ﻷﻧﻲ ﻋﺮﺑﻲ
المملكة األردنية الھاشمية رقم اإليداع لدى دائرة المكتبة الوطنية )(٢٠٠٩/٦/٢٤١٨ ٨١٣ .٩ العمري ،أحمد سليمان العمري ألني عربي /أحمد سليمان العمري _.عمان :المؤلف.٢٠٠٩ ، ) (ص ر.أ.(٢٠٠٩ / ٦ / ٢٤١٨) :. الواصفات / :الروايات العربية //القصص العربية //العصر الحديث//
أعدت دائرة المكتبة الوطنية بيانات الفھرسة والتصنيف األولية يتحمل المؤلف كامل المسؤولية القانونية عن محتوى مصنفه وال ّ يعبر ھذا المصنف عن رأي دائرة المكتبة الوطنية أو أي جھة حكومية أخرى.
جميع الحقوق محفوظة يطلب الكتاب من Ahmed83la@yahoo.com Mob. 00962777033285 00962788033312 ٢٠٠٩م ISBN: 978-9957-8636-2-3
٢
Ù£
٤
ﺍﻹﻫﺪﺍء ــ ــ ـ %ــ %& $ــ $ــ #ــ"! ' ــ ــ! ــ * +ــ )( ، /; $< 1 ، /0 1 2 31 & ,4 5 67 , !'189 :;& ..., - .E1)F E ...)?4 @ > ! AB !; $ C / D 1 ، =8> 1 ' D; , 8; I1 J' K8 L 1 M N J;4 /# C G E E/Hـ? . =) ?> 3 O ' :;& !G) PQ !G R D' , * !> SD4ـ! 0 ...ـ T ــ [ ' Zــ +ــW XYLAــ Q $8ــV PـU ! 8ــ _ ^ــ] Xــ\ Eــ $ــ! &5ــ)8 ` .a1 Q SB b0) ! ; c= ،3H . / <1
٥
โ ซ๏บฃ๏ป ๏บ ๏บ ๏ป โ ฌ โ ซ ู โ ฌQ โ ซู โ ฌd;& 8โ ซ =ู โ ฌุ B8โ ซ ู โ ฌ- โ ซู โ ฌ# ู โ ซู โ ฌ1 โ ซู โ ฌ/G ) โ ซ ู โ ฌe โ ซ;ู โ ฌD 8 - d;' , โ ซู โ ฌVA' =) ?โ ซ] >ู โ ฌ1 j ;= .iูกhูกh ,; T8 1 G !" A& ุ .S: 9 # l A' 1 /; ุ k D S / i ?; 81 โ ซ ู โ ฌT 8โ ซ>ู ู โ ฌ8=) oโ ซ 'ู ู โ ฌ1 ( โ ซู ู โ ฌ1 > , D โ ซู ู โ ฌV (8โ ซู ู โ ฌ4 p"โ ซ ู ู โ ฌA& ุ iูกูกnูก iูกูกูกm i โ ซ ู ู โ ฌEโ ซ ู ู โ ฌ .!H 4 V E " 0 kYD , q r l I- (Hugue de Payens (Council on Foreign
,โ ซ )> ู ู ู โ ฌs N โ ซู ู ู โ ฌ4Y N ) tโ ซ 'ู ู ู โ ฌM ,โ ซู ู ู โ ฌ5 )
,โ ซ ู ู ู ู โ ฌ:w'- โ ซ =ู ู ู ู โ ฌุ iูกvnูก ,;โ ซ( ู ู ู ู โ ฌuโ ซ ู ู ู ู โ ฌj)8โ ซ ) ู ู ู ู โ ฌp"โ ซ ู ู ู ู โ ฌuโ ซ ู ู ู ู โ ฌRelations) ()y8โ ซ;ู ู โ ฌ- ,โ ซ ู ู โ ฌD5 R โ ซ )>ู ู โ ฌM /โ ซ< ู ู โ ฌ1 2 /"โ ซ ู ู โ ฌA& ?โ ซ ;ู ู โ ฌุ ,โ ซ ู ู โ ฌ- N โ ซู ู โ ฌV)8D T xโ ซ'ู ู โ ฌ4M .(Illuminati) R R 84 ุ |8 } ุ /{) 8& ุ / Y N d;' z?= ,1 T) SB . T 8= , 5- ,1T x'4~ N 1 d; ?B 9 3V ,1 .ย L , ...r4 8 ( '" /0 ย ,
ูฆ
ﻣﻘﺪﻣﺔ ! ـ ـ ـu ـ,dw ... Zx r4 8 ) p 5V iY N ZD& !ـD ً ـD 4 N?L =T p ` 8& pw & ،p 'B ( * l z %'D- SV ...! SB B ـ/> ـ$ ـQ " :, !' `8\ V J X 0 R ...X 0 ... " ) 5 SD4 '" ) ــ 'ــp ــ5 @ S " =ــ:a ' ــb#Z; ــN8x ــR ــ4 ! ــ' ) ــ . /4]^ 0 D& B & ` ( B E ;'' K i ؟Y
٧
٨
فصل
ألني عربي
أرفض ك ل م شروع أن ت ل ست في ه ...ال أري د أن تغيب ي عن ي ،فأن ا أھيم في فجوات ظنوني ،لم أعد أعبأ بمن حولي ،ال بالدنيا وال أعم الي وحتى أصدقائي وضياع سنيني ،أصبحت أعيش وحيداً في قاربي أبحر من نھر إلى بحر معتق داً أن ي مخت ار لطريق ي ،أبح ث عن ك أدع وك أن تقتربي ،وال تسأليني صبراً ،فھناك شيء في داخلي ال يريد سواك. قالوا عن ك س احرة ،ق الوا إن ھم ساتك ت سبيحات ش يطانية ،ق الوا ل ي اذھب إلى الشيخ فالن فھو يجيد فك السحر. لم يعلموا حبيبتي بذلك السر المكنون ...جنوني وحب ي وت ولعي ب ك، بأنفاسك ولمساتك ...ھل البعد عنك سيأويني؟ أم يجع ل من ي مجنون ا ً... أھذي ،أحكي لنساء الدنيا عنك؟ في ليلي أنت حت ى ف ي أنفاس ي الھارب ة م ن ص دري وأنين ي ،ھ ا أن ا وضعت نف سي ف ي س جن ش جوني ...ولك ن ل ن أرك ع ،ل ن أخ ضع ،ل ن أبقى موھوما ً حالما ً منتظراً في سجني ،سأخرج قويا ً وال أري د أن أراك ف
سحر عيني
ك يك
ويني ،ال أري
د أن أراك فن
سماتك ني
ران تحرقن
ي، أرجوك ال أريد أن أراك. يا امرأة ذكراھا لم تع د س وى ألم ا ً أح ب اإلح ساس ب ه وكأن ه أص بح أنيسي وجليسي ،كنت في الماض ي تبحث ين عن ي ،ع ن ودي والي وم ھ ا أنت جداً بعيدة عني أناديك وأنت بھجرك تصليني.
٩
فصل
ألني عربي
أص
حو ف
ي ال
ساعة الخام
سة ص
باحا ً كالع
ادة ،أذھ
ب إل
ى المط
بخ، أضع القھوة في )الكف ي ميك ر( جھ از ص انع القھ وة ،أذھ ب بع دھا إل ى الحمام ،أستحم وأنظف أسناني في آن واحد تحت المياه الساخنة ،أخرج م
ن الحم
ام وش
عري ن
صف مبل
ل ،أرك
ض إل
ى غرف
ة الجل
وس وأم
ي تسمع صوت فيروز الذي اعتادت عليه وعودتني ،وم ن ث م أدخ ل م رة أخرى إلى الحم ام وأحل ق ذقن ي ،وھ ذه ال دورة ال صباحية ت ستغرق م ن الوقت دقائق تكون فيھا القھوة قد جھزت ،كانت أمي تجھزھا فھي تفيق معي. أبدأ احتساء قھوتي معھا جال سا ً عل ى األريك ة ذاتھ ا ف ي ك ل ص باح، مستمتعا ً بمذاقھا المر ووجود أمي ،فھو يعيدني للحظ ة األول ى بب سمات وأغنيات عمري ،وبين رشفة وأخ رى أرت دي بع ض مالب سي ،ورش فة أخرى كبيرة ألبس البنطال ،والتي تليھ ا أل بس القم يص ،وم ن ث م أع ود جالسا ً على األريكة ذاتھا ،وبرشفة قھوة أخرى أب دأ بل بس ربط ة العن ق يعلوھا صفيري ،وال أبالي بالمطر الغزير الذي أراقبه من خالل زجاج الشرفة المطل على حديقة المنزل ،فأنا لم أعد أعطي للطقس أي أھمي ة تذكر ،إن كانت الشمس قوية ساطعة أم السماء صاخبة غاضبة ماطرة، أعيش اللحظة مثلما أنا أختارھا ،ألني خالقھا وصانعھا ولو لم أك ن لم ا كانت ھناك في حياتي دقائق وال ساعات.
١٠
أرتدي حذائي وأحيانا ً أستغرق وقتا ً في البح ث ع ن ج وارب تتناس ق ول
ون البذل
ة أو القم
يص ،وتك
ون أحيان ا ً مثقوب
ة ،كن
ت أرت
دي بع
ضھا رغم عدم تناسبھا وھندامي وال يھمني في تلك اللحظة أي لون لھا. وتمام
ا ً ف
ي ال
ساعة الخام
سة والخم
سين دقيق
ة أك
ون جال
سا ً ج
اھزاً للخروج وأبق ى خم س دق ائق أحت سي م ا تبق ى م ن القھ وة وأس مع آخ ر خبر بعد صوت فيروز عنوة عن أم ي وتك ون ال ساعة دخل ت الخام سة وخمس وخم سين ،وكن ت أت رك ف ي كثي ر م ن األحي ان آخ ر رش فة ف ي فنج
اني خارج
ا ً إل
ى محط
ة الحافل
ة الت
ي تبع
د ث
الث دق
ائق ع
ن ب
اب البيت ،ھذا قبل أن أشتري سيارتي األولى. أسير بين خطوط ظلمة فجر لم ي شرق ،أحم ل أوراق ي وكتب ي ،أرى سروراً من بين الظلمات ويقينا ً في داخلي يخ اطبني وال يك ذبني ...بع د مضي ساعتين سيبرز فجر جديد. كنت أبدأ يوم عمل شاق ،إال أني كن ت أعم ل برغب ة كبي رة رغ م أن طبيع
ة عمل
ي ش
اقة ج
داً وص
عبة ،ف
واجبي ك
ان البح
ث ع
ن مج
رمين ھ
اربين م
ن الق
انون ،وكان
ت ھ
ذه الواجب
ات توك
ل إل
ي م
ن ش
ركات خاص
ة ،موظفوھ
ا رج
ال ش
رطة س
ابقون ول
يس بإمك
انھم ممارس
ة وظائفھم لسوابقھم. لم أكن أنظر لألمور بمنظار أسود ،كن ت أرى األم ور كم ا يج ب أن ترى ،أرى األلوان كما ھ ي عل ى حقيقتھ ا ،األس ود أس ود والف اتح ف اتح ول
ون ال
ورد تمام
ا ً كم
ا خلق
ه ،Sكان
ت االبت
سامة لوح
ة م
ن لوح
ات وجھي ،ال حقد وال ضغينة ،وليس للكراھية حجر وال م ربط ف رس ف ي ١١
داخلي ،أنا من كان يخاطب الشباب ويح دثھم ع ن م ذاق الحي اة ول ذتھا، أنا كنت القائل" :بأنن ا نح ن ص ناع الزم ان والق رار ،نح ن م ن ي ستطيع الوقوف أمام األحداث وتغييرھا ،نحن صناع اإلرادة وأصحاب ص حوة وعطاء ،فنحن من سيكتب التاريخ عنھم ،أو من سيمر علينا مر الكرام، فإما أن نكون أحياء نعيش على أطراف الع الم مث ل ش جر أو حج ر ،أو أن نك ون مم
ن اختارت ه الحي
اة ب دالً وأراد أن يك
ون ش يء ال ع
دما ً وال عالة على الزمان وأصحابه" فكيف للشخص رجالً أم امرأة أن يتسنى له التعامل م ع اآلخ رين إذا ك ان يواج ه م
صاعب ف ي التعام
ل م ع نف
سه؟ ألن ه إذا فق
د الت وازن م
ع نفسه وتصادمت أفكاره ولم يجد نقاط التقاء مع ذاته مم ا يت سبب ل ه ف ي صدام فكري مع العالم الخارجي وأشيائه ،ويعود ھذا بطابع سلبي عل ى شخصه وقد يكون ال شعوري ال نحس به إال من خالل إرھاق وأزمات نفسية متتالية ال نستطيع التحدث عنھا مع اآلخرين خوفا ً من ردود فعل سلبية أو نفور ،وھذا بحد ذاته قد يتسبب بآثار أكث ر س لبية م ن الم شكلة الحقيقي ة الت
ي نعانيھ
ا وتحرمن
ا االس
تقرار النف
سي ال
ذي يتمت
ع ب
ه أي شخص عادي. ف
ي الحقيق
ة إن األش
خاص ال
ذين يت صفون بھ
ذه ال
صفة ھ
م قل
ة م
ن القلة ،وھو تفاوت من شخص آلخر بحيث يكون عندي طبيع ي وعن دك أكثر م ن الح د الت ي تتحمل ه نف سك ،مم ا ي ؤثر عل ى ت صرفاتك فيجعل ك ً معرف ة ُتظھر لباقة أكثر من االعتيادي أو توازن أكث ر م ن اآلخ رين أو أو خبرة مبالغ بھا بحيث تلفت األنظار حتى تع زز م ن ثقت ك بنف سك أو حتى ال تشعر اآلخرين بالعقد النفسية التي تعانيھا وال تفھمھا ،وھذا في ١٢
الحقيق
ة يظھ
ر ھ
ذه العي
وب أكث
ر م
ن ل
و ت
صرفت م
ع نف
سك ب
شكل طبيعي ،مما ينعكس بطبيعية أكثر على العالم الخارجي وھذا أكبر ق سم من العالج الذاتي وليس كله دون التحدث مع أحد بھذا الخصوص ،وال أستثني النفس ذاتھا ،أي أن يتحدث الشخص لنفسه ويفصح لھا ب صوت م
سموع ع
ن الم
شاكل الت
ي يعانيھ
ا ،والعب
رة ف
ي ح
ديث ال
نفس بأنن
ا نستطيع معرفة أزماتنا باعترافنا ألنفسنا بأن ھذا األمر ھو فعالً المح ك الذي أعاني من ه ،ف ي الوق ت نف سه كن ت أخ دع نف سي وال أعت رف ب أن ال
ذي ف
ي داخل
ي ل
م يك
ن أم
راً طبيعي
ا ً إنم
ا م
شكلة حقيقي
ة وج
ب عل
ي التعامل معھا كمشكلة ولزوم البحث عن بدائل وحلول. كيف يذھب أحدنا إلى الطبيب إذا كان مقتنعا ً بتم ام ص حته وعافيت ه؟ قد يتشابه عالمنا )عالم الكبار( في كثير م ن األحي ان م ع ع الم األطف ال )عالم الصغار( فھو في حيثياته عالم مثيل لنا باختالف جوان ب طبيعي ة لھا أطوارھا وأزمانھا ووقت محسوب. فكثير من القرارات التي تتعلق بمصائرنا نكون غالبا ً نح ن أص حاب الجانب الكبير فيھا أو بأكملھا والتي قد تؤثر سلبا ً أو إيجابا ً على المحيط الذي نتواجد فيه أو نعيشه ،وبالتالي علينا بالقدر الكبير. إن ھناك قدر كبير من التصرفات واألطباع واالنصياعات النفسية ال نعيھا تماما ً أو ندركھا أو نفھم معناھا الحقيقي أو المغزى من ورائھا. قد نق ول ،نفع ل ،ن ومئ أو نقط ب الح اجبين عن د س ماعنا ،رؤيان ا أو إحساسنا بشيء ما ،ومن الضروري أن يكون لھذا كله معنى يتوافق مع ردود الفعل ،وليس من الضروري أن تكون ردود فعلنا ناتجة ع ن فھ م ١٣
للح
دث أو ع
ن وع
ي م
سبق وإدراك ،فف
ي كثي
ر م
ن األحي
ان يك
ون ال ش
عوري ،م
ن العق
ل الب
اطن أو م
ن وراء القل
ب ،وأن
ا أعن
ي م
ن وراء القلب أن نقول أو نفعل دون معرفة ما يجول في الخاطر وقد يكون ھذا أحد أنواع العشوائية.
١٤
فصل
ألني عربي
كنت أبدأ عملي قبل طلوع الشمس وأنھي ه بع د غروبھ ا ،أك ون عل ى رأس عمل
ي ف
ي الثامن
ة ص
باحا ً وي
ستمر أحيان
ا ً حت
ى الي
وم الت
الي ف
ي الحادي
ة ع
شر ل
يالً ،ك
ان ي
وم العم
ل الطبيع
ي اثن
ي ع
شر س
اعة ،م
ن الثامنة صباحا ً حتى الثامنة ليالً ،إال أن طبيعة العمل أحيان ا ً كان ت تح تم ي وعل
ى زمالئ
ي أن نعم
ل ثالث
ون س
اعة أو ثم
ان وثالث
ون س
اعة عل ّ متواصلة. كانت ساعات العمل طويلة ،لم أكن أشعر بھا ،تمضي ،لم نكن ننظر إل
ى عق
ارب ال
ساعة ،فكالن
ا يعل
م أن
ه بمج
رد ب
دء العم
ل ال نعل
م مت
ى سنعود إلى أسرنا ...أو قد ال نعود أبداً. ھك ذا ك ان برن امجي ف ي ي وم وليل
ة حت ى أص بت بخيب ة أم ل كبي
رة، أحسست بھا أني سأموت ،كانت خناجر انتقام تخرق أحشائي ،ما زالت روحي تفتش عنھا في األحالم ،أريد أن أمحوھا من أذكاري وانحناءات جسدھا وأحالمي ،صرت متسكعا ً في الشوارع ليس معي سوى أحذيتي وأحزاني ،تراودني أفكاراً حمقى ،وھم اعتقدته حبا ً ...تمكن اليأس مني وصار في داخلي قرار ،مسكين قلبي لم يعرف مع أي امرأة كان! أن
ا م
ن جع
ل للخدع
ة ت
اريخ وس
جل أس
ماء وأش
خاص ،وفي
ه زم
ان أسراب تاريخي؟ ونسائه من شياطين بابلَ َ ... عرفت أنه س راب بع د أن ش ربت أول جرع ة م اء منھ ا ...ام رأة ل م أتوقع أن تسقيني ،ظمآن ل م أش رب ون سيت طع م الم اء ،أش رب الك أس
١٥
من ي ديھا وف ي ك ل جرع ة طعن ة أن ا م ن أح س بھ ا ،أغ رق ف ي الي أس أتنفس يأسا ً ،أحس بسكرات الروح وذكراھا بالشھيق األخير... أرسم العيش على وجھي ،أض عه ف ي عين ي ي ؤلمني ،أري د أن تك ون ذكراك وھما ً ...قد شربت جرعة الماء مجبراً... ِ س
واك سأش
رب! وھ
ا أن
ا من
ك ھ
ارب وم
ن أي س
اقية أعل
ن أن
ي ِ ِ أش
رب ،أح
س ب
سم مرتق
ب مث
ل قنبل
ة موقوت
ة أس
مع دق
ات س
اعتھا التنازلية ،أحس بألم قريب ،ألم سيأتي في شكل جديد فيه الوھم يضيق.
١٦
فصل
ألني عربي
ل
م يتغي
ر وق
ت ص
حياني والموس
يقى أي
ضا ً ل
م تتب
دل ،وحت
ى ن
وع القھوة لم يتغي ر ،أن ا ھ و ال ذي ل م يع د كم ا ك ان ،وك أن ص وت الم ذياع ٌ ٌ سجن وقطع األثاث سجانين. إنذار وبيتي أصبحت مالبسي قيداً وقھوتي سما ً حتى شرفة البيت والحديقة رقيبا ً. ال أرى شيئا ً جميالً حولي وكرھت عملي ،قررت أن أستقيل ،ص ارت الساعات تقتلني والجلوس مع الناس يؤذيني. بدأت بخطى جادة في س بيل ال تخلص م ن العم ل .تكلم ت م ع رئ يس عمل ي ،وتأس
ف كثي
راً لق
راري إال أن
ي ولألس
ف ل
م أس
تطع أن أكم
ل، والق
رار الث
اني ت
رك البي
ت فھ
ذا مترت ٌ ب عل
ى الق
رار األول ألن
ي ل
ن أستطيع مستقبالً دفع الكراء. وب
دأت معان
اة جدي
دة أت
ت عل
ى ش
كل وطريق
ة مختلف
ة ،كن
ت ق
د توقعتھا ،لم أعد كما كنت... ٌ واقتصاد حتى فق دت كام ل إرادت ي لم أعترف يوما ً أن المرأة سياسة وأكثر من نصف حياتي ،ابنتي ،زوجتي ،أمي ،عملي وبيتي... ھناك كانت أحالمي معلقة على الج دران ،وس اعات الح ائط ،وھن اك كانت روحي تتنزه بين كتبي ،وقلبي كان له ھناك قصص وروايات. ش يطان ف ي داخل ي ،اخت
ارني دون ا ً ع ن غي
ري ،فأن ا المرس وم عل
ى قدمه ،أنا من أخرج فخارته من قل ب ص خور البت راء ،ك ان ف ي الظ الم
١٧
يعيش مجبراً سجينا ً ،أدخله في تلك الفخارة رجل مثلي ،وشاءت األقدار أن أخرجه أنا بعد أالف السنين ...ليعذبني؟ كن ت أعتق
د أن تل
ك رح الت تتغ
ذى بھ
ا ال روح ،تب
رق بھ
ا العين ان، يصفى بھا العقل ،ينعم بھا الجسد وترقى بھا الحياة ...مسكين أنا ،خ ٌ داع ٌ وخيانة ولوحة إخالص متقنة. أسير في أحي اء أثين ا ال أعل م إل ى أي ن .ق د س معت أن ھن اك مؤس سة حكومي
ة يمك
ن المبي
ت فيھ
ا مقاب
ل أج
ر رم
زي ،وھ
ي مق
ررة ألن
اس أمثالي ال مأوى لھم ،ما أشبه األمس باليوم ،في األمس كنت أسكن أح د األحياء الراقية ،اليوم أبحث عن حانة من أمتار بين بناء شاھق ،أبح ث عن سكينة ومكان جاف من األمطار. ال أحم
ل س
وى مت
اعي ومن
ه القلي
ل فق
ط ،أم
ا كتب
ي وأوراق
ي وك
ل ش
يء ل
ه معن
ى ف
ي حي
اتي ،س
اعات الح
ائط ذوات األش
كال الغريب
ة، وفناجين القھوة ،كل واحد منھا ك ان يحم ل معن ى وذك رى خاص ة بھ ا، أخذت بع ضھا وترك ت أخوتھ ا ،أخ ذت آخ ر فنج ان يحم ل آخ ر ذك رى ووقعة ،أما ما تبقى فسأتركه ع ن ص ديقي ق د وع دني أن يح افظ عليھ ا حتى أعود مرة أخرى ...ولكن متى؟ ھذا الذي ال أعلمه.
١٨
فصل
ألني عربي
ف
ي الم
ساء ف
ي ال
ساعة العاش
رة ح
سب التقري
ب وقف
ت عل
ى حاف
ة الطري
ق والم
ساء م
ازال م
اطراً أنتظ
ر في
ه س
يارة أج
رة ،وبقي
ت وقت
ا ً أنتظر كان كافيا ً ليجعل مني وكأني خارج من بركة ماء دون أن أش عر بشدة المطر والبرد ،وكأن جسدي تحت تأثير مخدر. الروح تعتصر ألما ً ،ھي التي تعاني وأنا ِقشرتھا ،ل م تك ن الم ؤثرات من حولي تھمھا ،فمعاناة روحي من أشياء أخرى ،وعالجھا أنا أعرفه، قلبي ھو المسيطر على عقلي ،ھو صاحب القرار ...اآلمر الناھي ،وي ا حزني على امرئ قلبه ليس بيده ،ونفسه فرحة باستسالمھا ،ھي تعرف أنھ
ا عليل
ة مري
ضة ...تت
ألم ،تبح
ث ع
ن م
أوى دون ج
دوى ،تحل
م بالطمأنين
ة ،تحل
م أن تك
ون كم
ا أراد لھ
ا ،Sم
ن ي
ساعدھا إذا ك
ان صاحبھا عليالً ھشا ً وال يسعى لقت ل ال شياطين م ن حول ه؟ ال ب ل أح بھم ويعمل على إبقائھم ،فكيف للروح من خالص؟ من بين قطع الليل وبين أشجار عمالقة تحتضن الشارع من جانبي ه، تجعل من ظلمة تلك الليلة ظلمات على ظلمات ،وضباب مخيم يخنقني، ال أرى من خالله سوى موضع أقدامي. وبدا لي ضوء سيارة مقبلة ودعوت Sأن تحملني معھا ،ووقفت في وسط الشارع حتى يراني السائق. لم يھمني في تل ك اللحظ ة إن كان ت س يارة أج رة أو خاص ة ،ووق ف السائق فعالً وكان يسير ببطء من شدة المطر وكثافة الظباب ،ودون أن
١٩
اسأله أو يسألني ركبت السيارة ،وقال لي بلط ف" :إعطن ي حوائج ك ي ا سيدي" ودون ت
ردد أعطيت
ه حقيب
ة مت
اعي الوحي
دة ،فق
ال ل
ي" :وال
سترة الطويلة إن شئت؟" وكانت مبللة تقط ر بالم اء ،أخ ذھا من ي وخ رج م ن ال سيارة ب سرعة ليضع متاعي في صندوق السيارة من الخارج. س
رنا ول
م ي
سألني مباش
رة كأن
ه أح
س ورأى ش
يئا ً مم
ا يُ
رى ف
ي وجھي ،وبعد دقائق قليلة خرجنا من الشارع العريض بأشجاره الكبي رة الذي كان باألمس شارعي ،وسألني" :إلى أين يا سيدي؟" ولم يسألني بصوت منخفض يتناسب وطبق ات ص وته ،وك أن المط ر الشديد وتشتت أفكاري أمليا عليه أن يرفع صوته على غير المعتاد. ونظرت إليه ،لم أعلم إلى أين ...وقلت" :ال أعلم!" وأردفت قائالً" :سمعت أن ھناك مؤس سة ف ي الح ي الق ديم تأخ ذ القلي ل مقابل المبيت!" نعم أعرفھا ،ولكن ھذا السكن ليس ألمثالك سيدي" وقلت دون أن أعلق" :إذن إلى ھناك" وأح
س اآلخ
ر أن
ي ال أري
د أن أكث
ر مع
ه الك
الم وت
ابع دون أن يعل
ق بشيء.
٢٠
كنت أجلس خلف السائق ...وبدأت أح س بال دفء ،أنظ ر م ن زج اج السيارة للخارج ،تارة من الزجاج الجانبي وأخرى من األمامي ،وكأني ٌ أح
زان تقتلن
ي ع
اجٌز حت
ى ع
ن أل
م يع
صرني، أبح
ث ع
ن م
ستقرٌ ، الحراك ،أدعو Sأن يقطع ھذه الحقبة من ال زمن م ن عم ري ويجعلھ ا خلف العالم وكأنھ ا ل م تخل ق ،أو أن تنق ضي دون أن أش عر بھ ا ،أو أن أنام وال أصحو إال على صبح مشرق جدي د في ه الماض ي حثال ة قھ وتي م
ن البارح
ة ،ال أرى في
ه س
وى م
ا ي
رى )حثال
ة( ،أحملھ ا إل
ى س
لة النفايات ومن الخزانة العليا أخرج القھوة الجديدة... وف
ي خ
ضم ھواج
سي وتمني
اتي وازدح
ام أفك
اري ،س
معت ال
سائق يخاطبني" :ھا نحن قد وصلنا" أحضرني وأفكاري من مكان بعيد وأعادني م رة أخ رى إل ى مقع دي وحافلته. وق ف ال
سائق عل
ى ط رف ش
ارع كبي
ر وأش
ار ل ي م
ن الزج
اج إل
ى شارع فرعي صغير معتم فيه عامود إضاءة حزين حيث السكن" :ھناك يا سيدي ،مباشرة أمام اإلشارة الضوئية باب المؤسسة" "لماذا ال تدخل في الشارع؟" "ھذا شارع للمشاة وال يجوز أن أدخله في السيارة" خرجت من السيارة وھو أيضا ً وساعدني في إخ راج حقيبت ي وتمن ى لي ليلة سعيدة وحظا ً وافراً ،دخلت الشارع في عجل ة حت ى ال أب ل م رة
٢١
أخ رى ،ھ ذا ألن ي أحس ست بال دفء ول و ل ساعة ،فكي ف بم ن أح س ب ه لسنين؟ وصلت إلى الب اب بدرجات ه ال ثالث ،ك ان أس وداً زجاجي ا ً مغلق ا ً مث ل ليلت
ي ،وعل
ى الب
اب م
ن الجھ
ة اليمن
ى الج
رس فقرعت
ه ،وف
ي الجھ
ة المقابلة كانت ھناك حانة يسمر بھ ا أن اس كث رة ،فتي ان وفتي ات ودخ ان يمأل المكان ،وضوء خافت عله بالنسبة لھم رومانسي. فُ تح الب
اب ودخل
ت إل
ى ص
الة لي
ست ب
الكبيرة وال ال
صغيرة ،وف
ي الجھ
ة اليمن
ى االس
تقبال وف
ي المقاب
ل قاع
ة للجل
وس ،وأول م
ا لف
ت انتب
اھي عن
د دخ
ولي ح
ديث فت
اة وش
اب كان
ا يقف
ا خل
ف طاول
ة االستعالمات ولم يكن ھن اك س واي ،نظ رت إل ي الفت اة وقال ت" :لحظ ة واحدة من فضلك سيدي ،تفضل بالجلوس" وفي األثناء كان الشاب يوقع على أوراق منھا كأنھ ا أوراق اس تالم، وللحظ ات قليل ة كن
ت أراق ب فيھ
ا االثن ين حت ى ينتھي
ا ،وس ألھا اآلخ
ر: "كيف كان يوم عملك؟" "لم يكن سيئا ً ،ھل أفتح له السجل أم أنت؟" ردت بابتسامة. "ال ،إذھبي أنت ،سأقوم أنا بتسجيله ،فأنت ھنا منذ الصباح" أخ
ذت متاعھ
ا ولب
ست س
ترتھا ونظ
رت إل
ي تب
ادلني ذات االبت
سامة وقالت" :مساءك سعيد يا سيدي" ونظرت إليھا مصطنعا ً ابتسامة مثيلة شاحبة" :وأنت كذلك سيدتي"
٢٢
خرجت ودخل ھواء عاصف بخروجھا وصفعني الصفعة األخيرة م ن تلك الليلة. وحياني ذلك الشاب" :مساءك سعيد يا سيدي ،تفضل" وقفت متجھا ً نح وه تعب ا ً أحم ل عل ى ي دي معطف ي وحقيبت ي وقل ت ل ه: "أريد غرفه" قال" :ھل تحمل وثيق ة رس مية س يدي م ن دائ رة األح وال االجتماعية؟" فقلت" :وما ھذه الوثيقة؟" "كما تعلم يا سيدي ھذا سكن مؤقت لمن ال يملك مسكنا ً" "أنا ال أملك ھذه الوثيقة وليس عندي مسكنا ً أيضا ً" "ليس ھناك مشكلة يا سيد ،تستطيع أن تبقى ولك ن ف ي الغ د أرج وك أن ت ذھب إل
ى دائ
رة األح
وال االجتماعي
ة وتح ضر الت
صريح م
ن ھن
اك، وھذا ال يتطلب منك سوى أن تثبت أنه ال مأوى لك" وطلب مني ھويتي الشخصية حتى ي دون المعلوم ات الت ي يحتاجھ ا، وسأل" :سلوان ھو اسمك من المقطع األول؟" "نعم ،والمقطع الثاني الرمعي وھو اسم العائلة" أعطاني مفتاح الغرفة ورقمھا ،٤٣وقال" :أحب أن أطمئن ك ي ا س يد رمعي بأن كل النزالء عندنا ھم من الطبقة البسيطة في المجتم ع ول يس لھم أي سابقة إنما ھي الظروف التي أتت بھم إلى ھنا" "الحم
د ،dعل
ى األق
ل ل
ن يك
ون ھن اك ش
جار أو ع
راك ،ألن
ه ف
ي معظم الحاالت تكون مثل ھذه السكنات مأوى للمشردين والمدمنين" ٢٣
"أنا اسمي يورغوس" قدم نف سه ل ي وك ان يقربن ي ف ي العم ر ،أش ار إلى مدخل ب درجات ملتوي ات نح و الي سار ،وق ال " :الحج رة ھن اك ف ي آخر الممر على اليمين" سرت في الممر الطويل حتى النھاي ة وانتھ ى المم ر ب شباك زج اجي كبير ،وفي الجھة اليمنى الغرفة رقم ،٤٣غرفت ي ،وم ن الي وم م سكني وم
أواي ،فتح
ت الغرف
ة ودخل
ت إل
ى ظلم
ة أشد من التي كانت في الخارج ،أشعلت الن ور وإذا ب ه أب يض مث ل ن ور المست
شفيات ،وس
رير ف
ي الواجھ
ة وأغطي
ة زرق
اء ،ج
دران بي
ضاء ال تحمل معنى ،وخزانة حديد في الجھة اليمنى أبوابھ ا االثن ين م شرعين، وطاولة بيضاء عريضة قواعدھا من حديد مستدير ،ف ي الجھ ة المقابل ة عند النافذة الوحيدة في الغرفة ،واألرضية رمادية عارية. وضعت حقيبتي على المنضدة الب اردة ومعطف ي ،جل ست عل ى حاف ة السرير مطالً على الباب ،ل م أك ن أعب أ ب ضيق المك ان كثي راً ،اس تلقيت عل
ى الفرش
ة الغريب
ة وأحس
ست ب
دوار ،وك
أن دوائ
ر زرق
اء مرس
ومة عل
ى الح
ائط ،وب
دا ل
ي أن ال
سرير ي
دور ب
ي ف
ي دوام
ة ال أمل
ك الق
وة للخ
روج منھ
ا ،وأحس
ست ب
أن دوائ
ر ال
سقف الزرق
اء ب
دت ت
ضيق وتسرع وسريري أيضا ً يسرع وبعك س عق ارب ال ساعة ،أش عر وك أني أغوص ف ي داخ ل تل ك ال دوائر ،حت ى أن دورانھ ا ف ي ال سقف ودوران سريري شكال شكالً لولبيا ً من خطوط زرقاء كثيف ة م ن ح ولي ،وك أني أصبحت داخ ل أنب وب ي سعني ،أو س ماء ت ضمني ول يس ھن اك س واي، تعصف بي حيث المجھول ،أشعر وكأني أقذف بھا مث ل ص خرة تھ وي
٢٤
من أعلى الجبل ،ولم أعد أحس بما حولي ،جفوني تغل ق رغ م إرادت ي، لم أعد أنا من يسيطر على روحي ،أشعر بھا خارجة من صدري رغما ً عني. ...عيناي تحرقني كأن أحداً وضع فيھما حامضا ً أمينيا ً ،أفتحھما عنوة عني ،أضواء بيضاء تبرق فيھما بسرعة... عرفت أني كنت نائم ا ً ،وإذا بأش عة ش مس ال صباح حل ت م ن زج اج الناف
ذة وب
رزت ب
شفافية خالق
ة أل
وان تم
سح عن
ي بل
ل البارح
ة ،تغ
سل عني ألم األمس تعطيني إشراقة جديدة ال خداع فيھا وال مجاملة. صحوت من ن ومي ول م أش عر بغف وة البارح ة ،وك أن ال رحمن أن زل عل
ي س
كينة ،والبارح
ة حل ٌ م ل
يس ب
ه واق ٌ ع س
وى ثي
ابي الت
ي مازل
ت أرتديھا. وقفت أنظر للخ ارج م ن خ الل زج اج الناف ذة المغلق ةٌ ، بن اء م ن ك ل الن
واحي يحت
ضن س
احة ف
ي األس
فل ف
ي مرم
ى نظ
ري ،عزل
ة ھادئ
ة خلقھا Sفي قلب الصخب. خلع ت عن
ي الثي
اب أش
تم رائح
ة البارح
ة ف
ي ك
ل قطع
ة منھ
ا مث
ل رائحة فاجرة يشتمھا زوجھ ا منھ ا ،رائح ة كريھ ة ت شمئز ال نفس منھ ا، فيھا أرق الروح وارھاقة القلب ،عذاب تلك الليلة الماطرة ،كانت النفس بھا مخنوقة مجب ورة مغلوب ة ،أش تم ثي ابي ،تخ اطبني تتوع دني وت سخر مني وكأنھا تقول" :ال تغتر ي ا م سكين بإش راقة ق صيرة ف األمس قري ب والفحش لم يقتل"
٢٥
لطف
ا ً ...ال تحطم
ي مج
اديفي ،ال ت
ستبقي آالم
ا ً ق
د ال أعي
شھا ،وال أع ذب بھ ا ،ال أري د أن تق رأي فنج اني وال تتنبأي لي بليال ال أن وي أن ُ َ َ َ تنظري في أوراق حظي ،وال تتنجمي النجوم وال تقولي لي عن غدي، أمل، فأنا عاھدت نفسي أن ال أعيش مرة أخرى ...ال أريد ألما ً أو خيبة ٍ وال غرغرة في أحشائي من حب شيطاني يقتلني. جلست ح ول الطاول ة عل ى الكرس ي الوحي د ،أخاط ب نف سي أعاتبھ ا أأنبھا على ما ال ذنب لھا به ،أسأل نفسي أسئلة ال جواب لھا عندي. أح
س بج
سدي منھك
ا ً ال يمل
ك الق
وى ،قلب
ي ي
زداد نب
ضه مم
ا يثي
ر قلقي ،ال يثير قلقي من الناحية الصحية ،ال بل قلقا ً يتسبب بنبضات قلب قوية ،قلق ،أرق وعدم اس تقرار ،أن ين تت ألم من ه ال روح ،وأس ئلة معلق ة مث
ل ن
ساء األربع
ين ينتظ
رن ع
ودة أزواجھ
ن م
ن ح
رب ك
شمير وأفغانستان. كيف لحب مثل الذي كان في قلبي لھا أن يفشل من أول اختبار؟ ھي التي ھدمت كل شيء. لم تعطي نفسھا ولم تعطني فرص ة ،ھ ل كان ت تبح ث ع ن الف شل أو اعتادت عليه؟ لم يكن اختبار للحب إنما لھا ،لو أني علمت لرفضت أي امتحان... أعيش على الھامش أو أھمش ،ال معنى لوجودي وال ھدفا ً في حي اتي، أصبحت منھمكا ً في عالم أجوائه محبطة ...سيء حزين ال يعجبني،
٢٦
يخصني وال أريده ،ي سلبني إرادت ي يھزمن ي ،وكي ف ال؟ وأن ا م ن أراد االستسالم. منذ أي ام ل م أذق الطع ام أح اول أن آك ل ،نف سي ت رفض ك ل أنواع ه، أنظ
ر إل
ى الن
اس أتمن
ى أن أتن
اول الطع
ام م
ثلھم ،يلھم
ون )ال
شاورما( و)الھمب
ورجر( ،يحت
سون الع
دس كم
ا وأنھ
م ل
م ي
أكلوا ،أرى اللح
م مزدحم على موائ دھم ،وأي دھم ب ين الح ساء وال دجاج وأن واع ال سلطات تتسابق وتتشاجر ،أتمنى أن يكون لي شھيتھم. أرى وأعي أن عدم اإلقبال على الطعام سيتسبب لي بأزمات ص حية ونفسية أنا في غنى عنھا ،إال أني لم أعد أملك السلطة على نفسي. أصبح غذائي الوحيد الحليب ،الماء ،الشاي والقھوة .ال أريد أن أرى ً م شرقا؟ وأي ن أحداً ،فكلھم يسألونني" :لم اذا ن زل وزن ك؟ لم اذا ل م تع د ضحكتك العريضة؟" أس
ئلة أص
بحت ُت
سيئني وتزي
د م
ن ألم
ي ،أحت
ار ف
ي اإلجاب
ة أق
ول أحيانا ً" :كثرة العمل وقلة الوقت" يُرى من خالل حروفي كل ال ذي أداري ه ع ن األنظ ار ...جعل ت م ن األحزان الطعام بدالً. ال استطيع أن أبتعد عنھا وعن الماضي الذي يالزمني ،أقسم أن ينفذ ي ،ماض
ي في
ه ذك
رى الي
وم تع
صرني وكان ت س
عادة حك
م اإلع
دام عل ّ ومن حولي. تسعني َ
٢٧
اليوم أعاني وجعا ً كان حظا ً وافراً ،ھل كانت حياتي مثل طعام طاب في الحقل ومضى عليه عشرة أيام حتى تتخلل وفسد؟ لو أن األمر ھكذا فإني أعترف بأني أكب ر أبل ه أو م ن ھ و مثل ي ،ل و أن المحموم علم أن دوائه يتسبب بأزمة قلبية ،يقينا ً ما تناوله. أن
ا ل
ست قبيح
ا ً وال مم
الً ،ل
ست فاش
الً وال ك
ان أح
د أص
دقائي م
ن الفاشلين ،لم أكن من المحبطين ولم يحبط ٌ أحد من خالل ي ،إذن لم اذا ال ُأحب ُ َ وأعشق؟ أسأل نفسي مراراً ،ھل أنا ال أتناسب مع ھذا المجتمع أو مع تمني ات النساء؟ ھل شخصي ليس ال ذي تتمن اه ام رأة أو ت ستطيع أن تع يش إل ى جانبه؟ لم أتوقع تلك النھاية أو أن تكون النھاية على ھذه ال شاكلة ...ل م تك ن في الحسبان. كنت أعتقد أن ھذه الحياة ھي حياتي التي بدأتھا ،عشتھا أعيشھا ولن أع
يش س
واھا ،ل
م يك
ن ف
ي الب
ال أو ف
ي ال
ذاكرة أو خلفھ
ا أي أحجي
ة تتنافى وحياتي وطموحاتھا. ت ال محالة ...وإذا بي أس قط م ن مستقبال كنت أعتقد أنه أمر حيثي آ ٍ أعلى دون إنذار مسبق إلى الھاوية. ھذا ھو األلم وخيبة األمل ،عن دما ت شعر بالطمأنين ة واألم ان ،عن دما تحس بالوطن ،عندما تكون لمسات الم رأة قدس ا ً ف ي حج رة ،وھم ساتھا وطن في غربة وأما ً وأبا ً وأخوة ،عندما تشرد ال روح إل ى الربي ع ال ذي ٢٨
ال يليه خريف وال صيف وال شتاء ،عندما تعطيك إحساسا ً بأنك المل ك، الع َ الم الحل
و أن
ت ال
ذي ال جمي
ل س
واه وال وس
يما ،أن
ت الخبي
ر وأن
ت َ الفسيح. ف
ي ال
صخب وازدح
ام األحاس
يس الجميل
ة وأخ
ر الق
بالت ،وإذا ب
صوت ص
ارخ يع
ود ب
ي إل
ى غرف
ة الجل
وس وأق
داح ش
اي األم
س واألطباق المفرغة وبقايا عشاء" :أنت الذي جعل من حياتي جحيما ً ،لن أص
بر أكث
ر م
ن ھ
ذا ،أخ
رج م
ن بيت
ي وم
ن حي
اتي ،ال أري
د أن أراك ثانية" وإذا بي في الشارع ومتاعي يتطاير من كل النوافذ ،وإذا بال ذي كن ت أعتقده حياة أبدية مھزلة جارحة وأخالقا ً بربرية وخ داعا ً ً م تقن يك اد أن يكون صدق وصراحة. كن
ت أص
دق ك
ل كالمھ
ا وھ
ي عل
ى ص
دري وف
ي فراش
ي ،كأن ه منزال ٌ ...ھناك تكذب المرأة. ال أريد أن أقتنع ب أن ھ ذا ال ذي أعي شه اآلن حقيق ة ،أري د أن أص حو ٌ مفزع أفيق منه بقبلة م ن الت ي أعرفھ ا منھ ا ،ال أري د حلم وإذا بكل ھذا ٌ أن أصدق ،فتلك الم شاعر الجميل ة وال سنين الطويل ة ال يمك ن أن تك ون كذبا ً وال خدع ة ،تل ك األي ام ،وك ل ش يء ك ان ،ال يمك ن أن يك ون اآلن ً مؤلمة أقتل نفسي بھا ببطء. كالم وذكرى لم أعرف أن تلك الشفاه التي كانت تقبلني بحرارة تستطيع أن تكذب، ل
م أع
رف أن تل
ك العي
ون البريئ
ة كان
ت م
سرحية جميل
ة متقن
ة وعل
ى
٢٩
ح
ساب م
شاعري وأحاسي
سي وحي
اتي الت
ي آل
ت مث
ل طاول
ة بثالث
ة أرجل. لك يا امرأة أن تعيشي يوما ً من أيامي حتى تعرفي ألم ي ،وأن أتمنى ِ ً وبين ك ل يس م س ً مغ امرة وال جل سة عل ى ش طآن اء وال الذي ك ان بين ي ِ القمر بعد الثانية عشر ليالً. لماذا وأنا الذي أحبك أكثر من نفسه؟ قد أكون أخطأت التعبير أو أني حبك! بالغت في ِ ولك
ن ال يعاق
ب الحبي
ب ھك
ذا ي
ا جاھل
ة ،ل
يس ھك
ذا ي
ا خائن
ة ،ل
م ل ك حت ى تستحقي حبي ل م تعريف ه ،ل م ت ستطيعي أن تمي زي حب ا ً كننت ه ِ حتفك من حب ينتھي بالخروج من غرفة النوم. ِ كي
ف أن
ت وم
ا أن
ت؟ أب
ين ض لوعك قل
ب أم ش
يطان ك
ان يظھ
ر ف
ي امرأة جميلة حنونة كلھا عطف؟ أأنت ھي التي تقتلني في ك ل لحظ ة وتبقين ي عل ى قي د الحي اة؟ كي ف ھان عليك تعذيبي؟ أنا أحبك وأنت تعرفين أن حبي لك ل ن يحب ه رج ل الم رأة ،كي ف ي ا ت أن تعذبيني...؟ امرأة استطع ِ ح ٌ ألم في قلبي وأصبح في دمي ...قد حزنت عندما تزوجت أم ي زن ٌ وتركتني وموت أبي إال أني علمت أنه قدراً... قدر؟ ال يا امرأة ،ال تق ولي ھ ذا ٌ أخداعك لي ٌ ق در! ب ل خ داعك ...ل ن أعترف بأنه ٌ قدر وسأبقى أحس فيه حتى أموت. ٣٠
أن ت م ن اس تبدلت حب ي ب ضحكة اعتق دتھا حنان ا ً ...اس تبدلت عطف ي ٌ ش كر ...بخدع ة أن ا األبل ه عاص رتھا ن شوة عليك بصوت تصورت أنه وفرحة... م
ن أن
ت م
ن الن
ساء ي
ا ام
رأة؟ مازل
ت أجھ
ل ...ب
ل م
ن أن
ت م
ن البشر...؟ أكان حليب الذي رضعته من ثدي أمك؟ أم كانت جرعات ش يطانية؟ أعناقات أمك لك وأنت طفلة صغيرة كانت لمسات جنية؟ أكانت نظرات أمك في عينيك وأنت نائمة ي ا حبيبت ي ھم سات س خط أبدية؟ من أنت م ن الن ساء؟ أنظ ر إلي ك ال أس تطيع إال أن أحب ك! وأرى أعمال
ك وأت
ذكر خ
داعك ،أح
ب ل
و طل
ة ص
غيرة قتلت
ك ...ال ،ال فأن
ا أحبك! ك ك ،وأنظ
ر إلي ِ ك Sأن يحمي ِ ك وأدع
و ل ِ ت
أتين إل
ي باكي
ة ف
أقول ل ِ دموع ك ف أقول" :ھك ذا ي صدق أحم ق مثل ي ك ذب وأنت ذاھبة تمسحين ِ النساء" وبحركة من أعضائي رجعت إلى غرفتي ورأيت حوائجي ح ولي... ماذا أفعل يا ربي؟ حقيق
ة أن
ي أص
بحت ھ
زيالً وج
سدي نح
يالً ول
ست ق
ادراً عل
ى الطعام... أريد أن أخرج من أحزاني ،أريد أن أعود كما كن ت ،أري د أن أمح و الماضي وكأني لم أعشه ...لكنه يطاردني وكأني مجرم ھارب ...آه... ٣١
"وماذا تفيد الحياة بع د ك ل ھ ذا؟ بع د ك ل ھ ذه ال سنين؟ أتري د أن ت ستعد لخدعة جديدة؟" أخاطب نفسي. ال أريد الحياة ،أتمنى الموت في المنام وحتى في أنفاسي وال أريد أن أبكي على نفسي ،فھذا قدري أن أموت في خيبات أملي وال أحيا ،ألن ي ال أريد أن أحيا كي أبدأ قصة جديدة ...خدعة جديدة !...خيانة قد تك ون في شكل أجمل! أح
س ب
دموعي ف
ي عين
ي لحن
ا ً ش ً ً جيا◌ ،ع
شقت الح
زن وص ارت خليلته في الليالي الماطرة... أراھ
ا مع
ه يعانقھ
ا وتعانق
ه ،تقبل
ه ف
ي نف
س تل
ك اللحظ
ة الت
ي بھ ا قبلتني ...أعزمت على قتلي؟ أراك ف
ي شاش
ة التلف
از وف
ي عتم
ة زج
اج الغرف
ة! عل
ى ال
سرير تضاجعينه في نفس الحجرة ،لماذا تطاردينني حيث أنا؟ أراك ،وھ م يع يش وحتى في فراشي الذي لم أتوسده من بعد ،وأفيق ِ في مقلتي. أراك ال في عيني وال في خي الي، أريدك ،ال أريد أن اذھبي عني ال ِ ِ ال أريد أن أجن بك وال أصبح نبيا ً... لم يبقى لي بفراقك سوى ھموما ً ل و نزل ت عل ى جب ل لجعلت ه يع انق ٍ األرض ردما. أعارك ظالمات الليل أبك ي ،ال أري د أن أرى أح داً ،ودمع ي ل م يع د يواسي جفوني. ٣٢
ال أري د أن يران
ي أح
د ف
دموعي عل ي ثمين
ة ،وال نظ
رة مت
شمت أو سفيه ،أو مواساة صديق أو متأسف. منك ال أستطيع إال أن أكون باكيا ً، طبعي يا جاھل غلبه تطبعي ،فأنا ِ من ك بقاي ا رج ل ...بقاي ا إن سان ،ف ي بع ض األحي ان أح س أن ي صرت ِ حثالة ،أو حتى ال شيء... أتمنى أن يكون فراشي كفنا ً أرقد فيه ھذه الليل ة وال أص حو ،ال أري د أن أع
اني من ك ومن
ي فأن
ت تقتلينن ي ف
ي الي
وم أل
ف م
رة ،أراك ف
ي خياالتي وكيف تعانقين ه ف ي الي وم أل ف م رة وف ي ك ل م رة أرى حتف ي دون أن أموت ألف مرة. إلھي م ا ال ذي جنيت ه حت ى أس تحق ك ل ھ ذا؟ ھ ي م ع ع شيقھا تتمت ع بالوقت وأحيانا ً بأصدقائھا الذين لم تعرفھم لوالي ،فھ م ك انوا أص دقائي وأنا ھنا أقاتل أحزاني وأعيش على ذكرى أيام خوالي. ولم أشعر بنفسي حتى الصباح... "صباح الخير يا كل الخي ر ،ص باح الخي ر ،فھ ذا ال صباح ل يس كك ل وصوتك في ال صباح ،ص باح الخي ر ي ا عم ري أنت ِ صباح ،صباح فيه ِ وي
ا لي
ت ك
ل ص
باحاتي مث
ل ھ
ذا ال
صباح ،فھ
ذا ال
صباح في
ه ص
وت أيقظن
ي ورق
ص بلط
ف عل
ى أوت
ار قلب
ي ،ص
باح الخي
ر أدع
و Sي
ا صوتك في كل صباح ،صباح في ه خ دي ئه بعد ِ حبيبتي وأحمده على أآل ِ خ دك ،ص باح الخي ر ،أقولھ ا تغري دك الن اعم ك اد أن يالم س من خ الل ِ ِ وللقھوة السمراء من غير سكر أو عسل طعم حلو لم أش عر اليوم بنشوة ِ ت وص
وتِك ف
ي ب
ه بقھ
وة األم
س وال ال
ذي م
ن قب
ل ،قھ
وة مزاجھ
ا أن ِ ٣٣
ال
صباح ،ي
ا ص
باح الن
ور ،ص
باح الخي
ر حبيبت
ي ميلين
دا" ت
ذكرتھا... واستيقظت عل ى كرس ي أب يض حدي دي ي ؤلمني ،وإذا ب ي عل ى مقع دي مازلت جالسا ً أفيق على آالمي وأصحو ،كرھ ت الحي اة أري د الھ روب، إل
ى أي
ن؟ م
ن نف
سي؟ م
ن روح
ي؟ م
ن قلب
ي؟ م
ن ك
ل الھ
واجس الت
ي تمكنت مني والماضي الذي مازال يعانقني مثل الطفل ألمه؟ ً ھ وى ال أحي ا ،أبح ث علي ،فذا قدري أم وت عشقت الموت ال تبكي ّ عن حتفي فقد اكتفيت من الموت اليومي ،أبحث ع ن الخ الص األب دي، أريد قتل الماضي ،أريد خلعه كخلعي لحذائي ،لم أعد أرغب ف ي إع ادة ذكره ،فھو يؤذيني ورغما ً عني يطاردني... خياالت أريد حرقھا مثلما ھي حرقت أوراقي ول م تت رك لھ ا أث راً... أعاتب قلبي الذي أذلني؟ كنت فتى شقيا ً ال علم ل ي بالح ب ل م أت رك فت اة ف ي الح ي إال قبلتھ ا، كنت أسمع الحب مجرد كلمة حتى ذھبت إليه وھناك لم أعد أملك سوى البكاء وآھات ،ال أعلم ...ال أعلم أين س تؤدي ب ي ،إل ى أي أرض؟ إل ى أي جزيرة مجھولة سيذھب بي قاربي؟ ال أعرف لي مستقراً أو مك ان، لم أعد أعرف متى؟ أين؟ ولما؟ نظرت من النافذة المغلقة وكان الج و مشم سا ً بع ض ال شيء وجم يالً بعد ليلة ماطرة ،أرى جمال الجو في أعين الناس وفي تصرفاتھم لكن ي ال أحس به.
٣٤
ك
ان ھن اك باح
ة كبي
رة مغلق
ة م
ن جمي
ع الجھ
ات وص
وت أجھ
زة كھربائي
ة خارج
ة منھ
ا ،ل
م أع
ط اھتمام
ا ً كثي
راً وقل
ت لنف
سي" :ھ
ذا المنظر أفضل من أن تطل النافذة على شارع مزدحم" كنت قد أحضرت بعضا ً من الكتب كي أقرأھا ،فقد قررت أن أعتزل الن
اس ،وجل
ست عل
ى الكرس
ي الوحي
د المم
ل وب
دأت بكت
اب كن
ت ق
د قرأت شيئا ً منه محاوالً الذھاب بأفكاري إلى حيث أحداثه... أبوء بالفشل مثل العادة ،أفكاري وخيبة أملي أقوى مني فھما يعودان بي حيث ال أريد. لم تعد الق راءة ممتع ة ...أراھ ا ف ي ص فحات الكت اب ت سير مع ه ب ين السطور ،يضيق صدري بما حمل ،أسير في الغرفة مث ل أس د م سجون لم يعتد القيد من قبل ،أحاول مراراَ الھروب من خالل الكتب ،الھ روب من أفكاري ولكن ال حياة لمن تنادي ،في كل مرة أجدھا أمامي. قررت أن أن زل إل ى األس فل إل ى االس تراحة وھن اك أحت سي قھ وتي ل وع
سى ھ
ذه الم
رة أس
تطيع م
ن خ
الل الن
اس وس
آخذ كت
ابي مع
ي ع ّ حولي الھروب ولو للحظات من أفكاري. دخلت إلى الحمام وغسلت وجھي وبيداي كالعادة سرحت شعري ،لم أعتد النظر في المرآة ،وخرجت. وإذا بتلك الفتاة التي كانت باألمس .كانت ال ساعة العاش رة والن صف صباحا ً ،نظرت إليھا مبتسما َ وحييتھا" :صباح الخير"
٣٥
"صباح الخير يا سيد" قالت ھي. كانت لطيفة ج داً مبت سمة وجميل ة أي ضا ً ،تبل غ م ن العم ر م ا يق ارب األربعة والعشرون ،ولم يكن ٌ أحد ھناك ف ي ال صالون س واي ،وص رت أبحث عن جھاز القھوة حتى وجدته على الحائط في الجھة اليمنى حيث الدرجات المؤدية إلى الغرف. نظ
رت إليھ ا وكان
ت ت
ارة تنظ
ر إل
ي وأخ
رى إل
ى أوراقھ
ا كأنھ ا ال تريد أن أرى عينيھا ،في اللحظة الت ي كان ت ت صطنع العم ل بأوراقھ ا، قلت لھا بكل جرأة كعادتي" :لو سمحت ي ا س يدتي ،ھ ل باس تطاعتك أن تقولي لي كيف أستخدم ھذا الجھاز؟" وأشرت إلى جھاز القھوة. وكان الجواب على شفتيھا كأنھا كانت تنتظر سؤالي. "نع
م ،ض
ع نق
داً مع
دنيا ً ف
ي ذل
ك الثق
ب الظ
اھر علي
ك وف
ي الجھ
ة األخ
رى اللوح
ة االلكتروني ة مكت
وب عليھ
ا أن
واع القھ
وة ،ل
يس علي
ك س
وى أن ت
ضغط ال
زر المؤش ر للن
وع ال
ذي تري
د ،فك
ل واح
د بجانب
ه صنف القھوة" كنت أتمعنھا خالل شرحھا لي طريقة االستعمال ،وكانت تقف خل ف طاولة االستعالمات. كن
ت مھتم
ا ً أكث
ر بجم
ال عينيھ
ا وش
كل ش
فتيھا ورس
مة حاجبيھ
ا النحيل ين ،ش
كلھا ي
دل عل
ى الب
راءة ،بريئ ة وش
عرھا م
وج البح
ر ھ
ائج أص
فر مم
وج ،عينيھ
ا ...حاجبيھ
ا ...خ
ديھا ...ھ
ي جميل
ة بك
ل المصطلحات ،وأراھا رقيقة...
٣٦
آه ك
م خ
دعت النظ
رة األول
ى ،ونظ
رت إل
ى جھ
از القھ
وة متناس
يھا ألني لم أعي أي كلمة منھا... كنت مھتما ً بجمالھا ونسيت أني أري د القھ وة .كان ت طريق ة اس تخدام الجھاز سھلة ،أخذت قھوتي وكنت الوحيد الجالس ھناك. كان ج دار ال صالون عب ارة ع ن زج اج ي ستطيع الج الس النظ ر م ن خالله إلى المارة في الخارج. ھي كانت في الجھة الي سرى من ي والزج اج م ن أم امي ،وب دأت ف ي إكم
ال ق
راءة الكت
اب ،أص
بحت ال أرى ف
ي الكت
اب س
وى وج
ه تل
ك الفتاة... إلھي أكتب علي أال أرى في كتبي سوى النساء...؟ أغلقت عيناي لفترة قصيرة كي أستطيع متابعة قراءة الكتاب ،تابعت رغم األفكار الت ي تتملكن ي وأص ررت ھ ذه الم رة عل ى المتابع ة ،عل ي بھذه الطريقة أصل إلى عالج نفسي. وق
رأت م
دة لي
ست طويل
ة ...وملل
ت ،ھ
ي ح
رب بين
ي وب
ين ذات
ي والماضي ،وضعت الكتاب وبيداي أفرك عيناي ووجھي... شربت رشفة من فنجاني الذي لم أذقه بعد ،وإذا بسؤال بصوت ناعم لم يكن منتظر فأنا زحفت في س رعة إل ى الماض ي ون سيت للحظ ة م ن حولي. "ما ھي الكتب التي تقرأھا؟" سألتني الفتاة.
٣٧
تح
دثت م
ع نف
سي" :ھ
و س
ؤال خ
اص! ش
يء م
ن اثن ين ،ق
د يك
ون س
ؤالھا ل
ي ألنھ
ا تح
س بمل
ل وتري
د قتل ه؟ أو ...أو أنھ
ا تح
ب فع
الً أن تتحدث معي وأني أثرت حب الفضول لديھا!" واستدرت إليھا وبقيت جالسا ً مكاني وقل ت لھ ا" :أن ا؟ أن ا أق رأ أش ياء كثيرة كنت أقرأ في الماضي قصص حب وروايات فقط ،ومن ثم قرأت الفلسفة اليونانية – أجدادك" وأسعدتني ابتسامتھا حينھا ولمعان عينيھ ا: "ومن ثم قرأت للفالسفة العرب ،كانوا أطباء أيضا ً ،وقرأت شعراً كثيراً من
ه ق
ديم وبع
ضه ح
ديث ،واتجھ
ت بع
دھا إل
ى ق راءة الت
اريخ ،فف
ي التاريخ أجد متعة كبيرة ،واتجھت فيما بعد إلى قراءة األديان وفي نفس الفترة عمدت إلى دراسة اإلسالم ،بتعمق وخالل كل تلك الفت رات كن ت أكتب خواطر ھي ليست بتلك القيمة إال أنھا مشاعري وأكتب م ا أح س به ،فإن كنت س عيداً أعب ر ع ن س عادتي عل ى أوراق ي وان كن ت حزين ا ً أجعل من دموعي حبراً أرسمه ل ً وحة على أوراقي" "كالمك جميل" نظ
رت إل ي وكان
ت تري
د أن تكم
ل ش
يئا ً أرادت أن تقول
ه ولكن
ي ل
م أدعھا تكمل حديثھا وقلت لھا" :شكراً ،وأنت ماذا تقرأين؟" "أنا أقرأ روايات فقط"!... "لغاية فترة قصيرة رجعت إلى الرواي ات وخاص ة الغربي ة منھ ا ،ل م يكن ھدفي االستمتاع في قرائتھا ،ألني ال استمتع في ق راءة الخي ال بي د أن
ي أش
عر أن روح
ي تطلب
ه ،رجع
ت إل
ى رواي
ات الخي
ال م
ن جدي
د للذھاب إلى عالم غير عالمنا ،وسأعود مرة أخرى" ٣٨
"ومن ھم الرواة الذين تقرأ كتبھم؟" "ھ
م كث
رة ،مث
ل )ج
ورج أثناس
ياديس (Giorgos Athanasiadis
واي
ضا ً )ق
سطنطينوس كاف
افيس (Konstantínos Kaváfisواألدي
ب ال
شاعر )كوس
تيس باالم
اس (Kostís Palamásوكث
رة غي
رھم، والف
ضل يع
ود للم
رأة الت
ي كان
ت يوم
ا م
ا زوجت
ي ،فھ
ي الت
ي كان
ت تحثني على القراءة دائما ً ...لقد بدأت بقراءة الروايات من جدي د ،أعن ي الخيالية وقوية التعبير منھا .أن ا ق ررت أن أجع ل نھاي ة لك ل بداي ة ،ف ي الماض ي كن
ت أتجاھ
ل م
ا يج
ول ف
ي خ
اطري وعن
دما يتبخ
ر م
ا ف
ي رأسي أرمي بأوراقي تارة في خزانة الطاولة وأخرى في سلة النفايات، ل م أك ن أھ تم ف ي المحافظ ة عل ى الكت ب الت ي أقرأھ ا ولكن ي ق ررت أن ٌ وجواب على سؤالك أنا لم أعتن ي بكت ب كات ب أحتفظ بكل شيء أقرؤه. مع
ين ب
ل أق
رأ مواض
يع متنوع
ة وش
تى ،أق
رأ م
ا أش
عر أن
ي بحاج
ة لقراءته وعند ما أفق د المتع ة م ن أس لوب لكات ب أبح ث ع ن آخ ر ،مث ل بعض الروايات التي أحس أنھ ا تت رجم أحاسي سي أو تع يش م شاعري، س
أبحث ع
ن كات
ب مع
ين وأس
لوب ك
ذلك عن
دما أح
س باس
تقرار مشاعري ،أو اس تبدل ھواي ة الق راءة بھواي ة أخ رى حت ى أس تطيع م رة أخرى ترجمة ما بداخلي ،عل ي أج د نف سي ،وس أبحث ع ن أث اث من زل جديد وأشتري مكتبة لكتبي وتلفاز وما أحتاجه في مطبخ ي ول ن أرح ل بعدھا .سأخط اللحظة كي تكون أبدية بسطور ضاحكة وأحرف راقصة لي
ست ك
التي كان
ت ،وق
د تك
ون مازال
ت ،وأح
اول اآلن محوھ
ا وكتاب
ة غيرھا"
٣٩
"أن ا أس
مع م
ن مخ
ارج أحرف
ك لحن
ا ً حزين
ا ً ولمعان
ا ً ف
ي عيني
ك في
ه فرحة قديمة ،أرى عتمة حول عينيك قد تكون ليالي باكيه"!... "أوكل ھذا في وجھي؟" وكنت أنظر إليھا مبتسما ً. "قد يخطئ اإلنسان أحيانا"!... "أنت محقة ،فاإلنسان ال يخطئ أحيانا ً بل كثيراً" "لماذا تلون كالمك باليأس؟" "أخداعنا ألنفسنا ھواية؟ أم أننا ال نجد بديل يكون لنا عزاء؟"
٤٠
"ماذا تعني؟" "ھل أنت صريحة؟" "نعم ،صريحة في معظم األحيان!" "أن ا ال أس ألك ع ن ال صراحة المتع
ارف عليھ ا ،أن ا أعن ي ال صراحة المتناھي
ة لدرج
ة أن
ي أري
د أن أس
ألك اآلن ع
ن الفك
رة الت
ي جال
ت بخاطرك أثناء حديثي ،إذا كنت مستعدة لبضع دقائق صراحة؟" ودون أن أنتظر جوابا ً قلت" :فلنبدأ ولكن صراحة كمثل التي ذكرت، ما رأيك؟" ونظ رت إل
ى ال سقف تھ
ز برأس ھا ت
ومئ بالرض ا وتبت
سم ،وس
ألتھا: ٌ صعب لھذه الدرجة؟" "ھل األمر "ال ولكني ...بلى سأبدأ معك" "ال تخ
افي ،فالمواض
يع الت
ي س
أطرحھا ب
سيطة ولكن
ي م
ن خاللھ
ا سأريك حقائق أنت ال تريدين أن تعرفيھا وأنا كنت في الماض ي ك ذلك. صديقة لك منذ زمن بعيد كنت قد اتفقت معھ ا لل ذھاب إل ى حفل ة معين ة وكان االتفاق أن تكون نقطة اللقاء في الحفلة ،وفرحت كثيراً بموافقتھا، وذھبت إلى الحفلة مع يقينك بأنھ ا س تأتي ف ي الموع د الم ذكور ،وط ال االنتظار وأنت جالسة على الطاولة تنتظ رين ح ضورھا ،ون دمت ألن ك تمني ت أن تھاتفيھ ا ،وق ررت أن لم تحضري الھاتف الجوال معك فأنت ِ تسألي أحد الع املين ف ي ھن اك عل ه ي سمح ل ك باالت صال ،وفع الً ت م م ا ٤١
تمنيت ...المحاول ة األول ى االت صال ف ي البي ت ال أح د يرف ع ال سماعة، ِ المحاولة الثاني ة االت صال عل ى الھ اتف الج وال ...الھ اتف مغل ق! وم ر أكثر من ساعتين على الموعد المتفق علي ه ،أم ا أن ت فق د فق دت المتع ة ف
ي ذل
ك الم
ساء ،ل
م يك
ن ف
ي الح
سبان أن تك
وني وح
دك ب
ين جم
وع الناس ،فأنت ال تعرفين أحداً ھن اك وأن ت ل ست م ن الن وع ال ذي ي ذھب إلى أي شخص لمجرد الحديث فقط أو لقضاء ليلة ...ألم تكن تلك الليل ة خيبة أمل كبيرة؟" "بلى ولكن"... "أنا لم أكمل حديثي بعد ...وت ذھبين إل ى البي ت بأذي ال الن دم وخ وف عليھ
ا وغ
ضب ...ت
ارة عل
ى ص
ديقتك وأخ
رى ت
دعين ال
رب أن
ك ل
م ت
صابين بمك
روه ،وتبق
ين ھك
ذا حت
ى ت
صلين إل
ى البي
ت ...خ
سارة ق
د اس
تغرقت وقت
ا ً ط
ويالً ف
ي ت
سريح ش
عرك ولب
ست ثوب
ا ً جم
يالً وحت
ى الماكياج الثلجي لم يكن ظاھراً كثيراً ،أليس كذلك؟" وھي تنظر إلي بدھشة وغرابة" :وصلت إلى البيت وقب ل أن تخلع ي ثوبك ذھب ت إلج راء ات صاالت م ع ص ديقاتك الل واتي م ضت فت رة م ن الزمن ولم يكن بينكن أي تواص ل ،إال أن قلق ك عل ى ص ديقتك دف ع ب ك تكلم ت م
ع األول ى ،الثاني ة وقال
ت الثالث ة" :لق
د إل ى القي ام بھ
ذا ،وفع ال ِ س ألتني الي وم ل و أن ي أح ب رفقتھ
ا إل ى حفل ة )كرازامي را(" وھ ي أح
د ص
ديقاتك" :أل
م تبلغ
ك؟" قال
ت ص
ديقتك م
ن خ
الل الھ
اتف .فأجب
ت بدھ
شة" :ال ...ال عل
م ل
ي" أم
ا ليلت
ك تل
ك ف
ال تتح
دثي عنھ
ا ...وال تشرحي لي مدى غضبك فأنا أستطيع تصوره دون شرح مط ول .وف ي
٤٢
الي
وم الت
الي ف
ي ال
صباح الب
اكر تت
صلين ب
صديقتك تري
دين س
ماع أي تبرير عن فعلتھا ،أليس كذلك؟" "بلى"... "وتفاجئين بردة فعل باردة منھا فتقول لك" :عزيزتي قد ن سيت فع الً موع
دي مع
ك" وبك
ل فت
ور ت
ردف" :حبيبت
ي اللي
الي القادم
ة س
تكون أجم
ل ،دعين
ي اآلن أكم
ل ن
ومي" وأن
ت ب
رغم علم
ك بأنھ
ا ل
م تن
سى، أحببت أن تصدقي ما قالت ،وجلست تحدثين نفسك وتختلقين لھا أعذاراً أكثر من الت ي اختلقتھ ا ھ ي .ھ ذه أول خيب ة أم ل م ن ص ديقة ق د يراھ ا ٌ اآلخ رون ش يئا ً ب سيط وأن ا أق ول اإلن سان مب دأ ،م ن اس تھان بق ولي فق د استھان بي ،والخدعة يب دأھا اإلن سان م ع نف سه .لق د أعطي ت ل صديقتك صورة غير التي ھي عليھا .قد أكون عقدت األمور بالنسبة لك ،إال أني أخ
وض ف
ي ص
غار األم
ور وأن
ا ل
ن أنتظ
ر حت
ى تكب
ر الجرثوم
ة ف
ي جسمي في وقت لن ينفعني فيه ال طبيب وال حتى الوقت ،أنا لم أرد أن ل ك ع ن تج اربي وإنم ا اخت رت ل ك مث االً بعي داً ك ل البع د عن ي، أحكي ِ مثال تعيشه معظم الفتيات في عمرك ...أوليس األمر كذلك؟" "بلى ولكن ردة الفعل من فتاة ألخرى تكون دائما ً مختلف ة ،ق د تك ون ردة فعلي تماما ً مثل ردة فعلك فأنا قد ال أختلف معك في التفكير كثيراً، ما ھو اسمك بالمناسبة؟" "أنا سلوان" ھي قد قدمت لي نفسھا دون أن اسألھا" :وأنا )غراتسيا "(Grazzia
٤٣
"غراتسيا !...إنه اسم إيطالي ،أليس كذلك؟ وما ھو سر ھ ذه الت سمية رغم علمي بفخر اليونان بيونانيتھم" "ھ
ذه ق
صة ق
د ذكرھ
ا ل
ي أب
ي وإن ذكرتھ
ا ل
ك ال يج
ب عل
ى أم
ي معرفتھا" وضحكت" :ھذه المرأة التي أحبھا أبي وقوبل حبه لھا بالرفض فكان يجب على أبي أن يتزوج بيونانية طبقا ً لعاداتنا" "وھل أنت من ھؤالء اليونانيين؟" "ال ،أنا لم أعن ھذا ،رغم أن والداي يفكران بنفس الطريقة" "وأنت؟" "أنا أتمنى أن أحب شابا ً يونانيا ً!" "إذن أنت أيضا ً تتبنين نفس عادات وتقاليد والديك؟" "ال عل
ى اإلط
الق ،إنم
ا ال أري
د أن أواج
ه ع
ائلتي وس
أكون أن
ا ف
ي النھاية الخاسرة" "أتمنى لك حياة سعيدة مع شاب يوناني!" "شكراً" لقد أح ست أن ي أس خر منھ ا ،ول و أردت أن أك ون ص ادقا ً م ع نف سي كان ھناك بعض الشيء من التھكم ،ألن الشيء الوحيد الذي ال حكم لن ا فيه ھو القلب ،قد تتزوج ھي من ش اب يون اني ألن ه فق ط يون اني ولك ن ال
سؤال ال
ذي س
تواجه نف
سھا في ه ،ھ ل أحب
ه؟ وق
د تحب
ه أي
ضا ً وتل
ك
٤٤
الدوام
ة الت
ي وض
عت نف
سھا بھ
ا م
ن البداي
ة ھ
ي الت
ي س
تكون دائم
ا ً وسواس وھاجس يعيش في داخلھا. "وأنت ...أال تتمنى فتاة من بلدك؟" "أنا...؟ حلمي الوحيد الخالص" "ماذا تعني بالخالص؟" الماضي "أنا كنت أعيش مع امرأة سنين طويلة ...أريد الخالص من ِ ومنھا ،فھي تطاردني حيث أنا" "لماذا؟ ألم تقل لھا أنك ال تريدھا؟" "خياالتھا ،أيامنا وعذاباتي التي تطاردني ،لذلك أنا ال أريد امرأة ،ال م
ن بل
دي وال يوناني
ة ،ال تفھم
ي م
ن كالم
ي أن
ي متح
امال عل
ى اليونانيين ،ال بالعكس فأنا أعيش ھنا من ذ ص غري حت ى أن ي ال أع رف ق
راءة لغ
ة األم وأش
عر ب
أن اليون
ان بل
دي ،حقيق
ة بعي
د فيھ
ا ع
ن أي مجاملة ،وامرأتي وطفلتي أيضا ً يونانيتين" "ھذا يسعدني أنك تشعر في بلدنا وبيننا انك في بلدك ،شعور يجعلني أحس بارتياح أكثر أثناء الحديث معك" "وأن
ا اآلن أح
س بارتي
اح ف
ي الح
ديث مع
ك ،وأود س
ماعك أكث
ر ومعرفة أشياء عنك أكثر" "أخ ...م
اذا تري
دين أن تعرف ي عن
ي أكث
ر؟ أب
دأ عمل
ي م
ن ال
ساعة العاشرة أحيانا ً لغاية الثامنة ليالً وبعض األحي ان لغاي ة العاش رة ،أذھ ب إل ى البي ت إذا كان ت أم ي ق د طھ ت ف ي ذل ك الي وم ...أحت سي طع
امي،
٤٥
فأمي طباخة ماھرة ،أبدل ثيابي أنظر إلى التلف از س اعتين أو ث الث م ع والداي ومن ثم أذھب إلى فراشي ...حياة مملة" "ال تق ولي ممل ة ...فجم ال الحي اة ھ و أنن ا ال ن رى الم صاعب خ
الل أيامنا وأثن اء أوق ات أعمالن ا ،ق د نق ضي أوق ات جميل ة أو نتع رف عل ى أشخاص قد يثيرون اھتمامنا وتلك الساعات المتبقي ة أي ضا ً نح اول ق در اإلمكان االستمتاع بھا ،إن كان تلف از أو موس يقى أو ح وار م ع ص ديق أو صديقة ،الشيء الذي ال يجب علينا ن سيانه ھ و رؤيتن ا لألش ياء الت ي حولن
ا ،أن ن
رى الخط
أ خط
أ ً وال
صواب ص
وابا ً ،وبن
اءاً علي
ه نتخ
ذ قراراتن
ا ،ال عل
ى أوھ
ام نح
ن م
ن ص
نعھا ،وبرغب
ة تام
ة ص
دقناھا وأص
بح ھ
دفنا ف
ي الحي
اة الوص
ول إليھ
ا ون
سينا أنھ
ا أوھام
ا ً ونح
ن نسجناھا ...أليس الحديث معي جميالً؟" "بلى ،وأحس أن أمثالك من الرجال ندرة" "إذا ،ھ
ذا أول ش
يء نوھ
ت إلي
ه م
ن خ
الل ح
ديثي ،بي
دك أن
ت أن تبدلي الحياة التي زعمت قب ل قلي ل بأنھ ا ممل ة ،بحي اة مليئ ة بالمفاج آت وال علم لنا بھا لحسن الحظ .رغم علمنا بھذه األشياء ونعيش كآبة وألما م ن الماض ي .ي
سھل الك الم ف
ي ھ ذا الموض وع وي
سھل ج داً أن نجعل
ه حديث صباحنا ھذا ،أنا وحدي أشعر بألمه ،حروفه وكل كلمة أقولھا أو أسمعھا منك أرى بھا أمام عيناي أيام وس نين كان ت س عادة ل م أك ن ف ي لحظة أتصور أنھا كلھا خيانة ولعبة طويلة ،أآلم أنا وحدي اآلن أعيشھا ألني أنا من أحبھا"
٤٦
وتغي
ر ل
ون وجھ
ي وعين
اي وانفعل
ت حت
ى أنھ
ا قطع
ت ح
ديثي وتأسفت. "لم أعرف أن حديثي سيزعجك ،أن ا آس فة وأتمن ى أن ي ل م أوج ه ل ك السؤال ...أنا آسفة جداً" "ال عالقة ل ك بھ ذا االض طراب ،أن ا أرى ك ل م شكلة س تجلب معھ ا إيجابية غير معروف متى وكيف" واختلف لون وجھ ي وتب سمت ونظ رت إليھ ا ب سرور" :أول إيجابي ة أش
عر بھ
ا ھ
و ل
و أن
ي ل
م أع
رف تل
ك الم
رأة وحزن
ي ل َ م ھرب ت حت
ى وصلت إلى ھناَ ،لمَ◌ تعرفت على فتاة جميلة مثلك" ابتسمت وبدا على وجھھا المقطب جمالة ،وص ارت ض حكتھا أجم ل من التي كانت. "ھا أنا أرى جمال وجھك أكثر من قبل" "ماذا تعني؟" سألت وھي تنظر إلى األرض وتحس بشيء من الخجل. "نعم عندما تحزنى لفترة قصيرة وفجأة تتحول تلك اللحظة إلى بسمة خارجة من القلب ،أرى جم االً ف ي وجھ ك ال أراه إال ف ي ھ ذه اللحظ ة. عينان يلمعان وكأن إله الحب ق د خلقھ ن ف ي أس عد لحظات ه ،وبع دھا ل م يخلق غيرھن ،خدين آه منھن ،قرر اآلخر الموت وقبل أن يموت عاھد نفسه أن يخلق خدين كخدين حبيبت ه ويم وت بع دھا ،وكان ت خ دودك ي ا غراتسيا ،أما شفتيك عندما رجعت إليك ابتسامتك وكأنھا كانت في سفر ٤٧
بعيد ...شفتان رأيتھما في يوم جميل ف ي ليل ة زارتن ي بھ ا ألھ ة الجم ال )أفروديت(" وأثناء حديثي قالت" :يكفي ،أنا لست معتادة على س ماع ك الم جمي ل مثل الذي تقول" "لماذا قطعتي علي خلوتي مع جمالك ،كنت مستمتعا ً في السفر مع ك في خياالتي" "لقد فھمت من كالمك أنك ھارب! أھارب أنت من أحد؟" "بطريقة وأخرى نعود ثانية إلى نفس الموضوع الذي ال أريد الخوض فيه بأي نوع من النقاش" ارتبكت وصرت أحرك بيداي وأھز برأسي كأني باح ث ع ن ش يء، كنت في بعض األحيان أحس أني فاقد السيطرة على أع صابي فت صدر مني حركات تلقائية ،وھكذا أسيطر على أعصابي أحيانا ً. "سأعدك أني س أجلس ف ي ي وم مع ك وأح دثك بك ل ش يء عن ي ،فأن ا بحاجه لشخص أستطيع الح ديث مع ه ف ي ذل ك الموض وع ...فق د أش عر براحة ،من يعلم ؟! ولكن ليس اآلن يا غراتسيا" "أنا لم اقصد إثارتك إال أني أبدي تعليقات تمام ا مثل ك أثن اء الح ديث ولكني اآلن ب دأت أع رف عل ى األق ل ال شيء ال ذي ال تح ب س ماعه أو الحديث عنه" "صرت أشعر أني بحاجة للحديث معك ،أريد أن أبوح لك بكثير م ن األشياء التي كان ت ف ي الماض ي ،ولك ن دعين ي أح دثك ع ن حي اتي ف ي ٤٨
وقت أنا من يريد الح ديث ،ال أري د أن يك ون ح ديثي عب ارة ع ن ت سلية لقت
ل الف
راغ ...ال أري
د أن ت
سخر كلم
اتي من
ي فھ
ي تع
رف ك
م ك
ان الماضي جميالً وكم ك ان أليم ا ً ...ك م فرح ت ب ه ومن ه عاني ت وب ذكراه مازلت أعاني ،ال أريد أن يكون الحديث عن حي اتي عب ارة ع ن أجوب ة ألسئلة اآلخرين إلشباع فضولھم" أسأل نفسي أحيانا ً عن الح ديث وفائ دة الح ديث أص الً ،ف ي كثي ر م ن األحيان تعتلجن ي لحظ ات ال أري د الح ديث عل ى اإلط الق ،م اذا يج دي الحديث أو التعليق أو سماع اآلراء؟ في وقت ال تعلي ق وال آراء ال دنيا كلھ ا ت ستطيع أن تغي ر م ن الواق ع شيء ،في وقت أنا اآلن في ه الق در وت صبح المعان اة أكب ر ،ك أن ي صاب ال
شخص بم
رض حتم
ا ً س
يكون موت
ه في
ه ،يج
ب أن يعت
رف بوج
وده فيه ...سيعاني ،إنما علم أنه ف ي أي لحظ ه س تكون نھايت ه وعلم ه ب ذلك الشيء يجعل ه م ستعداً لتل ك اللحظ ة ،ھ و ل ن يك ون س عيداً ،إال أن ه ق در النھاي
ة وآم
ن بھ
ا ،وقتھ
ا يح
س اإلن
سان باس
تقرار ف
ي شخ
صيته واطمئنان. األل
م األكث
ر ...عن
دما أفق
د ال
شجاعة ف
ي مواجھ
ة نف
سي ف
ي البداي
ة ومن ثم اآلخرين ،لقد أصبت بالمرض الذي س يكون ب ه حتف ي ،وأخ دع نفسي مبتسما ً ابتسامة صفراء. أح
اول إقن
اع الن
اس ب
أني" :كم
ا ت
رون س
ليما ً" والمأس
اة األكب
ر أن الزمان كفيلي وأني أقنعت نف سي بك ذبتي ،وتب دأ ھن اك المعان اة الكب رى
٤٩
التي تضاعف اآلالم ...وتيقظن ي جروح ي م ن من امي ...ل م أع د أنظ ر سوى لقروحي وتناسيت أسبابھا وال أعيش إال بھا ومن خاللھا. ھذا ھو الحزن األكب ر ،والبح ث ع ن الخ الص ش يء يك اد أن يك ون مستحيل... "سھل أن يقال في المجالس أو الحديث م ع فت اة جميل ة مثل ك ،إال أن الواق
ع والع
يش في
ه مختل
ف تمام
ا ً ...ھ
ذا ھ
و الواق
ع حت
ى أن حرك
ات أعضائي آلت لخناجر تقتلني ولباسي ورائحتھ ا تخنقن ي وحت ى ھروب ي من المدين ة والمت اجر الت ي كن ا ن شتري منھ ا وم ن وساوس ي ...ھروب ا ً إليھا ،كيف الخالص؟ ومكانتھا في قلبي مازالت"... "أنت مازلت تحبھا؟!" "ال ...ال أنا ال أحبھا" ويظھر على وجھي احمرار وف ي عين ي ،وتجنب ت النظ ر إليھ ا ك ي ال ترى لوعتي التي ال تخفى على أحد. رن ھ
اتف االس
تعالمات وكان
ت فرص
تي حت
ى أعي
د لنف
سي ھيبت
ي األولى ،ذلك الرجل الواثق من نف سه ،كن ت أن زعج ح ين ي رن الھ اتف، وھي ينبغي عليھا أن ترد ومقاطع ة الھ اتف كان ت تك اد تفق دني الرغب ة في متابعة الحديث. كان يرن مثل جرس الحكم ف ي حلب ة المالكم ة ،فرص ة المالك م ك ي يستطيع أن يأخذ قسطا ً من الراحة. حملت سماعة الھاتف ولم أصغي لھا حتى أتمت مكالمتھا. ٥٠
"ھا أنا مرة أخرى!" قالت غراتسيا. "كنت تقولين عن قدرة اإلنسان على النسيان وإرادته فيه ،أو رف ضه له!" "أنا قلت كل ھذا؟َ!" "ال أعلم أنك سريعة النسيان لھذا الحد!" وكن
ت أق
صد المداعب
ة ،قاص
داً الھ
روب م
ن الموض
وع ،وأوم
أت برأسي وابتسامة أبين لھا ق صدي ف ي ع دم رغبت ي ف ي متابع ة الح ديث في نفس الموضوع. ونظرت إلي نظرة واستدارت بوجھھا إل ى جن ب وبقي ت ن اظرة إل ي معب
رة ع
ن فھمھ
ا وعلمھ
ا بق
صدي ،وداعبتن
ي قائل ً ة" :نع
م ...ھ
ذا ھ
و الحديث الذي بدأته ،غير أن أكث ر الكلم ات تجعلن ي أفق د تركي زي عل ى علي ،قد تك ون ش يقة األشياء! دعنا إذن نبحث في المسألة التي افتريتھا ّ وخاصة رأيك فيھا" "غرات سيا ،أري د أن أوض ح ل ك ف
ي البداي ة األم ور المرتبط ة ب إرادة اإلنسان ،طبعا أعني األمور المتعلق ة ف ي ذات ه ول يس ف ي األش ياء الت ي يبحث بھا أو عنھا ،ونبدأ في قدرته على النسيان ،و تنقسم إلى ق سمين، األول أن ينسى حدثا من جذوره ،وھذا يحدث في معظم األحيان بعفوية ال بتفكي
ر م
سبق وم
ن دون تخط
يط ،وھ
ذا الن
وع في
ه ايجابي
ة وس
لبية تماما ً مثل كل األشياء ال أريد الخوض بھا اآلن ،أما الق سم الث اني ،فھ و يحتاج إلى إرادة قوية ،وھذا ليس بالسھل ،فعندما يع يش ش خص واقع ة
٥١
ما وتترك أثاراً في نف سه ،ق د تك ون ذات وق ع ش ديد ،كث رة ال سعادة ،أو ك
م م
ن خيب
ات األم
ل ،ف
ي ھ ذه الحال
ة ل
و اس
تطاع الم
رء ب
إرادة قوي
ة متناسيا البحث عن مصدرھا إن كانت نابعة من نفس طيبة ھدفھا إنقاذه أو من نفس لئيمة ھدفھا ن سيان م ا ك ان .ف ي ھ ذه الحال ة ل و زعمن ا أن ه استطاع بقدرته النسيان! فھل يكون نسي فعالً كل األحداث؟ أنا سأعطي جوابا ً واضحا ً أكثر وضوحا ً ،نعم نسى !...عند قول أحدنا" :نعم نسيت" ھو لم ينسى فعالً ھو يعني أن ذلك الحدث أو تلك التجرب ة الت ي عاش ھا لم تعد تطارده ،إذا تكلم فيھا أو سئل عنھا لم يع د يح س بغرغ رة س لبية في أحشائه ،عدم إحساسه السلبي أو السعادة ،كل حسب تجربت ه ،يعتق د أنه قد نسي ،ول و حاولن ا أن ن سأل ع ن أح داث ومجري ات س نجد ھن اك أجوبة وتفاصيل ،وإن دل ھذا على شيء ،إنما يدل على آث ار ف ي نف سه أص
بحت الي
وم كأنھ
ا ج
زء من
ه .إذن ...نق
ول ق
درة ال
شخص ف
ي ھ
ذه الحالة على النسيان تتمحور في عدم اإلحساس باألح داث الت ي ال ق درة لنا على نسيانھا" كانت تحدق بي حتى أني أحس ست أنھ ا س افرت بأفكارھ ا بعي داً ع ن المكان. "أمازلت تصغين يا غراتسيا؟" "بلى ...وأحب متابعة االستماع لك" "أما النقطة الثانية )إرادة اإلنسان في النسيان( وھي أن يبح ث أح دنا عن سبل للنسيان ،وھذه النقط ة لھ ا ش عبتين ،األول ى ،أن تك ون اإلرادة موجودة وقدرته على النسيان ،أم ا ال شعبة الثاني ة ،إرادت ه وع دم قدرت ه على النسيان وكله نابع من ذاته وضعف في داخلة س بب ذل ك ال ضعف ٥٢
الذي يؤثر سلبا ً عليه وباتخ اذه قرارات ه ،وھ ذا ھ و ال شيء ال ذي نھ رب منه في معظم األحيان .العلم بالضعف يسبب آلما ً مضاعفا ً ،ورغما ً عن ھذا نبقى في نفس الطريق فاق دين الق درة وال سيطرة عل ى أنف سنا ،نفي ق لحظة صغيرة نستطيع أن نبني قوة تكون بھا نجاتن ا ،وال ضعف يحت اج لوقت طويل ومحاوالت أقوى ،وھ ذا ھ و الف رق ب ين الق وي وال ضعيف من غير مبالغات ،فضعيف اإلرادة تماما ً مث ل الزج اج الھ ش ال يحتم ل أي صدمة والق وي ق د يت أثر بخ دش أو ب شيء ش بيه إنم ا يبق ى محافظ ا ً على ھيكله مع بعض التشوھات ويبقى قائما ً بذات ه .أم ا النقط ة األخي رة واألصعب رفض الذات النسيان ،وھ و ك الراقص م ع ال ذئاب ،ال ي سمع أو يحس برجائه بينھم سواه .كيف المرأة اغتصبت وبرم ال ال صحراء كان غسلھا ،كيف لھا النسيان؟ لو أن لھا إرادة مالئكة ال سماء لرف ضت ل ك ع ن رف ض ال ذات دون ص ور خيالي ة ذاتھا الن سيان .دعين ي أحك ي ِ كبيرة ،دعين ي أت ابع منطقيت ي كم ا كن ت ،عن دما يع يش أح دنا رج ل أو ام
رأة س
نين م
ع إن
سان ق
د أعتق
د أن
ه الحبي
ب ،تمام
ا ً مثلم
ا كن ت أن
ا، ونعيش أياما ً ملؤھا فرح وسعادة ،أجمل ُ القب ل والعناق ات ،اعتق دت أنھ ا أزلية خالدة لن تموت وحتى يموت البشر ،فنحن من رآھا ،ذلك الح ب، كنت أقول أنه ال ولن يشيخ ،سيبقى شابا ً يانع ا ً يافع ا ً ...وب ه ل ن نم وت، ف
نحن ملك ه وم
ن الظل
م أن يكت
ب علي
ه الم
وت ،خرجن
ا ع
ن األق
دار وأصبحنا أزليين ...في الحب حياتنا وال ممات لنا ،لم سات جعل ت من ي أجمل الرجال ،وحملي لھا عارية أحس ست أن ي أس تطيع قت ل الم وت... لم أرى أجمل منھا ،بنظراتي وكلماتي كانت تزداد جماالً ...ليس كمثلھا امرأة ،لم تكن امرأة جميلة فقط بل كانت كل أحالم الرج ال مج سدة ف ي
٥٣
امرأة ،فھي كانت حبيبتي ...ھا أنا أريد نسيانھا ،أتحدث مع ك ألن ساھا، أراھا في حديثي ،أقرأ كتبي أراھا بين السطور ،أذھب الى الحانة أراھا في كل فتاة ھناك ،أريد أن أنسى ونف سي تح اربني حرب ا ً ال أع رف لھ ا نھاية ،أنا ھو من يري د البح ث عنھ ا وع ن أي وس يلة أس تطيع ن سيانھا، أراھا حيث أنا ...أنا ھذا ...ھو أنا الذي بدأ م ع نف سه ص راعا ً وال أرى سوى خسارة تتلوھا خسارة ،حتى أني لم أع د أود معرف ة نھ ايتي ،ھ ي وخيمة ال بد ،وبأي شكل ستكون ال أريد أن أعرف" لم تعلق على كالمي سوى أن قالت" :نعم أنت محق" انت
ابني ف
ي تل
ك اللحظ
ة رغب
ة ف
ي الخ
روج ،أحس
ست أن
ي مخن
وق أري د الخ روج ف ي الھ واء الطل
ق ،ك ان الج واب ب ارداً بع ض ال
شيء... وخرجت. أنا أتكلم ع ن أل م يع صرني وأح س بأنھ ا ھ ي أو غيرھ ا ي ستمع مث ل الذي يستمع إلى رواية أو حكاية أو أي شيء عادي ليس ل ه أي أھمي ة، ما ھو إال مجرد كالم ،وقفت وقلت" :غراتسيا ،أال يوجد ھنا مكان بعيد عن ازدحام الناس والسيارات؟ أريد أن أكون في الھواء الطلق حيث ال شيء سوى الھواء النقي" "شارعنا ھذا شعبي متواضع وممنوع على السيارات دخوله ،أم شي فيه حتى النھاية وھو ليس بالصغير" "إذن س
أذھب إل
ى غرفت
ي الرت
داء س
ترة خفيف
ة ،فن
سمات الھ
واء الباردة تنعشني وتقلل من سخونة رأسي ووجھي"
٥٤
"كي يبرد رأسك! وھل ھذا ينعشك؟" "عن
دما أنغم
س ف
ي التفكي
ر وأع
يش اللحظ
ة خاص
ة إذا ل
م تك
ن م
ن اللحظات السعيدة أحس بارتفاع في درجات الحرارة في رأسي ووجھي ق د يك
ون م
ن ش
دة االنفع ال ،ولك
ي أح
د من ه أذھ ب إل
ى الھ
واء ف
أحس باالرتياح ولو للحظات" ذھب
ت إلح
ضار س
ترتي ،وللت
و ،عن
دما دخل
ت الغرف
ة ت
ذكرت أن
ي مازلت لم أفرغ حقيبتي كي أرتبھا في الخزانة. "آه ...ما زال كل شيء على حاله!" سؤال استنكاري اسأله لنفسي وكأني كنت أتوق ع أن أج د مت اعي ف ي الخزانة! فتح ت س حاب الحقيب ة ال سوداء ول م تك ن مالب سي مرتب ة مث ل الع
ادة ،أخرج
ت ال سترة م
ن ب
ين المالب
س وترك
ت الحقيب
ة كم
ا كان
ت علي
ه وخرج
ت ب
سرعة ،ال أري
د أن أبق
ى ط
ويالً ،أري
د أن أخ
رج إل
ى الھواء ،لم أعد أحتمل البقاء بين الجدران ،أريد أن يالمس وجھي ھواء بارداً ،يتخلل شعري ويدخل إلى رأسي ويقلل من حدة أفكاري. ب أو م
ستقبل لحم
يم .س
ألت نزل
ت ال
درج بخط
ى س
ريعة مث
ل ھ
ار ٍ نفسيَ" :لم العجلة؟" وقف
ت أس
مع أنفاس
ي الخارج
ة م
ن ص
دري ،وأخ
ذت ش
ھيقا ً وزفي
راً عميقين وخاطب ت نف سي" :اآلن أس ير ببط يء ،فالوق ت ملك ي ،أن ا اآلن ملك نفسي أصحو متى شئت ،أسكن إلى فراشي متى شئت ،أذھب متى أشاء ووقت ما أشاء"
٥٥
ً ھ دوء عميق ا ً وس كينة نزلت الدرج بخطى أقل م ن البطيئ ة ،أص طنع دافئة ال أملكھما. عملك يا غراتسيا؟" سألتھا. "متى سينتھي ِ "الثامنة مساء" "إذن حتى المساء! أنا سأكون ھنا بالتأكيد قبل الثامنة"
٥٦
فصل
ألني عربي
خرجت من السكن متجھا ً نحو اليسار فالجھ ة اليمن ى نھاي ة ال شارع، ك
ان يظھ
ر ب
ه ب
ساطة س
اكنيه ،وواجھتي
ه ملئ ى بالحواني
ت والمق
اھي، ض
حكات رنان
ة خارج
ة منھ
ا وفكاھ
ات خليط
ة مت
شابكة ب
ين أص
وات الفتي
ان والفتي
ات معب
رة ع
ن أنف
س ل
يس بھ
ا ش
وائب أو عق
د عالق
ات سابقة. مازالت الحياة أمامھم بيضاء ،يقولون كل ما يريدون دون خوف من ردود فعل أو انفعاالت ،يفعلون كل ما تصبوا إليه أنفسھم ،يلعب ون ك رة القدم إذا أحبوا ،أو يذھبون إلى المسبح في صيفھم في ساعاته الساخنة، يتب
ادلون الق
بالت ف
ي ال
صباح والم
ساء ،يتخاص
مون ف
ي الي
وم والليل
ة مرتين وثالث وأربع مرات ويعاودون العناقات بعد شجارھم بثوان. سألت نفسي" :ھل أستطيع يوما ً ما أن أضحك كما يضحكون؟ أو أن أتكل
م باس
ما ً ب
صوت مرتف
ع ھك
ذا؟ أو أت
شاجر أو أن
اقش أو أتب
ادل المزاحات مع اآلخرين مثلھم؟" ل
م أع
د أذك
ر إذا كن
ت ف
ي ي
وم م
ن األي
ام م
ثلھم أو قريب
ا ً لحي
اتھم، وكأني فقدت الذاكرة ،أو كل جميل في ال ذاكرة ،ل م أع د أذك ر البارح ة! أحس أحيانا ً بألم عند سماعي ضحكات اآلخرين ،وال يتھمني أح د ب أني أك
ره الخي
ر للن
اس ،قول
وا إن
ي م
ريض أو مج
روح أو فاق
د لحبي
ب أو صديق أو قريب ،الذي أعلمه أني فقدت كل شيء ل ه معن ى ف ي الحي اة، ولم يعد لي سببا ً للسعادة والبھج ة وال سرور ،ل م أع د أذك ر معناھ ا وإن ّ عرفتھا بكلماتي إال أني ال أحسھا أو أشعر بھا. ٥٧
أكل ھذا من امرأة؟ لن أجعل على قلب ي س لطانا ً أب داً ،ل ن أول ي عل ى قلبي امرأة أبداً ،أقسم أني سأحب كما أشاء ،كل النساء ولن أجع ل عل ى قلبي أحدھن أبداً ،س أحب ھ ذه الم رة عل ى طريقت ي وعل ى الوج ه ال ذي أبغيه وأنتقيه ،وليس كما تحب النساء وتشتھي. ال أريد لوعة وال أتلوع ،أريد أن أع يش الح ب متع ة وجم االً ال ألم ا ً ودموع ا ً ،أن أك
ون ض احكا ً وب
صوت مرتف ع مث
ل ن زالء الحواني
ت ،ال أريد أن أصطنع بسمات أو سعادة مثل زھور عصرنا البالستيكية. أري
د حظ
ا ً واف
راً س
ببه اس
تقرار وكلم
ات تعب
ر ع
ن حقيق
ة مكانھ
ا ومصدرھا نفسي وليست من اآلخرين ،أنا لم أعد أثق بھ ن وال ببق ائھن وال اس
تمراريتھن بج
انبي ،فھ
ن الي
وم أوغ
داً ذاھب
ات وعل
ي أن أع
الج الفراغ الذي سيخلفنه من ورائھن ،ھذا الفراغ الذي سأكون أنا من يملؤه غداً ليس ھن وكالمھن المعسول أو مجامالت لم أعد أتحملھا وال أطيق سماعھا. ل
ن أؤم
ن بالح
ب طوي
ل الم
دى ،ل
ن أع
يش الي
وم س
وى قص
صه القصيرة الصامتة الخالية من البكاء والوحدة ول يس فيھ ا أن ين ،ق صص حب قصيرة ،عناقات وقبالت عارية ،عارية من نفاق وكالم نتجمل ب ه ووعيد ...حديثنا روحاني ،واضح ،بسيط وال ت تحكم ب ه قافي ة وال بح ر شعري. س
أعيش ب
دون حرق
ة ول
ن يك
ون للبع
د أل
م إنم
ا راح
ة واس
تجمام والخلوة ستكون نزھ ة لل ذھن واألع صاب ورحل ة للقل ب ول ن يك ون ل ه
٥٨
عمل سوى الفيزيائي وقليل م ن ال ذي سأس مح ل ه من ه ...وھ ذا إلش عار آخر. رجال قد اھت زت لھ م الجب ال وخ شيتھم جي وش ،ملك وا الع الم بأس ره والتواريخ خدما ً ينتظرون خلف الب اب ،رج ال أص يبت أش جار األرض وترابھا بالرعب بمرورھم ،تھابھم ك ل الع والم م ا دام وا خ ارج غ رف نومھم ،وعند دخولھم حجراتھم يصبحون عبيداً الم رأة" ...إن رض يت ت ب
ي رج
الً ف
ي ب
ي حبيب
ا ً حبيبت
ي قبل
ت الت
راب تح
ت ق ِ دميك ،إن قبل ِ ش عرك قي داً نھ ديك ،وجعل ت م ن شفتيك فيك... ِ ِ ِ حياتك عبدت كل شيء ِ ِ ً عاري ة ي ا أراك لي ...أنت سجاني وأنا العبد المطيع فارحميني ،دعيني ِ أميرتي "...ويدخل الحاجب إل ى حج رة المل ك م ذعوراً دون إذن ه ،وإذا بالملك راكعا ً متوسالً أمام امرأة بثوبھا األبيض الشفاف ،كأنه قطعة من جسدھا ،تقف وكأنھا ملكا ً وتحت قدميھا من يتوسل ويرجوا قربھا. "جالل
ة المل
ك ،الجي
وش تحاص
ر القلع
ة!" ق
ال الحاج
ب .وي
ستدير الملك وينظر إلى الوراء حيث الحاج ب يرتج ف ذع راً واآلخ ر غاض با ً صارخا ً مزمجراً مثل األسد" :أذھب أنت والجيوش إلى الجحيم ،أخ رج قبل أن أقطع رأسك" يخرج الحاجب أكثر ذعراً من قبل ،فھو يعلم أن قراره ال رجعة في ه والجي
وش المحاص
رة ال تخيف
ه أكث ر م
ن غ
ضب المل
ك ،وم
ع خ
روج الحاجب يعود الملك بنظره إلى األم ام حي ث بقي ت روح ه والقل ب ،وإذا بالغاض ب يتح
ول ب
سرعة لم ح الب
صر مث
ل حم ل ودي
ع متوس
الً ينظ
ر ً تارة لألرض وأخ رى إل ى وجھھ ا ي ستجلب عطفھ ا ،علھ ا ترف ق بح ال
٥٩
ذل ك الراج
ي الواق ف عل
ى ب اب قلبھ
ا ،وب صوت ن
اعم كل ه رج
اء" :إن ت م ً وك ي
ا أميرت
ي ساءتي ،أرج ِ ذك وأن ِ رض
يت عن
ي ف
سأكون أن
ا نبي ِ جسدك العاري دواء لجراح اتي ،س ألت طبيب ي وھ و م ن أف ضل اجعلي ِ األطباء في العالم وقد قال لي" :انساھا" ديك ...ال ساك وأن
ا ال
ذي اخت
ار العبودي
ة ب
ين ي ِ فقل ت ل
ه" :وكي
ف أن ِ تحزني فأنا حذرته بأن ال يعاودوھا" "يا صاحب الجاللة األيام كفيلة بھا" قال الطبيب. "أص
مت ...ال أري
د س
ماعك ،إن
ك ال تع
ي ق
وة العاص
فة الت
ي تجتاحني ،إن أيامي وساعاتي ستعيد ذكراھا" "أنظر لغيرھا يا صاحب الجاللة" "لقد أصبحت مخموراً في أقدامھا وأعشق وأذوب في مقلتيھا" "ال تشرب من خمورھا وال حتى من مائھا" "سأشرب مائھا وخمرھا وأسكر وأھذي وأصرخ بأني أحبھا وأحبھ ا ول
ن أح
ب س
واھا وأبح
ث ع
ن رض
اھا حت
ى ترض
ى وس
أبحث عنھ
ا وس
أجدھا وأقتلھ
ا ...س
أبقى س
اجداً لھ
ا حت
ى ت
سمح ل
ي ب
النظر إل
ى عينيھا" أم
ا أن
ا ف
ال أري
د أن أك
ون أمي
راً وال ملك
ا ً وال قي
صراً ،ب
ل أري
د أن أكون ملكا ً على قلبي وليس ألحد سطوة وال قوة ،ال أمراً وال نھي ا ً ول ن أجعل عليه امرأة سلطانا ً أبداً.
٦٠
خلقت ك بكالم ي أن ت ،أن ت الت ي أحبب ت ،أن ا ببت ك فق ط ِ ألن ك ِ ِ كنت أح ِ أنت بك ِ أنت آخر الخالصة بيني وذاتيِ ، وبك كانت أخر أحالمي ،كنت ِ ِ كنت. جننت باختياري ولوال جنوني ما ِ دك م
ا دام ك قتلتن
ي وحب
ي ،ال أري ِ ل
م تثق ي ب
ي ول
م تحبين
ي وظنون ِ ك مك
ان ،ل
ن تك
وني بع
د الي
وم ال نجم
ا ً وال س ً ماء ف
ي لل
شك ف
ي قلب ِ عمري.
٦١
فصل
ألني عربي
بدأ النھار يجر بأذياله الخريفية القصيرة حتى يستعد لغد غريب .كان ال
شھر العاش
ر ف
ي آخ
ر الخري
ف ،ول
م يك
ن ب
ارداً مث
ل الع
ادة ،تمط
ر ً القزحي ة مودع ًة أحيانا ً مبشرة بشتاء قريب ،وتشرق الشمس بخطوطھ ا منتظرًة شوقا ً حتى تعود في العام القادم كم ا كان ت ،شم سا ً نورھ ا يم أل القلوب ويظھر في سمرة الوجوه. دخل
ت ال
ساعة عل
ى التاس عة والن
صف وق
د تب
ددت س
اعات النھ
ار البرتقالية القصيرة مصافحة مساء يليه ليل طويل. حملت أطرافي عائداً إلى مسكني بعدما لم يعد من س خونة رأس ي إال أفك
اره سداس
ية ال
شكل والمثلث
ات ،ل
م أبتع
د كثي
راً عن ه إنم
ا بقي
ت ف
ي الشارع الشعبي المجاور ،وما ھي إال خط وات حت ى أص ل إل ى ھن اك، وعن
دما رأي
ت الم
دخل عل
ى بع
د أمت
ار ذھب
ت ك
ل جع
ب أفك
اري واستبدلتھا غراتسيا بوجھھا النحيل الصغير وتقاطيعه اليونانية األصيلة وش
عرھا المم
يش الن
اعم معانق
ا ً خ
ديھا دون أن ي
صل إل
ى ش
فتيھا، مضموما ً بكتفيھا النحيلين مثل طفل يعانق أخته الطفلة. دخل
ت المك
ان وص
عدت ال
درجات الثالث
ة المؤدي
ة لم
دخل ال
سكن ودفعت ببابه ودخلت ،لم يكن أح داً ھن اك س وى المقاع د وجھ از القھ وة الكبير وغراتسيا بينھم تتخللھم بنظراتھا بين حين وأخر. "مرحبا ً" حييتھا ،لم أكن مبتسما ً ،كان يبدو على وجھي جدية ليس لي سلطة عليھا.
٦٢
"م
ساءك س
عيد" حيتن
ي وأردف
ت" :كي
ف كان
ت جولت
ك ف
ي الح
ي اليوم؟" "جيدة ،أمطرت قليالً ولكن تحسن الج و فيم ا بع د ،أن ا ال أح ب الج و إذا ك
ان في
ه ض
بابا ً وخاص
ة ف
ي الم
ساء ،مث
ل ھ
ذا الج
و يجل
ب ل
ي اإلحباط ،سأصعد إلى غرفتي قل يالً ،إذا ك ان ل ديك وق ت س أنزل ونقت ل الوقت سويا ً" "افعل ھذا ...يسعدني!" صعدت إلى الغرفة بخطواتي البطيئة حت ى وص لت إل ى الب اب وقب ل أن أدخل تصورت أمامي خلو حجرتي من كل لون أو دف ئ ،ل يس فيھ ا سوى جدرانھا الخاوية وحقيبة متاعي المغلقة. دخل
ت وخاطب
ت نف
سي ق
ائالً" :يج
ب علي
ك أن تخ
رج متاع
ك م
ن الحقيبة على األقل حتى يسھل علي اختيار أشيائي أو البحث عن فوط ة أنشف بھا شعري المبتل قليالً ،أو بنطال يعجبني ارتداءه. بدأت بإخراج متاعي القليل ووض عته واح دا تل و األخ ر ف ي الخزان ة الحديدية رمادية اللون المثيرة لإلحباط ،وض عت ال سترة عل ى الكرس ي ول
م أس
تبدل ال بنط
الي الجين
ز األزرق الغ
امق وال قمي
صي األب
يض المقلم. لم أمكث طويالً حتى أني لم أجلس .وضعت حقيبتي متاعي المفرغة في الخزانة من األسفل وخرجت قاصداً الصالون في األسفل.
٦٣
نزلت الدرجات اللواتي ينتھين عند غراتسيا في الصالون حيث تق ف مباشرًة في اليسار من خل ف طاول ة االس تعالمات الممت دة حت ى الب اب، وكان ت الم سافة ال تتج اوز الثالث
ة أمت ار م ن ال
درج حت ى الب اب ،وف
ي الجھة اليمنى مقابل االستعالمات الصالون الذي ال يتجاوز العشر أمتار مربعة ،وعلى الحائط كان جھاز صانع القھوة مثبت ومن أمام ه كنب ات جلدية تتوسطھا طاولة عريضة بكل زواياھا قريبة من األريكة. اتجھت نحو )الكفي ميكر( وقلت لغراتسيا" :أنا أريد أشرب قھ وة، وأنت؟" "ال ش كراً أن ا أش رب القھ وة بكث
رة ،ول م يبق ى حت ى نھاي ة عمل
ي إال القليل ،ونحن في المساء نأكل سويا ً في العادة ،أبي وأمي وأنا" "إذا سأشرب أنا وحدي ،ھل يستبدل الجھاز النق د أم يج ب أن نرم ي نقداً يوازي القيمة المطلوبة؟" "ضع أي نقد تريد فھو يبدل النقد ويعطيك الباقي" أخرج
ت ي
ورو وثمنھ
ا خم
سون س
نت .اخت
رت م
ن لوح
ة المف
اتيح األيقون ة الت ي تمث ل القھ وة م
ن دون س كر وحلي ب ،وم ا ھ ي إال ث
واني صبت فيه القھوة. حتى خرج الفنجان البالستيكي و ُ جلست مقابالً لغرات سيا ووض عت أم امي القھ وة ورش فت أول رش فة ساخنة وكالعادة ال أستطيع شربھا ساخنة كثيراً. "م
ن أي
ن أن
ت ي
ا س
لوان؟ أج
ب فق
ط إذا أردت اإلجاب
ة!" س
ألتني غراتسيا. ٦٤
"أنا أردني" "منذ متى تعيش ھنا؟" "أعيش ھنا منذ عام "١٩٧٩ "أتيت طفالً إلى ھنا؟" "تستطيعين القول أني أتيت طفالً ...كان عمري خمس سنين" "وما ھو إحساسك تجاه األردن واليونان؟" "أما األردن ما ھي إال ذكريات أبي وأمي ،وحديثھم مثل حلم أو فيلم شاھدته ومازالت صوره خالدة في رأسي" "وھل ھذا يعني أنه لم يعد عندك انتماء إلى بلدك؟" "ال أع
رف! فأن
ا ال أع
رف أح
داً ھن
اك .عن
دما أتي
ت إل
ى ھن
ا كن
ت طفالً ،وال ذكرى ل ي م ن بل دي س وى وج ه أم ي وكالمھ ا ،ھ ي ص ور تم
ر م
ن أم
امي س
ريعة ال أس
تطيع ترتيبھ
ا بوقتھ
ا وأح
داثھا ألن
ي ل
م أعاصرھا" "في سن الخامسة ...كنت مع أسرتك بالتأكيد!" "من أين أبدأ لكي يا غراتسيا؟ ب سيرة ل م أع رف منھ ا س وى رؤوس أقالمھ
ا ،أم بال
ذي ح
دثتني عن
ه وال
دتي وال أذك
ر من
ه س
وى أس
طر متناثرة .أنا ابن رجل في الخامسة والستين وزوجته بعد ثالث ة أي ام م ن عرس
ھا أكمل
ت ال
سابعة ع
شر .عن دما أنجبتن
ي كان
ت ق
د بلغ
ت الثامن ة عشر وخمسة أش ھر ،ل م يعم ر أب ي كثي راً ،وأن ا ال أذك ر من ه إال القلي ل القليل ،ال أذكر كلمات قالھا لي ،وال لمسات أحسھا اليوم ،كل ما أذك ره ٦٥
وما بقي في ذاكرتي له صورة سجينة ال أس تطيع تحريرھ ا أح اول م ن خاللھا الدخول إليه أكثر ،ولكني ال أستطيع ،حاولت مراراً أن أص طنع صورة م ن خي الي ل يس ألب ي ش يء فيھ ا ،وأن ا ال أري د أن أك ذب عل ى نفسي .كان أبي من محبي الترحال ،فقد خرج م ن األردن ف ي ال سادسة عشر من عمره إلى لبنان وبقي ھناك أكثر من عامين ،ال أذكر بالتحديد مدة إقامته ھناك ،فھذا ما حدثتني عنه أمي ،من ھناك انطلق إلى فرن سا ولم تمتد مدة إقامته ھناك بأكثر من إقامته في لبنان ،ومن ثم غ ادر إل ى اليونان وبقي فيھا حتى عام .١٩٧١رجع إلى األردن ولم يكن له أح داً ھناك إال القليل ،وقد فرحوا به كثيراً إال أنھا كانت أسابيع قصيرة حت ى علموا أنه ال يملك سوى قوت يومه ،وما كانت إال أي ام وإذا بم ن حول ه ينفضون بأكثر من قل ة الحي اء .وإذا ب أبي وحي داً ل يس م ن حول ه س وى أثاثه الب سيط وج دران بيت ه ال ذي ل م يملك ه ،وك ان ي دفع أج رة ف ي ذل ك الوقت خمس دنانير. بدأ وضعه الصحي يسوء يوما ً بعد يوم ،وكأنه لم يحتمل خيبة األم ل التي لقيھ ا م ن أھل ه وص حبه ،ول م يك ن ھن اك م ن ي زوره وي دخل بيت ه المتكون من غرفتين يتخللھما مم ر ص غير ومط بخ ال يتج اوز األربع ة أمتار مربعة وحمام. كان أحد جيرانه الذي تعرف عليه من بعد ،وھو الذي رح ب ب ه م ن أول مرة سكن بھا بجواره دون أن يعل م بغربت ه وعودت ه وخيب ة آمال ه، أو أن ه غن
ي أو فقي ر .ك
ان ج
اره يع
يش م
ع زوجت
ه وابنت
ه الت
ي كان
ت مازالت لم تبلغ السابعة عشر من عمرھا.
٦٦
في الوقت الذي ُترك أبي من كل الناس ،ك ان ج اره خ ضر وزوجت ه مريم ھما الوحيدان اللذان كانا يزورانه باستمرار ،ومن بع د م ا س اءت حالة أبي الصحية ھما وحدھما اللذان أشرفا عليه وس اعداه وكأن ه أح داً منھم. بقي األمر ھكذا حتى عرض خضر ج ار أب ي ابنت ه علي ه ،ول م يقب ل أبي في البداية وعارض أش د المعارض ة ،إال أن األق دار ش اءت وقبل ت فتاة السابعة عشر بالزواج من رجل يكاد أن يكون والدھا أو جدھا. تزوجت نور ،أمي ،وھي على مضض ،فلم ُيسألن بنات ذلك العصر ع
ن القب
ول أو الع
دول ،وال أذك
ر أن أم
ي ح دثتني ع
ن أب
ي إال بح
سن الخلق والمعاملة ،حتى أنھا أحبته وأحبت الحياة معه. ع
اد ذل
ك الرج
ل الم
ريض إل
ى ص
حته وك
أن الم
رض ل
م يك
ن، وصارت نور األمس غير نور اليوم ،سعادة وكأنھ ا ل م تتمن ى زوج إال إبراھيم ،أبي. في ربيع عام ١٩٧٩م ،بعد م ضي خم سة أع وام م ن زواجھم ا ق رر أبي أن يعود إلى اليونان ليقضي مع أمي ومعي إجازة م ن إلح اح منھ ا لم يتحمله أبي ،وفرحت كثيراً بموافقته. ذھب بنا أبي إلى المكان ال ذي ك ان يع يش في ه ،مين اء بيري وس ،ف ي اليون
ان ،حي
ث كان
ت ك
ل ذكريات
ه وحيات
ه ،ل
م ي
ستطع أن يبتع
د أكث
ر، وكأن
ه ك
ان ممزق
ا ً ب
ين حن
ين الماض
ي ف
ي اليون
ان وص
ور ثابت
ة ف
ي ذاكرت
ه ل
م تتغي
ر م
ن األردن ...بي
وت الط
ين والفالح
ين ،ك
ان دائم
ا
٦٧
يحدث أمي عن فزعة الناس لبن اء بي ت الع ريس ،وف ي ي ومين أو ثالث ة يكون البيت جاھزاً الستقبال أھله الجدد. في موسم حصاد القمح وبيادر القري ة الذھبي ة مث ل أرواح حاص ديھا المليئة بالتعاون والعطاء ،ونھارھم الذي تعلوه الق صائد البدوي ة المغن اة الذي يثير الحم اس ويزي د م ن ق وة العط اء ،فأنف سھم كان ت خاوي ة مث ل بيوتھم ،ليس فيھا سوى العدس وأكوام القمح التي تكفيھم لعامھم. وموسم قط اف الزيت ون ،وك أن الع الم كل ه من شغل ف ي ھ ذا الموس م، كان يتشارك الفالحون في حميرھم لبعث قط اف الزيت ون إل ى البي وت، لم يكن ھناك فقير وغني ،أو قصر وبجانبه بيت قن اطر طين ي ،ل م يك ن جاري عنده سيارة فاخرة وأنا مازلت على بغلي الذي اس تعاره ج اري، كانت حياتھم متشابھة مثل أصابعھم ،لم يعرفوا سوى ھذه الحياة وواقعا ً كان أبي يعيشه في الخارج وأصبح بلده البديل. فالح األمس لم يعد ف الح ،وأم ام البي ت ل م يع د الحم ار ،فق د اس تبدله بسيارة مرسيدس فاخرة كما استبدل كل جميل في داخله ،حصالة القمح أصبح مكانھا ثالجة ببابين وفيھا أسماك من الياب ان ولح م خ روف أت ى به من بادية الشمال. القرية لم تعد قرية ،والفالحون أص بحوا م ضاربين ف ي البورص ة ال يعرفوا سوى األرقام"
٦٨
فصل
ألني عربي
كي ف ب
شاعر يكت ب ب
ال قل
م أو أوراق؟ ص رت أت
ذكرھا وأت
صورھا ك ك وأحببت ِ ت حب
ري ودف
اتري ،ص
برت علي ِ أم
امي وأخاطبھ
ا" :وأن ِ وتمكن ت من ي كب رت ن ضجت وعن دما ورعيتك مثل طفل صغير حت ى ِ ِ ِ ِ وذكراك... وذھبت، خنتني وتركتني ِ ِ
ك ع
ذاباتي...؟
ك ل
م ترت
وي م
ن دم
ي وأدمع
ي ،أال يكفي ِ وكأن ِ ھروبي...؟ وحدتي...؟ عزلتي وانقطاع ابتساماتي؟ ً ت زھ
رة الربي
ع ورمادي
ة الخري
ف ك م ستنكرة! كن ِ ال ت
ومئي برأس ِ ورزانة الصيف ،أما اليوم فلم أعد أرى فرقا ً بين المواسم ،كلھم سواء. ھل دموع ك مث ل فاكھ ة ع صرنا ھرموني ة؟ بكيت علي فع الً أم كان ت ِ ِ قال لي اآلن صديقي وھو جالس لجانبي" :إن كتاباتك إباحية" فقلت له: "وھل إذا كتبت عن نفسي أخالف القوانين الشرعية؟" عرك نعت .لق
د تع
ودت ي
داي عل
ى مالم
سة ش ِ ك وم
ا ص ِ أع
وذ بحب ِ ديك ي
ا عرك ،تع
ودت ش
فتاي عل
ى خ ِ المم
وج األس
ود ،م
وج البح
ر ش ِ وتنبأت بغ ٍد لم يكن سيأتي ،تعودت أناملي جاھلة ،يا من استعجلت القدر ِ مالم
ستك حت
ى أثن
اء الطع
ام وم
شاھدة التلف
از وقب
ل أن ن
ذھب عل
ى ِ لفراشنا. جفني ك ووض عت قلب ي عيني ك وس مائي تح ت كانت كل نجومي ب ين ِ ِ قدميك. تحت ِ
٦٩
وأن ت تعلم ين بقلب ي ب ين استطعت أن تتخ ذي مث ل ھ ذا الق رار كيف ِ ِ ي ديك ول م يع رف الح ب األول إال مقلتيك ،قد كبر قلب ي وترع رع عل ى ِ ِ عھدك. في ِ ل ك ك ل قص صي وغرام اتي ول م لك كتاب ا ً مفتوح ا ً وروي ت ِ لقد كنت ِ لك أسرارھا ثغرھ ا ومحواھ ا ،ل و أستثني من فتياتي فتاة إال وقصصت ِ يديك. عرفتك لتعلمت الكذب والخداع بدالً من الحب على أني ِ ِ ك" :كي ف حالھ
ا؟" ي ا م ن ب
صبري عليھ ا ك
ل وي سألني ال صحب عن ِ لك أن ل
ك حب
ا◌ وحنان
ا ً ،كن
ت أس
أ ِ ال
سنين ك
ان جرم
ي ،ق
د غزلتھ
ا ِ ًَ تجيبين
ي ول
و م
رة ،الي
وم ال! أن
ا م
ن يط
رح ال
سؤال وأن ا م
ن ع
رف الجواب وأجاب ،ال أريد أن تجيبيني وال تحاولي سؤالي وال تلوميني لو عرفك كل العالم من خالل حروفي. ِ منك مازالت تدمع وإن لم أشعر بحزن أحيانا ً وقلبي قد انكسر! عيني ِ م
ن أن
ا؟ كي
ف أع
يش؟ وكي
ف أب
دو؟ م
ن يران ي غن
ي ع
ن س
ؤالي .ال تحاولي االتصال بي وال تراسليني وإن مرضت فال تزوريني ،أتركيني واھجري خاطري وال تصحبيني حتى في خلوة م ن خي االتي ،وإن ق رأ أنت؟" ق ولي لھ م" :ال إنم ا ھ ي أوراقي أحد أصدقائي وسألك" :ھل ھو ِ ِ حقيبة متاعه ،أحبھا وغزل الشعر بھا وتركھا في بيتي". من ك ،ول و أن قررت دفن قلبي وھم ساتي وح واراتي إن كان ت كلھ ا ِ الباقي منھا آھات وجراحات.
٧٠
ال تحاولي انتظاري في محطة الحافلة المعتادة كي تلوميني ،فأني قد أنت والزمان لم تعرفوا مدى اخالصي نك ِ رحلت بعدما علمت وتيقنت أ ِ وانتمائي. عنك" :أمازلت تذكرھا؟" مازال الصحب يسألونني ِ ويسألونني عن أيامي" :أليس لديك جديد؟" عنك" :أعادت من رحلتھا بعد أن طال الغياب؟ ھل مازالوا يسألونني ِ عادت وقاربھا من عالم النسيان ومن دون سؤالھا عن غدھا؟" وعندما كانت معي لطالما سألت عن طالعھا وحظھا ،ولطالما تنب أت عن غدھا وقد كان قرارھا. كنت في حيرة دائم ا ً كي ف أجي ب عل ى ف يض م ن األس ئلة المتن اثرة، كيف؟ ولما؟ ومتى؟ وأين؟ أس
ئلة كن
ت ال أج
د أجوب
ة عليھ
ا وي
ؤلمني س
ماعھا .الي
وم ال ،فأن
ا
ك ف
ي خي
االتي دون أذن
ي عزم
ت أن ال أراك ،وإذا زرتن
ي كعادت ِ ِ فسأرجو مالئكة النار أن تحرق كل خياالتي وبرمادھا أنثر ليل ة مظلم ة ماطرة. اختلطت دم وعي بحب ات المط ر وف ي داخل ي قرح ة وش قى كان ا ف ي األمس عشقا ً وندى ،ويعاتبني أصدقاء األمس" :لم اذا ل م تع د كم ا كن ت في الماضي ،زياراتك وسؤاالتك ورسمك" ال أريد يا صحبي أن أسمع عتابا ً وال أريد أن أك ون بي نكم ال أم امكم وال خلفك
م إنم
ا ك
ل م
ا أرج
وه أن ال ت
سألوني وال تھ
اتفوني وإن ٧١
رأيتم وني ف
ي زق اق الح
ي حي وني وال تلبث
وا مع ي حت
ى تخرج وا ع
ن التحية وتدخلوا في السؤال. أريد أن أكون وحدي وال تدعوا الخوف علي ،أما أنا إذا احتجت إلى صديق فھا حبات المط ر تم سح ب دموعي دون س ؤاالت أو عتاب ات ،ق د أنسى ما ك ان ،ق د أجع ل م ن الماض ي ج سراً أخط و علي ه نح و األم ام، سأنظر إلى الماضي مثل جندي على برج المراقبة في ليلة ش تاء قاس ية ستكون عن قريب أمس قد أذكره. أح
س بال
ضياع أس
ير بال
شوارع مت
سكعا ً ض
االً ال أع
رف لنف
سي م ٌ ستقر وال ق
رار ،ھ
ل لك
ل نھ
ار جمي
ل ،م
شرق وخ
الب ،م ٌ تم ساء مع ٌ ٌ ٌ مظلم وليل داكن حسود؟ ٌ ھ
ل نح
ن دائم
ا ً الم
سؤلون أم
ام أنف
سنا ف
ي اتخ
اذ الق
رارات؟ ھ
ل بمقدورنا فعالً أن ننضح السعادة من داخلنا؟ أم أن الحياة أمر حتم ي وقراراتھ ا ص ادرة ومف روغ منھ ا وال ج دال فيھا؟ وھل من العدل أن نعيش أيام لم نردھا ول م نبح ث عنھ ا ول م نتمناھ ا في يوم من األيام؟ وھل ھناك من حكمة في آھات دون أن نكون نحن المسؤلون عنھا؟ أحكام عرفية لم نردھا ولم نبحث عنھا ولم تكن في خريطة أحالمنا. تلك الخريطة والتخطيط وحصيلة أحالم الصبي في عمر كله حلم يافع قتل
ه حاض
ر قاس
ي ال يع
رف المج
امالت وال يحاس
ب عل
ى أح
الم ٧٢
المراھقين وال ش فافية م ن أح ب بن ت الجي ران ال ذي ك ان يبكي ه ي وم ال يراھا فيه ويرفعه إلى عنان ال سماء ي وم في ه اس ترق رؤياھ ا م ن خل ف قضبان الشبابيك في الطابق العلوي وبينھم شارع إسفلتي عريض. كانا أقرب إلى بعضھم أكثر من ال ذي ف ي جانب ه وعل ى س ريره تن ام عارية. لق
د أطن ب الج
نس عل
ى ك
ل الم
شاعر وأص
بح النظ
ر ف
ي العين
ين موض
وعي ودراس
ة وح
ديث الم
رأة فل
سفي ،ك
ل ش
يء في
ه م
ا ع
دا األنوثة.
٧٣
فصل
ألني عربي
"غراتسيا ،عندما كنت في الثامنة عشر حلمت أن أت زوج الفت اة الت ي كنت أحبھا ،وعندما بلغت االثنين وعشرين تزوجتھا ومازل ت أذكرھ ا، حلمت أني س افرت معھ ا إل ى عم ان الت ي ل م أزرھ ا ،حلم ت أن ي كن ت معھ ا ف ي ك ل أرج
اء الع الم ،ذھب ت معھ
ا إل ى البت راء ،وادي رم ،قلع
ة ال
ربض ،جب
ال عجل
ون وأم ق
يس ،المالھ
ي الليلي
ة وك
ل مك
ان ،ك
ل األماكن التي رأيت صور أمي وأبي فيھا. كن
ت أض
ع ي
دي بي
ديھا وال نخ
شى أح
داً فھ
ي زوجت
ي والفت
اة الت
ي لطالم
ا حلم
ت بھ
ا ،ال أك
اد أص
دق ،نم
شي س
ويا ً ف
ي ش
وارع القري
ة ال
ضيقة وال نخ
شى أح
داً ،م
ضى ع
ام ومازل
ت أحبھ
ا مث
ل األس
بوع األولَ ...حَملت ،وإذا بي أرى الدنيا بشكل آخر غير الذي ك ان ،أص بح يومنا ،نھارنا ،مساءنا وليلنا كله دحنونة حمراء. ف
ي أي
ام حملھ
ا كان
ت ت
زداد جم
االً ف
ي ك
ل ي
وم أكث
ر وأكث
ر ،كن
ت أحبھا ،اليوم أدمنتھا وأمسى أفيون أعيشه ف ي ك ل ي ومي ،رأس ي مل يء بھا إيجابا ً ً وعطاء نضال وكفاح ،أصبحت ھي والطفل المنتظر دواع ي حياتي وأحد أكبر أسرار وجودي. حلمت أن يكون لنا طفل جميل ،وبعد م ضي ع امين ن رزق ب آخر... طفلة ...حلمت أن يجمعنا بيت نحن أصحابه ،في ه الم رأة الت ي أح ب... لطالما أحببتھا ،حلمت في الثالثين أن يكون طفلنا في المرحلة االبتدائية والطفلة في عمر تك ون ھ ي لن ا س ر الحي اة ومتعتھ ا ،دمي ة ،م الك م ن السماء صغير ...ونجدد سعادة بعمر جدي د ...وأول م ا أف اجئ ب صراخ ٧٤
رجل في الخمسين يجلس على حافة الشارع ثمالً ،يخاط ب نف سه ،ت ارة كأن
ه يخاط
ب ام
رأة وي
صرخ عليھ
ا ،يري
د أن يثب
ت لنف
سه أن
ه ال
سيد وصاحب القرار ...وإذا بي واقفا َ أمامه دون أن أشعر عائداَ لذاتي بأول صرخة ثملة منه" ...أنت ...أغرب عن وجھي قبل أن أحطم رأسك" صرخ في وجھي .كانت غراتسيا تسمعني وال تستطيع أن تتابعني ،جم من األحداث واألحاديث وتشابك في األحاسيس. "ما ھو سبب الفراق بينك وبين زوجتك؟" "لق
د وص
لت ي
ا غرات
سيا لعم
ر كن
ت ب
ه ف
ي الماض
ي عل
ى خريط ة حياتي زوج ا ً ورب ا ً ألس رة ،أف اجئ أن ي خ سرت ك ل ش يء ...زوجت ي، حبيبتي ،طفلتي وأحالم عشرة أعوام كان مقرراً اليوم نصفھا. لقد توقفت حبات المطر ع ن مواس اتي ي ا غرات سيا ب أمر م ن ال سماء واستبدلتھا بشعاع الشمس الشتوي في عيناي ،لم تكن ساطعة ،أحسست بحرقة فيھا نشوة تحت جفوني ،كأنھا السماء ھ ي الت ي بعثتھ ا ب دالً م ن حبات المط ر ،ص ارت روح ي تبح ث ف ي تل ك اللحظ ة َعم ن يواس يھا، يشاطرھا راحة لم تدم. وتابع
ت م
سيري تارك
ا ً ورائ
ي ص رخات س
كارى ،كان
ت ب
األمس اغلب الظن ضحكات وابتسامات" تابعت سرد األحداث لغرات سيا دون أن يھمن ي إن ك ان ح ديثي مم الً علي أيام كثيرة ل م أرى أو ليس له معنى ،كنت أريد الحديث ،فقد مرت ّ بھا أحداً ولم أبادلھم حتى كلمة ،وأكمل ت" :حي ث كن ت أس ير ك ان عل ى
٧٥
أطراف الشارع مقاعد يجلس عليھا بعض العجزة ،تابعت المسير حت ى وص
لت ألول مقع
د ف
ارغ ،ك
ان عل
ى حاف
ة ال
شارع مط
ال عل
ى باح
ة خ
ضراء لي
ست كبي
رة ،جل
ست ل
م أع
د أرى الم
ارة ألن ظھ
ري ص
ار جھة الشارع حيث الحوانيت الصغيرة الكثيرة... كأن المقعد وضع خصيصا لي ،أحسست بارتياح في المك ان ،أخ ذت نفسا طويالً مثل التنھيدة ،نظ رت أم امي حت ى آخ ر م ا أس تطيع رؤي اه، كل شيء ساكن" "أين ھذا المكان بالتحديد يا سلوان؟" "ھن
اك س
احة كبي
رة وبناي
ة س
كانية وعل
ى أطرافھ
ا يمين
ا ً وش
ماالً شارعان يحتضنان تلك البقعة الخضراء في وسط السوق المزدحم ،لق د تمعنت كل األشياء حولي يا غراتسيا دون أن ألتفت إل ى ال سوق خلف ي، ودون أن أعي نسيت جوارحي للحظة ،ف سبحت روح ي دون أن أس مح لھا ،ال عج ب ،كان ت ومازال ت تري د عك س م ا أري د ،وكأنھ ا ل ي ع دو لدود ،بحثت لي عن حب جارح وتجربة عمياء ،تحيا بألمي وتتمتع به، وما ذنبي أنا؟ ال أريد ألما ً وال أريد أن يسلخ جلدي عن ي ،كي ف تك ون ال سعادة؟ إن ً ً أح دا◌ روحي ح صيلة أرواح كلھ ا لھ ا نف س تجربت ي ،وكي ف ي ستطيع االستمتاع بالحياة وله روح ا ً مث ل روح ي؟ ھ ي آالم أالف أرواح س نين قد مضت ،فكيف لي مواجھة أعاصير ساحقة ،آھات قديمة بقدم العرب ال
ذين ع
شقوا وم
اتوا وھ
م عل
ى أط
راف األنھ
ار دون أن يتق
ابلوا ول
و مرة. ٧٦
ََ مثلي ومثل حبي كاثنين يرمى بھم بحلبة المصارعة الرومانية ويلقى بأيديھم قيد واحد أمام أسد مفترس ،ويھم كليھما بالھرب باتج اه مع اكس فيسقطان في قيدھما األوحد ،ويكون األسد الجائع أقل متعة من المتفرج األكثر شراسة ووحشية من األسد ذاته ...فيقطع أشالئھما بتصفيق حار وصرخات سكرى. روحي تكبر نشوتھا كلم ا عاني ت أكث ر ،وھ ي لي ست ش يطانية ،أرى فيھ
ا رس
الة حملھ
ا َم ن قبل
ي ،فم
ا َفَعلت ه بھ
م ،ھ
ي الي
وم فاعل
ة ب
ي، أأھرب؟ وھل يھرب أحدكم من ن ار كان ت ب األمس دافئ ه؟ ھ ي تك ويني اليوم وأشعر بحرارتھا مثلما كنت باألمس أح س ب دفئھا ،أوال أنج و؟ أم نح
ن م
ن ذھ
ب إل
ى الواش
م ونح
ن م
ن اخت
ار الوش
م؟ نح
ن م
ن ف
رح بغ
رس أول إب
رة ،نح
ن م
ن اخت
ار ال
شكل والرس
م عل
ى العن
ق ،وج
ه حبيبتي ،والشفتان في منحري. ذكراھ
ا ل
م يع
د باطن
ا ً فق
د أص
بح ظ
اھراً مث
ل ال
شمس ف
ي رابع
ة النھار ...أخلقت لھا مثل عينيھا؟ وجنتيھا التي حلفت أن ال يكون غسلھا إال م
ن دم
وعي؟ أھ
ي مثلم
ا اعتق
دت؟ أم أنھ
ا فل
سفة غام
ضة ومصطلحات مبھمة؟ قد تكون سلسة سھلة أنانية!" صرت كأني أخاطبھا" :ال تغضبي يا حبيب ة األم س فالح ب أناني ة... ما أجملك عندما تك وني جدي ة وف ي حال ة إص غاء ت ام ل ي ،فت ارة يجع ل كالمي من ك وح شا ً غاض با ً ھائج ا ً ،وأخ رى تجعل ك ابت سامة أنيق ة كلھ ا أنوثة ،ويعود كالمي بك غاضبا ً بصرخات مدوية بزوايا الغرف...
٧٧
وأبت
سم ...وت
ارة تجع
ل كلم
اتي من
ك طف
ال وديع
ا ً ب
ين ذراع
ي ،ك
ل كلماتي كونتك كما أنا أحببتك أن تكوني ،إال غدرك يا امرأة لم أتوقع ه، لم أعرفه ،ولم تھمس لي نفسي به ولو مرة ،أنت لست كم ا كن ت أعتق د طوال حياتي... كنت مثل التاجر الجشع زعم أنه يحب الناس ،يعطيھم الم ال ،يظھ ر الحب لھم وفي قلبه حقد قديم ،حتى يح ين األج ل ويأخ ذ م نھم أغل ى م ا يملك
وا ...أرض
ھم ،أبن
ائھم ون
سائھم ،كلھ
م حق
ا ً م
شروعا ً ل
ه ،وواج
ب عليھم التنفيذ وإال!... قدمت حبك لي مثل الت اجر للفق راء؟ أم أن ك ممثل ة ناجح ة وأن ا وھل ِ الذي اكتشفتھا؟ وقد أكون األخير! ال ...سأكون األخي ر ،فاألي ام القادم ة بدأت الطريق ،وأن ا اآلن أرى م ا ال ت رين ،أو م ا ستجعل منك أنا ،وقد ِ ال تري
دين رؤي
اه ،ست
صدمين ي
ا حبيب
ة الماض
ي بم
ا س
يذكرك ب
ي، ستكونين بطلة مسلسل أنا اآلن العب دور البط ل في ه ،س تذھبين وح دك إلى البحي رة ،وتجل سين عل ى حجارتھ ا ،ست ضعين أص ابعك ف ي الم اء، ودون أن ت
شعري تك
ون أط
راف قمي
صك الخم
ري ق
د ابتل
ت ،ول
ن تنزعج
ي ،فھن اك أم
ور كثي
رة س
تأخذ ك
ل حي
ز ف
ي تفكي
رك أكث
ر م
ن قميصك الخمري المبلل. ستكون أسماك البحيرة واإلوز ھي التي تنتظر بلھفة حتى ترمي لھ ا فتات خبز األمس ،ھ ن فق ط الل واتي ست شكين أخط اء الماض ي وآالم ك ونھاية الق صة لھ ن ...وس تذكرينني ،وس ترين ف ي المي اه وجھ ا ً مبت سما ً كأنه وجھي ...حيث كن ت أجل س ،وس ترين نظ رات عين ي ف ي عيني ك،
٧٨
ولمسات يداي على خديك ...تأسف عليك ول م تبرئ ي م ن الج رح ال ذي أنت تسببتيه ،لن أفرح بآالمك ألني يوم ا ً م ا أحببت ك ،ول ن أرت اح يوم ا ً ألني أرى الحزن بين عينيك وخيبة أمل على كل ما فعلت. أنا لم أعد معاتبا ً ،ولو أن األمر ھكذا لتمنيت العودة إلي ك ...رغ م اال رجعة. ي؟ أو أن
ك ل
ن تنظ
ري إل
ي م
رة ھ
ل مازل
ت تحب
ين النظ
ر ف
ي عين ّ أخرى؟ ھ
ل ست
سألين ع
ن مك
ان س
كني وعن
ي؟ أم س
يبقى ش
وقك دف
ين أحشائك؟ أو قد تكون ذكراي مثل سيجارتك التي امتنعت ع ن ت دخينھا! أين تجلسين اآلن؟ في مث ل ھ ذا الوق ت تك ونين ف ي المط بخ ،وأن ا أراك في كل أرجاء المنزل ،في حجرة النوم تستبدلي قميصك ،أو في الحم ام تقف
ين أم
ام الغ
سالة لتخرج
ي الثي
اب منھ
ا ،أو تقف
ين اآلن عل
ى ش
رفة المن
زل تن
شرينھا بعجل
ة كعادت
ك ،ھ
ل ت
ذكرين ليالين
ا عليھ
ا ونظ
رات جارنا المتطفل بعد منتصف الليل؟ قد تكوني اآلن في غرفة الجلوس متكئة بع د أرب ع س اعات عم ل! أو مخف ضة أو لق ضاء س اعتين أو أكث ر أنك في السوق تبحثين ع ن أش ياء ّ كما كنت تفعلين ،أو أنك ستسرعين للبيت ألن ه بانتظ ارك جب ل مالب س على األريكة بحاجة لتحديد. أنت منھك ة م ن يوم ك وتحت اجين لق سط م ن الراح ة ،ال تري د س ماع شيء ،تغلقين عينيك ولو لبضعة دقائق ،وأحيانا ً ال تستطيعين من كث رة
٧٩
صراخ أطفال صديقتك ومھاتفات األصدقاء ،أنت عصبية جداً وتخفينھا خلف ضحكاتك... وإذا ك
ان ھن
اك زوار ف
ي البي
ت تع
انين م
ن ص
داع ش
ديد بع
د خروجھم. ھل مازال زوج صديقتك طريح الفراش؟ مازلت أذكره ،لقد قلت لي يوما ً أنه لن ي ستطيع إكم ال دراس ته الجامعي ة ،خ سارة لق د أوش ك عل ى االنتھاء ،لم يبقى عليه سوى ثالثة فصول" "أنا أحسدھا التي تملكت ك بھ ذه ال صورة ،إن ك ھ ائم بھ ا وال ت ستطيع إخف
اء ش
وقك ،جرح
ك وذك
راك .ل
م أع
رف أن الرج
ال ق
د تح
ب لھ
ذه الدرجة ،أو أنھم قد يتفانون مرة" "غراتسيا ،لقد رأيت في البارحة فتاة جميلة تجلس في الحافلة ،كانت تتبسم لي وال ترفع نظرھا عني ،وبجانبي ص ديقة ،ولف ت انتباھھ ا تل ك النظرات الجريئة ،وقبل أن تسألني ع ن تواص ل النظ رات الت ي بادلتھ ا إياھا ،قلت لھا" :أنا أعرف ھذه الفتاة ،ولكن ال أذك ر أي ن وكي ف ،كن ت أحاول حقيقة التبرير عن وقاحتي ،وقررت أن أذھب إليھا واسألھا ع ن نفسھا ألني فعالً أعرفھا ،وقفت واتجھت نحوھا وقبل أن أص ل بخط وة أو اثنت
ين قال
ت ل
ي " :أل
ست أن
ت الع
م س
لوان؟" عرفتھ
ا ،كان
ت طفل
ة واآلن فتاة فاتنة لھا جسد السيدة... إنھا األقدار! وإذا بتلك الفتاة ھي ابنة صديق لي من الذين تركتھم من زمن ،كانت طفلة واليوم تقطر أنوثة ،فرحت برؤيتي ،وأنا رجعت م ن خاللھا إلى الماضي ،كانت ھي طفلة وأنا وصديقة والديھا أح ب اثن ين، ٨٠
كن
ا نراقبھ
ا وھ
ي تبك
ي وألم
س حبيب
ة األم
س فتلتف
ت إل
ي وأق
ول لھ
ا: "أتمنى أن يكون لنا طفلة جميلة مثلك" فتق
ول" :ال ...ال ،فأن
ا أري
د طف
الً ف
ي ح
ضني وكل
ه من
ك وعيني
ه، جبينه وشفتيه ،خديه وذراعيه ،أريده أنت" ذھب
ت حي
ث أرادت ،تارك
ة ورائھ
ا الحل
م الم
شترك المزھ
ر ،كان
ت أحالمن
ا ...م
ا ھ
ي إال أح
الم ،ل
و أرادت ألص
بحت واقع
ا ً جم
يالً تمام
ا ً مثلما حلمنا ،لقد استبقت األحداث واستكثرت على نفسھا أن تعيش معي آمالنا... كان بي دھا أن تجعل ه واقع ا ً .س أعود ي ا غرات سيا إل ى قريتن ا الت ي ل م أعرفھ
ا ،س
أترك ش
وائب أحالم
ي خلف
ي ،س
أعود إل
ى نھ
ر األردن وأشجار البرتقال والليمون ،إل ى الجن ة ال صغيرة عل ى ض فافه ...حي ث كان
ت أب
ي وأم
ي ،س
أعود إل ى نھ
ر اليرم
وك ال
صافية حي
ث الماش
ية ترع
ى وح
دھا م
ن غي
ر راع ...أمن
ت عل
ى نف
سھا ،س
أعود إل
ى وادي العرب ،إلى برك الماء الصغيرة ،إلى الشالالت المنحدرة عن الصخور الالمعة ،سأعود إلى أجران المي اه الت ي مألتھ ا مي اه األمط ار ،حي ث ال عط
ش وال ج
وع ،س
أعود حي
ث ال حرق
ة وال أل
م ،س
أعود إل
ى فتي
ات قريتنا ،إلى الفتيات اللواتي يقفن على شواطئ بحور الحب التي أبحرت ب
ه خليل
ة البارح
ة واكت
شفت ج
زر وكن
وز ،وقال
ت ع
ن أف
ضل م
ا وجدت ...ورحلتھا مازالت طويلة ...ستبقى باحثة حتى تفاجأ بعد فوات األوان بأن البحث في بحور الحب ال نھاية له"...
٨١
قمت أتخيلھا أمامي وأخاطبھا" :ابحث ي كم ا ت شائين ،وأبح ري حي ث تشائين ،فطريقك ال رجعة فيه حتى لو أردت ي الرج وع ،ف الطريق الت ي سلكت ھي دون إياب وأنت م ن وق ع ف ي أس فل الورق ة بالرض اء الت ام، ورغم كل الشكوك والوساوس الت ي دارت ومازال ت ب ين ثناي اك ،ل ست أنت المرأة التي كانت ،لم يبق ى من ك س وى ال شكل الخ ارجي ،ال ذي ق د يخفى حتى على أمك ،أن ا وح دي م ن يعل م بأن ك ل م تع ود أن ت ،فنف سي براء منك ،وأن ت م ا ع دت أن ت ول ن ترجع ي حي ث كن ت ،وداع ا ً دون ع
ودة ،وداع
ا ً دون أم
ل بع
ودة ،وداع
ا ً ينط
ق بھ
ا ل
ساني وترف
ضھا جوارحي ،لقد خسرنا كالنا ،أن ا خ سرتك وق ت أحببت ك ،وخ سرت أن ت عندما زعمت أني أنا من أراد الخالص ،كالن ا ي دفع ثم ن إف راط الح ب ال
ذي ك
ان ل
ك وح
دك ،أن
ت إفراط
ك ف
ي إتق
ان دور المح
ب حت
ى أن
ك أتقنتيه واآلن عانيتي ه ...كالن ا ي دفع ال ثمن وي ا للق در ك الً عل ى طريقت ه وشاكلته... أحب العودة ...ال تفرحي فطريق العودة ليس إليك ،فأنا ف ي الطري ق إلى حديقة رملية سأخط عليھا م ستقبالً تجريبي ا ً لحي اتي ،ول ن أب دأ بتات ا ً بن
اء علي
ه ،فأن
ا أع
رف اآلن أنھ
ا رملي
ة ،وأن
ي أن
ا م
ن رس
مھا ،س
أبدأ حياتي كما أنا أحب وليس كما يحب اآلخ رون ويتمن ون ...أو أن ت ،ل ن أبحث عن امرأة تشبھك ،ال شعرك وال وجنتيك وال شفتيك"... التفت إلى غراتسيا وقلت" :أھناك أجمل منھا؟ فال شفتان وال وجنتان وال خ
دان وال ش
عاع عين
ان أق
رب وأش
به إليھ
ا ،دعين
ي أبح
ث حي
ث شئت ،فال ولن أجد مثلھا ،أنا لم أعشق رموش العيون ،ما عشقت عنق ا ً ناعم
ا ً وال أص
ابع مث
ل ش
موع ق
صور المل
وك الم
ضاءة ف
ي حج
ر ٨٢
الحبيبات الخل يالت ،إنم ا ع شقت ام رأة بقلب ي وروح ي وك ل ج وارحي وحتى شعر صدري أحب يداھا وأظافري أحبت منكبيھا ...لو كان أب ي حيا ً لزوجته أمھا أو خالتھا" "ھل ستسافر يا سلوان إلى بلدك دون رجعة؟ أن ا ال أرى في ك س وى اليوناني ،حتى شكلك ،أنت لم ت زر بل دك من ذ أن أتي ت إل ى ھن ا ،فكي ف ستستطيع العيش ھناك؟" "لقد اخترت العودة حتى لو تأخرت ،ال صفاء إال ھناك ،ال وفاء إلى ھناك ...ھناك ،في المك ان ال ذي س كنته أم ي وورود ح ديقتھا ،أري د أن أع
ود طف
الً ك
ي تفرحن
ي ق
صاصات ال
ورق ،وان بكي
ت ل
سقوطھا ف
ي حوض الماء القريب من شجرة الرمان ،فستأتي أمي وتصنع لي طائرة ورقية جديدة غيرھا... وتع
ود س
عادتي وفرحت
ي م
ن جدي
د بكب
ر ال
سماء وات
ساع األرض، أذھب إلى بئر الماء الخاوي أمام بيتنا ألعب مع أصدقائي من غي ر كل ل أو مل
ل ،أو إح
ساس بج
وع أو عط
ش ،وين
زل اللي
ل بثوب
ه األس
ود ويرخي المساء سرواله ،وتخرج أمي تبحث عني... أسمع صوتھا تنادي ،أصطنع عدم السماع كي أمكث وق ت أكث ر ف ي الخارج ،وتنادي" ...ولدي ...ولدي أين أنت؟ أنا أعرف أنك تسمعني، تع
ال إل
ي ي
ا ول
دي ...حبيب
ي ،أل
ست أم
ك الت
ي تحب
ك؟ تع
ال ي
ا ول
دي فالليل حل وال أريد أن تكون الظلمة بيني وبينك" أس
مع ك
ل حروفھ
ا نابع
ة م
ن ال
صميم ،وأبق
ى أرك
ض م
ع ال
صبية صحبي ،وأقول لھم" :ابقوا بعض الوقت" ٨٣
ويردوا علي بكلمات فيھا الخوف" :ال ...ال سيغضب أبي" أما أنا فكنت أعرف أن أمي تحبني حب ا ً جم ا ً وال تغ ضب عل ي أب داً، وإن غضبت فكان ت تجل سني جنب ا ً منھ ا بثي ابي المبتل ة عرق ا ً م ن كث رة اللعب ،تضع يداھا على خ دي وتم سح عرق ي ع ن جبين ي ،وتنظ ر ف ي عل ي وخ وف عيناي نظ رات ال أس تطيع الي وم ن سيانھا ...كلھ ا ح رص ّ وھم وقلق من اآلتي" :ولدي أال تعرف أني أحبك أكثر من نفسي؟" "نعم ...نعم أعرف ،أنت تقولين دائما ً ھذا الكالم" كان عدم إحساسي بأمي في ذل ك الوق ت يجع ل كلماتھ ا المك ررة ل ي ...أحبك ...أحبك مملة ،لم أستطع فھم مشاعرھا" :ولدي أسمع كالم ي ولن تخسر ،فليس في الوج ود م ن يحب ك بق در حب ي ل ك ،ول دي س يأتي ي
وم ونترك
ك في
ه أن
ا وأب
وك وحي
داً ،أري
د أن أك
ون عل
ى يق
ين بحال
ك وأذھ
ب وأن
ا مطمئن ة علي
ك ،فأن
ا ي
ا ول
دي وأب
وك ال رجع
ة لن
ا .ان
ك وص
لت لمرحل ة يج
ب علي
ك االعتم
اد عل
ى نف
سك ،فأن
ا قلق
ة علي
ك ي
ا ولدي! أال تجيبني؟" "بلى يا أمي ،ولكن لماذا تقولين ھذا دائما ً بأنك ستذھبي؟" "نع
م ي
ا ول
دي فأن
ا ل
ن أبق
ى دائم
ا ً مع
ك ،وأن
ت؟ أن
ت ول
دي حبيب
ي ستبقى وحدك ،ولھذا أري دك أن تعم ل بك ل ح رف أقول ه ل ك ك ي أك ون مطمئنة عليك" "ال يا أمي ال تقولي ھذا أرجوك ،أن ا ل ن أس مح أن تم وتي قبل ي ،أن ا سأدعو ربي أن يكون أجلي قبلك ،وف ي ق رارة نف سي عن دي يق ين ب أني
٨٤
س
أكون قبل
ك ،ف
ألمي ف
ي فق
دانك أكب
ر بكثي
ر م
ن م
وتي ،ولھ
ذا ل
ن يجرعني Sألم فقدانك" "في كل مرة يا غراتسيا أعيش فيھا ألما ً وحرقة ،أرجع فيھا إلى ك ل آالمي الماضية .ھكذا ھ و اإلن سان ف ي لحظ ات أس د ض رغام ،وأخ رى عبداً أسيراً قصيراً في حجر خباياه مخادعا ً لنفسه ،وف ي ك ل م رة عل ى شاكلة جديدة ،تماما ً مثل شارب السم ...يعتقد أنه الخالص"
٨٥
فصل
ألني عربي
ف
ي الجھ
ة الخلفي
ة م
ن ال سكن ش
ارع كبي
ر وعل
ى أطراف
ه حواني
ت لي
ست بالقليل
ة ،تب
اع فيھ
ا وجب
ات س
ريعة وبأس
عار منخف
ضة ،وكن
ت أكلت في جميعھا تقريبا ً ،لكني أعتدت على مطعم صيني فوجباته شھيه وبأسعار مناسبة جداً. ف ي اح
دى األي
ام الجمي
ل طق
سھا كن ت أجل
س ف
ي غرفت
ي ف
ي وع
ن يميني الشباك الزجاجي الكبير المطل على الشارع وف ي الجھ ة المقابل ة مبنى كأنه مصنع للجلود ،كانت النافذة منخفضة حتى أن حافتھا السفلى كانت توازي ركبتي ،ويدخل الھواء من خاللھا ينعشني ،لم أك ن معت اداً الجلوس بجانب النافذة طويالً ،إال أن ذاك النھار كان ھوائه جميالً يم ر على وجھي يريحني ،لم تك ن ال شمس م شرقة ،ت ارة أنظ ر لألم ام ،إل ى سعة الفضاء ...وأخرى لألسفل حيث يعملن الفتيات. ُك َن ف
ي حرك
ة متواص
لة ب
ين الم
صنع وباحت
ه المطل
ة عل
ى ناف
ذة غرفت
ي ،تابع
ت النظ
ر بع
ض الوق
ت أراق
بھن أثن
اء اس
تراحتھن وھ
ن يشربن القھوة وال دخانُ ،ك َن تقريب ا ً س بع ول م ين تھن ع ن الت دخين فت رة جلوسھن في الباحة ،فكلما خ رج إح داھن لل ساحة أخرج ت عل ى الف ور علبة سجائرھا وأشعلت سيجارة تحرق فيھا عقداً أو حقداً على الواقع... إال فتاة واحدة لم تكن إال القليل من الوقت بينھن ،وإذا تواجدت تلعب بالحصى أو تتحدث لزميالتھا ،ولم تكن تكثر الضحك مثل األخريات.
٨٦
ل
م أكت
رث كثي
را بت
صرفھن ف
ي األس
فل ،فأن
ا كن
ت أراق
ب م
ن ب
اب الفضول ال أكثر ،كنت أراقب السماء والبنايات المقابلة ونوافذھا غريبة التصميم ،أشكالھا مثل اللوحات الحرارية. وألن
ي اعت
دت تن
اول وجبت
ي ف
ي المطع
م ال
صيني ھمم
ت بتجھي
ز نف
سي لتن
اول وجب
ة االرز بالخ
ضار ولح
م اإلوز المقل
ي ال
ذي أتناول
ه تقريبا ً يوميا ً ،وھذا ألذ ما تناولته ھناك على اإلطالق. دخلت المطعم وجلست ھذه المرة على كرسي مرتفع ف ي ش رفته ف ي الخ
ارج ،ص
رت أراق
ب الم
ارة والحواني
ت الت
ي ف
ي المقاب
ل ،كن
ت الزبون الوحيد في المكان ،كانت الساعة الثامن ة م ساء وم ا زال النھ ار م ضيء وبق
ي س
اعتين حت ى ي
سدل الظ
الم أذيال ه ،ولف
ت نظ
ري الفت
اة ذاتھا التي رأيتھا ف ي الم صنع ،ھ ي الت ي كان ت تلع ب بالح صى ،لكنھ ا بدت اآلن أجمل بكثير ،شعرھا أسود مسترسل ،تقف في وس ط ال شارع تراق
ب ال
سيارات حت
ى تقطع
ه إل
ى الجھ
ة األخ
رى دون أن تراع
ي إشارات المرور ،وأنا ال أراعي إشارات المرور كثيراً من األحيان. عب
رت ال
شارع وأقبل
ت إل
ى الح
انوت حي
ث أجل
س ،كان
ت جدي
ة ال تبتسم ،تسير بثقة وج سدھا األني ق الظ اھر م ن بنطالھ ا الجين ز األزرق الغ
امق ال
ضيق ،وقمي
صھا أزرق ف
اتح ض
يق أي
ضا ً يك
اد أن يك
ون رمادي ،وكانت ترتديه فوق البنطال وال يغطي أردافھا. دخل
ت والحظ
ت نظرات
ي إليھ
ا ،كان
ت ت
صطنع تج
اھلي ،رمق
ت المكان بطرف عينھا تجاھي لكن كبريائھا الفاضح كان يكشف م ا تري د إخفائه. ٨٧
في تلك اللحظات أحضرت العاملة وجبت ي ،وكع ادتي انتظ رت قل يالً حتى أباشر الطعام ،فأنا ال آكله ساخنا ً. بدأت أتناوله ببطء ألن ي ل م أك ن جائع ا ً كثي راً ،وبقي ت بأفك اري عن د الفت
اة الجميل
ة حت
ى أذھب
ت عن
ي الم
ارة وجھھ
ا م
ن رأس
ي ،وإذا بھ
ا تخرج وتعيدني إليھا رغما ً عني. خرجت لباحة المطعم تبحث عن مقعد مناسب ،جل ست عل ى المقاع د المنخف
ضة وص
ار م
دخل المطع
م بين
ي وبينھ
ا ،جل
ست وأخرج
ت م
ن حقيبتھا صور وصارت تقلبھا ،كأنھا أحضرتھا للتو ،تارة تبتسم وتطيل النظر وتقلبھا ،وأخرى تت ساءل ،م رة تتجم د عالم ات وجھھ ا بحي ث ال يبدو عليھا أي انفعال كالزجاج. قلت لھا من غير تردد وكأني أعرفھا من قبل" :انك أجمل بكثير مما كنت عليه في الباحة" نظرت إلي متعجبة متسائلة وبدا عليھا الخج ل وقال ت" :وكي ف أب دو في الباحة؟" "أراك جميلة ھادئة" "واآلن؟" قالت ھي. "أراك أيضا ً ھادئ ة جميل ة ،إال أن جمال ك اآلن وح شي ص ارخ وفي ه ش يء حي
ث ال يج رؤ الرج
ل عل ى س
ؤالك أو الح ديث إلي
ك دون س
ابق معرفة ،كأنك بشخصيتين ،تل ك الفت اة الب سيطة الت ي ف ي الم صنع وھ ذه المرأة السيدة القوية ذات الجم ال الث ائر الواض ح مل ي م ن ل ون ش عرك ٨٨
وتسريحته ،عينيك ،حاجبيك ،قامتك وخطوتك الراقصة الطويل ة ...ھ ذا الذي يقبض قلوب الرجال ويبتلع كلماتھم" "ھل كل ھذا أنا؟" ورشقتني بنظرة جانبية بدا فيھا استحسان كالمي. نعم ھذه ھي المرأة التي تظھر بعض األحيان حزينة مسكينة ،ووجھا اآلخر ...آه منه ،ال نعرفه حتى نتجرع أآلمه. "أما أنت فال يبدو عليك أنك تخاف من ھذا الجمال الوحشي الصارخ كما تصفه أنت!" قالت ھي. "كنت أخافه ،أما اآلن فال ،فما عدت أھوى النساء فقط لعل و جم الھن أو صخب أنوثتھن" كانت تجلس باتجاه الشارع تماما ً مثلي ،وأثناء محادثتن ا الق صيرة ل م نكن ننظر بأعين بعض ،ب ل كن ا نھ رب بأعينن ا نح و ال شارع والم ارة، استدرت نحوھا وقلت" :أت سمحين أن أجل س إلي ك؟ ك ي ن ستطيع تن اول طعامنا سويا ً" "نعم برغبة ،تفضل" جل
ست إليھ ا وحمل
ت طبق
ي مع
ي ووض
عته أم
امي أقابلھ
ا وب
نفس الوق
ت أح
ضرت العامل
ة لھ
ا طبقھ
ا ،ك
ان معكرون
ة ناعم
ة ب
اللحم أو الدجاج ال أعرف بالضبط. "أتمنى لك شھية طيبة" قلت لھا.
٨٩
"وأن
ا أتمن
ى ل
ك أي
ضا ً المث
ل .واآلن ق
ل ل
ي كي
ف رأيتن
ي ف
ي باح
ة المطبعة؟" "ھل المكان الذي تعملين به مطبعة؟" "نعم ،وماذا كنت تعتقد إذن؟" "ال أعلم بالضبط ...أما الذي أعلمه أن تل ك الفت اة مختلف ة تمام ا ً ع ن ھذه التي أشاطرھا الحديث ھنا اآلن" "أنا ال أرى ذاك الفرق ال ذي تح اول أن ت صوره ل ي ،وإال أخبرن ي، كيف كنت ھناك؟ ھل أنت من زبائن المطبعة؟" "ال أنا لست من زبائنكم" رافق كالمي ابتسامة دعابة. "ھ ا ھ
ا ھ
ا" ض
حكت ب
صوت م صطنع تق
صد الم
زاح وقال
ت" :أن
ه فخراً لك أن تكون من زبائننا! أخبرني اآلن كي ف وج دتني ف ي العم ل؟ ھيا أخبرني اآلن وال تتھرب" "كنت أود للتو أن أق ول ل ك ...لك ن اآلن أح ب أن أع رف تل ك الفت اة ذات الوجه الحزين ،ألني إذا قلت لك اآلن سأفقد فرصة التع رف علي ك حسب طريقتي" "حسب طريقتك! ماذا تعني بھذا؟" "ال عليك أنا أھذي أحيانا ً أو أقول ما ال أعني" شعرت أني تورطت بكالمي وتھربت من اإلجابة عليھا. ٩٠
"أنه أنا نفسي التي في العمل والتي معك ھنا ،فتكلم اآلن" "نعم ،إنك أن ت الجميل ة الحزين ة بع ض ال شيء ،ق د يك ون ھ ذا ألن ك اآلن أمامي ،أما تلك الصامتة المبتعدة عن دخان سجائر الزميالت"... "أنت تتحدث عني وكأنك تراقبني طيلة الوقت أو تعرفني عن كثب" "يلفت النظر بالعادة كثير الكالم والحركة ،أيضا ً يلف ت النظ ر قليلھ ا. أري
د أن أتع
رف عل
ى الشخ
صية الت
ي ف
ي العم
ل ،حت
ى أس
تطيع أن أتعرف عليك وخباياك ،ألني لن أتمكن من معرفة ھذه ال ساحرة أم امي قبل تلك" "ھ
ل أن
ا مھم
ة لھ
ذه الدرج
ة حت
ى ت
سخر وقت
ك كل
ه للتع
رف عل
ى شخصيتي؟" "كلنا ينظر لألمور بأم عينه ،قد يكون شيء واحد بتسميات كثير ،قد أعل
ل اھتم
امي ھ
ذا ب
شيء أث
ار ف
ضولي أو اھتم
امي ،والتفكي
ر في
ه يخرجني من واقعي ،أو قد يكون ھو ذلك الوجه البسيط المعتم وھو في الحقيقة ذاته المشرق اآلن أمامي" "أو العك
س ،ف
نحن الن
ساء ال نفھ
م أنف
سنا كثي
راً م
ن األحي
ان ...لق
د ذكرت آنفا ً أنك تريد الھروب م ن واقع ك ...كأن ك ترف ضه أو تتجاھل ه، رغم أن شخصك ال يوحي بھذا" "ھا أنت تؤكدي لي بأن أسلوبي ناجح" "ماذا تعني؟"
٩١
"أعني أني بدأت أخرج من اإلطار الذي كنت أح بس نف سي في ه قب ل أن أعرف
ك ،واآلن ب
دا القي
د لين
ا ً عل
ى ي
داي ،وأح
س باس
ترخاء ف
ي عضالتي وأعصابي وايجابية تنعشني" "رغم أني ال افھم ماذا تعني ،إال أن اإليجابية في الحي اة أھ م أس باب ال
سعادة ،وأن
ا أزع
م أن
ي م
ن ھ
ذه النخب
ة ،وال أس
مح لل
سلب أن يك
ون الخط العريض في كتابي" "أين مدخل المطبعة من جھة الشارع؟" "ھل ترى تلك البوابة الكبيرة؟ الباب الذي على يمينھا" وأشارت لي بيدھا نحو المك ان .كن ت أم ر يومي ا ً تقريب ا ً م ن أمامھ ا، وكنت ألحظ من خلف الزجاج آالت تصوير وحواسيب الكترونية كثيرة ولم أكن ألق ي ب ال ل ذلك ،فھ و كغي رة م ن المكات ب المج اورة المتواج دة بكثرة في الشارع. "ال
ذي ي
رى المطبع
ة م
ن الخل
ف ال يعتق
د أنھ
ا نف
سھا عن
د رؤيت
ه مدخلھا الرئيسي" قال لھا سلوان. "أمر طبيعي ،فنحن نعمل في الداخل واجبات ال يج ب عل ى الزب ائن االطالع عليھا ،ورؤيتھا أمر ليس من الضروري من قبلھم" "حدثيني اآلن بغير العمل ...عن حياتك الشخصية" ل
م أك
ن أتج
رأ الك
الم معھ
ا بھ
ذه العفوي
ة ل
وال إح
ساسي بب
ساطتھا وارتياحي لھا ،كأني قريب منھا مما سمح لي بالتالي الكثير معھا...
٩٢
أعتقد أنھا ھي التي أتاحت ل ي الفرص ة للتق رب أكث ر ولخل و الجل سة م
ن الرس
ميات وال
شكليات المعت
ادة ب
ين ط
رفين غرب
اء أو ت
ربطھم عالقات رسمية تكلفية. ب
دأت ب
أول كلم
ة وراح
ت ت
سرد ع
ن حياتھ
ا ...نظ
رت إل
ى أعل
ى عينيھ
ا ترافقھ
ا ابت
سامة رقيق
ة كأنھ
ا تق
ول" :أري
د أن أق
ول ل
ك الكثي
ر وليس اآلن" "ما الذي يثير اھتمامك بحياتي؟" قالت لي. لم أتوقع سؤالھا في تلك اللحظة ألني كنت أصغي لھا ،أجبتھا بسؤال ف ي خ
ضم كالمھ
ا وب
دت ل
ي مث
ل المت
أثر بتن
ويم مغناطي سيي وأعادھ
ا سؤالي إلى الواقع وصارت بين مجيب وال يريد اإلجابة. لم أحرج من سؤالھا وقلت" :أنا لم أسأل من باب التطفل إنم ا ...نع م ق د أك
ون ف
ضوليا ً بع ض ال
شيء ولك
ن ھ ذا ل
يس طبع
ي م ع جمي
ع م
ن أعرفھم ،عندما تعجبين بمطرب أو كاتب أو شاعر أو أي شخصية ،أال تح
اولين ق
راءة مجل
ة أو ص
حيفة أو إذا س
معت خب
راً م
ن التلف
از أو المذياع أال تصغين؟ أو إذا حدثتك صديقتك عن زميل دراسة قديم وسيم كنت تتوددين إليه أال تنھالين عليھ ا بأس ئلة مج رد التنوي ه ع ن أخت ه أو اختصاصه؟" "بلى ،وأعتقد أنه شيء طبيع ي ،وس يكون ھ ذا ت صرف عام ة الن اس حسب ضني" "إذن أنا لم أختلف عن الناس عندما سألتك عن حياتك!"
٩٣
"أين أنا من مشاھير العالم والنجوم؟ أو حتى األقل شأنا ً منھم" "ليس من المھ م أن تك وني م شھورة حت ى تن الين إعج اب اآلخ رين، فأنت لك من الجمال والجاذبية وأناقة في المعاملة م ع نف سك واآلخ رين م
ا لغي
رك ،وأن
ت وأن
ا والكثي
ر نعل
م ب
أن اإلعج
اب ال
ذي يح
وز علي
ه مشاھير العالم ما كان لينالوه ل وال ش ھرتھم ،ال ألشخاص ھم بح د ذاتھ ا. ھناك من اش تھر لق وة شخ صيته أو لجم ال ف ائق أو لفك ر خ ارق للع ادة بغض النظر إن كان مفيد للبشرية أو ضدھا ،إنما ھذا اإلعجاب المب الغ فيه ما كان ليصله لوال شھرته ،ال لفكره أو ذكائه أو جرأت ه عل ى نف سه أو األش ياء .عل
ى أيٍ ،إذا ك
ان الح
ديث ع
ن شخ
صك ي
سبب إحراج
ا ً فلنع دل عن
ه ونح
ن بغن
ى ع
ن احم
رارة ف ي خ ديك أكث
ر م
ن الت
ي ھ
ي عليھا اآلن" كن
ت أتكل
م بأس
لوب س
لس م
رح ض
احك بحي
ث اس
تطعت دمجھ
ا بأجوائي ولم تعد تحس بتكلف أو غربة. "ال م
انع عن
دي م
انع ف
ي الح
ديث ع
ن حي
اتي ،فل
يس ھن
اك أح
داث كثيرة في أيامي ،عمل وبيت ،بيت وعمل ،وأحيانا ً أخرج مع ص ديقاتي في أوقات فراغي ،قد ال أرى أش ياء مثي رة بحي اتي العتق ادي ت شابھھا، فالذي يدور اليوم يعيده الغد" "قد يكون ھذا ردي بم ا أن ال سؤال ي دور ح ولي ،ولك ن م ن الممك ن للمراق
ب أن ي
رى م
ا ال أرى ،أو ألن برنامج
ك الي
ومي أص
بح مث
ل فنج
ان قھوت
ك أو ت
سريحة ش
عرك ،ومج
رد أن ُت سألين ع
ن ال
روتين الي ومي وتب
دئين ب سرد األح
داث وت راقبين ال
سامع تالحظ ين دھ
شته أو ٩٤
استغرابه ،إما من إعجاب أو طرح منه أو استف سار وتج دي نف سك ف ي أحداث اعتقدت أنھا صارت من النسيان أو أنك لن تتطرقي لھ ا أو أنھ ا ل
م تك
ون موض
وع الح
وار ومقابل
ة الي
وم أخرجتھ
ا عن
وة عنھ
ا ،وق
د تصلي باستطرادك إلى نقطة خرجت بھا عن المعتاد وتعمقت بأشياء ما توقع
ت أنھ
ا مازال
ت ف
ي خ
اطرك .ل
و س
ألتني أب
سط س
ؤال ،ق
د يك
ون شيء عابر ،ويسأله معظم األشخاص ألنفسھم أو لبعضھم إال أن طريقة الطرح تبلور اإلجابة إم ا بكلم ة ونقط ة أو حكاي ات ،أس رار ل م نعت رف بھا ألحد من قب ل وتفاجئن ا الي وم نك شفھا لم ن تعرفن ا علي ه من ذ دق ائق. مجرد سؤال متداول" :ماذا تعمل؟" قد يكتفي أحداً بذكر الوظيفة أو أن ه عاطل عن العمل ،وق د يك ون لآلخ ر امت داداً ك أن يق ول" :عمل ت س ابقا ً مبرمج حاسوب وكان لي أسرة ودخل ممتاز وزوجة م ن أس رة عريق ة وبيت ملك ...زوجتي كن ت أحبھ ا ،أھاتفھ ا ص باح م ساء ،ويومي ا ً نف س السؤال ونفس اإلجابة وفي نفس الوقت وم ن نف س تلف ون المكت ب ،ھ ل أفطرت؟ وتجبني" :نع م حبيب ي ،وأن ت؟" وأرد ق ائالً" :ل م أفط ر ،فأن ت تعرفين أنه مازال وقت على استراحتي" نفس الكلمات نتداولھا كل ي وم ولكن وقعھ ا يختل ف ب اختالف أشخاص نا وعالقاتن ا ،من ا م ن ي سعد بھ ا ويتملك
ه ال
شوق وعظمت
ه ويك
ون بداخل
ه مث
ل زل
زال ال يھ
دأ حت
ى يصطدم بفراش المساء ويلقى قتيل النشوة والقبالت ،وآخ ر يقتل ه ال شك والغيرة ،وھن اك م ن فق د اإلح ساس حت ى أن ه ت سمر وص ار مث ل تحف ة زجاجية أو خشبية معاد تصنيعھا .وحياتك قد تكون بالن سبة ل ك أح داث طبيعية مملة أم ا لآلخ رين فھ ي أح داث جم ة جدي دة وق د تك ون م شوقة مثي
رة ،وق
د نكت
شف أش
ياء ف
ي أشخاص
نا م
ا كن
ا لنعرفھ
ا ل
وال م
ن
٩٥
نشاطرھم حكاياتنا وأمانينا دون علمھم ،ونسأل أنفسنا" :كيف فعلت ھذا أو كيف قلت ه؟ وم ا كن ت أت صور لحظ ة ب أني س أتجرأ يوم ا ً عل ى ھ ذا" سأحكي لك عن أيامي وسأعترف بأن معظمھما لم أفھم ه ،وك ل م ا م ر علي منھا رؤوس أقالمھا" أنا الذي سألھا أن تحكي عن حياتھا ،وإذا ب ي أن ا ال ذي أتح دث عن ي وعن أيامي دون أن أشعر ،ھل كانت حياتي أط راف مواض يع ح سابية لم أفھمھا؟ أم أني فسرتھا بطريق ة بع دت فيھ ا ع ن الواق ع مم ا أدى ب ي لنتائج لم أنتظرھا؟ طبعا بسلبھا أو إيجابھا. نح
ن ال ن
رى س
وى م
ا ت
راه أعينن
ا بأبعادھ
ا ال
ضيقة أو تح
س ب
ه جوارحنا وأما ما وراء القلب فال ندير ل ه ب ال لبع د الح دث عن ه ،أو أن حساباتنا تتم على انفراد مع الذات وعند محاول ة أح د ال دخول ألجوائن ا ن
ضع المحب
رة عل
ى الطاول
ة ون
دعي ّأن ا أنھين ا الخط
اب ودون وض
ع نقطة أو فاصلة أو حتى أتمام أخ ر كلم ة أو رق م ق د ب دأناه ،دون مب االة بما سيضيع أو يتالشى من الذاكرة. "إن اإلنسان مخلوق معقد التشكيل والتكوين" قلت لھا" :بحيث أن أي يحول القوي إلى عارض يطرأ عليه ،ناھيك عن صغر حجمه أو كبرهّ ، ذليل ض عيف ،أو الك ريم إل ى بخي ل ،أو معط اء إل ى س كير م دمن عل ى قارعة الطريق ،وھذا ليس الجسد فقط إنما األشد وطأة النفس وال روح، فمج
رد ح
دث ع
ارض أو فع
ل أو ش
يء ن
راه ،نواجھ ه أو نعاص
ره ق
د يسعدنا ويرفعنا حتى نعانق الغيوم أو يع صف بن ا ب ين الث رى واألق دام. ن
صل لمرحل
ة نتمن
ى ف
صل ال
روح ع
ن الج
سد أو مراك
ز التفكي
ر ع
ن
٩٦
القل
ب ،وف
ي خ
ضم تمني
ات ل
ن تتج اوز ح
د األح
الم واإلحب
اط ينتابن
ا شعور باالرتياح ال نعرف مصدره يتع دى ال روح واإلح ساس وي نھض بالجسد الملقى فنحمد Sعلى ج ل نعمائ ه الت ي فاق ت ال نفس وال صورة ونزلت بالكيان وخرجت عن الخيال وآلت واقع يالمسنا ونعتركه .وفي ً لوحة جميلة ن ضعھا أول نكسة ،صدمة أو صرخة من امرأة رسمت لنا على الحائط األبيض الثلجي تثير اإلعج اب وننظ ر إليھ ا ونع اود وبك ل مرة ندخل غرفة الجلوس بذلك اليوم ...وأول ما نفاجأ باأللوان الزاھي ة الت
ي ش
كلت عھ
داً بأشخاص
ھا داخ
ل اإلط
ار لوث
ت الح
ائط األب
يض بألوانھا ...ذاب ت علي ه ،ك ان يج ب علين ا وض عھا ل ساعات ف ي ال شمس حتى تجفُ ،بھرنا بھا ولم نصبر عليھا ونسينا بأن ألوانھا مائية. "ما ھو اإلحساس الذي يجب أن يراودني اآلن كامرأة؟ لن ت سعد أي امرأة لسماع ھذا الكالم ،ولن تعتبره مجاملة ،وأجبرتني رغما ً عن ي أن أعيشه ولو للحظات" كانت ترافق كالمھا ضحكة مخبأة خل ف نواج ذھا لع دم اس تيائھا م ن حواري واستفزازي اللطيف. "ال أن
ا ل
ست متح
امالً عل
ى الن
ساء ،عن
دما تح
بس إن
سان لفت
رة م
ن الزمن ،عام أو عامين أو عشرة ...تنتھ ي الم دة ويخ رج ال سجين ويب دأ بمقارنة األشياء ،الماء ،الھ واء ،الطع ام ،الن اس وزق اق الح ي ون سائھا. ل
يس م
ن ال
سھل وض
ع ب
ضع م
ن ال
زمن ف
ي زاوي
ة الن
سيان لمج
رد محاوالتنا رف ضھا أو إنكارھ ا أو فق داننا ت وازن ال سنين ،س يبقى س جين األمس طلي ق الي وم حب يس داخ ل ذات ه وذاكرت ه ف ي ك ل س اعة ولحظ ة
٩٧
رغم أن ه ص احب الق رار ،ونف سه ...مازل ت أس ير الم رارة والحرم ان. كلنا يحتاج إلى فترة زمنية حتى يستطيع الخروج م ن أزم ة واجھت ه أو تواجھه ،وخاصة إذا كانت األزمة أنثوية الشكل ،فقد نحتاج لعم ر حت ى ن
تخلص م
ن ش
وائبھا ،فح
ب الرج
ل للم
رأة مث
ل ال
شوك ب
القطن... والخالص منه ھيھات ...تذھب الحبيبة وال يبقى منھا سوى عذاباتھا ما دامت أشجار الصبار وأشواكھا" "كالمك كله عناء امرأة! من ھي تلك الم رأة الت ي أحببتھ ا لھ ذا الح د وبقدر حبھا تعاني؟" "وما أدراك أني أعاني من قصة امرأة؟" "لو أني أعاني من صداع شديد فسأضع ي دي عل ى رأس ي ب ين ت ارة وأخ
رى ،ول شكوت بالتأكي
د .وأن
ت ،معانات
ك ب
دت جل
ي ب
نفس الوق
ت والطريق
ة الت
ي أردت أن
ت إخفائھ
ا ،ح
دثني اآلن بع
د أن أص
بح األم
ر واضحا ً ،ما ھي أوصافھا؟ كم عمرھا وما لون شعرھا؟ أھي بق امتي أم أطول؟" في الوقت الذي ال أريد أن أتحدث عنھا ال أجد نفسي إال وأنا منغمس بوصفھا ،عاھدت نفسي أن ال أتكلم عنھا. "شعرھا أطول م ن ش عرك ،ول ون ب شرتھا قري ب إل ى ل ون وجھ ك، قامت
ك أن
ت أط
ول فھ
ي ق
صيرة بع
ض ال
شيء بالمقارن
ة مع
ك ،لكنھ
ا كانت تعجبني كثيراً" ابتسمت أثناء وصفي لھا ودون أن أشعر.
٩٨
"نعم وصبغة شعرھا أجمل ما رأيت ،أنا الذي أختارھ ا لھ ا وأن ا م ن صبغھا ،لم أكن أصبغ شعرھا فحسب ...أريني أظافرك ...ال فأظافرھ ا مختلف
ة عن
ك ،كن
ت أقلمھ
ا لھ
ا أي
ضا ً ،وكثي
ر م
ن األش
ياء الت
ي يعتق
د الرجال بأنه تنازل عن كبريائھم ،كنت أتنازل عن كبري وكبريائي عند شفتيھا وعلى وسادتھا" "ال أعرف ،أنا لم أحب لغاية اآلن ...ليس بالضبط ،إنما لم أقابل م ن أحب
ه فع
الً ،أعجب
ت برج
ال وم
ا أزال ،لك
ن ل
م أس
تطع تج
اوز ھ
ذه المشاعر وتعديھا إلى ما ھو أكبر ،واعتقدت أحيانا ً أني أحبب ت ،إال أن ه لم يطل حتى عرفت أنه الذي كان شيء من نسائمه ،فالحب حت ى الي وم ل
م أعرف
ه ،ق
د أك
ون ع
شت أش
باھه ،إعج
اب ش
ديد ،احت
رام ،ارتي
اح وبعض األحيان يصل لخاطري شيء أكثر ...لكن ال يتعدى ليلتي حت ى أفيق وأعي أنه مغ امرة ،س ھرة أو ن شوة طلبتھ ا واآلن كرھتھ ا وأحيان ا ً نفسي معھا" في األثناء كانت قد أنھت طبقھا ولم تكمله. "واآلن حان الوقت لمتابعة العمل" وقف
ت وص
افحتني وقال
ت" :لق
د أس
عدني الح
ديث مع
ك ،ق
د ت
سنح لن
ا الفرصة باللقاء مرة أخرى ...من يعلم؟" وقفت أنا أيضا ً وكنت لم آكل إال القليل من طبقي ،فكان حديثي أكث ر من لھمي لألرز.
٩٩
"لقد أسعدني أنا أيضا ً التعرف علي ك ،وربم ا تجمعن ا ص دفة أخ رى. أتمنى لك مساء سعيد في العمل" "م
ساء س
عيد ف
ي العم
ل؟ ل
و ك
ان الم
ساء ف
ي س
ھرة لكن
ت بالتأكي
د أسعد ،وخاصة إذا كنت أنت من يدعوني ...إلى اللقاء" سحبت يدھا من ي دي وبنطقھ ا آخ ر كلم ة ال أعل م ج دھا م ن ھزلھ ا، استدارت وتركتني مبھما ً ال أعرف أن أجيبھا. "أتقصدين ما تقولين؟" رفع
ت ص
وتي حت
ى ت
سمعني فق
د كان
ت تتوس
ط ال
شارع وتك
اد أن تصل لبوابة عملھا ،وردت من بعيد" :أنا أقصد ما أقول دائما ً" ودون أن تلتفت إلي. ذھب
ت إلتم
ام عملھ
ا ،فق
د كان
ت تل
ك اس
تراحتھا ...وافترقن
ا دون موعد .لم يكن البحر بعيداً عن المكان ،فھ و يبع د م سافة ع شرين دقيق ة سيراً على األقدام ،لم أنھي طبقي ،فقدت شھيتي وأحس ست بال شبع م رة واح
دة ،س
رت إل
ى ھن
اك كع
ادتي ف
ي الفت
رة األخي
رة ،عل
ى الطري
ق الممتد للشاطئ... ال
زوج م
ع زوجت
ه وأطفال
ه ،الحبي
ب م
ع حبيبت
ه واألص
دقاء م
ع بع ضھم ،كن
ت بحاج
ة للوح دة ،ل
م أفتق
ر الم رأة بج
انبي أو ص
ديق ،ل
م أشعر أني وحيد أو متروك...
١٠٠
كانت ابتسامات النساء للرجال بالنسبة لي وح شية س افلة ،خالي ة م ن الوفاء التي كانت نفسي تبحث عنه ،صرت أرى النساء بصورة مختلفة عن التي يراھا الرجال... أرى م
ا يُ
رى ،ض
مائرھن بوج
وھھن ،ل
م تع
د ام
رأة ت
سحرني أو تخدعني ضحكاتھا ووردي ة خ دودھا الت ي تظھ ر ن صفھا واآلخ ر حي اء مصطنع. ذھبت الفتاة وتركت انطباع عندي عن حي اة ومعان اة وح زن أخ ضر لم أفھمه. جل ست عل ى الرص يف المط ل مباش رة عل ى البح ر ول م يك ن مرتف
ع كثيراً ،وھو الممتد حتى أطراف المدينة... ن
سيم الھ
واء الن اعم اآلت
ي م
ن بعي
د م
ن وراء البح
ار م
ن مرتفع
ات الجب
ال ...الھماالي
ا أو م
ن ال
بالد الب
اردة ت راقص م
وج البح
ر الھ
ائج وتالمس وجھي ،أو قد تكون لمسة شوق ،حنان وتحية من ميليندا... ناعم
ة كأنھ
ا م
ن أناملھ
ا ...أح
س برجف
ة م
ن ي
داھا ت
داعب خ
دي، أصابعھا تلعب بشعري ،أنظر لموج البحر القادم نحوي وأنا في مك اني ال أنوي الھرب كالعادة ،لن أھرب س أكون أن ا ھ ذه الم رة ول ن أتقم ص آخر كان أنا في الماضي... أقبلت الموجة بقوة مندفعة نحوي واصطدمت بح ائط الرص يف تك اد أن تقتلعه من مكانه وتخ رج لم دى أبع د وأبع د ،وأن ا أنتظرھ ا ك ل م رة
١٠١
حت
ى تع
انق ج
دار الرص
يف وت
أتي ل
ي برحي
ق يالم
س ج
سدي كأنھ
ا ھي... فأحس بقشعريرة أحسستھا فقط من جيدھا وثورة ف ي تق اطيع وجھھ ا عندما تحبني ،أشتم رائحتھا حتى من الھ واء المنبث ق م ن أعل ى الج سر المقابل وم ن الن ساء الم ارات م ن جنب ي أو حت ى م ن الطري ق المقاب ل، عبق خليط فيه أناقتھا ورائحة عرقھا ...عطري ...أنوثتھا. المرأة وردة جميلة عطرة ولكل واحدة منھا رحيق خاص بھا يميزھا ع
ن غيرھ
ا ...إال امرأت
ي ،فق
د جمع
ت ن
دى الفج
ر والربي
ع وأس
رار النساء بين وجنتيھا ،في إقبالھا ومرواحھا... في المساء تجلس في غرفة الجل وس بثوبھ ا األزرق الغ امق الطوي ل مثل سحابة تتجلى لمسائنا ،ھي تعرف أني أحظر بھذا الوقت للبيت م ع ال
ساعة الحادي
ة ع
شر حي
ث ال
سكينة والغري
زة الھائج
ة ،ت
سمع ص
وت الباب عند دخولي وتبقى م ستلقية عل ى األريك ة ب شھوتھا المتبعث ره ف ي أرجاء المنزل وتحتويني لمجرد دخولي. "مرحبا ً" أحيھا وأدخل. "مرحبا حبيبي" تحيني ھي وعيناھا تعانقني. كان البيت مقسم لثالثة غرف وممر وشرفة مطلة على الحديق ة .ف ي مدخل البيت مباشرة المم ر الع ريض ومن ه تتف رع الغ رف ،م ن اليم ين الحمام وبجانبه المطبخ وفي الجھة المقابلة غرفة كنت أحب الخلوة فيھا وعن الشمال غرفة الجلوس الكبيرة وبجانبھا حجرة النوم.
١٠٢
وأول ش
يء كن
ت أفعل
ه عن
د دخ
ولي البي
ت ،أدخ
ل حج
رة الجل
وس حيث ھ ي دائم ا ً ھن اك بانتظ اري ،أحيھ ا م ن الب اب وأع ود إل ى خزان ة األحذية أخلع حذائي وأدخل إلى الحم ام ك ي أس تحم ،ول م أك ن أس تغرق وقتا ً طويالً بالداخل ،ال أتجاوز الخمس دقائق ،أغ سل عن اء الي وم عن ي وأخرج بسرعة ألبس ثوبا ً خفيفا ً وأسرع إليھا مثل الطفل ألمة. يق
ودني حب
ي إليھ
ا ورجف
ة ال تھ
دأ إال بح
ضنھا وارتعاش
ة ت
ستقر بضمھا وعناقھا... أحيھ
ا اآلن بقبل
ة ولم
سة ح
ب م
ن عل
ى خ
ديھا ،أش
تمھا وأنوثتھ
ا الھائج ة ،أش عر برغبتھ ا تمام ا ً مثل ي والت
ي كان ت ت زداد ك ل ي وم أكث
ر وأكثر مثل نيران الصيف تحرق حقول القمح في الشھر الث امن ،ني ران ام
رأة ت
شتعل أكث
ر وأل
سنة لھيبھ
ا ت شعلني وال تقتلن
ي ،ال ب
ل تحين
ي وأملك العالم بلحظة. "لقد طھوت لك مما تحب ،ھل نأكل اآلن؟" "ھل أنت جائعة؟" "ليس كثيراً ،وأنت؟" "وأنا ليس عندي شھية رغم أني جائعا ً جداً" كانت ھي أي ضا ً جائع ة ولك ن غرغ رة ف ي المع دة أق وى م ن حفيفھ ا ولن يطفئھا إال ساعة قبل العشاء... اس
تلقيت عل
ى ذات األريك
ة جنبھ
ا ،أرت
شف رحيقھ
ا ،متع
ة النظ
ر بعينيھا وھمساتھا... ١٠٣
وتداعبني ،تجمل الحياة وتزيدني حيوية ،تقبلني ،أغرد وأصبح أكث ر ايجابية... "اقتربي مني" قلت لھا. ع
انقتني وك
أني س
أفارقھا ،يراودن
ي ش
عور ح
زين لث
وان ،كأنھ
ا النھاي
ة ،تم
ضي الث
واني ب
سرعة ويتجل
ى الح
ب وتمط
ر الرغب
ة مث
ل حبات مطر الشتاء القاسي ،أحس بنبض قلبي م ن ش دة الن شوة الطائ شة الالس
معية المح
سوسة ،روحي
ة ال أش
رحھا وال أق
در حج
م قوتھ
ا وأبعادھا ،يسكت قلبي أو يھرب لوقت م ن ب ين ال ضلوع وي أتي بع د أن أرقد بين يديھا ونصحوا... ھي أنعم من ردائھا الحريري ،ل م أحب ه يوم ا ً عل ى جي دھا ،ف ال أنع م وال أرق وال أكثر سطوة علي منھا وظلما ً... ال سلطة أعل ى م ن س لطة الم رأة ،ف وراء ك ل س لطان س يدة ،وكلھ ن أبدعن الكذب ،جعل ن م ن الح ب م سرحية ن ضحك فيھ ا ونبك ي ،نح زن فيھا ونفرح ،نع يش الح دث وعن دما نفي ق ال يبق ى لن ا م ن الم رأة س وى دورھا في المسرحية أو حجرة النوم... أجمل أيام العمر كانت كذبتھا ،خدعة امرأة ،وقت كان ت بالن سبة لھ ا تجربة مثل كثير تجاربھا... ب اق ،ول م أع رف لحظ ة أن ي كن ت مث ل كان عھداً ذھبيا ً اعتقدت أنه ٍ عاھرة التاجر ورئيس البلدية ونائب البرلمان.
١٠٤
نتح
دث ع
ن ماض
ي حقيق
ي مل
يء باللحظ
ات والمواق
ف ،ال ب
ل كل
ه سعادة ،واليوم نعيش ألمه وقساوته في كل حرف ننطق فيه ،نفق د ش ھية الطعام والحياة بذكراھا وھي ال يھتز لھا خاطر عند رؤيانا أو ذكرانا. تمثيلي
ة حقي
رة رخي
صة ثمنھ
ا ش
ھوة ف
اجرة ،ون
شوة م
صطنعة .أن
ا ال
ذي ذھ
ب للمخب
ز وطل
ب ن
وعين م
ن الخب
ز ،األب
يض الم
ستدير واألسمر ،وأنا من وضع شريحة الخبز األسمر ب ين ش ريحتيه البي ضاء منھا كي تبدو مثل سندوت شات )الھمبرغ ر( ،يران ي م ن يران ي ويتمن ى لي شھية طيبة ،والكل يريد شراء الھمبرغر... لم يك ن ھن اك س وى فطيرت ي ،فل يس ھن اك س وى الحم ص والفالف ل سأح ضر فطي رتين فھ ي تب دو لذي ذة واللح م وأنا اليوم بعد انتھاء ال دوام ّ يتقطر من أطراف الخبز... ويقول لي الجالس في جانبي" :لقد جلبت لي شھية على )الھمبرغ ر( وأنا لم آكلھا منذ زمن" ال أحد يعلم أن مكونات فطيرتي فقط من الخبز الجاف ويصعب علي ابتالعه. أنا لم أخدع سوى نفسي ،واآلخرين لم يروا سوى الظ اھر من ي وم ا يرى. يعيدني موج البحر ثانية إلى ضفافه بع د رحل ة ق صيرة بالن سبة لم ن حولي ،أدخلتني مياه البحر الھائج إلى زقاق الماضي وشعاب لم أستطع رؤيا كل ما فيھا.
١٠٥
ورحلة اليوم فتحت لي دروب لم أكن ألسلكھا .لم أعد أرى م ن مي اه البحر سوى لمعانھا ،فيھا خوف وأمل ،رھب ة تجان ست م ع ظلم ة اللي ل أو بصيص أم ل ب اق م ن ب ين النج وم ،أو م ن ن صف القم ر ال ذي يب دو وجه باسم ،يختفي لحظات وراء الغيوم السود الكاذبات توحي بالمطر. سرت عل ى الرص يف أراق ب لمع ة م وج البح ر كأنھ ا م رآة لل سماء ال نھاية لھا وال حدود... أس
ير بمحاذات
ه والح
اجز الحدي
د والقم
ر ،كأن
ه ي
سير عك
سي، ويختفي... أدق
ق النظ
ر بال
سماء وال أرى س
وى ب
ضع نج
وم متفرق
ات يك
اد أن ينطفئ نورھا ،وأبتعد بنظري إلى السماء وإذا ببريق كالنجوم... إنه القمر ثانية يبدو أكثر جماالً وبري ق ،س ر جمال ه ف ي اختفائ ه ب ين الغيوم في الحين واآلخر... لكنه يعود دائما ً ھالالً ،ب دراً مك تمالً وأن ا عل ى ش واطئه بع د ال ساعة الثانية عشر ليالً.
١٠٦
فصل
ألني عربي
رجع ت إل ى ال سكن بخط اي البطيئ ة ...ولم
ا ال سرعة؟ الوق ت ملك
ي وأنا ملك نفسي. أن ت؟" قل ت لھ ا قب ل دخلت وكانت غراتسيا على االستعالمات "أي ن ِ أن أحيھا "منذ ذلك الحين لم أراك" "نعم ،أنا كنت مريضة وفي الفترة ما قبل المرض لم أكن أراك" "ص
رت أخ
رج وال أع
ود إال بع
د منت
صف اللي
ل ف
ي كثي
ر م
ن األحيان .رؤياك مرة أخرى مفاجئة سارة بالنسبة لي ،في كل م رة عن د خروجي من ھنا وال أراك أتذكرك" "فقط عندما تخرج كنت تتذكرني؟" قالتھا بأسلوب تھكمي مداعب. "بصراحة! نعم" "كنت أعتقد أنك ستتذكرني دائما ً! كنت أنتظر كل يوم س ؤالك عن ي" تقصد لمزاح. "لم أعرف أنك مريضة ،ھل تعتقدين أني سيء العشرة؟" "ال أنا لم أقل ذلك ،أنا أمازحك فقط" كنا الوحيدين في ذل ك الوق ت ھن اك ،بقي ت ھ ي جال سة مكانھ ا خل ف طاول
ة االس
تعالمات وأن
ا جل
ست عل
ى األريك
ة ف
ي الل
وج بعي
د عنھ
ا بأمتار. ١٠٧
"إذاً كان عندك الوقت الكثير في المنزل!" "نعم كنت أحس طوال الوقت بالضجر ولم يك ن ينق ضي ،ك ان الي وم يم
ر مث
ل المط
اط أو مث
ل أول ي
وم عم
ل بع
د إج
ازة طويل
ة ،كان
ت تراودني أفكار جنونية كنت أھرب منھا" "لماذا يبدو عليك عدم الرضا؟ ھ ل ھن اك أش ياء ال تري دھا وال حت ى مع نفسك؟" "أفكار كثيرة تجتاحني إذا كن ت وح دي حت ى لب ضع دق ائق ،وأتعم ق بھا حتى أني لحظتھا ال أعرف الصواب من الخطأ" "غرات
سيا ،لم
اذا ال تجل
سي لج
انبي؟ ف
ي مث
ل ھ
ذا الوق
ت ل
ن ي
أتي أحداً" "نعم ،وكل النزالء موجودون وھم ثالثة أو أربعة فقط" أتت وجل ست تق ابلني كأنھ ا انتظ رت دع وتي ،ص ار وجھھ ا محم راً خجالً. "ما الذي يؤرقك ويحيرك؟" "أح
س ب
أن حي
اتي ال معن
ى لھ
ا ،أض
حك والع
ب م
ن ص
ميم قلب
ي وعندما أجلس وحدي أحس أني خاوي ة م ن دون ھ دف ف ي الحي اة ،ھ ل أخدع نفسي عندما أضحك وألھو؟" "ال ي
ا غرات
سيا ،أن
ت تعي
شين حي
اة مفعم
ة كلھ
ا اس
تقرار ،ت أكلين وتشربين بشھية ،تضحكين وتستمتعين بأيام ك ،والف راغ ال ذي تعي شينه
١٠٨
تعرفيه ...الرجل ،أن ت ف ي عم ر تحت اجين لق صة ح ب أو رفي ق يك ون نقيضك ويتمم عليك شخ صك ويم أل حف ر وثق وب وقت ك ق بالً ،ھم سات ولمسات ،رج ل ج دير ب ك وسيتالش ى ھ ذا ال ذي ت شكين من ه ،طبع ا ً إذا بادلته ذات المشاعر" "قد يكون األمر ھكذا ،ولكن أين ھو ذلك الرجل ال ذي تتح دث عن ه؟ كلھم ذكور يبحثون عن اللھو والسخافة" "مازلت في مقتبل العمر يا غراتسيا ،إذا لم تبدئي اآلن فلن تب دئي... ھل عندك صديق؟" "ال ،كنت قد تعرفت على شاب قبل ثالثة ش ھور ول م ت ستمر العالق ة طويالً فقد انفصلنا في الشھر السالف" "ھل أحببته؟" "ال بالعكس كان بالنسبة لي ھما ً وزال ،لم أستطع البقاء معه" "واآلن ما ھي مشاريعك المستقبلية؟" "اآلن ال أفك
ر بعالق
ة عل
ى اإلط
الق ،ل
ست بحاج
ة لمث
ل ھ
ذه العالقات ،أنا بغنى عن ال دخول ف ي المھ اترات والنقاش ات الفارغ ة ،ال أريد صديق كالذي م ضى أو أمثال ه ...كلھ م ف ارغين أص الً وس خيفين، ليس في أذھانھم س وى الج نس ،ال ي ستطيع أح دھم أن ي رى ف ي الم رأة غير جھاز جنس متنقل" "ھل كانت تلك العالقة ھي األولى؟"
١٠٩
"ال لم يكن ص ديقي األول ،لك ن كلھ م ك انوا كاألطف ال ،ص بيانيين ال يعتمد عليم بأقل األمور وأبسطھا ،ل يس عن دھم أي ن وع م ن اإلح ساس بالمسؤولية ،وكنت بالن سبة ألح دھم مث ل ش يء امتلك وه ،مث ل الطاول ة، الكرس
ي أو أي قطع
ة أث
اث ف
ي البي
ت ،ال ،ال أري
د أن أعي
د نف
س التجربة ،في المرة القادمة سأبحث عن رجل ،مثلك مثالً" ابتسمت تقصد المداعبة. "يسعدني سماع ھذا منك ،وأي رجل يسعد بسماع ھذا من فتاة جميلة مثل ك وكلھ
م يتمن
ى أن يك
ون الرج
ل إل ى جانب
ك ،وف
ي أيامن
ا ھ
ذه م
ن الصعب أن نجد امرأة مناسبة ،وأمثال ك ي ا غرات سيا حقيق ة ن درة ،فأن ت جميلة ،صادقة ،صريحة وذات شخصية جذابة وتقولين ما تفك رين م ن غي
ر ت
ردد ،وك
ل ھ
ذه إش
ارات ت
دل عل
ى طيب
ك ،سالس
تك وح
سن عشرتك" "ف
ي الحقيق
ة أن
ك أن
ت ال
ذي ف
تح ل
ي الب
اب ف
سكنت س
جيتي ل
ك وأحسست أني أعرفك من قبل وتحدث بطالقة وعفوية ،وھذا يعود إليك أنت ،فأنت الذي أعطاني ھ ذا اإلح ساس .أن ت ح دثتني ع ن نف سك دون حرج في الوقت الذي تھرب الرجال من مث ل ھ ذه األحادي ث خوف ا ً م ن ردود فعل المرأة كأنھا حاكم أو سجان ،لم يعرف وا أنن ا ننتظ ر نظ رة أو كلمة حتى ننطلق بالحديث دون انقطاع" "ھل أقرأ لك الكف؟ يا غراتسيا؟" "وھل تستطيع قراءة الطالع؟"
١١٠
"دعيني أحاول" وأقبلت علي ،جلست إلى جانبي ومدت يدھا لي. "ھيا اقرأ لي الطالع"... م
دت ي
دھا اليمن
ى ل
ي وأن
ا مح
دق بعينيھ
ا وھ
ي تت
ساءل بنظراتھ
ا وتعلوھا ابتسامة رقيقة ،نظراتھا متواصلة ساحرة ،ال ت رمش وال يھت ز لھا ساكن غير العبق المنبعث من بياض مقلتيھا... وصرت كالذي يبحث عن الذنب معھا حتى أن داخلي ارتعش واھتز وھذا لم يكن من طبعي. أخذت يدھا اليسار ھاربا ً من الذي بعينھا وفجوري. "اآلن سأقرأ لك الكف" "ولماذا اليسار؟" "ألنھا متصلة بالقلب يا عزيزتي" أمسكت يدھا بكلتا يداي ،أحكي لھا من نسج خي الي م ن ف رح ،ح زن وخيب
ات أم
ل حت
ى س
ال دم
ع عينيھ
ا األخ
رس يتق اطر مث
ل الآلل
ئ، ي م
سحتھا ع
ن خ
دھا وھ
ي مطأطئ
ة رأس
ھا قريب
ة من
ي وض
ممتھا عل ّ وأحس
ست ب
دموعھا عل
ى ص
دري ،فقبلتھ
ا عل
ى الجب
ين دون أن أس
أل نفسي أو أفكر ،فعانقتني بكلتا يداھا وزادت في بكاءھا الصامت. لم اسألھا ،في الوقت الذي صرت أحس بنعومة وجھھا تح ت عنق ي، لم أعد أعرف الذي يجول في خاطرھا...
١١١
نعومتھا أخرجتني م ن ب اب ال شفقة وأدخلتن ي إل ى الرذيل ة فأحس ست بھا وقبلتھا مرة أخرى على الجبين ولم تكن كاألولى... كانت بن شوة ،وقبلتن ي عل ى ص دري حي ث أرخ ت رأس ھا ،أحس ست بلھيب في جسدي أشعلته بقبلتھا الحارة الغير متوقعة. "ماذا أفعل؟" سألت نفسي .ل م أك ن أتوق ع يوم ا ً أن ي س أبدأ ش يء م ع غراتسيا ،فھ ي رقيق ة ج داً وأن ا ال أس تطيع أن أعطيھ ا ال ذي تتمن ى ،ال أستطيع أن أكون ذلك الحبيب الذي تنتظره. وإذا بھ
ا تقبلن
ي وأقبلھ
ا بح
رارة ...ھ
دأت ...ورم
ت برأس
ھا عل
ى صدري مرة أخرى وضممتھا إلي بعطف ورقة ،وقالت ل ي" :يروادن ي إحساس لم أعرفه من قبل ،أحس بلھيب في داخلي وطمأنينة ...ما الذي فعلته بي؟" "أنا الذي يجب أن يسأل ،ما الذي فعلتيه أنت بي؟" "ال أعلم ،أنا لم أعرف رجال مثل ك ،أن ت تمل ك إح ساسا ً مرھف ا ً ج داً وق
د فھمتن ي رغ
م معرفتن
ا الق
صيرة ب
بعض ،أن
ت أني
ق ف
ي التعام
ل والشخصية وعندك شاعرية جمة ،تحملني إلى ع الم ل م أعرف ه وتخ رج بي من محيطي إلى عالمك الجميل ،وھ ذا ل م أراه م ن قب ل ف ي الرج ال الذين عرفتھم ،لم يكونوا رجال بمعنى الكلم ة ،ھ م ص بيان ل م تعت ركھم الحياة ،تافھين ال يفكروا إال بأنفسھم" "أال تخافين أن أكون ممثالً ً ممتازا؟"
١١٢
"ال ،ال يمكن أن تقطر دموعي أمام أحداً بھذه السھولة ،ودموعك في تل
ك الليل
ة ال ت
ستطيع أن تخ
دع أب
داً ،وأن
ا ل
م أس
تمع لرج
ل بقلب
ي ق
ط س
واك اآلن ،فھ
م ي
راودون كالثعال
ب بك
ذب مك
شوف ،حت
ى الك
ذب والخداع لم يتقنوه .قد تقتنع الفتاة منا بعض األحي ان بك ذبھم ألنھ ا تري د أن ت
صدق ،ونتمن
ى أن تك
ون الكذب
ة محكم
ة حت
ى ال نب
دو ض
عفاء أمامھم" "ماذا أفع ل ي ا رب ي؟ ال أري د أن أعطيھ ا أم الً ،ال أري د أن أخ دعھا" صرت أخاط ب نف سي" :أن ا ل ست ذل ك ال ذي تتمن اه وتعتق ده وغريزت ي األناني
ة ت
أبى إال أن تلب
ي ن
دائھا ...ولم
ا ال؟ فھ
ي فت
اة جميل
ة جذاب
ة ومعجبة بي ،قد تتفھم يوم ا ً اعت ذاري ،أو س تكون لھ ا ص دمة جدي دة أو خدعة لم تعرف مثلھا من قبل وتفقدھا ثقتھا بالرجال تماما ً أو حتى بكل الناس. ستكرھني وتظلمني ،أنا ال أخدعھا إنما أترجم مشاعري وھي أيضا ً. لماذا يجب على كل من يبدي مشاعره المرأة أن يحبھا؟ وإال فھ و م ن وجھة نظ ر الن ساء خ ائن ومخ ادع ،لم اذا ال ت ستطيع الم رأة فھ م أش ياء تكون تحت الحب وفوق اإلعجاب؟ لماذا؟ ھ
ل م
شروط بھ
ذه الم
شاعر أن يوازيھ
ا الح
ب؟ ق
د تك
ون لحظ
ات جميلة نعيشھا ،ونست سلم لھ ا ،فكلن ا يع يش س اعات س عيدة ق د نفع ل بھ ا الكثير ولوال ھذا َلم كانت بحجم الفرحة الحاضرة... وتتالش
ى ك
ل ھ
ذه األحاس
يس المرھف
ة عن
دما نت
رك بع
ضنا وقتھ
ا، ونبدأ من جديد في طريق مختلف مع امرأة أخرى. ١١٣
نحن لسنا مسؤلون عن ھذه اللحظات التي ُتنمي بداخلنا أشياء جميل ة تتشتت أحيانا ً كثيرة بأسرع من تصورنا. نحن غي ر م سؤلون ع ن االنقالب ة ف ي الم شاعر ب ين ي وم وليل ة مث ل موج ھاج أو ساكن مثل وجه الساحرة... ھل ھو ذنب أن نشعر باآلخرين ونتعايش معھ م؟ نع يش آالمھ م ول و للحظات أو نشوة لم تمن بالحسبان؟ قد تنموا وتكبر وتغي ر م ن ش كل الحديق ة وترتيبھ ا أو ق د تبق ى عل ى شكلھا وبأوراقھا السبع تماما ً مثل يوم غرستھا. "س
لوان ،م
ا ال
ذي ي
دور بخ
اطرك اآلن؟ ھ
ل تعتق
د أن
ي مھوس
ة؟ متسرعة؟ أو أقبل أول رجل يقابلني؟ أخبرني أرجوك! أنا لست كذلك" "غراتسيا ،أنا لم أفكر بھ ذا الطريق ة عل ى اإلط الق ،فأن ا أؤم ن بأنن ا نقاب
ل أش
خاص بحياتن
ا وم
ن أول م
رة نجل
س أم
امھم نح
س باالرتي
اح واللط
ف تج
اھھم ،رج
ال أم ن
ساء عل
ى ح
د س
واء ،والزم
ان قي
د دلي
ل علينا .أنا أعجبت بك من أول ليل ة دخل ت بھ ا ھن ا ،رغ م أن ي كن ت ف ي حالة لست على استعداد أن أنظر بوجه أي امرأة ،وال أريد أن أبالغ في كالمي ،بعد أن دخلت الغرفة راحت كل أفكاري التي كانت معك ،فكان الكثير يشغلني ومازال" "أنا لم أنسى الحوار الذي دار بيننا ،ذھبت إلى البيت وبقيت حروفك ترافقني مردد بعضھا أحاول فھمھا ...أو فھمك أو تفھم الرجل الذي ل ه مث
ل ھ
ذه ال شفافية ،كأنھ
ا م
ن زب
د البح
ر خلق
ت م
ن رقتھ
ا .وم
ن ذل
ك
١١٤
الوقت أحببت أن أراك مرة أخرى وأستمع إليك علي أطم ئن بأن ك أن ت الذي أتخيله ،الذي يترك انطباع عند اآلخرين دون الحديث أو التأش ير، أو قد تكون ماھراً في ترتيب الحروف ورسم الكلم ات ...وأن ا ال أعتق د ب
أن كتل
ة الحن
ان ھ
ذه المرھف
ة وال
ذي أض
ع رأس
ي عل
ى ص
دره اآلن ويعطيني إحساس بأني وليدة اليوم يتقن الكالم فحسب ،ويداك تالم سني دون رجفة ،انفعال أو اضطراب الذي ال يظھر إال م ن ص غار الرج ال وأش
باھھم ،عناق ك في
ه رحم
ة وعطف
ا ً أكث
ر م
ن الج
نس ال
ذي ال ينك
ره كالنا .أال يكفيني ھذا الشعور وأنا مطمئنة بجانبك وبين ذراعيك؟" "ليس كل ال ذي ت صفيه مبالغ ة! لق د دخل ت ألعم اقي وعرف ت ق رارة نفسي ،لكن ليس كل امرأة تستطيع أن ترى الذي تريه اآلن أو تعي شيه، فكث
رة الوض
وح أحيان
ا ً ق
د ت
وحي ب
الغموض! ق
د يعج
ز أح
دنا أحيان
ا ً للوصول إلى حلقة الوصل التي يتبين من خاللھا عتمة الليل من وض ح النھار ،قد تكون الثقة باآلخرين! وإن كانا في آن واح د فق د ت ستطيع أن تخرج بذات النتيجة التي خرج ت بھ ا أن ت .لق د فوجئ ت بجرأت ك الغي ر متوقعة" "أن
ا ل
ست جريئ
ة ،إنم
ا أن
ت ھ
و الج
ريء ،فق
د أعطيتن
ي اح
ساس وسرقت مني الحرج والخجل فأقبلت عليك من غير تردد ألني وقتھا لم أرى نف
سي أو أراقبھ
ا ،فق
د أوص
لتني لھ
ذه المرحل
ة ألن
ك تق
دم عل
ى الم
رأة وكأنھ
ا طفلت
ك وت
سيرھا ف
ال تمل
ك إال أن تطي
ع ،إن
ك ال تع رف الخ
وف م
ن الن
ساء ،فأن
ت تق
دم ف
ي لحظ
ة تك
ون مت
يقن أن
ك ل
ن ُت رد، مواس
يا ً ،عارف
ا ً وواثق
ا ً م
ن نف
سه وم
ن ردود فع
ل األنث
ى الت
ي تقابل
ك، وھ
ذا ال
شيء ال
ذي ي
ضعف الن
ساء ،أن
ت ت
زرع ال
شجاعة بقل
وبھن ١١٥
بلحظات فيصلن إلى ما وصلت أنا معك ،جلست بين يديك كأن ك ق ديس يحمل الشفاعة لروحي دون س ؤالي ع ن ذنب ي ،ي صفح عن ي ويت ضرع ل
ي عن
د ،Sأجل
س ب
ين ي
ديك وأص
غي إلي
ك ب
صوتك الم
تمكن م
ن القلوب ،ال أملك إرادة سوى التي تمنحن ي أن ت إياھ ا ،كأن ك ال ذي ش ھد والدتي وت سبيحي ،أنظ ر إلي ك وأقبل ك دون أن أخ اف م ن الغ د ،دعن ي أقبلك أكثر وأالمس يديك أكثر ،اعشقني أنت أكثر وليرضى عني Sأو يغضب أكثر" بقين
ا نت
سامر ونتب
ادل ت
ارة الك
الم وأخ
رى القب
ل ،ت
ضمني وأتلفعھ
ا حتى كشفنا ضوء الفجر مثل قبة األقصى من غير أن نعيه. أشرق الفجر وبعد قليل سيحل النھار" :ھل ستبقى غرات سيا كم ا ھ ي اآلن؟" سألت نفسي" :أم سيأتي الوضوح وتذھب السفوح؟"
ك حلم
ا ً زار خيالت
ي ،أو س
أفيق عل
ى "سأص
حو بع
د قلي
ل وإذا ب ِ صفحة أو قطعة أدبية أن ت م ن ألھمن ي إياھ ا .ب أي وج ه س أراك ع شية الي
وم؟ س
أذھب إل
ى البح
ر وس
آتي قب
ل منت صف اللي
ل وس
أجدك عل
ى رأس عمل
ك ،س
أحييك وت
ردي تحيت
ي ...س
تعطيني مفت
اح غرفت
ي" ستقولين لي" :تفضل يا سلوان ،ليلة سعيدة" "سأص
عد ال
درج ويقين
ي ب
أن تل
ك الليل
ة حت
ى الفج
ر ل
م تك
ن س
وى خاطرة مؤثرة كتبتھا وأنا ناظراً بعينيك" "سلوان ليس من العادة أن تحكي كالما ً من غير معنى" كانت تضحك أثناء كالمھا.
١١٦
"أنا لن أتغير ،لقد بحت لك بمشاعري وصدقني لم يك ن س ھالً عل ّي، وأنا لست فتاة لع وب ألجع ل م ن أحاسي سك ص حيفة أو رواي ة أطالعھ ا حت
ى ينق
ضي عمل
ي ،س
لوان اذھ
ب لفراش
ك ،اآلن س
يأتي )،Georg يورغو( ليبدأ عمله وليس من الضروري أن يرانا بھذه الحالة" اتجھت نحو جھاز الكفي ميكر. "أنتظر سلوان أنا سأعطيك قھوة بنكھة الشوكوالة" وقفت واتجھت خلف طاولة االس تعالمات وانحن ت لألس فل وتناول ت فنجان من ھناك وصبت فيه القھوة ،فقد كانت جاھزة في إبري ق حافظ ا ً للحرارة .تفضل يا سلوان ،ھذه قھوتي المفضلة" أخذت القھوة من يدھا وكنت أقف أمامھا. "شكراً يا غراتسيا ،غداً سأقول لك عن مذاقھا ،متفقين؟" "متفقين ،أتمنى لك أحالم سعيدة" اتجھت نحو الدرج وأخلف نظراتي عندھا. "وأنا أتمنى لك أيضا ً أحالم سعيدة" "ألم تنسى شيء؟" "ال" أجبتھا وصرت ألمس بثيابي" :وماذا تراني نسيت؟" "أال تريد أن تقبلني قبل أن تذھب" أحسست بالحرج وأحمر وجھي .قبلتھا بنعومة وشفافية
١١٧
"ھل تعلمين كم أسعدني أنك طلبتي مني أن أقبلك؟" وضعت الفنجان على الطاولة ووضعت كلتا يداي على خديھا "شكراً يا غراتسيا على شفافيتك ورقتك" "سيأتي بأي لحظة يورغو" أمسكت يدھا وصرت أستل يدي منھا شيء فشيئا ً وتراودني أفكار ال أعرف من أين أبدأ بھا. ذھب ت وأن
ا أش
عر أنھ
ا مازال
ت تق
ف تنظ
ر إل
ي ،ل
م أنظ
ر للخل ف علي أصحو في الغد وكأن الذي دار اليوم حلما ً. وتابعت صعود الدرج ّ دخل
ت الغرف
ة المعتم
ة المغلق
ة ناف
ذتھا ،جل
ست عل
ى حاف
ة ال
سرير، خلعت حذائي وكأن عيناھا مازالت أمامي ،رميت بجسدي المنھك عل ى السرير وكلماتھا تدوي ف ي أذن ي ،لم سات ي ديھا عل ى ج سدي ،أرت شف القھ
وة وأراھ
ا ف
ي الفنج
ان ت
ارة مبت
سمة وأخ
رى باكي
ة ت
سألني" :أال تقبلني؟" وإذا بأح
د يق
رع الب
اب ف
ي ھ
دوء كأن
ه ال يري
د إزع
اجي ،وقب
ل أن أنھض تساءلت" :م ن ذا ال ذي يق رع ب ابي؟" وف ي نف س الوق ت اتجھ ت نحو الباب" :قد تكون موظفة النظافة" فتحت الباب واستدرت ،وإذا بمن يحضنني من الخلف "من كنت تنتظر؟ ھل فرحت عندما قلت لك أني سأذھب إلى البيت؟ ھل شعرت بالخالص؟ ال ...أنا لن أتركك تنام"
١١٨
وكانت تقصد المداعبة. علي وال حتى في خيالي" "لم أتوقع أنك ستدخلين ّ "قد يكون خيالك ضيقا ً! فخيالي إخطبوط كبير متمكن من قعر البح ار، ينال كل ما يريد" وضعت يداي في شعرھا وقلت" :أنت مجنونة ،ھل راءاك يورغو؟" "م
اذا تعتق
د؟ م
ن الطبيع
ي أن يران
ي ،لكن
ي تركت
ه من
شغالً بجھ
از الحاسوب وأتيت إليك مثل الحمامة الضالة العائدة إلي عشھا" أجلستھا على حافة السرير بجانبي ،صرت أنظ ر إليھ ا وص راخ ف ي داخلي وھدوء أصطنعه وشھوة عارمة فاجرة ،ظالم يدخل في ه خط وط ش
عاع ش
مس م
ن ناف
ذة س
جن نبط
ي تغطي
ه ش
باك العنكب
وت حي
ث ال أنتظر أي امرأة من المدينة... تغت
صبني دخلتھ
ا وتھزمن
ي نف
سي ،ت
صرعني ش
ھوتي الھارب
ة إل
ى النار وھي تكفي لترسم على الحائط فحشي وجرمي... صحوت بعد نوم عميق ،أيقظتن ي رائح ة الخطيئ ة وأنوث ة غرات سيا، يديھا ملتفة حول عنقي... ھي ال تنوي قتلي إنما أعادتني لبقايا حبي ...ص ار غط ائي م ن ب رد ليلة األمس جسدھا األمرد وصابون الفراش ووجھي إلحاد ليلتي. نظ
رت إليھ
ا وعينيھ
ا مغلق
ة واس
تدارت خ
ديھا البريئ
ة وعالم
ات اإلرھاق تبدو تحت وجنتيھا...
١١٩
جسدھا النصف عاري ،فالغطاء كان لي وحدي ،جسدھا ملتوي على نصفي. لقد بدأت معي طريقا ً لن يكون سھالً ،س تعاني في ه ،ل ن يك ون ملتھب ا ً مثلھا ألنھا ال ترى سوى ما يرى القناص من بين األشجار. أنظ
ر إليھ
ا وأع
ود ب
ذاكرتي ال ى حج
رة ن
ومي ...فيھ
ا نف
س الب
راءة والتواءة الجسد. كن
ت أقبلھ
ا عل
ى الجب
ين ال أري
دھا أن ت
صحو ،أبتع
د عنھ
ا مت
سلالً ببطء م ن فراش نا مث ل ثعل ب يترق ب دج اج الف الح ،أع ود إليھ ا بع د أن أكون قد تجھزت للخروج لبداية يوم جديد. أدخ ل لفراش ھا ب
نفس الطريق ة الت
ي خرج ت منھ ا وأس
ترق قبل ة م
ن ش
فاھھا م
ن غي
ر أن تفي
ق ،وأول م
ا تترب
ع ش
فاھي عل
ى ش
فاھھا تصحو... تفتح عينيھا وتضع يديھا على وجھي وتقول" :تعال ،دعني اح ضنك دقائق قبل أن تذھب" "لم أرد أن اوقظك حبيبتي" وأنا كنت أنتظر ھذه القبلة وھي طاقتي ليومي حتى أعود. "أش
عر بنظرات
ك إل
ي رغ
م أن
ي مغلق
ا ً عين
اي ،أدع
و ال
رب أن ال يحرمن
ي م
ن ھ
ذا اإلح
ساس ،أن
ت تعتق
د أن
ي ف
ي س
بات عمي
ق ،أن
ت مخط
ئ ي
ا زوج
ي ،فأن
ا أنتظ
رك حت
ى ت
دخل ف
ي أح
ضاني وتالم
سني وتتأملني وتخرج" ١٢٠
وإذا بجسد غراتسيا يتحرك فأعادتني رعشتھا إلى ذاتي ونعومتھا. ھا أنا أعاص رھا ،ف ي األس فل ف ي الل وج وعل ى األريك ة ،تقبلن ي ت ارة وأخ
رى تبك
ي وف
ي غرفت
ي وعل
ى س
ريري يراق
صنا الج
ن وتزينن
ا الشياطين ،وأخذت آخر قطرة خجل وحرج وخوف منا وذھبت... عارية نائمة بين يدي في فراشي ويھتز آخر جفن منھا وتصحو. "صباح الخير يا جميلة ،جميل أن أراك عل ى وس ادتي ،تل ك الجميل ة الت
ي تعم
ل ف
ي االس
تعالمات بلباس
ھا الرس
مي المم
ل ،واآلن ترت
دي صدري والشال على عنقھا ذراعي" "أحقا ً ما تقول؟" أن ت أنيق ة عل
ى رأس عمل ك وعط رك الف
واح فاض ح ،وعن دي ھن
ا " ِ فاتن
ة وع
رق ج
سدك م
ن الياس
مين ...خل
ق Sجي
دك م
ن ال
سحاب والرق
ود بجانب
ك ث
ورة عل
ى الرق
ة واألنوث
ة وال
تمعن بب
شرك المل
وكي قدس
ية واإلح
ساس بوج
ودك خراف
ة وعھ
داً ق
ديما ً أعاص
ره ،أس
تحقه وأعرف ق دره .كن ت أرى في ك رق ة وحن ان وش كا ً فيھم ا يراودن ي ،أم ا اآلن"... مازالت صامتة تظھر وبدا عليھا شيء من عدم الرضى. "ھل خاب ظنك بي؟ أنا لم أتصور أنك ...أنت"... وصارت تومئ برأسھا مثل الذي انكسر خاطره. "ماذا بك يا غراتسيا؟ إنك أكثر حنانا ً ،عطفا ً ورقة من تصوري"
١٢١
وض
حكت وك
م ھ
و خفي
ف ض
لھا وجمي
ل مب
سمھا ،س
لس ح
ديثھا، خلقھا للمواقف واألحاديث وتغيير األحداث وقلب التاريخ كما تحب ھي وترضى. "كم الوقت اآلن؟" قالت غراتسيا. استدرت للخلف نحو ھاتفي الخلوي ألن ي ل م أحم ل س اعة ،ونظ رت لساعة ھاتفي" :الحادية عشر وثالثة وأربعون دقيقة" "أنا مازلت مرھقة" كانت تتكلم وھي نصف نائمة وعينيھ ا مغلقت ين ،وض عت ي دي عل ى ظھرھا وصرت أالمسھا ،أشعرھا بوجودي" :نامي" قلت لھا. "ال أريد أن أصحو" كان
ت ت
تكلم مخ
درة ال تك
اد تنط
ق بن
صف الح
روف ،فتح
ت عينيھ
ا قليالً وعاودت أغلقتھم ثانية وراحت بسبات عميق. لم أستطع البقاء في السرير رغ م أن ي ل م أن م س وى س اعتين .ذھب ت إلى الحمام واغتسلت وھي في نومھا. جل
ست عل
ى ط
رف الناف ذة ،وأول م
ا نظ
رت للخ
ارج ودون تفكي
ر ص
رت أبح
ث ع
ن الفت
اة ذات ال
وجھين ف
ي باح
ة المطبع
ة والمطع
م الصيني. خاو ممل كأنه مھجور منذ سنين .نزلت إلى الل وج كان المكان ھناك ٍ وكان يورغو على االستعالمات.
١٢٢
"صباح الخير يورغو" "صباح الخير سلوان" "يورغو أريد دلة قھوة ،ھل باإلمكان أن تبيعني؟" "ھل تعني دلة ممتلئة؟" "نعم يورغو ...ھل ھذا ممكن؟" "سأح
ضر ل
ك ح
االً ،نح
ن نق
دمھا لزبائنن
ا بالمج
ان ،إن أردت أن تذھب لغرفتك سأحضرھا لك ھناك بعد قليل" "ال ...ال داعي ،سأنتظر" ل
م أرد أن ي
رى غرات
سيا ف
ي فراش
ي .جل
ست أنتظ
ر حت
ى أح ضر القھوة ف ي الح ال م ن المط بخ ،يب دو أنھ ا كان ت ج اھزة ،أعط اني إياھ ا وفنجان. "يورغو ھل باإلمكان أن تعطيني آخر؟" ذھب إلحضاره من دون أن يسألني ،وعند عودته رأيت ال سؤال ف ي عينيه. "لمن الفنجان اآلخر يا سلوان؟ إذا سمحت لي بال سؤال طبع ا ً ،أن ا ل م أرى أحداً حتى اآلن دخل المھج ع .س لوان خ ذ مع ك س كر وحلي ب م ن على الطاولة ،من العبوات الصغيرة" أخذت الفنجان من يده وحفنة من العبوات الصغيرة. "شكراً يورغو" ١٢٣
ذھبت وأجبته على سؤاله بسؤال" :متى بدأت العمل اليوم؟" ولم أنتظر أثناء صعودي الدرج ،كأنه عرف أني ھربت من اإلجابة. دخل
ت الغرف
ة وش
عاع ال
شمس س
اطع فيھ
ا .وض
عت القھ
وة عل
ى المنضدة المربعة المحايدة للسرير ،صببت لنفسي فنجان ا ً وجل ست عل ى حاف
ة الف
راش وق
صدت إص
دار األص
وات ت
ارة م
ن الفن
اجين وأخ
رى حركتي بجانبھا كي أوقظھا ...دون جدوى ...لم تستيقظ. قبلتھ
ا عل
ى الجب
ين أكث
ر م
ن م
رة ول
م ت
صحو ،اض
طجعت جنبھ
ا وساقاي على األرض... بنصف قامتي ّ "غراتسيا ،يا حلوة" صرت أالمس خديھا وأمعن النظر في وجھھا البريء. "أنت يا ابنة أثينا! يا جميلة اليونان استيقظي" بدأت تھز بأكتافھا وأنا أحسس عل ى ش عرھا المبعث ر عل ى وس ادتي، صارت تعود لنفسھا شيء فشيء... ما أجمل صحوتھا ،كأنھا أميرة عائدة م ن ع صر النھ ضة ون شوتي، أو لحظتي. "لقد أحضرت لك قھوة ،أال تحبين أن تشربي قھوتك معي؟" صارت تسحب جسدھا ألعلى السرير. "بلى ،ھل أحظرت القھوة من أسفل ،من )الكفي ميكر(؟" "ال ،لقد أعطاني إياھا يورغو من المطبخ ،أعطاني دلة كاملة" ١٢٤
"ھل سألك عني؟" "ال ،لكنه كان متسائالً عن الفنجان الثاني" "أعطني قميصا ً أرتديه لو سمحت" "ھل ترتدي قميصي؟" "نعم ،أريد أن أرتدي أحد قمصك" أعطيتھا أحد قمصاني ،وضعته على جسدھا المالئكي الناعم وأغلقت بعض أزراره. "تب
دين جميل
ة بقمي
صي ي
ا غرات
سيا .خ
ذي القھ
وة ،ل
م أض
ع عليھ
ا شيء" "أريد قليل من الحليب ،لو سمحت!" وضعت لھا عبوة حليب واحد في فنجانھا. "ھل يكفي واحدة؟" "نعم ،يكفي شكراً" حملت قھوتھا بكلتا يديھا المغطاة بأكم ام قمي صي مث ل الطفل ة بثي اب والدتھا. صرت أسترق النظر إليھا وھي ترتشف وترتجف أحيان ا ً ك أن ليلتھ ا كانت في الثلوج. "ما ھو برنامجك اليوم يا غراتسيا؟"
١٢٥
"ال أعلم لغاي ة اآلن ،أري د البق اء مع ك ،وھ ذا ال ذي أعرف ه ،أري د أن أكون معك ،ھنا ،في الخارج ،في الشوارع وبين الحانات" ي وض
عت قھوتھ
ا عل
ى المن
ضدة عل
ى ش
مالي ومال
ت ب
صدرھا عل ّ حتى تتمكن من الوصول. "عانقني ،ال أري د أن أع ود للبي ت ،أري د أن أبق ى مع ك ھن ا ،ال أري د رؤية أحدا سواك" كنت أحس أنھا تعني ما تقول ،كانت جوارحھا لحظتھا شھود عليھا. "غرات
سيا ،أن
ا أحب
ذ الخ
روج ،ولك
ن مع
ك ،أود ل
و نخ
رج للھ
واء الطلق" "وأنا أري د أن أك ون مع ك ،س أعمل الي وم وغ داً أرب ع س اعات فق ط، حسب برنامج العمل ،وفي بح ر األس بوع عن دي ي ومين عم ل ،س نكون طوال الوقت سويا ً" ص
رت أح
س بخ
وف م
ن طي
ات ح
ديثھا ،خوف
ا ً عليھ
ا .ل
ن تتغي
ر معاملتي معھا ،وإن تغيرت فلألفضل ،الشيء الذي يؤرقني ھي تمنياتھا معي ،فھي تنتظر الكثير من المشاعر واألحاس يس ،وھ ذا ال شيء ال ذي ال أملكه وال سطوة لي عليه. ل ن أس بب لھ ا ألم ا ً ،س أخلق لھ ا أم الً ال أري ده وس يعذبني ،ل ن أك ون شديداً صريحا ً وأجرحھا.
١٢٦
ھل أخدع نفسي وأخدعھا؟ أم كليھا؟ وأنا من س يدفع ال ثمن يوم ا ً م ا، ً م ساءت وھ ي عل ى األريك ة بج انبي ،ول ن يك ون سأبوح لھ ا ف ي أح د ال الصدق سھالً... "غراتسيا ،أنت اليوم صاحبة الق رار ف ي ذھابن ا وإيابن ا ،كم ا تعلم ين أنا ال أعرف المدينة مثلك ،حتى أني ال أعرف سوى شارعين فيھا" "أن
ا ال يھمن
ي أي
ن ن ذھب ،المھ
م أن
ا أك
ون مع
ك .ل
ن آخ
ذك لمك
ان غريب علي ك ،س آخذك لبقعت ك المحبب ة ...للبح ر ،ھن اك حي ث المق اھي المطلة على الالنھاية ،حيث ال سماء تع انق المي اه وم وج البح ر يالم س وج
ه القم
ر ف
ي س
اعات اللي
ل وعتم
ة منت
صفه ش
اھداً ،وإن اختف
ت األنظار" جھزن
ا للخ
روج ،وج
ال ف
ي خ
اطري س
ؤال" :غرات
سيا ھ
ل نخ
رج سويا ً من ھنا؟" أمسكت بيدي بكل ثقة وسرنا نح و األس فل .س ألتھا ألن ي كن ت أعتق د أنھا تريد أن تخفي عالقتنا. "ھل تعتقد أن ي أخ اف أو أتحاش ى م ا س يقول يورغ و أو غي ره؟ ھي ا لنذھب فأنا أريد أن أطير لو كان بإمكاني" كانت خطاھا أسرع مني وھي تشدني خلفھا مثل طفلھ ا حت ى ص رنا أمام يورغو. "صباح الخير يورغو"
١٢٧
حيت
ه غرات
سيا دون أن تق
ف وتابع
ت م
سيرھا مع
ي ،وف
تح عيني
ه منبھراً من خروجنا سويا ً ويدھا بيدي. "مرحبا ً يا غراتسيا" حياھا اآلخر مندھشا ً ولم ينطق بكلمة واحدة بعدھا ،ل م يك ن الموق ف متوقع
ا ً بالن
سبة ل
ه ،فالھيئ
ة العام
ة لخروجن
ا أمام
ه ك
ادت أن تفق
ده صوابه. كان
ت ت
سير ب
سرعة ،ومازال
ت ت
شدني خلفھ
ا .دخلن
ا ال
شارع حي
ث المطعم الصيني والمطبعة التي تعمل بھا الفتاة. "غراتسيا ال تسرعي ،أبطئي خطوتك ،ولما السرعة؟" أخذت بيدھا ناحية المطعم حتى أتجنب المرور من أمام المطبع ة ،ال أريد أن تراني تلك الفتاة. أكملنا الشارع حتى النھاي ة ،وأدخلتن ي ف ي زق اق ص غير م ؤدي إل ى ش
ارع ع
ريض مفت
وح وكأن
ه ب
ال نھاي
ة ،ال أرى أم
امي غي
ر ال
سماء، ھواء طلق ونساء نصف عاريات ،حوانيت كثيرة وال وجود للسيارات، ھو للمشاة فقط. ال أرى أمامي س وى ص فاء ال سماء ولمع ان فيھ ا كأنھ ا تعك س وج ه البحر. قربنا شيء فشيئا ً إلى البحر ،ما زلن ا ل م ن راه ،ن سمع ص خبه ،موج ه والھدير.
١٢٨
األج
واء ھن
ا تلف
ت النظ
ر م
ن ش
دة البھج
ة وال
ضحكات وال
صيحات ال
صاعدة م
ن قل
وب خاوي
ة م
ن ش
وائب الحي
اة ملئھ
ا ال
سرور ،حت
ى جدران المنازل المج اورة مزين ة بحج ارة قديم ة كأنھ ا م ن العھ د الب ار وكي. "ھ
ل ك
ل ال
ذي أراه حقيق
ة؟ أم أن
ي ف
ي اس
تراحة منحن
ي Sإياھ
ا وسيعيدني مرة أخرى إلى الشقاء؟ أو أن الحقيقة مرتبطة بالخي ال حت ى ّأنا ل نعد نعرف الدجى من ضوء الفجر؟ أم أن ه الماض ي زارن ي بحل ة جديدة؟ قناعات أحيانا ً تتبخر وال يبقى منھ ا إال مدون ة نم سح عنھ ا ب ين الحين واآلخر غبار العز ونتذكر سطحياتنا في المجتمع اليوم" أخاط ب نفسي. أغلق
ت جمي
ع ثق
وب الح
زن والكآب
ة ،ل
م اع
د أرى بق
ع األم
س من
ذ ص رت أغ سل مالب سي وح دي ،أض عھا كلھ ا ف ي ط ست وأغمرھ ا ف
ي الماء والصابون لساعة أو اثنتين ،أخرجھا ناصعة البي اض أن شرھا ف ي شمس النھار حتى تجف ،ألملمھا عن الحبل وأدخلھا غرفة الجلوس كي أحددھا ،أختار القطعة التي سأرتديھا وإذا ببقع قھوة البارحة مازالت... أليلتي ونھاري وأنوثة كل النساء مثل قطعة ثيابي؟ "سلوان ما رأيك ،ھل يعجبك المكان؟" بيداي وتسير أمامي بالعكس. كانت تسألني وتمسك ّ "سأآخذك إلى مك ان ال يوج د في ه س وى أمثالن ا ،حي ث تختف ي ش مس النھار بستائر من الورود ،مليئة بالشموع ،قد ال تك ون م ن الثمين ة ج داً
١٢٩
ولكن ھذا ال يھم ،فوج داننا تع انق أل سنتھا الحم راء ،الزرق اء ،الخمري ة صفراء بعض الشيء ولون آخر بينھما .أترى تلك السفينة ھناك؟" وأشارت ل ي بي دھا ،ل م أرى منھ ا س وى ھيكلھ ا البعي د ،فكان ت تبع د مسافة أكث ر م ن ع شرين دقيق ة س يراً عل ى األق دام ،كان ت راس ية عل ى حافة الشاطئ الذي نسير عليه ،لم نشعر بمضي الوقت وحرارة الشمس ھناك ،فالكل س عيد حت ى ل و أنھ ا س عادة م صطنعة ،ض حكة ص فراء أو مجامالت منافقة. وصلنا لغاية جسر ممتد من الشاطئ حتى السفينة. "ما رأيك؟" "بماذا؟" "أريد أن أدعوك الحتساء النبيذ معي في السفينة؟" "ھنا في السفينة؟" "نعم ،إنه مطعم ع ائم ،فري د م ن نوع ه ،فأن ت ال ت رى حول ك س وى ماء البحر وسعته" دخلنا الجسر القوسي الحديدي وعرضه يتسع تقريبا ً لثالث ة أش خاص وطوله يتجاوز الخمسين متر. وص
لنا ب
اب ال
سفينة وكان
ت ف
ي االس
تقبال فت
اة ترح
ب ب
الزوار بابتسامة عريضة ،صرنا في ال داخل والتف ت للخل ف حي ث تق ف الفت اة، وإذا بابتسامتھا آلت إلى صبارة مثل التي في أطراف حقلنا.
١٣٠
يدل المظھر العام للزبائن أنھم أثرياء .ك ل ش يء الم ع ب راق ،زواي ا الجداران الخمرية الداخلي ة ،أناق ة الع املين ھن اك ،ص رت أمع ن النظ ر بكل أنحاءه وأخاطب نف سي" :ھ ذا ل يس المك ان ال ذي ي سعدني الجل وس فيه" نظ
رت لغرات
سيا وقب
ل أن أتكل
م قال
ت" :ال ،قب
ل أن ت
سأل ،دعن
ي آخذك للمكان الذي أريد وال أريد أن أسمع منك أي تعليق" أخذتني للجھة اليمنى ودخلنا مم ر ض يق ،س رنا في ه بع ض خط وات حتى انتھ ى بن ا إل ى س لم ي ؤدي لألس فل ،نزلن ا ال درج ول م تك ن كثي رة، عشرة حسب التقريب ،وآخرھا كانت تنتھي بممر أيضا ً مشابه. كنت أمشي معھ ا ال أعل م إل ى أي ن ،لك ن قن اعتي أنھ ا س تأخذني إل ى مكان ما سينال إعجابي ،ھي لن تخيب ضني بذوقھا المتناھي. انتھى الممر بنا بمدخل في أق صى اليم ين ،وف ور ولوجن ا ل م أس تطع أن أنظر بشيء واحد أو إل ى بقع ة بعينھ ا ،ل م أع ي ف ي الث واني األول ى أين أنا أو ماھية الذي أراه ،كأني في وسط البحر دون أن تبللن ي المي اه أو تحبس أنفاسي. "واآلن! ماذا تقول؟" سألتني غراتسيا. أنا مازلت منبھراً من المكان ،داخله وخارجه ،مقھى في قعر البحر، ج
دران ال
سفينة زجاجي
ة ،الج
الس ھن
اك ي شعر كأن
ه ف
ي وس
ط البح
ر، أرى من خالل الزج اج ال شفاف األس ماك تلت صق عل ى الج دران حي ث نضع يدينا ،وبعضھا ساكنة ال تتحرك كـأنھا حجارة أو نبات ات بحري ة،
١٣١
وعندما أتعمق بالتفكير بذلك الشيء وأتمحصه حيث ال بحر وال ش جر، فيعيدني ذلك الكائن بحركة سريعة مفاجأة منه غير متوقع ة إل ى مك اني ورونقته وغراتسيا. رغ
م جم
ال المك
ان ھن
ا وب
ساطته والجال
سين في
ه ،إال أن األج
واء العام
ة كان
ت ت
وحي ل
ي بقلي
ل م
ن ع
دم االرتي
اح ،ق
د يك
ون ألن
ي ل
م أغطس مرة تحت الماء وإحساسي بالدوار للحظة. بدأت غراتسيا تخلق جواً شاعريا ً نحن بغنى عنه ،فلن يكون حصيلته إال خيبات أمل ...وسألت نفسي" :ولما خيبة األمل؟ قد تكون ھ ي ھك ذا كما تقدم نفسھا فعالً! بريئة ال تعرف الخداع... كلھ
ن ك َ ن بريئ
ات ف
ي البداي
ة ،ول
م أح
صد م
نھن س
وى ح
سرة ،أل
م ومرارة وأزمات نفسية أعانيھا" جلسنا في إحدى الزوايا ومن جميع الجھات جدار زجاجي ن رى م ن خالله قعر البحر وأعشابه بجميع أنواعھا ،وم ن ھن اك كن ا ن رى جمي ع الجالسين في المكان ،ش باب وش ابات ال ي سيطروا عل ى أنف سھم ،يقبل وا بعضھم بجرأة طائشة ،جاھلة ووقحة. ص
رت أنظ
ر ف
ي وج
وھھم وأراق
ب ت
صرفاتھم وغرات
سيا ال ت
رى س
واي وال تري
د أن ي
شاركھا أح ٌ د خلوتن
ا الت
ي كن
ت أخ
رج منھ
ا ب
ين الحينة واألخرى. "أين تنظر؟ ھل جمال الفتيات ھنا جلب انتباھك وأبھرك؟"
١٣٢
"ال عل ى اإلط الق ،إنم
ا جم ال المك
ان ،وإن ك ان ف
ي المك ان جميل
ة فھي أنت .وقت دخلنا لم أعجب في الوھلة األولى بالسفينة حتى أسكتني أنت ،فعرفت أنك ستأخذينني إلى ما ھو أجمل" "وما المشكلة بالنسبة لك لو أتينا في أحد ال ً مساءت وبقينا في الط ابق العلوي؟ أنا لم أجل س م رة ھن اك ،لق د أيقظ ت ردة فعل ك عن دي ف ضول لشرب النبيذ أو الحتساء شيء من الطع ام ،دعن ا نق ضي الم ساء ھن اك! ما الذي يھمك؟ أنا التي تجلس أمامك وأنا ال أرى سواك ،حتى األسماك لو تحولت خلفي لجمار فلن يغير م ن إح ساسي وال م ن ص فوي ش يء، لقد أدخلت سعادة في قلبي جم ،وأنت ترس م عل ى ش فاھي ب سمة ت صبوا اآلن لمراق
صة ش
فتيك .ل
وال وج
ودك الي
وم مع
ي م
ا كن
ت س
ررت وال سعدت" "ل
و أردت أن ن
أتي الم
ساء م
رة أخ
رى إل
ى ھن
ا ف
سنأتي ،أن
ا وقت
ي ملكي ولكن على شرط أن ال نأتي للطابق العل وي .مت ى س يكون عن دك وقت؟" "ال تف
زع ،كم
ا تح ب ،إنم
ا ھ
و ح
ب ك
ل ش
يء مع
ك .العاش
رة أو الحادية عشر ،ما رأيك؟" "فلنبقى على الحادية عشر" "وليس من الضروري أن نلتقي في السكن ...عند المنارة مثالً" "ھل تقصدين التي على شرفة البحر؟" "نعم ،وھل ھناك غيرھا؟ ھل تعلم ألي عھد يعود تاريخھا؟" ١٣٣
"ال ،ال أعلم ،إنما تبدو أثرية" "إنھا منذ ست مائة سنة قبل الميالد .سلوان ،حدثني عن نفسك أكثر، فأنا لم أسمع منك سوى أشياء تكاد أن تكون قصاصات ورقية من كثير أوراقك" "ماذا تريدين أن تسمعي يا غراتسيا؟ أنا عربي من الع رب ال ذين ل م يبقى منھم غير سمرتھم ،الذين جعلوا من حقول زيتونھم ثكنات ع سكر غربية ،أنا م ن الع رب ال ذين تطبع وا وتم دنوا حت ى أنھ م أوش كوا عل ى الموت واالحتضار ،فقد سكن أنف سھم الع دم والالمب االة .ل م ي أتي ال دود ف
ي ثمارن
ا م
ن س
حابة وال م
ن ھ
واء قريتن
ا ،ب
ل م
ن ج
وف ش
جرة المشمش والدراق في بستاننا ،أفرغت داخلھ ا ،افترس ته وفتح ت أب واب القلعة على مصراعيه ودخلت قبائل البربر حت ى ل م يع د لن ا ف ي ديارن ا باع وال ذراع ،أجھضت المرأة ،قتل الجنين وأعدمت ب راعم األش جار. أنا من العرب يا غراتسيا الذين أبدعوا في الفسيفساء ولم يعلموا بالطين تحتھا ،لم يروا غير لمعانھا وبري ق حجارتھ ا حت ى تغلغ ل الوب اء وقت ل كل خاليا المناعة ُ وشرب الدم ...ومازالت الوحوش مجتمعة على ج سد أمي .أنا من القرية يا غرات سيا الت ي ل م يبق ى منھ ا إال أش باه الن اس ،ل م أرى سوى وجوھھم الميت ة ول م أق رأ ع نھم ف ي تاريخن ا ،ال ب ل وج دت أس
مائھم ف
ي س
جالت الغ
رب ال
شرفية .رأي
ت عراف
ة القري
ة م
رة ي
ا غراتسيا وسألتھا عن الشباب ،فقالت" :لقد حزموا كل أحالمھم وأبحروا نحو الغرب" لم أكن وحدي ھناك ،ك ان الف راغ ون ساء القري ة ،ي رجعن م
ع الغ
روب م
ن االحتط
اب م
ن الجب
ل لف
راش أزواجھ
ن ،فق
د حول
ت الرجال نسائھا حطبا ً يابسا ً مثل الذي على أكتافھن ،فترقد المرأة بجانب ١٣٤
زوجھا ورائحة التنور عطرھا ...كلھن ساخطات على شركاء حياتھن، حت
ى أنھ
ن يلع
نھم بأنفاس
ھن .ت
راب الحق
ول أس
ود والحج
ارة س
وداء والغبار يعم كل األمكنة ويشحب الوجوه" أسھمت وجھھا وتبخر الكالم منھا وقالت ببساطتھا" :أنا ال يھمني ي ا سلوان من أين أنت وم ا ھ و أص لك ،إنم ا فق ط أحبب ت أن أع رف عن ك وخصوصياتك بعض الشيء" رافقتني في طريق العودة حتى وصلنا للشارع حيث السكن ...ھن اك افترقنا. رجعت غراتسيا وھ ي تنظ ر للخل ف تج اھي أثن اء م سيرھا ،تم ضي نحو األمام وتعود تنظر للخلف نحوي ،كنت أقف أتابعھا أبادلھا ال وداع حتى اختفت عن األنظار. التف
ت إل
ى األم
ام وس
رت أرم
ي برأس
ي ب
ين أكت
افي أح
دق بالرصيف... روحھ
ا ترافقن
ي ،أم امي ،خلف
ي وم
ن ح
ولي حت
ى وص
لت الب
اب، دخلت وحييت الحضور دون النظر إليھم ،صعدت الدرج مسرعا ً وليس كعادتي. كانت فرحة ف ي داخل ي ف ي وق ت ن سيتھا بجمي ع أش كالھا وألوانھ ا... وصلت الغرفة أغرد كأني لست أنا ،لم أكن مرھق ا ً ،ب ل ن شيطا ً وعن دي طاق
ة كبي
رة ،ال ت
سعني حجرت
ي ،أجل
س وأع
ود أق
ف ،أف
تح الخزان
ة في نحو الالمعلوم... المفرغة ،ال أفھم نفسي ،شيء في داخلي يعصف ّ
١٣٥
اتجھ
ت نح
و الناف
ذة ،وقب
ل أن أھ
م بفتحھ
ا ت
ذكرت م
رة أخ
رى تل
ك الفتاة ،فتحتھا ونظرت لألسفل أبح ث عنھ ا ،ل و رأيتھ ا لحظتھ ا لحييتھ ا من ھناك بصوت مرتفع... ل
م تك
ن ھن
اك ،بع
دت بب
صري حت
ى ال
سماء ...غيوم
ا ً س
ابحات، وص
لت إل
ى خل
وة ال ص
خب فيھ
ا وال إش
ارات م
رور أو بي
وت وال عرب
ات نق
ل ،أو س
كة حدي
د ،تق اطع ط
رق ،ح
ائط أو س
ياج كھرب
ائي يفصل بين خط أخضر أو أحمر وال أناس... وح
دي ف
ي بقع
ة م
ن األرض ل
يس فيھ
ا س
واي وأمني
اتي ،ل
يس في
ه أبع
اد وال مرتفع
ات في
ه اس
توائة خرافي
ة وك
ل ش
يء وردي ،ب
ساطا ً أخضر وفيه زھور بكل األلوان... نسيم الھواء فيه صفاء وانتعاشة ال مثي ل لھ ا ...خل ق Sھ ذا المك ان لي وحدي ،أح س بلمع ان عين اي ونعوم ة ج سدي م ن غي ر أن تالم سه امرأة ،لم أعد أرى ج دران الغرف ة ص رت ف ي مك ان ال أع ي كينونت ه، فكله أنا ،لن افاجئ ،فالوضوح أمامي واسع وھوائي ال ض باب في ه وال غبار ،أينما أكون يرقد الليل وال يصحو وال مك ان لخي وط الظ الم في ه، فشعاع الشمس تعكسه النباتات والحقول. كن
ت ف
ي س
بات عمي
ق ،ل
م أع
رف كي
ف غلبن
ي النع
اس ونم
ت ،ل
م أشعر بنفسي ول م أت ذكر أن ي رمي ت بج سدي عل ى فراش ي ،غل ب عل ي النوم وكان عميقا ً كأنه لحظة. ً مساء تقريبا ً مرت ما يقارب الساعتين الساعة اآلن السابعة والنصف ودون أن أتذكر آخر لحظة قبل نومي ،قيلولة أراحتني. ١٣٦
نھ
ضت م
ن س
ريري وراودن
ي ح
زن ك
أن الن
وم س
ببه ...قل
ت لنفسي":ما ھو إال ...ھا أنا أحس بن شاط وحيوي ة جدي دة أكث ر م ن الت ي كان
ت قب
ل ن
ومي ،مازل
ت مغ
رداً وفرح
ا ً ...وأش
عر ب
الجوع ،س
أذھب للمطعم الصيني"
١٣٧
فصل
ألني عربي
نزلت وتناولت فنجان قھوة من اللوج وجلست على األريكة أرت شفھا وأتلذذھا ،فللقھوة نكھة بعد صحوي أكثر من أي األوقات... ورشفة تلو الرشفة ودون عجل ة حت ى أنھيتھ ا وخرج ت م ن المك ان. اتجھت نحو المطعم ولم يكن بعيداً من ھناك حتى ص رت أرى المقاع د خارج الحانوت وتذكرت لحظتھا الفتاة ،نظ رت نح و المطبع ة ،ال يب دو أن أحداً ھناك. جلست في شرفة المطعم على المقاعد البالستيكية وجھتي الشارع... أنتظ
ر الغائ
ب ،ح
دثا ً ال أعلم
ه ،أو تغي
راً أجھل
ه ،ش
يء مفق
ود ال بخياالتي وال أبعادي ،أنتظر سعادةِ ،ممن؟ أو كيف س تأتي؟ م ن س يارة قد تق ف اآلن أم امي ويحين ي س ائقھا؟ أو م ن ھ اتفي المحم ول ال ذي ل م يدق منذ زمن؟ أو من بريد مجھول ال يذكرني وال يرف عنواني...؟ أو من المطبعة المقفلة؟ قد يأتي من يفتحھا! أو لعلھا تأتي الفتاة! كل شيء حولي فيه حركة وصخب مستمران وتغيرات متتالي ة ،ك ل الناس ھنا على عجلة ،إال أنا ،إما أنھم في عالم متسارع مجنون أو أنھم يتسابقون نحو المجھول ،يبحثون عن سعادة وكل على ش اكلته ،أو أن ي أعيش على حافة العالم تمر األحداث عني دون أن تترك بصمة أو أثر، من فينا على صواب؟ متأمالً يراقب األحداث وص انعيھا ينتظ ر الجدي د ب
سلبه وإيجاب
ه؟ يح
اول فھ
م الواق
ع م
ن خ
الل حرك
ات واست
شعارات وردود فعل وك م م ن الخي االت؟ أم م ن ي ركض وال ي رى أمام ه س وى ھدف يعتقد أنه الحقيقة وسر الحياة ومعناھا؟ وكلھم ھكذا. ١٣٨
أعتقد أنه إدمان حقيقي أن ال أرى العالم إال من وجھ ة نظ ري ،وأن ه م
ن ال
سذاجة أن أدع ي أن
ي ال أرى م
ن ح
ولي ألن وجھت ي ل
يس فيھ
ا رجوع أو التفات... إنه من الحكمة إذا زعمت أني أنا العالم أن يكون العالم وسكانه جزء ص
غيرا ف
ي داخل
ي ،أبح
ث ع
ن فھم
ه أوافق
ه وي
وافقني ،ن
سعى ونج ّ د ونلتقي ونسير بخطى متوازية ،تارة أك ون أن ا ف ي األم ام وأخ رى ھ و، وأحيان
ا ً نع
انق بع
ضنا ون
سعد ،نك
ون ف
ي اس
تراحة م
ن ع
سكرية طموحاتنا وتسلط أرواحنا وأوامر عقولنا وتناقض القلوب. بينما أراقب الحدث أتى عامل المطعم وسألني" :ماذا تريد أن تتناول يا سيدي؟" في لحظتھا ذھب عني الجوع ،شعرت وقتھا بالشبع. مرھق أنا ،أبحث عن السعادة ،تع صفني أم واج داخل ي ،ال أعل م وال أعرف طريق السعادة ،مع كل امرأة أعتقد أني وجدتھا. وما ھي إال أيام قد تك ون م ساء أو س اعات أع ود إل ى مك اني أبح ث عن معايير للسعادة غير التي كانت. "اعطني طبق الخضار مع اإلوز من فضلك" قلت للعامل وأنا أتنھد. "في الحال سيدي"
١٣٩
ذھب وبقيت المنضدة البالستيكية اللزجة أمامي كلم ا ت روح أفك اري تعيدني وساختھا مرة أخرى. ناديت بلطف أحد الع املين ھن اك" :اعطن ي ل و تف ضلت ش يء أم سح الطاولة ،فھي لزجة وتثير القلق" ودون أن يرد أحدھم أتت فتاة تمشي بخطى سريعة ودون أن تكلمني مسحت بسرعة من أمامي وذھبت. ما ھي إال لحظات حتى حضر طبقي يعلوه البخار والخضرة وأشياء ال أعرفھا والعامل عليه ابتسامة مصطنعة كأنه يعاقب بھا. ذھ ب لل داخل وبقي
ت أن ا والمقاع
د وطبق ي وال أح
د غيرن ا ...زج
اج المطع
م م
ن خلف
ي ول
يس وراءه س
وى مناض
د فارغ
ة والع
املين عل
ى وجوھم إرھاقة قترة ،سخط على واقع؟ كأنھم دفنوا أحالمھم ب ين االرز والخضرة وضاعت بين رائحة اللحم والزبائن مثلي ،حتى أن أنظ ارھم ال تتجاوز الحانوت. ل ن أرض ى أن تك ون حي اتي م ذبحا ً إم ا أن أتعب د في ه أو أم سح عل
ى جدرانه. لن أرضى أن أكون ظالً لنفسي أو أن أكون في ظل ظالم امرأة ،لن أزور أص
حاب القب
ور إال إذا م
ررت بھ
م ،فأن
ا أق
سمت عل
ى أن أحي
ا وأرافق األحياء ،أذھب إليھم وأحيى معھم وإن فارقتھم أحيا بھم. ھن
اك الكثي
ر ِمم
ن رحل
وا وأرواحھ
م تع
يش من
ذ أالف ال
سنين بينن
ا بأفكارھم أكثر من األحياء الذين يشاطروننا بيوتنا ومعنا ،ممزقين أشباه ١٤٠
األموات في عيونھم فقراً وثنايا وجوھھم حسرة وكآبة ،إحباطا ً حتى في لمسات ثيابھم وخطى أقدامھم. ال
شوارع مت
سخة وأش
جارھم ص
فراء تعلوھ
ا غب
رة ،ج
دران بي
تھم قاتمة ليس لھا سجل في الحاضر وال قيد رسم ،ح افالتھم ش اخت تتوك أ على ركابھا على قارعة الطريق والمستقبل عنھم غريب... نسائھم مطلقات صار ال شارع والمقھ ى لھ ن محراب ا ً والن ادي الليل ي معبداً ،يتبرجن يمارسن شھواتھن في الساعات األخيرة من الليل بفجور وفظاظة... ف
اق الطف
ل تداعب
ه بيمينھ
ا وي
سارھا وك
ل ج
سدھا منھمك
ة م
ع عشيقھا... ت
صحوا وعينيھ
ا مغلق
ة عل
ى ص
ريخ طفلھ
ا الج
ائع وقب
ل أن ت
ذكر حليبه تبحث في السرير عن سكرة األمس... لكن الفراش ليس فيه غيرھا ،وحدتھا ،فراغھا ونشوة لم تكتمل ...لقد ھرب في طيات الليل وتركھا مع فجورھا. عن ماذا يبحث اإلنسان؟ كلھم منھمك من الفجر حتى الليل م ن أج ل المال حتى يملك س يارة م ن الط راز الح ديث ،أو الطال ب ي سعى لطل ب العلم من أجل مستقبل آمن وعامل اليومية يبحث عن قوت يومه. موظف الحكومة متعب ل يس لحيات ه معن ى وزوجت ه مت ذمرة وتھ دده بالرجوع لبيت أھلھا.
١٤١
كلھ
م يع
اني وك
ال عل
ى ش
اكلته ،وھن
اك ھ
دف ومعان
اة م
شتركة بينھم... الم
رأة ھ
ي الت
ي تلع
ب ال
دور الكبي
ر حت
ى م
ن طفولتھ
ا وھ
ي عل
ى المقاع
د الدراس
ية ومغرم
ة ب ابن الجي
ران وعن
دما تخ
رج م
ن مح
يط ال شارع ال ذي ت سكن في ه إل ى أول حافل ة رك اب نح و المدرس ة الثانوي
ة تنظر أول ما تنظر إلى سائق الحافلة حتى تتعداه ويصبح عمي كأبي. وتتع
دى مرحل
ة ال
شارع والح
ارة وس
ائق الحافل
ة حت
ى ت صل إل
ى أب
واب الكلي
ة وينق
ضي الع
ام الدراس
ي األول وت صبح عينھ
ا لھ
ا ش
كل آخر غير التي كانت في المدرسة ،في الحي وبين الجيران. ص
ار الن
اظر لھ ا ال ي
رى س
وى ش
ھوة ون
شوة وإن ابتع
دت بع
ض األحيان ف ي أنظارھ ا نح و األش جار وتجاھل ت ش ابا ً ك ل م ا ف ي داخلھ ا يصرخ نحوه. ال
سعادة وال
شقاء ...عالم
ان مترادف
ان قريب
ان بعي
دان ،قري
ب ف
ي الطفول
ة وعل
ى مقع
د واح
د بعي
دين ف
ي الع
شرين م
ن العم
ر والثالث
ين واألربعين. ھناك من له مرجع داخلي قوي ال ينفذ وال يأخذ باألسباب م ن حول ه ويجع
ل م
ن حيات
ه ف
سحة ب
ين اللحظ
ات وال يت
رك حت
ى ص
رخة عل
ى أبوابھا.
١٤٢
وھناك من ي ستمد قوت ه م ن اآلخ رين في صبح قوي ا ً ويح س أن الع الم ش
كل بي
ضاوي ف
ي ي
ده ،تب
دو علي
ه الع
زة والرفع
ة كأن
ه م
ثالً تتداول
ه الناس ،يرسمه الطامحون ويصير أسطورة بين العامة... حتى يتركه من حوله ويفنى كل الذي بداخله بفنائھم ...ذھبوا وتركوا ما كان في األمس إخالص ووالء ووفاء وصار اليوم جراحات وصدى وأنين. راح كل ال ذي ك ان يجل ب ل ه ال سعادة ،ألن س بب قوت ه وعنفوان ه ل م يكن من خلق ذاته وال إيمان بنفسه واطمئنان زرعه ونماه. ل
يس الخل
ود ف
ي ال
دنيا أن نعم
ر فيھ
ا وال بكث
رة م
ن حولن
ا ،ال ب
ل باالعتقاد بأنفسنا ،وال يكون لكالم اآلخرين فينا باع وال ذراع ،فال يرفع بنا في العاللي وال يعصفنا في اآلبار المضمحلة ،فل نكن كم ا نح ن دون كذب وتصنع أو تنطع. فاألكن كما أنا وإن حاولوا إصغاري وتقليل ي ،ل ن أك ون غي ري وإن رفع
وني وقدس
وني ،فرج
ال رفع
وا حت
ى أنھ
م ٌعب
دوا ،وعن
دما تريب
وا عريت أج سادھم وقتل وا ،وأمث الھم ش ردوا وھان ت عل ى ط وب األرض أنفسھم وذلوا ولم يقنن ھذا من عزھم وعنفوانھم شيء. فھم ما زالوا شامخين وليس لملوك األرض أمجادھم ...وس أبقى كم ا أن
ا وإن قتل
وني ،فكلن
ا مقت
ول ،ول
ن يغرن
ي لمع
ان ال
دراھم وبري
ق الدنانير ،وال انحناءة امرأة أو سحر عينيھا فكلھن قاتالت.
١٤٣
سأموت كما أحب أنا وأرضى ولن أقبل أن أكون قتيل امرأة أنا لست آخرھا. وإن بح صوتي فإن لساني رط ب ب ذكر رب ي ،وإن قطع وا ي داي ل ن تنتھي أفعالي ،فأنا كلي عطاء. وس اقي ف ستبقى روح ي ص ارخة ب ين إن حقنت بالسم وشلت دماغي ّ أضلعي. وإن م
ت فق
د ن
صرت ،فھ
م إن يقتل
وني إنم
ا أھلك
وا ج
سداً ال يمل
ك لنفسه ضراً وال نفعا ،أما فكري فھو درع تتبادله الناس بينھم ويتوارثوه وحبالً مديداً يمسكوه. لن أكون أسير درھم ودينار أنا لست ص احبه ،فأن ا املك ه إذا أنفقت ه، وال أرجو أحداً غير ...S وال أخاف إال من فجري وجھلي ،وليكن حالي مع الصبر مث ل الم اء وآنية مكسورة ،حت ى ال أك ن كم ن أراد الغن ى بغي ر الم ال والكث رة ب ال ع شيرة ،ول
ن أخ اف م
ن الغ
د حت
ى ال أج
بن عم
ري كل
ه ،وآمن ت ب
أن البقاء ھو عين اليقين والغنى في القناعة ،وأن الدنيا ونحن مثل العج وز ً وخط ى ثابت ة والكل ب ت ارة يع دوا عن ه وكلبه ،ف العجوز يم شي ببط يء ويسبقه وأخرى يبقى يلھم ما على األرض حتى يبلغه صاحبه ويتعداه.
١٤٤
فصل
ألني عربي
صرت أتذكر الماضي حيث اعت ادت الن اس ف ي الم ساء ف ي حين ا أن تخ
رج وت
سير ف
ي ال
شوارع ...تجل
س ف
ي المق
اھي ي
أكلون )الج
اتوه( ويحتسون القھ وة اليوناني ة الب اردة ،ورغ م ظلم ة ال شوارع وض يقھا إال أنھم كانوا يسعدوا في الخروج إليھا. كنا ننتظر المساء حتى نخرج نسترق السعادة من ظلمة الطري ق م ن أمامنا ،أسعد ويدھا تتخللھا يدي وأحسس بإبھامي يدھا أثناء المسير. أحس بنعومة يديھا ولمعان أظافرھا ،ال أرى في الشارع سواھا ،وال أتوق إلى حديث مع غيرھا. أتحدث معھا برغبة قوية ولم يكن ينتھي الحديث بيننا فقد كنت انتھي م
ن مق
ال وأدخ
ل ف
ي مق
ام ،وعن
دما ينتھ
ي الك
الم كن
ت أح
دثھا ع
ن أحالمي معھا قبل زواجنا وعن أحالم الغد ألتي سأقضيھا معھا ،وكثيراً ما نضحك... ل
و تعرف
ون جم
ال مب
سمھا عن
دما ...كأنھ
ا ھدي
ة ال
سماء ون
شوة األرض وخضرتھا. اضحكي وأبق ى مبت سمًة فأن ا أح س بغرغ رة ف ي قلب ي مث ل فراش ات الصيف تداعبني. شبھك حت
ى أن
ا ل
م أع
شق بح
راً وال قم
راً إنم
ا ع
شقت ك
ل ش
يء ي ِ
سكونك وجدول
ة النھ
ر
ك ،وال
سماء ك ِ الطري
ق ال
ساكن مث
ل طبع ِ واعوجاجه أحيانا ً مثل مزاجك. ِ ١٤٥
أن
ا ال أك
ذب إن قل
ت أن
ي أح
ب الحي
اة ألجل
ك ،فأن
ت ك
ل الحي
اة، شجرھا ،حجرھا ،صيفھا ،شتائھا وبيادر الفالحين وقمحھا. كنا مثل المطاردين ،نأخذ الحافلة المتجھة إلى أثينا ،نخرج من حيين ا في السر حتى ننعم سويا ً في السير بين الحوانيت ون دخل المق اھي دون أن يرانا والديھا ،فقد كبرنا وبلغنا الثامنة عشر وكثرة سؤاالت وال ديھا: "ھل مازلت تلتقين مع سلوان؟" عندما كنا في الرابعة عشر كانت تأتي إلى بيتنا ،وكان ت أم ي تحبھ ا بصورة غير عادية ،فھي كانت تتمن ى أن ت رزق بطفل ة أي ضا ً ،وكان ت ت
سألني" :أال تتمن
ى أن يك
ون ل
ك أخ
ت ب
ضفائر طويل
ة تلع
ب معھ
ا وتخرج إلى الحوانيت ومعكم ميليندا؟" لم تكن سؤاالت أمي إال تمنياتھا وحلمھا ال ذي علم ت أن ه ل ن يتحق ق وعزائھا كان في وجود ميليندا بحياتنا ،وأنا... كنت أجيبھا بكل قسوة بريئة" :ال يا أمي أنا ال أريد أحداً أن ينافسني حبك" ِ كنت أقضي الوقت الطوي ل ف ي بي تھم ول م تك ن أم ي تقل ق إذا علم ت أني في بيت ميليندا. مضت السنين بسرعة أكثر من توقعاتنا وكنت مثل أبناء جيلي ،وھي تزداد جماالً وفتنة وأناقة وتزداد غيرتي معھا وخوفي من ذھابھا. ك س ً نا؟ أن
ت مح
ل كن
ت اس
ألھا" :ھ
ل تعجب
ين بال
شباب األكب
ر من ِ أنظارھم أينما نزلنا وحللنا" ١٤٦
"ھل تعجبك الفتيات الالتي يصغرنك في السن؟" سألتني ميليندا. "أنا ال أنظر لسواك ،وھل رأيتني أنظر إل ى الفتي ات؟ إن ي أخ اف أن أسامحك ،ولن أتزوج كل عمري ،وسأنتظرك تأخذي غيري ،سوف لن ِ سأتزوجك" أنجبت حتى يطلقك حتى لو ِ ِ "حبيبي المسكين سلوان ،ال تذھب بأفكارك إلى حق ل ل ن أدخل ه ،وال لحافلة لن أركبھا ،فأن ا ف ي ح ديقتك وردة جميل ة ،وف ي عم رك ابت سامة رقيقة ،وبين ذراعيك ام رأة نبيل ة ،فكي ف أذھ ب إل ى المجھ ول ول و ب دا منه كل المحاسن وأفكار في المساء ال يبقى منھا سواك ،وم ا دون ذل ك يزول. إني أحبك ولم أعرف سواك وكل من ھو غيرك عندي غريب ،كيف ألناملي ويداي مالمسة جمر أو شوك؟ إال إذا س
قطت م
ن أعل
ى الھاوي ة وأن
ت م
ن رم
اني ،أو أس
ير ب
ين الطرقات وأنت لست بجانبي أو في أفكاري؟ كيف لي أن أخلع ثوب الحياء في حجرة أنت الذي ال يغلق بابھا؟ مثلك أنت وأفكارك وحبك وھمسك ولمسك وحفيف شفتيك. أن
ا أكث
ر من
ك ع
صبية ونزع
ة وانحي
ازاً تخلف
ا ً وغجري
ة ورجعي
ة دي ،ب
ل وانج
ذابا ً إلي
ك ،ف
ال تق ل ل
ي ع
ن خوف
ك م
ن الي
وم والغ
د ووال ّ أحبني وعانقني وكن بجانبي أنت القوي السند وأنا الضعيف المسد" "كي
ف ل
ي ي
ا ميلين
دا بوال
ديك؟ وأن
ا مازل
ت عل
ى أب
واب الدراس
ة... وأنت؟ ِ ١٤٧
كيف ل ي وأن ا أح ارب نف سي ف ي ك ل ي وم خوف ا ً م ن أن أص حو وإذا بھاتفي فيه رسالة من ك فيھ ا تعت ذرين م ن ض عفك وقل ة الحيل ة وس طوة والديك ،أنا قررت أن ال ألتحق بجامعة بل سأعمل حت ى أس تطيع إقن اع والديك" "ال تقل ھذا يا سلوان ،يجب عليك أن تلتحق بكليت ك ودراس تك مع ي وقد يكون ھذا مقنعا ً عند والدي أكثر" ّ كنت قد اتخذت قرارا نھائيا ً في عدم التحاقي ف ي الجامع ة ،وانت سبت للشرطة وبھذا أكون قد بدأت الحياة العملية من ب اب وم ن األخ ر حي ث المكانة االجتماعية وقناعة والديھا. لم يكن األمر سھالً عندما أبلغت ميلين دا بق راري ال ذي ال رجع ة في ه عل
ي بك
ل الوس
ائل ھ
ي وأم
ي حت
ى أتراج
ع ع
ن وحاول
ت ال
ضغط ّ مشروعي. كنت أخاف من الغد والسنين القادمة واالنتظار ،ال أريد أن أفيق وإذا بھا في المكان الذي ال أتمنى وال حولي. التحق
ت فع
الً ف
ي ص
فوف ال
شرطة ،وكان
ت ال
ستة ش
ھور األول
ى ص
عبة ج
داً ،حي
ث أن
ي ل
م أك
ن ف
ي أثين
ا ب
ل بعث ت إل
ى ال
شمال إل
ى )سالونيكي( ،كنت في ك ل ش ھر أق ضي س تة أي ام م ع وال دتي وميلين دا، وعن
د ق
ضاء األي
ام ال
سريعة الق
صيرة ت
أتي الليل
ة الت
ي س
أغادر ف
ي فجرھا ،فيصبح الطعام والشراب والحديث والجل وس م ع أم ي وميلين دا ال معنى لھما إال الحرقة والفراق كأني لن أعود أبداً.
١٤٨
ومضت الثالثة سنين بحلوھا وكثرة مرارھ ا والبع د فيھ ا ،حت ى أت ى اليوم الذي سأرجع به إلى مينائنا وحينا وميليندا وأمي. وضعت أول متاعي ف ي الحقيب ة ال شرطية تعل وني ابت سامة عري ضة أشعر من ثناياھا بفرح قريب. خرجن
ا أن
ا وزمالئ
ي م
ن س
كان أثين
ا وأحيائھ
ا وبيري
وس واألنح
اء القريبة من ھناك. مازلت أذكرھم وأتمنى أن يجمعنا القدر مرة أخرى ،ليس في ثكن ات الشرطة إنما في المدنية وفي حانات أثينا. توسطنا الباحة ننتظر الحافلة التي ستأخذنا إلى المطار ،كلھم تملؤھم فرح
ة النج
اح والع
ودة ،فخ
ورين بإنجازن
ا واجتيازن
ا ال
دورة ال
شاقة منتظرين عمراً جديداً وحلم األمس يعانقنا اليوم حقيقة. أتت أول حافلة أراھا م ن بعي د مقبل ة والغب ار م ن خلفھ ا مث ل وح ش قادم ألبنائه. وص
لت الحافل
ة م
ن ط
راز MANاأللم
اني الكبي
رة ،وتوس
طت ال
ساحة الحربي
ة ،ب
دأنا ن
صعد إل
ى مقاع
دنا الزرق
اء الداكن
ة العري
ضة بمركاھا الذي يصل إلى الرقبة من الخلف. كانت ترافقنا السكينة دون العجلة ،فاليوم ل ن تك ون ھن اك ع ودة بع د ستة أيام ،إنما سنبقى حيث جئنا وحيث نحب البقاء. لم تكن الحافلة سريعة وحتى نصل إلى أرض المطار أمامنا أقل م ن ساعة وھي ليست بالكثيرة وال المملة. ١٤٩
كنا نزغرد فرحا ً ونغني أنشودة ترياق القلوب نجاحا ً .تعالت أصواتنا وقرب المطار. ننظر م ن النواف ذ للرص يف م ن ورائن ا وم ن أمامن ا ،تقت رب أجنح ة الطائرة وكأنھا لعبة خشبية. ما ھي إال دق ائق حت ى دخلن ا المط ار الع سكري ،وإذا بالط ائرة الت ي كانت تبدو مثل سيارة األسالك المعدنية التي كنت ألعب بھا في طفولتي عمالقا ً أخضراً زيتيا ً يتسع لحافلتنا وأخرى. لم ننتظر كثيراً ،ال أذكر وقت االنتظار ،فكانت الساعات تمضي مثل خيول الخوارج في النھر وان وأعمارنا. ص
عدنا الط
ائرة الع
سكرية وص
وتھا يزمج
ر وكأنھ
ا م
ن بقاي
ا العھ
د الثالث. لم تكن المقاعد مثل المعتاد في الطائرات المدني ة ،كان ت عل ى ط ول جانبي الطائرة وفي الوسط رواق عريض يكف ي لنق ل خم سة م درعات حربية. أغل ق ذي ل الط ائر حي
ث دخلن ا وب دا يرتف ع أزي
ر األس د المقب ل عل
ى فريسته... ق دمي ،ول م تك ن تل ك الم رة وأقلعت وأحسست وكأن قلبي س قط ب ين ّ األولى التي أطير بھ ا ف ي تل ك الط ائرة ،إال أن اإلح ساس ھ ذا يرافقن ي في كل مرة.
١٥٠
ولم تكد تحتضن الساعة نف سھا ول م تكتم ل وإذا ببناي ات أثين ا تح اول اإلمساك بنا ،وغاصت الطائرة نحو األرض من بين البناء كأنھا تحاول اصطيادھا. نزلنا أرض المطار المدني ولم نخرج ھذه المرة من الم دخل المعت اد حيث المدنيين ،إنما من مم ر الطي ارين وم وظفي المط ار ،م ن الم دخل الخلفي إلى الشارع ولم ندخل التفتيش. ودخلت المطار حيث أمي تنتظرني من الباب الرئيسي ،فھي تأخذني دائما ً بسيارتھا. دخلت س احة المنتظ رين م ن الخل ف أبح ث ب ين الجم وع عنھ ا ،وم ا كانت إال دقائق حتى رأيتھا من عند بوابة االستقبال... يداي على عينيھ ا، وعانقتھا من الخلف من غير أن تراني ووضعت ّ يداي بأناملھا الرقيق ة مث ل أق الم الرص اص ،وقال ت" :حم داً d ولمست ّ على سالمتك يا ولدي" اس
تدرت إليھ
ا وعانقتھ
ا ش
ديداً بفرح
ة اجتي
ازي دورت
ي ونج
احي وشوقي. عانقتني بحبھا لي ولھفة لقائھا وحنينھا ،وأمسكت ي دھا وس رنا ،وإذا بھا تقول" :إلى أين؟" "إلى البيت يا أمي ،أم تودين الذھاب إلى مكان ما؟" "ال يا ولدي فأن ا كل ي ش وق لن ذھب إل ى بيتن ا ،ولك ن لننتظ ر ميلين دا فھي ذھبت قبل قليل لقضاء الحاجة" ١٥١
"رائع ،ميليندا حضرت أيضا ً؟ إنه ليوم من أجمل األيام ،لم أتوقع أن تكون برفقتك" وإذا بصوتھا الناعم من خلفي يناديني فاستدرت إلى الخل ف ف إذا بھ ا واقفة ال تتقدم... وعرقھ
ا الن
اعم واش
تياقي ،عانقتھ
ا ول
م ألتف
ت للزھ
ور ي ا لجمالھ
ا ِ ساعديي التي ل م أش عر بق ساوتھا بيديھا ،ضممتھا بريح فؤادي وصالبة ّ تقسى على ميليندا الرقيقة الناعمة ،وكادت أضلعھا تألمھا. "حسبك يا سلوان ،فأنا مشتاقة أيضا ً" وق
دمت ل
ي وردودھ
ا ول
م تك
ن بنعوم
ة خ
ديھا وال ب
شفافية ش
فتيھا وأناقة طبعھا. سرنا ،أم ي ،ميلين دا وأن ا أتوس ط نب ع الحن ان وص در الحي اة وس رھا وغرغرة القلب وانصياعي وعشقي. كنت أحس بأنن ا ن شكل لوح ة س يدة ال صخور إن فق د أح د أشخاص ھا بدت وكأنھا لوحة نشاط مدرسي. اقتربن ا م
ن س يارة أم
ي ال صغيرة م
ن ط راز Poloمودي
ل ،١٩٩٢ بأبوابھا االثنين وكانت تعرف بسيارة النساء. فتح
ت الكرس
ي األم
امي م
ن جان
ب ال
سائق وص
عدت ميلين
دا م
ن الخلف م ن ورائ ي وص عدت م ن األم ام بجان ب أم ي ،بع د أن وض عت الحقيبة في الصندوق الخلفي للسيارة.
١٥٢
"اآلن يا خالتي أجلس أنا في الخلف والحبي ب العزي ز إل ى جانب ك؟!" وأوم
أت ميلين
دا بعينيھ
ا تلمع
ان ف
رح قاص
دة مم
ازحتي وأم
ي ،وأم
ي بطيب
ة قلبھ
ا قال
ت" :ال ي
ا ابنت
ي ،ال تق
ولي ھ
ذا ،فأن
ت طفلت
ي الت
ي ل
م أنجبھا" ولم تبالغ أمي ،فكانت تعانقھا أحيانا ً وتبكي ،وتقول" :يا لألقدار"!... منذ أن دخلت بيتنا وكانت في الرابعة عشر ،عملت ضحكاتھا وكلماتھا وخطواتھ
ا عم
ل ال
سحر ...إيماءاتھ
ا بي
ديھا وق
دميھا ،عينيھ
ا وح
سن تعبيرھا وجلوسھا بجانب أمي واالرتماء في أحضانھا ...وتسألھا" :متى سترجعين يا حلوة سلوان إلى بيتنا مرة أخ رى؟ فل يس ل سلوان أص دقاء غيرك" لقد أحبتھا وأحب ت أن ال تغ ادر بيتن ا ،أحبتھ ا حت ى أنھ ا عمل ت عل ى خلق صداقة بينھا وبين والديھا. سرنا مع أمي نحو البيت وكنت فخوراً أن ي م ن الي وم أس تطيع قي ادة السيارة ،وھي من األشياء التي البد تعلمھ ا ف ي المؤس سة ال شرطية .ل م تكن المسافة بين المطار والبيت بالطويلة ،إنما كانت ال تتجاوز الثالثين كيلو متراً ،ولك ن بزحم ة الط رق وكث رة ال سيارات نحت اج ف ي األغل ب لساعة على األقل. وقد اضطرت بلدية أثينا إلنشاء ق انون للتحدي د م ن زحم ة ال سيارات في المدينة ،فقد عملوا على السماح للسيارات أص حاب األرق ام الفردي ة ليوم واآلخر لألرقام الزوجية.
١٥٣
وكأنھا دقائق ومن غير اإلحساس بزحم ة ال شوارع وص لنا بيري وس حيث نسكن. وقف
ت ال
سيارة عل
ى حاف
ة ال
شارع م
ن الجھ
ة اليمن
ى أم
ام ال
سور المرتفع متراً ونصف ،المبني من الطوب األبيض المحيط بالدار ب شكله العاري من دون دھان ،وبالمقابل ميناء بيري وسُ ،ت رى س فنه التجاري ة محملة من بعيد. نزل
ت م
ن ال
سيارة ب
سرعة وك
أن ش
يء ف
ي البي
ت ف
ي انتظ
اري، سحبت الباب األمامي إلى األمام حيث كنت أجلس وأمسكت بي د ميلين دا وأخرجتھ
ا م
ن ال
سيارة وتوجھ
ت حي
ث ال
صندوق الخلف
ي وأخرج
ت متاعي وعانقت أمي وميليندا ودخلنا البوابة الحديدية ببابيھا العري ضين المؤدية إلى مدخل البي ت وحديق ة بع رض أربع ة أمت ار وطولھ ا ع شرة من البوابة حتى مدخل البيت وعل ى الج انبين ج دار ب ين الح ديقتين م ن الجھت
ين بارتف
اع س
تين س
نتي مت
ر ،وف
ي الجھ
ة اليمن
ى ش
جرتان م
ن الليم
ون البرازيل
ي األخ
ضر وف
ي الجھ
ة المقابل
ة كان
ت الحديق
ة أكب
ر وفيھ
ا أربع
ة أش
جار ،واح
دة م
ن الليم
ون األص
فر وأخ
رى تف
اح م
ن الحج
م الكبي
ر ،ونخل
ة أنث
ى وش
جرة م
شمش كبي
رة ،وكان
ت أم
ي ب
ين الفترة واألخرى تزرع بين األشجار بعض الباقالء والخضرة. صعدت أمي الدرجتين االثنتين من أمامي ومن خلفھا ميليندا ،وھناك ً ك شوفة مرتفع ة بع ض ال شيء بحي ث ي رى كانت الشرفة من الجھت ين م من في الشارع أثناء وقوفنا ،وطراز البناء ھذا معتاد عند اليون ان وھ و قريب إلى الطراز الشرقي بعض الشيء.
١٥٤
دخلن
ا البي
ت إل
ى غرف
ة الجل
وس الت
ي اعت
دنا الجل
وس فيھ
ا ،وھ
ي واسعة وأثاثھا بسيط متواضع ،وھي بجانب المطبخ ومن أمامھ ا غرف ة نوم أمي وفي المقابل حجرتي وغرفة استقبال أخ رى عن د الم دخل إل ى اليسار حيث نستقبل عامة الزوار. كان الشھر السابع ومازلت لم أتمم االثنين وعشرين عام من عم ري فأنا من مواليد ،٠٥.٠٩.١٩٧٤وميليندا في نفس العام ولكن في الشھر ،٢١.٠٦.١٩٧٤كانت تكبرني بثالثة أشھر حسب التقريب. كنت أحب ميليندا حبا ً جما ً ولكنا لم نتحدث يوما ً بجدية ف ي موض وع الزواج... كان حلما ً ...عدت من دورة الشرطة وأحس ست ب أني اآلن أھ الً ب أن أك
ون زوج
ا ً وعل
ى ق
در م
ن الم
سؤولية وتحم
ل أعب
اء الزوجي
ة ومتطلباتھا. كانت ميليندا قد أوشكت على إنھاء دراستھا الجامعية ،فلم يبقى عليھا سوى عام حتى تنتھي من تقديم امتحانھا ف ي البك الوريوس ،اخت صاص صحافة واإلعالم. كان
ت أم
ي وميلين
دا ق
د جھ
زا الطع
ام قب
ل خروجھم
ا إل
ى المط
ار الستقبالي. وضعت متاعي وجلسنا جميعا ً على األريكة م رھقين م ن ذل ك الي وم الحار.
١٥٥
كانت درج ة الح رارة ف ي وقتھ ا تتج اوز ال ـ ٣٧درج ة .دخل ت أم ي على المطبخ لتجھيز الغداء وبقيت ميليندا وأنا ف ي الغرف ة مم ا أت اح لن ا في لحظتھا أن نع انق بع ضنا ونتب ادل الق بالت دون ح رج م ن وال دتي، كنا نحس بشوق ولھفة عارمين. إليك كثيراً ،وأحمد Sأني أنھيت دورت ي "ميليندا حبيبتي لقد اشتقت ِ بجوارك" من سالونيكي ولن أخرج بعد اليوم من بيريوس وسأبقى ِ "ومن قال لك أني سأسمح لك بمغادرة البيت أصالً؟" كانت تقولھا ب شوق ولھف ة وح ب دف ين ،كن ت أح س بأنفاس ھا المليئ ة بالنشوة إلي وھي تحادثني وتحاورني وكأنھ ا ال ت ستطيع كتم ان ش وقھا وحرقتھا. لم أكن أقل منھا شوقا ً ،فأن ا أحبھ ا من ذ ب دأت أفك ر ،أحبھ ا من ذ ب دأت أميز الفرق الحقيقي بين الفتاة والفتى ،أحبھا منذ بدأنا الخروج سويا ً بعد المدرسة إلى البيت ،منذ وقت االستراحة المدرسية التي لم أھنأ بھا م ن دونھ
ا ،أبح
ث عنھ
ا ب
ين الفتي
ات ف
ي المدرس
ة وھ
ن ينتظ
رن أم
ام المقصف لشراء سندوتشاتھن في استراحة العاشرة والربع. وعندما يرونني زمالئي يقولوا لي" :إنھا في المكتبة" من دون أن اسألھم ،فھم يعرفوا أني أبحث عنھا ،فھ م ال يرون ي ف ي االستراحة إال معھا. "ميلين
دا أن
ا اآلن ق
ادر عل
ى تحم
ل م
سؤوليتك ،أن
ا اآلن ل
ي دخ
ل والديك لن يعارضا اآلن زواجنا" شھري منتظم وأنا أعتقد بأن ِ ١٥٦
عين ي ...أس قطت رأس ھا نح و األرض تنھدت ميليندا وھي تنظر في ّ
داي بھ
ذا وقال
ت" :حبيب
ي ...ال أعل
م ...ال أعل
م كي
ف س
أواجه وال ّ الموض
وع ،حقيق
ة ال أعل
م كي
ف أب
دأ معھ
م ،وأن
ت تع
رف م
دى معارضتھم لعالقتنا" والدي ميليندا المستمرة واستيائھما لعالقتنا كنت دائما ً رغم معارضة ّ أزيد أكثر وأكثر في التمسك بھا. دخلت أمي في األثناء إلينا وبدأت بإدخال الطعام لغرفة الجلوس التي اعتدنا الطعام بھا. وقفت ميليندا لتساعد أمي في تجھيز السفرة ،كانت تعرف ك ل ش يء في بيتنا ،فھي تقضي معظم األوقات عندنا. بقيت أنا جالسا ً على غير الع ادة ،فأن ا ف ي الع ادة أعم ل م ع أم ي ف ي المط
بخ أس
اعدھا ف
ي أش
ياء ب
سيطة مث
ل تجھي
ز مائ
دة الطع
ام م
ثالً أو غ
سل األطب
اق ،إال أن
ي لحظتھ
ا كن
ت أت
صور وج
ه ميلين
دا عن
دما ب
دا عليھا اإلحباط وقت ذكرت لھا موضوع الزواج. لم يكن ھذا المنظر جديداً بالنسبة لي ،إال أنه اليوم ترك أثراً أكثر من المعتاد في داخلي ،قد يكون ھكذا ألني عزمت فع الً العم ل عل ى خط ى فعلية ھذه المرة ،فأنا مولع بھ ا وأع شقھا وال أري د أن تبع د عن ي لحظ ة واحدة. أريدھا زوج ة ل ي ،فھ ذا ق راري ول ن أتراج ع عن ه ف ي أي ح ال م ن األحوال ،وال أتصور حياتي من دونھا.
١٥٧
دخلت أمي وبيدھا طبق فخاري كبير وضعته على الطاول ة ،وإذا ب ه الطبق المفضل عندي ،الباذنجان المحشي باللحم البقري المفروم الناعم ومن فوقه الكريما. "ھذا طبقك المفضل يا ولدي ،لقد طھوته في الف رن كم ا يحب ه ول دي ويشتھيه" وقفت وقبلت أمي. دون ك، لك يا أمي ،يا حبيبتي ،أنا ال أعلم ما ل ون حي اتي م ن "شكراً ِ ِ أن ت أن ت معن ى الحي اة وكينونتھ اِ ، أنت أميِ ، أنت مزة الحياة وطعمھاِ ، ِ أنت في أي ام وح دتي، أنت فرفيقتي وصديقتي وخليلتي ،وونيستي ِ أميِ ، أنت الظل الذي أنت الصديق الذي لم يتركني رغم سوء طبعي وتلونيِ ، ِ واراني وحماني وأنعم علي بن سمة ال صيف الرقيق ة الت ي عانق ت خ دي أنت دفيء الشتاء ونعم ة األم ن واالس تقرار ي ا أنت أميِ ، وأدفأت قلبيِ ، أنت من منحني القوة وقت كنت في ه نحيف ا ً ض عيفا ً مري ضا ً منھك ا ً أميِ ، ت م
ن ح
ول ھ
شا ً يتلطمن
ي زم
الء المدرس
ة وس
كان الح
ي ،أم
ي ،أن ِ ً أناق ة وأدب ا ً ،وم ن مرض ي ھشاشة جسمي رونقا ً أعتز به ،ومن ضعفي م
صدر ق
وة ودافع
ا ً للنج
اح واالس
تمرار ،وم
ن تعب
ي راح
ة أس
تمد بھ
ا طاق
ة أع
دو بھ
ا لألم
ام ،فأص
بح م
ن ك
ان ف
ي األم
س يتخبطن
ي ف
ي المدرسة والحي يقدم الطاعة لي اليوم حبا ً ومھابا ،كنت لي ومازلت أبا ً وأما ً ،أھالً وعشيرة ،سنداً وسترة ،أنت كل شيء في عمري يا أمي" "حبيبي ولدي ،إني أشكر dبأن أنعم علي بك ،فأصبحت أنت الحياة وعبرتھا ،أصبحت أنت سر الوجود ومعناه ،كنت أن ت ومازل ت ع وني في العطاء واستمرار البسمة والحياة ،ل وال وج ودك ي ا ول دي لكن ت أن ا
١٥٨
مث
ل قطع
ة ديك
ور بالس
تيكية ال ش
كل لھ
ا وال معن
ى ،ل
وال وج
ودك ي
ا ولدي لق ست عل ي الن اس وج دران البي ت وأھل ي ،أن ت ول دي الج وھرة التي وضعتھا في قلبي وضممتھا وتزينت بھ ا ،إن ك ال نفس الوحي د ب ين ض
لوعي وآھ
اتي وأدمع
ي ف
ي لي
الي وح
دتي ،كن
ت أن
ت ومازل
ت ب
صراخك وبكائ
ك وأن
ت طف
ل إيمان
ا ً ل
ي ب
سر وج
ودي وأن
وثتي ب
ين النساء ،أنت حديقة عمري ووردة شبابي ومعبدي أسكن إليه وأرجو S ب
ك وأن
ت بج
انبي ،أن
ت ول
دي حبيب
ي وق
رة عين
ي ،وس
بب وج
ودي وسعادتي ...أنت يا ولدي" كانت ميليندا تعجب مني ومن أمي وعالقتنا الحميمة ،كيف ال وأنا لم أعرف من ھو بسواھا؟ كيف ال وھي أمي وأبي؟ وھي التي عانت وكافحت من أجلي؟ حلقت ال
سنين وأص
بح أطف
ال البارح
ة ش
باب الي
وم ،تب
ددت عالقاتن
ا بوال
ديھا بكبر وعظمة الحب بين ميليندا وبيني. نشأ خوف جديد لم نعرفه في الماضي ول م نتوقع ه ،ال رفض البط يء والدي ميليندا. الذي ُقبلت به من ّ علم
ت أن لك
ل ش
يء ثم
ن وح
ساب ،ول
م أعل
م أن ثم
ن ن
ضوجي وشبوبيتي وعروبتي ستكون يوما ً عائقا ً في طريق سعادتي. عروبتي التي لم أعرف منھا سوى حواراتي التي تتوسطھا اليوناني ة م
ع أم
ي ،وس
مرة ف
ي وجھ
ي وأنف
ي األقن
ى واقتط
اب جبين
ي وغ
رة حاجبي ورأسي بشعره المموج الذي لطالما أحببته وفخرت بين الشباب ّ الصفر برجولتي. ١٥٩
وآل
ت ص
داقة ال
صبيان إل
ى ح
ب ،وص
ارت ص
راعاتھم عناق
ات، وباتت مالمساتھم أيديھم نشوة ،والسكوت بين اللحظة واألخرى فرصة لإلحساس باالنقالب في أنفسھم. علم
وا أن ھ
ذا اإلع
صار ف
ي أعم
اقھم ع
شق ،فقبلتھ
ا قبل
ة مليئ
ة بالسكوت وھي ساكنة ...بعد وقفة طالت. وبحثنا بذواتنا حتى كان ت ترجم ة ك ل م ا م ضى بقبل ة الي وم .عن دما يحب اإلنسان ألول مرة ال يشعر البتة بمن حوله ،كالم ميليندا وكالم ي وخروجنا ودخولنا وقلة األوقات التي ال نكون فيھ ا س ويا ً ،وتول د القل ق عند والديھا ،فقد الحظا حجم العالقة بين ابنتھم وبيني ...العربي. "سلوان أعذرني ،أريد أن أذھب للبيت اآلن" كانت ميليندا تجلس جانبي وھي تسألني الذھاب ،وكأنھا أحست بالذنب ألنھا لم تتمكن من البقاء أكثر. ولم يا ميليندا تذھبين اآلن؟" " َ "غ
داً س
آتي ف
ي ال
صباح ك
ي ن
شرب القھ
وة س
ويا ً ،فأن
ا ل
ن أذھ
ب للجامعة" "كما تشائين" قلت لھا ولم أكن سعيداً بذھابھا. بقيت ميليندا ف ي ذل ك الي وم ف ي بيتن ا حت ى م ا يق ارب الحادي ة ع شر ليالً.
١٦٠
وقف
ت ميلين
دا وقال
ت ألم
ي" :اع
ذريني ي
ا خ
التي أن
ا س
أذھب اآلن للبيت" "ولما ال تبقين الليلة عندنا يا ابنتي؟" في األثناء كنت أنظر لميليندا وأحس ببرود في كالمھا. "سأرافق ميليندا يا أمي للبيت ولن أطيل" خرجن
ا ،ميلين
دا وأن
ا دون أن نتب
ادل كلم
ة واح
د حت
ى ص
رنا ف
ي الشارع. "لماذا ال تحدثني" قالت ميليندا. "ماذا تريدين أن تسمعي؟" "وھل نفذ الكالم عندك لدرجة أنك ال تجد كلمة تقولھ ا ل ي ف ي خل وة اآلن؟" "إنك تتحدثين وكأن الذي جرى اآلن شيء طبيعي" "أن
ا أع
رف أن
ك تعن
ي ذھ
ابي للبي
ت ،لق
د اختل
ف الوض
ع اآلن ي
ا سلوان ،أمي وأبي ضيقا علي أكثر مما تتصور ،س ؤاالت واستف سارات وأشياء ال أحب طرحھا اآلن" والديك بخصوصنا؟" بينك وبين ِ "ماذا تعني بھذا؟ ھل دار كالم ِ "يوميا ً تقريبا ً ،وأنا لم أعد أحتمل ضغوطھم ،لم أتوقع أنھم يرفضوك لھ
ذا الح
د .أرج
وك حبيب
ي ال أري
د الخ
وض اآلن بھ
ذا الموض
وع ،أن
ا سعيدة جداً بعودتك وال أريد أن أعكر صفوي وصفوك" ١٦١
وص
لنا لبي
ت ميلين
دا وكن
ت معت
اداً ال
دخول إذا رافقتھ
ا حت
ى البي
ت، لكن وبعد سماع المستحدثات اليوم لم أكن مستعداً أن أصافح أحدھم. وقفنا أمام البيت لبضعة دقائق وعانقتھا ولم أستطع تقبيلھا ،كأني من غير أن أشعر أحملھا مسؤولية فكر والديھا. أحست ھي أي ضا ً ب ي وقبلتن ي عل ى جبين ي ،وبقي ت أن ا واقف ا ً أنتظ ر دخولھا. والدي؟" "أال تريد أن تدخل معي وتسلم على ّ "ال حبيبتي ،اليوم ال" "إذن حتى الغد يا سلوان ،سأكون تقريبا ً مع العاشرة في بيتكم" "تصبحين على خير ميليندا" دخلت بوابة بيتھم وأنا أرقبھا وھي تغلق البوابة خلفھا وتسترق آخ ر نظرة من بين صفائح الحديد.
١٦٢
فصل
ألني عربي
"م ساء الخي ر" دخل ت ميلين
دا البي ت وحي ت وال
ديھا وھ م ف ي حج
رة الجلوس دون أن تنظر فيھم. دخلت المطبخ كي تحضر زجاجة ماء وتأخذھا لغرفتھا كعادتھا .ف ي األثناء دخلت أمھا خلفھا وقالت لھا" :كيف كان يومك اليوم" وھ
ي ال تع
رف بأنھ
ا كان
ت م
ع أم س
لوان ف
ي المط
ار وأح ضروه سويا ً. "أنا جيدة يا أمي" أجابتھا في الوقت الذي كانت تفتح به الثالجة. "ميليندا ،أريد أن أتحدث معك" "أرجوك ليس اآلن" "متى سيأتي اليوم الذي أستطيع ب ه الح ديث مع ك دون أن ت أجلي أو تقولين ليس اآلن؟" "ل
ن ي
أتي الي
وم ال
ذي س
أتحدث ب
ه مع
ك ب
أي موض
وع غي
ر عم
ل المنزل" "ما ھي طبيعة العالقة يا ميليندا بينك وبين سلوان؟" "ماذا تعني؟" "أن
ت اآلن فت
اة جميل
ة ي
ا ميلين
دا ويج
ب أن تتع
املي م
ع ذات
ك واآلخ رين عل
ى ھ ذا النح
و ،عن دما كن
ت طفل ة تلعب
ين م ع س
لوان ك
ان
١٦٣
األم
ر طبيع
ي ،أم
ا اآلن وق
د كب
رت وب
دا علي
ك س
يمة ال
شابة األنيق
ة وتالشت عن خديك ريحانة الطفولة البريئة"... "ماذا تريدين أن تقولي يا أمي؟ ودون مقدمات" "متى ستنھي عالقتك بسلوان؟" "عن أي عالقة تتحدثين؟ نحن مجرد أصدقاء ال أكثر" لم تك ن تج رأ ميليندا على مواجھة والديھا بطبيعة عالقتھا بسلوان. "ھل تعتقدي أني مغفلة وال أعرف الذي يدور بيني وبينه؟" "أمي أرجوك ال أريد الحديث بمثل ھذه الخرافات" لم تكن عالقة ميليندا بأمھ ا تل ك العالق ة الحميم ة المعت ادة ب ين البن ت وأمھا. وكان ت ت زداد ك ل م رة ف
ي نقاش اتھم ،إن تعل ق األم ر بطريق ة لب اس ميليندا التي تصفھا أمھا بأنھا على الط راز الق ديم ،بي د أنھ ا وأبيھ ا كان ا مثل صديقين يتحدثا ويتحاوران بكل ما يدور بسريرتھم. ك
ان وال
د ميلين
دا ف
ي غرف
ة الجل
وس يح
اول أن يعل
ق لوح
ة داخ
ل إطاراً على الحائط ،وكان يسمع الحوار بين ابنته وزوجته. لم ينتظر حتى ينتھن ،وناد زوجت ه" :ميلوذي ا ،أح ضري ل و س محتي مسماراً آخر" لم تلبي النداء مباشرة بل واصلت الكالم مع ميلين دا محاول ة ال ضغط عليھا أو إقناعھا في الحديث معھا.
١٦٤
"ھل حضرتي يا ميلوذيا...؟" واص
ل الن
داء وال
د ميلين
دا .ص
ارت ميلوذي
ا تبح
ث ع
ن ص
ندوق األدوات كي تحضر مسماراً له. دخل
ت حج
رة الجل
وس بع
د أن فق
دت األم
ل ف
ي العث
ور علي
ه ف
ي المطبخ ،وحال دخولھا وجدته على األرض مقابل الباب. "لماذا تطلب مني أن أحضر لك المسامير وھي عندك ھنا؟" كان اآلخر في األثناء قد انتھى من تعليق اإلطار على الحائط. "أنا ال أريد مطرقتا ً وال مسماراً ،إنما ال أريد أن تتح دثي م ع ميلين دا بھ
ذه الطريق
ة الفظ
ة ،أن
ا أرف
ض األم
ر تمام
ا ً مثل
ك ،ولك
ن ل
يس بھ
ذه الحيثي ة الت ي تح اولي تطبيقھ ا م ع ابنتن ا ،األم ر تط ور ول م تع د ميلين
دا طفلة ،وأنا أعتقد أنھا تحب سلوان ،وقبل أن يتأزم األمر يجب أن أضع حداً لھذا األمر ،وعلى طريقتي" "وماذا علينا عمله لقطع عالقتھا بسلوان من وجھة نظ رك؟ أن ا أرى بأم عين ي كي ف تعانق ه وتق ضي ك ل الوق ت ف ي بي تھم ،ول ن أس مح بع د اليوم أن ترقد ھناك ،لن أسمح بأن يكون زوج ميليندا بربري" واليونان يعتبرون كل الشعوب من غير جن سيتھم براب رة ف ي الك الم المتداول بين العامة. "ماذا ستقول الناس عنا؟ زوجت ابنتھا لعربي مسلم! مجرد تصوري لھذا الموقف أصاب بالغثيان ،وال تقل لي م رة أخ رى أن ال أت دخل ،أو
١٦٥
أنك ستحل الموضوع بأسرع وقت ممكن ،ألنك ستفقدني وسأموت قھراً إن لم تمنعھا" "وھل تعتقدي بأني مسرور من تصرفاتھا ،خروجھا معه وسھراتھا؟ ولكن ليست ھذه الطريقة األنجع إلقناعھا بتركه يا ميلوذيا" "وما ھي الطريقة بنظرك إذن؟" أرج وك ،فأن ت كلم ا فتحت ي ھ ذا الموض
وع "ال أعل م ،اتركين ي اآلن ِ معي تسببي لي الصداع" كانت ميليندا ما تزال في المط بخ وق د س معت ك ل الح وار ال ذي دار بينھم .لم يزدھا األمر إال سوء في يومھا.
١٦٦
فصل
ألني عربي
ع دت أج ر خط
اي نح و البي ت ،وتقنن
ت فرحت ي ب العودة والتخ
ريج، وأحسست أني ال شيء. وصلت البيت حييت أمي وجلست لجانبھا. "م
اذا ب
ك ي
ا س
لوان؟ لم
اذا يب
دو علي
ك الح
زن؟ ھ
ل ت
شاجرت م
ع ميليندا؟" "ال يا أمي ،ولكني ال أفھم لماذا تغير والدي ميليندا من جھتي ،أنا لم ل م ھ ذه أسيء بشيء ،أنا أحترمھم كثيراً كأنھم أھلي ،وھم أيضا ً ،ولكن َ االنقالبة؟ لماذا يرف ضونني اآلن؟ م ا ال ذي تغي ر ب ي؟ أن ا مازل ت عل ى عھدي معھم ...أحبھم" "أنت لست مذنبا ً ،إنما ھي األقدار" "وھ
ل األق
دار ق
ضت أحكامھم
ا عل
ي ب
أن أرف
ض م
ن األس
رة الت
ي عشت بينھم وكأني واحداً منھم؟" "ال يا ولدي إنما األقدار أنك ابن نور وإبراھيم وميليندا بنت دميترس وميلوذيا ،إنك ولدت عربي مسلم ،وھي ابنة اليونان أرثوذكسية" لغاية ھذه اللحظة لم أعرف أن ه ذن ب أن أخل ق عرب ي وم سلم ،كن ت تماما ً مثلھم أشرب العرق )الراك ي( معھ م آك ل أكلھ م ،ل م أس مع ب شيء اسمه حرام أو حالل منذ أن مات أبي.
١٦٧
أحتف
ل بأعي
ادھم ول
م أع
رف أعي
اداً غيرھ
ا ،والحل
وى الت
ي كان
ت تعملھا أمي في العام مرتين من غير أن أعي المناسبة. "وھل نحن بشر غيرھم؟ ھل خلقن ا م ن جم ر وحج ار وھ م م ن زب د البحر والثمار؟ لماذا خلقت عربي؟ ولماذا إسالمي الذي ال أع رف من ه غير اسمه عار؟ أنا لم أكن م رة ش يء آخ ر مختل ف ع نھم ،فلم اذا اآلن علي؟" عندما كبرت وتمنيت مثل أبناء جيلي أعزل ويشار ّ أحم
ل أم
ي ال
ذنب ألنھ
ا ول
دتني كن
ت أص
رخ ف
ي الح
ديث وك
أني ّ عربي. "أين الفرق يا أمي بيننا وبينھم؟" كن
ت أص
رخ" :أن
ت ال تلب
سين الحج
اب وأن
ا أش
رب الخم
ر معھ
م، أخ رج م
ع ن
سائھم وأن ت ت
شربين القھ
وة م ع رج
الھم ،وتق
ضين معظ
م الوقت مع زاكس ،ھل سألك مرة ماذا تعبدين قبل أن يخرج معك؟ أن ت تلب
سين م
ن نف
س ثي
ابھم وتتقن
ين فط
ائرھم ول
م أرى في
ك يوم
ا ً ش
يء فلم◌ اختلفنا اليوم عنھم وطردنا م ن رحم تھم يميزك عنھم غير لكنتكَ َ ، وقربھم؟" كان
ت ن
ور تنظ
ر ل
ألرض وال ت
ستطيع النظ
ر بع
ين ول
دھا ،كأنھ
ا أحست بالذنب ألنھا لم تعرفه على ھويت ه من ذ أن ك ان طف الً ،حت ى أن ه اليوم أحس بأنه ال ينتمي ألحد وليس له ھوية. ضائع ،ممزق ومرفوض من أھل ميليندا لعروبته التي لم تقل له أمه عنھا غير ذكرى والده وخيبات أمله.
١٦٨
وراح سلوان شريداً يبكي ف ي ي وم ت صوره بداي ة م ع ميلين دا وأھلھ ا وتوحدھم أسرة واحدة. امتأل رأس ه غ ضب" :أن ا ذاھ ب لحجرت ي" دخ ل دون أن يب ادل أم ه نظرة واحدة. "اذھ
ب ي
ا ول
دي" قالتھ
ا وھ
ي جال
سة عل
ى ط
رف األريك
ة ترمق
ه بعينيھا الذبلتين.
١٦٩
فصل
ألني عربي
في صباح الي وم الت الي اس تيقظت ن ور م ع ال ساعة العاش رة والرب ع. نظفت ما كان باألمس في المط بخ وحج رة الجل وس وس لوان راق داً ف ي غرفته. قرعت نور الباب ونادت من الخلف" :سلوان ...ول دي أل م تتف ق م ع ميليندا أن تلتقي معھا في الجامعة اليوم؟" لم يرد على أمه ،رغم أنه ك ان م ستيقظا ً فھ و ل م يھ دأ ل ه جف ن حت ى الفجر ،وما كانت إال ساعات قليلة حتى أيقظه األرق وشرذمة تفكيره. لم تھدأ نور ،وتابع ت ق رع الب اب بھ دوء ،فھ ي تع ي وض عه النف سي وال تريد أن تزيد عليه قرعا ً غير الذي منه عليه. "اس
تيقظ ي
ا ول
دي" قالتھ
ا األخي
رة وذھب
ت تواص
ل أعم
ال المن
زل وقلبھا مشغول بولدھا .فھي تعرفه وردود فعله. ما كان ت إال دق ائق حت ى س معت ص وت ب اب حجرت ه ينف تح وم شت نحوه. تقصدت أن ال تعانقه فھ ي تع ي أن ه ال يحتم ل أن ي شعر بال شفقة وال حتى من أمه. "صباح الخير يا سلوان" "صباح الخير يا أمي"
١٧٠
أقبل عليھا ويبدو ف ي عيني ه قل ة الن وم واإلرھ اق وعانقھ ا وق ال" :ال تغضبي مني يا أمي ،لقد تجاوزت البارحة حدود األدب معك" كأنھا كانت تنتظر منه حتى يرق كي تعانقه ،ضمته بقوة إليھا" :ال يا ولدي أنت ما كنت أب داً ِمم ن يتج اوز األدب م ع أم ه ،أل سنا أص دقاء ي ا س
لوان؟ فكي
ف ب
صديق ال يب
وح ل
صديقه ،أل
سنا كي
ان واح
د؟ فكي
ف لجسدي أن ال ينعل أو يقھر وأنت مني؟" دخل سلوان غرفة الجل وس وھ و يرت دي ثي اب الن وم .أح ضرت أم ه فنجانين قھوة وقطعة )بيتا( وھي فطيرة خبز بالجبن األبيض. جلست لجانبه ووضعت الطبق بالفطيرة والقھوة أمامه وأبقت قھوتھا بيدھا ترتشفه. تناول سلوان قھوته وصارت أمه تراقبه كي يتكلم ،ولم تصبر علي ه: "كيف نمت يا سلوان؟" "لم أنم كثيراً ،كنت أود أن أغفوا ولكن عيناي كانا مفتوحين كأني ما صحوت في األيام األخيرة أبدا .نمت قبل طلوع الفجر بقليل" "أال تريد أن ترتدي ثيابك بعد قليل؟ ألم تتفق مع ميليندا بأنك ستذھب إليھا؟" علي أن أكون ھناك مع العاشرة ،إال أن ي ل م أك ن "في الحقيقة ينبغي ّ مستعداً أن أقابلھا ،ولق د حاول ت أن تكلمن ي أكث ر م ن م رة عل ى ھ اتفي الخلوي وتعمدت أن ال أرد"
١٧١
ولم يا ولدي؟ ما ذنبھا كي تعاقبھا؟ إنھ ا تحب ك أكث ر م ن ت صورك، " َ وھل ھذا جزائھا؟ يج ب أن تك ون لجانبھ ا ،فھ ي تع اني نف س معانات ك، ھاتفھا يا ولدي وقل لھا أنك ستأتي بعد قليل ،وأنت اآلن تحم ل رخ صة قي
ادة ال
سيارة ،خ
ذ س
يارتي واذھ
ب إليھ
ا ،وح
اولوا أن تتح
دثوا تعصب أو أن تحملھا ذنب ھي ليس لھا باع أو ذراع بموضوعكما دون َ َ فيه" وقف سلوان وبدا عليه االقتناع من كالم أمه. "سأرتدي ثيابي وأذھب إليھا" دخل الحمام ولم يتأخر كعادته حت ى خ رج ودخ ل حجرت ه ول م يلب ث كثيراً حتى خرج وجلس جنب أمه يرتشف آخر قھوته. "ما أجمل ك ي ا س لوان ،ھك ذا أري دك ي ا ول دي ،أنيق ا ً ،سل سا ً ول ين .ال تسرع في الطريق وأبلغ ميليندا مني التحية" "ال تخافي يا أمي ،أنا أحسن القيادة جيداً" "لم أعني ھذا يا سلوان ،إنما قصدت االحتراس م ن الك اميرات الت ي على أطراف الطريق ،فھي تصور على سرعة فوق ثالثة وستون" "أعرفھا يا أمي ،ال تقلقي ،لن أجلب لك مخالفات" وانفكت أول عقدي بابتسامة رقيقة قصدت بھا مداعبة أمي. "حفظك Sيا ولدي" "أعطتني المفتاح وقبلتھا على الجبين وخرجت.
١٧٢
"مع السالمة يا أمي" لم يكن الطقس حاراً كثيراً في مثل ذلك الوقت .ق د ال تتج اوز درج ة الحرارة الخمس وعشرين. صعدت السيارة ولم تكن المرة األولى التي أقودھا ولكن ب شكل غي ر رسمي وبعدم رضا من أمي ،فلم أكن أحمل رخصة القيادة. قدت السيارة ال أسرع ولم أقصد العمل بوصية أمي ،إنما كن ت أفك ر في الطريق بالطريقة التي سأبدأ مع ميليندا بھا. كان
ت تبع
د جامع ة أثين
ا )كابوذي
سترياكو الوطني
ة Εθνικό και (Καποδιστριακό Πανεπιστήµιο Αθηνώνوالت
ي تع
رف أيضا باسم )جامعة أثينا( نحو اثني وعشرون كيلو متراً من البيت. وأول م
ا دخل
ت الح
رم الج
امعي ات
صلت م
ع ميلين
دا عل
ى ھاتفھ
ا الخلوي. "صباح الخير حبيبتي" "لقد مضى على الصباح الكثير يا سلوان ،أين أنت؟ لماذا تأخرت؟" "آسف ميليندا ،أين أنت اآلن؟ أنا اآلن عند البوابة الرئيسية" "أنا في مبنى الكلية ،سأحضر حاالً للكفتريا" س رت نح و الكفتري ا وكان ت تبع د ثالث ة أبني ة م ن الم دخل الرئي سي. دخلت المكان وكان مزدحم بالطلبة فكانت فترة الغداء ،بقي ت أنظ ر ف ي أرجائه وإذا بميليندا تشدني من خلفي ،استدرت إليھا وعانقتھا.
١٧٣
"مرحبا حبيبي" حيتني ميليندا. "مرحبا ميليندا ،كيف حالك؟" "أنا بخير ،ما الذي ب در من ي حت ى أن ك ل م ترف ع س ماعة ھاتف ك ف ي الصباح؟" "ليس اآلن ميليندا ،المكان مزدحم ھنا فلنخرج إلى مكان آخر" "أال تري
د أن ت
شرب ش
يء؟ سأح
ضر ع
صير وفطي
رة بيت
ا ،ھ
ل ً أيضا؟" أحضر لك قھوة وفطيرة "قھوة فقط ميليندا ،ولكن ابقي أنا سأحضرھا" "تعالي معي ألني ال أستطيع حملھم جميعا ً وحدي ،لن آخ ذھم بطب ق ألننا سنخرج" آخ
ذت قھ
وتي وميلين
دا ع صير برتق
ال وفطي
رة بيت
ا ب
الجبن ،ك
ان النظام ھناك مثل البوفيه المفتوح ،وقفنا ننتظر في الطابور الطويل ول م تك
ن الموظف
ة المحاس
بة بطيئ
ة ،كان
ت أص
ابعھا تلع
ب عل
ى جھ
از الحاسوب من غير أن تنظر إليه وبنفس الوقت تحدث الزبائن ضاحكة. كان ت ميلين
دا تق ف أم
امي عن دما ص
ار ال دور لن
ا ،وأرادت أن ت
دفع الحساب كالعادة ،أخرج ت محفظت ي م ن جي ب بنط الي الخلف ي وم ددت عشرين يورو فخوراً قبل أن تطلب الحساب. "أنا سأدفع يا سلوان" قالت األخرى. "من اليوم ال ،فلي اآلن دخل منتظم"
١٧٤
في األثناء قالت المحاسبة" :بالضبط سبعة يورو" وأخذت ورقة النقد مني وأردفت" :فلندع الرجال على األقل يتحمل وا مصروف قھوتنا" "عندك حق" قالت ميليندا رغم عدم رضاھا. خرجن
ا م
ن المك
ان الم
زدحم وك
الم الطلب
ة م
ع بع
ضھم مث
ل طن
ين النحل حول أكوام السكر في الربيع. اتجھنا نحو كلية الصحافة واإلعالم حيث تدرس ميليندا ،فكانت ھناك أروقة تحيط بھا وساحة خضراء تقابلھا ،كن ا كثي ر م ن األحي ان نجل س ھناك في األوقات بين محاضراتھا. "لماذا دفعت أنت الحساب؟" "أن
ا اآلن أتقاض
ى راتب
ا ً وم
ن المف
روض أن اب
دأ م
ن الي
وم ب
دفع الحساب ،منذ عرفتك وأنت التي تتكلفين مصاريفنا" ولم ال نكمل المشوار كما كنا" " َ كانت تعني بما يتعلق في المصروف. وك ،أن
ت ال تعلم
ين ك
م ي
سعدني أن أخ
رج محفظت
ي أم
ام "ال أرج ِ اآلخرين وأدفع ،شأني شأن الشباب أمثالي" "ما علينا ،ولكن ليس كل مرة ،مرة أنت وعشرة أنا ،ما رأيك؟ أليس ً عدال؟" ھذا "ال تسخري مني يا ميليندا" ١٧٥
كنت أتحدث بجدية وحساسية في الوقت الني كانت ھي ت داعبني .ق د أك
ون مت
أثراً أو متح
سس م
ن ھ
ذا الموض
وع ف
ي ھ
ذا الوق
ت بالتحدي
د إلقبالي الجدي على الزواج منھا. "ھل نحن ذاھبون لساحة الكلية؟" "نعم ،كنت أجلس مع صوفيا ،أم أنك ال تحبذ وجودھا اآلن معنا؟" ولم ال؟ ولكني ...كنت أود الحديث معك" " َ كان
ت ميلين
دا تع
ي م
ا أعن
ي ،إال أنھ
ا كان
ت تھ
رب م
ن الح
وار بالموضوع. "صوفيا ليست غريبة عنا ،فلنتحدث ھناك" أبكمتني بجاھزيتھا في الردود دائما ً. ً أيضا؟ أنا ال أحتمل وجودة وإطرائه الدائم لصوفيا "وھل يانس ھناك وتمنعھا المصطنع" يانس من موالي د ع ام ١٩٧٥م ،وھ و ف ي الثالث ين م ن عم ره ،أش قر الب
شرة وأزرق العين
ين طول
ه ١٨٠س
نتمتر ح
سب التقري
ب وھ
و م
ن عائل ة غني
ة ل
م يع رف ف
ي حيات
ه الفق
ر وال الحاج ة ،ترب
ى من
ذ والدت
ه وحيداً لوالديه في أسرة غنية عريقة في أثينا. ل
م يك
ن مث
ل ال
شباب م
ن طبقت
ه ف
ي المرحل
ة الدراس
ية ال
ذين ك
انوا يھيمون في اللھو واللع ب والتب ذير ،ب ل ك ان م ن الن شيطين والمتف وقين جداً من المرحلة االبتدائية حتى الدراسة الجامعية.
١٧٦
لم يكن يانس من الذين يتعاملون م ع اآلخ رين م ن فوقي ة رغ م غن ى عائلته الفاحش ،ال بل كان على خلق ويعيش منعزالً على نفسه. لق
د ت
أثر ي
انس بوال
ده كثي
راً ،ك
ان وال
ده قاض
يا ً ف
ي المحكم
ة العلي
ا للشؤون الدولية ،حتى أن يانس درس القضاء وبعد إنھاء دراسته بأشھر كانت ھدية والده له مكتبا ً في )كفيف شيا( وھ و أثم ن وأع رق ش ارع ف ي أثينا. ص
يت عائلت
ه ووال
ده ون
شاطه الشخ
صي جعل
وا من
ه محامي
ا ً م
ن الدرجة األولى. كانت حياته مكونة من عمل ثم عم ل ث م عم ل ،ول م يك ن ح ديثھم إال عن المحاكم ودور القضاء وأنواع الجنايات والمجرمين ودوافع جرمھم والمجتمع تجاھھم وتفكيرھم أمام مجتمعھم والقوانين التي لم يكن يراھا عادلة ومنصفة من وجھة نظره ،وكله وحياته وحديثه من ھذا القبيل. لم يكن يشغله شيء سوى العمل ولوال ھذا َلم كان ي انس اس ما ً المع ا ً في أوساط القضاء. أما صوفيا كانت زميلته في الدراسة الجامعية وھي أي ضا ً م ن عائل ة غني
ة ،بي
ضاء جميل
ة ع
سلية العين
ين أي
ضا ً م
ن عم
ره ،طولھ
ا ١٦٥ سنتمتر ،شعرھا ناعم مسترسل طويل ،ولھا جسد أني ق رغ م أن وزنھ ا يفوق الستين كيلو غرام إال أنه متناسق وأنثوي. كان
ت نق
يض ي
انس ف
ي حياتھ
ا ،أص
حاب كث
رة ،عالق
ات كثي
رة ومغامرات في كل يوم وليلة ،ال تخرج في سيارتھا إال وش اب أو ش ابة
١٧٧
عل
ى يمينھ
ا ،كان
ت تق
ول أنھ
ا ال ت
ستطيع أن تع
يش لحظ
ة دون أصدقائھا ،إذا جلست وحدھا دقائق لسبب أو آلخر تحمل ھاتفھا الخلوي وتبدأ بمھاتفة أصدقائھا. ب دأت عالق ة ص
وفيا وي انس بع د انتھ
اء المرحل ة الجامعي ة ودخولھ
ا حقل العمل. وقنن العمل من نشاط تل ك الفت اة ال شائطة ومغامراتھ ا .وھك ذا ب دأت اللقاءات الجدية بين يانس وص وفيا بانتھ اء مغامراتھ ا ودخولھ ا روت ين العم
ل ،حت
ى انتھ
ى بھ
م األم
ر ف
ي ال
زواج ول
م يك ن ي
صدق أح
د م
ن أصدقائھا الخبر. "صوفيا تتزوج يانس!!! لو بقيت صوفيا طول عمرھ ا عل ى المقاع د الجامعية ما تزوجت يانس ،فھي الفتاة المشتعلة التي ال تع رف الھ دوء، ويانس الھدوء ذاته" كان تعليق الزمالء .أنھا األقدار... نعم إنھ ا األق دار الت ي جمع ت س لوان اليت يم اب ن الم رأة ذات الوض ع االجتم
اعي الب
سيط بأبن
اء الع
ائالت أص
حاب األم
وال الت
ي ال تأكلھ
ا النيران ...ميليندا وأصدقائھا. "وم
ا ال
ذي يھم
ك بھم
ا؟ أن
ا ب
العكس اس
تمتع بمراقبتھم
ا ،س
خرية صوفيا وصبيانيتھا وجدية يانس ونحنحته عندما تستخف بكالمه" قال ت ميليندا. وصلنا مبنى الكلية وسرنا بمحاذاة الرواق المط ل عل ى الباح ة حي ث كانت صوفيا ،وھناك ومجموعة من الفتيات معھا.
١٧٨
"مرحبا يا سلوان ،كيف حالك؟ منذ زمن لم ن راك ،أي ن كن ت تخبئي ه يا ميليندا كل ھذا الوقت؟" قالت صوفيا مازحة. "حقيقة ّأنا لم نرى بعض منذ زمن ،لكني دائم ال سؤال عن ك وع ن... زوج المستقبل" ارتفع
ت ض
حكات الفتي
ات م
ن ح
ول ص
وفيا ،وقال
ت إح
داھن لھ
ا: "متى سنبحث عن فساتين كي نحظر زفافك ويانس؟" كانت تقولھا بسخرية ال تقصد أن تسيء لھا ،إنما من يانس. "اخرسي ،إذا تزوج ت أن ا ي انس فأن ت س تھرمين م ن دون أن يقبل ك حتى نادي ليلي" كانت صوفيا وصديقاتھا يستخدمن كلمات بذيئة جداً في مزاحاتھن. "آس
ف ي
ا ص
بايا ،لكن
ي سأس
رق م
نكم ص
وفيا اآلن ،فھن
اك م
ن ينتظرنا" قالت ميليندا للفتيات. "طبع
ا ،ل
يس م
ن ال
ذوق أن ينتظ
ر الفيل
سوف كثي
راً حت
ى تحظ
ر عروسه" قالت أخ رى س اخرة وھ ي تعن ي ي انس" :ھي ا بن ا ن ذھب إل ى ط الب الفن ون ،فھ م أق ل عق داً م ن الحق وق واإلع الم ،وأن ا كل ي رغب ة اآلن... بأحد طالبھا" مشينا معا ً ،صوفيا وأنا وميليندا متجھين فعالً نح و كلي ة الحق وق ،ل م يكن الھدف يانس ،بل الھروب من سخرية الفتيات.
١٧٩
"أنا ال أريد أذھب للحقوق" قال ت ص وفيا" :ل ن يتركن ي ھن اك ي انس أتنفس من دون أن يحدثني عن حقوق اإلنسان ،وق ضايا األلب ان والقت ل الخف ي لھ م ،أو ع ن ) Jack the Rippeجال ك ذا رب ا( ،واالدع اءات حول قتله الثمانية عاھرات وتقطيع أشالء أربعة منھن ألبحاثه العلمية" "وأن
ا أي
ضا ً" ق
ال س
لوان" :أن
ا ال أفھم
ك أحيان
ا ً ي
ا ص
وفيا ،لم
اذا تدارينه رغم أنك ال تحتملين الجلوس معه" "أنا أتسلى فقط ،ولكنه يعتقد أني أكن ل ه م شاعر أو أن ه م ن الممك ن أن يربطنا زواج في المستقبل" ما أتمت كالمھا وإذا بيانس مقبل م ن بعي د يظھ ر ابت سامة عري ضة، مشيته المبالغ االتزان بھا ،ھندامه الرسمي وما تبقى من شعره ،فالصلع صار يغزوه شيء فشيء ،حتى أنه يبدو دكتوراً ال طالبا ً. "عندما نتحدث ع ن ال شيطان!" ق ال س لوان ،وھ و مث ل يون اني يق ال عند الكالم عن شخص وحضوره بنفس اللحظة. تمنيت ألف يورو!" قالت ميليندا. "لو أنك ِ ي "مرحب ا ،الي وم س لوان معن ا!" ق ال ي انس" :كي ف حال ك؟ يج ب عل ّ الحذر منك اآلن ،فأنت تمثل القانون" "أال تقول له كلمة تھنأة في البداية قبل أن تحذر من ه؟" قال ت ص وفيا وحركت شفتيھا متھكمة. "آسف ،أنا أقصد المزاح مع سلوان ال أكثر"
١٨٠
تھ اني خاطب صوفيا واتجه بنظره م رة أخ رى نح و س لوان وق ال" : ّ القلبي
ة ي
ا س
لوان ،ي
سعدني أن
ك أنھي
ت ت
دريبك ال
شرطي بنج
اح ،وم
ن اليوم لن نحسب لمخالفات دوريات األمن حساب وأنت معنا" "أن
ت تل
ومين عل
ى ي
انس ف
ي الوق
ت ال
ذي ل
م تتكرم
ي أن
ت بتھنئ
ة سلوان" قالت ميليندا. "لقد ھنأته يا متخلفة ،قل لھا يا سلوان "...وضحكت وعانقته وقالت: "أتمنى لك ولميليندا الفرحة األكبر" لك أيضا ً النجاح والتفوق حياة سعيدة مع "شكراً يا عزيزتي ،وأتمنى ِ من تحبين"
١٨١
فصل
ألني عربي
"ھل كنت تح س أن ك غري ب ع نھم؟ أو أنھ م مختلف ون عن ك؟" قال ت غراتسيا. "من أي ناحية تقصدين؟" "ال أعرف ،يبدو عليھم وكأنھم من مجتمع آخر غير الذي أنت منه" "أنت محقة ،ھم من الطبقة الغنية في الحقيق ة ،وأن ا م ن الطبق ة الت ي تكاد أن تكون فقيرة ،فأمي كانت تعمل محل لصناعة الحل وى بع د وف اة أب
ي ،وھ
ي م
ن فت
رة لي
ست بالطويل
ة تعم
ل ف
ي م
صنع تعلي
ب زي
ت الزيتون ،وھي تتقاضى راتبا ً يسد الحاجة فقط" "وما الذي جمعك بھم وھم من طبقة غي ر الت ي أن ت منھ ا ،وبالتأكي د يعيشون في حي غير الذي أنت تسكنه؟" "إنھا ميليندا ...أنا ل م أع رف ي انس وص وفيا إال م ن طري ق ميلين دا، فھي تعرفت عل يھم ف ي الكلي ة .ص وفيا ت درس معھ ا نف س االخت صاص وي
انس م
ن دفع
ت ص
وفيا وأس
رھم أص
دقاء من
ذ زم
ن ،وأن
ا حقيق
ة ال أعرف عنھم إال الذي تقصه لي ميليندا" "وھل كانوا يشعروك أنك لست منھم؟ أو يتحدثوا معك من فوقية؟" "ال ،ھذه لم يبدر منھم أبداً ،ال بالعكس أنا الذي كان ينف ر م نھم وم ن طريقة كالمھ م .فم ثالً ي انس يتح دث بمواض يع كثي ر ال أعرفھ ا وممل ة ج
داً ،ھ
و كثي
ر االط
الع ويح
ب الكت
ب والمكتب
ات ف
ي الوق
ت ال
ذي ل
م أدخل فيه لمكتبة إال إذا كنت أبحث عن ميلين دا .وص وفيا ال تتح دث إال ١٨٢
ع
ن مغامراتھ
ا م
ع ال
شبان ودور األزي
اء وثيابھ
ا .كن
ت أم
ل الجل
وس معھم ولم أكن أفھم ميليندا كيف تتحمل قضاء الوقت معھم ،فھي تشاطر يانس مواضيعه في القضايا الجنائية وكأنھا قاضي متمرس وأخرى عن المالبس وأدوات التجميل مع صوفيا وسطحيتھا" "كيف بدأت مع ميليندا أول خط وة جدي ة بعالق تكم؟" كان ت غرات سيا مھتم
ة كثي
راً ل
سماع اآلخ
ر وھ
و يح
دثھا ع
ن حيات
ه كأنھ
ا مغ
امرة وخاصة بطريقة الشيقة الجذابة. "ف
ي أول م
رة تح
دثت معھ
ا بجدي
ة عن
دما كن
ت معھ
ا ف
ي الجامع
ة ومعن
ا ي
انس وص
وفيا .كن
ت أس
ير معھ
م والكلم
ات تت
ردد ف
ي رأس
ي مراراً وتكراراً ،وكنت أعي د ص ياغتھا م ع نف سي ف ي اللحظ ة ع شرات الم
رات" :أأق
ول لھ
ا وھ
ي معھ
م اآلن؟" أس
أل نف
سي" :أم أھم
س لھ
ا بأذنھا أن نت ركھم اآلن ك ي ن تمكن م ن الح ديث بروي ة؟" وفج أة وك أني فكرت بصوت مرتفع وقلت وھم سكوت" :يانس ،صوفيا ،لقد ح ضرت اليوم"... "ما الذي جرى لك يا سلوان؟" قالت صوفيا" :كن ت ص امتا ً وتكلم ت وكأنك كنت نائما ً وصحوت من حلم مفزع وأفزعتنا معك" "ل
م أق
صد إف
زاعكم ،إنم
ا ...أري
د أن أتكل
م م
ع ميلين
دا ،وإذا س
محتم لي"... وك
أني أھ
ديت ي
انس ش
يء ثم
ين ،فھ
و يبح
ث ع
ن أي فرص
ة حت
ى يختلي بصوفيا.
١٨٣
"طبعا ً نحن متفھمين تماما ً ،اذھبوا حيث ش ئتم ،ونح ن عل ى ات صال. أكيد أنكم اآلن متشوقون للحديث وكل المستجدات!" "للح
ديث والم
ستجدات؟ ق
ل إنھ
م متلھف
ون للف
راش والق
بالت" قال
ت صوفيا بلسانھا السليط. "مت
ى س
تتأدبين وتتعلم
ين ص
ياغة الك
الم دون أن تنزل
ي تح
ت الحزام؟" قالت ميليندا. ك
ان وج
ه ي
انس يحم
ر عن
د تف
وه ص
وفيا بمث
ل ھ
ذه الكلم
ات ،وال يعرف كيف يتصرف ألن ه يع ي م دى س الطة ل سانھا إذا تكل م بكلم ة ال تعجبھا. انصرفنا دون أن تعلق ميليندا بشيء. "أنا ال أريد أن أخرج من الجامعة اآلن ،عندي محاضرة أخرى" "ال تفزعي أنا ال أري دك أن تخرج ي ،إنم ا أري د الح ديث مع ك عل ى انفراد ،ھل ھذا ممكن؟" "ما بك تتكلم بجدية قاسية يا سلوان؟" "ميليندا ،ھل تحبيني ً حقا؟" ولم تسأل؟ طبع ا ً أحب ك ،أن ت ال شيء الوحي د ف ي دنيت ي ذات أھمي ة " َ ومعنى" "ميلين
دا ،فلنت
زوج إذن ،أن
ا اآلن أھ
الً لتحم
ل م
سؤولية بي
ت م
ستقل وسأتحمل كل مستلزماتك الجامعية ،ال نريد من والديك أي شيء"
١٨٤
وال دي بھ ذا الموض وع بھ ذا الوق ت وأن ا "أنا ال أستطيع أن أتكلم مع ّ مازلت ل م أنھ ي دراس تي ،وال أس تطيع أن أواجھھ م .ھ م اآلن م ن دون ھذا وذاك يستاءون م ن ذك ر اس مك و ...أع ذرني حبيب ي ،أن ا ال أعن ي شيء ،إنما أحاول أن أقرب لك الصورة عما يدور حاليا ً في بيتنا" "أنا أحبك يا ميليندا وال أري د أن أفھ م عم ا ي دور ف ي بي تكم ،وأن ا ل م ألتحق بصفوف الشرطة إال لنعجل بزواجنا ،واآلن تقولين لي أن ت أب ي وبيتنا و"... "على فكرة ،أبي قال لي اليوم أن أدعوك للبيت" ووال ديك ينظ رون إل ي بطريق ة كرھ ت دخ ول "منذ تركت المدرس ة ِ بيتكم من أجلھا" "وال
دي يري د الح
ديث مع
ك الي
وم ال ليعت
ذر من
ك ،ب
ل حت
ى يقنع
ك باالنفصال عني" "وأنت تطلبين مني أن احضر!؟ "أريد أن تبين موقفك أمامه ،ويعرف مدى حبك لي وخوفك علي" "وأنت؟ أال تريدين أن تقولي له عن تمسكك بي وحبك؟ كيف س نقف مكتوفي األيدي دون أن ندافع عن حبنا ومستقبلنا؟" أمامھم إذن ّ "ھل أبقى معك حتى تنھ ي آخ ر محاض رة ون ذھب س ويا ً لبي تكم ،أن ا وال دك ،أري د أن أق ول ل ه ك م أن ا أحب ك وك م أن ا كلي شوق للحديث م ع ِ مستعد أن أضحي في سبيل إسعادك"
١٨٥
"ال حبيب
ي ،وال
دي يري
د الح
ديث مع
ك ف
ي الم
ساء ،أم
ي س
تجھز عشاء ،وبعد أن نتناوله سيكلمك" يدي والديك مثل التحقيق ،أمك من جھة "أنا أتصور اآلن موقفي بين ّ ووالدك من أخرى" "ال ،أبي سينفرد معك في الحديث ،لقد استرقت السمع أثناء م شاجرة والدي بشأننا" قامت بين ّ "مشاجرة؟" "نعم فھم في كل يوم يتحدثون عن الطرق والوسائل الت ي س يتبعونھا إلقناعي لتركك" علي؟" "ھل عندك أي فكرة عن المواضيع التي سيطرحھا والدك ّ ِ "نعم ،سيحاول إقناعك أن تنفصل عني" "وھل يتوقع مني أن أقول له" :نعم ي ا ع م ،م ن الغ د س أترك ميلين دا وستكون بالنسبة لي مثل أختي كي نبقى أسرة متكاتف ة كم ا كن ا ،وتبق ى تعطي أمي بين الحين واآلخر صدقة؟" وبان عليه الغضب والتھكم. وال داي يحب ون خ التي "لماذا تتحدث ھكذا يا سلوان؟ أنت تع رف أن ّ نور كأنھا واحدة منھم" "ميليندا ،أنا سأذھب اآلن ،ھل ستأتي لبيتنا بعد إنھاء الدوام؟"
١٨٦
"ال حبيبي ،لن أستطيع الحضور ،أنت ال تعرف مدى الضغوط التي أعيشھا في البيت ،سأراك في المساء في بيتنا"
١٨٧
فصل
ألني عربي
"أن
ا ال أح
س م
ن كالم
ك ح
ب كبي
ر م
ن قب
ل ميلين
دا ل
ك" قال
ت غراتسيا. "بل
ى ،أن
ت ال تعلم
ين م
دى المعان
اة الت
ي واجھتھ
ا أم
ام تح
ديات ل ك ،ف سرد األح داث والديھا ،لم يكن األمر سھالً مثلما أصورة أنا اآلن ِ على األريكة غير أن نكون أم ام األض واء أو عل ى جبھ ة الح دث .وأن ا أعترف أني كنت أحس ب نقص دائم ا ً بي نھم ،أن ا أعن ي أص دقاء ميلين دا، فكانوا يتح دثون ع ن مواض يع وأس ماء غريب ة ل م أعرفھ ا مث ل جيوت و، أندريا مانتين ا ،ماس ا ش يو ،مايك ل أنجل و ،بي رو دال فرانس سكا ورفائي ل وإبداعاتھم في اللوحات الجصية والزيتي ة وغيرھ ا ،وع ن األدب الق ديم والح
ديث ،اليون
اني والع
المي ،ع
ن ھ
وميروس وطريق
ة ص
ياغته لإللي
اذة واألودي
سة ،والكات
ب الث
ائر نيك
وس ك
ازنتزاكيس وروائع
ه الروائية مثل زوربوس واإلغ واء األخي ر للم سيح وغي رھم .كن ت أق ف مذھوالً للك م الھائ ل م ن األس ماء والت واريخ الت ي ك انوا يطرحونھ ا ف ي جلسة واحدة ،وعندما كن ت أس تاء م ن ع دم الم شاركة والغي اب ال ذھني بينھم أقول" :فلنغير الموضوع ،أليس ھناك ما ھ و ممت ع أكث ر م ن ھ ذا الحديث المتشابه؟" فتق
ول ال
ساخرة ص
وفيا" :س
لوان مح
ق ،دائم
ا ً أدب ،ف
ن وت
اريخ وقضايا يانس الممل ة ،فلنتح اور الي وم ع ن الم شاكل الجن سية ف ي جيلن ا وكيفية التخلص من الصديق عندما يصبح مم الً ف ي الف راش!" كعادتھ ا متھكمة ساخرة. ١٨٨
"وما ھي المواضيع التي كنت تشاركھم بھا" قالت غراتسيا. "ف
ي الحقيق
ة ل
يس الكثي
ر ،إنم
ا ھ
ي ب
ين الع
شرة دق
ائق وأخ
رى يسألونني" :ما رأيك يا سلوان ،ھل الصحافة تعك س أراء الن اس؟ أم أن الناس ھم الذين يبنوا قناعاتھم وثقاف اتھم م ن ال صحافة؟ أم أن ال صحيفة ھي الكلمة الكاذبة التي تقدم إلينا كما يحب الرئيس ويشتھي؟" فيتوه الكالم مني ويحمر وجھي خجالً وأرد عليھم بكالم المجالس بع د الع
شاء" :كلھ
م ك
ذابون ،وم
اذا يعني
ك أن
ت أو يعنين
ي ق
ولھم أو م
ا يسطرون" فيعرف
وا أن
ه ال ذن
ب ل
ي أن
ي خلق
ت ھك
ذا ،ويت
ابعوا مواض
يعھم المتشابكة وكأنھا لغة غريبة بالنسبة لي. "وكيف كنت تحتمل قضاء الوقت دائما ً معھم؟ ھل كان وجود ميليندا ھ
و ال
دافع الوحي
د عل
ى تحم
ل األطروح
ات؟ وم
اذا ج
رى بين
ك وب
ين والدھا في ذلك المساء؟" "رافقتھا نحو مبنى الكلية وتركتھا ھناك بعدما أخذ الك الم بينن ا وج ه ح
اداً وأوش
ك وق
ت محاض
رتھا عل
ى االقت
راب .اتجھ
ت نح
و بواب
ة الجامعة الرئيسية ويشغل ذھني زحمة الشوارع والمساء مع والدھا"
١٨٩
فصل
ألني عربي
"ماذا تريد أن تقول اليوم لسلون؟ أنا لم أعد أحتمل أكثر ،ماذا ستقول عائلتي" :تزوجت ابنتھا من بربري عربي ومسلم أيضا ً! ياللعار" قال ت والدة ميليندا لزوجھا بصوت مرتفع وعصبية. "أنا ال أعرف ماذا سأقول له ،لكني أرجوك أن تخفضي صوتك وأن ال تتكلم
ي مع
ي بھ
ذه الطريق
ة ،ألن
ي أفك
ر تمام
ا ً مثل
ك ،وھ
ي بالنھاي
ة ليست وحيدتك وحدك ،بل وحيدتي أنا أيضا ً ،في المساء س يأتي وأعتق د علي طريقة الط رح مع ه ،والم شكلة األكث ر األجواء ھي التي ستفرض ّ تعقيداً أن ي أحب ه وأع رف أن ه س أحطمه بكالم ي وس يكرھني ،لكن ي ل ن أرضى به زوجا ً البنتي تحت أي ظرف ،أنا أكن ل ه عاطف ة كبي رة ،إال أن ھناك خطوط عريضة في حياتنا ال نتجاوزھا" "وھل تعتقد أني ال أحب نور وولدھا؟ كنت أتمنى أن يكونوا يون ان، فحياتھم وطريقتھا تماما ً مثلنا إال أنھم ليسوا أرثوذكس" "ماذا ستطھين اليوم؟" "في الحقيقة أني ال أفكر اآلن بوجب ة الع شاء أكث ر م ن الحي ز الكبي ر من ه ف
ي ميلين دا وحياتھ
ا ،ال أع
رف كي ف أت
صرف معھ ا ،ت
رفض ك
ل كالمي ،وتعتبره ھجومي" "أن
ت ال تراقب
ي نف
سك كي
ف تتح
دثين معھ
ا ،تعيب
ين عليھ
ا ألنھ
ا ال تدخن السجائر ،ألنك تعتقدين أنه من التحضر أن تحم ل ال سيجارة مث ل الفتي
ات ال
سطحيات ...آس
ف المتح
ضرات ح
سب رأي
ك ،وأن تل
بس
١٩٠
الروك فوق الركبة القصير .كل أسلوبك خ اطئ معھ ا ،أن ت ال تح اولي أن تع
ي أو أن تع
رفين اھتماماتھ
ا ك
ي ت
شاركيھا إياھ
ا ،ال ب
ل تنك
ري عليھا كل شيء ھي تريده أو تحبه أو تتمنى أن تشاركيھا أنت ولو م رة أحد ھواياتھا أو أن تعيشي عمرھا وتكوني لھا بدالً من المعيب الصديقة والحبيب .أنت ال تريدين أن تفھمين أن ميليندا واعية على قدر من العلم والدراي
ة وھ
ي عميق
ة وتك
ره المج
امالت والنف
اق وال
سطحيات ،ف
ي الوقت الذي تحاولي إجبارھا على تقمص ھذه الشخصية الركيكة" علي "أنت السبب في عالقة ميليندا السيئة معي ،كنت دائما ً تحرضھا ّ وتقول لھا أن ال تأخذ بكالمي ،كنت أحوال أن أرقيھا ،وأطل ب منھ ا أن تصاحب الفتيات الراقي ات م ن الطبق ة الت ي تواس ينا وأكث ر ،ف ي الوق ت الذي كنت أنت تح دثھا ع ن س خافاتھم وس خريتھم بالحي اة والن اس ،إذن كي ف ست
سمع كالم
ي أو تأخ ذ بن
صيحتي وتواك
ب جيلھ ا؟ ل
يس س
لوان وأمه ال بل البرجوازيين من أمثال نيك وس والك ساندروس ،ھ ل تع رف قيمة شركة والد نيكوس البحرية في كوريذالوس وأمالك ه ف ي أثين ا؟ أو العقارات التي يملكھا والد الكساندروس...؟" لم يتركھا تكمل حديثھا وقال لھا" :أنا أعلم أنه يصيبني غثيان عن دما تحدثينني عن فالن أو ف الن وع ن س ياراتھم وممتلك اتھم ،أن ا ال أع رف كيف تزوجتك ،ال أعرف حقيقية أي نوع من المشاركة معك في الحي اة غير طاولة العشاء وكالم ك ال ذي ال ينتھ ي ب نفس المواض يع ال سخيفة، أرجوك ،بحق السماء أن تصمتي ...اذھبي للمطبخ وأكمل ي عمل ك ،أل م تبدئي بعمل العجينة؟" سألھا كي يتخلص منھا.
١٩١
فصل
ألني عربي
سمعت نور صوت سيارتھا مثل خوار البقر تقف أمام البي ت ،قام ت من مكانھا وك ان الھ اتف األرض ي بي دھا وھ ي تكل م ص ديقھا" :زاك س سلوان قد حضر سأكلمك فيما بعد" تربط زاك س ون ور عالق ة حميم ة ك ان ي شك بھ ا س لوان ،إال أن ه ل م يبدي أي اعتراض ،فھو تطبع بطباعھم ،وأمه كذلك. "ھل أزوركما اليوم في الم ساء ك ي أحي ي س لوان؟" ق ال زاك س ف ي المقابل. "ال ،ل
يس الي
وم ،لك
ن م
ن الممك
ن أن أزورك أن
ا لب
ضعة س
اعات. س أنھي المكالم
ة اآلن ...فيم
ا بع
د .م
ع ال
سالمة" وض
عت ن
ور الھ
اتف األرضي المحمول على قاعدته واتجھت نحو الخارج. دخل سلوان من البوابة الرئيسية يرمي رأسه بين منكبيه. "مرحبا ً يا أمي" "مرحبا ً يا ولدي ،كيف حالك؟ ھل قابلت ميليندا؟ لم أتوقع أنك ستأتي مبكراً!" دخل سلوان إل ى غرف ة الجل وس الرئي سية وأم ه خلف ه .رم ى بج سده على األريكة جالسا ً يبدو عليه االنزعاج. "كيف كان مشوارك؟" "لقد التقيت بميليندا" ١٩٢
رد سلوان وكأنه يجد صعوبة في الكالم ،أو أنه ال يريد الحديث. "ھل تحدثتم بشيء أزعجك؟" "ال ،إنما لم أجدھا متحمسة كما كنت أتوقع" "ھل تقصد بشكل عام ،أم لزواجكما؟" "ال أعرف يا أمي ،لم أحس بأنھا في صفي ،أو أنھا فرحة أو مستعدة لمواجھة والديھا" "الحق ي ا س لوان أن ميلين دا كان ت تع اني ف ي الفت رة األخي رة كثي راً، فھ
ي تحب
ك أكث
ر م
ن ت
صورك .أن
ت ال تع
رف م
دى ال
ضغط ال
ذي يمارسه والديھا عليھا" "وكأنك تبحثين لھا عن أع ذار! وأن ا؟ أال تفك ري ف ي م شاعري أم ام الرفوض المتتالية م نھم وض عفھا أم امھم؟ الي وم س أذھب لوال ديھا ،فھ م يري
دون الح
ديث مع
ي ،وأن
ا ألول م
رة أدخ
ل بي
تھم وأن
ا أش
عر باالشمئزاز ،ال أستطيع النظر في وجوھھم ،لماذا كرھونني؟ ماذا فعلت لھم حتى أرفض بھذا الصورة القاسية؟" "أنت ل م تفع ل لھ م ش ي ي ا ول دي ...واآلن ال تحم ل نف سك ذنب ا ً أن ت لست صاحبه ،ويكفيك مالمة ،ولنفكر ماذا سنقول اليوم" "ھل ستأتي معي؟" "أوال تريد أن أرافقك في مثل ھذه اللحظة؟" "بلى ...بلى ،لكني اعتقدت أن والد ميليندا يريد مقابلتي على انفراد"
١٩٣
"لقد كلمتني اليوم ميلوذيا بع د خروج ك ودعتن ا س ويا ً للع شاء وقال ت أن دميترس يود الحديث معك أيضا ً .وفي الحقيقة أني استغربت الدعوة ألني اعتقدت أنھا لم تعد تحبذ عالقتي معھم ،أو ب األحرى عالقتن ا .لق د تكلم اليوم زاكس وھو يبلغك السالم ،لقد أحب أن يحضر الي وم لي راك، لكني قلت له غداً" "من
ذ مت
ى ي
ستأذن زاك
س لزيارتن
ا؟" رد عليھ
ا متھكم
ا ً ألن
ه اآلخ
ر بصورة يومية متواجد في بيتھم. "زاكس يحبك يا سلوان وأنت تعرف ھذا ،وھو دائم السؤال عنك"
١٩٤
فصل
ألني عربي
انتھ
ت المحاض
رة األخي
رة ف
ي قاع
ة رق
م ث
الث م
ن كلي
ة ال
صحافة واإلعالم ،وكانت الساعة في األثناء الثانية والربع. خرج
ت ميلين
دا م
ن ض
من الطلب
ة بخط
واتھم البطيئ
ة إال ميلين
دا مسرعة وترافقھا ھلينا وھي أحد الزميالت التي تأخذ معھا نفس المادة. "َلم السرعة يا ميليندا؟" قالت ھلينا. "أريد أن أذھب للبيت" "رافقيني للمكتبة ...إن شئت!" "ال ،آسف ھلينا ،مرة أخرى ،أني اليوم على عجلة من أمري" خرجت ميليندا من مبنى الكلية وأخرجت ھاتفھا الخلوي ،وكان آخ ر رقم طلبته ھو رقم سلوان ،فطلبته. قرع ھاتف سلوان في المقاب ل ،وك ان لميلين دا ف ي ھاتف ه رن ة ممي زة عن اآلخرين ،بحيث يعرف أنھا ھي. ك
ان ف
ي األثن
اء ق
د وض
ع ھاتف
ه عل
ى من
ضدة الوس
ط ف
ي غرف
ة الجلوس ،أخذ الھاتف بسرعة ورد" :مرحبا حبيبتي" "لق
د أنھي
ت المحاض
رة األخي
رة اآلن ،إذا أن
ت موج
ود ف
ي البي
ت سأحضر بعد قليل" "أنا في البيت ،سأنتظرك ،ولكن ألم تق ولي أن ك س تذھبين بع د انتھ اء الدوام للبيت مباشرة؟" ١٩٥
"سأقول لھم أن ي ت أخرت ف ي المكتب ة .أن ت ل م تبتع د ع ن ذھن ي من ذ ذھبت لحظة ،أريد أن أراك" "ولك
ن لم
اذا راودن
ي ش
عور الي
وم بأن
ك بعي
دة عن
ي...؟ ال يھ
م، احضري اآلن ،أنا بانتظارك" "جميل ...مع السالمة سلوان" وأنھت المكالمة. سلوان في المقابل" :فليرعاك "S وأنھى ھو أيضا ً المكالمة من جھته. ارتسمت على شفتي سلوان ابتسامة أثارت الفضول لدى والدته. "ھل كانت ھذه ميليندا؟" "نعم ،ستحضر بعد قليل" وكان من حسن الحظ بالنسبة لنور ألنھا تريد الذھاب لزاكس. "سأذھب إذن للسوق بما أنا ميليندا ستحضر ،وأنت لن تكون وحدك" كان سلوان يعرف أمه جي داً ،فھ ي تغت نم أي فرص ة لمقابل ة ص ديقھا ويعي طبيعة الشيء الذي يربطھم ،فھي لم تكن العالقة الجنسية األول ى بعد والده ،ولم تك ن تج رأ عل ى إعالنھ ا رس ميا ً أم ام س لوان رغ م ع دم رفضه أو اكتراثه بعالقاتھا الكثيرة. خلع سلوان حذائه واستلقى على األريكة يمد س اقيه فوقھ ا .م ا كان ت إال دقائق حتى غرق بالنوم من غير أن يشعر بنفسه.
١٩٦
دخلت عليه والدته في األثناء بعدما ارتدت جميل ثيابھا ،وإذا ب ه ف ي عالم آخر. قبلته وقالت" :أنا سأخرج" لم يسمعھا وبقي في سبات نومه. خرجت وقبل خروجھا من البوابة الرئيسية أخرجت ھاتفھا الخلوي وطلبت رقم زاكس. رأى زاكس رقم نور على شاشة ھاتفه ورد في المقابل" :مرحبا نور" "أنا اآلن في طريقي إليك ،ھل أنت في البيت؟" مع ك ،فلنلتق ي ف ي ال
سوق إذا "ال أن ا خرج ت بع دما أنھي ت مك المتي ِ أحببت! ھل ستأتي بالسيارة؟" ِ "ال ،لقد تركتھا في البيت حتى ال يمل سلوان إذا أراد الخروج" "سأنتظرك في المحطة الرئيسية ومن ھناك سننطلق سويا ً" وتبعد المحطة الرئيسية من )بيريوس( وھي مدينة كبيرة تابعة ألثينا حيث يسكن سلوان ووالدته عن البيت ما يقارب العشرين دقيقة. وقف
ت ن ور عن
د المحط
ة تنتظ
ر المواص
لة الت
ي س
تقلھا ،وط
الب المرحلة اإلعدادية يتصايحون حولھا. وما كانت إال دقائق وإذا بشخير الحافلة يسبقھا قب ل أن ت صل .ص ار ال
صبية يت
سارعون أمامھ
ا لي
صعدوا ،وتمكن
ت ھ
ي اقتح
ام جم
وعھم ضاحكة. ١٩٧
"تذكرة واحدة إلى أثينا ،لو سمحت" قالت نور للسائق. "ثالث
ة ي
ورو وثم
انون س
نت" ق
ال لھ
ا ال
سائق وب
نفس اللحظ
ة ن
زل بإصبعه على لوحة تحكم جھ از طب ع الت ذاكر و خرج ت ورق ة الت ذكرة ويرافقھ
ا أزي
ز ص
ادر م
ن الجھ
از ال ين
افس ارتف
اع ص
وت ال
صبية وكالمھم المتداخل. أخرج التذكرة عن يمينه وأعطاھا لھا" :تفضلي سيدتي" قال لھا السائق بلطف. كانت نور قد أخرجت من محفظتھا ورق ة نقدي ة بقيم ة ع شرة ي ورو قبل صعدوھا الحافلة. أعطته النقد بيده ،وعاود على لوحة التحكم وتساقط النقد المعدني من الجھاز يقرقع عبوة معدنية مستديرة من الجھة التي تقف بھا نور. وض
عت القط
ع المعدني
ة ف
ي محفظتھ
ا داخ
ل الحقيب
ة الجلدي
ة عل
ى كتفھا ودخلت تبحث عن مكان تقف فيه بين زحمة الواقفين. أش عل زاك
س س
يجارة أثن
اء انتظ
اره ف
ي الجھ
ة الت
ي تقاب
ل المحط
ة حيث ستقف الحافلة. ولم يكن يترك ام رأة تتع دى م ن أمام ه م ن غي ر أن يغازلھ ا بكلم ة، حركة أو إماءة. م
شت ن
ور نح وه تقط
ع ال
شارع وھ
ي تراقب
ه ونظرات
ه الت
ي تت
ابع أرداف فتاة صارت تبعد بأكثر من عشرين متر عنه.
١٩٨
"أال تريد أن تتخلص من ھذه العادة السيئة؟" قالت له بأسلوبھا المازح وتعني الجدية قبل أن تحييه. "أي عادة تعني؟ فأنا عندي أطب اع كثي رة س يئة ،فح ددي أن ت الع ادة التي تقصدين" وضحك حتى يھرب من موقفه المحرج أمامھا. قبلھا على شفتيھا قبلة حارة كما كانا يفعال دائما عند لقائھما. "أين تقف سيارتك؟" سألته نور. "ھناك أمام مركز الشرطة" "ھناك؟ حتى تتأكد من المخالفة كأنھا في جيبك؟" "ال بالعكس ،فھو أكثر األماكن التي ال ينتبه إليھا الشرطة" سارا نحو السيارة يقصدان بي ت زاك س .ل م يك ن ھ و ي رى م ن ن ور سوى جسدھا ،ولم يھتم مرة بشخصھا وھو يعي أن عالقت ه بھ ا جن سية رغم وجوده بحياتھا أيضا ً في كثير من المواقف. ھي تعلم بالطريقة التي يفكر بھا زاكس تجاھھا وھي لم تختل ف عن ه كثيراً.
١٩٩
فصل
ألني عربي
قرعت ميليندا الجرس مرات عديدة وھي تقف في الخارج ،لم تنتظر حتى دفعت الباب ودخلت. وقف سلوان غضبا ً مفزوعا ً من الرنين المتواصل ،وم ا أن ع اد إل ى ذاته وإذا بميليندا تقف أمامه. تبخ
ر غ
ضبه فج
أة عن
دما مال
ت ھ
ي علي
ه وعانقت
ه وص
ارت تقبل
ه ويقبلھا دون أن يتبادال الكالم. فلم تسمح لھم الفرصة أن يختليا منذ ليلة األمس ،وشوق يغزوھما ال يخفى من التحام جوارحھما. "أين نور؟" وقفت ميليندا وكأنھا أفاقت من سكرة. "قبلين
ي حبيبت
ي وال تھ
دئي ،وال ت
سألي ع
ن أم
ي ،فھ
ي أي
ضا ً تقب
ل اآلن زاكس" "ھي اآلن عنده؟" "قالت أنھا ستذھب إلى السوق ،لكن ك تعرفيھ ا تغت نم أي فرص ة ك ي تقابله" "ھ
ل تعل
م أن الن
ساء بع
د األربع
ين ت
زداد ال
شھوة والن
شوة عن
دھم؟ ونور تعيش نشوة معه أكثر من التي بيننا" لك أنھا تحبه أو على عالقة حميمة معه؟" "ھل قالت ِ ٢٠٠
"ال ،لكني أعرف أمك عندما تحب رجل ،ولكن ما ال ذي ي دريك ع ن طبيعة العالقة بينھم؟" "أنا أعرف أمي أكثر منك ،وأحس بھ ا ف ي ك ل م رة عن دما تق دم ل ي رج
ل عل
ى أن
ه ص
ديق ،وزاك
س حال
ه ح
ال غي
رة م
ن ال
ذين س
لفوا وقدمتھم لي" مالت ميلنيدا على سلوان فوق األريكة وصارت تقبله وتح سس عل ى خديه وتنظر في عينيه. "لن تأتي نور إذن قبل ثالثة ساعات أو أربع" "ھي تعلم أنك عندي ،وھي لن تفاجئنا .ستھاتفني قبل أن تأتي" رم
ت ميلين
دا بج
سدھا ف
وق س
لوان ،وھام
ا ملتھب
ين يتعارك
ا الح
ب، الھي
ام وان
سجام اللحظ
ة وح
رارة ش
مس النھ
ار الت
ي ال تق
ل ع
ن حرارتھما.
٢٠١
فصل
ألني عربي
"متى ستنھي اليوم ميليندا محاضراتھا" سأل دميترس زوجته. "م ن المف روض أن تك
ون ھ ي من ذ أكث
ر م ن ن صف س
اعة ھن ا ،ل
و راھنتك اآلن على أن ابنتك مع سلوان في بيت نور سأكسب الرھان" "ال تبالغي كثيراً ،أنت تعرفين م دى ن شاط ميلين دا واجتھادھ ا ،وھ ي تفصل بين عالقتھا مع سلوان ودراس تھا ،وھ ي ل ن تقابل ه ،وف ي م ا ل و قابلته اآلن حسب زعمك لن يكون على حساب دراستھا ومستقبلھا" "لقد ھاتفتني وقالت أنھا ستذھب مع صديقتھا إلى المكتب ة ،ول و ن زل اليسوع اآلن وح ل عن دي ل ن أص دق أنھ ا لي ست م ع س لوان .لق د أنھ ى البارحة دورته الشرطية وھي لم تراه منذ أس بوعين ،وتري د أن تقنعن ي أنھا س تذھب إل ى المكتب ة! دميت رس ،أن ت س تنھي الموض وع الي وم م ع سلوان بأي طريقة كانت ،أنا لن أصبر أكثر من ھذا ،س أموت قھ راً إذا بقيت ميليندا على عالقتھا معه" وصارت تدور في الغرفة أثناء حديثھا وتأشر بيدھا وترف ع ص وتھا، فھي تنفعل بسرعة عندما تتحدث بھذا الموضوع. "أنا ال أعرف كيف احتملتك كل ھذا العمر؟ أنا الذي س أموت بأزم ة قلبية أو صدمة في الدماغ إذا بقيت أنت على ذمت ي وف ي بيت ي .أس كتي أرجوك وال تتحدثي بشيء على اإلطالق ،لم أعد أحتمل الحديث مع ك. إال تستطيعين أن تحاوريني مث ل أي ام رأة طبيعي ة حت ى نت ساعد س ويا ً على التخلص من ھذه الكارثة التي لم نحسب لھا يوم حساب"
٢٠٢
علي ك الي وم أن ت أي ضا ً أن تتح دثي وقف دميترس من مكانه وق ال" : ِ م
ع ن
ور بھ
ذا الموض
وع وتخاطبيھ
ا بمنطقي
ة حت
ى ت
ساعدنا ھ
ي م
ن التخلص من ھذا المأزق" "وكي
ف س
أطلب منھ
ا أن تقن
ع ول
دھا أن يت
رك ابنتن
ا؟ ب
أي ص
ورة سأقدم لھا طريقة الطرح ھذه؟ قلي بح ق ال سماء أن ت! أن ت تع رف أنھ ا صديقتي منذ زمن وأنت نفسك ل م يك ن يم ضي عي د أو مناس بة دون أن تكون ھي وولدھا معنا" "ال أع
رف ،أن
ا ال أس
تطيع أن أواج
ه ن
ور بھ
ذا الموض
وع أب
داً ،أال يكف
ي أنھ ا من
ذ ع
ام ل
م ت
دخل بيتن
ا لعلمھ
ا م
ن موقفن
ا تج
اه س
لوان؟ أسمعي ،بعد أن نتن اول الع شاء س ويا ً س أختلي م ع س لوان ف ي الخ ارج، وألجل ھذا ھي دعوت اليوم وال يھمني وجود ميليندا معن ا ،ال ب العكس فقد أتمكن من إقناعھا ھي أيضا ً من خالل الحديث مع سلوان ،وأنت في طبيعة الحال ستكونين م ع ن ور وح دك ،وقتھ ا خاطبيھ ا بمنطقي ة ح ول االختالفات بيننا وبينھم ،والدين واألشياء الجوھرية في العالقة الزوجية وضرورة مساواة الزوجين من وجوه كثيرة" سكتت ميلوذيا وھي تفكر بالطريقة التي ستكلم نور بھا وخاصة أنھ ا لم ترھا منذ زمن ،فھي خجلة ألنھا قطعت العالقة معھ ا م ن ب اب وم ن اللقاء األول والحديث معھا بھذا الموضوع ب دالً م ن االعت ذار م ن ب اب آخر.
٢٠٣
"ما رأيك أن نبعث ميليندا إلى بيت أخي ألكساندروس ف ي س االميني في اإلجازة الصيفية؟ قد يكون بعدھا لفترة من جھة سببا ً لنسيانه وحتى ترتاح من أخرى من ضغوطنا" "وماذا ستفعل ھناك في الجزيرة؟ وأنت تعرفين أن عالقتھا مع أبناء خالھ ا لي
ست بالحميم ة ،وھ
ل تعتق
دي أن ه م
ن ال
سھولة أن تواف
ق عل
ى قضاء العطلة كاملة ھناك؟" "انك ال تبدي أي نوع من التعاون معي ،كل فكرة أطرحھا مرفوضة عندك"... وقبل أن تنھ ي كالھم ا رد عليھ ا دميت رس ق ائالً" :أن ا ال أس تطيع أن أتح
دث مع
ك بموض
وعية ،كلم
ا حاول
ت أن أب
ين س
ذاجة خطط
ك وأفك
ارك غ
ضبتي واتخ
ذت األم
ر بخ
صوصية وھجومي
ة .أن
ا ال أھاجم
ك ،ال ب
ل أوافق
ك بالھ
دف ،إال أن
ك ال تري
دين أن ت
ستوعبين أن ابنتنا ليست طفلة حتى تتخذين قرارات دون الرجوع إليھا ،وأنت تع ين أنھا لن توافقك على ھذا الذي تقترحيه" "أنت تحطم مجاديفي ف ي ك ل محاول ة تق رب م ع ميلين دا حت ى أوط د العالقة بيني وبينھا ،فأنت دائما ً في صفھا وتقف ضدي في أي طرح أو اقتراح يتلق بحياتھا" وكان ت ت شير بي ديھا أثن اء الح
ديث كعادتھ ا عن دما تنفع ل ،وم ا أكث
ر انفعاالتھ
ا وخاص
ة إذا ك
ان الح
ديث ح
ول حي
اة ميلين
دا ...ف
ي طريق
ة لبسھا ،أسلوبھا في الحديث أو أصداقھا.
٢٠٤
كانت تعلق عل ى ك ل ش يء حت ى أظافرھ ا وق صة ش عرھا وحرك ات ي
ديھا ،ل
م تك
ن تتركھ
ا ت
ستقل بفكرھ
ا وال حت
ى ف
ي ترتي
ب حجرتھ
ا وأقجارھا.
٢٠٥
فصل
ألني عربي
رن ھاتف ميليندا وھي مستلقية على األريكة بجانب س لوان ورأس ھا تحت عنقه ويدھا ملتفة على صدره واألخرى تحت رأسه. ك ان الھ
اتف ف
ي حقيبتھ
ا عل
ى األرض وبينھ
ا وب
ين ھاتفھ
ا الخل
وي سلوان وھو غارق في النوم ،لم تستطع الوصول بسرعة حتى بعد أكثر من سبعة رنات سكت ...أفاق سلوان على صوته. "ھل أفاق حبيبي؟ لق د كن ت ف ي س بات عمي ق وكأن ك من ذ أس ابيع ل م تنم" "نعم حبيبتي ،فأنا فعالً منذ أكثر م ن أربع ة ع شر يوم ا ً ل م أذق طع م النوم ،ھل نمت أنت أيضًا؟" "ال ،كنت أتمعنك ،أعشقك وأحسس على خديك" سحب سلوان جسده بعض الشيء لألعلى وأمسك يد ميليندا وقبلھا. "أنت حبيبتي ،ھل تعلمين كم أحبك؟ وكم أنا مستعد لتقديم التضحيات حتى نستقل بحياتنا؟" "أعل
م حبيب
ي ،وأعل
م أي
ضا ً أن أم
ي اآلن ل
ن تھ
دأ حت
ى أرد عل
ى مكالمتھا" "وما أدراك أنھا ھي؟" "أنا أعرف أنھا ھي ،فھذه الرنة ھي لھا فقط" وقفت ميليندا عارية وأخذت حوائجھا وذھبت إلى الحمام. ٢٠٦
"سأغتسل بسرعة وأذھ ب إل ى البي ت ،ال أري دھم أن ي شكوا بكالم ي وأني كنت معك" اس
تند س
لوان ووض
ع الغط
اء المتط
اير عل
ى فخذي
ه وق
ال ب
صوته المتعب" :نعم حبيبتي ،أنت محقة" وكأنه لم يرد أن يناقشھا أو يدخل ف ي مھ اترات معھ ا لرف ضه إخف اء العالقة بينھما. عاود الھاتف الرنين متصاعداً من جدي د ،حت ى ص ار ال رنين مرتف ع وأثار سلوان. أقبل عليه وكبس على أحد أزرار اللوحة إلصماته. "ال ت
رد عل
ى الھ
اتف ي
ا س
لوان أرج
وك" قال
ت ميلين
دا وھ
ي داخ
ل الحمام. "ال تخافي ،لن أرد ،فأنا لست متحمس للحديث مع والدتك" قال وھو باديٍ عليه عدم الرضا" :ھل تعتقدي أني سأرفع ال سماعة اآلن للح ديث معھا ً حقا؟" "طبعا ً ال ،لكني خائفة ...ال تغضب حبيبي مني" كان
ت تكلم
ه وھ
ي ف
ي ال
داخل ل
م تخ
رج" :ال أري
د أن يت
أزم الوض
ع أكثر ،نحن اآلن في موقف حرج وخاصة اليوم" "ھل تعلمين أن أمي ستأتي معي؟"
٢٠٧
كنت أتحدث معھا بصوت مرتفع حتى تستطيع سماعي" :لقد فوجئت عندما قالت لي أنھا ستأتي معي" خرجت ميليندا من الحمام وكانت قد انتھت من تجھيز نفسھا ،فھي لم تكن من الفتيات اللواتي يستغرقن ساعات أمام المرآة. "وما ھو سبب المفاجئة؟ أم أنك ال تريد أن تأتي نور معك؟ ولكني ال أفھم ھذه المرة سبب استيائك لحضورھا!" "أن
ا ال
ذي ال أفھم
ك ،أن
ت ت
سألين نف
سك وتجيب
ين ،أن
ا ل
ست م ً ستاء لوج
ود أم
ي مع
ي ،ال ب
العكس ،فأن
ا أح
س بأنھ
ا ت
شد م
ن ع
ضدي ف
ي الوق
ت ال
ذي س
أكون في
ه وح
دي أم
ام ش
الل م
ن أس
ئلة ،استف
سارات وتبريرات" وقفت أثناء حديثي واتجھت أنا اآلخر إل ى الحم ام وبقي ت واقف ا ً عل ى بابه وأنا أتحدث مع ميليندا. "أنا لن أنتظرك يا سلوان ،سأذھب اآلن وتستطيع أنت بع د خروج ي أن تستحم على مھلك" كان سلوان قد اعتقد لحظة أنه سيرافقھا إلى البيت ونسي أنھ ا بال سر عنده وال علم لوالديھا بوجودھما معا ً. أخذ سلوان فوطة من الحمام ووضعھا حول محاش مه وراف ق ميلين دا حتى البوابة الرئيسية. "أرجوك يا سلوان أن تكون الي وم أني ق أكث ر م ن أيام ك ،الي وم مھ م والدي" جداً بالنسبة لنا ،وأنا ال أعرف كيف ستكون ردود فعل ّ ٢٠٨
"أن
ت تتح
دثي وك
أني س
أدخل بي
تكم للم
رة األول
ى ،ال تب
الغي حبيبتي"... "الي وم غي
ر ك
ل األي
ام ،أن
ت الي
وم غي
ر ال
ذي ك
ان ف
ي بيتن
ا ف
ي الماضي ...الصبي الذي يزور ميليندا ،لكن ك الي وم ھ و ال ذي س يخطفھا م
ن ب
ين ي
ديھم ،وأن
ت ال
ذي ك
ل األنظ
ار وال
رفض حول
ك ،فك
ن عل
ى األق
ل أنيق
ا ً ج
داً ،فأن
ت تع
رف أم
ي ال تت
رك ش
يء م
ن غي
ر تعلي
ق أو تعلي ل ،ال أري دھا أن تنھ ال عل ي بع
د خ روجكم ب سيل م ن الل وم وك
الم سينغص علي مسائي ،ال بل األسبوع كله ...من أجلي حبيبي"... "كم
ا تري
دين ميلين
دا ،أتمن
ى م
ن Sأن نخ
رج ب
أقرب فرص
ة م
ن السياج القاتل من القيود والقوانين العرفية من أمك وأبيك" قبل
ت ميلين
دا س
لوان عل
ى خدي
ه وھ
و واق
ف ف
ي داخ
ل س
ور البي
ت وھي في الخارج على عجلة من أمرھا. "انتبھي لنفسك في الطريق حبيبتي" وض
ع س
لوان براح
ة ي
ده عل
ى أعل
ى خ
دھا والم
س بأص
بعه تح
ت عينھا ،وكانت ھذه عادته. أسرع يركض سلوان للبيت حتى صار يقف داخ ل ال رواق الرئي سي للبيت ووقعت عيناه على س اعة الح ائط المعلق ة ھن اك ف وق الحم ام ف ي المقابل. كانت الساعة السابعة وخمس دقائق ،وخطر بباله أن أمه لم تأتي ولم تتصل. ٢٠٩
دخل غرفة الجلوس حيث ك ان ھاتف ه الخل وي عل ى من ضدة الوس ط، حمله وبحث عن رقم أمه في الئحة األرقام وطلبھا. رن ھاتفھ
ا وھ
ي ملق
اة عل
ى س
رير زاك
س عاري
ة ،أخرج
ت ھاتفھ
ا المحم
ول م
ن حقيبتھ
ا ورأت اس
م س
لوان عل
ى ال
شاشة ،وقب
ل أن ت
رد أومأت بيدھا لزاكاس أن يسكت. "سلوان كيف حالك حبيبي؟" "أنا جيد يا أم ي ،ولكن ك إذا ل م تخرج ي اآلن بع د أن تنھ ي مك المتي سيستاء حالي جداً .في الثامنة يجب أن نكون في بيت دميترس ،أم أن ك نسيت؟" بدا على نور الدھشة ألنھا نسيت فعالً الموعد. "كيف أنسى يا سلوان! سأكون حاالً في البيت" "أنا بإنتظارك" لم يرد سلوان أن يطيل الحديث ،كان يعرف أنھا عند عشيقھا. "مع السالمة" قالتھا في اليونانية مثل عادتھا في أغلب األحيان وأغلقت السماعة. نھضت من السرير مفزوعة وقالت" :لقد نسيت حقا ً أننا اليوم مدعوون والدي ميليندا" في بيت ّ لب
ست أش
يائھا ب
سرعة ك
ي ت
تمكن م
ن الح
ضور ف
ي الوق
ت المح
دد وھي من النوعية التي ال تلتزم بالمواعيد ،لكنھا تعي أھمية موعد اليوم ٢١٠
لولدھا ولھا أيضا ً ،ف ستكون انقالب ة ف ي حياتھ ا ألنھ ا ل م تك ن ح رة كم ا تتمنى لوجود سلوان في البيت ،ھذا رغم حبھا الكبير له. "على مھلك يا نور ،أنا سأوصلك إلى البيت" "وھل كنت تعتقد أني سأنتظر الحافل ة؟ حت ى ت دور ك ل ن واحي أثين ا يكون سلون قد انفجر غيضا ً .قم اآلن أرجوك ب سرعة حت ى ينتھ ي ھ ذا المساء على خير" وقف زاكس ببطء من فراش ه حال ه ح ال ن ور ل يس علي ه غي ر ش عر جسده.
٢١١
فصل
ألني عربي
"أن
ا أعتق
د أن ھ
ذا الم
ساء غي
ر مج
رى حيات
ك ي
ا س
لوان" قال
ت غراتسيا. "ف
ي ذل
ك الم
ساء تغي
رت أش
ياء كثي
رة ف
ي الحقيق
ة ،إال أن موق
ف وال
ديھا ھ
و الوحي
د ال
ذي بق
ي كم
ا ك
ان ،ص
لبا ً ،متحج
راً مث
ل أفك
ار العصور الوسطى والصخرة التي زرع عليھا والدھا دالية خلف بيتھم" كان سلوان مع غراتسيا في ل وج المؤس سة الخ اوي م ن الن زالء ف ي ذلك اليوم. "أنت عالم ق ائم ب ذاتك ي ا س لوان ،في ك ومع ك يق رب البعي د ،ي تقلص الوقت ،يتسع المكان ويرحب الخيال" ص
رت أنظ
ر ف
ي لمع
ان عينيھ
ا وات
ساعھا أثن
اء ح
ديثھا .اس
تدارت نحوي ،كانت متكئة جانبي فاستندت وجلست على حاف ة األريك ة ت ضع ق دمھا اليمن
ى عل ى ش
مالھا وأن ا أرخ
ي بظھ ري مك
ان جل ستي وم
شبك يني. أصابعي فوق بطني أحرك إبھامي وأتابعھا بحديثي وع ّ "ل
م أك
ن دائم
ا ً مثلم
ا ترين
ي اآلن ،كن
ت كثي
ر م
ن األحي
ان ال أط
اق وخاصة الفترة األخيرة من عالقتنا .تغيرت ...ال أعرف أني تغيرت أم أني كنت دائما ً ھكذا ،ل م أع د أحتم ل س ماعھا وال يورغ و وص وفيا ،ل م أعد أحتمل نقاشھم وكرھ ت الجل وس معھ م ف ي الوق ت ال ذي كان ت ك ل العالق
ة ك
ل ي
وم تتوط
د بي
نھم وأن
ا أفق
د لغ
ة الح
وار م
ع أم
ي وميلين
دا وبالتالي معھم"
٢١٢
"ھل تعرف أني أحس بھذا ال شعور م ع أھل ي ،وك أني ف ي ع الم غي ر ال
ذي يعي
شونه ،والعجي
ب ف
ي األم
ر أنھ
م ال يح
اولوا أخ
ذي معھ
م ألجوائھم" ولم ال؟ أنت ابنتھم الوحي دة ،أل يس م ن المف روض أن يأخ ذوك إل ى " َ كل مكان يذھبان إليه ...ليس ك ل مك ان إنم ا عل ى األق ل ف ي اإلج ازات والمناسبات" ص
ارت غرات
سيا تھ
ز برأس
ھا أثن
اء ح
ديث س
لوان وكأنھ ا تري
د أن تقاطعه. "أنا ال أعني أن ي ال أرافقھ م ف ي م شاوريھم أو رحالتھ م ،إنم ا ال ذي أعنيه ھو أني أحس بعزلة روحية ،وأنھم ال يشاركونني أفكاري أو أنھم ال يريدون أن يشاركونني إياھا .يحزنني أحيانا ً ھذا التغريب بين األھل رغم تضامن أسرتنا .أنا أعتق د أنھ م ال يفھم ونني ،أو أن ه مغل وب عل ى أمرھم لفرق العمر بيننا" تقل
صت ابت
سامة غرات
سيا واختف
ى لمع
ان عينيھ
ا وص
ارت تھ
رب بأنظارھا إلى األرض تارة ھنا وأخرى ھناك. "وھل الفرق بينكم في العمر كبير لھذا الحد؟" "نع
م ،عم
ر أم
ي أثن
ين وس
بعون ع
ام وأب
ي ي
صغرھا بع
ام ،أن
ا ال أع
رف إن ك
ان ھ
ذا ھ
و ال
سبب أم أنھ
م ال يري
دون معرف
ة م
ا يج
ول بخاطري ألنھم مھتمون بأنفسھم أكثر م ن اھتم امھم ب ي وخاص ة أم ي.
٢١٣
أنا أكرھھا ،ال أذك ر الم رة األخي رة الت ي ع انقتني بھ ا ،قبلتن ي أو قال ت أنھا تحبني" "ومت
ى قل
ت لھ
ا أن
ت أن
ك تحبيھ
ا؟ أو مت
ى عانقتھ
ا وقل
ت لھ
ا أن
ك بحاجة لھا؟" ولم أكد أنھي كالمي حت ى قال ت" :أن ا عانقتھ ا وقبلتھ ا ف ي عيد ميالدھا قبل تسعة أشھر" "أعتق
د أنھ
ا ھ
ي أي
ضا ً عانقت
ك وقال
ت ل
ك أنھ
ا تحب
ك ف
ي ي
وم عي
د ميالدك! غراتسيا حتى األم تحتاج للحنان من ابنتھا تماما ً مثل احتياجك أنت لھا .اذھبي اليوم لھا وقول لھا عن أحاسيسك وأنك تحت اجين لحبھ ا وقولي لھا أنك تحبيھا كثيراً وضميھا إليك .ھي تحتاج لھذا تماما ً مثلك، لكن كبريائھا يضعفھا وأنت أي ضا ً ،ك وني قوي ة واب دئي أن ت معھ ا ،أن ا أع
رف ان
ه ل
يس س
ھالً علي
ك أن تق
اومي نف
سك وتقف
زي ع
ن كبريائ
ك مرة .ستكونين أنت األقوى ل و فعلت ي ھ ذا .أن ت تع ي وتع رفين بالتأكي د حقيقة كينونتك وتتصرفي عن علم ووعي بما يدور بعقلك الباطن" "أنا ال أختلف كثيراً عنھم ،ال أفھم عقلي الباطن وال أعي كثي راً كم ا تصورني أنت ،الذي أعرفه أني ال أحس من أمي بأي نوع م ن الح ب، ال بالعكس دائما شجار أو تجاھل" "كما تريدين ...ولكن ال تغضبي" ارتف
ع ص
وتھا قل
يالً وانفعل
ت وھ
ي تتح
دث ع
ن أمھ
ا فقل
ت لھ
ا: "حاولي اليوم أن تتحدثي معھ ا بك ل م ا ت شعرين وتري دين ،ھ ي تنتظ ر تماما ً الشيء الذي أنت تنتظريه منھا ...ابدئي أنت"
٢١٤
ولم أنا؟ ھي أمي وھ ي الت ي يج ب عليھ ا أن ت ضمني إل ى ص درھا " َ وتشعرني بالحب وليس العكس" "غراتسيا ،ھي امرأة أيضا ً ال تنسى ھذا ،وھي تحس بذات اإلحساس مثلك ،وقد يكون أكثر ،أنا ال أعرف طبيعة العالقة بالضبط بينكم ،لكني أعتق
د أن ھ
ذه العالق
ه ح
صيلة س
نين ولي
ست م
ن البارح
ة ،وم
ن غي
ر الحديث لن يستطيع أحدكم وضع قاعدة أساسھا الحب ومنھا تنطلقا" ع
دلت غرات
سيا جل
ستھا وأش
رقت عل
ى وجھھ
ا ابت
سامة كان
ت ق
د اختفت قبل قليل. "حدثني أنت سلوان عما دار في ذلك المساء ،كيف كانت مقابلة والد ميليندا ووالدتھا لك؟" "أنا أعرف اآلن سبب ھذه االبتسامة العريضة على شفتيك ،ھ ل ھ و حب الفضول؟ أنا أكرھه حتى النخاع" عبست غراتسيا ثانية وقالت بصوت خاف ت وھ ي حرج ة" :ال ،ل يس حب الفضول ،ولكن ما ھو ذنب ي إن كن ت أن ت وض عتني ف ي ص ندوق العابك...؟ وفيه الكثير ،إلى ميليندا ،دميترس وأعالم األدب والجريمة"
٢١٥
فصل
ألني عربي
دخل
ت ميلين
دا م
ن بواب
ة البي
ت الرئي
سية وأول م
ن ف
رح بق
دومھا الكل ب ،وك ان م
ن ف صيلة )الجي
رمن ش يبرد( وك ان يحبھ
ا كثي راً ،أقب
ل عليھ
ا وقف
ز يلعقھ
ا معب
راً ع
ن س
روره بق
دومھا ،نزل
ت بركبتيھ
ا عل
ى األرض وھي ترتدي بنطالھا الجينز الرمادي وصارت تعانقه وتح سس عليه وھو يلھث فرحا ً بھا. دخلت البيت وصارت تنظر في الغ رف تبح ث ع ن أبيھ ا ،وخرج ت أمھا من المطبخ على صوت الب اب والكل ب" :أي ن أن ت ي ا ميلين دا؟ ك ل ھذا في المكتبة؟" ومن دون أن تجيبھا سألتھا" :أين والداي" وراح
ت بعينيھ
ا ف
ي جمي
ع أرج
اء المن
زل" :ھ
ل ھ
و ف
ي الحديق
ة الخلفية؟" "ميليندا ،إذا مت أو أصبت بنوبة قلبية فستكون منك ،أو من والدك" "ال تقلقي يا أمي أنت مازلت شابة وتحاسبين على برنامجك الغ ذائي جيداً ،لن تصابي ب أي مك روه إذا تركتن ي بح الي وانتھي ت م ن الت ذمر، ألنه إذا انھارت أعصابك مرة لن تكون إال من كثرة تذمرك" اتجھت ميليندا نحو الباب الخلفي للبيت ال تبادل أمھا أي نظرة" :ھل ھو في الخارج يا أمي؟"
٢١٦
كانت ميلوذيا تراقبھا متعجبة م ن تجاھلھ ا وتم شي خلفھ ا" :أحق ا ً أن ا أمك؟ إن كنت حقا ً كما تقولين ،لم اذا ال تقف ي وأن ت تح دثيني وتب ادليني ذات الحب الذي تبادليه ألبيك ،أو على األقل أجيبيني على سؤالي" وقفت ميليندا وصارت بين رواق المنزل من الخ ارج وق دمھا اآلخ ر حبب ت، في ال داخل" :أن ت ل م ت سأليني ،م اذا تري دين؟ اس أليني اآلن إن ا ِ ماذا ھناك؟ إذا كان السؤال ھل التقيت بسلوان فالجواب ال" "ميليندا أريدك أن تساعدينني في المطبخ ،أنا أعددت كل شيء ،فقط في تحضير األطباق والفوط" "سأحضر ...على الفور" ردت عل
ى وال
دتھا وھ
ي تع
دو ف
ي ال
رواق إل
ى الحديق
ة الخلفي
ة تج
اه أبيھا. كان دميترس يھذب أحد األشجار التي زرعھا من وقت قري ب ،فھ و من المھتمين بعنايتھا. "أتمن
ى أن أك
ون ش
جرة التف
اح ھ
ذه ي
ا أب
ي حت
ى تھ
تم ب
ي مثلھ
ا" خاطبته قبل أن تصل إليه" :متى ستثمر وتتف رغ ل ي ،ألن ي ب دأت أفك ر في اقتالعھا" نزل
ت ع
ن األرض
ية اإلس
منتية وم
شت بح
ذر ب
ين األزھ
ار حت
ى وصلت لوالدھا. عانقته وقال ت ل ه تداعب ه" :ھ ل أقتلعھ ا اآلن أو تنتھ ي وتجل س مع ي ً قليال؟ متى سنأكل منھا" ٢١٧
"تبدأ األشجار في اإلثمار عادة يا ميلين دا ف ي ال سنة الثاني ة أو الثالث ة ح
سب ال
صنف واألص
ل ومك
ان الزراع
ة ومق
دار العناي
ة باألش
جار، والتقليم يلعب دوراً كبيراً في صيانتھا" "وھل تعتقد أني سأصبر ثالثة سنين على ھذا الحال؟ سأعطيك مھلة أقصاھا ثالثة أشھر ،فإن لم نأكل من ثمارھا سأقطعھا وأضع مكانھ ا... ماذا سأضع مكانھا؟" كانت ميليندا تالطف والدھا. "لماذا ال تذھبي لوالدتك وتتركيني أكمل؟" كان دميترس جال سا ً عل ى ركبتي ه ويل بس قف ازات م ن التفت ا ويج ور حول الشجيرة بيديه. "ال ...أنا سأقتلعھا اآلن ،أتحدث معك وتقول لي اذھبي إلى أمك ،كل ھذا من أجل ھذه النبتة؟" مدت يدھا تريد اقتالعھا تقصد مداعبته. "ال يا ميليندا ،أنا سأنتھي حاالً" وأمسك بيدھا وھو يعي أنھا تمازحه: "سآتي على التو ،أعطني خمس دقائق وسأكون قد انتھيت" "خمسة دقائق ال غير وإال ...سأحرمك من حناني لمدة يوم ...ال يوم كثير أنا ال أحتمل ،نصف يوم ...أيضا ً ھذا كثير ...خمس ساعات على ع
دد دق
ائق ...ال ،ل
ن أحتم
ل أي
ضا ً .الح
ل الوحي
د أن تنتھ
ي ح
االً ،م
ا رأيك؟" كانت ميليندا تقف فوق رأسه وتمنع ه م ن المتابع ة فق ال لھ ا" :أع دك م
ن وق
ت ذھاب
ك ل
ن أتج
اوز الخم
سة دق
ائق ،واآلن اتركين
ي أكم
ل ي
ا حبيبتي" ٢١٨
قبلته ،شدت شعره وقالت" :إياك أن تتأخر" أخرج
ت ميلوذي
ا رأس
ھا م
ن الناف
ذة المطل
ة عل
ى الحديق
ة الخلفي
ة لك سلوان متى سيحظر مع والدته؟" وسألت ميليندا" :ھل قال ِ "قلت له بأن يحظر على الثامنة مساء ولم أكن أعلم أن نور س تحظر معه" واتجھت ميليندا نحو الباب الخلفي للبي ت أثن اء ح ديثيھا" :أل م تھ اتفي نور؟" "بلى ،قالت أنھا ستكون ھنا مع الثامنة"... كان دميترس منشغالً بشجيرته ورد على سؤالھا لميليندا" :الساعة لم تبلغ الثامنة يا ميلوذياَ ،لم أنت مشوشة؟ وتعممي ھذا على أجوائنا" "من سألك أنت؟ أترك ما بيدك اآلن وادخل حتى تستقبلھم" دخلت ميليندا إلى المطبخ وقبل أن تبدأ بإخراج األطباق سمعت نباح الكلب قبل أن يرن الجرس ،فقالت ألمھا" :ھا قد حظروا" وعدت للباب مث ل غزال ة يتط اير ش عرھا خلفھ ا ون سيمھا كالري اض يتقاطر. دخل سلوان ووالدته وأقبل عليھم الكلب وقفز على سلوان يرحب به. ي فتح
ت ميلين
دا الب
اب وأول م
ا وق
ع نظرھ
ا عل
ى الكل
ب عل
ى كتف ّ سلوان. "أنظري ،لقد اشتاق لي وحسبته قد نسيني" ٢١٩
"أنت تعلم أن الكالب أكثر إخالصا ً من البشر" عانقت ن ور وحيتھ ا: "مرحبا يا نور ،أنا سعيد ألنك مرة أخرى في بيتنا ،لقد مضى زمن منذ كنت عندنا" "نعم يا ميليندا ،وأنا سعيد بدعوة والديك ،أتمنى أن نرج ع أس رة كم ا كنا يا ابنتي" وحيت سلوان بيدھا من غي ر أن تقبل ه ،ورمقت ه بعينيھ ا كأنھ ا تعت ذر منه. والديك؟" "أال تريد أن يراك ِ ق
ال لھ
ا س
لوان ب
صوت يك
اد أن يك
ون م
نخفض وأجابت
ه بقولھ
ا: "أدخال اآلن ،أمي تنتظرك يا ن ور ،لق د أتعبتن ي ب سؤاالتھا" :مت ى ت أتي نور ...متى تأتي؟" "نور في بيتنا! يوم سعيد" حييت ميلوذيا نور وھي تقف على الشرفة ،نزلت ال درجات" :تع الي يا نور" عانقتھا وسعدت بھا كثيراً ،اس تدارت ل سلوان وض مته أي ضا ً ،ول يس بالشوق الكبير ،بل تكاد أن تكون ابتسامة صفراء مجبرة. دخل الجميع غرفة الجلوس وحياھم دميترس من الخارج وھو يل بس القفازات يبدو عليھا آثار الت راب" :أك اد ال أص دق ...ن ور وس لوان ف ي بيتنا"
٢٢٠
"أنا التي أك اد ال أص دق ...لم اذا ل م تخل ع القف ازات ف ي الخ ارج؟ أم أنك تستلذ عند رؤيتي أثناء معاناتي في تنظي ف المن زل؟ ھ ل ت رين ك م ھم الرجال متعبون يا نور؟ أنا أغبطك عل ى حال ك دون أن يتع ب قلب ك رج
ل أو ينث
ر الت
راب مث
ل زوج
ي ف
ي ك
ل أرج
اء المن
زل كلم
ا عم
ل عشرة دقائق في الحديقة" "ال تق
ولي ھ
ذا ع
ن دميت
رس ،فھ
و مطي
ع ويحب
ك وال ي
ستطيع أن يفارقك يوم واحد" قالت نور" :لكنك أنت تثقلي عليه أحيانا ً" "ولمن أشكو اآلن؟ أنت كنت دائما يا نور من نصيب دميت رس وف ي صفه ضدي" كان كالم ميلوذي ا يتخلل ه الم زاح وھ ي تح اكي ن ور وتعن ي زوجھ ا. خلع دميترس القفازات وغسل يديه في الحمام وأقبل على نور وسلوان: "تع
الي أعانق
ك ي
ا ن
ور" عانقھ
ا وأم
سك بي
ديھا وب
دا علي
ه ال
سرور لوجودھا" :أخيراً رأيتك ...لق د أوش كت عل ى أن أفق د األم ل ب أن نلتق ي مرة أخرى ،سلوان تعال يا ولدي" عانق ه ھ و أي ضا ً" :تھانين ا القلبي ة ي ا سلوان ،أنا فخور بك كثيراً ،لقد اجت زت دورة م ن ال صعب النج اح بھ ا حتى على أبناء اليونان" رفع حاجبيه سلوان وكأنه لم يسعد بالكلم ة" :أوول ست أن ا يون اني ي ا دميترس؟" "ال تتحسس مني يا سلوان ،أنا ل م أعن ي انتم اءك ،ب ل ق صدت لغت ك األم ...أنت أكثر مني يونانية"
٢٢١
أح
س دميت
رس بأن
ه ق
ال ش
يئا ً ك
ان المف
روض أن ال يقول
ه ،إال أن
ه قصدھا ولم يكن يعرف بردة فعل سلوان المتحسسة. جلس الجميع وبقيت ميليندا واقفة تراقبھم وتارة تبتعد بأفكارھا. "لماذا ال تجلسين يا ميليندا" سألھا دميترس. اقتربت من نور وجلست لجانبھا وصارت تتوسط أمھا واألخرى. ك
ان س
لوان يجل
س جان
ب دميت
رس ول
م يك
ن من
دمجا ً معھ
م ،فك
ان مشغول الذھن بالحوار الذي سيدور بينه وبين دميترس. وض
ع وال
د ميلين
دا راح ة ي
ده عل
ى فخ
ذ س
لوان وش
د علي
ه يب
ين ل
ه ترحيبه به وحبه كما كان يفعل بالعادة. ابتسم سلوان كالمخنوق ال يعرف كيف يرد عليه. "ماذا بك يا سلوان؟ لماذا أنت مرتبك ھكذا؟ وكأنك لست بيننا" "أن
ا؟" رد علي
ه س
لوان وھ
و محم
ر ال
وجنتين ض
يعته ثق
ة دميت
رس وشروده" :في الحقيقة ومن غير مجامالت أنني حقا ً مرتبك وكأني أمام م
دير ال
شرطة وكل
ي ذن
وب .ق
د يك ون ال
سبب أنن
ا ل
م نتقاب
ل من
ذ فت
رة طويلة" ولم يرد أن يبوح له بما يجول في خاطرة ومخاوفه من الرفض. "أن
ا مازل
ت دميت
رس ال
ذي يحب
ك كأن
ك ول
ده وميلوذي
ا ل
م تتغي
ر أيضا ً ...غير أنھا زادت عشرة كيلو غرام فحسب ،أعني أنھ ا ل م تتغي ر مشاعرھا تجاھك"
٢٢٢
كان يتھكم دميترس على زوجته كي يعطي الجو بع ضا ً م ن الفكاھ ة ويخرج عن الشكليات. "م
ا رأي
ك ي
ا نور؟ھ
ل ن
شرب ش
يئا ً أم نتن
اول الطع
ام أو "...قال
ت ميلوذيا متجاھلة سخرية زوجھا. ل
م تك
ن ن
ور لحظتھ
ا عل
ى اس
تعداد الب
تالع ش
يء أو ھ
ضمه ،ك
أن معدتھا أصيبت للحظة بقرحة من جراء المجامالت ولحظة اللقاء األول من بعد فراق والخوف من القادم. "ال يا ميلوذيا ،ليس اآلن ،فلنشرب أي شيء" ً سويا؟" "ھل نعد قھوة "فكرة ،ولكن ليس لي ،أنا سأشرب ماء بحسب" التفتت نور ل دميترس وس ألته" :بالتأكي د ست شرب أن ت قھ وة! أم أن ك امتنعت عنھا؟" "حقيقة ّأنا لم نلتقي من ذ زم ن ،لك ن ل م يك ن ط ويالً لدرج ة أن تك ون أطباعن
ا ق
د تغي
رت ،عل
ى األق
ل أح
دھا وأھمھ
ا أن
ي أحب
ك ي
ا ن
ور... سأشرب القھوة بشرط أن تطھيھا أنت" "ھ
ل رأي
ت ي
ا ن
ور؟ اآلن ح ضرت أن
ت وأن
ا ھم
شت "...وض
عت براحة يدھا على وجنتيھا وقالت" :أنا أم زح ي ا ن ور ،ال تحمل ي كالم ي محمل الجد"
٢٢٣
"ال ،أنت أھنتني وجرحتني كثيراً ...وكأني ال أعرفك ،أنت حبيبتي، وأنا أعرف أنك تمازحيني ،ھيا فلنجھز القھوة" أومأت األخرى بعينيھا تبدي الحزن المصطنع كي تأكد لھا أنھا تفھم مزاحھا. بقي دميت رس م ع س لوان وميلين دا وص ار ي راوده وقتھ ا التفكي ر ف ي طرح الموضوع معه ،ث م تراج ع ب سرعة حت ى ال يح بط األج واء الت ي النت شيئا ً ما وتبخر منھا التشنج من قبل الطرفين. مازال سلوان ملتھب األعصاب يجلس على حافة األريكة مثل جلسة الفتاة الخجلة ،تراوده أفكار حمقى ،تارة بأسئلة يختلقھا من بحر شكوكه المتن
اثرة م
ن موق
ف ميلين
دا ،وأخ
رى م
ن تعل
يالت ق
د يعرض
ھا علي
ه دميت
رس وكي
ف س
يرد علي
ه وھ
و يعل
م ب
ضالعته ف
ي إقن
اع اآلخ
رين وضعفه في الردود عليه. تراكم
ت أفك
اره حت
ى ب
دا علي
ه االض
طراب ،وقب
ل أن يلف
ت نظ
ر دميترس كان ت ميلين دا تلحظ ه ط وال الوق ت فقال ت ل ه" :أن ت ست شرب أيضا ً مع أبي القھوة ،أم أن الشرطة ال تشربھا؟" قصدت المداعبة حتى تحسن من وضعه الذي صار يزداد سوء. "ال ب
العكس فال
شرطة ھ
م أكث
ر الن
اس ل
شرب القھ
وة ،ھ
ذا وألن وظائفھم تستوجب الحيطة والحرس الدائمين"
٢٢٤
قال دميترس والتف ت ل سلوان ح ين ك ان ي ستمع ل ه ويبادل ه النظ رات دون أن ين
بس ببن
ت ش
فه" :فلن
سأل س
لوان ي
ا ميلين
دا ،اآلن ھ
و ف
ي صفوف الشرطة وھو واحد منھم" كان يحس دميترس بالضغط النفسي الذي يمارسه سلوان على نفسه، وھو يسعى للتخفي ف عن ه بطريق ة م ا حت ى ي ستطيع فيم ا بع د الخ وض معه بموضوعية بعيدة عن أحالمه وتمنياته. "أنا مازلت ل م أم ارس أعم الي ال شرطية بع د ،ول ذلك ال أس تطيع أن أجزم عما يشربوه كثيراً أم قليالً .أما نح ن فل م نك ن ش رطة بالكلي ة م ن ناحية طبيعة العمل ،إنم ا ھ ي وظيف ة تك اد أن تك ون ع سكرية وخاص ة في السنة األولى ...نعم ،قد تكون السنة األخيرة شرطية أكثر من كونھا عسكرية لخوضنا كثيراً في التدريب التحقيقي والجنائي" "ألم تحققوا في قضايا أثناء التدريب؟" سأله دميترس. "بل
ى ،ف
ي ال
سنة الثاني
ة كن
ا ن
درس ال
دعاوى المح
سومة م
ن قب
ل الھيئ
ات التحقيقي
ة الق
ضائية بم
شاركة ض
باط االس
تخبار الجنائ
ي، وبإشراف من نائب المدير المساعد أو أحد المتخصصين لتق ديم التحليل والتدريب واإلسناد التحقيقي" "م
ا ھ
ي األش
ياء الت
ي كان
ت ترك
ز عليھ
ا الكلي
ة ال
شرطية أثن
اء تدريبكم؟" سألته ميليندا. "ليس ھناك نقطة بعينھا أستطيع أن أقول أنھ ا ھ ي المھم ة دون ا ً ع ن غيرھ
ا ،إال أن الت
دريب عل
ى مكافح
ة ال
شغب وكيفي
ة التعام
ل م
ع
٢٢٥
المتظاھرين كان ص احب الن صيب الكبي ر ف ي ال دورة .وال يخف ى عل ى أح
د األح
داث األخي
رة ومكافح ة ال
شرطة لتھدئ
ة غ
ضب ال
شبان ب
شأن ال
شاب ال
ذي زع
م ال
شارع أن أح
د أف
راد ال
شرطة أطل
ق علي
ه العي
ار الناري فقتله" "أنا ال أعتقد بأن أعمال الشغب التي دمرت مئات السيارات والبنوك والشركات ھ ي فق ط م ن ج راء قت ل فت ى ف ي ال سادسة ع شر ،إنم ا ھ ي تراكم ات م ن ال ضغوطات الحكومي ة وارتف اع البطال ة وت دني األج ور، ومصرعه كان القشة التي قصمت ظھر البعير ،فھ اج ال شارع ال ساخط بوحشية وبربرية كان من المفروض أن تكون منظمة وموضوعية" رد عليه دميترس. "لقد استخدمت الشرطة أكثر م ن ٤٦٠٠عب وة ف ي األس بوع األخي ر من الغاز المسيل للدموع ،ولقد قرأت في تقرير س ري بطري ق ال صدفة أن الحكومة قامت باتصاالت مع إسرائيل وألمانيا إلمدادھم" اختفت أثار التشنج عن سلوان بعد أن دخل في الحديث م ع دميت رس في األحداث التي شلت وقتھا الحركة في اليونان وأعطبت الشارع. "ھ
ل خرج
ت الي
وم ي
ا أب
ي؟ ال
شوارع الي
وم مزدحم
ة وخاص
ة السيارات المتوجھة إلى المنطقة الشرقية" "من المفروض أن تكون األخبار عندك يا ميليندا" "ماذا تعني؟ ولماذا يتوجب علي معرفة األخبار قبلك؟" "ألست أنت الصحفية...؟" ٢٢٦
"أنا مازلت طالبة ...أرج وك" ردت ميلين دا عل ى وال دھا وض حكت: "ھل زحمة اليوم لھا عالقة بالصحافة؟" "لق
د ص
در ف
ي األس
بوع ال
سالف ق
رار م
ن وزارة التربي
ة واألدي
ان ت
صريحا ً ي
تم بموجب
ه بن
اء كني
سة م
صرية قبطي
ة ،والي
وم ال أع
رف بالتحدي
د مت
ى ك
ان االجتم
اع للجالي
ة عل
ى قطع
ة أرض ف
ي المنطق
ة ال
شرقية ولق
د ش
ارك الكثي
ر م
ن اليون
ان ،وكان
ت أي
ضا ً ھن
اك م
سيرة كنائسية" "ھ
ل كان
ت الم
سيرة ض
د ال
سماح ف
ي بن
اء الكني
سة القبطي
ة؟" س
أل سلوان دميترس. "ال يا سلوان ،إنما بسبب إعالن المحكم ة االبتدائي ة قب ول طلب ا ً مق دم م
ن ع
ضو اللجن
ة األرثوذك
سية العربي
ة ،ف
ي كني
سة تابع
ة لمنطق
ة )غاليلياس( والتحقيق حول الطريقة ونتائج انتخابات تنصيب المط ران اليوناني إيرينيوس بطريركا ً للقدس ،وعدم االعتراف به" دخلت ميلوذيا تحمل إبريق القھوة الزجاجي وخلفھا ن ور بي دھا طبق ا ً واسعا ً عليه الفناجين والحليب وقطع السكر الصغيرة. "لما كل ھذا؟ أبي فقط من يريد أن يشرب القھوة" "وأنا أيضا ً" رد عليھا سلوان. "آسف ...ال تغضب ،أنا لم أقل شيئا ً"
٢٢٧
رمقت
ه بعينيھ
ا تب
ين ل
ه الممازح
ة" :ولكن
ك ل
ن تأك
ل إذا ش
ربت القھوة ...لست أن ت الم ذنب ،أم ي ھ ي المذنب ة" وأش ارت بي دھا ألمھ ا: "كان عليك أن تحضري فنجانا ً فقط لوالدي" "أنا دائما المذنبة ،مھما عملت أو قلت ال أستطيع أن أرضيك" "ليس والدك وحده من يريد أن يشرب القھوة يا ميلين دا ،أن ا أري د أن أشاركه قھوته أي ضا ً" قال ت ن ور" :وأن ت ي ا ميلوذي ا ،ال تأخ ذي ميلين دا مأخذ الجد ،ھي ال تعني الظاھر من كالمھا" "ھذا ليس جديداً عليك يا نور ،دائمة ال دفاع عنھ ا ،وم ن ي دافع عن ي أنا؟" "ألست أنا من نصيبك يا ميلوذيا؟" رد عليھا سلوان" :أل م أك ن دائم ا ً في صفك؟ مع من كنت تلعبي األوراق أمام أمي ودميترس؟" "أنا ال أذكر مرة ّأنا ربحنا عندما كنت ألعب معك" "ليس عجيبا ً يا أمي ،فأنت وسلوان ال تتقنا اللعب كما ينبغ ي ،ناھي ك أن أبي ونور إذا لعبا سويا ً فال يتمكن أحداً الفوز أمامھم" لك؟" ردت عليھا ميلوذيا. "وھل كنت ستربح لوال غش والدك ِ جلس الجميع وكلھم أمام فنجان قھوته عدا ميليندا. "وأنا يا أمي؟ وھل ال تقدمي لي شيء إذا لم أشرب معكم القھوة؟" وقفت نور وقالت" :أنا سأحضر لك عصير البرتقال"
٢٢٨
قبل أن تقف نور وضعت ميليندا براحة يدھا على كتفھا وھي تجلس على يسارھا وقال ت" :ال ،أن ا ال أرض ى ،ت دخلي بيتن ا بع د زم ن وأن ت التي تحضر لي مشروبي ،أنا سأحضر لنفسي"
٢٢٩
فصل
ألني عربي
"أن
ا ال أرى تل
ك الح
دة بي
نكم ،يب
دو ل
ي أنك
م أس
رة واح
دة ،تتب
ادلوا المجامالت ولكم أيام كثيرة مشتركة في اللھو واللعب ...وأشياء أخرى" والدي ميليندا ل م يحب وني ،أو أنھ م يوم ا ً "أنا ال أدعي يا غراتسيا أن ّ أحبوني ،إنما ھم رفضوني ليس لكوني سلوان اليتيم المسكين ابن ن ور، لكن ألن ذلك المحروم وصل لدرجة أن ه تع دا ح دوده كم ا ميلوذي ا م رة قالت وصار يطمع أن يأخذ ابنتھم ...وأخذھا .الرفض ليس لشخصي يا غرات
سيا ،ب
ل ھ
و أبع
د .لق
د أعلن
وا ع
دائي ألن
ي العرب
ي الم
سلم ال
ذي سيتزوج ابنتھم ،العداء كان ع داء عروبت ي وإس المي الل ذان ل م أع رف منھم ا ش
يء ،وأن
ا أعت
رف الي
وم أن
ي م
دين لھم ا بعروبت
ي .لق
د كن
ت أتعام
ل م
ع نف
سي عل
ى أن
ي يون
اني لدرج
ة أن
ي كن
ت أتجن
ب ص
حبة األجانب وكنت أنظر لصديقي الوحيد األلباني أنه أقل ق دراً من ي أو أن ه نخب ثاني بطريقة أو بأخرى .إنھا الحقيق ة ي ا غرات سيا .ك ان يق ول ل ي صديقي" :ال تنسى يا سلوان أنك عربي مسلم ال تنخ رط باليون ان حت ى تنسى أصلك" الشيء الذي لم يعرف ه ص ديقي أن ي ل م أع رف ان أص لي مرة ،لم أعرف أن ه ال يربطن ي بالعروب ة أو ال دين غي ر اس مي وس مرة أمي .أنا ال أنكر ،كنت أقول له" :أن ت متخل ف ي ا رم ضان ،مت ى تخل ع أمك الحجاب؟ ومتى ستشرب معي أول كأس العرق؟" كان يصمت ،ال يع
رف كي
ف ي
رد عل
ي ،ي
صمت ،أن
ا الي
وم أع
رف ال
ذي ك
ان ي
دور بمخيلت
ه ،ك
ان يع
رف أن
ي س
أطرد م
ن رحم
تھم ،س
أخلع م
ن قل
وبھم وديارھم في اللحظة التي س أفكر أن ي ص رت م نھم .ال الخم ر وال لح م
٢٣٠
قربنا لقل وبھم ،كن ا براب رة بالن سبة لھ م الخنزير وال بنطال أمي الضيق ّ متخلفين" "انك تتحدث بحدة وتغير لونك ،لماذا كل ھذا؟ كيف ح دثت اإلنقالب ة بينكم في يوم وليلة؟" صارت غراتسيا تكلمه بجدية ألنھا الحظت عليه التغير في الدقيقة. بدأ ي تكلم طبيع ي وس رد منطق ي حت ى ت ضاعفت م شاعره كأن ه يع يش اللحظة. "ما الذي خطر ببالك حتى ثارت أعصابك يا س لوان وفق دت ھ دوئك المعتاد؟" احم
ر وج
ه أكث
ر مم
ا ك
ان علي
ه وق
ال ب
صوت متع
ب وھ
و يح
دق باألرض" :أنا لم أفق د أع صابي ...نع م ،ممك ن أن أك ون ق د بالغ ت ف ي ردود فعلي أثناء كالمي معك وارتفع صوتي ،أنا آسف"... وقب
ل أن ينھ
ي كالم
ه قاطعت
ه غرات
سيا وقال
ت" :ال تعت
ذر أرج
وك، أن
ت ل
م ت
سيء األدب ول
م يرتف
ع ص
وتك ،أن
ت ت
أثرت فق
ط واحم
رت وجنتاك ولم أرد أن تبقى في أجوائك وأحبب ت أن تبق ى ھ ادئ م ن غي ر أن ينقل
ب مزاج
ك ،والماض
ي م
ا ھ
و إال ماض
ي ،ال تغ
ضب علي
ه وال تحزن ،وإن أحببت فلنتحدث بشيء آخر ،ليس من الضروري أن يكون محور الحديث حياتك أو الماضي" وضعت يدھا في األثناء على رأسه تعطيه اإلحساس بأنھا مع ه وھ و ينظر لألرض. ٢٣١
رفع رأسه وعينيه ب دا عليھم ا االحم رار وأم سك ي دھا وقب ل راحتھ ا وقال" :ال بالعكس يا غراتسيا ،أنا سعيد جداً بالحديث مع ك ع ن حي اتي ألني أعاني منه ،أنا بحاجة ألحد يبادلني خيبات أملي وأحزان ي ،وأن ت ال
شخص األن
سب ال
ذي أس
تطيع أن أرم
ي ل
ه بحقيب
ة أي
امي م
ن غي
ر خوف وال حرج" "أن
ت ال تعل
م ك
م ي
سعدني س
ماع ھ
ذا من
ك وثقت
ك ب
ي رغ
م ق
صر العالقة بينن ا ،لك ن م ا ال ذي ي دفعك للب وح ل ي وإظھ ار ال ضعف أم امي وھذا ليس سھالً على الرجال؟ ما الذي قدمته ل ك حت ى أك سب ك ل ھ ذه الثقة منك؟" "ل
يس م
ن ال
ضروري أن تق
دمي ل
ي ش
يء ،أن
ا اس
تھجن كثي
راً م
ن اآلراء التي يفھم من طياتھا المقابل" "ماذا تعني يا سلوان؟ أنا ال أريد منك مقابل" "تعالي احضنك ،لكم أنت بريئة يا غراتسيا ،أنا ال أعني أنك تري دين مقابل ،إنما الذي أعنيه أن السواد األعظم من الناس ال يقدم شيء إال إذا ُقدم له أشياء ،وال يستطيع أن ي سمع إال ال ذي يري د ،وإن أجب ر بطريق ة او بأخرى فيسمع على م ضض .وال ذي عنيت ه أي ضا ً أن ي أرف ض اللغ ة أصالً التي يبدو منھا ومن كالماتھا الم صالح وإن أراد ال بعض إخفائھ ا فتظھر أكثر م ن تركھ ا عل ى ظاھرھ ا .لق د فھم ت س ؤالك وال أري د أن أقدم كثيراً ،إنما ھي عادتي .لقد أعطيتني أح ساس يمك ن أن ي ال أعرف ه اآلن ،لكن أقول لك أنه فعل بي فعل السحر وھذا قد نسميه باالرتياح أو أكثر من ه ،أو س ھولتك وعفويت ك ...وم شاعر قوي ة ربطتن ا ب بعض م ن ٢٣٢
أول م
رة .أك
ذب علي
ك إذا قل
ت أن
ي ال أري
د الح
ديث ع
ن ميلين
دا ،ال بالعكس أريد أن أتحدث الكثير عنھ ا ،ل ن أس تطيع الخ روج م ن أزمت ي إال إذا س ردت ل
ك عنھ
ا وعن
ي وع
ن ص
غائرنا وكبائرن
ا و ...ويمك
ن بعدھا أن أبدأ من جديد" "قل لي يا سلوان كل ال ذي تري د ،وال تتوق ع من ي الغي رة أو النف ور، حدثني وسأكون لك آذانا ً صاغية" "لقد ذھب الكالم وت اه بوج ودك ي ا غرات سيا ،ن سيت أي ن كن ت وعم ا كنت أتحدث" وال دي ميلين دا ألن ه أراد الح ديث "لكني لم أنسى ،لق د كن ت ف ي بي ت ّ معك بما يتعلق بعالقتك مع ابنته" اتكأ سلوان على األريكة وأخذ نفسا ً عميقا ً وصار يحلق بزجاج اللوج م
ن أمام
ه وال ي
رى م
ن ورائ
ه إال نف
سه وغرات
سيا ألن الم
ساء أس
دل ثيابه. ھي تجلس بجانبه على حافة األريكة وھو يراھا تحدق به وتنتظر أن يتكلم. "ما الذي أسكتك؟ أم أنك ال تريد الحديث؟" بقي س لوان متكئ ا ً واس تدار نحوھ ا ووض ع س اقه اليمن ى تح ت فخ ذه اليسار وقال" :ال ،أنا ال أعني بسكوتي أني ال أريد الحديث ،إنما"... وتاه الك الم من ه ول م تترك ه ي تم ال ذي يري ده وقاطعت ه" :إنم ا م اذا ي ا سلوان؟ لقد ذھبت بأفكارك بعيداً حتى أنك نسيت أني بجانبك" ٢٣٣
أمسك بيدھا وشدھا نحوه وھي متمتعة ومريدة وقال" :أنا ھنا والدليل أني أعانقك ،أما فكري فأنا ال أسيطر عليه أحيانا ً وھذا رغما ً عني ،ف ال تغضبي أو ُتجرحي" ألق
ت غرات
سيا رأس
ھا عل
ى ص
در س
لوان وأدخل
ت ي
دھا قمي
صه وص
ارت ت
شد ب
شعر ص
دره م
ن دون أن تألم
ه وھ
ي متمتع
ة وأناملھ
ا تروح وتجيء متخللة شعره "أنا لم أغضب وأنت لم تجرحني إنما ھي المرأة بداخلي تغار أحيان ا ً حتى من خياالتھا إذا كان الظل فيھ ا ام رأة .لق د ن سيت أن أق ول ل ك أن يورغو سألني البارحة عنك" "ھل تعني عن طبيعة العالقة بيننا؟" "ال ،إنم
ا ع
ن الورق
ة الت
ي ل
م تح
ضرھا مع
ك وق
ت مجيئ
ك عن
دنا، أعني ورقة استحقاق اإلعانة كي تتمكن من البقاء ھنا في المؤسسة" نعم ،فھمت اآلن الذي تقصديه ،لقد ن سيتھا تمام ا ً ول م أفك ر بھ ا عل ى اإلطالق ،والحقيقة أني ال أعلم من أين سأحضرھا" "إن ك
ان ل
يس ل
ديك م
انع س
أذھب أن
ا مع
ك إل
ى دائ
رة ال
شؤون االجتماعية كي نحضرھا ،لكني ال أعرف يقينا ً إن كنت ستأخذھا أم ال، فھ
ي مخص
صة لم
ن ل
يس لدي
ه من
زل وي
ستحق اإلعان
ة ،طبع
ا ويج
ب إثب
ات ذل
ك ،وف
ي وض
عك فأن
ا ال أع
رف ...أعن
ي ماھي
ة ش
ؤونك االجتماعية المادية منھا"
٢٣٤
"ھل األمر معقد لھذه الدرجة؟ ما ھو المطلوب مني بالتحدي د؟ أن ا ال أملك اآلن غير حقيبتي وجواز سفري" ب دت الجدي ة عل
ى وج ه س
لوان فأح ست ب
ه غرات سيا م
ن تغي ر نب
رة الكالم ونبضات قلبه ،وھي على صدره. اس
تندت وأم
سكت ي
ده وقال
ت" :ال ي
ا س
لوان األم
ر ل
يس معق
داً كم
ا تتصوره ،إنما ھي إجراءات روتينية عادية .في حالتك أن ت أعتق د أن ك لست بحاجة إلثبات شيء" لم ترد غراتسيا أن تفصل له في الموضوع خوفا ً أن تجرحه بطريقة او بأخرى ،فھذه المؤسسة ھي في االعتياد فقط لمن فقد سقفا ً من فوق ه، أي ألكثر الناس عوزاً وھم المتشردون في غالب األحيان. "غراتسيا ،أنا ال أملك شيئا على اإلطالق ،وأنا أعني ما أقول ،حت ى ال أبالغ في جيبي ثالثمئ ة ي ورو وھ ي ك ل حيلت ي ،وال يغ رك مظھ ري فھ
ذا م
ن بقاي
ا األم
س ،أم
ا الي
وم فأن
ا ال أع
رف أي
ن أذھ ب فيم
ا ل
و مؤسستكم أخرجتني من ھنا" كان سلوان يتحدث بكل موضوعية من غير أن يتأثر من حال ه ال ذي آل إليه. "أنت تبھرني كل مرة بطريقة وأخرى ،أنت ال تملك ش يء وتتح دث وعيناك كالزجاج خاليات من أي تأثير أو تعبير ،كيف تتحدث بك ل ثق ة وقوة وكأن كل شيء لديك بيد أنك ال تع رف ...نظري ا ً أي ن س تكون ف ي الغد ،تحت جسر أو أن غسلك سيكون من مياه الميناء"
٢٣٥
"لم يعد ھذا كله يھم يا غراتسيا ،لقد خسرت كل شيء ،وھل تعتقدين أن معاناة المتسول تحت الجسور أقل منھا لو أنه خسر كل حياته وليس فقط مسكنه؟ ال يا جميلة" وك
أن عيني
ه الزج
اجيتين تحولت ا فج
أة إل
ى كت
اب مفت
وح ب
أحرف متشابكة ،أو كورقة مطبوعة ببقايا حبر قد نفد أو جف. "في الحقيقة يا سلوان أحيانا ً أح س أن ي أم ام لغ ز أعتق د ف ي س اعات المساء أني أفھمه ولمج رد الخ وض مع ك ب أي نقط ة أتأك د أن ي بحاج ة لسنين حتى أتابع" ابتسم س لوان ابت سامة م ن خل ف ش فتيه يب ين لھ ا ع دم اس تغرابه م ن توھانھ ا" :ھ
ي الحي اة ي
ا غرات سيا ول
يس أن ت أو أن
ا ،ھ ي الظ
روف ال ألن
ك أو ألن
ي وأص
لك وأص
لي ،ل
يس عروبت
ي أو ھلنيت
ك ،إنم
ا ھ
و التوقي
ت الخ
اطئ والزم
ان .أن
ا خ
سرت ك
ل ش
يء ف
ي الوق
ت ال
ذي اعتقدت أني ملكت الق رار ف ي حي اتي .م ا أس رع الھب وط ،يع يش أح دنا عمراً ومن بعده أجيال حتى نصل للرفعة والشموخ وبين ليلة وض حاھا نعوم في الوحل ونسكن مزابل التاريخ .لسنا بحاجة لعلم أو علماء حتى نندثر أو نمحى عن خارطة الحضارة ونشحذ عطف األم م ،ل يس علين ا سوى إخفاء ھويتنا ،إنكارھا ،محاولة تغيرھ ا بحج ة المدني ة والتواص ل مع الشعوب أو دمجھا بحضارات قامت على أس س من ا ...بنجاحن ا ف ي االن
صھار معھ
م ب
دل ال
سير بخ
ط مت
وازي بوج
ه يعب
ر ع
ن طم
وح وتمنيات أمتنا ھي بداية فشلنا وتھميشنا"
٢٣٦
"أنت تبالغ يا سلوان ،نحن نعيش في القرن العشرين ،ولم تع د ھن اك أفكار وانطواءات مقتصرة على فئة من ال شعوب معين ة ،أن ا ال أع رف المحيط الذي كبرت أنت فيه وترعرعت ،قد يك ون ھ و ال سبب ل سلبيتك الظاھرة أو بعض أفكارك بما يتعلق بالشعوب وتطلعاتھم" "ق
د أك
ون مبالغ
ا ً ح
سب ت
صورك ،إال أن
ي ال أس
تطيع ق
ول وتبن
ي أش
ياء ال أعرفھ
ا ،وبالت
الي أتح
دث م
ن منظ
ار أح
سه بج
الء أكث
ر م
ن غيري ،ق د يك ون ھ ذا لقرب ي م ن الح دث ،أي أن ي أعاص ر ح ضارتين على األقل من وجھة نظر اآلخرين ،رغم أني لم أتبنى قوميتي يوما ً إال علي رغما عني ولوال الظ روف القاس ية الت ي م ررت بھ ا أنھا فرضت ّ م
ا ك
ان ل
ي يوم
ا ً أن أفھ
م ول
و بع
ض ال
شيء ع
ن ھ
ويتي وفك
ر الع
الم الخارجي عنھا" "كيف بدا لك ھذا الفرق في الفترة األخيرة م ن عم رك؟ أم أن ك أن ت الذي بحث عن العوامل الفارقة بينك وبين المجتم ع المح يط ب ك ،أعن ي ھنا في اليونان" "أن
ا ل
م أع
رف مجتم
ع غي
ره ،كم
ا وس
بق وذك
رت ل
ك أن
ي ع
شت طفولتي وشبابي ھنا بينكم وكبرت ،وفي كل حياتي حت ى يومن ا ھ ذا ل م أعرف بلداً غير اليونان ،حتى أني كنت أسأل أمي وأنا طفل" :لماذا أن ا أردن
ي وميلين
دا يوناني
ة؟ وم
ا ھ
و الف
رق؟ ھ
ل ل
ون العين
ين ي
ا أم
ي أم الشعر واللغة؟" لم تكن أمي من المثقفين العارفين حت ى تجيبن ي بدراي ة أو حكم
ة عل
ى س
ؤالي ال
ذي عرف
ت جواب
ه مت
أخراً ،حت
ى أم
ي نف
سھا
٢٣٧
مازال
ت ل
م تع
رف ،فھ
ي غارق
ة ب
شھواتھا وال ت
ستطيع أن ت
رى غي
ر رغبتھا في الرجال وشذوذھا" انبھ
رت غرات
سيا م
ن طريق
ة س
لوان وتعبي
ره ع
ن فك
ر أم
ه أو شخصھا. "لماذا تتحدث عن أمك بھذه الطريقة يا سلوان؟" "وما ھي الطريقة التي يتوجب عل ى ش خص مثل ي ف ي الح ديث ع ن أمه التي لم تعلم يوما ً الفرق بين الجنس ف ي حياتھ ا وإرثھ ا ال ذي س رق من عمھا؟" أقطبت غراتسيا حاجبيھا تومئ بعدم الفھم" :ما الذي تعنيه يا سلوان؟ أنا ال أفھم كثيراً في الفيزياء" وابتسمت تعني أنھا لم تفھم أي شيء مما ذكر. "ليس مھم يا غراتسيا ،جميل أنك بجانبي ،أما أم ي وحياتھ ا فل م تع د تعنيني ألني صرت عالة عليھا وحريتھا .ليس أمي فقط ،بل الع الم كل ه حتى نفسي لم تعد تعنيني" وقف سلوان ي ضع يدي ه ف ي جي ب بنطال ه الجين ز األزرق وغرات سيا تجلس وتتابعه في أنظارھا لألعلى. "لماذا وقفت؟ ھل تريد الخروج؟ أم أن الكالم معي ممل؟ أو قد أكون أثرت الماضي اآلن بلحظة؟" "ال يا غراتسيا ...ال شيء"
٢٣٨
وق
ف س
لوان ألن
ه بتل
ك اللحظ
ة ل
م يع
رف م
اذا يفع
ل وق
د ب
دا علي
ه األرق النفسي بوضوح ،وكأنه يھرب من أفكاره إذا تح رك م ن مكان ه، أو أنه رد فعل طبيعي إذا ثار الحنين وھاج. لملم سلوان ضياع أفكاره وارتباك كلماته وصار يحرك بقدميه ويديه بطريقة عفوي ة وابت سم يخف ي م ا ھ و ب ا ٍد رغم ا ً عن ه" :ال ،أن ا ال أعن ي ھذا ،إنما ...ال أعرف ،أحببت أن أتحرك ال أكثر ،بماذا كنا نتحدث؟" وقف
ت غرات
سيا وقال
ت" :ان الموض
وع ال
ذي كن
ا نتح
دث ب
ه ل
يس مھما ،المھم ھو أنت ،وأن تبق ى واقعي ا ً وأال تھ رب بأفك ارك بعي داً ع ن الموضوعية وتتجاوز حد السوداوية" تلبك سلوان في الكالم ولم يع د يع رف م اذا يق ول" :ال أب داً إنم ا ھ ي ت
شابك األفك
ار أحيان
ا ً وس
وء ف
ي التعبي
ر حين
ا ً آخ
ر .فلنن
سى ونقل
ب الصفحة" والدي "إذن اجلس إذا كنت ال تريد الخروج ولنكمل الجلسة أو دعوة ّ ميليندا لك وألمك" جل
ست غرات
سيا وأجل
ست س
لوان معھ
ا وھ
ي تم
سك بي
ده" :أكم
ل حبيبي" انف
ردت س
ريرته بع
ض ال
شيء وع
اد ل
ون وجھ ه إلي
ه" :أن
ت ل
ست س
ھلة ي
ا غرات
سيا ،رغ
م المتاھ
ة الت
ي أدخلت
ك إياھ
ا إال أن
ك ل
م تن
سي الموضوع الرئيسي"
٢٣٩
"نعم ،إنه من الصعب خداعي ،وجميل أنك عرفت ھذا بسرعة حت ى تحتاط مني أكثر" وكانت تأشر بإصبعھا نحوه وترافقھا ضحكة خفيفة تبين نواجذھا. "بدأت ميلوذيا وأمي بإعداد المائدة في غرفة الطعام .وقال ت ميلوذي ا ألمي" :لماذا ال تجلسين يا نور معھم؟ وأنا سأكمل حاالً تجھيز المائدة" كانت أمي واألخرى قد أوشكتا على االنتھاء. "لم يبقى الكثير ،والبقاء معك خير م ن الك الم م ع دميت رس وس لوان وح
ديثھما المم
ل ،ناھي
ك بم
دى س
عادتي بوج
ودي مع
ك وعن
دك م
رة أخرى" قالت لھا أمي. ن
ادت ميلوذي
ا عل
ى ميلين
دا م
ن المط
بخ" :ميلين
دا لم
اذا ال ت
ساعدينا ھنا؟" "أمي ال ت ستطيع أن ترت اح إال إذا رأتن ي أتح رك ف ي البي ت ،أم ا أن أجلس وأتحدث معك م فھ ذا ال يج وز ،يتوج ب عل ي أن أك ون معھ ا ف ي المطبخ" ك
ان الح
ديث ق
د تط
ور بين
ي وب
ين دميت
رس وميلين
دا حي
ث تج
اوز الدورات الشرطية التي اجتزتھا واألوضاع العام ة ف ي اليون ان وتوس ع إلى النطاق العالمي وتحديداً االقتصادي السياسي من ه ،فھ ذه المواض يع الدائمة عند دميت رس والت ي كان ت تثي ر قلق ي ألن ي ل م أك ن أس تطيع أن أتابعه أو حتى فھمه في كثير من األحيان.
٢٤٠
"ل
م أك
ن أت
صور أن أص
حاب الق
رار ف
ي الع
الم كان
ت تم
ر عل
يھم األحداث مر الك رام دون أن يحرك وا س اكن .إن األزم ة االقت صادية ل م تبدأ حقيقة منذ عام ٢٠٠٧إنما بدأت قبل عشرون أو حتى ثالثون عام، ولم تكن تخفى ع ن رؤس اء ال دول العظم ى ،إال أنھ م ل م يت صورا حج م الخطورة التي تنبأ بھا خب راء االقت صاد الع المين ،فق د أعلن وا ف ي أكث ر م
ن مك
ان ون
شر أكث
ر م
ن كت
اب ح
ول األزم
ة القادم
ة ،بينم
ا كان
ت رج
االت ال
شركات والبن
وك العظم
ى ف
ي الط
ابق العل
وي ي
ستھجنون ويتجاھلوا إحصائياتھم القائمة على أسس لم يكن أحداً يستطيع إنكارھا، بي
د أن أص
حاب ال
دخل الكبي
ر والق
ائمين عل
ى البن
وك الكب
رى ك
انوا يتمتعوا في الحفالت ويستغلوا األموال لمصالحھم الشخصية" كان يعلم دميترس أني ل م أك ن أھ تم بمواض يعه الت ي يطرحھ ا ،لكن ه ك
ان يت
ابع رغ
م ذل
ك" :ھ
ل تعل
م ي
ا س
لوان ب
أن معظ
م النظري
ات االقتصادية أثبتت فشلھا مع الوقت ،فم ثالً النظري ة )الكنزي ة( ب دت أول إشارات فشلھا عن دما ارتفع ت ف ي ال سبعينات ن سبة البطال ة ف ي أميرك ا واوروبا ووازھما ارتفاع في نسبة التضخم مم ا أدى بالت الي إل ى ك ساد ع
م الق
ارة األمريكي
ة وال
دول الم
صدرة وتوس
ع إل
ى خارجھ
ا .وف
ي ال
ستينات وال
سبعينات ظھ
رت نظري
ة بديل
ة للكنزي
ة أال وھ
ي ) Monetarismالدولة النقدية( ،من أستاذ االقتصاد ال سياسي )ميلت ون فري
دمان (Milton Friedmanالت
ي حول
ت الع
الم فيم
ا بع
د إل
ى معسكرين ،العمل واالستغالل ،واآلخر التعذيب واالعتقال" "ما ھو الفرق بين النظريتين يا أبي؟ وكي ف لھ ذه األخ رى أن ت نجح رغم فظاعتھا ،كما أنت صورتھا" ٢٤١
"لم يكن ھناك بديل يا ابنتي ،ھذا من جانب ومن آخر فالعالم ال يقوم باقتصاد قوي إال على حساب الفئة الضعيفة األكبر من الشعب" "م
ا ھ
ي النق
اط الت
ي س
اھمت ف
ي إنج
اح نظري
ة ھ
ذا األخي
ر؟ أو األسباب التي عملت على ارتفاع نسبة البطالة والكساد؟" صار الملل يقتلني شيء فشيء وأح اول أن أغم ز ميلين دا بطريق ة او بأخرى حتى ال تسأل والدھا بأكثر من الكم التي طرحت ه ،ألن ي أع رف ب
أن الج
واب س
يكون س
اعات م
ن المعان
اة أثن
اء س
ماعي ل
ه ولتف
صيله القاتل. "إن نظريته قائمة على وجوب تمويل المشاريع العامة والخاصة بما يتناس
ب م
ع رأس الم
ال العين
ي للم
شروع .ھ
ذه النظري
ة ھ
ي النق
يض ل
سياسة كين
ز الت
ي قام
ت عليھ
ا النھ
ضة ال
صناعية والعمراني
ة بع
د الحرب العالمية الثانية وأدت إلى إيجاد فرص العمل لماليين الع اطلين. ولم يقدم منتقدوا نظرية كينز برھانا ً مقنعا ً على خطئھا ،ولكن عرض وا وق
ائع ح
سية قابل
ة للتأوي
ل والج
دل ،فالت
ضخم الم
الي ،وخاص
ة ف
ي جمھوري
ات الم
وز وال
دكتاتوريات البونابرتي
ه ،يرج
ع إل
ى توظي
ف القروض في مشاريع غير منتج ة كبن اء الق صور والح رس الجمھ وري ومظاھر األبھة والفساد وتھريب األموال وإعادتھا إلى البنوك األجنبي ة عل
ى ح
ساباتھم الخاص
ة ،أم
ا الدول
ة والمجتم
ع ال
ذي ي
سوسونه فعل
يھم دف
ع فوائ
د ديون ه ،وكان
ت ال
دول الدائن
ة جذالن
ة فرح
ة بھ
ذه ال
سياسة وتدعمھا بالفعل والق ول ،وتغ ض الط رف ع ن ك ل الممارس ات القمعي ة وانتھاكات لحقوق اإلنسان .على سبيل المثال دي ون الجزائ ر الخارجي ة
٢٤٢
في عام ١٩٨٨م التي وصلت إلى ٢٨مليار دوالر ب نفس الوق ت كان ت الودائع الخاصة في البنوك الغربي ة لرج ال ال سلطة وبط انتھم وأق اربھم تصل إلى ٣٠مليار دوالر" وفج
أة اھتمم
ت بالموض
وع عل
ى غي
ر ع
ادتي وس
ألته" :ھ
ل ھن
اك مصلحة للدول الغربية في تغيير ھذه السياسة أو تغيير القائمين عليھا؟" "ب
الطبع ال ،ألن
ه ك
ان م
ن الممك
ن ح
ل الم
شاكل القائم
ة ف
ي ال
دول ال
صناعية ودول الع
الم الثال
ث بطريق
ة إن
سانية م
ن الجھ
ة االقت
صادية وغير السياسية العسكرية" وأحسست باإلھان ة عن دما س معت م صطلح الع الم الثال ث ،فقل ت ل ه: "أنا ال أحب ھذه التسمية ،فھي نظرة علوية من الغرب للشعوب الفقيرة وخاصة العرب" "أنت محق يا ولدي ،إال أنه ال مھرب أحيانا ً من الوق وع ف ي الخط أ. لق
د اس ُ تعمل ھ
ذا التعبي
ر ألول م
رة س
نة ١٩٥٢م ف ي مقال
ة ص
درت لالقت
صادي وال
سكاني الفرن
سي )ألفري
د س
وفي( ف
ي إش
ارة إل
ى ال
دول الت
ي ال تنتم
ي إل
ى مجموع
ة ال
دول الغربي
ة وال إل
ى مجموع
ة ال
دول الشرق أوروبية .وقد استوحى )سوفي( ھذه التسمية من الفئة الثالثة ف ي المجتمع الفرنسي أثناء النظام القديم وقبل الثورة الفرنسية .وع ودة إل ى سؤالك يا ميليندا عن حقول البطاطا في ألمانيا"... كان يحاول دميترس التخفيف من ح دة الموض وع ب ين فين ة وأخ رى باستطراد ليس له أي عالقة بموضوعه الرئيس حت ى يك ون الح ديث ذا ظل خفيف. ٢٤٣
"ال يا أبي المحترم ،أنا لم أسألك عن قصص العمال في الميناء ،إنما عن التضخم والكساد في ظل الكنزية" "أما سبب التضخم في الدول الصناعية الذي وصل إلى أسوء حاالته يعود إلى ارتفاع سعر الفائدة وتمويل مشاريع البنية التحتية التي تحت اج إلى قروض طويلة األمد" "ولماذا تقبل الحكومات بمثل ھذه الق رارات الت ي ت ؤدي بالدول ة إل ى الھالك االقتصادي؟" "إن اإلقب
ال عل
ى تح
سين البني
ة األساس
ية ف
ي ال
بالد فائ
دتھا تع
ود للمنفعة العامة وخاصة أصحاب الفعاليات االقتصادية" "في الحقيقة يا دميترس أنا ال أفھم الكثير م ن ھ ذه النظري ات ،ال ب ل ال أعلم الفرق بين الكنزية وعيد الفصح المجيد ،إنما الذي يشدني أحيانا ً ول
يس دائم
ا ً ،إذا كن
ت ص
ريحا ً مع
ك ،ھ
و ربط
ك لألح
داث وتحليل
ك السريع" ضحكت ميليندا ودميترس بصوت مرتفع حتى أن نور وميلوذيا سأال من المطبخ" :ما الذي يضحككما ھكذا؟" "ال ش
يء ،إنم
ا ھ
ي ميلين
دا تق
ول أن
ك تتكلم
ين أكث
ر م
ن تجھي
زك للطعام" قال دميترس. "ال تصدقيه يا أمي ،إنه يريد أن يفتن بيننا" "وكأني ال أعرفك يا ميلين دا ...تع الي أن ت واترك ي وال دك يق ول م ا يريد" ٢٤٤
تجاھلت ميليندا نداء والدتھا وبدل أن تذھب إليھا سألت والدھا" :م ن أي
ن أت
ت ي
ا وال
دي ت
سمية النظري
ة المنزي
ة؟ ھ
ل ھ
ي م
ن اليون
اني منزاكيس؟" ضحكت ،فقد تذكرت فيلم أمريكي شاھدته مع ميليندا اس مه )الع رس اليوناني( عن أس رة يوناني ة تع يش ف ي أميرك ا وك ان رب األس رة كلم ا سمع كلمة انجليزية أعادھا وأصلھا إلى اليونانية بطريق ة ض احكة دون أن يعني المزاح. "ما الذي يضحكك يا سلوان؟ ھل بكالمي شي مضحك؟" وش دت ش عره تداعب ه وتألم ه" :أرأي
ت ي ا وال دي؟ ھ و ھك ذا ال يأخ
ذ كالمي بجدية" "ال على اإلطالق يا دميترس ،إنما تذكرت فيلم" واتجھ
ت بنظ
ري إل
ى ميلين
دا" :ھ
ل ت
ذكري الف
يلم ال
ذي ش
اھدناه م
ع ص
وفيا وي
انس؟ بالمناس
بة نح
ن ل
م ن
دخل ال
سينما وح
دنا م
رة ،دائم
ا ً صوفيا أو يانس أو كليھما" "وھل يزعجك ھذا؟" قالت ميليندا. "ال تغيري الموضوع اآلن ،ما ھو أسم الفيلم؟" "أنت تعني )العرس اليوناني(؟" "بالضبط ،ھو ذاك"
٢٤٥
تبادل
ت ميلين
دا م
ع وال
دھا النظ
رات وك
أنھم ل
م يفھم
وا ال
ذي يعني
ه سلوان لحضتھا. "ماذا بكما؟ لماذا تتبادال نظرات تعنيني؟" "ما ھو الربط بين الفيلم وموضوعنا؟" قال دميترس. "ليس الكثير ،إنما ميليندا ذكرتني ب رب األس رة ف ي الف يلم ال ذي ك ان يعيد كل الكالم إل ى ج ذور يوناني ة ،وھ ا ھ ي ميلين دا تعي د المنزي ة إل ى منزاكيس" "في الحقيقة أن النظرية المنزية تعود إلى مؤسسھا البريطاني )جون ماينرد كين ز (John Maynard Keynesوھ ي الت ي كان ت المھيمن ة على صناعة القرار في العالم الغربي سواء قادة األحزاب اليميني ة مث ل )لودف
غ إرھ
ارد ،(Ludwig Erhardالمست
شار األلم
اني ال
سابق وص
احب نظري
ة )الرف
اه للجمي
ع( أو المخ
ضرم )ھيلم
وت ش
ميت "(Helmut Schmidtقال دميترس. "الطعام جاھز" قالت نور ودخلت مع ميلوذيا إلى غرفة الجلوس. "مازل
ت ل
م تنتھ
ي م
ن ح
ديثك ع
ن البورص
ة ي
ا دميت
رس؟" قال
ت ميلوذيا. "بلى ،لقد أنھيت كالمي عن إنتاج أجبان الماشية منذ أكثر من نصف ساعة ،كنا ننتظر فقط حتى يجھز الطعام" رد عليھا بتھكم وال يقصد تجريحھا وت ابع" :ھ م أش خاص يتحكم ون باقتصاد العالم أو االقتصاد السياسي ،قد يكون الكالم للسامع غري ب أو ٢٤٦
يبدو غير معقول ،إنما ھي الحقيقة ومن ھو مطلع على األمور العالمية يعي صحة قولي .فمثالً الرابطة األكثر أھمية في العالم حتى يومنا ھ ذا ) ،Council on Foreign Relationsرابطة االستشارات للعالق ات الخارجي
ة( ،والت
ي أس
سھا Edward Mandell) Houseادوارد مانديل ھاوس( سنة ١٩٢١م في )نيورك ستي( والذي لع ب دوراً كبي ر ف ي الح
رب العالمي ة األول
ى ،وق
د ترأس ھا اب
ن أھ م شخ
صية اقت
صادية عرفھ
ا الت
اريخ ) David Rockefellerديفي
د روك ه فيل
ر( من
ذ س
نة ١٩٧٥م" "أي
ن التواف
ق ي
ا أب
ي ب
ين الم
صالح الم
شتركة ب
ين المجتم
ع والف
رد والذي يتوقف عليھما الكي ان الع ام؟ إذا ك ان تواف ق ب ين الط رفين فل يس عل
ى الم
ذھب االجتم
اعي إال أن يطل
ق الحري
ة للف
رد ويف
تح المج
ال لدوافع
ه الذاتي
ة أن تق
وده إل
ى تحقي
ق م
صالحه الخاص
ة الت
ي ت
ؤدي بصورة آلية إلى توفير المصالح العامة .والحرية يج ب أن تك ون قائم ة عل
ى ھ
ذا األس
اس الفك
ري وت
وفير ك
ل أداة فيھ
ا س
عادة المجتم
ع الع
ام وضمان ما يتطلبه من خير وأمان ورفاه" كنت مبھوراً من كالم ميلين دا م ع وال دھا وھ ي تبادل ه ال رأي وأن ا ال أكاد أفھم ظاھره. "أن
ت تتح
دثين ع
ن نظري
ات مثالي
ة ي
ا ابنت
ي ،الي
وم أص
بحت س
لعة مفقودة ،الواق ع أن مجموع ة معين ة ھ ي الت ي ت تحكم ب القرار ف ي جمي ع أنحاء العالم ،فمثالً الرابطة الت ي ذكرتھ ا آنف ا ً ق ام عليھ ا كثي ر م ن النق د ويق
ال أنھ
م مت
آمرين وكثي
ر م
ن المھتم
ين ب
األمور االقت
صادية كتب
وا
٢٤٧
نظري
ات ح
ول طبيع
ة عملھ
م ،ھ
ذا وألن رئي
سھا أح
د كب
ار أع
ضاء الطائف
ة المن ّ ورة ف
ي الع
الم ،وم
نھم م
ن ين
سبوه للماس
ونية وھ
ذا ل
يس صحيح" "م
ا ھ
و ن
شاط ھ
ذه المؤس
سة ي
ا دميت
رس" س
ألته م
ن ب
اب ح
ب الفضول. "نعم يا أبي ،وأنا أود أن أعرف طبيعة عمل ھذه الرابطة" "ھل تعنيان رابطة االستشارات للعالقات الخارجية؟" "نعم يا أبي ،ھو ذا" "إن المفھ
وم الع
ام لھ
ذه الرابط
ة ھ
و الدراس
ة ال
سياسية لألم
ور الخارجي
ة ،والحقيق
ة أنھ
م بحك
م س
طوتھم ب
ين ال
سلطة ورأس الم
ال صاروا الجھة االستشارية في العالم .فمثالً تعقد الشركات ال ضخمة ف ي العالم اجتماعا ً دوريا ً يقام في ك ل ع ام ،ويك ون ف ي معظ م األحي ان ف ي ال
شھر الخ
امس ،في
ه ينتخ
ب األع
ضاء م
ن ال
شركة ذاتھ
ا وم
ن الم
ساھمين ،وال
سواد األعظ
م م
ن ال
شركات الكب
رى ملتزم
ة م
ع ھ
ذه الرابطة ،وللرابطة الحق بخمسة عشر في المائة من قيمة األصوات في االنتخاب الدوري المقام للمؤسسات ،وأكث ر م ن أربع ين ف ي المائ ة م ن أصحاب األسھم ال يحضر فيصوت أعضاء الشركة بدورھم ألعضائھم المرش
حين والموص
ى عل
يھم م
ن قب
ل الرابط
ة وباس
تخدامھا أي
ضا ً الخمسة عشر بالمائة تكون كفتھم ھي الراجحة ،وبھذه الحيثي ة الب سيطة يت
سنى لھ
م ف
ي العم
وم ال
سيطرة الكامل
ة عل
ى رؤوس األم
وال بغ
ض النظر عن أصحاب الشركات أو ملكيتھا" ٢٤٨
دخل الجميع إلى غرفة الطعام وكن ت أس عدھم ألن ي تخل صت أخي راً من الحديث الممل عن التجارة والتجار وأصحاب رؤوس األموال الذي أرھقني به دميترس. جلس دميترس على رأس المنضدة وطلب مني أن أجلس على يمينه، جلست ميليندا عن شمال والدھا تقابل والدتھا وبجانبھا أمي. "ھل أضع لكم الطعام في األطب اق" قال ت ن ور ،فكان ت تح س نف سھا وكأنھا في بيتھا بعد طول غياب ،ھذا ألن عالقتھا بھم كانت وطيدة جداً وزيارة اليوم أعطتھا ذات الشعور القديم بحجم المودة بينھم. "أنا سأضع وجبتي وحدي" قالت أمي. كان دميترس مشغول بأفكاره األخيرة حول موضوعه ال ذي ل م ينھي ه: "أنا أعتق د أن ف شل نظريت ه ب دأ عن دما من ع ت دخل الدول ة ف ي كثي ر م ن المج
االت ،حي
ث تترك
ز ھ
ذه النظري
ة عل
ى دور ك
ال القط
اعين الع
ام والخاص في االقتصاد أي المختلط من ه حي ث يختل ف كين ز م ع ال سوق الحر"... "إذا ل
م تنتھ
ي اآلن م
ن كالم
ك س
أفرغ الحل
ة ف
ي ص
درك" قاطعت
ه ميلوذيا وكاد أن يكون كالمھا صراخ ولكن بطريقة ضاحكة. "لم
اذا ال تدعي
ه ي
تكلم عل
ى راحت
ه؟" قال
ت أم
ي لميلوذي
ا ونظ
رت لدميترس" :أنت المذنب"... "الرجال دائما ھم المذنبون" رد عليھا قبل أن تكمل حديثھا.
٢٤٩
"أن
ت اس
تبقتني ،لكن
ي ل
م أعن
ي ھ
ذا ،أن
ت ت
سمح لھ
ا ب
أن ت
صرخ عليك" لم تقصد أمي توليد شرارة جدل بينھما إنم ا لتلطي ف الج و بقلي ل م ن المداعبة الھجومية. أكل الجميع واستلذوا وكان في األثناء قد اختل ى دميت رس ب ي ودن ت الساعة التي ذھبت النقاشات الودية وقرب ت المحاس بة وأحس ست ب دوار وكأني سأستفرغ. جلسنا كلينا على شرفة المنزل وقد أسدل الم ساء أذيال ه وص ار وج ه القمر يزين السمر معھم. "متى ستبدأ عملك يا سلوان" كنت أطل إلى جھة جدار المنزل فاستدرت إليه وقلت" :عندي إجازة اآلن لم
دة أس
بوعين وح
ال انتھائھ
ا س أبدأ ف
ي ج
ادة أثين
ا الغربي
ة ،ف
ي المخفر الرئيسي" "ھل تعلم ماذا سيكون عملك ھناك؟" "نعم ،سأكون في قسم المخدرات ،وقد أخطرون ي ب أني س أعمل ع ام في مجال العمل السري" فوجئ دميترس بالخبر ،كأنه لم يتمنى له عمالً كھذا. "ھل أنت اخترت االتجاه؟"
٢٥٠
"نعم ،لم يكن لدي خي ار كبي ر ،إم ا دوري ات ،مكافح ة ش غب أو ق سم المخدرات ،فاخترته" ح
اول دميت
رس تجمي
ع أفك
اره قب
ل أن يب
دأ مع
ه وكي
ف س
يبدأ" :أن
ا س
عيد ج
داً ي
ا س
لوان ألن
ك اس
تطعت أن ت
شق طريق
ك بنج
اح ،وأن
ت تعرف أنك كنت ومازلت مثل ابني الذي لم أنجبه ،وأنا فخور بك" تغير لون وجھي وبدا علي الخجل" :شكراً ي ا دميت رس ،وأن ت كن ت بالنسبة لي مثل والدي ،أنا لم أعرف ه ،إنم ا عرفت ك ،أن ت أعطيتن ي ھ ذا اإلحساس" "كنت مثل والدك يا سلوان!؟" رد عليه متسائالً ...يود سماع شيء آخر. "كنت وبقيت يا دميترس" في الحقيقة أن ي عني ت م ا أق ول ألن ي كن ت أرى ال رفض منھم ا ف ي الفترة األخي رة مم ا س بب ل ي أزم ة نف سية ل م تك ن س ھلة ...وتع وم ف ي داخلي لغاية اللحظة التي كنت أحادث دميترس بھا. "أنا فخور بك كثيراً يا سلوان ،وأن ت ال تع رف ك م أحب ك ،ق د تك ون الفت
رة األخي
رة أظھ
رت من
ي العك
س ،لك
ن ھ
ذا ل
م يغي
ر م
ن حب
ي ل
ك ولوالدتك شيء" تفتحت سرائري بع ض ال شيء وانفك ت عن ي تل ك الربك ة والت شتت: "ولم اذا كل ه ھ
ذا ي ا ع
م؟ لم اذا وم ن غي
ر س ابق إن
ذار أخرجتمون ا م
ن حياتكم؟ ما الذي بدا منا حتى صرنا بين يوم وليلة غرباء؟" ٢٥١
صار األمر يصعب على دميترس أكثر مما كان. "ھن
اك أش
ياء ي
ا ول
دي ال ذن
ب لن
ا بھ
ا ،فال
دم الج
اري بعروقن
ا ال نستطيع التحكم ب ه وبف صيلته ،وال ن ستطيع أن نخت ار أبائن ا وال أن سابنا وال الجذور التي ننت سب لھ ا ،ھن اك أش ياء ي ا ول دي كثي رة ال ع دل بھ ا أنم
ا فرض
ت علين
ا م
ن غي
ر أن ن
سأل ،نح
ن نع
يش ف
ي مجتم
ع أرثوذوكسي وحياتنا أيضا ً كذلك ،أنت ال تختلف عنا أبداً ال بالطابع وال بأسلوب الحياة ،إنما أنت مسلم ،ل و كن ت عربي ا ً م سيحيا ً لكان ت األم ور أسھل بكثير ،أنا ال أتصور أن ترتدي ابنتي في المستقبل الحجاب ...أو حفيدتي" قاطعته وقلت له" :ومن قال لك أني أريد أن ترت دي ميلين دا الحج اب أو ابنت
ي؟ ھ
ل ترتدي
ه أم
ي؟ أن
ا ال أحب ه أص
الً وأنك
ر عل
ى أص
دقائي عندما أراھم مع زوجاتھم األلبانيات أو غيرھم من العرب" "أنا ال أعني اآلن يا سلوان ،لكن في الم ستقبل ال نعل م كي ف س تتغير األمور وتتطور في حياتك" "أنا لم أعرف من اإلسالم شيئا ً يا دميترس ،ال أنا وال أمي ،وال أقتنع بك
ل ھ
ذه الخراف
ات ،أل
م نأك
ل معك
م لح
م الخنزي
ر؟ أل
م أش
رب معك
م الخمر؟ أال ترى أمي والثياب التي ترت دي وعالقاتھ ا رغ م أنھ ا تخفيھ ا ً خجال؟" عني وض
ع دميت
رس براح
ة ي
ده عل
ى كتف ي وق
ال" :ل
يس األم
ر ھك
ذا ي
ا ولدي ،إنما ھي الجذور ،وھل تقب ل أن ت دخل األرثوذوك سية؟ ل و قبل ت سأزوجك ميليندا؟" ٢٥٢
انبھرت من سؤاله الغير متوقع" :وما ھو الفرق بين بقائي على ديني الذي ال أعمل به وال أعرف منه شيء ،أو دخولي دينك الذي لن أعم ل به ولن أقتنع أيضا ً بمبادئه تماما ً مثل الدين الذي أنا عليه؟" "أري
د أن تتعم
د بالكني
سة ،وھن
اك س
تأخذ اس
ما ً أرثوذوك
سيا ً وقتھ
ا أس
تطيع أن أع
رض األم
ر عل
ى ع
ائلتي وأرى ردود فعلھ
م ،وقناعت
ك شيء متعلق بك" غضبت من كالمه وقلت ل ه" :أدخ ل الم سيحية وأنتظ ر أن ت ستقبلني عائلتك ومن الممكن أن أرفض؟" "ال تأخذ كالمي بحساسية زائدة ي ا س لوان ،إن ه الواق ع ال ذي ت رفض االقتناع به وأنا ال أستطيع أن أھرب من أسرتي وأضع رأسي بالرمال" لي شيء ،ال بل زاد الوقع أكثر مما كان عليه" :أنا لم يخفف الكالم ع ّ أرفض الدخول في المسيحية ال ألني م سلم ،ب ل لموقف ك تج اھي وتج اه أصولي" شطت غضبا ً وأحتد صوتي من غير أن أسيء األدب. "إذا كنت فعالً تحب ميليندا اتركھا يا سلوان" تعجبت من صراحته وجرأته التي لم أتوقع أن يبديھا بھذه الشكل. "أنا أحبھ ا ،ول ن أتركھ ا إال إذا ھ ي اخت ارت أن تنف صل عن ي ،ول ن أستسلم بھذه السھولة ،أنا أق ول ل ك م ن اآلن ،س أجاھد حت ى تبق ى مع ي ولن أستسلم"
٢٥٣
س
كت دميت
رس لحظ
ة وكأن
ه أراد أن ي
ستعيد أفك اره وتنظ
يم كالم
ه ليختار الطريقة المناسبة التي يستطيع إقناعي بھا. "أنا أكبر منك في السن ولي خبرة في الحياة أكثر منك يا ولدي ،وأنا أنصحك ألني أحبك"... لم أتركه يكمل وقلت له" :تنصحني؟ بماذا؟ بأن أت رك حي اتي والفت اة التي أحب...؟" "ال ،أنا أنصحك أن تتزوج فتاة مسلمة ،أردنية مثالً ،أو حتى من أي قومية أخرى ،المھم أن تكون على دينك حتى ال تقع مشاكل قد ال تراھا أنت اآلن"... وقب
ل أن يكم
ل ردت علي
ه" :أرج
وك ي
ا دميت
رس ،ال تع
ارض زواجنا ،أرجوك" وضع اآلخر يديه على عينيه ال يعرف ماذا يق ول" :أرج وك أن ت ي ا س
لوان ،تفھ
م وض
عي ،أن
ا أب ويعنين
ي م
صلحة ابنت
ي ،ول
يس م
ن م
صلحتھا أن تت
زوج بغي
ر يون
اني ،ھن
اك ف
وارق كثي
رة غي
ر ال
دين، العادات والتقاليد ،مجتمع مختلف تماما ً عن مجتمعك" "دميت رس أن
ا ل
م أع
رف ش
عبا ً غي
ر اليون
اني ،ل
م أع
رف حي
اة غي
ر حياتكم ،وال عادات وتقاليد غير التي مارسناھا معكم ،أنا ال أع رف أي ش
يء ع
ن عروبت
ي أو إس
المي ،إذا ك
ان االس
م ي
ضركم س
أغيره ،أو طبع
ي ،س
أتطبع بط
بعكم وأخالق
ي ھ
ي م
نكم ،ل
م أتعل
م م
ن أم
ي م
ا ناقضكم أو جابھكم"
٢٥٤
وك
أن الك
الم ق
د نف
ذ ،س
كتنا ودخل
ت ميلين
دا معھ
ا طبق
ا ً كبي
راً في ه الجاتوه والقھوة والحظت على الفور ت أزم الحال ة بينن ا ،ل م تع رف ھ ي األخرى كي ف س تبدأ معن ا وب أي طريق ة أو موض وع ،ت سأل ع ن ال ذي يسكتنا؟ تبادلنا الحوار؟ أو أن تحاول أن تضفي على األج واء ش يئا ً م ن الدعابة؟ وض
عت الطب
ق عل
ى الطاول
ة وص
بت ف
ي األك
واب الثالث
ة القھ
وة وكان واحد لھ ا ،ق دمتھا ،ترمقن ا أثنائھ ا بنظ رات ال تع رف كي ف تق ول لنا. جلست وقبل أن ترتخي في جلستھا قال لھا والدھا" :ھل م ن الممك ن أن تتركينا يا حبيبتي وحدنا قليالً" ومن غير أن ترد عليه أو تنبس ببنت شفة قامت فأم سك بي دھا وق ال لھا" :قولي لھما أن يتركانا وحدنا بعض الوقت" "حاضر يا أبي" كانت ردود ميليندا متوترة أكثر منا. وقف دميترس وحمل معه فنجانه ونزل الدرجات نحو حديقة المنزل األمامية وقال" :رافقني يا سلوان" حملت بدوري أيضا ً فنجاني وسرت خلفه. جلس دميترس على حافة جدار الحديقة وجلست أقابله وكالن ا يحم ل كوبه بيده.
٢٥٥
"أنا لست ضدك كشخص ي ا س لوان ،إنم ا ض د العالق ة الت ي تربط ك بميليندا ،أنت إنسان راقي يا ولدي ،لكن ھناك معايير في حياتنا ترغمنا عل
ى اتخ
اذ ق
رارات ق
د نك
ون س
اخطين عليھ
ا ،وأن
ت يج
ب علي
ك أن تتفھم موقفي ،ولو أنك لحظة واحدة فك رت بمنطقي ة وعقالني ة ل وافقتني الرأي وبقيت أنت وميليندا مثل األخوين ونكون عائلة س عيدة مثلم ا كن ا في الماضي ،ألم نكن ھكذا يا سلوان؟" تنھ
دت وھ
ززت رأس
ي والك
الم تغ
رب عن
ي وت
اه ،ك
أنني ملل
ت التكرار والضغوط التي يمارسھا علي دميترس باسم المنطق والعقل. "ل
يس ذنب
ي وال ذنبھ
ا ّأن
ا خلقن
ا م
ن ج
ذرين مختلف
ين ،أن
ا ل
م أخت
ر قوميتي وال ھي ،لم أسأل نفسي قبل أن أحبھا إذا كنت م ن الطبق ة الت ي قد أرف ض أو أقب ل ،ل م أفك ر ،إنم ا س لمت ل سجيتي كم ا ھ و الح ال عن د الكثير بعمري .قل لي أنت ،ھل فكرت مليا ً قبل زواجك من ميلوذيا؟" ضحك من سؤالي" :لو أني فكرت لحظة ما تزوجتھا بتاتا ً" وأوم
أ بي
ده ورأس
ه ليب
ين ل
ه المداعب
ة وأن المث
ال المط
روح ل
يس بمكان
ه" :ل
و أن
ي وعي
ت وقتھ
ا األم
ور مث
ل الي
وم لكان
ت أش
ياء كثي
رة تغيرت في حياتنا ،إنما ھي األقدار" "ولم
اذا ال ت
سلم الي
وم لألق
دار وتتركن
ا نع
يش حياتن
ا كم
ا نح
ب ونرضى" كان دميترس مثل الذي وضع في دوام ه ،ال يع رف كي ف ي رد عل ى فيض من التساؤالت.
٢٥٦
"إنھا أنانية أن تتحكم بمصيرنا أنت وميلوذيا ،دعنا نسعد سويا ً وھ ي حياتنا بالدرجة األخيرة ،وأنتم قدمتم حياتكم ألجل إسعاد أبنائكم ،أليست ھ
ذه ھ
ي الغاي
ة م
ن جلوس
ك مع
ي اآلن وتحم
ل ك
ل مناق
ضاتي وع
دم تفھمي؟ إذا كانت ال سعادة البنت ك ھ ي الحي اة مع ي ،لم اذا ال ت سعد أن ت بقرارھا؟ إنھا أنانية اآلباء يا دميترس ،في الحقيقة أنكم ال تبحث ون عم ا يسعد األبناء إنما تجعلوا منا كالدمى كي تسعدوا أنتم" لم يتوقع دميترس سماع شيء من ھذا القبيل من سلوان. "قد أكون أنانيا ً مثل كل والد ،لكنك أنت أي ضا ً ل ست أق ل من ي أناني ة ألنك ستحرمني من أقل األشياء الت ي حلم ت بھ ا ط ول عم ري ،حلم ت أن تكون ابنتي زوجة ليوناني يفھمن ا ونفھم ه ،يحتف ل معن ا ف ي كني ستنا ويقدس مريم الع ذراء وال روح الق دس ،ص غائر األم ور ي ا س لوان الت ي أنت ال تريد أن تتفھمھا ،الواقع مر ليس مثلما تتصوره ،والواقع أني ال أتمن ى أن تك ون أن
ت زوج ميلين دا ھ
ذا عل ى ق در حب
ي ل ك ،وال أتمن
ى أيضا ً أن أخسرك" سكت ولھة وقالت" :دميترس ھل ھذا آخر كالم لديك؟" "سلوان أنا أحبك ،ولكن لن أرضى أن تكون زوج ابنتي" أحبطت من النھاية والقرار الذي خرج به والد ميليندا. "أنا سأذھب اآلن ،أشكركم على العشاء وحسن الضيافة" لم يكن دميترس راضيا ً بالنھاية التي وصلنا إليھ ا مع ا ً ،كأن ه ت صور بطريقة او بأخرى أن أستقبل ردود فعله وموقفه بصدر رحب وتفھم. ٢٥٧
كان ت تق
ف ميلين دا ف
ي األثن
اء عن د ب
اب المن
زل وتراقبن ا م
ن بعي
د، وسألتھا" :ميليندا ،ھل من مكن أن تقولي ألمي أن تجھز حتى نذھب؟" نظرت األخرى نظرة فيھا عتاب قوي وغضب على والدھا ودخلت. "خالتي ،سلوان يقول لك أن تجھزي ألنه يريد أن يخرج" جل
ست ن
ور لتوھ
ا ول
م ت
شرب قھوتھ
ا م
ع ميلوذي
ا فق
د رتب
ا حج
رة الطع
ام ف
ي الوق
ت ال
ذي جل
سا االثن
ين ف
ي ال
شرفة ،ول
م يت
سنى أي
ضا ً لميلوذيا أن تطرح الموضوع معھا حسب اتفاقھا مع زوجھا. ب
دا عل
ى الجمي
ع االض
طراب وأكث
رھم ن
ور ،أح
ست بح
رج وھ
ي تنظر الحمرار وجه ميليندا وسكوت ميلوذيا بجانبھا. راود ميلوذيا شعور بالخجل أمام نور وسكوتھا فأحست أنھا ال بد أن تقول ش يء ،أي ش يء حت ى تخ رج م ن الموق ف الوج ل والح رج ال ذي خيم على الجميع. "لم العجلة؟" قالت ميلوذيا تصطنع الھدوء رغم تنبئھا بسبب الخروج السريع. "أنا ال أعرف أيضا ً لماذا يريد سلوان ال ذھاب اآلن ،س ألبس وأخ رج وللحديث بقية يا ميلوذيا" لم تعلم نور بالفازعة الت ي يعي شھا ول دھا اآلن وال ب الكالم ال ذي دار بينھم.
٢٥٨
لملمت نور تلبكھا األخير وإحراجھا من الموقف الع ام وس ارت نح و الخارج وإذ باالثنين يقفا متباعدين بع ض ال شيء ويالح ظ عل ى س لوان الغضب وعلى اآلخر خيبة أمل سببھا له والبنت ه وھ و يع ي أن بإمكان ه إسعادھما. أقبلت أمي على دميترس ال تعرف كيف تودعه وبأي طريقة. ل
م ينتظ
ر اآلخ
ر حت
ى أق
دم عل
ى أم
ي بابت
سامة عري
ضة مت
أثرة وعانقھا" :يؤسفني أن المساء لم يطول بيننا" نظ رت بوج
ه باس
م وھ ي م
سبلة عيناھ
ا الناع ستين ھم
ا ً وقال
ت" :ال عليك يا دميترس ،ستصطلح األمور وتنعدل ،أنا واثقة من ذلك" عين ي وأقبل ت عل ى ميلوذي ا وھ
ي كن ت أراق ب الوض ع م ن أط راف ّ تق
ف بجان
ب أم
ي تري
د أن تعانقھ
ا وقل
ت لھ
ا" :ش
كراً ي
ا ميلوذي
ا عل
ى المساء الجميل والعشاء" اص
طنعت االبت
سامة حت
ى ال يك
ون ال
وداع ثقي
ل الظ
ل عل
ى جمي
ع األطرف. "ميليندا أتمنى لك مساء سعيداً" وصافحتھا بيدي من غي ر أن أبادلھ ا أي نظ
رة" :دميت
رس ،أتمن
ى ل
ك م
ساء س
عيد وأش
كرك عل
ى ح
سن الضيافة" كنت أنظر لألرض مكسور الخاطر وھو يبادلھم التحية. خرجت دون أن أنتظر والدتي بعدما صافحتھم جميعا ً.
٢٥٩
ركبن
ا ال
سيارة االثن
ين دون أن نتب
ادل كلم
ة واح
دة ،لق
د رأت أم
ي الغضب في وجھي ولم ترد أن تسألني عن الذي دار بيننا. أثن
اء الطري
ق أوقف ت مح
رك ال
سيارة عل
ى ط
رف ال
شارع مقاب
ل حانوت ونزلت بخطى سريعة كأني على عجلة من أمري. ما كانت إال دقائق حتى خرجت وبيدي كيس بالستيكي شفاف مملوء بعبوات مختلفة األشكال من الخمور. "لماذا كل ھذا؟" وض
عت الك
يس عل
ى المقع
د الخلف
ي لل
سيارة وأجبتھ
ا" :ال أري
د أن أفيق اليوم ،ھل تشربين معي اليوم؟" سألتھا بھدوء غاضب. "ومنذ متى أشرب أنا الكحول؟" اختل ف لونھ ا وھ ي ت
دافع ع ن نف سھا رغ م علمھ
ا ب أني أع رف أنھ
ا تشرب بين الحين واآلخر. "إلى متى يا أمي نخفي الحقيق ة ع ن بع ضنا؟ أن ا أعل م وأن ت تعلم ين أنك تشربين ،اشربي معي اليوم فقط ألجلي ،ال أريد أن أكون إال معك، ال أريد أن أرى أح داً ،كلھ م يكرھونن ا وكأنن ا حثال ة أو نخ ب ثال ث م ن المجتمع ،وھل نحن ھكذا يا أمي؟" بعيني ال أريد أن أبكي أمامھا، كدت أبكي وأنا أكلمھا ،حبست الدمعة ّ مقھوراً ال أفھم نفسي وال الذي يدور حولي.
٢٦٠
وضعت أمي براحة يدھا على خدي وأن ا أق ود ال سيارة" :أن ا ال أعل م بالذي دار بينكما يا ولدي ،لكني توقعت ھذا يوم ا م ا ،ل يس بال ضرورة اليوم ،إنم ا كن ت أنتظ ر ھ ذا من ذ زم ن ،وكلم ا ت صورت الموق ف كن ت أح
س باالختن
اق ألن
ي أع
ي خيب
ة األم
ل الت
ي ست
صاب بھ
ا م
ن ج
راء االص
طدام ب
الواقع الم
ر .نح
ن ل
م نتح
دث م
رة ع
ن حياتن
ا ب
شكل موضوعي والمجتمع الذي نعيش بظله ونظرتھم لنا" ل
م أك
ن وقتھ
ا أس
توعب ش
يء م
ن ك
الم أم ي ،كن ت أرى فق
ط وج
ه دميترس وھو يصرح لي بالرفض بكل الصور. ٌ ص مت يقتلن ي وإع صار استمرت أمي بالحديث معي وأنا ال أجي ب، يجتاح ھ دوئي المخن وق ،ت شابكت أفك اري وش عرت بغمام ة ت صاعدت من بطني وصارت تعم جميع دماغي حتى أني أحسست برأسي قد أقفل ولم أعد أستطيع الرؤية أمامي. ما كانت إال لحظات حتى وصلنا إلى البيت وكدت أن أقول ألم ي أن تقود السيارة لعدم قدرتي على تحمل السخونة التي تجتاح وجھي وتك اد عيني. أن تخرج من ّ "ھل أنت على ما يرام يا ولدي؟" سألتني أمي بعدما بدا على وجھي بجالء شيء أكث ر م ن الحم رة ب ل تجاوزت الزرقة والسواد. دخلنا البيت بسرعة وبيدي خمرتي وقلت لنفسي" :اآلن سأكون على ما يرام"
٢٦١
من غير أن أخلع حذائي كما أفعل أحيانا ً دخلت إلى حجرتي ورميت بجسدي المنھك على السرير وأخذت بأول زجاجة )راكي( وشربت من فمھا ال للمتعة ،بل ألعاقب نفسي على جرم ليس لي به باع أو ذراع. دخلت علي أمي وقالت" :أرجوك يا ولدي ال تفعل بنفسك ھكذا" ل
م يك
ن غريب
ا ً عليھ
ا ھ
ذا المنظ
ر من
ي ،إنم
ا الغري
ب القھ
ر ال
ذي يعصرني وقلة الحيلة مني ومنھا. قربت من ي ووض عت ي دھا عل ى رأس ي وع انقتني وأن ا ج الس عل ى السرير وأحست ھي بقلة الحلية. "أنت لست وحدك حبيبي ،نحن معا ً سويا ً لألبد" كانت تحبس الدمعة بجفنيھا كي ال تحسسني بضعفھا ،كان ت تحت رق ب
داخلھا وھ
ي قاص
رة ال تمل
ك غي
ر مع
انقتي ودمعاتھ
ا تت
ساقط عل
ى شعري من غير أن أحس ،فشعرت ببل برأسي جراء نحيبھا الصامت. "اقعدي يا أمي واشربي معي ،أرجوك" جلست على السرير بجانبي وقالت" :سلوان أن ا محرج ة من ك ،كن ت أتمنى أن تعرف بأني أشرب بغير ھذه المناسبة" أخرجت زجاجة )الراكي( وأعطيتھا ألمي" :خذي ،إشربي مع ي ،ال ً دائما؟" عليك يا أمي ،لكل أجل كتاب ...ألم تقولي لي ھذا "نعم يا ولدي ،لقد قلت لك ھذا" قبلت فم الزجاجة وصارت تشرب بغل وسخط أكثر مني...
٢٦٢
ثملنا االثنين وجلسنا على األرض وأمي م ستلقية عل ى ظھرھ ا عل ى سريري ،اس تلقيت أن ا اآلخ ر عل ى ظھ ري وص رت أبك ي وھ ي ت سمع نحيبي وتشاركني إياه. رن ھاتفي تصاعديا ً حتى أن ي ل م أع د أس تطيع س ماعه" :أي ن ھ اتفي الخلوي؟" س
ألت نف
سي ب
صوت المثم
ل وأبح
ث ف
ي س
ترتي وس
روالي دون جدوى ،صرت ال أعي شيئا ً والھاتف يأبى أن يسكت. وقف
ت ن
ور تت
رنح وب
دأت تبح
ث ع ن الھ
اتف بجيوب
ه الكثي
رة علھ
ا تسكته. أخرجته من جيب سترته الداخلية وضغطت على أح د أزراره تن وي إسكاته حتى صار االثنان يسمعان صوت ميليندا منه. "ألو ...ألو ...سلوان ...أتسمعني؟" صارت ھي تسمع صوت نور الثمل وھي تخاطب سلوان وتقول له: "خذ ھاتفك ...صمت أخيراً" وضعته على بطن س لوان وھ و م ستلقي عل ى ظھ ره حت ى أن ه س مع صوت يخرج منه بعد أن اتكأت والدته على سريره. وضع يده على الھاتف فوق بطنه وقال" :ميليندا ...ھل ھو أنت...؟" ميليندا في المقابل" :سلوان أرجوك كلمني ،ماذا بك؟"
٢٦٣
رفعت صوتھا ميليندا حتى يسمعھا أحدھما" :نور ...ھل تسمعيني... سلوان"... أمسك سلوان الھاتف كي يكلمھا فنزل ب العفو عل ى ال زر ال ذي ينھ ي المكالم
ة ووض
عه م
ن غي
ر أن يع
رف أن الخ
ط ق
د ف
صل" :ميلين
دا... تعالي أمي سكرت معي ألول مرة" كان يبكي وھو يتكلم ولم تسمعه غير أمه. عاود الھاتف يرن من جديد ،وتنھدت نور ف ي الھ واء ك ـأنھا تعارك ه من كثرة ثمالتھا" :الھاتف من جديد"... كان اآلخر يحمله بيده ووضعه أم ام وجھ ه حت ى تمك ن م ن اس تقبال المكالمة" :ميليندا ...أن ا أحب ك ي ا وردت ي ...ال تبك ي ...ال تقلق ي ...أن ا أع
دك أن
ي س
أبذل ك
ل جھ
دي حت
ى نحتف
ل ب
العرس تح
ت الم
اء كم
ا وعدتك" كان صوته متقطعا ً ثمالً حتى النخاع. بكت ميليندا بعدما أحست بحالة سلوان وأمه ،فھي لم ترى ن ور م رة ثملة وال س لوان محطم ا ً لھ ذه الدرج ة" :س لوان حبيب ي ،اس معني ...أن ا سأحضر اآلن" وأغلقت السماعة.
٢٦٤
فصل
ألني عربي
في الوقت الذي ھاتفت ميليندا س لوان كان ت تجل س ف ي حجرتھ ا ،ل م ترد أن يسمعھا والديھا. بعد أن أنھت المكالمة التي لم تطل ،جل ست عل ى س ريرھا وص ارت تبكي وتارة أخرى تصمت غضبا ً وسخطا ً على والديھا. مسحت دموعھا وبدأت تستعد للك الم م ع وال دھا ومواجھت ه برغبتھ ا وألول مرة ...صارت تردد بصوت تكاد ھ ي ال ت سمعه بالكلم ات الت ي ستقولھا لوالديھا وكيف ستبدأ معھم. كان دميترس يجلس في الحديقة األمامية للمنزل ،ومن وق ت خ روج سلوان وأمه بقيت ميلوذيا معه لتعرف الذي جرى معھم. كانت ميليندا قد تنب أت ب الحوار بي نھم لعلمھ ا ب سبب ال دعوة ف ي ذل ك المساء. خرجت من حجرتھ ا ت صطنع الھ دوء وتع اود الكلم ات الت ي س تلقيھا عل
يھم مث
ل الطف
ل ال
ذي ي
ستعد المتح
ان نھاي
ة الف
صل الدراس
ي" :أن
ا سأتزوج سلوان إن شئتم أم أبيتم" قالتھا وأخذت نفسا ً عميقا ً كالذي حقق رقما ً قياسيا ً بالغطس. نظرا كليھما مبھ ورين بال ذي ب در منھ ا ول م ين بس أح دھما أو ي رتم، فھم
ا لي
سا معت
ادان عل
ى جرأتھ
ا وخاص
ة وال
دھا ،فالعالق
ة بين
ه وب
ين ميلين دا مث ل األص دقاء ولك
ن ل م ي سمع منھ ا م
رة ب صراحة ب شيء ع
ن عالقتھا الجدية مع سلوان. ٢٦٥
"أنا لم أعتد منك طريقة الكالم ھذه يا ميليندا" "وم
ا ھ
ي الطريق
ة الت
ي تنتظرھ
ا من
ي ي
ا أب
ي وأن
ت تق
ف أم
ام سعادتي؟ أني آسف إذا كنت قد تجاوزت األدب معك أو رفعت صوتي" انخفض صوتھا بعد أن سمعت عتاب أبيھا لھ ا بطريق ة أخجلتھ ا م ن نفسھا وأحست أنھا تجاوزت حدودھا معه. "أبي أنا فكرت كثيراً قبل أن أتخذ قراري وأتمنى أن ال تك ون وأم ي عث رة ف
ي حي
اتي ،ب ل أتمن
ى واطم
ع أن ت شاركوني فرحت
ي وتحترم
وا قراري ولن أسعد مرة إذا تركتموني من غير أن تشاركوني أجم ل أي ام حياتي" وقفت ميلوذيا وصارت تضرب على فخذيھا غضبا ً وتقول" :س أندب حضي أنا على ابنت ي الوحي دة ،كن ت أعتق د أنھ ا س تكون مث ل ص ديقتي عندما تكبر ،وأول ما بلغت تغربت عني ولج أت ألبيھ ا ،وعن دما ش بت أحبت عربيا ً ومسلما ً ،يا للعار ...وزوجي جالس ال يحرك ساكن" أمسكت بكتفه وقالت" :أنا لن أسامحك إذا ل م تقن ع ابنت ك ف ي الع دول عن رأيھا ،ماذا سأقول لعائلتي؟ ميليندا ستتزوج العربي البربري" لم تھ دأ ميلوذي ا بع د أن س معت ك الم ميلين دا واش تاطت غ ضبا ً" :أن ا سأموت يا ميليندا وأن ت م ن س يقتلني إذا بقي ت عل ى رأي ك ،ل ن يتحم ل قلب
ي ھ
ذه ال
صدمة أب
داً وستعي
شين أن
ت حيات
ك كلھ
ا وض
ميرك متع
ب ألنك تسببتي بقتل أمك"
٢٦٦
كانت ميلوذيا ت صرخ وص وتھا رنين ه ي صدع خ ارج أس وار المن زل فوق ف دميت
رس وأم
سك ي دھا وش
د عليھ
ا وق ال لھ
ا ب
صوت م
نخفض: "أغلقي فمك وإال وضعت فيه وسادة الكلب حتى ال تنطقي للغد ،أدخل ي معي للبيت" دخل وھو ممسك بي د زوجت ه خلف ه وص عدا ال درجات وميلين دا تق ف ھناك وأمسك بي دھا ھ ي األخ رى وق ال" :أدخل ي أن ت أي ضا ً مع ي ،لق د خيبت ظني ،ما كنت يوما ً أعتقد أنك ستكونين ساذجة لھذه الدرجة" دخ
ل الجمي
ع غرف
ة الجل
وس" :اقع
دي اآلن" ق
ال لزوجت
ه" :وأن
ت أيضا ً" بقي ھو واقف ا ً ي دور ف ي الغرف ة وميلوذي ا تبك ي ك أن أح داً م ن أھلھ ا مات لتوه. "إلى متى ستبكين؟ أسكتي أرجوك يا ميلوذيا ...وال تتكلمي ،ال أري د أن أسمع أي مداخلة منك ،فأنت كل شيء غير الموضوعية" كانت حقا ً ميلوذيا تبكي ألي سبب قد يزعجھ ا أو يقلقھ ا ،فھ ي رقيق ة ولكن بطابع مختلف. "ميلين
دا ،أن
ت ص
دمتني الي
وم بكالم
ك وق
رارك ال
سخيف ،م
ا كن
ت يوما ً سأتكلم معك بھذه الصورة لو لم تخيب أملي في ك .كن ت أعل ق ك ل أمالي علي ك ،عل ى م ستقبلك وأت صور الشخ صية الت ي س تكون بجانب ك يوما ً من األيام ...زوجك ...واليوم تأتين إلي وتقولين لي أنك قررت... أنت ال تملكين قرارك ،وليس لك الحق أن تتخذي قراراً س خيفا ً مخج الً
٢٦٧
وحدك ،أنا والدك ومازلت في منزلي وأن ا ص احب الق رار ف ي حيات ك، أعطيتك الحرية المطلقة وأنت ...ماذا فعلتي؟ أسأت استخدام الثق ة الت ي منحتك إياھا ،كنت أعتقد أنك ناضجة ...من اليوم فصاعداً لن أسمح لك أن تقابليه أبداً" وقفت ميليندا كأنھا تدارست الكالم مراراً وتكراراً في وقت وض عت الظروف بھا في حيص بيص وبين والديھا " :يؤسفني أني أخيب ظن ك بي يا والدي ،لكنني اليوم أعي ما اق ول تمام ا ً .أن ا اخت رت س لوان ول ن أرجع عن قراري مھما ك ان ال ثمن ،وس أخرج اآلن إلي ه ،إن ه ف ي أم س الحاج
ة إل
ي ،وال تح
اول منع
ي ألن
ي ذاھب
ة ول
ن ي
صدني ال أن
ت وال الموت حتى" صدم دميترس من كالمھا وصار ينظر إليھ ا وعيني ه مت سمرتان م ن خيبة األمل والغضب في آن واحد" :كنت أخطط يا ميليندا ل ك بم ستقبل غير الذي ستبدأيه ،كنت أت صورك عروس ا ً م ع أح د أع الم محفلن ا ك ي تخطي معه خطى لمستقبل زاھر وليس مستقبل مربوط مع عربي مسلم أو باألحرى خلية نائم ة .أن ا ال أك ره س لوان ال ب العكس أن ا أحب ه لكن ي أحبه بطريقة يكون فيھ ا م ن العائل ة م ن ب اب العط ف ال أكث ر ،أم ا أن ه يأخذ ابنتي عروسا ً فأنا لن أسمح" كان والد ميليندا من أعضاء البن ائين األح رار الن شطين وك ان يجھ ز ميليندا كي تلتحق بمحافل النساء أيضا ً عندما تبلغ الخامسة والعشرين. "أنظري أنت الفرق بينك وبينه! م اذا تفعل ين ف ي أوق ات فراغ ك؟ أو الھوايات التي تمارسينھا؟ ما ھي اآللة الموسيقية المفضلة التي تع زفين ٢٦٨
عليھا؟ الحظي نوعية الك الم الم ستخدمة عن د س لوان وأم ه ...ھ ل ھ ي شبيھة بالتي تتداولينھا معي أو مع صوفيا أو يانس؟" لم تكن ميليندا وقتھا لتفكر بالكالم والفروق الت ي يق دمھا وال دھا لھ ا، كان
ت ت
سمع غي
ر أن عقلھ
ا وقلبھ
ا ي
دق ب
آخر كالم
ات الثمال
ة الت
ي سمعتھا من سلوان وأمه والحالة التي ھم اآلن عليھا. "أن
ا ال تعنين ي الف
روق االجتماعي
ة ،ھ
ذا إن ك
ان ھن
اك ش
يء منھ
ا، نحن اآلن نع يش بع الم منف تح ال يع رف الع روق والجن سيات وال يف رق بين غني وفقير أو يوناني وعربي أو بربري كما تقول أنت" صار يفكر دميترس بالطريقة التي تعيد ميليندا لصوابھا بعد أن اقتنع تماما ً بأن الشدة لن تجدي معھا بشيء ،وما كانت ھذه إال ردة فع ل من ه على كالم بدر منھا لم يكن يوما ً يتوقعه أو أنھا س تكلمه بھ ذه ال صراحة الوقحة. "تعالي يا ابنتي" أقبل عليھا وعانقھا وھي مسدلة يديھا كأنھا ت رفض عناقه" :اقعدي اآلن أرجوك يا ميليندا" جل
ست عل
ى م
ضض وأخ
ذ أريك
ة منف
ردة ووض
عھا أمامھ
ا وجل
س يقابلھا ،أمسك يديھا الناعمتين اللتين يبدو من ملمسھما العز الذي تعيش في كنفه. "يا ابنتي فلنن سى أن ال رفض ب سبب عروبت ه أو إس المه ،ولنت دارس سويا ً شخصية سلوان ،حيات ه ،ھوايت ه ،تطلعات ه ونقارنھ ا أو نح اول أن نقاربھا إليك وأحالمك المستقبلية التي لطالما جلسنا سويا ً نخطھا ونعمل
٢٦٩
لتحقيقيھا ،وھذا ليس من الماض ي أو فت رة طفولت ك إنم ا بقين ا بتواص ل حتى اليوم .أم أن ي أب الغ؟ أو أن ي أخط أت ط وال عم ري بح سن ض ني بك؟" طأطأت ميليندا رأسھا خجالً ولم تعد تع رف كي ف س تخرج اآلن م ن المنزل رغما ً عن والدھا. ف
ي األثن
اء كان
ت تجل
س ميلوذي
ا وتھ
ز رأس
ھا وظھرھ
ا تعب
ر ع
ن غضبھا وقلة حيلتھا وتقول بين الفين ة واألخ رى )تيباثم ه( وھ ي الكلم ة اليونانية التي ترددھا دائما ً عند غضبھا أو حزنھا وتعني ما الذي جرى لنا؟ وھي كلمة معتادة عند كثير من نساء اليونان. "أن
ا س
أموت إذا تزوجت
ه ي
ا ميلين
دا ،م
اذا س
أقول ل
صديقاتي أو ألخوتي؟ ميليندا تزوجت عربي...؟ يا للعار" "أصمتي أرجوك ،دعيني أتحدث مع ابنت ي بعقالني ة ،كالم ك ھ ذا ال يفي
د اآلن أب
داً ،إذا أردت أن تبك
ي أو تن
دبي حظ
ك ف
أرجوك اذھب
ي للغرفة األخرى" وقفت وھي تردد ذات الكلمة وخرجت من عندھم وھي تعبر عن قلة حيلتھا بھمس الكالم لنفسھا والمسموع. "من التأمل واالستبصار ينبع الحب يا ابنتي ،الح ب ال ينتظ ر س ؤال أو إجاب
ة ،ھ
و ي
أتي كالتي
ار م
ن األح
شاء ويتخ
بط ب
المحيط م
ن غي
ر وع
ي .أن
ا اآلن أتكل
م بحري
ة وال يتملكن
ي ش
يء م
ن ھ
ذه الم
شاعر
٢٧٠
الجياش
ة ،أم
ا أن
ت ...ف
ي وض
عك الح
الي ال ت
ستطيعين أن تفك
ري وتحكمي عقلك وال الظروف أو الوسط الذي تعيشين فيه" "ھذا ليس صحيح ،أنا أعي ما أفعل ،وأحب سلوان بعقالنية أكثر من العاطفية .أعتقد أنه اإلنسان األنسب لي م ن ك ل الن واحي رغ م الف روق التي ذكرتھا أو بعض منھا .وليس م ن ال ضروري أن نك ون مت شابھين باألفكار حتى نكون زوجين سعيدين ،وجميل أن يكون ھو نقيضي حتى نكمل بعضنا ونسير بخط متوازي ونلتقي" كانت ميليندا تضع والدھا في طريق مسدود عندما تقول له بإص رار أنھ
ا تري
ده ول
ن تع
يش م
ع غي
ره ،فھ
ذا يعن
ي ل
ه ف
ي النھاي
ة أن ك
ل األس
اليب الت
ي يتبعھ
ا معھ
ا ال تعن
ي لھ
ا ش
يئا ً ،ھ
ذا ألنھ
ا ال ت
رى وال تتصور حياة من دونه. "سؤال آخر يا ميليندا" قال دميترس" :ل و افترض نا أن ك تحبين ه بك ل الخواص العقلية وحاالته وأنماط ه فق د تك ون ھ ذه مج رد تعبي رات ع ن أمر فيزيائيي ،وأم ا الح دث العقل ي ،فلنق ل حب ك ل سلوان ،م ا ھ و س وى تنبي
ه وإض
رام مجموع
ة م
ن الع
صبونات ف
ي ال
دماغ .فأن
ت ف
ي ھ
ذه الحال
ة تحبين
ه فع
الً بعقالني
ة ،لكن
ك أخ
ذت جانب
ا ً واح ٌ د منھ
ا وترك
ت اآلخر كل ه ،وھ ذه تمث ل الفل سفة الفيزيائي ة النموذجي ة أو نظري ة الھوي ة النموذجية التي تأخذ جانبا ً معينا ً وتنطلق منه ويكون بالتالي كل قرارات ذلك الشخص صادرة من ھذا الج زء م ن العق ل ال ذي أخ ذ ط وراً معين ا ً من الحياة وأنطلق منه"
٢٧١
لم تكن ميليندا في وضع يسمح لھا وقتھا ل سماع فل سفة وال دھا ،فھ ي مشغولة بالطريقة التي ستخرج بھ ا م ن البي ت اآلن وم ن غي ر أن تثي ر موجة غضب كالتي كانت قبل قليل. "أب
ي ،ق
د تك
ون محق ا ً بك
ل م
ا تق
ول ،لكن
ي اآلن مت
وترة ج
داً م
ن السيناريو الذي دار ف ي بيتن ا ،وأن ا أري د أن أذھ ب لن ور وس لوان ألن ي ھاتفتھما وكانا في حالة يرثى لھا" شعر دميترس بإحباط شديد ،وأحس أنھا لم تكن لتصغي له أو ت سمع رأيه بالموضوعية التي كان يقدمھا لھا من وجھة نظره. كان
ت ميلوذي
ا ف
ي المط
بخ وت
سمع كالمھم ا ول
م تعل
ق ب
شيء حت
ى سمعت األخيرة تقول أنھا ستذھب لنور لوضعھا النفسي. "أن
ت دائم
ا ً ھك
ذا "...دخل
ت ميلوذي
ا ھائج
ة" :ال يھم
ك كي
ف أش
عر اآلن ،أم
وت قھ
راً أو أص
اب بنوب
ة ع
صبية ويك
ون بھ
ا حتف
ي وأن
ت سببھا ،ھذا ال يھم ،أما نور وابنھا فال يجوز أن تتركيھما وح دھما بھ ذه الظروف ،وأنا"... "أرجوك يا ميلوذيا" قاطعھا دميترس ولم يدعھا تكمل تذمرھا الدائم: "دعيھ
ا ت
ذھب وأن
ا عن
دك ،أن
ا أق
در حالتھ
ا وأن
ت يج
ب علي
ك أن تتفھميھا" "شكراً لك يا أبي" أقبلت عليه وقبلته وأسرعت خارجة قبل أن يجد جديد ويغير رأيه.
٢٧٢
ص
عدت س
يارتھا م
ن ط
راز أوب
ل ك
ورزا م
ن س
نة ٢٠٠٢وكان
ت ھدية والدھا لھا عندما أنھت رخصة السواقة وأتمت الثامنة عشر. وم
ا كان
ت إال ع
شر دق
ائق م
ن وق
ت خرج ت م
ن )أس
بروبيغوس( حيث تسكن وھي احدى ضواحي أثينا ،وإذا بھا أمام بيت س لوان ،وف ي الع
ادة ت
ستغرق ال
سيارة حت
ى ھن
اك م
ا ب
ين الخم
سة ع
شر دقيق
ة والعشرين. قرع
ت الج
رس األول وانتظ
رت ...ل
م تحتم
ل كثي راً حت
ى قرع
ت مراراً وتكراراً وبصورة متتالية. كانت نور غارق ة بالثمال ة حت ى أنھ ا نام ت ول م تع د ت سمع أو تح س شيء. "أمي ...أمي ...الباب ...ھناك أحداً على الباب" ل م يك ن س
لوان أق ل منھ ا ثمال
ة ،إال أنھ ا ل م تك
ن لت سمع م ا يق
ول أو يدور حولھا. "إن
ه زاك
س ي
ا أم
ي ،بالتأكي
د يري
د أن ين
ام مع
ك ...أن
ا أع
رف أن
ك تمارسين الجنس مع ه دائم ا ً ،أفتح ي ل ه الب اب ،وأن ا ...سأص طنع الن وم حتى تضاجعيه من غير أن تحسي بخجل" سلوان ملق ى عل ى األرض وال يك اد ي ستطيع الح راك ل وال أن رن ين الجرس أقلقه ولم يتمكن من متابعة غفوته. وق
ف وھ
و يت
رنح حت
ى ف
تح الب
اب ودخ
ل م
ن غي
ر أن ينظ
ر م
ن الداخل. ٢٧٣
"أمي في فراشي ...خذھا لحجرتھا وارقد معھا ھناك" أمسكت ميليندا سلوان وأدارته إليھا" :سلوان حبيبي ،تعال معي"... صارت تشد به من غي ر أن ت سيطر علي ه وعل ى حركات ه الع شوائية السكرة. أجل
سته ف
ي الحج
رة الت
ي اعت
ادت الجل
وس معھ
م فيھ
ا" :س
أذھب وأطمئن على نور ،سأحضر حاالً حبيبي" تفاجئ
ت لحظ
ة دخولھ
ا عن
دما رأت عب
وات الخم
ور بكث
رة أنواعھ ا فارغة منتثرة بجميع أرجاء الغرفة. صارت تمشي بحذر تبتعد عنھا .لمست براحة يدھا خد نور األصفر من أثار الكحول الكثيرة بدمھا ووضعت الغطاء عليھا وتركتھا تنام. خرج
ت وراودھ
ا خوف
ا ً عن
دما ت
صورت ل
ون ب
شرتھا م
رة أخ
رى أمامھ
ا وع
ادت حت
ى توقظھ
ا لتطم
ئن عنھ
ا يقين
ا ً خ
وف أن تك
ون ق
د أصيبت بتسمم كحولي من كثرة ما شربت. "نور ...نور" ھزت وجھھا ورأس ھا حت ى ت ستيقظ ولك ن ال حي اة لم ن تن ادي حت ى أنھ
ا فزع
ت وص
فعتھا عل
ى خ
دھا ص
فعة أفاقتھ
ا مفزوع
ة" :م
ا ال
ذي يحدث...؟ ما ھذا؟" أول ما رأت ،رأت ميليندا" :لماذا توقظينني بھذه الطريقة يا ابنتي" كلماتھا متقطعة تكاد ال تفھم.
٢٧٤
"الحمد للرب يا نور" "على ماذا؟ ألنك صفعتني؟" ضحكت ميليندا تحس باطمئنان لوضعھا. "لقد خفت عليك يا نور ،أكملي نومك ،غداً سنتحدث" ذھب
ت ل
سلوان وك
ان اآلخ
ر ع
اد ف
ي س
بات عمي
ق كأن
ه ل
م يح
س بوجودھا معه. أح ضرت ل
ه ثي
اب الن
وم وأبدلت
ه ثياب
ه وھ
و ن
صف واع
ي ل َ م ي
دور حوله. لبست ھي األخرى )شورت( من خواص سلوان ولم يكن ھذا الشيء جديداً عليھا. احت
ضنته وص
ارت تتأمل
ه وتقبل
ه وتحدث
ه وھ
ي عل
ى يق
ين بأن
ه ال يسمعھا حتى راحت ھي األخرى في النوم معه. أفاقت على صوت ھاتفھا ،ھي تعي تماما ً بأن أباھا ھو الذي يرن. "نعم يا أبي" ھو في المقابل بصوت غير راضي" :إلى مت ى س تمكثين ھن اك؟ أل م يحن الوقت للرجوع؟" "أبي أرج وك ،أن ا نائم ة ول ن أس تطيع قي ادة ال سيارة اآلن ،سأح ضر غداً للبيت ،ليليتك سعيدة"
٢٧٥
أغلق
ت الخ
ط وعن
دما أح
س أنھ
ا ل
ن تطي
ل مع
ه ف
ي المكالم
ة ق
ال بصوت مضطرب" :ال تنھي المكالمة يا ميليندا ...ميليندا" كانت قد أغلقت السماعة والھ اتف مع ا ً ورمت ه عل ى األرض وب نفس اليد ألقتھ ا عل ى ص در س لوان وتابع ت نومھ ا دون أن تفك ر بقل ق أبيھ ا وانزعاجه لحظة واحدة. أفاق ت ميلين
دا ھ ي األول ى وك ان الجمي
ع ني ام ،دخل
ت حج رة س
لوان التي ترق د بھ ا ن ور وب دأت بخل سة تجم ع الق وارير المفرغ ة م ن س كرة األمس كي ال تذكرھما بحادثة البارحة. وضعتھا كلھا في كيس ورقي وأخذته معھا لتلق ي ب ه ف ي أق رب س لة مھمالت. لم تنتظر حتى يستيقظا ألنھا ستذھب إلى جامعتھا .لبست ثيابھا على عجلة وكأن شيء كان يمنعھا من البقاء ھناك أو أنھا لم ترد أن تراھم ا في الصباح في تلك الحالة السيئة. ومن غير أن تضع ماكياجھا الخفيف المعت اد أس رعت نح و س يارتھا تقصد دوامھا. وصلت مت أخرة قل يال وقب ل أن ت دخل القاع ة بأمت ار ناداھ ا م ن بعي د صوت تعرفه تماما ً" :ميليندا ...تعالي" كانت صوفيا تجلس مع شاب كان الجميع ي شك بعالق ة حميم ة بي نھم رغم إنكارھما الدائم. "ماذا تفعلين أنت ھناك؟ لماذا ال تدخلي للمحاضرة؟" ٢٧٦
تجاھلت ندائھا ولم تنتظر ردھا وواصلت خطوتھا السريعة. قفزت صوفيا عن الحافة داخل القسم التي كانت تجلس عليھا وع دت نحو ميليندا" :انتظري يا خائنة" قالت لميليندا ألنھا ل م ت ستجب لن دائھا ،ول م تك ن ھ ذه األلف اظ غريب ة على ميليندا فھي تسمعھا بطريقة تكاد أن تكون دائمة. دفع
ت ميلين
دا ب
اب القاع
ة المقطع
ي ذو النواف
ذ الزجاجي
ة الدائري
ة الشفافة ودخلت ،وأول ما وقع نظرھا وقع على الدكتور المحاضر الذي ك
ان ف
ي مرم
ى ب
صرھا ،فك
ان ش
كل القاع
ة مث
ل الم
درج الروم
اني، وبادلھ
ا النظ
رة م
ن ج
راء ص
وت الب
اب ونظ
ر الجمي
ع لھ
ا وكان
ت مقاعدھم موجھة نحو األسفل وباب القاعة من الخلف. كانت المحاضرة لم تبدأ والدكتور كان يعد بأوراقه" :مألوف ج داً أن تأتي صوفيا متأخرة ،أما أنت يا ميليندا!" قال الدكتور. لم تكن تعرف ميليندا أن صوفيا خلفھا ،إال عندما خاطبھما الدكتور. "آسف جداً ،لكني"... لم تكن مستعدة الختالق أي عذر ولتبكت. "اقعدي ميليندا ،أنا أع رف أن ھن اك س ببا ج اداً ح ال دون ح ضورك في وقت المحاضرة" خجلت ھي األخرى" :أشكرك يا دكتور على ثقتك بي"
٢٧٧
دفع
ت ص
وفيا ميلين
دا م
ن خلفھ
ا ألق
رب مقع
د وقال
ت" :يكف
ي إطراءات" بصوت تكاد ميليندا ومن حولھا يسمعه" :ھو مستعد أن يدفع كل الذي يملكه حتى بدلته التي لم يغيرھا منذ أن بدأ التدريس في س بيل أن يالمس نھديك ولو مرة" "أنت ستموتين وسيبقى ل سانك يقف ز حول ك" كناي ة عل ى س الطة ف ي الكالم. الدكتور آجلوس كان في الرابع ة واألربع ين م ن عم ره أع زب غي ر متزوج ،طوله متر وس بعة وس بعين س نتيمتر ال يتج اوز وزن ه الخم سة والثمانون كيلو جرام ،أبيض الب شرة ل يس بكثي ف ال شعر لك ن ق صيره. وكان من الشخصيات الراقية النادرة في الوسط الجامعي ال ذين تق درھم ميليندا. "ماذا أعددتي لنا اليوم يا ميليندا" كانت األخرى لم تخرج أوراقھا ولتوھا فتحت حقيبة الحاسوب اآللي المحمول التي تضع فيھا أحيانا ً أوراقھا وكتبھا. فاجأھا الدكتور آجلوس ب سؤاله ورفع ت عينيھ ا م ن حقيبتھ ا الت ي ل م تخرج منھا غير نظرھا" :أعددت ...اليوم...؟" لم ت سمع حقيق ة س ؤاله: "إذا كنت تعني استعدادي النفسي ،فأنا مثل كل يوم" ضحك الطلبة وقال أحدھم" :أشك أنا أنھا اليوم مثل كل يوم" كان أحد الطلبة األغنياء من أصحاب األمالك الكثيرة ومعروف عن سياستھم المالية واستبدادھم. ٢٧٨
"غريب ،ما الذي جرى اليوم؟ كوستاس فائق على غير العادة" ردت عليه صوفيا. ارتفع صوت الطلبة بالضحكات والھمھمات سخرية منه. "ھل نبدأ اليوم؟" قال الدكتور. موض وعنا الي
وم ع
ن موس
يقى )الريبتك
و( وأث
ر ال
صحافة واإلع
الم عليھا" "ريمبيتكو يا دكتور" قال أحد الطلبة يقصد تعديل التسمية بأسلوب ساخر. "جمي
ل أن
ك بع
د س
تة أع
وام عل
ى مقاع
د الدراس
ة عرف
ت أخي
راً أن االختالف فقط باللفظ" وكان ھذا الطالب من المھملين جداً لدرجة أنه م ن س نتين وھ و يعي د الفصول األخيرة دون أن ينجح. "ھذا كل الذي عرفه طوال فترته الجامعية" قال أحد أصدقائه بجانبه متھكما ً. "ما ھي الريمبيتكو؟" "موسيقى يونانية ال تسمع إال في أثينا" قال أحد الطلبة المستھزئين. "صحيح" قال الدكتور" :ولكن ھذا ليس كل شيء .من يق ول ل ي ف ي البداية من أين أتت ھذه التسمية؟"
٢٧٩
"ھي الكلمة الالتينية بيالرا ومعناھا الثائر ،وھي مستخدمة اليوم ف ي معظم اللغات األوروبية ) ،Rebellionريبليون(" قالت ميليندا. "جمي
ل ي
ا ميلين
دا ،ولم
اذا س
مي ھ
ذا الن
وع م
ن الموس
يقى بھ
ذه التسمية؟" "ألنھا مورست من مجموعة من البروتاريين الذين كانوا م ن وجھ ة نظر القانون متمردين أو ثائرين" قال سوتيرس وھو أحد المجتھدين الجادين والمنافس الوحي د لميلين دا عل ى الدرج
ة األول
ى رغ
م أن ھن
اك فت اة أخ
رى وص
ولية اس
مھا ھلين
ا كانت تعتقد بأنھا ستكون ھي األولى بحكم عالقات والدھا وجمالھا. "بدأت الرمبيتكو في عام ١٩٢٢م ف ي بداي ة سياس ة التھجي ر لليون ان من )سميرانا( و)إزمير( ومناطق مختلفة من تركيا الي وم ،وكثي ر م نھم سكن )بيريوس( ومن ھناك كانت االنطالقة األولى لھ ذا الف ن .وأنغام ه مشتركة بين الفن الشرقي والبيزنطي بحكم الموقع الجغرافي" مشى الدكتور وكأنه يفكر بالنقطة التي تليھا أو في موعد العشاء ھذا المساء مع الباحثة االجتماعي ة الت ي تع رف عليھ ا من ذ ش ھرين ،وت ابع: "من يقول لي ما ھي أھم اآلالت الموسيقية المستخدمة في الرمبيتكو؟" "البوزق" قال أحدھم. "القيثارة" قال آخر. "األكورديون" قال آخر.
٢٨٠
"نعم ،صحيح ،الب وزق ،القيث ارة ،األكوردي ون ،الكمنج ا والباغالم ا. ومن أھم نجوم ھذا الفن أسماء بالتأكيد الكثي ر م نكم ب ل الجمي ع يعرفھ ا مث
ل )م
اركوس فامفاك
اريس( وفاس
يليس تسيت
سانيس( و)م
انوليس ھيوتيس( الذين أضافوا لھذا اللون من الموس يقى ص بغة خاص ة أخ ذت طابع من أشخاصھم وصارت من خصائص ھذا الفن وتطوره" كانت ميليندا غير مطمئنة في جلستھا وندمت بان خرجت م ن البي ت قبل أن تراھم وتجلس معھم ولو قليل ،وكأنھا لم تكن البارحة ھناك. ك
أن الفك
رة أيقظتھ
ا م
ن ن
وم مغناطي
سي ،وقف
ت دون أن تفك
ر وخرجت. "إلى أين انت ذاھبة يا مجنونة؟" قالت صوفيا. "أنا ذاھبة ،ابتعدي عني أو افتحي لي طريق" كانت صوفيا تجلس من الخارج وتعيق خروجھا بالتالي. "سأخرج معك ،أنا لم أدخل المحاضرة إال ألجلك" خرجا سويا ً بتسلل مثل اللصوص قبل أن يشعر بھما ال دكتور .وقب ل أن يفتحا الباب بث وان ق ال لھ م بع دما أح س بھ م وض حك" :ھ ل انتھي تم بسرعة اليوم؟" "تذكرت أوراقي يا دكتور" علم ھو أن ھناك شيئا ً مھ م أخرجھ ا م ن القاع ة ،فھ و يع ي اھتمامھ ا وخاصة في ھذا الشھر الدراسي األخير وقبل التخريج.
٢٨١
"نعم ،أكيد" قال الدكتور. ما كادت أن تسمع كلمته حتى طارت وخلفھا صوفيا. "وأنت يا صوفيا؟" سألھا الدكتور. لكنھا لم تلقي ب االً لكالم ه وخرج ت ھ ي ب دورھا تع دو خل ف ميلين دا حتى توس طتا ص الة الق سم وأم سكت ص وفيا األخ رى م ن كتفھ ا" :ھ ال قلت لي ما الذي يدور في رأسك؟" وقفت ميلين دا متع صبة م ن غي ر أن تنطق بحرف" :ماذا بك يا ميليندا ،لماذا أنت متبعثرة الكيان؟" "كيف أبدأ لك...؟ ومن أين؟ من ليلة البارحة أم من ق راري ال ذي ال ً تماما؟" أعيه رفعت ص وفيا حاجبھ ا األيم ن كأنھ ا تنب أت ب شيء م ن تق اطيع وج ه األخرى وحيرتھا" :سلوان وأبوك؟ ھل حصل ما توقعت؟" "أن
ا ال أع
رف بالتحدي
د توقع
ك ،إنم
ا ح
صل أكث
ر م
ن ك
ل توقع
اتي وتوقعاتك .المشكلة األكبر أني ال أعرف ماذا سأفعل! أقف أم ام وال داي وأخي ب ظ ن أب
ي ب ي وأحط
م أحالم ه؟ أم أخت
ار س عادتي وأدوس عل
ى آمالھما وتمنياتھما؟ لقد كانت ليلة البارحة حافلة باألحداث كأنھا أس بوع وأكثر ،وقفت أمامي أبي ورفعت صوتي ألول مرة في حياتي وواجھته برأي ي بك
ل ص
راحة ،لق
د ص
عق عن
دما قل
ت ل
ه أن
ي س
أتزوج س
لوان رغما ً عنكما ،وأن ي ل ن أترك ه وس أختار الحي اة مع ه ،طبع ا ً أم ي ن دبت حظھا حتى أني كرھت نفسي وتمنيت أن تبتلعني الجدران"
٢٨٢
أثناء حديثھا رن ھاتفھا الخلوي ،وقبل أن تنظر له قالت" :من يك ون حسب توقعك؟ أمي بالتأكيد تريد أن تعرف إذا مازلت عند سلوان" حملھا حب الف ضول أن تخرج ه م ن حقيبتھ ا وإذا ب رقم س لوان عل ى شاشة الھاتف على عكس توقعھا .فتحت خط الھاتف" :صباح الخي ر ي ا سلوان" وقبل أن تكمل قال لھ ا م ن غي ر أن يحيھ ا" :لم اذا خرج ت دون أن تيقظيني؟" احتارت كيف ترد عليه ،وخجلت أن تذكره بالوضع الذي ك ان علي ه وأمه" :حبيبي أنت كنت نائم ولم أرد أن أزعج ك ،وھ ا أن ا ف ي طريق ي إليك" "وأين أنت اآلن" "أن ا م
ع ص
وفيا ح ضرت إل
ى الجامع
ة ك ي أح
ضر بع
ض المراج
ع وسأكون بعد قليل عندكما" "أنا أعرف الحالة السيئة التي كنت أنا وأمي عليھا البارحة ،أنا أحبك ي
ا ميلين
دا ...ال أس
تطيع الع
يش م
ن دون
ك ،أن
ا ال أت
صور حي
اتي م
ن غيرك ،فوجودك بجانبي ومعي ھو كل حياتي" بدا من صوته أنه متأثر جداً. "وأنا أحبك حبيبي ولن أسمح لوالداي أن يقفا أم ام س عادتنا ،غي ر أن الخمر ليس حل يا سلوان ،أنت تشرب كثيراً في الفترة األخيرة"
٢٨٣
أحس بالحرج من أسلوبھا اللين وقال" :إن الخمر ليست إثم يا ميليندا إنما مطعمھا اآلثم وأنت" وضحك ليذھب أجواء الجدية على تعليقھا. "سأنھي المكالمة يا سلوان ،سأكون بعد عشرين دقيقة عندك" "ال ،لن تذھبي اآلن قبل أن تحدثيني بكل ال ذي ج رى األم س" قال ت صوفيا. بعد أن أنھت المكالمة لم تنتظر حتى سارت وصوفيا خلفھا دون كلل أو ملل ،تتحدث معھا من غير فاصلة أو نقطة. "وأن
ا بحاج
ة للح
ديث مع
ك ي
ا ص
وفيا ،أن
ا ف
ي حي
رة م
ن أم
ري، والوضع في بيتنا أصبح ال يطاق ،صدقيني أني لم أعد أتصور الحديث مع أبي أو أنظر حتى في وجه أمي" صوفيا من الفتيات التي يمكن أن تعزل مشاعرھا في وق ت ق د يت أثر اآلخرون كثيراً حتى يظھر عليھم ،وتستطيع أن تتحدث بكل موضوعية دون أن يبدو عليھا أي تغير ،فتكون كالزجاج. "إذن تعالي معي ،أنا سأدعوك لنأكل فطيرة بالجبن سويا" "موافقة" قالت ميليندا. ك ان ال شاب م ازال يجل س عل ى الحاف ة وم شغول ف ي ھاتف ة الخل
وي وعن
دما رأى ص
وفيا وس
ط الق
سم نادھ
ا" :لق
د عرف
ت أن
ك س
تخرجين، وأنا ألجل ھذا بقيت في انتظارك"
٢٨٤
"أكم
ل رس
التك الھاتفي
ة لبنيلوب
ه وھ
ي كالع
ادة ل
ن تجي
ب عليھ
ا" وأشارت بيدھا متھكمة ساخرة وتعدت عنه تتجاھله. "إلى أين أنتما ذاھبتان؟" ووقف يريد أن يتبعھما. "ابقى جالسا ً مكانك يا أبوستولس ،عندما أحتاجك سأكلمك ،أنت اآلن ال حاجة لك" نظرت ميليندا إليھا ترمقھا بعينيھا وتستغرب م ن جرأتھ ا وس الطتھا على الشبان. "أنا ال أفھمك أحيان ا ً كثي رة ،تداعبين ه أحيان ا ً حت ى يح سب أن ه أجم ل ال
شبان وت
أتي إلي
ه حين
ا ً آخ
ر وتھم
شيه وت
سمعيه ك
الم ق
د يك
ره نف
سه ألشھر .ما أقسى طبعك يا صوفيا" "ال تتفلسفي كثيراً يا حبيبتي ،أن ا ال أرى بال شبان غي ر الج نس ،وإذا فرغت منه أو راح تفكيري لشيء آخر أحس بلع اب واس تفراغ إذا ك ان أحدھم بجانبي" وص ال ف
ي األثن اء إل
ى الكفتيري
ا ول
م يك
ن ف
ي داخلھ
ا إال القلي
ل م
ن الطلبة. أخذا زاوية منفرده بعيد عن اآلخرين وجلسا بجانب الجدار الزجاجي الشفاف المطل على الشرفة الخارجية للكفتيريا. "اآلن "...قال
ت ص
وفيا" :ح
دثيني بالتف
صيل المم
ل ع
ن ح
دث البارحة"
٢٨٥
وضعت ميليندا رأسھا ب ين أكتافھ ا وي ديھا عل ى الطاول ة أمامھ ا" :ال أعرف كيف أبدأ لك ومن أين ،ھل أقول لك عن الحديث ال ذي دار ب ين وال
دي وس
لوان؟ أم ع
ن ش
كليھما بع
د أن ح
ضرت وك
ان ك
ل ش
يء منتھيا"... "ماذا تعني بمنتھي؟" "أنا نفسي ال أعرف .فجأة اضطربت األوضاع بعد أن جل س وال دي معه بأقل من نصف ساعة ولم أعرف بالتحديد الذي دار بينھما" "وكي
ف تنب
أت ب
الرفض م
ن غي
ر أن تعلم
ي؟ وم
ن ق
ال ل
ك أن
ه رفض؟" "لقد تشاجرت مع والدي ورفع ت ص وتي علي ه وقل ت ل ه رأي ي بك ل وضوح وصراحة ،طبعا ً بعدما بين لي رفضه المطلق لسلوان وعالقتي به" "لماذا تختصرين بالكالم معي؟ حدثيني بالذي ج رى م ن األل ف إل ى الياء" "أرجوك يا صوفيا ،دعيني أحدثك على طريقت ي وال ت ضغطي عل ي أكثر ،أنا منھارة وال ينقصني تسلطك وسيطرتك علي" "وھل أنا صرت الشخص البذيء المتسلط؟ منذ متى ھذا؟ ميليندا ،أنا لن أسمح لك أن تكوني وحدك ،ولي الح ق ،وك ل الح ق بحك م ص داقتي أن أمل
ي علي
ك وأحيان
ا ً رغ
م أنف
ك إذا اس
تدعت ال
ضرورة .أن
ت ل
ست صديقتي فقط ،إنم ا أخت ي وك ل ش يء أن ت ،وأعتق د أن ه ل ي الح ق بھ ذه ٢٨٦
رأي بم ا اعتق ده ص وابا ً وإن أمنع ك الحثيثة ،ومن الحكمة أن أق ول ل ك ّ أحيانا ً أخرى إذا دعت الحاجة" بكت ميليندا وھي صامته من غير أن ترد على صوفيا ولو بكلمة. "ميليندا ،حبيبت ي ،أن ت ل ست اآلن بموق ف ي سمح ل ك أن ت ضعفي أو تھزمي ،ھذا إذا كنت تعرفين تماما ً ما تريدين" "رفع
ت رأس
ھا ودموعھ
ا الخرس
اء عل
ى خ
دھا ت
سيل حت
ى بلغ
ت شدقيھا ،ومسحت صوفيا بإصبعيھا تلك األدمع الالمعات عن وجنتيھا" أنا أتفھ م وض عك النف سي ،غي ر أن ك ف ي مرحل ة حرج ة ج داً ويج ب عليك التفكير طويالً قبل أن تتخذي قرار ،ألنه سيغير حياتك كلھا" "م
اذا تري
دين أن تق
ولي؟ ھ
ل أتخل
ى ع
ن س
لوان وأترك
ه؟ أن
ا ل
ن أستطيع العيش من دونه ،ھو ك ل حي اتي ي ا ص وفيا ،كي ف تطلب ي من ي شيء كھذا؟ وأنا أعتقد أنك تحبين سلوان وتحترميه" "أنا لم أقل شيء مما ذك رت ،م ا ال ذي ج رى ل ك أن ت؟ أن ت ص رت حساسة أكثر من المعقول يا ميليندا ،أن ا أتح دث مع ك بموض وعية أن ت اآلن بأمس الحاجة لھا وتقولي لي كالم سخيف ال معنى له" وقفت ميليندا وزاد بكائھا بأكثر من األول" :أنا ذاھبة"... عانقتھا صوفيا وقالت" :ال يا حبيبت ي ،ال ت ذھبي وأن ت بھ ذه الحال ة، لماذا غضبتي مني؟ أنا جانبك الموضوعي اآلخر ،أنت عاطفية كثير يا ميليندا ،أنا أحاول دراسة الوضع بمعزل عن العاطفة ،وأنا لم أقل شيء رأي م
ن ھ
ذه ع
ن س
لوان ول
م أع
ارض ،ال ب
العكس ،أن
ت تع
رفين ّ ٢٨٧
الناحي
ة .اقع
دي اآلن حبيبت
ي ولنتح
دث ع
ن الق
ادم وع
ن م
شاريعك الم
ستقبلية ول
نفھم أوالً ال
شيء ال
ذي أن
ت تريدين
ه ول
يس ال
ذي يري
ده س
لوان أو وال
ديك ،ال تخ
ضعي ألي
ة ض
غوط م
ن الط
رفين ،علي
ك أن تعرفين أوالً ما الذي يناسب تطلعاتك وأن تختاري أن ت التوقي ت ول يس الوضع الحالي أو اآلخرين" "أنا ال أعرف ش يء ،لق د فق دت ك ل التركي ز ،ل و رأي ت الحال ة الت ي ك
ان س
لوان ون
ور البارح
ة عليھ
ا ،أن
ا ل
م أرى ن
ور بحي
اتي ثمل
ة .إن الطريقة التي تحدث بھا والدي مع سلوان بالتأكي د كان ت جاف ة وغليظ ة لدرجة أنھما كانا محبطين حتى الغثيان ،لقد ھاتفني س لوان وك ان يبك ي وھ
و ثم
الً لدرج
ة ع
دم قدرت
ه عل
ى الك
الم ،والمنظ
ر ...عن
دما دخل
ت عل
يھم ،آه ي
ا ص
وفيا م
ن الحال
ة الت
ي ك
انوا عليھ
ا ،س
لوان ملق
ى عل
ى األرض وقميصه مبلل بالخمر ونور حالتھا أسوء منه بكثير ،ملقاة على سريره والقوارير في كل صوب وناحية" ساء حال ميليندا أثناء حديثھا وانھالت بالبكاء حتى أن الجالسين لف ت نظرھم صوتھا الذي كاد أن يكون نواح. "اھ
دئي ي
ا ميلين
دا ،أرج
وك ي
ا حبيبت
ي ،ك
ل ش يء س
يكون عل
ى م
ا يرام ،بالصبر .فلنتحدث عن شيء آخر" رفعت رأسھا مثل الذي تنب ه ل شيء مف اجئ" :ال أري د أن أھ رب م ن الموضوع ،إلى متى؟ إذا لم أتخذ اليوم قراري فلن أقرر كل عمري ،أنا مللت يا صوفيا ،منذ ولدت وأمي ھي التي تختار كل أش يائي ،أمني اتي، ثيابي ،ھواياتي حتى أحالمي ،إلى متى سأبقى طفل ة؟ إنھ م ال ي روا ف ي ٢٨٨
إال طفل
ة الثاني
ة ع
شر ،يتج
اھلون أن
وثتي واختي
اري ،أن
ا س
أختار ھ
ذه المرة وحدي بمعزل عنھم وسأتحمل كل النتائج"
٢٨٩
فصل
ألني عربي
دخلت الساعة الحادية عشر صباحا ً وكان والدي ميلين دا يجل سان ف ي المطبخ يحتسيان القھوة سويا ً. كانت عادة ميلوذيا في الصباح بعد أن تكون قد أنھ ت عم ل المن زل، الجلوس في الغرفة الرئيسية قرب الھاتف األرضي وتبدأ بمكالماتھا مع ص
ديقاتھا الت
ي ل
م تح
بھم يوم
ا ً ول
م ي ربطھم ب
بعض غي
ر الح
ديث ع
ن المالبس واألثاث وقبالت الخدود المنافقة عند اللقاء والوداع. وفي العادة يك ون دميت رس ف ي ال ساعة الثامن ة والن صف عل ى رأس عمله على كرسي مكتبه في ميناء بيريوس. اليوم ليس ككل األيام ،لم يغمض له جفن ط وال اللي ل ،وم ا أن ب دت الشمس بأطرافھا حتى استيقظ وجلس في مكتب المنزل يحاول أن يق رأ كتاب من مكتبته الزاخرة حتى يھرب من أفكاره التي لم تتركه منذ ليلة األمس. كان يحس بخيبة أمل وإحباط معا ً لدرجة أنه لم يرغ ب بال ذھاب إل ى شركته ولم يكلمھم حتى ليخبرھم عن عدم مجيئه. وقفت ميلوذيا وھي محتارة ماذا تفعل بع د أن ع م ال صمت أكث ر م ن عشرين دقيقة. "م
اذا ب
ك؟ لم
اذا ال تجل
سين؟ أم أن وج
ودي الغي
ر معت
اد أخ
ر مكالماتك مع سيدات المجتمع" دميترس متھكما ً.
٢٩٠
"من الذي ي تكلم؟ زوج ي العزي ز ال ذي ت رك ابنت ه وأعطاھ ا الحري ة بباعھا وذراعھا حتى أنھا وقفت اليوم ض دنا ك ي تت زوج برب ري ،وأي بربري ...عربي ،حتى نكون أضحوكة بين الناس والعائلة" كان دميترس من المدخنين الكثير التدخين واليوم لم يطفئ ال سيجارة أو يتركھا من يده. فرغ فنجان قھوته العربية وھم ي سمونھا التركي ة ،وض جر م ن ك الم زوجته وتأنيبھا له من غير مبرر. "ميلوذيا ،اطھي دلة كبيرة م ن القھ وة خي ر ل ك م ن الك الم ،فكالم ك يثي
ر ونتائج
ه فق
ط غ
ضبي وتعكي
ر مزاج
ي .لم
اذا ال تھ
اتفين ميلين
دا وتعرفين أين ھي بدالً من ھذيانك" وكأنھا كانت تنتظر أن يقول لھا حتى أسرعت نحو الھاتف وطلبتھا. في تلك اللحظة كان ت ميلين دا ف ي طريقھ ا ل سلوان ب سيارتھا ،وس معت الھ
اتف إال أنھ
ا ل
م تخرج
ه م
ن حقيبتھ
ا فكان
ت ھ
ي حازم
ة بكثي
ر م
ن األمور أحدھا عدم اللھو بأي شيء أثناء قيادة السيارة. "ابنتك ال ترفع السماعة" قالت ميلوذيا بصوت مرتفع من غرفة الجلوس مغتنم ة الفرص ة ك ي يبدو صراخھا بصفة طبيعية دون أن ينھال عليھا زوجھا باللوم. "بالتأكيد أنھا مع سلوان وأھملت جامعتھا ،ل ن يك ون ف شلھا إال عل ى يدي ھذا الفتى"
٢٩١
"ھ
ي ف
ي المحاض
رة ،رغ
م عالقتھ
ا مع
ه غي
ر أنھ
ا تع
ي أھمي
ة مستقبلھا وھي لن تھمل دراستھا ألج ل ش اب مھم ا تك ن طبيع ة العالق ة الت
ي تربطھم
ا ،وخاص
ة ف
ي ال
شھور األخي
رة قب
ل إنھ
اء الدراس
ة ومنافستھا على الدرجة األولى" "ھذا في الماضي يا عزيزي ،أنت ال تشعر بمضي األحداث .قل ل ي عن آخر مرة شاركت بھا ابنتك في مسابقة البيانو؟ أو حتى أي مشاركة عادية" فكر قليالً بسؤالھا الغير متوقع وأجاب" :ال أعلم ،من شھرين؟" "ال يا زوجي الغالي ،أكثر من عام ،كانت ميليندا أفضل عازفة بيانو في المركز ،أما اليوم فأشك في ذلك"
٢٩٢
فصل
ألني عربي
دخل
ت ميلين
دا لتوھ
ا بي
ت س
لوان وص
ارت تبح
ث ع
ن اآلث
ار الت
ي رأتھا في ليلة البارحة وصباح الي وم ،غي ر أن البي ت ب دا ك أن ش يء ل م يكن. لم تسأل ن ور ع ن ش يء ،جل س الجمي ع ب الحجرة الت ي يق ضون فيھ ا معظم الوقت. "ھل أنت جائعة يا ابنتي؟" سألتھا نور. "ال يا نور ،شكراً ،أما إذا أحببت احظري لي كوب حليب" بقيت ميليندا مع س لوان بع د أن أحظ رت ن ور الحلي ب لھ ا وخرج ت من البيت قاص دة لتت ركھم س ويا ً وألول م رة دون أن تفك ر ف ي ال ذھاب ألحد الرجال التي تربطھم بھا عالقة جنسية أو دون أن تفكر بنفسھا. تبادال النظرات ولم يتحمل سلوان حتى بكى بصوت مرتفع ومن شدة البكاء لم يكن يستطيع الكالم. لم تعد ميلين دا تتحم ل أكث ر ،فوض ع س لوان الح الي ص ار ي سبب لھ ا ضغوطا ً إضافية ھي ف ي ھ ذه المرحل ة بغن ى عنھ ا ل ضعفھا وھ شاشتھا الجسدية التي تحس بھا. "س
لوان حبيب
ي" عانقت
ه والم
ست بي
ديھا خدي
ه وش
فتيه ووض
عت برأسه على بط ن فخ ذھا ووض عت ي داھا عل ى ش عره الق صير تحس سه بالحنان وبقربھا وسمعت له أحاحا ً وھو يتوجع من الغيظ.
٢٩٣
"ال تبكي يا حبيبي ،ستربل حياتن ا وتخ ضر ،والخري ف عل ى أب واب عمرنا" ھزج ا ً "لقد أجشني حبك يا ميليندا وطحنني طحنا ً غليظ ا ً وغ دا قلب ي ِ ط ِربا ً ،وغبن ولم يلغب ،وفي عيني يا حبيبة عبرة ،وفي ال صدر ح زاز وحسرة .لقد َأسفت على ما فات من حياتي كلھا بلحظة وض عني وال دك في تشابك نفسي وتداخلت علي األشياء واختلطت" "سأدافع أنا ومن مثلي عن حبنا وحلمنا وستكون األيام مجداً وش اھداً علين
ا إذا َ التق
ت المج
امع ونب
ذني ق
ومي وان
دفعوا ع ن مك
انھم وتغي
ر ظرفي َأو حالي ،سأبقى معك وإليك ومنك وإن شحت القادم ات وبخل ت ّ تحزن ي ،إنھ ا أي ام وعلي ،ال تحزن حبيبي وال يكمدك الحزن وال عليك ّ وستكون غداً ماضي ستذكرني به ،سنصبر ونتحمل سويا ً والمستقبل لنا ومعنا" أمسك يدھا س لوان ووض عھا عل ى وجھ ه وص ار يقب ل راحتھ ا" :إن قلبي يحترق لوعة وخوفا ً من القادم والغد ،إني أحسك قريبة مني ق رب نفسي مني وبعيدة مثل زواجي منك وحلم ي بأطفالن ا ،ت شبھينني بخلق ي ُ وخلقي ،تعيشين معي كأننا ما افترقنا لحظة واحدة ال بالفكر وال بالعرق وال المكان" اختنق ت ميلين
دا وھ
ي ت رى األل
م بعيني
ة ونغم ة حن
ين تحت
ضر عل
ى فخذيھا حتى أنھا من غي ر أن تح س س قطت دموعھ ا عل ى خ ده األيم ن تبرده من حرارة اإلحباط واالنحطاط التي يعشھا.
٢٩٤
"سلوان حبيبي ،أن ا مع ك ول ن أتن ازل عن ك أب داً ،لك ن أري د الح ديث معك بعيداً عن العاطفة كي نكون قريبين من الواقع"... لم يتركھا حتى تكمل ورفع رأسه من حضنھا وق ال" :أن ا كن ت أش ك أن
ك س
تختلقين األع
ذار حت
ى تنف
صلي عن
ي .إن
ك عل
ى ح
ق ي
ا ميلين
دا وأبوك أيضا ً ،ماذا سأقدم لك؟ بيتا ً فاخراً؟ أم سيارة من الطراز الح ديث كال
ذي س
يقدمھما الك
ساندروس ل
ك؟ أن
ت محق
ة حبيبت
ي ،أن
ا زمي
ل الدراسة وحبيب المقاع د الدراس ية ،ل ست ب ذلك الم ستوى ال ذي ي شرفك وأھلك ،ماذا س تقولين ألعمام ك وأخوال ك وص ديقات وال دتك ،س أتزوج سلوان؟ ما أنا؟ ما أنا إال نكرة في بيتكم وفي المجتمع كله"... صارت ميليندا تضع يديھا على عينيھ ا وتھ ز برأس ھا تعن ي ال رفض دون أن تتكلم بكلمة واحدة من شدة إرھاقھا الذي ل م يعرف ه س لوان ول م ي
ستطع أن ي
راه بعينيھ
ا م
ن ش
دة ال
سوداوية الت
ي ت
سيطر علي
ه تل
ك اللحظة. "ھذا كله ل يس ص حيح" قال ت ب صوت متقط ع تع ب تك اد ال ت ستطيع الكالم" :أنا مازلت لم أتكل م ي ا س لوان ،أن ت ل م تف سح ل ي المج ال حت ى أقول لك ما في بالي"... كان ال يسمح لھا بأن تكمل الكالم من الغضب وارتفاع صوته. "ل
يس ھن
اك أي داع
ي أن تكمل
ي ،مق
دمتك كافي
ة لفھ
م م
ضمون م
ا ت
ودين تقديم
ه م
ن األع
ذار الت
ي ال مك
ان لھ
ا عن
دي ،كن
ت أح
سبك ستكافحين من أجلي ،من أجلنا ،لقد توقعت ردة فعلك ھ ذه وكن ت أخ دع نفسي وأسليھا بكالمك اللين وص وتك الن اعم ووع ودك الكاذب ة ،أن ت ال ٢٩٥
تختلفين كثيراً عن والديك يا ميليندا ،الفرق الوحيد أني كنت بالنسبة لك لعبة في صغرك وحبيبا ً إلشعار آخر وأن ت ف ي مقتب ل العم ر ،أم ا اآلن وقد بينت لك جديتي وصرت أنت ودميت رس تلتقي ان بالھ دف وتختلف ان بالطريقة"... وقف
ت ميلين
دا باكي
ة" :يكف
ي ي
ا س
لوان ،أن
ا ل
م أع
د احتم
ل س
ماعك أكثر" دون أن تدافع عن نف سھا أو تنف ي االدع اءات الت ي يلقيھ ا س لوان عليھا" :أنا سأذھب للبيت" خرجت من الغرفة ترتدي سترتھا وتخطو نحو باب المن زل ب سرعة وحزن في قلبھا يعصرھا ويكبت على أنفاسھا. صار يكلمھا سلوان وھي تھم في الخ روج إال أنھ ا ل م تع د ت سمع أي شيء من شدة التوتر والبكاء الشديد.
٢٩٦
فصل
ألني عربي
دخلت ميليندا المنزل واحمرار عينيھا يفضحھا ،لم تخاطب أحداً ول م ترى أحد. ك ان وال
دھا يجل
س ف
ي غرف
ة الجل
وس وھ
ي دخل
ت مث
ل ال
ذي يم
ر خلسة بين جدران الجيران ودخلت حجرتھا. "ميليندا"... ناداھا دميترس وھو جالس إال أنھا لم ترد عليه. اتجه نحو حجرتھا ولم ينتظر وحاول دفع الباب وكانت قد أقفلته. "ميليندا ...حبيبتي ،ماذا بك؟" ھي من الداخل تصطنع الھدوء" :ال شيء يا أبي ،أنا مرھقة وعن دي محاضرات كثيرة يجب أن أعد لھا" وضع دميترس أذنيه على الباب يحاول أن يفھم شيء من صوتھا. "ميليندا ،أريد أن أتحدث معك يا ابنتي" "أبي أرجوك ،أريد أك ون وح دي ،احت رم رغبت ي أرج وك" وانفلت ت بالبكاء ولم تعد تسيطر على نفسھا. "ميليندا ،حبيبت ي ،أل ست أن ا ص احبك؟ كلمين ي ،م ا ال ذي ج رى؟ أن ا م
ستعد ل
سماعك والح
ديث مع
ك ب
أي ش
يء وإن ك
ان األم
ر يتعل
ق بسلوان ...أو أي شيء ،ولكن ال تقطعي الحوار معي يا ابنتي"
٢٩٧
ھ
ز رأس
ه يعب
ر ع
ن حيرت
ه ،فھ
و يبح
ث ع
ن وس
يلة حت
ى ي
دخل لشخ
صية ميلين
دا كم
ا ك
ان ف
ي ال
سابق ،ليت
سنى ل
ه أن يم
تص غ
ضبھا ويقنعھا بالعدول عن رأيھا ،وأردف قائالً" :أنا الذي أرجوك يا ميلين دا، أال تالحظين البعد الذي طرأ بينن ا؟ وھ ذا ل يس م ن البارح ة ب ل من ذ أن قررت التمسك بسلوان ،رغم أننا لم ندخل في ھذه القضية م رة بجدي ة، لكني كنت أحس بالثغرة وتوسعھا وابتعادك عني وأمك" لم تعد ترد عليه ميليندا ،وكأنه يتحدث مع الفراغ. "لماذا ال تجيبينني...؟ ميليندا؟ ھذا ليس بتصرف عاقل"... بدأ يقنن من حدة الحديث معھ ا بع دما الح ظ رف ضھا الت ام" :حبيبت ي ميليندا ...أجيبيني"... كان صوت نحيب ميليندا يتصاعد حتى أن دميترس رق قلبه وص ار يبكي معھا ورأسه على الباب من غير أن ينطق بحرف. "أن
ا ال أري
د من
ك الكثي
ر ،ك
ل ال
ذي أري
ده ھ
و أن ال تقف
ا بطري
ق س
عادتي ،أن
ا ل
م أع
د طفل
ة ،أن
ا اآلن أكمل
ت الثالث
ة والع
شرون ع
ام وأس
تطيع أن أق
وم بحي
اتي بغن
ى عنكم ا ...ل
م أعتق
د لحظ
ة واح
دة أن
ك ستكون حاداً لھذه الدرجة معي" بقي دميترس ملقي رأسه بين كتفيه ال يعرف ماذا يقول البنته. "ما رأيك يا ميليندا؟ عمك سأل عن أخبارك أكثر من مرة وحاول أن يھاتف
ك ...لم
اذا ال تزورين
ه؟ ق
د تخ
رجين م
ن ھ
ذه ال
ضغوط الت
ي تحاصرك منا ھنا في البيت ومن ضغوطك أنت على نفسك ...ھناك في ٢٩٨
الجزيرة ستجدين الجو المناس ب حت ى تتخ ذي قرارات ك أو أن ت ستجمي وترخي أعصابك وتستعدي للمرحلة الدراسية األخيرة القادمة" وجد كالمه أذن صاغية لديھا وأعجبتھا الفكرة فسكتت. "ميليندا ...حبيبتي" م
سحت أدمعھ
ا وقال
ت ب
صوت راح من
ه التقط
ع والبح
ة الحزين
ة وقالت" :سأذھب إلى عمي ،ھو اإلنسان الوحيد الذي ال يكره سلوان في العائلة" "ھذا ليس صحيح يا ميليندا ...أنا ال أكره سلوان ،ال بل أحب ه ،لكن ي ال أتمنى أن يكون زوج ابنتي عربي مسلم ،أنا ال أعترض على وضعه االجتماعي أو الم ادي ،ب ل عل ى دين ه وعروبت ه ،أن ت ال تع رفين كي ف تفكر الشخصية المسلمة ،سيجبرك غداً على الدخول في دينه وسيلب سك الحجاب رغما ً عنك ،وإذا كتب لكم األطفال سيجبر ابنت ك الطفل ة أي ضا ً على ارتداءه" اشتطت غضبا ً مرة أخرى عن دما س معت كالم ه ال ذي ع اوده م راراً عليھا حتى يؤثر على قرارھا. "ھذا ليس صحيح"... وع
اودت البك
اء ...م
ا أس
رعھا عن
دما تبك
ي وم
ا أرقھ
ا وأس
رع جرحھا ،فھي شفافة حد مبالغ فيه وكان يزعج والديھا.
٢٩٩
"س
لوان ل
يس ك
العرب ال
ذين تع
رفھم ،فھ
و ي
شرب الخم
ر ويأك
ل الخنزير ويحتفل في أعيادنا وال يريد أن يعرف شيئا ً عن دينه وال يرى بنفسه غير شاب يوناني ،فكيف تقول أنت عنه وأنت أعرف الناس به" احتار دميترس كيف يقنعھا بأن ھ ذا ال شخص ال ي شرفه وال ي شرفھا مستقبالً. "حبيبتي ميليندا ،العرب والمسلمين كلھ م خالي ا نائم ة ،يك ون أح دھم أكث
ر اجتماعي
ة ودبلوماس
ية م
ن س
لوان وثقاف
ة ومناص
ب راقي
ة ف
ي مجتمعنا حتى يأتي أمر ربه فينقلب رأسا ً على عقب ويصبح جسداً فاق د السيطرة على ذاته وشيئا ً آخر يتحكم به مثل اإلنسان اآللي ،فيفجر نفسه أو أسرته أو أبرياء في الشارع أو أي مكان عام ،ھل تعرفين"... "ال أريد أن أعرف شيء" صرخت ولم تدعه يكمل حديث ه" :يكفين ي من سماع الخراف ات ھ ذه الت ي ال تقنع ك أن ت نف سك ،س أذھب غ داً إل ى عمي وأتحدث معه ،ھو الوحيد في ھذه العائلة ال ذي ي سمعني وال يقتن ع بھذه السخافات التي تمليھا علي ك وعل ى أم ي القن وات اإلخباري ة وأن ت تعيدھا مثل الجھاز التسجيلي .كنت أعتقد يا والدي أنك لست ك اآلخرين ولك رأيك الخاص ...خسارة ،إنك ال تختلف عنھم" نادت ميلوذيا على زوجھا" :دميترس" ومن غير أن يرد عليھا دخل مكتبه وحيرته أكبر مما كانت عليه قبل أن يتحدث مع ميليندا.
٣٠٠
دخلت خلفه زوجته وقبل أن يجلس عل ى كرس يه س ألته" :م اذا قال ت لك ابنتك؟" لم ينظر إليھا حتى جلس على مقعده خلف طاولة المكتب وم ن خلف ه وعلى جانبيه مكتبة حافلة بالكتب ،ال بل بذخائر أدبية وعلمية. ً أيضا؟ أنا فخور بميليندا ،ال بل ھي مصدر "أبنتك؟ أليست ھي ابنتك سعادتي في ھذه الحياة ،ولوالھا لكن ت ال ترين ي ھن ا إال ف ي المناس بات واألعياد" جل
ست ميلوذي
ا عل
ى المقع
د تقابل
ه" :أن
ا ال أري
د أن أدخ
ل مع
ك بمھاترات نحن بغنى عنھا ،لكن يھمني أن أعرف ما الذي ستفعله حت ى تمنع ھذا الزواج ،ال بل المصيبة التي حلت علينا من حيث ال نعلم" وضع دميترس براحة يديه على خديه وھ و مطأط أ رأس ه ال يع رف كيف يتصرف وكأن الدنيا ضاقت عليه بما رحبت. "سأكلم أخي في )سالمينا(" "وماذا ستقول له؟ ابنتي ستتزوج من عربي؟ ال ...ال تق ل ل ه ش يء، أنا أعرف أخوك جيداً سيھزأ بي وسيحملني كل العار" "منذ متى يكلمك أخي أو يسألك عن حياتنا؟" "ھ
و ل
ن يج
رؤ أن يكلمن
ي ،س
يقول ل
ك أن
ت أن زوجت
ك ھ
ي الت
ي أساءت تربية ميليندا"...
٣٠١
"أرجوك يا ميلوذيا ال تھذي كثيراً ،أنا ال أعرف من أي ن ت أتين بھ ذه األفكار الجنونية ،لو أنك تستخدمين عقلك حتى نخرج من ھذه المصيبة بدل من خياالت ك وأھوائ ك الفارغ ة .أن ا س أكلم أخ ي حت ى يقن ع ميلين دا بالعدول عن رأيھا ،فھو اإلنسان الوحيد الذي تبوح له ميليندا بكل شيء وھو بمثابة صديق لھا" رفع السماعة دون أن يضيع لحظة بعد أن اقتنع ب الفكرة ،ف أخوه ھ و األمل الوحيد اآلن للخروج من ھذا المأزق االجتماعي. طلب رقم المنزل .لم يلبث كثيراً حتى رفعت زوجة أخيه السماعة. "مساء الخير" قالت زوجة أخيه ھلينا" :من معي؟" "مساء الخير ھلينا ،كيف حالك؟ أين أخي؟" "كوس
تاس ف
ي العم
ل ،أن
ت تع
رف ،ف
ي مث
ل ھ
ذا الوق
ت ال يك
ون أخوك في البيت .كيف حالك أنت؟ لماذا صوتك مخنوق يا دميترس؟" تلب
ك ف
ي الك
الم فق
د فاجأت
ه ھلين
ا عن
دما رفع
ت ھ
ي س
ماعة الھ
اتف فاحتار ماذا يقول لھا. "ال ش
يء ي
ا ھلين
ا ،عن
دما ي
أتي كوس
تاس ق
ولي ل
ه ل
و تف
ضلت أن يكلمني" "ھ
ل ميلوذي
ا وميلين
دا بخي
ر ي
ا دميت
رس؟ ص
وتك ال يعجبن
ي عل
ى اإلطالق"
٣٠٢
"كلنا بخير وميلوذيا تسأل عنك وستكلمك في المساء وميلين دا أي ضا ً. مساءك سعيد يا ھلينا" لم ينتظر كثيراً حتى أنھى المكالمة وكان ت مث ل ال صدمة لھلين ا فھ ي غير معتادة على طريقة حديث دميترس الجاف ة ك التي ك ان يح دثھا بھ ا للتو.
٣٠٣
فصل
ألني عربي
دخلت الساعة على الرابعة وك ان س لوان م ازال ف ي الف راش ن صف ثمل. وقف يت رنح وأول ش يء فعل ه حم ل ھاتف ه الخل وي وأراد أن يھ اتف ميليندا ،وعندما وق ع ب صره عل ى اس مھا وك ان آخ ر رق م طلب ه خاط ب نفسه وقال" :ال ...لن أكلمھا ،سأكلم من ال تريد ھي أن أكلمه" وكان يعني صديقه األلباني رمضان الذي ترب ى مع ه أي ضا ً وميلين دا تعرفه جيداً وكانت ترفض عالقته مع ه لتع صبه ال ديني كم ا كان ت ھ ي تصفه وتقول عنه متخلف ومتحجر. "سأتكلم مع رمضان اآلن ولميليندا أن تنفجر غضبا ً" قال لنفسه. طلب رقمه الخلوي وبقي يرن إال أن أحداً لم يرد. م
ا كان
ت إال دق
ائق حت
ى ع
اود رم
ضان االت
صال" :أن
ا ال أص
دق سلوان يطلبني شخصيا ً" متھكما ً. "نعم ،بدمه ولحمه ،لماذا ال ترد على ھاتفك؟ أم أنك تبيع اآلن بعض غرامات ھروين مخلوط بمعجونة أطفال؟" "اخ
رس ي
ا فاش
ل" كان
ت ألف
اظھم دائم
ا ً ھجومي
ة ولك
ن عل
ى س
بيل المداعبة" :ما الذي طرأ عليك حتى قررت أن تكلمني؟ ھل س محت ل ك أخيراً السيدة ميليندا؟ وھل يج ب عل ي أن أكلمھ ا حت ى أش كرھا لتف ضل سيادتھا عليك وسماحھا لك بأن تتحدث معي؟"
٣٠٤
"يكفي يا رمضان ،أنا أريد أن أراك" "ماذا بك يا سلوان؟ ھل أنت بحاجة لمال؟" "ال ،أنا لست بحاجة لمالك ،أريد أن أراك وأتحدث معك ،أن ا بحاج ة إليك ،أنت صديقي الوحيد ،كلھم يكرھونني وال أحد يحبني سواك" "ھ ل اكت شفت ھ ذا ح
ديثا ً ي ا س لوان ،ل يس ھن
اك يون اني يح ب م
سلم على اإلطالق" "ال تبالغ يا رمضان ،ال أريدك أن تبدأ مرة أخرى بأرائك المتع صبة والالمنطقية .أين أنت اآلن؟" "أن
ا ف
ي البي
ت وأم
ي طھ
ت قب
ل قلي
ل )ال
دولماذايكا( -وھ
ي أوراق العنب المحشوة باألرز واللحم -لماذا ال تأتي ستسعد أمي لرؤياك" "ف
ي الحقيق
ة أن
ا خج
ل ج
داً م
ن وال
ديك ...م
رة أخ
رى ،فلنلتق
ي ف
ي )البانورما( ذات القھوة التي لم أزرھا منذ آخر مرة رأيتك بھا" "كي نعيد ذكرياتنا؟" "شيء من ھذا القبيل ،إذا متى ستكون ھناك؟" "متى تريد أنت أن تران ي؟ أن ا اآلن ف ي البي ت وقل ق ال أع رف م اذا أفعل ،بعد ساعة؟" "بعد ساعة يا صديقي" "حقا ً يا سلوان؟ مازلت صديقك؟"
٣٠٥
"أنا لن أتخلى عنك ھذه المرة أبداً ،شاءت ميلين دا أم أب ت ،أن ت وأن ا كنا الفريق القوي في المدرسة وفي المدينة ولن ننفصل مرة أخرى .إذا بعد ساعة سأكون في )البانوراما(" "إذن في )البانوراما(" وأنھ
ى كليھم
ا المكالم
ة وھ
م س
عيدان بلق
اء بع
د ف
راق دام أكث
ر م
ن ثالثة سنين. دخل سلوان المقھى وكان نصف ممتلئ ،نظر في أرجاءه يبحث عن رمضان. اخت
ار س
لوان مكان
ا ًعلى الناف
ذة المطل
ة عل
ى ال
شارع الرئي
سي ف
ي الزاوية .جلس يتمعن زوار المك ان والم ارة بال شارع وك ل أفك اره عن د ميليندا وكالم أبيھا. ك
ان ي
ردد ك
الم دميت
رس ذات الوق
ع الم
ؤذي والمھ
ين "ل
وال أن
ك عربي!" الكلمات ذاتھا التي كان والد ميليندا يعيدھا على مسامع سلوان مراراً "لو أنك يوناني!" "م
ن أن
ا؟" ص
ار س
لوان يخاط
ب نف
سه" :أي
ن الف
رق بين
ي وب
ين اليون
اني؟ ل
ون الب
شرة؟ قري
ب ج
داً ،القام
ة؟ تك
اد أن تك
ون ذاتھ
ا... الطب اع؟ أن ا أش
رب خم رتھم أكث
ر م نھم .إذن م ا ھ
ي الف روق الجذري
ة بيني وبينھم؟"
٣٠٦
ف
ي خ
ضم تن
اثر أفك
اره وشخ
صيته أح
س بي ٍد تغط
ي عل
ى وجھ ه بطريقة ال عالقة لھا بالنعومة أو الشفافية. "من سيكون صاحب ھاتين اليدين الرقيقتين؟" قال متھكما ً. وقف سلوان وعانق كليھما بعض .كان رمضان ...صديقه. "معقول يا سلوان؟ أنت مرة أخرى؟" "ولم ال؟ لقائي معك مرة أخرى ما كان إال قضية وقت ال أكث ر ،ھ ل كنت تعتقد أنك تخلصت مني بھذه السھولة؟" جلس رم ضان يقابل ه وعل ى ش ماله ال شباك الزج اجي الكبي ر المط ل على الشارع. "حدثني يا س لوان ،م ا ال ذي حث ك عل ى مك المتي بھ ذا التوقي ت؟ ھ ل حدث شيء بينك وبين ميليندا؟" "وھل من الضروري أن تكون ھناك حادثة أو سوء فھم بيني وبينھ ا حتى أكلمك؟" ض
حك رم
ضان ال يق
صد إزعاج
ه وق
ال" :ال ي
ا س
لوان ،ل
يس م
ن الضروري ،لكني أعرفك ،حدثني ما الذي جرى؟" وضع سلوان يديه على خديه وطأطأ رأسه. "ارف
ع رأس
ك ي
ا س
لوان ،ال تخ
ضع وال ترك
ع الم
رأة مھم
ا كان
ت، ميليندا أو غيرھا"...
٣٠٧
لم يدعه يكمل حديثه وقال له" :رمضان ،أرجوك ،ال أري د أن أس مع أي شيء يسيء لميليندا .ھي لم تفعل شيء وليست ھي ال سبب المباش ر لمشكلتي" أمسك اآلخر بكتف سلوان وھزه" :سلوان ،أنا لم ولن أس يء لميلين دا رغم قناعتھا ورأيھا عني ،ھذا ألنھا حبيبتك .أنا أريد أن أق ول ل ك فق ط أن ال تخضع وال تضعف مھما كانت الظروف .أن ت تع رف رأي ي بم ا يتعلق بالنساء وخاصة اليونانيات"... "نعم ،نعم أنا أعرف رأيك وليس من الضروري أن تقوله لي في كل مرة عندما أراك ،أنت متخلف في كثير من األشياء يا رمضان" لم يقصد سلوان اإلھانة ،إنما ھي اللغة المتداولة بينھم. "أنا لست متخلف يا صديقي ،إنما أنا مسلم ورغم أخطائي لن أتنازل عن جذوري وال ديني .سلوان أنت اندمجت مع اليون ان لدرج ة أن ك ل م تعد تقول أنك عربي أو أردني إذا سؤلت ،ثق تماما ً مھما فعلت ،قلت أو تقربت ستبقى أنت العربي البربري في أنظارھم" "أن
ا ل
م ألتق ي ب
ك ي
ا رم
ضان حت
ى تعي
د ل
ي دروس
ك الممل
ة .أن
ت مسلم؟ مخدرات ونساء وحدث وال حرج عن تجارتك حتى بالبشر ،ك ل ھذا وتريد أن تقول لي أنك مسلم؟" "افع
ل م
ا ت
شاء ي
ا س
لوان ،ت
اجر ف
ي الن
ساء واألطف
ال ،روج المخدرات واقتل إن شئت ،لكن ال تتخلى عن دينك أو أصلك ،أن ا أع ي جرم ي وف
سادي لكن
ي ال أش رب الخم
ر وال أقط
ع ف رض ال
صالة ،أم
ا
٣٠٨
أنت يا سلوان! لقد اندمجت معھ م حت ى أن ك ن سيت أن س لوان اب ن ذل ك الرجل البسيط وابن نور ،إنك تتمنى أن تكون أمك ماريا وأبوك يورغو ودين
ك األرثوذك
سية حت
ى تتمت
ع ب
القرب م
نھم وتتخل
ى ع
ن آخ
ر ق
شة تربطك بعروبتك أو دينك" لم يكن سلوان مسروراً بكالم رمضان معه وبصراحته الدائم ة .فھ و من األلبان الذين ال يتخلون عن دينھم رغم نشاطاتھم المخالفة للق انون، ال بل للعرف والدين وكل مبادئ البشر. "رمضان أنا في حيرة من أمري ،ال أعرف كي ف أت صرف ،ق ل ل ي أنت ماذا أفعل؟" "ح
دثني ي
ا س
لوان ،أن
ا رم
ضان ص
ديقك ،ق
ل ل ي م
ا ال
ذي يتع
ب خاطرك ويؤرقك" "م
اذا تعتق
د؟ إنھ
ا ميلين
دا وأھلھ
ا .لق
د تق
دمت ب
شكل رس
مي لھ
ا ورفضت بطريقة كرھت نفسي وتمنيت أني لم أخل ق عرب ي ،وھ ل ھ و ع
ار أن أخل
ق عرب
ي أو م
سلم ي
ا رم
ضان؟ ھ
ل ھ
و ج
رم أن يك
ون والديك من العرب؟ أو عار أن تنتسب إل يھم؟ وھ ل الع رب ق ذرين لھ ذا الحد حتى أن الجمي ع يبت سم ل ك فق ط مازل ت بعي داً ع نھم؟ وإذا اقترب ت منھم يعاملوك وكأنك جرذ أو شيء حقير .ال أريد أن أك ون عرب ي وال مسلم سأغير اسمي بشكل رسمي"... ضحك رمضان في الوقت الذي كان به سلوان يموت غيضا ً.
٣٠٩
"ھل تعتقد أنك بتغيير اسمك ستنال رضاھم أو تدخل قلوبھم؟ لو أنك ق
رأت الق
رآن لوج
دت في
ه آي
ة معناھ
ا ل
ن يرض
ى عن
ك الروم
ان وال اليونان حتى تصبح واحد منھم"... ضحك اآلخر بعدما كاد يموت غيضا ً" :وھل ھذا الذي تقوله موج ود في القرآن؟ أنا ال أعرف محتواه ،لكني متأكد أن شيء مثل ھذا بالتأكيد ليس فيه" اس
تند رم
ضان ووس
ع جل
سته وص
ار ينظ
ر ل
سلوان ال يع
رف م
اذا يقول له. "حدثني اآلن عن الذي جرى بالتفصيل ،وال تحدثني عن الدين ألن ك آخر واحد يحبه أو يفكر أن يلتزم به" لم يسعد سلوان بنقد اآلخر الحاد. "يكف
ي أن تك
ون أن
ت م
سلم ومنق
ذاً لل
دين .وال
د ميلين
دا بمخت
صر ال يريد أن يزوجني ابنته ألني عربي مسلم ،وال أريد أن أعيد لك الكلمات التي استخدمھا ليبرر لي رفضه .أنا ال أعرف ماذا أفعل اآلن؟" "وما ھو موقف األخرى؟" "ھي تقول لي أنھا لن تتخلى عني ،لكني ال أعرف إذا كانت تستطيع أن تجبر والديھا على الموافقة" "وأنت ماذا تحس؟ ليس مھم أن تقول ،بل الذي تعنيه ،ھل تعني ھ ي ما تقول؟ أم تمتص غضبك فحسب؟"
٣١٠
تنھد سلوان وأومأ برأسه يحس بالحيرة. "أعتقد أنھا تعني ما تقول ،ھي تحبني كثيراً وأنا أعرف ھذا وأحسه، وأنت أيضا ً تعرف مدى حبھا لي" "ميلين دا تحب ك ي ا س لوان وھ ذا ال يخف ى عل ى أح د ،إال أن موض وع إجب
ار وال
ديھا آخ
ر ،ال أع
رف م
دى العالق
ة وطبيعتھ
ا بينھ
ا وب
ين والديھا ،أنت مطلع على حالھم ،ماذا تعتقد؟" "أنا ال أعرف شيء ،أنا تائھه يا رمضان ،لدرجة أني ال أع ي ش يء حولي ...صدقني" "قل لي ،متى ستنھي دورتك الشرطية؟" رفع سلوان حاجبيه يبدي عدم رضاه" :أنا أقول لك أني منھار وأن ت تسألني عن دورتي؟ أنا أنھيتھ ا م ن أي ام وس أبدأ ع ن قري ب بع د انتھ اء اإلجازة في العمل في أثينا" ضحك رمضان بصوت مرتفع ال يعني التھكم بل السرور" :مب روك يا أخي" وقف وقال" :تع ال ،أري د أن أعانق ك ي ا س لوان ،أخي راً أنھي ت ونجحت .أني فخور بك ونجاحك ھو نجاحي" تعانقا وسلوان مبتسم دون أن يحس بالفرحة. "رمضان أنا بحاجة لك ،أنت اإلن سان الوحي د ال ذي يفھمن ي ويخ اف علي ،حتى أمي ال يعنيھا إال نفسھا .قل لي ماذا أفعل؟"
٣١١
"أنت ال تريد سماع إال الشيء الذي تتمناه ،إنك تبتعد عن الواقع وإذا قلت لك رأيي بصراحة ستغضب مني"... "أرجوك احتفظ برأيك لنفسك ،أن ا أعرف ه ،س لوان ال تت زوج يوناني ة مھم
ا كان
ت األس
باب ،س
لوان ت
زوج م
سلمة وبغ
ض النظ
ر ع
ن بل
د إقامتھا ،سلوان ال تصادق يونان"... "ھذا ليس صحيح ،أن ا ل م أق ل ل ك ال ت صادق يون ان ،إنم ا ال تت زوج ن
سائھم ،حت
ى ال تن
سى قوميت
ك ودين
ك أكث
ر مم
ا أن
ت علي
ه اآلن م
ن تجاھل لھويتك وعرقك .لن أق ول ل ك الكثي ر ،فق ط ال تتخل ى ع ن دين ك وال عروبتك مھم ا ك ان حب ك لميلين دا ،وم ا دون ذل ك فل ك أن تفع ل م ا تشاء" كان يتوقع سلوان أكثر من صديقه ،على األقل مواساة بدل العتاب أو تأني ب ال ضمير .ك ان يعتق
د أن ه بع د لقائ ه ب
ه س يرتاح أو يح س ب
بعض ً سوء. الطمأنينة ،إال أن الحال النفسي عنده زاد لم يجرؤ أن يقول له بالفكرة التي كانت تراوده ،فقد كان يفكر بجدي ة في اقت راح دميت رس ب أن يتعم د ف ي الكني سة ،ھ ذا م ع ع دم قناع ة وال د ميليندا بالزواج حتى لو وافق سلوان أن يعمد. "ھل ستقبض علي يا سلوان إذا وقعت الصدفة؟" ل م يك
ن س
لوان ف
ي وض
ع نف
سي حت
ى يبادل
ه أي موض
وع ج
دي أو ھزلي ،كل الذي كان يشغله ميليندا ال غير ،ال الدنيا وال نفسه.
٣١٢
"وماذا تتوقع؟ سأكون أول شرطي عميل .ما رأيك أن تأتي اليوم إلى بيتنا؟ وأحضر معك المھلوسات" انبھر رمضان متعجبا ً ،ألن سلوان منذ أكثر من ثالثة سنين أقلع عن تعاطيھا. "أخيراً عاد سلوان الذي أعرفه ،صديقي القديم ...حشيش؟" "ال ،أحضر القنب الھندي فقط" فرح اآلخر ألن صديقه سيبادله حياته كما كانا سابقا ً. "سأحضر )الميسكالين() ،األمانيت() ،البالذون( وكل األنواع" "ال تف
رح كثي
راً ...فق
ط الي
وم ،أن
ا وع
دت ميلين
دا ب
أن أنتھ
ي ع
ن التعاطي ولن أرجع ،اليوم فقط ألني محبط ا ً وفرح ا ً ب آن واح د ،محبط ا ً من الوضع العام ،وفرحا ً بلقائك مرة أخرى"
٣١٣
فصل
ألني عربي
كان
ت غرات
سيا ت
صغي ل سلوان وكأن
ه يح
دثھا ع
ن ق
صة ش
يقة ف
ي الوق
ت ال
ذي ك
ان اآلخ
ر ي
سترجع األح
داث بحلوھ
ا ومرھ
ا حت
ى أنھ
ا كان
ت ت
رى ف
ي وجھ ه أل
وان وأش
كال وتغي
رات م
ع تغي
رات ال
سرد واألشخاص وتبخر األحالم وتبعثر األمنيات في لحظة واحدة. "أنت عالم قائم بذاتك يا سلوان" وھي تنظر إليه بإعجاب ومبتعدة عنه بعض الشيء. "لماذا ال تقتربي مني؟" ومد يده إليھا يومئ لھا بحاجته لقربھا. "ال ي
ا أمي
ري ...أري
د أن أتمعن
ك قل
يال ع
ن بع
د ،أري
د أن أح
اول فھمك ،أو أعرف السر الذي يشدني إليك" "وھل أنا غامض أو معقد لھذا الحد؟" وابتسم ابتسامة يبدو عليھا تأثره من الحديث عن ميليندا وماضيه. "أنت تعرف أني ال أعن ي أن ك معق د أو م بھم ،إنم ا ھ ي ھالت ك الت ي تبھرني" احمر وجه اآلخر على غير العادة" :أنا لست معتاداً على سماع كالم جميل وإطراء مبالغ فيه مثل ھذا" "ال ،إنھا"... أمسك بيدھا وشدھا قبل أن تكمل وقال" :أنت يا غرات سيا دارة القم ر وساعات جميلة في الحياة ،ھل علمت بجاذبيتك التي يمارسھا شخ صك ٣١٤
علي؟ أو رقت ك الت ي ق د ال تع رفين م دى خطورتھ ا عن دما ت ستھل وأن ا بجانبك؟" رم
ت رأس
ھا ب
ين كتفيھ
ا خج
الً" :أن
ا ال أتحم
ل كالم
ك ي
ا س
لوان، ولست بحاجة ألكثر ،فقد وص لت لمرحل ة مع ك ل م أع د أمل ك أي ق رار تصعب األمور لنفسيُ ...ذبت وفقدت السيطرة على نفسي ،فأرجوك ال ّ علي أكثر مما ھو الحال عليه" ّ رفع
ت رأس
ھا بعينيھ
ا الق
اتلتين ب
البراءة وحم
رة وجنتيھ
ا م
ن ك
الم سلوان الذي لم يعد ھ و نف سه يعرف ه إن ك ان حقيق ة أو حفي ف رغب ة أو حبه لميليندا تأصل في شخصه وروحه حتى أنه يب ادل ك ل الن ساء ذات المشاعر وكأنھن كلھن ميليندا. ھي وحدھا التي يراھا بين النساء حتى بعد أن صارت ماضي يحدث جراتي
سا عن
ه وھ
و وح
ده ال
ذي يعي
شه ويعاص
ره ،يع
شش ف
ي أفك
اره واتجاھاته ويعتصره. "سلوان! ھل مازلت ھنا؟ أين ذھبت بأفكارك؟" ت
صرف اآلخ ر بعفوي
ة عن
دما ح
ول نظ
ره م
ن الناف
ذة إليھ
ا وأوم
أ بحاجبه إلى األعلى وابتسامة يعوج فمه فيھا بنفس اتجاه حاجبه. "طبعا ً ھنا ،وإال أين سأكون ،إنما"... "يبدو عليك أنك معي بجالء" كانت تتھكم بطريقة ضاحكة وليست ساخرة.
٣١٥
خيم على كليھما نوع من السكوت بقالب فيه تواصل روحي بينھم. "أنا ال أستطيع فھم س بب االنف صال بين ك وب ين ميلين دا ،رغ م الح ب الكبير بينكم" وكأن
ه ك
ان دائم
ا ً ينتظ
ر أن ت
سأله ع
ن ميلين
دا حت
ى يب
دأ ب
سيل م
ن السرد عن حياته معھا. "أعتقد أن االفتراق بينن ا أت ى بطريق ة ھرمي ة م رة م ن أعل ى ألس فل وأخرى من أسفل ألعلى" أقطب
ت األخ
رى حاجبيھ
ا تب
دي ع
دم الفھ
م" :م
اذا تعن
ي ي
ا س
لوان؟ حدثني مثل كل أحاديث الناس وال تقل لي ألغاز لم أتعلمھا وال أفھمھا" ض
حك س
لوان م
ن ف
وق قلب
ه ك
أن طريق
ة كالمھ
ا المريح
ة وخفيف ة الظل أضحكته رغما ً عنه. "ال ي
ا جميل
ة ،أن
ا ال أن
وي أن أق
دم ل
ك أحجي
ات أو مغالط
ات ،إنم
ا أصف لك حياتي أو النقطة التي انتھت بھا" "ال تق
ل ھ
ذا أرج
وك ،أن
ت ش
اب أني
ق وف
ي بداي
ة حيات
ك ف
ال تفك
ر بسوداوية وسلبية غير مبررة" "ش كراً ل
ك ي
ا غرات
سيا عل
ى مواس
اتك ودعم
ك المعن
وي .الواق
ع أو المحيط الذي يحاصرني نفسيا ً أكبر من اللج وء إل ى العق ل والمنط ق أو الخروج من مستنقع فكري أو مبدئيا ً امتداده منذ ولدت"
٣١٦
ص
متت األخ
رى وك
أن الك
الم انتھ
ى وھ
ي تراق
ب س
لوان وش
روده الطويل. "لو أعرف ما الذي يدور في ذھن ه" تخاط ب نف سھا" :ولكن ي أف ضل أن يبقى األم ر ھك ذا ،ق د يجرحن ي فك ره أو تھزن ي خاطرت ه أو تقتلن ي عناقاته لو كانت مع غيري" "أال ترى أنك تبالغ في تأنيبك لنفسك؟" أحضرته بسؤالھا إلي واقعه رغم عنه. "ھل تعنيني بسؤالك؟" رد عليھا متعجبا ً. "ال أنا سألت أمي ...وم ن أعن ي ي ا ت رى س واك؟ أي ن الجم وع الت ي تجلس معنا حتى أعني غيرك؟ أنت تتعمق في شتاتك الفكري حتى أنك تن
سى ك
ل ش
يء حول
ك ،حت
ى أن
ك تج
اوزت ال
شرود وتع
ديت عق
اب نفسك" "أنت تبالغين ،أعتقد أني مثل اآلخرين في شطحاتي الذھني ة بأق ل أو أكثر" "أنت تعرف أن ك ل ست ك اآلخرين ،وأن ك مح زن أكث ر م ن المعق ول وأقرب إلى الجنون" ك
ان يب
دو عل
ى س
لوان ال
شتات والحي
رة وقتھ
ا ،ف
ي تلب
ك كالم
ه، اص
طناع التبري
رات ،ال
ضغوط الواض
حة بج
الء عل
ى وجھ
ه وتقط
ع كلماته.
٣١٧
صار يحس بقلق كبير وارتفاع في درجات حرارت ه ول م يع د يحتم ل البقاء ھناك. "غراتسيا ،اعذريني ،أريد أن اخرج" وقف على غير عادته مع غراتسيا دون أن يبادلھا أي كلمة فيھا نوع من اإلطراء كما كان يفعل معھا منذ أن تعرف عليھا. ذبلت عيني األخرى وھ ي تراقب ه وھ و خ ارج م ن الل وج وب اد علي ه الكسور ،الذلول ،االنحطاط واإلحباط. كاد سلوان أن يسقط عن الدرجات وھو خارج لوال أن تدارك نفسه. فزعت غراتسيا وجرت نحوه" :ھل أنت بخير يا حبيبي؟" لم تتوقع ھي نفسھا مدى تعلقھا به وخوفھا عليه. "أنا بخير" صمت وھو يبادلھا النظرة اليائ سة" :ش كراً ي ا غرات سيا عل ى خوف ك في!" وفعله ّ علي ،أنت ال تعلمين ما فعل فزعك علي ھذا ِ لم ت رد علي ه األخ رى وك ادت أن تبك ي مت أثرة بوض عه ال سيء ج داً والذي ال يخفى على كل من يراه. "سأراك فيما بعد يا جميلة" وسار وھو يعي أنھا تراقبه وتربكه وخطواته وتزيده ارتباكا ً يكاد أن يتعثر بنفسه.
٣١٨
أخذ نفسا ً طويالً عن دما خ رج م ن ال شارع واتج ه دون تفكي ر م سبق نحو الشارع الذي صار يربطه بتلك الفتاة. "أكاد أجن" يخاطب نفسه. "ما الذي أفعله بنفسي؟ وھل أنا الذي أعاقبھا أم أن ميليندا وكل الذي مضى تحول إلى سرطان مدمن ال أستطيع أن أح س ب شيء غي ر آث اره وآالمه" أحس بدوار وھو يم شي ف ي ال شارع ب ين ال سيارات دون أن يراع ي إشارات الم رور وال سائقين ي شتمونه ب صوت مرتف ع أكث ر م ن مزامي ر عرباتھم من اتجاھه واالتجاه المعاكس. وبسرعة جلس على أطراف الطريق عندما فقد ال سيطرة عل ى نف سه وب
دت األرض ت
دور ب
ه ،تنقل
ب علي
ه والطرق
ات تعل
وه وت
دنوه حت
ى أحس األشياء كلھا تجري بسرعة خارقة للعادة ...وفقد الوعي. "من ھذا؟" "ماذا به؟ ما الذي أصابه؟" "ما أكثر حوادث السير ھذه األيام" ص
ار ي
سمع س
لوان أص
وات وال ي
رى أص
حابھا ،ت
داخلت علي
ه العبارات وھو مثل النائم ال يحس بشيء حوله غير عبارات متشابكة.
٣١٩
كانت تلك الفتاة التي تعرف عليھا ف ي المطع م ال صيني ق د رأت ه قب ل أن يسقط وجرت نحوه وصرخت تطلب مساعدة من المارة حتى حملوه مغمى عليه إلى المطبعة حيث تعمل ھي وكانت أنھت العمل لتوھا. ص
ارت ت
ضع بالم
اء الب
ارد عل
ى وجھ
ه عل
ه يفي
ق إال أن الم
اء ل
م يجدي ش يء حت ى أن م دير المطبع ة أح ضر س ائالً كيماوي ا ً مع داً لمث ل ھذه الحاالت ووضع منه قليالً عند أنفه حتى بدأ يعود لذاته. فتح عينيه ووجه مصفراً كأنه ميت. "ھل أطلب الطبيب" قال أحد الموظفين ،فقد اجتمعوا حوله ال يعرفوا ما الذي جرى له. واحد متطفالً يريد أن يشبع أنانيته وتطفله وآخر متعج ب وم نھم م ن يشفق عل ى رج ل يب دو علي ه آث ار حي اة كريم ة ي سقط مث ل بقاي ا أوراق شجرة ھرمت. "ھل تسمعني؟" سألته الفتاة. "أين أنا؟ ما الذي جرى لي؟" حرك رأسه يمين وشمال يريد أن يعرف أين ھو أو يح اول أن يع ود إلى ذاته ،فقد غاب جزئيا ً عن الوعي وفقد القدرة على الحراك. "كيف تشعر اآلن؟" سألته الفتاة وھي تضع رأسه على فخذھا وھي جال سة عل ى األرض وجسده ملقى على قطع أوراق كبيرة وضعوه عليھا.
٣٢٠
"أنا ال أحس بجسدي ،ال أستطيع أن أحرك أطرافي" "ال تخف ،أنت فقدت وعيك ال أكثر" قال له أحد زمالء الفتاة المشفقين عليه. "أرج
وكم أن تبتع
دوا حت
ى ي
تمكن اآلخ
ر م
ن الت
نفس" ق
ال م
دير المصلحة" :واألفضل أن تعودا إلى أعمالكم" بدأ سلوان يحرك يديه قليالً وكأن الحياة بدت تعود إليه. "ال تجب ر نف سك عل ى الح راك ،ابق ى اآلن م ستلقيا ً قل يالً حت ى ت
شعر بارتياح" قالت الفتاة. "من أنت؟" ك ان ي
رى فت اة وھ
ي تنظ ر إلي
ه م
ن أعل ى وھ
و ملق ى عل
ى فخ
ذھا ال يستطيع أن يرى وجھھا بوضوح من جراء فقدانه الوعي. "ال يھم من أنا ،المھم أنك أنت بخير وسالمه" وضع يديه على األرض يحاول أن يقف على قدميه. "ال تجبر نفسك على النھوض ،ارتح اآلن قليالً" قالت له الفتاة. اس
ترد أنفاس
ه وأرخ
ى جمي
ع أع
ضاء ج
سده حت
ى يأخ
ذ ق
سطا ً م
ن الراحة يھيئه للقيام بنفسه. "اآلن عرفت
ك" ات
ضحت ص
ورتھا أم
ام عيني
ه ورأاھ
ا بج
الء وارتسمت عليه ابتسامة منھكة.
٣٢١
"جميل أنك عدت لذاتك ،بماذا تحس اآلن؟" أسبل عينيه مخادعا ً بدعاب ة وق ال" :أي رج ل بمك اني سي شعر بفخ ر وھو ملقى في حضن امرأة مثلك" ضحكت فرحة بتحسن حال ه لدرج ة أن ه ب دأ ي داعبھا بكلمات ه السل سة على قلوب النساء. "إذن ...حان لك اآلن أن تقف كي تح دثني وأن ت ج الس أم امي ع ن الفخر ومجامالتك بدالً من ارتمائك بوزنك الخفيف على ساقي" نھض وكان مترنحا ً بعض الشيء. "اجلس ھنا يا سيد"... عرض عليه كرسي وقربه إليه وكان يريد أن يناديه باسمه" :ما اسم ضيفنا يا دوروماري؟" "اسمك دوروم اري؟ ل و أن ي فق دت ال وعي من ذ عرفت ك الخت صرت الطريق أكثر حتى أعرف اسمك" أسندته األخرى على الكرسي وقالت ل ه" :ھ ا ق د عرف ت ،وح ان ل ي أن أعرف اسمك" "أنا سلوان" "اس
م غري
ب وجمي
ل ي
ا س
لوان .سأح
ضر ل
ك م
اء أو أي م
شروب بارد" دخلت دوروماري إلى الداخل كي تحضر المشروب. ٣٢٢
"كم ھي لطيفة دوروماري!" قال لمديرھا. "نعم إنھا كذلك ،والجميع يحبھا ھنا" أت
ت األخ
رى وقب
ل أن ت
صل قال
ت" :لق
د س
معتكما ،م
اذا تق
والن عني؟" وضعت الكأس أمام فمه فأمسك به ھو اآلخر وقال" :ليس لھذا الحد، أنا أستطيع أن أشرب الماء وحدي" ل
م يبق
ى ط
ويالً حت
ى وق
ف أق
ل م
ن ن
صف مت
رنح وش
كر الم
دير ودوروماري وقصد الباب ،فأوقفته ھي" :انك ال تزال متعبا ً ،ابقى قليالً حتى تسترد عافيتك ولو بعض الشيء" تجاھ
ل اھتمامھ
ا ب
أدب وق
ال" :أن
ا أح
س بتح
سن ،م
ا ھ
و إال دوار، شكراً لكم" وخرج وھو متخما ً ت ارة م ن ارھاق ة ج سده الت ي ال تخف ى عل ى أح د وأخرى من شالل أفكار ينازعه ويقاتله. لم تبقى دوروماري إال أقل من دقيقة بعد خروجه حتى خرج ت ھ ي األخرى وسارت خلفه مثل الخائفة عليه. م
شت خلف
ه ع
ن بع
د ت
راه م
ن ب
ين زحم
ة الم
ارة حت
ى وص
ل إل
ى طرف الشارع حيث كانت ورشة عمل لم تكتمل ولم تعد ت راه ،راودھ ا شعور غريب حتى أسرعت كي ال يختفي ع ن أنظارھ ا فق د ق ررت أن ترافقه.
٣٢٣
وصلت إلى النقطة التي اختف ى فيھ ا ول م يك ن ھن اك وص ارت تبتع د ببصرھا في كل الشوارع المتفرقة حتى رأته في أحدھا الخاوية الضيقة وحده. سارت خلفه موسعة خطوتھا حتى قاربت عليه بخطوات. "سلوان "...نادت عليه. التفت اآلخر" :أنت!" "ولماذا تقولھا ھكذا مث ل ال ذي م ا ك اد أن ي تخلص م ن طليقت ه حت ى قابلھا في أول زنقة" ظلھا خفيف وكالمھا ناعم وحاضر على أطراف لسانھا ورقيق على القلب. "ال تق
ولي ھ
ذا أرج
وك ،أن
ا ل
م أتوق
ع أن تن
اديني فت
اة جميل
ة مثل
ك وخاصة بوضعي الحالي السيئ" كان سلوان يضع كلتا يدي ه ف ي جي وب بنطال ه فأدخل ت ي دھا ال شمال بين يده وخاصرته وقالت" :ما رأيك أن أرافقك؟" "وھل تعتقدي أني أو أي رجل عاقل سيرفض؟ إلى أين؟" "إلى أين أنت كنت ذاھب في ھذا المساء؟" "ال أعرف ،كنت أريد الخروج فقط ،إلى أين ال أعلم" وقفت وأوقفته ونظرت إليه قليالً وقالت" :ھل تتكلم بحق Sوتعني م ا تقول؟" ٣٢٤
"نعم ولم َال؟" "ولكن انظر إلى حالتك الصحية ،إنك تسير مت رنح مث ل الثم ل حت ى أطراف قدميك" "ال أعرف ما الذي حدث معي ،خرجت من "...لم يعرف ماذا يقول، بنسيون أم مؤس سة ...ل يس ل ه م سكن" :ولك ن قب ل أن أخ رج أحس ست بدوار شديد اعتقدت أنه سيزول عندما أخرج إلى الھواء الطلق" "الھواء الطلق "!...ردت عليه متھكمة. "وأين ھو ھذا الطلق في زحام السوق ھنا؟" "كنت أنوي أن أمشي حتى البحر" "أنت مرھق كثيراً ،لم اذا ال أوص لك إل ى بيت ك ك ي تأخ ذ ق سطا ً م ن الراحة"... وقبل أن تكمل تذكر غراتسيا وھي واقفة خلف منضدة االستعالمات، فق
ال دون تفكي
ر كثي
ر" :ال ،أن
ا ال أري
د أن أذھ
ب إل
ى المن
زل وال تسأليني لماذا" استغربت رده ولم تفھ م س بب رف ضه ال ذي ب دا علي ه الجدي ة وش يء أكبر يكاد أن يكون فزع. "ما رأيك أن نذھب إلى بيتي؟ أنا لن أتركك تسير وحدك ھكذا" ولم ال!" فكر قليالً باقتراحھا ودون أن يطيل أو يرد بآخر قالَ " :
٣٢٥
"أنا ال أسكن بعيداً من ھن ا ،أق ل م ن كيل و مت راً واح د ،ھ ل ت ستطيع السير أم أطلب تكسي؟" "األفضل أن نمشي" كان
ت تح
س وي
دھا تالم
س ج
سده م
دى ال
ضعف في
ه ،فكان
ت ي
ده ترتجف وكبريائه تقنن ھرميا ً تنازلي ا ً عن دما أح س بارتي اح م ن طرفھ ا وتوازى مع حالته الصحية. قب
ل أن ي
صال منزلھ
ا ب
دقائق قليل
ة س
قط م
ن ب
ين ي
ديھا ،ففزع
ت وجسده الثقيل يسقط من بين ذراعيھا ال تستطيع أن تمسك به أكثر. "من ي ساعدني ھن ا ...الرج ل فق د ال وعي ...م ن ي ساعدني" ص ارت تصرخ وھي فجعة فاقدة السيطرة ھ ى األخ رى عل ى نف سھا حت ى أقب ل عليھا شابان وحملوه إلى بيتھا. "ھل نطلب اإلسعاف؟" قال أحدھما. أما اآلخر فقد حمل ھاتفه الخلوي وم ن غي ر س ؤال طل ب اإلس عاف: "ما ھو عنوانك يا سيدتي؟" سألھا اآلخر. كان
ت ھ
ي متلبك
ة خائف
ة وص
ارت تبك
ي .أقب
ل عليھ
ا ال
شاب وھ
و ينتظر منھا أن تعطيه العنوان" :اھدئي ي ا س يدتي س يكون زوج ك عل ى ما يرام" وبأحرفھا المتقطع ة ودموعھ ا ت سيل بغ زارة عل ى خ دھا قال ت" :إن ه ليس زوجي"
٣٢٦
لم يعرف بماذا يجيبھا وأعاد سؤاله مرة أخرى" :لن يتمكن اإلسعاف من الحضور من دون أن نعطيھم العنوان" تقري
ب الع
شرين دقيق
ة كان
ت س
يارة اإلس
عاف ق
د ح
ضرت وك
ان سلوان قد أفاق من غيبوبته إال أن دوروماري تركته في فراشھا مستلقيا حتى شخص حالته الطبيب. "إنه إرھاق وقلة تغذية" قال الطبيب" :ما اسمك؟" "سلوان" "ماذا تعمل يا سلوان؟" وبصوت مبحوح متعب رد عليه" :حاليا ً ال شيء" "جسدك مرھق جداً وضغطك الدموي منخفض ب شكل خطي ر ،يج ب عليك أن تتدارك نفسك" "وماذا يجب عليه أن يفعل يا دكتور؟" "إنه يحتاج إلى راحة ،ومن ثم راحة ،وكثير من الراحة ...إن جسده منھك وال أفھم السبب ،قد يك ون عام ل نف سي .وال تن سي الغ ذاء ب شكل طبيعي واألفضل وجبات صغيرة وكثيرة في اليوم" أعطاه الطبيب حقنة عضلية ثم مغذي بالوري د وحقن ة أخ رى بع د أن انتھى من المغذي حتى يستعيد عافيته وينام.
٣٢٧
أف
اق س
لوان م
ن الن
وم وص
ار ينظ
ر بأرج
اء الحج
رة الغريب
ة علي
ه وف
راش خم
ري ن
اعم غي
ر أن وس
ائده م
ن ال
ريش ال
ذي ل
م يحب
ه يوم
ا ً وذكره بفراشه مع ميليندا. استعاد ذاكرته بعد أن استيقظ وھو يح س بارتي اح كبي ر وع رف أن ه في منزل دوروماري فقام من فراشه وكان صدره عاري ،لبس قميصه وخ
رج م
ن غرف ة نومھ
ا متجھ
ا ً نح
و ص
وت التلف
از وكان
ت األخ
رى تجلس وحدھا تشاھد فيلم يوناني من األفالم الشاعرية العاطفية. "وأنت أيضا ً تشاھدين ھذه األفالم؟" وقفت مسرورة به وبتحسن وضعه" :لماذا قمت من الفراش؟" "أنا أحس بارتياح وكأني نمت أيام متواصلة" "كيف تحس اآلن؟" ووضعت يدھا على جبينه وأمسك يداھا تالم سه تري
د أن تع
رف درج
ة حرارت ه" :حم
داً لل
رب عل
ى س
المتك ،أن
ت ال تعرف كيف ك ان لون ك الي وم من ذ أن أخ ذناك م ن ال شارع حت ى النوب ة األخيرة ،أنت نفسك ذاك األنيق الذي تعرفت عليه في المطعم الصيني" جل
س س
لوان عل
ى األريك
ة وأجل
سھا إل
ى جانب
ه" :دوروم
اري ،أن
ا إي اي ،فل والك أشكرك جزيل الشكر على لطفك المبالغ فيه ،ومساعدتك ّ ال أعرف إلى ماذا آلت حالتي" "ال تق
ل ھ
ذا أرج
وك ،ھ
ذه عم
ل إن
ساني أن
ا أو غي
ري س
يقدم نف
س الشيء ،وھل تصرفت أنت معي بعكس ذل ك ل و أن ي أن ا ال ذي ك ان ف ي وضعك؟" ٣٢٨
"طبعا ً ال"... "إذن ...نحن متفقين ،إال على شيء واحد مازلنا لم نتفق عليه" "وما ھو" رد عليھا وھو كله حب فضول. "األول أن تسمع كالم ي عل ى األق ل حت ى تتع افى والثاني ة أن ترج ع إلى الفراش وال تنھض منه حتى الغد" أحس اآلخر بالحرج وق ال" :ال ھ ذا ال يج وز ،أن ت كريم ة كثي راً ي ا دوروماري ،أنا سأذھب إلى البيت" "ھل زوجتك بانتظارك؟" كانت تريد أن تعرف بأسلوب مؤدب إن كان متزوج أو عل ى عالق ة مع امرأة. "أنا كنت متزوج يا دوروماري وخسرت كل شيء ،ليس فقط المرأة التي أحبھا ...ميليندا ال بل أمي وابنتي" تفاج
أت األخ
رى م
ن ص
راحته ،فھ
ي معت
ادة عل
ى ن
زع آخ
ر م
ن الرجال ،إما متزوجون ويخونون زوجاتھم معھا وھي النسبة لھم جھاز جنسي ال أكثر ،أو شبان مخادعون آخرون ال يختلفون من حيث المب دأ عن المتزوجون كثيراً. "من ھي ميليندا؟" كانت زوجتي ...وأحبھا"
٣٢٩
صمت وتغير لون وجه ألنه لم يرد أن يتحدث عنھا على األقل ل يس اآلن أو في ھذه المناسبة. "لماذا تتكلم بإحباط؟ في الم رة األول ى كان ت طريق ة كالم ك مختلف ة عن اليوم ،فكنت كل شيء غير اإلنسان المھزوز ،أما اآلن"... "ھل خاب ظنك بي؟ أعرف أني أخيب ضن اآلخرين بي دائما ً" "ال تق
ل ھ
ذا ،أن
ا ل
م أفك
ر كثي
راً بشخ
صك ،س
لبك أو إيجاب
ك حت
ى أحي ي في ك ص راحتك ،أم ا جانب ك اآلخ ر الواض ح تخيب ض ني ،ال ب ل ّ الحزن لم أراه غي ر اآلن .أن ا ل م أراك كثي راً ،لك ن بالمقارن ة م ع الم رة األولى تبدو حزينا ً .حدثني عن ميليندا ،إن أحببت طبعا ً" رمى بنفسه على األريكة ليس تعبا ً إنما كي يستعيد األح داث الت ي ال تغيب عنه لحظة. "أحببتھا دائما ً ومازلت أحبھا ،ووص ل حب ي لھ ا قمت ه عن دما حمل ت وخاصة في األيام األخيرة .كنت أتنبأ أن يكون المولود طفالً ،قد يك ون أمراً بديھيا ً أن يأمل األب بأن يك ون مول وده دائم ا ً ص بي ول يس طفل ة، ھي كان ت تق ول" :رغم ا ً عن ك س يكون ولي دي طفل ة ل يس ھن اك أجم ل منھا" وكنت أقول لھا" :سيأتي طفالً وسيما ً مثل أبيه" وأومئ برأسي ضاحكا ً ،وأما في قرارة نفسي لم يكن يھمني ذك راً أم أنثى ،كل الذي كنت أرجوه أن يكون المولود بيني وبين أمه كي أحبھما معا ً. ٣٣٠
أت
ت األي
ام األخي
رة وك
أن المول ود عل
ى عجل
ة م
ن أم
ره يري
د أن يتعرف أخيراً على والديه ،كنت ف ي انتظ اره أكث ر م ن أم ه ،ھ ذا وألن أمه في األيام األخيرة كانت تعاني م ن اآلم م ستمرة ،وكان ت تتمن ى أن تنجب اليوم قبل الغد .وفي أحد ال ً مساءت لم تشعر بألم على غير العادة، وأثقلتھا بمزاحات" :أال تحسين اليوم بألم على غيرالعادة؟" كنت أريد أن أثير عصبيتھا حتى نضحك ،وقالت متھكم ة" :إذا ك ان األمر ھذا يسعدك فأنا سأنجب الليلة حتى أفسد عليك ليلتك" مر المساء بظله الخفيف ومزاحاتھا ومداعبتي إياھ ا حت ى ح ل علين ا التعب وسقتھا إلى فراشنا وما كدت أغمض عيناي حتى ص حوت عل ى صريخھا. "أنا سأنجب أنا سأنجب ...أخبر والدي ...أخبره أرجوك بسرعة" فتح
ت عين
اي ال أك
اد ال
تمكن م
ن فتحھم
ا ،لك
ن ص
ريخھا وش
دھا لشعري لم يعطياني فرصة أغمض بھما جفناي .قمت م ن فراش ي مث ل المفزوع ال أعرف كيف أرتدي مالب سي ،أأدخ ل القم يص ف ي س اقي أم البنطال في رأسي ،سألتھا" :أألبس الحذاء أم أنه ليس من الضروري؟" صرخت في وجھي أكثر مما كانت عليه وقالت" :أن ت تع رف كي ف ت
ضاجعني وال تع
رف إذا كن
ت بحاج
ة إل
ى ح
ذائك حت
ى تأخ
ذني إل
ى ً حذاء أم ال المستشفى أم ال؟ خذني إلى المستشفى وال يھم إن كنت تلبس وھاتف والدي بسرعة"
٣٣١
ل
م أع
رف كي
ف أب
دأ! أأحملھ
ا أم أم
سك بي
ديھا أم أتركھ
ا تق
وم م
ن فراش
ھا وح
دھا أم أھ
اتف وال
دھا؟ كن
ت خائف
ا ً بك
ل المع
اني ،حري
صا ً، قلقا ً ،لم أعرف ما الذي يجول في رأسي وك أن أوام ر دم اغي اختلط ت في بعضھا ولم أعد أميز بين قول وفعل. أصبحت أنظر إليھا متسمرة أفكاري أبح ث ف ي الغ رف وأنظ ر إليھ ا ال أعرف كيف ابدأ وماذا أفعل ،حركات يداي وقدماي س ريعة دون أي قوة مني تسيطر على أعضائي. وفي خضم صراخھا وع دم ق درتھا عل ى الح راك وفق داني س يطرتي على نفسي ،حملتھ ا دون وع ي وخرج ت أرك ض بھ ا م ن غرف ة الن وم متجھا ً نحو باب المنزل الرئيسي ونزلت الدرجات االثنتين وم ن أم امي كان مدخل المنزل المحاط بجدار ع ال وف ي داخل ه كان ت تق ف ال سيارة الجولف ذات البابين .تابعت خطاي بسرعة نحو السيارة ووضعتھا ف ي الكرس
ي الخلف
ي وق
دت ال
سيارة ال أق
ول م
سرعا ً إنم
ا م
نفعالً حت
ى أن ميليندا في الوقت الذي كانت تعاني من آالم كانت تصرخ قائلة" :أسرع لم أعد أحتمل" وتارة تقول" :ال تسرع أتريد أن تقتلني؟" وصلنا إلى أقرب مستشفى وكان يبعد سبعة كيلو مترات ع ن البي ت، وقف
ت أم
ام الم
دخل الرئي
سي للمست
شفى وأخرج
ت ميلين
دا م
ن المقع
د الخلفي أحملھا مسرعا ً نح و ال داخل ص ارخا ً" :أس عفوني ...أس عفوھا... إلى أين أذھب" وأول م
ا دخل
ت الباح
ة كان
ت مليئ
ة بالمرض
ى ونظ
رت إل
ى اليم
ين وإلى الشمال باحثا ً َعمن يسعفني ويسعفھا ،حتى وقع نظري إل ى األم ام ٣٣٢
حي ث االس
تعالمات وبفت اة خل
ف زج اج ش
فاف ،وس رت إليھ
ا أھ
رول، وعندما رأتني أركض نحوھا ن ادت ف ي ال سماعة عل ى فري ق اإلس عاف وقالت" :اإلسعاف بسرعة إلى االستعالمات حالة والدة" وما ھي إال أقل من دقائق وإذا بمجموعة م ن أطب اء ...ممرض ين... ال أعلم فكلھم يلبسون نفس الزي. حملوھ
ا م
ن ي
دي ب
سرعة ووض
عوھا عل
ى س
ريرھم ورك
ضوا بھ
ا عائدين من حيث أتوا. وقفت مبھوراً ال أعرف ماذا أفعل أأركض خلفھم؟ أم أبقى في الباحة أنتظر؟ نظ
رت م
ن ح
ولي ف
ي المم
ر ال
ضيق الفاص
ل ب
ين الغ
رف وإذا ب
ي وحدي وكأن شيء لم يكن ،فركضت خلفھم ،مثل ال ذي ل يس لدي ه ب ديل سوى ذلك. ركضت حتى وصلت إل ى م دخل غرف ة بب ابين زج اجيين عري ضين غير شفافين حيث أدخلوھا. ودخل
ت خلفھ
م قب
ل أن يغل
ق الب
اب الزمبرك
ي .كان
ت تنظ
ر إل
ي وتصرخ" :ال تتركني وحدي ،إبقى معي ...ھاتف والدي" وتبك
ي ،كان
ت ت
ؤلمني ت
ارة وأخ
رى تثي
ر أع
صابي وت
وترني بصراخھا وقلة حيلتي.
٣٣٣
وضعوھا بسرعة لمح البصر على السرير ومن فوق ه أض واء كثي رة وب
دؤا بوض
ع ثي
اب العملي
ات الخ
ضر الت
ي تثي
ر الم
شاعر وت
وحي باالشمئزاز والنفور. ل
م أس
تطع البق
اء والنظ
ر ،قل
ت للطبي
ب ال
ذي ك
ان يباش
ر م
سؤولية الوالدة" :أنا ال أستطيع البق اء س أخرج أنتظ ر ف ي المم ر ،أن ا ال أحتم ل كل ھذا" وإذا بميليندا تصرخ" :إل ى أي ن تري د أن ت ذھب وتتركن ي وح دي؟ ال أريد أن أكون وحدي" قلت لھا" :حبيبتي أنا ال أستطيع البقاء ،أنا ال أحتمل أن أراك تتألمين إليك مكتوف اليدين ،ال ...أن ا ال وليس بإمكاني أن أساعدك ،بل وأنظر ِ ِ أحتمل ھذا" استدرت إلى الخلف وسارعت في الخروج تارك خلفي ميليندا بألمھا وصراخھا ،وأثناء خروجي كنت أومئ برأسي معبراً عن ألمي ألني ال أستطيع البقاء معھا. لم يكن الحال في الخارج أفضل منه في الداخل ،فق د كن ت أس ير ف ي الرواق أنتظر خ روج أيٍ ك ان حت ى يطمئنن ي ع ن ميلين دا ف ي ال داخل، كان صراخھا يصعق في قلبي ورأسي. داي ميلين
دا ...أس
تمر وأخرج
ت ھ
اتفي المحم
ول وب
دأت أھ
اتف وال ّ الھاتف في بيتھم يرن أكثر من سبع دقائق إال أن أحد لم يرفع السماعة.
٣٣٤
ونظ
رت إل
ى س
اعة الھ
اتف المحم
ول وإذا بال
ساعة الثالث
ة ص
باحا ً، أغلقت الھاتف بعد أن فقدت األمل من إخبارھم. حاولت مھاتفة والدتي أي ضا ً إال أن الح ال عن د أم ي ل م يك ن مختل ف وال داي ميلين دا ،فف ي ھ ذا الوق ت ال أتوق ع أن يك ون أح داً م ن عن حال ّ خاصتي يقظا ً ،غير أن ي أع رف أن وال دتي عل ى عالق ة م ع زاك س م ا ولو كانت فائقة فلن ترد على الھاتف أيضا ً. كنت أود أيضا ً أن يكون أحد من والديھا معي ،كنت محتاجا ً لھ م ف ي تلك اللحظة أو ألمي حتى تشد من عضدي. كان قلبي يخفق بسرعة حتى أني ل م أع د أحتم ل الوق وف وأحس ست بدوار ف ي رأس ي وخفق ان قلب ي وس قطت عل ى األرض دون أن اش عر، استلقيت على األرض ال أرى من حولي أحداً ،لم أعد أرى سوى سواداً مثل الغمام وفيه خطوط بيضاء تدور بي وكأني محمول في سرير ب ين السماء واألرض وال أرى من حولي سوى ظلمة تدوي من فوقي وع ن جنبي وتحيط بي من كل ناحية وتضيق علي أنفاسي. فتحت عيناي وإذا بي ال أرى بمرمى ب صري س وى ج دران بي ضاء لونھا يجلب اإلحباط ،نظرت من حولي وإذا ب ي ملق ى عل ى أح د أس رة المستشفى فعرفت أنه أغمي علي. خرجت من الغرفة أحاول أن أسرع في الخطى ولكن ساقايا وجسدي ل
م ي
ساعداني عل
ى الم
ضي س
وى مبطئ
ا ً ،كن
ت ال أزال أش
عر ب
دوار، وسألت أول ممرضة في طريقي حيث أن ي ل م أع د أع رف تحدي داً أي ن أنا. ٣٣٥
"لقد أحضرت زوجتي قبل قليل إلى ھنا"... وقب
ل أن أكم
ل كالم
ي عرف
ت س
ؤالي وقال
ت" :نع
م ...نع
م لق
د أح
ضروك قب
ل أق
ل م
ن ن
صف س
اعة وأخبرون
ي أن
ك كن
ت تنتظ
ر زوجتك أمام غرفة العمليات ،سر حتى نھاية الممر وأنزل حتى الطابق الثاني ومن ثم اذھب إلى اليمين حتى تصل إلى غرف ة رق م ٢١٤وھ ي الغرفة التي بھا زوجتك" تابع
ت م
سيري أح
اول اإلس
راع ف
ي خط
وتي وكل
ي لھف
ة ،أري
د أن أراھا سالمة وال يھم إن كان ھناك جنين أم ال! أرى وجھھا أمامي وھي ً ً منھكة من صراخھا وألمھ ا وعرقھ ا ب دأ يج ف عل ى راقدة على فراشھا جبينھا وخصالت شعرھا مبللة بالعرق تتدلى على جبينھا. وصلت إلى الغرفة رقم ٢١٤ودفعت الب اب بلھف ة ودخل ت ،وإذا بھ ا نائمة على السرير وأثار اإلجھاض بين وجنتيھا ومن جنبھا من الي سار حيث النافذة األخت الممرضة منحنيًة في سرير مثل القفص وي ديھا ف ي إلي وقالت" :أنت زوج السيدة ميليندا؟" داخله .نظرت ّ "نع
م أن
ا زوجھ
ا" بنب
رة م
شرذمة ب
أحرف مقطع
ة فيھ
ا خل
يط م
ن المشاعر ال أعرفه. انت
ابني ش
عور بالطمأنين
ة عن
دما رأيتھ
ا ملق
اة تعلوھ
ا الب
راءة ف
ي فراشھا. مازل
ت أق
ف أم
ام الب
اب م
ن ال
داخل ومم
سك بمقب
ضه ،وارتخ
ى جسدي المشدود وارتسمت على وجھ ي ابت سامة وتق دمت بخط ى واثق ة
٣٣٦
نحو س ريريھا وجل ست عل ى حافت ه ووض عت راح ة ي دي عل ى جبينھ ا البارد والمست خديھا وحمدت Sعلى نعمائه بأن ردھا لي سالمة. "أال تريد أن ترى طفل ك؟ أو أن ت سألني ف ي البداي ة إن ك ان المول ود فتاة أم فتى؟" اجبي س
ألتني األخ
ت الممرض
ة بأس
لوب م
ازح م
رح وأوم
أت بح ّ وقلت لھا" :لقد دخلت الغرفة ولم يكن في رأسي سوى زوجتي ون سيت سبب وجودھا ،وكنت أدعو Sأن يعيدھا لي معافاة ،أما اآلن وق د ع اد ً حقيقة أن زوجتي ف ي ص حة وعافي ة وولي دنا لي صوابي والذي يعنيني صحيح ومعافى ،ذكراً أم أنثى ھذا شيء ال يھم" وقف
ت واتجھ
ت نح
و األخ
ت الممرض
ة وطفل
ي ،وكن
ت أس
ترق النظرات قبل أن أصل علي أراه حتى وقع بصري في السرير ،وإذا به ملقى على ظھره مغلقا ً عيني ه ومقطب ا ً حاجبي ه الل ذان ل م ينم و ش عرھما بعد ،نائما ً رافعا ً قدميه مثل وضعية تمرين المعدة. "أال تريد أن تحمل طفلتك؟" قالت األخت الممرضة. ً أطفلة ھي؟" " "أوال يسعدك ھذا؟" "ال ...ال بل
ى ،وأوم
أت بكلت
ا ي
داي مبت
سما ً فرح
ا ً نافي
ا ً ومعب
راً ع
ن العكس" "ال أعني ھذا ال بل إني أكثر سعادة من كونه ولد"
٣٣٧
وحملتھ
ا ألول م
رة وانت
ابني ش
عور غري
ب ال أعرف
ه ،غرغ
رة ف
ي داخلي فيھا وجه سعادة لم أعرفھا من قبل ،ح ضنتھا وغ رد قلب ي فرح ا ً ليس كالذي كان مع أمي ،أبي ،زوجتي ،نجاحا ً ،ماالً ،جاھ ا ً أو وجاھ ا ً، وك
أني احت
ضنت قلب
ي أو قطع
ة م
ن أح
شائي ،مث
ل م
ستحيل ال يمك
ن حدوث
ه وأن
ا اآلن أعي
شه وك
ل م
ن يران
ي ي
صدقه دون أن يح
سه أو يعاصره أو يلمسه. أنظر إلى األخت الممرضة وأحاول أن أصف لھا فرحتي ھذه ببريق عيناي ورعشة م ن ج سدي وتلك ؤاً ف ي كالم اتي وإيم اءات م ن أكت افي الالت ي أص بحن مث ل أس وار الق الع ال صليبية يح ضناھا خوف ا ً وحرص
ا ً عليھا. ب
دأت أم
شي بھ ا ف
ي الغرف
ة ،أحملھ ا ب
ين ذراع
ي ،واقترب
ت من
ي األخت الممرضة ووضعت يدي اليسار تحت رأسھا وقالت" :عليك من اليوم أن تتعلم كيف تحمل األطفال" وأبقيت يدي حيث وضعتھا الممرضة. كلمة أقولھا ألول مرة وال أستطيع ربط عاطفتي الجائشة تجاه طفلتي وكلمة ابنتي ،أعتقد أنه مع الوقت وتكرار كلمة ابنتي ق د أتمك ن م ن أن أربط كل عواطفي بالكلمة التي س أعتاد عليھ ا ،إن ك ان اس مھا أو كلم ة ابنتي أو أي كلمة أصطلحھا لندائھا. ٌ حرص حتى ابنتي ...نظرت إليھا وقبلتھا على خديھا الناعمين وكلي ال أخدشھا بقبلتي.
٣٣٨
أن ت بع د الي وم ف ي حي اتي أص بحت، أنت ابنتي وحبيبتي وكل ش يء ِ ِ ي دي ،ابنت ي ي ا حبيبت ي ل ن أنت وقطعة مني ومھجتي أحملھا بين ّ ابنتي ِ لفرح ك ،ابنت ي أقولھ ا لبكائك وال فرحة لي بعد الي وم إال أبكي اليوم إال ِ ِ في ك ل لحظ ة عل ي أس تطيع أن أص ف بھ ا وبنطقھ ا وحروفھ ا ولفظھ ا حبك. للعالم ِ ابنت
ي س
امحيني إذا ب
الكالم ل
ن أس
تطيع أن أص
ف ن
شوة ف
ي داخل
ي أنت سببھا ،وأسألك صفحا ً إذا بالوص ف ل م ول ن يع ي م ن ح ولي ش كل ِ بقدومك. وسر السعادة التي حلت ونزلت علي ِ ك ف
ال ابنت
ي ل
و أن الع
الم ق
سى عل
ي لحظ
ة وفيھ
ا ش
رد الب
ال عن ِ تحزني ...ال تحزني يا ابنتي ألني بعد اليوم لن أفرح ول ن أس عد إذا م ا أنت مصدرھا مسببھا ومنبعھ ا ،ال تحزن ي ي ا ابنت ي ف إني عاھ دت كنت ِ ِ آلمك نفسي اآلن أني في ألمي وجراحاتي وخيبة أملي لن تكون إال من ا ِ وجراحاتك وخيب ة أمال ِك ،وال تحزن ي ي ا ابنت ي ف إني ال ول ن أس مح أن ِ تجرحي أو تدمعي أو تھربي خوفا ً أو أن تفزعي. ل ك ص لة ب ه أو ابنتي ...حبيبتي لن أعرف بعد اللحظة أي حب ليس ِ يرضيك. يغضبك أو عالقة أو خيط قد ِ ِ اقتربت من سرير ميليندا حاضنا ً ابنتن ا ،وض عت ي دي الي سار كامل ة تحت جسد طفلتي الناعم المالئكي لم يمس سه ھوائن ا الم تعفن مث ل طب ع كثير من سكانه. وضعت يدي على جبين ميليندا وكلمتھا وھ ي نائم ة ويقين ي أنھ ا ل ن ت
سمعني فعينيھ
ا المغلقت
ان ووجنتيھ
ا ال
داكنتين تعب
ا ً وإرھاق
ا َ ال يوحي
ا ٣٣٩
بأنھا ستسمعني ولن تستطيع مشاطرتي فرحتي إال أني سأكلمھا وأغ رد فرحا ً ويكفيني أنھا ترقد بجانبي. سأنشد لھا عرسا ً بدقائق ولحظات ،وأروي لھ ا فرح ة فالح ي قريتن ا في موسم قطاف الزيتون والع صير ،وفرح ة أم ي ف ي ت ذوق أول طب ق زيت من زيتوننا المسلوق من ھذا العام ،سأقول لھا عن فرحة عم أم ي العجوز عن دما وج د حم اره ال ضائع وأق سم فرح ا ً عل ى أن يحم ل نت اج زيتون فالحي قريتنا بالمجان ،وس أروي لھ ا فرح ة بن ت الجي ران الت ي أقسمت وأضربت عن الطع ام إذا ل م يزوجھ ا وال دھا م ن الجن دي ال ذي يخدم بمعسكر خلف بيتھم. أما خيبات األم ل والھ زائم وعمالتن ا والح روب وساس تھا فل ن أروي لھا عنھا شيء ،ق د أق ول لھ ا ع ن مواق ف ع ساكرنا ال شجاعة وب سالتھم وسخرية ساستھم منھم. "ھل يكفيك اليوم من طفلتك؟" قالت األخت الممرضة. أجبتھا وأنا أنظر البنتي وحجمھا الصغير الناعم" :ال أنا لم أشبع بعد من ابنتي" مبتسما ً. وضعت الطفلة بين يديھا وكن ت أالحقھ ا بنظرات ي ،أراھ ا م ن خل ف كتفي الممرضة ورقبتھا حتى أوصلتھا إلى س ريرھا الخ شبي ال صغير، وقل
ت ف
ي نف
سي" :ھ
ذا ل
ن يك
ون س
ريرھا فق
د كن
ت أحل
م أن
ا وميلين
دا بشيء أجمل بكثير لدرجة أننا لغاية اآلن لم نشتري السرير لعدم وج ود الشكل الذي نبحث عن ه ،حت ى أنن ا قررن ا أن ن صف ال شكل ال ذي نري د
٣٤٠
ألحد النجارين في المنطقة ،وقد خطر في بالي آنذاك صديق نج ار أث ق بحرفته" سألت الممرضة" :متى س تفيق زوجت ي؟ وھ ل ھ ذا أم ر طبيع ي بع د الوالدة أن تكون في نوم عميق ھكذا؟" "ف ي الحقيق
ة ال ،لق د تألم
ت زوجت
ك كثي راً لدرج
ة أنن ا كن
ا س
نولدھا بعملية قيصرية ،إال أن مشيئة الرب غلبت ونف ذت وأنھين ا ال والدة دون الحاجة إلى إجراء جراحة ،وھذا مما تسبب باآلم كثيرة لھا وحرصا ً منا على مرضانا فقد أعطيناھا مسكنا ً ك ي ت ستطيع أن ت سترد قواھ ا عن دما تستيقظ" "وھل يستغرق ھذا وقتا ً حتى تفيق من نومھا؟" "لقد أعطاھا الطبي ب جرع ة لي ست ب الكبيرة إنم ا كافي ة لترق دھا م ن خمس إلى سبع ساعات" "إذا سأنتظر في الخارج حتى تصحو" وخرجت دون انتظار جواب منھا وردت علي أثن اء خروج ي قائل ة: "من األفضل أن تذھب إلى البي ت فانتظ ارك ف ي الخ ارج حت ى ت صحو لن يجدي نفعا ً ألنه لم يبق ى ع ن ش روق الفج ر إال س اعات ،اذھ ب إل ى البي ت وح
اول أن ترق
د الس ترداد ق
واك لي
وم جدي
د في ه طف
ل وقل
ة ن
وم وسھر من نوع يجب عليك أنت وزوجتك أن تعتادا عليه من اليوم"
٣٤١
في الحقيقة أني سمعت كالمھا كل ه إال أن ي م ن ش دة فرحت ي ل م أك ن ألتصور أي شكل من أشكال السھر دون متعة مع طفلتي بعد ھذا الي وم وزوجتي. وأعتق
د أن
ه م
ن الطبيع
ي أن يك
ون األم
ر ك
ذلك وإال ف
إن ھ
ذا ال
ذي أعاصره اللحظة شيء آخر غير السرور والسعادة. وان أفك
ر ف
ي اقتراحھ
ا ونظ
رت إل
ى اس
تدرت بظھ
ري ووقف
ت لث ٍ الساعة وإذا بھا الرابعة وعشر دقائق فجراً. ونظرت من خالل النافذة التي لم يلفت نظري أي شيء من خارجھ ا سوى أضواء النوافذ في الغرف البعيدة من المستشفى في الجھة المقابلة والمظلمة من بيننا. "اقتراح جيد" قلت لألخت الممرضة. "نعم إنه اقتراح جيد وعليك العمل به ولن تندم" ً لك مساء أم صباحا ً سعيداً؟" "إذن! ھل أتمنى ِ "كما تحب ،وأنا أتمنى لك أحالما ً ً سعيدة ،وحتى الغد" خرج ت م ن الغرف ة أط وي األرض البي ضاء الالمع ة م ن تحت
ي وال أرى عليھ
ا س
وى ص
ور ابنت
ي الراس
خة ف
ي ذھن
ي ،أراھ
ا ف
ي ب
الط المستشفى والجدران ،ال أش عر ب الخطى وال بم ن ح ولي وعل ى وجھ ي ابتسامة عريضة ال تخف عن األنظار وال على من ال يريد أن يراني. أسير كأن أقدامي ھي التي تأخذني تجاه الخارج نحو الباب الرئي سي حيث دخلنا.
٣٤٢
ي
ا للق
در قب
ل لحظ
ات دخلن
ا ن
صرخ م
سرعين ألم
ا ً ،فزع
ا ً ،خوف
ا ً وحي
رة ...أآلن أس
ير بخط
ى ناعم
ة ھادئ
ة وبفرح
ة ال ي
سعني إال أن أصرخ وأعبر عنھا. قبل اآلن كان صراخا ً واآلن صراخا ً ،ش تان م ا ب ين ص راخ اللحظ ة وآخراً يعلوه تنھداً وأنين. خرج
ت م
ن بواب
ة المست
شفى الزجاجي
ة ال
سحابة وس
رت خط
وات خليط
ة ب
ين أض
واء الم
دخل وعتم
ة ال
شارع المكون
ة مزيج
ا ً م
ن تقني
ة عصرنا وتخلف الطبيعة خفيفة الظل. ركب
ت س
يارتي ودون أن أض
ع ح زام األم
ان ول
م تك
ن ھ
ذه ع
ادتي متجھ
ا ً نح
و البي
ت وأك
اد ال أرى أم
امي س
وى وج
ه طفلت
ي وميلين
دا النائم ه ب
صفوتھا المتعب
ة وض
فائر ش
عرھا تعانقھ
ا وتھ
دأ م
ن روعھ
ا وتھنئھ
ا ب
المولود الجدي
د وت
روي لھ
ا فرحت
ي وتؤن
سھا ف
ي غرفتھ
ا والخلوة. أق ود ال
سيارة بك
ل أناق
ة ورق
ة وك
أن ال
دواليب تع
انق الرص
يف م
ن تحتي في )شبارتا األسطورة( أو على ضفاف )اجيه (...وأنا يح اورني مقودي وكـأنه ال يريد الوصول. أشرفت على بوابة منزلنا وقربت ساعة الرقود رغم أن الروح مليئة بالحركة والطاقة.
٣٤٣
عبرت بالسيارة من البوابة العريض بواجھتيھا إلى موقفھ ا م ن أم ام المنزل ،أوقف ت المح رك وخرج ت م ن ال سيارة ودون أن أقفلھ ا متجھ ا ً نحو باب المنزل. دخلت في ظلمة الغرفة وأنرتھا بفرحتي أكثر من ض وئھا الكھرب ائي الفقير. ذھب
ت إل
ى المط
بخ وأح
ضرت ع
صيراً م
ن الثالج
ة وألواح
ا ً م
ن الشوكوالة البي ضاء وذھب ت إل ى غرف ة الجل وس واتك أت عل ى األريك ة ذات المقاعد الثالثة ووضعتھا أمامي وعصير العنب البالغ الحالوة. بدأت أتناولھ ا وأن ا متك ئ ،أتن اول قطع ة تل و األخ رى تتخللھ ا رش فة عصير العنب ودون أن أشعر بالكم الذي أتناوله من الع صير والحل وى وكأن أحد أنامني مغناطيسيا ً وأصبحت أفكاري في بقعة ال عل م ل ي بھ ا ول م أع
د أعل م أي
ن تجوالھ ا ،وك
أن ھ
ذه اللحظ ة وق
ف الزم ان بھ
ا ع
ن الحركة حيث ال أحداث وال أفكار غير فراغ فكري ال يتخلله شيء ،فيه فقد العقل السيطرة وسلم كل قواه إلى خالقه وفقدت الجوارح قدرتھا ولم تعد سوى شيئا ً ملقى على شيء كالھا جماد وصرت أنا خارج الوجود. أفقت على ألم في عنقي وأكتافي وفتحت عيناي يحرقاني وكأن أح داً وضع فيھما حامض أميني. وأول ما ع دت إل ى نف سي ت ذكرت البارح ة وك ل حوادثھ ا ...ميلين دا والطفل
ة ،فقم
ت م
ن رق
دتي مث
ل الف
زع م
سرعا ً إل
ى الحم
ام وغ
سلت وجھي دون النظر إليه ودون أن أمشط شعري القصير وخرجت ب نفس
٣٤٤
ثياب األمس مسرعا ً نحو الخارج وقف زت الم دراجات وركب ت ال سيارة وشغلت محركھا وسرت ،وكل ھذا في حوالي دقيقة. ق
دت ال
سيارة ف
ي ض
وء النھ
ار أس
ارع ال
شارع وإش
ارات الم
رور والسائقين من أمامي حتى وصلت إلى المستشفى وقفت ف ي أول موق ف أم
ام الم
دخل الرئي
سي ،خرج
ت م
سرعا ً نح
و الم
دخل وأول م
ا دخل
ت وقع نظري على باقات ورد كثيرة أمامي تع ديت عنھ ا وك أني ل م أرھ ا واتجھ
ت نح
و الغرف
ة حي
ث زوجت
ي وفك
رت ب
الورود الت
ي ف
ي باح
ة االستقبال. رجعت بنفس الخطى السريعة نح و الخ ارج ،لق د أن ستني فرحت ي أن أحظر معي باقة ورد. خرج ت م
ن المست
شفى م
رة أخ
رى وس
رت أبح
ث ع
ن مح
ل ورود فإن ه باالعتي اد يك ون دائم ا ً قري ب م ن المست شفى ،ول م أخط و إال ب
ضع أمتار حتى رأي ت المح ل ف ي زاوي ة ال شارع تك شف الح ي بأكمل ه مث ل جارتنا المتطفلة. دخلت إليه ،كان ت الفت اة البائع ة تق ف بظھرھ ا وتق ص بع ض أوراق أحد الشجيرات المعلقة. "صباح الخير يا سيدتي" استدارت بوجھھا إلي" :صباح الخير" قالت البائعة. "لو سمحت يا سيدتي أري د باق ة ورد لزوجت ي لق د وض عت طف الً ف ي األمس" ٣٤٥
"تھاني القلبية ،طفل أم طفلة؟" "طفلة مثل وجه القمر" "أتريد باقة معينة؟" وقل
ت لھ
ا وأن
ا أرتج
ف م
ن الفرح
ة ،فأن
ا أري
د أن اخ
ذ باق
ة حل
وة ذوقك الرفي ع بأسرع وقت ممكن وال يھم أي شكل أو نوع" :أنا أثق في ِ يا سيدتي" "نعم ولكن قد تختلف األذواق!" كان ت ت
تكلم ب بطء وحركاتھ
ا أي ضا ً مث
ل كالمھ ا ،وك
ان ھ ذا يثيرن
ي وأخفي عجلتي وعدم رغبتي بسماع كالمھ ا م ن وراء ش فتاي بابت سامة مصطنعة تكاد أن تكون بعد قليل جادة موضوعية. وف
ي خ
ضم كالمھ
ا ع
ن األذواق وأن
واع ال
ورود كن
ت ق
د تجول
ت بعيناي في دكانھا ووقع نظري على باقة ورد أعجبتني فقطعت ح ديثھا الممل وقلت لھا" :ھذه يا سيدتي" "أال تريد"... سألت ھي وقطعت كالمھا وقلت" :ھذه أعجبتني ،لو س محتي ض مي عروقھا بشريط وردي" وق
د تعم
دت ف
ي لھجت
ي الجدي
ة مترافق
ة بابت
سامة مالطف
ة اخت
صار للوقت وتجنبا ً لمجامالتھا الزبائنية. وفي الوقت الذي كانت تجھز به الباقة سألتھا عن الثمن" :كم تريدين مني يا سيدتي؟" ٣٤٦
"سآتي إليك حاالً"... أخرج
ت محفظت
ي وبقي
ت أراق
ب ھ
دوئھا القات
ل ووجھھ
ا األش
قر الجرماني وبساطة طبعھا الظاھر بأصابعھا وانحناءات جسدھا والمثيرة للفضول في السؤال عن شخصھا. "خمسة وعشرون يورو" طلبت مني ثمن الباقة. أعطيتھا المبلغ وأخذت الباقة وقلت لھا" :شكراً" دون أن أنتظر خرجت مسرعا ً. قطعت الشارع الفاصل بين الحانوت والمستشفى أع دو نح و الم دخل وما كانت أقل من دقيقة وإذا بي أقرع باب الغرفة. ولم أنتظر ،فتحته أسترق النظر إلى الداخل وإذا بميليندا مستلقية ف ي فراش
ھا ولك
ن ل
يس ك
األمس فھ
ي الي
وم كلھ
ا إش
راقة وقابل
ت نظرات
ي عينيھا في اللحظة التي برزت بھا في الغرفة. إليك يا ميليندا ،صباح الخير يا حبيتي" "ما أحلى الرجوع ِ دخلت الغرفه وجلست على السرير بجانبھا وقبلتھا على الجبين. سالمتك يا حبيبتي" "أحمد Sعلى ِ "سلمك Sيا سلوان" قالت ميليندا. "بارك Sلنا في طفلتنا ،اآلن أصبحنا حقا ً أبا ً وأم ،أھي نائمة؟" "نعم فھي تصحو تقريبا ً في كل نصف ساعة" "ھل آتي بھا وأضعھا بيننا؟" ٣٤٧
"ليس اآلن ،ستستيقظ ھي بعد قليل فال داعي لالستعجال" "أال تالحظي بأننا لم نفكر مرة بجدية في اسم لھا؟" "نحن لم نكن نعلم عن المولود ،قد يكون ھذا السبب!" "عله ھو السبب! اآلن ماذا سنسمي أميرتنا؟" "أنا أعرف أن اسم فاتن سيعجبك" "وما يدريك؟" "على األقل أنا أعتقد أن ھذا االسم سينال إعجابك" "أنا أعتقد أنك أنت من يحب ھذا االسم وليس أنا" "نعم أنا يعجبني ھذا االسم ،ھل عندك اقتراح آخر؟" "كنت أتمنى أن نسميھا ھلينا أو بيني لوبه" "ال مانع عندي ،ولكن لكم تمنت أمي ھذا االسم ،حتى أني أحببته كثيراً" "نحن متفقان ،ھذا االسم يعجبني أيضا ً" "إذن ھي من الساعة فاتنة" "سألقي نظرة على فاتن الفاتنة ،اسم جميل يليق بابنتنا" استدرت إلى اليسار حيث كانت ترقد ،كان سريرھا يسار ميليندا من جھة النافذة. نظرت إليھا وإذا بھا بحر من الب راءة ،مل ك ق ائم بذات ه م ن ال صفاء، حرك
ات ش
فتيھا ورأس
ھا الالش
عورية وھ
ي نائم
ة ت
وحي ل
ي باألم
ان والطمأنين ة دون خ
وف م
ن الغ
د ،وك
أن الع
الم مقت
صر علين
ا أن
ا وھ
ي ٣٤٨
وميليندا ،لمست وجھھا الن اعم ب رؤوس أص ابعي أخ اف أن أؤلمھ ا م ن خ
شونتھا إذا قارنتھ
ا بب
شرتھا الت
ي ل
م تن
ل بع
د م
ن ش
عاع ال
شمس إال نوره. "أال تريد أن تعرف من الذي زارني اليوم" قالت ميليندا. كنت مندمجا ً متمعن ا ً ب ابنتي ،اس تدرت إل ى الخل ف حي ث كان ت ترق د زارك اليوم أحد؟" وقلت" :ھل ِ "كان عندك اليوم زائر! ومن ھو ھذا الزائر؟" "أال تريد أن تعرف من ھو؟" كالمك أن ه ل يس م ن ال ذين يزورونن ا ف ي االعتي اد! ف ي "الظاھر من ِ الحقيقة أنه ال يأتي اآلن في خاطري أحداً ،ال أعرف ،من ھو؟" "يانس وصوفيا كانا اليوم ھنا" أنت تعرفين أني لست سعيد بھ ذه العالق ة معھ م ،ك ل كالمھ م دائم ا ً " ِ ع ن األخ
الق والمب
ادئ ومعلمھ
م األعظ م ،وك
أن الن
اس جميع
ا ً براب
رة أنت من يسر دائما ً بزيارتھم" وھم وحدھم نبالء العصرِ . "نع
م أن
ت مح
ق ،إن أفك
ارھم تعجبن
ي ،فھ
م أص
حاب مب
دأ ولھ
م مرجعھم ،وھل ھذا يعي بھم؟ وأب ي واح داً م نھم أي ضا◌ ،أم أن ك ل م تع د ًَ تحب أبي؟" تجاھل سؤالھا عن أبيھا وقال" :مرجعھم ھذا الذي تتحدثين عن ه ھ و أحد أكثر األندية غموضا ً في ماضيه وحاضره"
٣٤٩
"لق
د دع
اني وأن
ت بع
د أن أخ
رج م
ن المست
شفى إل
ى محفلھ
م ،وأن
ا سعيدة جداً بھذه الدعوة" "ولكن ح سب علم ي ب أن مح افلھم ال ت سمح للن ساء ف ي الع ضوية أو حتى الزيارة" "ھذا في الماضي ،ولك ن اآلن ي سمح للن ساء ف ي بع ض المحاف ل ف ي العضوية ،صوفيا ھي أيضا ً عضو في ذات المحف ل ال ذي يرت اده ي انس وأب
ي ،ھ
ذا ولك
ن ب
شرط أن تج
د الم
رأة م
ن ي
ضمنھا ف
ي المحف
ل م
ن الرجال ،ويانس وأبي قاال لي بأن ھذا يسعدھم جداً بأن أكون أختھم ف ي المحفل" مع ك، بدأت تتكلمي تماما ً مثلھم ،أنا لست على استعداد ف ي ال ذھاب ِ " ِ لك مطلق الحرية" وأنت ِ ِ "أن
ا أع
رف أن
ك ال تح
ب أص
دقائي ،ول
م أتوق
ع أن
ك س
تذھب مع
ي، س أذھب وح
دي ،ھ
ذا الق
رار ق
د اتخذت
ه م
ن أش
ھر ولكن
ي كن
ت أنتظ
ر اللحظة المناسبة" قرارك أصدقائك ،وإن كنت مختلفا ً في الرأي معھم... "أنا أحترم كل ِ ِ أنك لن تتخذي مثل ھ ذا الق رار م ن يحزنني ،فأنا لغاية اآلن كنت أعتقد ِ دوني" "أنت ال تريد أن تكون معي" يھمك؟ لم يع د يعني ك تواف ق اتجاھاتن ا ومنھاجن ا؟ "وھل رأيي لم يعد ِ أنت ال تريدين أن تخرجي مع صديقة أنا معترض عليھا ،إنما ستنتمين ِ ٣٥٠
أن ت علي ه اآلن ،وھ ذا إلى محفل له شريعة وطريقة ومسار غي ر ال ذي ِ يعني بالتالي تصادما ً معي ف ي الم ستقبل ،وھ ذا أم راً س يؤثر س لبا ً عل ى عائلتنا الجديدة ،أال ترين ذلك أيضا؟ً" "أنت تبالغ كثيراً ،إن أبي من القدامى في المحفل ولم يختلف مع أمي إال بأس
لوبھا ال
ذي ل
م يتغي
ر رغ
م كب
ر س
نھا ...أن
ا ل
ن أس
مح لعائلتن
ا بالتفكك أبداً" "في ھذا القرار سيكون انشقاق في االتجاه وھذا ما سنالحظه سويا ً" كان
ت ص
دمة ل
م أتوقعھ
ا ،ھ
ذا ف
ي الوق
ت ال
ذي رزقن
ا Sب
ه طفل
ة وفرحة عارمة وأحالما ً جديدة ومستقبل. كأن قانون القدر يلزم دائما ً مع كل بشرى سارة خب راً فاجع ا ً يلي ه أو يأتي معه يسيء ويقنن من الفرحة حتى نبق ى عل ى األرض وال نطي ر، حتى نستقبل الفرحة بواقع وال نبالغ وال نخرج بھا إلى الخيال. ت
صادمت أفك
اري وم
شاعري ب
ين ابنت
ي وزوجت
ي وقرارھ
ا ف
ي االنت
ساب للبن
ائين األح
رار ،وك
أني كن
ت ف
ي غرف
ة ال
ساونا بدرج
ة حرارة ٩٠وفجأة خرجت إلى ٣٠تحت الصفر. لم أعد أعرف أين أبدأ في التفكي ر وأي ن أنتھ ي ،ودون مق دمات قل ت لھا" :أنا سأذھب اآلن" ل
م ت
سر ميلين
دا عن
دما رأت أن
ي ع
ازم عل
ى الخ
روج ،وھ
ذا م
ن الطبيعي في مثل وضع أي امرأة بعد الوالدة.
٣٥١
"إلى أين تريد أن تذھب؟ أنت دائما ھكذا ،ال تناقش إنما تخرج ،ابقى وال تغضب كعادتك" إليك وكأن شيء لم "ال ...ال أنا سأذھب فأنا ال أستطيع اآلن التحدث ِ يقال ،سأذھب إلى العم حليم" العم حليم يبلغ من العمر ٧٤عام ،ھو أحد أص دقاء وال د س لوان م ن الذين ھاجروا معه من األردن إلى اليونان. زوجته يونانية ،إليني ،تزوجا سنة ،١٩٤٩وكانا االثنين يبلغ ان م ن العمر السادسة عشر ،في مصر ألن أول محطة له كانت ھن اك قب ل أن يھاجر م ع زوجت ه إل ى اليون ان ف ي الوق ت ال ذي كان ت م صر وخاص ة اإلسكندرية بلد اليونان البديل. الع
م حل
يم متقاع
داً م
ن مؤس
سة النق
ل البح
ري ف
ي أثين
ا ،يع
يش م
ع زوجته وحدھما في بيت مستقل ال يبعد كثيراً عن خليج )زارونيش(. وھ
و أح
د م
دمني ق
راءة الكت
ب وھ
و مثق
ف ومطل
ع وس
ماع حديث
ه بالن
سبة ل سلوان متع
ة كبي
رة ،وھ
ذا يع
ود لتن
وع مواض
يعه وح
صرھا وتفصيلھا وقناعته الشخصية لكثير منھا. "أنا أعرف أن كل أفكارك السلبية بما يتعلق باألخوية تعود إل ى الع م حليم" قالت ميليندا. معك ف ي ھ ذا الموض وع ،أن ا وك حبيبتي ال أريد اآلن الخوض ِ "أرج ِ إليك بعد الظھيرة أو أحس فعالً بضيق في النفس ،سأخرج اآلن وسآتي ِ في المساء" ٣٥٢
ذھب
ت باتج
اه ال
سرير وقبل
ت طفلتن
ا ،وقبل
ت ميلين
دا عل
ى جبينھ
ا وخرجت ،لم أرد أن أخرج وأترك جواً من التوتر ...قد أكون أنا سببه. وال داي "أرجوك قبل أن تذھب اعطني ھاتف ك المحم ول ك ي أھ اتف ّ علي" فھما اآلن بالتأكيد قلقان ّ أعطيتھ
ا ھ
اتفي وقل
ت لھ
ا" :لق
د حاول
ت البارح
ة أن أھاتفھم ا ف
ي البيت ،إال أن أحداً لم يجب ،ال عجب فقد كان الوقت متأخراً جداً" أخذت ميليندا الھاتف من يدي وبدأت بطلب رقم منزل والديھا. حالك حبيبتي؟" ردت ميلوذيا في المقابل" :ميليندا كيف ِ "أمي أنا بخير ،لقد أنجبت فتاة جميلة يا أمي" "مب
روك ي
ا حبيبت
ي ،لم
اذا ل
م تخبرين
ا حت
ى أك
ون عن
دِك عن
دما تنجبين؟" "ليس مھم يا أمي ،أنا بخير اآلن ،متى ستأتين مع والدي؟" لك ال تخبري أمك وأحضر والدته!" "بالتأكيد سلوان ھو الذي قال ِ "أمي أنت ووالدي" أرجوك ال تھذي كثيراً واحضري اآلن ِ ِ ل
م ت
رد ميلين
دا أن تطي
ل الح
ديث م
ع وال دتھا بح
ضور س
لوان فھم
ا دائما ً على طرفي نقيض. "ھل أخبرت والدتك يا سلوان؟" أخذ الھاتف من يدھا وأجابھا والغضب واضح بين حاجبيه المقطبين: "ال لم أخبرھا ،سأخبرھا بعد قليل ،أنا ذاھب اآلن ،ھل تريدين شيء؟" ٣٥٣
"نعم ...أريد الحديث معك يا سلوان" أرجوك ليس اآلن ،أنا سأذھب" " ِ "سلوان أنتظر" كلمته ميليندا بصوت مرتف ع ف ي الوق ت ال ذي ك ان ب ه س لوان تقريب ا ً خارج الحجرة. "ماذا تريدين يا ميليندا؟" وك ي
ا حبيب
ي أح
ضر ل
ي مالب
س داخلي
ه ومالب
س الن
وم ،لق
د "أرج ِ أعطوني مالبس من المستشفى ،أرجوك ال تنسى يا حبيبي" أرجوك ،أريد أن أخرج" "لن أنسى ،لكني أنا اآلن ِ كان يتكلم سلوان ويبدو عليه الغضب واصطناع ھدوء بركاني. "أنتبه حبيبي أثناء قيادة السيارة ...أرجوك" "سأفعل" لم يتكلم أكثر من ھذه الكلمة وخرج دون أن ينظر إليھا وأغلق الباب من خلفه وذھب.
٣٥٤
فصل
ألني عربي
يبعد بيت العم حليم ما يقارب الخمسة كيلو متراً من المستشفى ،سار س
لوان حت
ى موق
ف ال
سيارات حي
ث كان
ت تق
ف س
يارته ،رك
ب ف
ي السيارة. كان
ت ال
ساعة الثاني
ة ع
شر قب
ل الظھي
رة عن
دما وص
لت إل
ى بيت ه، وكنت أزوره باستمرار حتى أنه سمح لي بزيارته دون أن أھاتفه أو أن اسأله قبل الزيارة. إال أني كنت دائما ً أتصل به قبل أن أخرج ھ ذا لعلم ي بأن ه ال يخ رج من البيت إال نادراً. قرع
ت الج
رس وخرج
ت إلين
ي" :س
لوان كي
ف حال
ك؟ عم
ك ك
ان ي
سألني ،لم اذا ت
أخرت زي
ارة س
لوان ھ
ذه الم
رة؟ أخبرن
ي كي
ف ح
ال ميليندا؟ ھل أنجبت؟" "نعم لقد أنجبت طفلة جميلة وأسميناھا فاتن" كنت في الطريق إلى الع م حل يم قاط ب الح اجبين ال أرى وأس مع إال كلماتھ
ا وھ
ي تق
ول بك
ل ب
رودة أع
صاب واقتن
اع بأنھ
ا ستنت
سب إل
ى األخوية... حت
ى س
ألتني إلين
ي عنھ
ا إذا أنجب
ت ...وإذا بابت
سامة ترت
سم عل
ى وجھي وكـأنه لم تزرني أي خاطرة أزعجتني أو تزعجني. "أدخل حليم في انتظارك"
٣٥٥
دخل
ت المم
ر الم
ؤدي إل
ى غرف
ة الجل
وس وف
ي آخ
ر الغرف
ة حي ث حجرة الطعام ذات المقاعد اإلثني ع شر المفتوح ة عل ى غرف ة الجل وس وفي النھاية كانت غرفة العم حليم ومكتبته البار وكية الطراز. دخلت إليه وكان يجل س ف ي انتظ اري ف ي الجھ ة اليمن ى م ن الغرف ة حي
ث المقاع
د الجلدي
ة البني
ة المتناس
قة م
ع طاول
ة مكتب
ه العري
ضة المصنوعة من خشب السنديان البني الغامق التي يعود تاريخ ت صميمھا إل
ى ل
ويس الراب
ع ع
شر ،وم
ن خلفھ
ا عل
ى امت
داد الح
ائط وارتفاع
ه المكتب
ة الخيالي
ة م
ن ذات الط
راز الت
ي تثي
ر الدھ
شة ،الممتلئ
ة بالكت ب بشتى مواضيعھا ،قديمھا وحديثھا واختالف لغاتھا ،العربية واإلنجليزية واليونانية. "مرحبا ً يا عم" حييته عندما دخلت. "مرحبا ً يا سلوان ،أين أنت؟ كنت أعتقد أني لن أراك ھذا العام" أومأ برأسه مازحا ً ،فھو من أخفاء الظل. كانت إليني تقف من خلف ي وقال ت وس ط ح ديثنا" :ميلين دا ق د أنجب ت طفلة يا حليم" "مبروك يا سلوان ،اآلن أصبحت أبا ً" ورأيت في عينيه فرحة وكأن ابنته التي أنجبت. صافحته وعانقني مثل عادته ،فھوا يعتبرني مثل ابنه ،لم يكن له سوا ديان
ا ول
م تك
ن تع
يش ف
ي بيت
ه ،وديان
ا تبل
غ م
ن العم
ر ٣٦ع
ام غي
ر
٣٥٦
متزوجة ،تعيش ف ي أح د ض واحي أثين ا وتعم ل ف ي ش ركة االت صاالت اليونانية )أتي( وتأتي في المناسبات فقط لزيارة والديھا. "أجلس يا سلوان" قال العم حليم. أجل
سني الع
م حل
يم إل
ى جانب
ه م
ن الجھ
ة الي
سار ،ووض
ع ي
ده عل
ى كتف
ي وھزن
ي معب
راً ع
ن اش
تياقه ل
ي" :أخبرن
ي اآلن م
ا ھ
و ش
عورك كأب؟" "في الحقيقة أني مازلت ل م أس توعب الوض ع ك وني أب ا ً لطف ل ورب أسرة ...شعور جميل غريب لم أعرفه من قب ل ،أعتق د أن ي بحاج ة إل ى ً أيضا؟" أيام حتى أستوعب دوري كوالد ،أال ترى ذلك حر طليق "نعم ،فھذا طبيعي ،إنك اآلن في مرحلة انتقالية من إنسان ٍ إلى رب أسرة يقيد نفسه بقيد من الحب على شاكلة أخرى ،أنا أق ول أن المرحلة وخاصة إذا كان الرجل بعد الثالثين من عمره ،انقالب وث ورة من المشاعر ،فالرجل قب ل أن يك ون ل ه طف ل يعتق د أن ه م ازال ص غيراً والحياة أمامه طويلة وبفرص عديدة ،حت ى إذا ش اء الق در ورزق أح دنا بطف
ل ،وإذا برج
ل األم
س غي
ر ال
ذي ب
ين ي
دينا اآلن ،أو ل
يس ھ
ذا انقالب؟ فأنت األمس غير اليوم" "وكأنك في داخلي يا عم ،حين رأيت فاتن أحسست بھ ذا ال ذي تق ول وأكثر"... "ھل أسميتموھا فاتن؟" "نعم ،وما رأيك بھذا االسم؟ يعجبني كثيراً" ٣٥٧
"ھذا اختيارك أليس كذلك؟ فلو كان اختيار ميليندا لك ان االس م ماري ا أو كاترينا" "لق
د أعجبھ
ا االس
م أي
ضا ً ،ولكن
ي ي
ا ع
م ل
ست س
عيداً ،فھن
اك م
ا يخنقني" بدا على س لوان الح زن واألل م ،انقالب ة س ريعة ب ين لحظ ة وأخ رى، وفجأة ذھبت تلك االبتسامة السعيدة المعبرة ع ن ف رح ج م ،وعن دما ب دأ الكالم عن األخوية وزوجته ،حل محلھا اس تياء وعتم ة وأص بح الوج ه الباسم شاحبا ً مثل الذي شرب سما ً زعاف. "مالي أرى السعادة ھربت عنك وكأنھا لم تكن ،ما ال ذي يثي ر قلق ك؟ أخبرني يا ولدي ما بسريرتك" "ال أع
رف ي
ا ع
م م
ن أي
ن أب
دأ ،ميلين
دا س
تنتمي إل
ى منظم
ة األخوية"... "أي األخوية...؟ ھل تعني الماسونية؟" "نعم يا عم ،وأنا ال أعرف ماذا أفعل ،عظم السعادة في قلبي ألن S رزقنا فاتن ،وعظم األسف ألن ميليندا ستنتمي إلى محافلھم" "ھذا يؤسفني يا سلوان ،ولكن كيف أتت على مثل ھذه الفكرة؟ أليس من المحتمل أنھا تريد أن تداعبك؟ ...آه ،والدھا أيضا ً من الن شطين ف ي المحفل الكبير ...لقد نسيت" "ال يا عم ،ھي ال تق صد المداعب ة أن ا أتي ت اآلن م ن المست شفى وق د كدنا نتشاجر ولكني اختصرت وخرجت" ٣٥٨
"ولكنه ليس من السھل ال دخول إل ى مح افلھم ،يج ب أن يك ون ھن اك من الماسونيون من يضمنھا غير والدھا" "ھناك من يضمنھا ،ميليندا لھا أصدقاء من أيام الدراسة وھم ينتمون إلى الماسونية ودميترس أيضا ً ،ولقد دعونا أنا وميلين دا لزي ارة محفلھ م ولكني رفضت وميليندا أصرت رغم اعتراض ي ال شديد ،وھ ذا ي ؤلمني جداً ،أنا ال أعرف عن ھذه المجموع ة إال القلي ل ،ح دثني ي ا ع م ع نھم، ن
شاطھم ت
اريخھم ،وحقيق
تھم ،ولم
اذا س
موا بن
ائين أح
رار أو ماس
ون؟ عندما أتذكر أن زوجتي ستكون منھم يصيبني دوار" "إن أص
ل كلم
ة الماس
ونية ي
ا س
لوان م
شتقة م
ن الكلم
ة اإلنجليزي
ة )ميسون (Masonوأصل الكلمة م ن الفرن سية .وھ ي تعن ي َّ البن اء ،ث م تضاف كلمة )فري (freeبمعنى حر وتعني ) َّ البناء الحر( ،وقد اختلف المؤرخون في تعريف أصل كلمة حر ،فيُقال إنھا نسبة إلى)فري ستون ،(Free Stoneأي الحج
ر ال
سلس .وق
د ورد ف
ي ت
اريخ الع
صور الوس
طى العب
ارة الالتيني
ة )إس
كالبتور البي
دوم ليبي
روروم( ،أي ناح
ت األحجار الحرة وھذا ما ذھب إليه كثير م ن المؤرخ ون ،ولك ن بع ضھم قال أن كلمة حر وردت لتمييز الـ )فري ميسون( ،أي البن اء الح ر ،ف ي مقابل الـ )راو أور رو ميسون( ،أي َّ البن اء الخ ام الغي ر منح وت .وثم ة رأي ثال
ث يق
ول إل
ى أن ال
ـ )ف
ري مي
سون( ع ضو ف
ي نقاب
ة البن
ائين، ول يس المق
صود ب
ه األخوي ة ،ول
ذا فھ
و ح ر ،أي أن م
ن حق
ه ممارس
ة مھنت
ه ف
ي المدين
ة الت
ي يع
يش بھ
ا .وھن
اك رأي أخ
ر يق
ول ب
أن كلم
ة )فري( إنما تشير إلى أن البنائين لم يستقروا في قطاع أو والية معين ة، ال ب
العكس إنم
ا كان ت عن
دھم حري
ة التنق
ل م
ن مك
ان إل
ى آخ
ر داخ
ل ٣٥٩
ص
دَ قت ھ
ذه النظري
ة ،فھ
ذا يعن
ي أن البن
ائين ك
انوا مث
ل اوروب
ا .وإن َ الغج
ر ف
ي الغ
رب ال
ذين ك
انوا يُعتب
رون عن
صراً ح
راً يمكن
ه االنتق
ال حي ث ش
اؤا .وق
د ك ان ھ
ذا حق
ا ً مق
صوراً عل ى فرس
ان الھيك
ل ورج
ال الدين .في الحقيقة يا سلوان أن ھذه المجموعة ال يستطيع أحداً أن يجزم في الحديث عنھا ،فھناك من يق ول أن ت اريخھم يع ود إل ى آدم وإدري س وموسى عليھم السالم ،وھذه مبالغ ة كبي رة أن ا ال أرى للحقيق ة فيھ ا أي وجه ،فمعظ م المؤرخ ون األوروبي ون العظ ام الثق ات ي رى ھ ذا أي ضا ً، وھناك من يقول أنھم بدؤوا في عھ د المل ك الروم اني )ھي روديس( ف ي القدس ،وأنا أعتقد بأن التنظيم الذي كان في عھده ليس له أي عالقة في التنظ
يم الح
ديث والم
سجل ف
ي ع
ام ١٧١٧م ،أي الت
اريخ الرس
مي الم سجل للماس ونية وال
ذي ال يختل ف ف
ي ص حته اثن
ين ،فل و زعمن
ا أن تنظيم الملك مع رؤوس اليھودية ھم ذاتھ م ماس ونيون الي وم ،لم اذا من ع اليھود االنتساب لمحافلھم وھذا يع ود إل ى ع ام ١٨٤٢م حي ث ت م إن شاء أول محفل ماسوني خاص باليھود في الواليات المتحدة األمريكية ،وق د سمي ھذا المحفل بالـ )بني بعريت( أو )أبناء العھد( ،وال ذي انت شر م ن بع ُ د ب
ين النخ
ب اليھودي
ة ف
ي أوروب
ا وال
ذي يتب
ع الطق
س )اإليقوس
ي( الممارس في المحافل اإلنكليزية أو شبيھه الطق س األمريك ي المع روف َ بـ )األود فيلووز( ،وما قب ل ذل ك فك ان ال يح ق لليھ ود وال سود والن ساء لالنت
ساب للمحاف
ل الماس
ونية عل
ى اإلط
الق ،وأن ي أعتق
د ب
أن دخ
ول اليھود المحافل رسميا ً فيم ا بع د جع ل لھ م س يطرة ق د تك ون تام ة عل ى محافل البن ائيين األح رار مم ا أعطاھ ا وجھ ا ً وطابع ا ً أس تطيع أن أق ول يھودي"
٣٦٠
ب
دا عل
ى س
لوان االنج
ذاب الت
ام أثن
اء س
ماعه الح
ديث وھ
ذا ل
يس غريب عليه عند سماعه كالم العم حليم الشيق. واليوم غير كل يوم فھو يحدثه عن مجموع ة س ببت ل ه األرق وھ ي التي ستنظم إليھم زوجته. "أخبرني عن الحقيقة التي تراھا أنت حقيقة يا عم ،وع ن المالب سات التي حولھم أيضا ً ،أريد أن ألم بكل ما يتعلق بھم" "بدأ تنظيم في ع ام ٤٣م ،وال ذي ين سبه كثي ر م ن المھتم ين ب األمور الماسونية لماسون اليوم يا سلوان وخاصة من الم ؤرخين الع رب ،وأن ا ال أعتقد بأن ھ ذا التنظ يم ل ه أي عالق ة ب أي وج ه م ن الوج وه ب التنظيم الح الي .وي زعم كثي ر م ن م ؤرخي الع
رب ب أن اليھ ود ف ي ذل ك الح
ين عملت على القضاء على الديانة النصرانية فأنشؤا جمعية س رية أطلق وا عليھ
ا اس م )الق
وة الخفي
ة( واس
تعانوا بشخ
صية يھودي
ة تع
رف باس
م )احيرام أبيود( أحد مستشاري والي القدس )بيالطس البنطي( وھو م ن الحكام المثاليين الرومان والمعروفين بالقسوة لتحقيق ھذه الغاية. وي دعي أن )ب
يالطس( ل
م ي
دخر جھ
داً ف
ي التنكي
ل برم
وز ال
دعوة الن
صرانية مث
ل قت
ل الق ديس يعق
وب وس
جن الداعي ة )بط
رس( وقط
ع رأس يحيى عليه السالم .ويذكر البعض من ال ذين ل م ي ستند إل ى وث ائق تاريخية معتمدة ب أن ھ ذا التنظ يم بق ي حت ى بداي ة الق رن الث امن ع شر، وأن ھذه المرحلة التاريخي ة الفاص لة ب ين تأس يس التنظ يم وب دأ الت اريخ الرسمي في عام ١٧١٧م ،من أكثر المراحل غموضا ً في تاريخھا .إني لم أجد في طي ما ُكتب عن الماسونية بما يمك ن أن يُ ستدل ب ه عل ى م ا ٣٦١
آلت إليه أمورھم طيلة ھذه الفترة ،غير أن ھناك م ن يق ول عل ى ض وء المستجدات التاريخية ،وألسباب لم يصل إليھ ا الكثي ر ،أن الق وة الخفي ة قد ُ شلت حركتھا من الناحي ة العملي ة ،بي د أن تعاليمھ ا ون شاطھا آل إل ى إرث مخطوط توارثت ه نخب ة م ن اليھ ود م ن ن سب المؤس سين األوائ ل. لكن ال والي القدس وال االضطھادات التي عانھا معتقدي الم سيحية لھ ا أي عالقة بالماسونية ،إنما ھ و س رد ال ي ستند عل ى دلي ل وأن ا أق ول أن ھذا الزعم خرافة. إن ھذا ليس ب األمر الم ستغرب ،إذا عرفن ا طبيع ة الحرك ات ال سرية الخفي
ة الت
ي تمي
ل إل
ى الجم
ود واالنط
واء والتك
تم عل
ى ك
ل م
ا يت
صل بتاريخ رموزھا ،غير أنه لم يتسنى ألي تنظيم سري أن يخف ي أس راره ألكثر من مئة عام ،فكي ف لن ا أن ن سلم ب أن ھ ذا الحرك ة حافظ ت عل ى خصوصيتھا وسريتھا ألف عام؟" "أنا ال أعتقد ي ا ع م أن ھ ذه الجمعي ة الت ي ت سمي نف سھا الماس ون أو البن
اؤون األح
رار لھ
م عالق
ة بال
ذي أس
س ف
ي عھ
د )ب
يالطس البنطي("... "أنا أشاطرك الرأي ،فالمصدر الذي يدعم ھذه النظرية مصدر واحد وليس من المصادر الموثوق بھا تاريخيا ً .فإن اآلراء حول بداية البنائين األحرار اليوم وجذورھم كثيرة متعددة وشائكة ،بيد أن ھناك العديد م ن المنظمات العالمية المنتشرة بتسميات قد تختلف من دولة ألخرى يمك ن حصر تأسي سھا الرس مي بت اريخ مثب ت وھ ي عل ى ارتب اط م ع بع ضھا بطريق
ة م
ا ،ويع
ود ھ
ذا إل
ى ال
سرية الت
ي تح
يط بالمحف
ل أو ب
األحرى
٣٦٢
إدارته وتنظيمه الداخلي ،ألنه في معظم األحيان يكون جمي ع األع ضاء عبارة عن ھياكل وليس لھ م ن شاط حقيق ي ،حت ى ال رئيس ذات ه إذا ك ان ي
دير محف
الً ل
يس ذا أھمي
ة .وھ
ذا ال
ذي جع
ل المحاف
ل ف
ي ال
سنوات األخي
رة تأخ
ذ ط
ابع أق
ل س
رية العتق
اد األع
ضاء بغم
وض المراس
م والطقوس الحركية وكيفية تمييز األعضاء من غيرھم في التنظيم ،وفي الحقيق
ة أن
ي ال أرى ف
ي ھ
ذه المراس
م إال تعبي
راً ع
ن االلت
زام وال
والء لمعايير يعتقد الكثير أو يحاول إقناع المھتمين بالشؤون الماسونية بأنھ ا لھ
ا عالق
ة بالبن
ائين األح
رار األوائ
ل والت
ي ي
سيروا ھ
م الي
وم عل
ى نھجھم. استند سلوان وغير من شكل جلسته وصار يقابل العم حليم رغ م أن ه يجلس لجانبه وقال" :ھل نستطيع أن نجزم بالتحديد عن وقت إنشاء ھذه المنظمة؟ أو تحديد الجھة أو الشخص الذي برز وقام على تأسيسھا؟" "ال يع
رف بالتحدي
د مت
ى ب
دأ البن
اؤون األح
رار ،وھن
اك العدي
د م
ن الفرضيات حول وقت تأسيسھم ،فھناك م ن ي رى ج ذورھم ض اربة ف ي أعم
اق الت
اريخ وارتب
اطھم باألدي
ان ال
سماوية ورس
الة بع
ض الرس
ل كنوح وإدريس و سليمان عل يھم ال سالم وعالق ة ت شييد ھيكل ه ب التنظيم، غي
ر أن ال
رأي ال
راجح ح
سب الم
صادر التاريخي
ة م
ا ن
سب لفرس
ان الھيكل" "وھل من الممكن أن يكون المحفل المنظم إليه دميت رس وي انس ھ و ذات
ه ال
ذي تتح
دث عن
ه اآلن ي
ا ع
م؟ وم
ا عالق
ة ھ
ؤالء الفرس
ان بالماسونيون؟"
٣٦٣
"إن فرسان الھيك ل ي ا س لوان عب ارة ع ن ق وة ع سكرية كان ت قائم ة على أساس ديني ،وال يعرف بالتحديد وقت تأسي سھا إال أنھ ا تم ت ب ين ١١١٨م و١١٢١م ،ويعتب ر )ھوج و دي ب ايو (Hugue de Payens أح
د الن
بالء الفرن
سيين ومؤس
س ھ
ذه الق
وة م
ن مقاطع
ة ال
شمبانية ف
ي ش
مال فرس
ا م
ع ثماني
ة ن
بالء م
ن أص
دقائه ،وأق
سموا عل
ى أنف
سھم ونذروھا لإلله ولحماية الدين ،وھذا في أوج أولى الحمالت الصليبية" "لكني لغاية اآلن ال أفھم طبيعة العالقة بينھم وبين البنائين األحرار، أو أني ال أستوعب الكثير من فيض ما تدليه علي يا عم" "ال ،ھذا ليس صحيح ،أنت تصغي وت ستوعب ك ل ال ذي أس رده م ن الوقائع التاريخية ،ولكنك كعادتك ال تصبر وتستبق األحداث دائما ً" كان العم حليم يقص تاريخ منظمات كثيرة قد تكون لھا عالقة بال ذي يريد سماعه سلوان وآخر يتمنى أنه لم يسأله وخاصة في تلك اللحظات التي كانت تملئ قلبه حزنا ً وخيبة أمل م ن الموق ف ال ذي أص رت علي ه ميليندا. وأردف الع
م حل
يم ق
ائالً" :أن
ا أذك
ر ل
ك المقدم
ة ك
ي ت
ستطيع أن تتابعني في سرد األحداث ،ألني لو حدثتك عن حقبة معينة من تاريخھم الذي قد يكون منھم أو ال يكون .إني أرى أنه من الع دل واإلن صاف أن نعطي التاريخ حقه على األقل من وجھة نظري في روايتھا" أعاد سلوان السؤال مرة أخرى" :أين العالقة بين الفرس ان والبن ائين األحرار؟"
٣٦٤
"في ١٣.٠٧.١٠٩٩م سقطت القدس بأيدي الصليبيين ،في وقت كان الجو العام ضاجا ً بالحرب وع دم االس تقرار والطري ق م ن الغ رب نح و الق
دس لحج
يجھم ل
م يك
ن أمن
ا ً م
ن مقاوم
ة الم
سلمين ،ك
ون جي
وش الصليبين متمركزة في الق دس ،والطري ق ب ين ال شرق والغ رب خاوي ة، تارة للمسلمين وأخرى للصليبين ،مما دفع بعض فرسان من الفرن سيين نذروا أنفسھم لحماية الطريق من الديار المقدسة إلى الغرب ،وبمبارك ة من البطريرك )بالدوين (Balduinالثاني ،تم تنظيم جيش قوي وال ذي أصبح فيما بعد من أكبر الجيوش الصليبية وأغناھا في الغرب" صار سلوان يخاطب نفسه أثناء سماعه العم حليم" :أنا اسأله عن شيء وھو يقول لي عن آخر ،ھو يتح دث بك ل رغب ة وي ستمتع ف ي إص غائي وھي فرصة له حتى ال ينسى بعض األحداث والتواريخ ،وأنا ...أعاني حتى يعطيني المعلومة التي أريد سماعھا" ل
م ينتھ
ي ع
ن الك
الم واس
تطراده المتواص
ل" :وك
ان ھ
ذا الج
يش يتصف بصفة غير التي تداولت من قبل ،فكانوا رھبانا ً وفرسان ف ي آن واحد ،حتى أن )بادوين( الثاني جعل ق صره لھ م أول محف ل ف ي ت اريخ التنظ يم .وت
م أول اجتم
اع وب
ه ك
ان التأس
يس عل
ى بقاي
ا ھيك
ل النب
ي سليمان المزعوم ،ونودوا من األسقفية ابتداء من تلك اللحظة ب ـ فرس ان الھيكل .عندما طبق )ھيجو دي بايو( المؤسس نظرية الراھب والفارس في آن واح د ،لج أ إل ى الكني سة ف ي الغ رب حت ى يوث ق محفل ه ب صورة رسمية طبقا ً لقانون األسقفية في أوروبا ،وبھذا يستطيع الح صول عل ى نسبة كبيرة من األعضاء .وفي المجمع الكنائ سي ف ي ش مال فرن سا ف ي مدينة )تروا (Troyesعام 1129م ،أجتم ع رج ال الكني سة الكب ار ف ي ٣٦٥
ذلك العھد وأ ُعترف بشكل رسمي بھم وتمثيلھم للراھب والفارس في آن واحد ،وبھذا أصبحوا ھيئة كنائ سية رس مية لھ ا م ا للكني سة وعل يھم م ا عليھ
ا باإلض
افة لل
سلطة الع
سكرية .وبھ
ذا ن
الوا ال
دعم الم
ادي م
ن أصحاب المزارع الكبيرة وبإدارة حكيمة أصبحوا أكبر سلطة مالية ف ي ذل ك الوق
ت .ون
ستطيع أن نق
ول أن فرس
ان الھيك
ل ھ
م تقريب
ا ً أول م
ن عمل على نظام البنوك الحالية بالمعنى الواسع" "ھل يعود الفضل في انتشار محافل الفرسان وق وتھم لك ونھم رھب ان وفرسان؟ ولك ن م ا وج ه العالق ة ب ين انت شارھم والمنظم ة الخفي ة الت ي نحن بصدد الحديث عنھا؟" كان س لوان يح اول أن ي شاركه س رده الت اريخي المم ل م ن غي ر أن ع ل وع سى يشعره بالضجر ويطرح السؤال عليه م رة أخ رى ب سياسة ّ أن يجيبه. "نعم ھذا صحيح يا سلوان ،فقد تبنت كنيسة )التسيسترتسينز( الفرسان ومبادئھم فألزمتھم إل ى االن صياع لك ل مب ادئ الكني سة القاس ية ،أي ف ي حال
ة ع
دم الح
رب يتوج
ب عل يھم البق
اء ف
ي ال
صومعات تمام
ا ً مث
ل الرھب
ان ،وأن تحل
ق رؤوس
ھم مث
ل رھب
انھم م
ن األط
راف والخل
ف ويبقى فقط شعر قصير من األعلى تماما ً مثل القبعة ،وحتى يعرفوا أنھم الفرسان أ ُلبسوا ثيابا ً طويلة بيضاء ومن الخل ف ص ليب أحم ر ح افري، ومثاله ثوب بني وأخر أسود حسب رتبته ،نب يالً ،عريف ا ً أو عاب داً ،وق د أض
اف الباب
ا )أويج
ن (Eugenالثال
ث ف
ي ع
ام ،1147ھ
ذا ال
زي للكنيسة .وعند ع ودت ھ ذه المجموع ة م ن الفرس ان إل ى بالدھ م ن ودي
٣٦٦
لھم بالسمع والطاعة لألعمال المجيدة التي أنجزوھا في الديار المقدسة، وب
صفة رس
مية م
ن الكني
سة ومرك
ز الق
رار .وتط
ورت ح
ركتھم ف
ي الغرب وأصبحوا قوة منتشرة في كل فرنسا وأجزاء كبيرة من اوروب ا، ورفع
ت ال
ضريبة ع
نھم ال ب
ل أص
بح ل
ديھم ح
ق جباي
ة ال
ضريبة م
ن المواطنين وسمح لھم تداول المال من مكان إلى آخر وإقراضه بصورة تشابه الصكوك البنكية في العصر الحديث م ن منطل ق كنائ سي ب ابوي، وبھذا أصبح البابا اسما ً رمزيا ً دون أي سلطة تذكر ،حتى أنھم أصبحوا الق
وة المالي
ة والع
سكرية ف
ي ال
شرق األدن
ى وممول
وا مل
وك أوروب
ا وقصورھم ،صار لھم موانئھم الخاصة وسفن حربي ة وك ان م ن ق ادتھم ص
ناع مل
وك وخب
راء بدس
ائس ال
سياسة وال
ساسة ،ومن
ذ ن
شأتھم لغاي
ة يومنا ھذا لم تكتشف حقيقتھم وأسرارھم فعالً ،ھل كانوا مارقة ھراطقة زنادقة ملحدين؟ أم فرسان نبالء رھبان؟ ويقال أنھم كانوا يعبدوا صنما ً أس
موه )باھوم
ت .(Baphometواللغ
ز ال
داكن ك
ان نھاي
ة الفرس
ان فجأة ،فق د انمح ت أث ارھم ف ي ليل ة وض حاھا وط وردوا ف ي ك ل مك ان. وقتل من الفرسان ما يزيد على الثالثة آالف والغريب في األمر أنھم لم يقاوموا بأي نوع من المقاوم ة رغ م ق وتھم ونف وذھم .ال أري د أن أطي ل عليك يا سلوان الكثير حول األحجوات التي تدور حولھم ،لكني س أقول لك اآلن حسب قناعتي الشخصية كي ف ب دأت حرك ة البن اؤون األح رار بنھاي
ة فرس
ان الھيك
ل .لق
د قت
ل م
ن قت
ل وف
ر م
ن نج
ا م
ن االعتق
ال والتعذيب ،عندما اتھم وا بت دنيس ال صليب والب صق علي ه ،ال ب ل ك انوا يجبروا تحت التعذيب بأن يقولوا الكثير عن نظريتھم ما ليس منھا مث ل ال
شذوذ الجن
سي ،وعب
ادة ال
شيطان وال
سحر وال
شعوذة الت
ي كان
ت ف
ي
٣٦٧
العصور الوسطى تستوجب القتل .لجأ من نجا منھم إلى العمل السري، ونتيجة لھذا ھرب فرسان الھيكل إل ى بريطاني ا ،ول م يك ن ھ روبھم إل ى بريطانيا محضا ً للصدفة ،فق د ك ان لھ م عالق ة ونف وذ ف ي الماض ي عن د الملك )ستيف (Stephenال ذي ت سلم ال سلطة ع ام 1135م ،بع د المل ك )ھ
اينريش األول ،(Heinrichوتظ
اھروا فيم
ا بع
د بحرف
ة البن
اء وتحولوا بعد ذلك إلى ما يسمى البنائين .ھل رأيت اآلن يا س لوان لم اذا شرحت لك كل ھذه المقدمة؟" "أنت محق يا عم" جاملته حتى ي ستمر بكالم ه رغ م قن اعتي ب أن المقدم ة الطويل ة ك ان بإمكانه أن يختصرھا بكثير. "يعتقد البعض يا ولدي أن الماسونية نشأت من فرسان الھيكل ،وھذه الفرضية م ستندة عل ى الوث ائق أكث ر م ن غيرھ ا م ن الفرض يات .نع م، واستنادا إلى الوثائق فإن أول مرة تم فيه استعمال كلمة )لوج (Lodge للفرسان ومعناھا كوخ ،والمستعملة لدى الماسون لغاية الي وم ،ك ان ف ي سنة ١٢٧٨م أثناء عملية بناء دير لكنيسة )الزيسترزينسر( بالقرب م ن مدينة )جيستر (Chesterالبريطانية ،ويعتقد بعض المؤرخون أن ھ ذا المق
ر ك
ان عل
ى األغل
ب كوخ
ا ً أو مجموع
ة م
ن األك
واخ يتن
اول في
ه البناؤون طعامھم .وفي ع ام ١٣٥٦م ت شكلت حرك ة البن اؤون األح رار في لندن وتم اختيار كاتدرائية )يورك( كمقر للمجموعة ،وبعد ٢٠سنة أي ف
ي ع
ام ١٣٧٦م ت
م ألول م
رة اس
تعمال كلم
ة الماس
ونية حي
ث ت
م اختيار ٤أشخاص ليمثلوا البنائين في لندن ف ي مناق شات لھيئ ة التج ارة
٣٦٨
وأطل
ق الوف
د عل
ى نف
سه )البن
اؤون ،(Masonryول
م ت
ستعمل كلم
ة األحرار آنذاك .وفي عام ١٣٩٠م تم كتابة ما يعتبر أول ن ص ماس وني وكان
ت عب
ارة ع
ن ٦٤ص
فحة مكتوب
ة بأس لوب ش
عري ،وتوج
د ھ
ذه النصوص حاليا ً في المتحف البريطاني .وقد تستغرب يا سلوان إذا قلت ل
ك أن ھن
اك اعتق
اد أن موج
ة انت
شار وب
اء الط
اعون ف
ي أوروب
ا ع
ام ١٣٤٨م والحرب الداخلية على ع رش بريطاني ا ف ي ع ام ١٤٥٣م أدت إلى ارتقاء الماسونية إلى حركة منظمة" "وما ھو وج ه ال ربط ب ين الط اعون والوض ع ال داخلي ف ي بريطاني ا وارتقاء الماسونيون؟" "في الوقت الذي عمت به الفوضى أنحاء البالد آنذاك تبلورت تعاليم وإرش
ادات الحرك
ة وأخ
ذت مراس
يم االنتم
اء طابع
ا ً وش
كالً خاص
ا ً، ويعتق
د ال
بعض أن ھ
ذه المراس
يم ك
ان لھ
ا عالق
ة بع
دد س
اعات العم
ل ومعدالت األجور ،وأن النظ ام الحرك ي ك ان أكث ر عمق ا ً م ن ال شكليات النقابي ة أو الع
ضوية .فف
ي ١٥٩٨م ت
م تعي ين الھيكل ة وتحدي
د التنظ
يم اإلداري لھم في اسكتلندا" "ھل صحيح يا عم أن ال يصح ألع ضاء الماس ونية االنفك اك ع نھم؟ أو أنه يقتل من يريد التخلي عن محفلھم؟ أو يفشي أسرارھم؟" "ھذه خرافة األمس يا سلوان ،إذا لم يدفع العضو الق سط ال شھري أو السنوي يمھل على ما أعتقد لغاية ثالث ة ش ھور ث م يمن ع م ن دخ ول أي محفل ماسوني ،ھذا بعد إقالت ه ،أم ا الب رامج التلفزيوني ة وبع ض الكت ب الركيك
ة الت
ي تثي
ر الدھ
شة بم
ا يتعل
ق بالماس
ونية فم
ا ھ
ذا إال أس
لوب ٣٦٩
لكسب الشھرة وبالتالي ھي سياسة مادي ة بحت ة .كان ت الماس ونية تعتم د السرية والتعتيم أوالً لتضليل الناس ع ن حقيق ة أھ دافھا ،الت ي آل ت فيم ا بعد لخدمة ال صھيونية ،وثاني ا ً لك ي ي شد ھ ذا التنظ يم بع ض الن اس إل ى السعي لفھم حقيقة الماسونية ،وبذلك يتدافع أمثال ھ ؤالء محب ي الك شف ع
ن األلغ
از ،لالنت
ساب إليھ
ا .وكثي
راً م
ا ي
سمع الواح
د من
ا أحادي
ث وروايات عن ھذا األمر كأن يُقال فالن انخرط في الماسونية ثم انسحب منھا وقت ل ،أو قتل وا زوجت ه حت ى ال يف شي بأس رارھم ،أو ف الن الح ظ إشارات بين شخصين يعتقد أنھ ا إش ارات التع ارف ب ين الماس ون ،إل ى آخر ما ھنالك م ن مق والت كھ ذه .إن ه أم ر حقيق ي أن الماس ونية تعتم د الرموز واإلشارات في طقوسھا وكتاباتھا ومحافلھا إلدراكھ م أن األم ر توھم قدرة عجيبة وراء ھذه الحركة الغامضة ،أو أن يحمل المرء على ّ الق
ائمين عليھ
ا يملك
ون م
ن الق
درة والمعرف
ة م
ا ل
يس ل
سواھم ول
ذا ي
ستحقون التق
دير .أن
ا اعتق
د أن
ه بع
د انخ
راط اليھ
ود ف
ي ھ
ذا التنظ
يم شيدوا وت
أثيرھم الكام
ل عرف
وا ت
أثير الرم
وز ف
ي قل
ب اإلن
سان ف
ّ الماسونية على الطريقة التي ترمز إلى تاريخھم ،ال ذي ھ و ذات ه رم وز دينية بحتة ،فكانت الحركة الماسونية أكث ر التجمع ات ال سرية اس تعماالً للرموز ،وأھمية الرم وز فيھ ا ش ديدة الت أثير بم ا ت ضمنته درجاتھ ا م ن إشارات وكلمات وحركات وكل رم ز يُ ستر وراءه معن ى م ن معانيھ ا. وتستفيد المنظمة من موض وع ال سرية والرمزي ة ف ي ض بط عناص رھا وتخويفھم؛ حيث أن المنتسب لھم ،أو أحد الجمعي ات التابع ة لھ ا ،إذ م ا ك شف أباطيلھ
ا وق رر الخ
روج م ن ص
فوفھا ت راه يح
سب أل ف ح
ساب وح
ساب .وھن
اك بع
ض محاف
ل الماس
ون ف
ي ال
سابق ك
انوا يحك
ون
٣٧٠
ح
وادث وھمي
ة ع
ن أض
رار وانتق
ام ألحق
وه ب
شخص تع
رض لھ
م ،أو انت
سب لجم
اعتھم ث
م تركھ
ا فاغت
الوه حت
ى ال ُتف
شى أس
رارھم .أن المحافل الي وم وإدارتھ ا أكث ر مدني ة وأق ل س رية وأق رب إل ى الواقعي ة. والغريب في األمر أنھم أنفسھم في مؤلف اتھم ب احوا بأس رار ومعلوم ات إن صحت التسمية ،أكثر بكثير مما كتبه األشخاص من غيرھم في ھذه الموضوعات. "إذن ل يس الماس ون ف ي ھ
ذه ال صورة الت ي كن
ت أحملھ ا ف ي رأس
ي من ...من طقوس غريبة م ن حم ل ال سيف ب ين كتف ي الع ضو وإغمائ ه ووضعه في غرفة مظلمة فيھا ھياكل عظمية مرسومة على الجدران؟" "إن موض
وع االنت
ساب للماس
ونية ل
ه م
ستلزماته ،ومنھ
ا مراس
م إدخال
ه للم
رة األول
ى إل
ى المحف
ل بأس
لوب يحم
ل عل
ى الغراب
ة واالس تھجان ،يم ر الع ضو الجدي د ل دى تكري سه بعملي ة مخيف ة ،ولكنھ
ا سخيفة وربما مضحكة .يزور العضو الجديد المحفل في الوق ت المح دد له ،يتم استقباله من قبل شخص يسمى المرشد ،ويبدأ الطقس بنق ر غي ر م
ؤلم بمطرق
ة عل
ى رأس
ه ،ويدخلون
ه غرف ة مظلم
ة ي
سمونھا )غرف
ة التأمل( فيھا طاولة وعليھا جمجمة وعظام ساعدي اإلنسان أو فخذية – اصطناعية -وشمعة ،وساعة رملية ،ثم يخرج من غرفة التأمل ويجرد العضو من جميع المواد المعدنية الت ي يحملھ ا م ن س اعة وخ اتم ونق ود معدني
ة ،وعلي
ه ك
ذلك أن يخل
ع س
ترته ،ويف
تح قمي
صه بحي
ث يك
ون صدره مفتوحا ً تمام ا ً م ن الجھ ة الي سار ،ويك شف ع ن س اعده ويك شف عن ساقه األيسر لفوق الركبة ويخلع حذاءه ،ويل بس بمكان ه نع الً أو م ا
٣٧١
يشبه ،ويسأل مرة أخرى من صاحب السدة" :ھل ما تزال م صراً عل ى طلب النور الماسوني؟ فيجي
ب ب
القبول ،ث
م تع
صب عين
ي المرش
ح بع
صابة س
وداء ،ويُل
ف حول عنقه حبل غليظ طويل أشبه بحبل المشنقة ويقاد بھذه الصورة إلى غرفة الھيكل – نسبة إلى ھيكل سليمان -وھي أھم غرفة ف ي المحف ل، وعلى العضو الجديد أن يطرق الباب ثالث مرات ،فيقول الح ارس م ن الداخل من الطارق؟ ويرد المرشد" :طالب فقي ر ف ي حال ة الظ الم س بق وطلب انتسابه ودخوله إل ى الماس ونية مخت اراً ،وق د ج اء اآلن ليكت سب النور من ھذا المحفل المحفوظ" ويقول الحارس من الداخل" :بم يأمل ھذا؟" يرد المرشد" :بطيب السيرة وحرية النسب" يفتح الباب الحارس من الداخل ثم يسيرا به في متاھات المحفل حتى يدخال إلى غرف ة س وداء أح دھما أمام ه واآلخ ر وراءه ،وي دخل الثالث ة إلى الغرفة وھناك ترفع العصابة السوداء عن عينيه ،حتى يتب ين مع الم الغرف ة الت
ي ھ
و اآلن فيھ
ا ،وإذا بھ
ا غرف
ة س
وداء أرض
ھا ،وج
درانھا وسقفھا أسود ،عليھا لوحات بكتاب ات ھ ي بع ض ال شعارات الماس ونية، وال يوج
د بھ
ا أي ناف
ذة ،وف
ي بع
ض أرج
اء الغرف
ة جم
اجم وھياك
ل عظمية صناعية ،وھناك في الغرفة تابوتين أحدھما به جث ة م ن ال شمع مغطاة بكفن أسود وبجواره تابوت آخر فارغ معد الستقبال جثة أخرى، ھ
ي جث
ة الع
ضو الجدي
د ال
ذي س
يجري علي
ه االمتح
ان لمعرف
ة م
دى استھتاره بالموت وم دة م ا يمك ن أن يق دم للماس ونية م ن ت ضحيات ،ث م ٣٧٢
يطلبون منه أن ينام في التابوت الخالي لمدة من ال زمن بع د أن ي ضعوا على صدره جمجمة ويجعلوه يتمعن ف ي محتوي ات الغرف ة ،ث م يطلب ون منه أن يكتب قسم والئه على ورقة" دخلت إليني في األثناء معھ ا الم شروب ال ذي تقدم ه تقريب ا ً ك ل م رة ً بناء على رغبة زوجھا لسلوان. "لقد أحضرت لنا إليني الكركديه يا سلوان ،أم أنك كرھته؟" "طبع
ا ً ال ،أن
ا ي
سعدني ك
ل م
رة ش
رابه مع
ك ،أن
ت تع
رف أن
ي ال أشربه إال في بيتكم ،وقد يكون ھذا السبب في رغبتي الدائمة الحتسائه" وض
عت إلين
ي ال
صينية وعليھ
ا كأس
ين م
ن الكركدي
ه ذو الل
ون الخمري الفاتح وطعمه المنعش ،وكنت أنا والعم نشربه بارداً أو س اخنا ً وبسكر كثير. "أين كأسك يا إليني؟" سألھا سلوان. "تصور يا سلوان أني كل يوم أشربه مع عمك حليم ،ھ ذا يعن ي أن ي لغاية اليوم اآلن شربت اثنين ،أوال يكفي ھذا؟ والوقت لم يتجاوز الثانية عشر" "مسكينة إليني ...ليس ذنبك أن زوجك محب لھذا المشروب الى ھذا الحد" "ال ،ليس األمر صعبا ً لھ ذه الدرج ة ،أن ا أحب ه أي ضا ً ،لكن ي اآلن ل ن أستطيع أن أشربه معكم"
٣٧٣
"شكراً إليني ،ھل تحبي الجلوس معنا؟" سألھا زوجھا. "ال أرجوك ،أنا عندي عمل كثير في المطبخ ،وھذا سلوان معك" قالت له شكراً كأنھا ھاربة منه لعلمھا بكثرة حديثه وشرحه المفصل. "أين كنا يا سلوان؟ في سبب إبادة الفرسان؟" فزعت وقلت له" :ال ...ال يا عم لقد أنھيت موضوع الفرس ان ،كن ت تتحدث كيفية استقبال العضو الجديد في الماسونية" "نعم أنت محق يا سلوان" حول نظره إل ى إلين ي وق ال لھ ا" :ھ ذا لموض وع مھ م ،اقع دي حت ى تستفيدي بعض الشيء بدالً من التنظيف في المطبخ الذي ال ينتھي" خرج
ت زوجت
ه دون أن تبادل
ه أي كلم
ة ،ك
ان يب
دو عليھ
ا ال
ضجر منه ،فھي معتادة على كثرة كالمه. "نعم يا سلوان ،توضع الستارة السوداء على عينيه مرة أخرى" تابع العم حليم حديثه عن مراسم الماسونية" :ويقاد حتى يدخل وسط المحفل وبنائه على شكل ھيكل سليمان ،وف ي وس طه الم ذبح ،وھ و عب ارة ع ن منضدة عليھ ا الكت ب ال سماوية ،وم ن تح ت الطاول ة أرض ية م ن ب الط مثل الشطرنج باللون األب يض واألس ود ،ث م يرك ع الع ضو الجدي د عل ى ركبت
ه اليمن
ى وعل
ى جانبي
ه ح
راس الھيك
ل وي
ضع ي
ده عل
ى كتاب
ه المق دس إن ك
ان إنجي
ل أو ت
وراة أو ق
رآن وم
ن فوق
ه الفرج
ار ويق
سم: "اق
سم بمھن
دس الك
ون األعظ
م ،أنن
ي ل
ن أف
شي أس
رار الماس
ونية أو أش
اراتھا أو أقوالھ
ا أو تعاليمھ
ا أو عاداتھ
ا ،وأتعھ
د ب
أن أحفظھ
ا ف
ي ٣٧٤
ص
دري مكتوب
ة إل
ى األب
د ...واق
سم ب
أن ال أخ
ون عھ
د ھ
ذا التنظ
يم وأس
راره ال باإلش
ارة وال ب
الكالم وال بالحرك
ات ،وأن ال أكت
ب ش
يئا منھا ،وال أنشره بالطبع أو الحفر أو التصوير ،وأنني إذا حنث ت بيمين ي أن تحرق شفتاي بحديد محمي ،وأن تقطع ي داي ،ويح ز عنق ي ،ويعل ق جسدي في محفل ليراه طالب آخ ر وليعتب ر ب ه ،ث م تح رق جثت ي وي ذر رمادھا في الھواء حتى ال يبقى شيء من جريمتي" وم
ن ث
م ي
ضع بنف
سه رأس الفرج
ار الم
دبب ع
ل قلب
ه ،ث
م ي
ضرب األستاذ األعظم بإصبعيه فوق الفرج ار ض ربا ً يك اد أن يك ون لم سا ً ،ث م يدخل العضو الجديد إلى غرفة على شكل كھف حيث تقرأ عليه التعاليم والمح
ذورات ،وبع
د ذل
ك وف
ي قاع
ة ف
سيحة يجتم
ع جمي
ع األع
ضاء الستقبال العضو الجديد .والمحفل الماس وني مك ون م ن رئ يس وأربع ة م
ساعدين وح
ارس ف
ي ال
داخل وآخ
ر ف
ي الخ
ارج ،وكلھ
م يحمل
ون السيوف ،ثم يسمح للعضو بالدخول بعد أن يكون قد عصبوا عينيه مرة أخرى ،وفور دخول ه يُنغ ز بال سيف نغ زة خفيف ة ج دا ف وق قلب ه ،وي شد الحبل الموجود على رقبته ث م يأخ ذه مرش دان إل ى المك ان ال ذي يجل س فيه الرئيس أو)األس تاذ األكب ر( وي سمى أي ضا ً )أس تاذ الع رش األعظ م( ال
ذي يك
ون جال
سا ً عل
ى الع
رش الماس
وني ،وھن
اك يرك
ع ويبارك
ه ال
رئيس بال
سيف عل
ى كتف
ه األيم
ن .وھ
ذا الطق
س يع
ود إل
ى الع
صور الوسطى ف ي ترقي ة رج الھم م ن ع ادي إل ى نبي ل أو ف ارس ،وال يك ون فارس ا ً إال إذا ك ان نبي ل ،ويق سم ق سما آخ ر ،ث م ي أمر ال رئيس ب أن تف ك الع
صابة ع ن عيني
ه ث
م يتق
دم من
ه ال
رئيس ليق
ول ل
ه ف
ي ص
وت ي
شبه الھمس" :إنك قد نجوت من خطرين عظيمين ،وبقي خط ر ثال ث يتع ين ٣٧٥
علي
ك أن تح
ذره إل
ى آخ
ر نف
س ف
ي حيات
ك ،ف
الخطران الل
ذان نج
وت منھما ھما الطعن والخنق ،فلقد كان ھذا السيف موجھا إلى صدرك عند دخولك ،حتى إذا بدر منك سوء نية كنت ساعيا ً إلى قتل نفسك" "إن ھذه الطريقة المسرحية ،التي يخ ضع لھ ا الع ضو الجدي د ،كافي ة ل م أمكن ه فعالً لخلق الوساوس في ذھنه بحيث لو فكر لوقت طوي ل بھ ا َ ً م ثال؟ ولم اذا فھم كل حركة أمر بھا رغم تفاھتھا ،فلماذا ُتع صب عين اه يخل
ع نعل
ه األيم
ن دون األي
سر؟ أو لم
اذا يف
تح قمي
صه؟ إنھ
ا خديع
ة ومكيدة تقدم ألعضاء ھذا التنظيم لتثبيت انتم ائھم وتمك نھم م ن إض الل منتسبيھم والسيطرة عليھم من خالل ھذا السيناريو" قال سلوان. "ولكن ما أود أن أنوه إليه يا سلوان أن ك ل م ا ي دور ف ي ھ ذا الحف ل الذي ذكرته آنفا ً ،عادة ال يتم كله في المرة األولى ،بل يمر على العضو الجديد مرحلة طويلة من ال زمن ق د ت صل إل ى أكث ر م ن ع شرين ع ام، يوضع خاللھا في العديد من التجارب قبل أن ي دخل إل ى مرحل ة الحب ل والمشنقة والتابوت والكھف ،وھي المرحلة األخيرة من التكريس ،وقبل أن ي
صل إل
ى مرحل
ة متقدم
ة م
ن ال
درجات الت
ي ت
صل أعالھ
ا ٣٣ درج
ة ،وھ
ي درج
ة بع
ض المل
وك ورؤس
اء الجمھوري
ات ورؤس
اء الوزارات والنواب ورؤساء بعض المنظمات وكبار التج ار ف ي الع الم، وزعماء حركات قوية لھا سيطرة في البلد التي ھو فيھا" "كيف يستطيع أحداً أن يذھب في خياله بعيداً ويع يش في ه لدرج ة أن يجعل منه ع الم واقع ا ً يعتق ده ويحمل ه رس الة للن اس؟ وي ضم إلي ه أي ضا ً
٣٧٦
أصحاب القرار في الع الم ،وي ضع ش عارات ورم وز وأش كال ال تحم ل أي معنى!" "لطالم
ا ارتبط
ت الماس
ونية ب
الرموز ،واإلش
ارات ،والم
صافحات ال
سرية الت
ي يع
ود تاريخھ
ا إل
ى البن
ائيين ف
ي الق
رون الوس
طى الت
ي استخدموھا للتعرف على بعضھم وللحفاظ على أسرار مھن تھم ،فھ م ل م يأتوا بالرموز من خياالتھم ،إنما لكل رم ز م ن رم وزھم معن ى ل ه أث ر في تكوين ھذا التنظ يم وتاريخ ه .وم ا دمن ا نتح دث ع ن رم وز التنظ يم ف
يمكن أن ن
ضيف ھن
ا أن م
ن رم
وز الماس
ونية المثل
ث ،الفرج
ار، الم
سطرة ،المق
ص ،الرافع
ة والنجم
ة الخماس
ية وال
سداسية أي
ضا ً، واألرق ام ٣و ٥و ٧وھ ي رم وز وطق وس ت ساعد عل ى اكت شاف الن ور ح
سب زعمھ
م .إن القاع
دة األساس
ية ف
ي التنظيم
ات الماس
ونية ھ
ي ً محف ال ،والمحف ل يمك ن المحفل ،ويحق لكل سبعة ماسونيين أن ي شكلوا أن يضم خمسين عضواً .أما رمزية الفرجار والزاوي ة الل ذين ي شاھدان كثيراً في أرجاء المحفل ،فھم يمثالن الطبيعة األخوية للماس ونية ح سب زعمھم ،وغالبا ً ما يشاھد داخل الفرجار والزاوية رمز آخر ھو النجم ة أو القم
ر أو ال
شمس الت
ي تمث
ل الحقيق
ة والمعرف
ة أو الع
ين أو الح
رف الالتين
ي Gويق
ال إن
ه يمث
ل أول ح
رف م
ن كلم
ة ) (Godأي اإلل
ه، فالماس
ونيون ملزم
ون باإليم
ان بوج
ود ك
ائن أس
مى ي
سمونه )مھن
دس الكون األعظم( وإن كانوا ال يطلقون عليه اسم Sأو ال رب .أم ا الع ين داخل الفرجار والزاوية فھ ي الع ين الت ي ت رى ك ل ش يء .وھن اك رأي أخر يقول أن رمز العين التي تظھر في قمة المثلث على الختم األعظ م للواليات المتحدة وعلى فئ ة ال دوالر الواح د ال ورقي ،أو حت ى الكلم ات ٣٧٧
التي في أسفل ورقة الدوالر المكتوبة بالالتينية تدل على سيطرتھم على الوالي
ات المتح
دة والع
الم ،باعتب
ار أن م
ن ص
مم الخ
تم ووض
ع الرس
م والكلمات له خلفية ماسونية أو ماسوني ،وھذا القول له عالقة بالحقيقة، بي
د أن الماس
ونيون ينف
ون أن يكون
وا ھ
م وراء وض
ع الخ
تم األعظ
م للوالي
ات المتح
دة وص
ورة ال
دوالر ،ويقول
ون إن الت
صميم ي
شابه رم
وزھم بال
صدفة فق
ط ،وإن م
صممه ل
م يك
ن ماس
وني .أم
ا الزاوي
ة القائمة التي ترمز إلى الزاوية المطلوبة في بناء جدار على أساس قوي وھناك في ھذه المرحلة عامودين عند مدخل قبر رم زي لمعب د س ليمان ويعتق
د ال
بعض أن الع امودين يم
ثالن ال
سحاب والن
ار ال
ذي أس
تعملھما الخالق األعظم إلرشاد بني إسرائيل إل ى الطري ق الم ؤدي إل ى األرض الموعودة .والمسطرين أو المالج تستخدم في طقوس وصول الماس وني إلى مرحلة خبير وھ ي أعل ى المرات ب الماس ونية ،وھن اك محاف ل تقب ل فق
ط ع
ضوية الماس
ونيون الحاص
لين عل
ى ھ
ذه المرتب
ة ،وف
ي ھ
ذه المرحلة وحسب المعتقد الماسوني ي صل الع ضو إل ى حال ة ت وازن ب ين العوام ل الداخلي ة الت ي تح رك اإلن سان والجان ب الروح ي ال ذي يربط
ه بالخ
الق األعظ
م .وم
ن م
سؤوليات الخبي
ر ھ
و االقت
راع عل
ى قب
ول أعضاء جدد والقيام بأعمال أو م شاريع خيري ة والبح ث والتح ري ع ن خلفية طالبي العضوية ومسؤوليات مالية متفرقة" "ھل تعتقد يا عم بأن الرموز مثالً التي على الدوالر محض ال صدفة فعالً؟" "ھن
اك بع
ض م
ن الحقيق
ة ف
ي م
ا يتعل
ق ب
الرموز الموج
ودة عل
ى ال
دوالر األمريك
ي ،ومثالھ
ا الثالث
ة ع
شر نجم
ة الموج
ودة عل
ى الخ
تم ٣٧٨
األمريكي والتي تكون النجمة السداسية ،وھ ي أح د الرم وز الماس ونية، والتي إذا وضعتھا على الدوالر حيث الھرم لكانت كل زاوية من زوايا النجمة عل ى ح رف م ن الكلم ات المكتوب ة عل ى ال دوالر ومكون ة ب ذلك كلمة ) ،(MASONوھي الكلم ة الت ي تعن ي البن اء ،والع ين أي ضا ً م ن فوق الھرم .ويعود إنشاء الدوالر بھذه الصورة التي ھو اليوم عليھا إلى عھد الرئيس األمريكي )روز فيلد( سنة ١٩٣٥م ،ووزير ماليته ،وھم ا م
ن الماس
ونيون الفع
الين ،وأن
ا ال أعتق
د ب
أن يك
ون ھ
ذا الت
رابط ب
ين مصممي الدوالر من أصحاب القرار في ذلك العھد وانتمائھم للماسونية والرموز محض صدفة .ھي حقيقة وإن نفاھا البعض وأنكرھا" "ولكن ي كن ت أعتق
د ب أن الخ
تم األمريك ي ق د أن
شأ ف ي وق
ت م ا قب
ل ١٩٠٠م ،بل يعود إلى ما بعد الحرب األھلية في أمريكا بوق ت ق صير، والنج
وم الثالث
ة ع
شر كان
ت تعن
ي الوالي
ات األمريكي
ة الثالث
ة ع
شر المتحالفة!" "نعم ھذا صحيح ،لقد صمم الختم األمريكي في سنة ١٧٨٢م ،إال أنه لم يكن على الدوالر ،ولم يكن ترتيب النجوم بھذه ال صورة الت ي تك ون نجمة داود السداسية ،بل كان صاحب ھذه الفكرة )روز فيلد( ف ي وق ت حكومته" "كلما أتذكر ميليندا وكالمھا عن األخوية أص اب باإلحب اط ،أل م يك ن ھ
ذا التنظ
يم مق
صور عل
ى الرج
ال فق
ط؟ من
ذ مت
ى ي
سمح للن
ساء ف
ي االنتساب إلى األخوية؟"
٣٧٩
"لم يسمح ف ي الحقيق ة لل سيدات باالنت ساب لألخوي ة أو الماس ونية إال ف
ي ح
االت ن
ادرة ومنھ
ا عل
ى س
بيل المث
ال قب
ول ع
ضوية ال
سيدة )اليزابيث أولد ورث( قبل عام ١٧٧٠م وھناك من يق ول بأنھ ا ش اھدت عن طريق الصدفة من خالل ثقب ف ي الب اب الطق وس الكامل ة العتم اد عضو جديد ،وعندما تم اكتشاف أمرھا تم ضمھا للمنظمة للحف اظ عل ى السرية ،وھذه أحد الطرق التي تثير الدھشة عند عامة الناس ،والحقيق ة أنھا البداية التي أصبح للنساء في محافل الماسونية مكان رسمي ،وھ ذه فرص
ة للتنظ
يم إلدخ
ال أس
طورة جدي
دة عل
ى أس
اطيرھم .وبم
ا أنن
ا نتح
دث اآلن ع
ن ال
سيدات ف
ي الع
الم ،فھن
اك س
يدة م
ن الجم
يالت ف
ي تحبك ي ا ول دي وھ ي ف ي انتظ ارك اآلن وف ي أش د الحاج ة إلي ك، العالم ِ اذھب إليھا واسمعھا وتحدث إليھا وحاول أن تفھمھا ،أال ترى ي ا ول دي أنه من الواجب عليك ف ي مث ل ھ ذا الوق ت أن تك ون إل ى جان ب ميلين دا بدالً م ن الح ديث الكثي ر ح ول األخوي ة وخ داعھم؟ اذھ ب إل ى زوجت ك وابق
ى إل
ى جانبھ
ا وتق
رب إليھ
ا أكث
ر م
ن الماض
ي ،ھ
ي اآلن ب
أمس الحاجة إليك ،فأنت زوجھا ووالد طفلتھا ورب بيتھا ،وأنتـم اآلن مقبلون عل
ى حي
اة جدي
دة وبي
نكم طف
ل ،اجعل
وه س
بب س
عادتكم وينب
وعكم ف
ي الصفح والتسامح وسر الحياة بينكم" "أنت محق يا عم ،سأذھب اآلن إليھ ا وأدخ ل عليھ ا وك أن ال ذي دار بيننا لم يكن" شربت عصير الكركديه وفي خضم الحديث كانت إليني قد أحضرت لنا القھوة.
٣٨٠
وأنا مازلت لم أش رب منھ ا ش يء ،ولق د ھمم ت بتجھي ز نف سي حت ى أرجع إلى ميليندا وطفلتي ولم أعد أحتمل االنتظ ار وك أن النق اش الح اد الذي كان بيننا لم يكن. أن
ا اآلن ال أرى أم
امي س
وى ميلين
دا عل
ى فراش
ھا وطفلتن
ا عل
ى صدرھا. "إذن س
أذھب اآلن ،ش
كراً ل
ك ي
ا ع
م عل
ى ال
ضيافة وح
سن ال
سماع والنصيحة الطيبة" "أال تريد أن تشرب فنجان القھوة؟" وقف ت وتناول
ت الفنج
ان وك
ان س
اخنا ً وقل ت" :سأش
رب ي
ا ع
م أخ
ر رشفة وأذھب" وشربت رشفات متتالية وعزمت على الخروج .وق ف الع م ورافقن ي حتى الباب وحييت إليني من بعيد وكانت في المطبخ ال ذي ال يبع د ع ن مدخل المنزل من الداخل بأكثر من سبعة أو عشرة أمتار. "مع السالمة ي ا س لوان وقب ل ميلين دا عن ي وق ل لھ ا أن ي س أزورھا" قالت إليني. عانقني العم وقال لي" :إياك يا سلوان أن تتھور وتجرح ميليندا فإنھا إنسانة رقيقة وحساسة ،تكلم معھا واھتم لكالمھا وال تھمله ،بل ش اركھا الح
ديث ع
ن اھتماماتھ
ا رغ
م ع
دم قناعات
ك ،فالح
ب والحي
اة الزوجي
ة ليست معادلة رياض ية وأرق ام تقب ل الق سمة وأخ رى ال تقب ل ،ال ب ل أن تسمع ما ال تحب سماعه أحيانا ً وتتصرف أحيانا ً كثي رة بم ا يتواف ق م ع ٣٨١
شريكتك وال يتقابل مع وجھات نظرك ،وتذكر أنك م اثن ين وشخ صيتين كل منكما له خصائصه التي تميزه عن اآلخر ،فليكن ھ ذا األم ر إيجاب ا ً ٌ ال س لبا ً ،فب
دل أن تك
ون ص
احب فك
رة ك
ون ذا اثنت
ين وب
دل أن تك
ون ذك
ي ت
صبح ذك
ي وفط
ن .خ
ذ األم
ر م
ن ھ
ذا المنظ
ار وال تتع
صب لرأيك ،وھو مبدأ حكيم ليس بالعقيم ولن تندم يا ولدي ،أذھب حفظك S من شر نفسك واآلخرين" عانقني مرة أخرى وأحسست بحبه لي كأني ولده .ركبت في السيارة وكان
ت ال
سيارة س
اخنة ج
داً ،فق
د كان
ت تق
ف أكث
ر م
ن س
اعتين ف
ي الشمس ،وكان الوقت بعد الظھر بقليل والطقس في مثل ھذا الوق ت ف ي العادة ال يكون حاراً مثل ھذا اليوم. وقبل أن أنطلق أومأت للعم بإشارة من ي دي أودع ه ،وأخ ذت أط وي الطريق من أمامي نحو المستشفى ،أقود السيارة وال أرى أم امي س وى وجه ميليندا وفاتن ،ولوال حفظ Sلي لتھافتت سيارات أثين ا المتراص ة علي في ذھابي وإيابي. م
ا كان
ت إال أق
ل م
ن ع
شرة دق ائق وكن
ت أم
ام المست
شفى ،أوقف
ت ال
سيارة ف
ي أق
رب مك
ان ف
ارغ وس
رت نح
و الم
دخل الرئي
سي ب
صبر أصطنعه وال أملكه. وقف
ت أم
ام الم
صعد الكھرب
ائي وف
ي ج
انبي ام
رأة يب
دو عليھ
ا أي
ام الحمل األخيرة. دخلن ا الم صعد الف ارغ ل يس في ه س وانا وص وت حب ال الم صعد مث
ل جعجعة الرحى تحملنا لألعلى. ٣٨٢
فصل
ألني عربي
لم تكن ميليندا سعيدة بالموقف األخير والحديث الذي دار بينھ ا وب ين زوجھا حول انتمائھا لألخوية. قام
ت ميلين
دا م
ن س
ريرھا متجھ
ة بخط
ى بطيئ
ة مث
ل الح
ذرة نح
و الطفلة ...حملت فاتن... وبدأت تحدثھا كأنھا تفھمھ ا" :أتمن ى أن تعي شي ي ا ابنت ي بين ي وب ين والدك ،ال أريد أن أخسره بمبالغاته وتعن ت مواقف ه .العم ل ف ي ص حيفة ِ صغيرة ومواضيع روتينية ال تلتقي مع طموحاتي .ليست ھذه حياتي يا حبيبتي التي تمنيتھا وحلمت بھا ،أنا بحاجة لمن يقف م ن ورائ ي وي شد عضدي من الذين لھم باع في السلطة وأصحاب القرار حتى يتسنى ل ي وض ع نقط ة البداي
ة ف ي حي اتي العملي
ة وإال س أبقى مك اني ،ال ب
العكس س
أتراجع أل
ف خط
وة إل ى ال
وراء .أن
ا أع
رف أن
ي أحم
ل ق
درات ال تستطيع صحيفتي الحالية تنميتھ ا واس تغاللھا ،وھ ذا ھ و ال سبب الوحي د ال
ذي يجعلن
ي أبح
ث ع
ن تجم
ع أو اتح
اد ق
ادر عل
ى دفع
ي لألم
ام... حبيبتي أنا لن أسمح بتفكك أسرتنا الصغيرة وأنت سر سعادتھا" كانت ميليندا تشعر باختالف اتجاھاتھا مع سلوان وھذا من ذ أن بلغ ا، غير أنھا كانت دائما ً تطمح بأن يتغير مع الوقت وع شرتھا مع ه ،وھ ي تجد نفسھا اآلن في منعطف عائلي ومستقبلي معه خطير. صارت ميليندا تخاطب نفسھا" :عندما نعيش مغامرة قد تنتھي بح ب وزواج ،نھاي
ة م
ساء وبداي
ة م
شوار يفت
رض أن
ه س
عيد ،نختل
ف ف
ي اآلراء واالتجاھات والتوجھات ،في وجب ات الطع ام وق ضاء الحاج ات، ٣٨٣
نفترق في أفكارنا وكالً منا يعيش في عالم في داخله مستقل عن ش ريك فراشه الراقد في جانبه ،نتفق في صرخة تمأل القلب وتسد فجواته وك ل زواياه ،تجعل م ن فراغ ه عط اء وق رة ع ين لن ا ف ي ال صباح والم ساء، نعيش الحدث سويا ً ونھرب من كل نق اش وج دال واق ع ال مف ر من ه ،ال نريد أن نجل س م ع واق ع إن ل م يك ن الي وم س يكون غ داً ،تم ضي األي ام ونسعد بھا ونجع ل م ن ح وارات االخ تالف ف ي زواي ا الغ رف ،نؤجلھ ا للغد ويأتي الغد ونقول" :ال ...ال ليس اليوم" جرت األيام والساعات وم رت ش ھور وس نين وھ ا نح ن الي وم نق ف باق وكأنه قاصد البقاء ،وكأنه صخرة أمام يوم قد أجل من سنين ،اليوم ٍ ينتظ
ر م
ن يزيلھ
ا ...وبزوالھ
ا س
يترك أث
راً أن
ا وزوج
ي وطفلتن
ا م
ن سنعانيه" قطع خلوتھا مع نفسھا قرع الباب. "أدخل" قالت ميليندا. دخ
ل ي
انس وزوجت
ه وحي
ا ميلين
دا" :مرحب
ا ً ميلين
دا" قال
ت ص
وفيا وأقبلت عليھا وعانقتھا بشدة. "كيف حالك يا حبيبتي؟ لكم ھو جميل أن أراك أما ً تحملين طفلك بين ذراعيك" نظ
رت إل
ى ي
انس وقال
ت" :ألي
ست ميلين
دا وطفلتھ
ا لذي
ذتين ...ف يھم جمال مالئكي يا يانس؟" "تھ
اني القلبي
ة ي
ا عزيزت
ي ميلين
دا ،إن
ك الي
وم جميل
ة ج
داً عزيزت
ي وطفلتك بين يديك" أقبل عليھا يانس وعانقھا.
٣٨٤
فرحت ميليندا جداً بزيارتھم. "لكم أسعدتني زيارتكم أحبائي" وانھالت بالبكاء. تقدمت صوفيا وجلست على السرير جانب ميليندا وم سحت دموعھ ا براحة يدھا وقالت" :ما الذي يبكيك حبيبتي؟ أھي فرحة المولود؟" "ال ...لقد تشاجرت مع سلوان" لك اليوم كل أسباب السعادة الداعية للفرح والع رس ،أال "ولماذا؟ إن ِ ت
ستطيعان الف
رح؟ أم أنك
م ال تتمكن
ا الع
يش دون ش
جار ومنازع
ات؟" وأومأت برأسھا قاصدة المزاح والمداعبة. "لقد قلت له أني أريد أن أنتسب إلى األخوي ة فاش تط غ ضبا ً ،ودخلن ا بنقاش حاد حتى أنه خرج دون أن ننھي الكالم" ك
ان ص
وتھا يعل
وه حرق
ة تقط
ع أحرفھ
ا وال تك
اد ت
ستطيع ح
سن التعبير وال الكالم. "ألم نتفق يا ميليندا على إبقاء األمر سراً على األق ل ف ي البداي ة؟ إن ه ليس من الضروري إعالم سلوان على اإلطالق" "ولكن األم ر ل ن يبق ى لألب د س راً ف ال ب د أن يعل م يوم ا م ا وس يكون موقفي حرجا ً ،ناھيك عن الكذب في كل موعد االجتماع ،تارة أق ول ل ه أن
ي ف
ي البي
ت عن
دك ،وأخ
رى ف
ي ال
سوق وم
رة م
ع أم
ي ،ال ...ال ووالداي" أستطيع أن أخفي عليه ،فھوا يعلم بأني ال أزور أحداً سواكما ّ "وھل ھذا سيؤثر على قرارك يا ميليندا؟" سألھا يانس.
٣٨٥
"ال ،لق
د اتخ
ذت ق
راراً نھائي
ا ً ھ
ذه الم
رة وال رجع
ة في
ه ،وأب
ي من
ذ زمن سعيد بقراري" كيانك الخ اص وشخ صيتك الم ستقلة لك ِ "كالم حكيم ،يجب أن يكون ِ مثل والدك دون أن تك ون للعاطف ة دخ ل ف ي قرارات ك الم صيرية ،وأن ا أعتق
د أن س
لوان مث
ل ك
ل الرج
ال ي
رفض ف
ي البداي
ة إال أن
ه فيم
ا بع
د سيستوعب األمر ويتقبله" رد عليھا يانس. "وأنا أيضا ً لم أتقبل األمر في البداية عن دما علم ت ب أن ي انس أخوي ا ً رغم أن أبي من األخوية من زمن طويل ،ولكني اآلن كما ت رين مقتن ع ل ك بھذا القضية تماما ً ،وف ي النھاي ة فالمحف ل والمعل م الكبي ر ل ن ي ضعا ِ دستوراً يقلب حياتك رأسا ً عل ى عق ب ،إنم ا ھ ي أفك ار وقناع ات نلت زم بھا أكثر من غيرنا ،وھذا الذي يجعلنا أكثر خصوصية من كل الناس" "أن ا مت
شوقة ج داً ألن أذھ
ب إل
ى المحف ل ،لق
د ق
ال ل ي الطبي
ب أن
ي أستطيع الخروج غداً" وذھاب ك "اآلن عليك يا حبيبتي أن تخرجي وتنتبھ ي لنف سك وطفل ك، ِ إلى المحفل سيكون عن قريب" قالت صوفيا. "وھل في اإلمكان أن أذھب معكم في الموعد القادم؟" بانتظارك" "نعم بالتأكيد ،فالمعلم الكبير ِ ً يوما، "محفلنا يعقد اجتماعا ً دوريا ً مثل بقية المحافل كل خمسة عشر يح
ضره المت
دربون والعرف
اء والمعلم
ون .أم
ا ذوي الرت
ب العلي
ى فيجتمعون على حدة" ٣٨٦
"ھل تلبسين بنطاالً أم فستان طويالً يوم ذھابك للمحفل؟" معين
ا ً، "يُفت
رض ف
ي الم
شاركين ف
ي االجتم
اع أن يك
ون لھ
م لباس
ا ً َّ فنحن نلبس في أيدينا قفازات بيضاء ،ونزين صدورنا بشريط عريض، ونربط على الخصر مئ زر ص غير ،وھ و ال ذي يرتدي ه أص حاب حرف ة البن
اء ،وھن
اك م
ن يرت
دي ثوب
ا ً أس ود ط ً ويال ،أو ب
زة ،ق
د تك
ون م
ن السموكينج ،ھذا حسب تقاليد المحفل ،وھي تقاليد بالغة الدھشة والتنوع. أن
ت تعلم
ين ب
أن للن
ساء محاف
ل منف
صلة ع
ن محاف
ل الرج
ال! إال أن معلمنا األعظم ھو ذاته في المحفلين" أجابتھا صوفيا.
٣٨٧
فصل
ألني عربي
خرج
ت وح
دي م
ن الم
صعد وم ن أم
امي باح
ة الق
سم الكبي
رة الت
ي يتخللھا ثالثة ممرات طويلة من الجھة المقابلة عل ى اليم ين الق سم ال ذي ترق
د في
ه ميلين
دا وطفلت
ي ،وف
ي الجھ
ة الي
سار ق
سم مثيل
ه وم
ن خلف
ي أيضا ً. دخلت القسم وبين عين ي ص ورة ميلين دا وطفلت ي حت ى وص لت ب اب الغرفة ،قرعت الباب ودخلت دون أن أنتظر ،وأول ما وقع نظري وقع على ما لم أتوقع وجوده ...يانس وزوجته. وكأن غمامة لحظتھا أغلقت على قلبي وتبدلت االبتسامة باالستغراب وابتسامة مصطنعة. "مرحبا ً" حييت صوفيا وأقبلت على ميليندا وقبلتھا على الجبين. "كيف حالك يا حبيبتي؟" قلت لميليندا. "أحمد الرب على نعمائه بأن رزقنا طفلة معافاة وليس بجمالھا أح د" ردت عليه ميليندا. لم تكن الطفلة على صدرھا كم ا كان ت ال صورة ف ي خي الي ترافقن ي أثناء الطريق. "ھل فاتن نائمة؟" "نعم ،إنھا ال تصحو إال القليل تأخذ رضاعتھا وتنام بعدھا مباشرة" استدرت إلى الخلف حيث كان يجلس يانس. ٣٨٨
"كيف حالك يا يانس؟" "بخي
ر وأتمن
ى لك
م والمول
ود الجدي
د حي
اة س
عيدة أكث
ر مم
ا كان
ت. تھانينا القلبية يا سلوان" "شكراً ،أتمنى لكم أيضا ً مثل ھ ذه ال سعادة ،أم أراك م ال تري دون ھ ذا النوع من منھا؟" كنت أعني التفكير في إنجاب طفل. "بلى ...لكنا لم نفكر حقيقية في األطفال لغاية اآلن" "أما بعد اليوم فسنفكر ف ي الموض وع ،فأن ا أري د أي ضا ً أن يك ون ل ي فاتن ،أم أنت ت رى غي ر ذل ك؟" قال ت ص وفيا لزوجھ ا وأوم أت بعينيھ ا تقصد المزاح. لم تلبث صوفيا ويانس كثيراً بعد حضور سلوان ،تقدمت صوفيا نحو ميليندا وعانقتھا وقالت" :حمداً للرب على س المتك ي ا حبيبت ي ،س أعود لزيارت
ك ف
ي الغ
د ،ھ
ل أح
ضر ل
ك ش
يء م
ن الطع
ام؟ أو أي ش
يء تريدين ،عصائر أو شيء من ھذا القبيل؟" "ال حبيبتي ليس من الضروري فأنا عل ى أغل ب الظ ن س أخرج غ داً أو بعد غد" "س
لوان ،ال أري
د أن أوص
يك عل
ى زوجت
ك ،وال تغ
ضبھا وإال... سأعد لكما الحلوى" ضحكت وأقبلت على ميليندا وقبلتھا. "ك
وني مطمئن
ة ي
ا ص
وفيا ،فھ
ي حبيبت
ي وزوجت
ي ومن
ذ األم
س أم طفلتي" رد عليھا سلوان.
٣٨٩
كان ي انس يق ف خل ف زوجت ه وكأن ه ينتظ ر حت ى يخل و المك ان ك ي يحضن ميليندا قبل أن يخرج. "انتبھي لنفسك ولطفلتك يا ميليندا ،وأتمنى لكم يوم جميل" عانقھا يانس وھي ملقاة على السرير" :كن كلبھا األليف مثل عادتك" قال يانس لسلوان وھو ال يقصد اإلساءة ،إنما ھ ي كلم ة يت داو لھ ا مع ه دائما ً. خرج يانس وزوجته وبقي سلوان مع ميليندا وطفلتھم. أقبل سلوان وجلس إلى جانب ميليندا على السرير وضمھا إليه" :ھل مازلت غاضبة مني حبيبتي؟" "أن
ا؟ أن
ت تعل
م أن
ي أحب
ك وال أس
تطيع أن أخاص
مك لحظ
ة ،لم
اذا تأخرت؟" أنت تعلمين بأن العم و إليني ال يدعاني أخ رج إل ى بع د أن أحت سي " ِ شيئا ً معھم" "كيف حال إليني؟ لماذا لم تأتي معك؟" ًً فرحا◌ بسماع "لقد فرحت جداً عندما أخبرتھا بفاتن ،كادت أن تطير الخبر ،وقالت لي أن أقبلك" وقبلتھا وقل ت لھ ا" :ھ ذه القبل ة لي ست من ي إنما من إليني" "وأن
ت؟ أال تري
د أن تقبلن
ي؟ أم أن
ي اآلن أص
بحت أق
ل إث
ارة م
ن قبل؟"
٣٩٠
"ال تقولي ھذا حبيبتي ،فأنت تزدادين إث ارة ي وم بع د ي وم ،ويق ال أن النساء يزددن إثارة وجم االً بع د اإلنج اب ال العك س ،وأن ا الي وم مقتنع ا ً وشفتيك أخ ذا ش كالً تماما ً بھذا القول ،فھا عينيك يلمعان رونقا ً وجماالً، ِ ِ وجھك األبيض الناعم وسحراً وجاذبية أكثر من التي كانتا عليھما ،وأما ِ صار مثل الدمية التي سال عليھ ا ش مع ليالين ا ومنحھ ا نعومت ه وجعلھ ا خديك" في ِ "أنت يا زوجي العزي ز ال ت تقن إال الك الم ...أھ ذا س لوان ذات ه ال ذي كان عندي في الصباح؟ أعجب من حسن كالمك!" "ھ
ذا ل
يس كالم
ي ي
ا ميلين
دا إنم
ا ھ
ي أحاسي
سي وم
شاعري تتبل
ور جيدك ولو لم وأناقتك ورسم سحرك على شكل أحرف وكلمات يسوغھا ِ ِ ِ فأنت وحيه ومحياه ،سره ومح واه ،كي ف تكوني ما كان لكالمي وجود، ِ
والك ،أو حت
ى للحي
اة يك
ون للك
الم والعب
رة والمعن
ى أي رون
ق ل ِ وھوائھ
ا ،الطبيع
ة وخ
ضرتھا ،المدني
ة ورتابتھ
ا أو القري
ة ودفئھ
ا أي أنت الشيء يا ميليندا ال ذي ال ت صلح األش ياء م ن دون ه، صبغة لوالكِ ، ِ وأنت القبلة األخيرة ف ي ف يلم األس بوع أنت الحدث واإلثارة في الكتاب، ِ ِ أنت س عادة الفت اة ف ي ي وم أنت فرحة الطفل في أول عجلة لهِ ، السالفِ ، وأنت فرحة الرجل بعد الخالص من أھل زوجته" عرسھا، ِ ت ي
ا حبيبت
ي ل
ذة الم
دخن ف
ي أول س
يجارته بع
د ف
ضحكا مع
ا ً" .أن ِ ت الت
ي كلم
ا ت ال
شيء ي
ا عم
ري ال
ذي ل واله ل
ن أك
ذب ،أن ِ الطع ام ،أن ِ ت ي
ا ميلين
دا الت
ي ك أكث
ر وأكث
ر ،ھ
ي أن ِ ت
ذكرت ق
بالت الن
ساء أحببت ِ جعلت للدنيا ھذا الشكل والھيكل الذي أنا أعيش فيه ،ال تق ولي ب أن تل ك
٣٩١
الفتاة جميل ة ،وال تق ولي أنظ ر لعينيھ ا ،لنھ ديھا أو خ ديھا ،فل يس ھن اك مثلك ،قد يك ون الم رأة خ دين فيھم ا إض اءة القم ر ن اعمين ،أو ألخ رى ِ جسد مالئكي ساحر رقيق ،وقد يك ون لزميلت ك ف ي العم ل عين ين فيھم ا شق الجذابة من كل الن ساء وبھارتھ ا ،إال أن ك ي ا ميلين دا ملك ت إض اءة القمر والجسد المالئكي الساحر وشق الجذاب ة م ن ك ل الن ساء ،ك ل ھ ذا ت ،أحب
ك قب
ل دخول
ك ت اآلن وكم
ا كن ِ ك ،أحب
ك كم
ا أن ِ ألنن
ي أحببت ِ ك، ودك ،وس احبك عن
دما تخ
رجين وتع
ودين إل
ى طبع ِ ِ المست
شفى ورق ِ وس
أحبك عن
دما وس
أحبك عن
دما تع
ود أي
ام ت
صرخين فيھ
ا وتبك
ي، ِ ِ
ك وت
سكتين، ت
شاجرينني وت
دمعين ،أو تح
سي بج
رح وتح
بس أدمع ِ سأحبك عندما ترقد طفلتنا ونجل س أم ام التلف از س اعات دون أن نتب ادل ِ قبلة أو حتى كلمتين ،وسأحبك عندما يغزونا الملل وتت شابه األي ام ،ھ ي أنت التي فھمتني وقرأت منيتي أنت يا ميليندا التي شابھتني وناقضتنيِ ، ِ أنت التي عرفت كيف تمتص غضبي وتجعلني أعتذر، من شفتاي ،ھي ِ أن ت وقلبت م ا كن ت اعتق ده فخ راً وأص بح الي وم خ زي ال أذك ره ،ھ ي ِ أن ت التي جعلت من الھدوء طبعي وإن كان في لساني لباقة فھي من كِ ، ِ التي بخرتي الرتابة في حياتي حتى أخذت شكالً غير ال ذي ك ان ،حت ى ف
ي المط
بخ ي
ا حبيبت
ي أص
بحت أنظ ف األوان
ي وأجففھ
ا وأرتبھ
ا ف
ي األقجار بأناقة ودقة وكأنھا تحف إغريقية"
٣٩٢
فصل
ألني عربي
ي ميليندا ،دميترس وميلوذيا في الساعة الرابعة بعد الظھر دخل والد ّ إلى غرفتھا في المستشفى وھي ملقاة على سريرھا .اقترب والديھا منھا ووضع والدھا يده على خديھا وقبلھا وبكى" :اآلن أص بحت ابنت ي أم ا ً، لي ك ف ي مث ل ما أجملك يا ميليندا ،لم أكن أعتقد يوما ً من األيام أن آت ي إ ِ ھذا الموقف ،أصبحت أبنت ي ص غيرتي أم ا ً ،ل م أك ن أح سب لھ ذا الي وم ك س
وى الطفل
ة ح
ساب ،كن
ت ومازل
ت طفلت
ي ال أس
تطيع أن أرى في ِ أنك مھما أنجبت ع شرين طف الً ،س تبقي طفلت ي ي ا حبيبت ي" ِ كبرت ولو ِ ِ كان والدھا يخاطبھا وھي نائمة. اقتربت أمھا منھا وقالت" :استيقظي يا ميليندا" جنن ت دعيھ ا نائم ة ،أال ت رين اإلرھ اق عل ى وجنتيھ ا؟" عن ف "ھل ِ دميترس زوجته. "أسكت أنت ،إنھا ابنتي أنا أيضا ً ،أريد أن أطمأن عليھا" اس
تيقظت ميلين
دا م
ن ص
وت أمھ
ا والك
الم ال
ذي دار بي
نھم ،فتح
ت عينيھا وإذا بأمھا تقف فوق رأسھا. رت؟" قالت ميليندا بصوت ناعس. "أمي ...لماذا تأخ ِ عانقت ميلوذيا ميليندا بحرارة ووض عت ي ديھا عل ى خ ديھا وش عرھا تشعرھا بحنان وحب األم البنتھا ،وحيدتھا في مناسبة كھذه. "لم نتأخر يا حبيبتي ،لقد خرجنا فور س ماعنا الخب ر ،كي ف حال ك ي ا عندك ألم؟ كيف كانت الوالدة؟" ابنتي؟ كيف تشعرين؟ ھل مازال ِ ٣٩٣
"اطمئن
ي ي
ا أم
ي ،ت
م ك
ل ش
يء عل
ى أح
سن وج
ه ،لق
د أح
ضرني س
لوان م
ع الفج
ر ول
م تنتظ
ر الطفل
ة ط
ويالً ،لق
د أنجب
ت ف
ور دخ
ولي غرفة العمليات بدقائق" ك عل
ى الف
ور؟ ولك
ن م
اذا أق
ول...؟ أن
ا ال "ولم
اذا ل
م يخبرن
ا زوج ِ أنتظر منه الكثير" ت تعلم
ين أن وك ي
ا أم
ي أن تنتھ ي م
ن كالم
ك ھ
ذا عن ه ،فأن ِ "أرج ِ كالمك عن سلوان ما ھو إال تجريحا ً ،ألنك ال تحبينه" ونظ رت ميلين دا ِ لوالدھا وقالت" :جميل أنك حضرت يا حبيبي" سالمتك أقبل والدھا عليھا وضمھا إليه بشده وقال" :حمداً للرب على ِ أجملك طفلة وأما ً ،وأما ً طفلة" يا حبيبتي ،ما ِ "أال تريد يا والدي أن ترى فاتنتي؟" "وھل أسميتموھا؟" سألھا والدھا. "نعم يا والدي ،لقد أسميناھا فاتن" "بالتأكيد سلوان ھو من اختار االسم" قال والدھا. "نعم يا والدي ،وأنا أيضا ً ،أال يعجبك اسمھا؟" "ال عجب أن يكون اسمھا فاتن ،فھي ال تملك قرار حت ى ف ي ذھابھ ا إلى الحانوت" قالت والدتھا مظھرة عدم إعجابھا باالسم. أرجوك يا أمي ،ال تب الغي كثي راً ،فأن ا اآلن بغن ى ع ن ال شجار م ن " ِ معك" غير معنى ِ
٣٩٤
"ھ
ذا ل
يس ش
جار ي
ا ميلين
دا إنم
ا أن
ا أرف
ض أن يك
ون اس
م حفي
دتي عربي" أنت ،ھ ذا األم ر يرج ع إل ى ميلين دا وزوجھ ا ف ي اختي ار "وما شأنك ِ ِ اسم طفلھما" قال دميترس. وأرجوك يا أمي ال تق ولي ھك ذا ع ن طفلت ي ،فطفلت ي اس مھا ف اتن، " ِ وأنا سعيد جداً وزوجي أيضا ً بھا وباسمھا" لقد كان دميترس من الرافضين لزواج ابنت ه م ن عرب ي ،إال أن ه م ع م
رور الوق
ت خ
ضع بع
ض ال
شيء لألم
ر الواق
ع وتقبل
ه ول
و عل
ى مضض لعلمه بحب ميليندا لسلوان ،وكثيرا م ن األحي ان ك ان يق ف ف ي صف سلوان ضد زوجته لعلمه من موقفھا المبالغ بھ ا وال ذي ل م يتغي ر أمام سلوان مع السنين. وقف دميترس عند سرير ميليندا ونظر تج اه س رير الطفل ة المج اور من جھة اليسار وقال" :ھل حفيدتي في ھذا السرير يا ميليندا؟" "نعم يا والدي ...ھل تريد أن ترى حفيدتك؟ إنھ ا ت شبه ج دھا تمام ا ً" قال
ت ميلين
دا بابت
سامة عري
ضة وس
عادة تعب
ر بھ
ا ع
ن حبھ
ا الكبي
ر لوالدھا. "ال تبالغي حبيبتي إنھ ا ص غيرة وال ي رى بھ ا س وى وجھھ ا الجمي ل البريء" وفي األثناء كان دميترس يقف أمام سرير فاتن يتأملھا بفرح ة كبي رة تظھر من بين وجنتيه. ٣٩٥
كانت فاتن راقدة على جنبھا األيمن وضامة س اقيھا ال صغيرين إليھ ا ويديھا على صدرھا ببراءة تثير المشاعر حتى أن دميترس بكى. انحنى إليھا وقبلھا قبلة خفيفة من دون أن يوقظھا من نومھ ا ووض ع إصبعه العريض على خدھا حتى بدا أكبر من وجھھ ا ال سكري األحم ر الجميل. في األثناء كانت ميلوذيا تقف أمام الطفلة تتأملھا ويراودھا ش عور ال طفلت ك ي ا تحتمله إليقاظھا ،ودون أن تنظر لميلين دا قال ت" :مت ى نام ت ِ ميليندا؟" أرجوك ،فأنا أريد أن أنام بعض الشيء" "دعيھا نائمة يا أمي... ِ ً دائما؟ أنا لم أفعل شيء" "لماذا تخاطبينني يا ميليندا بلھجة ھجومية سك ك بق
رارة نف ِ ك بھجومي ة ي
ا أم
ي ،إنم
ا أع
رف أن ِ "أن
ا ال أخاطب ِ داخل ك، عيني ك ورغب ة ف ي شوقك ولمع ان تودين إيقاظ فاتن ،فأنا أرى ِ ِ ِ وھذا شيء جميل يسعدني إال أنن ي مرھق ة وال أع رف إذا كان ت إح دى الممرضات مستعدة أن تأخذ فاتن إذا بكت" ت دائم
ا ً ي
ا ميلين
دا، ك أن
ي أري
د أن أوقظھ
ا؟ ھك
ذا أن ِ "وم
ن ق
ال ل ِ من
ك وت
سعدين بك
ل كلم
ة دميت
رس يحم
ل ت
صريح وتف
ويض كام
ل ِ أمك ،ماذا أفعل حتى تب ادلينني نف س وحركة منه ،وأما أنا وكأنني لست ِ والدك؟" كانت تتكلم بلھجة حادة كعادتھا. المشاعر التي تبادلينھا ِ بينك وبين أبي ھو أن وال دي "ھذا ليس صحيح يا أمي ،ولكن الفرق ِ يحبني كما أنا بثيابي التي تعتبريھا طرازاً ق ديما ً وتع املي م ع اآلخ رين ٣٩٦
ت تق
ولين أن فتي
ات ال
ذي ترين
ه ال يناس
ب عم
ري ول
يس ح
ضاريا ً ،أن ِ اليوم يرتدين الروك القصير ويدّخن السجائر ،وأنا ألبس البنطال وأكره الثي
اب الق
صيرة ،أس
امر م
ن أرى ب
ه موض
وعية وص
راحة وأت
رك أصحاب المجامالت الكاذبة ،أبي يا أمي يحبني كما أنا ،ھك ذا ،ويحت رم مشاعري واتجاھ اتي ف ي الحي اة وال يح اول إجب اري ف ي التعام ل عل ى نفس مبدئه ،فھو يؤمن بأننا شخصين أثنين وكل منا له شخصية مستقلة أنك تحبينني تماما ً مثل أبي، عن اآلخر ويحترم ھذا ويقدره ،أنا أعرف ِ ك تري
دين أن تجعل
ي م
ن ميلين
دا ك تمام
ا ً مثل ه أي
ضا ً ،إال أن ِ وأن
ا أحب ِ فأرجوك حبيني كم ا لك يا أمي، ِ ميلوذيا وھذا الذي ال أريده ولن يتسنى ِ أنا ،خذيني من دون شروط وقي ود ،اعترف ي بشخ صي كم ا أن ا دون أن تقبلي مني جانب وترفضي آخر ،أنا أصبحت اآلن أم ا ً ي ا أم ي ،أم ا آن في المرأة األم؟" لك أن تري ّ ِ أعطي ك كالمك منطق ي وجمي ل أي ضا ً ،وق د ال أس تطيع أن "قد يكون ِ ِ وال دك ،إال أن ي أع ي تمام ا ً مثلك ومثل جوابا ً مقنعا ً ،فأنا ال أجيد الكالم ِ ِ أنت أصبحت اآلن أما ً فأنت إبنتي وليس لي في الدنيا لك، غيركِ ، ِ ِ حبي ِ ك وتفھمينن
ي ،أن
ا ال ك تحت
اجين ل
زمن حت
ى تكب
ر ابنت ِ ولكن
ي أعتق
د أن ِ أن ت م شروعي ف ي الحي اة بك ابنتي فقط وال شيء غير ذلك ،إنما ِ أرى ِ فشلت فشلت أنا وإن وصلتي لألفاق فھو نجاحي ،طال ب العل م كلھا ،إن ِ يسعى ويبحث وينقب ،فالعلم والدراسة والتحري ھ م ال شيء الكبي ر ف ي حياته ،والراھب في صومعته يتعبد لربه ويصلي ،يسمع ش كوى الن اس وال يبكي ،يختزن مشاعره ويبقيھا دفينة ،فھذا الشيء الثمين في حياته، أن ت أنت مشروعي في الحي اة وكني ستيِ ، أنت علمي وبحثي ورسالتيِ ، ِ ٣٩٧
ت ت غ
ضبي وفرح
ي ،أن ِ ت ص
التي ودي
ري ،أن ِ إنجيل
ي وقدس
يتي ،أن ِ ت قلب
ي وش
راييني ت الحي
اة كلھ
ا ،أن ِ ست ج
زء من
ي فح
سب ،ب
ل أن ِ ل ِ ودمي الذي ش اءت األق دار أن ينف صل عن ي ،فھ ل تعتق دين أن أح شائي رف ضت ،ل ن أش رب ال سم أنت ولو ِ أمك ،أنا ِ لھا الحق أن تناقضني؟ أنا ِ ئت ت من
ي ،أغ
ضبي إن ش ِ ول
ن أس
مح أن ٌأعط
اه فأن
ا أح
ب الحي
اة وأن ِ في" علي ،اصرخي وارفضي فھذا ال ولن يغير ما ّ واسخطي ّ
دي ميلين
دا فاكھ
ة وع
صائر ،ك
اكي وبرتق
ال وكي
وي، أح
ضر وال ّ وعصير كوكتيل متنوع يحوي فيتامينات كثيرة. أخرج دميترس زجاج ات الع صائر الثالث ة والفاكھ ة ووض عھا عل ى المن
ضدة م
ن جھ
ة اليم
ين" :لق
د أح
ضرنا ث الث أن
واع م
ن ع
صائر الكوكتيل يا ميليندا من التي تحبينھا" تحركت ميليندا تجاه المنضدة تريد أن تأخذ بعضا ً من الع صير ال ذي أح
ضروه ،وق
ف دميت
رس ووض
ع ي
ده عل
ى كت
ف ميلين
دا وق
ال" :أن
ا سأعطيك حبيبتي" ِ وق ف وم
أل الك
وب الزج
اجي م
ن ع
صير الكوكتي
ل وأراد أن ي
سقي ميليندا بيده. "أنا سأشرب وحدي يا والدي"... وابتسمت ميليندا ابتسامة خفيفة وقالت" :أنا أستطيع أن أساعد نفسي" "طبع
ا ً ي
ا حبيبت
ي ...وھ
ل ھ
ذا ال يعطين
ي الح
ق أن أس
عد وأس
قي أميرتي بيدي؟" ٣٩٨
"بلى يا حبيبي ،لو تعلم يا أبي كم أنا سعيد بوجودكم معي"
٣٩٩
فصل
ألني عربي
نسى سلوان نفسه كعادته عندما بدأ الحديث عن ميليندا. "ھل كانت ھذه القضية فقط السبب في انفصالكما؟ وما عالقة والدتك وابنت ك ف ي س لبيتك الت
ي كم ا أرى أث رت عل
ى ج سدك فيزيائي ا ً وص
ار ً عضويا؟" أرقك الروحي انتبه اآلخ ر ف ي األثن اء ل ساعة الح ائط وكان ت ق د دخل ت الثاني ة بع د منتصف الليل. "لقد تأخر الوقت ويجب أن أذھب إلى البيت" كان متكئا ً مكانه وقمي صه مفت وح ك ل أزراره إل ى األخي ر ،وص دره عين ي دوروم اري نظ رات الشعوري كان في أكثر م ن حين ه ين ال م ن ّ تشدھا إليه ويمنعھا حيائھا ووضعه الصحي المنھك. "ألم تقل لي أنك لست متزوج؟ أم أن ھناك صديقة تنتظرك؟" "ال "...وتذكر حينھ ا غرات سيا" :ل يس ھن اك م ن يربطن ي ب ه عالق ة حتى أخرج من بيتك في مثل ھذه الساعة ألجله ،إنما"... كان خجالً من البقاء ھناك فھو لم يتيقن من رغب ة األخ رى الجامح ة به ،ھذا ألنه ال يعطي نفسه وال لھا فرصة من كثرة الحديث عن ميليندا وماضيه وعراكاته. "إذا أنك لست ملتزما ً مع شخص معين ،فسيسعدني بقائ ك ھ ذه الليل ة عندي"
٤٠٠
وبدا عليھا الح شمة رغ م جرأتھ ا وأح س اآلخ ر بأنھ ا تري د أن يبق ى عندھا دون أن يبحث عن سبب أو آخر. "ھل اعتقدت لحظة أني ال أريد المكوث عن دك ألنن ي ملل ت الح ديث معك؟" س
كتت قل
يالً محت
ارة كي
ف ت
رد علي
ه بطريق
ة ال يظھ
ر كثي
راً حبھ
ا لوجوده معھا" :في الحقيقة أن ي ل م أفك ر كثي راً ،إنم ا خجل ت أن أترك ك في مثل ھذه الساعة أن تخرج وحدك" ابتسم اآلخر فھو لماح وفھم أنھا تريده رغم تغير عبارتھا األخيرة. "ھذا يعني أني اآلن لو اتصلت مع صديقي وقلت له أن يأخ ذني إل ى البيت ستشعرين بارتياح ألنك تخلصت من عبئ ثقيل؟" ارتفع صوتھا قليالً الذي كاد أن يكون غير مسموع" :أنا لم أقل ھذا، ھذا زعمك أنت "...وضحكت وعلى وجھھا احمراره. كانت تجلس دوروماري على الجھة اليمنى من األريكة تقابل التلف از وھو إلى جانبھا يبعدھا مسافة شخص جالس بينھم. "ھ
ل تعل
م ك
م س
عدت الي
وم عن
دما أفق
ت وح
دثتني ورأس
ك عل
ى فخذي؟" "حقا ً...؟" "نعم ،في لحظة ذھب الخوف من ي علي ك أن ت الغري ب قب ل س اعات وقريب كثيراً اآلن"
٤٠١
"أي رج
ل ف
ي ال
دنيا ال ُي سعد ام
رأة مثل
ك ال ي
ستحق الحي
اة ...وأن
ا أمليت عليك سعادة لم تستمر أكثر من دقائق" وان حت
ى واقت
رب منھ
ا وألق
ى رأس
ه عل
ى فخ
ذھا ول
م يبق
ى غي
ر ث ٍ نھض مرة أخرى وسألھا بطريقة ضاحكة" :أم أني تجاوزت حدي؟" "ال على اإلطالق" ردت عليه بموضوعية خجلة فضحت شھوتھا. ع
اد ووض
ع رأس
ه عل
ى فخ
ذھا وكان
ت تل بس بنطالھ
ا ال
ضيق الت
ي كانت ترتديه خالل النھار. رفعت يديھا فوق رأسه وأخ رى ف وق ص دره مرتبك ة ال تع رف أي ن تضع يديھا ،على قدميھا أم يمناھا على رأسه واألخرى على صدره. أخيراً نزلت براحة يدھا على رأسه واألخرى وضعتھا على فخ ذھا، وشيئا ً فشيئا ً صارت أصابعھا تتخلل شعره القصير الذي ال يكاد تج اوز أناملھا. كان يحس اآلخر برعشة جسدھا ولم يختلف الحال عنده عنھا كثيراً. كان مستلقي على يمين ه ويب دو عل ى كالھم ا م شاھد التلف از لك ن ف ي الحقيقة كانت أعينھم تلم ع وال ت رى غي ر م ا يخف ق ب ه القل ب وي صرخ صامتا ً إلى سكون تحرر السنتھما و شھوتھم المترددة الخائفة العطشى. أمسك بشمالھا وأحس بنبض وريدھا المتزايد ووضعھا على صدره، لم تحرك ساكنا ً وأبقت يدھا حيث وضعھا.
٤٠٢
أمسكھا مرة أخرى وحركھا تحت عنق ه بقلي ل وق ال" :ھن ا جمي ل أن أحس بيدك تالمسني" حركت رؤوس أناملھا ببطيء ورجفتھا تالمسه أكثر من تحسيسھا. أم
سك ي
دھا م
رة أخ
رى وقبلھ
ا قبل
ة ناعم
ة ووض
عھا م
رة أخ
رى مكانھا على ص دره وحركھ ا علي ه كل ه وق ال لھ ا" :أال ت شاركيني نف س اإلحساس؟" "بلى "...كأنھا لم تتوقع أن يتكلم أحدھما. "إذن ال تقتل
ي جرأت
ك وال تخنق
ي ش
ھوتك وال تمارس
ي عل
ى نف
سك ضغوط أكثر من التي تمارسھا عليك الحياة وروتين اليوم" "أنت محق ...لكن ي" تلبك ت" :أن ا رأيت ك للم رة الثاني ة ،م اذا س تقول عني؟ سطحية وال توفر فرصة حتى تذوب بين أحضان الرجال؟" "س
أقول عن
ك رقيق
ة وقوي
ة عرف
ت م
اذا تري
د ف
ي وق
ت ال يع
رف السواد األعظم ماذا يريد ،سأقول أنيقة رقيق ة فھم ت نف سھا وعرف ت أن الحي
اة مث
ل ي
وم طوي
ل ،س
أقول أن ھ
ذه الم
رأة فھم
ت ج
سدھا وأحب
ت روحھا ولم تضطھد ذاتھا وال نشوتھا كاضطھاد ساستنا لنا" "كالمك جميل ويحسسني بارتياح أكثر ويزيل الخوف عني أكثر" ولم الخوف؟ وھل أنا وحش سيفترسك؟" " َ واستدار بوجھه على فخ ذھا وع ضھا م ن غي ر أن يؤذيھ ا" :س أآكلك اآلن"
٤٠٣
ضحكت وأبعدت رجلھا قليالً تبادله المزاح وبنفس الوقت شدت شعر صدره وقالت" :وأنا سأسلخ عنك جلدك" "لقد اخترت الطريقة الخاطئة ،أن ا أح ب أن ت شدي ش عري ويعجبن ي أن يؤلمني قليالً" شدت أكثر وقال ت" :وھ ل ھ ذا ممتع ا ً؟ أم ب دأ أل م المتع ة يتح ول إل ى عقاب؟" "عاقبيني أكثر ،ليس ھناك أجمل من يديك وھي تصطنع القسوة وأنا من له الفخر أن يؤنب" أم سك ي دھا وقبلھ ا م
رة أخ رى لك ن ھ ذه الم
رة عل ى راحتھ ا وب
دت ال
شھوة بج
الء علي
ه ول
م تع
د تحتم
ل األخ
رى وبادلت
ه القبل
ة عل
ى ي
ده األخرى حتى استدار إليھا وأمعن النظر بعينھا وھي ال تجرأ اإلطالة. وضع كلتا يديه بين شعرھا وتحت أذنھ ا وقري ب م ن خ دھا واقت رب من وجھھا وصار يالم س خ ده خ دھا وت ارة يقبلھ ا قبل ة تك اد أن تك ون ھمس حتى تصاعدت أنفاسھا وأحس بأنھا لم تعد تحتمل ضغوطھا على نفسھا بحجة الغريب أو اللقاء الثاني الكالسيكي. تب
ادال الح
ب ألول م
رة عل
ى أريكتھ
ا ذات المقاع
د الثالث
ة ول
م ي
رد أحدھم النھوض من مكانه اللتصاقھما الحميم وبقيا حتى الصباح. لم ينم أحدھم حقيقة لضيق األريكة ونشوة المرة األولى. وأول م
ا طلع
ت ال
شمس قام
ت ھ
ي قبل
ه ودخل
ت إل
ى الحم
ام واستحمت. ٤٠٤
خرجت تلبس روبا ً أسود طويل مربوط على خصرھا يكشف ساقيھا وكثير من صدرھا. "ھل تريد أن تستحم؟" ولم ال؟" " َ لق د وض
عت ل
ك الف
وط عل ى الغ
سالة ،إذا أردت أدخ
ل وس
أكون ف
ي األثناء قد جھزت القھوة" "فكرة جيدة" وقف وعانقھا قليالً وفرحت كثيراً بمالمسته إياھا كأنھا ل م تتج رأ أن تضمه خوفا ً أن يصدھا ،فعانقته ھي األخرى بقوة. حمل سلوان جمي ع ثياب ه ودخ ل حت ى ال يخ رج عاري ا ً .م ا كان ت إال دقائق قليلة حتى أتم غسله وخرج وھو يلبس كما كان البارحة. "ھ
ل تن
وي الخ
روج؟" قال
ت ل
ه األخ
رى وھ
ي تل
بس ثوبھ
ا األس
ود الطويل وتكاد أن تكون عارية بداخله" :أنت في ھذه الحالة تجبرن ي أن أرتدي ثيابي" "لماذا؟ لو كان عندي أشيائي الرتديت الداخلية منھا فق ط ،ولك ن ف ي المرة القادمة .ھل تعلمين أنك أحسستني بخجل؟" كانت تكلمه وھي في المطبخ وھو من دون ب اب ومط ل عل ى غرف ة الجلوس أثناء تحضريھا القھوة. "كيف تشرب قھوتك؟"
٤٠٥
"مثل حظي في الدنيا" "ھل تعني شقراء؟ بالحليب وحلوة بالسكر؟" "ھل تعتقدين أن نصيبي من الدنيا ھكذا؟" ولم ال؟ نحن من نقرر مصيرنا وحياتنا .أنت لم تق ل ل ي لغاي ة اآلن " َ ً مخجال؟ أعني أن نمارس الح ب مع ا ً م ن عن أصولك ،أليس ھذا األمر دون أن نعرف حتى أبسط األشياء عن أنفسنا ،أنت تعرف م ن أن ا وأن ا ك
ذاك .ولكن
ي أعت
رف أن ال
ذي ج
رى بينن
ا ال يتك
رر ك
ل ي
وم ،ھ
ل تبادلني الرأي؟" "نعم ،أعتقد أنك ت شابھيني ف ي النظ رة ف ي الحي اة بم ا يتعل ق ب شريك الحياة أو على األقل من تربطنا بھم عالقة أكثر من ال صداقة وأق ل م ن الحب" "أنت لم تجبني عن أصلك" "وھل يعنيك كثيراً البلد أو الدين أو حتى االنتماء؟" "أنا لم أفكر كثيراً ،إنما يسعدني أن أعرف عن الرجل ال ذي وص لت معه لمرحلة أن يرقد بجانبي وأكثر ...أقلھا بلده أو اسمه الحقيقي" "أنا لم أكذب عليك عن اس مي وال ب شيء آخ ر ،أم ا بل دي فأن ا ل ست فخوراً كثيراً به ،ھل يكفي أن أقول لك أني عربي؟" جلست حول منضدة في جانب الحجرة معتادة ھي على شرب القھوة وتناول وجبات الطعام عليھا.
٤٠٦
واآلخر كان جلس دون سؤالھا وكأن الفطرة ھي التي دعته لذلك. وضعت كوب قھوة كبير أمامه وآخر لھا. "كل ھذا؟ متى سأشربه كله؟" "ال تبالغ ،أنه أكبر بقليل من األكواب التي في المقاھي .ھ ل تعل م أن نصفي اآلخر عربي؟" فتح سلوان فاه" :أنت تمزحين ،بحق Sأن تقولي الصحيح" "وح
ق ال
رب أن أب
ي عرب
ي ولك
ن ال أري
د اآلن أن أتح
دث بھ
ذا الموضوع ألنه يؤلمني كثيراً" أحب أن يسألھا عن البلد الذي ينتمي له نصفھا اآلخر غير أنه لم يرد أن يثقل عليھا ألنه أحس بعدم الرغبة الحقيقة التي بدت عليھا. تبادال الحديث طيلة الصبيحة وعندما أراد أن يخرج سألته عن س بب االنفصال ونظرته المحبطة في الحياة ،كأنھا لم ترد أن يخرج من بيتھا وقد كانت سعيدة بوجوده ولم يخفى عليه ذلك. دي ميلين
دا وعل
ى م
ضض عل
ى "لق
د عانين
ا كثي
راً حت
ى واف
ق وال ّ زواجنا إال أن المشاكل بدأت بعد أقل من عام بيننا" "دائما ً في بداية الحياة الزوجية تكون خالفات لك ن م ن ع دم الحكم ة أن يستسلم المرء لھا" "لم تكن ھذه النوعية من المشاكل التي سببت في التالي الطالق ،إنما بقى والديھا يخوفإنھا من م ستقبلھا مع ي وخاص ة بع دما أنجب ت ،ك وني
٤٠٧
عربي ،وكانا دائما يرددان أنه سيأتي يوم ويجبرك على دينه وسترتدي الحجاب وأشياء أنا نف سي ل ست مقتنع ا ً بھ ا .أم ا القاص مة الت ي ح سمت عالقتھا فكانت بعد أن انتسبت زوجتي لطائفة والدھا أحد النشطين بھا، وبدأت الفجوة من ذلك الحين تكبر بيننا حتى أنه بعد مضي ستة ش ھور من تاريخ انتسابھا أصبحنا مثل الغرباء ،كنت أحاول إنقاذ الحب الكبير بكل الوسائل والسبل حتى أني تعمدت في الكنيسة وغيرت اسمي لكن ي كنت مثل من يواسي نفسه بظله ،كنت أنا من ق دم ك ل التن ازالت وك ان ردھا علي دائما ً أنھا تحدت أھلھا جميعا ً وتزوجتن ي وھ ذا ال شيء ال ذي كان يجبرني لتقديم كل الخطوات م ن دون أن تتق دم ھ ي خط وة واح دة حتى تعود حياتنا كما كانت ،ناھيك ع ن الف روق االجتماعي ة الت ي ب دت تظھر بجالء بيننا" "ماذا تعني بالفروق االجتماعية؟ وھل ھي من طبقة برجوازية؟" "ل
يس بال
ضبط ،لكنھ
ا م
ن عائل
ة غني
ة وأن
ا نقي
ضھا ،ھ
م م
ن طبق
ة مثقف
ة متعلم
ة وأن
ا ...ل
م أك
ن بم
ستواھا بك
ل ال
صور ،خاص
ة بع
د أن صرت أسمع الك الم بطري ق مباش ر أو غي ر مباش ر م ن محيطھ ا ال ذي توسع فيما بعد ولم يقتصر على أصدقاء يبادلوھا فكرھا الماسوني كأني نخب ثاني ،ولم أع د أحتم ل ،حت ى أن وف اة ابنت ي كان ت الخ يط األخي ر ال ذي ف صلنا إل ى األب
د ،وأح ست بالراح ة عن
دما احترم ت قرارھ ا ب
أن أك
ون ماض
ي ف
ي حياتھ
ا .ك
ل الع
الم ھ
دم أم
امي مث
ل النھاي
ة ،أم
ي تزوجت من رجل تحبه وھو يطمع ببيت والدي ويھزأ بھ ا ول م تكت رث لرأي .في عام واحد دمرت حي اتي ،أم ي تزوج ت بع د وف اة ابنت ي مرة ّ بشھرين وزوجتي التي أحببتھ ا وكان ت تحبن ي ،تركتن ي بع دما خ سرت ٤٠٨
وظيفتي كشرطي وص رت أعم ل ف ي ش ركات أم ن برات ب ال يكف ي أن تشتري به حقيبة لھا ،تعاملت مع تجار المخدرات وأنا أعمل في الخفاء معھم وتعاطيتھا في وقت لم أجد صديق غير صديق من المھربين الذي وكل
ت أن أق
بض علي
ه متلب
سا ً حت
ى ق
بض عل
ي أن
ا متلب
سا ً وط
ردت، خسرت عملي وماتت ابنتي وطرتني زوجت ي وتزوج ت أم ي .ل م يبق ى ل
ي ش
يء ف
ي ال
دنيا أخ
اف علي
ه ،ل
و تع
رف كي
ف مات
ت ابنت
ي ف
ي حضني!" وصار يبك ي ل م يحتم ل أن ي تحكم بنف سه ،أم سكت يدي ه دوروم اري وصارت تواسيه وال تعرف كيف تھدئ من روعه. "لو تعرف كيف ماتت فاتن!" "أرجوك يا سلوان أن تھدأ وال تتحدث عن أي شيء يذكرك بھا" "ال بالعكس ،أنا أريد أن أتحدث عنھا ،أنا مخن وق ل م أتكل م م ع أح داً عن معاناتي بفقدانھا وھذا يؤرقني ،أنا مازلت لم أستوعب موتھا" "أنا سأسمعك إذا كان ھذا الشيء يريحك يا سلوان" كان ينحب وھو مصر على أن يجعلھا ماض ي ويحت رم الق در ويق در أنھا صارت في عالم آخر. "ف
ي م
ساء ي
وم خريف
ي كان
ت ترق
د ف
اتن بريئ
ة ف
ي س
ريرھا وأن
ا ووالدتھا كال في حجرة منفصلة من كثرة الخالف ات الت ي تك اثرت بم دة قصيرة حتى أصبحت الحياة صعبة ،وسببھا األول والرئيس ألن ي قل ت لھ
ا أن
ي أري
د أن أتعل
م ال
صالة ...وإذا ب
صوت غري
ب مث
ل ال
شخير ٤٠٩
يصدر من فاتن ف ركض كلين ا إليھ ا وإذا بھ ا مت شنجة وزب د يخ رج م ن فمھا ولم نعرف كيف نتصرف وحضنتھا أمھا وص رنا نبك ي م دة أكث ر من ثالثة دقائق في الوقت الذي ھاتفت ب ه الطبي ب ،بع د م ضي ال دقائق الثالثة ھدأ كالنا ،كنا مفجعين من الحالة التي أص ابتھا .ح ضر الطبي ب ووص
فنا ل
ه الحال
ة حت
ى ق
ال أن
ه م
ن الممك
ن أن يك
ون عن
دھا ص
رع وسأل ميليندا وس ألني إذا ك ان م ن أس رنا أح داً م صاب ب ذات الم رض. ھ
ززت رأس
ي عن
دما س معت تشخي
صه رغ
م إب
داءه ع
دم اليق
ين .بع
د خروجه رفعت سماعة الھاتف وسألت أمي" :أمي ھل أح داً م ن أس رتنا كان يعاني من الصرع؟" فتعجبت من سؤالي وقالت :لماذا تسأل يا ولدي؟" فقل
ت لھ
ا وأن
ا أرج
ف م
ن الع
صبية" :أم
ي أرج
وك ،ق
ول ل
ي ،ھ
ل ھناك من األسرة من عنده الصرع؟" فقالت" :أبوك يا سلوان ،أبوك كان يع اني ط وال حيات ه م ن ال صرع الكبير ،ولكن لماذا تسأل؟" "لماذا لم تق ول ل ي م رة؟ ف اتن مري ضة ي ا أم ي والطبي ب يعتق د أنھ ا مصابة بالصرع ،وق ال ل ي أن ه وراث ي أي ضا ً ول ذلك س ألتك ،أتمن ى أن تخيب ظنوننا .أمي أنا سأنھي المكالمة اآلن" بع
د أن أنھي
ت المكالم
ة ات
صلت ميلين
دا م
ع وال
ديھا وس
ألتھم نف
س السؤال وكانت ردت فعلھم رھيبة وحضروا بنفس اللحظة وتكلم والدھا مع الطبيب ذاته ونصحه بطبيب مشھور.
٤١٠
أخذنا منه عنوان مستشفى أعصاب مختص ونسق دميترس في اليوم التالي موعد لنا مع أھم طبيب فيه. وزرناه ف ي الغ داة ول م ننتظ ر كثي راً حت ى دخلن ا إل ى الطبي ب ومعن ا فاتن. "ومن ھو دميترس يا سلوان؟" "ھذا الرجل الذي أحبني مثل ولده وعندما قررنا أنا وابنته أن نتزوج كرھني كأني عدوه" "ولماذا كل ھذه الكراھية؟ ماذا فعلت ل ه حت ى يكرھ ك أو يتمن ى ل ك الشر؟" "أنا ال أدعي أنه تمنى ل ي ال شر ،إنم ا كراھيت ه ل ي كان ت لعروبت ي، فقط ألني عربي" "وماذا قال لك م الطبي ب عن دما ش خص حال ة ف اتن؟ ف اتن اس م جمي ل وبالتأكيد كانت ھي جميلة أيضا ً .كم كان عمرھا؟" "أكملت الستة اشھر وأربعة ع شر ي وم ،ي وم وفاتھ ا .ك ان فيھ ا روح مالئكية وكانت تفھم كل تصرفاتنا رغم صغر سنھا .قرأ تقرير الطبيب وسألني وميليندا عن أعراض الحال ة الت ي انتابتھ ا" :ھ ل ت ستطيعان أن تصفا لي النوبة؟" كنت أنا قبل ميليندا في الغرف ة عن دما انتابتھ ا الحال ة ورأيناھ ا كالن ا وب دأت أص ف للطبي
ب" :فق دت ال وعي ب
صفة مؤقت ة وكان ت تحركاتھ
ا ت
شنجية غي
ر إرادي
ة ،وارتعاش
ا ً ح
ول الع
ين والف
م .اس
تغرقت الم
رة ٤١١
األولى ث واني وفق دت ال وعي برھ ة وجي زة وكان ت راق دة ف ي فراش ھا، ويبدو انه لم يطرأ عليھا سوى غفل ة أو لحظ ة م ن ال شرود ال ذھني بع د النوبة ،وبعد دقائق تكررت الحالة مرة أخرى ولك ن أط ول ،دقيقت ين أو ثالث حسب التقريب" "قد تكون أربعة دقائق يا دكتور" قالت ميليندا. "أما النوبة الثانية فكانت بين دقيقتين أو أرب ع ،فق دت ال وعي وخ رج م
ن فمھ ا ھ
ذه الم
رة رغ
وة وش
دت عل
ى فمھ
ا واھت زت أطرافھ ا ف
ي عنف" قال سلوان. "ھل بدا عليھا شيء قبل النوبة الثانية؟" "ظھرت بقع أمام عينيھا" حضن الطبيب فاتن وقبلھا وقال لھا" :كيف حالك يا جميلة؟" والتفت إلى ميليندا وسألھا عن أسمھا. "اسمھا فاتن يا دكتور" "اسم جميل ،فاتن من يقول انك مريضة؟ أنت سليمة معافاة يا أميرة" وضعھا في حضن ميليندا وقال" :أعتقد ،ال بل أجزم أنھا تع اني م ن الصرع ،ولكن ليطمأن قلبي سنبقيھا في المستشفى تحت المراقب ة حت ى نستطيع قياس كھرباء الدماغ"
٤١٢
أم
سكت ميلين
دا بي
دي وھ
ي تح
ضن ف
اتن وس
ألت الطبي
ب" :م
ا ھ
و الصرع؟ أنا أعرف أشخاص يعانون من ھذا الم رض لكن ي ال أع رفھم عن كثب ،فلو حدثتنا قليالً عنه!" "طبعا ً ،سأشرح لكم عنه كي تتعلموا الطريقة التي ستتعاملون بھا مع ف
اتن .ال
صرع ھ
و اض
طراب ف
ي الجھ
از الع
صبي وھ
و واح
د م
ن مجموعة اعتالالت في أداء الدماغ ،وتتميز بصدمات مفاجئة ومتواترة، ففي الوضع الطبيعي تقوم خالي ا ال دماغ بإنت اج الطاق ة الكھربائي ة الت ي ترسل عبر الجھاز العصبي وتحرك العضالت وتتحكم باألطراف وكل الجسد ،ھذا في الحالة الطبيعية لعمل ال دماغ .لك ن إذا ف شل بعمل ه وفق د قدرته على التحكم مثل أن ي صدر ال دماغ أم ر ف ي إنت اج كمي ات كبي رة وعنيفة من الكھرباء وت وزع عل ى ك ل الخالي ا الع صبية فيفق د س يطرته في عملية توزيع الطاقة ،وتح دث لحظتھ ا تحرك ات غي ر إرادي ة ودون مراقبة الدماغ لھا وھذه الحالة ھي النوبة التي تسمى بنوبة الصرع" "وھل حالة فاتن من الحالة الب سيطة أم أنھ ا خطي رة؟ وم اذا ن ستطيع أن نفعله لھا في حالة النوبة؟" سألت الطبيب وأنا أرتعش. "في الحقيقة أن للصرع ثالث ة أن واع رئي سية أھمھ ا ال صرع الكبي ر، الصغير يسمى أيضا ً الخفيف والنوبة النفسية الحركي ة .أم ا النوب ة الت ي أص
ابت ف
اتن فأن
ا أعتق
د أنھ
ا م
ن الن
وع الخفي
ف ،لكن
ي ال أس
تطيع أن أج
زم إال إذا راقبتھ
ا شخ
صيا ً .أم
ا اإلس
عافات األولي
ة الت
ي ت
ستطيعا تقديمھا لفاتن فھي أن تبعدا عنھ ا ك ل م ا يمك ن أن ي سبب ل ه ض رراً أو أذى ،وضعا شيء مط اطي ب ين فكيھ ا أو قطع ة قم اش مطوي ة أو فل ين
٤١٣
ويج ب أن تك ون كبي رة ك ي ال تبتلعھ ا ھ ذا م شروط قب ل النوب ة أم ا إذا حصلت فال تحاوال ألنكم ستكسروا فكيھ ا وح ذار أن تفتح ا فمھ ا ب القوة ولننتظر حتى يرتخي من تلقاء نف سه وال ي دخل أح دكم يدي ه أو أص بعه ف
ي فمھ
ا لك
ي ال تع
ضھا ،وإي
اكم أن ت
ضعا س
ائل ف
ي فمھ
ا ف
ي حال
ة التشنج ،وبإمكانكما فك ما حول رقبتھا وصدرھا وبطنھا حت ى ال تعي ق حرك
ة الت
نفس .وبإمكانكم
ا م
سح لعابھ
ا ك
ي ال يت
سرب إل
ى الم
سالك الھوائية ويزيد في عسر التنفس ،وتركھا نائم ة حت ى ت ستيقظ م ن تلق اء نفسھا ،ومھم جداً أن ال تغيبا عنھا لحظة واحدة" كوبي دوروماري وسلوان قد فرغا في األثن اء ،دخل ت األخ رى كان ّ المطبخ وأحضرت القھوة مرة أخرى وقالت لسلوان" :لكن ما ھو سبب وفاتھا؟ مرض الصرع ليس شيء صعبا ً في الوقت الحالي ألنه ينضبط بالعالج" "أنت محقة يا دوروماري لكن في حالة فاتن كان سبب موتھا" "ولكن كيف؟" "بقينا نراجع المستشفى المختص وكثير من األطباء حتى صرفوا لھا دواء معين وواظبنا عليه وكان وضعھا الصحي عل ى م ا ي رام غي ر أن نوبات الليل لم تكن تنتھي .فكانت تنتابھا في كل ليلة نوبة وأحيانا ً طوال اللي
ل .كان
ت تع
صر قلب
ي حزن
ا ً عن
دما ت
صرع حت
ى ش
اءت األق
دار وكانت نوبتھا األخيرة ھي التي أخذتھا منا وأخذت كل جميل في حياتي معھا" "أنا ال أستطيع تصور كيف يموت اإلنسان بنوبة صرع!" ٤١٤
"أحد الليالي مثل كثير من اللي الي انتابتھ ا نوب ات غي ر أن تل ك الليل ة استمرت أكثر م ن س بعة دق ائق ول م نع رف كي ف نفع ل ،طلبن ا الطبي ب المن
اوب إال أن
ه ح
ضر مت
أخر فق
د ابتلع ت ل
سانھا ول
م ت
ستطع الت
نفس وماتت ...م ات ك ل ش يء ف ي داخل ي ،م ت أن ا وقلب ي ،م ا أن ا إال ج سد ھامد من حينھا ،أنا ال أريد العيش أكث ر ،أتمن ى الم وت ف ي الي وم أكث ر من عدد ساعاته" اقتربت منه وھو يبكي نحيبا ً وال يھدأ. "اھدأ يا سلوان ،كل شيء سيكون على ما ي رام ،أن ا س أكون بجانب ك ولكن ال تفقد األمل في الحياة" "أنا فقدت كل شيء يا دوروماري ،أمي ،زوجتي ،ابنت ي ووظيفت ي، ك
ل ش
يء ،لق
د فق
دت ك
ل ال
دوافع والح
وافز للحي
اة .ھ
ل تعلم
ين كي
ف كانت بداية االنشقاق في عالقتنا؟ إنھا سخيفة جداً .عن دما قل ت لھ ا أن ي أريد تعلم الصالة وأذھب إلى المسجد مع صديقي األلباني ،جن جنونھ ا وبقيت تبكي في ذلك اليوم وبقيت أكثر من أسبوع ال تبادلني كلمة غي ر الكلم
ة الوحي
دة الت
ي كان
ت ترددھ
ا ف
ي الي
وم أل
ف م
رة فتق
ول" :أن
ت مخادع ،أبي كان عنده ح ق عن دما ق ال أن ك خلي ة نائم ة ،أن ا عرفت ك ال تب
ت للع
رب والم
سلمين ب
صلة وعن
دما تزوجن
ا تري
د أن ت
ذھب إل
ى المسجد وتتعلم ال صالة .كرھ ت ال صالة ودين ي وعرق ي وك ل ش ي ،م ا كانت إال فكرة حتى تأصل الخوف في قلبھا وھز حبنا الكبير ودمر ك ل شيء .لكم عانت ھي حتى تزوجن ا ورغم ا ً ع ن عائلتھ ا وباع ت حياتن ا في لحظة فكرت فقط أن أتعرف على ديني"
٤١٥
لم تتصور دوروماري أن يكون ال صباح مفعم ا ً ب األحزان ،فق د ك ان لھا تخطيط آخر مع سلوان ال عالقة ل ه بالم شاكل األس رية ال م ن بعي د وال من قريب. بدا على اآلخر االرتباك وص ار يلع ب بأص ابعه ويح رك ب ساقيه وال يرفع برأسه من على المنضدة الزجاجية الشفافة. "م
اذا ب
ك ي
ا س
لوان؟ لم
اذا ال تھ
دأ؟ يج
ب علي
ك أن تب
دأ م
ن جدي
د وتنسى الماضي وكل أشخاصه ...جمليه ورديئه" "أنا سأخرج ،ال تغضبي مني يا دوروماري" "مازال باكراً ،إلى أي ن ت ذھب اآلن ،يع ز عل ي أن تخ رج وأن ت ف ي ھذه الحالة" "ال يھم" وأقب
ل عليھ
ا وقب
ل رأس
ھا ورفع
ه وھ
ي جال
سه وقب
ل ش
فتيھا وق
ال: "متى ستكونين في البيت اليوم" "سأبقى في البيت ،لن أخرج إلى الدوام ،فقط سأح ضر بع ض أش ياء للبيت ،أنا أتسوق في األسبوع مرة ،إذا أحببت فلنذھب سويا ً" "إذا أنت في المساء في البيت سأزورك ...إذا سمحت لي طبعا ً!" "فألفك
ر ...آه ...سأس
مح ل
ك ،أن
ا س
عيدة كثي
راً بمعرفت
ك ي
ا س
لوان وأحب أن تتطور عالقتنا أكثر"
٤١٦
"وأنا أبادلك ذات الشعور وأتمنى أن أراك الي وم أي ضا ً لكن ي اآلن ال احتمل البقاء" وكان يبدو عليه القلق والھ روب أي ضا ً كعادت ه عن دما يھ يج وت زدحم أحداث الماضي في رأسه وتتشابك أمام عينيه. "إذن حتى المساء" رافقته حتى خرج من البيت وبقيت تراقبه من النافذة حتى خرج م ن الشارع. دخ
ل البن
سيون وك
ان يعل
م أن يورغ
و ھ
و الموج
ود الي
وم عل
ى االستعالمات. "صباح الخير يورغو ،كيف حالك؟" "شكراً يا س لوان أن ا جي د أتمن ى أن تك ون أن ت ك ذلك أي ضا ً ،ص باح الخير" ص عد ال درج دون أن يبادل ه نظ رة وك ان اآلخ ر يري د أن ي سأله ع
ن األوراق الالزم
ة الت
ي طلبھ
ا من
ه ،لكن
ه ف
ي اللحظ
ة األخي
رة خج
ل أن يعيده بعد أن رآه يصعد من دون أن يبدي له اھتمام مثل عادته. دخل حجرته ورمى بجسده المنھك على سريره وكان من كث رة الھ م ال
ذي ال يخف
ى عل
ى ك
ل م
ن ي
راه وھ
و قط
ب الح
اجبين ،ك
ان عالج
ه الوحيد في ھذه الحالة اللجوء إلى النوم.
٤١٧
لم يلبث دقيقة حتى غرق بالنوم ولم يصحو إال م ع غ روب ال شمس، نظر من الشباك وھو ٌ راقد في فراشه ال يكاد يفتح عينيه ،فأحس بإحباط عندما رأى الغروب واللون في الخ ارج معتم ا ً مث ل أي ام ال شتاء يرافق ه عرق يتصبب من جسده. لم يبقى طويالً حت ى غي ر ثياب ه المبتل ة وغ سل ص دره بالم اء ول بس وخرج. ك
ان يورغ
و ف
ي األس
فل ،حي
اه وأخ
ذ قھ
وة م
ن الجھ
از الكھرب
ائي وجلس واآلخر يراقبه يبحث عن أول فرص ة حت ى ي سأله ع ن األوراق المطلوبة للتسجيل .وقرر أخيراً أن يسلم األمر لغراتسيا. ً م ساء وقف سلوان بعد أن شرب القھوة مثل الماء وق ال" :أتمن ى ل ك سعيداً" "مساءك س عيداً أن ت أي ضا ً" وأردف ق ائالً" :س لوان أال تري د البق اء؟ غراتسيا ستحضر في الحال" "سأراھا فيما بعد ،شكراً لك يا يورغو" وخرج من دون تخطيط ينوي الشارع حي ث الفت اة تعم ل وت ذكر أن ه على عالقة اآلن بھا وبإمكانه أن يزورھا في بيتھ ا ،فع اد وأخ ذ االتج اه المعاكس حيث بيتھا. ل
م تك
ن بعي
دة فك
ان بيتھ
ا ب
ين المؤس
سة الت
ي ي
سكن فيھ
ا س
لوان وعملھا.
٤١٨
وقبل أن يصل إلى البيت وھو طابق أرض ي مق سم إل ى أربع ة ش قق اثنتين منھما فارغة ،تذكر أنه ل م ي سألھا ع ن اس م عائلتھ ا حت ى يع رف أي
ن يق رع الج
رس وخاط
ب نف
سه" :س
أعرف بطريق
ة او ب
أخرى وإذا استدعت الحاجة سأقرع على الجيران" نظر على لوحة األسماء م ن أعل ى إل ى أس فل ول م يك ن غي ر اس مين وواحد منھم مكتوب بخط اليد فاقترب منه قليالً حت ى ي تمكن م ن قرآت ه ولم يصدق عينيه ،إن االسم المكتوب بخط اليد كان نفس اسم عائلته ،لم يستوعب األمر ورن على االسم اآلخر حتى فتح الباب ودخل وظن أن دوروماري ھي التي فتحت له الباب. دخل الممر الموزع بين الشقق األربعة وكانت سيدة كبيرة تقف أم ام بابھا. حياھ
ا ورن عل
ى ب
اب دوروم
اري مت
سائالً ألن
ه ل
م تك
ن عل
ى ب
اب منزلھا. "أال ترى أنه من قلة األدب أن تقرع جرسي وال تعتذر؟" استدار وقال" :أنا قرعت على السيدة دوروماري" رد عليھا ولم يشعر بالذنب أو الخطأ. "أنت قرعت جرسي"... أثناء حديثھم فتحت األخرى باب منزلھا وقبل أن تحي س لوان كان ت قد فھمت أنه رن على جارتھا.
٤١٩
"اقبلي اعتذاري ...لم يقصد إزعاجك" أغلق
ت بابھ
ا الج
ارة العج
وز م
ن غي
ر أن ت
رد عل
ى األخ
رى ،لك
ن السؤال بدا يكبر اآلن عند سلوان. عانقته عندما دخل" :جميل أنك في بيتي" "وأنا سعيد ألني معك" دخل كالھما إل ى غرف ة الجل وس ول م ينتظ ر كثي راً حت ى س ألھا ع ن االسم المكتوب على الباب. "أي اسم تعني؟ أنت قرعت الجرس الخاطئ يا سلوان" "ال ،أنا أعني اسم )الرمعي( ،ھل ھنا في بيتكم شخص بھذا االسم؟" "اعتقد أنه من الطبيعي إذا كان االسم بالخارج أن يكون صاحبه أحد سكان الشقق" وضحكت ال تعني ال تھكم إنم ا حت ى ت ضفي عل ى األج واء قل يالً م ن المرح. "ھل تعرفين من ھو صاحب ھذا االسم؟" "أنت تمزح يا سلوان" "أنا أتكلم بكل جدية" "أنا صاحبة االسم يا سلوان ،كنت أعتقد أنك تعرف ھذا!"
٤٢٠
انبھ
ر س
لوان ول
م يع
رف وقتھ
ا ش
عوره ،فرح
ة أو ش
يء غري
ب ل
م يفھمه. "ھل تعلمين أن لنا نفس اسم العائلة؟" "ال أنت تمزح" وق
ف س
لوان وأخ
رج رخ
صة ال
سواقة وإذا مكت
وب عليھ
ا س
لوان الرمعي. "ل
م تق
ل ل
ي أم
ي أن أح
داً م
ن أق
ارب وال
دي ف
ي اليون
ان ،م
ن ھ
و أبوك؟" "لم أحب يوما ً أن أتحدث بھذا الموضوع لكن صدفة اليوم تحتم علينا الحديث عن جذورنا رغما ً عنا .من أين أبدأ لك يا سلوان؟" "وھل الموضوع معقداً لھذه الدرجة أو محرج؟" جلست على الكرسي المنفصل تقابله وھو على األريكة.
دا؟ حرج ً "معق ً
ا؟ ال أع
رف ،لق
د عاني
ت بطف
ولتي لفق
داني وال
دي وكانت أمي تقول انسي أن لك والد"... "ھل ھو ميت؟" "كنت أتمنى ...األمر شائك أكثر من الم وت ،أن ا ال أعرف ه ول م أراه مرة" "وھل ھناك شيء أكثر من الموت؟"
٤٢١
"نع
م .أن يك
ون ل
ك أس
رة وأب ول
م تع
رفھم م
رة ،أم
ي كان
ت تح
ب عربي وكانت بينھم عالقة حميمة وبعد أقل من ثالث ة أش ھر عل ى بداي ة عالقتھما حملت أمي ،وعندما أخبرته جن وشاط وشتمھا .أصرت أم ي عل
ى متابع
ة الحم
ل رغ
م ال
ضغوط الت
ي ك
ان يمارس
ھا ذل
ك الرج
ل عليھا"... "إنه والدك يا دوروماري" "بيولوجيا ً ولكن ليس أبي بالمعني الحقيقي ،على أيٍ ،توسلت له أمي أن يتزوجھا حت ى ال تنب ذھا أس رتھا حت ى ش ھر فق ط ك ي ال أك ون بن ت زنى ف ي أنظ ار األس رة وحت ى ال ت سبب ل ي أزم ة نف سية ف ي مكب ري، تزوجھا ذلك الرجل ستة ش ھور إال أن ه خ رج م رة ول م يع د للبي ت أب داً ومنذ ذلك الحين لم تراه أمي" تغير وجه سلوان وانفعل بقصتھا وبدا عليھا خيبة األمل كأنھ ا كان ت تتمنى أن يكون لھا أب مثل ك ل الن اس حت ى م ن غي ر أن تربطھ ا مع ه عالقة. "ومن أي بلد كان أبوك؟" "أن ه م
ن األردن ،ھ
ذا ك
ل ال
ذي أعرف ه عن
ه ،أم
ي ل
م تخبرن
ي عن
ه كثيراً وأنا فقدت الدافع مع السنين في السؤال أو البحث عنه" احمر وجه سلوان وقال لھ ا" :كن ت متوقع ا ً أن ه م ن األردن ألن ھ ذه العائلة موجودة فق ط ف ي األردن ،سأس أل أم ي وص ديق أب ي عن ه وھ و
٤٢٢
بمثاب
ة وال
د بالن
سبة ل
ي ...رغ
م أن
ي قطع
ت عالقت
ي م
ع أم
ي من
ذ االنفصال وزواجھا ،ھل تسمحي لي باستخدام الھاتف؟" "طبع
ا ً ،تف
ضل ،ولك
ن ل َ م؟ الموض
وع ل
م يع
د يھ
م كثي
راً ،ھ
و مي
ت بالنسبة لي" "األمر يھمني أنا يا دوروماري ،أريد أن أعرف من ھ ي الفت اة الت ي يربطني معھا ذات االسم ،قد نكون أقرباء" طل
ب رق
م الع
م حل
يم ،ردت بالمقاب
ل زوجت
ه" :إلين
ي ،س
لوان مع
ك على الخط ،كيف حالك؟" ھي بالمقابل" :شكراً يا ولدي ،لماذا انقطعت أخبراك عنا منذ زمن؟" "ليس اآلن مكانه حتى أشرح لك ،ھل عمي حليم في البيت؟" "ثوان يا ولدي" "س
لوان طمن
ي ع
ن أخب
ارك ي
ا ول
دي ،لق
د قلق
ت علي
ك" حي
اه الع
م حليم. "عمي أنا بخير ،أنا عندي س ؤال مھ م ،ھ ل تع رف أح داً م ن أق ارب والدي من سكان أثينا؟" سكت العم حليم لم يعرف معني سؤاله بالتحديد. "ال يا ولدي ال أعرف أقارب لوالدك على اإلطالق في اليونان" "أنا جالسا ً اآلن عند فتاة جميلة من عائلتي يا عمي" تساءل قليالً مع نفسه وسأله كم عمرھا" :دوروماري كم عمرك؟" ٤٢٣
"أن ا ال أفھ
م عالق
ة عم
ري بموض وع العائل
ة ،لك
ن ...س
أتم ال
سابعة والثالثون في الشھر القادم" "ھل سمعت يا عمي؟" صدم العم حليم بالخبر وھو مازال لم يتيقن. "اسألھا ما أس م أمھ ا ،وھ ل س كنت بيري وس قب ل أكث ر م ن ع شرون عام" "ما اسم والدتك وھل سكنتم بيريوس قبل عشرون عام؟" صارت تجيب رغم عدم فھمھا" :أمي اس مھا إالذا ورحل ت م ع أم ي من بيريوس منذ اثنتي عشر عام إلى ھنا" "ھل سمعت...؟" قبل أن يتم قال له العم حليم نعم لقد سمعت ،وسكت. "ماذا بك يا عم؟ ھل عرفتھم؟ ھل ھي م ن أس رتنا أم أن ه فق ط ت شابه أسماء؟" "ال بل ھي قريبتك يا ولدي ،ال بل أكثر من الكثير ...إنھا أختك" صعق سلوان عندما سمع الخبر" :ماذا تق ول ي ا ع م؟ ھ ذا ھ راء ،أن ا وحيد وأنت تعرف أن أمي لم تنجب غيري" "سلوان اھدأ ،إنھا أختك من أبيك" وضع سلوان سماعة الھاتف على األريك ة وفق د ص وابه وض اع ك ل الكالم من بين حناياه. ٤٢٤
"سلوان ،ما ال ذي ج رى؟ م اذا ق ال ل ك الرج ل حت ى أبكم ك؟ س لوان أجبني أرجوك" بقى اآلخر ساكتا ً مصدوما ً من الخبر ال يع رف كي ف يتعام ل ب الخبر والذي جرى. "سلوان ال تصمت أجبني ،ھل كل شيء على ما يرام؟ م اذا ق ال ل ك قريبك حتى أخرسك؟ قل لي أرجوك ،يكفيك الذي تعانيه" "قال لي أنك أختي ،وأن ذلك الرجل ھو أبي" "ماذا؟" ثوان وسقطت من طولھا واتكأت عل ى من ضدة الوس ط بقيت أقل من ٍ وبعد سكوت لم يطل غير لحظ ة أم سكت ب سماعة الھ اتف وكلم ت الع م حليم" :إنه ھراء ھذا الذي تزعم" "أنا آسف على كل السنين الت ي م ضت دون أن تع رفين أن ل ك وال د مق
يم بعي
د عن
ك ع
شرون كيل
و مت
راً وأخ
ا ً ،لكن
ي أتمن
ى أن تب
دئي م
ع أخوك سلوان بداية جديدة وتسانديه وخاصة بوضعه الحالي"... "ماذا تقول أنت يا عجوز يا خ رف؟ لق د مارس نا الج نس س ويا ً ،اآلن تفكرت أن تقول له أن له أخت؟ وأغلقت ال سماعة ورم ت بنف سھا عل ى األريكة بجانبه وانحلت بالبكاء واآلخر صمته يقتله. وق
ف واتج
ه نح
و الخ
ارج دون أن يبادلھ
ا أي كلم
ة وف
تح الب
اب وخرج.
٤٢٥
"سلوان إل ى أي ن أن ت ذاھ ب؟ س لوان إبق ى أتوس ل إلي ك؟ ال تتركن ي وحدي ،كلمني"... كأنه لم يسمع أو انه نائم مغناطي سي .اتج ه نح و ال سكن ودف ع الب اب يحي غراتسيا صعد إلى حجرته. ودون أن ّ "سلوان حبيبي؟" كلمته لكنه لم ينبس ببنت شفة. كانت وحدھا في اللوج" :سلوان إلى أين؟ لماذا ال تجبني؟" خرجت من خل ف االس تعالمات تط ارده ب سؤالتھا لك ن ال حي اة لم ن تنادي. دخل حجرته الكئيبة وحمل حقيبته وخرج .وقف عند غرات سيا وق ال لھا" :أنا ذاھب غراتسيا ،أمثالي ال يستحقون الحياة"... "ال تقل ھذا حبيبي ،ما الذي جرى؟" لكنه كان يتابع الحديث مثل الشريط المسجل متجاھالً تعليق األخرى مثل فاقد الوعي. "أنت محطة سعيدة وجميلة ف ي حي اتي ل ن أن ساھا ،أن ت ب صمة مث ل سياط األقدار علي ال تمحى" وخرج. "سلوان ،أرج وك أجبن ي ،م ا ال ذي ج رى؟ ھ ل أخط أت بحق ك؟ وإن أخطأت فسامحني واصفح عني"... كأنه ال يسمع شيء منھا ،تابع مسيره واألخرى ل م تنتھ ي م ن الن داء وعبرتھا على خدھا ال تكترث للمارة في الشارع والناظرين إليھا وھي
٤٢٦
تتوسل لرجل شكله ثمل ال يكترث لھا وال حت ى بنظ رة ،ل م يعرف وا أن ه حطام وبقايا رجل. أخذ أول سيارة أجرة وقال له" :إلى بيريوس" ق
صد بي
ت الع
م حل
يم ول
م يع
رف ھ
و نف
سه لم
اذا ل
م يخت
ر ص
ديقه األلب
اني الوحي
د ،ق
د تك
ون الفط
رة ال
سليمة؟ أو الح
س ب
الرجوع إل
ى األصل والجذور؟ قرع جرسه حت ى خرج ت زوجت ه وك ان الع م حل يم ق د أطلعھ ا عل ى المستجدات ولم تسأله نھائيا ً ،بل رحبت به ودخل بعد أن حياھا بصوت مخنوق. تلقاه اآلخر أمام حجرة مكتبه وعانق ه وانفل ت س لوان بالبك اء وارتف ع صوته حتى أن إليني صارت تبكي ويسمع بكائھا وھي في المطبخ. "عم
ي ،أن
ت وال
دي ال
ذي عرفت
ه ،أن
ا ال أذك
ر م
ن أب
ي غي
ر خي
ال واآلن نقمت عليه وعلى أمي وكل الناس ،ماذا أفع ل ي ا عم ي؟ أن ا تائ ه حائر" "ول
دي ارج
ع إل
ى ،Sإن
ك م
ا ب
دأت متاھت
ك إال لبع
دك ع
ن ال
دين بعدما عرفت الحق من الباطل ،م ا أتعب ك إال تخلي ك ع ن أص لك ورب ك الذي لم تعرفه مرة وكل اإلثم عل ى وال دتك ،كن ت تح رق قلب ي ف ي ك ل م
رة أس
مع أن
ك تخلي
ت ع
ن ش
يء م
ن ج
ذورك ت
ارة اس
مك وأخ
رى تعمدك في الكنيسة حتى ترضي زوجتك .ولدي ليس ھناك م ا ھ و أج ل وأقوى من التمسك بالدين وعروبتنا رغم ذلنا وضعفنا"
٤٢٧
"إن
ي تب
ت إل
ى Sي
ا ع
م ول
ن أرج
ع بع
د ھ
ذا الي
وم إل
ى الماض
ي، أعاھدك يا عم أني سأبقى على عھدي معك حتى الموت" فاضت عيناھما بالدموع واألخرى صار بكائھا نحيب. "ول
دي عاھ
د Sعل
ى توبت
ك وال تعاھ
دني وت
ذكر أن
ه ت
واب رح
يم ال ذين َ ْ َ بعھ د وأذكرك بقوله تعالى" وذكر له اآلية الكريمةَّ ِ " : ون ِ َ ْ ِ ي شترُ َ إن َّ ِ َ وأيمانھم َ َ ً أولـئك الَ َ َ َ خالق َلھ ُْم"... ِّ ثمنا َ ِقليالً ُ ْ َ ِ َ ْ ِ ِ َ َْ َ S جل
سا كليھم ا وص
ار يھ
دأ م
ن روع س
لوان ويق
ول ل
ه" :ق
د تك
ون العرب اليوم في ھوان وتتناب شھم ك ل ال شعوب م ن ك ل ح دب وص وب غي
ر أن لھ
م ف
ضالً ي
ا ول
دي كبي
ر عل
ى ال
دنيا وأن
ت ك
ن فخ
وراً بأن
ك ولدت عرب ي ال يون اني ،فأن ت م ن أص ل إذا س ئلوا ف إنھم يعط وا لك رم أحسابھم واستحياء بعضھم من بعض وقربة إلى ،Sونحن أعقل األم م وإن بدا لك غير ذلك ،وإن فاتك الكثير فال تترك حظك م ن المعرف ة ي ا ولدي ،اعلم أنك من قوم حكموا على غير مثال ٌ مثل لھم أو آثار شعوب تخلف
ت ،ب
ل ك
انوا أص
حاب إب
ل وغ
نم إال أنھ
م ك
انوا ي
شاركون ف
ي مي
سورھم ومع
سورھم وي
صفون ال
شيء بالعق
ل فيك
ون ق
دوة ويفعل
ون ويكون فعلھم حجة ...أدبتھم أنف سھم ورفع تھم ھممھ م ،فل م ينقط ع حب ل Sبينھم حتى تقلدوا قالئد الغرب وساروا في نھجھم فضاعوا" سجد على ركبتيه ووضع رأسه على األرض وقال" :إن ي تب ت إلي ك يا ربي بع دما عرف ت أن الف رح وال سرور ل يس جل وس عل ى س رير أو سالم على أمي ر ،وال دار واس عة وزوج ة مم شوقة ،وال قط ع الخ صوم وط
ول بق
اء م
ع ص
حة ونم
اء ،عرف
ت الي
وم أن ال
سعادة لي
ست ام
رأة ٤٢٨
بي
ضاء مدھون
ة بالطي
ب رعبوب
ة وقامتھ
ا مكروب
ة ،ل
يس ال
سر بالحي
اة خم
ر ص
افية أو ممزوج
ة ،إنم
ا إحي
اء ال
دين وإدراك الحقيق
ة وع
دم تجاھل الصغيرة والكبيرة"
٤٢٩