مجلة الملحدين العرب / العدد الرابع والسبعون / يناير كانون ثاني / 2019

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫األعياد املسيحية واملشاركة‬ ‫اإلسالمية‬

‫مهند الرشعة‬

‫الخلل يف علم آنتوين فلو‬

‫ڤيكتور ستنغر‬

‫اإللحاد جـ ‪3‬‬

‫العدد الرابع والسبعون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬يناير ‪ /‬كانون ثاين لسنة ‪.2019‬‬

‫‪Enki‬‬

‫تاريخ الرصاعات‬ ‫الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني‬ ‫جـ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤول ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫قد يتساءل البعض عن أهمية الحديث عن الدين وقدرة أو ‪ /‬ورغبة البعض‬ ‫يف تكريس جز ٍء منهم للخوض يف هذا املجال سوا ًء مع أو ضد‪ .‬فالكثريون‬ ‫يك ّرسون حياتهم لهذه الفكرة والبعض القليل قد يرى أن محاربة هذه‬ ‫أخالقي يستحق تكريس بعض الوقت والجهد له‪.‬‬ ‫موقف‬ ‫الفكرة هو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ولكن ملاذا؟‬ ‫الدين هو آلي ٌة للنظر إىل الوجود لفهمه ورسم خارطة القيم واألهداف‬ ‫سوا ًء الشخصية أو املجتمعية‪( .‬مثله مثل العلم ‪.)The Science‬‬ ‫ولهذا نرى أن الدين كام العلم يحرك ويغري العامل بشكلٍ واض ٍح مع وجود‬ ‫فارقٍ طب ًعا وهو أن العلم وحده هو املنهج الصحيح‪.‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Rama Salih‬‬ ‫‪Sami Jamal‬‬ ‫‪Olga Loutfi‬‬ ‫‪Osama al Abbas‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫‪Liza Paloulian‬‬ ‫‪Saad Taher‬‬

‫قد يرى القارئ اآلن تحي ًزا ولكن لو نظرنا إىل األساس الذي يبنى عليه كل‬ ‫من العلم والدين فسنجد الفرق واض ًحا ‪.‬‬ ‫العلم هو محاول ٌة لرتجمة الواقع إىل لغ ٍة برشي ٍة نفهمها ونستقي منها‬ ‫الحقائق‪ ،‬بينام الدين يطرح نفسه ال كرتجم ٍة ولكن كقص ٍة ال تحتاج أن‬ ‫ترتبط بهذا الواقع‪ ...‬بل رمبا تفرض نفسها عىل الواقع وتنكره حي ًنا وتشو ّهه‬ ‫وحقائق وأهداف‪.‬‬ ‫قيم‬ ‫حي ًنا آخر بكل ما تعنيه كلمة الواقع من ٍ‬ ‫َ‬ ‫ويفسها ويختربها ليك يصل إىل فهم هذه‬ ‫العلم ينظر إىل الظواهر‬ ‫ّ‬ ‫الظواهر وحتى يستخدم هذا الفهم يف بناء مستقبله سوا ًء بتحديد قيم‬ ‫الجيد والسيئ أو باالستفادة من ق ّوته التنبؤية ‪.‬‬ ‫الدين يقول لك أن هذه القصة هي الواقع‪ ،‬وهذه هي القيم املستقاة‬ ‫وهذا هو املستقبل الذي يجب أن تتنبأ به‪ .‬ومن ث َم إذا كرث صدامك أنت‬ ‫ودينك مع الواقع تستطيع تشويه فهمك للواقع ليتناسب مع القصة‪...‬‬ ‫أول وأخ ًريا هو القصة‪ .‬الواقع ليس ذا أهمي ٍة كبري ٍة عند الدين ألن‬ ‫املهم ً‬ ‫الواقع بالنسبة لإلنسان املؤمن هو ما يقوله كتابه ال ما يحدث حقيق ًة‪...‬‬ ‫املؤمن ميتلك هذه القدرة عىل إنكار الواقع حتى لو كان يعيشه لحظتها‪...‬‬ ‫وما الرصاع الداخيل بني اإلميان والشك إال صدا ٌم بني هذا املنهج املبني‬ ‫بشكلٍ مستقلٍ عن الواقع من جهة‪ ،‬مع الواقع نفسه من جه ٍة أخرى‪.‬‬ ‫أي املنهجني يتوجب علينا أن نتبع؟ هذا ٌ‬ ‫سؤال مه ٌم ولكن جوابه يقع‬ ‫عىل عاتق كل إنسان‪ ،‬ألن حياة كل إنسانٍ هي تجرب ٌة شخصي ٌة ويجب أن‬ ‫يخوضها بنفسه ‪ ...‬ال يهم عمل ًيا أن تكون عىل خطأٍ أو عىل صواب ‪ ...‬من‬ ‫فعل ال ما تفرتض أنه‬ ‫حقيقي ً‬ ‫األفضل طب ًعا أن تكون مصي ًبا وتتبع ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫الحقيقة ‪...‬‬

‫‪2‬‬

‫ولكن بالنهاية من حق كل إنسانٍ أن يختار أن‬ ‫يكون عىل خطأٍ طاملا كانت خياراته محدودة التأثري‬ ‫بحياته ال بحياة اآلخرين واملجتمع‪.‬‬ ‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫رسال ٌة من املايض الديني إىل العرب‬ ‫واملسلمني يف عام ‪2019‬م‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫األعياد املسيحية واملشاركة اإلسالمية‬ ‫مهند الرشعة‬

‫‪8‬‬

‫الخلل يف علم آنتوين فلو‬ ‫‪Victor Stenger‬‬

‫‪14‬‬

‫تاريخ الرصاعات الفقهية‬ ‫يف املذهب الس ّني جـ ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫‪23‬‬

‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫‪34‬‬

‫سرية محمد بن آمنة‬ ‫ترجمة عن منشورات شاريل إيبدو‬

‫‪55‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪62‬‬

‫‪3‬‬


‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫رسال ٌة من املايض الديني إىل‬ ‫العرب واملسلمني يف عام ‪2019‬م‬

‫بينام كنت أرتّب مكتبتي الصغرية ذات مسا ٍء ممطر‪ ،‬وبني‬ ‫انشغايل بالتنظيف والرتتيب وق َع ْت رسال ٌة مختوم ٌة من أحد‬ ‫الكتب القدمية‪ ،‬فالتقطتُها مستغ ِربًا من وجودها وعلّة ما‬ ‫فيها‪ .‬لكن مل يطُل انتظاري كث ًريا بعد أن تفحصتُها‪ ،‬فال عنوان‬ ‫فيها وال مستلم وال تاريخ‪ ،‬ما عدا عنوانها الذي أحببت‬ ‫أن أشارككم به كمقا ٍل يف نهاية عام ‪2018‬م وبداية عام‬ ‫‪2019‬م* الذي أمتنى أن يكون عا ًما سعي ًدا للجميع ميأله‬ ‫الفرح والحب والسالم واإلنجاز‪ .‬واآلن لنقرأ ما وجدته يف‬ ‫تلك الرسالة املهمة املو ّجهة لكل عر ٍّيب ومسلم‪.‬‬

‫بل ملاذا يكون املايض يف مناهجكم التعليمية ويف حياتكم‬ ‫رضا بقو ٍة ومؤث ًرا‬ ‫االجتامعية ويف تعامالتكم السياسية حا ً‬ ‫ومعطل ملستقبلكم؟ أمل تتقدم األمم يف عاملكم‬ ‫ً‬ ‫عىل واقعكم‬ ‫اليوم نحو املستقبل؟ أمل تروا لديهم أن املايض خالص ٌة‬ ‫للتجارب القدمية وليس لالستنساخ وتكرار املحاولة؟ أمل تروا‬ ‫أين وصلوا مبخرتعاتهم الطبية والتكنولوجية والعلمية؟ أمل‬ ‫تشاهدوا عىل شاشاتكم اإللكرتونية التي صنعوها‪ ،‬ووصولهم‬ ‫إىل املريخ وعالجاتهم للمرىض باألبعاد الثالثية وتكنولوجيا‬ ‫النانو؟ أمل تروا أين وصلت بهم املدنية والدميقراطية‬ ‫والحريات والعلامنية؟ بل أمل تشهدوا بأنهم قد تخلصوا من‬ ‫عبء ماضيهم ومن سجون ماضيهم ومن أشخاص ماضيهم‬ ‫كام يُعلنون هذا يف كتبهم ومحارضاتهم؟ هم ال يحتقرون‬ ‫أيضا مل يتوقفوا عنده‪ ،‬ومل ينادوا به كأفضل‬ ‫ماضيهم‪ ،‬ولكن ً‬ ‫العصور‪ ،‬ومل يتقاتلوا من أجله كام تفعلون أنتم منذ مئات‬ ‫السنني وإىل اليوم‪.‬‬

‫دروسا‬ ‫يف كل الحضارات ولدى كل األمم‪ ،‬يكون املايض ً‬ ‫ٍ‬ ‫وعظات وتجارب‪ ،‬وأحال ًما وتاري ًخا‪ .‬فكيف يل أن أراكم‬ ‫و ِع ًربا‪،‬‬ ‫اليوم وقد احتواكم املايض حتى أعمى عقولكم وقلوبكم؟‬ ‫وملاذا تريدون إعادة إنتاجه بكل تفاصيله وسلوكه وأخالقه‪،‬‬ ‫* متت كتابة املقال أواخر العام ‪.2018‬‬

‫‪4‬‬


‫رسالة من املايض الديني إىل العرب واملسلمني‬ ‫زلت حيًّا وكام ًنا يف حركاتكم وعداواتكم وكراهيتكم لبعضكم البعض بسبب‬ ‫فأنا هنا ماضيكم الديني أشعر بأنني ما ُ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وأخطاء الرتاث والفقه ورصاع الصحابة ونفوذ السلطة والغنائم وعجز التقدم الفكري وفشل التنوير‬ ‫أحاديث النبي‬ ‫كنت سأبقى أم سأرحل معززًا مكر ًما مثل غريي يك أراكم تفخرون يب وتحرتمون مكانتي‬ ‫يف مجتمعاتكم‪ .‬أنا اليوم ال أعلم إن ُ‬ ‫التاريخية دون أن أتواجد بينكم‪ ،‬فتواجدي اليوم مل يق ّدم الكثري لكم ومل يساهم يف حل مشكالت الفقر والجهل واالستبداد‬ ‫أحل لكم هذه املشكالت‪ ،‬وال يوجد يف كتبي الدينية وتفسريات الفقهاء ونصوص‬ ‫عصا سحري ًة حتى ّ‬ ‫واملرض‪ .‬أنا ال أملك ً‬ ‫فاعل‪.‬‬ ‫السامء ما يدفعني حتى أتواجد وأكون ً‬ ‫أنا يا قومي مجرد تاري ٍخ وذكرى وأخطاء‪ ،‬فحايل مثل حاالت كل ٍ‬ ‫ماض‪ ،‬به الجيد وبه اليسء وبه الفشل وبه املوت والدمار‪.‬‬ ‫يف الحقيقة مل أع ْد أعلم ماذا سوف أضيف لكم بعد اليوم‪ ،‬وماذا سوف تتعلمون مني بعد أن تواجدتُ قبل ‪ 1400‬سن ٍة‬ ‫قوم وجدوا فرصتهم يف ترايث ونصويص املقدسة يك يق ّدموا ما يعتقدون بأنه األفضل‪ ،‬وأكاد أجزم بأنهم لو خرجوا اليوم‬ ‫مع ٍ‬ ‫من قبورهم لقالوا لكم كفى وكفى وكفى‪ ،‬فال داعي لنا بكم لتلتصقوا بنا وتح ِّملونا فشل أنفسكم ومجتمعاتكم يف التطور‬ ‫بعبارة «سوء تطبيق الدين»‪ ،‬فالتطور نتاج العمل واإلبداع واإلنتاج والتفكري والحريات‪ ،‬وهذا ما مل تق ّدموه اليوم ألجيالكم‬ ‫وملجتمعاتكم‪ .‬فام زلتم رعايا عاجزين وغري قادرين عىل استيعاب وفهم معنى الحرية والدميقراطية واملسؤولية واملساواة‪.‬‬ ‫فام زلتم تفكرون بعقلية القبيلة وفهم الطائفية ومصلحة الحكام‪ .‬أنتم إىل اليوم ال تحاكمون حكامكم وال تحرتمون القانون‬ ‫وال تؤدون واجباتكم األخالقية‪ .‬أنتم إىل اليوم تعيشون النفاق وتتلونون مثل الحرباء من أجل مصالحكم وغاياتكم الشخصية‪.‬‬ ‫وما الدين يف أنفسكم ومجتمعاتكم إال وسيل ٌة للكذب والرياء وزيادة األموال‪ .‬نحن نعلم ماذا فعل بكم رجال الدين‪ ،‬ولكننا‬ ‫نعتب عليكم أنتم ال عليهم‪ .‬فإن مل تكن الخراف مستمع ًة ومص ّدق ًة ومؤمن ًة ومستمتع ًة‪ ،‬ملا تواجدت الذئاب وملا تكاثر تجار‬ ‫الدين والخلفاء‪.‬‬ ‫ما أقىس ما أنتم فيه! وما أبشع ما ينتظركم يف‬ ‫املستقبل! فأنا املايض ال أقرأ الطالع وال أرضب الودع‬ ‫وال أتعامل مع الجن والعفاريت واملالئكة‪ ،‬ولكنني‬ ‫أعيش مع كتب املايض‪ ،‬مع كل األمم وأستنتج دامئًا‬ ‫أي أم ٍة سوف تفشل وأي أم ٍة سوف تتقدم‪ .‬لقد‬ ‫عارصتُ فلسفات اليونان والطليان والثورة الفرنسية‬ ‫العظيمة‪ .‬لقد قرأت كتب فالسفة التنوير والنهضة‪.‬‬ ‫لقد شهدت انهزام اليابان وأملانيا والحروب العاملية‬ ‫وظهور إرسائيل‪ .‬لكنني أيقنت متا ًما أنها أم ٌم سوف‬ ‫وشعوب سوف تتقدم ألنها تعاملت مع عقلها و ِعلمها وأطفالها مبنطق االعرتاف بالخطأ وليس التمسك مبا كانوا‬ ‫تنهض‬ ‫ٌ‬ ‫سبيل‬ ‫ُقص مالبسها وت ُِطل لِحاها حتى تحرتم موتاها‪ .‬بل اتخذوا العلم ً‬ ‫عليه من قوة‪ .‬تلك األمم مل ت َ ْب ِك عىل األطالل ومل ت ّ‬ ‫واألخالق رافع ًة والفلسفة طريقًا‪ .‬تلك األمم والشعوب مل تتوقف وتلطم وتحتفل باملوىت وتتربك بالقبور وتتقاتل عىل الحالل‬ ‫والحرام وتطبيق الرشيعة‪ .‬تلك األمم عملت حتى ارتقت‪ ،‬وأنتجت حتى أبدعت‪ .‬فامذا أنتم فاعلون أمام هذا العامل املتقدم؟‬ ‫وكيف سوف تنترصون عليهم بالعلم والتكنولوجيا واملعرفة‪ ،‬بينام كل ما متلكون هو الدعاء والتعصب والتطرف وقتل اآلخر‬ ‫‪5‬‬


‫رسالة من املايض الديني إىل العرب واملسلمني‬ ‫موحش وعج ٌز دائم‪ .‬فهكذا أرى واقعكم اليوم‪ ،‬فأنتم مل تتغريوا البتة سوى‬ ‫ٌ‬ ‫وطريق‬ ‫مستقبل مظل ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫املختلف؟ ما أمامكم هو‬ ‫ٌ‬ ‫يف شكلكم الخارجي‪ ،‬يف مالبسكم وأجهزتكم ووسائل نقلكم‪ .‬فقد امتلكتم األموال بدون عقلٍ وامتلكتم النفط واملوارد دون‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات وقرونٍ طويل ٍة حيث ميألها‬ ‫أن تعملوا عىل صناعتها‪ .‬بينام ظلّت عقولكم وأخالقكم ونفسياتكم كام كانت عليه قبل‬ ‫التعصب ويطغى عليها بؤس العادات والتقاليد البالية‪ .‬فام زلتم تقتلون املرأة ملجرد أنها عور ٌة متثل رشفكم الناقص إذا ما‬ ‫شكل‬ ‫تع ّدت حدودكم املقيتة‪ ،‬وما زلتم أرسى املذهبيات والطائفية والفئوية‪ .‬فلم تغريكم الحداثة إال يف أسوأ صور ٍة وأحط ً‬ ‫فتعسا لهكذا أم ٍة ال تعرف للتقدم طريقًا وال للدميقراطية والحريات وسيل ًة للحكم والعزة والكرامة‪.‬‬ ‫ومضمونًا‪ً .‬‬ ‫ٍ‬ ‫جديد وسن ٍة ميالدي ٍة جديد ٍة جميل ٍة وهي وكل ما تفعلون يف بدايتها هو االختالف حول‬ ‫عام‬ ‫أيام سوف تدخلون يف ٍ‬ ‫بعد ٍ‬ ‫مرشوعية االحتفال أم كراهية االحتفال أو تحريم االحتفال‪ .‬فإذا كانت هكذا بدايات تفكريكم يف كل عام‪ ،‬فال طبنا وال غدا‬ ‫عام أرى أنا‪ -‬املايض الديني ‪-‬كم أنتم بؤساء يف التفكري‪ ،‬وكيف أن الفراغ والجهل والتخلف الذي تعيشون فيه‬ ‫الرش‪ .‬يف كل ٍ‬ ‫وأطروحات عقيم ٍة مل تؤ ِّد بأصحابها إال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ملزيد من التخلف والرثاثة‪ ،‬فكام تعلمون‪ ،‬وأشك أن‬ ‫ال ينتج لكم سوى أسئل ٍة ساذج ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫تخلف وفسا ٍد ووصاي ٍة باسم الدين كان يعيش فيه مثلكم متا ًما‪ ،‬تلك‬ ‫غالبيتكم تص ّم آذانها‪ ،‬بأن ما تعيشون فيه اليوم من‬ ‫الشعوب العلامنية املتقدمة اليوم‪ ،‬ولكنهم تجاوزوا تلك الثقافة وأعادوا للدين وضعه الطبيعي ومكانته الخاصة كعالق ٍة‬ ‫فردي ٍة لإلنسان مع ربّه دون أن يطغى يف املجتمع والسياسة‪.‬‬ ‫فأرجوكم وأنتم تقرأون رسالتي أن تبتعدوا عن الطائفية والقبلية واإلسالم السيايس وت ّجار الدين والحركات اإلسالمية‪ ،‬فتلك‬ ‫املجموعات مل تؤ ِّد دورها يف مجتمعاتكم إال بإراقة الدماء ونرش الفتنة وتعظيم التواكل والغيبيات ومحاربة الحريات‬ ‫والدميقراطية‪ .‬تلك املجموعات تريد لكم الرش والدمار لحساب مصالحها الشخصية‪ .‬تلك املجموعات تتحالف مع الحكام‬ ‫الفاسدين وأصحاب النفوذ ألنهم من يحمونهم منكم‪ .‬من وعيكم يخافون‪ ،‬ومن ثورتكم يخشون‪ ،‬ومن عقولكم يرتعدون‪.‬‬ ‫فال تعطوهم الفرصة وال تتنازلوا عن حقوقكم وإرادتكم وحرياتكم‪ ،‬فإن فعلتم هذا فإنني أخىش عليكم االستمرار تحت‬ ‫سلطة القمع والجهل إىل ما ال نهاية‪.‬‬ ‫كم أحلم أنا ‪-‬املايض الديني‪ -‬بأن تصلني أصوات احتفاالتكم بالعام الجديد‪ ،‬وكم يسعدين حقًّا أن أرى يف مكتبة املايض قدومكم‬ ‫لوضع كتب التفسري والرتاث والفقه الديني يف أماكنها يف املكتبة‪ ،‬وأن أجدكم تسارعون الخطى ألخذ كتب العلم والفلسفة‬ ‫واألخالق واالقتصاد والنقد والقانون‪ ،‬تقرأونها بِن َهم‪ ،‬وتعلّمونها ألطفالكم‪ .‬ترتقون بها ومعها مبجتمعاتكم‪ .‬فالبدايات صعب ٌة‬ ‫دامئًا ولكنها ليست مستحيل ًة‪ .‬ولعلني بعد هذا أغادركم بال رجع ٍة وأكون مجرد ذكرى يف تاريخكم‪ ،‬تحكون ألطفالكم كيف‬ ‫أن املايض الديني كان مبثابة الحل السحري لِتق ّدمنا إىل املستقبل حينام انفصلنا عن أحامله وحموالته ومقوالته ووثوقياته‪،‬‬ ‫كفيل بأن يجعلنا أقوى حينام نأخذ بأسباب التقدم‪ ،‬والتجارب دامئًا ما تعلمنا الصواب والخطأ‪ ،‬والحياة تستمر دامئًا‬ ‫فالزمن ٌ‬ ‫مع أفرا ٍد يعيشون اللحظة ويفكرون بعقالني ٍة ويحرتمون ماضيهم باعتباره ماض ًيا يسكن يف التاريخ وليس يف العقول‪.‬‬ ‫انتهت رسالة املايض الديني إىل العرب واملسلمني هنا‪ ،‬وها أنا مثلكم أفكر يف كلامتها‪ ،‬وأتساءل عن جدواها ومعانيها‪ ،‬وأنتظر‬ ‫أيضا أن نفهم واقعنا‪ ،‬ومآالت مستقبلنا‪ ،‬حتى نكون أكرث‬ ‫العام الجديد لعله يكون أكرث عقالني ًة وتدب ًرا وثور ًة إصالحي ًة‪ .‬وأمتنى ً‬ ‫قدر ًة عىل االحتفال بالعام الجديد مع أحبائنا ونحن منترصون عىل الجهل والرجعية وظالم املايض‪.‬‬ ‫‪6‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

7


‫األعياد املسيحية‬ ‫واملشاركة اإلسالمية‬

‫مهند الرشعة‬

‫يل االنتظار إىل حني انتهاء موسم األعياد‬ ‫كان ع ّ‬ ‫املسيحية لكتابة هذا املقال‪ ،‬وذلك ليك أحتاط‬ ‫لنفيس من أمرين‪ :‬األول‪ ،‬ألّ أكتب بسبب اندفا ٍع‬ ‫قليل عن املوضوعية العلمية التي‬ ‫عاطفي يأخذين ولو ً‬ ‫ٍّ‬ ‫لفريق‬ ‫أُنشدها قدر اإلمكان‪ .‬والثاين‪ :‬ليك ال أُت ّهم بامليل‬ ‫ٍ‬ ‫لدين ما‪ .‬أي أنني حرصت بقدر اإلمكان‬ ‫دون فريق‪ ،‬أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مامرسات‬ ‫أن أكون موضوع ًيا ال كات ًبا جراء ردة فعلٍ عىل‬ ‫إقصائي ٍة ظهرت من ِقبل الكثريين من املسلمني‪ ،‬وتجلّت‬ ‫عىل شكل رفض معايدة املسيحيني بأعيادهم‪ ،‬والدعوة‬ ‫إىل مقاطعة هذه األعياد‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫األعياد املسيحية واملشاركة‬ ‫اإلسالمية‬

‫مهند الرشعة‬

‫ٍ‬ ‫إن هذه املامرسات اإلقصائية هي نتيج ٌة طبيعي ٌة ملا يُسمى بـ«االنغالق ضمن‬ ‫سياجات الهوتية» تدفع معتنقي دينٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مرفوض‬ ‫منطلقات فكرية‪ ،‬بحيث أن كل ما هو خارج سياج الالهوت الديني‬ ‫مذهب مع ٍني برفض اآلخر بنا ًء عىل‬ ‫أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫منطلقات الهوتي ٍة معينة‪ ،‬بحيث تكون هذه املنطلقات فوق‬ ‫قطع ًيا‪ ،‬وال ميكن معرفته أو التواصل معه إال من خالل‬ ‫القيم والواجبات األخالقية والتي يكمن جوهرها بـ «عامل الناس كام تحب أن يعاملوك»‪ ،‬وإ ّن نفي هذه القاعدة ضمن‬ ‫تعايش الجامعات املكونة للمجتمع الواحد يؤدي بطبيعة الحال إىل تأجيج الكراهية‪ ،‬وخرق األسس الصحيحة للتعايش‬ ‫السلمي يف املجتمعات‪.‬‬ ‫لقد كان اندفاع الكثريين من املسلمني نحو منع أو تحريم أو رفض معايدة املسيحيني بأعيادهم قامئًا عىل ٍ‬ ‫أسس‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ْ َ‬ ‫ِين قَالُوا إ َّن َّ َ‬ ‫ك َف َر َّال َ‬ ‫ديني ٍة مبني ٍة عىل نصوص القرآن والسنة‪ ،‬فقد كانوا يستشهدون ٍ‬ ‫الل ثَال ُِث ثَلثَ ٍة‪...‬‬ ‫بآيات مثل‪﴿ :‬لقد‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ ْ َ ٰ َ َ َْ ُ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫إلخ﴾ (املائدة‪ )73:‬و﴿ولن ترض عنك اله‬ ‫ود َول انلَّ َص َار ٰى َح َّ ٰت تَ َّتبِ َع مِل َت ُه ْم‪ ...‬إلخ﴾ (البقرة‪ ،)120 :‬وغري ذلك من اآليات‬ ‫واألحاديث التي يبنون القواعد الفقهية عليها‪ .‬وهم بذلك يتناسون أن هذه القواعد الفقهية قد تبلورت خالل قرونٍ‬ ‫عديد ٍة بعد موت محمد‪ ،‬ويتناسون التمييز بني الحدث‬ ‫القرآين املرتبط بلحظ ٍة تاريخي ٍة لها أناسها وظروفها‪،‬‬ ‫وبني الحدث اإلسالمي الذي استنبط واستخرج القواعد‬ ‫والقوانني‪ ،‬ووضع الكثري من األحاديث عىل لسان النبي‬ ‫محمد‪ ،‬أي أننا منيز – كام فعل محمد أركون ‪ -‬بني‬ ‫ٍ‬ ‫لحظات مختلفة‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬لحظة النطق باآليات‪ ،‬والقامئة بني فاعلني‬ ‫اجتامعيني‪ ،‬هم‪ :‬محم ٌد كمرسل‪ .‬واملسلمون واملرشكون‬ ‫والدهرية وأهل الكتاب واملنافقني كمرسلٍ إليهم هذا‬ ‫محمد أركون‬ ‫الخطاب‪ .‬فكلامتٌ مثل‪ :‬املؤمنني‪ ،‬املسلمني‪ ،‬املنافقني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات برشي ٍة تعيش مع محمد‪ ،‬وتفاعلت مع الخطاب‬ ‫اليهود‪ ،‬النصارى‪ ،‬املرشكني‪ ،‬الكافرين‪ ،‬هي كلامتٌ تشري إىل‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بطرقٍ مختلفة‪ ،‬وهي املقصودة بكالمه‪ ،‬أي أننا يجب أن نقف عىل تاريخيتها‪.‬‬ ‫املرسل إليها من ِقبل‬ ‫ٍ‬ ‫محمد أو ما بعده‪ ،‬إىل حني اعتامد النسخة املعتمدة اليوم واملعروفة‬ ‫اللحظة الثانية‪ :‬كتابة هذه النصوص‪ ،‬سوا ًء بزمن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص أخرى‬ ‫مصحف يس ّمى باملصحف العثامين‪ ،‬وهي لحظ ٌة فُقدت فيها بعض النصوص‪ ،‬وطرأ تغي ٌري عىل‬ ‫عىل شكل‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫عب عنه الفقهاء‪ ،‬والذين سيستخرجون القواعد الفقهية بنا ًء‬ ‫اللحظة الثالثة‪ :‬لحظة اشتغال العقل الترشيعي‪ ،‬والذي س ُي ّ‬ ‫أيضا‬ ‫عىل هذه النصوص‪ ،‬وبنا ًء عىل فهمهم وتوظيفهم وتأثرهم مبعارف أخرى خارجية‪ ،‬وهي لحظ ٌة مرتبط ٌة ويُعبِّ عنها ً‬ ‫املفرسين الذين سيجمعون أرتالً من األسانيد والتفسريات لآليات‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫األعياد املسيحية واملشاركة‬ ‫اإلسالمية‬

‫مهند الرشعة‬

‫إن نوعية هذا االشتغال والفهم للخطاب القرآين ستساعد‬ ‫املسلمني عىل تخفيف غلواء الدوغامئية الالهوتية التي وقعوا‬ ‫بها‪ ،‬والتي تدفعهم إىل االعتقاد باعتناقهم للحقيقة املطلقة‬ ‫وأن غريهم عىل باطل‪ .‬وهي – أي هذه الطريقة ‪ -‬عىل‬ ‫الرغم من تخفيفها للغلواء ال تنفي هذا االعتقاد الدوغاميئ‬ ‫أيضا يف األيديولوجيات‬ ‫املوجود ليس فقط يف األديان‪ ،‬وإمنا ً‬ ‫واألفكار الشمولية‪ ،‬وذلك بسبب رضورته لإلميان‪.‬‬ ‫أيضا إىل إعادة قراءة تاريخ املجتمع اإلسالمي‪ ،‬أي دراسة‬ ‫بظني أن هذه املقدمة الفلسفية رضوري ٌة ج ًدا‪ ،‬وهي بحاج ٍة ً‬ ‫التاريخ االجتامعي‪ ،‬وهنا تواجهنا مشكل ٌة ضخم ٌة‪ ،‬إذ أن الكثري من الدراسات تركّز عىل الجوانب السياسية واالقتصادية‬ ‫والعسكرية‪ ،‬وهي تنظر إىل املجتمع اإلسالمي عىل أنه مجتم ٌع ذو «هوية» دينية‪ ،‬أي أنه مجتم ٌع ملتز ٌم برشيع ٍة ديني ٍة‬ ‫تحكم حياته‪ ،‬وتتجاوز بشكلٍ أو بآخر الحياة االجتامعية الحقّة املعاشة‪ ،‬والتي نجد ذكرها بشكل شذر ٍ‬ ‫ات تائه ٍة يف‬ ‫الكتب وخاصة كتب األدب القدمية‪ .‬ولذلك سأقوم بطرح شكلٍ ُم ٍ‬ ‫ناف للتاريخ الرسمي الذي تؤكد عليه املؤسسة‬ ‫الدينية‪ ،‬وهو تاريخ مشاركة املسلمني للمسيحيني بأعيادهم‪ ،‬وذلك بنا ًء عىل أن املجتمع ليس ما يُص َّور سلطويًا وإمنا هو‬ ‫ونسق من العالقات املختلفة تتوزع يف مراكز ومواقع‬ ‫حدثٌ تجريبي‪ٌ ،‬‬ ‫مختلفة‪ ،‬ولكن من الرضوري أن نعرف أن هناك انفصالً ورش ًخا بني‬ ‫النظرية والتطبيق‪ ،‬وبني التصور والواقع‪ ،‬يف هذا املجتمع‪.‬‬ ‫لقد شارك املسلمون يف احتفاالت املسيحيني‪ ،‬وكانت األديرة املسيحية‬ ‫تفتح أبوابها للمسلمني يف األعياد ويف غري األعياد‪ ،‬وكث ًريا ما اقرتن اسم‬ ‫الدير باللهو والرشب يف ِ‬ ‫تقارب‬ ‫الشعر العريب اإلسالمي‪ ،‬مام يشري إىل‬ ‫ٍ‬ ‫واض ٍح بني املكونني املسيحي واملسلم يف ذلك املجتمع‪.‬‬ ‫كان املسلمون يشاركون املسيحيني يف عيد الشعانني‪ ،‬ويروي األصفهاين‬ ‫بكتابه األغاين عند ذكره ِ‬ ‫للديَارات أن الخليفة العبايس املأمون قد حرض‬ ‫س مبا رآه من احتفاالت‪،‬‬ ‫هذا العيد يف دير األعىل يف املوصل‪ ،‬وأنه ُ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫متزينات يف أعنقهن صلبا ٌن من الذهب‪ ،‬وبأيديهن‬ ‫وأنه أخرج جوا ٍر‬ ‫الخوص وأغصان الزيتون(‪ .)1‬ويف القدس كان النصارى يخرجون‬ ‫‪ -1‬أبو الفرج األصفهاين‪ ،‬كتاب الديارات‪ ،‬نسخ ٌة إلكرتونية‪ ،‬ص ‪.2‬‬

‫‪10‬‬


‫األعياد املسيحية واملشاركة‬ ‫اإلسالمية‬

‫مهند الرشعة‬

‫مبوكب‪ ،‬ويحملون شجرة زيتون‪ ،‬ويركب معهم‬ ‫وايل البلد(‪.)2‬‬ ‫ويف عيد الفصح كان املسلمون واملسيحيون‬ ‫يذهبون إىل دير ساملو ببغداد‪ ،‬وهناك يحتفلون‬ ‫ويرشبون‪ ،‬ويصف الشابشتي هذا اليوم بأنه عي ٌد‬ ‫عجيب‪ ،‬وأن هذا الدير متنز ٌه عجيب‪ ،‬وموط ٌن‬ ‫ألهل القصف واللهو(‪.)3‬‬ ‫ويف خميس العدس‪ ،‬كان أهل اإلسكندرية مسلميهم ومسيحيهم يذهبون إىل منارة اإلسكندرية‪ ،‬ويأخذون معهم أكلهم‬ ‫وال بد أن يكون فيه العدس‪ ،‬ويقضون اليوم هناك حتى منتصف النهار‪ ،‬فمنهم من يلهو ومنهم من يصيل(‪ .)4‬ويُسمي‬ ‫أهل الشام هذا الخميس بخميس البيض أو خميس األرز‪ ،‬وكانت الدولة الفاطمية توزع فيه خراريت بقيمة ‪ 500‬دينا ٍر‬ ‫بيض مصبو ٌغ يقامر به الناس‪ ،‬ويتهادى فيه املسيحيون‪ ،‬ويهدون‬ ‫لكل واحد ٍة منها عىل أهل الدولة‪ ،‬وكان يباع يف األسواق ٌ‬ ‫عظيم للتجار(‪.)5‬‬ ‫موسم‬ ‫فيه إىل املسلمني أنواع الطعام‪ ،‬وكان هذا اليوم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وكان هناك دي ٌر اسمه دير الثعالب يف بغداد‪ ،‬له عي ٌد ال يتخلّف عن حضوره مسل ٌم وال مسيحي‪ ،‬وكان َحسن املوضع‪،‬‬ ‫يزوره الناس وخاص ًة أهل الطرب والرسور(‪ ،)6‬وهناك عي ٌد لدير آشموين ببغداد‪ ،‬وهو يو ٌم من األيام العظيمة فيها‪ ،‬يجتمع‬ ‫الناس إليه‪ ،‬فيلهون ويرشبون ويأكلون ويتسابقون(‪.)7‬‬ ‫ويذكر املسعودي ليلة الغطاس يف مرص‪ ،‬حيث حرض هذه الليلة بنفسه‪ ،‬وشاهد اإلخشيد صاحب مرص يشارك فيها‪،‬‬ ‫ويقول‪« :‬وقد حرض إىل النيل يف تلك الليلة مئات ٍ‬ ‫آالف من الناس من املسلمني والنصارى‪ ،‬منهم يف الزوارق‪ ،‬ومنهم‬ ‫يف الدور الدانية من النيل‪ ،‬ومنهم عىل الشطوط‪ ،‬ال يتناكرون الحضور‪ ،‬ويُحرضون معهم ما ميكنهم إظهاره من املآكل‬ ‫واملشارب واملالبس وآالت الذهب والفضة واملالهي والعزف والقصف»(‪ .)8‬وقد ُحظر هذا العيد زمن الحاكم بأمر الله‬ ‫الفاطمي‪ ،‬واستمر الحظر إىل سنة ‪415‬هـ‪1024/‬م‪ ،‬حيث ُرفع زمن الظاهر يف هذه السنة‪ ،‬وقد اشرتك الخليفة الظاهر‬ ‫‪ -2‬يحيى بن سعيد‪ ،‬مخطوط ٌة موجود ٌة يف باريس‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫‪ -3‬الشابشتي‪ ،‬الديارات‪ ،‬نسخ ٌة إلكرتونية‪ ،‬ص‪.5‬‬ ‫‪ -4‬خطط املقريزي‪ ،‬ج‪ /1‬ص‪.157‬‬ ‫‪ -5‬السابق‪ ،‬ج‪ /1‬ص ‪.266‬‬ ‫‪ -6‬الشابشتي‪ ،‬ص‪.10‬‬ ‫‪ -7‬السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪ -8‬مروج الذهب‪ ،‬ج‪ /1‬ص‪.357‬‬

‫‪11‬‬


‫األعياد املسيحية واملشاركة‬ ‫اإلسالمية‬

‫مهند الرشعة‬

‫فيه‪ ،‬كام اشرتك املسلمون واملسيحيون فيه‬ ‫لدرجة اكتظاظ النيل بالزوارق‪ ،‬واكتظاظ‬ ‫ضفافه بالخيم والناس(‪.)9‬‬ ‫وقد كان املسلمون يشاركون املسيحيني‬ ‫يف أعيا ٍد أخرى‪ ،‬كعيد األحد من الصوم‬ ‫املسيحي‪ ،‬وعيد الخروج‪ ،‬وغريها‪ ،‬ويكرث يف‬ ‫هذه األعياد اللهو والطرب ويصل لدرجة‬ ‫املجون‪.‬‬

‫احتفال بعيد النريوز يف بالط عباس الثاين الصفوي‪.‬‬

‫أيضا إىل أن التجربة االجتامعية للمسلمني خالل القرون األوىل واالنفتاح‬ ‫لقد أردنا من هذا الرسد التاريخي أن نشري ً‬ ‫الحضاري هي تجرب ٌة مختلف ٌة عام يتصوره غالبية املسلمني اليوم‪ ،‬إن هذه التجربة تشري إىل عدم بلورة منظوم ٍة واحد ٍة‬ ‫وكل ّي ٍة ديني ٍة تسيطر عىل عقول الناس‪ ،‬وإمنا هناك اجتهاداتٌ وآرا ٌء شخصية‪ ،‬فلم يتحرج املسلمون من املشاركة يف‬ ‫أيضا يف أعيا ٍد لو رجعنا‬ ‫األعياد املسيحية‪ ،‬وإمنا انخرطوا فيها بكل رسو ٍر وفرح‪ ،‬وهذه األعياد مل تكن وحيدةً‪ ،‬وإمنا اشرتكوا ً‬ ‫ألصولها لوجدناها مرتبط ٌة بالفكر الوثني واألرواحي كأعياد النريوز وغريها من األعياد التي تشري إىل أفكار الخصب‬ ‫ودورة الشمس وغري ذلك‪ .‬إن هذا ليضعنا أمام صور ٍة مغاير ٍة للتاريخ تسعى إىل ما سعى إليه دعاة الحركة اإلنسانية يف‬ ‫عم هو إنسا ٌين وما يدور حول اإلنسان وما يقدس اإلنسان لتبني عليه فك ًرا إنسان ًيا‪ ،‬وهذا ال يعني‬ ‫أوروبا‪ ،‬أي أنها تبحث ّ‬ ‫أن علينا أن نكتفي بالجانب اإلنساين للتاريخ وحسب‪ ،‬وإمنا علينا أن نفكر وأن نبتكر أفكا ًرا إنساني ًة ال تُضيع الهوية‬ ‫ٍ‬ ‫ملجتمعات لها تاري ٌخ من آالف السنني وتدمجنا بنفس الوقت يف الحضارة املتجهة إىل العاملية‪.‬‬ ‫«الثقافية»‬

‫‪ -9‬عبد املنعم عبد الحميد سلطان‪ ،‬الحياة االجتامعية يف العرص الفاطمي‪ ،‬ص ‪.176‬‬

‫‪12‬‬


http://www.thelandofsands.blogspot.com

13


‫الخلل يف علم‬ ‫آنتوين فلو‬ ‫*‪Victor Stenger‬‬

‫مقدمة املرتجم‪:‬‬ ‫كلنا يعرف آنتوين فلو ‪،Antony Flew‬‬ ‫«أرشس» امللحدين الذي تحول مؤم ًنا‪ ،‬والذي‬ ‫ُيف َرتض أن إميانه قد ق ّوض دعائم اإللحاد‬ ‫عن بكرة أبيه‪ ،‬باعتبار أنه كبرينا الذي‬ ‫علّمنا السحر‪ .‬وال ريب أن مسألة التحول‬ ‫من اإللحاد إىل اإلميان هي مسأل ٌة تستحق‬ ‫التوقف عندها‪ ،‬فالخروج من الدين بات‬ ‫ظاهر ًة شائع ًة واضحة املعامل‪ ،‬لكن اعتناق‬ ‫اإلميان بعد اإللحاد ليس بذات الشيوع‪،‬‬ ‫ال س ّيام حينام ال ينطوي األمر عىل توب ٍة‬ ‫سابق إىل دينه‪ ،‬فآنتوين‬ ‫يعود فيها مؤم ٌن ٌ‬ ‫دين إىل اإللحاد رغم‬ ‫ْفلُو مل يخرج من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لواعظ ذائع الشهرة يف‬ ‫نشأته اب ًنا‬ ‫* فيزيايئ وفيلسوف أمرييك تويف عام ‪ .2014‬استضافته مجلة امللحدين العرب يف مقابل ٍة‬ ‫تم نرشها يف العدد ‪ 14‬من مجلة امللحدين العرب‪.‬‬ ‫الكنيسة املنهاجية (امليثودية)‪،‬‬ ‫‪14‬‬


‫الخلل يف علم آنتوين فلو‬ ‫‪Victor Stenger‬‬

‫إذ قال عن نفسه أنه اقتنع بعدم وجود إل ٍه يف سن الخامسة عرشة‪ ،‬أي أنه قىض معظم‬ ‫حياته غري مؤمن‪ ،‬ال بدين والده وال بغريه‪.‬‬ ‫بالنسبة للملحد العريب‪ ،‬حتى املطّلع عىل حركة اإللحاد الجديد ‪ ،New Atheism‬ال‬ ‫اسم مألوفًا‪ ،‬فلوال تح ّوله إىل الربوبية قُبيل موته ونرشه لكتابه‬ ‫يبدو اسم آنتوين فلو ً‬ ‫«يوجد رب» ‪ There is a God‬ملا وصل للقارئ النموذجي العريب شيئًا يُذكَر عنه‪.‬‬ ‫فكيف صار كبري امللحدين وكيف يُف َرتض أن تحوله قد ق ّوض دعائم اإللحاد؟ لن أقوم‬ ‫هنا باجرتار النقاش الذي يدور حول تلقّف املسلمني للموضوع وتضخيمهم له ألكرب‬ ‫سابق بهذا الصدد يف‬ ‫من حجمه وعرضه بشكلٍ مغاي ٍر ملا هو عليه‪ ،‬وأحيل املهتم ملقا ٍل ٍ‬ ‫مجلة امللحدين العرب بقلم (بسام بغدادي) تم نرشه يف العدد الحادي عرش‪ .‬باملقابل‪،‬‬ ‫غالف كتاب «يوجد رب»‬ ‫سأكتفي هنا برسد تفاصيل عام ٍة عن فلسفة فْلُو كتوطئ ٍة للمقال املرتجم وكتوضي ٍح لإلضافة التي يقدمها هذا املقال يف‬ ‫سياق هذا النقاش‪.‬‬ ‫كان آنتوين فْلُو فيلسوفًا بريطانيا عاش ما بني العامني ‪ 1923‬و‪ 2010‬وينتمي للمدرسة التحليلية يف الفلسفة‪ ،‬وقد اختص‬ ‫بالكتابة يف مجال فلسفة الدين‪ ،‬وكان من أبرز مواقفه أن عىل املرء القول باإللحاد إىل أن يظهر الدليل التجريبي املشاهد‬ ‫رصح بتحوله إىل الربوبية‬ ‫عىل وجود الله‪ ،‬ورغم قوله معظم حياته بغياب املعنى لفكرة الله‪ ،‬إال أنه يف العام ‪ّ 2004‬‬ ‫واعتقاده بوجود اإلله األرسطي‪ ،‬حيث قال إنه ال زال عىل نهجه األول القايض بالسري وراء الدليل إىل حيث يفيض‪ ،‬وأنه‬ ‫صار يرى أنه يفيض إىل وجود الله‪.‬‬ ‫ويف العام ‪ 2007‬كتب باالشرتاك مع (روي آبراهام ڤارغيس) ‪ Roy Abraham Varghese‬كتابًا اسمه «هنالك رب‪ :‬كيف‬ ‫غي أحد أشهر امللحدين رأيه» ‪There Is a God: How the World’s Most Notorious Atheist Changed His‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ِ .Mind‬من عنوان الكتاب نرى مصدر وصف فْلُو بالرشاسة‪ ،‬والذي صار يرافق اسمه‬ ‫كلام ُذكِر وكأنه جز ًءا من اسمه‪ ،‬حيث يبدو أن أحدهم ارتأى ترجمة تعبري ‪Most‬‬ ‫يعب عن شهر ٍة‬ ‫‪ Notorious‬إىل كلمة «أرشس»‪ ،‬يف حني أن التعبري األقرب يف العربية ّ‬ ‫ترتبط بسمع ٍة سيئة‪ .‬ومع أن هذا الوصف األخري مل يكن من اختيار فْلُو نفسه‪ ،‬إال أنه‬ ‫قرر تب ّنيه حيث يرى هذا النوع من الشهرة أم ًرا ساد يف عائلته‪ ،‬كام يوضح يف مقدمة‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬لننظر إىل نوع اإللحاد الذي كان عليه قبل تحوله ربوب ًيا‪ .‬يقول فلو يف كتابه‬ ‫«افرتاض اإللحاد» ‪ The Presumption of Atheism‬واملنشور عام ‪:1976‬‬ ‫‪15‬‬

‫روي آبراهام ڤارغيس‬


‫الخلل يف علم آنتوين فلو‬ ‫‪Victor Stenger‬‬

‫فحصه هو الزعم القائل بأن النقاش حول وجود الله يجب أن يبدأ‬ ‫«ما أريد َ‬ ‫منطلقًا من االفرتاض املسبق لإللحاد‪ ،‬من باب أن البيّنة هي عىل امل ّدعي‪ ،‬وأن‬ ‫امل ّدعي يف هذه الحالة هو القائل بوجود الله‪ .‬لكن مصطلح اإللحاد يف إطار هذا‬ ‫الزعم يُف َهم بشكلٍ يخالف املعتاد‪ ،‬ففي حني أن مصطلح “ملحد” يُطلق اليوم‬ ‫عىل من يقول بعدم وجود إله‪ ،‬فأنا ال أريد له أن يُف َهم بهذا املعنى التأكيدي‪،‬‬ ‫وإمنا مبعنى النفي‪ .‬ومبقتىض هذا التفسري يتحول تعريف امللحد من الشخص‬ ‫الذي يقول مؤك ًدا أنه ما من إل ٍه إىل الشخص الذي هو بكل بساط ٍة ليس مؤلّ ًها»‪.‬‬ ‫علينا أن نؤكد أن املقصود بلفظة اإللحاد هنا هو املعنى املشتق من الالتينية‬ ‫والذي يقابل تعبري الالربوبية‪ ،‬أي عدم االعتقاد بوجود رب‪ ،‬متيي ًزا عن اللفظة‬ ‫بالعربية التي وردت يف القرآن إشار ًة إىل نو ٍع من امليالن عن الحق أو التشويه أو‬ ‫َّ َّ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫ون ف آيَات َِنا َل َيْ َف ْو َن َعلَيْ َ‬ ‫حد‬ ‫إن‬ ‫‪.)40‬‬ ‫(فصلت‪:‬‬ ‫ا﴾‬ ‫ن‬ ‫العناد حني يقول ﴿إِن الِين يل ِ‬ ‫ِ‬ ‫غالف كتاب «افرتاض اإللحاد»‬ ‫موقف يصعب اتخاذه إال يف غياب التأثري‬ ‫منط اإللحاد الذي يتحدث عنه فْلُو هو ٌ‬ ‫االجتامعي للدين‪ ،‬أي يف إطار مجتمعٍ علام ّين ال يفرض الدين ويتسامح مع وجود الالدين‪ ،‬أو يف إطا ٍر أكادميي منفتح‪.‬‬ ‫وفْلُو كان بالفعل أكادمييا يعيش يف املجتمع الربيطاين العلامين‪ ،‬حيث ميكن لهذا النوع من اإللحاد أن يكون ذا مع ًنى‪ .‬إذًا‬ ‫يوضح السبب الذي يجعل‬ ‫هنا نرى املعنى الذي ميكن للمرء فيه أن يخرج من هذا اإللحاد إىل اعتقا ٍد بوجود رب‪ ،‬كام أنه ّ‬ ‫أول‬ ‫هذا التحول إىل الربوبية‪ ،‬ال إىل الدين‪ .‬ونستطيع تب ًعا لذلك أن نرى تسويغ اختياره لإلله األرسطي الذي ميثل سب ًبا ً‬ ‫بدل من اإلله املسيحي وعالقته بالبرش‪ ،‬ذلك أن فْلُو منذ البداية كان يتحدث عن عدم مامنع ٍة مبدئي ٍة ضمني ٍة‬ ‫للوجود‪ً ،‬‬ ‫سيغي رأيه‪ .‬ما مدلول ذلك؟ إنه مل يعتقد بدور ذلك اإلله األرسطي األصم يف حياة‬ ‫بوجود إله‪ ،‬وأنه يف حال ظهور الدليل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫منطويات دينية‪ ،‬فالربويب يعتقد بوجود‬ ‫البرش‪ ،‬وأن االعتقاد بوجوده يأيت بالنسبة ل ْفلُو كمشاهد ٍة تجريبي ٍة بحت ٍة دون أية‬

‫رعب‬ ‫لن يأيت يو ٌم أنظر فيه إىل اإلسالم دون ٍ‬ ‫وخوف‪ ،‬ألنه يحوي يف صميمه التزا ًما بغزو‬ ‫العامل بأرسه يف سبيل نرش اإلسالم‪*.‬‬ ‫‪I would never regard Islam with‬‬ ‫‪anything but horror and fear because‬‬ ‫‪it is fundamentally committed to‬‬ ‫‪conquering the world for Islam.‬‬ ‫*آنتوين فلو يف مقابلة مع غاري هابرماس بعد تحوله إىل ربويب‪.‬‬

‫”‬

‫‪s‬‬

‫‪16‬‬

‫مصمم ال يأبه ألحوال البرش سل ًبا أو‬ ‫خالق‬ ‫ٍ‬ ‫سبب أو ٍّيل أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إيجابًا‪ .‬بهذا املعنى‪ ،‬فهذا امللحد الرشس مل يتحول مؤم ًنا‪،‬‬ ‫وإمنا أوصل موقفه األصيل إىل نهاي ٍة منطقية‪ .‬قد ال تكون‬ ‫النهاية املنطقية الوحيدة‪ ،‬لكنها نهاي ٌة محتمل ٌة ومتسق ٌة‬ ‫حتم مل يعتنق دي ًنا‬ ‫مع موقفه السابق عىل تحوله‪ .‬وهو ً‬ ‫كتائب أو نصريٍ للدين‪ ،‬وهو يف‬ ‫بشكلٍ يدعو لالحتفاء به‬ ‫ٍ‬ ‫خض ّم كل هذا مل يجد املسيحية موقفًا مث ًريا لالهتامم‪ ،‬فام‬ ‫بالك باإلسالم الذي يرى فيه خط ًرا عىل العامل؟‬


‫الخلل يف علم آنتوين فلو‬ ‫‪Victor Stenger‬‬

‫وهنا نأيت إىل مقال ستنغر‪ ،‬والذي يوضح أسباب خطأ فْلُو يف اعتقاده بأن الدليل التجريبي املرتقب عىل وجود ذلك‬ ‫اإلله األرسطي قد متت بالفعل مشاهدته وبشكلٍ جازم‪ ،‬وأن مكمن هذا الخطأ هو يف سوء تفسري فْلُو ملخرجات العلم‬ ‫حكم مبن ًّيا عىل معرف ٍة منقوص ٍة ومغلوط ٍة إىل ٍ‬ ‫حد ما‪.‬‬ ‫وإطالقه ً‬ ‫إليكم اآلن مقال ڤيكتور ستنغر‪ ،‬الخلل يف علم فلو‪:‬‬ ‫لقد حظي تح ّول الفيلسوف آنتوين فلو من اإللحاد إىل اإلميان يف أواخر حياته‬ ‫بتغطي ٍة إعالمي ٍة واسعة(‪ .)1‬ويف مقابل ٍة أجراها معه غاري هابرماس(‪Gary )2‬‬ ‫يوضح‬ ‫‪ Habermas‬حملت عنوانًا ً‬ ‫مضلل هو‪« :‬ح ّجي من اإللحاد إىل التأليه»‪ّ ،‬‬ ‫مبني عىل العلم أكرث منه عىل الفلسفة(‪)3‬؛ ومع‬ ‫فْلُو موقفه الجديد‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫موقف ٌ‬ ‫أن تلك املقابلة احتوت نقاشً ا ألمو ٍر أخرى‪ ،‬كالحجة األخالقية عىل وجود إله‪،‬‬ ‫والتي ال يؤيدها فْلُو‪ ،‬فسيقترص تعليقي عىل جانب العلم فقط(‪.)4‬‬ ‫يص ّنف فْلُو موقفه الجديد عىل أنه نو ٌع من الربوبية‪ ،‬لكن ال يقوم برفض‬ ‫فكرة الوحي اإللهي متا ًما‪ .‬يقول لهابرماس بصددها‪« :‬أنا مستع ٌد لتقبلها من‬ ‫غاري هابرماس‬ ‫حيث املبدأ‪ ،‬لكنني ال أتحمس متلهفًا ألرى ماذا ميكن لله أن يوحي للبرش‪ ،‬فعىل‬ ‫مثل‪ ،‬تعجبني ج ًدا تعليقات الفيزيايئ (جريالد رشودر) ‪ Gerald Schroeder‬عىل اإلصحاح األول من‬ ‫الناحية اإليجابية ً‬ ‫سفر التكوين‪ ،‬والتي قد يكون ذلك الوصف التورايت مبوجبها دقيقًا من الناحية العلمية‪ ،‬مام قد يطرح احتاملية أن يكون‬ ‫وح ًيا إله ًيا»‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬ت ُعجِب فلو حجج التصميم املعارصة عىل وجود الله‪ ،‬حيث يقول‪« :‬أعتقد أن أكرث الحجج عىل وجود الله تأث ًريا‬ ‫هي تلك التي تدعمها املكتشفات العلمية األخرية‪ .‬أما براهني علم الكالم (الحجج الكوسمولوجية)(‪ )5‬فلم تعجبني يو ًما‪،‬‬ ‫وال أعتقد أن التطورات األخرية قد ق ّوت هذا النوع من الحجج‪ ،‬لكنني أعتقد أن االحتجاج بالتصميم الذيك قد اكتسب‬ ‫قو ًة كبري ًة منذ أن تعرفت إىل فكرته أول مرة»‪.‬‬ ‫‪ -1‬راجعوا تغطية األسوشيتد پرس ‪ Associated Press‬بتاريخ ‪.2004/12/9‬‬ ‫يك وباحثٌ يف شؤون العهد الجديد (اإلنجيل) ويكتب ويحارض يف قضية قيامة املسيح‪ ،‬وحني ترجمة املقال كان يعمل أستاذًا لقسم الفلسفة‬ ‫‪ -2‬غاري هابرماس هو مؤر ٌخ أمري ٌ‬ ‫والالهوت يف جامعة ليربيت ‪ Liberty University‬املسيحية‪.‬‬ ‫‪3- Flew, Antony and Gary Habermas, “My Pilgrimage from Atheism to Theism,” Philosophia Christi, Vol. 6, No. 2, p. 197, 2004.‬‬ ‫‪4- Stenger, Victor J., Has Science Found God? The Latest Results in the Search for Purpose in the Universe (Amherst, NY: Prometheus Books,‬‬ ‫‪2003).‬‬ ‫‪5- Craig, William Lane, The Kalām Cosmological Argument. Library of Philosophy and Religion (London: Macmillan, 1979).‬‬

‫‪17‬‬


‫الخلل يف علم آنتوين فلو‬ ‫‪Victor Stenger‬‬

‫سفر التكوين ورشودر‪:‬‬ ‫كتاب بعنوان «علم الله» ‪The Science of God‬‬ ‫يحاول رشودر يف‬ ‫ٍ‬ ‫واملنشور عام ‪ 1998‬أن يُوفِّق بني القصة التوراتية للخلق من جه ٍة وبني علم‬ ‫الكونيات (الكوسمولوجيا) املعارص(‪ .)6‬وما يقوم به يعتمد عىل تفسري أن‬ ‫أيام الخلق الستة يف الكتاب املقدس تستغرق ‪ 15.75‬مليار عام من «الزمن‬ ‫الكوين» ‪ ،Cosmic time‬وهي مد ٌة تزيد عن تقديرنا الحايل لعمر الكون مبلياري‬ ‫عام فقط‪ ،‬ويتم حساب هذا الزمن الكوين برضب تلك األيام الستة التوراتية‬ ‫ٍ‬ ‫مبقدار االنزياح نحو األحمر ‪ Red shift‬الذي يخضع له الضوء يف لحظ ٍة مبكر ٍة‬ ‫من عمر الكون تسمى «انحصار الكواركات»(‪ ،Quark confinement )7‬والتي‬ ‫عامل يقارب املليار‪ .‬وبواسطة قياس االنزياح نحو األحمر نستطيع أن‬ ‫تساوي ُم ً‬ ‫نحسب مدى ازدياد الطول املوجي ‪ٍ Wavelength‬‬ ‫لخط يف ٍ‬ ‫طيف ذ ّر ٍي ما‪.‬‬

‫غالف كتاب «علم الله»‬

‫يوم‬ ‫واستنا ًدا لرشودر‪ ،‬فإن يوم الخلق األول مقداره مثانية مليارات عام‪ ،‬وكل ٍ‬ ‫تورا ٍيت يتلوه يعادل يف طوله نصف اليوم الذي سبقه بلغة الزمن الكوين‪ ،‬وبحرك ٍة سحري ٍة من الدالة األس ّية ‪Exponential‬‬ ‫‪ ،function‬نصل إىل زمن آدم وحواء‪ ،‬وهي اللحظة التي يتحول فيها ع ّد الزمن إىل‬ ‫العد البرشي املألوف‪ .‬فعىل هذا األساس‪ ،‬نجد أن الستة آالف سن ٍة املاضية‪ ،‬والتي‬ ‫ُعتب الزمن البرشي ‪ ،Human time‬هي فرت ٌة ضئيل ٌة عىل هذا املقياس‪ ،‬إذ أن يوم‬ ‫ت َ‬ ‫الخلق األخري استغرق ‪ 250‬مليون عام‪.‬‬

‫جريالد رشودر‬

‫يتوصل رشودر إىل هذا الجواب الذي يريده باستعامل انزياح الضوء نحو األحمر‬ ‫لحظة انحصار الكواركات‪ ،‬لكن الكون مل يبدأ لحظة انحصار الكواركات‪ ،‬فقد بدأ ما‬ ‫يقارب عىل الواحد من املليون من الثانية قبل ذلك‪ ،‬يف الزمن املسمى بالزمن الپالنيك‬ ‫‪ ،Planck time‬مام يعني أن إدراج ذلك سيؤ ّدي إىل أن تستغرق األيام الستة ما‬ ‫مجموعه ‪ 1600000000000000000000‬مليار سنة!‬

‫‪6- Schroeder, Gerald L., The Science of God: The Convergence of Scientific and Biblical Wisdom (New York: Broadway Books, 1998).‬‬ ‫ٍ‬ ‫جسيامت أبسط منها تسمى‬ ‫‪ -7‬تتكون املادة التي نراها من الپروتونات والنيوترونات واإللكرتونات‪ .‬الپروتونات والنيوترونات هي أنظم ٌة معقد ٌة تسمى هادرونات مكون ٌة من‬ ‫الكواركات (والغلوونات ‪ )gluons‬تربطها م ًعا القوة النووية الشديدة والتي متنع الكواركات من التواجد منفرد ًة تحت الظروف العادية‪ .‬يف بداية الكون سادت حقب ٌة تسمى الحقبة‬ ‫مثل)‪ ،‬وبدأت تلك الحقبة بعد ميض جز ٍء من‬ ‫الكواركية ‪ Quark epoch‬كانت الحرارة فيها عالي ٌة لدرج ٍة منعت الكواركات من االنحصار وتكوين الجسيامت األعقد (كالپروتونات ً‬ ‫مليون مليونا من الثانية بعد البيغ بانغ واستمرت حتى جز ٍء من املليون من الثانية‪ ،‬حيث بدأت حقبة الهادرونات‪[ .‬مالحظة املرتجم]‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫الخلل يف علم آنتوين فلو‬ ‫‪Victor Stenger‬‬

‫والواقع أن اختيا ًرا أفضل لحساب االنزياح األحمر يكون لحظة انفكاك اإلشعاع عن املاد ة �‪Radiation and matter de‬‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ سيتحول‬ ‫‪ ،coupling‬أي عندما « َو َرأَى الل ُه ال ُّنو َر أَنَّ ُه َح َس ٌن‪َ .‬وف َ​َص َل الل ُه بَ ْ َي ال ُّنو ِر َوالظُّلْ َم ِة» (تكوين ‪ ،)4 :1‬ولكن‬ ‫طول تلك األيام الستة إىل ‪ 15‬عا ًما فقط‪.‬‬ ‫عندما قرأت كتاب «علم الله» ألول مر ٍة حسبته كتابًا ساخ ًرا يستهزئ باملدافعني عن الدين‪ .‬ال بد أنك متزح معنا يا‬ ‫جريالد!‬ ‫كيفام نظرت إىل املوضوع وحاولت حبكه تجد أن قصة الخلق املذكورة يف سفر التكوين هي يف الواقع أبعد ما تكون عن‬ ‫البيغ بانغ كام هو مفهو ٌم يف علم الكونيات‪ ،‬ففي الكتاب املقدس نجِد الكون َجلَ ًدا ‪ firmament‬واألرض ثابت ًة ال تتحرك‪،‬‬ ‫أما عىل أرض الواقع‪ ،‬فالكون يتم ّدد واألرض تدور حول الشمس‪ .‬كذلك‪ ،‬نجِد يف الكتاب املق ّدس أن األرض قد ُخلقت‬ ‫عام‬ ‫يف «اليوم» األول‪ ،‬قبل الشمس والقمر والنجوم‪ .‬أما عىل أرض الواقع فاألرض مل تتكون إال بعد ميض تسعة مليارات ٍ‬ ‫ونجوم أخرى كثرية‪ .‬فلو تجىل لنا يش ٌء من سفر التكوين فهو أن‬ ‫عىل البيغ بانغ‪ ،‬ومل يحدث ذلك إال بعد تك ّون الشمس‬ ‫ٍ‬ ‫الله صاحب نكتة‪.‬‬

‫الحجة من التصميم الذيك (لكل صنع ٍة صانع)‪:‬‬ ‫كذلك‪ ،‬فيمكن لنس ٍخ جديد ٍة من الحجة القدمية التي تستدل عىل وجود صانعٍ أن‬ ‫تبهر الجاهل بالرياضيات والعلم‪ .‬متكن صياغة الحجة عىل النحو اآليت‪:‬‬ ‫أنا ال أستطيع أن أفهم كيف للكون وما فيه من أشكال الحياة املعقدة التي نراها‬ ‫خالق مبدع‪.‬‬ ‫حولنا أن تتولد تلقائ ًيا‪ ،‬لذا ال بد من أنها مخلوق ٌة عىل يد ٍ‬ ‫يف العام ‪ 1802‬قال الالهويت اإلنجليزي (وليام پييل) ‪ William Paley‬أنه ال يفهم‬ ‫كيف أن العني مضبوط ٌة بدق ٍة كافي ٍة لتجميع الضوء وتكوين الصور قد تولدت‬ ‫وليام پييل‬ ‫بعملي ٍة طبيعية‪ .‬فاستنتج أنها ال بد أن تكون إذًا من تصميم الله‪ .‬أما اآلن فرصنا‬ ‫نعرف الكيفية التي تطورت من خاللها العني م ّر ٍ‬ ‫ات عديد ٍة عىل مر الزمن بواسطة االنتخاب الطبيعي‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬ها هو آنتوين فْلُو ال يفهم كيف أن الكون مضبو ٌط بدق ٍة تسمح بتك ّون املواد الالزمة للكائنات الحية بعملي ٍة‬ ‫طبيعية‪ .‬فيستنتج كام يبدو أنه ال بد أن يكون من تصميم نو ٍع محدو ٍد ما من اآللهة‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫الخلل يف علم آنتوين فلو‬ ‫‪Victor Stenger‬‬

‫ﻛﺄس ﺻﺒﻐﻲ )اﻟﺮﺧﻮﻳﺎت ﻣﺸﻘﻮﻗﺔ ﻛﺄس ﺑﴫي ﺑﺴﻴﻂ‬ ‫ﺑﻘﻊ ﺻﺒﻐﻴﺔ‬ ‫ﺷﻜﻞ ﻋ ﺑﻌﺪﺳﺔ ﺑﺪاﺋﻴﺔ ﻟﺤﻠﺰون اﻟﺼﺨﻮر اﻟﺒﺤﺮي‬ ‫)اﻟﺒﻄﻠﻴﻨﻮس ‪ (Patella‬اﻟﻘﻮﻗﻌﺔ ‪) (Pleurotomaria‬ﻋﺪﺳﺔ ﻋ ﻋﲆ‬ ‫‪Murex‬‬ ‫ﺛﻘﺐ‪ ،‬اﻟﻨﻮﺗﻴﻠﻮس ‪(Nautilus‬‬

‫ﻋ ﻣﺮﻛﺒﺔ‬ ‫)اﻷﺧﻄﺒﻮط(‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ‬ ‫ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ‬ ‫اﳌﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﻀﻮﺋﻴﺔ اﳌﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﻀﻮﺋﻴﺔ‬ ‫)ﺧﻼﻳﺎ ﺻﺒﻐﻴﺔ‬ ‫وﺧﻼﻳﺎ ﻋﺼﺒﻴﺔ(‬ ‫ـ‬

‫ـ‬

‫ﺧﻼﻳﺎ ﻇﻬﺎرﻳﺔ‬

‫أﻟﻴﺎف‬ ‫ﻋﺼﺒﻴﺔ‬

‫أﻟﻴﺎف‬ ‫ﻋﺼﺒﻴﺔ‬ ‫ﺧﻼﻳﺎ ﻇﻬﺎرﻳﺔ‬

‫ﺧﻼﻳﺎ ﻇﻬﺎرﻳﺔ‬ ‫ﺗﺠﻮﻳﻒ ﻣﲇء‬ ‫ﺑﺎﳌﺎء‬

‫اﻟﻌﺼﺐ‬ ‫اﻟﺒﴫي‬

‫ﻃﺒﻘﺔ اﳌﺴﺘﻘﺒﻼت‬ ‫اﻟﻀﻮﺋﻴﺔ )اﻟﺸﺒﻜﻴﺔ(‬ ‫تطور العني‬ ‫ـ‬

‫ﺧﻼﻳﺎ ﻇﻬﺎرﻳﺔ‬

‫ﻋﺪﺳﺔ ﻛﺎﴎة‬

‫اﻟﺸﺒﻜﻴﺔ‬

‫اﻟﻌﺼﺐ‬ ‫اﻟﺒﴫي‬

‫يبدو أن فل ْو ليس عىل اطّال ٍع بأن الفيزيائيني وعلامء الكونيات ليسوا محتارين بنفس‬ ‫تغي ٍ‬ ‫ات طفيف ًة يف الثوابت الفيزيائية(‪ )8‬قد تجعل من الحياة‬ ‫قدر حريته‪ .‬فرغم أن ّ‬ ‫التي نعرفها مستحيل ًة‪ ،‬إال أننا ال نستطيع قول ذلك عن أمناط الحياة األخرى التي‬ ‫سبب يدعونا لالعتقاد أن منط الحياة الذي نعرفه‪ ،‬واملعتمد عىل‬ ‫ال نعرفها‪ .‬ال يوجد ٌ‬ ‫الكربون هو النمط الوحيد املمكن‪ .‬عالو ًة عىل ذلك‪ ،‬فإن علم الكونيات املعارص يشري‬ ‫إىل احتاملية وجود أكوانٍ متعدد ٍة بثوابت أخرى وقوانني أخرى للفيزياء‪ .‬إن الكون‬ ‫ليس مضبوطًا بدق ٍة لوجود الحياة‪ ،‬بل الحياة هي املضبوطة بدق ٍة لتتواءم مع الكون‪.‬‬ ‫أتفاجأ كيف أن الفيلسوف فلُو ال يرى اإلشكاالت يف حجة التصميم (الصنعة والصانع)‪،‬‬ ‫كام نراها يف مفهوم «التعقيد غري القابل للتبسيط» ‪Irreducible Complexity‬‬ ‫(ملايكل بيهي ) ‪ Michael Behe‬أو «االستدالل عىل التصميم» �‪Design Infer‬‬ ‫‪( ence‬لويليام دمبسيك) ‪ ،William Dembski‬واللذان يفرتضان أن األنظمة املركبة‬ ‫(املعقدة) ال ميكن أن يُ ِ‬ ‫نشئها إال ذكا ٌء عا ٍل‪ .‬ال بد بهذا املقياس إذًا أن نفرتض أن هذا‬

‫ﺣﺪﻗﺔ‬

‫ﻋﺪﺳﺔ ﻛﺎﴎة‬

‫ﻗﺮﻧﻴﺔ‬

‫اﻟﺸﺒﻜﻴﺔ‬ ‫اﻟﺠﺴﻢ اﻟﺰﺟﺎﺟﻲ‬

‫اﻟﻌﺼﺐ‬ ‫اﻟﺒﴫي‬

‫مايكل بيهي‬

‫يام دمبسيك‬ ‫ول‬

‫‪ -8‬يُقصد بالثوابت الفيزيائية ‪ physical constants‬كمياتٌ ثابت ٌة ِقيست يف عد ٍد كبريٍ من التجارب وكانت ثابتة املقدار يف حدود خطأ القياس‪ .‬تلعب هذا الثوابت أدوا ًرا مهم ًة يف‬ ‫ٍ‬ ‫ثابت ميثّل الحد األقىص للرسعات املمكنة النتقال املادة‪ .‬كذلك‪ ،‬فرسعة الضوء‬ ‫نظريات كثري ٍة تصف طيفًا واس ًعا من الظواهر‪ .‬فرسعة الضوء ً‬ ‫مثل هي يف إطار كل املشاهدات مقدا ٌر ٌ‬ ‫ثابت يظهر يف وصف أسلوب انتقال األشعة الكهرومغناطيسية (الضوء بصوره املختلفة)‪ ،‬ويظهر يف النسبية الخاصة والعامة يف وصف تكافؤ الكتلة والطاقة ووصف الثقوب‬ ‫هي ٌ‬ ‫السوداء‪ ،‬وهذا ليس سوى قد ًرا يس ًريا من الظواهر التي تحكمها نفس املعادالت التي تظهر فيها رسعة الضوء ثابتًا ال يتغري‪ .‬وهنالك ثوابت أخرى عديد ٌة كثابت نيوتن للجذب العام‪،‬‬ ‫وثابت پالنك وغريها‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫الخلل يف علم آنتوين فلو‬ ‫األخطاء اللغوية يف‬

‫ال���� ال��ي�‬ ‫الذكاء العايل هو نفسه عىل درج ٍة عالي ٍة من التعقيد‪ ،‬مام سيعني بنا ًء عىل ذلك‬ ‫أن شيئًا ما يفوقه تعقي ًدا هو من أنشأه‪ ،‬وهكذا إىل ماالنهاية‪ :‬مصممون أذكيا ٌء‬ ‫أول باملعنى األرسطي الذي يبدو أن فلُو‬ ‫واحدهم ص ّمم من تحته‪ ،‬وليس سببًا ً‬ ‫يتوقعه‪.‬‬ ‫ولحسن الحظ‪ ،‬فإن الحياة اليومية واملشاهدات العلمية تُظهِر لنا بجال ٍء أن‬ ‫األنظمة املعقدة تتولد من أخرى أبسط منها دو ًما يف الطبيعة دومنا أي حاج ٍة‬ ‫لذكا ٍء عا ٍل‪ .‬فنقط ٌة من املاء تتجمد ويتولد عن ذلك بلّورة جليد‪ ،‬والرياح املستمرة‬ ‫تنحت يف الصخور مناظر تشبه يف عظمتها الكاتدرائيات الضخمة‪ .‬وكونُنا املعقّد‬ ‫نسب ًيا ميكنه التولد من أبسط األشياء املوجودة‪ :‬الفراغ‪.‬‬ ‫أقسم بريب األرسطي‬ ‫مسلم!‬ ‫أنني مل أصبح‬ ‫ً‬

‫د‪ .‬سامي الذيب‬

‫كتاب أخطاء القرآن حيصر أكثر‬ ‫من ألفني ومخسمائة خطأ لغوي يف‬ ‫القرآن ويرتجم النص القرآني‬ ‫لثالث لغات ويقدمه ألول‬ ‫مرة بالرتتيب التارخيي الصحيح‬ ‫متوفر اآلن على موقع أمازون‬ ‫ً‬ ‫وجمانا على الرابط التايل‬

‫‪goo.gl/emoQDp‬‬

‫ترجمة وتقديم‪ :‬أسامة البني (الوراق)‬ ‫العنوان األصيل للمقال‪ Flew’s Flawed Science :‬وتم نرشه يف العدد ‪ 25‬من‬ ‫مجلة ‪ Free Inquiry‬لعام ‪.2005‬‬ ‫‪21‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪70‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬

‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪22‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫تاريخ الرصاعات الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني جـ‪1‬‬

‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫تعيش منطقة الرشق األوسط منذ عقو ٍد عدة‪ ،‬رص ٍ‬ ‫اعات طائفي ًة بني السنة والشيعة‪،‬‬ ‫بقيادة املحور السعودي الس ّني من جهة‪ ،‬واملحور اإليراين الشيعي من جه ٍة أخرى‪،‬‬ ‫وقد رافق هذا الرصاع السيايس الديني‪ً ،‬‬ ‫توسل واستنطا ًقا للتاريخ اإلسالمي إلثبات‬ ‫سني‬ ‫شيطانية اآلخر‪ ،‬بحيث أصبح التاريخ اإلسالمي عند البعض عبار ًة عن رصاعٍ ٍّ‬ ‫صحيح أن هذا الرصاع كان يف صدارة الرصاعات الدينية‬ ‫شيعي عىل طول الخط‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫داخل اإلسالم‪ ،‬ولكنه مل يكن الوحيد‪ ،‬فأي قارى ٍء للتاريخ سوف يطالع رص ٍ‬ ‫اعات كثري ًة‬ ‫مل يكتب لها االستمرار بسبب انقراض هذه الفرق الدينية مثل املعتزلة والخوارج‬ ‫‪23‬‬


‫تاريح الرصاعات الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني جـ ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫وأسباب أخرى‪ ،‬مثل الرصاع العقائدي بني األشاعرة‬ ‫أو أن هذه الرصاعات قد خفّت وطأتها بسبب قوة الرصاع السني الشيعي‬ ‫ٍ‬ ‫والحنابلة‪ ،‬املستمر لحد اآلن‪ ،‬وقد تكلمت عن هذا الرصاع بالتفصيل يف مقال ٍة سابق ٍة يف املجلة‪.‬‬ ‫من حسن حظنا أن هناك رصا ًعا آخر داخل املذهب السني مل يُكتب له االستمرار‪ ،‬وهو الرصاع الفقهي السني مبذاهبه‬ ‫املختلفة‪ ،‬حيث أنك لن تصادف يف أيامنا هذه‪ ،‬أن يتجادل ويتشاجر ويُقتل أح ٌد بسبب مسأل ٍة فقهي ٍة خالفي ٍة بني مذهبني‬ ‫فقيهي‪ ،‬لكن الحال يف التاريخ اإلسالمي مل يكن كام هو عليه اليوم‪ ،‬حيث شهدت البالد اإلسالمية رص ٍ‬ ‫اعات مرير ًة ودموي ًة‬ ‫ْ‬ ‫نتيج ًة لهذا الرصاع الفقهي‪.‬‬ ‫مذهب أيب حنيفة (‪150‬هـ‪767/‬م)‪ ،‬ومذهب مالك‬ ‫مل يُكتب البقاء يف عرصنا الحايل لغري أربع ٍة من املذاهب الفقهية‪ ،‬وهي‬ ‫ُ‬ ‫(ت ‪179‬هـ‪795/‬م)‪ ،‬ومذهب الشافعي (ت ‪204‬هـ‪820/‬م)‪ ،‬ومذهب أحمد بن حنبل (ت ‪241‬هـ‪855/‬م)‪ ،‬بحيث أصبحت‬ ‫مبرور الوقت هي املذاهب الكربى التي تقاسمت السيادة عىل عامل اإلسالم السني‪ .‬وتتوزع املذاهب الفقهية يف العامل‬ ‫اإلسالمي يف وقتنا الحايل كالتايل‪ :‬املاليك يف عموم املغرب العريب وأفريقيا والسودان وصعيد مرص واإلمارات العربية املتحدة‬ ‫والكويت ومسلمي فرنسا‪ ،‬الحنفي يف شامل مرص ووسط آسيا وتركيا وأفغانستان وباكستان والهند ودول آسيا ال ُوسطى‪،‬‬ ‫الشافعي يف القرن األفريقي وجنوب رشق آسيا وس ّنة العراق واليمن‪ ،‬الحنبيل يف السعودية واإلمارات والكويت ومناطق يف‬ ‫سلطنة عامن‪.‬‬

‫السنة‬ ‫الحنفية‬ ‫الحنبلية‬ ‫املالكية‬ ‫الشافعية‬ ‫الشيعة‬ ‫اإلسامعيلية‬ ‫الجعفرية‬ ‫الزيدية‬ ‫شعية آخرون‬ ‫آخرون‬ ‫اإلباضية‬

‫خارطة تظهر التوزع الجغرايف للمذاهب اإلسالمية يف عرصنا‬

‫‪24‬‬


‫تاريح الرصاعات الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني جـ ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫لَم تكن هذه املذاهب الوحيدة يف ذلك الوقت‪ ،‬بل‬ ‫عارص هؤالء الفقهاء األربعة‪ ،‬فقها ٌء آخرون مثل‬ ‫األوزاعي والليث بن ٍ‬ ‫سعد وسفيان الثوري‪ ،‬لكن مل‬ ‫يكتب لفقههم االستمرار والبقاء‪ ،‬وسبب االندثار أو‬ ‫بقاء املذهب الفقهي ال يعود ألفضلية هذا الفقيه‬ ‫أو ذاك‪ ،‬بل لسببني رئيسني حسب ما أرى‪:‬‬ ‫األول‪ ،‬أن الفقهاء األربعة كان لهم تالميذ كُرث‪ ،‬د ّونوا‬ ‫فتاواهم‪ ،‬وحفظوا أقوالهم‪ ،‬ونقلوها ملن بعدهم‪،‬‬ ‫فصار لهم مقلّدون وأتباع‪ ،‬ومن الفقهاء من مل يتوفر‬ ‫ناس‬ ‫له من يخدمه‪ ،‬وينشط يف نرش فقهه‪ ،‬فسار أُ ٌ‬ ‫عليه مدة‪ ،‬ثم قل أتباعه تدريجيًا‪ ،‬حتى غلبت‬ ‫عليهم املذاهب األخرى‪ ،‬فاضمحل وانقرض‪ ،‬ومثال‬ ‫ذلك مذهب الليث بن سعد‪ ،‬حيث يقول عنه الشافعي «الليث أفقه من مالك‪ ،‬إال أن أصحابه مل يقوموا به»‪ ،‬ويقول عنه‬ ‫أيضا «والله‪ ،‬الذي ال إله إال هو‪ ،‬ما رأينا أح ًدا ق ُّط أفقه من الليث»(‪ ،)1‬ورغم أفضلية مذهب الليث بن سعد‪ ،‬استمر‬ ‫ابن وهب ً‬ ‫وانترش مذهب ٍ‬ ‫مالك وانقرض مذهب الليث للسبب الذي تكلم عنه الشافعي‪.‬‬ ‫والسبب الثاين‪ ،‬هو العامل السيايس‪ ،‬حيث كان أحد العوامل الحاسمة يف نرش مذاهب الفقه والتمكني لها يف املجتمع‪ ،‬وإىل‬ ‫قائل‪« :‬مذهبان انترشا يف بدء أمرهام بالرياسة والسلطان‪ :‬مذهب‬ ‫حزم الظاهري (ت ‪456‬هـ‪1063/‬م) ً‬ ‫ذلك العامل أومأ ابن ٍ‬ ‫أيب حنيفة ومذهب ٍ‬ ‫مالك بن ٍ‬ ‫أيضا سبب انتشار املذهب املاليك يف‬ ‫أنس عندنا (أي‪ :‬يف األندلس)»‪ ،‬ويوضح العامل السيايس ً‬ ‫كل صل ٍة له بالدولة الفاطمية يف مرص‪ ،‬وأعلن‬ ‫املغرب العريب‪ ،‬ففي سنه ‪443‬هـ‪1051/‬م قطع املعز بن باديس حاكم أفريقيا ّ‬ ‫يكتف بذلك‪ ،‬بل «حمل جميع أهل أفريقيا عىل التمسك مبذهب ٍ‬ ‫السنية‪ ،‬ثم مل ِ‬ ‫مالك ْ‬ ‫وترك ما عداه‬ ‫الوالء للخالفة العباسية ُ‬ ‫من املذاهب»‪ ،‬األمر الذي دفع جمهور املغاربة إىل انتحال مذهب ٍ‬ ‫أمل يف الحصول عيل إحدى وظائف‬ ‫مالك مر ًة أخرى‪ً ،‬‬ ‫القضاء أو اإلفتاء أو التدريس؛ إذ غدت منذ ذلك التاريخ حك ًرا عيل املالكية(‪ .)2‬وغريها من األمثلة األخرى‪.‬‬ ‫لقد تطلب استقرار العامل اإلسالمي عىل هذه املذاهب األربعة قرونًا طويل ًة‪ ،‬حيث مل ترتسخ فكرة «الرباعية املذهبية»‬ ‫السني إال يف عهد السلطان الظاهر بيربس نتيجة قرا ٍر سيايس‪ ،‬ففي سنة ‪ 663‬هجرية أمر‬ ‫بوصفها أحد مرتكزات اإلسالم ُ‬ ‫‪ . -1‬الفرق واملذاهب اإلسالمية منذ البدايات‪ ،‬سعد رستم‪ ،‬ص‪.144‬‬ ‫‪ -2‬كيف استقرت املذاهب األربعة يف الفقه السني؟ د‪ .‬أحمد محمود‪ ،‬إضاءات‪.2015/06/29 ،‬‬

‫‪25‬‬


‫تاريح الرصاعات الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني جـ ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫السلطان الظاهر بيربس بتعيني أربعة قضا ٍة مبرص ميثلون املذاهب السنية األربعة‪ ،‬ثم طُ ِّبق نفس األمر بالشام يف سنة ‪664‬‬ ‫يك‬ ‫شافعي ومال ٌ‬ ‫«ول الظاهر بيربس مبرص أربعة قضاة‪ ،‬و ُهم‬ ‫هجرية‪ ،‬حيث ينقل املقريزي يف كتابه خطط املقريزي التايل‪ّ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫مذهب يُعرف من مذاهب اإلسالم‬ ‫يبق يف مجموع أمصار اإلسالم‬ ‫وحنفي وحنبيل‪ ،‬فاستمر ذلك من سنة ‪665‬هـ‪ ،‬حتى مل َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫سوى هذه املذاهب األربعة‪ ،‬وعملت ألهلها املدارس والخوانك والزوايا والربط يف سائر ماملك اإلسالم‪ ،‬و ُعودي َمن متذهب‬ ‫يول ٍ‬ ‫بغريها‪ ،‬وأُنكر عليه‪ ،‬ومل َّ‬ ‫قاض وال قُبِلت شهادة أحد‪ ،‬وال قُ ِّدم للخطابة واإلمامة من مل يكن مقلِّ ًدا ألحد هذه املذاهب‪،‬‬ ‫وأفتى فقهاء األمصار يف طول هذه املدة بوجوب ات ّباع هذه املذاهب وتحريم ما عداها»(‪.)3‬‬ ‫انقسم االختالف الفقهي بصور ٍة عام ٍة بني مدرستي أصحاب الحديث وأهل الرأي‪ ،‬فاألوىل أكرثت من استخدام األثر من‬ ‫األحاديث النبوية واألقوال السلفية‪ ،‬ومن رجالها األمئة‪ :‬مالك والشافعي‪ ،‬وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل‪ ،‬والثانية أكرثت من‬ ‫ٍ‬ ‫كمحمد بن الحسن‪ ،‬وأيب يوسف‬ ‫استعامل االجتهاد القائم عىل الرأي والقياس‪ ،‬ومن رجالها‪ :‬اإلمام أبو حنيفة وكبار أصحابه‬ ‫يعقوب(‪.)4‬‬

‫اﳌﺪرﺳﺔ‪:‬‬ ‫ﻣﻨﻬﺠﻬﺎ‪:‬‬ ‫أﺑﺮز رﺟﺎﻟﻬﺎ‪:‬‬

‫أﺻﺤﺎب اﻟﺤﺪﻳﺚ‬ ‫اﺳﺘﺨﺪام اﻷﺛﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﻳﺚ‬ ‫واﻷﻗﻮال اﻟﺴﻠﻔﻴﺔ‬ ‫ﻣﺎﻟﻚ‪ ،‬اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ‪ ،‬ﺳﻔﻴﺎن اﻟﺜﻮري‪،‬‬ ‫اﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ‬

‫أﻫﻞ اﻟﺮأي‬ ‫اﺳﺘﻌامل اﻻﺟﺘﻬﺎد اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﲆ‬ ‫اﻟﺮأي واﻟﻘﻴﺎس‬ ‫أﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ‪ ،‬أﺑﻮ‬ ‫ﻳﻮﺳﻒ ﻳﻌﻘﻮب‬

‫حيث متسك أصحاب الحديث يف الفقه بالوقوف عند الفتوى عىل الحديث‪ ،‬وال يتعداه‪ ،‬ويفتي يف كل مسأل ٍة مبا يجده من‬ ‫فريق آخر ‪ -‬و ُهم أهل الرأي‪ -‬أن الرشيعة معقولة‬ ‫ذلك‪ ،‬دون أن تكون هناك رواب ٌط تربط املسائل ببعضها البعض‪ ،‬ووجد ٌ‬ ‫املعنى‪ ،‬ولها ٌ‬ ‫سبيل‪ ،‬ولكنهم كانوا ال‬ ‫أصول ترجع إليها‪ ،‬فكانوا ال يخالفون األولني يف العمل بالكتاب والسنة ما وجدوا إليهام ً‬ ‫نصا‪ ،‬وفوق ذلك‪ ،‬كانوا يُح ُّبون معرفة العلل والغايات التي من أجلها ُشعت‬ ‫يُحجمون عن الفتوى برأيهم فيام مل يجدوا فيه ً‬ ‫األحكام‪ ،‬وردوا بعض األحاديث ملخالفتها ألصول الرشيعة‪ ،‬والسيام إذا عارضتها أحاديث أخرى‪ ،‬وكان أكرث ظهور هذا املبدأ‬ ‫يف أهل العراق‪.‬‬ ‫ولتقريب الصورة أكرث لطبيعة الخالف الفقهي بني املدرستني‪ ،‬نورد هذه الحادثة املروية عن ربيعة بن أيب عبد الرحمن‬ ‫رش من‬ ‫(املعروف بربيعة الرأي)‪ ،‬أنه قال‪« :‬سألت سعي ًدا بن املسيب (شيخ فقهاء أهل املدينة)‪ :‬كم يف إصبع املرأة؟ فقال‪ :‬ع ٌ‬ ‫‪ -3‬املواعظ واالعتبار (خطط املقريزي) ج ‪ 3‬ص ‪.390‬‬ ‫‪ -4‬عمر سليامن األشقر‪ ،‬املدخل إىل دراسة املدارس واملذاهب الفقهية‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪26‬‬


‫تاريح الرصاعات الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني جـ ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫اإلبل‪ ،‬فقلت‪ :‬كم يف إصبعني؟ قال‪ :‬عرشون من اإلبل‪ ،‬فقلت‪ :‬كم يف ثالث؟ فقال‪:‬‬ ‫ثالثون من اإلبل‪ ،‬فقلت‪ :‬كم يف أربع؟ قال‪ :‬عرشون من اإلبل‪ ،‬فقلت‪ :‬حني عظم‬ ‫جرحها واشتدت مصيبتها نقص ِعقلها؟ فقال سعيد‪ :‬أعراقي أنت؟ فقلت‪ :‬بل عامل‬ ‫متثبت‪ ،‬أو جاهل متعلم‪ ،‬فقال سعيد‪ :‬هي السنة يا ابن أخي»(‪.)5‬‬ ‫مذهبي بني‬ ‫تعصب‬ ‫فأوجد هذا االختالف نزا ًعا مذهب ًيا بني املدرستني‪ ،‬نتج عنه‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫الطائفتني ظهرت بوادره األوىل منذ القرن الثاين الهجري وما بعده‪ ،‬والشواهد اآلتية‬ ‫ت ُثبت ذلك بوضوح‪ .‬حيث حدثت نزاعاتٌ ومهاتراتٌ وردو ٌد بني املدرستني منذ‬ ‫زمن أيب حنيفة النعامن املتوىف سنة ‪ 159‬هجرية(‪.)6‬‬ ‫وكان الفقيه محم ٌد بن شجا ٍع الثلجي الحنفي (ت ‪ 266‬هـ) من أصحاب الرأي‬ ‫يبغض أهل األثر‪ -‬أي أهل الحديث ‪ -‬ويتعصب عليهم‪ ،‬حتى انتهى به األمر إىل الكذب عليهم‪ ،‬فكان يضع ‪ -‬أي يختلق ‪-‬‬ ‫األحاديث يف تشبيه صفات الله تعاىل‪ ،‬وينسبها إىل أهل الحديث ثل ًبا لهم‪ ،‬وطع ًنا فيهم‪ ،‬وتعص ًبا عليهم‪ ،‬منها حديث َعرق‬ ‫الخيل‪ ،‬وفيه‪ :‬أن الله خلق الفرس فعرقت‪ ،‬ثم خلق نفسه منها(‪ .)7‬وكان يقول يف أصحاب أحمد بن حنبل‪« :‬أصحاب أحمد‬ ‫بن حنبل يحتاجون أن يُذبحوا»(‪.)8‬‬ ‫وكان أحمد بن حنبل يقول فيه‪« :‬ابن شجا ٍع الثلجي مبتد ٌع صاحب ه ًوى»(‪.)9‬‬ ‫والشاهد اآلخر فيام يتعلق بالفقيه أصبعٍ بن خليلٍ القرطبي املاليك فإنه كان يُعادي أهل الحديث وعلمهم‪ ،‬ومل تكن له‬ ‫معرف ٌة بعل ِمهم‪ ،‬حتى أنه ُروي أنه كان يقول‪« :‬لنئ يكون يف تابويت رأس خنزير‪ ،‬أحب إىل من أن يكون مسند ابن أيب‬ ‫شيبة»(‪.)10‬‬ ‫بقي بن ٍ‬ ‫مخلد األندليس (ت ‪ 276‬هـ)‪،‬‬ ‫ومن تعصبه عىل أهل الحديث أنه كان ينهى أهل العلم عن االجتامع بالحافظ ّ‬ ‫قاسم بن أصبعٍ كان يدعوا عليه‪ ،‬ويقول‪« :‬هو الذي حرمني السامع من‬ ‫ويحثهم عىل عدم األخذ عنه‪ ،‬لذا ُروي أن الفقيه ً‬ ‫بقي بن مخلد‪ ،‬وذلك أنه كان يحث والدي عىل منعي من الذهاب إىل بقي بن مخلد»(‪.)11‬‬ ‫‪ -5‬الفرق واملذاهب اإلسالمية منذ البدايات‪ ،‬سعد رستم‪ ،‬ص‪.141‬‬ ‫‪ -6‬عبد الله بن أحمد بن َح ْن َبل‪ ،‬الس ّنة‪ ،‬حققه محمد القحطاين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.180‬‬ ‫‪ -7‬ابن عدي‪ ،‬الكامل يف ضعفاء الرجال‪ ،‬حققه مختار عزاوي‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.291‬‬ ‫‪ -8‬الذهبي‪ ،‬ميزان االعتدال‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.182‬‬ ‫‪ -9‬الخطيب البغدادي‪ ،‬تاريخ بغداد‪ ،‬ج‪،5‬ص‪.350‬‬ ‫‪ -10‬ابن حجر‪ ،‬اللسان‪ ،‬ج‪،1‬ص‪.458‬‬ ‫‪ -11‬ابن حجر‪ ،‬اللسان‪ ،‬ج‪،1‬ص‪.458‬‬

‫‪27‬‬


‫تاريح الرصاعات الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني جـ ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫رش الدواليب الحنفي (ت ‪ 310‬هـ) بالتعصب عىل أهل الحديث‪ ،‬لكونه من أهل الرأي‪ ،‬فات ُهم بالتعصب عىل‬ ‫و ُعرف أيب ب ٍ‬ ‫السنة‪ ،‬وتشدده عىل أهل الرأي(‪.)12‬‬ ‫املحدث نُ ٍ‬ ‫عيم بن حامد (ت ‪ 310‬هـ)‪ ،‬لصالبته يف ُ‬ ‫مل ينحرص التعصب فقط بسبب االختالف املنهجي الفقهي بني املدرستني‪ ،‬بل تطور وتشعب ألمو ٍر أخرى كثرية‪ ،‬سوف‬ ‫نتحدث فيها بالتفصيل وستكون البداية مع ما حدث بني الفقهاء املؤسسني للمدارس الفقهية السنية أنفسهم‪ ،‬حيث يذكر‬ ‫نعيم يف حلية األولياء‪ ،‬والخطيب يف تاريخه أن مالكًا بن ٍ‬ ‫أنس ذكر أبا حنيفة‪ ،‬فقال‪« :‬كاد الدين‪ ،‬ومن كاد الدين فليس‬ ‫أبو ٍ‬ ‫مسلم قال‪« :‬قال يل مالك‪ :‬يذكر أبو حنيفة ببلدكم؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ما ينبغي لبلدكم أن‬ ‫من أهله»‪ .‬وعن الوليد بن‬ ‫ٍ‬ ‫ت ُسكن»(‪.)13‬‬ ‫كتاب أليب حنيفة فيه عرشون ومائة‪ ،‬أو ثالثون ومائة ورقة‪ ،‬فوجدت فيه‬ ‫أما الشافعي فرأيه يف أيب حنيفة التايل‪« :‬نظرت يف ٍ‬ ‫مثانني ورق ًة يف الوضوء والصالة‪ ،‬ووجدت فيه إما خالفًا لكتاب الله‪ ،‬أو لسنة رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ ،‬أو اختالف قول‪،‬‬ ‫أو تناقض‪ ،‬أو خالف قياس»(‪.)14‬‬ ‫وقال أحمد بن حنبل‪« :‬ما قول أيب حنيفة والبعر عندي إال سواء»(‪.)15‬‬ ‫بل إن تضليل أيب حنيفة النعامن وصل إىل حد اإلجامع كام روى الخطيب عن أيب بك ٍر بن أيب داود أنه قال ألصحابه‪« :‬ما‬ ‫تقولون يف مسأل ٍة اتفق عليها ٌ‬ ‫مالك وأصحابه‪ ،‬والشافعي وأصحابه‪ ،‬واألوزاعي وأصحابه‪ ،‬والحسن بن صال ٍح وأصحابه‪ ،‬وسفيان‬ ‫الثوري وأصحابه‪ ،‬وأحمد بن حنبلٍ وأصحابه؟ فقالوا‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬ال تكون مسأل ٌة أصح من هذه‪ .‬فقال‪ :‬هؤالء كلهم اتفقوا عىل‬ ‫تضليل أيب حنيفة»(‪.)16‬‬ ‫وأحمد بن حنبل هنا يقول عن ٍ‬ ‫مالك بن ٍ‬ ‫أنس أن رأيه ضعيف‪ ،‬وهذا يدل عىل عدم اعرتافه بفقه مالك‪ ،‬حيث روى الخطيب‬ ‫عن أحمد بن حنبل أنه ُسئل عن مالك‪ ،‬فقال‪« :‬حديث صحيح‪ ،‬ورأي ضعيف»(‪.)17‬‬ ‫فقهي مندثر) أنه قال‪« :‬أحصيت عىل ٍ‬ ‫مالك بن ٍ‬ ‫أنس سبعني مسأل ًة‬ ‫ونقل ابن عبد الرب عن الليث بن سعد (مؤسس‬ ‫ٍ‬ ‫مذهب ٍ‬ ‫كلها مخالف ٌة لسنة رسول الله صىل الله عليه وسلم مام قال فيها برأيه‪ ،‬قال‪ :‬ولقد كتبت إليه أعظه يف ذلك»(‪.)18‬‬ ‫‪ .12‬ابن حجر‪ ،‬اللسان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.415‬‬ ‫‪ .13‬حلية األولياء ‪ .325 / 6‬تاريخ بغداد ‪.421 / 13‬‬ ‫‪ .14‬حلية األولياء ‪.103 / 10‬‬ ‫‪ .15‬تاريخ بغداد ‪.439 / 13‬‬ ‫‪ .16‬تاريخ بغداد ‪.394 / 13‬‬ ‫‪ .17‬تاريخ بغداد ‪.445 / 13‬‬ ‫‪ -18‬جامع بيان العلم وفضله ‪.1080 / 2‬‬

‫‪28‬‬


‫تاريح الرصاعات الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني جـ ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫التعصب الفقهي انتقل بطبيعة الحال من طبقة الرجال املؤسسة للمذاهب الفقهية‪ ،‬إىل الفقهاء التابعني للمذهب‪ ،‬والذين‬ ‫تبي تعصبهم ملؤسس مذهبهم الفقهي ومهاجمة الفقهاء‬ ‫استمر الخط الفقهي بجهودهم‪ ،‬ونورد هنا بعض النصوص التي ّ‬ ‫املؤسسني للمذاهب األخرى‪ ،‬ونبدأ مع ما قاله الحافظ شمس الدين الذهبي (ت ‪ 748‬هـ) يف الحافظ يحيى بن معني (ت‬ ‫‪ 232‬هـ)‪ ،‬فعندما ذكر أن ابن مع ٍني قال‪ :‬أن اإلمام الشافعي ليس بثقة‪ ،‬أرجع ‪ -‬أي الذهبي ‪ -‬ذلك إىل فلتات اللسان والهوى‬ ‫والعصبية‪ ،‬ألن «ابن مع ٍني كان من الحنفية الغالة يف مذهبه‪ ،‬وأنه كان ِ‬ ‫محدث ًا»(‪.)19‬‬ ‫رش‬ ‫وقد بلغ التعصب مبلغه بحيث وصل األمر بالحافظ أيب ب ٍ‬ ‫الدواليب (ت ‪ 310‬هـ) بالكذب يف صحة األحاديث النبوية‪ ،‬فقط‬ ‫ألنه كان حنف ًيا مفرط التعصب ملذهبه‪ ،‬حتى أنه روى حديثًا يف‬ ‫القهقهة إسناده غري صحيح‪ ،‬فصححه ألن أبا حنيفة من‬ ‫رجاله(‪.)20‬‬ ‫رش الدواليب‪ ،‬بل إن بعض الحنفية‬ ‫ومل يقترص األمر عىل أيب ب ٍ‬ ‫مدح إلمامهم‬ ‫اختلقوا أحاديث نسبوها إىل رسول الله فيها ٌ‬ ‫وتبش ٌري به وذ ٌم لغريه‪ ،‬منها حديثان‪ ،‬األول يقول‪« :‬سيأيت بعدي‬ ‫ٌ‬ ‫ليحيي دين‬ ‫رجل يُقال له النعامن بن ثابت يُكنى أبا حنيفة‪ّ َ ،‬‬ ‫رجل يُقال‬ ‫الله وسنتي عىل يديه»‪ .‬والثاين يقول‪« :‬يكون يف أمتي ٌ‬ ‫له محم ٌد بن إدريس (يقصد الشافعي) أرض عىل أمتي من‬ ‫رجل يُقال له‪ :‬أبو حنيفة‪ ،‬هو رساج‬ ‫إبليس‪ ،‬ويكون يف أمتي ٌ‬ ‫أمتي»(‪.)21‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد الدمقراين الهندي (ت ‪ 789‬هـ)‪ ،‬شديد التعصب للمذهب الحنفي‪،‬‬ ‫وكان الفقيه الحنفي محب الدين محم ٌد بن‬ ‫(‪)22‬‬ ‫ويتكلم يف اإلمام الشافعي ويقع فيه‪ ،‬ويرى أن طعنه فيه هو عبادة!! ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد الدامغاين الحنفي (ت ‪ 513‬هـ)‪ ،‬عندما منع أن يُحكم يف‬ ‫يل بن‬ ‫ومن مظاهر مبالغاتهم ً‬ ‫أيضا ما ادعاه قايض القضاة ع ٌ‬ ‫‪ -19‬الذهبي‪ ،‬الرواة الثقات املتكلم فيهم مبا ال يوجب ردا‪ ،‬ص ‪.29،30‬‬ ‫‪ -20‬ابن حجر‪ ،‬اللسان‪ ،‬ج‪،5‬ص‪.41‬‬ ‫‪ -21‬محمد عجاج الخطيب‪ ،‬الس ّنة قبل التدوين‪ ،‬ص‪.210‬‬ ‫‪ -22‬ابن العامد الحنبيل‪ ،‬شذرات‪ ،‬ج‪،8‬ص‪.531‬‬

‫‪29‬‬


‫تاريح الرصاعات الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني جـ ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ٍ‬ ‫محمد وأيب يوسف‪ ،‬وأعلن أمام املأل بأعىل صوته بأنه مل يبق يف األرض مجتهد(‪.)23‬‬ ‫القضاء بغري رأي أيب حنيفة وصاحبيه‬ ‫أيضا تعصبوا ألحمد بن حنبل‪ ،‬حيث ينقل عن الحافظ يحيى بن مندة األصفهاين (ت ‪ 511‬هـ)‪ ،‬أنه قال‪:‬‬ ‫وبالنسبة للحنابلة ً‬ ‫«أن أحمد بن حنبلٍ إمام املسلمني‪ ،‬وسيد املؤمنني‪ ،‬وبه نحيى وبه منوت‪ ،‬وبه نُبعث إن شاء الله تعاىل‪ ،‬فمن قال غري هذا‬ ‫فهو من الجاهلني»(‪.)24‬‬ ‫وعن التعصب الفقهي عند الشافعية ينقل لنا الفقيه املؤرخ أيب شامة املقديس املتوىف سنة ‪ 665‬هجرية‪ .‬حيث قال إن‬ ‫املقلدين الشافعية يف زمانه كانوا إذا جاءهم الحديث الصحيح احتالوا يف دفعه مبا ال ينفعهم‪ .‬حتى أن بعضهم كان يستجيز‬ ‫مخالفة قول الشافعي بقو ٍل آخر يف مسأل ٍة أخرى‬ ‫بخالف القول األول‪ ،‬لكنهم ال يرون مخالفته ‪ -‬أي‬ ‫الشافعي ‪ -‬ألجل حديث رسول الله‪ .‬وذكر أن شافعية‬ ‫زمانه كانوا يتعصبون لكتب أيب ٍ‬ ‫حامد الغزايل‪ ،‬وأيب‬ ‫َ‬ ‫إسحاق الشريازي‪ ،‬حتى ولو خالفت الحديث الصحيح‬ ‫الرصيح‪ .‬وكان أكرث متعصبة الشافعية ير ّدون أقوال‬ ‫أكابر الصحابة‪ ،‬كأيب بك ٍر وعمر ‪ -‬ريض الله عنهام ‪ ،-‬وال‬ ‫ير ّدون قول الشريازي والغزايل(‪.)25‬‬ ‫رضيح الشافعي‬ ‫أيضا‪ ،‬فقال ‪ -‬أي ابن الجوزي‪:-‬‬ ‫ويتهم ابن الجوزي الخطيب البغدادي بالتعصب ملذهبه الشافعي‪ ،‬وبالتعصب عىل الحنابلة ً‬ ‫إنه تكلّم يف الحنابلة مبا ال يليق‪ ،‬وذمهم وتعصب عليهم‪ ،‬وقدح فيهم مبا أمكنه‪ ،‬وله يف ذلك دسائس‪ ،‬منها أنه عندما ترجم‬ ‫ألحمد بن حنبلٍ وصفه بأنه سيد املحدثني‪ ،‬وعندما ترجم للشافعي وصفه بأنه تاج الفقهاء‪ ،‬فوصفه بالفقه‪ ،‬ومل يصف ابن‬ ‫أيضا‪ .‬وعندما ترجم للمتكلم حسني الكرابييس البغدادي (ت قرن‪3 :‬هـ)‪ ،‬ذكر أنه قال عن أحمد بن حنبل‪:‬‬ ‫حنبلٍ بالفقه ً‬ ‫ٌ‬ ‫مخلوق قال‪ :‬بدعة‪ ،‬وأن قلنا غري مخلوق‪ ،‬قال‪ :‬بدعة»(‪.)26‬‬ ‫«إيش نعمل بهذا الصبي؟ إن قلنا لفظنا بالقرآن‬ ‫وقد ذهب الشافعي نفسه ضحية املتعصبني للمذهب املاليك يف مرص‪ ،‬حيث وجد الشافعي أن أصحاب املذهب املاليك‬ ‫يتعصبون بشد ٍة لإلمام ٍ‬ ‫مالك ويقدمونه يف الفقه عىل حديث رسول الله‪ ،‬قال اإلمام البيهقي‪« :‬إن الشافعي إمنا وضع الكتب‬ ‫عىل مالك (أي يف الرد عىل مالك) ألنه بلغه أن ببالد األندلس قلنسو ًة كانت ٍ‬ ‫ملالك يُستسقى بها‪ .‬وكان يقال لهم‪“ :‬قال رسول‬ ‫‪ -23‬ابن الجوزي‪ ،‬املنتظم‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.210‬‬ ‫‪ -24‬ابن رجب البغدادي‪ ،‬الذيل عىل طبقات الحنابلة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.101،156‬‬ ‫‪ -25‬أبو شامة‪ ،‬مخترص كتاب املؤمل‪ ،‬ص‪.217،218،227،230 237،‬‬ ‫‪ -26‬ابن الجوزي‪ ،‬املنتظم‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.269‬‬

‫‪30‬‬


‫تاريح الرصاعات الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني جـ ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ش يخطئ”‪ .‬فدعاه ذلك‬ ‫الله”‪ .‬فيقولون‪“ :‬قال مالك”‪ .‬فقال الشافعي‪“ :‬إن مالكًا بَ َ ٌ‬ ‫إىل تصنيف الكتاب يف اختالفه معه»‪ .‬ثم ألّف اإلمام الشافعي كتابًا ير ّد به عىل‬ ‫اإلمام ٍ‬ ‫مالك وفقهه‪ ،‬فغضب منه املالكيون املرصيون بسبب الكتاب وأخذوا‬ ‫يحاربون الشافعي‪ ،‬وتعرض للشتم القبيح املنكَر من عوامهم‪ ،‬والدعاء عليه من‬ ‫علامئهم‪ .‬يقول الكندي‪ :‬ملا دخل الشافعي مرص‪ ،‬كان ابن املنكدر يصيح خلفه‪:‬‬ ‫«دخلت هذه البلدة وأمرنا واحد‪ ،‬فف ّرقت بيننا وألقيت بيننا الرش‪ .‬ف ّر َق الله بني‬ ‫َ‬ ‫روحك وجسمك»(‪ .)27‬واصطدم كذلك بأحد تالميذ اإلمام ٍ‬ ‫مالك املقربني ممن ساهم‬ ‫بنرش مذهبه يف مرص‪ ،‬وهو أشهب بن عبد العزيز‪ .‬وكان أشهب يدعو يف سجوده‬ ‫محمد بن عبد الله بن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عبد‬ ‫باملوت عىل اإلمام الشافعي‪ .‬وروى ابن عساكر عن‬ ‫الْ َحك َِم أن أَشْ َه َب بْ َن َعبْ ِد الْ َعزِي ِز يَق ُ‬ ‫ُول ِف ُس ُجو ِد ِه‪« :‬اللَّ ُه َّم أَ ِم ْت الشَّ ا ِف ِع َّي‪ ،‬فَ ِإنَّ َك أن‬ ‫أَبْ َق ْيتَ ُه اِنْ َد َر َس َم ْذ َه ُب َمالِ ٍك»‪ .‬وروى ذلك ابن مندة عن الربيع أنه رأى أشهب‬ ‫يقول ذلك يف سجوده‪ .‬ثم قام املالكية برضب اإلمام الشافعي رضبًا عنيفًا بالهراوات حتى تسبب هذا بقتله وعمره ‪ 54‬عا ًما‬ ‫فقط‪ ،‬و ُدفن مبرص(‪.)28‬‬ ‫تبي مدى التعصب الفقهي الذي وصل بني فقهاء املدارس الفقهية السنية بصور ٍة عامة‪ ،‬حيث‬ ‫نورد هنا مزي ًدا من األمثلة التي ّ‬ ‫فيام يتعلق بالفقيه املاليك أصبعٍ بن خليلٍ القرطبي (ت ‪ 272‬هـ)‪ ،‬كان شديد التعصب للمذهب املاليك حتى أنه اختلق‬ ‫حديثًا يف ترك رفع اليدين يف الركوع والرفع منه‪ ،‬فكشف الناس أمره(‪.)29‬‬ ‫وكذلك األمر مع الفقيه أيب عثامن بن الحداد‬ ‫اإلفريقي (ت ‪ 302‬هـ)‪ ،‬كان مالكيًا ثم مال إىل‬ ‫مذهب الشافعي‪ ،‬وأصبح يتنقّص بعض الكتب‬ ‫املعظمة عند املالكية‪ ،‬فسمى كتاب املدونة‬ ‫باملدودة‪ ،‬فهجره املالكية‪ ،‬ثم عادوا وأحبوه عندما‬ ‫تصدى لداعية العبيديني أيب عبد الله الشيعي (ت‬ ‫‪ 297‬هـ)(‪.)30‬‬ ‫إحراق كتب «مخالفة» عىل يد تنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق والشام (داعش)‬ ‫‪ -27‬القضاة للكندي ص‪.428‬‬ ‫‪ -28‬توايل التأسيس‪ ،‬ص‪.147‬‬ ‫‪ -29‬ابن حجر‪ ،‬اللسان‪ ،‬ج‪،1‬ص‪.458‬‬ ‫‪ -30‬الذهبي‪ ،‬العرب‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.128‬‬

‫‪31‬‬


‫تاريح الرصاعات الفقهية يف‬ ‫املذهب الس ّني جـ ‪1‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫ٍ‬ ‫حزم األندليس (ت ‪ 456‬هـ)‪ ،‬فبسبب الخصومة التي كانت بينه وبني فقهاء املالكية باألندلس‬ ‫وما حدث لكتب أيب‬ ‫محمد بن ٍ‬ ‫جعلتهم ‪ -‬أي الخصومة ‪ -‬ميقتوه ويحرقون كتبه عالني ًة‪ ،‬حتى قال ابن حزم يف ذلك‪« :‬فإن يحرقوا القرطاس‪ ،‬ال يحرقوا الذي‬ ‫تض ّمنه القرطاس‪ ،‬بل هو يف صدري»(‪.)31‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد البالساغوين الرتيك (ت‬ ‫ملستويات كبري ٍة ج ًدا عند بعض الفقهاء‪ ،‬مثل الفقيه الحنفي أبو عبد الله‬ ‫وقد وصل التعصب‬ ‫‪ 506‬هـ)‪ ،‬وكان غال ًيا يف التعصب للمذهب الحنفي‪ ،‬وكثري الوقيعة يف املذهب الشافعي‪ ،‬وكان يقول‪« :‬لو كان يل والي ٌة ألخذتُ‬ ‫الجزية من الشافعية‪ ،‬فجعلهم مبرتبة أهل الذمة من اليهود والنصارى واملجوس!!»(‪.)32‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد الربوي (ت ‪ 567‬هـ)‪ ،‬كان شديد التعصب عىل الحنابلة والتحامل عليهم‪ ،‬حتى‬ ‫الفقيه الشافعي أبو املظفر محم ٌد بن‬ ‫لوضعت عىل الحنابلة الجزية»‪ ،‬فجعلهم مبنزلة أهل الذمة!! وبسبب شدة تعصبه عليهم ُروي‬ ‫أنه كان يقول‪« :‬لو أن يل أم ًرا‬ ‫ُ‬ ‫أن أحدهم دس إليه بعض جهلة الحنابلة من أهدى له شيئًا فامت(‪.)33‬‬ ‫وكذلك الفقيه القايض أمري كاتب بن عمر الحنفي (ت ‪ 758‬هـ)‪ ،‬كان شديد التعصب للحنفية ُمعج ًبا بنفسه‪ ،‬متعص ًبا عىل‬ ‫مخالفيه عام ًة والشافعية خاص ًة‪ ،‬وقد سعى لدى رجال الدولة مبرص والشام إىل إتالفهم ‪ -‬أي الشافعية ‪ -‬فام أفلح يف‬ ‫مسعاه(‪.)34‬‬ ‫فقهي آخر إلّ بالقياس بالكتابية‪ ،‬حيث‬ ‫بل تطور األمر عند بعض الفقهاء بعدم جواز تزويج النساء من رجا ٍل معتنقني‬ ‫ٍ‬ ‫ملذهب ٍ‬ ‫قال الشيخ أبو حفص‪ :‬ال ينبغي للحنفي أن يزوج بنته من رجلٍ شافعي املذهب‪ .‬وهكذا قال بعض مشايخنا‪ ،‬ولكن يتزوج‬ ‫تنزيل لهم منزلة أهل الكتاب(‪.)35‬‬ ‫بنتهم‪ .‬زاد يف «البزازية» ً‬ ‫وانتهى الحال بالفقهاء أن يكفر بعضهم البعض‪ ،‬حيث اجتمعت بقية املذاهب عىل الحنابلة غض ًبا من أعامل ابن تيمية‪،‬‬ ‫ونودي يف دمشق وغريها‪ :‬من كان عىل دين ابن تيمية ُح ّل ماله ودمه‪ .‬مبعنى أنهم يعاملونهم معاملة الكفرة‪ ،‬ويف املقابل‬ ‫نجد الشيخ ابن حاتم الحنبيل يقول‪« :‬من مل يكن حنبل ًيا فليس مبسلم»(‪.)36‬‬

‫‪ .31‬ابن حجر‪ ،‬لسان امليزان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.200‬‬ ‫‪ .32‬معجم البلدان‪ ،‬ج‪،1‬ص‪.476‬‬ ‫‪ .33‬ابن كثري‪ ،‬طبقات فقهاء الشافعيني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.69‬‬ ‫‪ .34‬ابن حجر‪ ،‬الدرر الكامنة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.495‬‬ ‫‪ .35‬البحر الرائق (‪.)51 /2‬‬ ‫‪ .36‬تذكرة الحفّاظ ج‪3‬ص‪.375‬‬

‫‪32‬‬


‫ﻣﺴﻠﻤﻮ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻮﻥ‬

Ex-Muslims of North America NO BIGOTRY, NO APOLOGY

‫دون ﺗﻌﺼﺐ أو اﻋﺘﺬار‬ ‫ﻧﺒﻨﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺩﺍﻋﻤﺔ‬

Building Communities

‫ﻧﻨﺸﺮ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ‬

Promoting Secular Values

‫ﻧﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻔﻴﻒ ﻋﻮﺍﻗﺐ ﺍﻟﺮﺩﺓ‬

Mitigating Costs of Apostasy

‫ﻧﺴﻌﻰ ﻟﺘﻄﺒﻴﻊ ﺍﻻﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ‬

Normalizing Religious Dissent

facebook.com/exmna

exmna.org

@exmuslimsofna

theexmuslim.com

E MNA 33


‫اإللحاد جـ ‪:3‬‬ ‫مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫نستكمل معكم سلسلة مقاالت «اإللحاد» بقلم‬ ‫إنيك‪ ،‬وهي تجمي ٌع ملنشور ٍ‬ ‫ات قام إنيك بكتابتها‬ ‫يف منتدى شبكة امللحدين العرب‪ ،‬ثم تم جمعها‬ ‫كتاب بصيغة ‪ pdf‬تم نرشه يف العام‬ ‫عىل شكل ٍ‬ ‫‪.2008‬‬

‫‪Enki‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪Enki‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫ك ّنا قد قدمنا يف أعدا ٍد سابق ٍة من املجلة الفصول األربعة األوىل من الكتاب‪ ،‬واليوم نق ّدم لكم الفصول‬ ‫الخامس وحتى السابع‪ ،‬وهي تحمل العناوين التالية‪:‬‬ ‫‪ -5‬مفاهيم يف اإللحاد‪ :‬العلم‪.‬‬ ‫‪ -6‬مفاهيم يف اإللحاد‪ :‬كليات العامل‪.‬‬ ‫‪ -7‬مفاهيم يف اإللحاد‪ :‬الصدفة‪.‬‬

‫‪ -5‬مفاهيم يف اإللحاد‪ :‬ال ِعلم‬

‫يُع ِّرف املناطقة العلم عىل أنّه‪ :‬انكشاف اليشء‬ ‫ٍ‬ ‫بكلامت أخرى إن العلم هو‬ ‫عىل ما هو عليه‪،‬‬ ‫انتقال صورة املعلوم أو وجوده إىل ِ‬ ‫الذهن بكامل‬ ‫وإل‬ ‫نقص أو زياد ٌة ّ‬ ‫تفاصيلها ودون أن يعرتيها ٌ‬ ‫نقسم العلم‬ ‫استحال العلم ً‬ ‫جهل مرك ًبا؛ ميكن أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مبستويات‬ ‫تفصيالت‬ ‫ونفصله‬ ‫أقسا ًما عديد ًة‬ ‫ّ‬ ‫مختلف ٍة معتمدين عىل ما هو أنسب ملا نريد‬ ‫أن ندرسه‪ ،‬ومبا أنّنا نتحدث عن اإللحاد‪ ،‬أي عن‬ ‫وعلم‬ ‫وجود اإلله من عدمه فإن أنسب‬ ‫علم حصو ٍّيل ٍ‬ ‫نقسم العلم إىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تقسيم للعلم يف هذا املجال هو أن ّ‬ ‫حضوري‪.‬‬

‫العلم الحضوري والحصويل‪:‬‬

‫مـثل أنا أعرف بوجود خاليا ولكني‬ ‫رصا عىل وجوده دون ماهيته‪ً ،‬‬ ‫تار ًة حينام نعلم بيش ٍء ما يكون علمنا مقت ً‬ ‫ال أعرف ما هي الخلية وال أعرف تركيب الخلية‪ ،‬وأنا أعرف أن هناك ضو ًءا ولكن ال أعرف ماهية الضوء‪،‬‬ ‫رصا عىل وجوده دون ماهيته نسمي هذا العلم بالعلم الحضوري أي أنّه‬ ‫فحينام يكون علمي باليشء مقت ً‬ ‫حضور وجود املعلوم لدى العامل‪.‬‬ ‫مم تتكون‬ ‫وتار ًة أخرى نعلم ماهية اليشء املعلوم فتكون عندنا صور ٌة عن هذا اليشء فأنا أعلم الذرة وأعرف ّ‬ ‫‪35‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫وأعلم الحصان ففي ذهني صور ٌة عن الحصان أستطيع استحضارها أينام شئت وأعرف أنّه حيوا ٌن صاهل‪،‬‬ ‫علم حصول ًيا‪.‬‬ ‫فحينام أعلم ماهية اليشء فإ ّن علْمي هذا يسمى ً‬ ‫؟‬

‫مادة‬

‫العلم عني املعلوم‪:‬‬ ‫حيوان‬ ‫قلنا فيام سبق أ ّن العلم هو انكشاف صورة وجود أو ماهية املعلوم إىل الذهن‪ ،‬وهذا االنكشاف إذا مل‬ ‫إنسان‬ ‫علم‪ ،‬فعىل سبيل املثال تخيل لو أ ّن الصورة املرتسمة بذهنك‬ ‫يكن حاك ًيا عن اليشء الخارجي فإنّه ال يكون ً‬ ‫علم؟ الجواب هو‪ :‬ال‪ ،‬أل ّن ما هو‬ ‫عن الصني هي أنّها مدين ٌة يف أمريكا الجنوبية فهل نسمي هذه الصورة ً‬ ‫آسيويزيدوليس مدين ًة يف أمريكا‬ ‫مرتسم يف ذهنك عن الصني ليس حاك ًيا عن اليشء الخارجي إذ أ ّن الصني بل ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫جهل مرك ًبا (ألنك تجهل املوجود الخارجي وتجهل أنّك تجهل)‪ ،‬إذًا العلم هو‬ ‫الجنوبية فنسمي صورتك هذه ً‬ ‫عني املعلوم‪ ،‬وإثبات هذه القضية يكون بربهان الخلف‬ ‫كام يف املناقشة السابقة‪ ،‬إذ أننا نقول‪ :‬لو مل يكن العلم‬ ‫جهل‪،‬‬ ‫عني املعلوم فإنّه سيكون غريه وإذا كان غريه استحال ً‬ ‫باطل فنقيضه‬ ‫بينام املفروض أنّه ِعلْم‪ ،‬ومبا أ ّن النقيض ٌ‬ ‫صائب‪ ،‬لذا فالعلم عني املعلوم‪.‬‬

‫فانٍ‬

‫وميكن أن نثبت األمر من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬فالقضية يف املنطق‬ ‫فيها طرفان‪ :‬موضو ٌع ومحمول (نظري املبتدأ والخرب عند‬ ‫النحويني)‪ ،‬مثال ذلك أن تقول‪:‬‬

‫سقراط‬

‫إنسان‬

‫متثيل بواسطة أشكال ڤن لالستدالل‪ :‬كل إنسانٍ فانٍ ‪ ،‬سقراط‬ ‫َ‬ ‫االستدالل‪.‬‬ ‫إنسان‪ ،‬إذًا سقراط فان‪ ،‬حيث متثل منطقة التقاطع‬

‫سقراط إنسان‪ ،‬فسقراط موضوع‪ ،‬وإنسانٌ محمول‪.‬‬

‫القضية يف املنطق قد تكون صائب ًة وقد تكون خاطئ ًة‪ ،‬وحينام نقول أ ّن القضية صائب ٌة فإ ّن هذا معناه أ ّن‬ ‫هناك رابطًا متحققًا بني املوضوع واملحمول بينام القضية الخاطئة معناها أ ّن الرابط بني املحمول واملوضوع‬ ‫قد ارتفع‪.‬‬ ‫فإذًا‪ ،‬حمل املحمول عىل املوضوع يف املنطق يتضمن وجود ر ٍ‬ ‫ابط بينهام مبع ًنى آخر‪ :‬إ ّن الحمل هو نو ٌع من‬ ‫‪36‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫التوحيد بني املحمول واملوضوع فكأنهام صارا شيئًا واح ًدا‪ ،‬حينام نقول‪:‬‬ ‫اإلنسان حيوانٌ ناطق‪.‬‬ ‫فنعلم أ ّن هناك تو ّحد (يف املفهوم) بني اإلنسان وبني الحيوان الناطق فالحيوان الناطق هو اإلنسان واإلنسان‬ ‫هو الحيوان الناطق وهذا التوحد معناه أ ّن حصول العلم يف القضايا معناه أن يكون املعلوم عني العلم‪.‬‬

‫العلم جهة متايز‪:‬‬

‫لب املوضوع هو أنّه ملَّا ثبت عندنا كون العلم عني املعلوم فإنّه بتاميز املعلوم يكون‬ ‫بعد هذه املقدمات فإن ّ‬ ‫وبكالم آخر نحن نعرف أ ّن ماهية الشجرة غري ماهية الطائرة غري ماهية السامء غري ماهية‬ ‫العلم متامي ًزا‬ ‫ٍ‬ ‫الحجر وبالتايل فإ ّن العلم مباهية الشجرة ليس كمثل العلم مباهية الطائرة ليس كمثل العلم مباهية السامء‬ ‫وهلُّم ج ّرة‪.‬‬ ‫فكل‬ ‫فالعلم إذًا متامي ٌز أل ّن املعلوم متاميز‪ّ ،‬‬ ‫عا ٍمل يكون متامي ًزا من حيث هو عاملٌ وعليه‬ ‫فإ ّن البسيط ال يكون عاملًا الستحالة اجتامع‬ ‫البساطة والتاميز (ألنهام متقابالن)‪ ،‬فالتاميز‬ ‫تكث بينام البساطة هي جهة ٍ‬ ‫هو جهة ّ ٍ‬ ‫توحد‬ ‫والواحد يقابل الكثري‪.‬‬ ‫فلو فرضنا أ ّن اإلله موجو ٌد فال ب ّد أن يكون‬ ‫عاملًا وليك يكون عاملًا فال ب ّد أن تكون فيه جهة‬ ‫متاي ٍز وإذا متايزت إحدى جهاته كان مرك ًبا واملركب محتاج إىل أجزاءه واملحتاج إىل أجزا ٍء ال يكون إلٰ ًها أل ّن‬ ‫الحاجة دليل اإلمكان واملمكن ال يكون واج ًبا‪.‬‬ ‫لهذا السبب فإ ّن العلم يكون من وظائف العضو املركب املعقد إىل الدرجة التي يُستطاع معها فرض التاميز‬ ‫وهذا العضو هو الدماغ‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫‪ -6‬كلّيات العامل‬

‫كل ٍ‬ ‫ملحد أن يعرفها هي كيف نشأ العامل يف ظل فرض امللحد أنّه ال يوجد إله‪،‬‬ ‫لعل أه ّم نقط ٍة يجب عىل ّ‬ ‫وهنا أنا أتحدث عن اإللحاد اإليجايب وعن املذهب الطبيعي يف اإللحاد وال أقصد بذلك اإللحاد السلبي أو‬ ‫باقي املذاهب الفكرية اإللحادية‪.‬‬

‫نحن حينام نقول‪ :‬إ ّن العامل أو الكون‬ ‫أز ٌّيل فنحن ال نقصد بذلك األرض‬ ‫والشمس والقمر واملجرات ومجاميع‬ ‫ٍ‬ ‫تنظيامت أعىل‪،‬‬ ‫املجرات وغريها من‬ ‫فحينام يأيت أح ٌد بإثبات أ ّن هذه‬ ‫حادث ٌة فإ ّن هذا األمر ال يعنينا ألننا‬ ‫مل نقل أن الشمس أزل ّي ٌة ليك يكون‬ ‫من يف ّند هذا مف ِّن ًدا لإللحاد‪ ،‬فهذه‬ ‫كلها جزئيات العامل أو الكون ونحن نقول‪ :‬إ ّن كلّيات العامل هي غري الحادثة بل هي أزل ّي ٌة ومنها صدر العامل‪.‬‬ ‫فالسؤال اآلن ما هي كلّيات العامل هذه؟‬ ‫كل وبني كل‪.‬‬ ‫يل وجز ٍيئ والفرق بني ّ‬ ‫قبل أن نبحث الجواب ال ب ّد أن نحاول فهم معنى ك ٍّ‬ ‫(كل وجزء) بالفطرة فنعرف أ ّن بغداد جز ٌء من العراق وأ ّن حلب جز ٌء من‬ ‫من الواضح أننا كلنا ندرك معنى ّ‬ ‫كل وأقسامه أجزاء هذا الكل وتأتلف األجزاء مع بعضها لتشكل هذا الكل‪.‬‬ ‫سوريا فكأمنا العراق ٌّ‬ ‫الكل فهو ما يصدق عىل كثريين يف حني أ ّن الجزيئ هو ما ال يصدق عىل كثريين‪.‬‬ ‫أما ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عىل سبيل املثال اإلنسان يصدق عىل ٍ‬ ‫كل ألنّه يصدق عىل كثريين‬ ‫وخالد ولذا نقول‪ :‬أ ّن اإلنسان ّ‬ ‫زيد وعم َر‬ ‫زيد فزي ٌد ال يصدق عىل عمر ألن عمر غري ٍ‬ ‫لكن زي ًدا ال يصدق َّإل عىل ٍ‬ ‫زيد ولذا نقول‪ :‬إ ّن زي ًدا جزيئ‪.‬‬ ‫كل بينام زي ٌد أو عمر أو خال ٌد أو أي إنسانٍ بتشخصه جزيئ اإلنسان‪.‬‬ ‫فاإلنسان ّ‬ ‫كل ألنّه يصدق عىل اإلنسان وعىل الفرس وعىل الطري‪ ،‬بينام جنس اإلنسان‬ ‫بنفس الطريقة نقول‪ :‬إ ّن الحيوان ّ‬ ‫‪38‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫(كموجو ٍد ِذهني) ال يصدق َّإل عىل اإلنسان وال يصدق عىل الفرس والطري‪.‬‬ ‫فالحيوان بحسب هذا التصنيف األوسع يكون كلّيًا بينام اإلنسان يكون جزيئ الحيوان‪.‬‬ ‫وهكذا نقول‪ :‬إ ّن املادة كلّي ٌة ألنها تصدق عىل الحيوان وعىل الجامد وباقي األجسام بينام الحيوان هو جزيئ‬ ‫املادة‪.‬‬ ‫كل بينام الحيوان جزيئ املادة‪.‬‬ ‫فمر ًة أخرى يكون عندنا املادة ّ‬ ‫فكأننا بهذا نبحث عن خاص ٍة مشرتك ٍة أو جهة اشرت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫موجودات وتكون جهة االشرتاك هذه مثا ًرا‬ ‫اك بني عدة‬ ‫للكل‪ ،‬فنحن الحظنا وجود جهة شب ٍه بني اإلنسان والفرس‬ ‫ّ‬ ‫والطري وهي أنّهم كلّهم أحيا ٌء ولذا كانت هذه الخاصة مثا ًرا‬ ‫؟‬ ‫كل العامل‬ ‫كل اإلنسان والفرس والطري‪ ،‬إذن ّ‬ ‫الستنباط ما هو ّ‬ ‫مادة‬ ‫كل ما هو موجو ٌد يف العامل‬ ‫ما هو؟ هو هذا الذي يصدق عليه ّ‬ ‫حيوان‬ ‫كل يش ٍء به‪ ،‬فيمكن إطالقه عىل‬ ‫بحيث يصدق أن يسمى ّ‬ ‫إنسان‬ ‫وكل يش ٍء مهام كان‪ ،‬وهذا‬ ‫اإلنسان والحيوان واملادة واألمواج ّ‬ ‫كل الكون وأساسه الذي يقوم عليه‪،‬‬ ‫الكل بالتحديد هو ركن ّ‬ ‫ّ‬ ‫زيد‬ ‫إنّه مثل األساس الذي يقوم عليه البيت‪ ،‬وطب ًعا البيت ليس‬ ‫هو األساس كام أ ّن الشمس ليست هي كلّية العامل‪.‬‬ ‫يف العلم يقال أ ّن األجسام تتكون من ذر ٍ‬ ‫ات وأ ّن الطريقة التي ترتابط بها هذه الذرات هي ما مينح األجسام‬ ‫املختلفة خواصها‪ ،‬فهي باألصل مبني ٌة من نفس الوحدات البنائية‪ ،‬ولكن نتيجة اختالف كيفية البناء تختلف‬ ‫تب ًعا لذلك خواص األجسام‪ ،‬فامهيات األشياء بنا ًء عىل هذا ال تعدو أن تكون وصفًا لعالقات االرتباط‬ ‫بني أجزاء اليشء فالذرة تب ًعا لذلك هي جزيئ األجسام ألنّها تنطبق عىل كثريين والذرة نفسها مركب ٌة من‬ ‫ٍ‬ ‫جسيامت ذري ٍة وهي بدورها مركبة‪ ،‬وسنستمر بهذا التفكيك حتى نصل يف نهاية األمر إىل صور ٍة من صور‬ ‫وكل‬ ‫الطاقة والتي منها تأيت الكتل واملادة (وإن كان بصور ٍة غري معروف ٍة كلّيًا يف الوقت الحارض) واإلشعاع ّ‬ ‫كل ما نعرف من الكون‪ ،‬والفلسفة اإللهية ال تعمل يف ملعب العلم بل تعمل فيام‬ ‫يش ٍء آخر‪ ،‬فالطاقة هي ّ‬ ‫ال يستطيع العلم الوصول إليه من كل ٍ‬ ‫الكل الذي يشكل أساس العامل رمبا‬ ‫ّيات ميتافيزيقية(‪ ،)1‬ولذا نقول أ ّن ّ‬

‫فانٍ‬

‫سقراط‬

‫‪39‬‬

‫إنسان‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫لن يستطيع العلم أن يكشف عن كنهه‪ ،‬ألنّه ال أجزاء له فلو كان له أجزا ٌء لكان جز ٌيئ أم ًرا آخر؛ تخيل معي‬ ‫مثل الكوارك‪ ،‬ما هو الكوارك؟ نحن إذا قلنا إن الكوارك ال ميكن أن ينقسم أو تكون له أجزا ٌء فإ ّن «السؤال‬ ‫ً‬ ‫ما هو الكوارك؟» ال ميكن أن يجاب عليه بذكر البنية ألنّه ال بنية له ولو كانت له بني ٌة لكان له أجزا ٌء بينام‬ ‫املفروض أنّه ال أجزاء له ومع أن هذا األمر غري مفرو ٍغ منه علم ًيا َّإل أنّه ٌ‬ ‫مثال جي ٌد لتوضيح الفكرة‪.‬‬ ‫آثاري‪ ،‬فهي ما منها وجود العامل وهي أساس‬ ‫ماهي لها ألنّه ال ماه ّية لها بل تعريفها ّ‬ ‫فكلّيات العامل ال تعريف ٌّ‬ ‫أيضا ق ًوى طبيعي ٌة يصدر منها الفعل بحسب طبعها ال بحسب علمها وإرادتها‪.‬‬ ‫الكون وقوامه وهي ً‬ ‫كل العامل معلولً ؟ وأنّه ال ب ّد أن يكون هو واجب الوجود؟‬ ‫نأيت اآلن لنرشح ملاذا ال ميكن أن يكون ّ‬ ‫ويف الحقيقة فإ ّن اإلجابة عىل هذا السؤال هو من البداهة مبكانٍ حينام نعرف ما هو مناط الحاجة إىل علَّة؟‬ ‫أي متى يكون اليشء بحاج ٍة إىل علَّ ٍة ومتى ال يكون بحاج ٍة إىل علَّة؟ وقبل أن نخوض يف هذا املضامر ال ب ّد‬ ‫أن نتسلَّح باملعرفة الصحيحة للعلّية واملعلول ّية ومنيز بني أنواعها وخصائصها‪.‬‬ ‫إننا حينام نتحدث عن مفهوم العلّية فنحن ال نقصد ما يفهمه الفالسفة الحاليني من مفهوم السببية‪ ،‬فمعنى‬ ‫دراسة السببية عندهم هو دراسة األثر واملؤثر بينام نقصد بالعلَّة خصوص ما منه الوجود أو قل‪ :‬ذاك اليشء‬ ‫مثل حينام تصطدم إحدى كرات البليارد باألخرى فتسبب تدحرجها‪،‬‬ ‫الذي يفيض أو مينح الوجود للمعلول‪ً ،‬‬ ‫فنحن هنا نتح ّدث عن أث ٍر ومؤث ٍر فالكرة األوىل باصطدامها بالثانية سببت حركتها ولكنها مل تكن السبب يف‬ ‫وجود الكرة الثانية‪ ،‬فالكرة الثانية موجود ٌة سوا ًء اصطدمت بها األوىل أو مل تصطدم فهنا عندنا أث ٌر ومؤثر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سبب فإ ّن هذا ال‬ ‫ومن الواضح أ ّن العلم الحديث حينام يتحدث عن خرقٍ لقانون السببية وعن‬ ‫أحداث بال ٍ‬ ‫فمثل يقال يف الفيزياء الكوانتية أو الكمية أ ّن التموجات‬ ‫شأن له مبوضوع نقاشنا ألنّه حديثٌ عن أث ٍر مؤثر‪ً ،‬‬ ‫(لكل ٍ‬ ‫حدث محدثٌ‬ ‫الفراغية ال سبب لها فهذا ال ينفي قانون العلّية وإنّ ا ينفي قانون األثر واملؤثر أو قانون ّ‬ ‫أو سبب) الذي يتبجح املتكلمون وأدعياء الفلسفة بصحته من جديد‪ ،‬حديثنا هو عن العلل الحقيقية أي‬ ‫مـثل خذ املصباح الكهربايئ‪ ،‬حينام مير التيار الكهربايئ يف املصباح فإ ّن‬ ‫تلك العلل املفيضة للوجود لغريها‪ً ،‬‬ ‫الضوء ينبعث من املصباح‪ ،‬فمرور التيار يف املصباح هو علَّة وجو ٍد أو علَّة صدور الضوء من املصباح وهذا‬ ‫‪ -1‬غالبًا ما يساء فهم مصطلح فلسف ٍة إلهية‪ ،‬فالفلسفة اإللهية مبعناها الواسع هو دراسة املوجود مبا هو موجو ٌد أو دراسة أحوال املوجود وال يُفهم منها دراسة صفات اإلله إلَّ إذا‬ ‫أريد املعنى الضيق من الكلمة‪ ،‬وكان أرسطو يشري لهذا األمر بكلمة ميتافيزيقيا ويراد بها دراسة املوجودات أو دراسة الكلّيات ومن ث َّم تحرف املعنى ليعني ما وراء الطبيعة‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫ٌ‬ ‫تقريبي للعلَّة الحقيقية‪ .‬الحظ معي أ ّن وجود الضوء يف املصباح مرتب ٌط مبرور التيار الكهربايئ وأنّه ال‬ ‫مثال‬ ‫ٌّ‬ ‫انفكاك بني االثنني‪ ،‬فحاملا انقطع الَّتيار باستخدام مفتاح الطاقة حتى ينطفئ املصباح ويزول الضوء‪ ،‬فهناك‬ ‫وثيق بني العلَّة واملعلول بحيث أنّه إذا ُوجدت العلَّة ال ب ّد أن يوجد معها معلولها وإذا غابت‬ ‫إذًا ارتبا ٌط ٌ‬ ‫العلَّة غاب معها معلولها وال ميكن أن ينفك املعلول عن علَّته مادامت تام ًة‪.‬‬ ‫ملّا يأيت من يقول أ ّن الله كان موجو ًدا ومل‬ ‫يكن معه يش ٌء ث ّم أنّه خلق العامل فنحن‬ ‫سليم ألنه‬ ‫نقول له‪ :‬إ ّن هذا الكالم غري ٍ‬ ‫يرتتب عليه أن تكون العلَّة املتمثلة بالله‬ ‫موجود ًة ومعلولها غري موجود‪ ،‬أي يرتتب‬ ‫عليه انفكاك العلَّة عن املعلول وقد رأينا أنّه‬ ‫ال ميكن أن تكون العلَّة موجود ًة ومعلولها‬ ‫غري موجود!‬ ‫يقول الفالسفة‪ :‬إ ّن الزم وجود العلَّة بال وجود معلولها هو جواز عدمه مع وجودها والزمه تحقق عدم‬ ‫املعلول لعدم العلَّة من دون علَّ ٍة‪ ،‬يعني إذا أمكن تصور الله بال العامل فإنّه ميكن تصور العامل بال الله!‬ ‫ألي يشء‪ ،‬فال ميكن أن تصدر الربودة‬ ‫أي يش ٍء علَّ ًة ّ‬ ‫األمر اآلخر هو أننا نالحظ بالبديهة أنّه ال ميكن أن يكون ّ‬ ‫من النار أو الحرارة من الثلج إىل اإلنسان ومقتىض هذا هو أن يكون يف العلَّة خصوصي ٌة معين ٌة تجعلها‬ ‫مثا ًرا لوجود املعلول‪ ،‬فال ب ّد أن تكون يف النار خصوصي ٌة معين ٌة تجعلها علَّ ًة للحرارة بحيث ال تكون هذه‬ ‫أي‬ ‫الخصوصية موجود ًة يف الثلج‪ ،‬فإذًا‪ ،‬قانون العلّية واملعلولية ليس قانونًا اعتباط ًّيا يجوز فيه أن يكون ّ‬ ‫ألي يش ٍء عىل سبيل االعتباط والخرافة والتأليف والتمني‪ ،‬وهذا هو ما يفصل منهجنا الواقعي عن‬ ‫يش ٍء علَّ ًة ّ‬ ‫السفسطة والخرافة‪ ،‬فحينام يقول قائل‪ :‬أنا أعرف أ ّن سبب رشوق الشمس صياح الديك نقول له‪ :‬هذا غري‬ ‫ممكنٍ ألنه ال يوجد ارتبا ٌط بني األمرين وال توجد خصوصي ٌة يف الديك تجعله سب ًبا لرشوق الشمس‪ ،‬وهكذا‬ ‫حينام يأيت مؤم ٌن ويقول‪« :‬أنا أعرف سبب وجود العامل أنّه الله الخارج عن الزمان واملكان»‪ ،‬نقول له هذا‬ ‫جواب سفسطا ٌّيئ وليس جوابًا واقع ًيا ألنّه بحكم كونه خار ًجا عن الزمان واملكان فقد انفك عن معلوله وال‬ ‫ٌ‬ ‫ميكن للعلَّة أن تنفك عن معلولها كام أنّه مقتىض قولك أ ّن الله علَّة العامل‪ ،‬أن يكون لله خصوصياتٌ متعدد ٌة‬ ‫‪41‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫كل ما يف العامل والزمه تعدد الخاصيات والزم تعدد الخاصيات هو الرتكب ألن ما به االتفاق غري ما‬ ‫بتعدد ّ‬ ‫محتاج إىل أجزاءه والحاجة دليل املعلولية فال ميكن‬ ‫به االشرتاك وال ميكن أن يكون اإلله مركبًا ألن املركّب‬ ‫ٌ‬ ‫أن يكون املركب علَّ ًة ال علَّة لها‪.‬‬ ‫حس ًنا إذًا ملاذا يكون اليشء محتا ًجا إىل علَّة؟ أو متى يكون بحاج ٍة إىل علَّة ومتى ال يكون؟ نأيت ملناقشة بعض‬ ‫اآلراء يف هذا املوضوع‪:‬‬ ‫‪ -1‬املتكلمون وبعض أدعياء الفلسفة جعلوا الحدوث مناطًا لحاجة اليشء إىل علَّة فقالوا‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫حادث ال ب ّد له من محدث)‪ ،‬أو كام ترِد عىل لسان بعض الفالسفة الغربيني املتأثرين بدليل الحدوث‬ ‫(كل‬ ‫ّ‬ ‫(كل ما له بداية ال ب ّد له من سبب)‪ ،‬يف الحقيقة لقد وقع هؤالء‬ ‫‪ّ Kalam Cosmological Argument‬‬ ‫يف خطأٍ مزدو ٍج‪ ،‬فحدوث اليشء‬ ‫مستحيل فقد رأينا أ ّن‬ ‫ٌ‬ ‫من العدم‬ ‫ٍ‬ ‫حادث ال ب ّد أن يكون مسبوقًا‬ ‫كل‬ ‫ّ‬ ‫مبادة‪ ،‬فمسبوقية وجود اليشء‬ ‫بعدم ٌ‬ ‫يل ورأينا أ ّن السبب‬ ‫ٍ‬ ‫محال عق ٌّ‬ ‫يف ذلك هو تساوي نسبة الحدث‬ ‫كل لحظات الزمان‪ ،‬وملّا كانت‬ ‫إىل ّ‬ ‫هذه النسبة متساوي ًة فإنّه ال‬ ‫مخصص لصدور الحدث يف‬ ‫يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هذه اللحظة عام سواها وبالتايل‬ ‫يستحيل الحدوث الستحال الرتجح بال مرجح‪ ،‬إ ّن هذا يعيد األمر إىل البحث يف األثر واملؤثر ألنّه (ال حدوث‬ ‫من عدم) فيستحيل البحث يف األسباب هنا إىل ٍ‬ ‫بحث عن مؤث ٍر وليس علَّ ًة حقيقي ًة مانح ًة للوجود‪.‬‬ ‫األمر اآلخر الذي أخطأ به هؤالء هو أ ّن الحادث من حيث هو حادث (أي مجرد مسبوقية اليشء بعدم) ال‬ ‫يحتاج إىل علَّ ٍة فمناط الحاجة إىل العلَّة ال ب ّد أن يبحث يف ذات املعلول وليس يف العدم السابق لها‪.‬‬ ‫‪ -2‬بعض الفالسفة املؤمنني بفلسفة ابن سينا يرون أ ّن مناط الحاجة إىل علَّ ٍة هو اإلمكان أل ّن املاهيات‬ ‫مثل اإلنسان ميكن أن نتصور أنّه موجو ٌد بنفس املقدار الذي‬ ‫عندهم متساوية النسبة إىل الوجود والعدم‪ً ،‬‬ ‫ميكن أن نتصور أنّه غري موجو ٍد وإذا كانت نسبته متساوي ًة إىل الوجود والعدم فال ب ّد من ترجي ٍح يرجح‬ ‫‪42‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫كل ما له‬ ‫أحدهام عىل اآلخر وهذا املرجح هو العلَّة‪ ،‬فمناط الحاجة إىل علَّ ٍة عندهم هو اإلمكان املاهوي‪ّ ،‬‬ ‫ماه ّية ال ب ّد له من علَّة‪.‬‬ ‫أصيل وأ ّن الوجود ٌ‬ ‫ظرف يضاف إىل املاهية‪ ،‬أي أ ّن‬ ‫ومحل الخطأ يف هذا األمر هو يف اعتبار أ ّن املاهية يش ٌء ٌ‬ ‫اعتباري بينام املاهيات أصيل ٌة وهذا خطأٌ ألنّه إذا كان الوجود هو املخرج عن ح ّد استواء املاهية‬ ‫الوجود أم ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫اعتباري فال ب ّد أن تكون األصالة للوجود وتكون‬ ‫فإنّه ال ميكن أن يكون اعتباريًّا‪ ،‬إذ ال ميكن أن تكون العلَّة أم ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫املاهية من توابع املوجود وليس العكس‪.‬‬ ‫إذًا ما هو مناط الحاجة إىل علَّة؟‬ ‫بديهي ج ًدا من الطريقة التي عرفنا بها العلَّة فقد قلنا‪ :‬إ ّن العلَّة‬ ‫السؤال‬ ‫يف الحقيقة أ ّن الجواب عىل هذا ُّ‬ ‫ٌّ‬ ‫هي ما منه الوجود‪ ،‬فإذًا املعلول هو هذا الذي يتلقى فيض الوجود‪ ،‬فهو عىل هذا خا ٍل ذات ًيا من الوجود‬ ‫ٍ‬ ‫بكلامت‬ ‫محتا ًجا ملن يفيضه عليه فمناط الحاجة إىل العلَّة الوجودية هي خلو ذات اليشء من الوجود أو‬ ‫ٌ‬ ‫معلول ومادام اليشء مستغنٍ يف ذاته‬ ‫أخرى افتقار اليشء إىل الوجود‪ ،‬فامدام اليشء محتا ًجا إىل غريه فهو‬ ‫عن غريه فهو غري معلو ٍل وهذا هو مناط الحاجة إىل علَّة‪.‬‬ ‫نأيت اآلن إىل كلّيات العامل‪.‬‬ ‫قلنا إن العامل املعروف لدينا من مجر ٍ‬ ‫وكواكب وما إليه كلُّه قائ ٌم عىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫أساس أسميناه ّ‬ ‫ونجوم‬ ‫وشموس‬ ‫ات‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫بكل يش ٍء ال ينفك عنه أب ًدا‪ ،‬فهو‬ ‫بكل مكانٍ ومرتب ٌط ّ‬ ‫كل مكانٍ ومحي ٌط ّ‬ ‫الكل موجو ٌد يف ّ‬ ‫العامل وقلنا‪ :‬إ ّن هذا ّ‬ ‫ٌ‬ ‫معلول لغريه لكان خال ًيا من‬ ‫لكل املوجودات املعروفة عندنا يف هذا العامل‪ ،‬فلو أنّه‬ ‫عىل هذا مانح الوجود ّ‬ ‫كل العامل‬ ‫صح هذا الستحال أن مينح ّ‬ ‫الوجود ألننا قلنا‪ :‬أ ّن مناط الحاجة إىل العلَّة هو الفقر الوجودي ولو ّ‬ ‫الوجود إىل العامل نفسه ألنّه يرتتب عليه أن يكون فاقد اليشء معط ًيا بينام فاقد اليشء غري ٍ‬ ‫معط‪.‬‬ ‫وإثبات هذه القضية يتلخص يف أ ّن حيثية منح الوجود إىل العامل هي حيثية وجدان أي إيجاد‪ ،‬بينام حيثية‬ ‫االفتقار إىل الوجود هي حيثية قبول (أي يقبل املعلول فيض الوجود من العلَّة)‪ ،‬وملا كانت حيثية الوجدان‬ ‫(وهي ملَكة) تقابل حيثية القبول (ألنَّها عدم ملكة) فإنّه يستحيل أن تكون كلّيات العامل واجد ًة وقابل ًة أو‬ ‫ومعلول الستحالة اجتامع املتقابلني يف حيثي ٍة واحدة (املتقابالن هنا هام‪ :‬امللكة والعدم)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫علَّ ًة‬ ‫‪43‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫قد يقال‪ :‬ولِم ال تقول أ ّن لها حيثيتني؟ تكون يف األوىل علَّ ًة ويف الثانية معلولً كام هو شأن العديد من‬ ‫املوجودات التي تكون علَّ ًة ليش ٍء ومعلولً آلخر؟‬ ‫ٍ‬ ‫جزئيات ولها‬ ‫وإل لكانت أجزاءه‬ ‫الكل هو البساطة فال ميكن أن تكون له أكرث من حيثي ٍة َّ‬ ‫فنجيب أ ّن رشط ّ‬ ‫كل بعده كان يجب أن يكون بسيطًا‪.‬‬ ‫كل العامل الذي ال ّ‬ ‫كل آخر وملا كان الفرض أنّها ّ‬ ‫ٌّ‬

‫الصدفة‬ ‫‪ -7‬مفاهيم يف اإللحاد‪ُّ :‬‬

‫غال ًبا ما نسمع من الدينيني أ ّن امللحد «يعبد»‬ ‫الصدفة وأ ّن العامل بحسب ما يقول امللحد‬ ‫ُّ‬ ‫نشأ بالصدفة فرنيد أن نعرف ونسمع من‬ ‫امللحدين أنفسهم هل حقًا ما ي ّدعيه هؤالء‬ ‫مختلف بل‬ ‫فيام نسبوه لنا؟ أم أ ّن األمر‬ ‫ٌ‬ ‫ويدخل يف سياق التعيري واالنتقاص والحرب‬ ‫اإلعالمية؟ يف البداية وقبل أن نناقش هذا‬ ‫املوضوع ال ب ّد أن نتعرف عىل أنواع الصدفة‪،‬‬ ‫ففي الحقيقة الصدفة نوعان‪ :‬صدف ٌة نسبي ٌة وصدف ٌة مطلقة‪.‬‬

‫ما هي الصدفة النسبية؟‬

‫مثل‪ :‬تخيل أنك تفتح‬ ‫عندما يقرتن حدثان بحيث ال يكون هناك ارتبا ٌط بينهام فنحن نسمي ذلك صدف ًة‪ً ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صديق لك وقد ه ّم بطرق بابك فتصيح جذلً يا محاسن‬ ‫موعد مع ٍني وت ُفاجأ بوجود‬ ‫باب بيتك لتذهب يف‬ ‫ٍ‬ ‫الصدف! نحن نسمي هذا صدفة فهناك حدثان اقرتنا مع بعضهام‪ ،‬األول هو فتح الباب والثاين هو وجود‬ ‫صديقك خلفه وهو يه ّم بطرق الباب‪.‬‬

‫سطحي للغاية ألننا إذا فكرنا جي ًدا فإننا سنجد أن هناك عالق ًة‬ ‫دقيق بل‬ ‫لكن يف الحقيقة هذا التعريف غري ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫مثل كنت تخطط‬ ‫عجب يف األمر‪ ،‬فأنت ً‬ ‫بني الحدثني وأنّه ال ب ّد أن يحدث هذا الحدث وليس هناك من‬ ‫ٍ‬ ‫‪44‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫للذهاب إىل موعدك يف الساعة الرابعة والنصف بينام صديقك كان قد أنهى عمله يف الساعة الرابعة‪ ،‬وملا‬ ‫كنت قد نسيت بعض األوراق يف مكتبه يف األسبوع املايض فقد قرر أن يعيدها لك وملا كانت املسافة يف‬ ‫السيارة للوصل إىل بيتك هي نصف ساع ٍة فقد كان من املحتم أن يصل إليك يف الرابعة والنصف حيث قررت‬ ‫أسباب لحصول هذا األمر ولو فكرنا جي ًدا لوجدنا أ ّن هناك ارتباطًا بني الحدثني‪.‬‬ ‫أنت الخروج‪ ،‬فإذًا هناك‬ ‫ٌ‬

‫إ ًذا متى يكون االقرتان بني حدثني صدف ًة‪ ،‬ومتى ال يكون؟‬

‫إ ّن الجواب عىل هذا يكون مبالحظة مدى تكرار االقرتان‪ ،‬فحينام يتكرر اقرتان حدثني بحيث يكون تك َّررهام‬ ‫سبب بينهام‬ ‫أكرثيًا فإننا نقول أ ّن هذا التكرر يف االقرتان ال ميكن أن يكون صدف ًة بل ال ب ّد أن يكون هناك ٌ‬ ‫أو نقول أنّه ال ب ّد من ر ٍ‬ ‫ابط بينهام بينام عندما يحدث حدثٌ مل ّر ٍة‬ ‫واحد ٍة أو بعدة مر ٍ‬ ‫ات أصغري ٍة فإننا قد نقول أنّه ال توجد عالق ٌة‬ ‫بني األمرين‪.‬‬ ‫إذًا الصدفة النسبية هي اقرتان حدثني بحيث ال يكون االقرتان‬ ‫ٍ‬ ‫أحداث‬ ‫دامئ ًيا أو أكرثيًا‪ ،‬لهذا السبب فإ ّن العلم الحديث ال ينظر إىل‬ ‫تحدث مر ًة واحد ًة وال تتكرر أب ًدا‪ ،‬بل الحقيقة يف العلم الحديث‬ ‫قابل للتكرار فال يع ّد حقيق ًة‪.‬‬ ‫قابل للتكرار فإن مل يكن ً‬ ‫هي يش ٌء ٌ‬ ‫رجل وا ّدعى أنّه رأى شب ًحا فإ ّن هذا ال ميكن أن يع ّد حقيق ًة َّإل إذا كان من املمكن تكراره إىل ح ّد‬ ‫لو جاء ٌ‬ ‫االطمئنان إىل صحته‪ ،‬فإذًا العلم ال ينظر إىل مجرد ٍ‬ ‫حدث ويعتربه حقيق ًة وإنّ ا يقيس الحقيقة مبقدار تكررها‪.‬‬

‫ما هي الصدفة املطلقة؟‬

‫سبب مع أ ّن هذا غري‬ ‫الصدفة املطلقة هي حدثٌ بال سابق (للتبسيط وللوهلة األوىل سنقول حدثٌ بال ٍ‬ ‫مثل تخيل معي منضدة بليارد والكرة (أ) تتدحرج وتصطدم بالكرة (ب) فتسبب تحركها‪ ،‬عندنا‬ ‫دقيق)‪ً ،‬‬ ‫حدثان هنا‪:‬‬ ‫ألف وباء‪.‬‬ ‫‪ -1‬الحدث األول‪ :‬االصطدام بني الكرتني ٌ‬ ‫‪ -2‬الحدث الثاين‪ :‬تدحرج الكرة (باء)‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫نحن نرى أ ّن االقرتان بني هذين الحدثني ليس من قبيل الصدفة ألننا إذا كررنا هذه التجربة فإننا سرنى‬ ‫تكرر النتيجة نفسها‪ ،‬فتكرر االقرتان بني الحدث‬ ‫األول والثاين يجعلنا نظ ّن أ ّن هناك سببًا وقد بحثنا‬ ‫ٍ‬ ‫اكتشافات‬ ‫يف األسباب ووضعنا قواني ًنا واكتشفنا‬ ‫علمي ًة بسبب هذه املالحظة البسيطة فنحن‬ ‫نعرف ملاذا تتدحرج الكرة الثانية عند اصطدام‬ ‫الكرة األوىل بها‪.‬‬ ‫اآلن حتى نفهم موضوعنا عن الصدفة املطلقة‬ ‫أريدك أيّها القارئ أن تعيد تخيل منضدة البليارد‬ ‫وتخيل كر ٍة متحرك ٍة تجري ومن ث َّم تصطدم بكر ٍة ساكن ٍة وتسبب تحركها‪ ،‬هل بإمكانك تخيل هذا؟‬ ‫اآلن احذف الحدث األول وابق الثاين‪ ،‬تخيل أ ّن الكرة الساكنة كانت ساكن ًة ومن ث ّم تحركت!‬ ‫أي يشء‪ ،‬فجأ ًة كانت‬ ‫أي يشء‪ ،‬ال اصطدا ًما بكر ٍة وال ميالنٍ للمنضدة وال ّ‬ ‫تحركت هكذا دون أن يسبق تحركها ُّ‬ ‫ساكن ًة وتحركت!‬ ‫إ ّن منطقنا البسيط يجعلنا ال نصدق حدوث هكذا حدث‪ ،‬فحينام نسمع عن بنا ٍء مت ٍني ينهار فجأ ًة فإننا نبدأ‬ ‫بالسؤال ملاذا انهار؟ إننا نرفض أن يكون هناك حدث ًا ال يكون مسبوقًا بسابق‪.‬‬ ‫سبب وبال‬ ‫وهكذا فحينام نشاهد كرة بليار ٍد ساكن ًة ومن ث ّم فجأ ًة تتحرك فإنك لن تصدق أنّها تحركت بال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صف بها حدث ًا سابقًا لحادث تحرك الكرة‪،‬‬ ‫سبب والسبب هذه كلمة نَ ُ‬ ‫حدث سابق‪ ،‬أنت عندها ستبحث عن ٍ‬ ‫ستقول رمبا هي الريح! أو رمبا املنضدة مائل ٌة وهكذا‪.‬‬ ‫بأي يش ٍء بل نرى أ ّن األحداث‬ ‫فإذًا‪ ،‬منطقنا البسيط يدلنا عىل أنّه يستحيل أن يكون هناك حدث ًا غري مسبوقٍ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫حدث مسبوقٍ‬ ‫بحدث آخر‪.‬‬ ‫أو قل ّ‬ ‫وعىل هذا رأى الفالسفة أ ّن الصدفة النسبية ممكن ًة بينام الصدفة املطلقة مستحيلة‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محدث فهل هذا النقاش يجعل هذه املقولة صحيح ًة؟‬ ‫حادث ال ب ّد له من‬ ‫كل‬ ‫حس ًنا هذا يعيدنا إىل مقولة‪ّ :‬‬ ‫يف الحقيقة املتكلمون غال ًبا ما يخلطون الحق بالباطل‪.‬‬ ‫ترجيح بال مرج ٍح يعني‬ ‫سبب ليس أل ّن هذا حدثٌ بل ألنّه‬ ‫إ ّن السبب الذي يجعلنا ننكر أن تتحرك الكرة بال ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أ ّن الكرة ساكن ٌة أو بكالم الفيزيائيني فالكرة متزن ٌة ومجموع القوى املسلطة عليها يساوي الصفر‪ ،‬يعني الكرة‬ ‫تسلط قوة عىل األرض تساوي وزنها واألرض تسلط قوة عىل الكرة (ر ّد فعل) تساوي مقدار وزن الكرة وأل ّن‬ ‫تظل ساكن ًة‪.‬‬ ‫هذين القوتني متساويتان فإ ّن الكرة ّ‬ ‫حبل وكانت قوى‬ ‫تخيل معي فريقان يش ّدان ً‬ ‫الفريقني متساوي ًة فمن منهام سيغلب؟ وهل‬ ‫شامل؟‬ ‫سيتحرك الحبل ميي ًنا أو ً‬ ‫أي‬ ‫واضح أ ّن الحبل سيبقى يف مكانه ولن ينترص ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫منهام عىل اآلخر‪ ،‬فحينام تكون القوى متساوي ًة‬ ‫ومتعاكس ًة فإ ّن محصلتها تكون صف ًرا ولكن ملَّا يُكرس‬ ‫التوازن وملَّا توجد قو ٌة غري متزن ٍة (أي ال يقابلها قو ٌة‬ ‫أخرى متساوي ًة باملقدار) فإ ّن األشياء تتحرك وتتغري‪.‬‬ ‫فإذًا‪ ،‬هذه األحداث سببها وجود مرج ٍح عىل أحد‬ ‫أمرين وليس سببها الحدوث بل إ ّن الحدوث أم ٌر الحق‪.‬‬ ‫اعرتاض‪:‬‬ ‫سبب‬ ‫ً‬ ‫لكن هناك‬ ‫إشكال عىل قول الفالسفة عمو ًما‪ ،‬فقد أثبت العلم الحديث أ ّن هناك بالفعل أحداث ًا بال ٍ‬ ‫فكيف ميكن التوفيق بني األمرين؟‬ ‫جواب االعرتاض‪:‬‬ ‫ميكن اإلجابة من عدة وجوه‪:‬‬ ‫بعدم يف زمانٍ‬ ‫سابق وما اكتشف العلم مام وصف بأنّه أحداثٌ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -1‬إن تعريف الحادث هو ما كان مسبوقًا ٍ‬ ‫كل زمانٍ ومكانٍ يف الكون وال توجد بقع ٌة مكاني ٌة أو زما ٌن‬ ‫مثل التموجات الفراغية فهي أمو ٌر تحدث يف ّ‬ ‫كل منهام‬ ‫مختلف عام يطرحه العلم ويف الحقيقة ٌّ‬ ‫خال من هذه التموجات‪ ،‬فإذًا مفهوم الحادث الفلسفي‬ ‫ٌ‬ ‫‪47‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫يتحدث يف مجا ٍل مختلف‪.‬‬ ‫‪ -2‬إ ّن العلم الحديث يتبع مفهوم االقتصاد يف االستنتاج فهو ينظ ُر إىل العوامل املتحكمة املحلية‪ ،‬فإذا مل‬ ‫نجد يف تجرب ٍة ما عوامل محلي ًة تتحكم يف نتيجة ظاهر ٍة ما فإننا نقول إ ّن هذه الظاهرة ال سبب لها ونحن‬ ‫عامل يتحكم عن ٍ‬ ‫بعد بهذه الظاهرة أل ّن مثل هذا العامل‬ ‫سبب بعي ٌد أو ٌ‬ ‫هنا نلغي االحتامل أن يكون هناك ٌ‬ ‫من السهل إلغاؤه بحسب مبدأ االقتصاد (الذي هو ناتج موس أوكام) واعتباره غري موجود‪ ،‬وعليه فإنّه إذا‬ ‫تجاوزنا العلم يف هذه النقطة ورفضنا مبدأ االقتصاد فإ ّن ما يطرحه العلم ليس سوى أنّه مل يجد سب ًبا لهذه‬ ‫الظاهرة‪.‬‬ ‫اآلن اكتملت عندنا التعاريف وصار بإمكاننا الدخول إىل املوضوع‪.‬‬ ‫نأيت اآلن ملناقشة موضو ٍع يُطرح دامئًا عىل ساحة الجدل حول سلسلة الحوادث العرضية‪ ،‬فهل هذه السلسلة‬ ‫ميكن أن تكون ال نهائ ّية أم أنّه ال ب ّد لها من نهاي ٍة ما؟‬ ‫بكالم ٍ‬ ‫مثل‬ ‫أي جز ٍء من هذا العامل مثل األرض‪ ،‬األرض هذه ما سبب وجودها؟ نقول ً‬ ‫يعني ٍ‬ ‫بسيط إذا أخذنا ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ظروف معين ٌة يف الشمس أ ّدت إىل انفصال أجزاء منها وتكونت تب ًعا‬ ‫أنها كانت جز ًءا من الشمس وحصلت‬ ‫لذلك كواكب املجموعة الشمسية‪ ،‬اآلن ما سبب وجود الشمس؟ سنقول أ ّن الشمس كانت جز ًءا من درب‬ ‫التبانة‪ ،‬وبسبب التحركات الحرارية العشوائية لغاز الهيدروجني حصلت تكتالتٌ يف كتلة الغاز ونتجت عنها‬ ‫الشموس يف املجرة‪.‬‬ ‫إذا استمررنا بهذا السؤال هل سنصل إىل نهاي ٍة يف األسئلة بحيث ال ميكن أن نسأل عن هذا اليشء ما هو‬ ‫ٍ‬ ‫صح التعبري؟‬ ‫سببه؟ أم أننا لن نصل إىل بداي ٍة أو‬ ‫حادث أو ٍل إذا ّ‬ ‫طب ًعا االختالف يف انتهاء سلسلة الحوادث العرضية ال عالقة له باإلميان واإللحاد فهناك من امللحدين من‬ ‫يؤمن بنهاية الحوادث مثلام أ ّن هناك من املؤمنني من يؤمن بالعكس‪ ،‬نحن نريد أن نرى بنا ًء عىل مفاهيمنا‬ ‫أي األمرين أقرب للواقع؟‬ ‫السابقة يف هذا املوضوع‪ّ ،‬‬ ‫املنهج الذي سنعتمده هنا هو نقض الفرض‪ ،‬نريد أن نثبت أ ّن سلسلة الحوادث هذه ال بداية لها عن طريق‬ ‫‪48‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫أن نثبت أنّه من املستحيل أن تكون منتهي ًة‪ ،‬ولهذا سنقدم‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫إثباتًا وإجاب ًة عىل االعرتاضات ً‬

‫إثبات عدم انتهاء الحوادث‪:‬‬

‫اإلثبات يأيت لنا عن طريق مالحظة القاعدة التي تقول‬ ‫«حكم األمثال واحد»‪ ،‬فاألشياء من الجنس الواحد ال‬ ‫بحكم آخر طاملا كانت‬ ‫بحكم وبعضه اآلخر‬ ‫يكون بعضه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫األسود‬ ‫متامثل ًة‪ ،‬فإذا قلنا أ ّن هذا الحيوان هو من نوع ُ‬ ‫متامثل مع بني‬ ‫ٌ‬ ‫مفرتسا ألنه‬ ‫فال ب ّد أن يكون هذا الحيوان ً‬ ‫جنسه‪ ،‬وإذا كان اإلنسان ال يطري فإن زي ًدا وعمر وخال ًدا‬ ‫ال يطريون ألنهم بالحكم واح ٌد وهكذا‪ ،‬إذا قلنا إ ّن حكم‬ ‫هذا الجزء من العامل هو أنّه حادثٌ وذاك حادثٌ فال ميكن‬ ‫ٍ‬ ‫حادث فاليشء من الجنس الواحد ال يكون بعضه حادث ًا واآلخر أزليًا‪.‬‬ ‫أن نقول أ ّن هذا اليشء حكمه أنه غري‬ ‫حس ًنا‪ ،‬اآلن إذا قلنا أ ّن هذا الجزء من العامل حادثٌ وله علَّ ٌة وعلَّته هي كذا وكذا ومن ث َّم نقلنا الحديث‬ ‫ٍ‬ ‫حادث وليس‬ ‫لهذا الجزء اآلخر وقلنا أنّه حادثٌ وعلَّته كذا وكذا فإذا وصلنا إىل جز ٍء ما وقلنا هذا الجزء غري‬ ‫ٍ‬ ‫حادث دونًا عام سبقه من حوادث؟ لقد‬ ‫إشكال مثل‪ :‬ملاذا هذا الجزء غري‬ ‫ً‬ ‫له علَّ ٌة فإ ّن هذا الجواب سيطرح‬ ‫سابق وهذه الحتمية‬ ‫رأينا أ ّن حكم املتامثلني واح ٌد فإذا كان ّ‬ ‫سابق له‪ ،‬فال ب ّد أن يكون لهذا الجزء ٌ‬ ‫لكل جز ٍء ٌ‬ ‫من أين تأيت؟ تأيت من قولنا أ ّن الصدفة ال ميكن أن تكون أكرثي ًة‪ ،‬يعني مالحظتنا للجزء األول وكونه حادث ًا‬ ‫قد يكون هذا االرتباط بني االثنني صدف ًة ولكن تكرر هذا األمر يف الجزء السابق الثاين والثالث والرابع يدلنا‬ ‫اتفاقي‪ ،‬ولهذا نحكم أ ّن هذا الجزء‬ ‫عىل أ ّن االقرتان بني أجزاء العامل والحدوث هو ارتبا ٌط غري صد ٍّيف أو غري‬ ‫ّ‬ ‫ال يش ّذ عن هذه القاعدة‪.‬‬ ‫اعرتاض من املتكلمني‪:‬‬ ‫حس ًنا من املمكن أن يُقال أ ّن هذا اإلثبات يساند وجود الله ألنّه إذا ثبت أنّه ال ميكن أن يكون هنا كجز ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫أول وعلَّته ليست‬ ‫حادث وكان التسلسل الالنهايئ ممتن ًعا فإنّه ميكن أن يُقال أ ّن هناك جز ًءا ماديًّا ً‬ ‫مادي غري‬ ‫ٍّ‬ ‫بكالم آخر يعني لنفرض أ ّن هذا الجزء من العامل أرجعناه بأسبابه‬ ‫من جنسه‪ ،‬أي تكون علَّته غري مادية‪ٍ ،‬‬ ‫‪49‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫مادي أول (فليكن االنفجار العظيم) ث ّم نقول أنّه‬ ‫إىل يش ٍء ٍّ‬ ‫بالفعل االنفجار العظيم ال سبب مادي له وإنّ ا سببه ليس‬ ‫من جنسه وإنّ ا سببه الله‪.‬‬ ‫الجواب عىل االعرتاض من جهتني‪:‬‬ ‫الجهة األوىل‪:‬‬ ‫مادي بحسب الوصف ال علَّة مادية له‬ ‫إذا كان أول يش ٍء ٍّ‬ ‫فإ ّن هذا معناه أ ّن سلسلة الحوادث العرضية ال أول لها أل ّن‬ ‫أول‬ ‫وإل مل يكن ً‬ ‫أول السلسلة ال ب ّد أن يكون من جنسها َّ‬ ‫بكالم آخر‪:‬‬ ‫لها وهذا يعني أ ّن االعرتاض ال ينفي االستدالل‪ٍ ،‬‬ ‫مثل أ ّن نسبنا‬ ‫لنفرض أننا نتحدث عن نَسب البرش وقلنا ً‬ ‫يعود بنا إىل إنسانٍ أو ٍل ث ّم سألنا هذا اإلنسان األول من أبوه؟ فقيل لنا ال أبًا له أو أبوه قر ٌد أو أبوه ٌ‬ ‫مالك‬ ‫فلم‬ ‫فحينها ال يكون هذا إنسانًا أولً ألنّه ليس من جنس اإلنسان‪ ،‬فاإلنسان ُمتّ َصف بأنه مولو ٌد من ٍ‬ ‫أب ٍ‬ ‫وأم ّ‬ ‫أب فإنّه مل يكن من جنس البرش وإذا مل يكن اإلنسان األول من جنس البرش فإ ّن البرش ال أول لهم!‬ ‫مل يكن له ٌ‬ ‫الجهة الثانية‪:‬‬ ‫بكالم آخر‬ ‫ما هي خصوصية هذا الحادث األول عن بقية السلسلة بحيث جاءت علَّته ليست من جنسه؟ ٍ‬ ‫ملاذا هذا الحادث بالضبط هو الذي كانت علَّته غري مادي ٍة وليس التايل له أو الذي يليه؟‬ ‫ٌ‬ ‫محرتف يستخدم عصا البليارد ليرضب كر ًة تصطدم‬ ‫والعب‬ ‫لفهم هذا االعرتاض تصور معي منضدة البليارد‬ ‫ٌ‬ ‫بأخرى وهكذا‪ ،‬اآلن سبب حركة هذه الكرة هي اصطدام كر ٍة سابق ٍة بها وسبب تحرك الكرة السابقة هو قوة‬ ‫رضب عصا البليارد لها‪ ،‬وإذا سألنا ملاذا هذه الكرة بالذات هي التي ُضبت بالعصا وليست الكرة التي تليها؟‬ ‫يكون الجواب أ ّن قواعد اللعبة تحتم هذا فقواعد البليارد تقول أ ّن الالعب يرضب الكرة ذات اللون األبيض‬ ‫فهناك عىل هذا خصوصي ٌة للكرة البيضاء تجعلها هي الحادث األول أو هي املتحرك األول وليس غريها‪.‬‬ ‫فحينام ننسب فعل رضب الكرات إىل الكرات نفسها ال نجد هناك تسا ٍو بالنسبة بل نجد ترج ًحا للنسبة بني‬ ‫الرضب وبني الكرة البيضاء ولوال هذا الرتجح الستحال الفعل الستحالة الرتجح بال مرجح‪.‬‬ ‫إذًا ملاذا كان هذا الحادث األول يف العامل هو املعلول لعلَّة ليست من جنسه؟ ملاذا هذا وليس غريه؟ ال ب ّد‬ ‫‪50‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫أن تكون نسبة هذا الحادث إىل علَّته التي ليست من جنسه أرجح من نسبة باقي الحوادث إىل نفس العلَّة‪،‬‬ ‫ملاذا؟ ألنه لو كانت النسبة متساوي ًة لكان حصول الفعل صدف ًة ورأينا أن هذا األمر غري ممكنٍ ألن العلَّة‬ ‫مقرتن ٌة مبعلولها حدوث ًا وبقا ًء وال ميكن أن تنفك عنه فال محل للصدفة هنا‪.‬‬ ‫حس ًنا ملَّا كانت جهة «الخالق» ال متايز فيها وال خصوصيات فيها الستحالة التكرث فيها فإ ّن التاميز ال ب ّد أن‬ ‫مامثل لباقي املاديات عىل‬ ‫يكون يف الحادث األول نفسه‪ ،‬ولكن هذا التاميز غري ممكنٍ ألنه ال ب ّد أن يكون ً‬ ‫اعتبار أ ّن ُحكم املثل واح ٌد فلو كان متامي ًزا عنها فام املانع يف أن يكون ال علَّة له طاملا أنّه متامي ٌز عن غريه؟‬ ‫ففرض التاميز يف الحادث األول يعني خروجه عن حكم األمثال وخروجه عن وجود علَّ ٍة له وهنا يحصل‬ ‫التنايف املمتنع‪.‬‬ ‫أي يش ٍء ملا وصلنا إىل بداي ٍة ال سابق لها‪.‬‬ ‫إذًا السلسلة العرضية ال بداية لها‪ ،‬فلو رجعنا يف أسباب ّ‬ ‫اض عىل السلسلة التي ال بداية لها‪:‬‬ ‫اعرت ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مسبوق‬ ‫إحدى االعرتاضات املشهورة يف هذا الصدد حول السلسلة الالنهائية وأنّه إذا كان الحدث الحايل‬ ‫بكالم آخر أ ّن هذا يعني انتهاء الالمنتهي‪،‬‬ ‫بعد ٍد ال نها ٍّيئ له من الحوادث فكيف وصلنا إىل هذا الحادث؟ ٍ‬ ‫يعني كمثل مجموع ٍة ال نهائي ٍة من الجنود فيها الجندي األول ال يطلق النار َّإل إذا سمع أمر اإلطالق من‬ ‫الجندي السابق وهذا بدوره ال يعطي األمر َّإل إذا سمع األمر من الجندي السابق له وهكذا‪ ،‬مبا أنّه يوجد‬ ‫عد ٌد النها ٌّيئ من الجنود يقفون بالتتابع فإن األمر لن يصل لجندينا األول‪.‬‬ ‫الجواب عىل االعرتاض‪:‬‬ ‫يف الحقيقة هذا االعرتاض‬ ‫يف حقيقة أمره هو مغالطة‬ ‫االلتجاء إىل الجهل فاملعرتض‬ ‫يحتج بجهله لكيفية حصول‬ ‫يش ٍء ال بامتناع حصول يشء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫رياضيات‬ ‫ذلك أننا ال منلك‬ ‫تتعامل مع الالنهائيات فنحن ال‬ ‫نعرف كيف نطرح‪:‬‬ ‫‪51‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫ما النهاية ‪ -‬ما النهائية أو ما النهاية رضب صفر‪،‬‬ ‫احتجاج بالجهل‪ ،‬األمر اآلخر‬ ‫ليس عندنا رياضيات لهذا األمر وبالتايل فتحديد كون هذا األمر غري ممكنٍ هو‬ ‫ٌ‬ ‫هو أ ّن املعرتض فرض بداي ًة للسلسلة بينام السلسلة ال بداية لها‪ ،‬فاستحالة الوصول إىل الحدث الحايل‬ ‫يبي استحالة األمر يف‬ ‫يفرتضها املعرتض إذا وضع حدث ًا أولً وأضاف له ما ال نهاية من اإلحداث يعني حتى ّ‬ ‫مثال الجندي فهو يقول‪ :‬إ ّن وصول األمر إىل الجندي األول سيمر بعد ٍد ال نها ٍّيئ من الجنود ومبا أنّه النهاية‬ ‫لالمنتهي فإذًا لن يصل األمر للجندي األول أي أنّه يشري إىل هذه العملية‪:‬‬ ‫‪ + 1‬ما ال نهاية = ما ال نهاية‪.‬‬ ‫واالستحالة هنا منشأها فرض بداي ٍة للسلسلة التي فرضنا أنّه ال بداية لها فالعملية الصحيحة هي – ما ال‬ ‫نهاية ‪ +‬ما ال نهاية‪ ،‬وهي عملي ٌة غري ُمع ّرف ٍة رياض ًيا‪ ،‬فاالحتجاج هنا هو التجا ٌء للجهل وليس اعرت ًاضا عىل‬ ‫اإلطالق‪.‬‬

‫ماذا يقول البحث العلمي؟‬

‫يف فيزياء الكون هناك الكثري من النامذج املقرتحة التي تتجاوز نظرية االنفجار العظيم وتبحث فيام حصل‬ ‫قبلها‪ ،‬أنّها ال تناقض نظرية االنفجار العظيم ولكنها تكملها وتنظر فيام خلفها ولعل أشهرها – حاليًا‪ -‬هو‬ ‫النموذج الدوري للكون ‪ Cyclic Universe‬والذي يعتمد عىل النظريات الخيطية‪.‬‬ ‫من عجائب األمور أ ّن هذا النموذج يتفق‬ ‫اتفاقًا عجيبًا مع األفكار الفلسفية اإللهية‬ ‫فهناك سلسل ٌة طولي ٌة وسلسل ٌة عرضي ٌة‬ ‫لألحداث وقد يزول عجبنا حينام نعرف‬ ‫مدى التقارب بني الرياضيات واملنطق‬ ‫الفلسفي‪.‬‬ ‫يف هذا املجال‪ ،‬فإ ّن الطاقة التثاقلية تلعب‬ ‫دو ًرا جوهريًا‪ ،‬فالطاقة التثاقلية ميكن أن‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف‬ ‫تعترب مصد ًرا ال نهائيًا للطاقة يف‬ ‫معين ٍة وهذه الطاقة تلعب دو ًرا يف تكوين األغشية ‪ Membranes‬ويف تكوين املادة واإلشعاع يف الكون (كأنّ ا‬ ‫سلسل ٌة طولية)‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫اإللحاد جـ ‪ :3‬مفاهيم يف اإللحاد‬ ‫‪Enki‬‬

‫ينشأ الكون من اصطدام غشائني مع بعضهام وهذان الغشاءان تربطهام قو ٌة تشبه قوة النابض الحلزوين‬ ‫كل ترليون سن ٍة حيث‬ ‫فهام يقرتبان من بعضهام حتى يتالمسان تقري ًبا‪ ،‬ومن ث ّم يثبان مبتعدان عن بعضهام ّ‬ ‫يصطدم الغشاءان مع بعضهام ويؤدي ذلك إىل «انفجا ٍر عظيم» ويتولد عن ذلك كو ٌن جدي ٌد ويبدأ الكون‬ ‫بالتوسع حسب نظرية االنفجار العظيم التقليدية‪.‬‬ ‫فهناك سلسل ٌة ال نهائي ٌة من األحداث ولك ّن هذه السلسلة موجود ٌة بوجود يش ٍء خار ٍج عنها هو طاقة التثاقل‬ ‫وإل صار الكون ماكين ًة ذاتية الحركة وهذا مستحيل‪.‬‬ ‫التي ال ب ّد منها َّ‬ ‫اعرتاض‪:‬‬ ‫هذه النظرية تخالف قانون االنتقال الحراري الثّاين وقد أشار ريتشارد توملان إىل أ ّن النامذج الدورية تخالف‬ ‫كل دور ٍة ستضاف إىل الدورة الالحقة وبالتايل تصبح‬ ‫قانون االنتقال الحراري الثاين أل ّن مقدار اإلنرتوپيا يف ّ‬ ‫الدورة أقرص وأقرص حتى يبلغ طول الدورة صف ًرا ويفشل النموذج‪.‬‬ ‫الجواب عىل االعرتاض‪:‬‬ ‫دقيق أل ّن املشكلة ليست يف مقدار اإلنرتوپيا وإنّ ا يف كثافة اإلنرتوپيا أي يف الكيفية التي‬ ‫هذا االعرتاض غري ٍ‬ ‫ترتكز فيها‪ ،‬ففي النموذج التقليدي الدوري الذي كان موجو ًدا خالل العرشينات من القرن املايض كان‬ ‫الكون حينام مي ّر يف مرحلة التقلص فإ ّن مقدار اإلنرتوپيا يتجمع م ًعا ومن ث ّم يضاف إىل تركيز اإلنرتوپيا‬ ‫للدورة الالحقة‪ ،‬لكن يف منوذج النظريات الخيطية فإ ّن اإلنرتوپيا «متيع» أو توزّع خالل مرحلة توسع الكون‪،‬‬ ‫بالتايل فإنّها ال تجمع وال تضاف إىل إنرتوپيا املرحلة الالحقة‪ ،‬وهكذا فإ ّن مقدار اإلنرتوپيا للكون ككلٍ يتزايد‬ ‫طرديًا وليس تراكم ًيا كام يف النموذج السابق‪ .‬وهذه الزيادة تنترش خلف األفق خالل مرحلة سيطرة الطاقة‬ ‫كل دورة‪.‬‬ ‫املظلمة‪ ،‬وهكذا فإ ّن املُشاهد العادي يالحظ أ ّن اإلنرتوپيا تساوي صف ًرا خالل بداية ّ‬

‫‪53‬‬


54


‫ﺳﻴﺮة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻣﻨﺔ‬

‫اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﻌﺸﺮون‪ :‬اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤﺲ واﻷﻧﺼﺎر‬

‫ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب‬ ‫‪LA VIE DE MAHOMET‬‬ ‫ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬ﺳﺎرة ﺳﺮﻛﺴﻴﺎن‬ ‫ﺗﺪﻗﻴﻖ ﺗﺮﺟﻤﺔ وﺗﺪﻗﻴﻖ ﻣﺼﺎدر وإﺧﺮاج‪:‬‬ ‫أﺳﺮة ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ اﻟﻌﺮب‬ ‫‪55‬‬


‫اﻟﺼﻠﻮات‬ ‫اﻟﺨﻤﺲ‬

‫وﺻﻞ ﻣﺤﻤﺪ إﻟﻰ ﻋﺮش اﻟﺮﺣﻤﻦ‪،‬‬ ‫اﻟﺬي ﻓﺮض ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺻﻼ ًة‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻴﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪ ﻟﻴﺨﺒﺮ ﻣﻮﺳﻰ‪.‬‬ ‫رﺟﻊ ٌ‬

‫ﻋﻨﺪي ﺧﺒﺮة ﻣﻊ ﺑﻨﻲ اﺳﺮاﺋﻴﻞ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻓﻌﻠﺖ‬ ‫ﻛﻞ ﻣﺎ ﺑﻮﺳﻌﻲ ﻷﻫﺪﻳﻬﻢ إﻟﻰ ﺟﺎدة اﻟﺼﻮاب‪.‬‬

‫ُﻋﺪ إﻟﻰ رﺑﻚ واﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺗﺨﻔﻴﺾ‬ ‫ﻋﺪد اﻟﺼﻠﻮات‪ ،‬ﻓﻘﻮﻣﻚ ﻟﻦ‬ ‫ﻳﻄﻴﻘﻮاذﻟﻚ‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫واﻓﻖ اﷲ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻔﻴﺾ اﻟﻌﺪد‬ ‫ﺑﻤﻘﺪار ﺧﻤﺲ ﺻﻠﻮات‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪا ﺑﻄﻠﺐ‬ ‫ﻟﻜﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﻧﺼﺢ ً‬ ‫اﻟﺘﺨﻔﻴﺾ ﻣﺮ ًة أﺧﺮى‪.‬‬

‫ﺳﻮف أﻧﻘﺺ اﻟﺼﻠﻮات إﻟﻰ ﺧﻤﺲ‪ ،‬وﻫﺬا‬ ‫ﻛﻞ ﺻﻼٍة ﺗﻜﻮن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ‬ ‫آﺧﺮ ﻛﻼم ﻋﻨﺪي‪ّ .‬‬ ‫ﻋﺸﺮ ﺻﻠﻮات‪ ،‬ﺑﻬﺬا ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺠﻤﻮع ﺧﻤﺴﻴﻦ‪،‬‬ ‫ﻓﻤﻦ ﻳﺆدي ﺻﻼ ًة ٍ‬ ‫ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤﻴﺢ‬ ‫ﺳﺘﺤﺴﺐ ﻟﻪ ﻋﺸﺮ ﺻﻠﻮات‪.‬‬ ‫أﻣﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﻄﺌﻮن ﺑﻬﺎ ﺛﻢ‬ ‫ّ‬ ‫ﻳﺘﻮﺑﻮن‪ ،‬ﻟﻦ أﺣﺎﺳﺒﻬﻢ ﻋﻠﻰ‬ ‫أﻣﺎ ﻣﻦ ﻳﺨﻄﻰء‬ ‫ﺧﻄﺌﻬﻢ‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫واﺣﺪا‪ ،‬ﺳﻴﺴﺠﻞ ﻟﻪ‬ ‫ﺧﻄﺄ ً‬ ‫)‪(2‬‬ ‫وﻳﻌﺎﻗﺐﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬

‫‪57‬‬

‫ﺳﺎر رﺳﻮل اﷲ ﺟﻴﺌ ًﺔ وذﻫﺎﺑًﺎ‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ﺑﻴﻦ اﷲ وﻣﻮﺳﻰ ﻋﺪة ﻣﺮات‪.‬‬


‫اﻷﻧﺼﺎر‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات‪،‬‬ ‫أﺧﻔﻰ ٌ‬ ‫وأﻋﻠﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ‪.‬‬

‫داﻋﻴﺎ‬ ‫ﻟﻘﺪ دﻋﺎ ﻟﻺﺳﻼم ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات‪ ،‬وﺗﻨ ّﻘﻞ ﺑﻴﻦ أﺳﻮاق اﻟﻌﺮب ً‬ ‫إﻳّﺎﻫﻢ ﻟﻠﺘﺨﻠّﻲ ﻋﻦ وﺛﻨﻴﺘﻬﻢ واﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﷲ‪.‬‬

‫اﻟﺤﺠﺎج ﻓﻲ اﻟﻜﻌﺒﺔ‪ ،‬ﻟﻴﻔﺘﺢ أﻋﻴﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ‬ ‫ذﻫﺐ ﻟﻠﻘﺎء ّ‬ ‫ﻋﺪم ﻧﻔﻊ اﻷﺻﻨﺎم اﻟﺘﻲ ﻳﺄﺗﻮن ﻟﻌﺒﺎدﺗﻬﺎ ﻣﻦ‬ ‫ﻣﻨﺎﻃﻖﺑﻌﻴﺪةأﺣﻴﺎﻧًﺎ‪.‬‬

‫ﻛﻞ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻋﻠﻰ دﻳﻨﻬﺎ‪ ،‬وﺣﺎرﺑﻮه‪ ،‬ووﺻﻞ اﻷﻣﺮ‬ ‫ﺑﻘﻴﺖ ّ‬ ‫إﻟﻰ رﻣﻴﻪ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة ﺣﺘﻰ ﺳﺎل دﻣﻪ‪.‬‬ ‫أﻧﺎ ﻻ أﺟﺒﺮ أﺣ ًﺪا‪،‬‬ ‫أرﻳﺪ ﻓﻘﻂ أن أﺑﻘﻰ ﺣّﻴ ًﺎ ﻷﺑﻠﻎ‬ ‫رﺳﺎﻟﺔ اﷲ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ٍ‬ ‫ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم‪ ،‬ذﻫﺐ ﻟﻠﻘﺎء رﺟﺎل ﻗﺒﻴﻠﺘﻲ اﻷوس واﻟﺨﺰرج اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎؤوا ﻣﻦ ﻳﺜﺮب‪ ،‬ﻓﻮﺟﺪﻫﻢ ﻳﺤﻠﻘﻮن رؤوﺳﻬﻢ‬ ‫ﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻞ ﻣﻜﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﺪء ﺑﻄﻘﻮس اﻟﺤﺞ‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫ﺑﺎرﻳﻦ‬ ‫ﻻ ﺗﺸﺮﻛﻮا ﺑﺎﷲ ً‬ ‫أﺣﺪا‪ ،‬وﻛﻮﻧﻮا ّ‬ ‫ﻟﻮاﻟﺪﻳﻜﻢ‪ ،‬وﻻ ﺗﻘﺘﻠﻮا أوﻻدﻛﻢ‪..‬‬

‫‪..‬ﻷن اﷲ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻄﻴﻜﻢ إﻳﺎﻫﻢ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﺴﺮ واﻟﻌﻠﻦ‬ ‫ﻓﻲ‬ ‫ﻣﺎت‬ ‫اﻟﻤﺤﺮ‬ ‫ّ‬ ‫ﻻ ﺗﻘﺮﺑﻮا ّ‬ ‫أﺑﺪا ﺑﺪون ﺳﺒﺐ‪.‬‬ ‫وﻻ ﺗﻘﺘﻠﻮا ً‬

‫أﻋﺠﺐ أﻫﻞ اﻷوس واﻟﺨﺰرج ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ اﻟﺘﻲ دﻋﺎﻫﻢ إﻟﻴﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻓﻘﺮروا اﺗﺒﺎع رﺳﺎﻟﺘﻪ‪.‬‬

‫ﻳﺎ أﻫﻞ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬اﻷوس واﻟﺨﺰرج‬ ‫ﻳﺘﺤﺎﻟﻔﻮنﻟﻘﺘﺎﻟﻜﻢ‪.‬‬

‫ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬ﻧﺤﻦ ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻨﻚ اﻟﺜﺒﺎت‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻚ ﻟﻤﺪة ﻋﺎم‪ ،‬وﻧﺤﻦ ﺳﻨﻌﻮد إﻟﻰ‬ ‫دﻳﺎرﻧﺎ ﻟﻨﺪﻋﻮ ﻗﻮﻣﻨﺎ ﻟﺮﺳﺎﻟﺘﻚ‪ ،‬وﺳﻨﺮﺟﻊ‬ ‫)‪(3‬‬ ‫اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﺑﺄﻋﺪاٍد أﻛﺒﺮ ﻟﻨﺘﺤﺎﻟﻒ ﻣﻌﻚ‪.‬‬

‫ذﻋﺮوا ﻋﻨﺪ ﺳﻤﺎع ذﻟﻚ اﻟﺼﻴﺎح‪،‬‬ ‫ﻣﺤﻤﺪاﻃﻤﺄﻧﻬﻢ‪...‬‬ ‫ﻟﻜﻦ ً‬ ‫ّ‬ ‫وﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪاﻳﺔ إﺳﻼم اﻷﻧﺼﺎر‪ ،‬أﺻﺤﺎب‬ ‫اﻟﺮﺳﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ‪.‬‬

‫ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻮا‪ ،‬إﻧّﻪ إﺑﻠﻴﺲ‬ ‫ﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ‬ ‫ﻋﺪو اﷲ‪ ،‬ﻻ ﺷﻲء ّ‬ ‫ﻳﺪﻋﻮﻟﻠﺨﻮف‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫ٍ‬ ‫صلوات يف اليوم‪:‬‬ ‫(‪ .)1‬محمد يتفق مع الله عىل خمس‬

‫‪ l‬فأوحى الله إيل ما أوحى‪ ،‬ففرض عيل خمسني صالة يف كل يوم وليلة‪ ،‬فنزلت إىل موىس فقال‪ :‬ما فرض ربك عىل أمتك؟ قلت‪ :‬خمسني صالة‪ ،‬قال‪ :‬ارجع‬ ‫إىل ربك فاسأله التخفيف‪ ،‬فإن أمتك ال يطيقون ذلك‪ ،‬فإين قد بلوت بني إرسائيل وخربتهم‪ .‬فرجعت إىل ريب فقلت‪ :‬يا رب خفف عىل أمتي‪ .‬فحط عني‬ ‫خمسا‪ .‬فرجعت إىل موىس فقلت‪ :‬حط عني خمسا‪ .‬قال‪ :‬إن أمتك ال يطيقون ذلك فارجع إىل ربك فاسأله التخفيف‪ .‬فلم أزل أرجع بني ريب تبارك وتعاىل‬ ‫وبني موىس عليه السالم حتى قال‪ :‬يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة‪ ،‬لكل صالة عرش فذلك خمسون صالة‪ ،‬ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت‬ ‫له حسنة‪ .‬فإن عملها كتبت له عرشا‪ .‬ومن هم بسيئة فلم يعملها مل تكتب شيئا‪ ،‬فإن عملها كتبت سيئة واحدة‪ .‬قال فنزلت حتى انتهيت إىل موىس فأخربته‬ ‫فقال‪ :‬ارجع إىل ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله‪ :‬فقلت قد رجعت إىل ريب حتى استحييت منه‪.‬‬ ‫‪ n‬صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن الحجاج القشريي النيسابوري‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬باب اإلرساء برسول الله إىل الساموات وفرض الصلوات‪،‬‬ ‫حديث رقم‪ .162 :‬الصفحة ‪.146‬‬

‫(‪ .)2‬رشوط قبول الصالة‪:‬‬

‫‪ l‬حدثنا محمد بن حرب الواسطي حدثنا يزيد يعني ابن هارون حدثنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن الصنابحي‬ ‫قال‪ :‬زعم أبو محمد أن الوتر واجب فقال عبادة بن الصامت‪ :‬كذب أبو محمد‪ ،‬أشهد أين سمعت رسول الله يقول‪ :‬خمس صلوات افرتضهن الله تعاىل‪،‬‬ ‫من أحسن وضوءهن وصالهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له عىل الله عهد أن يغفر له‪ ،‬ومن مل يفعل فليس له عىل الله عهد‪ ،‬إن شاء غفر له‬ ‫وإن شاء عذبه‪.‬‬ ‫‪ n‬سنن أيب داود‪ ،‬سليامن بن األشعث السجستاين األزدي‪ ،‬املكتبة العرصية‪ /‬بريوت‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب يف املحافظة عىل وقت الصلوات‪ .‬صفحة ‪.115‬‬ ‫حديث رقم ‪.425‬‬

‫(‪ .)3‬أول األنصار‪:‬‬

‫‪ l‬قال ابن إسحاق‪ :‬فلام أراد الله عز وجل إظهار دينه‪ ،‬وإعزاز نبيه صىل الله عليه وسلم‪ ،‬وإنجاز موعده له‪ ،‬خرج رسول الله يف املوسم الذي لقيه فيه‬ ‫النفر من األنصار‪ ،‬فعرض نفسه عىل قبائل العرب‪ ،‬كام كان يصنع يف كل موسم‪ .‬فبينام هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خريا‪.‬‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة‪ ،‬عن أشياخ من قومه‪ ،‬قالوا‪ :‬ملا لقيهم رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ ،‬قال لهم‪ :‬من أنتم؟ قالوا‪ :‬نفر‬ ‫منالخزرج‪ ،‬قال‪ :‬أمن موايل يهود؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أفال تجلسون أكلمكم؟ قالوا‪ :‬بىل‪ .‬فجلسوا معه‪ ،‬فدعاهم إىل الله عز وجل‪ ،‬وعرض عليهم اإلسالم‪ ،‬وتال‬ ‫عليهم القرآن‪ .‬قال‪ :‬وكان مام صنع الله بهم يف اإلسالم‪ ،‬أن يهود كانوا معهم يف بالدهم‪ ،‬وكانوا أهل كتاب وعلم‪ ،‬وكانوا هم أهل رشك وأصحاب أوثان‪،‬‬ ‫وكانوا قد غزوهم ببالدهم‪ ،‬فكانوا إذا كان بينهم يشء قالوا لهم‪ :‬إن نبيا مبعوث اآلن‪ ،‬قد أظل زمانه‪ ،‬نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم‪ .‬فلام كلم رسول‬ ‫الله أولئك النفر‪ ،‬ودعاهم إىل الله‪ ،‬قال بعضهم لبعض‪ :‬يا قوم‪ ،‬تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود‪ ،‬فال تسبقنكم إليه‪ .‬فأجابوه فيام دعاهم‬ ‫إليه‪ ،‬بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من اإلسالم‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنا قد تركنا قومنا‪ ،‬وال قوم بينهم من العداوة والرش ما بينهم‪ ،‬فعىس أن يجمعهم الله بك‪،‬‬ ‫فسنقدم عليهم‪ ،‬فندعوهم إىل أمرك‪ ،‬وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين‪ ،‬فإن يجمعهم الله عليه فال رجل أعز منك‪ .‬ثم انرصفوا عن رسول‬ ‫الله راجعني إىل بالدهم‪ ،‬وقد آمنوا وصدقوا‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية النبوية (ابن هشام)‪ ،‬عبد امللك بن هشام بن أيوب الحمريي‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬بدء إسالم األنصار‪ .‬صفحة ‪.428‬‬

‫‪60‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

61


‫‪Elyas Elyas‬‬

‫الدين هو الخيار األسهل‪ ،‬ال يتطلب أي مجهود‪.‬‬

‫ـ‬

‫الدين اليجيب عىل أي سؤال‪ ..‬الدين فقط مينعك أن تسأل‪.‬‬

‫زياد عبد الرحمن‬ ‫ـ‬

‫‪Nicholas Nahhat‬‬

‫ال تسألوا عن أشياء ان ت ُبد لكم تسؤين‪.‬‬ ‫علم ‪ ..‬وإذا مل نعيه أنجب دي ًنا‪.‬‬ ‫إذا وعينا الجهل أنجب ً‬

‫‪62‬‬

‫‪Sami Dahabi‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab MagazineMagazine is a digital produced TheAtheists Arab Atheists is apublication digital publication by volunteers andbycommitted and produced volunteerstoandpromoting committedthetothought promoting writingstheofthought atheists and of various complete freewritingspersuasions of atheists with of various persuadom. Thewith Magazine doesfreedom. not adoptThe or endorse anydoes formnotof adopt politisions complete Magazine cal ideology affiliation or or endorse any form of political ideology or affiliation Contributors of of thethe content, illustrations Contributorsbear bearthethefullfullresponsibility responsibility content, illustraandtions topicsandthey provide insofar as it covers copyright and issues topics they provide insofar as it covers copyright andof intellectual property issues of intellectual property Express permission for tofor publish in the in Magazine is provided by conExpress permission to publish the Magazine is provided tributors, whether they are members of the Arab Atheists by contributors, whether they are members of the Arab Magazine Atheists Group of other atheists and non-religious contributors Magazine Group of other atheists and non-religious contributors TheTheMagazine does notnot publish material thatthat is unethical or or thatthat inMagazine does publish material is unethical cites racism or bigotry incites racism or bigotry The Editorial Board reserves the rightthe to republish content originally The Editorial Board reserves right to republish content published on the Magazine’s Facebook group, as publishing originally published on the Magazine’s Facebook group,there as implicitly contains consent for republication in the Magazine publishing there implicitly contains consent for republication in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.