األكادية‬ ‫دورا مخيبا لآلمال وال يدعو للفخر‪ ،‬إذ أنه يفشل يف‬ ‫أداء املهمة التي كلفه بها والده أنشار لقتل تعامة‪،‬‬ ‫ورمبا كان الهدف من امللحمة البابلية إبراز دور اإلله‬ ‫البابيل القومي مردوخ ومتجيده عىل حساب آن‪.‬‬

‫‪My Family‬‬

‫ﺁﻥ‬

‫وبشكل عام كان ال ينظر اىل آن عىل أنه إله محب‬ ‫للبرش‪ ،‬فهو الذي يرسل ثور السامء اىل األرض ليقتل‬ ‫جلجامش بناء عىل رغبة ابنته إنانا ‪ -‬عشتار‪ ،‬وأرسل اىل‬ ‫األرض إلهة املوت ماميتو والعفريتة المشتو‪.‬‬ ‫كان موطن تقديس اإلله آن يف أوروك اال ان قلة‬ ‫املصادر املكتشفة هناك ال تدعنا نعرف الكثري عن‬ ‫مرتبته الفعلية داخل مجمع اآللهة السومري‪ ،‬وقد ورد‬ ‫يف نص يتيم ألحد ملوك أوروك أن إنليل قام عىل نحو‬ ‫غري مألوف بدور الشفاعة لدى أبيه آن‪.‬‬

‫ﺃﺩﺩ ﺇﻟﻪ ﺍﻟﻄﻘﺲ‬

‫ﺃﻧﺘﻮﻡ‬

‫ﺟﺒﻴﻞ ﺇﻟﻪ ﺍﻟﻨﺎﺭ‬

‫‪Printed from Family Echo - http://www.familyecho.com/‬‬

‫‪33‬‬

‫ﺇﻧﻜﻲ ﺇﻟﻪ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫منو – أنتوم‬ ‫‪Antom‬‬

‫إلهة سومرية من آلهات األمومة األصول التي ولدت السامء واألرض وكل اآللهة‪ ،‬ورمبا تجسد يف شخصها املياه الجوفية‬ ‫العذبة‪ ،‬واالشارة املسامرية التي تسبق اسمها هي نفسها التي تسبق اسم إنجور الذي قد يكون اسام مستعارا ألبزو‪،‬‬ ‫وتظهر يف محيط آلهة مدينة إريدو كوالدة لإلله إنيك‪ ،‬ويف أسطورة إنيك وننامخ خالقة البرش يساعدها عدد كبري من‬ ‫اآللهات اىل جانب ننامخ‪ ،‬ولكنها ال تقوم بدور بارز يف النصوص األكادية‪ .‬وتعترب كذلك إلهة السامء وزوجة آن تحت‬ ‫أسم انتوم حسب التصور األكادي‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫أدد ‪ -‬إشكور‬

‫يعرف إله الطقس عند السومريون‬ ‫باألسم إشكور‪ ،‬ويعرف باسمه السامي‬ ‫أدد يف العرص األكادي القديم‪ ،‬ويرمز‬ ‫إىل إله الطقس يف اللغتني السومرية‬ ‫واألكادية باالشارة املسامرية دينجر ‪ -‬إم‬

‫‪Adad - Iškur‬‬

‫كان يعترب كل من إشكور‬ ‫السومري وأدد األكادي‬ ‫ابني اإلله آن‪ ،‬وكانت قرينة أدد األكادي‬ ‫شاال وهي من أصل أجنبي‪ ،‬ومن اآللهة‬ ‫الصغار التي كانت تقوم عىل خدمة‬ ‫أدد شوالت وحانيش‪.‬‬ ‫مل يأخذ إله الطقس دورا بارزا يف الديانة‬ ‫السومرية‪ ،‬وكان يصور عىل شكل ثور‬ ‫وحيش جامح كالصاعقة‪ ،‬وعىل عكس‬ ‫التصور األكادي يرتبط اسمه بالدمار‬ ‫وخراب املحصول وإفساد األرض‬ ‫الزراعية‪ ،‬ورمبا يعود السبب يف ذلك إىل‬ ‫أن السومريني يف جنوب الرافدين كانوا‬ ‫يعتمدون وسائل الري الصناعية كشق‬ ‫الرتع وفتح القنوات‪ ،‬الن األمطار كانت‬ ‫قليلة وقد تحتبس لسنوات طويلة‪،‬‬ ‫وعندما تهطل ففي فصل الشتاء فقط‪،‬‬ ‫لذا كان اعتامد البابليني األكاديني يف‬ ‫الشامل عىل مياه األمطار أكرث‪ ،‬وترتبط‬ ‫خصوبة األرض وجفافها برىض وسخط‬ ‫اإلله‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫كان ميثل إله الطقس عند األكاديني قوى الطبيعة الخرية‬ ‫والرشيرة يف آن واحد‪ ،‬فهو القادر عىل إنبات املزروعات ويف‬ ‫نفس الوقت عىل تلفها مبا يرسله من فيضانات وبرد وصواعق‬ ‫وأمالح‪ ،‬وعندما يحبس األمطار عن األرض يصيبها الجفاف‬ ‫وتجتاح البالد املجاعات‪،‬‬ ‫وكانت تتضمن نصوص اللعنة يف املعاهدات والعقود والقوانني‬ ‫الدعاء عىل من يخل بالرشوط بفيضان أرضه أو جفافه أو كرثة‬ ‫امللوحة فيها أو جفاف ترعها‪ ،‬ومن صفاته يف املدائح اإللهية سيد‬ ‫حاجز السامء‪.‬‬ ‫توجد أماكن عبادته يف الجنوب الرافدي قرب مدينة أور ويف‬ ‫موروم ويف بابل وآشور حيث كان يشارك آن يف معبد واحد‪.‬‬ ‫ومن أهم رموزه الثور‪ ،‬حيث ميثل الثور الخري والخصوبة ويف نفس الوقت قوة الطبيعة الجامحة املدمرة‪ ،‬كام يرمز رسم‬ ‫الصاعقة بفروعه الثنائية أو الثالثية إليه‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫جبيل ‪Gibil -‬‬ ‫إله النار‬

‫إله النار السومري ويقابله يف اللغة األكادية جريا‬ ‫أو جريو‪ ،‬وقد ذكر جبيل يف قوائم أسامء اآللهة‬ ‫املكتشفة يف فارا‪ ،‬وبصفته إلها للنار فيمكن أن يكون‬ ‫مصدر خري أو رش للناس وفق التأثري الذي تحدثه‬ ‫النار نفسها‪ ،‬إذ بإمكان اإلله أن يقدم الضوء والدفء‬ ‫بواسطة النار أو بسبب الحرائق واملصائب‪ ،‬ومبا أنه‬ ‫ابن اإلله إنيك اإلله الحكيم فهو إله التعويذات أيضاً‬ ‫التي تقيض عىل املشعوذين والسحرة‪.‬‬ ‫ويف أسطورة إرا يتوجه مردوخ إىل إله النار ليطهر‬ ‫أركان حكمه التي دنست‪ ،‬ويذكر أحد نصوص‬ ‫التعاويذ من سلسلة عفاريت أوتكو الرشيرة‬ ‫خربا ً أسطورياً مدوناً باللغتني السومرية واألكادية‬ ‫مفاده أن اإلله إنيك يصعد إىل السامء برفقة جبيل‬ ‫ليستكشفا رس العفاريت الرشيرة سبيتو‪ ،‬ومبا أن‬ ‫هذه املخلوقات هي مخلوقات اإلله آن فقد تم‬ ‫خلقهم دون معرفة إنيك‪ ،‬وعندما يطّلع االثنان عىل‬ ‫عمل وأصل العفاريت السبعة يرسل إنيك جبيل إىل‬ ‫أساللوجي مردوخ البابيل الذي يقوم بدوره بتزويد‬ ‫املعلومات التي حصل عليها من جبيل إىل والده إنيك‪،‬‬ ‫وهذا الطريق املتشعب والطويل هو من مستلزمات‬ ‫صنع التعاويذ ليكون تأثريها أقوى‪ ،‬وعندما يتلقى‬ ‫جبيل اإلرشادات املناسبة ليقوم بطقوس التعاويذ‬ ‫الرضورية‪ ،‬ويساعد جبيل يف مرثية دمار أور والده‬ ‫إنليل املعروف بعدائه للبرش يف تدمري مدينة أور‪.‬‬ ‫‪37‬‬


Enki - ‫إنيك‬

38


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫إنيك‪ ..‬ويعني اسمه يف السومرية سيد األرض او سيد األسفل‪ ،‬ويقابله يف األكادية اسم إيا وال نعرف مصدره او معناه‪.‬‬ ‫ويعرف عن اإلله إنيك أنه إله الحكمة و التعويذات وسيد األبزو التي تصورها اإلنسان عىل شكل محيطات املياه العذبة‬ ‫يف جوف األرض‪ ،‬وبذا يكون اإلله إنيك إله الخري و العذوبة ومانح الخصب ومفجر الينابيع‪ ،‬وزوجته هي اإللهة دمجلنونا‬ ‫‪ ,‬التي يقابلها يف اللغة األكادية دمكينا وسفريه اسيمو‪ ،‬وهو والد أساللوحي‪ .‬ويعرض مشهد أحد األختام األسطوانية من‬ ‫العرص األكادي القديم إنيك جالسا عىل عرش داخل معبد تحت املياه‪ ،‬تتدفق املياه من بني كتفيه عىل شكل موجات‪،‬‬ ‫ويرمز له عادة بعنزة لها رأس سمكة‪.‬‬ ‫وتخضع له يف مقره يف املحيطات العذبة عفاريت املياه‬ ‫والكائنات الخرافية‪ ،‬ويأيت ترتيب اسمه الثالث يف قوائم أسامء‬ ‫اآللهة وأحيانا الرابع أو الخامس‪ ،‬وغالبا ما تذكره النصوص‬ ‫السومرية ضمن مجموعة اآللهة األربعة‬ ‫( آن ‪ -‬إنليل ‪ -‬انيك ‪ -‬اإللهة األم )‪.‬‬ ‫أهم مراكز عبادته الرئيسة يف مدينة إريدو التي تصفها قوائم‬ ‫أسامء امللوك بأقدم مدن سومر‪ ،‬ومبا أنه مالكها فهو الذي‬ ‫يدير شؤون الكون ويحدد نظامه‪ ،‬وبصفته إله الحكمة فهو‬ ‫الذي يعلم الناس طقوس التعاويذ ويسدي النصائح لآللهة يف‬ ‫األوقات الحرجة عندما تتعرض للمصاعب‪ ،‬وال يضن باملساعدة‬ ‫عىل أولئك الذين توجهوا بطلبها من آلهة اخرى وعادوا من لدنها خائبني‪ ،‬وهو عىل كل حال صديق لإلنسان‪ ،‬إذ أنه هو‬ ‫الذي أفىش رس الطوفان اىل زيوسودرا السومري او أوتنابيش األكادي‪.‬‬ ‫ومل يستخدم إنيك العنف إطالقا للوصول اىل بغيته‪ ،‬حتى يف األوقات التي يلجأ فيها اىل الغش والخداع كام يف ملحمة‬ ‫التكوين التي تصوره مقاتال‪ ،‬فهو قبل أن يقيض عىل األبزو وينترص عليها يخدرها ويشل قواها بتعاويذه‪.‬‬ ‫يأمر إنيك يف أسطورة إنيك وننامخ اإللهة نامو بخلق اإلنسان األول من الطني‪ ،‬ويف ملحمة التكوين يخلق إنيك بنفسه‬ ‫اإلنسان األول منفذا بذلك أوامر مردوخ‪.‬‬ ‫هناك عدة أساطري سومرية يشرتك فيها إنيك ولكن أهمها هي أسطورة إنيك وننامخ والتي تدور عن قصة خلق اإلنسان‬ ‫وهي تعترب أول أسطورة خطتها يد اإلنسان يف هذا املوضوع‪ ،‬وعىل منوالها جرت أساطري االديان ومن أهمها اليهودية‬ ‫واالسالم‪ ،‬التي أستمدت منها عنارصها األساسية وخصوصا فكرة تكوين اإلنسان من طني وفكرة تصوير اإلنسان عىل‬ ‫صورة اآللهة‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫رحلةالرافدين‬

‫البدايات األوىل‬

‫أسطورة خلق اإلنسان او إنيك و ننامخ‬ ‫أسطورة سومرية عرث عىل نسخ منها باللغتني األكادية‬ ‫والسومرية من العهد اآلشوري الحديث‪.‬‬ ‫يقول مضمون األسطورة أن اإللهة نامو توقظ ابنها إنيك الراقد يف معبده تحت املياه العذبة بناء عىل شكوى اآللهة‪،‬‬ ‫التي بدأت تتذمر من كرثة العمل‪ ،‬وتطلب منه مساعدتها لتخفف عنها عبء العمل‪ ،‬فينصحها ان تشكل برشا من‬ ‫الطني فوق مياه األبزو‪ ،‬عىل ان تقوم األلهة ننامخ وسبع آلهات أخريات بدور القابالت‪ ،‬وعندما تتم الوالدة‪ ،‬عىل نامو‬ ‫أن تحدد مصائر البرش‪ ،‬ويحدث هذا فعال‪ ،‬وتحمد اآللهة قرار إنيك الحكيم‪ ،‬ويقيم إنيك وننامخ وليمة رشاب احتفاء‬ ‫وابتهاجا بخلق البرش‪،‬‬ ‫ومبا أن ننامخ تحمل يف نفسها ومتتعض من دورها‬ ‫الهزيل املفروض عليها كقابلة يف عملية الخلق‪ ،‬تريد ان‬ ‫تثبت ذاتها كخالقة أمام إنيك‪ ،‬فتأخذ القطعة املتبقية‬ ‫من الطني‪ ،‬وتجعل منها سبع كائنات حية لتضاهي بها‬ ‫عملية الخلق عند إنيك‪،‬‬ ‫إال أن هذه الكائنات تخرج من بني يديها ناقصة الخلق‬ ‫ومش ّوهة‪ ،‬وجهازها التناسيل غري طبيعي‪ ،‬فيضطر إنيك‬ ‫أمام هذا الواقع اىل توزيع هذه الكائنات املشوهة بني‬ ‫البرش فكانت النتيجة وجود األعمى والخيص والعقيم‬ ‫يف الحياة‪،‬‬ ‫وكرد عىل تحدي ننامخ يخلق إنيك كائنا يطلق عليه أسم‬ ‫أومؤول ويعني أيامي البعيدة‪ ،‬واملقصود بهذه العبارة‬ ‫الرمز اىل سن الشيخوخة والهرم‪ ،‬ويطلب من ننامخ‬ ‫أن تصنف هذا الكائن بني البرش يف الحياة‪ ،‬لكن ننامخ‬ ‫تظهر عجزها ويفوز إنيك يف عملية التحدي‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫يف الحلقة القادمة سوف نتعرف عىل أوالد إنيك من زوجتيه اإلثنني‪،‬‬ ‫وطبيعة العالقة فيام بينهم داخل هذه األرسة اإللهية الفريدة‪،‬‬ ‫وباألخص األبن األكرث متيزا فيام بينهم وهو مردوخ الذي أصبح فيام‬ ‫بعد اإلله القومي لبابل‪ ،‬وكذلك نتطرق ألسطورة التكوين الذي يكون‬ ‫فيها مردوخ شخصيتها الرئيسة‪ ،‬وسنتكلم ايضا عن عائلته‪ ،‬أبنه نابو‬ ‫وزوجته إلهة الكتابة نيسابا‬ ‫‪41‬‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬


www.facebook.com/groups/arbangroup

42


‫االستعامر العريب‬

‫صفح ٌة دموي ٌة من تاريخ مرص‬ ‫– الجزء الثاين –‬

‫إيهاب القسطاوى‬ ‫كنت قد تناولت ىف مقايل السابق مفهوم االستعامر من‬ ‫حيث دوافعه ومظاهره وأساليبه‪ ،‬وأ ّن االستعامر مهام‬ ‫جانب‬ ‫تع ّددت أساليبه ومظاهره فهو حركة توسعٍ من‬ ‫ٍ‬ ‫أقل قو ٍة فيقوم باحتاللها وإخصاعها‬ ‫جانب ّ‬ ‫قوي عىل حساب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بالقوة بهدف نهب ثرواتها الطبيعية وتسخري طاقاتها البرشية‬ ‫يتجل ىف ع ّدة مظاه ٍر يُع ّد من‬ ‫يف خدمة مصالحه‪ ،‬وأ ّن االستعامر ّ‬ ‫أبرزها عىل اإلطالق الفتوحات‪ ،‬االستيطان‪ ،‬االحتالل العسكري‪،‬‬ ‫الحامية‪ ،‬االنتداب‪ ،‬والوصاية‪ .‬وأ ّن غزو العرب ملرص تحت مس ّمى‬ ‫جيش‬ ‫عسكري قام به ٌ‬ ‫«الفتح اإلسالمي»‪ ،‬اليعدو كونه إالّ غز ٌو‬ ‫ٌ‬ ‫عر ٌيب من شبه الجزيرة العربية عام ‪639‬م بقيادة غا ٍز محتلٍ اسمه‬ ‫«عمرو بن العاص»‪ ،‬صاحبه عملية نزو ٍح واستيطانٍ للقبائل العربية‬ ‫عىل ضفاف النيل عقب سقوط مدينة االسكندرية عام ‪642‬م‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫صفح ٌة دموي ٌة من تاريخ مرص‬ ‫الجزءالثاين‬ ‫إيهاب القسطاوى‬

‫وميكن تقسيم االحتالل العريب ملرص إىل‬ ‫ثالث مراحلٍ تاريخيه‪:‬‬ ‫• مرحلة حكم الخلفاء الراشدين‪.‬‬ ‫• مرحلة حكم األمويني‪.‬‬ ‫• مرحلة حكم الع ّباسيني‪.‬‬ ‫ليستمر االحتالل العريب ملرص حتى العام‬ ‫‪877‬م‪ ،‬عندما انفصل أحمد بن طولون‬ ‫وأسس الدولة‬ ‫مبرص من الدولة العبّاسية‪ّ ،‬‬ ‫الطولونية املستقلة‪.‬‬ ‫محارب أن‬ ‫وأعود إىل ما تط ّرقت إليه سالفًا فقد استطاع الجيش العريب الغازي‪ ،‬والذي قُ ّدر تعداده بحوايل أربعة آالف‬ ‫ٍ‬ ‫ينترص عىل البيزنطيني‪ ،‬وأن يخرجهم من مرص عام ‪642‬م‪ ،‬وقد عاىن املرصيون بعد الغزو العريب أش ّد املعاناة‪ ،‬فقد تدفّقت‬ ‫القبائل العربية النازحة ليعيشوا مبعز ٍل عن املرصيني اللذين تركّزوا ىف العاصمة االسكندرية وبعض املدن املتاخمة‬ ‫لها‪ ،‬واستقرت القبائل العربية ىف محم ّي ٍ‬ ‫ات مؤمن ٍة بحشو ٍد عسكري ٍة عربية‪ ،‬حتى رشعوا ىف تأسيس مدينة (الفسطاط)‬ ‫الواقعة مابني املقطّم وبابليون‪ ،‬وت ّم عزل املرصيني من املنطقة‪ ،‬لتصبح الفسطاط بؤر ًة ومرك ًزا للعرب ىف مرص وت ّم تشييد‬ ‫ٍ‬ ‫بخطوات تدريجي ٍة عىل الرغم من كون اللغات اليونانية والقبط ّية هي‬ ‫الدواوين التي عملت عىل تصدير ثقافة الصحراء‬ ‫اللغات الرسميه حتى العام ‪706‬م‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مسجد ىف مدينة‬ ‫وبدأت عملية األسلمة ببناء‬ ‫الفسطاط حمل اسم غازي مرص «عمرو بن‬ ‫العاص» وقد تع ّدى كونه مسج ًدا ففي الحقيقة‬ ‫كان مرك ًزا إداريًا وانترشت من حواله عرشات‬ ‫كل أحياء مدينة الفسطاط‪،‬‬ ‫املساجد الصغرية يف ِّ‬ ‫يف تلك األثناء فتح الغزاة قناة «تروجان»‬ ‫لتصل ما بني نهر النيل والبحر األحمر‪ ،‬حتى‬ ‫يتس ّنى للبواخر نهب الغالل املرصية ونقلها‬ ‫بدل من نقلها عن طريق الرب‬ ‫لجزيرة العرب ً‬ ‫فصل جدي ٌد ىف تاريخ‬ ‫عرب البهائم‪ ،‬ل ُيفتح بذلك ٌ‬ ‫مرص املنهوب عرب السنني بأن يتم تغيري وجهة‬ ‫النهب من القسطنطينية اىل الجزيرة العربية‪،‬‬ ‫‪44‬‬


‫صفح ٌة دموي ٌة من تاريخ مرص‬ ‫الجزءالثاين‬ ‫ترافق ذلك مع تدفق قوافل القبائل البدوية االستيطانية ىف مرص لتغيري املعامل‬ ‫السكانية‪ ،‬وقد أطلق املرصيون حينذاك عىل تلك القبائل أسم «العربان» الذين‬ ‫كان لهم الدور األكرب يف حدوث االضطرابات التي عصفت مبرص يف تلك املرحلة‪،‬‬ ‫حيث بدأت أعامل البطش والتنكيل واالضطهاد وفرض الجبايات الباهظة التى‬ ‫اثقلت الكواهل وقد جاء عىل لسان عثامن بن عفّان ىف رسالتة لعمرو بن العاص‬ ‫بعد ما خلفه عبد الله ابن أىب رسح عىل والية مرص‪« :‬درت اللقحة بأكرث من‬ ‫ردها األول»‪ ،‬فر ّد عمرو عليه‪« :‬قد أرضرتم بولدها»‪ ،‬وىف فرتة والية ابن أىب رسح‬ ‫انترش الظلم واالضطهاد وع ّم مرص الفقر والقحط والبالء وكرهوه املرصيني‪ ،‬فلم‬ ‫خاص بهم فات ّبعو نظام الرضائب البيزنطى‬ ‫يكن ميلك العرب نظا ًما للرضائب ٌ‬ ‫الذي كان يرتكز عىل رضيبة خراج األرض وغريها‪ ،‬بل قد زادو علية رضيبة الرأس‬ ‫(الجزية) التي كانت تُجبى من املرصيني نق ًدا وكانت رضيبة األرض أو الخراج‬

‫‪45‬‬


‫صفح ٌة دموي ٌة من تاريخ مرص‬ ‫الجزءالثاين‬ ‫إيهاب القسطاوى‬

‫ٍ‬ ‫بكميات من القمح وبعض الغالل‪ ،‬حتى تدهورت أحوال املرصيني ونتج عن ذلك قلة تحصيل الجبايات املفروضة‬ ‫ُحصل‬ ‫ت ّ‬ ‫عليهم ويقول “املقريزى”‪« :‬إ ّن نقص الخراج كان بسبب تزايد الخراب سن ًة بعد سنة»‪ ،‬وانحدر التعليم والثقافة والفكر‬ ‫لعدم االهتامم بهم‪ ،‬فقد كان كل ما يهم ال ُغزاة هو نهب خريات مرص‪.‬‬

‫مصادر‪:‬‬ ‫(‪ .)1‬ابن إياس‪ ،‬بدائع الزهور ىف وقائع الدهور‪ ،‬تحقيق محمد مصطفى‪ ،‬الهيئة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة ‪.1982‬‬ ‫(‪ .)2‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح مرص وأخبارها‪ ،‬تحقيق محمد صبيح‪ ،‬مكتبة مدبوىل‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫(‪ .)3‬أبو اليرس فرح‪ ،‬تاريخ مرص ىف عرصي البطاملة والرومان‪ ،‬عني للدراسات والبحوث اإلنسانية واإلجتامعية‪ ،‬القاهرة ‪.2002‬‬

‫ٕاﺪﺪاد وﺗﻘﺪﱘ‬

‫ﺣﺎﻣﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ‬ ‫‪HAMED.TV‬‬

‫‪FB.ME/BOXOFISLAM 46‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

47


‫‪Ahmad F. Alabbasi‬‬

‫ملاذا ال يلتزم امللحد‬ ‫العريب الصمت؟‬ ‫امللحد العر ّيب هو ذلك اإلنسان الذي يعيش يف بيئ ٍة‬ ‫اجتامعي ٍة إسالمي ٍة محافظ ٍة غالبًا‪ ،‬ويتشارك يف حياته مع العديد من املؤمنني بأفكا ٍر متطرف ٍة غالبًا‪ ،‬مضط ٌر للتعامل‬ ‫قيم‬ ‫يوم بوصفهم عائلته أو أصدقاءه أو زمالءه يف العمل‪ .‬وكل هؤالء مبن فيهم عائلته قد تربّوا عىل ٍ‬ ‫معهم كل ٍ‬ ‫مجتمعي ٍة متطرف ٍة ميينية‪ ،‬فمن املزعج إىل ح ّد املوت كشف أفكارك أمامهم بكل حرية‪ ،‬فذلك حسب قولهم قد يجرح‬ ‫مشاعرهم املرهفة‪ ،‬أو من زاوي ٍة أخرى‪ ،‬بوصفهم باألغلبية املطلقة يف ذلك املجتمع‪ ،‬فعىل األقلية مبدئ ًّيا الصمت‪.‬‬ ‫إذن فلامذا ال يلتزم امللحد العريب الصمت؟‬ ‫عندما تعيش يف مجتمعٍ غالبيته ال تتقبل أفكارك‪ ،‬فللوهلة األوىل سوف تفكّر مبفارقة «القوي عىل حق» أو قد تلتزم‬ ‫الق نظر ًة عىل‬ ‫مببادئ الدميقراطية ألن األغلبية املطلقة ترفضك‪ ،‬ولكن هذا ليس ً‬ ‫حل! يُقال قدميًا‪ :‬قبل أن تحسم أمرك ِ‬ ‫كل اآلراء‪ .‬حس ًنا‪ ،‬سوف نحاول أن نرى املوضوع من زوايا مختلف ٍة قبل الحسم فيه‪.‬‬

‫املحور األول‪ :‬أنا إنسان‬

‫والديت هنا ال تعني أنني نذرتُ حيايت لهذا املجتمع‪ .‬فبالنهاية‪ ،‬العمر أقرص من أن نض ّي َعه يف عيش حيا ٍة ال نريدها‪ .‬وإن‬ ‫املجتمعات املحافظة ت ُر ّوج لفكرة العقل الجمعي‪ ،‬أي انعدام التف ُّرد وتذويب الشخوص يف كيانٍ أكرب (هذا الكيان قد‬ ‫يقتل كل صف ٍة إبداعي ٍة للفرد)‪ .‬ونرى هذا جل ًّيا يف املجتمعات الشيوعية واإلسالمية‪ ،‬واملسيحية قد ًميا‪ .‬وبذلك يضمن‬ ‫املحافظون املحافظة عىل أفكارهم الجمعية لزمنٍ ٍ‬ ‫بعيد بسبب ضعف الشخصية والسلوك النفيس الشاذ الذي يسلكه‬ ‫نتائج تؤدي إىل ضعف املجتمع‪.‬‬ ‫أغلب سكان تلك املجتمعات‪ ،‬كالطاعة العمياء لآلباء واألجداد وما يعقبها من َ‬

‫ٍ‬ ‫كائنات قادر ًة عىل التفكري‪ ،‬نحن غري مل َزمني باتباع تلك السلسلة البرشية الطويلة‪ .‬فاستقاللية أفكارنا‬ ‫ولكن‪ ،‬كوننا‬ ‫وتنوعها يخلقان مجتم ًعا متن ِّو ًعا ذا ٍ‬ ‫أساس جاسئٍ ‪ ،‬ألنه من املعروف أن املجتمعات النمطية مجتمعاتٌ منهار ٌة داخل ًيا‬ ‫‪48‬‬


‫تنتظر ه َّب َة ري ٍح لتُسقطَها‪ ،‬وذلك النعدام الشفافية فيها‪ .‬أما املجتمعات التي فتحت قلوبها لآلخرين‪ ،‬فهي املجتمعات‬ ‫التي ستدوم‪.‬‬ ‫نخلق مجتم ًعا ثابت األُسس‪ ،‬علينا أن نقول كل ما نشعر به بكل شفافية‪ ،‬فنح ُن نح ُن‪ ،‬ولسنا أجدادنا‪ ،‬وال يشء‬ ‫وليك َ‬ ‫يوقفنا عن التفكري خارج الصندوق‪.‬‬ ‫ومن جه ٍة أخرى‪ ،‬فإن العامل ليس َ‬ ‫ملك جه ٍة معين ٍة لتتحكم فيه كام تشاء‪ ،‬فهذا عاملنا وهو ملك الجميع‪ .‬ومبا أن‬ ‫يحق ٍ‬ ‫ألحد فرض سلطته عىل اآلخر مهام بلغت سطوته‪ ،‬فذلك ضد العدل املجتمعي؛ فمن‬ ‫شخصيتنا منفصلة‪ ،‬فال ُّ‬ ‫أحق أن يُح َرتم و يُخلّ َد اسمه‪ ،‬فهو أفضل ممن‬ ‫يجهر بأفكاره دون أن يؤذي أح ًدا أو يجرب أح ًدا عىل الدخول فيها‪ُّ ،‬‬ ‫يدعو إىل أفكا ٍر متلؤها الكراهية ويجرب أتباعه عىل الدخول فيها بالقوة‪ .‬ولكن ما نراه يف بلداننا هو العكس متا ًما‪ ،‬ف َمن‬ ‫يوصف بأنه املسامح الكريم ومن يد ُع إىل أفكاره مبوضوعي ٍة موض ًحا سلبياتها وإيجابياتها بكل‬ ‫يحمل أفكا ًرا انتقامي ًة َ‬ ‫شفافي ٍة ويعلم متى يقول‪ :‬ال أعرف‪ ،‬يُ ْج ّر ْر إىل الزنازين ويَ ِع ْش خلف القضبان!‬

‫املحور الثاين‪ :‬الثورة التنويرية وسيلة ٍ‬ ‫ضغط عىل الحكومات العربية الفاشلة‬

‫عم ق َّد َمته الثورة‬ ‫مضت أكرث من خمسة ٍ‬ ‫أعوام عىل بداي ِة عرص التنوير يف البالد الناطق ِة بالعربية‪ .‬وقد يتساءل البعض ّ‬ ‫الفكرية يف تلك البلدان‪ .‬ولكن لو نظرنا إىل هذا الحراك بع ٍني سياسي ٍة سوف يتضح لنا حجم الطفرة الكبرية يف مجال‬ ‫الحرية والدميقراطية من خالل صعود القوى العلامنية يف العديد من الدول‪ ،‬كالعراق ومرص وتونس‪ ،‬بل وأث َّرت يف‬ ‫عبوا عن أفكارهم بكل رصاحة‪ ،‬ولكن يعود‬ ‫إيران ويف السعودي ِة نفسها؛ وال أقول إن الفضل كله للملحدين الذين ّ‬ ‫بعض الفضل إىل العديد من املسلمني العلامنيني‪ ،‬أولئك الذين ال يأخذون دينهم عىل محمل الجد‪ ،‬فالثورة التنويرية‬ ‫اإللحادية كانت كاإلسفني الذي حطّم شبح املايض ودفع الكثريين نحو العلامنية بعد كشف قذار ِة دينهم‪ ،‬وأ ّدى إىل‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات فقط‪ ،‬كانت األغلبية‬ ‫رفض الكثريين لألحكام اإلسالمية الجائرة كالرجم والقطع وحتى حد الردة‪ .‬فقبل سبع‬ ‫مؤيد ًة لهذه األحكام‪ ،‬أما اآلن فاألغلبية تراها إرهابًا!‬ ‫تغي ٍ‬ ‫ات اقتصادي ٍة وسياسي ٍة كبري ٍة عىل أرض الواقع‪ ،‬مل تكن لتحدث لوال الضغط املتواصل‬ ‫وأ ّدت الثورة التنويرية إىل ّ‬ ‫من ِق َبل حا ِميل األفكار التنويرية عىل املجتمع املسلم‪ ،‬مام دفع املسلمني إىل اعتبار موروثهم الفكري تاري ًخا تنفيذه‬ ‫ملصالح سياسي ٍة كام هو الحال يف‬ ‫غري ُملزِم‪ ،‬كام هو الحال يف تونس الخرضاء‪ ،‬أو اتخاذ منه ٍج يتجاهل بعض النواهي‬ ‫َ‬ ‫السعودية‪.‬‬

‫املحور الثالث‪ :‬العلم ليس دميقراط ًّيا‬

‫لقد انتقلنا منذ خمسة قرونٍ فقط من عرص اضطهاد التفكري والتف ّرد إىل عرص التنوير واحرتام الرأي الشخيص‪ ،‬ورافَق‬ ‫هذا التحول طفر ٌة هائل ٌة من التقدم العلمي والتكنولوجي بسبب انفتاح العقل البرشي إىل ما وراء القرية ثم ما وراء‬ ‫‪49‬‬


‫القومية ثم ما وراء البالد ثم تطلّع اإلنسان إىل ما وراء األفق!‬ ‫برشي و َرشّ ٌة خفيف ٌة من الخيال وبعض التشجيع‪ ،‬تُط َبخ كلها‬ ‫وصف ُة التقدم بسيط ٌة ج ًدا‪ ،‬فكل ما تحتاج إليه هو ٌ‬ ‫ْ‬ ‫عقل ٌّ‬ ‫يف ِقد ٍر ليس له حدود‪ ،‬ومع قليلٍ من الصرب ستَ ِصل مبجتمعك إىل النجوم‪.‬‬ ‫جميل‬ ‫وي ّدعي الدين اإلسالمي أنه هدم عبادة التقليد (تلك العبادة القامئة عىل اتبا ِع األبناء طريقة تفكري آبائهم)‪ٌ .‬‬ ‫سمعت‪ ،‬فالجهل الذي بناه املعبد أكرب من الجهل الذي ي ّدعي أنه ’’هدمه‘‘؛ فعباد ُة التقليد‬ ‫ج ًدا‪ ،‬لكنه أكرث مام‬ ‫َ‬ ‫مسلم يعرف دينه وينتهجه‪ ،‬وهم اإلرهابيون دون شك‪.‬‬ ‫صارت املحرك األسايس للتدين‪ ،‬وناد ًرا ما ترى‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫بديهيات اليوم والتي كانت‬ ‫لنعد إىل موضوعنا األصيل‪ .‬تخ ّيل معي‪ ،‬عزيزي القارئ‪ ،‬أن كل الحقائق العلمية التي تُ َعد‬ ‫يو ًما ما مثار ٍّ‬ ‫شك وقد يُعاقَب معتنقوها باملوت أو االستتابة‪ ،‬كانت طريقة االعرتاف بها عن طريق التصويت؛ أي أنه‬ ‫ُوصف بأنها حقيق ٌة علمية‪ ،‬وإ ْن مل تعرتف بها األغلبية من الرعاع‪ ،‬فإنها تعترب هرطقة‪ ،‬وبهذه‬ ‫إذا اقتنع بها املجتمع‪ ،‬ت َ‬ ‫الطريقة سوف نُ ِ‬ ‫دخل مفهوم الدميقراطية عىل العلم‪ ،‬ولكن يا للصدمة!‬ ‫فالعل ُم ليس دميوقراط ّيا‪ ،‬والحقائق تبقى حقائق إن ص ّدق بها جنابك‪،‬‬ ‫وإن مل تفعل‪ ،‬فلو كان العلم دميوقراطيًا ل ُك ّنا إىل اآلن ن ّدعي أن األرض‬ ‫مسطح ٌة وأن الشمس تدور حول األرض؛ وعندها لن نعرف الجاذبية‬ ‫ولن تكون النسبية حتى قد رأت النور‪ .‬وحتى بالنسب ِة لنظرية التطور‪،‬‬ ‫أيضا‬ ‫فالذي يعرتف بها هو قر ٌد من الدرجة العليا‪ ،‬والذي ال يعتقد بها هو ً‬ ‫قر ٌد من الدرجة العليا‪ .‬وال يشء أقبح من قر ٍد يرى نفسه غز ًال‪.‬‬ ‫اعرتفت به أو مل تفعل‪ ،‬لن يغري ذلك‬ ‫األمر نفس ُه بالنسب ِة لإللحاد‪ ،‬فإن‬ ‫َ‬ ‫من الحقيق ِة شيئًا؛ فعلينا أخذ الحقائق مبوضوعي ٍة وليس عىل أساس‬ ‫العقيد ِة أو املوروث الشعبي‪ ،‬ملن يبحث عن الحقيقة بكل تأكيد‪ .‬ومل يأخذ امللحد بعقيدة أجداده وآبائه بل سلك‬ ‫طريق التفرد‪ ،‬ليقول بوجه العامل‪’’ :‬هذا أنا‘‘‪ ،‬وسيأيت ذلك اليوم الذي ستكون فيه أفكارنا التنويرية شيئًا اعتياديًّا يف‬ ‫العامل‪ ،‬فكل األفكار الشائع ِة اليوم كانت شاذ ًة يو ًما ما‪.‬‬ ‫حملت‬ ‫الصالح حقًّا ملجتمعنا‪ ،‬عدم اضطهاد أية فكر ٍة جديدة‪ ،‬فعلينا تركها وشأنها مهام‬ ‫فيجب علينا‪ ،‬إ ْن كُنا نريد‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫تض اإلنسان واملجتمع؛ وهذا ما نراه يف اإللحاد‪ ،‬فلن تجد ملح ًدا يُف ِّجر نفسه يف‬ ‫من منه ٍج تربوي‪ ،‬رشيطة أال ُ ّ‬ ‫مجموع ٍة من املسلمني يو ًما‪ ،‬فال أحد يحب تعميم أفكار الكراهية إال املتديّنون‪.‬‬

‫‪50‬‬


www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

51


‫ﺳﻴﺮة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻣﻨﺔ‬

‫اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ‪ :‬أول رﺣﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﺎم‬

‫ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب‬ ‫‪LA VIE DE MAHOMET‬‬ ‫ﺗﺮﺟﻤﺔ واﺧﺮاج‪ :‬ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ اﻟﻌﺮب‬

‫ﻓﻮزي اﻟﻘﻔﺎز‬ ‫ﺳﺎرة ﺳﺮﻛﺴﻴﺎن‬ ‫وأﺳﺮة ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻤﺠﻠﺔ‬ ‫‪52‬‬


‫أ ّول رﺣﻠ ٍﺔ‬ ‫إﻟﻰ اﻟﺸﺎم‬

‫رﻛﺐ أﺑﻮﻃﺎﻟﺐ ﻧﺎﻗﺘﻪ وﺑﺪأ ﺑﺘﻮدﻳﻊ أﻫﻠﻪ‪،‬ﻓﺘﻤﺴﻚ ﻣﺤﻤﺪ اﺑﻦ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮ ﺑﺤﺒﺎل اﻟﻨﺎﻗﺔ ‪.‬‬

‫ﻋﻤﻲ !‬ ‫ّ‬

‫ﻛﻌﺎدﺗﻪ ﻛﻞ ﻋﺎم‪ ،‬اﺳﺘﻌﺪ‬ ‫أﺑﻮﻃﺎﻟﺐ ﻟﻠﺴﻔﺮ ﻣﻊ واﺣﺪة‬ ‫ﻣﻦ ﻗﻮاﻓﻞ ﻗﺮﻳﺶ ‪.‬‬

‫ﻟﻤﻦ ﺳﺘﺘﺮﻛﻨﻲ ؟‬ ‫أم وﻻ أب ‪.‬‬ ‫ﻟﻴﺲ ﻟﻲ ٌ‬

‫ﺗﻮﻗﻒ أﺑﻮﻃﺎﻟﺐ‪ ،‬ودﻋﺎ ﻣﺤﻤﺪًا ﻟﻴﺮﻛﺐ اﻟﻨﺎﻗﺔ ﻣﻌﻪ أﻣﺎم أﻧﻈﺎر أوﻻد اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ‬ ‫)‪(1‬‬ ‫اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻤﻠﻜﺘﻬﻢ اﻟﻐﻴﺮة‪.‬‬

‫ﻣﻊ اﻗﺘﺮاب اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻣﻦ ﺑﺼﺮى‪ ،‬ﺗﻮﻗﻒ‬ ‫اﻟﺒﺪو ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮٍة ﺗُﻌﺘﺒﺮ اﺳﺘﺮاﺣﺔ ﻟﻠﻘﻮاﻓﻞ‬ ‫اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ﻏﻴﺮ ﺑﻌﻴ ٍﺪ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن‬ ‫ﻣﺴﻴﺤﻲ اﺳﻤﻪ‬ ‫راﻫﺐ‬ ‫ﻛﺎن ﻳﺴﻜﻦ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ﺑﺤﻴﺮى اﻟﺮاﻫﺐ ‪ ،‬وﻛﺎن ﻳﻘﻀﻲ‬ ‫أوﻗﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﻣﻞ ‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﻗﺮﻳﺶ‬ ‫ﻟﻢ ﻳﺤﺪث ﻳﻮﻣ ًﺎ أن ﺗﻜﻠّﻢ ﻣﻊ ﺗﺠﺎر ﻗﺮﻳﺶ ﻋﻨﺪ‬ ‫ﺗﻔﻀﻠﻮاإﻟﻰﺑﻴﺘﻲ!‬ ‫ّ‬ ‫ﻣﺮورﻫﻢ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة‪ ،‬أﺗﺠﻪ اﻟﻴﻬﻢ ﻣﺴﺮﻋ ًﺎ‬ ‫ﻟﻴﺮﺣﺐ ﺑﻬﻢ ‪.‬‬

‫ﻣﺎذا ﺣﺼﻞ ﻳﺎ ﺑﺤﻴﺮى ؟‬ ‫ﻋﺪة ٍ‬ ‫ﻣﺮات‪ ،‬وﻟﻢ ﺗﻌﺎﻣﻠﻨﺎ ﺑﻬﺬه‬ ‫ﻟﻘﺪ ﻣﺮرﻧﺎ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ّ‬ ‫اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ!‬

‫وﻫﺬا ﻻ ﻳﺤﺪث إﻻّ‬ ‫ﺑﻮﺟﻮد اﻷﻧﺒﻴﺎء ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ أﻋﺪدت وﻟﻴﻤﺔ ﻣﻦ أﺟﻠﻜﻢ‪ ،‬ﺗﻌﺎﻟﻮا‬ ‫ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﻛﺒﺎرًا وﺻﻐﺎرًا ‪ ،‬أﺣﺮارًا وﻋﺒﻴﺪًا‬

‫ﺷﺠﺮ‬ ‫ﺣﺠﺮ أو ٌ‬ ‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺮرﺗﻢ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﺘﻠﺔ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ٌ‬ ‫ﺧﺮ ﺳﺎﺟﺪًا ﻟﻜﻢ‪ ،‬ﻟﻘﺪ رأﻳﺖ ذﻟﻚ‬ ‫ّإﻻ ّ‬ ‫ﺑﺄم ﻋﻴﻨﻲ ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ذﻫﺒﻮا ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ إﻟﻰ اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ ‪ّ ،‬إﻻ ﻣﺤﻤﺪًا اﻟﺬي ﺑﻘﻲ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﺠﺮة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻛﻮه‬ ‫ﺑﺴﺒﺐ ﺻﻐﺮ ﺳﻨﻪ ‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫ﻟﻢ َﻳﺮ اﻟﺮاﻫﺐ اﻟﺬي درس اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ أﻳّ ًﺎ ﻣﻦ دﻻﺋﻞ اﻟﻨﺒﻮة‬ ‫أي ٍ‬ ‫ﺿﻴﻒ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺎﺋﺪة‪.‬‬ ‫ﻓﻲ ّ‬

‫ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻏﻴﻤﺔ ﺗُ ّ‬ ‫ﻈﻞ ﻣﺤﻤﺪًا ﻣﻦ وﻫﺞ‬ ‫واﺧﻀﺮت اﻟﺸﺠﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺠﻠﺲ‬ ‫اﻟﺸﻤﺲ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ﺗﺤﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺸﺒ ًﺎ ﻣﻴﺘ ًﺎ ‪.‬‬

‫أﻻ ﺗﺨﺠﻠﻮن ﻣﻦ‬ ‫أﻧﻔﺴﻜﻢ ؟ ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺮﻛﻮه‬ ‫وﺣﻴﺪًا وﻫﻮ ﻣﻨﻜﻢ؟‬

‫ﻟﻜﻦ ﻣﺎ إن ﻧﻈﺮ ﻟﻠﻔﺘﻰ اﻟﺬي ﺗﺤﺖ‬ ‫اﻟﺸﺠﺮة ﺣﺘﻰ ُﺻﻌﻖ ﻣﻤﺎ رأى ‪.‬‬

‫أﻟﻢ أﻃﻠﺐ ﻣﻨﻜﻢ أن ﺗﺄﺗﻮا‬ ‫ﺟﻤﻴﻌﻜﻢ ﻟﻠﻮﻟﻴﻤﺔ ؟‬

‫ﺣﻴﻦ ﺳﻤﻊ ﻫﺬا اﻟﺤﺎرث اﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ‬ ‫وﻫﻮ أﺣﺪ أﻋﻤﺎم ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬ﺻﺎح ﻗﺎﺋ ًﻼ‪:‬‬

‫ﻟﻌﺎر ﻋﻠﻴﻨﺎ أن‬ ‫واﻟﻼت واﻟﻌﺰى أﻧﻪ ٌ‬ ‫ﻧﺴﺘﺜﻨﻲ ﻣﺤﻤﺪًا ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﷲ ﻣﻦ‬ ‫وﻟﻴﻤﺘﻨﺎ!‬

‫‪55‬‬

‫ّ‬ ‫ﻛﻞ ﻣﻦ دﻋﻮﺗﻪ‬ ‫ﻟﻠﻮﻟﻴﻤﺔ ﻗﺪ ﺣﻀﺮ‪ ،‬وﻻ‬ ‫ﻳﻨﻘﺺ ّإﻻ ﻓﺘﻰ ﺻﻐﻴﺮ‬ ‫ﻣﻌﻨﺎ ﻫﻮ أﺻﻐﺮﻧﺎ ﺳﻨ ًﺎ‬

‫ﺗﻮﺟﻪ اﻟﺤﺎرث ﻧﺤﻮ ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫ّ‬ ‫واﺣﺘﻀﻨﻪ وأﺗﻰ ﺑﻪ ﻟﻤﻜﺎن اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ‬ ‫وﻟﻢ ﺗﻔﺎرﻗﻪ اﻟﻐﻴﻤﺔ ‪.‬‬


‫ﻛﺎن ﺑﺤﻴﺮى ﺳﻌﻴﺪًا ﺟﺪًا وﻟﻢ َﻳﻤ ّﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮ‬ ‫ﻟﻤﺤﻤﺪ‪ ،‬وﻛﻠﻤﺎ ﻧﻈﺮ إﻟﻴﻪ أﻛﺜﺮ رأى ﻓﻴﻪ ﻋﻼﻣﺎت‬ ‫اﻟﻨﺒﻮة اﻟﺘﻲ أﺧﺒﺮت ﺑﻬﺎ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻬﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ اﻷﻛﻞ‪ ،‬أﺧﺬه ﺟﺎﻧﺒﺎً‪.‬‬

‫واﻟﻌﺰى‬ ‫أﻳﻬﺎ اﻟﻔﺘﻰ اﻟﺼﻐﻴﺮ‪ ،‬اﺳﺄﻟﻚ ﺑﺎﻟﻼت ّ‬ ‫أن ﺗﺠﻴﺐ ﻋﻠﻰ اﺳﺌﻠﺘﻲ‪..‬‬

‫إذًا أﺟﺒﻨﻲ‬ ‫ﺑﺤﻖ اﷲ‪.‬‬

‫ﻻ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ أي ﺷﻲء ﺑﺎﺳﻢ‬ ‫ﺷﻲء أﺑﻐﺾ‬ ‫واﻟﻌﺰى ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ٌ‬ ‫اﻟﻼت ّ‬ ‫إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﻳﻦ اﻷﺳﻤﻴﻦ ‪.‬‬

‫ﺳﺄﻟﻪ اﻟﺮاﻫﺐ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺘﻪ‬ ‫اﻟﺼﺤﻴﺔ واﻟﻨﻔﺴﻴﺔ وﻋﻦ ﻣﺎ‬ ‫ﻳﺮاه ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎم‪ ،‬وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة‬ ‫ﻛﺎن ﻳﺼﻐﻲ ﻟﻠﺠﻮاب ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم‪.‬‬

‫اﺳﺄل اﻵن‬ ‫ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻛﺸﻒ ﺑﺤﻴﺮى ﻋﻦ ﻇﻬﺮ ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫اﻟﻨﺒﻮة ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وﻗﺒﻞ ﻋﻼﻣﺔ ّ‬

‫ﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﻮار اﻟﺬي دار ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬اﺗﺠﻪ ﺑﺤﻴﺮى‬ ‫ﻟﻠﻘﺎء أﺑﻮﻃﺎﻟﺐ ‪.‬‬ ‫ﻗﺮﻳﺐ ﻟﻚ ؟‬ ‫ﻫﻞ ﻫﺬا اﻟﻄﻔﻞ ٌ‬

‫‪56‬‬

‫إﻧﻪ اﺑﻨﻲ ‪.‬‬


‫إﻧﻪ ﻟﻴﺲ أﺑﻨﻚ‪ ،‬ﻓﺄﺑﻮه ﻻ‬ ‫ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ‬ ‫اﻟﺤﻴﺎة‪.‬‬

‫أﻳﻦ أﺑﻮه ؟‬

‫إﻧﻪ اﺑﻦ أﺧﻲ ‪.‬‬

‫وأﻣﻪ ؟‬ ‫ﻟﻘﺪ ﻣﺎت‬ ‫ﻗﺒﻞ وﻻدﺗﻪ ‪.‬‬

‫ﻻ ﺗﻔﺎرق اﺑﻦ أﺧﻴﻚ ﻟﻠﺤﻈﺔ‪ ،‬واﺣﺮص ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺣﻤﺎﻳﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد‪ ،‬ﻓﺈﻧﻬﻢ إذا ﻋﻠﻤﻮا ﻣﺎ ﻋﻠﻤﺘُﻪ‬ ‫ﻟﻠﺘﻮ ‪ ،‬ﺳﻴﺤﺎوﻟﻮن ﻗﺘﻠﻪ أو اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺷﻚ‪.‬‬ ‫ﻋﻈﻴﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮ اﺑﻦ أﺧﻴﻚ‪ ،‬ﻫﺬا ﻣﺎ‬ ‫ﻫﻨﺎك ﻣﺴﺘﻘﺒ ٌﻞ ٌ‬ ‫أﺧﺒﺮﺗﻨﺎﺑﻪاﻟﻨﺒﻮءاتاﻟﻘﺪﻳﻤﺔ‪.‬اﺳﻤﻊﻧﺼﻴﺤﺘﻲ‬ ‫)‪(2‬‬ ‫ﻟﻤﻜﺎن آﻣﻦ‪.‬‬ ‫وﺧﺬه ﺑﺴﺮﻋﺔ ٍ‬

‫‪57‬‬

‫ﺣﻘ ًﺎ !‬ ‫ﻟﻘﺪﻣﺎﺗﺖ‬ ‫ﻣﺆﺧﺮًا ‪.‬‬


‫(‪ .)1‬سفر محمد مع عمه أيب طالب إىل الشام‪:‬‬

‫‪« l‬ملا تهيأ يعني أبا طالب للرحيل ضبث به رسول الله ﷺ فرق له أبو طالب وقال‪ :‬والله ألخرج ّن به معي وال يفارقني وال أفارقه أبدا‪ ...‬ويف رواية أنه‬ ‫ﷺ مسك بزمام ناقة أيب طالب‪ ،‬وقال‪ :‬يا عم إىل من تكلني؟ ال أب يل وال أم‪ .‬وكان سنه ﷺ تسع سنني عىل الراجح‪ .‬وقيل اثنتي عرشة سنة وشهرين‬ ‫وعرشة أيام‪...‬وذكر أنه ملا سار به أردفه خلفه فنزلوا عىل صاحب دير‪ ،‬فقال صاحب الدير ما هذا الغالم منك؟ قال ابني‪ ،‬قال‪ :‬ما هو بابنك‪ ،‬وما ينبغي أن‬ ‫يكون له أب حي هذا نبي‪ :‬أي ألن من كانت هذه الصفة صفته فهو نبي‪ :‬أي النبي املنتظر»‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب ذكر سفره ﷺ مع عمه أيب طالب إىل الشام‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)171‬‬

‫(‪ .)2‬قصة محمد مع بحريى الراهب أثناء رحلته وعمه إىل الشام‪:‬‬

‫‪« l‬فلام نزل الركب برصى وبها راهب يقال له بحريى‪ ...‬وحينئذ يكون بحريى لقبه يف صومعة له‪ ...‬أي ألن تلك الصومعة كانت تكون ملن ينتهي إليه علم‬ ‫النرصانية‪ ،‬يتوارثونها كابرا عن كابر‪ ..‬ويف تلك املدة انتهى علم النرصانية إىل بحريى‪...‬وكانت قريش كثريا ما متر عىل بحريى فال يكلمهم حتى كان ذلك العام‬ ‫ظل شجرة نظر إىل‬ ‫صنع لهم طعاما كثريا‪ ،‬وقد كان رأى وهو بصومعته رسول الله ﷺ يف الركب حني أقبلوا وغاممة تظله من بني القوم‪ ،‬ثم ملا نزلوا يف ّ‬ ‫الغاممة قد أظلت الشجرة وتهرصت‪ :‬أي مالت أغصان الشجرة عىل رسول الله ﷺ ويف رواية وأخضلت‪ :‬أي كرثت أغصان الشجرة عىل رسول الله ﷺ‬ ‫استظل تحتها أي وقد كان ﷺ وجدهم سبقوه إىل يفء الشجرة‪ ،‬فلام جلس ﷺ مال يفء الشجرة عليه‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫حني‬ ‫ثم أرسل إليهم‪ :‬إين قد صنعت لكم طعاما يا معرش قريش‪ ،‬وأحب أن تحرضوا كلكم صغريكم وكبريكم وعبدكم وحركم‪ ،‬فقال له رجل منهم‪ :‬يا بحريى‬ ‫إن لك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا بنا وكنا منر عليك كثريا فام شأنك اليوم؟ فقال له بحريى صدقت‪ ،‬قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت أن‬ ‫أكرمكم وأصنع لكم طعاما فتأكلون منه كلكم فاجتمعوا إليه وتخلف ﷺ من بني القوم لحداثة سنه يف رجال القوم‪...‬‬ ‫فلام نظر بحريى يف القوم ومل ير الصفة‪ :‬أي مل ير يف أحد منهم الصفة التي هي عالمة للنبي املبعوث آخر الزمان التي يجدها عنده‪ :‬أي ومل ير الغاممة‬ ‫عىل أحد من القوم‪ ،‬ورآها متخلفة عىل رأس رسول الله ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا معرش قريش ال يتخلف أحد منكم عن طعامي‪ .‬فقالوا‪ :‬يا بحريى ما تخلف عن‬ ‫طعامك أحد ينبغي له أن يأتيك إال غالم وهو أحدث القوم سنا‪ .‬قال‪ :‬ال تفعلوا‪ ،‬ادعوه فليحرض هذا الغالم معكم أي وقال‪ :‬فام أقبح أن تحرضوا ويتخلف‬ ‫رجل واحد مع أين أراه من أنفسكم‪...‬‬ ‫فقال القوم‪ :‬هو والله أوسطنا نسبا‪ ،‬وهو ابن أخي هذا الرجل‪ ،‬يعنون أبا طالب‪ ،‬وهو من ولد عبد املطلب‪ ،‬فقال رجل من قريش‪ :‬والالت والعزى إن‬ ‫كان للؤما بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد املطلب عن طعام من بيننا‪ ،‬ثم قام إليه فاحتضنه‪ :‬أي وجاء به وأجلسه مع القوم‪ :‬أي وذلك الرجل هو‬ ‫عمه الحارث بن عبد املطلب‪...‬‬ ‫وملا سار به من احتضنه مل تزل الغاممة تسري عىل رأسه ﷺ‪ ،‬فلام رآه بحريى جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إىل أشياء من جسده قد كان يجدها‬ ‫عنده من صفته ﷺ‪ ،‬حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه ﷺ بحريى‪ ،‬فقال له‪ :‬أسألك بحق الالت والعزى إال ما أخربتني عام أسألك عنه‪،‬‬ ‫فقال له‪ :‬رسول الله ﷺ‪ :‬ال تسألني بالالت والعزى شيئا‪ ،‬فو الله ما أبغض شيئا قط بغضهام‪ ،‬فقال بحريى‪ :‬فبالله إال ما أخربتني عام أسألك عنه‪ ،‬فقال‬ ‫له سلني عام بدا لك‪.‬‬ ‫فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره ويخربه رسول الله ﷺ‪ ،‬فيوافق ذلك ما عند بحريا من صفته‪ :‬أي صفة النبي املبعوث آخر‬ ‫الزمان التي عنده‪ :‬أي ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة عىل الصفة التي عنده فقبل موضع الخاتم‪...‬‬ ‫فلام فرغ أقبل عىل عمه أيب طالب‪ ،‬فقال له‪ :‬ما هذا الغالم منك؟ قال ابني‪ ،‬قال‪ :‬ما هو ابنك وما ينبغي لهذا الغالم أن يكون أبوه حيا‪ ،‬قال‪ :‬فإنه ابن أخي‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فام فعل أبوه؟ قال مات وأمه حبىل به‪ ،‬قال صدقت‪ :‬أي ثم قال ما فعلت أمه؟ قال‪ :‬توفيت قريبا‪ ،‬قال صدقت‪ ،‬فارجع بابن أخيك إىل بالده واحذر‬ ‫عليه اليهود‪ ،‬فو الله لنئ رأوه وعرفوا منه ما عرفت لتبغينه رشا فإنه كائن البن أخيك هذا شأن عظيم أي نجده يف كتبنا ورويناه عن آبائنا‪ .‬واعلم أين قد‬ ‫أديت إليك النصيحة فارسع به إىل بلده‪»...‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب ذكر سفره ﷺ مع عمه أيب طالب إىل الشام‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)173-174‬‬

‫‪58‬‬


59


‫رواية‬ ‫سقوط اإلله‬

‫‪Noha Selem‬‬

‫أنهيـت هـذه الروايـة القصيـرة‬ ‫العـام الماضـي‪ ،‬وكنـت قـد‬ ‫نشرتها في صفحتي على‬ ‫الفيسـبوك وبعـض المجموعات‬ ‫المتفاعلـة معها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أحداثـا لـم يسـبق‬ ‫خضـت فيهـا‬ ‫ألحـد مـن العالميـن أن خاضهـا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أحـداث غ ّيـرت تاريـخ البشـرية‬ ‫لألبـد‪.‬‬ ‫أترككـم مـع روايتـي األولـى‬ ‫«سـقوط اإللـه»‬

‫‪60‬‬


‫سقوط اإلله‬ ‫‪Noha Selem‬‬

‫الفصل الرابع ‪ -‬عودة‬ ‫الوعي‬ ‫ال أستطيع أن أتذكر بوضو ٍح ماذا‬ ‫حدث بعد أن فقدت وعيي نتيجة‬ ‫الكأس التي تناولتها من حوض‬ ‫الشفاعة‪ ،‬فكل ذاكريت مشوش ٌة بعد‬ ‫هذه اللحظة‪ ،‬فقط أحداثٌ رسيع ٌة‬ ‫متر أمام مخيلتي‪ ،‬كأنني أنازع‬ ‫ني‬ ‫املوت ورشيط حيايت مير أمام َعيْ َّ‬ ‫رسي ًعا قبل ّأل يبقى يف العروق‬ ‫قلب كان ينبض‪.‬‬ ‫بقايا ٍ‬ ‫فهاأنذا أتذكر أول ليل ٍة قضيتها يف الجنة‪ ،‬أتذكرها كأنني عشتها باألمس‪ ،‬أتذكر أول مر ٍة اختليت بالوحش املوجود يف‬ ‫وقعت بني أسنان ضبعٍ مفرتس‪ ،‬فلم يرتكها إال جث ًة هامد ًة ال‬ ‫يل كفريس ٍة ضعيف ٍة‬ ‫الغرفة املجاورة‪ ،‬أتذكر كيف ّ‬ ‫ْ‬ ‫انقض ع ّ‬ ‫نابضا بني عروقها‪.‬‬ ‫روح فيها وال قل ًبا ً‬ ‫أتذكر كم مر ًة آذاين وأخذين رغم إراديت‪ ،‬وأتعجب أين مل أكن أقاومه ومل أكن أشعر بأي يش ٍء لحظتها‪ ،‬أتذكر كم مر ًة‬ ‫خانني مع الحوريات‪ ،‬وأنه مل يرتك حوري ًة إال وفتك بها‪ ،‬حتى حوريات الخدمة الخاصة يب مل يسلمن من شهوانيته‪،‬‬ ‫بنهم فقط ال غري‪.‬‬ ‫إنه عبار ٌة عن آل ٍة للجنس‪ ،‬ال هدف لها من الوجود إال الجنس‪ ،‬الجنس واألكل ٍ‬ ‫أشعر بالغثيان والقرف والغضب وأنا أتذكر كل هذا‪ ،‬وأخذت أبيك بحرق ٍة كأن هذا حدث منذ لحظات‪.‬‬ ‫لكن ما الذي حدث‪ ،‬وملاذا أشعر بهذا اآلن فقط‪ ،‬ال أدري‪ ،‬ال زلت ال أستطيع أن أتذكر‪ ،‬ال زلت سائر ًة يف طريقي إىل‬ ‫جِوار نهر الخمر منذ أن خرجت من القرص صبا ًحا‪ ،‬وقد تالشت متا ًما حالة االنبهار التي شعرت بها أول وهل ٍة عندما‬ ‫خرجت‪.‬‬ ‫كفيلم سيناميئ شاهدته ماليني املرات‪.‬‬ ‫نعم إن املكان يبدو كمنظ ٍر ساح ٍر خالب‪ ،‬لكنه يبدو‬ ‫ٍ‬ ‫‪61‬‬


‫سقوط اإلله‬ ‫‪Noha Selem‬‬ ‫وممل هنا‪ ،‬كل يش ٍء بار ٍد وخا ٍو من أي مع ًنى من معاين الحياة‪.‬‬ ‫كل يش ٍء يبدو متشاب ًها ومكر ًرا ًّ‬ ‫إن مل تكن هذه برودة املوت فكيف تكون برودة املوت إذن؟‬ ‫وماذا يفعل كل هؤالء الناس هنا‪.‬‬ ‫أنا ال أجد إال قصو ًرا ِ‬ ‫وخيَ ًم مليئ ًة بالغواين وكؤوس الخمر والطعام‪.‬‬ ‫أهذه جنة الخلد التي وعدنا بها الله بعد أن سلب منا دنيانا الجميلة‪.‬‬ ‫آه كم أفتقدك يا دنياي البسيطة‪ ،‬كم أفتقدك بكل تفاصيلك الصغرية التي كانت تنبض بالحياة‪.‬‬ ‫كم افتقدك يا بائع الخبز الط ّيب الذي كانت ضحكته الصافية متأل يومي سعاد ًة وبهج ًة‪.‬‬ ‫كم افتقدك يا ركني الهادئ الجميل يف رشفة بيتنا املتواضع النابض بالحياة‪.‬‬ ‫وهيام‪.‬‬ ‫حب‬ ‫كم افتقدك يا كوب قهويت وأنت تبث الدفء يف ثنايا روحي‪ ،‬وقلمي يغازل أوراق مذكرايت يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كم أفتقد صوت حبات املطر يف شتا ٍء دافئ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خريف بائس‪.‬‬ ‫كم أفتقد النسيم العليل وهو يداعب أوراق الشجر بعد‬ ‫كم أحنو إىل َح َّب ِ‬ ‫قدمي وموج البحر يراقصنا تحت ضوء قم ٍر ساحر‪.‬‬ ‫ات َر ْملٍ كانت ت ُدا ِع ُب‬ ‫ّ‬ ‫وأنت يا كتايب‪ ،‬أين أنت‪ ،‬كيف سلبوك مني‪ ،‬وقد كنت لك ليىل التي تغ ّنى بها كل عاشق‪.‬‬ ‫كم أفتقد ملسة حنانك يا أمي‪ ،‬وكم أفتقد أمان حضنك يا أيب‪ ،‬كم أفتقد نفيس وأنا أرمتي بني ذراعيكام وأنتم تق ّبلونني‬ ‫عىل جبيني بكل ُح ٍب وحنان‪ ،‬كم أفتقد ملسة حبيبي التي كانت تنسيني الدنيا وما فيها‪ ،‬كم أفتقد ضحكة عينيه‬ ‫الساحرة وهو يراين طفلته املدللة التي ترتاقص بني يديه يف رق ٍة ودالل‪.‬‬ ‫أنت يا أمي‪ ،‬أين ِ‬ ‫أين أنت يا أيب‪ ،‬أين ِ‬ ‫أنت يا دنيتي الجميلة‪،‬‬ ‫فال جن ًة إال ِ‬ ‫أنت‪ ،‬وال سعاد ًة إال بني ث َناياك‪.‬‬ ‫أين كل هذا الدفء من هذه الربودة املوحشة املوجودة هنا‪.‬‬ ‫هل هذا هو مفهوم الله عن النعيم‪ ،‬أَك ٌْل و ِج ْن ٌس ولَ ِع ٌب ولهو‪.‬‬ ‫إذا كان ال يعلم من َخلَق‪ ،‬فمن ذا الذي يعلم ما َخل َْق‪.‬‬ ‫وبينام أنا هامئ ٌة يف طريقي عىل هذه الحالة‪ ،‬ملحت ظله‪.‬‬ ‫أخريا أتيت‪ ،‬نطقتها وقد تهلّلت أساريري وأنا أرى ماليك‬ ‫الحارس ٍ‬ ‫آت من بعيد‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫سقوط اإلله‬ ‫‪Noha Selem‬‬ ‫نُهى‪ ،‬كيف خرجت إىل هنا‪ ،‬ما الذي حدث؟‬ ‫سألني وعالمات الدهشة ما زالت تكسو وجهه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وذكريات مررت بها‪.‬‬ ‫أحداث‬ ‫وأخذت أحيك له كل يش ٍء منذ أن استيقظت صبا ًحا حتى هذه اللحظة‪ ،‬وما تذكرته من‬ ‫ حس ًنا‪ ،‬يبدو أن مرشوب حوض الشفاعة انتهى مفعوله‪ ،‬أو يبدو ِ‬‫أنك ِ‬ ‫أكلت الثمرة التي قطفتيها من شجرة املعرفة‪.‬‬ ‫ شجرة املعرفة! أجبته متعجب ًة وأنا أحاول أن أعرص عقيل ألتذكر شيئًا‪.‬‬‫ أال تذكرينها‪ ،‬لقد كان هذا فجر اليوم‪ ،‬أجابني مندهشً ا‪.‬‬‫ ال أتذكر أي يشء‪ ،‬ص ّدقني‪.‬‬‫ حس ًنا‪ ،‬أعتقد أن هذا سيأخذ بعض الوقت‪ ،‬ارشيب من هذه الكأس وستساعدك عىل تذكّر كل يشء‪.‬‬‫ ال لن أفعل‪ ،‬لقد غششتني من قبل وأسقيتني من هذا الحوض امللعون‪ ،‬لقد خنتني وقد وثقت بك‪.‬‬‫ِ‬ ‫ساعدتك حتى تعودي كام ِ‬ ‫كنت عندما حانت يل الفرصة‪،‬‬ ‫ ال مل يحدث يا أمرييت‪ ،‬لقد اضطررت أن أفعل هذا‪ ،‬وقد‬‫لقد كنت أتأمل وأموت يف اليوم آالف امل ّرات وأنا أر ِ‬ ‫اك ُم َس َّ َي ًة ال تدركني ما يُ ْف َعل بك‪.‬‬ ‫كم كنت أقيض الليايل باك ًيا متأملًا وأنا أشاهدك عىل هذه الحالة وال توجد حيل ٌة بيدي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لكنك بالتأكيد ستتذكرين كل يش ٍء قريبًا‪ ،‬أعتقد أنها مسألة ٍ‬ ‫وقت ليس أكرث‪ ،‬وعندها ستعرفني أين كنت دامئًا مالكك‬ ‫املخلص ومل أخنك أب ًدا‪.‬‬ ‫ويف ثوانٍ معدود ٍة بنى يل ماليك الحارس خيم ًة جميل ًة مليئ ًة بالورد والعنرب‪.‬‬ ‫قليل أمرييت‪ ،‬جسمك يحتاج إىل الراحة اآلن‪ ،‬فقد دبّت فيه الحياة مر ًة أخرى‪ ،‬والنوم سيعيد لك نشاطك‬ ‫نامي هنا ً‬ ‫وذاكرتك مر ًة أخرى‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫سقوط اإلله‬ ‫‪Noha Selem‬‬ ‫ حس ًنا‪ ،‬لكن أريدك أن تبقى بجواري وال ترتكني م ّر ًة أخرى‪ ،‬قلتها وقد علت وجهي ابتسامتي الساحرة التي طاملا‬‫أرست بها قلوب كل من عرفني‪.‬‬ ‫ بالقطع أمرييت‪ ،‬وهل يل أمري ٌة سواك‪ ،‬قالها ماليك وعالمات العشق بادي ٌة يف كل نظر ٍة يرمقني بها‪.‬‬‫ومنت كام مل أنم من قبل‪ ،‬ال أعلم كم من الوقت ظللت نامئ ًة‪ ،‬لكني أحسست بالحياة تدب يف كل ذر ٍة من جسمي‬ ‫وأنا مسرتخي ٌة يف رسيري املخميل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتبسمت يف دال ٍل فور استيقاظي وأنا أرى ماليك الحارس يرفرف من حويل‪ ،‬يحرسني يف صدقٍ‬ ‫وإخالص ال مثيل لهام‪.‬‬ ‫ اآلن أتذكر كل يشء‪ ،‬يا لها من سنني طويل ٍة مررت بها‪ ،‬ويا لها من مغامر ٍة مل أظن يو ًما أين سأنجح يف اجتيازها‪.‬‬‫فام الذي حدث؟ هذا ما ستعرفونه يف الجزء القادم‬

‫الفصل الخامس ‪ -‬يو ٌم قبل عودة الوعي‬ ‫طوال هذه املدة التي قضيتها يف الجنة‪ ،‬كان ماليك الحارس يحاول أن يُكفِّر عن خطئه يف حقي عندما سقاين رشاب‬ ‫محمد‪ ،‬فرسق قنين ًة صغري ًة من ماء الحياة من املخازن اإللهية‪ ،‬وأخذ يسقيني منها قطر ٍ‬ ‫ات صغري ًة من آنٍ آلخر‪ ،‬حتى‬ ‫فتضح أمري وأمره فنذهب نسيًا منسيًا‪.‬‬ ‫يل‪ ،‬أو يُ َ‬ ‫يتجنب أي تأثريٍ ضا ٍر ع ّ‬ ‫ويبدو أ ّن هذه القطرات أتت مبفعولها‪ ،‬فبدأت مع مرور الوقت أستعيد بعض القدرة عىل التفكري املستقل‪،‬‬ ‫واستيقظت يف داخيل بعض عالمات الحياة من جديد‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫كنت ال زلت ال أعلم من أنا‪ ،‬وملاذا أتيت إىل هنا‪ ،‬لكني بدأت أُدرِك بعض األشياء حويل التي مل أكن أشعر بها من قبل‪،‬‬ ‫مثل الوقت وامللل وحب املعرفة والتفكري وغريها من األشياء التي نُز َعت من أهل الجنة‪.‬‬ ‫وبدأ يدرك ماليك التحوالت التي حدثت يل‪ ،‬فلم يرتكني نهب ًة للفراغ أو الضياع‪ ،‬فجلس يسامرين ويسليني كلام سنحت‬ ‫ٍ‬ ‫أحداث بعد أن خلقه الله‪.‬‬ ‫عم يحدث خارج الجنة‪ ،‬وعن خلق اإلنسان واألرض وما عارصه من‬ ‫له فرص ًة‪ ،‬يحيك يل ّ‬ ‫‪64‬‬


‫سقوط اإلله‬ ‫‪Noha Selem‬‬ ‫حكاياتٌ مل أكن أفهم منها الكثري‪ ،‬لكنها كانت ت ُ َو ِّسع مداريك وتفتح يل آفاقًا جديد ًة من املعرفة‪ ،‬كطفل ٍة صغري ٍة تركت‬ ‫للتو لعبتها‪ ،‬وبدأت تخطو أوىل خطواتها يف الحياة‪ ،‬حتى جاء يو ٌم وسألته‪ :‬وماذا كان قبل أن يَ ْخلُق َُك الله؟‬ ‫ ال أعلم‪ .‬أجابني وعالمات الدهشة تبدو عىل وجهه‪.‬‬‫ وملاذا ال تعرف؟ ومن الذي يعرف؟‬‫ الله وحده يعلم كل يشء‪ ،‬أجابني بثق ٍة وعالمات البالهة تبدو عىل وجهه‪.‬‬‫أيضا كل يشء؟»‬ ‫ «هل هناك ٌ‬‫سبيل لنعرف نحن ً‬ ‫سألته برباء ٍة والفضول يكاد يقتلني‪.‬‬ ‫ نعم هناك سبيل‪ ،‬لكن ال أحد يستطيع الوصول اليه‪.‬‬‫ وما هو‪ ،‬أخربين إذن‪.‬‬‫ إنها شجرة املعرفة يا أمرييت‪.‬‬‫ «شجرة املعرفة!» أجبته مندهش ًة‪« .‬وما هي شجرة املعرفة هذه؟ وكيف ميكن الوصول إليها؟»‬‫ ال أعلم تحدي ًدا يا أمرييت‪ ،‬كل ما أعرفه عنها هو بعض األساطري التي تتناثر هنا أو هناك‪.‬‬‫عيني‪.‬‬ ‫ احيك يل عنها يا ماليك‪ ،‬قلتها وقد جلست مرتبع ًة ونظرات الشوق والفضول تطل من ّ‬‫قائل‪ :‬حس ًنا‪ ،‬أعرف أنك لن ترتكيني حتى تعريف كل ما تريدين‪.‬‬ ‫نظر ا ّيل املالك نظر ًة حاني ًة‪ ،‬ثم تنهد ً‬ ‫أومأت برأيس يف حرك ٍة طفولي ٍة ضاحك ٍة‪ :‬نعم‪ ،‬أنت تعرفني‪.‬‬ ‫ حس ًنا حس ًنا‪ ،‬سأخربك عنها‪،‬‬‫‪65‬‬


‫سقوط اإلله‬ ‫‪Noha Selem‬‬ ‫ إن شجرة املعرفة هي كربى محرمات السامء‪ ،‬غري مسمو ٍح لنا حتى بذكر اسمها؛ يقال إن هذه الشجرة موجود ٌة يف‬‫املنطقة املح ّرمة بعد سدرة املنتهى‪ ،‬هناك كان يعيش الله قبل أن يخلق الكون والجنة والنار‪ ،‬هي أصل الحياة ومنبع‬ ‫الفكر ومنتهى املعرفة‪َ ،‬من أكل من مثارها‪ ،‬نازع اآللهة ملكوتهم‪ ،‬وعرف رس أرسار الكون والحياة‪.‬‬ ‫ إذن هذه هي من جعلت الله إل ًها‪ ،‬قاطعته متسائل ًة‪.‬‬‫ ال أعلم يا أمرييت‪ ،‬فهذه أرسا ٌر مل يُطْلِع الله عليها كائ ًنا من كان‪ ،‬هي رس األرسار الذي ال يبوح به الله أب ًدا‪،‬‬‫وقد أحاطها بحامي ٍة ال مثيل لها‪ ،‬فهي معزول ٌة يف املنطقة املحرمة ومحاط ٌة بأهوا ٍل ال ِقبل لكائنٍ بتجاوزها‪ ،‬وال يستطيع‬ ‫أن يصل إليها إال هو‪.‬‬ ‫عيني‪ ،‬وأَخذتْ الكثري من األفكار تراود رأيس‪ ،‬وأخذت أتساءل أكرث‪ ،‬ملاذا أحاط الله هذه الشجرة‬ ‫وملَع الفضول يف ّ‬ ‫عظيم‪ ،‬شيئًا حتى الله نفسه ال يقدر عليه‪ ،‬ولكن كيف أعرف‪ ،‬كاد‬ ‫بكل هذه الرسية والغموض‪ ،‬ال شك أن فيها شيئًا‬ ‫ً‬ ‫الفضول أن يقتلني‪ ،‬ففكرة الشجرة رسعان ما سيطرت عىل كل كياين‪ ،‬حتى أين مل أعد مدرك ًة ألي يش ٍء آخر غريها‪،‬‬ ‫وأخذت أتجول يف أرجاء الغرفة تائه ًة‪ ،‬وبعد بره ٍة من الوقت‪ ،‬قطعت الصمت الذي مأل املكان‪:‬‬ ‫ وكيف نصل إليها يا ماليك‪ ،‬فكِّر معي ما هي؟‬‫ أجابني املالك وعالمات الهلع بادي ٌة عىل وجهه‪ ،‬شجرة املعرفة‪.‬؟؟!‬‫ وماذا غريها‪ ،‬أجبته وأنا مستاء ٌة من سؤاله‪ ،‬ويبدو أن املالك أدرك خطأه بذكر هذه الشجرة أمامي‪.‬‬‫يل وعالمات الرصامة بادي ٌة عىل وجهه‪ :‬لن تسطيعي أمرييت‪ ،‬لقد خاطرت مخاطر ًة كبري ًة وأسقيتك من ماء الحياة‪،‬‬ ‫فرد ع ّ‬ ‫وإن انكشف أمري‪ ،‬فلن يكتفي الله بإرسايل إىل كبري املالئكة ملعاقبتي هذه املرة‪ ،‬بل سريسلني إىل س ّجني‪ ،‬وهي أقىس‬ ‫منطق ٍة يف النار حيث يعيش الشيطان وأبو لهب وكبار املالحدة وغريهم من أشد الناس عداو ًة لله‪ ،‬وفيها ٌ‬ ‫أهوال مجرد‬ ‫عذاب ليس بعده عذاب‪.‬‬ ‫التفكري بها هي ٌ‬ ‫ ال تخف يا ماليك‪ ،‬أمل أحمك من الله من قبل‪ ،‬ال ميكن ٍ‬‫ألحد أن يؤذيك وأنت معي‪.‬‬ ‫مل أكن هذه املرة واثق ًة متا ًما مام أقول‪ ،‬بل إنني مل أفهم أغلب ما قاله املالك املسكني‪ ،‬الكلامت التي ذكرها تبدو‬ ‫مألوف ًة يل‪ ،‬لكني ال أدرك معناها اآلن‪ ،‬ماذا يعني العذاب والنار وس ّجني وهذه األشياء يا ترى!‬ ‫‪66‬‬


‫سقوط اإلله‬ ‫‪Noha Selem‬‬ ‫لكن رغبتي يف الوصول إىل الشجرة كانت أكرب من أي يش ٍء آخر‪ .‬من املؤكد أن هذه الشجرة فيها خ ٌري كب ٌري لنا‪ ،‬لهذا‬ ‫حجبها الله عنا ووضع كل هذه الحراسة املش ّددة عليها‪ ،‬لكن كيف ت َِصيل إليها يا نهى‪ ،‬كيف!‬ ‫وبينام أنا أفكر‪ ،‬بدأت أداعب بيدي القالدة املوضوعة عىل عنقي‪ ،‬ومضت عدة دقائق وأنا عىل هذه الحال‪ ،‬حتى‬ ‫ملعت يف عيني فجأ ًة فكر ٌة مجنونة‪ .‬ونظرت إىل املالك وأنا أشعر بالحامسة الشديدة‬ ‫ القالدة‪ ،‬القالدة هي الحل يا ماليك الجميل‪ .‬قلتها وأنا أمسك به وأتراقص بني يديه يف براء ٍة طفولية‪.‬‬‫ روي ًدا روي ًدا أمرييت‪ ،‬نعم إن القالدة تتيح لنا سلك املسارات الخاصة‪ ،‬وتتيح لنا عبور كل نقاط التفتيش دون أن يرانا‬‫أحد‪ ،‬لكني ال أعلم إن كانت ستعمل يف املنطقة املح ّرمة أم ال‪.‬‬ ‫وبريق التحدي ال زال‬ ‫ ال يهم‪ ،‬سأخاطر‪ ،‬أنت تعلم أنني عندما أريد الحصول عىل يش ٍء يجب أن أحصل عليه‪ ،‬قلتها‬‫ُ‬ ‫يلمع يف عيني‪.‬‬ ‫ لكن يا أمرييت‪..‬‬‫ ال يوجد لكن‪ ،‬استدعي البساط‪ ،‬سنذهب اآلن‪،‬‬‫رصةً‪.‬‬ ‫قلتها بلهج ٍة آمر ٍة مل ميلك معها املالك إال االستسالم لرغبتي‪ ،‬فهو يعلم أنه لن ميلك من أمره شيئًا ما دمت ُم ّ‬ ‫وما هي إال لحظاتٌ حتى انطلقت مع ماليك الحارس عىل البساط السحري خارج الجنة‪.‬‬ ‫وقد أحسن الله عمله هذه املرة‪ ،‬فالقالدة تعمل بكفاء ٍة عالية‪ ،‬وها نحن نعرب من كل مكانٍ دون أن يرانا أحد‪ ،‬ومررنا‬ ‫بأماكن يشيب من هولها الولدان‪ ،‬ال أظنني كنت حتى سأفكر يف عبورها وأنا يف كامل وعيي؛ يبدو أن الله أخطأ أكرب‬ ‫أخطاءه عندما نزع عني الشعور مبا يف ذلك الشعور بالخوف‪ ،‬وترك يف يدي هذه القالدة السحرية‪ ،‬فمن بحر الظلامت‬ ‫إىل الغابة املسحورة إىل وديان الجحيم إىل ممرات املوت إىل رمال الهالك‪،‬‬ ‫ومل يكن هذا مجرد بح ٍر أو وا ٍد كام كنا نعهدها يف الدنيا‪ ،‬بل إن بعضها أكرب من بعض مجرات الكون الذي كنا نعيش‬ ‫فيه‪ ،‬وأخريا وصلنا إىل شجرة املعرفة‪ ،‬وها أنا ذا أراها يف األفق كنو ٍر ساطع‪ ،‬أو كنجم ٍة فاتن ٍة تتوسط ظالم صحراء قاحل ٍة‬ ‫أهلكها القحط والجدب‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫سقوط اإلله‬ ‫‪Noha Selem‬‬ ‫والغريب أنه ال توجد أي حراس ٍة هنا‪ ،‬فيبدو أن الله مل يأمن حتى الحراس عىل هذه الشجرة‪ ،‬واكتفى باألهوال التي‬ ‫وضعها يف طريق الوصول إليها‪ ،‬ومل يظن يو ًما أن هناك كائ ًنا ما قاد ٌر عىل اخرتاق هذه األهوال‪.‬‬ ‫مبتهل يف نسك هذا الجامل‪.‬‬ ‫هل أنا أحلم‪ ،‬بالتأكيد لست أحلم‪ ،‬فلو كان الحلم حيًا لسجد خاش ًعا ً‬ ‫وبدأت أتردد‪ ،‬هل أخطو خطو ًة أخرى‪ ،‬أم أبقى يف مكاين‪ ،‬ماذا دهاين‪ ،‬هل يُعقَل أن أقف اآلن‪،‬‬ ‫طويل‪ ،‬فقد وجدت نفيس يف طريقي إىل الشجرة‪ ،‬بال إراد ٍة أو مقاومة‪ ،‬ال أعرف إن كنت سائر ًة أم‬ ‫يطل انتظاري ً‬ ‫ومل ْ‬ ‫سيةً‪ ،‬هل أنا من تدنو إىل الشجرة‪ ،‬أم أن الشجرة هي من تدنيني إليها‪ ،‬قدماي ال تالمس األرض‪ ،‬وروحي تحلق يف‬ ‫ُم ّ‬ ‫عنان السامء وكأنها هي من تحملني إليها‪ ،‬وكأنها قد انتظرتني هنا ده ًرا‪ ،‬وتقول يل ِ‬ ‫كفاك تع ًبا وشقا ًء‪ ،‬اتريك نفسك يل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رفق وحنان‪ ،‬أملس كل عرقٍ من عروقها‪ ،‬وأمأل روحي من‬ ‫فأنت مليك اآلن‪ ،‬وما إن دنوت منها حتى بدأت أتحسسها يف ٍ‬ ‫عطر شذاها األ ّخاذ‪،‬‬ ‫وكأن كنت دامئًا وأب ًدا هنا‪،‬‬ ‫وأحسست بها تناديني‪ ،‬تخاطبني‪ ،‬كأنها أمي التي ُولِ ْدت من َر َح ِمها وعشت بني أحشائها‪ّ ،‬‬ ‫قبل الزمان واملكان‪ ،‬ثم نظرت خلفي‪ ،‬ألجد غص ًنا ساح ًرا ينحني أمامي كأمريٍ‬ ‫عاشق ميد يده إىل أمريته‪ ،‬لرياقصها يف سح ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫جميل صافيًا‪ ،‬كرتنيم ٍة ساحر ٍة من أنغام أهل السامء‪ ،‬تبعث الدفء يف النفس‪ ،‬ومتأل الروح‬ ‫وخيالء‪ ،‬وأطلقت الشجرة لح ًنا ً‬ ‫رشق ودالل‪ ،‬رقص ًة أحسست فيها أنني اليوم أمرية الكون و ُحلْ َوتُه و ُم ْنت َهى ُم ْبتَغاه‪ ،‬اآلن فقط‬ ‫بهج ًة وهنا ًء‪ ،‬وتراقصنا يف ٍ‬ ‫علمت ما يف الرقص من ِس ْحر‪ ،‬من طُ ْهر‪ ،‬من َسنا‪ ،‬من نقاء‪ ،‬اآلن فقط علمت أين الخري يَ ْك ُمن‪ ،‬وما هي روعة الحياة‪.‬‬ ‫وحملني الغصن بحنانٍ إىل أعىل الشجرة‪ ،‬ألجد فاكه ًة مضيئ ًة‪ ،‬ترتاقص يف وداع ٍة وجامل‪ ،‬كأنها تدعوين إليها‪ ،‬وتتسابق‬ ‫أرضا‬ ‫لتنال رضاي لتظرف برشف االنتقاء‪ ،‬ومددت يدي وقطفت إحداها‪ ،‬وما أن قضمت أول قطع ٍة منها‪ ،‬حتى‬ ‫سقطت ً‬ ‫ُ‬ ‫غائب ًة عن الوعي‬

‫الفصل السادس ‪ -‬كلية املعرفة‬ ‫هل اإلنسان مجرد خطأٍ ارتكبه الله‪،‬‬ ‫أم الله مجرد خطأٍ ارتكبه اإلنسان‪.‬‬ ‫(نيتشه)‬ ‫…‪.‬‬ ‫ال زلت مستلقي ًة عىل رسيري املخميل يف الخيمة التي نصبها يل ماليك‬ ‫الحارس عىل أطراف الجنة‪ ،‬وال زلت اسرتجع ذكريات مغامرة األمس‬ ‫‪68‬‬


‫سقوط اإلله‬ ‫‪Noha Selem‬‬ ‫وما فعلته مع ماليك الحارس عند شجرة املعرفة‪ ،‬وابتسمت ابتسامة املنترصة‪ ،‬وشعرت بالفرح والزهو ملا قمت به‪،‬‬ ‫وبدأت أدرك ملاذا مل أتذكر هذا عندما خرجت من القرص صبا ًحا‪ ،‬فيبدو أن تأثري فاكهة شجرة املعرفة أخذ بعض الوقت‬ ‫ليكتمل‪ ،‬لذلك كانت تعود يل ذاكريت بالتدريج‪ ،‬وحس ًنا فعل املالك عندما بنى يل هذه الخيمة‪ ،‬حتى ال يشعر أح ٌد من‬ ‫مريب عندما يراين خارج املنطقة املحددة يل هناك‪ ،‬فيخرب الله بهذا األمر الجلل‪ ،‬اآلن بدأت أدرك‬ ‫مالئكة الجنة بأي أم ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫غي مصريي وملاذا أدخلني‬ ‫كل يشء‪ ،‬ويبدو أنني أصبحت كُلّ َي ْة املعرفة‪ ،‬اآلن أدركت ملاذا أعطاين الله هذه القالدة‪ ،‬وملاذا ّ‬ ‫الجنة‪ ،‬لقد أحبني الله‪ ،‬لقد عشقني منذ كنت طفل ًة ألعب معه يف حديقتي الجميلة‪ ،‬مل تكن هذه أحالم طفلة‪ ،‬ومل تكن‬ ‫هذه خياالت طفل ٍة حامل ٍة تخيلت نفسها تلعب مع اإلله الجميل‪.‬‬ ‫لقد كان الله بذاته‪ ،‬هو بنفسه من كان يعلب معي‪ ،‬هو من كان يشملني برعايته‪،‬‬ ‫ال لقد عشقني الله منذ صغري‪ ،‬ورأى يف طفولتي أحالمه التي حرم نفسه منها‪،‬‬ ‫جميل رقيق‪،‬‬ ‫لقد كانت كلاميت صادق ًة عندما قلت ربنا الجميل (بتاعي)‪ ،‬إنه كائ ٌن ٌ‬ ‫يحب اإلنسان بجنون‪ ،‬و َعشقني مبا يفوق هذا الجنون‪ ،‬لكنه َم ّر بالكثري من التجارب‬ ‫القاسية مع اإلنسان‪ ،‬وهي ما أوصلتنا إىل ما نحن فيه‪ ،‬فمنذ أن تح ّدى مالئكته‬ ‫كامل ميأل حياته بالبهجة‬ ‫وخلق آدم عىل صورته‪ ،‬وتخيل أنه سيكون كائ ًنا نوران ًيا ً‬ ‫والرسور‪ ،‬فإذا بآدم يخذله ويأكل من شجرة الحياة‪ ،‬ليصبح قاد ًرا عىل التفكري‬ ‫املستقل‪ ،‬ممتلئًا بنشوة الحياة وقاد ًرا عىل اإلحساس بلذة النرص وأمل الفشل‪ ،‬قلبه‬ ‫نابض بالحياة‪ ،‬حر اإلرادة يفعل ما يشاء دون قيو ٍد أو حدود؟‬ ‫ٌ‬ ‫باختصار‪ ،‬أصبحت له إراد ٌة وكيا ٌن وحل ٌم وأمل‪ ،‬وهو يش ٌء مل يسمح الله به لكائنٍ‬ ‫قط‪ ،‬ولو استطاع الوصول إىل الشجرة األم‪ ،‬شجرة املعرفة‪ ،‬لعرف كيف يستطيع أن يحكم الكون‪ ،‬وأن يزيل الله من‬ ‫عرشه ويستويل عىل املُلك‪ ،‬ولعرف كيف يبيد الله متا ًما ويتمتع بالخلود مكانه‪ ،‬فجزع الله جز ًعا شدي ًدا‪ ،‬جز ًعا مل يشعر‬ ‫به من قبل قط‪ ،‬وأحس بفداحة الخطأ الذي ارتكبه‪ ،‬وقرر عندها أن يبيد هذا الكائن متا ًما‪ ،‬لكن كيف يبيده وهو من‬ ‫ق ّدمه للمالئكة بنفسه عىل أنه أعظم ما خلق‪ ،‬كيف يبيده وهو من تح ّدى املالئكة الذين حذروه من رشوره‪ ،‬بالتأكيد‬ ‫صورته ستهتز كث ًريا يف السامء‪ ،‬وسيفقد الكثري من هيبته عندئذ‪.‬‬ ‫وألنه كام وصف نفسه سبحانه أنه أعظم املاكرين‪ ،‬فقد أع ّد خط ًة ماكر ًة لن يستطيع أح ٌد كشفها‪ ،‬خط ٌة تعيد له هيبته‪،‬‬ ‫إخالصا له‬ ‫وتحمي عرشه وتقيض عىل هذا الكائن الطفييل متا ًما‪ ،‬وكان له يف الشيطان أفضل َم ْخ َرج‪ ،‬فهو من أشد املالئكة‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وأكمل باقي املرسحية كام نعرفها متا ًما‪،‬‬ ‫وإميانًا به‪ ،‬فقام بتعديل جيناته ليضيف إليها الكثري من اإلحساس بال ِك َب ً‬ ‫وأمر املالئكة بالسجود آلدم‪ ،‬لريفض الشيطان املسكني أوامر الله وهو منزوع اإلرادة‪ ،‬فهو ال يعرف له إل ًها إال الله‪ ،‬وال‬ ‫‪69‬‬


‫سقوط اإلله‬ ‫أيضا نتيجة تعديل جيناته‪،‬‬ ‫يسجد إال له‪ ،‬أضف عىل هذا اإلحساس بال ِك َب الذي انتابه ً‬ ‫مخيا‪ ،‬ال حول له وال قوةً‪ ،‬ثم أكمل‬ ‫فرفض السجود‬ ‫ً‬ ‫مسيا ال ً‬ ‫إخالصا لله وتك ًربا عىل آدم‪ً ّ ،‬‬ ‫الله باقي فصول املرسحية عىل مرأى من املالئكة‪ ،‬وأدخل آدم الجنة ووضع هناك شجر ًة‬ ‫شبيه ًة بشجرة املعرفة‪ ،‬ليخالف آدم أوامر الله مر ًة أخرى‪ ،‬لينتهي به األمر مطرو ًدا إىل‬ ‫األرض‪.‬‬

‫‪Noha Selem‬‬

‫ٍ‬ ‫وعندئذ أكمل خطته الجهنمية بوضع قواعد قاسي ٍة ملحاسبة البرش‪ ،‬فمن يخالف تعليامته‬ ‫عذاب لن ينتهي‪ ،‬أما القلّة التي تفلت من العقاب وتدخل الجنة ستكون‬ ‫مصريه إىل‬ ‫ٍ‬ ‫كامليت بال أي حياة‪ ،‬إنسا ٌن بال رو ٍح وال شعور‪ ،‬مجرد ماكينات تفعل نفس األشياء مرا ًرا‬ ‫وتكرا ًرا‪ ،‬لكنها تبدوا للمالئكة وأهل السامء كمن تعيش يف سعاد ٍة أبدية‪.‬‬ ‫وهكذا يكون الله أنقذ ماء وجهه أمام املالئكة‪ ،‬وبدا أنه يط ّبق معايري العدل املطلقة‪ ،‬ومل يظهر مبظهر الظامل رسيع‬ ‫الغضب أو الحساب‪ ،‬ويكون قد انتقم من آدم عىل فعلته األوىل‪ ،‬ليستمتع مبشاهدة أحفاده بسادي ٍة وهم يكتوون بنار‬ ‫جهنم‪ ،‬وبقيّتهم أمواتٌ منزوعي اإلرادة يف الجنة‪.‬‬ ‫ومبا أن الله كان وحده كيل املعرفة‪ ،‬فقد أكمل باقي الخطة بأن ادعى أن لديه قدر ٍ‬ ‫ات أضعاف ما ميلكه حقيق ًة‪،‬‬ ‫فالله لديه العلم الكامل نعم‪ ،‬فهو يعلم كل يش ٍء متام العلم‪ ،‬متا ًما كام يعلم عامل الفيزياء كل املعادالت الرياضية‪،‬‬ ‫وإل ملا احتاج إىل مليارات املالئكة لتد ّون وتسجل ما يفعله البرش‪ ،‬وملا احتاج‬ ‫لكنه ليس كيل القدرة‪ ،‬وال كيل اإلدراك‪ّ ،‬‬ ‫وتسي أمور الدنيا واآلخرة‪ ،‬وملا احتاج إىل حر ٍاس للجنة والنار وملا احتاج إىل كل هذا‬ ‫إىل ماليني املالئكة لتحمل العرش ّ‬ ‫الجيش من املالئكة لينفذوا أوامره‪.‬‬ ‫كام أنه مل ولن يعلم الغيب‪ ،‬وإال ملا تحدى املالئكة من قبل وقال لهم إن آدم هو خري الخلق‪ ،‬وإال لعلم أن آدم سيخالف‬ ‫أوامره ويأكل من شجرة الحياة‪ ،‬وإال لكان أنزل يف القرآن والتوراة واإلنجيل وغريها من الكتب ما يثبت انه يعرف هذا‬ ‫كامل يف خطته الرشيرة‪.‬‬ ‫الغيب‪ .‬وهكذا سارت األمور عىل أكمل وج ٍه ملليارات السنني‪ ،‬وظن الله أنه نجح نجا ًحا ً‬ ‫لكنه مل يكن يدري أن الشجرة األم ت ُع ّد خط ًة بديل ًة‪ ،‬وأنها قررت التدخل مر ًة أخرى لتعيد األمور إىل نصابها‪.‬‬ ‫يتبع‪..‬‬ ‫‪70‬‬


‫الرصاحه انا مسلم واقولها لالنصاف هذا واقعنا ولالسف‬ ‫اكرث من هذا‬

‫محمداالنيق‬

‫‪Scolopendra Ali Morpha‬‬

‫محبة الله تجمعنا‬

‫‪Olga Loutfi‬‬

‫الدين غذاؤه الدم‬

‫شاديسليمي‬

‫أنا وأخي عىل ابن عمي‬ ‫وأنا وابن عمي عالغريب!‬

‫‪71‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab Atheists Magazine is a digital publication The Arab Atheists Magazine is a digital publication produced produced by volunteers and committed to promoting by volunteers and committed to promoting the thought and the thought and writings of atheists of various persuawritings of atheists of various persuasions with complete freesions with complete freedom. The Magazine does not adopt dom. The Magazine does not adopt or endorse any form of politior endorse any form of political ideology or affiliation cal ideology or affiliation Contributors bear the full responsibility of the content, illustraContributors bear the full responsibility of the content, illustrations tions and topics they provide insofar as it covers copyright and and topics they provide insofar as it covers copyright and issues of issues of intellectual property intellectual property Express permission for to publish in the Magazine is provided Express permission for to publish in the Magazine is provided by conby contributors, whether they are members of the Arab Atheists tributors, whether they are members of the Arab Atheists Magazine Magazine Group of other atheists and non-religious contributors Group of other atheists and non-religious contributors The Magazine does not publish material that is unethical or that The Magazine does not publish material that is unethical or that inincites racism or bigotry cites racism or bigotry The Editorial Board reserves the right to republish content The Editorial Board reserves the right to republish content originally originally published on the Magazine’s Facebook group, as published on the Magazine’s Facebook group, as publishing there publishing there implicitly contains consent for republication implicitly contains consent for republication in the Magazine in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.